سرشناسه : بهبهانی، محمدعلی، 1352 -
عنوان و نام پدیدآور : عیون الانظار [کتاب]/ محمدعلی بهبهانی.
مشخصات نشر : قم: محمدعلی بهبهانی، 1437ق.= 2016م.= 1395 .
مشخصات ظاهری : 10ج.
شابک : دوره:978-600-04-3019-1 ؛ ج.1 978-600-04-3017-7: ؛ ج.2 978-600-04-3018-4: ؛ ج.3 978-600-04-5819-5 : ؛ ج.4 978-600-04-6758-6 : ؛ ج.5 978-600-04-6759-3 :
یادداشت : عربی.
یادداشت : عنوان روی جلد: عیون الانظار فی علم الاصول.
یادداشت : نمایه .
مندرجات : ج.1. مبادی علم الاصول.- ج.2. مباحث الالفاظ الاول.- ج.3. مباحث الالفاظ الثانی.- ج.4. مباحث العقلیه.
عنوان روی جلد : عیون الانظار فی علم الاصول.
موضوع : اصول فقه شیعه
موضوع : * Islamic law, Shiites -- Interpretation and construction
رده بندی کنگره : BP159/8/ب857ع9 1395
رده بندی دیویی : 297/312
شماره کتابشناسی ملی : 3846970
عیون الأنظار / الجزء الأول
- المؤلف: محمد علی البهبهانی
- شابک الجزء الأول: 7-3017-04-600-978
- شابک الدورة: 1-3019-04-600-978
- الطبعة الأولی
- سنة النشر: 1436ه- ق – 1394 ه- ش
- السعر: 30000
- عدد النسخ: 1000
ص: 1
بسم الله الرحمن الرحیم
ص: 2
عُیونُ الأنظار
(الجزء الثانی)
مباحث الألفاظ (1)
البحث الأول: الأوامر
البحث الثانی: النواهی
ص: 3
ص: 4
البحث الأوّل : « الأوامر» / 15
الفصل الأول : مادةالأمر / 17
الأمر الأول :معنی مادةالأمر. 19
البحث الأول: معنی الأمر لغةً و عرفاً 19
المحاولة الأُولی: الاشتراک اللفظی.. 21
المحاولة الثانیة: الاشتراک المعنوی.. 22
النظریة الأُولی: من العلامة القوچانی (قدس سره) 24
النظریة الثانیة: من معلّق الکفایة المحقق المشکینی (قدس سره) 25
النظریة الثالثة: من صاحب الفصول (قدس سره) 26
النظریة الرابعة: من صاحب الکفایة (قدس سره) 26
النظریة الخامسة: من المحقق البروجردی (قدس سره) 31
النظریة السادسة: من المحقق العراقی (قدس سره) 34
النظریة السابعة: من المحقق الخوئی (قدس سره) 36
النظریة الثامنة : من المحقق النائینی (قدس سره) 37
النظریة التاسعة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) 39
البحث الثانی : معنی « الأمر » اصطلاحاً 48
النظریة الأُولی: و هی مختار المشهور. 48
النظریة الثانیة: و هی المختار عندنا 50
ص: 5
البحث الثالث: الأصل العملی فی المقام. 52
نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) : 52
نظریة بعض أکابر الأساطین (دام ظله) : 52
الأمر الثانی: فی اعتبار العلو و الاستعلاء. 53
الأمر الثالث:دلالة مادة الأمر علی الوجوب... 55
النظریة الأُولی: مادة الأمرحقیقة فی الندب... 56
النظریة الثانیة: الاشتراک المعنوی بین الوجوب و الندب... 56
الوجه الأول: 57
الوجه الثانی: 57
النظریة الثالثة: وضع المادة للوجوب... 58
النظریة الرابعة: انصراف المطلق إلی الواجب... 66
النظریة الخامسة: الإطلاق بمقدمات الحکمة. 66
التقریر الأول: 67
التقریر الثانی (الأتمیة فی مرحلة التحریک للامتثال): 67
التقریر الثالث: ما عن المحقق البروجردی (قدس سره) 70
التقریر الرابع: 75
التقریر الخامس: 76
التقریر السادس: 77
التقریر السابع: و هو المختار. 78
النظریة السادسة: حکم العقل بالوجوب... 81
النظریة السابعة: السیرة العقلائیة. 85
الأمر الرابع:فی النسبة بین الأمر و الطلب... 91
القول الأول: الأمر مطلق الطلب... 91
القول الثانی: الأمر الطلب بالقول. 92
القول الثالث: إنّ مادة الأمر وضعت للطلب المنشأ 94
القول الرابع: إنّ مادة الأمر وضعت للطلب المنشأ من الغیر. 95
القول الخامس: للمحقق الإصفهانی (قدس سره) فی رسالة الطلب و الإرادة. 95
القول السادس: عینیة الطلب و الإرادة بأُسلوب آخر و هو القول المختار. 95
ص: 6
الأمر الخامس:فی تطابق معنی الطلب و الإرادة. 97
هل یتحد معنی الطلب و الإرادة؟. 97
المحاولة الأُولی: اتحاد معنی الطلب و الإرادة. 97
المحاولة الثانیة: تغایر معنی الطلب و الإرادة. 98
نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) : 98
النظریة المختارة. 98
نظریة صاحب هدایة المسترشدین (قدس سره) و المحقق النائینی (قدس سره) 99
نظریة المحقق البروجردی (قدس سره) 100
نظریة الأشاعرة. 101
التنبیه الأول: فی الإرادة التکوینیة و التشریعیة. 110
المطلب الأول فی الإرادة التکوینیة. 110
الجهة الأُولی: معنی الإرادة. 110
الجهة الثانیة: الإرادة الذاتیة و الفعلیة لله تعالی.. 115
أما الإرادة الذاتیة لله تعالی.. 115
أما الإرادة الفعلیة لله تعالی.. 120
المطلب الثانی: فی الإرادة التشریعیة. 123
التفسیر الأول: الإرادة المتعلقة بفعل الغیر. 123
التفسیر الثانی: الإرادة المتعلقة بالاعتبارات الشرعیة. 124
التنبیه الثانی: فی الأمر بین الأمرین.. 127
تقریرات أربعة لنظریة الأمر بین الأمرین: 130
التقریر الأول: ما حکی عن الحکیم المحقق الطوسی (قدس سره) 130
التقریر الثانی: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) 131
التقریر الثالث: ما أفاده العلامة المحقق الإصفهانی (قدس سره) 137
التقریر الرابع: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) 141
الفصل الثانی: صیغة الأمر / 145
الأمر الأول:معنی صیغة الأمر. 147
القول الأول: 147
القول الثانی: إنشاء الطلب... 149
القول الثالث: النسبة الإنشائیة الإیقاعیة. 150
ص: 7
القول الرابع: النسبة الإرسالیة. 151
القول الخامس: النسبة البعثیة. 152
القول السادس: إبراز اعتبار الفعل علی ذمة المکلف... 152
القول السابع: إبراز النسبة البعثیة. 154
الأمر الثانی:الجمل الخبریة فی مقام البعث... 157
الموضع الأول: معنی هذه الجمل.. 157
النظریة الأُولی: 158
النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) 158
التقریب الأول: 158
التقریب الثانی: 159
النظریة الثالثة: مختار السید المحقق الخوئی (قدس سره) 160
الموضع الثانی: دلالتها علی الوجوب... 161
الأمر الثالث:الواجب التعبدی و التوصلی... 163
مقدمة: فی بیان المعانی الأربعة للواجب التوصلی... 164
مقتضی الأصل فی الواجب التوصلی... 167
المبحث الأول: مقتضی الأصل علی المعنی الأول. 167
أما مقتضی الأصل اللفظی.. 167
القول الأول: 167
القول الثانی: 167
أما مقتضی الأصل العملی... 170
النظریة الأولی: من المشهور. 170
النظریة الثانیة: من المحقق الخوئی (قدس سره) 170
النظریة الثالثة: تفصیل السید الصدر (قدس سره) فی المقام. 171
المبحث الثانی: مقتضی الأصل علی المعنی الثانی.. 173
أما مقتضی الأصل اللفظی.. 173
القول الأول: أصالة التوصلیة. 173
القول الثانی: أصالة التعبدیة. 173
أما مقتضی الأصل العملی... 179
القول الأول: 179
القول الثانی: 179
ص: 8
المبحث الثالث: مقتضی الأصل علی المعنی الثالث... 180
القسم الأول: 180
أما مقتضی الأصل اللفظی.. 180
أما مقتضی الأصل العملی.. 181
القسم الثانی: 182
القول الأول: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) 182
القول الثانی: و هو المختار. 183
المبحث الرابع: مقتضی الأصل علی المعنی الرابع. 185
تعریف الواجب التوصلی بالمعنی الرابع. 185
التعریف الأول: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) 185
التعریف الثانی: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) 187
التعریف الثالث: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) و هو المختار. 188
مقتضی الأصل اللفظی علی المعنی الرابع. 189
المورد الأول: الإطلاق بمقدمات الحکمة. 189
الوجه الأول: قصد الأمر. 189
الجهة الأُولی: هل یمکن تقیید متعلّق الأمر ب- «قصد الأمر»؟. 190
الجهة الثانیة: علی فرض استحالة التقییدهل یستحیل الإطلاق أو لا؟. 209
الوجه الثانی و الثالث و الرابع: قصد مصلحة الفعل و حسنه و محبوبیته. 218
الوجه الخامس: قصد الجامع بین الدواعی و هو قید الانتساب إلیه تعالی.. 224
الوجه السادس: ما یلازم قصد القربة. 226
المورد الثانی: نتیجة الإطلاق.. 228
بیان إمکان أخذ قصد القربة فی المتعلق بالأمر الثانی: 228
المورد الثالث: الأصل اللفظی الخارجی.. 234
الوجه الأول: 234
الوجه الثانی: 236
الوجه الثالث: 237
مقتضی الأصل المقامی علی المعنی الرابع. 240
التقریر الأول: ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) 240
التقریر الثانی: 240
مقتضی الأصل العملی علی المعنی الرابع. 243
المسألة الأُولی: هل یجری الاستصحاب أو لا؟ 243
ص: 9
البیان الأول: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) : 243
البیان الثانی: ما أفاده بعض الأساطین.. 245
المسألة الثانیة: هل یجری الاشتغال أو البراءة؟ 246
القول الأول: جریان أصالة الاشتغال. 246
القول الثانی: جریان البراءة الشرعیة. 246
التنبیه: هل یکون هذا البحث من مباحث صیغة الأمر؟ 249
بیان المحقق الخراسانی (قدس سره) : 249
الأمر الرابع:اقتضاء إطلاق الصیغة النفسیة و التعیینیة و العینیة. 251
البحث الأول. 251
نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) : 251
البحث الثانی.. 254
الناحیة الأُولی: الوجوب النفسی و الغیری.. 254
استدل المحقق النائینی (قدس سره) علی النفسیة بوجهین: 254
الناحیة الثانیة: الوجوب التعیینی و التخییری.. 255
الناحیة الثالثة: الوجوب العینی و الکفائی.. 256
الأمر الخامس:الأمر عقیب الحظر. 259
البحث الأول: فی دلالته علی الوجوب... 259
أمّا ذکر الأقوال. 259
تحقیق المسألة. 262
البحث الثانی: مقتضی الأصل العملی... 264
بیان بعض الأساطین (دام ظله) : 264
الأمر السادس:المرة و التکرار. 265
المقدمة الأُولی: فی تفسیر المرة و التکرار. 265
المقدمة الثانیة: فی تحقیق انحلال الحکم بحسب تعدد الموضوع.. 266
البحث الأول: فی دلالة الصیغة علی المرة و التکرار. 267
أمّا الدلالة بالوضع. 267
أمّا الدلالة بالإطلاق.. 267
البحث الثانی: مقتضی الأصل العملی... 267
تنبیه: الامتثال بعد الامتثال. 268
ص: 10
النظریة الأُولی: ما اختاره صاحب الکفایة (قدس سره) من التفصیل.. 268
النظریة الثانیة: ما أفاده السید الخوئی (قدس سره) 270
الأمر السابع: الفور و التراخی.. 271
المقدمة: 271
دلالة الصیغة علی الفور أو التراخی.. 272
أمّا الدلالة بالوضع. 272
أمّا الدلالة بالإطلاق.. 272
أدلة القول بدلالة الأمر علی الفوریة. 273
الوجه الأول: الدلیل العقلی... 273
الوجه الثانی: 274
الوجه الثالث: 275
مقتضی الأصل العملی... 278
الفصل الثالث: تعلق الأمر بالطبیعة أو الفرد / 279
المقام الأول: التحقیق فی المسألة. 281
النظریة الأُولی: ما اختاره المحقق الخراسانی (قدس سره) 281
النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق النائینی و الأُستاذ العلامة الشاه آبادی.. 284
النظریة الثالثة: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) 286
النظریة الرابعة: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) 287
المقام الثانی: ثمرة هذه المسألة. 290
بیان المحقق النائینی (قدس سره) فی إثبات الثمرة: 290
بیان المحقق الخوئی (قدس سره) فی إنکار الثمرة: 296
الفصل الرابع:هل یبقی الجواز بعد نسخ الوجوب؟ / 299
تمهید. 301
المقام الأول: إمکان بقاء الجواز ثبوتاً 304
التقریر الأول: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) 304
التقریر الثانی: 305
المقام الثانی: فی مقام الإثبات... 309
ص: 11
المقام الثالث: مقتضی الأصل العملی... 312
القول الأول: جریان الاستصحاب... 312
النظریة الأُولی: ما اختاره المحقق العراقی (قدس سره) 312
النظریة الثانیة: ما أفاده السید المحقق الحکیم (قدس سره) 312
النظریة الثالثة: 313
القول الثانی: عدم جریان الاستصحاب... 313
الفصل الخامس:الواجب التخییری / 315
حقیقة الواجب التخییری.. 317
النظریة الأُولی: 317
النظریة الثانیة: 317
النظریة الثالثة: 319
النظریة الرابعة: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) 321
النظریة الخامسة: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) 328
النظریة السادسة: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) 332
النظریة السابعة: ما اختاره المحقق الإصفهانی (قدس سره) 334
النظریة الثامنة: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) 339
تنبیه: فی التخییر بین الأقل و الأکثر.. 344
بیان صاحب الکفایة (قدس سره) لإمکان التخییر بین الأقل و الأکثر: 344
الفصل السادس:الواجب الکفائی / 347
مقدمة: فی احتیاج الأمر إلی الموضوع.. 349
نظریات الأعلام فی حقیقة الواجب الکفائی.. 351
النظریة الأُولی: التکلیف متوجه إلی واحد معین عند الله. 351
النظریة الثانیة: الوجوب المشروط.. 351
النظریة الثالثة: التکلیف متوجه إلی الفرد المردد. 352
النظریة الرابعة: الوجوب علی مجموع المکلفین.. 352
النظریة الخامسة: من المحقق الخراسانی و المحقق الإصفهانی (قدس سرهما) .. 353
النظریة السادسة: موضوع التکلیف هو صرف الوجود للمکلفین.. 354
ص: 12
البیان الأول: من المحقق النائینی (قدس سره) 354
البیان الثانی: من المحقق الخوئی (قدس سره) 357
الفصل السابع:الواجب الموسع و المضیق / 361
الأمر الأول: فی تصویر الواجب الموسّع و المضیق.. 363
الأمر الثانی: تبعیة القضاء للأداء. 367
المطلب الأول: الأقوال فی المسألة. 367
المطلب الثانی: تحقیق المسألة. 369
المطلب الثالث: مقتضی الأصل العملی... 372
الوجه الأول: جریان البراءة. 372
الوجه الثانی: جریان الاستصحاب... 373
البیان الأول: إستصحاب شخص الحکم. 374
البیان الثانی: استصحاب کلی الحکم. 376
المطلب الرابع: ثمرة المسألة. 377
الأمر الثالث: جریان الاستصحاب إذا شک المکلف بعد الوقت فی إتیان المأمور به فی وقته. 378
نظریة جمع من الأعلام منهم المحقق الخوئی (قدس سره) : 378
الفصل الثامن: الأمر بالأمر بشیء / 381
البحث الأول: هل یکون الأمرُ بالأمر بشیء أمراً بذلک الشیء. 383
القول الأول: عن صاحب الکفایة (قدس سره) و بعض الأساطین: 384
القول الثانی: عن المحقق العراقی (قدس سره) و المحقق الخوئی (قدس سره) 384
البحث الثانی:شرعیة عبادات الصبی.. 387
نظریة المحقق العراقی (قدس سره) : 387
الفصل التاسع:الأمر بعد الأمر / 391
البحث الثانی: « النواهی » / 395
الفصل الأول:معنی صیغة النهی / 397
القول الأول: طلب الکف... 399
ص: 13
القول الثانی: طلب الترک.. 399
القول الثالث: الزجر. 401
القول الرابع: الکراهة. 402
القول الخامس: إبراز الأمر الاعتباری النفسانی.. 403
الفصل الثانی:توجیه اقتضاء النهی لتر ک جمیع الأفراد / 407
النظریة الأُولی: من المحقق الخراسانی (قدس سره) 409
النظریة الثانیة: ما اختاره المحقق الفشارکی و المحقق الحائری (قدس سرهما) .. 413
النظریة الثالثة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) 414
بیان المحقق الخوئی (قدس سره) فی توضیح هذه النظریة: 415
النظریة الرابعة: من المحقق الخوئی (قدس سره) 418
الفصل الثالث:سقوط النهی بالمعصیة / 423
النظریة الأُولی: من صاحب الکفایة (قدس سره) 425
النظریة الثانیة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) 426
النظریة الثالثة: من المحقق الخوئی (قدس سره) 426
فهرس العناوین تفصیلاً.. 431
ص: 14
وفیه تسعة فصول
الفصل الأول: مادة الأمر
الفصل الثانی: صیغة الأمر
الفصل الثالث : تعلق الأمر بالطبیعة أو الفرد
الفصل الرابع: هل یبقی الجواز بعد نسخ الوجوب؟
الفصل الخامس: الواجب التخییری
الفصل السادس: الواجب الکفائی
الفصل السابع: الواجب الموسع و المضیق
الفصل الثامن: الأمر بالأمر بشیء
الفصل التاسع: الأمر بعد الأمر
ص: 15
ص: 16
و فیه خمسة أُمور
الأمر الأول: معنی مادة الأمر
الأمر الثانی: فی اعتبار العلو و الاستعلاء
الأمر الثالث: دلالة مادة الأمر علی الوجوب
الأمر الرابع: فی النسبة بین الأمر و الطلب
الأمر الخامس: فی تطابق معنی الطلب و الإرادة
ص: 17
ص: 18
هنا ثلاثة أبحاث:
ذکر للفظ «الأمر» معانٍ منها الطلب و الشأن و الفعل و الفعل العجیب و الشیء و الحادثة و الغرض.((1))
و قد أورد علیها صاحب الکفایة (قدس سره) ((2)) فقال: «لایخفی أنّ عد بعضها من معانیه من اشتباه المصداق بالمفهوم ضرورة أنّ الأمر فی "جاء زید لأمر" ما استعمل فی معنی الغرض بل اللام قد دل علی الغرض نعم یکون مدخوله [أی اللام] مصداقه [أی الغرض] فافهم »((3))
ص: 19
هذه المعانی استعمل فیها الأمر و أما الموضوع له للفظ الأمر، ففیه أقوال و هنا نبحث عن محاولتین مهمّتین؛((1))
ص: 20
المحاولة الأُولی: کون اللفظ «الأمر» مشترکاً لفظیاً و المحاولة الثانیة: کونه مشترکاً معنویاً.((1))
و القول بالاشتراک اللفظی علی صورتین:
ص: 21
الصورة
الأُولی: الاشتراک اللفظی بین أکثر من معنیین((1)) و هنا نظریتان.((2))
الصورة الثانیة: الاشتراک اللفظی بین معنیین و فیها خمس نظریات کما سیأتی.
المحاولة الثانیة: الاشتراک المعنوی (3)
و فی تعیین المعنی الواحد للفظ «الأمر» نظریتان کما سیأتی.
ص: 22
ص: 23
هی أیضا للقائل بالاشتراک اللفظی بین أکثر من معنیین. ذهب (قدس سره) إلی أنّ معانیه : «الطلب» و «الفعل» و «الشیء».((1))
فیظهر بعد ملاحظة ما یأتی من مناقشة سائر النظریات.
ص: 25
((1))
((2))
قال: «کونه حقیقةً فی هذین الأمرین و إن کان مختار جملة من المحققین علی ما حُکی إلا أنّ استعمال الأمر فی الشیء مطلقاً لایخلو عن شیء إذ الشیء یطلق علی الأعیان و الأفعال مع أنّ الأمر لایحسن إطلاقه علی العین الخارجیة فلایقال: "رأیت أمراً عجیباً" إذا رأی فرساً عجیباً و لکن یحسن ذلک إذا رأی فعلاً عجیباً من الأفعال».
ص: 28
أنّ عدم تداول الاستعمال لایضر بصحته کما یقال: هذا (زید) أمر متشخص بذاته و جزئی خارجی. مضافاً إلی أن هذا المحقق (قدس سره) أعرض عن هذه المناقشة و استدرک عنها و قال بأنّ الشیء بمعناه المصدری المبنی للمفعول یطلق علی الأعیان الخارجیة أیضاً، و التزم بأن مفهوم الأمر حینئذٍ مساوق لمعنی الشیء و الشیء بهذا المعنی لم یکن فی قبال معنی الطلب.
ص: 30
قد أورد - علی أنّ معنی الأمر الطلب و الفعل((1)) - بعض أکابر الاساطین (دام ظله)
ص: 32
ص: 33
بوجوه ثلاثة:
أولاً: إنّ الأمر الجمودی أعم من
الفعل فیشمل الصفات و الأعراض کما یقال للسواد العارض للشیء أمر و للعلم الذی اتصف به العالم أمر.((1))
ثانیاً: مفهوم الفعل لایخطر فی الذهن من الأمر الجمودی و مصداق الفعل لایکون الموضوع له لأنّه یلزم حینئذٍ الوضع العام و الموضوع له الخاص.
فالمعنی الجمودی الأخص من الشیء الأعم من الفعل.
ثالثاً: ما سیأتی من المناقشة الأُولی علی النظریة السادسة مع ما یلاحظ علیها.
و هی للقائل بالإشتراک اللفظی بین معنیین أیضاً. إنّ المحقق العراقی و المحقق الصدر (قدس سرهما) و بعض الأساطین (دام ظله) ذهبوا إلی أنّهما «الطلب» و «معنی أخص من الشیء» و بعضهم قیدوا معنی الثانی و قالوا: «أخصّ من الشیء و أعم من الفعل»((2))
ص: 34
هذه النظریة متعینة لولا مناقشتان:
و هی ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) من اعتبار خصوصیة فی المعنی الأول - و هو الطّلب - و أن الأمر لایصدق علی الطلب المتعلق بفعل نفس الإنسان و هذا
ص: 35
قرینة قاطعة علی أنّها لم توضع للجامع بین ما یتعلق بفعل غیره و فعل نفسه، فالموضوع له الأول لمادة الأمر هو الطلب فی إطار خاص لا الطلب المطلق.((1))
إنّ الأمر یطلق إذا تعلق بفعل نفسه کما قال تعالی: (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَیئاً أَنْ یقُولَ لَهُ کُنْ فَیکُون) ((2)) فإن المراد من «أمره» هو قوله فی ما بعد «کن» و هو مشتمل علی الطلب الذی لایتعلّق بفعل غیره.
و هی ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) من إرجاع المعنی غیر الطلبی و هو الأخص من الشیء و الأعم من الفعل إلی المعنی الطلبی و قد نشیر إلیه.
هی للقائل بالاشتراک اللفظی بین معنیین أیضاً. إنّه (قدس سره) ذهب إلی أنّهما «إبراز الاعتبار النفسانی» و «معنی أخص من الشیء».((3))
ص: 36
قد استشکل هذه النظریة بعض أکابر الأساطین (دام ظله) ((1)) بأنّ المناط فی الاعتبار و الإبراز أن یکون المعتبر مدلولاً لللّفظ مثل البیع و النکاح اللذین هما اعتباران لللّفظ نفسانیان نبرزهما بلفظ ملکتک و أنکحتک و لکن فی ما نحن فیه المعتبر هو ثبوت الفعل و وجوبه علی الذمة و المبرز لفظ «آمرک » و معنی الأمر لیس وجوب الفعل و لا إبرازه. نعم الأمر یکون مصداقاً للإبراز کما یستفاد منه وجوب الفعل لکن البحث فی المفهوم و المعنی لا فی المصداق.
هی للقائل بالاشتراک المعنوی فی الواقعة التی لها أهمیة فی الجملة بعد قوله بالاشتراک اللفظی بینها و بین الطلب. و هی نظریة المحقق النائینی (قدس سره) ((2))
ص: 37
«و التحقیق أنّه لا إشکال فی کون الطلب المنشأ بإحدی الصیغ الموضوعة له، معنی له وأنّ استعماله فیه بلا عنایة و أما بقیة المعانی فالظاهر أنّ کلها راجعة إلی معنی واحد و هی الواقعة التی لها أهمیة فی الجملة... نعم لابدّ و أن یکون المستعمل فیه فی مادة الأمر من قبیل الأفعال و الصفات فلایطلق علی الجوامد بل یمکن أن یقال إنّ الأمر بمعنی الطلب أیضاً من مصادیق هذا المعنی الواحد فإنّه أیضاً من الأُمور التی لها أهمیة.»
لایجوز اتصافه بأنّه لیس بمهم.
إنّه إن أراد مفهوم الواقعة التی لها أهمیة فی الجملة فهو لایتبادر إلی الذهن عند استماع لفظ الأمر و إن أراد مصداق الواقعة التی لها أهمیة فیستلزم القول بأنّ الوضع فیه عام و الموضوع له خاص لأنّ المصادیق مختلفة و هذا أیضاً باطل.
إنّ الأمر یطلق علی السواد مع أنّه لاتصدق علیها واقعة لها أهمیة فی الجملة.
الإرادة البالغة إلی حد الفعلیة. و تبعه صاحب المنتقی (قدس سره) :((1))
((2)) قال عند نقد وضع مادة الأمر لمفهوم الشیء: «و لم أقف علی مورد یتعین فیه إرادة الشیء حتی مثل قوله تعالی: (أَلَا إِلَی اللَّهِ تَصِیرُ الْأُمُورُ)((3))... مع أنّه لایستقیم إرادة الشیء فی مثل أمر فلان مستقیم. نعم لو کان الشیء منحصراً مفهوماً فی المعنی المصدری لشاء یشاء - و کان إطلاقه علی الأعیان الخارجیة باعتبار أنّها مشیات وجوداتها فالمصدر مبنی للمفعول - لما کان إشکال فی مساوقته مفهوماً لمفهوم الأمر کما ربما یراه أهل المعقول؛ لکن الشیء بهذا المعنی لم یکن فی قبال الطلب حینئذ.»
ص: 40
«و الوضع بإزاء مصادیقه [أی الفعل] - من الأکل و الشرب و القیام و القعود و غیرها - بلا جهة جامعة تکون هی الموضوع لها حقیقة سخیف جداً، والجهة الجامعة بین مصادیق الفعل بما هو فعل لیس إلا حیثیة الفعلیة. فإنّ المعانی القابلة لورود النسب علیها تارة من قبیل الصفات القائمة بشیء و أخری من قبیل الأفعال. ولا فرق بینها من حیث القیام و کونها أعراضاً لما قامت به و إنّما الفرق أنّ ما کان من قبیل الأفعال قابل لتعلق الإرادة به دون ما کان من قبیل الصفات کالسواد و البیاض فی الأجسام و کالملکات و الأحوال فی النفوس.
فیرجع الأمر فی [مادة] الأمر بالأخرة إلی معنی واحد و أنّ إطلاقها علی خصوص الأفعال فی قبال الصفات و الأعیان باعتبار موردیتها لتعلق الإرادة بها بخلاف الأعیان و الصفات فإنّها لاتکون معرضاً لذلک. فالأمر یطلق بمعناه المصدری المبنی للمفعول علی الأفعال کإطلاق المطلب و المطالب علی الأفعال الواقعة فی معرض الطلب کما یقال رأیت الیوم مطلباً عجبیاً و یراد منه فعل عجیب.»
و کلامه (قدس سره) هو أحسن ما قیل فی المقام.
قال: «و یرد علیه ما عرفت من أنّ استعمال الأمر بغیر المعنی الطلبی لیس
ص: 41
مخصوصاً بما یکون فعلاً بل قد یطلق علی ما لایمکن أن یطلب کما فی شریک الباری أمر مستحیل».((1))
أولاً: بالنقض علیه فإنّ إطلاق الأمر علی شریک الباری مسامحةٌ و إلّا یرد نفس هذا الإشکال علی السید الصدر (قدس سره) حیث قال « إنّ المعنی الثانی للأمر هو الأخص من الشیء » مع أنّ الشیئیة مساوقة للوجود فکیف یطلق علی الممتنع وجوده؟
ثانیاً: بالحلّ فإنّ الوجه فی هذا الإطلاق هو أنّ من لم یکن راسخاً فی التوحید
ص: 42
یری احتمال وجوده أو المشرک یعتقد بوجوده و هکذا فی سائر الممتنعات فإنّ من لم یکن مدرکاً للعقلیات یری احتمال وجودها.
إنّ الأمر بمعنی الطلب لایمکن إطلاقه فی موارد الأمر غیر الطلبی لأنّ ما أفاده من قابلیة الأفعال لتعلق الإرادة به و إن کان صحیحاً فی نفسه إلا أنّ الأمر غیر الطلبی متعلق الإرادة و الطلب و الأمر و لایمکن تصویر المفهوم الجامع بین الأمر و متعلقه.
إنّ الإرادة عین المراد و ما ورد من أنّ إرادته إحداثه دلیل علی اتحادهما لأنّ الإحداث الإیجاد و الإیجاد عین الوجود، فإرادته تعالی عین فعله (والمراد الفعل بالمعنی الأعم بحیث یشمل الأعیان و الصفات و الأفعال).
إنّ الأمر مصدر ثلاثی مجرد (فما کان متعدیاً و علی زنة فَعَلَ یکون مصدره علی زنة فَعل) و المصدر قد یطلق علی اسم المفعول مثل الخلق فإنّه مصدر و لکن یطلق علی اسم المفعول، فالخلق اسم للمخلوق و الأمر اسم للمأمور به (مثلاً إذا أمر المولی جنوده بالحرکة نحو مکان فمهما سئل أنّه ما أمر المولی؟ فیجاب: «الحرکة» مع أنّ الحرکة هو المأمور به).
ص: 43
و لعل ما مثل به فی الکفایة((1)) لمعنی «الفعل» من هذا القبیل فإنّ المراد من (أَمْرُ فِرْعَوْنَ) فی الآیة المبارکة (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَی بِآیاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِینٍ إِلَی فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِیدٍ)((2)) ما أمر به فرعون؛ فإنّ فرعون أمر بالکفر بموسی (علی نبینا و آله و علیه السلام).
کما أنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) مثّل لذلک بالمصدر المیمی فقال:((3)) الأمر یطلق بمعناه المصدری المبنی للمفعول علی الأفعال کإطلاق المطلب و المطالب علی الأفعال الواقعة فی معرض الطلب کما یقال رأیت الیوم مطلباً عجبیاً و یراد منه فعل عجیب.
و استعمال الأمر بهذا البیان متداول فی الأفعال إلا أنّ الاشتقاق المذکور لم یعتبر فیه العلو؛ ثم إنّ الأمر بهذا المعنی قد یستعمل فی الصفات و الأعراض بل فی الأعیان (سواء کان علماً بالذات أو بالإشارة) و عدم تداوله لایضر بصحته.
إنّ الأمر بهذا المعنی لا یطلق علیه تعالی بخلاف الشیء فإنّه یطلق علیه فیقال إنه تعالی شیء لا کالأشیاء، فیعلم من ذلک عدم مساوقة مفهوم الامر و مفهوم الشیء خلافاً للمحق الإصفهانی (قدس سره) حیث ذهب إلی مساوقتهما.
أنّ مفهوم الأمر و المشیة کل منهما مترادف مع الآخر ولکن الترادف لیس
ص: 44
بمعنی اتحاد المعنی من جمیع الجهات و جمیع القیود، بل الالفاظ المترادفة ربما یختلف معناها باختلاف لطیف أدبی کما فصّل فی ذلک بعض اللغویین مثل ابن سکیت و لکنها یجمعها معنی جامع مثل الإنسان و البشر فإنّ الإنسان یطلق علی هذه الماهیة بلحاظ أنسه أو باعتبار نسیانه کما ورد فی بعض الروایات و کلمات الأعلام، و البشر یطلق علیها باعتبار ظواهره حیث إنّ هذه الکلمة قد اشتقّت من البشرة و علی ذلک لا مانع من أن نقول إنّ واجب الوجود بالذات تبارک و تعالی أمر متفرد بذاته. نعم إطلاق الشیء و الأمر علیه تبارک و تعالی من ضیق التعبیر من جهة التوسعة التی تقع فی هذه الکلمات فإنّ الوضع اللغوی قد اقتضی استعمالها فی ما تعلق به الأمر و المشیة ولکن حیث إنّ الأعیان الخارجیة کلّها نفس المشیة الفعلیة الجزئیة، قد أطلق علیها الشیء کما أنّ التوسعة الثانیة اقتضت إطلاق الأمر علی شریک الباری و أمثال ذلک حیث إنّ العقل یفرض لهذه الأُمور وجوداً نفس الأمری أو فقل ثبوتاً ذهنیاً.
إنّ القول بالإشتراک المعنوی باطل لأنّ الأمر بالمعنی الطلبی یجمع علی صیغة الأوامر و الأمر بالمعنی غیر الطلبی یجمع علی صیغةالأمور و هذا یدلّ علی الاشتراک اللفظی.
أما إشکال اختلاف الجمع حیث إنّ الأمر بمعنی الطلب المخصوص یجمع علی الأوامر و بالمعنی الآخر علی الأمور فیمکن دفعه بأنّ الأمر حیث یطلق علی الأفعال لایلاحظ فیه تعلق الطلب تکویناً أو تشریعاً فعلاً بل من حیث قبول
ص: 45
المحل له فکأنّ المستعمل فیه متمحض فی معناه الأصلی الطبیعی الجامد و الأصل فیه حینئذٍ أن یجمع الأمر علی أمور کما هو الغالب فی ما هو علی هذه الزنة. ((1))
و هذه الملاحظات تتّجه إلی بیانه لا إلی أصل نظریته.
إنّه قال:((2)) بعدم إطلاق «الأمر» علی الصفات و الأعراض و بعدم قابلیتها لتعلق الإرادة بها، فیلاحظ علیه:
بأنّه لایتم ذلک لأنّ الأمر الجمودی یطلق علی الصفات و الأعراض کما هو مذهب المحقق العراقی و السید الصدر5 و کما صرّح به بعض الأساطین (دام ظله) عند الإشکال علی السید المحقق البروجردی (قدس سره) حیث قال بأنّه یطلق علی السواد العارض للشیء أمرٌ و للعلم الذی اتصف به العالم أمرٌ.
إنّه ذکر سابقاً فی مقام الإشکال علی صاحب الکفایة (قدس سره) - إذ قال:((3)) إنّ الأمر الجمودی وضع بإزاء مفهوم الشیء- أنّ «الشیء یطلق علی الأعیان والأفعال مع أنّ الأمر لایحسن إطلاقه علی العین الخارجیة» و صرّح أیضاً بعدم قابلیة الأعیان
ص: 46
لتعلق الإرادة بها، فیلاحظ علیه:
بأنّ الأعیان أیضاً قد یطلق علیها الأمر کما مرّ و إن لم یکن متداولاً و لذا یطلق علی الأعیان الخارجیة أنّها أمر متشخص بذاته و أنّها أمر بسیط أو مرکب و غیر ذلک.
و المحقق الإصفهانی (قدس سره) قال:((1)) عند الإشکال علی المحقق الخراسانی (قدس سره) : «إنّ إطلاق الشیء علی الأعیان الخارجیة باعتبار أنّها مشیئات وجودها»؛ فعلی هذا، الأعیان متعلقات للإرادة التکوینیة الإلهیة و عدم قابلیة إرادتنا لأن تتعلق بالأعیان لاینافی تعلق الإرادة الإلهیة بها.
فتحصل أنّ مقتضی التحقیق تمامیة نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) مع إصلاحها باطلاق الأمر علی الأعیان و الصفات و الأعراض فإنّ الاستعمال قد یکون بالنسبة إلی بعض مصادیقه شایعاً و بالنسبة إلی بعض مصادیقه نادراً و غیر متعارف و هذه الندرة و عدم التعارف لایضر بصحة الاستعمال.
ص: 47
إنّه قد حکی المحقق الخراسانی (قدس سره) نظریة المشهور فقال:((1)) «و أما بحسب الاصطلاح فقد نقل الاتفاق علی أنّه [أی الأمر] حقیقة فی القول المخصوص و مجاز فی غیره».
و قال بعد أسطر: «القول المخصوص أی صیغة الأمر».
((2))
إنّ القول المخصوص جامد و لایمکن الاشتقاق منه مع أنّا نری أنّ الاشتقاقات من الأمر تکون بهذا المعنی المصطلح علیه فلابدّ أن یکون معناه حدثیاً لأنّ مبدأ الاشتقاق معنی حدثی قابل للتصریف.
إنّ الأمر بهذا المعنی المصطلح علیه یکون مبدأ للاشتقاق .
قال (قدس سره) :((3)) «إنّ وجه الإشکال إن کان توهم أنّ الموضوع له لفظ لا معنی... و
ص: 48
إن کان وجه الإشکال ما هو المعروف من عدم کونه معنی حدثیاً ففیه أنّ لفظ ”اضرب“ صنف من أصناف طبیعة الکیف المسموع و هو من الأعراض القائمة بالمتلفظ به؛ فقد یلاحظ نفسه - من دون لحاظ قیامه و صدوره عن الغیر - فهو المبدء الحقیقی الساری فی جمیع مراتب الاشتقاق و قد یلاحظ قیامه فقط فهو المعنی المصدری المشتمل علی نسبة ناقصة و قد یلاحظ قیامه و صدوره فی الزمان الماضی فهو المعنی الماضوی و قد یلاحظ صدوره فی الحال أو الاستقبال فهو المعنی المضارعی و هکذا؛ فلیس هیأة ”اضرب“ مثلاً کالأعیان الخارجیة و الأُمور غیر القائمة بشیء حتی لایمکن لحاظ قیامه فقط أو فی أحد الأزمنة».
إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) قوّی نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) و استشکل علی المحقق الإصفهانی (قدس سره) فقال:((1)) «إنّ ما ذکره فی إطاره و إن کان فی غایة الصحة و المتانة إلا أنّه لا صلة له بما ذکرناه و السبب فی ذلک أنّ لکل لفظ حیثیتین موضوعیتین:
الأُولی: حیثیة صدوره من اللافظ خارجاً و قیامه به کصدور غیره من الأفعال کذلک .
الثانیة: حیثیة تحققه و وجوده فی الخارج فاللفظ من الحیثیة الأُولی و إن کان قابلا للتصریف و الاشتقاق إلا أنّ لفظ الأمر لم یوضع بإزاء القول المخصوص من هذه الحیثیة و إلا لم یکن مجال لتوهم عدم إمکان الاشتقاق و الصرف منه بل هو موضوع بإزائه من الحیثیة الثانیة و من الطبیعی أنّه بهذه الحیثیة غیر قابل
ص: 49
لذلک کما عرفت فما أفاده مبنی علی الخلط بین هاتین الحیثیتین.»
إنّ ما لابدّ منه هو أن یکون بحیث یمکن صدوره عن الفاعل و هذا یکفی فی الاشتقاق و عدم لحاظ قیامه باللافظ لایوجب انقلاب ذاته فإنّ اللحاظ و عدم اللحاظ اعتباری و ما هو شرط للاشتقاق هو أن یکون بحسب ذاته قابلا للصدور عن الفاعل و القیام بالغیر حتی یطرأ علیه أنحاء الصدور و یشتق منه المشتقات و الشرط حاصل فی المقام.
((1))
إنّ مبدأ الاشتقاق لابدّ أن یکون خالیاً عن جمیع الخصوصیات لیقبل کل خصوصیة ترد علیه و لذا قال فی بحث المشتق: إنّ المصدر لایصلح أن یکون مبدأ للاشتقاق لأنّ المصدر مشتمل علی الهیأة أیضاً (و إن لم تکن هیأته تامة).
إنّ الأمر بمعناه الإصطلاحی لیس مصدراً حتّی یرد علیه ذلک، بل هو اسم للصیغة الخاصّة الصادرة من اللافظ القائمة به.
إنّ الأمر الاصطلاحی اسم للطلب المخصوص و الإرادة المبرزة التی هی أعم من کونه بصیغة افعل أو بمادة الأمر أو بالجملة الخبریة أو بغیر ذلک مما یفهم
ص: 50
منه الأمر فإذا قال قائل «إنّی أمرتهم بکذا» فهذا أعمّ من أن یکون أمره بصیغة افعل أو بمادة الأمر أو بالجملة الخبریة أو بغیرها.
ص: 51
((1))
لابدّ مع التعارض من الرجوع إلی الأصل فی مقام العمل (و مراده هو تعارض الوجوه المرجحة مثل غلبة المجاز علی الاشتراک فإنّه لو سلمنا غلبته یکون معارضاً بقاعدة أخری و هی أنّ الاشتراک المعنوی خیر من المجاز و إن فرضنا عدم المعارض له یکون وجها استحسانیاً و لا دلیل علی اعتباره) فمع سقوط المرجحات لابدّ من الرجوع إلی الأصل العملی.
أما علی مسلک المحقق الإصفهانی (قدس سره) فإذا ورد أمر و دار الأمر بین الحمل علی معنی الطلب الفعلی التشریعی (حتی یکون ذا أثر شرعی) و بین الحمل علی الطلب الفعلی التکوینی (حتی لایکون ذا أثر شرعی) یعامل معه معاملة المشترک اللفظی عند فقد القرینة المعینة فیکون شبهة حکمیة لإجمال الدلیل و لا مرجع هنا إلا أصل البراءة.
و الأمر کذلک علی مسلک المحقق النائینی (قدس سره) حیث یدور الأمر بین معنی الواقعة الشرعیة التی لها أهمیة فی الجملة و بین معنی الواقعة التکوینیة التی لها أهمیة فی الجملة فیرجع إلی أصل البراءة.
و هکذا علی مسلک القائلین بالاشتراک اللفظی تجری أصالة البراءة عند دوران الأمر بین المعنی الطلبی و المعنی غیر الطلبی.
ص: 52
الحق اعتبار العلو فی مفهوم الأمر و عدم اعتبار الاستعلاء و طلب الدانی المستعلی یقبح لاستعلائه((1)) فما یصدر منه لیس بأمر لا عرفا و لا عقلاً و إلا لتوجه القبح إلی أمره أیضاً. والدلیل علیهما صحة سلب الأمر عن طلب السافل إذا کان مستعلیاً و عدم صحته عن طلب العالی إذا کان مستخفضاً لجناحه .
ص: 53
ص: 54
لا إشکال فی استظهار الوجوب من مادة الأمر عند الإطلاق و الکلام فی منشأ ذلک؛ فهل یکون المنشأ هو الوضع أو الإطلاق بمقدمات الحکمة أو إنّ الدلالة لیست لفظیة بل هی دلالة عقلیة أو عقلائیة؟
أما الأقوال، فسبعة:
1. مادة الأمر حقیقة فی الندب.
2. إنّها مشترک معنوی بین الوجوب و الندب من جهة الوضع اللغوی.
3. إنّ للأمر ظهوراً وضعیاً فی الوجوب.
4. إنّ للأمر ظهوراً إطلاقیاً فی الوجوب بمعنی غلبة الاستعمال.
5. إنّ للأمر ظهوراً إطلاقیاً فی الوجوب بمقدمات الحکمة.
6. إنّ دلالة الأمر علی الوجوب عقلیة.
7. إنّ الدلالة علی الوجوب عقلائیة (السیرة العقلائیة).
ص: 55
استدلوا علیه: بأنّ کل فعل مندوب طاعةٌ و کل طاعة مأمورٌ بها فکل مندوب مأمورٌ به.
أورد علیه بعض الأساطین (دام ظله) :((1))
((2))
إنّ غایة ما یثبت به هو أنّ استعمال الأمر فی الندب یکون علی نحو الحقیقة و أما الوضع له فلا دلیل علیه لوضوح إمکان الوضع للمشترک المعنوی و حینئذ یکون الاستعمال فی الندب حقیقیاً لا مجازیاً.
«القیاس المذکور یشتمل علی مصادرة [بالمطلوب] فقولهم: کل طاعة مأمور بها أول الکلام [بل یمکن أن یدّعی أنّ الطاعة الوجوبیة هی المأمور بها]»
هذا و بین دلالتها علی الوجوب بمقدّمات الحکمة، و استُدِلّ علیه بوجهین:
و هو «صدق الأمر حقیقة علی الطلب الصادر من العالی إذا کان طلبه استحبابیا».
إنّ ذلک الإطلاق من موارد استعمال کلمة الأمر، والاستعمال اعمّ من الحقیقة. مثلاً إن صدق الناطق علی الإنسان لیس بمعنی وضع الناطق لمفهوم الإنسان.
((2))
إنّ التقسیم لو کان بلحاظ ذات المعنی فیصح الاستدلال به و أما صحة التقسیم بلحاظ حال المستعمل فیه فلاتکون دلیلاً علی الحقیقة کما فی تقسیم الماء إلی المطلق و المضاف فحینئذ صحة التقسیم لا تصلح دلیلاً علی حدة بل لابدّ من التبادر أو صحة الحمل.
ص: 57
و استدل علیه صاحب الکفایة (قدس سره) بوجوه:
((1))
إنّ الوجوب لاینسبق من مادة الأمر و لم یعدّ من معانیها و الظهور فی الوجوب غیر الوضع له .
قال (قدس سره) : «و یؤید((2)) قولُه تعالی:((3)) (فَلْیحْذَرِ الَّذِینَ یخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِیبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ یصِیبَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ)((4)) و قولُه (صلی الله علیه و آله) «لَوْ لَا أَنْ أَشُقَّ عَلَی أُمَّتِی لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاکِ»((5)) و قولُه (صلی الله علیه و آله) بعد قولها: أتأمرنی یا رسول الله (صلی الله علیه و آله) ”لا بل إنّما أنا
ص: 58
شافع“(1) إلی غیر ذلک.»
قال (قدس سره) :«و [یؤید] صحةُ الاحتجاج علی العبد و مؤاخذته بمجرد مخالفة أمره
ص: 59
و توبیخه علی مجرد مخالفته کما فی قوله تعالی: (مَا مَنَعَکَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُکَ)((1))».
((2))
إنّ الاستدلال بالآیة یبتنی علی جواز التمسک بأصالة العموم بالنسبة إلی ما هو خارج عن حکم العام و شک فی أنّه من مصادیق العام و خروجه من باب التخصیص أو أنّه لیس من مصادیق العام بل خروجه من باب التخصص فإنّ أصالة العموم تقتضی التحفظ علی عموم العام و عدم تخصیصه؛ فأصالة العموم یثبت خروج الأمر الاستحبابی عن مادة الأمر فی الآیتین و الروایتین تخصصاً و إلا لابدّ من تخصیص العام و عدم کونه مراداً جدیاً بالنسبة إلی الأمر الاستحبابی و الوجه فی خروج الأمر الاستحبابی عن حکم العام فی الآیتین و الروایتین واضح لا غبار علیه لعدم ترتب تلک اللوازم من وجوب الحذر و إصابة الفتنة و العذاب - فی آیة (فَلْیحْذَرِ الَّذِینَ یخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ)((3))- و التوبیخ - فی قوله تعالی: (مَا مَنَعَکَ أَلّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُکَ)((4))- و المشقة - فی
ص: 60
قوله (صلی الله علیه و آله) :« لَوْ لَا أَنْ أَشُقَّ عَلَی أُمَّتِی لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاکِ»((1)) - علی الأمر الاستحبابی.
«و لکنه نقول بقصور أصالة العموم و الإطلاق عن إفادة إثبات ذلک، فإنّ عمدة الدلیل علی حجیته [أی أصالة العموم و الإطلاق] إنّما کان هو السیرة و بناء العرف و العقلاء و القدر المسلم منه إنّما هو فی خصوص الشکوک المرادیة و هو لایکون إلا فی موارد کان الشک فی خروج ما هو المعلوم الفردیة للعام عن حکمه و حینئذ فلایمکننا التمسک بالأدلة المزبورة لإثبات الوضع لخصوص الطلب الإلزامی خصوصاً بعد ما یری من صدقه أیضاً علی الطلب الاستحبابی کما هو واضح.»
((2))
«إنّه یعتبر فی مورد دوران الأمر بین التخصیص و التخصص أن یکون قابلاً لهما کخروج زید عن ”أکرم العلماء“ أما المورد الذی لایکون الحکم فیه قابلاً للتخصیص فلیس بموضوع لکبری تلک القاعدة و الآیة الکریمة من هذا القبیل لأنّ ترتب العذاب بلا استحقاق له محال کما فی قوله تعالی: (وَ مَا کُنَّا مُعَذِّبِینَ حَتَّی نَبْعَثَ رَسُولًا)((3)) و استحقاق العذاب من الأحکام العقلیة و الاحکام العقلیة لایدور أمرها بین التخصیص و التخصص فمورد عدم استحقاق
ص: 61
العقاب و هو الأمر الندبی خارج خروجاً تخصصیاً فالکبری غیر منطبقة علی الآیة الکریمة».
إنّ التخصیص المستحیل فی الأحکام العقلیة هو التخصیص بحسب الواقع أما تخصیص العنوان العام لیتحقق العنوان الخاص الذی هو موضوع حکم العقل فمآله إلی التخصص غیرِ المستحیل و هو واقع فی الأحکام العقلیة؛ مثلاً إذا قلنا: الواحد لایصدر عنه إلا الواحد و أخرجنا عن الموضوع، الواحدَ النوعی و العنوانی و غیر ذلک فهذا و إن کان تخصیصاً بحسب الظاهر و لکن یرجع إلی التخصص و أنّ المراد من بدو الأمر هو الواحد بالوحدة الحقة الحقیقیة لا الواحد النوعی و الواحد العنوانی و غیر ذلک فلایلزم التخصیص فی الأحکام العقلیة.
ذکر هذا المحقق فی الدورة السابقة أنّ الاستدلال بالآیة و الروایة لایبتنی علی القاعدة المذکورة حتی یجاب عنه بما قال بل وجه الاستدلال هو أنّ النبی (صلی الله علیه و آله) أفصح الناس و الکتاب الذی أنزل إلیه أفصح الکلمات و الأمر فی کلام الله و الکلام النبوی مستعمل فی الأمر الوجوبی بلاعنایة و لا قرینة.((1))
ص: 62
«مُحَمَّدُ بْنُ یحْیی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ((1))عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ حُسَینِ بْنِ عُمَرَ بْنِ یزِیدَ عَنْ أَبِیهِ((2))قَالَ: اشْتَرَیتُ إِبِلًا وَ أَنَا بِالْمَدِینَةِ مُقِیمٌ فَأَعْجَبَنِی((3))إِعْجَاباً شَدِیداً
ص: 64
فَدَخَلْتُ عَلَی أَبِی الْحَسَنِ الْأَوَّلِ (علیه السلام) ((1)) فَذَکَرْتُهَا لَهُ((2))فَقَالَ (علیه السلام) :” مَا لَکَ وَ لِلْإِبِلِ؟ أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّهَا کَثِیرَةُ الْمَصَائِبِ؟“ قَالَ: فَمِنْ إِعْجَابِی بِهَا أَکْرَیتُهَا((3))وَ بَعَثْتُ بِهَا مَعَ غِلْمَانٍ لِی((4)) إِلَی الْکُوفَةِ قَالَ: فَسَقَطَتْ کُلُّهَا فَدَخَلْتُ عَلَیهِ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَال (علیه السلام) : (فَلْیحْذَرِ الَّذِینَ یخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِیبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ یصِیبَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ)».((5))
فإنّ شراء الإبل لیس بحرام و المورد غیر الوجوب و الحرمة و الفتنة و العذاب هنا البلیة الدنیویة فالأمر الوجوبی یترتب علی مخالفته العذاب الأُخروی و الأمر الاستحبابی لایترتب علیه ذلک بل غایة ما یترتب علی ترک الأمر الاستحبابی و فعل النهی التنزیهی هو البلیة الدنیویة .
یؤیده أنّ علی بن إبراهیم رحمة الله فسّر «الفتنة» ﺑ- «البلیة»((6)) مع أنّ الفتنة بحسب العرف و اللغة و الآیات و الروایات لاتختص بالبلاء الأخروی کما قال تعالی: (إِنَّمَا أَمْوَالُکُمْ وَأَوْلَادُکُمْ فِتْنَةٌ)((7))کما أنّ المراد من الأمر فی قوله تعالی:(إِنَّ اللَّهَ
ص: 65
یأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ) ((1)) لایختص بالأمر الوجوبی بل یعم الأمر الاستحبابی؛ فالمستفاد من الآیات و الروایات کون الأمر أعم من الوجوبی و الاستحبابی.
أما روایة بریرة فسندها غیر صحیح و غیر معتبر و الروایات الأُخر لاتعارض ما قلناه.
و هو لأنّ المطلق عند الإطلاق ینصرف إلی الفرد الأغلب أو إلی الفرد الأکمل.
قال (قدس سره) :((2)) «و أما الغلبة فدعواها ساقطة بعد وضوح کثرة استعماله فی الاستحباب».
إنّ الإطلاق الانصرافی لایوجب ظهور الأمر فی الفرد الأغلب أو الأکمل، بل العرف فی موارد الاستعمال یتمسک بالإطلاق اللفظی و یقول بشمول اللفظ لجمیع مصادیقه. نعم قد نعلم من الدلیل الخارجی أنّ المتکلم لایرید إطلاق کلامه بل یرید فرداً خاصاً من أفراد الإطلاق و هو الفرد الاغلب أو الاکمل فهذا یحتاج إلی قرینة بخصوصه.
ص: 66
و نذکر لهذا القول سبعة تقریرات:
((1))
إنّ الطلب حقیقة تشکیکیة ذات مراتب مختلفة من المرتبة الشدیدة و الضعیفة و المرتبة الشدیدة هی الحقیقة بلا زیادة تحدید و لا قید و أما المرتبة الضعیفة فهی الحقیقة مع الحد العدمی، لأنّ المرتبة الکاملة بسیطة لا ترکیب فیها و أما الناقصة فمرکبة من الحقیقة و العدم، فالناقصة کما تحتاج إلی مؤنة زائدة علی أصل الحقیقة فی مقام الثبوت کذلک تحتاج إلیها فی مقام الإثبات فمقتضی الإطلاق بعد کون الآمر بصدد البیان هو کون طلبه وجوبیاً لا استحبابیاً.
و سیجیءُ الکلام حول بطلان هذا التقریر عند تحقیق المطلب و نبین وجه الملاحظة علیه.
((2))
قال (قدس سره) : «و ثانیهما و لعله أدقّ من الأول ... بتقریب أنّ الأمر بعد أن کان فیه اقتضاء وجود متعلقه فی مرحلة الخارج و لو باعتبار منشأیته لحکم العقل بلزوم
ص: 67
الإطاعة و الامتثال فتارة یکون اقتضائه بنحو یوجب خروج العمل عن اللااقتضائیة للوجود بنظر العقل بحیث کان حکم العقل بالإیجاد من جهة الرغبة لما یترتب علیه من الأجر و الثواب و أخری یکون اقتضائه لتحریک العبد بالإیجاد بنحو أتم بحیث یوجب سدّ باب عدمه [أی العمل] حتی من طرف العقوبة علی المخالفة [الأنسب أن یقال: لما یترتب من العذاب و العقاب علی ترک الفعل] علاوةً عما یترتب علی إیجاده من المثوبة الموعودة.
و فی مثل ذلک نقول بأنّ قضیة إطلاق الأمر یقتضی کونه علی النحو الثانی من کونه بالنحو الأتمّ فی عالم الاقتضاء للوجود بحیث یقتضی سد باب عدم العمل حتی من ناحیة ترتب العقوبة علی المخالفة لأنّ غیر ذلک فیه جهة نقص فیحتاج إرادته إلی مؤنة بیان من وقوف اقتضائه علی الدرجة الأُولی الموجب لعدم ترتب العقوبة علی المخالفة و بالجملة نقول بأنّ الأمر بعد أن کان فیه اقتضاء التحریک للإیجاد و کان لاقتضائه مراتب فعند الشک فی وقوف اقتضائه علی المرتبة النازلة أو عبوره إلی مرتبة السببیة لحکم العقل بالإیجاد کان مقتضی الإطلاق کونه علی النحو الأتم و الأکمل الموجب لحکم العقل بلزوم الإیجاد فراراً عن تبعة ما یترتب علی مخالفته من العقاب علاوة عما یترتب علی موافقته من الأجر و الثواب فتدبر.»
((1))
لو أمر المولی بتنویر البیت أو إیجاد الحرارة یکتفی العبد بإتیان کل ما هو مصداق للتنویر أو الحرارة عرفاً و إن لم یکن أتم المصادیق و أکملها و لایصح
ص: 68
للمولی أن یؤاخذه بعدم إتیانه بأتمّ المصادیق التی یتمکن العبد من إتیانها بل یکفی کل ما هو محصل للغرض من التنویر أو إیجاد الحرارة و إن لم یکن أکمل المصادیق.
((1))
إنّ مدلول اللفظ نفس الحقیقة و کل ما زاد علی الحقیقة خارج عن مدلوله و الشدة کالضعف داخلة فی مراتب الحقیقة التشکیکیة کما یقال فی عداد مراتب الوجود «مرتبة الواجب» و هذا لاینافی قولهم بأنّ الشدة فی الوجود بنفس حقیقة الوجود لأنّ الکلام فی المعنی و الموضوع له و لا خفاء فی أنّ المرتبة الشدیدة مرتبة من مراتب حقیقة الوجود.
((2))
إنّ الأمر یلقَی إلی العرف العام و هذا الإطلاق فی المراتب التشکیکیة بفرض صحته خارج عن طور إدراک العوام.
ص: 69
((1))
إنّ الوجوب و الندب قسمان من الطلب الإنشائی الذی هو اعتبار من اعتبارات العقلاء و الطلب غیر الإرادة (خلافاً لصاحب الکفایة (قدس سره) ((2))) فإنّ الإرادة موضوع لصفة خاصّة من صفات النفس و الصفات النفسانیة من الأُمور الحقیقیة التی یکون بحذائها شیء فی الخارج فلاتقبل الوجود الإنشائی لإباء الأُمور الحقیقیة هذا النحو من الوجود بخلاف الطلب فإنّ له معنی قابلاً لأن یوجد بالإنشاء و هو البعث و التحریک .
(و مسلک الطلب الإنشائی الذی اتخذه هذا المحقق عن صاحب الکفایة5 غیر مسلک إبراز الاعتبار النفسانی للمحقق الخوئی (قدس سره) و إبراز الإرادة للمحقق العراقی (قدس سره) لأنّ الطلب حینئذٍ إنشاء لا إبراز).
«و التحقیق أنّ الفرق بین قسمیه [أی الطلب الإنشائی و هما الوجوب و الندب] بالشدة و الضعف و لکن لا بالشدة و الضعف فی ذات الطبیعة لما عرفت من أنّ الأمر الاعتباری لایقبل التشکیک الذاتی بل بالشدّة و الضعف المنتزعین بحسب المقارنات ... و کذلک الاختلاف بین الوجوب و الندب لیس إلا باعتبار المقارنات فالطلب المنشأ بالصیغة أمر واحد و لیس له نوعان متمایزان بالفصل أو بالتشکیک فی ذاتیهما بل یختلف أفراده باعتبار ما یقترن به فقد یقترن
ص: 70
هذا الأمر الإنشائی بالمقارنات الشدیدة فینتزع عن الطلب المقترن بها وصف الشدّة و قدیقترن بالمقارنات الضعیفة فینتزع عن الطلب المقترن بها عنوان الضعف و قد لایقترن بشیء أصلاً ...
و إذا اتضح ذلک فیقع النزاع فی أنّ الطلب المجرد من المقارنات هل ینتزع عنه الوجوب أو الندب بعد الاتفاق علی انتزاع الوجوب عن المقترن بالمقارنات الشدیدة و [انتزاع] الاستحباب عن المقترن بالمقارنات الضعیفة.
و الأظهر عندنا أنّ ما ینتزع عنه الوجوب و یکون تمام الموضوع لحکم العقلاء باستحقاق العقوبة علی مخالفته هو نفس الطلب الإنشائی الصادر عن المولی بداعی البعث - فی قبال الطلب الاستهزائی و نحوه - فیما إذا لم یقترن بالمقارنات المضعّفة له من الإذن فی الترک و نحوه من غیر فرق بین أن یقترن بالمقارنات الشدیدة أو لم یقترن بشیء أصلاً؛ فالطلب المجرد أیضاً ینتزع عنه الوجوب و یکون موضوعاً لحکم العقلاء باستحقاق العقوبة بمخالفته و ذلک لوضوح أنّ عتاب المولی و عقابه للعبد عند ترکه الامتثال للطلب البعثی الغیر المقترن بالإذن فی الترک لایقعان عند العقلاء موقع التقبیح بل [العقلاء] یرون العبد مستحقاً للعتاب و العقاب؛ و علی هذا فلانحتاج فی مقام کشف الوجوب إلی استظهار شیء زائد علی حقیقة الطلب ... أما الندب فنحتاج فی کشفه إلی استظهار أمر زائد علی حقیقة الطلب مثل الإذن فی الترک و نحوه و بالجملة ما یحتاج المؤنة الزائدة هو الندب لا الوجوب.
بل یمکن أن یقال: إنّ الطلب البعثی مطلقاً منشأ لانتزاع الوجوب و یکون تمام الموضوع لحکم العقلاء باستحقاق العقوبة و إنّه معنی لایلائمه الإذن فی الترک بل ینافیه لوضوح عدم إمکان اجتماع البعث و التحریک نحو العمل مع
ص: 71
الإذن فی الترک المساوق لعدم البعث و علی هذا فیجب أن یقال: إنّ الصیغ المستعملة فی الاستحباب لاتکون مستعملة فی الطلب البعثی و لاتتضمن البعث و التحریک و إنّما تستعمل بداعی الإرشاد إلی وجود المصلحة الراجحة فی الفعل و ببالی أنّ صاحب القوانین (قدس سره) أیضاً اختار هذا المعنی فقال: إنّ الأوامر الندبیة کلها للإرشاد ...»
أفاد (قدس سره) أنّ الطلب الإنشائی فعل المنشِئ و أنّ المستعمِل هو الذی یوجد الطلب بتوسط الصیغة أو المادّة مع أنّه یقول هنا بأنّ الطلب من الاعتبارات العقلائیة فلابدّ أن یکون صادراً من العقلاء؛ فکیف التوفیق بین القولین؟
إنّ الطلب الإنشائی أمر اعتباری یوجد أولاً فی اعتبار المنشیء بتوسط الصیغة أو المادة و ثانیاً یوجد فی اعتبار العقلاء بعد ابرازه.
إنّ السید البروجردی ذکر «أنّ الطلب المقترن بالمقارنات الشدیدة هو الوجوب و هو کاشف عن الإرادة الشدیدة و المقترن بالمقارنات [الضعیفة هو الاستحباب و هو] کاشف عن الإرادة الضعیفة و غیر المقترن بأحدهما طلب متوسط ».
و فیه: أنّ الطلب إما وجوبی [و] إما ندبی و أما المتوسط بینهما غیر المتصف
ص: 72
بالوجوب أو الندب فغیر قابل للتصور ...
إنّ کلامه (قدس سره) ناظر إلی مقام الإثبات فهو قائل بأنّ الطلب إذا لم یقترن بأحدهما لابدّ أن یکون واجباً، فما أفاده فی مقام تصویر محل النزاع إنّ الطلب غیر المقترن بأحدهما فی مقام الإثبات هو محل النزاع و اختار دلالته علی الوجوب.
((1))
قال (قدس سره) : الوجوب و الندب مفترقان بالتشکیک العرضی فنقول: ما المراد من التشکیک العرضی؟
إن کان مراده أنّ الشدة و الضعف وصفان مقارنان للطلب أما الطلب فیتصف بهما بالعرض کاتصاف الجالس فی السفینة بالحرکة، فعلی هذا إسناد الشدة و الضعف إلی الطلب مسامحی و مجازی و إنّا لانرید بالوجدان من الطلب الشدید و الضعیف معنی مسامحیاً.
و إن کان مراده أنّ الطلب الإنشائی یتصف حقیقة بالشدة و الضعف لکن المقارنات کانت السبب فی هذا الاتصاف کاتصاف البیاض بالضعف بسبب اختلاطه بالسواد، فیرد علیه أنّ المقارن هنا لیس دخیلاً فی الطلب الإنشائی بل هو خارج عنه مثلاً ضرب رجلیه علی الأرض و تحریک رأسه و یدیه أُمور شدیدة مقارنة للطلب الإنشائی و خارجة عنه فلایوجب اتصاف الطلب فیه
ص: 73
بالشدة و الضعف حقیقة.
إنّ الطلب الإنشائی أمر اعتباری فکما یمکن اعتبار الطلب الإنشائی أیضاً یمکن اعتبار شدته و أما المقارنات الخارجیة فهی مبرزة للأمر الاعتباری؛ فکما أنّ اعتبار الطلب الإنشائی یبرز فی الخارج بالصیغة أو المادة فکذلک اعتبار شدتع یبرز فی الخارج بمقارنات الشدیدة. فالطلب الإنشائی متصف فی وعاء الاعتبار بالشدة و الضعف. نعم لایعقل الاشتداد و الحرکة فی عالم الاعتبار و أما اعتبار الشدة فهو معقول فی الأمور الاعتباریة.
((1))
ما أفاده فی آخر بحثه من «أنّ الصیغ المستعملة فی الاستحباب لاتکون مستعملة فی الطلب البعثی ... و إنّما تستعمل بداعی الإرشاد إلی وجود المصلحة الراجحة فی الفعل».
یرد علیه إیرادات:
أولاً: لازم ذلک عدم التمکن من الفتوی بالاستحباب و الکراهة بعنوان الحکم الشرعی المجعول مع أنّا لم نجد فقیهاً حتی نفس القائل (أی السید البروجردی (قدس سره) ) یلتزم بذلک.
ثانیاً: هذا مخالف للنصوص الواردة فی تقسیم الأوامر الشرعیة إلی الفرض
ص: 74
و النفل.
ثالثاً: حلّ الإشکال هو أنّ التحریک الذی لایلائم الإذن فی الترک هو التحریک الخارجی لا التحریک الاعتباری.
((1))
و هو یترکب من مقدمتین:
«أولاهما: أنّ الوجوب لیس عبارة عن مجرد الطلب لأنّ ذلک ثابت فی المستحبات أیضاً بل لابدّ من عنایة زائدة و لیست هذه العنایة عبارة عن انضمام النهی أو المنع عن الترک إلی الطلب لأنّ النهی بدوره ثابت أیضاً فی باب المکروهات [و النهی عن الترک حینئذ تنزیهی ففی المستحبات أیضاً یمکن طلب الشیء و النهی التنزیهی عن ترکه] و إنّما العنایة الزائدة هی عدم الترخیص فی الترک، خلافاً للاستحباب الذی تکون العنایة فیه الترخیص فی الترک و النتیجة أنّ الوجوب طلب متمیز بقید عدمی و الاستحباب طلب متمیز بقید وجودی و هو الترخیص فی الترک.
ثانیهما: أنّه کلما کان الکلام وافیاً بحیثیة مشترکة و تردّد أمرها بین حقیقتین الممیز لإحداهما أمر عدمی و للأخری أمر وجودی تعین بالإطلاق الحمل علی الأول لأنّ الأمر العدمی لا مؤنة فیه بحسب النظر العرفی فإذا کان المقصود ما یتمیز بالأمر الوجودی الزائد مع أنّه لم یذکر ذلک الأمر الوجودی الزائد فی الکلام فهذا خرق عرفی لظهور حال المتکلّم فی بیان تمام مرامه بکلامه، و إذا کان المقصود ما یتمیز بالأمر العدمی فلیس هناک خرق عرفاً لأنّ الممیز عندما یکون
ص: 75
أمراً عدمیاً فکأنّه لایزید علی الحیثیة المشترکة التی یفی بها الکلام.»
((1))
نمنع المقدمة الثانیة فإنّ الأمر العدمی قد یکون بحیث لایلاحظه العرف أمراً زائداً محتاجاً إلی البیان و قد یکون بحیث یلاحظه العرف أمراً زائداً مثل الأمر الوجودی و حینئذ کلاهما محتاجان إلی البیان و الوجوب و الاستحباب من هذا القبیل و لذا کان النسبة بین الوجوب و الاستحباب هی النسبة بین المفهومین المتباینین لا الأقل و الأکثر.
إنّ الوجوب أمر اعتباری بسیط؛ لا مرکب من طلب الشیء مع عدم الترخیص فی الترک.
((2))
«نفس التقریب السابق [و هو التقریر الرابع بحسب ما ذکرنا] مع فرق فی المقدمة الثانیة حیث یقال هنا بأنّ الممیز للوجوب و إن کان بحسب النظر العرفی مؤنة زائدة علی ذات الطلب و بحاجة إلی بیان إلا أنّه حیث یعلم علی کل حال بوجود مؤنة زائدة علی ذات الطلب و هذه الزیادة مرددة بین زیادة أخف هی الأمر العدمی أو زیادة أشد هی الأمر الوجودی؛ فسکوت المتکلم عرفاً عن بیان الزیادة الأشد یکون قرینة علی إرادة الزیادة الأخف فیتعین الوجوب لا محالة.»
ص: 76
«إنّ هذه النکتة لو سلمت کبری و صغری فلیست فی تمام الموارد بل فی خصوص ما إذا أحرز أنّ المولی بالرغم من سکوته عن بیان الزیادة یکون بصدد بیانها و هذه عنایة لاتحصل دائماً بینما البناء الفقهی و العرفی علی فهم الوجوب فی سائر الموارد.»
((1))
«إنّ صیغة الأمر تدل علی الإرسال و الدفع بنحو المعنی الحرفی و لما کان الإرسال و الدفع مساوقاً لسدّ تمام أبواب العدم للاندفاع و التحرک فمقتضی أصالة التطابق بین المدلول التصوری و المدلول التصدیقی أنّ الطلب و الحکم المبرز أیضاً سنخ حکم یشتمل علی سدّ تمام أبواب العدم و هذا یعنی عدم الترخیص فی المخالفة؛ و هذا التقریب لا بأس به و هو جار فی تمام موارد استعمالات صیغة الأمر.»
إنّ کلمة الإرسال لایناسب جمیع موارد الأمر فإنّ فی بعضها لایتصوّر إرسال کما فی الأمر بقراءة سورة، فإنّه فی هذا المورد بعث لا ارسال ثم إنّ الکلام هنا فی مادّة الأمر و هذا التقریب یجدی فی صیغة الأمر و لکن الأمر سهل لأنّ هذا البحث و هذه الأقوال بعینه یجری فی صیغة الأمر و نحن نکتفی ببیان الأقوال و البحث حولها فی مادة الأمر.
نعم ما أفاده من أنّ النسبة الإرسالیة مساوقة لسد تمام أبواب العدم - علی
ص: 77
فرض التسلم لمبنی المحقق العراقی (قدس سره) من أنّ معنی صیغة الأمر النسبة الإرسالیة((1))- صحیح بلا شک.
بیان ذلک: إنّ مادة الأمر تدل علی البعث، و البعث یقتضی الانبعاث نحو المطلوب و الانبعاث نحو شیء مساوق لسدّ أبواب عدمه و معنی ذلک هو عدم الترخیص فی ترکه، و علی ذلک إنّ مادة الأمر تدلّ علی الوجوب من غیر احتیاج إلی مؤونة زائدة. نعم إن کان هناک مایدلّ علی الترخیص فی ترک المتعلّق فمادة الأمر تدلّ علی الندب و مع عدم ما یدلّ علی الترخیص فالإطلاق یقتضی الحمل علی الوجوب.
و أحسن الوجوه لتقریر الإطلاق هو التقریرالسابع و بعد ذلک ما أفاده المحقق الصدر (قدس سره) و ما أفاده السید المحقق البروجردی (قدس سره) إلا أنّ المسألة تحتاج إلی تحلیل أوسع.
و هی مرتبة مبادی الحکم و فیها بیان بطلان التقریر الأول.
یتحقق هنا أمران: الأول المصلحة الموجودة فی متعلق الأمر و الثانی حبّ المتعلق و الشوق و المیل إلیه لما فیه من المصلحة؛ و الطلب فی هذه المرتبة حقیقی و علی مبنی القائلین باتحاد الطلب و الإرادة تتحقق الإرادة فی هذه المرتبة.
ص: 78
وقد خالف هنا المحقق الخوئی (قدس سره) حیث ینکر تعلّق الإرادة التکوینیة لله تبارک و تعالی بفعل المکلّف الذی هو متعلّق الحکم الشرعی و یقول بأنّ الإرادة التکوینیة التی هی عبارة عن الشوق النفسانی المحرک للإنسان نحو المراد إنّما یعقل تعلقها بفعل الغیر إذا کانت فیه مصلحة عائدة إلی ذات المرید أو إلی إحدی قواه و لایعقل ذلک فی الأحکام الشرعیة فإنّ مصالحها تعود إلی المکلفین لا إلی الشارع.
لأنّ المولی الحقیقی سبحانه و تعالی یرید مصالح عباده کما أنّه یریدهم و الإرادة بهذا المعنی ترجع إلی ابتهاجه بذاته فإنّ المبتهج بذاته المبتهج بمعلولاته. نعم إنّ هذا المعنی للإرادة لیس متفقاً بینهم و سیجیء الکلام حوله إن شاء الله تعالی.
ثمّ إنّ هذه المصلحة و هذا الطلب الحقیقی قابلان للشدة و الضعف و الحق هو أنّ الوجوب و الاستحباب مختلفان من حیث مبادیهما شدةً و ضعفاً.
نعم إنّ الإرادة بمعنی التصدی نحو المطلوب هی خارجة عن مبادی الحکم کما أنّها لیست مفاد الطلب الإنشائی و مفاد الأمر بمادته و صیغته و لما أنّها غیر الحکم الشرعی الاعتباری بل هی موجودة فی المکلف عند الامتثال فهذه الإرادة خارجة عن محلّ البحث.
و ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) من التشکیک یتصور فی هذه المرحلة و لکنها لایجدی فی البحث حیث إنّ الکلام فی مقام دلالة الأمر مادةً و صیغةً و هو أمر إثباتی لا ثبوتی فظهر بطلان التقریر الأول من التقریرات السبعة.
و هی مرتبة الحکم الاعتباری و فیها بیان بطلان التقریر الرابع و الخامس.
ص: 79
الوجوب و الاستحباب أمران اعتباریان بسیطان و متباینان مفهوماً و لیسا مرکبین حتی یکون بینهما حیثیة مشترکة و یمتاز کل منهما عن الآخر بما به الامتیاز فلا مجال لأن یقال: إنّ الوجوب لایزید علی الحیثیة المشترکة و لکن الندب یحتاج إلی أمر زائد - و هو ما به الامتیاز الندبی - أو یقال: إنّ بیان ما به الامتیاز فی الوجوب أخف مؤنةً عن بیان ما به الامتیاز فی الندب؛ و بذلک ظهر بطلان التقریر الرابع و الخامس.
و هی مرتبة إبراز الحکم بمادة الأمر أو بصیغته و فیها نبین الحق فی التقریر.
إنّ مادة الأمر تدل علی الطلب الإنشائی و الاعتباری کما أنّ الصیغة تدل علی «النسبة البعثیة» عند بعضهم و «النسبة الإرسالیة» عند الآخر أو غیر ذلک و علی أی حال فإن قلنا بأنّ الأمر الاعتباری لایقبل التشکیک الذاتی فلایبقی مجال لتقریر الإطلاق علی أساس الشدة و الضعف .
نعم التشکیک العرضی یوجب اتصافه بالشدة و الضعف و لکن البعث الشدید أو النسبة البعثیة الشدیدة یقتضی امتثال المتعلق بالسرعة أو بالشدة مثلاً کما أنّ البعث الضعیف أو النسبة البعثیة الضعیفة یقتضی امتثال المتعلق بلا سرعة و لا شدة مثلاً و البعث من المولی أو النسبة البعثیة علی أی نحو کان یقتضی امتثال متعلقه کذلک.
و الأمر الندبی و إن کان بحسب مبادی الحکم له مصلحة غیر ملزمة و طلب ضعیف إلا أنّ مفاد الأمر بمادته و صیغته هو البعث و ما بمعناه لا الترخیص فی ترک الانبعاث؛ و البعث یقتضی انبعاث العبد و لایعقل اقتضاء البعث للترخیص فی ترک الانبعاث.
ص: 80
فعلی هذا إفادة الترخیص فی ترک الانبعاث تحتاج إلی دلیل آخر غیر الأمر و مع فقدانه فلابدّ من أن یحمل الأمر علی الوجوب و لزوم الانبعاث.
و ما أفاده السید المحقق الصدر (قدس سره) من أنّ «الإرسال و الدفع» أو «النسبة الإرسالیة» مساوق لسد أبواب العدم یرجع إلی ما ذکرناه.
((1))
قبل نقل کلام المحقق النائینی (قدس سره) لابدّ من التنبیه علی نکتة و هی أنّ ما أفاده و إن کان مرتبطا بصیغة الأمر ولکنّه یعم مادة الأمر من حیث المبنی.
و أما بیانه (قدس سره) : «إنّ الصیغة متی صدرت من المولی فالعقل یحکم بلزوم امتثاله باقتضاء العبودیة و المولویة و لایصح الاعتذار عن الترک بمجرد احتمال کون المصلحة غیر لزومیة إلا إذا کانت هناک قرینة متصلة أو منفصلة علی کونها غیر لزومیة و توضیح ذلک أنّ الوجوب لغةً بمعنی الثبوت و هو تارةً یکون فی التکوین و أخری فی التشریع؛ فکما أنّه فی التکوینیات یکون ثبوت شیء تارةً بنفسه و أخری بغیره و ما کان بالغیر لابدّ أن ینتهی إلی ما بالذات فکذلک الثبوت فی عالم التشریع فما هو ثابت بنفسه نفس إطاعة المولی فإنّها واجبة بنفسها و غیرها یکون واجباً باعتبار انطباق عنوان الطاعة علیه؛ فإذا صدر بعث من المولی و لم تقم قرینة علی کون المصلحة غیر لزومیة فلا محالة ینطبق علیه إطاعة المولی فیجب بحکم العقل قضاءً لحق المولویة و العبودیة؛ فالوجوب إنّما هو بحکم العقل و من لوازم صدور الصیغة من المولی لا من المدالیل اللفظیة».
إیرادات أربعة علی هذا البیان:
((2))
هذا ینافی طریقتهم الفقهیة حیث یقولون: الأمر ظاهر فی الوجوب لأنّ
ص: 82
الوجوب حینئذٍ حکم عقلی لا أمر مستفاد من ظهور اللفظ.
((1))
هذا أیضاً ینافی ما یقول به من الجمع العرفی بین الإطلاق و التقیید لقرینیة المقید بالنسبة إلی المطلق کما إذا دلّ أمارة علی وجوب عتق «مطلق الرقبة» و أمارة أخری علی وجوب عتق «الرقبة المؤمنة» فالجمع یقتضی حمل المطلق علی المقید مع أنّا لوقلنا بأنّ الوجوب أمر مستفاد من حکم العقل یلزمنا عکس ذلک لأنّ المطلق یدل علی الترخیص بالنسبة إلی قید «المؤمنة» فلایحکم العقل حینئذٍ بوجوب عتق خصوص الرقبة المؤمنة بل یحکم باستحبابه و لایجدی قرینیة المقید هنا لأنّ القرینیة من شؤون اللفظ و الوجوب هنا لایرجع إلی جهة لفظیة.
و العقدة لاتنحل إلا بإرجاع الدلالة علی الوجوب إلی الظهور اللفظی.
((2))
و هو « لزوم رفع الید عن دلالة الأمر علی الوجوب فیما إذا اقترن بأمر عام یدل علی الإباحة و الترخیص کما إذا ورد ”أکرم العالم الفقیه و لا بأس بترک إکرام العالم“ و توضیحه أنّ بناء الفقهاء و الارتکاز العرفی علی تخصیص ”العالم“ فی مثل ذلک و الالتزام بوجوب إکرام الفقیه و اعتباره من التعارض غیر المستقر بینما علی هذا المسلک لا تعارض أصلاً... بل المتعین علی هذا المسلک أن یکون العام رافعاً لموضوع حکم العقل بالوجوب لأنّ حکم العقل معلق علی عدم
ص: 83
ورود الترخیص من المولی.»
((1))
قال: «إنّه لو صدر أمر و لم یقترن بترخیص متصل و لکن احتملنا وجود ترخیص منفصل فالبناء الفقهی و العقلائی علی استفادة الوجوب من الأمر حتی یثبت خلافه مع أنّ هذا مما لایمکن إثباته علی هذا المسلک لأنّه قد فرض فیه أنّ العقل إنّما یحکم بالوجوب معلقاً علی عدم ورود الترخیص من الشارع الخ.»
إنّ حکم العقل بالجوب معلق علی عدم قیام القرینة علی خلافه لاعدم وروده فیکفی فی حکم العقل عدم إثبات الترخیص المنفصل و عدم إحرازه کما صرّح بذلک المحقق النائینی (قدس سره) حیث قال: فإذا صدر بعث من المولی و لم تقم قرینة علی کون المصلحة غیر لزومیة فلامحالّة ینطبق علیه اطاعة المولی... الخ.
تمامیة الدلیل العقلی و إن کانت الإیرادات الثلاثة واردة علیه فإنّ تلک الإیرادات لاتقتضی بطلان الدلیل العقلی بل تقتضی عدم انحصار وجه دلالة مادة الأمر علی الوجوب فیه، لأنّ جمیع موارد دلالتها علی الوجوب لایستقیم مع الدلالة العقلیة علیه، بل الإطلاق بمقدمات الحکمة أیضاً قد یفید دلالتها علی الوجوب، کما أنّ السیرة العقلائیة الآتی ذکرها أیضاً تدل علی دلالة مادة الأمر علی الوجوب کما سیأتی بیانه إن شاء الله.
ص: 84
و هو مختار بعض الأساطین (دام ظله) ((1)) قال: إنّ السیرة العقلائیة تدل علی الوجوب توضیحه أنّ الطریقة العقلائیة فی مقام العمل علی استکشاف الوجوب من الأوامر الصادرة عن المولی اذا لم یقِم قرینة دالة علی الرخصة فیها و لا شک فی تحقق هذه السیرة.
أما منشأ السیرة العقلائیة فسیجیء فی بحث البیع أنّه لیس إلا بناء العقلاء و تبانیهم((2)) و مما تؤکّد السیرة العقلائیة النصوصُ مثل صحیحة زرارة و مُحَمَّدِ بْنِ
ص: 85
ص: 86
مُسْلِمٍ((1)) «قَالا قُلْنَا لِأَبِی جَعْفَرٍ (علیه السلام) مَا تَقُولُ فِی الصَّلَاةِ((2)) فِی السَّفَرِ؟ کَیفَ هِی؟ وَ کَمْ هِی؟ فَقَالَ (علیه السلام) :((3)) ” إِنَّ اللَّهَ یقُولُ: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِی الْأَرْضِ فَلَیسَ عَلَیکُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ)((4)) فَصَارَ التَّقْصِیرُ فِی السَّفَرِ وَاجِباً((5)) کَوُجُوبِ التَّمَامِ فِی الْحَضَرِ “قَالا: قُلْنَا:((6)) إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ:((7)) (لَیسَ عَلَیکُمْ جُنَاحٌ) وَ لَمْ یقُلْ: افْعَلُوا((8)) فَکَیفَ أَوْجَبَ((9)) ذَلِکَ کَمَا أَوْجَبَ التَّمَامَ فِی الْحَضَرِ؟((10))
ص: 87
و مثل روایة عَلِی بْنُ إِبْرَاهِیمَ، عَنْ أَبِیهِ((3))عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیرٍ عَنْ مُعَاوِیةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّه (علیه السلام) قَالَ: «الْعُمْرَةُ وَاجِبَةٌ عَلَی الْخَلْقِ بِمَنْزِلَةِ الْحَجِ عَلَی مَنِ اسْتَطَاعَ» ثم علل الإمام (علیه السلام) وجوبه بقوله: «لِأَنَّ اللهَ تَعَالَی یقُولُ: (وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ)((4))» الحدیث((5))و هذا یکشف عن أنّ صیغة افعل (أتموا) بلا ضم قرینة تدل
ص: 88
علی الوجوب.
فإذا ثبت وجود السیرة العقلائیة فی صیغة افعل فبالأولویة القطعیة یثبت وجودها فی مادة الأمر .
ثم بین الأُستاذ (دام ظله) بعض الموارد التی لایدل الأمر فیها علی الوجوب و قال: الجمع بین الروایات الواردة فی موارد استعمالات الأمر فی غایة الإشکال و علی أی حال بناء السیرة العقلائیة علی استفادة الوجوب من مادّة الأمر فلایضرّنا تعارض الروایات و تساقطها.
مقتضی التحقیق هنا: أنّ السیرة العقلائیة تجتمع مع سائر الأدلّة فلیست مسلکاً نافیاً لسائر المسالک من الوضع و الإطلاق و حکم العقل، نعم إنّها فی عرض سائر المسالک فی مقام الإثبات أی فی مقام الإستدلال علی دلالة مادّة
ص: 89
الأمر علی الوجوب و أما فی مقام الثبوت فهی هنا تنشأ من هذه المسالک کما قال السید المحقق الخوئی (قدس سره) :((1))
«قیام السیرة إنّما یدل علی کون الوجوب مستفاداً منها [أی الصیغة] و أما کون ذلک بالوضع أو بالإطلاق أو من ناحیة حکم العقل فلایدل علی شیء منها.»
فبالنتیجة: إنّ الأدلة التامة علی «دلالة مادة الأمر علی الوجوب» ثلاثة:
الاوّل: الإطلاق بمقدمات الحکمة بالتقریر السابع.
الثانی: الدلیل العقلی.
الثالث: السیرة العقلائیة.
ص: 90
فیها ستة أقوال:
قد یتوهم أنّ الأمر وضع لمطلق الطلب من غیر تقییده بشیء؛ کما تقدم ذلک فی کلمات جمع من الأعلام.
إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) یری أن الأمر أخصّ من مطلق الطلب فإن مطلق الطلب یشمل الطلب الذی هو فی نفس المولی قبل إنشائه و لکن الأمر یختصّ بالطلب المنشأ.
قال (قدس سره) : أما مطلق الطلب فلیس معنی مادة الأمر لأنّ « الظاهر من الإطلاقات العرفیة أنّه لایقال لمن أراد قلباً: إنّه اَمَرَ بل یقال: [إنّه] أراد و لم یأمر بالمراد ».((1)) نعم قال المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی رسالة الطلب و الإرادة إنّ المظنون قویاً عدم
ص: 91
صدق الطلب إلا فی الإرادة المظهرة بالقول أو بالفعل.((1))
قد استدل علی وضع الأمر للطلب القولی بوجهین:
الإجماعات المحکیة علی ذلک.
((2))
الأول: إنّها مصادمة بتعریف کثیر من القدماء للأمر بصرف الطلب.
الثانی: لا حجیة لتلک الإجماعات بعد مساعدة العرف علی خلافه.
الثالث: یمکن إرادة المجمِعین للفرد الشائع مما ینشأ به البعث.
الآیة الشریفة (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَیئًا أَنْ یقُولَ لَهُ کُنْ فَیکُونُ) ((3)) و تقریر ذلک أنّ أمره تعالی إذا أراد شیئاً منحصر بأن یقول: «کن» فالأمر لایصدق إلا إذا کان مبرزه القول.
ص: 92
إنّ قوله «کن» و إن کان أمراً منه تعالی إلّا أنه لیس طلبا قولیاً و إن کان بصیغة افعل بل أمره عین فعله، توضیح ذلک هو:
«إنّ المراد بقوله: [” کن“] لیس هذه الصیغة الإنشائیة قطعاً بل هذه هی المعبَّر عنها فی کلمات أهل المعرفة ﺑ- ”الکلمة الوجودیة“((1)) و فی خطبة
ص: 93
أمیرالمؤمنین و سید الموحدین (علیه السلام) ”إنّما یقول لما((1))أراد کونه: کن فیکون لا بصوت یقرع و لا بنداء((2)) یسمع و إنّما کلامه فعله((3))“الخ((4)) و سر التعبیر عن أنحاء الوجودات بالکلمات هو أنّ الکلام ما یعرب عن ما فی الضمیر و هذه الموجودات معربة عما فی الغیب المکنون فظهر أنّ فعله تعالی أمره باعتبار دلالته علی تعلّق إرادته به و کذا فی جمیع موارد إنزال العذاب حیث عبر عنه بقوله تعالی: (جَاءَ أَمْرُنَا)((5)) فی غیر مورد فإنّه بلحاظ دلالته علی تحتمه و تعلق الإرادة التکوینیة به فافهم».((6))
اختاره المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی نهایة الدرایة، قال:((7)) أما الطلب المنشأ سواء أنشأناه بالقول أو بغیره فیصدق علیه الأمر لأنّ «الأمر» یصدق عرفاً علی البعث بالإشارة و الکتابة. و هذا القول لا بأس به.
ص: 94
قد مرّ سابقاً کلام المحقق الخوئی (قدس سره) ((1)) من أنّ الطلب الذی هو مفاد الأمر و معناه لابدّ له من تقیید آخر.و بیانه هو أنّ الأمر لایصدق علی الطلب المتعلق بفعل نفس الإنسان فلم توضع للجامع بین ما یتعلق بفعل غیره و ما یتعلق بفعل نفسه.
إنّه قد تقدم بطلان ذلک التقیید، فلانعید.
إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) یری أنّ الطلب عنوان لمظهر الإرادة قولاً أو فعلاً.
فعلی هذا یختلف الأمر مع الطلب حیث إنّ الأمر الإرادة البالغة إلی حدّ الفعلیة و الطلب مظهرها قولاً کان أم فعلاً.
إنّ الطلب لیس مظهراً للإرادة و لایصدق علی القول و الفعل إلاّ من باب خذ الغایات و اطرح المبادی، بل الطلب هو الإرادة التی یظهرها المرید و التصدی نحو حصول المطلوب.
إنّ الطلب عین الأمر، فإنّ الأمر الإرادة البالغة حدّ الفعلیة أو الإرادة
ص: 95
المظهرة و الطلب أیضاً الإرادة المظهرة و تصدی المرید حصول مراده و مطلوبه و هذا الوجه یختلف عن القول الأول لأنّ القائل بالقول الأول یری أنّ الطلب أعم من ذلک، فإن الطلب عنده یصدق علی الإرادة و إن لم تُظهَر و لم یتصد المرید نحو تحصیل مراده و أیضاً یختلف هذا الوجه عن القول الثانی لأنّ الطلب علی هذا الوجه صفة نفسانیة و علی القول الثانی مظهر لتلک الصفة النفسانیة قولاً کان أم فعلاً.
ص: 96
فیه تنبیهان:
یقع الکلام حول اتحاد معنی الطلب و الإرادة أو تغایرهما ثم عند تحقیق القول الرابع ینجرّ الکلام إلی تنبیهین: التنبیه الأول فی الإرادة التکوینیة و التشریعیة و التنبیه الثانی فی الأمر بین الأمرین.
فیه محاولتان:
إنّ الشیخ الاعظم العلامة الأنصاری (قدس سره) قال فی مطارح الانظار: بأنّ العدلیة یقولون باتحاد معنی الطلب و الإرادة، و قد ذهب إلیه جمع من الأعلام منهم صاحب الکفایة (قدس سره) .((1))
ص: 97
و سیتضح لک بطلان هذه النظریة و تغایرهما بحسب المعنی. نعم إنّ الطلب و الإرادة متحدان بحسب الحقیقة لا المفهوم کما سیأتی بیانه إن شاء الله.
و لأصحاب هذه المحاولة نظریات:
قال المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((1)) فی رسالة الطلب و الإرادة: إنّ الطلب عنوان لقول أو فعل مظهر للإرادة.
إنّ المختار هو اتحاد حقیقتهما و إن کان مفهوم کل منهما مغایراً للآخر تغایر العنوان الکلی و بعض أصنافه فإن طبیعة الإنسان یغایر العالم الفقیه مفهوماً و لکنهما متحدان حقیقة. فإنّ الطلب عین الإرادة المظهرة علی نحو یتصدی المرید نحو تحصیل المراد، فإن الطلب صنف من أصناف الإرادة، أما القول و الفعل فکل منهما مُظهر للطلب و الإرادة و إطلاق الطلب علیهما فی بعض الأحیان لیس إلّا بالعلاقات المذکورة فی المعانی و البیان، کما أنّ الرقبة مثلاً یطلق علی العبد بعلاقة الکل و الجزء الرئیس منه و نسبة الکل و الجزء و إن کان مذکوراً فی علم المنطق إلّا أن العرف الساذج یستعمل اللفظ من دون التفات تفصیلی إلی هذه العلاقة.
ص: 98
قال المحقق النائینی (قدس سره) :((1)) الشوق المؤکد یسمّی بالإرادة و أما الطلب فهو المرتبة الرابعة (1.التصور 2.التصدیق بالفائدة 3.الشوق المؤکد 4.الطلب و الاختیار) و هذا الطلب یسمی بالاختیار و هو التصدی لتحصیل الشیء و بعبارة أخری هو تأثیر النفس فی حرکة العضلات و إطلاقه علی الفعل النفسانی من باب «خُذ الغایات و اطرَح المبادی»، و هذه النظریة مختار جماعة من أعلام المتأخرین مثل المحقق التقی صاحب هدایة المسترشدین (قدس سره) .
و السید المحقق الخوئی (قدس سره) اختار نظریة المحقق النائینی((2))
و قال بتغایر مفهوم «الأمر» و «الطلب» و «الإرادة» فإنّ مادة «الأمر» عنده
ص: 99
وضع لإبراز الأمر الاعتباری النفسانی و «الطلب» وضع للتصدی نحو الشیء و «الإرادة» وضعت للشوق المؤکد و هو کیف نفسانی .
و لکن هناک نکتة دقیقة فی افتراق ما أفاده عن نظریة المحقق النائینی (قدس سره) ، حیث إنّ المحقق النائینی (قدس سره) قال إنّ الطلب هو عبارة أُخری عن الاختیار و یقع فی المرتبة الرابعة من المراتب المذکورة و أما المحقق الخوئی (قدس سره) فقال بأنّ الطلب هو الفعل الاختیاری الصادر عن الإرادة و الاختیار فافتراقهما فی ناحیة الاختیار، فإنّ المحقق النائینی (قدس سره) جعله عین الطلب و المحقق الخوئی (قدس سره) جعله من مبادی الطلب و أمّا اشتراکهما فهو فی عنوان التصدی نحو تحصیل الشیء فی الخارج فإنهما جعلا هذا العنوان عین الطلب.
ثمّ إنه قال فی إرادته تعالی:((1)) «الإرادة لیست الشوق الأکید بل هی إعمال القدرة»، و الوجه فی ذلک هو أنّ الإرادة بمعنی الشوق الأکید لاتعقل فی إرادته تبارک و تعالی.
الإرادة صفة نفسانیة فلاتقبل الوجود الإنشائی بخلاف الطلب فإنّه یقبل الوجود الإنشائی.
إنّ ما أفاده فی وجه افتراق الإرادة و الطلب لایرجع إلی محصّل و قد تقدّم الإیراد علیه، فإنّ الإرادة أیضاً قد تکون إنشائیة؛ کما أنّ الطلب أیضاً قد یکون حقیقیاً غیر إنشائی.
قال الأشاعرة بتغایر مفهوم الطلب و الإرادة و مصداقهما و استدلوا علی ذلک بوجوه و قالوا: إنّ الطلب هو الکلام النفسی لا الإرادة و التزموا بالکلام النفسی تارة بعنوان الصفات الذاتیة لله تبارک و تعالی((1)) حیث إنّهم اعتقدوا بقدم القرآن و هو کلام الله تعالی مع أنّ ألفاظ القرآن لیست بقدیمة فلابدّ أن یدل ألفاظ الکتاب المجید علی الکلام النفسی الذی هو قدیم. هذا من جهة و من جهة أُخری إنّ المتکلم من أسماء الله و أسماء الله قدیمة قائمة بذاته تعالی و أخری بعنوان صفة موجودة فی أُفق النفس((2)) و قالوا: کل کلام صادر عن المتکلم
ص: 101
إذا قصده مسبوق بتصوره فی ذهنه و هو الکلام النفسی((1)) و الکلام النفسی إمّا
ص: 102
خبر (فی الجمل الخبریة) و إمّا طلب (فی الإنشاء بصیغة الأمر) و قالوا: إنّ الکلام کما یطلق علی الکلام اللفظی کذلک((1)) یطلق علی الکلام النفسی مثل قول القائل:
ص: 103
«إنّ فی نفسی کلاماً لاأُرید أن أُبدیه » و یشهد له قوله تعالی: (وَأَسِرُّوا قَوْلَکُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِیمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)((1))و قوله تعالی: (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِی أَنْفُسِکُمْ أَوْ تُخْفُوهُ یحَاسِبْکُمْ بِهِ اللَّهُ).((2))
((3)) إنّ المولی قد یطلب الشیء من عبده للامتحان و الاختبار و فی هذه الأوامر الامتحانیة الطلب موجود دون الإرادة (مثل طلب ذبح إسماعیل علی نبینا و آله و علیه السلام).
ص: 104
((1))
قال (قدس سره) : «و جوابه أنّ الأمر إن کان بصیغة الطلب الإنشائی فالثابت هنا هو الطلب بوجوده الجعلی التنزیلی المعبّر عنه بالإنشائی و الطلب الجعلی الإنشائی کالإرادة الإنشائیة المُنشَأَة بصیغة أُرید مغایر عند الکل مع الإرادة الحقیقیة [و الطلبِ الحقیقی] و هذا الدلیل لیس بکافل لمغایرة الحقیقی منهما و إن کان بصیغة افعل فلا طلب أیضاً لا إنشاءً و لا حقیقةً علی ما هو التحقیق من أن مفادها [أی الصیغة] البعث و التحریک و مغایرتهما للإرادة [الحقیقیة] مما لاریب فیها».
فهذا الدلیل لایثبت تغایر الإرادة الحقیقیة والطلب الحقیقی بل یثبت تغایر الإرادة الحقیقیة و الطلب الإنشائی (الذی هو مفاد مادة الأمر) و البعث و التحریک بالمعنی الحرفی (الذی هو مفاد صیغة الأمر).
جدّی فیشتمل علی الطلب الحقیقی و لکن الإرادة الحقیقیة منتفیة بالنسبة إلی الإیمان و الأعمال فلو قلنا باتحاد الطلب و الإرادة إما یلزم انتفاؤهما فی تکلیف الکفار و العصاة فیکون التکلیف صوریاً لا حقیقیاً و هذا خلاف الضرورة و إما یلزم ثبوتهما فی تکلیف الکفار و العصاة فیلزم تخلف إرادة الله تعالی عن مراده.
أورد علیه صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)) بالفرق بین الإرادة التکوینیة و التشریعیة فإنّ الإرادة المتعلقة بالکفر من الکافر إرادة تکوینیة و حقیقتها العلم بما هو صلاح بحسب النظام الکلی و هذا هو الذی لایکاد یتخلف عن المراد حیث إنّ المحل قابلٌ و یسأل بلسان استعداده الدخول فی دار الوجود و المبدأ تامّ الإفاضة لا بخل فی ساحته المقدّسة و الوجود – بما هو هو - خیر محض و محض الخیر فلذا لایعقل التخلف.
و أما إرادة الإیمان من الکافر فهی إرادة تشریعیة و حقیقتها العلم بالمصلحة فی فعل المکلف و حیث یقتضی العنایة الربانیة سوق الأشیاء إلی کمالاتها و إعلام المکلفین صلاحهم و فسادهم یجب علیه تعالی تحریکهم إلی ما فیه الصلاح و
ص: 106
زجرهم عمّا فیه الفساد فهذه العلة علة البعث دون التکوین لیلزم استحالة التخلف.
«فإذا توافقتا [أی الإرادة التکوینیة و الإرادة التشریعیة] فلابدّ من الإطاعة و الإیمان و إذا تخالفتا فلا محیص عن أن یختار الکفر و العصیان.»
هذا تمام کلام صاحب الکفایة (قدس سره) و اتضح بما أفاده أنّ هذا الاستدلال لایجدی فی إثبات المغایرة بین الطلب و الإرادة((1)) فلابدّ للقائل بذلک من إثباته ببیان آخر
ص: 107
و سیأتی الکلام إن شاء الله تعالی حول ذلک.
التنبیه الأول حول مطلبین؛ الأول: الإرادة التکوینیة التی فسّرها صاحب الکفایة (قدس سره) بالعلم بالنظام علی النحو الکامل التامّ (و علی هذا تکون الإرادة من الصفات الذاتیة لا الفعلیة). و الثانی: الإرادة التشریعیة و هناک یقع الکلام فی
ص: 108
عدم وجود الإرادة التشریعیة لعدم الفائدة فیها.
التنبیه الثانی: مسألة الجبر و الاختیار حیث إنّ اختیار الکفر و العصیان علی ما أفاده المحقق صاحب الکفایة (قدس سره) یندرج تحت الإرادة التکوینیة المتعلقة بالنظام الأحسن.
ص: 109
فیه مطلبان:
و فیه جهتان:
إنّ الإرادة لها معنی عام و هو مشترک معنوی ذو مراتب تشکیکیة یشمل الشوق (الحاصل بعد تصور فائدة الشیء و التصدیق به) و الشوق الأکید و العزم التام فی النشأة النفسانیة و الابتهاج و الابتهاج التام فی النشأة الإلهیة و النفسانیة و نعبّر عنه بمطلق الابتهاج.
فصّل الحکیم الزنوزی (قدس سره) مبادی الأفعال الاختیاریة للانسان بهذا الترتیب:
1. تصور الفعل
2. التصدیق بمنفعته
3. الشوق المنبعث من التصدیق
4. الشوق المتأکد ( المسمی بالإجماع و العزم أی العزم الناقص )
5. العزم التام
6. تحریک القوی المحرِّکة نحو الفعل
ص: 110
و بعضهم أسقط «العزم التام» وأدرجه فی «الشوق المتأکد» کما أنّ بعضهم لم یفرّق بین مجرد الشوق و الشوق المتأکد.
قال (قدس سره) :((1)) إنّ المعارضات و الموانع عن الفعل إذا کثرت واشتدت فیتحقق الشوق الضعیف (مجرد الشوق) و إذا قلّت فیرتقی الشوق إلی المرتبة المتأکدة و إذا ارتفعت الموانع و المعارضات فیکون العزم تامّاً (بعد أن کان ناقصاً فی مرحلة الشوق الأکید) فیتحرک العضلات نحو الفعل ثم یوجد الفعل الاختیاری.
و «مجرد الابتهاج» عنوان أعم یشمل المحبة الإلهیة کما أنّه یشمل الشوق (و الظاهر عمومه لمجرد الشوق و الشوق الأکید).
و «الابتهاج التام» أیضاً عنوان أعم یشمل المحبة الإلهیة البالغة إلی حد التصدی و إعمال القدرة نحو الشیء کما أنّه یشمل العزم التام (فإنّ التعبیر بالشوق یوجب اختصاص الکلام بما هو ذو نفس إنسانیة أو حیوانیة أو غیر ذلک و لکن التعبیر بالابتهاج أعم من ذلک).
«و الحقّ فی معنی الإرادة هو مطلق الابتهاج الشامل للابتهاج الناقص (و قد یعبّر عنه بمجرد الابتهاج و هو المحبة و الشوق) و الابتهاج التام و هو العزم التام».
و لکن قد یتداول استعماله فی خصوص « الابتهاج التام » کما أنّه المبحوث عنه فی عصر الأئمة (علیهم السلام) و الاستعمال فی هذه الحصة استعمال فی الفرد الغالب و المطلق ینصرف إلی الفرد الأغلب و لایخفی أنّ الابتهاج إذا لم یصل إلی حد العزم التام و إعمال القدرة یتصور فی الأسماء و الصفات الذاتیة و الفعلیة بخلاف
ص: 111
الابتهاج التام فإنّه مختص بالأسماء و الصفات الفعلیة.
((1)) و النائینی (قدس سرهما) :((2))
هما اتفقا علی أنّ الإرادة هی الشوق الأکید و افترقا فی أنّ صاحب الکفایة (قدس سره) یقول باتحاد الطلب و الإرادة و المحقق النائینی (قدس سره) یقول بأنّ الطلب یتحقّق بعد الشوق الأکید و هو التصدی نحو الشیء.
((3))
«من البین أنّ مفهوم الإرادة کما هو مختار الأکابر من المحققین هو الابتهاج و الرضا و ما یقاربهما مفهوماً و یعبّر عنه بالشوق الأکید فینا و السر فی التعبیر عنها بالشوق [الأکید] فینا و بصرف الابتهاج و الرضا فیه تعالی أنّا لمکان إمکاننا ناقصون غیر تامّین فی الفاعلیة و فاعلیتنا لکل شیء بالقوة فلذا نحتاج فی الخروج من القوّة إلی الفعل إلی أُمور زائدة علی ذواتنا من تصور الفعل و التصدیق بفائدته و الشوق الأکید الممیلة جمیعاً للقوّة الفاعلة المحرکة للعضلات، بخلاف
ص: 112
الواجب تعالی فإنّه لتقدّسه عن شوائب الإمکان و جهات القوة و النقصان فاعل و جاعل بنفس ذاته العلیمة المریدة.»
و ما أفاده من معنی الإرادة صحیح مطابق للعرف، إلّا أنّ ما أفاده یفترق عن بیان المدرس الزنوزی (قدس سره) ، لأنّ الإرادة -التی هی عین المراد علی بیان المدرس الزنوزی (قدس سره) - هی المرتبة الخامسة التی هی الابتهاج التام و العزم التام، و أمّا علی بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) فهی المرتبة الرابعة (الشوق الأکید).
إن المحقق الخوئی (قدس سره) تبع((1)) المحقق النائینی (قدس سره) فی ابتداء الأمر و لکن عدل عنه بعد ذلک فقال: ((2))
«الإرادة لاتخلو من أن تکون بمعنی إعمال القدرة أو بمعنی الشوق الأکید و لا ثالث لهما و حیث إنّ الإرادة بالمعنی الثانی لاتعقل لذاته تعالی تتعین الإرادة بالمعنی الأول له سبحانه و هو المشیة و إعمال القدرة».
و لایخفی أنّ إعمال القدرة عنده هو التصدی نحو الشیء و هذا المحقق فسّر الطلب بهذا المعنی((3)) کما أنّ أُستاذه المحقق النائینی (قدس سره) قال بأنّ الطلب هو
ص: 113
الاختیار و هو التصدی لتحصیل الشیء و علی هذا لابدّ للمحقق الخوئی (قدس سره) أن یلتزم باتحاد الطلب و الإرادة بالنسبة إلی ذاته تبارک و تعالی.
نعم إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) یعتقد بأنّ الإرادة فینا بمعنی الشوق الأکید حیث إنّه قال بعد ذلک:((1)) «إنّ إرادتنا هی الشوق المؤکد الداعی إلی إعمال القدرة و السلطنة نحو إیجاد المراد».
أنّ الإرادة عند بعضهم «الشوق الأکید» کالمحقق الخراسانی و المحقق النائینی (قدس سرهما) و عند بعض آخر «إعمال القدرة» و عند المحقق الخوئی (قدس سره) هی فی المخلوق الشوق الأکید الداعی إلی إعمال القدرة و فی ذاته تعالی نفس إعمال القدرة، و عند الحکماء «مجرد الابتهاج» و عند بعضهم((2))«مطلق الابتهاج» الشامل لمجرد الابتهاج و الابتهاج التام و عند بعضهم «العلم بالمصلحة و الاعتقاد بالمنفعة».
و المختار أنّها موضوعة لمعنی عام یشمل الشوق الأکید ببعض مراتبه و الابتهاج ببعض مراتبه الأُخر و لکن الغالب استعماله فی الابتهاج التامّ بحیث یحمل علیه لأنّ المطلق ینصرف إلی الفرد الأغلب نعم ذلک لایوجب الوضع للفرد الأغلب.
و الإرادة التی وردت فی الروایات أنّها من الأسماء الفعلیة لا الذاتیة هی من هذا القبیل.
ص: 114
فالکلام فیها تارة من جهة أصل وجودها و أخری من جهة معناها.
أما أصل وجودها ففیه قولان:
و هو مختار مشهور الحکماء و المحقق الخراسانی و المحقق الإصفهانی (قدس سرهما) .
ص: 116
ص: 117
أما تفسیرها ففیه أقوال نذکر القولین المهمّین:
اختاره المحقق الخراسانی (قدس سره) .
بیانه (قدس سره) فی وجه تعبیر الحکماء عن إرادته تعالی بالعلم: إنّ مفهوم الإرادة غیر مفهوم العلم((1)) کما یظهر ذلک لمن تصفح فی کلماتهم و کتبهم الحکمیة فما الوجه فی إرجاع الإرادة إلی العلم؟
الوجه فی ذلک أنّ الفعل الاختیاری هو الفعل الصادر عن شعور و رضا من الفاعل فیعتبر فیه العلم و الرضا.
و لذا لیس الفعل الذی صدر عن العلم بلا رضاً، فعلاً اختیاریاً مثل السقوط عن الارتفاع بمجرد تصور أنّه علی حائط دقیق العرض.
و هکذا الفعل الذی صدر عن موافقة الفاعل بلا شعور و علم لیس فعلاً اختیاریاً مثل الآثار و المعالیل الموافقة لطبیعة مؤثراتها و عللها.
«فهذا هو السبب فی تعبیر الحکماء عن إرادته [تعالی] بالعلم بنظام الخیر فإنّهم بصدد [بیان] ما به یکون الفعل اختیاریاً و هو لیس مجرّد الملائمة و الرضا المستفادین من نظام الخیر بل بإضافة العلم».((2))
ص: 118
اختاره المحقق الإصفهانی (قدس سره) .
قال (قدس سره) :((1)) «و أما الإرادة فمعناها العام هی المحبة و الرضا و الابتهاج و حیث إنّ الواجب تعالی صرف الوجود فهو صرف الخیر إذ الوجود کله خیر بالذات ... فإذا کان الواجب صرف الخیر و الخیر هو الملائم و الموجب للابتهاج و یکون لذیذاً و محبوباً فهو تعالی مبتهج بذاته أتّم ابتهاج [و الابتهاج هو الارادة.]
و حیث إنّ کل ما کان مبدأ لانتزاع وصف اشتقاقی بذاته فهو منشأ لانتزاع مبدأ الوصف فهو مبتهِج و مبتهَج و ابتهاج، و راضٍ و مرضی به و رضا، کما أنّه عالم و معلوم و علم و هکذا و فی هذه المرتبة لا مراد إلا ذاته.
و حیث إنّ ذاته تعالی صرف الوجود فهو کلّ الوجود، فکل وجودٍ مرادٌ فی مرتبة ذاته بمرادیة ذاته لا بمرادیة أُخری».
ص: 119
فیها تفسیرات ثلاثة:
لاخلاف فی تحقق الإرادة الفعلیة لله تبارک و تعالی فإنّ المحدّثین و الحکماء و المتکلّمین کلهم متفقون علی وجودها و لکن الکلام فی تفسیرها.
اختاره المحقق الإصفهانی (قدس سره) .
و أمّا ما ورد من حدوث المشیة((1)) فالمراد هی المشیة الفعلیة و بعبارة أخری هی المشیة التی یکون المراد فیها غیره تعالی و أما الإرادة التی لیس المراد بالحقیقة
ص: 120
هناک إلا نفس ذاته - جلّت ذاته - فلا دخل لها بمورد الأخبار [لأنّ المعنی المتفاهم عند الرواة من لفظ الإرادة بعنوان صفته تعالی هذه الإرادة الفعلیة التی لاتنفک عن المراد و لذا أجاب الإمام (علیه السلام) بما هو المتداول من معنی الإرادة و هی المرتبة الفعلیة منها]».
إنّ الإرادة الفعلیة لیست مطلق الابتهاج الفعلی و المحبّة الفعلیة بل الابتهاجُ البالغ إلی التصدی نحو الشیء الذی هو المراد غالباً و الإرادة مستعملة فی الروایات بهذا المعنی و لذا خصّوها بالمرتبة الفعلیة و أنکروا کونها بهذا المعنی صفةً ذاتیةً له تعالی لترتب مفاسد کثیرة علی ذاتیة صفة الإرادة بهذا المعنی (لأنّه یلزم تخلف إرادته الذاتیة عن تحقق المراد أو یلزم وجود المراد قدیماً بقدم الذات).
و من ذلک یظهر أنّ ما ذهب إلیه المحدثون من نفی الإرادة الذاتیة عن الله تبارک و تعالی وفقاً للروایات الواردة فی هذا الباب یرجع إلی هذا المعنی و کلامهم فی غایة المتانة إلّا أنّ تحقق الإرادة الذاتیة بمعنی آخر أو بمرتبة أخری من حقیقة الإرادة لاینافی نفی الإرادة الذاتیة بهذا المعنی.
اختاره المحقق الخوئی (قدس سره) و تقدم کلامه فراجع.
إنّ نفس إعمال القدرة لیست إرادة فعلیة بل هی الابتهاج الباعث علی التصدی نحو الشیء.
ص: 121
قد اتضح مما ذکرنا عند الملاحظة علی نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) أنّ الإرادة الفعلیة هی الابتهاج البالغ إلی التصدی نحو الشیء.
ص: 122
و لها تفسیران:
و هذا هو التفسیر الذی ذکره المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((1)) و بیانه هو أنّ الإرادة قد تتعلق بفعل المرید بنفسه و قد تتعلق بفعل غیره فالإرادة التشریعیة هی ما یتعلق بفعل الغیر أما البعث و التحریک إلی فعل الغیر فلیسا من الإرادة التشریعیة فإنّهما من أفعال المولی و المشرِّع فنفس أمر المولی و الشارع متعلق إرادته التکوینیة و إیجاد الغیر الفعلَ المأمور به متعلق إرادته التشریعیة.
((2))
إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) قائل بعدم وجود الفائدة فی تحقق الإرادة التشریعیة فی نفس الشارع و أساس نظریته (قدس سره) یبتنی علی تفسیره للإرادة التشریعیة.
قال (قدس سره) : « [إنّ] من جملة النظام التام الذی لا أتمّ منه نظام إنزال الکتب و إرسال الرسل و التحریک إلی ما فیه صلاح العباد و الزجر عما فیه الفساد فالمراد بالإرادة الذاتیة بالعرض لا بالذات هذه الأُمور دون متعلقاتها ای إنّ الإرادة
ص: 123
الذاتیة تتعلق بنفس ذاته تعالی بالذات و تتعلق بآثاره بالعرض نعم انّ الإرادة الذاتیه بالعرض تتعلق بالبعث و التحریک لا بالفعل المبعوث إلیه بل ربّما لایقع هذا المتعلّق، کما فی الکفار و العصاة، فلا أثر للإرادة التشریعیة فی صفاته الذاتیة - جلّت ذاته و علت صفاته - ... و مما ذکرنا فی المقدمة آنفاً فی الفرق بین الإرادة التکوینیة و التشریعیة تعرف أنّه لامجال لانقداح الإرادة التشریعیة فی النفس النبویة و لا فی النفس الولویة - خصّهما الله بألف تحیة - و ذلک لبداهة عدم فائدة عائدة من الفعل إلیهما بل إلی فاعله و عود فائدة من قبل إیصال النفع [إلی العباد] إلی النبی (صلی الله علیه و آله) أو الولی (علیه السلام) لایوجب کون الإرادة المتعلقة بالبعث و الزجر تشریعیة لأنّهما من أفعالهما الاختیاریة المتوقفة علی الإرادة فهی تکوینیة لا تشریعیة.
فتحصّل من هذا البیان القویم البنیان أنّ حقیقة التکلیف الجدّی البعث إلی الفعل بداعی انبعاث المکلف أو الزجر عنه بداعی الانزجار و هذا المعنی لایتوقف علی إرادة نفس الفعل مطلقاً بل فی ما إذا رجع فائدته إلی المرید.»
و الحق ثبوت الإرادة التشریعیة بهذا التفسیر.
إنّ الإرادة قد یتعلق بالحقائق التکوینیة و قد یتعلق بالاعتبارات التشریعیة فالإرادة التشریعیة هی ما یتعلق بالأُمور الاعتباریة الشرعیة.
و الفرق بین التفسیر الأول و الثانی هو أنّ متعلق الإرادة التشریعیة علی التفسیر الأول هو الفعل الصادر عن الغیر و علی التفسیر الثانی هو الاعتبار الشرعی المتعلق بفعل الغیر فلایرد علیها ما أورده المحقق الإصفهانی (قدس سره) .
ثم إنّ الإرادة التشریعیة علی التفسیر الثانی أیضاً بمعنی الابتهاج فإنّ حب
ص: 124
الذات لذاته هو بعینه حبه لمظاهر صفاته - جلّ جلاله و عظمت صفاته - و نظام التشریع مثل نظام التکوین من مظاهر صفات الله تعالی، فلایضرّنا عدم عود النفع و الفائدة إلی الشارع فإنهما تعودان إلی الفاعل لانّ الوجه فی تعلّق إرادته تعالی بالإعتبارات الشرعیة هو الإبتهاج و حبّه لمظاهر صفاته.
[علی بن موسی الرضا (علیه السلام) ] قال (قدس سره) : ”إِنَّ للهِ
إِرَادَتَینِ وَ مَشِیتَینِ: إِرَادَةَ حَتْمٍ وَ إِرَادَةَ عَزْمٍ ینْهَی وَ هُوَ یشَاءُ وَ یأْمُرُ وَ هُوَ لَا یشَاءُ“ الخبر و هو ظاهر فی أنّ الإرادة التشریعیة حقیقتها الأمر و النهی و أنّ حقیقة الإرادة و المشیة هی الإرادة التکوینیة»
فعلی هذا مفاد الأمر الإرادة التشریعیة.
ص: 126
قال صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)) فی الجواب عن الاستدلال الثانی للأشاعرة علی اختلاف الطلب و الإرادة بعدم تعلق إرادته تعالی تکویناً بالإیمان من الکفار و بالطاعات من العصاة و هذا یوهم الجبر.
فلابدّ من تحقیق المسألة علی أساس مذهب أهل البیت (علیهم السلام) لما ورد عنهم فی الأخبار الکثیرة الصحیحة «لَا جَبْرَ وَ لَا تَفْوِیضَ بَلْ أَمْرٌ بَینَ»((2)) وفاقاً للعقل
ص: 127
ص: 128
السلیم و خلافاً لما بنی علیه الجبریة و المفوّضة.
فإنّ الجبریة ینکر استناد الأفعال إلی العباد بل یسندها إلی الواجب تعالی و یقول: عادة الله جرت علی إیجاد ما یسمّی بالأسباب قبل إیجاد الأفعال و لذا یتوهم الناس سببیة هذه الأُمور للأفعال مع أنّ ذلک ینافی الالتزام بالتوحید الأفعالی فإنّه لا مؤثر فی الوجود إلا الله تبارک و تعالی.
و فی قبالهم ینکر المفوّضة استناد الأفعال إلیه تعالی خوفاً من مفسدة استناد القبائح إلیه تعالی و لذا التزموا بفاعلیة العباد استقلالاً.
ص: 129
لنظریة الأمر بین الأمرین تقریرات مختلفة نشیر إلی أربعة منها:
قال المحقق الإصفهانی (قدس سره) مقرراً ما حُکی عن المحقق الطوسی (قدس سره) :
«تقریب هذه الکلمة المبارکة بوجهین، أحدهما أنّ العلّة الفاعلیة ذاتُ المباشر بإرادته و هی العلة القریبة و وجوده و قدرته و علمه و إرادته لها دخل فی فاعلیة الفاعل و معطی هذه الأُمور هو الواجب تعالی فهو الفاعل البعید فمن قصر النظر علی الأول حکم بالتفویض و من قصر النظر علی الثانی حکم بالجبر و الناقد البصیر ینبغی أن یکون ذا عینین فیری الأول [أی مباشرة الفاعل للفعل] فلایحکم بالجبر و یری الثانی [أی یری أنّ وجوده و قدرته و علمه و إرادته من قبل الله] فلایحکم بالتفویض».
ص: 130
((1))
و قد صحّحه المحقق الخوئی (قدس سره) فی حاشیة أجود التقریرات.
قال (قدس سره) : «و أما الموضع الثانی فالحق فیه أیضاً أنّ هناک مرتبةً أُخری بعد الإرادة تسمی بالطلب و هو نفس الاختیار و تأثیر النفس فی حرکة العضلات ... و البرهان علیه أنّ الصفات القائمة بالنفس من الإرادة و التصور و التصدیق کلها غیر اختیاریة فإن کانت حرکة العضلات مترتّبة علیها من غیر تأثیر النفس فیها و بلا اختیارها فیلزم أن لاتکون العضلات منقادةً للنفس فی حرکاتها و هو باطل وجداناً فإنّ النفس تامّة التأثیر فی العضلات من دون أن یکون لها مزاحم فی سلطانها و ملکها وللزم أن تصدق شبهة إمام المشککین فی عدم جواز العقاب بأنّ الفعل معلول للإرادة و الإرادة غیر اختیاریة و أن لایمکن الجواب عنها و لو تظاهر الثقلان کما ادعاه ... و الحاصل أنّ علیة الإرادة للفعل هادمة لأساس الاختیار و مؤسسة لمذهب الجبر بخلاف ما إذا أنکرنا علیة الصفات النفسانیة من الإرادة و غیرها للفعل و قلنا بأنّ النفس مؤثرة بنفسها فی حرکات العضلات من غیر محرک خارجی و تأثیرها المسمّی بالطلب إنّما هو من قبل ذاتها [أی ذات النفس] فلا یلزم محذور أصلاً و یثبت الأمر بین الأمرین کما هو المذهب الوسط و بهذه النظریة الدقیقة المثبتة للأمر بین الأمرین کما صرحت به روایات أهل
ص: 131
البیت (علیهم السلام) یستدل علی الحق فیهم و معهم فإنّه مما أعیا إدراکه عقول الفلاسفة و ذوی الأفکار».
فالوجه فی اختیاره لهذا التقریر هو شبهة الفخر الرازی((1)) فی عدم جواز العقاب -من أنّ الفعل معلول للإرادة و الإرادة غیر اختیاریة- التی قال بعد بیانها: لایمکن الجواب عنها و لو تظاهر الثقلان.
هنا دلیلان علی تعلق الإرادة التکوینة لله تعالی بأفعال العباد و سیجیء بیانهما
ص: 132
ذیل ملاحظتنا علی کلام المحقق الخوئی (قدس سره) فی التقریر الرابع و هما کافیان لبیان دخول النفس و أفعالها تحت إرادة الله تعالی.
مع أنّ الانفکاک بین فاعلیة النفس و علیة إرادته بما هی صفة نفسانیة مما لایمکن الالتزام به فإنّ الإرادة فی طریق فاعلیة النفس و بتمامیة الإرادة تتم فاعلیته و فاعلیة النفس تتوقف علی التصورات و التصدیقیات الإدراکیة و الشوق النفسانی و إن کان جمیع ذلک فی ارتکاز النفس بحیث لاتتوجه إلیه.
و إیجاد النفس لما هو منافرٌ لطبعه أو لما تُصدِّق إضرارَه لیس مخالفاً لإرادة النفس لأنّ النفس ذات مراتب کثیرة و إرادات متعددة و قد تغلب إرادته للأمر الباطل علی إرادته لما هو الصواب و الخیر (و المراد من الإرادة الشوق أو الشوق الأکید فی قبال العزم التام).
الْوَلِیدِ رحمة الله قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مَتِّیلٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَلِی بْنِ الْحَکَمِ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) قَالَ: «اللهُ تَبَارَکَ وَ تَعَالَی أَکْرَمُ مِنْ أَنْ یکَلِّفَ النَّاسَ مَا لَا یطِیقُونَهُ وَ اللهُ أَعَزُّ مِنْ أَنْ یکُونَ فِی سُلْطَانِهِ مَا لَا یرِیدُ».
و الحسن بن متّیل وجه من وجوه أصحابنا کثیر الحدیث قاله النجاشی((1)) و المراد من أحمد بن أبی عبد الله أحمد بن محمد بن خالد البرقی و الروایة إما صحیحة و إما حسنة لمکان الحسن بن متّیل و علی أی حال هی حجّة و معتبرة و صریحة فی ما قلنا.
ص: 134
و منها: الروایات الدالة علی تحقق کل شیء و إن کان معصیةً، بقضاء الله و قدره و مشیته و علمه.((1))
ص: 135
و منها: ما ورد من طریق الخاصة و العامة((1)) عن النبی (صلی الله علیه و آله) عن الله تعالی: «...
ص: 136
یا ابْنَ آدَمَ بِمَشِیتِی کُنْتَ أَنْتَ الَّذِی تَشَاءُ لِنَفْسِکَ مَا تَشَاءُ وَ بِإِرَادَتِی کُنْتَ أَنْتَ الَّذِی تُرِیدُ لِنَفْسِکَ مَا تُرِیدُ.» ((1))
((2))
و جَعَلَ هذا التقریر أدق و أقرب إلی توحید أفعاله تعالی من تقریر المحقق الطوسی (قدس سره) . قال (قدس سره) : «و ثانیهما ما هو أدق و أقرب للتوحید فإنّ الموحد کما یجب أن یکون موحّداً فی الذات و الصفات، کذلک یجب أن یکون موحداً فی الأفعال [فکما لا شریک له تعالی فی الوجود فکذلک لا شریک له فی الإیجاد]».
و هذا التقریر یبتنی علی مقدمتین:
قال (قدس سره) : «و ملخص هذا الوجه أنّ الإیجاد یدور مدار الوجود فی وحدة الانتساب و تعدده و فی الاستقلال و عدمه فلابدّ هاهنا من بیان أمرین: أحدهما بیان کیفیة استقلال الوجود و عدمه و تعدد الانتساب و عدمه ثانیهما تبعیة الإیجاد للوجود کما مرّ.»
ص: 137
«إنّه قد تقرر فی مقره أنّ المجعول بالذات هو الوجود المنبسط [الذی به موجودیة الموجودات المحدودة و الماهیات] و المجعول و المعلول بالذات حیثیة ذاته حیثیة المجعولیة و المعلولیة و الارتباط لا أنّ هناک شیئاً له المجعولیة و الربط [وهی الخصوصیة الأُولی] و البرهان علیه أنّ کل ما کان بذاته مصداقاً [و مطابقاً] لمحمول اشتقاقی [کما أنّ الوجود بذاته مصداق لعنوان المجعول و المرتبط بالحق المتعال] فهو مصداق [و مطابق بذاته] لمبدئه أیضاً [أی ان الوجود بذاته مصداق للجعل و الربط] و إلا لزم مصداقیته له [أی مصداقیة الوجود للمحمول الاشتقاقی الّذی هو عنوان المجعول وعنوان المرتبط] فی المرتبة المتأخرة عن ذاته و هو خلف. [فثبت بذلک انّ الوجود بذاته عین الجعل و الربط] و هذا معنی عدم الاستقلال فی الوجود حیث إنّ الوجود المفروض حینئذ عین الربط و محض الفقر».
هذا الوجود المطلق المنبسط علی هیاکل الماهیات و المتّحد مع مراتب الموجودات [لأنّ موجودیة الموجودات المقیدة المحدودة به] بما هو عین کل مرتبة بلحاظ إطلاقه و لابشرطیته له انتسابان: [انتساب] إلی الفاعل [و هو الله تبارک و تعالی] بالوجوب و هو بهذا الاعتبار فعله تعالی و صنعه و مشیته الفعلیة و [انتساب] إلی القابل بالإمکان و هو بهذا الاعتبار وجود زید و عمرو و غیرهما من الموجودات المحدودة و الماهیات».
ص: 138
إنّ أثر الوجود المجعول بالذات فی المقام الفعل الصادر عن العبد الذی هو مرتبة من مراتب الوجود الإطلاقی، و الکلام فی المقدمة الثانیة یقع فی هذا الأثر فإنّ أثر الوجود الإطلاقی المتحد مع مراتب الموجودات المحدودة تابع لمؤثره فی الخصیصتین المذکورتین و عبّر عن ذلک بتبعیة الإیجاد للوجود فی خصیصة الربط و الانتسابین المذکورین.
«فمختصر الکلام أنّ [الوجود] المجعول بالذات بعد ما کانت حیثیة ذاته حیثیة الربط و الفقر فلابدّ من أن یکون أثره کذلک و إلا لانقلب الربط المحض إلی محض الاستقلال و هو محال إذ الجاعل بالذات حیثیة ذاته حیثیة الجاعلیة کما عرفت، فإن کان ذاته مستقلة کانت حیثیة الجاعلیة مستقلة و إن کانت عین الربط و الفقر کانت حیثیة الاقتضاء و الجاعلیة عین الربط و الفقر إذ لا تغایر بین الحیثیتین حقیقةً و من هنا قلنا سابقاً إنّ التفویض شرک بین.»
الحاصل: «إذا عرفت ذلک تعرف أنّ هذا الوجود الإطلاقی - الذی حیثیة ذاته حیثیة الربط و الفقر و کان له انتسابان حقیقةً إلی الفاعل و القابل - عین کل مرتبة فأثرُه [أی أثر کل مرتبة] کذلک [أی له الخصوصیتان] فمن حیث إنّ حیثیة الأثر کحیثیة المؤثّر عین الارتباط تعرف أنّه لا تفویض و من حیث إنّ الأثر کالمؤثر له انتسابان حقیقةً تعرف أنّه لا جبر فأثر کل مرتبة له جهتان: ((1))
ص: 139
[1-] جهة انتساب إلیه تعالی حیث إنّه أثر فعله الحقیقی الإطلاقی و هذه جهة تلی الرّب.
[2-] جهة انتساب إلی العبد حیث إنّه أثر وجوده الحقیقی و هی جهة تلی الماهیة فکما أنّ وجوده وجوده حقیقةً و بلا عنایة و مع ذلک فهو فعل الله و صنعه حقیقةً کذلک إیجاده إیجاده حقیقةً و بلا تجوز و مع ذلک فهو [إیجاد الله و] أثر فعله تعالی بلا مجاز، فإذا تمکن العبد من نفی وجوده عن نفسه تمکن من نفی إیجاده عن نفسه [و لهذا صحّ إسناد الفعل إلیه تعالی کما ینسب إلی العبد کما ورد فی الآیات و الروایات کثیراً] و لایخفی علیک أنّ الأثر إنّما ینسب إلیه تعالی بما هو مطلق و إلی العبد بما هو محدود و مقید و إلا فجَلَّ جنابه تعالی من أن تستند إلیه الأفعال التی لاتقوم إلا بالجسم و الجسمانی و لو کان من الأعمال الحسنة فضلاً عن الأعمال السیئة [و بالجملة الوجود بما هو لا بما هو محدود بالحدود الوجودیة و الماهویة خیر محض فینسب إلیه تعالی فالکمال راجع إلی الکمال و النقص إلی النقص فاتضح أنّ فعل العبد مع أنّه فعله فهو أحد أفاعیل الحق تعالی] نعم ربما تغلب الجهة التی تلی الرب و تندک فیها الجهة الأُخری کما فی قوله تعالی: (وَ مَا رَمَیتَ إِذْ رَمَیتَ وَلَکِنَّ اللَّهَ رَمَی) ((1)) فحینئذ ینفی الانتساب إلی المربوب و ینسب
ص: 140
إلی الرب و من ذلک یظهر عدم استناد الأفعال السیئة إلیه تعالی من جهة أُخری فتفطن و افهم أو ذره فی سنبله و الله المسدد».
((1))
إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) اختار ما هو قریب من التقریر الأول و لکن زاد علیه: إنّ مشیة الله تعالی لم تتعلق بأفعال العباد و إنّما تعلّقت بمبادیها کالحیوة و القدرة.
بل قال (قدس سره) :((2)) لایمکن تعلق إرادته تعالی بأفعال العباد.
و قال (قدس سره) فی موضع آخر((3)) بعد تقریر المسألة بهذا النحو: «الأفعال الاختیاریة بین الجبر و التفویض و منتسبة إلی المخلوقین من جهة و إلی الخالق من جهة أُخری»
إنّ خروج أفعال العباد من تحت إرادته تعالی مما لایمکن الالتزام به شرعاً و
ص: 141
عقلاً بل لابدّ من القول بدخول الفعل تحت إرادة الفاعل المباشر و بدخوله تحت إرادة الله تعالی أیضاً کما نطقت به بعض الأخبار.((1))
ص: 142
کل فعل سواء کان حسناً أم قبیحاً ممکن الوجود فهو لابدّ أن ینتهی سلسلة علله إلی واجب الوجود بالذات و علیة الحق المتعال لاتنفک عن تعلق إرادته التکوینیة به ولو بوسائط کثیرة و إنکار ذلک إما یوجب الالتزام بتعدد واجب الوجود و إما یوجب الالتزام باستقلال الممکن و عدم احتیاجه إلی العلة التی هی واجب الوجود بالذات و کلاهما خلاف العقل و الشریعة فإنّ الأول شرک و الثانی إنکار أُلوهیته و خالقیته بالنسبة إلی بعض مخلوقاته.
((1))
قال (قدس سره) : «النظام التام الإمکانی صادر علی طبق النظام الشریف الربانی [فالإیمان من الکافر لو کان مراداً بإرادته الذاتیة التی هی عین ذاته لکان من جملة النظام التام إذ النظام التام الإمکانی کما عرفت صادر علی طبق النظام الربانی] و حیث لم یقع الکفر من المؤمن و الإیمان من الکافر کشف ذلک عن عدم تعلق
ص: 143
الإرادة الذاتیة بهما و عدم دخولهما فی النظام الشریف الربانی و إلا لوجدا فی النظام التام الإمکانی».
فإیمان المؤمن و کفر الکافر و هکذا الفعل الخیر و الطاعة و الفعل القبیح و المعصیة -علی هذا البیان- کلّها داخلة فی النظام الأحسن فالکفر و العمل القبیح و إن کانا فی حدّ أنفسهما قبیحین و لکن النظام الأحسن کما یقتضی وجود الخیرات کذلک یقتضی وجودهما و إلا لایکون النظام تاماً و أحسن من کل نظام (فإنّ إظهار صفة الصبر قد یقتضی وجود المخالف المعاند غایة المعاندة حتی یظهر فی قباله صفة الصبر و هکذا لابدّ من وجود القتال فی کمال المؤمن بالشهادة و هذا یقتضی وجود الکافر أو المنافق حتی یقاتل المؤمنین) فالإرادة التکوینیة الإلهیة لاتتعلق بهذا الفعل القبیح من حیث إنّه فعل قبیح بل تتعلّق به بما أنّه جزء لهذا النظام الأحسن الأتم.
ص: 144
و فیه سبعة أُمور
الأمر الأول: معنی صیغة الأمر
الأمر الثانی: الجمل الخبریة فی مقام البعث
الأمر الثالث: الواجب التعبدی و التوصلی
الأمر الرابع: اقتضاء إطلاق الصیغة النفسیة و التعیینیة و العینیة
الأمر الخامس: الأمر عقیب الحظر
الأمر السادس: المرّة و التکرار
الأمر السابع: الفور و التراخی
ص: 145
ص: 146
(اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ)((1)) و الإنذار (قُلْ تَمَتَّعُوا)((2)) و الإهانة (ذُقْ إِنَّکَ أَنْتَ الْعَزِیزُ)((3)) و الاحتقار (أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ)((4)) و التعجیز (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ)((5)) و التسخیر (کُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِینَ)((6)) و غیر ذلک.
ص: 148
إنّ الصیغة ما استعملت فی واحد منها بل إن هذا من باب اشتباه الداعی بالمعنی المستعمل فیه. ( لا من باب إشتباه المعنی الموضوع له بالمعنی المستعمل فیه).
قال المحقق الخراسانی (قدس سره) :((1)) «الأول: إنّه ربما یذکر للصیغة معانٍ قد استعملت فیها و قد عد منها الترجی... و هذا کما تری ضرورةَ أنّ الصیغة ما استعملت فی واحد منها بل [هی موضوعة لمعنی واحد و هو
إنشاء الطلب و] لم یستعمل إلا فی إنشاء الطلب إلا أنّ الداعی إلی ذلک [أی إنشائه] یکون تارةً هو البعث و التحریک نحو المطلوب الواقعی و یکون أُخری أحد هذه الأُمور کما لایخفی».
و قصاری ما یمکن أن یدّعی، وضعُ الصیغة لإنشاء الطلب فی ما کان بداعی البعث و التحریک فعلی هذا إنشاء الطلب فی ما کان الداعی غیر البعث من سائر الدواعی یکون استعمالاً مجازیاً.
((1))
إنّ الطلب من الصفات النفسانیة و الصفات النفسانیة لاتقبل الإنشاء فحینئذٍ الطلب الإنشائی غیر معقول. (و هکذا الإرادة الإنشائیة عند السید المحقق البروجردی (قدس سره) لکن الطلب عنده أمر اعتباری فیتصور فیه الإنشاء).
إنّ الطلب الإنشائی هو ما یستفاد من الأمر بمادته أو صیغته حیث إنّ الأمر یوجب إنشاء الطلب الّذی هو من مبادی الفعل فی نفس المکلّف لأن یکون داعیاً للمکلّف نحو الفعل المأمور به داعویة إمکانیة، فإنّ هذه الداعویة تبلغ إلی الفعلیة بالنسبة إلی المطیع و لاتبلغ إلیها بالنسبة إلی العاصی. و هکذا الأمر فی الإرادة الإنشائیة.
قال المحقق النائینی (قدس سره) :((2)) «و أما صیغة الأمر فهی دالّة علی النسبة الإنشائیة الإیقاعیة فقط فما لم تصدر الصیغة لایتصف المکلف بأنّه وقع علیه المادة فی عالم التشریع و یکون إیقاعها علیه و جعله فی کلفتها بنفس الإنشاء فهی موضوعة للنسبة الإنشائیة الإیقاعیة و لاتستعمل فی غیر ذلک أبداً فإذا ظهر... ظهر لک أنّ القول بکون الموضوع له هو الطلب الإنشائی لا معنی له»
ص: 150
إنّ التعبیر بإیقاع المادة علی المکلّف فی عالم التشریع لایناسب جمیع الموارد، مثلاً إذا أمر المولی عبده بضرب عدوّه أو بإکرام صدیقه و قال «إضرب عدوّی و أکرم صدیقی»، فانّ مادة الضرب أو الإکرام لاتقع علی المکلّف فی عالم التشریع، نعم إنّ وجوبهما یقع فی ذمة المکلّف إلّا أن مفاد الصیغة اولاً هو النسبة البعثیة و ینتزع من ذلک وجوب الضرب و الإکرام.
قال المحقق العراقی (قدس سره) :((1)) «صیغة اضرب مثلاً ... مادتها تدل حسب الوضع النوعی علی نفس الحدث و أما هیأتها الخاصة فهی أیضاً لاتدل إلا علی النسبة الإرسالیة و المحرکیة بین المبدأ و الفاعل لکن لا مفهوم هذه النسبة لأنّه معنی اسمی بل مصداقه و صورة ذلک الربط الخاص الحاصل من تحریک المأمور نحو العمل علی طبق الإرسال الخارجی و حینئذ فلایکون المستعمل فیه فی الصیغة إلا النسبة الإرسالیة لا مفهوم الطلب کما علیه [صاحب] الکفایة (قدس سره) و علیه فلابدّ و أن یکون دلالتها علی الطلب من جهة الملازمة خاصةً الناشی هذا التلازم من جهة کون المتکلم فی مقام الجدّ بالإرسال إذ حینئذ ینتقل الذهن من تلک النسبة الإرسالیة إلی مفهوم الطلب بانتقال تصوّری ففی الحقیقة منشأ هذا التلازم إنّما هو التلازم الخارجی بین منشأیهما و هما البعث و الإرسال الخارجی و الإرادة الخارجیة و عدم انفکاک أحد الأمرین عن الآخر...».
فالصیغة عنده (قدس سره) موضوعة للنسبة الإرسالیة الإیقاعیة و دلالتها علی الطلب
ص: 151
باعتبار کونه من لوازم المدلول.((1))
إنّه قد تقدم أنّ الإرسال لایناسب جمیع موارد صیغة الأمر کما فی البعث نحو القراءة، فإنّه لا إرسال هنا نحو فعل.
قال المحقق الإصفهانی (قدس سره) :((2)) « إنّ مدلول صیغة افعل و أشباهها لیس الطلب الإنشائی و لا الإرادة الإنشائیة بل البعث المأخوذ علی نحو المعنی الحرفی و المفهوم الأدوی.»
قال السید الخوئی (قدس سره) :((3)) «إنّ المتبادر من الصیغة عند إطلاقها هو إبراز اعتبار الفعل علی ذمة المکلف فی الخارج و أما إرادة إبراز التهدید منها أو السخریة أو الاستهزاء أو نحو ذلک فتحتاج إلی نصب قرینة و بدونها لا دلالة لها علی ذلک و
ص: 152
من الطبیعی أنّ ذلک علامة کونها موضوعة بإزاء المعنی الأول دون غیره من المعانی».
و قال (قدس سره) فی موضع آخر:((1)) «و نتیجة ما ذکرناه أمران: الأول أنّ صیغة الأمر أو ما شاکلها موضوعة للدلالة علی إبراز الأمر الاعتباری النفسانی و هو اعتبار الشارع الفعل علی ذمة المکلّف و لاتدلّ علی أمر آخر ما عدا ذلک و الثانی أنّها [أی هذه الصیغة] مصداق للطلب و البعث لا إنّهما معناها و من ذلک یظهر أنّ الصیغة کما لاتدلّ علی الطلب و البعث کذلک لاتدلّ علی الحتم و الوجوب».
و الصیغة فی الاستعمال المجازی إبراز للتهدید أو السخریة أو غیر ذلک فتکون مصداقاً للتهدید أو السخریة أو غیر ذلک.
ذلک غیر معقول لأنّ المصداقیة لایتحقق إلا بالحمل الشائع و مناطه هو الاتحاد فی الوجود و اتحاد وجود الصیغة و الطلب الاعتباری و التهدید و السخریة و أمثالها محال لأنّ وجود الصیغة وجود لفظی من مقولة الکیف المسموع و وجود هذه الدواعی من الکیفیات النفسانیة و اتحاد المقولتین المتباینتین غیر معقول.
و الصحیح أن یقال إنّ النسبة البعثیة قد تکون بداعی التهدید أو بداعی السخریة کما أنّها قد تکون بداعی بعث المکلّف نحو المأمور به.
إنّ المصداقیة لیست فی الوجود اللفظی لصیغة الأمر بل إنّ معناها مصداق لهذه الأمور.
قال بعض الأساطین (قدس سره) :((1)) إنّ صیغة الأمر عبارة عن إبراز البعث النسبی و لیست النسبة البعثیة موجودة بها.
و تفترق نظریتنا عن نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی أنّ الصیغة عنده (قدس سره) نفس النسبة البعثیة و عندنا مبرز للبعث النسبی و تفترق عن نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) فی أنّ المنکشف عنده (قدس سره) اعتبار ثبوت الفعل علی ذمة المکلف و عندنا هو البعث النسبی.
أولاً: إنّ معنی الإبراز غیر مأخوذ فی مفاد صیغة افعل، بل إبراز صیغة افعل
ص: 154
الذی هو عین إیجادها و إنشائها بنفسه إبراز النسبة البعثیة، فإنّ إبراز الکلمة إبراز لمعناها، فإن کان المراد من صیغة الأمر وجودها، فما أفاده صحیح؛ لأنّ وجودها عین إیجادها، و إیجادها عین إبرازها، و إبرازها إبراز النسبة البعثیه، و إن کان المراد من صیغة الأمر مفادها و معناها؛ فما أفاده مما لا یمکن المساعدة علیه، لأن مفاد صیغة الأمر نفس النسبة البعثیة لا إبرازها؛ فإنّ الابراز من قبیل الوجود و لیس دخیلاً فی المعنی الموضوع له.
ثانیاً: إنّ معنی الإبراز أیضاً معنی اسمی، فلا یمکن أن یکون الإبراز دخیلاً فی معنی صیغة الأمر.
نتیجة البحث: تمامیة نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) .
ص: 155
ص: 156
و الکلام فی موضعین:
الأول: فی أنّ الجمل الخبریة التی تستعمل فی مقام الطلب و البعث هل تستعمل فی معناها الخبری أو تستعمل فی المعنی الإنشائی؛
و الثانی: فی دلالتها علی الوجوب.
و فیه نظریات ثلاث:
قد اختلفوا فی معنی هذه الجمل الخبریة و مفادها مثل جملة یغتسل و یتوضأ و یعید.
قال المحقق الخوئی (قدس سره) :((1)) « و لیعلم أنّ استعمال الجمل المضارعیة فی مقام الإنشاء کثیر فی الروایات أما استعمال الجمل الماضویة فی مقام الإنشاء فلم نجد
ص: 157
إلا فیما إذا وقعت جزاءً لشرط کقوله (علیه السلام) : «مَنْ تَکَلَّمَ فِی صَلَاتِهِ أَعَادَ»((1)) و نحوه.
و هو مختار صاحب الکفایة (قدس سره) ((2)) و بعض الأساطین (دام ظله) ، ((3)) و المختار عندنا هذه النظریة.
قال صاحب الکفایة (قدس سره) :«لایخفی أنّه لیست الجمل الخبریة الواقعة فی ذلک المقام أی الطلب مستعملةً فی غیر معناها بل تکون مستعملة فیه إلا أنّه لیس بداعی الإعلام بل بداعی البعث بنحو آکد حیث إنّه أخبر بوقوع مطلوبه فی مقام طلبه إظهاراً بأنّه لایرضی إلا بوقوعه فیکون آکد فی البعث من الصیغة کما هو الحال فی الصیغ الإنشائیة علی ما عرفت من أنّها أبداً تستعمل فی معانیها الإیقاعیة لکن بدواعی أُخر کما مر».
و لها تقریبان:
((4))
قال (قدس سره) : «إنّما الکلام و الإشکال فی أنّها [أی الجملة الخبریة فی مقام بیان الحکم
ص: 158
الشرعی] هل کانت مستعملةً فی الطلب أو الإرسال بما هو مفاد الصیغة مجازاً أو إنّها مستعملة فی معناها الذی تستعمل فیه فی مقام الإخبار و هو النسبة الإیقاعیة لکنه بداعی إفادة ملزومه و هو الطلب و البعث ... أو لا هذا و لا ذاک بل کان استعمالها فی معناها الحقیقی الإخباری و کان الغرض و الداعی من الاستعمال أیضاً هو الإعلام و الإخبار دون الطلب و البعث و الإرسال - کما هو قضیة الوجه الثانی - و لکن إعلامه بتحقق الفعل من المکلف إنّما کان بلحاظ تحقق مقتضیه و علته و هو الإرادة و الطلب کما هو الشأن فی غیر المقام من موارد الإخبار بوجود المقتضَی عند تحقق مقتضیه... فهذه وجوه ثلاثة لکن أضعفها أولها... و حینئذ فیدور الأمر بعد بطلان الوجه الأول بین الوجهین الأخیرین و عند ذلک نقول: إنّه و إن کان لکل منهما وجه وجیه و لکن الأوجه هو الوجه الأخیر بملاحظة أقربیته إلی الاعتبار و الوجدان و شیوعه أیضاً عند العرف و العقلاءمن ترتیبهم الآثار علی الأشیاء التی منها الإخبار بوقوعها بمحض العلم بوجود عللها و مقتضیاتها ...»
((1))
قال (قدس سره) : «و علی کل حال ففی المقام وجه رابع لاستفادة الطلب من الجمل الخبریة و لعلّه أوجه من الوجوه المتقدمة و هو أن یقال بأنّ استفادة الطلب من مثل هذه الجمل الواردة فی مقام بیان الحکم الشرعی إنّما هو من جهة کونه من لوازم قضیة الجدّ بإیقاع النسبة التی هی مدلول الجمل و ذلک أیضاً بمقتضی التلازم الثابت بین الإیقاع الخارجی و الإرادة، بتقریب أنّه کما أنّ إخراج المبدأ
ص: 159
من کمون الفاعل خارجاً و إیقاع النسبة بینه و بین الفاعل فی الخارج ملازم مع إرادة الوجود و لایمکن انفکاکه عنها کذلک هذه النسبة الإیقاعیة الذهنیة؛ فإذا کان المتکلم فی مقام الجدّ بهذا الإیقاع فقضیة جدّه بذلک تقتضی ملازمته مع إرادة الوجود من المکلف فعلیه فکان ما هو المستعمل فیه فی تلک الجمل هو النسبة الإیقاعیة التی تستعمل فیها فی مقام الإخبار إلا أنّه لم یقصد بإیقاع تلک النسبة الإیقاعیة فی مقام استعمال الجملة الحکایة عن الواقع الثابت کما فی سائر الجمل الإخباریة. نعم لازمه هو عدم انفکاک قضیة الجدّ بإیقاع النسبة أیضاً عن قصد الإنشاء بعد عدم قصد الحکایة بها عن واقع ثابت کما لایخفی».
أولاً: إذا أُتی بهذه الجمل فی مقام الإنشاء، و قُصد معناها الخبری و کان الداعی أیضاً هو الإخبار لا البعث فیلزم الکذب فلاشک فی أنّ الداعی لیس هو الإخبار عن الواقع وجداناً و لایمکن الجمع بینه و بین کونها فی مقام الإنشاء.
ثانیاً: إنّ مقتضی إیجاد الفعل هو الطلب و الإرادة فی نفس المکلّف و هو غیر معلوم التحقق و أما ارادة المولی فهی شرعیة و لیست علّة لتحقق الفعل.
إنّ المستعمل فیه فی الجمل الخبریة فی مقام الإنشاء غیر المعنی الذی تستعمل فیه فی مقام الإخبار لأنّ المتفاهم العرفی من کل منهما غیر المتفاهم العرفی من
ص: 160
الآخر و تلک الجمل الخبریة الواقعة فی مقام الإنشاء مفادها مفاد صیغة الأمر قد استعملتا فی معنی واحد و هو إبراز الأمر الاعتباری النفسانی فی الخارج و بعبارة أُخری إبراز اعتبار شیء علی ذمّة المکلف و دلالتهما علی الوجوب بحکم العقل کما مضی بیانه.
((1))
«إنّ الحق مع المحقق الخراسانی (قدس سره) لعدم مجیء مدّعَی القول الثانی [أی مدّعی السید الخوئی (قدس سره) ] إلی ذهن أحد ممّن سمع قول الإمام (علیه السلام) : یعید الصلاة و نحوه أو رواه بل إنّ مفاد هذه الجملة ... نفس مفادها فی مقام الإخبار و المستعمل فیه فی کلا المقامین هو الإعادة غیر أنّ القرائن الحالیة أو المقامیة أفادت أنّ الداعی... هو الطلب و لما کان استعمال الجملة بهذا الداعی فلا مجال لتوهم لزوم الکذب».
إنّ هذا دائر مدار النکتة التی بها تدل علی الطلب و المحقق الخوئی (قدس سره) یری أنّ الدلالة علی الوجوب بحکم العقل.
ص: 161
ص: 162
إنّ الأعلام اختلفوا فی جعل هذا البحث من مباحث صیغة الأمر فالمحقق الإصفهانی (قدس سره) قال:((1)) « إنّ الوجوب فی التوصلی لایغایر الوجوب فی التعبدی أصلاً ... و الإطلاق المدّعی فی المقام هو إطلاق المادة دون إطلاق الوجوب» و خالفه بعض الأساطین (دام ظله) و سنشیر إلیه فی محله إن شاء الله.
و البحث هنا فی أنّ الأصل اللفظی و العملی یقتضی التوصلیة أو التعبدیة؟ و لکنه لابدّ من البحث عن مقتضی الأصل اللفظی و العملی علی المعانی الأربعة التی للواجب التوصلی.
ص: 163
قبل الورود فی البحث لابدّ من بیان معانی الواجب التوصلی و التعبدی فإنّ للواجب التوصلی معانی أربعة أشار إلیها المحقق النائینی (قدس سره) فقال:((1)) إنّ التوصلی یطلق علی معنیین ثم قسّم المعنی الثانی إلی ثلاثة أقسام و تبعه المحقق الخوئی (قدس سره) .((2))
فلابدّ من أن نبحث عن هذه المعانی الأربعة کما قرره المحقق الخوئی (قدس سره) و بعض من تبعه (قدس سره) :((3))
المعنی الأول: «ما لاتعتبر فیه المباشرة من المکلف بل یسقط عن ذمته بفعل الغیر سواء کان بالتبرّع أم بالاستنابة».
المعنی الثانی: «ما لایعتبر فی سقوطه الالتفات و الاختیار» بل یسقط فی ما صدر منه بغیر اختیار و إرادة و فسره السید الصدر (قدس سره) ﺑ «ما یسقط و لو بالحصة الصادرة عن المکلف اضطراراً و إلجاءً».
المعنی الثالث: «ما لایعتبر فیه إتیانه فی ضمن فرد سائغ [و جائز]» بل یسقط بإتیانه فی ضمن فرد محرم.
ص: 164
المعنی الرابع: و هو المعنی المشهور المتداول.
فسّره صاحب الکفایة (قدس سره) بقوله: « الوجوب التوصلی هو ما کان الغرض منه یحصل بمجرد حصول الواجب و یسقط بمجرد وجوده، بخلاف التعبدی فإنّ الغرض منه لایکاد یحصل بذلک بل لابدّ فی سقوطه و حصول غرضه من الإتیان به متقرّباً به منه تعالی.»
و فسّره المحقق النائینی (قدس سره) بأنّ التوصلی ما شُرّع «لأجل مطلق وجودها فی الخارج و إن أمکن التقرب بها أیضاً » و التعبدی ما « یکون تشریعها لأجل التعبد و التقرب بها المعبر عنه فی اللغة الفارسیة ﺑ”پرستش“».((1))
و فسره المحقق الخوئی (قدس سره) ((2)) بأنّ الواجب التوصلی « ما لایعتبر فیه قصد القربة و ذلک کغسل المیت و کفنه ودفنه و ما شاکل ذلک حیث إنّها واجبات فی الشریعة الإسلامیة ولایعتبر فی صحتها قصد القربة و الإتیان بها مضافاً إلی الله سبحانه و تعالی فلو أتی بها بدون ذلک سقطت عن ذمته. نعم استحقاق الثواب علیها یرتکز علی الإتیان بها بقصد القربة و بدونه لایستحق و إن حصل الإجزاء ... و فی مقابله ما یعتبر فیه قصد القربة و هو المعبر عنه بالواجب التعبدی فلو أتی به بدون ذلک لم یسقط عنه و کان کمن لم یأت به أصلاً. »
و الواجب التوصلی و التعبدی بهذا المعنی الأخیر هو الذی وقع فیه النزاع بین الأعلام کما اعترف به المحقق النائینی (قدس سره) قال:((3))
«و التوصلی بالمعنی الأول [و هو المعنی الأخیر حسب ما ذکرنا] هو الذی
ص: 165
وقع فیه النزاع من الأعلام و لعل المشهور علی جواز التمسک بالإطلاق فی إثباته و أما بالمعنی الثانی فلم یدّعِ أحد جواز التمسک بالإطلاق لإثباته».
و مراده من «المعنی الثانی» المعانی الثلاثة التی ذکرناها قبل المعنی الرابع و ذکرها أیضاً قال (قدس سره) :
«و قد یطلق التوصلی علی معنی یعم بعض التعبدیات أیضاً و هو ما یسقط أمره بمطلق وجوده فی الخارج و لو کان بفعل الغیر أو من دون إرادة و اختیار أو بفعل محرم من المحرمات».
ص: 166
هنا أربعة مباحث:
و المعنی الأول هو ما لایعتبر فیه المباشرة و نتکلم هنا عن مقتضی الأصل اللفظی و العملی.
فهنا قولان:
«إنّ مقتضی الإطلاق سقوطه و کونه واجباً توصلیاً من دون فرق فی ذلک بین کون فعل الغیر بالتسبیب أو بالتبرع أو بغیر ذلک».
و هو قول المشهور کما نسب إلیهم المحقق الخوئی (قدس سره) .((1))
الخوئی((1)) و السید المحقق الصدر (قدس سرهم). ((2))
«إنّ مقتضی الإطلاق لو کان هو عکس ما نسب إلی المشهور و إنّه لایسقط بفعل غیره بلا فرق بین کونه بالتسبیب أو بالتبرع و السبب فی ذلک أنّ التکلیف هنا بحسب مقام الثبوت یتصور علی أحد أنحاء:
الأول: أن یکون متعلقه الجامع بین فعل المکلف نفسه و فعل غیره فیکون مردّه إلی کون الواجب أحد الفعلین علی سبیل التخییر.
و فیه: أنّ هذا الوجه غیر معقول و ذلک لأنّ فعل الغیر خارج عن اختیار المکلف و إرادته فلایعقل تعلّق التکلیف بالجامع بینه و بین فعل نفسه.
الثانی: أن یکون متعلقه الجامع بین فعل المکلف نفسه و بین استنابته لغیره و نتیجة ذلک هی التخییر بین قیام نفس المکلف به و بین الاستنابة لآخر و هو فی نفسه و إن کان أمراً معقولاً و لا بأس بالإطلاق من هذه الناحیة و شموله لصورة الاستنابة.
ص: 168
إلا أنّه خاطئ من جهة ...أنّ لازم ذلک الإطلاق کون الاستنابة فی نفسها مسقطةً للتکلیف و هو خلاف المفروض بداهة أنّ المسقط له إنّما هو الإتیان الخارجی ...
الثالث: أن یقال: إنّ أمر التکلیف فی المقام یدور بین کونه مشروطاً بعدم قیام غیر المکلف به [فیسقط بقیام غیر المکلف به] و بین کونه مطلقاً أی سواء أقام غیره به أم لم یقم فهو لایسقط عنه.
و یمتاز هذا الوجه عن الوجهین الأولین بنقطة واحدة و هی أنّ فی الوجهین الأولین یدور أمر الواجب بین کونه تعیینیاً أو تخییریاً و لا صلة لهما بالوجوب و فی هذا الوجه یدور أمر الوجوب بین کونه مطلقاً أو مشروطاً و لا صلة له بالواجب ثم إنّ هذا الوجه و إن کان بحسب الواقع أمراً معقولاً و محتملاً و لا محذور فیه أصلاً إلا أنّ الإطلاق فی مقام الإثبات یقتضی عدم الاشتراط و أنّه لایسقط عن ذمّة المکلّف بقیام غیره به و من الطبیعی أنّ الإطلاق فی هذا المقام یکشف عن الإطلاق فی ذاک المقام بقانون التبعیة ... و قد تحصل من ذلک أنّ مقتضی إطلاق کل خطابٍ متوجّهٍ إلی شخص خاصّ أو صنف هو عدم سقوطه عنه بقیام غیره به؛ فالسقوط یحتاج إلی دلیل ... إلی هنا قد استطعنا أن نخرج بهذه النتیجة و هی أنّ مقتضی الأصل اللفظی فی المسألة عدم التوصلیة».
ص: 169
هنا نظریات:
إنّ الأصل العملی علی المشهور من جریان الاستصحاب فی الشبهات الحکمیة هو استصحاب بقاء التکلیف و عدم سقوطه و النتیجة هی التعبدیة.
أما علی مختار السید المحقق الخوئی (قدس سره) من عدم جریان الاستصحاب فیها فالأصل العملی هو أصالة الاشتغال و نتیجتها أیضاً التعبدیة.
بیان ذلک: إنّ الشک فی إطلاق التکلیف و اشتراطه قد یکون مع عدم إحراز فعلیة التکلیف و ذلک إذا لم یکن ما یحتمل شرطیته متحققاً من الأول ففی مثل ذلک بطبیعة الحال یرجع الشک فیه إلی الشک فی أصل توجه التکلیف و هو مورد البراءة.
و قد یکون مع إحراز فعلیة التکلیف و ذلک کما إذا کان ما یحتمل شرطیته متحققاً من الابتداء ثم ارتفع و زال و لأجله شک المکلف فی بقاء التکلیف الفعلی وارتفاعه ومن الواضح أنّه مورد لقاعدة الاشتغال دون البراءة و لایختص هذا بمورد دون مورد آخر بل یعمّ کافة الموارد التی شک فیها فی بقاء التکلیف بعد الیقین بثبوته و اشتغال ذمة المکلف به و مقامنا من هذا القبیل.
إن ما أفاده یتم علی مبناه من عدم جریان الإستصحاب فی الشبهات الحکمیة
ص: 170
و المبنی مخدوش کما یأتی إنشاء الله تعالی فی مباحث الاستصحاب.
قال (قدس سره) :((1)) «إنّ المحقق الصدر (قدس سره) ذهب إلی التفصیل فی المقام بین الصورتین ففی إحداها قال بجریان البراءة و فی أخریها قال بجریان الإستصحاب... و أما فی الفرض الذی یکون الشک فی سقوط الوجوب بفعل الغیر، فلابدّ من ملاحظة منشأ احتمال سقوط الوجوب بفعل الغیر ذلک أنّ الشک فی السقوط تارةً یکون من جهة احتمال اشتراط الوجوب بعدم فعل الغیر بحیث یکون فعله رافعاً للوجوب من أول الأمر بنحو الشرط المتأخر و أُخری یکون مسقطاً و رافعاً للوجوب بقاءً بنحو الشرط المقارن.
أما فی الحالة الأُولی فمقتضی الأصل العملی هو البراءة لا الاشتغال و لا الاستصحاب لکون الشک فی ارتفاع الوجوب من أول الأمر و أما الحالة الثانیة فینبغی أن یعلم بأنّ سقوط الوجوب بقاءً بفعل الغیر لایمکن أن یکون من جهة تحقق الغرض و الملاک به... بل لابدّ أن یکون إما من جهة احتمال زوال المحبوبیة و ارتفاعها بفعل الغیر أو من جهة أنّ فعل الغیر سبب فوات الملاک بنحو لایمکن تحصیله بعد ذلک ... و مقتضی الأصل فیهما معاً جریان الاستصحاب دون أصالة الاشتغال ...»
إنّ الاحتمال الأول خلاف ظواهر الأدلّة و لا مثبت لها (و لنذکر هنا أنّ مبنی
ص: 171
المحقق الصدر (قدس سره) تختلف أساساً عن مبنی السید الخوئی (قدس سره) فلو فرضنا عدم جریان الاستصحاب فی هذه الصورة کما هو مختار السید الخوئی (قدس سره) فالقاعدة عنده الاشتغال و لکن السید الصدر (قدس سره) ذهب إلی أنّ القاعدة حینئذٍ أصالة البراءة و لانحتاج إلی البحث عن ذلک بعد جریان الاستصحاب).
و المتحصّل: أنّ المختار هنا صحّة نظریة المشهور و هو جریان استصحاب بقاء التکلیف.
ص: 172
المعنی الثانی هو ما لایعتبر فیه الالتفات و الاختیار و هنا یقع الکلام فی مقتضی الأصل اللفظی و الأصل العملی.
فهنا قولان:
قد تمسک بعض الأعلام بأصالة الإطلاق لإثبات أنّ الواجب فی الواقع هو الجامع بین الحصة المقدورة و غیر المقدورة فإذا صدر الفعل من المکلف بغیر اختیار و إرادة فمقتضی الإطلاق اللفظی بمقدمات الحکمة سقوطه عن ذمة المکلف و هذا مختار بعض الأعلام مثل المحقق الخوئی (قدس سره) .
و هو عدم سقوط الفعل عن ذمة المکلف إلا إذا صدر منه باختیاره و إرادته.
وجهین: الأول أنّ المطلوب علی المذهب الحق لابدّ و أن یکون حسناً بالحسن الفاعلی و هو لایتحقق إلا فی خصوص الفعل الإرادی . نعم الحسن الفعلی لایتخلّف عن الفعل سواء صدر بالاختیار أم لا، إلا أنّه لیس مصحّحاً للتکلیف بل المصحح له هو الحسن الفاعلی المختص بحال الإرادة و الاختیار».
((1))
«إنّ اعتبار الحسن الفاعلی فی الواجب زائداً علی الحسن الفعلی و الملاک القائم فیه لا دلیل علیه و الدلیل إنما قام علی اعتبار الحسن الفعلی و هو المصلحة القائمة فی الفعل التی تدعو المولی إلی إیجابه.»
«لزم من ذلک [أی من اعتبار الحسن الفاعلی فی الواجبات] محذور آخر ... و ذلک المحذور هو عدم کفایة الإتیان بالواجب عندئذ عن إرادة و اختیار أیضاً فی سقوطه بل لابدّ من الإتیان به بقصد القربة بداهة أنّ الحسن الفاعلی لایتحقق بدونه و من الطبیعی أنّ الالتزام بهذا المعنی یستلزم إنکار الواجبات التوصّلیة و انحصارها بالواجبات التعبدیة و ذلک لأنّ کل واجب عندئذ یفتقر إلی الحسن الفاعلی و لایصح بدونه و المفروض أنّه یحتاج إلی قصد القربة و هذا لایتمشی مع تقسیمه (قدس سره) الواجب إلی تعبدی و توصلی.»
ص: 174
((1))
قال (قدس سره) : «الثانی أنّ الطلب التشریعی - کما ذکرناه - هو تحریک عضلات العبد نحو المطلوب بإرادته و اختیاره و جعل الداعی له لأن یفعل و من البدیهی أنّه إنّما یمکن جعل الداعی فی خصوص الفعل الإرادی لا الأعم منه و من غیره و علیه فالمطلوب دائماً هو الفعل الإرادی».
فإذا شککنا فی سقوط الواجب بمجرد تحقّقه فی الخارج بلا اختیار و إرادة فمقتضی الإطلاق عدم سقوطه لأنّ إجزاء غیر الواجب عن الواجب یحتاج إلی دلیل (و أصالة الإطلاق تنفی اشتراط توجّه الخطاب بعدم تحقق الفعل من دون اختیار و إرادة.)
((2))
«إنّ اعتبار القدرة فی متعلق التکلیف إنّما هو بحکم العقل لا بمقتضی الخطاب».
«إنّ اعتبار القدرة فیه سواء أکان بحکم العقل أو بمقتضی الخطاب لیس إلا من ناحیة أنّ التکلیف بغیر المقدور لغو و من الطبیعی أنّ ذلک لایقتضی إلا استحالة تعلق التکلیف بغیر المقدور خاصة و أما تعلقه بخصوص الحصة
ص: 175
المقدورة فحسب فلا، ضرورةَ أنّ غایة ما یقتضی ذلک کون متعلقه مقدوراً و من المعلوم أنّ الجامع بین المقدورِ و غیرِه مقدور فلا مانع من تعلقه به ... هذا بحسب مقام الثبوت و أما بحسب مقام الإثبات فإن کان هناک إطلاق کشف ذلک عن الإطلاق فی مقام الثبوت یعنی أنّ الواجب هو الجامع دون خصوص حصة خاصة فعندئذ إن کان المولی فی مقام البیان و لم یقم قرینةً علی التقیید تعین التمسک بالإطلاق لإثبات [التوصلیة و] صحة الفعل لو جیء به فی ضمن حصة غیر مقدورة».
الظاهر أنّه لاتصل النوبة إلی ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) بل استدلال المحقق النائینی (قدس سره) مخدوش ثبوتاً لأنّ استدلاله یتوقف علی أن یکون توجه الخطاب موجباً لتقیید الفعل الذی تعلق به الحکم الشرعی بوجود الداعویة المستفادة من الخطاب و لمّا کان وجود الداعی ملازماً لاختیاریة الفعل فینتج المطلوب و لکنه مستحیل لأنّ متعلق الحکم مقدم رتبةً علی الحکم کما أنّ الحکم أیضاً مقدم رتبةً علی الحکم الشرعی فلایمکن تقیید متعلق الحکم الشرعی بما هو من شؤون الخطاب فما أفاده (قدس سره) من أنّ المطلوب دائماً هو الفعل الاختیاری ممنوع.
((1)) بناءً علی نظریة المحقق النائینی (قدس سره)
قال المحقق الخوئی (قدس سره) : «لا مانع من التمسک بالإطلاق فی هذه المسألة ... هذا بناءً علی نظریتنا من أنّ التقابل بین الإطلاق و التقیید من تقابل التضاد فاستحالة التقیید تستلزم ضرورةَ الإطلاق لا استحالتَه ...
ص: 176
و أما بناءً علی نظریة شیخنا الأُستاذ [أی المحقق النائینی (قدس سره) ] من أنّ التقابل بینهما من تقابل العدم والملکة فإذا أمکن أحدهما أمکن الآخر و إذا استحال استحال فلایعقل الإطلاق فی المقام حتی یمکن التمسک به و ذلک لاستحالة التقیید هنا أی تقیید الواجب فی الواقع بخصوص الحصة الغیر المقدورة؛ فإذا استحال استحال الإطلاق.»
قال (قدس سره) :((1)) «فیه أنّ هذا الکلام لم یکن مناسباً للسید الأُستاذ فإنّ الإطلاق المطلوب فی المقام إنّما هو الإطلاق فی مقابل التقیید بالحصة الاختیاریة، لأنّ إطلاق الطبیعة لحصة عبارة عن عدم تقییدها بما یقابل تلک الحصة لا عدم تقییدها بتلک الحصة و فی المقام تقیید المادّة بالحصّة الاختیاریة ممکن کما هو واضح فلابدّ و أن یکون إطلاقها المستلزم لانطباقها علی الحصة غیر الاختیاریة ممکناً أیضاً».
((2))
«دعوی أنّ الفعل عند الإطلاق ینصرف إلی حصة خاصة و هی الحصة المقدورة؛ فالسقوط بغیرها یحتاج إلی دلیل و إلا فالإطلاق یقتضی عدمه.»
«إنّ منشأ هذا الانصراف لایخلو من أن یکون موادَّ الأفعال أو هیآتَها؛ أما
ص: 177
المواد فقد ذکرنا فی بحث المشتق بشکل موسع أنّها موضوعة للطبیعة المهملة العاریة عن کافة الخصوصیات و هی المشترکة بین الحصص الاختیاریة و غیرها... نعم وضع بعض المواد لخصوص الحصة الاختیاریة و ذلک کالتعظیم و التجلیل و السخریة و الهتک و ما یشاکل ذلک.
و أما الهیآت فأیضاً کذلک یعنی أنّها موضوعة لمعنی جامع بین المواد بشتی أشکالها و أنواعها أی سواء أکانت تلک المواد من قبیل الصفات کمادة علم و کرم و ابیضّ و اسودّ و احمرّ وما شاکل ذلک أو من الأفعال و هی قد تکون اختیاریة کما فی مثل قولنا: ضرب زید و قام عمرو و ما شاکلهما و قد تکون غیر اختیاریة کما فی مثل قولنا: تحقق موت زید و أسرع النبض و جری الدم فی العروق و نحو ذلک فالنتیجة أنّه لا أساس لأخذ الاختیار فی الأفعال لا مادةً و لا هیأةً».
ص: 178
فهنا قولان:
المرجع عند المحقق النائینی (قدس سره) هو الاستصحاب.
قال المحقق الخوئی (قدس سره) ((1)): « الأصل العملی یقتضی البراءة و ذلک لأنّ تعلق الوجوب بالجامع معلوم و إنّما الشک فی تعلقه بخصوص الحصّة المقدورة و من الطبیعی أنّ المرجع فی ذلک هو أصالة البراءة عن وجوب خصوص تلک الحصة و علیه فلو تحقق الواجب فی ضمن فرد غیر مقدور سقط».
و البراءة هنا أصل موضوعی و الاستصحاب أصل حکمی.
ص: 179
المعنی الثالث هو ما لایعتبر فیه أن یکون فی ضمن فرد سائغ.
إما تکون الحرمة متعلقة بنفس عنوان الواجب و إما لا تکون فهنا قسمان:
أن تکون الحرمة متعلقة بنفس عنوان الواجب فالمأتی به فی الخارج مصداق للحرام حقیقةً و یقع الکلام هنا فی مقتضی الأصل اللفظی و العملی:
«تارةً نعلم بأنّ الإتیان بالواجب فی ضمن فرد محرم مسقط له و سقوطه من ناحیة سقوط موضوعه ... کغسل الثوب المتنجس بالماء المغصوب حیث یسقط عن ذمته بانتفاء موضوعه و حصول غرضه و ما شاکل ذلک و تارة أُخری نشک فی أنّه یسقط لو جیء به فی ضمن فرد محرم أو لا و ذلک کغسل المیت و تحنیطه و تکفینه و دفنه و ما شاکل ذلک فلو غسل المیت بالماء المغصوب أو دفن فی أرض مغصوبة أو حنط بالحنوط المغصوب أو غیر ذلک و شککنا فی سقوط التکلیف بذلک و عدم سقوطه فنقول: لا إشکال و لا شبهة فی أنّ مقتضی إطلاق الواجب عدم السقوط»((1)) لأنّ ما هو المبعِّد لایکون مقرِّباً فالأصل هو التعبدیة.
إنّا نشک فی اشتراط الوجوب و التکلیف بعدم إتیان الفعل فی ضمن الفرد
ص: 180
المحرم (و معنی ذلک سقوط التکلیف لو أتی بالفعل فی ضمن الفرد المحرم لحصول ما هو الغرض من التکلیف) أو إطلاق التکلیف و تعلقه بالمکلف سواء أتی به فی ضمن فرد محرم أم لم یأت به أصلاً (فلو أتی به فی ضمن الفرد المحرّم لایسقط التکلیف عنه بل هو باق علی عهدة المکلّف کما أنّه باق علی عهدة المکلف فی ما لم یأت بالفعل أصلاً).
فأصالة الإطلاق تقتضی بقاء التکلیف علی عهدة المکلف و إن أتی به فی ضمن الفرد المحرم.
فهنا قولان:
القول الأول: القاعدة هی استصحاب وجود التکلیف فالأصل العملی یقتضی التعبدیة.
القول الثانی: إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) حیث لایقول بجریان الاستصحاب فی الشبهات الحکمیة التزم بجریان البراءة لأنّ المسألة من صغریات کبری مسألة الأقل و الأکثر الارتباطیین و اختار فیها جریان البراءة عقلاً و شرعاً.((1))
ص: 181
((1))
و هو أن لاتکون الحرمة متعلقة بنفس عنوان الواجب بل تکون ملازمة له وجوداً.
إما نقول بالامتناع فی مسألة اجتماع الأمر و النهی، و إما نقول بالجواز.
أما علی الامتناع: فمع ترجیح جانب الأمر و تقدیمه علی النهی ینتفی موضوع البحث و مع القول بترجیح النهی لا مناص من القول بعدم السقوط کما صرح به السید الخوئی (قدس سره) ((2))
و أما علی الجواز، کما هو المختار، ففیه قولان:
إنّه بناءً علی اشتراط الحسن الفاعلی فی الواجب لایسقط التکلیف لعدم الحسن الفاعلی فی ما إذا اجتمع الأمر والنهی و المأتی به لیس مأموراً به.
ص: 182
((1))
«یمکن الحکم بالصحة فیه حتی علی القول باعتبار الحسن الفاعلی و ذلک لأنّ صدور العبادة بما هی عبادة حسن منه و إنّما القبیح صدور الحرام و من الواضح أنّ قبح هذا لایرتبط بحسن ذاک فهما فعلان صادران من الفاعل غایة الأمر کان صدور أحدهما منه حسناً و صدور الآخر قبیحاً.»
((2)) لهذا الإیراد:
«و الصحیح أنّه حتّی إذا اشترطنا الحسن الفاعلی صح التمسک بإطلاق المادة بناءً علی الجواز، لأنّ القائل بالجواز إذا قال به علی أساس دعوی تعدد الوجود فما یکون متعدداً وجوداً یکون متعدداً إیجاداً و فاعلیةً لا محالة فیکون الحسن الفاعلی محفوظاً و إذا قال به علی أساس أنّ الوجود الواحد اجتمع فیه حسن و قبح و حرمة و وجوب من جهتین إذن فلتکن الفاعلیة الواحدة أیضاً مجمعاً للحسن و القبح فی وقت واحد من جهتین.»
یسقط التکلیف لأنّ متعلق کل منهما غیر الآخر و لا ضیر فی اجتماعهما فی
ص: 183
وجود واحد لأنّ جهة المبعدیة والقبح غیر جهة المقربیة و الحسن.
ص: 184
المعنی الرابع فی الواجب التوصلی هو المعنی المعروف ولکنه وقع النزاع فی تعریف المعنی الرابع و هنا تعاریف ثلاثة و بعد بیان هذه التعریفات یقع الکلام فی مقتضی الأصل اللفظی و الأصل المقامی و الأصل العملی و نذکر بعد ذلک تنبیهاً.
هنا تعاریف ثلاثة:
((1))
«الوجوب التوصلی هو ما کان الغرض منه یحصل بمجرد حصول الواجب و یسقط بمجرد وجوده بخلاف التعبدی فإنّ الغرض منه لایکاد یحصل بذلک بل لابدّ فی سقوطه و حصول غرضه من الإتیان به متقرباً منه تعالی.»
((2))
قال (قدس سره) : «لایخفی علیک أنّ الفرق بین التعبدی و التوصلی فی الغرض من الواجب لا الغرض من الوجوب إذ الوجوب - ولو فی التوصلی - لایکون إلا لأن یکون داعیاً للمکلف إلی ما تعلّق به؛ و منه یظهر أنّ الوجوب فی التوصلی
ص: 185
لایغایر الوجوب فی التعبدی أصلاً حتی بلحاظ الغرض الباعث للإیجاب.»
کل ما کان غرضاً من الواجب یکون غرضاً من الوجوب أیضاً؛ برهانه أنّ الغرض من الوجوب إما هو الغرض من الواجب و إما هو الغرض من غیر الواجب أما الثانی فباطل بالضرورة فلابدّ أن یکون الغرض منه هو الغرض من الواجب و هو إما مطلق بالنسبة إلی قصد القربة أو مقید أو مهمل و الإهمال غیر معقول فیثبت المطلوب أی إنّ الغرض من الوجوب إما مطلق بالنسبة إلی قصد القربة و إما مقید.
((1))
«الوجوب التعبدی و إن کان لایختلف عن الوجوب التوصلی ذاتاً لأنّ الوجوب کیف کان فمعناه واحد و لایختلفان کذلک من ناحیة الغرض الأولی للوجوب و هو جعل الداعی لکنهما مختلفان من جهة الغرض النهائی لأن الغرض من جعل الوجوب هو جعل الداعی و الغرض من جعل الداعی هو حصول المتعلق و الغرض من حصول المتعلق حصول المصلحة المترتبة علی المتعلق؛ فلو کانت المصلحة مقیدة (أی کانت قائمة بالعمل المأتی به مع قصد القربة ) کان الغرض من جعل الداعی هذا العمل المقید ... فلا محالة لایتحقق الغرض من الوجوب المجعول علی الصلاة مثلاً إلا بالإتیان بها بقصد القربة
ص: 186
فقول صاحب الکفایة (قدس سره) ... کلام صحیح لوجود الفرق بینهما [أی الوجوب التوصلی و التعبدی] فی الغرض النهائی و هو المصلحة و إن لم یتفرقا فی الغرض الأولی و هو جعل الداعی.»
إنّ ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فی تعریف الوجوب التوصلی یشمل التعبدی أیضاً حیث إنّ الغرض من الوجوب یحصل بمجرد حصول الواجب بلا فرق بین الوجوب التوصلی و التعبدی؛ غایة الأمر أنّ حصول الواجب التعبدی مشروط بقصد القربة أو شامل له فیصدق فی الوجوب التعبدی أیضاً أنّه یحصل غرض الوجوب بمجرد حصول الواجب لأنّه ما لم یحصل قصد القربة لم یحصل الواجب سواء قلنا بشرطیة قصد القربة أم بجزئیته؛ و بذلک ظهر صحة ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) من عدم مغایرة الوجوب فی الواجب التعبدی و التوصلی.
التوصّلی ما شُرّع لأجل مطلق وجوده فی الخارج و إن أمکن التقرب به أیضاً و التعبدی ما شُرّع لأجل التعبد و التقرب.
إنّ ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) یشمل التوصلی بالمعانی المتقدمة (سواء صدر من المکلف أم من غیره و سواء صدر عن اختیار المکلف أم بغیر اختیاره و سواء کان فی ضمن فرد سائغ أم کان فی ضمن فرد محرم) إلا أن یقال بأنّ المراد من «مطلق وجوده » إطلاقه من حیث التقیید بقصد القربة و عدمه و الأمر سهل مع أنّه تعریف بالغایة.
ص: 187
الواجب التوصلی ما لایعتبر فی صحته قصد القربة و الواجب التعبدی ما یعتبر فیه ذلک.
و هو تعریف للواجب التوصلی و التعبدی بخصوصیتهما و هو أولی من التعریف بالغایة.
و لابدّ هنا من ملاحظة مقتضی الأُصول اللفظیة و المقامیة ثم مقتضی الأصل العملی.
ص: 188
و الکلام فی ثلاثة موارد:
و ذلک لأنّ الأُصول اللفظیة إما داخلیة و إما خارجیة (کما سیأتی الإشارة إلیها) و فی الأُصول اللفظیة الداخلیة قد تمسکوا بالإطلاق بمقدمات الحکمة و أُخری بنتیجة الإطلاق.
و الکلام فیه فی وجوه ستة:
و ذلک لأنّ لقصد القربة وجوهاً متعدّدة و هی: قصد الأمر، قصد مصلحة الفعل، قصد حسن الفعل، قصد محبوبیة الفعل، قصد الجامع بین الدواعی (و هو قید الانتساب إلیه تعالی) و قصد ملازم الجامع بین الدواعی (و هو عدم إتیانه بداع نفسانی الملازم لإتیانه بداع إلهی).
و البحث من جهتین:
حیث إنّ جریان أصالة الإطلاق یتوقف علی معقولیة التقیید (للتقابل بین الإطلاق و التقیید) لنبحث عن إمکان تقیید الأمر بقصد القربة فی المراحل الأربع - کما أفاده بعض الأساطین (دام ظله) ((1)) - و هی مرحلة تصوّر الآمر و مرحلة
ص: 189
الإنشاء و مرحلة الفعلیة و مرحلة الامتثال.
فلابدّ فی التمسک بالإطلاق بمقدمات الحکمة لإثبات التوصلیة من البحث عن هذه الوجوه الستة لقصد القربة من جهة إمکان تقیید الواجب بها فی المراحل الأربع المذکورة.
و العمدة فی المقام تحقیق استحالة الوجه الأول و هو قصد الأمر فی هذه المراحل الأربع أو عدم استحالته (و بیان وجه الاستحالة أو عدمها).
فإن قلنا بإمکان تقیید الواجب ببعض هذه الوجوه الستة یمکن التمسک بأصالة الإطلاق لإثبات التوصلیة ثبوتاً و مع فرض عدم إمکان التقیید بهذه الوجوه ثبوتاً أو إثباتاً یقع الکلام فی التمسک بنتیجة الإطلاق((1)) (أی بتصحیح أخذ قصد القربة فی متعلق الأمر بالأمر الثانی) و مع فرض عدم إمکان ذلک یتمسک بالإطلاق المقامی لإثبات توصلیة الواجب و مع فقدان جمیع هذه الوجوه لابدّ من التمسک بالأصل العملی.
هذا کله فی الإطلاق الإثباتی و قد عرفت کفایة الإطلاق الثبوتی لإثبات التوصلیة و لکنه مبنی علی القول باستحالة التقیید الذی أبطلناه.
نتکلم فیها فی ضمن مراحل أربع مع ذکر تتمة.
هنا إشکال واحد و هو اشکال الدور.
ص: 190
((1))
لابدّ للآمر من تصور أمره و تصور الأمر یتوقف علی تصور متعلق الأمر لأنّ الأمر ذات تعلق و یستحیل تصور معنی ذاتِ تعلق بلا تصور متعلقه؛ فحینئذ تصور الأمر موقوف علی تصور متعلقه و لازم أخذ قصد الأمر فی متعلقه هو تصور الأمر قبل تصور متعلقه؛ فیلزم أن یتوقف تصور الأمر علی تصور متعلقه و یتوقف تصور متعلقه علی تصور الأمر و هذا دور مستحیل.
((2))
الموقوف غیر الموقوف علیه لأنّ الموقوف شخص الأمر و الموقوف علیه طبیعة الأمر فانحل مشکلة الدور لأنّ شخص الأمر غیر طبیعته.
((3))علی المحقق المشکینی (قدس سره) :
هذا البیان لایجدی فی المقام و القیاس مع الفارق لأنّ المراد من قصد الأمر
ص: 191
فی المقام قصد الأمر الشخصی لا قصد الطبیعة فما أُخذ فی متعلق الأمر لیس هو الأمرَ المطلق بنحو اللابشرط ( الأعم من أن یکون متعلقُه الصلاةَ أو الحج أو الزکاة أو غیر ذلک ) و لا الأمرَ المهمل بل شخص الأمر المتوجه إلی هذا المتعلق.
((1))
الآمر قبل تصور متعلق الأمر یتصور الأمر أولاً ثم حین یقصد الأمر یتصور الأمر مرة أُخری و التصور الأول وجود لحاظی شخصی و التصور الثانی وجود لحاظی شخصی آخر فهما وجودان شخصیان أحدهما غیر الآخر فلا دور فی البین.
هنا إشکالات خمسة:
إنّ المستشکلین قالوا باستحالة أخذ قصد الأمر فی المتعلق فی مرحلة إنشاء الحکم لوجوه عدیدة
تقریره أنّ إنشاء الحکم بالأمر متأخر وجوداً عن وجود متعلق الأمر کما أنّ العرض متوقف علی وجود معروضه فلو أُخذ الأمر فی متعلقه یلزم توقف المتعلق علی الأمر و هذا دور.
ص: 192
((1))
قال (قدس سره) : «و فیه أنّ الحکم بالإضافة إلی موضوعه من قبیل عوارض المهیة لا من قبیل عوارض الوجود کی یتوقف عروضه علی وجود المعروض و عارض الماهیة لایتوقف ثبوته علی ثبوتها [أی الماهیة] بل ثبوتها [أی الماهیة] بثبوته کثبوت الجنس بفصله و النوع بالتشخص إذ من الواضح أنّ الحکم لایتوقف علی وجود موضوعه خارجاً؛ کیف و وجوده خارجاً یسقط الحکم فکیف یعرضه؟ کما [إنّ الحکم] لایتوقف علی وجوده [أی وجود موضوعه] ذهناً بداهة أنّ الفعل بذاته مطلوب لا بوجوده الذهنی...»
إنّ الأمر متأخر رتبة عن المتعلق فلو أُخذ الأمر فی متعلقه فی مرحلة إنشاء الحکم یلزم تقدم ما هو متأخر بالطبع و هو اجتماع المتقابلین.
((2))
قال (قدس سره) : «و لایخفی علیک أنّ إشکال التقدم و التأخر الطبعی أیضاً قابل للدفع عند التأمل، لأنّ الأمر بوجوده العلمی یکون داعیاً و بوجوده الخارجی یکون حکماً للموضوع؛ و الوجود العلمی لایکون متقوماً بالوجود الخارجی بما هو بل بصورة شخصه لا بنفسه فلا خلف کما لا دور.»
ص: 193
((1)) و بعض الأساطین (دام ظله) ((2)) علی هذا الجواب:
إنّ المحرک نحو العمل الصورة العلمیة المطابقة للأمر الواقعی الخارجی فالمأخوذ فی المتعلق الصورة العلمیة المطابقة للأمر الخارجی و هی متأخرة بالطبع عن وجود الأمر الخارجی فعاد المحذور لأنّ الصورة الذهنیة المأخوذة فی المتعلق متقدّمة علی وجود الأمر الخارجی بمرتبة واحدة أو بمرتبتین ( لأنّ الأمر متأخر طبعاً عن المتعلق الذی أُخذ فیه قصد الأمر و ذات المتعلق متأخر طبعاً عن الأمر الذی أُخذ قصده فی المتعلق ) و متأخر عنه بمرتبة واحدة؛ فیلزم تقدم الأمر علی نفسه بمرتبتین أو بمراتب ثلاث علی تقریر آخر.
یلزم أن یکون الأمر مفروض الوجود قبل وجوده و وجه الاستحالة تقدم الشیء علی نفسه قرّره المحقق النائینی (قدس سره) . ((3))
و هذا الوجه فی الحقیقة یرجع إلی اجتماع المتقابلین إلا أنّ بیان المحقق
ص: 194
النائینی (قدس سره) غیر ما ذکرناه و یعبِّر عنه بمحذور الدور و إن لم یکن دوراً اصطلاحیاً (و مراده أنّ وجه استحالة الدور موجود أیضاً فی هذا التقریر و إن لم یکن دوراً).
بیان المحقق النائینی (قدس سره) : « إنّ الموضوع فی القضایا الحقیقیة دون الفرضیة غیر المعقولة لابدّ و أن یکون مفروض الوجود فی الخارج فی مقام أخذه موضوعاً من دون أن یکون تحت التکلیف أصلاً ... و حینئذ فلو أُخذ قصد امتثال الأمر قیداً للمأمور به فلا محالة یکون الأمر موضوعاً للتکلیف و مفروضَ الوجود فی مقام الإنشاء و هذا ما ذکرناه من لزوم تقدم الشیء علی نفسه و بعبارة واضحة کل أمر - اختیاری أو غیر اختیاری- أُخذ متعلقاً لمتعلق التکلیف فوجود التکلیف مشروط بفرض وجوده بفرضٍ مطابقٍ للواقع و حیث إنّ متعلق المتعلق فیما نحن فیه هو نفس الأمر فیکون وجوده مشروطاً بفرض وجود نفسه فرضاً مطابقاً للخارج؛ فیلزم کونه مفروض الوجود قبل وجوده و هو بعینه محذور الدور».
((1))
«إنّ لزوم أخذ القید مفروض الوجود فی القضیة فی مقام الإنشاء إنّما یقوم علی أساس أحد الأمرین [لا ثالث لهما و فی غیر هذین الموردین لا موجب لأخذه مفروض الوجود أصلاً].
الأول: الظهور العرفی کما فی قوله تعالی: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)((2))... و من هذا القبیل وجوب الوفاء بالنذر و الشرط و العهد و الیمین و وجوب الإنفاق علی
ص: 195
الزوجة و ما شاکل ذلک حیث إنّ القیود المأخوذة فی موضوعات هذه الأحکام رغم کونها اختیاریة أُخذت مفروضة الوجود فی مقام جعلها بمقتضی المتفاهم العرفی ... و هذا هو الغالب فی القضایا الحقیقیة.
الثانی: الحکم العقلی و من الطبیعی أنّ العقل إنّما یحکم فیما إذا کان القید خارجاً عن الاختیار حیث إنّ عدم أخذه مفروض الوجود یستلزم التکلیف بالمحال کما فی مثل قوله تعالی: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ إِلَی غَسَقِ اللَّیلِ) ((1))...
و أما فی غیر هذین الموردین ... [التزمنا بفعلیة التکلیف قبل وجود موضوعه] و من هنا قد التزمنا بفعلیة الخطابات التحریمیة قبل وجودات موضوعاتها بتمام القیود و الشرائط فیما إذا کان المکلف قادراً علی ایجادها، مثلاً التحریم الوارد علی شرب الخمر فعلی و إن لم یوجد الخمر فی الخارج إذا کان المکلف قادراً علی إیجاده بإیجاد مقدماته فلاتتوقف فعلیته علی وجود موضوعه...
و کلاهما [أی الموردین] منتفٍ فی أمثال المقام [أی لاتشرب الخمر] أما الأول فلأنّ ... بل المتفاهم العرفی من أمثال هذه القضایا هو فعلیة حرمة الشرب مطلقاً و إن لم یکن الخمر موجوداً ... و هذا بخلاف المتفاهم العرفی من مثل قوله تعالی: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) کما عرفت؛ و أما الثانی فلأنّ المفروض تمکّن المکلف من إیجاده و فی مثله لایحکم العقل بأخذه مفروض الوجود فالنتیجة أنّ المناط فی فعلیة الخطابات التحریمیة إنّما هو فعلیة قدرة المکلف علی متعلقاتها إیجاداً و ترکاً و لو بالقدرة علی موضوعاتها کذلک؛ فمن کان متمکناً من شرب الخمر و لو بإیجاده [أی الخمر] کانت حرمته فعلیة فی حقه.
ص: 196
و بعد ذلک نقول: إنّ القید فی ما نحن فیه و هو نفس الأمر و إن کان خارجاً عن الاختیار إلا أنّ مجرد ذلک لایوجب أخذه مفروض الوجود ...
و عندئذ فهل نری أنّ الملاک لأخذه کذلک موجود هنا أم لا و التحقیق عدم وجوده أما الظهور العرفی فواضح حیث لا موضوع له فی ما نحن فیه فإنّ الکلام هنا إنّما هو فی إمکان أخذ قصد الأمر فی متعلقه بدون أخذه مفروض الوجود و عدم إمکانه و من الطبیعی أنّه لا صلة للعرف بهذه الناحیة؛ و أما الحکم العقلی فأیضاً کذلک، لأنّ ملاکه هو أنّ القید لو لم یؤخذ مفروض الوجود فی مقام الإنشاء لزم التکلیف بما لایطاق؛ و من المعلوم أنّه لایلزم من عدم أخذ الأمر مفروض الوجود ذلک [أی التکلیف بما لایطاق] ... و الوجه فی ذلک هو أنّ المعتبر فی صحة التکالیف إنّما هو قدرة المکلف علی الإتیان بمتعلقاتها بکافة الأجزاء و الشرائط فی مرحلة الامتثال و إن کان عاجزاً و غیر قادر فی مرحلة الجعل؛ و علی هذا الضوء فالمکلف و إن لم یکن قادراً علی الإتیان بالصلاة مثلاً بداعی أمرها و بقصده قبل إنشائه و جعله و لکنه قادر علی الإتیان بها کذلک بعد جعله و إنشائه ... و من هنا یظهر أنّ الأمر یمتاز عن بقیة القیود غیر الاختیاریة فی نقطة و هی أنّه یوجد بنفس الإنشاء و الجعل دون غیره ...»
قضیة شرطیة موضوعها هو المقدم و حکمها هو التالی؛ و الجزاء فی القضیة الشرطیة لایتکفل الشرط لا وضعاً و لا رفعاً ثم بنی علیه رفع التنافی بین الحاکم والمحکوم، لأنّ الحاکم متعرض لموضوع المحکوم و المحکوم لایتعرض لموضوع نفسه لأنّ المحکوم فی رتبة الجزاء و یترتب علیه حل مشکلة الترتب؛ فعدم إرجاع القضیة الحقیقیة إلی القضیة الشرطیة فی بعض الموارد خلاف مبناه.
أما فی ما نحن فیه فإنّ الأمر یکون موضوع القضیة الحقیقیة فلو کان هو نفس الحکم الذی تعلق بالصلاة مع قصد الأمر یلزم اتحاد المشروط و الشرط وجوداً.
إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((1)) أفاد هنا اشکالاً رابعاً فقال (قدس سره) :
«بل التحقیق فی خصوص المقام أنّ الإنشاء حیث إنّه بداعی جعل الداعی فجعل الأمر داعیاً إلی جعل الأمر داعیاً یوجب علیة الشیء لعلیة نفسه و کون الأمر محرکاً إلی محرکیة نفسه و هو کعلیة الشیء لنفسه ...»
قال (قدس سره) : «نعم هذا المحذور إنّما یرد إذا أُخذ الإتیان بداعی الأمر بنحو
ص: 198
الشرطیة أو بنحو الجزئیة و أما إذا لوحظ ذات المأتی به بداعی الأمر - أی هذا الصنف من نوع الصلاة - و أُمر به فلایرد هذا المحذور.»
قرره المحقق البروجردی (قدس سره) فی المرحلة الرابعة((1)) و لکنه جارٍ هنا أیضاً.
قال (قدس سره) : «إنّ المدعو إلیه للأمر هو الصلاة بداعی الأمر المتعلق بأی شیء؟ فإن قلت: إنّه الصلاة بداعی الأمر المتعلق بذات الصلاة فهو خلاف الفرض و إن قلت: إنّه الصلاة بداعی الأمر المتعلق بالصلاة بداعی الأمر فهذا الأمر الثانی أیضاً یحتاج إلی متعلق یکون مدعواً إلیه» و هو لابدّ أن یکون الصلاةَ بداعی الأمر فینقل الکلام إلی متعلق الأمر الثالث و هکذا یتسلسل و هذا المحذور کما یجری فی مقام الامتثال یجری فی مرحلة الإنشاء و الجعل.
ما أجاب به المحقق الإصفهانی (قدس سره) عن الإشکال الرابع یجری هنا أیضاً.
هنا إشکالات أربعة:
هو الدور و کون الأمر محرکاَ إلی محرکیة نفسه و التسلسل.
و الجواب عن هذه الثلاثة: ما ذکرنا فی المرحلة السابقة.
ص: 199
هو تقدم الشیء علی نفسه قرره المحقق النائینی (قدس سره) .((1))
قال (قدس سره) : «إنّ فعلیة الحکم تتوقف علی فعلیة موضوعه أعنی متعلقات متعلق التکلیف و حیث إنّ المفروض أنّ نفسه هو الموضوع لنفسه و متعلق متعلقه فتتوقف فعلیته علی فعلیة نفسه و لازمه تقدم فعلیته علی فعلیته.»
و هذا الإشکال یرجع إلی استحالة اجتماع المتقابلین حیث إنّ الفعلیة اجتمع فیها التقدم و التأخر.
إنّ قوله (قدس سره) « إنّ المفروض أنّ نفسه هو الموضوع لنفسه » ممنوع لما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((2)) من أنّ المأخوذ فی المتعلق هو الصورة العلمیة للأمر لا الأمر.
«إنّ المأمور به إنّما هو قصد الأمر الحقیقی لا التشریعی ... و قصد الأمر الحقیقی إنّما یتمکن منه المکلف لو تعلّق أمر بذات العمل و المفروض أنّ الأمر لم یتعلق بذات العمل و إنّما تعلق به مقیداً بقصد الأمر فیکون تکلیفاً بما لایطاق.»
قرّره المحقق النائینی (قدس سره) فقال:((1)) «إنّ قصد الامتثال متأخر عن إتیان تمام أجزاء المأمور به و قیوده طبعاً فإنّ قصد الامتثال إنّما یکون بها [أی بتلک الأجزاء و القیود] و حیث إنّا فرضنا من جملة الأجزاء و القیود نفس قصد الامتثال... فلابدّ و أن یکون المکلف فی مقام امتثاله قاصداً للامتثال قبل قصد امتثاله فیلزم تقدم الشیء [أی قصد الامتثال بما هو متقدم علی الأجزاء و القیود] علی نفسه [أی قصد الامتثال بما هو متأخر عن الأجزاء و القیود]» و استحالته من باب اجتماع المتقابلین.
صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)) فی مرحلة الامتثال من التکلیف بما لایطاق فهذا مجموع الإشکالین.
و تقریره أنّ الأمر إما یتعلق بالصلاة المقیدة بقصد الأمر و إما یتعلق بالصلاة المرکبة من قصد الأمر.
أما إتیان الصلاة المقیدة بقصد الأمر فلایمکن إلا أن یتعلق بذات الصلاة أمر و هو خلف الفرض.
و أما إتیان المرکب و امتثاله فمحال أیضاً لأنّ الأمر یدعو إلی متعلقه و محرک نحوه و المفروض أنّ قصد الأمر جزء من هذا المرکب فیقال: تحریک الأمر إلی محرکیته و دعوته إلی داعویته محال لأنّ علیة الشیء لعلیة نفسه محال فبالنتیجة أخذ قصد الأمر فی متعلقه شرطاً و جزءً محال.
((2)) وجهاً للاستحالة
قال (قدس سره) : « التحقیق - کما علیه أهله - هو عدمُ جواز أخذ القرب الناشی من دعوة الأمر فی المأمور به بنحو الشرطیة أو الشطریة و امتناعُه و وجه الامتناع ظاهر لأنّ القرب الناشی من دعوة هذا الأمر إنّما هو معلول شخص هذا الأمر و مترتب علیه ... و حینئذ فمع کونه مرئیاً فی هذا اللحاظ عقیب الأمر و فی رتبة متأخرة عنه فکیف یمکن أن یؤخذ مثله فی موضوع [أی متعلق] هذا الأمر فی
ص: 202
هذا اللحاظ وفی رتبة متقدمة علیه و هل هو إلا من المستحیل؟»
«یمکن تصویر الواجب التعبدی علی أنحاء: الأول أن یکون تعبدیاً بکافة أجزائه و شرائطه. الثانی أن یکون تعبدیاً بأجزائه مع بعض شرائطه. الثالث أن یکون تعبدیاً ببعض أجزائه دون بعضها الآخر».
والقسم الأول و الثالث لم نجد لهما مثالاً أما القسم الثانی فهو کأکثر العبادات مثل الصلاة فإنّ جمیع أجزائها عبادیة و أما شرائطها فقد تکون تعبدیة مثل الوضوء و الغسل و قد تکون توصلیة مثل طهارة البدن و الثوب و استقبال القبلة.
«إنّ الأمر المتعلق بالمرکب من عدة أُمور فبطبیعة الحال ینحل بحسب التحلیل إلی الأمر بأجزائه ... و مرد ذلک إلی انحلال الأمر الاستقلالی إلی عدة أوامر ضمنیة حسب تعدد الأجزاء ...
إذا کان الواجب مرکباً من الفعل الخارجی و قصد أمره الضمنی ... إنّ الواجب فی مثل الفرض مرکب من جزء خارجی و جزء ذهنی - و هو قصد الأمر- و قد تقدم أنّ الأمر المتعلق بالمرکب ینحل إلی الأمر بکل جزء جزء منه و علیه فکل من الجزء الخارجی و الجزء الذهنی متعلق للأمر الضمنی غایته أنّ الأمر الضمنی المتعلق بالجزء الخارجی تعبدی فیحتاج سقوطه إلی قصد امتثاله و الأمر الضمنی المتعلق بالجزء الذهنی توصلی ... [و النتیجة] أنّ توهم استحالة أخذ قصد الأمر فی متعلقه یقوم علی أساس أحد أمرین:
الأول: أخذ الأمر مفروض الوجود فی مقام الجعل و الإنشاء [و هو الإشکال الذی أفاده المحقق النائینی (قدس سره) ] و لکن قد تقدم نقده بشکل موسع.
ص: 204
الثانی: أن یکون المأخوذ فی متعلقه قصد الأمر الاستقلالی بمعنی أن یکون الواجب مرکباً من الفعل الخارجی و قصد الأمر کذلک و هذا غیر معقول..»
و قد عرفت ابتناء إشکال اجتماع المتقابلین و تقدم الشیء علی نفسه و محرکیة الأمر إلی محرکیة نفسه فی مقام الإنشاء و الفعلیة و إشکال تقدم الشیء علی نفسه و التکلیف بما لایطاق و محرکیة الأمر إلی محرکیة نفسه فی مقام الامتثال کلِها علی أخذ قصد الأمر الاستقلالی فی متعلقه و یجاب عن جمیع هذه الإشکالات بأنّ المأخوذ فی المتعلق قصد الأمر الضمنی.
نعم الأمر الضمنی المتعلق بالفعل مقدم رتبة علی الأمر الضمنی المتعلق بقصد الأمر (أی بقصد الأمر الضمنی المتعلق بالفعل) فیلزم أن یکون أحد الأمرین الضمنیین متقدماً علی الآخر و لکنه لامحذور فیه لأنّ هذا الأمر الضمنی غیر الأمر الضمنی الآخر فهما متعددان و لا محذور فی تقدم أحدهما علی الآخر.
« و قد تحصل من جمیع ما ذکرناه أنّه لا مانع من أخذ قصد الأمر فی متعلقه فی مقام الثبوت؛ و أما فی مقام الإثبات فإن کان هنا دلیل یدلنا علی أخذه فیه فهو و إلا فمقتضی الإطلاق عدم أخذه و کون الواجب توصلیاً ...»
لکن الانحلال اعتبار عقلی بلا واقعیة لأنّ الغرض من المرکب الارتباطی غرض واحد فالإرادة أیضاً لابدّ أن تکون واحدة و هکذا لابدّ أن یکون الأمر أیضاً واحداً لوحدة الغرض و الإرادة فإنّ وزان الأمر بالنسبة إلی الإرادة هو وزان المعلول بالنسبة إلی العلة و حینئذ التحلیل هو باعتبار العقل و مصحح هذا التحلیل تعدد متعلق البعث و هذا التعدد فی المتعلق هو المنشأ لأن یعتبر العقل الأوامر الضمنیة.
((1))
إنّ هنا أمرین ضمنیین: الأمر الضمنی التعبدی المتعلق بالطبیعة و الأمر الضمنی التوصلی المتعلق بإتیان الطبیعة بقصد أمرها الضمنی؛ و علی هذا نسبة الأمر الضمنی التعبدی إلی الأمر الضمنی التوصلی نسبة الموضوع إلی الحکم مع أنّهما موجودان بأمر واحد فحینئذ کیف یعقل تحققهما بوجود واحد مع أنّهما مختلفان بالرتبة.
قال المحقق الخوئی (قدس سره) : إنّ المشکلة تنحل بما أفدناه فی مبحث الصحیح و
ص: 206
الأعم من أنّ الوضع لما هما مختلفان بالرتبة معقول بمعنی أنّ العلة و المعلول یمکن لحاظهما بلحاظ واحد فیوضع لهما لفظ واحد.
((1))
إنّ المتخالفین بالطبع یوجدان بوجود واحد إلا أنّ الوجود حینئذ ینسب بالذات إلی المتأخر بالطبع و بالعرض إلی المتقدم بالطبع و لکن أجزاء المرکب بما أنّها أجزاء المرکب کلها فی عرض واحد؛ فلایتم جواب المحقق العراقی و المحقق الخوئی (قدس سرهما) عن الإشکالات و لذا اختار بعض الأساطین (دام ظله) استحالة أخذ قصد الأمر فی المتعلق((2)) لمحذور استحالة اجتماع المتقابلین.
المحقق الخراسانی و النائینی و العراقی (قدس سرهم) و بعض الأساطین (دام ظله) قالوا باستحالة أخذ قصد الأمر فی المتعلق و المحقق الإصفهانی (قدس سره) -الذی اخترنا نظریته - و المحقق الخوئی (قدس سره) قالا بعدم استحالة ذلک.
ص: 207
أماعدم الاستحالة عند المحقق الخوئی (قدس سره) فمن جهة انحلال الأمر الاستقلالی إلی الأوامر الضمنیة و أخذ قصد الأمر الضمنی فی المتعلق.
و أما عند المحقق الإصفهانی (قدس سره) فمن جهة أنّ المأخوذ فی المتعلق هو الصورة العلمیة للأمر مع أنّه لیس بمأخوذ فی المتعلق علی نحو الجزئیة و الشرطیة بل هو مأخوذ علی نحو العرفیة بأن یکون خارجاً عن المتعلق و موجباً لتحصص المتعلق (و هو ذات الصلاة مثلاً) فالمتعلق «الحصة التوأمة لقصد الأمر من ذات الصلاة».
هذا تمام البحث من جهة استحالة التقیید بقصد الأمر أو عدم استحالته.
ص: 208
و حینئذ لابدّ من انضمام بحث آخر و هو أنّه علی فرض استحالة التقیید هل یستحیل الإطلاق أو لا؟
فلابدّ من البحث عن أمرین:
الأول: إنّ التقابل بین الإطلاق و التقیید تقابل الملکة و العدم أو تقابل الضدین أو غیر ذلک؟
الثانی: علی فرض أنّ التقابل بینهما تقابل الملکة و العدم هل تستلزم استحالة التقیید استحالة الإطلاق أو لا؟ (هنا مسألتان):
هنا قولان:
قال المحقق النائینی (قدس سره) و بعض الأساطین (دام ظله) ((1)) بأنّ التقابل بینهما تقابل الملکة و العدم و فی قبال ذلک قال العلامة المحقق الإصفهانی و المحقق الخوئی (قدس سرهما) بالتفصیل بین مقام الثبوت و الإثبات فإنّ التقابل بینهما فی مقام الثبوت تقابل التضاد و فی مقام الإثبات تقابل الملکة و العدم.
ص: 209
إنّ اللحاظ أمر وجودی جامع بین الإطلاق و التقیید فکما أنّه فی مقام الإثبات یفسر الإطلاق بعدم بیان التقیید بالنسبة إلی ما یتمکن فیه من التقیید فهکذا الأمر فی مقام الثبوت بمعنی أنّ القید یلحظ و حینئذ إما یؤخذ فیکون الأمر مقیداً و إما لایؤخذ فیکون مطلقاً؛ فحقیقة الإطلاق هی لحاظ القید و عدم الأخذ کما أنّ حقیقة التقیید هی لحاظ القید و أخذه؛ فاللحاظ مقسم للإطلاق و التقیید و التقیید أمر وجودی و الإطلاق أمر عدمی.
إن قلت: إنّ اللحاظ أمر وجودی و هو موجود فی الإطلاق و مقسم له فکیف یعقل أن یکون الإطلاق أمراً عدمیاً؟
قلنا: نحن و إن صدقنا وجود اللحاظ حتی فی الإطلاق و لکن لانسلم إشراب اللحاظ فی حقیقة الإطلاق؛ و بهذا البیان ظهر أنّ التقابل بین الإطلاق و التقیید ثبوتاً تقابل الملکة و العدم لا التضاد.
القول الثانی: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) (1) و المحقق الخوئی (قدس سره)
بیان المحقق الخوئی (قدس سره) : إنّ کلام المحقق النائینی (قدس سره) بحسب مقام الإثبات صحیح بلا إشکالٍ و أما فی مقام الثبوت فالصحیح أنّ المقابلة بینهما مقابلة
ص: 210
الضدین لا العدم و الملکة و ذلک لأنّ الإطلاق فی هذا المقام عبارة عن رفض القیود و الخصوصیات و لحاظ عدم دخل شیء منها فی الموضوع أو المتعلق و التقیید عبارة عن لحاظ دخل خصوصیة من الخصوصیات فی الموضوع أو المتعلق و من الطبیعی أنّ کلاً من الإطلاق و التقیید بهذا المعنی أمر وجودی.((1))
فإنّ ما أفاده (قدس سره) من أنّ لحاظ الخصوصیة أمر جامع بین الإطلاق و التقیید صحیح بلا إشکال و لکن ما أفاده من أنّ الإطلاق فی مقام الثبوت هو عدم أخذ الخصوصیة فلایصح بل لابدّ بعد ملاحظة الخصوصیة إما من أخذه فی المتعلق لدخله فی الغرض و إما من رفضه لعدم دخله فی الغرض و رفض الخصوصیات أمر وجودی.
و إن شئت فقل: إنّ الغرض لایخلو من أن یقوم بالطبیعی الجامع بین کافة خصوصیاته أو یقوم بحصة خاصة منه و لا ثالث لهما؛ فعلی الأول لابدّ من
ص: 211
لحاظه علی نحو الإطلاق و السریان رافضاً عنه جمیع القیود و الخصوصیات الطارئة علیه أثناء وجوده و تخصصه و علی الثانی لابدّ من لحاظ تلک الحصة الخاصة و لایعقل لهما ثالث فلأنّ مرد الثالث- و هو لحاظه بلا رفض الخصوصیات و بلا لحاظ خصوصیة خاصة - إلی الإهمال فی الواقعیات و من الطبیعی أنّ الإهمال فیها من المولی الملتفت مستحیل.
توضیح ذلک أنّ ما أفادوا -من أنّ اللحاظ أمر وجودی جامع بین الإطلاق و التقیید و بعد لحاظ القید إما یؤخذ فیکون الأمر مقیداً و إما لایؤخذ فیکون مطلقاً- لایستقیم بحسب مقام الثبوت لأنّ هذا اللحاظ الجامع تصور ذهنی من دون أن یشتمل علی حکم و تصدیق و حینئذ إذا حکمنا بأخذ القید فی المتعلق فلا إهمال بالنسبة إلی هذا القید و أما إذا لم نحکم بشیء فذلک إهمال بالنسبة إلی هذا القید و الشارع فی مقام الثبوت لابدّ أن یحکم إما بأخذ القید و إما بعدم أخذه و معنی حکمه و لحاظه لعدم أخذه هو ما یعبر عنه بالرفض و الحکم بعدم الأخذ أمر لحاظی غیر اللحاظ التصوری الأول و لابدّ من هذا اللحاظ الثانوی حتی یخرج المقام من الإهمال و إلا فنفس اللحاظ الأول (غیر المشتمل علی الحکم بالأخذ أو بعدم الأخذ) لایخرج أمر القید من الإهمال کما أنّ عدم أخذ القید أیضاً أمر عدمی فلایوجب خروج القید عن الإهمال و لما کان الإهمال من الشارع بالنسبة إلی القید فی مقام الثبوت و الواقع مستحیلاً فلابدّ من انضمام لحاظ الإطلاق و رفض القیود فی مقام الثبوت و بذلک ظهر أنّ التقابل بین الإطلاق و التقیید فی مقام الإثبات تقابل الملکة و العدم و فی مقام الثبوت تقابل التضاد.
نتکلم فیها بناءً علی القولین فی المسألة الأُولی.
ص: 212
فبحسب مقام الثبوت هنا قولان:
اختاره المحقق النائینی (قدس سره) و جمع آخر من المحققین.
و وجه نظریة المحقق النائینی (قدس سره) هو « دعوی أنّ لازم کون التقابل بین الإطلاق و التقیید تقابل العدم و الملکة اعتبار کون المورد قابلا للتقیید فما لم یکن قابلاً له [أی للتقیید] لم یکن قابلاً للإطلاق أیضاً.»((1))
((2))
«إنّ قابلیة المحل [للتقیید] المعتبرة فی التقابل المذکور [أی تقابل الملکة و العدم] لایلزم أن تکون [قابلیة] شخصیة فی جزئیات مواردها بل یجوز أن تکون صنفیة أو نوعیة أو جنسیة ... و قد تحصل من ذلک بوضوح أنّه لایعتبر فی صدق العدم المقابل للملکة علی مورد قابلیة ذلک المورد بشخصه للاتصاف بتلک الملکة بل یکفی فی ذلک قابلیة صنفه أو نوعه أو جنسه للاتصاف بها [أی بالملکه و إن لم یکن شخص هذا الفرد قابلاً للاتصاف به]» مثلاً الإنسان یتصف بالعجز
ص: 213
عن الطیران مع عدم قابلیته له و وجه ذلک قابلیة جنسه ( الحیوان ) للطیران و لو ببعض أفراده.
وجه نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) :((1)) إنّ الغرض الداعی إلی جعل الحکم إما یقوم بالطبیعی الجامع بین الخصوصیات و إما یقوم بحصته المقیدة بشیء و إما یقوم بحصته المقیدة بعدم ذاک الشیء و إما یقوم بالطبیعة المهملة؛ أما التصویر الرابع فباطل لأنّ الإهمال فی الواقعیات مستحیل (حیث إنّ مرجع الإهمال إلی عدم علم المولی بمتعلق حکمه أو موضوعه من حیث السعة و الضیق و تردده فی ذلک و من الطبیعی أنّ تردده فیه یستلزم تردده فی نفس حکمه و هو من الحاکم غیر معقول).
فیبقی الصور الثلاث الأُخر و أما التصویر الثانی فهو مستحیل علی الفرض و أما التصویر الثالث فلا وجه له هنا أیضاً ( لأنّه لا معنی لتقیید المتعلق بعدم امتثاله بقصد أمره ) فیتعین حینئذ التصویر الأول و هو الإطلاق.
«و لا فرق فی ذلک بین قیود الوضوع و قیود المتعلق و کذا لا فرق بین القیودات [أی الانقسامات] الأولیة و القیودات الثانویة ضرورة أنّ الإهمال کما لایعقل بالإضافة إلی القیودات الأولیة کذلک لایعقل بالإضافة إلی القیودات الثانویة فإنّ الحکم المجعول من قبل المولی الملتفت إلی تلک القیودات لایخلو من أن یکون مطلقاً بإطلاق موضوعه أو متعلقه بالإضافة إلیها - یعنی لادخل
ص: 214
لشیء منها فیه - أو یکون مقیداً بها و لا ثالث فی البین و علیه فإذا افترضنا استحالة التقیید بقید فلامحالة أحد أمرین ضروری إما الإطلاق أو التقیید بغیره لاستحالة الإهمال فی الواقع.»
و بحسب مقام الإثبات: فقد قال بعض الأساطین (دام ظله) :((1)) لایمکن التمسک بأصالة الإطلاق.
«إنّه دائماً یکون الإطلاق فی مقام الإثبات کاشفاً عن الإطلاق فی مقام الثبوت؛ فمن مقام الإثبات یستکشف مقام الثبوت و هذه الکاشفیة إنّما تتحقق و یکون الإطلاق حجةً علی المراد فیما إذا تمکن الحاکم من التقیید فی مقامی الثبوت و الإثبات و مع انتفاء التمکن منه فی أحد المقامین لایتحقق الإطلاق الکاشف عن المراد.
و فی ما نحن فیه الحاکم و إن کان قادراً علی بیان القید فی مقام الإثبات إلا أنّه غیر قادر علی تقیید متعلق الأمر بقصد القربة فی مقام الثبوت فلایکون إطلاقه فی مقام الإثبات کاشفاً عن إطلاقه فی مقام الثبوت...»
إنّا فی هذا الفرض لانحتاج إلی کاشفیة الإطلاق فی مقام الإثبات عن الإطلاق فی مقام الثبوت لأنّ مقتضی دلیل استحالة التقیید فی مقام الثبوت هو إطلاق المتعلق بالنسبة إلی القید ثبوتاً - کما برهنّا علیه - کما قال المحقق الخوئی (قدس سره) :((2))
ص: 215
«و قد حُکی أنّ الشیخ (قدس سره) [أی الشیخ الأنصاری] کان یتمسک بهذا الإطلاق((1)) و لایخفی أنّ الإطلاق المدعی إنّما هو الإطلاق الثبوتی أعنی المنکشف لا الإطلاق فی مقام الکاشف [کذا] و الإثبات لیقال: إنّه لا أثر لهذا الإطلاق و عدم التقیید الذی یکون منشأه عدم تمکن المولی من التقیید فإنّ ذلک إنّما یکون فی الإطلاق الإثباتی فإنّ من مقدماته أن یکون المولی فی مقام البیان و قادراً علی التقیید فإذا لم یقید یکون ذلک الإطلاق کاشفاً عن إطلاق المراد.
و أما الإطلاق فی مرحلة الثبوت فیترتب علیه الأثر بعد إثبات استحالة الإهمال و استحالة التقیید فیجزم بأنّ المراد الواقعی مطلق و یترتب علیه الأثر.»
فبحسب مقام الثبوت یکون الإطلاق ضروریاً.
ص: 216
إنّ الإطلاق فی مقام الثبوت واجب -علی فرض استحالة أخذ قصد الأمر فی المتعلق- لعدم أخذ عدم قصد الأمر فیه و لعدم الإهمال فی مقام الثبوت و لانحتاج إلی أصالة الإطلاق فی مقام الإثبات.
و بحسب مقام الإثبات لا مانع من التمسک بأصالة الإطلاق لإثبات التوصلیة لعدم استحالة أخذ قصد الأمر فی المتعلق.
هذا تمام الکلام فی الوجه الأول من وجوه قصد القربة.
ص: 217
هنا إشکالات خمسة:
((1))
إنّ أخذ تلک الدواعی فی متعلق الأمر ممکن ثبوتاً إلا أنّا نعلم عدم أخذها فیه لأنّه لو أُخذت فی متعلق الأمر لم یصح الإتیان بدونها مع أنّا نعلم یقیناً بأنّ الإتیان بقصد الأمر من دون الالتفات إلی إحدی تلک الدواعی یکفی فی مقام الامتثال.
((2))
«إنّ ما ذکره من صحّة العبادة مع قصد أمرها و بدون قصد تلک الدواعی لایکشف إلا عن عدم اعتبارها بالخصوص و أما اعتبار الجامع بین الجمیع و هو إضافة العمل إلیه تعالی فهو بمکان من الإمکان و لا دلیل فی ما ذکره [صاحب الکفایة (قدس سره) ] علی عدم اعتباره فلعل صحة العبادة المأتی بها بداعی أمرها إنّما هی من ناحیة تحقق الجامع القربی به.»
ص: 218
((1))
الإرادة التشریعیة تکون علی وزان الإرادة التکوینیة و فی الإرادة التکوینیة الداعی علة للإرادة و الإرادة علة للفعل فلو جعلنا رتبة الداعی إلی الإرادة فی عرض الفعل (أی أخذناه فی المتعلق) یلزم جعل علة الشیء فی رتبة معلول هذا الشیء و هذا محال؛ و حینئذ نقول: الأمر الصادر من المولی هو إرادته التشریعیة و الداعی لتلک الإرادة هو محبوبیة الفعل و مصلحته فلو أخذنا قصد المحبوبیة و المصلحة و الحسن فی المتعلق یلزم جعل علة الشیء فی رتبة معلوله و هذا مستحیل
((2)) عنه:
قال (قدس سره) : «و لنأخذ بالمناقشة علیه أولاً بالنقض و ثانیاً بالحل أما الأول فلو تم ما أفاده (قدس سره) من عدم إمکان تعلق الإرادة التشریعیة و التکوینیة بداعٍ من الدواعی القربیة لکان ذلک موجباً لعدم إمکان تعلقهما به بمتمم الجعل و بالأمر الثانی أیضاً مع أنّه (قدس سره) قد التزم بإمکان أخذه بالأمر الثانی و السبب فی ذلک هو ما عرفت من أنّ الداعی عبارة عما تنبعث الإرادة منه فی نفس المکلف للقیام بالعمل و علیه فبطبیعة الحال تکون الإرادة متأخرة عنه فإذن کیف یعقل أن تتعلق الإرادة
ص: 219
به کما تتعلق بالفعل الخارجی و من الواضح أنّه لافرق فی استحالة أخذه فی متعلق الإرادة بین أن یکون بالأمر الأول أو بالأمر الثانی.»
قال (قدس سره) :((1)) «و أما الثانی فلأنّ ما أفاده (قدس سره) إنّما یتم فی الإرادة الشخصیة حیث إنّها لایعقل أن تتعلق بما تنبعث منه بداهة... أو فقل: إنّ هذه الإرادة معلولة لذلک الداعی فکیف یعقل أن تتقدم علیه و تتعلق به؟ و أما تعلق فرد آخر من الإرادة به غیر الفرد الناشئ منه فلا استحالة فیه أصلاً و ما نحن فیه من هذا القبیل و ذلک لأنّ الواجب فیه مرکب علی الفرض من فعل خارجی کالصلاة مثلاً و فعل نفسانی کأحد الدواعی القربیة و الاختیار [أو الإرادة] المتعلق بالفعل الخارجی کالصلاة مثلاً غیر الاختیار المتعلق بالفعل النفسانی فإنّ تعدد الفعل بطبیعة الحال یستلزم تعدد الاختیار و إعمال القدرة فلایعقل تعلق اختیار واحد بهما معاً فإذن لایلزم المحذور المتقدم حیث إنّ الاختیار المتعلق بالفعل الخارجی هو الناشئ عن الفعل النفسانی یعنی أحد الدواعی القربیة و الاختیار المتعلق به [أی الفعل النفسانی و هو الداعی القربی] غیر ذلک الاختیار و لم ینشأ منه [أی من الفعل النفسانی].»
((2)) عنه:
«إنّه قد تعلقت الإرادة التشریعیة من الشارع بالصلاة بداعی المصلحة فإن
ص: 220
کان الداعی لهذه الإرادة نفس المصلحة لزم المحال لکن داعی المولی للإرادة التشریعیة لیس هو المصلحة بل محبوبیة الصلاة مثلاً و إذا اختلف الداعیان ارتفع محذور الدور.» هذا علی ما فی تحقیق الأُصول.
للأُستاذ (دام ظله) بیان آخر من جهة تعدد أفراد الداعی الواحد (غیر تعدد نفس الداعی) فقال: إنّ المصلحة الداعیة إلی الإرادة التشریعیة غیر المصلحة المأخوذة فی المتعلق و هما فردان من المصلحة.
((1))
«إنّ داعویة حسن الفعل مثلاً تتوقف علی کونه حسناً و کونه حسناً یتوقف علی داعویة الحسن فیدور» و هکذا إتیان العمل بداعی مصلحته یتوقف علی کونه ذا مصلحة و کونه ذا مصلحة یتوقف علی إتیانه بداعی مصلحته فیدور.
((2)) عنه:
((3))
إنّ التعظیم یتوقف علی قصده؛ مثلاً القیام للقادم إنّما یکون تعظیماً له إذا قصد به التعظیم و أما لو لم یقصد به التعظیم بل قصد به رؤیة شیء أو غیر ذلک فلایکون تعظیماً؛ و من جهة أُخری قصد التعظیم یتوقف علی کونه تعظیماً؛ مثلاً
ص: 221
لایمکن قصد التعظیم بفعل النوم لأنّ النوم لایکون تعظیماً فحینئذ قصد التعظیم یتوقف علی کونه تعظیماً و کونه تعظیماً یتوقف علی قصد التعظیم فیدور.
((1))
التعظیم الذی یتوقف علی قصد التعظیم هو التعظیم الفعلی و التعظیم الذی یتوقف علیه قصد التعظیم هو ما یقتضی التعظیم فالموقوف غیر الموقوف علیه لأنّ الموقوف هو التعظیم الفعلی و الموقوف علیه هو التعظیم الاقتضائی؛ هکذا الحسن الذی یتوقف علی قصد الحسن هو الحسن الفعلی و الحسن الذی یتوقف علیه قصد الحسن هو ما یقتضی الحسن فالموقوف هو الحسن الفعلی و الموقوف علیه هو الحسن الاقتضائی.
((2))
«إنّ إتیان الصلاة مثلاً بداعی حسنها یتوقف علی کون الذات حسنة و المفروض أنّ الحسن إنّما هو للفعل المقید» لا لذات الفعل فلایمکن حینئذٍ إتیان الصلاة بداعی حسنها ( و هکذا فی سائر الدواعی).
إنّ ما أفاده بعض الأساطین (دام ظله) فی دفع الإشکال الثالث یجری فی دفع هذا الإشکال أیضاً؛ فإنّ ذات الفعل له الحسن الاقتضائی و الفعل المقید له الحسن الفعلی.
ص: 222
((1))
إنّ متعلق الأمر حسب الفرض هو إتیان العمل بداعی مصلحته و حینئذ إما یراد مصلحة ذات العمل فهذا خلف لأنّ ذات العمل لا مصلحة فیها بل المصلحة فی إتیانها بقصد المصلحة و إما یراد مصلحة العمل المقید بقصد المصلحة فننقل الکلام إلی تلک المصلحة الثانیة فإن کان المراد مصلحة ذات العمل فهذا خلف و إن کان المراد مصلحة العمل المقید بقصد المصلحة فننقل الکلام إلیه فهکذا یتسلسل.
هو ما أفاده الأُستاذ (دام ظله) من أنّ ذات العمل واجدة للمصلحة الاقتضائیة.
ص: 223
و هذا مختار المحقق الخوئی (قدس سره) ((1)) قال: « إنّ ما ذکر من المحاذیر لایلزم شیء منها علی تقدیر أخذه [أی الجامع القربی] هذا من ناحیة و من ناحیة أُخری إنّ الدواعی القربیة بکافة أصنافها فی عرض واحد؛ فلیس واحد منها فی طول الآخر فإنّ المعتبر فی العبادة هو الإتیان بها بقصد التقرب إلی المولی و هو یتحقق بإضافة الفعل إلیه حیث لا واقع له ما عدا ذلک و من المعلوم أنّ الإضافة جامعة بین جمیع أنحاء قصد القربة.
و من ذلک یظهر أنّ کل واحد من الدواعی القربیة غیر مأخوذ فی متعلق الأمر و المأخوذ إنما هو الجامع بین الجمیع و من ثمة لو أتی المکلف بالعبادة بأی داع من تلک الدواعی لکانت صحیحة و لا خصوصیة لواحد منها بالإضافة إلی الآخر أصلاً.»
((2))
إذا قلنا باستحالة أخذ قصد الأمر فی المتعلق و قلنا أیضاً بعدم أخذ غیره من سائر الدواعی فبطبیعة الحال لایمکن أخذ الجامع بین هذه الدواعی لأنّه لایعم غیرها.
ص: 224
((1)) عن هذا الإشکال:
«إنّ الإطلاق عبارة عن رفض القیود و ملاحظة عدم دخل شیء من الخصوصیات فیه من الخصوصیات النوعیة أو الصنفیة أو الشخصیة و لیس عبارة عن الجمع بین القیود و الخصوصیات؛ و علی هذا فلا مانع من أخذ الجامع بین جمیع هذه الدواعی القربیة فی العبادات و لایستلزم عدم اعتبار کل واحد من تلک الدواعی فیها عدم أخذ الجامع و ذلک لأنّ معنی أخذ الجامع لیس أخذ خصوص قصد الأمر و قصد المحبوبیة و قصد الملاک و نحو ذلک من الدواعی فی المتعلق » لأنّ الإطلاق ( فی الجامع المذکور ) لیس جمع القیود.
ص: 225
نسبه المحقق النائینی (قدس سره) ((1)) إلی المیرزا المجدد الشیرازی (قدس سره) .
قال المحقق الخوئی (قدس سره) ((2)) فی توجیهه: « إنّ کل عمل صادر عن الفاعل المختار لابدّ أن یکون صدوره عن داع من الدواعی التی تدعو المکلف نحو العمل و تبعث نحوه و من الواضح أنّ الداعی لایخلو من أن یکون داعیاً نفسانیاً أو یکون داعیاً إلهیاً فلا ثالث لهما.
و علیه فلو أخذ المولی فی متعلق أمره عدم إتیانه بداع نفسانی فقد وصل به إلی غرضه حیث إنّ هذا العنوان العدمی ملازم لإتیان الفعل المأمور به مضافاً إلی المولی ...»
((3))
«لو فرضنا و لو [کان هذا الفرض] محالاً انفکاک ذلک العنوان [أو العمل العبادی المعنون بالعنوان المذکور] عن أحد الدواعی [الإلهیة] و بالعکس فلابدّ و أن تکون العبادة صحیحة علی الأول [لأنّها مشتملة علی الداعی الذی أُخذ فی المتعلق] دون الثانی [أی لو فرضنا أنّ المکلف أتی بالفعل مع الداعی الإلهی یلزم کونها باطلة لأنّ الداعی الذی أُخذ فی المتعلق لیس نفس الداعی الإلهی بل
ص: 226
ما یلازمه و نحن فرضنا انفکاک الداعی الإلهی عن ما یلازمه] مع أنّه لایلتزم به فقیه قطعاً لبداهة صحة العمل مع الداعی القربی قطعاً و إن لم یوجد هناک عنوان أصلاً و فساده مع عدمه و إن وجد ذلک العنوان.»
((1))
«حیث إنّ عدم الإتیان بالعبادة بداع نفسانی فی الخارج ملازم للإتیان بها بداع إلهی و لاینفک أحدهما عن الآخر خارجاً فلا مانع من اعتباره فیها توصلاً إلی مقصوده أما فرض الانفکاک محالاً فلا أثر له أصلاً حیث إنّه لایخرج عن مجرد الفرض من دون واقع موضوعی له [و لایخرج العنوانین عن الملازمة]...»
ص: 227
علی فرض عدم إمکان أخذ قصد القربة فی متعلق الأمر (سواء فسرناه بقصد الأمر أم بغیره) فقد یقال بتصحیح ذلک بالأمر الثانی و یسمی بمتمم الجعل.
إنّ غرض المولی قد یترتب علی الفعل بداعی القربة فإذا أراد المولی استیفاء غرضه و لایمکن له الاکتفاء بأمر واحد فلابدّ له من أمرین: الأمر الأول متعلق بذات الصلاة و الأمر الثانی متعلق بإتیانها بقصد القربة و هذان الأمران کأنهما أمر واحد لوحدة الغرض فیثبتان بثبوت الغرض و یسقطان بسقوطه.
لغواً و إن لم یسقط فالوجه فی عدم السقوط لیس إلا عدم حصول غرضه و حینئذ یستقل العقل بلزوم تحصیل الغرض و هو لایحصل إلا بالإتیان بقصد القربة فلا حاجة إلی الأمر الثانی مولویاً ( فلو ورد الأمر الثانی فی کلام الشارع یحمل علی الإرشاد إلی حکم العقل ) لاستقلال العقل بوجوب الموافقة علی نحو یحصل به غرض المولی و هو الامتثال بقصد الأمر.
((1))
قال: «إنّ الإشکال مبنی علی تخیل أن تعدد الأمر إنّما یکون عن ملاک یختص بکل واحد و قد عرفت أنّه لیس المراد من تعدد الأمر ذلک بل لیس هناک إلا ملاک واحد لایمکن أن یستوفی بأمر واحد.»
هذا خلاف ظاهر ما أفاده فی الکفایة حیث قال: «فلا حاجة فی الوصول إلی غرضه إلی وسیلة تعدد الأمر» و الظاهر من هذه العبارة وحدة الغرض و الملاک.
إنّ شأن العقل إدراک الواقع علی ما هو علیه و لیس له الجعل و التشریع فی قبال الشارع و علی هذا لو تعلق غرض المولی بإتیان المتعلق بقصد القربة فلابدّ أن یعتبره من قبل نفسه بالأمر الأول و مع عدم إمکانه بالأمر الثانی الذی یکون متمماً للأمر الأول؛ فلذا یکون الأمران بحکم الأمر الواحد.
ص: 229
«إنّ ما أفاده (قدس سره) بعید عن کلام [صاحب] الکفایة [ (قدس سره) ] فإنّه لم یدع کون شأن العقل الآمریة و الشارعیة بل ما أفاده یرجع إلی أنّ العقل یری بمقتضی لزوم إطاعة أمر المولی - و هو الآمر بذات العمل - لزومَ الإتیان بالفعل بداعی القربة ... [و] لزومَ إطاعة الأمر الأول المتوقفة علی الإتیان [بمتعلقه] بقصد القربة لتوقف حصول الغرض علیه و من الظاهر أنّ الإلزام بوجوب الإطاعة حکم عقلی [بمعنی مدرکات العقل] لا شرعی و إلا لزم التسلسل ...»((1))
إنّ بیان صاحب الکفایة (قدس سره) مشتمل علی الشقین:
الشق الأول: هو أنّ الأمر الأول إن سقط بإتیانه بلا قصد القربة یکون الأمر الثانی لغواً
الشق الثانی: و هو فرض عدم سقوط الأمر الأول بمجرد موافقته و حکم صاحب الکفایة (قدس سره) أیضاً بلغویة الأمر الثانی لاستقلال العقل بوجوب الموافقة علی نحو یحصل به غرض المولی.
((2)) فی الشق الأول
قال: « إنّ موافقة الأول لیست علة تامة لحصول الغرض بل یمکن إعادة المأتی به لتحصیل الغرض المترتب علی الفعل بداعی الأمر. توضیحه ... و
ص: 230
سیجیء إن شاء الله فی المباحث الآتیة((1)) [أی فی بحث الإجزاء] أنّ الامتثال لیس عنده (قدس سره) علة تامة لحصول الغرض کی لاتمکن الإعادة و تبدیل الامتثال بامتثال آخر غایة الأمر أنّ تبدیل الامتثال ربما یکون لتحصیل غرض أوفی فیندب الإعادة و أُخری یکون لتحصیل المصلحة الملزمة القائمة بالمأتی به بداعی الامتثال فتجب الإعادة ...»
((2))
هذا خلاف فرض صاحب الکفایة (قدس سره) حیث افترض سقوط الأمر الأول بمجرد موافقته و معنی ذلک حصول غرض المولی من الأمر الأول؛ أما الغرض الأوفی فلیس هو ملاکاً و غرضاً من الأمر الأول بل هو غرض آخر و البحث عنه أجنبی من فرض الشق الأول.
ص: 231
((1)) فی الشق الثانی من الإیراد
«إنّ المولی لایجب علیه أخذ کل ما له دخل فی تأثیر مطلوبه فی غرضه فی متعلق أمره بذات ما یفی بالغرض سواء أمکن أخذه فیه کالطهارة و نحوها أو لم یمکن کالقربة و نحوها؛ بل قد عرفت أنّه بلحاظ لب الإرادة لایعقل تعلقها [أی الإرادة] بذات السبب و شرائطه فی عرض واحد فله الأمر حینئذ بذات السبب و الأمر بکل واحد من الشرائط مستقلاً و عدم سقوط الأمر بالسبب مع عدم الإتیان بشرائطه من لوازم الاشتراط من دون فرق بین القربة و غیرها.
و [حینئذ] کما لایحکم العقل بدخل الطهارة بعنوانها فی ترتب الغرض من الصلاة علیها مع عدم بیان من الشارع کذلک لایحکم العقل بدخل القربة بعنوانها فی ترتب الغرض [مع عدم بیان من الشارع؛ فما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) من استقلال العقل و حکمه مخدوش].
و حکمه [أی العقل] بدخلها [أی القربة] فی استحقاق الثواب لادخل له بما نحن فیه».
فتحصل من ذلک بطلان إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) لا بما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) بل بما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی الشق الثانی.
أما الشق الأول فخارج عن فرض القائلین بتصحیح أخذ قصد القربة فی المتعلق بالأمر الثانی.
ص: 232
((1)) فی الشق الثانی
«إنّ کلامه مبنی علی القول بأصالة الاشتغال فی ما نحن فیه و لکن سیأتی((2)) فی مبحث مقتضی الأصل العملی أنّ فی المقام قولین: أحدهما البراءة و الآخر هو الاشتغال و علی الأول لایکون الأمر الثانی لغواً.»
و هذا البیان مذکور فی تقریرات المحقق العراقی (قدس سره) ((3)) أیضاً.
إنّ هذا الإشکال یتعلق بصورة الشک فی سقوط الأمر الأول و لکن فرض صاحب الکفایة (قدس سره) سقوط الأمر لا الشک.
هذا تمام الکلام فی الأصل اللفظی الداخلی.
ص: 233
قال بعض الأعلام: إنّ مقتضی الأصل اللفظی الخارجی التعبدیة.
و استدل علی ذلک بوجوه ثلاثة:
و هو قوله تعالی: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِیعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ). (1)
بیانه أنّ هذه الآیة تدل بمقتضی الحصر علی أنّ الأوامر الصادرة من الله تعالی کلها عبادیة إلا إذا قام دلیل علی کونها توصلیة.
ص: 234
تعالی و الرد علی المشرکین و الکفار و عبدة الأصنام.
ثانیاً:((1)) علی هذا یلزم تخصیص الأکثر((2)) لأنّ الأوامر الواردة أکثرها توصلیة.
و هو قوله تعالی: (أَطِیعُوا اللهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ).((3))
بیانه أنّ معنی الإطاعة امتثال الأمر و الامتثال لایتحقق إلا مع قصد الأمر و أما مع عدم قصد الأمر فلاتصدق الإطاعة.
ص: 236
((1))
إنّا لانسلم قوله: «مع عدم قصد الأمر لاتصدق الإطاعة» بل الإطاعة تصدق فی الواجبات التوصلیة کما تصدق العصیان فیها و الإطاعة و العصیان متقابلان فالإطاعة و الامتثال یصدقان فی الواجبات التوصلیة.
و هی الروایات الواردة مثل قولهم (علیهم السلام): «لَا عَمَلَ إِلَّا بِالنِّیةِ» ((2)) و «إِنَّمَا
ص: 237
الْأَعْمَالُ بِالنِّیاتِ» و «لِکُلِ امْرِئٍ مَا نَوَی».((1))
إنّ مفاد هذه الروایات هو أنّ العبد لو نوی فی أعماله نیة إلهیة یترتب علی أعماله الثواب و إلا فلا؛ أما فساد العمل بلا نیة فلا دلالة لتلک الأخبار علیها.
ص: 238
هذا تمام الکلام فی الأصل اللفظی الداخلی (الإطلاق بمقدمات الحکمة و نتیجة الإطلاق) و الأصل اللفظی الخارجی.
و النتیجة إلی هنا دلالة الأصل اللفظی الداخلی علی أصالة التوصلیة و بطلان الأصل اللفظی الخارجی فی المقام.
ص: 239
له تقریران:
((1))
«إذا کان الآمر فی مقامٍ بصدد بیان تمام ما له دخل فی حصول غرضه و إن لم یکن له دخل فی متعلق أمره و معه سکت فی المقام و لم ینصب دلالة علی دخل قصد الامتثال فی حصوله کان هذا قرینةً علی عدم دخله فی غرضه و إلا کان سکوته نقضاً له [أی للغرض] و خلاف الحکمة؛ فلابدّ عند الشک و عدم إحراز هذا المقام من الرجوع إلی ما یقتضیه الأصل [العملی] و یستقل به العقل.»
الأمر فی متعلقه بالأمر الثانی و قد مضی بیانه مفصلاً.((1))
فتحصل إلی هنا: أنّ الأصل فی الواجبات، التوصلیة و الدلیل علی ذلک أُمور:
الأول: الإطلاق بمقدمات الحکمة فإنّ المأخوذ فی متعلق الأمر هو قصد الجامع بین وجوه قصد القربة (و قصد الأمر و قصد المحبوبیة و قصد المصلحة و قصد الحسن کلها من مصادیق الجامع فیمکن قصد هذه الوجوه و أیضاً یمکن قصد ملازم ذلک العنوان الجامع) و لامحذور فی أخذها فی المتعلق و الإطلاق بمقدمات الحکمة یدل أیضاً علی التوصلیة علی القول بأنّ المأخوذ فی المتعلق خصوص قصد الأمر کما هو مختار صاحب الجواهر (قدس سره) ((2)) لما بیناه مفصلاً((3)) من عدم استحالة التقیید به
الثانی: لو قلنا بالاستحالة فی خصوص قصد الأمر فلا إشکال أیضاً حیث إنّ
ص: 241
الإطلاق فی مقام الثبوت یکفی لإثبات التوصلیة؛ و هکذا سائرُ وجوه قصد القربة فلا محذور فی التمسک بالإطلاق فی مقام الثبوت لإثبات التوصلیة و لو قلنا بالاستحالة.
الثالث: علی فرض عدم جواز التمسک بالإطلاق الإثباتی اللفظی (الإطلاق بمقدمات الحکمة) و الإطلاق الثبوتی (الإطلاق المتعلق بمرحلة الغرض و الملاک) یمکن أن نتمسک بالإطلاق الإثباتی المقامی تارةً بما قرره الشیخ و المحقق النائینی (قدس سرهما) من تصحیح أخذ قصد الأمر فی متعلقه بالأمر الثانی و هو المسمی بمتمم الجعل و نتیجة الإطلاق و أُخری بما قرره صاحب الکفایة (قدس سره) من الإطلاق المقامی.
ص: 242
هنا مسألتان:
نذکر بیانین لعدم الجریان:
((1))
إنّ استصحاب بقاء الوجوب - علی فرض إمکان أصله - مثبت بالنسبة إلی قصد الامتثال فی المتعلق لأنّه من اللوازم العقلیة بالنسبة إلی بقاء الوجوب.
و إن کان الغرض من الاستصحاب التعبد بدخل قصد القربة فی الغرض فأوضح بطلاناً لأنّ دخل قصد الأمر حسب الفرض فی المتعلق واقعی و لایقبل الجعل الشرعی و التعبد.
و إن کان الغرض من الاستصحاب و التعبد ببقاء الوجوب إثبات موضوع حکم العقل بلزوم إطاعة المولی حتی یحصل الغرض و یسقط.
ففیه أولاً: أنّ حکم العقل بلزوم الإطاعة لإسقاط الغرض هو فی الغرض المنکشف بحجة شرعیة أو عقلیة لا فی الغرض الثابت بالتعبد بالوجوب؛
ص: 243
و ثانیاً: أنّ ذلک لایستقیم علی المبنی المختار فی تفسیر الحجیة فی الاستصحاب و هو جعل الحکم المماثل؛ فإنّ التعبد ببقاء الوجوب کاشف عن تقیید الغرض بقصد القربة فی ما إذا کان البقاء بقاء شخص الحکم الذی یکشف عن ملاکه و غرضه و هذا فی البقاء الحقیقی أما البقاء التعبدی علی المختار من جعل الحکم المماثل فهو بقاء شیء آخر و لایکشف عن الغرض الواقعی.
((1)) علیه:
((2))
إنّا لانسلم تعلیل عدم جریان الاستصحاب بعدم ترتب الأثر لأنّ عدم ترتب الأثر من قبیل وجود المانع و رتبته بعد رتبة تحقق المقتضی مع أنّ المقتضی هنا غیر تام لعدم تمامیة أرکان الاستصحاب.
إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) استشکل جریان الاستصحاب علی فرض إمکان أصله کما صرح بهذا فی نهایة الدرایة و هذا یؤمی إلی إیراده علی الاستصحاب من حیث المقتضی أیضاً.
ص: 244
إنّ الصور الثلاث لعدم جریان الاستصحاب التی أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) کلها ترجع إلی أنّ الاستصحاب هنا لا أثر شرعی له فهذه الوجوه تتم علی مبنی من یری لزوم تحقق الأثر الشرعی فی جریان الاستصحاب و لکن نحن لانلتزم به لأنّ المستصحب هنا حکم شرعی و یتحقق باستصحابه موضوع حکم العقل بوجوب الطاعة لتحصیل الفراغ عن الذمة فما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) من أنّ حکم العقل بإسقاط الغرض إنّما هو فی الغرض المنکشف بحجة شرعیة أو عقلیة لایرتبط بالمقام لأنّا لانبحث عن الغرض و حکم العقل بإسقاطه بل نبحث عن اشتغال الذمة و حکم العقل بلزوم فراغ الذمة.
قال: لا مجال للاستصحاب لعدم تمامیة أرکانه لأنّ الوجوب (المتیقن ثبوته) منتزع عن الأمر و یدور أمره بین قطعی الزوال و قطعی الثبوت فلیس هنا وجوب مشکوک البقاء حتی نستصحبه.
بیان ذلک: إنّ الوجوب إما منتزع عن الأمر بذات المتعلق و إما منتزع عن الأمر بالمتعلق مع قصد القربة و نفرض إتیان المکلف المتعلق بدون قصد القربة فحینئذ علی القول بانتزاع الوجوب من الأمر بذات المتعلق هو قطعی الانتفاء و علی القول بانتزاعه عن الأمر بالمتعلق مع قصد القربة هو قطعی الثبوت.
ص: 245
فیه قولان:
و اختاره صاحب الکفایة (قدس سره) .((1)) قال: « فاعلم أنّه لا مجال هاهنا إلا لأصالة الاشتغال و لو قیل بأصالة البراءة فی ما إذا دار الأمر بین الأقل و الأکثر الارتباطیین؛ و ذلک لأنّ الشک هاهنا فی الخروج عن عهدة التکلیف المعلوم مع استقلال العقل بلزوم الخروج عنها».
أما عدم جریان البراءة النقلیة فلاستحالة أخذ قصد القربة فی المتعلق فحینئذ لایکون قصد القربة قابلا للوضع و الرفع شرعاً فلایتحقق موضوع البراءة الشرعیة (أی إمکان الرفع).
و أما عدم جریان البراءة العقلیة فللعلم الإجمالی بأنّ الغرض إما یترتب علی الأقل و إما یترتب علی الأکثر و هذا العلم منجز فلایکون العقاب حینئذ عقاباً بلا بیان فلایتحقق موضوع البراءة العقلیة.
الخوئی (قدس سره) ((1)) و بعض الأساطین (دام ظله) .((2))
و جریان البراءة الشرعیة لما قلنا من عدم استحالة أخذ قصد القربة فی المتعلق خلافاً لصاحب الکفایة (قدس سره) .
((3))
یرد علی ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) من أنّ العلم الإجمالی منجز فیکون بیاناً أنّه « کما أنّ التکلیف ما لم یصل إلی المکلف لایحکم العقل بتنجزه و وجوب موافقته و قبح مخالفته و غیر ذلک فکذلک الغرض فإنّه ما لم یصل إلیه لایحکم العقل بوجوب تحصیله و استحقاق العقاب علی مخالفته بداهة أنّ العقل إنّما یستقل بلزوم تحصیله بالمقدار الواصل إلی المکلف الثابت بالدلیل و أما الزائد علیه فلایحکم بوجوب تحصیله لأنّ ترکه غیر مستند إلی العبد لیصح عقابه علیه بل هو مستند إلی المولی»((4)) فالمولی متمکن من البیان و المفروض أنّه لم یبین تقیید
ص: 247
المتعلق بقصد الأمر فیتحقق موضوع البراءة العقلیة أیضاً و هو عدم البیان و لایمنعه العلم الإجمالی فالتحقیق فی مقام الأصل العملی هو جریان البراءة الشرعیة و العقلیة.
هذا تمام الکلام فی الواجب التعبدی و التوصلی.
ص: 248
إنّه عنون محل النزاع بأنّ إطلاق الصیغة هل یقتضی کون الوجوب توصلیاً فیجزی إتیانه مطلقاً ولو بدون قصد القربة أو لا؟
«الإطلاق المدعی فی المقام هو إطلاق المادة دون إطلاق الوجوب و الأمر ففی الحقیقة لا وجه لجعل هذا البحث من مباحث الصیغة فتدبر جیداً.»((1))
((2)) عن هذا الإیراد:
منشأ إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) من التمسک بإطلاق الصیغة هو توهم اتحاد مفاد الصیغة و الهیأة مع أنّ الأمر لیس کذلک بل الصیغة مرکبة من المادة و الهیأة کما یشهد بذلک قوله فی المقدمة الثالثة:((3)) «فانقدح بذلک أنّه لا وجه لاستظهار التوصلیة من إطلاق الصیغة بمادتها».
أولاً: إنّ المراد من الصیغة هو الجانب الهیوی المقترن بالمادة بقرینة أنّ المعانی
ص: 249
التی ذکرها فی أول البحث للصیغة لیست للمرکب من المادة و الهیأة بل هی للهیأة فقط، کما یشهد بذلک قول اللغویین.
ثانیاً: إنّه لو کان کذلک یلزم إدراج سائر مباحث المادة فی مبحث الصیغة.
ص: 250
و الکلام فیه علی نحوین: ما یعمها و ما یخص کل واحد منها؛ فهنا بحثان:
إنّ الأصل اللفظی یقتضی کون الواجب نفسیاً لا غیریاً و تعیینیاً لا تخیریاً و عینیاً لا کفائیاً و أما مفاد الأصل العملی فیأتی فی بحث مقدمة الواجب.
((1))
إنّ للوجوب الغیری و التخییری و الکفائی فی مقام الثبوت مؤنة زائدة فلذا یحتاج کل منها فی مقام الإثبات إلی مؤنة زائدة بخلاف النفسی و التعیینی و العینی و « قضیة إطلاق الصیغة کون الوجوب نفسیاً تعیینیاً عینیاً لکون کل واحد ممایقابلها یکون فیه تقیید الوجوب و تضییق دائرته؛ فإذا کان فی مقام البیان و لم ینصب قرینة علیه فالحکمة تقتضی کونه مطلقاً وجب هناک شیء آخر أو لا أتی بشیء آخر أو لا أتی به آخر أو لا کما هو واضح لایخفی.»
ص: 251
((1))
إنّ الإطلاق هنا لیس بمعنی اللابشرط القسمی بل لا معنی لإطلاق الوجوب من حیث انبعاثه عن وجوب آخر و عدمه مثلاً حتی یکون فی ما یقابل النفسی (و هو الوجوب الغیری) تقیید الوجوب و تضییق دائرته.
«و التحقیق أنّ النفسیة لیست إلا عدم کون الوجوب للغیر و کذا البواقی [فللوجوب النفسی فی مقام الثبوت قید عدمی بخلاف الوجوب الغیری فإنّ قیده (کون الوجوب للغیر) وجودی]؛ و [فی مقام الإثبات] عدم القرینة علی القیود الوجودیة دلیل علی عدمها ... [ﻓ] المراد بالإطلاق المعین للنفسیة((2))و أقرانها هو عدم التقیید بما یفید الغیریة و التخییریة و الکفائیة کما صرح به((3)) صاحب الکفایة (قدس سره) فی آخر المطلق و المقید فتدبر جیداً.»
إنّه أوّلَ کلام صاحب الکفایة (قدس سره) و فسره بوجه آخر حتی لایرد علیه مناقشة المحقق الإصفهانی (قدس سره) فقال:
ص: 252
معنی تضییق الوجوب فی الوجوب الغیری و التخییری و الکفائی هو تضییق الغرض و تقییده و کذا معنی إطلاق الوجوب فی الوجوب النفسی و التعیینی و العینی هو إطلاق الغرض فالوجوب النفسی فی مقام الثبوت لایحتاج إلی مؤنة زائدة بخلاف الوجوب الغیری و حینئذ الوجوب النفسی فی مقام الإثبات لایحتاج إلی بیان زائد بخلاف الوجوب الغیری.
مثلاً الغرض من الوضوء مضیق بوجوب الصلاة و تضیق الغرض موجب لتضیق الوجوب.
ص: 253
و الکلام فیه فی نواحٍ ثلاث:
((1))
((2)) علی النفسیة بوجهین:
الوجه الأول: ملاحظة دلیل الواجب النفسی و التمسک بإطلاق مادته.
إنّ دلیل الواجب النفسی مثل قوله: صلّ یحتمل تقیید مادته (أی الصلاة) بالطهارة أو استقبال القبلة أو نحو ذلک و إذا شککنا فی هذا التقیید فمقتضی إطلاق الصلاة عدمُه و لازم ذلک هو أنّ الواجب المشکوک غیریته بالنسبة إلی الصلاة (مثل الطهارة) واجب نفسی و هذا اللازم حجة فی باب الأُصول اللفظیة لأنّ مثبتات الأُصول اللفظیة حجة.
الوجه الثانی: ملاحظة دلیل الواجب المشکوک غیریته و نفسیته و التمسک بإطلاق هیأته.
قال (قدس سره) :«الثانی الأخذ بإطلاق [هیأة] دلیل الواجب المشکوک فی کونه نفسیاً أو غیریاً لأنّ وجوبه [المستفاد من الهیأة] لو کان غیریاً فهو مشروط بطبیعة الحال
ص: 254
بوجوب واجب آخر نفسی و إن کان نفسیاً فهو مطلق و غیر مقید به [أی بوجوب شیء آخر و مقتضی أصالة الإطلاق هنا نفسیة الوجوب]».
((1))
فی حقیقة الواجب التخییری أقوال ثلاثة.
لابدّ من بیان الأقوال حول حقیقة الواجب التخییری و تعیین الأصل اللفظی بالنسبة إلیها.
«إنّ [أهم] الأقوال فیه ثلاثة:
الأول: أنّ الواجب مااختاره المکلف فی مقام الامتثال ...
الثانی: أن یکون کل من الطرفین أو الأطراف واجباً تعیینیاً و متعلقاً للإرادة و لکن یسقط وجوب کل منهما بفعل الآخر فیکون مرد هذا القول إلی اشتراط وجوب کل من الطرفین أو الأطراف بعدم الإتیان بالآخر.
الثالث: ما اخترناه من أنّ الواجب هو أحد الفعلین أو الأفعال لابعینه... غایة الأمر أنّ متعلق الوجوب فی الواجبات التعیینیة الطبیعة المتأصلة و الجامع الحقیقی و فی الواجبات التخییریة الطبیعة المنتزعة و الجامع العنوانی... و قد تقدم منا غیر مرة أنّ الأحکام الشرعیة أُمور اعتباریة... و من المعلوم أنّ الأمر الاعتباری کما یصح تعلقه بالجامع الذاتی کذلک یصح تعلقه بالجامع الانتزاعی..»
مقتضی الإطلاق علی الأقوال الثلاثة هو الوجوب التعیینی.
«و بعد ذلک نقول: إنّ مقتضی إطلاق الأمر المتعلق بشیء هو التعیین لا
ص: 255
التخییر علی جمیع الأقوال فی المسألة:
أما علی القول الأول: فواضح لفرض أنّ وجوب کل منهما [فی الواجب التخییری] مشروط باختیار المکلف و من الطبیعی أنّ مقتضی الإطلاق [و الأصل إذا شککنا] عدمه [أی عدم الاشتراط باختیار المکلف] و الاشتراط یحتاج إلی دلیل زائد.
و أما علی القول الثانی: فالأمر أیضاً کذلک لفرض أنّ وجوب کلٍ مشروط بعدم الإتیان بالآخر و [إذا شککنا فی اشتراط الوجوب ﻓ] مقتضی الإطلاق عدمه و به یثبت الوجوب التعیینی.
و أما علی القول الثالث: کما هو المختار فلأنّ مرجع الشک فی التعیین و التخییر فیه إلی الشک فی متعلق التکلیف من حیث السعة و الضیق یعنی أنّ متعلقه هو الجامع أو خصوص ما تعلق به الأمر کما إذا ... ففی مثل ذلک لا مانع من الأخذ بإطلاقه لإثبات کون الواجب تعیینیاً لا تخییریاً لأنّ بیانه [أی الوجوب التخییری فی مقام الإثبات] یحتاج إلی مؤنة زائدة و هی ذکر العدل [أی الطرفین أو الأطراف] بالعطف بکلمة أو و حیث لم یکن فیکشف عن عدمه فی الواقع ضرورة أنّ الإطلاق فی مقام الإثبات یکشف عن الإطلاق فی مقام الثبوت...»
((1))
فی حقیقة الوجوب الکفائی وجوه أربعة:
هنا أیضاً لابدّ من تحقیق الأقوال فی حقیقة الوجوب الکفائی قبل ملاحظة مقتضی أصالة الإطلاق فی المسألة.
ص: 256
«إنّ ما قیل أو یمکن أن یقال فی تصویره وجوه:
الأول: أن یقال: إنّ التکلیف متوجه إلی واحد معین عند الله و لکنه یسقط عنه بفعل غیره لفرض أنّ الغرض واحد فإذا حصل فی الخارج فلا محالة یسقط الأمر.
الثانی: أن یقال: إنّ التکلیف فی الواجبات الکفائیة متوجه إلی مجموع آحاد المکلفین من حیث المجموع [أی مجموع الأشخاص علی نحو العموم المجموعی] ...
الثالث: أن یقال: إنّ التکلیف به متوجه إلی عموم المکلفین علی نحو العموم الاستغراقی فیکون واجباً علی کل واحد منهم علی نحو السریان غایة الأمر أنّ وجوبه علی کل [من أفراد المکلفین] مشروط بترک الآخر.
الرابع: أن یکون التکلیف متوجهاً إلی أحد المکلفین لا بعینه المعبر عنه بصرف الوجود و هذا الوجه هو الصحیح؛ بیان ذلک ملخصاً هو أنّ غرض المولی کما یتعلق تارة ... کذلک یتعلق تارة بصدوره عن جمیع المکلفین و أُخری بصدوره عن صرف وجودهم فعلی الأول الواجب عینی فلایسقط عن بعض بفعل بعض آخر و علی الثانی فالواجب کفائی ...»
«إنّ مقتضی إطلاق الدلیل هو الوجوب العینی علی جمیع هذه الأقوال و الاحتمالات:
أما علی الوجه الأول: فواضح لأنّ((1)) سقوط التکلیف عن شخص بفعل غیره
ص: 257
یحتاج إلی دلیل و إلا فمقتضی إطلاقه عدم سقوطه به ...
و أما علی الوجه الثانی: فمضافاً إلی أنّه فی نفسه غیر معقول فأیضاً الأمر کذلک لأنّ مقتضی إطلاق الدلیل هو أنّ کل واحد من أفراد المکلف موضوع للتکلیف و جعل الموضوع له [أی للتکلیف] مجموع أفراده علی نحو العموم المجموعی بحیث یکون کل فرد من أفراده جزءه لا تمامه [أی جزء الموضوع لا تمام الموضوع] خلاف الإطلاق و عند احتماله یدفع به.
و أما علی الوجه الثالث: فالأمر ظاهر ضرورة أنّ قضیة الإطلاق عدم الاشتراط فالاشتراط یحتاج إلی دلیل خاص.
و أما علی الوجه الرابع: فأیضاً الأمر کذلک [لأنّ التقیید فی ناحیة موضوع التکلیف بخصوص أحد المکلفین یحتاج إلی مؤنة زائدة و مقتضی الإطلاق عدمه].»
فمقتضی الإطلاق علی جمیع الأقوال هو الوجوب العینی.
ص: 258
هنا بحثان:
و العمدة منها أربعة:
اختلف الأُصولیون فی الأمر الواقع عقیب الحظر علی ثمانیةأقوال((1)) لایهمنا
ص: 259
ص: 260
ذکرها جمیعاً بل نعد منها الأقوال الرئیسة:
القول الأول: الدلالة علی الوجوب.
القول الثانی: الدلالة علی الإباحة،((1)) اختاره جمع من الفقهاء.
ص: 261
القول الثالث: الدلالة علی ما یدل علیه قبل الحظر.((1))
القول الرابع: الإجمال
اختاره صاحب الکفایة و المحقق الخوئی (قدس سرهما) و بعض الأساطین (دام ظله) .
و هذا البحث یبتنی علی کیفیة دلالة الأمر علی الوجوب من الظهور الوضعی أو الإطلاقی أو من جهة حکم العقل أو من جهة السیرة العقلائیة و الوجه فی هذا الابتناء هو أنّ وقوع الأمر عقیب الحظر مما یحتمل قرینیته و صارفیته عن معناه فلابدّ من ملاحظة وجه الظهور فی الوجوب و أنّه هل یبقی هذا الظهور مع وجود ما یحتمل صارفیته عنه أو لا؟
أما علی القول بالظهور الوضعی فی الوجوب فإن کان أصالة الحقیقة حجة من باب التعبد کما نسب إلی السید المرتضی (قدس سره) فمع الشک فی المعنی نتمسک بأصالة الحقیقة و نحمل الأمر علی معناه الحقیقی و هو الوجوب.
و إن کان حجة من باب الظهور کما هو الحق فلایمکن التمسک بأصالة الحقیقة لأنّ احتفاف الکلام بما یحتمل قرینیته و صارفیته عن المعنی الحقیقی یوجب انتفاء الظهور فلایمکن التمسک بأصالة الحقیقة (و هذا هو مختار
ص: 262
المشهور و لذا نری أنّهم لایتمسکون بأصالة الحقیقة فی ما إذا شک فی قرینیة الموجود بل مورد أصالة الحقیقة عندهم هو ما إذا شک فی وجود القرینة).
و أما علی القول بالظهور الإطلاقی فالإشکال آکد حیث إنّ الإطلاق لاینعقد مع الشک فی قرینیة الموجود.
و أما علی القول بالدلالة من جهة حکم العقل فلایدل الأمر علی الوجوب أیضاً و بیان ذلک علی ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ((1)): « أنّ العقل إنّما یحکم بلزوم قیام المکلف بما أمر به المولی بمقتضی قانون المولویة و العبودیة إذا لم تقم قرینة علی الترخیص و جواز الترک؛ و حیث یحتمل أن یکون وقوع الصیغة أو ما شاکلها عقیب الحظر أو توهمه قرینة علی الترخیص فلا ظهور لها فی الوجوب بحکم العقل.»
و أما علی القول بالدلالة من جهة السیرة العقلائیة (مختاربعض الأساطین (دام ظله) ) فلایدل أیضاً علی الوجوب و الوجه فی ذلک ما أفاده بعض الأساطین (دام ظله) ((2)) من أنّ بناء العقلاء دلیل لبی و مع احتمال قرینیة الموجود (أی قرینیة وقوع الأمر بعد الحظر علی الإباحة مثلاً أو علی غیر ذلک) نشک فی تحقق السیرة العقلائیة فلابدّ من الأخذ بالقدر المتیقن و هو ما إذا لم یقع الأمر بعد الحظر.
فتحصل إلی هنا أنّ الأمر عقیب الحظر مجمل.
ص: 263
((1))
إنّ أصالة البراءة شرعاً و عقلاً تجری هنا؛ أما الاستصحاب فلاوجه له لأنّ الحکم السابق علی الحظر منتف قطعاً و الحکم الجدید بعد الحظر أمر حادث فلا حالة له سابقة حتی یستصحب.
ص: 264
فیه مقدمتان و تنبیه أیضاً
ههنا أقوال ثلاثة:
القول الأول: بعضهم فسر المرة بالفرد و التکرار بالأفراد.
القول الثانی: و بعضهم فسرهما بالوجود الواحد و الوجودات.
القول الثالث: و بعضهم فسرهما بالدفعة و الدفعات.
و الدفعة أعم من الفرد و الأفراد و الوجود و الوجودات کما صرح به بعض الأساطین (دام ظله) ((1)) أما الفرد و الأفراد فقد صرح صاحب الکفایة (قدس سره) بأنّه الوجود الواحد و الوجودات قال (قدس سره) : « لوضوح أنّ المراد من الفرد أو الأفراد وجود واحد أو وجودات و إنّما عبر بالفرد لأنّ وجود الطبیعة فی الخارج هو الفرد».((2))
ص: 265
إنّ انحلال الحکم بحسب تعدد أفراد المکلفین لا إشکال فیه بلافرق بین الأحکام التحریمیة و الوجوبیة.
أما فی الأحکام التحریمیة: فلا خلاف فی انحلال الحکم بانحلال موضوعاته ضرورة انعقاد الظهور العرفی فی مثل قضیة «لاتشرب الخمر» فی أنّه متی وجد الخمر فی الخارج یحکم علیه بالحرمة.
و أما فی الأحکام الوجوبیة: فقال المحقق الخوئی (قدس سره) ((1)) بالتفصیل؛ بیانه أنّ الحکم تنحل بتعداد الموضوعات فی بعض الموارد مثل قوله تعالی: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ إِلَی غَسَقِ اللَّیلِ)((2)) و استدل علی الانحلال بالظهور العرفی کما أنّه لاتنحل بتعداد الموضوعات فی بعض الموارد مثل قوله تعالی: (لِلَّهِ عَلَی النَّاسِ حِجُّ الْبَیتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَیهِ سَبِیلًا)((3)) فإنّ وجوب الحج لاینحل بتعدد الاستطاعة فی الخارج لأنّ المستفاد من الظهور العرفی هو أنّه إن امتثل مرة واحدة یکفی و لایلزم التکرار و إن بقیت الاستطاعة.
و أورد علیه بعض الأساطین (دام ظله) :((4)) إنّ الظهور العرفی منتفٍ هنا بل المرجع
ص: 266
فی ذلک القرائن المحفوف بها الکلام.
و یقع الکلام فی بحثین:
الدلالة الوضعیة علی المرة و التکرار منتفیة لأنّ الصیغة إن دلت علی المرة أو التکرار فإما تدل بمادته أو بهیأته أما مادته فموضوعة للدلالة علی الطبیعة المهملة المعراة عن جمیع الخصوصیات مثل الوحدة و التعدد (فی الأفراد العرضیة) و المرة و التکرار (فی الأفراد الطولیة).
و أما هیأته فإنّها موضوعة إما للطلب الإنشائی أو النسبة الإیقاعیة أو النسبة الإرسالیة أو النسبة البعثیة أو إبراز الأمر الاعتباری النفسانی فلاتدل علی المرة و التکرار و الوحدة و التعدد.
إنّ مقتضی الإطلاق هو الاکتفاء بالمرة الواحدة فی الأفراد الطولیة و الوجود الواحد فی الأفراد العرضیة لأنّ متعلق الأمر صرف الطبیعة و هو یصدق مع الامتثال مرة واحدة و الامتثال بالوجود الواحد؛ و صدق الطبیعة یوجب حصول الغرض و سقوط الأمر فلایبقی مقتضٍ للتکرار و التعدد.
الحق جریان استصحاب عدم التکلیف؛ و لو قلنا بعدم جریانها فی الشبهات الحکمیة فالأصل البراءة.
ص: 267
وقع الخلاف فی إتیان المأموربه ثانیاً بعد إتیانه أولاً و یسمی بالامتثال بعد الامتثال.
((1)) من التفصیل
بیانه: «إنّه مع الإتیان بها مرة لا محالة یحصل الامتثال و یسقط به الأمر فی ما إذا کان امتثال الأمر علة تامة لحصول الغرض الأقصی ... فلایبقی مجال لامتثاله أصلاً؛ و أما إذا لم یکن الامتثال علة تامة لحصول الغرض کما إذا أمر بالماء لیشرب أو یتوضأ فأتی به و لم یشرب أو لم یتوضأ فعلاً فلایبعد صحة تبدیل الامتثال بإتیان فرد آخر أحسن منه بل مطلقاً کما کان له ذلک قبله علی ما یأتی بیانه فی الإجزاء.»
هی الخلط بین الغرض المترتب علی وجود المأمور به فی الخارج من دون دخل شیء آخر فیه و بین غرض الآمر کرفع العطش مثلاً حیث إنّ حصوله یتوقف علی فعل نفسه و هو الشرب زائداً علی الإتیان بالمأمور به ... فالواجب علی المکلف لیس إلا تمکین المولی من الشرب و تهیئة المقدمات له فإنّه تحت اختیاره و قدرته [أی المکلف] لا الشرب و هو یحصل بصرف الامتثال الأول.»
((1))
إنّ بیان المحقق الصدر (قدس سره) فی الحقیقة إیراد علی صاحب الکفایة (قدس سره) و علی المستشکلین علیه، مثل المحقق الإصفهانی (قدس سره) و المحقق الخوئی (قدس سره) ، فإنّ السید الصدر یری أنّ ربط مسألة إمکان تبدیل الامتثال بغرض الآمر غیر تامّ، لأنّ «سقوط الأمر غیر مرتبط بحصول غرض المولی بل یرتبط بإمکانیة التحریک و عدمه و هو یکون بالامتثال و عدمه و لیس تابعاً لبقاء الغرض و عدمه أصلاً بل یستحیل ذلک لأنّ الأمر لو بقی بشخصه [بعد الامتثال الأول و بعد تحقق الفرد الأول من الطبیعة] متعلقاً بالجامع بین الفرد الواقع و بین سائر الأفراد کان طلباً للحاصل و لو بقی متعلقاً بغیر الفرد الواقع استحال أن یکون شخص ذلک الأمر الأول.»
إنّ إتیان المأمور به علة تامة للغرض الداعی إلی البعث إلیه و الغرض القائم بإحضار الماء غرض مقدمی و هو تمکن المولی من رفع العطش لا نفس رفع
ص: 269
العطش الذی هو الغرض الأصیل فالمناط عند المحقق الإصفهانی (قدس سره) الغرض المقدمی و المستشکل توهم ارتباط المسألة بالغرض الأصیل.
قال (قدس سره) : «و الصحیح هو عدم جواز الامتثال بعد الامتثال و ذلک لأنّ مقتضی تعلق الأمر بالطبیعة بدون تقییدها بشیء کالتکرار أو نحوه حصول الامتثال بإیجادها فی ضمن فردٍ ما فی الخارج لفرض انطباقها علیه قهراً... و معه لامحالة یحصل الغرض و یسقط الأمر فلایبقی مجال للامتثال مرة ثانیة.» ((1))
ص: 270
الواجب إمّا موسع و إمّا مضیق و المضیق إمّا مقید بالتأخیر و إمّا مقید بالتقدیم و هذا هو الواجب الفوری.
الأول: أن یکون بنحو وحدة المطلوب؛ و وجوب إتیان هذا القسم منحصر بأول أزمنة الإمکان فلو لم یمتثل عصی و یسقط الأمر فی الزمان الثانی مثل وجوب رد السلام
الثانی: أن یکون بنحو تعدد المطلوب و بقاء الوجوب فوراً ففوراً؛ فالتأخیر فی امتثاله کما لایوجب سقوط أصل الوجوب لایوجب سقوط فوریته أیضاً.
الثالث: أن یکون بنحو تعدد المطلوب و انقلابه إلی الموسع مع فوات الفوریة بمعنی أنّ الواجب الفوری إذا لم یمتثل ینقلب إلی الواجب الموسع؛ فالمکلف إذا عصی سقطت فوریة الواجب و لکن وجوب أصل الطبیعة باقٍ بحاله.
ص: 271
الدلالة الوضعیة علی الفور و التراخی منتفیة و الوجه فی ذلک هو أنّ دلیل الواجب لو دل علی الفور و التراخی فإما یدل بمادته أو بصیغته.
أما المادة فموضوعة للطبیعة المهملة العاریة عن جمیع الخصوصیات فلا دلالة لها علیهما.
و أما الهیأة فهی موضوعة((1)) للطلب الإنشائی (کما هو مختار صاحب الکفایة (قدس سره) ) أو البعث النسبی (و هو مختار المحقق الإصفهانی (قدس سره) ) أو النسبة الإرسالیة (و هو مختار المحقق العراقی (قدس سره) ) أو النسبة الإنشائیة الإیقاعیة (و هو مختار المحقق النائینی (قدس سره) ) أو إبراز الاعتبار النفسانی (و هو مختار المحقق الخوئی (قدس سره) ) فلادلالة للهیأة علی الفور و التراخی أیضاً.
إذا شککنا فی الواجب من جهة فوریة وجوبه أو عدم فوریته (أی التراخی) فمقتضی إطلاق الدلیل عدم تقیید الوجوب بالفوریة و التراخی بل الواجب هو الطبیعی المطلق و یتخیر المکلف بین الفور و التراخی.
ص: 272
و هی وجوه ثلاثة:
و هو الذی أفاده المحقق الحائری الیزدی (قدس سره) :((1)) « إنّ وزان الإرادة التشریعیة وزان العلة التکوینیة و الأمر علة تشریعیة لحصول المتعلق و کما أنّ التکوینیة لاتنفکّ عن المعلول فالتشریعیة کذلک و نتیجة عدم الانفکاک هو الفوریة.» ((2))
((3))
إنّ علیة الأمر للمتعلق محل الخلاف بین الأعلام فبعضهم أنکرها و المختار هو أنّ الأمر علة ناقصة و من العلة علم المکلف بالأمر و ما أفاده (قدس سره) من عدم الانفکاک بین العلة والمعلول إنّما هو فی العلة التامة لا الناقصة.
ص: 273
((1))
علی فرض العلیة التامة نقول: إنّ الأمر علة تامة لقابلیة المتعلق للتحقق و لیس علة لفعلیة المتعلق و حصوله.
«إنّ قیاس الإرادة التشریعیة علی الإرادة التکوینیة فی غیر محله لأنّ نسبة الإرادة التشریعیة إلی المراد هی نسبة المقتضی إلی المقتضی لا العلة إلی المعلول کما فی التکوینیات.»
إنّه لایعقل تحقق البعث مع عدم الانبعاث للتضایف بینهما فالبعث یقتضی لزوم الانبعاث و هذا معنی الفوریة.
و هو قوله تعالی (وَسَارِعُوا إِلَی مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّکُمْ)((1)) و قوله تعالی (فَاسْتَبِقُوا الْخَیرَاتِ).((2))
بیان ذلک: إنّ الله أمر باستباق الخیرات و المسارعة إلی المغفرة و کل مأمور به خیر و سبب للمغفرة فلابدّ من الاستباق و المسارعة إلی کل مأمور به؛ فإن عصی المکلف و ترک المأموربه فی الزمان الأول فیجب الاستباق و المسارعة نحوه فی الزمان الثانی و الثالث و هکذا.
فعلی هذا وجوب التکالیف الشرعیة فوری علی نحو تعدد المطلوب و بقاء الفوریة.
((3))
«إنّ سیاق آیة (وَسَارِعُوا إِلَی مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّکُمْ)و کذا آیة (فَاسْتَبِقُوا الْخَیرَاتِ) إنّما هو البعث نحو المسارعة إلی المغفرة و الاستباق إلی الخیر من دون استتباع ترکهما للغضب و الشر ضرورة أنّ ترکهما [أی الاستباق و المسارعة] لو کان
ص: 275
مستتبعاً للغضب و الشر کان البعث بالتحذیر عنهما أنسب کما لایخفی فافهم.»
((1))
إنّ الأمر ظاهر فی الوجوب سواء کان مع التحذیر من الترک أم لم یکن؛ فلو اعتبرنا فی الوجوب ورود التحذیر من الترک للزم حمل أکثر الواجبات علی الاستحباب.
الإیراد الثانی: من المحقق الخراسانی((2)) و المحقق الحکیم ((3)) و المحقق الخوئی((4))
إنّ الأمر فیهما إرشادی کما هو الظاهر من الآیتین بحسب المتفاهم العرفی لأنّ مفادهما هو الإرشاد إلی مااستقل به العقل من حسن المسارعة و الاستباق نحو الإتیان بالمأمور به کالآیات و الروایات الواردة فی الحث علی أصل الطاعة.
ص: 276
((1))
قال (قدس سره) : « بینهما [أی بین الأمر بالاستباق و المسارعة و بین الأوامر الواردة فی الحث علی أصل الطاعة] فرق و هو عدم إمکان غیر الإرشادیة [أی المولویة] فیها [أی فی الأمر بالطاعة] دون ما نحن فیه لإمکان الأمر المولوی بالفعل فوراً؛ فبعد الإمکان و الظهور الذاتی فی المولویة لا مجال لحمل ما ورد فی هذا الباب علی الإرشاد قیاساً بما ورد فی أصل الإطاعة.»
الإیراد الثالث: من المحقق الخراسانی((2)) و المحقق الخوئی((3)) و بعض الأساطین((4))
یلزم تخصیص الأکثر و هو مستهجن و بیان ذلک أنّ المستحبات مصادیق للخیر و سبب للمغفرة فیلزم خروجهما عن تحت الآیتین بالتخصیص؛ و إنّ بعض الواجبات موسعة فلایجب فیها الفوریة و حینئذ یلزم خروج تلک الواجبات الموسعة عن تحت الآیتین بالتخصیص أیضاً؛ و الواجبات المضیقة التی لایجب الإتیان بها إلا فی وقت خاص لا فی أول وقت الإمکان تخرج عن تحت آیة الاستباق و آیة المسارعة أیضاً و هذا هو تخصیص الأکثر و هو مستهجن.
ص: 277
((1))
«إنّ الآیتین الکریمتین أجنبیتان عن محل الکلام رأساً ... أما آیة الاستباق فلأنّ کلمة (فَاسْتَبِقُوا) فیها من الاستباق بمعنی المسابقة لغة و علی هذا فظاهر الآیة المبارکة هو وجوب المسابقة علی العباد نحو الخیرات... و إن شئت قلت: إنّ مدلول الآیة الکریمة هو ما إذا کان العمل خیراً للجمیع و أمکن قیام کل واحد منهم به ... و من الواضح أنّه لا صلة لهذا المعنی بما نحن فیه أصلاً و ذلک لأنّ الکلام فیه إنّما هو فی وجوب المبادرة علی المکلف نحو امتثال الأمر المتوجه إلیه خاصة علی نحو الاستقلال مع قطع النظر عن الأمر المتوجه إلی غیره ...
و أما آیة المسارعة فالظاهر من المغفرة فیها هو نفس الغفران الإلهی فالآیة عندئذ تدل علی وجوب المسارعة نحوه [أی الغفران الإلهی] بالتوبة و الندامة التی هی واجبة بحکم العقل و لیس المراد منها الأفعال الخارجیة من الواجبات و المستحبات ...»
و علی هذا فلا دلالة للآیتین علی فوریة التکالیف.
إذا شککنا فی اعتبار خصوصیة الفور أو التراخی فی الواجب فأصالة البراءة تقتضی عدم اعتبارها.
ص: 278
و الکلام فی مقامین
المقام الأول: التحقیق فی المسألة
المقام الثانی: ثمرة هذه المسألة
ص: 279
ص: 280
تعلق الأمر بالطبیعة أو الفرد
و الکلام فی مقامین:
هنا نظریات أربع
((1))
قال:إنّ متعلق الطلب هو الوجود السعی للطبیعة و لما کان الأمر بمعنی طلب الوجود یکون متعلق الأمر هو الطبیعی.
أما الفرد فلایتعلق به الأمر کما أنّ الطبیعة بما هی هی لیست متعلقة للأمر أیضاً «و فی مراجعة الوجدان للإنسان غنی و کفایة عن إقامة البرهان علی ذلک حیث یری إذا راجعه [أی الوجدان] أنّه لا غرض له فی مطلوباته إلا نفس الطبائع و لا نظر له إلا إلیها من دون نظر إلی خصوصیاتها الخارجیة و عوارضها
ص: 281
العینیة و أنّ نفس وجودها السعی بما هو وجودها تمام المطلوب و إن کان ذاک الوجود لایکاد ینفک فی الخارج عن الخصوصیة فانقدح بذلک أنّ المراد بتعلق الأوامر بالطبائع دون الأفراد أنّها [أی الطبائع] بوجودها السعی بما هو وجودها قبالاً لخصوص الوجود متعلقة للطلب لا أنّها بما هی هی کانت متعلقة له [أی للطلب] کما ربما یتوهم فإنّها کذلک لیست إلا هی ... لایعقل أن یتعلق بها طلب لتوجد أو تترک و إنّه لابدّ فی تعلق الطلب من لحاظ الوجود أو العدم معها [أی مع الطبیعة] ...»
((1))
إنّه أخذ معنی الوجود فی معنی الأمر (حیث قال: الأمر هو طلب الوجود) مع أنّ صیغة الأمر و مادته لاتدلان علی الوجود و لایمکن أن یکون المدلول بلا دال علیه.
((2))
إنّه قال: الأمر و النهی کلاهما بمعنی الطلب إلا أنّ الأمر یدل علی طلب الوجود و النهی علی طلب الترک؛ و فیه أنّ هذا خلاف ما هو المرتکز فی الأذهان من أنّ الأمر و النهی متغایران فی أصل معناهما، لا فی متعلق المعنی ( أی الوجود و الترک).
إنّ الوجود السعی یتصور علی أنحاء: منها الوجود الإطلاقی و هو وجود المجردات و هو لایرتبط بما نحن فیه؛ و منها الجهة الجامعة المفهومیة و هی لیست من حقیقة الوجود و هی غیر مرادة لصاحب الکفایة (قدس سره) ؛ و منها الجهة الجامعة الحقیقیة بین أفراد الطبیعة و فی هذا النحو إن کان الوجود السعی المذکور مع صفة الوحدة و التشخص فلیس قابلا للانطباق علی کل فرد فرد و السعة حینئذ لیس بمعنی الکلیة (کما أنّ السعة بمعنی الإطلاق لایتصور فی المقام
ص: 283
أیضاً).
و إن کان الوجود السعی المذکور بدون صفة الوحدة و التشخص فلیس هو من حقیقة الوجود.
و الجهة الجامعة الحقیقیة بین أنحاء الوجودات غیر معقول لأنّ الوجود الحقیقی فی کل موجود عین تشخصه و الوجود بسیط.
بیان المحقق النائینی (قدس سره) : إنّه (قدس سره) قال فی موضع من کلامه: ((1)) «إنّ متعلقات الأحکام هی الطبائع الفانیة فی أفرادها.»
و قال فی موضع آخر:((2)) « إنّ متعلق الأمر هی الماهیة التی لم یلحظ فیها التحصل کما أنّ متعلق النهی أیضاً کذلک؛ غایة الأمر أنّ تعلق الأمر بها یقتضی طلب تحصلها و تعلق النهی بها یقتضی طلب عدم تحصلها.»
بیان الأُستاذ العلامة الشاه آبادی: یتعلق الطلب بالطبیعة و لکن غایته هو إیجاد الطبیعة.((3))
ص: 284
((2)) عنه:
«لایذهب علیک أنّ کون الماهیة من حیث هی خالیة عن جمیع الأوصاف لایستدعی عدم عروض وصف لها من حیث هی؛ فإنّ الماهیة من حیث هی هی
ص: 285
لا موجودة و لا معدومة مع أنّها بنفسها إما موجودة أو معدومة بالحمل الشائع؛ فکل مفهوم یباین مفهوماً آخر بالحمل الأولی و إن کانا متحدین بالحمل الشائع و علیه فلا منافاة بین کون الصلاة فی حد ذاتها و ماهیتها لا مطلوبة و لا غیر مطلوبة و بلحاظ تعلق الطلب بها مطلوبة [نعم إنّ تعلق الطلب بها بالعرض]»
((1))
«الحق تعلق الجعل بوجودها [أی الطبائع]؛ فکذا الطلب ضرورة أنّ الصادر بالذات هو المراد بالذات بلا عنایة .
و إنّما یعبر عن المطلوب بالصلاة الموضوعة للماهیة لا للوجود، لأنّ المفاهیم الثبوتیة مطابقها عین الوجود المنتزع عنه طبیعة الصلاة؛ و المفروض أنّ متعلق الإرادة هی الصلاة بالحمل الشائع فافهم جیداً فإنّه دقیق جداً.»
إنّ الماهیات أُمور اعتباریة منتزعة عن الموجودات باعتبار حدودها و النفس تطلب الحقائق لا الاعتباریات کما لایکون متعلق الطلب أیضاً أمراً اعتباریاً بل هو أمر وجودی فی أُفق النفس.
((2))
قال: إنّ المقصود من تعلق الأمر و الطلب بالطبیعی هو لحاظه بما هو خارجی أی بما هو مرآة إلی الخارج.
ص: 286
«إنّ من المعلوم أنّ لحاظ الطبیعة یتصور علی وجوه: منها لحاظها بما هی فی الذهن و محلاة بالوجود الذهنی، و منها لحاظها بما هی شیء فی حد ذاتها، و منها لحاظها بما هی خارجیة بحیث لایلتفت إلی مغایرتها و اثنینیتها مع الخارج و لایری فی هذا اللحاظ التصوری إلا کونها عین الخارج و متحدة معه بحیث لو سئل بأنّه أی شیء تری فی هذا اللحاظ؟ یقول بأنّه ما أری إلا الخارج و إن کان بالنظر التصدیقی یقطع بخلافه فیری کونها غیر موجودة فی الخارج و ... لیس المقصود من تعلق الأمر بالطبیعی عند القائل به هو الطبیعی بما هو موجود فی الذهن من جهة وضوح أنّه بهذا العتبار مع کونه کلیاً عقلیاً غیر قابل للصدق علی الخارج لایکون مما تقوم به المصلحة حتی یتعلق به الأمر و الطلب ... کوضوح عدم کون المقصود أیضاً هو الطبیعی بالاعتبار الثانی [أی بما هو شیء فی حد ذاته] من جهة وضوح أنّ الطبیعة بهذا الاعتبار لیست إلا هی فلاتکون هی أیضاً مَرکَب المصلحة حتی یتعلق به الأمر و الطلب بل و إنّما المقصود من ذلک عند القائل به هو الطبیعی بالاعتبار الثالث الذی یری کونها عین الخارج ...»
یرد علیه الإیراد الأول و الثانی علی نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) فلانعید.
((1))
و هو أنّ الأمر یتعلق بالفرد بمعنی وجود الطبیعة.
بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) : « إنّ هذه المسألة إما مبتنیة علی مسألة إمکان
ص: 287
وجود الطبیعی فی الخارج و امتناعه؛ فمن یقول بامتناعه لابدّ له من القول بتعلق التکلیف بالفرد لئلایلزم التکلیف بغیر المقدور؛ لکن لیس لازم تعلق التکلیف به [أی بالفرد] دخول لوازم الوجود و لوازم التشخص فی المکلف به بل اللازم - بلحاظ عدم القدرة علی إیجاد الطبیعی و القدرة علی إیجاد الشخص- تعلق التکلیف بالماهیة المتشخصة بالوجود - أعنی ذات هذه الماهیة المتشخصة القابلة للوجود - فإنّ الماهیة تارة تلاحظ بنفسها فهی الطبیعی و أُخری مضافة إلی قید کلی فالمضاف هی الحصة لامجموع المضاف و المضاف إلیه و ثالثة تضاف إلی الوجود المانع عن صدقها علی کثیرین و هو الفرد.
فذات الإنسانیة الموجودة بوجود زید فی قبال الإنسانیة الموجودة بوجود عمرو هی الماهیة الشخصیة و هی المطلوبة بلا دخل للوازمها، لا فی کونها شخصیة و لا فی مطلوبیتها و من یقول بإمکان وجود الطبیعی و أنّ الماهیة الواحدة کلیة فی مرحلة الذهن و شخصیة بإضافة الوجود إلیها فالطبیعی متشخص بالوجود فهو یقول بإمکان تعلق الأمر به فلا نظر إلی اللوازم علی أی حال [فعلی هذا لوازم الوجود خارجة عن متعلق الأمر سواء قلنا بتعلق الأمر بالطبیعی أو بفرده].
و إما مبتنیة علی مسألة تعلق الجعل بالماهیة أو بالوجود فإنّ المراد بالذات هو الصادر بالذات؛ فمن جعله الوجود قال بتعلق الإرادة به و من جعله الماهیة قال بتعلق الإرادة بها من دون فرق بین الإرادة التکوینیة و التشریعیة ... و لعل ذهاب المشهور إلی تعلق الأمر بالطبیعة لذهاب المشهور من الحکماء و المتکلمین إلی أصالة الماهیة و تعلق الجعل بها.
فالتحقیق حینئذ تعلق الأمر بالفرد بمعنی وجود الطبیعة؛ توضیحه أنّ طبیعة
ص: 288
الشوق من الطبائع التی لاتتعلق إلا بما له جهة فقدان و جهة وجدان، إذ لو کان موجوداً من کل جهة لکان طلبه تحصیلا للحاصل و لو کان مفقوداً من کل جهة لم یکن طرف یتقوم به الشوق ... بخلاف ما لو کان موجوداً من حیث حضوره للنفس مفقوداً من حیث وجوده الخارجی فالعقل یلاحظ الموجود الخارجی فإنّ له قوة ملاحظة الشیء بالحمل الشائع کما له ملاحظة الشیء بالحمل الأولی فیشتاق إلیه؛ فالموجود بالفرض و التقدیر مقوم للشوق لا بما هو هو بل بما هو آلة لملاحظة الموجود الحقیقی و الشوق یوجب خروجه من حد الفرض و التقدیر إلی الفعلیة و التحقق و هذا معنی تعلق الشوق بوجود الطبیعة لا کتعلق البیاض بالجسم حتی یحتاج إلی موضوع حقیقی لیقال: إنّ الموجود الخارجی لاثبوت له فی مرتبة تعلق الشوق و لایعقل قیام الشوق بالموجود الخارجی. کیف؟ و الوجود یسقطه [أی الشوق] لما عرفت من اقتضاء طبیعة الشوق عدم الوجدان من کل جهة [فعلی هذا متعلق الشوق الذی یتقوم الشوق به وجوداً و تحققاً هو الوجود الحقیقی بوجوده الفرضی لابوجوده التحققی]».
ص: 289
إنّ بعض الأعلام أنکروا ثمرة هذا البحث مثل المحقق الخوئی (قدس سره) و أکثرهم أثبتوها.
((1))
«إنّ مرد النزاع فی هذه المسألة إلی أنّ الأوامر هل تتعلق بالطبائع مع قطع النظر عن مشخصاتها و لوازم وجوداتها فی الخارج بحیث تکون تلک اللوازم و المشخصات خارجة عن دائرة متعلقاتها... أو تتعلق بالأفراد مع تلک المشخصات بحیث تکون المشخصات مقومة للمطلوب و المراد و داخلة فی دائرة المتعلقات...
و علی هذا فتظهر الثمرة بین القولین فی باب اجتماع الأمر و النهی؛ و ذلک لأنّه علی القول بتعلق الأوامر و النواهی بالطبائع دون الأفراد ففی مورد الاجتماع کالصلاة فی الدار المغصوبة مثلاً لایسری الأمر من متعلقه و هو طبیعة الصلاة إلی متعلق النهی و هو الغصب و لا العکس لفرض أنّهما طبیعتان مستقلتان ... فإذن لا مناص من القول بالجواز فی تلک المسألة و أما علی القول بتعلق الأوامر و النواهی بالأفراد دون الطبائع فلا مناص من الالتزام بالقول
ص: 290
بالامتناع فی تلک المسألة و ذلک لفرض أنّ الأمر علی هذا القول متعلق بالصلاة مع مشخصاتها و المفروض أنّ الغصب فی مورد الاجتماع مشخص لها [أی للصلاة] فإذن یکون متعلقاً للأمر و الحال أنّه متعلق للنهی أیضاً فیلزم عندئذ اجتماع الأمر و النهی فی شیء واحد و هو محال ضرورة استحالة کون شیء واحد مأموراً به و منهیاً عنه.»
((1))
إنّ کل وجود فی ذاته مباین لوجود آخر و کل ماهیة تمتاز عن ماهیة أُخری بالوجود لا بذاتها؛ فالماهیة الجوهریة متشخصّة بوجودها و الماهیة العرضیة متشخصة بوجود آخر و الماهیات العرضیة لایعقل أن تکون مشخصات لوجود الجواهر بل إطلاق المشخصات علی تلک الأعراض الملازمة للجوهر تسامحی.
فحینئذ نقول: إنّ الکلام فی تعلق الأمر بالطبیعة أو بفردها؛ أما الطبائع الأُخری و أفرادها فهی خارجة عن متعلق الأمر علی کلا القولین فمتعلق الأمر بالصلاة أجنبی عن متعلق النهی عن الغصب؛ فالأمر و النهی لایجتمعان فی مورد واحد فلابدّ من القول بجواز اجتماع الأمر و النهی.
نعم لو قلنا بأنّ المتلازمین لابدّ أن یتحدا فی الحکم فیسری الحکم من متعلق
ص: 291
أحدهما إلی الآخر فلابدّ من القول بالامتناع لکنه خاطئ جداً بل الثابت هو أنّ المتلازمین لایکون أحدهما واجباً و الآخر محرماً و أما کونهما متوافقین فی الحکم فلم یثبت.
جواب بعض الأساطین (دام ظله) ((1)) عن إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) :
«إنّ المیرزا [أی المحقق النائینی (قدس سره) ] یصور النزاع علی أساس أنّ التشخص بالوجود بأنّه إن کانت المشخصات عارضة علی الطبیعة قبل عروض الوجود فالوجود لا محالة یکون طاریاً علی الماهیة المشخصة و تکون العوارض موجودة بعین وجود الفرد [فحینئذ یجتمع متعلق الأمر و النهی فلابدّ من القول بالامتناع] و إن کانت غیر عارضة علی الطبیعة قبل وجود الفرد بل فی نفس تلک المرتبة التی طرء فیها الوجود علی الفرد فالماهیة حینئذ غیر متشخص بالعوارض بل یکون تشخصها بالوجود [فمتعلق الأمر غیر متعلق النهی فلایتحدان فلابدّ من القول بجواز اجتماع الأمر و النهی]».
إنّه لامعنی محصل لعروض المشخصات (أی العوارض المشخصة عند المشهور) علی الطبیعة قبل عروض الوجود بل لا معنی لعروض الوجود الواحد علی کلیهما بل الوجود العارض علی الطبیعة وجود فی نفسه لنفسه و الوجود العارض علی المشخصات وجود فی نفسه لغیره فلافرق فی عروضه علی الطبیعة قبل عروض الوجود أو بعده.
ص: 292
هنا إشکال مبنائی علی مسلک بعض الحکماء مثل آقا علی المدرس (قدس سره) من أنّ الأعراض جلوات لوجود الجواهر((1)) فالطبیعة العرضیة متحدة مع وجود
ص: 293
ص: 294
الجوهر فلیست خارجة عنه.
و أما ملاحظتنا فهو إشکال بنائی فهو أنّ الماهیات المرکبة الشرعیة قد تترکب من مقولات متعددة و حینئذ قد یکون جزء الماهیة الجعلیة الشرعیة المأمور بها جزءً للماهیة المنهی عنها فیجتمع فیها الأمر و النهی.
مضافاً إلی أنّ الجهة المبحوث عنها فی مسألة اجتماع الأمر و النهی هی أنّ تعدد الوجه و العنوان فی الواحد هل یوجب تعدد متعلق الأمر و النهی أو لایوجبه؟ و لذا قال صاحب الکفایة (قدس سره) :((1)) «إنّ تعدد الوجه إن کان یجدی بحیث لایضر معه الاتحاد بحسب الوجود و الإیجاد لکان یجدی و لو علی القول بالأفراد ... و إلا لما کان یجدی أصلاً حتی علی القول بالطبائع کما لایخفی لوحدة الطبیعتین وجوداً و اتحادهما خارجاً ...»
فما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ینفع فی مقام تعدد الوجه و العنوان؛ فإن قلنا بأنّ
ص: 295
تعدد الوجه یجدی فی حل مشکلة اجتماع الأمر و النهی فلابدّ من أن نلتزم بالجواز.
بیان المحقق الخوئی (قدس سره) ((1)) فی إنکار الثمرة:
إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) قرّرالنزاع من ناحتین، نشیر هنا إلی الناحیة الأولی منهما، فقال: «الذی ینبغی أن یقال فی هذه المسألة هو أنّه یمکن تقریر النزاع فیها من ناحیتین:
الأُولی: من جهة ابتناء ذلک علی القول بوجود الکلی الطبیعی فی الخارج و القول بعدم وجوده؛ فعلی الأول یتعلق الأمر بالطبیعة و علی الثانی بالفرد.
بیان ذلک: هو أنّه لا شبهة فی [أنّ تشخص الحصة و تفردها بالوجود و أما تشخص الوجود و تفرده فهو بنفس ذاته و] أنّ کل وجود فی الخارج بذاته و شخصه یمتاز عن وجود آخر و یباینه و یستحیل اتحاد وجود [متشخص بذاته] فیه مع وجود آخر ضرورة أنّ کل فعلیة تأبی عن فعلیة أُخری و کل وجود یباین وجوداً آخر و یأبی عن الاتحاد معه ...»
فعلی هذا امتیاز کل حصة عن حصة أُخری لیس بالذات بل إنّما هو بالوجود لأنّ کل ما بالغیر لابدّ أن ینتهی إلی ما بالذات.
و الکلام هنا فی أنّ الوجود المضاف إلی الفرد الخارجی هل یضاف إلی الکلی الطبیعی علی نحو الحقیقة أو بالمجاز؟ و القائل بأنّ الکلی الطبیعی موجود فی الخارج یقول بأنّ إضافة هذا الوجود إلی الکلی الطبیعی بنحو الحقیقة و القائل
ص: 296
بعدم وجود الکلی الطبیعی فی الخارج یقول بأنّ إسناد هذا الوجود إلی الکلی الطبیعی یکون بالعرض و المجاز.
«و الصحیح فی المسألة أنّ الطبیعی موجود فی الخارج حقیقة و ذلک لصحة حمل الوجود علیه [و عدم صحة سلبه] فلا فرق بین قولنا: زید موجود و قولنا: الإنسان موجود ... هذا من ناحیة و من ناحیة أُخری إنّه لا شبهة فی صحة حمله علی الفرد فیقال: زید إنسان و من المعلوم أنّه یعتبر فی صحة الحمل الاتحاد فی الوجود الخارجی و إلا فالحمل غیر صحیح و هذا لعله من الواضحات.
و بعد ذلک نقول: إنّه علی القول بوجود الطبیعی فی الخارج یتعلق الأمر به و علی القول بعدم وجوده فیه یتعلق بالحصة و الفرد و لکن بإحدی الحصص الخارجیة لا بالمعین منها فالنتیجة علی کلا القولین هی التخییر بین تلک الحصص و الأفراد عقلاً.
أما علی القول الأول [أی وجود الطبیعی فی الخارج] فواضح و أما علی القول الثانی فلفرض أنّ الأمر لم یتعلق بالحصة الخاصة بل تعلق بواحدة منها لا بعینها و من المعلوم أنّ تطبیقها علی هذه و تلک بید المکلف و لانعنی بالتخییر العقلی إلا هذا و من هنا یظهر أنّه لاثمرة للبحث عن هذه المسألة أصلاً...»
ص: 297
ص: 298
و الکلام فی مقامات ثلاثة
المقام الأول: إمکان بقاء الجواز ثبوتاً
المقام الثانی: فی مقام الإثبات
المقام الثالث: مقتضی الأصل العملی
ص: 299
ص: 300
هل یبقی الجواز بعد نسخ الوجوب؟
الکفایة ((1)) و المحقق الخوئی((2)) (قدس سرهما) و بعض الأساطین (دام ظله) ((3)) وهو المختار، و فی قبالهم قال المحقق العراقی (قدس سره) ((4)) بإمکان بقاء أصل الجواز و الرجحان ثبوتاً و أما إثباتاً فإنّ دلیل الناسخ ظاهر فی رفع الحکم المنسوخ بجمیع مراتبه من الإلزام و
ص: 302
الرجحان و الجواز إلا إذا کان الناسخ مجملا من حیث إنّه رافع للإلزام أو مطلق الرجحان أو الجواز.
و البحث هنا وقع بینهم فی ثلاث مقامات:
المقام
الأول فی مقام الثبوت؛
و المقام الثانی فی مقام الإثبات؛
و المقام الثالث فی مقتضی الأصل العملی.
ص: 303
هنا تقریران للإمکان
((1))
قال: «لاینبغی الإشکال فی أنّه لا ملازمة بین ارتفاع الوجوب و بین ارتفاع جوازه و ذلک من جهة أنّه بعد أن کان له مراتب عدیدة من حیث أصل الجواز و الرجحان الفعلی و من حیث الإلزام و المنع عن النقیض فلاجرم أمکن أن یکون المرتفع لأجل دلیل النسخ هو خصوص جهة إلزامه و منعه عن النقیض مع بقاء رجحانه الفعلی غیر المانع عن النقیض علی حاله کإمکان ارتفاعه حتی بمرتبة رجحانه الفعلی أیضاً مع بقائه علی الجواز بمعنی تساوی فعله و ترکه کإمکان ارتفاعه [بجمیع مراتبه] حتی بمرتبة جوازه أیضاً.
و حینئذ فأمکن ثبوتاً بقاء کل واحد من هذه المراتب بعد ارتفاع الوجوب بدلیل النسخ من غیر أن یکون برهان عقلی علی امتناعه بوجه أصلاً ...»
و الوجه فی ذلک هو أنّ الوجوب و الاستحباب عنده من التشکیکیات فالوجوب هی الإرادة الشدیدة و الاستحباب هی الإرادة الضعیفة.
إنّ الوجوب أمر انتزاعی و منشأ انتزاعه هو اعتبار الشارع لابدّیة الشیء علی
ص: 304
ذمة المکلف((1)) و الأمر الانتزاعی لیس تشکیکیاً.
(إنّ الوجوب عند المحقق الخوئی (قدس سره) لیس مجعولاً شرعیاً بل منتزع منه).
إنّ الوجوب حکم اعتباری مجعول للشارع و هو بسیط إما یعتبر فیوجد و إما لایعتبر فلایوجد و الاستحباب و الجواز اعتباران آخران فانتفاء اعتبار الوجوب لایوجب إثبات اعتبار آخر.
((2))
إنّ ما أفاده (قدس سره) یبتنی علی أن یکون الترخیص فی الترک دخیلاً فی حقیقة مرتبة حکم الوجوب مع أنّ «الإرادة و هی الشوق الأکید غیر المحدود کیف نفسانی تکوینی و الترخیص أمر جعلی اعتباری فکیف [یمکن أن] یکون [الأمر الاعتباری] من أجزاء الأمر التکوینی؟»
من الترک فإذا ورد الدلیل علی الترخیص بالنسبة إلی الترک فحینئذ یرتفع الوجوب و ینتزع الاستحباب (و هذا التقریر لاینافی بساطة الوجوب).
إنّ المنع من الترک لیس إلا لإبراز الحکم فهو أمر إثباتی بعد ثبوت الحکم الاعتباری فلایمکن أن ینتزع عنه الحکم.
إنّ بعضهم توهم جعل تلک المسألة مبتنیاً علی إمکان بقاء الجنس بعد ارتفاع الفصل((1)) فإن کان الترکیب بینهما اتحادیاً فلایمکن بقاء الجنس بعد ارتفاعه و إن
ص: 306
کان انضمامیاً فیمکن ذلک.
و لکن النزاع قبل ذلک هو فی أنّ الوجوب بسیط أو مرکب؛ فإن قلنا ببساطة الوجوب (کما هو الحق)((1)) فلاتصل النوبة إلی البحث عن بقاء الجنس لأنّ
ص: 307
الوجوب حینئذ لا جنس له.
و التحقیق هو أنّ الأحکام الشرعیة أُمور اعتباریة و الأمر الاعتباری لا جنس له و لا فصل لأنّ الجنس و الفصل لایتحققان إلا فی المرکبات الحقیقیة فالوجوب أمر بسیط.
نعم إنّ الماهیات الجعلیة الشرعیة الاعتباریة تتشکل فی الخارج عن بعض الأُمور الحقیقیة إلا أنّه من حیث وحدتها الاعتباریة لا جنس لها و لا فصل فهی بسیطة فی عالم الاعتبار بل الأُمور الخارجیة محصل للماهیة الاعتباریة.
و الحاصل: عدم إمکان بقاء الجواز ثبوتاً.
ص: 308
بعد بیان عدم إمکان ذلک ثبوتاً لانحتاج إلی مقام الإثبات و لکن نشیر إلی ذلک لمن لم یلتزم بما مضی.
قال صاحب الکفایة (قدس سره) :((1)) «إذا نسخ الوجوب فلا دلالة لدلیل الناسخ و لا المنسوخ علی بقاء الجواز بالمعنی الأعم و لا بالمعنی الأخص کما لا دلالة لهما علی ثبوت غیره من الأحکام [إنّ الجواز بالمعنی الأخص هو الإباحة و لم یثبت من قبل حتی یقال ببقائه فلابدّ من أن یقال بعدم الدلیل علی ثبوته لا علی بقائه فما أفاده (قدس سره) تسامح فی التعبیر] ضرورة أنّ ثبوت کل واحد من الأحکام الأربعة الباقیة بعد ارتفاع الوجوب واقعاً ممکن و لا دلالة لواحد من دلیلی الناسخ و المنسوخ بإحدی الدلالات علی تعیین واحد منها کما هو أوضح من أن یخفی فلابدّ للتعیین من دلیل آخر.»
((2))
«إنّ القدر المتیقن الذی یقتضیه دلیل الناسخ إنما هو رفع خصوص جهة إلزامه ففی ما عداه یؤخذ حینئذ بدلیل المنسوخ و یحکم بمقتضاه باستحبابه، نظیر ما إذا ورد دلیل علی وجوب شیء و دلیل آخر علی عدم وجوبه فکما أنّه هناک یجمع بینهما فیؤخذ بظهور دلیل الوجوب فی مطلق الرجحان و یرفع الید عن ظهوره فی الإلزام و جهة المنع عن النقیض کذلک فی المقام أیضاً؛ فإذا لم یکن لدلیل النسخ دلالة أزید من رفع الوجوب فلا جرم یؤخذ بظهور دلیل
ص: 309
المنسوخ فی مطلق رجحانه و بذلک یثبت استحبابه حیث لانعنی من الاستحباب إلا ذلک.»
«فیه أنّ هذا الجمع إنّما یصح فی غیر الحاکم و المحکوم و أما فیهما فلایتأتی مثل هذا الجمع بل لابدّ من الأخذ بدلیل الحاکم و رفع الید عن دلیل المحکوم و إن کان ظهوره أقوی بمراتب من دلیل الحاکم ...
و حینئذ فلئن خودش فی ذلک فلابدّ من الخدشة فی أصل المطلب بدعوی قوة ظهور دلیل الناسخ فی نظره إلی رفع جمیع مراتب الحکم [أی حکم المنسوخ] کما لعله لیس بعید أیضاً لظهوره فی رفعه لأصل الحکم الثابت بدلیل المنسوخ بما له من المراتب و علیه لایبقی مجال للأخذ بظهور دلیل المنسوخ فی مطلق الرجحان لإثبات الاستحباب.
نعم لو فرضنا إجمال دلیل الناسخ فی نفسه و تردده بین رفع خصوص جهة إلزامه أو رفعه حتی بمرتبة رجحانه و جوازه ففی مثله لا بأس بدعوی الرجوع إلی دلیل المنسوخ لإثبات مطلق الرجحان لولا دعوی سرایة إجماله إلیه أیضاً فتدبر.»
الناسخ منفصل عن المنسوخ فلو قلنا بسرایة الإجمال هنا للزم القول بسرایة الإجمال فی کل مخصص منفصل بالنسبة إلی العام فلایمکن التمسک بالعام.
((1))
ما أفاده (قدس سره) فی صورة إجمال الناسخ من جهة رفع خصوص الإلزام أو رفعه بمرتبة رجحانه و جوازه یتوقف علی دلالة المنسوخ علی الرجحان و هذه الدلالة عند المحقق العراقی (قدس سره) تضمنی لأنّ الرجحان عنده من مراتب الوجوب و عندنا التزامی و علی أی حال الدلالة التضمنیة و الالتزامیة کلاهما فرع للدلالة المطابقیة حدوثاً و بقاءً فمع سقوط الدلالة المطابقیة لاتبقی الدلالة التضمنیة و لا الالتزامیة.
ص: 311
هنا قولان:
و فی تصویر جریانه نظریات ثلاث:
((1))
إنّه (قدس سره) یری جریان الاستصحاب بناء علی مسلکه من تصویر التشکیک بین الوجوب و الاستحباب فالاستصحاب یجری لأنّ المشکوک (و هو الجواز أو الاستحباب) یکون عرفاً من مراتب ما هو المتیقن سابقاً بحیث کان تقدیر بقائه عرفاً بقاءً لما علم بتحققه سابقاً.
نعم المحقق العراقی (قدس سره) یقول: إن قلنا بأنّ الأحکام متباینات کل منها مع الآخر فلایجری الاستصحاب من جهة عدم اتحاد القضیة المشکوکة و القضیة المتقینة عرفاً لکنه خلاف مختاره فی حقیقة الأحکام.
((2))
قال: «یکفی فی إثبات الجواز استصحاب الرضا بالفعل الثابت حال وجوبه
ص: 312
إذ لو ثبت الرضا به بعد ارتفاع الوجوب لایکون وجوداً آخر للرضا بل یکون الرضا الأول باقیاً [فنستصحب رضا الشارع بالفعل] و إذا ثبت الرضا به [أی بالفعل] و لو بالاستصحاب کان جائزاً عقلاً ...
و یکفی فی إثبات الاستحباب استصحاب نفس الإرادة النفسانیة إذ مجرد رفع الوجوب لایدل علی ارتفاعها و إذا ثبتت الإرادة المذکورة ثبت الاستحباب لأنّه یکفی فیه الإرادة للفعل مع الترخیص فی الترک الثابت قطعاً بنسخ الوجوب.»
إنّ القائلین بترکیب الوجوب من طلب الشیء و المنع من الترک ترکیباً انضمامیاً لا مانع عندهم من جریان الاستصحاب حیث نشک فی أنّ المنسوخ هو خصوص المنع من الترک أو کلا الجزأین فنستصحب بقاء طلب الشیء و هذا هو استصحاب فرد واحد شخصی.
و هو نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره) ((1)) إنّه یقول بعدم جریان الاستصحاب لأنّ الوجوب عنده مباین للاستحباب عرفاً و مباین لسائر الأحکام عقلاً و عرفاً و الاستصحاب فی المقام یکون من القسم الثالث من أقسام استصحاب الکلی و هو لایجری و إلیک نص عبارته:
«لا مجال لاستصحاب الجواز إلا بناء علی جریانه فی القسم الثالث من أقسام
ص: 313
استصحاب الکلی و هو ما إذا شک فی حدوث فرد کلی مقارناً لارتفاع فرده الآخر و قد حققنا فی محله((1)) أنّه لایجری الاستصحاب فیه ما لم یکن الحادث المشکوک من المراتب القویة أو الضعیفة المتصلة بالمرتفع بحیث عد عرفاً - لو کان - أنّه باقٍ لا أنّه أمر حادث غیره.
و من المعلوم أنّ کل واحد من الأحکام مع الآخر عقلاً و عرفاً من المباینات و المتضادات غیر الوجوب و الاستحباب فإنّه و إن کان بینهما التفاوت بالمرتبة و الشدة و الضعف عقلاً إلا أنهما متباینان عرفاً؛ فلامجال للاستصحاب إذا شک فی تبدل أحدهما بالآخر فإنّ حکم العرف و نظره یکون متبعاً فی هذا الباب.»
فتحصّل إلی هنا: أنّ الوجوب بسیط فمع ارتفاعه لایمکن ثبوتاً بقاء حکم آخر و لا بقاء الجواز بالمعنی الأعم الذی هو فی ضمن هذا الفرد من الوجوب کما أنّه لایجری استصحاب الجواز بالمعنی الأعم لأنّه من القسم الثالث من استصحاب الکلی؛ أما مبادی الحکم من الرضا بالفعل و الإرادة النفسانیة فلیس مثل الجواز بالمعنی الأعم لأنّ الجواز بالمعنی الأعم أمر اعتباری تابع للوجوب حدوثاً و بقاءً و أما الرضا فلیس تابعاً للوجوب بل من مبادیه فاستصحابه من القسم الأول لا القسم الثالث من استصحاب الکلی کما أنّ استصحاب الإرادة النفسانیة من القسم الرابع و هو استصحاب فی التشکیکیات.
ص: 314
ص: 315
ص: 316
فی حقیقة الواجب التخییری نظریات ثمان:
الواجب هو الواحد المعین عند الله تعالی.
((1))
أولاً: « کل منهما مثل الآخر فی أنّه وافٍ بالغرض.»
ثانیاً: إنّه مخالف لظهور الأدلة فی وجوب کل منهما لا أحدهما المعین.
الواجب هو الواحد المعین الذی یختاره المکلف فی مقام الامتثال.
و کل من الأشاعرة و المعتزلة نسب هذا القول إلی الآخر و تبرأ منه لسخافته
ص: 317
و «لازم هذه النظریة هو أنّ الواجب یختلف باختلاف المکلفین بل باختلاف حالاتهم.»((1))
«إنّه مخالف لظواهر الأدلة الدالة علی وجوب فعلین أو أفعال علی نحو التنخییر و لا تعین لما هو الواجب علی المکلف فی الواقع و نفس الأمر فما یختاره مصداق للواجب لا إنّه الواجب بعینه.»
«إنّه منافٍ لقاعدة الاشتراک فی التکلیف... التی هی من القواعد الضروریة.»
«إنّ لازم هذا القول أن لایکون وجوب فی الواقع عند عدم اختیار المکلف أحدهما و ترک امتثاله و عصیانه ... و لازمه هو أنّه لا وجوب له قبل اختیاره ضرورة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه کما هو واضح؛ فإذن لا موضوع للعصیان و استحقاق العقوبة عند ترک المکلف الإتیان بالجمیع ضرورة أنّ إیجاد الشرط غیر واجب علیه و هذا بدیهی البطلان.»
«إنّه إذا لم یکن شیء منهما واجباً فی حال العصیان فلایکون واجباً فی حال
ص: 318
الامتثال أیضاً و الوجه فی ذلک هو أنّ کلاً من العصیان و الامتثال وارد علی موضوع واحد ... فإذا فرض أنّه لم یکن واجباً فی حال العصیان فلایعقل أن یکون واجباً فی حال الامتثال ...»
إنّ المکلف فی حال الامتثال یختار أحدهما المعین و لابدّ -مع تحقق الاختیار- أن یکون الواجب هو ما اختاره المکلف حیث إنّ حصول الاختیار شرط لذلک و الشرط حاصل فالمشروط أیضاً لابدّ من أن یکون حاصلاً.
إنّ فی أطراف الوجوب التخییری وجوبات تعیینیة کل منها مشروط بترک الآخر و قد یعبر عنه بأنّه یجب کل من الأطراف مع السقوط بفعل أحدها و الوجوب بالنسبة إلی کل من الأطراف تعیینی؛ غایة الأمر أنّ امتثال واحد من الأطراف مسقط لغیره.
((1))
إن أمکن استیفاء ما فی کل منها من الغرض فلایسقط الوجوب بفعل الآخر و إن لم یمکن فلایجوز الإیجاب کذلک.
ص: 319
((1))
إنّه یلزم فعلیة وجوب جمیع الأطراف و لزوم الإتیان بجمیعها عند ترک الإتیان بها؛ و هذا ینافی حقیقة الوجوب التخییری.
المطلوبیة عند الإتیان بجمیع الأطراف مع أنّه لا شبهة فی حصول الامتثال إذا أتی المکلف بجمیع الأطراف فی زمان واحد.
((1))
إنّه مخالف لظهور الأدلة لأنّ أطراف الوجوب التخییری معطوفة بعضها ببعض بکلمة « أو » و حمل ذلک علی اشتراط الوجوب فی بعضها بترک البعض الآخر خلاف الظاهر.
((2))
قال: «التحقیق أن یقال: إنّه إن کان الأمر بأحد الشیئین بملاک أنّه هناک غرض واحد یقوم به کل واحد منهما بحیث إذا أتی بأحدهما حصل به تمام الغرض و لذا یسقط به الأمر کان الواجب فی الحقیقة هو الجامع بینهما و کان التخییر بینهما بحسب الواقع عقلیاً لاشرعیاً.
و ذلک لوضوح أنّ الواحد لایکاد یصدر من الاثنین بما هما اثنان ما لم یکن بینهما جامع فی البین لاعتبار نحو من السنخیة بین العلة و المعلول.
و علیه فجعلهما متعلقین للخطاب الشرعی لبیان أنّ الواجب هو الجامع بین هذین الاثنین.
و ان کان بملاک أنّه یکون فی کل واحد منهما غرض لایکاد یحصل مع حصول الغرض فی الآخر بإتیانه کان کل واحد واجباً بنحو من الوجوب
ص: 321
یستکشف عنه تبعاته من عدم جواز ترکه إلا إلی الآخر و ترتب الثواب علی فعل الواحد منهما و العقاب علی ترکهما.»
((1))
«لایخفی علیک أنّ قاعدة «عدم صدور الکثیر عن الواحد» و «عدم صدور الواحد عن الکثیر» مختصة بالواحد الشخصی لا الواحد النوعی کما یقتضیه برهانها فی الطرفین.
[أما البرهان علی تلک القاعدة] ﻓ [هو] أنّ تعین کل معلول فی مرتبة ذات علته لئلا یلزم التخصص [أی تخصص المعلول] بلا مخصص و کون الخصوصیة الموجبة لتعینه [أی المعلول] ذاتیة للعلة إذ الکلام فی العلة بالذات.
و لزوم الخلف من تعین معلولین فی مرتبة ذات علة واحدة من جمیع الجهات للزوم [وجود اﻟ] خصوصیتین فیها [أی فی العلة التی فرضنا کونها واحدة من جمیع الجهات] لا ربط له بعدم صدور الکثیر عن الواحد النوعی [فالکثیر لایصدر عن علة واحدة من جمیع الجهات].
[و أما البرهان علی طرفها الآخر فهذا بیانه:] کما أنّ کل ممکن لیس له إلا وجود واحد و وجوب واحد - فهو یقتضی أن لایکون له وجوبان فی مرتبة ذات علتین – مورده صدور الواحد الشخصی عن علتین شخصیتین [فالواحد الشخصی لایصدر عن الکثیر].
ص: 322
و کذا کون استقلال کل من العلتین فی التأثیر مع دخل کل من الخصوصیتین فی وجود شیء واحد موجباً لعدم علیة کل منهما مستقلاً و [مع] عدم دخل الخصوصیتین [أی خصوصیة العلتین] موجباً لکون الجامع علة لا ربط له أیضاً باستناد الواحد النوعی إلی المتعدد بل مفاد کلا البرهانین عدم صدور الواحد الشخصی عن الکثیر و عدم صدور الکثیر بالشخص عن الواحد الحقیقی؛ و لذا قیل باستناد الواحد النوعی إلی المتعدد کالحرارة المستندة إلی الحرکة تارة و إلی النار أُخری و إلی شعاع الشمس ثالثةً و إلی الغضب أیضاً و کالأجناس فإنّها لوازم الفصول [أی هکذا قیل باستناد الواحد الجنسی إلی المتعدد کالجنس الذی یتفصل بفصول متعددة و یندرج تحته أنواع متعددة] و الفصل کالعلة المقیدة لطبیعة الجنس فیستند الواحد الجنسی إلی فصول متعددة مع تباین الفصول بتمام ذواتها...
و أما مسألة المناسبة و السنخیة بین العلة و المعلول فلاتقتضی الانتهاء إلی جامع ماهوی ضرورة أنّ المؤثر هو الوجود و مناسبة الأثر لمؤثره لایقتضی أن یکون هذا المقتضی و المقتضی الآخر مندرجین بحسب الماهیة تحت ماهیة أُخری.
ألا تری أنّ وجودات الأعراض مع تباین ماهیتها - لکونها أجناساً عالیة أو منتهیة إلیها - مشترکة فی لازم واحد و هو الحلول فی الموضوعات.
و کذا الحلاوة مثلاً لازم واحد سنخاً للعسل و السکر و غیرهما من دون لزوم اندراج الحلاوة و موضوعها تحت جامع ماهوی و لا اندراج موضوعاتها تحت جامع ماهوی بل اقتضاء کل من الموضوعات لها بذاتها ... فلیکن الغرض اللازم لوجود الصوم و العتق و الإطعام کذلک».
فإنّ هذا الغرض و إن کان واحداً إلا أنّه لایستدعی الجامع الذاتی بینها و علی
ص: 323
أی حال هذا الأثر القائم بهذه الأفعال یقوم بها قیام العرض بموضوعه کقیام الحرارة بالنار و الحلاوة بالعسل أو بالسکر و لیس العرض فی مرتبة ذات موضوعه و مترشحاً من مقام ذاته حتی یقال: إنّ الحلاوة مثلاً إذا کانت فی مرتبة ذات العسل و السکر فحیثیة ذات العسل و السکر حیثیة الحلاوة فلابدّ من جامع ذاتی بین العسل و السکر و إذا لم تکن الحلاوة فی مرتبة ذاتهما بل کانت قائمةً بهما فلا موجب لاندراج «الحلاوة» و «العسل و السکر» تحت جامع ذاتی فضلاً عن العسل و السکر المتناسبین بالعرض.
((1))
«إنّ ما أفاده (قدس سره) لو تم فإنّما یتم فی ما یمکن وجود جامع حقیقی بینهما کأن یکونا فردین أو نوعین من طبیعة واحدة و أما فی ما إذا لم یمکن وجود جامع کذلک - کما إذا کان کل منهما من مقولة علی حدة - فلایتم أصلاً و من الواضح أنّ التخییر بین فعلین أو أفعال لایختص بما إذا کانا من مقولة واحدة بل کما یمکن أن یکونا کذلک یمکن أن یکون أحدهما من مقولة و الآخر من مقولة أُخری أو أن یکون أحدهما أمراً وجودیاً و الآخر أمراً عدمیاً ...»
لیس أمراً عرفیاً بل هو مستکشف بالبرهان العقلی و خارج عن أذهان العرف.
إنّه لا مانع من عدم تعلق الأمر بالجامع بعد تعلقه بهذه الأفعال.
((1))
إنّ ما أفاده (قدس سره) من أنّ لکل منهما غرض لایکاد یحصل مع حصول الغرض فی الآخر بإتیانه إما یحتمل فیه عدم التضاد بین الغرضین و إما یکون بینهما تضاد إجمالی ( التضاد الأُصولی ) و إما یکون بینهما تضاد علی الإطلاق.
و «عدم حصول الغرض من أحدهما مع حصوله من الآخر إن کان [من دون تضاد بینهما بل] لمجرد أنّ استیفاء أحدهما لایبقی مجالاً لاستیفاء الآخر- مع کون کل من الغرضین لازم الحصول فی نفسه - فلامحالة یجب الأمر بها دفعة تحصیلاً للغرضین.
و لو فرض عدم حصولهما إلا تدریجاً لعدم إمکان اجتماعهما فی زمان واحد [أی کان ذلک للتضاد الإجمالی بینهما] کانا کالمتزاحمین؛ فإنّ التزاحم قد یکون فی الأمر و قد یکون فی ملاکه و کما أنّ التخییر فی المتزاحمین - من حیث الأمر - تخییر عقلی لا مولوی کذا التخییر هنا.
و إن کان تضاد الغرضین علی الإطلاق لا من حیث إنّ اجتماع المحصلین فی
ص: 325
زمان واحد غیر ممکن و سبق کل منهما لا یبقی مجالاً لاستیفاء الآخر بل من حیث إنّ ترتب الغرض علی أحدهما مقید فی نفسه بعدم ترتب الغرض علی الآخر و لازمه عدم حصول شیء من الغرضین عند الجمع بین المحصلین فهذا مع عدم انطباقه علی الواجبات التخییریة الشرعیة خارج عن محل الکلام لأنّ التخییر حینئذ عقلی أیضاً لا مولوی شرعی.»
((1))
«إنّها مخالفة لظواهر الأدلة فإنّ الظاهر من العطف بکلمة ”أو“ هو أنّ الواجب أحدهما لا کلاهما.»
((2))
«القول بتعلق التکلیف بالأحد أیضاً خلاف ظواهر الأدلة لعدم وجود هذا العنوان فیها [أی فی لسان الأدلة] بل الموجود [فیها] هو العطف ﺑ [کلمة] أو؛ و هی فی أمثال المقام للتردید ...»
أجاب الأُستاذ (دام ظله) بوجهین لم نذکر الوجه الأول.((3))
و التحقیق هو أنّ کلمة « أو » یستعمل للتخییر و ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) لیس مخالفاً لظواهر الأدلة.
ص: 326
((1))
«إنّ فرض کون الغرضین متضادین فلایمکن الجمع بینهما فی الخارج مع فرض کون المکلف قادراً علی إیجاد کلا الفعلین فیه بعید جداً بل هو ملحق بأنیاب الأغوال ضرورة أنّا لانعقل التضاد بین الغرضین مع عدم المضادة بین الفعلین؛ فإذا فرض أنّ المکلف متمکن من الجمع بینهما خارجاً فلا مانع من إیجابهما معاً عندئذ.»
((2))
إنّ التباین و التضاد بین الأغراض کثیر تکویناً و عقلاً فقد یکون فعل محصلاً لغرض من جهة و مسقطاً لغرض آخر مثل الدواء الذی یوجب حصول صحة البدن من جهة و یکون سبباً لمرض آخر.
(قد عرفت عند بیان الإیراد الأول أنّ کلام صاحب الکفایة (قدس سره) یحتمل فیه عدم التضاد بین الغرضین فیمکن أن یحمل علیه).
((3))
«إنّ من الواضح جداً أنّه لا مضادة بین ترکیهما [أی الغرضین] معاً فیتمکن المکلف من ترک کلیهما بترک الإتیان بکلا الفعلین خارجاً هذا من ناحیة و من ناحیة أُخری إنّ العقل مستقل باستحقاق العقاب علی تفویت الغرض الملزم ... فالنتیجة علی ضوء هذه النواحی هی أنّه یستحق العقابین عند جمعه بین الترکین
ص: 327
لفرض أنّه مقدور له فلایکون العقاب علیه عقاباً علی ما لیس بالاختیار؛ هذا نظیر ما ذکرناه فی بحث الترتب» حیث إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) استشکله((1)) بلزوم تعدد العقاب و لذا لم یرتضِ بالترتب و أبی أن یکون فی هذه الموارد تعدد العقاب مع أنّ مبناه (قدس سره) فی هذا البحث مستلزم لتعدد العقاب.
(نعم نحن التزمنا بتعدد العقاب و قلنا: لامحذور فیه).
((2))
«إنّ الغرضین المزبورین لایخلوان من أن یمکن اجتماعهما فی زمان واحد... و أن لایمکن اجتماعهما فیه أصلاً ... و علی الثانی فلازمه هو أنّ المکلف إذا أتی بهما معاً فی الخارج و فی زمان واحد أن لایقع شیء منهما علی صفة المطلوبیة إذ وقوع أحدهما علی هذه الصفة دون الآخر ترجیح من دون مرجح و وقوع کلیهما علی تلک الصفة لایمکن لوجود المضادة بینهما، مع أنّه من الواضح البدیهی أنّ المکلف إذا أتی بهما فی زمان واحد یقع أحدهما علی صفة المطلوبیة ضرورة أنّه ... امتثل الواجب و حصل الغرض منه لا محالة و هذا ظاهر.»
((3))
إنّه (قدس سره) قال بأنّ الواجب هو الفرد المردد. «إنّ امتناع الإبهام و عدم التردد فی متعلق الإرادة یختص بالإرادة التکوینیة و لایعم التشریعیة ...
توضیحه أنّ کل ما فرض اعتباره فی الإرادة التکوینیة فإن کان معتبراً فیها لا
ص: 328
لخصوصیة کونها تکوینیة بل لکونها إرادة فهو معتبر فی التشریعیة أیضاً لا محالة بخلاف ما إذا کان اعتباره فیها لأجل خصوصیة کونها تکوینیة فلایعمّ التشریعیة قطعاً و لابأس فی افتراقهما فی بعض الأُمور.
مثلاً تنقسم الإرادة التشریعیة إلی تعبدیة و توصلیة ... و هذا الانقسام من خواص الإرادة التشریعیة التی تتعلق بفعل الغیر و لایعم التکوینیة بالضرورة.
و کذا یمکن تعلق الإرادة التشریعیة بالکلی الملغی عنه الخصوصیات الفردیة و الصنفیة ... و هذا بخلاف الإرادة التکوینیة فإنّها لکونها علة لإیجاد المراد لاتتعلق إلا بالشخص لامتناع إیجاد الکلی فی الخارج إلا فی ضمن فرده.
والذی یترجح فی النظر أن یکون امتناع تعلق الإرادة التکوینیة بالمردد و ما له بدل من لوازمها خاصّة و لایعم التشریعیة؛ فإنّ الغرض المترتب علی کل من الفعلین إذا کان أمراً واحداً - کما هو ظاهر العطف بکلمة ”أو“ و لو کان عطف جملة علی جملة کما هو الغالب أو عطف مفرد علی مفرد - فإنّه بحسب مقام الإثبات الموافق لمقام الثبوت یدل علی أنّ هناک غرضاً واحداً یترتب علی واحد من الفعلین علی البدل؛ فلابدّ و أن یتعلق طلب المولی بأحدهما علی البدل أیضاً لعدم الترجیح بینهما.
و لیس هنا ما یتوهم کونه مانعاً عن تعلق الطلب بشیئین کذلک لا ثبوتاً و لا إثباتاً إلا ما تقدم من دعوی امتناع تعلقه بالمبهم و المردد و قد عرفت أنّه یختص بالتکوینیة التی لاینفک المراد عنها و یوجد بها فلابدّ و أن یکون متعلقها أمراً معیناً شخصیاً فیوجد بها فی الخارج.»
فی تعلق الإرادة و ماشابهها بالفرد المردد أقوال ثلاثة:
ص: 329
قال (قدس سره) فی بحث بیع الصاع من الصبرة:((1)) الصفة الوجودیة الخارجیة لاتتعلق بالمردد أما الصفة الاعتباریة فتتعلق به کما فی بیع الکلی فی الذمة.
قال: الصفة الوجودیة الحقیقیة إذا کانت مثل العلم فتتعلق بالمردد کما فی العلم الإجمالی أما ما لیس بصفة بل له الباعثیة و المحرکیة مثل البعث فلایتعلق بالمردد بل لابدّ أن یکون متعلقه مشخصاً.
ص: 330
((1))
قالا: الحق هو أنّ المردد لا وجود له و لا ماهیة و لاتتعلق به الإرادة التکوینیة و التشریعیة و لا الصفة الحقیقیة و الاعتباریة.
و ما أفاده (قدس سره) فی وجه ذلک یرجع إلی برهانین علی الاستحالة:((2))
«أحدهما أنّ المردد فی ذاته محال حیث لا ثبوت له ذاتاً و وجوداً؛ فلایتعلق به أیة صفة کانت - حقیقیة أو اعتباریة - لتقوم الصفة التعلقیة بطرفها و حیث یستحیل الطرف فلایعقل تحقق تلک الصفة المتقومة به.
و ثانیهما أنّ تعلق الصفة بالمردد یلزمه أمر محال و هو تردد المعین أو تعین المردد و کلاهما خلف » بداهة أنّ تلک الأُمور مثل الإرادة التکوینیة و التشریعیة و الصفة الحقیقیة و الاعتباریة کلها موجودة و التشخص رفیق الوجود یدور معه حیثما دار؛ فلو تعلقت بالمردد لزم اتحادها معه و هو محال لأنّ المعین و المتشخص لایتحد مع المبهم و المردد و إلا لزم تردد المعین أو تعین المردد.
ص: 331
((1))
إنّ المحقق العراقی (قدس سره) یفسر الوجوب التخییری بالإیجاب الناقص و یصور فی المقام أربع صور و إلیک نص عبارته:
«إذا تعلق الأمر بأحد الشیئین أو الأشیاء علی وجه التخییر فالمرجع فیه کما عرفت إلی وجوب کل واحد منها لکن بإیجاب ناقص بنحو لایقتضی إلا المنع عن بعض أنحاء تروکه و هو الترک فی حال ترک البقیة من غیر فرق فی ذلک بین أن یکون هناک غرض واحد یقوم به کل واحد منهما و لو بملاحظة ما هو القدر الجامع بینهما أو أغراض متعددة بحیث کان کل واحد منهما تحت غرض مستقل و تکلیف مستقل و کان التخییر بینهما من جهة عدم إمکان الجمع بین الغرضین إما من جهة التضاد بین متعلقیهما کما فی المتزاحمین أو من جهة التضاد بین نفس الغرضین فی عالم الوجود بحیث مع استیفاء أحد الغرضین فی الخارج لایبقی مجال لاستیفاء الآخر أو فی مرحلة أصل الاتصاف بحیث مع تحقق أحد الوجودات و اتصافه بالمصلحة لاتتصف البقیة بالغرض و المصلحة...
نعم غایة ما هناک من الفرق بین الصور المزبورة إنما هو من جهة وحدة العقوبة و تعددها عند ترک الجمیع حیث إنّ فی بعضها کالصورة الأُولی و الأخیرة لایترتب علی ترک الجمیع إلا عقوبة واحدة و فی بعضها الآخر کالصورة الثانیة و الثالثة تترتب عقوبات متعددة حسب وحدة الغرض و تعدده.»
ص: 332
قال المحقق العراقی (قدس سره) هناک أیضاً بالإیجاب الناقص فحل مسألة الترتب((1)) و قال المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی مقام الإیراد علیه بأنّ هذا المعنی لایتوقف علی هذا التقریب الغریب و الالتزام بالإیجاب الناقص و تحلیل العدم إلی حصص متعددة.((2))
ص: 333
و لایخفی أنّ ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) هو قریب من نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) و الاختلاف فی حقیقة الوجوب.((1))
نعم قال بعض الأساطین (دام ظله) بعدم التفاوت الجوهری بین النظریتین((2)) و فیه ما لایخفی.
إنّ الالتزام بتعدد العقاب فی الصورة الثانیة و الثالثة مما لایمکن الالتزام به بل هو خلاف الضرورة الفقهیة (و بلحاظ اختلاف نظریة المحقق العراقی عن نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سرهما) من جهة تعدد العقاب فی بعض الصور عند المحقق العراقی (قدس سره) التزمنا باختلاف النظریتین).
((3))
قال فی تصویر الوجوب التخییری بإمکان الفرضین الآتیین و إلیک نص عبارته:
[الفرض الأول:]
« یمکن أن یفرض غرضان لکل منهما اقتضاء إیجاب محصله، إلا أنّ مصلحة الإرفاق و التسهیل تقتضی الترخیص فی ترک أحدهما فیوجب کلیهما لما فی کل
ص: 334
منهما من الغرض الملزم فی نفسه و یرخّص فی ترک کل منهما إلی بدل؛ فیکون الإیجاب التخییری شرعیاً محضاً من دون لزوم الإرجاع إلی الجامع فتدبر جیداً.»
و قال (قدس سره) فی هامشه: «توضیحه أنّ القائم بالصوم و العتق و الإطعام أغراض متباینة لا أغراض متقابلة و حیث إنّ کلها لزومیة فلذا أوجب الجمیع و حیث إنّ مصلحة الإرفاق و التسهیل تقتضی تجویز ترک کل منها إلی بدل فلذا أجاز کذلک؛ فإذا ترک الکل کان معاقباً علی ما لایجوز ترکه إلا إلی بدل و لیس هو إلا الواحد منها لا کلها، کما أنّه إذا فعل الکل دفعة واحدة کان ممتثلاً للجمیع و الشاهد علی ماذکرنا أنّه ربما لایکون تمام الإرفاق کما فی کفارة الظهار و القتل الخطأی فإنّه أمر أولاً بالعتق و مع عدم التمکن یجب الصوم و ربما لا إرفاق أصلاً کما فی کفارة الإفطار بالحرام فإنّه یجب الجمع بین الخصال فیعلم منه أنّ الأغراض غیر متقابلة.»
[الفرض الثانی:]
«و یمکن فرض نظیره فی ما إذا کان الغرض المرتب علی الخصال واحداً نوعیاً بتقریب أنّ الغرض و إن کان واحداً سنخاً إلا أنّ اللزومی منه وجود واحد منه فحیث إنّ نسبة الکل إلی ذلک الواحد اللزومی علی السویة فیجب الجمیع لأنّ إیجاب أحدها المردد محال و إیجاب أحدها المعین تخصیص بلامخصص و حیث إنّ وجوداً واحداً منه لازم فیجوز ترک کل منها إلی بدل، و کما أنّ الإیجاب التخییری علی الفرض الأول شرعی لانبعاثه وجوباً و جوازاً عن المصلحة فی نظر الشارع، کذلک الإیجاب التخییری فی هذا الفرض لأنّ أصل الإیجاب [منبعث] عن [وجود] مصلحة و تجویز الترک [هو] عن وحدانیة ما هو اللازم منها [أی المصلحة] فی نظر الشارع فتدبر جیداً.»
ص: 335
ثم إنّ الفرق بین ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) و ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) هو أنّ نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره) یبتنی علی تقابل الأغراض و لکن المحقق الإصفهانی (قدس سره) ینکر تقابل الأغراض سواء کان هنا غرض واحد بالوحدة النوعیة أم کانت أغراض متباینة غیر متقابلة.
کما أنّ ما أفاده (قدس سره) لیس تصحیحاً للقول بالوجوب المشروط و تقریراً منه - کما توهّم((1))- لأنّ فعلیة الوجوب المشروط دائر مدار الشرط فإن أتی المکلف بجمیع الأطراف معاً لم یحصل الشرط فینتفی الوجوب المشروط؛ و لیس الأمر کذلک علی نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) .
((2))
قال (قدس سره) : «أما تفسیرها الأول [أی الفرض الأول] فیرد علیه أولاً أنّه مخالف لظاهر الدلیل حیث إنّ ظاهر العطف فیه بکلمة ” أو“ هو وجوب أحدهما أو أحدها لا وجوب الجمیع کما هو واضح [و هکذا الأمر فی الفرض الثانی]»
إنّ ظاهر الأدلة هو وجوب الأطراف تخییراً لا وجوب أحدها کما أنّ کلمة «أو» تدل علی التخییر.
ص: 336
((1))
«ثانیاً إنّا قد ذکرنا غیر مرة أنّه لاطریق لنا إلی إحراز الملاک فی شیء ماعدا تعلق الأمر به و حیث إنّ الأمر فی ما نحن فیه تعلق بأحد الطرفین أو الأطراف فلا محالة لانستکشف إلا قیام الغرض به فإذن لا طریق لنا إلی کشف تعدد الملاک أصلاً [فالحکم بتعدد الأغراض دعوی بلا دلیل]»
الجواب الأول: إنّ الأمر تعلق بنفس العتق و الصوم و الإطعام لا بعنوان «أحدها» إلا أنّ کلمة «أو» أفاد معنی التخییر.
الجواب الثانی: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) هو إمکان هذا الفرض فی عالم الثبوت و لم یقل بوقوعه فی جمیع موارد الوجوب التخییری و لذا أفاد فرضاً ثانیاً.
((1))
«لازم ذلک هو الالتزام فی صورة المخالفة و عدم الإتیان بشیء منها باستحقاق العقاب علی ترک کل منها ضرورة أنّه لایجوز ترک الواجب بدون الإتیان ببدله ... و بکلمة أُخری إنّ ترک کل واحد منها مقتضٍ لاستحقاق العقاب لفرض أنّه ترک الواجب و المانع منه إنّما هو الإتیان بالآخر؛ فإذا فرض أنّه لم یأت به أیضاً و ترکه فلامانع من استحقاقه العقاب أصلاً ... مع أنّ من الواضح جداً أنّه لایمکن الالتزام بتعدد العقاب فی المقام أبداً و لم یلتزم به أحد فی ما نعلم.»
إنّ مقتضی کون الواجب معطوفاً علی بدیله بکلمة « أو » و الترخیص فی ترکه إلی البدل هو أنّ العقاب إما یکون علی ترک هذا أو علی ترک ذاک فما أفاده المستشکل (قدس سره) من لزوم تعدد العقاب فی صورة ترک جمیع الأطراف مبنی علی إرجاع هذه النظریة إلی القول بالوجوب المشروط و قد عرفت بطلانه للتفاوت الجوهری بین النظریتین.
الغرض المترتب علی الخصال واحد بالسنخ و النوع و أنّ الإلزامی منه وجود واحد فإنّه یحتاج إلی علم الغیب.»
إنّ ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) هو إمکان الفرض الثانی لا وقوعه بمعنی أنّ الفرض الثانی إن تحقق فهو من مصادیق الوجوب التخییری الشرعی.
((1))
قال (قدس سره) : «الذی ینبغی أن یقال فی هذه المسألة تحفظاً علی ظواهر الأدلة هو أنّ الواجب [عنوانُ] أحد الفعلین أو الأفعال لا بعینه [الذی هو جامع انتزاعی] و تطبیقه علی کل منهما [أی الفعلین أو منها أی الأفعال] فی الخارج بید المکلف کما هو الحال فی موارد الواجبات التعیینیة؛ غایة الأمر أنّ متعلق الوجوب فی الواجبات التعیینیة الطبیعة المتأصلة و الجامع الحقیقی و فی الواجبات التخییریة الطبیعة المنتزعة و الجامع العنوانی...
و تخیلُ أنّه لایمکن تعلق الأمر بالجامع الانتزاعی و هو عنوان ” أحدهما “ فی المقام ضرورة أنّه [أی الجامع الانتزاعی] لیس له واقع موضوعی غیر تحققه فی عالم الانتزاع و [أُفق] النفس فلایمکن أن یتعدی عن أُفق النفس إلی ما فی الخارج و من الواضح أنّ مثله لایصلح أن یتعلق به الأمر خیالٌ خاطئ جداً بداهة أنّه لا مانع من تعلق الأمر به أصلاً بل تتعلق به الصفات الحقیقیة کالعلم و الإرادة و ما شاکلهما فما ظنک بالحکم الشرعی الذی هو أمر اعتباری محض و قد تقدم منا
ص: 339
غیر مرة أنّ الأحکام الشرعیة سواء أکانت وضعیة أو تکلیفیة أُمور اعتباریة و لیس لها واقع ما عدا اعتبار الشارع و من المعلوم أنّ الأمر الاعتباری کما یصح تعلقه بالجامع الذاتی کذلک یصح تعلقه بالجامع الانتزاعی؛ فلا مانع من اعتبار الشارع ملکیة أحد المالین للمشتری عند قول البائع:”بعت أحدهما“ بل وقع ذلک فی الشریعة المقدسة کما فی باب الوصیة،((1)) فإنّه إذا أوصی المیت بملکیة
ص: 340
أحد المالین لشخص بعد موته فلا محالة یکون ملکاً له بعد موته و تکون وصیته بذلک نافذة...
و من هنا یظهر أنّ مرادنا من تعلق الأمر بالجامع الانتزاعی لیس تعلقه به بما هو موجود فی [أُفق] النفس... بل مرادنا تعلق الأمر به بما هو منطبق علی کل واحد من الفعلین أو الأفعال فی الخارج و یکون تطبیقه علی ما فی الخارج بید المکلف.»
ص: 341
((1))
إنّ ذلک مخالف لظهور الأدلة حیث إنّ الوجوب تعلق بنفس الصوم و العتق و الإطعام إلا أنّ بعضها معطوف علی بعض بکلمة « أو » فالأدلة خالیة عن عنوان « أحدهما » أو « أحدها » مثل ما ورد عَنْ أَبِی عَبْدِ الله (علیه السلام) فِی کَفَّارَةِ الْیمِینِ «یطْعِمُ عَشَرَةَ مَسَاکِینَ لِکُلِ مِسْکِینٍ مُدٌّ مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ مُدٌّ مِنْ دَقِیقٍ وَ حَفْنَةٌ أَوْ کِسْوَتُهُمْ لِکُلِّ إِنْسَانٍ ثَوْبَانِ أَوْ عِتْقُ رَقَبَةٍ وَ هُوَ فِی ذَلِکَ بِالْخِیارِ أَی ذَلِکَ شَاءَ صَنَعَ فَإِنْ لَمْ یقْدِرْ عَلَی وَاحِدَةٍ مِنَ الثَّلَاثِ فَالصِّیامُ عَلَیهِ ثَلَاثَةُ أَیامٍ».((2))
ص: 342
إن کان متعلق الوجوب هو عنوان « أحدهما » أو « أحدها » فیکون التخییر بین مصادیقها تخییراً عقلیاً حیث إنّه قد یتعلق الوجوب بالطبیعة المتأصلة کما فی الواجب التعیینی فالتخییر بین أفرادها عقلی و قد یتعلق بالطبیعة المنتزعة کما یفسر السید المحقق الخوئی (قدس سره) الواجب التخییری بذلک فعلی هذا لابدّ أن یکون التخییر بین أفراد الطبیعة المنتزعة أیضاً عقلیاً فإنّ المنتزِع هو الشارع أما التخییر فعقلی.
فتحصل من ذلک أنّ المختار هو ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) .
ص: 343
بیان صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)) لإمکان التخییر بین الأقل و الأکثر:
«هل یمکن التخییر عقلاً أو شرعاً بین الأقل و الأکثر أو لا؟ ربما یقال بأنّه محال... لکنه لیس کذلک فإنّه إذا فرض أنّ المحصل للغرض فی ما إذا وجد الأکثر هو الأکثر لا الأقل الذی فی ضمنه بمعنی أن یکون لجمیع أجزائه حینئذ دخل فی حصوله و إن کان الأقل لو لم یکن فی ضمنه کان وافیاً به أیضاً فلامحیص عن التخییر بینهما.»
فإنّ الأقل حینئذ أُخذ بشرط لا فیکون وافیاً بالغرض و أما الأقل الذی فی ضمن الأکثر و جزءٌ للأکثر فهو مأخوذ لابشرط و لایکون وافیاً بالغرض فالتخییر بین الأقل بشرط لا و الاکثر ممکن
«و بالجملة إذا کان کل واحد من الأقل و الأکثر بحده مما یترتب علیه الغرض فلا محالة یکون الواجب هو الجامع بینهما و کان التخییر بینهما عقلیاً إن کان هناک غرض واحد، و تخییراً شرعیاً فی ما کان هناک غرضان.»
((2))
«إنّ الأقل إن کان مأخوذاً بشرط لا فالتخییر بینه و بین الأکثر و إن کان أمراً معقولاً إلا أنّه بحسب الواقع داخل فی کبری التخییر بین المتباینین لا الأقل و
ص: 344
الأکثر کما عرفت، و إن کان مأخوذاً لابشرط فلایعقل التخییر بینه و بین الأکثر ضرورة أنّه بمجرد تحقق الأقل و لو فی ضمن الأکثر یحصل الغرض و معه لایبقی مجال للإتیان بالأکثر أصلاً فإذن جعله فی أحد طرفی التخییر یصبح لغواً محضاً فلایصدر من الحکیم ...
و من هنا یظهر أنّ التخییر بین القصر و التمام فی الأمکنة الأربعة لیس تخییراً بین الأقل و الأکثر واقعاً و حقیقةً [فإنّهما متباینان] ... و أما التسبیحات الأربع فالمستفاد من الروایات هو وجوب إحداها لا جمیعها فإذن لایعقل التخییر بین الواحدة و الثلاث ... نعم الإتیان بها [أی بالبقیة] مستحب.»
ص: 345
ص: 346
ص: 347
ص: 348
الواجب الکفائی
اختلف کلمات الأعلام فی حقیقة الواجب الکفائی کما اختلفت فی الواجب التخییری و قبل الورود فی البحث ینبغی ترسیم مقدمة فی المقام لتصویر الوجوب الکفائی کما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((1)) و أوضحه المحقق الخوئی (قدس سره) مع بسط فیها فقال: ((2))
«لایخفی أنّ الأمر الوارد من قبل الشرع کما أنّه بحاجة إلی المتعلق کذلک بحاجة إلی الموضوع ... و لا فرق فی ذلک بین وجهة نظر و وجهة نظر آخر فإنّ حقیقة الأمر سواء أکانت عبارة عن الإرادة التشریعیة أم کانت عبارة عن الطلب
ص: 349
الإنشائی کما هو المشهور أم کانت عبارة عن البعث و التحریک کما عن جماعة أم کانت عبارة عن الأمر الاعتباری النفسانی المبرز فی الخارج بمبرز ما من صیغة الأمر أو نحوها کما هو المختار عندنا علی جمیع هذه التقادیر بحاجة إلی الموضوع کحاجته إلی المتعلق.
أما علی الأول [أی الإرادة التشریعیة] فواضح و ذلک لأنّ الإرادة لاتوجد فی أُفق النفس بدون المتعلق [و هو «المراد منه»] لأنّها من الصفات الحقیقیة ذات الإضافة فلایعقل أن توجد بدونه فالمتعلق إذا کان فعل نفسه ... و إن کان فعل غیره فلا محالة یکون المراد منه ذلک الغیر بمعنی أنّ المولی أراد صدور هذا الفعل منه فی الخارج.
و أما الثانی [أی الطلب الإنشائی] فأیضاً کذلک ضرورة أنّ الطلب کما لایمکن وجوده بدون المطلوب کذلک لایمکن وجوده بدون المطلوب منه...
و أما علی الثالث [أی البعث] فلأنّ البعث نحو شیء لایمکن أن یوجد بدون بعث أحد نحوه [أی الشیء] و التحریک نحو فعل لایمکن أن یتحقق بدون متحرک ضرورة أنّ التحریک لابدّ فیه من محرِّک و متحرک و ما إلیه الحرکة [و ما منه الحرکة] من دون فرق فی ذلک بین أن تکون الحرکة حرکة خارجیة و أن تکون اعتباریة کما هو واضح [فوجود المتحرک لازم].
و أما علی الرابع [أی الأمر الاعتباری النفسانی المبرز فی الخارج] فأیضاً الأمر کذلک لما عرفت من أنّ معنی الأمر هو اعتبار الفعل علی ذمة المکلف ... و من المعلوم أنّه کما لایمکن أن یتحقق فی الخارج بدون متعلق کذلک لایمکن أن یتحقق بدون فرض وجود المکلف فیه کما هو واضح.»
و بعد تمامیة هذه المقدمة لابدّ من ذکر أنظار الأعلام فنقول: فی حقیقته آراء نذکر منها نظریات ست:
ص: 350
و هی ستّ:
أورد علیه بوجوه((1))منها «أنّ هذا خلاف ظواهر الأدلة فإنّ الظاهر منها هو أنّ التکلیف متوجه إلی طبیعی المکلف لا إلی فرد واحد منه معین فی علم الله کما هو واضح.»
إنّ الأمر فی الواجب الکفائی متوجه إلی کل واحد من المکلفین و لکنه مشروط بعدم إتیان مکلف آخر بذلک الفعل الذی هو المتعلق و ذلک لوحدة الغرض؛ فالوجوب الکفائی یرجع إلی الوجوب المشروط.
إنّ لازم هذا القول عدم تحقق الامتثال فی ما إذا قام جمیع المکلفین بإتیان الفعل دفعةً لأنّ الوجوب مشروط بعدم إتیان الآخر بالفعل و هذا الشرط مفقود فی فرض إتیان الجمیع بالمتعلق دفعةً فالوجوب منتفٍ بانتفاء الشرط.
ص: 351
((1))
«أما الواحد المردد فقد عرفت سابقاً [فی بحث الواجب التخییری] استحالته من حیث نفسه حیث لا ثبوت له ماهیةً و هویةً، ذاتاً و حقیقةً و من حیث لازمه حیث إنّ المردد لایتحد مع المعین و إلا لزم إما تعین المردد أو تردد المعین و کلاهما خلف.»
إنّ الوجوب الکفائی یتوجه إلی مجموع المکلفین فالموضوع للتکلیف هو العام المجموعی فی قبال العام الاستغراقی.
((2))
«أما تعلق الحکم بمجموع أشخاص مع أنّه لجعل الداعی فهو غیر معقول إذ لیس مجموع الأشخاص شخصاً ینقدح الداعی فی نفسه بل لابدّ من انقداح الداعی فی نفس کل واحد، و هو مع شخصیة البعث محال فلابدّ من تعدده فیؤول الأمر إلی تعلق أفراد من طبیعی البعث بأفراد من عنوان المکلف ...»
ص: 352
«إنّ الواجب الکفائی یحصل بفعل البعض ویسقط عن الباقین فلا معنی لأمر المجموع الذی لازمه عدم حصول الامتثال بترک البعض [لانتفاء المجموع بانتفاء بعض أفراده]»
بیان المحقق الخراسانی (قدس سره) :((1)) « التحقیق أنّه [أی الوجوب الکفائی] سنخ من الوجوب و له تعلق بکل واحد [من المکلفین أی إلی جمیعهم] بحیث لو أخل بامتثاله الکل لعوقبوا علی مخالفته جمیعاً - و إن سقط عنهم لو أتی به بعضهم – و ذلک لأنّه قضیة ما إذا کان هناک غرض واحد حصل بفعل واحد صادر عن الکل أو البعض کما أنّ الظاهر هو امتثالُ الجمیع لو أتوا به دفعةً و استحقاقُهم للمثوبة و سقوطُ الغرض بفعل الکل کما هو قضیة توارد العلل المتعددة علی معلول واحد.»
((2))
«هذا إنّما یتم بالنسبة إلی الفعل الواحد الشخصی القائم بجماعة کما إذا اشترکوا فی تغسیل المیت و تکفینه و دفنه لا فی ما إذا صلوا علیه دفعةً فإنّ هناک وجودات من الفعل و من الغرض المترتب علیه إلا أنّ اللازم تحصیله وجود واحد من الغرض؛ و حیث إنّه لا مخصص لأحد وجودات الفعل و الغرض
ص: 353
فلایستقر الامتثال علی وجود خاص منها و معنی استقراره علی الجمیع سقوط الأمر و الغرض الباعث علیه قهراً بفعل الجمیع؛ و لا علیة لوجود الفعل و الغرض بالإضافة إلی سقوط الأمر و الداعی حتی ینتهی الأمر إلی توارد العلل المتعددة علی معلول واحد بل بقاء الأمر ببقاء الداعی الباقی ببقاء عدم وجود الغایة الداعیة فی الخارج علی حاله؛ فإذا انقلب العدم إلی الوجود [و حصل وجود الغایة] سقط الداعی - أعنی تصور الغایة - عن الدعوة لتمامیة اقتضائه لا لعلیة وجودها [أی الغایة] خارجاً لعدم وجودها بصفة الدعوة بداهة أنّ ما کان علة لوجود شیء لایکون ذلک الوجود علة لعدمه [أی لعدم علته] و إلا کان الشیء علة لعدم نفسه ... و لایخفی أنّ الأمر و إن کان شرطاً لتحقق الإطاعة و العصیان بعنوانهما و لا بأس بأن یکون المشروط موجباً لانعدام شرطه إلا أنّ الکلام فی علیة ذات الفعل لسقوط الأمر الذی هو علة بوجوده العلمی لذات الفعل بالواسطة فتدبر جیداً.»
هنا بیانان:
((1))
«توضیح الحال فیه یحتاج إلی بیان مقدمة و هی أنّ الغرض من المأمور به تارةً یترتب علی صرف وجود الطبیعة و أُخری علی مطلق وجودها الساری؛ و الأول منهما یستتبع حکماً واحداً متعلقاً بصرف وجود الطبیعة فیکتفی فی امتثاله بالإتیان بفرد واحد و هذا بخلاف الثانی فإنّ الحکم فی مورده ینحل و یتعدد
ص: 354
بتعدد أفراد تلک الطبیعة و لایجتزأ فی مقام الامتثال بإیجاد فرد منها ...
إذا عرفت ذلک فاعلم أنّ الغرض من المأمور به کما أنّه یختلف باعتبار ترتبه علی صرف الوجود أو علی مطلق الوجود، کذلک یختلف بالإضافة إلی المکلف فتارةً یترتب الغرض علی صدور الفعل من صرف وجود المکلف و أُخری یترتب علی صدوره من مطلق وجوده؛ و علی الثانی فالوجوب یکون عینیاً لایسقط بفعل أحدهم عن الباقین بخلاف الأول إذ المفروض فیه أنّ موضوع التکلیف هو صرف وجود المکلف، فبامتثال أحد المکلفین یتحقق الفعل من صرف وجود الطبیعة فیسقط الغرض فلایبقی مجال لامتثال الباقین
و منه ظهر أنّه لو حصل الفعل من الجمیع فی عرض واحد لاستحق کل واحد منهم ثواب امتثال ذلک الأمر - کما لو کان منفرداً به - لصدق صرف الوجود علیه کما أنّه عند مخالفة الجمیع یستحق کل واحد منهم العقاب لتحقق مناطه فیه؛ و هذا الوجه الذی ذکرنا هو التحقیق فی تصویر الواجب الکفائی.»
((1))
«إنّ صرف الوجود بمعناه المصطلح علیه فی المعقول لامطابق له إلا الواجب تعالی و فعله الإطلاقی حیث إنّه لاحد عدمی لهما و إن کان الثانی محدوداً بحد الإمکان.
ص: 355
و بمعناه المصطلح علیه فی الأُصول [یحتمل فیه وجوه:] إما أن یراد منه ناقض العدم المطلق و ناقض العدم الکلی کما فی لسان بعض أجلة العصر((1)) [أی المحقق الحائری (قدس سره) فی درر الأُصول] و إما أن یراد المبهم المهمل من حیث الخصوصیات و إما أن یراد منه اللابشرط القسمی ...
فإن أُرید منه ناقض العدم المطلق و العدم الکلی ففیه أنّ کل وجود ناقض عدمه البدیل له، و لیس شیء من موجودات العالم ناقض کل عدم یفرض فی طبیعته المضاف إلیها الوجود.
و إرجاعه إلی «أول الوجودات» باعتبار أنّ عدمه یلازم بقاء سائر الأعدام علی حاله، فوجوده ناقض للعدم الأزلی المطلق لا کل عدم فهو لایستحق إطلاق الصرف علیه، فإنّه وجود خاص من الطبیعة بخصوصیة الأولیة، مع أنّه غیر لائق بالمقام فإنّه من المعقول إرادة أول وجود من الفعل و لاتصح إرادته من أول وجود من عنوان المکلف فإنّ مقتضاه انطباقه علی أسنّ المکلفین.
ص: 356
کما لایصح إرجاعه إلی أول من قام بالفعل((1))فإنّ موضوع التکلیف لابدّ من أن یکون مفروض الثبوت و لایطلب تحصیله، فمقتضاه فرض حصول الفعل لا طلب تحصیله.
و إن أُرید المبهم المهمل فلا إهمال فی الواقعیات و قد مر وجهه مراراً.
و إن أُرید اللابشرط القسمی- و هی الماهیة الملحوظة بحیث لاتکون مقترنةً بخصوصیة و لا مقترنةً بعدمها و مع لحاظ المکلف بهذا الاعتبار الإطلاقی فیستحیل شخصیة الحکم و البعث إذ لایعقل شخصیة الحکم و نوعیة الموضوع و سعته - فلابدّ من انحلال الحکم حسب انطباقات الموضوع المطلق علی مطابقاته و مصادیقه ...»
((2))
المحقق الخوئی (قدس سره) فسر صرف الوجود بالواحد لا بعینه((3)) و قال:
« لا مانع من أن یأمر الشارع المکلفین بإیجاد فعل فی الخارج ... من دون أن یتعلق غرضه بصدوره عن خصوص واحد منهم بل المطلوب وجوده فی الخارج من أی واحد منهم کان فإنّ نسبة ذلک الغرض الواحد إلی کل من المکلفین علی السویة فعندئذ تخصیص الواحد المعین منهم بتحصیل ذلک الغرض خارجاً بلامخصص و مرجح، و تخصیص المجموع منهم بتحصیل ذلک مع أنّه
ص: 357
بلامقتض و موجبٍ باطلٌ بالضرورة کما عرفت، و تخصیص الجمیع بذلک علی نحو العموم الاستغراقی أیضاً بلامقتض و موجب إذ بعد کون الغرض واحداً یحصل بفعل واحد منهم فوجوب تحصیله علی الجمیع لا محالة یکون بلامقتض و سبب؛ فإذن یتعین وجوبه علی الواحد لا بعینه المعبر عنه بصرف الوجود و یترتب علی ذلک أنّه لو أتی به بعض فقد حصل الغرض لا محالة و سقط الأمر لفرض أنّ صرف الوجود یتحقق بأول الوجود و لو أتی به جمیعهم.»
إنّ ما أفاده (قدس سره) لایناسب مقام الإثبات حیث إنّ عنوان أحدهما لیس مأخوذاً فی الأدلة و إلیک بعض روایات الباب:
مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِی وَلَّادٍ وَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ جَمِیعاً عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِِ (علیه السلام) قَالَ: «ینْبَغِی لِأَوْلِیاءِ الْمَیتِ مِنْکُمْ أَنْ یؤْذِنُوا إِخْوَانَ الْمَیتِ بِمَوْتِهِ فَیشْهَدُونَ جِنَازَتَهُ وَ یصَلُّونَ عَلَیهِ وَ یسْتَغْفِرُونَ لَهُ فَیکْتَبُ لَهُمُ الْأَجْرُ وَ یکْتَبُ لِلْمَیتِ الِاسْتِغْفَارُ...» ((1))
ص: 358
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْیرِی فِی قُرْبِ الْإِسْنَادِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ طَرِیفٍ عَنِ الْحُسَینِ بْنِ عُلْوَانَ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِیهِ (علیهما السلام) أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صلی الله علیه و آله) صَلَّی عَلَی جِنَازَةٍ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا جَاءَ قَوْمٌ لَمْ یکُونُوا أَدْرَکُوهَا فَکَلَّمُوا رَسُولَ اللَهِ (صلی الله علیه و آله) أَنْ یعِیدَ الصَّلَاةَ عَلَیهَا فَقَالَ لَهُمْ «قَدْ قَضَیتُ الصَّلَاةَ عَلَیهَا وَ لَکِنِ ادْعُوا لَهَا». ((1))
عنه [أی عَلِی بْنُ الْحُسَینِ] عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَی الْخَشَّابِ عَنْ غِیاثِ بْنِ کَلُّوبٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ (صلی الله علیه و آله) صَلَّی عَلَی جِنَازَةٍ فَلَمَّا فَرَغَ جَاءَ قَوْمٌ فَقَالُوا: فَاتَتْنَا الصَّلَاةُ عَلَیهَا فَقَالَ: «إِنَّ الْجِنَازَةَ لَا یصَلَّی عَلَیهَا مَرَّتَینِ ادْعُوا لَهَا وَ قُولُوا خَیراً».((2))
مُحَمَّدُ بْنُ یعْقُوبَ عَنْ عَلِی بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ أَبِیهِ عَنْ یحْیی بْنِ زَکَرِیا عَنْ أَبِیهِ
ص: 359
زَکَرِیا بْنِ مُوسَی عَنِ الْیسَعِ بْنِ عَبْدِ اللَهِ الْقُمِّی قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) عَنِ الرَّجُلِ یصَلِّی عَلَی جِنَازَةٍ وَحْدَهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قُلْتُ: فَاثْنَانِ یصَلِّیانِ عَلَیهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ وَ لَکِنْ یقُومُ الْآخَرُ خَلْفَ الْآخَرِ وَ لَا یقُومُ بِجَنْبِهِ».((1))
عنه [أی سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَهِ] عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِی بْنِ فَضَّالٍ عَنْ أَبِی هَمَّامٍ إِسْمَاعِیلَ بْنِ هَمَّامٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِیدٍ عَنْ((2)) غَزْوَانَ((3)) السَّکُونِی عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِیهِ عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلی الله علیه و آله) : «صَلُّوا عَلَی الْمَرْجُومِ مِنْ أُمَّتِی وَ عَلَی الْقَتَّالِ نَفْسَهُ مِنْ أُمَّتِی لَا تَدَعُوا أَحَداً مِنْ أُمَّتِی بِلَا صَلَاةٍ».((4))
ص: 360
فیه أُمور ثلاثة
الأمر الأول: فی تصویر الواجب الموسّع و المضیق
الأمر الثانی: تبعیة القضاء للأداء
الأمر الثالث: جریان الاستصحاب إذا شک المکلف بعد الوقت فی إتیان المأمور به فی وقته
ص: 361
ص: 362
الواجب الموسع و المضیق
إنّ الواجب إمّا موقّت و إمّا غیر موقّت و الواجب الموقّت إما یکون وقته أزید من زمان فعله کالصلوات الیومیة و إما یکون وقته بقدر إتیان فعله بحیث ینطبق کل جزء من الفعل علی کل جزء من الزمان کصوم شهر رمضان.
نقل عن بعض الأعلام المتقدّمین، أنّهم ذهبوا إلی عدم إمکانه، لأنّ القول به یستلزم جواز ترک الواجب فی أول وقته مع أنّ ترک الواجب غیر جائز.((1))
ص: 363
((1))
«... غیر خفی ما فیه من المغالطة لأنّ الواجب هو الجامع بین المبدء و المنتهی المعرّی عنه جمیع خصوصیات الأفراد من العرضیة و الطولیة و الواجب علی المکلف هو الإتیان بهذا الجامع بین هذین الحدین لا فی کل آن و وقت لیکون ترکه فی أول الوقت ترکاً للواجب و لو أتی به فی آخر الوقت بل ترکه فیه ترک
ص: 364
لفرده و هو لیس بواجب علی الفرض و لذا لو ترک المکلف الصلاة فی أول الوقت و أتی بها فی آخر الوقت فلایقال: إنّه ترک الواجب.»
((1))
و هو «بدعوی أنّ الانبعاث لابدّ و أن یتأخر عن البعث و لو آناًما و علیه فلابدّ من فرض زمان یسع البعث و الانبعاث معاً أعنی الوجوب و فعل الواجب و لازم ذلک هو زیادة زمان الوجوب علی زمان الواجب. مثلاً إذا فرض تحقق وجوب الصوم حین الفجر فلابدّ و أن یتأخر الانبعاث عنه آناًما و هو خلاف المطلوب ضرورة أنّ لازم ذلک هو خلوّ بعض الآنات من الواجب، و إذا فرض تحقق وجوب الصوم قبل الفجر یلزم تقدم المشروط علی الشرط و هو محال و علیه فلابدّ من الالتزام بعدم اشتراطه بدخول الفجر لئلّایلزم تقدم المعلول علی علته و لازم ذلک هو عدم إمکان وجود الواجب المضیق.»
«إنّ الملاک فی کون الواجب مضیقاً هو ما کان الزمان المحدد له وقتاً مساویاً لزمان الإتیان بالواجب بحیث یقع کل جزء منه فی جزء من ذلک الزمان بلازیادة و نقیصة، و أما کون زمان الوجوب أوسع من زمان الواجب أو مساویاً له فهو أجنبی عما هو الملاک فی کون الواجب مضیقاً
و من هنا لا شبهة فی تصویر الواجب المضیق و الموسع علی القول بالواجب
ص: 365
المعلق مع أنّ زمان الوجوب فیه أوسع من زمان الواجب و لن یتوهم أحد و لایتوهم أنّه لایتصور المضیق علی هذه النظریة کما هو واضح.»
«إنّ تأخر الانبعاث عن البعث لیس بالزمان لیلزم المحذور المزبور بل هو بالرتبة کما لایخفی.
نعم العلم بالحکم و إن کان غالباً متقدماً علی حدوثه أی حدوث الحکم زماناً إلا أنّه لیس ممّا لابدّ منه، بداهة أنّ توقف الانبعاث عند تحقق موضوع البعث - کالفجر فی المثال المزبور [أی الصوم] مثلاً - علی العلم به أی بالبعث رتبی و لیس زمانیاً کما هو واضح کتقدم العلم بالموضوع علی العلم بالحکم.»
ص: 366
و فیه مطالب أربعة:
اختلف الأعلام فی أنّ القضاء تابع للأداء أو هو بأمر جدید؟ و بعبارة أُخری: إنّ الأمر بالشیء فی الوقت المعین هل یدل علی وجوب إتیانه فی خارج الوقت أو إنّ وجوب القضاء یحتاج إلی أمر جدید؟
و هنا أقوال أربعة: (1)
القول الأول: إنّ الأمر الأول یدل علی وجوب متعلقه مطلقاً.
ص: 367
القول الثانی: عدم دلالة الأمر الأول علی وجوب متعلقه خارجَ الوقت.
القول الثالث: التفصیل بین کون الدلالة علی التقیید بالزمان بالقرینة المتصلة أو المنفصلة.
القول الرابع: التفصیل بین ما إذا کان دلیل أصل الوجوب مطلقاً و الدلیل علی تقییده بالوقت قرینة منفصلة مجملة فحینئذ یدل علی وجوب القضاء و غیره فلایدل (اختاره صاحب الکفایة و المحقق الخوئی (قدس سرهما) و بعض الأساطین (دام ظله) ).
ص: 368
((1))
«إنّه لا فرق فی ما نحن فیه بین القرینة المتصلة و المنفصلة بیان ذلک أنّ القرینة المتصلة کما هی تدل علی التقیید و علی کون مراد المولی هو المقید بهذا الزمان، کذلک القرینة المنفصلة فإنّها [أیضاً] تدل علی تقیید إطلاق دلیل المأمور به و کون المراد هو المقید من الأول فلا فرق بینهما من هذه الناحیة أصلاً. نعم فرق بینهما من ناحیة أُخری و هی أنّ القرینة المتصلة مانعة عن ظهور الدلیل فی الإطلاق و معها لاینعقد له ظهور و القرینة المنفصلة مانعة عن حجیة ظهوره فی الإطلاق دون أصله [و علی أی حال لایجوز التمسک بالإطلاق سواء کانت القرینة متصلة أم منفصلة] ...»
((2))
إنّ دلیل التقیید بالوقت إن کان متصلاً بدلیل أصل الوجوب فلا دلالة لدلیل الوجوب علی لزوم الإتیان بالمتعلق فی خارج الوقت لأنّ دلیل التقیید بالوقت یوجب تقیید الوجوب بالحصة الواقعة فی هذا الزمان فی ما إذا کان مبیناً، و أما إذا
ص: 369
کان مجملاً فیسری إجماله إلی دلیل أصل الوجوب لاتصاله به
و أما إن کان دلیل التقیید بالوقت منفصلاً عن دلیل أصل الوجوب فهناک صور أربع:
الصورة
الأُولی: أن یکونا مجملین فلا دلالة لدلیل الوجوب علی لزوم الإتیان بالمتعلق خارج الوقت.
الصورة الثانیة: أن یکونا مطلقین فیکون دلیل التقیید بالوقت مقیداً لإطلاق دلیل الوجوب فلا دلالة له علی القضاء خارج الوقت.
الصورة الثالثة: أن یکون دلیل الوجوب مجملاً و دلیل التقیید بالوقت معیناً و حینئذ لا دلالة له علی لزوم الفعل خارج الوقت.
الصورة الرابعة: أن یکون دلیل الوجوب مطلقاً و دلیل التقیید مجملاً فحینئذ مقتضی إطلاق دلیل أصل الوجوب هو ثبوت الوجوب بعد انقضاء الوقت و کون التقیید بالوقت بحسب تمام المطلوب لا أصله.
و صاحب الکفایة (قدس سره) یقول بعدم دلالة دلیل الوجوب علی ثبوت الوجوب خارج الوقت إلا فی الصورة الرابعة.
إنّ ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) و إن کان صحیحاً ثبوتاً إلا أنّه لایتم بحسب مقام الإثبات لأنّ الارتکازات العرفیة و العقلائیة تقتضی تقیید دلیل الوجوب؛
ص: 370
و التمسک بإطلاق دلیل الوجوب متفرع علی الشک فی بقائه و لکن العقلاء لایشکون فی عدم بقاء إطلاق دلیل الوجوب.
نعم بناءً علی أنّ ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) فی الصورة الرابعة مجرد فرض یمکن وقوعها، لا خلاف فی البین.
ص: 371
فیه وجهان:
إذا علمنا بالوجوب المقید بالوقت و شککنا فی ثبوته خارج الوقت فهل تجری البراءة بالنسبة إلی الوجوب خارج الوقت أو یستصحب نفس الوجوب لأنّ الوجوب قبل خروج الوقت متیقن فنشک فی بقائه بعد الوقت فنستصحبه؟
المشکوکة((1)) للشک فی تبدل الموضوع لأنّ المتیقن هو الوجوب المقید بالوقت و المشکوک هو الوجوب خارج الوقت.
و له بیانان:
إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) بعد أن وافق القوم فی عدم جریان الاستصحاب فی نهایة الدرایة قال بإمکان استصحاب شخص الحکم و کلی الحکم فی هامش نهایة الدرایة.((2))
ص: 373
((1))
«یمکن أن یقال: أما استصحاب شخص الحکم مع فرض تعلقه بالموقت فیصح لأنّ الموضوع و إن کان بحسب الدلیل بل بحکم العقل هو الموقت بما هو موقت إلا أنّ العبرة فی الموضوع إنّما هو بنظر العرف، و العرف یری أنّ الموضوع هو الفعل و أنّ الوقت من حالاته لا من مقوماته، و لا قطع بخطأ نظر العرف إلا بلحاظ حال الاختیار دون العذر و إلا لم یکن معنی للشک و التکلم فی استصحاب الحکم.
مضافاً إلی ما مر مراراً من أنّ الخصوصیة المأخوذة فی الواجب تارةً تکون مقومة للمقتضی بحیث یکون الخاص واجباً و أُخری تکون دخیلة فی فعلیة الغرض و مثلها یکون شرطاً للواجب؛ فعلی الأول یکون المقید بما هو [مقید] واجباً نفسیاً و علی الثانی یکون الواجب النفسی مقیداً فمعروض الوجوب النفسی حینئذ ذات الفعل و إنما قید الواجب بتلک الخصوصیة لدخلها فی الغرض، فیکون تحصیلها واجباً بوجوب مقدمی
و علیه نقول: إنّ خصوصیة الوقت ظاهراً کخصوصیة الطهارة و التستر و الاستقبال شرط للواجب لا إنّ المتخصص بها واجب؛ و حینئذ فمعروض
ص: 374
الوجوب علی فرض بقائه نفس الفعل فیستصحب للشک فی دخالة الخصوصیة مطلقاً.»
((1))
لابدّ فی الاستصحاب من وحدة الموضوع بین القضیة المتیقنة و المشکوکة و الموضوع فی القضیة المتیقنة هو الواجب الموقت لا ذات الواجب لأنّ الواجب إما مطلق بالنسبة إلی الوقت و إما مقید و إما مهمل.
أمّا الإهمال فی موضوع الحکم الشرعی فمستحیل و أما الإطلاق فخلاف الفرض أیضاً فالواجب مقید بالوقت و هو الموضوع فی القضیة المتیقنة و الموضوع فی القضیة المشکوکة هو ذات الواجب.
إنّ ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) مبنی علی أن یکون الوقت شرطاً للواجب و دخیلاً فی فعلیة الغرض فیکون تمام نظر العرف إلی ذات الفعل و یری الوقت من حالات الفعل و ما أفاده المستشکل (دام ظله) ناظر إلی تقیید الفعل بالوقت شرعاً و لا کلام فیه بل الکلام فی الموضوع عند العرف لا عند الشرع، و ملاک وحدة الموضوع فی الاستصحاب هو نظر العرف.
مع أنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) صرح بأنّ هذا النظر العرفی یکون بلحاظ حال العذر لا حال الاختیار.
ص: 375
((1))
قال (قدس سره) : «یمکن تصحیحه علی القسم الثانی من القسم الثالث بتقریب أنّ شخص الحکم له تعلق بالذات بالموقت و بالعرض بالفعل، فطبیعی الحکم له تعلق بالعرض بکل ما یتعلق به شخص الحکم ذاتاً و عرضاً و لازمه تعلق الحکم الکلی بالفعل الکلی بالعرض بواسطتین کما لایخفی.»
و ما أفاده (قدس سره) فی استصحاب کلی الحکم هو استدراک لما أفاده فی متن نهایة الدرایة حیث قال:((2)) « لایقال: إذا تعلق شخص الحکم بطبیعی الفعل - و لو بالتبع - فقد تعلق طبیعی الحکم المتحقق بتحقق شخصه أیضاً به».
فأجاب عنه بأنّ تبعیة طبیعی الحکم لشخصه تقتضی تعلقه بما تعلق به فرده و لیس هو إلا الموقت و لکن هنا صحح تعلق کلی الحکم بذات الفعل و ذلک مبنی علی جریان استصحاب القسم الثانی من القسم الثالث فمع القول بعدم جریانه لامجال لاستصحاب الکلی فی هذا المقام.
ص: 376
((1))
قال المحقق الخوئی (قدس سره) : « لابدّ من فرض الکلام فی ما نحن فیه أما مع قطع النظر عن جریانهما [قاعدة الحیلولة و قاعدة الفراغ] أو فی ما إذا لم تجریا کما إذا فرض أنّ شخصاً توضأ بمائع معین فصلی ثم بعد مضی الوقت حصل له الشک فی أنّ هذا المائع الذی توضأ به هل کان ماءً لیکون وضوءه صحیحاً أو لم یکن ماءً لیکون وضوءه فاسداً أو فرض أنّه صلی إلی جهة ثم بعد خروج الوقت شک فی أنّ القبلة هی الجهة التی صلی إلیها أو جهة أُخری و هکذا؛ ففی أمثال ذلک لایجری شیء منهما [أی قاعدة الحیلولة و قاعدة الفراغ] أما قاعدة الحیلولة فلأنّ موردها الشک فی أصل وجود العمل [أی إتیان الصلاة] فی الخارج و تحققه لا فی ما إذا کان الشک فی صحته و فساده بعد الفراغ عن أصل وجوده [و العلم بوقوع الصلاة قطعاً؛ فلاتجری فی ما نحن فیه]»
و أما قاعدة الفراغ فهی و إن کانت جاریة فی مورد الشک فی کیفیة إتیان الصلاة إلا أنّه ورد فی دلیل قاعدة الفراغ التعلیل بالأذکریة حین العمل؛ فإن قلنا بانحصار مورد قاعدة الفراغ فی مورد التعلیل فلاتجری فی ما نحن فیه لأنّ منشأ الشک فی المثالین لیس من موارد أذکریة المصلی حین العمل بل منشؤه الشک فی کون المائع ماءً أو کون الجهة قبلة.
فحینئذ إن قلنا بتبعیة القضاء للأداء فنشک فی فراغ الذمة عن عهدة الأمر الأول فیجری الاشتغال و لابدّ من قضاء الصلاة، و إن قلنا بأنّ القضاء بأمر جدید فنشک فی تعلق الأمر الجدید بوجوب القضاء فتجری أصالة البراءة.
ص: 377
إذا ثبت وجوب القضاء (مثل الصلاة) فشک المکلف فی خارج الوقت فی أنّه أتی بالمأمور به فی وقته أو لا فهل یمکن جریان استصحاب عدم الإتیان فیثبت به عنوان فوت الواجب فی وقته؟
و هذا مبنی علی أنّ الفوت أمر وجودی أو أمر عدمی؛ فإن کان أمراً وجودیاً فاستصحاب عدم الإتیان بالواجب فی وقته یکون بالنسبة إلیه أصلاً مثبتاً، و إن کان أمراً عدمیاً فاستصحاب عدم الإتیان یجری فیثبت عنوان الفوت.
((1))
قال (قدس سره) : «الصحیح هو أنّه [أی الفوت] عنوان وجودی و ذلک للمتفاهم العرفی ضرورة أنّه بنظرهم [أی العرف] لیس عین الترک بل هو بنظرهم عبارظ عن خلو الوقت عن الفعل و ذهاب الواجب من کیس المکلف ... [فلیس أمراً عدمیاً] فعلی هذا الضوء لایمکن إثباته بالاستصحاب المزبور و لا أثر له بالإضافة إلیه أصلاً و علیه فیرجع إلی أصالة البراءة.»
ثانیاً:((1)) إنّ موضوع وجوب القضاء فی الأدلة الشرعیة لاینحصر فی عنوان الفوت بل الموضوع قد یکون عنوان ترک الواجب و أُخری عنوان نسیانه و ثالثة عنوان عدم الإتیان فیجری الاستصحاب بالنسبة إلیها؛ و إلیک بعض النصوص:
مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَینِ [بْنِ سَعِیدٍ] عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَینَةَ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ (علیه السلام) أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ صَلَّی بِغَیرِ طَهُورٍ أَوْ نَسِی صَلَوَاتٍ لَمْ یصَلِّهَا أَوْ نَامَ عَنْهَا فَقَالَ: «یقْضِیهَا إِذَا ذَکَرَهَا فِی أَی سَاعَةٍ ذَکَرَهَا مِنْ لَیلٍ أَوْ نَهَارٍ» الْحَدِیثَ.((2))
ص: 379
مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ النَّضْرِ [بن سوید] عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سِنَانٍ وَ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَینِ بْنِ سَعِیدٍ عَنْ فَضَالَةَ عَنِ ابْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) قَالَ: «کُلُّ مَا ((1)) تَرَکْتَهُ مِنْ صَلَاتِکَ لِمَرَضٍ أُغْمِی عَلَیکَ فِیهِ فَاقْضِهِ إِذَا أَفَقْتَ».((2))
ص: 380
و فیه بحثان
البحث الأول: هل یکون الأمرُ بالأمر بشیء أمراً بذلک الشیء
البحث الثانی:شرعیة عبادات الصبی
ص: 381
ص: 382
الأمرُ بالأمر بشیء
اختلفت کلمات الأعلام فی أنّ الأمر بالأمر بشیء، أمر بنفس ذاک الأمر الثانی أو أمر بالشیء الذی تعلق الأمر الثانی به أو أمر بهما.
فهناک ثلاثة احتمالات و تظهر الثمرة بالنسبة إلی شرعیة عبادات الصبی حیث ورد فی الکافی:
مُحَمَّدُ بْنُ یعْقُوبَ عَنْ عَلِی بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیرٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنِ الْحَلَبِی عَنْ أَبِی عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِیهِ (علیهما السلام) قَالَ: «إِنَّا نَأْمُرُ صِبْیانَنَا بِالصَّلَاةِ إِذَا کَانُوا بَنِی خَمْسِ سِنِینَ فَمُرُوا صِبْیانَکُمْ بِالصَّلَاةِ إِذَا کَانُوا بَنِی سَبْعِ سِنِینَ».((1)) الْحَدِیثَ.
ص: 383
و هنا قولان مهمّان:
القول الأول: عن صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)) و بعض الأساطین:((2))
قال صاحب الکفایة (قدس سره) : «إنّه لا دلالة بمجرد الأمر بالأمر علی کونه أمراً به [أی بالشیء] و لابدّ فی الدلالة علیه من قرینة علیه.»
و قال بعض الأساطین (دام ظله) : «إنّ الظاهر من الأمر بالأمر بشیء هو أنّ متعلق الأمر الأول هو الأمر الثانی و مطلوبیة هذا الشیء الذی تعلق به الأمر الثانی تحتاج إلی قرینة تدل علیه.»
و التحقیق: یقتضی تمامیة هذا القول، لأنّ الظاهر من الأمر بالأمر هو تعلّق الأمر بنفس ذلک الأمر و أمّا ظهوره فی سرایة الأمر إلی نفس ذلک الشیء فیحتاج إلی قرینة فی مقام الإثبات.
((3))
إنّ المحقق العراقی (قدس سره) یری وجود کلا الاحتمالین فی مقام الثبوت: الاحتمال الأول هو أن یکون الأمر بنفس الأمر الثانی و الاحتمال الثانی هو أن یکون الأمر فی الحقیقة إلی الشیء الذی تعلق به الأمر الثانی.
ص: 384
و لکن بحسب مقام الإثبات قال:((1))
«کان الظاهر من نحو تلک القضایا و لو بملاحظة قضیة الارتکاز هو الثانی من کون الأمر بالأمر بشیء لمحض التوصل إلی الوجود لا من جهة مطلوبیة أمر الآمر الثانی نفسیاً و إن لم یترتب علیه الوجود فی الخارج.
و علی ذلک فلابأس باستفادة شرعیة عبادة الصبی مما ورد من أمر الأولیاء بأمر الصبیان بإتیان العبادات.»
و صرّح المحقق الخوئی (قدس سره) أیضاً بذلک فقال:((2))
«إنّه [أی الأمر بالأمر بفعل] بحسب مقام الثبوت و الواقع یتصور علی وجوه:
الأول: أن یکون غرض المولی قائماً بخصوص الأمر الثانی باعتبار أنّه فعل اختیاری للمکلف...
الثانی: أن یکون [الغرض] قائماً بالفعل الصادر من المأمور الثانی فیکون الأمر الثانی ملحوظاً علی نحو الطریقیة من دون أن یکون له دخل فی غرض المولی أصلاً و لذا لو صدر الفعل من المأمور الثانی من دون توسط أمر من المأمور الأول لحصل الغرض و لایتوقف حصوله علی صدور الأمر منه... فهذا القسم فی طرف النقیض مع القسم الأول فإنّ غرض المولی فی القسم الأول متعلق بالأمر الصادر من المأمور الأول دون الفعل الصادر من الثانی فیکون المأمور به هو الأمر فقط و فی هذا القسم متعلق بالفعل دون الأمر ... و هذا القسم [أی القسم الثانی] هو الغالب و المتعارف من الأمر بالأمر بشیء لا القسم الأول.
ص: 385
الثالث: أن یکون الغرض قائماً بهما معاً ... ».
ثم قال: «... إنّ الظاهر من الأمر بالأمر بشیء هو القسم الثانی دون القسم الأول و الثالث ضرورة أنّه المتفاهم من ذلک عرفاً ».
لم نجد فی إرتکاز العرف دلالةً للأمر بالأمر بالشیء، علی أمر المولی بذلک الشیء، کما أنّ الأغلبیة لا یوجب الحمل علی ذلک.
ص: 386
قال (قدس سره) ((1)) بعد إثبات أصل شرعیة عبادات الصبی بالأمر بالأمر به: « نعم هذا المقدار من الشرعیة أیضاً لایفی بإثبات وفاء المأتی به حال الصغر بمصلحة الواجب کی یلزمه الاجتزاء به عن فعل الواجب فی ما لو کان بلوغه بعد الفراغ عن العبادة أو فی أثنائها من جهة أنّ القدر الذی یستفاد من قضیة الأمر بالأمر إنّما هو کون فعلهم فی حال عدم البلوغ مشروعاً و واجداً للمصلحة و أما کون هذه المصلحة من سنخ تلک المصلحة الملزمة الثابتة فی حال البلوغ فلا؛ و من هذه الجهة أیضاً تشبث بعضهم للاجتزاء به و عدم وجوب الإعادة بعد البلوغ بإثبات المشروعیة من جهة نفس الخطابات الأولیة و حاصله إنّما هو دعوی شمول إطلاق الخطابات فی التکالیف مثل ”أقیموا الصلاة“ و نحوه للصبی الذی یبلغ بعد یوم أو نصف یوم أو ساعة، حیث إنّ دعوی انصرافها عن مثل هذا الصبی أیضاً کما تری بعیدة غایته، إذ لایکاد یفرق العرف فی شمول تلک الخطابات بین البالغ سنّه إلی خمس عشرة سنة کاملة و بین من نقص سنّه من ذلک بیوم أو نصف یوم أو ساعة واحدة بل کان العرف یری شمول تلک الخطابات لکل منهما و حینئذ فإذا شمل تلک الخطابات لمثل هذا الصبی یتعدی عنه بمقتضی عدم الفصل إلی من هو دون ذلک فی العمر إلی أن یبلغ فی طرف القلة إلی ست أو سبع سنین فیستفاد من ذلک حینئذ أنّ الصبی الممیز و المراهق کالبالغ ... من
ص: 387
حیث اشتمال عباداته علی المصالح الملزمة غایة الأمر بمقتضی دلیل رفع القلم یرفع الید عن جهة إلزام التکلیف ...»
((1))
«إنّ الأمر سواء أکان عبارةً عن الإرادة أو عن الطلب أو عن الوجوب أو عن الاعتبار النفسانی المبرز فی الخارج بمبرزما، بسیطٌ فی غایة البساطة؛ و علی هذا فمدلول هذه العمومات سواء أکان طلبَ هذه الأفعال أو وجوبها أو إرادتها أو اعتبارها فی ذمة المکلف، لا محالة یقید بغیر الصبی و المجنون و ما شاکلهما بمقتضی حدیث الرفع لفرض أنّ مفاد الحدیث هو عدم تشریع مدلول تلک العمومات للصبی و نحوه؛ فإذن کیف تکون هذه العمومات دالةً علی مشروعیة عبادته ...
و توهمُ أنّ الوجوب مرکب من طلب الفعل مع المنع من الترک و المرفوع بحدیث الرفع هو المنع من الترک لا أصل الطلب بل هو باق و علیه فتدل العمومات علی مشروعیتها خاطئٌ جدّاً و غیر مطالق للواقع قطعاً.
و الوجه فی ذلک:
أما أولاً فلأنّه... لا شبهة فی أنّه [أی الوجوب] أمر بسیط...
و أما ثانیاً: فلأنّه علی فرض تسلیم أنّ الوجوب مرکب من طلب الفعل مع المنع من الترک، مع ذلک لاتتم هذه النظریة و ذلک لأنّها ترتکز علی أن یبقی الجنس بعد ارتفاع الفصل و هو خلاف التحقیق بل لایعقل بقاءه بعد ارتفاعه کیف فإنّ الفصل مقوم له ...»
ص: 388
((1))
إنّ الأمر بالأمر بالشیء لیس أمراً بالشیء حتی یستفاد من ذلک شرعیة عبادات الصبی خلافاً للمحقق العراقی و المحقق الخوئی (قدس سرهما) .
لو سلمنا أنّ الأمر عرفاً ظاهر فی الطریقیة فیکون أمراً بالشیء و لکنه لایستفاد منه أزید من تعلق الغرض بهذا الشیء، أما هذا الغرض فلم یثبت أنّه هو الغرض الحاصل من عبادات البالغین کما صرح فی بعض روایات الباب أنّ الغرض هو التعوید (حَتَّی یتَعَوَّدُوا)((2)) فإثبات شرعیة عبادات الصبی مشکل.
ص: 389
ص: 390
ص: 391
ص: 392
الأمر بعد الأمر
إذا ورد الأمر بشیء بعد الأمر به قبل امتثاله فهذا الأمر الثانی تأسیسی أو تأکیدی؟
للمسألة صور:
الصورة
الأُولی: أن لایذکر سبب أصلاً مثل أن یقال: صلّ ثم یقال: صلّ
فإنّ مقتضی إطلاق المادة هو التأکید، لأنّ الطلب تأسیساً لایکاد یتعلق بطبیعة واحدة مرتین من دون أن یجیء تقیید لها فی البین و لو کان بمثل قولهم: «مرة أُخری» حتی یکون متعلق کل منهما غیر متعلق الآخر و إلا یلزم اجتماع المثلین لأنّ صرف الوجود لایتثنی و لایتکرر.
و مقتضی إطلاق الهیأة هو التأسیس فیوجب إتیان الفعل مکرراً لأنّ إنشاء الوجوب یقتضی التأسیس.
و اختار صاحب الکفایة و المحقق الخوئی (قدس سرهما) و الأُستاذ المحقق الوحید الخراسانی (دام ظله) تقدم مقتضی إطلاق المادة و حمل ذلک علی التأکید و الدلیل علی ذلک عند الأستاذ هو أنّ الأمر الثانی لمّا کان قبل امتثال الأمر الأوّل وحصول الغرض منه، فإنّ العرف یفهم منه التأکید للأمر الأوّل، و لا یراه صادراً بداعی
ص: 393
البعث، فکان هذا الفهم العرفی هو الوجه لحمل المادّة علی التأکید.
الصورة الثانیة: أن یذکر السبب لکلا الأمرین، مثل قوله: «إذا طلع الفجر فصلّ» و قوله: «إذا رأیت کسوف الشمس فصلّ»، فهنا لاشبهة فی لزوم تکرار الصلاة، لظهور السبب فی ذلک.
الصورة الثالثة: أن یذکر السبب لأحد الأمرین، مثل قوله: «صلّ» و قوله:«إذا رأیت کسوف الشمس فصلّ»، و القاعدة هنا أیضاً تکرار الصلاة، لأنّ الظاهر حمل الأمر الثانی علی لزوم إتیانه عند حصول السبب الخاصّ، دون الأمر الأول، فإنّه تکلیف آخر لا یرتبط بوجود السبب المذکور.
الصورة الرابعة: أن یذکر قید «مرّة أخری»، فهنا أیضاً لا شبهة فی لزوم إتیان الصلاة مرّة أخری لصراحة الدلیل.
ص: 394
فیه ثلاثة فصول
الفصل الأول: معنی صیغة النهی
الفصل الثانی: توجیه اقتضاء النهی لترک جمیع الأفراد
الفصل الثالث: سقوط النهی بالمعصیة
ص: 395
ص: 396
ص: 397
ص: 398
معنی صیغة النهی
إنّ المشهور عند قدماء الأُصولیین هو أنّ الأمر و النهی کلیهما یدلان علی الطلب، و الاختلاف بینهما من ناحیة المتعلق فمتعلق الأمر هو الفعل و متعلق النهی هو الترک علی قول و الکف علی قول آخر.
و لکن أکثر المتأخرین اعترضوا علیهم و قالوا: مدلول النهی یختلف عن مدلول الأمر ذاتاً فهما متغایران بحسب المدلول؛ و لکنهم اختلفوا فی تعیین مدلول النهی علی اتجاهات ثلاثة ﻓ:
هنا خمسة أقوال:
بعض الأصولیین من القدماء ذهبوا إلی أنّ النهی یدل علی طلب الکف عن الفعل و نسب ذلک إلی الفاضل الجواد (قدس سره) فی شرح الزبدة.
النائینی((1))و المحقق الروحانی ((2)) (قدس سرهم) ذهبوا إلی أنّ النهی یدل علی طلب الترک.
یلزم من ذلک إدخال معنی الترک أو الکف فی مدلول المادة أو الصیغة مع أنّ کلتیهما عاریتان عن معناهما، أما المادة فلاتدل إلا علی الطبیعة و أما الهیأة فمفادها المعنی الحرفی و معنی الترک أو الکف معنی اسمی فلایمکن أن تدل علیهما الهیأة.
إنّ الطلب علی ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ینتزع من الإرادة المظهرة فهو متأخر رتبةً عن إظهار الإرادة بالصیغة.((3))
ص: 400
((1))
إنّ الإنسان إذا رأی الفعل و فیه المصلحة یشتاق إلیه تکویناً و یتحرک بنفسه إلیه أو یبعث الغیر نحوه بأن یأمره إلیه، و هکذا إذا رأی الفعل و فیه المفسدة ینزجر عنه تکویناً و یجتنب عنه بنفسه أو یزجر غیره عنه بأن ینهاه عنه؛ فعلی هذا معنی الأمر و النهی هو البعث و الزجر (و یعبر عنهما بالفارسیة ﺑ : وا داشتن و بازداشتن) و الحق هو هذا القول لموافقته الوجدان و للتبادر.
إنّ النهی یدل علی الکراهة کما أنّ الأمر یدل علی الإرادة.
قال المحقق الحائری (قدس سره) :((2)) «و الذی أتعقل من الإنشائیات أنّها موضوعة لأن تحکی عن حقائق موجودة فی النفس، مثلاً هیأة افعل موضوعة لأن تحکی عن حقیقة الإرادة الموجودة فی النفس ...»
إنّ الإرادة من مبادئ الحکم فلایمکن أن تکون مدلولاً للأمر و قد نشیر إلی ذلک ببیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) قال:((3)) «سرّ هذا التأثیر و التأثر [تأثر القوة العاملة المنبثة فی العضلات من الشوق الحاصل من القوة الشوقیة] أنّ النفس فی
ص: 402
وحدتها کل القوی فهی مع وحدتها ذات منازل و درجات ففی مرتبة القوة العاقلة مثلاً تدرک فی الفعل فائدةً ...، و فی مرتبة القوة الشوقیة ینبعث لها شوق إلی ذلک الفعل فإذا لم یجد مزاحماً و مانعاً [أی فی مرتبة کمال الشوق و مرتبة الإرادة] یخرج ذلک الشوق [الذی کان ناقصاً فی المرتبة السابقة] من حد النقصان إلی حد الکمال ... [و یصیر إرادةً] فینبعث من هذا الشوق البالغ حد نصاب الباعثیة هیجان فی مرتبة القوة العاملة فیحصل منها حرکة فی مرتبة العضلات ...» هذا فی الإرادة التکوینیة.
«أما الإرادة التشریعیة فهی علی ما عرفت فی محله((1)) إرادة فعل الغیر منه اختیاراً و حیث إنّ المشتاق إلیه فعل الغیر الصادر باختیاره فلا محالة لیس بنفسه تحت اختیاره بل بالتسبب إلیه بجعل الداعی إلیه و هو البعث نحوه، فلا محالة ینبعث من الشوق إلی فعل الغیر اختیاراً الشوق إلی البعث نحوه فیتحرک القوة العاملة نحو تحریک العضلات بالبعث إلیه، فالشوق المتعلق بفعل الغیر إذا بلغ مبلغاً ینبعث منه الشوق نحو البعث الفعلی کان إرادة تشریعیة و إلا فلا.»((2))
هو مختار المحقق الخوئی (قدس سره) ((3))و بیان ذلک: «إنّه إذا حللنا الأمر المتعلق بشیء تحلیلاً موضوعیاً فلانعقل فیه ما عدا شیئین:
أحدهما اعتبار الشارع ذلک الشیء فی ذمة المکلف من جهة اشتماله علی
ص: 403
مصلحة ملزمة، و ثانیهما إبراز ذلک الأمر الاعتباری فی الخارج بمبرز کصیغة الأمر أو ما یشبهها ...
و نتیجة ما ذکرناه أمران:
الأول: أنّ صیغة الأمر و ما شاکلها موضوعة للدلالة علی إبراز الأمر الاعتباری النفسانی ...
الثانی: أنّها [أی صیغة الأمر] مصداق للبعث و الطلب لا أنّهما معناها ...
[و کذا نقول:] إنّا إذا حللنا النهی المتعلق بشیء تحلیلاً علمیاً لانعقل له معنی محصلاً ما عدا شیئین:
أحدهما: اعتبار الشارع کون المکلف محروماً عن ذلک الشیء باعتبار اشتماله علی مفسدة ملزمة و بعده عنه؛ ثانیهما: إبراز ذلک الأمر الاعتباری فی الخارج بمبرز کصیغة النهی أو ما یضاهیها.
و علیه فالصیغة [أی صیغة النهی] أو ما یشاکلها موضوعة للدلالة علی إبراز ذلک الأمر الاعتباری النفسانی لا للزجر و المنع. نعم هی مصداق لهما.
و من هنا یصح تفسیر النهی بالحرمة باعتبار دلالته علی حرمان المکلف عن الفعل فی الخارج کما أنّه یصح تفسیر الأمر بالوجوب بمعنی الثبوت باعتبار دلالته علی ثبوت الفعل علی ذمة المکلف بل هما معناهما لغةً و عرفاً ...
و علی ضوء بیاننا هذا قد ظهر أنّ الأمر و النهی مختلفان بحسب المعنی ... و متحدان بحسب المتعلق ... و الوجه فی ذلک واضح و هو أنّه بناءً علی وجهة نظر العدلیة من أنّ الأحکام الشرعیة تابعة للمصالح و المفاسد فی متعلقاتها فلا محالة یکون النهی کالأمر متعلقاً بالفعل، ضرورة أنّ النهی عن شیء ینشأ عن
ص: 404
مفسدة لزومیة فیه ... و لم ینشأ عن مصلحة کذلک [أی لزومیة] فی ترکه.»
((1))
إنّ الحرمان فی مورد النهی موجود عقلاً و لکنه لیس مدلولاً للنهی؛ و الدلیل علی ذلک هو أنّ الحرمان الاعتباری لاینسبق إلی الذهن من صیغة لاتفعل فلو کان هو مدلول صیغة النهی یلزم أن ینسبق إلی الذهن من صیغة لاتفعل کما أنّه ینسبق إلی الذهن من مادة الحرمان، مع أنّه لیس کذلک.
فیعلم من ذلک أنّ معنی الحرمان من لوازم معنی صیغة النهی و لیس عین معناها.
أنّ النهی یدل علی الزجر فالصحیح من الأقوال هو القول الثالث.
ص: 405
ص: 406
ص: 407
ص: 408
توجیه اقتضاء النهی لتر ک جمیع الأفراد
لا خلاف بینهم فی عدم الدلالة اللفظیة الوضعیة لصیغة النهی علی الدوام و التکرار و لکن نری أنّ الأمر إذا تعلق بطبیعة یکتفی بإتیان فرد واحد من أفراد الطبیعة بخلاف النهی فإنّه إذا تعلق بطبیعة فلابدّ من ترک جمیع أفراد الطبیعة المنهی عنها.
و فی توجیه ذلک نظریات أربع:
((1))
قال: إنّ ذلک لأجل اختلاف حکم العقل بین الأمر و النهی فإنّ مقتضی حکم العقل فی الأوامر هو سقوط الطلب بإیجاد فرد من الطبیعة لأنّ وجود الفرد وجود للطبیعة فمتی تحقق أول فرد للطبیعة حصل الغرض من الأمر فیسقط بامتثاله.
ص: 409
و أما مقتضی حکم العقل فی النواهی هو عدم سقوطه إلا بترک جمیع أفراد الطبیعة لأنّ عدم الطبیعة لایتحقق إلا بعدم جمیع الأفراد.
«و من ذلک یظهر أنّ الدوام و الاستمرار إنّما یکون فی النهی إذا کان متعلقه طبیعةً مطلقة غیر مقیدة بزمان أو حال فإنّه حینئذ لایکاد یکون مثل هذه الطبیعة معدومة إلا بعدم جمیع أفرادها الدفعیة [أی العرضیة] و التدریجیة [أی الطولیة]... » بخلاف ما إذا کان النهی تعلق بطبیعة مقیدة بزمان أو حال، فإنّ الاستمرار و الدوام یکون حینئذ مختصاً بهذا الزمان أو الحال.
((1))
«[إنّ] ما اشتهر من أنّ تحقق الطبیعة بتحقق فرد و انتفاءها بانتفاء جمیع أفرادها لا أصل له حیث لا مقابلة بین الطبیعة الملحوظة علی نحو تتحقق بتحقق فرد منها و الطبیعة الملحوظة علی نحو تنتفی بانتفاء جمیع أفرادها.»((2))
«[توضیح ذلک] أنّ الطبیعة توجد بوجودات متعددة و لکل وجود عدم هو بدیله و نقیضه، فقد یلاحظ الوجود مضافاً إلی الطبیعة المهملة التی کان النظر مقصوراً علی ذاتها و ذاتیاتها فیقابله إضافة العدم إلی مثلها و نتیجة المهملة جزئیة، فکما أنّ مثل هذه الطبیعة تحقق بوجود واحد کذلک عدم مثلها.
و قد یلاحظ الوجود مضافاً إلی الطبیعة بنحو الکثرة فلکل وجود منها عدم هو بدیله فهناک وجودات و أعدام و قد یلاحظ الوجود بنحو السعة - أی بنهج الوحدة فی الکثرة - بحیث لایشذ عنه وجود فیقابله عدم مثله و هو
ص: 410
ملاحظة العدم بنهج الوحدة فی الأعدام المتکثرة – أی طبیعی العدم - بحیث لایشذ عنه عدم.
و لایعقل أن یلاحظ الوجود المضاف إلی الماهیة علی نحو یتحقق بفردٍما و یکون عدمه البدیل له بحیث لایکون إلا بعدم الماهیة بجمیع أفرادها.»((1))
((2))
«بکلمة واضحة: الوجود قد یضاف إلی الطبیعة المهملة... و قد یضاف إلی الطبیعة المطلقة الساریة إلی أفرادها و مصادیقها فی الخارج و قد یضاف إلی الطبیعة بنحو السعة و الإحاطة و الوحدة فی الکثرة.»
«أما الصورة الثالثة((3))... فقد تبین مما تقدم أنّ ... المراد من الوجود السعی کما عرفت هو عدم ملاحظة خصوصیة وجود فرد دون آخر فیه، بل هو مضاف إلی الطبیعة مع إلغاء کل خصوصیة من الخصوصیات و لذا لایغیب و لایشذ عنه أی وجود من وجودات هذه الطبیعة و ینطبق علی کل وجود من وجوداتها بلا خصوصیة فی البین؛ و من هنا یعبر عنه بالوحدة فی الکثرة باعتبار أنّه یلاحظ فیه جهة السعة و الوحدة فی هذه الکثرات.
و مقابل هذا الوجود السعی العدم السعی و هو العدم المضاف إلی الطبیعة مع إلغاء کل خصوصیة من الخصوصیات فیه، و لأجل ذلک هذا عدم لایغیب و لایشذ عنه أی عدم من أعدام هذه الطبیعة و ینطبق علی کل عدم منها من دون
ص: 411
جهة خصوصیة فی البین و من الواضح أنّه لایکون فی مقابل هذا العدم وجود فرد منها کما أنّه لایکون فی مقابل هذا الوجود عدم فرد منها [و الطبیعة حینئذ ملحوظة علی نحو الإطلاق و العموم البدلی]».
فالألفاظ و إن کانت موضوعة للطبیعة المهملة من تمام الجهات ما عدا النظر إلی ذاتها و ذاتیاتها إلا أنّ الشارع فی مقام جعل الحکم علیها لابدّ أن یلاحظها علی أحد الأنحاء الثلاثة المذکورة لاستحالة الإهمال فی الواقع، فلا محالة إما یلاحظها علی نحو الإطلاق و السریان أی العموم الاستغراقی أو علی نحو العموم البدلی أو العموم المجموعی فلا رابع لها؛ و علی جمیع هذه التقادیر و الفروض لا فرق بین الحکم التحریمی و الوجوبی أصلاً.
هو أنّ الطبیعة إن أُخذت علی نحو الإطلاق أو العموم الاستغراقی فمطلق وجودها یتوقف علی إیجاد أفرادها تماماً و مطلق ترکها یتوقف علی ترک أفرادها تماماً، و إن أُخذت علی نحو السعة و الوحدة فی الکثرة فیتوقف وجودُها علی وجود أحد أفرادها و ترکُها علی أحد أفراد ترکها، و إن أُخذت علی نحو العموم المجموعی فامتثال الأمر بالطبیعة یتوقف علی إتیان مجموعة الأفراد و امتثال نهیها علی ترک مجموعة الأفراد (کما أنّه لو فرضنا الطبیعة مهملةً یکون المطلوب فی الأمر صرفَ وجودها و هو یتحقق بأول وجوداتها و یکون المطلوب فی النهی صرفَ ترکها و هو یتحقق بأول ترکها).((1))
ص: 412
((1))
بیان ذلک أنّ المطلوب صرف الوجود «و هو ناقض العدم الکلی و طارد العدم الأزلی بحیث ینطبق علی أول الوجودات - و نقیضه عدم ناقض العدم [الکلی] و هو بقاء العدم الکلی علی حاله - فلازم مثل هذا الوجود تحقق الطبیعة بفرد و لازم نقیضه انتفاء الطبیعة بانتفاء جمیع أفرادها.» ((2))
«إنّ طارد العدم الکلی لا مطابق له فی الخارج، لأنّ کل وجود یطرد عدمه البدیل له لا عدمه و عدم غیره، فأول الوجودات أول ناقض للعدم و نقیضه عدم هذا الأول و لازم هذا العدم الخاص [أی عدم الوجود الأول] بقاء سائر
ص: 413
الأعدام علی حالها، فإنّ عدم الوجود الأول یستلزم عدم الوجود الثانی و الثالث و هکذا لا إنّه عینها [فعلی هذا لازم عدم الوجود الأول هو عدم سائر الوجودات و معناه بقاء العدم الکلی الأزلی]».
إن قلنا بأنّ الطبیعة أُخذت مهملة فیکون متعلق الأمر صرف وجود الطبیعة و متعلق النهی صرف ترک الطبیعة و هو یتحقق بأول أفراد الترک فلا ملزم للاجتناب عن سائر الأفراد.
و إن قلنا بأنّ الطبیعة المنهی عنها هو أول الوجودات من الطبیعة فیلاحظ علیه:
أولاً: أنّه ما الدلیل علی تقیید الطبیعة بقید أول الوجودات فی مقام الإثبات؟
ثانیاً: أنّه یلزم من ذلک عدم بقاء النهی فی ما إذا خولف فی أول وجود الطبیعة.
ثالثاً: أنّ النهی لم یتعلق بالطبیعة و لا بأفرادها بل تعلق بأول فرد منها فلا محل لقولهم: انتفاء الطبیعة بانتفاء جمیع أفرادها.
الطبیعة عرفاً، و الباعث علی النهی المفسدة المترتبة علی الفعل فتقتضی الزجر عن کل ما فیه المفسدة.»
فالنتیجة أنّ المصلحة فی طرف الأمر قائمة بالوجود الواحد من وجودات الطبیعة أما المفسدة فی طرف النهی فقائمة بمطلق وجود الطبیعة إلا إذا قامت القرینة علی خلاف ذلک.
((1))فی توضیح هذه النظریة:
«إنّ قیام مصلحة [أو مفسدة] بطبیعة فی مقام الثبوت و الواقع یتصور علی [أربع] صور: الأُولی أن تکون المصلحة قائمة بصرف الوجود [العموم البدلی] الثانیة أن تکون قائمة بمطلق الوجود علی نحو العموم الاستغراقی الثالثة أن تکون قائمة بمجموع الوجودات علی نحو العموم المجموعی الرابعة أن تکون قائمة بعنوان بسیط متولد من هذه الوجودات الخارجیة. هذا کله بحسب مقام الثبوت» و فی مقام الإثبات إطلاق الأمر یقتضی القسم الأول و إطلاق النهی یقتضی القسم الثانی.
((2))
«إنّ هذا الفرق أخص من المدعی فإنّه لایثبت التفرقة بین الأمر و النهی مطلقاً و علی وجهة نظر جمیع المذاهب، حیث إنّه یرتکز علی وجهة نظر مذهب
ص: 415
من یری تبعیة الأحکام للمصالح و المفاسد فی متعلقاتها و لایجری علی وجهة نظر مذهب من لایری التبعیة کالأشاعرة، فإذن لایجدی مثل هذا الفرق أصلاً.»
إنّ الحق عند الإمامیة تبعیة الأحکام للمصالح و المفاسد و لا عبرة بالمبانی الفاسدة فی أُصول فقهنا.
«إنّ هذا الفرق و إن کان صحیحاً فی نفسه إلا أنّه لا طریق لنا إلی إحرازه مع قطع النظر عما هو مقتضی إطلاق الأمر و النهی بحسب المتفاهم العرفی و مرتکزاتهم و ذلک لما ذکرناه غیر مرة من أنّه لا طریق لنا إلی ملاکات الأحکام مع قطع النظر عن ثبوتها.
و علی هذا الضوء فلایمکننا إحراز أنّ المفسدة فی المنهی عنه قائمة بمطلق وجوده و المصلحة فی المأمور به قائمة بصرف وجوده مع قطع النظر عن تعلق النهی بمطلق وجوده و تعلق الأمر بصرف وجوده ...»
((1))
إنّ المرتکز فی الأذهان فی ما إذا لم تقم قرینة علی خلاف ذلک هو أنّ المصلحة الداعیة إلی جعل الحکم و بعث المکلف مترتبة علی صرف وجود الفعل و
ص: 416
المفسدة الموجبة لزجر المکلف مترتبة علی جمیع الوجودات، فإذا أراد من الأمر و النهی غیر ذلک فلابدّ أن ینصب الشارع قرینة علی مراده، و هذا الارتکاز مستند إلی الغلبة و أین هذا من مسألة کشف ملاکات الأحکام؟
((1))
إنّ ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) مبنی علی ما هو المرتکز فی الأذهان و هو مستند إلی الغلبة و لکن الحق عدم ثبوت هذه الغلبة بل المطلوب فی الأوامر الندبیة هو جمیع الوجودات؛ فإنّ جمیع الفضائل التی تعلق بها البعث فی الشریعة تکون مصلحتها فی مطلق وجوداتها لا فی صرف وجودها مثل ذکر الله و إکرام المؤمن و إکرام العالم و تحصیل العلم.
إنّ المدعی غلبة نشوء النواهی العرفیة عن المفسدة لا النواهی الشرعیة و غلبة کون المفسدة انحلالیة بعدد الأفراد.
ص: 417
إنّ ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) مبنی علی ما هو المرتکز فی الأذهان سواء کان منشأ الارتکاز هو الغلبة أم أمراً آخر، فالإشکال فی ثبوت الغلبة لایضر بما أفاده (قدس سره) ما لم یشَک فی هذا الأمر الارتکازی.
یمکن أن یقال: إنّ الأمثلة المذکورة لایضر بالغلبة حیث إنّ فی تلک الموارد الخاصة دلت القرائن الکثیرة علی مطلوبیة مطلق وجودات الطبیعة، دون سائر الأفعال الندبیة سواء کانت مقیدة بالزمان المخصوص مثل أکل الرمان لیلة الجمعة أم غیر مقیدة مثل أکل خبز الشعیر.((1))
نحوها فلایعقل أن یراد من المکلف إیجاد تلک الطبیعة بکل ما یمکن أن تنطبق علیه هذه الطبیعة فی الخارج بداهة استحالة ذلک علی المکلف و أنّه لایقدر علی إیجادها کذلک، هذا من ناحیة، و من ناحیة أُخری إنّ الأمر المتعلق بها مطلق و غیر مقید بحصة خاصة من مرة أو تکرار أو غیرهما.
فالنتیجة علی ضوء هاتین الناحیتین هی أنّ مقتضی الإطلاق الثابت بمقدمات الحکمة هو جواز الاکتفاء فی مقام الامتثال بإیجاد فرد من أفرادها أراد المکلف إیجاده فی الخارج.
و ذلک لأنّه بعد استحالة أن یکون المطلوب منه هو إیجاد جمیع أفرادها فی الخارج من العرضیة و الطولیة ضرورة عدم تمکن المکلف من ذلک و تقییدُه بحصة خاصة منها دون أُخری یحتاج إلی دلیل یدل علیه و حیث لا دلیل فی البین فلا مناص من الالتزام بأنّ قضیة الإطلاق هی أنّ المطلوب صرف وجودها فی الخارج.
أو فقل: إنّ المطلوب لایمکن أن یکون جمیع وجودات الطبیعة و بعضُها دون بعضها الآخر یحتاج إلی دلیل، و عند فرض عدمه لا محالة کان المطلوب هو إیجادها فی ضمن فردٍما المنطبق فی الخارج علی أول وجوداتها؛ غایة الأمر یتخیر المکلف فی مقام الامتثال فی تطبیقها علی هذا أو ذاک.
و هذا بخلاف النهی فإنّه إذا ورد علی طبیعة لیس المراد منه حرمان المکلف عن فردٍما منها ضرورةَ أنّ الحرمان منه حاصل قهراً، فالنهی عنه تحصیل للحاصل و هو محال. هذا من جانب؛ و من جانب آخر إنّه لم یقید النهی عنه بحصة خاصة منها بحسب الأفراد العرضیة أو الطولیة، فالنتیجة علی ضوءهما هی أنّ مقتضی الإطلاق الثابت فیه بمقدمات الحکمة هو منع المکلف و حرمانه
ص: 419
عن جمیع أفرادها الدفعیة و التدریجیة ...
و بکلمة واضحة إنّ السبب الموضوعی لاختلاف نتیجة مقدمات الحکمة إنّما هو اختلاف خصوصیات الموارد؛ ففی موردٍ لخصوصیة فیه تنتج مقدمات الحکمة الإطلاق الشمولی و فی مورد آخر لخصوصیة فیه تنتج الإطلاق البدلی مع أنّ الموردین یکونان متحدین بحسب الموضوع و المتعلق. مثلاً فی مثل قوله تعالی: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا)((1)) تنتج المقدمات الإطلاق الشمولی ببیان أنّ جعل الطهور لفردٍما من الماء فی العالم لغو محض فلایصدر من الحکیم فإذن لا محالة یدور الأمر بین جعلِه لکل ما یمکن أن ینطبق علیه هذا الطبیعی فی الخارج و جعلِه لخصوص حصة منه کالماء الکر مثلاً أو الجاری أو نحو ذلک؛ و حیث إنّه لا قرینة علی تقییده بخصوص حصة خاصة فلا محالة قضیة الإطلاق الثابت بمقدمات الحکمة هی إرادة الجمیع فإنّ الإطلاق فی مقام الإثبات کاشف عن الإطلاق فی مقام الثبوت بقانون تبعیة المقام الأول للثانی [أی الإثبات للثبوت] و أما فی مثل قولنا: جئنی بماء فتنتج المقدمات [أی مقدمات الحکمة] الإطلاق البدلی [لعدم إمکان إرادة الإطلاق الشمولی] ...»
((2))
قال (قدس سره) : «فی موارد متعلقات الأوامر ما أُفید غیر کاف للانتهاء إلی البدلیة و ذلک لأنّنا إذا بنینا علی عدم شرطیة القدرة فی الخطاب أصلاً و افترضنا أنّه شرط
ص: 420
فی مقام الامتثال فقط - کما ادعاه الأُستاذ فی بحث الترتب و إن لم أعهد منه التفریع علیه فی مورد أصلاً - فلا مانع من إطلاق الخطاب لکل أفراد المتعلق؛ غایة الأمر أنّ الامتثال اللازم بحکم العقل یختص بالمقدور منها.
و أما إذا قلنا بأنّ شرطیة القدرة بحکم العقل فحیث إنّ هذا المقید لبی کالمتصل فلاینعقد إطلاق لغیر المقدور من أفراد المتعلق ... و کذلک الحال لو قلنا بأنّ الخطاب یقتضی تقیید المادة بالمقدور منها بل الحال علی ذلک أوضح کما لایخفی.»
((1))
إنّ جمیع الوجودات غیر مقدور و لا معین لمرتبة صرف الوجود من بین سائر المراتب فیلزم إجمال الدلیل و المرجع حینئذ هو الأصل العملی.
((2))
إنّ ما أفاده (قدس سره) من أنّ تعلق النهی بصرف الترک تحصیل للحاصل مخالف لما أفاده فی موضع آخر من أنّ المصلحة قد یتصور فی الترک بأن تکون إما فی صرف الترک بنحو العموم البدلی أو فی جمیع التروک بنحو العام الاستغراقی أو فی مجموع التروک بنحو العام المجموعی أو فی المسبب عن جمیع التروک؛ و الطلب یتعلق
ص: 421
بهذه الأقسام الأربعة لوجود المصلحة فیها و من هذه الأقسام تعلق الطلب بصرف الترک.
((1))
إنّ حقیقة القدرة هی أنّه إن شاء فعل و إن لم یشأ لم یفعل فإذا لم یکن الفعل مقدوراً فترکه أیضاً غیر مقدور؛ و حینئذ إن کان جمیع الوجودات غیر مقدور فجمیع التروک أیضاً لابدّ أن یکون غیر مقدور.
أنّ القول الصحیح من بین الأقوال هو نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) و هو أنّ الإطلاق بمقدمات الحکمة یقتضی حصول امتثال الأمر بفرد واحد و امتثال النهی بترک جمیع أفراد الطبیعة المنهی عنها.
ص: 422
ص: 423
ص: 424
سقوط النهی بالمعصیة
إذا ورد نهی و شک فی سقوطه بعد المعصیة فما مقتضی القاعدة؟
إنّ النواهی الشرعیة علی قسمین:
القسم الأول: قد تکون الطبیعة بصرف وجودها منهیاً عنها بحیث لو خولف فلایبقی النهی مثل التکلم فی الصلاة.
القسم الثانی: قد یکون کل فرد فرد من أفراد الطبیعة منهیاً عنه بحیث لو خولف بعض الأفراد یبقی النهی بالنسبة إلی سائر وجودات الطبیعة مثل شرب الخمر.
فإذا ورد النهی و شککنا أنّه من أی القسمین فهل یسقط هذا النهی بعد المعصیة أو لا؟ هنا ثلاث نظریات:
قال (قدس سره) :إنّ مقتضی القاعدة هو بقاء النهی بعد المعصیة عند وجود الإطلاق
ص: 425
من هذه الجهة فحیث لم یقید النهی بالمرّة و غیرها نتمسک بإطلاقها و نحکم ببقائها بعد المعصیة، فإنّ مقتضی أصالة الإطلاق بقاء النهی مطلقاً عصی أم لم یعص، و معنی ذلک تعلق النهی بالطبیعة بنحو العموم الاستغراقی.
((1))
إنّه (قدس سره) تمسک بالإطلاق بمقدمات الحکمة لإثبات أنّ متعلق النهی هو العموم الاستغراقی کما ذکرناه، فإذا تعلق النهی بکل فرد من أفراد الطبیعة لم یکن مانع من بقاء النهی علی حاله بواسطة عصیانه فی بعض متعلقه لأنّه فی الحقیقة نواه متعددة.
إنّه (قدس سره) یقول:((2)) إنّ المصلحة تقوم بالفعل إما بصرف الوجود و إما بجمیع الوجودات و إما بمجموع الوجودات و إما بعنوان بسیط متحصل من
ص: 426
الوجودات الخارجیة؛ و هکذا المصلحة تقوم بصرف ترک الطبیعة أو بتمام تروکها أو بمجموع تروکها أو بعنوان بسیط متولد من هذه التروک الخارجیة و مرجع هذه الصور الأربع إلی إیجاب الترک فلا حرمة حینئذ و إن کان الدلیل بصورة النهی، لأنّ النهی ینشأ من المفسدة اللزومیة لا المصلحة اللزومیة، و تروک الإحرام فی الحج من هذا القبیل فإنّها یجب ترکها لا إنّها یحرم فعلها؛ ثم إنّ المفسدة تقوم بالفعل إما بصرف الوجود و إما بجمیع الوجودات و إما بمجموع الوجودات و إما بعنوان بسیط متولد من الوجودات الخارجیة، و هکذا تکون المفسدة أیضاً إما فی صرف الترک و إما فی جمیع التروک و إما فی مجموع التروک و إما فی العنوان البسیط المتولد من التروک فهذه الصور کلها نهی حقیقةً و إن کان مبرزها صیغة الأمر.((1))
أما الأمر المتعلق بالترک فإما ضمنی متعلق بعدم إیجاد شیء فی العبادات [مثل النواهی الواردة عن لبس المیتة أو ما لا یؤکل لحمه أو النجس فی الصلاة فإنّها إرشاد إلی مانعیة هذه الأُمور و لاتدل علی الحرمة التشریعیة، فعلی هذا هذه النواهی لا تنشأ من وجود مفسدة ملزمة بل تقیید الصلاة بترک هذه الأُمور لأجل وجود مصلحة ملزمة فی الترک] ((2)) أو المعاملات و إما استقلالی متعلق
ص: 427
بعدم إیجاد شیء مستقلاً و تروک الإحرام من هذا القبیل.((1))
و نکتفی مما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) بذکر مثال للأمر الاستقلالی المتعلق بالترک((2)) و هو مورد اضطرار المکلف إلی بعض أفراد الطبیعة فی ما إذا کان المطلوب ترکها فإنّ المصلحة إما فی صرف الترک فحینئذ یسقط التکلیف إذا کان الاضطرار مستوعباً لجمیع الوقت و لایسقط التکلیف إذا لم یکن الاضطرار مستوعباً و إما فی جمیع أفراد الترک فلایسقط التکلیف و إما فی مجموع التروک فیسقط التکلیف لانتفاء المجموع بانتفاء أحد أفراده و إما فی العنوان المسبب من التروک فیسقط التکلیف عند المعصیة لأنّه بالمخالفة لمورد واحد ینتفی حامل الغرض فلا غرض فلایبقی التکلیف.
((1))
إنّ الصورة الرابعة و هی قیام المصلحة بالمسبب من التروک غیر معقول لأنّ التروک العدمیة لایکون سبباً للأمر الوجودی.
((2))
إنّ الصورة الأُولی و هی تعلق الطلب بصرف الترک خلف لما أفاده (قدس سره) قبلاً من أنّ تعلق الطلب بصرف الترک تحصیل للحاصل.
((3))
إنّ ما أفاده (قدس سره) من أنّ تروک الإحرام فی الحقیقة لیست محرمات بل الحق فیه وجوب الترک لا حرمة الفعل مخدوش لأنّ قوله تعالی: (وَحُرِّمَ عَلَیکُمْ صَیدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا)((4))صریح فی الحرمة کما أنّ ظهور قوله تعالی: (لَا تَقْتُلُوا الصَّیدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ )((5))هو الحرمة لظهور هیأة لاتفعل فی الحرمة، و المستفاد من
ص: 429
النصوص و ظواهر الروایات((1)) أیضاً حرمة هذه الأفعال لا وجوب ترکها.
ص: 430
ص: 431
ص: 432
فهرس العناوین تفصیلاً
البحث الأول: الأوامر
(و فیه تسعة فصول)
الفصل الأول: مادة الأمر
(و فیه خمسة أُمور)
الأمر الأول: معنی مادة «الأمر» (و الکلام فی مواضع ثلاثة) .......................... 19
البحث الأول: معنی «الأمر» لغةً و عرفاً ............................................... 19
المحاولة الأُولی: الاشتراک اللفظی (هنا صورتان) .................................................. 21
المحاولة الثانیة: الاشتراک المعنوی (فهنا تسع نظریات) ...................................... 22
1.الطلب و الشأن و الشیء (و هو مختار العلامة القوچانی (قدس سره) ) ............................. 24
2.الطلب و الفعل و الشیء (و هو مختار المحقق المشکینی (قدس سره) ) ........................... 25
المنافشة علی النظریة الأُولی و الثانیة ......................................................... 25
3.الطلب و الشأن (و هو مختار صاحب الفصول (قدس سره) ) ........................................... 26
مناقشتان علی النظریة الثالثة: ................................................................... 26
4.الطلب و الشیء (و هو مختار المحقق الخراسانی (قدس سره) ) ......................................... 26
مناقشات ثلاث علی النظریة الرابعة: .......................................................... 26
5.الطلب و الفعل (و هو مختار المحقق البروجردی (قدس سره) ) ....................................... 31
إیرادات ثلاثة علی النظریة الخامسة: .......................................................... 32
6.الطلب و ما هو أخص من الشیء و أعم من الفعل (و هو مختار المحقق العراقی و الصدر (قدس سرهما) و بعض الأساطین) 34
ص: 433
ملاحظتان علی النظریة السادسة: ............................................................... 35
7.إبراز الاعتبار النفسانی و ما هو أخصّ من الشیء و أعم من الفعل (و هو مختار المحقق الخوئی (قدس سره) ) 36
مناقشة بعض الأساطین علی النظریة السابعة: ............................................ 37
8.الواقعة التی لها أهمیة فی الجملة (و هو مختار المحقق النائینی (قدس سره) ) ................. 37
بیان المحقق النائینی (قدس سره) ................................................................................ 38
المناقشة الأُولی علی النظریة الثامنة: ما ذکره المحقق الخوئی و الصدر (قدس سرهما) 38
المناقشة الثانیة علی النظریة الثامنة: ما ذکره بعض الأساطین ............... 39
المناقشة الثالثة .................................................................................... 39
9.الإرادة البالغة إلی حدّ الفعلیة (و هو مختار المحقق الإصفهانی و الروحانی (قدس سرهما) ) 39
بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) ............................................................................. 39
مناقشات أربع علی النظریة التاسعة: ................................................... 41
الملاحظة الأُولی: ما ذکره المحقق الصدر (قدس سره) ............................................ 41
جواب عن الملاحظة الأُولی .................................................................. 42
الملاحظة الثانیة: .................................................................................. 43
جوابان عن الملاحظة الثانیة: ................................................................ 43
الملاحظة الثالثة ................................................................................... 44
الملاحظة الرابعة .................................................................................. 45
جواب المحقق الإصفهانی (قدس سره) عن هذه المناقشة: ....................................... 45
ملاحظتان علی بیان المحقق الإصفهانی .................................................. 46
البحث الثانی: معنی «الأمر» اصطلاحاً .................................................. 46
نظریة المشهور: إنّ الأمر اصطلاحا حقیقة فی القول المخصوص أی صیغة الأمر 48
الإیراد الأول علی نظریة المشهور ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) ................ 48
جواب المحقق الإصفهانی عن هذا الإیراد ...................................................... 48
رد المحقق الخوئی (قدس سره) لهذا الجواب .................................................................... 49
ملاحظتنا علی هذا الرد .................................................................................. 50
الإیراد الثانی علی نظریة المشهور: ما ذکره المحقق الخوئی (قدس سره) ............................. 50
البحث الثالث: مقتضی الأصل العملی .................................................. 52
نظریة صاحب الکفایة .................................................................. 52
نظریة بعض الأساطین: ................................................................. 52
ص: 434
الأمر الثانی: فی اعتبار العلوّ و الاستعلاء (الحق اعتبار العلو و عدم اعتبار الاستعلاء) .......... 53
الأمر الثالث: دلالة مادّة «الأمر» علی الوجوب (هنا نظریات سبع) .................... 55
النظریة الأُولی: مادّة الأمر حقیقة فی الندب .......................................... 56
إیرادان من المحقق الوحید علیه: .................................................... 56
النظریة الثانیة: الإشتراک المعنوی بین الوجوب و الندب (استدل علیه بوجهین) . 56
الوجه الأول ............................................................................... 57
إیرد علیه .................................................................................. 57
الوجه الثانی ............................................................................... 57
إیراد بعض الأساطین علیه ............................................................ 57
النظریة الثالثة: وضع المادة للوجوب (و استدل علیه المحقق الخراسانی بوجوه ثلاثة) 58
الوجه الأول: التبادر ..................................................................... 58
الإیراد علیه بمنع التبادر ................................................................................. 58
الوجه الثانی: .............................................................................. 58
الوجه الثالث: ............................................................................ 59
الطریق الأول للتمسک بالأیتین علی الوضع للوجوب عن المحقق العراقی (قدس سره) . 60
إیراد المحقق العراقی (قدس سره) علی الاستدلال بهذا البیان: .................................. 61
الطریق الثانی للتمسک بالأیتین عن بعض الأساطین...................................... 61
ملاحظتنا علی هذا الإیراد ........................................................................ 62
بیان بعض الأساطین للاستدلال: .................................................................... 62
إیراد بعض الأساطین علی الاستدلال بهذا البیان: .................................... 63
النظریة الرابعة: انصراف المطلق إلی الواجب ......................................... 66
الإیراد الصغروی عن المحقق العراقی علیه بکثرة استعمال الأمر فی المستحب 66
الإیراد الکبروی ........................................................................... 66
النظریة الخامسة: الإطلاق بمقدمات الحکمة (و نذکر لهذا القول ستة تقریرات) .. 67
الف) التقریر الأوّل: ما ذکره المحقق العراقی (قدس سره) ................................... 67
ب) التقریر الثانی: ما ذکره المحقق العراقی (قدس سره) أیضاً (الأتمیة فی مرحلة التحریک للامتثال) 67
إیرادات ثلاثة من بعض الأساطین علی هذا التقریر: ....................... 68
الإیراد الأول: (نقضاً) ............................................................... 68
الإیراد الثانی: (حلاً) ................................................................. 69
ص: 435
الإیراد الثالث: ...................................................................... 69
ج) التقریر الثالث: ما ذکره المحقق البروجردی (قدس سره) ................................. 70
إیرادات أربع من بعض الأساطین علیه: ....................................... 72
الإیراد الأول .......................................................................... 72
ملاحظتنا علی هذا الإیراد ........................................................ 72
الإیراد الثانی .......................................................................... 72
ملاحظتنا علی هذا الإیراد ........................................................ 73
الإیراد الثالث ........................................................................ 73
ملاحظتنا علی هذا الإیراد ........................................................ 74
الإیراد الرابع: ........................................................................ 74
د) التقریر الرابع: ما نقله المحقق الصدر (قدس سره) ( و هو یترکب من مقدمتین) ... 75
الإیراد الأول علی هذا التقریر (من المحقق الصدر (قدس سره) ) ...................... 76
إیراد الثانی علی هذا التقریر .................................................... 76
ه- ) التقریر الخامس: ما نقله المحقق الصدر (قدس سره) أیضاً ............................ 76
إیراد المحقق الصدر (قدس سره) علیه ........................................................ 77
و) التقریر السادس: ما اختاره المحقق الصدر (قدس سره) ................................... 77
ملاحظتنا علیه ....................................................................... 77
ز) التقریر السابع: و هو المختار ..................................................... 78
التحقیق أنّ هنا ثلاث مراتب: ........................................................ 78
الأُولی: مرتبة مبادی الحکم (فیها بیان بطلان التقریر الأول) .................. 78
الثانیة: مرتبة الحکم الاعتباری (فیها بیان بطلان التقریر الرابع و الخامس) ... 79
الثالثة: مرتبة إبراز الحکم (فیها نبین الحق فی التقریر) ............................ 80
النظریة السادسة: حکم العقل بالوجوب (أفاده المحقق النائینی و الخوئی و المظفر) 81
بیان المحقق النائینی (قدس سره) : .................................................................. 82
إیرادات أربعة علی هذا البیان: .................................................. 82
الإیراد الأول: أفاده بعض الأساطین .............................................. 82
الإیراد الثانی: أفاده بعض الأساطین أیضاً ....................................... 83
الإیراد الثالث: أفاده المحقق الصدر (قدس سره) ............................................ 83
الإیراد الرابع: أفاده المحقق الصدر (قدس سره) أیضاً ...................................... 84
ص: 436
ملاحظة علی الإیراد الرابع ................................................... 84
النظریة السابعة: السیرة العقلائیة (اختاره بعض الأساطین) ...................... 85
مقتضی التحقیق ......................................................................... 89
الأمر الرابع: فی النسبة بین «الأمر» و «الطلب» (و فیها أقوال أربعة) ............ 91
القول الأول: الأمر مطلق الطلب ......................................................... 91
إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علیه ........................................................ 91
القول الثانی: الأمر الطلب بالقول (و قد استدل علیه بوجهین) ................... 92
الوجه الأوّل: الإجماع المنقول ......................................................... 92
إیرادات ثلاثة علی هذا الوجه ................................................... 92
الوجه الثانی: آیة (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَیئًا أَنْ یقُولَ لَهُ کُنْ فَیکُونُ) ........... 92
إیراد علی هذا الوجه .............................................................. 93
القول الثالث: الأمر الطلب المنشأ (اختاره المحقق الإصفهانی (قدس سره) ) ................... 94
القول الرابع: إنّ مادة الأمر وضعت للطلب المنشأ من الغیر ...................... 95
إیراد علیه ................................................................................. 95
القول الخامس: للمحقق الإصفهانی (قدس سره) فی رسالة الطلب و الإرادة ................... 95
إیراد علیه ................................................................................. 95
القول السادس: عینیة الطلب و الإرادة بأُسلوب آخر (هو القول المختار) ...... 95
الأمر الخامس: فی تطابق معنی الطلب و الإرادة (فیه تنبیهان) ..................... 97
هل یتحد معناهما أو لا؟ فیه محاولتان ................................................. 97
المحاولة الأُولی: الاتحاد (اختاره المحقق الخراسانی (قدس سره) ) ......................... 97
المحاولة الثانیة: التغایر (و هنا نظریات) ........................................ 98
النظریة الأُولی: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) .................................. 98
النظریة الثانیة: نظریة المختارة ................................................. 98
النظریة الثالثة: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) و اختارها المحقق الخوئی (قدس سره) ........ 99
النظریة الرابعة: نظریة المحقق البروجردی (قدس سره) .............................. 100
یلاحظ علیه ................................................................... 101
النظریة الرابعة: نظریة الأشاعرة (واستدلّوا علیها بوجهین) ........... 101
الوجه الأوّل: الطلب موجود فی الأوامر الامتحانیة دون الإرادة .. 104
ص: 437
إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علیه بالفرق بین الطلب الإنشائی و الحقیقی 105
الوجه الثانی: التکلیف و الطلب الحقیقی تعلّق بإیمان الکفار دون الإرادة 105
إیراد المحقق الخراسانی (قدس سره) علیه بالفرق بین الإرادة التشریعیة و التکوینیة 106
تنبیهان للتحقیق التام حول نظریة الأشاعرة ............................. 108
التنبیه الأوّل: فی الإرادة التکوینیة و التشریعیة (فیه مطلبان) ................ 108
المطلب الأوّل: فی الإرادة التکوینیة (فیه جهتان) ............................. 110
الجهة الأُولی: معنی الإرادة .................................................... 110
بیان الحکیم الزنوزی (قدس سره) .......................................................
110
بیان المحقق الخراسانی و النائینی (قدس سرهما) ..................................... 112
بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) .................................................... 112
بیان المحقق الخوئی (قدس سره) ........................................................ 113
الجهة الثانیة: الإرادة الإلهیة (و هی قسمان) ............................ 115
الف) الإرادة الذاتیة ........................................................ 115
القول الأوّل: العلم بالنظام الأحسن (اختاره المحقق الخراسانی (قدس سره) ) 118
بیان المحقق الإصفهانی فی وجه تعبیر الحکماء عن إرادته تعالی بالعلم 118
القول الثانی: ابتهاجه ورضاه تعالی بذاته (اختاره المحقق الإصفهانی (قدس سره) ) 119
ب) الإرادة الفعلیة (و لها تفسیرات ثلاثة) ........................... 120
التفسیر الأوّل: ابتهاجه و رضاه بفعله تعالی (اختاره المحقق الإصفهانی (قدس سره) ) 120
ملاحظتنا علی هذا البیان ........................................ 121
التفسیر الثانی: إعمال القدرة و التصدی نحو الشیء (اختاره المحقق الخوئی (قدس سره) ) 121
یلاحظ علیه ......................................................... 121
التفسیر الثالث: الابتهاج البالغ إلی التصدی نحو الشیء ....... 122
ص: 438
المطلب الثانی: فی الإرادة التشریعیة (و لها تفسیران) ........................ 123
التفسیر الأول: الإرادة المتعلقة بفعل الغیر (أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ) .. 123
بیان المحقق الإصفهانی لغویة الإرادة التشریعیة بهذا التفسیر ...... 123
التفسیر الثانی: الإرادة المتعلقة بالاعتبارات الشرعیة (الحق ثبوت الإرادة التشریعیة) 124
التنبیه الثانی: فی الأمر بین الأمرین (لهذه النظریة تقریرات نشیر إلی أربعة منها) 127
التقریر الأوّل: ما أفاده المحقق الطوسی فی التجرید .......................... 130
التقریر الثانی: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) (و اختاره المحقق الخوئی (قدس سره) ) ........ 131
ملاحظتنا علی هذا التقریر ...................................................... 132
التقریر الثالث: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) (یبتنی علی مقدمتین) ........ 137
المقدمة الأُولی: للمجعول بالذات خصیصتان ................................ 138
الخصصیة
الأُولی: إنّه عین الربط ......................................... 138
الخصیصة الثانیة: له انتسابان إلی الفاعل و القابل ..................... 138
المقدمة الثانیة: تبعیة أثر هذا المجعول بالذات لمؤثره فی هاتین الخصیصتین 139
التقریر الرابع: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) فی محاضرات .......................... 141
ملاحظتنا علی هذا التقریر ...................................................... 141
دلیلان علی تعلق الإرادة التکوینیة الإلهیة بأفعال العباد ................. 143
الفصل الثانی: صیغة الأمر (و فیه سبعة أُمور): / 145
الأمر الأوّل: معنی صیغة الأمر (فیه أقوال نذکر منها سبعة): ..................... 147
القول الأوّل: الترجی و التمنی و التهدید و غیر ذلک ............................. 147
إیراد المحقق الخراسانی (قدس سره) علیه ...................................................... 149
القول الثانی: إنشاء الطلب (اختاره المحقق الخراسانی (قدس سره) ) ......................... 149
إیرادان علی هذا القول (أفادهما بعض الأساطین) ........................... 149
القول الثالث: النسبة الإنشائیة الإیقاعیة (اختاره المحقق النائینی (قدس سره) ) ......... 150
إیراد علیه ............................................................................... 151
القول الرابع: النسبة الإرسالیة الإیقاعیة (اختاره المحقق العراقی (قدس سره) ) .......... 151
إیراد علیه ............................................................................... 152
ص: 439
القول الخامس: النسبة البعثیة (اختاره المحقق الإصفهانی (قدس سره) ) .................... 152
القول السادس: إبراز اعتبار الفعل علی ذمة المکلف (اختاره المحقق الخوئی (قدس سره) ) .. 152
إیرادان من بعض الأساطین علیه ................................................. 153
القول السابع: إبراز النسبة البعثیة (اختاره المحقق الوحید) ................... 154
ملاحظتنا علی هذا القول ........................................................... 154
الأمر الثانی: الجمل الخبریة فی مقام البعث (و الکلام فی موضعین): .............. 157
الموضع الأوّل: معناها (و فیه نظریات ثلاث) ...................................... 157
النظریة الأُولی: ما اختاره المحقق الخراسانی (قدس سره) و بعض الأساطین ........... 158
النظریة الثانیة: أفادها المحقق العراقی (قدس سره) (و لها تقریبان): ................. 158
التقریب الأوّل .................................................................... 158
التقریب الثانی ..................................................................... 159
ملاحظتنا علیهما .................................................................. 160
النظریة الثالثة: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ....................................... 160
إیراد بعض الأساطین علیها .................................................... 161
الموضع الثانی: دلالتها علی الوجوب ................................................... 161
الأمر الثالث: الواجب التعبدی و التوصلی ............................................ 161
مقدمة: فی بیان المعانی الأربعة للواجب التوصلی .................................. 164
مقتضی الأصل فی الواجب التوصلی (هنا أربعة مباحث) ........................ 167
المبحث الأول: مقتضی الأصل علی المعنی الأوّل (ما لایعتبر فیه المباشرة) 167
أما مقتضی الأصل اللفظی (هنا قولان) .................................... 167
القول الأوّل: مقتضی الإطلاق کون الواجب توصلیاً (و هو المنسوب إلی المشهور) 167
القول الثانی: مقتضی الإطلاق کون الواجب تعبدیاً (و هو المختار المحقق النائینی و الخوئی و الصدر) 167
بیان المحقق الخوئی ......................................................... 168
أما مقتضی الأصل العملی (هنا نظریات): ................................. 170
النظریة الأولی من المشهور ............................................... 170
النظریة الثانیة من المحقق الخوئی (قدس سره) .................................... 170
یلاحظ علیه .............................................................. 170
ص: 440
النظریة الثالثة تفصیل السید الصدر فی المقام ....................... 171
یلاحظ علیه .............................................................. 171
المبحث الثانی: مقتضی الأصل التوصلی علی المعنی الثانی (ما لا یعتبر فیه الالتفات و الاختیار) 173
أما مقتضی الأصل اللفظی (هنا قولان): .................................... 173
القول الأول: مقتضی الإطلاق سقوط الواجب إذا صدر الفعل بغیر اختیار (و هو مختار المحقق الخوئی (قدس سره) ) 173
القول الثانی: مقتضی الأصل عدم سقوط الواجب إلّا إذا صدر باختیار المکلف (و الأدلة علیه أربعة): 173
الف) الدلیل الأوّل: ماأفاده المحقق النائینی (قدس سره) ....................... 173
إیرادان من المحقق الخوئی (قدس سره) علیه ...................................... 174
ب) الدلیل الثانی: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) أیضاً .................. 175
إیرادات ثلاثة علیه: ...................................................... 175
الإیراد الأول و الثانی: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ...................... 175
الإیراد الثالث: ملاحظتنا علی هذا الوجه ............................. 176
ج) الدلیل الثالث: ما قرّره المحقق الخوئی (قدس سره) بناء علی نظریة المحقق النائینی (قدس سره) 176
إیراد المحقق الصدر (قدس سره) علیه: ............................................. 177
د) الدلیل الرابع: ......................................................... 177
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیه: ............................................. 178
أما مقتضی الأصل العملی (هنا قولان): .................................... 179
الف) القول الأوّل: الاستصحاب (أفاده المحقق النائینی (قدس سره) ) ......... 179
ب) القول الثانی: البراءة (أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ) .................... 179
المبحث الثالث: مقتضی الأصل علی المعنی الثالث (ما لا یعتبر فیه أن یکون فی ضمن فرد سائغ) و متعلق الحرمة علی قسمین: 180
القسم الأوّل: أن تکون الحرمة متعلقة بنفس عنوان الواجب: ....... 180
أما مقتضی الأصل اللفظی ..................................................... 180
بیان أنّ مقتضی الإطلاق التعبدیة .............................................. 180
أما مقتضی الأصل العملی (هنا قولان): .................................... 181
ص: 441
الف) القول الأوّل: الاستصحاب .......................................... 181
ب) القول الثانی: البراءة (و هو مختار المحقق الخوئی (قدس سره) ) ........... 181
القسم الثانی: أن لاتکون الحرمة متعلقة بنفس عنوان الواجب (و فی مسألة اجتماع الأمر و النهی إمّا نقول بالامتناع و إمّا نقول بالجواز(ففی الجواز قولان) ............................................ 182
الف) القول الأوّل: ماأفاده المحقق النائینی (قدس سره) ............................. 182
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیه: .................................................. 183
بیان المحقق الصدر (قدس سره) لهذا الإیراد ........................................... 183
ب) القول الثانی: (و هو المختار) ........................................... 183
المبحث الرابع: الواجب التوصلی بالمعنی الرابع (فیه مقدمة و الکلام فی ثلاث نواحی و تنبیه) 185
تعریف الواجب التوصلی بالمعنی الرابع (هنا تعاریف ثلاثة): ....... 185
التعریف الأوّل: ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) .......................... 185
إیراد المحقق الإصفهانی علیه ........................................... 185
جوابان من المحقق الوحید عن هذا الإیراد: ........................ 186
ملاحظتنا علی هذین الجوابین: ........................................ 187
التعریف الثانی: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) ............................ 187
ملاحظتنا علی هذا التعریف: .......................................... 187
التعریف الثالث: ما لا یعتبر فی صحته قصد القربة (أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ) 188
مقتضی الأصل اللفظی علی المعنی الرابع ...................................... 189
المورد الأول: الإطلاق بمقدمات الحکمة ..................................... 189
الوجه الأوّل: قصد الأمر (و البحث من جهتین) ........................ 189
الجهة الأُولی: هل یمکن تقیید متعلق الأمر بقصد الأمر؟(نتکلم فیها فی مراحل أربع مع ذکر تتمّة) 190
المرحلة الأُولی: تصور الآمر هنا إشکال واحد ........................ 190
إشکال الدور ........................................................ 191
جوابان عن هذا الإشکال ......................................... 191
الجواب الأول: ما أفاده المحقق المشکینی ..................... 191
ص: 442
ردّ بعض الأساطین لهذا الجواب ................................ 191
الجواب الثانی: ما أفاده بعض الأساطین ........................ 192
المرحلة الثانیة: الإنشاء (هنا إشکالات خمسة): ..................... 192
1- الدور ............................................................. 192
جواب المحقق الإصفهانی (قدس سره) عنه: ............................... 193
2- اجتماع المتقابلین (تقدم ما هو متأخر بالطبع) .......... 193
جواب المحقق الإصفهانی عنه ................................. 193
ردّ المحقق العراقی و الوحید لهذا الجواب ................. 194
3- تقدّم الشیء علی نفسه (ما أفاده المحقق النائینی) ..... 194
جواب المحقق الخوئی عنه: .................................... 195
ردّ بعض الأساطین: ............................................. 197
4-کون الأمر محرّکاً إلی محرّکیة نفسه (أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ) 198
جواب عنه ....................................................... 198
5- التسلسل ........................................................ 199
المرحلة الثالثة: الفعلیة (هنا إشکالات أربعة) ....................... 199
الإشکال الأول و الثانی و الثالث ................................. 199
الجواب عن هذه الثلثة (ما ذکرنا فی المرحلة السابقة) ...... 199
الإشکال الرابع: تقدّم الشیء علی نفسه (قرّره المحظقق النائینی) 200
جواب عنه .......................................................... 200
المرحلة الرابعة: الامتثال (هنا إشکالات ثلثة) ....................... 200
1- التکلیف بما لایطاق (أفاده المحقق الخراسانی) ........... 200
2- تقدّم الشیء علی نفسه (قرّره المحقق النائینی) .......... 201
3- کون الأمر محرّکاً إلی محرّکیة نفسه (قرّره بعض الأساطین) 201
تتمّة: بیانان لاستحالة أخذ قصد الأمر فی متعلّق الأمر و إمکانه . 202
البیان الأول: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) .................................... 202
إیراد بعض الأساطین علیه .................................................. 203
البیان الثانی: ما أفاده المحقق العراقی و الخوئی (قدس سرهما) ............... 203
إیرادان من بعض الأساطین علی هذا البیان ....................... 205
جواب عن الإیراد الثانی: (ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) فی محاضرات) ... 206
ص: 443
ردّ لهذا الجواب ................................................................. 207
الجهة الثانیة: علی فرض استحالة التقیید هل یستحیل الإطلاق أو لا؟ (هنا مسألتان): 209
المسألة الأُولی: تقابل الإطلاق و التقیید (هنا قولان): .............. 209
القول الأوّل: تقابل الملکة و عدمها (و هو مختار المحقق النائینی و بعض الأساطین) 209
بیان هذا القول ................................................... 210
القول الثانی: التضاد فی مقام الثبوت و الملکة و عدمها فی مقام الإثبات (و هو المختار المحقق الإصفهانی و الخوئی (قدس سرهما) ) 210
بیان المحقق الخوئی (قدس سره) لهذا القول ................................ 210
المسألة الثانیة: علی فرض استحالة التقیید هل یمکن الإطلاق أو یستحیل؟ (تکلم فیها علی القولین فی المسألة السابقة) 212
أمّا علی القول الأوّل: فبحسب مقام الثبوت (هنا قولان): ..... 213
1- الملازمة بین استحالة التقیید و استحالة الإطلاق (اختاره المحقق النائینی) 213
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیه ....................................... 213
2- عدم الملازمة (اختاره المحقق الخوئی) ........................ 213
و بحسب مقام الإثبات (قال بعض الأساطین: لایمکن التمسک بأصالة الإطلاق) 215
ملاحظتنا علی هذا القول ......................................... 215
و أمّا علی القول الثانی: ........................................... 216
الوجه الثانی و الثالث و الرابع: قصد مصلحة الفعل و حسنه و محبوبیته (هنا إشکالات خمسة): 218
الإشکال الأوّل: ما أفاده المحقق الخراسانی ........................... 218
جواب المحقق الخوئی عنه: ............................................... 218
الإشکال الثانی: ما أفاده المحقق النائینی ............................. 218
جوابان من المحقق الخوئی عنه: ....................................... 219
جوابان من المحقق الوحید عنه: ...................................... 220
الإشکال الثالث: الدور (أفاده المحقق البروجردی) ................. 221
جوابان من المحقق الوحید عنه: ...................................... 221
ص: 444
الإشکال الرابع: عدم إمکان الامتثال (أفاده المحقق البروجردی (قدس سره) أیضاً) 222
جواب عنه: ................................................................ 222
الإشکال الخامس: لزوم التسلسل (أفاده المحقق البروجردی (قدس سره) أیضاً) 223
الجواب عنه هو الجواب عن الإشکال السابق ..................... 223
الوجه الخامس: قصد الجامع و هو الانتساب إلیه تعالی (مختار المحقق الخوئی (قدس سره) ) 224
إشکال: فی الوجه الخامس .............................................. 224
جواب المحقق الخوئی عنه: ............................................ 225
الوجه السادس: ما یلازم قصد القربة (و هو المنسوب إلی المیرزا الشیرازی) 226
إشکال المحقق النائینی (قدس سره) علیه ......................................... 226
جواب المحقق الخوئی (قدس سره) عنه ............................................ 227
المورد الثانی: نتیجة الإطلاق .................................................... 228
بیان إمکان أخذ قصد القربة فی المتعلق بالأمر الثانی ............... 228
إیرادان من المحقق الخراسانی (قدس سره) علی هذا البیان: ..................... 228
أجوبة خمسة عن الإیراد الثانی: .......................................... 229
الجواب الأول: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) ............................ 229
ردّ لهذا الجواب: .......................................................... 229
الجواب الثانی: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) أیضاً ...................... 229
ردّ لهذا الجواب: (أفاده المحقق الروحانی (قدس سره) ) .......................... 230
الجواب الثالث: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی الشق الأوّل من الإیراد 230
مناقشة المحقق الؤصفهانی فی الشق الأول ........................... 230
ملاحظة علی هذا الجواب: أفادها
المحقق الروحانی (قدس سره) ............. 231
الجواب الرابع: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی الشق الثانی من الإیراد 232
الجواب الخامس: ما أفاده بعض الأساطین فی الشق الثانی ........ 233
ملاحظتنا علی هذا الجواب ............................................. 233
ص: 445
المورد الثالث: الأصل اللفظی الخارجی ..................................... 234
قال بعض الأعلام: إنّ مقتضاه التعبدیة (و استدل علی ذلک بوجوه ثلثة) ... 234
الوجه الأول: قوله تعالی: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِیعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ) 234
إیرادان علی هذا الوجه (ما أفادها المحقق الخوئی (قدس سره) ) ...................... 235
الوجه الثانی: قوله تعالی: (أَطِیعُوا اللَّهَ) الآیة .............................. 236
إیراد علیه ....................................................................... 237
الوجه الثالث: قولهم: (علیهم السلام) «إنّما الأعمال بالنیات» و... ..................... 237
إیراد علیه: ...................................................................... 238
مقتضی الأصل المقامی (و له تقریران): ......................................... 238
التقریر الأوّل: ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) ................................. 240
التقریر الثانی: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) بتبع الشیخ الأنصاری (قدس سره) ..... 240
مقتضی الأصل العملی (هنا مسألتان): .......................................... 241
المسألة الأُولی: هل یجری الاستصحاب أو لا؟ لایجری (نذکر بیانین لعدم الجریان) 243
الف) البیان الأوّل: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) .......................... 243
إیراد الإول من بعض الأساطین علیه: ................................. 244
ملاحظتنا علی هذا الإیراد: .............................................. 244
الإیراد الثانی من بعض الأساطین علیه أیضاً .......................... 245
ب) البیان الثانی: ما أفاده بعض الأساطین ................................ 245
المسألة الثانیة: هل یجری الاشتغال أو البراءة؟ (فیه قولان) ........... 246
الف) القول الأوّل: جریان الاشتغال (اختاره المحقق الخراسانی (قدس سره) ) .... 246
ب) القول الثانی: جریان البراءة الشرعیة (اختاره المحقق النائینی و الإصفهانی و الخوئی و بعض الأساطین) 246
ج) و التحقیق جریان البراءة الشرعیة و العقلیة ........................ 247
التنبیه: هل یکون هذا البحث من مباحث صیغة الأمر؟ ................... 249
بیان المحقق الخراسانی (قدس سره) : ............................................................................. 249
إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علیه .................................................... 249
جواب بعض الأساطین عن هذا الإیراد ......................................... 249
ملاحظتنا علی هذا الجواب ...................................................... 249
ص: 446
الأمر الرابع: اقتضاء إطلاق الصیغة النفسیة و التعیینیة و العینیة (و الکلام فیه علی نحوین: ما یعمّها و یخصّ کل واحد منها فهنا بحثان) ........................................................................................... 251
البحث الأوّل: ............................................................................... 251
نظریة المحقق الخراسانی ............................................................ 251
إیراد المحقق الإصفهانی علیها ...................................................... 252
جواب المحقق الوحید عن هذا الإیراد: .......................................... 252
البحث الثانی: (و الکلام فیه فی نواحٍ ثلاث) ......................................... 254
الناحیة الأُولی: الوجوب النفسی و الغیری ..................................... 254
استدل المحقق النائینی (قدس سره) علی النفسیة بوجهین ............................... 254
الناحیة الثانیة: الوجوب التعیینی و التخییری ................................. 254
الأقوال فی حقیقته الوجوب التخییری ثلثة و مقتضی الإطلاق علی کل منها الوجوب التعیینی 254
الناحیة الثالثة: الوجوب العینی و الکفائی ...................................... 256
الوجوه فی حقیقة الوجوب الکفائی أربعة و مقتضی الإطلاق علی کل منها الوجوب العینی 257
الأمر الخامس: الأمر عقیب الحظر (هنا بحثان) ...................................... 257
البحث الأوّل: فی دلالته علی الوجوب ............................................... 259
أما ذکر الأقوال (و العمدة منها أربعة) ......................................... 259
تحقیق المسألة ......................................................................... 262
الموضع الثانی: مقتضی الأصل العملی ................................................. 264
بیان المحقق الوحید: یجری البراءة الشرعیة و العقلیة ...................... 264
الأمر السادس: المرّة و التکرار (فیه مقدّمتان و تنبیه) .............................. 265
المقدمة الأُولی: فی تفسیر المرّة و التکرار (ههنا أقوال ثلثة): .................... 265
المقدمة الثانیة: فی انحلال الحکم بحسب تعدد الموضوع (الأحکام علی قسمین: تحریمیة و وجوبیة) 266
أمّا فی الأحکام التحریمیة فینحلّ الحکم بلا خلاف ........................... 266
و أمّا فی الأحکام الوجوبیة فقال المحقق الخوئی (قدس سره) : فیه تفصیل ............. 266
إیراد بعض الأساطین: ........................................................... 266
البحث الأوّل: فی دلالة الصیغة علی المرّة أو التکرار .......................... 267
ص: 447
أما الدلالة بالوضع ............................................................... 267
أما الدلالة بالإطلاق .............................................................. 267
البحث الثانی: مقتضی الأصل العملی ............................................ 267
الحق جریان استصحاب عدم التکلیف ........................................ 267
تنبیه: الامتثال بعد الامتثال (هنا نظریتان) ......................................... 268
النظریة الأُولی: ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) .................................... 268
إیراد الأول علی النظریة
الأُولی: عن المحقق الإصفهانی و الخوئی (قدس سرهما) .. 268
إیراد الثانی علی النظریة
الأُولی: عن محقق الصدر (قدس سره) : .................. 269
ملاحظتنا علی الإیراد الثانی ..................................................... 269
النظریة الثانیة: لامجال للامتثال ثانیاَ (أفادها المحقق الخوئی (قدس سره) ) .......... 270
الأمر السابع: الفور و التراخی (فیه مقدّمة) ........................................... 271
المقدّمة: فی أقسام الواجب من حیث الفور و التراخی ........................... 271
دلالة الصیغة علی الفور أو التراخی: .................................................. 272
أما الدلالة بالوضع .................................................................... 272
أما الدلالة بالإطلاق ................................................................... 272
أدلة القول بدلالة الأمر علی الفوریة (هی وجوه ثلاثة): ........................ 273
الوجه الأوّل: ما أفاده المحقق الحائری (قدس سره) فی کتاب الصلاة .................... 273
إیرادات ثلاثة من بعض الأساطین علیه: .................................... 273
الوجه الثانی: ............................................................................ 274
إیرادان من بعض الأساطین علیه: ............................................ 274
الوجه الثالث: قوله تعالی: (وَسَارِعُوا إِلَی مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّکُمْ) و (فَاسْتَبِقُوا الْخَیرَاتِ) 275
إیرادات أربعة علی هذا الوجه: .............................................. 275
1- الإیراد الأول: ما أفاده المحقق الخراسانی .......................... 275
جواب المحقق الوحید عن هذا الإیراد: ................................ 276
2- الإیراد الثانی: ما أفاده المحقق الخراسانی والحکیم و الخوئی .. 276
جواب المحقق الإصفهانی عنه: ............................................ 277
3- الإیراد الثالث: ما أفاده المحقق الخراسانی و الخوئی (قدس سرهما) و بعض الأساطین 277
ص: 448
4- الإیراد الرابع: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ............................ 278
مقتضی الأصل العملی (الأصل الجاری فی المسألة البراءة) ....................... 278
الفصل الثالث: تعلّق الأمر بالطبیعة أو الفرد (و الکلام فی مقامین) / 279
المقام الأوّل: التحقیق فی المسألة (هنا نظریات أربع) ............................... 281
النظریة
الأُولی: متعلق الطلب الوجود السعی للطبیعة (أفادها المحقق الخراسانی (قدس سره) ) 281
إیرادات أربعة علیها ................................................................. 282
ملاحظة علی الإیراد الأول ........................................................... 282
النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق النائینی و الشاه آبادی (قدس سرهما) ..................... 284
بیان المحقق النائینی (قدس سره) ................................................................ 284
بیان العلامة الشاه آبادی (قدس سره) : متعلق الطلب الطبیعة بغایة إیجادها ....... 284
إیرادات ثلاثة علی هذه النظریة .................................................. 285
1- الإیراد الأول: ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) .............................. 285
جواب المحقق الإصفهانی (قدس سره) عنه: ............................................... 285
2- الإیراد الثانی ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ............................... 286
3- الإیرادالثالث: .................................................................. 286
النظریة الثالثة: متعلق الطلب الطبیعة التی تلحظ بما هی خارجیة (أفادها المحقق العراقی (قدس سره) ) 286
ملاحظة علیها .......................................................................... 287
النظریة الرابعة: متعلق الأمر الفرد بمعنی وجود الطبیعة (أفادها المحقق الإصفهانی (قدس سره) ) 287
بیان المحقق الإصفهانی ................................................................... 287
المقام الثانی: ثمرة هذه المسألة (هنا بیانان) ........................................... 290
البیان الأوّل: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) فی إثبات الثمرة ........................ 290
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیه: یجوز اجتماع الأمر و النهی علی القولین ... 291
جوابان عن هذا الإیراد: ............................................................. 292
1- ما أفاده بعض الأساطین: ................................................. 292
ملاحظتنا علی هذا الجواب: ................................................... 292
ص: 449
2- ملاحظتنا علی هذا الإیراد .................................................. 293
البیان الثانی: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) فی إنکار الثمرة ........................... 296
الفصل الرابع: هل یبقی الجواز بعد نسخ الوجوب؟ / 297
(و الکلام فی مقامات ثلاثة)
المقام الأوّل: إمکان بقاء الجواز ثبوتاً (هنا تقریران للإمکان) ..................... 304
التقریر الأوّل: ماأفاده المحقق العراقی (قدس سره) ............................................. 304
إیرادات ثلثة علی هذا التقریر: .................................................... 304
1- الإیراد الأول: ما أفاده المحقق الخوئی (و هو مبنائی) .................... 304
2- الإیراد الثانی: (و هو مبنائی أیضاً) ............................................. 305
3- الإیراد الثالث: ما أفاده بعض الأساطین .................................. 309
التقریر الثانی: ............................................................................... 305
إیراد علی هذا التقریر ............................................................... 306
تتمّة ...................................................................................... 306
المقام الثانی: فی ذکر الأدلّة علی البقاء و عدمه ........................................ 307
استدلال علی البقاء فی کلام المحقق العراقی ........................................ 307
إیراد المحقق العراقی علیه: ........................................................ 310
إشکالان من بعض الأساطین علیه: ............................................... 310
المقام الثالث: مقتضی الأصل العملی (هل یجری الاستصحاب أو لا؟ هنا قولان) 312
القول الأوّل: جریان الاستصحاب (و فی تصویر جریانه نظریات ثلاث) ..... 312
النظریة الأُولی: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) ..................................... 312
النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق الحکیم (قدس سره) ...................................... 312
النظریة الثالثة ......................................................................... 313
القول الثانی: عدم جریانه (و هو نظریة المحقق الخراسانی) .................... 313
الفصل الخامس: الواجب التخییری /315
( فی حقیقته آراء نذکر منها نظریات ثمان)
النظریة الأُولی: الواجب الواحد المعین عند الله تعالی ................................. 317
ص: 450
إیرادان من المحقق الخراسانی (قدس سره) علیها ................................................. 317
النظریة الثانیة: الواجب الواحد المعین الذی یختاره المکلف ......................... 317
إیرادات أربعة من المحقق الخوئی (قدس سره) علیها ............................................ 318
جواب عن الإیراد الرابع .................................................................. 319
النظریة الثالثة: کل من الأطراف واجب تعیینی ولکن یسقط الوجوب بفعل أحدها . 319
إیرادات خمسة علیها: .................................................................... 319
الإیراد الأول: ما أفاده المحقق الخراسانی ............................................ 319
الإیراد الثانی: ما أفاده المحقق الإیروانی .............................................. 320
الإیراد الثالث و الرابع و الخامس: .................................................... 320
النظریة الرابعة: ما أفادها المحقق الخراسانی (قدس سره) (و فی کلامه فرضان أُورد علی کل منهما) ...... 321
إیرادات ثلاثة علی الفرض الأوّل: ....................................................... 322
1- ما أفاده المحقق الإصفهانی ..................................................... 322
2- ما أفاده المحقق الخوئی ......................................................... 324
3- ما أفاده المحقق الخوئی أیضاً .................................................. 324
جواب عن هذا الإیراد: ......................................................... 325
إیرادات خمسة علی الفرض الثانی: .................................................... 325
1- ما أفاده المحقق الإصفهانی ..................................................... 325
2- ما أفاده المحقق الخوئی ......................................................... 325
جواب بعض الأساطین عنه: ................................................... 326
3- ما أفاده المحقق الخوئی أیضاً .................................................. 326
جواب بعض الأساطین عنه: ................................................... 326
4- ما أفاده المحقق الخوئی أیضاً .................................................. 327
5- ما أفاده المحقق الخوئی أیضاً ................................................ 328
النظریة الخامسة: الواجب هو الفرد المردّد (أفادها المحقق النائینی (قدس سره) ) ............. 328
ملاحظتنا علیها (فی تعلق الإرادة و ما شابهما بالفرد المردد أقوال ثلاثة) .... 329
القول الأول: من الشیخ الأنصاری ................................................. 330
القول الثانی: مختار المحقق الخراسانی ........................................... 330
القول الثالث: من المحقق الإصفهانی و تبعه فیه بعض الأساطین ......... 331
ص: 451
النظریة السادسة: تفسیر الوجوب التخییری بالإیجاب الناقص (أفادها المحقق العراقی (قدس سره) ) 332
ملاحظتان علیها ............................................................................ 333
النظریة السابعة: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ........................................... 334
إیرادات خمسة من المحقق الخوئی (قدس سره) علیها: ......................................... 336
الإیراد الأول ................................................................................. 336
جواب عن هذا الإیراد .................................................................... 336
الإیراد الثانی ................................................................................. 337
جوابان عن هذا الإیراد ................................................................... 337
الإیراد الثالث ............................................................................... 337
جواب عن هذا الإیراد .................................................................... 337
الإیراد الرابع ................................................................................ 338
جواب عن هذا الإیراد .................................................................... 338
الإیراد الخامس ............................................................................. 338
جواب عن هذا الإیراد .................................................................... 338
النظریة الثامنة: الواجب جامع انتزاعی (أفادها المحقق الخوئی (قدس سره) ) ................... 339
ملاحظتان علی هذه النظریة ........................................................... 342
تنبیه: فی التخییر بین الأقل و الأکثر ........................................................ 344
بیان المحقق الخراسانی لإمکان التخییر بین الأقل و الأکثر ....................... 344
إیراد المحقق الخوئی علی هذا البیان ............................................. 344
الفصل السادس: الواجب الکفائی /347
(فی حقیقته آراء نذکر منها نظریات ستّ)
مقدّمة: فی احتیاج الأمر إلی الموضوع بناء علی جمیع المبانی ........................... 349
النظریة الأُولی: المکلف الواحد المعین عند الله تعالی ................................... 349
إیراد علیها ................................................................................... 341
النظریة الثانیة: الوجوب المشروط .......................................................... 341
إیراد علیها ................................................................................... 341
النظریة الثالثة: المکلف الفرد المردّد ....................................................... 352
ص: 452
إیراد المحقق الإصفهانی علیها ........................................................... 352
النظریة الرابعة: الأمر متوجه إلی مجموع المکلّفین بنحو العام المجموعی .......... 352
إیرادان من المحقق الإصفهانی علیها: .................................................. 352
النظریة الخامسة: ما أفاده المحقق الخراسانی و الإصفهانی (قدس سرهما) .......................... 353
بیان المحقق الخراسانی: ................................................................... 353
إیراد المحقق الإصفهانی و بیانه: ........................................................ 353
النظریة السادسة: الموضوع صرف الوجود من المکلفین (أفادها المحقق النائینی و الخوئی (قدس سرهما) ) و هنا بیانان: 354
البیان الأول: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) .............................................. 354
إیراد المحقق الإصفهانی علی هذا البیان: ........................................ 355
البیان الثانی: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................ 357
إیراد علی هذا البیان ................................................................. 358
الفصل السابع: الواجب الموسّع و المضیق /363
(فیه أُمور ثلثة)
الأمر الأوّل: فی تصویر الواجب الموسّع و المضیق(قد استشکل فی إمکان کلّ منهما) .... 363
الإشکال فی إمکان الواجب الموسّع (و هو المنقول عن العلامة (قدس سره) ) ............... 363
جواب المحقق الخوئی عن هذا الإشکال: ........................................ 363
الإشکال فی إمکان الواجب المضیق .................................................... 365
جوابان من المحقق الخوئی عن هذا الإشکال ................................... 365
الأمر الثانی: تبعیة القضاء للأداء (فیه مطالب أربعة) ................................... 367
المطلب الأوّل: الأقوال فی المسألة (و هی أربعة) ................................... 367
المطلب الثانی: تحقیق المسألة .......................................................... 369
إیراد المحقق الخوئی علی القول الثالث: ........................................ 369
نظریة المحقق الخراسانی ............................................................ 369
إیراد بعض الأساطین علیها ......................................................... 370
المطلب الثالث: مقتضی الأصل العملی (فیه وجهان) ............................ 372
ص: 453
الوجه الأوّل: جریان البراءة (مختار الشیخ الأنصاری و المحقق الخراسانی (قدس سرهما) ) 372
الوجه الثانی: جریان الاستصحاب (قال بإمکانه المحقق الإصفهانی (قدس سره) ) وله بیانان: 373
البیان الأوّل: استصحاب شخص الحکم ..................................... 374
إیراد بعض الأساطین علیه ................................................ 375
ملاحظتنا علی هذا الإیراد ................................................. 375
البیان الثانی: استصحاب کلی الحکم ......................................... 376
ملاحظة علیه ................................................................. 376
المطلب الرابع: ثمرة المسألة ............................................................. 377
بیان المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................................. 377
الأمر الثالث: جریان الاستصحاب إذا شک المکلف بعد الوقت فی إتیان المأمور به فی وقته 378
نظریة جمع من الأعلام منهم المحقق الخوئی: ..................................... 378
إیرادان من بعض الأساطین علیها ..................................................... 378
الفصل الثامن: الأمر بالأمر بشیء / 381
(و فیه بحثان)
البحث الأوّل: هل یکون ذلک أمراً بذلک الشیء؟ (فیه قولان) ........................... 383
القول الأوّل: ماأفاده بعض الأساطین..................................................
384
القول الثانی: ما أفاده المحقق العراقی و الخوئی (قدس سرهما) .................................. 384
البحث الثانی: شرعیة عبادات الصبی ........................................................ 387
نظریة المحقق العراقی: .................................................................. 387
إیراد المحقق الخوئی علیها: ......................................................... 388
إیرادان من بعض الأساطین علیها ................................................. 389
الفصل التاسع: الأمر بعد الأمر / 391
هل الأمر الثانی قبل امتثال الأمر الأوّل تأسیس أو تأکید؟ (للمسألة صور أربع) .. 393
ص: 454
البحث الثانی: النواهی / 395
(و فیه ثلاثة فصول)
الفصل الأوّل: معنی صیغة النهی / 397
(فیه خمسة أقوال)
القول الأوّل: طلب الکف (و هو منسوب إلی الفاضل الجواد (قدس سره) ) ........................ 391
القول الثانی: طلب الترک (و هو مختار المحقق الخراسانی و النائینی و الروحانی) .... 391
إیرادان علی هذین القولین.................................................................
391
القول الثالث: الزجر (و هو مختار المحقق العراقی و الإصفهانی و البروجردی و الصدر و الوحید) 401
بیان بعض الأساطین ........................................................................ 402
القول الرابع: الکراهة (وهو مختار المحقق الحائری (قدس سره) ) ................................... 402
إیراد علی هذا القول: ....................................................................... 402
القول الخامس: إبراز الأمر الاعتباری النفسانی و هو الحرمة (و هو مختار المحقق الخوئی (قدس سره) ) 403
بیان المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................................................................ 403
إیراد بعض الأساطین: ....................................................................... 405
الفصل الثانی: توجیه اقتضاء النهی لترک جمیع الأفراد / 407
(فی توجیه ذلک نظریات أربع)
النظریة الأُولی: ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) ............................................... 409
إیراد المحقق الإصفهانی علیها .............................................................. 409
بیان المحقق الخوئی فی توضیح الإیراد .................................................... 411
النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق الفشارکی والحائری (قدس سرهما) ................................. 413
إیرادان علی هذه النظریة .................................................................. 413
الإیراد الأول: ما أفاده المحقق الإصفهانی علیها ......................................... 413
ص: 455
الإیراد الثانی ................................................................................... 414
النظریة الثالثة: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ............................................... 414
بیان المحقق الخوئی فی توضیح هذه النظریة ............................................ 415
إیرادات ثلثة علیها: ..................................................................... 415
الإیراد الأول: ما أفاده المحقق الخوئی ................................................ 415
جواب عنه: .......................................................................... 416
الإیراد الثانی ما أفاده المحقق الخوئی أیضاً ........................................... 416
جواب بعض الأساطین عنه: ...................................................... 416
الإیراد الثالث: ما أفاده بعض الأساطین ............................................. 417
ملاحظات علی هذا الإیراد: ....................................................... 417
النظریة الرابعة: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) .................................................. 418
إیرادات أربعة علیها: ........................................................................ 418
الإیراد الأول: ما أفاده المحقق الصدر ................................................ 418
الإیراد الثانی و الثالث و الرابع: ما أفاده بعض الأساطین .......................... 421
الفصل الثالث: سقوط النهی بالمعصیة / 423
النظریة الأُولی: ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) ................................................ 425
النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ................................................ 426
النظریة الثالثة: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................... 426
إیرادات أربعة علیها (أفادها بعض الأساطین) .......................................... 428
ص: 456
(أَطِیعُوا اللَّهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ) 236
(اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ)................ 148
(أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ إِلَی غَسَقِ اللَّیلِ) 196, 266
(أَلَا إِلَی اللَّهِ تَصِیرُ الْأُمُورُ)........... 40
(أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ)............. 148
(أَمْرُ فِرْعَوْنَ)...................... 44
(إِنَّ اللَّهَ یأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ)..... 65
(إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَیئًا أَنْ یقُولَ لَهُ کُنْ فَیکُونُ) 92
(إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَیئاً أَنْ یقُولَ لَهُ کُنْ فَیکُون) 36
(إِنَّمَا أَمْوَالُکُمْ وَأَوْلَادُکُمْ فِتْنَةٌ)........ 65
(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)............ 195, 196
(جَاءَ أَمْرُنَا)....................... 94
(ذُقْ إِنَّکَ أَنْتَ الْعَزِیزُ)............ 148
(فَاسْتَبِقُوا)...................... 278
(فَاسْتَبِقُوا الْخَیرَاتِ).............. 275
(فَلْیحْذَرِ الَّذِینَ یخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِیبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ یصِیبَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ) 58, 65
(فَلْیحْذَرِ الَّذِینَ یخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ)... 60
(قُلْ تَمَتَّعُوا)...................... 148
(کُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِینَ)............ 148
(لَا تَقْتُلُوا الصَّیدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ )...... 429
(لِلَّهِ عَلَی النَّاسِ حِجُّ الْبَیتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَیهِ سَبِیلًا) 266
(لَیسَ عَلَیکُمْ جُنَاحٌ).............. 87
(مَا مَنَعَکَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُکَ)..... 60
(وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ).......... 88
(وَ مَا کُنَّا مُعَذِّبِینَ حَتَّی نَبْعَثَ رَسُولًا) 61
ص: 457
(وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِی الْأَرْضِ فَلَیسَ عَلَیکُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ) 87
(وَأَسِرُّوا قَوْلَکُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِیمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) 104
(وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِی أَنْفُسِکُمْ أَوْ تُخْفُوهُ یحَاسِبْکُمْ بِهِ اللَّهُ) 104
(وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا)..... 420
(وَحُرِّمَ عَلَیکُمْ صَیدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا) 429
(وَسَارِعُوا إِلَی مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّکُمْ).... 275
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَی بِآیاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِینٍ إِلَی فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِیدٍ) 44
(وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِیعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ) 234
(وَمَا رَمَیتَ إِذْ رَمَیتَ وَلَکِنَّ اللَّهَ رَمَی) 140
ص: 458
الْعُمْرَةُ وَاجِبَةٌ عَلَی الْخَلْقِ بِمَنْزِلَةِ الْحَجِ عَلَی مَنِ اسْتَطَاعَ» ثم علل الإمام (علیه السلام) وجوبه بقوله : «لِأَنَّ اللهَ تَعَالَی یقُولُ: (وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ) 88
اللَّهُ تَبَارَکَ وَ تَعَالَی أَکْرَمُ مِنْ أَنْ یکَلِّفَ النَّاسَ مَا لَا یطِیقُونَهُ وَ اللَّهُ أَعَزُّ مِنْ أَنْ یکُونَ فِی سُلْطَانِهِ مَا لَا یرِیدُ 134
إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله) صَلَّی عَلَی جِنَازَةٍ فَلَمَّا فَرَغَ جَاءَ قَوْمٌ فَقَالُوا: فَاتَتْنَا الصَّلَاةُ عَلَیهَا فَقَالَ: «إِنَّ الْجِنَازَةَ لَا یصَلَّی عَلَیهَا مَرَّتَینِ ادْعُوا لَهَا وَ قُولُوا خَیراً 359
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله) صَلَّی عَلَی جِنَازَةٍ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا جَاءَ قَوْمٌ لَمْ یکُونُوا أَدْرَکُوهَا فَکَلَّمُوا رَسُولَ اللَهِ (صلی الله علیه و آله) أَنْ یعِیدَ الصَّلَاةَ عَلَیهَا فَقَالَ لَهُمْ «قَدْ قَضَیتُ الصَّلَاةَ عَلَیهَا وَ لَکِنِ ادْعُوا لَهَا....................... 359
إِنَّ لِلَهِ إِرَادَتَینِ وَ مَشِیتَینِ: إِرَادَةَ حَتْمٍ وَ إِرَادَةَ عَزْمٍ ینْهَی وَ هُوَ یشَاءُ وَ یأْمُرُ وَ هُوَ لَا یشَاءُ 126
إِنَّا نَأْمُرُ صِبْیانَنَا بِالصَّلَاةِ إِذَا کَانُوا بَنِی خَمْسِ سِنِینَ فَمُرُوا صِبْیانَکُمْ بِالصَّلَاةِ إِذَا کَانُوا بَنِی سَبْعِ سِنِینَ 383
إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّیاتِ................ 238
حَتَّی یتَعَوَّدُوا..................... 389
سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ صَلَّی بِغَیرِ طَهُورٍ أَوْ نَسِی صَلَوَاتٍ لَمْ یصَلِّهَا أَوْ نَامَ عَنْهَا فَقَالَ صَلُّوا عَلَی الْمَرْجُومِ مِنْ أُمَّتِی وَ عَلَی الْقَتَّالِ نَفْسَهُ مِنْ أُمَّتِی لَا تَدَعُوا أَحَداً مِنْ أُمَّتِی بِلَا صَلَاةٍ......................... 360
عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَه (علیه السلام) فِی کَفَّارَةِ الْیمِینِ «یطْعِمُ عَشَرَةَ مَسَاکِینَ لِکُلِ مِسْکِینٍ مُدٌّ مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ مُدٌّ مِنْ دَقِیقٍ وَ حَفْنَةٌ أَوْ کِسْوَتُهُمْ لِکُلِّ إِنْسَانٍ ثَوْبَانِ أَوْ عِتْقُ رَقَبَةٍ وَ هُوَ فِی
ص: 459
ذَلِکَ بِالْخِیارِ أَی ذَلِکَ شَاءَ صَنَعَ فَإِنْ لَمْ یقْدِرْ عَلَی وَاحِدَةٍ مِنَ الثَّلَاثِ فَالصِّیامُ عَلَیهِ ثَلَاثَةُ أَیامٍ» 342
عَنِ الرَّجُلِ یصَلِّی عَلَی جِنَازَةٍ وَحْدَهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قُلْتُ: فَاثْنَانِ یصَلِّیانِ عَلَیهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ وَ لَکِنْ یقُومُ الْآخَرُ خَلْفَ الْآخَرِ وَ لَا یقُومُ بِجَنْبِهِ» 360
قَالَ: اشْتَرَیتُ إِبِلًا وَ أَنَا بِالْمَدِینَةِ مُقِیمٌ فَأَعْجَبَنِی إِعْجَاباً شَدِیداً فَدَخَلْتُ عَلَی أَبِی الْحَسَنِ الْأَوَّلِ [ (علیه السلام) ]فَذَکَرْتُهَا لَهُ فَقَالَ [ (علیه السلام) ] :” مَا لَکَ وَ لِلْإِبِلِ؟ أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّهَا کَثِیرَةُ الْمَصَائِبِ؟“ قَالَ: فَمِنْ إِعْجَابِی بِهَا أَکْرَیتُهَا وَ بَعَثْتُ بِهَا مَعَ غِلْمَانٍ لِی إِلَی الْکُوفَةِ قَالَ: فَسَقَطَتْ کُلُّهَا فَدَخَلْتُ عَلَیهِ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَال [ (علیه السلام) ] : فَلْیحْذَرِ الَّذِینَ یخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِیبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ یصِیبَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ 64
قَالا قُلْنَا لِأَبِی جَعْفَرٍ (علیه السلام) مَا تَقُولُ فِی الصَّلَاةِ فِی السَّفَرِ؟ کَیفَ هِی؟ وَ کَمْ هِی؟ فَقَالَ [ (علیه السلام) ]:”إِنَّ اللَّهَ یقُولُ:
(وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِی الْأَرْضِ فَلَیسَ عَلَیکُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ) فَصَارَ التَّقْصِیرُ فِی السَّفَرِ وَاجِباًکَوُجُوبِ التَّمَامِ فِی الْحَضَرِ “قَالا: قُلْنَا:إِنَّمَا قَالَ اللَهُ: (لَیسَ عَلَیکُمْ جُنَاحٌ) وَ لَمْ یقُلْ: افْعَلُوافَکَیفَ أَوْجَبَذَلِکَ کَمَا أَوْجَبَ التَّمَامَ فِی الْحَضَرِ؟ 87
قوله (صلی الله علیه و آله) :«لَوْ لَا أَنْ أَشُقَّ عَلَی أُمَّتِی لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاکِ» 61,58
قوله (علیه السلام) : مَنْ تَکَلَّمَ فِی صَلَاتِهِ أَعَادَ.... 158
کُلُّ مَا تَرَکْتَهُ مِنْ صَلَاتِکَ لِمَرَضٍ أُغْمِی عَلَیکَ فِیهِ فَاقْضِهِ إِذَا أَفَقْتَ 380
لَا جَبْرَ وَ لَا تَفْوِیضَ بَلْ أَمْرٌ بَینَ..... 127
لَا عَمَلَ إِلَّا بِالنِّیةِ.................. 237
لِکُلِ امْرِئٍ مَا نَوَی................. 238
یا ابْنَ آدَمَ بِمَشِیتِی کُنْتَ أَنْتَ الَّذِی تَشَاءُ لِنَفْسِکَ مَا تَشَاءُ وَ بِإِرَادَتِی کُنْتَ أَنْتَ الَّذِی تُرِیدُ لِنَفْسِکَ مَا تُرِیدُ 137
ینْبَغِی لِأَوْلِیاءِ الْمَیتِ مِنْکُمْ أَنْ یؤْذِنُوا إِخْوَانَ الْمَیتِ بِمَوْتِهِ فَیشْهَدُونَ جِنَازَتَهُ وَ یصَلُّونَ عَلَیهِ وَ یسْتَغْفِرُونَ لَهُ فَیکْتَبُ لَهُمُ الْأَجْرُ وَ یکْتَبُ لِلْمَیتِ الِاسْتِغْفَارُ. 358
ص: 460
رسول الله (صلی الله علیه و آله) ... 58, 124, 136, 359, 360
امیر المؤمنین (علیه السلام) ..................... 94
الامام جعفر الصادق (علیه السلام) 87, 88, 134, 342, 358, 359, 360, 379, 380, 383
الامام الکاظم (علیه السلام) .................... 65
الامام الرضا (علیه السلام) .................... 126
الف
ابْنِ أَبِی عُمَیر................ 379, 383
أَبِی هَمَّامٍ إِسْمَاعِیلَ بْنِ هَمَّام.......... 360
أَبِی وَلَّاد......................... 358
أحمد بن أبی عبد الله أحمد بن محمد بن خالد البرقی 134
أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِی بْنِ فَضَّال... 360
إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّار.................. 359
الإصفهانی 28, 36, 39, 40, 44, 45, 46, 47, 48, 49, 52, 91, 94, 95, 98, 105, 112, 113, 115, 118, 119, 120, 122, 123, 124, 125, 130, 137, 143, 152, 154, 155, 163, 185, 187, 193, 198, 199, 200, 201, 203, 207, 208, 209, 210, 230, 232, 243, 244, 245, 246, 249, 252, 268, 269, 270, 272, 277, 285, 286, 287, 322, 325, 331, 333, 334, 336, 337, 339, 343, 349, 352, 353, 355, 373, 375, 400, 401, 402, 410, 413, 414, 417, 418, 422, 426
آقا علی المدرس................... 293
ص: 461
الإیروانی......................... 320
ب
البروجردی 31, 46, 70, 74,72, 78, 100, 150, 199, 221, 222, 223, 401
بعض الأساطین 29, 34, 39, 46, 56, 57, 61, 62, 68, 72, 82, 83, 85, 149, 153, 154, 158, 161, 163, 186, 189, 191, 192, 194, 197, 201, 203, 205, 207, 209, 215, 220, 221, 222, 233, 244, 245, 247, 249, 252, 262, 263, 264, 265, 266, 273, 274, 276, 277, 292, 302, 305, 310, 326, 327, 331, 334, 368, 370, 375, 378, 384, 389, 393, 402, 405, 416, 417, 421, 422, 428
ح
الحائری......... 273, 356, 402, 413
الْحَسَنِ بْنِ طَرِیف................. 359
الْحَسَنُ بْنُ مَتِّیل................... 134
الحسن بن متّیل................... 134
الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوب............ 358,64
الْحَسَنِ بْنِ مُوسَی الْخَشَّاب......... 359
حُسَینِ بْنِ سَعِید.................. 379
الْحُسَینِ بْنِ سَعِید.................. 380
الْحُسَینِ بْنِ عُلْوَان................. 359
الحکیم.......................... 312
الْحَلَبِی........................... 383
حَمَّاد............................. 383
الخراسانی 19, 26, 46, 47, 48, 49, 52, 58, 70, 97, 106, 107, 108, 109, 112, 114, 115, 118, 127, 149, 151, 158, 161, 165, 185, 187, 200, 202, 207, 218, 228, 230, 231, 232, 233, 240, 242, 246, 247, 249, 251, 252, 262, 265, 268, 269, 272, 275, 276, 277, 281, 282, 283, 285, 287, 295, 302, 309, 313, 317, 319, 320, 321, 326, 327, 328, 330, 336, 344, 353, 368, 369, 370, 371, 372, 384, 393, 399, 409, 425
خ
الخوئی 35, 36, 38, 49, 50, 70, 79, 90, 95, 99, 100, 113, 114,
ص: 462
121, 131, 133, 141, 152, 154, 157, 160, 161, 164, 165, 167, 168, 170, 172, 173, 174, 175, 176, 177, 179, 181, 182, 183, 188, 195, 200, 203, 206, 207, 208, 209, 210, 213, 214, 215, 218, 219, 224, 225, 226, 227, 235, 247, 262, 263, 266, 268, 269, 270, 272, 276, 277, 278, 290, 291, 292, 293, 295, 296, 302, 304, 305, 318, 324, 326, 327, 328, 336, 339, 343, 344, 349, 357, 358, 364, 365, 368, 369, 377, 378, 384, 385, 388, 389, 393, 403, 411, 415, 416, 418, 420, 426, 428
ر
الروحانی........................ 400
ز
زرارة........................ 85, 379
زَکَرِیا بْنِ مُوسَی.................. 360
الزنوزی.................... 110, 113
س
سَعْدِ بْنِ عَبْدِ الله............. 359, 360
السَّکُونِی......................... 360
السید المرتضی................... 262
ش
الشاه آبادی...................... 284
الشیخ الأنصاری 97, 216, 240, 242, 330, 372
الشیرازی (المیرزا المجدد).......... 226
ص
صاحب الفصول................... 26
صاحب القوانین................... 72
صاحب هدایة المسترشدین.......... 99
صاحب الجواهر.................. 241
الصدر 34, 38, 41, 42, 46, 76, 77, 78, 81, 83, 84, 164, 168, 171, 172, 177, 183, 269, 401, 417, 420
الصدوق................... 125, 133
ط
الطباطبائی....................... 115
الطوسی.................... 130, 137
ع
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْیرِی......... 359
ص: 463
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَان............ 358, 380
العراقی 34, 46, 56, 60, 61, 66, 70, 78, 79, 151, 158, 194, 202, 203, 207, 233, 272, 286, 302, 304, 309, 310, 311, 312, 332, 333, 334, 384, 387, 389, 401
عَلِی بْنِ إِبْرَاهِیم.......... 66, 359, 383
عَلِی بْنُ الْحُسَین................... 359
عَلِی بْنِ الْحَکَم.................... 134
عُمَرَ بْنِ أُذَینَة..................... 379
غ
غِیاثِ بْنِ کَلُّوب.................. 359
ف
الفاضل الجواد................... 399
الفخر الرازی.................... 132
الفشارکی........................ 413
فَضَالَةَ عَنِ ابْنِ سِنَان.............. 380
ق
القوچانی.......................... 24
ک
الکلینی........................... 63
م
مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْوَلِید.. 134
مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَن........ 358, 379, 380
مُحَمَّدِ بْنِ سَعِید.................... 360
مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِم..................... 87
مُحَمَّدُ بْنُ یعْقُوب............ 359, 383
المشکینی..................... 25, 191
ن
النائینی 37, 38, 52, 82, 84, 99, 100, 112, 113, 114, 131, 150, 164, 165, 167, 173, 175, 176, 177, 179, 187, 194, 195, 200, 201, 204, 207, 209, 210, 213, 219, 226, 229, 232, 240, 242, 246, 254, 272, 284, 290, 292, 328, 354, 400
النجاشی......................... 134
نَضْرِ بن سوید.................... 380
ه-
هِشَامِ بْنِ سَالِم.................... 134
ی
یحْیی بْنِ زَکَرِیا.................... 359
الْیسَعِ بْنِ عَبْدِ اللَهِ الْقُمِّی........... 360
ص: 464