عیون الانظار المجلد 2

اشارة

سرشناسه : بهبهانی، محمدعلی، 1352 -

عنوان و نام پدیدآور : عیون الانظار [کتاب]/ محمدعلی بهبهانی.

مشخصات نشر : قم: محمدعلی بهبهانی، 1437ق.= 2016م.= 1395 .

مشخصات ظاهری : 10ج.

شابک : دوره:978-600-04-3019-1 ؛ ج.1 978-600-04-3017-7: ؛ ج.2 978-600-04-3018-4: ؛ ج.3 978-600-04-5819-5 : ؛ ج.4 978-600-04-6758-6 : ؛ ج.5 978-600-04-6759-3 :

یادداشت : عربی.

یادداشت : عنوان روی جلد: عیون الانظار فی علم الاصول.

یادداشت : نمایه .

مندرجات : ج.1. مبادی علم الاصول.- ج.2. مباحث الالفاظ الاول.- ج.3. مباحث الالفاظ الثانی.- ج.4. مباحث العقلیه.

عنوان روی جلد : عیون الانظار فی علم الاصول.

موضوع : اصول فقه شیعه

موضوع : * Islamic law, Shiites -- Interpretation and construction

رده بندی کنگره : BP159/8/ب857ع9 1395

رده بندی دیویی : 297/312

شماره کتابشناسی ملی : 3846970

عیون الأنظار / الجزء الأول

- المؤلف: محمد علی البهبهانی

- شابک الجزء الأول: 7-3017-04-600-978

- شابک الدورة: 1-3019-04-600-978

- الطبعة الأولی

- سنة النشر: 1436ه- ق – 1394 ه- ش

- السعر: 30000

- عدد النسخ: 1000

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 2

عُیونُ الأنظار

(الجزء الثانی)

مباحث الألفاظ (1)

البحث الأول: الأوامر

البحث الثانی: النواهی

ص: 3

ص: 4

الفهرس

البحث الأوّل : « الأوامر» / 15

الفصل الأول : مادةالأمر / 17

الأمر الأول :معنی مادةالأمر. 19

البحث الأول: معنی الأمر لغةً و عرفاً 19

المحاولة الأُولی: الاشتراک اللفظی.. 21

المحاولة الثانیة: الاشتراک المعنوی.. 22

النظریة الأُولی: من العلامة القوچانی (قدس سره) 24

النظریة الثانیة: من معلّق الکفایة المحقق المشکینی (قدس سره) 25

النظریة الثالثة: من صاحب الفصول (قدس سره) 26

النظریة الرابعة: من صاحب الکفایة (قدس سره) 26

النظریة الخامسة: من المحقق البروجردی (قدس سره) 31

النظریة السادسة: من المحقق العراقی (قدس سره) 34

النظریة السابعة: من المحقق الخوئی (قدس سره) 36

النظریة الثامنة : من المحقق النائینی (قدس سره) 37

النظریة التاسعة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) 39

البحث الثانی : معنی « الأمر » اصطلاحاً 48

النظریة الأُولی: و هی مختار المشهور. 48

النظریة الثانیة: و هی المختار عندنا 50

ص: 5

البحث الثالث: الأصل العملی فی المقام. 52

نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) : 52

نظریة بعض أکابر الأساطین (دام ظله) : 52

الأمر الثانی: فی اعتبار العلو و الاستعلاء. 53

الأمر الثالث:دلالة مادة الأمر علی الوجوب... 55

النظریة الأُولی: مادة الأمرحقیقة فی الندب... 56

النظریة الثانیة: الاشتراک المعنوی بین الوجوب و الندب... 56

الوجه الأول: 57

الوجه الثانی: 57

النظریة الثالثة: وضع المادة للوجوب... 58

النظریة الرابعة: انصراف المطلق إلی الواجب... 66

النظریة الخامسة: الإطلاق بمقدمات الحکمة. 66

التقریر الأول: 67

التقریر الثانی (الأتمیة فی مرحلة التحریک للامتثال): 67

التقریر الثالث: ما عن المحقق البروجردی (قدس سره) 70

التقریر الرابع: 75

التقریر الخامس: 76

التقریر السادس: 77

التقریر السابع: و هو المختار. 78

النظریة السادسة: حکم العقل بالوجوب... 81

النظریة السابعة: السیرة العقلائیة. 85

الأمر الرابع:فی النسبة بین الأمر و الطلب... 91

القول الأول: الأمر مطلق الطلب... 91

القول الثانی: الأمر الطلب بالقول. 92

القول الثالث: إنّ مادة الأمر وضعت للطلب المنشأ 94

القول الرابع: إنّ مادة الأمر وضعت للطلب المنشأ من الغیر. 95

القول الخامس: للمحقق الإصفهانی (قدس سره) فی رسالة الطلب و الإرادة. 95

القول السادس: عینیة الطلب و الإرادة بأُسلوب آخر و هو القول المختار. 95

ص: 6

الأمر الخامس:فی تطابق معنی الطلب و الإرادة. 97

هل یتحد معنی الطلب و الإرادة؟. 97

المحاولة الأُولی: اتحاد معنی الطلب و الإرادة. 97

المحاولة الثانیة: تغایر معنی الطلب و الإرادة. 98

نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) : 98

النظریة المختارة. 98

نظریة صاحب هدایة المسترشدین (قدس سره) و المحقق النائینی (قدس سره) 99

نظریة المحقق البروجردی (قدس سره) 100

نظریة الأشاعرة. 101

التنبیه الأول: فی الإرادة التکوینیة و التشریعیة. 110

المطلب الأول فی الإرادة التکوینیة. 110

الجهة الأُولی: معنی الإرادة. 110

الجهة الثانیة: الإرادة الذاتیة و الفعلیة لله تعالی.. 115

أما الإرادة الذاتیة لله تعالی.. 115

أما الإرادة الفعلیة لله تعالی.. 120

المطلب الثانی: فی الإرادة التشریعیة. 123

التفسیر الأول: الإرادة المتعلقة بفعل الغیر. 123

التفسیر الثانی: الإرادة المتعلقة بالاعتبارات الشرعیة. 124

التنبیه الثانی: فی الأمر بین الأمرین.. 127

تقریرات أربعة لنظریة الأمر بین الأمرین: 130

التقریر الأول: ما حکی عن الحکیم المحقق الطوسی (قدس سره) 130

التقریر الثانی: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) 131

التقریر الثالث: ما أفاده العلامة المحقق الإصفهانی (قدس سره) 137

التقریر الرابع: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) 141

الفصل الثانی: صیغة الأمر / 145

الأمر الأول:معنی صیغة الأمر. 147

القول الأول: 147

القول الثانی: إنشاء الطلب... 149

القول الثالث: النسبة الإنشائیة الإیقاعیة. 150

ص: 7

القول الرابع: النسبة الإرسالیة. 151

القول الخامس: النسبة البعثیة. 152

القول السادس: إبراز اعتبار الفعل علی ذمة المکلف... 152

القول السابع: إبراز النسبة البعثیة. 154

الأمر الثانی:الجمل الخبریة فی مقام البعث... 157

الموضع الأول: معنی هذه الجمل.. 157

النظریة الأُولی: 158

النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) 158

التقریب الأول: 158

التقریب الثانی: 159

النظریة الثالثة: مختار السید المحقق الخوئی (قدس سره) 160

الموضع الثانی: دلالتها علی الوجوب... 161

الأمر الثالث:الواجب التعبدی و التوصلی... 163

مقدمة: فی بیان المعانی الأربعة للواجب التوصلی... 164

مقتضی الأصل فی الواجب التوصلی... 167

المبحث الأول: مقتضی الأصل علی المعنی الأول. 167

أما مقتضی الأصل اللفظی.. 167

القول الأول: 167

القول الثانی: 167

أما مقتضی الأصل العملی... 170

النظریة الأولی: من المشهور. 170

النظریة الثانیة: من المحقق الخوئی (قدس سره) 170

النظریة الثالثة: تفصیل السید الصدر (قدس سره) فی المقام. 171

المبحث الثانی: مقتضی الأصل علی المعنی الثانی.. 173

أما مقتضی الأصل اللفظی.. 173

القول الأول: أصالة التوصلیة. 173

القول الثانی: أصالة التعبدیة. 173

أما مقتضی الأصل العملی... 179

القول الأول: 179

القول الثانی: 179

ص: 8

المبحث الثالث: مقتضی الأصل علی المعنی الثالث... 180

القسم الأول: 180

أما مقتضی الأصل اللفظی.. 180

أما مقتضی الأصل العملی.. 181

القسم الثانی: 182

القول الأول: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) 182

القول الثانی: و هو المختار. 183

المبحث الرابع: مقتضی الأصل علی المعنی الرابع. 185

تعریف الواجب التوصلی بالمعنی الرابع. 185

التعریف الأول: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) 185

التعریف الثانی: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) 187

التعریف الثالث: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) و هو المختار. 188

مقتضی الأصل اللفظی علی المعنی الرابع. 189

المورد الأول: الإطلاق بمقدمات الحکمة. 189

الوجه الأول: قصد الأمر. 189

الجهة الأُولی: هل یمکن تقیید متعلّق الأمر ب- «قصد الأمر»؟. 190

الجهة الثانیة: علی فرض استحالة التقییدهل یستحیل الإطلاق أو لا؟. 209

الوجه الثانی و الثالث و الرابع: قصد مصلحة الفعل و حسنه و محبوبیته. 218

الوجه الخامس: قصد الجامع بین الدواعی و هو قید الانتساب إلیه تعالی.. 224

الوجه السادس: ما یلازم قصد القربة. 226

المورد الثانی: نتیجة الإطلاق.. 228

بیان إمکان أخذ قصد القربة فی المتعلق بالأمر الثانی: 228

المورد الثالث: الأصل اللفظی الخارجی.. 234

الوجه الأول: 234

الوجه الثانی: 236

الوجه الثالث: 237

مقتضی الأصل المقامی علی المعنی الرابع. 240

التقریر الأول: ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) 240

التقریر الثانی: 240

مقتضی الأصل العملی علی المعنی الرابع. 243

المسألة الأُولی: هل یجری الاستصحاب أو لا؟ 243

ص: 9

البیان الأول: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) : 243

البیان الثانی: ما أفاده بعض الأساطین.. 245

المسألة الثانیة: هل یجری الاشتغال أو البراءة؟ 246

القول الأول: جریان أصالة الاشتغال. 246

القول الثانی: جریان البراءة الشرعیة. 246

التنبیه: هل یکون هذا البحث من مباحث صیغة الأمر؟ 249

بیان المحقق الخراسانی (قدس سره) : 249

الأمر الرابع:اقتضاء إطلاق الصیغة النفسیة و التعیینیة و العینیة. 251

البحث الأول. 251

نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) : 251

البحث الثانی.. 254

الناحیة الأُولی: الوجوب النفسی و الغیری.. 254

استدل المحقق النائینی (قدس سره) علی النفسیة بوجهین: 254

الناحیة الثانیة: الوجوب التعیینی و التخییری.. 255

الناحیة الثالثة: الوجوب العینی و الکفائی.. 256

الأمر الخامس:الأمر عقیب الحظر. 259

البحث الأول: فی دلالته علی الوجوب... 259

أمّا ذکر الأقوال. 259

تحقیق المسألة. 262

البحث الثانی: مقتضی الأصل العملی... 264

بیان بعض الأساطین (دام ظله) : 264

الأمر السادس:المرة و التکرار. 265

المقدمة الأُولی: فی تفسیر المرة و التکرار. 265

المقدمة الثانیة: فی تحقیق انحلال الحکم بحسب تعدد الموضوع.. 266

البحث الأول: فی دلالة الصیغة علی المرة و التکرار. 267

أمّا الدلالة بالوضع. 267

أمّا الدلالة بالإطلاق.. 267

البحث الثانی: مقتضی الأصل العملی... 267

تنبیه: الامتثال بعد الامتثال. 268

ص: 10

النظریة الأُولی: ما اختاره صاحب الکفایة (قدس سره) من التفصیل.. 268

النظریة الثانیة: ما أفاده السید الخوئی (قدس سره) 270

الأمر السابع: الفور و التراخی.. 271

المقدمة: 271

دلالة الصیغة علی الفور أو التراخی.. 272

أمّا الدلالة بالوضع. 272

أمّا الدلالة بالإطلاق.. 272

أدلة القول بدلالة الأمر علی الفوریة. 273

الوجه الأول: الدلیل العقلی... 273

الوجه الثانی: 274

الوجه الثالث: 275

مقتضی الأصل العملی... 278

الفصل الثالث: تعلق الأمر بالطبیعة أو الفرد / 279

المقام الأول: التحقیق فی المسألة. 281

النظریة الأُولی: ما اختاره المحقق الخراسانی (قدس سره) 281

النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق النائینی و الأُستاذ العلامة الشاه آبادی.. 284

النظریة الثالثة: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) 286

النظریة الرابعة: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) 287

المقام الثانی: ثمرة هذه المسألة. 290

بیان المحقق النائینی (قدس سره) فی إثبات الثمرة: 290

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) فی إنکار الثمرة: 296

الفصل الرابع:هل یبقی الجواز بعد نسخ الوجوب؟ / 299

تمهید. 301

المقام الأول: إمکان بقاء الجواز ثبوتاً 304

التقریر الأول: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) 304

التقریر الثانی: 305

المقام الثانی: فی مقام الإثبات... 309

ص: 11

المقام الثالث: مقتضی الأصل العملی... 312

القول الأول: جریان الاستصحاب... 312

النظریة الأُولی: ما اختاره المحقق العراقی (قدس سره) 312

النظریة الثانیة: ما أفاده السید المحقق الحکیم (قدس سره) 312

النظریة الثالثة: 313

القول الثانی: عدم جریان الاستصحاب... 313

الفصل الخامس:الواجب التخییری / 315

حقیقة الواجب التخییری.. 317

النظریة الأُولی: 317

النظریة الثانیة: 317

النظریة الثالثة: 319

النظریة الرابعة: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) 321

النظریة الخامسة: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) 328

النظریة السادسة: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) 332

النظریة السابعة: ما اختاره المحقق الإصفهانی (قدس سره) 334

النظریة الثامنة: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) 339

تنبیه: فی التخییر بین الأقل و الأکثر.. 344

بیان صاحب الکفایة (قدس سره) لإمکان التخییر بین الأقل و الأکثر: 344

الفصل السادس:الواجب الکفائی / 347

مقدمة: فی احتیاج الأمر إلی الموضوع.. 349

نظریات الأعلام فی حقیقة الواجب الکفائی.. 351

النظریة الأُولی: التکلیف متوجه إلی واحد معین عند الله. 351

النظریة الثانیة: الوجوب المشروط.. 351

النظریة الثالثة: التکلیف متوجه إلی الفرد المردد. 352

النظریة الرابعة: الوجوب علی مجموع المکلفین.. 352

النظریة الخامسة: من المحقق الخراسانی و المحقق الإصفهانی (قدس سرهما) .. 353

النظریة السادسة: موضوع التکلیف هو صرف الوجود للمکلفین.. 354

ص: 12

البیان الأول: من المحقق النائینی (قدس سره) 354

البیان الثانی: من المحقق الخوئی (قدس سره) 357

الفصل السابع:الواجب الموسع و المضیق / 361

الأمر الأول: فی تصویر الواجب الموسّع و المضیق.. 363

الأمر الثانی: تبعیة القضاء للأداء. 367

المطلب الأول: الأقوال فی المسألة. 367

المطلب الثانی: تحقیق المسألة. 369

المطلب الثالث: مقتضی الأصل العملی... 372

الوجه الأول: جریان البراءة. 372

الوجه الثانی: جریان الاستصحاب... 373

البیان الأول: إستصحاب شخص الحکم. 374

البیان الثانی: استصحاب کلی الحکم. 376

المطلب الرابع: ثمرة المسألة. 377

الأمر الثالث: جریان الاستصحاب إذا شک المکلف بعد الوقت فی إتیان المأمور به فی وقته. 378

نظریة جمع من الأعلام منهم المحقق الخوئی (قدس سره) : 378

الفصل الثامن: الأمر بالأمر بشیء / 381

البحث الأول: هل یکون الأمرُ بالأمر بشیء أمراً بذلک الشیء. 383

القول الأول: عن صاحب الکفایة (قدس سره) و بعض الأساطین: 384

القول الثانی: عن المحقق العراقی (قدس سره) و المحقق الخوئی (قدس سره) 384

البحث الثانی:شرعیة عبادات الصبی.. 387

نظریة المحقق العراقی (قدس سره) : 387

الفصل التاسع:الأمر بعد الأمر / 391

البحث الثانی: « النواهی » / 395

الفصل الأول:معنی صیغة النهی / 397

القول الأول: طلب الکف... 399

ص: 13

القول الثانی: طلب الترک.. 399

القول الثالث: الزجر. 401

القول الرابع: الکراهة. 402

القول الخامس: إبراز الأمر الاعتباری النفسانی.. 403

الفصل الثانی:توجیه اقتضاء النهی لتر ک جمیع الأفراد / 407

النظریة الأُولی: من المحقق الخراسانی (قدس سره) 409

النظریة الثانیة: ما اختاره المحقق الفشارکی و المحقق الحائری (قدس سرهما) .. 413

النظریة الثالثة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) 414

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) فی توضیح هذه النظریة: 415

النظریة الرابعة: من المحقق الخوئی (قدس سره) 418

الفصل الثالث:سقوط النهی بالمعصیة / 423

النظریة الأُولی: من صاحب الکفایة (قدس سره) 425

النظریة الثانیة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) 426

النظریة الثالثة: من المحقق الخوئی (قدس سره) 426

فهرس العناوین تفصیلاً.. 431

ص: 14

البحث الأوّل : « الأوامر»

اشارة

وفیه تسعة فصول

الفصل الأول: مادة الأمر

الفصل الثانی: صیغة الأمر

الفصل الثالث : تعلق الأمر بالطبیعة أو الفرد

الفصل الرابع: هل یبقی الجواز بعد نسخ الوجوب؟

الفصل الخامس: الواجب التخییری

الفصل السادس: الواجب الکفائی

الفصل السابع: الواجب الموسع و المضیق

الفصل الثامن: الأمر بالأمر بشیء

الفصل التاسع: الأمر بعد الأمر

ص: 15

ص: 16

الفصل الأول : مادةالأمر

اشارة

و فیه خمسة أُمور

الأمر الأول: معنی مادة الأمر

الأمر الثانی: فی اعتبار العلو و الاستعلاء

الأمر الثالث: دلالة مادة الأمر علی الوجوب

الأمر الرابع: فی النسبة بین الأمر و الطلب

الأمر الخامس: فی تطابق معنی الطلب و الإرادة

ص: 17

ص: 18

الأمر الأول :معنی مادةالأمر

اشارة

هنا ثلاثة أبحاث:

البحث الأول: معنی الأمر لغةً و عرفاً
اشارة

ذکر للفظ «الأمر» معانٍ منها الطلب و الشأن و الفعل و الفعل العجیب و الشیء و الحادثة و الغرض.((1))

و قد أورد علیها صاحب الکفایة (قدس سره) ((2)) فقال: «لایخفی أنّ عد بعضها من معانیه من اشتباه المصداق بالمفهوم ضرورة أنّ الأمر فی "جاء زید لأمر" ما استعمل فی معنی الغرض بل اللام قد دل علی الغرض نعم یکون مدخوله [أی اللام] مصداقه [أی الغرض] فافهم »((3))

ص: 19


1- المعانی المذکورة هنا – وفاقاً للکفایة- جاءت بعینها فی هدایة المسترشدین، ص130.
2- کفایة الأُصول، ص61، المقصد الأول، الفصل الأول، الجهة الأُولی.
3- قال صاحب الکفایة فی تتمة کلامه: «و هکذا الحال فی قوله تعالی فلما جاء أمرنا یکون مصداقاً للتعجب لا مستعملاً فی مفهومه و کذا فی الحادثة و الشأن». و فی عنایة الأُصول، ج1، ص174: «مقصود المصنف علی ما یظهر من کلماته الآتیة أنّ ما سوی الطلب و الشیء و الفعل و هو الغرض و الحادثة و الفعل العجیب و الشأن عنده من معانی لفظ الأمر من اشتباه المصداق بالمفهوم» و فی بحوث فی علم الأُصول، ج2، ص11«قد ذکر لها معان عدیدة... و لا شک فی أنّ الطلب من معانیها و أمّا سائر المعانی فکثیر مما ذکر منها لیس معنی له و إنّما یستفاد فی موارد استعماله من دوالّ و خصوصیات أُخری خارجة عن کلمة الأمر... فیکون من اشتباه المفهوم بالمصداق». بل فی حقائق الأُصول، ج1، ص140 ادّعاء هذا الأمر فی الطلب أیضاً قال فی التعلیقة علی قوله «منها الطلب»: «الطلب عرفاً هو السعی نحو الشیء... فلایبعد أن یکون المصحح لاستعماله فی الأمر کون الأمر نحواً من السعی نحو المأمور به و علیه فعدّ الطلب من معانی الأمر یکون من قبیل اشتباه المفهوم بالمصداق اللهم إلّا أن یکون الاستعمال فیه بلغ حد الحقیقة التعیینیة فتأمّل» الخ. و أمّا استعمال الأمر فی الشیء ففی نهایة الدرایة، ج1، ص173: «و لم أقف علی مورد یتعین فیه إرادة الشیء حتی مثل قوله تعالی (أَ لَا إِلَی اللهِ تَصِیرُ الْأُمُورُ) (الشوری:53) لإمکان إرادة المصنوعات فإنّ الموجودات کلها باعتبار صنعه و فعله تعالی...». و أما استعمال الأمر فی الفعل ففی نهایة النهایة، ج1، ص87: «و أمّا بقیة المعانی من الفعل و الشأن و الحادثة و غیر ذلک فهی خصوصیات مستفادة من القرائن الخارجیة».

هذه المعانی استعمل فیها الأمر و أما الموضوع له للفظ الأمر، ففیه أقوال و هنا نبحث عن محاولتین مهمّتین؛((1))

ص: 20


1- أمّا المحاولة الثالثة: فکونه حقیقة فی معنی و مجازاً فی غیره و أشار إلیه فی کفایة الأُصول، ص62 قال «و قد استعمل فی غیر واحد من المعانی فی الکتاب و السنة و لا حجة علی أنّه علی نحو الاشتراک اللفظی أو المعنوی أو الحقیقة و المجاز». و هو مختار الشیخ و العلامة (قدس سرهما). قال الأوّل فی عدّة الأُصول، ج1، ص159: «الأمر عبارة عن قول القائل لمن هو دونه: افعل و الفعل لایسمی أمراً إلّا علی وجه المجاز و الاستعارة و هذا مذهب أکثر المتکلمین و الفقهاء»؛ و قال الثانی فی مبادئ الوصول، ص90: «الأمر هو اللفظ الدال علی طلب الفعل علی جهة الاستعلاء و هو حقیقة فی القول مجاز فی الفعل و إلّا لزم الاشتراک». و هو مختار المحقق القمی (قدس سره) أیضاً قال فی القوانین، ص32 «و ما قیل باشتراکه مع ذلک بین الفعل و الشأن و غیر ذلک بعید لعدم تبادرها و المجاز خیر من الاشتراک و الاستعمال أعم من الحقیقة...» بل لعله قول الأکثر قال فی هدایة المسترشدین، ص130 «و المحکی عن الأکثر فی کلام جماعة هو اختصاصه بالقول المخصوص و کونه مجازاً فی غیره و قد نص علیه جماعة من العامة و الخاصة و عزاه فخر الإسلام إلی الجمهور و السید العمیدی إلی المحققین...» و فی بدائع الأفکار، ص243 «أما الجهة الثانیة و هو أنّ الأمر هل هو مشترک بین المعانی المذکورة لفظاً أو معنی أو حقیقة و مجاز فاختلفوا فیها علی أقوال: أحدها أنّه حقیقة فی القول المخصوص و فیما عداه مجاز عُزی إلی الشیخ و العلامة و العمیدی و الشهید الثانی و غایة البادی و البیضاوی و الإصفهانی و الحاجبی و العضدی و نسبه الفخر إلی الجمهور و السید العمیدی إلی المحققین...» و أمّا المحاولة الرابعة: ما ذهب إلیه فی جواهر الأُصول، ج1، ص109. قال: «قد یقال:... إنّ لفظ الأمر مشترک لفظی... و قال بعض آخر: إنّ لفظ الأمر مشترک معنوی... و الذی یقتضیه التحقیق عدم استقامة کلا القولین... و ذلک لأنّ الذی یشتق منه و یکون مادّة المشتقات کما علیه المحققون هو مادة الأمر غیر المتهیأة بهیأة حتی هیأة المصدریة أو اسمها أعنی”أ م ر“ فالموضوع لنفس الطلب هو مادة ” أ م ر“ غیر المتهیأة و أمّا الموضوع لسائر المعانی فهو نفس لفظ الأمر بمادته و هیأته و بعبارة أُخری لفظ الأمر جامداً وضع لسائر المعانی فلم یکن الموضوع هنا شیئاً و لفظاً واحداً حتی یصح أن یقال بأنّه مشترک لفظی أو معنوی بین الطلب و سائر المعانی».

المحاولة الأُولی: کون اللفظ «الأمر» مشترکاً لفظیاً و المحاولة الثانیة: کونه مشترکاً معنویاً.((1))

المحاولة الأُولی: الاشتراک اللفظی

و القول بالاشتراک اللفظی علی صورتین:

ص: 21


1- قد ذکر فی هدایة المسترشدین، ص130 أقوالاً ستة ثلاثة منها مذکورة هنا «اشتراکه لفظاً بین القول و الفعل، کونه مشترکاً بین القول المخصوص و الشیء و الشأن و کونه حقیقة فی القول المخصوص و ما یعم المعانی المذکورة». و فی بدائع الأفکار للمحقق الرشتی (قدس سره) ، ص243 أقوالاً تسعة ثلاثة منها مذکورة هنا «اشتراکه بین القول و الفعل، اشتراکه بین الطلب و شأن و اشتراکه بین القول المخصوص و القدر الجامع بین سائر المعانی المذکورة» و نقل عن الآمدی أنّه حقیقة فی القدر المشترک بین القول و الفعل و هو القول بالاشتراک المعنوی.

الصورة

الأُولی: الاشتراک اللفظی بین أکثر من معنیین((1)) و هنا نظریتان.((2))

الصورة الثانیة: الاشتراک اللفظی بین معنیین و فیها خمس نظریات کما سیأتی.

المحاولة الثانیة: الاشتراک المعنوی
اشارة

المحاولة الثانیة: الاشتراک المعنوی (3)

و فی تعیین المعنی الواحد للفظ «الأمر» نظریتان کما سیأتی.

ص: 22


1- قال فی کفایة الأُصول، ص61 «الأُولی إنّه قد ذکر للفظ الأمر معانٍ متعددة. منها... و لا یخفی أنّ عد بعضها من معانیه من اشتباه المصداق بالمفهوم». نقول: هنا جهتان: 1. لفظ الأمر یطلق علی معانٍ عدیدة 2. هل الأمر مشترک بین المعانی المذکورة لفظاً أو معنی أو حقیقة و مجاز؟و هاتان الجهتان مذکورتان فی هدایة المسترشدین و بدائع الأفکار صراحةً و عبارة الکفایة أیضاً مشتملة علی کلتا الجهتین فیبدأ الکلام بذکر الجهة الأُولی و یختم بذکر الثانیة و الظاهر من الإشکال الذی أورده صاحب الکفایة1 علی النظریة الأُولی أنّ الکلام فی الجهة الأُولی؛ أما کون الأمر مشترکاً لفظیاً بین هذه المعانی السبعة فلم یذکر اختیاره من أحد فما فی جواهر الأُصول، ج2، ص109 «قد یقال و لعله المعروف بینهم إنّ لفظ الأمر مشترک لفظی بین معانی متعددة» لا یخلو من إشکال و کذا التفریع الذی جاء فی تحریرات فی الأُصول، ج2، ص5 «المعروف و المشهور أنّ لفظة الأمر لها معانٍ کالطلب و الشأن و... فیکون مشترکاً لفظیاً فی الکل».
2- هنا نظریة ثالثة ففی معارج الأُُصول، ص61 «و توسط أبو الحسین فقال هو مشترک بین القول المخصوص و بین الشیء و الصفة و الشأن و الطریق».
3- . ذکرت هنا نظریتان و لکن فی بحوث فی علم الأصول، ج2، ص12: «و أمّا المحاولة الثانیة و هی توحید معانی الأمر فی معنی واحد جامع فقد وقعت هذه المحاولة بأحد أنحاء ثلثة» و قال فی ص13: «الثالث أنّ الأمر موضوع للجامع بین الطلب و الواقعة» ثمّ أورد علیه. و ذکر وجهاً آخر المحقق البجنوردی (قدس سره) فی منتهی الأُصول، ج1، ص109 قال: «غایة ما یمکن أن یقال فی تصویر الجامع بین الکل هو أنّ الفعل باعتبار معناه المصدری یشمل جمیع ما تعلقت به إرادة الله جل جلاله حتی إنّه بهذا الاعتبار تکون الأحکام الشرعیة أیضاً فعلاً لأنّها أیضاً تعلقت بها الإرادة التشریعیة أی إنّها أیضاً فعل و مجعول فی عالم الاعتبار و التشریع فالطلب الذی ینتزع عن إبراز الإرادة التکوینیة أو التشریعیة بالقول أو الفعل أو الکتابة الذی هو أحد معانی الأمر أیضاً داخل تحت هذا المعنی لأنّه أیضاً فعل و من مصادیقه بهذا المعنی» الخ. و أمّا المحققون فقد ذکروا إشکالات علی هذه المحاولة: قال المحقق القوچانی (قدس سره) فی حاشیته علی الکفایة، الرقم108 عند التعلیقة علی قوله: «و لایخفی أنّ عدّ بعضها من معانیه»:«... و جعله جامعاً بین المعانی حتی یصیر الأمر مشترکاً معنویاً بینهما یبعده عدم صحة اشتقاق التصاریف منه بمعناه الحقیقی حینئذ و صحته منه بمعناه المجازی فی موارد استعماله فی بعض أفراده مثل الطلب لا فی موارد إطلاقه علی أفراده مطلقاً و لایخفی ما فیه حیث إنّ ذلک یحتاج إلی عنایة فی المشتقات منه و المترائی خلافه» الخ. و قال المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی نهایة الدرایة، ج1، ص257 عند التعلیقة علی قوله: «کما لایبعد أن یکون کذلک فی المعنی الأوّل»: «و التحقیق بعد الاعتراف بالاستعمال فی ما عدا الطلب أنّه لابد من الالتزام بالاشتراک اللفظی دون المعنوی أو الحقیقة و المجاز... و من الواضح أنّ اللفظ لو کان حقیقة فی أحد المعنیین من الطلب و غیره و کان فی الآخر مجازاً لما اختلف جمع الأمر بأحد المعنیین مع جمعه بمعنی آخر کما هو المشاهد فی سائر الحقائق و المجازات... مع اختصاص الاشتراک المعنوی بین الطلب و الشیء بإشکال آخر و هو أنّ الأمر ممّا لا إشکال إجمالاً فی اشتقاقه و الجامع بین ما یقبل الاشتقاق و ما لایقبله غیر معقول إذ الشیء بما هو غیر قابل للقیام بشیء حتی یکون قابلاً لطروّ النسب علیه بذاته أو فی ضمن معنی جامع» الخ. و فی حواشی المشکینی (قدس سره) ، ج1، ص306 فی التعلیقة علی قوله «و منها الغرض»: «و هل هو حقیقة فی جمیعها اشتراکاً لفظیاً أو معنویاً... وجوه لا سبیل إلی الأوّل إذ فیه... و کذا الثانی لأنّه فرع وجود الجامع و هو مفقود و توهم کونه مفهوم الشیء فیه مضافاً إلی کونه أحد المعانی فکیف یکون جامعاً أنّه لایصح الاشتقاق منه لأنّ القابل له هو الحدث لا المفهوم المنطبق علیه و علی غیره». و راجع أیضاً أُصول الفقه، ج1، ص59 و مباحث الأُصول، ج1، ص250 و بحوث فی علم الأُصول، ج2، ص13 و 14. و أجاب المحقق البجنوردی (قدس سره) فی منتهی الأصول، ج1، ص111 فقال: «نعم یبقی الإشکال من ناحیة الجمع حیث إنّ الأمر بمعنی ما عدا الطلب یجمع علی أُمور و بمعناه یجمع علی أوامر و إن کان یمکن أن یقال: إنّه لا مانع من أن یکون المفهوم الواحد إذ أُرید منه بعض المصادیق یجمع علی کذا و إذا أُرید منه البعض الآخر یکون له جمع آخر. و لکن مع ذلک کله یبقی إشکال الاشتقاقات فإنّه إن أرید من الأمر ذلک المعنی الحدثی فی جمیع الموارد فلماذا تکون الاشتقاقات مخصوصة بهذا المعنی؟ و إن کان یمکن أیضاً أن یقال: إنّ الاشتقاقات من جهة اختلاف نسب المعنی الحدثی فإذا کانت اختلافات النسب فی معنی حدثی قلیلة من جهة قلة الاحتیاج إلیها فقهراً تکون الاشتقاقات قلیلة و إذا کانت کثیرة تکون کثیرة و ذلک حسب الاحتیاج فالأمر بمعنی ما عدا الطلب من سائر المعانی یحتاج إلی اختلافات النسب بخلاف ما إذا کان بمعنی الطلب فإنّ الاحتیاج إلیها کثیر». و قال بعد ذلک: «هذا و لکن مع ذلک کله لایخلو هذا الکلام عن مناقشات».

ص: 23

النظریة الأُولی: من العلامة القوچانی (قدس سره)

النظریة الأُولی: ((1)) من العلامة القوچانی (قدس سره)

هی للقائل بالاشتراک اللفظی بین أکثر من معنیین. ذهب (قدس سره) إلی أنّ الأمر حقیقة فی معانٍ ثلاثة : «الطلب»((2)) و «الشأن» و «الشیء».((3))

ص: 24


1- و هو مختار المحقق (قدس سره) أیضاً. قال فی هدایة المسترشدین، ص130 «و عن أبی الحسین البصری... و حکی عنه فی المعارج القول باشتراکه بین القول المخصوص و بین الشیء و الصفة و الشأن و الطریق و اختار القول به و ظاهر ما ذکره فی الاحتجاج علیه إرجاعه الطریق إلی الشأن و الصفة و الغرض إلی الشیء فیکون عنده مشترکاً بین الثلاثة». و راجع معارج الأصول، ص61.
2- فی بدائع الأفکار، ص243: «اختلفوا بعد اتّفاقهم علی أنّ الأمر... فمنهم من جعله حقیقة فی مطلق الطلب سواء کان مستکشفاً من القول أو الإشارة أو الکتابة و مجازاً فی القول کما فی الفصول؛ و منهم من جعله حقیقة فی کل من القول و الطلب کالسید المحقق الکاظمی؛ و منهم من جعله حقیقة فی القول ساکتاً عن الطلب و هو المصرّح به فی کلمات الکل بل ادّعی جماعة من المحققین علیه الإجماع؛ و منهم من جعله حقیقة فی القول الدالّ علی الطلب لا القول المجرّد صرّح به فی التهذیب و وافقه المحقق القمی» أمّا کون الأمر الطلب الحاصل بالقول فهو مختار المحقق القمی (قدس سره) کما عرفت و المحقق الرشتی و العلامة الطباطبائی (قدس سرهما) ففی القوانین، ص32: «الأمر علی ما ذکره أکثر الأُصولیین هو طلب فعل بالقول استعلاءً»؛ و فی بدائع الأفکار، ص243: «و الذی یقتضیه التحقیق بعد إمعان النظر فی کلماتهم أنّ کلاً من القول و الطلب مأخوذ فی معنی الأمر فیکون کل واحد جزءً للموضوع له و تمامه هو القول الدال علی الطلب أو الطلب الحاصل بالقول»؛ و فی حاشیة الکفایة للعلامة، ص69: «معنی الأمر لیس هو الإرادة مطلقاً من الأمر سواء دلّ علیها أم لا و لا هو الإرادة المدلول علیها مطلقاً سواء کان الدالّ علیها اللفظ أو غیره من الإشارات... بل معنی الأمر هو”الصیغة الدالّة علی إنشاء الإرادة“». و لعلّ المحقق النائینی (قدس سره) یوافق هذا القول ففی أجود التقریرات، ج1، ص86 عبّر عن المعنی الأول بالطلب المنشأ بإحدی الصیغ الموضوعة له. و فی قبال ذلک قال المحقق المظفر (قدس سره) فی أصول الفقه، ج1، ص59: «و المراد من الطلب إظهار الإرادة و الرغبة بالقول أو الکتابة أو الإشارة أو نحو هذه الأُمور ممّا یصحّ إظهار الإرادة و الرغبة و ابرازهما به فمجرد الإرادة و الرغبة من دون إظهارها بمظهر لاتسمّی طلباً». و لعل المحقق البهجة (قدس سره) وافق هذا القول حیث عبّر فی مباحث الأصول، ج1، ص249 عن المعنی الأوّل بالطلب المدلول بدالّ إنشاءً.
3- حاشیة الکفایة، ص51، التعلیقة108 علی هذه العبارة «و لایخفی أنّ عد بعضها من معانیه» قال (قدس سره) : «لایخفی أنّ الأمر إما... أو حقیقة فی الثلاثة و هی الشیء و الشأن و الطلب المخصوص و هو التحقیق». و فی الذریعة، ج14، ص34 «شرح الکفایة للشیخ علی بن قاسم القوچانی مطبوع و هو کان من أجلاء تلامیذ المصنف فکان یقرر درس أُستاذه فی حیاته بعد انقضاء الدرس و یسمع تقریره جمع من التلامیذ و صار مدرساً بعد وفاة أُستاذه و لم یطل زمانه بعده فابتلی بالسل و ذهب إلی الکاظمیة للعلاج و لم ینجح و توفی بها فی شهر رمضان سنة 1333» و ذکره أیضاً فی ج 26، ص267 بعنوان «الحاشیة علی کفایة الأصول». و ذکر له تألیفاً آخر فی ج4، ص380 قال (قدس سره) : «التقریرات للشیخ علی القوچانی النجفی المتوفی بالکاظمیة فی شهر رمضان 1333 عن نیف و أربعین سنة کان من أجلاء تلامیذ شیخنا آیة الله الخراسانی و مقرری درسه فی حیاته و المدرس بعد وفاته و کتب کثیراً من تقریراته و طبع حاشیته علی الکفایة و تزوج أخیراً بابنة المرحوم السید محمد بن إبراهیم اللواسانی الآتی ذکر تقریراته».
النظریة الثانیة: من معلّق الکفایة المحقق المشکینی (قدس سره)
اشارة

هی أیضا للقائل بالاشتراک اللفظی بین أکثر من معنیین. ذهب (قدس سره) إلی أنّ معانیه : «الطلب» و «الفعل» و «الشیء».((1))

أما المناقشة فی النظریة الأُولی و الثانیة:

فیظهر بعد ملاحظة ما یأتی من مناقشة سائر النظریات.

ص: 25


1- حواشی المشکینی، ج1، ص308، التعلیقة علی هذه العبارة «و بذلک ظهر ما فی دعوی الفصول» قال (قدس سره) : «اعلم أنّ فی المسألة...أقوالاً:... الرابع ما هو المختار من کونه حقیقة فی الأولین [أی الشیء و الطلب] مع الفعل». و فی الذریعة، ج6، ص186 «الحاشیة علیها [أی کفایة الأصول] للمیرزا أبی الحسن بن عبدالحسین المشکینی المتوفی بالنجف فی یوم الاثنین 27 ج2 1358 طبع الجزء الأول منها فی النجف و طبعت کلها علی هامش الکفایة بطهران سنة 364» و ذکره أیضاً فی ج14، ص34 بعنوان «شرح الکفایة».
النظریة الثالثة: من صاحب الفصول
اشارة

((1))

هی للقائل بالاشتراک اللفظی بین معنیین. إنّه (قدس سره) ذهب إلی أنّهما «الطلب» و «الشأن».((2))

المناقشة فی النظریة الثالثة:

((3))

أولاً: إنّ معنی «الشأن » لایخطر فی الذهن من الأمر غیر الطلبی.((4))

ثانیاً: المناقشة الأُولی علی النظریة السادسة مع الملاحظة علیها.

النظریة الرابعة: من صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

هی للقائل بالاشتراک اللفظی بین معنیین أیضاً،فإنّ صاحب الکفایة (قدس سره) قال لم

ص: 26


1- فی الذریعة، ج16، ص241 «الفصول الغرویة فی الأصول الفقهیة للشیخ محمد حسین بن محمد رحیم (عبد الرحیم) الطهرانی الإصفهانی الحائری المتوفی 1250 کما فی نجوم السماء و هو أخو الشیخ محمد تقی صاحب الحاشیة الکبیرة علی المعالم.
2- الفصول الغرویة، ص62، المقالة الأولی، القول فی الأمر «فصل الحق أنّ لفظ الأمر مشترک بین الطلب المخصوص کما یقال: أمره بکذا و بین الشأن کما یقال: شغله أمر کذا الخ». و فی معارج الأصول، ص61: «لنا أنّ القائل إذا قال: هذا أمر... و إن قال: مستقیم عُلم الشأن».
3- و فی حواشی المشکینی1، ج1، ص308: «فیه مضافاً إلی ما ذکر فی المتن من کونه من قبیل اشتباه المصداق بالمفهوم أنّ اللازم حینئذ فی ما استعمل فی غیر المعنیین المذکورین نحو رأیت أمراً إمّا کونه من مصادیقهما أو وقوع الاستعمال مجازاً و کلاهما منتفٍ أمّا الأوّل فلأنّ لازمه صحة التبدیل بأحد المعنیین علی سبیل منع الخلو و لایخفی عدم صحته و أمّا الثانی فلوجهین: الأوّل انتفاء المناسبة اللزومیة بینهما و بین مفهوم الشیء و عدم علاقة معهودة علی الخلاف غیر العموم و الخصوص و هو غیر معتبر. الثانی عدم لحاظ العرف علاقة فیه».
4- فی تحقیق الأصول، ج2، ص8 «و أما رأی صاحب الفصول فواضح الضعف إذ لا حکایة للفظ الأمر عن الشأن و لاینسبق منه إلی الذهن».

یبعد((1)) کونهما حقیقة فی «الطلب» و «الشیء».((2))

ص: 27


1- إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) و إن قال أوّلاً فی ص62: «و لایبعد دعوی کونه حقیقة فی الطلب فی الجملة و الشیء» و لکن یقول بعد ذلک عبارات ربّما ینافی کونه مختاره فإنّه یقول بعد أسطر: «و إنّما المهم بیان ما هو معناه عرفاً و لغةً لیحمل علیه فیما إذا ورد بلا قرینة و قد استعمل فی غیر واحد من المعانی فی الکتاب و السنّة و لاحجة علی أنّه علی نحو الاشتراک اللفظی أو المعنوی أو الحقیقة و المجاز... نعم لو علم ظهوره فی أحد معانیه و لو احتمل أنّه کان للانسباق من الإطلاق فلیحمل علیه و إن لم یعلم أنّه حقیقة فیه بالخصوص أو فیما یعمّه کما لایبعد أن یکون کذلک فی المعنی الأوّل». جاء فی حواشی المشکینی (قدس سره) ، ج1، ص312 فی التعلیقة 228 علی قوله: «و لا حجة علی أنّه علی نحو الاشتراک اللفظی»: «و هذا منافٍ لما اختاره فی أول البحث من کونه مشترکاً لفظیاً بین الطلب و الشیء» بل ذکر فی عنایة الأصول اختلاف النسخ فی العبارة الأولی و لیس «و الشیء» فی بعضها و جعلها الأصل و قال بعد ذلک: «إنّ فی بعض النسخ هکذا: حقیقة فی الطلب فی الجملة و الشیء» ثم بعّد ما فی هذه النسخة و ذکر ممّا یبعّده قوله: «و لا حجّة علی أنّه علی نحو الاشتراک اللفظی» و قال فی توضیحه: «إذ لو کان حقیقة فی الطلب و الشیء کان لامحالة مشترکاً لفظیاً بینهما». و عند التعلیقة علی قوله: «کما لایبعد أن یکون کذلک فی المعنی الأوّل». قال فی نهایة الدرایة، ج1، ص177: «مع أنّه (قدس سره) لم یستبعد أولا کونه حقیقة فی الطلب و الشیء». و فی حواشی المشکینی (قدس سره) ، ج1، ص313: «و لکن ظهوره فیه من بین المعانی ممنوع بل هو مجمل بینه و بین مفهوم الشیء لولا القرینة الخارجیة الشخصیة». و فی حقائق الأصول، ج1، ص143: «قد تقدم منه أنّه لایبعد کون لفظ الأمر حقیقة فی الطلب و فی الشیء و حینئذ فدعوی ظهوره فی الأوّل غیر ظاهرة الوجه». و فی عنایة الأصول، ج1، ص180: «أی کما لایبعد أن یکون الأمر ظاهراً فی المعنی الأوّل و هو الطلب و لو احتمل أنّه کان للانسباق من الإطلاق لا من الحاقّ فلایعلم کونه حقیقة فیه أقول: هذا مناف لما تقدم منه آنفاً من قوله” و لایبعد دعوی کونه حقیقة فی الطلب فی الجملة“» و فی ص 176 ذکر أنّ هذه العبارة مما یبعّد النسخة التی فیها «و الشیء». و لکن فی منتهی الدرایة، ج1، ص369 جمع بین هاتین العبارتین و قال: «إنّ دعوی الحقیقة فی المعنیین لاتنافی ظهور اللفظ فی خصوص أحدهما کالطلب فی المقام لجهة خارجیة مثل کثرة الاستعمال فیه فإنّ الظهور الناشیء عن جهة خارجیة فی أحد المعنیین بالخصوص لاینافی الوضع لهما کما لایخفی».
2- ذهب إلیه قبل صاحب الکفایة (قدس سره) ، صاحب هدایة المسترشدین و بدائع الأفکار". ففی الأوّل، ص130 «و کیف کان فالأظهر کونه حقیقة فی القول المخصوص و ما یعمّ المعانی المذکورة و لا یبعد أن یجعل الشیء هو المعنی الشامل لها ما عدا القول فیکون کل من تلک الخصوصیات مفهوماً من الخارج و یکون اللفظ مشترکاً بین المعنیین المذکورین». و فی الثانی، ص243 «و أمّا الجهة الثانیة و هو أنّ الأمر هل هو مشترک بین المعانی المذکورة لفظاً أو معنی أو حقیقة و مجاز فاختلفوا فیها علی أقوال:... التاسع أنّه مشترک بین القول المخصوص و القدر الجامع بین سائر المعانی المذکورة و هو مختار بعض المحققین من متأخری المتأخرین و هو المختار». أما وجه هذه النظریة ففی هدایة المسترشدین، ص130 بعد اختیار هذا القول: «لنا تردد الذهن بین المعنیین حال الإطلاق و هو دلیل الاشتراک». و فی الحاشیة علی الکفایة للمحقق البروجردی (قدس سره) ، ج1، ص153: «لکن التحقیق أنّه مستعمل فی العرف و اللغة فی الطلب و الشیء فی الجملة علی نحو الحقیقة أمّا الاستعمال فلوجوده فی الآثار و الأخبار و الکتاب و السنّة و الأدعیة و أمّا کونه علی نحو الحقیقة فللتبادر و الانسباق».
مناقشات ثلاث فی النظریة الرابعة:
اشارة

((1))

المناقشة الأُولی: من المحقق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

((2))

قال: «کونه حقیقةً فی هذین الأمرین و إن کان مختار جملة من المحققین علی ما حُکی إلا أنّ استعمال الأمر فی الشیء مطلقاً لایخلو عن شیء إذ الشیء یطلق علی الأعیان و الأفعال مع أنّ الأمر لایحسن إطلاقه علی العین الخارجیة فلایقال: "رأیت أمراً عجیباً" إذا رأی فرساً عجیباً و لکن یحسن ذلک إذا رأی فعلاً عجیباً من الأفعال».

ص: 28


1- و فی حواشی المشکینی (قدس سره) ، ج1، ص309: «و یرد علیه ما أوردنا علی الفصول حرفاً بحرف فی قولهم: أمر فلان معجب».
2- نهایة الدرایة، ج1، ص250، التعلیقة 139 علی هذه العبارة «و لایبعد دعوی کونه حقیقةً فی الطلب فی الجملة و الشیء». و فی منتهی الأصول للمحقق البجنوردی (قدس سره) ، ج1، ص111: «ثم علی تقدیر صحّة ما ذهبوا إلیه فالجامع بین ما عدا الطلب لیس هو مفهوم الشیء لإطلاق الشیء علی الأعیان و الذوات جواهراً کانت أم أعراضاً بخلاف الأمر فإنّه لایطلق علی الذوات و الأعیان إلّا باعتبار صدورها عن فاعلها و خالقها».
یلاحظ علیها:

أنّ عدم تداول الاستعمال لایضر بصحته کما یقال: هذا (زید) أمر متشخص بذاته و جزئی خارجی. مضافاً إلی أن هذا المحقق (قدس سره) أعرض عن هذه المناقشة و استدرک عنها و قال بأنّ الشیء بمعناه المصدری المبنی للمفعول یطلق علی الأعیان الخارجیة أیضاً، و التزم بأن مفهوم الأمر حینئذٍ مساوق لمعنی الشیء و الشیء بهذا المعنی لم یکن فی قبال معنی الطلب.

المناقشة الثانیة: من بعض الأساطین

((1))

إنّه

لایجوز إطلاق الأمر علی الله تعالی مع أنّه یطلق علیه الشیء فیقال: شیء لا کالأشیاء.((2))

ص: 29


1- فی تحقیق الأصول، ج2، ص8 و 9 «و أما رأی صاحب الکفایة... فیه أنّ الشیء یطلق علی... و علی ذات الباری لکن الأمر لایصح إطلاقه علی هذه الموارد... و فی الأخبار أنّه یقال لله شیء لکنه شیء بخلاف الأشیاء فیطلق علیه الشیء و لکن لایطلق الأمر».
2- قد ذکر فی الکافی باب إطلاق القول بأنه شیء و فی التوحید باب أنه تبارک و تعالی شیء و ما ورد بهذا المضمون علی أقسام: الأول: ما ورد بلسان المعصوم أنه تعالی شیء بخلاف الأشیاء و هو حدیثان: 1) فی الکافی،ج1، ص81، کتاب التوحید، باب حدوث العالم و إثبات المحدث، ح5: علی بن إبراهیم، عن أبیه، عن عباس بن عمرو الفقیمی عن هشام بن الحکم فی حدیث الزندیق الذی أتی أبا عبد الله (علیه السلام) ... قال: فما هو؟ قال: شیء بخلاف الأشیاء ارجع بقولی إلی إثبات معنی وأنه شیء بحقیقة الشیئیة غیر أنه لا جسم ولا صورة ولا یحس ولا یجس ولا یدرک بالحواس الخمس، لا تدرکه الأوهام ولا تنقصه الدهور ولا تغیره الأزمان. و جاء أیضا فی الکافی، ج1، ص83، باب إطلاق القول بأنه شیء، ح6 و فی التوحید، ص104، باب7، ح2 و ص244، باب36، ح1و فی معانی الأخبار، ص8، معنی قول الأئمة (علیهم السلام) إن الله تبارک و تعالی شیء، ح1 و فی الاحتجاج، ج2، ص70. 2) فی عیون أخبار الرضا، ج2، ص120، باب ما جاء عن الرضا علی بن موسی (علیه السلام) من الأخبار فی التوحید، ح28: حدثنا محمد بن علی ماجیلویه رضی الله عنه قال: حدثنی عمی محمد بن أبی القاسم قال: حدثنی أبو سمینه محمد بن علی الکوفی الصیرفی عن محمد بن عبد الله الخراسانی خادم الرضا (علیه السلام) قال: دخل رجل من الزنادقة علی الرضا (علیه السلام) عنده جماعه... فقال أبو الحسن (علیه السلام) : ویلک لما عجزت حواسک عن ادراکه أنکرت ربوبیته و نحن إذا عجزت حواسنا عن ادراکه أیقنا أنه ربنا و إنه شیء بخلاف الأشیاء. الثانی: ما قرر المعصوم أنه تعالی شیء لا کالأشیاء فی التوحید، ص107، باب أنه تبارک وتعالی شیء، ح8: حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن جعفر بن بطة، قال: حدثنی عدة من أصحابنا، عن محمد بن عیسی بن عبید، قال: قال لی أبو الحسن (علیه السلام) : ما تقول إذا قیل لک: أخبرنی عن الله عز وجل شیء هو أم لا؟ قال فقلت له: قد أثبت الله عز وجل نفسه شیئا حیث یقول: (قل أی شیء أکبر شهادة قل الله شهید بینی وبینکم) فأقول: إنه شیء لا کالأشیاء، إذ فی نفی الشیئیة عنه إبطاله ونفیه، قال لی: صدقت وأصبت. الحدیث. الثالث: ما أجاب المعصوم بالإثبات لهذا السؤال: أیجوز أن یقال إن الله شیء؟ فی الکافی، ج1، ص82، باب إطلاق القول بأنه شیء، ح2: محمد بن أبی عبد الله، عن محمد بن إسماعیل عن الحسین بن الحسن، عن بکر بن صالح، عن الحسین بن سعید قال: سئل أبو جعفر الثانی (علیه السلام) : یجوز أن یقال لله: إنه شیء؟ قال: نعم، یخرجه من الحدین: حد التعطیل وحد التشبیه. و فی ص85، ح7: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن عیسی، عمن ذکره قال: سئل أبو جعفر (علیه السلام) : أیجوز أن یقال: إن الله شیء؟ قال: نعم یخرجه من الحدین: حد التعطیل وحد التشبیه. الرابع: ما أجاب المعصوم بالإثبات لهذا السؤال: أتوهم شیئا؟ فی نفس المصدر، ح1: محمد بن یعقوب، عن علی بن إبراهیم، عن محمد بن عیسی، عن عبد الرحمن ابن أبی نجران قال: سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن التوحید فقلت: أتوهم شیئا؟ فقال: نعم، غیر معقول ولا محدود، فما وقع وهمک علیه من شیء فهو خلافه، لا یشبهه شیء و لاتدرکه الأوهام، کیف تدرکه الأوهام وهو خلاف ما یعقل، وخلاف ما یتصور فی الأوهام؟! إنما یتوهم شیء غیر معقول و لا محدود الخامس: ما جاء بهذا المضمون: کل ما وقع علیه اسم شیء فهو مخلوق ما خلا الله سبحانه فی نفس المصدر، ح3: علی بن إبراهیم، عن محمد بن عیسی، عن یونس، عن أبی المغرا رفعه، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: قال: إن الله خلو من خلقه، وخلقه خلو منه، و کلما وقع علیه اسم شیء فهو مخلوق ما خلاالله. و ح4: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد البرقی، عن أبیه، عن النضر بن سوید، عن یحیی الحلبی، عن ابن مسکان، عن زرارة بن أعین قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) یقول: إن الله خلو من خلقه وخلقه خلو منه، وکل ما وقع علیه شیء ما خلا الله فهو مخلوق والله خالق کل شیء، تبارک الذی لیس کمثله شیء وهو السمیع البصیر. و ح5: علی بن إبراهیم، عن أبیه، عن ابن أبی عمیر. عن علی بن عطیة، عن خیثمة عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: إن الله خلو من خلقه، وخلقه خلو منه، وکل ما وقع علیه اسم شیء ما خلا الله تعالی فهو مخلوق و الله خالق کل شیء.

ص: 30

المناقشة الثالثة:

و هی ما سیأتی من المناقشه الأولی علی النظریة السادسة مع الملاحظة علیها.

النظریة الخامسة: من المحقق البروجردی (قدس سره)
اشارة

هی للقائل بالاشتراک اللفظی بین معنیین أیضا. إنّه (قدس سره) ذهب((1)) إلی أنّهما «الطلب» و «الفعل».((2))

ص: 31


1- هذا موافق لما أُفید فی نهایة الأصول، ص75 المقصد الأول، الفصل الأول، المبحث الأول إذ جاء فیه: «و لعل معناه الجمودی عبارة عن الفعل». و أما فی سائر الکتب من حاشیته و تقریراته (قدس سره) فقد ذکر کونه مشترکاً بین الطلب و الشیء. ففی حاشیة علی کفایة الأصول للحجتی، ج2، ص154: «التحقیق أنّه مستعمل فی العرف و اللغة فی الطلب و الشیء فی الجملة علی نحو الحقیقة». و فی الحجة فی الفقه للحائری، المجلد الأول، ص97: «إنّ ما یؤدی إلیه النظر أنّ للأمر معنیین فقط أحدهما بمعناه الحدثی الصدوری أی بمعنی الطلب و منه اشتقاقاته ثانیهما بمعناه الجمودی أی بمعنی الشیء إلا أنّه لایطلق الأمر علی مطلق الأشیاء حتی الجمادات بل إنّما یطلق علی خصوص بعض الأعراض إذ من المستبعد جداً إطلاق الأمر أو الأُمور عند العرف علی الجواهر مثل زید و عمرو و الجبال و البحار و الأشجار و الصحاری لکنّه یطلق علیها الأشیاء و الشیء».
2- ذهب إلیه السید (قدس سره) فی الذریعة و العلامة الطباطبائی (قدس سره) فی حاشیة الکفایة. ففی الأوّل، ج1، ص27 «اختلف الناس فی هذه اللفظة فذهب قوم إلی أنّها مختصّة بالقول دون الفعل... و قال آخرون: هی مشترکة بین القول و الفعل و حقیقة فیهما معاً و الذی یدلّ علی صحة ذلک...». و فی الثانی، ص69 فی التعلیقة علی قوله «و لایبعد دعوی کونه حقیقة فی الطلب فی الجملة و الشیء»: «یعنی به الاشتراک اللفظی بینهما لکن لایخفی... بل معناه إن کان فهو الطلب و الفعل». و قال المحقق البجنوردی (قدس سره) فی منتهی الأُصول، ج1، ص111 بعد ذکر بعض الإشکالات علی القول بالاشتراک المعنوی بین جمیع المعانی: «... و لعلّه لذلک ذهب جمع من المحققین إلی اشتراکه اللفظی بین الطلب و بین جامع ما عداه ثمّ علی تقدیر صحة ما ذهبوا إلیه فالجامع بین ما عدا الطلب لیس هو الشیء... فالأحسن أن یقال: إنّ الجامع بین ما عدا الطلب من تلک المعانی هو الفعل بالمعنی الذی ذکرنا».
المناقشة فی النظریة الخامسة:

قد أورد - علی أنّ معنی الأمر الطلب و الفعل((1)) - بعض أکابر الاساطین (دام ظله)

ص: 32


1- قال السید المرتضی (قدس سره) فی الذریعة، ج1، ص27: «و قال آخرون هی مشترکة بین القول و الفعل و حقیقة فیهما معاً و الذی یدلّ علی صحة ذلک أنّه لا خلاف فی استعمال لفظة الأمر فی اللغة العربیة تارة فی القول و أخری فی الفعل لأنّهم یقولون: أمر فلان مستقیم و إنّما یریدون طرائقه [و] أفعاله دون أقواله و یقولون: هذا أمر عظیم کما یقولون: هذا خطب عظیم و رأیت من فلان أمراً أهالنی أو أعجبنی و یریدون بذلک الأفعال لامحالة و من أمثال العرب فی خبر الزبا لأمرٍما جدع قصیر أنفه و قال الشاعر: لأمرٍما یسود من یسود؛ و ممّا یمکن أن یستشهد به علی ذلک من القرآن قوله تعالی: (حَتَّی إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ) (هود:40) و إنّما یرید الله تعالی بذلک الأهوال و العجائب التی فعلها جلّ اسمه و خرق بها العادة و قوله تعالی: (أَتَعْجَبِینَ مِنْ أَمْرِ اللهِ) (هود:73) و أراد الفعل لامحالة و إذا صحت هذه الجملة و کان ظاهر استعمال أهل اللغة اللفظة فی شیئین أو أشیاء یدلّ علی أنّها حقیقة فیهما و مشترکة بینهما إلّا أن یقوم دلیل قاهر یدلّ علی أنّه مجاز فی أحدهما – و قد بسطنا هذه الطریقة فی مواضع کثیرة من کلامنا و سیجیء مشروحة مستوفاة فی مواضعها من کتابنا هذا – وجب القطع علی اشتراک هذه اللفظة بین الأمرین و وجب علی من ادعی أنّها مجاز فی أحدهما الدلیل». و ردّ علیه الشیخ (قدس سره) فی عدّة الأُصول، ج1، ص159 و قال: «و الذی یدلّ علی ما قلناه من أنّ هذه الصیغة حقیقة فی القول دون الفعل اطّرادها فی القول و وقوفها فی الفعل لأنّه لیس کل فعل یسمّی أمراً ألا تری أنّه لایسمّی الأکل و الشرب و القیام و القعود بأنّه أمر و إنّما یقال لجملة أحوال الإنسان إنّه أمر فیقال: أمره مستقیم و أمره مضطرب و أمّا تفاصیل الأفعال فلاتوصف بذلک... و أیضاً فإنّ هذه اللفظة لها اشتقاق لأنّه یشتق منها اسم الفاعل فیقال آمر و اسم المأمور و فعل الماضی و المستقبل و کل ذلک لایتأتی فی الفعل فعلم بذلک أنّه مجاز فی الفعل و حقیقة فی القول». و ردّ علیه أیضاً المحقق (قدس سره) فی معارج الأصول، ص61 حیث قال: «و احتج من جعله حقیقة فی الفعل بوجوه: أحدها: قوله تعالی (فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ) (هود:97) الثانی: قوله تعالی (وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ) (القمر:50) الثالث: أنّ أمراً فی الفعل جمعه أُمور و الجمع دلالة الحقیقة الرابع: أنّه مستعمل فی الفعل و الاستعمال دلالة الحقیقة. و الجواب عن الأوّل: أنّه محمول علی القول و یؤیده قوله «فاتبعوا». و عن الثانی: لانسلّم أنّ المراد بذلک الفعل و إلّا لکانت أفعاله کلها واحدة بل الشأن أی شأننا ذلک. و عن الثالث: لانسلّم أنّ التصرف دلالة الحقیقة سلّمنا لکن لانسلّم أنّ أُموراً جمع أمر فإنّه لا فرق بین قولهم: أمر فلان مستقیم و بین قولهم: أُمور فلان مستقیمة سلّمنا لکن إطلاق ذلک لخصوص کونه شأناً لا لعموم کونه فعلاً. و عن الرابع: لانسلّم أنّ الأصل فی الاستعمال الحقیقة سلّمنا لکن معارض بأنّ الأصل عدم الاشتراک» و نفس السید (قدس سره) فی الذریعة قال: «و قد تعلّق المخالف لنا فی هذه المسألة بأشیاء: منها أنّ الأمر یشتق منه فی اللغة العربیة الوصف لفاعله بأنّه آمر و هذا لایلیق إلّا بالقول دون الفعل لأنّهم لایسمّون من فعل فعلاً لیس بقول بأنّه آمر. و منها أنّه لو کان اسماً للفعل فی الحقیقة لاطّرد فی کل فعل حتی یسمّی الأکل و الشرب بأنّه أمر ألاتری أنّ القول لما کان أمراً اطّرد فی کل ما هو بصفته. و منها أنّ من شأن الأمر أن یقتضی مأموراً و مأموراً به کما یقتضی الضرب ذلک و معلوم أنّ ذلک لایلیق إلّا بالقول دون الفعل» إلی آخر الأشیاء السبعة . ثمّ قال فی ص30: «فیقال لهم فیما تعلّقوا به أوّلاً من دلالة الاشتقاق:... فأی دلالة فی ذلک علی أنّ الفعل لایسمّی أمراً... و هذه الطریقة توجب علیهم أن تکون لفظة عین غیر مشترکة لأنّ لقائل أن یقول: إنّ هذه اللفظة إنّما تجری علی ما یشتق منه أعین و عیناء و هذا لایلیق بالجارحة فیجب أن تکون مقصورة علیها و بمثل ما یدفعون به هذا القول یدفع قولهم. و یقال لهم فیما تعلّقوا به ثانیاً: نحن نقول بما ظننتم أنّا نمنع منه و لانفرق بین وقوع هذا الاسم الذی هو الأمر علی الأفعال کلها علی اختلافها و تغایرها و إلّا فضعوا أیدیکم علی أی فعل شئتم فإنّا نبین أنّ أهل اللغة لایمتنعون من أن یسمّوه أمراً. و یقال لهم فیما تعلّقوا به ثالثاً:... و أنتم لایمکنکم أن تنقلوا عن أهل اللغة أنّ کل ما سمی أمراً و إن لم یکن قولاً یقتضی مأموراً به و مأموراً» الخ. و قال العلامة الطباطبائی (قدس سره) فی حاشیة الکفایة، ص69: «لایخفی أنّ صدق الأمر علی غیر الطلب المخصوص موقوف علی اشتمال مصداقه علی نسبة أی معنی حدثی من حیث هو کذلک یشهد بذلک الاستعمالات و الشیء و الشأن و أضرابهما لاتشتمل علی ذلک فلیست من معانی الأمر بل معناه إن کان فهو الطلب و الفعل و أظن أنّ المتأمّل المستأنس بتطورات اللغة و موارد استعمال الأمر خاصّة یذعن... بل معنی الأمر هو الصیغة الدالّة علی إنشاء الإرادة و یجمع علی أوامر ثمّ اشتق منه الأمر بمعنی مطلق الفعل لکونه یتعلّق به الأمر و جمعه علی أُمور و نظائره کثیرة فی اللغات من حیث تطوراتها و کذا سائر المعانی فی اشتقاقات هذه المادّة کالإمرة و الأمارة».

ص: 33

بوجوه ثلاثة:

أولاً: إنّ الأمر الجمودی أعم من

الفعل فیشمل الصفات و الأعراض کما یقال للسواد العارض للشیء أمر و للعلم الذی اتصف به العالم أمر.((1))

ثانیاً: مفهوم الفعل لایخطر فی الذهن من الأمر الجمودی و مصداق الفعل لایکون الموضوع له لأنّه یلزم حینئذٍ الوضع العام و الموضوع له الخاص.

فالمعنی الجمودی الأخص من الشیء الأعم من الفعل.

ثالثاً: ما سیأتی من المناقشة الأُولی علی النظریة السادسة مع ما یلاحظ علیها.

النظریة السادسة: من المحقق العراقی (قدس سره)
اشارة

و هی للقائل بالإشتراک اللفظی بین معنیین أیضاً. إنّ المحقق العراقی و المحقق الصدر (قدس سرهما) و بعض الأساطین (دام ظله) ذهبوا إلی أنّهما «الطلب» و «معنی أخص من الشیء» و بعضهم قیدوا معنی الثانی و قالوا: «أخصّ من الشیء و أعم من الفعل»((2))

ص: 34


1- فی تحقیق الأصول، ج2، ص9 و 10 «و أما رأی السید البروجردی فقد ظهر ما فیه مما تقدم لأنّه قد خص الأمر بالفعل مع کونه یطلق علی غیر الفعل أیضاً هذا أولاً».
2- من الأعلام من صرّح بکون الأمر موضوعاً لمعنی أخص من الشیء أعم من الفعل و هو المحقق الوحید (دام ظله) و نُسب هذا المذهب إلی المحقق الخوئی (قدس سره) و فی تحقیق الأصول: «و هذا القول للمحقق العراقی (قدس سره) ». و لکنّا ما وجدنا من صرّح به إلا بعض الأساطین (دام ظله) حیث قال فی تحقیق الأصول، ج2، ص10، الأوامر، مادة الأمر، ما معنی مادة الأمر؟ «فظهر أنّ الحق کون مفهوم الأمر أوسع دائرةً من الفعل و أضیق من الشیء». و المحقق الفیروزآبادی (قدس سره) جاء بتعبیر قریب منه قال فی عنایة الأُُصول، ج1، ص174 فی التعلیقة علی قوله: «و لایبعد دعوی کونه حقیقة فی الطلب فی الجملة»: «... و علی کل حال الحق أنّ للفظ الأمر معنیین بحکم التبادر لا أکثر: أحدهما... ثانیهما ما یقرب من مفهوم الشیء و الفعل». أمّا المحقق العراقی و الخوئی (قدس سرهما) فهما قائلان بکون معنی الأمر أضیق من الشیء. ففی مقالات الأُُصول، ج1، ص205، المقالة الثالثة عشرة: «و إنّ أصل المعنی ربّما یرجع إلی معنیین: أحدهما عبارة عن مفهوم عام عرضی مساوق لمفهوم الشیء و الذات من حیث کونهما أیضاً من المفاهیم العامة العرضیة و إن کان له نحو أخصیة عمّا یساوقه من العنوانین و بهذا المعنی کان من الجوامد» و إن جاء فی نهایة الأفکار، ج2-1، ص156اختیار کون الأمر حقیقة فی الشیء بدون ذکر أخصیته. و فی محاضرات، ج1، ص343 و 344 من الطبعة الجدیدة: «و یمکن أن نقول: إنّ مادّة الأمر موضوعة لغة لمعنیین علی سبیل الاشتراک اللفظی: أحدهما... و ثانیهما الشیء الخاص و هو الذی یتقوم بالشخص من الفعل أو الصفة أو نحوهما فی مقابل الجواهر و بعض أقسام الأعراض». و مثلهما المحقق المظفر و المحقق الصدر (قدس سرهما) حیث قال الأوّل فی أُُصول الفقه، ج1، ص59: «و لایبعد أن تکون المعانی التی استعملت فیها کلمة الأمر ماخلا الطلب ترجع إلی معنی واحد جامع بینها و هو مفهوم الشیء... و المراد من الشیء من لفظ الأمر أیضاً لیس کل شیء علی الإطلاق فیکون تفسیره به من باب تعریف الشیء بالأعم أیضاً فإنّ الشیء لایقال له أمر إلّا إذا کان من الأفعال و الصفات و لذا لایقال: رأیت أمراً إذا رأیت إنساناً أو شجراً أو حائطاً». و قال الثانی کما فی بحوث فی علم الأصول، ج2، ص11، بحوث الأوامر، مادة الأمر، الجهة الأُولی، المحاولة الأولی: «و الصحیح أنّ مدلول کلمة الأمر حسب المستفاد من استعمالاتها فی غیر الطلب و إن لم یکن یساوق مفهوم الشیء بعرضه العریض إلّا أنّه لیس مخصوصاً بالحادثة أو الواقعة المهمّة أو الحدث».
المناقشة فی النظریة السادسة:
اشارة

هذه النظریة متعینة لولا مناقشتان:

المناقشة الأُولی:
اشارة

و هی ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) من اعتبار خصوصیة فی المعنی الأول - و هو الطّلب - و أن الأمر لایصدق علی الطلب المتعلق بفعل نفس الإنسان و هذا

ص: 35

قرینة قاطعة علی أنّها لم توضع للجامع بین ما یتعلق بفعل غیره و فعل نفسه، فالموضوع له الأول لمادة الأمر هو الطلب فی إطار خاص لا الطلب المطلق.((1))

یلاحظ علیها:

إنّ الأمر یطلق إذا تعلق بفعل نفسه کما قال تعالی: (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَیئاً أَنْ یقُولَ لَهُ کُنْ فَیکُون) ((2)) فإن المراد من «أمره» هو قوله فی ما بعد «کن» و هو مشتمل علی الطلب الذی لایتعلّق بفعل غیره.

المناقشة الثانیة:

و هی ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) من إرجاع المعنی غیر الطلبی و هو الأخص من الشیء و الأعم من الفعل إلی المعنی الطلبی و قد نشیر إلیه.

النظریة السابعة: من المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

هی للقائل بالاشتراک اللفظی بین معنیین أیضاً. إنّه (قدس سره) ذهب إلی أنّهما «إبراز الاعتبار النفسانی» و «معنی أخص من الشیء».((3))

ص: 36


1- محاضرات (ط ق) ج2، ص7؛ (ط.ج) ج2، ص 343 و 344 «یمکن أن نقول: إنّ مادة موضوعة لغة لمعنیین علی سبیل الإشتراک اللفظی أحدهما الطلب فی إطار خاص لا الطلب المطلق... و من هنا یظهر أن النسبة بین الأمر و الطلب عموم مطلق».
2- یس:82.
3- محاضرات فی أصول الفقه (ط.ق)، ج2، ص8 و 9؛ (ط.ج) ج1، ص345 و 346، بحث الأوامر، المقام الأول، الجهة الأولی «فالنتیجة أنّه موضوع بإزاء المعنیین الماضیین علی نحو الاشتراک اللفظی: الحصة الخاصة من الطلب [و] الحصة الخاصة من مفهوم الشیء... هذا علی ما بیناه فی الدورات السابقة و لکن الصحیح فی المقام أن یقال: إنّ مادة الأمر... وضعت للدلالة علی إبراز الأمر الاعتباری النفسانی فی الخارج».
المناقشة فی النظریة السابعة:

قد استشکل هذه النظریة بعض أکابر الأساطین (دام ظله) ((1)) بأنّ المناط فی الاعتبار و الإبراز أن یکون المعتبر مدلولاً لللّفظ مثل البیع و النکاح اللذین هما اعتباران لللّفظ نفسانیان نبرزهما بلفظ ملکتک و أنکحتک و لکن فی ما نحن فیه المعتبر هو ثبوت الفعل و وجوبه علی الذمة و المبرز لفظ «آمرک » و معنی الأمر لیس وجوب الفعل و لا إبرازه. نعم الأمر یکون مصداقاً للإبراز کما یستفاد منه وجوب الفعل لکن البحث فی المفهوم و المعنی لا فی المصداق.

النظریة الثامنة : من المحقق النائینی (قدس سره)
اشارة

هی للقائل بالاشتراک المعنوی فی الواقعة التی لها أهمیة فی الجملة بعد قوله بالاشتراک اللفظی بینها و بین الطلب. و هی نظریة المحقق النائینی (قدس سره) ((2))

ص: 37


1- تحقیق الأصول، ج2، ص10 «و أما رأی القائل بأنّ مدلول الأمر هو الاعتبار النفسانی و إبرازه... لکن هذا مطلب و کون مدلول هذه الصیغة هو ذاک الاعتبار و إبرازه مطلب آخر».
2- أجود التقریرات، ج1، ص131، المقصد الأول، الفصل الأول: «و التحقیق أنّه لا إشکال فی کون الطلب... معنی له و أنّ استعماله فیه بلا عنایة و أمّا بقیة المعانی فالظاهر أنّ کلها راجعة إلی معنی واحد و هی الواقعة التی لها أهمیة فی الجملة... بل یمکن أن یقال: إنّ الأمر بمعنی الطلب أیضاً من مصادیق هذا المعنی الواحد» و لم نجد التحدید لمعنی الأمر بهذه العبارة أی «الواقعة التی لها أهمیة فی الجملة» إلّا فی أجود التقریرات ففی فوائد الأصول، ج1، ص128: «بل لایبعد أن یکون ذلک علی نحو الاشتراک المعنوی بین تمام المعانی السبعة أو ما عدا الطلب منها و أنّه بالنسبة إلی الطلب و ما عداه مشترک لفظی کما فی الفصول بل مال شیخنا الأُستاذ مدّ ظله إلی أنّ مادّة الأمر موضوعة لمعنی کلی و مفهوم عام جامع للمعانی السبعة نحو جامعیة الکلی لمصادیقه و إن کان التعبیر عن ذلک المعنی العام بما یسلم عن الإشکال مشکلاً». و فی منتهی الأصول للسید البجنوردی، ج1، ص109: «و حینئذ یدور الأمر بین أن یکون مشترکاً معنویاً بالنسبة إلی الکل کما احتمله شیخنا الأستاذ (قدس سره) [أی المحقق النائینی] أو مشترکاً لفظیاً بین الطلب و بین جامع سائر المذکورات...» فانظر إلی هذه الکلمات: «یمکن أن یقال»، «مال»، «احتمل». و لکن فی مجمع الأفکار لمیرزا هاشم الآملی، ج1، ص144: «قال شیخنا النائینی (قدس سره) : إنّ المعانی یکون علی نحو الاشتراک المعنوی و استدلّ بأنّ مفهوم الشیء یکون منحفظاً فی جمیع الأطوار و الخصوصیات لأنّه مفهوم عام» فتری أنّه ظاهر فی اختیار المحقق النائینی (قدس سره) لهذا القول و أنّ المعنی الواحد للفظ الأمر عنده مفهوم «الشیء».
بیان المحقق النائینی (قدس سره) :

«و التحقیق أنّه لا إشکال فی کون الطلب المنشأ بإحدی الصیغ الموضوعة له، معنی له وأنّ استعماله فیه بلا عنایة و أما بقیة المعانی فالظاهر أنّ کلها راجعة إلی معنی واحد و هی الواقعة التی لها أهمیة فی الجملة... نعم لابدّ و أن یکون المستعمل فیه فی مادة الأمر من قبیل الأفعال و الصفات فلایطلق علی الجوامد بل یمکن أن یقال إنّ الأمر بمعنی الطلب أیضاً من مصادیق هذا المعنی الواحد فإنّه أیضاً من الأُمور التی لها أهمیة.»

مناقشتان فی النظریة الثامنة:
اشارة

((1))

المناقشة الأُولی: من المحقق الخوئی و المحقق الصدر (قدس سرهما)

((2)) ((3))

قد یقال: «إنّ هذا الأمر لیس بمهم » فلو أخذ مفهوم الأهمیة فی معنی الأمر

ص: 38


1- فی منتهی الأصول، ج1، ص110: «و قد أفاد شیخنا الأُستاذ فی وجه ما ذهب إلیه بأنّ الاشتراک اللفظی بعید لایمکن المصیر إلیه فلابدّ و أن نقول بالاشتراک المعنوی و العجز عن تعیین جامع قریب ینطبق علی جمیع هذه المعانی لایدلّ علی عدم وجوده بل من الممکن أن یکون و لاندری به. و فیه أنّ صرف إمکان وجود جامع فی البین لایثبت وجوده بل یبقی فی حیز الإمکان نعم لو أثبتنا بطلان الاشتراک اللفظی بین الکل و لم یکن احتمال آخر ههنا غیر الاشتراک المعنوی بین الکل ثبت الاشتراک المعنوی لامحالة کما هو الشأن القیاس الاستثنائی و لکن ها هنا لیس الأمر کذلک بل من الممکن أن یکون مشترکاً معنویاً بین عدّة منها و مشترکاً لفظیاً بین جامع تلک العدة و بین الطلب کما إنّه ذهب إلی هذا القول جمع من المحققین». راجع أیضاً إلی مجمع الأفکار للمحقق الآملی (قدس سره) ، ج1، ص144 و بحوث فی علم الأصول، ج2، ص13.
2- محاضرات فی أصول الفقه، (ط.ق)ج2، ص6 و 7؛ (ط.ج) ج 1، ص342 و 343.
3- بحوث فی علم الأصول، ج2، ص16 «.. بدلیل عدم التناقض فی قولک: کلام فلان أمر غیر مهم الخ»

لایجوز اتصافه بأنّه لیس بمهم.

المناقشة الثانیة: من بعض الأساطین (دام ظله)

إنّه إن أراد مفهوم الواقعة التی لها أهمیة فی الجملة فهو لایتبادر إلی الذهن عند استماع لفظ الأمر و إن أراد مصداق الواقعة التی لها أهمیة فیستلزم القول بأنّ الوضع فیه عام و الموضوع له خاص لأنّ المصادیق مختلفة و هذا أیضاً باطل.

المناقشة الثالثة:

إنّ الأمر یطلق علی السواد مع أنّه لاتصدق علیها واقعة لها أهمیة فی الجملة.

النظریة التاسعة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

هی أیضا للقائل بالاشتراک المعنوی. قال (قدس سره) ((1))­إنّ معنی مادة «الأمر» هی

ص: 39


1- نهایة الدرایة، ج1، ص251 و 252؛ و اختاره المحقق الإیروانی (قدس سره) فی نهایة النهایة أیضاً. إنّ الأعلام قرروه نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) بعبارات مختلفة: العبارة الأُولی: قال فی محاضرات فی أصول الفقه، ج1، ص345 من الطبعة الجدیدة: «و علی أثر هذا البیان یظهر نقد ما أفاده شیخنا المحقق (قدس سره) من أنّ الأمر وضع لمعنی جامع وحدانی علی نحو الاشتراک المعنوی و هو الجامع بین ما یصح أن یتعلّق الطلب به تکویناً و ما یتعلّق الطلب به تشریعاً مع عدم ملاحظة شیء من الخصوصیتین فی المعنی الموضوع له» و نظیره عبارة زبدة الأصول، ج1، ص162. العبارة الثانیة: قال فی بحوث فی علم الأُصول، ج2، ص12: «الأوّل إرجاع غیر المعنی الطلبی إلی الطلب کما استقربه المحقق الإصفهانی (قدس سره) فإنّه بعد أن أرجع معنی الأمر إلی الفعل قال: و یمکن القول بأنّ استعماله فی الفعل یرجع إلی استعماله فی الطلب بنحو من العنایة لأنّ الفعل فی معرض أن یطلب فکما یعبر عنه بمطلب و لو لم یتعلّق به الطلب بالفعل کذلک یعبر عنه بأمر بنکتة الشأنیة و المعرضیة لأن یتعلّق به» و نظیره عبارة المباحث الأصولیة للشیخ فیاض، ج3، ص9. العبارة الثالثة: قال فی تحقیق الأصول، ج2، ص11: «و أمّا الإصفهانی فقال: إنّ مفهوم الأمر عبارة عن الإرادة البالغة حدّ الفعلیة سواء کانت التشریعیة أو تکوینیة فیطلق الأمر فی جمیع الموارد بلحاظ کونها قابلة لتعلق الطلب و الإرادة». قال فی ج1، ص87 فی التعلیقة علی قوله «قد ذکر للفظ الأمر معان متعددة»: «بل لایبعد أن یکون إطلاق لفظ الأمر بالمعنی الثانی [أی مفهوم الشیء] مأخوذاً من الأوّل [أی مفهوم الطلب من العالی] و بمناسبة أنّ الشیء یکون متعلقاً للطلب و مورداً له أُطلق علیه لفظ الأمر...» و جدیر بالذکر أنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) قال فی نهایة الدرایة، ج1، ص256 فی التعلیقة 143 علی قوله: «کما لایبعد أن یکون کذلک فی المعنی الأوّل»: «... و التحقیق بعد الاعتراف بالاستعمال فی ما عدا الطلب أنّه لابدّ من الالتزام بالاشتراک اللفظی دون المعنوی أو الحقیقة و المجاز» فراجع تفصیل کلامه هناک.

الإرادة البالغة إلی حد الفعلیة. و تبعه صاحب المنتقی (قدس سره) :((1))

بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) :

((2)) قال عند نقد وضع مادة الأمر لمفهوم الشیء: «و لم أقف علی مورد یتعین فیه إرادة الشیء حتی مثل قوله تعالی: (أَلَا إِلَی اللَّهِ تَصِیرُ الْأُمُورُ)((3))... مع أنّه لایستقیم إرادة الشیء فی مثل أمر فلان مستقیم. نعم لو کان الشیء منحصراً مفهوماً فی المعنی المصدری لشاء یشاء - و کان إطلاقه علی الأعیان الخارجیة باعتبار أنّها مشیات وجوداتها فالمصدر مبنی للمفعول - لما کان إشکال فی مساوقته مفهوماً لمفهوم الأمر کما ربما یراه أهل المعقول؛ لکن الشیء بهذا المعنی لم یکن فی قبال الطلب حینئذ.»

ص: 40


1- منتقی الأصول، ج1، ص372 و 373.
2- جمیع من تعرض لکلام المحقق الإصفهانی (قدس سره) ذکر ما أفاده المحقق المزبور فی نهایة الدرایة فی التعلیقة 139 علی قول الکفایة: «و لایبعد دعوی کونه حقیقة فی الطلب فی الجملة و الشیء» و لکن له کلام آخر فی التعلیقة 143 علی قول الکفایة «کما لایبعد أن یکون کذلک فی المعنی الأوّل» یلزم ذکره للإشراف علی نظریة هذا المحقق فإنّه یقول: «و التحقیق بعد الاعتراف بالاستعمال فی ما عدا الطلب أنّه لابدّ من الالتزام بالاشتراک اللفظی دون المعنوی أو الحقیقة و المجاز» إلی آخر کلامه الطویل و هو یتعرض فی کلامه هذا للإشکالینِ المذکورین فی کلام کثیر من الأُصولیین علی الاشتراک المعنوی و هما الاختلاف فی الجمع و فی التصریف و الاشتقاق.
3- الشوری:53.
و قال عند نقد وضعها لمصداق الفعل:

«و الوضع بإزاء مصادیقه [أی الفعل] - من الأکل و الشرب و القیام و القعود و غیرها - بلا جهة جامعة تکون هی الموضوع لها حقیقة سخیف جداً، والجهة الجامعة بین مصادیق الفعل بما هو فعل لیس إلا حیثیة الفعلیة. فإنّ المعانی القابلة لورود النسب علیها تارة من قبیل الصفات القائمة بشیء و أخری من قبیل الأفعال. ولا فرق بینها من حیث القیام و کونها أعراضاً لما قامت به و إنّما الفرق أنّ ما کان من قبیل الأفعال قابل لتعلق الإرادة به دون ما کان من قبیل الصفات کالسواد و البیاض فی الأجسام و کالملکات و الأحوال فی النفوس.

فیرجع الأمر فی [مادة] الأمر بالأخرة إلی معنی واحد و أنّ إطلاقها علی خصوص الأفعال فی قبال الصفات و الأعیان باعتبار موردیتها لتعلق الإرادة بها بخلاف الأعیان و الصفات فإنّها لاتکون معرضاً لذلک. فالأمر یطلق بمعناه المصدری المبنی للمفعول علی الأفعال کإطلاق المطلب و المطالب علی الأفعال الواقعة فی معرض الطلب کما یقال رأیت الیوم مطلباً عجبیاً و یراد منه فعل عجیب.»

و کلامه (قدس سره) هو أحسن ما قیل فی المقام.

مناقشات أربع فی النظریة التاسعة:
اشارة

(1)

المناقشة الأُولی: ما ذکره السید الصدر (قدس سره)
اشارة

قال: «و یرد علیه ما عرفت من أنّ استعمال الأمر بغیر المعنی الطلبی لیس

ص: 41


1- . فی المحاضرات ط.ج. ج1، ص345: «و علی أثر هذا البیان یظهر نقد ما أفاده شیخنا المحقق (قدس سره) من أنّ الأمر وضع لمعنی جامع وحدانی علی نحو الاشتراک المعنوی... وجه الظهور ما عرفت من أنّه لا جامع ذاتی بین المعنی الحدثی و المعنی الجامد (فی نهایة الدرایة، ج1، ص257: «و الجامع بین ما یقبل الاشتقاق و ما لایقبله غیر معقول إذ»الخ) لیکون الأمر موضوعاً بإزائه و أمّا الجامع الانتزاعی فهو و إن کان أمراً ممکناً و قابلاً للتصویر إلّا أنّه لم یوضع بإزائه یقیناً علی أنّه خلاف مفروض کلامه...» و هذا الإشکال مذکور فی نهایة الأفکار، ج2-1، ص156:«کما إنّ الظاهر هو کونه من باب الاشتراک اللفظی دون الاشتراک المعنوی بملاحظة عدم جامع قریب بینهما...». و عین ما فی محاضرات جاء فی زبدة الأصول، ج1، ص162. و فی تحقیق الأُُصول، ج2، ص11: «و أمّا الإصفهانی فقال:... لکن شیخنا الأُستاذ أورد علیه: أوّلاً أین انسباق الإرادة و الطلب من مثل (أَلَا إِلَی اللهِ تَصِیرُ الْأُمُورُ) (الشوری:53)؛ و ثانیاً إنّه فی مورد التشریع یصدق الأمر و لکنّه أعم من الحقیقة و أمّا فی مورد التکوین فلا صدق أصلاً فإنّ الله تعالی یرید مثلاً خلق فلان لا إنّه یأمر بخلقه فلایصدق الأمر علی الإرادة لا لغةً و لا عرفاً؛ و ثالثاً قیاس ما نحن فیه علی المقصد و المطلب بأنّ الأمر یطلق علی الفعل بلحاظ قابلیته لتعلّق الإرادة تکویناً و تشریعاً نظیر إطلاق المقصد و المطلب علیه بلحاظ تلک القابلیة فیه أنّه قیاس مع الفارق لأنّه متی أُطلق المطلب علی فعل فإنّه یتبادر إلی الذهن معنی الطلب من نفس الإطلاق أمّا إذا قیل: هل فعل فلان الأمر الکذائی؟ فلاینسبق من لفظ الأمر مفهوم الطلب».

مخصوصاً بما یکون فعلاً بل قد یطلق علی ما لایمکن أن یطلب کما فی شریک الباری أمر مستحیل».((1))

الجواب عن المناقشة الأُولی:

أولاً: بالنقض علیه فإنّ إطلاق الأمر علی شریک الباری مسامحةٌ و إلّا یرد نفس هذا الإشکال علی السید الصدر (قدس سره) حیث قال « إنّ المعنی الثانی للأمر هو الأخص من الشیء » مع أنّ الشیئیة مساوقة للوجود فکیف یطلق علی الممتنع وجوده؟

ثانیاً: بالحلّ فإنّ الوجه فی هذا الإطلاق هو أنّ من لم یکن راسخاً فی التوحید

ص: 42


1- بحوث فی علم الأصول، ج2، ص13، بحوث الأوامر، مادة الأمر، الجهة الأُولی، المحاولة الثانیة، النحو الأول.

یری احتمال وجوده أو المشرک یعتقد بوجوده و هکذا فی سائر الممتنعات فإنّ من لم یکن مدرکاً للعقلیات یری احتمال وجودها.

المناقشة الثانیة:
اشارة

إنّ الأمر بمعنی الطلب لایمکن إطلاقه فی موارد الأمر غیر الطلبی لأنّ ما أفاده من قابلیة الأفعال لتعلق الإرادة به و إن کان صحیحاً فی نفسه إلا أنّ الأمر غیر الطلبی متعلق الإرادة و الطلب و الأمر و لایمکن تصویر المفهوم الجامع بین الأمر و متعلقه.

جوابان عن المناقشة الثانیة:
الجواب الأول:

إنّ الإرادة عین المراد و ما ورد من أنّ إرادته إحداثه دلیل علی اتحادهما لأنّ الإحداث الإیجاد و الإیجاد عین الوجود، فإرادته تعالی عین فعله (والمراد الفعل بالمعنی الأعم بحیث یشمل الأعیان و الصفات و الأفعال).

الجواب الثانی:

إنّ الأمر مصدر ثلاثی مجرد (فما کان متعدیاً و علی زنة فَعَلَ یکون مصدره علی زنة فَعل) و المصدر قد یطلق علی اسم المفعول مثل الخلق فإنّه مصدر و لکن یطلق علی اسم المفعول، فالخلق اسم للمخلوق و الأمر اسم للمأمور به (مثلاً إذا أمر المولی جنوده بالحرکة نحو مکان فمهما سئل أنّه ما أمر المولی؟ فیجاب: «الحرکة» مع أنّ الحرکة هو المأمور به).

ص: 43

و لعل ما مثل به فی الکفایة((1)) لمعنی «الفعل» من هذا القبیل فإنّ المراد من (أَمْرُ فِرْعَوْنَ) فی الآیة المبارکة (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَی بِآیاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِینٍ إِلَی فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِیدٍ)((2)) ما أمر به فرعون؛ فإنّ فرعون أمر بالکفر بموسی (علی نبینا و آله و علیه السلام).

کما أنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) مثّل لذلک بالمصدر المیمی فقال:((3)) الأمر یطلق بمعناه المصدری المبنی للمفعول علی الأفعال کإطلاق المطلب و المطالب علی الأفعال الواقعة فی معرض الطلب کما یقال رأیت الیوم مطلباً عجبیاً و یراد منه فعل عجیب.

و استعمال الأمر بهذا البیان متداول فی الأفعال إلا أنّ الاشتقاق المذکور لم یعتبر فیه العلو؛ ثم إنّ الأمر بهذا المعنی قد یستعمل فی الصفات و الأعراض بل فی الأعیان (سواء کان علماً بالذات أو بالإشارة) و عدم تداوله لایضر بصحته.

المناقشة الثالثة:
اشارة

إنّ الأمر بهذا المعنی لا یطلق علیه تعالی بخلاف الشیء فإنّه یطلق علیه فیقال إنه تعالی شیء لا کالأشیاء، فیعلم من ذلک عدم مساوقة مفهوم الامر و مفهوم الشیء خلافاً للمحق الإصفهانی (قدس سره) حیث ذهب إلی مساوقتهما.

و یلاحظ علیها:

أنّ مفهوم الأمر و المشیة کل منهما مترادف مع الآخر ولکن الترادف لیس

ص: 44


1- کفایة الأصول، ص61 «الأُولی إنّه قد ذکر للفظ الأمر معانٍ متعددة منها... و منها الفعل کما فی قوله تعالی: (وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِیدٍ)». (هود:97).
2- هود (11): 96 و 97.
3- نهایة الدرایة، ج1، ص252.

بمعنی اتحاد المعنی من جمیع الجهات و جمیع القیود، بل الالفاظ المترادفة ربما یختلف معناها باختلاف لطیف أدبی کما فصّل فی ذلک بعض اللغویین مثل ابن سکیت و لکنها یجمعها معنی جامع مثل الإنسان و البشر فإنّ الإنسان یطلق علی هذه الماهیة بلحاظ أنسه أو باعتبار نسیانه کما ورد فی بعض الروایات و کلمات الأعلام، و البشر یطلق علیها باعتبار ظواهره حیث إنّ هذه الکلمة قد اشتقّت من البشرة و علی ذلک لا مانع من أن نقول إنّ واجب الوجود بالذات تبارک و تعالی أمر متفرد بذاته. نعم إطلاق الشیء و الأمر علیه تبارک و تعالی من ضیق التعبیر من جهة التوسعة التی تقع فی هذه الکلمات فإنّ الوضع اللغوی قد اقتضی استعمالها فی ما تعلق به الأمر و المشیة ولکن حیث إنّ الأعیان الخارجیة کلّها نفس المشیة الفعلیة الجزئیة، قد أطلق علیها الشیء کما أنّ التوسعة الثانیة اقتضت إطلاق الأمر علی شریک الباری و أمثال ذلک حیث إنّ العقل یفرض لهذه الأُمور وجوداً نفس الأمری أو فقل ثبوتاً ذهنیاً.

المناقشة الرابعة:

إنّ القول بالإشتراک المعنوی باطل لأنّ الأمر بالمعنی الطلبی یجمع علی صیغة الأوامر و الأمر بالمعنی غیر الطلبی یجمع علی صیغةالأمور و هذا یدلّ علی الاشتراک اللفظی.

جواب المحقق الإصفهانی (قدس سره) عن هذه المناقشة:

أما إشکال اختلاف الجمع حیث إنّ الأمر بمعنی الطلب المخصوص یجمع علی الأوامر و بالمعنی الآخر علی الأمور فیمکن دفعه بأنّ الأمر حیث یطلق علی الأفعال لایلاحظ فیه تعلق الطلب تکویناً أو تشریعاً فعلاً بل من حیث قبول

ص: 45

المحل له فکأنّ المستعمل فیه متمحض فی معناه الأصلی الطبیعی الجامد و الأصل فیه حینئذٍ أن یجمع الأمر علی أمور کما هو الغالب فی ما هو علی هذه الزنة. ((1))

ملاحظتان علی بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) :
اشارة

و هذه الملاحظات تتّجه إلی بیانه لا إلی أصل نظریته.

الملاحظة الأُولی:

إنّه قال:((2)) بعدم إطلاق «الأمر» علی الصفات و الأعراض و بعدم قابلیتها لتعلق الإرادة بها، فیلاحظ علیه:

بأنّه لایتم ذلک لأنّ الأمر الجمودی یطلق علی الصفات و الأعراض کما هو مذهب المحقق العراقی و السید الصدر5 و کما صرّح به بعض الأساطین (دام ظله) عند الإشکال علی السید المحقق البروجردی (قدس سره) حیث قال بأنّه یطلق علی السواد العارض للشیء أمرٌ و للعلم الذی اتصف به العالم أمرٌ.

الملاحظة الثانیة:

إنّه ذکر سابقاً فی مقام الإشکال علی صاحب الکفایة (قدس سره) - إذ قال:((3)) إنّ الأمر الجمودی وضع بإزاء مفهوم الشیء- أنّ «الشیء یطلق علی الأعیان والأفعال مع أنّ الأمر لایحسن إطلاقه علی العین الخارجیة» و صرّح أیضاً بعدم قابلیة الأعیان

ص: 46


1- إنّ الثلاثی المجرد إذا کان موصوفاً و کان علی زنة فَعل یجمع علی فُعول ک: فَلس و فُلوس.
2- ص 252 «و إنّما الفرق أنّ ما کان من قبیل الأفعال قابل لتعلق الإرادة به دون ما کان من قبیل الصفات... و أنّ إطلاقها علی خصوص الأفعال فی قبال الصفات و الأعیان باعتبار موردیتها لتعلق الإرادة بها بخلاف الأعیان و الصفات فإنّها لاتکون معرضاً لذلک».
3- کفایة الأصول، ص62 «و لایبعد دعوی کونه حقیقة فی الطلب فی الجملة و الشیء».

لتعلق الإرادة بها، فیلاحظ علیه:

بأنّ الأعیان أیضاً قد یطلق علیها الأمر کما مرّ و إن لم یکن متداولاً و لذا یطلق علی الأعیان الخارجیة أنّها أمر متشخص بذاته و أنّها أمر بسیط أو مرکب و غیر ذلک.

و المحقق الإصفهانی (قدس سره) قال:((1)) عند الإشکال علی المحقق الخراسانی (قدس سره) : «إنّ إطلاق الشیء علی الأعیان الخارجیة باعتبار أنّها مشیئات وجودها»؛ فعلی هذا، الأعیان متعلقات للإرادة التکوینیة الإلهیة و عدم قابلیة إرادتنا لأن تتعلق بالأعیان لاینافی تعلق الإرادة الإلهیة بها.

فتحصل أنّ مقتضی التحقیق تمامیة نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) مع إصلاحها باطلاق الأمر علی الأعیان و الصفات و الأعراض فإنّ الاستعمال قد یکون بالنسبة إلی بعض مصادیقه شایعاً و بالنسبة إلی بعض مصادیقه نادراً و غیر متعارف و هذه الندرة و عدم التعارف لایضر بصحة الاستعمال.

ص: 47


1- ص251 «نعم لو کان... و کان إطلاقه علی الأعیان الخارجیة باعتبار أنّها مشیات وجوداتها فالمصدر مبنی للمفعول الخ».
البحث الثانی : معنی « الأمر » اصطلاحاً
النظریة الأُولی: و هی مختار المشهور
اشارة

إنّه قد حکی المحقق الخراسانی (قدس سره) نظریة المشهور فقال:((1)) «و أما بحسب الاصطلاح فقد نقل الاتفاق علی أنّه [أی الأمر] حقیقة فی القول المخصوص و مجاز فی غیره».

و قال بعد أسطر: «القول المخصوص أی صیغة الأمر».

إیرادان علی نظریة المشهور:
الإیراد الأول: من المحقق الخراسانی (قدس سره)
اشارة

((2))

إنّ القول المخصوص جامد و لایمکن الاشتقاق منه مع أنّا نری أنّ الاشتقاقات من الأمر تکون بهذا المعنی المصطلح علیه فلابدّ أن یکون معناه حدثیاً لأنّ مبدأ الاشتقاق معنی حدثی قابل للتصریف.

جواب المحقق الإصفهانی (قدس سره) عن هذا الإیراد:

إنّ الأمر بهذا المعنی المصطلح علیه یکون مبدأ للاشتقاق .

قال (قدس سره) :((3)) «إنّ وجه الإشکال إن کان توهم أنّ الموضوع له لفظ لا معنی... و

ص: 48


1- کفایة الأُصول، ص62.
2- «و لایخفی أنّه علیه لایمکن منه الاشتقاق... فتدبر».
3- نهایة الدرایة، ج1، ص254، التعلیقة 141 علی هذه العبارة «و لایخفی أنّه علیه لایمکن الاشتقاق منه فإنّ معناه حینئذ لایکون معنی حدثیاً».

إن کان وجه الإشکال ما هو المعروف من عدم کونه معنی حدثیاً ففیه أنّ لفظ ”اضرب“ صنف من أصناف طبیعة الکیف المسموع و هو من الأعراض القائمة بالمتلفظ به؛ فقد یلاحظ نفسه - من دون لحاظ قیامه و صدوره عن الغیر - فهو المبدء الحقیقی الساری فی جمیع مراتب الاشتقاق و قد یلاحظ قیامه فقط فهو المعنی المصدری المشتمل علی نسبة ناقصة و قد یلاحظ قیامه و صدوره فی الزمان الماضی فهو المعنی الماضوی و قد یلاحظ صدوره فی الحال أو الاستقبال فهو المعنی المضارعی و هکذا؛ فلیس هیأة ”اضرب“ مثلاً کالأعیان الخارجیة و الأُمور غیر القائمة بشیء حتی لایمکن لحاظ قیامه فقط أو فی أحد الأزمنة».

مناقشة المحقق الخوئی (قدس سره) علی المحقق الإصفهانی (قدس سره) :

إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) قوّی نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) و استشکل علی المحقق الإصفهانی (قدس سره) فقال:((1)) «إنّ ما ذکره فی إطاره و إن کان فی غایة الصحة و المتانة إلا أنّه لا صلة له بما ذکرناه و السبب فی ذلک أنّ لکل لفظ حیثیتین موضوعیتین:

الأُولی: حیثیة صدوره من اللافظ خارجاً و قیامه به کصدور غیره من الأفعال کذلک .

الثانیة: حیثیة تحققه و وجوده فی الخارج فاللفظ من الحیثیة الأُولی و إن کان قابلا للتصریف و الاشتقاق إلا أنّ لفظ الأمر لم یوضع بإزاء القول المخصوص من هذه الحیثیة و إلا لم یکن مجال لتوهم عدم إمکان الاشتقاق و الصرف منه بل هو موضوع بإزائه من الحیثیة الثانیة و من الطبیعی أنّه بهذه الحیثیة غیر قابل

ص: 49


1- محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص13؛ ج1، ص350، بحث الأوامر، المقام الأول، الجهة الأولی، المعنی الاصطلاحی للأمر.

لذلک کما عرفت فما أفاده مبنی علی الخلط بین هاتین الحیثیتین.»

ملاحظة علی المحقق الخوئی (قدس سره) :

إنّ ما لابدّ منه هو أن یکون بحیث یمکن صدوره عن الفاعل و هذا یکفی فی الاشتقاق و عدم لحاظ قیامه باللافظ لایوجب انقلاب ذاته فإنّ اللحاظ و عدم اللحاظ اعتباری و ما هو شرط للاشتقاق هو أن یکون بحسب ذاته قابلا للصدور عن الفاعل و القیام بالغیر حتی یطرأ علیه أنحاء الصدور و یشتق منه المشتقات و الشرط حاصل فی المقام.

الإیراد الثانی: ما ذکره المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّ مبدأ الاشتقاق لابدّ أن یکون خالیاً عن جمیع الخصوصیات لیقبل کل خصوصیة ترد علیه و لذا قال فی بحث المشتق: إنّ المصدر لایصلح أن یکون مبدأ للاشتقاق لأنّ المصدر مشتمل علی الهیأة أیضاً (و إن لم تکن هیأته تامة).

یلاحظ علیه:

إنّ الأمر بمعناه الإصطلاحی لیس مصدراً حتّی یرد علیه ذلک، بل هو اسم للصیغة الخاصّة الصادرة من اللافظ القائمة به.

النظریة الثانیة: و هی المختار عندنا

إنّ الأمر الاصطلاحی اسم للطلب المخصوص و الإرادة المبرزة التی هی أعم من کونه بصیغة افعل أو بمادة الأمر أو بالجملة الخبریة أو بغیر ذلک مما یفهم

ص: 50


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص11؛ ج 1، ص348.

منه الأمر فإذا قال قائل «إنّی أمرتهم بکذا» فهذا أعمّ من أن یکون أمره بصیغة افعل أو بمادة الأمر أو بالجملة الخبریة أو بغیرها.

ص: 51

البحث الثالث: الأصل العملی فی المقام
نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) :

((1))

لابدّ مع التعارض من الرجوع إلی الأصل فی مقام العمل (و مراده هو تعارض الوجوه المرجحة مثل غلبة المجاز علی الاشتراک فإنّه لو سلمنا غلبته یکون معارضاً بقاعدة أخری و هی أنّ الاشتراک المعنوی خیر من المجاز و إن فرضنا عدم المعارض له یکون وجها استحسانیاً و لا دلیل علی اعتباره) فمع سقوط المرجحات لابدّ من الرجوع إلی الأصل العملی.

نظریة بعض أکابر الأساطین (دام ظله) :

أما علی مسلک المحقق الإصفهانی (قدس سره) فإذا ورد أمر و دار الأمر بین الحمل علی معنی الطلب الفعلی التشریعی (حتی یکون ذا أثر شرعی) و بین الحمل علی الطلب الفعلی التکوینی (حتی لایکون ذا أثر شرعی) یعامل معه معاملة المشترک اللفظی عند فقد القرینة المعینة فیکون شبهة حکمیة لإجمال الدلیل و لا مرجع هنا إلا أصل البراءة.

و الأمر کذلک علی مسلک المحقق النائینی (قدس سره) حیث یدور الأمر بین معنی الواقعة الشرعیة التی لها أهمیة فی الجملة و بین معنی الواقعة التکوینیة التی لها أهمیة فی الجملة فیرجع إلی أصل البراءة.

و هکذا علی مسلک القائلین بالاشتراک اللفظی تجری أصالة البراءة عند دوران الأمر بین المعنی الطلبی و المعنی غیر الطلبی.

ص: 52


1- کفایة الأصول، ص62.

الأمر الثانی:فی اعتبار العلو و الاستعلاء

الحق اعتبار العلو فی مفهوم الأمر و عدم اعتبار الاستعلاء و طلب الدانی المستعلی یقبح لاستعلائه((1)) فما یصدر منه لیس بأمر لا عرفا و لا عقلاً و إلا لتوجه القبح إلی أمره أیضاً. والدلیل علیهما صحة سلب الأمر عن طلب السافل إذا کان مستعلیاً و عدم صحته عن طلب العالی إذا کان مستخفضاً لجناحه .

ص: 53


1- فی کفایة الأصول، ص63 «و تقبیح الطالب السافل من العالی المستعلی علیه و توبیخه بمثل” إنّک لِمَ تأمرُه؟ “ إنّما هو علی استعلائه لا علی أمره حقیقةً بعد استعلائه».

ص: 54

الأمر الثالث:دلالة مادة الأمر علی الوجوب

اشارة

لا إشکال فی استظهار الوجوب من مادة الأمر عند الإطلاق و الکلام فی منشأ ذلک؛ فهل یکون المنشأ هو الوضع أو الإطلاق بمقدمات الحکمة أو إنّ الدلالة لیست لفظیة بل هی دلالة عقلیة أو عقلائیة؟

أما الأقوال، فسبعة:

1. مادة الأمر حقیقة فی الندب.

2. إنّها مشترک معنوی بین الوجوب و الندب من جهة الوضع اللغوی.

3. إنّ للأمر ظهوراً وضعیاً فی الوجوب.

4. إنّ للأمر ظهوراً إطلاقیاً فی الوجوب بمعنی غلبة الاستعمال.

5. إنّ للأمر ظهوراً إطلاقیاً فی الوجوب بمقدمات الحکمة.

6. إنّ دلالة الأمر علی الوجوب عقلیة.

7. إنّ الدلالة علی الوجوب عقلائیة (السیرة العقلائیة).

ص: 55

النظریة الأُولی: مادة الأمر حقیقة فی الندب
اشارة

استدلوا علیه: بأنّ کل فعل مندوب طاعةٌ و کل طاعة مأمورٌ بها فکل مندوب مأمورٌ به.

أورد علیه بعض الأساطین (دام ظله) :
اشارة

أورد علیه بعض الأساطین (دام ظله) :((1))

الإیراد الأول:

((2))

إنّ غایة ما یثبت به هو أنّ استعمال الأمر فی الندب یکون علی نحو الحقیقة و أما الوضع له فلا دلیل علیه لوضوح إمکان الوضع للمشترک المعنوی و حینئذ یکون الاستعمال فی الندب حقیقیاً لا مجازیاً.

الإیراد الثانی:

«القیاس المذکور یشتمل علی مصادرة [بالمطلوب] فقولهم: کل طاعة مأمور بها أول الکلام [بل یمکن أن یدّعی أنّ الطاعة الوجوبیة هی المأمور بها]»

النظریة الثانیة: الاشتراک المعنوی بین الوجوب و الندب
اشارة

((3))

و هی مختار المحقق العراقی (قدس سره) من جهة وضعها حقیقةً، و یمکن الجمع بین

ص: 56


1- تحقیق الأُصول، ج2، ص14، الأوامر، مادة الأمر، هل تدل مادة الأمر علی الوجوب؟
2- «و فیه أولاً: هذا القیاس إن تم فیدل علی استعمال المادة فی الندب أما کون الندب هو الموضوع له فلایثبته الخ»
3- نهایة الأفکار، ج1، ص160، المقصد الأول، المبحث الأول، الجهة الثالثة «فی أنّ الأمر هل هو حقیقة فی خصوص الطلب الوجوبی أو إنّه حقیقة فی مطلق الطلب الجامع بین الوجوبی و الاستحبابی؟ فیه وجهان أظهرهما الثانی الخ».

هذا و بین دلالتها علی الوجوب بمقدّمات الحکمة، و استُدِلّ علیه بوجهین:

الوجه الأول:
اشارة

و هو «صدق الأمر حقیقة علی الطلب الصادر من العالی إذا کان طلبه استحبابیا».

یرد علیه:

إنّ ذلک الإطلاق من موارد استعمال کلمة الأمر، والاستعمال اعمّ من الحقیقة. مثلاً إن صدق الناطق علی الإنسان لیس بمعنی وضع الناطق لمفهوم الإنسان.

الوجه الثانی:
اشارة

((1))

صحة التقسیم إلی الأمر الوجوبی و الأمر الندبی کاشفة عن وجود المقسم فی کلا قسمیه.

أورد علیه بعض الأساطین (دام ظله) :

((2))

إنّ التقسیم لو کان بلحاظ ذات المعنی فیصح الاستدلال به و أما صحة التقسیم بلحاظ حال المستعمل فیه فلاتکون دلیلاً علی الحقیقة کما فی تقسیم الماء إلی المطلق و المضاف فحینئذ صحة التقسیم لا تصلح دلیلاً علی حدة بل لابدّ من التبادر أو صحة الحمل.

ص: 57


1- «و مما یشهد لذلک بل یدل علیه أیضاً صحة التقسیم إلی الوجوب و الاستحباب فی قولک الخ».
2- تحقیق الأصول، ج2، ص14 «و فیه أنّ هذا التقسیم صحیح لکنه لیس بما للمادة من المعنی الحقیقی الخ».
النظریة الثالثة: وضع المادة للوجوب
اشارة

و استدل علیه صاحب الکفایة (قدس سره) بوجوه:

الوجه الأول: التبادر
اشارة

((1))

إیراد علی الوجه الأول:

إنّ الوجوب لاینسبق من مادة الأمر و لم یعدّ من معانیها و الظهور فی الوجوب غیر الوضع له .

الوجه الثانی:

قال (قدس سره) : «و یؤید((2)) قولُه تعالی:((3)) (فَلْیحْذَرِ الَّذِینَ یخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِیبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ یصِیبَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ)((4)) و قولُه (صلی الله علیه و آله) «لَوْ لَا أَنْ أَشُقَّ عَلَی أُمَّتِی لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاکِ»((5)) و قولُه (صلی الله علیه و آله) بعد قولها: أتأمرنی یا رسول الله (صلی الله علیه و آله) ”لا بل إنّما أنا

ص: 58


1- کفایة الأصول، ص63، المقصد الأول، الفصل الأول، الجهة الثالثة «لایبعد کون لفظ الأمر حقیقة فی الوجوب لانسباقه عنه عند إطلاقه».
2- إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) عبّر عن تلک الآیات و الروایات بالتأیید لأنّها استعمال و هو أعم من الحقیقة و المجاز.
3- النور (24): 63.
4- أولاً من جهة الأمر بالحذر من مخالفة الأمر و ثانیاً من جهة ترتب الفتنة أو العذاب الألیم علی مخالفة أمر النبی (صلی الله علیه و آله) .
5- روی هذا الحدیث عندنا بثلاثة أنحاء: الأول: فی الکافی، ج3، ص22، باب السواک، ح1: «علی بن محمد، عن سهل، وعلی بن إبراهیم، عن أبیه جمیعا، عن جعفر بن محمد الأشعری، عن عبد الله بن میمون القداح، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: رکعتان بالسواک أفضل من سبعین رکعة بغیر سواک، قال: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : لولا أن أشق علی أمتی لأمرتهم بالسواک مع کل صلاة». و فی علل الشرائع، ج1، ص293: «أبی رحمه قال: حدثنا علی بن إبراهیم، عن أبیه عن عبد الله بن میمون عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) لولا أن أشق علی أمتی لأمرتهم بالسواک مع کل صلاة». الثانی: فی المحاسن، ج2، ص561: «عنه عن جعفر بن محمد، عن ابن القداح، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : لولا أن أشق علی أمتی لأمرتهم بالسواک عند کل صلاة». الثالث: فی من لا یحضره الفقیه، ج1، ص55: «وقال النبی صلی الله علیه وآله: لولا أن أشق علی أمتی لأمرتهم بالسواک عند وضوء کل صلاة» و کذا فی مکارم الأخلاق، ص.50 و ورد فی دعائم الإسلام ج1، ص119 بعبارة أخری قال: «قال (صلی الله علیه و آله) : لولا أن أشق علی أمتی لفرضت علیهم السواک مع الوضوء، ومن أطاق ذلک فلا یدعه».

شافع“(1) إلی غیر ذلک.»

الوجه الثالث:
اشارة

قال (قدس سره) :«و [یؤید] صحةُ الاحتجاج علی العبد و مؤاخذته بمجرد مخالفة أمره

ص: 59


1- . فی عوالی اللئالی ج 3، ص 349: «وروی ابن عباس ان زوج بریرة کان عبدا أسود یقال له: مغیث. کأنی انظر إلیه یطوف خلفها یبکی ودموعه تجری علی لحیته. فقال النبی (صلی الله علیه و آله) للعباس: " یا عباس ألا تعجب من حب مغیث بریرة، ومن بغض بریرة مغیثا؟ فقال لها النبی (صلی الله علیه و آله) : " راجعیه فإنه أبو ولدک " فقالت: یا رسول الله أتأمرنی؟ فقال: " لا، إنما أنا أشفع " فقالت: لا حاجة لی فیه». و فی الکافی،ج5، ص485، باب الأمة تکون تحت المملوک فتعتق أو یعتقان جمیعا ستة أحادیث فیها -غیر الحدیث الثالث- ذکرُ بریرة و زوجها و لکن فیها تخییر رسول الله (صلی الله علیه و آله) إیاه بین الإقامة مع زوجها و مفارقته و لیس فیها هذه الجملة و کذا فی تهذیب الأحکام، ج7، ص341و342 ح 26-29 فراجع. و أما فی کتب أهل السنة فروی فی أربعة من الصحاح: فی صحیح البخاری، ج6، ص171و172؛ و فی سنن ابن ماجة، ج1، ص671؛ و فی سنن أبی داود، ج1، ص497؛ و فی سنن النسائی، ج8، ص245و246 و السنن الکبری، النسائی، ج3، ص480؛ و فی مسند احمد، ج1، ص215؛ سنن الدارمی، ج2، ص169؛ صحیح ابن حبان، ج10، ص96؛ المعجم الکبیر، ج11، ص273؛ سنن الدارقطنی، ج2، ص135 و ج 3، ص204؛ السنن الکبری، البیهقی، ج7، ص222؛ المصنف، عبد الرزاق الصنعانی، ج7، ص250.

و توبیخه علی مجرد مخالفته کما فی قوله تعالی: (مَا مَنَعَکَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُکَ)((1))».

الطریق الأول للتمسّک بالآیتین علی الوضع للوجوب: عن المحقق العراقی (قدس سره)
اشارة

((2))

إنّ الاستدلال بالآیة یبتنی علی جواز التمسک بأصالة العموم بالنسبة إلی ما هو خارج عن حکم العام و شک فی أنّه من مصادیق العام و خروجه من باب التخصیص أو أنّه لیس من مصادیق العام بل خروجه من باب التخصص فإنّ أصالة العموم تقتضی التحفظ علی عموم العام و عدم تخصیصه؛ فأصالة العموم یثبت خروج الأمر الاستحبابی عن مادة الأمر فی الآیتین و الروایتین تخصصاً و إلا لابدّ من تخصیص العام و عدم کونه مراداً جدیاً بالنسبة إلی الأمر الاستحبابی و الوجه فی خروج الأمر الاستحبابی عن حکم العام فی الآیتین و الروایتین واضح لا غبار علیه لعدم ترتب تلک اللوازم من وجوب الحذر و إصابة الفتنة و العذاب - فی آیة (فَلْیحْذَرِ الَّذِینَ یخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ)((3))- و التوبیخ - فی قوله تعالی: (مَا مَنَعَکَ أَلّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُکَ)((4))- و المشقة - فی

ص: 60


1- الأعراف ( 7 ): 12.
2- نهایة الأفکار، ج1-2، ص161 و 162 «... فنقول بأنّه یرد علی الجمیع بابتناء صحة الاستدلال المزبور علی جواز التمسک بعموم العام للحکم بخروج ما هو خارج عن حکم العام عن موضوعه الخ»
3- النور ( 24 ): 63.
4- الأعراف ( 7 ): 12.

قوله (صلی الله علیه و آله) :« لَوْ لَا أَنْ أَشُقَّ عَلَی أُمَّتِی لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاکِ»((1)) - علی الأمر الاستحبابی.

إیراد المحقق العراقی (قدس سره) علی الاستدلال بهذا البیان:

«و لکنه نقول بقصور أصالة العموم و الإطلاق عن إفادة إثبات ذلک، فإنّ عمدة الدلیل علی حجیته [أی أصالة العموم و الإطلاق] إنّما کان هو السیرة و بناء العرف و العقلاء و القدر المسلم منه إنّما هو فی خصوص الشکوک المرادیة و هو لایکون إلا فی موارد کان الشک فی خروج ما هو المعلوم الفردیة للعام عن حکمه و حینئذ فلایمکننا التمسک بالأدلة المزبورة لإثبات الوضع لخصوص الطلب الإلزامی خصوصاً بعد ما یری من صدقه أیضاً علی الطلب الاستحبابی کما هو واضح.»

الطریق الثانی للتمسک بالآیتین: عن بعض الأساطین (دام ظله)
اشارة

((2))

«إنّه یعتبر فی مورد دوران الأمر بین التخصیص و التخصص أن یکون قابلاً لهما کخروج زید عن ”أکرم العلماء“ أما المورد الذی لایکون الحکم فیه قابلاً للتخصیص فلیس بموضوع لکبری تلک القاعدة و الآیة الکریمة من هذا القبیل لأنّ ترتب العذاب بلا استحقاق له محال کما فی قوله تعالی: (وَ مَا کُنَّا مُعَذِّبِینَ حَتَّی نَبْعَثَ رَسُولًا)((3)) و استحقاق العذاب من الأحکام العقلیة و الاحکام العقلیة لایدور أمرها بین التخصیص و التخصص فمورد عدم استحقاق

ص: 61


1- راجع: ص58.
2- تحقیق الأصول، ج2، ص17.
3- سورة الإسراء ( 17 ): 15.

العقاب و هو الأمر الندبی خارج خروجاً تخصصیاً فالکبری غیر منطبقة علی الآیة الکریمة».

یمکن أن یلاحظ علیه:

إنّ التخصیص المستحیل فی الأحکام العقلیة هو التخصیص بحسب الواقع أما تخصیص العنوان العام لیتحقق العنوان الخاص الذی هو موضوع حکم العقل فمآله إلی التخصص غیرِ المستحیل و هو واقع فی الأحکام العقلیة؛ مثلاً إذا قلنا: الواحد لایصدر عنه إلا الواحد و أخرجنا عن الموضوع، الواحدَ النوعی و العنوانی و غیر ذلک فهذا و إن کان تخصیصاً بحسب الظاهر و لکن یرجع إلی التخصص و أنّ المراد من بدو الأمر هو الواحد بالوحدة الحقة الحقیقیة لا الواحد النوعی و الواحد العنوانی و غیر ذلک فلایلزم التخصیص فی الأحکام العقلیة.

بیان بعض الأساطین للاستدلال:
اشارة

ذکر هذا المحقق فی الدورة السابقة أنّ الاستدلال بالآیة و الروایة لایبتنی علی القاعدة المذکورة حتی یجاب عنه بما قال بل وجه الاستدلال هو أنّ النبی (صلی الله علیه و آله) أفصح الناس و الکتاب الذی أنزل إلیه أفصح الکلمات و الأمر فی کلام الله و الکلام النبوی مستعمل فی الأمر الوجوبی بلاعنایة و لا قرینة.((1))

ص: 62


1- تحقیق الأصول، ج2، ص16 و 17 «... فأجاب فی الدورة السابقة بعدم ابتناء الاستدلال بالآیة و الروایة علی القاعدة المذکورة حتی یجاب عنه بما قال لأنّ وجه الاستدلال هو أنّ حدود مفاهیم الألفاظ یرجع فیها إلی أهل اللسان الخ»
إیراد هذا المحقق (دام ظله) علی الاستدلال بهذا البیان:

((1))

إنّا نجد بعد الرجوع إلی الروایات الواردة فی تفسیر الآیة أنّ الأمر أعم من الوجوبی و الاستحبابی.

و من ذلک ما رواه الکلینی (قدس سره) بالسند الصحیح((2)) فی الکافی:

ص: 63


1- تحقیق الأصول، ج2، ص18 و 19، الحق فی الجواب «ثم قال شیخنا دام ظله بأنّ الحق فی الجواب عن الاستدلال بالآیة و الروایة و أمثالهما هو أنّ الأمر کما أُطلق فی الکتاب و السنة و دل علی الوجوب کذلک قد أُطلق فی موارد لایمکن حمل الأمر فیها علی الوجوب الخ»
2- فی الحدائق، ج1، ص114 عبر عنه ﺑ «صحیحة عمر بن یزید» فی معجم رجال الحدیث، ج14، ص59 «8806- عمر بن محمد: قال النجاشی ” عمر بن محمد بن یزید أبو الأسود بیاع السابری مولی ثقیف کوفی ثقة جلیل أحد من کان یفد فی کل سنة روی عن أبی عبد الله و أبی الحسن (علیهما السلام)ذکر ذلک أصحاب کتب الرجال الخ“... و قال الشیخ” عمر بن یزید ثقة له کتاب الخ“و عده فی رجاله فی أصحاب الصادق (علیه السلام) مرتین فقال مرة: عمر بن یزید بیاع السابری کوفی و قال ثانیاً: عمر بن یزید الثقفی مولاهم البزاز الکوفی و عده فی أصحاب الکاظم (علیه السلام) أیضاً و قال: عمر بن یزید بیاع السابری ثقة له کتاب. و فیه، ج7، ص65 «3580- الحسین بن عمر بن یزید: ثقة من أصحاب الرضا (علیه السلام) (رجال الشیخ) و عده البرقی فی أصحاب الکاظم (علیه السلام) ... 3581- الحسین بن عمر بن یزید: من أصحاب الصادق (علیه السلام) (رجال الشیخ ) کذا عن نسخة خطیة صحیحة و لکن فی النسخة المطبوعة الموافقة لنسخة السید التفریشی و المیرزا فی رجالیه و المولی عنایة الله: الحسین بن عمرو أقول: الظاهر صحة النسخة الخطیة الخ» و فیه، ج6، ص96 «الحسن بن محبوب:... و قال الشیخ ” الحسن بن محبوب السراد و یقال له الزراد یکنی أبا علی مولی بجیلة کوفی ثقة روی عن أبی الحسن الرضا (علیه السلام) و روی عن ستین رجلاً من أصحاب أبی عبد الله (علیه السلام) و کان جلیل القدر یعد فی الأرکان الأربعة فی عصره و له کتب کثیرة منها کتاب المشیخة، کتاب الحدود، کتاب الدیات، کتاب الفرائض، کتاب النکاح، کتاب الطلاق، کتاب النوادر نحو ألف ورقة الخ“ و عده فی رجاله فی أصحاب الکاظم (علیه السلام) قائلاً: مولی ثقة و فی أصحاب الرضا (علیه السلام) قائلاً: مولی بجیلة کوفی ثقة و ذکره البرقی فی أصحاب الکاظم (علیه السلام) مرتین فمرة وصفه بالسراد و أُخری بالزراد و عده الکشی من الفقهاء الذین أجمع أصحابنا علی تصحیح ما یصح عنهم عند تسمیة الفقهاء من أصحاب أبی إبراهیم و أبی الحسن الرضا (علیه السلام) ... وقال فی ترجمته ”الحسن بن محبوب: علی بن محمد القتیبی قال حدثنی جعفر بن محمد بن الحسن بن محبوب نسبة جده الحسن بن محبوب أنّ الحسن بن محبوب بن وهب بن جعفر بن وهب... و مات الحسن بن محبوب فی آخر سنة 224 و کان من أبناء 75 سنة...“ الخ». و أما أحمد بن محمد و محمد بن یحیی فسیأتی.

«مُحَمَّدُ بْنُ یحْیی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ((1))عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ حُسَینِ بْنِ عُمَرَ بْنِ یزِیدَ عَنْ أَبِیهِ((2))قَالَ: اشْتَرَیتُ إِبِلًا وَ أَنَا بِالْمَدِینَةِ مُقِیمٌ فَأَعْجَبَنِی((3))إِعْجَاباً شَدِیداً

ص: 64


1- فی المحاسن: عنه [أی أحمد بن محمد بن خالد] عن الحسن بن محبوب الخ. فی الرعایة فی علم الدرایة، ص371 فی روایة المتفق و المفترق «و ذلک کروایة الشیخ (رحمة الله) و من سبقه من المشایخ عن أحمد بن محمد و یطلق فإنّ هذا الاسم مشترک بین جماعة منهم أحمد بن محمد بن عیسی و أحمد بن محمد بن خالد و أحمد بن محمد بن أبی نصر و أحمد بن محمد بن الولید و جماعة أُخری من أفاضل أصحابنا من تلک الأعصار و یتمیز عند الإطلاق بقرائن الزمان فإنّ المروی عنه إن کان من الشیخ فی أول السند أو ما یقاربه فهو أحمد بن محمد بن الولید و إن کان فی آخره مقارباً للرضا (علیه السلام) فهو أحمد بن أبی نصر البزنطی و إن کان فی الوسط فالأغلب أن یرید به أحمد بن محمد بن عیسی و قد یراد غیره و یحتاج فی ذلک إلی فضل قوة و تمییز و اطلاع علی الرجال و مراتبهم و لکنه مع الجهل لایضر لأنّ جمیعهم ثقات و الأمر فی الاحتجاج بالروایة سهل؛ و فی الرسائل الرجالیة لأبی المعالی الکلباسی (قدس سره) ، ج3، ص119 «لکن کثیراًما یروی [أی الکلینی (رحمة الله) ] عن محمد بن یحیی عن أحمد بن محمد و المقصود بأحمد المروی عنه أحمد بن محمد بن عیسی بشهادة التقیید بابن عیسی فی بعض الموارد بل کثیر منها مضافاً إلی دخوله فی أعداد عدة أحمد بن محمد بن عیسی». تنبیه: قال أبو المعالی (قدس سره) فی ج 3، ص149 «قال الکشی فی ترجمة أحمد بن محمد بن عیسی: لایروی عن ابن محبوب من أجل أنّ أصحابنا یتهمون ابن محبوب فی روایته عن ابن أبی حمزة ثم تاب أحمد بن محمد فرجع قبل ما مات الخ».
2- لیس «عن أبیه» فی المحاسن.
3- فی المحاسن «فأعجبتنی» ولکن نقل فی البحار عنه بدون التاء.

فَدَخَلْتُ عَلَی أَبِی الْحَسَنِ الْأَوَّلِ (علیه السلام) ((1)) فَذَکَرْتُهَا لَهُ((2))فَقَالَ (علیه السلام) :” مَا لَکَ وَ لِلْإِبِلِ؟ أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّهَا کَثِیرَةُ الْمَصَائِبِ؟“ قَالَ: فَمِنْ إِعْجَابِی بِهَا أَکْرَیتُهَا((3))وَ بَعَثْتُ بِهَا مَعَ غِلْمَانٍ لِی((4)) إِلَی الْکُوفَةِ قَالَ: فَسَقَطَتْ کُلُّهَا فَدَخَلْتُ عَلَیهِ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَال (علیه السلام) : (فَلْیحْذَرِ الَّذِینَ یخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِیبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ یصِیبَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ)».((5))

فإنّ شراء الإبل لیس بحرام و المورد غیر الوجوب و الحرمة و الفتنة و العذاب هنا البلیة الدنیویة فالأمر الوجوبی یترتب علی مخالفته العذاب الأُخروی و الأمر الاستحبابی لایترتب علیه ذلک بل غایة ما یترتب علی ترک الأمر الاستحبابی و فعل النهی التنزیهی هو البلیة الدنیویة .

یؤیده أنّ علی بن إبراهیم رحمة الله فسّر «الفتنة» ﺑ- «البلیة»((6)) مع أنّ الفتنة بحسب العرف و اللغة و الآیات و الروایات لاتختص بالبلاء الأخروی کما قال تعالی: (إِنَّمَا أَمْوَالُکُمْ وَأَوْلَادُکُمْ فِتْنَةٌ)((7))کما أنّ المراد من الأمر فی قوله تعالی:(إِنَّ اللَّهَ

ص: 65


1- فی المحاسن: علی أبی عبد الله (علیه السلام) .
2- فی نقل الوسائل عنه بدون «له» و فی المحاسن «فذکرته».
3- فی المحاسن «اکتریتها» ولکن نقل البحار عنه بدون التاء و هو الصواب.
4- فی المحاسن «غلمانی» بدل «غِلْمَانٍ لِی».
5- الکافی، ج6، ص543، کتاب الدواجن، باب اتخاذ الإبل، ح 7؛ المحاسن، ج2، ص639، کتاب المرافق، الباب 15 (باب الإبل)؛ وسائل الشیعة، ج11، ص501، أبواب أحکام الدواب فی السفر و غیره، الباب 24، ح 2؛ بحار الأنوار، ج61، ص135، أبواب الحیوان و أصنافها و أحوالها و أحکامها، الباب2، ح31.
6- تفسیر القمی، ج2، ص110، سورة النور، الآیة 63 «( أَنْ تُصِیبَهُمْ فِتْنَةٌ) یعنی بلیة (أَوْ یصِیبَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ) قال: القتل».
7- (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُکُمْ وَأَوْلَادُکُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِیمٌ) (الأنفال: 28)؛ (إِنَّمَا أَمْوَالُکُمْ وَأَوْلَادُکُمْ فِتْنَةٌ وَ اللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِیمٌ ) (التغابن: 15).

یأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ) ((1)) لایختص بالأمر الوجوبی بل یعم الأمر الاستحبابی؛ فالمستفاد من الآیات و الروایات کون الأمر أعم من الوجوبی و الاستحبابی.

أما روایة بریرة فسندها غیر صحیح و غیر معتبر و الروایات الأُخر لاتعارض ما قلناه.

النظریة الرابعة: انصراف المطلق إلی الواجب
اشارة

و هو لأنّ المطلق عند الإطلاق ینصرف إلی الفرد الأغلب أو إلی الفرد الأکمل.

الإیراد الصغروی عن المحقق العراقی (قدس سره) علیها

قال (قدس سره) :((2)) «و أما الغلبة فدعواها ساقطة بعد وضوح کثرة استعماله فی الاستحباب».

الإیراد الکبروی:

إنّ الإطلاق الانصرافی لایوجب ظهور الأمر فی الفرد الأغلب أو الأکمل، بل العرف فی موارد الاستعمال یتمسک بالإطلاق اللفظی و یقول بشمول اللفظ لجمیع مصادیقه. نعم قد نعلم من الدلیل الخارجی أنّ المتکلم لایرید إطلاق کلامه بل یرید فرداً خاصاً من أفراد الإطلاق و هو الفرد الاغلب أو الاکمل فهذا یحتاج إلی قرینة بخصوصه.

ص: 66


1- سورة النحل (16): 90.
2- نهایة الأفکار، ج1، ص162، المقصد الأول، المبحث الأول، الجهة الثالثة.
النظریة الخامسة: الإطلاق بمقدمات الحکمة
اشارة

و نذکر لهذا القول سبعة تقریرات:

التقریر الأول:

((1))

إنّ الطلب حقیقة تشکیکیة ذات مراتب مختلفة من المرتبة الشدیدة و الضعیفة و المرتبة الشدیدة هی الحقیقة بلا زیادة تحدید و لا قید و أما المرتبة الضعیفة فهی الحقیقة مع الحد العدمی، لأنّ المرتبة الکاملة بسیطة لا ترکیب فیها و أما الناقصة فمرکبة من الحقیقة و العدم، فالناقصة کما تحتاج إلی مؤنة زائدة علی أصل الحقیقة فی مقام الثبوت کذلک تحتاج إلیها فی مقام الإثبات فمقتضی الإطلاق بعد کون الآمر بصدد البیان هو کون طلبه وجوبیاً لا استحبابیاً.

و سیجیءُ الکلام حول بطلان هذا التقریر عند تحقیق المطلب و نبین وجه الملاحظة علیه.

التقریر الثانی (الأتمیة فی مرحلة التحریک للامتثال):
اشارة

((2))

قال (قدس سره) : «و ثانیهما و لعله أدقّ من الأول ... بتقریب أنّ الأمر بعد أن کان فیه اقتضاء وجود متعلقه فی مرحلة الخارج و لو باعتبار منشأیته لحکم العقل بلزوم

ص: 67


1- نهایة الأفکار، ج1، ص162 و 163، المقصد الأول، المبحث الأول، الجهة الثالثة «و حینئذ فلابدّ و أن یکون الوجه فی ذلک هو قضیة الإطلاق و مقدمات الحکمة و تقریبه من وجهین: أحدهما أنّ الطلب الوجوبی لما کان أکمل بالنسبة إلی الطلب الاستحبابی... و حینئذ فکان مقتضی الإطلاق بعد کون الأمر بصدد البیان هو کون طلبه وجوبیاً لا استحبابیاً»؛ تحقیق الأصول، ج2، ص19 «دلیل القول بالدلالة علی الوجوب بالظهور الإطلاقی... إنّ أحسن ما استدل به لهذا القول تقریبان: أحدهما للمحقق العراقی (قدس سره) فقال ما حاصله الخ»
2- نهایة الأفکار، ج1، ص163.

الإطاعة و الامتثال فتارة یکون اقتضائه بنحو یوجب خروج العمل عن اللااقتضائیة للوجود بنظر العقل بحیث کان حکم العقل بالإیجاد من جهة الرغبة لما یترتب علیه من الأجر و الثواب و أخری یکون اقتضائه لتحریک العبد بالإیجاد بنحو أتم بحیث یوجب سدّ باب عدمه [أی العمل] حتی من طرف العقوبة علی المخالفة [الأنسب أن یقال: لما یترتب من العذاب و العقاب علی ترک الفعل] علاوةً عما یترتب علی إیجاده من المثوبة الموعودة.

و فی مثل ذلک نقول بأنّ قضیة إطلاق الأمر یقتضی کونه علی النحو الثانی من کونه بالنحو الأتمّ فی عالم الاقتضاء للوجود بحیث یقتضی سد باب عدم العمل حتی من ناحیة ترتب العقوبة علی المخالفة لأنّ غیر ذلک فیه جهة نقص فیحتاج إرادته إلی مؤنة بیان من وقوف اقتضائه علی الدرجة الأُولی الموجب لعدم ترتب العقوبة علی المخالفة و بالجملة نقول بأنّ الأمر بعد أن کان فیه اقتضاء التحریک للإیجاد و کان لاقتضائه مراتب فعند الشک فی وقوف اقتضائه علی المرتبة النازلة أو عبوره إلی مرتبة السببیة لحکم العقل بالإیجاد کان مقتضی الإطلاق کونه علی النحو الأتم و الأکمل الموجب لحکم العقل بلزوم الإیجاد فراراً عن تبعة ما یترتب علی مخالفته من العقاب علاوة عما یترتب علی موافقته من الأجر و الثواب فتدبر.»

إیرادات ثلاثة من بعض الأساطین (دام ظله) علی التقریر الثانی:
الإیراد الأول(نقضاً):

((1))

لو أمر المولی بتنویر البیت أو إیجاد الحرارة یکتفی العبد بإتیان کل ما هو مصداق للتنویر أو الحرارة عرفاً و إن لم یکن أتم المصادیق و أکملها و لایصح

ص: 68


1- تحقیق الأصول، ج2، ص20.

للمولی أن یؤاخذه بعدم إتیانه بأتمّ المصادیق التی یتمکن العبد من إتیانها بل یکفی کل ما هو محصل للغرض من التنویر أو إیجاد الحرارة و إن لم یکن أکمل المصادیق.

الإیراد الثانی(حلاً):

((1))

إنّ مدلول اللفظ نفس الحقیقة و کل ما زاد علی الحقیقة خارج عن مدلوله و الشدة کالضعف داخلة فی مراتب الحقیقة التشکیکیة کما یقال فی عداد مراتب الوجود «مرتبة الواجب» و هذا لاینافی قولهم بأنّ الشدة فی الوجود بنفس حقیقة الوجود لأنّ الکلام فی المعنی و الموضوع له و لا خفاء فی أنّ المرتبة الشدیدة مرتبة من مراتب حقیقة الوجود.

الإیراد الثالث:

((2))

إنّ الأمر یلقَی إلی العرف العام و هذا الإطلاق فی المراتب التشکیکیة بفرض صحته خارج عن طور إدراک العوام.

ص: 69


1- فی تحقیق الأصول «قال شیخنا دام بقاه فی الدورتین جواباً عن هذا الوجه بأنّ الحقیقة التشکیکیة کالحقیقة المتواطیة فی عدم کفایتها لإفادة الحقیقة فکما إنّ لفظ الأسد مثلاً موضوع للحیوان المفترس لایمکن أن یدل علی إرادة فرد بخصوصه بل یحتاج إلی بیان زائد کذلک لفظ النور مثلاً... هذا کله أولاً»؛ و فی محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص129؛ ج1، ص480 «و لنأخذ بالمناقشة علیه من وجوه:... الثانی... إلا أنّ دعوی کون الإرادة الشدیدة لاتزید علی الإرادة بشیء فهی إرادة صرفة دون الإرادة الضعیفة فإنّها لمکان ضعفها زائدة علی الإرادة... خاطئة جداً و ذلک لأنّ الإرادة بشتی ألوانها و أشکالها محدودة بحد من دون فرق فی ذلک بین الإرادة الشدیدة و الضعیفة الخ»
2- فی تحقیق الأُصول «و ثانیاً و قد أفاده فی الدورة اللاحقة: إنّ الخطابات الشرعیة کلها ملقاة إلی العرف العام و منها ما یشتمل علی الأمر مادة أو صیغة الخ»؛ و فی محاضرات فی أُصول الفقه «الثالث لو تنزلنا عن ذلک أیضاً و سلمنا أنّ الإرادة الشدیدة غیر محدودة بحد بخلاف الإرادة الضعیفة إلا أنّه مع ذلک لایمکن التمسک بإطلاق الصیغة و الحمل علی الوجوب الخ».
التقریر الثالث: ما عن المحقق البروجردی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّ الوجوب و الندب قسمان من الطلب الإنشائی الذی هو اعتبار من اعتبارات العقلاء و الطلب غیر الإرادة (خلافاً لصاحب الکفایة (قدس سره) ((2))) فإنّ الإرادة موضوع لصفة خاصّة من صفات النفس و الصفات النفسانیة من الأُمور الحقیقیة التی یکون بحذائها شیء فی الخارج فلاتقبل الوجود الإنشائی لإباء الأُمور الحقیقیة هذا النحو من الوجود بخلاف الطلب فإنّ له معنی قابلاً لأن یوجد بالإنشاء و هو البعث و التحریک .

(و مسلک الطلب الإنشائی الذی اتخذه هذا المحقق عن صاحب الکفایة5 غیر مسلک إبراز الاعتبار النفسانی للمحقق الخوئی (قدس سره) و إبراز الإرادة للمحقق العراقی (قدس سره) لأنّ الطلب حینئذٍ إنشاء لا إبراز).

«و التحقیق أنّ الفرق بین قسمیه [أی الطلب الإنشائی و هما الوجوب و الندب] بالشدة و الضعف و لکن لا بالشدة و الضعف فی ذات الطبیعة لما عرفت من أنّ الأمر الاعتباری لایقبل التشکیک الذاتی بل بالشدّة و الضعف المنتزعین بحسب المقارنات ... و کذلک الاختلاف بین الوجوب و الندب لیس إلا باعتبار المقارنات فالطلب المنشأ بالصیغة أمر واحد و لیس له نوعان متمایزان بالفصل أو بالتشکیک فی ذاتیهما بل یختلف أفراده باعتبار ما یقترن به فقد یقترن

ص: 70


1- نهایة الأصول، ص99 – 104، المقصد الأول، الفصل الأول، المبحث الرابع , ما به یمتاز الوجوب من الاستحباب «و اللازم أولاً أن نبین ما به یمتاز الوجوب من الاستحباب فی مقام الثبوت... و تلخیص المقام هو أنّ الوجوب و الندب قسمان من الطلب الإنشائی الذی هو اعتبار من اعتبارات العقلاء الخ».
2- کفایة الأصول، ص64 «فاعلم أنّ الحق کما علیه أهله وفاقاً للمعتزلة و خلافاً للأشاعرة هو اتحاد الطلب و الإرادة بمعنی أنّ لفظیهما موضوعان بإزاء مفهوم واحد».

هذا الأمر الإنشائی بالمقارنات الشدیدة فینتزع عن الطلب المقترن بها وصف الشدّة و قدیقترن بالمقارنات الضعیفة فینتزع عن الطلب المقترن بها عنوان الضعف و قد لایقترن بشیء أصلاً ...

و إذا اتضح ذلک فیقع النزاع فی أنّ الطلب المجرد من المقارنات هل ینتزع عنه الوجوب أو الندب بعد الاتفاق علی انتزاع الوجوب عن المقترن بالمقارنات الشدیدة و [انتزاع] الاستحباب عن المقترن بالمقارنات الضعیفة.

و الأظهر عندنا أنّ ما ینتزع عنه الوجوب و یکون تمام الموضوع لحکم العقلاء باستحقاق العقوبة علی مخالفته هو نفس الطلب الإنشائی الصادر عن المولی بداعی البعث - فی قبال الطلب الاستهزائی و نحوه - فیما إذا لم یقترن بالمقارنات المضعّفة له من الإذن فی الترک و نحوه من غیر فرق بین أن یقترن بالمقارنات الشدیدة أو لم یقترن بشیء أصلاً؛ فالطلب المجرد أیضاً ینتزع عنه الوجوب و یکون موضوعاً لحکم العقلاء باستحقاق العقوبة بمخالفته و ذلک لوضوح أنّ عتاب المولی و عقابه للعبد عند ترکه الامتثال للطلب البعثی الغیر المقترن بالإذن فی الترک لایقعان عند العقلاء موقع التقبیح بل [العقلاء] یرون العبد مستحقاً للعتاب و العقاب؛ و علی هذا فلانحتاج فی مقام کشف الوجوب إلی استظهار شیء زائد علی حقیقة الطلب ... أما الندب فنحتاج فی کشفه إلی استظهار أمر زائد علی حقیقة الطلب مثل الإذن فی الترک و نحوه و بالجملة ما یحتاج المؤنة الزائدة هو الندب لا الوجوب.

بل یمکن أن یقال: إنّ الطلب البعثی مطلقاً منشأ لانتزاع الوجوب و یکون تمام الموضوع لحکم العقلاء باستحقاق العقوبة و إنّه معنی لایلائمه الإذن فی الترک بل ینافیه لوضوح عدم إمکان اجتماع البعث و التحریک نحو العمل مع

ص: 71

الإذن فی الترک المساوق لعدم البعث و علی هذا فیجب أن یقال: إنّ الصیغ المستعملة فی الاستحباب لاتکون مستعملة فی الطلب البعثی و لاتتضمن البعث و التحریک و إنّما تستعمل بداعی الإرشاد إلی وجود المصلحة الراجحة فی الفعل و ببالی أنّ صاحب القوانین (قدس سره) أیضاً اختار هذا المعنی فقال: إنّ الأوامر الندبیة کلها للإرشاد ...»

إیرادات أربعة من بعض الأساطین (دام ظله) علی التقریر الثالث:
الإیراد الأول:
اشارة

أفاد (قدس سره) أنّ الطلب الإنشائی فعل المنشِئ و أنّ المستعمِل هو الذی یوجد الطلب بتوسط الصیغة أو المادّة مع أنّه یقول هنا بأنّ الطلب من الاعتبارات العقلائیة فلابدّ أن یکون صادراً من العقلاء؛ فکیف التوفیق بین القولین؟

ملاحظتنا علی الإیراد الأول:

إنّ الطلب الإنشائی أمر اعتباری یوجد أولاً فی اعتبار المنشیء بتوسط الصیغة أو المادة و ثانیاً یوجد فی اعتبار العقلاء بعد ابرازه.

الإیراد الثانی:
اشارة

إنّ السید البروجردی ذکر «أنّ الطلب المقترن بالمقارنات الشدیدة هو الوجوب و هو کاشف عن الإرادة الشدیدة و المقترن بالمقارنات [الضعیفة هو الاستحباب و هو] کاشف عن الإرادة الضعیفة و غیر المقترن بأحدهما طلب متوسط ».

و فیه: أنّ الطلب إما وجوبی [و] إما ندبی و أما المتوسط بینهما غیر المتصف

ص: 72

بالوجوب أو الندب فغیر قابل للتصور ...

ملاحظتنا علی الإیراد الثانی:

إنّ کلامه (قدس سره) ناظر إلی مقام الإثبات فهو قائل بأنّ الطلب إذا لم یقترن بأحدهما لابدّ أن یکون واجباً، فما أفاده فی مقام تصویر محل النزاع إنّ الطلب غیر المقترن بأحدهما فی مقام الإثبات هو محل النزاع و اختار دلالته علی الوجوب.

الإیراد الثالث:
اشارة

((1))

قال (قدس سره) : الوجوب و الندب مفترقان بالتشکیک العرضی فنقول: ما المراد من التشکیک العرضی؟

إن کان مراده أنّ الشدة و الضعف وصفان مقارنان للطلب أما الطلب فیتصف بهما بالعرض کاتصاف الجالس فی السفینة بالحرکة، فعلی هذا إسناد الشدة و الضعف إلی الطلب مسامحی و مجازی و إنّا لانرید بالوجدان من الطلب الشدید و الضعیف معنی مسامحیاً.

و إن کان مراده أنّ الطلب الإنشائی یتصف حقیقة بالشدة و الضعف لکن المقارنات کانت السبب فی هذا الاتصاف کاتصاف البیاض بالضعف بسبب اختلاطه بالسواد، فیرد علیه أنّ المقارن هنا لیس دخیلاً فی الطلب الإنشائی بل هو خارج عنه مثلاً ضرب رجلیه علی الأرض و تحریک رأسه و یدیه أُمور شدیدة مقارنة للطلب الإنشائی و خارجة عنه فلایوجب اتصاف الطلب فیه

ص: 73


1- تحقیق الأُصول، ج2، ص23 «و ثانیها قوله بالتشکیک العرضی فی الطلب بعد نفی التشکیک الذاتی عنه نقول: ما المراد من التشکیک العرضی؟ الخ»

بالشدة و الضعف حقیقة.

ملاحظتنا علی الإیراد الثالث:

إنّ الطلب الإنشائی أمر اعتباری فکما یمکن اعتبار الطلب الإنشائی أیضاً یمکن اعتبار شدته و أما المقارنات الخارجیة فهی مبرزة للأمر الاعتباری؛ فکما أنّ اعتبار الطلب الإنشائی یبرز فی الخارج بالصیغة أو المادة فکذلک اعتبار شدتع یبرز فی الخارج بمقارنات الشدیدة. فالطلب الإنشائی متصف فی وعاء الاعتبار بالشدة و الضعف. نعم لایعقل الاشتداد و الحرکة فی عالم الاعتبار و أما اعتبار الشدة فهو معقول فی الأمور الاعتباریة.

الإیراد الرابع:

((1))

ما أفاده فی آخر بحثه من «أنّ الصیغ المستعملة فی الاستحباب لاتکون مستعملة فی الطلب البعثی ... و إنّما تستعمل بداعی الإرشاد إلی وجود المصلحة الراجحة فی الفعل».

یرد علیه إیرادات:

أولاً: لازم ذلک عدم التمکن من الفتوی بالاستحباب و الکراهة بعنوان الحکم الشرعی المجعول مع أنّا لم نجد فقیهاً حتی نفس القائل (أی السید البروجردی (قدس سره) ) یلتزم بذلک.

ثانیاً: هذا مخالف للنصوص الواردة فی تقسیم الأوامر الشرعیة إلی الفرض

ص: 74


1- تحقیق الأُصول، ج2، ص24 «و رابعها: إنّه یقول فی نهایة المطلب... و هذا معناه أنّ الأحکام الشرعیة منحصرة بالوجوب و الحرمة فقط الخ».

و النفل.

ثالثاً: حلّ الإشکال هو أنّ التحریک الذی لایلائم الإذن فی الترک هو التحریک الخارجی لا التحریک الاعتباری.

التقریر الرابع:
اشارة

((1))

و هو یترکب من مقدمتین:

«أولاهما: أنّ الوجوب لیس عبارة عن مجرد الطلب لأنّ ذلک ثابت فی المستحبات أیضاً بل لابدّ من عنایة زائدة و لیست هذه العنایة عبارة عن انضمام النهی أو المنع عن الترک إلی الطلب لأنّ النهی بدوره ثابت أیضاً فی باب المکروهات [و النهی عن الترک حینئذ تنزیهی ففی المستحبات أیضاً یمکن طلب الشیء و النهی التنزیهی عن ترکه] و إنّما العنایة الزائدة هی عدم الترخیص فی الترک، خلافاً للاستحباب الذی تکون العنایة فیه الترخیص فی الترک و النتیجة أنّ الوجوب طلب متمیز بقید عدمی و الاستحباب طلب متمیز بقید وجودی و هو الترخیص فی الترک.

ثانیهما: أنّه کلما کان الکلام وافیاً بحیثیة مشترکة و تردّد أمرها بین حقیقتین الممیز لإحداهما أمر عدمی و للأخری أمر وجودی تعین بالإطلاق الحمل علی الأول لأنّ الأمر العدمی لا مؤنة فیه بحسب النظر العرفی فإذا کان المقصود ما یتمیز بالأمر الوجودی الزائد مع أنّه لم یذکر ذلک الأمر الوجودی الزائد فی الکلام فهذا خرق عرفی لظهور حال المتکلّم فی بیان تمام مرامه بکلامه، و إذا کان المقصود ما یتمیز بالأمر العدمی فلیس هناک خرق عرفاً لأنّ الممیز عندما یکون

ص: 75


1- نقله السید المحقق الصدر فی بحوث فی علم الأُصول، ج2، ص21، بحوث الأوامر، مادة الأمر، الجهة الثالثة فی دلالة الأمر علی الوجوب، کیفیة تفسیر هذه الدلالة، القول الثالث، الوجه الثانی.

أمراً عدمیاً فکأنّه لایزید علی الحیثیة المشترکة التی یفی بها الکلام.»

الإیراد الأوّل علی التقریر الرابع: من المحقق الصدر (قدس سره) :

((1))

نمنع المقدمة الثانیة فإنّ الأمر العدمی قد یکون بحیث لایلاحظه العرف أمراً زائداً محتاجاً إلی البیان و قد یکون بحیث یلاحظه العرف أمراً زائداً مثل الأمر الوجودی و حینئذ کلاهما محتاجان إلی البیان و الوجوب و الاستحباب من هذا القبیل و لذا کان النسبة بین الوجوب و الاستحباب هی النسبة بین المفهومین المتباینین لا الأقل و الأکثر.

الإیراد الثانی علی التقریر الرابع:

إنّ الوجوب أمر اعتباری بسیط؛ لا مرکب من طلب الشیء مع عدم الترخیص فی الترک.

التقریر الخامس:
اشارة

((2))

«نفس التقریب السابق [و هو التقریر الرابع بحسب ما ذکرنا] مع فرق فی المقدمة الثانیة حیث یقال هنا بأنّ الممیز للوجوب و إن کان بحسب النظر العرفی مؤنة زائدة علی ذات الطلب و بحاجة إلی بیان إلا أنّه حیث یعلم علی کل حال بوجود مؤنة زائدة علی ذات الطلب و هذه الزیادة مرددة بین زیادة أخف هی الأمر العدمی أو زیادة أشد هی الأمر الوجودی؛ فسکوت المتکلم عرفاً عن بیان الزیادة الأشد یکون قرینة علی إرادة الزیادة الأخف فیتعین الوجوب لا محالة.»

ص: 76


1- «و یرد علیه المنع من المقدمة الثانیة فإنّه لیس کل أمر عدمی لایلحظ عرفاً أمراً زائداً الخ».
2- بحوث فی علم الأصول، ج2، ص22، الوجه الثالث.
ایراد المحقق الصدر (قدس سره) علیه:

«إنّ هذه النکتة لو سلمت کبری و صغری فلیست فی تمام الموارد بل فی خصوص ما إذا أحرز أنّ المولی بالرغم من سکوته عن بیان الزیادة یکون بصدد بیانها و هذه عنایة لاتحصل دائماً بینما البناء الفقهی و العرفی علی فهم الوجوب فی سائر الموارد.»

التقریر السادس:
اشارة

((1))

«إنّ صیغة الأمر تدل علی الإرسال و الدفع بنحو المعنی الحرفی و لما کان الإرسال و الدفع مساوقاً لسدّ تمام أبواب العدم للاندفاع و التحرک فمقتضی أصالة التطابق بین المدلول التصوری و المدلول التصدیقی أنّ الطلب و الحکم المبرز أیضاً سنخ حکم یشتمل علی سدّ تمام أبواب العدم و هذا یعنی عدم الترخیص فی المخالفة؛ و هذا التقریب لا بأس به و هو جار فی تمام موارد استعمالات صیغة الأمر.»

یلاحظ علیه:

إنّ کلمة الإرسال لایناسب جمیع موارد الأمر فإنّ فی بعضها لایتصوّر إرسال کما فی الأمر بقراءة سورة، فإنّه فی هذا المورد بعث لا ارسال ثم إنّ الکلام هنا فی مادّة الأمر و هذا التقریب یجدی فی صیغة الأمر و لکن الأمر سهل لأنّ هذا البحث و هذه الأقوال بعینه یجری فی صیغة الأمر و نحن نکتفی ببیان الأقوال و البحث حولها فی مادة الأمر.

نعم ما أفاده من أنّ النسبة الإرسالیة مساوقة لسد تمام أبواب العدم - علی

ص: 77


1- مختار السید المحقق الصدر (قدس سره) فی بحوث فی علم الأصول، ج2، ص22، الوجه الرابع.

فرض التسلم لمبنی المحقق العراقی (قدس سره) من أنّ معنی صیغة الأمر النسبة الإرسالیة((1))- صحیح بلا شک.

التقریر السابع: و هو المختار
اشارة

بیان ذلک: إنّ مادة الأمر تدل علی البعث، و البعث یقتضی الانبعاث نحو المطلوب و الانبعاث نحو شیء مساوق لسدّ أبواب عدمه و معنی ذلک هو عدم الترخیص فی ترکه، و علی ذلک إنّ مادة الأمر تدلّ علی الوجوب من غیر احتیاج إلی مؤونة زائدة. نعم إن کان هناک مایدلّ علی الترخیص فی ترک المتعلّق فمادة الأمر تدلّ علی الندب و مع عدم ما یدلّ علی الترخیص فالإطلاق یقتضی الحمل علی الوجوب.

و أحسن الوجوه لتقریر الإطلاق هو التقریرالسابع و بعد ذلک ما أفاده المحقق الصدر (قدس سره) و ما أفاده السید المحقق البروجردی (قدس سره) إلا أنّ المسألة تحتاج إلی تحلیل أوسع.

التحقیق أنّ هنا ثلاث مراتب:
المرتبة الأُولی:
اشارة

و هی مرتبة مبادی الحکم و فیها بیان بطلان التقریر الأول.

یتحقق هنا أمران: الأول المصلحة الموجودة فی متعلق الأمر و الثانی حبّ المتعلق و الشوق و المیل إلیه لما فیه من المصلحة؛ و الطلب فی هذه المرتبة حقیقی و علی مبنی القائلین باتحاد الطلب و الإرادة تتحقق الإرادة فی هذه المرتبة.

ص: 78


1- یأتی فی ص155، الفصل الثانی، الأمر الأول، القول الرابع.

وقد خالف هنا المحقق الخوئی (قدس سره) حیث ینکر تعلّق الإرادة التکوینیة لله تبارک و تعالی بفعل المکلّف الذی هو متعلّق الحکم الشرعی و یقول بأنّ الإرادة التکوینیة التی هی عبارة عن الشوق النفسانی المحرک للإنسان نحو المراد إنّما یعقل تعلقها بفعل الغیر إذا کانت فیه مصلحة عائدة إلی ذات المرید أو إلی إحدی قواه و لایعقل ذلک فی الأحکام الشرعیة فإنّ مصالحها تعود إلی المکلفین لا إلی الشارع.

و التحقیق بطلان نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) :

لأنّ المولی الحقیقی سبحانه و تعالی یرید مصالح عباده کما أنّه یریدهم و الإرادة بهذا المعنی ترجع إلی ابتهاجه بذاته فإنّ المبتهج بذاته المبتهج بمعلولاته. نعم إنّ هذا المعنی للإرادة لیس متفقاً بینهم و سیجیء الکلام حوله إن شاء الله تعالی.

ثمّ إنّ هذه المصلحة و هذا الطلب الحقیقی قابلان للشدة و الضعف و الحق هو أنّ الوجوب و الاستحباب مختلفان من حیث مبادیهما شدةً و ضعفاً.

نعم إنّ الإرادة بمعنی التصدی نحو المطلوب هی خارجة عن مبادی الحکم کما أنّها لیست مفاد الطلب الإنشائی و مفاد الأمر بمادته و صیغته و لما أنّها غیر الحکم الشرعی الاعتباری بل هی موجودة فی المکلف عند الامتثال فهذه الإرادة خارجة عن محلّ البحث.

و ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) من التشکیک یتصور فی هذه المرحلة و لکنها لایجدی فی البحث حیث إنّ الکلام فی مقام دلالة الأمر مادةً و صیغةً و هو أمر إثباتی لا ثبوتی فظهر بطلان التقریر الأول من التقریرات السبعة.

المرتبة الثانیة:

و هی مرتبة الحکم الاعتباری و فیها بیان بطلان التقریر الرابع و الخامس.

ص: 79

الوجوب و الاستحباب أمران اعتباریان بسیطان و متباینان مفهوماً و لیسا مرکبین حتی یکون بینهما حیثیة مشترکة و یمتاز کل منهما عن الآخر بما به الامتیاز فلا مجال لأن یقال: إنّ الوجوب لایزید علی الحیثیة المشترکة و لکن الندب یحتاج إلی أمر زائد - و هو ما به الامتیاز الندبی - أو یقال: إنّ بیان ما به الامتیاز فی الوجوب أخف مؤنةً عن بیان ما به الامتیاز فی الندب؛ و بذلک ظهر بطلان التقریر الرابع و الخامس.

المرتبة الثالثة:

و هی مرتبة إبراز الحکم بمادة الأمر أو بصیغته و فیها نبین الحق فی التقریر.

إنّ مادة الأمر تدل علی الطلب الإنشائی و الاعتباری کما أنّ الصیغة تدل علی «النسبة البعثیة» عند بعضهم و «النسبة الإرسالیة» عند الآخر أو غیر ذلک و علی أی حال فإن قلنا بأنّ الأمر الاعتباری لایقبل التشکیک الذاتی فلایبقی مجال لتقریر الإطلاق علی أساس الشدة و الضعف .

نعم التشکیک العرضی یوجب اتصافه بالشدة و الضعف و لکن البعث الشدید أو النسبة البعثیة الشدیدة یقتضی امتثال المتعلق بالسرعة أو بالشدة مثلاً کما أنّ البعث الضعیف أو النسبة البعثیة الضعیفة یقتضی امتثال المتعلق بلا سرعة و لا شدة مثلاً و البعث من المولی أو النسبة البعثیة علی أی نحو کان یقتضی امتثال متعلقه کذلک.

و الأمر الندبی و إن کان بحسب مبادی الحکم له مصلحة غیر ملزمة و طلب ضعیف إلا أنّ مفاد الأمر بمادته و صیغته هو البعث و ما بمعناه لا الترخیص فی ترک الانبعاث؛ و البعث یقتضی انبعاث العبد و لایعقل اقتضاء البعث للترخیص فی ترک الانبعاث.

ص: 80

فعلی هذا إفادة الترخیص فی ترک الانبعاث تحتاج إلی دلیل آخر غیر الأمر و مع فقدانه فلابدّ من أن یحمل الأمر علی الوجوب و لزوم الانبعاث.

و ما أفاده السید المحقق الصدر (قدس سره) من أنّ «الإرسال و الدفع» أو «النسبة الإرسالیة» مساوق لسد أبواب العدم یرجع إلی ما ذکرناه.

النظریة السادسة: حکم العقل بالوجوب
اشارة

((1))

إنّ الوجوب یستفاد من حکم العقل و لیس من المدالیل اللفظیة.((2))

ص: 81


1- فی أجود التقریرات، ج1، ص132، المقصد الأول، الفصل الأول «إنّ صیغة افعل حیث إنّها من مصادیق الأمر و نسبتها إلیه نسبة المصداق إلی المفهوم فیکون الأمر فی الدلالة علی الوجوب کالصیغة فی الدلالة علیه الخ»؛ و فی محاضرات فی أصول الفقه، بحث الأوامر، المقام الأول، الجهة الثالثة «لا إشکال فی تبادر الوجوب عرفاً من لفظ الأمر عند الإطلاق و إنّما الإشکال و الکلام فی منشأ هذا التبادر هل هو وضعه للدلالة علیه أو الإطلاق و مقدمات الحکمة أو حکم العقل به؟ وجوه بل أقوال... و لکن الصحیح هو الثالث الخ» و فی ج 2، ص131و 132؛ ج 1، ص483، المقام الثانی، الجهة الثانیة «و من ذلک یظهر أنّ الصیغة کما لاتدل علی الطلب و البعث کذلک لاتدل علی الحتم والوجوب نعم یحکم العقل بالوجوب بمقتضی قانون العبودیة و المولویة الخ»؛ و فی أصول الفقه، ج1، ص61، المقصد الأول، الباب الثانی، المبحث الأول، المسألة الثالثة «و الحق عندنا أنّه دال علی الوجوب و ظاهر فیه... و الحق أنّه لیس قیداً فی الموضوع له و لا المستعمل فیه بل منشأ هذا الظهور من جهة حکم العقل بوجوب طاعة الآمر الخ» و فی ص 65، المبحث الثانی، المسألة الثانیة «و الحق أنّها [ أی الصیغة ] ظاهرة فی الوجوب... و شأنها فی ظهورها فی الوجوب شأن مادة الأمر علی ما تقدم هناک من أنّ الوجوب یستفاد من حکم العقل بلزوم إطاعة أمر المولی و وجوب الانبعاث عن بعثه قضاءً لحق المولویة و العبودیة الخ».
2- إنّ حکم العقل مرتکز فی الذهن بحیث ینتقل الذهن من النسبة البعثیة إلی لزوم الانبعاث فإنّ حکم العقل فی نفسه أعم من اللزوم البین و غیر البین و لکن فی ما نحن فیه لشدة ارتکازه یکون بیناً بالمعنی الأخص و تصح الدلالة الالتزامیة.
بیان المحقق النائینی (قدس سره) :
اشارة

((1))

قبل نقل کلام المحقق النائینی (قدس سره) لابدّ من التنبیه علی نکتة و هی أنّ ما أفاده و إن کان مرتبطا بصیغة الأمر ولکنّه یعم مادة الأمر من حیث المبنی.

و أما بیانه (قدس سره) : «إنّ الصیغة متی صدرت من المولی فالعقل یحکم بلزوم امتثاله باقتضاء العبودیة و المولویة و لایصح الاعتذار عن الترک بمجرد احتمال کون المصلحة غیر لزومیة إلا إذا کانت هناک قرینة متصلة أو منفصلة علی کونها غیر لزومیة و توضیح ذلک أنّ الوجوب لغةً بمعنی الثبوت و هو تارةً یکون فی التکوین و أخری فی التشریع؛ فکما أنّه فی التکوینیات یکون ثبوت شیء تارةً بنفسه و أخری بغیره و ما کان بالغیر لابدّ أن ینتهی إلی ما بالذات فکذلک الثبوت فی عالم التشریع فما هو ثابت بنفسه نفس إطاعة المولی فإنّها واجبة بنفسها و غیرها یکون واجباً باعتبار انطباق عنوان الطاعة علیه؛ فإذا صدر بعث من المولی و لم تقم قرینة علی کون المصلحة غیر لزومیة فلا محالة ینطبق علیه إطاعة المولی فیجب بحکم العقل قضاءً لحق المولویة و العبودیة؛ فالوجوب إنّما هو بحکم العقل و من لوازم صدور الصیغة من المولی لا من المدالیل اللفظیة».

إیرادات أربعة علی هذا البیان:

الإیراد الأول: من بعض الأساطین (دام ظله)

((2))

هذا ینافی طریقتهم الفقهیة حیث یقولون: الأمر ظاهر فی الوجوب لأنّ

ص: 82


1- أجود التقریرات، ج1، ص144، المقصد الأول، الفصل الثانی، المقام الثانی، المبحث الأول.
2- تحقیق الأصول، ج2، ص25 «و فیه إشکال و هو أنّه إذا کانت الدلالة عقلیة و لا دور للفظ فیها فما معنی جمع المیرزا نفسه و سائر الفقهاء بین الأمر و بین لا بأس بالترک بالجمع الدلالی؟ إنّهم فی مثل هذین الدلیلین یقولون بأنّ الأمر ظاهر فی الوجوب الخ».

الوجوب حینئذٍ حکم عقلی لا أمر مستفاد من ظهور اللفظ.

الإیراد الثانی: من بعض الأساطین أیضاً (دام ظله)

((1))

هذا أیضاً ینافی ما یقول به من الجمع العرفی بین الإطلاق و التقیید لقرینیة المقید بالنسبة إلی المطلق کما إذا دلّ أمارة علی وجوب عتق «مطلق الرقبة» و أمارة أخری علی وجوب عتق «الرقبة المؤمنة» فالجمع یقتضی حمل المطلق علی المقید مع أنّا لوقلنا بأنّ الوجوب أمر مستفاد من حکم العقل یلزمنا عکس ذلک لأنّ المطلق یدل علی الترخیص بالنسبة إلی قید «المؤمنة» فلایحکم العقل حینئذٍ بوجوب عتق خصوص الرقبة المؤمنة بل یحکم باستحبابه و لایجدی قرینیة المقید هنا لأنّ القرینیة من شؤون اللفظ و الوجوب هنا لایرجع إلی جهة لفظیة.

و العقدة لاتنحل إلا بإرجاع الدلالة علی الوجوب إلی الظهور اللفظی.

الإیراد الثالث: من المحقق الصدر (قدس سره) :

((2))

و هو « لزوم رفع الید عن دلالة الأمر علی الوجوب فیما إذا اقترن بأمر عام یدل علی الإباحة و الترخیص کما إذا ورد ”أکرم العالم الفقیه و لا بأس بترک إکرام العالم“ و توضیحه أنّ بناء الفقهاء و الارتکاز العرفی علی تخصیص ”العالم“ فی مثل ذلک و الالتزام بوجوب إکرام الفقیه و اعتباره من التعارض غیر المستقر بینما علی هذا المسلک لا تعارض أصلاً... بل المتعین علی هذا المسلک أن یکون العام رافعاً لموضوع حکم العقل بالوجوب لأنّ حکم العقل معلق علی عدم

ص: 83


1- «... و کذلک فی باب الإطلاق و التقیید و العام والخاص فإنّ المیرزا و أتباعه یقولون بأنّ المقید و المخصص قرینة للمطلق و العام و بها ترفع الید عن ظهورهما فی العموم و الإطلاق الخ»
2- بحوث فی علم الأصول، ج2، ص19، بحوث الأوامر، مادة الأمر، الجهة الثالثة فی دلالة الأمر علی الوجوب، کیفیة تفسیر هذه الدلالة، القول الثانی، الإیراد الثانی.

ورود الترخیص من المولی.»

الإیراد الرابع: من المحقق الصدر (قدس سره) أیضاً
اشارة

((1))

قال: «إنّه لو صدر أمر و لم یقترن بترخیص متصل و لکن احتملنا وجود ترخیص منفصل فالبناء الفقهی و العقلائی علی استفادة الوجوب من الأمر حتی یثبت خلافه مع أنّ هذا مما لایمکن إثباته علی هذا المسلک لأنّه قد فرض فیه أنّ العقل إنّما یحکم بالوجوب معلقاً علی عدم ورود الترخیص من الشارع الخ.»

ملاحظة علی الإیراد الرابع:

إنّ حکم العقل بالجوب معلق علی عدم قیام القرینة علی خلافه لاعدم وروده فیکفی فی حکم العقل عدم إثبات الترخیص المنفصل و عدم إحرازه کما صرّح بذلک المحقق النائینی (قدس سره) حیث قال: فإذا صدر بعث من المولی و لم تقم قرینة علی کون المصلحة غیر لزومیة فلامحالّة ینطبق علیه اطاعة المولی... الخ.

و التحقیق:

تمامیة الدلیل العقلی و إن کانت الإیرادات الثلاثة واردة علیه فإنّ تلک الإیرادات لاتقتضی بطلان الدلیل العقلی بل تقتضی عدم انحصار وجه دلالة مادة الأمر علی الوجوب فیه، لأنّ جمیع موارد دلالتها علی الوجوب لایستقیم مع الدلالة العقلیة علیه، بل الإطلاق بمقدمات الحکمة أیضاً قد یفید دلالتها علی الوجوب، کما أنّ السیرة العقلائیة الآتی ذکرها أیضاً تدل علی دلالة مادة الأمر علی الوجوب کما سیأتی بیانه إن شاء الله.

ص: 84


1- بحوث فی علم الأُصول، ج2، ص19.
النظریة السابعة: السیرة العقلائیة

و هو مختار بعض الأساطین (دام ظله) ((1)) قال: إنّ السیرة العقلائیة تدل علی الوجوب توضیحه أنّ الطریقة العقلائیة فی مقام العمل علی استکشاف الوجوب من الأوامر الصادرة عن المولی اذا لم یقِم قرینة دالة علی الرخصة فیها و لا شک فی تحقق هذه السیرة.

أما منشأ السیرة العقلائیة فسیجیء فی بحث البیع أنّه لیس إلا بناء العقلاء و تبانیهم((2)) و مما تؤکّد السیرة العقلائیة النصوصُ مثل صحیحة زرارة و مُحَمَّدِ بْنِ

ص: 85


1- تحقیق الأصول، ج2، ص26 – 30 «و تلخص أنّ دلالة الأمر علی الوجوب لاتتم بحکم العقل مالم یرجع الوجوب إلی اللفظ و ذلک بأحد أُمور ثلاثة: إما دعوی التبادر و هی مردودة... و إما دعوی الظهور الإطلاقی... و إما دعوی السیرة العقلائیة بأنّها قائمة علی استفادة الوجوب عند عدم القرینة علی الرخصة الخ»
2- عبارة تحقیق الأصول، ج2، ص27 هکذا: «و قد ذکر المحقق الإصفهانی فی المعاملات أنّ منشأ هذه السیرة هو حفظ الأُمور المعاشیة» و جاء فی تحقیق الأصول عند البحث عن دلالة الصیغة علی الوجوب، ص53: «مختار الأستاذ و دلیله الخامس السیرة العقلائیة... و مما یشهد به فی الفقه مسألة خیار الغبن فإنّ المستند العمدة علی ثبوت هذا الخیار هو تخلف الشرط إذ الشرط الارتکازی بین العقلاء فی المعاملة هو المساواة بین الثمن و المثمن فبناء العقلاء فی سائر معاملاتهم علی المساواة بینهما کاشف عن وجود هذا الشرط فی کل معاملة و لو مع عدم التلفظ به فی متن العقد فکما یکون البناء العقلائی هناک ذا أثر من هذا القبیل و لدی التخلف یستند إلی ذلک کذلک البناء العقلائی فیما نحن فیه علی ترتب أثر الوجوب و الإلزام علی صیغة افعل کاشف عن دلالتها علی الوجوب و هذا هو التحقیق عند الأُستاذ فی الدورة اللاحقة». أمّا العبارة الأولی فما وجدنا هذا المطلب فی حاشیة المکاسب للمحقق الإصفهانی (قدس سره) و لکن له کلام فی بحث الاجتهاد و التقلید قال فی نهایة الدرایة، ج3، ص462: «و منها قضیة السیرة و من البین أنّ ما جرت علیه سیرة العقلاء فی مقاصدهم حفظاً لنظام أُمورهم هو العمل بقول العارف بشیء لا عقد القلب علیه و لا أخذه بوجوده الکتبی أو بوجوده العلمی و إن کانا من المقدمات أحیاناً فإنّ کل ذلک أجنبی عن مقاصد العقلاء فی مرحلة انتظام أُمورهم» و فی بحوث فی الأصول، ج3، ص15: «و أمّا ما تقتضیه سیرة العقلاء فهو العمل بقول العارف بشیء حفظاً لنظام أُمورهم فالانقیاد قلباً أو الأخذ بالفتوی بوجودها العملی أو الکتبی و إن کان من المقدمات أجنبی عن مقاصد العقلاء» و لکن کلامه کما تری فی جریان سیرة العقلاء علی العمل بقول العارف بشیء لا استکشاف الوجوب من الأوامر الصادرة عن المولی و أمّا العبارة الثانیة فهی متخذة من کلام المحقق الإصفهانی فإنّه قال فی حاشیة المکاسب، ج4، ص237 فی التعلیقة علی قوله «و یضعف بمنع کون الوصف»: «و یمکن أن یقال: إنّ الغرض النوعی فی المعاملات المتضمنة للمعاوضة متعلق بالتبدیل من حیث المالیة و إعطاء مال و أخذ مال یقوم مقامه فی المالیة و أمّا سائر الأغراض المتعلقة بإعطاء الزائد و أخذ الناقص و بالعکس فهی أجنبیة عن الغرض النوعی المعاملی و مثل هذا الغرض النوعی المعاملی عقدی تکون المعاملة بما هی معاوضة و مبادلة مبنیة علیه و لیس کالأغراض الشخصیة التی لا بناء علیها نوعاً حتی لاتعتبر إلّا مع ذکرها فی متن العقد...» و قال فی ص242 فی التعلیقة علی قوله «و کان وجه الاستدلال أنّ لزوم»: «و ضروریة لزومها [أی المعاملة الغبنیة] بأحد تقریبین: الأوّل أنّ المعاملة کما قدمناه وقعت مبنیة علی ما هو المتعارف بین العقلاء الذی لا غرض لهم فی المعاوضات المالیة إلّا إقامة مال مقام مال فی ما لَه من المالیة...» و قال فی ج5، ص372 فی التعلیقة علی قوله «یجب علی کل من المتبایعین تسلیم»: «توضیح المقام أنّ مدلول عقد البیع بالمطابقة لیس إلّا تملیک عین بعوض من دون تضمنه للتسلیم والتسلم و وجوب التسلیم لأحد وجهین:... و الثانی ما عن غیر واحد و علیه تبتنی الفروع الآتیة من بناء عقود المعاوضات علی کون التملیک فی قبال التملیک و التسلیط الخارجی فی قبال التسلیط لا أن عقد البیع بما هو یقتضی ذلک بتخیل... بل بمعنی أنّ المستکشف من بناء العقلاء فی باب المعاوضات التزام المتعاملین بالتزام بیعی بالملکیة بإزاء الملکیة و التزام شرطی ضمنی بالتسلیط بإزاء التسلیط کما هو التحقیق فی مسألة خیار الغبن من أنّ بناء العقلاء فی باب المعاوضات المالیة علی إقامة مالٍ مقام مالٍ فکأنّهم ضمناً ملتزمون بإقامة ما یساوی المبیع فی المالیة مقامه فیکون الخیار لأجل تخلّف هذا الشرط الضمنی و إلّا فنفس عقد البیع متعلق بتملیک شخص العین لا بعنوان المساوی...».

ص: 86

مُسْلِمٍ((1)) «قَالا قُلْنَا لِأَبِی جَعْفَرٍ (علیه السلام) مَا تَقُولُ فِی الصَّلَاةِ((2)) فِی السَّفَرِ؟ کَیفَ هِی؟ وَ کَمْ هِی؟ فَقَالَ (علیه السلام) :((3)) ” إِنَّ اللَّهَ یقُولُ: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِی الْأَرْضِ فَلَیسَ عَلَیکُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ)((4)) فَصَارَ التَّقْصِیرُ فِی السَّفَرِ وَاجِباً((5)) کَوُجُوبِ التَّمَامِ فِی الْحَضَرِ “قَالا: قُلْنَا:((6)) إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ:((7)) (لَیسَ عَلَیکُمْ جُنَاحٌ) وَ لَمْ یقُلْ: افْعَلُوا((8)) فَکَیفَ أَوْجَبَ((9)) ذَلِکَ کَمَا أَوْجَبَ التَّمَامَ فِی الْحَضَرِ؟((10))

ص: 87


1- ورد هذا الحدیث فی الفقیه و تفسیر العیاشی و دعائم الإسلام. و أمّا طریق الفقیه إلی زرارة و محمد بن مسلم ففی ج4، ص424: «و ما کان فیه عن محمد بن مسلم الثقفی فقد رویته عن علی بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبی عبد الله عن أبیه عن جدّه أحمد بن أبی عبد الله البرقی عن أبیه محمد بن خالد عن العلاء بن رزین عن محمد بن مسلم». و فی ص425: «و ما کان فیه عن زرارة بن أعین فقد رویته عن أبی عن عبد الله بن جعفر الحمیری عن محمد بن عیسی بن عبید و الحسن بن ظریف و علی بن إسماعیل بن عیسی کلّهم عن حماد بن عیسی عن حریز بن عبد الله عن زرارة بن أعین». أما الطریق الأول ففی خاتمة المستدرک، ج5، ص204: «علی من مشایخه و هو و أبوه غیر مذکورین فالسند ضعیف علی المشهور إلا أنّه یمکن الحکم بصحة طریقه إلی محمد بن مسلم من وجوه [ثلاثة]» الخ و فی معجم رجال الحدیث، ج18، ص269: «و الطریق ضعیف بعلی بن أحمد». و الطریق الثانی صحیح عند الجمیع.
2- فی الدعائم: عن أبی جعفر محمد بن علی صلوات الله علیه أنّه سئل عن الصلاة الخ.
3- فی الدعائم و العیاشی: «قال» بدون الفاء.
4- سورة النساء (4): 101.
5- فی الدعائم: قال فالتقصیر فی السفر واجب الخ.
6- فی الدعائم: «قیل له یابن رسول الله» بدل «قالا قلنا».
7- لیس لفظ الجلالة فی العیاشی.
8- فی الدعائم: فلا جناح علیکم و لم یقل اقصروا.
9- فی العیاشی: أوجب الله.
10- لیس «فی الحضر» فی الدعائم.

الحدیث.((1))» ((2)).

و مثل روایة عَلِی بْنُ إِبْرَاهِیمَ، عَنْ أَبِیهِ((3))عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیرٍ عَنْ مُعَاوِیةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّه (علیه السلام) قَالَ: «الْعُمْرَةُ وَاجِبَةٌ عَلَی الْخَلْقِ بِمَنْزِلَةِ الْحَجِ عَلَی مَنِ اسْتَطَاعَ» ثم علل الإمام (علیه السلام) وجوبه بقوله: «لِأَنَّ اللهَ تَعَالَی یقُولُ: (وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ)((4))» الحدیث((5))و هذا یکشف عن أنّ صیغة افعل (أتموا) بلا ضم قرینة تدل

ص: 88


1- فی الفقیه «فقال (علیه السلام) : أو لیس قد قال الله فی الصفا و المروة (فَمَنْ حَجَّ الْبَیتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَیهِ أَنْ یطَّوَّفَ بِهِمَا) (البقرة:158)» إلی آخر الحدیث.
2- من لایحضره الفقیه، ج1، ص434؛ دعائم الإسلام، ج1، ص195؛ تفسیر العیاشی، ج1، ص271، سورة النساء: 101؛ وسائل الشیعة، ج8، ص518، الباب 22 من أبواب صلاة المسافر، ح 2 عن الفقیه؛ مستدرک الوسائل، ج6، ص542، الباب 16 من أبواب صلاة المسافر، ح 3 عن الدعائم و العیاشی؛ بحار الأنوار، ج2، ص276، الباب 33، ح 26 عن الفقیه و ج 86، ص51 عن العیاشی.
3- کذا فی الوسائل و لکن فی الکافی هکذا: «3. علی بن إبراهیم عن أبیه و محمد بن إسماعیل عن الفضل بن شاذان جمیعاً عن ابن أبی عمیر... 4. ابن أبی عمیر عن معاویة بن عمارالخ» و راجع أیضاً جامع أحادیث الشیعة، ج10، ص222.
4- سورة البقرة ( 2 ): 196.
5- الکافی، ج4، ص265، کتاب الحج، باب فرض الحج و العمرة، ح 4 و تتمة الحدیث: «و إنّما نزلت العمرة بالمدینة قال قلت له: فمن تمتع بالعمرة إلی الحج أیجزئ ذلک عنه؟ قال: نعم»؛ وسائل الشیعة، ج11، ص9، کتاب الحج، الباب 1، ح 5، عنه. و فی التهذیب، ج5، ص433، باب من الزیادات فی فقه الحج، ح 148 «موسی بن القاسم عن حماد بن عیسی عن عمر بن أذینة عن زرارة بن أعین قال قلت لأبی جعفر (علیه السلام) : الذی یلی الحج فی الفضل؟ قال: العمرة المفردة ثم یذهب حیث شاء و قال: العمرة واجبة علی الخلق بمنزلة الحج لأنّ... و إنّما نزلت العمرة بالمدینة فأفضل العمرة عمرة رجب و قال» الحدیث؛ الوسائل، ج14، ص295، الباب من أبواب العمرة، ح 2، عنه. و فی علل الشرائع، ج1، ص408، الباب 144، ح 1 «حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الولید قال حدثنا محمد بن الحسن الصفار عن العباس بن معروف عن علی بن مهزیار عن الحسین بن سعید عن ابن أبی عمیر و حماد و صفوان بن یحیی و فضالة بن أیوب عن معاویة بن عمار عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: العمرة واجبة علی الخلق بمنزلة الحج من استطاع لأنّ... و إنّما نزلت العمرة بالمدینة و أفضل العمرة عمرة رجب»؛ الوسائل، ج14، ص297، الباب 1 من أبواب العمرة، ح 8، عنه و فیه «علی من استطاع إلیه سبیلاً» بدل «من استطاع». و فی تفسیر العیاشی، ج1، ص87 «عن زرارة عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: إنّ العمرة واجبة بمنزلة الحج لأنّ... هی واجبة مثل الحج و من تمتع أجزأته و العمرة فی أشهر الحج متعة»؛ الوسائل، ج14، ص307، الباب 6، ح 8، عنه. و فی تفسیر العیاشی، ج1، ص88 «عن معاویة بن عمار الدهنی عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: إنّ العمرة واجبة علی الخلق بمنزلة الحج لأنّ... و إنّما نزلت العمرة بالمدینة و أفضل العمرة عمرة رجب»؛ مستدرک الوسائل، ج10، ص176، الباب 2 من أبواب العمرة، ح 2، عنه. و فی دعائم الإسلام، ج1، ص290 «و عن أبی جعفر محمد بن علی أنّه قال: العمرة فریضة بمنزلة الحج علی من استطاع». و فی دعائم الإسلام، ج1، ص333 «روینا عن أبی جعفر محمد بن علی أنّه قال: العمرة فریضة بمنزلة الحج لأنّ...»؛ مستدرک الوسائل، ج10، ص175 الباب 1 من أبواب العمرة، ح1، عنه و لکن فیه «عن علی (علیه السلام) ».

علی الوجوب.

فإذا ثبت وجود السیرة العقلائیة فی صیغة افعل فبالأولویة القطعیة یثبت وجودها فی مادة الأمر .

ثم بین الأُستاذ (دام ظله) بعض الموارد التی لایدل الأمر فیها علی الوجوب و قال: الجمع بین الروایات الواردة فی موارد استعمالات الأمر فی غایة الإشکال و علی أی حال بناء السیرة العقلائیة علی استفادة الوجوب من مادّة الأمر فلایضرّنا تعارض الروایات و تساقطها.

مقتضی التحقیق هنا: أنّ السیرة العقلائیة تجتمع مع سائر الأدلّة فلیست مسلکاً نافیاً لسائر المسالک من الوضع و الإطلاق و حکم العقل، نعم إنّها فی عرض سائر المسالک فی مقام الإثبات أی فی مقام الإستدلال علی دلالة مادّة

ص: 89

الأمر علی الوجوب و أما فی مقام الثبوت فهی هنا تنشأ من هذه المسالک کما قال السید المحقق الخوئی (قدس سره) :((1))

«قیام السیرة إنّما یدل علی کون الوجوب مستفاداً منها [أی الصیغة] و أما کون ذلک بالوضع أو بالإطلاق أو من ناحیة حکم العقل فلایدل علی شیء منها.»

فبالنتیجة: إنّ الأدلة التامة علی «دلالة مادة الأمر علی الوجوب» ثلاثة:

الاوّل: الإطلاق بمقدمات الحکمة بالتقریر السابع.

الثانی: الدلیل العقلی.

الثالث: السیرة العقلائیة.

ص: 90


1- محاضرات فی أُصول الفقه، 2، ص125؛ ج1، ص475، بحث الأوامر، المقام الثانی، الجهة الثانیة.

الأمر الرابع:فی النسبة بین الأمر و الطلب

اشارة

فیها ستة أقوال:

القول الأول: الأمر مطلق الطلب
اشارة

قد یتوهم أنّ الأمر وضع لمطلق الطلب من غیر تقییده بشیء؛ کما تقدم ذلک فی کلمات جمع من الأعلام.

إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علیه:

إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) یری أن الأمر أخصّ من مطلق الطلب فإن مطلق الطلب یشمل الطلب الذی هو فی نفس المولی قبل إنشائه و لکن الأمر یختصّ بالطلب المنشأ.

قال (قدس سره) : أما مطلق الطلب فلیس معنی مادة الأمر لأنّ « الظاهر من الإطلاقات العرفیة أنّه لایقال لمن أراد قلباً: إنّه اَمَرَ بل یقال: [إنّه] أراد و لم یأمر بالمراد ».((1)) نعم قال المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی رسالة الطلب و الإرادة إنّ المظنون قویاً عدم

ص: 91


1- نهایة الدرایة، ج1، ص255، التعلیقة 142 علی هذه العبارة «نعم القول المخصوص أی صیغة الأمر».

صدق الطلب إلا فی الإرادة المظهرة بالقول أو بالفعل.((1))

القول الثانی: الأمر الطلب بالقول
اشارة

قد استدل علی وضع الأمر للطلب القولی بوجهین:

الوجه الأول:
اشارة

الإجماعات المحکیة علی ذلک.

إیرادات ثلاثة علی هذا الوجه:

((2))

الأول: إنّها مصادمة بتعریف کثیر من القدماء للأمر بصرف الطلب.

الثانی: لا حجیة لتلک الإجماعات بعد مساعدة العرف علی خلافه.

الثالث: یمکن إرادة المجمِعین للفرد الشائع مما ینشأ به البعث.

الوجه الثانی:
اشارة

الآیة الشریفة (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَیئًا أَنْ یقُولَ لَهُ کُنْ فَیکُونُ) ((3)) و تقریر ذلک أنّ أمره تعالی إذا أراد شیئاً منحصر بأن یقول: «کن» فالأمر لایصدق إلا إذا کان مبرزه القول.

ص: 92


1- رسالة الطلب و الإرادة، ص35 «نعم المظنون قویاً أنّ الطلب عنوان لمظهر الإرادة قولاً کان أو فعلاً فلا یقال لمن أراد شیئاً قلباً من دون مظهر: [إنّه] طلبه [أی الشیء]»
2- نهایة الدرایة، ج1، ص255 «و الإجماعات المحکیة علی وضع الأمر للطلب القولی مع مصادمتها بتعریف کثیر من القدماء للأمر بصرف الطلب لا حجیة فیها الخ»
3- سورة یس (36): 82. و جاء هذا التعبیر (کُنْ فَیکُونُ) فی القرآن الکریم فی ثمانی آیات نذکر ما یقرب من الآیة المذکورة تیمناً: (بَدِیعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَی أَمْرًا فَإِنَّمَا یقُولُ لَهُ کُنْ فَیکُونُ) (البقرة: 117)؛ (قَالَتْ رَبِّ أَنَّی یکُونُ لِی وَلَدٌ وَلَمْ یمْسَسْنِی بَشَرٌ قَالَ کَذَلِکِ الله یخْلُقُ مَا یشَاءُ إِذَا قَضَی أَمْرًا فَإِنَّمَا یقُولُ لَهُ کُنْ فَیکُونُ) ( آل عمران: 47)؛ (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَیءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ کُنْ فَیکُونُ) (النحل: 40)؛ (مَا کَانَ لِلَّهِ أَنْ یتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَی أَمْرًا فَإِنَّمَا یقُولُ لَهُ کُنْ فَیکُونُ) (مریم: 35)؛ (هُوَ الَّذِی یحْیی وَیمِیتُ فَإِذَا قَضَی أَمْرًا فَإِنَّمَا یقُولُ لَهُ کُنْ فَیکُونُ) (الغافر: 68)
إیراد علی الوجه الثانی:

إنّ قوله «کن» و إن کان أمراً منه تعالی إلّا أنه لیس طلبا قولیاً و إن کان بصیغة افعل بل أمره عین فعله، توضیح ذلک هو:

«إنّ المراد بقوله: [” کن“] لیس هذه الصیغة الإنشائیة قطعاً بل هذه هی المعبَّر عنها فی کلمات أهل المعرفة ﺑ- ”الکلمة الوجودیة“((1)) و فی خطبة

ص: 93


1- فی شرح الأسماء الحسنی، ج1، ص231 فی شرح قوله (علیه السلام) «یا من یحق الحق بکلماته»: «قال بعض العارفین: أول کلام شق أسماع الممکنات کلمة کن و هی کلمة وجودیة فما ظهر العالم إلا بالکلام بل العالم کله عین أقسام الکلام بحسب مقاماته و منازله الثمانیة و العشرین فی نفس الرحمان و هو فیض الوجود المنبعث عن منبع الإفاضة و الرحمة»الخ و العبارة بعینها متخذة من الأسفار، ج3، ص4، السفر الثالث، الموقف السابع فی أنّه تعالی متکلم، الفصل الأول فی تحصیل مفهوم التکلم. و المقصود من «بعض العارفین» ابن العربی فی الفتوحات المکیة، ج2، ص181، الباب97 فی مقام الکلام و تفاصیله حیث قال: «أول کلام شق أسماع الممکنات کلمة کن فما ظهر العالم إلا عن صفة الکلام و هو توجه نفس الرحمان علی عین من الأعیان»الخ. و فی شرح الأسماء الحسنی، ج1، ص180 فی شرح قوله (علیه السلام) «یا من قوله حق»: «... و إذا حُمل الحق علی المعانی الأُخر فلیحمل القول علی الأقاویل و الکلمات الوجودیة فکل منها حق أی ثابت و بعضها حق أی دائم و بعضها حق إضافی و هو النفس الرحمانی و کلمة کن قال علی (علیه السلام) فی نهج البلاغة: إنّما یقول لما أراد کونه... فاعلم أنّ الکلمات الوجودیة التی هی نقوش و أرقام فی ألواح المهیات و المواد و بهذا النظر العالم کتاب الله تعالی إذا أُخذت لا بشرط قائمة بالمتکلم متصلة به اتصالاً معنویاً معربة عما فی ضمیره المکنون المخزون کانت من ظهورات الحق الإضافی أعنی کلمة کن الجامعة لکل کلمة کلمة و الحق الإضافی من صقع الحق الحقیقی فکانت کلماته»الخ. و فی تفسیر المیزان، ج2، ص325 ذیل قوله تعالی (مِنْهُمْ مَنْ کَلَّمَ اللهُ) (البقرة: 253) «... و کذا الوجودات الخارجیة لما کانت ممعلولة لعللها و وجود المعلول لمسانخته وجود علته و کونه رابطاً منزلاً له یحکی بوجوده وجود علته و یدل بذاته علی خصوصیات ذات علته الکاملة فی نفسها لدلالة المعلول علیها فکل معلول بخصوصیات وجوده کلام لعلته تتکلم به عن نفسها و کمالاتها»الخ. و فی ج17، ص116 ذیل قوله تعالی(إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَیئًا أَنْ یقُولَ لَهُ کُنْ فَیکُونُ) (یس:82): «و من هنا یظهر أنّ کلمة الإیجاد و هی کلمة کن هی وجود الشی الذی أوجده لکن بما أنّه منتسب إلیه قائم به و أما من حیث انتسابه إلی نفسه فهو موجود لا إیجاد و مخلوق لا خلق».

أمیرالمؤمنین و سید الموحدین (علیه السلام) ”إنّما یقول لما((1))أراد کونه: کن فیکون لا بصوت یقرع و لا بنداء((2)) یسمع و إنّما کلامه فعله((3))“الخ((4)) و سر التعبیر عن أنحاء الوجودات بالکلمات هو أنّ الکلام ما یعرب عن ما فی الضمیر و هذه الموجودات معربة عما فی الغیب المکنون فظهر أنّ فعله تعالی أمره باعتبار دلالته علی تعلّق إرادته به و کذا فی جمیع موارد إنزال العذاب حیث عبر عنه بقوله تعالی: (جَاءَ أَمْرُنَا)((5)) فی غیر مورد فإنّه بلحاظ دلالته علی تحتمه و تعلق الإرادة التکوینیة به فافهم».((6))

القول الثالث: إنّ مادة الأمر وضعت للطلب المنشأ

اختاره المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی نهایة الدرایة، قال:((7)) أما الطلب المنشأ سواء أنشأناه بالقول أو بغیره فیصدق علیه الأمر لأنّ «الأمر» یصدق عرفاً علی البعث بالإشارة و الکتابة. و هذا القول لا بأس به.

ص: 94


1- کذا فی الاحتجاج؛ و فی نهج البلاغة: «لمن» و لکن فی بحار الأنوار نقلاً عن نهج البلاغة: «لما».
2- کذا فی نهج البلاغة؛ و فی الاحتجاج: «و لا نداء».
3- کذا فی نهایة الدرایة؛ و لکن فی نهج البلاغة و الاحتجاج: «و إنّما کلامه سبحانه فعل منه أنشأه».
4- نهج البلاغة، الخطبة 186؛ الاحتجاج، ج1، ص302، احتجاجه [أی علی (علیه السلام) ] فی ما یتعلق بتوحید الله و تنزیهه عما لایلیق به الخ؛ بحار الأنوار، ج4، ص255، ح 8، عن الاحتجاج؛ ج 54، ص30، ح 6، عن نهج البلاغة و الاحتجاج؛ ج 74، ص312، ح 14، عن نهج البلاغة.
5- سورة هود (11): 40، 58، 66، 82، 94؛ سورة المؤمنون (23): 27.
6- نهایة الدرایة، ج1، ص255.
7- نهایة الدرایة، ج1، ص255 «کما إنّ الظاهر صدق الأمر علی الطلب المدلول علیه بدالّ و إن لم یکن بخصوص القول لصدقه عرفاً علی البعث بالإشارة و الکتابة عرفاً الخ».
القول الرابع: إنّ مادة الأمر وضعت للطلب المنشأ من الغیر
اشارة

قد مرّ سابقاً کلام المحقق الخوئی (قدس سره) ((1)) من أنّ الطلب الذی هو مفاد الأمر و معناه لابدّ له من تقیید آخر.و بیانه هو أنّ الأمر لایصدق علی الطلب المتعلق بفعل نفس الإنسان فلم توضع للجامع بین ما یتعلق بفعل غیره و ما یتعلق بفعل نفسه.

یلاحظ علیه:

إنّه قد تقدم بطلان ذلک التقیید، فلانعید.

القول الخامس: للمحقق الإصفهانی (قدس سره) فی رسالة الطلب و الإرادة
اشارة

إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) یری أنّ الطلب عنوان لمظهر الإرادة قولاً أو فعلاً.

فعلی هذا یختلف الأمر مع الطلب حیث إنّ الأمر الإرادة البالغة إلی حدّ الفعلیة و الطلب مظهرها قولاً کان أم فعلاً.

یلاحظ علیه:

إنّ الطلب لیس مظهراً للإرادة و لایصدق علی القول و الفعل إلاّ من باب خذ الغایات و اطرح المبادی، بل الطلب هو الإرادة التی یظهرها المرید و التصدی نحو حصول المطلوب.

القول السادس: عینیة الطلب و الإرادة بأُسلوب آخر و هو القول المختار

إنّ الطلب عین الأمر، فإنّ الأمر الإرادة البالغة حدّ الفعلیة أو الإرادة

ص: 95


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص7؛ ج1، ص344، بحث الأوامر، المقام الأول، الجهة الأُولی «إنّ مادة الأمر بما لها من معنی لاتصدق علی الحصة الثانیة و هی المتعلقة بفعل نفس الإنسان الخ».

المظهرة و الطلب أیضاً الإرادة المظهرة و تصدی المرید حصول مراده و مطلوبه و هذا الوجه یختلف عن القول الأول لأنّ القائل بالقول الأول یری أنّ الطلب أعم من ذلک، فإن الطلب عنده یصدق علی الإرادة و إن لم تُظهَر و لم یتصد المرید نحو تحصیل مراده و أیضاً یختلف هذا الوجه عن القول الثانی لأنّ الطلب علی هذا الوجه صفة نفسانیة و علی القول الثانی مظهر لتلک الصفة النفسانیة قولاً کان أم فعلاً.

ص: 96

الأمر الخامس:فی تطابق معنی الطلب و الإرادة

اشارة

فیه تنبیهان:

یقع الکلام حول اتحاد معنی الطلب و الإرادة أو تغایرهما ثم عند تحقیق القول الرابع ینجرّ الکلام إلی تنبیهین: التنبیه الأول فی الإرادة التکوینیة و التشریعیة و التنبیه الثانی فی الأمر بین الأمرین.

هل یتحد معنی الطلب و الإرادة؟
اشارة

فیه محاولتان:

المحاولة الأُولی: اتحاد معنی الطلب و الإرادة

إنّ الشیخ الاعظم العلامة الأنصاری (قدس سره) قال فی مطارح الانظار: بأنّ العدلیة یقولون باتحاد معنی الطلب و الإرادة، و قد ذهب إلیه جمع من الأعلام منهم صاحب الکفایة (قدس سره) .((1))

ص: 97


1- کفایة الأصول، ص64، المقصد الأول، الفصل الأول، الجهة الرابعة.

و سیتضح لک بطلان هذه النظریة و تغایرهما بحسب المعنی. نعم إنّ الطلب و الإرادة متحدان بحسب الحقیقة لا المفهوم کما سیأتی بیانه إن شاء الله.

المحاولة الثانیة: تغایر معنی الطلب و الإرادة
اشارة

و لأصحاب هذه المحاولة نظریات:

نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) :

قال المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((1)) فی رسالة الطلب و الإرادة: إنّ الطلب عنوان لقول أو فعل مظهر للإرادة.

النظریة المختارة

إنّ المختار هو اتحاد حقیقتهما و إن کان مفهوم کل منهما مغایراً للآخر تغایر العنوان الکلی و بعض أصنافه فإن طبیعة الإنسان یغایر العالم الفقیه مفهوماً و لکنهما متحدان حقیقة. فإنّ الطلب عین الإرادة المظهرة علی نحو یتصدی المرید نحو تحصیل المراد، فإن الطلب صنف من أصناف الإرادة، أما القول و الفعل فکل منهما مُظهر للطلب و الإرادة و إطلاق الطلب علیهما فی بعض الأحیان لیس إلّا بالعلاقات المذکورة فی المعانی و البیان، کما أنّ الرقبة مثلاً یطلق علی العبد بعلاقة الکل و الجزء الرئیس منه و نسبة الکل و الجزء و إن کان مذکوراً فی علم المنطق إلّا أن العرف الساذج یستعمل اللفظ من دون التفات تفصیلی إلی هذه العلاقة.

ص: 98


1- رسالة الطلب و الإرادة، ص35 «المظنون قویاً أنّ الطلب عنوان لمُظهر الإرادة قولاً کان أو فعلاً».
نظریة صاحب هدایة المسترشدین (قدس سره) و المحقق النائینی (قدس سره)

قال المحقق النائینی (قدس سره) :((1)) الشوق المؤکد یسمّی بالإرادة و أما الطلب فهو المرتبة الرابعة (1.التصور 2.التصدیق بالفائدة 3.الشوق المؤکد 4.الطلب و الاختیار) و هذا الطلب یسمی بالاختیار و هو التصدی لتحصیل الشیء و بعبارة أخری هو تأثیر النفس فی حرکة العضلات و إطلاقه علی الفعل النفسانی من باب «خُذ الغایات و اطرَح المبادی»، و هذه النظریة مختار جماعة من أعلام المتأخرین مثل المحقق التقی صاحب هدایة المسترشدین (قدس سره) .

و السید المحقق الخوئی (قدس سره) اختار نظریة المحقق النائینی((2))

و قال بتغایر مفهوم «الأمر» و «الطلب» و «الإرادة» فإنّ مادة «الأمر» عنده

ص: 99


1- أجود التقریرات، ص135، المقصد الأول، الفصل الثانی، المقام الأول، الکلام فی اتحاد الطلب و الإرادة و عدمه «أما الکلام فی الموضع الأول فحاصله أنّ المدعی للوحدة وجداناً إن أراد أنّ المفهوم من أحدهما هو عین المفهوم من الآخر... فالإنصاف أنّ الوجدان علی خلاف ما ادعوه فإنّ الإرادة باتفاق الجمیع عبارة عن الکیف النفسانی القائم بالنفس و أما الطلب فهو عبارة عن التصدی لتحصیل شیء فی الخارج... و أما الموضع الثانی فالحق فیه أیضاً أنّ هناک مرتبةً أُخری بعد الإرادة تسمی بالطلب و هو نفس الاختیار و تأثیر النفس فی حرکة العضلات وفاقاً لجماعة من محققی المتأخرین و منهم المحقق صاحب الحاشیة (قدس سره) الخ».
2- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص16؛ ج 1، ص353 «إنّ الإرادة بواقعها الموضوعی من الصفات النفسانیة و من مقولة الکیف القائم بالأنفس و أما الطلب فقد سبق أنّه من الأفعال الاختیاریة الصادرة عن الإنسان بالإرادة و الاختیار حیث إنّه عبارة عن التصدی نحو تحصیل شیء فی الخارج»؛ و فی ص 372 «نتائج البحث لحد الآن عدة نقاط: الأُولی... و قد عرفت أنّها [ أی مادة الأمر] موضوعة لمعنیین: إبراز الأمر الاعتباری النفسانی فی الخارج... السادسة أنّ الطلب مغایر للإرادة مفهوماً و واقعاً حیث إنّ الطلب فعل اختیاری للإنسان و الإرادة من الصفات النفسانیة الخارجة عن الاختیار»؛ و فی ص 379 «و أما النقطة الثالثة فهی تامة لوضوح أنّ إرادتنا هی الشوق المؤکد الداعی إلی إعمال القدرة و السلطنة نحو إیجاد المراد»

وضع لإبراز الأمر الاعتباری النفسانی و «الطلب» وضع للتصدی نحو الشیء و «الإرادة» وضعت للشوق المؤکد و هو کیف نفسانی .

و لکن هناک نکتة دقیقة فی افتراق ما أفاده عن نظریة المحقق النائینی (قدس سره) ، حیث إنّ المحقق النائینی (قدس سره) قال إنّ الطلب هو عبارة أُخری عن الاختیار و یقع فی المرتبة الرابعة من المراتب المذکورة و أما المحقق الخوئی (قدس سره) فقال بأنّ الطلب هو الفعل الاختیاری الصادر عن الإرادة و الاختیار فافتراقهما فی ناحیة الاختیار، فإنّ المحقق النائینی (قدس سره) جعله عین الطلب و المحقق الخوئی (قدس سره) جعله من مبادی الطلب و أمّا اشتراکهما فهو فی عنوان التصدی نحو تحصیل الشیء فی الخارج فإنهما جعلا هذا العنوان عین الطلب.

ثمّ إنه قال فی إرادته تعالی:((1)) «الإرادة لیست الشوق الأکید بل هی إعمال القدرة»، و الوجه فی ذلک هو أنّ الإرادة بمعنی الشوق الأکید لاتعقل فی إرادته تبارک و تعالی.

نظریة المحقق البروجردی (قدس سره)
اشارة

قال المحقق البروجردی (قدس سره) ((2)) أیضاً بتغایرهما کما نقلناه فی ص70 من جهة أنّ

ص: 100


1- فی محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص36؛ ج 1، ص377 «إنّ الإرادة لاتخلو من أن تکون بمعنی إعمال القدرة أو بمعنی الشوق الأکید و لا ثالث لهما و حیث إنّ الإرادة بالمعنی الثانی لاتعقل لذاته تعالی تتعین الإرادة بالمعنی الأول له سبحانه و هو المشیة و إعمال القدرة... و من ناحیة ثالثة إنّا لانتصور لإرادته تعالی معنی غیر إعمال القدرة و السلطنة».
2- نهایة الأصول، ص92 و 93، المقصد الأول، الفصل الأول، المبحث الثالث، هل الطلب یغایر الإرادة؟، نقد کلام المحقق الخراسانی (قدس سره) «و اعلم أنّ ما ذکره من اتحاد الطلب و الإرادة مفهوماً و خارجاً و إنشاءً فاسد من أصله فإنّ لفظ الإرادة موضوع لصفة خاصة من صفات النفس و الصفات النفسانیة من الأُمور الحقیقیة التی یکون بحذائها شیء فی الخارج فلا تقبل الوجود الإنشائی الخ».

الإرادة صفة نفسانیة فلاتقبل الوجود الإنشائی بخلاف الطلب فإنّه یقبل الوجود الإنشائی.

یلاحظ علیها:

إنّ ما أفاده فی وجه افتراق الإرادة و الطلب لایرجع إلی محصّل و قد تقدّم الإیراد علیه، فإنّ الإرادة أیضاً قد تکون إنشائیة؛ کما أنّ الطلب أیضاً قد یکون حقیقیاً غیر إنشائی.

نظریة الأشاعرة
اشارة

قال الأشاعرة بتغایر مفهوم الطلب و الإرادة و مصداقهما و استدلوا علی ذلک بوجوه و قالوا: إنّ الطلب هو الکلام النفسی لا الإرادة و التزموا بالکلام النفسی تارة بعنوان الصفات الذاتیة لله تبارک و تعالی((1)) حیث إنّهم اعتقدوا بقدم القرآن و هو کلام الله تعالی مع أنّ ألفاظ القرآن لیست بقدیمة فلابدّ أن یدل ألفاظ الکتاب المجید علی الکلام النفسی الذی هو قدیم. هذا من جهة و من جهة أُخری إنّ المتکلم من أسماء الله و أسماء الله قدیمة قائمة بذاته تعالی و أخری بعنوان صفة موجودة فی أُفق النفس((2)) و قالوا: کل کلام صادر عن المتکلم

ص: 101


1- فی شرح المواقف، ج8، ص93: «قال الحنابلة: کلامه حرف و صوت یقومان بذاته و إنّه قدیم... و قالت المعتزلة: أصوات و حروف یخلقها الله فی غیره کاللوح المحفوظ أو جبریل أو النبی و هو حادث و هذا لاننکره نحن... و نعترف بحدوثه و عدم قیامه بذاته تعالی لکنّا نثبت أمراً وراء ذلک و هو المعنی القائم بالنفس... و هو قدیم قائم بذاته تعالی».
2- نقول: قال بعض ببطلان الکلام النفسی مطلقاً. ففی نهج الحق و کشف الصدق، ص59 بعد أن ذکر الکلام النفسی: «و هذا غیر معقول فإنّ کل عاقل إنّما یفهم من الکلام ما قلناه فأمّا ما ذهبوا إلیه فإنّه غیر معقول لهم و لغیرهم البتة فکیف یجوز إثباته لله تعالی و هل هذا إلّا جهل عظیم؟ لأنّ الضرورة قاضیة بسبق التصوّر علی التصدیق و إذ قد تمهدت هذه المقدمة فنقول: لا شک فی أنّه تعالی متکلم علی معنی أنّه أوجد حروفاً و أصواتاً مسموعة قائمة بالأجسام الجمادیة... و الأشعریة خالفوا عقولهم و عقول کافة البشر و أثبتوا له تعالی کلاماً لایفهمونه هم و لا غیرهم و إثبات مثل هذا الشیء و المکابرة علیه مع أنّه غیر متصور البتة فضلاً عن أن یکون مدلولاً علیه معلوم البطلان و مع ذلک فإنّه صادر منّا أو فینا عندهم و لانعقله نحن و لا من ادعی ثبوته» و فی هدایة المسترشدین، ج2، ص145: «و قد خالف فی ذلک الأشاعرة فزعموا أنّ الطلب أمر آخر وراء الإرادة و جعلوه من أقسام الکلام النفسی المغایر عندهم للإرادة و الکراهة و قد عرفت أنّ ما ذکروه أمر فاسد غیر معقول مبنی علی فاسد آخر أعنی الکلام النفسی» و فی وقایة الأذهان، ص187: «و ملخص الکلام فیه أنّ الأشاعرة إن أرادوا إثبات صفة نفسانیة أُخری غیر الإرادة فهو واضح الفساد ضرورة أنّا لانجد فی أنفسنا عند الطلب غیر الإرادة... شیئاً آخر... و أنت إذا تأملت فی أدلة الفریقین واطلعت علی ما احتج کل منهما علی ما ذهب إلیه و اعترض الآخر علیه علمت أنّ الذی أثبته الأشاعرة ونفاه العدلیة هو إثبات صفة أُخری غیر الإرادة» و فی المبدأ و المعاد، ص245: «و ما أثبته المتکلمون من الکلام النفسی فإن کان له معنی محصل فیرجع إلی خطرات الأوهام أو تخیل ما یوجد من الکلام» و لکن فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج1، ص90: «... أحدها کون النزاع إثباتاً و نفیاً راجعاً إلی وجود ما یکون من المعانی النفسیة مغایراً للعلم و الإرادة و الکراهة فالأشاعرة یثبتونه و المعتزلة ینکرونه... فالحق معهم [أی الأشاعرة]» و فی وقایة الأذهان، ص100: «و بطلان الکلام النفسی مطلقاً غیر معلوم» و قال بعض ببطلان الکلام النفسی فی الباری تعالی. ففی کشف المراد، ص403 قال عند التعلیقة علی قوله: «و عمومیة قدرته تدل علی ثبوت الکلام و النفسانی غیر معقول»: «... لکن الأشاعرة أثبتوا معنی آخر و المعتزلة نفوا هذا المعنی لأنّه غیر معقول إذ لایعقل ثبوت معنی غیر العلم لیس بأمر و لا نهی و لا خبر و لا استخبار و هو قدیم و التصدیق موقوف علی التصور» و فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج1، ص90: «و ثالثها کونه راجعاً إلی وجود هذا المعنی المسمّی بالکلام بالقیاس إلی الباری تعالی خاصّة و عدمه و هذا یتصوّر علی وجهین الخ».

إذا قصده مسبوق بتصوره فی ذهنه و هو الکلام النفسی((1)) و الکلام النفسی إمّا

ص: 102


1- ما المراد بالکلام النفسی عند الأشاعرة؟ فی المستصفی، ص80 عبّر عنه ب- «مدلول العبارات و هی المعانی التی فی النفس» و قال: «و کلام النفس ینقسم إلی خبر و استخبار و أمر و نهی و تنبیه و هی معانٍ تخالف بجنسها الإرادات و العلوم و هی متعلقة بمتعلقاتها لذاتها کما تتعلق القدرة و الإرادة و العلم» و فی شرح المواقف، ج8، ص93 عبّر عنه ب- «المعنی القائم بالنفس الذی یعبر عنه بالألفاظ» و قال: «”و نزعم أنّه غیر العبارات إذ قد تختلف العبارات بالأزمنة و الأمکنة و الأقوام“ و لایختلف ذلک المعنی النفسی” بل “نقول: لیس تنحصر الدلالة علیه فی الألفاظ إذ” قد یدلّ علیه بالإشارة و الکتابة کما یدلّ علیه بالعبارة و الطلب “الذی هو معنی قائم بالنفس” واحد لایتغیر“مع تغیر العبارات و لایختلف باختلاف الدلالات” و غیر المتغیر غیر المتغیر“أی ما لیس متغیراً و هو المعنی النفسی مغایر للمتغیر الذی هو العبارات” و إنّه غیر العلم إذ قد یخبر الرجل عمّا لایعلمه بل یعلم خلافه أو یشک فیه و“ إنّ المعنی النفسی الذی هو الأمر” غیر الإرادة...» و فی کشف المراد، ص403: «و قالت الأشاعرة: إنّه متکلم بمعنی أنّه قام بذاته معنی غیر العلم و الإرادة و غیرهما من الصفات تدلّ علیها العبارات و هو الکلام النفسانی و هو عندهم معنی واحد لیس بأمر و لا نهی و لا خبر و لا غیر ذلک من أسالیب الکلام» و فی نهج الحق و کشف الصدق، ص59، المسألة الثالثة فی صفاته تعالی، البحث السابع فی أنّه تعالی متکلم، المطلب الأول فی حقیقة الکلام: «الکلام عند العقلاء عبارة عن المؤلف من الحروف المسموعة و أثبت الأشاعرة کلاماً آخر نفسانیاً مغایراً لهذه الحروف و الأصوات دالّة علیه».

خبر (فی الجمل الخبریة) و إمّا طلب (فی الإنشاء بصیغة الأمر) و قالوا: إنّ الکلام کما یطلق علی الکلام اللفظی کذلک((1)) یطلق علی الکلام النفسی مثل قول القائل:

ص: 103


1- فی المستصفی للغزالی، ص80، القطب الثانی فی أدلّة الأحکام، الأصل الأوّل کتاب الله تعالی، النظر الأوّل فی حقیقته: «و الکلام اسم مشترک قد یطلق علی الألفاظ الدالّة علی ما فی النفس تقول: سمعت کلام فلان و فصاحته و قد یطلق علی مدلول العبارات و هی المعانی التی فی النفس کما قیل: إنّ الکلام لفی الفؤاد و إنّما جعل اللسان علی الفؤاد دلیلاً و قال الله تعالی: (وَیقُولُونَ فِی أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا یعَذِّبُنَا اللهُ بِمَا نَقُولُ) (المجادلة:8) و قال الله تعالی: (وَأَسِرُّوا قَوْلَکُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ) (الملک:31)، فلا سبیل إلی إنکار کون هذا الاسم مشترکاً» و فی شرح المواقف، ج8، ص93، الموقف الخامس فی الإلهیات، المرصد الرابع فی الصفات الوجودیة، المقصد السابع فی أنّه تعالی متکلم: «ثمّ قال الحنابلة: کلامه حرف و صوت... و هذا لاننکره نحن بل نقول به و نسمّیه کلاماً لفظیاً... لکنّا نثبت أمراً وراء ذلک و هو المعنی القائم بالنفس الذی یعبر عنه بالألفاظ و نقول هو الکلام حقیقة...» و فی تعلیقة علی معالم الأصول للسید علی القزوینی، ج1، ص89: «فالأولی... أن ینظر فی تشخیص ما هو محل الخلاف بینهم و بین المعتزلة... و الذی یتراءی فی بادئ الأمر لایخلو عن احتمالات:... و ثانیها کونه راجعاً إلی أمر لفظی و هو تسمیة المعنی النفسی المغایر للعلم و الإرادة و الکراهة علی تقدیر ثبوته باتفاق الفریقین بالکلام عرفاً و صدقه علیه صدقاً حقیقیاً کصدقه علی المؤلف من الأصوات و الحروف و عدمه فالأشاعرة یثبتونه و المعتزلة ینکرونه... فالحق مع المعتزلة».

«إنّ فی نفسی کلاماً لاأُرید أن أُبدیه » و یشهد له قوله تعالی: (وَأَسِرُّوا قَوْلَکُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِیمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)((1))و قوله تعالی: (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِی أَنْفُسِکُمْ أَوْ تُخْفُوهُ یحَاسِبْکُمْ بِهِ اللَّهُ).((2))

و استدلوا علیها بوجهین:
الوجه الأول:
اشارة

((3)) إنّ المولی قد یطلب الشیء من عبده للامتحان و الاختبار و فی هذه الأوامر الامتحانیة الطلب موجود دون الإرادة (مثل طلب ذبح إسماعیل علی نبینا و آله و علیه السلام).

ص: 104


1- سورة الملک (67): 13.
2- سورة البقرة (2): 284.
3- رسالة الطلب و الإرادة، ص37 «ثم اعلم أنّه استدل الأشاعرة علی المغایرة بوجوه أوجهها وجهان: الأول أنّ المولی قد یطلب من العبد ما لایریده واقعاً للامتحان و الاختبار الخ». قال الرازی فی المحصول، ج2، ص18: «المسألة الأُولی: إنّ تلک الماهیة (ماهیة الطلب) عندنا شیء غیر الإرادة و قالت المعتزلة هی إرادة المأمور به. لنا وجوه:... و ثالثها أنّ الحکیم قد یأمر عبده بشیء فی الشاهد و لایرید منه أن یأتی بالمأمور به لإظهار تمرده و سوء أدبه...». و قال الشریف الجرجانی فی شرح المواقف، ج8، ص93: «و إنّ المعنی النفسی الذی هو الأمر غیر الإرادة لأنّه قد یأمر الرجل بما لایریده کالمختبر لعبده هل یطیعه أم لا؟ فإنّ مقصوده مجرد الاختبار دون الإتیان بالمأمور به و کالمعتذر من ضرب عبده بعصیانه فإنّه قد یأمره و هو یرید أن لایفعل المأمور به لیظهر عذره عند من یلومه».
إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی الوجه الأول:

((1))

قال (قدس سره) : «و جوابه أنّ الأمر إن کان بصیغة الطلب الإنشائی فالثابت هنا هو الطلب بوجوده الجعلی التنزیلی المعبّر عنه بالإنشائی و الطلب الجعلی الإنشائی کالإرادة الإنشائیة المُنشَأَة بصیغة أُرید مغایر عند الکل مع الإرادة الحقیقیة [و الطلبِ الحقیقی] و هذا الدلیل لیس بکافل لمغایرة الحقیقی منهما و إن کان بصیغة افعل فلا طلب أیضاً لا إنشاءً و لا حقیقةً علی ما هو التحقیق من أن مفادها [أی الصیغة] البعث و التحریک و مغایرتهما للإرادة [الحقیقیة] مما لاریب فیها».

فهذا الدلیل لایثبت تغایر الإرادة الحقیقیة والطلب الحقیقی بل یثبت تغایر الإرادة الحقیقیة و الطلب الإنشائی (الذی هو مفاد مادة الأمر) و البعث و التحریک بالمعنی الحرفی (الذی هو مفاد صیغة الأمر).

الوجه الثانی:
اشارة

((2)) إنّ تکلیف الکفار بالإیمان و تکلیف العصاة بالأعمال تکلیف

ص: 105


1- رسالة الطلب و الإرادة، ص37 و 38.
2- رسالة الطلب و الإرادة، ص40 «الثانی لو کان الطلب عین الإرادة لزم فی تکلیف الکافر بالإیمان بل مطلق العاصی بالأرکان إما أن لایکون التکلیف حقیقیاً الخ»؛ المحصول، ص19 «... أولها أنّ الله تعالی ما أراد من الکافر الإیمان و قد أمره به فدل علی أنّ حقیقة الأمر غیر حقیقة الإرادة الخ». و فی المحصول، ج2، ص18: «لنا وجوه: أوّلها أنّ الله تعالی ما أراد من الکافر الإیمان و قد أمره به فدلّ علی أنّ حقیقة الأمر غیر حقیقة الإرادة و غیر مشروطة بها و إنّما قلنا إنّه تعالی ما أراد منه الإیمان لوجهین الخ». و فی تفسیر الرازی، ج1، ص26: «و قال أصحابنا: الطلب النفسانی مغایر للإرادة و الحکم الذهنی أمر مغایر للاعتقاد أمّا بیان أنّ الطلب النفسانی مغایر للإرادة فالدلیل علیه أنّه تعالی أمر الکافر بالإیمان وهذا متفق علیه و لکن لم یرد منه الإیمان و لو أراده لوقع و یدلّ علیه وجهان: الأوّل أنّ قدرة الکافر إن کانت موجبة للکفر کان خالق تلک القدرة مریداً للکفر لأنّ مرید العلة مرید للمعلول و إن کانت صالحة للکفر و الإیمان امتنع رجحان أحدهما علی الآخر إلّا بمرجح... و الثانی أنّه تعالی عالم بأنّ الکافر یکفر و حصول هذا العلم ضد لحصول الإیمان والجمع بین الضدین محال»الخ. و ذکر الرازی فی المحصول أربعة أوجه و الوجهان الباقیان هما: «و ثانیها أنّ الرجل قد یقول لغیره إنّی أُرید منک هذا الفعل لکنّنی لا آمرک به... و رابعها أنه سیظهر إن شاء الله تعالی فی باب النسخ أنّه یجوز نسخ ما وجب من الفعل قبل مضی مدة الامتثال...».

جدّی فیشتمل علی الطلب الحقیقی و لکن الإرادة الحقیقیة منتفیة بالنسبة إلی الإیمان و الأعمال فلو قلنا باتحاد الطلب و الإرادة إما یلزم انتفاؤهما فی تکلیف الکفار و العصاة فیکون التکلیف صوریاً لا حقیقیاً و هذا خلاف الضرورة و إما یلزم ثبوتهما فی تکلیف الکفار و العصاة فیلزم تخلف إرادة الله تعالی عن مراده.

إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) علی الوجه الثانی:

أورد علیه صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)) بالفرق بین الإرادة التکوینیة و التشریعیة فإنّ الإرادة المتعلقة بالکفر من الکافر إرادة تکوینیة و حقیقتها العلم بما هو صلاح بحسب النظام الکلی و هذا هو الذی لایکاد یتخلف عن المراد حیث إنّ المحل قابلٌ و یسأل بلسان استعداده الدخول فی دار الوجود و المبدأ تامّ الإفاضة لا بخل فی ساحته المقدّسة و الوجود – بما هو هو - خیر محض و محض الخیر فلذا لایعقل التخلف.

و أما إرادة الإیمان من الکافر فهی إرادة تشریعیة و حقیقتها العلم بالمصلحة فی فعل المکلف و حیث یقتضی العنایة الربانیة سوق الأشیاء إلی کمالاتها و إعلام المکلفین صلاحهم و فسادهم یجب علیه تعالی تحریکهم إلی ما فیه الصلاح و

ص: 106


1- کفایة الأصول، ص67، المقصد الأول، الفصل الأول، الجهة الرابعة «و أما الدفع فهو أنّ استحالة التخلف إنّما تکون فی الإرادة التکوینیة و هی العلم بالنظام علی النحو الکامل التام الخ»؛ فوائد الأُصول، ص26، الفائدة الثانیة.

زجرهم عمّا فیه الفساد فهذه العلة علة البعث دون التکوین لیلزم استحالة التخلف.

«فإذا توافقتا [أی الإرادة التکوینیة و الإرادة التشریعیة] فلابدّ من الإطاعة و الإیمان و إذا تخالفتا فلا محیص عن أن یختار الکفر و العصیان.»

هذا تمام کلام صاحب الکفایة (قدس سره) و اتضح بما أفاده أنّ هذا الاستدلال لایجدی فی إثبات المغایرة بین الطلب و الإرادة((1)) فلابدّ للقائل بذلک من إثباته ببیان آخر

ص: 107


1- من الأعلام من ذهب إلی المغایرة ففی هدایة المسترشدین، ج2، ص145: «و لایذهب علیک أنّ ما ذکر من أنّ الطلب الذی هو مدلول الأمر عین الإرادة التی هی من الأُمور القائمة بذات الآمر الحاصلة قبل إیجاد الصیغة فاسد حسب ما مرّ تفصیل القول فیه ولنُشِر فی المقام إلی ما فیه من وجوه الفساد: منها أنّه لو کان کذلک لم یمکن تعلق الطلب بمن یعلم الآمر عدم صدور الفعل منه فإنّ صدور الفعل منه حینئذ مستحیل و لو بالغیر و من الواضح عدم إمکان تعلق الإرادة بالأمر المستحیل فإنّ احتمال وقوع المراد و لو مرجوحاً شرط فی تعلق الإرادة. و منها أنّه لو کان کذلک لکان الفعل واجب الحصول عند إرادة الله صدوره من العبد علی نحو ما یرید الآمر منّا صدور الفعل عمن یأمره به لعدم إمکان تخلف إرادة الله کذلک عن مراده. و منها أنّ دلالة الإنشاء حینئذ علی حصول الإرادة من قبیل دلالة الإخبار لکونه حکایةً عن أمر حاصل فی الواقع فقد یطابقه و قد لایطابقه فیکون قابلاً للصدق و الکذب» الخ. و قال فی ص148: «و التحقیق أن یقال حسب ما بینّاه فی محله: إنّ الطلب المدلول للأمر لیس إلّا اقتضاء الفعل منه فی الخارج الذی یعبّر عنه فی الفارسیة ب «خواهش کردن» و هو أمر إنشائی حاصل بتوسط الصیغة لا الإرادة النفسیة المعبّر عنها ب «خواهش داشتن» و الإرادة علی الوجه الثانی مما لایمکن تخلف المراد عنها بالنسبة إلیه تعالی و یعبّر عنها بالإرادة التکوینیة بخلاف الأوّل و یعبر عنها بالإرادة التشریعیة و لا ملازمة بین الإرادتین بل یمکن التخلف من کل من الجانبین عن الآخر و حینئذ فما ذکره العدلیة من اتحاد الطلب و الإرادة إن أرادوا بها الإرادة علی الوجه الثانی ففساده واضح لوضوح المغایرة بینهما کما عرفت و إن أرادوا بها الإرادة علی الوجه الأول فهو الحق الذی لا محیص عنه و ما ذکره الأشاعرة من المغایرة بینهما إن أرادوا بها الوجه الأول فهو فاسد قطعاً کما عرفت و إن أرادوا بها الوجه الثانی کما یومئ إلیه ما استدلوا به علیه فهو متجه و مما بینّّا یقوم احتمال أن یکون النزاع بین الفریقین لفظیاً و کیف کان فالحق فی المسألة ما قررناه». و فی تعلیقة علی معالم الأصول للقزوینی، ج1، ص89: «و الذی یساعد علیه النظر علی ما سیأتی تفصیله فی بحث الأمر وفاقاً لبعض الأفاضل حقیة ما صار إلیه الأشاعرة لکن لا لما ذکروه من التعلیل المتقدم فإنّه علیل جداً لوضوح أنّه إن أرادوا بالطلب الموجود فی الموارد المذکورة ما یکون صوریاً فالإرادة بهذا المعنی أیضاً موجودة معه و إن أرادوا بالإرادة المنتفیة معه ما یکون واقعیاً فالطلب بهذا المعنی أیضاً منتفٍ... بل لما سنحققه فی محله مفصلاً و ملخصه حصول الفرق بین الأمرین بعد الفرق بینهما بحسب المفهوم فی الأحکام و اللوازم و هو من وجوه شتی: منها کون الإرادة کالکراهة من الصفات القهریة التابع حصولها لحصول منشأها و هو رجحان أحد طرفی الفعل و الترک علی الآخر و کون الطلب مبنیاً علی الاختیار علی وجه کان للمرید إیجاده و الإمساک عنه. و منها کون الأمر الأول أمراً نسبیاً بین شیئین المرید و المراد و کون الثانی أمراً نسبیاً بین أشیاء ثلاث الطالب و المطلوب و المطلوب منه. و منها کون الثانی مما یستدعی فی انعقاده استعمال علاج یتحقق معه فعل خارجی من خطاب أو إشارة أو کتابة أو نحوها بخلاف الأوّل». و فی وقایة الأذهان، ص187: «و ملخص الکلام فیه أنّ الأشاعرة إن أرادوا... و إن أرادوا أنّ الطلب معنی ینتزع عن الإرادة فی مرتبة الکشف و الإظهار فهو غیر الإرادة المجردة مفهوماً و إن اتّحدا ذاتاً و بعبارة أُخری: إنّه إظهار الإرادة و إعلام الغیر بها و إلزامه بإیجاد متعلقها منه و نحو ذلک من التعبیر فهو حق لامحیص عنه إذ الوجدان یشهد بتفاوت الحال بین الإرادة المجردة و الإرادة المظهرة و اختلاف حکمهما و الهیئات إنّما وضعت لبیان تلک الصفة النفسیة و إظهارها فقبل إظهارها لایسمّی طلباً و لاأمراً».

و سیأتی الکلام إن شاء الله تعالی حول ذلک.

و التحقیق التام حول نظریة الأشاعرة یقتضی البحث عن تنبیهین:

التنبیه الأول حول مطلبین؛ الأول: الإرادة التکوینیة التی فسّرها صاحب الکفایة (قدس سره) بالعلم بالنظام علی النحو الکامل التامّ (و علی هذا تکون الإرادة من الصفات الذاتیة لا الفعلیة). و الثانی: الإرادة التشریعیة و هناک یقع الکلام فی

ص: 108

عدم وجود الإرادة التشریعیة لعدم الفائدة فیها.

التنبیه الثانی: مسألة الجبر و الاختیار حیث إنّ اختیار الکفر و العصیان علی ما أفاده المحقق صاحب الکفایة (قدس سره) یندرج تحت الإرادة التکوینیة المتعلقة بالنظام الأحسن.

ص: 109

التنبیه الأول: فی الإرادة التکوینیة و التشریعیة
اشارة

فیه مطلبان:

المطلب الأول فی الإرادة التکوینیة
اشارة

و فیه جهتان:

الجهة الأُولی: معنی الإرادة
اشارة

إنّ الإرادة لها معنی عام و هو مشترک معنوی ذو مراتب تشکیکیة یشمل الشوق (الحاصل بعد تصور فائدة الشیء و التصدیق به) و الشوق الأکید و العزم التام فی النشأة النفسانیة و الابتهاج و الابتهاج التام فی النشأة الإلهیة و النفسانیة و نعبّر عنه بمطلق الابتهاج.

بیان الحکیم الزنوزی (قدس سره) :

فصّل الحکیم الزنوزی (قدس سره) مبادی الأفعال الاختیاریة للانسان بهذا الترتیب:

1. تصور الفعل

2. التصدیق بمنفعته

3. الشوق المنبعث من التصدیق

4. الشوق المتأکد ( المسمی بالإجماع و العزم أی العزم الناقص )

5. العزم التام

6. تحریک القوی المحرِّکة نحو الفعل

ص: 110

و بعضهم أسقط «العزم التام» وأدرجه فی «الشوق المتأکد» کما أنّ بعضهم لم یفرّق بین مجرد الشوق و الشوق المتأکد.

قال (قدس سره) :((1)) إنّ المعارضات و الموانع عن الفعل إذا کثرت واشتدت فیتحقق الشوق الضعیف (مجرد الشوق) و إذا قلّت فیرتقی الشوق إلی المرتبة المتأکدة و إذا ارتفعت الموانع و المعارضات فیکون العزم تامّاً (بعد أن کان ناقصاً فی مرحلة الشوق الأکید) فیتحرک العضلات نحو الفعل ثم یوجد الفعل الاختیاری.

و «مجرد الابتهاج» عنوان أعم یشمل المحبة الإلهیة کما أنّه یشمل الشوق (و الظاهر عمومه لمجرد الشوق و الشوق الأکید).

و «الابتهاج التام» أیضاً عنوان أعم یشمل المحبة الإلهیة البالغة إلی حد التصدی و إعمال القدرة نحو الشیء کما أنّه یشمل العزم التام (فإنّ التعبیر بالشوق یوجب اختصاص الکلام بما هو ذو نفس إنسانیة أو حیوانیة أو غیر ذلک و لکن التعبیر بالابتهاج أعم من ذلک).

«و الحقّ فی معنی الإرادة هو مطلق الابتهاج الشامل للابتهاج الناقص (و قد یعبّر عنه بمجرد الابتهاج و هو المحبة و الشوق) و الابتهاج التام و هو العزم التام».

و لکن قد یتداول استعماله فی خصوص « الابتهاج التام » کما أنّه المبحوث عنه فی عصر الأئمة (علیهم السلام) و الاستعمال فی هذه الحصة استعمال فی الفرد الغالب و المطلق ینصرف إلی الفرد الأغلب و لایخفی أنّ الابتهاج إذا لم یصل إلی حد العزم التام و إعمال القدرة یتصور فی الأسماء و الصفات الذاتیة و الفعلیة بخلاف

ص: 111


1- اللمعات الإلهیة، ص386.

الابتهاج التام فإنّه مختص بالأسماء و الصفات الفعلیة.

بیان المحقق الخراسانی

((1)) و النائینی (قدس سرهما) :((2))

هما اتفقا علی أنّ الإرادة هی الشوق الأکید و افترقا فی أنّ صاحب الکفایة (قدس سره) یقول باتحاد الطلب و الإرادة و المحقق النائینی (قدس سره) یقول بأنّ الطلب یتحقّق بعد الشوق الأکید و هو التصدی نحو الشیء.

بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) :

((3))

«من البین أنّ مفهوم الإرادة کما هو مختار الأکابر من المحققین هو الابتهاج و الرضا و ما یقاربهما مفهوماً و یعبّر عنه بالشوق الأکید فینا و السر فی التعبیر عنها بالشوق [الأکید] فینا و بصرف الابتهاج و الرضا فیه تعالی أنّا لمکان إمکاننا ناقصون غیر تامّین فی الفاعلیة و فاعلیتنا لکل شیء بالقوة فلذا نحتاج فی الخروج من القوّة إلی الفعل إلی أُمور زائدة علی ذواتنا من تصور الفعل و التصدیق بفائدته و الشوق الأکید الممیلة جمیعاً للقوّة الفاعلة المحرکة للعضلات، بخلاف

ص: 112


1- کفایة الأصول، ص65، المقصد الأول، الفصل الأول، الجهة الرابعة «... فلا محیص عن اتحاد الإرادة و الطلب و أن یکون ذلک الشوق المؤکد المستتبع لتحریک العضلات فی إرادة فعله بالمباشرة أو المستتبع لأمر عبیده به فی ما لو أراده لا کذلک مسمی بالطلب و الإرادة کما یعبر به تارةً و بها أُخری کما لایخفی»
2- أجود التقریرات، ج1، ص135، المقصد الأول، الفصل الثانی، المقام الأول، اتحاد الطلب و الإرادة «... و الثانی فی أنّ الموجود فی النفس المترتب علیه حرکة العضلات هل هو أُمور ثلاثة: التصور و التصدیق بالفائدة و الشوق المؤکد المعبر عنه غالباً بالإرادة کما هو المعروف...» و فی ص 136 «و أما الموضع الثانی فالحق فیه أیضاً أنّ هناک مرتبةً أُخری بعد الإرادة تسمی بالطلب و هو نفس الاختیار و تأثیر النفس فی حرکة العضلات وفاقاً لجماعة من محققی المتأخرین و منهم المحقق صاحب الحاشیة»
3- نهایة الدرایة، ج1، ص279، التعلیقة 151 علی هذه العبارة: «و أما الدفع فهو أنّ استحالة التخلف إنّما تکون فی الإرادة التکوینیة».

الواجب تعالی فإنّه لتقدّسه عن شوائب الإمکان و جهات القوة و النقصان فاعل و جاعل بنفس ذاته العلیمة المریدة.»

و ما أفاده من معنی الإرادة صحیح مطابق للعرف، إلّا أنّ ما أفاده یفترق عن بیان المدرس الزنوزی (قدس سره) ، لأنّ الإرادة -التی هی عین المراد علی بیان المدرس الزنوزی (قدس سره) - هی المرتبة الخامسة التی هی الابتهاج التام و العزم التام، و أمّا علی بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) فهی المرتبة الرابعة (الشوق الأکید).

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) :
اشارة

إن المحقق الخوئی (قدس سره) تبع((1)) المحقق النائینی (قدس سره) فی ابتداء الأمر و لکن عدل عنه بعد ذلک فقال: ((2))

«الإرادة لاتخلو من أن تکون بمعنی إعمال القدرة أو بمعنی الشوق الأکید و لا ثالث لهما و حیث إنّ الإرادة بالمعنی الثانی لاتعقل لذاته تعالی تتعین الإرادة بالمعنی الأول له سبحانه و هو المشیة و إعمال القدرة».

و لایخفی أنّ إعمال القدرة عنده هو التصدی نحو الشیء و هذا المحقق فسّر الطلب بهذا المعنی((3)) کما أنّ أُستاذه المحقق النائینی (قدس سره) قال بأنّ الطلب هو

ص: 113


1- محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص16؛ ج 1، ص353، بحث الأوامر، المقام الأول، الجهة الرابعة «إنّ الإرادة بواقعها الموضوعی من الصفات النفسانیة و من مقولة الکیف القائم بالأنفس و أما الطلب فقد سبق أنّه من الأفعال الاختیاریة الصادرة عن الإنسان بالإرادة و الاختیار حیث إنّه عبارة عن التصدی نحو تحصیل شیء فی الخارج الخ».
2- محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص36؛ ج1، ص377، بحث و نقد حول عدة نقاط، الثانیة نظریة الفلاسفة.
3- صرّح به فی محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص16.

الاختیار و هو التصدی لتحصیل الشیء و علی هذا لابدّ للمحقق الخوئی (قدس سره) أن یلتزم باتحاد الطلب و الإرادة بالنسبة إلی ذاته تبارک و تعالی.

نعم إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) یعتقد بأنّ الإرادة فینا بمعنی الشوق الأکید حیث إنّه قال بعد ذلک:((1)) «إنّ إرادتنا هی الشوق المؤکد الداعی إلی إعمال القدرة و السلطنة نحو إیجاد المراد».

فتحصّل إلی الآن:

أنّ الإرادة عند بعضهم «الشوق الأکید» کالمحقق الخراسانی و المحقق النائینی (قدس سرهما) و عند بعض آخر «إعمال القدرة» و عند المحقق الخوئی (قدس سره) هی فی المخلوق الشوق الأکید الداعی إلی إعمال القدرة و فی ذاته تعالی نفس إعمال القدرة، و عند الحکماء «مجرد الابتهاج» و عند بعضهم((2))«مطلق الابتهاج» الشامل لمجرد الابتهاج و الابتهاج التام و عند بعضهم «العلم بالمصلحة و الاعتقاد بالمنفعة».

و المختار أنّها موضوعة لمعنی عام یشمل الشوق الأکید ببعض مراتبه و الابتهاج ببعض مراتبه الأُخر و لکن الغالب استعماله فی الابتهاج التامّ بحیث یحمل علیه لأنّ المطلق ینصرف إلی الفرد الأغلب نعم ذلک لایوجب الوضع للفرد الأغلب.

و الإرادة التی وردت فی الروایات أنّها من الأسماء الفعلیة لا الذاتیة هی من هذا القبیل.

ص: 114


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص38؛ ج 1، ص379.
2- اللمعات الإلهیة، ص390.
الجهة الثانیة: الإرادة الذاتیة و الفعلیة لله تعالی
أما الإرادة الذاتیة لله تعالی
اشارة

فالکلام فیها تارة من جهة أصل وجودها و أخری من جهة معناها.

أما أصل وجودها ففیه قولان:

القول الأول: ثبوتها

و هو مختار مشهور الحکماء و المحقق الخراسانی و المحقق الإصفهانی (قدس سرهما) .

القول الثانی: عدم ثبوتها
اشارة

و هو مختار مشهور المحدثین و العلامة الطباطبائی (قدس سره) ..((1))

ص: 115


1- نبین آراء العلامة (قدس سره) فی طی مراحل: الأولی: هل الإرادة هی الشوق المؤکد؟ قال فی نهایة الحکمة، ص360، المرحلة 12، الفصل 13، فی قدرته تعالی: «ثمّ إذا تمّ العلم بکون الفعل خیراً أعقب ذلک شوقاً من الفاعل إلی الفعل فالخیر محبوب مطلقاً مشتاق إلیه إذا فقد و هذا الشوق کیفیة النفسانیة غیر العلم السابق قطعاً و أعقب ذلک الإرادة و هی کیفیة نفسانیة غیر العلم السابق و غیر الشوق قطعاً» و قال أیضاً فی ص155، المرحلة6، الفصل15، فی الکیفیات النفسانیة: «و الکیفیات النفسانیة کثیرة... فمنها الإرادة قال فی الأسفار... و بمثل البیان یظهر أنّ الإرادة غیر الشوق المؤکد الذی عرّفها به بعضهم» الثانیة: هل توجد الإرادة بمعناها الذی فینا فی الباری تعالی؟ قال فی نهایة الحکمة، ص361: «و قد تحقق أنّ کل کمال وجودی فی الوجود فإنّه موجود للواجب تعالی فی حد ذاته فهو تعالی عین القدرة الواجبیة لکن لا سبیل لتطرق الشوق علیه لکونه کیفیة نفسانیة تلازم الفقد و الفقد یلازم النقص و هو تعالی منزّه عن کل نقص و عدم. و کذلک الإرادة التی هی کیفیة نفسانیة غیر العلم و الشوق فإنّها ماهیة ممکنة و الواجب تعالی منزه عن الماهیة و الإمکان علی أنّ الإرادة بهذا المعنی هی مع المراد إذا کان من الأُمور الکائنة الفاسدة لاتوجد قبله و لاتبقی بعده فاتصاف الواجب تعالی بها مستلزم لتغیر الموصوف و هو محال». الثالثة: ما تفسیر «الإرادة» عنده؟ قال فی تعالیق الأسفار، ج6، ص316: «تمامیة الفعل من حیث السبب إذا نسبت إلی الفعل سمیت إرادة له فهو مراد له تعالی و إذا نسبت إلیه تعالی کانت إرادة منه فهو مرید کما إنّ کل ما یستکمل به الشیء فی بقائه فهو رزق و الشیء مرزوق و الله تعالی رازق» نقل عنه هذا الکلام تلمیذه فی محاضرات فی الإلهیات، ص172 ثمّ ذکر ملاحظتین علیه. و قال فی المیزان، ج14، ص363، فی تفسیر (إِنَّ اللهَ یفْعَلُ مَا یشَاءُ)( الحج:18)، فی البحث الروائی: «و فی التوحید بإسناده إلی سلیمان بن جعفر الجعفری قال: قال الرضا (علیه السلام) :... ” فمن زعم أنّ الله لم یزل مریداً شائیاً فلیس بموحد“. أقول: فی قوله (علیه السلام) : ” لم یزل مریداً شائیاً“ تلویح إلی اتحاد الإرادة و المشیة و هو کذلک فإنّ المشیة معنی یوصف به الإنسان إذا اعتبر کونه فاعلاً شاعراً بفعله المضاف إلیه و إذا تمّت فاعلیته بحیث لاینفک عنه الفعل سمّی هذا المعنی بعینه إرادة» و فی حاشیة الکفایة، ص85، عند التعلیقة علی قوله: «إشکال و دفع» فی بحث الطلب و الإرادة: «أقول: و الذی ینبغی أن یقال فی هذا المورد أنّ ما یقع وصفاً له تعالی من المعانی المحمولة علی الممکن و غیره إنّما یوصف تعالی به بالمعنی الذی یحمل به علی الموضوعات الممکنة التی عندنا لما مر من البرهان علی ذلک فی تنبیهات بحث المشتق فمعنی الوصف فیه و فی غیره تعالی واحد کالوجود و العلم و القدرة و من الواضح أنّ هذا القبیل من المعانی یستحیل کونها ذات مهیة و إلا لاستلزم فیه المهیة و هو محال فهذا النوع من المعانی صفات وجودیة غیر ذات مهیة... لکنّک قد عرفت فی ما مر أنّ الإرادة غیر داخلة تحت مقولة من المقولات بل هی کالعلم و القدرة و غیرهما صفة وجودیة غیر زائدة الوجود علی وجود موضوعها البتة و أنّها حیثیة اقتضاء ذاتنا لفعلها من حیث هی عالمة به و هذا الحد بتجریده عن الخصوصیات ممکن الوقوع علی إرادة الواجب تعالی» الرابعة: هل یکون إرادة الله سبحانه بمعنی علمه بالأصلح؟ فی المیزان، ج14، ص363: «و أمّا قول القائل: إنّ معنی الإرادة هو العلم بالأصلح و العلم من صفات الذات فلم یزل مریداً أی عالماً بما فعله أصلح فهو إرجاع للإرادة إلی العلم و لا محذور فیه غیر أنّ عدّ الإرادة علی هذا صفة أُخری وراء الحیاة و العلم و القدرة لا وجه له» و فی بدایة الحکمة، ص212: «قالوا: إرادته تعالی علمه بالنظام الأصلح... أقول: فیه إرجاع تحلیلی لمعنیی الإرادة و الکلام إلی وجه من وجوه العلم و القدرة فلا ضرورة تدعو إلی إفرادهما عن العلم و القدرة» الخامسة: هل إرادته سبحانه من صفات الفعل أو الذات؟ فی الرسائل التوحیدیة، ص111، الرسالة الثالثة فی أفعال الله سبحانه، الفصل العاشر: «و أمّا الإرادة فکثیر الورود فی القرآن و ظاهر الآیة کونه من صفات الفعل قال: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِکَ)(الإسراء:16) و قال: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَیئًا) (یس:82) و أمثال ذلک من الآیات. و روی الصدوق فی التوحید و العیون مسنداً عن صفوان قال: قلت لأبی الحسن (علیه السلام) : أخبرنی عن الإرادة.. أقول: و الأخبار فی کون الإرادة من صفات الفعل مستفیضة أو متواترة» و فی شیعه در اسلام، الفصل الثالث، 1.معرفة الله تعالی، صفات الفعل: «شیعه دو صفت اراده و کلام را به معنایی که از لفظ آن ها فهمیده می شود صفت فعل می دانند» و فی المیزان، ج17، ص119، فی تفسیر (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَیئًا أَنْ یقُولَ لَهُ کُنْ فَیکُونُ) (یس:82) فی البحث الروائی: «أقول: و الروایات عنهم (علیهم السلام) فی کون إرادته من صفات الفعل مستفیضة» و فی المیزان، ج14، ص363: «و علی أی حال هو وصف خارج عن الذات طارٍ علیه و لذلک لایتصف تعالی بها کاتصافه بصفاته الذاتیة کالعلم و القدرة لتنزهه عن تغیر الذات بعروض العوارض بل هی من صفات الفعل» و فی بدایة الحکمة، ص212، المرحلة12، الفصل8، فی إرادته تعالی و کلامه: «و ما نسب إلیه تعالی فی الکتاب و السنّة من الإرادة و الکلام أُرید به صفة الفعل بالمعنی الذی سیأتی إن شاء الله» و لکن فی حاشیة الکفایة، ص85 بعد أن ذکر «أنّها حیثیة اقتضاء ذاتنا لفعلها من حیث هی عالمة به» الخ قال: «فالإرادة الذاتیة فیه تعالی هی نسبة اقتضاء الذات العالمة بذاتها لذاتها و الإرادة الفعلیة نسبة اقتضاء الذات العلمیة لفعلها الخارج عن ذاتها» السادسة: من أی شیء ینتزع الإرادة الفعلیة فی الباری تعالی؟ فی الرسائل التوحیدیة، ص110، الرسالة الثالثة، الفصل التاسع: «و أمّا سائر الأفعال التی نسبها الحق سبحانه إلی نفسه من المشیة و الإرادة... فهذه أفعال منتزعة من أنحاء وجودات الموجودات التی هی أفعاله و إفاضاته سبحانه فالموجود الصادر منه سبحانه حیث إنّه غیر صادر بالاضطرار و الجهل و الغفلة تعالی عن ذلک ینتزع منه أنّ هناک مشیة و إرادة له سبحانه و هو مشیء وجوده و مراد خلقه» و فی المیزان، ج14، ص363: «بل هی من صفات فعله منتزعة من نفس الفعل أو من حضور الأسباب علیه فقولنا: أراد الله کذا معناه أنّه فعله عالماً بأنّه أصلح أو أنّه هیأ أسبابه عالماً بأنّه أصلح» و فی نهایة الحکمة، ص364: «و الإرادة المنسوبة إلیه تعالی منتزعة من مقام الفعل إمّا من نفس الفعل الذی یوجد فی الخارج فهو إرادة ثمّ إیجاب ثمّ وجوب ثمّ إیجاد ثمّ وجود و إمّا من حضور العلة التامّة للفعل کما یقال عند مشاهدة جمع الفاعل أسباب الفعل لیفعل: إنّه یرید کذا مثلاً».

ص: 116

ص: 117

أما تفسیرها ففیه أقوال نذکر القولین المهمّین:

القول الأول: العلم بالنظام الأحسن

اختاره المحقق الخراسانی (قدس سره) .

بیانه (قدس سره) فی وجه تعبیر الحکماء عن إرادته تعالی بالعلم: إنّ مفهوم الإرادة غیر مفهوم العلم((1)) کما یظهر ذلک لمن تصفح فی کلماتهم و کتبهم الحکمیة فما الوجه فی إرجاع الإرادة إلی العلم؟

الوجه فی ذلک أنّ الفعل الاختیاری هو الفعل الصادر عن شعور و رضا من الفاعل فیعتبر فیه العلم و الرضا.

و لذا لیس الفعل الذی صدر عن العلم بلا رضاً، فعلاً اختیاریاً مثل السقوط عن الارتفاع بمجرد تصور أنّه علی حائط دقیق العرض.

و هکذا الفعل الذی صدر عن موافقة الفاعل بلا شعور و علم لیس فعلاً اختیاریاً مثل الآثار و المعالیل الموافقة لطبیعة مؤثراتها و عللها.

«فهذا هو السبب فی تعبیر الحکماء عن إرادته [تعالی] بالعلم بنظام الخیر فإنّهم بصدد [بیان] ما به یکون الفعل اختیاریاً و هو لیس مجرّد الملائمة و الرضا المستفادین من نظام الخیر بل بإضافة العلم».((2))

ص: 118


1- بحار الأنوار، ج4، ص144، ح 15، عن التوحید للصدوق (قدس سره) عن بکر [ کذا؛ و الصواب کما فی التوحید: بکیر ] بن أعین قال قلت لأبی عبد الله (علیه السلام) : علم الله و مشیته هما مختلفان أم متفقان؟ فقال: «العلم لیس هو المشیة» الحدیث
2- رسالة الطلب و الإرادة، ص9؛ و فی نهایة الدرایة، ج1، ص279 «و الوجه فی تعبیر الحکماء عن الإرادة الذاتیة بالعلم بنظام الخیر و بالصلاح أنّهم بصدد ما به یکون الفعل اختیاریاً و هو لیس العلم بلا رضاً الخ».
القول الثانی: ابتهاجه و رضاه تعالی بذاته

اختاره المحقق الإصفهانی (قدس سره) .

قال (قدس سره) :((1)) «و أما الإرادة فمعناها العام هی المحبة و الرضا و الابتهاج و حیث إنّ الواجب تعالی صرف الوجود فهو صرف الخیر إذ الوجود کله خیر بالذات ... فإذا کان الواجب صرف الخیر و الخیر هو الملائم و الموجب للابتهاج و یکون لذیذاً و محبوباً فهو تعالی مبتهج بذاته أتّم ابتهاج [و الابتهاج هو الارادة.]

و حیث إنّ کل ما کان مبدأ لانتزاع وصف اشتقاقی بذاته فهو منشأ لانتزاع مبدأ الوصف فهو مبتهِج و مبتهَج و ابتهاج، و راضٍ و مرضی به و رضا، کما أنّه عالم و معلوم و علم و هکذا و فی هذه المرتبة لا مراد إلا ذاته.

و حیث إنّ ذاته تعالی صرف الوجود فهو کلّ الوجود، فکل وجودٍ مرادٌ فی مرتبة ذاته بمرادیة ذاته لا بمرادیة أُخری».

ص: 119


1- رسالة الطلب و الإرادة، ص7؛ و فی نهایة الدرایة، ج1، ص279 «و حیث إنّه صرف الوجود و صرف الوجود صرف الخیر فهو مبتهج بذاته أتم ابتهاج و ذاته مرضیة لذاته أتم الرضا و ینبعث من هذا الابتهاج الذاتی و هی الإرادة الذاتیة ابتهاج فی مرحلة الفعل فإنّ من أحب شیئاً أحب آثاره الخ».
أما الإرادة الفعلیة لله تعالی
اشارة

فیها تفسیرات ثلاثة:

لاخلاف فی تحقق الإرادة الفعلیة لله تبارک و تعالی فإنّ المحدّثین و الحکماء و المتکلّمین کلهم متفقون علی وجودها و لکن الکلام فی تفسیرها.

التفسیر الأول: ابتهاجه و رضاه تعالی بفعله
اشارة

اختاره المحقق الإصفهانی (قدس سره) .

و أمّا ما ورد من حدوث المشیة((1)) فالمراد هی المشیة الفعلیة و بعبارة أخری هی المشیة التی یکون المراد فیها غیره تعالی و أما الإرادة التی لیس المراد بالحقیقة

ص: 120


1- فی المحاسن، ج1، ص245، کتاب مصابیح الظلم، الباب 26 «عنه عن أبیه عن محمد بن أبی عمیر عن عمر بن أُذینة عن محمد بن مسلم عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «المشیة محدثة»؛ الکافی، ج1، ص110، کتاب التوحید، باب الإرادة أنّها من صفات الفعل و سائر صفات الفعل، ح 7: عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبیه الخ؛ التوحید، ص147، الباب11، ح18 و ص336، الباب 55، ح1: أبی (رحمة الله) قال حدثنا سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبیه الخ. بحار الأنوار، ج5، ص122، الباب 3 من أبواب العدل، ح 67 عن المحاسن؛ و ج 54، ص171، الباب 1 من أبواب کلیات أحوال العالم و ما یتعلق بالسماویات، ح 119 عن الکافی و فی التوحید، ص441، الباب 66 ( باب ذکر مجلس الرضا (علیه السلام) مع سلیمان المروزی متکلم خراسان عند المأمون فی التوحید ): «... قال سلیمان: فإنّه لم یزل مریداً قال [ (علیه السلام) ]: فإرادته غیره؟ قال: نعم قال: فقد أثبتَّ معه شیئاً غیره لم یزل قال سلیمان: ما أثبتُّ قال الرضا (علیه السلام) : أهی محدثة؟ قال سلیمان: لا ما هی محدثة فصاح به المأمون و قال: یا سلیمان مثله یعایا أو یکابر علیک بالإنصاف أما تری من حولک من أهل النظر ثم قال: کلمه یا أبا الحسن فإنّه متکلم خراسان فأعاد علیه المسألة فقال: هی محدثة یا سلیمان فإنّ الشیء إذا لم یکن أزلیاً کان محدثاً و إذا لم یکن محدثاً کان أزلیاً» الحدیث و رواه أیضاً فی عیون أخبار الرضا (علیه السلام) ، ج1، ص159، الباب 13.

هناک إلا نفس ذاته - جلّت ذاته - فلا دخل لها بمورد الأخبار [لأنّ المعنی المتفاهم عند الرواة من لفظ الإرادة بعنوان صفته تعالی هذه الإرادة الفعلیة التی لاتنفک عن المراد و لذا أجاب الإمام (علیه السلام) بما هو المتداول من معنی الإرادة و هی المرتبة الفعلیة منها]».

ملاحظتنا علی هذا البیان:

إنّ الإرادة الفعلیة لیست مطلق الابتهاج الفعلی و المحبّة الفعلیة بل الابتهاجُ البالغ إلی التصدی نحو الشیء الذی هو المراد غالباً و الإرادة مستعملة فی الروایات بهذا المعنی و لذا خصّوها بالمرتبة الفعلیة و أنکروا کونها بهذا المعنی صفةً ذاتیةً له تعالی لترتب مفاسد کثیرة علی ذاتیة صفة الإرادة بهذا المعنی (لأنّه یلزم تخلف إرادته الذاتیة عن تحقق المراد أو یلزم وجود المراد قدیماً بقدم الذات).

و من ذلک یظهر أنّ ما ذهب إلیه المحدثون من نفی الإرادة الذاتیة عن الله تبارک و تعالی وفقاً للروایات الواردة فی هذا الباب یرجع إلی هذا المعنی و کلامهم فی غایة المتانة إلّا أنّ تحقق الإرادة الذاتیة بمعنی آخر أو بمرتبة أخری من حقیقة الإرادة لاینافی نفی الإرادة الذاتیة بهذا المعنی.

التفسیر الثانی: إعمال القدرة و التصدی نحو الشیء
اشارة

اختاره المحقق الخوئی (قدس سره) و تقدم کلامه فراجع.

یلاحظ علیه:

إنّ نفس إعمال القدرة لیست إرادة فعلیة بل هی الابتهاج الباعث علی التصدی نحو الشیء.

ص: 121

التفسیر الثالث: الابتهاج البالغ إلی التصدی نحو الشیء( الابتهاج التامّ)

قد اتضح مما ذکرنا عند الملاحظة علی نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) أنّ الإرادة الفعلیة هی الابتهاج البالغ إلی التصدی نحو الشیء.

ص: 122

المطلب الثانی: فی الإرادة التشریعیة
اشارة

و لها تفسیران:

التفسیر الأول: الإرادة المتعلقة بفعل الغیر
اشارة

و هذا هو التفسیر الذی ذکره المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((1)) و بیانه هو أنّ الإرادة قد تتعلق بفعل المرید بنفسه و قد تتعلق بفعل غیره فالإرادة التشریعیة هی ما یتعلق بفعل الغیر أما البعث و التحریک إلی فعل الغیر فلیسا من الإرادة التشریعیة فإنّهما من أفعال المولی و المشرِّع فنفس أمر المولی و الشارع متعلق إرادته التکوینیة و إیجاد الغیر الفعلَ المأمور به متعلق إرادته التشریعیة.

بیانُ المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی لغویة الإرادة التشریعیة بهذا التفسیر:

((2))

إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) قائل بعدم وجود الفائدة فی تحقق الإرادة التشریعیة فی نفس الشارع و أساس نظریته (قدس سره) یبتنی علی تفسیره للإرادة التشریعیة.

قال (قدس سره) : « [إنّ] من جملة النظام التام الذی لا أتمّ منه نظام إنزال الکتب و إرسال الرسل و التحریک إلی ما فیه صلاح العباد و الزجر عما فیه الفساد فالمراد بالإرادة الذاتیة بالعرض لا بالذات هذه الأُمور دون متعلقاتها ای إنّ الإرادة

ص: 123


1- رسالة الطلب و الإرادة، ص12 و 13، الأمر الأول فی تحقیق حقیقة ما یعبر عنه بالإرادة «تتمة: الإرادة تنقسم إلی تکوینیة و إلی تشریعیة و المقابلة باعتبار تعلق الأُولی بفعل المرید بنفسه و تعلق الثانیة بفعل الغیر أعنی المراد منه و توضیح المقام أنّ فعل الغیر إذا کان له فائدة عائدة إلی الشخص الخ».
2- نهایة الدرایة، ج1، ص282، التعلیقة 151 علی هذه العبارة: «و أما الدفع فهو أنّ استحالة التخلف إنّما تکون فی الإرادة التکوینیة».

الذاتیة تتعلق بنفس ذاته تعالی بالذات و تتعلق بآثاره بالعرض نعم انّ الإرادة الذاتیه بالعرض تتعلق بالبعث و التحریک لا بالفعل المبعوث إلیه بل ربّما لایقع هذا المتعلّق، کما فی الکفار و العصاة، فلا أثر للإرادة التشریعیة فی صفاته الذاتیة - جلّت ذاته و علت صفاته - ... و مما ذکرنا فی المقدمة آنفاً فی الفرق بین الإرادة التکوینیة و التشریعیة تعرف أنّه لامجال لانقداح الإرادة التشریعیة فی النفس النبویة و لا فی النفس الولویة - خصّهما الله بألف تحیة - و ذلک لبداهة عدم فائدة عائدة من الفعل إلیهما بل إلی فاعله و عود فائدة من قبل إیصال النفع [إلی العباد] إلی النبی (صلی الله علیه و آله) أو الولی (علیه السلام) لایوجب کون الإرادة المتعلقة بالبعث و الزجر تشریعیة لأنّهما من أفعالهما الاختیاریة المتوقفة علی الإرادة فهی تکوینیة لا تشریعیة.

فتحصّل من هذا البیان القویم البنیان أنّ حقیقة التکلیف الجدّی البعث إلی الفعل بداعی انبعاث المکلف أو الزجر عنه بداعی الانزجار و هذا المعنی لایتوقف علی إرادة نفس الفعل مطلقاً بل فی ما إذا رجع فائدته إلی المرید.»

التفسیر الثانی: الإرادة المتعلقة بالاعتبارات الشرعیة
اشارة

و الحق ثبوت الإرادة التشریعیة بهذا التفسیر.

إنّ الإرادة قد یتعلق بالحقائق التکوینیة و قد یتعلق بالاعتبارات التشریعیة فالإرادة التشریعیة هی ما یتعلق بالأُمور الاعتباریة الشرعیة.

و الفرق بین التفسیر الأول و الثانی هو أنّ متعلق الإرادة التشریعیة علی التفسیر الأول هو الفعل الصادر عن الغیر و علی التفسیر الثانی هو الاعتبار الشرعی المتعلق بفعل الغیر فلایرد علیها ما أورده المحقق الإصفهانی (قدس سره) .

ثم إنّ الإرادة التشریعیة علی التفسیر الثانی أیضاً بمعنی الابتهاج فإنّ حب

ص: 124

الذات لذاته هو بعینه حبه لمظاهر صفاته - جلّ جلاله و عظمت صفاته - و نظام التشریع مثل نظام التکوین من مظاهر صفات الله تعالی، فلایضرّنا عدم عود النفع و الفائدة إلی الشارع فإنهما تعودان إلی الفاعل لانّ الوجه فی تعلّق إرادته تعالی بالإعتبارات الشرعیة هو الإبتهاج و حبّه لمظاهر صفاته.

و یشهد لصحّة التفسیر الثانی ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره)

((1))

قال (قدس سره) : «لا بأس بإطلاقها [أی الإرادة التشریعیة] علی البعث و الزجر کما فی الخبر الشریف المروی فی توحید الصدوق (قدس سره) ((2)) بسنده عن [مولانا] أَبِی الْحَسَنِ

ص: 125


1- نهایة الدرایة، ج1، ص282
2- التوحید، ص64، الباب 2 (باب التوحید و نفی التشبیه)، ح18 «حدثنا علی بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق (رحمة الله) قال حدثنا محمد بن أبی عبد الله الکوفی قال حدثنا محمد بن إسماعیل البرمکی قال حدثنا الحسین بن الحسن بن بردة قال حدثنی العباس بن عمرو الفقیمی عن أبی القاسم إبراهیم بن محمد العلوی عن الفتح بن یزید الجرجانی عن أبی الحسن (علیه السلام) قال:... قلت: إنّ عیسی خلق من الطین طیراً دلیلاً علی نبوته و السامری خلق عجلاً جسداً لنقض نبوة موسی (علیه السلام) و شاء الله أن یکون ذلک کذلک إنّ هذا لهو العجب فقال: ویحک یا فتح إنّ لله... أوما رأیت أنّه نهی آدم و زوجته عن أن یأکلا من الشجرة و هو شاء ذلک و لو لم یشأ لم یأکلا و لو أکلا لغلبت مشیتهما مشیة الله و أمر إبراهیم بذبح ابنه إسماعیل و شاء أن لایذبحه و لو لم یشأ أن لایذبحه لغلبت مشیة إبراهیم مشیة الله» الحدیث. و فی الکافی، ج1، ص151، کتاب التوحید، باب المشیة و الإرادة، ح 4 «علی بن إبراهیم عن المختار بن محمد الهمدانی و محمد بن الحسن عن عبد الله بن الحسن العلوی جمیعاً عن الفتح بن یزید الجرجانی عن أبی الحسن (علیه السلام) قال: إنّ لله... و یأمر و هو لایشاء» إلی آخر ما نقلناه عن التوحید باختلاف یسیر. بحار الأنوار، ج4، ص139، الباب 4 من أبواب الصفات، ح 5 عن التوحید؛ و ص 292، الباب 4 من أبواب أسمائه تعالی و حقائقها و صفاتها و معانیها، ح 21 عن التوحید؛ و ج 5، ص101، الباب 3 من أبواب العدل، ح 26 عن التوحید و فی فقه الرضا (علیه السلام) ، ص410، الباب 119 (باب القضاء و المشیة و الإرادة) «سئل أمیر المؤمنین (علیه السلام) عن مشیة الله و إرادته فقال (علیه السلام) : إنّ لله مشیتین مشیة حتم و مشیة عزم و کذلک إنّ لله إرادتین [ إرادة حتم و؛ نقلنا هذه الزیادة من البحار] إرادة عزم و [کذا؛ و الظاهر زیادة الواو و لیس فی نقل البحار] إرادة حتم لاتخطئ و إرادة عزم تخطئ و تصیب و له مشیتان مشیة یشاء ومشیة لایشاء ینهی و هو ما [کذا؛ و لیس فی البحار کلمة ما] یشاء و یأمر و هو لایشاء» الحدیث؛ بحار الأنوار، ج5، ص124، الباب 3 من أبواب العدل، ح 73 عن فقه الرضا (علیه السلام)

[علی بن موسی الرضا (علیه السلام) ] قال (قدس سره) : ”إِنَّ للهِ

إِرَادَتَینِ وَ مَشِیتَینِ: إِرَادَةَ حَتْمٍ وَ إِرَادَةَ عَزْمٍ ینْهَی وَ هُوَ یشَاءُ وَ یأْمُرُ وَ هُوَ لَا یشَاءُ“ الخبر و هو ظاهر فی أنّ الإرادة التشریعیة حقیقتها الأمر و النهی و أنّ حقیقة الإرادة و المشیة هی الإرادة التکوینیة»

فعلی هذا مفاد الأمر الإرادة التشریعیة.

ص: 126

التنبیه الثانی: فی الأمر بین الأمرین
اشارة

قال صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)) فی الجواب عن الاستدلال الثانی للأشاعرة علی اختلاف الطلب و الإرادة بعدم تعلق إرادته تعالی تکویناً بالإیمان من الکفار و بالطاعات من العصاة و هذا یوهم الجبر.

فلابدّ من تحقیق المسألة علی أساس مذهب أهل البیت (علیهم السلام) لما ورد عنهم فی الأخبار الکثیرة الصحیحة «لَا جَبْرَ وَ لَا تَفْوِیضَ بَلْ أَمْرٌ بَینَ»((2)) وفاقاً للعقل

ص: 127


1- کفایة الأُصول، ص67، المقصد الأول، الفصل الأول، الجهة الرابعة، إشکال و دفع «... و ما لا محیص عنه فی التکلیف إنّما هو هذه الإرادة التشریعیة لا التکوینیة فإذا توافقتا فلابدّ من الإطاعة و الإیمان و إذا تخالفتا فلا محیص عن أن یختار الکفر و العصیان»
2- فی الکافی، ج1، ص159، کتاب التوحید، باب الجبر و القدر و الأمر بین الأمرین، ح 10 «علی بن إبراهیم عن محمد بن عیسی عن یونس بن عبدالرحمن عن صالح بن سهل عن بعض أصحابه عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: سئل عن الجبر و القدر فقال: لا جبر و لا قدر و لکن منزلة بینهما فیها الحق التی بینهما لایعلمها إلا العالم أو من علمها إیاه العالم». و فی الکافی، ص160، ح 13 «محمد بن أبی عبد الله عن حسین بن محمد عن محمد بن یحیی عمن حدثه عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: لا جبر و لا تفویض و لکن أمر بین أمرین قال قلت: و ما أمر بین أمرین؟ قال: مثل ذلک رجل رأیته علی معصیة فنهیته فلم ینته فترکته ففعل تلک المعصیة فلیس حیث لم یقبل منک فترکته کنت أنت الذی أمرته بالمعصیة»؛ و فی التوحید، ص362، الباب 59 (باب نفی الجبر و التفویض)، ح8 «حدثنا علی بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق (رحمة الله) قال حثنا محمد بن أبی عبد الله الکوفی عن خنیس بن محمد عن محمد بن یحیی الخزاز عن المفضل بن عمر عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال» مثل ما فی الکافی و لکن فیه بدل «کنت أنت»: «أنت». و فی عیون أخبار الرضا (علیه السلام) ، ج1، ص144، الباب 11، ح 17 «حدثنا تمیم بن عبد الله بن [تمیم] القرشی2 قال حدثنا أبی عن أحمد بن علی الأنصاری عن زید [کذا و فی بعض النسخ: یزید] بن عمیر بن معاویة الشامی قال: دخلت علی علی بن موسی بمرو فقلت له: یابن رسول الله روی لنا عن الصادق جعفر بن محمد (علیه السلام) قال: إنّه لا جبر و لا تفویض بل أمر بین أمرین فما معناه؟ قال: من زعم أنّ الله یفعل أفعالنا ثم یعذبنا علیها فقد قال بالجبر و من زعم أنّ الله فوض أمر الخلق و الرزق إلی حججه (علیهم السلام) فقد قال بالتفویض و القائل بالجبر کافر و القائل بالتفویض مشرک فقلت له: یابن رسول الله فما أمر بین أمرین؟ فقال: وجود السبیل إلی إتیان ما أُمروا به و ترک ما نهوا عنه...» و رواه فی الاحتجاج، ج2، ص198. و فی الاحتجاج، ج2، ص253، احتجاج أبی الحسن علی بن محمد العسکری (علیه السلام) فی شیء من التوحید و غیر ذلک من العلوم الدینیة «و مما أجاب به أبو الحسن علی بن محمد العسکری (علیه السلام) فی رسالته إلی أهل الأهواز حین سألوه عن الجبر و التفویض... (فقال) الجبر و التفویض یقول الصادق جعفر بن محمد (علیهما السلام) عندما سئل عن ذلک فقال: لا جبر و لا تفویض بل أمر بین الأمرین قیل: فماذا یابن رسول الله؟ فقال: صحة العقل و تخلیة السرب و المهلة فی الوقت و الزاد قبل الراحلة و السبب المهیج للفاعل علی فعله فهذه خمسة أشیاء فإذا نقص العبد منها خلة کان العمل عنه مطرحاً بحسبه و أنا أضرب لکل باب من هذه الأبواب الثلاثة و هی الجبر و التفویض و المنزلة بین المنزلتین مثلاً یقرب المعنی للطالب الخ» و رواه فی تحف العقول، ص460 باختلاف یسیر. و فی معانی الأخبار، ص212 «... فخُضنا فی المناظرة و حمران ساکت فقال له أبو عبد الله (علیه السلام) : ما لک لاتتکلم یا حمران؟ فقال: یا سیدی آلیت علی نفسی أنّی لاأتکلم فی مجلس تکون فیه فقال أبو عبد الله (علیه السلام) : إنّی قد أذنت لک فی الکلام فتکلم فقال حمران: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له لم یتخذ صاحبةً و لا ولداً خارج من الحدین حد التعطیل و حد التشبیه و أنّ الحق القول بین القولین لا جبر و لا تفویض... فقال [أبو عبد الله (علیه السلام) ]:... فمن خالفک علی هذا الأمر فهو زندیق» الحدیث. و فی مطالب السؤول لمحمد بن طلحة الشافعی، ص150 «و قد ذکر [أی علی (علیه السلام) ] فی کلامه و مواعظه و خطبه من هذه العلوم ما یشهد بکمال معرفته و متانة إحاطته بعلوم الدین و ها أنا الآن أذکر شیئاً من کلامه فی ذلک... فمنه ما نقله الإمام البیهقی بإسناده عن الشافعی عن یحیی بن سلیم عن الإمام جعفر بن محمد [عن أبیه (علیهما السلام)کما فی تاریخ مدینة دمشق، ج51، ص182] عن عبد الله بن جعفر2عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) أنّه قال:... فقام إلیه رجل ممن شهد معه وقعة الجمل فقال: یا أمیر المؤمنین أخبرنا عن القدر فقال: بحر عمیق فلا تلجه فقال: یا أمیر المؤمنین أخبرنا عن القدر فقال: بیت مظلم فلا تدخله فقال: یا أمیر المؤمنین أخبرنا عن القدر فقال: سر الله فلاتبحث عنه فقال: یا أمیر المؤمنین أخبرنا عن القدر فقال: لما أبیت فإنّه أمر بین أمرین لا جبر و لا تفویض» الخبر و رواه فی بحار الأنوار، ج5، ص56، الباب 1 من أبواب العدل، ح 103. فی عوالی اللآلی، ج4، ص109 «و روی عن الصادق (علیه السلام) مثل ذلک فقال (علیه السلام) : لا جبر و لا تفویض و لکن أمر بین الأمرین».

ص: 128

السلیم و خلافاً لما بنی علیه الجبریة و المفوّضة.

فإنّ الجبریة ینکر استناد الأفعال إلی العباد بل یسندها إلی الواجب تعالی و یقول: عادة الله جرت علی إیجاد ما یسمّی بالأسباب قبل إیجاد الأفعال و لذا یتوهم الناس سببیة هذه الأُمور للأفعال مع أنّ ذلک ینافی الالتزام بالتوحید الأفعالی فإنّه لا مؤثر فی الوجود إلا الله تبارک و تعالی.

و فی قبالهم ینکر المفوّضة استناد الأفعال إلیه تعالی خوفاً من مفسدة استناد القبائح إلیه تعالی و لذا التزموا بفاعلیة العباد استقلالاً.

ص: 129

تقریرات أربعة لنظریة الأمر بین الأمرین:
اشارة

لنظریة الأمر بین الأمرین تقریرات مختلفة نشیر إلی أربعة منها:

التقریر الأول: ما حکی عن الحکیم المحقق الطوسی (قدس سره)

(1)

قال المحقق الإصفهانی (قدس سره) مقرراً ما حُکی عن المحقق الطوسی (قدس سره) :

«تقریب هذه الکلمة المبارکة بوجهین، أحدهما أنّ العلّة الفاعلیة ذاتُ المباشر بإرادته و هی العلة القریبة و وجوده و قدرته و علمه و إرادته لها دخل فی فاعلیة الفاعل و معطی هذه الأُمور هو الواجب تعالی فهو الفاعل البعید فمن قصر النظر علی الأول حکم بالتفویض و من قصر النظر علی الثانی حکم بالجبر و الناقد البصیر ینبغی أن یکون ذا عینین فیری الأول [أی مباشرة الفاعل للفعل] فلایحکم بالجبر و یری الثانی [أی یری أنّ وجوده و قدرته و علمه و إرادته من قبل الله] فلایحکم بالتفویض».

ص: 130


1- . نهایة الدرایة، ج1، ص294، تنبیه و تنزیه، بعد التعلیقة 152 علی هذه العبارة «قلت: إنّما یخرج بذلک عن الاختیار لو لم یکن». و فی گوهر مراد، ص327، المقالة الثانیة، الباب الثالث، الفصل13، فی أفعال العباد: «بدان که در فعل اختیاری عباد سه مذهب است: اوّل جبر... مذهب دوم تفویض... و مذهب سوم مذهب محققین علماء امامیه و جمهور حکماست که گویند: فعل بنده مخلوق بنده است بی واسطه و مخلوق خداست به واسطه مانند سایر موجودات نظر به سایر اسباب و خواجه طوسی (قدس سره) در شرح رساله علم امر بین الامرین را در احادیث [ائمه] طاهرین (علیهم السلام) که ”لا جبر و لا تفویض بل أمر بین الأمرین“ به همین معنا تفسیر کرده». و فی الحکمة المتعالیة، ج8، ص331، الموقف الرابع، الفصل السادس: «قال العلامة الطوسی (رحمة الله) فی شرح رسالة العلم... ثمّ قال فی موضع آخر منه فی بیان الجبر و الاختیار: إنّه لا شک عند الأسباب یجب الفعل و عند فقدانها یمتنع فالذی ینظر إلی الأسباب الأوّل و یعلم أنّه لیست بقدرة الفاعل و لا بإرادته یحکم بالجبر و هو غیر صحیح مطلقاً لأنّ السبب القریب للفعل هو قدرته و إرادته و الذی ینظر إلی السبب القریب یحکم بالاختیار و هو أیضاً لیس بصحیح مطلقاًً لأنّ الفعل لم یحصل بأسباب کلّها مقدوره و مراده و الحق ما قاله بعضهم: ”لا جبر و لا تفویض و لکن أمر بین الأمرین “...».
التقریر الثانی: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره)
اشارة

((1))

و قد صحّحه المحقق الخوئی (قدس سره) فی حاشیة أجود التقریرات.

قال (قدس سره) : «و أما الموضع الثانی فالحق فیه أیضاً أنّ هناک مرتبةً أُخری بعد الإرادة تسمی بالطلب و هو نفس الاختیار و تأثیر النفس فی حرکة العضلات ... و البرهان علیه أنّ الصفات القائمة بالنفس من الإرادة و التصور و التصدیق کلها غیر اختیاریة فإن کانت حرکة العضلات مترتّبة علیها من غیر تأثیر النفس فیها و بلا اختیارها فیلزم أن لاتکون العضلات منقادةً للنفس فی حرکاتها و هو باطل وجداناً فإنّ النفس تامّة التأثیر فی العضلات من دون أن یکون لها مزاحم فی سلطانها و ملکها وللزم أن تصدق شبهة إمام المشککین فی عدم جواز العقاب بأنّ الفعل معلول للإرادة و الإرادة غیر اختیاریة و أن لایمکن الجواب عنها و لو تظاهر الثقلان کما ادعاه ... و الحاصل أنّ علیة الإرادة للفعل هادمة لأساس الاختیار و مؤسسة لمذهب الجبر بخلاف ما إذا أنکرنا علیة الصفات النفسانیة من الإرادة و غیرها للفعل و قلنا بأنّ النفس مؤثرة بنفسها فی حرکات العضلات من غیر محرک خارجی و تأثیرها المسمّی بالطلب إنّما هو من قبل ذاتها [أی ذات النفس] فلا یلزم محذور أصلاً و یثبت الأمر بین الأمرین کما هو المذهب الوسط و بهذه النظریة الدقیقة المثبتة للأمر بین الأمرین کما صرحت به روایات أهل

ص: 131


1- أجود التقریرات، ص137 و 138، المقصد الأول، الفصل الثانی، المقام الأول، اتحاد الطلب و الإرادة، الموضع الثانی.

البیت (علیهم السلام) یستدل علی الحق فیهم و معهم فإنّه مما أعیا إدراکه عقول الفلاسفة و ذوی الأفکار».

فالوجه فی اختیاره لهذا التقریر هو شبهة الفخر الرازی((1)) فی عدم جواز العقاب -من أنّ الفعل معلول للإرادة و الإرادة غیر اختیاریة- التی قال بعد بیانها: لایمکن الجواب عنها و لو تظاهر الثقلان.

ملاحظتنا علی هذا التقریر:

هنا دلیلان علی تعلق الإرادة التکوینة لله تعالی بأفعال العباد و سیجیء بیانهما

ص: 132


1- فی تفسیر الرازی، ج2، ص235 فی تفسیر قوله تعالی: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِکَةِ...)(البقرة: 34)، المسألة الخامسة: «قال القاضی: هذه الآیة تدلّ علی بطلان قول أهل الجبر من وجوهٍ أحدها... و ثانیها... و ثالثها... و رابعها... قال: و من اعتقد مذهباً یقیم العذر لإبلیس فهو خاسر الصفقة. و الجواب عنه أنّ هذا القاضی لایزال یطنب فی تکثیر هذه الوجوه و حاصلها یرجع إلی الأمر و النهی و الثواب و العقاب فنقول له نحن أیضاً: صدور ذلک الفعل عن إبلیس عن قصد و داع أو لا عن قصد و داع؟ فإن کان عن قصد و داع فمن أین ذلک القصد؟ أوقع لا عن فاعل أو عن فاعل هو العبد أو عن فاعل هو الله؟ فإن وقع لا عن فاعل کیف یثبت الصانع؟ و إن وقع عن العبد فوقوع ذلک القصد عنه إن کان عن قصد آخر فیلزم التسلسل و إن کان لا عن قصد فقد وقع الفعل لا عن قصد و سنبطله و إن وقع عن فاعل هو الله فحینئذ یلزمک کل ما أوردتَه علینا. أمّا إن قلت: وقع ذلک الفعل عنه لا عن قصد و داع فقد ترجح الممکن من غیر مرجح و هو یسدّ باب إثبات الصانع. و أیضاً فإن کان کذلک کان وقوع ذلک الفعل اتفاقیاً و الاتفاقی لایکون فی وسعه و اختیاره فیکون یؤمر به و ینهی عنه فیا أیها القاضی ما الفائدة فی التمسک بالأمر و النهی و تکثیر الوجوه التی یرجع حاصلها إلی حرف واحد مع أنّ مثل هذا البرهان القاطع یقلع خلفک و یستأصل عروق کلامک و لو أجمع الأوّلون و الآخرون علی هذا البرهان لما تخلصوا عنه إلّا بالتزام وقوع الممکن لا عن مرجح و حینئذٍ ینسد باب إثبات الصانع أو بالتزام أنّه یفعل الله ما یشاء و یحکم ما یرید و هو جوابنا».

ذیل ملاحظتنا علی کلام المحقق الخوئی (قدس سره) فی التقریر الرابع و هما کافیان لبیان دخول النفس و أفعالها تحت إرادة الله تعالی.

مع أنّ الانفکاک بین فاعلیة النفس و علیة إرادته بما هی صفة نفسانیة مما لایمکن الالتزام به فإنّ الإرادة فی طریق فاعلیة النفس و بتمامیة الإرادة تتم فاعلیته و فاعلیة النفس تتوقف علی التصورات و التصدیقیات الإدراکیة و الشوق النفسانی و إن کان جمیع ذلک فی ارتکاز النفس بحیث لاتتوجه إلیه.

و إیجاد النفس لما هو منافرٌ لطبعه أو لما تُصدِّق إضرارَه لیس مخالفاً لإرادة النفس لأنّ النفس ذات مراتب کثیرة و إرادات متعددة و قد تغلب إرادته للأمر الباطل علی إرادته لما هو الصواب و الخیر (و المراد من الإرادة الشوق أو الشوق الأکید فی قبال العزم التام).

و یشهد لما ذکرناه الروایات الواردة عن المعصومین (علیهم السلام)

منها: ما رواه الصدوق (قدس سره) ((1)) قال:((2)) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ

ص: 133


1- التوحید، ص360.
2- روی هذا الحدیث فی المحاسن و الکافی و التوحید ففی المحاسن، ج1، ص296، کتاب مصابیح الظلم، الباب 49: «عنه عن علی بن الحکم عن هشام بن سالم عن أبی عبدالله (علیه السلام) قال: إنّ الله أکرم... ما لایطیقون...» و فی الکافی، ج1، ص160، کتاب التوحید، باب الجبر و القدر و الأمر بین الأمرین، ح14:«عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد البرقی عن علی بن الحکم... قال: الله أکرم... ما لایطیقون...» و روی أیضاً فی مشکاة الأنوار، ص257، الفصل العاشر: «عنه [أی أبی عبد الله] (علیه السلام) :الله أکرم من أن یکلف العباد ما لایطیقون...» و رواه فی مختصر بصائر الدرجات، ص133 بالإسناد عن الصدوق و نقل هذا الحدیث فی البحار، ج5، ص41، الباب1 من أبواب العدل، ح64 عن المحاسن و فی ص52، ح87 عن التوحید و نقله فی الفصول المهمّة، ج1، ص622 عن الکافی.

الْوَلِیدِ رحمة الله قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مَتِّیلٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَلِی بْنِ الْحَکَمِ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) قَالَ: «اللهُ تَبَارَکَ وَ تَعَالَی أَکْرَمُ مِنْ أَنْ یکَلِّفَ النَّاسَ مَا لَا یطِیقُونَهُ وَ اللهُ أَعَزُّ مِنْ أَنْ یکُونَ فِی سُلْطَانِهِ مَا لَا یرِیدُ».

و الحسن بن متّیل وجه من وجوه أصحابنا کثیر الحدیث قاله النجاشی((1)) و المراد من أحمد بن أبی عبد الله أحمد بن محمد بن خالد البرقی و الروایة إما صحیحة و إما حسنة لمکان الحسن بن متّیل و علی أی حال هی حجّة و معتبرة و صریحة فی ما قلنا.

ص: 134


1- فی رجال النجاشی، ص49، باب الحسن: «الحسن بن متیل وجه من وجوه أصحابنا کثیر الحدیث له کتاب نوادر». و ذکر عبارة النجاشی فی الفهرست، ص106 و خلاصة الأقوال، ص105. أمّا ضبط «متیل» ففی إیضاح الاشتباه، ص145 و خلاصة الأقوال، ص105: «مَتِّیل» و فی رجال ابن داود، ص77: «مُتَّیل» و فی أعیان الشیعة، ج5، ص233: «و فی تکملة الرجال أنّه حکی عن ضوابط الأسماء [للشیخ فخرالدین بن محمد بن علی بن أحمد بن طریح النجفی المتوفی 1085؛ راجع الذریعة، ج15، ص119 و أعیان الشیعة، ج8، ص394] ضبطه کذلک». و نقل الوجهین فی العوائد، ص852، العائدة88. و وصف فی رجال الطوسی، باب الحاء ممن لم یرو عن واحد من الأئمة (علیهم السلام)، الرقم43 ﺑ «القمی» و فی مشیخة الفقیه علی ما حکاه نقد الرجال ب- «الدقاق». و أمّا وثاقته ففی نقد الرجال، ج2، ص55: «قال العلامة: طریق الصدوق إلی جعفر بن ناجیة صحیح و فیه الحسن بن متیل» و فی معجم رجال الحدیث، ج6، ص94: «و مشیخة الفقیه فی طریقه إلی عبد الصمد بن بشیر و جعفر بن الناجیة و الحسن بن السری و قد صحح العلامة (رحمة الله) طریق الصدوق (قدس سره) إلی جعفر بن الناجیة و الحسن بن السری و فیهما الحسن بن متیل». و فی أعیان الشیعة: «عن مزار التهذیب عن ابن الولید عن الحسن بن متیل الدقاق و غیره من الشیوخ انتهی ففهم منه أنّه من شیوخ الإجازة و جلالة شأنهم معروفة حتی قیل: إنّهم لایحتاجون إلی التوثیق».

و منها: الروایات الدالة علی تحقق کل شیء و إن کان معصیةً، بقضاء الله و قدره و مشیته و علمه.((1))

ص: 135


1- روی فی التوحید، ص369 و 370، الباب60، الحدیث9: «... حدّثنا أبو أحمد الغازی قال حدثنا علی بن موسی الرضا قال حدثنا أبی موسی بن جعفر... قال سمعت أبی علی بن أبی طالب:یقول: الأعمال علی ثلاثة أحوال فرائض و فضائل و معاصی و أما الفرائض فبأمر الله و برضی الله و قضاء الله و تقدیره و مشیته و علمه و أما الفضائل فلیست بأمر الله و لکن برضی الله و بقضاء الله و بقدر الله و بمشیته و بعمله و أما المعاصی فلیست بأمر الله و لکن بقضاء الله و بقدر الله و بمشیته و بعلمه ثم یعاقب علیها». و نقله فی میزان الطالب، ص323 عن الخصال [ص168، باب الثلاثة، ح221] و العیون [ج1، ص130، الباب11، ح44] أیضاً. و فی الکافی، ج1، ص148، کتاب التوحید، باب البداء، الحدیث16: «الحسین بن محمد عن معلی بن محمد قال: سئل العالم (علیه السلام) کیف علم الله؟ قال: علم و شاء و أراد و قدر و قضی و أمضی فأمضی ما قضی، و قضی ما قدر، و قدر ما أراد، فبعلمه کانت المشیئة، و بمشیئته کانت الإرادة، و بإرادته کان التقدیر، و بتقدیره کان القضاء، و بقضائه کان الإمضاء، و العلم متقدم علی المشیئة، و المشیئة ثانیة، و الإرادة ثالثة، و التقدیر واقع علی القضاء بالإمضاء» و رواه فی التوحید، ص334، الباب54، الحدیث9 باختلاف یسیر. و فی الکافی، ج1، ص149، باب فی أنّه لایکون شیء فی السماء و الأرض إلّا بسبعة: «1.... عن حریز بن عبد الله و عبد الله بن مسکان جمیعاً عن أبی عبد الله (علیه السلام) أنّه قال: ”لایکون شیء فی الأرض و لا فی السماء إلّا بهذه الخصال السبع بمشیة و إرادة و قدر و قضاء و إذن و کتاب و أجل فمن زعم أنّه یقدر علی نقض واحدة فقد کفر“ و رواه علی بن إبراهیم... 2.... عن زکریا بن عمران عن أبی الحسن موسی بن جعفر (علیهما السلام) قال: ” لایکون شیء فی السماوات و لا فی الأرض إلّا بسبع بقضاء و قدر و إرادة و مشیة و کتاب و أجل و إذن فمن زعم غیر هذا فقد کذب علی الله أو ردّ علی الله“». و فی ص150، باب المشیة و الإرادة، ح1: «علی بن محمد بن عبد الله عن أحمد بن أبی عبد الله عن أبیه عن محمد بن سلیمان الدیلمی عن علی بن إبراهیم الهاشمی قال سمعت أبا الحسن موسی بن جعفر (علیهما السلام) یقول: ” لایکون شیء إلّا ما شاء الله و أراد و قدر و قضی“».

و منها: ما ورد من طریق الخاصة و العامة((1)) عن النبی (صلی الله علیه و آله) عن الله تعالی: «...

ص: 136


1- روی بهذه الألفاظ فی موضعین من التوحید و فی تفسیر القمی. أمّا التوحید، ففی ص340، باب المشیة و الإرادة 55، الحدیث10: «حدثنا أبو الحسن علی بن عبد الله بن أحمد الإصبهانی الأسواری... قال حدثنا غیاث بن المجیب عن الحسن البصری عن عبد الله بن عمر عن النبی (صلی الله علیه و آله) : سبق العلم و جف القلم و تم القضاء... قال عبد الله بن عمر: إنّ رسول الله (صلی الله علیه و آله) کان یروی حدیثه عن اللهقال قال: یابن آدم... و بفضل نعمتی علیک قویت علی معصیتی و بعصمتی و عفوی و عافیتی أدیت إلی فرائضی فأنا أولی بإحسانک منک و أنت أولی بذنبک منی»الحدیث و فی ص343، ح13: «حدّثنا أبی و محمّد بن الحسن بن أحمد بن الولید... عن خالد بن سعدان عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) :سبق العلم و جف القلم و مضی القدر... ثم قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : عن الله أروی حدیثی إنّ الله تبارک و تعالی یقول: یابن آدم... و بعصمتی و عونی و عافیتی... أولی بحسناتک... بسیئاتک منی»الحدیث. و روی فی تفسیر القمی، ج2، ص210 فی تفسیر قوله تعالی: (لَوْ یؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِمَا کَسَبُوا)(فاطر: 45)«قال و حدثنی أبی عن النوفلی عن السکونی عن جعفر عن أبیه (علیهما السلام) قال قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : سبق العلم و جف القلم و مضی القضاء... ثم قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) الله یقول: یابن آدم... و بقوتی و عصمتی و عافیتی... و أنا أولی بحسناتک منک و أنت أولی بذنبک منی»الحدیث. و رواه فی الجواهر السنیة، ص152 عن التوحید و فیه «عتاب» بدل «غیاث»؛ و فی البحار، ج5، ص48، ح79 عن التوحید و فی ص93، ح13 عن تفسیر علی بن إبراهیم. و أمّا عند أهل السنة فقد روی فی تأویل مختلف الحدیث لابن قتیبة، ص31 و فی کنز العمال، ج15، ص939 بإسناد أبی نعیم عن ابن عمر. و روی بألفاظ قریبة منها فی الکافی و المحاسن و التوحید. ففی الکافی، ج1، ص152، باب المشیة و الإرادة، ح6 «محمد بن یحیی عن أحمد بن محمد بن أبی نصر قال: قال أبو الحسن الرضا (علیه السلام) : قال الله: یابن آدم بمشیتی کنت أنت الذی تشاء لنفسک ما تشاء و بقوّتی أدیت فرائضی و بنعمتی قویت علی معصیتی جعلتک سمیعاً بصیراً قویاً ما أصابک من حسنة فمن الله و ما أصابک من سیئة فمن نفسک و ذاک أنّی أولی بحسناتک منک و أنت أولی بسیئاتک منی و ذاک أنّنی لاأُسأل عما أفعل و هم یسألون». و نقل فی میزان المطالب، ص323 عن التوحید [ص338، الباب 55، ح6] «عن البزنطی: قلت لأبی الحسن الرضا (علیه السلام) : إنّ أصحابنا بعضهم یقولون بالجبر و بعضهم یقولون بالاستطاعة فقال (علیه السلام) لی اکتب: قال الله تبارک و تعالی: یابن آدم... تشاء [لنفسک] ما تشاء و بقوتی أدیت إلی... و ذلک... و ذلک أنّی...» و نقل فی ص325 عن المحاسن [ج1، ص244] «عن أبی الحسن (علیه السلام) قال لیونس مولی علی بن یقطین: یا یونس لاتتکلم بالقدر قال: إنّی لاأتکلم بالقدر و لکن أقول: لایکون إلّا ما أراد الله و شاء و قضی و قدر فقال: لیس هکذا أقول و لکن أقول: لایکون إلّا ما شاء الله و أراد و قدر و قضی... یا یونس إنّ القدریة لم یقولوا بقول الله: (مَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ یشَاءَ اللهُ) (الإنسان:30)... ثمّ قال: قال الله: یابن آدم بمشیتی کنت أنت الذی تشاء و بقوتی أدیت إلی... و جعلتک... فما أصابک من حسنة فمنی و ما أصابک من سیئة فمن نفسک و ذلک أنّی لاأُسأل...».

یا ابْنَ آدَمَ بِمَشِیتِی کُنْتَ أَنْتَ الَّذِی تَشَاءُ لِنَفْسِکَ مَا تَشَاءُ وَ بِإِرَادَتِی کُنْتَ أَنْتَ الَّذِی تُرِیدُ لِنَفْسِکَ مَا تُرِیدُ.» ((1))

التقریر الثالث: ما أفاده العلامة المحقق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

((2))

و جَعَلَ هذا التقریر أدق و أقرب إلی توحید أفعاله تعالی من تقریر المحقق الطوسی (قدس سره) . قال (قدس سره) : «و ثانیهما ما هو أدق و أقرب للتوحید فإنّ الموحد کما یجب أن یکون موحّداً فی الذات و الصفات، کذلک یجب أن یکون موحداً فی الأفعال [فکما لا شریک له تعالی فی الوجود فکذلک لا شریک له فی الإیجاد]».

و هذا التقریر یبتنی علی مقدمتین:

قال (قدس سره) : «و ملخص هذا الوجه أنّ الإیجاد یدور مدار الوجود فی وحدة الانتساب و تعدده و فی الاستقلال و عدمه فلابدّ هاهنا من بیان أمرین: أحدهما بیان کیفیة استقلال الوجود و عدمه و تعدد الانتساب و عدمه ثانیهما تبعیة الإیجاد للوجود کما مرّ.»

ص: 137


1- التوحید، الشیخ الصدوق، ص340.
2- نهایة الدرایة، ج1، ص294 - 296؛ رسالة الطلب و الإرادة، ص54 – 56.
المقدمة الأُولی: للمجعول بالذات خصیصتان
الخصصیة الأُولی: إنّه عین الربط

«إنّه قد تقرر فی مقره أنّ المجعول بالذات هو الوجود المنبسط [الذی به موجودیة الموجودات المحدودة و الماهیات] و المجعول و المعلول بالذات حیثیة ذاته حیثیة المجعولیة و المعلولیة و الارتباط لا أنّ هناک شیئاً له المجعولیة و الربط [وهی الخصوصیة الأُولی] و البرهان علیه أنّ کل ما کان بذاته مصداقاً [و مطابقاً] لمحمول اشتقاقی [کما أنّ الوجود بذاته مصداق لعنوان المجعول و المرتبط بالحق المتعال] فهو مصداق [و مطابق بذاته] لمبدئه أیضاً [أی ان الوجود بذاته مصداق للجعل و الربط] و إلا لزم مصداقیته له [أی مصداقیة الوجود للمحمول الاشتقاقی الّذی هو عنوان المجعول وعنوان المرتبط] فی المرتبة المتأخرة عن ذاته و هو خلف. [فثبت بذلک انّ الوجود بذاته عین الجعل و الربط] و هذا معنی عدم الاستقلال فی الوجود حیث إنّ الوجود المفروض حینئذ عین الربط و محض الفقر».

الخصیصة الثانیة: له انتسابان إلی الفاعل و القابل

هذا الوجود المطلق المنبسط علی هیاکل الماهیات و المتّحد مع مراتب الموجودات [لأنّ موجودیة الموجودات المقیدة المحدودة به] بما هو عین کل مرتبة بلحاظ إطلاقه و لابشرطیته له انتسابان: [انتساب] إلی الفاعل [و هو الله تبارک و تعالی] بالوجوب و هو بهذا الاعتبار فعله تعالی و صنعه و مشیته الفعلیة و [انتساب] إلی القابل بالإمکان و هو بهذا الاعتبار وجود زید و عمرو و غیرهما من الموجودات المحدودة و الماهیات».

ص: 138

المقدمة الثانیة: تبعیة أثر هذا المجعول بالذات لمؤثره فی هاتین الخصیصتین

إنّ أثر الوجود المجعول بالذات فی المقام الفعل الصادر عن العبد الذی هو مرتبة من مراتب الوجود الإطلاقی، و الکلام فی المقدمة الثانیة یقع فی هذا الأثر فإنّ أثر الوجود الإطلاقی المتحد مع مراتب الموجودات المحدودة تابع لمؤثره فی الخصیصتین المذکورتین و عبّر عن ذلک بتبعیة الإیجاد للوجود فی خصیصة الربط و الانتسابین المذکورین.

«فمختصر الکلام أنّ [الوجود] المجعول بالذات بعد ما کانت حیثیة ذاته حیثیة الربط و الفقر فلابدّ من أن یکون أثره کذلک و إلا لانقلب الربط المحض إلی محض الاستقلال و هو محال إذ الجاعل بالذات حیثیة ذاته حیثیة الجاعلیة کما عرفت، فإن کان ذاته مستقلة کانت حیثیة الجاعلیة مستقلة و إن کانت عین الربط و الفقر کانت حیثیة الاقتضاء و الجاعلیة عین الربط و الفقر إذ لا تغایر بین الحیثیتین حقیقةً و من هنا قلنا سابقاً إنّ التفویض شرک بین.»

الحاصل: «إذا عرفت ذلک تعرف أنّ هذا الوجود الإطلاقی - الذی حیثیة ذاته حیثیة الربط و الفقر و کان له انتسابان حقیقةً إلی الفاعل و القابل - عین کل مرتبة فأثرُه [أی أثر کل مرتبة] کذلک [أی له الخصوصیتان] فمن حیث إنّ حیثیة الأثر کحیثیة المؤثّر عین الارتباط تعرف أنّه لا تفویض و من حیث إنّ الأثر کالمؤثر له انتسابان حقیقةً تعرف أنّه لا جبر فأثر کل مرتبة له جهتان: ((1))

ص: 139


1- فی الحکمة المتعالیة، ج2، ص18، الفصل10 یذکر خواص الممکن بالذات: «کل من الذوات الإمکانیة فإنّها فی نفسها و من حیث طبیعتها بالقوة و هی من تلقاء علتها بالفعل فإنّ لها بحکم ماهیتها اللیسیة الصرفة و بحکم وجود سببها التام الأیسیة الفائضة منه فهی مصداق معنی ما بالقوة و معنی ما بالفعل من الحیثیتین» و فی تعلیقة السبزواری (قدس سره) علیه: «و هاتان الجهتان هما المعبر عنهما بالجهة النورانیة والجهة الظلمانیة و وجه یلی الرب و وجه یلی النفس فی ألسنة المتألهین» و فی شرح الأسماء الحسنی، ج2، ص39 فی شرح «و افتح اللهم لنا مصاریع الصباح»: «فکل وضع... مرکب من الوجود و المهیة و کذا مهیته من الجنس و الفصل و وجوده من وجه یلی المهیة و وجه یلی الرب». و فی ص6 فی شرح قوله «یا من دلع لسان الصباح»: «قال المتألهون: کل موجود ذو وجهین وجه من ربّه و وجه من نفسه». و فی ص114 فی شرح قوله: «یا رب القدرة فی الأنام»: «لا اختیار باعتبار الوجه الذی یلی النفس إذ هو القاهر فوق عباده و إنّما الاختیار باعتبار الوجه الذی یلی الرب».

[1-] جهة انتساب إلیه تعالی حیث إنّه أثر فعله الحقیقی الإطلاقی و هذه جهة تلی الرّب.

[2-] جهة انتساب إلی العبد حیث إنّه أثر وجوده الحقیقی و هی جهة تلی الماهیة فکما أنّ وجوده وجوده حقیقةً و بلا عنایة و مع ذلک فهو فعل الله و صنعه حقیقةً کذلک إیجاده إیجاده حقیقةً و بلا تجوز و مع ذلک فهو [إیجاد الله و] أثر فعله تعالی بلا مجاز، فإذا تمکن العبد من نفی وجوده عن نفسه تمکن من نفی إیجاده عن نفسه [و لهذا صحّ إسناد الفعل إلیه تعالی کما ینسب إلی العبد کما ورد فی الآیات و الروایات کثیراً] و لایخفی علیک أنّ الأثر إنّما ینسب إلیه تعالی بما هو مطلق و إلی العبد بما هو محدود و مقید و إلا فجَلَّ جنابه تعالی من أن تستند إلیه الأفعال التی لاتقوم إلا بالجسم و الجسمانی و لو کان من الأعمال الحسنة فضلاً عن الأعمال السیئة [و بالجملة الوجود بما هو لا بما هو محدود بالحدود الوجودیة و الماهویة خیر محض فینسب إلیه تعالی فالکمال راجع إلی الکمال و النقص إلی النقص فاتضح أنّ فعل العبد مع أنّه فعله فهو أحد أفاعیل الحق تعالی] نعم ربما تغلب الجهة التی تلی الرب و تندک فیها الجهة الأُخری کما فی قوله تعالی: (وَ مَا رَمَیتَ إِذْ رَمَیتَ وَلَکِنَّ اللَّهَ رَمَی) ((1)) فحینئذ ینفی الانتساب إلی المربوب و ینسب

ص: 140


1- سورة الأنفال (8): 17.

إلی الرب و من ذلک یظهر عدم استناد الأفعال السیئة إلیه تعالی من جهة أُخری فتفطن و افهم أو ذره فی سنبله و الله المسدد».

التقریر الرابع: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) اختار ما هو قریب من التقریر الأول و لکن زاد علیه: إنّ مشیة الله تعالی لم تتعلق بأفعال العباد و إنّما تعلّقت بمبادیها کالحیوة و القدرة.

بل قال (قدس سره) :((2)) لایمکن تعلق إرادته تعالی بأفعال العباد.

و قال (قدس سره) فی موضع آخر((3)) بعد تقریر المسألة بهذا النحو: «الأفعال الاختیاریة بین الجبر و التفویض و منتسبة إلی المخلوقین من جهة و إلی الخالق من جهة أُخری»

ملاحظتنا علی هذا التقریر:

إنّ خروج أفعال العباد من تحت إرادته تعالی مما لایمکن الالتزام به شرعاً و

ص: 141


1- محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص90 – 94، بحث الأوامر، المقام الأول، الجهة الرابعة، بحث و نقد حول عدة نقاط، النقطة الخامسة ( نظریة الإمامیة ) «قد انتهینا فی نهایة المطاف إلی هذه النتیجة و هی أنّ للفعل الصادر من العبد نسبتین واقعیتین: أحدهما نسبته إلی فاعله بالمباشرة باعتبار صدوره منه باختیاره و إعمال قدرته و ثانیتهما نسبته إلی الله تعالی باعتبار أنّه معطی الحیاة و القدرة له فی کل آن... و مردها إلی أنّ مشیة العبد تتفرع علی مشیة الله سبحانه و تعالی و إعمال سلطنته».
2- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص72، النقطة الثالثة (نظریة الأشاعرة) «بقی هنا عدة وجوه أُخر قد استدل بها علی نظریة الأشعری... الوجه الثانی... و الجواب عن ذلک أنّ أفعال العباد لاتقع تحت إرادته سبحانه و تعالی و مشیته... و علیه فبطبیعة الحال لایمکن تعلق إرادته تعالی بها لسببین:... الثانی أنّ الإرادة بمعنی إعمال القدرة و السلطنة تستحیل أن تتعلق بفعل الغیر بداهة أنّها لاتعقل إلا فی الأفعال التی تصدر من الفاعل بالمباشرة الخ».
3- حاشیة أجود التقریرات، ص137، التعلیقة علی هذه العبارة «و أما الموضع الثانی فالحق فیه».

عقلاً بل لابدّ من القول بدخول الفعل تحت إرادة الفاعل المباشر و بدخوله تحت إرادة الله تعالی أیضاً کما نطقت به بعض الأخبار.((1))

ص: 142


1- فی میزان المطالب، ص328-320، الباب الرابع، المقدمة، المبحث11: [أما ما ورد فی إرادة الله أفعالَ العباد:] (ص324) و فیه [أی التوحید، ص346، الباب 56، ح3] مسنداً عن حمزة بن حمران قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الاستطاعة فلم یجبنی... قلت أصلحک الله فإنّی أقول: إنّ الله تبارک و تعالی لم یکلف العباد إلّا ما یستطیعون و إلّا ما یطیقون فإنّهم لایصنعون شیئاً من ذلک إلّا بإرادة الله و مشیته و قضائه و قدره قال: «هذا دین الله الذی أنا علیه و آبائی» أو کما قال. (ص328) و فی الکشی مسنداً عن حمزة بن حمران قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام) : یقول زرارة انّ الله عزّوجلّ لم یکلف العباد إلّا ما یطیقون و إنّهم لم یعملوا إلّا أن یشاء الله و یرید و یقضی قال: «هو والله الحق»الحدیث [اختیار معرفة الرجال، ج1، ص359؛ بحار الأنوار، ج5، ص47] (ص322) و فیه [أی الکافی، ج1، ص152، کتاب التوحید، باب الابتلاء و الاختبار، ح1] عن أبی عبد الله (علیه السلام) : «ما من قبض و لا بسط إلّا و لله فیه مشیة و قضاء و ابتلاء» [و أمّا ما ورد بالنسبة إلی إرادة خصوص الکفر:] (ص326) فی الکافی [ ج1، ص162، باب الاستطاعة، ح3 عن صالح النیلی] عن أبی عبد الله (علیه السلام) :«إنّ الله لم یجبر أحداً علی معصیته و لاأراد إرادة حتم الکفر من أحد و لکن حین کفر کان فی إرادة الله أن یکفر»الحدیث (ص324) و فیه [أی المحاسن، ج1، ص245] عن أبی بصیر قلت لأبی عبد الله (علیه السلام) : شاء لهم الکفر و أراده؟ فقال: «نعم» قلت: فأحبّ ذلک و رضیه؟ فقال: «لا» قلت: شاء و أراد ما لم یحب و لم یرض؟ قال: «هکذا خرج إلینا» [و یوجد روایتان فی تقدیر أفعال العباد و خلقها:] (ص320) فی العیون [ج2، ص132، الباب 35، ح1 عن الفضل بن شاذان] عن الرضا (علیه السلام) فیما کتب للمأمون من محض الإسلام: «إنّ الله تبارک و تعالی لایکلّف نفساً إلّا وسعها و إنّ أفعال العباد مخلوقة لله خلق تقدیر لا خلق تکوین و الله خالق کل شیء و لانقول بالجبر و التفویض» الخبر (ص323) و فی العیون [ج1، ص124، الباب 11، ح34] مسنداً عن حمدان بن سلیمان قال: کتبت إلی الرضا (علیه السلام) أسأله عن أفعال العباد مخلوقة أم غیر مخلوقة؟ فکتب (علیه السلام) «أفعال العباد مقدّرة فی علم الله قبل خلق العباد بألفی عام». و فی القرآن أیضاً آیات یمکن أن یستدلّ بها علی خلق أفعال العباد و هی: 1) (وَ اللهُ خَلَقَکُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) ( الصافات:96) 2) (أَنَّی یکُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَکُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ کُلَّ شَیءٍ وَهُوَ بِکُلِّ شَیءٍ عَلِیمٌ) (الأنعام:101) (وَخَلَقَ کُلَّ شَیءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِیرًا) (الفرقان:2) (إِنَّا کُلَّ شَیءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (القمر:49). 3) (ذَلِکُمُ اللهُ رَبُّکُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ کُلِّ شَیءٍ فَاعْبُدُوهُ) (الأنعام:102) (قُلِ اللهُ خَالِقُ کُلِّ شَیءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) ( الرعد:16) (اللهُ خَالِقُ کُلِّ شَیءٍ وَهُوَ عَلَی کُلِّ شَیءٍ وَکِیلٌ) (الزمر:62) (ذَلِکُمُ اللهُ رَبُّکُمْ خَالِقُ کُلِّ شَیءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) ( الغافر:62).
دلیلان علی تعلق الإرادة التکوینیة الإلهیة بأفعال العباد
الدلیل الأول:

کل فعل سواء کان حسناً أم قبیحاً ممکن الوجود فهو لابدّ أن ینتهی سلسلة علله إلی واجب الوجود بالذات و علیة الحق المتعال لاتنفک عن تعلق إرادته التکوینیة به ولو بوسائط کثیرة و إنکار ذلک إما یوجب الالتزام بتعدد واجب الوجود و إما یوجب الالتزام باستقلال الممکن و عدم احتیاجه إلی العلة التی هی واجب الوجود بالذات و کلاهما خلاف العقل و الشریعة فإنّ الأول شرک و الثانی إنکار أُلوهیته و خالقیته بالنسبة إلی بعض مخلوقاته.

الدلیل الثانی: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره)

((1))

قال (قدس سره) : «النظام التام الإمکانی صادر علی طبق النظام الشریف الربانی [فالإیمان من الکافر لو کان مراداً بإرادته الذاتیة التی هی عین ذاته لکان من جملة النظام التام إذ النظام التام الإمکانی کما عرفت صادر علی طبق النظام الربانی] و حیث لم یقع الکفر من المؤمن و الإیمان من الکافر کشف ذلک عن عدم تعلق

ص: 143


1- نهایة الدرایة، ج1، ص281؛ رسالة الطلب و الإرادة، ص47.

الإرادة الذاتیة بهما و عدم دخولهما فی النظام الشریف الربانی و إلا لوجدا فی النظام التام الإمکانی».

فإیمان المؤمن و کفر الکافر و هکذا الفعل الخیر و الطاعة و الفعل القبیح و المعصیة -علی هذا البیان- کلّها داخلة فی النظام الأحسن فالکفر و العمل القبیح و إن کانا فی حدّ أنفسهما قبیحین و لکن النظام الأحسن کما یقتضی وجود الخیرات کذلک یقتضی وجودهما و إلا لایکون النظام تاماً و أحسن من کل نظام (فإنّ إظهار صفة الصبر قد یقتضی وجود المخالف المعاند غایة المعاندة حتی یظهر فی قباله صفة الصبر و هکذا لابدّ من وجود القتال فی کمال المؤمن بالشهادة و هذا یقتضی وجود الکافر أو المنافق حتی یقاتل المؤمنین) فالإرادة التکوینیة الإلهیة لاتتعلق بهذا الفعل القبیح من حیث إنّه فعل قبیح بل تتعلّق به بما أنّه جزء لهذا النظام الأحسن الأتم.

ص: 144

الفصل الثانی: صیغة الأمر

اشارة

و فیه سبعة أُمور

الأمر الأول: معنی صیغة الأمر

الأمر الثانی: الجمل الخبریة فی مقام البعث

الأمر الثالث: الواجب التعبدی و التوصلی

الأمر الرابع: اقتضاء إطلاق الصیغة النفسیة و التعیینیة و العینیة

الأمر الخامس: الأمر عقیب الحظر

الأمر السادس: المرّة و التکرار

الأمر السابع: الفور و التراخی

ص: 145

ص: 146

الأمر الأول:معنی صیغة الأمر

اشارة

فیه أقوال نذکر منها سبعة

القول الأول:
اشارة

قد ادّعی أنّها استعملت((1)) فی الترجی((2)) و التمنی (ألا انجلی)((3)) و التهدید

ص: 147


1- هذه المعانی مذکورة فی الکفایة، ص69 و هی ثمانیة و تصیر مع الطلب تسعة و أمثلتها مذکورة فی حقائق الأُصول، ج1، ص156 إلّا المثال للإنذار فالمذکور فیه (تَمَتَّعُوا فِی دَارِکُمْ) (هود:65) و من ذکر هذه المعانی لصیغة الأمر صرّح بأنّ الصیغة مستعملة فیها لا أنّها موضوعة لهذه المعانی فلایعدّ هذا من الأقوال فی الموضوع له لصیغة الأمر. و ذکر فی هدایة المسترشدین، ج1، ص596 أربعة و عشرین معنی: المعانی التی ذکرها ابن الحاجب و لکن ذکر «الاحتقار» بدل «التأدیب» و التسعة الباقیة هی: الطلب الجامع بین الوجوب و الندب و الإذن و الالتماس و الترجی و الخبر و التسلیة و انقطاع الأمل و التحزن و التهکم.
2- فی عنایة الأصول، ج1، ص201: «و قد عدّ منها الترجی... و لم أر من مثّل للمعنی الأوّل» و فی بدایة الوصول، ج1، ص352 التمثیل للترجی بهذه الآیة: (اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ یوسُفَ). (یوسف:87)
3- ألا أیها اللیل الطویل ألا انجلی بصبح و ما الإصباح منک بأمثل و هو البیت 46 من قصیدة امرئ القیس المشتملة علی 82 بیتاً.

(اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ)((1)) و الإنذار (قُلْ تَمَتَّعُوا)((2)) و الإهانة (ذُقْ إِنَّکَ أَنْتَ الْعَزِیزُ)((3)) و الاحتقار (أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ)((4)) و التعجیز (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ)((5)) و التسخیر (کُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِینَ)((6)) و غیر ذلک.

ص: 148


1- سورة فصلت ( 41 ): 40.
2- کلمة (تَمَتَّعُوا) مذکورة فی أربع آیات: 1) (فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِی دَارِکُمْ ثَلَاثَةَ أَیامٍ ذَلِکَ وَعْدٌ غَیرُ مَکْذُوبٍ) (هود:65) و هذه الآیة هی المذکورة فی حقائق الأُصول. 2) (وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِیضِلُّوا عَنْ سَبِیلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِیرَکُمْ إِلَی النَّارِ) (إبراهیم:30) و هی المذکورة فی الکفایة. 3) (وَفِی ثَمُودَ إِذْ قِیلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّی حِینٍ) (الذاریات:43) 4) (کُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِیلًا إِنَّکُمْ مُجْرِمُونَ) (المرسلات:46)
3- سورة الدخان (44): 49. المثال المذکور للإهانة: (کُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِیدًا) (الإسراء:50). و الأمثلة المذکورة للتمنی و التهدید و التسخیر و التعجیز جاءت فی مختصر المعانی، ص141 – 139و المعانی المذکورة فیه عشرة: الطلب و الإهانة و هذه الأربعة و أربعة أُخری قال: «و منها أی من أنواع الطلب الأمر... و الأظهر أنّ صیغته... موضوعة لطلب الفعل استعلاءً... و قد تستعمل لغیره کالإباحة نحو جالس الحسن أو ابن سیرین... و التسویة نحو: (اصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا)(الطور:16)... و الدعاء نحو: (رَبِّ اغْفِرْ لِی) (نوح:28) و الالتماس کقولک لمن یساویک رتبةً افعل بدون الاستعلاء» فقد ذکر فیه الإباحة و التسویة و الدعاء و الإلتماس بدل الترجی و الإنذار و الاحتقار.
4- کلمة (أَلْقُوا) مذکورة فی أربع آیات: 1) ( قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْینَ النَّاسِ) (الأعراف:116) 2) ( قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِیهُمْ یخَیلُ إِلَیهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَی)(طه:66) 3) ( فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَی أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ)(یونس:80) 4) (قَالَ لَهُمْ مُوسَی أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ) (الشعراء:43).
5- سورة البقرة ( 2 ): 23.
6- سورة الأعراف ( 7 ): 166.
إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) علیه:

إنّ الصیغة ما استعملت فی واحد منها بل إن هذا من باب اشتباه الداعی بالمعنی المستعمل فیه. ( لا من باب إشتباه المعنی الموضوع له بالمعنی المستعمل فیه).

القول الثانی: إنشاء الطلب
اشارة

قال المحقق الخراسانی (قدس سره) :((1)) «الأول: إنّه ربما یذکر للصیغة معانٍ قد استعملت فیها و قد عد منها الترجی... و هذا کما تری ضرورةَ أنّ الصیغة ما استعملت فی واحد منها بل [هی موضوعة لمعنی واحد و هو

إنشاء الطلب و] لم یستعمل إلا فی إنشاء الطلب إلا أنّ الداعی إلی ذلک [أی إنشائه] یکون تارةً هو البعث و التحریک نحو المطلوب الواقعی و یکون أُخری أحد هذه الأُمور کما لایخفی».

و قصاری ما یمکن أن یدّعی، وضعُ الصیغة لإنشاء الطلب فی ما کان بداعی البعث و التحریک فعلی هذا إنشاء الطلب فی ما کان الداعی غیر البعث من سائر الدواعی یکون استعمالاً مجازیاً.

إیرادان من بعض الأساطین (دام ظله) علی هذا القول:
اشارة

((2))

الإیراد الأول:

((3))

الإرادة و الطلب مفهومان اسمیان ولکن مفاد الهیأة معنی حرفی بالاستقراء.

ص: 149


1- کفایة الأصول، ص69، المقصد الأول، الفصل الثانی، المبحث الأول
2- تحقیق الأصول، ج2، ص42، الأوامر، صیغة الأمر، الجهة الأُولی فی معنی صیغة الأمر، مناقشة رأی المحقق الخراسانی (قدس سره) .
3- «فقد أشکل علیه... ثالثاً أنّ الإرادة مفهوم اسمی و لم نجد فی الهیآت هیأةً مدلولها معنی اسمی».
الإیراد الثانی:
اشارة

((1))

إنّ الطلب من الصفات النفسانیة و الصفات النفسانیة لاتقبل الإنشاء فحینئذٍ الطلب الإنشائی غیر معقول. (و هکذا الإرادة الإنشائیة عند السید المحقق البروجردی (قدس سره) لکن الطلب عنده أمر اعتباری فیتصور فیه الإنشاء).

ملاحظة علی الإیراد الثانی:

إنّ الطلب الإنشائی هو ما یستفاد من الأمر بمادته أو صیغته حیث إنّ الأمر یوجب إنشاء الطلب الّذی هو من مبادی الفعل فی نفس المکلّف لأن یکون داعیاً للمکلّف نحو الفعل المأمور به داعویة إمکانیة، فإنّ هذه الداعویة تبلغ إلی الفعلیة بالنسبة إلی المطیع و لاتبلغ إلیها بالنسبة إلی العاصی. و هکذا الأمر فی الإرادة الإنشائیة.

القول الثالث: النسبة الإنشائیة الإیقاعیة
اشارة

قال المحقق النائینی (قدس سره) :((2)) «و أما صیغة الأمر فهی دالّة علی النسبة الإنشائیة الإیقاعیة فقط فما لم تصدر الصیغة لایتصف المکلف بأنّه وقع علیه المادة فی عالم التشریع و یکون إیقاعها علیه و جعله فی کلفتها بنفس الإنشاء فهی موضوعة للنسبة الإنشائیة الإیقاعیة و لاتستعمل فی غیر ذلک أبداً فإذا ظهر... ظهر لک أنّ القول بکون الموضوع له هو الطلب الإنشائی لا معنی له»

ص: 150


1- «و ثانیاً أنّ الإرادة لیست من الأُمور القابلة للإنشاء الخ».
2- أجود التقریرات، ص134، المقصد الأول، الفصل الثانی، المقام الأول.
یلاحظ علیه:

إنّ التعبیر بإیقاع المادة علی المکلّف فی عالم التشریع لایناسب جمیع الموارد، مثلاً إذا أمر المولی عبده بضرب عدوّه أو بإکرام صدیقه و قال «إضرب عدوّی و أکرم صدیقی»، فانّ مادة الضرب أو الإکرام لاتقع علی المکلّف فی عالم التشریع، نعم إنّ وجوبهما یقع فی ذمة المکلّف إلّا أن مفاد الصیغة اولاً هو النسبة البعثیة و ینتزع من ذلک وجوب الضرب و الإکرام.

القول الرابع: النسبة الإرسالیة
اشارة

قال المحقق العراقی (قدس سره) :((1)) «صیغة اضرب مثلاً ... مادتها تدل حسب الوضع النوعی علی نفس الحدث و أما هیأتها الخاصة فهی أیضاً لاتدل إلا علی النسبة الإرسالیة و المحرکیة بین المبدأ و الفاعل لکن لا مفهوم هذه النسبة لأنّه معنی اسمی بل مصداقه و صورة ذلک الربط الخاص الحاصل من تحریک المأمور نحو العمل علی طبق الإرسال الخارجی و حینئذ فلایکون المستعمل فیه فی الصیغة إلا النسبة الإرسالیة لا مفهوم الطلب کما علیه [صاحب] الکفایة (قدس سره) و علیه فلابدّ و أن یکون دلالتها علی الطلب من جهة الملازمة خاصةً الناشی هذا التلازم من جهة کون المتکلم فی مقام الجدّ بالإرسال إذ حینئذ ینتقل الذهن من تلک النسبة الإرسالیة إلی مفهوم الطلب بانتقال تصوّری ففی الحقیقة منشأ هذا التلازم إنّما هو التلازم الخارجی بین منشأیهما و هما البعث و الإرسال الخارجی و الإرادة الخارجیة و عدم انفکاک أحد الأمرین عن الآخر...».

فالصیغة عنده (قدس سره) موضوعة للنسبة الإرسالیة الإیقاعیة و دلالتها علی الطلب

ص: 151


1- نهایة الأفکار، ج1، ص178، المقصد الأول، المبحث الثانی، الجهة الأُولی.

باعتبار کونه من لوازم المدلول.((1))

یلاحظ علیه:

إنّه قد تقدم أنّ الإرسال لایناسب جمیع موارد صیغة الأمر کما فی البعث نحو القراءة، فإنّه لا إرسال هنا نحو فعل.

القول الخامس: النسبة البعثیة

قال المحقق الإصفهانی (قدس سره) :((2)) « إنّ مدلول صیغة افعل و أشباهها لیس الطلب الإنشائی و لا الإرادة الإنشائیة بل البعث المأخوذ علی نحو المعنی الحرفی و المفهوم الأدوی.»

القول السادس: إبراز اعتبار الفعل علی ذمة المکلف
اشارة

قال السید الخوئی (قدس سره) :((3)) «إنّ المتبادر من الصیغة عند إطلاقها هو إبراز اعتبار الفعل علی ذمة المکلف فی الخارج و أما إرادة إبراز التهدید منها أو السخریة أو الاستهزاء أو نحو ذلک فتحتاج إلی نصب قرینة و بدونها لا دلالة لها علی ذلک و

ص: 152


1- بعد بطلان نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) والالتزام بأنّ مفاد الهیأة هو المعنی الحرفی فلابدّ من تعیین ذلک أما النسبة الطلبیة فلایکاد یکون مفاد الصیغة لأنّ الطلب کما استظهره المحقق الإصفهانی (قدس سره) منتزع من الإرادة المظهرة فهو متأخر رتبة عن إظهار الإرادة بالصیغة و أما النسبة الإرسالیة فلاتجری فی بعض الأفعال... و أما البعث فکما إنّه یناسب مواردَ الإرسال یناسب البعثَ الباطنی بل الابتهاجَ القلبی.
2- نهایة الدرایة، ج1، ص266، التعلیقة 146 علی هذه العبارة «الحق کما علیه أهله وفاقاً للمعتزلة و خلافاً للأشاعرة هو اتحاد الطلب و الإرادة».
3- محاضرات فی أصول الفقه، ط.ق: ج2، ص123؛ ط.ج: ج1، ص473، بحوث الأوامر، المقام الثانی، الجهة الأُولی.

من الطبیعی أنّ ذلک علامة کونها موضوعة بإزاء المعنی الأول دون غیره من المعانی».

و قال (قدس سره) فی موضع آخر:((1)) «و نتیجة ما ذکرناه أمران: الأول أنّ صیغة الأمر أو ما شاکلها موضوعة للدلالة علی إبراز الأمر الاعتباری النفسانی و هو اعتبار الشارع الفعل علی ذمة المکلّف و لاتدلّ علی أمر آخر ما عدا ذلک و الثانی أنّها [أی هذه الصیغة] مصداق للطلب و البعث لا إنّهما معناها و من ذلک یظهر أنّ الصیغة کما لاتدلّ علی الطلب و البعث کذلک لاتدلّ علی الحتم و الوجوب».

و الصیغة فی الاستعمال المجازی إبراز للتهدید أو السخریة أو غیر ذلک فتکون مصداقاً للتهدید أو السخریة أو غیر ذلک.

إیرادان من بعض الأساطین (دام ظله) :
اشارة

((2))

الإیراد الأول:

((3))

اعتبار ثبوت الفعل علی ذمّة المکلف معنی اسمی مستقل و هو یناقض مبناه (قدس سره) من أنّ معانی الحروف و ما یلحق بها من الهیآت معانٍ غیر مستقلة.

الإیراد الثانی:
اشارة

((4))

ما أفاده من أنّ الصیغة مصداق للطلب الاعتباری للتهدید و للسخریة و غیر

ص: 153


1- محاضرات فی أصول الفقه، ط.ج: ج1، ص483؛ ط.ق: ج2، ص129.
2- تحقیق الأصول، ص41 و 42.
3- «و أما أنّ المعنی الحقیقی لصیغة الإنشاء هو إبراز اعتبار ثبوت الشیء... فیه أنّ... و رابعاً أنّ اعتبار ثبوت الشیء فی الذمة معنی اسمی و هذا ینافی مسلک المحاضرات فی المعنی الحرفی و الهیأة من أنّه عبارة عن التضییق فی المعانی الاسمیة الخ».
4- «و ثالثاً أنّ المصداقیة من شؤون الحمل الشائع و المناط فیه هو الاتحاد الوجودی الخ».

ذلک غیر معقول لأنّ المصداقیة لایتحقق إلا بالحمل الشائع و مناطه هو الاتحاد فی الوجود و اتحاد وجود الصیغة و الطلب الاعتباری و التهدید و السخریة و أمثالها محال لأنّ وجود الصیغة وجود لفظی من مقولة الکیف المسموع و وجود هذه الدواعی من الکیفیات النفسانیة و اتحاد المقولتین المتباینتین غیر معقول.

و الصحیح أن یقال إنّ النسبة البعثیة قد تکون بداعی التهدید أو بداعی السخریة کما أنّها قد تکون بداعی بعث المکلّف نحو المأمور به.

یلاحظ علیه:

إنّ المصداقیة لیست فی الوجود اللفظی لصیغة الأمر بل إنّ معناها مصداق لهذه الأمور.

القول السابع: إبراز النسبة البعثیة
اشارة

قال بعض الأساطین (قدس سره) :((1)) إنّ صیغة الأمر عبارة عن إبراز البعث النسبی و لیست النسبة البعثیة موجودة بها.

و تفترق نظریتنا عن نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی أنّ الصیغة عنده (قدس سره) نفس النسبة البعثیة و عندنا مبرز للبعث النسبی و تفترق عن نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) فی أنّ المنکشف عنده (قدس سره) اعتبار ثبوت الفعل علی ذمة المکلف و عندنا هو البعث النسبی.

ملاحظتنا علیه:

أولاً: إنّ معنی الإبراز غیر مأخوذ فی مفاد صیغة افعل، بل إبراز صیغة افعل

ص: 154


1- تحقیق الأصول، ج2، ص43 – 45، رأی الشیخ الأستاذ «لکن التحقیق أنّ هذه النسبة البعثیة التکوینیة التی تقوم الصیغة مقامها لاتوجد بالصیغة بل إنّها تکون مبرزة لها الخ».

الذی هو عین إیجادها و إنشائها بنفسه إبراز النسبة البعثیة، فإنّ إبراز الکلمة إبراز لمعناها، فإن کان المراد من صیغة الأمر وجودها، فما أفاده صحیح؛ لأنّ وجودها عین إیجادها، و إیجادها عین إبرازها، و إبرازها إبراز النسبة البعثیه، و إن کان المراد من صیغة الأمر مفادها و معناها؛ فما أفاده مما لا یمکن المساعدة علیه، لأن مفاد صیغة الأمر نفس النسبة البعثیة لا إبرازها؛ فإنّ الابراز من قبیل الوجود و لیس دخیلاً فی المعنی الموضوع له.

ثانیاً: إنّ معنی الإبراز أیضاً معنی اسمی، فلا یمکن أن یکون الإبراز دخیلاً فی معنی صیغة الأمر.

نتیجة البحث: تمامیة نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) .

ص: 155

ص: 156

الأمر الثانی:الجمل الخبریة فی مقام البعث

اشارة

و الکلام فی موضعین:

الأول: فی أنّ الجمل الخبریة التی تستعمل فی مقام الطلب و البعث هل تستعمل فی معناها الخبری أو تستعمل فی المعنی الإنشائی؛

و الثانی: فی دلالتها علی الوجوب.

الموضع الأول: معنی هذه الجمل
اشارة

و فیه نظریات ثلاث:

قد اختلفوا فی معنی هذه الجمل الخبریة و مفادها مثل جملة یغتسل و یتوضأ و یعید.

قال المحقق الخوئی (قدس سره) :((1)) « و لیعلم أنّ استعمال الجمل المضارعیة فی مقام الإنشاء کثیر فی الروایات أما استعمال الجمل الماضویة فی مقام الإنشاء فلم نجد

ص: 157


1- محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص132؛ ج 1، ص484، بحوث الأوامر، المقام الثانی، الجهة الثالثة.

إلا فیما إذا وقعت جزاءً لشرط کقوله (علیه السلام) : «مَنْ تَکَلَّمَ فِی صَلَاتِهِ أَعَادَ»((1)) و نحوه.

النظریة الأُولی:

و هو مختار صاحب الکفایة (قدس سره) ((2)) و بعض الأساطین (دام ظله) ، ((3)) و المختار عندنا هذه النظریة.

قال صاحب الکفایة (قدس سره) :«لایخفی أنّه لیست الجمل الخبریة الواقعة فی ذلک المقام أی الطلب مستعملةً فی غیر معناها بل تکون مستعملة فیه إلا أنّه لیس بداعی الإعلام بل بداعی البعث بنحو آکد حیث إنّه أخبر بوقوع مطلوبه فی مقام طلبه إظهاراً بأنّه لایرضی إلا بوقوعه فیکون آکد فی البعث من الصیغة کما هو الحال فی الصیغ الإنشائیة علی ما عرفت من أنّها أبداً تستعمل فی معانیها الإیقاعیة لکن بدواعی أُخر کما مر».

النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره)
اشارة

و لها تقریبان:

التقریب الأول:

((4))

قال (قدس سره) : «إنّما الکلام و الإشکال فی أنّها [أی الجملة الخبریة فی مقام بیان الحکم

ص: 158


1- دعائم الإسلام، ج1، ص172 «و روینا عن علی (علیه السلام) أنّه قال: من تکلم فی صلاته أعاد» و ص 191 «و عنه [أی علی (علیه السلام) ] أنّه قال: من تکلم فی صلاته أعادها»؛ مستدرک الوسائل، ج5، ص427، الباب 21 من أبواب قواطع الصلاة، ح1 عن الدعائم؛ بحار الأنوار، ج81، ص307، الباب 17، ح 32 عن الدعائم.
2- کفایة الأصول، ص71، المقصد الأول، الفصل الثانی، المبحث الثالث.
3- تحقیق الأُصول، ج2، ص58، الجملة الخبریة، مختار الأُستاذ «و قال الأُستاذ دام بقاه فی الدورة اللاحقة بأنّ الحق مع المحقق الخراسانی الخ».
4- نهایة الأفکار، ج1، ص180 و 181، المقصد الأول، المبحث الثانی، الجهة الثالثة.

الشرعی] هل کانت مستعملةً فی الطلب أو الإرسال بما هو مفاد الصیغة مجازاً أو إنّها مستعملة فی معناها الذی تستعمل فیه فی مقام الإخبار و هو النسبة الإیقاعیة لکنه بداعی إفادة ملزومه و هو الطلب و البعث ... أو لا هذا و لا ذاک بل کان استعمالها فی معناها الحقیقی الإخباری و کان الغرض و الداعی من الاستعمال أیضاً هو الإعلام و الإخبار دون الطلب و البعث و الإرسال - کما هو قضیة الوجه الثانی - و لکن إعلامه بتحقق الفعل من المکلف إنّما کان بلحاظ تحقق مقتضیه و علته و هو الإرادة و الطلب کما هو الشأن فی غیر المقام من موارد الإخبار بوجود المقتضَی عند تحقق مقتضیه... فهذه وجوه ثلاثة لکن أضعفها أولها... و حینئذ فیدور الأمر بعد بطلان الوجه الأول بین الوجهین الأخیرین و عند ذلک نقول: إنّه و إن کان لکل منهما وجه وجیه و لکن الأوجه هو الوجه الأخیر بملاحظة أقربیته إلی الاعتبار و الوجدان و شیوعه أیضاً عند العرف و العقلاءمن ترتیبهم الآثار علی الأشیاء التی منها الإخبار بوقوعها بمحض العلم بوجود عللها و مقتضیاتها ...»

التقریب الثانی:
اشارة

((1))

قال (قدس سره) : «و علی کل حال ففی المقام وجه رابع لاستفادة الطلب من الجمل الخبریة و لعلّه أوجه من الوجوه المتقدمة و هو أن یقال بأنّ استفادة الطلب من مثل هذه الجمل الواردة فی مقام بیان الحکم الشرعی إنّما هو من جهة کونه من لوازم قضیة الجدّ بإیقاع النسبة التی هی مدلول الجمل و ذلک أیضاً بمقتضی التلازم الثابت بین الإیقاع الخارجی و الإرادة، بتقریب أنّه کما أنّ إخراج المبدأ

ص: 159


1- نهایة الأفکار، ص182 و 183.

من کمون الفاعل خارجاً و إیقاع النسبة بینه و بین الفاعل فی الخارج ملازم مع إرادة الوجود و لایمکن انفکاکه عنها کذلک هذه النسبة الإیقاعیة الذهنیة؛ فإذا کان المتکلم فی مقام الجدّ بهذا الإیقاع فقضیة جدّه بذلک تقتضی ملازمته مع إرادة الوجود من المکلف فعلیه فکان ما هو المستعمل فیه فی تلک الجمل هو النسبة الإیقاعیة التی تستعمل فیها فی مقام الإخبار إلا أنّه لم یقصد بإیقاع تلک النسبة الإیقاعیة فی مقام استعمال الجملة الحکایة عن الواقع الثابت کما فی سائر الجمل الإخباریة. نعم لازمه هو عدم انفکاک قضیة الجدّ بإیقاع النسبة أیضاً عن قصد الإنشاء بعد عدم قصد الحکایة بها عن واقع ثابت کما لایخفی».

ملاحظتنا علیهما:

أولاً: إذا أُتی بهذه الجمل فی مقام الإنشاء، و قُصد معناها الخبری و کان الداعی أیضاً هو الإخبار لا البعث فیلزم الکذب فلاشک فی أنّ الداعی لیس هو الإخبار عن الواقع وجداناً و لایمکن الجمع بینه و بین کونها فی مقام الإنشاء.

ثانیاً: إنّ مقتضی إیجاد الفعل هو الطلب و الإرادة فی نفس المکلّف و هو غیر معلوم التحقق و أما ارادة المولی فهی شرعیة و لیست علّة لتحقق الفعل.

النظریة الثالثة: مختار السید المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

(1)

إنّ المستعمل فیه فی الجمل الخبریة فی مقام الإنشاء غیر المعنی الذی تستعمل فیه فی مقام الإخبار لأنّ المتفاهم العرفی من کل منهما غیر المتفاهم العرفی من

ص: 160


1- . محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص135؛ ج 1، ص487 و 488، بحوث الأوامر، المقام الثانی، الجهة الثالثة «... فالنتیجة علی ضوئها هی عدم الفرق فی الدلالة علی الوجوب بین تلک الجمل و بین صیغة الأمر لفرض أنّ کلتیهما قد استعملتا فی معنی واحد و هو إبراز الأمر الاعتباری النفسانی فی الخارج هذا من جانب... و علی الجملة فلاینبغی الشک فی أنّ المتفاهم العرفی من الجملة الفعلیة التی تستعمل فی مقام الإنشاء غیر ما هوالمتفاهم العرفی منها إاذ استعملت فی مقام الإخبار» و فی ص489 «و أما نقطة الافتراق [ افتراق نظریتنا و نظریة المشهور] و هی أنّ تلک الجمل تدل علی الوجوب بحکم العقل علی أساس نظریتنا و لاتدل علیه علی أساس نظریة المشهور»

الآخر و تلک الجمل الخبریة الواقعة فی مقام الإنشاء مفادها مفاد صیغة الأمر قد استعملتا فی معنی واحد و هو إبراز الأمر الاعتباری النفسانی فی الخارج و بعبارة أُخری إبراز اعتبار شیء علی ذمّة المکلف و دلالتهما علی الوجوب بحکم العقل کما مضی بیانه.

استشکل علیه بعض الأساطین (دام ظله) :

((1))

«إنّ الحق مع المحقق الخراسانی (قدس سره) لعدم مجیء مدّعَی القول الثانی [أی مدّعی السید الخوئی (قدس سره) ] إلی ذهن أحد ممّن سمع قول الإمام (علیه السلام) : یعید الصلاة و نحوه أو رواه بل إنّ مفاد هذه الجملة ... نفس مفادها فی مقام الإخبار و المستعمل فیه فی کلا المقامین هو الإعادة غیر أنّ القرائن الحالیة أو المقامیة أفادت أنّ الداعی... هو الطلب و لما کان استعمال الجملة بهذا الداعی فلا مجال لتوهم لزوم الکذب».

الموضع الثانی: دلالتها علی الوجوب

إنّ هذا دائر مدار النکتة التی بها تدل علی الطلب و المحقق الخوئی (قدس سره) یری أنّ الدلالة علی الوجوب بحکم العقل.

ص: 161


1- تحقیق الأصول، ج2، ص58.

ص: 162

الأمر الثالث:الواجب التعبدی و التوصلی

تمهید

إنّ الأعلام اختلفوا فی جعل هذا البحث من مباحث صیغة الأمر فالمحقق الإصفهانی (قدس سره) قال:((1)) « إنّ الوجوب فی التوصلی لایغایر الوجوب فی التعبدی أصلاً ... و الإطلاق المدّعی فی المقام هو إطلاق المادة دون إطلاق الوجوب» و خالفه بعض الأساطین (دام ظله) و سنشیر إلیه فی محله إن شاء الله.

و البحث هنا فی أنّ الأصل اللفظی و العملی یقتضی التوصلیة أو التعبدیة؟ و لکنه لابدّ من البحث عن مقتضی الأصل اللفظی و العملی علی المعانی الأربعة التی للواجب التوصلی.

ص: 163


1- نهایة الدرایة، ج1، ص320، التعلیقة 165 علی هذه العبارة «الوجوب التوصلی هو ما کان الغرض منه یحصل بمجرد حصول الواجب».
مقدمة: فی بیان المعانی الأربعة للواجب التوصلی

قبل الورود فی البحث لابدّ من بیان معانی الواجب التوصلی و التعبدی فإنّ للواجب التوصلی معانی أربعة أشار إلیها المحقق النائینی (قدس سره) فقال:((1)) إنّ التوصلی یطلق علی معنیین ثم قسّم المعنی الثانی إلی ثلاثة أقسام و تبعه المحقق الخوئی (قدس سره) .((2))

فلابدّ من أن نبحث عن هذه المعانی الأربعة کما قرره المحقق الخوئی (قدس سره) و بعض من تبعه (قدس سره) :((3))

المعنی الأول: «ما لاتعتبر فیه المباشرة من المکلف بل یسقط عن ذمته بفعل الغیر سواء کان بالتبرّع أم بالاستنابة».

المعنی الثانی: «ما لایعتبر فی سقوطه الالتفات و الاختیار» بل یسقط فی ما صدر منه بغیر اختیار و إرادة و فسره السید الصدر (قدس سره) ﺑ «ما یسقط و لو بالحصة الصادرة عن المکلف اضطراراً و إلجاءً».

المعنی الثالث: «ما لایعتبر فیه إتیانه فی ضمن فرد سائغ [و جائز]» بل یسقط بإتیانه فی ضمن فرد محرم.

ص: 164


1- أجود التقریرات، ج1، ص146، المقصد الأول، الفصل الثانی، المقام الثانی، المبحث الثانی، الأمر الأول «إنّ الوظائف العملیة فی شرعنا أو فی سائر الشرائع تارةً یکون تشریعها لأجل التعبد و التقرب بها... و أُخری لأجل مطلق وجودها فی الخارج... فالأول یسمی بالتعبدی و الثانی بالتوصلی و قد یطلق التوصلی علی معنی یعم بعض التعبدیات أیضاً و هو ما یسقط أمره بمطلق وجوده فی الخارج و لو کان بفعل الغیر أو من دون إرادة و اختیار أو بفعل محرم من المحرمات».
2- محاضرات فی أصول الفقه، ج2، 139؛ ج 1، ص492، بحوث الأوامر، المقام الثانی، الجهة الرابعة.
3- بحوث فی علم الأصول، ج2، ص63، بحوث الأوامر، صیغة الأمر، الجهة الرابعة.

المعنی الرابع: و هو المعنی المشهور المتداول.

فسّره صاحب الکفایة (قدس سره) بقوله: « الوجوب التوصلی هو ما کان الغرض منه یحصل بمجرد حصول الواجب و یسقط بمجرد وجوده، بخلاف التعبدی فإنّ الغرض منه لایکاد یحصل بذلک بل لابدّ فی سقوطه و حصول غرضه من الإتیان به متقرّباً به منه تعالی.»

و فسّره المحقق النائینی (قدس سره) بأنّ التوصلی ما شُرّع «لأجل مطلق وجودها فی الخارج و إن أمکن التقرب بها أیضاً » و التعبدی ما « یکون تشریعها لأجل التعبد و التقرب بها المعبر عنه فی اللغة الفارسیة ﺑ”پرستش“».((1))

و فسره المحقق الخوئی (قدس سره) ((2)) بأنّ الواجب التوصلی « ما لایعتبر فیه قصد القربة و ذلک کغسل المیت و کفنه ودفنه و ما شاکل ذلک حیث إنّها واجبات فی الشریعة الإسلامیة ولایعتبر فی صحتها قصد القربة و الإتیان بها مضافاً إلی الله سبحانه و تعالی فلو أتی بها بدون ذلک سقطت عن ذمته. نعم استحقاق الثواب علیها یرتکز علی الإتیان بها بقصد القربة و بدونه لایستحق و إن حصل الإجزاء ... و فی مقابله ما یعتبر فیه قصد القربة و هو المعبر عنه بالواجب التعبدی فلو أتی به بدون ذلک لم یسقط عنه و کان کمن لم یأت به أصلاً. »

و الواجب التوصلی و التعبدی بهذا المعنی الأخیر هو الذی وقع فیه النزاع بین الأعلام کما اعترف به المحقق النائینی (قدس سره) قال:((3))

«و التوصلی بالمعنی الأول [و هو المعنی الأخیر حسب ما ذکرنا] هو الذی

ص: 165


1- أجود التقریرات، ج1، ص146.
2- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص139؛ ج 1، ص491 و 492.
3- أجود التقریرات، ج1، ص147.

وقع فیه النزاع من الأعلام و لعل المشهور علی جواز التمسک بالإطلاق فی إثباته و أما بالمعنی الثانی فلم یدّعِ أحد جواز التمسک بالإطلاق لإثباته».

و مراده من «المعنی الثانی» المعانی الثلاثة التی ذکرناها قبل المعنی الرابع و ذکرها أیضاً قال (قدس سره) :

«و قد یطلق التوصلی علی معنی یعم بعض التعبدیات أیضاً و هو ما یسقط أمره بمطلق وجوده فی الخارج و لو کان بفعل الغیر أو من دون إرادة و اختیار أو بفعل محرم من المحرمات».

ص: 166

مقتضی الأصل فی الواجب التوصلی
اشارة

هنا أربعة مباحث:

المبحث الأول: مقتضی الأصل علی المعنی الأول
اشارة

و المعنی الأول هو ما لایعتبر فیه المباشرة و نتکلم هنا عن مقتضی الأصل اللفظی و العملی.

أما مقتضی الأصل اللفظی
اشارة

فهنا قولان:

القول الأول:

«إنّ مقتضی الإطلاق سقوطه و کونه واجباً توصلیاً من دون فرق فی ذلک بین کون فعل الغیر بالتسبیب أو بالتبرع أو بغیر ذلک».

و هو قول المشهور کما نسب إلیهم المحقق الخوئی (قدس سره) .((1))

القول الثانی:
اشارة

عدم السقوط و النتیجة هی التعبدیة، و هو مختار المحقق النائینی((2)) و المحقق

ص: 167


1- محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص14.
2- أجود التقریرات، ج1، ص150 «القسم الأول و هو السقوط بفعل الغیر ینقسم إلی السقوط بفعل الغیر مع الاستنابة و بدونها أما السقوط بالاستنابة فمقتضی الإطلاق عدمه... و أما السقوط بفعل الغیر من دون الاستنابة فینفیه إطلاق الصیغة أیضاً... فتحصل من جمیع ما ذکرنا أنّ مقتضی الأصل اللفظی فی ما إذا شک فی سقوط واجب بفعل الغیر بالاستنابة أو بدونها هو عدم السقوط لإطلاق الصیغة فی التعیینیة من جهة المُصدر و عدم اشتراطه بعدم فعل الغیر له».

الخوئی((1)) و السید المحقق الصدر (قدس سرهم). ((2))

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) :

«إنّ مقتضی الإطلاق لو کان هو عکس ما نسب إلی المشهور و إنّه لایسقط بفعل غیره بلا فرق بین کونه بالتسبیب أو بالتبرع و السبب فی ذلک أنّ التکلیف هنا بحسب مقام الثبوت یتصور علی أحد أنحاء:

الأول: أن یکون متعلقه الجامع بین فعل المکلف نفسه و فعل غیره فیکون مردّه إلی کون الواجب أحد الفعلین علی سبیل التخییر.

و فیه: أنّ هذا الوجه غیر معقول و ذلک لأنّ فعل الغیر خارج عن اختیار المکلف و إرادته فلایعقل تعلّق التکلیف بالجامع بینه و بین فعل نفسه.

الثانی: أن یکون متعلقه الجامع بین فعل المکلف نفسه و بین استنابته لغیره و نتیجة ذلک هی التخییر بین قیام نفس المکلف به و بین الاستنابة لآخر و هو فی نفسه و إن کان أمراً معقولاً و لا بأس بالإطلاق من هذه الناحیة و شموله لصورة الاستنابة.

ص: 168


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص142 – 144؛ ج 1، ص495 – 498، بحوث الأوامر، المقام الثانی، الجهة الرابعة.
2- بحوث فی علم الأُصول، ج2، ص65، بحوث الأوامر، صیغة الأمر، الجهة الرابعة، المسألة الأُولی، المقام الأول «المقام الأول فی ما هو مقتضی إطلاق الأمر و الأصل اللفظی و قد ذکر السید الأُستاذ فی المقام أنّ مقتضی القاعدة عدم السقوط أی التعبدیة بالمعنی الأول لأنّ هذا الشک یرجع إلی الشک فی سعة دائرة الوجوب و ضیقه - إطلاق الهیأة – لا سعة دائرة الواجب و ضیقه– إطلاق المادة -... و فیه أولاً... و ثانیاً... و إنّما الصحیح فی المنع عن هذا الإطلاق مطلقاً أو فی الجملة التوجه إلی نکتة أُخری و حاصلها أنّه لا إشکال فی أخذ نسبة المبدأ إلی الفاعل (النسبة الصدوریة) تحت الأمر أیضاً الخ».

إلا أنّه خاطئ من جهة ...أنّ لازم ذلک الإطلاق کون الاستنابة فی نفسها مسقطةً للتکلیف و هو خلاف المفروض بداهة أنّ المسقط له إنّما هو الإتیان الخارجی ...

الثالث: أن یقال: إنّ أمر التکلیف فی المقام یدور بین کونه مشروطاً بعدم قیام غیر المکلف به [فیسقط بقیام غیر المکلف به] و بین کونه مطلقاً أی سواء أقام غیره به أم لم یقم فهو لایسقط عنه.

و یمتاز هذا الوجه عن الوجهین الأولین بنقطة واحدة و هی أنّ فی الوجهین الأولین یدور أمر الواجب بین کونه تعیینیاً أو تخییریاً و لا صلة لهما بالوجوب و فی هذا الوجه یدور أمر الوجوب بین کونه مطلقاً أو مشروطاً و لا صلة له بالواجب ثم إنّ هذا الوجه و إن کان بحسب الواقع أمراً معقولاً و محتملاً و لا محذور فیه أصلاً إلا أنّ الإطلاق فی مقام الإثبات یقتضی عدم الاشتراط و أنّه لایسقط عن ذمّة المکلّف بقیام غیره به و من الطبیعی أنّ الإطلاق فی هذا المقام یکشف عن الإطلاق فی ذاک المقام بقانون التبعیة ... و قد تحصل من ذلک أنّ مقتضی إطلاق کل خطابٍ متوجّهٍ إلی شخص خاصّ أو صنف هو عدم سقوطه عنه بقیام غیره به؛ فالسقوط یحتاج إلی دلیل ... إلی هنا قد استطعنا أن نخرج بهذه النتیجة و هی أنّ مقتضی الأصل اللفظی فی المسألة عدم التوصلیة».

ص: 169

أما مقتضی الأصل العملی
اشارة

هنا نظریات:

النظریة الأولی: من المشهور

إنّ الأصل العملی علی المشهور من جریان الاستصحاب فی الشبهات الحکمیة هو استصحاب بقاء التکلیف و عدم سقوطه و النتیجة هی التعبدیة.

النظریة الثانیة: من المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

أما علی مختار السید المحقق الخوئی (قدس سره) من عدم جریان الاستصحاب فیها فالأصل العملی هو أصالة الاشتغال و نتیجتها أیضاً التعبدیة.

بیان ذلک: إنّ الشک فی إطلاق التکلیف و اشتراطه قد یکون مع عدم إحراز فعلیة التکلیف و ذلک إذا لم یکن ما یحتمل شرطیته متحققاً من الأول ففی مثل ذلک بطبیعة الحال یرجع الشک فیه إلی الشک فی أصل توجه التکلیف و هو مورد البراءة.

و قد یکون مع إحراز فعلیة التکلیف و ذلک کما إذا کان ما یحتمل شرطیته متحققاً من الابتداء ثم ارتفع و زال و لأجله شک المکلف فی بقاء التکلیف الفعلی وارتفاعه ومن الواضح أنّه مورد لقاعدة الاشتغال دون البراءة و لایختص هذا بمورد دون مورد آخر بل یعمّ کافة الموارد التی شک فیها فی بقاء التکلیف بعد الیقین بثبوته و اشتغال ذمة المکلف به و مقامنا من هذا القبیل.

یلاحظ علیه:

إن ما أفاده یتم علی مبناه من عدم جریان الإستصحاب فی الشبهات الحکمیة

ص: 170

و المبنی مخدوش کما یأتی إنشاء الله تعالی فی مباحث الاستصحاب.

النظریة الثالثة: تفصیل السید الصدر (قدس سره) فی المقام
اشارة

قال (قدس سره) :((1)) «إنّ المحقق الصدر (قدس سره) ذهب إلی التفصیل فی المقام بین الصورتین ففی إحداها قال بجریان البراءة و فی أخریها قال بجریان الإستصحاب... و أما فی الفرض الذی یکون الشک فی سقوط الوجوب بفعل الغیر، فلابدّ من ملاحظة منشأ احتمال سقوط الوجوب بفعل الغیر ذلک أنّ الشک فی السقوط تارةً یکون من جهة احتمال اشتراط الوجوب بعدم فعل الغیر بحیث یکون فعله رافعاً للوجوب من أول الأمر بنحو الشرط المتأخر و أُخری یکون مسقطاً و رافعاً للوجوب بقاءً بنحو الشرط المقارن.

أما فی الحالة الأُولی فمقتضی الأصل العملی هو البراءة لا الاشتغال و لا الاستصحاب لکون الشک فی ارتفاع الوجوب من أول الأمر و أما الحالة الثانیة فینبغی أن یعلم بأنّ سقوط الوجوب بقاءً بفعل الغیر لایمکن أن یکون من جهة تحقق الغرض و الملاک به... بل لابدّ أن یکون إما من جهة احتمال زوال المحبوبیة و ارتفاعها بفعل الغیر أو من جهة أنّ فعل الغیر سبب فوات الملاک بنحو لایمکن تحصیله بعد ذلک ... و مقتضی الأصل فیهما معاً جریان الاستصحاب دون أصالة الاشتغال ...»

یلاحظ علیه:

إنّ الاحتمال الأول خلاف ظواهر الأدلّة و لا مثبت لها (و لنذکر هنا أنّ مبنی

ص: 171


1- بحوث فی علم الأصول، ج2، ص66، بحوث الأوامر، صیغة الأمر، الجهة الرابعة، المسألة الأُولی، المقام الثانی.

المحقق الصدر (قدس سره) تختلف أساساً عن مبنی السید الخوئی (قدس سره) فلو فرضنا عدم جریان الاستصحاب فی هذه الصورة کما هو مختار السید الخوئی (قدس سره) فالقاعدة عنده الاشتغال و لکن السید الصدر (قدس سره) ذهب إلی أنّ القاعدة حینئذٍ أصالة البراءة و لانحتاج إلی البحث عن ذلک بعد جریان الاستصحاب).

و المتحصّل: أنّ المختار هنا صحّة نظریة المشهور و هو جریان استصحاب بقاء التکلیف.

ص: 172

المبحث الثانی: مقتضی الأصل علی المعنی الثانی
اشارة

المعنی الثانی هو ما لایعتبر فیه الالتفات و الاختیار و هنا یقع الکلام فی مقتضی الأصل اللفظی و الأصل العملی.

أما مقتضی الأصل اللفظی
اشارة

فهنا قولان:

القول الأول: أصالة التوصلیة

قد تمسک بعض الأعلام بأصالة الإطلاق لإثبات أنّ الواجب فی الواقع هو الجامع بین الحصة المقدورة و غیر المقدورة فإذا صدر الفعل من المکلف بغیر اختیار و إرادة فمقتضی الإطلاق اللفظی بمقدمات الحکمة سقوطه عن ذمة المکلف و هذا مختار بعض الأعلام مثل المحقق الخوئی (قدس سره) .

القول الثانی: أصالة التعبدیة
اشارة

و هو عدم سقوط الفعل عن ذمة المکلف إلا إذا صدر منه باختیاره و إرادته.

أدلة أربعة علی القول الثانی:
الدلیل الأول: ما استدل به المحقق النائینی (قدس سره)
اشارة

((1))

قال (قدس سره) : « تمتاز صیغة افعل عن سائر الأفعال فی الدلالة علی الاختیاریة من

ص: 173


1- أجود التقریرات، ج1، ص153، المقصد الأول، الفصل الثانی، المقام الثانی، المبحث الثانی، الأمر الأول.

وجهین: الأول أنّ المطلوب علی المذهب الحق لابدّ و أن یکون حسناً بالحسن الفاعلی و هو لایتحقق إلا فی خصوص الفعل الإرادی . نعم الحسن الفعلی لایتخلّف عن الفعل سواء صدر بالاختیار أم لا، إلا أنّه لیس مصحّحاً للتکلیف بل المصحح له هو الحسن الفاعلی المختص بحال الإرادة و الاختیار».

إیرادان من المحقق الخوئی (قدس سره) علیه:
اشارة

((1))

الإیراد الأول:

«إنّ اعتبار الحسن الفاعلی فی الواجب زائداً علی الحسن الفعلی و الملاک القائم فیه لا دلیل علیه و الدلیل إنما قام علی اعتبار الحسن الفعلی و هو المصلحة القائمة فی الفعل التی تدعو المولی إلی إیجابه.»

الإیراد الثانی:

«لزم من ذلک [أی من اعتبار الحسن الفاعلی فی الواجبات] محذور آخر ... و ذلک المحذور هو عدم کفایة الإتیان بالواجب عندئذ عن إرادة و اختیار أیضاً فی سقوطه بل لابدّ من الإتیان به بقصد القربة بداهة أنّ الحسن الفاعلی لایتحقق بدونه و من الطبیعی أنّ الالتزام بهذا المعنی یستلزم إنکار الواجبات التوصّلیة و انحصارها بالواجبات التعبدیة و ذلک لأنّ کل واجب عندئذ یفتقر إلی الحسن الفاعلی و لایصح بدونه و المفروض أنّه یحتاج إلی قصد القربة و هذا لایتمشی مع تقسیمه (قدس سره) الواجب إلی تعبدی و توصلی.»

ص: 174


1- محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص150 و 151؛ ج1، ص504 و 505، بحوث الأوامر، المقام الثانی، الجهة الرابعة، إذا شک فی کون الواجب توصلیاً أو تعبدیاً، المقام الأول، المسألة الثانیة.
الدلیل الثانی: ما استدل به أیضاً المحقق النائینی (قدس سره)
اشارة

((1))

قال (قدس سره) : «الثانی أنّ الطلب التشریعی - کما ذکرناه - هو تحریک عضلات العبد نحو المطلوب بإرادته و اختیاره و جعل الداعی له لأن یفعل و من البدیهی أنّه إنّما یمکن جعل الداعی فی خصوص الفعل الإرادی لا الأعم منه و من غیره و علیه فالمطلوب دائماً هو الفعل الإرادی».

فإذا شککنا فی سقوط الواجب بمجرد تحقّقه فی الخارج بلا اختیار و إرادة فمقتضی الإطلاق عدم سقوطه لأنّ إجزاء غیر الواجب عن الواجب یحتاج إلی دلیل (و أصالة الإطلاق تنفی اشتراط توجّه الخطاب بعدم تحقق الفعل من دون اختیار و إرادة.)

إیرادات ثلاثة علیه:
الإیراد الأول: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره)

((2))

«إنّ اعتبار القدرة فی متعلق التکلیف إنّما هو بحکم العقل لا بمقتضی الخطاب».

الإیراد الثانی: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) أیضاً

«إنّ اعتبار القدرة فیه سواء أکان بحکم العقل أو بمقتضی الخطاب لیس إلا من ناحیة أنّ التکلیف بغیر المقدور لغو و من الطبیعی أنّ ذلک لایقتضی إلا استحالة تعلق التکلیف بغیر المقدور خاصة و أما تعلقه بخصوص الحصة

ص: 175


1- أجود التقریرات، ج1، ص154.
2- محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص148 – 150؛ ج 1، ص502 – 504.

المقدورة فحسب فلا، ضرورةَ أنّ غایة ما یقتضی ذلک کون متعلقه مقدوراً و من المعلوم أنّ الجامع بین المقدورِ و غیرِه مقدور فلا مانع من تعلقه به ... هذا بحسب مقام الثبوت و أما بحسب مقام الإثبات فإن کان هناک إطلاق کشف ذلک عن الإطلاق فی مقام الثبوت یعنی أنّ الواجب هو الجامع دون خصوص حصة خاصة فعندئذ إن کان المولی فی مقام البیان و لم یقم قرینةً علی التقیید تعین التمسک بالإطلاق لإثبات [التوصلیة و] صحة الفعل لو جیء به فی ضمن حصة غیر مقدورة».

الإیراد الثالث:

الظاهر أنّه لاتصل النوبة إلی ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) بل استدلال المحقق النائینی (قدس سره) مخدوش ثبوتاً لأنّ استدلاله یتوقف علی أن یکون توجه الخطاب موجباً لتقیید الفعل الذی تعلق به الحکم الشرعی بوجود الداعویة المستفادة من الخطاب و لمّا کان وجود الداعی ملازماً لاختیاریة الفعل فینتج المطلوب و لکنه مستحیل لأنّ متعلق الحکم مقدم رتبةً علی الحکم کما أنّ الحکم أیضاً مقدم رتبةً علی الحکم الشرعی فلایمکن تقیید متعلق الحکم الشرعی بما هو من شؤون الخطاب فما أفاده (قدس سره) من أنّ المطلوب دائماً هو الفعل الاختیاری ممنوع.

الدلیل الثالث: ما قرره المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

((1)) بناءً علی نظریة المحقق النائینی (قدس سره)

قال المحقق الخوئی (قدس سره) : «لا مانع من التمسک بالإطلاق فی هذه المسألة ... هذا بناءً علی نظریتنا من أنّ التقابل بین الإطلاق و التقیید من تقابل التضاد فاستحالة التقیید تستلزم ضرورةَ الإطلاق لا استحالتَه ...

ص: 176


1- محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص150؛ ج 1، ص504.

و أما بناءً علی نظریة شیخنا الأُستاذ [أی المحقق النائینی (قدس سره) ] من أنّ التقابل بینهما من تقابل العدم والملکة فإذا أمکن أحدهما أمکن الآخر و إذا استحال استحال فلایعقل الإطلاق فی المقام حتی یمکن التمسک به و ذلک لاستحالة التقیید هنا أی تقیید الواجب فی الواقع بخصوص الحصة الغیر المقدورة؛ فإذا استحال استحال الإطلاق.»

إیراد السید المحقق الصدر (قدس سره) علی هذا الوجه:

قال (قدس سره) :((1)) «فیه أنّ هذا الکلام لم یکن مناسباً للسید الأُستاذ فإنّ الإطلاق المطلوب فی المقام إنّما هو الإطلاق فی مقابل التقیید بالحصة الاختیاریة، لأنّ إطلاق الطبیعة لحصة عبارة عن عدم تقییدها بما یقابل تلک الحصة لا عدم تقییدها بتلک الحصة و فی المقام تقیید المادّة بالحصّة الاختیاریة ممکن کما هو واضح فلابدّ و أن یکون إطلاقها المستلزم لانطباقها علی الحصة غیر الاختیاریة ممکناً أیضاً».

الدلیل الرابع:
اشارة

((2))

«دعوی أنّ الفعل عند الإطلاق ینصرف إلی حصة خاصة و هی الحصة المقدورة؛ فالسقوط بغیرها یحتاج إلی دلیل و إلا فالإطلاق یقتضی عدمه.»

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیه:

«إنّ منشأ هذا الانصراف لایخلو من أن یکون موادَّ الأفعال أو هیآتَها؛ أما

ص: 177


1- بحوث فی علم الأُصول، ج2، ص68، بحوث الأوامر، صیغة الأمر، الجهة الرابعة، المسألة الثانیة، الأصل اللفظی، الوجه الثانی.
2- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص146 و 147؛ ج 1، ص500 و 501.

المواد فقد ذکرنا فی بحث المشتق بشکل موسع أنّها موضوعة للطبیعة المهملة العاریة عن کافة الخصوصیات و هی المشترکة بین الحصص الاختیاریة و غیرها... نعم وضع بعض المواد لخصوص الحصة الاختیاریة و ذلک کالتعظیم و التجلیل و السخریة و الهتک و ما یشاکل ذلک.

و أما الهیآت فأیضاً کذلک یعنی أنّها موضوعة لمعنی جامع بین المواد بشتی أشکالها و أنواعها أی سواء أکانت تلک المواد من قبیل الصفات کمادة علم و کرم و ابیضّ و اسودّ و احمرّ وما شاکل ذلک أو من الأفعال و هی قد تکون اختیاریة کما فی مثل قولنا: ضرب زید و قام عمرو و ما شاکلهما و قد تکون غیر اختیاریة کما فی مثل قولنا: تحقق موت زید و أسرع النبض و جری الدم فی العروق و نحو ذلک فالنتیجة أنّه لا أساس لأخذ الاختیار فی الأفعال لا مادةً و لا هیأةً».

ص: 178

أما مقتضی الأصل العملی
اشارة

فهنا قولان:

القول الأول:

المرجع عند المحقق النائینی (قدس سره) هو الاستصحاب.

القول الثانی:

قال المحقق الخوئی (قدس سره) ((1)): « الأصل العملی یقتضی البراءة و ذلک لأنّ تعلق الوجوب بالجامع معلوم و إنّما الشک فی تعلقه بخصوص الحصّة المقدورة و من الطبیعی أنّ المرجع فی ذلک هو أصالة البراءة عن وجوب خصوص تلک الحصة و علیه فلو تحقق الواجب فی ضمن فرد غیر مقدور سقط».

و البراءة هنا أصل موضوعی و الاستصحاب أصل حکمی.

ص: 179


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص150؛ ج 1، ص504.
المبحث الثالث: مقتضی الأصل علی المعنی الثالث
اشارة

المعنی الثالث هو ما لایعتبر فیه أن یکون فی ضمن فرد سائغ.

إما تکون الحرمة متعلقة بنفس عنوان الواجب و إما لا تکون فهنا قسمان:

القسم الأول:
اشارة

أن تکون الحرمة متعلقة بنفس عنوان الواجب فالمأتی به فی الخارج مصداق للحرام حقیقةً و یقع الکلام هنا فی مقتضی الأصل اللفظی و العملی:

أما مقتضی الأصل اللفظی
اشارة

«تارةً نعلم بأنّ الإتیان بالواجب فی ضمن فرد محرم مسقط له و سقوطه من ناحیة سقوط موضوعه ... کغسل الثوب المتنجس بالماء المغصوب حیث یسقط عن ذمته بانتفاء موضوعه و حصول غرضه و ما شاکل ذلک و تارة أُخری نشک فی أنّه یسقط لو جیء به فی ضمن فرد محرم أو لا و ذلک کغسل المیت و تحنیطه و تکفینه و دفنه و ما شاکل ذلک فلو غسل المیت بالماء المغصوب أو دفن فی أرض مغصوبة أو حنط بالحنوط المغصوب أو غیر ذلک و شککنا فی سقوط التکلیف بذلک و عدم سقوطه فنقول: لا إشکال و لا شبهة فی أنّ مقتضی إطلاق الواجب عدم السقوط»((1)) لأنّ ما هو المبعِّد لایکون مقرِّباً فالأصل هو التعبدیة.

بیان أنّ مقتضی الإطلاق التعبدیة:

إنّا نشک فی اشتراط الوجوب و التکلیف بعدم إتیان الفعل فی ضمن الفرد

ص: 180


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص151.

المحرم (و معنی ذلک سقوط التکلیف لو أتی بالفعل فی ضمن الفرد المحرم لحصول ما هو الغرض من التکلیف) أو إطلاق التکلیف و تعلقه بالمکلف سواء أتی به فی ضمن فرد محرم أم لم یأت به أصلاً (فلو أتی به فی ضمن الفرد المحرّم لایسقط التکلیف عنه بل هو باق علی عهدة المکلّف کما أنّه باق علی عهدة المکلف فی ما لم یأت بالفعل أصلاً).

فأصالة الإطلاق تقتضی بقاء التکلیف علی عهدة المکلف و إن أتی به فی ضمن الفرد المحرم.

أما مقتضی الأصل العملی

فهنا قولان:

القول الأول: القاعدة هی استصحاب وجود التکلیف فالأصل العملی یقتضی التعبدیة.

القول الثانی: إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) حیث لایقول بجریان الاستصحاب فی الشبهات الحکمیة التزم بجریان البراءة لأنّ المسألة من صغریات کبری مسألة الأقل و الأکثر الارتباطیین و اختار فیها جریان البراءة عقلاً و شرعاً.((1))

ص: 181


1- محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص153 «و قد تقدم أنّ مقتضی الإطلاق عدم الاشتراط إن کان و إلا فالمرجع هو الأصل العملی و هو فی المقام أصالة البراءة و ذلک لأنّ المسألة علی هذا الضوء تکون من صغریات کبری مسألة الأقل و الأکثر الارتباطیین الخ».
القسم الثانی:
اشارة

((1))

و هو أن لاتکون الحرمة متعلقة بنفس عنوان الواجب بل تکون ملازمة له وجوداً.

إما نقول بالامتناع فی مسألة اجتماع الأمر و النهی، و إما نقول بالجواز.

أما علی الامتناع: فمع ترجیح جانب الأمر و تقدیمه علی النهی ینتفی موضوع البحث و مع القول بترجیح النهی لا مناص من القول بعدم السقوط کما صرح به السید الخوئی (قدس سره) ((2))

و أما علی الجواز، کما هو المختار، ففیه قولان:

القول الأول: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره)
اشارة

(3)

إنّه بناءً علی اشتراط الحسن الفاعلی فی الواجب لایسقط التکلیف لعدم الحسن الفاعلی فی ما إذا اجتمع الأمر والنهی و المأتی به لیس مأموراً به.

ص: 182


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص151 و 152 «الثانی أن لایکون المأتی به مصداقاً له کذلک بل یکون ملازماً له وجوداً و ذلک کالصلاة فی الأرض المغصوبة و نحوها بناءً علی جواز اجتماع الأمر و النهی و عدم اتحاد المأمور به مع المنهی عنه فی مورد الاجتماع و التصادق»
2- حاشیة أجود التقریرات، ج1، ص155، التعلیقة علی هذه العبارة «لایکون متصفاً بالحسن الفاعلی» قال (قدس سره) : «قد عرفت آنفاً أنّه لا موجب لاعتبار الحسن الفاعلی فی اتصاف الفعل الخارجی بکونه مصداقاً للواجب و علیه فمقتضی القاعدة هو سقوط الأمر بإتیان المأمور به فی ضمن الفرد المحرم فی ما کان المورد من موارد اجتماع الأمر و النهی بناءً علی الجواز الخ»
3- 3. أجود التقریرات، ج1، ص155 «و أما القسم الثالث و هو السقوط بفعل المحرم فحاصل الکلام فیه أنّ نسبة دلیل التحریم إلی دلیل الواجب تکون تارةً نسبة الأخص إلی الأعم کما فی باب النهی عن العبادة و أُخری نسبة العموم من وجه کما فی باب اجتماع الأمر و النهی... و إن کان من قبیل الثانی فحیث إنّ المأتی به فی ضمن الفرد المحرم لایکون متصفاً بالحسن الفاعلی لفرض وقوعه مبغوضاً علیه فلا محالة لایکون مأموراً به و إن قلنا بجواز اجتماع الأمر و النهی الخ»
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیه:

((1))

«یمکن الحکم بالصحة فیه حتی علی القول باعتبار الحسن الفاعلی و ذلک لأنّ صدور العبادة بما هی عبادة حسن منه و إنّما القبیح صدور الحرام و من الواضح أنّ قبح هذا لایرتبط بحسن ذاک فهما فعلان صادران من الفاعل غایة الأمر کان صدور أحدهما منه حسناً و صدور الآخر قبیحاً.»

بیان السیدالصدر (قدس سره)

((2)) لهذا الإیراد:

«و الصحیح أنّه حتّی إذا اشترطنا الحسن الفاعلی صح التمسک بإطلاق المادة بناءً علی الجواز، لأنّ القائل بالجواز إذا قال به علی أساس دعوی تعدد الوجود فما یکون متعدداً وجوداً یکون متعدداً إیجاداً و فاعلیةً لا محالة فیکون الحسن الفاعلی محفوظاً و إذا قال به علی أساس أنّ الوجود الواحد اجتمع فیه حسن و قبح و حرمة و وجوب من جهتین إذن فلتکن الفاعلیة الواحدة أیضاً مجمعاً للحسن و القبح فی وقت واحد من جهتین.»

القول الثانی: و هو المختار

یسقط التکلیف لأنّ متعلق کل منهما غیر الآخر و لا ضیر فی اجتماعهما فی

ص: 183


1- محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص152 و 153؛ ج 1، ص508، بحوث الأوامر، المقام الثانی، الجهة الرابعة، إذا شک فی کون الواجب توصلیاً أو تعبدیاً، المقام الأول، المسألة الثالثة، الکلام فی القسم الثانی
2- بحوث فی علم الأصول، ج2، ص72، بحوث الأوامر، صیغة الأمر، الجهة الرابعة، المسألة الثالثة، المقام الأول.

وجود واحد لأنّ جهة المبعدیة والقبح غیر جهة المقربیة و الحسن.

ص: 184

المبحث الرابع: مقتضی الأصل علی المعنی الرابع
اشارة

المعنی الرابع فی الواجب التوصلی هو المعنی المعروف ولکنه وقع النزاع فی تعریف المعنی الرابع و هنا تعاریف ثلاثة و بعد بیان هذه التعریفات یقع الکلام فی مقتضی الأصل اللفظی و الأصل المقامی و الأصل العملی و نذکر بعد ذلک تنبیهاً.

تعریف الواجب التوصلی بالمعنی الرابع
اشارة

هنا تعاریف ثلاثة:

التعریف الأول: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

((1))

«الوجوب التوصلی هو ما کان الغرض منه یحصل بمجرد حصول الواجب و یسقط بمجرد وجوده بخلاف التعبدی فإنّ الغرض منه لایکاد یحصل بذلک بل لابدّ فی سقوطه و حصول غرضه من الإتیان به متقرباً منه تعالی.»

ناقش فیه المحقق الإصفهانی (قدس سره)

((2))

قال (قدس سره) : «لایخفی علیک أنّ الفرق بین التعبدی و التوصلی فی الغرض من الواجب لا الغرض من الوجوب إذ الوجوب - ولو فی التوصلی - لایکون إلا لأن یکون داعیاً للمکلف إلی ما تعلّق به؛ و منه یظهر أنّ الوجوب فی التوصلی

ص: 185


1- کفایة الأصول، ص72، المقصد الأول، الفصل الثانی، المبحث الخامس، المقدمة الأولی.
2- نهایة الدرایة، ص320، التعلیقة 165 علی هذه العبارة «الوجوب التوصلی هو ما کان الغرض منه یحصل بمجرد حصول الواجب».

لایغایر الوجوب فی التعبدی أصلاً حتی بلحاظ الغرض الباعث للإیجاب.»

أجاب بعض الأساطین (دام ظله) عن هذه المناقشة:
الجواب الأول: ما أفاده فی الدورة الأخیرة

کل ما کان غرضاً من الواجب یکون غرضاً من الوجوب أیضاً؛ برهانه أنّ الغرض من الوجوب إما هو الغرض من الواجب و إما هو الغرض من غیر الواجب أما الثانی فباطل بالضرورة فلابدّ أن یکون الغرض منه هو الغرض من الواجب و هو إما مطلق بالنسبة إلی قصد القربة أو مقید أو مهمل و الإهمال غیر معقول فیثبت المطلوب أی إنّ الغرض من الوجوب إما مطلق بالنسبة إلی قصد القربة و إما مقید.

الجواب الثانی:

((1))

«الوجوب التعبدی و إن کان لایختلف عن الوجوب التوصلی ذاتاً لأنّ الوجوب کیف کان فمعناه واحد و لایختلفان کذلک من ناحیة الغرض الأولی للوجوب و هو جعل الداعی لکنهما مختلفان من جهة الغرض النهائی لأن الغرض من جعل الوجوب هو جعل الداعی و الغرض من جعل الداعی هو حصول المتعلق و الغرض من حصول المتعلق حصول المصلحة المترتبة علی المتعلق؛ فلو کانت المصلحة مقیدة (أی کانت قائمة بالعمل المأتی به مع قصد القربة ) کان الغرض من جعل الداعی هذا العمل المقید ... فلا محالة لایتحقق الغرض من الوجوب المجعول علی الصلاة مثلاً إلا بالإتیان بها بقصد القربة

ص: 186


1- تحقیق الأصول، ج2، ص70، الأوامر، التعبدی و التوصلی، الجهة الأولی، الإطلاق الداخلی.

فقول صاحب الکفایة (قدس سره) ... کلام صحیح لوجود الفرق بینهما [أی الوجوب التوصلی و التعبدی] فی الغرض النهائی و هو المصلحة و إن لم یتفرقا فی الغرض الأولی و هو جعل الداعی.»

ملاحظتنا علی هذین الجوابین:

إنّ ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فی تعریف الوجوب التوصلی یشمل التعبدی أیضاً حیث إنّ الغرض من الوجوب یحصل بمجرد حصول الواجب بلا فرق بین الوجوب التوصلی و التعبدی؛ غایة الأمر أنّ حصول الواجب التعبدی مشروط بقصد القربة أو شامل له فیصدق فی الوجوب التعبدی أیضاً أنّه یحصل غرض الوجوب بمجرد حصول الواجب لأنّه ما لم یحصل قصد القربة لم یحصل الواجب سواء قلنا بشرطیة قصد القربة أم بجزئیته؛ و بذلک ظهر صحة ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) من عدم مغایرة الوجوب فی الواجب التعبدی و التوصلی.

التعریف الثانی: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره)
اشارة

التوصّلی ما شُرّع لأجل مطلق وجوده فی الخارج و إن أمکن التقرب به أیضاً و التعبدی ما شُرّع لأجل التعبد و التقرب.

ملاحظتنا علیه:

إنّ ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) یشمل التوصلی بالمعانی المتقدمة (سواء صدر من المکلف أم من غیره و سواء صدر عن اختیار المکلف أم بغیر اختیاره و سواء کان فی ضمن فرد سائغ أم کان فی ضمن فرد محرم) إلا أن یقال بأنّ المراد من «مطلق وجوده » إطلاقه من حیث التقیید بقصد القربة و عدمه و الأمر سهل مع أنّه تعریف بالغایة.

ص: 187

التعریف الثالث: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) و هو المختار

الواجب التوصلی ما لایعتبر فی صحته قصد القربة و الواجب التعبدی ما یعتبر فیه ذلک.

و هو تعریف للواجب التوصلی و التعبدی بخصوصیتهما و هو أولی من التعریف بالغایة.

و لابدّ هنا من ملاحظة مقتضی الأُصول اللفظیة و المقامیة ثم مقتضی الأصل العملی.

ص: 188

مقتضی الأصل اللفظی علی المعنی الرابع
اشارة

و الکلام فی ثلاثة موارد:

و ذلک لأنّ الأُصول اللفظیة إما داخلیة و إما خارجیة (کما سیأتی الإشارة إلیها) و فی الأُصول اللفظیة الداخلیة قد تمسکوا بالإطلاق بمقدمات الحکمة و أُخری بنتیجة الإطلاق.

المورد الأول: الإطلاق بمقدمات الحکمة
اشارة

و الکلام فیه فی وجوه ستة:

و ذلک لأنّ لقصد القربة وجوهاً متعدّدة و هی: قصد الأمر، قصد مصلحة الفعل، قصد حسن الفعل، قصد محبوبیة الفعل، قصد الجامع بین الدواعی (و هو قید الانتساب إلیه تعالی) و قصد ملازم الجامع بین الدواعی (و هو عدم إتیانه بداع نفسانی الملازم لإتیانه بداع إلهی).

الوجه الأول: قصد الأمر
اشارة

و البحث من جهتین:

حیث إنّ جریان أصالة الإطلاق یتوقف علی معقولیة التقیید (للتقابل بین الإطلاق و التقیید) لنبحث عن إمکان تقیید الأمر بقصد القربة فی المراحل الأربع - کما أفاده بعض الأساطین (دام ظله) ((1)) - و هی مرحلة تصوّر الآمر و مرحلة

ص: 189


1- تحقیق الأصول، ج2، ص71 «قال الأستاذ: و الصحییح أن یقع البحث فی مقامات 1. هل یمکن تقیید متعلق الأمر بقصد الأمر فی مرحلة تصور الآمر؟ الخ».

الإنشاء و مرحلة الفعلیة و مرحلة الامتثال.

فلابدّ فی التمسک بالإطلاق بمقدمات الحکمة لإثبات التوصلیة من البحث عن هذه الوجوه الستة لقصد القربة من جهة إمکان تقیید الواجب بها فی المراحل الأربع المذکورة.

و العمدة فی المقام تحقیق استحالة الوجه الأول و هو قصد الأمر فی هذه المراحل الأربع أو عدم استحالته (و بیان وجه الاستحالة أو عدمها).

فإن قلنا بإمکان تقیید الواجب ببعض هذه الوجوه الستة یمکن التمسک بأصالة الإطلاق لإثبات التوصلیة ثبوتاً و مع فرض عدم إمکان التقیید بهذه الوجوه ثبوتاً أو إثباتاً یقع الکلام فی التمسک بنتیجة الإطلاق((1)) (أی بتصحیح أخذ قصد القربة فی متعلق الأمر بالأمر الثانی) و مع فرض عدم إمکان ذلک یتمسک بالإطلاق المقامی لإثبات توصلیة الواجب و مع فقدان جمیع هذه الوجوه لابدّ من التمسک بالأصل العملی.

هذا کله فی الإطلاق الإثباتی و قد عرفت کفایة الإطلاق الثبوتی لإثبات التوصلیة و لکنه مبنی علی القول باستحالة التقیید الذی أبطلناه.

الجهة الأُولی: هل یمکن تقیید متعلّق الأمر ب- «قصد الأمر»؟
اشارة

نتکلم فیها فی ضمن مراحل أربع مع ذکر تتمة.

المرحلة الأُولی: تصور الآمر
اشارة

هنا إشکال واحد و هو اشکال الدور.

ص: 190


1- إنّ نتیجة الإطلاق تعد أیضاً إطلاقاً مقامیاً و علی هذه النظریة فهی خارجة عن الأُصول اللفظیة.
تقریر إشکال الدور فی هذه المرحلة:

((1))

لابدّ للآمر من تصور أمره و تصور الأمر یتوقف علی تصور متعلق الأمر لأنّ الأمر ذات تعلق و یستحیل تصور معنی ذاتِ تعلق بلا تصور متعلقه؛ فحینئذ تصور الأمر موقوف علی تصور متعلقه و لازم أخذ قصد الأمر فی متعلقه هو تصور الأمر قبل تصور متعلقه؛ فیلزم أن یتوقف تصور الأمر علی تصور متعلقه و یتوقف تصور متعلقه علی تصور الأمر و هذا دور مستحیل.

جوابان عن إشکال الدور:
الجواب الأول: ما أفاده المحقق المشکینی (قدس سره)
اشارة

((2))

الموقوف غیر الموقوف علیه لأنّ الموقوف شخص الأمر و الموقوف علیه طبیعة الأمر فانحل مشکلة الدور لأنّ شخص الأمر غیر طبیعته.

إیراد بعض الأساطین (دام ظله)

((3))علی المحقق المشکینی (قدس سره) :

هذا البیان لایجدی فی المقام و القیاس مع الفارق لأنّ المراد من قصد الأمر

ص: 191


1- حواشی المشکینی (قدس سره) علی الکفایة، ج1، ص357 و 358، التعلیقة 282 علی هذه العبارة «إن کان بمعنی قصد الامتثال» قال (قدس سره) : «ثم إنّه قد استدل علی امتناع أخذ الأول [ أی قصد امتثال الأمر ] فی متعلق الأمر بوجوه: الأول لزوم الدور و هو قد یقرر فی مقام التصور و حاصله أنّ تصور الأمر موقوف علی تصور متعلقه الخ».
2- «و فیه أنّه کذلک لو کان المأخوذ شخص الأمر لا طبیعته لأنّ لحاظها غیر لحاظه فلا دور لتغایر الموقوف الذی هو لحاظه الموقوف علی الذی هو لحاظها».
3- تحقیق الأُصول، ج2، ص73 و أورد علیه الأُستاذ بالفرق بین المقامین.. فإنّه بعد استحالة الإهمال من الحاکم إما الإطلاق و إما التقیید فإنّه لما یقول: صلّ بقصد الأمر بالصلاة لایرید الإتیان بها بقصد مطلق الأمر الخ».

فی المقام قصد الأمر الشخصی لا قصد الطبیعة فما أُخذ فی متعلق الأمر لیس هو الأمرَ المطلق بنحو اللابشرط ( الأعم من أن یکون متعلقُه الصلاةَ أو الحج أو الزکاة أو غیر ذلک ) و لا الأمرَ المهمل بل شخص الأمر المتوجه إلی هذا المتعلق.

الجواب الثانی: ما أفاده بعض الأساطین (دام ظله)

((1))

الآمر قبل تصور متعلق الأمر یتصور الأمر أولاً ثم حین یقصد الأمر یتصور الأمر مرة أُخری و التصور الأول وجود لحاظی شخصی و التصور الثانی وجود لحاظی شخصی آخر فهما وجودان شخصیان أحدهما غیر الآخر فلا دور فی البین.

المرحلة الثانیة: الإنشاء
اشارة

هنا إشکالات خمسة:

إنّ المستشکلین قالوا باستحالة أخذ قصد الأمر فی المتعلق فی مرحلة إنشاء الحکم لوجوه عدیدة

الإشکال الأول: الدور
اشارة

تقریره أنّ إنشاء الحکم بالأمر متأخر وجوداً عن وجود متعلق الأمر کما أنّ العرض متوقف علی وجود معروضه فلو أُخذ الأمر فی متعلقه یلزم توقف المتعلق علی الأمر و هذا دور.

ص: 192


1- تحقیق الأصول، ج2، ص74 «إنّ الآمر یتصور أمره الذی هو فعل من أفعاله الاختیاریة فالأمر الصادر مسبوق بالتصور و لما کان من الأُمور ذات التعلق فإنّه یتصور متعلقه معه و المفروض أنّ متعلق المتعلق نفس هذا الأمر الخ».
جواب المحقق الإصفهانی (قدس سره) عن إشکال الدور:

((1))

قال (قدس سره) : «و فیه أنّ الحکم بالإضافة إلی موضوعه من قبیل عوارض المهیة لا من قبیل عوارض الوجود کی یتوقف عروضه علی وجود المعروض و عارض الماهیة لایتوقف ثبوته علی ثبوتها [أی الماهیة] بل ثبوتها [أی الماهیة] بثبوته کثبوت الجنس بفصله و النوع بالتشخص إذ من الواضح أنّ الحکم لایتوقف علی وجود موضوعه خارجاً؛ کیف و وجوده خارجاً یسقط الحکم فکیف یعرضه؟ کما [إنّ الحکم] لایتوقف علی وجوده [أی وجود موضوعه] ذهناً بداهة أنّ الفعل بذاته مطلوب لا بوجوده الذهنی...»

الإشکال الثانی: اجتماع المتقابلین (تقدم ما هو متأخر بالطبع)
اشارة

إنّ الأمر متأخر رتبة عن المتعلق فلو أُخذ الأمر فی متعلقه فی مرحلة إنشاء الحکم یلزم تقدم ما هو متأخر بالطبع و هو اجتماع المتقابلین.

جواب المحقق الإصفهانی (قدس سره) عن إشکال اجتماع المتقابلین:

((2))

قال (قدس سره) : «و لایخفی علیک أنّ إشکال التقدم و التأخر الطبعی أیضاً قابل للدفع عند التأمل، لأنّ الأمر بوجوده العلمی یکون داعیاً و بوجوده الخارجی یکون حکماً للموضوع؛ و الوجود العلمی لایکون متقوماً بالوجود الخارجی بما هو بل بصورة شخصه لا بنفسه فلا خلف کما لا دور.»

ص: 193


1- نهایة الدرایة، ج1، ص323، التعلیقة 167 علی هذه العبارة «و ذلک لاستحالة أخذ ما لایکاد یتأتی إلا من قبل الأمر».
2- نهایة الدرایة، ج1، ص324.
إیراد المحقق العراقی (قدس سره)

((1)) و بعض الأساطین (دام ظله) ((2)) علی هذا الجواب:

إنّ المحرک نحو العمل الصورة العلمیة المطابقة للأمر الواقعی الخارجی فالمأخوذ فی المتعلق الصورة العلمیة المطابقة للأمر الخارجی و هی متأخرة بالطبع عن وجود الأمر الخارجی فعاد المحذور لأنّ الصورة الذهنیة المأخوذة فی المتعلق متقدّمة علی وجود الأمر الخارجی بمرتبة واحدة أو بمرتبتین ( لأنّ الأمر متأخر طبعاً عن المتعلق الذی أُخذ فیه قصد الأمر و ذات المتعلق متأخر طبعاً عن الأمر الذی أُخذ قصده فی المتعلق ) و متأخر عنه بمرتبة واحدة؛ فیلزم تقدم الأمر علی نفسه بمرتبتین أو بمراتب ثلاث علی تقریر آخر.

الإشکال الثالث: تقدم الشیء علی نفسه
اشارة

یلزم أن یکون الأمر مفروض الوجود قبل وجوده و وجه الاستحالة تقدم الشیء علی نفسه قرّره المحقق النائینی (قدس سره) . ((3))

و هذا الوجه فی الحقیقة یرجع إلی اجتماع المتقابلین إلا أنّ بیان المحقق

ص: 194


1- بدائع الأفکار، ج1، ص229؛ نهایة الأفکار، ج1-2، ص189.
2- تحقیق الأُُصول، ج2، ص78 و 79 «و أشکل علیه شیخنا دام بقاه تبعاً للمحقق العراقی بأنّه غیر رافع للإشکال لأنّه إن کان المأخوذ فی متعلق الأمر و هو الصلاة هو الصورة العلمیة للأمر مطلقاً أی و إن لم تکن الصورة العلمیة مطابقة للواقع بأن یکون جهلاً مرکباً فما ذکره تام... و أما إن کان المأخوذ هو الصورة العلمیة المطابقة للواقع... فالإشکال باق الخ».
3- أجود التقریرات، ج1، ص161، المقصد الأول، الفصل الثانی، المقام الثانی، المبحث الثانی، الأمر الثانی؛ فوائد الأُصول، ص149، المقصد الأول، الأمر السادس، الأمر الثانی «و أما الانقسامات اللاحقة للمتعلق المترتبة علی الحکم کقصد امتثال الأمر فی الصلاة مثلاً فامتناع أخذه فی المتعلق إنّما هو لأجل لزوم تقدم الشیء علی نفسه فی جمیع المراحل... أما فی مرحلة الإنشاء فالکلام فیه هو الکلام فی أخذ العلم فی تلک المرحلة الخ».

النائینی (قدس سره) غیر ما ذکرناه و یعبِّر عنه بمحذور الدور و إن لم یکن دوراً اصطلاحیاً (و مراده أنّ وجه استحالة الدور موجود أیضاً فی هذا التقریر و إن لم یکن دوراً).

بیان المحقق النائینی (قدس سره) : « إنّ الموضوع فی القضایا الحقیقیة دون الفرضیة غیر المعقولة لابدّ و أن یکون مفروض الوجود فی الخارج فی مقام أخذه موضوعاً من دون أن یکون تحت التکلیف أصلاً ... و حینئذ فلو أُخذ قصد امتثال الأمر قیداً للمأمور به فلا محالة یکون الأمر موضوعاً للتکلیف و مفروضَ الوجود فی مقام الإنشاء و هذا ما ذکرناه من لزوم تقدم الشیء علی نفسه و بعبارة واضحة کل أمر - اختیاری أو غیر اختیاری- أُخذ متعلقاً لمتعلق التکلیف فوجود التکلیف مشروط بفرض وجوده بفرضٍ مطابقٍ للواقع و حیث إنّ متعلق المتعلق فیما نحن فیه هو نفس الأمر فیکون وجوده مشروطاً بفرض وجود نفسه فرضاً مطابقاً للخارج؛ فیلزم کونه مفروض الوجود قبل وجوده و هو بعینه محذور الدور».

جواب المحقق الخوئی (قدس سره) عن هذا الإشکال:

((1))

«إنّ لزوم أخذ القید مفروض الوجود فی القضیة فی مقام الإنشاء إنّما یقوم علی أساس أحد الأمرین [لا ثالث لهما و فی غیر هذین الموردین لا موجب لأخذه مفروض الوجود أصلاً].

الأول: الظهور العرفی کما فی قوله تعالی: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)((2))... و من هذا القبیل وجوب الوفاء بالنذر و الشرط و العهد و الیمین و وجوب الإنفاق علی

ص: 195


1- محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص158 – 161؛ ج 1، ص513 – 517، بحوث الأوامر، المقام الثانی، الجهة الرابعة، إذا شک فی کون الواجب توصلیاً أو تعبدیاً، المقام الثانی، المورد الأول، الدعوی الأُولی، الوجه الأول .
2- سورة المائدة ( 5 ): 1.

الزوجة و ما شاکل ذلک حیث إنّ القیود المأخوذة فی موضوعات هذه الأحکام رغم کونها اختیاریة أُخذت مفروضة الوجود فی مقام جعلها بمقتضی المتفاهم العرفی ... و هذا هو الغالب فی القضایا الحقیقیة.

الثانی: الحکم العقلی و من الطبیعی أنّ العقل إنّما یحکم فیما إذا کان القید خارجاً عن الاختیار حیث إنّ عدم أخذه مفروض الوجود یستلزم التکلیف بالمحال کما فی مثل قوله تعالی: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ إِلَی غَسَقِ اللَّیلِ) ((1))...

و أما فی غیر هذین الموردین ... [التزمنا بفعلیة التکلیف قبل وجود موضوعه] و من هنا قد التزمنا بفعلیة الخطابات التحریمیة قبل وجودات موضوعاتها بتمام القیود و الشرائط فیما إذا کان المکلف قادراً علی ایجادها، مثلاً التحریم الوارد علی شرب الخمر فعلی و إن لم یوجد الخمر فی الخارج إذا کان المکلف قادراً علی إیجاده بإیجاد مقدماته فلاتتوقف فعلیته علی وجود موضوعه...

و کلاهما [أی الموردین] منتفٍ فی أمثال المقام [أی لاتشرب الخمر] أما الأول فلأنّ ... بل المتفاهم العرفی من أمثال هذه القضایا هو فعلیة حرمة الشرب مطلقاً و إن لم یکن الخمر موجوداً ... و هذا بخلاف المتفاهم العرفی من مثل قوله تعالی: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) کما عرفت؛ و أما الثانی فلأنّ المفروض تمکّن المکلف من إیجاده و فی مثله لایحکم العقل بأخذه مفروض الوجود فالنتیجة أنّ المناط فی فعلیة الخطابات التحریمیة إنّما هو فعلیة قدرة المکلف علی متعلقاتها إیجاداً و ترکاً و لو بالقدرة علی موضوعاتها کذلک؛ فمن کان متمکناً من شرب الخمر و لو بإیجاده [أی الخمر] کانت حرمته فعلیة فی حقه.

ص: 196


1- سورة الإسراء ( 17 ): 78

و بعد ذلک نقول: إنّ القید فی ما نحن فیه و هو نفس الأمر و إن کان خارجاً عن الاختیار إلا أنّ مجرد ذلک لایوجب أخذه مفروض الوجود ...

و عندئذ فهل نری أنّ الملاک لأخذه کذلک موجود هنا أم لا و التحقیق عدم وجوده أما الظهور العرفی فواضح حیث لا موضوع له فی ما نحن فیه فإنّ الکلام هنا إنّما هو فی إمکان أخذ قصد الأمر فی متعلقه بدون أخذه مفروض الوجود و عدم إمکانه و من الطبیعی أنّه لا صلة للعرف بهذه الناحیة؛ و أما الحکم العقلی فأیضاً کذلک، لأنّ ملاکه هو أنّ القید لو لم یؤخذ مفروض الوجود فی مقام الإنشاء لزم التکلیف بما لایطاق؛ و من المعلوم أنّه لایلزم من عدم أخذ الأمر مفروض الوجود ذلک [أی التکلیف بما لایطاق] ... و الوجه فی ذلک هو أنّ المعتبر فی صحة التکالیف إنّما هو قدرة المکلف علی الإتیان بمتعلقاتها بکافة الأجزاء و الشرائط فی مرحلة الامتثال و إن کان عاجزاً و غیر قادر فی مرحلة الجعل؛ و علی هذا الضوء فالمکلف و إن لم یکن قادراً علی الإتیان بالصلاة مثلاً بداعی أمرها و بقصده قبل إنشائه و جعله و لکنه قادر علی الإتیان بها کذلک بعد جعله و إنشائه ... و من هنا یظهر أنّ الأمر یمتاز عن بقیة القیود غیر الاختیاریة فی نقطة و هی أنّه یوجد بنفس الإنشاء و الجعل دون غیره ...»

إیراد بعض الأساطین (دام ظله) علیه:

((1))

هذا ینافی ما صرح به فی بحث الترتب((2)) من أنّ القضیة الحقیقیة ترجع إلی

ص: 197


1- تحقیق الأُصول، ج2، ص83 «و قد تکلم الأُستاذ دام بقاه علی هذا الجواب فأجاب عنه فی الدورة اللاحقة بأنّه إنّما یتمشی مع إنکار رجوع القضیة الحقیقیة إلی القضیة الشرطیة و علیه یمکن للمولی أن یأمر بالصلاة بقصد الأمر الخ»
2- محاضرات فی أُصول الفقه، ج3، ص119؛ ج 2، ص417 و 418، مسألة الترتب، أدلة إمکان الترتب، الدلیل اللمی، الجهة الرابعة «قد ذکرنا غیر مرة أنّ الخطابات الشرعیة بشتی أشکالها لاتتعرض لحال موضوعاتها وضعاً و رفعاً و إنّما هی تتعرض لحال متعلقاتها علی تقدیر وجود موضوعاتها... و السر فی ذلک هو أنّ جعل الأحکام الشرعیة إنّما هو علی نحو القضایا الحقیقیة و معنی القضیة الحقیقیة هو أنّ ثبوت المحمول فیها و وجوده علی تقدیر وجود الموضوع و ثبوته... و من هنا قلنا: إنّ القضیة الحقیقیة ترجع إلی قضیة شرطیة مقدمها وجود الموضوع و تالیها ثبوت المحمول له... و لذلک لو کان أحد الدلیلین ناظراً إلی موضوع الدلیل الآخر وضعاً أو رفعاً فلاینافی ما هو مقتضی ذاک الدلیل أبداً الخ».

قضیة شرطیة موضوعها هو المقدم و حکمها هو التالی؛ و الجزاء فی القضیة الشرطیة لایتکفل الشرط لا وضعاً و لا رفعاً ثم بنی علیه رفع التنافی بین الحاکم والمحکوم، لأنّ الحاکم متعرض لموضوع المحکوم و المحکوم لایتعرض لموضوع نفسه لأنّ المحکوم فی رتبة الجزاء و یترتب علیه حل مشکلة الترتب؛ فعدم إرجاع القضیة الحقیقیة إلی القضیة الشرطیة فی بعض الموارد خلاف مبناه.

أما فی ما نحن فیه فإنّ الأمر یکون موضوع القضیة الحقیقیة فلو کان هو نفس الحکم الذی تعلق بالصلاة مع قصد الأمر یلزم اتحاد المشروط و الشرط وجوداً.

الإشکال الرابع: کون الأمر محرکاً إلی محرکیة نفسه
اشارة

إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((1)) أفاد هنا اشکالاً رابعاً فقال (قدس سره) :

«بل التحقیق فی خصوص المقام أنّ الإنشاء حیث إنّه بداعی جعل الداعی فجعل الأمر داعیاً إلی جعل الأمر داعیاً یوجب علیة الشیء لعلیة نفسه و کون الأمر محرکاً إلی محرکیة نفسه و هو کعلیة الشیء لنفسه ...»

جواب عن هذا الإشکال:

قال (قدس سره) : «نعم هذا المحذور إنّما یرد إذا أُخذ الإتیان بداعی الأمر بنحو

ص: 198


1- نهایة الدرایة، ج1، ص325، التعلیقة 167.

الشرطیة أو بنحو الجزئیة و أما إذا لوحظ ذات المأتی به بداعی الأمر - أی هذا الصنف من نوع الصلاة - و أُمر به فلایرد هذا المحذور.»

الإشکال الخامس: التسلسل
اشارة

قرره المحقق البروجردی (قدس سره) فی المرحلة الرابعة((1)) و لکنه جارٍ هنا أیضاً.

قال (قدس سره) : «إنّ المدعو إلیه للأمر هو الصلاة بداعی الأمر المتعلق بأی شیء؟ فإن قلت: إنّه الصلاة بداعی الأمر المتعلق بذات الصلاة فهو خلاف الفرض و إن قلت: إنّه الصلاة بداعی الأمر المتعلق بالصلاة بداعی الأمر فهذا الأمر الثانی أیضاً یحتاج إلی متعلق یکون مدعواً إلیه» و هو لابدّ أن یکون الصلاةَ بداعی الأمر فینقل الکلام إلی متعلق الأمر الثالث و هکذا یتسلسل و هذا المحذور کما یجری فی مقام الامتثال یجری فی مرحلة الإنشاء و الجعل.

یلاحظ علیه:

ما أجاب به المحقق الإصفهانی (قدس سره) عن الإشکال الرابع یجری هنا أیضاً.

المرحلة الثالثة: الفعلیة
اشارة

هنا إشکالات أربعة:

الإشکال الأول و الثانی و الثالث:

هو الدور و کون الأمر محرکاَ إلی محرکیة نفسه و التسلسل.

و الجواب عن هذه الثلاثة: ما ذکرنا فی المرحلة السابقة.

ص: 199


1- نهایة الأصول، ص113، المصد الأول، الفصل الأول، المبحث الخامس، إشکالات مقام الامتثال، الثالث.
الإشکال الرابع:

هو تقدم الشیء علی نفسه قرره المحقق النائینی (قدس سره) .((1))

قال (قدس سره) : «إنّ فعلیة الحکم تتوقف علی فعلیة موضوعه أعنی متعلقات متعلق التکلیف و حیث إنّ المفروض أنّ نفسه هو الموضوع لنفسه و متعلق متعلقه فتتوقف فعلیته علی فعلیة نفسه و لازمه تقدم فعلیته علی فعلیته.»

و هذا الإشکال یرجع إلی استحالة اجتماع المتقابلین حیث إنّ الفعلیة اجتمع فیها التقدم و التأخر.

جواب عن هذا الإشکال:

إنّ قوله (قدس سره) « إنّ المفروض أنّ نفسه هو الموضوع لنفسه » ممنوع لما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((2)) من أنّ المأخوذ فی المتعلق هو الصورة العلمیة للأمر لا الأمر.

المرحلة الرابعة: الامتثال
اشارة

هنا إشکالات ثلاثة:

الإشکال الأول: التکلیف بما لایطاق

ذکره المحقق الخراسانی (قدس سره) ((3)) و نقله المحقق الخوئی (قدس سره) ((4)) بهذا التقریر:

ص: 200


1- أجود التقریرات، ج1، ص162.
2- نهایة الدرایة، ج1، ص325، التعلیقة 167 «... لأنّ الأمر بوجوده العلمی یکون داعیاً» و ص327، التعلیقة 168 «... من أنّ الأمر بوجوده العلمی یکون داعیاً».
3- کفایة الأُصول، ص72، المقصد الأول، الفصل الثانی، المبحث الخامس، المقدمة الثانیة «... فما لم تکن نفس الصلاة متعلقةً للأمر لایکاد یمکن إتیانها بقصد امتثال أمرها».
4- دراسات فی علم الأُصول، ج1، ص196، المقصد الأول، المقام الثالث.

«إنّ المأمور به إنّما هو قصد الأمر الحقیقی لا التشریعی ... و قصد الأمر الحقیقی إنّما یتمکن منه المکلف لو تعلّق أمر بذات العمل و المفروض أنّ الأمر لم یتعلق بذات العمل و إنّما تعلق به مقیداً بقصد الأمر فیکون تکلیفاً بما لایطاق.»

الإشکال الثانی: تقدم الشیء علی نفسه

قرّره المحقق النائینی (قدس سره) فقال:((1)) «إنّ قصد الامتثال متأخر عن إتیان تمام أجزاء المأمور به و قیوده طبعاً فإنّ قصد الامتثال إنّما یکون بها [أی بتلک الأجزاء و القیود] و حیث إنّا فرضنا من جملة الأجزاء و القیود نفس قصد الامتثال... فلابدّ و أن یکون المکلف فی مقام امتثاله قاصداً للامتثال قبل قصد امتثاله فیلزم تقدم الشیء [أی قصد الامتثال بما هو متقدم علی الأجزاء و القیود] علی نفسه [أی قصد الامتثال بما هو متأخر عن الأجزاء و القیود]» و استحالته من باب اجتماع المتقابلین.

الإشکال الثالث:

((2)) کون الأمر محرکاً إلی محرکیة نفسه

قرّره بعض الأساطین (دام ظله) .((3)) و هذا الإشکال بعینه هو الإشکال الذی أورده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((4)) فی مقام الإنشاء ثم أجاب عنه مع الإشکال الذی أفاده

ص: 201


1- أجود التقریرات، ج1، ص162.
2- و الجواب عن جمیع هذه الإشکالات [ أی الأول و الثانی و الثالث ] هو ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی دفع الإشکال الثالث فی مرحلة الإنشاء من أنّ الأمر تعلق بذات الصلاة لکن حصتها التی تکون بداعی الأمر.
3- تحقیق الأُُصول، ج2، ص89 «المقام الرابع و هو مرحلة الامتثال و فیها وجوه من المحذور... و الثالث أنّ قصد الأمر إما هو قید للصلاة و إما هو جزء من أجزائها؛ فإن کانت الصلاة المقیدة متعلق الأمر کانت ذات الصلاة غیر مأمور بها الخ».
4- المرحلة الثانیة، الإشکال الرابع.

صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)) فی مرحلة الامتثال من التکلیف بما لایطاق فهذا مجموع الإشکالین.

و تقریره أنّ الأمر إما یتعلق بالصلاة المقیدة بقصد الأمر و إما یتعلق بالصلاة المرکبة من قصد الأمر.

أما إتیان الصلاة المقیدة بقصد الأمر فلایمکن إلا أن یتعلق بذات الصلاة أمر و هو خلف الفرض.

و أما إتیان المرکب و امتثاله فمحال أیضاً لأنّ الأمر یدعو إلی متعلقه و محرک نحوه و المفروض أنّ قصد الأمر جزء من هذا المرکب فیقال: تحریک الأمر إلی محرکیته و دعوته إلی داعویته محال لأنّ علیة الشیء لعلیة نفسه محال فبالنتیجة أخذ قصد الأمر فی متعلقه شرطاً و جزءً محال.

تتمة: بیانان لاستحالة أخذ قصد الأمر فی متعلق الأمر و إمکانه
البیان الأول: ما اختاره المحقق العراقی (قدس سره)
اشارة

((2)) وجهاً للاستحالة

قال (قدس سره) : « التحقیق - کما علیه أهله - هو عدمُ جواز أخذ القرب الناشی من دعوة الأمر فی المأمور به بنحو الشرطیة أو الشطریة و امتناعُه و وجه الامتناع ظاهر لأنّ القرب الناشی من دعوة هذا الأمر إنّما هو معلول شخص هذا الأمر و مترتب علیه ... و حینئذ فمع کونه مرئیاً فی هذا اللحاظ عقیب الأمر و فی رتبة متأخرة عنه فکیف یمکن أن یؤخذ مثله فی موضوع [أی متعلق] هذا الأمر فی

ص: 202


1- المرحلة الرابعة، الإشکال الأول.
2- نهایة الأفکار، ج1، ص188، المقصد الأول، المبحث الثانی، الجهة الرابعة .

هذا اللحاظ وفی رتبة متقدمة علیه و هل هو إلا من المستحیل؟»

إیراد بعض الأساطین (دام ظله) علیه:

((1))

أورد الأُستاذ (دام ظله) علیه بما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((2)) من أنّ القرب المأخوذ فی موضوع الأمر هو وجوده العلمی لا القرب الخارجی.

البیان الثانی: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره)
اشارة

((3))

و تبعه المحقق الخوئی (قدس سره) ((4)) و هو جواب عن جمیع الإشکالات (و المراد هو الإشکالات المذکورة فی جمیع المراحل لا خصوص مرحلة الامتثال).((5))

و بیان ذلک یبتنی علی مقدمتین:

ص: 203


1- تحقیق الأُصول، ج2، ص94، قول المحقق العراقی (قدس سره) بالاستحالة، إشکال الأُستاذ علی الوجه المذکور «إنّ الملحوظ متأخراً هو القرب الخارجی و الملحوظ فی الرتبة المتقدمة المأخوذ فی المتعلق هو الوجود العلمی للأمر الخ».
2- تقدم فی تعلیقتنا علی هذه العبارة «ممنوع لما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) » فی آخر المرحلة الثالثة.
3- نهایة الأفکار، ج1-2، ص190 «نعم لو أُغمض عما ذکرناه من الإشکال لایرد علیه محذور لزوم داعویة الأمر إلی شخص نفسه... إذ نقول بأنّه یمکن دفع هذا المحذور من جهة انحلال الأمر إلی أمرین و تقطیعه فی الذهن بقطعة فقطعة متعلقة إحداهما بذات المقید و الأُخری بقید الدعوة حیث نقول حینئذ بأنّ الأمر الضمنی المتعلق بالدعوة إنّما یکون داعیاً إلی دعوة تلک القطعة الأُخری من الأمر الضمنی المتعلق بذات المقید لا إلی دعوة شخص نفسه حتی یتوجه المحذور المزبور... و حینئذ فإذا لم تکن الدعوة المأخوذة قیداً أو جزءً کذات المقید تعبدیة محتاجة إلی قصد الامتثال بل کانت توصلیة صرفة فبإتیان ذات الصلاة عن دعوة الأمر الضمنی المتعلق بها یتحقق المقید و المأمور به أیضاً فیرتفع به محذور عدم تمکن المکلف من الامتثال أیضاً الخ».
4- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص164 – 172؛ ج 1، ص520 – 528، بحوث الأوامر، المقام الثانی، الجهة الرابعة، إذا شک فی کون الواجب توصلیاً أو تعبدیاً، الدعوی الأُولی.
5- فی تحقیق الأُصول، ج2، ص89 – 91 أنّه جواب عن الإشکالات فی مرحلة الامتثال.
المقدمة الأُولی:

«یمکن تصویر الواجب التعبدی علی أنحاء: الأول أن یکون تعبدیاً بکافة أجزائه و شرائطه. الثانی أن یکون تعبدیاً بأجزائه مع بعض شرائطه. الثالث أن یکون تعبدیاً ببعض أجزائه دون بعضها الآخر».

والقسم الأول و الثالث لم نجد لهما مثالاً أما القسم الثانی فهو کأکثر العبادات مثل الصلاة فإنّ جمیع أجزائها عبادیة و أما شرائطها فقد تکون تعبدیة مثل الوضوء و الغسل و قد تکون توصلیة مثل طهارة البدن و الثوب و استقبال القبلة.

المقدمة الثانیة:

«إنّ الأمر المتعلق بالمرکب من عدة أُمور فبطبیعة الحال ینحل بحسب التحلیل إلی الأمر بأجزائه ... و مرد ذلک إلی انحلال الأمر الاستقلالی إلی عدة أوامر ضمنیة حسب تعدد الأجزاء ...

إذا کان الواجب مرکباً من الفعل الخارجی و قصد أمره الضمنی ... إنّ الواجب فی مثل الفرض مرکب من جزء خارجی و جزء ذهنی - و هو قصد الأمر- و قد تقدم أنّ الأمر المتعلق بالمرکب ینحل إلی الأمر بکل جزء جزء منه و علیه فکل من الجزء الخارجی و الجزء الذهنی متعلق للأمر الضمنی غایته أنّ الأمر الضمنی المتعلق بالجزء الخارجی تعبدی فیحتاج سقوطه إلی قصد امتثاله و الأمر الضمنی المتعلق بالجزء الذهنی توصلی ... [و النتیجة] أنّ توهم استحالة أخذ قصد الأمر فی متعلقه یقوم علی أساس أحد أمرین:

الأول: أخذ الأمر مفروض الوجود فی مقام الجعل و الإنشاء [و هو الإشکال الذی أفاده المحقق النائینی (قدس سره) ] و لکن قد تقدم نقده بشکل موسع.

ص: 204

الثانی: أن یکون المأخوذ فی متعلقه قصد الأمر الاستقلالی بمعنی أن یکون الواجب مرکباً من الفعل الخارجی و قصد الأمر کذلک و هذا غیر معقول..»

و قد عرفت ابتناء إشکال اجتماع المتقابلین و تقدم الشیء علی نفسه و محرکیة الأمر إلی محرکیة نفسه فی مقام الإنشاء و الفعلیة و إشکال تقدم الشیء علی نفسه و التکلیف بما لایطاق و محرکیة الأمر إلی محرکیة نفسه فی مقام الامتثال کلِها علی أخذ قصد الأمر الاستقلالی فی متعلقه و یجاب عن جمیع هذه الإشکالات بأنّ المأخوذ فی المتعلق قصد الأمر الضمنی.

نعم الأمر الضمنی المتعلق بالفعل مقدم رتبة علی الأمر الضمنی المتعلق بقصد الأمر (أی بقصد الأمر الضمنی المتعلق بالفعل) فیلزم أن یکون أحد الأمرین الضمنیین متقدماً علی الآخر و لکنه لامحذور فیه لأنّ هذا الأمر الضمنی غیر الأمر الضمنی الآخر فهما متعددان و لا محذور فی تقدم أحدهما علی الآخر.

« و قد تحصل من جمیع ما ذکرناه أنّه لا مانع من أخذ قصد الأمر فی متعلقه فی مقام الثبوت؛ و أما فی مقام الإثبات فإن کان هنا دلیل یدلنا علی أخذه فیه فهو و إلا فمقتضی الإطلاق عدم أخذه و کون الواجب توصلیاً ...»

إیرادان من بعض الأساطین (دام ظله) علی هذا البیان:
اشارة

((1))

الإیراد الأول:

((2))

هذا یتم لو انحل الأمر حقیقةً و واقعاً إلی أمرین فی مقام الإنشاء و الجعل و

ص: 205


1- تحقیق الأصول، ج2، ص91 «و تنظر شیخنا الأُستاذ فی هذا الطریق الذی حاصله تعدد الأمر بانحلاله إلی الأوامر الضمنیة فقال الخ».
2- «إنّ هذا الانحلال اعتبار عقلی محض و لا واقعیة له کی تنحل المشکلات عن هذا الطریق و ذلک أنّه لاتوجد أغراض متعددة فی المرکب الارتباطی بل الغرض واحد... و هذا هو الإشکال الأول».

لکن الانحلال اعتبار عقلی بلا واقعیة لأنّ الغرض من المرکب الارتباطی غرض واحد فالإرادة أیضاً لابدّ أن تکون واحدة و هکذا لابدّ أن یکون الأمر أیضاً واحداً لوحدة الغرض و الإرادة فإنّ وزان الأمر بالنسبة إلی الإرادة هو وزان المعلول بالنسبة إلی العلة و حینئذ التحلیل هو باعتبار العقل و مصحح هذا التحلیل تعدد متعلق البعث و هذا التعدد فی المتعلق هو المنشأ لأن یعتبر العقل الأوامر الضمنیة.

الإیراد الثانی:
اشارة

((1))

إنّ هنا أمرین ضمنیین: الأمر الضمنی التعبدی المتعلق بالطبیعة و الأمر الضمنی التوصلی المتعلق بإتیان الطبیعة بقصد أمرها الضمنی؛ و علی هذا نسبة الأمر الضمنی التعبدی إلی الأمر الضمنی التوصلی نسبة الموضوع إلی الحکم مع أنّهما موجودان بأمر واحد فحینئذ کیف یعقل تحققهما بوجود واحد مع أنّهما مختلفان بالرتبة.

جواب عن الإیراد الثانی:

(2)

قال المحقق الخوئی (قدس سره) : إنّ المشکلة تنحل بما أفدناه فی مبحث الصحیح و

ص: 206


1- «ثم إنّ المحقق العراقی و کذا فی المحاضرات قد التفت إلی أنّ بعض هذه الأوامر الضمنیة التی ذکرها متقدم علی البعض الآخر رتبةً فلما یقول کبّر بقصد الامتثال، الامتثال لأی شیء؟ و هکذا غیره الخ»
2- . محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص169؛ ج 1، ص525 «و من ناحیة أُخری قد تقدم فی مبحث الصحیح و الأعم أنّه لا مانع من أن یکون الواجب مرکباً من جزئین طولیین و من لحاظهما شیئاً واحداً و جعلهما متعلقاً لأمر واحد و ما نحن فیه من هذا القبیل»؛ و قال (قدس سره) فی ج 1، ص137 – 139؛ ج 1، ص156 و 157، الأمر العاشر ( الصحیح و الأعم )، الجهة الثالثة «و کذلک لا شبهة فی دخول شرائط المأمور به فی محل النزاع و توهم أنّها خارجة عن محل النزاع بدعوی أنّ مرتبة الأجزاء مرتبة المقتضی و مرتبة الشرائط متأخرة عن المقتضی... مدفوع بأنّ تأخر الشرائط رتبةً عن الأجزاء لایستلزم عدم إمکان وضع اللفظ بإزاء المجموع... إنّ وضع اللفظ بإزاء شیئین طولیین رتبةً بل زماناً بمکان من الإمکان و لیس فیه أی محذور أبداً و مقامنا من هذا القبیل الخ»

الأعم من أنّ الوضع لما هما مختلفان بالرتبة معقول بمعنی أنّ العلة و المعلول یمکن لحاظهما بلحاظ واحد فیوضع لهما لفظ واحد.

مناقشة فی هذا الجواب:

((1))

إنّ المتخالفین بالطبع یوجدان بوجود واحد إلا أنّ الوجود حینئذ ینسب بالذات إلی المتأخر بالطبع و بالعرض إلی المتقدم بالطبع و لکن أجزاء المرکب بما أنّها أجزاء المرکب کلها فی عرض واحد؛ فلایتم جواب المحقق العراقی و المحقق الخوئی (قدس سرهما) عن الإشکالات و لذا اختار بعض الأساطین (دام ظله) استحالة أخذ قصد الأمر فی المتعلق((2)) لمحذور استحالة اجتماع المتقابلین.

خلاصة الأقوال:

المحقق الخراسانی و النائینی و العراقی (قدس سرهم) و بعض الأساطین (دام ظله) قالوا باستحالة أخذ قصد الأمر فی المتعلق و المحقق الإصفهانی (قدس سره) -الذی اخترنا نظریته - و المحقق الخوئی (قدس سره) قالا بعدم استحالة ذلک.

ص: 207


1- فی تحقیق الأُصول «لقد اکتفی فی المحاضرات بالقول بتقدم هذه الدعوی فی مبحث الصحیح و الأعم لکن الذی ذکره هناک هو معقولیة الوضع لأمرین مختلفین فی المرتبة و هو غیر ما نحن فیه لأنّ الوضع یصح حتی للمتناقضین أما کیف یوجد الموجودان المختلفان فی المرتبة بوجود واحد؟ و لذا وقع الإشکال فی شمول دلیل الاستصحاب لقاعدة الیقین الخ».
2- فی تحقیق الأصول، ج2، ص94 «هذا تمام الکلام فی أخذ قصد الأمر فی المتعلق بالأمر الأول و قد ظهر أنّه محال».

أماعدم الاستحالة عند المحقق الخوئی (قدس سره) فمن جهة انحلال الأمر الاستقلالی إلی الأوامر الضمنیة و أخذ قصد الأمر الضمنی فی المتعلق.

و أما عند المحقق الإصفهانی (قدس سره) فمن جهة أنّ المأخوذ فی المتعلق هو الصورة العلمیة للأمر مع أنّه لیس بمأخوذ فی المتعلق علی نحو الجزئیة و الشرطیة بل هو مأخوذ علی نحو العرفیة بأن یکون خارجاً عن المتعلق و موجباً لتحصص المتعلق (و هو ذات الصلاة مثلاً) فالمتعلق «الحصة التوأمة لقصد الأمر من ذات الصلاة».

هذا تمام البحث من جهة استحالة التقیید بقصد الأمر أو عدم استحالته.

ص: 208

الجهة الثانیة: علی فرض استحالة التقییدهل یستحیل الإطلاق أو لا؟
اشارة

و حینئذ لابدّ من انضمام بحث آخر و هو أنّه علی فرض استحالة التقیید هل یستحیل الإطلاق أو لا؟

فلابدّ من البحث عن أمرین:

الأول: إنّ التقابل بین الإطلاق و التقیید تقابل الملکة و العدم أو تقابل الضدین أو غیر ذلک؟

الثانی: علی فرض أنّ التقابل بینهما تقابل الملکة و العدم هل تستلزم استحالة التقیید استحالة الإطلاق أو لا؟ (هنا مسألتان):

المسألة الأُولی: تقابل الإطلاق و التقیید
اشارة

هنا قولان:

القول الأول: تقابل الملکة و عدمها
اشارة

قال المحقق النائینی (قدس سره) و بعض الأساطین (دام ظله) ((1)) بأنّ التقابل بینهما تقابل الملکة و العدم و فی قبال ذلک قال العلامة المحقق الإصفهانی و المحقق الخوئی (قدس سرهما) بالتفصیل بین مقام الثبوت و الإثبات فإنّ التقابل بینهما فی مقام الثبوت تقابل التضاد و فی مقام الإثبات تقابل الملکة و العدم.

ص: 209


1- تحقیق الأصول، ج2، ص95 و 96 «هذا و قد اختار الأُستاذ فی الدورة السابقة ابتداءً قول المحقق الإصفهانی ثم عدل عنه للإشکال التالی و هو عدم جواز أخذ خصوصیة المقسم و هو اللحاظ فی القسم ببیان أنّه بعد عدم إمکان الإهمال فإنّ الحاکم إما یلحظ القید و یأخذه فی الذات فتکون الذات بشرط شیء و إما... فما ذهب إلیه المحقق النائینی هو الصحیح من أنّ التقابل من قبیل العدم و الملکة الخ».
بیان هذا القول:

إنّ اللحاظ أمر وجودی جامع بین الإطلاق و التقیید فکما أنّه فی مقام الإثبات یفسر الإطلاق بعدم بیان التقیید بالنسبة إلی ما یتمکن فیه من التقیید فهکذا الأمر فی مقام الثبوت بمعنی أنّ القید یلحظ و حینئذ إما یؤخذ فیکون الأمر مقیداً و إما لایؤخذ فیکون مطلقاً؛ فحقیقة الإطلاق هی لحاظ القید و عدم الأخذ کما أنّ حقیقة التقیید هی لحاظ القید و أخذه؛ فاللحاظ مقسم للإطلاق و التقیید و التقیید أمر وجودی و الإطلاق أمر عدمی.

إن قلت: إنّ اللحاظ أمر وجودی و هو موجود فی الإطلاق و مقسم له فکیف یعقل أن یکون الإطلاق أمراً عدمیاً؟

قلنا: نحن و إن صدقنا وجود اللحاظ حتی فی الإطلاق و لکن لانسلم إشراب اللحاظ فی حقیقة الإطلاق؛ و بهذا البیان ظهر أنّ التقابل بین الإطلاق و التقیید ثبوتاً تقابل الملکة و العدم لا التضاد.

القول الثانی: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) و المحقق الخوئی (قدس سره)

القول الثانی: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) (1) و المحقق الخوئی (قدس سره)

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) : إنّ کلام المحقق النائینی (قدس سره) بحسب مقام الإثبات صحیح بلا إشکالٍ و أما فی مقام الثبوت فالصحیح أنّ المقابلة بینهما مقابلة

ص: 210


1- . نهایة الدرایة، ج1، ص338، التعلیقة 176 علی هذه العبارة «إذا عرفت بما لا مزید علیه عدم إمکان أخذ قصد الامتثال» قال (قدس سره) : «... نعم لا حاجة إلی إثبات استحالة الإطلاق لأنّها غیر ثابتة الخ» و فی الهامش: «... و أما ما یقال من أنّه لا إطلاق إلا فی ما رتّب الحکم علی المقسم... و لذا جعل الإطلاق فی قبال التقیید من قبیل العدم و الملکة لا من قبیل السلب و الوجود فالجواب عنه أنّ الإطلاق فی جمیع الموارد بمعنی اللابشرطیة القسمیة... و علیه فالإطلاق المقابل للتقیید تارةً من قبیل العدم و الملکة کما فی ما کان ممکناً و أُخری من قبیل السلب و الإیجاب کما فی ما کان ضروریاً فالصحیح أنّ الإطلاق مع إمکان التقیید و مع استحالته ثابت غایة الأمر أنّه لایجدی إلا فی الأول کما فی المتن» و فی بحوث فی الأُصول، الأُصول علی النهج الحدیث، ص82 «إنّ التقیید إذا کان ممکناً فعدمه عدم ملکة و إذا لم یکن ممکناً فعدمه سلب فی قبال الإیجاب لعدم ارتفاع النقیضین فما یقال من أنّه إذا استحال التقیید استحال الإطلاق لیس علی إطلاقه فإنّه یستحیل الإطلاق بمعنی عدم التقیید فی ما یقبل التقیید أی یستحیل أن یکون عدمه عدم ملکة و أما السلب المقابل للإیجاب فضروری فإذا امتنع وجود شیء وجب عدمه لا إنّه امتنع عدمه الخ» و فی ص 95 «و أما استحالة الإطلاق من ناحیة استحالة التقیید نظراً إلی أنّه عدم التقیید فی ما من شأنه التقیید فقد أجبنا عنه فی البحث عن التعبدی و التوصلی من أنّ الإطلاق تارةً محال و أُخری واجب و لا منافاة بین أن یکون عدم التقیید من باب العدم المقابل للملکة محالاً و من باب السلب المقابل للإیجاب واجباً و حینئذ فما امتنع وجوده یجب عدمه لا إنّه یستحیل عدمه»

الضدین لا العدم و الملکة و ذلک لأنّ الإطلاق فی هذا المقام عبارة عن رفض القیود و الخصوصیات و لحاظ عدم دخل شیء منها فی الموضوع أو المتعلق و التقیید عبارة عن لحاظ دخل خصوصیة من الخصوصیات فی الموضوع أو المتعلق و من الطبیعی أنّ کلاً من الإطلاق و التقیید بهذا المعنی أمر وجودی.((1))

فإنّ ما أفاده (قدس سره) من أنّ لحاظ الخصوصیة أمر جامع بین الإطلاق و التقیید صحیح بلا إشکال و لکن ما أفاده من أنّ الإطلاق فی مقام الثبوت هو عدم أخذ الخصوصیة فلایصح بل لابدّ بعد ملاحظة الخصوصیة إما من أخذه فی المتعلق لدخله فی الغرض و إما من رفضه لعدم دخله فی الغرض و رفض الخصوصیات أمر وجودی.

و إن شئت فقل: إنّ الغرض لایخلو من أن یقوم بالطبیعی الجامع بین کافة خصوصیاته أو یقوم بحصة خاصة منه و لا ثالث لهما؛ فعلی الأول لابدّ من

ص: 211


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص172 – 174؛ ج 1، ص528 – 531، بحوث الأوامر، المقام الثانی، الجهة الرابعة، إذا شک فی کون الواجب توصلیاً أو تعبدیاً، المقام الثانی، المورد الأول، الدعوی الثانیة، المورد الأول.

لحاظه علی نحو الإطلاق و السریان رافضاً عنه جمیع القیود و الخصوصیات الطارئة علیه أثناء وجوده و تخصصه و علی الثانی لابدّ من لحاظ تلک الحصة الخاصة و لایعقل لهما ثالث فلأنّ مرد الثالث- و هو لحاظه بلا رفض الخصوصیات و بلا لحاظ خصوصیة خاصة - إلی الإهمال فی الواقعیات و من الطبیعی أنّ الإهمال فیها من المولی الملتفت مستحیل.

توضیح ذلک أنّ ما أفادوا -من أنّ اللحاظ أمر وجودی جامع بین الإطلاق و التقیید و بعد لحاظ القید إما یؤخذ فیکون الأمر مقیداً و إما لایؤخذ فیکون مطلقاً- لایستقیم بحسب مقام الثبوت لأنّ هذا اللحاظ الجامع تصور ذهنی من دون أن یشتمل علی حکم و تصدیق و حینئذ إذا حکمنا بأخذ القید فی المتعلق فلا إهمال بالنسبة إلی هذا القید و أما إذا لم نحکم بشیء فذلک إهمال بالنسبة إلی هذا القید و الشارع فی مقام الثبوت لابدّ أن یحکم إما بأخذ القید و إما بعدم أخذه و معنی حکمه و لحاظه لعدم أخذه هو ما یعبر عنه بالرفض و الحکم بعدم الأخذ أمر لحاظی غیر اللحاظ التصوری الأول و لابدّ من هذا اللحاظ الثانوی حتی یخرج المقام من الإهمال و إلا فنفس اللحاظ الأول (غیر المشتمل علی الحکم بالأخذ أو بعدم الأخذ) لایخرج أمر القید من الإهمال کما أنّ عدم أخذ القید أیضاً أمر عدمی فلایوجب خروج القید عن الإهمال و لما کان الإهمال من الشارع بالنسبة إلی القید فی مقام الثبوت و الواقع مستحیلاً فلابدّ من انضمام لحاظ الإطلاق و رفض القیود فی مقام الثبوت و بذلک ظهر أنّ التقابل بین الإطلاق و التقیید فی مقام الإثبات تقابل الملکة و العدم و فی مقام الثبوت تقابل التضاد.

المسألة الثانیة: علی فرض استحالة التقیید هل یمکن الإطلاق أو یستحیل؟
اشارة

نتکلم فیها بناءً علی القولین فی المسألة الأُولی.

ص: 212

أما علی القول الأول:
اشارة

فبحسب مقام الثبوت هنا قولان:

القول الأول: الملازمة بین استحالة التقیید و استحالة الاطلاق
اشارة

اختاره المحقق النائینی (قدس سره) و جمع آخر من المحققین.

و وجه نظریة المحقق النائینی (قدس سره) هو « دعوی أنّ لازم کون التقابل بین الإطلاق و التقیید تقابل العدم و الملکة اعتبار کون المورد قابلا للتقیید فما لم یکن قابلاً له [أی للتقیید] لم یکن قابلاً للإطلاق أیضاً.»((1))

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیه:

((2))

«إنّ قابلیة المحل [للتقیید] المعتبرة فی التقابل المذکور [أی تقابل الملکة و العدم] لایلزم أن تکون [قابلیة] شخصیة فی جزئیات مواردها بل یجوز أن تکون صنفیة أو نوعیة أو جنسیة ... و قد تحصل من ذلک بوضوح أنّه لایعتبر فی صدق العدم المقابل للملکة علی مورد قابلیة ذلک المورد بشخصه للاتصاف بتلک الملکة بل یکفی فی ذلک قابلیة صنفه أو نوعه أو جنسه للاتصاف بها [أی بالملکه و إن لم یکن شخص هذا الفرد قابلاً للاتصاف به]» مثلاً الإنسان یتصف بالعجز

ص: 213


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص175؛ و فی أجود التقریرات، ج1، ص169 «فإنّ الإطلاق و إن کان عدمیاً إلا أنّه موقوف علی ورود الحکم علی المقسم و تمامیة مقدمات الحکمة فالتقابل بینهما لا محالة یکون تقابل العدم و الملکة فإذا فرضنا فی مورد عدم ورود الحکم علی المقسم فلا معنی للتمسک بالإطلاق قطعاً».
2- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص175 و 176؛ ج 1، ص532 و 533،...، الدعوی الثانیة، المورد الثانی، الدعوی الأُولی.

عن الطیران مع عدم قابلیته له و وجه ذلک قابلیة جنسه ( الحیوان ) للطیران و لو ببعض أفراده.

القول الثانی: عدم الملازمة اختاره المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

وجه نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) :((1)) إنّ الغرض الداعی إلی جعل الحکم إما یقوم بالطبیعی الجامع بین الخصوصیات و إما یقوم بحصته المقیدة بشیء و إما یقوم بحصته المقیدة بعدم ذاک الشیء و إما یقوم بالطبیعة المهملة؛ أما التصویر الرابع فباطل لأنّ الإهمال فی الواقعیات مستحیل (حیث إنّ مرجع الإهمال إلی عدم علم المولی بمتعلق حکمه أو موضوعه من حیث السعة و الضیق و تردده فی ذلک و من الطبیعی أنّ تردده فیه یستلزم تردده فی نفس حکمه و هو من الحاکم غیر معقول).

فیبقی الصور الثلاث الأُخر و أما التصویر الثانی فهو مستحیل علی الفرض و أما التصویر الثالث فلا وجه له هنا أیضاً ( لأنّه لا معنی لتقیید المتعلق بعدم امتثاله بقصد أمره ) فیتعین حینئذ التصویر الأول و هو الإطلاق.

«و لا فرق فی ذلک بین قیود الوضوع و قیود المتعلق و کذا لا فرق بین القیودات [أی الانقسامات] الأولیة و القیودات الثانویة ضرورة أنّ الإهمال کما لایعقل بالإضافة إلی القیودات الأولیة کذلک لایعقل بالإضافة إلی القیودات الثانویة فإنّ الحکم المجعول من قبل المولی الملتفت إلی تلک القیودات لایخلو من أن یکون مطلقاً بإطلاق موضوعه أو متعلقه بالإضافة إلیها - یعنی لادخل

ص: 214


1- محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص177 و 178؛ ج 1، ص534 و 535،...الدعوی الثانیة، المورد الثانی، الدعوی الثانیة.

لشیء منها فیه - أو یکون مقیداً بها و لا ثالث فی البین و علیه فإذا افترضنا استحالة التقیید بقید فلامحالة أحد أمرین ضروری إما الإطلاق أو التقیید بغیره لاستحالة الإهمال فی الواقع.»

و بحسب مقام الإثبات: فقد قال بعض الأساطین (دام ظله) :((1)) لایمکن التمسک بأصالة الإطلاق.

«إنّه دائماً یکون الإطلاق فی مقام الإثبات کاشفاً عن الإطلاق فی مقام الثبوت؛ فمن مقام الإثبات یستکشف مقام الثبوت و هذه الکاشفیة إنّما تتحقق و یکون الإطلاق حجةً علی المراد فیما إذا تمکن الحاکم من التقیید فی مقامی الثبوت و الإثبات و مع انتفاء التمکن منه فی أحد المقامین لایتحقق الإطلاق الکاشف عن المراد.

و فی ما نحن فیه الحاکم و إن کان قادراً علی بیان القید فی مقام الإثبات إلا أنّه غیر قادر علی تقیید متعلق الأمر بقصد القربة فی مقام الثبوت فلایکون إطلاقه فی مقام الإثبات کاشفاً عن إطلاقه فی مقام الثبوت...»

ملاحظتنا علی هذا القول:

إنّا فی هذا الفرض لانحتاج إلی کاشفیة الإطلاق فی مقام الإثبات عن الإطلاق فی مقام الثبوت لأنّ مقتضی دلیل استحالة التقیید فی مقام الثبوت هو إطلاق المتعلق بالنسبة إلی القید ثبوتاً - کما برهنّا علیه - کما قال المحقق الخوئی (قدس سره) :((2))

ص: 215


1- تحقیق الأصول، ج2، ص97،...، الثانی هل إذا استحال التقیید استحال الإطلاق؟
2- دراسات فی علم الأُصول، ج1، ص199، المقصد الأول، المقام الثالث، المقدمة الثانیة لعدم التمسک بإطلاق دلیل الواجب لإثبات التوصلیة.

«و قد حُکی أنّ الشیخ (قدس سره) [أی الشیخ الأنصاری] کان یتمسک بهذا الإطلاق((1)) و لایخفی أنّ الإطلاق المدعی إنّما هو الإطلاق الثبوتی أعنی المنکشف لا الإطلاق فی مقام الکاشف [کذا] و الإثبات لیقال: إنّه لا أثر لهذا الإطلاق و عدم التقیید الذی یکون منشأه عدم تمکن المولی من التقیید فإنّ ذلک إنّما یکون فی الإطلاق الإثباتی فإنّ من مقدماته أن یکون المولی فی مقام البیان و قادراً علی التقیید فإذا لم یقید یکون ذلک الإطلاق کاشفاً عن إطلاق المراد.

و أما الإطلاق فی مرحلة الثبوت فیترتب علیه الأثر بعد إثبات استحالة الإهمال و استحالة التقیید فیجزم بأنّ المراد الواقعی مطلق و یترتب علیه الأثر.»

و أما علی القول الثانی:

فبحسب مقام الثبوت یکون الإطلاق ضروریاً.

ص: 216


1- أجود التقریرات، ج1، ص168، المقصد الأول، الفصل الثانی، المقام الثانی، المبحث الثانی فی التعبدیة و التوصلیة «الأمر الثالث: اختلفت کلمات الأصحاب فی مقتضی الأصل اللفظی فی المقام فاختار جماعة و منهم المحقق الأنصاری (قدس سره) أصالة التوصلیة... و استدل العلامة الأنصاری (قدس سره) علی مختاره بعدم إمکان التقیید فیثبت الإطلاق و بمثل هذا استدل علی شمول الخطاب للجاهلین و عدم اختصاصه بالعالمین و علی عموم وجوب المقدمة لغیر الموصلة و الجامع فی جمیع المقامات عدم إمکان التقیید للزوم المحذور فیه الخ». و فی فوائد الأُصول، ج1، ص394 و 395: «و بما ذکرنا ظهر فساد ما سلکه الشیخ (قدس سره) فی المقام و غیر الشیخ حیث قالوا بإطلاق القول بوجوب المقدمة مطلقاً موصلة کانت أو غیرها لمکان امتناع التقیید بالموصلة فجعلوا نتیجة امتناع التقیید هو الإطلاق مع أنّک قد عرفت أنّ ذلک لایعقل لأنّ امتناع التقیید یوجب امتناع الإطلاق أیضاً و قد سلک الشیخ (قدس سره) هذا المسلک أیضاً فی مسألة امتناع اعتبار قصد القربة فی متعلق الأمر و امتناع تقیید الأحکام بالعلم بها حیث إنّه استنتج الإطلاق من امتناع ذلک و قال بأصالة التوصلیة و اشتراک الأحکام بین العالم بها و الجاهل و قد عرفت أنّ امتناع الإطلاق ملازم لامتناع التقیید مطلقاً فی المقام و فی مسألة اعتبار قصد القربة و فی مسألة العلم بالأحکام».

إنّ الإطلاق فی مقام الثبوت واجب -علی فرض استحالة أخذ قصد الأمر فی المتعلق- لعدم أخذ عدم قصد الأمر فیه و لعدم الإهمال فی مقام الثبوت و لانحتاج إلی أصالة الإطلاق فی مقام الإثبات.

و بحسب مقام الإثبات لا مانع من التمسک بأصالة الإطلاق لإثبات التوصلیة لعدم استحالة أخذ قصد الأمر فی المتعلق.

هذا تمام الکلام فی الوجه الأول من وجوه قصد القربة.

ص: 217

الوجه الثانی و الثالث و الرابع: قصد مصلحة الفعل و حسنه و محبوبیته
اشارة

هنا إشکالات خمسة:

الإشکال الأول:
اشارة

((1))

إنّ أخذ تلک الدواعی فی متعلق الأمر ممکن ثبوتاً إلا أنّا نعلم عدم أخذها فیه لأنّه لو أُخذت فی متعلق الأمر لم یصح الإتیان بدونها مع أنّا نعلم یقیناً بأنّ الإتیان بقصد الأمر من دون الالتفات إلی إحدی تلک الدواعی یکفی فی مقام الامتثال.

جواب المحقق الخوئی (قدس سره) عنه:

((2))

«إنّ ما ذکره من صحّة العبادة مع قصد أمرها و بدون قصد تلک الدواعی لایکشف إلا عن عدم اعتبارها بالخصوص و أما اعتبار الجامع بین الجمیع و هو إضافة العمل إلیه تعالی فهو بمکان من الإمکان و لا دلیل فی ما ذکره [صاحب الکفایة (قدس سره) ] علی عدم اعتباره فلعل صحة العبادة المأتی بها بداعی أمرها إنّما هی من ناحیة تحقق الجامع القربی به.»

ص: 218


1- کفایة الأُصول، ص74، المقصد الأول، الفصل الثانی، المبحث الخامس «... هذا إذا کان التقرب المعتبر فی العبادة بمعنی قصد الامتثال و أما إذا کان بمعنی الإتیان بالفعل بداعی حسنه أو کونه ذا مصلحة أو له تعالی فاعتباره فی متعلق الأمر و إن کان بمکان من الإمکان إلا أنّه غیر معتبرفیه قطعاً لکفایة الاقتصار علی قصد الامتثال الذی عرفت عدم إمکان أخذه فیه بدیهةً».
2- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص180؛ ج 1، ص537 و 538، بحوث الأوامر، المقام الثانی، الجهة الرابعة، الکلام فی بقیة الدواعی القربیة، المقام الأول.
الإشکال الثانی: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره)
اشارة

((1))

الإرادة التشریعیة تکون علی وزان الإرادة التکوینیة و فی الإرادة التکوینیة الداعی علة للإرادة و الإرادة علة للفعل فلو جعلنا رتبة الداعی إلی الإرادة فی عرض الفعل (أی أخذناه فی المتعلق) یلزم جعل علة الشیء فی رتبة معلول هذا الشیء و هذا محال؛ و حینئذ نقول: الأمر الصادر من المولی هو إرادته التشریعیة و الداعی لتلک الإرادة هو محبوبیة الفعل و مصلحته فلو أخذنا قصد المحبوبیة و المصلحة و الحسن فی المتعلق یلزم جعل علة الشیء فی رتبة معلوله و هذا مستحیل

جوابان من المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

((2)) عنه:

الجواب الأول:

قال (قدس سره) : «و لنأخذ بالمناقشة علیه أولاً بالنقض و ثانیاً بالحل أما الأول فلو تم ما أفاده (قدس سره) من عدم إمکان تعلق الإرادة التشریعیة و التکوینیة بداعٍ من الدواعی القربیة لکان ذلک موجباً لعدم إمکان تعلقهما به بمتمم الجعل و بالأمر الثانی أیضاً مع أنّه (قدس سره) قد التزم بإمکان أخذه بالأمر الثانی و السبب فی ذلک هو ما عرفت من أنّ الداعی عبارة عما تنبعث الإرادة منه فی نفس المکلف للقیام بالعمل و علیه فبطبیعة الحال تکون الإرادة متأخرة عنه فإذن کیف یعقل أن تتعلق الإرادة

ص: 219


1- أجود التقریرات، ج1، ص163 – 165، المقصد الأول، الفصل الثانی، المقام الثانی، المبحث الثانی، الأمر الثانی «و أما علی المختار من کون جمیع الدواعی القربیة فی عرض واحد و أنّ الجامع بین الجمیع کون العمل لله - کما یستفاد من قوله (علیه السلام) : و کان عمله بنیة صالحة یقصد بها ربه – فوجه امتناع أخذ الجامع المنطبق عل جمیع الدواعی القربیة فی المأمور به هو أنّ الداعی أیاًما فرض فهو فی مرتبة سابقة علی الإرادة المحرکة للعمل الخ».
2- محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص182؛ ج 1، ص539 و 540.

به کما تتعلق بالفعل الخارجی و من الواضح أنّه لافرق فی استحالة أخذه فی متعلق الإرادة بین أن یکون بالأمر الأول أو بالأمر الثانی.»

الجواب الثانی:

قال (قدس سره) :((1)) «و أما الثانی فلأنّ ما أفاده (قدس سره) إنّما یتم فی الإرادة الشخصیة حیث إنّها لایعقل أن تتعلق بما تنبعث منه بداهة... أو فقل: إنّ هذه الإرادة معلولة لذلک الداعی فکیف یعقل أن تتقدم علیه و تتعلق به؟ و أما تعلق فرد آخر من الإرادة به غیر الفرد الناشئ منه فلا استحالة فیه أصلاً و ما نحن فیه من هذا القبیل و ذلک لأنّ الواجب فیه مرکب علی الفرض من فعل خارجی کالصلاة مثلاً و فعل نفسانی کأحد الدواعی القربیة و الاختیار [أو الإرادة] المتعلق بالفعل الخارجی کالصلاة مثلاً غیر الاختیار المتعلق بالفعل النفسانی فإنّ تعدد الفعل بطبیعة الحال یستلزم تعدد الاختیار و إعمال القدرة فلایعقل تعلق اختیار واحد بهما معاً فإذن لایلزم المحذور المتقدم حیث إنّ الاختیار المتعلق بالفعل الخارجی هو الناشئ عن الفعل النفسانی یعنی أحد الدواعی القربیة و الاختیار المتعلق به [أی الفعل النفسانی و هو الداعی القربی] غیر ذلک الاختیار و لم ینشأ منه [أی من الفعل النفسانی].»

جوابان من بعض الأساطین (دام ظله)
اشارة

((2)) عنه:

الجواب الأول:

«إنّه قد تعلقت الإرادة التشریعیة من الشارع بالصلاة بداعی المصلحة فإن

ص: 220


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص182 و 183؛ ج 1، ص540 و 541
2- تحقیق الأُصول، ج2، ص106،...، هل یمکن أخذ سائر الدواعی؟، الإشکالات علی ذلک ثلاثة، 2. المیرزا النائینی، جواب المحاضرات

کان الداعی لهذه الإرادة نفس المصلحة لزم المحال لکن داعی المولی للإرادة التشریعیة لیس هو المصلحة بل محبوبیة الصلاة مثلاً و إذا اختلف الداعیان ارتفع محذور الدور.» هذا علی ما فی تحقیق الأُصول.

الجواب الثانی:

للأُستاذ (دام ظله) بیان آخر من جهة تعدد أفراد الداعی الواحد (غیر تعدد نفس الداعی) فقال: إنّ المصلحة الداعیة إلی الإرادة التشریعیة غیر المصلحة المأخوذة فی المتعلق و هما فردان من المصلحة.

الإشکال الثالث: الدور أفاده المحقق البروجردی (قدس سره)
اشارة

((1))

«إنّ داعویة حسن الفعل مثلاً تتوقف علی کونه حسناً و کونه حسناً یتوقف علی داعویة الحسن فیدور» و هکذا إتیان العمل بداعی مصلحته یتوقف علی کونه ذا مصلحة و کونه ذا مصلحة یتوقف علی إتیانه بداعی مصلحته فیدور.

جوابان من بعض الأساطین (دام ظله)
اشارة

((2)) عنه:

الجواب الأول بالنقض:

((3))

إنّ التعظیم یتوقف علی قصده؛ مثلاً القیام للقادم إنّما یکون تعظیماً له إذا قصد به التعظیم و أما لو لم یقصد به التعظیم بل قصد به رؤیة شیء أو غیر ذلک فلایکون تعظیماً؛ و من جهة أُخری قصد التعظیم یتوقف علی کونه تعظیماً؛ مثلاً

ص: 221


1- نهایة الأُصول، ص114،... التعبدی و التوصلی، إشکالات الباب تعم أخذ سائر الدواعی فی المأمور به.
2- تحقیق الأُصول، ج2، ص107،...، 3. السید البروجردی، الجواب .
3- «... أولاً بالنقض بمثل التوهین و التعظیم و نحوهما من العناوین الانتزاعیة التعبدیة الخ».

لایمکن قصد التعظیم بفعل النوم لأنّ النوم لایکون تعظیماً فحینئذ قصد التعظیم یتوقف علی کونه تعظیماً و کونه تعظیماً یتوقف علی قصد التعظیم فیدور.

الجواب الثانی بالحل:

((1))

التعظیم الذی یتوقف علی قصد التعظیم هو التعظیم الفعلی و التعظیم الذی یتوقف علیه قصد التعظیم هو ما یقتضی التعظیم فالموقوف غیر الموقوف علیه لأنّ الموقوف هو التعظیم الفعلی و الموقوف علیه هو التعظیم الاقتضائی؛ هکذا الحسن الذی یتوقف علی قصد الحسن هو الحسن الفعلی و الحسن الذی یتوقف علیه قصد الحسن هو ما یقتضی الحسن فالموقوف هو الحسن الفعلی و الموقوف علیه هو الحسن الاقتضائی.

الإشکال الرابع: العجز عن الامتثال أفاده المحقق البروجردی (قدس سره)
اشارة

((2))

«إنّ إتیان الصلاة مثلاً بداعی حسنها یتوقف علی کون الذات حسنة و المفروض أنّ الحسن إنّما هو للفعل المقید» لا لذات الفعل فلایمکن حینئذٍ إتیان الصلاة بداعی حسنها ( و هکذا فی سائر الدواعی).

جواب عن هذا الإشکال:

إنّ ما أفاده بعض الأساطین (دام ظله) فی دفع الإشکال الثالث یجری فی دفع هذا الإشکال أیضاً؛ فإنّ ذات الفعل له الحسن الاقتضائی و الفعل المقید له الحسن الفعلی.

ص: 222


1- «و ثانیاً بالحل و هو الفرق بین الاقتضاء و الفعلیة إذ الموقوف علی المصلحة فی العمل و علی القصد فی التعظیم مثلاً هو فعلیة القصد و المصلحة الخ».
2- نهایة الأُصول، ص114.
الإشکال الخامس: لزوم التسلسل أفاده المحقق البروجردی (قدس سره) أیضاً
اشارة

((1))

إنّ متعلق الأمر حسب الفرض هو إتیان العمل بداعی مصلحته و حینئذ إما یراد مصلحة ذات العمل فهذا خلف لأنّ ذات العمل لا مصلحة فیها بل المصلحة فی إتیانها بقصد المصلحة و إما یراد مصلحة العمل المقید بقصد المصلحة فننقل الکلام إلی تلک المصلحة الثانیة فإن کان المراد مصلحة ذات العمل فهذا خلف و إن کان المراد مصلحة العمل المقید بقصد المصلحة فننقل الکلام إلیه فهکذا یتسلسل.

الجواب عن الإشکال:

هو ما أفاده الأُستاذ (دام ظله) من أنّ ذات العمل واجدة للمصلحة الاقتضائیة.

ص: 223


1- نهایة الأصول «و بذلک یظهر تقریر التسلسل أیضاً».
الوجه الخامس: قصد الجامع بین الدواعی و هو قید الانتساب إلیه تعالی
اشارة

و هذا مختار المحقق الخوئی (قدس سره) ((1)) قال: « إنّ ما ذکر من المحاذیر لایلزم شیء منها علی تقدیر أخذه [أی الجامع القربی] هذا من ناحیة و من ناحیة أُخری إنّ الدواعی القربیة بکافة أصنافها فی عرض واحد؛ فلیس واحد منها فی طول الآخر فإنّ المعتبر فی العبادة هو الإتیان بها بقصد التقرب إلی المولی و هو یتحقق بإضافة الفعل إلیه حیث لا واقع له ما عدا ذلک و من المعلوم أنّ الإضافة جامعة بین جمیع أنحاء قصد القربة.

و من ذلک یظهر أنّ کل واحد من الدواعی القربیة غیر مأخوذ فی متعلق الأمر و المأخوذ إنما هو الجامع بین الجمیع و من ثمة لو أتی المکلف بالعبادة بأی داع من تلک الدواعی لکانت صحیحة و لا خصوصیة لواحد منها بالإضافة إلی الآخر أصلاً.»

إشکال علی أخذ الجامع بین الدواعی فی متعلق الأمر:

((2))

إذا قلنا باستحالة أخذ قصد الأمر فی المتعلق و قلنا أیضاً بعدم أخذ غیره من سائر الدواعی فبطبیعة الحال لایمکن أخذ الجامع بین هذه الدواعی لأنّه لایعم غیرها.

ص: 224


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص185؛ ج 1، ص543، بحوث الأوامر، المقام الثانی، الجهة الرابعة، الکلام فی بقیة الدواعی القربیة، المقام الأول.
2- محاضرات فی أُصول الفقه: «قد یقال کا قیل: إذا افترض استحالة أخذ قصد الأمر فی متعلقه من ناحیة و الیقین بعدم أخذ غیره من الدواعی القربیة فیه من ناحیة أُخری الخ».
جواب المحقق الخوئی (قدس سره)

((1)) عن هذا الإشکال:

«إنّ الإطلاق عبارة عن رفض القیود و ملاحظة عدم دخل شیء من الخصوصیات فیه من الخصوصیات النوعیة أو الصنفیة أو الشخصیة و لیس عبارة عن الجمع بین القیود و الخصوصیات؛ و علی هذا فلا مانع من أخذ الجامع بین جمیع هذه الدواعی القربیة فی العبادات و لایستلزم عدم اعتبار کل واحد من تلک الدواعی فیها عدم أخذ الجامع و ذلک لأنّ معنی أخذ الجامع لیس أخذ خصوص قصد الأمر و قصد المحبوبیة و قصد الملاک و نحو ذلک من الدواعی فی المتعلق » لأنّ الإطلاق ( فی الجامع المذکور ) لیس جمع القیود.

ص: 225


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص184؛ ج 1، ص542
الوجه السادس: ما یلازم قصد القربة
اشارة

نسبه المحقق النائینی (قدس سره) ((1)) إلی المیرزا المجدد الشیرازی (قدس سره) .

قال المحقق الخوئی (قدس سره) ((2)) فی توجیهه: « إنّ کل عمل صادر عن الفاعل المختار لابدّ أن یکون صدوره عن داع من الدواعی التی تدعو المکلف نحو العمل و تبعث نحوه و من الواضح أنّ الداعی لایخلو من أن یکون داعیاً نفسانیاً أو یکون داعیاً إلهیاً فلا ثالث لهما.

و علیه فلو أخذ المولی فی متعلق أمره عدم إتیانه بداع نفسانی فقد وصل به إلی غرضه حیث إنّ هذا العنوان العدمی ملازم لإتیان الفعل المأمور به مضافاً إلی المولی ...»

إشکال المحقق النائینی (قدس سره) علی هذا الوجه:

((3))

«لو فرضنا و لو [کان هذا الفرض] محالاً انفکاک ذلک العنوان [أو العمل العبادی المعنون بالعنوان المذکور] عن أحد الدواعی [الإلهیة] و بالعکس فلابدّ و أن تکون العبادة صحیحة علی الأول [لأنّها مشتملة علی الداعی الذی أُخذ فی المتعلق] دون الثانی [أی لو فرضنا أنّ المکلف أتی بالفعل مع الداعی الإلهی یلزم کونها باطلة لأنّ الداعی الذی أُخذ فی المتعلق لیس نفس الداعی الإلهی بل

ص: 226


1- أجود التقریرات، ج1، ص166 «إذا عرفت عدم إمکان أخذ داعی القربة فی متعلق الأمر فلابدّ من بیان ما به یمتاز التعبدی عن التوصلی فما قیل أو یمکن أن یقال فی تصویره وجوه: الأول ما حکی عن بعض تقریرات العلامة الشیرازی (قدس سره) و حاصله الخ»
2- محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص185؛ ج 1، ص543
3- أجود التقریرات، ج1، ص166

ما یلازمه و نحن فرضنا انفکاک الداعی الإلهی عن ما یلازمه] مع أنّه لایلتزم به فقیه قطعاً لبداهة صحة العمل مع الداعی القربی قطعاً و إن لم یوجد هناک عنوان أصلاً و فساده مع عدمه و إن وجد ذلک العنوان.»

جواب المحقق الخوئی (قدس سره) عن هذا الإشکال:

((1))

«حیث إنّ عدم الإتیان بالعبادة بداع نفسانی فی الخارج ملازم للإتیان بها بداع إلهی و لاینفک أحدهما عن الآخر خارجاً فلا مانع من اعتباره فیها توصلاً إلی مقصوده أما فرض الانفکاک محالاً فلا أثر له أصلاً حیث إنّه لایخرج عن مجرد الفرض من دون واقع موضوعی له [و لایخرج العنوانین عن الملازمة]...»

ص: 227


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص186؛ ج 1، ص544؛ و أجاب عنه فی حاشیة أجود التقریرات بأنّه «لایخفی أنّ فرض المحال – مع استلزام القید المزبور لأحد الدواعی القربیة خارجاً – لا أثر له فی ما نحن فیه ضرورة أنّه مع علم المولی بالملازمة المزبورة و تمکنه من الوصول إلی غرضه بأخذ القید المزبور لایترتب أثر علی فرض المحال أصلاً».
المورد الثانی: نتیجة الإطلاق
اشارة

علی فرض عدم إمکان أخذ قصد القربة فی متعلق الأمر (سواء فسرناه بقصد الأمر أم بغیره) فقد یقال بتصحیح ذلک بالأمر الثانی و یسمی بمتمم الجعل.

بیان إمکان أخذ قصد القربة فی المتعلق بالأمر الثانی:

إنّ غرض المولی قد یترتب علی الفعل بداعی القربة فإذا أراد المولی استیفاء غرضه و لایمکن له الاکتفاء بأمر واحد فلابدّ له من أمرین: الأمر الأول متعلق بذات الصلاة و الأمر الثانی متعلق بإتیانها بقصد القربة و هذان الأمران کأنهما أمر واحد لوحدة الغرض فیثبتان بثبوت الغرض و یسقطان بسقوطه.

إیرادان من صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

((1)) علی هذا البیان:

الإیراد الأول:

و هو «القطع بأنّه لیس فی العبادات إلا أمر واحد کغیرها من الواجبات و المستحبات».

الإیراد الثانی:
اشارة

((2))

إنّ الأمر الأول إن سقط بإتیان متعلقه بدون قصد القربة فیکون الأمر الثانی

ص: 228


1- کفایة الأُصول، ص74، المقصد الأول، الفصل الثانی، المبحث الخامس.
2- هکذا قرره بعض الأساطین ففی تحقیق الأُصول، ج2، ص100 «و ذکر المحقق الخراسانی (قدس سره) إشکالاً آخر و حاصله أنّ أخذ قصد الأمر هنا أیضاً غیر ممکن لأنّ حصول الامتثال و سقوط الأمر بإتیان المتعلق بقصد الأمر الأول إن کان ممکناً فالأمر الثانی یکون لغواً الخ»؛ و فی کفایة الأُصول «إنّ الأمر الأول إن کان یسقط بمجرد موافقته و لو لم یقصد به الامتثال کما هو قضیة الأمر الثانی فلایبقی مجال لموافقة الثانی مع موافقة الأول بدون قصد امتثاله فلایتوسل الآمر إلی غرضه بهذه الحیلة و الوسیلة الخ»

لغواً و إن لم یسقط فالوجه فی عدم السقوط لیس إلا عدم حصول غرضه و حینئذ یستقل العقل بلزوم تحصیل الغرض و هو لایحصل إلا بالإتیان بقصد القربة فلا حاجة إلی الأمر الثانی مولویاً ( فلو ورد الأمر الثانی فی کلام الشارع یحمل علی الإرشاد إلی حکم العقل ) لاستقلال العقل بوجوب الموافقة علی نحو یحصل به غرض المولی و هو الامتثال بقصد الأمر.

أجوبة خمسة عن الإیراد الثانی:
الجواب الأول: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره)
اشارة

((1))

قال: «إنّ الإشکال مبنی علی تخیل أن تعدد الأمر إنّما یکون عن ملاک یختص بکل واحد و قد عرفت أنّه لیس المراد من تعدد الأمر ذلک بل لیس هناک إلا ملاک واحد لایمکن أن یستوفی بأمر واحد.»

مناقشة فی هذا الجواب:

هذا خلاف ظاهر ما أفاده فی الکفایة حیث قال: «فلا حاجة فی الوصول إلی غرضه إلی وسیلة تعدد الأمر» و الظاهر من هذه العبارة وحدة الغرض و الملاک.

الجواب الثانی: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) أیضاً
اشارة

إنّ شأن العقل إدراک الواقع علی ما هو علیه و لیس له الجعل و التشریع فی قبال الشارع و علی هذا لو تعلق غرض المولی بإتیان المتعلق بقصد القربة فلابدّ أن یعتبره من قبل نفسه بالأمر الأول و مع عدم إمکانه بالأمر الثانی الذی یکون متمماً للأمر الأول؛ فلذا یکون الأمران بحکم الأمر الواحد.

ص: 229


1- فوائد الأصول، ج1، ص162، المقصد الأول، الأمر السادس، المقام الأول فی ما یقتضیه الأصل اللفظی.
مناقشة فی هذا الجواب:

«إنّ ما أفاده (قدس سره) بعید عن کلام [صاحب] الکفایة [ (قدس سره) ] فإنّه لم یدع کون شأن العقل الآمریة و الشارعیة بل ما أفاده یرجع إلی أنّ العقل یری بمقتضی لزوم إطاعة أمر المولی - و هو الآمر بذات العمل - لزومَ الإتیان بالفعل بداعی القربة ... [و] لزومَ إطاعة الأمر الأول المتوقفة علی الإتیان [بمتعلقه] بقصد القربة لتوقف حصول الغرض علیه و من الظاهر أنّ الإلزام بوجوب الإطاعة حکم عقلی [بمعنی مدرکات العقل] لا شرعی و إلا لزم التسلسل ...»((1))

الجواب الثالث: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی الشق الأول من الإیراد
اشارة

إنّ بیان صاحب الکفایة (قدس سره) مشتمل علی الشقین:

الشق الأول: هو أنّ الأمر الأول إن سقط بإتیانه بلا قصد القربة یکون الأمر الثانی لغواً

الشق الثانی: و هو فرض عدم سقوط الأمر الأول بمجرد موافقته و حکم صاحب الکفایة (قدس سره) أیضاً بلغویة الأمر الثانی لاستقلال العقل بوجوب الموافقة علی نحو یحصل به غرض المولی.

مناقشة المحقق الإصفهانی (قدس سره)

((2)) فی الشق الأول

قال: « إنّ موافقة الأول لیست علة تامة لحصول الغرض بل یمکن إعادة المأتی به لتحصیل الغرض المترتب علی الفعل بداعی الأمر. توضیحه ... و

ص: 230


1- منتقی الأصول، ج1، ص448، الأوامر، المطلب الثانی، الجهة الخامسة، أخذ قصد الأمر فی متعلقه بأمر آخر.
2- نهایة الدرایة، ج1، ص332، التعلیقة 173 علی هذه العبارة «أنّ الأمر الأول إن کان یسقط بمجرد موافقته»

سیجیء إن شاء الله فی المباحث الآتیة((1)) [أی فی بحث الإجزاء] أنّ الامتثال لیس عنده (قدس سره) علة تامة لحصول الغرض کی لاتمکن الإعادة و تبدیل الامتثال بامتثال آخر غایة الأمر أنّ تبدیل الامتثال ربما یکون لتحصیل غرض أوفی فیندب الإعادة و أُخری یکون لتحصیل المصلحة الملزمة القائمة بالمأتی به بداعی الامتثال فتجب الإعادة ...»

ملاحظة علی هذا الجواب:

((2))

هذا خلاف فرض صاحب الکفایة (قدس سره) حیث افترض سقوط الأمر الأول بمجرد موافقته و معنی ذلک حصول غرض المولی من الأمر الأول؛ أما الغرض الأوفی فلیس هو ملاکاً و غرضاً من الأمر الأول بل هو غرض آخر و البحث عنه أجنبی من فرض الشق الأول.

ص: 231


1- کفایة الأُصول، ص79، المقصد الأول، الفصل الثانی، المبحث الثامن، تنبیه «... و التحقیق أنّ قضیة الإطلاق إنّما هو جواز الإتیان بها مرةً فی ضمن فرد أو أفراد... لا جواز الإتیان بها مرةً و مرات فإنّه مع الإتیان بها مرةً لا محالة یحصل الامتثال و یسقط به الأمر فی ما إذا کان امتثال الأمر علةً تامةً لحصول الغرض الأقصی بحیث یحصل بمجرده فلایبقی معه مجال لإتیانه ثانیاً الخ»؛ و فی ص 83، المقصد الأول، الفصل الثالث ( الإجزاء ) الکلام فی موضعین، الموضع الأول «إنّ الإتیان بالمأمور به بالأمر الواقعی بل بالأمر الاضطراری أو الظاهری أیضاً یجزی عن التعبد به ثانیاً لاستقلال العبد بأنّه لا مجال مع موافقة الأمر بإتیان المأمور به علی وجهه لاقتضائه التعبد به ثانیاً نعم لایبعد أن یقال بأنّه یکون للعبد تبدیل الامتثال و التعبد به ثانیاً بدلاً عن التعبد به أولاً لا منضماً إلیه کما أشرنا إلیه فی المسألة السابقة و ذلک فی ما علم الخ».
2- منتقی الأُصول، ج1، ص444 «... و فیه أولاً أنّه یبتنی علی التزام صاحب الکفایة بجواز تبدیل الامتثال و لو مع سقوط الأمر أما مع الالتزام بجوازه من باب بقاء الأمر لعدم حصول غرضه الأوفی فلایتأتی ما ذکر ههنا لأنّ المفروض سقوط الأمر بمجرد الفعل فلایکون المورد قابلاً لتبدیل الامتثال بعد سقوطه الخ».
الجواب الرابع: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره)

((1)) فی الشق الثانی من الإیراد

«إنّ المولی لایجب علیه أخذ کل ما له دخل فی تأثیر مطلوبه فی غرضه فی متعلق أمره بذات ما یفی بالغرض سواء أمکن أخذه فیه کالطهارة و نحوها أو لم یمکن کالقربة و نحوها؛ بل قد عرفت أنّه بلحاظ لب الإرادة لایعقل تعلقها [أی الإرادة] بذات السبب و شرائطه فی عرض واحد فله الأمر حینئذ بذات السبب و الأمر بکل واحد من الشرائط مستقلاً و عدم سقوط الأمر بالسبب مع عدم الإتیان بشرائطه من لوازم الاشتراط من دون فرق بین القربة و غیرها.

و [حینئذ] کما لایحکم العقل بدخل الطهارة بعنوانها فی ترتب الغرض من الصلاة علیها مع عدم بیان من الشارع کذلک لایحکم العقل بدخل القربة بعنوانها فی ترتب الغرض [مع عدم بیان من الشارع؛ فما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) من استقلال العقل و حکمه مخدوش].

و حکمه [أی العقل] بدخلها [أی القربة] فی استحقاق الثواب لادخل له بما نحن فیه».

فتحصل من ذلک بطلان إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) لا بما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) بل بما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی الشق الثانی.

أما الشق الأول فخارج عن فرض القائلین بتصحیح أخذ قصد القربة فی المتعلق بالأمر الثانی.

ص: 232


1- نهایة الدرایة، ج1، ص334، التعلیقة 174 علی هذه العبارة «و إن لم یکد یسقط بذلک فلایکاد».
الجواب الخامس: ما أفاده بعض الأساطین (دام ظله)
اشارة

((1)) فی الشق الثانی

«إنّ کلامه مبنی علی القول بأصالة الاشتغال فی ما نحن فیه و لکن سیأتی((2)) فی مبحث مقتضی الأصل العملی أنّ فی المقام قولین: أحدهما البراءة و الآخر هو الاشتغال و علی الأول لایکون الأمر الثانی لغواً.»

و هذا البیان مذکور فی تقریرات المحقق العراقی (قدس سره) ((3)) أیضاً.

ملاحظتنا علی هذا الجواب:

إنّ هذا الإشکال یتعلق بصورة الشک فی سقوط الأمر الأول و لکن فرض صاحب الکفایة (قدس سره) سقوط الأمر لا الشک.

هذا تمام الکلام فی الأصل اللفظی الداخلی.

ص: 233


1- تحقیق الأصول، ج2، ص101.
2- تحقیق الأُصول، ج2، ص111؛ و مختاره (دام ظله) البراءة قال فی ص 113 «فالتحقیق أنّ الأصل فی المقام هو البراءة عقلاً و نقلاً».
3- بدائع الأفکار، ج1، ص232.
المورد الثالث: الأصل اللفظی الخارجی
اشارة

قال بعض الأعلام: إنّ مقتضی الأصل اللفظی الخارجی التعبدیة.

و استدل علی ذلک بوجوه ثلاثة:

الوجه الأول:
اشارة

و هو قوله تعالی: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِیعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ). (1)

بیانه أنّ هذه الآیة تدل بمقتضی الحصر علی أنّ الأوامر الصادرة من الله تعالی کلها عبادیة إلا إذا قام دلیل علی کونها توصلیة.

ص: 234


1- . سورة البینة ( 98 ): 5. فی أوثق الوسائل، ص504: «لایذهب علیک أنّه قد استدلّ بالآیة علی أنّ الأصل فی کل أمر أن یکون تعبدیاً و أُخری علی اشتراط قصد القربة و الإخلاص فی العبادات و عدم صحتها مع الریاء و غیره من الضمائم». أمّا دلالة الآیة علی المطلب الأوّل فقد صرّح بها فی کشف الغطاء و الجواهر و الإشارات. ففی الأوّل، ج1، ص276، الفن الثانی، المقصد الثانی، المقام الثانی، المقصد الأوّل فی النیة، المبحث الثانی من الطبعة الحدیثة: «الأصل فی کل عمل مأمور به أن یکون عبادة مشروطة بها [أی النیة]... و لعموم ما فی کتاب المبین من قوله تعالی (وَمَا أُمِرُوا...) (البینة: 5)» و فی الجواهر، ج15، ص471: «أمّا القول فی النیة... فلا خلاف فی اعتبارها فی الزکاة... فعموم ما دلّ علی اعتبارها من قوله [تعالی] (وَمَا أُمِرُوا)الآیة... لا معارض له هنا و کذا الکلام فی الخمس و إن قلّ المصرّح باعتبارها فیه» و فی ج4، ص118: «ثم یغسّل بماء السدر یبدأ برأسه ثمّ جانبه الأیمن ثم الأیسر مع نیة التقرّب لاشتراطها فی غسل المیت علی الأقوی للمشهور نقلاً و تحصیلاً... و کیف کان فنحن فی غنیة عنه [أی الإجماع] لأصالة العبادة فی کل ما أمر به لقوله تعالی (وَمَا أُمِرُوا) الآیة» الخ. و فی أجود التقریرات، ج1، ص171: «و استدل الکلباسی (قدس سره) فی الإشارات علی أصالة التعبدیة بوجوهٍ:... الوجه الثانی: قوله تعالی (وَمَا أُمِرُوا)الآیة» و قد نسب فی الفصول، ص70 الاحتجاج بالآیة علی المطلب الأوّل إلی العلامة (قدس سره) و لکن فی مطارح الأنظار، ص61: «و نسبه بعض الأجلة إلی العلامة و الموجود من کلامه فی المنتهی ما یخالف ذلک» و فی تقریرات الشیرازی، ج2، ص341: «و قد نسب إلی العلامة فی النهایة لکن المحکی من کلامه عن المنتهی مخالف لذلک». أمّا دلالتها علی المطلب الثانی فقد صرّح بها المحقق و العلامة و الشهید الثانی (قدس سرهم). ففی کتاب الطهارة للشیخ الأنصاری (قدس سره) ، ج2، ص11: «و إنّما یمکن أن یدّعی دلالتها [أی الآیة] علی أنّ العبادة لم یؤمر بها إلّا علی جهة الإخلاص و لهذا استدلّ الفاضلان فی ظاهر المعتبر و صریح المنتهی بها علی وجوب الإخلاص فی الواجب المفروغ کونها عبادة». و فی تمهید القواعد، ص240: «و منها الحکم باشتراط الإخلاص فی العبادة و بطلان عبادة الریاء لقوله تعالی (وَمَا أُمِرُوا)الآیة».
إیرادان من المحقق الخوئی (قدس سره)

((1)) علی هذا الوجه:

أولاً:((2)) إنّ الآیة بقرینة صدرها فی مقام تعیین المعبود((3)) و حصر العبادة بعبادته

ص: 235


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص192؛ ج 1، ص551 و 552،...، مقتضی الأصل اللفظی.
2- «... لایمکن الالتزام بهذا الظاهر و ذلک من ناحیة وجود قرینة داخلیة و خارجیة. أما القرینة الداخلیة فهی ورودها فی سیاق قوله تعالی (لَمْ یکُنِ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْکِتَابِ وَالْمُشْرِکِینَ مُنْفَکِّینَ حَتَّی تَأْتِیهُمُ الْبَینَةُ) (البینة:1) حیث یستفاد من هذا» الخ.
3- ذکر هذا الإیراد فی عدّة من الکتب: ففی الفصول: «... مع أنّ الظاهر من سیاقها أنّها قصر أفراد وردت رداً علی الکفار». و فی فرائد الأُصول: «و یرد علیه بعد الإغماض عن عدم دلالة الآیة علی وجوب الإخلاص بمعنی القربة فی کل واجب و إنّما تدلّ علی وجوب عبادة الله خالصة عن الشرک و بعبارة أُخری وجوب التوحید کما أوضحنا ذلک فی باب النیة من الفقه». و فی مصباح الفقیه، ج2، ص130: «و أمّا قوله تعالی: (وَمَا أُمِرُوا) (البینة:1) الآیة فهی ظاهره فی إرادة التوحید و نفی الشرک کما تشهد به کلمات جماعة من المفسرین علی ما حکاه عنهم شیخنا المرتضی (رحمة الله) ». و فی أجود التقریرات: «و فیه:... و ثانیاً أنّ مفاد الآیة بقرینة سابقتها و هو قوله عزّوجلّ: (لَمْ یکُنْ)(البینة:1) هو أنّ المؤمنین فی مقام العبادة لم یؤمروا إلّا بعبادة الله دون غیره لا أنّ کل أمر ورد فی الشرع فهو عبادی». و ذکر المحقق الخوئی (قدس سره) فی التعلیقة علیه: «الظاهر أنّ الضمیر فی قوله تعالی: (وَمَا أُمِرُوا) الآیة یرجع إلی أهل الکتاب المذکورین قبل هذه الآیة فحاصل المراد أنّ أهل الکتاب لم یکونوا مأمورین إلّا بعبادة الله و التفرق الموجود بینهم إنّما نشأ من قبل أنفسهم من بعد ما جاءتهم البینة فالآیة أجنبیة عن محل الکلام بالکلیة». و فی المستمسک، ج2، ص460: «و أمّا الاستدلال علیه بقوله تعالی: (وَمَا أمِرُوا) الآیة (البینه:5) ففیه أنّه ظاهر فی التوحید کما فسّرها به جماعة».

تعالی و الرد علی المشرکین و الکفار و عبدة الأصنام.

ثانیاً:((1)) علی هذا یلزم تخصیص الأکثر((2)) لأنّ الأوامر الواردة أکثرها توصلیة.

الوجه الثانی:
اشارة

و هو قوله تعالی: (أَطِیعُوا اللهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ).((3))

بیانه أنّ معنی الإطاعة امتثال الأمر و الامتثال لایتحقق إلا مع قصد الأمر و أما مع عدم قصد الأمر فلاتصدق الإطاعة.

ص: 236


1- «و أما القرینة الخارجیة فهی لزوم تخصیص الأکثر حیث إنّ أغلب الواجبات فی الشریعة المقدسة توصلیة الخ».
2- فی کتاب الطهارة: «منها لزوم تخصیص العموم بأکثر من الباقی». و فی أوثق الوسائل: «مضافاً إلی أنّه لو کان المراد بها معناها المصطلح علیه لزم تخصیص الأکثر لوضوح کون أکثر الواجبات توصلیاً لا تعبدیاً». و فی مصباح الفقیه: «و یرد علی الجمیع إجمالاً أنّه لو کان مفادها کما تخیل المستدل للزم فیها تخصیص الأکثر المستهجن». و فی أجود التقریرات: «و فیه أوّلاً أنّ هذا المعنی مستلزم لتخصیص الأکثر».
3- سورة النساء (4): 59.
إیراد علی هذا الوجه:

((1))

إنّا لانسلم قوله: «مع عدم قصد الأمر لاتصدق الإطاعة» بل الإطاعة تصدق فی الواجبات التوصلیة کما تصدق العصیان فیها و الإطاعة و العصیان متقابلان فالإطاعة و الامتثال یصدقان فی الواجبات التوصلیة.

الوجه الثالث:
اشارة

و هی الروایات الواردة مثل قولهم (علیهم السلام): «لَا عَمَلَ إِلَّا بِالنِّیةِ» ((2)) و «إِنَّمَا

ص: 237


1- فی بدائع الأفکار، ص237: «و أُجیب عن ذلک بوجوه:... و منها و هو الصحیح عندی أنّ الإطاعة و إن کانت حقیقة متوقفة علی إیجاد المأمور به قاصداً لموافقته إلّا أنّ المراد بها فی أغلب موارد استعمالاتها العرفیة و الشرعیة ما یقابل العصیان و المخالفة فالمراد بها الإتیان بالواجبات و عدم المخالفة بترکها» و قد أُورد علی الاستدلال بهذه الآیة إیرادات أُخر: الأوّل- فی المفاتیح: «و أمّا فی الثالث فبالمنع من إفادته العموم» و فی بدائع الأفکار: «منها ما ذکره بعض من قاربنا عصره من الأجلة من أنّ الأمر بالإطاعة مطلق و لیس بعام فلایتناول محل النزاع» الثانی- فی المفاتیح أیضاً: «یحتمل کون الأمر بالإطاعة للاستحباب». الثالث- فی مصباح الفقیه: «و تفصیل الجواب أمّا عن آیة الإطاعة فبأنّها مسوقة للإرشاد إلی ما یستقل به العقل و لیس الطلب فیها مولویاً حتی یصلح لتقیید الواجبات الواقعیة بالإطاعة».
2- وردت هذه الفقرة إمّا وحدها و إمّا مقرونة بغیرها. أمّا الأوّل: ففی الکافی، ج2، ص84، باب النیة و فی عوالی اللئالی، ج2، ص190 عن النبی (صلی الله علیه و آله) و أمّا الثانی فهو قسمان: القسم الأول: فی الکافی، ج8، ص234: «... عن علی بن الحسین (علیهما السلام) قال: لا حسب لقرشی و لا لعربی إلّا بتواضع و لا کرم إلّا بتقوی و لا عمل إلّا بالنیة و لا عبادة إلّا بالتفقّه ألا و إنّ أبغض الناس إلی الله من یقتدی بسنة إمام و لایقتدی بأعماله»؛ و رواه فی تحف العقول، ص280 عن علی بن الحسین (علیهما السلام) لکن فیه «و لا عمل إلّا بنیة» بدون «ال»؛ و رواه فی الخصال، ص18 بدون الفقرة الرابعة أی «و لا عبادة إلّا بالتفقّه» و فیه «و لا عمل إلّا بنیة» بدون «ال». و فی مستدرک الوسائل، ج1، ص89 عن الجعفریات: «... عن علی (علیه السلام) قال: سمعت رسول الله (صلی الله علیه و آله) یقول: لا حسب إلّا التواضع و لا کرم إلّا التقوی و لا عمل إلّا بنیة و لا عبادة إلّا بیقین»؛ و رواه فی کنز الفوائد، ص13 و معدن الجواهر، ص39 عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) و لکن فیه: «لا حسب إلّا بتواضع و لا کرم إلّا بتقوی» الحدیث؛ و رواه فی دعائم الإسلام، ج1، ص105 عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) بهذه الصورة: «لا عمل إلّا بنیة و لا عبادة إلّا بیقین و لا کرم إلّا بالتقوی» أی بدون الفقرة الأُولی؛ و فی أمالی الطوسی، ص590: «... عن علی (علیهم السلام) قال: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : لا حسب إلّا بالتواضع و لا کرم إلّا بالتقوی و لا عمل إلّا بالنیة» أی بدون الفقرة الرابعة. القسم الثانی: فی تهذیب الأحکام، ج4، ص186، ح3: «و روی عن الرضا (علیه السلام) أنّه قال: لا قول إلّا بعمل و لا عمل إلّا بنیة و لا نیة إلّا بإصابة السنة»؛ راجع عوالی اللئالی، ج2، ص190، و المحاسن، ج1، ص222، و الکافی، ج1، ص70، ح9 و بصائر الدرجات، ص31، و تحف العقول، ص43 و أمالی الطوسی، ص337، و ص385.

الْأَعْمَالُ بِالنِّیاتِ» و «لِکُلِ امْرِئٍ مَا نَوَی».((1))

إیراد علی هذا الوجه:

(2)

إنّ مفاد هذه الروایات هو أنّ العبد لو نوی فی أعماله نیة إلهیة یترتب علی أعماله الثواب و إلا فلا؛ أما فساد العمل بلا نیة فلا دلالة لتلک الأخبار علیها.

ص: 238


1- أمّا فی کتب حدیث الشیعة فوردت: «إنّما الأعمال بالنیات» إمّا وحدها و إمّا مقرونة ب- «لکل امرئ ما نوی». أمّا الأوّل: ففی التهذیب، ج4، ص186: «روی عن النبی (صلی الله علیه و آله) أنّه قال: الأعمال بالنیات»؛ و فی عوالی اللئالی، ج2، ص11 و 190 عن النبی (صلی الله علیه و آله) : «إنّما الأعمال بالنیات». و أمّا الثانی فهو ثلاث صور: الصورة الأولی: هاتان الجملتان فقط. راجع التهذیب، ج1، ص83 و دعائم الإسلام، ج1، ص156 و التهذیب، ج4، ص186و مصباح الشریعة، ص53، و عوالی اللئالی، ج1، ص380 الصورة الثانیة: فی مسائل علی بن جعفر، ص346: «... إنّ رسول الله (صلی الله علیه و آله) أغزی علیاً (علیه السلام) ...فبلغ النبی (صلی الله علیه و آله) فقال: إنّما الأعمال بالنیات و لکل امرئ ما نوی ...»؛ و رواه فی أمالی الطوسی، ص618. الصورة الثالثة: فی دعائم الإسلام، ج1، ص4: «وقد روینا عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) أنّه قال: إنّما الأعمال بالنیات و إنّما لامرئ ما نوی فمن کانت هجرته إلی الله و رسوله فهجرته إلی الله و رسوله و من کانت هجرته لامرأة یتزوّجها أو لدنیا یصیبها فهجرته إلی ما هاجر إلیه»؛ و راجع عوالی اللئالی، ج1، ص81
2- . فی کتاب الطهارة: «فالأظهر فی هذه الأخبار حمل النبویین منها علی إرادة نفی الجزاء علی الأعمال إلّا بحسب النیة فالعمل لایکون عملاً للعبد یکتب له أو علیه إلّا بحسب نیته فإذا لم یکن له نیة فیه لم یکتب أصلاً و إذا نوی کتب علی حسب ما نواه حسناً أو سیئاً؛ و أمّا قوله: ”لا عمل إلّا بنیة“ فالظاهر منه إرادة العمل الصالح و هی العبادة المنبعثة عن اعتقاد النفع فیه». و فی أجود التقریرات، ج1، ص172: «و فیه أنّ المستفاد من التفاسیر الواردة فی کلمات الأئمة (علیهم السلام) لهذه الکلمة الجامعة [أی: الأعمال بالنیات] أنّ المراد منها هو أنّ لکل امرئ ما نوی فإن کان العمل لله فیجعله الله لنفسه و إلّا فلما عمله من أجله کما ورد عنهم (علیهم السلام): إنّ المجاهد إن جاهد لله فالعمل له تعالی و إن جاهد لطلب المال و الدنیا فله ما نوی فحاصل الروایة الشریفة أنّ عنوان الفعل فی الخارج یتبع نیة الفاعل و قصده فإن فعله لله یقع له و إلّا فلا». قد ذکر فی الفصول إیراداً آخراً علی الاستدلال بروایة «إنّما الأعمال بالنیات» قال: «أما الثانی فلأنّ المتبادر من الأعمال فی الروایة إنّما هو العبادات و لو سلّم فسلامة سندها غیر معلومة». و ذکر الشیخ (قدس سره) فی کتاب الطهارة احتمالاً آخر فی المراد من النیة فی روایة «إنّما الأعمال بالنیات» و «لکل امرئ ما نوی» فراجع.

هذا تمام الکلام فی الأصل اللفظی الداخلی (الإطلاق بمقدمات الحکمة و نتیجة الإطلاق) و الأصل اللفظی الخارجی.

و النتیجة إلی هنا دلالة الأصل اللفظی الداخلی علی أصالة التوصلیة و بطلان الأصل اللفظی الخارجی فی المقام.

ص: 239

مقتضی الأصل المقامی علی المعنی الرابع
اشارة

له تقریران:

التقریر الأول: ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره)

((1))

«إذا کان الآمر فی مقامٍ بصدد بیان تمام ما له دخل فی حصول غرضه و إن لم یکن له دخل فی متعلق أمره و معه سکت فی المقام و لم ینصب دلالة علی دخل قصد الامتثال فی حصوله کان هذا قرینةً علی عدم دخله فی غرضه و إلا کان سکوته نقضاً له [أی للغرض] و خلاف الحکمة؛ فلابدّ عند الشک و عدم إحراز هذا المقام من الرجوع إلی ما یقتضیه الأصل [العملی] و یستقل به العقل.»

التقریر الثانی:

و هو ما أفاده المحقق النائینی((2)) تبعاً للشیخ (قدس سرهما)((3)) من تصحیح أخذ قصد

ص: 240


1- کفایة الأصول، ص75، المقصد الأول، الفصل الثانی، المبحث الخامس، المقدمة الثالثة.
2- فی فوائد الأُصول، ج1، ص160 و 161: «و التحقیق فی المقام أنّه ینحصر کیفیة الاعتبار بمتمم الجعل و لا علاج له سوی ذلک فلابدّ للمولی الذی لایحصل غرضه إلا بقصد الامتثال من تعدد الأمر بعد ما لایمکن أن یستوفی غرضه بأمر واحد الخ». و فی أجود التقریرات، ج1، ص 175 «و علی هذا فإذا کان المولی فی مقام بیان إظهار تمام جعله و مع ذلک لم یأمر بقصد القربة فیستکشف من هذا الإطلاق المسمی بالإطلاق المقامی تمامیة الجعل الأول و عدم احتیاجه إلی جعل المتمم ثانیاً فتکون النتیجة کما فی الإطلاق الکلامی... و بالجملة فالفرق بین التوصلیات و التعبدیات إنّما هو بالأمر الثانی و عدمه و التفرقة بینهما بالغرض قد عرفت فسادها و حینئذ فإذا کان المولی فی مقام البیان و لم ینصب قرینةً علی الجعل الثانی المتمم للجعل الأول فمقتضی الإطلاق هو التوصلیة و عدم الجعل الآخر الخ».
3- مطارح الأنظار، ص60، القول فی وجوب مقدمة الواجب، هدایة فی تقسیم الواجب إلی التعبدی و التوصلی «و من هنا قلنا فی بعض المباحث المتقدمة بأنّ الطالب لو حاول طلب شیء علی وجه الامتثال لابدّ له من أن یحتال فی ذلک بأن یأمر بالفعل المقصود إتیانه علی وجه القربة أولاً ثم ینبه علی أنّ المقصود هو الامتثال بالأمر الخ» و فی ص 61 «... و أما الشک فی التقیید المذکور فبعد ما عرفت من أنّه لایعقل أن یکون مفاداً بالکاشف عن الطلب لابدّ له من بیان زائد علی بیان نفس الطلب و الأصل عدمه الخ»

الأمر فی متعلقه بالأمر الثانی و قد مضی بیانه مفصلاً.((1))

فتحصل إلی هنا: أنّ الأصل فی الواجبات، التوصلیة و الدلیل علی ذلک أُمور:

الأول: الإطلاق بمقدمات الحکمة فإنّ المأخوذ فی متعلق الأمر هو قصد الجامع بین وجوه قصد القربة (و قصد الأمر و قصد المحبوبیة و قصد المصلحة و قصد الحسن کلها من مصادیق الجامع فیمکن قصد هذه الوجوه و أیضاً یمکن قصد ملازم ذلک العنوان الجامع) و لامحذور فی أخذها فی المتعلق و الإطلاق بمقدمات الحکمة یدل أیضاً علی التوصلیة علی القول بأنّ المأخوذ فی المتعلق خصوص قصد الأمر کما هو مختار صاحب الجواهر (قدس سره) ((2)) لما بیناه مفصلاً((3)) من عدم استحالة التقیید به

الثانی: لو قلنا بالاستحالة فی خصوص قصد الأمر فلا إشکال أیضاً حیث إنّ

ص: 241


1- قد مضی فی الموضع الرابع، الناحیة الأُولی، المورد الثانی (نتیجة الإطلاق).
2- جواهر الکلام، ج9، ص155 و 156 «أما العبادات فلا إشکال فی اعتبار القصد فیها لعدم صدق الامتثال و الطاعة بدونه و اعتبارهما فی کل أمر صدر من الشارع معلوم بالعقل و النقل کتاباً و سنةً... بل لایصدقان إلا بالإتیان بالفعل بقصد امتثال الأمر فضلاً عن مطلق القصد... و علی کل حال فلا إشکال فی اعتبار قصد الامتثال و التعیین علی الوجه الذی ذکرناه و الظاهر أنّ الأول هو مراد الأصحاب بنیة القربة الخ»؛ و راجع أیضاً ج 2، ص86.
3- الموضع الرابع، الناحیة الأولی، المورد الأول، الوجه الأول، الجهة الأُولی: هل یمکن تقیید متعلق الأمر بقصد الأمر؟

الإطلاق فی مقام الثبوت یکفی لإثبات التوصلیة؛ و هکذا سائرُ وجوه قصد القربة فلا محذور فی التمسک بالإطلاق فی مقام الثبوت لإثبات التوصلیة و لو قلنا بالاستحالة.

الثالث: علی فرض عدم جواز التمسک بالإطلاق الإثباتی اللفظی (الإطلاق بمقدمات الحکمة) و الإطلاق الثبوتی (الإطلاق المتعلق بمرحلة الغرض و الملاک) یمکن أن نتمسک بالإطلاق الإثباتی المقامی تارةً بما قرره الشیخ و المحقق النائینی (قدس سرهما) من تصحیح أخذ قصد الأمر فی متعلقه بالأمر الثانی و هو المسمی بمتمم الجعل و نتیجة الإطلاق و أُخری بما قرره صاحب الکفایة (قدس سره) من الإطلاق المقامی.

ص: 242

مقتضی الأصل العملی علی المعنی الرابع
اشارة

هنا مسألتان:

المسألة الأُولی: هل یجری الاستصحاب أو لا؟
اشارة

نذکر بیانین لعدم الجریان:

البیان الأول: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) :
اشارة

((1))

إنّ استصحاب بقاء الوجوب - علی فرض إمکان أصله - مثبت بالنسبة إلی قصد الامتثال فی المتعلق لأنّه من اللوازم العقلیة بالنسبة إلی بقاء الوجوب.

و إن کان الغرض من الاستصحاب التعبد بدخل قصد القربة فی الغرض فأوضح بطلاناً لأنّ دخل قصد الأمر حسب الفرض فی المتعلق واقعی و لایقبل الجعل الشرعی و التعبد.

و إن کان الغرض من الاستصحاب و التعبد ببقاء الوجوب إثبات موضوع حکم العقل بلزوم إطاعة المولی حتی یحصل الغرض و یسقط.

ففیه أولاً: أنّ حکم العقل بلزوم الإطاعة لإسقاط الغرض هو فی الغرض المنکشف بحجة شرعیة أو عقلیة لا فی الغرض الثابت بالتعبد بالوجوب؛

ص: 243


1- نهایة الدرایة، ج1، ص347، التعلیقة 177 علی هذه العبارة «فاعلم أنّه لا مجال ههنا إلا لأصالة الاشتغال» قال (قدس سره) : «و التحقیق أنّ الاستصحاب لا مجال له هنا لأنّ الغرض منه إن کان التعبد بوجوب قصد الامتثال شرعاً فهو علی فرض إمکان أصله غیر مترتب علی بقاء الأمر شرعاً... وإن کان التعبد بدخله فی الغرض فأوضح بطلاناً... و إن کان التعبد به محققاً لموضوع الحکم العقلی بإسقاط الغرض لکشفه عن بقائه ففیه أولاً الخ».

و ثانیاً: أنّ ذلک لایستقیم علی المبنی المختار فی تفسیر الحجیة فی الاستصحاب و هو جعل الحکم المماثل؛ فإنّ التعبد ببقاء الوجوب کاشف عن تقیید الغرض بقصد القربة فی ما إذا کان البقاء بقاء شخص الحکم الذی یکشف عن ملاکه و غرضه و هذا فی البقاء الحقیقی أما البقاء التعبدی علی المختار من جعل الحکم المماثل فهو بقاء شیء آخر و لایکشف عن الغرض الواقعی.

إیرادان من بعض الأساطین (دام ظله)
اشارة

((1)) علیه:

الإیراد الأول:
اشارة

((2))

إنّا لانسلم تعلیل عدم جریان الاستصحاب بعدم ترتب الأثر لأنّ عدم ترتب الأثر من قبیل وجود المانع و رتبته بعد رتبة تحقق المقتضی مع أنّ المقتضی هنا غیر تام لعدم تمامیة أرکان الاستصحاب.

ملاحظتنا علی هذا الإیراد:

إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) استشکل جریان الاستصحاب علی فرض إمکان أصله کما صرح بهذا فی نهایة الدرایة و هذا یؤمی إلی إیراده علی الاستصحاب من حیث المقتضی أیضاً.

ص: 244


1- تحقیق الأصول، ج2، ص110 و 111،... التعبدی و التوصلی، الجهة الثالثة، الاستصحاب و إشکال المحقق الإصفهانی، نقد الإشکال و الإشکال الحق.
2- «بل الحق فی الإشکال و الذی غفل عنه المحقق الإصفهانی هو عدم المقتضی للاستصحاب فی ما نحن فیه و ذلک لأنّ الوجوب إنّما ینتزع من الأمر و الحکم الخ»
الإیراد الثانی:

(1)

إنّ الصور الثلاث لعدم جریان الاستصحاب التی أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) کلها ترجع إلی أنّ الاستصحاب هنا لا أثر شرعی له فهذه الوجوه تتم علی مبنی من یری لزوم تحقق الأثر الشرعی فی جریان الاستصحاب و لکن نحن لانلتزم به لأنّ المستصحب هنا حکم شرعی و یتحقق باستصحابه موضوع حکم العقل بوجوب الطاعة لتحصیل الفراغ عن الذمة فما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) من أنّ حکم العقل بإسقاط الغرض إنّما هو فی الغرض المنکشف بحجة شرعیة أو عقلیة لایرتبط بالمقام لأنّا لانبحث عن الغرض و حکم العقل بإسقاطه بل نبحث عن اشتغال الذمة و حکم العقل بلزوم فراغ الذمة.

البیان الثانی: ما أفاده بعض الأساطین

قال: لا مجال للاستصحاب لعدم تمامیة أرکانه لأنّ الوجوب (المتیقن ثبوته) منتزع عن الأمر و یدور أمره بین قطعی الزوال و قطعی الثبوت فلیس هنا وجوب مشکوک البقاء حتی نستصحبه.

بیان ذلک: إنّ الوجوب إما منتزع عن الأمر بذات المتعلق و إما منتزع عن الأمر بالمتعلق مع قصد القربة و نفرض إتیان المکلف المتعلق بدون قصد القربة فحینئذ علی القول بانتزاع الوجوب من الأمر بذات المتعلق هو قطعی الانتفاء و علی القول بانتزاعه عن الأمر بالمتعلق مع قصد القربة هو قطعی الثبوت.

ص: 245


1- . «إنّ ما ذکره المحقق المذکور فی الإیراد علی الاستصحاب إنّما یتم لو أُرید ترتیب أثر شرعی علی الاستصحاب و لکن المستصحب فی ما نحن فیه هو نفسه حکم شرعی و باستصحابه یثبت الموضوع للحکم العقلی الخ».
المسألة الثانیة: هل یجری الاشتغال أو البراءة؟
اشارة

فیه قولان:

القول الأول: جریان أصالة الاشتغال

و اختاره صاحب الکفایة (قدس سره) .((1)) قال: « فاعلم أنّه لا مجال هاهنا إلا لأصالة الاشتغال و لو قیل بأصالة البراءة فی ما إذا دار الأمر بین الأقل و الأکثر الارتباطیین؛ و ذلک لأنّ الشک هاهنا فی الخروج عن عهدة التکلیف المعلوم مع استقلال العقل بلزوم الخروج عنها».

أما عدم جریان البراءة النقلیة فلاستحالة أخذ قصد القربة فی المتعلق فحینئذ لایکون قصد القربة قابلا للوضع و الرفع شرعاً فلایتحقق موضوع البراءة الشرعیة (أی إمکان الرفع).

و أما عدم جریان البراءة العقلیة فللعلم الإجمالی بأنّ الغرض إما یترتب علی الأقل و إما یترتب علی الأکثر و هذا العلم منجز فلایکون العقاب حینئذ عقاباً بلا بیان فلایتحقق موضوع البراءة العقلیة.

القول الثانی: جریان البراءة الشرعیة
اشارة

و اختاره المحقق النائینی (قدس سره) ((2)) و المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((3)) و المحقق

ص: 246


1- کفایة الأُصول، ص75، المقصد الأول، الفصل الثانی، المبحث الخامس.
2- أجود التقریرات، ج1، ص176 «و الحق أنّ مقتضی القاعدة فی المقام هی البراءة لما عرفت من أنّ داعی القربة علی تقدیر دخله فلا محالة یکون بجعل ثانٍ الخ».
3- نهایة الدرایة، ج1، ص347 «هذا و من جمیع ما ذکرنا ظهر أنّه لا مجال للاشتغال... و التحقیق أنّ الاستصحاب لا مجال له هنا».

الخوئی (قدس سره) ((1)) و بعض الأساطین (دام ظله) .((2))

و جریان البراءة الشرعیة لما قلنا من عدم استحالة أخذ قصد القربة فی المتعلق خلافاً لصاحب الکفایة (قدس سره) .

التحقیق جریان البراءة الشرعیة و العقلیة

((3))

یرد علی ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) من أنّ العلم الإجمالی منجز فیکون بیاناً أنّه « کما أنّ التکلیف ما لم یصل إلی المکلف لایحکم العقل بتنجزه و وجوب موافقته و قبح مخالفته و غیر ذلک فکذلک الغرض فإنّه ما لم یصل إلیه لایحکم العقل بوجوب تحصیله و استحقاق العقاب علی مخالفته بداهة أنّ العقل إنّما یستقل بلزوم تحصیله بالمقدار الواصل إلی المکلف الثابت بالدلیل و أما الزائد علیه فلایحکم بوجوب تحصیله لأنّ ترکه غیر مستند إلی العبد لیصح عقابه علیه بل هو مستند إلی المولی»((4)) فالمولی متمکن من البیان و المفروض أنّه لم یبین تقیید

ص: 247


1- محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص193؛ ج 1، ص552 «أما علی ضوء نظریتنا من إمکان أخذ قصد الأمر فی متعلقه فحال هذا القید حال سائر الأجزاء و الشرائط و قد ذکرنا فی مسألة دوران الأمر بین الأقل و الأکثر الارتباطیین أنّ المرجع عند الشک فی اعتبار شیء فی المأمور به جزءً أو شرطاً هو أصالة البراءة و ما نحن فیه کذلک حیث إنّه من صغریات تلک الکبری الخ»
2- تحقیق الأصول، ج2، ص112 و 113 «و مما ذکرنا ظهر أنّ الأصل یختلف باختلاف المبنی فی البحوث المتقدمة فی إمکان أخذ القصد فی المتعلق و عدم إمکانه بالأمر الأول أو بالأمر الثانوی أو بغیرهما و قد تقدم إمکانه بالأمر الثانوی فهو یقبل الوضع فیکون قابلاً للرفع فلایبقی ریب فی جریان البراءة الشرعیة»
3- محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص196؛ ج 1، ص556، بحوث الأوامر، المقام الثانی، الجهة الرابعة، الکلام فی بقیة الدواعی القربیة، مقتضی الأصل العملی
4- و إن شئت قلت: إنّ الوجوب فی الأقل و الأکثر الارتباطیین منحل بتعداد الأجزاء و بالنسبة إلی الجزء المشکوک تجری البراءة بالنسبة إلی وجوبه

المتعلق بقصد الأمر فیتحقق موضوع البراءة العقلیة أیضاً و هو عدم البیان و لایمنعه العلم الإجمالی فالتحقیق فی مقام الأصل العملی هو جریان البراءة الشرعیة و العقلیة.

هذا تمام الکلام فی الواجب التعبدی و التوصلی.

ص: 248

التنبیه: هل یکون هذا البحث من مباحث صیغة الأمر؟
بیان المحقق الخراسانی (قدس سره) :

إنّه عنون محل النزاع بأنّ إطلاق الصیغة هل یقتضی کون الوجوب توصلیاً فیجزی إتیانه مطلقاً ولو بدون قصد القربة أو لا؟

إیراد المحقق الإصفهانی علیه:

«الإطلاق المدعی فی المقام هو إطلاق المادة دون إطلاق الوجوب و الأمر ففی الحقیقة لا وجه لجعل هذا البحث من مباحث الصیغة فتدبر جیداً.»((1))

جواب بعض الأساطین (دام ظله)

((2)) عن هذا الإیراد:

منشأ إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) من التمسک بإطلاق الصیغة هو توهم اتحاد مفاد الصیغة و الهیأة مع أنّ الأمر لیس کذلک بل الصیغة مرکبة من المادة و الهیأة کما یشهد بذلک قوله فی المقدمة الثالثة:((3)) «فانقدح بذلک أنّه لا وجه لاستظهار التوصلیة من إطلاق الصیغة بمادتها».

ملاحظتان علی هذا الجواب:

أولاً: إنّ المراد من الصیغة هو الجانب الهیوی المقترن بالمادة بقرینة أنّ المعانی

ص: 249


1- نهایة الدرایة، ج1، ص320، التعلیقة 165 علی هذه العبارة «الوجوب التوصلی هو ما کان الغرض منه یحصل بمجرد حصول الواجب».
2- تحقیق الأُصول، ج2، ص71 «و أما الثانی فإنّه غفلة منه (قدس سره) عن مطلبین: أحدهما أنّ الصیغة مرکبة من المادة و الهیأة فقولهم إطلاق الصیغة مشترک الخ».
3- کفایة الأصول، ص75، المقصد الأول، الفصل الثانی، المبحث الخامس، المقدمة الثالثة.

التی ذکرها فی أول البحث للصیغة لیست للمرکب من المادة و الهیأة بل هی للهیأة فقط، کما یشهد بذلک قول اللغویین.

ثانیاً: إنّه لو کان کذلک یلزم إدراج سائر مباحث المادة فی مبحث الصیغة.

ص: 250

الأمر الرابع:اقتضاء إطلاق الصیغة النفسیة و التعیینیة و العینیة

اشارة

و الکلام فیه علی نحوین: ما یعمها و ما یخص کل واحد منها؛ فهنا بحثان:

البحث الأول
اشارة

إنّ الأصل اللفظی یقتضی کون الواجب نفسیاً لا غیریاً و تعیینیاً لا تخیریاً و عینیاً لا کفائیاً و أما مفاد الأصل العملی فیأتی فی بحث مقدمة الواجب.

نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) :

((1))

إنّ للوجوب الغیری و التخییری و الکفائی فی مقام الثبوت مؤنة زائدة فلذا یحتاج کل منها فی مقام الإثبات إلی مؤنة زائدة بخلاف النفسی و التعیینی و العینی و « قضیة إطلاق الصیغة کون الوجوب نفسیاً تعیینیاً عینیاً لکون کل واحد ممایقابلها یکون فیه تقیید الوجوب و تضییق دائرته؛ فإذا کان فی مقام البیان و لم ینصب قرینة علیه فالحکمة تقتضی کونه مطلقاً وجب هناک شیء آخر أو لا أتی بشیء آخر أو لا أتی به آخر أو لا کما هو واضح لایخفی.»

ص: 251


1- کفایة الأصول، ص76، المقصد الأول، الفصل الثانی، المبحث السادس.
إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علیها:

((1))

إنّ الإطلاق هنا لیس بمعنی اللابشرط القسمی بل لا معنی لإطلاق الوجوب من حیث انبعاثه عن وجوب آخر و عدمه مثلاً حتی یکون فی ما یقابل النفسی (و هو الوجوب الغیری) تقیید الوجوب و تضییق دائرته.

«و التحقیق أنّ النفسیة لیست إلا عدم کون الوجوب للغیر و کذا البواقی [فللوجوب النفسی فی مقام الثبوت قید عدمی بخلاف الوجوب الغیری فإنّ قیده (کون الوجوب للغیر) وجودی]؛ و [فی مقام الإثبات] عدم القرینة علی القیود الوجودیة دلیل علی عدمها ... [ﻓ] المراد بالإطلاق المعین للنفسیة((2))و أقرانها هو عدم التقیید بما یفید الغیریة و التخییریة و الکفائیة کما صرح به((3)) صاحب الکفایة (قدس سره) فی آخر المطلق و المقید فتدبر جیداً.»

جواب بعض الأساطین (دام ظله) عن هذا الإیراد:

(4)

إنّه أوّلَ کلام صاحب الکفایة (قدس سره) و فسره بوجه آخر حتی لایرد علیه مناقشة المحقق الإصفهانی (قدس سره) فقال:

ص: 252


1- نهایة الدرایة، ج1، ص353.
2- هذه العبارة تشیر إلی أنّه فی مقام الإطلاق الإثباتی و لاینافی تفسیر الواجب النفسی فی مقام الثبوت بما هو واجب لذاته.
3- کفایة الأصول، ص252، المقصد الخامس، الفصل الثالث فی المطلق و المقید المتنافیین «تبصرة لاتخلو من تذکرة و هی أنّ قضیة مقدمات الحکمة فی المطلقات تختلف حسب اختلاف المقامات فإنّها تارةً یکون حملها علی العموم البدلی... فالحکمة فی إطلاق صیغة الأمر تقتضی أن یکون المراد خصوص الوجوب التعیینی العینی النفسی فإنّ إرادة غیره تحتاج إلی مزید بیان و لا معنی لإرادة الشیاع فیه فلا محیص عن الحمل علیه فی ما إذا کان بصدد البیان الخ».
4- . تحقیق الأصول، ج2، ص120 و 121، بحث اقتضاء إطلاق الصیغة النفسیة و العینیة و التعیینیة، عنوان: تأیید الأُستاذ بیان الکفایة: «و فی نفس الوقت فقد دافع الأُستاذ عن بیان صاحب الکفایة أیضاً فإنّه بعد أن قرّبه فی أول البحث أوضحه مرةً أُخری لیندفع عنه إشکال المحقق الإصفهانی فأفاد بأنّ مراد المحقق الخراسانی هو أنّ الوجوب فی الواجبات الثلاثة - الغیری، التخییری، الکفائی - مضیق و التضییق تقیید واقعی فی الوجوب الخ».

معنی تضییق الوجوب فی الوجوب الغیری و التخییری و الکفائی هو تضییق الغرض و تقییده و کذا معنی إطلاق الوجوب فی الوجوب النفسی و التعیینی و العینی هو إطلاق الغرض فالوجوب النفسی فی مقام الثبوت لایحتاج إلی مؤنة زائدة بخلاف الوجوب الغیری و حینئذ الوجوب النفسی فی مقام الإثبات لایحتاج إلی بیان زائد بخلاف الوجوب الغیری.

مثلاً الغرض من الوضوء مضیق بوجوب الصلاة و تضیق الغرض موجب لتضیق الوجوب.

ص: 253

البحث الثانی
اشارة

و الکلام فیه فی نواحٍ ثلاث:

الناحیة الأُولی: الوجوب النفسی و الغیری
اشارة

((1))

استدل المحقق النائینی (قدس سره)

((2)) علی النفسیة بوجهین:

الوجه الأول: ملاحظة دلیل الواجب النفسی و التمسک بإطلاق مادته.

إنّ دلیل الواجب النفسی مثل قوله: صلّ یحتمل تقیید مادته (أی الصلاة) بالطهارة أو استقبال القبلة أو نحو ذلک و إذا شککنا فی هذا التقیید فمقتضی إطلاق الصلاة عدمُه و لازم ذلک هو أنّ الواجب المشکوک غیریته بالنسبة إلی الصلاة (مثل الطهارة) واجب نفسی و هذا اللازم حجة فی باب الأُصول اللفظیة لأنّ مثبتات الأُصول اللفظیة حجة.

الوجه الثانی: ملاحظة دلیل الواجب المشکوک غیریته و نفسیته و التمسک بإطلاق هیأته.

قال (قدس سره) :«الثانی الأخذ بإطلاق [هیأة] دلیل الواجب المشکوک فی کونه نفسیاً أو غیریاً لأنّ وجوبه [المستفاد من الهیأة] لو کان غیریاً فهو مشروط بطبیعة الحال

ص: 254


1- بیان المحقق الخوئی (قدس سره) فی محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص199؛ ج2، ص4، بحوث الأوامر، المقام الثانی، المسألة الأولی: دوران الواجب بین النفسی و الغیری «... إنّه یمکن إثبات نفسیة الوجوب بطریقین: الأول الأخذ بإطلاق دلیل الواجب النفسی کالصلاة مثلاً و دفع کل ما یحتمل أن یکون قیداً له الخ».
2- فوائد الأصول، ج1، ص220.

بوجوب واجب آخر نفسی و إن کان نفسیاً فهو مطلق و غیر مقید به [أی بوجوب شیء آخر و مقتضی أصالة الإطلاق هنا نفسیة الوجوب]».

الناحیة الثانیة: الوجوب التعیینی و التخییری

((1))

فی حقیقة الواجب التخییری أقوال ثلاثة.

لابدّ من بیان الأقوال حول حقیقة الواجب التخییری و تعیین الأصل اللفظی بالنسبة إلیها.

«إنّ [أهم] الأقوال فیه ثلاثة:

الأول: أنّ الواجب مااختاره المکلف فی مقام الامتثال ...

الثانی: أن یکون کل من الطرفین أو الأطراف واجباً تعیینیاً و متعلقاً للإرادة و لکن یسقط وجوب کل منهما بفعل الآخر فیکون مرد هذا القول إلی اشتراط وجوب کل من الطرفین أو الأطراف بعدم الإتیان بالآخر.

الثالث: ما اخترناه من أنّ الواجب هو أحد الفعلین أو الأفعال لابعینه... غایة الأمر أنّ متعلق الوجوب فی الواجبات التعیینیة الطبیعة المتأصلة و الجامع الحقیقی و فی الواجبات التخییریة الطبیعة المنتزعة و الجامع العنوانی... و قد تقدم منا غیر مرة أنّ الأحکام الشرعیة أُمور اعتباریة... و من المعلوم أنّ الأمر الاعتباری کما یصح تعلقه بالجامع الذاتی کذلک یصح تعلقه بالجامع الانتزاعی..»

مقتضی الإطلاق علی الأقوال الثلاثة هو الوجوب التعیینی.

«و بعد ذلک نقول: إنّ مقتضی إطلاق الأمر المتعلق بشیء هو التعیین لا

ص: 255


1- محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص5 و 6،...، المسألة الثانیة و هی ما إذا دار الأمر بین کون الواجب تعیینیاً أو تخییریاً.

التخییر علی جمیع الأقوال فی المسألة:

أما علی القول الأول: فواضح لفرض أنّ وجوب کل منهما [فی الواجب التخییری] مشروط باختیار المکلف و من الطبیعی أنّ مقتضی الإطلاق [و الأصل إذا شککنا] عدمه [أی عدم الاشتراط باختیار المکلف] و الاشتراط یحتاج إلی دلیل زائد.

و أما علی القول الثانی: فالأمر أیضاً کذلک لفرض أنّ وجوب کلٍ مشروط بعدم الإتیان بالآخر و [إذا شککنا فی اشتراط الوجوب ﻓ] مقتضی الإطلاق عدمه و به یثبت الوجوب التعیینی.

و أما علی القول الثالث: کما هو المختار فلأنّ مرجع الشک فی التعیین و التخییر فیه إلی الشک فی متعلق التکلیف من حیث السعة و الضیق یعنی أنّ متعلقه هو الجامع أو خصوص ما تعلق به الأمر کما إذا ... ففی مثل ذلک لا مانع من الأخذ بإطلاقه لإثبات کون الواجب تعیینیاً لا تخییریاً لأنّ بیانه [أی الوجوب التخییری فی مقام الإثبات] یحتاج إلی مؤنة زائدة و هی ذکر العدل [أی الطرفین أو الأطراف] بالعطف بکلمة أو و حیث لم یکن فیکشف عن عدمه فی الواقع ضرورة أنّ الإطلاق فی مقام الإثبات یکشف عن الإطلاق فی مقام الثبوت...»

الناحیة الثالثة: الوجوب العینی و الکفائی
اشارة

((1))

فی حقیقة الوجوب الکفائی وجوه أربعة:

هنا أیضاً لابدّ من تحقیق الأقوال فی حقیقة الوجوب الکفائی قبل ملاحظة مقتضی أصالة الإطلاق فی المسألة.

ص: 256


1- محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص8 -10...، المسألة الثالثة: دوران الواجب بین العینی و الکفائی.

«إنّ ما قیل أو یمکن أن یقال فی تصویره وجوه:

الأول: أن یقال: إنّ التکلیف متوجه إلی واحد معین عند الله و لکنه یسقط عنه بفعل غیره لفرض أنّ الغرض واحد فإذا حصل فی الخارج فلا محالة یسقط الأمر.

الثانی: أن یقال: إنّ التکلیف فی الواجبات الکفائیة متوجه إلی مجموع آحاد المکلفین من حیث المجموع [أی مجموع الأشخاص علی نحو العموم المجموعی] ...

الثالث: أن یقال: إنّ التکلیف به متوجه إلی عموم المکلفین علی نحو العموم الاستغراقی فیکون واجباً علی کل واحد منهم علی نحو السریان غایة الأمر أنّ وجوبه علی کل [من أفراد المکلفین] مشروط بترک الآخر.

الرابع: أن یکون التکلیف متوجهاً إلی أحد المکلفین لا بعینه المعبر عنه بصرف الوجود و هذا الوجه هو الصحیح؛ بیان ذلک ملخصاً هو أنّ غرض المولی کما یتعلق تارة ... کذلک یتعلق تارة بصدوره عن جمیع المکلفین و أُخری بصدوره عن صرف وجودهم فعلی الأول الواجب عینی فلایسقط عن بعض بفعل بعض آخر و علی الثانی فالواجب کفائی ...»

مقتضی الإطلاق علی الوجوه الأربعة هو الوجوب العینی

«إنّ مقتضی إطلاق الدلیل هو الوجوب العینی علی جمیع هذه الأقوال و الاحتمالات:

أما علی الوجه الأول: فواضح لأنّ((1)) سقوط التکلیف عن شخص بفعل غیره

ص: 257


1- إنّ التکلیف علی القول الأول لا ثبوت له لغیر الواحد المعین حتی یقال بسقوطه بفعل الغیر و الأُولی أن یقرر علی ما أفاده فی القول الرابع.

یحتاج إلی دلیل و إلا فمقتضی إطلاقه عدم سقوطه به ...

و أما علی الوجه الثانی: فمضافاً إلی أنّه فی نفسه غیر معقول فأیضاً الأمر کذلک لأنّ مقتضی إطلاق الدلیل هو أنّ کل واحد من أفراد المکلف موضوع للتکلیف و جعل الموضوع له [أی للتکلیف] مجموع أفراده علی نحو العموم المجموعی بحیث یکون کل فرد من أفراده جزءه لا تمامه [أی جزء الموضوع لا تمام الموضوع] خلاف الإطلاق و عند احتماله یدفع به.

و أما علی الوجه الثالث: فالأمر ظاهر ضرورة أنّ قضیة الإطلاق عدم الاشتراط فالاشتراط یحتاج إلی دلیل خاص.

و أما علی الوجه الرابع: فأیضاً الأمر کذلک [لأنّ التقیید فی ناحیة موضوع التکلیف بخصوص أحد المکلفین یحتاج إلی مؤنة زائدة و مقتضی الإطلاق عدمه].»

فمقتضی الإطلاق علی جمیع الأقوال هو الوجوب العینی.

ص: 258

الأمر الخامس:الأمر عقیب الحظر

اشارة

هنا بحثان:

البحث الأول: فی دلالته علی الوجوب
أمّا ذکر الأقوال

و العمدة منها أربعة:

اختلف الأُصولیون فی الأمر الواقع عقیب الحظر علی ثمانیةأقوال((1)) لایهمنا

ص: 259


1- أمّا الأقوال المعروفة بین الإمامیة فأربعة: الأول: هو کالأمر المبتدأ و هو مختار الذریعة و العدّة و المعارج و مبادئ الوصول ففی الأوّل، ج1، ص73: «و الصحیح أنّ حکم الأمر الواقع بعد الحظر هو حکم الأمر المبتدأ فإن کان مبتدؤه علی الوجوب أو الندب أو الوقف بین الحالین فهو کذلک بعد الحظر». و فی الثانی، ج1، ص183: «و قال قوم: إنّ مقتضی الأمر علی ما کان علیه من إیجاب أو ندب أو وقف و لا اعتبار بما تقدم و هذا هو الأقوی عندی». و فی الثالث، ص65: «صیغة الأمر الواردة بعد الحظر کحالها قبله» و فی الرابع، ص98: «فالأمر الوارد بعد الحظر کالأمر المبتدأ عند المحققین» و فی هدایة المسترشدین، ص155: «أحدها أنّه یفید الوجوب کالوارد فی سائر الموارد و حکی القول به عن... و الشهید الثانی و جماعة من العامّة منهم الرازی و البیضاوی و عزاه فی الإحکام إلی المعتزلة» و فی مفاتیح الأُصول، ص116: «و هو ل... و ابن زهرة... و حکی عن أبی إسحاق الشیرازی و القاضی أبی الطیب و أبی المظفر السمعانی... بل نسب إلی أکثر المحققین» و فی بدائع الأفکار: «و ذهب العلّامة (رحمة الله) فی التهذیب إلی دلالتها علی الوجوب» الثانی: رفع الحظر و هو مختار کثیر من الأصولیین ففی الوافیة، ص74: «و الحق أنّ صیغة الأمر إذا وردت بعد الحظر أو الکراهة أو فی مقام مظنة الحظر أو الکراهة بل فی موضع تجویز السائل واحداً منهما - کأن یقول العبد: هل أنام أو أخرج أو نحو ذلک فیقول المولی: افعل ذلک - لاتدلّ إلّا علی رفع ذلک المنع التحریمی أو التنزیهی المحقق أو المحتمل و هو کالإذن فی الفعل أمر مشترک بین الإباحة و الندب و الوجوب» الخ و فی القوانین، ج1، ص89: «و الأقوی کونه للإباحة بمعنی الرخصة فی الفعل و یلزمه بیناً رفع المنع السابق للتبادر بمعنی أرجحیته فی النظر من الوجوب» و فی هدایة المسترشدین، ص155: «و کیف کان فالذی یقتضیه التأمّل فی المرام أن یقال: إنّ ورود الأمر عقیب الحظر قرینة ظاهرة فی کون المراد بالأمر الإذن فی الفعل فمفاده رفع الحظر من غیر دلالة فیه بنفسه علی ما یزید علی ذلک من وجوب الفعل أو ندبه أو إباحته حسبما یشهد به التأمّل فی الاستعمالات» و فی فرائد الأُصول، ج1، ص74: «إنّ الأمر الواقع عقیب الحظر ظاهر بقرینة وقوعه فی مقام رفع الحظر فی مجرد رفع الحظر دون الإلزام» و فی ص75: «... کما یدّعی أنّ الأمر عقیب الحظر بنفسه مجرداً عن القرینة یتبادر منه مجرد رفع الحظر دون الإیجاب و الإلزام و احتمال کونه لأجل قرینة خاصّة یدفع بالأصل فیثبت به کونه لأجل القرینة العامة و هی الوقوع فی مقام رفع الحظر فیثبت بذلک ظهور ثانوی لصیغة افعل بواسطة القرینة الکلیة» و راجع أیضاً مطارح الأنظار، ص136 و 163. و فی غایة المسؤول، ص215 و 216: «أصل قد سبق أنّ الأمر حقیقة فی الوجوب فاعلم أنّه إنّما یحمل علیه إذا لم یکن قرینة علی الخلاف و من جملة القرائن وقوع الأمر عقیب الحظر فإنّ الظاهر منه عرفاً محض رفع الحظر لا رفعه و إثبات الوجوب لکن بشرط أن یکون الأمر فی مقام رفع الحظر و إلّا فیحمل علی الوجوب لفهم العرف» الخ و فی تقریرات الشیرازی، ج2، ص47: «الحق أنّ وقوع الأمر عقیب الحظر بنفسه موجب لظهور الأمر فی توجّهه إلی ارتفاع النهی السابق و أنّ المراد منه الرخصة فی الفعل ظهوراً نوعیاً غیر مختص بمقام دون آخر أو بمتکلم دون آخر» الخ و فی بدائع الأفکار، ص239: «الخامس أنّ الأمر الواقع عقیب الحظر ظاهر فی الإباحة المطلقة المساویة لرفع الحرج فی الفعل و مجمل بالقیاس إلی الأنواع الأربعة المندرجة تحت تلک الإباحة المطلقة و مرجعه إلی القول بالتوقف فی تمام المراد و لعلّ هذا أیضاً هو مراد الأکثر» و فی أُصول الفقه، ج1، ص67: «و أصحّ الأقوال هو الثالث و هو دلالتها علی الترخیص فقط» الثالث: التفصیل الذی اختاره فی الفصول، ص70 فإنّه قال: «و التحقیق عندی أنّ حکم الشیء قبل الحظر إن کان وجوباً أو ندباً کان الأمر الوارد بعده ظاهراً فیه فیدلّ علی عود الحکم السابق و إن کان غیر ذلک کان ظاهراً فی الإباحة کما ذهب إلیه الأکثرون» الرابع: التفصیل الذی اختاره فی عنایة الأُصول، ج1، ص236 فإنّه قال: «أقول: و لعلّ لتحقیق أنّ الفعل الذی قد أُمر به بعد الحظر إن کان محکوماً بحکم سابقاً قبل الحظر من وجوب أو ندب أو غیرهما فالأمر الواقع عقیب الحظر یکون ظاهراً فی عود الحکم السابق و أمّا إذا لم یکن محکوماً بشیء قبلاً بل کان النهی أوّل حکم قد تعلّق به فالأمر الواقع عقیب الحظر یکون ظاهراً فی الإباحة کما نسب إلی المشهور» الخ.

ص: 260

ذکرها جمیعاً بل نعد منها الأقوال الرئیسة:

القول الأول: الدلالة علی الوجوب.

القول الثانی: الدلالة علی الإباحة،((1)) اختاره جمع من الفقهاء.

ص: 261


1- فی الذریعة: «اعلم أنّ أکثر المتکلمین فی أُصول الفقه أطبقوا علی أنّ الأمر الوارد بعد الحظر یقتضی الإباحة و إطلاق الحظر الذی تقدم و إن کانوا یذهبون إلی أنّه لو انفرد و کان مبتدأ اقتضی الوجوب» و فی العدّة: «ذهب أکثر الفقهاء و من صنّف أُصول الفقه إلی أنّ الأمر إذا ورد عقیب الحظر یقتضی الإباحة» و فی هدایة المسترشدین: «ثانیها القول بأنّه للإباحة حکاه جماعة عن الأکثر و یستفاد من الإحکام کون المراد بالإباحة فی المقام هو رفع الحجر دون الإباحة الخاصّة و قد صرّح بعض الأفاضل بتفسیر الإباحة هنا بمعنی الرخصة فی الفعل» و فی بدائع الأفکار: «الظاهر کما صرّح به غیر واحد أنّ قولهم بإفادته للإباحة لایراد به إفادتها الإباحة الخاصّة و منه یظهر أنّ من جعل القول بالتوقف مقابلاً للقول بالإباحة مفسراً لها بالرخصة المحضة و هو جملة من الأعلام لیس علی ما ینبغی» الخ.

القول الثالث: الدلالة علی ما یدل علیه قبل الحظر.((1))

القول الرابع: الإجمال

اختاره صاحب الکفایة و المحقق الخوئی (قدس سرهما) و بعض الأساطین (دام ظله) .

تحقیق المسألة

و هذا البحث یبتنی علی کیفیة دلالة الأمر علی الوجوب من الظهور الوضعی أو الإطلاقی أو من جهة حکم العقل أو من جهة السیرة العقلائیة و الوجه فی هذا الابتناء هو أنّ وقوع الأمر عقیب الحظر مما یحتمل قرینیته و صارفیته عن معناه فلابدّ من ملاحظة وجه الظهور فی الوجوب و أنّه هل یبقی هذا الظهور مع وجود ما یحتمل صارفیته عنه أو لا؟

أما علی القول بالظهور الوضعی فی الوجوب فإن کان أصالة الحقیقة حجة من باب التعبد کما نسب إلی السید المرتضی (قدس سره) فمع الشک فی المعنی نتمسک بأصالة الحقیقة و نحمل الأمر علی معناه الحقیقی و هو الوجوب.

و إن کان حجة من باب الظهور کما هو الحق فلایمکن التمسک بأصالة الحقیقة لأنّ احتفاف الکلام بما یحتمل قرینیته و صارفیته عن المعنی الحقیقی یوجب انتفاء الظهور فلایمکن التمسک بأصالة الحقیقة (و هذا هو مختار

ص: 262


1- فی الوافیة عبّر عنه ب: «تابعیة ما قبل الحظر» و لکن فی بدائع الأفکار: «و قد یتخیل أنّ فی المسألة قولاً بظهورها فی الحکم السابق مطلقاً و الظاهر أنّه اشتباه من صاحب الوافیة أو مسامحة منه فی نقل تمام تفصیل العضدی» و عبّر عنه فی القوانین ب: «تابعیتها لما قبل الحظر إذا علّق الأمر بزوال علّة عروض النهی». و جاء فی الفصول: «و قیل: إن علّق الأمر بزوال علّة عروض النهی کان کما قبل النهی قال العضدی بعد نقله: و هو غیر بعید».

المشهور و لذا نری أنّهم لایتمسکون بأصالة الحقیقة فی ما إذا شک فی قرینیة الموجود بل مورد أصالة الحقیقة عندهم هو ما إذا شک فی وجود القرینة).

و أما علی القول بالظهور الإطلاقی فالإشکال آکد حیث إنّ الإطلاق لاینعقد مع الشک فی قرینیة الموجود.

و أما علی القول بالدلالة من جهة حکم العقل فلایدل الأمر علی الوجوب أیضاً و بیان ذلک علی ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ((1)): « أنّ العقل إنّما یحکم بلزوم قیام المکلف بما أمر به المولی بمقتضی قانون المولویة و العبودیة إذا لم تقم قرینة علی الترخیص و جواز الترک؛ و حیث یحتمل أن یکون وقوع الصیغة أو ما شاکلها عقیب الحظر أو توهمه قرینة علی الترخیص فلا ظهور لها فی الوجوب بحکم العقل.»

و أما علی القول بالدلالة من جهة السیرة العقلائیة (مختاربعض الأساطین (دام ظله) ) فلایدل أیضاً علی الوجوب و الوجه فی ذلک ما أفاده بعض الأساطین (دام ظله) ((2)) من أنّ بناء العقلاء دلیل لبی و مع احتمال قرینیة الموجود (أی قرینیة وقوع الأمر بعد الحظر علی الإباحة مثلاً أو علی غیر ذلک) نشک فی تحقق السیرة العقلائیة فلابدّ من الأخذ بالقدر المتیقن و هو ما إذا لم یقع الأمر بعد الحظر.

فتحصل إلی هنا أنّ الأمر عقیب الحظر مجمل.

ص: 263


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص205؛ ج 2، ص12، الأمر عقیب الحظر.
2- تحقیق الأُصول، ج2، ص126، الأمر عقیب الحظر «و أما علی القول بدلالة الأمر علی الوجوب ببناء العقلاء فإنّ بناء العقلاء دلیل لبی و هل مع وقوعه بعد الحظر و احتمال قرینیة الموجود یتحقق الظهور للکلام؟ الخ».
البحث الثانی: مقتضی الأصل العملی
بیان بعض الأساطین (دام ظله) :

((1))

إنّ أصالة البراءة شرعاً و عقلاً تجری هنا؛ أما الاستصحاب فلاوجه له لأنّ الحکم السابق علی الحظر منتف قطعاً و الحکم الجدید بعد الحظر أمر حادث فلا حالة له سابقة حتی یستصحب.

ص: 264


1- تحقیق الأُصول، ج2، ص127 و 128 «و لما کان المختار عند الأُستاذ هو الإجمال فالنوبة تصل إلی البراءة شرعاً ثم عقلاً أقول: و هلا جری الاستصحاب کما ذکر فی الدورة السابقة الخ».

الأمر السادس:المرة و التکرار

اشارة

فیه مقدمتان و تنبیه أیضاً

المقدمة الأُولی: فی تفسیر المرة و التکرار

ههنا أقوال ثلاثة:

القول الأول: بعضهم فسر المرة بالفرد و التکرار بالأفراد.

القول الثانی: و بعضهم فسرهما بالوجود الواحد و الوجودات.

القول الثالث: و بعضهم فسرهما بالدفعة و الدفعات.

و الدفعة أعم من الفرد و الأفراد و الوجود و الوجودات کما صرح به بعض الأساطین (دام ظله) ((1)) أما الفرد و الأفراد فقد صرح صاحب الکفایة (قدس سره) بأنّه الوجود الواحد و الوجودات قال (قدس سره) : « لوضوح أنّ المراد من الفرد أو الأفراد وجود واحد أو وجودات و إنّما عبر بالفرد لأنّ وجود الطبیعة فی الخارج هو الفرد».((2))

ص: 265


1- تحقیق الأصول، ج2، ص131، المرة و التکرار، المقدمة الأولی «و الدفعة تجمع مع وحدة الوجود و تعدده فهی أعم من الفرد إذ الوجود الواحد المستمر یصدق علیه عنوان الدفعة مع اشتماله علی أکثر من فرد فهی أعم منه و هو أخص من الدفعة و النسبة العموم المطلق».
2- کفایة الأصول، ص79، المقصد الأول، الفصل الثانی، المبحث الثامن.
المقدمة الثانیة: فی تحقیق انحلال الحکم بحسب تعدد الموضوع
اشارة

إنّ انحلال الحکم بحسب تعدد أفراد المکلفین لا إشکال فیه بلافرق بین الأحکام التحریمیة و الوجوبیة.

أما فی الأحکام التحریمیة: فلا خلاف فی انحلال الحکم بانحلال موضوعاته ضرورة انعقاد الظهور العرفی فی مثل قضیة «لاتشرب الخمر» فی أنّه متی وجد الخمر فی الخارج یحکم علیه بالحرمة.

و أما فی الأحکام الوجوبیة: فقال المحقق الخوئی (قدس سره) ((1)) بالتفصیل؛ بیانه أنّ الحکم تنحل بتعداد الموضوعات فی بعض الموارد مثل قوله تعالی: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ إِلَی غَسَقِ اللَّیلِ)((2)) و استدل علی الانحلال بالظهور العرفی کما أنّه لاتنحل بتعداد الموضوعات فی بعض الموارد مثل قوله تعالی: (لِلَّهِ عَلَی النَّاسِ حِجُّ الْبَیتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَیهِ سَبِیلًا)((3)) فإنّ وجوب الحج لاینحل بتعدد الاستطاعة فی الخارج لأنّ المستفاد من الظهور العرفی هو أنّه إن امتثل مرة واحدة یکفی و لایلزم التکرار و إن بقیت الاستطاعة.

و أورد علیه بعض الأساطین (دام ظله) :((4)) إنّ الظهور العرفی منتفٍ هنا بل المرجع

ص: 266


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص14، المرة و التکرار «و أما التکالیف الوجوبیة... و أما انحلالها بانحلال موضوعاتها فیختلف ذلک باختلاف الموارد فتنحل فی بعض الموارد دون بعضها الآخر و من الأول قوله تعالی الخ».
2- سورة الإسراء ( 17 ): 78.
3- سورة آل عمران ( 3 ): 97.
4- تحقیق الأصول، ج2، ص132 «الحق أنّه لا ظهور لقوله: یجب الصلاة عند زوال الشمس فی وجوب الصلاة کلما حصل الزوال فتکون واجبة علی عدد ما یتحقق من الزوال إذ لا دلیل عقلی و لا وضعی علی ذلک الخ»

فی ذلک القرائن المحفوف بها الکلام.

و یقع الکلام فی بحثین:

البحث الأول: فی دلالة الصیغة علی المرة و التکرار
أمّا الدلالة بالوضع

الدلالة الوضعیة علی المرة و التکرار منتفیة لأنّ الصیغة إن دلت علی المرة أو التکرار فإما تدل بمادته أو بهیأته أما مادته فموضوعة للدلالة علی الطبیعة المهملة المعراة عن جمیع الخصوصیات مثل الوحدة و التعدد (فی الأفراد العرضیة) و المرة و التکرار (فی الأفراد الطولیة).

و أما هیأته فإنّها موضوعة إما للطلب الإنشائی أو النسبة الإیقاعیة أو النسبة الإرسالیة أو النسبة البعثیة أو إبراز الأمر الاعتباری النفسانی فلاتدل علی المرة و التکرار و الوحدة و التعدد.

أمّا الدلالة بالإطلاق

إنّ مقتضی الإطلاق هو الاکتفاء بالمرة الواحدة فی الأفراد الطولیة و الوجود الواحد فی الأفراد العرضیة لأنّ متعلق الأمر صرف الطبیعة و هو یصدق مع الامتثال مرة واحدة و الامتثال بالوجود الواحد؛ و صدق الطبیعة یوجب حصول الغرض و سقوط الأمر فلایبقی مقتضٍ للتکرار و التعدد.

البحث الثانی: مقتضی الأصل العملی

الحق جریان استصحاب عدم التکلیف؛ و لو قلنا بعدم جریانها فی الشبهات الحکمیة فالأصل البراءة.

ص: 267

تنبیه: الامتثال بعد الامتثال
اشارة

وقع الخلاف فی إتیان المأموربه ثانیاً بعد إتیانه أولاً و یسمی بالامتثال بعد الامتثال.

النظریة الأُولی: ما اختاره صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

((1)) من التفصیل

بیانه: «إنّه مع الإتیان بها مرة لا محالة یحصل الامتثال و یسقط به الأمر فی ما إذا کان امتثال الأمر علة تامة لحصول الغرض الأقصی ... فلایبقی مجال لامتثاله أصلاً؛ و أما إذا لم یکن الامتثال علة تامة لحصول الغرض کما إذا أمر بالماء لیشرب أو یتوضأ فأتی به و لم یشرب أو لم یتوضأ فعلاً فلایبعد صحة تبدیل الامتثال بإتیان فرد آخر أحسن منه بل مطلقاً کما کان له ذلک قبله علی ما یأتی بیانه فی الإجزاء.»

إیرادان علی النظریة الأولی:
الإیراد الأول: من المحقق الخوئی (قدس سره)

((2)) تبعاً للمحقق الإصفهانی (قدس سره) ((3))

قال (قدس سره) : «و من ضوء هذا البیان یظهر نقطة الخطأ فی کلام صاحب الکفایة و

ص: 268


1- کفایة الأصول، ص79، المقصد الأول، الفصل الثانی، المبحث الثامن.
2- محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص210؛ ج 2، ص18، الامتثال بعد الامتثال.
3- نهایة الدرایة، ج1، ص361، التعلیقة 190 علی هذه العبارة «و أما إذا لم یکن الامتثال علةً تامةً لحصول الغرض» قال (قدس سره) : «التحقیق أنّ إتیان المأمور به بحدوده و قیوده علة تامة للغرض الباعث علی البعث إلیه و الغرض القائم بإحضار الماء تمکن المولی من رفع عطشه به مثلاً لا نفس رفع العطش کما هو واضح نعم هو غرض مقدمی لا أصیل و هو غیر فارق الخ».

هی الخلط بین الغرض المترتب علی وجود المأمور به فی الخارج من دون دخل شیء آخر فیه و بین غرض الآمر کرفع العطش مثلاً حیث إنّ حصوله یتوقف علی فعل نفسه و هو الشرب زائداً علی الإتیان بالمأمور به ... فالواجب علی المکلف لیس إلا تمکین المولی من الشرب و تهیئة المقدمات له فإنّه تحت اختیاره و قدرته [أی المکلف] لا الشرب و هو یحصل بصرف الامتثال الأول.»

الإیراد الثانی: من السید المحقق الصدر (قدس سره)

((1))

إنّ بیان المحقق الصدر (قدس سره) فی الحقیقة إیراد علی صاحب الکفایة (قدس سره) و علی المستشکلین علیه، مثل المحقق الإصفهانی (قدس سره) و المحقق الخوئی (قدس سره) ، فإنّ السید الصدر یری أنّ ربط مسألة إمکان تبدیل الامتثال بغرض الآمر غیر تامّ، لأنّ «سقوط الأمر غیر مرتبط بحصول غرض المولی بل یرتبط بإمکانیة التحریک و عدمه و هو یکون بالامتثال و عدمه و لیس تابعاً لبقاء الغرض و عدمه أصلاً بل یستحیل ذلک لأنّ الأمر لو بقی بشخصه [بعد الامتثال الأول و بعد تحقق الفرد الأول من الطبیعة] متعلقاً بالجامع بین الفرد الواقع و بین سائر الأفراد کان طلباً للحاصل و لو بقی متعلقاً بغیر الفرد الواقع استحال أن یکون شخص ذلک الأمر الأول.»

ملاحظتنا علی کلام المحقق الصدر (قدس سره) :

إنّ إتیان المأمور به علة تامة للغرض الداعی إلی البعث إلیه و الغرض القائم بإحضار الماء غرض مقدمی و هو تمکن المولی من رفع العطش لا نفس رفع

ص: 269


1- بحوث فی علم الأصول، ج2، ص128، بحوث الأوامر، صیغة الأمر، الجهة السابعة، تذنیب (تبدیل الامتثال).

العطش الذی هو الغرض الأصیل فالمناط عند المحقق الإصفهانی (قدس سره) الغرض المقدمی و المستشکل توهم ارتباط المسألة بالغرض الأصیل.

النظریة الثانیة: ما أفاده السید الخوئی (قدس سره)

قال (قدس سره) : «و الصحیح هو عدم جواز الامتثال بعد الامتثال و ذلک لأنّ مقتضی تعلق الأمر بالطبیعة بدون تقییدها بشیء کالتکرار أو نحوه حصول الامتثال بإیجادها فی ضمن فردٍ ما فی الخارج لفرض انطباقها علیه قهراً... و معه لامحالة یحصل الغرض و یسقط الأمر فلایبقی مجال للامتثال مرة ثانیة.» ((1))

ص: 270


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص209؛ ج 2، ص18، الامتثال بعد الامتثال.

الأمر السابع: الفور و التراخی

المقدمة:

الواجب إمّا موسع و إمّا مضیق و المضیق إمّا مقید بالتأخیر و إمّا مقید بالتقدیم و هذا هو الواجب الفوری.

أقسام الواجب الفوری:

الأول: أن یکون بنحو وحدة المطلوب؛ و وجوب إتیان هذا القسم منحصر بأول أزمنة الإمکان فلو لم یمتثل عصی و یسقط الأمر فی الزمان الثانی مثل وجوب رد السلام

الثانی: أن یکون بنحو تعدد المطلوب و بقاء الوجوب فوراً ففوراً؛ فالتأخیر فی امتثاله کما لایوجب سقوط أصل الوجوب لایوجب سقوط فوریته أیضاً.

الثالث: أن یکون بنحو تعدد المطلوب و انقلابه إلی الموسع مع فوات الفوریة بمعنی أنّ الواجب الفوری إذا لم یمتثل ینقلب إلی الواجب الموسع؛ فالمکلف إذا عصی سقطت فوریة الواجب و لکن وجوب أصل الطبیعة باقٍ بحاله.

ص: 271

دلالة الصیغة علی الفور أو التراخی
أمّا الدلالة بالوضع

الدلالة الوضعیة علی الفور و التراخی منتفیة و الوجه فی ذلک هو أنّ دلیل الواجب لو دل علی الفور و التراخی فإما یدل بمادته أو بصیغته.

أما المادة فموضوعة للطبیعة المهملة العاریة عن جمیع الخصوصیات فلا دلالة لها علیهما.

و أما الهیأة فهی موضوعة((1)) للطلب الإنشائی (کما هو مختار صاحب الکفایة (قدس سره) ) أو البعث النسبی (و هو مختار المحقق الإصفهانی (قدس سره) ) أو النسبة الإرسالیة (و هو مختار المحقق العراقی (قدس سره) ) أو النسبة الإنشائیة الإیقاعیة (و هو مختار المحقق النائینی (قدس سره) ) أو إبراز الاعتبار النفسانی (و هو مختار المحقق الخوئی (قدس سره) ) فلادلالة للهیأة علی الفور و التراخی أیضاً.

أمّا الدلالة بالإطلاق

إذا شککنا فی الواجب من جهة فوریة وجوبه أو عدم فوریته (أی التراخی) فمقتضی إطلاق الدلیل عدم تقیید الوجوب بالفوریة و التراخی بل الواجب هو الطبیعی المطلق و یتخیر المکلف بین الفور و التراخی.

ص: 272


1- قد مضت أقوال سبعة فی ما وُضع له صیغة الأمر فی الفصل الثانی، الأمر الأول.
أدلة القول بدلالة الأمر علی الفوریة
اشارة

و هی وجوه ثلاثة:

الوجه الأول: الدلیل العقلی
اشارة

و هو الذی أفاده المحقق الحائری الیزدی (قدس سره) :((1)) « إنّ وزان الإرادة التشریعیة وزان العلة التکوینیة و الأمر علة تشریعیة لحصول المتعلق و کما أنّ التکوینیة لاتنفکّ عن المعلول فالتشریعیة کذلک و نتیجة عدم الانفکاک هو الفوریة.» ((2))

إیرادات ثلاثة من بعض الأساطین (دام ظله) علیه:
الإیراد الأول:

((3))

إنّ علیة الأمر للمتعلق محل الخلاف بین الأعلام فبعضهم أنکرها و المختار هو أنّ الأمر علة ناقصة و من العلة علم المکلف بالأمر و ما أفاده (قدس سره) من عدم الانفکاک بین العلة والمعلول إنّما هو فی العلة التامة لا الناقصة.

ص: 273


1- کتاب الصلاة، ص573، المقصد السادس فی صلاة القضاء، المبحث الثانی فی الترتیب و ما یتبعه، المسألة الرابعة: المشور بین المتأخرین عدم وجوب الفوریة فی قضاء الصلوات الفائتة، تنبیه.
2- العبارة من تحقیق الأُصول، ج2، ص139 و 140، الفور و التراخی؛ و فی کتاب الصلاة «قلنا فی صدر المسألة: إنّ الشک فی فوریة القضاء... مرجعها البراءة لکن فیه إشکال یجب التنبیه علیه... لأنّه یمکن أن یقال بأنّ الفوریة و إن کانت غیر ملحوظة للأمر قیداً للعمل إلا أنّها من لوازم الأمر المتعلق به فإنّ الأمر تحریک إلی العمل و علة تشریعیة و کما إنّ العلة التکوینیة لاتنفک عن معلولها فی الخارج کذلک العلة التشریعیة تقتضی عدم انفکاکها عن معلولها فی الخارج الخ».
3- «ثم أورد علیه الأُستاذ بما یلی: أولاً لقد أنکر بعضهم علیة الأمر للمتعلق لکنّا نقول بها غیر أنّ هذه العلیة ناقصة الخ».
الإیراد الثانی:

((1))

علی فرض العلیة التامة نقول: إنّ الأمر علة تامة لقابلیة المتعلق للتحقق و لیس علة لفعلیة المتعلق و حصوله.

الإیراد الثالث:

«إنّ قیاس الإرادة التشریعیة علی الإرادة التکوینیة فی غیر محله لأنّ نسبة الإرادة التشریعیة إلی المراد هی نسبة المقتضی إلی المقتضی لا العلة إلی المعلول کما فی التکوینیات.»

الوجه الثانی:
اشارة

إنّه لایعقل تحقق البعث مع عدم الانبعاث للتضایف بینهما فالبعث یقتضی لزوم الانبعاث و هذا معنی الفوریة.

إیرادان من بعض الأساطین (دام ظله) علیه:

أولاً:((2)) إنّ التضایف بین البعث التشریعی و الانبعاث اعتباری لا واقعی و لذا یمکن انفکاکهما.

ثانیاً:((3)) إنّ الأمر هو ما یمکن أن یکون داعیاً و باعثاً و تحقق داعویة الأمر و باعثیته یتوقف علی علم المکلف به و قبوله له.

ص: 274


1- «و ثانیاً لو سلمنا العلیة فهو علة تامة لقابلیة المتعلق للتحقق لا لفعلیته».
2- «و فیه أنّ هذا القانون إنّما هو فی المتضایفین التکوینیین لا الأمرین الحاصل بینهما التضایف بالاعتبار الخ».
3- «وثانیاً أنّ الأمر بعث إمکانی و لیس بعثاً فعلیاً الخ».
الوجه الثالث:
اشارة

و هو قوله تعالی (وَسَارِعُوا إِلَی مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّکُمْ)((1)) و قوله تعالی (فَاسْتَبِقُوا الْخَیرَاتِ).((2))

بیان ذلک: إنّ الله أمر باستباق الخیرات و المسارعة إلی المغفرة و کل مأمور به خیر و سبب للمغفرة فلابدّ من الاستباق و المسارعة إلی کل مأمور به؛ فإن عصی المکلف و ترک المأموربه فی الزمان الأول فیجب الاستباق و المسارعة نحوه فی الزمان الثانی و الثالث و هکذا.

فعلی هذا وجوب التکالیف الشرعیة فوری علی نحو تعدد المطلوب و بقاء الفوریة.

إیرادات أربعة علی هذا الوجه:
الإیراد الأول: من المحقق الخراسانی (قدس سره)
اشارة

((3))

«إنّ سیاق آیة (وَسَارِعُوا إِلَی مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّکُمْ)و کذا آیة (فَاسْتَبِقُوا الْخَیرَاتِ) إنّما هو البعث نحو المسارعة إلی المغفرة و الاستباق إلی الخیر من دون استتباع ترکهما للغضب و الشر ضرورة أنّ ترکهما [أی الاستباق و المسارعة] لو کان

ص: 275


1- (وَسَارِعُوا إِلَی مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّکُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِینَ). آل عمران: 133.
2- (وَلِکُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّیهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَیرَاتِ أَینَ مَا تَکُونُوا یأْتِ بِکُمُ اللهُ جَمِیعًا إِنَّ اللهَ عَلَی کُلِّ شَیءٍ قَدِیرٌ). سورة البقرة(2):148. (...وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَکُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَکِنْ لِیبْلُوَکُمْ فِی مَا آَتَاکُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَیرَاتِ إِلَی اللهِ مَرْجِعُکُمْ جَمِیعًا فَینَبِّئُکُمْ بِمَا کُنْتُمْ فِیهِ تَخْتَلِفُونَ) سورة المائدة(5):48.
3- کفایة الأُصول، ص80، المقصد الأول، الفصل الثانی، المبحث التاسع.

مستتبعاً للغضب و الشر کان البعث بالتحذیر عنهما أنسب کما لایخفی فافهم.»

جواب بعض الأساطین (دام ظله) عن هذا الإیراد:

((1))

إنّ الأمر ظاهر فی الوجوب سواء کان مع التحذیر من الترک أم لم یکن؛ فلو اعتبرنا فی الوجوب ورود التحذیر من الترک للزم حمل أکثر الواجبات علی الاستحباب.

الإیراد الثانی: من المحقق الخراسانی و المحقق الحکیم و المحقق الخوئی
اشارة

الإیراد الثانی: من المحقق الخراسانی((2)) و المحقق الحکیم ((3)) و المحقق الخوئی((4))

إنّ الأمر فیهما إرشادی کما هو الظاهر من الآیتین بحسب المتفاهم العرفی لأنّ مفادهما هو الإرشاد إلی مااستقل به العقل من حسن المسارعة و الاستباق نحو الإتیان بالمأمور به کالآیات و الروایات الواردة فی الحث علی أصل الطاعة.

ص: 276


1- تحقیق الأُصول، ج2، ص143 «و فیه ما لایخفی إذ لو کان عدم التحذیر من الترک دلیلاً علی الاستحباب لزم حمل کثیر من الأوامر أو أکثرها علی الاستحباب علی أنّ هیأة افعل تدل علی الوجوب بأیة مادة من المواد کانت الخ».
2- کفایة الأُصول، ص80 «و لایبعد دعوی استقلال العقل بحسن المسارعة و الاستباق و کان ما ورد من الآیات و الروایات فی مقام البعث نحوه إرشاداً إلی ذلک کالآیات و الروایات الواردة فی الحث علی أصل الطاعة الخ».
3- حقائق الأُصول، ج1، ص188 و 189، التعلیقة علی هذه العبارة «ضرورة أنّ ترکهما» قال (قدس سره) : «... و الأُولی أن یقال: المغفرة فی الآیة الأُولی یراد منها سببها و هو الإطاعة و کما یمتنع أخذ الإطاعة قیداً للواجب الشرعی یمتنع أخذ المسارعة إلیها کذلک و کما إنّ الأمر بالإطاعة إرشادی کذلک الأمر بالمسارعة فیها الخ».
4- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص214؛ ج 2، ص25، الفور و التراخی، المقام الثانی «الثانی... إنّ دلالتهما علی ما نحن بصدده تقوم علی أساس أن یکون الأمر فیهما مولویاً و أما إذا کان إرشادیاً کما هو الظاهر منه بحسب المتفاهم العرفی فلا دلالة لهما علیه أصلاً الخ».
جواب المحقق الإصفهانی (قدس سره) عن هذه المناقشة:

((1))

قال (قدس سره) : « بینهما [أی بین الأمر بالاستباق و المسارعة و بین الأوامر الواردة فی الحث علی أصل الطاعة] فرق و هو عدم إمکان غیر الإرشادیة [أی المولویة] فیها [أی فی الأمر بالطاعة] دون ما نحن فیه لإمکان الأمر المولوی بالفعل فوراً؛ فبعد الإمکان و الظهور الذاتی فی المولویة لا مجال لحمل ما ورد فی هذا الباب علی الإرشاد قیاساً بما ورد فی أصل الإطاعة.»

الإیراد الثالث: من المحقق الخراسانی و بعض الأساطین

الإیراد الثالث: من المحقق الخراسانی((2)) و المحقق الخوئی((3)) و بعض الأساطین((4))

یلزم تخصیص الأکثر و هو مستهجن و بیان ذلک أنّ المستحبات مصادیق للخیر و سبب للمغفرة فیلزم خروجهما عن تحت الآیتین بالتخصیص؛ و إنّ بعض الواجبات موسعة فلایجب فیها الفوریة و حینئذ یلزم خروج تلک الواجبات الموسعة عن تحت الآیتین بالتخصیص أیضاً؛ و الواجبات المضیقة التی لایجب الإتیان بها إلا فی وقت خاص لا فی أول وقت الإمکان تخرج عن تحت آیة الاستباق و آیة المسارعة أیضاً و هذا هو تخصیص الأکثر و هو مستهجن.

ص: 277


1- نهایة الدرایة، ج1، ص363، التعلیقة 192 علی هذه العبارة «کالآیات و الروایات الواردة فی البعث»
2- کفایة الأُصول «مع لزوم کثرة تخصیصه فی المستحبات و کثیر من الواجبات بل أکثرها».
3- محاضرات فی أصول الفقه «الثالث... إنّه لابدّ من حمله علی الاستحباب و لو حمل علی ظاهره و هو الوجوب لزم تخصیص الأکثر و هو مستهجن و السبب فی ذلک هو أنّ المستحبات بشتی أنواعها و أشکالها مصداق للخیر و سبب للمغفرة فلو حملنا الأمر فیهما علی الوجوب الخ».
4- تحقیق الأصول، ج2، ص145 «الوجه الخامس أنّ هذا الأمر الاستحبابی لیس بوجوبی فقد جاء لحمل المکلف علی السعی لتحصیل الثواب إذ لو حمل علی الوجوب و الإلزام لزم تخصیص الأکثر المستهجن الخ».
الإیراد الرابع: من المحقق الخوئی (قدس سره)

((1))

«إنّ الآیتین الکریمتین أجنبیتان عن محل الکلام رأساً ... أما آیة الاستباق فلأنّ کلمة (فَاسْتَبِقُوا) فیها من الاستباق بمعنی المسابقة لغة و علی هذا فظاهر الآیة المبارکة هو وجوب المسابقة علی العباد نحو الخیرات... و إن شئت قلت: إنّ مدلول الآیة الکریمة هو ما إذا کان العمل خیراً للجمیع و أمکن قیام کل واحد منهم به ... و من الواضح أنّه لا صلة لهذا المعنی بما نحن فیه أصلاً و ذلک لأنّ الکلام فیه إنّما هو فی وجوب المبادرة علی المکلف نحو امتثال الأمر المتوجه إلیه خاصة علی نحو الاستقلال مع قطع النظر عن الأمر المتوجه إلی غیره ...

و أما آیة المسارعة فالظاهر من المغفرة فیها هو نفس الغفران الإلهی فالآیة عندئذ تدل علی وجوب المسارعة نحوه [أی الغفران الإلهی] بالتوبة و الندامة التی هی واجبة بحکم العقل و لیس المراد منها الأفعال الخارجیة من الواجبات و المستحبات ...»

و علی هذا فلا دلالة للآیتین علی فوریة التکالیف.

مقتضی الأصل العملی

إذا شککنا فی اعتبار خصوصیة الفور أو التراخی فی الواجب فأصالة البراءة تقتضی عدم اعتبارها.

ص: 278


1- محاضرات فی أُصول الفقه «و لنأخذ بالنقد علیه من عدة وجوه: الأول الخ».

الفصل الثالث: تعلق الأمر بالطبیعة أو الفرد

اشارة

و الکلام فی مقامین

المقام الأول: التحقیق فی المسألة

المقام الثانی: ثمرة هذه المسألة

ص: 279

ص: 280

تعلق الأمر بالطبیعة أو الفرد

و الکلام فی مقامین:

المقام الأول: التحقیق فی المسألة

اشارة

هنا نظریات أربع

النظریة الأُولی: ما اختاره المحقق الخراسانی (قدس سره)
اشارة

((1))

قال:إنّ متعلق الطلب هو الوجود السعی للطبیعة و لما کان الأمر بمعنی طلب الوجود یکون متعلق الأمر هو الطبیعی.

أما الفرد فلایتعلق به الأمر کما أنّ الطبیعة بما هی هی لیست متعلقة للأمر أیضاً «و فی مراجعة الوجدان للإنسان غنی و کفایة عن إقامة البرهان علی ذلک حیث یری إذا راجعه [أی الوجدان] أنّه لا غرض له فی مطلوباته إلا نفس الطبائع و لا نظر له إلا إلیها من دون نظر إلی خصوصیاتها الخارجیة و عوارضها

ص: 281


1- کفایة الأُصول، ص138، المقصد الأول، الفصل السابع

العینیة و أنّ نفس وجودها السعی بما هو وجودها تمام المطلوب و إن کان ذاک الوجود لایکاد ینفک فی الخارج عن الخصوصیة فانقدح بذلک أنّ المراد بتعلق الأوامر بالطبائع دون الأفراد أنّها [أی الطبائع] بوجودها السعی بما هو وجودها قبالاً لخصوص الوجود متعلقة للطلب لا أنّها بما هی هی کانت متعلقة له [أی للطلب] کما ربما یتوهم فإنّها کذلک لیست إلا هی ... لایعقل أن یتعلق بها طلب لتوجد أو تترک و إنّه لابدّ فی تعلق الطلب من لحاظ الوجود أو العدم معها [أی مع الطبیعة] ...»

إیرادات أربعة علی هذه النظریة:
الإیراد الأول:
اشارة

((1))

إنّ ما ذهب إلیه من أنّ الأمر هو طلب الوجود مخدوش لأنّ کثیراً من الأوامر یکون بصیغة الأمر و مفادها معنی حرفی و الطلب معنی اسمی.

ملاحظة علی الإیراد الأول:

إنّ هذا الإیراد مبنائی((2)) لأنّ صاحب الکفایة (قدس سره) لایعتقد بأنّ مفاد الهیأة معنی حرفی.

ص: 282


1- تحقیق الأُصول، ج3، ص275، هل الأوامر و النواهی متعلقة بالطبائع أو الأفراد؟، الإشکال علی المحقق الخراسانی «أولاً إنّه جعل مدلول الأمر طلب الفعل و مدلول النهی طلب الترک فیرد علیه الإشکال فی الأوامر التی هی هیآت عارضة علی المواد و هی الأکثر فی الأوامر الخ».
2- «فإن قیل: إنّ المحقق الخراسانی لایفرق بین المعنی الاسمی و المعنی الحرفی قلنا: نعم لکنه یری الاختلاف بینهما باللحاظ و هذا یتم فی مثل الابتداء و الانتهاء و نحوهما أما الطلب فلایقبل اللحاظین».
الإیراد الثانی:

((1))

إنّه أخذ معنی الوجود فی معنی الأمر (حیث قال: الأمر هو طلب الوجود) مع أنّ صیغة الأمر و مادته لاتدلان علی الوجود و لایمکن أن یکون المدلول بلا دال علیه.

الإیراد الثالث:

((2))

إنّه قال: الأمر و النهی کلاهما بمعنی الطلب إلا أنّ الأمر یدل علی طلب الوجود و النهی علی طلب الترک؛ و فیه أنّ هذا خلاف ما هو المرتکز فی الأذهان من أنّ الأمر و النهی متغایران فی أصل معناهما، لا فی متعلق المعنی ( أی الوجود و الترک).

الإیراد الرابع:

إنّ الوجود السعی یتصور علی أنحاء: منها الوجود الإطلاقی و هو وجود المجردات و هو لایرتبط بما نحن فیه؛ و منها الجهة الجامعة المفهومیة و هی لیست من حقیقة الوجود و هی غیر مرادة لصاحب الکفایة (قدس سره) ؛ و منها الجهة الجامعة الحقیقیة بین أفراد الطبیعة و فی هذا النحو إن کان الوجود السعی المذکور مع صفة الوحدة و التشخص فلیس قابلا للانطباق علی کل فرد فرد و السعة حینئذ لیس بمعنی الکلیة (کما أنّ السعة بمعنی الإطلاق لایتصور فی المقام

ص: 283


1- «وثالثاً إنّه أدخل الوجود و العدم فی مدلولی الأمر و النهی لکنّ کلاً من الأمر و النهی مرکب من المادة و الهیأة الخ».
2- «و ثانیاً إنّه جعل الاختلاف بین الأمر و النهی فی ناحیة المتعلق... و فیه أنّ هذا خلاف الارتکاز العرفی إذ العرف العام علی أنّهما متغایران بالذات».

أیضاً).

و إن کان الوجود السعی المذکور بدون صفة الوحدة و التشخص فلیس هو من حقیقة الوجود.

و الجهة الجامعة الحقیقیة بین أنحاء الوجودات غیر معقول لأنّ الوجود الحقیقی فی کل موجود عین تشخصه و الوجود بسیط.

النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق النائینی و الأُستاذ العلامة الشاه آبادی
اشارة

بیان المحقق النائینی (قدس سره) : إنّه (قدس سره) قال فی موضع من کلامه: ((1)) «إنّ متعلقات الأحکام هی الطبائع الفانیة فی أفرادها.»

و قال فی موضع آخر:((2)) « إنّ متعلق الأمر هی الماهیة التی لم یلحظ فیها التحصل کما أنّ متعلق النهی أیضاً کذلک؛ غایة الأمر أنّ تعلق الأمر بها یقتضی طلب تحصلها و تعلق النهی بها یقتضی طلب عدم تحصلها.»

بیان الأُستاذ العلامة الشاه آبادی: یتعلق الطلب بالطبیعة و لکن غایته هو إیجاد الطبیعة.((3))

ص: 284


1- أجود التقریرات، ج2، ص154، فصل فی مبحث اجتماع الأمر و النهی، أدلة القول بالجواز، الرابع و الخامس.
2- أجود التقریرات، ج2، ص155 و العبارة: «و إن أُرید بذلک أنّ متعلق الأمر هی الماهیة... و تعلق النهی بها یقتضی طلب عدم تحصلها فالفرق بینهما إنّما هو من ناحیة الهیأة و إلا فالمتعلق فیهما واحد فهو و إن کان صحیحاً فی نفسه إلا أنّه أجنبی عن المقام فإنّ القول بالجواز لایبتنی علی ذلک الخ».
3- فی ص 68 من مکتوباته فی مسألة اجتماع الأمر و النهی: «ثم ینقدح مما ذکرنا أنّ کلام العلامة الخراسانی (قدس سره) فی امتناع اجتماع الأمر و النهی لتضاد الأحکام و لسریان الأحکام من الطبیعة إلی الفرد و الخارج لایخلو عن إشکال بل إشکالات:... الثانی أنّ الأمر و النهی یستحیل أن یتعلق بفعل المکلف و ما هو الصادر عنه لأنّه تحصیل الحاصل فی الأوامر و اجتماع النقیضین فی النواهی فکیف یعقل تعلق الأمر و النهی بنفس ما هو الصادر من المکلف فعلی هذا یتعلق الأمر و النهی بطبیعة الصلاة و طبیعة الغصب و لایسری منهما إلی الخارج و العین نعم غایة هذا الأمر و النهی لأن یوجِد المکلف الطبیعة فی الخارج فی باب الأوامر و لأن یترک الطبیعة فی باب النواهی»؛ و عبارة الکفایة فی ص 158: «ثانیتها: إنّه لا شبهة فی أنّ متعلق الأحکام هو فعل المکلف و ما هو فی الخارج یصدر عنه و هو فاعله و جاعله الخ» و فی ص 160 «... لما عرفت من کون فعل المکلف بحقیقته و واقعیته الصادرة عنه متعلقاً للأحکام لا بعناوینه الطارئة علیه الخ». و فی ص 155 منها: «155. قوله [ أی العلامة النائینی (قدس سره) ]:” لأنّ المأمور به یکون حینئذ مغایراً للمنهی عنه بالهویة “ أقول:... و ثانیاً لایتعلق الأمر و النهی بالهویة و المقولة لأنّه تحصیل الحاصل فی الأمر و اجتماع النقیضین فی النهی بل متعلقهما هو طبیعة الصلاة بداعی الإیجاد و طبیعة الغصب بداعی عدم الإیجاد من غیر فرق فی ذلک بین الوجوب و التحریم و بین الوجوب و الکراهة فافهم و تأمل»؛ و العبارة فی أجود التقریرات، مسألة اجتماع الأمر و النهی، الجهة الأُولی فی سرایة کل واحد من الأمر و النهی إلی متعلق الآخر و عدمه، التنبیه الثانی ( الکراهة فی العبادة )، القسم الأول ( ما إذا کانت النسبة العموم و الخصوص من وجه).
إیرادات ثلاثة علی هذه النظریة:
الإیراد الأول: من المحقق الخراسانی (قدس سره)
اشارة

((1))

«إنّ الطبیعة بما هی هی لیست إلا هی [و] لایعقل أن یتعلق بها طلب لتوجد أو تترک».

جواب المحقق الإصفهانی (قدس سره)

((2)) عنه:

«لایذهب علیک أنّ کون الماهیة من حیث هی خالیة عن جمیع الأوصاف لایستدعی عدم عروض وصف لها من حیث هی؛ فإنّ الماهیة من حیث هی هی

ص: 285


1- کفایة الأُصول، ص139، المقصد الأول، الفصل السابع.
2- نهایة الدرایة، ج2، ص259، التعلیقة 131 علی هذه العبارة «فإنّها کذلک لیست إلا هی».

لا موجودة و لا معدومة مع أنّها بنفسها إما موجودة أو معدومة بالحمل الشائع؛ فکل مفهوم یباین مفهوماً آخر بالحمل الأولی و إن کانا متحدین بالحمل الشائع و علیه فلا منافاة بین کون الصلاة فی حد ذاتها و ماهیتها لا مطلوبة و لا غیر مطلوبة و بلحاظ تعلق الطلب بها مطلوبة [نعم إنّ تعلق الطلب بها بالعرض]»

الإیراد الثانی: من المحقق الإصفهانی (قدس سره)

((1))

«الحق تعلق الجعل بوجودها [أی الطبائع]؛ فکذا الطلب ضرورة أنّ الصادر بالذات هو المراد بالذات بلا عنایة .

و إنّما یعبر عن المطلوب بالصلاة الموضوعة للماهیة لا للوجود، لأنّ المفاهیم الثبوتیة مطابقها عین الوجود المنتزع عنه طبیعة الصلاة؛ و المفروض أنّ متعلق الإرادة هی الصلاة بالحمل الشائع فافهم جیداً فإنّه دقیق جداً.»

الإیراد الثالث:

إنّ الماهیات أُمور اعتباریة منتزعة عن الموجودات باعتبار حدودها و النفس تطلب الحقائق لا الاعتباریات کما لایکون متعلق الطلب أیضاً أمراً اعتباریاً بل هو أمر وجودی فی أُفق النفس.

النظریة الثالثة: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره)
اشارة

((2))

قال: إنّ المقصود من تعلق الأمر و الطلب بالطبیعی هو لحاظه بما هو خارجی أی بما هو مرآة إلی الخارج.

ص: 286


1- نهایة الدرایة، ج2، ص260.
2- نهایة الأفکار، ج1و2، ص380، المقصد الأول، المبحث السابع، المقدمة الثانیة.

«إنّ من المعلوم أنّ لحاظ الطبیعة یتصور علی وجوه: منها لحاظها بما هی فی الذهن و محلاة بالوجود الذهنی، و منها لحاظها بما هی شیء فی حد ذاتها، و منها لحاظها بما هی خارجیة بحیث لایلتفت إلی مغایرتها و اثنینیتها مع الخارج و لایری فی هذا اللحاظ التصوری إلا کونها عین الخارج و متحدة معه بحیث لو سئل بأنّه أی شیء تری فی هذا اللحاظ؟ یقول بأنّه ما أری إلا الخارج و إن کان بالنظر التصدیقی یقطع بخلافه فیری کونها غیر موجودة فی الخارج و ... لیس المقصود من تعلق الأمر بالطبیعی عند القائل به هو الطبیعی بما هو موجود فی الذهن من جهة وضوح أنّه بهذا العتبار مع کونه کلیاً عقلیاً غیر قابل للصدق علی الخارج لایکون مما تقوم به المصلحة حتی یتعلق به الأمر و الطلب ... کوضوح عدم کون المقصود أیضاً هو الطبیعی بالاعتبار الثانی [أی بما هو شیء فی حد ذاته] من جهة وضوح أنّ الطبیعة بهذا الاعتبار لیست إلا هی فلاتکون هی أیضاً مَرکَب المصلحة حتی یتعلق به الأمر و الطلب بل و إنّما المقصود من ذلک عند القائل به هو الطبیعی بالاعتبار الثالث الذی یری کونها عین الخارج ...»

ملاحظة علی النظریة الثالثة:

یرد علیه الإیراد الأول و الثانی علی نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) فلانعید.

النظریة الرابعة: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره)

((1))

و هو أنّ الأمر یتعلق بالفرد بمعنی وجود الطبیعة.

بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) : « إنّ هذه المسألة إما مبتنیة علی مسألة إمکان

ص: 287


1- نهایة الدرایة، ج2، ص253 – 257، التعلیقة 127 علی هذه العبارة «من دون تعلق غرض بإحدی الخصوصیات».

وجود الطبیعی فی الخارج و امتناعه؛ فمن یقول بامتناعه لابدّ له من القول بتعلق التکلیف بالفرد لئلایلزم التکلیف بغیر المقدور؛ لکن لیس لازم تعلق التکلیف به [أی بالفرد] دخول لوازم الوجود و لوازم التشخص فی المکلف به بل اللازم - بلحاظ عدم القدرة علی إیجاد الطبیعی و القدرة علی إیجاد الشخص- تعلق التکلیف بالماهیة المتشخصة بالوجود - أعنی ذات هذه الماهیة المتشخصة القابلة للوجود - فإنّ الماهیة تارة تلاحظ بنفسها فهی الطبیعی و أُخری مضافة إلی قید کلی فالمضاف هی الحصة لامجموع المضاف و المضاف إلیه و ثالثة تضاف إلی الوجود المانع عن صدقها علی کثیرین و هو الفرد.

فذات الإنسانیة الموجودة بوجود زید فی قبال الإنسانیة الموجودة بوجود عمرو هی الماهیة الشخصیة و هی المطلوبة بلا دخل للوازمها، لا فی کونها شخصیة و لا فی مطلوبیتها و من یقول بإمکان وجود الطبیعی و أنّ الماهیة الواحدة کلیة فی مرحلة الذهن و شخصیة بإضافة الوجود إلیها فالطبیعی متشخص بالوجود فهو یقول بإمکان تعلق الأمر به فلا نظر إلی اللوازم علی أی حال [فعلی هذا لوازم الوجود خارجة عن متعلق الأمر سواء قلنا بتعلق الأمر بالطبیعی أو بفرده].

و إما مبتنیة علی مسألة تعلق الجعل بالماهیة أو بالوجود فإنّ المراد بالذات هو الصادر بالذات؛ فمن جعله الوجود قال بتعلق الإرادة به و من جعله الماهیة قال بتعلق الإرادة بها من دون فرق بین الإرادة التکوینیة و التشریعیة ... و لعل ذهاب المشهور إلی تعلق الأمر بالطبیعة لذهاب المشهور من الحکماء و المتکلمین إلی أصالة الماهیة و تعلق الجعل بها.

فالتحقیق حینئذ تعلق الأمر بالفرد بمعنی وجود الطبیعة؛ توضیحه أنّ طبیعة

ص: 288

الشوق من الطبائع التی لاتتعلق إلا بما له جهة فقدان و جهة وجدان، إذ لو کان موجوداً من کل جهة لکان طلبه تحصیلا للحاصل و لو کان مفقوداً من کل جهة لم یکن طرف یتقوم به الشوق ... بخلاف ما لو کان موجوداً من حیث حضوره للنفس مفقوداً من حیث وجوده الخارجی فالعقل یلاحظ الموجود الخارجی فإنّ له قوة ملاحظة الشیء بالحمل الشائع کما له ملاحظة الشیء بالحمل الأولی فیشتاق إلیه؛ فالموجود بالفرض و التقدیر مقوم للشوق لا بما هو هو بل بما هو آلة لملاحظة الموجود الحقیقی و الشوق یوجب خروجه من حد الفرض و التقدیر إلی الفعلیة و التحقق و هذا معنی تعلق الشوق بوجود الطبیعة لا کتعلق البیاض بالجسم حتی یحتاج إلی موضوع حقیقی لیقال: إنّ الموجود الخارجی لاثبوت له فی مرتبة تعلق الشوق و لایعقل قیام الشوق بالموجود الخارجی. کیف؟ و الوجود یسقطه [أی الشوق] لما عرفت من اقتضاء طبیعة الشوق عدم الوجدان من کل جهة [فعلی هذا متعلق الشوق الذی یتقوم الشوق به وجوداً و تحققاً هو الوجود الحقیقی بوجوده الفرضی لابوجوده التحققی]».

ص: 289

المقام الثانی: ثمرة هذه المسألة

اشارة

إنّ بعض الأعلام أنکروا ثمرة هذا البحث مثل المحقق الخوئی (قدس سره) و أکثرهم أثبتوها.

بیان المحقق النائینی (قدس سره) فی إثبات الثمرة:
اشارة

((1))

«إنّ مرد النزاع فی هذه المسألة إلی أنّ الأوامر هل تتعلق بالطبائع مع قطع النظر عن مشخصاتها و لوازم وجوداتها فی الخارج بحیث تکون تلک اللوازم و المشخصات خارجة عن دائرة متعلقاتها... أو تتعلق بالأفراد مع تلک المشخصات بحیث تکون المشخصات مقومة للمطلوب و المراد و داخلة فی دائرة المتعلقات...

و علی هذا فتظهر الثمرة بین القولین فی باب اجتماع الأمر و النهی؛ و ذلک لأنّه علی القول بتعلق الأوامر و النواهی بالطبائع دون الأفراد ففی مورد الاجتماع کالصلاة فی الدار المغصوبة مثلاً لایسری الأمر من متعلقه و هو طبیعة الصلاة إلی متعلق النهی و هو الغصب و لا العکس لفرض أنّهما طبیعتان مستقلتان ... فإذن لا مناص من القول بالجواز فی تلک المسألة و أما علی القول بتعلق الأوامر و النواهی بالأفراد دون الطبائع فلا مناص من الالتزام بالقول

ص: 290


1- محاضرات فی أصول الفقه، ج4، ص16 و 17؛ ج 3، ص196؛ و فی أجود التقریرات، ج1، ص306، المقصد الأول، الفصل السابع «... بل المراد من هذا النزاع علی نحو یکون نزاعاً معقولاً هو أنّ الإرادة الفاعلیة الموجدة للشیء فی الخارج هل تتعلق بنفس الشیء مع قطع النظر عن مشخصاته و هی إنّما توجد معه قهراً لاستحالة وجود الشیء بدون التشخص أو إنّ المشخصات تکون مقومةً للمراد بما هو مراد الخ».

بالامتناع فی تلک المسألة و ذلک لفرض أنّ الأمر علی هذا القول متعلق بالصلاة مع مشخصاتها و المفروض أنّ الغصب فی مورد الاجتماع مشخص لها [أی للصلاة] فإذن یکون متعلقاً للأمر و الحال أنّه متعلق للنهی أیضاً فیلزم عندئذ اجتماع الأمر و النهی فی شیء واحد و هو محال ضرورة استحالة کون شیء واحد مأموراً به و منهیاً عنه.»

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) :

((1))

إنّ کل وجود فی ذاته مباین لوجود آخر و کل ماهیة تمتاز عن ماهیة أُخری بالوجود لا بذاتها؛ فالماهیة الجوهریة متشخصّة بوجودها و الماهیة العرضیة متشخصة بوجود آخر و الماهیات العرضیة لایعقل أن تکون مشخصات لوجود الجواهر بل إطلاق المشخصات علی تلک الأعراض الملازمة للجوهر تسامحی.

فحینئذ نقول: إنّ الکلام فی تعلق الأمر بالطبیعة أو بفردها؛ أما الطبائع الأُخری و أفرادها فهی خارجة عن متعلق الأمر علی کلا القولین فمتعلق الأمر بالصلاة أجنبی عن متعلق النهی عن الغصب؛ فالأمر و النهی لایجتمعان فی مورد واحد فلابدّ من القول بجواز اجتماع الأمر و النهی.

نعم لو قلنا بأنّ المتلازمین لابدّ أن یتحدا فی الحکم فیسری الحکم من متعلق

ص: 291


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص18-20؛ ج 3، ص198 – 201 «کل وجود سواء أکان جوهراً أم عرضاً متشخص فی الخارج بذاته فلایعقل أن یکون متشخصاً بوجود آخر... و هذا بخلاف الماهیة فإنّ تشخصها إنّما یکون بالوجود و امتیازها عن ماهیة أُخری به لا بذاتها... و علی ضوء هذه النتیجة إنّ الأُمور اللازمة للوجود الجوهری خارجاً التی لاتنفک عنه کأعراضه... موجودات أُخری فی قبال ذلک الموجود و مباینة له ذاتاً و حقیقةً و متشخصات بنفس ذواتها... فلایعقل أن تکون مشخصات لذلک الوجود لما عرفت من أنّ الوجود هو نفس التشخص الخ».

أحدهما إلی الآخر فلابدّ من القول بالامتناع لکنه خاطئ جداً بل الثابت هو أنّ المتلازمین لایکون أحدهما واجباً و الآخر محرماً و أما کونهما متوافقین فی الحکم فلم یثبت.

جواب بعض الأساطین (دام ظله) عن إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) :

جواب بعض الأساطین (دام ظله) ((1)) عن إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) :

«إنّ المیرزا [أی المحقق النائینی (قدس سره) ] یصور النزاع علی أساس أنّ التشخص بالوجود بأنّه إن کانت المشخصات عارضة علی الطبیعة قبل عروض الوجود فالوجود لا محالة یکون طاریاً علی الماهیة المشخصة و تکون العوارض موجودة بعین وجود الفرد [فحینئذ یجتمع متعلق الأمر و النهی فلابدّ من القول بالامتناع] و إن کانت غیر عارضة علی الطبیعة قبل وجود الفرد بل فی نفس تلک المرتبة التی طرء فیها الوجود علی الفرد فالماهیة حینئذ غیر متشخص بالعوارض بل یکون تشخصها بالوجود [فمتعلق الأمر غیر متعلق النهی فلایتحدان فلابدّ من القول بجواز اجتماع الأمر و النهی]».

ملاحظتنا علی هذا الجواب:

إنّه لامعنی محصل لعروض المشخصات (أی العوارض المشخصة عند المشهور) علی الطبیعة قبل عروض الوجود بل لا معنی لعروض الوجود الواحد علی کلیهما بل الوجود العارض علی الطبیعة وجود فی نفسه لنفسه و الوجود العارض علی المشخصات وجود فی نفسه لغیره فلافرق فی عروضه علی الطبیعة قبل عروض الوجود أو بعده.

ص: 292


1- تحقیق الأُصول، ج3، ص279، هل الأوامر و النواهی متعلقة بالطبائع أو الأفراد؟، نظریة المیرزا، إشکال السید الخوئی، جواب الأُستاذ عن الإشکال.
ملاحظتنا علی إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) :

هنا إشکال مبنائی علی مسلک بعض الحکماء مثل آقا علی المدرس (قدس سره) من أنّ الأعراض جلوات لوجود الجواهر((1)) فالطبیعة العرضیة متحدة مع وجود

ص: 293


1- جاء هذا القول فی مواضع عدیدة من مجموعه مصنفات حکیم مؤسس آقا علی مدرس طهرانی (1307-1234): فی ج2، ص363، فی التعلیقة16 علی حواشی شرح حکمة الإشراق لصدر المتألهین [المتن لشهاب الدین یحیی بن حبش السهروردی (587) و الشرح لقطب الدین محمود بن مسعود الشیرازی(710)] علی قوله: «و السواد عینی و الأسودیة اعتبار عقلی». قال: «إذا کان السواد فی الخارج موجوداً علی حدة و بوجوده حالّاً فی الجسم فبمجرّد أخذه مبهماً لایحمل علی الجسم حملاً بالذات أو بالعرض و إن کان یحمل عند أخذه کذلک علی أفراده حملاً بالذات إذ مفاد الحمل هو الاتحاد فی الوجود و الأمر المغایر للآخر بالوجود فی الواقع لایتحد معه بالوجود فی الواقع بمجرّد اعتبار العقل و عمله... فإذن یجب أن یصار فی تصحیح هذا القول إلی القول بأنّ الأعراض متّحدة الوجود مع موضوعاتها» الخ. و فی ص356 فی التعلیقة 2 علی قوله: «لاستحالة وجود عرض واحد» قال: «کل موضوع فهو بالنسبة إلی العرض الموجود فیه معین و مشخِّص له و المراد بکونه مشخِّصاً کونه بشخصه مستدعیاً لشخص ذلک العرض و إلّا فحصوله فیه دون غیره ترجح من دون مرجح فإذن کل موضوع فحیثیة ذاته بشخصه حیثیة الاقتضاء و العلیة بالإضافة إلی شخص العرض الموجود فیه... و بهذا البیان بعینه یجب و أن یکون حیثیة ذات کل عرض بشخصه حیثیة الارتباط و المعلولیة بالقیاس إلی شخص الموضوع المحلّ له... و من ذلک تحدس اللبیب أنّ العرض مطلقاً متحد الموضوع فی الوجود». ثمّ استدلّ علیه فی ثلثة أقسام من الأعراض و هی: «الأعراض التی هی صفات المفارقات» و «الأعراض التی هی صفات لازمة للصور النوعیة» و «الأعراض المتجددة الواردة علی الموضوعات بواسطة استعدادات الموادّ» و قال فی آخر کلامه: «و من هنا یظهر بأدنی تأمل أنّ الطبائع الموضوعة المتجددة متجدّدة بذاتها متحرکة بجوهرها و من ذلک یعلم سرّ اتحاد العاقل بما هو عاقل بالمعقول فافهم ذلک». و راجع أیضا رسالة سبیل الرشاد فی إثبات المعاد، ص112 و رسالة فی مباحث الحمل، ص259، الفقرة 33 و ص262. و فی نهایة الدرایة فی شرح الکفایة ج 1 - ص 159 – 160 و ص229 و 230 من طبع آل البیت فی التعلیقة علی قوله «الفرق بین المشتق ومبدئه مفهوما أنه بمفهومه الخ»: «نعم بناء علی اتحاد الأعراض مع موضوعاتها فی الوجود کما عن بعض أهل التحقیق بل یستفاد من بعض الأکابر فی مسألة إثبات الحرکة الجوهریة من أن التبدل فی الأعراض تبدل فی موضوعاتها» الخ. و فی الحکمة المتعالیة فی الأسفار العقلیة الأربعة ج 4 - ص 103 - 104: «برهان آخر مشرقی کل جوهر جسمانی له نحو وجود مستلزم لعوارض ممتنعه الانفکاک عنه نسبتها إلی الشخص نسبه لوازم الفصول الاشتقاقیة إلی الأنواع وتلک العوارض اللازمة هی المسماة بالمشخصات عند الجمهور و الحق انها علامات للتشخص ومعنی العلامة هاهنا العنوان للشیء المعبر بمفهومه عن ذلک کما یعبر عن الفصل الحقیقی الاشتقاقی بالفصل المنطقی... وعلی هذا المنوال لوازم الأشخاص فی تسمیتها بالمشخص فان التشخص بنحو من الوجود إذ هو المتشخص بذاته وتلک اللوازم منبعثة عنه انبعاث الضوء من المضئ والحرارة من الحار والنار فإذا تقرر هذا فنقول کل شخص جسمانی یتبدل علیه هذه المشخصات کلا أو بعضا کالزمان والکم والوضع والأین وغیرها فتبدلها تابع لتبدل الوجود المستلزم إیاها بل عینه بوجه فان وجود کل طبیعة جسمانیة یحمل علیه بالذات انه الجوهر المتصل المتکمم الوضعی المتحیز الزمانی لذاته فتبدل المقادیر والألوان والأوضاع یوجب تبدل الوجود الشخصی الجوهری الجسمانی وهذا هو حرکة فی الجوهر إذ وجود الجوهر جوهر کما أن وجود العرض عرض». و فی نهایة الحکمة ص 262 – 263: «حجة أخری [علی وقوع الحرکة فی مقولة الجوهر]: الأعراض من مراتب وجود الجواهر، لما تقدم أن وجودها فی نفسها عین وجودها لموضوعاتها، فتغیرها وتجددها لا یتم إلا مع تغیر موضوعاتها الجوهریة وتجددها، فالحرکات العرضیة دلیل حرکة الجوهر». و فی بدایة الحکمة ص 162: «ویمکن أن یستدل علی الحرکة فی الجوهر بما تقدم أن وجود العرض من مراتب وجود الجوهر، من حیث کون وجوده فی نفسه عین وجوده للجوهر، فتغیره وتجدده تغیر للجوهر وتجدد له». و فی الرافد فی علم الأصول ص 20 - 21: «ومن النظریات الفلسفیة التی نهتم بها کثیرا فی بحوثنا الأصولیة نظریة وحدة الموجود. بیان ذلک: أن النظریة المشهورة فی الفلسفة التقلیدیة هی تعدد الموجود لجوهر وعرض، وأن الوجود الجوهری ما کان موجودا لا فی موضوع والوجود العرضی ما کان وجوده فی الموضوع، واختلف أصحاب هذه النظریة فی کون الترکیب بینهما إذا اجتمعا هل هو ترکیب اتحادی أم ترکیب انضمامی کانضمام الحجر للحدید فی بناء الدار مثلا، ولکننا نختار ما طرحه بعض فلاسفة الغرب کالفیلسوف الفرنسی روسوا [کذا و الظاهر خطأ المقرِّر] وبعض فلاسفة الشرق وهو آقا علی المدرس من اتحاد هذین المفهومین وهما الجوهر والعرض وجودا، وذلک لان الموجود شیء واحد فی الخارج إلا أنه یعیش حرکة تطوریة تکاملیة والاعراض ما هی إلا أنحاء وجوده التطوری وألوان حرکته التکاملیة المتجددة لا أنها وجودات محمولیة أخری ترتبط بوجوده وتنضم إلیه، وقد رتبنا علی هذه النظریة کثیرا من البحوث الفلسفیة، منها عدم الحاجة لدعوی واقعیة الوجود الرابط خارجا کما هو المشهور فی الفلسفة... کذلک بعض البحوث الأصولیة التی ترتبط بهذه النظریة، فمثلا بحث اجتماع الأمر والنهی قد ربطه المحقق النائینی بنظریة تعدد الموجود» الخ. و فی ص 281: «إن هناک مسلکین فی وجود الاعراض: 1 - مسلک الآقا علی المدرس وهو المختار عندنا، ومحصله: أن الاعراض لیس لها وجود محمولی خاص بها وإنما الوجود الجوهری یعیش فی صمیمه حرکة تطوریة تتشأن بعدة شؤون وتتلون بعدة ألوان والاعراض هی ألوان ذلک الوجود الجوهری المتطور، فحینئذ لیس عندنا وجودان فی الخارج بل وجود واحد والاعراض نابعة من صمیم هذا الوجود الواحد من دون أن توجب تعددا وجودیا له» الخ.

ص: 294

الجوهر فلیست خارجة عنه.

و أما ملاحظتنا فهو إشکال بنائی فهو أنّ الماهیات المرکبة الشرعیة قد تترکب من مقولات متعددة و حینئذ قد یکون جزء الماهیة الجعلیة الشرعیة المأمور بها جزءً للماهیة المنهی عنها فیجتمع فیها الأمر و النهی.

مضافاً إلی أنّ الجهة المبحوث عنها فی مسألة اجتماع الأمر و النهی هی أنّ تعدد الوجه و العنوان فی الواحد هل یوجب تعدد متعلق الأمر و النهی أو لایوجبه؟ و لذا قال صاحب الکفایة (قدس سره) :((1)) «إنّ تعدد الوجه إن کان یجدی بحیث لایضر معه الاتحاد بحسب الوجود و الإیجاد لکان یجدی و لو علی القول بالأفراد ... و إلا لما کان یجدی أصلاً حتی علی القول بالطبائع کما لایخفی لوحدة الطبیعتین وجوداً و اتحادهما خارجاً ...»

فما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ینفع فی مقام تعدد الوجه و العنوان؛ فإن قلنا بأنّ

ص: 295


1- کفایة الأُصول، ص154، المقصد الثانی، الفصل الثانی فی اجتماع الأمر و النهی، الأمر السابع.

تعدد الوجه یجدی فی حل مشکلة اجتماع الأمر و النهی فلابدّ من أن نلتزم بالجواز.

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) فی إنکار الثمرة:

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) ((1)) فی إنکار الثمرة:

إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) قرّرالنزاع من ناحتین، نشیر هنا إلی الناحیة الأولی منهما، فقال: «الذی ینبغی أن یقال فی هذه المسألة هو أنّه یمکن تقریر النزاع فیها من ناحیتین:

الأُولی: من جهة ابتناء ذلک علی القول بوجود الکلی الطبیعی فی الخارج و القول بعدم وجوده؛ فعلی الأول یتعلق الأمر بالطبیعة و علی الثانی بالفرد.

بیان ذلک: هو أنّه لا شبهة فی [أنّ تشخص الحصة و تفردها بالوجود و أما تشخص الوجود و تفرده فهو بنفس ذاته و] أنّ کل وجود فی الخارج بذاته و شخصه یمتاز عن وجود آخر و یباینه و یستحیل اتحاد وجود [متشخص بذاته] فیه مع وجود آخر ضرورة أنّ کل فعلیة تأبی عن فعلیة أُخری و کل وجود یباین وجوداً آخر و یأبی عن الاتحاد معه ...»

فعلی هذا امتیاز کل حصة عن حصة أُخری لیس بالذات بل إنّما هو بالوجود لأنّ کل ما بالغیر لابدّ أن ینتهی إلی ما بالذات.

و الکلام هنا فی أنّ الوجود المضاف إلی الفرد الخارجی هل یضاف إلی الکلی الطبیعی علی نحو الحقیقة أو بالمجاز؟ و القائل بأنّ الکلی الطبیعی موجود فی الخارج یقول بأنّ إضافة هذا الوجود إلی الکلی الطبیعی بنحو الحقیقة و القائل

ص: 296


1- محاضرات فی أصول الفقه، ج4، ص13-16؛ ج 3، ص192 – 195، هل الأوامر متعلقة بالطبائع أو الأفراد؟

بعدم وجود الکلی الطبیعی فی الخارج یقول بأنّ إسناد هذا الوجود إلی الکلی الطبیعی یکون بالعرض و المجاز.

«و الصحیح فی المسألة أنّ الطبیعی موجود فی الخارج حقیقة و ذلک لصحة حمل الوجود علیه [و عدم صحة سلبه] فلا فرق بین قولنا: زید موجود و قولنا: الإنسان موجود ... هذا من ناحیة و من ناحیة أُخری إنّه لا شبهة فی صحة حمله علی الفرد فیقال: زید إنسان و من المعلوم أنّه یعتبر فی صحة الحمل الاتحاد فی الوجود الخارجی و إلا فالحمل غیر صحیح و هذا لعله من الواضحات.

و بعد ذلک نقول: إنّه علی القول بوجود الطبیعی فی الخارج یتعلق الأمر به و علی القول بعدم وجوده فیه یتعلق بالحصة و الفرد و لکن بإحدی الحصص الخارجیة لا بالمعین منها فالنتیجة علی کلا القولین هی التخییر بین تلک الحصص و الأفراد عقلاً.

أما علی القول الأول [أی وجود الطبیعی فی الخارج] فواضح و أما علی القول الثانی فلفرض أنّ الأمر لم یتعلق بالحصة الخاصة بل تعلق بواحدة منها لا بعینها و من المعلوم أنّ تطبیقها علی هذه و تلک بید المکلف و لانعنی بالتخییر العقلی إلا هذا و من هنا یظهر أنّه لاثمرة للبحث عن هذه المسألة أصلاً...»

ص: 297

ص: 298

الفصل الرابع: هل یبقی الجواز بعد نسخ الوجوب؟

اشارة

و الکلام فی مقامات ثلاثة

المقام الأول: إمکان بقاء الجواز ثبوتاً

المقام الثانی: فی مقام الإثبات

المقام الثالث: مقتضی الأصل العملی

ص: 299

ص: 300

هل یبقی الجواز بعد نسخ الوجوب؟

تمهید

(1)

اختلف الکلام بین الأعلام فقال بعضهم بعدم بقاء الجواز مثل صاحب

ص: 301


1- . ذهب العلامة (قدس سره) فی مبادئ الوصول إلی بقاء الجواز و مال إلیه الشهید الثانی (قدس سره) فی تمهید القواعد و صاحب المعالم و الفصول بحسب ما ذکروا فی مقام الاستدلال و فی تمهید القواعد: ذهب الأکثر إلی أنّها باقیة. و فی قبالهم صاحب القوانین (قدس سره) ، و صرّح فی هدایة المسترشدین و أجود التقریرات و محاضرات بعدم البقاء و به قال الغزالی (حکاه فی تمهید القواعد). استدلال القائلین ببقاء الجواز مرکب من مقدمتین: المقدمة الأولی: فی القوانین: «الأمر الإیجابی دلّ علی الجواز مع المنع من الترک» و فی مبادئ الوصول: «الوجوب ماهیة مرکبة من الإذن فی الفعل و المنع من الترک» و عبّروا عنهما بالجنس و الفصل. و أُجیب عنها تارة بأنّ الترکب عقلی لا خارجی (کما فی القوانین و هدایة المسترشدین؛ و فی الهدایة: «الاشتباه فی المقام إنّما وقع من جهة الخلط بین الترکیب العقلی و الخارجی») و أُخری بعدم کون المنع من الترک من أجزاء الوجوب العقلیة أیضاً (کما فی هدایة المسترشدین). و قول المحقق النائینی و الخوئی ببساطة الوجوب معناه إنکار کون الوجوب ذا أجزاء تحلیلیة عقلیة المقدمة الثانیة: «رفع المرکب لایستلزم رفع جزءیه معاً بل أحدهما لا بعینه»( مبادئ الوصول). و أُجیب عنها بأنّ المحققین صرّحوا بکون الفصل علة لوجود الجنس(کما فی القوانین) و أنّ المعلول ینتفی بانتفاء علّته(کما فی الفصول). و القائلون بالبقاء ردّوا هذا الجواب: تارة بأنّ الخلاف واقع فی کون الفصل علة للجنس فقد أنکره بعضهم و قال إنّهما معلولان لعلّة واحدة. (کما فی المعالم). و ثانیة بأنّه لایعقل التوقف و العلیة بینهما أی الجنس و الفصل و معنی علیة الفصل للجنس أنّ مفهوم الفصل إذا انضمّ إلی مفهوم الجنس فی الذهن میزه عن إبهامه المانع من قبوله للوجود خارجاً بل و ذهناً إلّا فی مجرّد الاعتبار و کان علّة لتصیره نوعاً مخصوصاً صالحاً للوجود ذهناً و خارجاً و ذلک لایوجب العلیة بینهما فی الوجود. الفصول، ص112. و ثالثةً بأنّ الجنس إنّما یرتفع بارتفاع الفصل إذا لم یخلفه فصل آخر و من البین أنّ ارتفاع المنع من الترک مقتضٍ لثبوت الإذن فیه و هو فصل آخر للجنس الذی هو الجواز.(کما فی المعالم). و ببیان الفصول: «إنّما یتوقف الجنس فی الوجود و البقاء علی فصلٍ ما لا علی فصل بخصوصه و لا ریب أنّه إذا انعدم الفصل الأوّل أعنی المنع من الترک تحقق جواز الترک» الخ و قال: «لانسلّم أنّ زوال العلة یقتضی زوال المعلول مطلقاً بل إذا لم یقم مقامه علّة أُخری و قد بینا قیام فصل الإباحة مقام فصل الوجوب فلا وجه لزوال الجنس». و استشکل علی هذا الرد الثالث فی القوانین بأنّ تحصل الجنس فی ضمن الفصل الأوّل غیر تحصله فی ضمن فصل آخر فإذا انتفی التحصل الأوّل فما الذی أوجب حصوله ثانیاً؟ و جاء فی الفصول دافعاً لإشکال القوانین: «إنّه یکفی احتمال تحقق الفصل و لا حاجة إلی إثباته». و حیث یمکن الإیراد علیه بأصالة عدمه قال: «و أصالة عدمه لایعارض أصالة بقاء الجنس لکونه أصلاً مثبتاً و هو غیر معتبر».

الکفایة ((1)) و المحقق الخوئی((2)) (قدس سرهما) و بعض الأساطین (دام ظله) ((3)) وهو المختار، و فی قبالهم قال المحقق العراقی (قدس سره) ((4)) بإمکان بقاء أصل الجواز و الرجحان ثبوتاً و أما إثباتاً فإنّ دلیل الناسخ ظاهر فی رفع الحکم المنسوخ بجمیع مراتبه من الإلزام و

ص: 302


1- یأتی بیانه (قدس سره) فی المقام الثانی.
2- محاضرات فی أصول الفقه، الطبعة الجدیدة، ج3، ص203، النسخ «غیر خفی أنّ الوجوب إذا نسخ فلا دلالة فیه علی بقاء الجواز لا بالمعنی الأعم و لا بالمعنی الأخص و الوجه فی ذلک واضح».
3- تحقیق الأُصول، ج3، ص29، النسخ «فالمختار فی المقام هو عدم البقاء ثبوتاً من جهة أنّ الوجوب أمر بسیط سواء کان انتزاعیاً أو واقعیاً».
4- یأتی بیانه (قدس سره) لمقام الثبوت فی الموضع الأول، التقریر الأول و لمقام الإثبات فی الموضع الثانی.

الرجحان و الجواز إلا إذا کان الناسخ مجملا من حیث إنّه رافع للإلزام أو مطلق الرجحان أو الجواز.

و البحث هنا وقع بینهم فی ثلاث مقامات:

المقام

الأول فی مقام الثبوت؛

و المقام الثانی فی مقام الإثبات؛

و المقام الثالث فی مقتضی الأصل العملی.

ص: 303

المقام الأول: إمکان بقاء الجواز ثبوتاً

اشارة

هنا تقریران للإمکان

التقریر الأول: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره)
اشارة

((1))

قال: «لاینبغی الإشکال فی أنّه لا ملازمة بین ارتفاع الوجوب و بین ارتفاع جوازه و ذلک من جهة أنّه بعد أن کان له مراتب عدیدة من حیث أصل الجواز و الرجحان الفعلی و من حیث الإلزام و المنع عن النقیض فلاجرم أمکن أن یکون المرتفع لأجل دلیل النسخ هو خصوص جهة إلزامه و منعه عن النقیض مع بقاء رجحانه الفعلی غیر المانع عن النقیض علی حاله کإمکان ارتفاعه حتی بمرتبة رجحانه الفعلی أیضاً مع بقائه علی الجواز بمعنی تساوی فعله و ترکه کإمکان ارتفاعه [بجمیع مراتبه] حتی بمرتبة جوازه أیضاً.

و حینئذ فأمکن ثبوتاً بقاء کل واحد من هذه المراتب بعد ارتفاع الوجوب بدلیل النسخ من غیر أن یکون برهان عقلی علی امتناعه بوجه أصلاً ...»

و الوجه فی ذلک هو أنّ الوجوب و الاستحباب عنده من التشکیکیات فالوجوب هی الإرادة الشدیدة و الاستحباب هی الإرادة الضعیفة.

إیرادات ثلاثة علی هذا التقریر:
الإیراد الأول: من المحقق الخوئی (قدس سره) و هو مبنائی

إنّ الوجوب أمر انتزاعی و منشأ انتزاعه هو اعتبار الشارع لابدّیة الشیء علی

ص: 304


1- نهایة الأفکار، ج1و2، ص389، المقصد الأول، المبحث التاسع، المقام الأول.

ذمة المکلف((1)) و الأمر الانتزاعی لیس تشکیکیاً.

(إنّ الوجوب عند المحقق الخوئی (قدس سره) لیس مجعولاً شرعیاً بل منتزع منه).

الإیراد الثانی: و هو مبنائی أیضاً

إنّ الوجوب حکم اعتباری مجعول للشارع و هو بسیط إما یعتبر فیوجد و إما لایعتبر فلایوجد و الاستحباب و الجواز اعتباران آخران فانتفاء اعتبار الوجوب لایوجب إثبات اعتبار آخر.

الإیراد الثالث: ما أفاده بعض الأساطین (دام ظله) .

((2))

إنّ ما أفاده (قدس سره) یبتنی علی أن یکون الترخیص فی الترک دخیلاً فی حقیقة مرتبة حکم الوجوب مع أنّ «الإرادة و هی الشوق الأکید غیر المحدود کیف نفسانی تکوینی و الترخیص أمر جعلی اعتباری فکیف [یمکن أن] یکون [الأمر الاعتباری] من أجزاء الأمر التکوینی؟»

التقریر الثانی:
اشارة

(3)

إنّ الوجوب أمر اعتباری انتزاعی و منشأ انتزاعه هو طلب الشیء مع المنع

ص: 305


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص23؛ ج 3، ص203، النسخ «إنّ الوجوب و الحرمة و الاستحباب و الکراهة جمیعاً منتزعة من اعتبار الشارع بحکم العقل و لیس شیء منها مجعولاً شرعیاً فالمجعول إنّما هو نفس ذلک الاعتبار غایة الأمر إن نصب الشارع قرینةً علی الترخیص فی الترک فینتزع العقل منه الاستحباب و إن لم ینصب قرینةً علیه فینتزع منه الوجوب».
2- تحقیق الأصول، ج3، ص293، النسخ، المقام الأول، تصویر المحقق العراقی بقاء الجواز علی القول بالبساطة، مناقشته.
3- . بحوث فی علم الأُصول، ج2، ص386 «التقریب الثالث مبنی علی مسلک المحقق النائینی (قدس سره) من أنّ الوجوب لیس مدلولاً للفظ و إنّما هو بحکم العقل المنتزع من طلب الفعل و عدم الترخیص فی الترک فإنّه علی هذا المبنی یتعین إثبات الجواز بالمعنی الأعم بلا حاجة إلی إنکار شیء من التبعیتین فی الحجیة و الوجه فی ذلک واضح الخ»

من الترک فإذا ورد الدلیل علی الترخیص بالنسبة إلی الترک فحینئذ یرتفع الوجوب و ینتزع الاستحباب (و هذا التقریر لاینافی بساطة الوجوب).

إیراد علی هذا التقریر:

إنّ المنع من الترک لیس إلا لإبراز الحکم فهو أمر إثباتی بعد ثبوت الحکم الاعتباری فلایمکن أن ینتزع عنه الحکم.

تتمة:

إنّ بعضهم توهم جعل تلک المسألة مبتنیاً علی إمکان بقاء الجنس بعد ارتفاع الفصل((1)) فإن کان الترکیب بینهما اتحادیاً فلایمکن بقاء الجنس بعد ارتفاعه و إن

ص: 306


1- قد مرّ عبارة أجود التقریرات: «حدیث إمکان بقاء الجنس بعد ارتفاع الفصل أجنبی عن المقام بعد فرض بساطة الأحکام» و عبارة محاضرات: «إنّه لا موضوع لدعوی ابتناء النزاع فی المسألة علی إمکان بقاء الجنس بعد ارتفاع الفصل لما مرّ من أنّ الاعتبار بسیط فی غایة البساطة فلا جنس و لا فصل له» بل فی حاشیة المشکینی (قدس سره) : «إنّه لا فرق فی هذا النزاع بین القول بکون الأحکام من قبیل البسائط أو المرکبات بأن یکون کل واحد مرکباً من جنس و فصل و کذا علی الثانی لا فرق بین القول بکون الفصل علة للجنس و عدمه». و لکن فی بحوث فی علم الأُُصول: «المشهور بینهم عدم إمکان إثبات الجواز... مع أنّ الصحیح التفصیل بلحاظ المسالک المختلفة فإنّه بناء علی بعضها لابدّ من القول بإمکان إثبات الجواز و هذا ما یمکن بیانه بعدة تقریبات:... ثمّ إنّه اتّضح مما تقدّم وجه ما ذکره المشهور فی المقام من ربط المسألة و تفریعها علی المسألة الفلسفیة المعروفة من أنّ النوع إذا ارتفع بارتفاع فصله فهل یمکن أن یبقی الجنس المتضمن فیه و لو فی ضمن نوع آخر أو لایمکن ذلک؟ فعلی القول بإمکانه قیل فی المقام ببقاء الجواز الذی کان بمثابة الجنس للوجوب و لو ارتفع ما کان بمثابة فصله و هو المنع من الترک فإنّ المقصود من هذا البیان هو التقریب الثانی من التقریبات الثلاثة أی التمسک بالمدلول التضمنی للدلیل المنسوخ إلّا أنّه مبنی علی إمکان بقاء الجنس و لو فی ضمن نوع آخر و إلّا کان المدلول التضمنی أیضاً مرتفعاً. فلایرد علیه ما أورده السید الأُستاذ من وجوهٍ عدیدة حیث أفاد: أوّلاً:... و ثانیاً: إنّ الأحکام من الأُُمور الاعتباریة و هی بسائط و لیست مرکبة من مادة و صورة فضلاً عن الجنس و الفصل وثالثاً:... أقول: هذه الاعتراضات لایمکن المساعدة علی شیء منها بعد توجیه کلام المشهور بما ذکرناه إذ فیما یتعلّق بالاعتراض الأوّل یرد علیه... و فیما یتعلّق بالاعتراض الثانی یرد أنّ مدّعی المشهور لم یکن هو تحلیل الأمر الاعتباری المسمّی بالوجوب بالحمل الشائع إلی جنس و فصل فی أُفق وجوده کی یقال بأنّ الاعتبار من البسائط و إنّما المدّعی أنّ الوجوب عبارة عن مجموع اعتبارین- طلب الفعل و المنع من الترک - مندکین فی اعتبار واحد فهما بمثابة الجنس و الفصل له و الدلیل الناسخ غایة ما یدلّ علیه ارتفاع المجموع لا الجمیع فیمکن إثبات أصل الجواز بالدلیل المنسوخ. نعم التعبیر عن ذلک بالجنس و الفصل الذین هما من الأجزاء التحلیلة العقلیة و إرادة معناهما الحقیقی فی المقام لابدّ أن یکون مسامحة و کان الأُولی أن یعبّروا بالمدلول التضمنی و المطابقی کما تقدّم فی التقریب الثانی». و جاء التعبیر بدلالة التضمن فی تمهید القواعد فراجع.

کان انضمامیاً فیمکن ذلک.

و لکن النزاع قبل ذلک هو فی أنّ الوجوب بسیط أو مرکب؛ فإن قلنا ببساطة الوجوب (کما هو الحق)((1)) فلاتصل النوبة إلی البحث عن بقاء الجنس لأنّ

ص: 307


1- حدیث ترکب الوجوب جاء فی کلام کلّهم إلّا هدایة المسترشدین و أجود التقریرات و محاضرات حیث قالوا ببساطته. ففی الأوّل: «یدلّ علی المختار أنّ الوجوب معنی بسیط فی الخارج قد دلّ علیه الأمر فإذا فرض رفعه بالنسخ ارتفع بالمرّة... نعم إنّما یثبت له أجزاء تحلیلیة عقلیة من الإذن بالفعل و المنع بالترک و غیرها [کذا] إن ثبت کونها أموراً ذاتیة له و من البین أنّ ذلک لایوجب ترکّباً بحسب الخارج بأن یکون هناک موجودات متعدّدة منضمة لیصحّ القول برفع بعضها دون بعض فالاشتباه فی المقام إنّما وقع من جهة الخلط بین الترکیب العقلی و الخارجی بل قد مرّ [ما] فی کون الأمر بالترک [کذا و الصواب: المنع من الترک] من أجزاءه العقلیة أیضاً حتی قیل بکونه من لوازمه البینة بالمعنی الأعم». و فی الثانی: «إذا نسخ الوجوب فلا دلالة لدلیل الناسخ و لا لدلیل المنسوخ علی الجواز أصلاً لکون الأحکام کلّها بسائط یضاد بعضها بعضها الآخر فارتفاع بعضها لایکون فیه دلالة علی ثبوت واحد معین منها و حدیث إمکان بقاء الجنس بعد ارتفاع الفصل أجنبی عن المقام بعد فرض بساطة الأحکام کما بینّاه سابقاً». و فی الثالث: «إنّه لا موضوع لدعوی ابتناء النزاع فی المسألة علی إمکان بقاء الجنس بعد ارتفاع الفصل لما مرّ من أنّ الاعتبار بسیط فی غایة البساطة فلا جنس و لا فصل له». و فی کلام القوانین أیضاً إشارة إلی ذلک حیث قال: «إنّ الجنس و الفصل وجودهما فی الخارج متحد و وجودهما إنّما هو فی ضمن الفرد فلا معنی للتفکیک بینهما». و صاحب الفصول و إن کان فی کلامه ما یقرب منه مال إلی القول ببقاء الجواز قال (قدس سره) : «إنّ الجنس و الفصل موجودان فی الخارج بوجود واحد و لولاه لما صحّ الحکم بأنّ أحدهما عین الآخر کما هو مفاد الحمل» و استدلّ بکلامه هذا علی عدم العلیة بین الفصل و الجنس.

الوجوب حینئذ لا جنس له.

و التحقیق هو أنّ الأحکام الشرعیة أُمور اعتباریة و الأمر الاعتباری لا جنس له و لا فصل لأنّ الجنس و الفصل لایتحققان إلا فی المرکبات الحقیقیة فالوجوب أمر بسیط.

نعم إنّ الماهیات الجعلیة الشرعیة الاعتباریة تتشکل فی الخارج عن بعض الأُمور الحقیقیة إلا أنّه من حیث وحدتها الاعتباریة لا جنس لها و لا فصل فهی بسیطة فی عالم الاعتبار بل الأُمور الخارجیة محصل للماهیة الاعتباریة.

و الحاصل: عدم إمکان بقاء الجواز ثبوتاً.

ص: 308

المقام الثانی: فی مقام الإثبات

اشارة

بعد بیان عدم إمکان ذلک ثبوتاً لانحتاج إلی مقام الإثبات و لکن نشیر إلی ذلک لمن لم یلتزم بما مضی.

قال صاحب الکفایة (قدس سره) :((1)) «إذا نسخ الوجوب فلا دلالة لدلیل الناسخ و لا المنسوخ علی بقاء الجواز بالمعنی الأعم و لا بالمعنی الأخص کما لا دلالة لهما علی ثبوت غیره من الأحکام [إنّ الجواز بالمعنی الأخص هو الإباحة و لم یثبت من قبل حتی یقال ببقائه فلابدّ من أن یقال بعدم الدلیل علی ثبوته لا علی بقائه فما أفاده (قدس سره) تسامح فی التعبیر] ضرورة أنّ ثبوت کل واحد من الأحکام الأربعة الباقیة بعد ارتفاع الوجوب واقعاً ممکن و لا دلالة لواحد من دلیلی الناسخ و المنسوخ بإحدی الدلالات علی تعیین واحد منها کما هو أوضح من أن یخفی فلابدّ للتعیین من دلیل آخر.»

دلیل علی البقاء جاء فی کلام المحقق العراقی (قدس سره) :

((2))

«إنّ القدر المتیقن الذی یقتضیه دلیل الناسخ إنما هو رفع خصوص جهة إلزامه ففی ما عداه یؤخذ حینئذ بدلیل المنسوخ و یحکم بمقتضاه باستحبابه، نظیر ما إذا ورد دلیل علی وجوب شیء و دلیل آخر علی عدم وجوبه فکما أنّه هناک یجمع بینهما فیؤخذ بظهور دلیل الوجوب فی مطلق الرجحان و یرفع الید عن ظهوره فی الإلزام و جهة المنع عن النقیض کذلک فی المقام أیضاً؛ فإذا لم یکن لدلیل النسخ دلالة أزید من رفع الوجوب فلا جرم یؤخذ بظهور دلیل

ص: 309


1- کفایة الأُصول، ص140، المقصد الأول، الفصل الثامن.
2- نهایة الأفکار، ج1و2، ص390، المقصد الأول، المبحث التاسع، المقام الثانی.

المنسوخ فی مطلق رجحانه و بذلک یثبت استحبابه حیث لانعنی من الاستحباب إلا ذلک.»

إیراد المحقق العراقی (قدس سره) علیه:

«فیه أنّ هذا الجمع إنّما یصح فی غیر الحاکم و المحکوم و أما فیهما فلایتأتی مثل هذا الجمع بل لابدّ من الأخذ بدلیل الحاکم و رفع الید عن دلیل المحکوم و إن کان ظهوره أقوی بمراتب من دلیل الحاکم ...

و حینئذ فلئن خودش فی ذلک فلابدّ من الخدشة فی أصل المطلب بدعوی قوة ظهور دلیل الناسخ فی نظره إلی رفع جمیع مراتب الحکم [أی حکم المنسوخ] کما لعله لیس بعید أیضاً لظهوره فی رفعه لأصل الحکم الثابت بدلیل المنسوخ بما له من المراتب و علیه لایبقی مجال للأخذ بظهور دلیل المنسوخ فی مطلق الرجحان لإثبات الاستحباب.

نعم لو فرضنا إجمال دلیل الناسخ فی نفسه و تردده بین رفع خصوص جهة إلزامه أو رفعه حتی بمرتبة رجحانه و جوازه ففی مثله لا بأس بدعوی الرجوع إلی دلیل المنسوخ لإثبات مطلق الرجحان لولا دعوی سرایة إجماله إلیه أیضاً فتدبر.»

إشکالان من بعض الأساطین (دام ظله) علیه:
اشارة

((1))

الإشکال الأول:

((2))

إنّ ما أفاده (قدس سره) أخیراً من سرایة إجمال الناسخ إلی المنسوخ مستحیل لأنّ

ص: 310


1- تحقیق الأُصول، ج3، ص297، المقام الثانی.
2- «لکن الإشکال الوارد علیه فی استثنائه صورة إجمال الناسخ إذ فیه أولاً أنّ الناسخ دلیل منفصل عن المنسوخ فیستحیل سرایة إجماله إلیه الخ».

الناسخ منفصل عن المنسوخ فلو قلنا بسرایة الإجمال هنا للزم القول بسرایة الإجمال فی کل مخصص منفصل بالنسبة إلی العام فلایمکن التمسک بالعام.

الإشکال الثانی:

((1))

ما أفاده (قدس سره) فی صورة إجمال الناسخ من جهة رفع خصوص الإلزام أو رفعه بمرتبة رجحانه و جوازه یتوقف علی دلالة المنسوخ علی الرجحان و هذه الدلالة عند المحقق العراقی (قدس سره) تضمنی لأنّ الرجحان عنده من مراتب الوجوب و عندنا التزامی و علی أی حال الدلالة التضمنیة و الالتزامیة کلاهما فرع للدلالة المطابقیة حدوثاً و بقاءً فمع سقوط الدلالة المطابقیة لاتبقی الدلالة التضمنیة و لا الالتزامیة.

ص: 311


1- «و ثانیاً أنّ بقاء الرجحان فی حال عدم سرایة الإجمال – إن کان مجملاً – إلی المنسوخ موقوف علی دلالة المنسوخ علی الرجحان و هی إما بالالتزام و إما بالتضمن و هو یقول بالثانی الخ».

المقام الثالث: مقتضی الأصل العملی

هل یجری الاستصحاب أو لا؟
اشارة

هنا قولان:

القول الأول: جریان الاستصحاب
اشارة

و فی تصویر جریانه نظریات ثلاث:

النظریة الأُولی: ما اختاره المحقق العراقی (قدس سره)

((1))

إنّه (قدس سره) یری جریان الاستصحاب بناء علی مسلکه من تصویر التشکیک بین الوجوب و الاستحباب فالاستصحاب یجری لأنّ المشکوک (و هو الجواز أو الاستحباب) یکون عرفاً من مراتب ما هو المتیقن سابقاً بحیث کان تقدیر بقائه عرفاً بقاءً لما علم بتحققه سابقاً.

نعم المحقق العراقی (قدس سره) یقول: إن قلنا بأنّ الأحکام متباینات کل منها مع الآخر فلایجری الاستصحاب من جهة عدم اتحاد القضیة المشکوکة و القضیة المتقینة عرفاً لکنه خلاف مختاره فی حقیقة الأحکام.

النظریة الثانیة: ما أفاده السید المحقق الحکیم (قدس سره)

((2))

قال: «یکفی فی إثبات الجواز استصحاب الرضا بالفعل الثابت حال وجوبه

ص: 312


1- نهایة الأفکار، ج1و2، ص391، المقصد الأول، المبحث التاسع، المقام الثانی «و أما الاستصحاب فیبتنی جریانه علی أن یکون المشکوک عرفاً من مراتب ما هو المتیقن سابقاً بحیث علی تقدیر بقائه یعدّ کونه عرفاً بقاءً لما علم بتحققه سابقاً الخ».
2- حقائق الأصول، ج1، ص331، التعلیقة علی هذه العبارة «فلا مجال للاستصحاب».

إذ لو ثبت الرضا به بعد ارتفاع الوجوب لایکون وجوداً آخر للرضا بل یکون الرضا الأول باقیاً [فنستصحب رضا الشارع بالفعل] و إذا ثبت الرضا به [أی بالفعل] و لو بالاستصحاب کان جائزاً عقلاً ...

و یکفی فی إثبات الاستحباب استصحاب نفس الإرادة النفسانیة إذ مجرد رفع الوجوب لایدل علی ارتفاعها و إذا ثبتت الإرادة المذکورة ثبت الاستحباب لأنّه یکفی فیه الإرادة للفعل مع الترخیص فی الترک الثابت قطعاً بنسخ الوجوب.»

النظریة الثالثة:

إنّ القائلین بترکیب الوجوب من طلب الشیء و المنع من الترک ترکیباً انضمامیاً لا مانع عندهم من جریان الاستصحاب حیث نشک فی أنّ المنسوخ هو خصوص المنع من الترک أو کلا الجزأین فنستصحب بقاء طلب الشیء و هذا هو استصحاب فرد واحد شخصی.

القول الثانی: عدم جریان الاستصحاب

و هو نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره) ((1)) إنّه یقول بعدم جریان الاستصحاب لأنّ الوجوب عنده مباین للاستحباب عرفاً و مباین لسائر الأحکام عقلاً و عرفاً و الاستصحاب فی المقام یکون من القسم الثالث من أقسام استصحاب الکلی و هو لایجری و إلیک نص عبارته:

«لا مجال لاستصحاب الجواز إلا بناء علی جریانه فی القسم الثالث من أقسام

ص: 313


1- کفایة الأصول، ص140، المقصد الأول، الفصل الثامن.

استصحاب الکلی و هو ما إذا شک فی حدوث فرد کلی مقارناً لارتفاع فرده الآخر و قد حققنا فی محله((1)) أنّه لایجری الاستصحاب فیه ما لم یکن الحادث المشکوک من المراتب القویة أو الضعیفة المتصلة بالمرتفع بحیث عد عرفاً - لو کان - أنّه باقٍ لا أنّه أمر حادث غیره.

و من المعلوم أنّ کل واحد من الأحکام مع الآخر عقلاً و عرفاً من المباینات و المتضادات غیر الوجوب و الاستحباب فإنّه و إن کان بینهما التفاوت بالمرتبة و الشدة و الضعف عقلاً إلا أنهما متباینان عرفاً؛ فلامجال للاستصحاب إذا شک فی تبدل أحدهما بالآخر فإنّ حکم العرف و نظره یکون متبعاً فی هذا الباب.»

فتحصّل إلی هنا: أنّ الوجوب بسیط فمع ارتفاعه لایمکن ثبوتاً بقاء حکم آخر و لا بقاء الجواز بالمعنی الأعم الذی هو فی ضمن هذا الفرد من الوجوب کما أنّه لایجری استصحاب الجواز بالمعنی الأعم لأنّه من القسم الثالث من استصحاب الکلی؛ أما مبادی الحکم من الرضا بالفعل و الإرادة النفسانیة فلیس مثل الجواز بالمعنی الأعم لأنّ الجواز بالمعنی الأعم أمر اعتباری تابع للوجوب حدوثاً و بقاءً و أما الرضا فلیس تابعاً للوجوب بل من مبادیه فاستصحابه من القسم الأول لا القسم الثالث من استصحاب الکلی کما أنّ استصحاب الإرادة النفسانیة من القسم الرابع و هو استصحاب فی التشکیکیات.

ص: 314


1- کفایة الأصول، ص406، تنبیهات الاستصحاب، التنبیه الثالث «و أما إذا کان الشک فی بقائه من جهة الشک فی قیام خاص آخر فی مقام ذاک الخاص الذی کان فی ضمنه بعد القطع بارتفاعه ففی استصحابه إشکال أظهره عدم جریانه الخ».

الفصل الخامس: الواجب التخییری

اشارة

ص: 315

ص: 316

حقیقة الواجب التخییری

اشارة

فی حقیقة الواجب التخییری نظریات ثمان:

النظریة الأُولی:
اشارة

الواجب هو الواحد المعین عند الله تعالی.

إیرادان من صاحب الکفایة (قدس سره) علیها:

((1))

أولاً: « کل منهما مثل الآخر فی أنّه وافٍ بالغرض.»

ثانیاً: إنّه مخالف لظهور الأدلة فی وجوب کل منهما لا أحدهما المعین.

النظریة الثانیة:
اشارة

الواجب هو الواحد المعین الذی یختاره المکلف فی مقام الامتثال.

و کل من الأشاعرة و المعتزلة نسب هذا القول إلی الآخر و تبرأ منه لسخافته

ص: 317


1- کفایة الأُصول، ص141، المقصد الأول، الفصل التاسع.

و «لازم هذه النظریة هو أنّ الواجب یختلف باختلاف المکلفین بل باختلاف حالاتهم.»((1))

إیرادات أربعة من المحقق الخوئی (قدس سره) علیها:
الإیراد الأول:

«إنّه مخالف لظواهر الأدلة الدالة علی وجوب فعلین أو أفعال علی نحو التنخییر و لا تعین لما هو الواجب علی المکلف فی الواقع و نفس الأمر فما یختاره مصداق للواجب لا إنّه الواجب بعینه.»

الإیراد الثانی:

«إنّه منافٍ لقاعدة الاشتراک فی التکلیف... التی هی من القواعد الضروریة.»

الإیراد الثالث:

«إنّ لازم هذا القول أن لایکون وجوب فی الواقع عند عدم اختیار المکلف أحدهما و ترک امتثاله و عصیانه ... و لازمه هو أنّه لا وجوب له قبل اختیاره ضرورة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه کما هو واضح؛ فإذن لا موضوع للعصیان و استحقاق العقوبة عند ترک المکلف الإتیان بالجمیع ضرورة أنّ إیجاد الشرط غیر واجب علیه و هذا بدیهی البطلان.»

الإیراد الرابع:
اشارة

«إنّه إذا لم یکن شیء منهما واجباً فی حال العصیان فلایکون واجباً فی حال

ص: 318


1- محاضرات فی أصول الفقه، ج4، ص26 و 27؛ ج 3، ص207 – 209، الواجب التخییری.

الامتثال أیضاً و الوجه فی ذلک هو أنّ کلاً من العصیان و الامتثال وارد علی موضوع واحد ... فإذا فرض أنّه لم یکن واجباً فی حال العصیان فلایعقل أن یکون واجباً فی حال الامتثال ...»

جواب عن هذا الإیراد:

إنّ المکلف فی حال الامتثال یختار أحدهما المعین و لابدّ -مع تحقق الاختیار- أن یکون الواجب هو ما اختاره المکلف حیث إنّ حصول الاختیار شرط لذلک و الشرط حاصل فالمشروط أیضاً لابدّ من أن یکون حاصلاً.

النظریة الثالثة:
اشارة

إنّ فی أطراف الوجوب التخییری وجوبات تعیینیة کل منها مشروط بترک الآخر و قد یعبر عنه بأنّه یجب کل من الأطراف مع السقوط بفعل أحدها و الوجوب بالنسبة إلی کل من الأطراف تعیینی؛ غایة الأمر أنّ امتثال واحد من الأطراف مسقط لغیره.

إیرادات خمسة علیها:
الإیراد الأول: من صاحب الکفایة (قدس سره)

((1))

إن أمکن استیفاء ما فی کل منها من الغرض فلایسقط الوجوب بفعل الآخر و إن لم یمکن فلایجوز الإیجاب کذلک.

ص: 319


1- کفایة الأصول، ص141 «فلا وجه فی مثله للقول بکون الواجب هو... و لا کل واحد منهما تعیناًً مع السقوط بفعل أحدهما بداهة عدم السقوط مع إمکان استیفاء ما فی کل منهما من الغرض الخ».
الإیراد الثانی: من المحقق الإیروانی (قدس سره)

((1))

إنّه یلزم فعلیة وجوب جمیع الأطراف و لزوم الإتیان بجمیعها عند ترک الإتیان بها؛ و هذا ینافی حقیقة الوجوب التخییری.

الإیراد الثالث:

((2))

إنّه یلزم تعدد العقاب عند ترک الإتیان بجمیع الأطراف لحصول شرط فعلیة وجوب جمیع الأطراف؛ و تعدد العقاب مما لایرتضی به القائل کما أنّ صاحب الکفایة (قدس سره) استشکل((3)) الترتب بلزوم تعدد العقاب.

الإیراد الرابع:

((4))

إنّه یلزم عدم تحقق الامتثال و عدم وقوع شیء من الأطراف علی صفة

ص: 320


1- نهایة النهایة، ج1، ص200، المقصد الأول، مبحث الواجب التخییری، التعلیقة علی هذه العبارة «ففی وجوب کل واحد علی التخییر» قال (قدس سره) : «... مثلاً إذا قلنا: إنّ معنی وجوب الکفارة مخیراً بین خصالها هو وجوب کل خصلة مشروطاً بعدم الأُخری اتجه السؤال بأنّ الشرط هو عدم الأُخری قبل وجود هذه أو عدمها مطلقاً و لو مع هذه بأن لاتکون موجودة و لو مقارنة معها أو عدمها مطلقاً و لو کان وجودها عقیب هذه فإن کان الأول کان اللازم حین عدم الإتیان بشیء من الخصال وجوب الإتیان بالجمیع دفعةً لحصول شرط وجوب کل منهما و هو عدم الأُخری و ذلک باطل الخ».
2- تحقیق الأُصول، ج3، ص323 «و الرابع: إنّه فی صورة ترک کلیهما یلزم تعدد العقاب و هو خلاف الضرورة و فیه أنّه إشکال مبنائی الخ».
3- کفایة الأُُصول، ص135 و 136، فصل: الأمر بالشیء هل یقتضی النهی عن ضده أو لا؟ «ثم إنّه لاأظن أن یلتزم القائل بالترتب بما هو لازمه من الاستحقاق فی صورة مخالفة الأمرین لعقوبتین ضرورة قبح العقاب علی ما لایقدر علیه العبد و لذا کان سیدنا الأُستاذ لایلتزم به علی ما هو ببالی و کنا نورد به علی الترتب و کان بصدد تصحیحه الخ».
4- تحقیق الأُصول «الخامس: إنّ لازم هذا القول أن لایتحقق الامتثال بالإتیان بکلا الفردین مع الیقین بحصول الامتثال بذلک و هذا هو الإشکال الصحیح».

المطلوبیة عند الإتیان بجمیع الأطراف مع أنّه لا شبهة فی حصول الامتثال إذا أتی المکلف بجمیع الأطراف فی زمان واحد.

الإیراد الخامس:

((1))

إنّه مخالف لظهور الأدلة لأنّ أطراف الوجوب التخییری معطوفة بعضها ببعض بکلمة « أو » و حمل ذلک علی اشتراط الوجوب فی بعضها بترک البعض الآخر خلاف الظاهر.

النظریة الرابعة: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

((2))

قال: «التحقیق أن یقال: إنّه إن کان الأمر بأحد الشیئین بملاک أنّه هناک غرض واحد یقوم به کل واحد منهما بحیث إذا أتی بأحدهما حصل به تمام الغرض و لذا یسقط به الأمر کان الواجب فی الحقیقة هو الجامع بینهما و کان التخییر بینهما بحسب الواقع عقلیاً لاشرعیاً.

و ذلک لوضوح أنّ الواحد لایکاد یصدر من الاثنین بما هما اثنان ما لم یکن بینهما جامع فی البین لاعتبار نحو من السنخیة بین العلة و المعلول.

و علیه فجعلهما متعلقین للخطاب الشرعی لبیان أنّ الواجب هو الجامع بین هذین الاثنین.

و ان کان بملاک أنّه یکون فی کل واحد منهما غرض لایکاد یحصل مع حصول الغرض فی الآخر بإتیانه کان کل واحد واجباً بنحو من الوجوب

ص: 321


1- تحقیق الأصول «و السادس: إنّ هذا الوجه لاتساعده ظواهر الأدلة فی مقام الإثبات فقد جاءت الأفراد معطوفةً بأو الخ».
2- کفایة الأُصول، ص140 و 141، المقصد الأول، الفصل التاسع.

یستکشف عنه تبعاته من عدم جواز ترکه إلا إلی الآخر و ترتب الثواب علی فعل الواحد منهما و العقاب علی ترکهما.»

إیرادات ثلاثة علی الفرض الأول:
الإیراد الأول: من المحقق الإصفهانی (قدس سره)

((1))

«لایخفی علیک أنّ قاعدة «عدم صدور الکثیر عن الواحد» و «عدم صدور الواحد عن الکثیر» مختصة بالواحد الشخصی لا الواحد النوعی کما یقتضیه برهانها فی الطرفین.

[أما البرهان علی تلک القاعدة] ﻓ [هو] أنّ تعین کل معلول فی مرتبة ذات علته لئلا یلزم التخصص [أی تخصص المعلول] بلا مخصص و کون الخصوصیة الموجبة لتعینه [أی المعلول] ذاتیة للعلة إذ الکلام فی العلة بالذات.

و لزوم الخلف من تعین معلولین فی مرتبة ذات علة واحدة من جمیع الجهات للزوم [وجود اﻟ] خصوصیتین فیها [أی فی العلة التی فرضنا کونها واحدة من جمیع الجهات] لا ربط له بعدم صدور الکثیر عن الواحد النوعی [فالکثیر لایصدر عن علة واحدة من جمیع الجهات].

[و أما البرهان علی طرفها الآخر فهذا بیانه:] کما أنّ کل ممکن لیس له إلا وجود واحد و وجوب واحد - فهو یقتضی أن لایکون له وجوبان فی مرتبة ذات علتین – مورده صدور الواحد الشخصی عن علتین شخصیتین [فالواحد الشخصی لایصدر عن الکثیر].

ص: 322


1- نهایة الدرایة، ج2، ص266 – 269، التعلیقة 137 علی هذه العبارة «لوضوح أنّ الواحد لایکاد یصدر من الاثنین».

و کذا کون استقلال کل من العلتین فی التأثیر مع دخل کل من الخصوصیتین فی وجود شیء واحد موجباً لعدم علیة کل منهما مستقلاً و [مع] عدم دخل الخصوصیتین [أی خصوصیة العلتین] موجباً لکون الجامع علة لا ربط له أیضاً باستناد الواحد النوعی إلی المتعدد بل مفاد کلا البرهانین عدم صدور الواحد الشخصی عن الکثیر و عدم صدور الکثیر بالشخص عن الواحد الحقیقی؛ و لذا قیل باستناد الواحد النوعی إلی المتعدد کالحرارة المستندة إلی الحرکة تارة و إلی النار أُخری و إلی شعاع الشمس ثالثةً و إلی الغضب أیضاً و کالأجناس فإنّها لوازم الفصول [أی هکذا قیل باستناد الواحد الجنسی إلی المتعدد کالجنس الذی یتفصل بفصول متعددة و یندرج تحته أنواع متعددة] و الفصل کالعلة المقیدة لطبیعة الجنس فیستند الواحد الجنسی إلی فصول متعددة مع تباین الفصول بتمام ذواتها...

و أما مسألة المناسبة و السنخیة بین العلة و المعلول فلاتقتضی الانتهاء إلی جامع ماهوی ضرورة أنّ المؤثر هو الوجود و مناسبة الأثر لمؤثره لایقتضی أن یکون هذا المقتضی و المقتضی الآخر مندرجین بحسب الماهیة تحت ماهیة أُخری.

ألا تری أنّ وجودات الأعراض مع تباین ماهیتها - لکونها أجناساً عالیة أو منتهیة إلیها - مشترکة فی لازم واحد و هو الحلول فی الموضوعات.

و کذا الحلاوة مثلاً لازم واحد سنخاً للعسل و السکر و غیرهما من دون لزوم اندراج الحلاوة و موضوعها تحت جامع ماهوی و لا اندراج موضوعاتها تحت جامع ماهوی بل اقتضاء کل من الموضوعات لها بذاتها ... فلیکن الغرض اللازم لوجود الصوم و العتق و الإطعام کذلک».

فإنّ هذا الغرض و إن کان واحداً إلا أنّه لایستدعی الجامع الذاتی بینها و علی

ص: 323

أی حال هذا الأثر القائم بهذه الأفعال یقوم بها قیام العرض بموضوعه کقیام الحرارة بالنار و الحلاوة بالعسل أو بالسکر و لیس العرض فی مرتبة ذات موضوعه و مترشحاً من مقام ذاته حتی یقال: إنّ الحلاوة مثلاً إذا کانت فی مرتبة ذات العسل و السکر فحیثیة ذات العسل و السکر حیثیة الحلاوة فلابدّ من جامع ذاتی بین العسل و السکر و إذا لم تکن الحلاوة فی مرتبة ذاتهما بل کانت قائمةً بهما فلا موجب لاندراج «الحلاوة» و «العسل و السکر» تحت جامع ذاتی فضلاً عن العسل و السکر المتناسبین بالعرض.

الإیراد الثانی: من المحقق الخوئی (قدس سره)

((1))

«إنّ ما أفاده (قدس سره) لو تم فإنّما یتم فی ما یمکن وجود جامع حقیقی بینهما کأن یکونا فردین أو نوعین من طبیعة واحدة و أما فی ما إذا لم یمکن وجود جامع کذلک - کما إذا کان کل منهما من مقولة علی حدة - فلایتم أصلاً و من الواضح أنّ التخییر بین فعلین أو أفعال لایختص بما إذا کانا من مقولة واحدة بل کما یمکن أن یکونا کذلک یمکن أن یکون أحدهما من مقولة و الآخر من مقولة أُخری أو أن یکون أحدهما أمراً وجودیاً و الآخر أمراً عدمیاً ...»

الإیراد الثالث: من المحقق الخوئی (قدس سره) أیضاً
اشارة

((2))

لو فرضنا وجود الجامع الذاتی فهو مما لایصلح أن یکون متعلقاً للأمر لأنّه

ص: 324


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص36 و 37؛ ج 3، ص219، الواجب التخییری، المذهب الثالث، النقطة الأُولی.
2- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص37 «و ثالثاً لو تنزلنا عن ذلک و سلمنا أنّ ما أفاده (قدس سره) صحیح إلا أنّ الجامع المزبور مما لایصلح أن یکون متعلقاً للأمر الخ».

لیس أمراً عرفیاً بل هو مستکشف بالبرهان العقلی و خارج عن أذهان العرف.

جواب عن هذا الإیراد:

إنّه لا مانع من عدم تعلق الأمر بالجامع بعد تعلقه بهذه الأفعال.

إیرادات خمسة علی الفرض الثانی:
الإیراد الأول: من المحقق الإصفهانی (قدس سره)

((1))

إنّ ما أفاده (قدس سره) من أنّ لکل منهما غرض لایکاد یحصل مع حصول الغرض فی الآخر بإتیانه إما یحتمل فیه عدم التضاد بین الغرضین و إما یکون بینهما تضاد إجمالی ( التضاد الأُصولی ) و إما یکون بینهما تضاد علی الإطلاق.

و «عدم حصول الغرض من أحدهما مع حصوله من الآخر إن کان [من دون تضاد بینهما بل] لمجرد أنّ استیفاء أحدهما لایبقی مجالاً لاستیفاء الآخر- مع کون کل من الغرضین لازم الحصول فی نفسه - فلامحالة یجب الأمر بها دفعة تحصیلاً للغرضین.

و لو فرض عدم حصولهما إلا تدریجاً لعدم إمکان اجتماعهما فی زمان واحد [أی کان ذلک للتضاد الإجمالی بینهما] کانا کالمتزاحمین؛ فإنّ التزاحم قد یکون فی الأمر و قد یکون فی ملاکه و کما أنّ التخییر فی المتزاحمین - من حیث الأمر - تخییر عقلی لا مولوی کذا التخییر هنا.

و إن کان تضاد الغرضین علی الإطلاق لا من حیث إنّ اجتماع المحصلین فی

ص: 325


1- نهایة الدرایة، ج2، ص269 و 270، التعلیقة 138 علی هذه العبارة «و إن کان بملاک أنّه یکون فی کل واحد».

زمان واحد غیر ممکن و سبق کل منهما لا یبقی مجالاً لاستیفاء الآخر بل من حیث إنّ ترتب الغرض علی أحدهما مقید فی نفسه بعدم ترتب الغرض علی الآخر و لازمه عدم حصول شیء من الغرضین عند الجمع بین المحصلین فهذا مع عدم انطباقه علی الواجبات التخییریة الشرعیة خارج عن محل الکلام لأنّ التخییر حینئذ عقلی أیضاً لا مولوی شرعی.»

الإیراد الثانی: من المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

((1))

«إنّها مخالفة لظواهر الأدلة فإنّ الظاهر من العطف بکلمة ”أو“ هو أنّ الواجب أحدهما لا کلاهما.»

جواب بعض الأساطین (دام ظله) عنه:

((2))

«القول بتعلق التکلیف بالأحد أیضاً خلاف ظواهر الأدلة لعدم وجود هذا العنوان فیها [أی فی لسان الأدلة] بل الموجود [فیها] هو العطف ﺑ [کلمة] أو؛ و هی فی أمثال المقام للتردید ...»

أجاب الأُستاذ (دام ظله) بوجهین لم نذکر الوجه الأول.((3))

و التحقیق هو أنّ کلمة « أو » یستعمل للتخییر و ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) لیس مخالفاً لظواهر الأدلة.

ص: 326


1- محاضرات فی أصول الفقه، ج4، ص37؛ ج 3، ص220
2- تحقیق الأُصول، ج3، ص312، الوجوب التخییری، إشکالات المحاضرات علی الکفایة.
3- «و أجاب دام بقاه... بأنّه خلاف القاعدة لأنّ صاحب الکفایة یری أنّ التکلیف غیر متعلق بأحدهما لا مفهوماً و لا مصداقاً... و إذ لم یمکن ثبوتاً تعلق الإرادة بالأحد فلابدّ من التصرف فی مقام الإثبات و ظواهر الأدلة فالإشکال غیر وارد علیه»
الإیراد الثالث: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) أیضاً
اشارة

((1))

«إنّ فرض کون الغرضین متضادین فلایمکن الجمع بینهما فی الخارج مع فرض کون المکلف قادراً علی إیجاد کلا الفعلین فیه بعید جداً بل هو ملحق بأنیاب الأغوال ضرورة أنّا لانعقل التضاد بین الغرضین مع عدم المضادة بین الفعلین؛ فإذا فرض أنّ المکلف متمکن من الجمع بینهما خارجاً فلا مانع من إیجابهما معاً عندئذ.»

جواب بعض الأساطین (دام ظله) عنه:

((2))

إنّ التباین و التضاد بین الأغراض کثیر تکویناً و عقلاً فقد یکون فعل محصلاً لغرض من جهة و مسقطاً لغرض آخر مثل الدواء الذی یوجب حصول صحة البدن من جهة و یکون سبباً لمرض آخر.

(قد عرفت عند بیان الإیراد الأول أنّ کلام صاحب الکفایة (قدس سره) یحتمل فیه عدم التضاد بین الغرضین فیمکن أن یحمل علیه).

الإیراد الرابع: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) أیضاً

((3))

«إنّ من الواضح جداً أنّه لا مضادة بین ترکیهما [أی الغرضین] معاً فیتمکن المکلف من ترک کلیهما بترک الإتیان بکلا الفعلین خارجاً هذا من ناحیة و من ناحیة أُخری إنّ العقل مستقل باستحقاق العقاب علی تفویت الغرض الملزم ... فالنتیجة علی ضوء هذه النواحی هی أنّه یستحق العقابین عند جمعه بین الترکین

ص: 327


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص37؛ ج 3، ص220
2- تحقیق الأُصول، ج3، ص312 «و أما عن الثانی فبأنّ التباین بین الأغراض شائع تکویناً و عقلاً الخ»
3- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص37 و 38؛ ج 3، ص220.

لفرض أنّه مقدور له فلایکون العقاب علیه عقاباً علی ما لیس بالاختیار؛ هذا نظیر ما ذکرناه فی بحث الترتب» حیث إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) استشکله((1)) بلزوم تعدد العقاب و لذا لم یرتضِ بالترتب و أبی أن یکون فی هذه الموارد تعدد العقاب مع أنّ مبناه (قدس سره) فی هذا البحث مستلزم لتعدد العقاب.

(نعم نحن التزمنا بتعدد العقاب و قلنا: لامحذور فیه).

الإیراد الخامس: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) أیضاً

((2))

«إنّ الغرضین المزبورین لایخلوان من أن یمکن اجتماعهما فی زمان واحد... و أن لایمکن اجتماعهما فیه أصلاً ... و علی الثانی فلازمه هو أنّ المکلف إذا أتی بهما معاً فی الخارج و فی زمان واحد أن لایقع شیء منهما علی صفة المطلوبیة إذ وقوع أحدهما علی هذه الصفة دون الآخر ترجیح من دون مرجح و وقوع کلیهما علی تلک الصفة لایمکن لوجود المضادة بینهما، مع أنّه من الواضح البدیهی أنّ المکلف إذا أتی بهما فی زمان واحد یقع أحدهما علی صفة المطلوبیة ضرورة أنّه ... امتثل الواجب و حصل الغرض منه لا محالة و هذا ظاهر.»

النظریة الخامسة: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره)
اشارة

((3))

إنّه (قدس سره) قال بأنّ الواجب هو الفرد المردد. «إنّ امتناع الإبهام و عدم التردد فی متعلق الإرادة یختص بالإرادة التکوینیة و لایعم التشریعیة ...

توضیحه أنّ کل ما فرض اعتباره فی الإرادة التکوینیة فإن کان معتبراً فیها لا

ص: 328


1- کفایة الأصول، ص135.
2- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص39؛ ج 3، ص222.
3- أجود التقریرات، ج1، ص265 – 267، المقصد الأول، الفصل الثانی، المقام الثانی، المبحث الخامس

لخصوصیة کونها تکوینیة بل لکونها إرادة فهو معتبر فی التشریعیة أیضاً لا محالة بخلاف ما إذا کان اعتباره فیها لأجل خصوصیة کونها تکوینیة فلایعمّ التشریعیة قطعاً و لابأس فی افتراقهما فی بعض الأُمور.

مثلاً تنقسم الإرادة التشریعیة إلی تعبدیة و توصلیة ... و هذا الانقسام من خواص الإرادة التشریعیة التی تتعلق بفعل الغیر و لایعم التکوینیة بالضرورة.

و کذا یمکن تعلق الإرادة التشریعیة بالکلی الملغی عنه الخصوصیات الفردیة و الصنفیة ... و هذا بخلاف الإرادة التکوینیة فإنّها لکونها علة لإیجاد المراد لاتتعلق إلا بالشخص لامتناع إیجاد الکلی فی الخارج إلا فی ضمن فرده.

والذی یترجح فی النظر أن یکون امتناع تعلق الإرادة التکوینیة بالمردد و ما له بدل من لوازمها خاصّة و لایعم التشریعیة؛ فإنّ الغرض المترتب علی کل من الفعلین إذا کان أمراً واحداً - کما هو ظاهر العطف بکلمة ”أو“ و لو کان عطف جملة علی جملة کما هو الغالب أو عطف مفرد علی مفرد - فإنّه بحسب مقام الإثبات الموافق لمقام الثبوت یدل علی أنّ هناک غرضاً واحداً یترتب علی واحد من الفعلین علی البدل؛ فلابدّ و أن یتعلق طلب المولی بأحدهما علی البدل أیضاً لعدم الترجیح بینهما.

و لیس هنا ما یتوهم کونه مانعاً عن تعلق الطلب بشیئین کذلک لا ثبوتاً و لا إثباتاً إلا ما تقدم من دعوی امتناع تعلقه بالمبهم و المردد و قد عرفت أنّه یختص بالتکوینیة التی لاینفک المراد عنها و یوجد بها فلابدّ و أن یکون متعلقها أمراً معیناً شخصیاً فیوجد بها فی الخارج.»

ملاحظتنا علیها:
اشارة

فی تعلق الإرادة و ماشابهها بالفرد المردد أقوال ثلاثة:

ص: 329

القول الأول: من الشیخ الأنصاری (قدس سره)

قال (قدس سره) فی بحث بیع الصاع من الصبرة:((1)) الصفة الوجودیة الخارجیة لاتتعلق بالمردد أما الصفة الاعتباریة فتتعلق به کما فی بیع الکلی فی الذمة.

القول الثانی: مختار المحقق الخراسانی (قدس سره)

(2)

قال: الصفة الوجودیة الحقیقیة إذا کانت مثل العلم فتتعلق بالمردد کما فی العلم الإجمالی أما ما لیس بصفة بل له الباعثیة و المحرکیة مثل البعث فلایتعلق بالمردد بل لابدّ أن یکون متعلقه مشخصاً.

ص: 330


1- فی نهایة الدرایة، ج2، ص272، التعلیقة 139 فی الهامش «و مما ذکرنا تبین أنّ منشأ الاستحالة لیس توهم أنّ العرض یحتاج إلی موضوع و الموجود فی الخارج معین لا مردد حتی یقال بأنّ المحال تعلق العرض المتأصل بالمردد دون الاعتباری کالملکیة کما عن شیخنا العلامة الأنصاری1 فی بیع أحدصیعان الصبرة مردداً الخ»؛ و فی کتاب المکاسب، ج4، ص251 «مسألة: بیع بعض من جملة متساویة الأجزاء کصاع من صبرة مجتمعة الصیعان أو متفرقتها أو ذراع من کرباس أو عبد من عبدین و شبه ذلک یتصور علی وجوه:... الثانی أن یراد به بعض مردد بین ما یمکن صدقه علیه من الأفراد المتصورة فی المجموع نظیر تردد الفرد المنتشر بین الأفراد و هذا یتضح فی صاع من الصیعان المتفرقة و لا إشکال فی بطلان ذلک مع اختلاف المصادیق فی القیمة... و أما مع اتفاقهما فی القیمة کما فی الصیعان المتفرقة فالمشهور أیضاً کما فی کلام بعض المنع... و استدل علی المنع بعضهم... و رابع بأنّ الملک صفة وجودیة محتاجة إلی محل تقوم به کسائر الصفات الموجودة فی الخارج و أحدهما علی سبیل البدل غیر قابل لقیامه به لأنّه أمر انتزاعی من أمرین معینین و یضعف الأول... و أما الرابع فبمنع احتیاج صفة الملک إلی موجود خارجی فإنّ الکلی المبیع سلماً أو حالّاً مملوک للمشتری و لا وجود لفرد منه فی الخارج بصفة کونه مملوکاً للمشتری فالوجه أنّ الملکیة أمر اعتباری یعتبره العرف و الشرع أو أحدهما فی موارده و لیست صفة وجودیة متأصلة کالحموضة و السواد و لذا صرحوا بصحة الوصیة بأحد الشیئین بل لأحد الشخصین و نحوهما الخ»
2- . کفایة الأصول، ص141، فصل [فی الوجوب التخییری] قوله (قدس سره) : «فلا وجه فی مثله للقول بکون الواجب هو أحدهما لا بعینه مصداقاً و لا مفهوماً کما هو واضح» فی الهامش: «فإنّه و إن کان مما یصح أن یتعلق به بعض الصفات الحقیقیة ذات الإضافة کالعلم فضلاً عن الصفات الاعتباریة المحضة کالوجوب و الحرمة و غیرهما مما کان من خارج المحمول الذی لیس بحذائه فی الخارج شیء غیر ما هو منشأ انتزاعه إلا أنّه لایکاد یصح البعث حقیقةً إلیه و التحریک نحوه کما لایکاد یتحقق الداعی لإرادته و العزم علیه ما لم یکن مائلاً إلی إرادة الجامع و التحرک نحوه فتأمل جیداً. منه (قدس سره) ».
القول الثالث: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) و تبعه فیه بعض الأساطین حفظه الله

((1))

قالا: الحق هو أنّ المردد لا وجود له و لا ماهیة و لاتتعلق به الإرادة التکوینیة و التشریعیة و لا الصفة الحقیقیة و الاعتباریة.

و ما أفاده (قدس سره) فی وجه ذلک یرجع إلی برهانین علی الاستحالة:((2))

«أحدهما أنّ المردد فی ذاته محال حیث لا ثبوت له ذاتاً و وجوداً؛ فلایتعلق به أیة صفة کانت - حقیقیة أو اعتباریة - لتقوم الصفة التعلقیة بطرفها و حیث یستحیل الطرف فلایعقل تحقق تلک الصفة المتقومة به.

و ثانیهما أنّ تعلق الصفة بالمردد یلزمه أمر محال و هو تردد المعین أو تعین المردد و کلاهما خلف » بداهة أنّ تلک الأُمور مثل الإرادة التکوینیة و التشریعیة و الصفة الحقیقیة و الاعتباریة کلها موجودة و التشخص رفیق الوجود یدور معه حیثما دار؛ فلو تعلقت بالمردد لزم اتحادها معه و هو محال لأنّ المعین و المتشخص لایتحد مع المبهم و المردد و إلا لزم تردد المعین أو تعین المردد.

ص: 331


1- تحقیق الأُصول، ج3، ص317، الأنظار فی کیفیة تعلق الإرادة و نحوها بالمردد «و بالنظر إلی هذین البرهانین نقول وفاقاً للمحقق الإصفهانی بعدم صلاحیة المردد لأن یکون متعلقاً للإرادة و تبقی المناقشة بذکر نقوض من قبیل الوصیة بعتق أحد العبدین و تملیک أحد الولدین أو هبة أحد المالین أو بیع المعدوم کما فی بیع السلف و لابدّ من حلها فی کتاب البیع».
2- ذکرها فی هامش نهایة الدرایة، ج2، ص271، التعلیقة 139 علی هذه العبارة «فلا وجه للقول بکون الواجب».
النظریة السادسة: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّ المحقق العراقی (قدس سره) یفسر الوجوب التخییری بالإیجاب الناقص و یصور فی المقام أربع صور و إلیک نص عبارته:

«إذا تعلق الأمر بأحد الشیئین أو الأشیاء علی وجه التخییر فالمرجع فیه کما عرفت إلی وجوب کل واحد منها لکن بإیجاب ناقص بنحو لایقتضی إلا المنع عن بعض أنحاء تروکه و هو الترک فی حال ترک البقیة من غیر فرق فی ذلک بین أن یکون هناک غرض واحد یقوم به کل واحد منهما و لو بملاحظة ما هو القدر الجامع بینهما أو أغراض متعددة بحیث کان کل واحد منهما تحت غرض مستقل و تکلیف مستقل و کان التخییر بینهما من جهة عدم إمکان الجمع بین الغرضین إما من جهة التضاد بین متعلقیهما کما فی المتزاحمین أو من جهة التضاد بین نفس الغرضین فی عالم الوجود بحیث مع استیفاء أحد الغرضین فی الخارج لایبقی مجال لاستیفاء الآخر أو فی مرحلة أصل الاتصاف بحیث مع تحقق أحد الوجودات و اتصافه بالمصلحة لاتتصف البقیة بالغرض و المصلحة...

نعم غایة ما هناک من الفرق بین الصور المزبورة إنما هو من جهة وحدة العقوبة و تعددها عند ترک الجمیع حیث إنّ فی بعضها کالصورة الأُولی و الأخیرة لایترتب علی ترک الجمیع إلا عقوبة واحدة و فی بعضها الآخر کالصورة الثانیة و الثالثة تترتب عقوبات متعددة حسب وحدة الغرض و تعدده.»

ص: 332


1- نهایة الأفکار، ج1 - 2، ص391 و 392، المقصد الأول، المبحث العاشر.
ملاحظتان علیها:
الملاحظة الأُولی: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی مبحث الترتب

قال المحقق العراقی (قدس سره) هناک أیضاً بالإیجاب الناقص فحل مسألة الترتب((1)) و قال المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی مقام الإیراد علیه بأنّ هذا المعنی لایتوقف علی هذا التقریب الغریب و الالتزام بالإیجاب الناقص و تحلیل العدم إلی حصص متعددة.((2))

ص: 333


1- نهایة الأفکار، ج1 - 2، ص366 و ما بعده «إنّما الکلام فی ما ینتهی إلیه مرجع هذا التخییر... فنقول: إنّ المتصور فی ذلک هو أُمور... و ثالثها رجوعه إلی وجوب کل واحد منهما علی التعیین و لکنه لا بإیجاب تام بنحو یقتضی المنع عن جمیع أنحاء تروکه حتی الترک الملازم مع وجود ضده بل بإیجاب ناقص مقتضاه عدم المنع إلا عن بعض أنحاء تروکه و هو الترک فی حال ترک الآخر الراجع إلی إیجاب حفظ الوجود فی کل منهما من قبل سائر الجهات فی ظرف انحفاظ وجوده من قبل بدیله و عدم ضده من باب الاتفاق... و أما بحسب مقام التصدیق فلاینبغی الإشکال فی أنّ المتعین منها هو الوجه الأخیر الخ» و فی ص 368 «و من ذلک البیان ظهر الحال فی کلیة التخییرات الشرعیة أیضاً إذ نقول برجوع الأمر التخییری فی جمیع الموارد إلی إیجاب کل واحد من الفردین أو الأفراد لکن بإیجاب ناقص الخ» و فی ص 369 «و کیف کان فبالتأمل فی ما ذکرنا فی الضدین المتساویین ظهر أیضاً حال ما إذا کان أحدهما أهم و الآخر مهماً فإنّه فیهما أیضاً أمکن بالتقریب المزبور الجمع بین الأمرین فی رتبة واحدة أمر تام بالأهم و أمر ناقص بالمهم علی نحو کان مقتضاه لزوم حفظ المهم من سائر الجهات فی ظرف انحفاظه من باب الاتفاق من قبل ضده الأهم... فأمکن حینئذ الجمع بین الأمرین فی مرتبة واحدة من دون احتیاج إلی الترتب المعروف الخ»
2- نهایة الدرایة، ج2، ص223، التعلیقة 122 علی هذه العبارة «بدعوی أنّه لا مانع عقلاً من تعلق الأمر بالضدین کذلک» قال (قدس سره) : «... وما قیل فی تقریب عدم المطاردة بین الأمرین المترتبین وجوه ثلاثة:... ثانیها أنّ وجود کل شیء طارد لجمیع أعدامه المضافة إلی أعدام مقدماته أو وجود أضداده... و إن أُرید من التقریب المتقدم مجرد أنّ صحة الترتب لاتدور مدار الواجب المشروط و تحقیق کیفیة الإناطة بل یصح بناءً علی الواجب المعلق ففیه أنّ هذا المعنی لایتوقف علی هذا التقریب الغریب و لا علی تحلیل العدم إلی حصص متعددة الخ»

و لایخفی أنّ ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) هو قریب من نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) و الاختلاف فی حقیقة الوجوب.((1))

نعم قال بعض الأساطین (دام ظله) بعدم التفاوت الجوهری بین النظریتین((2)) و فیه ما لایخفی.

الملاحظة الثانیة:

إنّ الالتزام بتعدد العقاب فی الصورة الثانیة و الثالثة مما لایمکن الالتزام به بل هو خلاف الضرورة الفقهیة (و بلحاظ اختلاف نظریة المحقق العراقی عن نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سرهما) من جهة تعدد العقاب فی بعض الصور عند المحقق العراقی (قدس سره) التزمنا باختلاف النظریتین).

النظریة السابعة: ما اختاره المحقق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

((3))

قال فی تصویر الوجوب التخییری بإمکان الفرضین الآتیین و إلیک نص عبارته:

[الفرض الأول:]

« یمکن أن یفرض غرضان لکل منهما اقتضاء إیجاب محصله، إلا أنّ مصلحة الإرفاق و التسهیل تقتضی الترخیص فی ترک أحدهما فیوجب کلیهما لما فی کل

ص: 334


1- لأنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) یری أنّ الإیجاب تام کما فی الوجوب التعیینی لکن مصلحة التسهیل زاحمه إلا فی أحد الأطراف و هذا مغایر لما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) من الإیجاب الناقص.
2- تحقیق الأُصول، ج3، ص327، الطریق الخامس، قال الأُستاذ «و لا فرق جوهری بین هذا الطریق و طریق المحقق الإصفهانی لأنّ الوجوب الناقص فی الحقیقة هو الوجوب المشوب بجواز الترک نعم بینهما فرق من جهة أنّه علی القول بالوجوبین المشوبین بجواز الترک یکون العقاب المترتب فی حال ترک کل الأطراف عقاباً واحداً أما علی قول المحقق العراقی فقد صرح بلزوم تعدد العقاب فی بعض الصور الخ»
3- نهایة الدرایة، ج2، ص270 و 271، التعلیقة 138 علی هذه العبارة «و إن کان بملاک أنّه یکون فی کل واحد».

منهما من الغرض الملزم فی نفسه و یرخّص فی ترک کل منهما إلی بدل؛ فیکون الإیجاب التخییری شرعیاً محضاً من دون لزوم الإرجاع إلی الجامع فتدبر جیداً.»

و قال (قدس سره) فی هامشه: «توضیحه أنّ القائم بالصوم و العتق و الإطعام أغراض متباینة لا أغراض متقابلة و حیث إنّ کلها لزومیة فلذا أوجب الجمیع و حیث إنّ مصلحة الإرفاق و التسهیل تقتضی تجویز ترک کل منها إلی بدل فلذا أجاز کذلک؛ فإذا ترک الکل کان معاقباً علی ما لایجوز ترکه إلا إلی بدل و لیس هو إلا الواحد منها لا کلها، کما أنّه إذا فعل الکل دفعة واحدة کان ممتثلاً للجمیع و الشاهد علی ماذکرنا أنّه ربما لایکون تمام الإرفاق کما فی کفارة الظهار و القتل الخطأی فإنّه أمر أولاً بالعتق و مع عدم التمکن یجب الصوم و ربما لا إرفاق أصلاً کما فی کفارة الإفطار بالحرام فإنّه یجب الجمع بین الخصال فیعلم منه أنّ الأغراض غیر متقابلة.»

[الفرض الثانی:]

«و یمکن فرض نظیره فی ما إذا کان الغرض المرتب علی الخصال واحداً نوعیاً بتقریب أنّ الغرض و إن کان واحداً سنخاً إلا أنّ اللزومی منه وجود واحد منه فحیث إنّ نسبة الکل إلی ذلک الواحد اللزومی علی السویة فیجب الجمیع لأنّ إیجاب أحدها المردد محال و إیجاب أحدها المعین تخصیص بلامخصص و حیث إنّ وجوداً واحداً منه لازم فیجوز ترک کل منها إلی بدل، و کما أنّ الإیجاب التخییری علی الفرض الأول شرعی لانبعاثه وجوباً و جوازاً عن المصلحة فی نظر الشارع، کذلک الإیجاب التخییری فی هذا الفرض لأنّ أصل الإیجاب [منبعث] عن [وجود] مصلحة و تجویز الترک [هو] عن وحدانیة ما هو اللازم منها [أی المصلحة] فی نظر الشارع فتدبر جیداً.»

ص: 335

ثم إنّ الفرق بین ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) و ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) هو أنّ نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره) یبتنی علی تقابل الأغراض و لکن المحقق الإصفهانی (قدس سره) ینکر تقابل الأغراض سواء کان هنا غرض واحد بالوحدة النوعیة أم کانت أغراض متباینة غیر متقابلة.

کما أنّ ما أفاده (قدس سره) لیس تصحیحاً للقول بالوجوب المشروط و تقریراً منه - کما توهّم((1))- لأنّ فعلیة الوجوب المشروط دائر مدار الشرط فإن أتی المکلف بجمیع الأطراف معاً لم یحصل الشرط فینتفی الوجوب المشروط؛ و لیس الأمر کذلک علی نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) .

إیرادات خمسة من المحقق الخوئی (قدس سره) علیها:
الإیراد الأول:
اشارة

((2))

قال (قدس سره) : «أما تفسیرها الأول [أی الفرض الأول] فیرد علیه أولاً أنّه مخالف لظاهر الدلیل حیث إنّ ظاهر العطف فیه بکلمة ” أو“ هو وجوب أحدهما أو أحدها لا وجوب الجمیع کما هو واضح [و هکذا الأمر فی الفرض الثانی]»

جواب عن الإیراد الأول:

إنّ ظاهر الأدلة هو وجوب الأطراف تخییراً لا وجوب أحدها کما أنّ کلمة «أو» تدل علی التخییر.

ص: 336


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص28؛ ج 3، ص209 «المذهب الثانی أن یکون کل من الطرفین أو الأطراف واجباً تعیینیاً و متعلقاً للإرادة و لکن یسقط وجوب کل منهما بفعل الآخر فیکون مرد هذا القول إلی اشتراط وجوب کل من الطرفین أو الأطراف بعدم الإتیان بالآخر و قد صحح هذه النظریة بعض مشایخنا المحققین بأحد نحوین الخ»
2- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص28 و 29؛ ج 3، ص210، الواجب التخییری، المذهب الثانی.
الإیراد الثانی:
اشارة

((1))

«ثانیاً إنّا قد ذکرنا غیر مرة أنّه لاطریق لنا إلی إحراز الملاک فی شیء ماعدا تعلق الأمر به و حیث إنّ الأمر فی ما نحن فیه تعلق بأحد الطرفین أو الأطراف فلا محالة لانستکشف إلا قیام الغرض به فإذن لا طریق لنا إلی کشف تعدد الملاک أصلاً [فالحکم بتعدد الأغراض دعوی بلا دلیل]»

جوابان عن هذا الإیراد:

الجواب الأول: إنّ الأمر تعلق بنفس العتق و الصوم و الإطعام لا بعنوان «أحدها» إلا أنّ کلمة «أو» أفاد معنی التخییر.

الجواب الثانی: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) هو إمکان هذا الفرض فی عالم الثبوت و لم یقل بوقوعه فی جمیع موارد الوجوب التخییری و لذا أفاد فرضاً ثانیاً.

الإیراد الثالث:
اشارة

((2))

«و ثالثاً إنّه لا طریق لنا إلی أنّ مصلحة التسهیل و الإرفاق علی حد توجب جواز ترک الواجب ...»

جواب عن الإیراد الثالث:

إنّه قدثبت ذلک فی بعض الموارد مثل الحدیث النبوی فی السواک « لولا أن أشق علی أُمتی لأمرتهم بالسواک.»((3))

ص: 337


1- محاضرات فی أصول الفقه، ج4، ص29؛ و تکون هذه المناقشة بالنسبة إلی الفرض الأول.
2- محاضرات فی أصول الفقه، ج4، ص29.
3- مرت مصادر الحدیث فی البحث الأول (الأوامر)، الفصل الأول (مادة الأمر)، الأمر الثالث (دلالة مادة الأمر علی الوجوب)، النظریة الثالثة (وضع المادة للوجوب)، الوجه الثانی (الذی استدل به صاحب الکفایة علی هذه النظریة).
الإیراد الرابع:
اشارة

((1))

«لازم ذلک هو الالتزام فی صورة المخالفة و عدم الإتیان بشیء منها باستحقاق العقاب علی ترک کل منها ضرورة أنّه لایجوز ترک الواجب بدون الإتیان ببدله ... و بکلمة أُخری إنّ ترک کل واحد منها مقتضٍ لاستحقاق العقاب لفرض أنّه ترک الواجب و المانع منه إنّما هو الإتیان بالآخر؛ فإذا فرض أنّه لم یأت به أیضاً و ترکه فلامانع من استحقاقه العقاب أصلاً ... مع أنّ من الواضح جداً أنّه لایمکن الالتزام بتعدد العقاب فی المقام أبداً و لم یلتزم به أحد فی ما نعلم.»

جواب عن الإیراد الرابع:

إنّ مقتضی کون الواجب معطوفاً علی بدیله بکلمة « أو » و الترخیص فی ترکه إلی البدل هو أنّ العقاب إما یکون علی ترک هذا أو علی ترک ذاک فما أفاده المستشکل (قدس سره) من لزوم تعدد العقاب فی صورة ترک جمیع الأطراف مبنی علی إرجاع هذه النظریة إلی القول بالوجوب المشروط و قد عرفت بطلانه للتفاوت الجوهری بین النظریتین.

الإیراد الخامس:
اشارة

((2))

«و أما تفسیرها الثانی فیرده أولاً ... و ثانیاً أنّه لاطریق لنا إلی إحراز أنّ

ص: 338


1- محاضرات فی أصول الفقه، ج4، ص30 و 31؛ ج 3، ص211 و 212.
2- محاضرات فی أصول الفقه، ج4، ص31؛ ج 3، ص213.

الغرض المترتب علی الخصال واحد بالسنخ و النوع و أنّ الإلزامی منه وجود واحد فإنّه یحتاج إلی علم الغیب.»

جواب عن الإیراد الخامس:

إنّ ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) هو إمکان الفرض الثانی لا وقوعه بمعنی أنّ الفرض الثانی إن تحقق فهو من مصادیق الوجوب التخییری الشرعی.

النظریة الثامنة: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

((1))

قال (قدس سره) : «الذی ینبغی أن یقال فی هذه المسألة تحفظاً علی ظواهر الأدلة هو أنّ الواجب [عنوانُ] أحد الفعلین أو الأفعال لا بعینه [الذی هو جامع انتزاعی] و تطبیقه علی کل منهما [أی الفعلین أو منها أی الأفعال] فی الخارج بید المکلف کما هو الحال فی موارد الواجبات التعیینیة؛ غایة الأمر أنّ متعلق الوجوب فی الواجبات التعیینیة الطبیعة المتأصلة و الجامع الحقیقی و فی الواجبات التخییریة الطبیعة المنتزعة و الجامع العنوانی...

و تخیلُ أنّه لایمکن تعلق الأمر بالجامع الانتزاعی و هو عنوان ” أحدهما “ فی المقام ضرورة أنّه [أی الجامع الانتزاعی] لیس له واقع موضوعی غیر تحققه فی عالم الانتزاع و [أُفق] النفس فلایمکن أن یتعدی عن أُفق النفس إلی ما فی الخارج و من الواضح أنّ مثله لایصلح أن یتعلق به الأمر خیالٌ خاطئ جداً بداهة أنّه لا مانع من تعلق الأمر به أصلاً بل تتعلق به الصفات الحقیقیة کالعلم و الإرادة و ما شاکلهما فما ظنک بالحکم الشرعی الذی هو أمر اعتباری محض و قد تقدم منا

ص: 339


1- محاضرات فی أصول الفقه، ج4، ص40 – 42؛ ج 3، ص222 و 223، الواجب التخییری.

غیر مرة أنّ الأحکام الشرعیة سواء أکانت وضعیة أو تکلیفیة أُمور اعتباریة و لیس لها واقع ما عدا اعتبار الشارع و من المعلوم أنّ الأمر الاعتباری کما یصح تعلقه بالجامع الذاتی کذلک یصح تعلقه بالجامع الانتزاعی؛ فلا مانع من اعتبار الشارع ملکیة أحد المالین للمشتری عند قول البائع:”بعت أحدهما“ بل وقع ذلک فی الشریعة المقدسة کما فی باب الوصیة،((1)) فإنّه إذا أوصی المیت بملکیة

ص: 340


1- الکلام فی صورتین: الصورة الأولی: الوصیة بأحد الأمرین فی تذکرة الفقهاء ط.ق. ج2، ص480: «لو أوصی بأحد العبدین صحت الوصیة» الخ و فی تحریر الأحکام، ج3، ص338: «لایشترط فی الموصی به... و لا کونه معیناً فیصح الوصیة بأحد العبدین» و فی مفتاح الکرامة ط.ق. ج9، ص443: «لانعلم خلافاً فی تجویز الوصیة بالمجهول کما فی التذکرة... قال: و لو أوصی بأحد العبدین صحت الوصیة» الخ و راجع أیضاً أحکام الصلاة لشیخ الشریعة (قدس سره) ، ص216 و تقریرات ثلاث للسید البروجردی (قدس سره) ، ص23 و تحریر المجلة، ج2، ق3، ص60 هذا ما عثرنا علیه من التصریح بنفوذ الوصیة فیه و قد عرفت دعوی عدم الخلاف من مفتاح الکرامة و دعوی اتّفاق الأصحاب من أحکام الصلاة و أماما جاء فی تقریرات ثلاث من حکایة قولین عن العلامة فی التذکرة فهو سهو ظاهراً فإنّها فی الموصی له لا الموصی به و أمّا الدلیل علیه: ففی التذکرة: «لأنّ الوصیة محتملة للجهالة و الغرر فلایقدح الإبهام» و فی تقریرات ثلاث: «لأنّ الوصیة تستلزم استحقاق الموصی له لما یوصی به و المفروض أنّه أوصی بذلک فیستحق ما أوصی له» الصورة الثانیة: الوصیة لأحد الشخصین فی الدروس: «لایشترط تعیین الموصی له علی الأقرب... فلو أوصی لأحد هذین أو أحد هؤلاء... صحّ» و فی جامع المقاصد بعد ذکر عبارة القواعد: «فی اشتراط التعیین إشکال فإن لم نقل به [أی الاشتراط] لو أوصی لأحد هذین احتمل تخییر الوارث و القرعة» الخ قال: «ینشأ من... و الأصحّ عدم الاشتراط» و فی مفتاح الکرامة بعد ذکر عبارة القواعد قال: «ینشأ من... فلایشترط و هو خیرة الدروس و الحواشی [أی حواشی الشهید علی القواعد المسمّی بالحواشی النجاریة] و جامع المقاصد... و هو ظاهر الأکثر و أشدّهما ظهوراً المبسوط و الوسیلة و نحوهما ما قیل فیه: فی الموصی له یشترط کذا و کذا و لم یذکر فیه التعیین کالشرائع و النافع و الإرشاد و اللمعة و غیرها و هو الأشبه بقواعد الباب و الأظهر من کلام الأصحاب» الخ هذا کلام من عثرنا علیه ممن صرّح بالنفوذ و أمّا القول بعدم الصحة ففی مفتاح الکرامة: «قرّبه فی موضع من التذکرة و لاترجیح فی موضع آخر منها کما إنّه لا ترجیح فی الإیضاح و کذا الحواشی» و أمّا الدلیل علیه: 1) ففی التذکرة قال: «قد یحتمل فی الموصی به ما لایحتمل فی الموصی له» و فی جامع المقاصد: «باب الوصیة أوسع من غیره فی احتمال الجهالة» 2) و فی کنز الفوائد استدلّ بأصالة الجواز 3) و فی إیضاح الفوائد: «من صحة الوصیة لفقیر أو فقیرین» و فی جامع المقاصد: «من الإطباق علی صحة الوصیة لفقیر و فقیرین» 4) و فی الدروس: «لعموم الآیة» 5) و فی جامع المقاصد: «لأصالة عدم الاشتراط» و فی قبال ذلک استدلّ بوجوهٍ: 1) ففی التذکرة: «منهم من منع کما فی التملیکات» و فی جامع المقاصد: «إنّها تملیک فیمتنع وقوعه لمجهول» 2) و فی إیضاح الفوائد: «الملک أمر معین و هو نسبة فلابدّ من منتسب الیه معین» 3) و فیه أیضاً: «لاقتضاء الوصیة تعلق حق الموصی له فلابدّ أن یکون معیناً» 4) و فی کنز الفوائد: «إنّها کالعقد و لهذا یفتقر إلی القبول فلایصحّ بیع مجهول کسائر العقود» و أجاب عن الأخیر فی مفتاح الکرامة فقال: «و الأمر فی القبول سهل لأنّه یقبل بعد الاختیار أو القرعة کما یأتی».

أحد المالین لشخص بعد موته فلا محالة یکون ملکاً له بعد موته و تکون وصیته بذلک نافذة...

و من هنا یظهر أنّ مرادنا من تعلق الأمر بالجامع الانتزاعی لیس تعلقه به بما هو موجود فی [أُفق] النفس... بل مرادنا تعلق الأمر به بما هو منطبق علی کل واحد من الفعلین أو الأفعال فی الخارج و یکون تطبیقه علی ما فی الخارج بید المکلف.»

ص: 341

ملاحظتان علی هذه النظریة:
الملاحظة الأُولی:

((1))

إنّ ذلک مخالف لظهور الأدلة حیث إنّ الوجوب تعلق بنفس الصوم و العتق و الإطعام إلا أنّ بعضها معطوف علی بعض بکلمة « أو » فالأدلة خالیة عن عنوان « أحدهما » أو « أحدها » مثل ما ورد عَنْ أَبِی عَبْدِ الله (علیه السلام) فِی کَفَّارَةِ الْیمِینِ «یطْعِمُ عَشَرَةَ مَسَاکِینَ لِکُلِ مِسْکِینٍ مُدٌّ مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ مُدٌّ مِنْ دَقِیقٍ وَ حَفْنَةٌ أَوْ کِسْوَتُهُمْ لِکُلِّ إِنْسَانٍ ثَوْبَانِ أَوْ عِتْقُ رَقَبَةٍ وَ هُوَ فِی ذَلِکَ بِالْخِیارِ أَی ذَلِکَ شَاءَ صَنَعَ فَإِنْ لَمْ یقْدِرْ عَلَی وَاحِدَةٍ مِنَ الثَّلَاثِ فَالصِّیامُ عَلَیهِ ثَلَاثَةُ أَیامٍ».((2))

ص: 342


1- تحقیق الأُصول، ج3، ص334، الرأی النهائی «و بعد أن رفع الأُستاذ الإشکال عن مسلک السید الخوئی و الذی کان قد اختاره سابقاً لکونه الأقرب إلی ظواهر النصوص ذکر أنّ مقتضی الدقة فی النصوص شیء آخر غیر المسلک المزبور فأورد بعض النصوص و استظهر منها کون المجعول فی موارد الوجوب التخییری - الذی هو مفاد أو - هو التخییر... و عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی کفارة الیمین: یطعم عشرة مساکین... فالمجعول الشرعی کونه بالخیار و السند صحیح بلا کلام قال الأُستاذ: إنّ هذا هو الظاهر من الأخبار و إذ لا مانع ثبوتاً و إثباتاً من الأخذ به فمقتضی الصناعة العلمیة هو الأخذ بالظهور الخ».
2- وسائل الشیعة، ج22، ص375، کتاب الإیلاء و الکفارات، أبواب الکفارات، الباب 12، ح 1 «محمد بن یعقوب عن أبی علی الأشعری عن محمد بن عبد الجبار و عن محمد بن إسماعیل عن الفضل بن شاذان جمیعاً عن صفوان عن ابن مسکان عن الحلبی عن أبی عبد الله (علیه السلام) الحدیث». و روی فی الکافی، ج7، ص451، باب کفارة الیمین، ح 1؛ و فی التهذیب، ج8، ص295، ح 83؛ و فی الاستبصار، ج4، ص51، أبواب الکفارات، باب ما بجزی من الکسوة فی کفارة الیمین، ح 1 و فی کلها «أی الثلاثة صنع» و فی الأول «من الثلاثة» بدل «من الثلاث» و فی الأخیرین «واحد من الثلاثة» بدل «واحدة من الثلاث» و روی فی تفسیر العیاشی، ج1، ص338، سورة المائدة (5): 89 بهذه الألفاظ «... لکل مسکین مدین مد من حنطة و مد... أی الثلاثة شاء صنع... فالصیام علیه واجب صیام ثلاثة أیام».
الملاحظة الثانیة:

إن کان متعلق الوجوب هو عنوان « أحدهما » أو « أحدها » فیکون التخییر بین مصادیقها تخییراً عقلیاً حیث إنّه قد یتعلق الوجوب بالطبیعة المتأصلة کما فی الواجب التعیینی فالتخییر بین أفرادها عقلی و قد یتعلق بالطبیعة المنتزعة کما یفسر السید المحقق الخوئی (قدس سره) الواجب التخییری بذلک فعلی هذا لابدّ أن یکون التخییر بین أفراد الطبیعة المنتزعة أیضاً عقلیاً فإنّ المنتزِع هو الشارع أما التخییر فعقلی.

فتحصل من ذلک أنّ المختار هو ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) .

ص: 343

تنبیه: فی التخییر بین الأقل و الأکثر

بیان صاحب الکفایة (قدس سره) لإمکان التخییر بین الأقل و الأکثر:

بیان صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)) لإمکان التخییر بین الأقل و الأکثر:

«هل یمکن التخییر عقلاً أو شرعاً بین الأقل و الأکثر أو لا؟ ربما یقال بأنّه محال... لکنه لیس کذلک فإنّه إذا فرض أنّ المحصل للغرض فی ما إذا وجد الأکثر هو الأکثر لا الأقل الذی فی ضمنه بمعنی أن یکون لجمیع أجزائه حینئذ دخل فی حصوله و إن کان الأقل لو لم یکن فی ضمنه کان وافیاً به أیضاً فلامحیص عن التخییر بینهما.»

فإنّ الأقل حینئذ أُخذ بشرط لا فیکون وافیاً بالغرض و أما الأقل الذی فی ضمن الأکثر و جزءٌ للأکثر فهو مأخوذ لابشرط و لایکون وافیاً بالغرض فالتخییر بین الأقل بشرط لا و الاکثر ممکن

«و بالجملة إذا کان کل واحد من الأقل و الأکثر بحده مما یترتب علیه الغرض فلا محالة یکون الواجب هو الجامع بینهما و کان التخییر بینهما عقلیاً إن کان هناک غرض واحد، و تخییراً شرعیاً فی ما کان هناک غرضان.»

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا البیان:

((2))

«إنّ الأقل إن کان مأخوذاً بشرط لا فالتخییر بینه و بین الأکثر و إن کان أمراً معقولاً إلا أنّه بحسب الواقع داخل فی کبری التخییر بین المتباینین لا الأقل و

ص: 344


1- کفایة الأصول، ص142، المقصد الأول، الفصل التاسع.
2- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص47 و 48؛ ج 3، ص230 و 231، الواجب التخییری، هل یمکن التخییر بین الأقل و الأکثر أم لا؟

الأکثر کما عرفت، و إن کان مأخوذاً لابشرط فلایعقل التخییر بینه و بین الأکثر ضرورة أنّه بمجرد تحقق الأقل و لو فی ضمن الأکثر یحصل الغرض و معه لایبقی مجال للإتیان بالأکثر أصلاً فإذن جعله فی أحد طرفی التخییر یصبح لغواً محضاً فلایصدر من الحکیم ...

و من هنا یظهر أنّ التخییر بین القصر و التمام فی الأمکنة الأربعة لیس تخییراً بین الأقل و الأکثر واقعاً و حقیقةً [فإنّهما متباینان] ... و أما التسبیحات الأربع فالمستفاد من الروایات هو وجوب إحداها لا جمیعها فإذن لایعقل التخییر بین الواحدة و الثلاث ... نعم الإتیان بها [أی بالبقیة] مستحب.»

ص: 345

ص: 346

الفصل السادس: الواجب الکفائی

اشارة

ص: 347

ص: 348

الواجب الکفائی

مقدمة: فی احتیاج الأمر إلی الموضوع

اختلف کلمات الأعلام فی حقیقة الواجب الکفائی کما اختلفت فی الواجب التخییری و قبل الورود فی البحث ینبغی ترسیم مقدمة فی المقام لتصویر الوجوب الکفائی کما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((1)) و أوضحه المحقق الخوئی (قدس سره) مع بسط فیها فقال: ((2))

«لایخفی أنّ الأمر الوارد من قبل الشرع کما أنّه بحاجة إلی المتعلق کذلک بحاجة إلی الموضوع ... و لا فرق فی ذلک بین وجهة نظر و وجهة نظر آخر فإنّ حقیقة الأمر سواء أکانت عبارة عن الإرادة التشریعیة أم کانت عبارة عن الطلب

ص: 349


1- هامش نهایة الدرایة، ج2، ص277، التعلیقة 142 علی هذه العبارة «کما هو قضیة توارد العلل المتعددة» قال (قدس سره) : «هذا إنّما یتم بالنسبة إلی الفعل الواحد الشخصی القائم بجماعة الخ» و فی الهامش: «قولنا: هذا إنّما یتم بالنسبة الخ لا بأس بتوضیح الکلام فی الوجوب الکفائی فنقول: لا ریب فی أنّ حقیقة البعث کما هی متقومة بالمبعوث إلیه و هو الفعل المتعلق به البعث کذلک متعلقة بالمبعوث و هو المکلف الذی هو موضوع التکلبف الخ».
2- محاضرات فی أصول الفقه، ج4، ص50 و 51؛ ج 3، ص235، الواجب الکفائی.

الإنشائی کما هو المشهور أم کانت عبارة عن البعث و التحریک کما عن جماعة أم کانت عبارة عن الأمر الاعتباری النفسانی المبرز فی الخارج بمبرز ما من صیغة الأمر أو نحوها کما هو المختار عندنا علی جمیع هذه التقادیر بحاجة إلی الموضوع کحاجته إلی المتعلق.

أما علی الأول [أی الإرادة التشریعیة] فواضح و ذلک لأنّ الإرادة لاتوجد فی أُفق النفس بدون المتعلق [و هو «المراد منه»] لأنّها من الصفات الحقیقیة ذات الإضافة فلایعقل أن توجد بدونه فالمتعلق إذا کان فعل نفسه ... و إن کان فعل غیره فلا محالة یکون المراد منه ذلک الغیر بمعنی أنّ المولی أراد صدور هذا الفعل منه فی الخارج.

و أما الثانی [أی الطلب الإنشائی] فأیضاً کذلک ضرورة أنّ الطلب کما لایمکن وجوده بدون المطلوب کذلک لایمکن وجوده بدون المطلوب منه...

و أما علی الثالث [أی البعث] فلأنّ البعث نحو شیء لایمکن أن یوجد بدون بعث أحد نحوه [أی الشیء] و التحریک نحو فعل لایمکن أن یتحقق بدون متحرک ضرورة أنّ التحریک لابدّ فیه من محرِّک و متحرک و ما إلیه الحرکة [و ما منه الحرکة] من دون فرق فی ذلک بین أن تکون الحرکة حرکة خارجیة و أن تکون اعتباریة کما هو واضح [فوجود المتحرک لازم].

و أما علی الرابع [أی الأمر الاعتباری النفسانی المبرز فی الخارج] فأیضاً الأمر کذلک لما عرفت من أنّ معنی الأمر هو اعتبار الفعل علی ذمة المکلف ... و من المعلوم أنّه کما لایمکن أن یتحقق فی الخارج بدون متعلق کذلک لایمکن أن یتحقق بدون فرض وجود المکلف فیه کما هو واضح.»

و بعد تمامیة هذه المقدمة لابدّ من ذکر أنظار الأعلام فنقول: فی حقیقته آراء نذکر منها نظریات ست:

ص: 350

نظریات الأعلام فی حقیقة الواجب الکفائی

اشارة

و هی ستّ:

النظریة الأُولی: التکلیف متوجه إلی واحد معین عند الله
إیراد علی النظریة الأُولی:

أورد علیه بوجوه((1))منها «أنّ هذا خلاف ظواهر الأدلة فإنّ الظاهر منها هو أنّ التکلیف متوجه إلی طبیعی المکلف لا إلی فرد واحد منه معین فی علم الله کما هو واضح.»

النظریة الثانیة: الوجوب المشروط
اشارة

إنّ الأمر فی الواجب الکفائی متوجه إلی کل واحد من المکلفین و لکنه مشروط بعدم إتیان مکلف آخر بذلک الفعل الذی هو المتعلق و ذلک لوحدة الغرض؛ فالوجوب الکفائی یرجع إلی الوجوب المشروط.

إیراد علی النظریة الثانیة:

إنّ لازم هذا القول عدم تحقق الامتثال فی ما إذا قام جمیع المکلفین بإتیان الفعل دفعةً لأنّ الوجوب مشروط بعدم إتیان الآخر بالفعل و هذا الشرط مفقود فی فرض إتیان الجمیع بالمتعلق دفعةً فالوجوب منتفٍ بانتفاء الشرط.

ص: 351


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص52؛ ج 3، ص237
النظریة الثالثة: التکلیف متوجه إلی الفرد المردد
إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علیها:

((1))

«أما الواحد المردد فقد عرفت سابقاً [فی بحث الواجب التخییری] استحالته من حیث نفسه حیث لا ثبوت له ماهیةً و هویةً، ذاتاً و حقیقةً و من حیث لازمه حیث إنّ المردد لایتحد مع المعین و إلا لزم إما تعین المردد أو تردد المعین و کلاهما خلف.»

النظریة الرابعة: الوجوب علی مجموع المکلفین
اشارة

إنّ الوجوب الکفائی یتوجه إلی مجموع المکلفین فالموضوع للتکلیف هو العام المجموعی فی قبال العام الاستغراقی.

إیرادان من المحقق الإصفهانی (قدس سره) علیها:
اشارة

((2))

الإیراد الأول:

«أما تعلق الحکم بمجموع أشخاص مع أنّه لجعل الداعی فهو غیر معقول إذ لیس مجموع الأشخاص شخصاً ینقدح الداعی فی نفسه بل لابدّ من انقداح الداعی فی نفس کل واحد، و هو مع شخصیة البعث محال فلابدّ من تعدده فیؤول الأمر إلی تعلق أفراد من طبیعی البعث بأفراد من عنوان المکلف ...»

ص: 352


1- نهایة الدرایة، ج2، ص277، التعلیقة 142، الهامش.
2- نهایة الدرایة، ج2، ص279، التعلیقة 142، الهامش.
الإیراد الثانی:

«إنّ الواجب الکفائی یحصل بفعل البعض ویسقط عن الباقین فلا معنی لأمر المجموع الذی لازمه عدم حصول الامتثال بترک البعض [لانتفاء المجموع بانتفاء بعض أفراده]»

النظریة الخامسة: من المحقق الخراسانی و المحقق الإصفهانی (قدس سرهما)
اشارة

بیان المحقق الخراسانی (قدس سره) :((1)) « التحقیق أنّه [أی الوجوب الکفائی] سنخ من الوجوب و له تعلق بکل واحد [من المکلفین أی إلی جمیعهم] بحیث لو أخل بامتثاله الکل لعوقبوا علی مخالفته جمیعاً - و إن سقط عنهم لو أتی به بعضهم – و ذلک لأنّه قضیة ما إذا کان هناک غرض واحد حصل بفعل واحد صادر عن الکل أو البعض کما أنّ الظاهر هو امتثالُ الجمیع لو أتوا به دفعةً و استحقاقُهم للمثوبة و سقوطُ الغرض بفعل الکل کما هو قضیة توارد العلل المتعددة علی معلول واحد.»

إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) و بیانه:

((2))

«هذا إنّما یتم بالنسبة إلی الفعل الواحد الشخصی القائم بجماعة کما إذا اشترکوا فی تغسیل المیت و تکفینه و دفنه لا فی ما إذا صلوا علیه دفعةً فإنّ هناک وجودات من الفعل و من الغرض المترتب علیه إلا أنّ اللازم تحصیله وجود واحد من الغرض؛ و حیث إنّه لا مخصص لأحد وجودات الفعل و الغرض

ص: 353


1- کفایة الأُصول، ص143، المقصد الأول، الفصل العاشر.
2- نهایة الدرایة، ج2، ص277.

فلایستقر الامتثال علی وجود خاص منها و معنی استقراره علی الجمیع سقوط الأمر و الغرض الباعث علیه قهراً بفعل الجمیع؛ و لا علیة لوجود الفعل و الغرض بالإضافة إلی سقوط الأمر و الداعی حتی ینتهی الأمر إلی توارد العلل المتعددة علی معلول واحد بل بقاء الأمر ببقاء الداعی الباقی ببقاء عدم وجود الغایة الداعیة فی الخارج علی حاله؛ فإذا انقلب العدم إلی الوجود [و حصل وجود الغایة] سقط الداعی - أعنی تصور الغایة - عن الدعوة لتمامیة اقتضائه لا لعلیة وجودها [أی الغایة] خارجاً لعدم وجودها بصفة الدعوة بداهة أنّ ما کان علة لوجود شیء لایکون ذلک الوجود علة لعدمه [أی لعدم علته] و إلا کان الشیء علة لعدم نفسه ... و لایخفی أنّ الأمر و إن کان شرطاً لتحقق الإطاعة و العصیان بعنوانهما و لا بأس بأن یکون المشروط موجباً لانعدام شرطه إلا أنّ الکلام فی علیة ذات الفعل لسقوط الأمر الذی هو علة بوجوده العلمی لذات الفعل بالواسطة فتدبر جیداً.»

النظریة السادسة: موضوع التکلیف هو صرف الوجود للمکلفین
اشارة

هنا بیانان:

البیان الأول: من المحقق النائینی (قدس سره)
اشارة

((1))

«توضیح الحال فیه یحتاج إلی بیان مقدمة و هی أنّ الغرض من المأمور به تارةً یترتب علی صرف وجود الطبیعة و أُخری علی مطلق وجودها الساری؛ و الأول منهما یستتبع حکماً واحداً متعلقاً بصرف وجود الطبیعة فیکتفی فی امتثاله بالإتیان بفرد واحد و هذا بخلاف الثانی فإنّ الحکم فی مورده ینحل و یتعدد

ص: 354


1- أجود التقریرات، ج1، ص270 و 271، المقصد الأول، الفصل الثانی، المقام الثانی، المبحث السادس.

بتعدد أفراد تلک الطبیعة و لایجتزأ فی مقام الامتثال بإیجاد فرد منها ...

إذا عرفت ذلک فاعلم أنّ الغرض من المأمور به کما أنّه یختلف باعتبار ترتبه علی صرف الوجود أو علی مطلق الوجود، کذلک یختلف بالإضافة إلی المکلف فتارةً یترتب الغرض علی صدور الفعل من صرف وجود المکلف و أُخری یترتب علی صدوره من مطلق وجوده؛ و علی الثانی فالوجوب یکون عینیاً لایسقط بفعل أحدهم عن الباقین بخلاف الأول إذ المفروض فیه أنّ موضوع التکلیف هو صرف وجود المکلف، فبامتثال أحد المکلفین یتحقق الفعل من صرف وجود الطبیعة فیسقط الغرض فلایبقی مجال لامتثال الباقین

و منه ظهر أنّه لو حصل الفعل من الجمیع فی عرض واحد لاستحق کل واحد منهم ثواب امتثال ذلک الأمر - کما لو کان منفرداً به - لصدق صرف الوجود علیه کما أنّه عند مخالفة الجمیع یستحق کل واحد منهم العقاب لتحقق مناطه فیه؛ و هذا الوجه الذی ذکرنا هو التحقیق فی تصویر الواجب الکفائی.»

إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی هذا البیان:

((1))

«إنّ صرف الوجود بمعناه المصطلح علیه فی المعقول لامطابق له إلا الواجب تعالی و فعله الإطلاقی حیث إنّه لاحد عدمی لهما و إن کان الثانی محدوداً بحد الإمکان.

ص: 355


1- نهایة الدرایة، ج2، ص278، التعلیقة 142، الهامش؛ بحوث فی الأُُصول، الجزء 1، ص65، الفصل السادس «کیفیة تعلق التکلیف بالمکلفین و ما قیل فیه وجوه:... ثانیها ما عن بعض أعلام العصر من تعلق التکلیف بصرف وجود المکلف فی قبال مطلق وجوده... و الجواب عنه... أنّ المراد بصرف الوجود إما ما عن بعض أجلة العصر من أنّه ناقض العدم المطلق و ناقض العدم الکلی و ناقض العدم الأزلی الخ»

و بمعناه المصطلح علیه فی الأُصول [یحتمل فیه وجوه:] إما أن یراد منه ناقض العدم المطلق و ناقض العدم الکلی کما فی لسان بعض أجلة العصر((1)) [أی المحقق الحائری (قدس سره) فی درر الأُصول] و إما أن یراد المبهم المهمل من حیث الخصوصیات و إما أن یراد منه اللابشرط القسمی ...

فإن أُرید منه ناقض العدم المطلق و العدم الکلی ففیه أنّ کل وجود ناقض عدمه البدیل له، و لیس شیء من موجودات العالم ناقض کل عدم یفرض فی طبیعته المضاف إلیها الوجود.

و إرجاعه إلی «أول الوجودات» باعتبار أنّ عدمه یلازم بقاء سائر الأعدام علی حاله، فوجوده ناقض للعدم الأزلی المطلق لا کل عدم فهو لایستحق إطلاق الصرف علیه، فإنّه وجود خاص من الطبیعة بخصوصیة الأولیة، مع أنّه غیر لائق بالمقام فإنّه من المعقول إرادة أول وجود من الفعل و لاتصح إرادته من أول وجود من عنوان المکلف فإنّ مقتضاه انطباقه علی أسنّ المکلفین.

ص: 356


1- فی التعلیقة علی نهایة الدرایة: هو المیرزا النائینی (قدس سره) ، و لکن لم أجد هذه التعبیرات لا فی أجود التقریرات و لا فی فوائد الأُصول؛ و لکن یوجد التعبیرات الثلاث فی درر الفوائد: أما «العدم المطلق» ففی ج 2، ص111 «أحدها أن تتعلق بها باعتبار صرف الوجود أعنی المقابل للعدم المطلق» و فی ص 135 «منها جعلها باعتبار صرف الوجود أعنی الوجود اللابشرط من جمیع الخصوصیات الذی یکون نقیضاً للعدم المطلق و بعبارة أُخری الذی ینتقض به العدم» و فی ص175 «لو جعلت الطبیعة باعتبار صرف الوجود... لأنّه فی مقابل العدم المطلق»، و أما «العدم الکلی» ففی ج 1، ص137 «أحدها أن یکون السبب صرف الوجود لتلک الطبیعة أعنی حقیقته التی هی فی مقابل العدم الکلی» و فی ص 139 «أو صرف الوجود فی مقابل العدم الکلی»، و أما «العدم الأزلی» ففی ج 1، ص45 «الثالث أن یعتبر صرف الوجود مقابل العدم الأزلی».

کما لایصح إرجاعه إلی أول من قام بالفعل((1))فإنّ موضوع التکلیف لابدّ من أن یکون مفروض الثبوت و لایطلب تحصیله، فمقتضاه فرض حصول الفعل لا طلب تحصیله.

و إن أُرید المبهم المهمل فلا إهمال فی الواقعیات و قد مر وجهه مراراً.

و إن أُرید اللابشرط القسمی- و هی الماهیة الملحوظة بحیث لاتکون مقترنةً بخصوصیة و لا مقترنةً بعدمها و مع لحاظ المکلف بهذا الاعتبار الإطلاقی فیستحیل شخصیة الحکم و البعث إذ لایعقل شخصیة الحکم و نوعیة الموضوع و سعته - فلابدّ من انحلال الحکم حسب انطباقات الموضوع المطلق علی مطابقاته و مصادیقه ...»

البیان الثانی: من المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

((2))

المحقق الخوئی (قدس سره) فسر صرف الوجود بالواحد لا بعینه((3)) و قال:

« لا مانع من أن یأمر الشارع المکلفین بإیجاد فعل فی الخارج ... من دون أن یتعلق غرضه بصدوره عن خصوص واحد منهم بل المطلوب وجوده فی الخارج من أی واحد منهم کان فإنّ نسبة ذلک الغرض الواحد إلی کل من المکلفین علی السویة فعندئذ تخصیص الواحد المعین منهم بتحصیل ذلک الغرض خارجاً بلامخصص و مرجح، و تخصیص المجموع منهم بتحصیل ذلک مع أنّه

ص: 357


1- و أما إرجاعه إلی أول من یقوم بالفعل ففیه أنّه یلزم فعلیة الحکم مع التردید فی موضوعه مع أنّ التکلیف ثابت علی موضوعه و إن لم یقم أحد المکلفین به.
2- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص55 – 57؛ ج 3، ص240 – 242، الواجب الکفائی، ما قیل أو یمکن أن یقال فی تصویره، الوجه الرابع
3- و یلاحظ علیه أنّ الواحد لابعینه أمر انتزاعی مفهومی فلایصح تفسیر الأمر الوجودی به.

بلامقتض و موجبٍ باطلٌ بالضرورة کما عرفت، و تخصیص الجمیع بذلک علی نحو العموم الاستغراقی أیضاً بلامقتض و موجب إذ بعد کون الغرض واحداً یحصل بفعل واحد منهم فوجوب تحصیله علی الجمیع لا محالة یکون بلامقتض و سبب؛ فإذن یتعین وجوبه علی الواحد لا بعینه المعبر عنه بصرف الوجود و یترتب علی ذلک أنّه لو أتی به بعض فقد حصل الغرض لا محالة و سقط الأمر لفرض أنّ صرف الوجود یتحقق بأول الوجود و لو أتی به جمیعهم.»

إیراد علی ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) :
اشارة

إنّ ما أفاده (قدس سره) لایناسب مقام الإثبات حیث إنّ عنوان أحدهما لیس مأخوذاً فی الأدلة و إلیک بعض روایات الباب:

الروایة الأُولی:

مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِی وَلَّادٍ وَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ جَمِیعاً عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِِ (علیه السلام) قَالَ: «ینْبَغِی لِأَوْلِیاءِ الْمَیتِ مِنْکُمْ أَنْ یؤْذِنُوا إِخْوَانَ الْمَیتِ بِمَوْتِهِ فَیشْهَدُونَ جِنَازَتَهُ وَ یصَلُّونَ عَلَیهِ وَ یسْتَغْفِرُونَ لَهُ فَیکْتَبُ لَهُمُ الْأَجْرُ وَ یکْتَبُ لِلْمَیتِ الِاسْتِغْفَارُ...» ((1))

ص: 358


1- وسائل الشیعة، ج3، ص59، أبواب صلاة الجنازة، الباب 1، ح 1 و قال بعده: «رواه الکلینی عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زیاد عن علی بن إبراهیم عن أبیه عن الحسن بن محبوب؛ و رواه ابن إدریس فی آخر السرائر نقلاً من کتاب المشیخة للحسن بن محبوب مثله؛ محمد بن علی بن الحسین فی العلل عن محمد بن موسی بن المتوکل عن عبد الله بن جعفر عن أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب مثله». راجع الکافی، ج3، ص166، باب أنّ المیت یؤذن به الناس، ح 1 و فیه «و علی بن إبراهیم عن أبیه جمیعاً» بدل «عن علی بن إبراهیم عن أبیه» و «لمیتهم» بدل «له»؛ و مستطرفات السرائر، ص596 «أبو ولاد الحناط و عبد الله بن سنان قالا سمعنا أبا عبد الله (علیه السلام) یقول... قال ثم قال أبو عبد الله (علیه السلام) : و ینبغی لأولیاء المیت منکم... فیشهدوا جنازته و یصلوا علیه و یستغفروا له فیکتسب لهم الأجر و یکتسب لمیته الاستغفار و یکسب هو الأجر فیهم و فی ما اکتسب لمیته من الاستغفار»؛ و العلل، ج2، ص301، الباب 240 و فیه حدیث واحد و لیس فیه «منکم» و «و یستغفرون له» و فیه «فیکسب لهم الأجر و یکسب لمیته الاستغفار و یکسب هو الأجر فیهم و فی ما اکتسبه لمیته من الاستغفار».
الروایة الثانیة:

عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْیرِی فِی قُرْبِ الْإِسْنَادِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ طَرِیفٍ عَنِ الْحُسَینِ بْنِ عُلْوَانَ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِیهِ (علیهما السلام) أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صلی الله علیه و آله) صَلَّی عَلَی جِنَازَةٍ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا جَاءَ قَوْمٌ لَمْ یکُونُوا أَدْرَکُوهَا فَکَلَّمُوا رَسُولَ اللَهِ (صلی الله علیه و آله) أَنْ یعِیدَ الصَّلَاةَ عَلَیهَا فَقَالَ لَهُمْ «قَدْ قَضَیتُ الصَّلَاةَ عَلَیهَا وَ لَکِنِ ادْعُوا لَهَا». ((1))

الروایة الثالثة:

عنه [أی عَلِی بْنُ الْحُسَینِ] عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَی الْخَشَّابِ عَنْ غِیاثِ بْنِ کَلُّوبٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ (صلی الله علیه و آله) صَلَّی عَلَی جِنَازَةٍ فَلَمَّا فَرَغَ جَاءَ قَوْمٌ فَقَالُوا: فَاتَتْنَا الصَّلَاةُ عَلَیهَا فَقَالَ: «إِنَّ الْجِنَازَةَ لَا یصَلَّی عَلَیهَا مَرَّتَینِ ادْعُوا لَهَا وَ قُولُوا خَیراً».((2))

الروایة الرابعة:

مُحَمَّدُ بْنُ یعْقُوبَ عَنْ عَلِی بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ أَبِیهِ عَنْ یحْیی بْنِ زَکَرِیا عَنْ أَبِیهِ

ص: 359


1- وسائل الشیعة، ج3، ص84، الباب 6، ح 13 و قال بعده: «و عن السندی بن محمد عن أبی البختری عن جعفر بن محمد عن أبیه نحوه». و الروایة فی قرب الإسناد، ص88 و فی ص 134: «[السندی بن محمد البزاز قال حدثنی] أبو البختری [وهب بن وهب القرشی] عن جعفر بن محمد عن أبیه أنّ رسول الله (صلی الله علیه و آله) صلی علی جنازة فلما فرغ جاءه ناس فقالوا: یا رسول الله لم ندرک الصلاة علیها فقال: لاتصلوا علی جنازة مرتین و لکن ادعوا لها».
2- وسائل الشیعة، ج3، ص87، الباب 6، ح 23؛ التهذیب، ج3، ص324 و الاستبصار، ج1، ص484 و فیهما «عن غیاث بن کلوب بن فیهس البجلی» و «ادعوا له» بدل «ادعوا لها».

زَکَرِیا بْنِ مُوسَی عَنِ الْیسَعِ بْنِ عَبْدِ اللَهِ الْقُمِّی قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) عَنِ الرَّجُلِ یصَلِّی عَلَی جِنَازَةٍ وَحْدَهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قُلْتُ: فَاثْنَانِ یصَلِّیانِ عَلَیهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ وَ لَکِنْ یقُومُ الْآخَرُ خَلْفَ الْآخَرِ وَ لَا یقُومُ بِجَنْبِهِ».((1))

الروایة الخامسة:

عنه [أی سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَهِ] عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِی بْنِ فَضَّالٍ عَنْ أَبِی هَمَّامٍ إِسْمَاعِیلَ بْنِ هَمَّامٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِیدٍ عَنْ((2)) غَزْوَانَ((3)) السَّکُونِی عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِیهِ عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلی الله علیه و آله) : «صَلُّوا عَلَی الْمَرْجُومِ مِنْ أُمَّتِی وَ عَلَی الْقَتَّالِ نَفْسَهُ مِنْ أُمَّتِی لَا تَدَعُوا أَحَداً مِنْ أُمَّتِی بِلَا صَلَاةٍ».((4))

ص: 360


1- وسائل الشیعة، ج3، ص120، الباب 28 و فی هذا الباب حدیث واحد و قال بعده: «و رواه الشیخ بإسناده عن علی بن إبراهیم و رواه الصدوق بإسناده عن الیسع بن عبد الله»؛ الکافی، ج3، ص167، ح 1 و فیه «عن رجل» بدون ال؛ التهذیب، ج3، ص309 و فیه «القاسم بن عبید الله القمی» بدل «الیسع بن عبد الله القمی»؛ الفقیه، ج1، ص166 «و سأل الیسع بن عبد الله القمی أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل یصلی علی الجنازة وحده» الحدیث.
2- کذا فی التهذیب و الوسائل لکن الصواب کما فی الاستبصار: «بن» بدل «عن» فقد روی محمد بن سعید بن غزوان عن السکونی فی موارد عدیدة کما فی التهذیب، ج1، ص194و 201 و الاستبصار، ج1، ص163و 164 و الخصال، ص9، 15، 19، 25، 36، 111، 196، 238 و غیرها.
3- جاء فی الهامش: فی المصدر [ أی التهذیب و الاستبصار ] زیادة «عن».
4- وسائل الشیعة، ج3، ص133، الباب 37، ح 3 و قال بعده: «و رواه الصدوق مرسلاً»؛ التهذیب، ج3، ص328؛ الاستبصار، ج1، ص468؛ الفقیه، ج1، ص166 «و قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) :» الحدیث و فیه «القاتل» بدل «القتال».

الفصل السابع: الواجب الموسع و المضیق

اشارة

فیه أُمور ثلاثة

الأمر الأول: فی تصویر الواجب الموسّع و المضیق

الأمر الثانی: تبعیة القضاء للأداء

الأمر الثالث: جریان الاستصحاب إذا شک المکلف بعد الوقت فی إتیان المأمور به فی وقته

ص: 361

ص: 362

الواجب الموسع و المضیق

الأمر الأول: فی تصویر الواجب الموسّع و المضیق

اشارة

إنّ الواجب إمّا موقّت و إمّا غیر موقّت و الواجب الموقّت إما یکون وقته أزید من زمان فعله کالصلوات الیومیة و إما یکون وقته بقدر إتیان فعله بحیث ینطبق کل جزء من الفعل علی کل جزء من الزمان کصوم شهر رمضان.

الإشکال فی إمکان الواجب الموسّع:
اشارة

نقل عن بعض الأعلام المتقدّمین، أنّهم ذهبوا إلی عدم إمکانه، لأنّ القول به یستلزم جواز ترک الواجب فی أول وقته مع أنّ ترک الواجب غیر جائز.((1))

ص: 363


1- فی المعالم، ص73: «أصل: الأمر بالفعل فی وقت یفضل عنه جائز عقلاً واقع علی الأصح و یعبّر عنه بالواجب الموسّع کصلاة الظهر مثلاً... و أنکر ذلک قوم لظنّهم أنّه یؤدّی إلی جواز ترک الواجب ثمّ إنّهم افترقوا علی ثلاثة مذاهب: أحدها أنّ الوجوب فی ما ورد من الأوامر التی ظاهرها ذلک مختص بأوّل الوقت... و ثانیها أنّه مختص بآخر الوقت و لکن لو فعل فی أوّله کان جاریاً مجری تقدیم الزکاة فیکون نفلاً یسقط به الفرض و ثالثها أنّه مختص بالآخر و إذا فعل فی الأوّل وقع مراعی فإن بقی المکلف علی صفات التکلیف تبین أنّ ما أتی به کان واجباً و إن خرج عن صفات المکلفین کان نفلاً؛ و هذان القولان لم یذهب إلیهما أحد من طائفتنا و إنّما هما لبعض العامّة» و فی ص76: «حجة من خص الوجوب بأوّل الوقت أنّ الفضلة فی الوقت ممتنعة لأدائها إلی جواز ترک الواجب فیخرج عن کونه واجباً و حینئذٍ فاللازم صرف الأمر إلی جزء معین من الوقت فإمّا الأوّل أو الأخیر لانتفاء القول بالواسطة و لو کان هو الأخیر لما خرج عن العهدة بأدائه فی الأوّل و هو باطل إجماعاً فتعین أن یکون هو الأوّل» و فی مفاتیح الأُصول، ص298: «أمّا الحکم الثالث [زیادة الوقت علی الفعل] ففقد اختلفوا فیه علی قولین: الأوّل إنّه جائز و واقع و هو للذریعة و العدة و الغنیة و المعارج و التهذیب و النهایة و المنتهی و السرائر و المبادی و شرحه و المنیة و المعالم و شرح الزبدة لجدی الصالح (رحمة الله) و المختصر و شرحه و المعراج! و نقل فی المعالم و النهایة هذا القول عن أکثر الأصحاب و فی شرح الزبدة: هو الحق عندنا. و أمّا العلامة فقد نقل فی النهایة هذا القول عن محمد بن شجاع البلخی و أصحاب الشافعی و الجبائیین و أصحابهما و أبی الحسین البصری و فی شرح الزبدة عن کثیر ممن خالفنا و قال فی الإحکام: ذهب إلیه أکثر أصحابنا [أی الأشاعرة] و أکثر الفقهاء و فی المختصر و شرحه: ذهب إلیه الجمهور. الثانی: إنّه غیر جائز و هو المحکی فی النهایة عن جماعة من الأشاعرة و جماعة من الحنفیة و أبی الحسن الکرخی». و قال فی التنبیه الأوّل: «ذهب بعض من المانعین من الموسع إلی أنّ الوجوب فی ما ورد من الأوامر التی ظاهرها التوسعة یختص بأوّل الوقت و أنّ بعده یصیر قضاءً و فی المعالم: هو الظاهر من کلام المفید علی ما ذکره العلامة و حکی هذا القول فی النهایة و المنیة عن جماعة من الأشاعرة و فی المعارج عن بعض الحنفیة و فی شرح المختصر عن قوم من الشافعیة».
جواب المحقق الخوئی (قدس سره) عن هذا الإشکال:

((1))

«... غیر خفی ما فیه من المغالطة لأنّ الواجب هو الجامع بین المبدء و المنتهی المعرّی عنه جمیع خصوصیات الأفراد من العرضیة و الطولیة و الواجب علی المکلف هو الإتیان بهذا الجامع بین هذین الحدین لا فی کل آن و وقت لیکون ترکه فی أول الوقت ترکاً للواجب و لو أتی به فی آخر الوقت بل ترکه فیه ترک

ص: 364


1- محاضرات فی أصول الفقه، ج4، ص60؛ ج 3، ص245، الواجب الموسع و المضیق.

لفرده و هو لیس بواجب علی الفرض و لذا لو ترک المکلف الصلاة فی أول الوقت و أتی بها فی آخر الوقت فلایقال: إنّه ترک الواجب.»

الإشکال فی إمکان الواجب المضیق:
اشارة

((1))

و هو «بدعوی أنّ الانبعاث لابدّ و أن یتأخر عن البعث و لو آناًما و علیه فلابدّ من فرض زمان یسع البعث و الانبعاث معاً أعنی الوجوب و فعل الواجب و لازم ذلک هو زیادة زمان الوجوب علی زمان الواجب. مثلاً إذا فرض تحقق وجوب الصوم حین الفجر فلابدّ و أن یتأخر الانبعاث عنه آناًما و هو خلاف المطلوب ضرورة أنّ لازم ذلک هو خلوّ بعض الآنات من الواجب، و إذا فرض تحقق وجوب الصوم قبل الفجر یلزم تقدم المشروط علی الشرط و هو محال و علیه فلابدّ من الالتزام بعدم اشتراطه بدخول الفجر لئلّایلزم تقدم المعلول علی علته و لازم ذلک هو عدم إمکان وجود الواجب المضیق.»

جوابان من المحقق الخوئی (قدس سره) عن هذا الإشکال:
الجواب الأول:

«إنّ الملاک فی کون الواجب مضیقاً هو ما کان الزمان المحدد له وقتاً مساویاً لزمان الإتیان بالواجب بحیث یقع کل جزء منه فی جزء من ذلک الزمان بلازیادة و نقیصة، و أما کون زمان الوجوب أوسع من زمان الواجب أو مساویاً له فهو أجنبی عما هو الملاک فی کون الواجب مضیقاً

و من هنا لا شبهة فی تصویر الواجب المضیق و الموسع علی القول بالواجب

ص: 365


1- نقلنا الإشکال عن محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص61؛ ج 3، ص246.

المعلق مع أنّ زمان الوجوب فیه أوسع من زمان الواجب و لن یتوهم أحد و لایتوهم أنّه لایتصور المضیق علی هذه النظریة کما هو واضح.»

الجواب الثانی:

«إنّ تأخر الانبعاث عن البعث لیس بالزمان لیلزم المحذور المزبور بل هو بالرتبة کما لایخفی.

نعم العلم بالحکم و إن کان غالباً متقدماً علی حدوثه أی حدوث الحکم زماناً إلا أنّه لیس ممّا لابدّ منه، بداهة أنّ توقف الانبعاث عند تحقق موضوع البعث - کالفجر فی المثال المزبور [أی الصوم] مثلاً - علی العلم به أی بالبعث رتبی و لیس زمانیاً کما هو واضح کتقدم العلم بالموضوع علی العلم بالحکم.»

ص: 366

الأمر الثانی: تبعیة القضاء للأداء

اشارة

و فیه مطالب أربعة:

المطلب الأول: الأقوال فی المسألة

اختلف الأعلام فی أنّ القضاء تابع للأداء أو هو بأمر جدید؟ و بعبارة أُخری: إنّ الأمر بالشیء فی الوقت المعین هل یدل علی وجوب إتیانه فی خارج الوقت أو إنّ وجوب القضاء یحتاج إلی أمر جدید؟

و هنا أقوال أربعة: (1)

القول الأول: إنّ الأمر الأول یدل علی وجوب متعلقه مطلقاً.

ص: 367


1- . عدّ الأقوال «اثنین» فی روض الجنان و حاشیة السلطان و الوافیة و هدایة المسترشدین و «ثلاثة» فی فوائد الأُُصول و أُصول الفقه و «أربعة» فی منتهی الأصول. أکثر الفقهاء و الأُصولیین علی أنّ القضاء بأمر جدید. أمّا الکتب الفقهیة فقد قال به فی تذکرة الفقهاء، ج4، ص408 و مختلف الشیعة، ج2، ص70 و منتهی المطلب، ج2، ص189 و إیضاح الفوائد، ج1، ص325 و روض الجنان، ص128 و جامع المقاصد، ج1، ص486 و رسائل الکرکی، ج2، ص52 و مجمع الفائدة و مدارک الأحکام، ج1، ص342 و مشارق الشموس و کشف اللثام و الحدائق الناضرة و ریاض المسائل و عوائد الأیام و مستند الشیعة و جواهر الکلام و کتاب الصوم للشیخ الأنصاری و مصباح الفقیه و غیرها. و أمّا الکتب الأصولیة فقد قال به فی الذریعة، ج1، ص80 و العدة ط.ج. ج1، ص210 و مبادئ الوصول، ص117 و القواعد و الفوائد، ج2، ص229 و حاشیة السلطان، ص279 و فرائد الأُصول، ج1، ص393 و أوثق الوسائل، ص64 و تقریرات الشیرازی (قدس سره) ، ج2، ص180 و فوائد الأُصول، ج1، ص237 و دراسات فی علم الأُصول، ج1، ص234 و أُصول الفقه، ج1، ص96. ففی الأوّل: «إنّ القضاء لایتبع فی وجوبه وجوب المقضی بل هو منفصل عنه و قد یجب کل واحد من الأمرین و إن لم یجب الآخر ألا تری أنّ الحائض یلزمها قضاء الصوم و إن لم یکن الأداء علیها واجباً و الجمعة إذا فاتت لایجب قضاءها و إن وجب أداءها». و فی الثانی: «إن ّالقضاء فرض ثان یحتاج إلی دلیل مستأنف و لیس ما دلّ علی وجوب الفعل دلّ علی قضائه» الخ. و فی الثالث: «الحق أنّ الأمر إن کان مقیداً بوقت و لم یفعل فیه لایقتضی وجوب القضاء و إنّما یجب القضاء بأمر جدید». و فی الرابع: «الإخلال بالفعل لایستعقب القضاء إلّا بأمر جدید و قد نصّ علی قضاء عبادات و استدراکها». و فی هدایة المسترشدین، ص312 عبر عن هذا القول ب- «المعروف بینهم» و قال فی الوافیة فی الأُصول، ص84: قوّاه الأکثر. هذا عندنا . أمّا القول الثانی و هو التبعیة مطلقاً فلم نجد له قائلاً من أصحابنا. أمّا القول الثالث ففی وسیلة الوصول إلی حقائق الأُُصول، 242: «و الحق التفصیل بین ما إذا ثبت التوقیت بدلیل متصل کصم یوم الخمیس فلایدلّ علی مطلوبیة الفعل فی خارج الوقت و بین ما إذا ثبت التوقیت بدلیل منفصل کما إذا قال: صم ثم قال: ولیکن الصوم یوم الخمیس فإنّه یدل علی مطلوبیة أصل الفعل فی خارج الوقت». و أمّا القول الرابع و هو مختار صاحب الکفایة فقد ذهب إلیه المحقق البجنوردی (قدس سره) فی منتهی الأُصول، ج1، ص230 أیضاً.

القول الثانی: عدم دلالة الأمر الأول علی وجوب متعلقه خارجَ الوقت.

القول الثالث: التفصیل بین کون الدلالة علی التقیید بالزمان بالقرینة المتصلة أو المنفصلة.

القول الرابع: التفصیل بین ما إذا کان دلیل أصل الوجوب مطلقاً و الدلیل علی تقییده بالوقت قرینة منفصلة مجملة فحینئذ یدل علی وجوب القضاء و غیره فلایدل (اختاره صاحب الکفایة و المحقق الخوئی (قدس سرهما) و بعض الأساطین (دام ظله) ).

ص: 368

المطلب الثانی: تحقیق المسألة
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی القول الثالث:

((1))

«إنّه لا فرق فی ما نحن فیه بین القرینة المتصلة و المنفصلة بیان ذلک أنّ القرینة المتصلة کما هی تدل علی التقیید و علی کون مراد المولی هو المقید بهذا الزمان، کذلک القرینة المنفصلة فإنّها [أیضاً] تدل علی تقیید إطلاق دلیل المأمور به و کون المراد هو المقید من الأول فلا فرق بینهما من هذه الناحیة أصلاً. نعم فرق بینهما من ناحیة أُخری و هی أنّ القرینة المتصلة مانعة عن ظهور الدلیل فی الإطلاق و معها لاینعقد له ظهور و القرینة المنفصلة مانعة عن حجیة ظهوره فی الإطلاق دون أصله [و علی أی حال لایجوز التمسک بالإطلاق سواء کانت القرینة متصلة أم منفصلة] ...»

نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) :

((2))

إنّ دلیل التقیید بالوقت إن کان متصلاً بدلیل أصل الوجوب فلا دلالة لدلیل الوجوب علی لزوم الإتیان بالمتعلق فی خارج الوقت لأنّ دلیل التقیید بالوقت یوجب تقیید الوجوب بالحصة الواقعة فی هذا الزمان فی ما إذا کان مبیناً، و أما إذا

ص: 369


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص63؛ ج 3، ص248.
2- کفایة الأُصول، ص144، المقصد الأول، الفصل الحادی عشر «ثم إنّه لا دلالة للأمر بالموقت بوجه علی الأمر به فی خارج الوقت بعد فوته فی الوقت لو لم نقل بدلالته علی عدم الأمر به نعم لو کان التوقیت بدلیل منفصل لم یکن له إطلاق علی التقیید بالوقت و کان لدلیل الواجب إطلاق لکان قضیة إطلاقه ثبوت الواجب بعد انقضاء الوقت و کون التقیید به بحسب تمام المطلوب لا أصله»؛ و اختاره المحقق الخوئی (قدس سره) و وافقه بعض الأساطین ثبوتاً لا إثباتاً.

کان مجملاً فیسری إجماله إلی دلیل أصل الوجوب لاتصاله به

و أما إن کان دلیل التقیید بالوقت منفصلاً عن دلیل أصل الوجوب فهناک صور أربع:

الصورة

الأُولی: أن یکونا مجملین فلا دلالة لدلیل الوجوب علی لزوم الإتیان بالمتعلق خارج الوقت.

الصورة الثانیة: أن یکونا مطلقین فیکون دلیل التقیید بالوقت مقیداً لإطلاق دلیل الوجوب فلا دلالة له علی القضاء خارج الوقت.

الصورة الثالثة: أن یکون دلیل الوجوب مجملاً و دلیل التقیید بالوقت معیناً و حینئذ لا دلالة له علی لزوم الفعل خارج الوقت.

الصورة الرابعة: أن یکون دلیل الوجوب مطلقاً و دلیل التقیید مجملاً فحینئذ مقتضی إطلاق دلیل أصل الوجوب هو ثبوت الوجوب بعد انقضاء الوقت و کون التقیید بالوقت بحسب تمام المطلوب لا أصله.

و صاحب الکفایة (قدس سره) یقول بعدم دلالة دلیل الوجوب علی ثبوت الوجوب خارج الوقت إلا فی الصورة الرابعة.

إیراد بعض الأساطین (دام ظله) :

(1)

إنّ ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) و إن کان صحیحاً ثبوتاً إلا أنّه لایتم بحسب مقام الإثبات لأنّ الارتکازات العرفیة و العقلائیة تقتضی تقیید دلیل الوجوب؛

ص: 370


1- . تحقیق الأُصول، ج3، ص367، الوجوب الموسع و المضیق، الجهة الثانیة، رأی الأُستاذ «و قد وافق الأُستاذ المحقق الخراسانی علی النظریة و أنّها خالیة من الإشکال الثبوتی غیر أنّ مقام الإثبات لایساعد علیها لأنّ مقتضی الارتکازات العرفیة و العقلائیة ورود القید علی أصل الوجوب و أنّه فی غیره لایبقی وجوب... هذا ما ذکره فی الدورة اللاحقة و أما فی الدورة السابقة فقد وافق الکفایة علی أصل النظریة کذلک إلا أنّه خالفه فی إطلاقها فاختار عدم دلالة دلیل الوجوب علی بقائه بعد الوقت بالنسبة إلی المکلف الفاعل المختار و دلالته علی ذلک بالنسبة إلی العاجز و هذا ما أفاده الإیروانی فلیلاحظ».

و التمسک بإطلاق دلیل الوجوب متفرع علی الشک فی بقائه و لکن العقلاء لایشکون فی عدم بقاء إطلاق دلیل الوجوب.

نعم بناءً علی أنّ ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) فی الصورة الرابعة مجرد فرض یمکن وقوعها، لا خلاف فی البین.

ص: 371

المطلب الثالث: مقتضی الأصل العملی
اشارة

فیه وجهان:

إذا علمنا بالوجوب المقید بالوقت و شککنا فی ثبوته خارج الوقت فهل تجری البراءة بالنسبة إلی الوجوب خارج الوقت أو یستصحب نفس الوجوب لأنّ الوجوب قبل خروج الوقت متیقن فنشک فی بقائه بعد الوقت فنستصحبه؟

الوجه الأول: جریان البراءة

إنّ أکثر الأعلام قالوا بجریان البراءة دون الاستصحاب مثل الشیخ و صاحب الکفایة (قدس سرهما)((1)) و الوجه فی ذلک((2)) هو عدم اتحاد القضیة المتیقنة و

ص: 372


1- کفایة الأُُصول، ص144 «و مع عدم الدلالة فقضیة أصالة البراءة عدم وجوبها فی خارج الوقت و لامجال لاستصحاب وجوب الموقت بعد انقضاء الوقت فتدبر جیداً»
2- فرائد الأُصول، ج3، ص203 – 208، المقام الثانی فی الاستصحاب، ینبغی التنبیه علی أُمور، الأمر الثانی «إنّه قد علم من تعریف الاستصحاب و أدلته أنّ مورده الشک فی البقاء و هو وجود ما کان موجوداً فی الزمان السابق و یترتب علیه عدم جریان الاستصحاب فی... و کذا فی المستقر الذی یؤخذ قیداً له... و التحقیق أنّ هنا أقساماٌ ثلاثة:... و أما القسم الثالث و هو ما کان مقیداً بالزمان فینبغی القطع بعدم جریان الاستصحاب فیه و وجهه أنّ الشیء المقید بزمان خاص لایعقل فیه البقاء لأنّ الیقاء وجود الموجود الأول فی الآن الثانی الخ»؛ کفایة الأُصول، ص409، المقصد السابع فی الأُصول العملیة، فصل فی الاستصحاب، ههنا تنبیهات، الرابع «و أما الفعل المقید بالزمان فتارةً یکون الشک فی حکمه من جهة الشک فی بقاء قیده و طوراً مع القطع بانقطاعه و انتفائه من جهة أُخری... فإن کان من جهة الشک فی بقاء القید... و إن کان من الجهة الأُخری فلا مجال إلا لاستصحاب الحکم فی خصوص ما لم یؤخذ الزمان فیه إلا ظرفاً لثبوته لا قیداً مقوماً لموضوعه و إلا فلا مجال إلا لاستصحاب عدمه فی ما بعد ذلک الزمان فإنّه غیر ما علم ثبوته له فیکون الشک فی ثبوته له أیضاً شکاً فی أصل ثبوته بعد القطع بعدمه لا فی بقائه الخ».

المشکوکة((1)) للشک فی تبدل الموضوع لأنّ المتیقن هو الوجوب المقید بالوقت و المشکوک هو الوجوب خارج الوقت.

الوجه الثانی: جریان الاستصحاب
اشارة

و له بیانان:

إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) بعد أن وافق القوم فی عدم جریان الاستصحاب فی نهایة الدرایة قال بإمکان استصحاب شخص الحکم و کلی الحکم فی هامش نهایة الدرایة.((2))

ص: 373


1- فی حقائق الأُُصول، ج1، ص341 عند التعلیقة علی هذه العبارة «و لامجال لاستصحاب وجوب الموقت بعد انقضاء الوقت»: «و الوجه فیه ما سیأتی فی تنبیهات الاستصحاب من أنّ الزمان إذا أُخذ قیداً للفعل کان الفعل المقید به غیر الفعل الواقع فی خارجه فتسریة الحکم من الأوّل إلی الثانی من قبیل تسریة الحکم من موضوع إلی آخر فیکون من القیاس لا من الاستصحاب لأنّه یعتبر فی صحة الاستصحاب وحدة الموضوع لیتحقق الإبقاء الذی هو قوام الاستصحاب» الخ و فی منتقی الأُُصول، ج2، ص512: «قد یتوهم أنّ مقتضی الاستصحاب ثبوت القضاء... لکن نفاه صاحب الکفایة و لم یبین وجهه و لعلّه لأجل و ضوحه فإنّ المعتبر فی الاستصحاب اتحاد القضیة المتیقنة و المشکوکة موضوعاً و الزمان إذا کان مأخوذاً فی المتعلق یکون مقوّماً لا حالةً بنظر العرف بخلاف ما یؤخذ فی الموضوع و المفروض انتفاء الزمان فلا تتحد القضیتان فلایجری الاستصحاب و هذا المعنی یحقق فی محلّه من مسألة الاستصحاب». و فی تحقیق الأُُصول، ج3، ص368: «ذهب الشیخ الأعظم و المحقق الخراسانی و أتباعهم إلی البراءة لعدم جریان الاستصحاب لعدم وحدة الموضوع فقد کان مقتضی الدلیل هو الصلاة فی الوقت و إذا خرج الوقت تغیر الموضوع».
2- فی حقائق الأُصول، ج1، ص341: «أقول: هذا و إن ذکره المصنف و شیخنا الأعظم فی ذلک المقام لکن قد یشکل بأنّه مبنی علی الرجوع فی اتحاد موضوع الاستصحاب إلی الدلیل أما لو کان المرجع فیه العرف فالموضوع فی نظره واحد و یصح أن یقال: کانت الصلاة واجبة فهی علی ما کانت و سیأتی إن شاء الله توضیح ذلک فی محلّه». و فی منتقی الأُُصول، ج2، ص512: «و لکن الحق جریان الاستصحاب فی کلی الوجوب المردد بین الوجوب الضمنی و النفسی الاستقلالی الثابت أوّلاً فیکون من القسم الثانی من استصحاب الکلی و ذلک بناء علی انحلال الأمر بالمشروط لا وحدته الذی هو مبنی جریان البراءة فی المشروط فإنّ الوجوب الثابت للعمل بذاته فی السابق مردد بین الضمنی بناء علی وحدة المطوب و الاستقلالی بناء علی تعدده فیستصحب الکلی الثابت أوّلاً و یترتب علیه أثره من الدعوة و التحریک».
البیان الأول: إستصحاب شخص الحکم
اشارة

((1))

«یمکن أن یقال: أما استصحاب شخص الحکم مع فرض تعلقه بالموقت فیصح لأنّ الموضوع و إن کان بحسب الدلیل بل بحکم العقل هو الموقت بما هو موقت إلا أنّ العبرة فی الموضوع إنّما هو بنظر العرف، و العرف یری أنّ الموضوع هو الفعل و أنّ الوقت من حالاته لا من مقوماته، و لا قطع بخطأ نظر العرف إلا بلحاظ حال الاختیار دون العذر و إلا لم یکن معنی للشک و التکلم فی استصحاب الحکم.

مضافاً إلی ما مر مراراً من أنّ الخصوصیة المأخوذة فی الواجب تارةً تکون مقومة للمقتضی بحیث یکون الخاص واجباً و أُخری تکون دخیلة فی فعلیة الغرض و مثلها یکون شرطاً للواجب؛ فعلی الأول یکون المقید بما هو [مقید] واجباً نفسیاً و علی الثانی یکون الواجب النفسی مقیداً فمعروض الوجوب النفسی حینئذ ذات الفعل و إنما قید الواجب بتلک الخصوصیة لدخلها فی الغرض، فیکون تحصیلها واجباً بوجوب مقدمی

و علیه نقول: إنّ خصوصیة الوقت ظاهراً کخصوصیة الطهارة و التستر و الاستقبال شرط للواجب لا إنّ المتخصص بها واجب؛ و حینئذ فمعروض

ص: 374


1- نهایة الدرایة، ج2، ص283 و 284، التعلیقة 145 علی هذه العبارة «و لا مجال لاستصحاب وجوب الموقت»، الهامش.

الوجوب علی فرض بقائه نفس الفعل فیستصحب للشک فی دخالة الخصوصیة مطلقاً.»

إیراد بعض الأساطین (دام ظله) علیه:

((1))

لابدّ فی الاستصحاب من وحدة الموضوع بین القضیة المتیقنة و المشکوکة و الموضوع فی القضیة المتیقنة هو الواجب الموقت لا ذات الواجب لأنّ الواجب إما مطلق بالنسبة إلی الوقت و إما مقید و إما مهمل.

أمّا الإهمال فی موضوع الحکم الشرعی فمستحیل و أما الإطلاق فخلاف الفرض أیضاً فالواجب مقید بالوقت و هو الموضوع فی القضیة المتیقنة و الموضوع فی القضیة المشکوکة هو ذات الواجب.

ملاحظتنا علی هذا الإیراد:

إنّ ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) مبنی علی أن یکون الوقت شرطاً للواجب و دخیلاً فی فعلیة الغرض فیکون تمام نظر العرف إلی ذات الفعل و یری الوقت من حالات الفعل و ما أفاده المستشکل (دام ظله) ناظر إلی تقیید الفعل بالوقت شرعاً و لا کلام فیه بل الکلام فی الموضوع عند العرف لا عند الشرع، و ملاک وحدة الموضوع فی الاستصحاب هو نظر العرف.

مع أنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) صرح بأنّ هذا النظر العرفی یکون بلحاظ حال العذر لا حال الاختیار.

ص: 375


1- تحقیق الأُصول، ج3، ص369، الوجوب الموسع و المضیق، الجهة الثالثة «و فیه أنّ الملاک فی وحدة الموضوع و عدمها فی الاستصحاب هو نظر العرف و الموضوع فی ما نحن فیه هو الصلاة مع الطهارة لا ذات الصلاة الخ».
البیان الثانی: استصحاب کلی الحکم
اشارة

((1))

قال (قدس سره) : «یمکن تصحیحه علی القسم الثانی من القسم الثالث بتقریب أنّ شخص الحکم له تعلق بالذات بالموقت و بالعرض بالفعل، فطبیعی الحکم له تعلق بالعرض بکل ما یتعلق به شخص الحکم ذاتاً و عرضاً و لازمه تعلق الحکم الکلی بالفعل الکلی بالعرض بواسطتین کما لایخفی.»

ملاحظة علیه:

و ما أفاده (قدس سره) فی استصحاب کلی الحکم هو استدراک لما أفاده فی متن نهایة الدرایة حیث قال:((2)) « لایقال: إذا تعلق شخص الحکم بطبیعی الفعل - و لو بالتبع - فقد تعلق طبیعی الحکم المتحقق بتحقق شخصه أیضاً به».

فأجاب عنه بأنّ تبعیة طبیعی الحکم لشخصه تقتضی تعلقه بما تعلق به فرده و لیس هو إلا الموقت و لکن هنا صحح تعلق کلی الحکم بذات الفعل و ذلک مبنی علی جریان استصحاب القسم الثانی من القسم الثالث فمع القول بعدم جریانه لامجال لاستصحاب الکلی فی هذا المقام.

ص: 376


1- نهایة الدرایة، ج2، ص284، الهامش.
2- نهایة الدرایة، ج2، ص2850.
المطلب الرابع: ثمرة المسألة

((1))

قال المحقق الخوئی (قدس سره) : « لابدّ من فرض الکلام فی ما نحن فیه أما مع قطع النظر عن جریانهما [قاعدة الحیلولة و قاعدة الفراغ] أو فی ما إذا لم تجریا کما إذا فرض أنّ شخصاً توضأ بمائع معین فصلی ثم بعد مضی الوقت حصل له الشک فی أنّ هذا المائع الذی توضأ به هل کان ماءً لیکون وضوءه صحیحاً أو لم یکن ماءً لیکون وضوءه فاسداً أو فرض أنّه صلی إلی جهة ثم بعد خروج الوقت شک فی أنّ القبلة هی الجهة التی صلی إلیها أو جهة أُخری و هکذا؛ ففی أمثال ذلک لایجری شیء منهما [أی قاعدة الحیلولة و قاعدة الفراغ] أما قاعدة الحیلولة فلأنّ موردها الشک فی أصل وجود العمل [أی إتیان الصلاة] فی الخارج و تحققه لا فی ما إذا کان الشک فی صحته و فساده بعد الفراغ عن أصل وجوده [و العلم بوقوع الصلاة قطعاً؛ فلاتجری فی ما نحن فیه]»

و أما قاعدة الفراغ فهی و إن کانت جاریة فی مورد الشک فی کیفیة إتیان الصلاة إلا أنّه ورد فی دلیل قاعدة الفراغ التعلیل بالأذکریة حین العمل؛ فإن قلنا بانحصار مورد قاعدة الفراغ فی مورد التعلیل فلاتجری فی ما نحن فیه لأنّ منشأ الشک فی المثالین لیس من موارد أذکریة المصلی حین العمل بل منشؤه الشک فی کون المائع ماءً أو کون الجهة قبلة.

فحینئذ إن قلنا بتبعیة القضاء للأداء فنشک فی فراغ الذمة عن عهدة الأمر الأول فیجری الاشتغال و لابدّ من قضاء الصلاة، و إن قلنا بأنّ القضاء بأمر جدید فنشک فی تعلق الأمر الجدید بوجوب القضاء فتجری أصالة البراءة.

ص: 377


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص68 و 69؛ ج 3، ص254.

الأمر الثالث: جریان الاستصحاب إذا شک المکلف بعد الوقت فی إتیان المأمور به فی وقته

اشارة

إذا ثبت وجوب القضاء (مثل الصلاة) فشک المکلف فی خارج الوقت فی أنّه أتی بالمأمور به فی وقته أو لا فهل یمکن جریان استصحاب عدم الإتیان فیثبت به عنوان فوت الواجب فی وقته؟

و هذا مبنی علی أنّ الفوت أمر وجودی أو أمر عدمی؛ فإن کان أمراً وجودیاً فاستصحاب عدم الإتیان بالواجب فی وقته یکون بالنسبة إلیه أصلاً مثبتاً، و إن کان أمراً عدمیاً فاستصحاب عدم الإتیان یجری فیثبت عنوان الفوت.

نظریة جمع من الأعلام منهم المحقق الخوئی (قدس سره) :

((1))

قال (قدس سره) : «الصحیح هو أنّه [أی الفوت] عنوان وجودی و ذلک للمتفاهم العرفی ضرورة أنّه بنظرهم [أی العرف] لیس عین الترک بل هو بنظرهم عبارظ عن خلو الوقت عن الفعل و ذهاب الواجب من کیس المکلف ... [فلیس أمراً عدمیاً] فعلی هذا الضوء لایمکن إثباته بالاستصحاب المزبور و لا أثر له بالإضافة إلیه أصلاً و علیه فیرجع إلی أصالة البراءة.»

إیرادان من بعض الأساطین (دام ظله) علیها:

((2))

أولاً:((3))إنّ الفوت لو لم یکن عند العرف عدمیاً فلم یثبت کونه وجودیاً عندهم.

ص: 378


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص71 و 72؛ ج 3، ص258، الواجب الموسع و المضیق.
2- تحقیق الأُصول، ج3، ص370.
3- «و ذهب الأُستاذ إلی أنّه و إن کان لغةً کذلک لکن العبرة فی الاستصحاب بنظر العرف و کونه وجودیاً عندهم غیر واضح إن لم یکن عدمیاً».

ثانیاً:((1)) إنّ موضوع وجوب القضاء فی الأدلة الشرعیة لاینحصر فی عنوان الفوت بل الموضوع قد یکون عنوان ترک الواجب و أُخری عنوان نسیانه و ثالثة عنوان عدم الإتیان فیجری الاستصحاب بالنسبة إلیها؛ و إلیک بعض النصوص:

مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَینِ [بْنِ سَعِیدٍ] عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَینَةَ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ (علیه السلام) أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ صَلَّی بِغَیرِ طَهُورٍ أَوْ نَسِی صَلَوَاتٍ لَمْ یصَلِّهَا أَوْ نَامَ عَنْهَا فَقَالَ: «یقْضِیهَا إِذَا ذَکَرَهَا فِی أَی سَاعَةٍ ذَکَرَهَا مِنْ لَیلٍ أَوْ نَهَارٍ» الْحَدِیثَ.((2))

ص: 379


1- «لکن المهم أنّه لیس موضوع وجوب القضاء فی ظواهر النصوص فکما جاء فی بعضها عنوان الفوت کذلک یوجد عنوان النسیان و الترک و عدم الإتیان أیضاً الخ».
2- وسائل الشیعة، ج4، ص274، أبواب المواقیت، الباب57، ح 1 و جاء بعده: «و رواه الکلینی عن علی بن إبراهیم عن أبیه عن ابن أبی عمیر مثله و بإسناده عن الطاطری عن ابن زیاد عن زرارة و غیره عن أبی جعفر (علیه السلام) مثله»؛ و ص 284 و قال بعده «و رواه الکلینی عن علی بن إیراهیم عن أبیه عن ابن أبی عمیر و رواه الشیخ بإسناده عن محمد بن یعقوب مثله» و فیه «قال: یقضیها»؛ و ج 8، ص253، أبواب قضاء الصلوات، الباب 1، ح 1 و فیه «قال: یقضیها» و قال بعده «و رواه الکلینی کما یأتی و بإسناده عن الطاطری عن ابن زیاد عن زرارة و غیره مثله إلا أنّه قال: فی أیة ساعة ذکرها لیلاً أو نهاراً» و ص256 بإسناد الکلینی (قدس سره) و قال بعده «محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن یعقوب مثله»؛ التهذیب، ج2، ص266 «الحسین بن سعید الخ»؛ الاستبصار، ج1، ص286، ح 1 «أخبرنی الشیخ عن أحمد بن محمد عن أبیه عن الحسین بن الحسن بن أبان عن الحسین بن سعید الخ»؛ الکافی، ج3، ص292، باب من نام عن الصلاة أو سها عنها، ح 3 «علی بن إبراهیم عن أبیه الخ»؛ التهذیب، ج2، ص172 و ج 3، ص159 «و عنه [ أی محمد بن یعقوب ] عن علی بن إبراهیم الخ» و فیهما «أو نسی صلاةً». التهذیب، ج2، ص171 «و عنه [ أی الطاطری ] عن ابن زیاد عن زرارة و غیره عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: سئل... قال: یصلیها إذا ذکرها فی أیة ساعة ذکرها لیلاً أو نهاراً».

مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ النَّضْرِ [بن سوید] عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سِنَانٍ وَ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَینِ بْنِ سَعِیدٍ عَنْ فَضَالَةَ عَنِ ابْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) قَالَ: «کُلُّ مَا ((1)) تَرَکْتَهُ مِنْ صَلَاتِکَ لِمَرَضٍ أُغْمِی عَلَیکَ فِیهِ فَاقْضِهِ إِذَا أَفَقْتَ».((2))

ص: 380


1- کذا فی الوسائل و الاستبصار؛ و فی التهذیب «شیء» بدل «ما».
2- وسائل الشیعة، ج8، ص264، أبواب قضاء الصلوات، الباب 4، ح 1؛ التهذیب، ج4، ص244، ح11 «النضر عن عبد الله بن سنان عن أبی عبد الله (علیه السلام) » الحدیث و فیه «صلواتک» بدل «صلاتک»؛ التهذیب، ج3، ص304، ح 13 و الاستبصار، ج1، ص459، ح 13 «فأما ما رواه الحسین بن سعید عن فضالة الخ».

الفصل الثامن: الأمر بالأمر بشیء

اشارة

و فیه بحثان

البحث الأول: هل یکون الأمرُ بالأمر بشیء أمراً بذلک الشیء

البحث الثانی:شرعیة عبادات الصبی

ص: 381

ص: 382

الأمرُ بالأمر بشیء

البحث الأول: هل یکون الأمرُ بالأمر بشیء أمراً بذلک الشیء

اشارة

اختلفت کلمات الأعلام فی أنّ الأمر بالأمر بشیء، أمر بنفس ذاک الأمر الثانی أو أمر بالشیء الذی تعلق الأمر الثانی به أو أمر بهما.

فهناک ثلاثة احتمالات و تظهر الثمرة بالنسبة إلی شرعیة عبادات الصبی حیث ورد فی الکافی:

مُحَمَّدُ بْنُ یعْقُوبَ عَنْ عَلِی بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیرٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنِ الْحَلَبِی عَنْ أَبِی عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِیهِ (علیهما السلام) قَالَ: «إِنَّا نَأْمُرُ صِبْیانَنَا بِالصَّلَاةِ إِذَا کَانُوا بَنِی خَمْسِ سِنِینَ فَمُرُوا صِبْیانَکُمْ بِالصَّلَاةِ إِذَا کَانُوا بَنِی سَبْعِ سِنِینَ».((1)) الْحَدِیثَ.

ص: 383


1- وسائل الشیعة، ج4، ص19، أبواب أعداد الفرائض و نوافلها و ما یناسبها، الباب 3، ح 5 و قال بعده: «و رواه الشیخ بإسناده عن علی بن إبراهیم و بإسناده عن محمد بن یعقوب و رواه الصدوق مرسلاً»؛ الکافی، ج3، ص409، باب صلاة الصبیان و متی یؤخذون بها، ح 1؛ التهذیب، ج2، ص380، ح 1 و الاستبصار، ج1، ص409، ح 6 «علی بن إبراهیم عن أبیه الخ»؛ الفقیه، ج1، ص280 «قال الصادق (علیه السلام) : إنّا... و هم أبناء خمس سنین... أبناء سبع سنین» الحدیث. أما روایة الشیخ بإسناده عن محمد بن یعقوب فلم نجدها و الموجود روایته (قدس سره) لتتمة الحدیث ففی التهذیب، ج4، ص282 و الاستبصار، ج2، ص123 «محمد بن یعقوب عن علی بن إبراهیم عن أبیه...: إنّا نأمر صبیاننا بالصیام إذا کانوا بنی سبع سنین» الحدیث.

و هنا قولان مهمّان:

القول الأول: عن صاحب الکفایة (قدس سره) و بعض الأساطین:

القول الأول: عن صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)) و بعض الأساطین:((2))

قال صاحب الکفایة (قدس سره) : «إنّه لا دلالة بمجرد الأمر بالأمر علی کونه أمراً به [أی بالشیء] و لابدّ فی الدلالة علیه من قرینة علیه.»

و قال بعض الأساطین (دام ظله) : «إنّ الظاهر من الأمر بالأمر بشیء هو أنّ متعلق الأمر الأول هو الأمر الثانی و مطلوبیة هذا الشیء الذی تعلق به الأمر الثانی تحتاج إلی قرینة تدل علیه.»

و التحقیق: یقتضی تمامیة هذا القول، لأنّ الظاهر من الأمر بالأمر هو تعلّق الأمر بنفس ذلک الأمر و أمّا ظهوره فی سرایة الأمر إلی نفس ذلک الشیء فیحتاج إلی قرینة فی مقام الإثبات.

القول الثانی: عن المحقق العراقی (قدس سره) و المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

((3))

إنّ المحقق العراقی (قدس سره) یری وجود کلا الاحتمالین فی مقام الثبوت: الاحتمال الأول هو أن یکون الأمر بنفس الأمر الثانی و الاحتمال الثانی هو أن یکون الأمر فی الحقیقة إلی الشیء الذی تعلق به الأمر الثانی.

ص: 384


1- کفایة الأُصول، ص144، المقصد الأول، الفصل الثانی عشر.
2- تحقیق الأُصول، ج3، ص377، الأمر بالأمر، رأی الأُُستاذ «و أفاد بعض الأساطین بأنّ مقتضی الظهور الأولی کون متعلق الأمر الأول هو الأمر من الثانی الخ».
3- ما أفاده المحقق العراقی و المحقق الخوئی (قدس سرهما) .

و لکن بحسب مقام الإثبات قال:((1))

«کان الظاهر من نحو تلک القضایا و لو بملاحظة قضیة الارتکاز هو الثانی من کون الأمر بالأمر بشیء لمحض التوصل إلی الوجود لا من جهة مطلوبیة أمر الآمر الثانی نفسیاً و إن لم یترتب علیه الوجود فی الخارج.

و علی ذلک فلابأس باستفادة شرعیة عبادة الصبی مما ورد من أمر الأولیاء بأمر الصبیان بإتیان العبادات.»

و صرّح المحقق الخوئی (قدس سره) أیضاً بذلک فقال:((2))

«إنّه [أی الأمر بالأمر بفعل] بحسب مقام الثبوت و الواقع یتصور علی وجوه:

الأول: أن یکون غرض المولی قائماً بخصوص الأمر الثانی باعتبار أنّه فعل اختیاری للمکلف...

الثانی: أن یکون [الغرض] قائماً بالفعل الصادر من المأمور الثانی فیکون الأمر الثانی ملحوظاً علی نحو الطریقیة من دون أن یکون له دخل فی غرض المولی أصلاً و لذا لو صدر الفعل من المأمور الثانی من دون توسط أمر من المأمور الأول لحصل الغرض و لایتوقف حصوله علی صدور الأمر منه... فهذا القسم فی طرف النقیض مع القسم الأول فإنّ غرض المولی فی القسم الأول متعلق بالأمر الصادر من المأمور الأول دون الفعل الصادر من الثانی فیکون المأمور به هو الأمر فقط و فی هذا القسم متعلق بالفعل دون الأمر ... و هذا القسم [أی القسم الثانی] هو الغالب و المتعارف من الأمر بالأمر بشیء لا القسم الأول.

ص: 385


1- نهایة الأفکار، ج1-2، ص399، المقصد الأول، المبحث الثالث عشر.
2- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص73 - 75؛ ج 3، ص261 و 262، الأمر بالأمر بفعل أمر بذلک الفعل أم لا؟

الثالث: أن یکون الغرض قائماً بهما معاً ... ».

ثم قال: «... إنّ الظاهر من الأمر بالأمر بشیء هو القسم الثانی دون القسم الأول و الثالث ضرورة أنّه المتفاهم من ذلک عرفاً ».

یلاحظ علیه:

لم نجد فی إرتکاز العرف دلالةً للأمر بالأمر بالشیء، علی أمر المولی بذلک الشیء، کما أنّ الأغلبیة لا یوجب الحمل علی ذلک.

ص: 386

البحث الثانی:شرعیة عبادات الصبی

نظریة المحقق العراقی (قدس سره) :

قال (قدس سره) ((1)) بعد إثبات أصل شرعیة عبادات الصبی بالأمر بالأمر به: « نعم هذا المقدار من الشرعیة أیضاً لایفی بإثبات وفاء المأتی به حال الصغر بمصلحة الواجب کی یلزمه الاجتزاء به عن فعل الواجب فی ما لو کان بلوغه بعد الفراغ عن العبادة أو فی أثنائها من جهة أنّ القدر الذی یستفاد من قضیة الأمر بالأمر إنّما هو کون فعلهم فی حال عدم البلوغ مشروعاً و واجداً للمصلحة و أما کون هذه المصلحة من سنخ تلک المصلحة الملزمة الثابتة فی حال البلوغ فلا؛ و من هذه الجهة أیضاً تشبث بعضهم للاجتزاء به و عدم وجوب الإعادة بعد البلوغ بإثبات المشروعیة من جهة نفس الخطابات الأولیة و حاصله إنّما هو دعوی شمول إطلاق الخطابات فی التکالیف مثل ”أقیموا الصلاة“ و نحوه للصبی الذی یبلغ بعد یوم أو نصف یوم أو ساعة، حیث إنّ دعوی انصرافها عن مثل هذا الصبی أیضاً کما تری بعیدة غایته، إذ لایکاد یفرق العرف فی شمول تلک الخطابات بین البالغ سنّه إلی خمس عشرة سنة کاملة و بین من نقص سنّه من ذلک بیوم أو نصف یوم أو ساعة واحدة بل کان العرف یری شمول تلک الخطابات لکل منهما و حینئذ فإذا شمل تلک الخطابات لمثل هذا الصبی یتعدی عنه بمقتضی عدم الفصل إلی من هو دون ذلک فی العمر إلی أن یبلغ فی طرف القلة إلی ست أو سبع سنین فیستفاد من ذلک حینئذ أنّ الصبی الممیز و المراهق کالبالغ ... من

ص: 387


1- نهایة الأفکار، ج1-2، ص399.

حیث اشتمال عباداته علی المصالح الملزمة غایة الأمر بمقتضی دلیل رفع القلم یرفع الید عن جهة إلزام التکلیف ...»

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیها:

((1))

«إنّ الأمر سواء أکان عبارةً عن الإرادة أو عن الطلب أو عن الوجوب أو عن الاعتبار النفسانی المبرز فی الخارج بمبرزما، بسیطٌ فی غایة البساطة؛ و علی هذا فمدلول هذه العمومات سواء أکان طلبَ هذه الأفعال أو وجوبها أو إرادتها أو اعتبارها فی ذمة المکلف، لا محالة یقید بغیر الصبی و المجنون و ما شاکلهما بمقتضی حدیث الرفع لفرض أنّ مفاد الحدیث هو عدم تشریع مدلول تلک العمومات للصبی و نحوه؛ فإذن کیف تکون هذه العمومات دالةً علی مشروعیة عبادته ...

و توهمُ أنّ الوجوب مرکب من طلب الفعل مع المنع من الترک و المرفوع بحدیث الرفع هو المنع من الترک لا أصل الطلب بل هو باق و علیه فتدل العمومات علی مشروعیتها خاطئٌ جدّاً و غیر مطالق للواقع قطعاً.

و الوجه فی ذلک:

أما أولاً فلأنّه... لا شبهة فی أنّه [أی الوجوب] أمر بسیط...

و أما ثانیاً: فلأنّه علی فرض تسلیم أنّ الوجوب مرکب من طلب الفعل مع المنع من الترک، مع ذلک لاتتم هذه النظریة و ذلک لأنّها ترتکز علی أن یبقی الجنس بعد ارتفاع الفصل و هو خلاف التحقیق بل لایعقل بقاءه بعد ارتفاعه کیف فإنّ الفصل مقوم له ...»

ص: 388


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص77 و 78؛ ج 3، ص264 و 265.
إیرادان من بعض الأساطین (دام ظله) علیها:
اشارة

((1))

الإیراد الأول:

إنّ الأمر بالأمر بالشیء لیس أمراً بالشیء حتی یستفاد من ذلک شرعیة عبادات الصبی خلافاً للمحقق العراقی و المحقق الخوئی (قدس سرهما) .

الإیراد الثانی:

لو سلمنا أنّ الأمر عرفاً ظاهر فی الطریقیة فیکون أمراً بالشیء و لکنه لایستفاد منه أزید من تعلق الغرض بهذا الشیء، أما هذا الغرض فلم یثبت أنّه هو الغرض الحاصل من عبادات البالغین کما صرح فی بعض روایات الباب أنّ الغرض هو التعوید (حَتَّی یتَعَوَّدُوا)((2)) فإثبات شرعیة عبادات الصبی مشکل.

ص: 389


1- تحقیق الأُصول، ج3، ص378 «و أما ظهور الأمر عرفاً فی الطریقیة فإنّه لو سلم لایکفی لترتب الثمرة و هو شرعیة عبادات الصبی لأنّ غایة ما یفید ذلک هو تعلق غرض للآمر الأول بذلک بالفعل کالصلاة و لکن هل الغرض هو نفس الغرض فی عبادات البالغین الخ»
2- فی تتمة الحدیث المذکور آنفاً «و نحن نأمر صبیاننا بالصوم إذا کانوا بنی سبع سنین بما أطاقوا من صیام الیوم إن کان إلی نصف النهار أو أکثر من ذلک أو أقل فإذا غلبهم العطش و الغرث أفطروا حتی یتعودوا الصوم و یطیقوه فمروا صبیانکم إذا کانوا بنی تسع سنین بالصوم ما استطاعوا من صیام الیوم فإذا غلبهم العطش أفطروا»

ص: 390

الفصل التاسع: الأمر بعد الأمر

اشارة

ص: 391

ص: 392

الأمر بعد الأمر

إذا ورد الأمر بشیء بعد الأمر به قبل امتثاله فهذا الأمر الثانی تأسیسی أو تأکیدی؟

للمسألة صور:

الصورة

الأُولی: أن لایذکر سبب أصلاً مثل أن یقال: صلّ ثم یقال: صلّ

فإنّ مقتضی إطلاق المادة هو التأکید، لأنّ الطلب تأسیساً لایکاد یتعلق بطبیعة واحدة مرتین من دون أن یجیء تقیید لها فی البین و لو کان بمثل قولهم: «مرة أُخری» حتی یکون متعلق کل منهما غیر متعلق الآخر و إلا یلزم اجتماع المثلین لأنّ صرف الوجود لایتثنی و لایتکرر.

و مقتضی إطلاق الهیأة هو التأسیس فیوجب إتیان الفعل مکرراً لأنّ إنشاء الوجوب یقتضی التأسیس.

و اختار صاحب الکفایة و المحقق الخوئی (قدس سرهما) و الأُستاذ المحقق الوحید الخراسانی (دام ظله) تقدم مقتضی إطلاق المادة و حمل ذلک علی التأکید و الدلیل علی ذلک عند الأستاذ هو أنّ الأمر الثانی لمّا کان قبل امتثال الأمر الأوّل وحصول الغرض منه، فإنّ العرف یفهم منه التأکید للأمر الأوّل، و لا یراه صادراً بداعی

ص: 393

البعث، فکان هذا الفهم العرفی هو الوجه لحمل المادّة علی التأکید.

الصورة الثانیة: أن یذکر السبب لکلا الأمرین، مثل قوله: «إذا طلع الفجر فصلّ» و قوله: «إذا رأیت کسوف الشمس فصلّ»، فهنا لاشبهة فی لزوم تکرار الصلاة، لظهور السبب فی ذلک.

الصورة الثالثة: أن یذکر السبب لأحد الأمرین، مثل قوله: «صلّ» و قوله:«إذا رأیت کسوف الشمس فصلّ»، و القاعدة هنا أیضاً تکرار الصلاة، لأنّ الظاهر حمل الأمر الثانی علی لزوم إتیانه عند حصول السبب الخاصّ، دون الأمر الأول، فإنّه تکلیف آخر لا یرتبط بوجود السبب المذکور.

الصورة الرابعة: أن یذکر قید «مرّة أخری»، فهنا أیضاً لا شبهة فی لزوم إتیان الصلاة مرّة أخری لصراحة الدلیل.

ص: 394

البحث الثانی: « النواهی »

اشارة

فیه ثلاثة فصول

الفصل الأول: معنی صیغة النهی

الفصل الثانی: توجیه اقتضاء النهی لترک جمیع الأفراد

الفصل الثالث: سقوط النهی بالمعصیة

ص: 395

ص: 396

الفصل الأول: معنی صیغة النهی

اشارة

ص: 397

ص: 398

معنی صیغة النهی

إنّ المشهور عند قدماء الأُصولیین هو أنّ الأمر و النهی کلیهما یدلان علی الطلب، و الاختلاف بینهما من ناحیة المتعلق فمتعلق الأمر هو الفعل و متعلق النهی هو الترک علی قول و الکف علی قول آخر.

و لکن أکثر المتأخرین اعترضوا علیهم و قالوا: مدلول النهی یختلف عن مدلول الأمر ذاتاً فهما متغایران بحسب المدلول؛ و لکنهم اختلفوا فی تعیین مدلول النهی علی اتجاهات ثلاثة ﻓ:

هنا خمسة أقوال:

القول الأول: طلب الکف

بعض الأصولیین من القدماء ذهبوا إلی أنّ النهی یدل علی طلب الکف عن الفعل و نسب ذلک إلی الفاضل الجواد (قدس سره) فی شرح الزبدة.

القول الثانی: طلب الترک

اشارة

إنّ مشهور القدماء و بعض المتأخرین مثل صاحب الکفایة ((1))و المحقق

ص: 399


1- کفایة الأصول، ص149، المقصد الثانی، الفصل الأول «الظاهر أنّ النهی بمادته و صیغته فی الدلالة علی الطلب مثل الأمر بمادته و صیغته غیر أنّ متعلق الطلب فی أحدهما الوجود و فی الآخر العدم... نعم یختص النهی بخلاف و هو أنّ متعلق الطلب فیه هل هو الکف أو مجرد الترک و أن لایفعل؟ و الظاهر هو الثانی الخ».

النائینی((1))و المحقق الروحانی ((2)) (قدس سرهم) ذهبوا إلی أنّ النهی یدل علی طلب الترک.

إیرادان علی هذین القولین:
الإیراد الأول:

یلزم من ذلک إدخال معنی الترک أو الکف فی مدلول المادة أو الصیغة مع أنّ کلتیهما عاریتان عن معناهما، أما المادة فلاتدل إلا علی الطبیعة و أما الهیأة فمفادها المعنی الحرفی و معنی الترک أو الکف معنی اسمی فلایمکن أن تدل علیهما الهیأة.

الإیراد الثانی:

إنّ الطلب علی ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ینتزع من الإرادة المظهرة فهو متأخر رتبةً عن إظهار الإرادة بالصیغة.((3))

ص: 400


1- فوائد الأُصول، ج1-2، ص394، الجزء الثانی، المبحث الأول «لا إشکال فی أنّ متعلقات النواهی کمتعلقات الأوامر إنّما هی الطبائع الکلیة و إن کان المطلوب فی باب الأوامر هو وجود الطبیعة و فی باب النواهی هو الترک و لیس المطلوب فی باب النواهی هو الکف الخ»؛ أجود التقریرات، ج2، ص119 و 120.
2- منتقی الأُصول، ج3، ص6، النواهی، الجهة الأُولی «و الذی أفاده صاحب الکفایة عن ذلک أنّها کصیغة الأمر و مادته فی الدلالة علی الطلب و الاختلاف بینهما فی المتعلق... و التحقیق موافقة صاحب الکفایة فی ما ذهب إلیه من الرأی الخ»
3- نهایة الدرایة، ج1، ص267، التعلیقة 146 علی هذه العبارة «الحق کما علیه أهله... هو اتحاد الطلب و الإرادة» قال (قدس سره) : «... إلا أنّ المظنون قویاً أنّ الطلب عنوان لمظهر الإرادة قولاً أو فعلاً فلایقال لمن أراد قلباً: طلبه إلا إذا أظهر الإرادة بقول أو فعل الخ» راجع ص 202 من هذا المکتوب

القول الثالث: الزجر

اشارة

إنّ مشهور المتأخرین مثل المحقق العراقی((1)) و المحقق الإصفهانی((2)) و المحقق البروجردی ((3)) و السید الصدر (قدس سرهم) ((4)) و بعض أکابر الأساطین (دام ظله) ((5)) قالوا: إنّ مدلول النهی و مدلول الأمر متغایران ذاتاً فإنّ النهی یدل علی الزجر و الأمر یدل علی البعث.

ص: 401


1- نهایة الأفکار، ج1-2، ص402، المقصد الثانی، المبحث الأول «الظاهر أنّ مفاد الهیأة فی النهی عبارة عن الزجر عن الطبیعة المعبر عنه بالفارسیة ﺑ” بازداشتن“ قبال الأمر الذی یکون مفاد الهیأة فیه عبارةً عن البعث إلی الطبیعة و الإرسال نحوها الخ».
2- نهایة الدرایة، ج2، ص286، التعلیقة 146 علی هذه العبارة «الظاهر أنّ النهی بمادته و صیغته» قال (قدس سره) : «قد عرفت فی مباحث الأمر أنّ صیغة الأمر للبعث و التحریک بمعنی أنّ الهیأة موضوعة للبعث التنزیلی النسبی بإزاء البعث الخارجی نحو المادة علی ما شرحناه فی مبحث الطلب و الإرادة کذلک صیغة النهی موضوعة للزجر و المنع التنزیلی النسبی بإزاء المنع و الزجر الخارجی».
3- نهایة الأُصول، ص248، المقصد الثانی، الفصل الأول «و الحاصل أنّ الأمر و النهی یشترکان بحسب المتعلق بمعنی أنّ المتعلق فی کلیهما عبارة عن وجود الطبیعة و لکنهما مختلفان بحسب الحقیقة و المبادی و الآثار فحقیقة الأمر هی البعث و التحریک نحو المتعلق و یعبر عنه بالفارسیة واداشتن و حقیقة النهی عبارة عن الزجر و المنع عن المتعلق و یعبر عنه بالفارسیة بازداشتن».
4- بحوث فی علم الأُصول، ج3، ص13، بحوث النواهی، الفصل الأول، الجهة الأُولی «الکلمة الأُولی ما نسبه السید الأُستاذ إلی مشهور المعترضین علی الرأی السابق فی مفاد النهی حیث ذکروا أنّ الأمر یدل علی البعث نحو الطبیعة و التحریک إلیها بینما النهی یدل علی الزجر و التبعید عنها... الکلمة الثالثة ما هو المختار فنقول: إنّ ما قیل فی الکلمة الأُولی من الفرق بین مفاد صیغة النهی و مفاد صیغة الأمر صحیح فکل من الصیغتین لها دلالة تصوریة و تصدیقیة و هما تختلفان فی کلتا الدلالتین علی ما تقدم الخ».
5- تحقیق الأُصول، ج4، ص10، المقصد الثانی، الجهة الأُولی، الرأی المختار «و قد اختار شیخنا فی کلتا الدورتین ما ذهب إلیه جماعة من المحققین کالإصفهانی و العراقی و البروجردی5من أنّ النهی عبارة عن الزجر کما إنّ الأمر عبارة عن البعث».
بیان بعض الأساطین (دام ظله) :

((1))

إنّ الإنسان إذا رأی الفعل و فیه المصلحة یشتاق إلیه تکویناً و یتحرک بنفسه إلیه أو یبعث الغیر نحوه بأن یأمره إلیه، و هکذا إذا رأی الفعل و فیه المفسدة ینزجر عنه تکویناً و یجتنب عنه بنفسه أو یزجر غیره عنه بأن ینهاه عنه؛ فعلی هذا معنی الأمر و النهی هو البعث و الزجر (و یعبر عنهما بالفارسیة ﺑ : وا داشتن و بازداشتن) و الحق هو هذا القول لموافقته الوجدان و للتبادر.

القول الرابع: الکراهة

اشارة

إنّ النهی یدل علی الکراهة کما أنّ الأمر یدل علی الإرادة.

قال المحقق الحائری (قدس سره) :((2)) «و الذی أتعقل من الإنشائیات أنّها موضوعة لأن تحکی عن حقائق موجودة فی النفس، مثلاً هیأة افعل موضوعة لأن تحکی عن حقیقة الإرادة الموجودة فی النفس ...»

إیراد علی هذا القول:

إنّ الإرادة من مبادئ الحکم فلایمکن أن تکون مدلولاً للأمر و قد نشیر إلی ذلک ببیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) قال:((3)) «سرّ هذا التأثیر و التأثر [تأثر القوة العاملة المنبثة فی العضلات من الشوق الحاصل من القوة الشوقیة] أنّ النفس فی

ص: 402


1- تحقیق الأُصول، ج4، ص10 و 11 «و توضیح ذلک أنّه کما فی الإرادة التکوینیة یلحظ الإنسان الشیء کالصلاة مثلاً فیری فیه المصلحة و یتعلق به غرضه فیشتاق إلیه و یتحرک نحوه الخ».
2- درر الفوائد، ج1، ص39، المقصد الأول، الفصل الأول .
3- نهایة الدرایة، ج2، ص73، التعلیقة 32 علی هذه العبارة «فیه أنّ الإرادة تتعلق بأمر متأخر».

وحدتها کل القوی فهی مع وحدتها ذات منازل و درجات ففی مرتبة القوة العاقلة مثلاً تدرک فی الفعل فائدةً ...، و فی مرتبة القوة الشوقیة ینبعث لها شوق إلی ذلک الفعل فإذا لم یجد مزاحماً و مانعاً [أی فی مرتبة کمال الشوق و مرتبة الإرادة] یخرج ذلک الشوق [الذی کان ناقصاً فی المرتبة السابقة] من حد النقصان إلی حد الکمال ... [و یصیر إرادةً] فینبعث من هذا الشوق البالغ حد نصاب الباعثیة هیجان فی مرتبة القوة العاملة فیحصل منها حرکة فی مرتبة العضلات ...» هذا فی الإرادة التکوینیة.

«أما الإرادة التشریعیة فهی علی ما عرفت فی محله((1)) إرادة فعل الغیر منه اختیاراً و حیث إنّ المشتاق إلیه فعل الغیر الصادر باختیاره فلا محالة لیس بنفسه تحت اختیاره بل بالتسبب إلیه بجعل الداعی إلیه و هو البعث نحوه، فلا محالة ینبعث من الشوق إلی فعل الغیر اختیاراً الشوق إلی البعث نحوه فیتحرک القوة العاملة نحو تحریک العضلات بالبعث إلیه، فالشوق المتعلق بفعل الغیر إذا بلغ مبلغاً ینبعث منه الشوق نحو البعث الفعلی کان إرادة تشریعیة و إلا فلا.»((2))

القول الخامس: إبراز الأمر الاعتباری النفسانی

اشارة

هو مختار المحقق الخوئی (قدس سره) ((3))و بیان ذلک: «إنّه إذا حللنا الأمر المتعلق بشیء تحلیلاً موضوعیاً فلانعقل فیه ما عدا شیئین:

أحدهما اعتبار الشارع ذلک الشیء فی ذمة المکلف من جهة اشتماله علی

ص: 403


1- فی حاشیة نهایة الدرایة: و ذلک فی التعلیقة 151، ج1 عند قوله «ثم إنّ تقسیم الإرادة»
2- نهایة الدرایة، ج2، ص 76 .
3- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص85 و 86؛ ج 3، ص274 و 275، المقصد الثانی، الجهة الأُولی.

مصلحة ملزمة، و ثانیهما إبراز ذلک الأمر الاعتباری فی الخارج بمبرز کصیغة الأمر أو ما یشبهها ...

و نتیجة ما ذکرناه أمران:

الأول: أنّ صیغة الأمر و ما شاکلها موضوعة للدلالة علی إبراز الأمر الاعتباری النفسانی ...

الثانی: أنّها [أی صیغة الأمر] مصداق للبعث و الطلب لا أنّهما معناها ...

[و کذا نقول:] إنّا إذا حللنا النهی المتعلق بشیء تحلیلاً علمیاً لانعقل له معنی محصلاً ما عدا شیئین:

أحدهما: اعتبار الشارع کون المکلف محروماً عن ذلک الشیء باعتبار اشتماله علی مفسدة ملزمة و بعده عنه؛ ثانیهما: إبراز ذلک الأمر الاعتباری فی الخارج بمبرز کصیغة النهی أو ما یضاهیها.

و علیه فالصیغة [أی صیغة النهی] أو ما یشاکلها موضوعة للدلالة علی إبراز ذلک الأمر الاعتباری النفسانی لا للزجر و المنع. نعم هی مصداق لهما.

و من هنا یصح تفسیر النهی بالحرمة باعتبار دلالته علی حرمان المکلف عن الفعل فی الخارج کما أنّه یصح تفسیر الأمر بالوجوب بمعنی الثبوت باعتبار دلالته علی ثبوت الفعل علی ذمة المکلف بل هما معناهما لغةً و عرفاً ...

و علی ضوء بیاننا هذا قد ظهر أنّ الأمر و النهی مختلفان بحسب المعنی ... و متحدان بحسب المتعلق ... و الوجه فی ذلک واضح و هو أنّه بناءً علی وجهة نظر العدلیة من أنّ الأحکام الشرعیة تابعة للمصالح و المفاسد فی متعلقاتها فلا محالة یکون النهی کالأمر متعلقاً بالفعل، ضرورة أنّ النهی عن شیء ینشأ عن

ص: 404

مفسدة لزومیة فیه ... و لم ینشأ عن مصلحة کذلک [أی لزومیة] فی ترکه.»

إیراد بعض الأساطین (دام ظله) علیه:

((1))

إنّ الحرمان فی مورد النهی موجود عقلاً و لکنه لیس مدلولاً للنهی؛ و الدلیل علی ذلک هو أنّ الحرمان الاعتباری لاینسبق إلی الذهن من صیغة لاتفعل فلو کان هو مدلول صیغة النهی یلزم أن ینسبق إلی الذهن من صیغة لاتفعل کما أنّه ینسبق إلی الذهن من مادة الحرمان، مع أنّه لیس کذلک.

فیعلم من ذلک أنّ معنی الحرمان من لوازم معنی صیغة النهی و لیس عین معناها.

فتحصّل من ذلک:

أنّ النهی یدل علی الزجر فالصحیح من الأقوال هو القول الثالث.

ص: 405


1- تحقیق الأُصول، ج4، ص10 «و فیه: لا إشکال فی وجود الحرمان فی موارد النهی و أنّه یصح أن یقال بأنّ المکلف قد حرم من الفعل الکذائی لکن محط البحث هو تعیین مفاد النهی مجرداً عن لوازمه الخ».

ص: 406

الفصل الثانی: توجیه اقتضاء النهی لترک جمیع الأفراد

اشارة

ص: 407

ص: 408

توجیه اقتضاء النهی لتر ک جمیع الأفراد

لا خلاف بینهم فی عدم الدلالة اللفظیة الوضعیة لصیغة النهی علی الدوام و التکرار و لکن نری أنّ الأمر إذا تعلق بطبیعة یکتفی بإتیان فرد واحد من أفراد الطبیعة بخلاف النهی فإنّه إذا تعلق بطبیعة فلابدّ من ترک جمیع أفراد الطبیعة المنهی عنها.

و فی توجیه ذلک نظریات أربع:

النظریة الأُولی: من المحقق الخراسانی (قدس سره)

اشارة

((1))

قال: إنّ ذلک لأجل اختلاف حکم العقل بین الأمر و النهی فإنّ مقتضی حکم العقل فی الأوامر هو سقوط الطلب بإیجاد فرد من الطبیعة لأنّ وجود الفرد وجود للطبیعة فمتی تحقق أول فرد للطبیعة حصل الغرض من الأمر فیسقط بامتثاله.

ص: 409


1- کفایة الأُصول، ص149، المقصد الثانی، الفصل الأول «ثم إنّه لا دلالة لصیغته علی الدوام و التکرار کما لا دلالة لصیغة الأمر و إن کان قضیتهما عقلاً تختلف و لو مع وحدة متعلقهما... ضرورة أنّ وجودها یکون بوجود فرد واحد و عدمها لایکون إلا بعدم الجمیع کما لایخفی».

و أما مقتضی حکم العقل فی النواهی هو عدم سقوطه إلا بترک جمیع أفراد الطبیعة لأنّ عدم الطبیعة لایتحقق إلا بعدم جمیع الأفراد.

«و من ذلک یظهر أنّ الدوام و الاستمرار إنّما یکون فی النهی إذا کان متعلقه طبیعةً مطلقة غیر مقیدة بزمان أو حال فإنّه حینئذ لایکاد یکون مثل هذه الطبیعة معدومة إلا بعدم جمیع أفرادها الدفعیة [أی العرضیة] و التدریجیة [أی الطولیة]... » بخلاف ما إذا کان النهی تعلق بطبیعة مقیدة بزمان أو حال، فإنّ الاستمرار و الدوام یکون حینئذ مختصاً بهذا الزمان أو الحال.

إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علیها:

((1))

«[إنّ] ما اشتهر من أنّ تحقق الطبیعة بتحقق فرد و انتفاءها بانتفاء جمیع أفرادها لا أصل له حیث لا مقابلة بین الطبیعة الملحوظة علی نحو تتحقق بتحقق فرد منها و الطبیعة الملحوظة علی نحو تنتفی بانتفاء جمیع أفرادها.»((2))

«[توضیح ذلک] أنّ الطبیعة توجد بوجودات متعددة و لکل وجود عدم هو بدیله و نقیضه، فقد یلاحظ الوجود مضافاً إلی الطبیعة المهملة التی کان النظر مقصوراً علی ذاتها و ذاتیاتها فیقابله إضافة العدم إلی مثلها و نتیجة المهملة جزئیة، فکما أنّ مثل هذه الطبیعة تحقق بوجود واحد کذلک عدم مثلها.

و قد یلاحظ الوجود مضافاً إلی الطبیعة بنحو الکثرة فلکل وجود منها عدم هو بدیله فهناک وجودات و أعدام و قد یلاحظ الوجود بنحو السعة - أی بنهج الوحدة فی الکثرة - بحیث لایشذ عنه وجود فیقابله عدم مثله و هو

ص: 410


1- نهایة الدرایة، ج2، التعلیقة 149 علی هذه العبارة «ضرورة أنّ وجودها یکون».
2- نهایة الدرایة، ج2، ص 290.

ملاحظة العدم بنهج الوحدة فی الأعدام المتکثرة – أی طبیعی العدم - بحیث لایشذ عنه عدم.

و لایعقل أن یلاحظ الوجود المضاف إلی الماهیة علی نحو یتحقق بفردٍما و یکون عدمه البدیل له بحیث لایکون إلا بعدم الماهیة بجمیع أفرادها.»((1))

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) فی توضیح الإیراد:
اشارة

((2))

«بکلمة واضحة: الوجود قد یضاف إلی الطبیعة المهملة... و قد یضاف إلی الطبیعة المطلقة الساریة إلی أفرادها و مصادیقها فی الخارج و قد یضاف إلی الطبیعة بنحو السعة و الإحاطة و الوحدة فی الکثرة.»

«أما الصورة الثالثة((3))... فقد تبین مما تقدم أنّ ... المراد من الوجود السعی کما عرفت هو عدم ملاحظة خصوصیة وجود فرد دون آخر فیه، بل هو مضاف إلی الطبیعة مع إلغاء کل خصوصیة من الخصوصیات و لذا لایغیب و لایشذ عنه أی وجود من وجودات هذه الطبیعة و ینطبق علی کل وجود من وجوداتها بلا خصوصیة فی البین؛ و من هنا یعبر عنه بالوحدة فی الکثرة باعتبار أنّه یلاحظ فیه جهة السعة و الوحدة فی هذه الکثرات.

و مقابل هذا الوجود السعی العدم السعی و هو العدم المضاف إلی الطبیعة مع إلغاء کل خصوصیة من الخصوصیات فیه، و لأجل ذلک هذا عدم لایغیب و لایشذ عنه أی عدم من أعدام هذه الطبیعة و ینطبق علی کل عدم منها من دون

ص: 411


1- نهایة الدرایة، ج2، ص 289.
2- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص100؛ ج 3، ص289، المقصد الثانی، الجهة الأُولی، النقطة الثانیة، المقام الأول.
3- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص104؛ ج 3، ص292.

جهة خصوصیة فی البین و من الواضح أنّه لایکون فی مقابل هذا العدم وجود فرد منها کما أنّه لایکون فی مقابل هذا الوجود عدم فرد منها [و الطبیعة حینئذ ملحوظة علی نحو الإطلاق و العموم البدلی]».

فالألفاظ و إن کانت موضوعة للطبیعة المهملة من تمام الجهات ما عدا النظر إلی ذاتها و ذاتیاتها إلا أنّ الشارع فی مقام جعل الحکم علیها لابدّ أن یلاحظها علی أحد الأنحاء الثلاثة المذکورة لاستحالة الإهمال فی الواقع، فلا محالة إما یلاحظها علی نحو الإطلاق و السریان أی العموم الاستغراقی أو علی نحو العموم البدلی أو العموم المجموعی فلا رابع لها؛ و علی جمیع هذه التقادیر و الفروض لا فرق بین الحکم التحریمی و الوجوبی أصلاً.

و المتحصل:

هو أنّ الطبیعة إن أُخذت علی نحو الإطلاق أو العموم الاستغراقی فمطلق وجودها یتوقف علی إیجاد أفرادها تماماً و مطلق ترکها یتوقف علی ترک أفرادها تماماً، و إن أُخذت علی نحو السعة و الوحدة فی الکثرة فیتوقف وجودُها علی وجود أحد أفرادها و ترکُها علی أحد أفراد ترکها، و إن أُخذت علی نحو العموم المجموعی فامتثال الأمر بالطبیعة یتوقف علی إتیان مجموعة الأفراد و امتثال نهیها علی ترک مجموعة الأفراد (کما أنّه لو فرضنا الطبیعة مهملةً یکون المطلوب فی الأمر صرفَ وجودها و هو یتحقق بأول وجوداتها و یکون المطلوب فی النهی صرفَ ترکها و هو یتحقق بأول ترکها).((1))

ص: 412


1- راجع محاضرات فی أُصول الفقه، الطبعة الجدیدة، ج3، ص279.

النظریة الثانیة: ما اختاره المحقق الفشارکی و المحقق الحائری (قدس سرهما)

اشارة

((1))

بیان ذلک أنّ المطلوب صرف الوجود «و هو ناقض العدم الکلی و طارد العدم الأزلی بحیث ینطبق علی أول الوجودات - و نقیضه عدم ناقض العدم [الکلی] و هو بقاء العدم الکلی علی حاله - فلازم مثل هذا الوجود تحقق الطبیعة بفرد و لازم نقیضه انتفاء الطبیعة بانتفاء جمیع أفرادها.» ((2))

إیرادان علی هذه النظریة:
الإیراد الأول: من المحقق الإصفهانی (قدس سره)

«إنّ طارد العدم الکلی لا مطابق له فی الخارج، لأنّ کل وجود یطرد عدمه البدیل له لا عدمه و عدم غیره، فأول الوجودات أول ناقض للعدم و نقیضه عدم هذا الأول و لازم هذا العدم الخاص [أی عدم الوجود الأول] بقاء سائر

ص: 413


1- درر الفوائد، ج1، ص45، المقصد الأول، الفصل الخامس «هیأة افعل تدل بوضع المادة علی الطبیعة اللابشرط من جمیع الاعتبارات... و حیث إنّ الطبیعة اللابشرط حتی من حیث الوجود و العدم لایمکن أن تکون محلاً للإرادة عقلاً یجب اعتبار وجودٍما زائداً علی ما یقتضیه وضع المادة و الهیأة و الوجود المذکور الذی یجب اعتباره عقلاً علی أنحاء:... الثالث أن یعتبر صرف الوجود مقابل العدم الأزلی من دون آمر آخر وراء ذلک... و حیثما لایدل الدلیل علی أحد الاعتبارات یتعین الثالث لأنّه المتیقن من بینها و غیره یشتمل علی هذا المعنی و أمر زائد... و لازم ما ذکرنا الاکتفاء بالمرة سواء أتی بفرد واحد من الطیبعة أم أزید منه لانطباق الطبیعة المعتبرة فیها حقیقة الوجود من دون اعتبار شیء آخر علی ما وجد أولاً فیسقط الأمر الخ» و فی ج 2، ص111 «إنّ التکالیف المتعلقة بالطبیعة علی أنحاء: أحدها أن تتعلق بها باعتبار صرف الوجود أعنی المقابل للعدم المطلق... لأن الأمر بالطبیعة علی هذا النحو یقتضی إیجاد فردٍما منها... و تعلق النهی بها علی هذا النحو یقتضی ترک جمیع الأفراد لأنّ الطبیعة لاتترک إلا بترک جمیع الأفراد»
2- نهایة الدرایة، ج2، ص289، التعلیقة 149 علی هذه العبارة «ضرورة أنّ وجودها یکون».

الأعدام علی حالها، فإنّ عدم الوجود الأول یستلزم عدم الوجود الثانی و الثالث و هکذا لا إنّه عینها [فعلی هذا لازم عدم الوجود الأول هو عدم سائر الوجودات و معناه بقاء العدم الکلی الأزلی]».

الإیراد الثانی:

إن قلنا بأنّ الطبیعة أُخذت مهملة فیکون متعلق الأمر صرف وجود الطبیعة و متعلق النهی صرف ترک الطبیعة و هو یتحقق بأول أفراد الترک فلا ملزم للاجتناب عن سائر الأفراد.

و إن قلنا بأنّ الطبیعة المنهی عنها هو أول الوجودات من الطبیعة فیلاحظ علیه:

أولاً: أنّه ما الدلیل علی تقیید الطبیعة بقید أول الوجودات فی مقام الإثبات؟

ثانیاً: أنّه یلزم من ذلک عدم بقاء النهی فی ما إذا خولف فی أول وجود الطبیعة.

ثالثاً: أنّ النهی لم یتعلق بالطبیعة و لا بأفرادها بل تعلق بأول فرد منها فلا محل لقولهم: انتفاء الطبیعة بانتفاء جمیع أفرادها.

النظریة الثالثة:

اشارة

((1)) من المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((2))

قال: «[إنّ] لازم الإطلاق بمقدمات الحکمة حصول امتثال الأمر بفرد و عدم حصول امتثال النهی إلا بعدم جمیع أفراد الطبیعة المنهی عنها لأنّ الباعث علی الأمر وجود المصلحة المترتبة علی الفعل و الواحد کأنّه لایزید علی وجود

ص: 414


1- و هو الافتراق بین الأمر و النهی من ناحیة المبدأ ( أی المصالح و المفاسد).
2- نهایة الدرایة، ج2، ص290، التعلیقة 149.

الطبیعة عرفاً، و الباعث علی النهی المفسدة المترتبة علی الفعل فتقتضی الزجر عن کل ما فیه المفسدة.»

فالنتیجة أنّ المصلحة فی طرف الأمر قائمة بالوجود الواحد من وجودات الطبیعة أما المفسدة فی طرف النهی فقائمة بمطلق وجود الطبیعة إلا إذا قامت القرینة علی خلاف ذلک.

بیان المحقق الخوئی (قدس سره)

((1))فی توضیح هذه النظریة:

«إنّ قیام مصلحة [أو مفسدة] بطبیعة فی مقام الثبوت و الواقع یتصور علی [أربع] صور: الأُولی أن تکون المصلحة قائمة بصرف الوجود [العموم البدلی] الثانیة أن تکون قائمة بمطلق الوجود علی نحو العموم الاستغراقی الثالثة أن تکون قائمة بمجموع الوجودات علی نحو العموم المجموعی الرابعة أن تکون قائمة بعنوان بسیط متولد من هذه الوجودات الخارجیة. هذا کله بحسب مقام الثبوت» و فی مقام الإثبات إطلاق الأمر یقتضی القسم الأول و إطلاق النهی یقتضی القسم الثانی.

إیرادات ثلاثة علیها:
الإیراد الأول: من المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

((2))

«إنّ هذا الفرق أخص من المدعی فإنّه لایثبت التفرقة بین الأمر و النهی مطلقاً و علی وجهة نظر جمیع المذاهب، حیث إنّه یرتکز علی وجهة نظر مذهب

ص: 415


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص، 95؛ ج 3، ص283 و 284، المقصد الثانی، الجهة الأُولی، النقطة الأُولی.
2- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص96 و 97؛ ج 3، ص285.

من یری تبعیة الأحکام للمصالح و المفاسد فی متعلقاتها و لایجری علی وجهة نظر مذهب من لایری التبعیة کالأشاعرة، فإذن لایجدی مثل هذا الفرق أصلاً.»

جواب عن الإیراد الأول:

إنّ الحق عند الإمامیة تبعیة الأحکام للمصالح و المفاسد و لا عبرة بالمبانی الفاسدة فی أُصول فقهنا.

الإیراد الثانی: من المحقق الخوئی (قدس سره) أیضاً
اشارة

«إنّ هذا الفرق و إن کان صحیحاً فی نفسه إلا أنّه لا طریق لنا إلی إحرازه مع قطع النظر عما هو مقتضی إطلاق الأمر و النهی بحسب المتفاهم العرفی و مرتکزاتهم و ذلک لما ذکرناه غیر مرة من أنّه لا طریق لنا إلی ملاکات الأحکام مع قطع النظر عن ثبوتها.

و علی هذا الضوء فلایمکننا إحراز أنّ المفسدة فی المنهی عنه قائمة بمطلق وجوده و المصلحة فی المأمور به قائمة بصرف وجوده مع قطع النظر عن تعلق النهی بمطلق وجوده و تعلق الأمر بصرف وجوده ...»

جواب بعض الأساطین (دام ظله) عن الإیراد الثانی:

((1))

إنّ المرتکز فی الأذهان فی ما إذا لم تقم قرینة علی خلاف ذلک هو أنّ المصلحة الداعیة إلی جعل الحکم و بعث المکلف مترتبة علی صرف وجود الفعل و

ص: 416


1- تحقیق الأُصول، ج4، ص17، الجهة الثانیة فی الفرق بین الأمر و النهی من جهة الاقتضاء، رأی المحقق الإصفهانی، إشکال المحاضرات، نظر الأُستاذ فی الرأی و الإشکال علیه «و أفاد الأُستاذ بأنّ الأساس فی رأی المحقق الإصفهانی هو الارتکاز فإنّ المرتکز فی الأذهان کون المصلحة مترتبةً علی صرف الوجود و المفسدة مترتبة علی جمیع الوجودات الخ».

المفسدة الموجبة لزجر المکلف مترتبة علی جمیع الوجودات، فإذا أراد من الأمر و النهی غیر ذلک فلابدّ أن ینصب الشارع قرینة علی مراده، و هذا الارتکاز مستند إلی الغلبة و أین هذا من مسألة کشف ملاکات الأحکام؟

الإیراد الثالث: من بعض الأساطین (دام ظله)
اشارة

((1))

إنّ ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) مبنی علی ما هو المرتکز فی الأذهان و هو مستند إلی الغلبة و لکن الحق عدم ثبوت هذه الغلبة بل المطلوب فی الأوامر الندبیة هو جمیع الوجودات؛ فإنّ جمیع الفضائل التی تعلق بها البعث فی الشریعة تکون مصلحتها فی مطلق وجوداتها لا فی صرف وجودها مثل ذکر الله و إکرام المؤمن و إکرام العالم و تحصیل العلم.

ملاحظات علی الإیراد الثالث:
الملاحظة الأُولی: ما أفاده السید الصدر (قدس سره)

(2)

إنّ المدعی غلبة نشوء النواهی العرفیة عن المفسدة لا النواهی الشرعیة و غلبة کون المفسدة انحلالیة بعدد الأفراد.

ص: 417


1- «لکن الإشکال الوارد هو عدم ثبوت هذه الغلبة و یشهد بذلک أنّ الأوامر الواردة فی المندوبات لیس المطلوب فیها صرف الوجود الخ»
2- . بحوث فی علم الأُصول، ج3، ص18، بحوث النواهی، الفصل الأول، الجهة الثانیة «و من هنا قلنا فی بحث المرة و التکرار: إنّ الأصل فی الموضوعات هو الإطلاق الشمولی و الأصل فی المتعلقات هو الإطلاق البدلی و لکنه یوجد استثناءان لذلک أحدهما عن الأصل الأول... و الاستثناء الثانی عن الأصل الثانی فی المتعلقات حیث یستثنی منه متعلقات النواهی فإنّه یستفاد منها أنّ کل فرد من المتعلق موضوع مستقل للحرمة و هو معنی الشمولیة و قرینة ذلک غلبة نشوء النهی عن المفسدة و غلبة کون المفسدة انحلالیة بعدد الأفراد علی ما تقدم شرحه مفصلاً فی أبحاث المرة و التکرار [ ج 2، ص126 ] و قد تعرض السید الأُستاذ إلی هذه القرینة فی المقام و لم یرتضها بل اعترض علیها بأمرین:... و کلا الاعتراضین مما لایمکن المساعدة علیهما... و بهذا یندفع الأمر الثانی أیضاً إذ المدعی غلبة انحلالیة ملاکات النواهی العرفیة لا الشرعیة و هذه الغلبة تستوجب الظهور فی النهی فیکون حجةً لو صدر ذلک النهی عن الشارع أیضاً»
الملاحظة الثانیة:

إنّ ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) مبنی علی ما هو المرتکز فی الأذهان سواء کان منشأ الارتکاز هو الغلبة أم أمراً آخر، فالإشکال فی ثبوت الغلبة لایضر بما أفاده (قدس سره) ما لم یشَک فی هذا الأمر الارتکازی.

الملاحظة الثالثة:

یمکن أن یقال: إنّ الأمثلة المذکورة لایضر بالغلبة حیث إنّ فی تلک الموارد الخاصة دلت القرائن الکثیرة علی مطلوبیة مطلق وجودات الطبیعة، دون سائر الأفعال الندبیة سواء کانت مقیدة بالزمان المخصوص مثل أکل الرمان لیلة الجمعة أم غیر مقیدة مثل أکل خبز الشعیر.((1))

النظریة الرابعة:

اشارة

((2)) من المحقق الخوئی (قدس سره) ((3))

قال: «بیان ذلک هو أنّه لا شبهة فی أنّ الأمر إذا تعلق بطبیعة کالصلاة مثلاً أو

ص: 418


1- قال المؤلف الأُستاذ فی حاشیة تحقیق الأصول عند قوله «أنّ الأوامر الواردة»: «إنّ المصلحة الملزمة قائمة بصرف الوجود کما إنّ المفسدة الملزمة تترتب علی جمیع الوجودات بل الغلبة ثابتة فی المستحبات أیضاً فکیف نلتزم مثلاً باستحباب أکل الرمان لیلة الجمعة مستمراً فی طول اللیل و أمثال ذلک».
2- و هو الافتراق بین الأمر و النهی من ناحیة المنتهی
3- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص106 – 108؛ ج 3، ص295 – 297، المقصد الثانی، الجهة الأُولی، النقطة الثانیة، المقام الثانی.

نحوها فلایعقل أن یراد من المکلف إیجاد تلک الطبیعة بکل ما یمکن أن تنطبق علیه هذه الطبیعة فی الخارج بداهة استحالة ذلک علی المکلف و أنّه لایقدر علی إیجادها کذلک، هذا من ناحیة، و من ناحیة أُخری إنّ الأمر المتعلق بها مطلق و غیر مقید بحصة خاصة من مرة أو تکرار أو غیرهما.

فالنتیجة علی ضوء هاتین الناحیتین هی أنّ مقتضی الإطلاق الثابت بمقدمات الحکمة هو جواز الاکتفاء فی مقام الامتثال بإیجاد فرد من أفرادها أراد المکلف إیجاده فی الخارج.

و ذلک لأنّه بعد استحالة أن یکون المطلوب منه هو إیجاد جمیع أفرادها فی الخارج من العرضیة و الطولیة ضرورة عدم تمکن المکلف من ذلک و تقییدُه بحصة خاصة منها دون أُخری یحتاج إلی دلیل یدل علیه و حیث لا دلیل فی البین فلا مناص من الالتزام بأنّ قضیة الإطلاق هی أنّ المطلوب صرف وجودها فی الخارج.

أو فقل: إنّ المطلوب لایمکن أن یکون جمیع وجودات الطبیعة و بعضُها دون بعضها الآخر یحتاج إلی دلیل، و عند فرض عدمه لا محالة کان المطلوب هو إیجادها فی ضمن فردٍما المنطبق فی الخارج علی أول وجوداتها؛ غایة الأمر یتخیر المکلف فی مقام الامتثال فی تطبیقها علی هذا أو ذاک.

و هذا بخلاف النهی فإنّه إذا ورد علی طبیعة لیس المراد منه حرمان المکلف عن فردٍما منها ضرورةَ أنّ الحرمان منه حاصل قهراً، فالنهی عنه تحصیل للحاصل و هو محال. هذا من جانب؛ و من جانب آخر إنّه لم یقید النهی عنه بحصة خاصة منها بحسب الأفراد العرضیة أو الطولیة، فالنتیجة علی ضوءهما هی أنّ مقتضی الإطلاق الثابت فیه بمقدمات الحکمة هو منع المکلف و حرمانه

ص: 419

عن جمیع أفرادها الدفعیة و التدریجیة ...

و بکلمة واضحة إنّ السبب الموضوعی لاختلاف نتیجة مقدمات الحکمة إنّما هو اختلاف خصوصیات الموارد؛ ففی موردٍ لخصوصیة فیه تنتج مقدمات الحکمة الإطلاق الشمولی و فی مورد آخر لخصوصیة فیه تنتج الإطلاق البدلی مع أنّ الموردین یکونان متحدین بحسب الموضوع و المتعلق. مثلاً فی مثل قوله تعالی: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا)((1)) تنتج المقدمات الإطلاق الشمولی ببیان أنّ جعل الطهور لفردٍما من الماء فی العالم لغو محض فلایصدر من الحکیم فإذن لا محالة یدور الأمر بین جعلِه لکل ما یمکن أن ینطبق علیه هذا الطبیعی فی الخارج و جعلِه لخصوص حصة منه کالماء الکر مثلاً أو الجاری أو نحو ذلک؛ و حیث إنّه لا قرینة علی تقییده بخصوص حصة خاصة فلا محالة قضیة الإطلاق الثابت بمقدمات الحکمة هی إرادة الجمیع فإنّ الإطلاق فی مقام الإثبات کاشف عن الإطلاق فی مقام الثبوت بقانون تبعیة المقام الأول للثانی [أی الإثبات للثبوت] و أما فی مثل قولنا: جئنی بماء فتنتج المقدمات [أی مقدمات الحکمة] الإطلاق البدلی [لعدم إمکان إرادة الإطلاق الشمولی] ...»

إیرادات أربعة علی نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) :
الإیراد الأول: من السید الصدر (قدس سره)

((2))

قال (قدس سره) : «فی موارد متعلقات الأوامر ما أُفید غیر کاف للانتهاء إلی البدلیة و ذلک لأنّنا إذا بنینا علی عدم شرطیة القدرة فی الخطاب أصلاً و افترضنا أنّه شرط

ص: 420


1- سورة الفرقان (25): 48.
2- بحوث فی علم الأُصول، ج3، ص17.

فی مقام الامتثال فقط - کما ادعاه الأُستاذ فی بحث الترتب و إن لم أعهد منه التفریع علیه فی مورد أصلاً - فلا مانع من إطلاق الخطاب لکل أفراد المتعلق؛ غایة الأمر أنّ الامتثال اللازم بحکم العقل یختص بالمقدور منها.

و أما إذا قلنا بأنّ شرطیة القدرة بحکم العقل فحیث إنّ هذا المقید لبی کالمتصل فلاینعقد إطلاق لغیر المقدور من أفراد المتعلق ... و کذلک الحال لو قلنا بأنّ الخطاب یقتضی تقیید المادة بالمقدور منها بل الحال علی ذلک أوضح کما لایخفی.»

الإیراد الثانی: من بعض الأساطین (دام ظله)

((1))

إنّ جمیع الوجودات غیر مقدور و لا معین لمرتبة صرف الوجود من بین سائر المراتب فیلزم إجمال الدلیل و المرجع حینئذ هو الأصل العملی.

الإیراد الثالث: من بعض الأساطین (دام ظله) أیضاً

((2))

إنّ ما أفاده (قدس سره) من أنّ تعلق النهی بصرف الترک تحصیل للحاصل مخالف لما أفاده فی موضع آخر من أنّ المصلحة قد یتصور فی الترک بأن تکون إما فی صرف الترک بنحو العموم البدلی أو فی جمیع التروک بنحو العام الاستغراقی أو فی مجموع التروک بنحو العام المجموعی أو فی المسبب عن جمیع التروک؛ و الطلب یتعلق

ص: 421


1- تحقیق الأُصول، ج4، ص17، رأی المحاضرات، الإشکال علیه «و أورد علیه شیخنا بوجوه: الأول أنّ کل تعین محتاج إلی معین بلحاظ خصوصیة و علیه فما المعین لصرف الوجود عند العجز عن جمیع الوجودات الخ».
2- تحقیق الأُصول، ج4، ص18 «و الثانی أنّ کلامه منقوض بما ذکره فی الجهة الثانیة من أنّ المصلحة قد تکون فی الفعل و الترک و هی فی الترک تتصور علی أربعة أنحاء الخ».

بهذه الأقسام الأربعة لوجود المصلحة فیها و من هذه الأقسام تعلق الطلب بصرف الترک.

الإیراد الرابع: ما أفاده بعض الأساطین (دام ظله) أیضاً
اشارة

((1))

إنّ حقیقة القدرة هی أنّه إن شاء فعل و إن لم یشأ لم یفعل فإذا لم یکن الفعل مقدوراً فترکه أیضاً غیر مقدور؛ و حینئذ إن کان جمیع الوجودات غیر مقدور فجمیع التروک أیضاً لابدّ أن یکون غیر مقدور.

فتحصل من ذلک:

أنّ القول الصحیح من بین الأقوال هو نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) و هو أنّ الإطلاق بمقدمات الحکمة یقتضی حصول امتثال الأمر بفرد واحد و امتثال النهی بترک جمیع أفراد الطبیعة المنهی عنها.

ص: 422


1- «و الثالث أنّ معنی القدرة هی أنّه إن شاء فعل و إن لم یشأ لم یفعل فهی القدرة علی الفعل و الترک و فی کل مورد یکون الفعل غیر مقدور فالترک کذلک الخ».

الفصل الثالث: سقوط النهی بالمعصیة

اشارة

ص: 423

ص: 424

سقوط النهی بالمعصیة

إذا ورد نهی و شک فی سقوطه بعد المعصیة فما مقتضی القاعدة؟

إنّ النواهی الشرعیة علی قسمین:

القسم الأول: قد تکون الطبیعة بصرف وجودها منهیاً عنها بحیث لو خولف فلایبقی النهی مثل التکلم فی الصلاة.

القسم الثانی: قد یکون کل فرد فرد من أفراد الطبیعة منهیاً عنه بحیث لو خولف بعض الأفراد یبقی النهی بالنسبة إلی سائر وجودات الطبیعة مثل شرب الخمر.

فإذا ورد النهی و شککنا أنّه من أی القسمین فهل یسقط هذا النهی بعد المعصیة أو لا؟ هنا ثلاث نظریات:

النظریة الأُولی: من صاحب الکفایة (قدس سره)

(1)

قال (قدس سره) :إنّ مقتضی القاعدة هو بقاء النهی بعد المعصیة عند وجود الإطلاق

ص: 425


1- . کفایة الأُصول، ص150، المقصد الثانی، الفصل الأول «ثم إنّه لا دلالة للنهی علی إرادة الترک لو خولف أو عدم إرادته بل لابدّ فی تعیین ذلک من دلالة و لو کان إطلاق المتعلق من هذه الجهة و لایکفی إطلاقها من سائر الجهات فتدبر جیداً».

من هذه الجهة فحیث لم یقید النهی بالمرّة و غیرها نتمسک بإطلاقها و نحکم ببقائها بعد المعصیة، فإنّ مقتضی أصالة الإطلاق بقاء النهی مطلقاً عصی أم لم یعص، و معنی ذلک تعلق النهی بالطبیعة بنحو العموم الاستغراقی.

النظریة الثانیة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره)

((1))

إنّه (قدس سره) تمسک بالإطلاق بمقدمات الحکمة لإثبات أنّ متعلق النهی هو العموم الاستغراقی کما ذکرناه، فإذا تعلق النهی بکل فرد من أفراد الطبیعة لم یکن مانع من بقاء النهی علی حاله بواسطة عصیانه فی بعض متعلقه لأنّه فی الحقیقة نواه متعددة.

النظریة الثالثة: من المحقق الخوئی (قدس سره)

اشارة

إنّه (قدس سره) یقول:((2)) إنّ المصلحة تقوم بالفعل إما بصرف الوجود و إما بجمیع الوجودات و إما بمجموع الوجودات و إما بعنوان بسیط متحصل من

ص: 426


1- نهایة الدرایة، ج2، ص290، التعلیقة 150 علی هذه العبارة «ثم إنّه لا دلالة للنهی علی إرادة الترک» قال (قدس سره) : «لایذهب علیک أنّ أعدام الطبیعة إذا لوحظت متمایزة بالقیاس إلی نقائضها و رتب الحکم علی کل واحد واحد کما فی العام الاستغراقی لم یکن مانع من بقاء النهی... و إذا لوحظت أعدام الطبیعة بنحو الوحدة فی الکثرة أی عدم الطبیعة بحیث لایشذ عنه عدم الخ».
2- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص114؛ ج 3، ص304 و 305، المقصد الثانی «الجهة الثانیة: إنّ الأمر کما یتعلق بالفعل من ناحیة اشتماله علی مصلحة لزومیة قد یتعلق بالترک کذلک و کما إنّه علی الأول یتصور علی صور کذلک علی الثانی بیان ذلک هو أنّ المصلحة القائمة بالفعل لاتخلو من أن تقوم بصرف وجوده فی الخارج الخ».

الوجودات الخارجیة؛ و هکذا المصلحة تقوم بصرف ترک الطبیعة أو بتمام تروکها أو بمجموع تروکها أو بعنوان بسیط متولد من هذه التروک الخارجیة و مرجع هذه الصور الأربع إلی إیجاب الترک فلا حرمة حینئذ و إن کان الدلیل بصورة النهی، لأنّ النهی ینشأ من المفسدة اللزومیة لا المصلحة اللزومیة، و تروک الإحرام فی الحج من هذا القبیل فإنّها یجب ترکها لا إنّها یحرم فعلها؛ ثم إنّ المفسدة تقوم بالفعل إما بصرف الوجود و إما بجمیع الوجودات و إما بمجموع الوجودات و إما بعنوان بسیط متولد من الوجودات الخارجیة، و هکذا تکون المفسدة أیضاً إما فی صرف الترک و إما فی جمیع التروک و إما فی مجموع التروک و إما فی العنوان البسیط المتولد من التروک فهذه الصور کلها نهی حقیقةً و إن کان مبرزها صیغة الأمر.((1))

أما الأمر المتعلق بالترک فإما ضمنی متعلق بعدم إیجاد شیء فی العبادات [مثل النواهی الواردة عن لبس المیتة أو ما لا یؤکل لحمه أو النجس فی الصلاة فإنّها إرشاد إلی مانعیة هذه الأُمور و لاتدل علی الحرمة التشریعیة، فعلی هذا هذه النواهی لا تنشأ من وجود مفسدة ملزمة بل تقیید الصلاة بترک هذه الأُمور لأجل وجود مصلحة ملزمة فی الترک] ((2)) أو المعاملات و إما استقلالی متعلق

ص: 427


1- محاضرات فی أُصول الفقه، الطبعة الجدیدة، ج3، ص308 «... و العبرة إنّما هی للمبرَز فإنّه إذا کان ناشئاً عن مصلحة فی متعلقه سواء أکان متعلقه فعلاً أم ترکاً فهو أمر حقیقةً و إن کان مبرِزه فی الخارج صیغة النهی و إذا کان ناشئاً عن مفسدة فی متعلقه کذلک فهو نهی حقیقةً و إن کان مبرِزه فی الخارج صیغة الأمر أو ما یشبهها».
2- فی ص 307 «و علی ضوء هذا البیان یظهر حال النواهی الواردة فی أبواب العبادات منها ما ورد فی خصوص باب الصلاة کموثقة سماعة... فإنّ هذه الروایات و إن کانت واردةً بصورة النهی إلا أنّها فی الحقیقة إرشاد الخ».

بعدم إیجاد شیء مستقلاً و تروک الإحرام من هذا القبیل.((1))

و نکتفی مما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) بذکر مثال للأمر الاستقلالی المتعلق بالترک((2)) و هو مورد اضطرار المکلف إلی بعض أفراد الطبیعة فی ما إذا کان المطلوب ترکها فإنّ المصلحة إما فی صرف الترک فحینئذ یسقط التکلیف إذا کان الاضطرار مستوعباً لجمیع الوقت و لایسقط التکلیف إذا لم یکن الاضطرار مستوعباً و إما فی جمیع أفراد الترک فلایسقط التکلیف و إما فی مجموع التروک فیسقط التکلیف لانتفاء المجموع بانتفاء أحد أفراده و إما فی العنوان المسبب من التروک فیسقط التکلیف عند المعصیة لأنّه بالمخالفة لمورد واحد ینتفی حامل الغرض فلا غرض فلایبقی التکلیف.

إیرادات أربعة من بعض الأساطین (دام ظله) علیها:
اشارة

((3))

الإیراد الأول:

((4))

إنّ المصلحة أمر وجودی و لایعقل قیامها بالترک لأنّ قیام الأمر الوجودی بالعدمی غیر معقول.

ص: 428


1- «و نتیجة ما ذکرناه هی أنّ الأمر المتعلق بالترک علی قسمین: أحدهما أنّه أمر ضمنی متعلق... أما القسم الأول فهو بمکان من الکثرة فی أبواب العبادات و المعاملات و أما القسم الثانی فهو قلیل جداً نعم یمکن أن یکون الصوم من هذا القبیل... و من هذا الباب أیضاً تروک الإحرام فی الحج الخ».
2- «أما الکلام فی المورد الأول فتظهر الثمرة بین تلک الصور فی موضعین: الأول فی ما إذا فرض أنّ المکلف قد اضطر إلی إیجاد بعض أفراد الطبیعة فی الخارج التی کان المطلوب ترکها فیه الخ».
3- تحقیق الأُصول، ج4، ص22 – 25، النواهی، الجهة الثالثة، بیان المحاضرات، مناقشة الأُستاذ و رأیه
4- «و لقد أورد علی کلام المحاضرات أولاً قوله بترتب المصلحة علی الترک کترتبها علی الفعل فیه أنّ المصلحة أمر وجودی و قیام الأمر الوجودی بالأمر العدمی غیر معقول الخ».
الإیراد الثانی:

((1))

إنّ الصورة الرابعة و هی قیام المصلحة بالمسبب من التروک غیر معقول لأنّ التروک العدمیة لایکون سبباً للأمر الوجودی.

الإیراد الثالث:

((2))

إنّ الصورة الأُولی و هی تعلق الطلب بصرف الترک خلف لما أفاده (قدس سره) قبلاً من أنّ تعلق الطلب بصرف الترک تحصیل للحاصل.

الإیراد الرابع:

((3))

إنّ ما أفاده (قدس سره) من أنّ تروک الإحرام فی الحقیقة لیست محرمات بل الحق فیه وجوب الترک لا حرمة الفعل مخدوش لأنّ قوله تعالی: (وَحُرِّمَ عَلَیکُمْ صَیدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا)((4))صریح فی الحرمة کما أنّ ظهور قوله تعالی: (لَا تَقْتُلُوا الصَّیدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ )((5))هو الحرمة لظهور هیأة لاتفعل فی الحرمة، و المستفاد من

ص: 429


1- «و ثانیاً جعله المسبب من الأفعال أو التروک هو المتعلق للنهی من الأقسام الأربعة و فیه نظر لأنّ کون التروک سبباً لوجود شیء غیر معقول».
2- «و ثالثاً إنّه قد ذکر سابقاً بأنّ صرف الترک لایقبل تعلق التکلیف لأنّه ضروری الحصول فلو تعلق به الطلب کان من تحصیل الحاصل الخ».
3- «و رابعاً قوله... و جعله تروک الإحرام من هذا القبیل... قال: و إنّ الفقهاء قد تسامحوا حیث عبروا عنها بمحرمات الإحرام و فیه أنّ النصوص ظاهرة فی أنّها محرمات و الحق مع الفقهاء فی تعبیرهم بذلک و رفع الید عن الظهور بلا دلیل غیر صحیح الخ».
4- سورة المائدة ( 5 ): 96.
5- سورة المائدة ( 5 ): 95.

النصوص و ظواهر الروایات((1)) أیضاً حرمة هذه الأفعال لا وجوب ترکها.

ص: 430


1- ذکر فی تحقیق الأُصول ثلاث روایات: الأُولی: عن معاویة بن عمار عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی حدیث قال «إذا فرض علی نفسه الحج ثم أتی بالتلبیة فقد حرم علیه الصید و غیره و وجب علیه فی فعله ما یجب علی المحرم» وسائل الشیعة، ج12، ص417، أبواب تروک الإحرام، الباب 1، ح 7 الثانیة: و عنه عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال «لاتأکل شیئاً من الصید و أنت محرم و إن صاده حلال» ص419، الباب 2، ح 2. الثالثة: عن الحلبی عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال «... فإذا أحرمت فقد حرم علیک الدهن حتی تحل» ص458، الباب 29، ح 1.

فهرس العناوین تفصیلاً

ص: 431

ص: 432

فهرس العناوین تفصیلاً

البحث الأول: الأوامر

(و فیه تسعة فصول)

الفصل الأول: مادة الأمر

(و فیه خمسة أُمور)

—الأمر الأول: معنی مادة «الأمر» (و الکلام فی مواضع ثلاثة) .......................... 19

البحث الأول: معنی «الأمر» لغةً و عرفاً ............................................... 19

المحاولة الأُولی: الاشتراک اللفظی (هنا صورتان) .................................................. 21

المحاولة الثانیة: الاشتراک المعنوی (فهنا تسع نظریات) ...................................... 22

1.الطلب و الشأن و الشیء (و هو مختار العلامة القوچانی (قدس سره) ) ............................. 24

2.الطلب و الفعل و الشیء (و هو مختار المحقق المشکینی (قدس سره) ) ........................... 25

المنافشة علی النظریة الأُولی و الثانیة ......................................................... 25

3.الطلب و الشأن (و هو مختار صاحب الفصول (قدس سره) ) ........................................... 26

مناقشتان علی النظریة الثالثة: ................................................................... 26

4.الطلب و الشیء (و هو مختار المحقق الخراسانی (قدس سره) ) ......................................... 26

مناقشات ثلاث علی النظریة الرابعة: .......................................................... 26

5.الطلب و الفعل (و هو مختار المحقق البروجردی (قدس سره) ) ....................................... 31

إیرادات ثلاثة علی النظریة الخامسة: .......................................................... 32

6.الطلب و ما هو أخص من الشیء و أعم من الفعل (و هو مختار المحقق العراقی و الصدر (قدس سرهما) و بعض الأساطین) 34

ص: 433

ملاحظتان علی النظریة السادسة: ............................................................... 35

7.إبراز الاعتبار النفسانی و ما هو أخصّ من الشیء و أعم من الفعل (و هو مختار المحقق الخوئی (قدس سره) ) 36

مناقشة بعض الأساطین علی النظریة السابعة: ............................................ 37

8.الواقعة التی لها أهمیة فی الجملة (و هو مختار المحقق النائینی (قدس سره) ) ................. 37

بیان المحقق النائینی (قدس سره) ................................................................................ 38

المناقشة الأُولی علی النظریة الثامنة: ما ذکره المحقق الخوئی و الصدر (قدس سرهما) 38

المناقشة الثانیة علی النظریة الثامنة: ما ذکره بعض الأساطین ............... 39

المناقشة الثالثة .................................................................................... 39

9.الإرادة البالغة إلی حدّ الفعلیة (و هو مختار المحقق الإصفهانی و الروحانی (قدس سرهما) ) 39

بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) ............................................................................. 39

مناقشات أربع علی النظریة التاسعة: ................................................... 41

الملاحظة الأُولی: ما ذکره المحقق الصدر (قدس سره) ............................................ 41

جواب عن الملاحظة الأُولی .................................................................. 42

الملاحظة الثانیة: .................................................................................. 43

جوابان عن الملاحظة الثانیة: ................................................................ 43

الملاحظة الثالثة ................................................................................... 44

الملاحظة الرابعة .................................................................................. 45

جواب المحقق الإصفهانی (قدس سره) عن هذه المناقشة: ....................................... 45

ملاحظتان علی بیان المحقق الإصفهانی .................................................. 46

البحث الثانی: معنی «الأمر» اصطلاحاً .................................................. 46

نظریة المشهور: إنّ الأمر اصطلاحا حقیقة فی القول المخصوص أی صیغة الأمر 48

الإیراد الأول علی نظریة المشهور ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) ................ 48

جواب المحقق الإصفهانی عن هذا الإیراد ...................................................... 48

رد المحقق الخوئی (قدس سره) لهذا الجواب .................................................................... 49

ملاحظتنا علی هذا الرد .................................................................................. 50

الإیراد الثانی علی نظریة المشهور: ما ذکره المحقق الخوئی (قدس سره) ............................. 50

البحث الثالث: مقتضی الأصل العملی .................................................. 52

نظریة صاحب الکفایة .................................................................. 52

نظریة بعض الأساطین: ................................................................. 52

ص: 434

—الأمر الثانی: فی اعتبار العلوّ و الاستعلاء (الحق اعتبار العلو و عدم اعتبار الاستعلاء) .......... 53

— الأمر الثالث: دلالة مادّة «الأمر» علی الوجوب (هنا نظریات سبع) .................... 55

النظریة الأُولی: مادّة الأمر حقیقة فی الندب .......................................... 56

إیرادان من المحقق الوحید علیه: .................................................... 56

النظریة الثانیة: الإشتراک المعنوی بین الوجوب و الندب (استدل علیه بوجهین) . 56

الوجه الأول ............................................................................... 57

إیرد علیه .................................................................................. 57

الوجه الثانی ............................................................................... 57

إیراد بعض الأساطین علیه ............................................................ 57

النظریة الثالثة: وضع المادة للوجوب (و استدل علیه المحقق الخراسانی بوجوه ثلاثة) 58

الوجه الأول: التبادر ..................................................................... 58

الإیراد علیه بمنع التبادر ................................................................................. 58

الوجه الثانی: .............................................................................. 58

الوجه الثالث: ............................................................................ 59

الطریق الأول للتمسک بالأیتین علی الوضع للوجوب عن المحقق العراقی (قدس سره) . 60

إیراد المحقق العراقی (قدس سره) علی الاستدلال بهذا البیان: .................................. 61

الطریق الثانی للتمسک بالأیتین عن بعض الأساطین...................................... 61

ملاحظتنا علی هذا الإیراد ........................................................................ 62

بیان بعض الأساطین للاستدلال: .................................................................... 62

إیراد بعض الأساطین علی الاستدلال بهذا البیان: .................................... 63

النظریة الرابعة: انصراف المطلق إلی الواجب ......................................... 66

الإیراد الصغروی عن المحقق العراقی علیه بکثرة استعمال الأمر فی المستحب 66

الإیراد الکبروی ........................................................................... 66

النظریة الخامسة: الإطلاق بمقدمات الحکمة (و نذکر لهذا القول ستة تقریرات) .. 67

الف) التقریر الأوّل: ما ذکره المحقق العراقی (قدس سره) ................................... 67

ب) التقریر الثانی: ما ذکره المحقق العراقی (قدس سره) أیضاً (الأتمیة فی مرحلة التحریک للامتثال) 67

إیرادات ثلاثة من بعض الأساطین علی هذا التقریر: ....................... 68

الإیراد الأول: (نقضاً) ............................................................... 68

الإیراد الثانی: (حلاً) ................................................................. 69

ص: 435

الإیراد الثالث: ...................................................................... 69

ج) التقریر الثالث: ما ذکره المحقق البروجردی (قدس سره) ................................. 70

إیرادات أربع من بعض الأساطین علیه: ....................................... 72

الإیراد الأول .......................................................................... 72

ملاحظتنا علی هذا الإیراد ........................................................ 72

الإیراد الثانی .......................................................................... 72

ملاحظتنا علی هذا الإیراد ........................................................ 73

الإیراد الثالث ........................................................................ 73

ملاحظتنا علی هذا الإیراد ........................................................ 74

الإیراد الرابع: ........................................................................ 74

د) التقریر الرابع: ما نقله المحقق الصدر (قدس سره) ( و هو یترکب من مقدمتین) ... 75

الإیراد الأول علی هذا التقریر (من المحقق الصدر (قدس سره) ) ...................... 76

إیراد الثانی علی هذا التقریر .................................................... 76

ه- ) التقریر الخامس: ما نقله المحقق الصدر (قدس سره) أیضاً ............................ 76

إیراد المحقق الصدر (قدس سره) علیه ........................................................ 77

و) التقریر السادس: ما اختاره المحقق الصدر (قدس سره) ................................... 77

ملاحظتنا علیه ....................................................................... 77

ز) التقریر السابع: و هو المختار ..................................................... 78

التحقیق أنّ هنا ثلاث مراتب: ........................................................ 78

الأُولی: مرتبة مبادی الحکم (فیها بیان بطلان التقریر الأول) .................. 78

الثانیة: مرتبة الحکم الاعتباری (فیها بیان بطلان التقریر الرابع و الخامس) ... 79

الثالثة: مرتبة إبراز الحکم (فیها نبین الحق فی التقریر) ............................ 80

النظریة السادسة: حکم العقل بالوجوب (أفاده المحقق النائینی و الخوئی و المظفر) 81

بیان المحقق النائینی (قدس سره) : .................................................................. 82

إیرادات أربعة علی هذا البیان: .................................................. 82

الإیراد الأول: أفاده بعض الأساطین .............................................. 82

الإیراد الثانی: أفاده بعض الأساطین أیضاً ....................................... 83

الإیراد الثالث: أفاده المحقق الصدر (قدس سره) ............................................ 83

الإیراد الرابع: أفاده المحقق الصدر (قدس سره) أیضاً ...................................... 84

ص: 436

ملاحظة علی الإیراد الرابع ................................................... 84

النظریة السابعة: السیرة العقلائیة (اختاره بعض الأساطین) ...................... 85

مقتضی التحقیق ......................................................................... 89

— الأمر الرابع: فی النسبة بین «الأمر» و «الطلب» (و فیها أقوال أربعة) ............ 91

القول الأول: الأمر مطلق الطلب ......................................................... 91

إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علیه ........................................................ 91

القول الثانی: الأمر الطلب بالقول (و قد استدل علیه بوجهین) ................... 92

الوجه الأوّل: الإجماع المنقول ......................................................... 92

إیرادات ثلاثة علی هذا الوجه ................................................... 92

الوجه الثانی: آیة (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَیئًا أَنْ یقُولَ لَهُ کُنْ فَیکُونُ) ........... 92

إیراد علی هذا الوجه .............................................................. 93

القول الثالث: الأمر الطلب المنشأ (اختاره المحقق الإصفهانی (قدس سره) ) ................... 94

القول الرابع: إنّ مادة الأمر وضعت للطلب المنشأ من الغیر ...................... 95

إیراد علیه ................................................................................. 95

القول الخامس: للمحقق الإصفهانی (قدس سره) فی رسالة الطلب و الإرادة ................... 95

إیراد علیه ................................................................................. 95

القول السادس: عینیة الطلب و الإرادة بأُسلوب آخر (هو القول المختار) ...... 95

— الأمر الخامس: فی تطابق معنی الطلب و الإرادة (فیه تنبیهان) ..................... 97

هل یتحد معناهما أو لا؟ فیه محاولتان ................................................. 97

المحاولة الأُولی: الاتحاد (اختاره المحقق الخراسانی (قدس سره) ) ......................... 97

المحاولة الثانیة: التغایر (و هنا نظریات) ........................................ 98

النظریة الأُولی: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) .................................. 98

النظریة الثانیة: نظریة المختارة ................................................. 98

النظریة الثالثة: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) و اختارها المحقق الخوئی (قدس سره) ........ 99

النظریة الرابعة: نظریة المحقق البروجردی (قدس سره) .............................. 100

یلاحظ علیه ................................................................... 101

النظریة الرابعة: نظریة الأشاعرة (واستدلّوا علیها بوجهین) ........... 101

الوجه الأوّل: الطلب موجود فی الأوامر الامتحانیة دون الإرادة .. 104

ص: 437

إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علیه بالفرق بین الطلب الإنشائی و الحقیقی 105

الوجه الثانی: التکلیف و الطلب الحقیقی تعلّق بإیمان الکفار دون الإرادة 105

إیراد المحقق الخراسانی (قدس سره) علیه بالفرق بین الإرادة التشریعیة و التکوینیة 106

تنبیهان للتحقیق التام حول نظریة الأشاعرة ............................. 108

التنبیه الأوّل: فی الإرادة التکوینیة و التشریعیة (فیه مطلبان) ................ 108

المطلب الأوّل: فی الإرادة التکوینیة (فیه جهتان) ............................. 110

الجهة الأُولی: معنی الإرادة .................................................... 110

بیان الحکیم الزنوزی (قدس سره) .......................................................

110

بیان المحقق الخراسانی و النائینی (قدس سرهما) ..................................... 112

بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) .................................................... 112

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) ........................................................ 113

الجهة الثانیة: الإرادة الإلهیة (و هی قسمان) ............................ 115

الف) الإرادة الذاتیة ........................................................ 115

القول الأوّل: العلم بالنظام الأحسن (اختاره المحقق الخراسانی (قدس سره) ) 118

بیان المحقق الإصفهانی فی وجه تعبیر الحکماء عن إرادته تعالی بالعلم 118

القول الثانی: ابتهاجه ورضاه تعالی بذاته (اختاره المحقق الإصفهانی (قدس سره) ) 119

ب) الإرادة الفعلیة (و لها تفسیرات ثلاثة) ........................... 120

التفسیر الأوّل: ابتهاجه و رضاه بفعله تعالی (اختاره المحقق الإصفهانی (قدس سره) ) 120

ملاحظتنا علی هذا البیان ........................................ 121

التفسیر الثانی: إعمال القدرة و التصدی نحو الشیء (اختاره المحقق الخوئی (قدس سره) ) 121

یلاحظ علیه ......................................................... 121

التفسیر الثالث: الابتهاج البالغ إلی التصدی نحو الشیء ....... 122

ص: 438

المطلب الثانی: فی الإرادة التشریعیة (و لها تفسیران) ........................ 123

التفسیر الأول: الإرادة المتعلقة بفعل الغیر (أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ) .. 123

بیان المحقق الإصفهانی لغویة الإرادة التشریعیة بهذا التفسیر ...... 123

التفسیر الثانی: الإرادة المتعلقة بالاعتبارات الشرعیة (الحق ثبوت الإرادة التشریعیة) 124

التنبیه الثانی: فی الأمر بین الأمرین (لهذه النظریة تقریرات نشیر إلی أربعة منها) 127

التقریر الأوّل: ما أفاده المحقق الطوسی فی التجرید .......................... 130

التقریر الثانی: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) (و اختاره المحقق الخوئی (قدس سره) ) ........ 131

ملاحظتنا علی هذا التقریر ...................................................... 132

التقریر الثالث: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) (یبتنی علی مقدمتین) ........ 137

المقدمة الأُولی: للمجعول بالذات خصیصتان ................................ 138

الخصصیة

الأُولی: إنّه عین الربط ......................................... 138

الخصیصة الثانیة: له انتسابان إلی الفاعل و القابل ..................... 138

المقدمة الثانیة: تبعیة أثر هذا المجعول بالذات لمؤثره فی هاتین الخصیصتین 139

التقریر الرابع: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) فی محاضرات .......................... 141

ملاحظتنا علی هذا التقریر ...................................................... 141

دلیلان علی تعلق الإرادة التکوینیة الإلهیة بأفعال العباد ................. 143

الفصل الثانی: صیغة الأمر (و فیه سبعة أُمور): / 145

— الأمر الأوّل: معنی صیغة الأمر (فیه أقوال نذکر منها سبعة): ..................... 147

القول الأوّل: الترجی و التمنی و التهدید و غیر ذلک ............................. 147

إیراد المحقق الخراسانی (قدس سره) علیه ...................................................... 149

القول الثانی: إنشاء الطلب (اختاره المحقق الخراسانی (قدس سره) ) ......................... 149

إیرادان علی هذا القول (أفادهما بعض الأساطین) ........................... 149

القول الثالث: النسبة الإنشائیة الإیقاعیة (اختاره المحقق النائینی (قدس سره) ) ......... 150

إیراد علیه ............................................................................... 151

القول الرابع: النسبة الإرسالیة الإیقاعیة (اختاره المحقق العراقی (قدس سره) ) .......... 151

إیراد علیه ............................................................................... 152

ص: 439

القول الخامس: النسبة البعثیة (اختاره المحقق الإصفهانی (قدس سره) ) .................... 152

القول السادس: إبراز اعتبار الفعل علی ذمة المکلف (اختاره المحقق الخوئی (قدس سره) ) .. 152

إیرادان من بعض الأساطین علیه ................................................. 153

القول السابع: إبراز النسبة البعثیة (اختاره المحقق الوحید) ................... 154

ملاحظتنا علی هذا القول ........................................................... 154

— الأمر الثانی: الجمل الخبریة فی مقام البعث (و الکلام فی موضعین): .............. 157

الموضع الأوّل: معناها (و فیه نظریات ثلاث) ...................................... 157

النظریة الأُولی: ما اختاره المحقق الخراسانی (قدس سره) و بعض الأساطین ........... 158

النظریة الثانیة: أفادها المحقق العراقی (قدس سره) (و لها تقریبان): ................. 158

التقریب الأوّل .................................................................... 158

التقریب الثانی ..................................................................... 159

ملاحظتنا علیهما .................................................................. 160

النظریة الثالثة: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ....................................... 160

إیراد بعض الأساطین علیها .................................................... 161

الموضع الثانی: دلالتها علی الوجوب ................................................... 161

— الأمر الثالث: الواجب التعبدی و التوصلی ............................................ 161

مقدمة: فی بیان المعانی الأربعة للواجب التوصلی .................................. 164

مقتضی الأصل فی الواجب التوصلی (هنا أربعة مباحث) ........................ 167

المبحث الأول: مقتضی الأصل علی المعنی الأوّل (ما لایعتبر فیه المباشرة) 167

أما مقتضی الأصل اللفظی (هنا قولان) .................................... 167

القول الأوّل: مقتضی الإطلاق کون الواجب توصلیاً (و هو المنسوب إلی المشهور) 167

القول الثانی: مقتضی الإطلاق کون الواجب تعبدیاً (و هو المختار المحقق النائینی و الخوئی و الصدر) 167

بیان المحقق الخوئی ......................................................... 168

أما مقتضی الأصل العملی (هنا نظریات): ................................. 170

النظریة الأولی من المشهور ............................................... 170

النظریة الثانیة من المحقق الخوئی (قدس سره) .................................... 170

یلاحظ علیه .............................................................. 170

ص: 440

النظریة الثالثة تفصیل السید الصدر فی المقام ....................... 171

یلاحظ علیه .............................................................. 171

المبحث الثانی: مقتضی الأصل التوصلی علی المعنی الثانی (ما لا یعتبر فیه الالتفات و الاختیار) 173

أما مقتضی الأصل اللفظی (هنا قولان): .................................... 173

القول الأول: مقتضی الإطلاق سقوط الواجب إذا صدر الفعل بغیر اختیار (و هو مختار المحقق الخوئی (قدس سره) ) 173

القول الثانی: مقتضی الأصل عدم سقوط الواجب إلّا إذا صدر باختیار المکلف (و الأدلة علیه أربعة): 173

الف) الدلیل الأوّل: ماأفاده المحقق النائینی (قدس سره) ....................... 173

إیرادان من المحقق الخوئی (قدس سره) علیه ...................................... 174

ب) الدلیل الثانی: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) أیضاً .................. 175

إیرادات ثلاثة علیه: ...................................................... 175

الإیراد الأول و الثانی: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ...................... 175

الإیراد الثالث: ملاحظتنا علی هذا الوجه ............................. 176

ج) الدلیل الثالث: ما قرّره المحقق الخوئی (قدس سره) بناء علی نظریة المحقق النائینی (قدس سره) 176

إیراد المحقق الصدر (قدس سره) علیه: ............................................. 177

د) الدلیل الرابع: ......................................................... 177

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیه: ............................................. 178

أما مقتضی الأصل العملی (هنا قولان): .................................... 179

الف) القول الأوّل: الاستصحاب (أفاده المحقق النائینی (قدس سره) ) ......... 179

ب) القول الثانی: البراءة (أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ) .................... 179

المبحث الثالث: مقتضی الأصل علی المعنی الثالث (ما لا یعتبر فیه أن یکون فی ضمن فرد سائغ) و متعلق الحرمة علی قسمین: 180

القسم الأوّل: أن تکون الحرمة متعلقة بنفس عنوان الواجب: ....... 180

أما مقتضی الأصل اللفظی ..................................................... 180

بیان أنّ مقتضی الإطلاق التعبدیة .............................................. 180

أما مقتضی الأصل العملی (هنا قولان): .................................... 181

ص: 441

الف) القول الأوّل: الاستصحاب .......................................... 181

ب) القول الثانی: البراءة (و هو مختار المحقق الخوئی (قدس سره) ) ........... 181

القسم الثانی: أن لاتکون الحرمة متعلقة بنفس عنوان الواجب (و فی مسألة اجتماع الأمر و النهی إمّا نقول بالامتناع و إمّا نقول بالجواز(ففی الجواز قولان) ............................................ 182

الف) القول الأوّل: ماأفاده المحقق النائینی (قدس سره) ............................. 182

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیه: .................................................. 183

بیان المحقق الصدر (قدس سره) لهذا الإیراد ........................................... 183

ب) القول الثانی: (و هو المختار) ........................................... 183

المبحث الرابع: الواجب التوصلی بالمعنی الرابع (فیه مقدمة و الکلام فی ثلاث نواحی و تنبیه) 185

تعریف الواجب التوصلی بالمعنی الرابع (هنا تعاریف ثلاثة): ....... 185

التعریف الأوّل: ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) .......................... 185

إیراد المحقق الإصفهانی علیه ........................................... 185

جوابان من المحقق الوحید عن هذا الإیراد: ........................ 186

ملاحظتنا علی هذین الجوابین: ........................................ 187

التعریف الثانی: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) ............................ 187

ملاحظتنا علی هذا التعریف: .......................................... 187

التعریف الثالث: ما لا یعتبر فی صحته قصد القربة (أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ) 188

مقتضی الأصل اللفظی علی المعنی الرابع ...................................... 189

المورد الأول: الإطلاق بمقدمات الحکمة ..................................... 189

الوجه الأوّل: قصد الأمر (و البحث من جهتین) ........................ 189

الجهة الأُولی: هل یمکن تقیید متعلق الأمر بقصد الأمر؟(نتکلم فیها فی مراحل أربع مع ذکر تتمّة) 190

المرحلة الأُولی: تصور الآمر هنا إشکال واحد ........................ 190

إشکال الدور ........................................................ 191

جوابان عن هذا الإشکال ......................................... 191

الجواب الأول: ما أفاده المحقق المشکینی ..................... 191

ص: 442

ردّ بعض الأساطین لهذا الجواب ................................ 191

الجواب الثانی: ما أفاده بعض الأساطین ........................ 192

المرحلة الثانیة: الإنشاء (هنا إشکالات خمسة): ..................... 192

1- الدور ............................................................. 192

جواب المحقق الإصفهانی (قدس سره) عنه: ............................... 193

2- اجتماع المتقابلین (تقدم ما هو متأخر بالطبع) .......... 193

جواب المحقق الإصفهانی عنه ................................. 193

ردّ المحقق العراقی و الوحید لهذا الجواب ................. 194

3- تقدّم الشیء علی نفسه (ما أفاده المحقق النائینی) ..... 194

جواب المحقق الخوئی عنه: .................................... 195

ردّ بعض الأساطین: ............................................. 197

4-کون الأمر محرّکاً إلی محرّکیة نفسه (أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ) 198

جواب عنه ....................................................... 198

5- التسلسل ........................................................ 199

المرحلة الثالثة: الفعلیة (هنا إشکالات أربعة) ....................... 199

الإشکال الأول و الثانی و الثالث ................................. 199

الجواب عن هذه الثلثة (ما ذکرنا فی المرحلة السابقة) ...... 199

الإشکال الرابع: تقدّم الشیء علی نفسه (قرّره المحظقق النائینی) 200

جواب عنه .......................................................... 200

المرحلة الرابعة: الامتثال (هنا إشکالات ثلثة) ....................... 200

1- التکلیف بما لایطاق (أفاده المحقق الخراسانی) ........... 200

2- تقدّم الشیء علی نفسه (قرّره المحقق النائینی) .......... 201

3- کون الأمر محرّکاً إلی محرّکیة نفسه (قرّره بعض الأساطین) 201

تتمّة: بیانان لاستحالة أخذ قصد الأمر فی متعلّق الأمر و إمکانه . 202

البیان الأول: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) .................................... 202

إیراد بعض الأساطین علیه .................................................. 203

البیان الثانی: ما أفاده المحقق العراقی و الخوئی (قدس سرهما) ............... 203

إیرادان من بعض الأساطین علی هذا البیان ....................... 205

جواب عن الإیراد الثانی: (ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) فی محاضرات) ... 206

ص: 443

ردّ لهذا الجواب ................................................................. 207

الجهة الثانیة: علی فرض استحالة التقیید هل یستحیل الإطلاق أو لا؟ (هنا مسألتان): 209

المسألة الأُولی: تقابل الإطلاق و التقیید (هنا قولان): .............. 209

القول الأوّل: تقابل الملکة و عدمها (و هو مختار المحقق النائینی و بعض الأساطین) 209

بیان هذا القول ................................................... 210

القول الثانی: التضاد فی مقام الثبوت و الملکة و عدمها فی مقام الإثبات (و هو المختار المحقق الإصفهانی و الخوئی (قدس سرهما) ) 210

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) لهذا القول ................................ 210

المسألة الثانیة: علی فرض استحالة التقیید هل یمکن الإطلاق أو یستحیل؟ (تکلم فیها علی القولین فی المسألة السابقة) 212

أمّا علی القول الأوّل: فبحسب مقام الثبوت (هنا قولان): ..... 213

1- الملازمة بین استحالة التقیید و استحالة الإطلاق (اختاره المحقق النائینی) 213

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیه ....................................... 213

2- عدم الملازمة (اختاره المحقق الخوئی) ........................ 213

و بحسب مقام الإثبات (قال بعض الأساطین: لایمکن التمسک بأصالة الإطلاق) 215

ملاحظتنا علی هذا القول ......................................... 215

و أمّا علی القول الثانی: ........................................... 216

الوجه الثانی و الثالث و الرابع: قصد مصلحة الفعل و حسنه و محبوبیته (هنا إشکالات خمسة): 218

الإشکال الأوّل: ما أفاده المحقق الخراسانی ........................... 218

جواب المحقق الخوئی عنه: ............................................... 218

الإشکال الثانی: ما أفاده المحقق النائینی ............................. 218

جوابان من المحقق الخوئی عنه: ....................................... 219

جوابان من المحقق الوحید عنه: ...................................... 220

الإشکال الثالث: الدور (أفاده المحقق البروجردی) ................. 221

جوابان من المحقق الوحید عنه: ...................................... 221

ص: 444

الإشکال الرابع: عدم إمکان الامتثال (أفاده المحقق البروجردی (قدس سره) أیضاً) 222

جواب عنه: ................................................................ 222

الإشکال الخامس: لزوم التسلسل (أفاده المحقق البروجردی (قدس سره) أیضاً) 223

الجواب عنه هو الجواب عن الإشکال السابق ..................... 223

الوجه الخامس: قصد الجامع و هو الانتساب إلیه تعالی (مختار المحقق الخوئی (قدس سره) ) 224

إشکال: فی الوجه الخامس .............................................. 224

جواب المحقق الخوئی عنه: ............................................ 225

الوجه السادس: ما یلازم قصد القربة (و هو المنسوب إلی المیرزا الشیرازی) 226

إشکال المحقق النائینی (قدس سره) علیه ......................................... 226

جواب المحقق الخوئی (قدس سره) عنه ............................................ 227

المورد الثانی: نتیجة الإطلاق .................................................... 228

بیان إمکان أخذ قصد القربة فی المتعلق بالأمر الثانی ............... 228

إیرادان من المحقق الخراسانی (قدس سره) علی هذا البیان: ..................... 228

أجوبة خمسة عن الإیراد الثانی: .......................................... 229

الجواب الأول: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) ............................ 229

ردّ لهذا الجواب: .......................................................... 229

الجواب الثانی: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) أیضاً ...................... 229

ردّ لهذا الجواب: (أفاده المحقق الروحانی (قدس سره) ) .......................... 230

الجواب الثالث: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی الشق الأوّل من الإیراد 230

مناقشة المحقق الؤصفهانی فی الشق الأول ........................... 230

ملاحظة علی هذا الجواب: أفادها

المحقق الروحانی (قدس سره) ............. 231

الجواب الرابع: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی الشق الثانی من الإیراد 232

الجواب الخامس: ما أفاده بعض الأساطین فی الشق الثانی ........ 233

ملاحظتنا علی هذا الجواب ............................................. 233

ص: 445

المورد الثالث: الأصل اللفظی الخارجی ..................................... 234

قال بعض الأعلام: إنّ مقتضاه التعبدیة (و استدل علی ذلک بوجوه ثلثة) ... 234

الوجه الأول: قوله تعالی: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِیعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ) 234

إیرادان علی هذا الوجه (ما أفادها المحقق الخوئی (قدس سره) ) ...................... 235

الوجه الثانی: قوله تعالی: (أَطِیعُوا اللَّهَ) الآیة .............................. 236

إیراد علیه ....................................................................... 237

الوجه الثالث: قولهم: (علیهم السلام) «إنّما الأعمال بالنیات» و... ..................... 237

إیراد علیه: ...................................................................... 238

مقتضی الأصل المقامی (و له تقریران): ......................................... 238

التقریر الأوّل: ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) ................................. 240

التقریر الثانی: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) بتبع الشیخ الأنصاری (قدس سره) ..... 240

مقتضی الأصل العملی (هنا مسألتان): .......................................... 241

المسألة الأُولی: هل یجری الاستصحاب أو لا؟ لایجری (نذکر بیانین لعدم الجریان) 243

الف) البیان الأوّل: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) .......................... 243

إیراد الإول من بعض الأساطین علیه: ................................. 244

ملاحظتنا علی هذا الإیراد: .............................................. 244

الإیراد الثانی من بعض الأساطین علیه أیضاً .......................... 245

ب) البیان الثانی: ما أفاده بعض الأساطین ................................ 245

المسألة الثانیة: هل یجری الاشتغال أو البراءة؟ (فیه قولان) ........... 246

الف) القول الأوّل: جریان الاشتغال (اختاره المحقق الخراسانی (قدس سره) ) .... 246

ب) القول الثانی: جریان البراءة الشرعیة (اختاره المحقق النائینی و الإصفهانی و الخوئی و بعض الأساطین) 246

ج) و التحقیق جریان البراءة الشرعیة و العقلیة ........................ 247

التنبیه: هل یکون هذا البحث من مباحث صیغة الأمر؟ ................... 249

بیان المحقق الخراسانی (قدس سره) : ............................................................................. 249

إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علیه .................................................... 249

جواب بعض الأساطین عن هذا الإیراد ......................................... 249

ملاحظتنا علی هذا الجواب ...................................................... 249

ص: 446

— الأمر الرابع: اقتضاء إطلاق الصیغة النفسیة و التعیینیة و العینیة (و الکلام فیه علی نحوین: ما یعمّها و یخصّ کل واحد منها فهنا بحثان) ........................................................................................... 251

البحث الأوّل: ............................................................................... 251

نظریة المحقق الخراسانی ............................................................ 251

إیراد المحقق الإصفهانی علیها ...................................................... 252

جواب المحقق الوحید عن هذا الإیراد: .......................................... 252

البحث الثانی: (و الکلام فیه فی نواحٍ ثلاث) ......................................... 254

الناحیة الأُولی: الوجوب النفسی و الغیری ..................................... 254

استدل المحقق النائینی (قدس سره) علی النفسیة بوجهین ............................... 254

الناحیة الثانیة: الوجوب التعیینی و التخییری ................................. 254

الأقوال فی حقیقته الوجوب التخییری ثلثة و مقتضی الإطلاق علی کل منها الوجوب التعیینی 254

الناحیة الثالثة: الوجوب العینی و الکفائی ...................................... 256

الوجوه فی حقیقة الوجوب الکفائی أربعة و مقتضی الإطلاق علی کل منها الوجوب العینی 257

— الأمر الخامس: الأمر عقیب الحظر (هنا بحثان) ...................................... 257

البحث الأوّل: فی دلالته علی الوجوب ............................................... 259

أما ذکر الأقوال (و العمدة منها أربعة) ......................................... 259

تحقیق المسألة ......................................................................... 262

الموضع الثانی: مقتضی الأصل العملی ................................................. 264

بیان المحقق الوحید: یجری البراءة الشرعیة و العقلیة ...................... 264

— الأمر السادس: المرّة و التکرار (فیه مقدّمتان و تنبیه) .............................. 265

المقدمة الأُولی: فی تفسیر المرّة و التکرار (ههنا أقوال ثلثة): .................... 265

المقدمة الثانیة: فی انحلال الحکم بحسب تعدد الموضوع (الأحکام علی قسمین: تحریمیة و وجوبیة) 266

أمّا فی الأحکام التحریمیة فینحلّ الحکم بلا خلاف ........................... 266

و أمّا فی الأحکام الوجوبیة فقال المحقق الخوئی (قدس سره) : فیه تفصیل ............. 266

إیراد بعض الأساطین: ........................................................... 266

البحث الأوّل: فی دلالة الصیغة علی المرّة أو التکرار .......................... 267

ص: 447

أما الدلالة بالوضع ............................................................... 267

أما الدلالة بالإطلاق .............................................................. 267

البحث الثانی: مقتضی الأصل العملی ............................................ 267

الحق جریان استصحاب عدم التکلیف ........................................ 267

تنبیه: الامتثال بعد الامتثال (هنا نظریتان) ......................................... 268

النظریة الأُولی: ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) .................................... 268

إیراد الأول علی النظریة

الأُولی: عن المحقق الإصفهانی و الخوئی (قدس سرهما) .. 268

إیراد الثانی علی النظریة

الأُولی: عن محقق الصدر (قدس سره) : .................. 269

ملاحظتنا علی الإیراد الثانی ..................................................... 269

النظریة الثانیة: لامجال للامتثال ثانیاَ (أفادها المحقق الخوئی (قدس سره) ) .......... 270

— الأمر السابع: الفور و التراخی (فیه مقدّمة) ........................................... 271

المقدّمة: فی أقسام الواجب من حیث الفور و التراخی ........................... 271

دلالة الصیغة علی الفور أو التراخی: .................................................. 272

أما الدلالة بالوضع .................................................................... 272

أما الدلالة بالإطلاق ................................................................... 272

أدلة القول بدلالة الأمر علی الفوریة (هی وجوه ثلاثة): ........................ 273

الوجه الأوّل: ما أفاده المحقق الحائری (قدس سره) فی کتاب الصلاة .................... 273

إیرادات ثلاثة من بعض الأساطین علیه: .................................... 273

الوجه الثانی: ............................................................................ 274

إیرادان من بعض الأساطین علیه: ............................................ 274

الوجه الثالث: قوله تعالی: (وَسَارِعُوا إِلَی مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّکُمْ) و (فَاسْتَبِقُوا الْخَیرَاتِ) 275

إیرادات أربعة علی هذا الوجه: .............................................. 275

1- الإیراد الأول: ما أفاده المحقق الخراسانی .......................... 275

جواب المحقق الوحید عن هذا الإیراد: ................................ 276

2- الإیراد الثانی: ما أفاده المحقق الخراسانی والحکیم و الخوئی .. 276

جواب المحقق الإصفهانی عنه: ............................................ 277

3- الإیراد الثالث: ما أفاده المحقق الخراسانی و الخوئی (قدس سرهما) و بعض الأساطین 277

ص: 448

4- الإیراد الرابع: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ............................ 278

مقتضی الأصل العملی (الأصل الجاری فی المسألة البراءة) ....................... 278

الفصل الثالث: تعلّق الأمر بالطبیعة أو الفرد (و الکلام فی مقامین) / 279

— المقام الأوّل: التحقیق فی المسألة (هنا نظریات أربع) ............................... 281

النظریة

الأُولی: متعلق الطلب الوجود السعی للطبیعة (أفادها المحقق الخراسانی (قدس سره) ) 281

إیرادات أربعة علیها ................................................................. 282

ملاحظة علی الإیراد الأول ........................................................... 282

النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق النائینی و الشاه آبادی (قدس سرهما) ..................... 284

بیان المحقق النائینی (قدس سره) ................................................................ 284

بیان العلامة الشاه آبادی (قدس سره) : متعلق الطلب الطبیعة بغایة إیجادها ....... 284

إیرادات ثلاثة علی هذه النظریة .................................................. 285

1- الإیراد الأول: ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) .............................. 285

جواب المحقق الإصفهانی (قدس سره) عنه: ............................................... 285

2- الإیراد الثانی ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ............................... 286

3- الإیرادالثالث: .................................................................. 286

النظریة الثالثة: متعلق الطلب الطبیعة التی تلحظ بما هی خارجیة (أفادها المحقق العراقی (قدس سره) ) 286

ملاحظة علیها .......................................................................... 287

النظریة الرابعة: متعلق الأمر الفرد بمعنی وجود الطبیعة (أفادها المحقق الإصفهانی (قدس سره) ) 287

بیان المحقق الإصفهانی ................................................................... 287

— المقام الثانی: ثمرة هذه المسألة (هنا بیانان) ........................................... 290

البیان الأوّل: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) فی إثبات الثمرة ........................ 290

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیه: یجوز اجتماع الأمر و النهی علی القولین ... 291

جوابان عن هذا الإیراد: ............................................................. 292

1- ما أفاده بعض الأساطین: ................................................. 292

ملاحظتنا علی هذا الجواب: ................................................... 292

ص: 449

2- ملاحظتنا علی هذا الإیراد .................................................. 293

البیان الثانی: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) فی إنکار الثمرة ........................... 296

الفصل الرابع: هل یبقی الجواز بعد نسخ الوجوب؟ / 297

(و الکلام فی مقامات ثلاثة)

— المقام الأوّل: إمکان بقاء الجواز ثبوتاً (هنا تقریران للإمکان) ..................... 304

التقریر الأوّل: ماأفاده المحقق العراقی (قدس سره) ............................................. 304

إیرادات ثلثة علی هذا التقریر: .................................................... 304

1- الإیراد الأول: ما أفاده المحقق الخوئی (و هو مبنائی) .................... 304

2- الإیراد الثانی: (و هو مبنائی أیضاً) ............................................. 305

3- الإیراد الثالث: ما أفاده بعض الأساطین .................................. 309

التقریر الثانی: ............................................................................... 305

إیراد علی هذا التقریر ............................................................... 306

تتمّة ...................................................................................... 306

— المقام الثانی: فی ذکر الأدلّة علی البقاء و عدمه ........................................ 307

استدلال علی البقاء فی کلام المحقق العراقی ........................................ 307

إیراد المحقق العراقی علیه: ........................................................ 310

إشکالان من بعض الأساطین علیه: ............................................... 310

— المقام الثالث: مقتضی الأصل العملی (هل یجری الاستصحاب أو لا؟ هنا قولان) 312

القول الأوّل: جریان الاستصحاب (و فی تصویر جریانه نظریات ثلاث) ..... 312

النظریة الأُولی: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) ..................................... 312

النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق الحکیم (قدس سره) ...................................... 312

النظریة الثالثة ......................................................................... 313

القول الثانی: عدم جریانه (و هو نظریة المحقق الخراسانی) .................... 313

الفصل الخامس: الواجب التخییری /315

( فی حقیقته آراء نذکر منها نظریات ثمان)

النظریة الأُولی: الواجب الواحد المعین عند الله تعالی ................................. 317

ص: 450

إیرادان من المحقق الخراسانی (قدس سره) علیها ................................................. 317

النظریة الثانیة: الواجب الواحد المعین الذی یختاره المکلف ......................... 317

إیرادات أربعة من المحقق الخوئی (قدس سره) علیها ............................................ 318

جواب عن الإیراد الرابع .................................................................. 319

النظریة الثالثة: کل من الأطراف واجب تعیینی ولکن یسقط الوجوب بفعل أحدها . 319

إیرادات خمسة علیها: .................................................................... 319

الإیراد الأول: ما أفاده المحقق الخراسانی ............................................ 319

الإیراد الثانی: ما أفاده المحقق الإیروانی .............................................. 320

الإیراد الثالث و الرابع و الخامس: .................................................... 320

النظریة الرابعة: ما أفادها المحقق الخراسانی (قدس سره) (و فی کلامه فرضان أُورد علی کل منهما) ...... 321

إیرادات ثلاثة علی الفرض الأوّل: ....................................................... 322

1- ما أفاده المحقق الإصفهانی ..................................................... 322

2- ما أفاده المحقق الخوئی ......................................................... 324

3- ما أفاده المحقق الخوئی أیضاً .................................................. 324

جواب عن هذا الإیراد: ......................................................... 325

إیرادات خمسة علی الفرض الثانی: .................................................... 325

1- ما أفاده المحقق الإصفهانی ..................................................... 325

2- ما أفاده المحقق الخوئی ......................................................... 325

جواب بعض الأساطین عنه: ................................................... 326

3- ما أفاده المحقق الخوئی أیضاً .................................................. 326

جواب بعض الأساطین عنه: ................................................... 326

4- ما أفاده المحقق الخوئی أیضاً .................................................. 327

5- ما أفاده المحقق الخوئی أیضاً ................................................ 328

النظریة الخامسة: الواجب هو الفرد المردّد (أفادها المحقق النائینی (قدس سره) ) ............. 328

ملاحظتنا علیها (فی تعلق الإرادة و ما شابهما بالفرد المردد أقوال ثلاثة) .... 329

القول الأول: من الشیخ الأنصاری ................................................. 330

القول الثانی: مختار المحقق الخراسانی ........................................... 330

القول الثالث: من المحقق الإصفهانی و تبعه فیه بعض الأساطین ......... 331

ص: 451

النظریة السادسة: تفسیر الوجوب التخییری بالإیجاب الناقص (أفادها المحقق العراقی (قدس سره) ) 332

ملاحظتان علیها ............................................................................ 333

النظریة السابعة: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ........................................... 334

إیرادات خمسة من المحقق الخوئی (قدس سره) علیها: ......................................... 336

الإیراد الأول ................................................................................. 336

جواب عن هذا الإیراد .................................................................... 336

الإیراد الثانی ................................................................................. 337

جوابان عن هذا الإیراد ................................................................... 337

الإیراد الثالث ............................................................................... 337

جواب عن هذا الإیراد .................................................................... 337

الإیراد الرابع ................................................................................ 338

جواب عن هذا الإیراد .................................................................... 338

الإیراد الخامس ............................................................................. 338

جواب عن هذا الإیراد .................................................................... 338

النظریة الثامنة: الواجب جامع انتزاعی (أفادها المحقق الخوئی (قدس سره) ) ................... 339

ملاحظتان علی هذه النظریة ........................................................... 342

تنبیه: فی التخییر بین الأقل و الأکثر ........................................................ 344

بیان المحقق الخراسانی لإمکان التخییر بین الأقل و الأکثر ....................... 344

إیراد المحقق الخوئی علی هذا البیان ............................................. 344

الفصل السادس: الواجب الکفائی /347

(فی حقیقته آراء نذکر منها نظریات ستّ)

مقدّمة: فی احتیاج الأمر إلی الموضوع بناء علی جمیع المبانی ........................... 349

النظریة الأُولی: المکلف الواحد المعین عند الله تعالی ................................... 349

إیراد علیها ................................................................................... 341

النظریة الثانیة: الوجوب المشروط .......................................................... 341

إیراد علیها ................................................................................... 341

النظریة الثالثة: المکلف الفرد المردّد ....................................................... 352

ص: 452

إیراد المحقق الإصفهانی علیها ........................................................... 352

النظریة الرابعة: الأمر متوجه إلی مجموع المکلّفین بنحو العام المجموعی .......... 352

إیرادان من المحقق الإصفهانی علیها: .................................................. 352

النظریة الخامسة: ما أفاده المحقق الخراسانی و الإصفهانی (قدس سرهما) .......................... 353

بیان المحقق الخراسانی: ................................................................... 353

إیراد المحقق الإصفهانی و بیانه: ........................................................ 353

النظریة السادسة: الموضوع صرف الوجود من المکلفین (أفادها المحقق النائینی و الخوئی (قدس سرهما) ) و هنا بیانان: 354

البیان الأول: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) .............................................. 354

إیراد المحقق الإصفهانی علی هذا البیان: ........................................ 355

البیان الثانی: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................ 357

إیراد علی هذا البیان ................................................................. 358

الفصل السابع: الواجب الموسّع و المضیق /363

(فیه أُمور ثلثة)

الأمر الأوّل: فی تصویر الواجب الموسّع و المضیق(قد استشکل فی إمکان کلّ منهما) .... 363

الإشکال فی إمکان الواجب الموسّع (و هو المنقول عن العلامة (قدس سره) ) ............... 363

جواب المحقق الخوئی عن هذا الإشکال: ........................................ 363

الإشکال فی إمکان الواجب المضیق .................................................... 365

جوابان من المحقق الخوئی عن هذا الإشکال ................................... 365

الأمر الثانی: تبعیة القضاء للأداء (فیه مطالب أربعة) ................................... 367

المطلب الأوّل: الأقوال فی المسألة (و هی أربعة) ................................... 367

المطلب الثانی: تحقیق المسألة .......................................................... 369

إیراد المحقق الخوئی علی القول الثالث: ........................................ 369

نظریة المحقق الخراسانی ............................................................ 369

إیراد بعض الأساطین علیها ......................................................... 370

المطلب الثالث: مقتضی الأصل العملی (فیه وجهان) ............................ 372

ص: 453

الوجه الأوّل: جریان البراءة (مختار الشیخ الأنصاری و المحقق الخراسانی (قدس سرهما) ) 372

الوجه الثانی: جریان الاستصحاب (قال بإمکانه المحقق الإصفهانی (قدس سره) ) وله بیانان: 373

البیان الأوّل: استصحاب شخص الحکم ..................................... 374

إیراد بعض الأساطین علیه ................................................ 375

ملاحظتنا علی هذا الإیراد ................................................. 375

البیان الثانی: استصحاب کلی الحکم ......................................... 376

ملاحظة علیه ................................................................. 376

المطلب الرابع: ثمرة المسألة ............................................................. 377

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................................. 377

الأمر الثالث: جریان الاستصحاب إذا شک المکلف بعد الوقت فی إتیان المأمور به فی وقته 378

نظریة جمع من الأعلام منهم المحقق الخوئی: ..................................... 378

إیرادان من بعض الأساطین علیها ..................................................... 378

الفصل الثامن: الأمر بالأمر بشیء / 381

(و فیه بحثان)

البحث الأوّل: هل یکون ذلک أمراً بذلک الشیء؟ (فیه قولان) ........................... 383

القول الأوّل: ماأفاده بعض الأساطین..................................................

384

القول الثانی: ما أفاده المحقق العراقی و الخوئی (قدس سرهما) .................................. 384

البحث الثانی: شرعیة عبادات الصبی ........................................................ 387

نظریة المحقق العراقی: .................................................................. 387

إیراد المحقق الخوئی علیها: ......................................................... 388

إیرادان من بعض الأساطین علیها ................................................. 389

الفصل التاسع: الأمر بعد الأمر / 391

هل الأمر الثانی قبل امتثال الأمر الأوّل تأسیس أو تأکید؟ (للمسألة صور أربع) .. 393

ص: 454

البحث الثانی: النواهی / 395

(و فیه ثلاثة فصول)

الفصل الأوّل: معنی صیغة النهی / 397

(فیه خمسة أقوال)

القول الأوّل: طلب الکف (و هو منسوب إلی الفاضل الجواد (قدس سره) ) ........................ 391

القول الثانی: طلب الترک (و هو مختار المحقق الخراسانی و النائینی و الروحانی) .... 391

إیرادان علی هذین القولین.................................................................

391

القول الثالث: الزجر (و هو مختار المحقق العراقی و الإصفهانی و البروجردی و الصدر و الوحید) 401

بیان بعض الأساطین ........................................................................ 402

القول الرابع: الکراهة (وهو مختار المحقق الحائری (قدس سره) ) ................................... 402

إیراد علی هذا القول: ....................................................................... 402

القول الخامس: إبراز الأمر الاعتباری النفسانی و هو الحرمة (و هو مختار المحقق الخوئی (قدس سره) ) 403

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................................................................ 403

إیراد بعض الأساطین: ....................................................................... 405

الفصل الثانی: توجیه اقتضاء النهی لترک جمیع الأفراد / 407

(فی توجیه ذلک نظریات أربع)

النظریة الأُولی: ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) ............................................... 409

إیراد المحقق الإصفهانی علیها .............................................................. 409

بیان المحقق الخوئی فی توضیح الإیراد .................................................... 411

النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق الفشارکی والحائری (قدس سرهما) ................................. 413

إیرادان علی هذه النظریة .................................................................. 413

الإیراد الأول: ما أفاده المحقق الإصفهانی علیها ......................................... 413

ص: 455

الإیراد الثانی ................................................................................... 414

النظریة الثالثة: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ............................................... 414

بیان المحقق الخوئی فی توضیح هذه النظریة ............................................ 415

إیرادات ثلثة علیها: ..................................................................... 415

الإیراد الأول: ما أفاده المحقق الخوئی ................................................ 415

جواب عنه: .......................................................................... 416

الإیراد الثانی ما أفاده المحقق الخوئی أیضاً ........................................... 416

جواب بعض الأساطین عنه: ...................................................... 416

الإیراد الثالث: ما أفاده بعض الأساطین ............................................. 417

ملاحظات علی هذا الإیراد: ....................................................... 417

النظریة الرابعة: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) .................................................. 418

إیرادات أربعة علیها: ........................................................................ 418

الإیراد الأول: ما أفاده المحقق الصدر ................................................ 418

الإیراد الثانی و الثالث و الرابع: ما أفاده بعض الأساطین .......................... 421

الفصل الثالث: سقوط النهی بالمعصیة / 423

النظریة الأُولی: ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) ................................................ 425

النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ................................................ 426

النظریة الثالثة: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................... 426

إیرادات أربعة علیها (أفادها بعض الأساطین) .......................................... 428

ص: 456

فهرس الآیات

(أَطِیعُوا اللَّهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ) 236

(اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ)................ 148

(أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ إِلَی غَسَقِ اللَّیلِ) 196, 266

(أَلَا إِلَی اللَّهِ تَصِیرُ الْأُمُورُ)........... 40

(أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ)............. 148

(أَمْرُ فِرْعَوْنَ)...................... 44

(إِنَّ اللَّهَ یأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ)..... 65

(إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَیئًا أَنْ یقُولَ لَهُ کُنْ فَیکُونُ) 92

(إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَیئاً أَنْ یقُولَ لَهُ کُنْ فَیکُون) 36

(إِنَّمَا أَمْوَالُکُمْ وَأَوْلَادُکُمْ فِتْنَةٌ)........ 65

(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)............ 195, 196

(جَاءَ أَمْرُنَا)....................... 94

(ذُقْ إِنَّکَ أَنْتَ الْعَزِیزُ)............ 148

(فَاسْتَبِقُوا)...................... 278

(فَاسْتَبِقُوا الْخَیرَاتِ).............. 275

(فَلْیحْذَرِ الَّذِینَ یخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِیبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ یصِیبَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ) 58, 65

(فَلْیحْذَرِ الَّذِینَ یخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ)... 60

(قُلْ تَمَتَّعُوا)...................... 148

(کُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِینَ)............ 148

(لَا تَقْتُلُوا الصَّیدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ )...... 429

(لِلَّهِ عَلَی النَّاسِ حِجُّ الْبَیتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَیهِ سَبِیلًا) 266

(لَیسَ عَلَیکُمْ جُنَاحٌ).............. 87

(مَا مَنَعَکَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُکَ)..... 60

(وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ).......... 88

(وَ مَا کُنَّا مُعَذِّبِینَ حَتَّی نَبْعَثَ رَسُولًا) 61

ص: 457

(وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِی الْأَرْضِ فَلَیسَ عَلَیکُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ) 87

(وَأَسِرُّوا قَوْلَکُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِیمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) 104

(وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِی أَنْفُسِکُمْ أَوْ تُخْفُوهُ یحَاسِبْکُمْ بِهِ اللَّهُ) 104

(وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا)..... 420

(وَحُرِّمَ عَلَیکُمْ صَیدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا) 429

(وَسَارِعُوا إِلَی مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّکُمْ).... 275

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَی بِآیاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِینٍ إِلَی فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِیدٍ) 44

(وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِیعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ) 234

(وَمَا رَمَیتَ إِذْ رَمَیتَ وَلَکِنَّ اللَّهَ رَمَی) 140

ص: 458

فهرس الروایات

الْعُمْرَةُ وَاجِبَةٌ عَلَی الْخَلْقِ بِمَنْزِلَةِ الْحَجِ عَلَی مَنِ اسْتَطَاعَ» ثم علل الإمام (علیه السلام) وجوبه بقوله : «لِأَنَّ اللهَ تَعَالَی یقُولُ: (وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ) 88

اللَّهُ تَبَارَکَ وَ تَعَالَی أَکْرَمُ مِنْ أَنْ یکَلِّفَ النَّاسَ مَا لَا یطِیقُونَهُ وَ اللَّهُ أَعَزُّ مِنْ أَنْ یکُونَ فِی سُلْطَانِهِ مَا لَا یرِیدُ 134

إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله) صَلَّی عَلَی جِنَازَةٍ فَلَمَّا فَرَغَ جَاءَ قَوْمٌ فَقَالُوا: فَاتَتْنَا الصَّلَاةُ عَلَیهَا فَقَالَ: «إِنَّ الْجِنَازَةَ لَا یصَلَّی عَلَیهَا مَرَّتَینِ ادْعُوا لَهَا وَ قُولُوا خَیراً 359

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله) صَلَّی عَلَی جِنَازَةٍ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا جَاءَ قَوْمٌ لَمْ یکُونُوا أَدْرَکُوهَا فَکَلَّمُوا رَسُولَ اللَهِ (صلی الله علیه و آله) أَنْ یعِیدَ الصَّلَاةَ عَلَیهَا فَقَالَ لَهُمْ «قَدْ قَضَیتُ الصَّلَاةَ عَلَیهَا وَ لَکِنِ ادْعُوا لَهَا....................... 359

إِنَّ لِلَهِ إِرَادَتَینِ وَ مَشِیتَینِ: إِرَادَةَ حَتْمٍ وَ إِرَادَةَ عَزْمٍ ینْهَی وَ هُوَ یشَاءُ وَ یأْمُرُ وَ هُوَ لَا یشَاءُ 126

إِنَّا نَأْمُرُ صِبْیانَنَا بِالصَّلَاةِ إِذَا کَانُوا بَنِی خَمْسِ سِنِینَ فَمُرُوا صِبْیانَکُمْ بِالصَّلَاةِ إِذَا کَانُوا بَنِی سَبْعِ سِنِینَ 383

إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّیاتِ................ 238

حَتَّی یتَعَوَّدُوا..................... 389

سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ صَلَّی بِغَیرِ طَهُورٍ أَوْ نَسِی صَلَوَاتٍ لَمْ یصَلِّهَا أَوْ نَامَ عَنْهَا فَقَالَ صَلُّوا عَلَی الْمَرْجُومِ مِنْ أُمَّتِی وَ عَلَی الْقَتَّالِ نَفْسَهُ مِنْ أُمَّتِی لَا تَدَعُوا أَحَداً مِنْ أُمَّتِی بِلَا صَلَاةٍ......................... 360

عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَه (علیه السلام) فِی کَفَّارَةِ الْیمِینِ «یطْعِمُ عَشَرَةَ مَسَاکِینَ لِکُلِ مِسْکِینٍ مُدٌّ مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ مُدٌّ مِنْ دَقِیقٍ وَ حَفْنَةٌ أَوْ کِسْوَتُهُمْ لِکُلِّ إِنْسَانٍ ثَوْبَانِ أَوْ عِتْقُ رَقَبَةٍ وَ هُوَ فِی

ص: 459

ذَلِکَ بِالْخِیارِ أَی ذَلِکَ شَاءَ صَنَعَ فَإِنْ لَمْ یقْدِرْ عَلَی وَاحِدَةٍ مِنَ الثَّلَاثِ فَالصِّیامُ عَلَیهِ ثَلَاثَةُ أَیامٍ» 342

عَنِ الرَّجُلِ یصَلِّی عَلَی جِنَازَةٍ وَحْدَهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قُلْتُ: فَاثْنَانِ یصَلِّیانِ عَلَیهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ وَ لَکِنْ یقُومُ الْآخَرُ خَلْفَ الْآخَرِ وَ لَا یقُومُ بِجَنْبِهِ» 360

قَالَ: اشْتَرَیتُ إِبِلًا وَ أَنَا بِالْمَدِینَةِ مُقِیمٌ فَأَعْجَبَنِی إِعْجَاباً شَدِیداً فَدَخَلْتُ عَلَی أَبِی الْحَسَنِ الْأَوَّلِ [ (علیه السلام) ]فَذَکَرْتُهَا لَهُ فَقَالَ [ (علیه السلام) ] :” مَا لَکَ وَ لِلْإِبِلِ؟ أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّهَا کَثِیرَةُ الْمَصَائِبِ؟“ قَالَ: فَمِنْ إِعْجَابِی بِهَا أَکْرَیتُهَا وَ بَعَثْتُ بِهَا مَعَ غِلْمَانٍ لِی إِلَی الْکُوفَةِ قَالَ: فَسَقَطَتْ کُلُّهَا فَدَخَلْتُ عَلَیهِ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَال [ (علیه السلام) ] : فَلْیحْذَرِ الَّذِینَ یخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِیبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ یصِیبَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ 64

قَالا قُلْنَا لِأَبِی جَعْفَرٍ (علیه السلام) مَا تَقُولُ فِی الصَّلَاةِ فِی السَّفَرِ؟ کَیفَ هِی؟ وَ کَمْ هِی؟ فَقَالَ [ (علیه السلام) ]:”إِنَّ اللَّهَ یقُولُ:

(وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِی الْأَرْضِ فَلَیسَ عَلَیکُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ) فَصَارَ التَّقْصِیرُ فِی السَّفَرِ وَاجِباًکَوُجُوبِ التَّمَامِ فِی الْحَضَرِ “قَالا: قُلْنَا:إِنَّمَا قَالَ اللَهُ: (لَیسَ عَلَیکُمْ جُنَاحٌ) وَ لَمْ یقُلْ: افْعَلُوافَکَیفَ أَوْجَبَذَلِکَ کَمَا أَوْجَبَ التَّمَامَ فِی الْحَضَرِ؟ 87

قوله (صلی الله علیه و آله) :«لَوْ لَا أَنْ أَشُقَّ عَلَی أُمَّتِی لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاکِ» 61,58

قوله (علیه السلام) : مَنْ تَکَلَّمَ فِی صَلَاتِهِ أَعَادَ.... 158

کُلُّ مَا تَرَکْتَهُ مِنْ صَلَاتِکَ لِمَرَضٍ أُغْمِی عَلَیکَ فِیهِ فَاقْضِهِ إِذَا أَفَقْتَ 380

لَا جَبْرَ وَ لَا تَفْوِیضَ بَلْ أَمْرٌ بَینَ..... 127

لَا عَمَلَ إِلَّا بِالنِّیةِ.................. 237

لِکُلِ امْرِئٍ مَا نَوَی................. 238

یا ابْنَ آدَمَ بِمَشِیتِی کُنْتَ أَنْتَ الَّذِی تَشَاءُ لِنَفْسِکَ مَا تَشَاءُ وَ بِإِرَادَتِی کُنْتَ أَنْتَ الَّذِی تُرِیدُ لِنَفْسِکَ مَا تُرِیدُ 137

ینْبَغِی لِأَوْلِیاءِ الْمَیتِ مِنْکُمْ أَنْ یؤْذِنُوا إِخْوَانَ الْمَیتِ بِمَوْتِهِ فَیشْهَدُونَ جِنَازَتَهُ وَ یصَلُّونَ عَلَیهِ وَ یسْتَغْفِرُونَ لَهُ فَیکْتَبُ لَهُمُ الْأَجْرُ وَ یکْتَبُ لِلْمَیتِ الِاسْتِغْفَارُ. 358

ص: 460

فهرس الأعلام

رسول الله (صلی الله علیه و آله) ... 58, 124, 136, 359, 360

امیر المؤمنین (علیه السلام) ..................... 94

الامام جعفر الصادق (علیه السلام) 87, 88, 134, 342, 358, 359, 360, 379, 380, 383

الامام الکاظم (علیه السلام) .................... 65

الامام الرضا (علیه السلام) .................... 126

الف

ابْنِ أَبِی عُمَیر................ 379, 383

أَبِی هَمَّامٍ إِسْمَاعِیلَ بْنِ هَمَّام.......... 360

أَبِی وَلَّاد......................... 358

أحمد بن أبی عبد الله أحمد بن محمد بن خالد البرقی 134

أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِی بْنِ فَضَّال... 360

إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّار.................. 359

الإصفهانی 28, 36, 39, 40, 44, 45, 46, 47, 48, 49, 52, 91, 94, 95, 98, 105, 112, 113, 115, 118, 119, 120, 122, 123, 124, 125, 130, 137, 143, 152, 154, 155, 163, 185, 187, 193, 198, 199, 200, 201, 203, 207, 208, 209, 210, 230, 232, 243, 244, 245, 246, 249, 252, 268, 269, 270, 272, 277, 285, 286, 287, 322, 325, 331, 333, 334, 336, 337, 339, 343, 349, 352, 353, 355, 373, 375, 400, 401, 402, 410, 413, 414, 417, 418, 422, 426

آقا علی المدرس................... 293

ص: 461

الإیروانی......................... 320

ب

البروجردی 31, 46, 70, 74,72, 78, 100, 150, 199, 221, 222, 223, 401

بعض الأساطین 29, 34, 39, 46, 56, 57, 61, 62, 68, 72, 82, 83, 85, 149, 153, 154, 158, 161, 163, 186, 189, 191, 192, 194, 197, 201, 203, 205, 207, 209, 215, 220, 221, 222, 233, 244, 245, 247, 249, 252, 262, 263, 264, 265, 266, 273, 274, 276, 277, 292, 302, 305, 310, 326, 327, 331, 334, 368, 370, 375, 378, 384, 389, 393, 402, 405, 416, 417, 421, 422, 428

ح

الحائری......... 273, 356, 402, 413

الْحَسَنِ بْنِ طَرِیف................. 359

الْحَسَنُ بْنُ مَتِّیل................... 134

الحسن بن متّیل................... 134

الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوب............ 358,64

الْحَسَنِ بْنِ مُوسَی الْخَشَّاب......... 359

حُسَینِ بْنِ سَعِید.................. 379

الْحُسَینِ بْنِ سَعِید.................. 380

الْحُسَینِ بْنِ عُلْوَان................. 359

الحکیم.......................... 312

الْحَلَبِی........................... 383

حَمَّاد............................. 383

الخراسانی 19, 26, 46, 47, 48, 49, 52, 58, 70, 97, 106, 107, 108, 109, 112, 114, 115, 118, 127, 149, 151, 158, 161, 165, 185, 187, 200, 202, 207, 218, 228, 230, 231, 232, 233, 240, 242, 246, 247, 249, 251, 252, 262, 265, 268, 269, 272, 275, 276, 277, 281, 282, 283, 285, 287, 295, 302, 309, 313, 317, 319, 320, 321, 326, 327, 328, 330, 336, 344, 353, 368, 369, 370, 371, 372, 384, 393, 399, 409, 425

خ

الخوئی 35, 36, 38, 49, 50, 70, 79, 90, 95, 99, 100, 113, 114,

ص: 462

121, 131, 133, 141, 152, 154, 157, 160, 161, 164, 165, 167, 168, 170, 172, 173, 174, 175, 176, 177, 179, 181, 182, 183, 188, 195, 200, 203, 206, 207, 208, 209, 210, 213, 214, 215, 218, 219, 224, 225, 226, 227, 235, 247, 262, 263, 266, 268, 269, 270, 272, 276, 277, 278, 290, 291, 292, 293, 295, 296, 302, 304, 305, 318, 324, 326, 327, 328, 336, 339, 343, 344, 349, 357, 358, 364, 365, 368, 369, 377, 378, 384, 385, 388, 389, 393, 403, 411, 415, 416, 418, 420, 426, 428

ر

الروحانی........................ 400

ز

زرارة........................ 85, 379

زَکَرِیا بْنِ مُوسَی.................. 360

الزنوزی.................... 110, 113

س

سَعْدِ بْنِ عَبْدِ الله............. 359, 360

السَّکُونِی......................... 360

السید المرتضی................... 262

ش

الشاه آبادی...................... 284

الشیخ الأنصاری 97, 216, 240, 242, 330, 372

الشیرازی (المیرزا المجدد).......... 226

ص

صاحب الفصول................... 26

صاحب القوانین................... 72

صاحب هدایة المسترشدین.......... 99

صاحب الجواهر.................. 241

الصدر 34, 38, 41, 42, 46, 76, 77, 78, 81, 83, 84, 164, 168, 171, 172, 177, 183, 269, 401, 417, 420

الصدوق................... 125, 133

ط

الطباطبائی....................... 115

الطوسی.................... 130, 137

ع

عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْیرِی......... 359

ص: 463

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَان............ 358, 380

العراقی 34, 46, 56, 60, 61, 66, 70, 78, 79, 151, 158, 194, 202, 203, 207, 233, 272, 286, 302, 304, 309, 310, 311, 312, 332, 333, 334, 384, 387, 389, 401

عَلِی بْنِ إِبْرَاهِیم.......... 66, 359, 383

عَلِی بْنُ الْحُسَین................... 359

عَلِی بْنِ الْحَکَم.................... 134

عُمَرَ بْنِ أُذَینَة..................... 379

غ

غِیاثِ بْنِ کَلُّوب.................. 359

ف

الفاضل الجواد................... 399

الفخر الرازی.................... 132

الفشارکی........................ 413

فَضَالَةَ عَنِ ابْنِ سِنَان.............. 380

ق

القوچانی.......................... 24

ک

الکلینی........................... 63

م

مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْوَلِید.. 134

مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَن........ 358, 379, 380

مُحَمَّدِ بْنِ سَعِید.................... 360

مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِم..................... 87

مُحَمَّدُ بْنُ یعْقُوب............ 359, 383

المشکینی..................... 25, 191

ن

النائینی 37, 38, 52, 82, 84, 99, 100, 112, 113, 114, 131, 150, 164, 165, 167, 173, 175, 176, 177, 179, 187, 194, 195, 200, 201, 204, 207, 209, 210, 213, 219, 226, 229, 232, 240, 242, 246, 254, 272, 284, 290, 292, 328, 354, 400

النجاشی......................... 134

نَضْرِ بن سوید.................... 380

ه-

هِشَامِ بْنِ سَالِم.................... 134

ی

یحْیی بْنِ زَکَرِیا.................... 359

الْیسَعِ بْنِ عَبْدِ اللَهِ الْقُمِّی........... 360

ص: 464

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.