ص: 2

ص: 3

الفن الثالث : علی البدیع

ص: 4

إشارة إلی أن هذه الوجوه إنما تعد محسنة للکلام بعد رعایة الأمرین. والظرف - أعنی قوله : بعد رعایة - ...

******

لأن الإضافة هنا للعهد ، فکأنه یقول : علم یعرف به الأوجه المشار إلیها فیما تقدم ، وهی الوجوه التی تحسن الکلام وتورثه قبولا بعد رعایة البلاغة مع الفصاحة ، وعلی هذا فقوله بعد رعایة المطابقة ووضوح الدلالة تأکید وبیان لما تقدم ، فقول الشارح (إشارة إلی أن هذه الوجوه إلخ) المراد زیادة إشارة وتنبیه علی أن هذه الوجوه إلخ ، وإلا فجعل الوجوه إشارة لما سبق فیه تنبیه علی ما ذکره ، وإشارة أیضا إلیه تأمل. (قوله : بعد رعایة المطابقة) أی : مطابقة الکلام لمقتضی الحال ، فأل فی المطابقة إما للعهد أو عوض عن المضاف إلیه (وقوله : بعد رعایة المطابقة) أی : المعلومة بعلم المعانی ، ولو قال بعد رعایة البلاغة کان أخصر. (وقوله : ورعایة وضوح الدلالة) أی : وبعد رعایة وضوح الدلالة المعلومة بعلم البیان.

(وقوله : أی الخلو عن التعقید المعنوی) تفسیر لوضوح الدلالة ، وأما الخلو عن التعقید اللفظی فهو داخل فی قوله بعد رعایة المطابقة لأن المطابقة لا تعتبر إلا بعد الفصاحة وهی تتوقف علی الخلو عن التعقید اللفظی ، وحاصل کلامه أن تلک الأوجه إنما تعد محسنة للکلام إذا أتی بها بعد رعایة الأمرین :

الأمر الأول : مطابقة الکلام لمقتضی الحال ، وهذا یتضمن الخلو عن ضعف التألیف المبین فی النحو ، والخلو عن الغرابة المبین فی اللغة ، والخلو عن مخالفة القیاس المبین فی الصرف ، والخلو عن التنافر المدرک بالذوق ، وذلک لأن المطابقة لا عبرة بها إلا بعد الفصاحة ، والفصاحة تتوقف علی الخلو عن هذه الأمور المبین بعضها فی تلک العلوم والمدرک بعضها بالذوق.

والأمر الثانی : وضوح الدلالة المبین فی علم البیان ، ولما کان المبین فی الفن الثانی هو ما یزول به التعقید المعنوی ، فسر الشارح وضوح الدلالة بالخلو عن التعقید المعنوی ، ولم یفسره بالخلو عن التعقید المعنوی واللفظی ، وأدخلناه فیما توقفت علیه المطابقة من أمر الفصاحة لعدم بیانه فی الفن الثانی (قوله : إنما تعد محسنة إلخ) أی وإلا کانت کتعلیق

ص: 6

متعلق بقوله : تحسین الکلام.

وإن کان قد یفید بعضها تحسین اللفظ أیضا (ولفظی) أی : راجع إلی تحسین اللفظ کذلک.

(فمنه : المطابقة ؛ وتسمی الطباق ، والتضاد أیضا ؛ وهی الجمع بین متضادین ؛ أی : معنیین متقابلین فی الجملة) أی : یکون بینهما تقابل وتناف ولو فی بعض الصور ؛ سواء کان التقابل حقیقیا ، ...

******

بها تقع المؤاخذة ویحصل الغرض أخذا ودفعا وامتثالا وانتهاء وانتفاعا وإضرارا ، ولذلک یقال : لولا المعانی ما کانت الألفاظ محتاجا لها.

[ومن المعنوی] :

ومن المعنوی (قوله : فمنه المطابقة) ذکر المصنف فی هذا الکتاب تسعة وعشرین وجها من هذا النوع ، أولها المطابقة وهی لغة الموافقة ، یقال طابقت بین الشیئین جعلت أحدهما حذو الآخر ، ویسمی المعنی الذی ذکره مطابقة لأن المتکلم وفق بین المعنیین المتقابلین ، أو لموافقة الضدین فی الوقوع فی جملة واحدة واستوائهما فی ذلک مع بعد الموافقة بینهما ، وکون المطابقة من وجوه التحسین یعرف بالذوق ، وکذا یقال فی بقیة الوجوه الآتیة (قوله : وتسمی الطباق والتضاد) أی وتسمی أیضا بالتطبیق والتکافؤ ؛ لأن المتکلم یکافئ بین اللفظین أی یوافق بینهما (قوله : الجمع بین متضادین) أی فی کلام واحد أو ما هو کالکلام الواحد فی الاتصال ، وقوله بین متضادین أخذ بالأقل کما فی قولهم الکلام ما تضمن کلمتین بالإسناد ، وإلا فالجمع بین الأمور المتضادة مطابقة ولو کثرت تلک المتضادات (قوله : أی معنیین متقابلین) لما کان یتوهم أن المراد بالمتضادین هنا خصوص الأمرین الوجودیین المتواردین علی محل واحد بینهما غایة الخلاف کالسواد والبیاض - ولیس ذلک شرطا ، بین المصنف أن المراد بالمتضادین هنا ما هو أعم من ذلک ، أعنی الأمرین اللذین بینهما تقابل وتناف (قوله : فی الجملة) أی : ولو فی الجملة فلیس التنافی فی بعض الأحوال شرطا بدلیل التعمیم.

(قوله : وتناف) تفسیر لما قبله (قوله : ولو فی بعض الصور) أی ولو فی بعض الأحوال ، ومن المعلوم أن المتقابلین فی بعض الأحوال إنما یکون التنافی بینهما باعتبار ذلک البعض ، فلذا قال لبیان عموم التقابل (سواء کان التقابل حقیقیّا إلخ) (قوله : ولو فی بعض الصور) أی : کما فی الاعتباری فإن التنافی فیه باعتبار المتعلق (قوله : سواء کان التقابل حقیقیّا)

ص: 9

أو اعتباریّا ، وسواء کان تقابل التضاد ، أو تقابل الإیجاب والسلب ، أو تقابل العدم والملکة ، أو تقابل التضایف ، أو ما یشبه شیئا من ذلک (ویکون) ذلک الجمع (بلفظین من نوع) واحد من أنواع الکلمة (اسمین ؛ نحو : (وَتَحْسَبُهُمْ أَیْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ)(1) أو فعلین ...

******

أی کتقابل الأمرین اللذین بینهما غایة الخلاف لذاتیهما کتقابل القدم والحدوث (قوله : أو اعتباریّا) أی : کتقابل الإحیاء والإماتة ، فإنهما لا یتقابلان إلا باعتبار بعض الأحوال ، وهو أن یتعلق الإحیاء بحیاة جرم فی وقت ، والإماتة بإماتته فی ذلک الوقت ، وإلا فلا تقابل بینهما باعتبار أنفسهما ولا باعتبار المتعلق عند تعدد الوقت.

(قوله : وسواء کان) أی التقابل الحقیقی تقابل التضاد کتقابل الحرکة والسکون علی الجرم الموجود ، بناء علی أنهما وجودیان (قوله : أو تقابل الإیجاب والسلب) أی کتقابل مطلق الوجود وسلبه (قوله : أو تقابل العدم والملکة) أی کتقابل العمی والبصر والقدرة والعجز ، بناء علی أن العجز نفی القدرة عمن شأنه الاتصاف بها (قوله : أو تقابل التضایف) أی : کتقابل الأبوة والنبوة ، وقیل : إن الجمع بین الأبوة والبنوة من باب مراعاة النظیر لا من المطابقة ، ورد بأن مراعاة النظیر الجمع بین أمور لا تنافی فیها کالشمس والقمر ، بخلاف ما فیه التنافی کالأبوة والبنوة. (قوله : أو ما یشبه شیئا من ذلک) أی أو تقابل ما یشبه شیئا مما ذکر مما یشعر بالتنافی لاشتماله بوجه ما علی ما یوجب التنافی کهاتا وتلک فی قوله :

مها الوحش إلّا أنّ هاتا أوانس

قنا الخطّ إلّا أنّ تلک ذوابل (2)

لما فی هاتا من القرب وتلک من البعد ، وکما فی قوله تعالی : (أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً)(3) لما یشعر به الإغراق من الماء المشتمل علی البرودة غالبا وما یشعر به إدخال النار من حرارة النار.

(قوله : ذلک الجمع) أی بین المتقابلین المسمی بالطباق (قوله من أنواع الکلمة) أی التی هی الاسم والفعل والحرف (قوله : (وَتَحْسَبُهُمْ أَیْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ)) الأیقاظ جمع

ص: 10

نحو یحیی ویمیت أو حرفین نحو : (لَها ما کَسَبَتْ وَعَلَیْها مَا اکْتَسَبَتْ)(1) فإن فی اللام معنی الانتفاع وفی علی معنی التضرر أی لا ینتفع بطاعتها ولا یتضرر بمعصیتها غیرها.

******

یقظ علی وزن عضد أو کتف بمعنی یقظان ، والرقود جمع راقد فالجمع بین أیقاظ ورقود مطابقة ؛ لأن الیقظة تشتمل علی الإدراک بالحواس ، والنوم یشتمل علی عدمه فبینهما شبه العدم والملکة باعتبار لازمیهما ، وبینهما باعتبار أنفسهما التضاد ؛ لأن النوم عرض یمنع إدراک الحواس والیقظة عرض یقتضی الإدراک بها ، وإن قلنا إن الیقظة نفی ذلک العرض کان بینهما عدم وملکة حقیقة ، وقد دل علی کل منهما بالاسم (قوله : نحو : (یُحْیِی وَیُمِیتُ)) (2) أی من قوله تعالی : (وَهُوَ الَّذِی یُحْیِی وَیُمِیتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّیْلِ وَالنَّهارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) فالإحیاء والإماتة وإن صح اجتماعهما فی المحیی والممیت ، لکن بینهما باعتبار متعلقهما أعنی الحیاة والموت العدم والملکة أو التضاد بناء علی أن الموت عرض وجودی ، فالتنافی بینهما اعتباری ، وإنما لم یجعلهما من الملحق الآتی لإشعارهما من جهة اللفظ بالحیاة والموت ، بخلاف الملحق کما یأتی فی (أَشِدَّاءُ عَلَی الْکُفَّارِ رُحَماءُ بَیْنَهُمْ)(3) واللیل والنهار فی الآیة المذکورة مما یشبه تقابلهما تقابل التضاد للإشعار بالظلمة والنور اللذین هما کالبیاض والسواد معا. ((لَها ما کَسَبَتْ) إلخ) أی للنفس جزاء وثواب ما کسبته من الطاعات وعلیها عقاب ما اکتسبته من المعاصی (قوله : فإن فی اللام معنی الانتفاع) وذلک لأن اللام تشعر بالملکیة المؤذنة بالانتفاع ، وعلی تشعر بالعلو المشعر بالتحمل أو الثقل المؤذن بالتضرر ، فصار تقابلهما - أی اللام وعلی - کتقابل النفع والضرر وهما ضدان ، فکأنه قیل : لها ثواب ما کسبت من الطاعات فلا ینتفع بطاعتها غیرها ، وعلیها عقاب ما اکتسبته من المعاصی فلا یتضرر بمعصیتها غیرها. کما قال الشارح ، وبین الشارح ذلک لما فی تقابل اللام وعلی من الخفاء بخلاف ما قبله فإن التقابل فیه ظاهر فلذا لم ینبه علیه. (قوله : أی لا ینتفع بطاعتها إلخ) أخذ الحصر من تقدیم الجار والمجرور علی عامله ، فالانتفاع الحاصل من الدعاء والصدقة للغیر انتفاع بثمرة الطاعة لا بنفسها.

ص: 11

(أو من نوعین نحو : (أَوَمَنْ کانَ مَیْتاً فَأَحْیَیْناهُ)(1) فإنه قد اعتبر فی الإحیاء معنی الحیاة ، والموت والحیاة مما یتقابلان وقد دل علی الأول بالاسم وعلی الثانی بالفعل.

وطباق السلب) وهو أن یجمع بین فعلی مصدر واحد ، أحدهما مثبت والآخر منفی ، أو أحدهما أمر والآخر نهی ، فالأول (نحو قوله تعالی : (وَلکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ یَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَیاةِ الدُّنْیا).

******

فی الأمثلة کلها ، ألا تری إلی (وَتَحْسَبُهُمْ أَیْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ)(1) فإن الیقظة والرقاد ذکرا بطریق الإثبات ، وکذا یقال فی باقی الأمثلة التی مرت (قوله : وطباق السلب) هو داخل فی التعمیم السابق فی التقابل (قوله : بین فعلی مصدر واحد) ظاهره التقیید به وإخراج غیر الفعلین وفعلی المصدرین (قوله : فعلی مصدر إلخ) الفعلان کیعلمون ولا یعلمون ومصدرهما العلم ، والتقابل بینهما تقابل الإیجاب والسلب (قوله : أحدهما مثبت والآخر منفی) أی فیکون التقابل بین الإیجاب والسلب لا بین مدلولی الفعلین ، وقد تبع الشارح فیما ذکره من التعریف المصنف فی الإیضاح وهو تعریف غیر جامع ؛ لأنه یخرج منه لست بعالم وأنا عالم ، ونحو أحسبک إنسانا ولست بإنسان ، ونحو أضرب زیدا وما ضرب عمرو ، ولا تضرب زیدا وقد ضربت بکرا ، والأولی أن یقول : وهو أن یجمع بین الثبوت والانتفاء. قاله فی الأطول.

(قوله : أو أحدهما أمر إلخ) أی أو یجمع بین فعلین أحدهما أمر والآخر نهی ، فإن النهی یدل علی طلب الکف عن الفعل والأمر یدل علی طلب الفعل ، والکف والفعل متضادان ، فیکون التقابل باعتبار الفعل والترک لا باعتبار مصدر الفعلین لاستوائه ، وإنما جعل هذا من تقابل السلب والإثبات لأن المطلوب فی أحدهما من جهة المعنی سلب وفی الآخر إثبات.

(قوله : فالأول) أی وهو أن یجمع بین فعلی مصدر واحد أثبت أحدهما وسلب الآخر (قوله : نحو قوله تعالی) أی ونحو ضرب ولم یضرب (قوله : (وَلکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ)) أی ما أعد لهم فی الآخرة من النعیم ، ومن فی قوله من الحیاة الدنیا إما بیانیة أی یعلمون الظاهر الذی هو الحیاة الدنیا ویعدلون عن الباطن الذی هو الحیاة الآخرة ، أو ابتدائیة أی یعلمون شیئا ظاهرا ناشئا من الحیاة الدنیا وهو التلذذ باللذات

ص: 13

(و) الثانی (نحو قوله تعالی : (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ)(1) ومن الطباق) ما سماه بعضهم تدبیجا ؛ من دبج المطر الأرض ؛ إذا زینها ؛ وفسره بأن یذکر فی معنی من المدح ، أو غیره ألوان لقصد الکنایة ، أو التوریة ، ...

******

المحرمة لا باطنا وهی کونها مزرعة للآخرة. والشاهد فی قوله : (لا یَعْلَمُونَ. یَعْلَمُونَ ظاهِراً)(2) فإن العلم الأول منفی والثانی مثبت ، وبین النفی والإثبات تقابل فی الجملة أی باعتبار أصلهما لا باعتبار الحالة الراهنة ؛ لأن المنفی علم ینفع فی الآخرة والمثبت علم لا ینفع فیها ولا تنافی بینهما.

(قوله : والثانی) وهو أن یکون أحدهما أمرا والآخر نهیا (قوله : نحو قوله تعالی) أی ونحو اضرب زیدا ولا تضرب عمرا (قوله : (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ)) من المعلوم أن الخشیة لا یؤمر بها وینهی عنها من جهة واحدة بل من جهتین کما فی الآیة ، فقد أمر بها باعتبار کونها لله ونهی باعتبار کونها للناس ، فالتنافی بین الأمر والنهی إنما هو باعتبار أصلهما لا باعتبار مادة استعمالهما فتأمل.

(قوله : ومن الطباق ما سماه بعضهم تدبیجا) إنما جعله من أقسام الطباق ولم یجعله وجها مستقلا برأسه من أوجه المعنوی لدخوله فی تعریف الطباق ، لما بین اللونین أو الألوان من التقابل (قوله : من دبج المطر الأرض إذا زینها) أی بألوان النبات ، فذکر الألوان فی الکلام تشبیه بما یحدث بالمطر من ألوان النبات ، أو أنه مأخوذ من الدبج وهو النقش ؛ لأن ذکر الألوان کالنقش علی البساط (قوله : وفسره) أی وفسر ذلک البعض التدبیج (قوله : أو غیره) کالهجاء والرثاء والغزل (قوله : لقصد الکنایة أو التوریة) أی : بالکلام المشتمل علی تلک الألوان ، وأو مانعة خلو فتجوز الجمع کما فی مثال الحریری الآتی ، واحترز بقوله لقصد الکنایة أو التوریة عن ذکر الألوان لقصد الحقیقة ، فلا تکون من المحسنات ؛ لأن الحقیقة یقصد منها إفادة المعنی الأصلی ، وعن ذکرها لقصد المجاز کأن یذکر ألوانا وینصب قرینة تمنع من إرادتها بحیث لم یتحقق الجمع بین الألوان إلا فی

ص: 14

وأراد بالألوان ما فوق الواحد ؛ بقرینة الأمثلة ؛ فتدبیج الکنایة (نحو قوله : تردی) من : تردیت الثوب : أخذته رداء (ثیاب الموت حمرا فما أتی ... لها) أی : لتلک الثیاب (اللیل إلا وهی من سندس خضر) ...

******

اللفظ دون المعنی ، فلا یکون ذلک من المحسنات المعنویة ، بل اللفظیة - کذا ذکر العلامة عبد الحکیم. وذکر بعضهم أن ذکر الألوان باقیة علی حقیقتها لا یمنع التدبیج کما فی قوله :

ومنثور دمعی غدا أحمرا

علی أسّ عارضک الأخضر

وکما فی قول الصلاح الصفدی :

ما أبصرت عیناک أحسن منظرا

فیما یری من سائر الأشیاء

کالشّامة الخضراء فوق الوجنة ال

حمراء تحت المقلة السّوداء

(قوله : وأراد) أی ذلک البعض (وقوله بقرینة الأمثلة) أی کالمثال الأول (قوله:نحو قوله) أی قول الشاعر ، وهو أبو تمام فی مرثیة أبی نهشل محمد بن حمید التی رثاه بها حین استشهد وأولها :

لذا فلیجلّ الخطب ولیفدح الأمر

ولیس لعین لم یفض ماؤها عذر

(قوله : تردّی ثیاب الموت) أی جعلها رداء لنفسه والمراد أنه لبسها ، وأراد بثیاب الموت الثیاب التی کان لابسا لها وقت الحرب وقتل وهو لابس لها ، وعلی هذا فإضافة ثیاب للموت لأدنی ملابسة ، (وقوله : حمرا) حال من ثیاب وهی حال مقدرة إذ لا حمرة حین اللبس لتأخر تلطخها بالدم عنه. ا. ه سم. قال یس : وفیه نظر ، والأظهر أن المراد بثیاب الموت الثیاب التی کفن بها ، انتهی.

وفیه أنه یکفن فی الثیاب التی مات فیها وهو کان لابسا لها قبل حصول الدم.

فتأمل.

(قوله : من سندس) هو رقیق الحریر (قوله : خضر) مرفوع علی أنه خبر بعد خبر لا مجرور صفة لسندس لأن القوا فی مضمومة الروی فإن قبله :

وقد کانت البیض القواضب فی الوغی

قواطع وهی الآن من بعده بتر

ص: 15

یعنی : ارتدی الثیاب الملطخة بالدم فلم ینقض یوم قتله ، ولم یدخل فی لیلته إلا وقد صارت الثیاب من سندس خضر من ثیاب الجنة ، فقد جمع بین الحمرة والخضرة ؛ وقصد بالأول الکنایة عن القتل ، وبالثانی : الکنایة عن دخول الجنة ، وتدبیج التوریة علی قول الحریری ، فمذ اغبر العیش الأخضر ، ...

******

غزا غزوة والحمد نسج ردائه

فلم ینصرف إلا وأکفانه الأجر

تردی ثیاب الموت إلخ وبعده :

کأنّ بنی نبهان حین وفاته

نجوم سماء خرّ من بینها البدر (1)

کذا قیل ، ولا یخفی أن جعله خبرا بعد خبر لا یلائم قول الشارح فی شرح البیت : " ولم یدخل فی لیلته إلا وقد صارت الثیاب من سندس خضر من ثیاب الجنة" فإنه ظاهر فی جعل الخضر صفة لسندس وهو الموافق للعرف من أنه إذا ذکر أصل الثوب یجعل اللون صفة للأصل لا للثوب ، فالوجه أن یجعل خضر فی البیت خبر مبتدأ محذوف أی هی خضر ، والجملة صفة لسندس ، هکذا فی الأطول. (قوله : یعنی ارتدی الثیاب الملطخة بالدم) أی لبسها (قوله : وقصد بالأول) أی بالوصف الأول وهو حمرة الثیاب یعنی مع بقیة الشطر ، الکنایة عن القتل ؛ لأن التردی بثیاب الموت حالة کونها حمرا یلزم منه القتل.

(قوله : وبالثانی الکنایة عن دخول الجنة) أی وقصد بالوصف الثانی وهو خضرة الثیاب الکنایة عن دخول الجنة ، لما علم أن أهل الجنة یلبسون الحریر الأخضر ، وصیرورة هذه الثیاب الحمر تلک الثیاب الخضرة عبارة عن انقلاب حال القتل إلی حال التنعم بالجنة.

(قوله : وتدبیج التوریة) أی : والتدبیج المشتمل علی التوریة ، وهی أن یکون للفظ معنیان قریب وبعید ویراد به البعید (قوله فمذ اغبر) أی فمن حین اغبر العیش الأخضر ، والذی فی مقامات الحریری ذکر هذا بعد قوله وازور المحبوب الأصفر هکذا : فمذ ازور المحبوب الأصفر واغبر العیش الأخضر ، واخضرار العیش کنایة عن طیبه ونعومته

ص: 16

وازور المحبوب الأصفر اسود یومی الأبیض ، وابیض فودی الأسود حتی رثی لی العدو الأزرق فیا حبذا الموت الأحمر. فالمعنی القریب للمحبوب الأصفر : إنسان له صفرة ، والبعید : الذهب ؛ وهو المراد هاهنا فیکون توریة ، وجمع الألوان لقصد التوریة لا یقتضی أن یکون فی کل لون توریة ؛ کما توهمه بعضهم (ویلحق به) أی : بالطباق شیئان ؛ أحدهما : الجمع بین معنیین ...

******

وکماله ؛ لأن اخضرار العود والنبات یدل علی طیبه ونعومته وکونه علی أکمل حال ، فیکنی به عن لازمه فی الجملة الذی هو الطیب والحسن والکمال ، واغبرار العیش کنایة عن ضیقه ونقصانه وکونه فی حال التلف ؛ لأن اغبرار النبات والمکان یدل علی الذبول والتغیر والرثاثة فیکنی به عن هذا اللازم. (قوله : وازور المحبوب الأصفر) أی تباعد وأعرض ومال عنی المحبوب الأصفر ، وفی ذکر هذا اللون وقعت التوریة ؛ لأن المعنی القریب للمحبوب الأصفر هو الإنسان الموصوف بالصفرة المحبوبة ، وازوراره بعده عن ساحة الاتصال ، والمعنی البعید الذهب الأصفر لأنه محبوب وهو المراد هنا فکان توریة. (قوله : اسود یومی الأبیض) متعلق به المجرور بمذ ، واسوداد الیوم کنایة عن ضیق الحال وکثرة الهموم فیه ؛ لأن اسوداد الزمان کاللیل یناسبه الهموم ، ووصفه بالبیاض کنایة عن سعة الحال والفرح والسرور لأن بیاض النهار یناسب ذلک. (قوله : وابیض فودی الأسود) عطف علی اسود یومی ، والفود شعر جانب الرأس مما یلی الأذن ، وابیضاض فوده کنایة عن ضعف بنیته ووهنه من کثرة الحزن والهم (قوله : حتی رثی لی) أی : رق لی وأشفق علی العدو الأزرق أی الخالص العداوة الشدیدها ، قیل إن وصف العدو الشدید العداوة بالزرقة لأنه فی الأصل کان أهل الروم أعداء للعرب والزرقة غالبة علیهم ، ثم وصف کل عدو شدید العداوة بها علی طریق الکنایة وإن لم یکن أزرق.

(قوله : فیا حبذا الموت الأحمر) حمرة الموت کنایة عن شدته أی الشدید یقال احمر البأس إذا اشتد ، وقیل إنه أراد بالموت الأحمر القتل ، ویا فی قوله فیا حبذا زائدة للتنبیه لا للنداء أی فحبذا الموت الأحمر أی وأحبب به إن جاء عاجلا (قوله : لا یقتضی أن یکون إلخ) أی بل قد تجمع الألوان لقصد التوریة بواحد منها کما هنا ، والحاصل أن

ص: 17

یتعلق أحدهما بما یقابل الآخر نوع تعلق ؛ مثل السببیة واللزوم (نحو : (أَشِدَّاءُ عَلَی الْکُفَّارِ رُحَماءُ بَیْنَهُمْ)(1) فإن الرحمة وإن لم تکن مقابلة للشدة ...

******

الحریری قد جمع بین ألوان من الاغبرار والاخضرار والاصفرار والاسوداد والابیضاض والزرقة والحمرة وکل تلک الألوان فی کلامه کنایة إلا الاصفرار فإن فیه التوریة ، فقد علم من ذلک أن جمع الألوان لا یجب أن یکون علی أنها کلها کنایات أو توریات بل یجوز أن تجمع علی أن بعضها توریة وبعضها کنایة ، وقد توهم بعضهم وجوب ذلک وهو فاسد.

(قوله : یتعلق أحدهما بما یقابل الآخر) أی : والحال أنه لیس بین هذین المعنیین اللذین تعلق أحدهما بما یقابل الآخر تناف بل یجتمعان ، کالرحمة والشدة فإن الرحمة تکون شدیدة وبهذا یمتاز عن الطباق ، وما قیل إنه إذا کان أحدهما لازما لمقابل الآخر یتحقق بینهما التنافی فی الجملة لأن منافی الملزوم مناف للازمه ، وحینئذ فهو طباق لا ملحق به مدفوع ؛ لأن اللازم قد یکون أعم وحینئذ فمنافی الملزوم لا یجب أن یکون منافیا للازم ، والحاصل أن الشیء الأول من الشیئین الملحقین بالطباق هو أن یجمع بین معنیین لیس أحدهما مقابلا للآخر ، لکن یتعلق أحدهما بمعنی یقابل المعنی الآخر ، وتعلق أحد المعنیین بالمعنی المقابل للآخر إما لکونه بینه وبینه لزوم السببیة ، أو بینه وبینه لزوم آخر غیر لزوم السببیة ، والتقابل هنا لیس بین المعنیین بل بین أحدهما وملزوم الآخر. (قوله : فإن الرحمة وإن لم تکن إلخ) حاصله أنه قد جمع فی هذه الآیة بین الرحمة والشدة ، ومن المعلوم أن الرحمة لا تقابل الشدة ، وإنما تقابل الرحمة الفظاظة ، والشدة إنما یقابلها اللین ، لکن الرحمة مسببة عن اللین المقابل للشدة ، وذلک لأن اللین فی الإنسان کیفیة قلبیة تقتضی الانعطاف لمستحقه ، وذلک لأن الانعطاف هو الرحمة فقد قوبل فی الآیة بین معنیین هما الشدة والرحمة وأحدهما وهو الرحمة له تعلق بمقابل الشدة وهو اللین والتعلق بینهما تعلق السببیة أی کون الرحمة مسببة عن اللین وأصل الشدة واللین فی المحسوسات فالشدة فیها الصلابة ، واللین فیها ضدها وهی صفة تقتضی صحة الغمز إلی

ص: 18

لکنها مسببة عن اللین) الذی هو ضد الشدة.

(و) الثانی : الجمع بین معنیین غیر متقابلین عبر عنهما بلفظین یتقابل معناهما الحقیقیان (نحو : قوله (1) : لا تعجبی یا سلم من رجل) یعنی : نفسه (ضحک المشیب برأسه) أی : ظهر ظهورا تامّا ...

******

الباطن والنفوذ فیه والشدة بخلافها ولو قیل إن الشدة لها تعلق بمقابل الرحمة وهو الفظاظة وعدم الانعطاف لصح أیضا لأن عدم الانعطاف لازم للشدة التی هی کیفیة قلبیة توجب عدم الانعطاف لمستحقه (قوله : لکنها مسببة عن اللین) أی ومنافی السبب لا یجب أن یکون منافیا للمسبب.

(قوله : غیر متقابلین) أی : ولا یستلزم ما أرید بأحدهما ما یقابل الآخر وبهذا فارق ما قبله (قوله : نحو قوله) أی : الشاعر وهو دعبل - بکسر الدال المهملة والباء الموحدة وبینهما عین مهملة ساکنة - بوزن زبرج ، وضبطه بعضهم أیضا بفتح الباء ففی الباء وجهان ، وهو شاعر خزاعی رافضی کما فی الأطول (قوله : لا تعجبی إلخ) قبله :

یا سلم ما بالشّیب منقصة

لا سوقة یبقی ولا ملکا

لا تعجبی یا سلم ... البیت

وبعده :

قصر الغوایة عن هوی قمر

وجد السّبیل إلیه مشترکا

قد کان یضحک فی شبیبته

والآن یحسد کلّ من ضحکا

یا لیت شعری کیف حالکما

یا صاحبیّ إذا دمی سفکا

لا تأخذا بظلامتی أحدا

قلبی وطرفی فی دمی اشترکا

(قوله : یا سلم) ترخیم سلمی أو المراد یا سالمة من العیوب فیکون السلم بمعنی السلامة المستعمل فی السالمة (قوله : یعنی نفسه) عبر عن نفسه برجل لأجل أن یتمکن من الوصف بالجملة (وقوله : المشیب) هو کالشیب عبارة عن بیاض الشعر (قوله : ظهر ظهورا تامّا)

ص: 19

(فبکی) ذلک الرجل. فظهور المشیب لا یقابل البکاء إلا أنه قد عبر عنه بالضحک الذی معناه الحقیقی مقابل البکاء (ویسمی الثانی : إیهام التضاد) لأن المعنیین قد ذکرا بلفظین یوهمان التضاد نظرا إلی الظاهر.

بالتفسیر الذی سبق (ما یختص باسم المقابلة) وإن جعله السکاکی وغیره قسما برأسه من المحسنات المعنویة (وهو أن یؤتی بمعنیین متوافقین أو أکثر ، ثم) یؤتی (بما یقابل ذلک) المذکور من المعنیین المتوافقین ، أو المعانی المتوافقة (علی الترتیب) فیدخل فی الطباق لأنه جمع بین معنیین متقابلین فی الجملة (والمراد بالتوافق خلاف التقابل) حتی لا یشترط أن یکونا ...

******

إنما أخره عن الملحق ؛ لأنه قسم برأسه عند الغیر ، فناسب تأخیره عن الأول وملحقاته ، وإنما نبه علی دخوله تنبیها علی أن من جعله قسما مستقلّا من البدیعیات المعنویة فقد غفل (قوله : بالتفسیر الذی سبق) أی وهو الجمع بین أمرین متقابلین ولو فی الجملة.

(قوله : ودخل فیه إلخ)

(قوله : وإن جعله إلخ) الواو للحال (قوله : متوافقین) أی غیر متقابلین (قوله : علی الترتیب) أی یکون ما یؤتی به ثانیا مسوقا علی ترتیب ما أتی به أولا ، بحیث یکون الأول للأول والثانی للثانی (قوله : فیدخل فی الطباق) أی : إنما دخل هذا النوع المسمی بالمقابلة فی الطباق لأنه جمع بین معنیین متقابلین فی الجملة - أی علی وجه مخصوص دون آخر - إذ لیس التقابل بین کل اثنین من المعانی التی ذکرت ، ألا تری أنه لا تقابل بین الضحک والقلة ولا بین البکاء والکثرة فی المثال الآتی ، وإن کان فیه مقابلة بین الضحک والبکاء والقلة والکثرة ، أی وحیث کان فی المقابلة جمع بین معنیین متقابلین فی الجملة کانت طباقا ، فالصدق تعریفه علیها. قال العلامة عبد الحکیم : لا یخفی أن فی الطباق حصول التوافق بعد التنافی ، ولذا سمی بالطباق ، وفی المقابلة حصول التنافی بعد التوافق ، ولذا سمی بالمقابلة وفی کلیهما إیراد المعنیین بصورة غریبة فکل منهما محسن بانفراده ، واستلزام أحدهما للآخر لا یقتضی دخوله فیه ، فالحق مع السکاکی فی جعله المقابلة قسما مستقلّا من البدیعیات المعنویة (قوله : والمراد إلخ) جواب عما یقال أن جعل المقابلة داخلة فی الطباق دون مراعاة النظیر تحکم ؛ لأنه کما یصدق علیها باعتبار جمع المتقابلین تعریف الطباق یصدق علیها باعتبار جمع المتوافقین تعریف مراعاة النظیر ، فأجاب بقوله : والمراد بالتوافق فی قولنا فی تعریف المقابلة : أن یؤتی بمعنیین متوافقین إلخ

ص: 21

متناسبین ، أو متماثلین ؛ فمقابلة الاثنین بالاثنین (نحو : (فَلْیَضْحَکُوا قَلِیلاً وَلْیَبْکُوا کَثِیراً)) (1)

أتی بالضحک والقلة المتوافقین ثم البکاء والکثرة المتماثلین لهما.

(و) مقابلة الثلاثة بالثلاثة (نحو قوله :

******

عدم التقابل وعدم التنافی ، فیشمل المتناسبین کما یأتی فی مراعاة النظیر ، ولذلک توجد المقابلة معه ، ویشمل المتماثلین فی أصل الحقیقة مع عدم التناسب فی المفهوم کمصدوق القائم والإنسان ، ویشمل الخلافیین کالإنسان والطائر وکالضحک والقلة ، فإنهما غیر متماثلین وغیر متناسبین ، فلما لم یشترط فی المقابلة تماثل المعنیین ولا تناسبهما - بخلاف مراعاة النظیر فإنه یشترط فیها ذلک - جعلت داخلة فی الطباق باعتبار جمع المتقابلین ولم تجعل داخلة فی مراعاة النظیر باعتبار جمع المتوافقین. قال فی الأطول : وهذا المراد وإن رجح دخول المقابلة فی الطباق ، لکن لا ینفی کون بعضها من مراعاة النظیر ؛ لأنه کما لا یشترط فی المقابلة التناسب لم یشترط عدمه. اه.

(قوله : متناسبین) أی : بینهما مناسبة وإن اختلفا ماصدقا ومفهوما : کالشمس والقمر والعبد والفقیر (وقوله : أو متماثلین) أی : فی أصل الحقیقة وإن اختلفا مفهوما فقط کإنسان وقائم (قوله : المتماثلین لهما) کذا فی نسخة ، وفی أخری المتقابلین لهما ، والأولی أظهر بقرینة قوله لهما وإن کانت الثانیة صحیحة أیضا ؛ لأن المراد المتقابلین بالنسبة لهما - فتأمل.

وحاصله أنه أتی بالضحک والقلة وهما متوافقان ثم بالبکاء والکثرة وهما متوافقان أیضا ، وقابل الأول من الطرف الثانی - وهو البکاء - بالأول من الطرف الأول - وهو الضحک - وقابل الثانی من الطرف الثانی - وهو الکثرة - بالثانی من الطرف الأول - وهو القلة (قوله : نحو قوله) (2) أی : قول الشاعر وهو أبو دلامة بضم الدال علی وزن ثمامة

ص: 22

ما أحسن الدین والدنیا إذا اجتمعا

وأقبح الکفر والإفلاس بالرجل)

أتی بالحسن ، والدین ، والغنی ، ثم بما یقابلها من القبح ، والکفر ، والإفلاس علی الترتیب.

(و) مقابلة الأربعة بالأربعة (نحو : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطی وَاتَّقی. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنی. فَسَنُیَسِّرُهُ لِلْیُسْری. وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنی. وَکَذَّبَ بِالْحُسْنی. فَسَنُیَسِّرُهُ لِلْعُسْری)(1) والتقابل بین الجمیع ظاهر ...

******

من شعراء الدولة العباسیة کان فی مدة المعتصم بالله (قوله : إذا اجتمعا) أی : بالرجل (وقوله : بالرجل) أی : إذا اجتمعا بالرجل ففی البیت احتباک (قوله : بالرجل) ویقاس علیه المرأة بالأولی أو غلب الرجل علی المرأة أو أراد بالرجل الشخص مطلقا ، وإنما کانت المرأة أولی ؛ لأنه إذا لم یدفع قبح الکفر والإفلاس کمال الرجل برجولیته فکیف یدفع ذلک نقصان المرأة بکونها امرأة؟ (قوله : والغنی) أی : المعبر عنه بالدنیا (قوله : فأما من أعطی) أی : حقوق أمواله (وقوله : واتقی) أی : اتقی الله برعایة أوامره ونواهیه والاعتناء بها خوفا منه تعالی أو محبة فیه ، أو المراد اتقی حرمات الله وتباعد عنها (وقوله : (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنی)) أی : بالخصلة الحسنی وهی الإیمان ، أو بالملة الحسنی وهی ملة الإسلام ، أو المثوبة الحسنی وهی الجنة ، أو بالکلمة الحسنی وهی کلمة التوحید.

(وقوله : (فَسَنُیَسِّرُهُ لِلْیُسْری)) أی : فسنهیئه للجنة بأن نوفقه للأعمال الصالحة من یسّر الفرس للرکوب إذا أسرجها وأجلهما ، ومنه (کلّ میسّر لما خلق له).

(قوله : (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ)) أی : بالنفقة فی الخیر واستغنی عن ثواب الله عزوجل ولم یرغب فیه والمراد بالعسری النار (قوله : والتقابل بین الجمیع ظاهر) حاصله أن قوله : (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنی. وَکَذَّبَ بِالْحُسْنی. فَسَنُیَسِّرُهُ لِلْعُسْری) محتو علی أربعة أمور مقابلة للأربعة الأولی علی الترتیب ، فالبخل مقابل للإعطاء ، والاستغناء مقابل للاتقاء ، والتکذیب مقابل للتصدیق ، والتیسیر للعسری مقابل للتیسیر للیسری ؛ لأن المراد بالتیسیر للیسری التهیؤ للجنة ، والتیسیر للعسری التهیؤ للنار ، فظهر لک أن المقابلة الرابعة بین

ص: 23

إلا بین الاتقاء والاستغناء ؛ فبّینه بقوله : (والمراد ب (استغنی) أنه زهد فیما عند الله تعالی کأنه استغنی عنه) أی : عما عند الله تعالی (فلم یتق أو) المراد باستغنی : (استغنی بشهوات الدنیا عن نعیم الجنة فلم یتق) ...

******

مجموع تیسره للیسری ومجموع تیسره للعسری لا بین الجزأین الأولین منهما لاتحادهما وعدم المقابلة بینهما ولا بین المجرورین فی الجزأین لما نقل فی الإیضاح إنها إنما تکون بین المستقلین والمجرور هنا لا یستقل فلا تقع به المقابلة والمراد بالمستقل ما لا یکون تماما لغیره کأن یکون الحرف صلة لغیره (قوله : إلا بین الاتقاء والاستغناء) أی : فإن التقابل بینهما فیه خفاء ؛ وذلک لأن الاستغناء إن فسر بکثرة المال أو بعدم طلب الدنیا للقناعة فلا یکون مقابلا للتقوی ، وإن فسر بشیء آخر غیر ما ذکر کان محتاجا لبیانه لأجل أن تتضح مقابلته لا نفی ، فلذا قال المصنف والمراد (قوله : أنه زهد فیما عند الله) أی : من الثواب الأخروی ، ولیس المراد به کثرة المال. یقال : زهد فی الشیء وعن الشیء رغب عنه ولم یرده ، ومن فرق بین زهد فی الشیء وعن الشیء فقد أخطأ کما فی المغرب (قوله : کأنه استغنی عنه) أی : فصار بترک طلبه کأنه استغنی عنه أی : لا یحتاج إلیه مع شدة حاجته إلیه ؛ وذلک لأن العاقل لا یترک طلب شیء إلا إذا کان مستغنیا عنه فعبر بالاستغناء عن ترک طلب ما عند الله تعالی علی وجه الترفع عنه إنکارا له وترک طلبه کذلک کفر ، وإذا کان کافرا فلم یتق الکفر (قوله : أو استغنی بشهوات الدنیا) أی : أو المراد باستغنی أنه استغنی بشهوات الدنیا المحرمة عن طلب نعیم الجنة ، إما لإنکاره إیاه فیکون کافرا فلم یتق الکفر فیعود إلی الوجه الأول ، وإما أن یکون ذلک سفها وشغلا باللذة المحرمة عن ذلک النعیم فلم یتق المحرمات ، وإنما قیدنا الشهوات بالمحرمة ؛ لأن کل من لم یرتکب المحرمة أصلا لا یخلو شرعا وعادة من طلب النعیم الأخروی ، وإنما المستلزم لعدم التقوی هو الاستغناء باللذات المحرمة فعدم الاتقاء لیس هو نفس الاستغناء بالشهوات ، بل الاستغناء ملزومه ؛ لأنه فسر الاستغناء بالشغل بمحرم والشغل بالمحرم یستلزم نفی التقوی التی هی الطاعة بخلاف تفسیره بالزهد فیما عند الله بمعنی الکفر بما عنده تعالی فهو أظهر فی الدلالة.

ص: 24

فیکون الاستغناء مستتبعا لعدم الاتقاء ؛ وهو مقابل للاتقاء فیکون هذا من قبیل قوله تعالی : (أَشِدَّاءُ عَلَی الْکُفَّارِ رُحَماءُ بَیْنَهُمْ)(1) (وزاد السکاکی) فی تعریف المقابلة قیدا آخر حیث قال : هی أن یجمع بین شیئین متوافقین أو أکثر وضدیهما

******

(قوله : فیکون الاستغناء مستتبعا) أی : مستلزما لعدم الاتقاء وهذا مفرع علی الاحتمالین قبله (وقوله : وهو) أی : عدم الاتقاء مقابل للاتقاء (قوله : فیکون هذا من قبیل إلخ) أی : ففی هذا المثال تنبیه علی أن المقابلة قد تترکب من الطباق ، وقد تترکب مما هو ملحق بالطباق لما علمت أن مقابلة الاتقاء للاستغناء من قبیل الملحق بالطباق وهو الجمع بین معنیین یتعلق أحدهما بما یقابل الآخر نوع تعلق مثل مقابلة الشدة والرحمة فی قوله تعالی : (أَشِدَّاءُ عَلَی الْکُفَّارِ رُحَماءُ بَیْنَهُمْ) والمقابلة بین الثلاثة من الطباق لا یقال : کیف مثل المصنف بالآیة لما یدخل فی الطباق ولم یمثل بها للملحق به؟ لأنا نقول صح ذلک باعتبار اشتمال أغلبها علی ما هو فی نفس الطباق. هذا ، وقد ذکر الواحدی فی شرح دیوان المتنبی أن من مقابلة الخمسة بالخمسة قوله :

أزورهم وسواد اللّیل یشفع لی

وأنثنی وبیاض الصّبح یغری بی (2)

وفیه نظر ؛ لأن لی وبی صلتان لیشفع ویغری فهما من تمامهما بخلاف اللام وعلی فی قوله تعالی : (لَها ما کَسَبَتْ وَعَلَیْها مَا اکْتَسَبَتْ)(3) ، والمقابلة إنما تکون بین المستقلین کما فی الإیضاح وأما مقابلة الستة بالستة فمنه قول عنترة :

علی رأس عبد تاج عزّ یزینه

وفی رجل حرّ قید ذلّ یشینه (4)

ولم یوجد فی کلامهم أکثر من مقابلة الستة بمثلها (قوله : قیدا آخر) أی : لا تتقرر حقیقتها عنده إلا به (قوله : وضدیهما) الأولی أن یزید أو أضدادها بضمیر الجماعة لأجل قوله : أو أکثر (قوله : وإذا شرط) أی : وإذا قیدت المعانی الأول بقید فلا بد

ص: 25

(وإذا شرط هاهنا) أی : فیما بین المتوافقین ، أو المتوافقات (أمر شرط ثمة) أی : فیما بین ضدیهما أو أضدادهما (ضده) أی : ضد ذلک الأمر (کهاتین الآیتین فإنه لما جعل التیسیر مشترکا بین الإعطاء والاتقاء والتصدیق جعل ضده) أی : ضد التیسیر - وهو التعسیر المعبر عنه بقوله : (فَسَنُیَسِّرُهُ لِلْعُسْری) (مشترکا بین أضدادها) وهی البخل ، والاستغناء ، والتکذیب ؛ فعلی هذا لا یکون قوله : " ما أحسن الدین" من المقابلة ؛ لأنه اشترط فی الدین والدنیا الاجتماع ، ولم یشترط فی الکفر والإفلاس ضده.

والمناسبة بالتضاد أن یکون کلّ منهما مقابلا للآخر ، وبهذا القید یخرج الطباق ، وذلک قد یکون بالجمع بین أمرین (نحو : (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ)) (1) جمع بین أمرین (و) نحو (قوله) (2) فی صفة الإبل : (کالقسیّ) جمع : قوس (المعطفات) المنحنیات ...

******

من واد واحد لصحبته فی إدراکه ، أو لمناسبته فی شکل ، أو لترتب بعض علی بعض ، أو ما أشبه شیئا من ذلک.

(قوله : والمناسبة بالتضاد إلخ) هذا یشعر بأن المتضادین متناسبان وهو کذلک من جهة أن الضد أقرب خطورا بالبال عند ذکر ضده (قوله : مقابلا للآخر) أی : منافیا له (قوله : وبهذا القید) أعنی : قوله : لا بالتضاد یخرج الطباق ؛ لأنه جمع بین أمرین متضادین وقد تقدم أن المراد بالتضاد مطلق التقابل والتنافی فی الجمع ، ولما کان فی هذا الجمع رعایة الشیء مع نظیره بشبه أو مناسبة سمی مراعاة النظیر (قوله : وذلک) أی : الجمع بین أمر وما یناسبه لا بالتضاد قد یکون أی : قد یتحقق بسبب الجمع بین أمرین (قوله : (بِحُسْبانٍ)) أی : یجریان فی بروجهما بحسبان معلوم المقدار لا یزیدان علیه ولا ینقصان عنه ، فالشمس تقطع الفلک فی سنة والقمر یقطعه فی شهر فهو أسرع منها سیرا ذلک تقدیر العزیز العلیم (قوله : جمع بین أمرین) أی : وهما الشمس والقمر ولا یخفی تناسبهما من حیث تقارنهما فی الخیال لکون کل منهما جسما نورانیّا سماویّا ، ثم إنه لا حاجة لقوله : جمع بین أمرین مع قوله : قد یکون بالجمع بین أمرین فهو تأکید له (قوله : ونحو قوله) أی : البحتری ، (وقوله : فی صفة الإبل) أی : المهزولة (قوله : کالقسیّ) جمع قوس (وقوله : المعطفات) أی : المنحنیات ؛ لأنه مأخوذ من عطّف العود بتشدید الطاء وعطفه بتخفیفها حناه ووصف القوس بالتعطیف من باب الوصف الکاشف أو المؤکد ، إذ لا یکون القوس إلا کذلک ، فإن قلت : إن قوسا بزنة فعل ، وفعل یجمع علی فعول : کفلس یجمع علی فلوس ، فکان مقتضاه أن یقال فی جمع قوس قووس لا قسی ، قلت :

ص: 27

(بل الأسهم) جمع : سهم (مبریة) أی : منحوتة (بل الأوتار) جمع : وتر - جمع بین ثلاثة أمور.

(ومنها) أی : ومن مراعاة النظیر : (ما یسمیه بعضهم تشابه الأطراف ؛ وهو أن یختم الکلام ...

******

أصل قسی قووس بدلیل قوس الشیخ ، واستقوس أی : انحنی ورجل متقوس أی : معه قوس قدمت اللام إلی محل عین الکلمة ، فصار قسوو فوقعت الواو متطرفة ، فقلبت یاء فصار قسوی اجتمعت الواو والیاء ، وسبقت إحداهما بالسکون ، فقلبت الواو یاء وقلبت الضمة کسرة لمناسبة الیاء ، وأدغمت الیاء فی الیاء فصار قسی بضم فاء الکلمة ، ثم لما استثقل الانتقال من الضمة للکسرة فی مثل هذا کسروا فاء الکلمة للخفة فصار قسی بوزن فلیع بکسر الفاء (قوله : بل الأسهم) أی : بل هی کالأسهم وهذا إضراب عن التشبیه الأول بالقسیّ (وقوله : بل الأوتار) أی : بل هی کالأوتار فهی هزیلة جدّا وهذا إضراب عن التشبیه الثانی ، ومحصل معنی البیت : أن الإبل المهازیل فی شکلها ورقة أعضائها شابهت تلک القسی ، بل أرق منها وهی الأسهم ، بل أرق منها وهی الأوتار (قوله : جمع وتر) أی : وهو الخیط الجامع بین طرفی القوس (قوله : جمع بین ثلاثة أمور) وهی القوس والسهم والوتر بینها مناسبة وفی انتقاله تدل ؛ لأن القوس أغلظ من السهم المبری ، والسهم المذکور أغلظ من الوتر ، والوتر أرقها کلها ، وقد یکون الجمع بین أمر وما یناسبه لا بالتضاد متحققا بسبب الجمع بین أربعة کقول بعضهم للوزیر المهلبی : أنت أیها الوزیر إسماعیلی الوعد ، شعیی التوفیق ، یوسفی العفو ، محمدی الخلق ، فجمع بین الأنبیاء الأربعة المرسلین ، وفیه مناسبة ، وقد یکون متحققا بسبب الجمع بین أکثر من أربعة کقول ابن رشیق - بفتح أوله وکسر ثانیه (1) :

أصحّ وأقوی ما سمعناه فی النّدی

من الخبر المأثور منذ قدیم

أحادیث ترویها السّیول عن الحیا

عن البحر عن کفّ الأمیر تمیم

ص: 28

بما یناسب ابتداءه فی المعنی نحو : (لا تُدْرِکُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ یُدْرِکُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِیفُ الْخَبِیرُ)(1)) فإن (اللَّطِیفُ) یناسب کونه غیر مدرک بالأبصار ، ...

******

فقد ناسب فیه بین الصحة والقوة والسماع والخبر المأثور والأحادیث والروایة ، وکذا ناسب بین السیل والحیا أی : المطر والبحر وکف تمیم مع ما فی البیت الثانی من صحة الترتیب فی العنعنة ، إذ جعل الروایة لصاغر عن کابر کما یقع فی سند الأحادیث ، فإن السیول أصلها المطر والمطر أصله البحر علی ما یقال ، والبحر أصله کف الممدوح علی ما ادعاه الشاعر - ا. ه أطول.

(قوله : بما یناسب ابتداءه فی المعنی) أی : لکون ما ختم به الکلام کالعلة لما بدئ به أو العکس أو کالدلیل علیه أو نحو ذلک وإنما کان تشابه الأطراف نوعا خاصّا من مراعاة النظیر ؛ لأنها الجمع بین متناسبین مطلقا ، سواء کان أحدهما فی الختم والآخر فی الابتداء کما فی تشابه الأطراف أو کانا معا فی الابتداء کما تقدم فی المثال ، أو فی الاختتام ، أو فی التوسط ، بخلاف تشابه الأطراف ، فإنه قاصر علی الجمع بین متناسبین أحدهما فی الابتداء والآخر فی الانتهاء. قال الفنری : ولو قال بدل قوله : بما یناسب ابتداءه بما یناسب ما قبله کان أولی ؛ لأن قوله : لا تدرکه الأبصار الذی یناسبه اللطیف ، وإن کان ابتداء الکلام لکونه رأس الآیة ، لکن قوله : وهو یدرک الأبصار الذی یناسبه الخبیر لیس ابتداء الکلام - انتهی.

وأجاب بعضهم بأن المراد بالکلام هنا ما یقصد من التراکیب المفیدة سواء کان جملة واحدة أو أکثر ، والمراد بأوله ما لیس بآخر ، وحینئذ فیصدق علی قوله تعالی : (لا تُدْرِکُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ یُدْرِکُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِیفُ الْخَبِیرُ) أنه کلام وعلی قوله : (لا تُدْرِکُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ یُدْرِکُ الْأَبْصارَ) أنه أول وعلی قوله : (وَهُوَ اللَّطِیفُ الْخَبِیرُ) أنه آخر - تأمل.

(قوله : فإن اللطیف یناسب کونه غیر مدرک بالأبصار) أی : باعتبار المتبادر منه وهو الدقة لأخذه من لطف ککرم إذا دق ورق ، ومعلوم أن الشیء کلما لطف ودق

ص: 29

و (الْخَبِیرُ) یناسب کونه مدرکا للأبصار ؛ لأن المدرک للشیء یکون خبیرا عالما.

(ویلحق بها) أی : بمراعاة النظیر أن تجمع بین معنیین غیر متناسبین بلفظین یکون لهما معنیان متناسبان وإن لم یکونا مقصودین هنا (نحو : (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ. وَالنَّجْمُ)(1) أی : النبات الذی ینجم - أی : یظهر من الأرض لا ساق له - کالبقول (والشجر) ...

******

کان أخفی فلا یدرک بالبصر ، ألا تری للهواء فإنه لما لطف جدّا امتنع إدراکه بالبصر عادة وإن کان ذلک المعنی محالا فی حقه تعالی ، إذ اللطیف فی حقه بمعنی الرفیق بعباده الرؤوف بهم ، وعبارة الفنری (قوله : فإن اللطیف یناسب کونه غیر مدرک بالأبصار) فیه تأمل إذ المناسب له اللطیف المشتق من اللطافة وهو لیس بمراد هنا ، وأما اللطیف المشتق من اللطف بمعنی الرأفة فلا یظهر له مناسبة ، اللهم إلا أن یقال : اللطیف هنا مستعار من مقابل الکثیف لما لا تدرکه الأبصار ولا ینطبع منها وهذا القدر یکفی فی المناسبة - ا. ه.

(قوله : لأن المدرک للشیء إلخ) لعل الأظهر فی بیان المناسبة عبارة ابن یعقوب ونصها : أما مناسبة الخبیر لإدراکه الأبصار فظاهرة ؛ لأن الخبیر من له علم بالخفیات ومن جملة الخفیات ، بل الظواهر الأبصار فیدرکها - تأمل.

(قوله : غیر متناسبین) أی : فی أنفسهما لعدم وجود شیء من أوجه التناسب من تقارن أو علیة ، أو نحو ذلک (قوله : بلفظین) أی : حالة کون المعنیین المذکورین معبرا عنهما بلفظین (قوله : وإن لم یکونا مقصودین هنا) أی : والحال أن مجموع المعنیین المتناسبین لم یقصد فی الحالة الراهنة ، وهذا صادق بألا یقصد واحد منهما ، أو یکون أحدهما مقصودا دون الآخر کما فی المثال المذکور فی المتن.

(قوله : نحو (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) إلخ) التمثیل بذلک بالنظر للنجم مع الشمس والقمر (قوله : (بِحُسْبانٍ)) أی یجریان فی فلکهما بحساب معلوم لا یزید ولا ینقص (قوله : کالبقول)

ص: 30

الذی له ساق ((یَسْجُدانِ)) أی : ینقادان لله تعالی فیما خلقا له ، فالنجم بهذا المعنی - وإن لم یکن مناسبا للشمس والقمر لکنه قد یکون بمعنی الکوکب ، وهو مناسب لهما (ویسمی إیهام التناسب) لمثل ما مر فی إیهام التضاد.

بمنزلة البیت من النظم ، فقوله : وهو یطبع الأسجاع بجواهر لفظه فقرة ، ویقرع الأسماع بزواجر وعظه فقرة أخری ، والفقرة فی الأصل حلی یصاغ علی شکل فقرة الظهر (أو) من (البیت ...

******

ووجه تسمیة ما یدل علی العجز إرصاد أن الإرصاد فی اللغة نصب الرقیب فی الطریق لیدل علیه ، أو علی ما یأتی منه ، وما یدل علی العجز نصب لیدل علی صفته وختمه ، وأما وجه تسمیته تسهیما ؛ فلأن ما جعل قبل العجز لیدل علیه مزید فی البیت أو فی الفقرة لیزینه بدلالته علی المقصود من عجزه فصار بمنزلة الخطوط فی الثوب المزیدة فیه لتزیینه ؛ أو لأن ما قبل العجز مع العجز کأنهما خطان مستویان فی البیت أو الفقرة (قوله : بمنزلة البیت من النظم) أی : بمنزلة البیت الکامل من الشعر فی أن رعایة الروی واجبة فیهما بخلاف المصراع إلا أنه فرق بینهما من جهة أن البیت یکون بیتا وحده والفقرة لا تکون فقرة بدون الأخری - قاله عبد الحکیم ، وفی ابن یعقوب : الفقرة : ما یکون من النثر بمنزلة البیت من الشعر فی کونه ملتزما ما ختم ما بعده بما التزم منه فی الروی : کالحرف الملتزم فی ختم الآیات (قوله : فقوله) أی : الحریری وهو مبتدأ خبره فقرة ، (وقوله : هو) أی : أبو زید السروجی (قوله : یطبع الأسجاع) یقال طبعت السیف والدرهم أی : عملته وطبعت من الطین جرة عملتها منه والأسجاع : جمع سجع وهو الکلام الملتزم فی آخره حرف فهو قریب من الفقرة أو هو نفسها فی الماصدق (وقوله : بجواهر لفظه) أی : من لفظه الشبیه بالجواهر (قوله : ویقرع الأسماع إلخ) قرع الأسماع بزواجر الوعظ عبارة عن إسماع الموعظة علی وجه محرک للمقصود (قوله : بزواجر وعظه) أی : بالزواجر من وعظه أی : بالأمور المانعة للسامع من ارتکاب ما لا ینبغی (قوله : فقرة أخری) أی : لأن کلّا منهما بمنزلة البیت فیما ذکر آنفا (قوله : والفقرة فی الأصل) الفقرة بفتح الفاء وکسرها ، والمراد بالأصل اللغة ، (وقوله : حلی) بفتح الحاء وسکون اللام وجمعه حلی بضم الحاء وکسرها وکسر اللام وتشدید الیاء ، (وقوله : یصاغ علی شکل فقرة الظهر) أی : فتکون الفقرة فی الأصل مشترکة بین فقرة الظهر وبین الحلی الذی یصاغ علی شکلها ، ثم استعیرت لکلام لو ضم إلیه غیره التزم

ص: 32

ما یدل علیه) أی : علی العجز - وهو آخر کلمة من الفقرة ، أو البیت (إذا عرف الروی) فقوله : ما یدل فاعل" یجعل" ، وقوله : " إذا عرف" متعلق بقوله : " یدل" ، والروی : الحرف الذی بنی علیه أواخر الأبیات أو الفقر ، ویجب تکرره فی کل منهما ، وقید بقوله : " إذا عرف الروی" لأن من الإرصاد ما لا یعرف به العجز لعدم معرفة حرف الروی ، کما فی قوله تعالی : (وَما کانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْ لا کَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّکَ لَقُضِیَ بَیْنَهُمْ فِیما فِیهِ یَخْتَلِفُونَ)(1) ...

******

فی المضموم الحرف الأخیر الکائن فی المضموم إلیه هذا ما یشعر به کلام الشارح ، وذکره العلامة سم ، والذی ذکره العلامة ابن یعقوب أن الفقرة فی الأصل اسم لعظم الظهر ، ثم استعیر لحلی یصاغ علی هیئته عظم الظهر ، ثم استعیر لکلام لو ضم إلیه غیره التزم فی المضموم الحرف الأخیر الکائن فی المضموم إلیه ، وعلی هذا فقول الشارح : فی الأصل أی : الأصل الثانی ، وإلا فالأصل الأول إحدی فقار الظهر (قوله : ما یدل علیه) أی : کلمة تدل علی العجز أی : علی مادته وصورته ، فالمادة یدل علیها الإرصاد والصورة یدل علیها الروی ، فالمتوقف علی معرفة الروی هو الصورة فقط (قوله : آخر کلمة) أی : الکلمة الأخیرة من الفقرة إلخ (قوله : إذا عرف الروی) أی : من حیث إنه روی لتلک القافیة ، فمعرفة صیغة القافیة من الکلام السابق لا بد منها أیضا ، فلا یرد أن معرفة الروی وهو النون فی الآیة لا تدل علی أن العجز یختلفون لجواز أن یکون مختلفون ، ولو قال المصنف : إذا عرف الروی مع معرفة صیغة القافیة لکان أوضح (قوله : فاعل یجعل) أی : نائب فاعل یجعل ، أو علی رأی الزمخشری من أن نائب الفاعل عنده یقال له فاعل (قوله : متعلق بقوله : یدل) أی أن الإرصاد هو أن یؤتی قبل العجز بما یدل علی شخصه أی : إذا وجد ذلک الشرط وهو معرفة الروی وصیغة القافیة ، فإن فقد ذلک الشرط لم توجد تلک الدلالة ، وإن کان ذلک یسمی إرصادا ، والحاصل أن الإرصاد لا بد فیه من الدلالة علی مادة العجز ، فإن عرف الروی وصیغة القافیة وجب أن یدل علی صیغته أیضا ، وإن لم یعرف الروی انتفت تلک الدلالة (قوله : ویجب تکرره) أی : الروی فی کلّ منهما أی : من الأبیات والفقر (قوله : ما لا یعرف به العجز)

ص: 33

فلو لم یعرف أن حرف الروی هو النون لربما توهم أن العجز فیما فیه اختلفوا ، أو اختلفوا فیه ، فالإرصاد فی الفقرة (نحو : (وَما کانَ اللهُ لِیَظْلِمَهُمْ وَلکِنْ کانُوا أَنْفُسَهُمْ یَظْلِمُونَ)(1) ، و) فی البیت (نحو قوله :

******

أی : باعتبار صورته ومادته لا باعتبار مجرد مادته ، وإلا فقوله اختلفوا یدل علی مادة الاختلاف (قوله : فلو لم یعرف) أی : فلو فرض أنه لم یعرف من الآیة التی قبلها أن حرف الروی هو النون لربما توهم إلخ - ظاهره أنه لو عرف أن الروی حرف النون لفهم أن العجز یختلفون - ولیس کذلک - لجواز أن یفهم أنه مختلفون ، فالأولی أن یقول : فلو لم یعرف حرف الروی من حیث إنه روی لتلک القافیة ، إذ لا بد من العلم بصیغة القافیة أیضا ، ومثل هذه الآیة قول الشاعر :

أحلّت دمی من غیر جرم وحرّمت

بلا سبب یوم اللّقاء کلامی (2)

فلیس الذی حللته بمحلّل

ولیس الّذی حرّمته بحرام

فحرمته إرصاد یدل علی أن العجز حرام إذا عرف أن الروی المیم ، وأن القافیة علی وزن فعال کسلام وکلام ، فلو لم یعرف أن القافیة مثل سلام وکلام لربما توهم أن العجز بمحرم.

(قوله : (وَما کانَ اللهُ لِیَظْلِمَهُمْ وَلکِنْ کانُوا أَنْفُسَهُمْ یَظْلِمُونَ)) أی : فیظلمهم إرصاد ؛ لأنه یدل علی أن مادة العجز من مادة الظلم ، إذ لا معنی لقولنا مثلا : وما کان الله لیظلمهم ولکن کانوا أنفسهم ینفعون أو یمنعون من الهلاک أو نحو ذلک ، ویعین کون المادة من الظلم مختومة بنون بعد واو معرفة الروی الکائن فیما قبل الآیة وهو قوله تعالی : (الَّذِینَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِکَةُ طَیِّبِینَ یَقُولُونَ سَلامٌ عَلَیْکُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(3) (قوله : نحو قوله) أی : قول الشاعر وهو عمرو بن معد یکرب (4)

ص: 34

إذا لم تستطع شیئا فدعه

وجاوزه إلی ما تستطیع (1)

.................................................................................................

******

علاقة ؛ لأنها المجاورة بین مدلول اللفظ المتجوز به وبین مدلول اللفظ المتجوز عنه أی : تقارنها فی الخیال والمشاکلة لیست کذلک ؛ لأن المشاکلة أن یعدل عن اللفظ الدال علی المعنی المراد إلی لفظ غیره من غیر أن یکون هناک مجاورة بین مدلولی اللفظین وتقارن بینهما فی الخیال فلیس فیها إلا مجرد ذکر المصاحب بلفظ غیر لاصطحابهما فی الذکر ، ولو کان هذا القدر یکفی فی التجوز لصح التجوز فی نحو قولنا : جاء زید وعمرو بأن یقال : جاء زید وزید مرادا به عمرو لوقوعه فی صحبته وهو لا یصح ، ویمکن حمل المصنف علی هذا القول بجعل اللام فی قوله : لوقوعه فی صحبته توقیتیة أی : ذکر الشیء بلفظ غیره وقت وقوعه فی صحبته ، وعلی هذا فخروج الکنایات والمجازات بهذا القید ظاهر ؛ لأن شیئا منها لیس من شأنه أن یذکر وقت صحبته للغیر ، وعلی هذا القول فمعنی الوقوع فی صحبة الغیر أن ذلک الشیء وجد مصاحبا للغیر بمعنی أنه ذکر هذا عند ذکر هذا ، ولیس المراد وقوعه فی صحبته فی قصد المتکلم کما یقوله الأول ، واعلم أن القول بأن المشاکلة لیست حقیقة ولا مجازا هو ما ارتضاه العلامة ابن یعقوب وعبد الحکیم حیث قال : أقول بکونها مجازا ینافی کونها من المحسنات البدیعیة ، وأنه لا بد فی المجاز من اللزوم بین المعنیین فی الجملة ، والمعنیان فی المشاکلة تارة یکون بینهما علاقة من العلاقات المعتبرة فی المجاز : کإطلاق اسم السبب علی جزء المسبب عنه المترتب علیه کما فی قوله تعالی : (وَجَزاءُ سَیِّئَةٍ سَیِّئَةٌ مِثْلُها)(1) فإن السیئة الأولی عبارة عن المعصیة والثانیة عبارة عن جزاء المعصیة وبینهما علاقة السببیة ، فأطلق السبب وأرید المسبب ، وتارة لا یکون بینهما علاقة کإطلاق الطبخ علی خیاطة الجبة والقمیص ، وأن فی المشاکلة نقل المعنی من لباس إلی لباس فإن اللفظ بمنزلة اللباس ففیها إیراد المعنی بصورة عجیبة فیکون محسنا معنویّا وفی المجاز نقل اللفظ من معنی لمعنی آخر ، فلا بد من علاقة مصححة للانتقال والتغلیب أیضا من هذا القسم ، إذ فیه أیضا نقل المعنی من لباس إلی لباس لنکتة ، ولذا کان البحث عنه من وظیفة المعانی ، وإن صرح الشارح فیما سبق بکونه من باب

ص: 36

(تحقیقا ، أو تقدیرا) أی : وقوعا محققا ، أو مقدرا (فالأول نحو قوله : قالوا اقترح شیئا) من : اقترحت علیه شیئا : إذا سألته إیاه من غیر رویة وطلبته علی سبیل التکلیف والتحکم ، وجعله من : اقترح الشیء : ابتدعه - غیر مناسب - علی ما لا یخفی - (نجد) مجزوم علی أنه جواب الأمر من الإجادة ؛ وهی تحسین الشیء (لک طبخه ... قلت اطبخوا لی جبّة وقمیصا) أی : خیطوا ، وذکر خیاطة الجبة بلفظ الطبخ لوقوعها فی صحبة طبخ الطعام (ونحو : (تَعْلَمُ ما فِی نَفْسِی وَلا أَعْلَمُ ما فِی نَفْسِکَ)(1)) ...

******

المجاز والحقیقة والمجاز والکنایة أقسام للکلمة إذا کان المقصود استعمال الکلمة فی المعنی ، وأما إذا کان المقصود نقل المعنی من لفظ للفظ آخر فهو لیس شیئا منها - انتهی.

(قوله : تحقیقا) أی : بأن ذکر ذلک الشیء عند ذکر الغیر (وقوله : أو تقدیرا) أی : بأن ذکر الشیء عند حضور معنی الغیر فیکون اللفظ الدالّ علی الغیر مقدرا والمقدر کالمذکور (قوله : أی وقوعا) دفع به ما یوهم أن قوله تحقیقا راجع للذکر.

(قوله : فالأول) أی : فالقسم الأول من المشاکلة وهو ذکر الشیء بلفظ غیره لوقوعه فی صحبته وقوعا محققا (قوله : إذا سألته) أی : تقول ذلک إذا سألته إلخ (وقوله : من غیر رویة) أی : تأمل فی حال المسئول (وقوله : وطلبته إلخ) تفسیر (وقوله : علی سبیل التکلیف) أی : الإلزام (قوله : والتحکم) أی : الإلزام تفسیر ، وحینئذ فالمعنی اطلب ما شئت من المطبوخ طلبا إلزامیّا (قوله : ابتدعه) أی : حصله وأوجده أولا ومنه اقترح الکلام أی : ابتدعه وابتکره علی غیر مثال (قوله : غیر مناسب) خبر عن قوله وجعله ، وإنما کان غیر مناسب ؛ لأنه ینافیه قوله بعد : نجد لک طبخه أی : نحسن لک طبخ ذلک المسئول ؛ وذلک لأنه علی تقدیر أن یکون اقترح مأخوذا من اقترح الشیء ابتدعه یصیر المعنی ابتدع شیئا من الأطعمة المطبوخة وأوجده ؛ نجد لک طبخه ، ولا معنی لإیجاد المطبوخ لیطبخ وإن حمل علی أن المعنی أوجد أصله لیطبخ نافاه السیاق أیضا ؛ لأن المراد : اطلب ما ترید من الأطعمة المطبوخة تعطاه ، ولیس المراد ائتنا بطعام نطبخه لک - قاله ابن یعقوب.

(قوله : نجد) بضم النون وکسر الجیم مضارع متکلم (قوله : خیطوا) بکسر الخاء المعجمة وسکون الیاء التحتیة (قوله : ونحوه) أی : نحو هذا المثال فی کونه مشاکلة

ص: 37

حیث أطلق النفس علی ذات الله تعالی لوقوعه فی صحبة (نفسی).

(والثانی) وهو ما یکون وقوعه فی صحبة الغیر تقدیرا (نحو) قوله تعالی (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَیْنا) إلی قوله (صِبْغَةَ اللهِ)) (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ)(1) (وهو) أی : قوله : (صِبْغَةَ اللهِ) (مصدر) لأنه فعلة من صبغ کالجلسة ؛ من جلس ؛ وهی الحالة التی یقع علیها الصبغ (مؤکد ل (آمَنَّا بِاللهِ) أی : تطهیر الله ؛ ...

******

لوقوع الشیء فی صحبة غیره تحقیقا (قوله : حیث أطلق النفس إلخ) فالمراد ولا أعلم ما فی ذاتک ، والحاصل أن النفس تطلق بمعنی الذات وبمعنی الروح ، وحینئذ فلا یجوز إطلاقها علیه تعالی ولو بالمعنی الأول إلا علی سبیل المشاکلة للإیهام ، فإن قلت : قد ورد فی الحدیث أنت کما أثنیت علی نفسک وفی الآیة (وَیُحَذِّرُکُمُ اللهُ نَفْسَهُ)(2) و (کَتَبَ رَبُّکُمْ عَلی نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)(3) قلت : وإن أطلق من غیر مشاکلة فی ذلک لا یجوز الإطلاق من غیر مشاکلة فی غیر ما ورد ، والحق أنه یجوز إطلاق النفس علی الذات من غیر مشاکلة ، ولیس فی الآیة مشاکلة ؛ لأن اللفظ أطلق علی معناه لا علی غیره لمصاحبته له فی اللفظ - ا. ه من ابن یعقوب.

ولک أن تقول : إن فی الآیة مشاکلة علی کل من القولین بناء علی أن المراد من نفسه تعالی علمه لا ذاته وأن الظرفیة مجازیة - فتأمل.

(قوله : فی صحبة الغیر) أی : کصبغتنا وصبغتکم فی حل الآیة الآتی (قوله : (صِبْغَةَ اللهِ)) منصوب بعامل محذوف وجوبا دل علیه قوله (آمَنَّا بِاللهِ) تقدیره صبغنا الله بالإیمان صبغة أی : طهرنا تطهیرا (قوله : لأنه فعلة) أی : لأن وزنه فعلة بکسر الفاء وسکون العین (قوله : وهی) أی : الصبغة ، (وقوله : الحالة) أی : الهیئة المخصوصة ، (وقوله : التی یقع علیها) أی : یتحقق فیها مطلق المصدر الذی هو مطلق الصبغ من تحقق العام فی الخاص (قوله : لامنا بالله) أی : العامل دل علیه آمنا (قوله : أی تطهیر الله) بإضافة تطهیر

ص: 38

لأن الإیمان یطهر النفوس) فیکون آمنا مشتملا علی تطهیر الله لنفوس المؤمنین ، ودالّا علیه فیکون (صِبْغَةَ اللهِ) بمعنی : تطهیر الله مؤکدا لمضمون قوله : (آمَنَّا بِاللهِ) ثم أشار إلی وقوع تطهیر الله فی صحبة ما یعبر عنه بالصبغ تقدیرا قوله : (والأصل فیه) أی : فی هذا المعنی - وهو ذکر التطهیر بلفظ الصبغ (أن النصاری کانوا یغمسون أولادهم فی ماء أصفر یسمونه : المعمودیة ، ...

******

إلی الله تفسیر لصبغة الله ولم یقدمه علی (قوله : مؤکد) لئلا یکون فیه فصل بین الصفة والموصوف ، ثم إن إطلاق مادة الصبغ علی التطهیر من الکفر مجاز بالاستعارة ؛ لأنه شبه التطهیر من الکفر بالإیمان بصبغ المغموس فی الصبغ الحسی بجامع ظهور أثر کل منهما علی ظاهر صاحبه فیظهر أثر التطهیر علی المؤمن حسّا ومعنی بالعمل الصالح والأخلاق الطیبة کما یظهر أثر الصبغ علی صاحبه ، ولا ینافی ذلک کونه مشاکلة - ا. ه یعقوبی.

(قوله : لأن الإیمان إلخ) علة لمؤکد (قوله : مشتملا علی تطهیر الله إلخ) أی : من اشتمال الملزوم علی لازمه (قوله : لمضمون) أی : لما تضمنه قوله آمنا بالله وهو الفعل الذی قدرناه (قوله : ثم أشار إلی وقوع إلخ) أی : ثم أشار إلی وجه وقوع التطهیر المعبر عنه بصبغة الله فی صحبة ما یعبر عنه أی : المعنی الذی یعبر عنه بلفظ الصبغ وهو الغمس فقال : والأصل فیه إلخ ، ولو قال المصنف بدل قوله : والأصل فیه ، وبیان ذلک أی : وبیان المشاکلة فی هذه الآیة کان أظهر (قوله : تقدیرا) أی : وقوعا مقدرا (قوله : یغمسون) أی : یدخلون أولادهم فهذا الغمس یستحق أن یقال له صبغة ؛ لأن الماء الأصفر شأنه أن یغیر لون ما أدخل فیه إلا أنه لم یذکر ذلک اللفظ دالّا علی ذلک المعنی فی الآیة إلا أننا نفرض أنه وجد ذلک اللفظ دالّا علی هذا المعنی (قوله : فی ماء أصفر) أی : بشیء یجعلونه فیه کالزعفران یوکل بذلک القسیس منهم ویضع فیه الملح لئلا یتغیر بطول الزمان فتغتر عامتهم بعدم التغیر ، ویقولون : إن ذلک برکة القسیس کما یغترون بإظهاره الزهد فجعلوا استغفاره موجبا للمغفرة وفوضوا إلیه أمر النساء فیباشر أسرارهن إن شاء وهم راضون بذلک (قوله : یسمونه) أی ذلک الماء المعمودیة اسم للماء الذی غسل به عیسی - علیه السلام - ثالث ولادته ، ثم إنهم مزجوه بماء آخر ، فکلما أخذوا منه شیئا

ص: 39

ویقولون : إنه) أی : الغمس فی ذلک الماء (تطهیر لهم) فإذا فعل الواحد منهم بولده ذلک قال : الآن صار نصرانیّا حقّا ؛ فأمر المسلمون بأن یقولوا للنصاری : (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ) وصبغنا الله بالإیمان صبغة لا مثل صبغتنا ، وطهرنا به تطهیرا لا مثل تطهیرنا ؛ هذا إذا کان الخطاب فی قوله : (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ) للکافرین ، وإن کان الخطاب للمسلمین فالمعنی : أن المسلمین أمروا بأن یقولوا : صبغنا الله تعالی بالإیمان صبغة ، ولم نصبغ صبغتکم أیها النصاری (فعبر عن الإیمان بالله ب (صِبْغَةَ اللهِ) للمشاکلة) لوقوعه فی صحبة صبغة النصاری تقدیرا (بهذه القرینة) الحالیة التی هی سبب النزول من غمس النصاری أولادهم فی الماء الأصفر ، وإن لم یذکر ذلک لفظا.

******

صبوا علیه ماء آخر بدل ما أخذ وهو باق إلی الآن (قوله : ویقولون إنه تطهیر لهم) أی : من کل دین یخالف دینهم أی : إنهم یعتقدون ذلک.

(قوله : صار نصرانیّا حقّا) أی : لأنه تطهر من سائر الأدیان المخالفة لدینهم (قوله : فأمر المسلمون إلخ) أمر المسلمین مفهوم من السیاق (قوله : قولوا) أی : یا نصاری إن أردتم التطهیر الحقیقی (قوله : وصبغنا الله بالإیمان) أی : غمسنا فی الإیمان الذی هو کالماء الطهور من صبغ یده فی الماء غمسها فیه (قوله : بأن یقولوا) أی : للکافرین (قوله : ولم نصبغ صبغتکم) هذا هو اللفظ المقدر (قوله : فعبر عن الإیمان بالله) أی : التطهیر الحاصل بالإیمان بالله بصبغة الله ؛ لأن المعبر عنه بالصبغة هو التطهیر الحاصل بالإیمان کما مر ، والحاصل أن الصبغ لیس بمذکور فی کلام الله ولا فی کلام النصاری ، ولکن لما کان غمسهم أولادهم فی الماء الأصفر یستحق أن یسمی صبغا وإن لم یتکلموا بذلک حین الغمس ، والآیة نازلة فی سیاق ذلک الفعل صار کأن لفظ الصبغ مذکور (قوله : للمشاکلة) أی : لمناسبة المعنی المعبر عنه والمعنی الذی یستحق أن یعبر عنه بلفظ الصبغة - ا. ه یس.

وهذا مثل ما لو رأیت إنسانا یغرس شجرا ، وقلت لآخر : اغرس إلی الکرام - هکذا - وترید ب اغرس : اصنع المعروف إلی أهل المعروف وعبرت عن الصنع بالغرس

ص: 40

.................................................................................................

******

لمصاحبته للغرس الحاضر ولو لم یذکر ، فکأنک قلت : هذا یغرس الأشجار فاغرس أنت الإحسان مثله ، فإن قدرته مجازا للتشبیه فی رجاء النفع کان مجازا للتشبیه ومشاکلة للصحبة ، وإن لم تقدره کان مشاکلة محضة ، وکذا یقال فی کل مشاکلة - ألا تری أنک لو اعتبرت فی المثال السابق أن الطبخ الحقیقی شبه به النسج فی الرغبة والحاجة ، فإنه یکون مجازا باعتبار التشبیه ، ومشاکلة باعتبار المصاحبة ؛ لأن قرینة الحال التی هی سبب النزول من غمس النصاری أولادهم فی الماء الأصفر دلت علی ذلک کما تقول لمن یغرس الأشجار : اغرس کما یغرس فلان ترید رجلا یصطنع الکرام. ومنه الاستطراد : وهو الانتقال من معنی إلی معنی آخر متصل به لم یقصد بذکر الأول التوصل إلی ذکر الثانی کقول الحماسی :

وإنا لقوم ما نری القتل سبّة

إذا ما رأته عامر وسلول (1)

وقول الآخر :

إذا ما اتقی الله الفتی وأطاعه

فلیس به بأس وإن کان من جرم (2)

وعلیه قوله تعالی : (یا بَنِی آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَیْکُمْ لِباساً یُوارِی سَوْآتِکُمْ وَرِیشاً وَلِباسُ التَّقْوی ذلِکَ خَیْرٌ ذلِکَ مِنْ آیاتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ یَذَّکَّرُونَ)(3) قال الزمخشری : هذه الآیة واردة علی سبیل الاستطراد عقیب ذکر السوآت وخصف الورق علیها إظهارا للمنة فیما خلق الله من اللباس ولما فی العری وکشف العورة من المهانة والفضیحة وإشعارا بأن التستر باب عظیم من أبواب التقوی هذا أصله ، وقد یکون الثانی هو المقصود فیذکر الأول قبله لیتوصل إلیه کقول أبی إسحاق الصابی :

إن کنت خنتک فی المودة ساعة

فذممت سیف الدولة المحمودا

وزعمت أنّ له شریکا فی العلا

وجحدته فی فضله التوحیدا

قسما لو انی حالف بغموسها

لغریم دین ما أراد مزیدا

ص: 41

(کقوله : إذا ما نهی الناهی) ومنعنی عن حبها (فلجّ بی الهوی) لزمنی (أصاخت إلی الواشی) أی : استمعت إلی النمام الذی یشی حدیثه ویزینه ، وصدقته فیما افتری علی (فلجّ بها الهجر) زاوج بین نهی الناهی ، وإصاختها إلی الواشی الواقعین فی الشرط والجزاء فی أن رتب علیهما لجاج شیء ، وقد یتوهم ...

******

منهما فإذا بنی معنی علی کل منهما فقد ازدوجا أی : اجتمع ذلک الشرط وذلک الجزاء فی ذلک المعنی الذی بنی علیهما (قوله : کقوله) أی : الشاعر وهو البحتری (قوله : إذا ما نهی الناهی) (1) أی : إذا نهانی الناهی عن حبها وزجرنی الزاجر عن التوغل فی ودها (قوله : لزمنی) أی : صار الهوی لازما لی ومن صفاتی وأصل اللجاج کثرة الکلام والخصومة والتزامها وإدامتها معبر به عن مطلق اللزوم الصادق بلزوم الهوی مجازا مرسلا من التعبیر باسم المقید عن المطلق (قوله : فلج) عطف علی نهی وجواب الشرط أصاخت ، وقوله فلج : بها عطف علیه (قوله : أصاخت إلی الواشی) قیل : الصواب روایة ودرایة : أصاخ إلی الواشی فلجّ به الهجر بالتذکیر ؛ لأن قبله

کأنّ الثّریّا علّقت بجبینه

وفی نحره الشّعری وفی خدّه البدر

وفی شرح البیتین أن فی قوله : فلج بی الهوی ، وکذا فی قوله فلج بها الهجر قلبا ؛ لأن اللجاج من العاشق فی العشق لا من العشق فی العاشق ومن المعشوق فی الهجر لا من الهجر فی المعشوق - ا. ه فنری.

فالمعنی فلججت فی الهوی ولجت فی الهجر (قوله : الذی یشی حدیثه) مضارع وشی یشی من الوشی وهو التزیین ، فقوله ویزینه أی : بأن یأتی به علی وجه یقبل عطف تفسیر والمراد باستماعها لحدیث الواشی قبولها له من إطلاق اسم السبب علی المسبب (قوله : فلج بها الهجر) أی : لزمها ذلک وصار من صفاتها (قوله : لجاج شیء) أی : لزوم شیء وإن کان اللازم للشرط هو الهوی ، واللازم للجواب هو الهجر ولا یخفی

ص: 43

من ظاهر العبارة أن المزاوجة هی أن یجمع بین معنیین فی الشرط ومعنیین فی الجزاء کما جمع فی الشرط بین نهی الناهی ولجاج الهوی ، وفی الجزاء بین إصاختها إلی الواشی ولجاج الهجر ؛ وهو فاسد إذ لا قائل بالمزواجة فی مثل قولنا : إذ جاءنی زید فسلم علی أجلسته ، وأنعمت علیه ؛ وما ذکرنا هو المأخوذ من کلام السلف.

******

ما فی ترتب لجاج الهوی علی النهی من المبالغة فی الحب لاقتضائه إن ذکرها ولو علی وجه العیب یزید حبها ویثیره کما قال : (1)

أجد الملامة فی هواک لذیذة

حبّا لذکرک فلیلمنی الّلوّم

وما فی ترتب لزوم الهجران علی وشی الواشی من المبالغة فی ضعف حبها ، وأنه علی شفا إذ یزیله مطلق الوشی فکیف یکون الأمر لو سمعت أو رأت عیبا کما قال :

ولا خیر فی ودّ ضعیف تزیله

هواتف وهم کلّما عرضت جفا

والمبالغتان مما یستحسن فی کل من المحب والمحبوب ، فمن شأن العاشق أن یوصف بمثل ما ذکر ومن شأن المعشوق أن یوصف بالعکس تحقیقا لمعنی العشق ، وإلا کان مکافأة ومجازاة فی الود فلا یکون من العشق فی شیء.

(قوله : من ظاهر العبارة) أی : لأن ظاهرها أن قوله فی الشرط والجزاء ظرف لیزاوج (قوله : إذ لا قائل إلخ) أی : لأنه لا بد فیها أن یکون المرتب علی المعنیین الواقعین فی الشرط والجزاء واحدا وهنا المرتب علی المجیء غیر المرتب علی الإجلاس (قوله : إذا جاءنی إلخ) أی : فقد جمع هنا بین معنیین فی الشرط وهما مجیء زید وسلامه علیه ومعنیین فی الجزاء وهما إجلاسه وإنعامه علیه ومن جملة أمثلتها قول الشاعر :

إذا احتربت یوما ففاضت دماؤها

تذکّرت القربی ففاضت دموعها (2)

احتربت بمعنی تحاربت والضمیر فی تحاربت وفی دماؤها وفی دموعها للفرسان فی البیت السابق ، والمعنی : إذا تحاربت هذه الفرسان وتقاتلوا فاضت دماؤها التی سکبوها فی القتال ، ثم إذا تذکرت ما بینهم من القرابة الجامعة لهم فاضت دموعها علی

ص: 44

صادق علی نحو : عادات السادات أشرف العادات ولیس من العکس.

(ویقع) العکس (علی وجوه ، منها : ...

******

ویحتمل أن المراد ثم یؤخر ذلک المقدم علی الجزء الذی کان مؤخرا أو علی غیره ، فلذا قال الشارح : وظاهر عبارة المصنف صادق إلخ أی : ظاهرها بدون التأویل الذی قاله الشارح : وإلا فبالتأویل الذی قاله الشارح یخرج ذلک (قوله : صادق علی نحو إلخ) أی : لأنه قد قدم جزء من الکلام وهو عادات علی جزء آخر وهو السادات ، ثم أخر ذلک المقدم ؛ لأن ظاهره یؤخر ذلک المقدم سواء أخر علی الجزء الذی کان مؤخرا أولا أو علی غیره وصادق أیضا علی قوله تعالی : وتخشی الناس والله أحق أن تخشاه لأنه قدم جزء من الکلام وهو تخشی علی جزء آخر وهو الناس ، ثم أخر الأول وهو تخشی وصادق علی قول الشاعر :

سریع إلی ابن العمّ یلطم وجهه

ولیس إلی داعی النّدی بسریع (1)

(قوله : ولیس من العکس) بل هو من رد العجز إلی الصدر ، والحاصل أنک إذا قدمت جزءا من الکلام علی جزء آخر ثم عکست فقدمت ما أخرت وأخرت ما قدمت کان هذا عکسا وتبدیلا ، وهو یستلزم تکرار الجزأین الواقع فیهما العکس بالتقدیم والتأخیر ، وإن قدمت جزءا من الکلام علی جزء آخر ثم أخرت المقدم علی غیر المؤخر کان هذا من رد العجز إلی الصدر ، وهو لا یقتضی تکرار الجزأین معا. (قوله : ویقع العکس علی وجوه) أی : یجیء من مجیء العام فی الخاص ، أی : یتحقق فی تلک الوجوه.

(قوله : أن یقع بین أحد طرفی جملة وما أضیف إلیه ذلک الطرف) وذلک بأن تعمد إلی المبتدأ مثلا وهو أحد طرفی الجملة الخبریة ، إذا کان ذلک المبتدأ مضافا لشیء ، فتجعله مضافا إلیه وتجعل المضاف إلیه أولا هو المضاف ، علی أن ذلک المضاف هو الطرف الآخر الذی هو الخبر ، فیصدق أنه وقه العکس فی أحد طرفی الجملة باعتبار

ص: 46

أن یقع بین أحد طرفی جملة ، وما أضیف إلیه ذلک الطرف ؛ نحو : عادات السادات سادات العادات) فالعادات أحد طرفی الکلام ، والسادات مضاف إلیه ذلک الطرف ، وقد وقع العکس بینهما بأن قدم أولا العادات علی السادات ، ثم السادات علی العادات.

(ومنها) أی : من الوجوه (أن یقع بین متعلقی فعلین فی جملتین ؛ نحو : (یُخْرِجُ الْحَیَّ مِنَ الْمَیِّتِ وَیُخْرِجُ الْمَیِّتَ مِنَ الْحَیِ)(1)) فالحی والمیت متعلقان ب (یُخْرِجُ ،) وقد قدم أولا (الْحَیَ) علی (الْمَیِّتِ ،) وثانیا : (الْمَیِّتِ) علی (الْحَیَ) (ومنها) أی : من الوجوه (أن یقع بین لفظین فی طرفی جملتین ؛ نحو (لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ یَحِلُّونَ لَهُنَ)(2)) قدم أولا (هُنَ) علی (هُمْ ،) وثانیا (هُمْ) علی (هُنَّ ؛) وهما لفظان ...

******

الآخر (فقوله : أن یقع بین إلخ) أی : أن یقع العکس متعلقا بهما ، أی : بالطرف وما أضیف إلیه لا أنه یقع بینهما ، وقوله : أحد طرفی الجملة أی ویکون العکس هو الخبر فی تلک الجملة ، کما فی المثال ؛ لیکون إطلاق الجملة علیها باعتبار الأول ؛ لأن العکس إنما وقع فی عادات السادات وهو مفرد ، لکن لما عکس وحملنا علیه عکسه صار المجموع جملة. (قوله : عادات السادات سادات العادات) یعنی أن الأمور المعتادة للسادات أی للأکابر والأعیان من الناس أفضل وأشرف من الأمور المعتادة لغیرهم من الناس.

(قوله : بین متعلقی فعلین) أی : أو ما فی معناهما نحو : (یُخْرِجُ الْحَیَّ مِنَ الْمَیِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَیِّتِ مِنَ الْحَیِ)(3) وخروج الحی من المیت کخروج الدجاجة من البیضة ، وخروج المیت من الحی کخروج البیضة من الدجاجة. (قوله : فی طرفی جملتین) أی : موجودین فی طرفی کل من جملتین (قوله : (لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ یَحِلُّونَ لَهُنَ)) هاتان جملتان فی کل منهما ضمیران أحدهما ضمیر الذکور والآخر ضمیر الإناث ، ففی الجملة الأولی وجد ما للإناث منهما فی الطرف الأول الذی هو المسند إلیه ، ووجد ما للذکور

ص: 47

وقع أحدهما فی جانب المسند إلیه ، والآخر فی جانب المسند.

[الرجوع] :

(ومنه) أی : ومن المعنوی (الرجوع ، وهو العود إلی الکلام السابق بالنقض) أی : بنقضه وإبطاله (لنکتة ؛ ...

******

فی الطرف الثانی الذی هو المسند من تلک الجملة ، وعکس ذلک فی الجملة الثانیة ، فوجد ما للذکر فی الطرف الأول منها وما للإناث فی الطرف الثانی منها ، فصدق أن العکس وقع بین لفظین کائنین فی طرفی جملتین.

(قوله : وقع أحدهما فی جانب المسند إلیه) فیه أن هن فی لا هن حل لهم وهم فی ولا هم یحلون لهن نفس المسند إلیه ، إلا أنه واقع فی جانبه ، فذلک التعبیر یوهم وقوع الشیء فی نفسه ، وهو فاسد ، وأجاب بعضهم بأن التعبیر بذلک فی جانب المسند إلیه مشاکلة ، والأحسن أن یقال : إن المراد بالوقوع بالنسبة للمسند إلیه التحقق من تحقق العام فی الخاص ، أی وهما لفظان تحقق أحدهما فی کونه مسندا إلیه ووقع الآخر أی : وذکر الآخر فی جانب المسند فتأمل.

[الرجوع] :

(قوله : وهو العود) أی : الرجوع (قوله : بالنقض) الباء للمصاحبة أی : أن یرجع المتکلم إلی الکلام السابق مستصحبا فی رجوعه إلیه نقصه وإبطاله ، ویحتمل أن تکون للتعلیل ، أی أن یرجع إلیه لأجل نقضه وإبطاله بکلام آخر. (قوله : لنکتة) متعلق بالعود أی : أن الرجوع لنقض الکلام السابق إنما یکون من البدیع إذا کان ذلک النقض لنکتة ، وأما إذا عاد المتکلم لإبطال الکلام الأول لمجرد کونه غلطا فلا یکون من البدیع ، والعود بالنقض لنکتة ، لأمور : لأجل التحیر والتوله : أی : الدهش أو لأجل إظهار التحسر والتحزن علی ما فات ، فإذا کان الإنسان متولها بحب شیء صار کالمغلوب علی عقله ، فربما ظن أن الشیء واقع ولیس بواقع ، فإذا أخبر بشیء علی خلاف الواقع لکونه مرغوبا له ثم عاد لإبطاله بالإخبار بالحقیقة ، یظهر من ذلک أنه عائد إلی الصدق کرها وفی ضمن ذلک التأسف علی فوات ما رغب فیه ، ثم إن العود لإبطال الکلام السابق تارة یکون بلفظ بلی وتارة یکون بلفظ لا وتارة یکون بلفظ استغفر الله.

ص: 48

وقع أحدهما فی جانب المسند إلیه ، والآخر فی جانب المسند.

[الرجوع] :

(ومثه) أی : ومن المعنوی (الرجوع ، وهو العود إلی الکلام السابق بالنقض) أی : بنقضیه وإبطاله (لنکتة ؛ .......................................................

******

فی الطرف الثانی الذی هو المسند من تلک الجملة ، وعکس ذلک فی الجملة الثانیة ، فوجد ماللذکر فی الطرف الأول منها وما للإناث فی الطرف الثانی منها ، فصدق أن العکس وقع بین الفظین کائنین فی طرفی جملتین.

(قوله : وقع أحدهما فی جانب المسند إلیه) فیه أن هن فی لا هن حل لهم وهم فی ولا هم یحلون لهن نفس المسند إلیه ، إلا أنه واقع فی جانبه ، فذلک التعبیر یوهم وقوع الشیء فی نفسه ، وهو فاسد ، وأجاب بعضهم بأن التعبیر بذلک فی جانب المسند إلیه مشاکلة ، والأحسن أن یقال : إن المراد بالوقوع بالنسبة للمسند إلیه التحقق من تحقیق العالم فی الخاص ، أی وهما لفظان تحقق أحدهما فی کونه مسندا إلیه ووقع الآخر أی : وذکر الآخر فی جانب المسند فتأمل.

[الرجوع]

(قوله : وهو العود) أی : الرجوع (قوله : بالبقض) الباء للمصاحبة أی : أن یرجع المتکلم إلی الکلام السابق مستصحبا فی رجوعه إلیه نقضه وإبطاله ، وبحتمل أن تکون للتعلیل ، أی أن ترجع إلیه لأجل نقضه وإبطاله بکلام آخر. (قوله : لنکتة) متعلق بالعود أی : أن الرجوع لنقض الکلام السابق إنما یکون من البدیع إذا کان ذلک النقض لنکتة ، وأما إذا عاد المتکلم لإبطال الکلام الأول لمجرد کونه غلطا فلا یکون من البدیع ، والعود بالنقض لنکتة ، لأمور : لأجل التحیر والتوله : أی : الدهش أو لأجل إظهار التحسر والتخزن علی ما فات ، فإذا کان الإنسان متولها بحب شیء صار کالمغلوب علی عقله ، فربما ظن أن الشیء واقع ولیس یواقع ، فإذا أخیر بشیء علی خلاف الواقع لکونه مرغوبا له ثم عاد لإبطاله بالإخبار بالحقیقة ، یظهر من ذلک أنه عائد إلی الصدق کرها وفی ضمن ذلک التأسف علی فوات ما رغب فیه ، ثم إن العود لإبطال الکلام السابق تارة یکون بلفظ بلی وتارة یکون بلفظ لا وتارة یکون بلفظ استغفر الله.

ص: 49

کقوله (1) : قف بالدیار الّتی لم یعفها القدم) أی : لم یبلها تطاول الزمان وتقادم العهد ، ثم عاد إلی ذلک الکلام ونقضه بقوله : (بلی وغیرها الأرواح والدیم) أی : الریاح والأمطار. والنکتة : إظهار التحیر والتوله ؛ کأنه أخبر أولا بما لا تحقق له ، ثم أفاق بعض الإفاقة فنقض الکلام السابق قائلا : بلی عفاها القدم وغیرها الأرواح والدیم.

******

(قوله : کقوله) أی : الشاعر وهو زهیر بن أبی سلمی بضم السین وسکون اللام وفتح المیم. (قوله : أی لم یبلها تطاول الزمان) من الإبلاء وهو التغییر ، وأشار بقوله تطاول الزمان إلی أن المراد بالقدم فی البیت القدم الزمانی. (قوله : وتقادم العهد) أی : عهد أربابها ، وهذا تفسیر لما قبله والمعنی قف بالدیار التی لم یغیر آثارها قدم عهد أربابها لقرب وقت انتقالهم منها ، وهذا مرغوب للشاعر لأن قرب الأثر بما یستنشق منه رائحة المحبوب ویقرب له وقت الوصال. (قوله : بلی) أی : عفاها القدم لأن نفی النفی إثبات ، فقوله : وغیرها الأرواح عطف علی المحذوف الذی دل علیه بلی. (قوله : وغیرها الأرواح) أی : وغیر آثارها الریاح فالأرواح جمع ریح ؛ لأن أصلها الواو وإنما جاءت الیاء لانکسار ما قبلها ، فإذا رجعوا إلی الفتح عادت الواو کقولک أروح الماء وتروحت بالمروحة. (قوله : والدیم) أی : وغیر آثارها الدیم جمع دیمة ، وهی السحابة ذات المطر الکثیر سمیت بذلک لدوامها غالبا.

(قوله : فنقض الکلام السابق) أی : لأجل إظهار تحسره وتحزنه علی فوات ما کان راغبا فیه أو لأجل إظهار التحسر والتوله کما قال الشارح. (قوله : بلی عفاها القدم إلخ) أشار بهذا لما قلنا من أن قوله وغیرها فی البیت عطف علی محذوف ، أی بلی عفاها القدم وغیرها .. إلخ ، فلا حاجة للقول بأن الواو فی قوله وغیرها زائدة ، وعطف تغییر الأرواح والدیم علی عفو القدم من عطف المفصل علی المجمل ؛ لأن عفو القدم إنما یکون غالبا بتغیر الأرواح والدیم ، ومثال العود لنقض الکلام السابق بلا ، قوله :

فأفّ لهذا الدّهر لا بل لأهله (2)

ص: 50

خفیة (وهی ضربان) الأولی : (مجردة ؛ وهی) التوریة (التی لا تجامع شیئا مما یلائم) المعنی (القریب ؛ نحو : (الرَّحْمنُ عَلَی الْعَرْشِ اسْتَوی)(1) فإنه أراد ب استوی معناه البعید وهو استولی ولم یقرن به شیء مما یلائم المعنی القریب الذی هو الاستقرار (و) الثانیة (مرشحة) وهی التی تجامع شیئا مما یلائم المعنی القریب (نحو : (وَالسَّماءَ بَنَیْناها بِأَیْدٍ)(2) أراد بالأیدی معناها البعید وهو القدرة وقد قرن بها ما یلائم المعنی القریب الذی هو الجارحة المخصوصة وهو قوله بنیناها إذ البناء یلائم الید

******

أی : وإن لم یکن هناک قرینة أصلا لم یفهم إلا القریب فیخرج اللفظ عن التوریة. (قوله : خفیة) أی لأجل أن یذهب الوهم قبل التأمل إلی إرادة المعنی القریب ، فلو کانت القرینة واضحة لم یکن اللفظ توریة لعدم ستر المعنی القریب للبعید ، واعلم أن خفاء القرینة لا یشترط أن یکون بالنسبة للمخاطب ، بل یکفی ولو باعتبار السامعین کما فی الأطول.

(قوله : وهو استولی) أی فالاستواء کما یطلق علی الاستقرار فوق الجسم یطلق علی الاستیلاء علی الشیء أی ملکه بالقهر والغلبة کما فی قول الشاعر :

قد استوی بشر علی العراق

من غیر سیف ودم مهراق

والمعنی الأول قریب والثانی بعید ، والمراد منه فی الآیة المعنی البعید أی الرحمن استولی (3) علی العرش الذی هو أعظم المخلوقات ، فأولی غیره ، والقرینة علی ذلک خفیة وهی استحالة المعنی القریب وهو الاستقرار حسّا علی الله تعالی فوق الجرم ، وإنما کانت تلک القرینة خفیة لتوقفها علی أدلة نفی الجرمیة ولیست مما یفهمها کل أحد. (قوله : ولم یقرن به شیء مما یلائم المعنی القریب) أی : فتکون مجردة لتجردها عما یرشح خفاءها وهو ذکر ما یلائم القریب ، وقد یقال : العرش الذی هو السریر یلائم المعنی القریب الذی هو الاستقرار الحسی فلعل الآیة من قبیل التوریة المرشحة.

(قوله : مرشحة) ترک المصنف تعریفها لفهمه من تعریف المجردة بطریق المقابلة (قوله : مما یلائم المعنی القریب) أی : الموری به عن المعنی البعید المراد ، واعلم أن ترشیح

ص: 51

.................................................................................................

******

التوریة بذکر ما یلائم المعنی القریب تارة یکون قبلها وتارة یکون بعدها ، فمثل المصنف بقوله : نحو (وَالسَّماءَ بَنَیْناها بِأَیْدٍ)(1) للترشیح الواقع قبلها وذلک لأن الأیدی جمع ید والید تطلق علی الجارحة المخصوصة وهو المعنی القریب لها ، وتطلق علی القوة والقدرة وهو معنی بعید ، أرید فی الآیة معناها البعید وهو القدرة اعتمادا علی قرینة خفیة وهی استحالة الجارحة علی الله تعالی (2) ، وقد قرن بها ما یلائم المعنی القریب الذی هو الجارحة المخصوصة وهو قوله بنیناها ، إذ البناء الذی هو وضع لبنة علی أخری یلائم الید بمعنی الجارحة ، وأما ملائم القدرة فهو الإیجاد والخلق لا یقال البناء یقتضی القدرة أیضا فکما أنه یلائم المعنی القریب یلائم البعید أیضا ، لأنا نقول طلب البناء واقتضاؤه للید أتم ، وحینئذ فقوله بنیانها ترشیح للتوریة الکائنة فی قوله : بأید وهو متقدم علیها.

ومثال ما إذا کان ترشیح التوریة واقعا بعدها قول القاضی عیاض فی وصف فصل ربیع وقعت فیه برودة مع أن شأن فصل الربیع الذی أوله الحمل الدفء وعدم البرودة :

کأنّ" کانون" أهدی من ملابسه

لشهر" تمّوز" أنواعا من الحلل (3)

أو الغزالة من طول المدی خرفت

فما تفرّق بین الجدی والحمل

یعنی : کأن الشمس من کبرها وطول مدتها صارت خرفة قلیلة العقل فنزلت فی برج الجدی فی أوان الحلول فی برج الحمل ، فأراد بالغزالة معناها البعید وهو الشمس ، وقد قرن بها ما یلائم المعنی القریب الذی لیس بمراد أعنی : الرشأ الذی هو ولد الظبیة حیث ذکر الخرافة وهو بعد التوریة ، وکذا ذکر الجدی والحمل مرادا بهما معناهما البعید وهما البرجان والقریب للجدی ولد العنز والقریب للحمل ولد البقرة ، وهذه التوریة مجردة لأنها لم تقترن بشیء مما یلائم المعنی القریب ، والحاصل أن التوریة فی الغزالة

ص: 52

وهذا مبنی علی ما اشتهر بین أهل الظاهر من المفسرین وإلا فالتحقیق أن هذا تمثیل

******

مرشحة بترشیح بعدها وفی الجدی والحمل مجردة کذا قیل ، والحق أن کلا من التوریتین مرشحة للأخری والأولی ترشیحها واقع بعدها والثانیة ترشیحها واقع قبلها کما فی الأطول. بقی شیء آخر وهو أن التوریة قد تقترن بما یلائم المعنی البعید عکس الآیة المتقدمة فهذه لا تسمی مرشحة تحقیقا ، وهل تسمی مجردة وهو الظاهر أخذا من تعریفها المتقدم وهو : التی لا تجامع شیئا مما یلائم المعنی القریب ، فإن ظاهره جامعت شیئا من ملائمات البعید أولا ، وذلک کقول عماد الدین

أری العقد فی ثغره محکما

یرینا الصحاح من الجوهر

وتکملة الحسن إیضاحها

رویناه عن وجهک الأزهر

ومنثور دمعی غدا أحمرا

علی آس عارضک الأخضر

وبعت رشادی بغیّ الهوی

لأجلک یا طلعة المشتری

فإن قوله : فی ثغره قرینة علی أنه لیس المراد بالصحاح کتاب الجوهری الذی فی اللغة ، بل مراده أسنان محبوبه الشبیهة بالجواهر الصحاح فهو من ملائمات المعنی البعید. (قوله : وهذا) أی : کون المراد من الاستواء الاستیلاء ومن الأیدی القدرة علی طریق التوریة (قوله : علی ما اشتهر) أی : وهو مذهب الخلف المؤولین.

(قوله : بین أهل الظاهر من المفسرین) أی : الذین یقتصرون علی ما یبدو ویظهر لهم من المعانی ، ولم یظهر لهم هنا للأیدی وللاستواء إلا المعنی البعید. (قوله : فالتحقیق) أی : أخذا من مقتضی تراکیب البیان. (قوله : أن هذا) أی : قوله (بَنَیْناها بِأَیْدٍ) وقوله (عَلَی الْعَرْشِ اسْتَوی)(1) تمثیل أی : استعارة تمثیلیة بأن شبهت هیئة إیجاد الله السماء بالقوة والقدرة الأزلیة بهیئة البناء الذی هو وضع لبنة وما یشبهها علی أخری بالأیدی الحسیة ثم استعیر مجموع بنیناها بأید الموضوع للهیئة المشبه بها للهیئة المشبهة علی طریق الاستعارة التمثیلیة ، وشبهت الهیئة الحاصلة من تصرف المولی سبحانه وتعالی فی الممکنات بالإیجاد والإعدام والقهر والأمر والنهی بالهیئة الحاصلة من استقرار الملک علی

ص: 53

وتصویر لعظمته وتوقیف علی کنه جلاله من غیر أن یتمحل للمفردات حقیقة أو مجاز.

ثم یراد بضمیره) أی : بالضمیر العائد إلی ذلک اللفظ معناه (الآخر ، ...

******

نصبت لها شباکا من

لجین ثمّ صدناها (1)

فقالت لی وقد صرنا

إلی عین قصدناها

بذلت العین فاکحلها

بطلعتها ومجراها

(قوله : ثم یراد بضمیره معناه الآخر) أی : فالضمیر مستعمل فی معنی آخر لکونه عبارة عن المظهر ، والضمیر الغائب إنما یقتضی تقدم ذکر المرجع لا استعماله فی معنی یراد بالمرجع ، فلا یلزم فی الاستخدام استعمال اللفظ فی المعنیین ، ولا الجمع بین الحقیقة والمجاز إذا أرید بالضمیر المعنی المجازی علی ما وهم - قاله عبد الحکیم. ثم إن ظاهر قول المصنف : ثم یراد بضمیر معناه الآخر أن الاستخدام قاصر علی الضمیر ، وذکر الشهاب الخفاجی أنه یکون أیضا بالاستثناء کما فی قول البهاء زهیر :

أبدا حدیثی لیس بال

منسوخ إلا فی الدفاتر

فإنه أراد بالنسخ الأول الإزالة وأراد به فی الاستثناء النقل ، أی : إلا فی الدفاتر فإنه ینسخ وینقل ، ولکن المعروف أن هذا من شبه الاستخدام ویکون أیضا باسم الإشارة کما فی قوله :

رأی العقیق فأجری ذاک ناظره

متیم لجّ فی الأشواق خاطره

فإنه أراد بالعقیق أولا المکان ثم أعاد اسم الإشارة علیه بمعنی الدم وبالتمییز کما فی قوله :

حکی الغزال طلعة ولفتة

من ذا رآه مقبلا ولا افتتن

أعذب خلق الله ریقا وفما

إن لم یکن أحقّ بالحسن فمن

فإن ذکر الطلعة مما یفید أن المراد بالغزال الشمس وذکر لفتة یفید أن المراد به المحبوب.

ص: 55

ثم یراد لها بضمیره) أی : بالضمیر العائد إلی ذلک اللفظ معنا (الآخر ، .........

******

نَصَبتُ لها شباکًا مِن

لجینٍ ثُمَّ صدناها (1)

فقالت لی وقَد صِرنا

إلی عینٍ قَصَدناها

بذلتَ العینَ فاکحُلها

بطَلعِتها ومجواها

(قوله : ثم یراد بضمیره معنا الآخر) أی : فالضمیر مستعمل فی معنی آخر لکونه عبارة عن المظهر ، والضمیر الغائب إنما بقضی تقدم ذکر المرجع لا استعماله فی معنی یراد بالمرجع ، فلا یلزم فی الاستخدام استعمال اللفظ فی المعنیین ، ولا الجمع بین الحقیقة والمجاز إذا أرید بالضمیر المعنی المجازی علی ما وهم – قاله عبدالحکیم. ثم إن ظاهر قول المصنف : ثم یراد بضمیر معناه الآخر أن الاستخدام قاصر علی الضمیر ، وذکر الشهاب الخفاجی أنه یکون أیضا بالاستثناء کما فی قول البهاء زهیر :

أبدًا حدیثی لیسَ باک

مَنسوخِ إلا فی الدفاترِ

فإته أراد بالنسخ الأول الإزالة وأراد به فی الاستثناء النقل ، أی : إلا فی الدفاتر فإنه ینسخ وینقل ، ولکن المعروف أن هذا من شبه الاستخدام ویکون أیضا باسم الإشارة کما فی قولة :

رأی العقیقَ فأجری ذلکَ ناظُره

متیمٌ لٌج فی الأشواقِ خاطرُه

فإن أراد بالعقیق أولا المکان ثم أعاد اسم الإشارة علیه بمعنی الدم وبالتمییز کما فی قوله :

حکی الغزال طلعةً ولفتةً

من ذا رآه مقبلاً ولا افُتتَن

أعذب خلقِ اللهِ ریقًا وفمًا

إن لم یکن أحقٌ بالحسنِ فَمَن

فإن ذکر الطلعة مما بفید أن المراد بالغزال الشمس زذکر لفتة یفید أن المراد به المحبوب.

ص: 56

أو یراد بأحد ضمیریه أحدهما) أی : أحد المعنیین (ثم یراد بالآخر) - أی : بضمیره الآخر معناه - (الآخر) وفی کلیهما یجوز أن یکون المعنیان حقیقیین ، وأن یکونا مجازیین ، وأن یکونا مختلفین (فالأول) وهو أن یراد باللفظ أحد المعنیین ، وبضمیره معناه الآخر (کقوله(1) :

إذا نزل السماء بأرض قوم

رعیناه وإن کانوا غضابا)

جمع : غضبان. أراد بالسماء : الغیث ، وبضمیره فی [رعیناه] : النبت ؛ وکلا المعنیین مجازی.

(والثانی :) وهو أن یراد بأحد ضمیریه أحد المعنیین وبالضمیر الآخر معناه الآخر (کقوله :

فسقی الغضا والسّاکنیه وإن هم

شبّوه بین جوانحی وضلوعی) (2)

******

(قوله : أو یراد بأحد ضمیریه) أی : أو ضمائره کما فی الأطوال ولا بد أن یراد بالاسم الظاهر غیر مفاد الضمیرین وإلا کان أحدهما لیس استخداما ، وکلامنا فی الضمیر العائد علی وجه الاستخدام ، وهذا القسم مستلزم للقسم الأول ، لأنه لا یتحقق استخدام باعتبار الضمیر إلا ویتحقق استخدام باعتبار ضمیر الاسم الظاهر (قوله : وإن کانوا غضابا) أی : وإن کان یحصل لهم غضب من رعینا للنبات الحاصل فی أراضیهم ، فقد وصف الشاعر قومه بالغلبة لمن عداهم من الأقوام بأنهم یرعون کلأهم من غیر رضاهم.

(قوله : فسقی الغضا) هو بالغین والضاد المعجمتین نوع من شجر البادیة ، دعا الشاعر أن یسقی الله الشجر المسمی بالغضا بحیث ینزل الحیا فی خلاله (قوله : والساکنیه) أی وسقی الساکنین فی الغضا والمراد به المکان النابت فیه إذ قد یطلق الغضا علی المکان النابت فیه ، ثم بین أنه یطلب الغیث للساکنین فیه وإن عذبوه فقال : وإن هم شبوه إلخ أی : فطلب لهم الغیث قضاء لحق الصحبة ، وإن شبوه أی : أوقدوه والضمیر للغضا بمعنی النار التی تتوقد فیه إذ یقال لها غضا أیضا لتعلقها به ، والحاصل أنه ذکر الغضا أولا بمعنی الشجر وأعاد علیه الضمیر أولا بمعنی المکان النابت فیه ، وأعاد علیه

ص: 57

(من غیر تعیین ثقة) أی : الذکر بدون التعیین لأجل الوثوق (بأن السامع یرده إلیه) أی : یرد ما لکل من آحاد هذا المتعدد إلی ما هو له لعلمه بذلک بالقرائن اللفظیة ، أو المعنویة. (فالأول :) وهو أن یکون ذکر المتعدد علی التفصیل (ضربان ؛ لأن النشر إما علی ترتیب اللف) بأن یکون الأول من المتعدد فی النشر للأول من المتعدد فی اللف ، والثانی للثانی ، وهکذا إلی الآخر (نحو : (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَکُمُ اللَّیْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْکُنُوا فِیهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ)(1)) ذکر اللیل والنهار علی التفصیل ، ثم ذکر ما للیل ؛ وهو السکون فیه ، وما للنهار ؛ وهو الابتغاء من فضل الله فیه ، علی الترتیب ...

******

واعلم أن ذلک المعنی المتعدد أولا علی وجه الإجمال أو التفصیل هو اللف ، وذکر ما لکل واحد من آحاد ذلک المتعدد ثانیا هو النشر ، وکأن وجه تسمیة الأول لفّا أنه انطوی فیه حکمه ؛ لأنه اشتمل علیه من غیر تصریح به ، ثم لما صرح به فی الثانی فکأنه نشر ما کان مطویا فلذا سمی نشرا (قوله : من غیر تعیین) أی : من غیر أن یعین المتکلم لشیء مما ذکر أولا ما هو له مما ذکر ثانیا ، وإنما قید بذلک لأنه لو عین لم یکن من باب اللف والنشر ، بل من باب التقسیم.

(قوله : ثقة) أی : ویکون ترک التعیین لأجل الثقة أی الوثوق (قوله : لعلمه بذلک بالقرائن اللفظیة) کأن یقال : رأیت الشخصین ضاحکا وعابسة ، فتأنیث عابسة یدل علی أن الشخص العابس المرأة والضاحک هو الرجل (قوله : أو المعنویة) کأن یقال : لقیت الصاحب والعدو فأکرمت وأهنت ، فمعلوم أن القرینة هنا معنویة وهی أن المستحق للإکرام الصاحب وللإهانة العدو.

(قوله : لأن النشر) أی : وهو ذکر ما لکل واحد مما فی اللف (قوله : وهو السکون فیه) أی : الهدوء بالنوم وعدم التصرف (قوله : وهو الابتغاء من فضل الله) أی : طلب الرزق بالحرکة والتصرف فی الأمور ، ومناسبة السکون للیل وابتغاء الفضل للنهار ظاهرة ، فقد صدق علی هذه الآیة أنه ذکر فیها متعدد علی وجه التفضیل ثم ذکر

ص: 58

فإن قیل عدم التعیین فی الآیة ممنوع ؛ فإن المجرور من (فِیهِ) عائد إلی اللیل لا محالة - قلنا : نعم ، ولکن باعتبار احتمال أن یعود إلی کل من اللیل والنهار یتحقق عدم التعیین.

(وإما علی غیر ترتیبه) أی : ترتیب اللف سواء کان معکوس الترتیب ...

******

ما لکل واحد من المتعدد علی سبیل الترتیب ، الأول للأول والثانی للثانی من غیر تعیین ما لکل للاتکال علی رد السامع ما ذکر فی النشر لما ذکر فی اللف بالمناسبة المعنویة (قوله : فإن قیل إلخ) حاصله أنا لا نسلم أن هذه الآیة من قبیل اللف والنشر لاشتراطهم فیه عدم تعیین شیء مما ذکر ، ثانیا : لما ذکر أولا وقد وجد التعیین فی هذه الآیة لأن الضمیر المجرور فی قوله (لِتَسْکُنُوا فِیهِ)(1) عائد علی اللیل فی نفس الأمر قطعا فقد تعین ما یعود إلیه السکون بالضمیر ، فکأنه قیل لتسکنوا فی اللیل لأن الضمیر عبارة عن مرجعه ، ولو قیل کذلک لم یکن الکلام من باب اللف والنشر قطعا ، وحاصل الجواب أن المراد بعدم التعیین کون اللفظ بحسب ظاهره محتملا ، والضمیر یحتمل اللیل والنهار بحسب ظاهره ، وإن کان مصدوقه فی نفس الأمر هو اللیل ولیس المراد به الاحتمال فی نفس الأمر إذ لا معنی له لأنه لو أرید ذلک لم یتحقق لف ونشر أبدا لتعیین المراد فی نفس الأمر فی کل فرد من أفراد النشر (قوله : ممنوع) أی : فلا یصح التمثیل بالآیة للف والنشر ؛ لأنه یشترط فیه عدم التعیین ، (وقوله : عائد) أی : فی الواقع (وقوله : لا محالة) أی : قطعا (وقوله : قلنا نعم) أی : مسلم أنه راجع للیل نظرا للواقع وأما بالنظر للفظ فیحتمل رجوعا للنهار وحینئذ فلا تعیین فیه بحسب اللفظ وعدم التعیین المشترط إنما هو بحسب اللفظ وذلک موجود فی الآیة لا بحسب المعنی.

(قوله : وإما علی غیر ترتیبه) أی : وإما أن یکون النشر علی غیر ترتیب اللف (قوله : سواء کان معکوس الترتیب) أی : سواء کان نشره علی العکس ترتیب اللف بأن یکون الأول من النشر للآخر من اللف والثانی من النشر للذی یلیه الآخر من اللف والثالث من النشر للذی یلیه ما قبل الآخر من اللف وهکذا ، وهذا هو المشهور عند

ص: 59

(کقوله (1) : کیف أسلو وأنت حقف) وهو النقا من الرمل (وغصن ... وغزال لحظا وقدّا وردفا) فاللحظ للغزال ، والقد للغصن ، والردف للحقف. أو مختلطا ؛ کقوله : هو شمس ، وأسد ، وبحر ...

******

الناس باللف والنشر المشوش ، لکن الذی سماه بالمشوش فی شرح المفتاح هو القسم الثانی وهو المختلط الترتیب ، وفی الصحاح التشویش التخلیط ، وأنکر صاحب القاموس ثبوته فی اللغة وقال : وهم الجوهری وصوابه التهویش.

(قوله : کقوله) أی : الشاعر وهو ابن حیوش بالحاء المهملة والمثناة والتحتیة المشددة والشین المعجمة علی وزن تنور ، - کذا فی عبد الحکیم ، والذی فی شرح الشواهد أنه بالسین المهملة والبیت المذکور من بحر الخفیف (قوله : کیف أسلو) (2) أی : کیف أصبر عنک وأتخلص من حبک والاستفهام للإنکار والنفی أی : لا أسلو عنک (قوله : وأنت حقف) بکسر التاء ، لأنه خطاب لامرأة کما فی الیعقوبی ، أی : والحال أنک أنت مثل الحقف (قوله : وهو النقا) أی : المتراکم المجتمع من الرمل فالحقف والنقا بالقصر بمعنی واحد وهو الرمل العظیم المجتمع المستدیر ، - کما فی الأطول ، یشبه به ردف المحبوب أی : عجیزته فی العظم والاستدارة ، وأما بالمد فهو النظافة (قوله : وغصن وغزال) أی : وأنت مثل الغصن ومثل الغزال ، ولما کان هنا تقدیر مضاف إذ الأصل کیف أسلو وردفک مثل الحقف وقدک مثل الغصن ولحظک مثل الغزال؟ أی : مثل لحظ الغزال ، ووقع الابهام بحذف ذلک المضاف احتیج إلی تمییزه فأتی بالتمییزات علی حسب هذه التقادیر فقیل لحظا وقدا وردفا أی : من جهة اللحظ ومن جهة القد ومن جهة الردف ، والمعنی کیف أترک حبک وداعی الهوی من حسن العینین واعتدال القامة وعظم الردف موجود فیک ، واللحظ فی الأصل مؤخر العین والمراد به هنا العین بتمامها مجازا.

(قوله : أو مختلطا) عطف علی قوله : معکوس الترتیب أی : أو کان نشره مختلط الترتیب بأن یکون الأول من النشر للآخر من اللف ، والثانی من النشر للأول من اللف

ص: 60

جودا ، وبهاء ، وشجاعة.

(والثانی) وهو أن یکون ذکر المتعدد علی الإجمال (نحو قوله تعالی : (وَقالُوا لَنْ یَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ کانَ هُوداً أَوْ نَصاری)(1)) فإن الضمیر فی : (وَقالُوا) للیهود والنصاری. فذکر الفریقان علی وجه الإجمال بالضمیر العائد إلیهما ، ثم ذکر ما لکل منهما (أی : قالت الیهود : لن یدخل الجنة إلا من کان هودا ، وقالت النصاری : لن یدخل الجنة إلا من کان نصاری ؛ فلف) بین الفریقین ، أو القولین إجمالا (لعدم الالتباس) والثقة بأن السامع یرد إلی کل فریق ، أو کل قول مقوله (للعلم بتضلیل کل فریق صاحبه) واعتقاده أن داخل الجنة هو ، لا صاحبه ، ...

******

والآخر من النشر للوسط من اللف (قوله : جودا وبهاء وشجاعة) لا یخفی اختلاط ذلک النشر ؛ لأن الجود وهو الأول من النشر عائد للبحر وهو الآخر من اللف ، والبهاء وهو الثانی من النشر عائد للأول من اللف وهو الشمس ، والشجاعة وهو الآخر من النشر عائد للوسط من اللف وهو الأسد.

(قوله : والثانی) هذا مقابل لقوله فالأول ضربان أی : والقسم الثانی مما اشتمل علیه تعریف اللف والنشر (قوله : فذکر الفریقان علی وجه الإجمال بالضمیر) أی : من حیث التعبیر عنهما بالضمیر وهو الواو فی قالوا لأنه عائد علی الفریقین (قوله : ثم ذکر ما لکل) أی : ثم ذکر ما یخص کلا منهما فی قوله (إِلَّا مَنْ کانَ هُوداً أَوْ نَصاری) (قوله : بین الفریقین أو القولین إجمالا) أی : أن المذکور أولا إجمالا علی طریق اللف یحتمل أن یکون هو الفریقین المستفاد من قالوا ویکون إجمال القول باعتبار التعبیر بالفعل المسند إلی ضمیرهم ، فالأصل وقالت الیهود وقالت النصاری فلف بین القولین وقیل وقالوا (قوله : لعدم الالتباس) أی : لأنه لا یلتبس علی أحد أن الفریقین اجتمعا وقالا ذلک القول لعلمنا بأن کل فریق یضلل صاحبه ، (فقوله : للعلم) علة لعدم اللبس

ص: 61

ولا یتصور فی هذا الضرب الترتیب وعدمه. ومن غریب اللف والنشر أن یذکر متعددان أو أکثر ، ثم یذکر فی نشر واحد ما یکون لکل من آحاد کل من المتعددین ؛ کما تقول : الراحة والتعب ، والعدل والظلم قد سد من أبوابها ما کان مفتوحا ، وفتح من طرقها ما کان مسدودا.

[الجمع] :

(ومنه) أی : من المعنوی (: الجمع ، وهو أن یجمع بین متعدد) اثنین ، أو أکثر (فی حکم واحد ؛ ...

******

(قوله : ولا یتصور فی هذا الضرب إلخ) أی : أن هذا الضرب لا یتأتی أن یکون مرتبا ولا مشوشا بخلاف الضرب الأول (قوله : أن یذکر متعددان أو أکثر) أی : بأن یذکر لفان أو أکثر علی وجه التفصیل ثم یؤتی بعد ذلک بنشر واحد یذکر فیه ما لکل واحد مما ذکر فی اللفین أو أکثر ، فقوله الراحة والتعب لف أول والعدل والظلم لف ثان ، وقوله قد سد إلخ نشر ذکر فیه ما لکل واحد من اللفین لأن قوله قد سد من أبوبها ما کان مفتوحا راجع للراحة من اللف الأول وللعدل من اللف الثانی ، وقوله : وفتح من طرقها ما کان مسدودا ، راجع للتعب المذکور فی اللف الأول وللظلم المذکور فی اللف الثانی ، والحاصل أن الشق الأول من النشر راجع للأول من کل من اللفین والشق الثانی منه راجع للثانی من کل من اللفین ، فمعنی الکلام أنه سد من أبواب الراحة والعدل ما کان مفتوحا ، وفتح من أبواب التعب والظلم ما کان مسدودا.

[الجمع] :

(قوله : أن یجمع بین متعدد فی حکم) أی : شیء محکوم به کالزینة وإنما أدخل لفظ بین ولم یقل : أن یجمع متعدد إشارة إلی أن المتعدد یجب أن یکون مصرحا به فی الذکر ، ولیس قولنا للبنون زینة الحیاة الدنیا من قبیل الجمع ، وسواء کان الجمع بین المتعدد بعطف أو بغیره وسواء کان من نوعین متقاربین أو من أنواع متباعدة وسواء کان ذلک الحکم الذی جمع بین المتعدد فیه وقع خبرا عن المتعدد کما فی الآیة والبیت أولا کما فی قوله :

ص: 62

کقوله تعالی : (الْمالُ وَالْبَنُونَ زِینَةُ الْحَیاةِ الدُّنْیا)(1) ونحو قوله :) - أی : قول أبی العتاهیة - : علمت یا مجاشع بن مسعده (أن الشباب والفراغ والجده) (2) أی : الاستغناء (مفسدة) أی : داعیة إلی الفساد (للمرء أی مفسدة).

[التفریق] :

(ومنه) أی : ومن المعنوی (التفریق ؛ وهو إیقاع تباین بین أمرین من نوع

******

ثلاثة تشرق الدنیا ببهجتها

شمس الضحی وأبو إسحاق والقمر (3)

والمراد بالحکم المحکوم به ولو فی المعنی (قوله : المال والبنون زینة الحیاة الدنیا) أی : یتزین بها الإنسان فی الدنیا وتذهب عن قریب ، فقد جمع المال والبنون فی حکم وهو زینة الدنیا (قوله : أبی العتاهیة) بوزن کراهیة لقب لأبی إسحق إسماعیل بن القاسم بن سوید ، وقولهم : اللقب لا یصدر بأب أو أم محله ما لم یشعر بمدح أو ذم کما فی أبو الشیخ وأبو لهب (قوله : علمت یا مجاشع بن مسعده) هذا الشعر من مشطور الرجز (قوله : إن الشباب) بکسر الهمزة علی الحکایة فالبیت من الأشعار المشهورة التی ضمنها أبو العتاهیة ، یعنی قد علمت هذا البیت المشهور ویجوز فتحها (قوله : والفراغ) أی : الخلو من الشواغل المانعة من اتباع الهوی ، والشباب حداثة السن مصدر شب الغلام یشب شبابا (قوله : أی الاستغناء) تفسیر للجدة یقال وجد فی المال وجدا بکسر الواو ووجدا بفتحها ووجدا بضمها وجدة أی : استغنی ، فللفعل المذکور أربعة مصادر ثبوت الواو مثلثة والرابع حذفها وتعویض الهاء عنها کعدة (قوله : مفسدة للمرء أی مفسدة) أی : مفسدة له مفسدة عظیمة ، والمفسدة : الأمر الذی یدعو صاحبه للفساد ، عبر عنه بالمفسدة مبالغة ، والشاهد أنه قد جمع بین الشباب والفراغ والجدة فی حکم وهو کونها مفسدة للمرء.

[التفریق] :

(قوله : إیقاع تباین إلخ) لیس المراد التباین المصطلح علیه بل المراد المعنی اللغوی ،

ص: 63

فی المدح ، أو غیره) کقوله (1) :

ما نوال الغمام وقت ربیع

کنوال الأمیر یوم سخاء

فنوال الأمیر بدرة عین) هی : عشرة آلاف درهم (ونوال الغمام قطرة ماء) أوقع التباین بین النوال.

[التقسیم] :

(ومنه) أی : ومن المعنوی (التقسیم ، وهو ذکر متعدد ، ثم إضافة ما لکل إلیه علی التعیین) ...

******

أی : إیقاع الافتراق بین أمرین مشترکین فی نوع ، مثل نوال الأمیر ونوال الغمام فإن النوع الذی یجمعهما مطلق نوال (قوله : فی المدح أو غیره) أی : کالغزل والرثاء والهجو ، والظرف متعلق بقوله إیقاع أی إیقاع التباین فی المدح أو غیره (قوله : کقوله) أی : قول الشاعر وهو الوطواط بفتح الواو الأولی وضمها ، والبیت المذکور مثال لإیقاع التباین فی المدح بین الأمرین المشترکین فی نوع ، ومثاله فی الغزل.

حسبت جماله بدرا منیرا

وأین البدر من ذاک الجمال

فقد أوقع التباین بین جمال ذلک المحبوب وجمال البدر مع أنهما من نوع واحد وهو مطلق جمال (قوله : ما نوال الغمام وقت ربیع) أی الذی هو وقت ثروة الغمام (قوله : یوم سخاء) أی : الذی هو وقت فقر الأمیر لکثرة السائلین وکمال بذله (قوله : فنوال الأمیر إلخ) أی : فقد أوقع التباین بین النوالین مع أنهما من نوع واحد وهو مطلق نوال ، (وقوله : فنوال الأمیر) أی : کل نوال فیه وکذا یقال فی قوله : ونوال الغمام.

(قوله : هی عشرة آلاف درهم) أی : وقیل إن بدرة العین جلد ولد الضأن مملوءا من الدراهم کما فی القاموس ، وأنکر أن یکون ندرة العین اسما لعشرة آلاف أو سبعة أو خمسة - انتهی أطول. ومن کلامه یعلم أن قول الشارح هی عشرة آلاف درهم تفسیر لمجموع المضاف والمضاف إلیه ، فما فی یس عن سم فیه نظر.

[التقسیم] :

(قوله : ذکر متعدد ثم إضافة إلخ) الأخصر أن یقول ذکر متعدد ثم تعیین ما لکل

ص: 64

وبهذا القید یخرج اللف والنشر ؛ وقد أهمله السکاکی فتوهم بعضهم أن التقسیم عنده أعم من اللف والنشر. وأقول : إن ذکر الإضافة مغن عن هذا القید ؛ إذ لیس فی اللف والنشر إضافة ما لکل إلیه ، بل یذکر فیه ما لکل حتی یضیفه السامع إلیه ویرده (کقوله) أی : قول المتلمس (1) (ولا یقیم علی ضیم) أی : ظلم (یراد به) الضمیر عائد علی المستثنی منه المقدر العام (إلا الأذلّان) ...

******

(قوله : وبهذا القید) أی : قوله : علی التعیین (قوله : یخرج اللف والنشر) أی : لما تقدم أنه ذکر متعدد ثم ذکر ما لکل واحد من غیر تعیین ثقة بأن السامع یرده إلیه (قوله : وقد أهمله السکاکی) أی : ترک ذکر هذا القید وهو قوله : علی التعیین (قوله : أعم) أی : لأنه شرط فی اللف عدم تعیین ما لکل واحد ، وقال هنا ذکر متعدد وإضافة ما لکل إلیه وهذا صادق بأن یکون هناک تعیین أو لا (قوله : وأقول) أی : فی الجواب عن السکاکی حیث ترک قید التعیین وصار کلامه محتملا للقول بتباین التقسیم للّفّ والنشر وللقول بأن التقسیم أعم عموما مطلقا (قوله : إن ذکر الإضافة مغن عن هذا القید) أی : قید التعیین لأن الإضافة نسبة کل واحد إلی صاحبه فهی مقتضیة للتعیین من المتکلم ، وهذا مفقود فی اللف والنشر إذ لیس ... إلخ وعلی هذا أی : کون الإضافة مغنیة عن التعیین لاقتضائها إیاه فیکون ذکر المصنف لها تأکیدا ، والحاصل أنا لا نسلم أن السکاکی أهمل ذلک القید حتی یکون التقسیم عنده أعم ؛ لأنه ذکر الإضافة المستلزمة للتعیین فیکون التقسیم عنده مباینا للف والنشر (قوله : بل یذکر فیه ما لکل) أی : من غیر إضافة والحاصل أنه فی التقسیم یضیف المتکلم ما لکل واحد إلیه ، وإضافة ما لکل إلیه تستلزم تعیینه ، ففی التقسیم إضافة وتعیین من المتکلم بخلاف اللف والنشر فإن المتکلم إنما یذکر ما لکل واحد من غیر إضافة ، والذی یضیف ما لکل واحد إلیه إنما هو السامع بذهنه فالإضافة من السامع وکذلک التعیین ولا إضافة فیه ولا تعیین من المتکلم (قوله : المتلمس) هو جریر بن عبد المسیح کما فی الأطول.

(قوله : علی ضیم) علی بمعنی مع أی مع ضیم أی مع ظلم ، أی : لا یتوطن فی مواطن الظلم أحد إلا الأذلان (قوله : الضمیر) أی : فی به عائد علی المستثنی منه المقدر

ص: 65

فی الظاهر : فاعل" لا یقیم" ، وفی التحقیق : بدل ؛ أی : لا یقیم أحد علی ظلم یقصد به إلا هذان (عیر الحی) وهو الحمار (والوتد هذا) أی : عیر الحی (علی الخسف) أی : الذل (مربوط برمته) هی قطعة حبل بالیة (وذا) أی : الوتد (یشج) أی : یدق ، ویشق رأسه (فلا یرثی) أی : فلا یرق ، ولا یرحم (له أحد) ذکر العیر ، والوتد ، ثم أضاف إلی الأول : الربط علی الخسف ، وإلی الثانی : الشج علی التعیین ؛ وقیل : لا تعیین ؛ لأن هذا وذا متساویان فی الإشارة إلی القریب ، فکل منهما یحتمل أن یکون إشارة إلی العیر ، وإلی الوتد. فالبیت من اللف والنشر دون التقسیم ؛ وفیه نظر ؛ لأنا لا نسلم التساوی ، بل فی حرف التنبیه إیماء إلی أن القرب فیه أقل بحیث یحتاج إلی تنبیه ما ، بخلاف المجرد عنها ، فهذا للقریب - أعنی : العیر - وذا للأقرب - أعنی : الوتد - وأمثال هذه الاعتبارات لا ینبغی أن تهمل فی عبارات البلغاء ، بل لیست البلاغة إلا رعایة أمثال ذلک.

******

العام ، أی : لا یقیم أحد علی ظلم یراد ذلک الظلم بذلک الأحد (قوله : فی الظاهر) أی:فهو استثناء مفرغ حیث أسند الفعل له فی الظاهر وفی الحقیقة أسند إلی العام المحذوف (قوله : عیر الحی) العیر هو : الحمار الوحشی والأهلی وهو المناسب هنا ، لأنه الذی یربط ویحمل الذل ویعین ذلک إضافته للحی ، فقول الشارح : وهو الحمار أراد به الأهلی (قوله : والوتد) بکسر التاء وفتحها (قوله : علی الخسف) أی : مع الخسف وهو حال من مربوط (قوله : قطعة حبل بالیة) أی : فالمعنی هذا علی الذل مربوط بقطعة حبل بالیة یسهل الخلاص معها عن الربط ، ویحتمل أن المراد هذا مربوط علی الذل بتمامه من فرقه إلی قدمه کما یقال ذهب فلان برمته - قاله فی الأطول ، (قوله : أی یدق) تفسیر مراد وقوله : ویشق رأسه تفسیر بحسب الأصل (قوله : فلا یرثی له أحد) لا یخفی أن عدم الرحمة مشترک بین عیر الحی والوتد ، وحینئذ فالأولی جعل ضمیر له راجعا لکل منهما ویجعل قوله فلا یرثی متفرعا علی الشج والربط (قوله : لربط علی الخسف) أی : مع الخسف (قوله : علی التعیین) متعلق بأضاف ووجه التعیین أن ذا بدون ها إشارة للقریب ، وأما مع ها التنبیه فهو إشارة للبعید (قوله : فکل منهما یحتمل أن یکون إشارة إلی العیر وإلی الوتد) وحینئذ فلا یتحقق التعیین لا یقال إنه یتعین کون الأول للأول

ص: 66

[الجمع مع التفریق] :

(ومنه) أی : ومن المعنوی (الجمع مع التفریق ؛ وهو أن یدخل شیئان فی معنی ویفرق بین جهتی الإدخال ، کقوله :

فوجهک کالنار فی ضوئها

وقلبی کالنار فی حرّها) (1)

أدخل قلبه ووجه الحبیب فی کونهما کالنار ، ثم فرق بینهما بأن وجه الشبه فی الوجه الضوء واللمعان ، وفی القلب الحرارة والاحتراق.

******

والثانی للثانی بقرینة خبر کل منهما ؛ لأن المراد التعیین فی اللفظ وأما بالقرینة فهذا متحقق حتی فی اللف والنشر ، وحیث کان التعیین لفظا فی البیت غیر متحقق فهو من اللف والنشر دون التقسیم.

[الجمع مع التفریق] :

(قوله : الجمع مع التفریق) أورد کلمة مع إشارة إلی أن المحسن اجتماعهما ، وکذا یقال فیما یأتی وإنما لم یذکر اجتماع المحسنات الأخر بعضها مع بعض کالطباق مع المقابلة لما بین الجمع والتفریق من المقابلة ، واجتماعهما موجب لحسن زائد علی کل واحد منهما - قاله عبد الحکیم. (قوله : وهو أن یدخل شیئان) ببناء الفعل للمفعول وشیئان نائب الفاعل أی : وهو أن تجمع بین شیئین فأکثر فی معنی أی فی حکم أی فی شیء محکوم به کالمشابهة بالنار ، والمراد بجمعهما فی الحکم أن یحکم علیهما بشیء واحد ، کما یرشد له قول الشارح : أدخل قلبه ووجه الحبیب فی کونهما کالنار ، وهذا هو الجمع (قوله : کقوله) أی : الوطواط (قوله : أدخل قلبه ووجه الحبیب فی کونهما کالنار) أی : فی المماثلة للنار ، أی : وهذا هو الجمع لأنه کما مر الجمع بین متعدد فی حکم والشاعر هنا قد جمع بین وجه الحبیب وقلبه فی المماثلة للنار (قوله : ثم فرق بینهما) أی : بین التشبیهین (قوله : الحرارة والاحتراق) أی : حرارة القلب واحتراقه وفیه إشارة إلی أن المراد بحر النار حرارتها فی نفسها لا لغیرها ؛ لأنه المناسب لتشبیه القلب بها.

ص: 67

[الجمع مع التقسیم] :

(ومنه) أی : ومن المعنوی. (الجمع مع التقسیم ، وهو جمع متعدد تحت حکم ، ثم تقسیمه ، أو العکس) أی : تقسیم متعدد ، ثم جمعه تحت حکم (فالأول) أی : الجمع ثم التقسیم (کقوله : حتّی أقام) (1) أی : الممدوح ، ...

******

[الجمع مع التقسیم] :

(قوله : وهو جمع متعدد) أی : کالروم فی البیت الآتی فإنه یتناول النساء والرجال والأولاد والمال والزرع (وقوله : تحت حکم) أی کالشقاء (قوله : ثم تقسیمه) أی : الحکم أی : إضافة ما لکل متعدد إلیه من ذلک الحکم (قوله : أی تقسیم متعدد) أی : إضافة ما لکل متعدد إلیه ثم جمعه تحت حکم (قوله : کقوله) أی : قول الشاعر وهو أبو الطیب المتنبی فی مدح سیف الدولة بن حمدان الهمدانی حین غزا خرشنة بفتح الخاء وسکون الراء وفتح الشین المعجمة والنون التی بعدها بلدة من بلاد الروم ولما غزا تلک البلدة اتفق له أنه سبی وقتل منهم ولم یفتحها فقال المتنبی القصیدة تسلیة له وقبل البیت الأول :

قاد المقانب أقصی شربها نهل

مع الشکیم وأدنی سیرها سرع (2)

حتّی أقام علی أرباض خرشنة ... البیتین

وبعدهما :

الدهر معتذر والسیف منتظر

وأرضهم لک مصطاف ومرتبع

والضمیر فی قاد وکذا فی أقاد للممدوح وهو سیف الدولة والمقانب جمع مقنب ما بین الثلاثین إلی الأربعین من الخیل ، والمراد هنا العساکر والنهل الشرب الأول أی : غایة شربها النهل مع الشکیم وهو الحدیدة التی تکون داخل فم الفرس ، وأدنی سیرها السرعة وقوله الدهر معتذر إلخ أی : أن الدهر یعتذر إلیک حیث لم یتیسر لک فتح بلدهم ،

ص: 68

ولتضمین الإقامة معنی التسلیط عداها ب علی فقال : (علی أرباض) جمع : ربض ؛ وهو ما حول المدینة (خرشنة) وهی بلدة من بلاد الروم (تشقی به الروم والصلبان) جمع صلیب النصاری (والبیع) جمع : بیعة ، وهی متعبدهم ، وحتی متعلق بالفعل فی البیت السابق - أعنی : قاد المقانب - أی : العساکر. جمع فی هذا البیت شقاء الروم بالممدوح ، ثم قسم فقال : (للسّبی ما نکحوا ، والقتل ما ولدوا)

******

والسیف منتظر کرتک علیهم فیشفیک منهم وأرضهم لک موضع إقامة بالصیف والربیع (قوله : ولتضمین الإقامة معنی التسلیط) فیه إشارة إلی تصمیم عزم ذلک الممدوح علی فتح القلاع والحصون حتی إنه یتوطن حولها ولا یفارقها حتی تفتح (قوله : عداها ب علی) أی : وإلا فالإقامة تتعدی بفی أو بالباء (قوله : وما حول المدینة) أی : من السور کما یدل علیه قول الأطول جمع ربض بمعنی السور ، ولکن المقرر أن الربض هو ما حول المدینة من البیوت کالحسینیة والفوالة بمصر (قوله : تشقی به) أی : بالممدوح أی بإقامته هناک (قوله : جمع صلیب النصاری) أی : جمع صلیب وهو معبود النصاری (قوله : جمع بیعة) بکسر الباء الموحدة وسکون الیاء المثناة تحت (قوله : وهی متعبدهم) أی : النصاری وأما متعبد الیهود فیقال له : کنیسة وقیل بالعکس.

(قوله : وحتی متعلق بالفعل) أی : مرتبط به من حیث إنها عطفت الفعل الذی بعدها علیه ولیست جارة کما یوهمه کلامه ؛ لأن الجار لا یجوز دخوله علی الفعل الغیر المؤول ، والمعنی أنه قاد العساکر حتی أقام حول هذه المدینة وقد شقیت به الروم والصلبان والبیع والمراد بشقائها به هلاکها. (قوله : جمع فی هذا البیت شقاء الروم بالممدوح) الأولی أن یقول : جمع فی هذا البیت الروم الشامل للنساء والأولاد والمال والزرع فی حکم وهو الشقاء ، ثم قسم ذلک الحکم إلی سبی وقتل ونهب وإحراق ورجع لکل واحد من هذه الأقسام ما یناسبه ، فرجع للسبی ما نکحوا من النساء ، وللقتل ما ولدوا ، وللنهب ما جمعوا ، أی : من الأموال ، وللنار ما زرعوا فأشجارهم للإحراق تحت القدور ومزروعاتهم للطبخ والخبز بالنار وأما ما عطف علی الروم من الصلبان والبیع فلم یتعرض له فی التقسیم ، حتی یقال إنه من المتعدد المجموع فی الحکم ، والحاصل أن الشقاء

ص: 69

ولتضمین الإقامة معنی التسلیط عداها بعلی فقال : (علی أرباض) جمع : ربض ؛ وهو ما حول المدینة (خَرشَنَةٍ) وهی بلدة من بلاد الروم (تشقی به الرومُ والصلبانُ) جمع صلیب النصاری (ولبِیَعُ) جمع : بیعة ، وهی متعبدهم ، وحتی متعلق بالبفعل فی البیت السابق – إعنی : قاد المقانب – أی : العساکر. جمع فی هذا البیت شقاء الروم بالمدوح ، ثم قسم فقال : (للسبی ما نکحُوا ، والقتل ما ولدُوا)

******

والسیف منتظر کرتک علیهم فیشفیک منهم وأرضهم لک موضع بالصیف والربیع (قول : ولتضمین الإقامة معنی التسلیط) فیه إشارة الی تصمیم عزم ذلک الممدوح علی فتح القلاع والحصون حتی إنه بتوطن حولها ولا بفارقها حتی تفتح (قوله : عداها بعلی) أی : وإلا فالإقامة تتعدی بفی أة بالباء (قوله : وما حول المدینة) أی : من السور کما یدل علیه قول الأطول جمع ربض بمعنی السور ، ولکن المقرر أن الربض هو ما حول المدینة من البیوت کالحسینیة والفولة بمصر (قوله : تشقی به) أی : بالممدوح أی بإقامتة مناک (قوله : جمع صلیب النصاری) أی : جمع صلیب وهو معبود النصاری (قوله : جمع بیعة) بکسر الباء الموحدة وسکون الیاء المثناة تحت (قوله : وهی متعبدهم) أی : النصاری وأما متعبد الیهود فیقال له : کنیسة وقیل بالعکس.

(قوله : وحتی متعلق بالفعل) أی : مرتبط به حیث إنها عطفت الفعل الذی بعدها علیه ولیست جارة کما یوهه کلامه ؛ لأن الجار لا بجوز دخوله علی الفعل الغیر المؤول ، والمعنی أنه قاد العساکر حتی أقام حول هذه المدینة وقد شقیت به الروم والصلبان والبیع والمراد بشقائها به هلاکها. (قوله : جمع فی هذا البیت شقاء الروم بالمدوح) الأولی أن یقول : جمع فی هذا البیت الروم الشامل للنساء ولأولاد والمال والزرع فی حکم وهو الشقاء ثم قسم ذلک الحکم إلی سبی وقتل ونهب وإحراق ورجع لکل واحد من هذه الأقسام ما بناسبه ، فرجع للسبی ما نکحوا من النساء وللقتل ما ولدوا ، وللنهب ما جمعوا ، من الأموال ، وللنار ما زرعوا فأشجارهم للإحراق تحت القدور ومزروعاتهم للطبخ والخبز بالنار وأما عطف علی الروم من الصلبان والبیع قلم یتعرض له فی التقسیم ، حتی یقال إنه من المتعدد المجموع فی الحکم ، والحاصل أن الشقاء

ص: 70

قسم فی الأول صفة الممدوحین إلی ضر الأعداء ، ونفع الأولیاء ، ثم جمعها فی الثانی تحت کونها سجیة.

[الجمع مع التفریق والتقسیم] :

(ومنه) أی : ومن المعنوی (الجمع مع التفریق والتقسیم) وتفسیره ظاهر مما سبق فلم یتعرض له (کقوله تعالی : (یَوْمَ یَأْتِی*)(1)) یعنی : یأتی الله - أی : أمره ، أو یأتی الیوم - أی : هوله. والظرف منصوب بإضمار : اذکر ، أو بقوله : ((لا تَکَلَّمُ نَفْسٌ)) أی : بما ینفع من جواب ، أو شفاعة ...

******

وبدعة ابتداء (قوله : قسم فی الأول) أی : فی البیت الأول (قوله : الأولیاء) أی : الأتباع والأنصار (قوله : ثم جمعها فی الثانی) أی : ثم جمع تلک الصفة فی البیت الثانی ، وقوله : تحت کونها سجیة الأوضح فی کونها سجیة غیر محدثة ، حیث قال : سجیة تلک منهم کما فی المطول.

[الجمع بین التفریق والتقسیم] :

(قوله : وتفسیره ظاهر مما سبق) أی : من تفسیرات هذه الأمور الثلاثة وحاصله أن یجمع بین متعدد فی حکم ثم یفرق أی : یوقع التباین بینها ثم یضاف لکل واحد ما یناسبه.

(قوله : أی أمره) هذا التأویل واجب لصحة المعنی لاستحالة الظاهر وهو إتیان المولی سبحانه وتعالی ، والمراد یوم یأتی حامل أمره وهو الملک ، أو المراد بأمره ما أمر به والمراد بإتیانه حصوله. (قوله : أی هوله) هذا التأویل واجب لا لأجل صحة المعنی لاستقامة الظاهر فی نفسه بل للمحافظة علی المقصود ؛ لأن المقصود تفظیع الیوم والمناسب له مجیء الهول لا مجرد الزمان (قوله : (لا تَکَلَّمُ نَفْسٌ)) أی : لا تتکلم فیه نفس فحذف إحدی التاءین اختصارا. (قوله : من جواب أو شفاعة) الاقتصار علیهما إما لعدم المنع من غیرهما علی الإطلاق أو لأنه الأنسب بالسیاق من قوله قبل هذه الآیة (فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ)(2) الآیة ؛ ولأن عدم التکلم بما ینفع هو الموجب لزیادة شدة

ص: 71

((إِلَّا بِإِذْنِهِ)) أی : من أهل الموقف ((شَقِیٌ)) مقضی له بالنار ((وَسَعِیدٌ)) مقضی له بالجنة ((فَأَمَّا الَّذِینَ شَقُوا فَفِی النَّارِ لَهُمْ فِیها زَفِیرٌ)(1)) إخراج النفس بشدة ((وَشَهِیقٌ)) رده بشدة ((خالِدِینَ فِیها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ)(2)) أی : سموات الآخرة وأرضها ، ...

******

الهول ، فإن المنع من الکلام بغیر ذلک کمطالبة الخصم بالحق لا یوجب الشدة ا. ه سم. (قوله : (إِلَّا بِإِذْنِهِ)) أی : إلا بإذن الله تعالی ؛ لقوله تعالی فی آیه أخری (لا یَتَکَلَّمُونَ)(3) أی : بما ینفع من جواب أو شفاعة (إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ)(4) إن قلت : هذه الآیة تفید أنهم یتکلمون بإذنه تعالی ، وهذا مناف لقوله تعالی فی آیة أخری (یَوْمُ لا یَنْطِقُونَ. وَلا یُؤْذَنُ لَهُمْ فَیَعْتَذِرُونَ)(5) قلت هذا فی موقف وذاک فی موقف آخر وإذا اختلف الزمانان فلا معارضة ، أو أن المأذون فیه الجواب الحق المقبول ، والممنوع عنه العذر الباطل الغیر المقبول (قوله : (فَمِنْهُمْ)) أی : الأنفس الکائنة یوم القیامة وهی أهل الموقف. ولذا قال الشارح أی من أهل الموقف (قوله : (شَقِیٌ)) أی محکوم له بالشقاوة أی : دخول النار وهذا شامل لشقی الإیمان وهو الکافر وشقی الأعمال وهو العاصی ، (وقوله : (وَسَعِیدٌ)) شامل لسعید الإیمان فقط وللسعید علی الإطلاق ، بدلیل ما قرره فی قوله (إِلَّا ما شاءَ رَبُّکَ)(6) (قوله : إخراج النفس بشدة إلخ) هذا تفسیر للزفیر والشهیق بحسب الأصل ، ثم یحتمل أن یکون هذا المعنی مرادا من الآیة ویحتمل أن المراد لهم فیها غم وتعب ، بسبب تذکرهم ما فاتهم الموجب لما هم فیه ، فشبه حالهم الذی هم فیه من التعب والغم بحالة من استولت الحرارة علی قلبه فصار یخرج النفس بشدة ویرده بشدة واستعار اللفظ الدال علی المشبه به للمشبه.

(قوله : أی سموات الآخرة وأرضها) وهذه دائمة باقیة لا انقضاء لها ، ویدل علی أن المراد سموات الآخرة وأرضها قوله تعالی (یَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَیْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ)(7)

ص: 72

أو هذه العبارة کنایة عن التأبید ، ونفی الانقطاع ((إِلَّا ما شاءَ رَبُّکَ)(1)) أی : إلا وقت مشیئة الله تعالی ((إِنَّ رَبَّکَ فَعَّالٌ لِما یُرِیدُ)(2)) من تخلید البعض کالکفار ، وإخراج البعض کالفساق ((وَأَمَّا الَّذِینَ سُعِدُوا فَفِی الْجَنَّةِ خالِدِینَ فِیها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّکَ عَطاءً غَیْرَ مَجْذُوذٍ)(3)) أی : غیر مقطوع ، بل ممتد لا إلی نهایة.

******

(قوله : أو هذه العبارة کنایة إلخ) أی : أن المراد سموات الدنیا وأرضها ولا ینافی التأبید بها فناؤها قبل الدخول فضلا عن الخلود ؛ لأن الکلام من باب الکنایة وذلک لأن مدة دوام سموات الدنیا وأرضها من لوازمها الطول ، والمراد طول لا نهایة له علی ما جری به استعمال اللغة فی مثل ذلک ، فکأنه قیل خالدین فیها خلودا طویلا لا نهایة له ، فهو مثل قول العرب لا أفعل کذا ما أقام ثبیر وما لاح کوکب (قوله : ونفی الانقطاع) عطف تفسیر (قوله : أی إلا وقت مشیئة الله تعالی) أی عدم الخلود ، ثم یحتمل أن الشارح حمل ما علی أنها مصدریة ظرفیة فیکون الوقت داخلا فی معناها لأنها نائبة عنه ، ویحتمل أنه حملها علی مجرد المصدریة فیکون الکلام علی حذف المضاف فالوقت مقدر فی الکلام (قوله : من تخلید البعض) بیان لما (قوله : کالکفار) الکاف فیه استقصائیة وکذا یقال فی قوله کالفساق.

(قوله : (وَأَمَّا الَّذِینَ سُعِدُوا)) أی بالإیمان وإن شقوا بسبب المعاصی ، لا یقال فعلی هذا کیف یکون قوله فمنهم شقی وسعید تقسیما صحیحا؟ مع أن من شرطه أن تکون صفة کل قسم منفیة عن تقسیمه ؛ لأن ذلک الشرط من حیث التقسیم للانفصال الحقیقی أو مانع الجمع ، وهنا المراد أن أهل الموقف لا یخرجون عن القسمین وأن حالهم لا یخلو عن السعادة والشقاوة ، وذلک لا یمنع اجتماع الأمرین فی شخص باعتبارین فتکون ما فی قوله (وَأَمَّا الَّذِینَ سُعِدُوا) لمنع الخلود فتجوز الجمع (قوله : عطاء) مصدر مؤکد أی : أعطوا عطاء والجملة حالیة.

ص: 73

ومعنی الاستثناء فی الأول : أن بعض الأشقیاء لا یخلدون فی النار ؛ کالعصاة من المؤمنین الذین شقوا بالعصیان ، وفی الثانی : أن بعض السعداء لا یخلدون فی الجنة ، بل یفارقونها ابتداء ؛ یعنی : أیام عذابهم ؛ کالفساق من المؤمنین الذین سعدوا بالإیمان. والتأبید من مبدأ معین کما ینتقض باعتبار الانتهاء ؛ فکذلک ینتقض باعتبار الابتداء ، ...

******

(قوله : ومعنی الاستثناء إلخ) جواب عما یقال ما معنی الاستثناء فی قوله (إِلَّا ما شاءَ رَبُّکَ) مع أن أهل الجنة لا یخرجون منها أصلا وکذا أهل النار لا یخرجون منها والاستثناء یفید خروجهم ؛ لأن معنی الآیة أن کل أهل النار خالدون فیها فی کل وقت إلا الوقت الذی شاء الله عدم الخلود فیه ، وکذا یقال فی أهل الجنة ، ولا شک أن هذا یفید أن هناک وقتا لا یخلد أحد فیه فیکون أهل کل دار خارجین منها فی ذلک الوقت. وحاصل الجواب أنه استثنی الفساق من المخلدین فی النار باعتبار الانتهاء ، ومن المخلدین فی الجنة باعتبار الابتداء ؛ لأنهم لم یدخلوها مع السابقین فالخلود فی حقهم ناقص باعتبار المبدأ ، فظهر أن ماصدق الاستثناء فی الاستثناءین واحد. (قوله : أن بعض الأشقیاء لا یخلدون) کالعصاة من المؤمنین الذین شقوا بالعصیان ، أی : وهذا کاف فی صحة الاستثناء لأن صرف الحکم عن الکل فی وقت ما یکفی فیه صرفه عن البعض ، فصرف الخلود فی النار عن کل واحد من أهلها یکفی فیه صرفه عن البعض وهم فساق المؤمنین الذین لا یخلدون فیها (قوله : والتأبید إلخ) أی : والإقامة فی المکان أبدا. (وقوله : من مبدأ معین) أی : کالإذن لأهله فی الدخول فیه. وقوله : (کما ینتقض باعتبار الانتهاء) أی : کما فی الاستثناء الأول وقوله (فکذلک باعتبار) أی : فکذلک ینتقض باعتبار الابتداء أی کما فی الاستثناء الثانی وذلک لعدم حصول التأبید من ذلک الوقت المعین ، ثم إن کلام الشارح هذا یقتضی أن الاستثناء الثانی من الخلود کالأول وأن المعنی : فأما الذین سعدوا ففی الجنة خالدین فیها فی جمیع الأوقات إلا الوقت الذی شاء ربک عدم خلودهم فیه ، لمنعه بعض الناس من دخولها حین الإذن لأهلها بالدخول ، والحاصل أن الاستثناء فی الموضعین من الخلود باعتبار ما تضمنه من الأوقات ؛ لأنه یتضمن أوقاتا لا

ص: 74

(وقد یطلق التقسیم علی أمرین أحدهما أن یذکر أحوال الشیء مضافا إلی کل من تلک الأحوال ما یلیق به ؛ کقوله :

سأطلب حقی بالقنا ومشایخ

کأنهم من طول ما التثموا مرد) (1)

******

تنتهی لا من الموصول وهو الذین لأن الاستثناء منه یلزم علیه إیقاع ما علی العاقل - تأمل. (قوله : فقد جمع الأنفس بقوله إلخ) أی : فقد جمع الأنفس فی التکلم بقوله (لا تَکَلَّمُ نَفْسٌ) لأن النکرة فی سیاق النفی تعم.

(قوله : ثم فرق بینهم) أی : بأن أوقع التباین بینها بجعل بعضهما شقیا وبعضها سعیدا ، بقوله (فَمِنْهُمْ شَقِیٌّ وَسَعِیدٌ) وقد یقال إن هذا لیس من باب الجمع والتفریق لأن المجموع فی الحکم الذی هو التکلم الأنفس ، والتفریق متعلق بأهل الموقف ؛ لأن ضمیر فمنهم شقی وسعید رجعه الشارح لأهل الموقف ، وما کان یتم کون الآیة من الجمع والتفریق إلا لو کان ضمیر منهم راجعا للأنفس وأجاب الشارح فی المطول بأن الأنفس وأهل الموقف شیء واحد ، لأن النفس فی (لا تَکَلَّمُ نَفْسٌ) نکرة فی سیاق النفی فتعم کل نفس فی ذلک الیوم ، والنفوس فی ذلک الیوم هی نفوس أهل الموقف فاتحد المراد بالنفس بالمراد بأهل الموقف ، وحینئذ فعود الضمیر علی أهل الموقف کعوده علی الأنفس.

(قوله : أحدهما أن یذکر أحوال الشیء مضافا إلی کل ما یلیق به) المراد بالإضافة مطلق النسبة ولو بالإسناد لا خصوص الإضافة النحویة ، وهذا المعنی مغایر للتقسیم بالمعنی المتقدم ؛ لأن ما تقدم أن یذکر متعدد أولا ثم یضاف لکل ما یناسبه علی التعیین ، بخلاف ما هنا فإنه یذکر المتعدد ویذکر مع کل واحد ما یناسبه (قوله : کقوله) أی : قول أبی الطیب المتنبی (قوله : سأطلب حقی بالقنا ومشایخ) القنا بالقاف والنون جمع قناة وهی الرمح ، وفی بعض النسخ بالفتی بالفاء والتاء وهو المناسب لمشایخ ، قال الواحدی : أراد بالفتی نفسه وبالمشایخ قومه وجماعته من الرجال الذین لهم لحی ، والالتثام وضع اللثام علی الفم والأنف فی الحرب وکان ذلک من عادة العرب ، فقوله

ص: 75

فقد جمع الأنفس بقوله : (لا تَکَلَّمُ نَفْسٌ) ثم فرق بینهم بأن بعضهم سعید ، ثم قسم بأن أضاف إلی الأشقیاء ما لهم من عذاب النار ، وإلی السعداء ما لهم من نعیم الجنة بقوله : (فَأَمَّا الَّذِینَ شَقُوا) إلی آخره.

(ثقال) لشدة وطأتهم علی الأعداء (إذا لاقوا) أی : حاربوا (خفاف) أی : مسرعین إلی الإجابة (إذا دعوا) إلی کفایة مهم ، ودفاع ملم (کثیر إذا شدوا) لقیام واحد مقام الجماعة (قلیل إذا عدوا) ذکر أحوال المشایخ ، وأضاف إلی کل حال ما یناسبها بأن أضاف إلی الثقل حال الملاقاة ، وإلی الخفة حال الدعاء ، ... وهکذا إلی الآخر.

والثانی : استیفاء أقسام الشیء ؛ ...

******

(من طول ما التثموا) أی شدوا اللثام حالة الحرب وفی هذا إشارة إلی کثرة حربهم وفی ابن یعقوب أن طول اللثام عبارة عن لزومهم زی الکبراء أهل المروءة فی عرفهم. (قوله : لشدة وطأتهم) أی : ثباتهم علی اللقاء (قوله : ودفاع ملم) أی : مدافعة الأمر العظیم النازل (قوله : إذا شدوا) بفتح الشین أی : حملوا علی العدو والثقل هنا عبارة عن شدة نکایة الملاقی لهم وعجزه عن تحمل أذاهم (قوله : لقیام واحد مقام الجماعة) أی : فی النکایة (قوله : قلیل إذا عدوا) أی : لأن أهل النجدة مثلهم فی غایة القلة (قوله : ذکر أحوال المشایخ) أی : من الثقل والخفة والکثرة والقلة (قوله : وهکذا إلی الآخر) أی : فأضاف إلی الکثرة حالة الشدة وأضاف إلی القلة حالة العد ، ولا یخفی ما اشتمل علیه هذا التقسیم من الطباق بذکر القلة والکثرة والخفة والثقل ، إذ بین کل اثنین منها تضاد.

(قوله استیفاء أقسام الشیء) أی : بحیث لا یبقی للمقسم قسم آخر غیر ما ذکر ، ومنه قول النجاة : الکلمة اسم وفعل وحرف (قوله : (یَهَبُ لِمَنْ یَشاءُ إِناثاً)) (1) قدم الإناث لأن سیاق الآیة علی أنه تعالی یفعل ما یشاء لا ما یشاؤه الإنسان ، فکان ذکر الإناث اللاتی هن من جملة ما لا یشاؤه الإنسان أهم ثم إنه لما حصل للذکر کسر جبره بالتعریف ؛ لأن فی التعریف تنویها أی : تعظیما بالذکر ، فکأنه قال : ویهب لمن یشاء

ص: 76

کقوله تعالی : (یَهَبُ لِمَنْ یَشاءُ إِناثاً وَیَهَبُ لِمَنْ یَشاءُ الذُّکُورَ. أَوْ یُزَوِّجُهُمْ ذُکْراناً وَإِناثاً وَیَجْعَلُ مَنْ یَشاءُ عَقِیماً)(1) فإن الانسان إما أن لا یکون له ولد ، أو یکون له ولد ؛ ذکر ، أو أنثی ، أو ذکر وأنثی. وقد استوفی فی الآیة جمیع الأقسام.

******

الفرسان الذین لا یخفون علیکم ، ثم بعد ذلک أعطی کلا من الجنسین حقه من التقدیم والتأخیر فقدم الذکور وأخر الإناث إشارة إلی أن تقدیم الإناث لم یکن لاستحقاقهن التقدیم بل لمقتضی آخر وهو الإشارة إلی أن الله یفعل ما یشاء لا ما یشاؤه العبد.

(قوله : (أَوْ یُزَوِّجُهُمْ)) من المزاوجة وهی الجمع أی : أو یجمع لهم من الذکران والإناث (قوله : (وَیَجْعَلُ مَنْ یَشاءُ عَقِیماً)) أی : لا یولد له أصلا إنه علیم بالحکمة فی ذلک قدیر علی ما یرید لا یتعاصی علیه شیء مما أراده (قوله : فإن الإنسان إلخ) حاصله أن الآیة قد تضمنت أن الإنسان الذی شأنه الولادة ینقسم إلی الذی لا یولد له أصلا ، وإلی الذی یولد له جنس الذکور فقط ، وإلی الذی یولد له جنس الإناث فقط ، وإلی الذی یولد له جنس الذکور والإناث معا ، فکأنه قیل الإنسان إما أن یکون له ولد أصلا وإما أن یکون له جنس الذکور فقط ، وإما أن یکون له جنس الإناث فقط ، وإما أن یکون له الجنسان معا. فهذا تقسیم مستوف لأقسام الإنسان باعتبار الولادة وعدمها واعلم أن السر فی الإتیان بأو المقتضیة للمباینة فی قوله تعالی (أَوْ یُزَوِّجُهُمْ ذُکْراناً وَإِناثاً) دون الواو المقتضیة للجمع - کما ذکر فیما قبل هذا القسم وبعده - هو أنه لما عبر بالضمیر فی یزوجهم الراجع للطائفتین المذکورتین أو إحداهما ولم یقل ویهب لمن یشاء أتی بأو للإشارة للمباینة وأن هذا غیر ما ذکر أولا ، إذ المذکور أولا هو الذکور فقط والإناث فقط ، بخلاف ما لو عبر بالواو فإنه یفید أن الذی اختص بالذکور أو اختص بالإناث یجمع له بین الذکور والإناث ، ولیس بصحیح ؛ لأن المراد کما مر ذکر کل قسم علی حدته ، وأما الأقسام الأخری فلما قال فیها یهب لمن یشاء ویجعل من یشاء فعبر بالظاهر عن الموهوب له والمجعول له ، فهم أنها أقسام مستقلة مختلفة فی نفس الأمر ؛ لأن اللفظ الظاهر إذا کرر أفاد المغایرة بخلاف الضمیر ، ولما کانت مختلفة عطفت بالواو تنبیها علی

ص: 77

إلی حیث یصح أن ینتزع منه موصوف آخر بتلک الصفة (وهو) أی التجرید (أقسام منها) ما یکون بمن التجریدیة (نحو قولهم : لی من فلان صدیق حمیم)

******

الصفة فی ذلک المنتزع منه ، وإنما قلنا لادعاء الکمال أن للإشارة إلی إظهار المبالغة بالانتزاع لا یشترط فیه کون الصفة کاملة فی ذلک الأمر بحسب نفس الأمر ، بل ادعاء کمالها فیه کاف سواء طابق الواقع أم لا ، ووجه دلالة الانتزاع علی المبالغة المبنیة علی ادعاء الکمال ما تقرر فی العقول من أن الأصل والمنشأ لما هو مثله یکون فی غایة القوة حتی صار یفیض بمثالاته ، فإذا أخذ موصوف بصفة من موصوف آخر بما فهم أنک بالغت فی وصفه حتی صیرته فی منزلة ، هی أن من کانت فیه تلک الصفة صار متصفا بتفریع أمثاله عنه ، فهی فیه کأنها تفیض بمثالاتها لقوتها کما تفیض الأشعة عن شعاع الشمس وکما یفیض الماء عن ماء البحر ، وإلی هذا یشیر قول الشارح حتی کأنه أی : الأمر المنتزع منه بلغ إلخ (قوله : إلی حیث) أی : إلی مرتبة یصح إلخ (قوله : وهو أقسام) أی : سبعة لأن الانتزاع إما أن یکون بحرف أو بدونه والحرف إما من أو الباء أو فی والباء إما داخلة علی المنتزع منه أو علی المنتزع وما یکون بدون حرف إما أن یکون لا علی وجه الکنایة أو یکون علی وجهها ثم هو إما انتزاع من غیر المتکلم أو انتزاع من المتکلم نفسه ، فهذه أقسام سبعة أشار المصنف إلیها ولأمثلتها فیما یأتی.

(قوله : بمن التجریدیة) جعل بعضهم التجرید معنی برأسه لکلمة من والأصح أنها ابتدائیة کما أن باء التجرید باء المصاحبة - قاله عبد الحکیم ، وتدخل من علی المنتزع منه ولم یوجد دخولها علی المنتزع بخلاف الباء - کذا فی الأطول. قال العلامة الیعقوبی : والمناسب لمن حیث دخلت علی المنتزع منه أن تکون للابتداء لأن المنتزع مبتدأ وناشئ من المنتزع منه الذی هو مدخول من ، وأما جعلها للبیان فلا یفید المبالغة لأن بیان شیء بشیء لا یدل علی کمال المبین فی الوصف ، بخلاف جعل شیء مبدأ ومنشأ لذی وصف فإنه یدل علی کمال ذلک الشیء باعتبار ذلک الوصف ، فإذا قیل : لی من فلان صدیق حمیم فکأنه قیل : خرج لی من فلان وأتانی منه صدیق آخر ، ولا شک أن هذا یفید المبالغة فی وصف فلان بالصداقة (قوله : لی من فلان صدیق حمیم) أی لی صدیق

ص: 79

أی قریب یهتم لأمره (أی بلغ فلان من الصداقة حدّا صح معه) أی مع ذلک الحد (أن یستخلص منه) أی من فلان صدیق (آخر مثله فیها) أی فی الصداقة (منها) ما یکون بالباء التجریدیة الداخلة علی المنتزع منه (نحو قولهم : لئن سألت فلانا لتسألن به البحر) بالغ فی اتصافه بالسماحة حتی انتزع منه بحرا فی السماحة (ومنها) ما یکون بدخول باء المعیة فی المنتزع (نحو قوله (1) وشوهاء) أی فرس قبیح المنظر لسعة أشداقها أو لما أصابها من شدائد الحرب (تعدو) أی تسرع (بی

******

حمیم ناشئ من فلان أی : مبتدأ ومنتزع منه (قوله : أی قریب) تفسیر للحمیم ؛ لقول الصحاح : حمیمک : قریبک الذی تهتم لأمره (قوله : من الصداقة) أی : من مراتبها ، (وقوله : حدّا) أی : مکانا ومرتبة (وقوله : صح معه) أی : صح بمصاحبته للاتصاف بذلک الحد من الصداقة (قوله : أن یستخلص منه) أی : ینتزع منه ویستخرج منه.

(قوله : نحو قولهم) أی : فی مقام المبالغة فی وصف فلان بالکرم (قوله : لئن سألت فلانا لتسألن به البحر) یصح أن تکون الباء للمصاحبة أی : لتسألن البحر معه أی شخصا کریما کالبحر مصاحبا له ، ویصح جعلها للسببیة أی لتسألن بسببه البحر أی : شخصا آخر کالبحر بمعنی أنه سبب لوجود بحر آخر مجردا منه مماثلا له فی کونه یسأل (قوله : بالغ إلخ) أی : بناء علی أن المراد بالسؤال فی قوله : لتسألن به البحر سؤال دفع الحاجة ، فیکون التشبیه بالبحر فی السماحة ، ویحتمل أن یکون السؤال لدفع الجهل فیکون التشبیه بالبحر فی کثرة العلم (قوله : فی المنتزع) أی : علی المنتزع لا علی المنتزع منه کما فی القسم الذی قبله (قوله : وشوهاء) (2) أی : ورب فرس شوهاء (قوله : أو لما أصابها من شدائد الحرب) أی : من الضربات والطعنات وأو لتنویع الخلاف وذلک لأن الشوه قیل : إنه قبح الوجه لسعة الأشداق جمع شدق وهو جانب الفم ، وقیل : قبح الوجه لما أصابه من شدائد الحرب ، والوصف بالشوهائیة لما ذکر وإن کان قبیحا فی الأصل

ص: 80

إلی صارخ الوغی) أی مستغیث فی الحرب (بمستلئم) أی لابس لأمة وهی الدرع والباء للملابسة والمصاحبة (مثل الفنیق) هو الفحل المکرم (المرحّل) من رحل البعیر أشخصه عن مکانه وأرسله أی تعدو بی ومعی من نفسی مستعد للحرب ...

******

لکنه یستحسن فی الخیل ؛ لأنه یدل علی أنها مما یعد للشدائد لقوتها وأهلیتها وأنها مما جرب للملاقاة فی الحروب وللتصادم وذلک کمال فیها (قوله : إلی الصارخ الوغی) أی : إلی الصارخ الذی یصرخ فی مکان الوغی ، والوغی الحرب والصارخ الذی یصرخ فی مکان الحرب هو : الذی یصیح وینادی الفرسان لحضور الحرب والاجتماع إلیه لإغاثته (قوله : لأمة) بالهمزة الساکنة وقد تسهل (قوله : والباء للملابسة والمصاحبة) أی : متعلقة بمحذوف علی أنها ومجرورها فی محل الحال من المجرور فی بی أی : تعدو بی حالة کونی مصاحبا لمستلئم آخر ، ولیست الباء للتعدیة ولیس قوله بمستلئم بدلا من الباء فی قوله بی ؛ لأن ذلک یفوت التجرید ولأنه لا یبدل الاسم الظاهر من ضمیر الحاضر إلا إذا کان مفیدا للإحاطة ، ولا للسببیة متعلقة ب تعدو لأن المعنی حینئذ تعدو بی بسبب مستلئم ، وحینئذ فیکون المستلئم الذی هو المنتزع سببا للمجرد منه ، والمقرر هو أن المجرد منه سبب ومنشأ لا العکس ، نعم یمکن اعتبار السببیة بتکلف وذلک بأن تدعی المبالغة حتی صار الأصل والسبب فرعا مسببا ، وإنما لم یحمل علی ذلک لأن المبالغة المفیدة للتجرید تکفی فی الحسن ، ومتی ما زید علیها ما أوجب العکس صار الکلام کالرمز وصار فی غایة البرودة کما یشهد بذلک الذوق السلیم (قوله : والمصاحبة) تفسیر مراد للملابسة والأولی حذف الملابسة.

(قوله : مثل الفنیق) قال سم : الظاهر أنه صفة لمستلئم لقربه منه وقال الیعقوبی : بالجر صفة لشوهاء والفنیق بالفاء والنون ثم یاء تحتیة وقاف (وقوله : وهو الفحل المکرم) أی : الفحل من الإبل الذی ترک أهله رکوبه تکرمة له (وقوله : المرحّل) أی المرسل عن مکانه أی : أنه مطلق وغیر مربوط فی محل ، فقد شبه الفرس بالفحل المذکور فی القوة وعدم القدرة علی المصادمة (قوله : من رحل البعیر) بتشدید الحاء (وقوله : أشخصه) أی :

ص: 81

بالغ فی استعداده للحرب حتی انتزع منه آخر (ومنها) ما یکون بدخول فی المنتزع منه (نحو قوله تعالی (لَهُمْ فِیها دارُ الْخُلْدِ)(1) أی فی جهنم وهی دار الخلد) لکنه انتزع منها دارا أخری وجعلها معدة فی جهنم لأجل الکفار تهویلا لأمرها مبالغة فی اتصافها بالشدة (ومنها ما یکون بدون توسط حرف (نحو قوله (2) ...

******

أطلقه (وقوله : وأرسله) تفسیر (قوله : بالغ فی استعداده للحرب) أی : بملازمته لبس اللأمة وغیرها من آلات الحرب (قوله : حتی انتزع منه آخر) أی : حتی صار بحیث یخرج منه مستعد آخر یصاحبه.

(قوله : فی المنتزع منه) أی : علی المنتزع منه ففی بمعنی علی (قوله : أی فی جهنم) تفسیر للضمیر المجرور بفی (وقوله : وهی) أی : جهنم نفسها (قوله : لکنه انتزع منها دار أخری إلخ) حاصله أنه بولغ فی اتصافها بکونها دارا ذات عذاب مخلد حتی صارت بحیث تفیض ویصدر عنها دار أخری مثلها فی الاتصاف بکونها دارا ذات عذاب مخلد ، فکأنه قیل : ما أعظم تلک الدار فی لزومها لهم وعدم انفکاک عذابها عنهم وکونها لا تضعف مع طول الخلود ولا تفنی بتصرم الأعوام ، حتی إنها تفیض دارا أخری مثلها فی اللزوم وقوة العذاب بلا ضعف مع التخلید (قوله : تهویلا إلخ) علة لانتزاع الدار الأخری منها (قوله : ومبالغة فی اتصافها بالشدة) بحث فیه بعضهم بأن انتزاع دار الخلد یفید المبالغة فی الخلود لا فی شدة العذاب ، إلا أن یقال : اتصافها بالخلود یستلزم شدة العذاب فانتزع منها دار أخری مثلها فی شدة العذاب وفی کونها مخلدا فیها ، انتهی. قال العصام : یمکن ألا تکون فی هنا للانتزاع بل لإفادة أن دار الکفار منزلتهم بعض جهنم لأن کثیرا منها مشغول بالفساق من المسلمین ، بل هی أوسع من أن یشغلها جمیع من دخلها قال تعالی (یَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِیدٍ)(3) (قوله : بدون توسط حرف) أی : بل یؤتی بالمنتزع علی وجه یفهم منه الانتزاع بقرائن الأحوال من غیر حرف مستعان به علی إفادة التجرید (قوله : نحو قوله) أی : قول الشاعر وهو : قتادة

ص: 82

فلئن بقیت لأرحلنّ بغزوة ، تحوی) أی تجمع (الغنائم أو یموت) منصوب بإضمار أن أی إلا أن یموت (کریم) یعنی نفسه انتزع من نفسه کریما مبالغة فی کرمه فإن قیل هذا من قبیل الالتفات من التکلم إلی الغیبة قلنا لا ینافی التجرید علی ما ذکرنا (وقیل : تقدیره أو یموت منی کریم ...

******

ابن مسلمة الحنفی نسبة لبنی حنیفة قبیلة (قوله : فلئن بقیت) أی : حیّا ، وقوله : لأرحلن أی : لأسافرن ، وقوله بغزوة الباء للسببیة أو بمعنی اللام کما هو فی بعض النسخ (قوله : تحوی الغنائم) قال فی المطول : الجملة صفة لغزوة أی : تجمع تلک الغزوة الغنائم أی :یجمع أهل تلک الغزوة الغنائم وأنا منهم : قال العصام : ویحتمل أن ضمیر تحوی للخطاب ، أی تحوی أنت ویکون فیه التفات من التکلم فی قوله : لئن بقیت لأرحلن إلی الخطاب فی قوله : تحوی الغنائم أی : أحوی بها الغنائم ، وأما علی کلام الشارح من أن ضمیر تحوی للغزوة فلا التفات فیه ، والالتفات إنما هو فی أو یموت کریم (قوله : منصوب بإضمار أن) أی : لوقوعه بعد أو التی بمعنی إلا أی : لکن إن مات کریم فلا تحوی الغنائم ، وما ذکره من النصب هو الروایة فی البیت وإلا فیجوز رفعه بالعطف علی تحوی بحذف العائد أی : لأرحلن لغزوة تحوی الغنائم أو یموت فیها کریم ، أی أو یستشهد فیها بالقتل (قوله : یعنی نفسه) أی : أن الشاعر یعنی بالکریم نفسه ؛ أی لأن معنی الکلام کما أفاده السیاق أنی أسافر لغزوة إما أن أجمع فیها الغنائم أو أموت (قوله : من قبیل الالتفات إلخ) أی : وحینئذ فلا یکون من قبیل التجرید لأن الالتفات مبنی علی الاتحاد والتجرید مبنی علی التعدد وهما متنافیان ؛ وذلک لأن المعنی المعبر عنه فی الالتفات بالطریق الأول والثانی واحد ، والمعبر عنه باللفظ الدالّ علی المنتزع منه باللفظ الدالّ علی المنتزع متعدد بحسب الاعتبار ، إذ یقصد أن المجرد شیء آخر غیر المجرد منه (قوله : قلنا : لا ینافی إلخ) أی : قلنا : الالتفات لا ینافی التجرید.

(قوله : علی ما ذکرنا) أی : علی مقتضی ما ذکرنا من تعریف التجرید ، فإنه یقتضی أنه قد یجامعه الالتفات إذ المراد بالاتحاد فی الالتفات الاتحاد فی نفس الأمر لا الاتحاد فیه وفی الاعتبار ، والمراد بالتعدد فی التجرید التعدد بحسب الاعتبار لا فی نفس

ص: 83

.................................................................................................

******

الأمر أیضا حتی ینافی الالتفات ، والحاصل أن ما فی البیت تجرید نظرا للتغایر الادعائی ، والتفات نظرا للاتحاد الواقعی ، وفی بعض الحواشی لیس مراد الشارح بعدم منافاة الالتفات للتجرید أنه یجوز اجتماعهما فی لفظ واحد قصدا بل مراده أن الالتفات لا ینافی احتمال التجرید ، فکما صح فی البیت الالتفات یصح فیه التجرید علی البدلیة لا علی الاجتماع ، وذلک لأن من المواد ما یصلح لقصد التجرید فقط ومنها ما یصلح للالتفات فقط ومنها ما یصلح لهما معا ، فالأول : کما تقدم فی قولهم لی من فلان صدیق حمیم ، إذ لا معنی للالتفات فیه لاتحاد الطرفیین فیه إذ هما معا غیبة ، والثانی : کقوله تعالی (إِنَّا أَعْطَیْناکَ الْکَوْثَرَ. فَصَلِّ لِرَبِّکَ وَانْحَرْ)(1) إذ لا معنی للانتزاع والتجرید فیه بأن یقال انتزع تعالی من ذاته ربا مبالغة فی ربوبیته للنبی - صلی الله علیه وسلم - لأنه یلزم الأمر بالصلاة المرب المنتزع ، والثالث : کالمثال الذی نحن بصدد البحث فیه وهو لئن بقیت لأرحلن بغزوة إلخ ، فإن المتکلم بهذا الکلام یحتمل أنه قصد المبالغة فی وصف نفسه بالکرم حتی انتزع من نفسه کریما آخر فیکون تجریدا ، ویحتمل أنه أراد التنطع فی التعبیر وتحویل الکلام من أسلوب إلی أسلوب آخر جدید فیکون التفاتا ، وأما کون الالتفات والتجرید یجتمعان فی مادة قصدا فلا یصح. - انتهی کلامه ، قال العلامة عبد الحکیم : والصواب أن اجتماعهما واقع فی صورة یکون الأسلوب المنتقل إلیه دالا علی صفة کما فیما نحن فیه ، فهو یعنی قوله کریم التفات من حیث إنه انتقل من التکلم للغیبة ، وتجرید من حیث التعبیر بصیغة الصفة لأجل المبالغة فی الکرم ، ولا یرد ما قیل إن الالتفات یقتضی الاتحاد والتجرید یقتضی التغایر ولو ادعاء ، وبینهما تناف لأنه إنما یلزم ذلک لو کان اعتبار المتنافیین من جهة واحدة بحسب اقتضاء المقام ، وهنا لیس کذلک لما علمت أن الالتفات من حیث إنه انتقل من التکلم للغیبة لأجل تجدید الأسلوب ، والتجرید من حیث التعبیر بصیغة الصفة لأجل المبالغة فی الکرم مثلا اه. وبهذا تعلم أن قول الشارح : قلنا لا ینافی التجرید ، معناه قلنا إن الالتفات لا ینافی التجرید وأنه یجوز اجتماعهما

ص: 84

فیکون من قبیل : لی من فلان صدیق حمیم فلا یکون قسما آخر (وفیه نظر) لحصول التجرید وتمام المعنی بدون هذا التقدیر (ومنها) ما یکون بطریق الکنایة (نحو قوله :

یا خیر من یرکب المطیّ ولا

یشرب کأسا بکفّ من بخلا (1)

******

معا فی مادة قصدا ، والحاصل أن التنافی إنما یأتی لو کان المقام مقتضیا لهما بجهة واحدة وأما اجتماعهما فی مادة کل واحد باعتبار فلا ضرر فیه (قوله : علی ما ذکرنا) فیه أنه لم یتعرض لعدم المنافاة سابقا فالأولی لا ینافی التجرید بالمعنی المذکور ، وقد یجاب بأن المراد علی مقتضی ما ذکرنا من تعریف التجرید کما مر (قوله : فیکون من قبیل لی من فلان صدیق حمیم) أی : فیکون مثله من جهة أن من داخلة علی المنتزع منه فی کل ، وذلک لأن المقدر کالمذکور (قوله : وفیه نظر) أی : وفی هذا القیل نظر (قوله : لحصول التجرید وتمام المعنی بدون هذا التقدیر) أی : ومن المعلوم أن تقدیر شیء زائد فی الکلام إنما یحتاج إلیه عند عدم تمام المعنی بدونه وإنما کان هذا الکلام یفهم منه أن المتکلم جرد من نفسه کریما آخر بلا تقدیر المجرور بمن لأنه عادل بین کونه یحوی الغنائم أو یموت الکریم ، والجاری علی الألسن أن یقال : لا بد لی من الغنیمة أو الموت فیفهم منه أن المراد بالکریم نفسه ، والمدح المستفاد من التعبیر بلفظ الکریم یقتضی المبالغة المصححة للتجرید.

(قوله : ومنها ما یکون بطریق الکنایة) أی : مصحوبا بطریق الکنایة أی : تجرید معه کنایة بأن ینتزع المعنی ثم یعبر عنه بکنایة کما أنه یعبر عنه بصریح (قوله : نحو قوله) أی : قول الشاعر وهو الأعشی (قوله : المطی) جمع مطیة وهی المرکوب من الإبل (قوله : ولا یشرب کأسا بکف من بخلا) أی : بکف من هو موصوف بالبخل ، وحاصله أن ذلک الممدوح وهو المخاطب من أهل الشرب والشأن أن الإنسان یشرب بکف نفسه ، فانتزع الشاعر من ذلک الممدوح شخصا کریما یشرب من کفه الممدوح مبالغة فی کرمه ، فصار الأصل ویشرب بکف کریم ثم عبر عن ذلک المعنی بالکنایة بأن أطلق اسم

ص: 85

أی یشرب الکأس بکف الجواد ؛ انتزع منه جوادا یشرب هو بکفه علی طریق الکنایة لأنه إذا نفی عنه الشرب بکف البخیل فقد أثبت له الشرب بکف کریم ؛ ومعلوم أنه یشرب بکفه فهو ذلک الکریم) وقد خفی هذا علی بعضهم فزعم إن الخطاب أن کان لنفسه فهو تجرید وإلا فلیس من التجرید فی شیء بل کنایة عن کون الممدوح غیر بخیل.

******

الملزوم وهو نفی الشرب بکف البخیل وأرید اللازم وهو الشرب بکف الکریم ، فالتجرید مقدم علی الکنایة قصدا لکن فی توجیه کون الترکیب محتویا علیهما یقدم توجیه الکنایة کما فعل الشارح فقوله : أی یشرب الکأس بکف الجواد إشارة للمعنی الکنائی والکأس إناء مملوء من خمر (قوله : انتزع) أی : الشاعر وقوله منه أی : من المخاطب وقوله : جوادا أی آخر غیر المخاطب الممدوح وقوله : یشرب هو أی الممدوح وقوله : بکفه أی : بکف ذلک الجواد المنتزع.

(قوله : علی طریق الکنایة) أی : وجری فی إفادة هذا المعنی علی طریق الکنایة ، حیث أطلق اسم الملزوم الذی هو نفی الشرب بکف البخیل علی اللازم وهو الشرب بکف الکریم ، ومعلوم أنه یشرب بکف نفسه فیکون المراد بالکریم نفسه ففیه تجرید (قوله : لأنه إذا نفی إلخ) أی : وبیان جریانه علی طریق الکنایة أن المخاطب إذا نفی عنه الشرب بکف البخیل بقوله : ولا یشرب کأسا بکف من بخلا فقد أثبت له الشرب بکف کریم وذلک لأن المخاطب لما تحقق له الشرب فی نفس الأمر لکونه من أهل الشرب ، ولم یکن شربه بکف بخیل فقد کان بکف کریم ، إذ لا واسطة بینهما (قوله : فهو ذلک الکریم) أی : فهو حینئذ ذلک الکریم فی نفس الأمر والحاصل أن الشاعر قد جرد کریما آخر من المخاطب وکنی عن شربه بکفه المستلزم له بنفی الشرب بکف البخیل ، ولا منافاة بین الکنایة وکون المکنی عنه مجردا من غیره فإنه کما یصح التعبیر عن المجرد بالتصریح یصح بالکنایة ، فلو امتنع التعبیر عن المجرد بالکنایة لامتنع بالتصریح (قوله : وقد خفی هذا) أی : کونه انتزع منه جوادا علی طریق الکنایة الذی یفهم منه اجتماع التجرید والکنایة (قوله : علی بعضهم) هو العلامة الخلخالی (قوله : فزعم إلخ)

ص: 86

وأقول : الکنایة لا تنافی التجرید علی ما قررناه ولو کان الخطاب لنفسه لم یکن قسما بنفسه بل داخلا فی قوله.

(ومنها مخاطبة الإنسان نفسه) وبیان التجرید فی ذلک أن ینتزع من نفسه شخصا آخر مثله فی الصفة التی سیق لها الکلام ثم یخاطبه (کقوله :

لا خیل عندک تهدیها ولا مال

فلیسعد النّطق إن لم یسعد الحال (1)

******

حاصله أن الخلخالی زعم أن کلام المصنف فی جعل هذا أی قوله ولا یشرب کأسا بکف من بخلا تجریدا فی الکنایة لا یصح ، لأن الخطاب فی قوله یا خیر من یرکب المطی إن کان لنفسه فهو تجرید ؛ لأنه صیر نفسه أمامه فخاطبها ، وإنما یصیرها کذلک بالتجرید وإذا کان هذا تجریدا فقوله : ولا یشرب کأسا بکف من بخلا کنایة عن الکریم فیکون وصفا للمجرد أولا ولا تجرید فی الکنایة نفسها لأن التجرید وقع أولا والکلام فی کون الکنایة تتضمن تجریدا مستقلا ولم یوجد علی هذا وإن کان الخطاب لغیره کان قوله : ولا یشرب کأسا بکف من بخلا کنایة عن الکریم الذی هو ذلک المخاطب بواسطة دلالته علی أنه یشرب بکف کریم ، مع العلم بأن الکف کفه ولیس من التجرید فی شیء (قوله : وأقول) أی : فی الرد علی ذلک البعض (قوله : الکنایة لا تنافی التجرید) رد لقوله وإلا فلیس إلخ ، وقوله ولو کان الخطاب لنفسه إلخ رد لقوله : إن کان الخطاب لنفسه فهو تجرید ، وحاصل کلام الشارح اختیار أن الخطاب لغیره والتجرید حاصل ، وکونه کنایة لا ینافی التجرید وأن کون الخطاب لنفسه صحیح والتجرید حاصل معه إلا أنه لا یصح حمل کلام المصنف علیه ؛ لأنه لا یکون حینئذ قسما برأسه ، والمصنف جعله قسما برأسه.

(قوله : ومنها مخاطبة الإنسان نفسه) أی : من أقسام التجرید ما تدل علیه مخاطبة الإنسان لنفسه ؛ لأن المخاطبة لیست من أنواع التجرید وإنما تدل علیه ؛ وذلک لأن المخاطب یکون أمام الإنسان ولا یخاطب نفسه حتی یجعلها أمامه ولا یجعلها أمامه حتی یجرد منها شخصا آخر یکون مثله فی الصفة التی سیق لها الکلام لیتمکن من خطابه ، وحینئذ فمخاطبة الإنسان نفسه تستلزم التجرید (قوله : مثله فی الصفة التی سیق إلخ) أی : کفقد المال والخیل فی البیت الآتی (قوله : لا خیل عندک تهدیها ولا مال) أی : لا

ص: 87

أی الغنی انتزع من نفسه شخصا آخر مثله فی فقد الخیل والمال وخاطبه

[المبالغة] :

(ومنه) أی ومن المعنوی (المبالغة المقبولة) لأن المردودة لا تکون من المحسنات وفی هذا إشارة إلی الرد علی من زعم أن المبالغة مقبولة مطلقا وعلی من زعم أنها مردودة مطلقا ...

******

خیل ولا مال عندک تهدیه للمادح فإذا لم یکن عندک شیء من ذلک تواسی به المادح فواسه بحسن النطق.

(قوله : أی الغنی) تفسیر للحال والمعنی فلیعن حسن النطق بالاعتذار بالفقر علی عدم الإهداء إن لم یعن الحال الذی هو الغنی علی الإهداء إلیه لعدم وجدانه ، وعبارة الأطول : المراد بالحال الفقر ، والمعنی : فلیسعد النطق بالاعتذار بالفقر علی عدم الإهداء إن لم یعن الحال الذی هو الفقر علی الإهداء إلیه ، وفیه أن الفقر لا یساعد ولا یعین علی الإهداء ، وإنما الذی یساعد ویعین علیه الغنی الذی هو عادمه فتأمل.

[المبالغة] :

(قوله : المقبولة) أی : وهی الإغراق والتبلیغ وبعض صور الغلو (قوله : لأن المردودة إلخ) علة لمحذوف أی : وقید بالمقبولة ؛ لأن المردودة وهی بعض صور الغلو لا تکون إلخ ؛ لأن الغلو کما سیأتی إن کان معها لفظ یقربها من الصحة أو تضمنت نوعا حسنا من التخییل أو خرجت مخرج الهزل والخلاعة قبلت وإلا ردت (قوله : وفی هذا) أی : التقیید بالمقبولة (قوله : أن المبالغة مقبولة مطلقا) أی : سواء کانت تبلیغا أو إغراقا أو غلوّا ، وذلک لأن حاصلها أن یثبت فی الشیء من القوة أو الضعف ما لیس فیه وخیر الکلام ما بولغ فیه وأعذب الحدیث أکذبه مع إیهام الصحة وظهور المراد ، وحینئذ فتکون من المحسنات مطلقا وإنما قلنا مع إیهام الصحة وظهور المراد ؛ لأن الکذب المحض الذی هو قصد ترویح ظاهره مع فساده لم یقل أحد من العقلاء أنه مستحسن.

(قوله : وعلی من زعم أنها مردودة مطلقا) أی : لأن خیر الکلام ما خرج مخرج الحق وجاء علی منهج الصدق ولا خیر فی کلام أوهم کذبا أو حققه کما یشهد له قول حسان ، - رضی الله عنه (1) :

ص: 88

ثم إنه فسر مطلق المبالغة وبین أقسامها والمقبول منها والمردود فقال (والمبالغة) مطلقا (أن یدعی لوصف بلوغه فی الشدة أو الضعف حدّا مستحیلا أو مستبعدا) وإنما یدعی ذلک (لئلا یظن أنه) أی ذلک الوصف (غیر متناه فیه) أی فی الشدة أو الضعف ...

******

وإنما الشعر لبّ المرء یعرضه

علی المجالس إن کیسا وإن حمقا

فإنّ أشعر بیت أنت قائله

بیت یقال إذا أنشدته صدقا

والذی فیه مبالغة لا صدق فیه فهو لیس من أشعر بیت فهذان قولان مطلقان والمختار أن المبالغة منها مقبولة ومنها مردودة کما أشار إلیه المصنف (قوله : ثم إنه فسر مطلق المبالغة) أی : ولذا أتی بالاسم الظاهر فقال والمبالغة إلخ ولم یأت بالضمیر بحیث یقول وهی لئلا یعود علی المقبولة (قوله : مطلقا) أی : سواء کانت مقبولة أو مردودة (قوله : أن یدعی لوصف) ضمن یدعی معنی یثبت فعداه باللام أی : أن یثبت لوصف بالدعوی له لا بالتحقیق (وقوله : بلوغه) نائب فاعل یدعی أی : أنه بلغ (وقوله فی الشدة إلخ) فی بمعنی من أی : بلغ ووصل من مراتب الشدة أو الضعف حدّا أی : طرفا ومکانا مستحیلا أو مکانا مستبعدا یقرب من المحال والأمثلة المذکورة کلها للشدة ولم یمثل للضعف (قوله : حدّا مستحیلا) أی : عقلا وعادة کما فی الغلو أو عادة لا عقلا کما فی الإغراق (وقوله : أو مستبعدا) أی : بأن کان ممکنا عقلا وعادة إلا أنه مستبعد کما فی التبلیغ (قوله : وإنما یدعی ذلک) أی : بلوغ الوصف لتلک المنزلة لدفع توهم أن ذلک الوصف غیر متناه فیه أی : غیر بالغ فیه النهایة ، بل هو متوسط أو دون المتوسط ، وأتی الشارح بذلک إشارة إلی أن قول المصنف لئلا یظن لیس داخلا فی حد المبالغة ، بل التعریف تم بدونه وأنه بیان للعلة التی تحمل البلیغ علی إیجاد المبالغة ، وبه اندفع ما یقال : إن المبالغة المطلقة لا یشترط فیها ذلک ، واختار العصام فی الأطول : أن هذا التعلیل من جملة الحد ، وأنه احترز بذلک عن دعوی بلوغ الوصف حدّا مستحیلا أو مستبعدا مع الغفلة عن قصد دفع الظن المذکور فلا تکون مبالغة ، والحاصل أن الدعوی المذکورة إن قصد بها دفع الظن المذکور کانت مبالغة ، وإن لم یقصد بها ذلک ، بل غفل عن ذلک القصد فلا تکون مبالغة وهذا محصل کلامه.

ص: 89

وتذکیر الضمیر وإفراده باعتبار عوده إلی أحد الأمرین (وتنحصر) المبالغة (فی التبلیغ والإغراق والغلو) لا بمجرد الاستقراء بل بالدلیل القطعی وذلک (لأن المدعی إن کان ممکنا عقلا وعادة فتبلیغ کقوله (1) : فعادی) یعنی الفرس (عداء) هو الموالاة بین الصیدین بصرع أحدهما علی أثر الآخر فی طلق واحد ...

******

(قوله : وتذکیر الضمیر) أی : فی فیه (قوله : باعتبار عوده إلی أحد الأمرین) أی : فکأنه قال لئلا یظن أنه غیر متناه فی أحد الأمرین والأحد مذکر مفرد ، وظاهر کلامه أنه إذا ذکر متعاطفان بأو یعاد الضمیر علی أحدهما مطلقا وهو ما اقتضاه کلام کثیر ، ونقل السیوطی فی النکت عن ابن هشام أن إفراد الضمیر فی المتعاطفین بأو إذا کانت للإبهام کما تقول جاءنی زید أو عمرو فأکرمته ، إذ معنی الکلام جاءنی أحد هما فأکرمت ذلک الأحد ، فإن کانت للتقسیم عاد الضمیر علیهما معا کما فی قوله تعالی : (إِنْ یَکُنْ غَنِیًّا أَوْ فَقِیراً فَاللهُ أَوْلی بِهِما)(2) فحکمها حکم الواو فی وجوب المطابقة (قوله : فی التبلیغ) هو مأخوذ من قولهم : بلغ الفارس إذا مد یده بالعنان لیزداد الفرس فی الجری (قوله : والإغراق) مأخوذ من قولهم : أغرق الفرس إذا استوفی الحد فی جریه (قوله : والغلو) مأخوذ من قولهم : غلا فی الشیء إذا تجاوز الحد فیه (قوله : لا بمجرد الاستقراء) أی : الخالی عن الدلیل العقلی (وقوله : بل بالدلیل القطعی) أی : مع الاستقراء وفی نسخة العقلی (قوله : وذلک) أی : وبیان ذلک أی : انحصار المبالغة فی الأقسام الثلاثة بالدلیل (فتبلیغ) أی : فدعوی بلوغه ما ذکر تسمی تبلیغا ؛ لأن فیه مجرد الزیادة علی المقدار المتوسط فناسب معناه اللغوی المتقدم (قوله : کقوله) أی : کقول الشاعر ، وهو امرؤ القیس یصف فرسا له بأنه لا یعرق وإن أکثر العدو (قوله : فعادی عداء) أی : وإلی ذلک الفرس یقال وإلی بین الصیدین إذا جرح أحدهما علی أثر الآخر فی طلق واحد أی : إذا

ص: 90

(بین ثور) یعنی الذکر من بقر الوحش (ونعجة) یعنی الأنثی منها (دراکا) أی متتابعا (فلم ینضح بماء فیغسل) مجزوم معطوف علی ینضح أی لم یعرق فلم یغسل ادعی أن فرسه أدرک ثورا ونعجة فی مضمار واحد ولم یعرق وهذا ممکن عقلا وعادة.

(وإن کان ممکنا عقلا وعادة فإغراق ...

******

ألقی أحدهما علی وجه الأرض أثر الآخر فی شوط واحد من غیر أن یتخلله وقفة لراحة ونحوها.

(قوله : بین ثور) متعلق بعادی أی : والی بین ثور ونعجة أی : صرع أحدهما أی : ألقاه علی وجه الأرض علی أثر الآخر فی طلق واحد أی : شوط واحد (قوله : دراکا) بکسر الدال علی وزن کتاب قال سم والظاهر أنه تأکید لقوله عداء ؛ لأن معنی التتابع یفهم من الموالاة خصوصا مع اعتبار الکون علی الأثر فیها وذکر بعض شراح دیوان امرئ القیس أنه لم یرد الموالاة بین ثور ونعجة فقط ، وإنما أراد التکثیر من النعاج والثیران ، والدلیل علی ذلک قوله : دراکا ، ولو أراد ثورا ونعجة فقط لاستغنی بقوله : فعادی عداء ، وإنما یرید أن الموالاة بین الصیدین أتبع بعضها بعضا فیفید أنه قتل الکثیر فی طلق واحد ، وحینئذ فهو غیر تأکید لقوله عداء - تأمل.

(قوله : فلم ینضح) أی : لم یرشح ذلک الفرس الذی عادی بین الصیدین بخروج ماء أی : عرق ، واعلم أن نضح إن کان بمعنی رشّ کان من باب ضرب ، وإن کان بمعنی رشح کما هنا کان من باب قطع (قوله : فیغسل) یحتمل أنه أراد بالغسل المنفی غسل العرق ویکون تأکیدا لنفی العرق ، ویحتمل أنه أراد به الغسل بالماء القراح ، أی : لم یصبه وسخ العرق وأثره حتی یحتاج للغسل بالماء القراح (قوله : ادعی أن فرسه أدرک ثورا ونعجة) أی : أو أثوارا ونعاجا علی الاحتمالین السابقین فی قوله دراکا (قوله : فی مضمار) أی : فی شوط (قوله : وهذا) أی : ما ادعاه ممکن عقلا وعادة أی وإن کان وجود تلک الحالة فی الفرس فی غایة الندور عادة (قوله : وإن کان) أی : المدعی وهو بلوغ الوصف إلی النهایة شدة أو ضعفا (قوله : فإغراق) أی : فدعوی بلوغه إلی حیث

ص: 91

کقوله (1) ونکرم جارنا مادام فینا ، ونتبعه) من الأتباع أی نرسل (الکرامة) علی أثره (حیث مالا) أی سار وهذا ممکن عقلا لا عادة بل فی زماننا یکاد یلحق بالممتنع عقلا إذ کل ممکن عادة ممکن عقلا (وهما) أی التبلیغ والإغراق (مقبولان وإلا) ...

******

یستحیل بالعادة تسمی إغراقا ؛ لأن الوصف بلغ إلی حد الاستغراق ، حیث خرج عن المعتاد فناسب معناه اللغوی المتقدم (قوله : کقوله) أی : الشاعر وهو عمرو بن الأیهم التغلبی (قوله : مادام فینا) أی : مادام مقیما فینا أی معنا وفی مکاننا (قوله : حیث مالا) أی : حیث رحل عنا وسکن مع غیرنا ، واتباع الکرامة له إرسالها إلیه وبعثها فی إثره ، فقد ادعی الشاعر أنهم یکرمون الجار فی حالة کونه مقیما عندهم وفی حالة کونه مع غیرهم وارتحاله عنهم ، فالوصف المبالغ فیه کرمهم ولا شک أن إکرام الجار فی حالة کونه مع الغیر وارتحاله عنهم محال عادة ، حتی إنه یکاد أن یلتحق بالمحال عقلا فی هذا الزمان ، لانطباع النفوس علی الشح وعدم مراعاة غیر المکافأة.

واعلم أن هذا البیت إنما یصلح مثالا للإغراق إذا حمل قوله ونتبعه الکرامة ، حیث مال علی أن المراد إرسال الإحسان إلیه الدافع لحاجته وحاجة عیاله بعد ارتحاله عنهم وکونه مع الغیر ، وأما إن حمل علی أن المراد إعطاء الجار الزاد عند ارتحاله وسفره إلی أی جهة فلا یصلح مثالا ، لأن هذا لا یستحیل عادة إذ هذا شائع عند الأسخیاء وأصحاب المروآت.

(قوله : وهما مقبولان) أی : لعدم ظهور الکذب فیهما الموجب للرد ، واعلم أن ما ذکره من المقبول والمردود إنما هو بالنظر إلی البدیع واعتبارات الشعر ، وأما بالنظر للبیان فالکل مقبول ، لأنها لیست جاریة علی معانیها الحقیقیة بل کنایات أو مجازات بالنظر للمواد والأمثلة فقوله تعالی (یَکادُ زَیْتُها یُضِیءُ)(2) مجاز مرکب عن کثرة صفائه ونوره ، وقوله : عقدت سنابکها البیت مجاز عن کثرة الغبار فوق رؤس الجیاد ،

ص: 92

أی وإن لم یکن ممکنا لا عقلا ولا عادة لامتناع أن یکون ممکنا عادة ممتنعا عقلا إذ کل ممکن عادة ممکن عقلا ولا ینعکس (فغلو کقوله (1) وأخفت أهل الشرک حتّی إنّه)

******

وقوله یخیل لی البیت مجاز عن طول سهره وکثرة نظره إلی الکواکب (قوله : أی وإن لم یکن ممکنا لا عقلا ولا عادة) هذا نفی للقسم الأول ، أعنی قوله : وإن کان ممکنا عقلا وعادة وترک نفی القسم الثانی أعنی قوله : وإن کان ممکنا عقلا لا عادة بأن یقول أی وإن لم یکن ممکنا لا عقلا ولا عادة أو عادة لا عقلا ، لأنه لا یتصور أن یکون شیء ممکنا عادة ممتنعا عقلا کما أشار له الشارح بقوله لامتناع إلخ ، فهو علة لمحذوف أی وترک نفی القسم الثانی لامتناع إلخ ، أو أنه علة لاقتصار فی تفسیر وإلا علی ما ذکره فیه (قوله : إذ کل ممکن عادة ممکن عقلا) أی : لأن الإمکان العادی أن یکون الإمکان بحکم الوقوع فی أکثر الأوقات أو دائما (قوله : ولا ینعکس) أی عکسا کلیا فلیس کل ممکن عقلا ممکنا عادة ؛ لأن دائرة العقل أوسع من العادة.

(قوله : فغلو) أی : فهو غلو أی أن ادعاء بلوغ الشیء إلی کونه غیر ممکن عقلا وعادة یسمی بالغلو ، لتجاوزه حد الاستحالة العادیة إلی الاستحالة العقلیة فناسب معناه اللغوی المتقدم.

(قوله : کقوله) أی : الشاعر وهو أبو نواس وهو الحسن بن هانئ ، لقب بأبی نواس لأنه کان له عذبتان تنوسان أی تتحرکان علی عاتقیه ، وهذا البیت من قصیدة له فی مدح هارون الرشید بأنه أخاف الکفار جمیعا من وجد منهم ومن لم یوجد ، وإنما مثل بهذا البیت ولم یکتف بأمثلة الأقسام الآتیة لأنه مثال للمبالغة المردودة ، حیث لم یدخل علیها ما یقربها إلی الصحة ، ولم تتضمن تخییلا حسنا ، ویمکن أن یرید الشاعر إنه لتخافک النطف التی لم تخلق ، فلم تخرج من خوفک إلی ساحة الوجود فیتضمن تخییلا حسنا أ. ه أطول.

(قوله : وأخفت أهل الشرک) أی : أدخلت فی قلوبهم الخوف والرعب ببطشک وهیبتک (قوله : حتی إنه) بکسر همزة إن لدخول اللام فی خبرها وحینئذ فهی ابتدائیة

ص: 93

الضمیر للشأن (لتخافک النّطف الّتی لم تخلق) فإن خوف النطفة الغیر المخلوقة ممتنع عقلا وعادة (والمقبول منه) أی من الغلو (أصناف منها ما أدخل علیه ما یقر به إلی الصحة نحو) لفظة (یکاد فی قوله تعالی : (یَکادُ زَیْتُها یُضِیءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ)(1).

******

(قوله : النطف) جمع نطفة وهی الماء الذی یتخلق منه الإنسان وقوله (التی لم تخلق) أی : لم یخلق منها الإنسان بعد ، أو لم تخلق هی بنفسها أی لم توجد ، فقد بالغ فی أخافته أهل الشرک حیث صیره تخافه النطف التی لم توجد ، ومعلوم أن خوف النطف محال ؛ لأن شرط الخوف عقلا الحیاة فیستحیل الخوف من الموجود الموصوف بعدمها فضلا عن خوف المعدوم ، فهذه المبالغة غلو مردود لعدم اشتماله علی شیء من موجبات القبول الآتیة.

(قوله : منها ما أدخل علیه ما یقر به إلی الصحة) أی : من تلک الأصناف صنف أدخل علیه لفظ یقرب الأمر الذی وقع فیه الغلو إلی الصحة ، أی : إلی مکان وقوعه (قوله : نحو لفظة یکاد) أی : ولفظة لو ولو لا وحرف التشبیه (قوله : (یَکادُ زَیْتُها یُضِیءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ)) المبالغ فیه إضاءة الزیت کإضاءة المصباح من غیر نار ، ولا شک أن إضاءة الزیت إضاءة کإضاءة المصباح بلا نار محال عقلا وعادة ، فلو قیل فی غیر القرآن هذا الزیت یضیء کإضاءة المصباح بلا نار لرد ، وحیث قیل یکاد یضیء أفاد أن المحال لم یقع ولکن قرب من الوقوع مبالغة ، لأن المعنی یقرب زیتها من الإضاءة والحال أنه لم تمسسه نار ، ومعنی قرب المحال من الوقوع توهم وجود أسباب الوقوع ، وقرب المحال من الوقوع ، قریب من الصحة ، إذ قد تکثر أسباب الوهم المتخیل بها وقوعه ولو کان لا یقع ، قیل : إن المصنف لما مثل بالآیة کان ینبغی له أن یقول : منها ما أدخل علیه ما یخرجه عن الامتناع بدل قوله ما یقربه إلی الصحة تأدبا ؛ إذ صحة کلام الله مزید علیها فکیف یقال فیه ما یقربه إلی الصحة ثم إن ما ذکر من کون إضاءة الزیت کإضاءة المصباح بلا نار محالا عقلا غیر ظاهر ، لصحة اتصاف کل جسم بما اتصف به الآخر

ص: 94

ومنها ما تضمن نوعا حسنا من التخییل کقوله (1) عقدت سنابکها) أی حوافر الجیاد (علیها) یعنی فوق رءوسها (عثیرا) بکسر العین أی غبارا ...

******

ولصلاحیة قدرة المولی لذلک ، اللهم إلا أن یراد بالاستحالة العقلیة الاستحالة فی عقول العامة تأمل.

(قوله : ومنها ما تضمن نوعا حسنا من التخییل) أی : ومن أصناف الغلو المقبولة الصنف الذی تضمن نوعا حسنا من تخییل الصحة وتوهمها ، لکون ما اشتمل علی الغلو یسبق إلی الوهم إمکانه لشهود شیء یغالط الوهم فیه فیتبادر صحته ، کما یذاق من المثال ، وقید المصنف بقوله حسنا إشارة إلی أن تخییل الصحة لا یکفی وحده ، إذ لا یخلو عنه محال حتی إخافة النطف فیما تقدم ، وإنما المعتبر ما یحسن لصحة مغالطة الوهم فیه ، بخلاف ما یبدو انتفاؤه للوهم بأدنی التفات کما فی إخافة النطف ، فلیس التخییل فیه علی تقدیر وجوده فیه حسنا فلا یقبل لعدم حسنه ، أ. ه. یعقوبی.

(قوله : کقوله) أی : الشاعر وهو أبو الطیب المتنبی (قوله : سنابکها) جمع سنبک وهو طرف مقدم الحافر ، فقول الشارح أی حوافر الجیاد أی أطراف مقدم حوافر الخیل الجیاد (قوله : عثیرا) مفعول عقدت (وقوله بکسر العین) أی وسکون الثاء المثلثة وفتح الیاء المثناة من تحت وتمام البیت کما یأتی.

...

لو تبتغی عنقا علیه لأمکنا

أی لو ترید تلک الجیاد سیرا مسرعا علی ذلک العثیر لأمکن ذلک العنق أی السیر ، ادعی أن الغبار المرتفع من سنابک الخیل قد اجتمع فوق رءوسها متراکما متکاثفا ، بحیث صار أرضا یمکن أن تسیر علیه الجیاد ، وهذا ممتنع عقلا وعادة لکنه یخیل للوهم تخییلا حسنا من ادعاء کثرته وکونه کالأرض التی فی الهواء صحته فلا یحیله حتی یلتفت إلی القواعد فصار مقبولا ، ولقائل أن یقول إن الاستحالة هنا إنما هی عادیة لإمکان مشی الخیل وعنقها فی الهواء والریح ، فضلا عما إذا وجد جسم آخر معه کالغبار ، وأجیب بما تقدم من أن المراد بالاستحالة العقلیة الاستحالة ولو فی عقول العامة فتأمل.

ص: 95

ومن لطائف العلامة فی شرح المفتاح : العثیر الغبار ولا تفتح فیه العین وألطف من ذلک ما سمعت أن بعض البغالین کان یسوق بغلته فی سوق بغداد وکان بعض عدول دار القضاء حاضرا فضرطت البغلة فقال البغال علی ما هو دأبهم بلحیة العدل بکسر العین یعنی أحد شقی الوقر فقال بعض الظرفاء علی الفور افتح العین فإن المولی حاضر ومن هذا القبیل ما وقع لی فی قصیدة :

******

(قوله : ومن لطائف العلامة) أی الشیرازی لما فی ذلک من التوریة لأن قوله ولا تفتح فیه العین له معنیان قریب وهو النهی عن فتح العین الجارحة فی الغبار لئلا یؤذیها بدخوله فیها ولیس هذا مرادا ، وبعید وهو النهی عن فتح العین فی هذا اللفظ أی لفظ عثیر ، لئلا یلزم تحریف اللفظ عن وضعه وهو المراد ؛ لأن قصده ضبط الکلمة ، ویحتمل أن المراد لما فی ذلک من التوجیه وهو احتمال الکلام لمعنیین لیس أحدهما أقرب من الآخر بناء علی استواء المعنیین هنا (قوله : وألطف من ذلک) أی : مما ذکره العلامة (قوله : البغالین) أی : الذین یسوقون البغال (قوله : فضرطت البغلة) أی أخرجت ریحا من جوفها بصوت. (قوله : فقال البغال) أی : علی عادة أمثاله عند فعل البغلة ذلک. (قوله : بلحیة العدل) أی : ما فعلت یقع فی لحیة العدل لا فی وجه السائق ، وفیه تشبیه العدل برجل ذی لحیة علی طریق المکنیة (قوله : یعنی) أی بلحیة العدل (قوله : الوقر) أی الحمل بکسر أولهما (قوله : الظرفاء) أی الحذاق (قوله : افتح العین فإن المولی حاضر) هذا الکلام یحتمل معنیین فیحتمل افتح عینک تری المولی أی من هو أولی وأحق أن یقع ذلک فی لحیته وهو الشاهد حاضرا ، ویحتمل افتح عین لفظ العدل لتصیب الضرطة مسمی هذا اللفظ فإنه حاضر ، فإن کان المعنی المراد منهما خفیا کان توریة ، وإن کان المعنیان لیس أحدهما خفیا عن الآخر کان توجیها ، وهو أقرب هنا لصلاحیة کل من المعنیین ، فهذه الحکایة محتملة للتوریة والتوجیه ، کما أن ما ذکره العلامة کذلک إلا أن هذه الحکایة ألطف مما ذکره العلامة لما فیها من التفطن الغریب والهجو بوجه لطیف.

(قوله : ومن هذا القبیل) أی : احتمال التوریة والتوجیه فی مادة فتح العین (قوله : ما وقع لی فی قصیدة) أی : فی مدح ملک وهو السلطان أبو الحسین محمد کرت ،

ص: 96

علا فأصبح یدعوه الوری ملکا

وریثما فتحوا عینا غدا ملکا

ومما یناسب هذا المقام أن بعض أصحابی ممن الغالب علی لهجتهم إمالة الحرکات نحو الفتحة أتانی بکتاب فقلت لمن هو فقال لمولانا عمر بفتح العین فضحک الحاضرون فنظر إلی کالمتعرف عن سبب ضحکهم المسترشد لطریق الصواب فرمزت إلیه بغض الجفن ...

******

وقد ذکر منها فی أول المطول سبعة أبیات (قوله : علا) (1) أی : ارتفع (وقوله : یدعوه الوری) أی الخلق (وقوله : ملکا) أی سلطانا. (قوله وریثما فتحوا عینا غدا ملکا) أی : فقوله فتحوا عینا یحتمل فتحوا عین لفظ ملک أی وسطه فغدا بسبب الفتح ملکا فیکون معناه کذلک ، ویحتمل أن یراد فتحوا أعینهم فیه ونظروه فوجدوه قد تبدل وصار ملکا ، فیتجه فیه التوجیه أو التوریة علی ما تقدم ، والریث مصدر راث إذا أبطأ یستعمل کثیرا بمعنی الزمان لإشعار البطء بالزمان ، ویضاف للجمل نائبا عن الزمان فیقال اجلس ریث أنا أکلمک بکلمتین أی : اجلس زمانا مقداره ما أکلمک فیه کلمتین ، والتقدیر هنا أنه غدا ملکا فی الزمان الذی مقداره ما یفتحون فیه العین ، کذا قال الیعقوبی وهو راجع لقول بعضهم أن ریثما بمعنی حیثما.

(قوله : ومما یناسب هذا المقام) أی : من جهة أن ضم العین فیه إشارة لمعنی خفی وإن کانت الإشارة بغیر اللفظ ، ولیس فیه توریة ولا توجیه ولذا قال ومما یناسب ولم یقل ومنه (قوله : علی لهجتهم) أی : لغتهم وکلامهم أی : من قوم الغالب علیهم أنهم یمیلون فی لهجتهم وکلامهم بالضم نحو الفتح (قوله : فقلت لمن هو) أی ممن هو (قوله : فقال) أی : ذلک الآتی بالکتاب لمولانا عمر بفتح العین وهو یعنی عمر بضمها (قوله : فنظر إلی) أی : فنظر ذلک القائل إلی وقوله کالمتعرف أی : الطالب لمعرفة سبب ضحکهم لأنه خفی علیه ، (قوله : المسترشد لطریق الصواب) أی : الطالب لطریق الصواب الذی ینفی عنه سبب ضحکهم ، ومعلوم أن نفی السبب بعد إدراکه فأشار له الشارح بضم عینه حسا ، ففهم ذلک القائل أن سبب ضحکهم فتحه لعین عمر وأنه

ص: 97

وضم العین فتفطن للمقصود واستظرف ذلک الحاضرون (لو تبتغی) أی تلک الجیاد (عنقا) هو نوع من السیر (علیه) أی علی ذلک العثیر (لأمکنا) أی العنق ادعی تراکم الغبار المرتفع من سنابک الخیل فوق رؤوسها بحیث صار أرضا یمکن سیرها علیه وهذا ممتنع عقلا وعادة لکنه تخییل حسن (وقد اجتمعا) أی إدخال ما یقربه إلی الصحة وتضمن التخییل الحسن (فی قوله :

یخیّل لی أن سمّر الشّهب فی الدّجی

وشدّت بأهدا بی إلیهنّ أجفانی (1)

******

ینبغی له ضم عینه (قوله : وضم العین) تفسیر لما قبله (قوله : فتفطن للمقصود) أی : وهو ضم عین عمر (قوله : واستظرف ذلک الحاضرون) أی : اعترفوا بطرافة المشیر أی : حذقه وفهم المشار إلیه.

(قوله : هو نوع من السیر) أی : وهو السیر السریع (قوله : هذا) أی : مشی الخیل علی الغبار (قوله : لکنه تخییل حسن) أی : نشأ من ادعاء کثرته وکونه کالأرض التی فی الهواء.

(قوله : وقد اجتمعا) أی : السببان الموجبان للقبول ، وهما إدخال ما یقرب للصحة ، وتضمن النوع الحسن من التخییل ، وإذا اجتمع السببان المذکوران فی الغلو ازداد قبوله (قوله : ما یقربه إلی الصحة) أی : کلفظ یخیل (قوله : فی قوله) أی : الشاعر وهو القاضی الأرجانی بفتح الراء مشددة بعد همزة مفتوحة نسبة لأرجان بلدة من بلاد فارس (قوله : یخیل لی) أی : یوقع فی خیالی وفی وهمی ، من طول اللیل وکثرة سهری فیه أن الشهب وهی النجوم سمرت أی أحکمت بالمسامیر فی الدجی أی ظلمة اللیل (قوله : وشدت) أی : ویخیل لی مع ذلک أن شدت أی : ربطت أجفانی بأهدابی حال کونها مائلة إلیهن أی : إلی الشهب ، أی ویخیل لی أن أجفانی مربوطة فی الشهب بأهدابی ، ادعی الشاعر أن طول اللیل وصل لحالة هی أن الشهب أحکمت بالمسامیر فی دیاجیه ، وأن کثرة سهره فیه وصلت لحالة هی أن أجفانه صارت مشدودة بأهدابه فی الشهب ، ومن المعلوم أن إحکام الشهب بالمسامیر فی الدجی وشد أجفانه بأهداب عینه محال ، لکن

ص: 98

أی یوقع فی خیالی أن الشهب محکمة بالمسامیر لا تزول عن کأنها وأن أجفان عینی قد شدت بأهدابها إلی الشهب لطول ذلک اللیل وغایة سهری فیه وهذا تخییل حسن ولفظ یخیل یزیده حسنا (ومنها ما أخرج مخرج الهزل والخلاعة ...

******

قد تضمن ذلک الغلو تخییلا حسنا ، إذ یسبق إلی الوهم صحته من جهة أن هذا المحسوس تقع المغالطة فیه ، وذلک أن النجوم لما بدت من جانب الظلمة ولم یظهر غیرها صارت النجوم کالدر المرصع به بساط أسود ، فیسبق إلی الوهم من تخییل المشابهة قبل الالتفات إلی دلیل استحالة شد النجوم بالمسامع فی الظلمة صحة ذلک ، ولما ادعی أنه ملازم للسهر وأنه لا یفتر عن رؤیة النجوم فی الظلمة فصارت عینه کأنها لا تطرف ، نزلت أهدابه مع الأجفان بمنزله حبل مع شیء شد به بجامع التعلق وعدم التزلزل ، فیسبق إلی الوهم من تخییل المشابهة بما ذکر صحة ذلک أیضا ، ولما تضمن الغلو الموجود فی البیت هذا التخییل الذی قرب المحال من الصحة ، کان ذلک الغلو مقبولا وزاد ذلک قبولا تصریحه بأن ذلک علی وجه التخییل لا علی سبیل الحقیقة ، وتخییل المحال واقعا بمنزلة قربه من الصحة ، لکون ذلک فی الغالب ناشئا عن تخییل الأسباب والحاصل أن التخییل موجود فی نفسه ولفظ یخیل لی یقرب من الصحة ، فقد اجتمع فی الغلو فی هذا البیت السببان الموجبان لقبوله (قوله : محکمة بالمسامیر) أی : فی ظلم اللیل وهذا محال ؛ لأن الظلمة عرض والنجوم أجرام ، لکن المتکلم لما رأی : أجراما بیضا کالجواهر مسمرة فی جرم أسود کبساط تخیل الوهم أن النجوم فی الظلمة کذلک قبل الالتفات إلی استحالة ذلک (قوله : قد شدت بأهدابها إلخ) أی : وشد الأجفان بأهدابها فی النجوم مستحیل ، لکن لما رأی المتکلم أجراما معلقة بأحبال فی أجرام تخیل الوهم أن الأجفان مع الأهداب کذلک (قوله : حسن) أی : یدرک حسنه الذوق.

(قوله : ومنها) أی : من أصناف الغلو المقبول (قوله : ما أخرج مخرج الهزل) أی : الصنف الذی أخرج علی سبیل الهزل وهو الکلام الذی لا یراد به إلا المطایبة والضحک ولیس فیه غرض صحیح ، وأما الخلاعة فهی عدم المبالاة بما یقول القائل لعدم المانع الذی

ص: 99

کقوله :

أسکر بالأمس إن عزمت علی

الشّرب غدا إن ذا من العجب

وهو إیراد حجة للمطلوب علی طریقة أهل الکلام) وهو أن تکون بعد تسلیم المقدمات مستلزمه للمطلوب (نحو (لَوْ کانَ فِیهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا)) (1) واللازم وهو فساد السموات والأرض باطل ؛ لأن المراد به خروجهما عن النظام الذی هما علیه فکذا الملزوم وهو تعدد الآلهة وهذه الملازمة من المشهورات الصادقة التی یکتفی بها ...

******

وحاصله أن المحسن هو کون الدلیل علی طریق أهل الکلام بأن یؤتی به علی صورة قیاس استثنائی أو اقترانی یکون بعد تسلیم مقدماته مستلزما للمطلوب ، وأما إیراد حجة ودلیل للمطلوب لا علی طریقة أهل الکلام فلیس محسنا ، لکن الذی ذکره العلامة الیعقوبی أن المراد بکون الحجة علی طریقة أهل الکلام صحة أخذ المقدمات من المأتی به علی صورة الدلیل الاقترانی أو الاستثنائی لا وجود تلک الصورة بالفعل ، بل صحة وجودها من قوة الکلام فی الجملة کافیة کما یؤخذ من الأمثلة انتهی (قوله : وهو) أی : کونها علی طریقة أهل الکلام (وقوله : أن تکون) بالتاء المثناة فوق أی : الحجة بعد تسلیم مقدماتها ، وفی بعض النسخ أن یکون بالیاء التحتیة والتذکیر باعتبار کون الحجة بمعنی الدلیل والبرهان (قوله : مستلزمه للمطلوب) أی : استلزاما عقلیّا أو عادیّا والاستلزام العقلی غیر مشترط هنا (قوله : بعد تسلیم المقدمات) أی : الموجودة بالفعل علی صورة القیاس أو المأخوذة من الکلام المأتی به (قوله : (لَوْ کانَ فِیهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا)) أی : لو کان فی السماء والأرض آلهة غیر الله لفسدتا وهذا إشارة لقیاس استثنائی ذکر شرطیته وحذف منه الاستثنائیة والمطلوب لظهورهما أی : لکن وجود الفساد باطل بالمشاهدة فبطل الملزوم وهو تعدد الإله ، وقد أشار الشارح لذلک بقوله واللازم أی : لوجود آلهة غیر الله باطل فکذا الملزوم (قوله : لأن المراد به) أی : بفسادهما (وقوله : خروجهما عن النظام) أی : وهذا النظام محقق مشاهد (وقوله : فکذا الملزوم) أی : باطل.

(قوله : وهذه الملازمة) أی : ملازمة الفساد لتعدد الآلهة من الأمور المشهورة الصادقة بحسب العرف فقد تقرر فی عرف الناس أن المملکة إذا کان فیها ملکان لم تستمر ، بل تفسد.

ص: 101

فی الخطابیات دون القطعیات المعتبرة فی البرهانیات (وقوله (1) حلفت فلم أترک لنفسک ریبة) أی شکا (ولیس وراء الله للمرء مطلب) فکیف یحلف به کاذبا (لئن کنت) ...

******

وقد استمر هذا النظام العجیب طویلا ولم یحصل فیه فساد ، فدل ذلک علی عدم التعدد (قوله : فی الخطابیات) أی : فی الأمور الخطابیة المفیدة للظن وبالجملة فالملازمة فی الشرط عادیة والدلیل إقناعی لحصوله بالمقدمات المشهورة (قوله : دون القطعیات المعتبرة فی البرهانیات) أی : الأدلة المفیدة للیقین ؛ لأن تعدد الآلهة لیس قطعی الاستلزام للفساد لجواز عدم الفساد مع تعدد الآلهة بأن یتفقوا ، والحاصل أن الدلیل إقناعی لا برهانی وهذا بناء علی ما قاله الشارح من أن المراد بالفساد اللازم لتعدد الآلهة الخروج عن هذا النظام المشاهد ، وأما لو أرید به عدم السکون أی : عدم الوجود من أصله کانت الملازمة قطعیة وکان الدلیل برهانیّا ؛ وذلک لأنه لو تعدد الإله لجاز اختلافهما ولو توافقا بالفعل ، وجواز الاختلاف یلزمه جواز التمانع ، وجواز التمانع یلزمه عجز الإله ، وعجز الإله یلزمه عدم وجود السماء والأرض ، لکن عدم وجودهما باطل بالمشاهدة ، فما استلزمه من تعدد الإله باطل (قوله : وقوله) أی : قول النابغة الذبیانی من قصیدة یعتذر فیها إلی النعمان بن المنذر ملک العرب بسبب تغیظ النعمان علیه بمدحه آل جفنة وهم قوم أصلهم من الیمن فارتحلوا منها ونزلوا بالشام وکان بینهم وبین النعمان عداوة (قوله : حلفت) أی : حلفت لک بالله ما أبغضتک ولا احتقرتک ولا عرضت عند مدحی آل جفنة بذمک (وقوله : فلم أترک لنفسک ریبة) أی : فلم أبق عندک بسبب ذلک الیمین شکّا فی أنی لست لک بمبغض ولا عدو ، والریبة فی الأصل : الأمر الذی یریب الإنسان أی : یقلقه أرید بها هنا الشک کما قلنا ، وقال فی الأطول : المعنی حلفت أنی باق علی محبتی وإخلاصی لک الذی کنت علیه ، فلم أترک بسبب هذا الیمین نفسک تتهمنی بأنی غیرت إخلاصی لک وأبدلتک بغیرک (قوله : ولیس وراء الله للمرء مطلب) أی : أنه لا ینبغی للمحلوف له بالله العظیم أن یطلب ما یتحقق

ص: 102

اللام لتوطئة القسم (قد بلّغت عنّی خیانة ، لمبلغک) اللام جواب القسم (الواشی أغشّ) من غش إذا خان (وأکذب ولکنّنی کنت امرءا لی جانب ، من الأرض فیه) أی فی ذلک الجانب (مستراد) أی موضع طلب الرزق من راد الکلأ (ومذهب) أی موضع ذهاب للحاجات (ملوک) أی فی ذلک الجانب ملوک (وإخوان ....

******

به الصدق سوی الیمین بالله ، إذ لیس وراء الله أعظم منه یطلب الصدق بالحلف به ؛ لأنه أعظم من کل شیء فلا یکون الحالف به کاذبا فالیمین به کاف عن کل یمین (قوله : اللام لتوطئة القسم) بمعنی أنها دالة علی القسم المحذوف کما تدل التوطئة علی الموطأ له (قوله : خیانة) أی : غشا وعداوة وبغضا أو أنی رجحت علیک آل جفنة (قوله : اللام جواب القسم) أی : دالة علی أن المذکور بعدها جواب القسم لا جزاء الشرط ، إذ هو محذوف دل علیه جواب القسم أی : والله لمبلغک تلک الخیانة أغش أی : من کل غاش وأکذب من کل کاذب ، فالمفضل علیه محذوف (قوله : ولکننی إلخ) هذا شروع فی بیان السبب لمدحه آل جفنة لیکون ذلک ذریعة لنفی اللوم عنه أی : ما کنت امرأ قصدت بمدحی آل جفنة التعریض بنقصک ولکننی کنت امرأ إلخ ، فهو استدراک علی محذوف (قوله : لی جانب من الأرض) أی : لی جهة مخصوصة من الأرض لا یشارکنی فیها غیری من الشعراء ، وأراد بذلک الجانب من الأرض الشام (قوله : أی موضع طلب الرزق) هذا بیان للمستراد فی الأصل ، ولکن المراد منه هنا مجرد طلب الرزق کما أن المراد بالمذهب هنا المذهب لقضاء الحاجات ذا لمعنی فی ذلک الجانب یذهب لطلب الحاجات والأرزاق لکون ذلک الجانب مظنة الغنی والوجدان (قوله : من راد الکلأ) بالقصر أی : طلبه والکلأ الحشیش (قوله : أی فی ذلک الجانب ملوک) أشار الشارح بهذا إلی أن الملوک مبتدأ حذف خبره ، لأن من المعلوم أن الرزق لیس من ذات المکان بل من ساکنیه ، وهذه الجملة مستأنفة جواب لسؤال مقدر ، فکأنه قیل من فی ذلک الجانب الذی تطلب الرزق منه فقال فیه ملوک هذا ، ویحتمل أن یکون ملوک بدلا من جانب بتقدیر المضاف أی : مکان ملوک أو أنه بدل من مستراد ویکون باقیا علی حقیقته ، وعلی کل من الاحتمالات الثلاثة فقد فهم المقصود وهو أن طلب الرزق من هؤلاء الملوک (قوله : وإخوان)

ص: 103

إذا ما مدحتهم ، أحکّم فی أموالهم) أتصرف فیها کیف شئت (وأقرّب) عندهم وأصیر رفیع المرتبة (کفعلک) أی کما تفعله أنت (فی قوم أراک اصطفیتهم ، وأحسنت إلیهم (فلم ترهم فی مدحهم لک أذنبوا) أی لا تعاتبنی علی مدح آل جفنة المحسنین إلی والمنعمین علی کما لا تعاتب قوما ...

******

هذا إشارة إلی مدح هؤلاء الملوک بالتواضع أی : فی ذلک المکان ملوک لاتصافهم برفعة الملک وإخوان بالتواضع أی : أنهم مع اتصافهم برفعة الملک یصیرون الناس إخوانا لهم ویعاملونهم معاملة الإخوان بسبب تواضعهم ، فاندفع بذلک التقریر ما یقال : إن وصفهم بالأخوة ینافی وصفهم بالملوک للعلم بأن المادح لیس بملک مثلهم فکونهم ملوکا لا یناسب کونهم اخوانا للمادح (قوله : إذا ما مدحتهم) ما زائدة ، وقوله أحکم : بضم الهمزة وتشدید الکاف أی : أجعل حاکما فی أموالهم ومتصرفا فیها بما شئت أخذا وترکا ، وقوله وأقرب أی : بالتوقیر والتعظیم والإعطاء (قوله : کفعلک أی : کما تفعله أنت فی قوم أراک اصطفیتهم) أی : اخترتهم لإحسانک ، (وقوله : فلم ترهم فی مدحهم لک أذنبوا) أی : فلم تعدهم مذنبین فی مدحهم إیاک ، وأورد العلامة یس علی ما ذکر من الاستدلال ما حاصله أن قوله اصطفیتهم فلم ترهم فی مدحهم لک أذنبوا : یقتضی أنه قدم الإحسان لمادحیه ، وقوله إذا ما مدحتهم أحکم فی أموالهم : یقتضی تقدم المدح علی الإحسان ولا یلزم من تسلیم کون المدح المترتب علی الإحسان أنه لا ذنب فیه تسلیم أن المدح ابتداء لأجل التوصل للإحسان لا ذنب فیه ، إذ یصح أن یعاتب علی الابتداء بالمدح ولا یعاتب علی کونه مکافأة وحینئذ فلم یتم الاستدلال فلو قال الشاعر ملوک حکمونی فی أموالهم فمدحتهم کفعلک فی قوم إلخ لکان أحسن ، وأجیب بأن المراد بقوله کفعلک فی قوم إلخ أنک اصطفیتهم بسبب مدحهم إیاک ، وأحسنت إلیهم بسبب المدح فمدحهم له صدر أولا قبل إحسانه لهم ، وقوله فلم ترهم فی مدحهم لک أذنبوا أی : فلم تعدهم مذنبین فی مدحهم لک ، إذ لو کان مدحهم لک ذنبا لما کافأت علیه بالإحسان إلیهم ، وحینئذ فمدح القوم للمخاطب سابق علی إحسانه کما أن مدح الشاعر لهؤلاء الملوک سابق علی إحسانهم ، وقد سلم المخاطب أن مدح القوم للمخاطب

ص: 104

أحسنت إلیهم فمدحوک فکما أن مدح أولئک لا یعد ذنبا کذلک مدحی لمن أحسن إلی وهذه الحجة علی طریق التمثیل ...

******

الذی ترتب علیه إحسانه لهم لیس ذنبا فیلزم أن یکون مدح الشاعر لهؤلاء الملوک الذی ترتب علیه إحسانهم له غیر ذنب ، وحینئذ فتم الاستدلال واندفع الإشکال ، والحاصل أن الشاعر یقول للنعمان لا تعاتبنی علی مدحی آل جفنة المحسنین إلی کما لا تعاتب قوما مدحوک فأحسنت إلیهم ، لأن سبب نفی العتاب وهو کون المدح لأجل الإحسان موجود فی کما وجد فیمن لم تعاتبهم (قوله : أحسنت إلیهم فمدحوک) لو قال مدحوک فأحسنت إلیهم کان أولی لما قلناه ، وأورد العلامة یس بحثا آخر ، وحاصله أنه لا یوجد أحد یری مادحه لأجل إحسانه مذنبا ولا یعاتبه علی ذلک وکون الإنسان لا یعاتب من مدحه لطلب إحسانه لا یستلزم أن لا یعاتب من مدح غیره لطلب إحسان ذلک الغیر ، وحینئذ فلم یتم الاستدلال فکان ینبغی للشاعر أن یقول : فلم یرهم غیرک مذنبین بمدحهم لک أی : فلأی شیء ترانی مذنبا بمدحی لغیرک ، وأجیب بأن المراد بقوله فلم یرهم فی مدحهم لک أذنبوا لم یرهم أحد مذنبین فی مدحک وأنت من جملة من لم یرهم مذنبین فعبر عن ذلک العموم بالخطاب والمراد العموم ، کما یقال لا تری فلانا إلا مصلیا أی : لا یراه أحد إلا مصلیا أنت وغیرک وإذا کان الناس لا یرون أن مادح المخاطب لأجل إحسانه مذنبا لزم أنهم لا یرون الشاعر مذنبا لمدحه آل جفنة لإحسانهم ، لأن سبب نفی العتاب موجود فی کل ، وحینئذ فلا وجه لکون المخاطب یری الشاعر مذنبا لمدحه لهم (قوله : وهذه الحجة) الظاهر أن هذا اعتراض علی المصنف حیث مثل بهذه الأبیات للمذهب الکلامی مع أن المذهب الکلامی هو إیراد حجة للمطلوب علی طریقة أهل الکلام بأن یذکر قیاس اقترانی أو استثنائی مستلزم للمطلوب إذا سلمت مقدماته فالمذهب الکلامی من أنواع القیاس والمذکور هنا من قبیل التمثیل الأصولی وهو إلحاق معلوم بمعلوم فی حکمه لمساواته له فی علة الحکم وهو قسیم للقیاس عند علماء المیزان فکما یقال : إن البر ربوی لکونه مقتاتا فکذلک الأرز ربوی لکونه مقتاتا یقال هنا کذلک ، کما أن مدح المخاطب لا عتاب فیه لکونه للإحسان کذلک مدح

ص: 105

الذی یسمیه الفقهاء قیاسا ویمکن رده إلی صورة قیاس استثنائی أی لو کان مدحی لآل جفنة ذنبا لکان مدح ذلک القوم لک أیضا ذنبا واللازم باطل فکذا الملزوم.

أی لا یکون ما اعتبر علة لهذا الوصف علة له فی الواقع کما إذا قلت : قتل فلان أعادیه لدفع ضررهم فإنه لیس فی شیء من حسن التعلیل وما قیل من أن هذا الوصف أعنی غیر حقیقی لیس بمفید هاهنا ؛ لأن الاعتبار لا یکون إلا غیر حقیقی فغلط ومنشؤه ما سمع ...

******

وفیه أن الذی یوصف بکونه حقیقیّا ، أو غیر حقیقی الأمر المعتبر لا الاعتبار ، وأجیب بأن الضمیر فی قوله : غیر حقیقی أی : هو راجع للاعتبار بمعنی المعتبر علی طریق الاستخدام کما أشار لذلک الشارح بقوله أی : لا یکون ما اعتبر إلخ ، والمراد بالحقیقی ما کان علة فی الواقع سواء کان أمرا اعتباریّا أو موجود فی الخارج ، وغیر الحقیقی ما کان غیر مطابق للواقع بمعنی أنه لیس علة فی نفس الأمر ، بل اعتبر بوجه یتخیل به کونه صحیحا کان ذلک المعتبر أمرا اعتباریّا أو موجودا فی الخارج.

(قوله : أی لا یکون إلخ) أی : یجب أن یکون ما اعتبر من العلة المناسبة لها الوصف غیر مطابقة للواقع بمعنی : أنها لیست علة له فی نفس الأمر ، بل اعتبر کونها علة بوجه یتخیل به کون التعلیل صحیحا ، فلو کانت تلک العلة التی اعتبرت مناسبة للوصف حقیقة أی : علة له فی نفس الأمر ، لم یکن ذلک من محسنات الکلام لعدم التصرف فیه فإن قیل : کون الاعتبار لطیفا إنما یکون بکون العلة غیر مطابقة للواقع فی التعلیل إذ بذلک یثبت لطفه ؛ لأن جعل ما لیس بواقع واقعا علی وجه لا ینکر ولا یمج هو الاعتبار اللطیف ، وحینئذ فلا حاجة لقوله غیر حقیقی أی : غیر مطابق ؛ لأن ذلک هو معنی کون المعتبر لطیفا قلنا : حصر لطف الاعتبار فی کون العلة غیر مطابقة للواقع ممنوع ، إذ لا یجوز فی اعتبار العلة المناسبة للوصف أن یکون لطیفا أی : دقیقا حسنا ویکون مطابقا وما یکون من البدیع یشترط فیه ألا یطابق فلذا وصفه بقوله : غیر حقیقی (قوله : علة له فی الواقع) خبر یکون (قوله : کما إذا قلت إلخ) هذا التمثیل للمنفی (قوله : فإنه لیس فی شیء) أی : فی مرتبة من مراتب حسن التعلیل ؛ لأن دفع الضرر علة فی الواقع لقتل الأعادی (قوله : وما قیل) مبتدأ خبره قوله : فغلط ، وحاصله أن بعض الشراح اعترض علی المصنف ، فقال :الأولی إسقاط قوله : غیر حقیقی ؛ لأن قوله : باعتبار لطیف یغنی عنه ؛ لأن الأمر الاعتباری

ص: 107

أن أرباب المعقول یطلقون الاعتباری علی ما یقابل الحقیقی ولو کان الأمر کما توهم لوجب أن یکون جمیع اعتبارات العقل غیر مطابق للواقع (وهو أربعة أضرب ؛ لأن الصفة) التی ادعی لها علة مناسبة (إما ثابتة قصد بیان علتها أو غیر ثابتة أرید إثباتها والأولی إما ألا یظهر لها فی العادة علة) وإن کانت لا تخلو فی الواقع عن علة ...

******

لا یکون إلا غیر حقیقی ، إذ الاعتباری ما لا وجود له فی الخارج ، والحقیقی ما له وجود فی الخارج وحینئذ فالاعتباری لا یکون إلا غیر حقیقی.

قال الشارح : وهذا الاعتراض غلط نشأ مما سمعه من أرباب المعقول حیث یطلقون الاعتباری علی مقابل الحقیقی مریدین بالاعتباری ما لا وجود له فی الخارج ، بالحقیقی ما له وجود فی الخارج ، ففهم أن المراد بالاعتبار : الأمر الاعتباری ، وأن المراد بقوله غیر حقیقی أی : غیر موجود فی الخارج ، فاعترض ، ونحن نقول : المراد بالاعتبار هنا نظر العقل لا کون الشیء اعتباریّا أی : لا وجود له والمراد بالحقیقی ما طابق الواقع لا کون الشیء موجودا فی الخارج ولا شک أن ما نظر له العقل تارة یکون حقیقیّا أی : مطابقا للواقع وتارة لا یکون حقیقیّا ، وحینئذ فقول المصنف : باعتبار لطیف لا یغنی عن قوله : غیر حقیقی (قوله : أن أرباب المعقول) بدل مما سمع (قوله : ولو کان الأمر کما توهم) أی : من أن الاعتباری لا یکون إلا غیر حقیقی أی لا وجود له (قوله : لوجب أن یکون إلخ) أی : واللازم باطل ؛ لأن المنظور فیه بعضه مطابق للواقع وبعضه غیر مطابق للواقع ، وإذا بطل اللازم بطل الملزوم.

(قوله : وهو) أی : حسن التعلیل أربعة أضرب أی : باعتبار الصفة ، وأما العلة فی الجمیع فهی غیر مطابقة للواقع (قوله : إما ثابتة) أی : فی نفسها وقصد بما أتی به بیان علتها بحسب الدعوی لا بحسب الواقع ؛ لأنها بحسبه لیست علة لأن الفرض أنها غیر مطابقة للواقع (قوله : أو غیر ثابتة) أی : فی نفسها (وقوله : أرید إثباتها) أی : بما أتی به من العلة المناسبة (قوله : إما ألا یظهر لها فی العادة علة) أی : غیر التی أرید بیانها (قوله : وإن کانت لا تخلو فی الواقع عن العلة) أی : لأن کل حکم لا یخلو عن العلة فی الواقع ،

ص: 108

(کقوله (1) لم یحک) أی لم یشابه (نائلک) أی عطاءک (السحاب وإنّما ، حمّت به) أی صارت محمومة بسبب نائلک وتفوقه علیها (فصبیبها الرّحضاء) أی فالمصبوب من السحاب هو عرق الحمی فنزول المطر من السحاب صفة ثابتة لا یظهر لها فی العادة علة ...

******

لکن تارة تظهر لنا تلک العلة ، وتارة تخفی لما تقرر أن الشیء لا یکون إلا لحکمة وعلة تقتضیه أما علی المذهب الباطل من رعایة الحکمة وجوبا فظاهر ، وأما علی المذهب الصحیح فالقادر المختار وصف نفسه بالحکیم فهو یرتب الأمور علی الحکم تفضلا وإحسانا منه (قوله : کقوله) أی : الشاعر وهو أبو الطیب المتنبی (قوله : السحاب) أی :عطاء السحاب وإنما قدرنا ذلک المضاف ؛ لأن المناسب أن یشبه عطاء السحاب بنیل الممدوح أی : أن عطاء السحاب لا یشابه عطاءک فی الکثرة ولا فی الصدور عن الاختیار ولا فی وقوعه موقعه ؛ لأن السحاب لا اختیار لها فی نزول المطر وآثار نیلها بالنسبة لآثار عطائه واقعة فی غیر موقعها ، ویفهم من عدم مشابهة النائلین أن السحاب لا یشابهه فی عطائه فکأنه قیل : لا یشابهک السحاب فی عطائک والسحاب قیل جمع سحابة ، وقیل اسم جنس (قوله : وإنما حمّت به) لما کان یتوهم أن کثرة أمطار السحاب سببه طلبها مشابهة الممدوح فی الإعطاء دفع ذلک بقوله وإنما إلخ أی : لیس کثرة أمطار السحاب لطلبها مشابهتک ؛ لأنها أیست من ذلک لما رأته من غزیر عطائک وإنما صارت محمومة بسبب غیرتها من عدم مشابهة نائلها لنائلک وتفوق نائلک علی نائلها أی : فوقانه وعلوه علیه فی الکم والکیف ، فالماء المصبوب من السحاب هو العرق الناشئ من الحمی التی أصابتها بسبب غیرتها فقول الشارح : بسبب نائلک أی : بسبب تغیظها وغیرتها من عدم مشابهة نائلها لنائلک (وقوله : وتفوقه) أی : علوه علیها أی : وتفوق عطائک علی السحاب أی : علی عطائها.

(قوله : فصبیبها) أی : المطر المصبوب أی : النازل منه الرّحضاء أی : من أجل الرّحضاء أی : الحمی التی أصابتها بسبب غیرتها (قوله : فنزول المطر من السحاب)

ص: 109

وقد علله بأنه عرق حماها الحادثة بسبب عطاء الممدوح (أو یظهر لها) أی لتلک الصفة (علة غیر) العلة (المذکورة) لتکون المذکورة غیر حقیقیة فتکون من حسن التعلیل ...

******

أی : الذی تضمنه الکلام (قوله : وقد علله) أی : علل ذلک النزول (قوله : بأنه عرق حماها) أی : بأنه من حماها ذات العرق فهو من إضافة الصفة للموصوف وهو علی حذف مضاف أی : وتلک العلة غیر مطابقة للواقع (قوله : بسبب عطاء الممدوح) أی : بسبب الغیرة من عدم مشابهة عطائها لعطاء الممدوح (قوله : أو یظهر لها) أی : فی العادة (قوله : غیر العلة المذکورة) أی : غیر العلة التی ذکرها المتکلم لحسن التعلیل (قوله : لتکون إلخ) أی : وإنما قید العلة الظاهرة بکونها غیر المذکورة لأجل أن تکون المذکورة غیر حقیقیة أی غیر مطابقة لما فی نفس الأمر فتکون من حسن التعلیل ، إذ لو کانت علتها الظاهرة هی التی ذکرت لکانت تلک العلة المذکورة حقیقیة أی : مطابقة للواقع فلا تکون من حسن التعلیل هذا کلامه ، وقضیته ثبوت الملازمة بین ظهورها فی العادة وکونها حقیقیة ولیس کذلک ؛ لجواز أن تکون الظاهرة غیر المأتی بها من المشهورات الکاذبة ، فالمأتی بها غیر حقیقیة فتکون من حسن التعلیل ، والحاصل أنه یشترط فی حسن التعلیل کون العلة التی ذکرت. غیر مطابقة لما فی نفس الأمر ، فإن ظهرت علة أخری سواء کانت مطابقة أو غیر مطابقة فلا بد أن تکون هذه المأتی بها غیر مطابقة لتکون من حسن التعلیل ، کما أنه لا بد أن تکون غیر مطابقة حیث لا یظهر للمعلول علة أخری أیضا ، إذ کونها غیر مطابقة لا بد منه فی کل موطن من مواطن حسن التعلیل وبهذا علم أن ذکر کونها لا بد أن تکون غیر مطابقة حیث تظهر علة أخری فیه إیهام اختصاص هذا المعنی بما إذا ظهر غیرها وإیهام أن الظاهر تکون مطابقة حیث ذکر غیر المطابقة معها والتحقیق ما قررناه من جواز کون الظاهرة غیر مطابقة لصحة أن تکون من المشهورات الکاذبة کما لو قیل هذا متلصص لدورانه فی اللیل بالسلاح ا. ه یعقوبی.

ص: 110

(کقوله :

ما به قتل أعادیه ولکن

یتّقی إخلاف ما ترجو الذّئاب (1)

فإن قتل الأعداء فی العادة لدفع مضرتهم) وصفو المملکة عن منازعاتهم (لا لما ذکره) من أن طبیعة الکرم قد غلبت علیه ومحبة صدق رجاء الراجین بعثته علی قتل أعدائه لما علم من أنه إذا توجه إلی الحرب صارت الذئاب ترجو اتساع الرزق علیها بلحوم من یقتله من الأعادی وهذا مع أنه وصف بکمال الجود وصف بکمال الشجاعة حتی ظهر ذلک للحیوانات العجم (والثانیة) أی الصفة الغیر الثابتة

******

(قوله : کقوله) أی : الشاعر وهو أبو الطیب المتنبی (قوله : ما به قتل أعادیه) ما نافیة أی : لیس بالممدوح غیظ أو خوف أوجب قتل أعادیه ، لأنه لیس طائعا للغیظ ولا تستفزه العداوة علی القتل لحکمه علی نفسه وغلبته إیاها ولا خائفا من أعدائه لتمکنه بسطوته منهم (قوله : ولکن یتقی) أی : ولکن حمله علی قتلهم أنه یتقی أی : یتجنب بقتلهم إخلاف الأمر الذی ترجوه الذئاب منه إطعامهم لحوم الأعداء ؛ لأنه لو لم یقتلهم لفات هذا المرجو للذئاب ، فالعلة تجنب إخلاف مرجو الذئاب المستلزم لتحقق مرجوهم فالعلة تحقیق مرجوهم (قوله : فإن قتل الأعداء إلخ) أی : قتل الملوک للأعداء وهذا علة لمحذوف أی : وإنما قلنا إن الصفة هنا ظهرت لها علة أخری ؛ لأن الصفة المعللة هنا هی قتل الأعداء وقتل الملوک أعداءهم إنما یکون فی العادة لدفع مضرتهم (قوله : وصفو) أی : خلو المملکة عن منازعتهم لا لما ذکره من أن طبیعة الکرم قد غلبت علیه فصارت محبته لتحقق رجاء الراجین لکرمه تبعثه علی قتل الأعداء ومن جملة الراجین لکرمه الذئاب ؛ لأنه عودها إطعامها لحوم الأعداء (قوله : صدق) أی : تحقق رجاء أی : مرجو الراجین أی : إطعامهم من لحوم الأعداء (قوله : لما علم إلخ) فالعلة هنا فی الصفة التی هی قتل الأعادی وهی تحقق ما ترجاه الذئاب غیر مطابقة للواقع (قوله : وهذا) أی : ما تضمنه البیت وهو إنقاؤه إخلاف ما ترجوه الذئاب مع کونه وصفا للممدوح بکمال الجود فیه

ص: 111

التی أرید إثباتها (إما ممکنة کقوله (1) یا واشیا حسنت فینا إساءته ، نجّی حذارک) أی حذاری إیاک (إنسانی) أی إنسان عینی (من الغرق ...

******

من حیث إنه إذا لم یتوصل إلیه إلا بالقتل ارتکبه وصف له بکمال الشجاعة أیضا حتی ظهرت للحیوانات العجم أی : الغیر الناطقة التی هی الذئاب ووصف له أیضا بأنه لا تستفزه العداوة علی القتل لحکمه علی نفسه وغلبته إیاها فلا یتبعها فیما تشتهی وأنه لا یخاف الأعداء ، لأنه قد تمکن بسطوته منهم حیث شاء.

(قوله التی أرید إثباتها) أی بالعلة (قوله : إما ممکنة) أی : فی نفسها أی : مجزوم بانتفائها لکنها ممکنة الحصول فی ذاتها (قوله : کقوله) أی : الشاعر وهو مسلم بن الولید (قوله : یا واشیا) أی : یا ساعیا بالکلام بین الناس علی وجه الإفساد (قوله : حسنت فینا إساءته) صفة لواشیا والمراد بإساءته إفساده أی : حسن عندنا ما قصده من الإفساد فحسن إساءة الواشی هو الصفة المعللة الغیر الثابتة وعللها بقوله نجی حذارک إلخ أی : لأجل أن إساءتک أوجبت حذاری منک فلم أبک لئلا تشعر بما عندی ولما ترکت البکاء نجا إنسان عینی من الغرق بالدموع فقد أوجبت إساءتک نجاة إنسان عینی (قوله : أی حذاری إیاک) أشار بذلک إلی أن الإضافة فی حذارک من إضافة المصدر إلی المفعول والفاعل محذوف وهو تارة یتعدی بنفسه کما فی البیت وتارة یتعدی بمن فیقال حذاری منه یعنی أن محبوب الشاعر کان متباعدا عنه فکان ذلک الشاعر لا یقدر علی البکاء لفراق محبوبه خوفا من أن یشعر بذلک الواشی فیأتی له ویقول له کیف تبکی علی فراقه وهو صفته کذا ، ویقول فیک کذا وکذا ، والحاصل أن الشاعر یقول إنما حسنت إساءة الواشی عندی ، لأنها أوجبت حذاری منه فلم أبک لئلا یشعر بما عندی ولما ترکت البکاء نجا إنسان عینی من الغرق فی الدموع فقد أوجبت إساءته نجاة إنسان عینی من الغرق فی الدموع وغرق إنسان العین فی الدموع کنایة عن العمی.

ص: 112

فإن استحسان إساءة الواشی ممکن لکن لما خالف) الشاعر (الناس فیه) إذ لا یستحسنه الناس (عقبه) أی عقب الشاعر استحسان إساءة الواشی (بأن حذار منه) أی من الواشی (نجی إنسانه من الغرق فی الدموع) أی حیث ترک البکاء خوفا منه (أو غیر ممکنة کقوله :

******

(قوله : فإن استحسان إلخ) هذا علة لمحذوف أی : وإنما مثلنا بهذا البیت للصفة الممکنة الغیر الثابتة ؛ لأن استحسان إساءة الواشی أمر ممکن لکنه غیر واقع عادة (قوله : لکن لما خالف الناس فیه) أی : فی ادعائه ووقوعه دون الناس (قوله : عقبه إلخ) أی : ناسب أن یأتی عقبه أی : عقب ذکره استحسان إساءة الواشی بتعلیل یقتضی وقوعه فی زعمه ولو لم یقع فی الخارج وهو أن حذاره منه نجی إنسان عینه من الغرق فنجاة إنسان عینه من الغرق لحذاره علة لما ذکر من استحسان إساءة الواشی غیر مطابقة لما فی نفس الأمر وهی لطیفة کما لا یخفی فکان الإتیان بها من حسن التعلیل (قوله : خوفا منه) أی : خوفا من الواشی أن یطلع علیه فیشعر بما عنده إن قلت : إن صحة التمثیل بما ذکر متوقفة علی أمرین عدم وقوع المعلل وکون العلة غیر مطابقة وکلاهما غیر مسلم ؛ لأن من ادعی أن إساءة الواشی حسنت عنده لغرض من الأغراض لا یعد کاذبا ، وحینئذ فالصفة المعللة علی هذا ثابتة والعلة التی هی نجاة إنسانه من الغرق بترک البکاء لخوف الواشی لا یکذب مدعیها لصحة وقوعها ، وحینئذ فلا یکون هذا المثال من هذا القسم ولا من حسن التعلیل ؛ وذلک لأنه لمطابقة العلة لا یکون من حسن التعلیل ولثبوت الصفة لا یکون من هذا القسم ، قلت المعتاد أن حسن الإساءة لا یقع من الشاعر ولا من غیره فعدم وقوع الصفة مبنی علی العادة وترک البکاء لخوف الواشی باطل عادة ؛ لأن من غلبه البکاء لم یبال بمن حضر عادة سواء کان واشیا أو غیر واش فدعاوی الشاعر استحسانات تقدیریة ؛ لأن أحسن الشعر أکذبه فثبت المراد ا ه. یعقوبی.

(قوله : أو غیر ممکنة) عطف علی قوله إما ممکنة أی : أن الصفة الغیر الثابتة إما ممکنة کما مر وإما غیر ممکنة ادعی وقوعها وعللت بعلة تناسبها (قوله : کقوله) أی :

ص: 113

لو لم تکن نیة الجوزاء خدمته

لما رأیت علیه عقد منتطق)

من انتطق أی : شد النطاق ، وحول الجوزاء کواکب یقال لها نطاق الجوزاء فنیة الجوزاء خدمة الممدوح صفة غیر ممکنة قصد إثباتها کذا فی الإیضاح وفیه بحث ...

******

الشاعر أی : وهو المصنف فهذا البیت له ، وقد وجد بیتا فارسیا فی هذا المعنی ، فترجمه بالعربیة بما ذکر ، وقال کقوله : ولم یقل کقولی إما للتجرید أو نظرا لمعناه فإنه للفارسی تأمل.

والجوزاء برج من البروج الفلکیة فیه عدة نجوم تسمی نطاق الجوزاء ، والنطاق والمنطقة : ما یشد به الوسط وقد یکون مرصعا بالجواهر حتی یکون کعقد خالص من الدر وقوله عقد منتطق بفتح الطاء اسم مفعول أی : لما رأیت علیها عقدا منتطقا به أی : مشدودا فی وسطها کالنطاق أی : الحزام ، واعلم أن لو تفید نفی مدخولها شرطا وجوابا فشرطها نفی نیة الخدمة وجوابها نفی رؤیة نطاق الجوزاء فتفید لو نفی هذین النفیین فتثبت نیة الخدمة ورؤیة نطاق الجوزاء ، فحاصل معنی البیت أن الجوزاء مع ارتفاعها لها عزم ونیة علی خدمة ذلک الممدوح ومن أجل ذلک انتطقت أی : شدت النطاق تهیؤا لخدمته فلو لم تنو خدمته ما رأیت علیها نطاقا شدت به وسطها (قوله : من انتطق) أی : مأخوذ منه وقوله أی : شد النطاق أی : المنطقة بوسطه (قوله : غیر ممکنة) أی : لأن النیة بمعنی العزم والإرادة وإنما یکون ذلک ممن له إدراک بخلاف غیره کالجوزاء (قوله : قصد إثباتها) أی : بالعلة المناسبة لها وهی کونها منتطقة أی شادة النطاق فی وسطها (قوله وفیه) أی : فیما قاله فی الإیضاح بحث ، وحاصله أن أصل لو أن یکون جوابها معلولا لمضمون شرطها ، فإذا قلت لو جئتنی : أکرمتک کان الترکیب مفیدا أن العلة فی عدم الإکرام عدم المجیء ، وإذا قلت لم لم تأتنی لم أکرمک کان الترکیب مفیدا أن العلة فی وجود الإکرام الإتیان وظاهر المصنف أن المعلول مضمون الشرط ، والعلة فیه مضمون الجزاء وهذا خلاف المشهور المقرر فی لو ولو أجری البیت علی المقرر فیها بأن جعل نیة خدمة الممدوح علة لانتطاق الجوزاء لکان ذلک البیت من الضرب الأول وهو ما إذا

ص: 114

لأن مفهوم هذا الکلام هو أن نیة الجوزاء خدمة الممدوح علة لرؤیة عقد النطاق علیها أعنی لرؤیة حالة شبیهة بانتطاق المنطقة کما یقال لو لم تجئنی لم أکرمک یعنی أن علة الإکرام هی المجیء وهذه صفة ثابتة قصد تعلیلها بنیة خدمة الممدوح فیکون من الضرب الأول وهو الصفة الثابتة التی قصد علتها وما قیل إنه أراد أن الانتطاق صفة ممتنعة الثبوت للجوزاء وقد أثبتها الشارع وعللها بنیة خدمة الممدوح

******

کانت الصفة التی ادعی لها علة مناسبة ثابتة ولم تظهر لها علة فی العادة ، وذلک لأن المعلول الذی هو انتطاق الجوزاء ثابت ، لأن المراد به إحاطة النجوم بها کإحاطة النطاق بالإنسان ، وإذا کان المراد بالانتطاق الحالة الشبیهة بالانتطاق فهی محسوسة ثابتة ونیة الخدمة التی هی علتها غیر مطابقة ، وحینئذ فالبیت المذکور مثل البیت السابق وهو قوله :

لم یحک نائلک السّحاب وإنما

حمّت به فصبیبها الرّحضاء

من جهة أن کلا منهما عللت فیه صفة ثابتة بعلة غیر مطابقة ، وحینئذ فلا یصح تمثیل المصنف به للقسم الرابع (قوله : لأن مفهوم هذا الکلام) أی : الذی هو البیت أی : المفهوم منه بحسب استعمالها فی اللغة من کونها لامتناع الجزاء لامتناع الشرط (قوله : خدمة الممدوح) مفعول المصدر وهو نیة وقوله علة إلخ خبر أن (قوله : علة لرؤیة عقد النطاق) أی : لا أنه معلول له کما قال المصنف فی الإیضاح بقی شیء وهو أنه لا یصح تعلیل رؤیة النطاق بنیة خدمة الممدوح إنما یصح أن یعلل بتلک النیة الانتطاق - اللهم إلا أن تجعل رؤیة النطاق کنایة عن وجوده - فتأمل.

(قوله : کما یقال) أی : کالمفهوم مما یقال فهو تنظیر من جهة أن الأول علة والثانی معلول (قوله : وهذه) أی : رؤیة عقد النطاق علیها أعنی الحالة الشبیهة بانتطاق المنتطق صفة ثابتة ، وقوله قصد تعلیلها بنیة خدمة الممدوح أی : وهی علة غیر مطابقة للواقع (قوله : وما قیل) أی : فی الجواب عن المصنف وفی رد قول المعترض فیکون من الضرب الأول ، وحاصله أن یجعل البیت علی قاعدة اللغة ، ویکون من هذا الضرب بأن یراد بالانتطاق الحقیقی : وهو جعل النطاق الحقیقی فی الوسط لا حالة شبیهة به ، ولا شک رؤیته بالجوزاء غیر ثابتة (قوله : أنه) أی الشاعر ، وقوله أراد أن الانتطاق أی :

ص: 115

فهو مع أنه مخالف لصریح کلام المصنف فی الإیضاح لیس بشیء ؛ لأن حدیث انتطاق الجوزاء أعنی الحالة الشبیهة بذلک ثابت بل محسوس والأقرب أن یجعل لو هاهنا مثلها فی قوله تعالی (لَوْ کانَ فِیهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا)(1) أعنی الاستدلال بانتفاء الثانی علی انتفاء الأول فیکون الانتطاق علة کون نیة الجوزاء خدمة الممدوح أی دلیلا علیه

******

الحقیقی (قوله : فهو مع أنه إلخ) هذا رد لما قیل بوجهین الأول مخالفته لما فی الإیضاح ، والثانی أن المراد بالانتطاق الحالة الشبیهة به لا الحقیقی کما ذکر هذا القائل (قوله : مخالف لصریح کلام المصنف فی الإیضاح) أی : لأن کلامه صریح فی أن المعلل نیة الخدمة ، والعلة رؤیة الانتطاق لا العکس کما ذکره هذا القائل (قوله : لأن حدیث انتطاق الجوزاء) الإضافة للبیان (قوله : أعنی الحالة إلخ) أی : وحمل الانتطاق علی الحقیقی مع قیام القرینة علی إرادة خلافه وهو هیئة إحاطة النجوم بالجوزاء إحالة للدلالة عن وجهها فلا وجه له (قوله : ثابت بل محسوس) أی : فلا یکون من هذا الضرب (قوله : والأقرب) أی : فی تخریج هذا البیت ، وحاصل ما ذکره الشارح أن لو هنا لیست لامتناع الجواب لامتناع الشرط کما هو الشائع فیها ، بل للاستدلال بانتفاء الجزاء علی انتفاء الشرط ؛ لأن الشرط علّة فی الجزاء فیصح الاستدلال بوجود الجزاء علی وجود الشرط وبعدمه علی عدمه ؛ لأن وجود المعلول یدل علی وجود علته وعدم وجود المعلول یدل علی عدم علته ، فالشاعر جعل الانتطاق دلیلا لنیة خدمة الجوزاء للممدوح فاستدل بوجود الانتطاق فی الخارج علی وجود نیة الخدمة ، والحاصل أن الشاعر کأنه ادعی دعوة وهی أن الجوزاء قصدها خدمة الممدوح ، واستدل علی ذلک بدلیل وهو لو لم یکن قصدها الخدمة ، لما کانت منطقة ، لکن کونها غیر منتطقة باطل لمشاهدة انتطاقها فبطل المقدم وهو لم یکن قصدها الخدمة فیثبت نقیضه وهو المطلوب (قوله : أعنی الاستدلال بانتفاء الثانی) وهو عدم رؤیة الانتطاق وانتفاؤه یکون برؤیة الانتطاق ، (وقوله : علی انتفاء الأول) أی : وهو عدم نیة الجوزاء خدمته وانتفاؤه یکون بنیتها خدمته ؛ لأن نفی النفی إثبات ، فصح قول الشارح : فیکون الانتطاق إلخ (قوله : فیکون الانتطاق علة کون نیة الجوزاء خدمة الممدوح أی : دلیلا علیه) أی : کما أن انتفاء الفساد فی الآیة دلیل

ص: 116

وعلة للعلم مع أنه وصف غیر ممکن (وألحق به) أی بحسن التعلیل (ما بنی علی الشک) ولم یجعل منه ؛ لأن فیه ادعاء وإصرارا والشک ینافیه ...

******

علی انتفاء تعدد الآلهة ، فانتفاء الثانی دلیل علی انتفاء الأول ، وکذلک وجوده دلیل علی وجوده وإن کان الأول علة فی وجود الثانی ؛ وذلک لأن الثانی مسبب عن الأول ولازم له ووجود المسبب یدل علی وجود السبب ، وانتفاء اللازم یدل علی انتفاء الملزوم (قوله : وعلة للعلم) أی : بوجوده فالعلة کما تطلق علی ما یکون سببا لوجود الشیء فی الخارج تطلق علی ما یکون سببا لوجود العلم به ذهنا ، فالانتطاق وإن کان معلولا ومسببا عن نیة الخدمة فی الخارج یجعل علة للعلم بوجود النیة أی : دلیلا علیه ویمکن حمل کلام المصنف فی الإیضاح علی هذا بأن یقال : قوله قصد إثباتها بالعلة وهی انتطاق الجوزاء مراده بالعلة الدلیل ، وحینئذ فلا یتوجه علیه ما ذکره الشارح من البحث ، تأمل.

(قوله : مع أنه) أی : ذلک الوصف وهو کون نیة الجوزاء الخدمة ، والحاصل أن العلة المذکورة فی الکلام لحسن التعلیل قد یقصد کونها علة لثبوت الوصف ووجوده فی نفسه کما فی الضربین الأولین ؛ لأن ثبوته معلوم وقد یقصد کونها علة للعلم به ، وذلک إذا کان المستدل علیه مجهولا فتکون تلک العلة من باب الدلیل وذلک کما فی الضربین الأخیرین لعدم العلم بثبوت الصفة ، بل الغرض إثباتها والبیت المذکور هنا یصح أن یکون من الضرب الأول باعتبار ، ومن الرابع باعتبار ، فإذا جعلت نیة خدمة الجوزاء للممدوح علة للانتطاق کان من الضرب الأول ، وإن جعلت الانتطاق دلیلا علی کون الجوزاء نیتها خدمته کان من الضرب الرابع ، وهذا ما سلکه المصنف (قوله : ما بنی علی الشک) أی : علة أتی بها علی وجه الشک ، بأن یؤتی فی الکلام مع الإتیان بتلک العلة بما یدل علی الشک (قوله : ولم یجعل منه) أی : ولم یجعل ما بنی علی الشک من حسن التعلیل حقیقة بل جعل ملحقا به (قوله : لأن فیه) أی : فی حسن التعلیل ادعاء أی لتحقق العلة (وقوله : وإصرارا) أی : علی ادعاء التحقق ؛ وذلک لأن العلة لما کانت غیر مطابقة وأتی بها لإظهار أنها علة لما فیها من المناسبة المستعذبة لم یناسب فیها إلا الإصرار

ص: 117

(کقوله : کأنّ السحاب الغرّ) جمع الأغر والمراد السحاب الماطرة الغزیرة الماء (غیّبن تحتها) أی تحت الربا (حبیبا فما ترقا) الأصل ترقأ بالهمز فخففت أی ما تسکن (لهنّ مدامع) علل علی سبیل الشک نزول المطر من السحاب بأنها غیبت حبیبا تحت تلک الربا ...

******

علی ادعاء التحقق (قوله : کقوله) أی قول الشاعر وهو أبو تمام (1) (قوله : کأن السحاب الغرّ) یطلق السحاب علی الواحد وعلی الجمع لأنه اسم جنس وهو المراد به هنا بدلیل وصفه بالجمع ، وقیل : إنه جمع سحابة وعلیه فوصفه بالجمع ظاهر (قوله : جمع الأغر) الأغر فی الأصل الأبیض الجبهة والمراد به هنا مطلق الأبیض ، أی کأن السحاب الأبیض أی کثیر المطر لأن السحاب الممطر أکثر ما یکون أبیض (قوله : غیّبن) أی دفنّ (قوله : أی تحت الربا) أی المذکورة فی البیت قبله وهو قوله :

ربی شفعت ریح الصّبا بنسیمها

إلی المزن حتّی جادها وهو هامع

الربا : جمع ربوة وهی التل المرتفع من الأرض ، وقوله شفعت من الشفاعة ، والنسیم یطلق علی نفس الریح وعلی هبوبها وهو المراد هنا ، والمزن وهی السحاب الأبیض ، وضمیر جادها للربا أی : حتی جاد المزن علیها أی : علی تلک الربا والهامع من المزن السائل بکثرة ، وقوله بعد ذلک : کأن السحاب الغر هی المزن فعدل فی البیت الثانی عن التعبیر بالضمیر لبیان معنی المزن (قوله : بالهمز) أی : المضموم ؛ لأنه فعل مضارع (وقوله : فخففت) أی الهمزة للضرورة بقلبها ألفا علی غیر قیاس ؛ لأن الهمزة التی تبدل ألفا شرط إبدالها قیاسا سکونها ، والحاصل أنه یقال : رقی یرقی کعلم یعلم بمعنی صعد ویقال رقأ یرقأ بالهمزة بمعنی سکن وهو المراد هنا ، فلذا قال الشارح : الأصل ترقأ بالهمزة إلخ (قوله : علل علی سبیل الشک نزول المطر من السحاب) أی : علی الربا (وقوله : بأنها) أی السحاب غیبت أی دفنت حبیبا تحت الربا فکأن الربا قبره ، والسحاب تبکی فدموعها تهطل علی ذلک القبر ، والحاصل أن الشاعر یقول : أظن أو أشک أن السحاب غیبت حبیبا تحت الربا ، فمن أجل ذلک لا تنقطع دموعها ، فبکاؤها صفة عللت بدفن حبیب تحت

ص: 118

فهی تبکی علیها

احترازا عن نحو غلام زید راکب وأبوه راکب (کقوله :

أحلامکم لسقام الجهل شافیة

کما دماؤکم تشفی من الکلب

هو بفتح اللام شبه جنون یحدث للإنسان من عض الکلب ...

******

عطف تفسیر (قوله واحترازا إلخ) أی وإنما أتی بهذا القید لأجل الاحتراز عن نحو : غلام زید راکب وأبوه راکب ، ونحو : غلام زید فرح وأبوه فرح ، لعدم التفریع فی الإثبات للثانی وإن اتحد الحکم فیهما لأن الواو لمطلق الجمع ، فما قبلها وما بعدها سیان فی التقدم لکل والتأخر للآخر کذا قرر شیخنا العدوی ، هذا وفی بعض النسخ احتراز عن نحو غلام زید راکب وأبوه راجل وفیه نظر ، لأن تفسیر التفریع المذکور یستدعی اتحاد الحکم للمتعلقین ، وفی المثال المذکور حکمان مختلفان أثبتا لمتعلقی أمر ، فالاحتراز عن هذا المثال لیس بقوله علی وجه یشعر بالتفریع ، بل بما علم من اشتراط اتحاد الحکم (قوله : کقوله) أی الشاعر وهو الکمیت (1) من قصیده یمدح بها آل البیت (قوله : لسقام الجهل) بفتح السین أی لأمراض الجهل ، وما فی قوله (کما دمائکم) زائد لا تمنع الجار من العمل ، کما فی قوله تعالی (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ)(2) أی فبرحمة ، فتکون الدماء هنا مجرورة بالکاف وما بعده أعنی جملة تشفی من الکلب فی موضع نصب علی الحال ویجوز أن یکون الدماء مرفوعا علی الابتداء وما بعده خبر ، ووجه انطباق التعریف السابق علی هذا البیت أن مدلول الکاف الذی هو الممدوحون وهم أهل البیت أمر واحد له متعلقان وهما : الأحلام أی العقول المنسوبة لهم ، والدماء المنسوبة لهم ، أثبت لأحد متعلقیه وهو الدماء الشفاء من الکلب بعد إثبات ذلک الحکم وهو الشفاء لمتعلق آخر وهو العقول ، ولا یضر فی اتحاد الحکم کون الشفاء فی أحدهما منسوبا للکلب وفی الآخر للجهل لاتحاد جنس الحکم (قوله هو) أی الکلب بفتح اللام (قوله : شبه جنون) أی داء یشبه الجنون (قوله : من عض الکلب الکلب) الأول بسکون اللام والثانی بکسرها ، والکلب الکلب فی الأصل : کلب عقور یعض الناس ویأکل لحمهم

ص: 120

ولا دواء له أنجع من شرب دم ملک کما قال الحماسی : (1)

بناة مکارم وأساة کلم

دماؤکم من الکلب الشفاء

ففرع علی وصفهم بشفاء أحلامهم من داء الجهل وصفهم بشفاء دمائهم من داء الکلب یعنی أنهم ملوک وأشراف وأرباب العقول الراجحة.

وهو ضربان أفضلهما أن یستثنی من صفة ذمّ منفیة عن الشیء صفة مدح) لذلک الشیء (بتقدیر دخولها فیها) أی دخول صفة المدح فی صفة الذم ...

******

القلب ، علی أن الکاف فی مثله لیست للتشبیه بل لمجرد التعلیل ، کما قیل به فی قوله تعالی (وَاذْکُرُوهُ کَما هَداکُمْ)(1) اه والحاصل أن المراد بتفرع الثانی علی الأول ، کونه ناشئا ذکره عن ذکر الأول حیث جعل الأول وسیلة للثانی أی کالتقدمة والتوطئة له ، حتی إن الثانی فی قصد المتکلم لا یستقل عن ذکر الأول ، ولیس المراد بتفرعه عنه ترتبه علیه باعتبار الوجود الخارجی ، إذ لا تفرع بینهما أصلا بهذا المعنی ، خلافا لما فهمه بعضهم من أن المراد بتفرع الثانی عن الأول کونه مترتبا علیه وتابعا له فی الوجود ولو بحسب الادعاء ، فیدعی هنا أن شرف العقل کاف فی ترتیب الشفاء من الکلب علیه ، فورد علیه أن الکاف للتشبیه والمشبه به هو الأصل المتفرع عنه والمشبه هو الفرع ، وحینئذ فالتشبیه یدل علی أن أمر التفریع علی عکس ما ذکره الشارح فأجاب بأن فی الکلام قلبا ، والأصل دماؤکم تشفی من الکلب کما أن أحلامکم لسقام الجهل شافیة ، وهذا کله تکلف لا داعی له.

[تأکید المدح بما یشبه الذم] :

(قوله : وهو ضربان) فیه : أن المناسب لقوله بعد ذکر الضربین ومنه ضرب آخر أن یقول هنا وهو ضروب ، إلا أن یقال إنه رأی أن الضربین هما الأکثر والأشهر فلم یتعرض للآخر هنا (قوله : أفضلهما) أی : أحسنهما (قوله : صفة مدح) نائب فاعل یستثنی (قوله : بتقدیر إلخ) أی : وإنما یستثنی صفة المدح من صفة الذم بتقدیر دخولها فیها ، أی بسبب تقدیر المتکلم أن صفة المدح المستثناة داخلة فی صفة الذم المنفیة ، ولیس المراد بالتقدیر ادعاء الدخول علی وجه الجزم والتصمیم ، بل تقدیر الدخول علی وجه الشک المفاد بالتعلیق ؛ لأن معنی الاستثناء کما یأتی أن یستثنی صفة المدح من صفة الذم المنفیة علی تقدیر ، أی فرض دخولها فیها إن کانت عیبا ، هذا إذا کانت الباء علی أصلها للسبیبة ، فلو جعلت بمعنی علی ، وأن المعنی وإنما تستثنی صفة المدح من صفة الذم

ص: 122

(کقوله (1) ولا عیب فیهم غیر أنّ سیوفهم ، بهنّ فلول) جمع فل وهو الکسر فی حد السیف (من قراع الکتائب) أی مضاربة الجیوش (أی إن کان فلول السیف عیبا فأثبت شیئا منه) أی من العیب (علی تقدیر کونه منه) أی کون فلول السیف من العیب (وهو) أی هذا التقدیر وهو کون الفلول من العیب (محال) لأنه کنایة عن کمال الشجاعة (فهو) أی إثبات شیء من العیب ...

******

علی تقدیر دخولها فیها ، لأفادت أن التقدیر علی وجه التعلیق الموجب لکونه علی وجه الشک ، فلا یحتاج للتنبیه علی المراد - فافهم ا. ه یعقوبی.

وإنما کان ما ذکر من تأکید المدح ؛ لأن نفی صفة الذم علی وجه العموم حتی لا یبقی ذم فی المنفی عنه مدح ، وبما تقرر من أن الاستثناء من النفی إثبات ، کان استثناء صفة المدح بعد نفی الذم إثباتا للمدح ، فجاء فیه تأکید المدح ، وإنما کان هذا التأکید مشبها للذم وفی صورته ؛ لأنه لما قدر الاستثناء متصلا وقدر دخول هذا المستثنی فی المستثنی منه کان الإتیان بهذا المستثنی لو تم التقدیر وصح الاتصال ذمّا ؛ لأن العیب منفی فإذا کان هذا عیبا کان إثباتا للذم ، لکن وجد مدحا فهو فی صورة الذم ولیس بذم (قوله : کقوله) أی : الشاعر وهو زیاد بن معاویة الملقب بالنابغة الذبیانی نسبة لذبیان بالضم والکسر قبیلة من قبائل العرب (قوله : من قراع) بکسر القاف بمعنی المضاربة ، والکتائب بالتاء المثناة فوق جمع کتیبة وهی الجماعة المستعدة للقتال (فقوله : لا عیب فیهم) نفی لکل عیب ونفی کل عیب مدح ، ثم استثنی من العیب المنفی کون سیوفهم مفلولة من مضاربة الکتائب ، علی تقدیر کونه عیبا (قوله : أی إن کان فلول السیف عیبا) جواب الشرط محذوف أی ثبت العیب وإلا فلا ، وأما قوله : فأثبت شیئا منه فهذا کلام مستأنف بصیغة الماضی المبنی للمعلوم ، وأی فقد أثبت الشاعر شیئا من العیب وهو فلول السیف علی تقدیر إلخ ، ولیس بصیغة المضارع علی أنه جواب الشرط لرکة ذلک لفظا ومعنی (قوله : لأنه کنایة عن کمال الشجاعة) أی : ومحال أن تکون الشجاعة صفة ذم ، وإنما کان فلول السیوف کنایة عن کمال الشجاعة ؛ لأن فلول السیوف إنما یکون

ص: 123

علی هذا التقدیر (فی المعنی تعلیق بالمحال) کما یقال : حتی یبیض القار وحتی یلج الجمل فی سمّ الخیاط (والتأکید فیه) أی فی هذا الضرب (من جهة أنه کدعوی الشیء ببینة) لأنه علق نقیض المدعی وهو إثبات شیء من العیب بالمحال والمعلق بالمحال محال فعدم العیب محقق (و) من جهة ...

******

من المضاربة عند ملاقاة الأقران فی الحروب ، وذلک لازم لکمال الشجاعة ، فأطلق اسم اللازم وأراد الملزوم (قوله : علی هذا التقدیر) أی : وهو کون الفلول من العیب.

(قوله : تعلیق بالمحال) أی تعلیق علی محال فی المعنی ، والمعلق علی المحال محال ، وإنما قال فی المعنی لأنه لیس فی اللفظ تعلیق ، فقوله لا عیب فیهم غیر أن سیوفهم إلخ فی معنی لا عیب فیهم أصلا إلا الشجاعة إن کانت عیبا ، لکن کون الشجاعة عیبا محال فیکون ثبوت العیب فیهم محالا (قوله : کما یقال : حتی یبیض القار وحتی یلج الجمل فی سمّ الخیاط) أی : أن مثل التعلیق بالمحال الواقع فی البیت ما یقال لا أفعل کذا حتی یبیض القار أی الزفت ، وحتی یلج الجمل أی وحتی یدخل الجمل فی سمّ الخیاط أی فی ثقب الإبرة ؛ لأنه فی تأویل الاستثناء المعلق ؛ لأن المعنی لا أفعله علی وجه من الوجوه إلا أن یثبت هذا الوجه وهو أن یبیض القار أو (یَلِجَ الْجَمَلُ فِی سَمِّ الْخِیاطِ)(1) وثبوت هذا الشرط محال ، ففعل ذلک الشیء محال.

(قوله : والتأکید فیه) أی : وتأکید المدح فی هذا الضرب الذی هو استثناء صفة مدح من صفة ذم منفیة علی تقدیر دخولها فیها (قوله : من جهة أنه) أی : إثبات المدح فی هذا الضرب (قوله : کدعوی الشیء ببینة) أی : کإثبات المدعی بالبینة أی الدلیل ؛ وذلک لأنه قد تقرر أن الاستدلال قد یکون بأن یقال : إن هذا الشیء لو ثبت ثبت المحال فإن الخصم إذا سلم هذا اللزوم لزم قطعا انتفاء ذلک الشیء فیلزم ثبوت نقیضه ، وإذا کان نقیضه هو المدعی لزم إثباته بحجة التعلیق بالمحال ، والاستثناء الواقع فی هذا الضرب بمنزلة القول المذکور فی الصورة ؛ لأن المتکلم علق ثبوت العیب الذی هو نقیض المدعی علی کون المستثنی عیبا ، وکونه عیبا محال والمعلق علی المحال محال ، فیکون

ص: 124

(أن الأصل فی) مطلق الاستثناء هو (الاتصال) أی کون المستثنی منه بحیث یدخل فیه المستثنی علی تقدیر السکوت عنه وذلک لما تقرر فی موضعه من أن الاستثناء المنقطع مجاز وإذا کان الأصل فی الاستثناء الاتصال (فذکر أداته قبل ذکر ما بعدها) یعنی المستثنی (یوهم إخراج شیء) وهو المستثنی (مما قبلها) أی ما قبل الأداة وهو المستثنی منه (فإذا ولیها) أی الأداة (صفة مدح) وتحول الاستثناء من الاتصال إلی الانقطاع (جاء التأکید) ...

******

ثبوت العیب فیهم محالا فیلزم ثبوت نقیضه وهو عدم العیب الذی هو المدعی (قوله : أن الأصل فی مطلق الاستثناء) أی : لا فی کل الاستثناء ؛ لأن الأصل فی الاستثناء فی الضرب الثانی الانقطاع کما یأتی اه. یس.

(قوله : علی تقدیر السکوت عنه) أی : عن الاستثناء ، فیکون ذکر المستثنی إخراجا له عن الحکم الثابت للمستثنی منه (قوله : وذلک) أی وبیان ذلک أی وبیان کون الأصل فی مطلق الاستثناء الاتصال ما تقرر فی موضعه من أن الاستثناء المنقطع مجاز ، ومن المعلوم أن المجاز خلاف الأصل والأصل الحقیقة ، هذا وقد اشتهر فیما بینهم أن الاستثناء حقیقة فی المتصل مجاز فی المنقطع ، وقد اختلف فی المراد من ذلک ، فقیل : قولهم الاستثناء المنقطع مجاز ، یریدون به أن استعمال أداة الاستثناء فی الاستثناء المنقطع مجاز ، وأما إطلاق لفظ الاستثناء علی المنقطع فهو حقیقة اصطلاحا کإطلاقه علی المتصل ، وقیل : بل المراد أن إطلاق لفظ الاستثناء علی المنقطع مجاز أیضا (قوله : فذکر أداته) الضمیر فی أداته راجع للاستثناء ، إلا أننا إن قلنا : إن المراد بالاستثناء أولا فی قوله : الأصل فی الاستثناء الاتصال الأداة کانت الإضافة فی أداته بیانیة ، أو أن الضمیر فی أداته راجع للاستثناء بمعنی المستثنی منه علی طریق الاستخدام ، وإن قلنا : إن المراد بالاستثناء أولا لفظ الاستثناء کان الضمیر فی أداته عائدا علی أصل الاستثناء (قوله : یعنی المستثنی) أی : یعنی بما بعدها المستثنی (قوله : یوهم) أی یوقع فی وهم السامع أی فی ذهنه أن غرض المتکلم أن یخرج شیئا من أفراد ما نفاه قبلها ویرید إثباته ، حتی یحصل فهم إثبات شیء من العیب.

(قوله : وتحول الاستثناء إلخ) المراد بتحوله من الاتصال إلی الانقطاع ، ظهور أن المراد به الانقطاع فکأنه قال : فإذا ولی الأداة صفة مدح وظهر أن المراد بالاستثناء الانقطاع

ص: 125

لما فیه من المدح علی المدح والإشعار بأنه لم یجد صفة ذم یستثنیها فاضطر إلی استثناء صفة مدح وتحویل الاستثناء إلی الانقطاع (و) الضرب (الثانی) من تأکید المدح بما یشبه الذم (أن یثبت لشیء صفة مدح وتعقب بأداة استثناء) أی بذکر عقیب إثبات صفة المدح لذلک الشیء أداة استثناء (تلیها صفة مدح أخری له) أی لذلک الشیء (نحو أنا أفصح العرب بید أنّی من قریش) ....

******

بعد ما توهم الاتصال من مجرد ذکر الأداة (قوله : لما فیه) أی لما فی الاستثناء من المدح أی من زیادة المدح علی المدح ، فالمدح الأول المزید علیه جاء من نفی العیب علی جهة العموم ، حیث قال لا عیب فیهم ، إذ من المعلوم أن نفی صفة الذم علی وجه العموم حتی لا یبقی فی المنفی عنه ذم مدح ، والمدح الثانی المزید إشعار الاستثناء لصفة المدح بأنه لم یجد صفة ذم یستثنیها ؛ لأن الأصل فی الإتیان بالأداة بعد عموم النفی استثناء الإثبات من جنس المنفی وهو الذم ، فلما أتی بالمدح بعد الأداة فهم منه أنه طلب الأصل الذی ینبغی ارتکابه ، فلما لم یجد ذلک الأصل الذی هو استثناء الذم اضطر إلی استثناء المدح ، وحول الاستثناء عن أصله إلی الانقطاع (قوله : فاضطر إلخ) أی لأجل تتمیم الکلام ، وإلا کان الکلام غیر مفید لأنه إذا قیل لا عیب فیهم غیر لم یکن مفیدا.

(قوله : وتعقب) أی تلک الصفة بأداة استثناء (قوله : تلیها) أی تلی تلک الأداة وتأتی بعدها (قوله : له) أی : کائنة لذلک الشیء الموصوف بالأولی وظاهره ، سواء کانت الصفة الثانیة مؤکدة للأولی ولو بطریق اللزوم کما فی المثال الأول ، أو کانت غیر ملائمة لها کما فی قوله الآتی (هو البدر إلا أنه البحر زاخرا) وذلک لأن تأکید المدح یحصل بمجرد ذکر الصفة المدحیة ثانیا ، ولو لم تکن ملائمة للأولی لحصول المدح بکل منهما (قوله : نحو أنا أفصح العرب بید أنّی من قریش) (1) وجه تأکید المدح فی هذا أن إثبات الأفصحیة علی جمیع العرب تشعر بکماله ، والإتیان بأداة الاستثناء بعدها یشعر

ص: 126

بید بمعنی غیر وهو أداة استثناء (وأصل الاستثناء فیه) أی فی هذا الضرب (أیضا

******

بأنه أرید إثبات مخالف لما قبلها ؛ لأن الاستثناء أصله المخالفة ، فلما کان المأتی به کونه من قریش المستلزم لتأکید الفصاحة ، إذ قریش أفصح العرب جاء التأکید ، وإنما کان مدحا بما یشبه الذم ؛ لأن أصل ما بعد الأداة مخالفته لما قبلها ، فإن کان ما قبلها إثبات مدح کما هنا فالأصل أن یکون ما بعدها سلب مدح ، وإن کان ما قبلها سلب عیب کما فی الضرب السابق الأصل فیما بعدها أن یکون إثبات عیب ، وهو هنا لیس کذلک ، فکان مدحا فی صورة ذم ؛ لأن ذلک أصل دلالة الأداة اه. یعقوبی.

(قوله : بید بمعنی غیر) اعلم أن بید تستعمل اسما بمعنی غیر الاستثنائیة فلا تکون مرفوعة ولا مجرورة بل منصوبة ، ولا یکون الاستثناء بها متصلا بل منقطعا ، وتستعمل حرف تعلیل بمعنی من أجل ، ومن الثانی قول الشاعر :

عمدا فعلت ذاک بید أنّی

أخاف إن هلکت أن ترنّی

أی تصوتی مأخوذ من الرنین وهو التصویت ، فقول الشارح بید بمعنی غیر ، أی بید هنا فی هذا الحدیث بمعنی غیر ، لأن صحة التمثیل به مبنیة علی ذلک ، وأما علی ما قاله ابن هشام فی المغنی من أن بید فی هذا الحدیث حرف تعلیل بمعنی من أجل ، والمعنی أنا أفصح العرب لأجل أنی من قریش ، فلا یکون المثال من هذا الباب ، ومعنی التعلیل هنا أن له مدخلا فی ذلک لا أنه علة تامة (قوله وهو) أی غیر أداة استثناء أی فبید کذلک لأنه بمعناه.

(قوله وأصل الاستثناء فیه إلخ) هذا شروع فی بیان أن هذا الضرب إنما یفید التأکید من وجه واحد من الوجهین السابقین فی الضرب الأول ، لیرتب علی ذلک أن الضرب الأول أفضل من هذا الضرب ، قیل الأولی حذف قوله وأصل ویقول والاستثناء فیه منقطع أیضا ، إذ لا معنی للأصل هنا ، ویدل لهذا قول الشارح ، کما أن الاستثناء فی الضرب الأول منقطع ولم یقل کما أن الأصل فی الاستثناء فی الضرب الأول أن یکون منقطعا ، وفی عبد الحکیم قوله وأصل الاستثناء فیه أی : الراجح الکثیر الاستعمال فی هذا الضرب أن یکون المذکور بعد أداة الاستثناء غیر داخل فیما قبلها ، بأن یکون ما قبلها

ص: 127

أن یکون منقطعا) کما أن الاستثناء فی الضرب الأول منقطع لعدم دخول المستثنی فی المستثنی منه وهذا لا ینافی کون الأصل فی مطلق الاستثناء هو الاتصال (لکنه) أی الاستثناء المنقطع فی هذا الضرب (لم یقدر متصلا) کما قدر فی الضرب الأول إذ لیس هنا صفة ذم منفیة عامة یمکن تقدیر دخول صفة المدح فیها وإذا لم یمکن تقدیر الاستثناء متصلا فی هذا الضرب (فلا یفید التأکید ...

******

صفة خاصة وما بعدها کذلک ، وفی تعبیره بالأصل إشارة إلی أنه قد یکون داخلا إلا أنه خلاف الأصل ، نحو : فلان له جمیع المحاسن أو جمع کل کمال إلا أنه کریم ، وأما فی الضرب الأول فلکون ما قبل الأداة صفة منفیة والمستثنی صفة مدح یکون غیر داخل فیما قبلها البتة ، لکنه قدر دخوله لیصیر متصلا فیفید التأکید من وجهین انتهی وعلی هذا فالأیضیة راجعة للاستثناء فیه لا لأصالته.

(قوله أن یکون منقطعا) أما الانقطاع فی الضرب الأول فلأن محصله أن یستثنی من العیب خلافه ، فلم یدخل المستثنی فی جنس المستثنی منه ، وأما الانقطاع فی الثانی فلانتفاء العموم فی المستثنی منه فیه (قول وهذا) أی کون الأصل فی الاستثناء فی هذا الضرب الانقطاع لا ینافی کون الأصل فی مطلق الاستثناء الاتصال ، لأن أصالة الانقطاع نظرا لخصوص هذا الضرب ، وأصالة الاتصال نظرا لمطلق الاستثناء ، وهذا کما یقال الأصل فی الحیوان أن یکون بصیرا والأصل فی العقرب أن تکون عمیاء ، فالحکم علی الحیوان بأصالة البصر له لا ینافی الحکم علی نوع منه بثبوت أصالة العمی له ، وإذا علمت أنه لا منافاة بین کون الأصل فی مطلق الاستثناء الاتصال وکون الأصل فی الاستثناء الواقع فی هذا الضرب الانقطاع - تعلم أنه لا تنافی بین کلامی المصنف.

(قوله لکنه إلخ) لما کان الاستثناء فی الضربین منقطعا أراد أن یفرق بینهما فقال لکنه إلخ ، وحاصل الفرق أن الضرب الأول یجوز فیه تقدیر دخول ما بعد أداة الاستثناء فیما قبلها لکونه صفة عامة ، والضرب الثانی لا یجوز فیه ذلک لعدم عموم الصفة التی قبل الأداة (قوله لم یقدر متصلا) أی بل بقی علی حاله من الانقطاع (قوله إذ لیس هنا صفة ذم منفیة عامة یمکن إلخ) أی وإنما هنا صفة خاصة فلا یمکن تقدیر دخول شیء فیها.

ص: 128

إلا من الوجه الثانی) وهو أن ذکر أداة الاستثناء قبل ذکر المستثنی یوهم إخراج شیء مما قبلها من حیث أن الأصل فی مطلق الاستثناء هو الاتصال فإذا ذکر بعد الأداة صفة مدح أخری جاء التأکید ولا یفید التأکید من جهة أنه کدعوی الشیء ببینة لأنه مبنی علی التعلیق بالمحال المبنی علی تقدیر الاستثناء متصلا (ولهذا) أی ولکون التأکید فی هذا الضرب من الوجه الثانی فقط (کان) الضرب (الأول) المقید للتأکید من وجهین (أفضل ومنه) أی ومن تأکید المدح بما یشبه الذم (ضرب آخر) وهو أن ...

******

(قوله إلا من الوجه الثانی) أی من الوجهین المذکورین فی الضرب الأول (قوله وهو أن ذکر إلخ) حاصله أن الإخراج فی هذا الضرب من صفة المدح المثبته ، فیتوهم قبل ذکر المستثنی أنه صفة مدح أرید إخراجها من المستثنی منه ونفیها علی الموصوف ، لأن الاستثناء من الإثبات نفی ، فإذا تبین بعد ذکره أنه أرید إثباته له أیضا أشعر ذلک بأنه لم یمکنه نفی شیء من صفات المدح عنه فیجیء التأکید (قوله : المبنی علی تقدیر الاستثناء متصلا) وهو غیر ممکن فی هذا لأن کلا من المستثنی والمستثنی منه صفه خاصة فلا یتصور شمول أحدهما للآخر ، فلا یتصور الاتصال ، فإذا قلنا لا عیب فیه إلا الکرم إن کان عیبا ، أفاد أن العیب منتف عنه مع کل ما فیه من الأوصاف ، إلا إذا کان الکرم عیبا وهو محال ، بخلاف قولنا أنا أفصح الناس بید أنی من بنی فلان الفصحاء ، فلا معنی للتعلیق فیه ، فإن قلت : ما المانع أن یقدر فی المثال وشبهه إلا أن یکون کونی من بنی فلان مخلا بالفصاحة فیثبت لی إخلال بها فحینئذ یفید التأکید من الوجه الأول أیضا قلت : یمنع من ذلک کون ذلک غیر معتبر فی استعمال البلغاء ، وإلا لصرح به یوما ما ، ولو قیل أنا أفصح الناس إلا أنی من بنی فلان ، إن کان مخلا بالفصحاة کان رکیکا بخلاف التعلیق بعد العموم کما مر اه. یعقوبی.

(قوله أفضل) أی من الثانی لأن التأکید فیه من وجه واحد.

(قوله ضرب آخر) أی غیر الضربین الأولین بالنظر للصورة الترکیبیة ، وإلا فهو یعود للضرب الأول فی المعنی ، لأن المعنی لا عیب فینا إلا الإیمان إن کان عیبا (قوله أن

ص: 129

یؤتی بمستثنی فیه معنی المدح معمولا لفعل فیه معنی الذم (نحو (وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآیاتِ رَبِّنا)(1) أی ما تعیب منا إلا أصل المناقب ...

******

یؤتی بمستثنی) أی کالإیمان (وقوله معمولا لفعل) أی کتنقم فیکون الاستثناء حینئذ مفرغا ؛ لتفرغ العامل الذی فیه معنی الذم السابق علی إلا للعمل فیما بعدها ، وهو المستثنی الذی فیه معنی المدح (قوله نحو (وَما تَنْقِمُ مِنَّا) إلخ) أی نحو قوله تعالی حکایة عن سحرة فرعون (قوله أی ما تعیب منا) الخطاب لفرعون أی ما تعیب منا یا فرعون شیئا أو أصلا الأصل إلخ (قوله وهو الإیمان) أی وکون الإیمان أصل المناقب وقاعدة النجاة والشرف الدنیوی والأخروی مما لا یخالف فیه عاقل ، فلا یضر کون فرعون یعتقده عیبا بالنسبة لکفره ، فقد أتی فی هذا المثال بأداة الاستثناء بعدها صفة مدح هی الإیمان ، والفعل المنفی فیه معنی الذم لأنه من العیب ، فهو فی تأویل لا عیب فینا إلا الإیمان إن کان عیبا ، لکنه لیس بعیب وحینئذ فلا عیب فینا ، قیل إن الاستثناء هنا متصل حقیقة إذ التقدیر ما تعیب شیئا فینا إلا الإیمان ، بخلافه فیما تقدم فإنه منقطع ، وفیه أنه إن جعل متصلا حقیقة خرج المثال عما نحن بصدده ، إذ لیس فیه تأکید المدح بما یشبه الذم ، إذ حاصل المعنی أنک ما عبت فینا أمرا من الأمور إلا الإیمان ، جعلته عیبا ولیس بعیب فی نفسه کما تعتقد ، فهو بمنزلة ما لو قیل ما أنکرت من أفعال زید إلا مواصلة فلان ، ولیست مما ینکر ، فالنزاع إنما هو فی المستثنی هل هو کما اعتقده المخاطب أو لا؟ ولیس من تأکید المدح بما یشبه الذم فی شیء ، لأنه لم یستثن مدحا أکد به مدحا هو نفی العیب وإنما استثنی أمرا مسلم الدخول ویبقی النزاع فیه هل هو کما زعمه المخاطب أم لا؟ بخلاف قولنا لا عیب فینا إلا الإیمان إن کان عیبا فهو بمنزلة ولا عیب فیهم غیر أن سیوفهم إلخ ، فالتأویل علی الانقطاع متعین ، فیفید هذا الضرب ما یفیده الأول من التأکید بالوجهین وهما : أن فیه من التعلیق ما هو کإثبات الشیء بالبینة ، وأن فیه الإشعار بطلب ذم فلم یجده فاستثنی المدح وهو ظاهر أ. ه یعقوبی.

ص: 130

والمفاخر وهو الإیمان یقال نقم منه وانتقم منه إذا عابه وکرهه وهو کالضرب الأول فی إفادة التأکید من وجهین (والاستدراک) المفهوم من لفظ لکن (فی هذا الباب) أی باب تأکید المدح بما یشبه الذم (کالاستثناء کما فی قوله :

هو البدر إلا أنه البحر زاخرا

سوی أنه الضّر غام لکنه الوبل) (1)

******

(قوله والمفاخر) تفسیر (قوله یقال نقم منه) بابه ضرب وفهم والأول أکثر ومنه الآیة (قوله إذا عابه) أی فی شیء وقوله وکرهه أی لأجل ذلک الشیء (قوله : من وجهین) لا یقال الوجه الأول مبنی علی التعلیق بالمحال کما تقدم ، ولا یجری ذلک هنا لأن کون الإیمان عیبا لیس بمحال ، بدلیل أن إعابتهم علیه قد وقعت بالفعل ، لأنا نقول إعابته لهم علیه لا تقتضی کونه عیبا فی نفسه ولا یخرجه ذلک عن کونه حقا ، لأنها باطلة قطعا بمقتضی العقل السلیم اه. یس.

(قوله المفهوم من لفظ لکن) أی الدال علیه لفظ لکن (قوله فی هذا الباب) لم یقل فیه لئلا یتوهم عود الضمیر للضرب الأخیر خاصة (قوله کالاستثناء) أی فی إفادة المراد وهو تأکید الشیء بما یشبه نقیضه ، وحینئذ فیراد بالاستثناء المذکور فی تعریف الضربین ما یعم الاستدراک وإنما کان الاستدراک کالاستثناء فی هذا الباب لأنهما من واد واحد ، إذ کل منهما لإخراج ما هو بصدد الدخول وهما أو قیقة ، فإنک إذا قلت فی الاستدراک زید شجاع لکنه بخیل فهو لإخراج ما یتوهم ثبوته من الشجاعة ، لأن الشجاعة تلائم الکرم ، کما أنک إذا قلت فی الاستثناء جاء القوم إلا زیدا ، فهو لإخراج ما أوهم من عموم الناس دخوله ، وإن کان الإیهام فی الأول بطریق الملائمة وفی الثانی بطریق الدلالة التی هی أقوی ، فإذا أتی بصفة مدح ثم أتی بعد أداة الاستدراک بصفة مدح أخری ، أشعر الکلام بأن المتکلم لم یجد حالا یستدرکه علی الصفة الأولی ، غیر ملائم لها الذی هو الأصل ، فأتی بصفة مدح مستدرکة علی الأولی ، فیجیء التأکید کما تقدم فی الضرب الثانی من الاستثناء.

(قوله : کما فی قوله) أی الشاعر وهو أبوالفضل بدیع الزمان الهمذانی فی مدح خلف بن أحمد السجستانی (قوله هو البدر) أی من جهة الرفعة والشرف (قوله زاخرا)

ص: 131

فقوله : إلا وسوی استثناء مثل بید أنی من قریش وقوله : لکنه استدراک یفید فائدة الاستثناء فی هذا الضرب ؛ لأن إلا فی الاستثناء المنقطع بمعنی لکن

فلان لا خیر فیه إلا أنه یسیء إلی من یحسن إلیه ، وثانیهما : أن یثبت للشیء صفة ذم وتعقب بأداة استثناء تلیها صفة أخری له کقولک : فلان فاسق إلا أنه جاهل) فالضرب الأول یفید التأکید من وجهین والثانی من وجه واحد (وتحقیقهما

******

التأکید وکان مشبها للمدح ، لما سبق من أن الأصل فیما بعد إلا مخالفته لما قبلها ، فیکون ما بعدها إثبات صفة المدح ، فتأمل.

(قوله : فلان لا خیر فیه إلا أنه یسیء إلی من أحسن إلیه) أی أنه انتفت عنه صفات الخیر إلا هذه الصفة ، وهی الإساءة للمحسن إلیه إن کانت خیرا ، لکنها لیست خیرا وحینئذ فلا خیر فیه أصلا ، ویجری فی هذا ما جری فی الضرب الأول فی تأکید المدح من کون التأکید فیه من وجهین ؛ وذلک لأنه کدعوی الشیء ببینة ، وهو هنا نفی الخیریة عنه بالمرة ، وذلک لتعلیق وجود الخیریة فی فلان علی المحال ، وهو کون الإساءة للمحسن إلیه خیرا المبنی ذلک علی تقدیر الاتصال فی الاستثناء ؛ ولأن الکلام من جهة کون الأصل فی الاستثناء الاتصال یشعر بأن المتکلم طلب الأصل وهو استثناء المدح لیقع الاتصال ، فلما لم یجده استثنی ذمّا فجاء فیه ذم علی ذم. قال السبکی فی عروس الأفراح : فی هذا المثال نظر ؛ لأن الأصل فی الاستثناء الاتصال فلا بد أن یکون فیه مناسبة بین الخصلة المستثناة والخصال المستثنی منها ، والإساءة إلی من أحسن إلیه لیس فیها شیء یشبه الخیر ، وعلاقة المضادة هنا بعیدة الاعتبار ، فینبغی أن یمثل بما صورته صورة إحسان ، کقولک : فلان لا خیر فیه إلا أنه یتصدق بما یسرقه. اه. یس.

(قوله : وتعقب) أی تلک الصفة (وقوله : تلیها) أی : تلی تلک الأداة ، (وقوله : له) أی کائنة لذلک الشیء الموصوف بالصفة الأولی (قوله : والثانی من وجه واحد) أی لأن کونه کدعوی الشیء بالبینة لا یتأتی هنا لأنه یتوقف علی التعلیق وهو بالمحال وهو یتوقف علی اتصال الاستثناء ، وهو لا یتأتی هنا لأن المستثنی منه هنا صفة خاصة لا یمکن دخول شیء فیها ، وحینئذ فالضرب الثانی وإنما یفید التأکید من جهة أن الاستثناء لما کان الأصل فیه الاتصال ، والعدول عن الاتصال إلی الانقطاع یشعر بأن المتکلم طلب استثناء المدح فلم یجده ، فأتی بالذم علی الذم فجاء تأکید الذم (قوله : وتحقیقهما) أی

ص: 133

علی قیاس ما مرّ) فی تأکید المدح بما یشبه الذم.

ولا عیب فیهم غیر أنّ سیوفهم

بهنّ فلول من قراع الکتائب (1).

(علی وجه استتبع مدحه بکونه سببا لصلاح الدنیا ونظامها) إذ لا تهنئة لأحد بشیء لا فائدة فیه قال علی بن عیسی الربعی (وفیه) أی فی البیت وجهان آخران من المدح أحدهما (أنه نهب الأعمار دون الأموال) کما هو مقتضی علو الهمة وذلک مفهوم من تخصیص الأعمار بالذکر والإعراض عن الأموال مع أن النهب بها ألیق وهم یعتبرون ذلک فی المحاورات والخطابیات وأن لم یعتبره أئمة الأصول (و) الثانی

******

کونه سببا لصلاح الدنیا فتابع له (قوله : علی وجه) أی وهو کون الدنیا تهنأ بخلوده ، والحاصل أن الشاعر لما مدحه بنهایة الشجاعة ، وجعل خلوده تهنأ به الدنیا کان مدحه بنهایة الشجاعة علی الوجه المذکور ، وهو تهنئة الدنیا بخلوده مستتبعا ومستلزم لمدحه بکونه سببا لصلاح الدنیا وحسن نظامها ، لأن المراد بتهنئة الدنیا تهنئة أهلها ، فلو لم یکن لهذا الممدوح فائدة لأهل الدنیا ما هنئوا ببقائه ، إذ لا تهنئة لأحد بشیء لا فائدة له فیه ، فقول الشاعر إذ لا تهنئة إلخ علة لمحذوف قد علمته (قوله : قال علی إلخ) أشار الشارح بهذا إلی استخراج الوجهین الآخرین من المدح من البیت المذکور لیس ذلک للمصنف کما هو ظاهره ، بل هو ناقل لذلک عن غیره ، ففیه إشارة للاعتراض علی المصنف ، والربعی بفتح الراء والباء نسبة لربیعة (قوله : وجهان آخران) أی غیر الاستتباع مدلولان لذلک البیت بالالتزام وهما. علو الهمة وعدم الظلم :

(قوله : أنه نهب الأعمار دون الأموال) أی وهذا یستلزم مدحه بعلو الهمة ، وأن همته إنما تتعلق بمعالی الأمور ، لأن الذی یمیل للمال إنما هو الهمة الدنیة والأموال یعطیها ولا ینهبها والأرواح ینهبها ، فالعدول عن الأموال إلی الأعمار إنما هو لعلو الهمة ، وذلک مما یمدح به ، وقوله أنه نهب إلخ أی مفاد أنه نهب إلخ وهو علو الهمة (قوله : وذلک) أی نفی نهب الأموال مفهوم من تخصیص الأعمار بالذکر والإعراض عن الأموال ، لأن تخصیص الشیء بالذکر یقتضی الحصر (قوله : مع أن النهب بها) أی مع أن تعلق النهب بالأعمار ألیق بالمدح (قوله : وهم) أی : البلغاء یعتبرون ذلک أی : التخصیص والإعراض من حیث ما یفهم منه (قوله : فی المحاورات) أی : المخاصمات وقوله والخطابیات أی : الظنیات (قوله وإن لم یعتبره) أی التخصیص المذکور أئمة الأصول أی : أکثرهم ، فهو لا

ص: 135

(أنه لم یکن ظالما فی قتلهم) وإلا لما کان للدنیا سرور بخلود.

وقد أسند إلی المفعول الأول (فهو) لشموله المدح وغیره (أعم من الاستتباع) لاختصاصه بالمدح ...

******

الغزل وهو الکلام الواقع من المحب فی شأن المحبوب الفخر بکونه حلیما ، حیث کنی عن ذلک بالاستفهام عن وجود خلیل صالح یودعه حلمه ، وضمن الفخر بالحلم شکوی الزمان لتغیر الإخوان حیث أخرج الاستفهام مخرج الإنکار تنبیها علی أنه لم یبق فی الإخوان من یصلح لهذا الشأن أی : إیداع الحلم عنده ، وقد نبه بقوله أودع الحلم عنده علی أنه لم یعزم علی مفارقة الحلم علی سبیل الدوام ، بل فی بعض الحالات أعنی حالة وصال المحبوب للوقوف علی الجهل ، وذلک لأنه لما کان شأنه أن یفعل أفعال الجهال وکان مریدا لوصاله ، عزم علی أنه إن وجد من یصلح لأن یودعه حلمه أودعه إیاه ، فإن الودائع ترد آخر الأمر ، واعلم أن المعنی الآخر وهو المضمن المدموج یجب أن لا یکون مصرحا به ، ولا یکون فی الکلام إشعار بأنه مسوق لأجله ، وإلا لم یکن ذلک من الإدماج ، فما قیل فی قوله :

أبی دهرنا إسعافنا فی نفوسنا

وأسعفنا فیمن نحبّ ونکرم (1)

فقلت له نعماک فیهم أتمّها

ودع أمرنا إن المهمّ المقدّم

إن هذا الکلام مسوق للتهنئة بالوزارة لبعض الوزراء ، وأن الدهر أسعفه بتلک الوزراة ، وأن الشاعر یحبها ، وضمن ذلک التشکی من الدهر فی عدم إسعافه هو فی نفسه ، فکانت الشکایة فیه إدماجا ، فهو سهو لأنه صرح أولا بالشکایة حیث قال : أبی دهرنا إسعافنا فی نفوسنا فکیف تکون مدمجة بل لو قیل إن هذا الکلام مسوق للشکایة والتهنئة مدمجة کان أقرب ، ولا ینافی هذا کون المقصود بالذات هو التهنئة ، لأن القصد الذاتی لا ینافی إفادة ذلک المقصود بطریق الإدماج بأن یؤتی به بعد التصریح بغیره ، وقول الشاعر : أتمها أی أتم ما ابتدأته من النعمی أی الإنعام ، وأترک أمرنا فإن أمرهم مهم والمهم مقدم.

(قوله : وقد أسند) أی یضمن (قوله : لاختصاصه بالمدح) هذا بالنظر لظاهر تعریف الاستتباع ، أما لو قیل إن ذکر المدح فی التعریف بطریق التمثیل لا للتخصیص ،

ص: 137

(کقوله : أقلّب فیه (1)) أی فی ذلک الدلیل (أجفانی کأنّی ، أعدّ بها علی الدّهر الذّنوبا ، فإنه ضمن وصف اللیل بالطول للشکایة من الدهر

کالمدح والذم مثلا ولا یکفی مجردا احتمال معنیین متغایرین (کقول من قال لأعور / لیت عینیه سواء) یحتمل تمنی صحة العین العوراء فیکون دعاء له والعکس فیکون دعاء علیه قال (السکاکی منه) أی ومن التوجیه (متشابهات القرآن باعتبار) وهو احتمالها لوجهین مختلفین وتفارقه باعتبار آخر وهو عدم استواء الاحتمالین ...

******

(قوله : کالمدح والذم) أی وکالسب والدعاء (قوله : ولا یکفی مجرد احتمال معنیین متغایرین) أی : کما یوهمه کلام المصنف فهو اعتراض علیه ، أی فلو قیل رأیت العین فی موضع ، فإنه یحتمل علی السواء أن یراد العین الجاریة وعین الذهب والفضة ، ولیس من التوجیه لأن المعنیین متغایران ولا تضاد بینهما لجواز اجتماعهما ، (قوله : کقول من قال لأعور) أی خیاط یسمی عمرا وذلک القائل هو بشار بن برد ، وقوله

لیت عینیه سواء (1)

عجز بیت وصدره :

خاط لی عمرو قباء

وهذا البیت من مجزوء الرمل وبعده :

فاسأل الناس جمیعا

أمدیح أم هجاء

روی أن بشارا أعطی لخیاط أعور اسمه عمرو ثوبا لیخیطه له فقال له الخیاط لأخیطنه بحیث لا یعلم أقباء هو أم غیره ، فقال له بشار لئن فعلت ذلک لأقولن فیک شعرا لا یدری أهجاء أم غیره ، فلما خاط الخیاط ذلک الثوب قال بشار ما ذکر فی البیتین ، فإن قلت الظاهر أن الشاعر أراد المدح لأنه بإزاء خیاطة وهی الإحسان ، ومقابل الإحسان یکون إحسانا فلم یستو الاحتمالان ، وحینئذ فلا یتجه عدد من التوجیه ، قلت أراد استواء الاحتمالین بالنظر لنفس اللفظ وإن ترجح أحد الاحتمالین بالنظر للقرینة ، علی أن کون الشعر فی مقابلة الخیاطة لا یعین کون الشاعر أراد المدح ، لاحتمال أن یکون أفسد الخیاطة بالإبرة فدعا علیه ، وسمی الدعاءین مدیحا وهجاء ، نظرا لکون المدعو

ص: 139

لأن أحد المعنیین فی المتشابهات قریب والآخر بعید لما ذکر السکاکی نفسه من أن أکثر متشابهات القرآن من قبیل التوریة والإیهام ویجوز أن یکون وجه المفارقة هو أن المعنیین فی المتشابهات لا یجب تضادهما ...

******

له یستحق أن یمدح بموجب الدعاء له ، والمدعو علیه یستحق أن یذم ویهجی بموجب الدعاء علیه (قوله : لأن أحد المعنیین فی المتشابهات قریب والآخر بعید) أی : وهو المراد من اللفظ کما فی (یَدُ اللهِ فَوْقَ أَیْدِیهِمْ)(1) فإن المتبادر من الید الجارحة والمراد منها القدرة ، وهذا المعنی المراد بعید من اللفظ (قوله : لما ذکر السکاکی) أی وإنما قلنا إن أحد المعنیین فی المتشابهات قریب والآخر بعید لما ذکر إلخ (قوله : من قبیل التوریة والإیهام) العطف مرادف أی ومعلوم أن التوریة التی هی الإیهام إنما تتصوره فی معنی قریب وبعید کما تقدم.

(قوله ویجوز أن یکون وجه المفارقة) أی : بین التوجیه والمتشابهات وهذا وجه آخر للفرق ، وقوله أن المعنیین فی المتشابهات لا یجب تضادهما ، أی بل یجوز اجتماعهما کالقدرة والید بمعنی الجارحة ، أی بخلاف التوجیه فإنه یجب فیه تضاد المعنیین کما مر قال العلامة الیعقوبی بعد أن ذکر جمیع کلام الشارح : وفی هذا الکلام خبط لا یخفی ، لأنهم اشترطوا فی التوجیه استواء المعنیین فی القرب والبعد ، فکیف یصح أن تکون المتشابهات من التوجیه بوجه مع کون أحد المعنیین فی المتشابهات بعیدا هو المراد کما فی قوله (وَالسَّماءَ بَنَیْناها بِأَیْدٍ)(2) و (الرَّحْمنُ عَلَی الْعَرْشِ اسْتَوی)(3) فالمعنی المجازی وهو البعید منهما هو المراد کما تقدم ، وأیضا قد ذکر السکاکی نفسه أن المتشابهات علی الإطلاق من التوجیه باعتبار ، وقد ذکر بعد أن أکثرها له معنی قریب وبعید ، وهو یقتضی أن الذی یکون توجیها من المتشابهات بالاعتبار هو البعض لا الکل ، نعم إن صح أن بعض المتشابهات یحتمل الضدین علی السواء کانت من التوجیه الصرف ، لا أنها منه باعتبار فقط ، وکذا إن صح أن التوجیه لا یشترط فیه استواء الاحتمالین ، وهو بعید من کلامهم.

ص: 140

[الهزل یراد به الجِدّ]:

(ومنه) أی ومن المعنوی (الهزل الذی یراد به الجد کقوله

إذا ما تمیمیُّ أتاکَ مُفَاخِرَّا

فَقُل عَدٌ عَن ذا کیفَ أکلکَ للضّبٌ)

[تجاهل العارف] :

(ومنه) أی ومن البدیع المعنوی (تجاهل العارف وهو کما سماه الساکاکی سوق المعلوم .......................................................................)

******

[الهزل یراد به الجد] :

(قول : الهزل الذی یراد به الجد) أی : وهو أن یذکر الشئ علی سبیل اللعب والمباسطة ، زیقصد به أمر صحیح فی الحقیقة ، والفرق بینه وبین النهکم أن التهکم ظاهره جد وباطنه هزل وهذا بعکسه ، وهو واقع فی کلامهم کثیرا ، کقول الإمام مالک لبعض تلامذته حین سأله : أتعرف بیت قدامة؟ وکان ذلک البیت بلعب فیه بالحمام ومنه قول ابن نباتة :

سلب محاسِنُکَ الغزالَ صفاته

حتی تحیَّرَ کُلٌ ظبیِ فیکا

لک جیدُه ولحاظُه ونِفَارُه

وکذا نظیرُ قرونهِ لأبیکا

والجد بکسر الجیم ضد الهزل الذی هو اللهر واللعب (قوله : کقوله) أی الشاعر وهو أبو نواس (قوله : إذا ما تمیمیِّ إلخ) (1) أی : فقولک للتمیمی وقت مفاخرته بحضورک لا تفتخر ، وقل لی کیف أکلک للضب هزل ظاهر لکنک ترید به الجد ، وهو ذم التمیمی بأکله الضب وأنه لا مفاخرة مع ارتکابه أکل الضب الذی یعافه أشراف الناس ، وعلم من هذا أن الهزلیة باعتبار استعمال الکلام ، والجدیة باعتبار ما قصد منه فی الحالة الراهنة (قوله : عد عن ذا) أی جاوز هذا الافتخار بترکه وحدثنا عن أکلک الضب تأکله علی أی حالة فعد أمر من عدی بمعنی یجاوز.

[تجاهل العارف]:

(قوله : وهو کما سماه إلخ) کان الظاهر أن یقول : وهو ما سماه السکاکی إلخ إلا أنه اعتبر المغایرة من حیث إنه یسمی بتجاهل العارف ، ومن حیث إنه یسمی بالسوق ،

ص: 142

ألمع برق سری أم ضوء مصباح

أم ابتسامتها بالمنظر الضّاحی)

أی الظاهر (أو) المبالغة (فی الذم کقوله وما أدری وسوف إخال أدری (1)) أی أظن وکسر همزة المتکلم فیه هو الأفصح وبنو أسد تقول أخاک بالفتح

******

یوجب ذبوله وأنه لا یخرج ورقه ، فلما أورق وبخته علی إخراج الورق ، وأظهرت أنها حینئذ تشک فی جزعه ، وإذا کان الشجر یوبخ علی عدم الجزع فأحری غیره ، فالتجاهل هنا المؤدی لتنزیل ما لا یعلم منزلة العالم صار وسیلة للتوبیخ علی الإیراق ، ووسیلة إلی التشبیه علی أن مآثره بلغت إلی حیث تعلم بها الجمادات ، ولو أتت تلک القائلة بما یدل علی أن الشجر لا یعلم بابن طریف وأنه من جملة الجمادات لما حسن التوبیخ ولما اتضح ظهور المآثر حتی للجمادات فافهم اه. یعقوبی.

(قوله : کقوله) (2) أی الشاعر وهو البحتری (قوله : سری) أی ظهر باللیل وهو صفة لبرق (قوله : ابتسامتها) أی أم ضوء أسنانها عند ابتسامها (قوله : بالمنظر) الباء بمعنی فی ، وأراد بالمنظر المحل الذی ینظر وهو الوجه فهو بفتح الظاء ، والضاحی هو الظاهر من ضحا الطریق إذا ظهر ، فالشاعر یعلم أنه لیس ثم إلا ابتسامها ، لکنه تجاهل وأظهر أنه التبس علیه الأمر فلم یدر هل هذا اللمعان المشاهد من أسنانها عند الابتسام ، لمع برق سری أم هو ضوء مصباح أم هو ضوء ابتسامتها الکائن من منظرها الضاحی ، وهذا التجاهل المنزل منزلة الجهل مفید للمبالغة فی مدحها ، وأنها بلغت إلی حیث یتحیر فی الحاصل منها ویلتبس المشاهد منها.

(قوله : کقوله) أی الشاعر وهو زهیر بن أبی سلمی وبعد البیت المذکور.

فمن فی کفّه منهم خضاب

کمن فی کفّه منهم قناء

(قوله : وسوف إخال أدری) المعنی وأظن أنی سأدری وأعلم بحالهم حاصلا ، فحذف مفعولی إخال وسوف محلها بعد إخال ، وهذه الجملة اعتراضیة بین أدری ومعموله ،

ص: 143

وهو القیاس (أقوم آل حصن أم نساء) فیه دلالة علی أن القوم هم الرجال خاصة (والتدله) أی وکالتحیر والتدهش (فی الحب فی قوله بالله یا ظبیات القاع (1)) وهو المستوی من الأرض (قلنا لنا ، لیلای منکن أم لیلی من البشر) وفی إضافة لیلی إلی نفسه أولا والتصریح باسمها ثانیا استلذاذ ...

******

وهو قوله : أقوم آل حصن إلخ ، وکونها بالواو یدل علی أن الاعتراض قد یکون بالواو (قوله : وهو القیاس) أی : فی حرف المضارعة الداخل علی الثلاثی (قوله : أقوم آل حصن أم نساء) هذا محل الشاهد فهو یعلم أن آل حصن رجال ، لکنه تجاهل وأظهر أنه التبس علیه أمرهم فی الحال ، وإن کان سیعلمه فی المستقبل ، فلم یدر هل هم رجال أم نساء ، وهذا التجاهل المنزل منزلة الجهل مفید للمبالغة فی ذمهم من حیث إنهم یلتبسون بالنساء فی قلة نفعهم وضعف فائدتهم. (قوله : فیه دلالة إلخ) أی حیث قابل بین النساء والقوم فمعادلته بینهم تدل علی أن القوم لا یتناول النساء بل هو مخصوص بالرجال لغة ، ویدل له قوله تعالی (لا یَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسی أَنْ یَکُونُوا خَیْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسی أَنْ یَکُنَّ خَیْراً مِنْهُنَ)(2) قال العصام : وفیه أنه یجوز مقابلة المجتمع من الرجال والنساء بالنساء الصرفة ، فالحق أن القوم اسم لمجموع الرجال والنساء ، بدلیل (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلی قَوْمِهِ)(3) فتأمل.

(قوله : والتدهش) عطف تفسیر أی ذهاب العقل (قوله : فی قوله) أی الشاعر وهو الحسین بن عبد الله الغریی (قوله : وهو) أی القاع المستوی من الأرض أی : الأرض المستویة ، وإضافة الظبیات إلیه لکونها فیه ، وقوله بالله قسم استعطاف للظبیات المنادیات لتجیبه ، (قوله : لیلای منکن إلخ) (4) أی : لیلی المنسوبة إلی منکن ، أی فهو یعلم أن لیلی من البشر ، فتجاهل وأظهر أنه أدهشه الحب حتی لا یدری هل هی من الظبیات الوحشیة أم من البشر ، فلذلک سأل الظبیات عن حالها (قوله : وفی إضافة لیلی إلخ) أی

ص: 144

وهذا أنموذج من نکت التجاهل وهی أکثر من أن یضبطها القلم.

أی لذلک الشیء (حکم فتثبتها لغیره) أی فتثبت أنت فی کلامک لک الصفة لغیر ذلک الشیء (من غیر تعرض لثبوته له) أی لثبوت ذلک الحکم لذلک الغیر (أو نفیه عنه نحو (یَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَی الْمَدِینَةِ لَیُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِینَ)(1) فالأعز صفة وقعت فی کلام المنافقین کنایة عن فریقهم والأذل کنایة عن المؤمنین وقد أثبت المنافقون لفریقهم إخراج المؤمنین من المدینة فأثبت الله تعالی فی الرد علیهم صفة العزة لغیر فریقهم وهو الله تعالی ورسوله والمؤمنون ولم یتعرض لثبوت ذلک الحکم الذی هو الإخراج للموصوفین بالعزة أعنی الله تعالی ورسوله والمؤمنین ولا لنفیه عنهم (والثانی حمل لفظ وقع فی کلام الغیر

******

(قوله : أی لذلک الشیء حکم) أی : تقتضیه فیه تلک الصفة لکونها نعتا کالإخراج للمؤمنین (قوله : فتثبتها لغیره) أی : فتثبت تلک الصفة لغیر ذلک الشیء ، کالله ورسوله والمؤمنین أی : للإیماء إلی أن ذلک الحکم مسلم لزومه لتلک الصفة ، ولکن لا یفیدک أیها المخاطب ؛ لأن الصفة المستلزمة له إنما هی لغیر من عبرت بها عنه ، فقد قیل بموجب تلک الصفة وهو استلزامها للحکم ، لکن هو لغیر من عبرت بها عنه (قوله : من غیر تعرض إلخ) أی : فلو تعرضت للحکم إثباتا أو نفیا خرج الکلام عن القول بالموجب ، فإذا قال القوی :لیخرجن القوی من هذا البیت الضعیف ، معبرا بصفة القوة عن نفسه مثبتا لمدلولها حکم الإخراج ، فإن أثبت الصفة للغیر ولم تتعرض للحکم بأن قلت : القوی أنا ، کان الکلام من القول بالموجب ، وإن تعرضت للحکم بأن قلت : القوی الذی هو أنا یخرجک منه ، لم یکن من القول بالموجب فی شیء (قوله : لثبوته له أو نفیه عنه) الأولی لإثباته له أو انتفائه عنه (قوله : یقولون) أی : المنافقون لئن رجعنا من غزوة بنی المصطلق إلی المدینة (قوله : وقد أثبت المنافقون لفریقهم) أی : المکنی عنه بالأعز (قوله : فأثبت الله تعالی إلخ) أی بعد أن سلم لهم أن الأعز یخرج الأذل ، فکأنه قیل لهم : نعم الأعز یخرج الأذل ، لکن العزة لله ولرسوله وللمؤمنین لا لکم (قوله : ولم یتعرض لثبوت ذلک الحکم الذی هو الإخراج للموصوفین بالعزة) أی : وإن کان یلزمه ذلک ؛ لأنه لما أثبت الصفة الموجبة للحکم لهم لزم ثبوت الحکم لهم.

ص: 146

علی خلاف مراده) حال کونه خلاف مراده (مما یحتمله) ذلک اللفظ (بذکر متعلقة) أی إنما یحمل علی خلاف مراده بأن یذکر متعلق ذلک اللفظ (کقوله

******

(قوله : علی خلاف مراده) أی مراد ذلک الغیر ، وذلک کما لو أطلق الغیر لفظا علی معنی فیحمله غیر من أطلقه علی معنی آخر لم یرده المتکلم الأول (قوله : مما یحتمله ذلک اللفظ) أی : من المعانی التی یحتملها ذلک اللفظ احتمالا حقیقیا أو مجازیا ، بأن یکون اللفظ صالحا لذلک المعنی الذی حمل علیه ، وإن کان لم یرد ، فلو کان اللفظ غیر صالح له ، کان الحمل علیه عبثا لا بدیعا (قوله : بذکر متعلقه) متعلق بحمل والباء للسببیة أی وحمل اللفظ علی الخلاف المحتمل بسبب ذکر متعلق ذلک اللفظ (قوله : بأن یذکر متعلق ذلک اللفظ) المراد بالمتعلق هنا ما یناسب المعنی المحمول علیه ، سواء کان متعلقا اصطلاحیا کالمفعول والجار والمجرور أو لا ، فالأول کقوله (1) :

قلت ثقلت إذ أتیت مرارا إلخ.

والثانی کقوله :

لقد بهتوا لمّا رأونی شاحبا

فقالوا به عین فقلت وعارض

أرادوا بالعین إصابة العائن وحمله علی إصابة عین المعشوق بذکر ملائم وهو العارض فی الأسنان التی هی کالبرد ، فکأنه قال صدقتم بأن بی عینا ، لکن بی عینها وعارضها لا عین العائن ، ووجه کون هذا الضرب من القول بالموجب ظاهر کالأول ، لأنه اعترف بما ذکر المخاطب لکن المعنی غیر مراد ، ولما لم یصرح بنفی المراد صار ظاهرة إقرارا بما قیل وذلک ظاهر ، وقد فهم من البیتین أن الحمل علی خلاف المراد تارة یکون بإعادة المحمول ، کما فی البیت المذکور فی المتن ، وکما فی قول بعضهم :

جاء أهلی لمّا رأونی علیلا

بحکیم لشرح دائی یسعف

قال هذا به إصابة عین

قلت عین الحبیب إن کنت تعرف

ص: 147

قلت ثقّلت إذ أتیت مرارا

قال ثقّلت کاهلی بالأیادی

فلفظ ثقلت وقع فی کلام الغیر بمعنی حملتک المؤنة فحمله علی تثقیل عاتقه بالأیادی والمنن أن ذکر متعلقة أعنی قوله کاهلی بالأیادی ...

******

وتارة یکون بدون إعادته کما فی البیت الذی ذکرناه.

(قوله إذ أتیت مرارا) إذ ظرف لقلت أو ثقلت (قوله : قال ثقلت کاهلی) الکاهل ما بین الکتفین ، وقوله بالأیادی أی المنن والنعم (قوله : فلفظ ثقلت وقع فی کلام الغیر) أی وهو المتکلم و (قوله : بمعنی حملتک المؤنة) أی المشقة من أکل وشرب بإتیانی لک مرة بعد أخری ، وقوله فحمله ، أی المخاطب وقوله (علی تثقیل عاتقه) أی کتفه وقوله والمنن عطف تفسیر ، والحاصل أن المتکلم یقول لمخاطبه ثقلت علیک وحملتک المشقة بإتیانی إلیک مرارا ، فقال له المخاطب صدقت فی کونک ثقلت علی ، لکن ثقلت کاهلی بالمنن لا حملتنی المشقة ، فجعل إتیانه إلیه نعما عدیدة حتی أثقلت عاتقه ، وبعد البیت المذکور :

قلت طوّلت قال لا بل تطول

ت وأبرمت قال حبل ودادی.

أی : قلت له طولت الإقامة والإتیان ، فقال بل تطولت من التطول والتفضل ، وقوله وأبرمت أی أمللت ، وقوله حبل ودادی أی : قال نعم أبرمت ولکن أبرمت وأحکمت حبل ودادی ، فقوله وأبرمت قال حبل ودادی من هذا القبیل ، أی القول بالموجب بدون إعادة المحمول ، ومنه أیضا البیت الثالث فی قول الشاعر :

وإخوان حسبتهم دروعا

فکانوها ولکن للأعادی (1)

وخلتهم سهاما صائبات

فکانوها ولکن فی فؤادی

وقالوا قد صفت منا قلوب

لقد صدقوا ولکن من ودادی

فکأنه قال نعم صدقتم ولکن صفاؤکم عن ودادی لا عن حقد ، وأما البیتان الأولان فلیسا من هذا القبیل ، بل ما فیهما قریب منه ، إذ لیس فیهما حمل صفة ذکرت

ص: 148

إن یقتلوک فقد ثللت عروشهم

بعتیبة بن الحارث بن شهاب

یقال للقوم إذا ذهب عزهم وتضعضع حالهم : قد ثل عرشهم یعنی إن تبجحوا بقتلک وفرحوا به ، فقد أثرت فی عزهم وهدمت أساس مجدهم بقتل رئیسهم فإن قیل هذا من تتابع الإضافات فکیف یعد من المحسنات؟ قلنا قد تقرر أن تتابع الإضافات إذا سلم من الاستکراه ملح ولطف ، والبیت من هذا القبیل کقوله صلی الله علیه وسلم (1) (الکریم ابن الکریم ابن الکریم ابن الکریم) ...

******

والتکلف فی السبک ضده نحو زید الفاضل بن عمرو أو زید بن عمرو التاجر ابن خالد ، ونحوه للفنری ، وفیه أن استفادة هذا المعنی من حسن السبک خفیة ، وحینئذ فیلزم التعریف بالأخفی ، تأمل.

ویسمی ذکر اسم الشخص واسم آبائه علی ترتیب الولادة اطرادا ؛ لأن تلک الأسماء فی تحدرها کالماء الجاری فی اطراده ، أی : سهولة انسجامه وجریانه.

(قوله : فقد ثللت) (2) هو بتاء الخطاب أی : أهلکت ، یقال ثلهم إذا أهلکهم ، والعروش جمع عرش یطلق علی المقر (وقوله : بعتیبة) أی بقتل عتیبة ، وهذا مثال لما ذکر فیه اسم غیر الممدوح ، ومثال الاطراد الذی ذکر فیه اسم الممدوح الحدیث الآتی (قوله : وتضعضع) أی : ضعف (قوله : إن تبجحوا) أی افتخروا بقتلک (قوله : فقد أثرت إلخ) هذا دلیل الجواب المحذوف ، أی فلا یعظم علینا افتخارهم ؛ لأن عندنا ما یخفف أذی افتخارهم ، وهو أنک قد أثرت فی عزهم وهدمت أساس مجدهم ، بقتل رئیسهم ، فکأنک أخذت بثأر نفسک قبل قتلک فلا افتخار لهم فی الحقیقة (قوله : فإن قیل هذا) أی البیت ، (وقوله : من تتابع) إلخ أی : من ذی تتابع الإضافات (قوله : فکیف یعد من المحسنات) أی : مع أنه مخل بالفصاحة (قوله : قلنا : قد تقرر إلخ) حاصله أن تتابع الإضافات إنما یخل

ص: 150

بالفصاحة إذا کان فیه ثقل واستکراه ، أما إذا سلم من ذلک حسن ولطف ، والبیت من الحدیث هذا تمام ما ذکر من الضرب المعنوی.

فیخرج التشابه فی المعنی نحو أسد وسبع أو فی مجرد العدد نحو ضرب وعلم أو فی مجرد الوزن نحو ضرب وقتل (والتام منه) أی من الجناس (أن یتفقا) أی اللفظان (فی أنواع الحروف) ...

******

کما قال الشارح فلیس بینهما جناس ، وأما إذا تشابها فی اللفظ والمعنی معا کالتأکید اللفظی ، نحو : قام زید قام زید فلا جناس بینهما.

(قوله : فیخرج) أی بقوله : فی اللفظ (قوله : نحو أسد وسبع) أی فإنهما قد تشابها فی المعنی دون اللفظ ، بمعنی أن اللفظین متشابهان من جهة أن معناهما واحد ، فوجه الشبه بین اللفظین اتحاد المعنی ، فالمعنی فی هذا هو المعنی فی ذاک ، کما یقال : اشترک الطرفان فی وجه الشبه ، ولیس المعنی أن لهذین اللفظین معنیین تشابها ، وإلا لورد أن المعنی فیهما متحد والتشابه یقتضی التعدد.

(قوله : أو فی مجرد العدد) أی : ویخرج من التعریف التشابه فی العدد المجرد عن التشابه فی اللفظ ، کما فی ضرب وعلم مبنیین للفاعل فلا جناس بینهما لعدم تشابههما فی التلفظ وإن تشابها فی العدد.

(قوله : أو فی مجرد الوزن) أی : ویخرج من التعریف ما إذا تشابه اللفظان فی الوزن دون التلفظ ، ویلزم من التشابه فی الوزن التشابه فی العدد ، نحو : ضرب وقتل مبنیین للفاعل فلا جناس بینهما لعدم تشابههما فی التلفظ وإن تشابها فی الوزن والعدد.

(قوله : والتام منه) هذا شروع فی أقسام الجناس ، وهی خمسة : التام والمحرف والناقص والمقلوب وما یشمل المضارع واللاحق ؛ وذلک لأن اللفظین إن اتفقا فی کل شیء من أنواع الحروف وأعدادها وهیآتها وترتیبها فهو التام ، وإن اختلفا فی الهیئة فقط فهو المحرف ، وإن اختلفا فی زیادة بعض الحروف فهو الناقص ، وإن اختلفا فی نوع من الحروف فهو ما یشمل المضارع واللاحق ، وإن اختلفا فی ترتیب الحروف فهو المقلوب ، وفی کل قسم من هذا الأقسام الخمسة تفصیل یأتی.

وبدأ المصنف منها بالکلام علی التام حیث قال : والتام منه إلخ (قوله : فی أنواع الحروف) الإضافة للبیان ، وإنما أورد لفظ أنواع تنبیها علی أن الحروف أنواع ، وإلا

ص: 152

فکل من الحروف التسعة والعشرین نوع ، وبهذا یخرج نحو یفرح ویمرح (و) فی (أعدادها) وبه یخرج نحو الساق والمساق (و) فی (هیآتها) وبه یخرج نحو البرد والبرد ، فإن هیئة الکلمة کیفیة حاصلة لها باعتبار الحرکات والسکنات فنحو ضرب وقتل علی هیئة واحدة مع اختلاف الحروف بخلاف ضرب وضرب مبنیین للفاعل والمفعول فإنهما علی هیئتین مع اتحاد الحروف ...

******

فیکفی أن یقول فی الحروف (قوله : فکل من الحروف التسعة والعشرین نوع) أی برأسه فالألف نوع وتحته أصناف ؛ لأنها إما مقلوبة عن واو أو یاء أو أصلیة ، والباء کذلک نوع تحته أصناف ؛ لأنها إما مدغمة أو لا مشددة أو لا ، وعلی هذا القیاس فلا یرد أن یقال النوع تحته أصناف ، والحروف الهجائیة إنما تحتها أشخاص لا أصناف ، والجواب ما ذکر ، أو یقال وهو الأقرب : المراد بالنوع هنا النوع اللغوی ، ولا یشترط فیه وجود أصناف تحته (قوله : وبهذا) أی باشتراط الاتفاق فی أنواع الحروف الموجودة فی اللفظین یخرج عن التام نحو : یفرح ویمرح مما اتفقا فی بعض الأنواع دون بعض ، فإن یفرح ویمرح قد اختلفا فی المیم والفاء ، فلیس بینهما جناس تام بل لاحق (قوله : وفی أعدادها وهیآتها) الأولی وفی عددها وهیئتها ، إذ لیس توافق الکلمتین فی أعداد الحروف وفی الهیآت ، إذ لیس لحروف الکلمة إلا هیئة واحدة وعدد واحد ، لکنه أورد صیغة الجمع نظرا للمواد ، والمراد بتوافق الکلمتین فی عدد الحروف أن یکون مقدار حروف أحد اللفظین هو مقدار حروف الآخر.

(قوله : وبه) أی باشتراط اتفاق اللفظین فی عدد الحروف ، یخرج نحو الساق والمساق ؛ لأن المیم لا یقابلها شیء فی المقابل ، بل هی مزیدة فلم یتفق عدد الحروف فی اللفظین ، فلیس بینهما جناس تام بل ناقص ، ولو أخرج نحو الساق والمساق بالاتفاق فی أنواع الحروف الموجودة ما بعد ، أیضا. تأمل. ولا اعتبار بکون الحرف المشدد بحرفین کما یأتی ، والمساق مصدر میمی بمعنی السوق.

(قوله : هیآتها) أی الحروف (قوله : نحو البرد والبرد) أی بفتح الباء من أحدهما وضمها من الآخر (قوله : فإن هیئة الکلمة إلخ) هذا تعلیل لمحذوف ، أی وإنما اشتراط

ص: 153

(و) فی (ترتیبها) أی تقدیم بعض الحروف علی بعض وتأخیره عنه ، وبه یخرج الفتح والحتف (فإن کانا) أی اللفظان المتفقان فی جمیع ما ذکر (من نوع واحد) من أنواع الکلمة (کاسمین) أو فعلین أو حرفین ...

******

الاتفاق فی هیئة الحروف زیادة علی الاتفاق فی أنواعها ؛ لأن هیئتها أمر زائد علیها ، فلا یلزم من الاتفاق فی أنواع الحروف الاتفاق فی هیئتها ، ولا یلزم من الاتفاق فی هیئتها الاتفاق فی أنواعها ؛ لأن هیئة الحرف حرکته المخصوصة أو سکونه ، وهو غیره. قال العلامة عبد الحکیم : کان الأولی أن یقول : فإن هیئة الحروف دون الکلمة ؛ لأن الکلام فی هیآت الحروف دون هیآت الکلمات ، والحاصل أن هیئة الحروف کیفیة حاصلة لها باعتبار حرکاتها وسکناتها ، سواء اتفقت أنواع الحروف أو اختلفت ، وأما هیئة الکلمة فهی کیفیة حاصلة لها باعتبار حرکات الحروف وسکناتها ، وتقدیم بعضها علی بعض ، ولا یعتبر فی هیئة الکلمة حرکة الحرف الأخیر ولا سکونه ؛ لأن الحرف الأخیر عرضة للتغیر ، إذ هو محل الإعراب والوقف ، فلا یشترط اتفاق الکلمتین فی هیئته (قوله : وفی ترتیبها) أی أنه یشترط الاتفاق فی ترتیب الحروف ، بأن یکون المقدم والمؤخر فی أحد اللفظین هو المقدم والمؤخر فی الآخر.

وقد تبین من کلام المصنف أن الجناس التام یشترط فیه شروط أربعة : الاتفاق فی أنواع الحروف ، والاتفاق فی أعدادها والاتفاق فی هیئتها ، والاتفاق فی ترتیبها (قوله : أی تقدیم بعض الحروف علی بعض) هذا تصویر للترتیب فی حد ذاته (وقوله : وتأخیره عنه) أی تأخیر الآخر عن البعض الأول (قوله : والحتف) هو الموت.

(قوله : فإن کانا من نوع واحد) أی سواء اتفقا فی الإفراد کما مثل المصنف ، أو فی الجمعیة نحو قول الشاعر :

حدق الآجال آجال

والهوی للمرء قتّال (1)

الأول جمع إجل بالکسر وهو القطیع من بقر الوحش ، والثانی جمع أجل والمراد به منتهی الأعمار ، والمعنی عیون النساء الشبیهة بقطیع البقر من الوحش جالبات للموت ،

ص: 154

(سمی مماثلا) جریا علی اصطلاح المتکلمین من أن التماثل هو الاتحاد فی النوع (نحو (وَیَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ)(1) أی القیامة (یُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَیْرَ ساعَةٍ) من ساعات الأیام (وإن کانا من نوعین) ...

******

والعشق قتال للإنسان ، أو کانا مختلفین نحو : فلان طویل النجاد وطلاع النجاد ، الأول مفرد بمعنی حمائل السیف ، والثانی جمع نجد وهو ما ارتفع من الأرض ، والمعنی فلان طویل حمائل السیف وطلاع للأراضی المرتفعة (قوله : سمی مماثلا) أی سمی جناسا تاما مماثلا ، وفی نسخة سمی متماثلا وهی المناسبة لقول الشارح ، من أن التماثل إلخ وأشار الشارح بما ذکره من التعلیل إلی أن تلک التسمیة بطریق النقل عن اصطلاح المتکلمین من أن التماثل هو الاتحاد فی النوع ، والمناسب فی التعلیل لنسخة سمی مماثلا أن یقال أخذا من المماثلة التی هی الاتحاد فی النوع عند المتکلمین ، ثم إن المستحق أن یسمی مماثلا جریا علی ذلک الاصطلاح کل من المتجانسین لا التجانس بینهما ، ولکن لا حجر فی الاصطلاح (قوله : (وَیَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ)) أی القیامة سمیت ساعة لوقوعها فیها (قوله : یقسم المجرمون) أی : یحلف المجرمون أنهم ما لبثوا فی الدنیا غیر ساعة ، أی إلا وقتا یسیرا من ساعات الأیام الدنیویة ، والساعة اصطلاحا جزء من أربعة وعشرین جزءا یتجزأ بها زمان اللیل والنهار ، ففی زمن استوائهما یکون اللیل منها اثنتی عشرة ویکون النهار کذلک ، وعند اختلافهما بالطول والقصر یدخل من ساعات أحدهما فی الآخر ما نقص من ذلک الآخر ، وهو إیلاج أحدهما فی الآخر المشار له بقوله تعالی (یُولِجُ اللَّیْلَ فِی النَّهارِ وَیُولِجُ النَّهارَ فِی اللَّیْلِ)(2) والساعة فی الآیة یحتمل أن یراد بها هذه الاصطلاحیة ، ویحتمل أن یراد بها الساعة اللغویة ، وهی اللحظة من الزمان وهذا أقرب ، ومحل الشاهد أن الساعة الأولی والثانیة فی الآیة قد اتفقا فی نوع الاسمیة ، وفی جمیع الأوجه السابقة ، إذ لا عبرة باللام التعریفیة لأنها فی حکم الانفصال ، فکان الجناس بینهما مماثلا ، قیل إنه لا جناس فی الآیة أصلا ، لأن استعمال لفظ الساعة فی القیامة مجاز ،

ص: 155

اسم وفعل أو اسم وحرف أو فعل وحرف (سمی مستوفی کقوله :

ما مات من کرم الزّمان فإنّه

یحیا لدی یحیی بن عبد الله (1)

******

لوقوعها فی لحظة فسمیت القیامة ساعة لملابستها للساعة ، واللفظ الحقیقی مع مجازیه لا یکون من التجنیس ، کما لوقیل رأیت أسدا فی الحمام وأسدا فی الغابة ، وکما لو قلت رکبت حمارا ورأیت حمارا تعنی بلیدا ، وقد یجاب علی تقدیر تسلیم أنه لا جناس بین اللفظ الحقیقی ومجازیه بأن الساعة صارت حقیقة عرفیة فی القیامة.

وقد اقتصر المصنف علی مثال ما إذا کان الجناس بین اسمین ، ومثاله بین الفعلین أن یقال : لما قال لدیهم قال لهم کذا وکذا ، فالأول من القیلولة والثانی من القول ، ومثاله بین الحرفین أن یقال : قد یجود الکریم وقد یعثر الجواد ، فإن قد الأولی للتکثیر والثانیة للتقلیل ، فالمعنی مختلف مع اتفاق اللفظین فی نوع الحرفیة ، وفی جمیع ما مر (قوله : اسم وفعل إلخ) یعنی أن هذا المسمی بالمستوفی ، ثلاثة أقسام : الأول بین اسم وفعل کما فی البیت والثانی بین اسم وحرف ، کأن یقال : رب رجل شرب رب رجل آخر ، فرب الأولی حرف جر والثانیة اسم للعصیر المعلوم ، والثالث بین حرف وفعل ، کقولک علا زید علی جمیع أهله ، أی : ارتفع علیهم ، فعلا الأولی فعل والثانیة حرف (قوله : سمی مستوفی) أی لاستیفاء کل من اللفظین أوصاف الآخر ، وإن اختلفا فی النوع (قوله : کقوله) أی : الشاعر وهو أبو تمام فی مدح یحیی بن عبد الله البرمکی ، کان من عظماء أهل الوزارة فی الدولة العباسیة وهذا البیت مثال الاسم والفعل ، ومثال الاسم والحرف رب رجل شرب رب آخر فرب الأول حرف جر ، والثانی اسم للعصیر المستخرج من العنب ، ومثال الفعل والحرف علا زید علی جمیع أهله أی : ارتفع علیهم فعلا الأولی فعل والثانیة حرف (قوله ما مات من کرم الزمان) ما موصولة فی محل رفع علی الابتداء وخبره جملة فإنه إلخ ومن کرم الزمان بیان لما أی ما ذهب عن أهل الوقت من کرم الزمان الماضی فصار کالمیت فی عدم ظهوره (قوله : فإنه) أی فإن ذلک المیت من الکرم وقوله یحیا أی یظهر کالحی ، ویتجدد عند یحیی بن عبد الله یعنی أن کل کرم اندرس ،

ص: 156

لأنه کریم یحیی اسم الکرم (وأیضا) للجناس التام تقسیم آخر وهو أنه (إن کان أحد لفظیه مرکبا) والآخر مفردا (سمی جناس الترکیب) وحینئذ (فإن اتفقا) أی اللفظان المفرد والمرکب (فی الخط خص) هذا النوع من جناس الترکیب (باسم المتشابه) لاتفاق اللفظین فی الکتابة (کقوله (1) إذا ملک لم یکن ذا هبة) أی صاحب هبة وعطاء ...

******

فإنه یظهر ویتجدد عند هذا الممدوح ، فقد أطلق الموت علی الذهاب والاندراس مجازا ومحل الشاهد قوله فإنه یحیا لدی یحیی فإن الأول فعل والثانی اسم رجل (قوله : یحیی اسم الکرم) الإضافة بیانیة أی : یحیی الکرم ویجدده وفی نسخة یحیی هو اسم الکرم.

(قوله تقسیم آخر) أی إلی ثلاثة أقسام متشابه ومفروق ومرفو فأقسام التام حینئذ خمسة (قوله وإن کان أحد لفظیه) أی : أحد لفظی الجناس التام مرکبا والآخر مفردا سمی جناس الترکیب أی وإن لم یکن أحد لفظیه کذلک فهو ما مر من المماثل والمستوفی فهذا مقابل لما مر ، ولو جعل التقسیم السابق ثلاثیا کان أحسن لیکون تقسیم الجناس التام إلی المماثل والمستوفی وجناس الترکیب ، والمراد بکون أحد اللفظین مفردا أن یکون کلمة واحدة ، والمراد بکونه مرکبا : أن لا یکون کلمة واحدة بل کلمتین أو کلمة وجزء کلمة أخری (قوله : سمی جناس الترکیب) أی لترکب أحد لفظیه.

(قوله : وحینئذ) أی : وحین إذا کان بین اللفظین جناس الترکیب فإن اتفقا إلخ ، وحاصله أن جناس الترکیب ینقسم إلی قسمین ، لأن اللفظین المفرد والمرکب إما أن یتفقا فی الخط بأن یکون ما یشاهد من هیئة مرسوم المرکب هو ما یشاهد من هیئة مرسوم المفرد ، وإما أن لا یتفقا بأن تکون هیئة مرسوم أحدهما مخالفة لهیئة مرسوم الآخر فإن کان الأول خص هذا النوع من جناس الترکیب باسم المتشابه لتشابه اللفظین فی الکتابة کما تشابها فی أنواع الاتفاقات المتقدمة غیر الاسمیة والفعلیة والحرفیة وإن کان الثانی خص هذا النوع من جناس الترکیب باسم المفروق لافتراق اللفظین فیه فی صورة الکتابة (قوله : کقوله)

ص: 157

(فدعه) أی اترکه (فدولته ذاهبة) أی غیر باقیة (وإلا) أی وإن لم یتفق اللفظان المفرد والمرکب فی الخط (خص) هذا النوع من جناس الترکیب (باسم المفروق) لافتراق اللفظین فی صورة الکتابة (کقوله :

کلکم قد أخذ الجا

م ولا جام لنا

ما الذی ضرّ مدیر ال

جام لو جاملنا)

أی عاملنا بالجمیل ، هذا إذا لم یکن اللفظ المرکب مرکبا من کلمة وبعض کلمة والأخص باسم المرفوع کقولک ...

******

أی الشاعر وهو أبو الفتح البستی نسبة إلی بست بالضم بلدة من أعمال سجستان (قوله فدعه) أی : اترکه وابعد عنه فدولته ذاهبة ، والشاهد فی ذاهبة الأول والثانی ، فالأول مرکب من ذا بمعنی صاحب وهبة وهی فعلة من وهب ، والثانی مفرد ، إذ هو اسم فاعل المؤنث من ذهب وکتابتهما متفقة فی الصورة فالجناس بینهما متشابه.

(قوله : کقوله) أی : الشاعر وهو أبو الفتح البستی أیضا (قوله : أخذ الجام) أی : الکاس وهو إناء یشرب به الخمر (قوله ما الذی ضر مدیر الجام) (1) أی : أی شیء ضر مدیر الجام وهو الساقی الذی یسقی القوم بالجام ، لأنه یدیره علیهم حالة السقی (قوله : لو جاملنا) أی : عاملنا بالجمیل أی : أنه لا ضرر علیه فی معاملتنا بالجمیل بأن یدیره علینا کما أداره علیکم فالاستفهام فی قوله ما الذی إلخ إنکاری فیه عتاب علی الحاضرین فی المجلس وتحسر علی حرمانه من الشرب ، فاللفظ الأول من المتجانسین وهو جام لنا مرکب من اسم لا وخبرها وهو المجرور مع حرف الجر ، والثانی مرکب من فعل ومفعول ، لکن عدوا الضمیر المنصوب المتصل بمنزله جزء الکلمة فصار المجموع فی حکم المفرد ولذلک صح التمثیل به لمفرد ومرکب وإلا کانا مرکبین کذا فی الحفید وابن یعقوب. إذا علمت هذا تعلم أن قول الشارح فیما مر والآخر مفرد أی : حقیقة أو تنزیلا ، فالأولی کما فی البیت الأول والثانی کما فی هذا البیت الثانی.

(قوله هذا إذا لم یکن إلخ) هذا تقیید لقول المصنف وإلا أی : وإن لم یتفق اللفظان المفرد والمرکب فی الخط خص باسم المفروق فإن ظاهره یشمل ما إذا کان المرکب

ص: 158

أهذا مصاب أم طعم صاب (وإن اختلفا) عطف علی قوله : والتام منه أن یتفقا ...

******

مرکبا من کلمتین کالمثال المتقدم ، أو مرکبا من کلمة وبعض کلمة أخری ، وأن الجناس فی هاتین الحالتین یقال له مفروق ولیس کذلک ، إذ التخصیص باسم المفروق إنما هو إذا لم یکن المرکب مرکبا من کلمة وبعض کلمة أخری کما فی المثال ، وأما إن کان مرکبا من کلمة وبعض أخری فإنه یخص باسم المرفو أخذا من قولک رفأ الثوب إذا جمع ما تقطع منه بالخیاطة فکأنه رفئ بعض الکلمة فأخذنا المیم من طعم ورفأنا بها صاب فصارت مصاب ، وحاصل التقسیم الصحیح للمرکب أن یقال : إن المرکب إن کان مرکبا من کلمة وبعض کلمة یسمی التجنیس مرفوا ، وإلا یکن مرکبا من کلمة وبعض أخری ، بل من کلمتین فهو متشابه إن تشابه اللفظان فی الخط ، ومفروق إن لم یتشابها فی الخط ، بل افترقا فیه.

(قوله : أهذا مصاب أم طعم صاب) المصاب قصب السکر والصاب عصارة شجر مر کذا فی المطول. وقال العصام : الصاب جمع صابة وهو شجر مر ووهم الجوهری فی قوله الصاب عصارة شجر مر ، فاللفظ الثانی من لفظی التجنیس مرکب من صاب ومن المیم فی طعم بخلاف الأول منهما فإنه مفرد وهما غیر متفقین فی الخط.

ووجه حسن الجناس التام مطلقا أن صورته صورة الإعادة وهو فی الحقیقة للإفادة (قوله : وإن اختلفا فی إلخ) حاصله أن ما تقدم فیما إذا کان اللفظان متفقین فی أنواع الحروف وعددها وهیئتها وترتیبها فإن لم یکونا متفقین فی ذلک فهو أربعة أقسام ، لأن عدم الاتفاق فی ذلک إما أن یکون بالاختلاف فی أنواع الحروف أو فی عددها أو فی هیئتها أو فی ترتیبها ، وإنما حصرنا الاختلاف فی هذه الأربعة وجعلنا الخلاف فی حالة لا فی أکثر ؛ لأنهما لو اختلفا فی اثنین من ذلک أو أکثر لم یعد ذلک من باب التجنیس لبعد التشابه بینهما (قوله : عطف علی قوله : والتام منه أن یتفقا) أی فهو من قبیل عطف الجملة الفعلیة الشرطیة علی جملة اسمیة ؛ لأنها فی تأویل الشرطیة المناسبة لهذه ، إذ کأنه یقول : إن اتفق اللفظان فی جمیع الأوجه السابقة فهو التام فیناسب أن یقال هنا وإن اختلفا

ص: 159

أو علی محذوف أی هذا إن اتفقا وإن اختلفا لفظا المتجانسین (فی هیآت الحروف فقط) أی واتفقا فی النوع والعدد والترتیب (سمی) التجنیس (محرفا) لانحراف إحدی الهیئتین عن الهیئة الأخری ، والاختلاف قد یکون بالحرکة (کقولهم : جبّة البرد جنّة البرد) یعنی لفظ البرد بالضم والفتح (ونحوه) فی أن الاختلاف فی الهیئة فقط قولهم (الجاهل إما مفرط أو مفرّط) لأن الحرف المشدد لما کان یرتفع اللسان عنهما دفعة واحدة کحرف واحد عدا حرفا واحدا ، وجعل التجنیس مما الاختلاف فیه فی الهیئة فقط ولذا قال (والحرف المشدد) ...

******

إلخ ، ولا یصح العطف علی قوله أن یتفقا ؛ لأنه یلزم تسلط والتام علی المعطوف ولیس کذلک (قوله : أو علی محذوف) أی : فیکون من عطف جملة فعلیة علی فعلیة.

(قوله : لانحراف إحدی الهیئتین) أی : لانحراف هیئة أحد اللفظین عن هیئة الآخر (قوله : والاختلاف) أی : فی الهیئة قد یکون بالحرکة أی : فقط کما فی المثال الأول ، وقد یکون بالسکون فقط کما فی المثال الثانی ، وهو الجاهل إما مفرط أو مفرط ، وقد یکون بالحرکة والسکون معا نحو : شرک الشرک وهو المثال الثالث (قوله : جبة البرد جنة البرد) أی : الجبة المأخوذة من البرد أی : الصوف جنة أی : وقایة البرد (قوله : یعنی إلخ) أی : أن محل الشاهد البرد والبرد فإنهما مختلفان فی هیئة الحروف بسبب الاختلاف فی حرکة الباء ؛ لأنها فی الأول ضمة وفی الثانی فتحة وأما لفظة الجبة والجنة فمن التجنیس اللاحق لا المحرف (قوله : ونحوه) أی : نحو قولهم : جبة البرد جنة البرد فی کونه من التجنیس المحرف لکون الاختلاف فی الهیئة فقط (قوله : الجاهل إما مفرط أو مفرّط) الأول من الإفراط وهو تجاوز الحد ، والثانی من التفریط وهو التقصیر فیما لا ینبغی التقصیر فیه أی أنه مجاوز للحد فیما یفعله أو مقصر فلا یفعل أصلا ، ولیس له الحالة المتوسطة بین الإفراط والتفریط (قوله : لأن الحرف المشدد إلخ) أی : وإنما کان هذا المثال من الجناس المحرف ، ولم یکن من الناقص بناء علی أن الحرف المشدد حرفان ؛ لأن الحرف المشدد لما کان یرتفع اللسان عنهما أی : عند النطق بهما دفعة واحدة کالحرف الواحد عدا حرفا واحدا فإذا جعل من التجنیس الذی لم یقع الاختلاف فیه إلا فی الهیئة لا فی العدد (قوله : لما کان یرتفع اللسان عنهما) أفهم تثنیة الضمیر أن

ص: 160

فی هذا الباب (فی حکم المخفف) واختلاف الهیئة مفرط ومفرط باعتبار أن الفاء من أحدهما ساکن ومن الآخر مفتوح (و) قد یکون الاختلاف بالحرکة والسکون جمیعا (کقولهم : البدعة شرک الشّرک) فإن الشین من الأول مفتوح ومن الثانی مکسور والراء من الأول مفتوح ومن الثانی ساکن.

******

هناک حذفا والتقدیر : لأن الحرف المشدد وإن کان بحرفین لکنه لما کان یرتفع اللسان إلخ (قوله : فی هذا الباب) أی : باب التجنیس.

(قوله : فی حکم المخفف) أی : لأمرین : الأول : ما تقدم من أن اللسان یرتفع عند النطق بالحرفین دفعة واحدة کالحرف الواحد وإن کان فی الحرفین ثقل ما ، لکنه لم یعتبر لقرب زمنه ، والثانی : أنهما فی الکتابة شیء واحد ، وأمارة التشدید منفصلة ، وحیث کان المشدد فی حکم المخفف فتکون الراء من مفرط مکسورة کالراء من مفرط ، وحینئذ فیکون الاختلاف بینهما إنما هو فی الهیئة فقط ، واختلاف الهیئة فی مفرط ومفرط باعتبار أن الفاء فی أحدهما مفتوحة وفی الآخر ساکنة ، وهذا نوع من اختلاف الهیئة غیر الأول وغیر قولهم : البدعة شرک الشّرک ؛ لأن الأول اختلاف الهیئة فیه باختلاف الحرکة الکائنة فی اللفظین المتجانسین ، ومفرط ومفرّط اختلاف الهیئة باختلاف الحرکة والسکون المقابل لها ، والثالث وهو شرک الشّرک اختلفت الهیئة فیه باختلاف الحرکة والسکون معا (قوله : البدعة شرک الشّرک) البدعة هی الحدث فی الدین بعد کماله ، والشّرک بفتح الراء المهملة حبالة الصائد ، والشّرک بالکسر اسم مصدر بمعنی الإشراک ، والمراد الإشراک بالله تعالی ، ومعنی کون البدعة شرکا للشّرک أن اتخاذ البدعة دیدنا وعادة یؤدی للوقوع فی الشرک کما أن نصب الشرک للصید یؤدی عادة لوقوعه فیه (قوله : فإن الشین من الأول مفتوح إلخ) أی : فقد قابلت الحرکة حرکة مغیرة لها وقابلت الحرکة سکونا (قوله : فإن الشین إلخ) أی : ولا عبرة بهمزة الوصل لسقوطها فی الدرج ولا باللام المدغمة فی الشین لما عرفت فی مفرط ومفرّط.

ص: 161

(وإن اختلفا) أی لفظ المتجانسین (فی أعدادها) أی أعداد الحروف بأن یکون فی أحد اللفظین حرفا زائدا وأکثر إذا سقط حصل الجناس التام (سمی الجناس ناقصا) لنقصان أحد اللفظین عن الآخر (وذلک) الاختلاف (إما بحرف) واحد (فی الأول مثل (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ. إِلی رَبِّکَ یَوْمَئِذٍ الْمَساقُ)(1) بزیادة المیم (أو فی الوسط نحو جدّی جهدی) بزیاة الهاء ...

******

(قوله : حرف زائد) أی : لا مقابل له فی اللفظ الآخر ، ولیس المراد بکونه زائدا أنه زائد علی الأصول (قوله : إذا سقط حصل الجناس التام) أی : لاتفاق اللفظین فی أنواع الحروف وعددها وهیئتها وترتیبها. قال العلامة الیعقوبی : وکلامهم هذا یقتضی أن الجناس الناقص یشترط فیه أن یکون الباقی بعد إسقاط المزید مساویا للفظ الآخر فی جمیع ما تقدم ، وانظر لما لا یقال إن ساواه فی کل ما تقدم فناقص التام أو فی غیر الهیئة فناقص الحرف أو فی غیر الترتیب یسمی ناقص المقلوب (قوله : وذلک الاختلاف إما بحرف إلخ) حاصله أن أقسام الجناس الناقص ستة ؛ وذلک لأن الزائد إما حرف واحد أو أکثر ، وعلی التقدیرین فهو إما فی الأول أو فی الوسط أو فی الآخر وقد مثل المصنف بثلاثة أمثلة لأقسام المزید الواحد ، ولم یمثل من أقسام المزید الأکثر إلا بالمزید آخرا (قوله : فی الأول) أی : فی أول اللفظ المجانس لآخر وکان الأولی أن یقول : بحرف واحد هو الأول ؛ لأن الحرف عین الأول لا مظروف فیه حتی یلتزم علیه ظرفیة الشیء فی نفسه ، وکذا قوله : أو فی الوسط أو فی الآخر (قوله : بزیادة المیم) أی : فی المساق وهی زائدة فی الأول والباقی مجانس لمجموع المقابل (قوله : جدی جهدی) بفتح الجیم فیهما مع زیادة الهاء وسطا فی الثانی ، والباقی بعد إسقاطها مجانس جناسا تامّا للمقابل ، إذ لا عبرة بتشدید الدال لما تقدم أن المشدد کالمخفف فی هذا الباب ، والجد بفتح الجیم الغنی والحظ ، وأما الجدّ : الذی هو أبو الأب فلیس مراد هنا ، والجهد بفتحها : المشقة والتعب والترکیب محتمل لوجهین فیحتمل أن یکون المعنی : إن حظی

ص: 162

وقد سبق أن المشدد فی حکم المخفف (أو فی الآخر کقوله (یمدّون من أید عواص عواصم (1)) بزیادة المیم ولا اعتبار بالتنوین وقوله : من أید فی موضع نصب مفعول یمدون ، علی زیادة من کما هو مذهب الأخفش أو علی کونها للتبعیض ، کما فی قولهم : هزّ من عطفه وحرک من نشاطه ، أو علی أنه صفة لمحذوف

******

وغنای من الدنیا مجرد إتعاب نفسی فی تحصیل المکاسب من غیر وصول إلیها ، فیکون تشکیا وإخبارا بأنه لا یحصل من سعیه علی طائل ولا نفع ، ویحتمل أن یکون المعنی إن حظی من الدنیا وغنای فیها بمشقتی وجهدی لا بالوراثة عن آبائی وأجدادی ، فیکون إخبارا بالنجابة فی السعی وأن الغنی لا یتوقف علی وراثة (قوله : وقد سبق إلخ) جواب عما یقال : إن جهدی بعد حذف الهاء منه یکون جدی بتخفیف الدال فلا یکون بینه وبین جدی جناس تام.

(قوله : کقوله) أی الشاعر وهو أبو تمام (قوله : ولا اعتبار بالتنوین) أی : فی عواص ؛ وذلک لأنه فی حکم الانفصال أو بصدد الزوال بسبب الوقف أو الإضافة (قوله : علی زیادة من) أی : بناء علی زیادة من (قوله : کما هو مذهب الأخفش) أی : المجوز لزیادتها فی الإثبات (قوله : أو علی کونها للتبعیض) أی : أو بناء علی کونها للتبعیض (وقوله : کما فی قولهم هزّ من عطفه وحرک من نشاطه) أی : هز بعض العطف ؛ لأن العطف الشق والعضو المهزوز منه الکتف مثلا ، وحرک بعض الأعضاء التی یظهر بتحریکها نشاطه ، وهز العطف : کنایة عن السرور ؛ لأن المسرور یهتز فصارت الهزة ملزومة للسرور وکذا تحریک النشاط (قوله : أو علی أنه صفة لمحذوف) ظاهره أنه عطف علی قوله : أو علی کونها للتبعیض وفیه نظر ؛ لأنه ینحل المعنی من أید فی موضع نصب مفعول یمدون بناء علی زیادة من أو علی أنها للتبعیض ، أو علی أنه صفة لمحذوف ، ومن المعلوم أنه إذا کان صفة لمحذوف لا یکون مفعولا فالأولی جعله عطفا علی المعنی ، فکأنه قیل : من أید نصب علی المفعول ، أو علی أنه صفة لمحذوف (قوله :

ص: 163

أی یمدون سواعد من أید عواص جمع عاصیة من عصاه ضربه بالعصا وعواصم من عصمه حفظه وحماه وتمامه :

تصول بأسیاف قواض قواضب

أی : یمدون أیدیا ضاربات للأعداء حامیات للأولیاء صائلات علی الأقران بسیوف حاکمه بالقتل قاطعة (وربما سمی هذا) القسم الذی تکون الزیادة فیه فی الآخر (مطرفا وإما بأکثر) من حرف واحد وهو عطف علی قوله إما بحرف ، ولم یذکر من هذا الضرب إلا ما تکون الزیادة فی الآخر (کقولها) ...

******

أی یمدون سواعد من أید) أی : کأنه من أید ، فمن ابتدائیة أو أنها للتبعیض ، إذ السواعد بعض الأیدی ، فکأنه قیل یمدون السواعد التی هی بعض الأیدی (قوله : من عصا ضربه بالعصا) وعلی هذا فمعنی عواص ضاربات بالعصا والمراد بها هنا السیف بدلیل ما بعده ، وقیل إن عواص من العصیان أی : عاصیات علی أعدائهم عاصمات لأصدقائهم (قوله : أی : یمدون أیدیا) أی : یمدون للضرب یوم الحرب أیدیا (قوله : ضاربات للأعداء) أی : بالسیف وهذا بیان لمعنی عواص ، وقوله حامیات أی : حافظات للأولیاء من کل مهلکة ومذلة وهذا بیان لمعنی عواصم ، وقوله حاکمة بالقتل أی : علی الأعداء بیان لمعنی قواض ، لأنه جمع قاضیة من قضی بکذا إذا حکم به ، وقوله قاطعة أی : لکل مضروب بها من الأعداء بیان لمعنی قواضب ، لأنه جمع قاضبة من قضبه إذا قطعه.

وفی الأطول : إن قواض بمعنی قوائل - من قضی علیه : قتله ، وهذا أنسب مما فی الشارح ، وحینئذ فالمعنی : تصول علی الأعداء بأسیاف قوائل للأحیاء وقواطع لکل ما لاقاها ، سواء کان خشبا أو حجرا أو حدیدا ، فلیس ذکر القواضب مستغنی عنه بالوصف بالقواضی اه. کلامه.

(قوله : مطرفا) أی : لتطرف الزیادة فیه (قوله : ولم یذکر من هذا الضرب إلا ما تکون الزیادة فی الآخر) أی : لعدم اطلاعه علی أمثلة الباقی ، وقال فی الأطول : إنه لم یذکر من هذا الضرب إلا ما کانت الزیادة فیه فی الآخر لأجل بیان اسمه بقوله وربما

ص: 164

أی الخنساء (إن البکاء هو الشفاء من الجوی) أی حرقة القلب (بین الجوانح) بزیادة النون والحاء (وربما سمی هذا) النوع (مذیلا وإن اختلفا) أی لفظا المتجانسین (فی أنواعها) أی أنواع الحروف (فیشترط ألا یقع) الاختلاف (بأکثر من حرف) واحد وإلا لبعد بینهما التشابه ولم یبق التجانس کلفظی نصر ونکل (ثم الحرفان) ...

******

سمی هذا أی : ما کانت الزیادة فیه فی الآخر بأکثر من حرف مذیلا ، وعبر بربما بإشارة إلی عدم اشتهار تلک التسمیة. ا. ه.

(قوله : أی الخنساء) أخت صخر فی رد کلام من لامها فی کثرة البکاء علیه ، روی أنها بکت علیه حتی ابیضت عیناها ، وبعد البیت المذکور :

یا عین جودی بالدّمو

ع المستهلّات السّوافح (1)

والبیت من مجزوء الکامل المرفل ، وشطره قبل همزة الشفاء فهو مدوّر وفح ترفیل (قوله : أی حرقة القلب) هذا بیان لمعنی الجوی بحسب الأصل ، والمراد به هنا مجرد الحرقة بقرینة قوله بین الجوانح أی : إن البکاء هو الشفاء من الحرقة الکائنة بین الجوانح أی : الضلوع التی تحت الترائب مما یلی الصدر کذا فی الأطول ، ولا شک أن الجوانح زید فیه بعد ما یماثل الجوی النون والحاء ، فإذا أسقطتها صار الباقی مساویا للجوی فکان من التجنیس الناقص.

(قوله هذا النوع) أی : الذی زید فی آخره أکثر من حرف (قوله : مذیلا) أی : لأن تلک الزیادة فی آخره کالذیل (قوله : وإن اختلفا فی أنواعها إلخ) الاختلاف فی أنواع الحروف أن یشتمل کل من اللفظین علی حرف لم یشتمل علیه الآخر من غیر أن یکون مزیدا وإلا کان من الناقص کما تقدم (قوله : فیشترط إلخ) جواب الشرط أی : فیشترط فی کون الإتیان باللفظین المختلفین فی نوعیة الحروف من البدیع الجناسی ألا یقع إلخ (قوله : وإلا لبعد إلخ) أی : وإلا لو وقع الاختلاف بأکثر من حرف لبعد إلخ (قوله : کلفظی نصر ونکل)

ص: 165

اللذان وقع بینهما الاختلاف (إن کانا متقاربین) فی المخرج (سمی) الجناس (مضارعا وهو) ثلاثة أضرب لأن الحرف الأجنبی (إما فی الأول نحو بینی وبین کنی لیل دامس وطریق طامس أو فی الوسط ...

******

تمثیل للمنفی ، وکذا لفظا ضرب وخرق ، وکذا ضرب وسلب ، واللفظان الأولان اشترکا فی الحرف الأول فقط ، واللفظان الثانیان اشترکا فی الحرف الوسط فقط ، واللفظان الثالثان اشترکا فی الحرف الأخیر فقط ، ولیس شیء من ذلک من التجنیس (قوله : اللذان وقع بینهما الاختلاف) أی : حالة کونهما فی اللفظین (قوله : إن کان متقاربین فی المخرج) أی : بأن کان حلقیین أو شفویین أو من الثنایا العلیا ، وعلی هذا فالمراد بالمتقاربین فی المخرج ما یشمل المتحدین فیه : کالدال والطاء والهمزة والهاء (قول : سمی الجناس) أی : الذی بین اللفظین اللذین کان الحرفان المتباینان فیهما متقاربین فی المخرج (قوله : مضارعا) أی : لمضارعة المباین من اللفظین لصاحبه فی المخرج.

(قوله : وهو ثلاثة أضرب) جعل الشارح ضمیر هو راجعا للمضارع فاحتاج لتقدیر ، لأن الحرف إلخ ولو جعل ضمیر هو راجعا للحرف المدلول علیه بقوله : ثم الحرفان ، لکان أحسن (قوله : لأن الحرف الأجنبی) یعنی المباین لمقابلة (قول : إما فی الأول) أی : إما فی أول اللفظین وفی کلامه تسامح ، لأن أول اللفظین فی الحقیقة هو الحرف ففیه ظرفیة الشیء فی نفسه فلو حذف فی وقال : إما الأول لکان أحسن ، وإن کان یمکن الجواب بأنه من ظرفیة العام فی الخاص ، أو أن فی زائدة. تأمل.

(قوله : بینی وبین کنی لیل دامس وطریق طامس) هذا من کلام الحریری وهو نثر والکنّ البیت والدامس الشدید الظلمة من دمس یدمس ، ویدمس بالضم والکسر ، والطامس الدائر المطموس العلامات الذی لا یتبین فیه أثر یهتدی به ، والشاهد فی دامس وطامس ، فإن الدال والطاء حرفان متباینان إلا أنهما متقاربان فی المخرج ، لأنهما من اللسان مع أصل الأسنان وقد وجدا فی أول اللفظین (قوله : أو فی الوسط) أی : أو یوجد

ص: 166

اللذان وقع بینهما الاختلاف (إن کانا متقاربین) فی المخرج (سمی) الجناس (مضارعا وهو) ثلاثة أضرب لأن الحرف الأبعنی (إما فی الأول نحو بینی وبین کنی لیل دامس وطریق طامس أو فی الوسط ...............................................)

******

تمثیل للمنفی ، وکذا لفظا ضرب وخرق ، وکذا ضرب وسلب ، واللفظان الأولان اشترکا فی الحرف الأول فقط ، واللفظان الثانیان اشترکا فی الحرف الوسط فقط ، واللفظان الثالثان الشترکا فی الحرف الأخیر فقط ، ولیس شیء من ذلک من التجنسیس (قوله : اللذان وقع بینها الاختلاف) أی : حالة کونهما فی اللغظین (قوله : إن کان متقاربین فی المخرج) أی : بأن کان حلقبین أو شفوبین أو من الثنایا العلیاء وعلی هذا فالمراد بالمتقاربین فی المخرج ما بشمل المتحدین فیه : کالدال زالطاء والهمزة والهاء (قول : سمی الجناس) أی : الذی بین اللفظین اللذین کان الخرفان المتباینان فیها متقاربین فی المخرج (قوله : مضارعا) أی : لمضارعة المباین من اللفطین لصاحبه فی المخرج.

(قوله : وهو ثلاثة أضرب) جعل الشارح ضمیر هو راجعًا للمضارع فاحتاج لتقدیر ، لأن الحرف إلخ ولو جعل ضمیر هو راجعًا للحرف المدلول علیه بقوله : ثم الحرفان ، لکان أحسن (قوله : لأن الحرف الأجنبی) بعنی المباین امقابلة (قول : إما فی الأول) أی : إما فی أول اللفظین وفی کلامه تسامح ، لأن أول اللفظین فی الحقیقة هو الحرف ففیه ظرفیة الشیء فی نفسه فلو حذف فی وقال : إما الأول لکان أحسن ، وإن کان یمکن الجواب بأنه من ظرفیة العالم فی الخاص ، أو أن فی زائدة. تأمل.

(قوله : بینی وبین کنی لیل دامس وطریق طامس) هذا من کلام الحریری وهو نثر والکنّ البیت والدامس الشدید الظلمة من دمس یدمس بالضم والکسر ، والطامس الدائر المطموس العلامات الذی الیتبین فیه أثر یهتدی به ، والشاهد فی دامس وطامس ، فإن الدال والطاء حرفان متباینان إلا أنهما متقاربان فی المخرج ، لأنهما من اللسان مع الأسنان وقد وجدان فی أول اللفظین (قوله : أو فی الوسط) أی : أو یوجد

ص: 167

وبناء فعلة یدل علی الاعتیاد (أو فی الوسط نحو (ذلِکُمْ بِما کُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِی الْأَرْضِ بِغَیْرِ الْحَقِّ وَبِما کُنْتُمْ تَمْرَحُونَ)(1) وفی عدم تقارب الفاء والمیم نظر فإنهما شفویتان ...

******

والطعن فیها : تفسیر (قوله : وبناء فعلة) أی : بضم الفاء وفتح العین (قوله : یدل علی الاعتیاد) أی فلا یقال : فلان ضحکة ولا لعبة ، إلا لمن کان ملازما لذلک بحیث صار عادة له ، إلا لمن وقع منه ذلک فی الجملة ، والشاهد فی همزة ولمزة فإن بینهما جناسا لاحقا ؛ لأن الهاء واللام متباینان ومتباعدان فی المخرج ؛ لأن الهاء من أقصی الحلق واللام من طرف اللسان ووقعا فی أول اللفظین المتجانسین.

(قوله : تفرحون) أی : تتکبرون فی الأرض (وقوله : تمرحون) أی : تتوسعون فی الفرح ، فالمرح : نهایة الفرح ، والشاهد فی تفرحون وتمرحون فإن بینهما جناسا لاحقا علی ما قال المصنف ؛ لتباین الفاء والمیم وتباعدهما فی المخرج (قوله : وفی عدم إلخ) حاصله أن کون الجناس الذی فی هذه الآیة لاحقا فیه ؛ لأن التقارب فی المخرج بین الفاء والمیم موجود ؛ لأنهما شفویتان ؛ غایة الأمر أن الفاء من باطن الشفة السفلی وأطراف الأسنان والمیم من ظاهر الشفتین ولا یخرجهما ذلک عن کونهما شفویتین ، وحینئذ فالجناس فی هذه الآیة مضارع لا لاحق وقد أجاب بعضهم : بأن المراد من تقارب المخرج هنا قصر المسافة بین المخرجین ولیس بین مخرجی الفاء والمیم تقارب بهذا المعنی ؛ لأن المیم من ظاهر الشفتین والفاء من باطن الشفة السفلی وأطراف الأسنان وأنت خبیر بأن هذا الجواب یدل علی عدم اتحاد مخرجهما لا علی طول المسافة بینهما ، فالأولی لأجل هذا البحث أن یمثل بقوله تعالی : (وَإِنَّهُ عَلی ذلِکَ لَشَهِیدٌ. وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَیْرِ لَشَدِیدٌ)(2) فإن الهاء والدال متباینان ومتباعدان فی المخرج ؛ فإن الهاء : من أقصی الحلق ، والدال من اللسان مع أصول الأسنان.

ص: 168

وإن أرید بالتقارب أن یکونا بحیث تدغم إحداهما فی الأخری فالهاء والهمزة لیستا کذلک (أو فی الآخر نحو (وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ)(1) وإن اختلفا) أی لفظا المتجانسین (فی ترتیبها) أی ترتیب الحروف بأن یتحد النوع والعدد والهیئة لکن قدم فی أحد اللفظین بعض الحروف وأخر فی اللفظ الآخر (سمی) هذا النوع (تجنیس القلب نحو : حسامه فتح لأولیائه حتف لأعدائه. ویسمی قلب کل)

******

(قوله : وإن أرید إلخ) یعنی لو قیل فی الجواب عن المصنف : إن مراده بالحرفین المتقاربین فی المخرج فصحّ التمثیل ، فیقال فی رد هذا الجواب : إنهم ذکروا أن من جملة المتقاربین فی المخرج الهاء والهمزة کما مر فی (وَهُمْ یَنْهَوْنَ عَنْهُ وَیَنْأَوْنَ عَنْهُ)(2) ، لأنهما حلقیان ، والحال أنه لا یمکن إدغام أحدهما فی الآخر ، فبطل ذلک الجواب ، وما زال الاعتراض واردا علی المصنف (قوله : فالهاء والهمزة) علّة لجواب الشرط المحذوف أی : فلا یصح ؛ لأن الهاء إلخ (قوله : لیستا کذلک) أی : لا تدغم إحداهما فی الأخری مع أنه مثل بهما للمتقاربین (قوله : أمر من الأمن) فالأمن والأمر متفقان إلا فی الراء والنون وهما متباعدتان فی المخرج - کذا قال المصنف وفیه نظر ، بل هما متقاربتان ، حتی إنه یجوز إدغام إحداهما فی الأخری ؛ لأنهما من حروف الذلاقة التی یجمعها قولک : مر بنفل ، وهی تخرج من طرف اللسان ، وحینئذ فالنون والراء یخرجان منه ، فالمثال الصائب تلاف وتلاق (قوله : وأخر) أی : ذلک البعض فی اللفظ الآخر (قوله : سمی تجنیس القلب) أی : لوقوع القلب أی عکس بعض الحروف فی أحد اللفظین بالنظر للآخر وهو ضربان ؛ لأنه إن وقع الحرف الأخیر من الکلمة الأولی أولا من الثانیة والذی قبله ثانیا وهکذا علی الترتیب سمی قلب الکل وإلا سمی قلب البعض ، وقد ذکر المصنف مثال کل منهما (قوله : نحو : حسامه فتح لأولیائه حتف لأعدائه) أی : أن سیف الممدوح فتح لأولیائه ، إذ به یقع النصر لهم ، وحتف لأعدائه أی : هلاک لهم ، إذ به یقع موتهم وهذا الکلام حل لقول الأحنف بن قیس :

ص: 169

وبناء فعلة یدل علی الاعتیاد (أوفی الوسط نحو (ذلِکُمْ بِما کُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِی الْأَرْضِ بِغَیْرِ الْحَقِّ وَبِما کُنْتُمْ تَمْرَحُونَ)(1) وفی عدم تقارب الفاء والمیم نظر فإنهما شفویتان ...

******

والطعن فیها : تفسیر (قوله : وبناء فعلة) أی : بضم الفاء وفتح العین (قوله : یدل علی الاعتیاد) أی فلا یقال : فلان ضحکة ولا لعبة ، إلا لمن کان ملازما لذلک بحیث صار عادة له ، إلا لمن وقع منه ذلک فی الجملة ، والشاهد فی همزة ولمزة فإن بینهما جناسا لاحقا ؛ لأن الهاء واللام متباینان ومتباعدان فی المخرج ؛ لأن الهاء من أقصی الحلق واللام من طرف اللسان ووقعا فی أول اللفظین المتجانسین.

(قوله : تفرحون) أی : تتکبرون فی الأرض (وقوله : تمرحون) أی : تتوسعون فی الفرح ، فالمرح : نهایة الفرح ، والشاهد فی تفرحون وتمرحون فإن بینهما جناسا لاحقا علی ما قال المصنف ؛ لتباین الفاء والمیم وتباعدهما فی المخرج (قوله : وفی عدم إلخ) حاصله أن کون الجناس الذی فی هذه الآیة لاحقا فیه ؛ لأن التقارب فی المخرج بین الفاء والمیم موجود ؛ لأنهما شفویتان ؛ غایة الأمر أن الفاء من باطن الشفة السفلی وأطراف الأسنان والمیم من ظاهر الشفتین ولا یخرجهما ذلک عن کونهما شفویتین ، وحینئذ فالجناس فی هذه الآیة مضارع لا لاحق وقد أجاب بعضهم : بأن المراد من تقارب المخرج هنا قصر المسافة بین المخرجین ولیس بین مخرجی الفاء والمیم تقارب بهذا المعنی ؛ لأن المیم من ظاهر الشفتین والفاء من باطن الشفة السفلی وأطراف الأسنان وأنت خبیر بأن هذا الجواب یدل علی عدم اتحاد مخرجهما لا علی طول السمافة بینهما ، فالأولی لأجل هذا البحث أن یمثل بقوله تعالی : (وَإِنَّهُ عَلی ذلِکَ لَشَهِیدٌ. وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَیْرِ لَشَدِیدٌ)(2) فإن الهاء والدال متباینان ومتباعدان فی المخرج ؛ فإن الهاء : من أقصی الحلق ، والدال من اللسان مع أصول الأسنان.

ص: 170

أی تجانس کان ؛ ولذا ذکره باسمه الظاهر دون المضمر المتجانس (الآخر سمی) الجناس (مزدوجا ومکررا ومرددا نحو (وَجِئْتُکَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ یَقِینٍ)(1) هذا من التجنیس اللاحق وأمثلة الأقسام الأخر ظاهرة سبق (ویلحق بالجناس شیئان أحدهما أن یجمع اللفظین الاشتقاق) وهو توافق الکلمتین فی الحروف الأصول مع الاتفاق فی أصل المعنی (نحو قوله تعالی (فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ الْقَیِّمِ)(2) ...

******

عطف وشبه ذلک (قوله : أی تجانس کان) أی : سواء کان ذلک الجناس الذی بین اللفظین تاما أو محرفا أو ناقصا أو مضارعا أو لاحقا أو مقلوبا (قوله : ولذا) أی : لأجل کون المراد مطلق الجناس الشامل لجمیع الأنواع السابقة لا خصوص المقلوب (قوله : ذکره باسمه الظاهر دون المضمر) ولو کان مراد المصنف خصوص الجناس المقلوب لکان المناسب الإتیان بالضمیر (قوله : سمی مزدوجا ومکررا ومرددا) لازدواج اللفظین بتوالیهما وتکریر أحدهما بالآخر وترداده به.

(قوله : (مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ یَقِینٍ)) فسبأ ونبأ متوالیان وتجنیسهما لاحق ، وذلک لاختلافهما بحرفین متباعدین فی المخرج ، فالباء فی : بنبأ لا دخل لها فی التجنیس (قوله : ظاهرة مما سبق) فمثال التام أن یقال تقوم الساعة فی ساعة ، ومثال المحرف أن یقال :هذه لک جبة وجنة من البرد للبرد ، ومثال الناقص أن یقال : جدی جهدی ، ومثال المقلوب أن یقال : هذا السیف للأعداء والأولیاء حتف وفتح (قوله : ویلحق بالجناس) أی : فی التحسین شیئان هذا شروع فی شیئین لیسا من الجناس الحقیقی ولکنهما ملحقان به فی کونهما مما یحسن به الکلام کحسن الجناس (قوله : أن یجمع اللفظین الاشتقاق) أی : أن یکون اللفظان مشتقین من أصل واحد (قوله : وهو) أی : اجتماع اللفظین فی الاشتقاق توافق الکلمتین إلخ ، وأشار الشارح بهذا إلی أن المراد بالاشتقاق هنا الاشتقاق الذی ینصرف إلیه اللفظ عند الإطلاق وهو الاشتقاق الصغیر المفسر بتوافق الکلمین فی الحروف الأصول مع الترتیب والاتفاق فی أصل المعنی ، فقوله فی الحروف

ص: 171

فإنهما مشتقان من قام یقوم (والثانی أن یجمعهما) أی اللفظین (المشابهة وهی ما یشبه) أی اتفاق یشبه (الاشتقاق) ولیس باشتقاق ...

******

الأصول : خرج به الاشتقاق الأکبر کالثلب والثلم ، وقوله مع الترتیب خرج به الاشتقاق الکبیر : کالجذب والجبذ والمرق والرقم ، وقوله الاتفاق فی أصل المعنی خرج به الجناس التام ، لأن المعنی فیه مختلف ، ولذا لم یکن هذا جناسا ، بل ملحقا به ، لأنه لا بد فی الجناس من اختلاف معنی اللفظین (قوله : فإنهما) أی : أقم والقیم ، وقوله مشتقان من قام یقوم أی : علی المذهب الکوفی ، ومن مصدر قام یقوم وهو القیام بناء علی التحقیق من أن الاشتقاق من المصادر کما هو مذهب البصریین ، وفی الأطول : أقم مشتق من القیام وهو الانتساب والقیم المستقیم المعتدل الذی لا إفراط فیه ولا تفریط.

(قوله : المشابهة) لو قال أن یجمعهما شبه الاشتقاق لکان أخصر وأظهر ، والمراد بالمشابهة : الأمر المتشابه فهو مصدر بمعنی اسم الفاعل بدلیل تفسیرها بقوله : وهی ما یشبه الاشتقاق أی : وهی اتفاق یشبه الاشتقاق أو الانفاق الذی یشبه الاشتقاق ولیس باشتقاق ، وقول الشارح أی : اتفاق أی : سواء کان اشتقاقا کبیرا أو غیره ، وقوله یشبه الاشتقاق أی : الصغیر ، وقوله ولیس باشتقاق أی : صغیر وفیه أنه لا فائدة لذلک ، لأن مشابه الشیء لا یکون إیاه ، وحاصله أن الاتفاق الذی یشبه الاشتقاق الذی أطلق المصنف علیه المشابهة اتفاق اللفظین فی جلّ الحروف أو کلها علی وجه یتبادر منه أنهما یرجعان لأصل واحد کما فی الاشتقاق ولیسا فی الحقیقة کذلک ، لأن أصلهما فی نفس الأمر مختلف وذلک کما فی الآیة الآتیة فی المتن فإنه یتبادر من کون الأول وهو قال فعلا ومن کون الثانی وهو القالین وصفا إنهما من أصل واحد ولیس کذلک ، لأن الأول مشتق من القول والثانی من القلی وهو البغض والترک فبینهما اتفاق یشبه الاشتقاق فکان ما بینهما ملحقا بالجناس ، وخرج بقولنا علی وجه یتبادر منه أنهما یرجعان لأصل واحد عواص وعواصم والجوی والجوانح ، فإن فی کل جل ما فی الآخر من الحروف ، وکذا نحو : الحتف والفتح ، فإن فی کل منهما مجموع ما فی الآخر من الحروف ولیس من الملحق فی شیء لعدم کون اللفظین یتبادر منهما أنهما یرجعان لأصل واحد کما فی

ص: 172

فلفظة ما موصولة أو موصوفة وزعم بعضهم أنها مصدریة أی إشباه اللفظین الاشتقاق وهو غلط لفظا ومعنی ، أما لفظا فلأنه جعل الضمیر المفرد فی یشبه للفظین وهو لا یصح إلا بتأویل بعید فلا یصح عند الاستغناء عنه. وأما معنی ؛ فلأن اللفظین لا یشبهان الاشتقاق ، بل توافقهما قد یشبه الاشتقاق ...

******

الاشتقاق ، بل هما من قبیل الجناس ، والحاصل أنه فی شبه الاشتقاق یتوهم بالنظر لبادئ الرأی أن اللفظین مشتقان من أصل واحد وإن کان بعد التأویل یظهر خلاف ذلک ، وأما فی الجناس فلا یظهر فی بادئ الرأی ذلک (قوله : فلفظة ما إلخ) قیل إن فی هذا التفریع نظرا ، لأن هذا المذکور لا یتفرع علی ما ذکره من التفسیر بقوله : أی اتفاق ، بل الذی یتفرع علیه کون ما موصوفة فقط ، إلا أن یقال وجه التفریع علیه أنه لما علم أن ما بمعنی اتفاق صح کل من الموصولیة والموصوفیة ، لأنهما یؤدیان ذلک المعنی ا ه سم.

(قوله : وزعم بعضهم أنها مصدریة) الحامل له علی ذلک إبقاء المشابهة علی حقیقتها ، فلما أبقاها علی حقیقتها من المصدریة احتاج إلی جعل ما التی فسرت بها المشابهة مصدریة (قوله : أی أشباه اللفظین) مصدر مضاف لفاعله أی : مشابهة اللفظین إلخ (قوله : لفظا ومعنی) أی : من جهة اللفظ والمعنی (قوله : أما لفظا) أی : أما بیان الغلط من جهة اللفظ (قوله : فلأنه جعل الضمیر) أی : المستتر وقوله للفظین أی : لأنه جعل فاعل یشبه اللفظین وهما مثنی فقد رجع الضمیر المفرد للمثنی (قوله : إلا بتأویل بعید) أی : وهو کون الضمیر عائدا علی اللفظین باعتبار تأویلهما بالمذکور أی : أشباه ما ذکر من اللفظین الاشتقاق ، وهذا تکلف لا یحمل علیه اللفظ مع إمکان الحمل علی غیره بدون تکلف (قوله : بل توافقهما إلخ) إن قلت : إن هذا مراد هذا القائل فقد أراد بأشباه اللفظین فی الاشتقاق توافقهما فیه وحذف المضاف شائع ، قلت : إن تقدیر المضاف تکلف لا داعی إلیه للاستغناء عنه بالوجه القریب ، إن قلت إن الوجه الذی قاله الشارح وهو جعل ما موصولة أو موصوفة موقوف علی جعل المصدر وهو المشابهة بمعنی اسم الفاعل وهو تکلف ، قلت : لا تکلف ، إذ إطلاق المصدر بمعنی اسم الفاعل لقرینة کثیر والقرینة هنا التفسیر - تأمل ذلک.

ص: 173

بأن یکون فی کل منهما جمیع ما یکون فی الآخر من الحروف أو أکثرها ، لکن لا یرجعان إلی أصل واحد کما فی الاشتقاق (نحو : قال (إِنِّی لِعَمَلِکُمْ مِنَ الْقالِینَ)) فالأول من القول والثانی من القلی وقد یتوهم أن المراد بما یشبه الاشتقاق هو الاشتقاق الکبیر وهذا أیضا غلط لأن الاشتقاق الکبیر هو الاتفاق فی الحروف الأصول دون الترتیب مثل القمر والرقم والمرق وقد مثلوا فی هذا المقام بقوله تعالی : (اثَّاقَلْتُمْ إِلَی الْأَرْضِ أَرَضِیتُمْ بِالْحَیاةِ الدُّنْیا)) (1) ولا یخفی أن الأرض مع أرضیتم

******

(قوله : بأن یکون فی کل إلخ) أی : کما فی الآیة المتقدمة (قوله : أو أکثرها) أی : کما فی الأرض وأرضیتم ؛ لأن الهمزة فی الأول أصلیة وفی أرضیتم للاستفهام فلیست أصلیة (قوله : لکن لا یرجعان إلخ) أی : وإن کان یتوهم فی بادئ الرأی رجوعهما لأصل واحد (قوله : کما فی الاشتقاق) راجع للمنفی.

(قوله : نحو قال (إِنِّی لِعَمَلِکُمْ مِنَ الْقالِینَ)(2)) أی : قال لوط لقومه إنی لعملکم من القالین أی : الباغضین ، فإن قال وقالین مما یتوهم فی بادئ النظر وقبل التأمل أنهما یرجعان لأصل واحد فی الاشتقاق وهو القول : مثل قال والقائل ، لکن بعد النظر والتأمل یظهر أن قال من القول والقالین من القلی بفتح القاف وسکون اللام (3) قال فی الخلاصة.

فعل قیاس مصدر المعدّی

من ذی ثلاثة کردّ ردّا

وهو البغض (قوله : هو الاشتقاق الکبیر) أی : فقط (قوله : وهذا أیضا غلط) أی : بل المراد باعتبار الاشتقاق ما یعم الاشتقاق الکبیر وغیره وقوله أیضا أی : مثل الغلط فی ما المصدریة (قوله : مثل القمر والرقم والمرق) أی : فهذه الکلمات الثلاثة اتفقت فی الحروف الثلاثة ولم یکن فیها ترتیب (قوله : وقد مثلوا إلخ) جملة حالیة وهی

ص: 174

لیس کذلک.

(نحو قوله تعالی (وَتَخْشَی النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ)(1) فی المکررین (ونحو : سائل اللئیم یرجع ودمعه سائل) فی المتجانسین (ونحو قوله تعالی : (اسْتَغْفِرُوا رَبَّکُمْ إِنَّهُ کانَ غَفَّاراً)(2) فی الملحقین اشتقاقا (ونحو (قالَ إِنِّی لِعَمَلِکُمْ مِنَ الْقالِینَ)(3) فی الملحقین بشبه الاشتقاق (و) ...

******

الموجود أحدهما فی أول الفقرة والآخر فی آخرها إما أن یکونا مکررین أو متجانسین ، أو ملحقین بالمتجانسین من جهة الاشتقاق ، أو من جهة شبه الاشتقاق فهذه أربعة ، وقد مثل المصنف لها علی هذا الترتیب (قوله : نحو : (وَتَخْشَی النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ)) فقد وقع تخشی فی أول هذه الفقرة وکرر فی آخرها ، ولا یضر اتصال الآخر بالهاء فی کونه آخرا ؛ لأن الضمیر المتصل کالجزء من الفعل ؛ لأنه لما کان مفعولا له کان من تتمته (قوله : سائل اللئیم) أی : طالب المعروف من الرجل الموصوف باللآمة والرذالة (وقوله : ودمعه سائل) أی : ودمع السائل ، ویحتمل ودمع اللئیم وهو أبلغ فی ذم اللئیم حیث لا یطیق السؤال - قاله فی الأطول.

(قوله : فی المتجانسین) أی : إن سائل الذی فی أول الفقرة وسائل الذی فی آخرها متجانسان ؛ لأن الأول من السؤال والثانی من السیلان (قوله : ونحو قوله تعالی : (اسْتَغْفِرُوا رَبَّکُمْ إِنَّهُ کانَ غَفَّاراً)) لم یعتبر فی الآیة لفظ فقلت قبل استغفروا ؛ لأن استغفروا هو أول فقرة فی کلام نوح - علیه السلام - وهی المعتبرة أولا ، ولفظ قلت لحکایتها (قوله : فی الملحقین اشتقاقا) أی : فی الملحقین بالمتجانسین من جهة الاشتقاق ؛ لأن استغفروا وغفّارا مشتقان من المغفرة ، ولذلک الاشتقاق ألحقا بالمتجانسین.

(قوله : فی الملحقین یشبه الاشتقاق) أی : فی الملحقین بالمتجانسین بسبب شبه الاشتقاق فصلة الملحقین محذوفة ، والباء فی قوله بشبه للسببیة ؛ ولأن الإلحاق إنما هو بالمتجانسین لا بشبه الاشتقاق ، والحاصل أن بین قال والقالین شبه اشتقاق وبه ألحقا

ص: 176

هو (فی النظم أن یکون أحدهما) أی أحد اللفظین المکررین أو المتجانسین أو الملحقین بهما اشتقاقا أو شبه اشتقاق (فی آخر البیت و) اللفظ (الآخر فی صدر المصراع الأول أو حشوه أو آخره أو صدر) المصراع (الثانی) فتصیر الأقسام ستة عشر حاصلة من ضرب أربعة فی أربعة والمصنف ...

******

بالمتجانسین کما تقدم (قوله : هو) أی : رد العجز إلی الصدر (قوله : أو الملحقین بهما) أی : بالمتجانسین وقوله اشتقاقا أو شبه اشتقاق أی : من جهة الاشتقاق أو بسبب شبه الاشتقاق (قوله : فی صدر المصراع الأول) أی : من البیت والمصراع الأول من البیت نصفه الأول (قوله : أو حشوه) أی : أو یکون ذلک اللفظ الآخر فی حشو المصراع الأول (قوله : أو آخره) أی : أو یکون ذلک اللفظ الآخر فی آخر المصراع الأول (قوله : أو صدر المصراع الثانی) أی : ویکون ذلک اللفظ الآخر فی أول المصراع الثانی من البیت وهو نصفه الثانی ، وحاصل ما فهم من کلام المصنف أن أحد اللفظین لیس له إلا محل واحد من البیت وهو الآخر ومقابله له أربعة من المحال ، أول المصراع الأول ، أو وسطه أو آخره ، أو أول المصراع الثانی ، واعتبر السکاکی قسما آخر وهو أن یکون اللفظ الآخر فی حشو المصراع الثانی نحو :

فی علمه وحلمه وزهده

وعهده مشتهر مشتهر

أی : هو فی علمه مشتهر ، وفی حلمه مشتهر ، وفی زهده مشتهر ، وفی عهده مشتهر ، والروایة بفتح الهاء مأخوذة من اشتهره الناس فقد وقع مشتهر فی حشو المصراع الثانی ورد علیه مشتهر الثانی الذی فی عجز البیت ، ورأی المصنف ترک هذا القسم أولی ؛ لأنه لا معنی فیه لرد العجز علی الصدر ، إذ لا صدارة لحشو المصراع الثانی بالنسبة لعجزه ؛ لأنه لو کان فیه صدارة بالنسبة لعجزه لکان لحشو المصراع الأول صدارة بالنسبة لعجزه ، مع أن هذا لم یجعل من هذا القبیل اتفاقا (قوله : من ضرب أربعة) وهی کون اللفظین المتقابلین إما مکررین أو متجانسین أو ملحقین بهما من جهة الاشتقاق ، أو بسبب شبه الاشتقاق (وقوله : فی أربعة) وهی کون اللفظ المقابل لما فی عجز البیت واقعا فی صدر المصراع الأول ، أو فی حشوه ، أو فی عجزه ، أو فی صدر المصراع الثانی ، وعلی اعتبار السکاکی تکون الأقسام عشرین ، من ضرب أربعة أقسام المتقابلین فی خمسة

ص: 177

أورد ثلاثة عشر مثالا وأهمل ثلاثة (کقوله :

سریع إلی ابن العمّ یلطم وجهه

ولیس إلی داعی النّدی بسریع) (1)

فیما یکون المکرر الآخر فی صدر المصراع الأول (وقوله :

تمتع من شمیم عرار نجد

فما بعد العشیّة من عرار)

******

أقسام المحال (قوله : أورد ثلاثة عشر مثالا) فقد مثل للمکررین بأربعة أمثلة ، وللمتجانسین بأربعة ، وللملحقین بالمتجانسین من جهة الاشتقاق بأربعة ، ولم یمثل للملحقین بالمتجانسین بشبه الاشتقاق إلا بمثال واحد (قوله : وأهمل ثلاثة) إما لعدم ظفره بأمثلتها وإما اکتفاء بأمثلة الملحقین من جهة الاشتقاق ، وسنذکر - إن شاء الله تعالی - أمثلتها عند مثال الملحقین بشبه الاشتقاق تکمیلا للأقسام (قوله : کقوله) أی : الشاعر وهو المغیرة بن عبد الله وهذا شروع فی أمثلة اللفظین المذکورین وهی أربعة کما مر (وقوله : سریع) أی : هو سریع ، ویلطم : بکسر الطاء من باب ضرب ، أو بضمها من باب نصر أی : یضرب وجهه بالکف ، والندی : العطاء أی : هذا المزموع سریع إلی الشر والملامة فی لطمه وجه ابن العم ولیس بسریع إلی ما یدعی إلیه من الندی والکرم (قوله : فیما یکون المکرر إلخ) حال من قوله أی : حالة کون ذلک القول من أمثلة القسم الذی یکون المکرر الآخر فی صدر المصراع الأول ، وکذا یقال فیما یأتی بعده ونظیر هذا البیت قول ابن جابر :

غزال إنس یصید أسدا

فاعجب لما یصنع الغزال

دلاله دلّ کل شوق

علیه إذ زانه الدّلال

قتاله لا یطاق لکن

یعجبنی ذلک القتال

(قوله : وقوله : تمتع) أی : وقول الشاعر وهو الصمة بن عبد الله القشیری ، والصمة بوزن همة فی الأصل اسم للرجل الشجاع والذکر من الحیاة ، وسمی به هذا الشاعر ، وقوله تمتع : مقول القول فی البیت قبله وهو

أقول لصحابی والعیس تهوی

بنا بین المنیفة فالضّمار (2)

ص: 178

فیما یکون المکرر الآخر فی حشو المصراع الأول ومعنی البیت استمتع بشم عرار نجد وهی وردة ناعمة صفراء طیبة الرائحة فإنا نعدمه إذا أمسینا لخروجنا من أرض نجد ومنابته (وقوله (1) ومن کان بالبیض الکواعب) جمع کاعب وهی الجاریة حین یبدو ثدیها للنهود (مغرما) مولعا (فما زلت بالبیض القواضب) أی السیوف القواطع (مغرما) فیما یکون المکرر الآخر فی آخر المصراع الأول (وقوله (2) ...

******

والعیس بکسر العین المهملة فی الأصل : الإبل التی یخالط بیاضها شیء من الشقرة واحدها : أعیس والأنثی عیساء ، والمراد به هنا مطلق الإبل ، قوله : تهوی أی تنحدر ، والمنیفة والضمار : موضعان ، والنجد : ما ارتفع من بلاد العرب ، وما انخفض منها یسمی : غورا وتهامة (قوله : فما بعد العشیة من عرار) من زائدة ، وما بعدها مبتدأ ، والظرف قبلها خبره ، وما مهملة ، وأما قول الشارح فی المطول : إن من عرار فی موضع رفع علی أنه اسم ما ومن زائدة ، فقد اعترض علیه فیه بأن شرط عمل ما الحجازیة الترتیب ، وقد انتفی هنا.

(قوله : وهی) أی : العرار بفتح العین المهملة (قوله : وردة) أی : تطلع وتفرش علی وجه الأرض لا ساق لها (قوله : نعدمه) من باب علم (قوله : ومنابته) أی : ومن منابته أی : ومن المواضع التی ینبت فیها ذلک العرار (قوله : وقوله ومن کان إلخ) أی وقول الشاعر وهو : أبو تمام حبیب ابن أوس الطائی (قوله : الکواعب) بدل من البیض ، أو عطف بیان ، لا أنه من إضافة الصفة للموصوف کما قیل.

قوله : جمع کاعب فی الأطول جمع کاعبة وکل صحیح ؛ لأن فواعل یأتی جمعا لفاعل وفاعلة (قوله : حین یبدو ثدیها للنهود) أی : التی یظهر ثدیها لنهوده وارتفاعه ، وقوله فمازلت بالبیض : جمع أبیض ، وهذا دلیل لجواب الشرط المحذوف ومعنی البیت : إن من کانت لذته فی مخالطة الإناث الحسان فلا ألتفت إلیه لأنی مازالت لذتی بمخالطة

ص: 179

وإن لم یکن إلا معرج ساعة) هو خبر کان واسمه ضمیر یعود إلی الإلمام المدلول علیه فی البیت السابق وهو :

ألمّا علی الدار التی لو وجدتّها

بها أهلها ما کان وحشا مقیلها

(قلیلا) صفة مؤکدة لفهم القلة من إضافة التعریج إلی الساعة أو صفة مقیدة ...

******

السیوف القواطع واستعمالها فی محالها من الحروب (قوله : وقوله وإن لم یکن إلخ) أی : وقول الشاعر وهو ذو الرمة (قوله : وإن لم یکن إلا معرج ساعة) أی : وإن لم یکن الإلمام إلا تعریج ساعة فمعرج اسم مفعول بمعنی المصدر (قوله : ألما) أی : انزلا فی الدار ، والتثنیة لتعدد المأمور أو لخطاب الواحد بخطاب المثنی کما هو عادة العرب (قوله : بها أهلها) هذه الجملة فی موضع المفعول الثانی لوجد ، ویصح نصب أهلها بدلا من الهاء فی وجدتها ، وبها هو المفعول الثانی ، والإلمام وهو : النزول ، والتعریج علی الشیء : الإقامة علیه ، والإخبار عن الإلمام بالتعریج صحیح من الإخبار بالأخص عن الأعم ؛ لأن الإلمام مطلق النزول وهو أعم عن التعریج الذی هو نزول مع استقرار (قوله : ما کان وحشا مقیلها) جواب لو أی ما کان موحشا محل القیلولة منها وهی النوم فی وقت القائلة أعنی نصف النهار یعنی ما کان خالیا مقیلها ، وهذا کنایة عن تنعم أهلها وشرفهم ، لأن أهل الثروة من العرب یستریحون بالقیلولة بخلاف أهل المهنة ، فإنهم فی وقت القائلة یشتغلون بالسعی فی أمورهم.

(قوله : لفهم القلة من إضافة التعریج إلی الساعة) هذا بناء علی أن الإضافة لامیة أی : إلا معرجا لساعة أی : إلا معرجا منسوبا لساعة فالساعة مفعول به للتعریج علی التوسع ، لا أنها ظرف له ، وحیث جعلت الإضافة لامیة استفیدت القلة من تلک الإضافة (قوله : أو صفة مقیدة) أی : وعلی هذا فالإضافة علی معنی فی والمعنی وإلا تعریجا قلیلا فی ساعة ، فعلی الوجه الأول تکون الإضافة مفیدة استیعاب التعریج للساعة بخلافه علی الثانی فهو صادق باستیعابها وعدمه ، قال الشیخ یس : وکان الفرق بین الوجهین أی : جعل الصفة مؤکدة أو مقیدة بالاعتبار ، فیعتبر فی الأول التقیید بالساعة

ص: 180

أی إلا تعریجا قلیلا فی ساعة (فإنی نافع لی قلیلها) مرفوع فاعل نافع والضمیر للساعة والمعنی قلیل من التعریج فی الساعة ینفعنی ویشفی غلیل وجدی وهذا فیما یکون المکرر الآخر فی صدر المصراع الثانی (وقوله دعانی) أی اترکانی (من ملامکما سفاها) ...

******

قبل الوصف ب قلیلا ، وفی الثانی یعتبر الوصف بالقلة قبل الوصف بالساعة ، قال فی الأطول : ولا مجال لتقیید التعریج بالصفة قبل تقییده بالإضافة حتی یکون کل من الإضافة والوصف مقیدا له (قوله : أی إلا تعریجا قلیلا فی ساعة) فیه إشارة إلی أن معرج مصدر فینبغی فتح رائه علی أنه اسم مفعول ، لأنه هو الذی یکون بمعنی المصدر دون اسم الفاعل (قوله : فاعل نافع) أی : أو مبتدأ خبره نافع مقدم علیه والجملة فی محل رفع خبر إن (قوله : والضمیر للساعة) أی : التی وقع فیها التعریج (قوله : والمعنی قلیل إلخ) أی : ومعنی البیت الأخیر ، وأما معنی البیتین معا أطلب منکما أیها الخلیلان أن تساعدانی علی الإلمام بالدار التی ارتحل أهلها فصارت القیلولة فیها موحشة ، والحال : أنی لو وجدت أهلها فیها ما کان محل القیلولة فیها موحشا لکثرة أهلها وتنعمهم ، وإن لم یکن ذلک النزول وذلک التعریج إلا شیئا قلیلا فإنه نافع لی یذهب بتذکر الأحباب فیه بعض همی ویشفی غلیل وجدی (قوله : وهذا فیما یکون المکرر إلخ) حاصله أن المکرر فی هذا البیت لفظ قلیلا فقد ذکر أولا فی صدر المصراع الثانی وذکر ثانیا فی عجزه ولا یضر اتصال قلیلها بالهاء فی کونه عجز لما تقدم أن الضمیر المتصل حکمه حکم ما اتصل به (قوله : وقوله دعانی إلخ) أی : وقول الشاعر وهو القاضی الأرجانی ، وقبل البیت :

إذا لم تقدرا أن تسعدانی

علی شجنی فسیرا واترکانی

دعانی ... إلخ ، وبعده :

أمیل عن السّلوّ وفیه برئی

وأعلق بالغرام وقد برانی

ألا لله ما صنعت بعقلی

عقائل ذلک الحیّ الیمانی

وهذا شروع فی أمثلة المتجانسین وهی أربعة کما مر (قوله : أی اترکانی) أشار بذلک إلی أن دعانی تثنیة دع - من ودع - یدع ، لا تثنیة دعا - یدعو بمعنی : طلب

ص: 181

أی خفة وقلة عقل (فداعی الشوق قبلکما دعانی) (من الدعاء) وهذا فیما یکون المتجانس الآخر فی صدر المصراع الأول (وقوله (1) وإذا البلابل) جمع بلبل وهو طائر معروف (أفصحت بلغاتها ، فانف البلابل) جمع بلبال وهو الحزن (باحتساء بلابل) جمع بلبلة بالضم وهو إبریق فیه الخمر وهذا فیما یکون المتجانس الآخر أعنی البلابل الأول فی حشو المصراع الأول لا صدره لأن صدره هو قوله وإذا

******

(قوله : أی خفة وقلة عقل) هذا علی تقدیر أن یکون سفاها بفتح السین المهملة ، فیکون نصبا علی التمییز ، أو علی أنه مفعول لأجله ، وقد یروی بکسر الشین المعجمة بمعنی : المشافهة والمواجهة بالکلام ، فیکون نصبا علی المصدریة أی : ملامة مشافهة ، أو علی الحال والمعنی اترکانی من لومکما الواقع منکما لأجل سفهکما وقلة عقلکما ، أو الواقع منکما مشافهة من غیر استحیاء فإنی لا ألتفت إلی ذلک اللوم ، لأن الداعی للشوق قد دعانی له ونادانی إلیه فأجبته فلا أجیبکما بعده ، وذلک الداعی الذی دعا للشوق هو جمال المحبوب المشتاق إلیه ، والشاهد فی دعانی الواقع فی صدر المصراع الأول ودعانی الواقع فی عجز البیت فإنهما لیسا مکررین ، بل متجانسین ؛ لأن الأول بمعنی اترکانی والثانی بمعنی نادانی ؛ لأنه من الدعوة بمعنی الطلب والجناس الذی بینهما متماثل (قوله : وقوله وإذا البلابل) أی : وقول الشاعر وهو الثعالبی (قوله : جمع بلبل) أی : بضم الباءین (قوله : أفصحت بلغاتها) أی : خلصت لغاتها من اللکنة ، یقال أفصح الأعجمی إذا نطق لسانه وخلصت لغته من اللکنة ، والمراد بلغاتها النغمات التی تصدر منها جعل کل نغمة لغة أی : إذا حرکت البلابل بنغماتها الحسان الخالصة من اللکنة أحزان الأشواق والهوی (قوله : جمع بلبال) هو بالفتح والاحتساء الشرب أی : فانف الأحزان التی حرکها صوت البلابل بالشرب من أباریق الخمر ، والحاصل أن مراد الشاعر نفی بلابل حدثت من إفصاح البلابل ، لأن الصوت اللطیف یحرک أحزان الهوی - کذا فی الأطول.

(قوله : لأن صدره هو قوله وإذا) أی : فإذا متقدمة علی البلابل ، وحینئذ فالبلابل الأولی واقعة فی الحشو لا فی الصدر ، وعلم من کلام الشارح أن المقصود بالتمثیل

ص: 182

(وقوله : فمشغوف (1) بآیات المثانی) أی القرآن (ومفتون برنّات المثانی) أی بنغمات أوتار المزامیر التی ضم طاق منها إلی طاق وهذا فیما یکون المتجانس الآخر فی آخر المصراع الأول (وقوله (2) : أملتهم ثم تأملتهم ، فلاح) أی ظهر (لی أن لیس فیهم فلاح) أی فوز ونجاح وهذا فیما یکون المتجانس الآخر فی صدر المصراع الثانی

******

لفظ بلابل الثالث مع الأول لا مع الثانی ؛ لأن الثانی لیس فی أول المصراع الثانی ولا الأول ولا فی حشو الأول ولا فی أخره ، بل فی حشو الثانی وهو غیر معتبر عند المصنف کما مر بل عند السکاکی (قوله : وقوله : فمشغوف إلخ) أی : وقول الشاعر وهو الحریری فی المقامة الحرامیة وقبل البیت :

بها ما شئت من دین ودنیا

وجیران تنافوا فی المعانی

والضمیر فی بها للبصرة (قوله : أی القرآن) أی : فمشغوف بآیات القرآن یهتدی بها ویتذکر ما فیها من الاعتبارات ، واعلم أن المثانی تطلق علی ما کان أقل من مائتی آیة من القرآن وعلی فاتحة الکتاب ؛ لأنها تثنی فی کل رکعة وعلی القرآن بتمامه ؛ لأنه یثنی فیه القصص والوعد والوعید ، والمراد بالمثانی الأول فی البیت هذا المعنی - کما قال الشارح.

(قوله : ومفتون) من الفتن بمعنی الإحراق ، قال الله تعالی : (یَوْمَ هُمْ عَلَی النَّارِ یُفْتَنُونَ)(3) ، أو بمعنی الجنون ، والرنات جمع رنة : وهی الأصوات ، والمثانی جمع مثنی وهو ما کان من الأعواد له وتران فأکثر والفاء فی قوله فمشغوف لتفصیل أهل البصرة أی : فمنهم الصالحون المشغوفون بقراءة القرآن ، ومنهم من هو مفتون بآلات اللهو والطرب ، ومنهم دون ذلک ، والمقصود مدح البصرة بأنها مصر جامع (قوله : أی بنغمات) جمع نغمة بمعنی صوت أی : أصوات وهذا تفسیر لرنات ، (وقوله : أوتار المزامیر) تفسیر للمثانی (قوله : التی ضم إلخ) فیه إشارة إلی وجه تسمیتها مثانی أی : لأنها تثنی أی : یضم طاق أی : وتر منها إلی طاق أی : وتر آخر حال الضرب علیها (قوله : وقوله : أملتهم إلخ)

ص: 183

(وقوله : ضرائب) جمع ضریبة وهی الطبیعة التی ضربت للرجل وطبع علیها (أبدعتها فی السماح ، فلسنا نری لک فیها ضریبا) أی مثلا وأصله المثل فی ضرب القداح

******

أی : وقول القاضی الأرجانی نسبة لأرجان بلدة من بلاد فارس ، والبیت من السریع ، وعروضه مطویة مکسوفة ، وضربه موقوف (وقوله : أملتهم) أی : رجوت منهم المعروف والخیر (وقوله : ثم تأملتهم) أی : ثم تأملت فیهم وتفکرت فی أحوالهم هل هی أحوال من یرجی خیره أم لا؟ (وقوله : فلاح لی) أی : فظهر لی بعد التأمل فی أحوالهم أنه لیس فیهم فلاح أی : فوز وبقاء علی الخیر ، وقد أفاد ب ثم أنه کان علی الخطأ مدة مدیدة لعدم التأمل ، وباستعمال الفاء أنه ظهر له عدم فلاحهم بأدنی تأمل ، ومحل الشاهد قوله فلاح : الواقع فی صدر المصراع الثانی ، وفلاح الثانی الواقع فی عجز البیت فإنهما متجانسان ؛ لأن الأول بمعنی ظهر ، والثانی بمعنی الفوز والإقامة علی الخیر (قوله : وقوله : (1) ضرائب إلخ) أی : وقول الشاعر وهو البحتری ، وهذا شروع فی أمثلة اللفظین الملحقین المتجانسین من جهة الاشتقاق وهی أربعة کما مر ، والبیت المذکور من بحر المتقارب فوزنه فعول ثمان مرات (قوله : التی ضربت للرجل) أی : أوجدت فیه وطبع علیها ، (وقوله : وهی الطبیعة) أی السجیة (قوله : أبدعتها) أی : أنشأتها فی العالم من غیر أن یتقدم لأحد من الناس علیک منشأ فیها (وقوله : فی السماح) أی : الکرم إن قلت : کونها طبائع وکونه أبدعها وأحدثها متنافیان ، إذ لا معنی لإحداث الطبائع ، قلت : المراد أنک أنشأت آثارها الدالة علی أنک طبعت علیها من الإعطاء الأفخم والبذل لکل نفیس أعظم بدلیل قوله فی السماح (قوله : أی مثلا) أی : بل تلک الضرائب اختصصت بها وعلم من کلامه أنه فرق بین الضریبة والضریب فالضریبة عبارة عن الطبیعة التی طبع الشخص علیها والضریب المثل (قوله : وأصله) أی : وأصل الضریب المثل فی ضرب القداح أی : أنه فی الأصل مثل مقید ، ثم أرید به مطلق مثل (وقوله : فی ضرب القداح) فی بمعنی من ، وضرب بمعنی : خلط ، والقداح : السهام جمع قدح - بکسر القاف وسکون الدال - وهو سهم

ص: 184

وهذا فیما یکون الملحق الآخر بالمتجانسین اشتقاقا فی صدر المصراع الأول (وقوله :

إذا المرء لم یخزن علیه لسانه

فلیس علی شیء سواه بخزّان) (1)

أی إذا لم یحفظ المرء لسانه علی نفسه مما یعود ضرره إلیه فلا یحفظه علی غیره ....

******

القمار وإضافة ضرب من إضافة الصفة للموصوف أی : المثل من القداح المضروبة أی : المخلوطة فکل واحد منها یقال له ضریب ؛ لأنه یضرب به فی جملتها وهو مثلها فی عدم التعیین فی المضاربة (قوله : وهذا فیما یکون الملحق الآخر بالمتجانسین اشتقاقا) أی : من جهة الاشتقاق یعنی أن هذا مثال للفظین المتقابلین الملحقین بالمتجانسین من جهة الاشتقاق ، وقد وقع أحدهما فی عجز البیت والثانی المقابل له فی صدر المصراع الأول ، ووجه کونهما ملحقین بالمتجانسین من جهة الاشتقاق أن ضرائب وضریبا یرجعان لأصل واحد وهو الضرب ، إن قلت : إن الضرائب والضریب من قبیل المتجانسین لاختلاف معناهما کما مر ، إذ لو کانا ملحقین بالمتجانسین من جهة الاشتقاق لا یجد معناهما ، أجاب العلامة ابن یعقوب بأن اختلافهما فی الماصدق لا ینافی أنهما متحدان فی مفهوم المشتق منه الذی هو المعتبر فی المشتقات ، فجنس الضرب متحد فیهما وإن کان فی الضرائب بمعنی الإلزام بعد الإیجاد الذی قد یحدث عادة عن الضرب کضرب الطابع علی الدرهم ، وفی الثانی وهو الضریب بمعنی التحریک الذی هو هنا أخص من مطلق التحریک الصادق علی الضرب (قوله : وقوله : إذا المرء إلخ) أی : وقول الشاعر وهو امرؤ القیس ، وهذا البیت من قصیدته مطلعها :

قفا نبک من ذکری حبیب وعرفان

وربع عفت آیاته منذ أزمان (2)

(وقوله : لم یخزن) بالخاء والزاء المعجمتین بضم الزاء وکسرها فهو من باب نصر وفرح (قوله : فلا یحفظه علی غیره) أی : فلا یوثق به فی أموره ؛ لأنه لا یحفظه بالنسبة

ص: 185

مما لا ضرر له فیه وهذا مما یکون الملحق الآخر اشتقاقا فی حشو المصراع الأول (وقوله (1) : لو اختصرتم من الإحسان زرتکم ، والعذب) من الماء (یهجر للإفراط فی الخصر) أی فی البرودة یعنی أن بعدی عنکم لکثرة إنعامکم علی وقد توهم بعضهم أن هذا المثال مکرر حیث کان اللفظ الآخر فی حشو المصراع الأول کما فی البیت الذی قبله ولم یعرف أن اللفظین فی البیت السابق مما یجمعهما الاشتقاق وفی هذا البیت مما یجمعهما شبه الاشتقاق ...

******

إلی غیره بالطریق الأولی (قوله : مما لا ضرر له فیه) أی : وإنما ضرره علی غیره (قوله : وهذا مما یکون الملحق الآخر اشتقاقا) أی : هذا المثال من أمثلة القسم الذی یکون فیه اللفظان المتقابلان ملحقین بالمتجانسین من جهة الاشتقاق وأحدهما فی العجز والملحق الآخر فی حشو المصراع الأول ، وإنما کانا ملحقین من جهة الاشتقاق ؛ لأن یخزن وخزان یرجعان لأصل واحد وهو الخزن فهما مشتقان منه.

(قوله : وقوله لو اختصرتم) أی : قول الشاعر وهو أبو العلاء المعری ، وقوله لو اختصرتم من الإحسان أی : لو ترکتم کثرة الإحسان ولم تبالغوا فیه ، بل أتیتم بما یعتدل منه زرتکم لکن أکثرتم من الإحسان فهجرتکم لتلک الکثرة ولا غرابة فی هجران ما یستحسن لخروجه عن حد الاعتدال ، لأن الماء العذب یهجر للإفراط فی الصفة المستحسنة منه وهی الخصر أی : برودته (قوله : فی الخصر) بالخاء المعجمة والصاد المهملة المفتوحتین البرد ، وأما بفتح الخاء وکسر الصاد : فهو البارد (قوله : یعنی أن بعدی عنکم لکثرة إنعامکم علی) فقد عجزت عن الشکر فأنا أستحیی من الإتیان إلیکم من غیر قیام بحق الشکر فهو مدح لهم ، ویحتمل أن المراد ذمهم أی : إنهم أکثروا فی الإحسان حتی تحقق منهم جعلهم ذلک فی غیر محله سفها فهجرهم لأفعالهم السفیهة فهذا یشبه أن یکون من التوجیه وفی البیت حسن التعلیل (قوله : وفی هذا البیت مما یجمعهما شبه الاشتقاق) أی : لأنه یتبادر فی بادئ الرأی أن اختصرتم ، والخصر من مادة

ص: 186

والمصنف لم یذکر من هذا القسم إلا هذا المثال وأهمل الثلاثة الباقیة وقد أوردتها فی الشرح ...

******

واحدة ولیس کذلک ؛ لأن الأول مأخوذ من مادة الاختصار الذی هو ترک الإکثار ، والثانی مأخوذ من خصر أی : برد لا یقال إنه لا مادة للخصر ؛ لأنه نفسها ، إذ هو مصدر فلیس هنا شبه اشتقاق ، بل تجانس إذ الخصر لم یؤخذ من شیء حتی یتبادر کونهما من أصل واحد ؛ لأنّا نقول : یکفی فیه رعایة کونه مأخوذا من الفعل علی قول ، إذ التبادر یکفی فیه التوهم فتأمل.

(قوله : لم یذکر من هذا القسم) أعنی کون اللفظین المتقابلین ملحقین بالمتجانسین بسبب شبه الاشتقاق إلا هذا المثال أی : وکان الأولی تأخیره بعد استیفاء أمثلة ما یجمعهما الاشتقاق ، قال فی الأطول : وهذا مثال لما وقع أحد الملحقین فی آخر البیت ، والآخر فی حشو المصراع الأول ، وإنما کان واقعا فی حشو المصراع ؛ لأنه قد تقدم علیه لو ، وأنت خبیر بأن هذا غیر جار علی اصطلاح العروضیین ، فإن البیت من البسیط ، ومستفعلن صدر ، ولو اختصر : متفعلن ، فاصطلاح علماء البدیع مخالف لاصطلاح العروضیین فی الصدر والحشو والعجز ، فاصطلاح العروضیین أن الصدر هو التفعیلة الأولی من المصراع والعجز التفعیلة الأخیرة وما بینهما حشو ولو کانت تلک التفعیلة کلمة وبعض کلمة أو کلمتین وأما عند علماء البدیع فالکلمة الأولی من المصراع صدر والأخیرة عجز وما بینهما حشو - فتأمل.

(قوله : وقد أوردتها فی الشرح) فمثال ما یقع أحد الملحقین اللذین جمعهما شبه الاشتقاق فی آخر البیت ، والملحق الآخر فی صدر المصراع الأول قول الحریری :

ولاح یلحی علی جری العنان إلی

ملهی فسحقا له من لائح لاحی

لاح الأول فعل ماض بمعنی ظهر وفاعله ضمیر یعود علی الشیب فی البیت قبله وهو:

نهانی الشّیب عمّا فیه أفراحی

فکیف أجمع بین الرّاح والرّاح

وقوله یلحی أی : یلوم ، وقوله علی جری العنان أی : جری ذی العنان وهو الفرس ، وقوله إلی ملهی أی : إلی مکان اللهو ، وقوله فسحقا له أی : بعدا له من لائح لاحی أی :

ص: 187

(وقوله :

فدع الوعید فما وعیدک ضائری

أطنین أجنحة الذباب یضیر)

وهذا فیما یکون الملحق الآخر اشتقاقا وهو ضائری فی آخر المصراع الأول

******

من ظاهر لائم أی : ظهر الشیب یلومنی علی جری الخیل إلی الأماکن التی فیها اللهو فبعدا له من ظاهر لائم ، فلاح الأول : ماضی یلوح مأخوذ من اللوحان وهو الظهور ، والثانی اسم فاعل من لحاه إذا لامه ، ومثال ما وقع الملحق الآخر فی آخر المصراع الأول قول الحریری أیضا

ومضطلع بتلخیص المعانی

ومطّلع إلی تخلیص عانی

المضطلع بالشیء القوی فیه الناهض به وتلخیص المعانی اختصار ألفاظها وتحسین عباراتها والمطلع الناظر وتخلیص العانی فکاک الأسیر ، فالأول من عنی یعنی ، والثانی من عنا یعنو ، ومثال ما وقع الملحق الآخر فی صدر المصراع الثانی قول الآخر :

لعمری لقد کان الثّریّا مکانه

ثراء فأضحی الآن مثواه فی الثّری (1)

ثراء نصب علی التمییز أی : لقد کانت الثریا مکانه من جهة ثروته وغناه ، یقال لمن أصبح غنیا ذا ثروة : أصبح فلان فی الثریا أو فی العیوق ، وقوله مثواه فی الثری أی : فی الأرض والتراب ، والشاهد فی ثراء الأول والثری الثانی ، فإن الأول واوی من الثروة والثانی یائی قال العلامة الیعقوبی : ویضعف کون هذا المثال من الملحق أن أحد اللفظین وهو الثانی لم یشتق من شیء حتی یتوهم فیهما الاشتقاق من أصل واحد ، فالأقرب فیهما التجانس إلا أن یقال یکفی فی تبادر اشتقاقهما من أصل واحد کون أحدهما مأخوذا من شیء فیسری الوهم الآخر - تأمل.

(قوله : وقوله (2) فدع الوعید إلخ) أی : وقول الشاعر وهو ابن عیینة المهلبی والشاهد فی ضائری ویضیر فإنهما مما یجمعهما الاشتقاق ؛ لأنهما مشتقان من الضیر بمعنی الضرر ، وقد وقع الأول فی آخر المصراع الأول والثانی فی عجز البیت ، ومعنی البیت دع

ص: 188

(وقوله : وقد کانت البیض القواضب فی الوغی) أی السیوف القواطع فی الحرب (بواتر) أی قواطع لحسن استعماله إیاها (فهی الآن من بعده بتر) جمع أبتر إذ لم یبق بعده من یستعملها استعماله وهذا فیما یکون الملحق الآخر اشتقاقا فی صدر المصراع الثانی.

من النثر علی حرف واحد) فی الآخر (وهو معنی قول السکاکی هو) أی السجع (فی النثر کالقافیة فی الشعر) ...

******

من الکلام جعلت مزاوجة لأخری ، والفقرة مثلها إن شرط مزاوجتها الأخری ، وإلا کانت أعم سواء کانت مع تسجیع أو لا کما هو ظاهر کلامهم ، وأما الفاصلة فهی الکلمة الأخیرة من القرینة التی هی الفقرة ، وأما السجع فقد یطلق علی نفس الفاصلة الموافقة لأخری فی الحرف الأخیر منها ، ویطلق علی توافق الفاصلتین فی الحرف الأخیر ، وإلی هذا أشار المصنف بقوله : قیل وهو تواطؤ أی : توافق الفاصلتین أی : الکلمتین اللتین هما آخر الفقرتین حالة کونهما من النثر (وقوله : علی حرف واحد) علی بمعنی (فی) متعلق بتوافق أی : توافق الفاصلتین فی کونهما علی حرف واحد کائن فی آخرهما (قوله : من النثر) أی : سواء کان قرآنا أو غیره - کذا فی الأطول ، ومقابل قوله فی النثر قوله الآتی : وقیل السجع غیر مختص بالنثر (قوله : کالقافیة فی الشعر) أی : من جهة وجوب التواطؤ فی کل علی حرف فی الآخر (قوله : یعنی إلخ) إشارة لجواب بحث وارد علی قول المصنف وهو أی : هذا التفسیر معنی قول السکاکی : السجع فی النثر کالقافیة فی الشعر ، وحاصل البحث أن القافیة فی الشعر لفظ ختم به البیت إما الکلمة نفسها أو الحرف الأخیر منها أو غیر ذلک کأن یکون من المحرک قبل الساکنین إلی الانتهاء علی اختلاف المذاهب فیها ، وعلی کل حال فلیست القافیة عبارة عن تواطؤ الکلمتین فی آخر البیتین ، وحینئذ فالمناسب لتشبیه السکاکی السجع بها ، حیث قال : السجع فی النثر کالقافیة فی الشعر أن یراد بالسجع اللفظ أعنی الکلمة الأخیرة من الفقرة باعتبار کونها موافقة للکلمة الأخیرة من الفقرة الأخری فی الحرف الأخیر منها لا موافقة الکلمتین الأخیرتین من الفقرتین ، وحینئذ فلا یصح قول المصنف وهو معنی قول السکاکی إلخ ، وحاصل الجواب أن مراد المصنف بقوله وهذا التفسیر أی : تفسیر السجع بالموافقة المذکورة معنی قول السکاکی السجع فی النثر کالقافیة فی الشعر أن هذا التفسیر محصول کلام السکاکی وفائدته لا أنه عینه ؛ وذلک أن تسمیة السکاکی الفاصلة سجعا إنما هو لوجود التوافق فیها ولو لا ذلک ما سمیت ، فعاد الحاصل إلی أن العلة التی أوجبت التسمیة

ص: 190

یعنی أن هذا مقصود کلام السکاکی ومحصوله وإلا فالسجع علی التفسیر المذکور بمعنی المصدر أعنی توافق الفاصلتین فی الحرف الأخیر وعلی کلام السکاکی هو نفس اللفظ المتواطئ الآخر فی أواخر الفقر ؛ ولذا ذکره السکاکی بلفظ الجمع وقال : إنها فی النثر کالقوافی فی الشعر ؛ ذلک لأن القافیة لفظ فی آخر البیت إما الکلمة نفسها أو الحرف الأخیر منها أو غیر ذلک علی تفصیل المذاهب ولیست عبارة عن تواطؤ الکلمتین من أواخر الأبیات علی حرف واحد فالحاصل أن السجع قد یطلق علی الکلمة الأخیرة من الفقرة باعتبار توافقها للکلمة الأخیرة من الفقرة الأخری وقد یطلق علی نفس توافقهما ومرجع المعنیین واحد.

******

هی المسماة بالسجع فی الحقیقة وفی القصد (قوله : یعنی) أی : المصنف (وقوله : أن هذا) أی : تفسیر السجع بالتواطؤ المذکور (وقوله : مقصود کلام السکاکی) أی : المقصود منه لا أنه عینه (قوله : وإلا فالسجع إلخ) أی : وإلا نقل أن هذا التفسیر بالتواطؤ هو المقصود من کلام السکاکی ، بل قلنا : إنه عینه فلا یصح ؛ لأن السجع إلخ.

(قوله : فی أواخر الفقر) حال من اللفظ أی : حالة کون اللفظ کائنا فی أواخر الفقر (قوله : ولذا) أی : ولأجل کون السجع عند السکاکی نفس اللفظ المتواطئ لا المعنی المصدری ، وهو التواطؤ ذکره السکاکی بلفظ الجمع أی : والسجع لا یجمع إلا إذا کان بمعنی اللفظ ولو أراد المصدر لعبر بالإفراد ؛ لأن المصدر لا یجمع إلا إذا أرید به الأنواع وإرادة الأنواع لیس فی کلام السکاکی ما یدل علیها فتعینت إرادة اللفظ وهذا دلیل أول علی أن السجع عند السکاکی نفس اللفظ (قوله : وقال إنها) أی : الأسجاع فی النثر کالقوافی فی الشعر ، ومن هذا یعلم أن قول المصنف هو فی النثر إلخ روایة لکلام السکاکی بالمعنی (قوله : وذلک لأن القافیة إلخ) أی : وبیان ذلک أی : وبیان کون السجع عنده نفس اللفظ المتواطئ إلخ أن القافیة إلخ ، وهذا دلیل ثان علی أن السجع عند السکاکی نفس اللفظ فلو قال : ولأن القافیة إلخ کان أوضح (قوله : علی تفصیل) أی : اختلاف (قوله : ولیست عبارة إلخ) أی : فلما شبه الأسجاع بالقوافی التی هی ألفاظ قطعا علم أن مراده بالإسجاع : الألفاظ المتوافقة لا المعنی المصدری (قوله : ومرجع المعنیین واحد)

ص: 191

(وهو) أی السجع (ثلاثة أضرب مطرف إن اختلفتا) أی الفاصلتان (فی الوزن نحو (ما لَکُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً. وَقَدْ خَلَقَکُمْ أَطْواراً)(1).

فإن الوقار والأطوار مختلفان وزنا (وإلا) أی وإن لم یختلفا فی الوزن (فإن کان ما فی إحدی القرینتین) من الألفاظ (أو) کان (أکثره) أی أکثر ما فی إحدی القرینتین (مثل ما یقابله من) القرینة (الأخری ...

******

أی : وهو التوافق المذکور ، فإن المعنی الثانی نفس التوافق ، والأول : الکلمة من حیث التوافق فهو المسمی فی الحقیقة. اه. سم

(وقوله : ومرجع المعنیین واحد) هو المراد بقوله السابق یعنی أن هذا مقصود کلام السکاکی (قوله : أی الفاصلتان) أی : الکلمتان الأخیرتان من الفقرتین (قوله : فی الوزن) ینبغی أن یکون المعتبر هنا الوزن الشعری لا الوزن التصریفی (وقوله : إن اختلفتا فی الوزن) أی : مع الاتفاق فی التقفیة أی : الحرف الأخیر بقرینة تعریف السجع ، حیث اعتبر فیه التوافق فی الحرف الأخیر.

(قوله : فإن الوقار والأطوار مختلفان وزنا) أی : أن الوقار فاصلة من الفقرة الأولی ، والأطوار فاصلة من الفقرة الثانیة ، وقد اختلفا فی الوزن ، فإن ثانی وقارا محرک ، وثانی أطوارا ساکن ، وإنما سمی مطرفا ؛ لأنه خارج فی التوغل فی الحسن إلی الطرف بخلاف غیره کما یأتی ، أو لأن ما وقع به التوافق وهو الاتحاد بین الفاصلتین إنما هو الطرف وهو الحرف الأخیر دون الوزن کذا قال الیعقوبی ، وقال العصام : سمی مطرفا أخذا له من الطریف وهو الحدیث من المال ؛ لأن الوزن فی الفاصلة الثانیة حدیث ، ولیس هو الوزن الذی کان فی الأولی (قوله : أی وإن لم یختلفا فی الوزن) أی : بل اتفاقا فیه کما اتفقا فی التقفیة (قوله : القرینتین) أی : الفقرتین سمیت بذلک لأنها تقارن الأخری (قوله : مثل ما یقابله من القرینة الأخری) أی مثل ما یقابله من الألفاظ الکائنة فی القرینة الأخری ، یعنی ما عدا الفاصلتین ؛ لأن الموضوع حصول الموازنة فی الفاصلتین ،

ص: 192

فی الوزن والتقفیة) أی التوافق علی الحرف الأخیر (فترصیع نحو : یطبع الأسجاع بجواهر لفظه من یقرع الأسماع بزواجر وعظه) فجمیع ما فی القرینة الثانیة موافق لما یقابله من القرینة الأولی وأما لفظ فهو فلا یقابله شیء من الثانیة ولو قال بدل الأسماع الآذان کان مثالا لما یکون أکثر ما فی الثانیة موافقا لما یقابله فی الأولی (وإلا فمتواز)

******

فلا معنی لإدراجه فی هذا الاشتراط (قوله : فی الوزن) متعلق بمثل ؛ لأنه فی معنی مماثل (قوله : فترصیع) أی : فالسجع الکائن علی هذه الصفة یسمی ترصیعا تشبیها له بجعل إحدی اللؤلؤتین فی العقد فی مقابلة الأخری المسمی لغة بالترصیع ، وکان الأولی للمصنف أن یقول : فمرصع علی صیغة اسم المفعول لیناسب قوله : أولا فمطرف ، وقوله بعد فمتواز (قوله : نحو فهو یطبع إلخ) هذا مثال لما فیه المساواة فی الجمیع ، وقوله یطبع الأسجاع بجواهر لفظه أی : یزین الأسجاع بألفاظه الشبیه بالجواهر ، ففی یطبع استعارة تبعیة ، أو أنه شبه تزیین السجع بمصاحبة خیار الألفاظ بجعل الحلی مطبوعا بالجواهر فعبر بهذه العبارة علی طریق الاستعارة بالکنایة ، وقوله ویقرع الأسماع بزواجر وعظه شبه الأسماع بأبواب تقرع بالأصابع لتفتح فعبر بما ذکر علی طریق المکنیة أیضا - کذا فی الیعقوبی ، وقال العصام یطبع أی : یعمل یقال طبع السیف والدرهم عمله ، والأسجاع : الکلمات المقفیات ، والجواهر : جمع جوهر : الشیء النفیس ، وإضافتها للفظة من إضافة المشبه به للمشبه ، وأفرد اللفظ فی موضع إرادة المتعدد لکونه فی الأصل مصدرا ، وقوله ویقرع أی : یدق ، والمراد لازم الدق وهو التأثیر أی : یؤثر فی الأسماع بزواجر وعظه ، وعلی هذا فلا استعارة فی الکلام ، ومحل الشاهد أن (وعظه) فاصلة موازنة للفاصلة الأولی وهی (لفظه) فخرج السجع حینئذ عن کونه مطرفا ، ثم إن کل کلمة من القرینة الأولی موافقة لما یقابلها من القرینة الثانیة وزنا وتقفیة ، وذلک لأن یطبع موازن لیقرع ، والقافیة فیها العین والأسجاع موازن للأسماع ، والقافیة فیهما العین أیضا ، وجواهر موازن لزواجر ، والقافیة فیهما الراء (قوله : فلا یقابله شیء من الثانیة) هذا جواب أما ، أی : لا یقابله شیء من الثانیة أی حتی یقال : إنه مساو له أو غیر مساو له ، والحاصل أن هذا المثال تساوت فیه جمیع المتقابلات (قوله : کان مثالا لما یکون إلخ) أی : لأن الآذان لیست

ص: 193

أی وإن لم یکن جمیع ما فی القرینة ولا أکثره مثل ما یقابله من الأخری فهو السجع المتوازی (نحو (فِیها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ. وَأَکْوابٌ مَوْضُوعَةٌ)(1) لاختلاف سرر وأکواب فی الوزن والتقفیة وقد یختلف الوزن فقط ...

******

موافقة للأسجاع فی التقفیة ، إذ آخر الأسجاع العین ، وآخر الآذان النون ولا فی الوزن بحسب اللفظ الآن وإن کانت موافقة بحسب الأصل ، لأن أصل آذان أأذان بوزن أفعال ولا ینظر للأصل فی مثل ذلک علی أنه یجوز أن یکتفی فی عدم التوافق بعدم الموافقة فی التقفیة وإن کانت الموافقة فی الوزن حاصلة بالنظر للأصل (قوله : أی وإن لم یکن جمیع ما فی القرینة ولا أکثره مثل ما یقابله من الأخری) أی : بأن کان جمیع ما فی إحدی القرینتین من المتقابلات أو أکثر ما فیها أو نصفه مخالفا لما یقابله من القرینة الأخری فی الوزن والتقفیة معا أو فی أحدهما ، وهذا الاختلاف المذکور بالنظر لما عدا الفاصلة ؛ لأن التوافق فی الحرف الأخیر منها معتبر فی مطلق السجع (قوله : المتوازی) أی : المسمی بذلک لتوازی الفاصلتین أی : توافقهما وزنا وتقفیة دون رعایة غیرهما والتسمیة یکفی فیها أدنی اعتبار (قوله : لاختلاف إلخ) أی : وإنما کان السجع فی هذه الآیة متوازیا لاختلاف سرر وأکواب فی الوزن والتقفیة أی : وأما الفاصلتان وهما مرفوعة وموضوعة فمتوافقتان وزنا وتقفیة ولفظ فیها لم یقابله شیء من القرینة الأخری (قوله : وقد یختلف الوزن فقط) هذا من جملة ما دخل تحت إلا فهی صادقة بثلاثة أمور ، لأن عدم الاتفاق فی الوزن والتقفیة صادق بالاختلاف فیهما أو فی أحدهما ، أی : وقد یختلف وزن ما فی القرینتین من السجع المتوازی من غیر اختلاف فی التقفیة أی : مع توافق الفاصلتین کما هو الموضوع فعرفا وعصفا فی الآیة التی مثل بها متوازیان والقافیة فیهما واحدة ، وأما المرسلات والعاصفات فغیر متوازیین ، لأن مرسلات علی وزن مفعلات ، وعاصفات علی وزن فاعلات ومتوافقان فی التقفیة ، وقد یقال : إن المعتبر فی السجع الوزن العروضی کما مر والوزن المذکور لا ینظر فیه إلی اتحاد الحرکة ولا لکون الحرف أصلیا أو زائدا ،

ص: 194

نحو (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً. فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً)(1) وقد تختلف التقفیة فقط کقولنا حصل الناطق والصامت وهلک الحاسد والشامت (قیل وأحسن السجع ما تساوت قرائنه نحو (فِی سِدْرٍ مَخْضُودٍ. وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ. وَظِلٍّ مَمْدُودٍ)) (2) أی بعد أن لا تتساوی قرائنه فالأحسن (ما طالت قرینته الثانیة ...

******

بل المنظور له فیه مقابلة متحرک بمتحرک وساکن بساکن فالحق أن السجع فی الآیة المذکورة مرصّع ، لأن مرسلات وعاصفات متحدان وزنا وقافیة (قوله عرفا) قال ابن هشام : إن کان المراد بالمرسلات الملائکة وبالعرف المعروف فعرفا إما مفعول لأجله ، أو نصب بنزع الخافض وهو الباء والتقدیر أقسم بالملائکة المرسلة للمعروف أو بالمعروف وإن کان المراد بالمرسلات الأرواح أو الملائکة وعرفا بمعنی متتابعة فانتصاب عرفا علی الحال ، والتقدیر أقسم بالأرواح أو الملائکة المرسلة متتابعة.

(قوله : وقد تختلف) أی : فی المتوازی التقفیة فقط دون الوزن فیما یعتبر فیه التقابل وهو غیر الفاصلتین (قوله : حصل الناطق والصامت ، وهلک الحاسد والشامت) أی : أنعم الله علی فحصل عندی وملکت الناطق وهو الرقیق والصامت کالخیل ونحوها والعقار فحصل علی وزن هلک وقافیتهما مختلفة ، لأن قافیة الکلمة الأولی اللام وقافیة الثانیة الکاف ، وکذا یقال فی ناطق وحاسد ، وأما صامت وشامت فلا بد فیهما من التوافق وزنا وقافیة ، لأنهما فاصلتان (قوله : قیل إلخ) لیس مراده التضعیف بل حکایته عن غیره (قوله : ما تساوت قرائنه) أی : فی عدد الکلمات وإن کانت إحدی الکلمات أکثر حروفا من کلمة القرینة الأخری فلا یشترط التساوی فی عدد الحروف (قوله : (فِی سِدْرٍ مَخْضُودٍ. وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ. وَظِلٍّ مَمْدُودٍ)) أی : فهذه قرائن ثلاثة وهی متساویة فی کون کلّ مرکبة من لفظین ، والسدر : شجر النبق ، والمخضود : الذی لا شوک له کأنه خضد أی : قطع شوکه ، والطلح : شجر الموز ، والمنضود : الذی نضد بالحمل من أسفله إلی أعلاه (قوله : ثم ما طالت قرینته الثانیة) أی : طولا غیر متفاحش وإلا کان قبیحا ،

ص: 195

نحو (وَالنَّجْمِ إِذا هَوی. ما ضَلَّ صاحِبُکُمْ وَما غَوی)(1) أو قرینته (الثالثة نحو (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ. ثُمَّ الْجَحِیمَ صَلُّوهُ)(2) من التصلیة (ولا یحسن أن یولی قرینة) أی أن یؤتی بعد قرینة بقرینة أخری (أقصر منها) قصرا (کثیرا) لأن السجع قد استوفی أمده فی الأول بطوله فإذا جاء الثانی أقصر منه کثیرا یبقی الإنسان عند سماعه کمن یرید الانتهاء إلی غایة فیعثر دونها ، وإنما قال کثیرا احترازا عن قوله تعالی (أَلَمْ تَرَ کَیْفَ فَعَلَ رَبُّکَ بِأَصْحابِ الْفِیلِ. أَلَمْ یَجْعَلْ کَیْدَهُمْ فِی تَضْلِیلٍ)(3) ...

******

والطول المتفاحش بالزیادة علی الثلث ومحل القبح إذا وقعت الطویلة بعد فقرة واحدة أما لو کانت بعد فقرتین فأکثر لا یقبح ، لأن الأولیین حینئذ بمثابة واحدة (قوله : (وَالنَّجْمِ إِذا هَوی. ما ضَلَّ صاحِبُکُمْ وَما غَوی)) أی : فهاتان قرینتان والثانیة أکثر فی الکلمات من الأولی فهی أطول منها (قوله : (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ)) هما قرینتان متساویتان فی أن کلا منها کلمة واحدة ولا عبرة بحرف الفاء المأتی به للترتیب فی کون الثانیة من کلمتین ، وأما قوله (ثُمَّ الْجَحِیمَ صَلُّوهُ) فهو قرینة ثالثة وهی أطول من کل مما قبلها ، وقول المصنف : أو قرینته الثالثة عطف بأو إشارة إلی أنه فی مرتبة ما قبله.

(قوله : من التصلیة) أی : الإحراق بالنار (قوله : ولا یحسن أن یولی إلخ) أی : بأن تکون قرینة طویلة ، والقرینة التی بعدها قصیرة قصرا کثیرا بالنسبة إلیها سواء کانت القصیرة ثانیة بالنظر لأصل الکلام أو ثالثة أو رابعة ، وذلک کما لو قیل خاطبنی خلیلی وشفانی بکلامه الذی هو کالجوهر النفیس فاقتنیت به أحسن تنفیس (قوله : أمده) أی غایته (قوله : فیعثر دونها) أی : فیقع قبل الوصول إلیها ، لأن السمع یطلب أمدا مثل الأولی أو قریبا منها ، فإذا سمع القصیر کثیر فاجأه خلاف ما یترقب وهو مما یستقبح (قول : احتراز إلخ) أی : فإن زیادة الأولی علی الثانیة إنما هو بکلمتین الأولی تسع کلمات بهمزة الاستفهام وحرف الجر والثانیة ست کلمات وهذا غیر مضر إذ المضر إنما

ص: 196

(والأسجاع مبنیة علی سکون الأعجاز) أی أواخر فواصل القرائن إذ لا یتم التواطؤ والتزاوج فی جمیع الصور إلا بالوقف والسکون (کقولهم : ما أبعد ما فات وما أقرب ما هو آت) إذ لو لم یعتبر السکون لفات السجع ؛ لأن التاء من فات مفتوح ومن آت منون مکسور.

(قیل : ولا یقال فی القرآن أسجاع) رعایة للأدب وتعظیما له إذ السجع فی الأصل هدیر الحمام ونحوه ...

******

هو الزیادة بأکثر من الثلث ، وأما الزیادة بالثلث فأقل فلا تضر (قوله : والأسجاع مبنیة علی سکون الأعجاز) أی : أن سکون الأعجاز أصل ینبنی علیه تحصیل السجع وهو واجب عند اختلاف الحرکات الإعرابیة ومستحسن عند اتفاقها (قوله : إذ لا یتم إلخ) هذا مرتبط بمحذوف أی : لأن الغرض من التسجیع أن یزاوج أی یوافق بین الفواصل ولا یتم التوافق بینهما إلا بالسکون وذلک السکون أعم من أن یکون فی الفاصلة من أصل وضعها کما فی دعا أمرا للاثنین ودعا فعلا ماضیا أو یحصل بالوقف ، ولذا قال المصنف : مبنیة علی السکون ولم یقل : مبنیة علی الوقف (قوله : أی أواخر) إلخ أشار بهذا إلی أن کلامه علی حذف مضاف ، والفواصل تفسیر للأعجاز أی : علی سکون أواخر الأعجاز (قوله : التواطؤ) أی : التوافق (وقوله : والتزاوج) مرادف لما قبله (قوله : کقولهم : ما أبعد ما فات) أی : لأن ما فات من الزمان ومن الحوادث فیه لا یعود أبدا (قوله : وما أقرب ما هو آت) أی : لأنه لا بد من حصوله فصار کالقریب (قوله : منون مکسور) أی : وهذا التخالف غیر جائز فی القوافی ولا واف بالغرض من السجع أعنی : تزاوج الفواصل (قوله : ولا یقال فی القرآن أسجاع) لیس المراد أنه لا یقال فیه ذلک لعدم وجوده فی نفس الأمر ، بل المراد أنه ینهی أن یقال ذلک لرعایة الأدب ولتعظیم القرآن وتنزیهه عن التصریح بما أصله أن یکون فی الدواب العجم (قوله : هدیر الحمام) أی : تصویته (وقوله : ونحوه) بالرفع عطفا علی المضاف أی : ونحو الهدیر کتصویت الناقة لا علی المضاف إلیه لأن الهدیر قاصر علی الحمام ، والحاصل أن کلّا من هدیر الحمام وتصویت الناقة یقال له السجع فی الأصل ، ثم نقل لفظ سجع من هذا المعنی للمعنی المذکور

ص: 197

وقیل لعدم الإذن الشرعی ، وفیه نظر ؛ إذ لم یقل أحد بتوقف أمثال هذا علی إذن الشارع وإنما الکلام فی أسماء الله تعالی (بل یقال) للأسجاع فی القرآن - أعنی الکلمة الأخیرة من الفقرة - (فواصل وقیل : السجع غیر مختص بالنثر ومثاله من النظم قوله (1) : تجلّی به رشدی وأثرت) أی صارت ذا ثروة (به یدی ...

******

فی هذا الفن ، وحینئذ فلا یصرح بوجوده فی القرآن لما ذکر (قوله : وقیل لعدم إلخ) أی : وقیل النهی عن أن یقال ذلک لعدم الإذن الشرعی بإطلاقه (قوله : وإنما الکلام) أی : وإنما الخلاف فی أسماء الله هل یحتاج فی إطلاقها لإذن أو لا؟ وقد یقال : إن القرآن کلام الله فلا یسمی کله ولا جزؤه إلا بما لا إیهام فیه ولا نقصان قیاسا علی تسمیة الذات. والسجع هدیر الحمام ففیه من إیهام النقص ما یمنع إطلاقه إلا بإذن (قوله : بل یقال للأسجاع فی القرآن) أی باعتبار القرآن (قوله : أعنی الکلمة الأخیرة من الفقرة الأولی) أعنی أی : بالأسجاع هنا الکلم الأواخر من الفقر ، وقول المصنف : بل یقال فواصل مبنی علی ما قاله السکاکی من أن السجع یطلق علی الکلمة الأخیرة من الفقرة ، إذ هی التی یقال لها فاصلة لا علی أن السجع موافقة الکلمات الأخیرة من الفقرة (قوله : فواصل) أی : لمناسبة ذلک لقوله تعالی : (فُصِّلَتْ آیاتُهُ)(2).

(قوله : وقیل السجع غیر مختص بالنثر) هذا عطف علی محذوف ، والأصل والسجع مختص بالنثر أخذا مما تقدم حیث قیل : إنه فی النثر کالقافیة فی الشعر ، وحیث قیل : إنه توافق الفاصلتین ، إذ الفاصلتان مخصوصتان بالنثر وإطلاقهما علی ما فی الشعر توسع وقیل غیر مختص بالنثر ، بل یکون فیه کما تقدم ، وفی النظم بأن یجعل کل شطر من البیت فقرتین لکل فقرة سجعة ، فإن اتفق فقرتا الشطرین فهو غیر تشطیر ، وإلا فهو تشطیر أو بأن یجعل کل شطر فقرة فیکون البیت فقرتین ، وهذا کثیر کألفیة ابن مالک وجوهرة اللقانی (قوله : قوله) أی : قول أبی تمام (وقوله : تجلی) أی : ظهر بهذا الممدوح وهو نصر المذکور فی البیت السابق أعنی قوله :

ص: 198

وفاض به ثمدی) هو بالکسر الماء القلیل والمراد هنا المال القلیل (وأوری) أی صار ذا وری (به زندی) وأما أوری بضم الهمزة علی أنه متکلم المضارع من أوریت الزند أخرجت ناره فتصحیف ومع ذلک یأباه الطبع.

******

سأحمد نصرا ما حییت وإنّنی

لأعلم أن قد جلّ نصر عن الحمد (1)

تجلی به رشدی أی : ظهر به رشدی أی : بلوغی للمقاصد وهذه قرینة فی النظم ، (وقوله : وأثرت به یدی) أی : وصارت یدی بهذا الممدوح ذات ثروة أی : کثرة مال لاکتسابها منه جاها وعطاء قرینة أخری فی النظم ساجعت ما قبلها (قوله : وفاض به) أی : بالممدوح ثمدی قرینة ساجعة لما قبلها (قوله : والمراد به المال القلیل) أی : علی طریق الاستعارة بجامع القلّة أو النفع فی کل ، وهذه الفقرة باعتبار المراد منها کالتأکید لما قبلها (قوله : وأوری) بفتح الهمزة ، والراء فعل ماض ، وزندی فاعله وضمیر به للممدوح أی : أوری بالممدوح زندی (قوله : أی صار ذا وری) أی : صار زندی ذا نار بعد أن کان لا نار له ، فالهمزة فی أوری للصیرورة ، وصیرورة زنده ذا نار کنایة عن ظفره بالمطلوب ؛ لأن الزند إذا لم یکن ذا وری لم ینل منه المراد ، وإن کان ذا وری نیل منه المراد فأوری علی هذا فعل ماض وفاعله زندی ، فهو موافق لما قبله فی کون الفاعل غیر ضمیر المتکلم (قوله : علی أنه متکلم المضارع) الأولی علی أنه مضارع المتکلم (قوله : من أوریت الزند أخرجت ناره) أی : فالمعنی حینئذ وأوری أنا بالممدوح زندی أی : أخرج بسببه نار زندی (قوله : فتصحیف) أی : تغییر لشکل الکلمة ؛ لأنه بضم الهمزة وکسر الراء ، مع أنهما مفتوحتان ، والدلیل علی أنه تصحیف عدم مطابقته لما قبله فی الفاعل من جهة کون فاعل ما قبله من طریق الغیبة ، بسبب کونه اسما ظاهرا ، فلم یجر الکلام علی نمط واحد وجریانه مع إمکانه أنسب لبلاغة الشاعر (قوله : یأباه الطبع) أی : لأنه یومئ إلی ما ینافی المقام ؛ وذلک لأن فیه إیماء إلی أن عند الشاعر أصل الظفر بالمراد ، ثم استعان بالممدوح حتی بلغ المقصود وکون زنده لا وری له ، ثم صار بالممدوح ذا وری أنسب

ص: 199

(ومن السجع علی هذا القول) أی القول بعدم اختصاصه بالنثر (ما یسمی التشطیر وهو جعل کل من شطری البیت سجعة مخالفة لأختها) أی للسجعة التی فی الشطر الآخر ، فقوله : سجعة ...

******

بمقام المدح من کونه یخرج نار زنده بإعانة الممدوح مع وجود أصل النار فیه ، والحاصل أن العبارة الأولی وهی أوری بصیغة الماضی تقتضی أنه صار زنده ذا وری بعد انعدام وریه ، والثانیة تقتضی أن له أصل الوری وبلوغ کماله بالممدوح ، ولا یخفی أن الأولی بمقام المدح أنسب من الثانیة (قوله : ومن السجع علی هذا القول ما یسمی التشطیر) حاصله أنه إذا بنینا علی القول بأن السجع مختص بالنثر فما یوجد فی النظم مما یشبه السجع یعد من المحسنات الشبیهة به وإذا بنینا علی القول بأن السجع یوجد فی الشعر أیضا فنقول : السجع الموجود فیه قسمان ما لا یسمی بالتشطیر وهو الذی تقدم ، وما یسمی بالتشطیر (قوله : وهو جعل کل من شطری البیت إلخ) أی : أن یجعل کل مصراع من البیت مشتملا علی فقرتین والفقرتین اللتین فی المصراع الأول مخالفتین للّتین فی المصراع الثانی فی التقفیة کما فی البیت الآتی ، فإن الشطر الأول فقرتان وقافیتهما المیم ، والشطر الثانی فقرتان أیضا وقافیتهما الباء ، وسمی هذا النوع بالتشطیر لجعل الشاعر سجعتی الشطر الأول مخالفتین لأختیهما من الشطر الثانی وشمول تعریف السجع السابق لهذا النوع المسمی بالتشطیر باعتبار کل شطر ، فإنه مشتمل علی سجعتین مقفیتی الآخر وإن کان لا یشمله باعتبار مجموع الشطرین لعدم اتفاقهما فی التقفیة (قوله : مخالفة لأختها) أی : بألّا یتوافقا فی الحرف الأخیر (قوله : فقوله : سجعة إلخ) هذا شروع فی جواب اعتراض وارد علی کلام المصنف ، وحاصله أن ظاهر قوله وهو جعل کل من شطری البیت سجعة أن کل شطر یجعل سجعة ولیس کذلک ، إذ السجعة : إما الکلمة الأخیرة من الفقرة ، أو توافق الفقرتین فی الحرف الأخیر - کما مر ، فکان الأولی للمصنف أن یقول : وهو جعل کل شطر فقرتین مخالفتین لأختیهما ، وحاصل الجواب أن قوله : سجعة لیس مفعولا ثانیا لجعل ، بل نصب علی المصدریة ، والمفعول محذوف أی : جعل کل من شطری البیت مسجوعا سجعة أی : مسجعا سجعا وهذا صادق بکون

ص: 200

فی موضع المصدر أی مسجوعا سجعة ؛ لأن الشطر نفسه لیس بسجعة ، أو هو مجاز تسمیة للکل باسم جزئه (کقوله : تدبیر معتصم بالله منتقم ... لله مرتغب فی الله (1)) أی راغب فیما یقربه من رضوانه (مرتقب) أی منتظر ثوابه أو خائف عقابه فالشطر الأول سجعة مبنیة علی المیم والثانیة سجعة مبنیة علی الباء.

******

الشطر فقرتین ، فعلم أن قوله : سجعة مصدر مؤکد بمعنی سجعا ، ومن المعلوم أنه یلزم من جعل کل شطر مسجعا سجعا أن یکون کل شطر فیه فقرتان لیتحقق معنی السجع فیه (قوله : فی موضع المصدر) أی : معنی المصدر (قوله : لأن الشطر إلخ) علة لمحذوف أی : ولیس مفعولا ثانیا لجعل ؛ لأن الشطر إلخ (قوله : أو هو مجاز إلخ) جواب بالتسلیم ، وکأنه یقول : سلمنا أن سجعه مفعول ثان لجعل ، لکنه أطلق السجعة علی مجموع الشطر الذی وجدت فیه تجوزا من إطلاق اسم الجزء علی الکل ، وإطلاق اسم الجزء علی الکل یرجع لتسمیة الکل باسم الجزء الذی قاله الشارح.

(قوله : کقوله) أی : قول الشاعر وهو أبو تمام فی مدح المعتصم بالله حین فتح عموریة بلدة بالروم والبیت المذکور من قصیدة من البسیط مطلعها :

السّیف أصدق إنباء من الکتب

فی حدّه الحدّ بین الجدّ والّلعب (2)

(قوله : تدبیر معتصم بالله) هذا مبتدأ وخبره فی البیت الثالث بعده وهو قوله :

لم یرم قوما ولم ینهد إلی بلد

إلّا تقدّمه جیش من الرّعب

أی : لم یقصد تدبیره قوما ولم یتوجه إلی بلد إلا تقدمه الرعب (وقوله : معتصم بالله) هو الممدوح (وقوله : منتقم لله) أی أنه إذا أراد أن ینتقم من أحد فلا ینتقم منه إلا لأجل الله أی : لأجل انتهاک حرماته لا لحظ نفسه وذلک لعدالته (وقوله : مرتغب فی الله) بالغین المعجمة أی : راغب فیما یقربه من رضوان الله (وقوله : مرتقب) بالقاف أی : من الله أی :منتظر الثواب من الله وخائف منه إنزال العذاب علیه فهو خائف راج کما هو صفة المؤمنین الکمل (قوله : فالشطر الأول سجعة) جعل الشطر سجعة بناء علی ما مر له من

ص: 201

وظاهر قوله دون التقفیة أنه یجب فی الموازنة عدم التساوی فی التقفیة حتی لا یکون نحو : (فِیها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ. وَأَکْوابٌ مَوْضُوعَةٌ)(1) من الموازنة ویکون بین الموازنة والسجع مباینة إلا علی رأی ابن الأثیر فإنه یشترط فی السجع التساوی فی الوزن والتقفیة ، ویشترط فی الموازنة التساوی فی الوزن ...

******

فإنهم ذکروا هناک أن تاء التأنیث لیست من حروف القافیة إن کانت تبدل هاءا فی الوقف وإلا فتعتبر کتاء بنت وأخت (قوله : وظاهر قوله إلخ) الحاصل أن قول المصنف دون التقفیة یحتمل أن یکون علی ظاهره ، وأن المعنی أن تتفق الفاصلتان فی الوزن ولا یتفقا فی التقفیة فیجب فی الموازنة عدم الاتفاق فی التقفیة - بخلاف السجع - فإنه یشترط فیه الاتفاق فی التقفیة فهما متباینان ، وعلی هذا فالموازنة لا تصدق علی نحو قوله تعالی : (سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ. وَأَکْوابٌ مَوْضُوعَةٌ) لوجود التوافق فی التقفیة ، وشرط الموازنة : عدم الاتفاق فیها ، وتباین اللوازم یقتضی تباین الملزومات ، قال فی المطول : ویحتمل أن یکون مراد المصنف دون التقفیة ، فلا یشترط التوافق فیها ، وإذا لم یشترط فی الموازنة التوافق فی التقفیة جاز أن تکون مع التقفیة ومع عدمها بشرط اتحاد الوزن ، وعلی هذا فیکون بینها وبین السجع عموم وخصوص من وجه ؛ لأنه شرط فیه اتحاد التقفیة ولم یشترط فیه اتحاد الوزن فیصدقان فی نحو : (سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ. وَأَکْوابٌ مَوْضُوعَةٌ) من وجود الوزن والتقفیة معا وینفرد السجع بنحو (ما لَکُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً. وَقَدْ خَلَقَکُمْ أَطْواراً)(2) لوجود التقفیة ، فیکون سجعا دون الوزن فلا یکون موازنة وتنفرد الموازنة بنحو : (وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ. وَزَرابِیُّ مَبْثُوثَةٌ) لوجود الوزن ، فیکون موازنة دون التقفیة فلا یکون سجعا (قوله : حتی لا یکون إلخ) أی : لأنه وجد فیه التساوی فی التقفیة ، وقوله ویکون عطف علی النفی وهو لا یکون وقوله مباینة أی : لأنه شرط فی السجع التساوی فی التقفیة ، وفی الموازنة عدم التساوی فیها (قوله : إلا علی رأی ابن الأثیر) أی : فلیتباینان ، وحاصله أن ابن الأثیر شرط فی السجع : التوافق فی الوزن ، وفی التقفیة أی :

ص: 203

دون الحرف الأخیر ، فنحو شدید وقریب لیس بسجع وهو أخص بالموازنة وإذا تساوی الفاصلتان فی الوزن دون التقفیة.

(فإن کان ما فی إحدی القرینتین) من الألفاظ (أو أکثره مثل ما یقابله من) القرینة (الأخری فی الوزن) سواء ماثله فی التقفیة أولا (خص) هذا النوع من الموازنة (باسم المماثلة) وهی لا تختص بالنبر کما توهم البعض من ظاهر قولهم تساوی الفاصلتین ، ولا بالنظم علی ما ذهب إلیه البعض ، ...

******

الحرف الأخیر ، وشرط فی الموازنة التوافق فی الوزن ولم یشترط فیها التوافق فی الحرف الأخیر وهو التوافق فی التقفیة ، فالموازنة عنده : الکلام الذی یقع فیه التوافق فی الوزن - سواء کان مع ذلک متفقا فی التقفیة أم لا ، فالسجع عنده أخص من الموازنة ، لأنه شرط فیه ما فی الموازنة وزیادة ، فنحو : " سرر مرفوعة وأکواب موضوعة" سجع وموازنة ، ونحو شدید وقریب إذا ختم بهما قرینتان لا یکون من السجع لعدم التقفیة ، ویکون من الموازنة لوجود الوزن ، واعترض علیه بأنه یلزم علی کلامه أن نحو : (ما لَکُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً. وَقَدْ خَلَقَکُمْ أَطْواراً) لیس من السجع لعدم الوزن ولا من الموازنة لذلک أیضا فیکون خارجا عن النوعین وهو فی غایة البعد (قوله : دون الحرف الأخیر) أی : ولا یشترط فی الموازنة تساویهما فی الحرف الأخیر الذی هو التقفیة.

(قوله : أو أکثره) أی : أو کان أکثر ما فی إحدی القرینتین من الألفاظ (قوله : من القرینة الأخری) أی : من الألفاظ التی فی القرینة الأخری (قوله : سواء مماثلة إلخ) هذا التعمیم إنما هو فیما عدا الفاصلتین ، لأن ما عداهما هو المحدث عنه ، وأما الفاصلتان فیشترط فیهما عدم التقفیة کما حل به الشارح أولا ، فالتعمیم ظاهر علی کلام المصنف (قوله : خص هذا النوع) جواب إن ، والمراد بهذا النوع ما تساوت المتقابلات التی فی قرینتیه أو جلها ، وقوله باسم المماثلة أی : فیقال هذه الموازنة مماثلة ، فالمماثلة نوع من مطلق الموازنة فهی بمنزلة الترصیع من السجع (قوله : وهی) أی : الموازنة لا تختص إلخ ویلزم من عدم اختصاص الموازنة بقبیل عدم اختصاص المماثلة بقبیل ، لأن المماثلة نوع للموازنة وکل ما ثبت لجنس ثبت لنوعه (قوله : علی ما ذهب إلیه البعض) أی : نظرا إلی

ص: 204

بل یجری فی القبیلین ، فلذلک أورد مثالین (نحو) قوله تعالی : (وَآتَیْناهُمَا الْکِتابَ الْمُسْتَبِینَ. وَهَدَیْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِیمَ)(1) وقوله : مها الوحش) جمع مهاة وهی البقرة الوحشیة (إلا أنّ هاتا) أی هذه النساء (أوانس ... قنا الخطّ إلا أنّ تلک) القنا (ذوابل) ...

******

أن الشعر لوزنه أنسب باسم الموازنة (قوله : بل یجری) أی : اسم المماثلة وقوله فی القبیلین أی : النثر والنظم (قوله : (وَآتَیْناهُمَا الْکِتابَ الْمُسْتَبِینَ)) (2) هذه قرینة ، وقوله وهدیناهما الصراط المستقیم : قرینة ثانیة مقابلة لما قبلها وفی کل من القرینتین أربع کلمات غیر الفاصلة ، والتوافق بینهما فی ثلاثة من الأربعة وهی : الفعل وفاعله ومفعولاه ، ولا تخالف إلا فی الفعل فهذا مثال لما تساوی فیه الجل فی الوزن ولم یوجد هنا تساو فی التقفیة ، ومثال التساوی فی الکل فی النثر قوله تعالی : (وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ. وَزَرابِیُّ مَبْثُوثَةٌ)(3) کما تقدم.

(قوله : وقوله) أی : قول الشاعر وهو أبو تمام فی مدح نسوة (قوله : (4) مها الوحش) أی : هن کمها الوحش فی سعة الأعین وسوادها وأهدابها ، والمها بضم المیم کما فی معاهد التنصیص ، وبفتحها کما فی سم.

(قوله : إلا أن هاتا) فیه أن هاتا للمفردة المؤنثة ، والنساء لیس مفردا ، وأجیب بأنه مفرد حکما (قوله : أوانس) أی : یأنس بهن العاشق بخلاف مها الوحش فإنها نوافر (قوله : قنا الخط) أی : هن کقنا الخط فی طول القد واستقامته ، والقنا : جمع قناة وهی الرمح ، والخط بفتح الخاء موضع بالیمامة تصنع فیه الرماح وتنسب إلیه الرماح المستقیمة.

(قوله : ذوابل) جمع ذابل من الذبول وهو ضد النعومة والنضارة یقال : قنا ذابل أی : رقیق الصق القشر - قاله فی الأطول.

ص: 205

وهذه النساء نواضر ، والمثالان مما یکون أکثر ما فی إحدی القرینتین مثل ما یقابله من الأخری ، لعدم تماثل آتیناهما وهدیناهما وزنا ، وکذا هاتا وتلک.

ومثال الجمیع قول أبی تمام :

فأحجم لمّا لم یجد فیک مطمعا

وأقدم لمّا لم یجد عنک مهربا (1)

******

(قوله : وهذه النساء نواضر) أی : لا ذبول فیها ، وحاصله أن الشاعر یقول : إن هؤلاء النساء کمها الوحش وزدن بالأنس وکالقنا وزدن بالنضارة والنعومة (قوله : لعدم تماثل آتیناهما إلخ) فیه مسامحة لأن التخالف بین الفعلین فقط ، وأما الضمیران فلا تخالف فیهما (قوله : وکذا هاتا وتلک إلخ) حاصله أن مها من المصراع الأول موازن لقنا من المصراع الثانی وأوانس من الأول موازن لذاوبل من الثانی وإلا أن فیهما متفق ، وأما هاتا فی الأول وتلک فی الثانی فهما غیر متوازنین ، وحینئذ فهذا المثال من الشعر لما تساوی فیه الجل (قوله : ومثال الجمیع) أی : ومثال ما تساوی فیه جمیع ما فی إحدی القرینتین لجمیع ما فی الأخری (قوله : قول أبی تمام) أی : فی مدح الفتح بن خاقان ویذکر مبارزته للأسد فالضمیر فی أحجم وأقدم للأسد ، والمعنی أن هذا الأسد لما لم یجد طمعا فی تناولک لقوتک علیه أحم وتباعد عنک ، ولما عرف أنه لا ینجو منک أقدم دهشا فإقدامه تسلیم منه لنفسه لعلمه بعدم النجاة لا للشجاعة ، فأقدم فی المصراع الثانی موازن لأحجم فی المصراع الأول ، ولما لم یجد فی الثانی موازن لنظیرتها فی المصراع الأول وعنک موازن لفیک ومهربا موازن لمطمعا ولیس فی البیت موافقة فی التقفیة ، قال فی الأطول : والتمثیل بهذا البیت للموافقة فی الجمیع فیه نظر ، لأن لما لم یجد المکرر فی البیت لا یقال فیه تماثل ، بل هو عینه ، وحینئذ فتکون المماثلة فی البیت باعتبار الأکثر هذا ، وما ذکره الشارح هنا من نسبة هذا البیت لأبی تمام هو الصواب خلافا لما فی المطول من نسبته للبحتری - قاله شیخنا.

ص: 206

وقد کثر ذلک فی الشعر الفارسی وأکثر مدائح أبی الفرج الرومی من شعراء العجم علی المماثلة وقد اقتفی الأنوری أثره فی ذلک.

(وفی التنزیل : (کُلٌّ فِی فَلَکٍ)(1)(وَرَبَّکَ فَکَبِّرْ)(2) والجرف المشدد فی حکم المخفف ، لأن المعتبر هو الحروف المکتوبة ، وقد یکون ذلک فی المفرد نحو سلس وتغایر القلب بهذا المعنی ...

******

فإن هذا بیت من مشطور المتقارب ، وإذا قلبت المصراع الأخیر خرج المصراع الأول ، وإذا قلبت المصراع الأول خرج المصراع الأخیر وتارة لا یکون کذلک ، بل یکون مجموع البیت قلب المجموعة ، وأما کل مصراع فلا یخرج من قلب الآخر کما فی قوله : مودته تدوم إلخ.

(قوله : (وَرَبَّکَ فَکَبِّرْ)) أی : بإلغاء حرف العطف وهو الواو لخروجه عن ذلک ، ومن قبیل القلب الواقع فی الآیة قولهم : قلع مرکب ببکر معلق.

(قوله : والحرف المشدد فی حکم المخفف) أی : لأن المنظور له فی القلب الحرف المکتوب فلا یضر فی القلب اختلاف لامی کل وفلک مثلا تشدیدا وتخفیفا والحرف المقصور فی حکم الممدود ، ولذا تحقق القلب فی أرض خضراء ولا اعتداد بالهمزة ، ولذا لم یضر ذلک ، ولا یضر اختلاف الحرکات ولا انقلاب المحرک ساکنا وعکسه ، ولهذا استشهدوا بقول العماد الفاضل : سر فلا کبا بک الفرس ، وجواب الفاضل له : دام علا العماد ، ولا یضر سقوط ألف علا فی الوصل ، وعود ألف الفرس الساقطة فی الوصل (قوله : وقد یکون ذلک) أی : القلب (قوله : نحو سلس) هو بفتح اللام وکسرها ، فالأول مصدر ، والثانی وصف ودخل بنحو کشک وکعک وخوخ وباب وشاش وساس ، واعلم أن ما ذکره المصنف من القلب المراد به قلب الحروف ، ومن القلب نوع آخر یقال له قلب الکلمات وهو : أن یکون الکلام بحیث لو عکسته بأن ابتدأت بالکلمة الأخیرة منه ، ثم بما یلیها ، وهکذا إلی أن تصل إلی الکلمة الأولی منه یحصل کلام مفید مغایر للأول المقلوب کقوله :

عدلوا فما ظلمت لهم دول

سعدوا فما زالت لهم نعم

ص: 208

لتجنیس القلب ظاهر فإن المقلوب هاهنا یجب أن یکون عین اللفظ الذی ذکر بخلافه ثمة ، ویجب ثمة ذکر اللفظین جمیعا بخلافه هاهنا.

یصح المعنی عند الوقوف علی کلّ منهما) أی من القافیتین فإن قیل کان علیه أن یقول یصح الوزن والمعنی عند الوقوف علی کلّ منهما ؛ لأن التشریع هو أن یبنی الشاعر أبیات القصیدة ذات قافیتین علی بحرین أو ضربین من بحر واحد ، فعلی أی القافیتین وقفت کان شعرا مستقیما قلنا : القافیة إنما هی آخر البیت فالبناء علی قافیتین لا یتصور ، إلا إذا کان البیت بحیث یصح الوزن ویحصل الشعر عند الوقوف علی کل منهما وإلا لم تکن الأولی قافیة (کقوله : یا خاطب الدّنیا) من خطب المرأة (الدّنیة) أی الخسیسة (إنّها ... شرک الرّدی) أی حبالة الهلاک (وقرارة الأکدار) أی مقر الکدوارت ، فإن وقفت علی الردی فالبیت من الضرب الثامن من الکامل وإن وقفت علی الأکدار فهو من الضرب الثانی منه والقافیة عند الخلیل ...

******

باللآلئ ونحوها (قوله : یصح المعنی) المراد بصحة المعنی تمامه (قوله : فإن قیل إلخ) اعتراض علی المصنف ، حیث لم یشترط صحة الوزن مع اشتراط صحة المعنی ، مع أن الشعر لا یتحقق بدون صحة الوزن (قوله : ذات قافیتین) صفة لقصیدة ، فلامها للجنس ، أو حال منها (قوله : قلنا إلخ) حاصله أن لفظ القافیة مشعر باشتراط الوزن ؛ لأن القافیة لا تکون إلا فی البیت ، فیستلزم تحققها تحقق استقامة الوزن ضرورة أن القافیة لا تسمی قافیة إلا مع الوزن (قوله : کقوله) أی : الشاعر وهو الحریری فی مقاماته (قوله : (1) یا خاطب الدنیا) أی : یا طالبها من خطب المرأة طلبها وبعد البیت :

دار متی ما أضحکت فی یومها

أبکت غدا تبّا لها من دار

غاراتها لا تنقضی وأسیرها

لا یفتدی بجلائل الأخطار

فقد بنی هذه الأبیات ، وکذا سائر القصیدة علی قافیتین ، إذ یصح أن یقال فیها :

یا خاطب الدّنیا

إنّها شرک الرّدی

دار متی ما أضحکت

فی یومها أبکت غدا

غاراتها لا تنقضی

وأسیرها لا یفتدی

ص: 210

من آخر حرف فی البیت إلی أول ساکن یلیه مع الحرکة التی قبل ذلک الساکن فالقافیة الأولی من هذا البیت هو لفظ الردی مع حرکة الکاف من شرک والقافیة الثانیة هی من حرکة الدال من الأکدار إلی الآخر وقد یکون البناء علی أکثر من قافیتین وهو قلیل متکلف ومن لطیف القافیتین نوع یوجد فی الشعر الفارسی وهو أن تکون الألفاظ الباقیة بعد القوافی الأول بحیث إذا جمعت شعرا مستقیم المعنی.

******

کما یصح قراءة کل بیت علی تمامه ، وکل من الوجهین علی قافیة وضرب ، فإن وقفت علی لفظ الردی من البیت الأول ولفظ غدا فی الثانی ولفظ یفتدی فی الثالث وهو القافیة الأولی کان البیت من الضرب الثامن من الکامل ، وإن وقفت علی لفظ الأکدار فی البیت الأول ودار فی الثانی والأخطار فی الثالث کان البیت من الضرب الثانی منه ، وبیان ذلک أن أصل البحر الکامل متفاعلن ست مرات ، وأنه یسدس علی الأصل تارة ویربع مجزوءا تارة أخری وضربه الثانی هو مسدسه الذی عروضه سالمة وضربه مقطوع ، فالأبیات المذکورة علی القافیة الثانیة من هذا القبیل ، وأما ضربه الثامن فهو مربعه الذی أجزاؤه الأربعة سالمة والأبیات علی القافیة الأولی کذلک (قوله : من آخر حرف فی البیت إلخ) فیه إدخال من علی الآخر وإدخال إلی علی الأول وهو خلاف المشهور فکان الأولی العکس (قوله : یلیه) أی : یلی ذلک الآخر أی : قبل ذلک الآخر ، وقوله مع الحرکة التی قبل ذلک الساکن أی : وأما حرف تلک الحرکة فخارج عنها (قوله : وقد یکون البناء علی أکثر من قافیتین) أی : فلو قال المصنف هو بناء البیت علی قافیتین أو أکثر کان أحسن إن قیل إذا وجد البناء علی أکثر من قافیتین فقد وجد علی القافیتین ، لأن الأکثر من القافیتین لا یوجد إلا إذا وجدت القافیتان ، وقول المصنف بناء البیت علی قافیتین : یحتمل فقط ویحتمل قافیتین فأکثر ، فنحن نرید الاحتمال ولا اعتراض علی المصنف ، قلت : الظاهر من قوله هو بناء البیت علی قافیتین أن یکون مبنیا علیهما فقط (قوله : وهو قلیل) من ذلک قول الحریری : (1)

ص: 211

وهو الحرف الذی تبنی علیه القصیدة وتنسب إلیه ، فیقال قصیدة لامیة أو میمیة مثلا ، من رویت الحبل إذا فتلته ؛ لأنه یجمع بین الأبیات کما أن الفتل یجمع بین قوی الحبل ، أو من رویت علی البعیر إذا شددت علیه الرّواء وهو الحبل الذی یجمع به الأحمال (أو ما فی معناه) أی قبل الحرف الذی هو فی معنی حرف الروی (من الفاصلة) یعنی الحرف الذی وقع فی فواصل الفقر موقع حرف الروی فی قوافی الأبیات وفاعل یجیء هو قوله (ما لیس بلازم فی السجع) یعنی أن یؤتی قبله بشیء ،

******

أی : من القافیة ویؤخذ من قول الشارح : لأنه یجمع بین الأبیات أن الإضافة غیر بیانیة ، والمعنی قبل الحرف الذی یجمع بین الأبیات ویحتمل أنها بیانیة ؛ لأنهم قد یعبرون بالروی بدون حرف مرادا به الحرف المذکور (قوله : وهو الحرف) أی : الأخیر من القافیة (قوله : فیقال قصیدة لامیة) أی : إن کان الحرف الأخیر من قافیتها لاما وهکذا (قوله : من رویت الحبل) أی : مأخوذ من قولک : رویت الحبل (قوله : إذا فتلته) أی : ویلزمه الجمع (قوله : لأنه) أی الروی (قوله : بین قوی الحبل) أی طاقاته (قوله : الرواء) بکسر الراء والمد (قوله : وهو الحبل الذی یجمع به الأحمال) أی : والحرف الأخیر من القافیة الذی تنسب إلیه القصیدة یجمع بین الأبیات (قوله : وما فی معناه) عطف علی حرف الروی أی : أو یجیء قبل الحرف الذی فی معناه (قوله : یعنی إلخ) أشار الشارح إلی أن قوله من الفاصلة بیان لما فی معناه ، وأنه أطلق الفاصلة علی الحرف الذی یختم به الفاصلة ، فهو من تسمیة الجزء باسم الکل ، والظاهر أن الفاصلة باقیة علی معناها الحقیقی ، وهو الکلمة الأخیرة من الفقرة أی : حال کونه کائنا من الفاصلة.

(قوله : ما لیس بلازم فی السجع) ما عبارة عن شیء کما قال الشارح (قوله : یعنی أن یؤتی قبله) أی : قبل ما ذکر من حرف الروی أو الحرف الذی فی معناه (وقوله : بشیء) الشیء : أمور ثلاثة حرف وحرکة معا ، کما فی الآیة الآتیة والأبیات المذکورة بعدها ، وحرف فقط : کالقمر ومستمر فی قوله تعالی : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ. وَإِنْ یَرَوْا آیَةً یُعْرِضُوا وَیَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ)(1) وحرکة فقط کقول ابن الرومی :

ص: 213

لو جعل القوافی أو الفواصل أسجاعا لم یحتج إلیه الإتیان بذلک الشیء ویتم السجع بدونه ، فمن زعم أنه کان ینبغی أن یقول ما لیس بلازم فی السجع أو القافیة لیوافق قوله قبل حرف الروی أو ما فی معناه فهو لم یعرف معنی هذا الکلام ، ثم لا یخفی أن المراد بقوله یجیء قبل کذا ما لیس بلازم فی السجع أن یکون ذلک فی بیتین أو أکثر أو فاصلتین أو أکثر ...

******

لما تؤذن الدّنیا به من صروفها

یکون بکاء الطّفل ساعة یولد

وإلا فما یبکیه منها وإنّها

لأوسع مما کان فیه وأرغد

حیث التزم فتح ما قبل الدال وقوله لما تؤذن من تقدم العلة علی المعلول (قوله : لو جعل القوافی أو الفواصل أسجاعا) أی : بأن حولت القوافی عن وزن الشعر وجعلت أسجاعا وکذلک الفواصل إذا غیرت عن حالها وجعلت أسجاعا أخر (قوله : لم یلزم الإتیان بذلک الشیء) أی : فی تلک الأسجاع المفروضة (قوله : ویتم إلخ) أی : لکون السجع یتم بدونه فهو فی قوة التعلیل لما قبله (قوله : لم یعرف معنی هذا الکلام) أی : لم یعرف معناه المراد منه ، والحاصل أن هذا المعترض فهم أن مراد المصنف بالسجع الفواصل ، فاعترض علیه وقال : کان الأولی له أن یزید القافیة بأن یقول : ما لیس بلازم فی السجع أی :الذی یکون فی الفواصل ولا فی القافیة التی تکون فی الشعر لیوافق قوله قبل حرف الروی ، أو ما فی معناه وهو حرف السجع ، فرد شارحنا علی هذا المعترض بما حاصله : أن هذا المعترض لم یفهم مراد المصنف ؛ لأنه لیس مراده بالسجع الفواصل ، وإنما مراده أن الفواصل والقوافی فی لزوم ما لا یلزم فیها : هو أن یجیء شیء قبل ما ختمت به لا یلزم ذلک الشیء تلک القوافی ولا تلک الفواصل علی تقدیر جعلها أسجاعا وتحویلها إلی خصوص السجع ، ویدل علی أن ما فهمه ذلک المعترض لیس مرادا للمصنف إتیانه بالسجع اسما ظاهرا إذ الفواصل والأسجاع من واد واحد فلو أراد المصنف ما ذکره لکان المناسب أن یقول ما لیس بلازم فیهما بالإضمار أی : فی الفاصلة والقافیة ، تأمل.

(قوله : ثم لا یخفی أن المراد إلخ) حاصله أن المراد بقول المصنف أن یجیء قبل حرف الروی أو قبل ما یجری مجراه ما لیس بلازم فی السجع أن یؤتی بما ذکر فی بیتین

ص: 214

وإلا ففی کل بیت أو فاصلة یجیء قبل حرف الروی أو ما فی معناه ما لیس بلازم فی السجع کقوله :

قفا نبک من ذکری حبیب ومنزل

بسقط اللّوی بین الدّخول فحومل (1)

قد جاء قبل اللام میم مفتوحة وهو لیس بلازم فی السجع وقوله : قبل حرف الروی أو ما فی معناه إشارة إلی أنه یجری فی النثر والنظم (نحو (فَأَمَّا الْیَتِیمَ فَلا تَقْهَرْ. وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ)) (2) فالراء بمنزلة حرف الروی ومجیء الهاء قبلها فی الفاصلتین لزوم مالا یلزم ، لصحة السجع بدونها نحو فلا تقهر ولا یسخر ...

******

أو فی فاصلتین فأکثر کما سیأتی فی التمثیل ، فإنه لو لم یشترط وجوده فی أکثر من بیت أو فاصلة لم یخل بیت ولا فاصلة منه ، لأنه لا بد أن یؤتی قبل حرف الروی أو ما جری مجراه بحرف لا یلزم فی السجع فقوله مثلا :

قفا نبک من ذکری حبیب ومنزل

بسقط اللّوی بین الدّخول فحومل

قد جیء قبل الروی الذی هو اللام بمیم وهی حرف لا یلزم فی السجع ، وعلیه یکون البیت من هذا النوع ولیس کذلک ، وإنما یکون الإتیان المذکور من هذا النوع إن التزم فی بیتین فأکثر أو فی فاصلتین فأکثر (قوله : وإلا) أی : وإلا یکن المراد أن یکون ذلک فی إلخ یکون التعریف غیر مانع لشموله کل بیت علی حدته ، مع أن البیت لیس من هذا النوع أی : لزوم ما لا یلزم (قوله : وهو لیس بلازم فی السجع) أی : لو حولناه وجعلناه سجعا (قوله : فالراء) أی : فی تقهر وتنهر بمنزلة حرف الروی أی : الذی فی القافیة من جهة التواطؤ علی الختم به (قوله : ومجیء الهاء قبلها إلخ) أی : وکذا فتحة الهاء قبلها لزوم ما لا یلزم (قوله : لصحة السجع بدونها) أی : لو حولناه إلی سجع آخر نحو فلا تقهر ولا تبصر ولا تصغر کما ذکر فی قوله تعالی : ((اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ

ص: 215

(وقوله : سأشکر عمرا إن تراخت منیتی ، أیادی) بدل من عمرا (لم تمنّن وإن هی جلّت) أی لم تقطع أو لم تخلط بمنة وإن عظمت وکثرت.

(فتی غیر محجوب الغنی عن صدیقه

ولا مظهر الشکوی إذا النّعل زلّت) (1)

******

وَإِنْ یَرَوْا آیَةً یُعْرِضُوا وَیَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) (قوله : وقوله) أی : الشاعر وهو محمد بن سعید الکاتب فی مدح عمرو بن سعید ، وسبب مدحه له بذلک أنه دخل علیه فرأی کمه مشقوقا من تحته فبعث إلیه بعشرة آلاف درهم (قوله : إن تراخت منیتی) (2) أی : إذا تأخرت مدتی وطال عمری شکرت عمرا أی : أدیت حق شکر نعمته بالمبالغة فی إظهارها والثناء علیه بها ، والمراد بالشکر الموعود به أکمله بالمبالغة وإلا فقد شکره فی إظهارها والثناء علیه بها ، والمراد بالشکر الموعود به أکمله بالمبالغة وإلا فقد شکره بذکرها وثنائه علیه بها (قوله : بدل من عمرا) أی : بدل اشتمال من عمرا وینبغی أن یقدر الرابط أی : أیادی له لوجوبه فی بدلی البعض والاشتمال ، والأیادی : جمع أید وهی النعم ، والأیدی جمع ید بمعنی النعمة ، فهو جمع الجمع (قوله : وإن هی جلّت) إن : وصلیة ، والجملة حالیة أی : وإن کانت جلیلة فی نفس الأمر فهو لا یقطعها ولا یمن بها.

(قوله : أی لم تقطع) بل هی دائما مسترسلة ، فتمنن مأخوذ من المن وهو القطع (قوله : أو لم تخلط بمنة) أی : بذکرها له علی وجه المنة (قوله : فتی) أی هو فتی من صفته أنه لا یحجب الغنی عن کل صدیق له ولا یستقل به عن الأصدقاء (قوله : ولا مظهر الشکوی) بالرفع عطف علی غیر الواقع صفة للخبر (قوله : کنایة إلخ) فالمعنی أن من صفته أنه لا یظهر الشکوی إذا نزلت به البلایا وابتلی بالشدة ، بل یصبر علی ما ینوبه من حوادث الزمان ولا یشکو ذلک إلا لله ، فقد وصف الشاعر ذلک الممدوح بنهایة کمال المروءة وحسن الطبع حیث ذکر أن ذلک الممدوح من صفته أنه إذا کان فی غنی ویسر لم یستأثر به ، بل یشارک فیه أصحابه ، وإذا کان فی عسر وتضعضع لا یشکو من

ص: 216

زلة القدم والنعل کنایة عن نزول الشر والمحنة (رأی خلّتی) أی فقری (من حیث یخفی مکانها) أی لأنی کنت أسترها عنه بالتجمل (فکانت) أی خلتی (قذی عینیه حتی تجلّت) أی انکشفت وزالت بإصلاحه إیاها بأیادیه یعنی من حسن اهتمامه جعله کالداء الملازم لأشرف أعضائه حتی تلافاه بالإصلاح ، فحرف الروی هو التاء وقد جیء قبله بلام مشددة مفتوحة وهو لیس بلازم فی السجع لصحة السجع بدونها نحو جلت ومدت ومنبت وانشقت ونحو ذلک.

******

ذلک إلا لله ، ولا یظهر تلک الحالة لأحد من أصحابه ، فأصدقاؤه ینتفعون بمنافعه ولا یتضررون بمضاره أصلا ، بل لا یحزنون بها ؛ لأنه یخفیها ولا یظهرها لهم (قوله : رأی خلتی) أی : أبصر أمارة فقری وهی تقطع کم القمیص (قوله : أی فقری) هذا تفسیر علی مراد وإلا فالخلة بالفتح الحاجة بمعنی الاحتیاج وهو أعم من الفقر وکونه یراها مع کون صاحبها یخفیها لتجمل وإظهار آثار الغنی یدل علی اهتمامه بأمر أصحابه حتی یطلع علی أسرارهم قصدا لرفعتهم (قوله : من حیث یخفی مکانها) خفاء المکان مبالغة فی خفاء الشیء ، أو المراد بمکانها وجودها یعنی لکمال ترقبه لحالی رأی حاجتی فی موضع أخفیها فیه (قوله : فکانت قذی عینیه) أی : فلما رأی خلتی کانت کالقذی أی : الغماص الذی فی عینیه وهو أعظم ما یهتم بإزالته ، لأنه وقع فی أشرف الأعضاء فما زال یعالجها حتی تجلت (قوله : بأیادیه) أی : نعمه.

(قوله : من حسن اهتمامه) أی : اهتمام عمرو الممدوح بإزالة فقره (قوله : جعله) أی : المذکور وهو الخلة أی : فقر المادح ، ولو قال جعلها أی : الخلة کان أظهر أو أنه ذکر الضمیر الراجع للخلة نظرا لکونها بمعنی الفقر (قوله : حتی تلافاه) أی : مازال یعالجه حتی تدارکه بالإصلاح (قوله : وهو لیس بلازم) أی : وکل من اللام والفتح لیس بلازم فی السجع ، ففی کل من الآیة والأبیات نوعان من لزوم ما لا یلزم أحدهما التزام الحرف کالهاء واللام ، والثانی التزام فتح ذلک الحرف (قوله : لصحة السجع) أی : المفروض بدونها ، أی : لو جعلت القوافی سجعا لم یلزم فیها ذلک (قوله : أصل الحسن إلخ) أی : والأمر الذی لا بد أن یحصل لیحصل الحسن بجمیع المحسنات اللفظیة ، کما

ص: 217

(وأصل الحسن فی ذلک کله) أی فی جمیع ما ذکر من المحسنات اللفظیة (أن تکون الألفاظ تابعة للمعانی دون العکس) أی لا أن تکون المعانی توابع للألفاظ بأن یؤتی بالألفاظ متکلفة مصنوعة فیتبعها المعنی کیفما کانت کما یفعله بعض المتأخرین الذین لهم شغف بإیراد المحسنات اللفظیة فیجعلون الکلام کأنه غیر مسوق لإفادة المعنی ، ولا یبالون ...

******

یقال أصل الجود الغنی أی : الأمر الذی لا بد أن یحصل لیحصل الجود الغنی ، والأمر الذی لا بد أن یحصل لیحصل الشیء شرطه وإطلاق الأصل علی شرط الشیء صحیح لتوقف المشروط علی الشرط کتوقف الفرع علی الأصل (قوله : فی ذلک) أی : فیما ذکر من المحسنات اللفظیة ، وفی بمعنی الباء أی : أن شرط حصول الحسن بتلک المحسنات اللفظیة أن تکون الألفاظ تابعة للمعانی بأن تکون المعانی هی المقصودة بالذات والألفاظ تابعة لها ، وإنما أتی بقوله : کله ، لئلا یتوهم أنه مختص بالأخیر منها ، وهو إلزام ما لا یلزم.

(قوله : أن تکون الألفاظ تابعة للمعانی) أی : الواقعة الحاضرة عنده بأن تلاحظ أولا مع ما یقتضیه الحال من تقدیم أو تأخیر أو حصر أو غیر ذلک ، فإذا أتی بالمحسنات اللفظیة بعد ذلک فقد تم الحسن ، وإن لم یؤت بها کفت النکات المعنویة.

(قوله : أی لا أن تکون المعانی توابع للألفاظ) تفسیر لقوله : دون العکس ، لا لقوله : العکس لفساد المعنی (قوله : لا أن تکون المعانی توابع للألفاظ) لأنه لو کانت المعانی توابع للألفاظ لفات الحسن وانقلب إلی القبح ؛ لأنه إذا اختل موجب البلاغة بطل التحسین اللفظی ، وهذا الکلام تذکرة لما تقدم من أن وجود البدیع إنما یعتبر بعد وجود البلاغة التی لها تعلق بالمعنی وحسن المعانی ، وعلیه یقال : کان ینبغی ألا تخص المحسنات اللفظیة بالذکر ، بل وکذلک البدیع المعنوی إنما یعتبر إذا وجد الحسن الذاتی المتعلق بالمعنی الأصلی ، لکن لما کان الغلط فی التعلق بالمحسنات اللفظیة أکثر نبه علیه دون المعنویة هذا إذا جعلت الإشارة لأقرب مذکور وهو المحسنات اللفظیة کما صنع الشارح ، أما إن جعلت لمطلق البدیع فلا یرد ما ذکر.

(قوله : بأن یؤتی بالألفاظ إلخ) هذا تصویر للمنفی وهو کون المعانی توابع للألفاظ (وقوله : متکلفة) أی : متکلفا فیها غیر متروکة علی سجیتها (قوله : مصنوعة)

ص: 218

بخفاء الدلالات ورکاکة المعنی فیصیر کغمد من ذهب علی سیف من خشب بل الوجه أن تترک المعانی علی سجیتها فتطلب لأنفسها ألفاظا تلیق بها ، وعند هذا تظهر البلاغة والبراعة ویتمیز الکامل من القاصر.

وحین رتب الحریری - مع کمال فضله - فی دیوان الإنشاء ...

******

أی : قصد فیها إلی الصناعة وتحصیل المحسنات اللفظیة ، وحاصل ذلک أنه إذا کان المحسن اللفظی أو البدیعی مطلقا هو المقصود بالذات کانت الألفاظ متکلفا فیها مطلوبة ویتحقق فی ضمن ذلک الإخلال بما یطلب للمعانی من الاعتبارات المناسبة لمقتضی الحال ، فتکون تلک المطالب غیر مرعیة فی تلک المعانی ، إذ المقصود بالذات الألفاظ البدیعیة وإیجادها لا الحسن المعنوی ، فربما لم تخل الألفاظ حینئذ من خفاء الدلالة حیث تکون کنایة أو مجازا ، ومن رکاکة حیث تکون حقیقة بألا یراعی فیها الاعتبار المناسب ، فتکون الألفاظ البدیعیة فی تلک المعانی : کغمد من ذهب رکب علی سیف من خشب ، أو کثیاب فاخرة علی ذات مشوهة ، وأما إذا کان المقصود بالذات إفادة المعنی کانت الألفاظ غیر متکلفة ، بل تأتی بها المعانی حیث ترکت علی سجیتها التی تنبغی لها من المطابقة لمقتضی الحال ؛ لأن ما بالذات لا تکلف فیه وإذا لم یتکلف جاء الکلام باشتماله علی ما یقتضیه الحال حسنا حسنا ذاتیّا فإذا جاء حسن زائد علی الذاتی وهو البدیعی صار ذلک الحسن البدیعی تابعا للذاتی فیزداد الحسن الذاتی بالحسن البدیعی (قوله : بخفاء الدلالات) أی : إذا کانت الألفاظ مجازات أو کنایات (وقوله : ورکاکة المعنی) أی : إذا کانت الألفاظ حقائق (قوله : فیصیر) أی : اللفظ وفی نسخة فتصیر بالتاء الفوقیة أی : الألفاظ البدیعیة (قوله : بل الوجه) أی : الطریق (وقوله : أن تترک المعانی) أی : الواقعة والحاضرة عنده (قوله : ألفاظا تلیق بها) أی : من حیث اشتمالها علی مقتضی الحال (قوله : وعند هذا) أی عند الإتیان بالألفاظ التی تلیق بالمعانی (قوله : والبراعة) مرادف لما قبله (وقوله : الکامل) أی : فی البلاغة (وقوله : من القاصر) أی : فیها ؛ وذلک لأن مقتضیات الأحوال التی یشتمل الکلام علیها لا تنضبط لکثرتها ، وکلّما کثرت رعایتها ازداد الکلام بلاغة (قوله : فی دیوان الإنشاء) أی : حین رتب کاتبا عند الملک یکتب المراسلات للملوک والوزراء والعلماء.

ص: 219

عجز فقال ابن الخشاب هو رجل مقاماتی ؛ وذلک لأن کتابه حکایة تجری علی حسب إرادته ، ومعانیه تتبع ما اختاره من الألفاظ المصنوعة ، فأین هذا من کتاب أمر به فی قضیة؟ وما أحسن ما قیل فی الترجیح بین الصاحب والصابی أن الصاحب کان یکتب کما یرید ، والصابی کان یکتب کما یؤمر ، وبین الحالین بون بعید ...

******

(قوله : عجز) أی لأنه کلف إنشاء ألفاظ مطابقة لمعان واقعیة ، ومقتضیات أحوال خارجیة ، وتکون تلک الألفاظ مع ذلک مصاحبة لبدیعیات ، والحال أنه إنما کانت له قوة علی إنشاء ألفاظ لمعان مع بدیعیاتها تناسب أحوالا مقدرة یختلقها کما أراد (قوله : فقال ابن الخشاب) أی : فی سبب عجزه وکان معاصرا له (قوله : رجل مقاماتی) أی : له قوة علی إنشاء الألفاظ المستحسنة المطابقة للمعانی التقدیریة المتخیلة لا علی إنشاء الألفاظ المستحسنة المطابقة للمعانی الواقعیة ؛ لأن المقامات حکایات تقدیریة (قوله : وذلک) أی : ومعنی ذلک أی : کونه رجلا مقاماتیّا (قوله : لأن کتابه) أی : کتاب الحریری المسمی بالمقامات (قوله : فأین هذا) أی : کتاب معانیه فرضیة من کتاب معانیه واقعة وحاضرة (قوله : أمر به فی قضیة) أی : عینیة فإن هذا لا یکتب ما أراده ، بل ما أمر به وهذا أخص یلزم من القدرة علیه القدرة علی الأول وهو الکتابة لما أراده دون العکس ؛ لأن کتابة ما یریده الإنسان ویخترعه سهل التناول بالتجربة ، وأما کتابة ما یؤمر به فهو صعب إلا علی الأقویاء.

(قوله : فی الترجیح) أی : التفضیل (وقوله : یکتب کما یرید) أی : کالحریری ، (وقوله : یکتب کما یؤمر) أی : کابن الخشاب (قوله : یکتب کما یرید) أی یکتب لما یریده من الألفاظ ؛ لأنه لم یقصد إفادة معنی واقعی ، فالمعانی تابعة لما أراده من تلک الألفاظ المصنوعة (قوله : کما یؤمر) أی : فألفاظه التی یکتبها تابعة للمعانی التی أمر بها بمعنی أن تلک المعانی تطلب تلک الألفاظ (قوله : بون بعید) أی فرق بعید وأن الحالة الثانیة أشرف من الأولی ، وقد علمت أنه یلزم من القدرة علی الحالة الثانیة القدرة علی الحالة الأولی ، دون العکس.

ص: 220

ولهذا قال قاضی قم حین کتب إلیه الصاحب أیها القاضی بقم قد عزلناک فقم والله ما عزلنی إلا هذه السجعة.

لأن المصنف قال فی الإیضاح فی آخر بحث المحسنات اللفظیة : هذا ما تیسر لی بإذن الله جمعه وتحریره من أصول الفن وبقیت أشیاء یذکرها فی علم البدیع بعض المصنفین وهو قسمان أحدهما ما یجب ترک التعرض له لعدم کونه راجعا إلی تحسین الکلام أو لعدم الفائدة فی ذکره لکونه داخلا فیما سبق من الأبواب ...

******

أن کلّا مما یجب فیه مزید الاحتیاط (قوله : لأن المصنف قال فی الإیضاح) أی الذی هو کالشرح لهذا المتن (قوله : من أصول) أی : مسائل (قوله : وبقیت أشیاء إلخ) هذا ظاهر فی کون تلک الأشیاء من نفس الفن لا خارجة عنه ، وإلا فلا وجه للتعبیر بالبقاء ، ولا بقوله فی علم البدیع إلخ ، وکذا قوله : والثانی ما لا بأس بذکره لاشتماله إلخ : فإن هذا ظاهر فی تعلق الخاتمة بهذا الفن (قوله : وهو) أی : الباقی قسمان (قوله : ما یجب ترک التعرض له) أی : ما یجب ترک عده من هذا الفن وإن ذکره ذلک البعض ، ووجوب ترک عده من هذا الفن : إما لکونه غیر راجع لتحسین الکلام أصلا ، وإنما یعد من هذا الفن ما یرجع لتحسین الکلام حسنا غیر ذاتی ، وهذا قسمان : -

الأول : ما یرجع لتحسین الخط علی تقدیر کونه فیه حسن کما فی الجناس الخطی کما فی : یسقین ویشفین ، وکما فی أبیات لقصیدة أو رسالة حروفها کلها منقوطة أو غیر منقوطة ، أو حرف بنقط وحرف بدونه ، أو کلمة بنقط کل حروفها والأخری بدون نقط ، وإنما لم یکن فی هذا حسن ؛ لأن هذا یرجع للشکل المرئی لا للمسموع ، والحسن المسموع هو المعتبر ، ومع ذلک لا یتعلق به غرض البلغاء غالبا ، والثانی من قسمی هذا القسم : ما لا یسلم کونه حسنا أصلا ، بل البلغاء جازمون بإخراجه عن معنی الحسن وذلک کذکر موصوف ، ثم یذکر له أوصاف عدیدة کأن یقال : جاءنی زید عاقلا تاجرا کبیر السن عالما باللغة ، ونظیره من القرآن : (هُوَ اللهُ الَّذِی لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِکُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ)(1) إلخ ، فهذا مما یجزم بأنه لا یعد من المحسنات ، وإما لکونه راجعا إلی تحسین الکلام ، لکن ذکر فیما تقدم فی الإطناب والإیجاز والمساواة کالتذییل والتکمیل والإرصاد ، فقد تقدم أن بعض هذه الأشیاء قد یکون من المحسنات عند کونها لم یعتبر مطابقتها لمقتضی الحال ، فذکرها هنا خلو عن الفائدة لتقدم صورتها

ص: 222

والثانی ما لا بأس بذکره لاشتماله علی فائدة مع عدم دخوله فیما سبق مثل القول فی السرقات الشعریة وما یتصل بها.

(اتفاق القائلین) علی لفظ التثنیة (إن کان فی الغرض علی العموم کالوصف بالشجاعة والسخاء) وحسن الوجه والبهاء ونحو ذلک (فلا یعد) هذا الاتفاق (سرقة) ...

******

هناک (قوله : والثانی إلخ) هذا محل الشاهد فی نقل کلام الإیضاح ، ولا شک أن هذا یدل علی أن السرقات الشعریة وما یتصل بها من فن البدیع ، وحینئذ فالخاتمة المشتملة علی البحث عما ذکر خاتمة للفن الثالث ، لا خاتمة للکتاب خارجة عن الفنون الثلاثة.

(قوله : اتفاق إلخ) هذا توطئة ، والمقصود بالذات قوله : فالأخذ والسرقة (قوله : علی لفظ التثنیة) حال من القائلین أی : حال کونه ملتبسا بلفظ التثنیة لا بلفظ الجمع ولیس صلة لاتفاق ولا للقائلین ، والمعنی إذا قال قائلان قولا واتفقا فی الغرض العام الذی یقصده کل أحد ، وإنما أعربه مثنی ؛ لأن الاثنین أقل ما یتصور فیه الاتفاق ، والمراد بالقائلین قائل المأخوذ منه ولو کان القائل متعددا وقائل المأخوذ ولو متعددا أیضا ، وفی الأطول : القائلین بالجمع ، والمراد ما فوق الواحد ، أو أنه بالتثنیة اقتصارا علی أقل من یقع منه الاتفاق (قوله : فی الغرض) متعلق باتفاق أی : فی المعنی المقصود (وقوله : علی العموم) أی : حال کون ذلک الغرض علی العموم أی : یقصده عامة الناس أی : کل أحد منهم (وقوله : إن کان فی الغرض علی العموم) یتضمن أمرین : أحدهما : کون الاتفاق فی نفس الغرض لا فی الدلالة علیه. وثانیهما : کون الغرض عامّا ، وقابل الأول بقوله : وإن کان فی وجه الدلالة أی : وإن کان اتفاق القائلین فی الدلالة علی الغرض وترک مقابل الثانی ، وهو ما إذا کان اتفاق القائلین فی الغرض الخاص وحکمه حکم ما سیأتی وهو : أن تحکم فیه بالتفصیل ؛ لأن المعنی الدقیق مما یتفاوت الناس فی إدراکه فیمکن أن یدعی فیه السبق والتقدم والزیادة وعدم ذلک (قوله : والبهاء) هو الحسن مطلقا أی : تعلق بالوجه أو بغیره (قوله : ونحو ذلک) أی : کرشاقة القد أی : اعتدال القامة وسعة العین والذکاء والبلادة (قوله : فلا یعد هذا الاتفاق سرقة) أی : إذا نظر فیه باعتبار

ص: 223

ولا استعانة ولا أخذا ونحو ذلک مما یؤدی هذا المعنی (لتقرره) أی تقرر هذا الغرض العام (فی العقول والعادات) فیشترک فیه الفصیح والأعجم والشاعر والمفعم (وإن کان) اتفاق القائلین (فی وجه الدلالة) أی طریق الدلالة علی الغرض ...

******

شخصین أحدهما متقدم والآخر متأخر. قال فی الأطول : وقوله : فلا یعد سرقة هو بفتح الدال ، ویصح ضمها علی أنه خبر بمعنی النهی ، فهو مفید لوجوب عدم العد ؛ لأن مطلقات العلوم مصروفة إلی الوجوب. ا ه.

(قوله : ولا استعانة) أی : ولا یعد ذلک الاتفاق استعانة بأن یعتقد أن الثانی منهما استعان بالأول فی التوصل للغرض (قوله : ولا أخذا) أی : بأن یدعی أن الثانی أخذه من الأول (قوله : ونحو ذلک مما یؤدی هذا المعنی) أی : کالانتهاب والإغارة والغصب والمسخ ، وما أشبه ذلک من الألقاب الآتیة ، وإنما کانت هذه الألقاب تؤدی هذا المعنی الواحد ؛ لأنها کلها تشترک فی الاستناد إلی الغیر فی التوصل ، وإنما اختلفت معانیها باعتبار العوارض (قوله : لتقرره فی العقول) أی : جمیعا وفی العادات جمیعا ، فلم یخص ابتداعه بعقل مخصوص حتی یکون غیره آخذا له منه ولا بعادة وزمان حتی یکون أرباب ذلک الزمان مأخوذا منهم وعموم العقول یستلزم عموم العادات وبالعکس وإنما جمع بینهما تأکیدا (قوله : فیشترک إلخ) أی : فبسبب استواء العقول فیه والعادات یشترک فیه الفصیح إلخ ، والمراد بالأعجم هنا ضد الفصیح کما أن المراد بالمفحم هنا بفتح الحاء ضد الشاعر أی : من لا قدرة له علی الشعر وإذا کان جمیع العقلاء متشارکین فی ذلک الغرض لتقرره فی عقولهم فلا یکون أحد فیه أقدم ینقل عنه لعدم اختصاصه به.

(قوله : وإن کان اتفاق القائلین فی وجه الدلالة أی : طریق الدلالة علی الغرض) بأن ذکر أحدهما ما یستدل به علی ثبوت الغرض من شجاعة أو سخاء أو جمال کان ذلک الدلیل الذی استدل به علی ثبوت الغرض تشبیها أو حقیقة أو مجازا أو کنایة وذکر الآخر کذلک ، کما لو قال أحد القائلین : زید کالبدر فی الإضاءة أو

ص: 224

(کالتشبیه والمجاز والکنایة وکذکر هیئات تدل علی الصفة لاختصاصها بمن هی له) أی لاختصاص تلک الهیئات بمن ثبتت تلک الصفة له (کوصف الجواد بالتهلل عند ورود العفاة) أی السائلین جمع عاف (و) کوصف (البخیل بالعبوس) عند ذلک (مع سعة ذات الید) أی المال ، وأما العبوس عند ذلک مع قلّة ذات الید

******

کالأسد فی الشجاعة أو کالبحر فی الجود أو کثیر الرماد ، أو قال : رأیت أسدا فی الحمام یعنی زیدا ، وقال القائل الآخر فی عمرو مثل ذلک (قوله : طریق الدلالة إلخ) المراد بطریق الدلالة اللفظ الدالّ علی الوصف العام من حقیقة أو مجاز أو کنایة أو تشبیه ، (وقوله : علی الغرض) أی : العام متعلق بالدلالة (قوله : کالتشبیه إلخ) تمثیل للوجه ، والمراد به الکلام الدال علی التشبیه لیکون لفظا ؛ لأن وجه الدلالة لفظ (قوله : وکذکر هیئات) أی : أوصاف والمراد الجنس (وقوله : تدل علی الصفة) أی : التی هی الغرض کما إذا قیل : زید یتهلل وجهه عند ورود العفاة علیه أو عمرو یعبس وجهه عند ورود العفاة علیه ، فإن التهلل لازم لذات الجواد ، فینتقل من الوصف بالتهلل لذات الجواد ، وینتقل منها لوصفه بالجود علی جهة الکنایة للانتقال من الملزوم للّازم ، وکذا یقال فی العبوس ، وإذا علمت هذا تعلم أن قول المصنف : وکذکر هیئات إلخ عطفه علی ما قبله من قبیل عطف الخاص علی العام ؛ لأن ذکر الهیئات من قبیل الکنایة المذکورة فیما قبل.

(قوله : لاختصاصها إلخ) علّة لتدل أی : لأجل اختصاصها بموصوف هی أی : تلک الصفة التی هی الغرض له أی : لذلک الموصوف فیلزم أن تکون الهیئات مستلزمة للصفة التی هی الغرض ، والانتقال من الملزوم للّازم کنایة (قوله : بمن ثبتت تلک الصفة له) أی : بموصوف ثبتت له تلک الصفة التی هی الغرض.

(قوله : بالتهلل) أی : الابتسام والبشاشة (قوله : بالعبوس) هو تلون الوجه تلونا یدل علی الغم (قوله : عند ذلک) أی : عند ورود العفاة علیه (قوله : مع سعة) أی : کثرة ذات الید قال فی الأطول : راجع للتهلل والعبوس ؛ لأن تهلل الجواد لا یکون عند قلّة المال عند ورود العفاة والعبوس مع قلّة ذات الید لیس من خواصّ البخیل ، وذات الید هو المال سمّی ذات الید ؛ لأن الید تفعل معه ما لا تفعل مع قلته فکأنه یأمر الید بالإعطاء والإمساک والید کالمملوک له. ا. ه.

ص: 225

فمن أوصاف الأسخیاء (فإن اشترک الناس فی معرفته) أی فی معرفة وجه الدلالة (لاستقراره فیهما) أی فی العقول والعادات (کتشبیه الشجاع بالأسد والجواد بالبحر فهو کالأول) أی فالاتفاق فی هذا النوع من وجه الدلالة کالاتفاق فی الغرض العام فی أنه لا یعد سرقة ولا أخذا.

(وإلا) أی وإن لم یشترک الناس فی معرفته (جاز أن یدعی فیه) أی فی هذا النوع من وجه الدلالة (السبق والزیادة) بأن یحکم بین القائلین فیه بالتفاضل

******

(قوله : فمن أوصاف الأسخیاء) لأن عبوسه فی تلک الحالة دلیل علی کرمه ؛ لأنه یحصل له غمّ علی عدم کثرة ما بیده لیکرم منه العفاة (قوله : فإن اشترک إلخ) هذا دلیل جواب الشرط فی قوله : وإن کان فی وجه الدلالة ، وجواب الشرط محذوف تقدیره ففیه تفصیل فإن اشترک إلخ (قوله : لاستقراره فیهما أی : فی العقول والعادات) أی : بحیث صار متداولا بین الخاصة والعامة (قوله : کتشبیه الشجاع بالأسد) أی : فی الشجاعة ، وکتشبیه البلید بالحمار فی البلادة ، وتشبیه الوجه الجمیل بالقمر فی الإضاءة ، والمراد بالتشبیه : الکلام الدالّ علیه لیکون لفظا - کما مر.

(قوله : من وجه الدلالة) بیان لهذا النوع أی : الذی هو الاتفاق فی وجه الدلالة علی الغرض.

(قوله : أی وإن لم یشترک الناس فی معرفته) أی معرفة طریق الدلالة علی الغرض بأن کان لا یصل إلیه کل أحد لکونه مما لا ینال إلا بفکر بأن کان مجازا مخصوصا أو کنایة أو تشبیها علی وجه لطیف (قوله : جاز) أی : صح أن یدعی فیه إلخ بخلاف ما تقدم فإنه لا یصح أن یدعی فیه ذلک فهذه الحالة هی التی یمکن فیها تحقیق السرقة ، لکن لا یتعین فیها السرقة ولذا فصلها کما یأتی (قوله : من وجه الدلالة) أی : الذی هو الاتفاق فی وجه الدلالة علی الغرض (قوله : السبق والزیادة) یحتمل أن المراد بالسبق التقدم أی : جاز أن یدعی أن أحدهما أقدم والآخر أخذه من ذلک الأقدم ، وجاز أن یدعی زیادة أحدهما علی الآخر فیه ، وأن أحدهما فیه أکمل من الآخر ، وعلی هذا فالعطف مغایر ، ویحتمل أن المراد بالسبق الغلبة ، وعلیه ؛ فعطف الزیادة علی السبق عطف

ص: 226

وأن أحدهما فیه أکمل من الآخر وأن الثانی زاد علی الأول أو نقص عنه (وهو) أی ما لا یشترک الناس فی معرفته من وجه الدلالة علی الغرض (ضربان) أحدهما (خاصّیّ فی نفسه غریب) لا ینال إلا بفکر (و) الآخر (عامّیّ تصرف فیه بما أخرجه من الابتذال إلی الغرابة کما مرّ) فی باب التشبیه والاستعارة من تقسیمهما إلی الغریب الخاصی والمبتذل العامّیّ الباقی علی ابتذاله والمتصرف فیه بما یخرجه إلی الغرابة.

******

تفسیر والمعنی جاز أن یدعی سبق أحد الآتیین به أی : غلبته الآخر فیه وزیادته علیه فیه ونقص الآخر عنه وإلی الثانی یشیر صنیع الشارح ؛ لأن قوله : بأن یحکم إلخ یشیر إلی أنه لیس المراد بالسبق مجرد التقدم فی الزمن ، بل السبق لعلو المرتبة والکمال (قوله : وأن أحدهما فیه أکمل إلخ) تفسیر للتفاضل (قوله : خاصّیّ) أی : منسوب للخاصّة أی : هذا المفهوم لا یطّلع علیه إلا الخاصّة وهم البلغاء (قوله : غریب) تفسیر لقوله خاصی لقوله فی بحث الاستعارة : أو خاصیة وهی الغریبة ؛ لأن من لوازم کونه غریبا أن یکون خاصیّا لا یعرفه إلا الخاصة (قوله : لا ینال إلا بفکر) تفسیر لغریب أی : لا یدرکه إلا الأذکیاء کتشبیه الشمس بالمرآة فی کفّ الأشلّ ، وکالتجوز بإطلاق الاحتباء علی ضم العنان الذی فی فم الفرس لقربوسه (قوله : والآخر عامّیّ) أی : یعرفه عامّة الناس (قوله : الباقی علی ابتذاله) هذا زائد علی ما هنا (قوله : والمتصرف فیه بما یخرجه إلخ) أی : کما فی تشبیه الوجه البهی بالشمس فی قوله :

لم تلق هذا الوجه شمس نهارنا

إلا بوجه لیس فیه حیاء (1)

فإن تشبیه الوجه البهی بالشمس مبتذل عامی ، لکن أضاف لذلک کون عدم الحیاء من الشمس هو الذی أوجب لها ادعاء المقابلة لهذا الوجه ، فخرج بذلک عن الابتذال ، وکما فی التجوز فی إطلاق السیلان علی سیر الإبل فی قوله :

وسالت بأعناق المطیّ الأباطح

ص: 227

الواقع بین المفردات (فهو مذموم ؛ لأنه سرقة محضة ویسمی نسخا وانتحالا کما حکی عبد الله بن الزّبیر أنه فعل ذلک بقول معن بن أوس (1) : إذا أنت لم تنصف أخاک) أی لم تعطه النّصفة ولم توفه حقوقه (وجدته ...

******

أحدهما : أن یؤخذ المعنی مع اللفظ کله أو بعضه ، والثانی : أن یؤخذ المعنی وحده ، وهذا الثانی یلزمه تغییر النظم بأن یبدل جمیع الکلام بترکیب آخر ، ولا یدخل فی هذا تبدیل الکلمات المرادفة بما یرادفها مع بقاء النظم ؛ لأن هذا فی حکم أخذ اللفظ کله ، والضرب الأول : قسمان ؛ لأن المأخوذ مع المعنی إما کل اللفظ ، وإما بعضه ، وفی کلّ منهما إما أن یحصل تغییر فی النظم أو لا یحصل تغییر فیه فأقسام الأخذ الظاهر خمسة ، وقد ذکر المصنف هذه الأقسام الخمسة بقوله : فإن أخذ إلخ (قوله : الواقع بین المفردات) أی : مفردات اللفظ المأخوذ والمأخوذ منه وذلک بأن یکون اللفظ المأخوذ والمأخوذ منه متحدین تألیفا متعددین شخصا باعتبار اللافظین (قوله : لأنه سرقة محضة) أی : غیر مشوبة بشیء آخر لیس للمسروق منه ، ومعلوم أن السرقة المحضة أشد فی الحرمة من السرقة المشوبة بشیء من غیر مال المسروق منه (قوله : ویسمی) أی : هذا الأخذ المذموم نسخا أی : لأن القائل الثانی نسخ کلام غیره أی : نقله ونسبه لنفسه من قولهم : نسخت الکتاب أی : نقلت ما فیه إلی کتاب آخر (قوله : وانتحالا) الانتحال فی اللغة : ادعاء شیء لنفسک أی : أن تدعی أن ما لغیرک لک ، یقال : انتحل فلان شعر غیره إذا ادعاه لنفسه (قوله : کما حکی) أی : کالأخذ الذی حکی (قوله : عن عبد الله بن الزّبیر) بفتح الزای وکسر الباء الموحدة شاعر مشهور وهو غیر عبد الله بن الزّبیر بن العّوام الصحابی ، فإنه بضم الزای وفتح الباء ، والأول قدم علی الثانی یستعطیه ، فلما حرمه من العطاء قال : لعن الله ناقة حملتنی إلیک فقال له الثانی : إن وراکبها (قوله : أنه فعل ذلک) أی : النسخ والانتحال وهو نائب فاعل حکی ، أو أنه بدل اشتمال من عبد الله أی : فی فعل ذلک بقول معن - تأمل.

(قوله : معن) بضم المیم وفتح العین وهو غیر معن بن زائدة ، فإنه بفتح المیم وسکون العین (قوله : أخاک) أی : صاحبک (قوله : أی لم تعطه النّصفة) بفتح النون والصاد :

ص: 229

علی طرف الهجران) أی هاجرا لک مبتدلا بک وبأخوتک (إن کان یعقل ویرکب حد السیف) أی یتحمل شدائد تؤثر فیه تأثیر السیوف وتقطعه تقطیعا (من أن تضیمه) أی بدلا من أن تظلمه (إذا لم یکن عن شفرة السیف) أی عن رکوب حد السیف وتحمل المشاق (مزحل) أی مبعد فقد حکی أن عبد الله بن الزبیر ..

******

اسم مصدر بمعنی الإنصاف الذی هو العدل وتوفیة الحق (فقوله : ولم توفه حقوقه) عطف تفسیر علی ما قبله ومعنی إعطاء النصفة أی : العدل إیقاعه (قوله : علی طرف الهجران) أی : علی الطرف الذی هو الهجران بکسر الهاء ، فالإضافة فیه بیانیة وکون الهجران طرفا باعتبار توهم أن المواصلة مکان متوسط بین المتواصلین ، وأن الهجر طرف لذلک المکان خارج ، ویحتمل أن تکون الإضافة علی أصلها بأن یجعل للهجر طرفان ، والذی علیه المظلوم هو الأبعد منهما (قوله : إن کان یعقل) أی : وجدته هاجرا لک رافضا لصحبتک إن کان له عقل یطلب به معالی الأمور ؛ لأنه لا خیر فی صحبة من لا یری لک ما تری له فکیف بصحبة من یظلمک ولا ینصفک؟ وأما من لا عقل له فیرضی بأدنی الأمور بدلا عن أعلاها فلا یقام له وزن فی المعاملات ولا یلتفت إلیه فی التخصیص بالمکرمات (قوله : ویرکب) أی : ذلک الأخ الذی لم تنصفه (قوله : حد السیف) أی : طرفه القاطع (قوله : أی یتحمل إلخ) أشار بهذا إلی أنه لم یرد برکوبه حد السیف المعن الحقیقی ، بل المراد تحمل ما ذکر فکأنه قال : ویرکب ما هو بمنزلة القتل بالسیف (قوله : من أن تضیمه) بفتح التاء والضیم : الظلم والذل ، وأشار الشارح بقوله : بدلا إلی أن من للبدل ویصح جعلها للتعلیل أی : من أجل ضیمک أی : ظلمک وذلک له بعدم إنصافک (قوله : عن شفرة السیف) بفتح الشین المعجمة أی : حده القاطع ، وفی الکلام حذف مضاف أی : إذا لم یکن عن رکوب حد السیف ، وأراد بحد السیف هنا الأمور الشاقّة التی هی بمنزلة القتل مثل : ما مر (وقوله : مزحل) بفتح المیم والحاء المهملة وبینهما زای معجمة أی : بعد وانفصال ، والمعنی ویرکب الأمور الشاقة التی تؤثر فیه تأثیر السیف مخافة أن یلحقه الضیم والعار متی لم یجد عن رکوبها بعدا (قوله : فقد حکی إلخ)

ص: 230

دخل علی معاویة فأنشده هذیین البیتین فقال له معاویة : لقد شعرت بعدی یا أبا بکر ولم یفارق عبد الله المجلس حتی دخل معن بن أوس المزنی فأنشد قصیدته التی أولها :

لعمرک ما أدری وإنّی لأوجل

علی أیّنا تعدو المنیّة أوّل

حتی أتمها وفیها هذان البیتان فأقبل معاویة علی عبد الله بن الزبیر وقال : ألم تخبرنی أنهما لک؟ فقال : اللفظ له والمعنی لی وبعد فهو أخی من الرضاعة وأنا أحق بشعره.

(وفی معناه) أی فی معنی ما لم یغیر فیه النظم ...

******

الفاء للتعلیل أی : وإنما قلنا إن ابن الزبیر فعل ذلک بقول معن السابق ؛ لأنه قد حکی إلخ (قوله : دخل علی معاویة) أی : وکان معاویة حاقدا علیه وعنده غیظ منه (قوله : لقد شعرت بعدی) بضم العین أی : لقد صرت شاعرا بعد علمی بأنک غیر شاعر ، أو بعد مفارقتی إیاک فأنت قبل أن أفارقک لم تقل شعرا وقد صرت بعد مفارقتی شاعرا (قوله : یا أبا بکر) کنیة لعبد الله بن الزبیر (قوله : فأنشد قصیدته) أنشد یتعدی لمفعولین ، یقال : أنشدنی شعرا فمفعوله الأول هنا محذوف أی : فأنشده قصیدته (قوله : لأوجل) من الوجل وهو الخوف وموضع علی أیّنا نصب ؛ لأنه مفعول أدری (وقوله : وإنی لأوجل) اعتراض ، وتغدو بالغین المعجمة بمعنی تصبح وذکر بعضهم أنه بالعین المهملة من العدو والمنیة الموت ، وأول مبنی علی الضم لقطعه عن الإضافة ونیة معناها کما فی قبل وبعد أی : أول کل شیء ، وحاصل المعنی : ما أدری من الذی تغدو علیه المنیة منا قبل الآخر وإنی لأخاف ما یقع من ذلک (قوله : حتی أتمها) أی : واستمر علی إنشاد القصیدة حتی أتمها (قوله : فأقبل معاویة إلخ) أی : التفت إلیه ؛ لأنه معه فی المجلس (قوله : أنهما) أی البیتین (وقوله : ألم تخبرنی أنهما لک) یقتضی أن عبد الله بن الزبیر أخبر معاویة بذلک وهذا الاستفهام إنکاری (قوله : وبعد فهو أخی إلخ) هذا اعتذار من ابن الزبیر فی سرقته البیتین ونسبتهما لنفسه یستظرفه الحاضرون (وقوله : وأنا أحق بشعره) أی : لکمال اتحاده به ولا یخفی برودة هذا الاعتذار خصوصا وهو غیر أخ له من النسب (قوله : وفی معناه)

ص: 231

(أن یبدل بالکلمات کلها أو بعضها ما یرادفها) یعنی أنه أیضا مذموم وسرقة محضة کما یقال فی قول الحطیئة :

دع المکارم لا ترحل لبغیتها

واقعد فإنّک أنت الطّاعم الکاسی (1)

ذر المآثر لا تذهب لمطلبها

واجلس فإنّک أنت الآکل اللابس (2)

وکما قال امرؤ القیس :

وقوفا بها صحبی علی مطیّهم

یقولون لا تهلک أسی وتجمّل (3)

******

أی : ومن قبیله فی کونه مذموما وسرقة محضة أن یبدل إلخ ؛ لأن المرادف ینزل منزلة ردیفه فلازم أحدهما من القبح لازم للآخر ، قال فی الأطول : وحمل ذمه إذا لم یفد التبدیل للکلام حسن سجع أو موازنة أو زیادة فصاحة أو سلامة للشعر ، فإن أفاد ذلک ترجح علی الأصل وزاد علیه قبولا (قوله : أن یبدل بالکلمات کلها) أی : کما فی بیت الحطیئة فإنه بدلت کلماته کلها (وقوله : أو بعضها) أی : کما فی بیت امرئ القیس ، فإنه قد بدلت بعض کلماته (قوله : دع المکارم) البیت مقول قول الحطیئة (وقوله : ذر المآثر إلخ) مقول لیقال ، (وقوله : دع المکارم) أی : دع طلبها ، والمکارم : جمع مکرمة بمعنی الکرامة ، والبغیة : بکسر الباء وضمها کما ذکره فی المختار بمعنی الحاجة والطلب ، (وقوله : الطاعم الکاسی) أی : الآکل المکسو والمعنی لست أهلا للمکارم والمعالی فدعها لغیرک واقنع بالمعیشة ، وهی مطلق الأکل والستر باللباس ، فإنک تناله بلا طلب یشق کطلب المعالی (قوله : لمطلبها) أی : لطلبها فقد بدل کل لفظ من البیت الأول بمرادفه ، فذر : مرادف لدع ، والمآثر : مرادف للمکارم ولا تذهب مرادف لقوله لا ترحل ، وقوله لمطلبها : مرادف لبغیتها ، واجلس : مرادف لاقعد ، والآکل : مرادف للطاعم ، واللابس : مرادف للکاسی ، وأما قوله : فإنک أنت فمذکور فی البیتین باللفظ ، وإنما کان هذا من إبدال الکل ؛ لأن فإنک من الأمور العامة فالمراد ما عداه (قوله : وقوفا) جمع واقف کشاهد

ص: 232

فأورده طرفة فی دالیته إلا أنه أقام تجلد مقام تجمل.

******

وشهود من الوقف بمعنی الحبس لا من الوقوف بمعنی اللبث ؛ لأنه لازم والمذکور فی البیت متعد ، مفعوله : مطیهم ، وصحبی : فاعله ، وانتصابه علی الحال من فاعل نبک ، وعلی بمعنی : لأجل أی : قفا نبک فی حال وقوف أصحابی مراکبهم لأجلی قائلین لا تهلک أسی أی : من فرط الحزن وشدة الجزع وتجمل أی : اصبر صبرا جمیلا أی : وادفع عنک الأسی بالتجمل أی : الصبر الجمیل (قوله : لا تهلک) هو بکسر اللام ، وماضیه هلک بفتحها ، قال تعالی : (لِیَهْلِکَ مَنْ هَلَکَ عَنْ بَیِّنَةٍ)(1) (قوله : فأورده طرفة) هو بفتح الطاء والراء المهملتین (قوله : إلا أنه أقام تجلد مقام تجمل) فقد أبدل بعض الکلمات بما یرادفه ، ونظیر هذا قول العباس بن عبد المطلب :

وما النّاس بالنّاس الذین عهدتهم

ولا الدار بالدار التی کنت تعلم (2)

فقد أورده الفرزدق فی شعره إلا أنه أبدل تعلم بتعرف.

(تنبیه) یجری مجری تبدیل الکل ، أو البعض المرادف فی القبح تبدیل الکل ، أو البعض بالضد مع رعایة النظم والترتیب وذلک لقرب تناول الضد کما لو قیل فی قول حسان بن ثابت - رضی الله عنه - فی مدح آل البیت :

بیض الوجوه کریمة أحسابهم

شمّ الأنوف من الطّراز الأوّل

سود الوجوه لئیمة أحسابهم

فطس الأنوف من الطّراز الآخر (3)

وشم بضم الشین جمع : أشم من الشمم وهو : ارتفاع قصبة الأنف مع استواء فی أعلاه وهو صفة مدح عند العرب ، والطراز العلم ، والمراد هنا المجد أی : أنهم من النمط الأول فی المجد والشرف.

ص: 233

(وإن کان) أخذ اللفظ کله (مع تغییر لنظمه) أی نظم اللفظ (أو أخذ بعض اللفظ) لا کله (سمّی) هذا الأخذ (إغارة ومسخا) ولا یخلو إما أن یکون الثانی أبلغ من الأول أو دونه أو مثله (فإن کان الثانی أبلغ) من الأول (لاختصاصه بفضیلة) لا توجد فی الأول کحسن السبک أو الاختصار أو الإیضاح أو زیادة معنی (فممدوح) أی فالثانی مقبول (کقول بشار ...

******

(قوله : أخذ) یحتمل أنه مصدر وهو اسم کان ومع تغییر خبرها ، وعلیه فقوله : أو أخذ بعض اللفظ عطف علی کان ، ویحتمل أنه فعل وهو خبر کان واسمها ضمیر الشأن (قوله : مع تغییر لنظمه) محترز قوله السابق : من غیر تغییر لنظمه (وقوله : أو أخذ بعض اللفظ) محترز قوله : کله فهو علی اللف والنشر المشوش (قوله : أو أخذ بعض اللفظ) أی : سواء کان فیه تغییر للنظم أو لا (قوله : إغارة) أی : لأنه أغار علی ما هو للغیر فغیره عن وجهه ، والمراد بتغییر النظم تغییر التألیف والترتیب الواقع بین المفردات (قوله : ومسخا) لأنه بدل صورة ما للغیر بصورة أخری ، والغالب کونها أقبح ، والمسخ فی الأصل تبدیل صورة بما هو أقبح منها (قوله : إما أن یکون الثانی) أی : الکلام الثانی الذی هو متعلق الأخذ (قوله : أبلغ من الأول) أی : من الکلام الأول المأخوذ منه ، والمراد بالبلاغة هنا ما یحصل به الحسن مطلقا لا خصوص البلاغة المعلومة بدلیل الأمثلة.

(قوله : کحسن السبک) المراد به الخلو عن التعقید اللفظی والمعنوی (قوله : أو الاختصار) أی : حیث یناسب المقام (قوله : مقبول) أی : فإغارة ومسخ مقبول ؛ لأن تلک الزیادة أخرجته إلی طرف من الابتداع (قوله : کقول بشار) (1) قبله :

قالوا حرام تلاقینا فقلت لهم

ما فی التّلاقی ولا فی غیره حرج

وبعده البیت ، وبعده :

أشکو إلی الله همّا لا یفارقنی

وشرعا فی فؤادی الدّهر تعتلج

ص: 234

من راقب الناس) أی حاذرهم (لم یظفر بحاجته ، وفاز بالطیّبات الفاتک اللهج) أی الشجاع القتال الحریص علی القتل (وقول سلم) (1) بعده (من راقب الناس مات غمّا) أی حزنا وهو مفعول له أو تمییز (وفاز باللّذّة الجسور) ...

******

(قوله : من راقب الناس) أی : من خاف منهم وترقب عقابهم کما قیل ، أو من راعاهم ومشی علی مزاجهم فیما یکرهون فیترکه وفیما یبتغون فیقدم علیه (قوله : لم یظفر بحاجته) لأنه ربما کرهها الناس فیترکها لأجلهم فتفوت مع شدة شوقه إلیها (قوله : وفاز بالطیبات) أی : ومن لم یراقبهم ولم یبال بهم فاز بالظفر بالطیبات الحسیة کالظفر بالمعشوق والمعنویة کشفاء غیظ النفوس بالأخذ بالثأر مثلا ، وهذا الذی لا یراقب الناس هو الفاتک أی : الشجاع الذی عنده الجراءة علی الإقدام علی الأمور قتلا أو غیره من غیر مبالاة بأحد (قوله : اللهج) أی : الملازم لمطلوبه الحریص علیه من غیر مبالاة قتلا کان أو غیره فقول الشارح : أی الشجاع تفسیر للفاتک ، (وقوله : الحریص علی القتل) أی : له ولوع به تفسیر للهج (قوله : وقول سلم) بفتح السین وسکون اللام الملقب بالخاسر لخسرانه فی تجارته ؛ لأنه باع مصحفا ورثه فاشتری بثمنه عودا یضرب به کما فی الأساس أو اشتری بثمنه دیوان شعر کما فی الأطول (قوله : من راقب الناس) أی : من خاف وترقب عقابهم أو من راعاهم ومشی علی مزاجهم وقبل هذا البیت :

أهدی لی الشوق وهو حلو

أغنّ فی طرفه فتور

(قوله : مات غمّا) أی : لم یصل لمراده فیبقی مغموما من فوات المراد ویشتد علیه الغم کشدة الموت ، فقد دل علی فوات الحاجة بموت الغم الذی هو أخص منه (قوله : أو تمییز) أی : مات بغمه فیکون من الإسناد للسبب ، قال فی الأطول : ومع صحة حمل الکلام علی الحقیقة فی المفعول لا یصار إلی المجاز الذی فی التمییز (قوله : وفاز إلخ) الشاهد فیه مع قوله : من راقب الناس حیث أخذ بعض اللفظ من غیر تغییر

ص: 235

أی الشدید الجراءة فبیت سلم أجود سبکا وأخصر لفظا.

(وإن کان) الثانی (دونه) أی دون الأول فی البلاغة لفوات فضیلة توجد فی الأول (فهو) أی الثانی (مذموم کقول أبی تمام) فی مرئیة محمد بن حمید :

(هیهات لا یأتی الزمان بمثله

إنّ الزّمان بمثله لبخیل) (1)

******

(قوله : أی الشدید الجراءة) أی : فهو بمعنی الفاتک اللهج وهو أصرح فی المعنی وأخصر (قوله : فبیت سلم إلخ) الحاصل أن المعنی فی البیتین واحد وهو أن من لا یراقب الناس یفوز بالمرغوب فیه ومن راقبهم فاته مطلوبه ، لکن بیت سلم أجود سبکا لدلالته علی المعنی من غیر تأمل لوضوحه وأخصر لفظا ؛ لأن لفظ الجسور قائم مقام لفظی الفاتک اللهج - کذا فی ابن یعقوب ، وقرر بعضهم أنه إنما کان أجود سبکا ؛ لأنه رتب فیه الموت علی مراقبة الناس ، وأما بیت بشار فقد رتب فیه علی مراقبة الناس عدم الظفر بالحاجة ، والأول أبلغ ، وفی الأطول : وإنما کان بیت سلم أجود سبکا لکونه فی غایة البعد عن موجبات التعقید من التقدیم والتأخیر ونحو ذلک. ا ه.

قال فی المطول : یروی عن أبی معاذ روایة بشار أنه قال : أنشدت بشارا قول سلم فقال : ذهب والله بیتی فهو أخف منه وأعذب ، والله لا أکلت الیوم ، ولا شربت. ا ه.

فلعل مراد الشارح بجودة سبکه خفة ألفاظه وعذوبتها ، وتأمل ذلک.

(قوله : وإن کان الثانی) أی : وإن کان الکلام الثانی وهو المأخوذ دون الکلام الأول وهو المأخوذ منه (وقوله : فی البلاغة) أی : فی الحسن ولیس المراد بها مطابقة الکلام إلخ لوجودها فی کل منهما (قوله : مذموم) أی : لأنه لم یصحبه شیء یشبه أن یکون به مبتدع الحسن ، بل هو نفس الأول مع رذیلة إسقاط ما فی الأول من الحسن (قوله : کقول أبی تمام) هو الأصل وهو من بحر الکامل (قوله : فی مرثیة محمد بن حمید) بزنة روید أی : حین استشهد فی بعض غزواته ، والمرثیة بتخفیف الیاء ، وقد تشدد کما قیل القصیدة التی یذکر فیها الرثاء أی : محاسن المیت (قوله : هیهات لا یأتی إلخ) هیهات اسم

ص: 236

وقول أبی الطیب (أعدی الزمان سخاؤه) یعنی تعلم الزمان منه السخاء وسری سخاؤه إلی الزمان ...

******

فعل ماض معناه بعد وفاعله محذوف تقدیره بعد إتیان الزمان بمثل ذلک المرئی بدلیل ما بعده وهو قوله : لا یأتی الزمان بمثله أو بعد نسیانی له بدلیل ما قبله وهو قوله :

أنسی أبا نصر نسیت إذا یدی

من حیث ینتصر الفتی وینیل (1)

وقوله : أنسی إحدی الهمزتین فیه محذوفة علی نمط (أَفْتَری عَلَی اللهِ کَذِباً)(2) والاستفهام إنکاری ، وینیل من الإنالة وهی الإعطاء (قوله : إن الزمان بمثله لبخیل) أی : إن الزمان بخیل بإیجاد مثله فی الماضی والمستقبل وهذه الجملة مستأنفة جوابا لسؤال مقدر ، کأنه قیل : لماذا لا یأتی الزمان بمثله؟ هل لأنه بخیل بمثله أو لاستحالة مثله؟ فقال : إن الزمان بمثله لبخیل فالتأکید هنا بإنّ لکون المقام مقام أن یتردد ، ویسأل هل بخل الزمان بمثله أو لم یبخل؟ بل استحال ولما کان هذا معنی الکلام وهو یشعر بإمکان المثل ، لکن منع من وجوده بخل الزمان أو رد علی أبی تمام أن الکلام قاصر ، وأن صوابه التعبیر بما یفید امتناع وجود المثل لا بما یفید إمکانه ، إلا أنه منع من الوجود عارض وهو بخل الزمان ، وأجیب بأن المراد ببخل الزمان بوجود مثله امتناع وجود مثله علی سبیل الکنایة ؛ لأن البخل بالشیء یستلزم انتفاء علّة وجوده وإذا انتفت علّة وجوده بقی امتناعه ، فصار حاصل المعنی أن الزمان لا یأتی بمثله لامتناع وجود مثله فی الماضی والمستقبل ، ونسبة التأثیر إلی الزمان من الموحد لا تضر ؛ لأن المراد بها تلبسه بالفعل وذم الزمان بالبخل ومدحه بالکرم لا یضر من الموحد أیضا ؛ لأنه ینزل منزلة العاقل المکتسب وهو یذم علی اکتسابه شرعا وطبعا وما نزل منزلته کهو (قوله : وقول أبی الطیب) هو المأخوذ (قوله : (3) أعدی الزمان سخاؤه) أی : سری سخاؤه إلی الزمان

ص: 237

(فسخا به) وأخرجه من العدم إلی الوجود ولو لا سخاؤه الذی استفاده منه لبخل به علی الدنیا واستبقاه لنفسه کذا ذکره ابن جنی ، وقال ابن فورجة : هذا تأویل فاسد لأن سخاء غیر موجود لا یوصف بالعدوی وإنما المراد سخا به علی وکان بخیلا به علی فلما أعداه سخاؤه أسعدنی بضمی إلیه وهدایتی له لما أعدی سخاؤه (ولقد یکون به الزمان بخیلا) ...

******

والإعداء أن یتجاوز الشیء من صاحبه إلی غیره (قوله : فسخا به) أی : فجاد الزمان بذلک الممدوح (قوله : کذا ذکره ابن جنی) أی : فی شرحه لدیوان أبی الطیب وعلی ما ذکره من کون المعنی أن الزمان طرأ علیه سخاء الممدوح قبل وجوده فسخا به علی الدنیا یلزم علیه أن یکون سخاؤه الذی لم یوجد موصوفا بالعدوی وهذا غلو لما مر من أن المبالغة إذا کانت غیر ممکنة عقلا وعادة کانت غلوا ممنوعا وهنا کذلک فهو مثل قوله :

وأخفت أهل الشّرک حتّی إنّه

لتخافک النّطف الّتی لم تخلق

(وقوله : وأخرجه من العدم إلخ) تفسیر لقوله : فسخا به (وقوله : ولو لا سخاؤه) أی : الزمان (وقوله : الذی استفاد منه) أی : من الممدوح (وقوله : لبخل) أی : الزمان (وقوله : به) أی : بالممدوح (قوله : وقال ابن فورجة) أی : فی شرحه للدیوان المذکور ، وفورجة بضم الفاء وفتحها ، وحاصل الخلاف بین الشیخین أن قوله : فسخا به معناه علی ما قال ابن جنی : فجاد به علی الدنیا بإیجاده من العدم ، وعلی ما قال ابن فورجة : فجاد به علیّ وأظهره لی وجمعنی علیه ، وکذا (قوله : ولقد یکون به الزمان بخیلا) أی : علی بإظهاره إلیّ وجمعی علیه أو بخیلا علی الدنیا بإیجاده من العدم (قوله : فاسد) الأولی غیر مقبول لغلوه إذ لیس بفاسد إلا أن یقال : غیر المقبول عند البلغاء فاسد عندهم (قوله : لأن سخاء غیر موجود) بإضافة سخاء لما بعده أی : لأن سخاء شخص غیر موجود فسخاء اسم إن (وقوله : لا یوصف خبرها) (وقوله : بالعدوی) أی : بالسریان للغیر (قوله : وإنما المراد إلخ) أی : وإنما المراد أن الممدوح کان موجودا سخیّا وکان الزمان بخیلا بالممدوح علیّ أی : بإظهاره لی وهدایتی له ، فلما أعدی سخاؤه الزمان سخا الزمان بذلک الممدوح علیّ بضمی إلیه وهدایتی له فالموصوف بالعدوی لیس سخاء شخص

ص: 238

فالمصراع الثانی مأخوذ من المصراع الثانی لأبی تمام علی کل من تفسیر ابن جنی وابن فورجة إذ لا یشترط فی هذا النوع من الأخذ عدم تغایر المعنیین أصلا کما توهمه البعض وإلا لم یمکن مأخوذا منه علی تأویل ابن جنی أیضا ؛ لأن أبا تمام علق البخل بمثل المرثی وأبا الطیب بنفس الممدوح. هذا ، ولکن مصراع أبی تمام أجود سبکا لأن قول أبی الطیب : ولقد یکون بلفظ المضارع لم یقع موقعه إذ المعنی علی المضی ...

******

غیر موجود ، بل سخاء شخص موجود (قوله : فالمصراع الثانی) أی : من بیت أبی الطیب (قوله : علی کل إلخ) متعلق بمأخوذ أی : سواء قلنا : إن مصراع أبی الطیب إن الزمان بخیل بإیجاد ذلک الممدوح أو بإیصاله إلی الشاعر (قوله : إذ لا یشترط إلخ) جواب عما یقال : إن المصراعین بین معنییهما مغایرة ؛ وذلک لأن معنی مصراع أبی تمام : إن الزمان بخیل بوجود مثل الممدوح المرثی ، ومعنی مصراع أبی الطیب : إن الزمان بخیل بإیجاد ذلک الممدوح أو بإیصاله للشاعر ، فالبخل فی الأول متعلق بالمثل ، وفی الثانی متعلق بنفس الممدوح ، وإذا کان المصراعان متغایرین ، فکیف یکون أحدهما مأخوذا من الآخر؟!

(قوله : عدم تغایر المعنیین أصلا) أی : بالکلیة وعدم تغایر هما بالکلیة هو اتحادهما فکأنه قال : إذ لا یشترط فی هذا النوع من الأخذ الاتحاد من کل وجه ، بل یکفی الاتحاد من بعض الوجوه کما هنا ؛ لأنهما مشترکان فی أصل البخل وإن اختلفا من جهة متعلقه (قوله : وإلا لم یکن مأخوذا منه) أی : مع أن المصنف جعله مأخوذا منه (قوله : أیضا) أی : کما لا یکون مأخوذا منه علی تأویل ابن فورجة (قوله : لأن أبا تمام إلخ) أی : فهناک مغایرة بحسب الظاهر وإن کان لا مغایرة بحسب المراد ؛ وذلک لأن بخل الزمان بمثله فی بیت أبی تمام کنایة عن بخله به کما تقدم - کذا قرر شیخنا العدوی وهو تعلیل بمثله فی بیت أبی تمام کنایة عن بخله به کما تقدم - کذا قرر شیخنا العدوی وهو تعلیل لقوله : إذ لا یشترط إلخ (قوله : ولکن مصراع أبی تمام إلخ) استدراک علی قوله فالمصراع الثانی أی : من بیت أبی الطیب مأخوذ من المصراع الثانی من بیت أبی تمام ، وحاصله أن قول أبی الطیب : ولقد یکون به الزمان بخیلا مأخوذ من قول أبی تمام : إن الزمان بمثله لبخیل ، وظاهر أن الأول أحسن من الثانی ؛ لأن الثانی عبر بصیغة المضارع

ص: 239

فإن قیل : المراد لقد یکون الزمان بخیلا بهلاکه أی لا یسمح بهلاکه قط لعلمه بأنه سبب لصلاح العالم والزمان وإن سخا بوجوده وبذله للغیر لکن إعدامه وإفناءه باق بعد فی تصرفه ، قلنا : هذا تقدیر لا قرینة علیه وبعد صحته فمصراع أبی تمام أجود لاستغنائه عن مثل هذا التکلف.

******

والمناسب صیغة الماضی بأن یقال : ولقد کان به الزمان بخیلا کما دلت علیه الجملة الاسمیة من الأول ؛ لأن أصلها الدلالة علی الوقوع مع زیادة إفادتها الدوام والثبوت الشامل للمضی ، وأیضا المراد أن الزمان کان بخیلا به حتی أعداه بسخائه فلا تناسب المضارعة ، إذ لا معنی لکونه جاد به الزمان وهو بخیل به فی المستقبل ؛ لأنه بعد الجود به خرج عن تصرفه فیه ، إن قلت : المعنی وإن کان علی المضی إلا أنه عدل للمستقبل قصدا للاستمرار أو لحکایة الحال الماضیة کما تقرّ فی أمثاله ، قلت : لما لم یحصل بخل الزمان بعد إعداء سخائه إیاه لم یحسن حمل المضارع علی الاستمرار ولا علی حکایة الحال الماضیة. ا ه فنری.

(قوله : فإن قیل) أی : فی الجواب عن کون بیت أبی الطیب دون بیت أبی تمام ، وحاصله أنا لا نسلم أن بیت أبی الطیب دون بیت أبی تمام ؛ لأن کلام أبی الطیب علی حذف مضاف أی : ولقد یکون بهلاکه الزمان بخیلا وهلاکه استقبالی ، وحینئذ فالتعبیر بالمضارع واقع فی موقعه (قوله : والزمان وإن سخا بوجوده إلخ) جواب عما یقال : إن السخاء بالشیء هو بذله للغیر والزمان إذا سخا به فقد بذله فلم یبق فی تصرفه حتی یسمح بهلاکه أو یبخل ، وحاصل الجواب أنا نسلم أن إیجاده لم یبق فی تصرفه بعد السخاء به لما فیه من تحصیل الحاصل ، وأما إفناؤه فهو باق بعد فی تصرفه فله أن یسمح بهلاکه وأن یبخل به فنفی الشاعر ذلک (قوله : باق بعد) أی بعد وجوده فی تصرفه أی : فله أن یسمح بهلاکه وأن یبخل به فنفی الشاعر ذلک ، والحاصل أن إیجاده وإعدامه کانا بید الزمان فسخا بإیجاده ولم یسخ بإعدامه قط لکونه سببا لصلاح الدنیا (قوله : قلنا هذا) أی : تقدیر المضاف المذکور (قوله : لا قرینة علیه) أی : فلا یصح وبعد صحته إلخ (قوله : لاستغنائه عن مثل هذا التکلف) فعلی تقدیر التصحیح بما ذکر لا یخرج به عن

ص: 240

(وإن کان) الثانی (مثله) أی مثل الأول (فأبعد) أی فالثانی أبعد (من الذم والفضل للأول کقول أبی تمام : لو حار) (1) أی تحیر فی التوصل إلی إهلاک النفوس (مرتاد المنیة) أی الطالب الذی هو المنیة علی أنها إضافة بیان (لم یجد ، إلا الفراق علی النفوس دلیلا وقول أبی الطیب :

لولا مفارقة الأحباب ما وجدت

لها المنایا إلی أرواحنا سبلا) (2)

الضمیر فی لها للمنیة وهو حال من سبلا والمنایا فاعل وجدت ، وروی ید المنایا فقد أخذ المعنی کله مع لفظة المنیة والفراق والوجدان وبدل بالنفوس الأرواح.

******

المفضولیة (قوله : وإن کان الثانی مثله) أی : مثل الأول أی فی البلاغة (قوله : فالثانی أبعد من الذم) أی : حقیق بأنه لا یذم فأفعل التفضیل لیس علی بابه وإنما قلنا هکذا ؛ لأن ظاهر العبارة یقتضی أن هناک بعیدا من الذم وهذا أبعد منه ولیس کذلک (قوله : دلیلا) مفعول یجد الأول ومفعوله الثانی محذوف أی : لها (وقوله : إلا الفراق) استثناء من قوله دلیلا (وقوله : علی النفوس) متعلق بدلیلا بمعنی طریقا ، وفی الکلام حذف مضاف والمعنی لو تحیرت المنیة فی وصولها لهلاک النفوس لم تجد لها طریقا یوصلها لذلک إلا فراق الأحبة.

(قوله : لولا مفارقة الأحباب) أی : موجودة (قوله : وهو حال من سبلا) لأنه فی الأصل صفة لها فلما قدم صار حالا کما أن قوله : إلی أرواحنا کذلک ، إذ المعنی سبلا مسلوکة إلی أرواحنا وقیل : إنه جمع لهاة وهو فاعل وجدت أضیفت للمنایا واللهاة اللحمة المطبقة فی أقصی سقف الحلق فکأنه یقول : لما وجد فم المنایا التی شأنها الاغتیال به إلی أرواحنا سبلا فأطلق اللهاة وأراد الفم لعلاقة المجاورة (قوله : فقد أخذ المعنی کله) أی : فقد أخذ أبو الطیب فی بیته معنی بیت أبی تمام بتمامه ؛ وذلک لأن محصل معنی البیتین أنه لا دلیل للمنیة علی النفوس إلا الفراق أما الأول فواضح ، وأما الثانی فلأن

ص: 241

(وإن أخذ المعنی وحده سمّی هذا الأخذ) (إلماما) من ألّم إذا قصد وأصله من ألّم بالمنزل إذا نزل به (وسلخا) وهو کشط الجلد عن الشاة ونحوها فکأنه کشط عن المعنی جلدا وألبسه جلدا آخر فإن اللفظ للمعنی بمنزلة اللباس (وهو ثلاثة أقسام کذلک) أی مثل ما یسمی إغارة ومسخا لأن الثانی إما أبلغ من الأول أو دونه أو مثله.

******

صریحه أن مفارقة الأحباب لولاها ما اتصلت المنیة بالأرواح فیفهم أن المواصلة مانعة من الوصول للأرواح ، وحینئذ فلا دلیل ولا طریق توصل لاتصال المنیة بالأرواح إلا الفراق فما یقال : إن فی بیت أبی تمام الحصر دون بیت أبی الطیب فیکون الأول أبلغ من الثانی لا عبرة به وظهر ما قاله الشارح : إن أبا الطیب أخذ المعنی کله مع بعض اللفظ ؛ لأنه أخذ لفظ المنیة والفراق والوجدان وبدل النفوس بالأرواح وأن البیتین متساویان فی البلاغة فلذا کان الثانی غیر مذموم.

(قوله : وإن أخذ المعنی وحده) أی : دون شیء من اللفظ وهذا عطف علی قوله : فإن أخذ اللفظ فهو شروع فی الضرب الثانی من الظاهر من الأخذ والسرقة (قوله : من ألّم إذا قصد) أی : لأن الشاعر یقصد إلی أخذ المعنی من لفظ غیره (قوله : وأصله) أی : وأصل الإلمام مأخوذ من ألّم بالمنزل إذا نزل به ، فالإلمام فی أصل اللغة معناه النزول ، ثم أرید منه سببه وهو القصد کما هنا ؛ لأن الشاعر قد قصد أخذ المعنی من لفظ غیره (قوله : وهو) أی : السلخ فی اللغة کشط الجلد إلخ ، وقوله فکأنه مرتب علی محذوف أی : واللفظ للمعنی بمنزلة الجلد ؛ فکأن الشاعر الثانی الذی أخذ معنی شعر الأول کشط من ذلک المعنی جلدا ، وألبس ذلک المعنی جلدا آخر (قوله : فإن اللفظ إلخ) أی : وإنما کان اللفظ للمعنی بمنزلة الجلد لأن اللفظ یتوهم فیه کونه کاللباس للمعنی من جهة الاشتمال علیه بالدلالة (قوله : وهو) أی : الکلام الذی تعلق الأخذ بمعناه (قوله : أی مثل ما یسمی إغارة) أی : مثله فی الانقسام إلی ثلاثة أقسام ، وأن تلک الأقسام الثلاثة عین الأقسام الثلاثة المتقدمة (قوله : لأن الثانی إما أبلغ من الأول) أی : فیکون ممدوحا (وقوله : أو دونه) أی : أو دون الأول فی البلاغة فیکون مذموما (وقوله : أو

ص: 242

(أولها) أی أول الأقسام وهو أن یکون الثانی أبلغ من الأول (کقول أبی تمام : (1) هو) ضمیر الشأن (الصنع) أی الإحسان والصنع مبتدأ خبره الجملة الشرطیة أعنی قوله (إن یعجل فخیر وإن یرث) أی یبطؤ (فللریث فی بعض المواضع أنفع) والأحسن أن یکون هو عائدا إلی حاضر فی الذهن وهو مبتدأ خبره الصنع والشرطیة ابتداء کلام وهذا کقول أبی العلاء :

******

مثله) أی : مثل الأول فی البلاغة فیکون بعیدا عن الذم (قوله : ضمیر الشأن) أی : مبتدأ أول ، والصنع بمعنی الإحسان مبتدأ ثان ، والجملة الشرطیة خبر المبتدأ الثانی ، والمبتدأ الثانی وخبره خبر ضمیر الشأن أی : الشأن هو أن الإحسان إن یعجل فخیر وإن یتأخر فقد یکون بتأخیره أنفع (قوله : وإن یرث) من راث ریثا أی بطؤ وتأخر ، ومنه قولهم : أمهلته ریثما فعل کذا أی ساعة فعله (قوله : أی یبطؤ) بفتح أوله وسکون ثانیه وضم ثالثه وبعده همز من بطؤ یبطؤ بطئا إذا تأخر (قوله : والأحسن أن یکون هو عائدا إلی حاضر) أی یفسره قوله الصنع الذی جعل خبرا عنه ، وإنما کان هذا الاحتمال أحسن من الأول ؛ لأن کون الضمیر للشأن خلاف الظاهر مع إفادة هذا الإعراب ما یفیده الأول من الإجمال والتفصیل ، ومع کونه أفید لتعدد الحکم فیه ، إذ فیه الحکم بأن ذلک المتعقل هو الصنع والحکم بأن الصنع من صفته ما ذکر ، قاله سم.

قال یس : وقوله : لأن کون الضمیر للشأن خلاف الظاهر أی : لأنه مخالف للقیاس من خمسة أوجه عوده علی ما بعده لزوما وأن مفسره لا یکون إلا جملة وأنه لا یتبع بتابع وأنه لا یعمل فیه إلا الابتداء أو أحد نواسخه وأنه ملازم للإفراد (قوله : إلی حاضر فی الذهن) وهو الموعود به (قوله : وهذا کقول إلخ) أی : وهذا الإعراب علی الاحتمال الثانی کالإعراب الکائن فی قول أبی العلاء ، فإن الضمیر فیه عائد علی متعقل الذهن یفسره ما بعده المخبر به عنه ، ولا یصح أن یکون ذلک الضمیر ضمیر الشأن ؛ لأن الخبر الواقع بعده مفرد وضمیر الشأن إنما یخبر عنه بجملة ، والحاصل أن الضمیر فی بیت

ص: 243

هو الهجر حتّی ما یلمّ خیال

وبعض صدود الزائرین وصال (1)

وهذا نوع من الإعراب لطیف لا یکاد یتنبه له إلا الأذهان الرائضة من أئمة الإعراب (وقول أبی الطیب (2) ومن الخیر بطء سیبک) أی تأخر عطائک (عنّی ، أسرع السّحب فی المسیر الجهام) أی السحاب الذی لا ماء فیه وأما ما فیه ماء فیکون بطیئا ثقیل المشی فکذا حال العطاء ، ففی بیت أبی الطیب زیادة بیان لاشتماله علی ضرب المثل بالسحاب.

******

أبی تمام یحتمل أن یکون ضمیر الشأن ، ویحتمل أن یکون عائدا علی متعقل فی الذهن ، وأما فی بیت أبی العلاء فیتعین أن یکون عائدا علی متعقل فی الذهن ولا یجوز أن یکون ضمیر الشأن ؛ لأن ما بعده لا یصلح للخبریة عنه فهو نظیر البیت الأول علی الاحتمال الثانی فیه (قوله : ما یلمّ خیال) ما زائدة ویلم بفتح أوله وضم ثانیه من لمّ یلم کردّ یردّ بمعنی نزل وحصل وضمیر یلم للهجر أی : حتی إذا لمّ وحصل من هذا الذی یهجرنا فهو خیال ؛ لأنه لعدم الاعتبار به بمنزلة العدم الذی هو خیال (قوله : وبعض صدود إلخ) أی : إنا لم ننل من الذی هجرنا حتی الصدود ؛ لأنا لا نلقاه لا یقظة ولا مناما ، والصدود قد یعد وصالا بالنسبة لهذا الهجر (قوله : الرائضة) أی : المرتاضة والممارسة لصناعة الإعراب (قوله : ومن الخیر بطء سیبک عنّی) أی : لأن بطأه وعدم سرعته یدل علی کثرته کالسحاب ، فإنه لا یسرع منها إلا ما کان خالیا عن الماء ، وأما السحاب التی فیها ماء فإنها بطیئة المشی (قوله : الجهام) بفتح الجیم کما فی الأطول.

(قوله : ففی بیت أبی الطیب زیادة بیان) أی : للمعنی المقصود وهو أن تأخیر العطاء یکون خیرا وأنفع ، والحاصل أن البیتین اشترکا فی المعنی وهو أن تأخیر العطاء یکون خیرا وأنفع ، لکن بیت أبی الطیب وهو المتأخر منهما أجود ؛ لأنه زاد حسنا بضرب المثل له بالسحاب ، فکأنه دعوی بالدلیل إذ کأنه یقول : العطاء کالسحاب فکما أن بطیء السیر من السحاب أکثر نفعا من سریعها وهو الجهام ، فکذلک عطاؤک بطیئه

ص: 244

(وثانیها) أی ثانی الأقسام وهو أن یکون الثانی دون الأول (کقول البحتری : وإذا تألّق) أی لمع (فی الندی) أی فی المجلس (کلامه المصقول) المنقح (خلت) أی حسبت (لسانه من عضبه) أی سیفه القاطع (وقول أبی الطیب :

کأنّ ألسنهم فی النّطق قد جعلت

علی رماحهم فی الطّعن خرصانا (1))

جمع خرص بالضم والکسر وهو السنان یعنی أن ألسنهم عند النطق فی المضاء والنفاذ تشابه أسنتهم عند الطعن فکأن ألسنهم جعلت أسنة رماحهم ...

******

أکثر نفعا من سریعه فکان تأخیر عطائک أفضل من سرعته ، وقد یقال : إن البطء فی السحاب خلاف البطء فی العطاء ؛ لأن البطء فی السحاب فی سیره وفی العطاء فی عدم ظهوره علی أن البیت الأول یفید أن البطء أنفع فی بعض المواضع دون بعض فیکون من الممدوح تارة خیرا وتارة لا یکون ، والثانی یفید أن البطء من الممدوح لا یکون إلا خیرا وهو أوکد فی المدح ، وحینئذ فالبیتان متفاوتان فی المعنی فلا یصح التمثیل بهما - تأمل.

(قوله : وهو أن یکون الثانی دون الأول) أی : وهو أن یکون الکلام الثانی المأخوذ دون الکلام الأول المأخوذ منه فی البلاغة والحسن (قوله : کقول البحتری (2)) هذا هو القول الأول (قوله : أی المجلس) أی : الممتلئ بأشراف الناس (قوله : المنقح) أی : المصفی من کل ما یشینه ، والمصقول فی الأصل معناه : المجلو فتفسیر الشارح له بالمنقح تفسیر مراد (قوله : أی حسبت لسانه من عضبه) أی : ظننت أن لسانه ناشئ من سیفه القاطع ، أو أن من زائدة أی : ظننت أن لسانه سیفه القاطع فشبه لسانه بسیفه بجامع التأثیر (قوله : وقول أبی الطیب) هذا هو القول الثانی (قوله : فی النطق) أی : فی حالة النطق أو عند النطق ففی الکلام حذف مضاف أو أن فی بمعنی عند وکذا یقال فی قوله فی الطعن (قوله : قد جعلت علی رماحهم) أی : قد جعلت خرصانا علی رماحهم عند الطعن أی : الضرب بالقنا.

(قوله : بالضم والکسر) أی : فی المفرد وکذا فی الجمع (قوله : وهو السنان) أی : لأن خرصان الرماح أسنتها کما أن خرصان الشجر أغصانها (قوله : والنفاذ) عطف

ص: 245

فبیت البحتری أبلغ لما فی لفظی تألق والمصقول من الاستعارة التخییلیة فإن التألق والصقالة للکلام بمنزلة الأظفار للمنیة ولزم من ذلک تشبیه کلامه بالسیف وهو استعارة بالکنایة (وثالثها) أی ثالث الأقسام وهو أن یکون الثانی مثل الأول (کقول الأعرابی أبی زیاد :

ولم یک أکثر الفتیان مالا

ولکن کان أرحبهم ذراعا)

******

تفسیر (قوله : فبیت البحتری أبلغ) حاصله أن کلّا من البیتین تضمن تشبیه اللسان بآلة الحرب فی النفاذ والمضاء وإن کانت الآلة المعتبرة فی الأول السیف والآلة المعتبرة فی الثانی الرمح ، ولکن بیت البحتری أجود ؛ لأنه نسب فیه التألق والصقالة للکلام وهما من لوازم السیف علی حد المنیة والأظفار ، فکان فی کلامه استعارة بالکنایة ، فازداد بهذا حسنا ، بخلاف بیت أبی الطیب ، وتقریر الاستعارة المذکورة أن یقال : شبه الکلام الموجب لتأثیر المضاء والنفوذ فی النفوس بالسیف الموجب للتأثیر من الجذّ والقطع ، وطوی ذکر المشبه به ورمز إلیه بذکر شیء من لوازمه وهو التألق والصقالة علی طریق الاستعارة بالکنایة وإثبات التألق تخییل والصقالة ترشیح لأن مجموعهما تخییل کما هو ظاهر الشارح ؛ لأن التخییل لا یکون إلا واحدا ویزید بیت البحتری علی بیت أبی الطیب أیضا بأن فیه حسب التی للظن وهی أقوی فی الدلالة علی التشبیه من کأن علی أن فی بیت أبی الطیب قبحا من جهة أخری وهو أن المتبادر من کلامه أن ألسنتهم قطعت وجعلت خرصانا وفیه من القبح ما لا یخفی (قوله : للکلام) أی : اللذین أثبتهما للکلام (قوله : بمنزلة الأظفار للمنیة) أی : بمنزلة الأظفار التی أثبتت للمنیة (قوله : ولزم من ذلک) أی : من إثبات التألق والصقالة للکلام ؛ لأن التخییلیة والمکنیة متلازمان علی ما سبق (قوله : وهو استعارة بالکنایة) الضمیر للتشبیه علی مذهب المصنف فی الاستعارة بالکنایة ، أو للسیف بناء علی مذهب القوم فیها (قوله : مثل الأول) أی : فی البلاغة (قوله : کقول الأعرابی) هذا هو الکلام الأول ، والثانی قول أشجع الآتی (قوله : ولم یک أکثر الفتیان مالا (1)) أی : لم یکن الممدوح أکثر الأقران مالا.

ص: 246

أی أسخاهم یقال : فلان رحب الباع والذراع ورحیبهما أی سخیّ (وقول أشجع : ولیس) أی الممدوح یعنی جعفر بن یحیی (بأوسعهم) الضمیر للملوک (فی الغنی ، ولکنّ معروفه) أی إحسانه (أوسع) فالبیتان متماثلان هذا ولکن لا یعجبنی معروفه أوسع.

******

(قوله : رحب الباع والذراع) الرحب : الواسع ، والباع : قدر مد الیدین ، والذراع : من طرف المرفق إلی طرف الأصبع الوسطی (قوله : أی سخیّ) أی : فهو مجاز مرسل من إطلاق اسم الملابس بکسر الباء وهو سعة الباع أو الذراع علی الملابس بفتحها وهو کثرة المعطی ؛ لأن الباع والذراع بهما یحصل المعطی عند قصد دفعه فإذا اتسع کثر ما یملؤه فلابست السعة الکثرة عند الإعطاء فأطلقت السعة علی الکثرة بتلک الملابسة مع القرینة (قوله : وقول أشجع) أی : فی مدح جعفر بن یحیی البرمکی (قوله : الضمیر للملوک) أی : فی البیت السابق :

یروم الملوک مدی جعفر

ولا یصنعون کما یصنع (1)

أی : یقصد الملوک غایته التی بلغها فی الکرم والحال أنهم لا یصنعون من المعروف والإحسان کما یصنع (قوله : فی الغنی) أی : فی المال (قوله : أوسع) أی : من معروفهم (قوله : فالبیتان متماثلان) أی : لاتفاقهما علی إفادة أن الممدوح لم یزد علی الأقران فی المال ، ولکنه فاقهم فی الکرم ولم یختص أحدهما بفضیلة عن الآخر ، فلذا کان الثانی بعیدا عن الذم (قوله : لکن لا یعجبنی معروفه أوسع) أی : وحینئذ فالبیتان لیسا متماثلین ، بل الأول أبلغ فتمثیل المصنف بهذین البیتین للقسم الثالث لا یتم ووجه عدم الإعجاب أن أرحبهم ذراعا یدل علی کثرة الکرم بطریق المجاز بخلاف معروفه أوسع فإنه یدل علی ذلک بطریق الحقیقة ، فالبیت الأول قد ازداد بالمجاز حسنا ، وقیل : وجه کونه لا یعجبه أن المعروف قد یعبر به عن الدبر أی : الشیء المعروف منه وهو الدبر أوسع ، وفیه بعد ؛ لأن الکلام البلیغ لا یعتریه الاستهجان.

ص: 247

واعلم أنه یجوز فی تشابه المعنیین اختلاف البیتین : تشبیبا ومدیحا وهجاء وافتخارا ونحو ذلک فإن الشاعر الحاذق إذا قصد إلی المعنی المختلس لینظمه احتال فی إخفائه فغیره عن لفظه ونوعه ووزنه وقافیته وإلی هذا أشار بقوله.

(فأشرقت الدّماء علیهم

محمرة فکأنهم لم یسلبوا)

أی لأن الدماء المشرقة کانت بمنزلة ثیاب لهم (وقول أبی الطیب : یبس النجیع علیه) أی علی السیف (وهو مجرد ، عن غمده فکأنما هو مغمد) لأن الدم الیابس بمنزلة غمد له فنقل المعنی من القتلی والجرحی إلی السیف.

(وقول أبی نواس :

ولیس علی الله بمستنکر

أن یجمع العالم فی واحد (1)

فإن یشمل الناس وغیرهم فهو أشمل من معنی بیت جریر.

لکن کل منهما باعتبار الآخر ولهذا قالوا : الأحسن فی هذا النوع أن یبیّن السبب.

کقول الأفوه : وتری الطیر علی آثارنا ، رأی عین) یعنی عیانا (ثقة) حال أی : واثقة ومفعول له مما یتضمنه قوله : علی آثارنا أی کائنة علی آثارنا لوثوقها (أن ستمار) أی ستطعم من لحوم من نقتلهم (وقول أبی تمام : وقد ظلّلت) أی ألقی علیه الظل وصارت ذوات ظل (عقبان أعلامه ضحی ، بعقبان طیر ...

******

یکون من الظاهر ؛ لأن المأخوذ حینئذ ولو قل لا لبس فیه ، بخلاف أخذ البعض مع تزیینه بما أضیف فإن ذلک یخرجه عن سنن الاتباع إلی الابتداع ، فکأنه مستأنف فیخفی.

(قوله : (1) وتری الطیر علی آثارنا رأی عین) أی : وتبصر الطیر وراءنا تابعة لنا معاینة - کذا قال الیعقوبی ، قال فی الأطول : الآثار : جمع أثر بمعنی العلم أی : مستعلیة علی أعلامنا متوقعة فوقها فتکون الأعلام مظللة بها ، وإنما أکد قوله تری بقوله رأی عین ؛ لئلا یتوهم أنها بحیث تری لمن أمعن النظر بتکلف لبعدها ، ولئلا یتوهم أن المعنی أنها لما تبعتنا کأنها رئیت ولو لم تر لبعدها ؛ لأنه یقال : تری فلانا یفعل کذا بمعنی أنه یفعله وهو بحیث یری فی فعله لو لا المانع (قوله : حال) أی : من الطیر بناء علی أن المصدر بمعنی اسم الفاعل (قوله : مما یتضمنه) أی : من العامل الذی یتضمنه المجرور الذی هو قوله علی آثارنا ، وعلی هذا الاحتمال فقوله : ثقة أن ستمار جواب لسؤال مقدر ، إذ کأنه قیل : لماذا کانت الطیور علی آثارنا تابعة لنا؟ فقیل : کانت علی آثارنا وتبعتنا لوثوقها بأنها ستمار أی : ستطعم المیرة أی : الطعام أی : لحوم من نقتلهم (قوله (2) : ظلّلت) هو بالبناء للمفعول ، وعقبان أعلامه نائب الفاعل ، والعقبان بکسر أوله : جمع عقاب ، وإضافته للأعلام من إضافة المشبه به للمشبه أی : ظللت أعلامه الشبیهة بالعقبان فی تلونها وفخامتها ؛ لأن الأعلام بمعنی الرایات فیها ألوان مختلفة کالعقبان ، وقال الخلخالی : الإضافة حقیقیة علی معنی اللام ، والمراد بعقبان الأعلام الصور المعمولة من ذهب أو غیره علی هیئة عقبان الطیر الموضوعة علی رأس العلم بمعنی الرایة ، وهذا یتوقف علی أن تلک الصور التی وضعت علی رأس الأعلام صنعت علی هیئة العقبان ولم یثبت (قوله : بعقبان طیر)

ص: 254

فی الدماء نواهل) من نهل إذا روی نقیض عطش (أقامت) أی عقبان الطیر (مع الرایات) أی الأعلام وثوقا بأنها ستطعم لحوم القتل (حتّی کأنّها ، من الجیش إلا أنها لم تقاتل. فإن أبا تمام لم یلمّ بشیء من معنی قول الأفوه : رأی عین) الدالّ علی قرب الطیر من الجیش بحیث تری عیانا لا تخیلا ، وهذا مما یؤکد شجاعتهم وقتلهم الأعادی (ولا) بشیء (من معنی قوله : ثقة أن ستمار) الدال علی وثوق الطیر بالمیرة لاعتیادها بذلک وهذا أیضا مما یؤکد المقصود. قیل : إن قول أبی تمام : ظللت الملم بمعنی قوله رأی عین ؛ لأن وقوع الظل علی الرایات مشعر بقربها من الجیش ، ...

******

متعلق بظللت أی : ظللت عقبان الأعلام بعقبان طیر ؛ لأنها لزمت فوق الأعلام ألقت ظلّها علیها (قوله : فی الدماء) أی : من الدماء ، ففی بمعنی من ، متعلقة بنواهل الذی هو صفة لعقبان طیر أی : ظللت عقبان الأعلام بعقبان طیر من صفتها إذا وضعت الحرب أوزارها. النهل أی : الری من دماء القتلی ، فتظلیل العقبان للأعلام لرجائها النهل من الدماء ووثوقها بأنها ستطعم من لحوم القتلی (قوله : لوثوقها بأنها ستطعم لحوم القتلی) أی : ولرجائها الری من دمائها (قوله : حتی کأنها من الجیش) أی : حتی صارت من شدة اختلاطها برؤوس الرماح والأعلام من أفراد الجیش ، إلا أنها لم تقاتل أی : لم تباشر القتال وهذا استدراک علی ما یتوهم من الکلام السابق من أنها حیث صارت من الجیش قاتلت معه (قوله : فإن أبا تمام إلخ) أی : وإنما کان کلام أبی تمام بالنسبة لکلام الأفوه السابق مما ذکرناه وهو أخذ بعض المعنی ویضاف إلیه ما یحسنه ؛ لأن أبا تمام إلخ (قوله : لم یلم) من ألم الرباعی وما تقدم فی قوله حتی ما یلم خیال من لم الثلاثی ، والأول بمعنی أخذ والثانی بمعنی وقع وحصل (قوله : لا تخیلا) أی : لأنها تری علی سبیل التخیل بأن یکون هناک من البعد ما یوجب الشک فی المرئی (قوله : وهذا) أی : کون الطیر قریبا من الجیش بحیث یری معاینة مما یؤکد المعنی المقصود للشاعر وهو وصفهم بالشجاعة والاقتدار علی قتل الأعادی ؛ وذلک لأن قربها إنما یکون لأجل توقع الفریسة (قوله : لاعتیادها) أی : والثقة منها بالمیرة لاعتیادها ذلک وکون ذلک معتادا یدل علی کمال الشجاعة والجراءة علی القتل فکلا المعنیین أی : معنی رأی عین ، ومعنی ثقة أن ستمار

ص: 255

وفیه نظر ؛ إذ قد یقع ظل الطیر علی الرایة وهو فی جو السماء بحیث لا یری أصلا. نعم لو قیل : إن قوله حتی کأنها من الجیش الملم بمعنی قوله رأی عین فإنها إنما تکون من الجیش إذا کانت قریبا منهم مختلطا بهم لم یبعد عن الصواب (لکن زاد) أبو تمام (علیه) أی علی الأفوه زیادات محسنة للمعنی المأخوذ من الأفوه أعنی تسایر الطیر علی آثارهم (بقوله إلا أنها لم تقاتل وبقوله فی الدماء نواهل وبإقامتها مع الرایات حتی کأنها من الجیش وبها) أی وبإقامتها مع الرایات حتی کأنها من الجیش ...

******

مؤکد للمقصود الذی هو الوصف بالشجاعة ومفید له (قوله : إلمام) أی : إتیان بمعنی قوله : رأی عین أی : وحینئذ فلا یتم قول المصنف : إن أبا تمام لم یلم بمعنی قول الأفوه : رأی عین (قوله : وفیه نظر إلخ) حاصله أن وقوع ظل الطیر علی الرایات لا یستلزم قربه منها بدلیل أن ظل الطیر یمر بالأرض أو غیرها ، والحال أن الطیر فی الجو بحیث لا یری (قوله : نعم إلخ) هذا اعتراض ثان علی قول المصنف : إن أبا تمام لم یلم بمعنی قول الأفوه : رأی عین إلخ ، وحاصله أن قوله : حتی کأنها من الجیش فیه إلمام بمعنی قوله : رأی عین ، وحینئذ فلا یتم ما قاله المصنف إلا أن یقال : إن قول المصنف فإن أبا تمام لم یلم بشیء إلخ أی : فی البیت الأول - فتأمل.

(قوله : إذا کانت قریبا منهم مختلطا بهم) أی : لأن المنفصل عن الشیء البعید عنه لا یعد من أفراده (وقوله : قریبا) خبر کان ولم یؤنثه ؛ لأنه یستوی فیه المذکر والمؤنث ولا یرد مختلطا لأنه تابع (قوله : لم یبعد عن الصواب) ویزید هذا تأکیدا قوله أقامت مع الرایات ؛ لأن صحبة الرایات تستلزم القرب (قوله : زیادات) أی : ثلاثة (قوله : أعنی) أی : بالمعنی المأخوذ من الأفوه تسایر إلخ ، وهذا المعنی بعض معنی بیته (قوله : یعنی قوله إلخ) أشار بذلک إلی أن مراد المصنف بالأول الأول من تلک الزیادات لا الأول فی کلام الشاعر ؛ لأنه أخر فیه (قوله : هذا هو المفهوم إلخ) أی : أن المفهوم من الإیضاح أن ضمیر قوله وبها راجع لإقامتها مع الرایات حتی کأنها من الجیش ، والمراد بالأول الأول من الزیادات وهو قوله إلا أنها لم تقاتل لا الأول فی کلام أبی تمام ؛ لأنه أخر فیه وبیان ذلک

ص: 256

(یتم حسن الأول) یعنی قوله إلا أنها لم تقاتل لأنه لا یحسن الاستدراک الذی هو قوله إلا أنها لم تقاتل ذلک الحسن إلا بعد أن تجعل الطیر مقیمة مع الرایات معدودة فی عداد الجیش حتی یتوهم أنها أیضا مع المقاتلة هذا هو المفهوم من الإیضاح ، وقیل : معنی قوله وبها أی بهذه الزیادات الثلاث یتم حسن معنی البیت الأول (وأکثر هذه الأنواع) المذکورة لغیر الظاهر (ونحوها مقبولة) لما فیها من نوع تصرف (بل منها) أی من هذه الأنواع (ما یخرجه حسن التصرف من قبیل الاتباع إلی حیز الابتداع وکل ما کان أشد خفاء) ...

******

أنه لو قیل : ظللت عقبان الرایات بعقبان الطیر إلا أنها لم تقاتل لم یحسن هذا الاستدراک ؛ لأن مجرد وقوع ظلها علی الرایات لا یوقع فی الوهم أنها تقاتل مثل الجیش حتی یستدرک علیه بالنفی بخلاف إقامتها مع الرایات حتی کأنها من الجیش فإنه مظنة أنها أیضا تقاتل مثل الجیش فیحسن الاستدراک الذی هو رفع التوهم الناشئ من الکلام السابق (قوله : یتم حسن معنی البیت الأول) أی : المعنی الذی أخذه أبو تمام من بیت الأفوه الأول وهو تسایر الطیر علی آثارهم واتباعها لهم فی الزحف (قوله : وأکثر هذه الأنواع إلخ) أی : الأنواع التی ذکرها المصنف لغیر الظاهر وهی خمسة کما مر (وقوله : ونحوها) أی : ونحو هذه الأنواع وهذا إشارة إلی أنواع أخر لغیر الظاهر لم یذکرها المصنف ، والظاهر أن نحوها عطف علی هذه أی : وأکثر هذه الأنواع وأکثر نحو هذه الأنواع مقبول وهذا الکلام یقتضی أن من هذه الأنواع ومن نحوها ما لیس بمقبول وتعلیلهم القبول بوجود نوع من التصرف یقتضی قبول جمیع أنواع غیر الظاهر ما ذکر منها وما هو نحو ما ذکر منها ، ویؤید ذلک أن الأخذ الظاهر یقبل مع التصرف فکیف بغیر الظاهر الذی لا ینفک عن التصرف ، فکان الأولی للمصنف أن یقول : وهذه الأنواع ونحوها مقبولة ویحذف لفظة أکثر - تأمل.

(قوله : أی من هذه الأنواع) أی : التی تنسب لغیر الظاهر مطلقا لا بقید کونها مذکورة (قوله : من قبیل الاتباع) أی : کونه تابعا لغیره (وقوله : إلی حیز الابتداع) أی : الإحداث والابتکار فکأنه غیر مأخوذ (قوله : وکل ما کان أشد) أی : وکل ما کان

ص: 257

بحیث لا یعرف کونه مأخوذا من الأول إلا بعد مزید تأمل (کان أقرب إلی القبول) لکونه أبعد عن الاتباع وأدخل فی الابتداع (هذا) أی الذی ذکر فی الظاهر وغیره من ادعاء سبق أحدهما وأخذ الثانی منه وکونه مقبولا أو مردودا وتسمیة کل بالأسامی المذکورة (کله) إنما یکون (إذا علم أن الثانی أخذ من الأول) بأن یعلم أنه کان یحفظ قول الأول حین نظم أو بأن یخبر هو عن نفسه أنه أخذه منه وإلا فلا یحکم بشیء من ذلک (لجواز أن یکون الاتفاق) فی اللفظ والمعنی جمیعا أو فی المعنی وحده (من نوادر الخواطر أی مجیئه علی سبیل الاتفاق من غیر قصد إلی الأخذ) ...

******

الکلام المأخوذ من غیره أشد خفاء من مأخوذ آخر (قوله : بحیث لا یعرف إلخ) أی وذلک بأن یکسب من التصرف وإدخال اللطائف ما أوجب کونه لا یعرف مما أخذ منه وأن أصله ذلک المأخوذ منه إلا بعد مزید تأمل وإمعان نظر (قوله : مزید تأمل) أی : وأما أصل التأمل فلا بد منه فی غیر الظاهر (قوله : کان أقرب إلی القبول) أی : مما لیس کذلک (قوله : لکونه أبعد) أی : لکونه صار بتلک الخصوصیات واللطائف المزیدة فیه أبعد (قوله : أی الذی ذکر) أی : فإفراد هذا بتأویل المشار إلیه بما ذکر فلا منافاة بینه وبین التأکید بقوله کله (قوله : من ادعاء سبق أحدهما) أی : للآخر (وقوله : وأخذ) أی : وادعاء أخذ الثانی من الأول (قوله : بأن یعلم) بیان لسبب علم أن الثانی أخذ من الأول (قوله : وإلا فلا یحکم) أی : وإن لم یعلم أخذ الثانی من الأول بأن علم العدم أو جهل الحال بشیء من ذلک أی : من سبق أحدهما واتباع الآخر ولا بما یترتب علی ذلک من القبول أو الرد ، وأشار الشارح بقوله وإلا فلا یحکم بشیء إلی أن قول المصنف لجواز إلخ : علة لمحذوف (قوله : لجواز أن یکون الاتفاق) أی : اتفاق القائل الأول والقائل الثانی (قوله : أو فی المعنی وحده) أی : کلّا أو بعضا (قوله : أی مجیئه) الضمیر للخاطر المفهوم من الخواطر أی : مجیء الخاطر علی سبیل الاتفاق (وقوله : من غیر قصد إلی الأخذ) تفسیر لما قبله ، والمراد من غیر قصد من القائل الثانی للأخذ من القائل الأول ، یعنی أنه یجوز أن یکون اتفاق القائلین بسبب ورود خاطر هو ذلک اللفظ وذلک المعنی علی قلب الثانی

ص: 258

کما یحکی عن ابن میّادة أنه أنشد لنفسه :

مفید ومتلاف إذا ما أتیته

تهلّل واهتزّ اهتزاز المهنّد (1)

فقیل له : أین یذهب بک هذا للحطیئة؟ فقال : الآن علمت أنی شاعر إذ وافقته علی قوله ولم أسمعه (فإذا لم یعلم) أن الثانی أخذ من الأول (قیل : قال فلان کذا وقد سبقه إلیه فقال کذا) لیغتنم بذلک فضیلة الصدق ویسلم من دعوی علم الغیب ...

******

ولسانه کما ورد علی الأول من غیر سبق الشعور بالأول حتی یقصد الأخذ منه (قوله : میادة) بفتح المیم وتشدید الیاء اسم امرأة أمة سوداء وهی أم الشاعر فهو ممنوع من الصرف للعلمیة والتأنیث (قوله : أنه أنشد لنفسه) أی : أنه أنشد بیتا ونسبه لنفسه (قوله : مفید ومتلاف) أی هذا الممدوح یفید الأموال للناس أی : یعطیها لهم ویتلفها علی نفسه (قوله : ذا ما أتیته تهلّل إلخ) التهلل : طلاقة الوجه ، والاهتزاز : التحرک ، والمهند : السیف المصنوع من حدید الهند أی : إذا أتیت هذا الممدوح تهلل أی : تنور وجهه فرحا بسؤالک إیاه لما جبل علیه من الکرم واهتز بإرادة العطاء اهتزازا کاهتزاز السیف المهند فی البریق والإشراق (قوله : أین یذهب بک) کلام یقال للمخطئ الضال تنبیها له علی الصواب أی : إنک قد ضلت فی ادعائک لنفسک ما هو لغیرک أین تذهب بنفسک أی : أنت ضالّ لا سبیل لک وإلی الخروج ما دمت علی ما أنت علیه (قوله : هذا للحطیئة) الحطیئة : اسم لشاعر معلوم سمّی بذلک لقصره ، وقیل : لدمامته (قوله : إذ وافقته علی قوله) أی : والحال أنه سلم له أنه شاعر (قوله : قیل) أی : فی حکایة ما وقع من المتأخر بعد المتقدم (قوله : قال فلان کذا) أی : من بیت أو قصیدة (قوله : وقد سبقه إلیه) أی : إلی ذلک القول فلان فقال کذا أی : سواء کان مخالفا للثانی باعتبار ما أو لا وإنما قلنا أو قصیدة لجواز توارد الخواطر فی معنی القصیدة مثلا ، بل وفی لفظها ؛ لأن الخالق علی لسان الأول هو الخالق علی لسان الثانی (قوله : لیغتنم إلخ) علّة لمحذوف أی : فإذا لم یعلم

ص: 259

ونسبة النقص إلی الغیر (ومما یتصل بهذا) أی بالقول فی السرقات (القول فی الاقتباس والتضمین والعقد والحل والتلمیح) بتقدیم اللام علی المیم من لمحه إذا أبصره ، وذلک لأن فی کل منها أخذ شیء من الآخر.

لا علی أنه منه) أی لا علی طریقة أن ذلک الشیء من القرآن أو الحدیث یعنی علی وجه لا یکون فیه إشعار بأنه منه کما یقال فی أثناء الکلام : قال الله تعالی کذا وقال النبی صلی الله علیه وسلم کذا ونحو ذلک فإنه لا یکون اقتباسا ومثل للاقتباس بأربعة أمثلة ؛ لأنه إما من القرآن أو الحدیث وکل منهما إما فی النثر أو فی النظم فالأول (کقول الحریری فلم یکن إلا کلمح البصر أو هو أقرب حتی أنشد فأغرب و) الثانی مثل (قول الآخر ...

******

(قوله : لا علی أنه منه) أی : بشرط أن یکون المأتی به علی أنه من کلام المضمن بکسر المیم ، لا علی أنه من القرآن أو الحدیث (فقوله : شیئا من القرآن إلخ) أی : 8 کلاما یشبه القرآن أو الحدیث فلیس المضمن نفس القرآن أو الحدیث لما سیأتی أنه یجوز فی اللفظ المقتبس تغییر بعضه ویجوز نقله عن معناه الوارد فیه فلو کان المضمن هو القرآن حقیقة کان نقله عن معناه کفرا وکذلک تغییره. ا ه سیرامی.

(قوله : یعنی إلخ) أتی بالعنایة إشارة إلی أن النفی لیس منصبا علی المقید وهو الوجه والطریقة ، بل علی القید وهو کونه من القرآن أو الحدیث ، ففسر الشارح المتن أولا علی ظاهره ، ثم أشار لبیان المراد منه (قوله : کما یقال إلخ) مثال للمنفی أی : الإتیان بشیء من القرآن أو الحدیث علی وجه فیه إشعار بأنه منه (قوله : ونحو ذلک) مثل وفی الحدیث أو وفی التنزیل کذا (قوله : فإنه لا یکون اقتباسا) أی : لأن هذا لیس من التضمین فی شیء لسهولة التناول فلا یفتقر إلی نسج الکلام نسجا یظهر منه أنه شیء آخر فیعد مما یستحسن فیلحق بالبدیع (قوله : فالأول) أی : وهو الاقتباس من القرآن فی النثر (قوله : فلم یکن إلا کلمح البصر إلخ) أی : لم یکن من الزمان إلا کلمح البصر أی : لم یکن من الزمان إلا مثل ما ذکر فی القلّة والیسارة ، فأنشد فیه أبو زید السروجی وأغرب أی : أتی بشیء غریب بدیع ، وهذا کنایة عن سرعة الإسناد الغریب وحتی فی قوله : حتی أنشد بمعنی الفاء ، فقد اقتبس الحریری هذا من قوله تعالی : (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا کَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ)(1) وظاهر أنه أتی به لا علی أنه من القرآن (قوله : والثانی)

ص: 261

إن کنت أزمعت) أی عزمت (علی هجرنا ، من غیر ما جرم فصبر جمیل وإن تبدّلت بنا غیرنا ، فحسبنا الله ونعم الوکیل. و) الثالث مثل (قول الحریری : قلنا : شاهت الوجوه) أی قبحت وهو لفظ الحدیث علی ما روی أنه لما اشتدت الحرب یوم حنین أخذ النبی صلی الله علیه وسلم کفّا من الحصباء فرمی به وجوه المشرکین وقال" شاهت الوجوه" (1) (قبح) علی المبنی للمفعول أی لعن من قبحه الله بالفتح أی أبعده عن الخیر (اللکع) أی اللئیم (ومن یرجوه و) الرابع مثل (قول ابن عباد : قال) أی الحبیب (لی إن رقیبی ، ...

******

أی : وهو الاقتباس من القرآن فی النظم (قوله : إن کنت أزمعت) بکسر التاء خطابا لمؤنث کما هو الروایة (قوله : أی : عزمت) أشار إلی أن الإزماع هو العزم ، یقال أزمع علی الشیء : عزم علیه (قوله : من غیر ما جرم) ما زائدة أی : من غیر جرم أی : من غیر ذنب صدر منا (قوله : (فَصَبْرٌ جَمِیلٌ)) أی : فأمرنا معک صبر جمیل اقتبس هذا من قوله تعالی حکایة عن یعقوب : (بَلْ سَوَّلَتْ لَکُمْ أَنْفُسُکُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِیلٌ)(2) وهو الذی لا شکوی فیه (قوله : وإن تبدلت بنا غیرنا) أی : وإن اتخذت غیرنا بدلا منّا فی الصحبة (قوله : فحسبنا الله) أی : فیکفینا الله فی الإعانة علی هذه الشدة التی هی قطعک حبل وصالنا (قوله : ونعم الوکیل) أی : المفوض إلیه فی الشدائد اقتبس هذا من قوله تعالی : (وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَکِیلُ. فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ)(3) (قوله : والثالث) أی : وهو الاقتباس من الحدیث فی النثر (قوله : وهو) أی : شاهت الوجوه لفظ الحدیث (قوله : وقال : شاهت الوجوه) أی : قبحت وتغیرت بانکسارها وانهزامها وعودها بالخیبة فلما فعل ذلک انهزم المشرکون (قوله : وقبح) بضم القاف وکسر الباء مخففة علی وزن ضرب (قوله : أی لعن) بمعنی أبعد عن الخیر (قوله : من قبحه الله بالفتح) أی : بفتح القاف والباء مع تخفیفها وبابه نفع ینفع (قوله : والرابع) أی : وهو اقتباس الحدیث فی النظم (قوله : (4) إن رقیبی) الرقیب : الحافظ والحارس (قوله : فداره) أی : لئلا یمنعنی

ص: 262

سیّئ الخلق فداره) من المداراة وهی الملاطفة والمخاتلة وضمیر المفعول للرقیب (قلت : دعنی وجهک الجنة حفّت بالمکاره) اقتباسا من قوله علیه السلام (حفّت الجنة بالمکاره وحفّت النار بالشهوات (1)) أی أحیطت یعنی لا بد لطالب جنة وجهک من تحمل مکاره الرقیب کما أنه لا بد لطالب الجنة من مشاق التکالیف.

(وهو) أی الاقتباس (ضربان) أحدهما (ما لم ینقل فی المقتبس عن معناه الأصلی کما تقدم) من الأمثلة (و) الثانی (خلافه) أی ما نقل فیه المقتبس عن معناه الأصلی ...

******

عنک (وقوله : سیّئ الخلق) أی : قبیح الطبع غلیظه (والمخاتلة) بالخاء المعجمة والتاء المثناة فوق أی : المخادعة وفی بعض النسخ والمحایلة بالحاء المهملة والیاء التحتیة وهی المخادعة أیضا والتحیل (قوله : وضمیر المفعول) أی : وهو الهاء فی داره (قوله : دعنی) أی : اترکنی من الأمر بمداراة الرقیب وملاطفته (قوله : وجهک) مبتدأ خبره الجنة ، وما بعدها حال منها بإضمار قد والمعنی علی التشبیه (قوله : أی أحیطت) أی : کل منهما بما ذکر فلا یتوصل لکل منهما إلا بارتکاب ذلک ، بمعنی أنه لا یوصل للجنة حتی یرتکب مشاق المجاهدة والتکالیف والنار تجلب إلیها الشهوات فصارت لکونها توصل إلیها بسبب حملها علی المعصیة کالشیء المحیط بغیره فلا یوصل إلیه إلا منه (قوله : لطالب جنة وجهک) من إضافة المشبه به للمشبه (قوله : من تحمل مکاره الرقیب) ولا ینفع فیه مداراته ولا ملاطفته (قوله : وهو ضربان) أی : الاقتباس من حیث هو ضربان (قوله : ما لم ینقل فیه المقتبس عن معناه الأصلی) أی : بل أرید به فی کلام المقتبس بکسر الباء معناه الأصلی المفهوم منه بعینه (قوله : عن معناه الأصلی) المراد به المفهوم منه وإن کان الماصدق مختلفا فما صدقه فی القرآن والحدیث غیره فی هذا الکلام الواقع من هذا الشاعر مثلا والمفهوم واحد ، فحینئذ یکون الاستعمال حقیقة ؛ لأنه مستعمل فی مفهومه وإن اختلف الماصدق بخلاف ما إذا نقل فإنه یکون مجازا (قوله : کما تقدم من الأمثلة) أی : فإن قوله : کلمح البصر أو هو أقرب أرید به ذلک المقدار من الزمان کما

ص: 263

(کقول ابن الرومی :

لئن أخطأت فی مدحک

ما أخطأت فی منعی

لقد أنزلت حاجاتی

بواد غیر ذی زرع

هذا مقتبس من قوله تعالی (رَبَّنا إِنِّی أَسْکَنْتُ مِنْ ذُرِّیَّتِی بِوادٍ غَیْرِ ذِی زَرْعٍ عِنْدَ بَیْتِکَ الْمُحَرَّمِ)(1) لکن معناه فی القرآن واد لا ماء فیه ولا نبات وقد نقلها ابن الرومی إلی جناب لا خیر فیه ولا نفع ...

******

أرید به فی الأصل ، وقوله : فصبر جمیل علی معناه ، وکذا حسبنا الله ونعم الوکیل ، وشاهت الوجوه أرید به قبح الوجوه وتغیرها کما أرید به فی الأصل ، وکذا حفّت الجنة بالمکاره ، فإن المفهوم فی الأصل والفرع واحد وإن کان المراد بمصدوق الفرع خلاف الأصل ؛ لأن الاختلاف فی المصدوق لا عبرة به.

(قوله : کقول ابن الرومی) أی : من بحر الهزج وهو مفاعیلن مفاعیلن أربع مرات (قوله (2) لئن أخطأت إلخ) أی : والله إن کنت أخطأت فی مدحک لکونک لا تستحق المدح ما أخطأت فی منعی لکونی أستحق المنع لأنی مدحت من لا یستحق المدح وقبل البیتین :

ألا قل للّذی لم یه

ده الله إلی نفع

لسانی فیک محتاج

إلی التخلیع والقطع

وأنیابی وأضراسی

إلی التّکسیر والقلع

(قوله : واد لا ماء فیه ولا نبات) أی : وهو أرض مکة المشرفة (قوله : وقد نقله ابن الرومی) أی : علی وجه المجاز المرسل أو الاستعارة. قال الیعقوبی : لا یقال وجهک الجنة حفّت بالمکاره نقل إلی جنة هی الوجه ، وإلی حفوف بالمکاره التی هی مشاق الرقیب ، والأصل الجنة الحقیقیة والمکاره التی هی التکالیف ، فکیف یعد مما لم ینقل ؛ لأنا نقول لا تجوز هنا ؛ لأن الوجه شبه بالجنة والمکاره أرید بها مصدوقها ؛ لأنه أرید بها مشاق

ص: 264

(ولا بأس بتغییر یسیر) فی اللفظ المقتبس (للوزن أو غیره کقوله) أی کقول بعض المغاربة (1) (قد کان) أی وقع (ما خفت أن یکونا ، إنّا إلی الله راجعونا) وفی القرآن (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَیْهِ راجِعُونَ).

بیتا کان أو ما فوقه أو مصراعا أو ما دونه (مع التنبیه علیه) أی علی أنه من شعر الغیر (إن لم یکن ذلک مشهورا عند البلغاء) وبهذا یتمیز عن الأخذ والسرقة (کقوله) أی کقول الحریری یحکی ما قاله الغلام الذی عرضه أبو زید للبیع :

علی أنّی سأنشد عند بیعی

أضاعونی وأیّ فتی أضاعوا (1)

******

الغیر ، وخرج النثر بقوله : أن یضمن الشعر فلا یجری فیه التضمین ، وإنما اختص التضمین بالشعر ؛ لأن ضم کلام الغیر فی الشعر علی وجه یوافق المضموم إلیه مما یستبدع ، إذ لیس بسهل التناول ولذا عد فی المحسنات بخلاف ضم کلام الغیر فی النثر ، فإنه لا استبداع فیه ، وخرج بقوله : شیئا من شعر الغیر ما إذا ضمن الشعر شیئا من نثر الغیر فلا یسمی تضمینا ، بل عقدا کما یأتی ، وکان الأولی إبدال قوله من شعر الغیر بقوله من شعر آخر لیشمل ما إذا ضمن الشاعر شعره شیئا من شعر نفسه من قصیدة أخری مثلا ، ولکن لقلة التضمین علی هذا الوجه لم یعتبره المصنف (قوله : بیتا کان إلخ) وهذه الأربعة إما مع التنبیه أو عدمه إن کان مشهورا ، فالأقسام ثمانیة مثل المصنف لقسم منها وهو تضمین المصراع مع التنبیه بقوله سأنشد إلخ ، ومثل الشارح لقسم ثان منها وهو تضمین المصراع بدون تنبیه وترک أمثلة الباقی (قوله : إن لم یکن ذلک مشهورا عند البلغاء) أی : إن لم یکن ذلک الشعر المضمن مشهورا عند البلغاء نسبته لصاحبه وإلا فلا یحتاج للتنبیه علیه (قوله : وبهذا یتمیز) أی : بهذا القید أعنی اشتراط التنبیه علیه إذا کان غیر مشهور یتمیز التضمین عن الأخذ والسرقة ؛ وذلک لأن السرقة وإن کان فیها تضمین شعر أیضا إلا أن السارق یبذل الجهد فی إظهار کونه له والمضمن یأتی به منسوجا مع شعره مظهرا أنه لغیره وإنما ضمه إلیه لیظهر الحذق وکیفیة الإدخال للمناسبة (قوله : کقوله إلخ) هذا مثال لتضمین المصراع مع التنبیه علی أنه لغیره ، فإن قوله : سأنشد نبه به علی أن المصراع الثانی لغیره وهو قوله أضاعونی إلخ (قوله : الذی عرضه) فی المختار عرض الجاریة للبیع بابه ضرب (قوله : عند بیعی) فی بعض النسخ یوم بیعی (قوله : أضاعونی إلخ)

ص: 266

المصراع الثانی للعرجیّ وتمامه : لیوم کریهة وسداد ثغر (1) ، اللام لام التوقیت ، والکریهة من أسماء الحرب ، وسداد الثغر - بکسر السین - سده بالخیل ، والرجال والثغر موضع المخافة من فروج البلدان ، أی : أضاعونی فی وقت الحرب وزمان سد الثغر ولم یراعوا حقی أحوج ما کانوا إلیّ وأی فتی کاملا من الفتیان أضاعوا ، ...

******

مفعول أنشد (قوله : للعرجیّ) بسکون الراء وهو عبد الله ابن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان - رضی الله عنه - نسبة للعرج موضع بطریق مکة (قوله : وتمامه) أی : تمام المصراع الثانی ، فالأصل هکذا :

أضاعونی وأیّ فتی أضاعوا

لیوم کریهة وسداد ثغر

وبعده :

کأنّی لم أکن فیهم وسیطا

ولم تک نسبتی فی آل عمرو (2)

وهذه الأبیات من قصیدة قالها العرجیّ حین حبس فی شأن قتیل قتله ، ثم إن الغلام الذی عرضه أبو زید السروجی للبیع وهو ولده أخبر عند عرضه للبیع بأنه یوم البیع ینشد ما ذکر ، وضمن شعره الذی أنشده عند بیعه المصراع الأول من البیت الأول من کلام العرجی ، ونبه بقوله سأنشد علی أن المصراع الثانی لغیره ، والحریری حکی ما قاله ذلک الغلام (قوله : والکریهة من أسماء الحرب) أی : لأنها تستکره عند اشتدادها (قوله : بکسر السین) أی : وإما بفتحها فهو الخلاص من الدّین بفتح الدال (قوله : أی أضاعونی فی وقت الحرب إلخ) أشار الشارح إلی أن اللام فی قوله لیوم کریهة بمعنی فی وأنها متعلقة بأضاعونی (قوله : ولم یراعوا حقی أحوج ما کانوا إلیّ) أی : ولم یراعوا حقی حال کونهم أشد احتیاجا إلیّ مدة کونهم أی : وجودهم وأحوج حال من الواو فی یراعوا ، وما : مصدریة ظرفیة ، وکان : تامة ، وإلیّ : متعلق بأحوج (قوله : وأیّ فتی) مفعول لأضاعوا

ص: 267

وفیه تندیم وتخطئة لهم وتضمین المصراع بدون التنبیه لشهرته کقول الشاعر :

قد قلت لما أطلعت وجناته

حول الشّقیق الغضّ روضة آس

أعذاره الساری العجول ترفّقا

ما فی وقوفک ساعة من باس

******

مقدم علیه ، وأشار الشارح بقوله أی : کاملا إلی أن أی : فی البیت استفاهمیة أرید به التعظیم والکمال کما تقول عندی غلام وأی : غلام أی : هو أکمل الغلمان وإن المراد بأی فتی نفسه لا علی التعمیم. هذا ، ویصح تعلق قوله لیوم کریهة بما یفیده أی من الکمال أی : أضاعونی وأنا أکمل الفتیان فی وقت الکریهة وفی وقت الحاجة لسداد الثغر ، إذ لا یوجد من الفتیان من هو مثلی فی تلک الشدائد ، وعلی هذا یکون زمان الإضاعة غیر زمان الکریهة وسداد الثغر بخلافه علی الاحتمال الأول (قوله : وفیه تندیم وتخطئة) أی : وفی الکلام تندیم للمضیعین وتخطئة لهم من حیث إنهم أضاعوا وباعوا من لا غنی عنه لکونه کاملا فی الفتوة (قوله : وتضمین إلخ) هذا استئناف کلام وهو مبتدأ ، (وقوله : کقول الشاعر) خبر (قوله : (1) لما أطلعت) أی : أبدت وأظهرت (وقوله : وجناته) فاعل أطلعت ، والوجنات : جمع وجنة وهی : ما ارتفع من الخدین (قوله : حول الشقیق) أی : حول الخد المشبه للشقیق وهو فی الأصل ورد أحمر استعاره الشاعر للخد الأحمر (قوله : الغض) أی : الطریّ اللین (قوله : روضة آس) مفعول أطلعت ، والروضة منبت الأشجار والآس الریحان أی : لما أظهرت وجناته شیئا أخضر کالآس والمراد به شعر العذار ؛ لأن الشعر فی حال نباته یمیل للخضرة (قوله : أعذاره) الهمزة للنداء والعذار هو ما یوجد من الشعر علی الخد ، والساری فی الأصل : الماشی باللیل وهو بالنصب صفة لعذار إلا أنه سکنه للضرورة ، وإنما نادی عذار ؛ لأنه هو المشغوف به فاستغنی بندائه عن نداء صاحبه ؛ لأنه هو الآخذ بزمام قلب المنادی ، ووصفه بأنه الساری ؛ لأنه مشتمل علی سواد کسواد اللیل فکأنه سار باللیل وبالعجول ؛ لأن فیه تظهر عجلة المسرع (قوله : ترفقا) أمر من ترفق وأصله ترفقن مؤکد بالنون الخفیفة قلبت ألفا لوقوعها فی

ص: 268

المصراع الأخیر لأبی تمام (وأحسنه) أی أحسن التضمین (ما زاد علی الأصل) أی شعر الشاعر الأزل (بنکتة) لا توجد فیه (کالتوریة) أی الإیهام (والتشبیه فی قوله : إذا الوهم أبدی) أی أظهر (لی لماها) أی سمرة شفتیها ...

******

الوقف بعد فتح فهو حینئذ بفتح الفاء وبالألف بعد القاف وذکر بعضهم أن ترفقا مصدر منصوب بفعل مقدر أی : ترفق بمعنی ارفق فعلی هذا یقرأ بضم الفاء منونا (قوله : المصراع الأخیر لأبی تمام) أی : وهو صدر بیت له وتمام ذلک البیت : تقضی حقوق الأربع الأدراس (تنبیه) سکت المصنف والشارح عن مثال تضمین البیت مع التنبیه علی أنه من شعر الغیر ومع عدم التنبیه اتّکالا علی الشهرة ، ومثال الأول قول بعضهم :

إذا ضاق صدری وخفت العدا

تمثلت بیتا بحالی یلیق

فبالله أبلغ ما أرتجی

وبالله أدفع ما لا أطیق (1)

فقوله تمثلت إلخ : إشارة إلی أن البیت الآتی من شعر غیره ، ومثال الثانی قول بعضهم :

کانت بلهنیة الشبیبة سکرة

فصحوت واستبدلت سیرة مجمل

وقعدت أنتظر الفناء کراکب

عرف المحلّ فبات دون المنزل (2)

البیت الثانی لمسلم بن الولید الأنصاری (قوله : ما زاد علی الأصل بنکتة) أی : بأن یشتمل البیت أو المصراع المتضمن فی شعر الشاعر الثانی علی لطیفة لم توجد فی شعر الشاعر الأول (قوله : بنکتة لا توجد فیه) بهذا یعلم أن منشأ الحسن کون المزید لنکتة ، وإلا فالزیادة علی المضمن لا بد منها فلم یتحرز بمطلق الزیادة عن شیء وإنما احترز بکونها لنکتة زائدة عما إذا کانت الزیادة لغیر ذلک. ا ه یعقوبی.

(قوله : کالتوریة) قد تقدم أنها ذکر لفظ له معنیان قریب وبعید ، ویراد البعید لقرینة (قوله : فی قوله) أی : الموجودین فی قوله : إذا الوهم إلخ ، فإن البیت الأول فیه تضمین مشتمل علی التوریة ، والثانی فیه تضمین مشتمل علی التشبیه (قوله (3) إذا الوهم إلخ)

ص: 269

(وثغرها ، تذکّرت ما بین العذیب وبارق. ویذکرنی) من الإذکار (من قدّها ومدامعی ، مجرّ عوالینا ومجری السوابق) انتصب مجر علی أنه مفعول ثان لیذکرنی وفاعله ضمیر یعود إلی الوهم وقوله

تذکرت ما بین العذیب وبارق

مجرّ عوالینا ومجری السوابق (1)

مطلع قصیدة لأبی الطیب والعذیب وبارق موضعان وما بین ظرف للتذکر أو للمجر والمجری اتساعا فی تقدیم الظرف ...

******

المراد إذا تخیلت لماها وثغرها (قوله : وثغرها) أراد به أسنانها (وقوله : تذکرت) جواب إذا (وقوله : ما بین العذیب وبارق) لفّ ونشر مرتب ، إذ مراده بالعذیب شفتها وبالبارق أسنانها وبما بینهما ما یضیء من ریقها (قوله : من الإذکار) بقطع الهمزة وسکون الذال المعجمة الذی فعله رباعی وهو أذکر لا ثلاثی وهو ذکر وقوله من الإذکار أی : لا من الادّکار الذی هو الاتّعاظ (قوله : من قدّها) متعلق بیذکرنی ومن للابتداء أی : من تبختر قدها وتمایله (وقوله : ومدامعی) أی : ومن جریان مدامعی بدلیل ما یأتی فی الشرح (وقوله : مجرّ عوالینا) أی : جر رماحنا العالیة راجع لتبختر قدها أی : تمایله (وقوله : ومجری السوابق) أی : وجری الخیل السوابق راجع لجریان مدامعه ، والمعنی أن الوهم یذکره من تبختر قدها جر الرماح وتمایلها للمشابهة بینهما ویذکره من جریان مدامعه جریان الخیل السوابق للمشابهة بینهما (قوله : علی أنه مفعول ثان لیذکرنی) أی : ومفعوله الأول یاء المتکلم.

(قوله : مطلع القصیدة) أی : أولها فالشاعر الثانی أخذ الشطر الأول وجعله شطرا ثانیا وأخذ الشطر الثانی وجعله شطرا ثانیا (قوله : والعذیب وبارق موضعان) هذا شروع فی بیان مراد أبی الطیب ، ثم بین مراد المضمن بعد ذلک (وقوله : موضعان) هذا معناهما القریب المشهور ، وسیأتی معناهما البعید (قوله : ظرف للتذکر) أی : وعلی هذا فما زائدة ومجرور ما عطف علیه مفعول التذکر (وقوله : أو للمجر) أی : والمجر وما عطف علیه مفعول للتذکر ، وما زائدة (وقوله : أو ما بین مفعول) أی : علی أن ما موصولة وبین

ص: 270

علی عامله المصدر أو ما بین مفعول تذکرت ومجر بدل منه والمعنی أنهم کانوا نزولا بین هذین الموضعین وکانوا یجرون الرماح عند مطاردة الفرسان ویسابقون علی الخیل فالشاعر الثانی أراد بالعذیب تصغیر العذب یعنی شفة الحبیبة وببارق ثغرها الشبیه بالبرق وبما بینهما ریقها وهذا توریة ، وشبه تبختر قدها بتمایل الرمح وتتابع دموعه بجریان الخیل السوابق.

(ولا یضر) فی التضمین (التغییر الیسیر) ...

******

صلتها ، والحاصل أن ما فی قوله ما بین العذیب یصح أن تکون موصولة مفعولا لتذکرت وصلتها الظرف بعدها أی : تذکرت الذی استقر بین العذیب وبارق ، وعلی هذا فمجر ومجری بدلان من ما الواقعة مفعولا ، وحینئذ یکون المراد بالمجر والمجری المکان أو المصدر الذی هو جر الرماح وإجراء الخیل ، ویصح أن یکون مفعول تذکرت مجرّ ومجری وبین ظرف لتذکرت أو لمجر ومجری قدم علیهما لکونه ظرفا ، وما : زائدة علی الوجهین (قوله : علی عامله المصدر) أی : لأن مجرّ معناه الجر ومجری معناه الإجراء (قوله : والمعنی) أن معنی البیت الأصلی الذی هو بیت أبی الطیب (وقوله : أنهم) أی : القائل وقومه (قوله : بین هذین الموضعین) أی : العذیب وبارق (قوله : وکانوا یجرون الرماح ویسابقون علی الخیل) الأول إشارة لمعنی قوله : مجرّ عوالینا ؛ لأن العوالی الرماح ، والثانی إشارة لمعنی قوله : ومجری السوابق (وقوله : عند مطاردة الفرسان) أی : طرد بعضهم بعضا (قوله : فالشاعر الثانی أراد إلخ) أی : فقد زاد علی أبی الطیب بهذه التوریة والتشبیه (قوله : ثغرها) أی : أسنانها (وقوله : الشبیه بالبرق) أی : فی لمعانه ولیس القصد التشبیه ، بل التوریة فقط (قوله : وهذا توریة) أی : لأن المعنی القریب للعذیب وبارق الموضوعان ، وکذلک المعنی القریب لما بینهما وهو جر الرماح والتسابق علی الخیل بین هذین الموضعین ، فذکر هذه الألفاظ الثلاثة ، وأراد من کل منها المعنی البعید هو ما ذکره الشارح بقوله : یعنی شفة الحبیبة (قوله : وشبه تبختر إلخ) أی : تشبیها ضمنیا لا صریحا ، والحاصل أن الشاعر الثانی زاد علی أبی الطیب بالتوریة فی ثلاثة مواضع وبالتشبیه الضمنی (قوله : ولا یضر فی التضمین التغییر الیسیر) وأما التغییر الکثیر فإنه یخرج به

ص: 271

لما قصد تضمینه لیدخل فی معنی الکلام کقول الشاعر فی یهودی به داء الثعلب :

أقول لمعشر غلطوا وغضّوا

عن الشیخ الرشید وأنکروه

هو ابن جلا وطلاع الثنایا

متی یضع العمامة تعرفوه

البیت لسحیم بن وثیل وهو أنا ابن جلا علی طریقة التکلم ...

******

المضمن عن التضمین ویدخل فی حد السرقة إن عرف أنه للغیر ، والفرق بین القلیل والکثیر موکول إلی عرف البلغاء (قوله : لما قصد تضمینه) متعلق بالتغییر أی : لا یضر التغییر فی الکلام الذی قصد الشاعر تضمینه وإدخاله فی کلامه (قوله : لیدخل إلخ) أی : لأجل أن ینضم لمعنی الکلام ویناسبه وهذا علّة للتغییر (قوله : فی یهودی) أی : ذمّا له بکونه أقرع (قوله : به داء الثعلب) هو مرض یسقط الشعر من الرأس وهو المسمی بالقراع.

(قوله : (1) أقول لمعشر) أی : لجماعة من الیهود غلطوا فی حق ذلک الیهودی حیث ذکروه علی وجه التلمیح بما یناسب ما کان یفتخر به علیهم ، وإلا فهم لم یغلطوا فی تبعیده واحتقاره.

(قوله : وغضوا) أی : أبصارهم عند رؤیته احتقارا به (وقوله : عن الشیخ) یعنی ذلک الیهودی ومراده بالرشید : الغوی الضالّ علی وجه التهکم (قوله : هو ابن جلا) هذا مقول القول أی : هو ابن شعر جلا الرأس منه وانکشف ، والمراد بکونه ابنا لذلک الشعر أنه ملازم له (قوله : وطلاع الثنایا) بالرفع عطفا علی ابن أی : وهو طلاع الثنایا أی : رکاب لصعاب الأمور وهی مشاق داء الثعلب ، ومشاق الذل والهوان (وقوله : متی یضع العمامة) أی : من علی رأسه تعرفوه أی : تعرفوا داءه وعیبه ولا یغرکم افتخاره (قوله : البیت) أی الثانی وهو قوله :

أنا ابن جلا وطلاع الثّنایا

متی أضع العمامة تعرفونی (2)

لسحیم ومراده الافتخار وأنه ابن رجل جلا أمره واتضح ، وأنه متی یضع العمامة للحرب وتوجه له یعرف قدره فی الحرب ونکایته بناء علی أن المراد بالعمامة ملبوس

ص: 272

فغیّره إلی طریقة الغیبة لیدخل فی المقصود.

(وربما سمّی تضمین البیت فما زاد) علی البیت (استعانة وتضمین المصراع فما دونه إیداعا) کأنه أودع شعره شیئا قلیلا من شعر الغیر (ورفوا) کأنه رفا خرق شعره بشیء من شعر الغیر.

إذا غیر تغییرا کثیرا أو أشیر إلی أنه من القرآن أو الحدیث وإن کان غیر القرآن والحدیث فنظمه عقد کیفما کان إذ لا دخل فیه للاقتباس کقوله :

ما بال من أوّله نطفة

وجیفة آخره یفخر (1)

الجملة أی ما باله مفتخرا (عقد قول علی - رضی الله عنه - ما لابن آدم

******

والحدیث إنما یکون عقدا إن نبه علی أنه من القرآن أو الحدیث أو غیر تغییرا کثیرا ، وإلا کان نظمها اقتباسا وإلی ذلک کله أشار الشارح بقوله یعنی إن کان النثر أی : الذی یراد نظمه قرآنا أو حدیثا إلخ ، فالنثر فی قول المصنف أن ینظم نثر شامل للقرآن والحدیث وغیرهما (وقوله : لا علی طریق الاقتباس) قید فی القرآن والحدیث فقط ؛ لأن الاقتباس لا یکون إلا فیهما (قوله : إذا غیر تغییرا کثیرا) لأنه لا یغتفر فی الاقتباس من التغییر إلا الیسیر کما مر ، فهذا القید یفهم من قوله : لا علی طریق الاقتباس (قوله : أو أشیر) أی : سواء کان غیر تغییرا یسیرا ، أو لم یغیر أصلا (قوله : کیفما کان) أی : سواء غیر تغییرا یسیرا أو کثیرا ، أو لم یغیر قال : قال فلان کذا أو لا.

(قوله : کقوله) أی : الشاعر وهو أبو العتاهیة من قصیدة من السریع (قوله : یفخر) بفتح الخاء ؛ لأنه من باب نفع وقبل البیت :

عجبت للإنسان فی فخره

وهو غدا فی قبره یقبر

وبعد البیت :

أصبح لا یملک تقدیم ما

یرجو ولا تأخیر ما یحذر

وأصبح الأمر إلی غیره

فی کلّ ما یقضی وما یقدر

(قوله : الجملة حال) أی : جملة یفخر حال من من ، وصح مجیء الحال من المضاف إلیه لصلاحیة المضاف للسقوط ، والعامل ما تضمنه ما ، والتقدیر أسأل عمن أول نطفة فی حال کونه مفتخرا (قوله : عقد قول علی إلخ) أی : فهو عقد لما لیس بقرآن ولا حدیث ، بل عقد لحکمة ومثال عقد القرآن قول بعضهم :

ص: 274

والفخر إنما أوله نطفة وآخره جیفة).

(کقول بعض المغاربة : فإنه لما قبحت فعلاته وحنظلت نخلاته) أی صارت ثمار نخلاته کالحنظل فی المرارة (لم یزل سوء الظنّ یقتاده) أی یقوده إلی تخیلات فاسدة وتوهمات باطلة (ویصدق) هو (توهّمه الذی یعتاده) من الاعتیاد ...

******

أشار الشارح إلی أن شرط کون الحل مقبولا أمران : - أحدهما راجع للفظ ، والآخر للمعنی ، الأول : أن یکون سبک ذلک النثر مختارا أی : أن یکون ترکیبه حسنا بحیث لا یقصر فی الحسن عن سبک النظم وذلک بأن یشتمل علی ما ینبغی مراعاته فی النثر بأن یکون کهیئة النظم لکونه مسجعا ذا قرائن مستحسنة فلو لم یکن النثر کذلک لم یقبل کما لو قیل فی حل البیت الآتی : إن الإنسان لا یظن بالناس الأمثل فعله ونحو ذلک ، والآخر أن یکون ذلک النثر حسن الوقوع غیر قلق ، وذلک بأن یکون مطابقا لما تجب مراعاته فی البلاغة مستقرّا فی مکانه الذی یجب أن یستعمل فیه ، فلو کان قلقا لعدم مطابقته أی : مضطربا لعدم موافقته لمحله لم یقبل ولیس من شرطه أن یستعمل فی نفس معناه ، بل لو نقله من هجو لمدح مثلا مع کونه مطابقا قبل (قوله : بعض المغاربة) جمع مغربیّ ، فالتاء فی الجمع عوض عن یاء النسبة التی فی المفرد (وقوله : کقول بعض المغاربة) أی : فی وصف شخص یسیء الظن بالناس لقیاسه غیره علی نفسه (قوله : فعلاته) أی : أفعاله (قوله : وحنظلت نخلاته) أی : ثمار نخلاته فهو علی حذف مضاف والمراد بأثمار نخلاته نتائج أفکاره ، کما أن المراد بالنخلات الأفکار ، والمراد بحنظلة النتائج : قبحها أو هذه الجملة أعنی قوله : وحنظلت نخلاته تمثیلیة ، فقد شبه حال من تبدلت أوصافه الحسنة بغایة ما یستقبح من الأوصاف بحال من له نخلات تثمر الحلو ، ثم انقلبت تثمر مرّا فی کون کلّ منهما فیه تبدل ما یستلمح بما یستقبح ، واستعمل الکلام الدال علی الحالة الثانیة فی الحالة الأولی علی طریق الاستعارة التمثیلیة (قوله : لم یزل سوء الظن یقتاده) أی : أنه لما کان قبیحا فی نفسه ، وقاس الناس علیه ظانّا بهم کل قبیح صار سوء الظن یقوده إلی ما لا حاصل له فی الخارج من التخیلات الفاسدة والتوهمات الباطلة (قوله : ویصدق توهمه) حال من مفعول یقتاده أی : لم یزل سوء الظن یقوده فی حال کونه مصدقا لتوهمه الذی یعتاده أی : یعاوده ویراجعه ، فیعمل علی مقتضی توهمه

ص: 276

(حل قول أبی الطیب : (1)

إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه

وصدّق ما یعتاده من توهّم)

یشکو سیف الدولة واستماعه لقول أعدائه.

وأما التملیح بتقدیم المیم بمعنی الإتیان بالشیء الملیح کما فی التشبیه والاستعارة فهو هاهنا غلط محض وإن أخذ مذهبا (فهو أن یشار) فی فحوی الکلام (إلی قصة أو شعر) أو مثل سائر (من غیر ذکر) أی ذکر واحد من القصة أو الشعر وکذا المثل فالتلمیح إما فی النظم أو فی النثر والمشار إلیه فی کلّ منهما إما أن یکون قصة أو شعرا أو مثلا تصیر ستة أقسام والمذکور فی الکتاب مثال التلمیح فی النظم إلی القصة والشعر ...

******

ومراعاة له (قوله : فهو هاهنا غلط محض) أی : نشأ من توهم اتحاد الأعم بالأخص ؛ لأن الإتیان بالشیء الملیح أعم من التلمیح الذی هو النظر إلی شعر أو قصة أو مثل (قوله : وإن أخذ مذهبا) أی : وإن جعل ذلک مذهبا للشارح العلّامة حیث سوّی بین التلمیح والتملیح وفسّرهما بما قاله المصنف (قوله : أن یشار فی فحوی الکلام) أی : فی أثنائه کذا قرر بعض الأشیاخ ، وقرر بعضهم أن فی بمعنی الباء أی : أن یشار بفحوی الکلام أی بقوته وقرائنه المشتمل علیها (قوله : أو مثل سائر) أی شائع بین الناس وزاد الشارح المثل علی المتن إشارة إلی أن فیه قصورا وأنه لا مفهوم للقصة والشعر ، بل فی الأطول أن من التلمیح الإشارة إلی حدیث أو آیة کما یقال فی وصف الأصحاب - رضی الله عنهم - والصلاة علی الأصحاب الذین هم نجوم الاقتداء والاهتداء فإن فیه تلمیحا لقوله صلی الله علیه وسلم : (أصحابی کالنجوم بأیّهم اقتدیتم اهتدیتم) (1) وکقول الشاعر :

نحن بما عندنا وأنت بما

عندک راض والرأی مختلف

فإن فیه تلمیحا لقوله تعالی : (لَکُمْ دِینُکُمْ وَلِیَ دِینِ)(2) (قوله : أی ذکر واحد) أشار الشارح إلی أن الضمیر لواحد ؛ لأن العطف بأو ، وحینئذ فلا یعترض علی المصنف بعدم مطابقة الضمیر لمرجعه (قوله : فالتلمیح إما فی النظم أو النثر) أی : لأن

ص: 278

(کقوله :

فو الله ما أدری أأحلام نائم

ألّمت بنا أم کان فی الرکب یوشع (1)

وصف لحوقه بالأحبة المرتحلین وطلوع شمس وجه الحبیب من جانب الخدر فی ظلمة اللیل ثم استعظم ذلک واستغرب ...

******

الکلام المشار فی فحواه للقصة وکذا ترک مثال التلمیح فی النظم للمثل (قوله : کقوله) أی : قول الشاعر وهو أبو تمام ، وقبل البیت المذکور :

لحقنا بأخراهم وقد حوّم الهوی

قلوبا عهدنا طیرها وهی وقّع

فردّت علینا الشمس واللیل راغم

بشمس لهم من جانب الخدر تطلع

نضا ضوءها صبغ الدّجنّة وانطوی

لبهجتها ثوب السماء المجزّع

فو الله ما أدری إلخ

والضمیر فی أخراهم ولهم للأحبة المرتحلین ، وإن لم یجر لهم ذکر فی اللفظ ، وحوّم الهوی قلوبا أی : جعلها دائرة حول الحبیبة ، یقال : حام الطیر علی الماء : دار حوله وحوّمه جعله یحوم وطیر القلوب ما یختلج فیها من الخواطر ووقّع جمع واقع أی : والحال أن تلک الطیور ساکنة غیر متحرکة ، والمراد بالشمس الأول الحقیقی ادعاء أی : المحبوبة المدعی أنها شمس حقیقة ، والراغم : الذلیل ، وذلة اللیل بمجیء الشمس أی : طلعت علینا شمس الحبیب قهرا عن لیل الهجر ، والباء فی قوله : بشمس : للتجرید ، فجرد من الشمس شمسا أخری ظهرت لهم من جانب الخدر أی : الهودج ونضا بمعنی أذهب والصبغ اللون والدجنة الظلمة أی : أزال ضوءها لون الظلمة والمراد بثوب السماء المجزّع النجوم وانطواؤها خفاؤها بالضوء أی : وخفیت النجوم التی هی ثوب السماء المجزّع لبهجتها ، والضمیر فی ضوءها وبهجتها للشمس الطالعة من الخدر المجزع ذو اللونین ؛ لأن لون السماء غیر لون الکواکب ، والأحلام - جمع حلم بالضم : ما یراه النائم فی النوم (قوله : وصف) أی : ذکر (وقوله : وطلوع شمس) إلخ أی : وجه الحبیب الشبیه بالشمس (قوله : ثم استعظم ذلک) أی : طلوع شمس وجه الحبیب من جانب الخدر فی اللیل حتی کأنه لا یمکن

ص: 279

وتجاهل تحیرا وتدلها وقال أهذا حلم أراه فی النوم أم کان فی الرکب یوشع النبی - علیه السلام - فردّ الشمس؟ (إشارة إلی قصة یوشع علیه السلام واستیقافه الشمس) علی ما روی من أنه قاتل الجبارین یوم الجمعة فلما أدبرت الشمس خاف أن تغیب قبل أن یفرغ منهم فیدخل السبت فلا یحل له قتالهم فیه فدعا الله فرد له الشمس حتی فرغ من قتالهم (وکقوله : لعمرو) اللام للابتداء وهو مبتدأ (مع الرّمضاء) أی الأرض الحارة التی ترمض فیها القدم أی تحترق حال من الضمیر فی أرق (والنار) مرفوع ...

******

عادة ذکر الشمس (قوله : وتجاهل إلخ) أی : فکأنه یقول خلط علیّ الأمر لما شاهدت ، فلم أدر هل أنا نائم وما رأیته حلم أم شمس الخدر أی : وجه الحبیب ألّمت بنا أی : نزلت بالرکب فعاد لیلهم نهارا أم حضر یوشع فرد الشمس؟ وعلم من هذا أن فی البیت مقدمة محذوفة وهی أم شمس الخدر (قوله : وتدلها) مرادف لما قبله (قوله : فردّ الشمس) أی : ردّها عن الغروب وأمسکها ولیس المراد أنها غابت بالفعل ، ثم ردها - کذا قیل.

(قوله : یوشع) هو ابن نون فتی موسی أی : صاحبه (قوله : واستیقافه الشمس) أی : طلبه من الله تعالی وقوفها (قوله : أدبرت) أی : کادت أن تغرب (قوله : خاف أن تغیب قبل أن یفرغ منهم) أی : من قتالهم فهی لم تغرب بالفعل لکنها قاربت الغروب ، فلما دعا الله حبست له حتی فرغ من قتالهم ، فقد حصل نوع من الظلام وظهرت الشمس فی الظلام مثل ظهور الشمس فی اللیل المظلم ، هذا محصل کلام الشارح ، وفی بعض العبارات ما یفید أن الشمس غربت بالفعل وردت له بعد غروبها ، ویدل لذلک قول ابن السبکی فی تائیته :

وردّت إلیک الشمس بعد مغیبها

کما أنّها قدما لیوشع ردّت

(قوله : فیدخل السبت) أی : فتدخل لیلته (قوله : فلا یحل له قتالهم) لأنه کان متعبدا بشریعة موسی ، ومن شریعته حرمة العمل فی یوم السبت ولیلته (قوله : فردّ له الشمس) أی : أمسکها عن الغروب (قوله : التی ترمض) یقال رمض یرمض کذهب یذهب ، وفی المختار أنه من باب طرب (قوله : حال من الضمیر فی أرق) أی : الواقع

ص: 280

معطوف علی عمرو أو مجرور معطوف علی الرمضاء (تلتظی) حال منها وما قیل إنها صلة علی حذف الموصول أی النار التی تلتظی تعسف لا حاجة إلیه (أرقّ) خبر المبتدأ من رقّ له إذا رحمه (وأحفی) من حفی علیه تلطف وتشفق (منک فی ساعة الکرب. أشار إلی البیت المشهور) وهو قوله (المستجیر) أی المستغیث (بعمرو عن کربته) الضمیر للموصول أی الذی یستغیث عند کربته بعمرو (کالمستجیر من الرمضاء بالنار) وعمرو هو جساس بن مرة وذلک لأنه لما رمی کلیبا ووقف فوق رأسه قال له کلیب : یا عمرو أغثنی بشربة ماء فأجهز علیه فقیل : المستجیر بعمرو ... البیت.

******

خبرا عن عمرو ، وفی هذا الإعراب نظر ، إذ تقدیم معمول اسم التفضیل علیه لا یجوز فی المشهور وإلا فی مثل هذا ، بسرا أطیب منه رطبا ، وزید مفردا أنفع منه معانا ، ولیس هذا الموضع منه ، فالأوجه أن یجعل قوله مع الرمضاء : صفة لعمرو ، والنار بالجر عطف علی الرمضاء أی : لعمرو المصاحب للرمضاء ، وللنار فی الذکر أی : لعمرو الذی ذکر معه الرمضاء ، والنار فی البیت الآخر وعمرو الذی ذکر معه الرمضاء والنار فی البیت الآخر هو عمرو قاتل کلیب ، فکأنه قیل لقاتل کلیب : أرقّ منک یأیها المخاطب (قوله : معطوف علی عمرو) أی : فیکون مبتدأ ثانیا وأرقّ خبرا عنهما (قوله : تلتظی) أی تتوقد (قوله : لا حاجة إلیه) أی : لإمکان ارتکاب ما هو أقرب منه (قوله : الکرب) بوزن الضرب وهو الغمّ الذی یأخذ النفس (قوله : کالمستجیر من الرمضاء بالنار) أی : کالفارّ من الأرض الرمضاء إلی النار.

(قوله : وعمرو هو جسّاس بن مرة) هذا سهو من الشارح ؛ لأن عمرا هو : عمرو بن الحارث ، وجسّاس هو : جسّاس بن مرة ، فلیس أحدهما الآخر ، ویتضح ذلک بذکر القصة التی ذکر فی شأنها البیت المذکور ، وحاصلها أن امرأة تسمّی البسوس ذهبت لزیارة أختها الهیلة وهی : أم جساس بن مرة ومعها ناقة لجار لها ، وکان کلیب من کبار تغلب وجساس المذکور من بکر بن وائل وحمی کلیب أرضا من العالیة وهی أرض الحجاز لا یرعی فیها غیر إبله إلا إبل جساس لمصاهرة بینهما ، ثم خرجت ناقة

ص: 281

فی الروضة إذا وقع فیها متتبعا لما یونقه أی یعجبه (فی ثلاثة مواضع من کلامه حتی تکون) تلک المواضع الثلاثة (أعذب لفظا) بأن تکون فی غایة البعد عن التنافر والثقل (وأحسن سبکا) بأن تکون فی غایة البعد عن التعقید والتقدیم والتأخیر الملبس ، ...

******

الکلام لیأتی به فیها (قوله : فی الروضة) هی البستان (قوله : إذا وقع فیها) أی : إذا کان حالّا فیها متتبعا أی : طالبا وناظرا لما یونقه (قوله : حتی تکون) أی : لأجل أن تکون فحتی تعلیلیة (قوله : أعذب لفظا) أی : من غیرها وهذا متعلق بالمفردات کما یدل علیه قوله بأن تکون إلخ (وقوله : وأحسن سبکا) متعلق بالمرکبات ؛ لأن التعقید لا یکون إلا فیها (قوله : بأن تکون فی غایة البعد) هذا تفسیر مراد وکذا ما بعده وإلا فعذوبة اللفظ تتناول حسن السبک وصحة المعنی وحسن السبک یتناول عذوبة اللفظ وصحة المعنی ، وکذا صحة المعنی تتناول عذوبة اللفظ وحسن السبک ، فربما یتراءی التکرار فی کلام المصنف ، فحمل الشارح کلّا من الثلاثة علی محمل ، وإنما خص أعذبیة اللفظ بالکون فی غایة البعد عن التنافر واستثقال الطبع ؛ لأن العذب الحسی یقابله حسّا ما ینافر الطبع ویثقل علیه ، فناسب تخصیصه بهذا المعنی (قوله : والثقل) عطف تفسیر أو عطف سبب علی مسبب ، وأورد علی الشارح أن الاحتراز عن التنافر والثقل من الحسن الذاتی الحاصل بعلم المعانی ، وحینئذ فتکون رعایة الحسن فی هذه المواضع الثلاثة من رعایة الحسن الذاتی ، فلا یکون هذا الحسن من البدیع ، فلا یکون هذا الفصل من الخاتمة التی هی من البدیع ، وأجیب بأن البعد عن التنافر والثقل یبحث عنه فی علم المعانی ، وغایة البعد عن ذلک یبحث عنه فی علم البدیع ، والشارح قال بأن تکون فی غایة البعد إلخ ، والغایة أمر زائد محسن وأورد علیه أنه کان علیه أن یزید الغایة فی البعد عن مخالفة القیاس ففی کلامه قصور ، وأجیب بأن الباء بمعنی الکاف کما وقع ذلک فی کلام کثیر من الأفاضل کالنووی (قوله : بأن تکون فی غایة البعد عن التعقید) أی : اللفظی.

(قوله : والتقدیم والتأخیر الملبس) هذا کنایة عن ضعف التألیف ، وعطفه علی ما قبله من عطف السبب علی المسبب ؛ لأن ضعف التألیف سبب فی التعقید اللفظی

ص: 283

وأن تکون الألفاظ متقاربة فی الجزالة والمتانة والرقّة والسلاسة وتکون المعانی مناسبة لألفاظها من غیر أن یکتسی اللفظ الشریف المعنی السخیف أو علی العکس بل یصاغان صیاغة تناسب وتلاؤم (وأصح معنی) بأن یسلم من التناقض والامتناع والابتذال ...

******

(وقوله : الملبس) صفة للتقدیم والتأخیر ؛ لأنهما شیء واحد (قوله : وأن تکون الألفاظ إلخ) إنما ظهر فی محل الإضمار وعبّر بالألفاظ دون المواضع ؛ لأنه لو أضمر لعاد الضمیر علی المواضع الثلاثة فیفید الکلام اشتراط تقاربها بعضها من بعض ولیس مرادا ، بل المراد تقارب ألفاظ کل منها ، تأمل (قوله : متقاربة) أی : متشابهة (قوله : فی الجزالة) هی ضد الرکاکة (قوله : والمتانة) أی القوة وهو تفسیر لما قبله (قوله : والرقّة) هی ضد الغلظ (قوله : والسلاسة) أی : السهولة وهو تفسیر أیضا لما قبله (قوله : من غیر أن یکتسی إلخ) تفسیر لما قبله ولو قال : بأن لا یکتسی إلخ لکان أوضح (قوله : اللفظ الشریف) أی لاشتماله علی المحسّنات البدیعیة (قوله : المعنی السخیف) أی : الذی لا فائدة فیه للسامع لعدم مطابقته للحال (قوله : أو علی العکس) الأولی حذف علی أی : یکتسی اللفظ السخیف المعنی الشریف (قوله : بل یصاغان صیاغة تناسب وتلاؤم) بأن یکون کل من اللفظ والمعنی شریفا ، وشرف اللفظ باشتماله علی المحسنات ، وشرف المعنی بمطابقته للحال ، وحاصل هذه الجملة المفسر بها حسن السبک أن یکون اللفظ لا شیء فیه یخل بالفصاحة ولا ابتذال فیه مطابقا لما یقتضیه الحال خالیا معناه عن التعقید ؛ وذلک لأن جزالة اللفظ ورقته وسلاسته ترجع لنفی ابتذاله وتنافره وکون المعنی شریفا واللفظ شریفا یرجعان للمطابقة مع السلامة مما یحل بالفصاحة (قوله : وأصح معنی) أی : أزید فی صحة المعنی فبرعایة الزیادة المذکورة کان من هذا الباب وإلا فصحة المعنی لا بد منها فی کل شیء (قوله : بأن یسلم) أی : المعنی من التناقض وزیادة صحة المعنی تحصل بسلامة المعنی من التناقض أی : من إیهام التناقض وإلا فالسلامة من التناقض واجب لا مستحسن ، وکذا یقال فیما بعد (قوله : والامتناع) أی : والسلامة من الامتناع أی : البطلان بأن یکون المعنی باطلا ، وهذا لازم لما قبله (قوله : والابتذال) أی : وسلامة المعنی

ص: 284

ومخالفة العرف ونحو ذلک.

(أحدها الابتداء) لأنه أول ما یقرع السمع فإن کان عذبا حسن السبک صحیح المعنی أقبل السامع علی الکلام فوعی جمیعه وإلا أعرض عنه وإن کان الباقی فی غایة الحسن فالابتداء الحسن فی تذکار الأحبة والمنازل (کقوله :

قفا نبک من ذکری حیبیب ومنزل

بسقط اللوی بین الدّخول فحومل (1)

السّقط منقطع الرمل حیث یدق واللوی رمل معوج ملتو والدّخول وحومل موضعان ، ...

******

من الابتذال أی الظهور بأن یکون ذلک المعنی له غایة الظهور یعرفه کل أحد (قوله : ومخالفة العرف) أی : وسلامة المعنی من مخالفة العرف ؛ لأن مخالفة العرف البلیغی کالغرابة المخلة بالفصاحة ، أو هی نفسها (قوله : ونحو ذلک) أی : کالسلامة من عدم المطابقة لمقتضی حال المخاطب (قوله : لأنه) أی : الابتداء بمعنی المبتدأ به (وقوله : یقرع) بمعنی یصیب وقرع من باب نفع کما فی المصباح (قوله : فإن کان عذبا) الأولی التعبیر بأفعل التفضیل لیلائم ما مرّ أی : فإن کان أعذب من غیره (قوله : أقبل السامع علی الکلام فوعی) أی : حفظ جمیعه لانسیاق النفس إلیه ورغبتها فیه من حسنه الأول واستصحابها للذة المساق السابق (قوله : وإلا أعرض عنه) أی : وإلا یکن الابتداء عذبا حسن السبک صحیح المعنی أعرض عنه السامع لقبحه (قوله : فالابتداء الحسن) هذا مبتدأ خبره قوله کقوله (وقوله : فی تذکار الأحبة والمنازل) حال ولیس خبرا ؛ لأن الابتداء الحسن لیس خاصّا بما ذکر ، بل یکون فی الغزل وفی وصف أیام البعاد بین الأحبة وفی استجلاب المودة وفی التورک علی الدهر وعلی النفس وفی المدح وغیر ذلک (قوله : قفا نبک إلخ) خطاب لواحد کما جرت به عادة العرب من خطاب الواحد بخطاب الاثنین أو أن الفعل مؤکد بالحقیقة قلبت النون ألفا إجراء للوصل مجری الوقف ، (وقوله : من ذکری حبیب) أی : من أجل تذکر حبیب فاسم المصدر بمعنی المصدر ، (وقوله : بسقط

ص: 285

والمعنی بین أجزاء الدّخول (و) فی وصف الدار (کقوله :

قصر علیه تحیّة وسلام

خلعت علیه جمالها الأیام (1)

******

اللوی :) مثلث السین والباء بمعنی عند والسقط کما قال الشارح منقطع الرمل حیث یدق أی : طرفه الدقیق ، واللوی هو کما قال الشارح : رمل معوج ملتو أی : منعطف بعضه علی بعض ، هذا هو المراد ، والمعنی قفا نبک عند طرف الرمل المعوج أی : الملتوی الکائن بین الدّخول فحومل ، ولا شک أن انقطاع الرمل إنما هو عند اعوجاجه بالأریاح لا عند تراکمه.

(قوله : والمعنی إلخ) أی : لیصبح العطف بالفاء وهذا جواب عما یقال إن بین لا تضاف إلا لمتعدد ، کما یقال دخلت بین القوم ودار زید بین دار عمر ودار بکر ، وبین هنا إنما أضیفت لواحد ، وحینئذ فلا یحسن العطف بالفاء فالواجب العطف بالواو ؛ لأنها هی التی تعطف ما لا یستغنی عنه ، والحاصل أن بین لا تضاف إلا لمتعدد ، وإلا فلا تحسن الفاء ، وإنما تحسن الواو ، وحاصل الجواب أن فی الکلام حذف مضاف أی : بین أجزاء الدخول ، والأجزاء متعددة فیصیر الدخول مثل اسم الجمع کالقوم ، فصح التعبیر ببین والفاء ، والشاهد فی الشطر الأول من البیت ، فإن صاحبه وهو امرؤ القیس قد أحسن فیه ؛ لأنه أفاد به أنه وقف واستوقف وبکی واستبکی وذکر الحبیب والمنزل بلفظ مسبوک لا تعقید فیه ولا تنافر ولا رکاکة وأما الشطر الثانی فلم یتفق له فیه ما اتفق فی الأول ؛ لأن ألفاظه لم تخل من کثرة مع قلّة المعنی ومن تمحل التقدیر للصحة وغرابة بعض الألفاظ ، وقد نبه المصنف بإیراده شطر البیت علی أنه یکفی فی حسن الابتداء حسن المصراع (قوله : وفی وصف الدار) أی : وحسن الابتداء فی وصف الدار وأراد بها مطلق المنزل الصادق بالقصر وغیره بدلیل المثال (قوله : کقوله) أی : الشاعر وهو أشجع السلمی (قوله : خلعت علیه جمالها الأیام) ضمن خلع معنی طرح فعداه للمفعول الثانی بعلی ، والمعنی أن الأیام نزعت جمالها وطرحته علی ذلک القصر ونظیر البیت

ص: 286

خلع علیه أی نزع ثوبه وطرحت علیه.

(و) ینبغی (أن یتجنب فی المدیح ما یتطیر به) أی یتشاءم به (کقوله : موعد أحبابک بالفرقة غد) مطلع قصیدة لابن مقاتل الضریر أنشده للداعی فقال له الداعی : موعد أحبابک یا أعمی ولک المثل السوء (وأحسنه) أی أحسن الابتداء (ما ناسب المقصود) بأن یشتمل علی إشارة ما سیق الکلام لأجله ...

******

المذکور فی حسن الابتداء فی وصف الدیار قوله : إنا محیّوک فاسلم أیّها الطلل (قوله : وطرحه علیه) إشارة لما ذکرناه من التضمین (قوله : فی المدیح) أی : فی ابتدائه (قوله : بالفرقة) بضم الفاء وسکون الراء اسم موضع ، إلا أنه توهم معنی آخر فبسببه کان یتطیر منه.

(قوله : أنشدها للداعی العلویّ) نسبة لعلیّ ؛ لأنه من ذریته ، روی أن ابن مقاتل الضریر المذکور دخل علی الداعی العلویّ فی یوم المهرجان فأنشده :

لا تقل بشری ولکن بشریان

غرّة الدّاعی ویوم المهرجان (1)

فتطیر به الداعی وقال له : یا أعمی یبتدأ بهذا یوم المهرجان یوم الفرح والسرور وألقاه علی وجهه وضربه خمسین عصا ، وقال : إصلاح أدبه أبلغ من ثوابه أی : أحسن من الإعطاء له ویوم المهرجان أول یوم من فصل الخریف وهو یوم فرح وسرور ولعب وروی أنه لما بنی المعتصم بالله قصره بمیدان بغداد وجلس فیه أنشده إسحق الموصلی :

یا دار غیّرک البلی ومحاک

یا لیت شعری ما الّذی أبلاک

فتطیر المعتصم وأمر بهدمه (قوله : فقال له إلخ) أی : ردّا علیه (وقوله : موعد أحبابک یا أعمی) أی لا موعد أحبابی (قوله : ولک المثل السوء) أی : الحال القبیح (قوله : بأن یشتمل إلخ) أی ومناسبته للمقصود تحصل باشتماله علی إشارة أی : علی ذی إشارة أی : تحصل باشتمال علی ما یشیر للمقصود الذی سیق الکلام لأجله لأجل أن یکون المبدأ مشعرا بالمقصود والانتهاء الذی هو المقصود موافقا لما أشیر له فی الابتداء ولا یشترط

ص: 287

(ویسمی) کون الابتداء مناسبا للمقصود (براعة الاستهلال) من برع الرجل إذا فاق أصحابه فی العلم أو غیره (کقوله فی التهنئة :

بشری فقد أنجز الإقبال ما وعدا

وکوکب المجد فی أفق العلا صعدا (1)

******

وضوح الإشارة بل ولو کانت خفیة فإذا سیق الکلام مثلا لبیان علم من العلوم کالفقه فیشتمل ابتداؤه علی ما یشعر به مثل أفعال المکلفین وأحکامها ، وإذا سیق الکلام لمدح النبی صلی الله علیه وسلم لاشتمل ابتداؤه علی ذی سلم وکاظمه نحو ذلک من محلاته وأراضی بلده (قوله : ویسمی کون الابتداء) أی : کون الکلام المبتدأ به مناسبا للمقصود براعة الاستهلال وظاهره أن براعة الاستهلال اسم للکون المذکور والأولی أن یقول : ویسمی الابتداء المناسب للمقصود براعة الاستهلال کما فی الأطول وقرر شیخنا العدوی أن براعة الاستهلال تطلق علی کل من الأمرین (قوله : من برع الرجل) بضم الراء وفتحها فهو من باب ظرف وخضع (قوله : إذا أفاق أصحابه) أی : فالبراعة معناها الفوقان ، والاستهلال فی الأصل عبارة عن أول ظهور الهلال ، ثم نقل لأول کل شیء ، وفی الأطول : الاستهلال هو أول صوت الصبی حین الولادة وأول المطر ، ثم استعمل لأول کل شیء ، وحینئذ فمعنی قولهم للابتداء المناسب للمقصود براعة استهلال استهلال بارع أی : أول وابتداء فائق لغیره من الابتداءات أی : التی لیست مشعرة بالمقصود (قوله : فی التهنئة) بالهمزة وهی إیجاد کلام یزید سرورا بشیء مفروح به.

(قوله : یهنئ الصاحب) أی : ابن عباد أستاذ الشیخ عبد القاهر (قوله : بشری فقد أنجز الإقبال إلخ) إنما کان هذا من البراعة ؛ لأنه یشعر بأن ثم أمرا مسرورا به وأنه أمر حدث وهو رفیع فی نفسه یهنأ به ویبشر من سرّ به ففیه إیماء إلی التهنئة والبشری التی هی المقصود من القصیدة (قوله : وکوکب المجد إلخ) یحتمل أن المراد بالکوکب المولود فإنه کوکب سماء المجد جعل المجد کالسماء فأثبت له کوکبا هو المولود ، ویحتمل أنه أراد بکوکب المجد ما یعرف به طالع المجد أی : أن هذا المولود ظهر به وعلم به طالع

ص: 288

مطلع قصیدة لأبی محمد الخازن یهنئ الصاحب بولد لابنته (وقوله فی المرثیة : هی الدّنیا تقول بملء فیها ، حذار حذار) أی احذر (من بطشی) أی أخذی الشدید (وفتکی) أی قتلی فجأة مطلع قصیدة لأبی الفرج الساوی یرثی فخر الدولة.

(وثانیها) أی وثانی المواضع التی ینبغی للمتکلم أن یتأنق فیها (التخلص) أی الخروج (مما شبب الکلام به) أی ابتدئ وافتتح ...

******

المجد وکون کوکبه فی غایة الصعود (قوله : صعدا) بکسر العین کما فی المختار (قوله : وقوله فی المرثیة) أی : قول الشاعر وهو أبو الفرج الساوی نسبة لساوة مدینة بین الری وهمدان - فی مرثیة فخر الدولة : ملک من ملوک العرب والمرثیة بتخفیف الیاء القصیدة التی یذکر فیها محاسن المیت ، وبعد البیت المذکور :

لا یغررکم منّی ابتسام

فقولی مضحک والفعل مبکی

بفخر الدولة اعتبروا فإنی

أخذت الملک منه بسیف هلک

وقد کان استطال علی البرایا

ونظّم جمعهم فی سلک ملک

فلو شمس الضّحی جاءته یوما

لقال لها عتوا أفّ منک

ولو زهر النّجوم أتت رضاه

تأبی أن یقول رضیت عنک

فأمسی بعد ما فرغ البرایا

أسیر القبر فی ضیق وضنک

یقدّر أنّه لو عاد یوما

إلی الدّنیا تسربل ثوب نسک ا. ه

یقال : فرعت قومی علوتهم بالشرف أو الجمال ، والضنک الضیق (قوله : هی الدنیا إلخ) الضمیر للقصة والجملة الواقعة بعد الضمیر تفسیر له والملء بکسر المیم ما یملأ الشیء وبفتحها المصدر والمراد هنا الأول ، والمراد أنها تقول ذلک جهرة بلا إخفاء ؛ لأن ملء الکلام الفم یشعر بظهوره والجهر به بخلاف الکلام الخفی فإنه یکون بطرف الفم ، ثم إن الدنیا لا قول لها فالمراد تبدیل الأبدان وتقلیب الأحوال ، وقوله : حذار إلی أخر المصراع فی محل نصب مفعول تقول (قوله : أی الخروج) أی : ولیس المراد به المعنی

ص: 289

قال الإمام الواحدی : معنی التشبیب ذکر أیام الشباب واللهو والغزل وذلک یکون فی ابتداء قصائد الشعر فسمی ابتداء کل أمر تشبیبا وإن لم یکن فی ذکر الشباب (من تشبیب) أی وصف الجمال (أو غیره) کالأدب والافتخار والشکلیة وغیر ذلک (إلی المقصود مع رعایة الملاءمة بینهما) أی ما بین شبب من الکلام وبین المقصود واحترز بهذا عن الاقتضاب وأراد بقوله التخلص معناه اللغوی وإلا فالتخلص فی العرف : هو الانتقال مما افتتح به الکلام إلی المقصود مع رعایة المناسبة ...

******

الاصطلاحی لما سیأتی فی کلام الشارح (قوله : قال الإمام الواحدی إلخ) هذا استدلال علی دعوی محذوفة تقدیرها وأصل التشبیب ذکر أمور الشباب من أیامه واللهو والغزل (قوله : واللهو والغزل) أی : وذکر اللهو وذکر الغزل أی : النساء وأوصافهن (قوله : وذلک یکون إلخ) أی : ذکر أیام الشباب إلخ یکون فی ابتداء قصائد الشعر (وقوله : فسمی ابتداء کل أمر تشبیبا) أی علی جهة المجاز المرسل ، والحاصل أن التشبیب فی الأصل ابتداء القصیدة بذکر أمور الشباب ، ثم نقل لابتداء القصیدة ، بل والکلام فی الجملة سواء کان فیه ذکر اللهو والغزل وأیام الشباب أم لا فهو مجاز مرسل علاقته الإطلاق والتقیید ؛ لأنه استعمل اسم المقید فی المطلق ولهذا النقل عمم المصنف فیما شبب الکلام به حیث قال : سواء کان ما شبب به الکلام تشبیبا أی : ذکرا للجمال أو کان غیره (قوله : وإن لم یکن فی ذکر الشباب) أی ولا اللهو ولا الغزل (قوله : من تشبیب) بیان لما (وقوله : کالأدب) أی : الأوصاف الأدبیة (وقوله : إلی المقصود) متعلق بالتخلص (وقوله : مع رعایة الملاءمة بینهما) هو محط الفائدة (قوله : وغیر ذلک) أی : کالمدح والهجو والتوسل (قوله : أی بین ما شبب به الکلام) أی : ابتدئ به (قوله : واحترز بهذا) أی : بقوله : مع رعایة الملاءمة بینهما (قوله : عن الاقتضاب) أی : وهو الخروج والانتقال من شیء إلی شیء آخر من غیر مراعاة ملاءمة بینهما فهو ارتجال المطلوب من غیر توطئة إلیه من المتکلم وتوقع من المخاطب ، ففی الصحاح : الاقتضاب الاقتطاع ، واقتضاب الکلام ارتجاله (قوله : معناه اللغوی) وهو مطلق الخروج والانتقال

ص: 290

وإنما ینبغی أن یتأنق فی التخلص لأن السامع یکون مترقبا للانتقال من الافتتاح إلی المقصود کیف یکون ؛ فإن کان حسنا متلائم الطرفین حرک من نشاطه وأعان علی إصغاء ما بعده وإلا فبالعکس فالتخلص الحسن (کقوله : (1) یقول ...

******

أی : ولیس المراد به معناه العرفی ؛ لأن التخلص فی العرف هو الانتقال إلخ فلو کان مراد المصنف بالتخلص التخلص الاصطلاحی لزم التکرار فی کلامه ؛ لأن قوله : مما شبب الکلام به إلی المقصود مع رعایة الملاءمة من جملة مدلوله.

(قوله : وإنما ینبغی أن یتأنق فی التخلص) أی : فی الانتقال للمقصود (قوله : لأن السامع یکون مترقبا إلخ) أی : أن السامع إذا کان أهلا للاستماع لکونه من العارفین بمحاسن الکلام یکون مترقبا إلخ (قوله : کیف یکون) أی : علی أی حالة یکون ذلک الانتقال (قوله : فإن کان حسنا) أی : فإن کان ذلک الانتقال حسنا (وقوله : متلائم الطرفین) أی : متناسب الطرفین أعنی المنتقل منه وهو ما افتتح به الکلام ، والمنتقل إلیه وهو المقصود ، وهذا بیان لکونه حسنا (وقوله : حرک ذلک) أی الانتقال (وقوله : من نشاطه) من : زائدة (قوله : وأعان علی إصغاء ما بعده) أی : وأعانه ذلک الحسن علی إصغائه واستماعه لما بعده وهذا بیان لتحریک نشاطه (قوله : وإلا فبالعکس) أی : وإلا یکن الافتتاح حسنا لعدم وجود المناسبة عدوهم السامع الشاعر أنه لیس أهلا لأن یسمع فلا یصغی إلیه ولو أتی بما هو حسن بعده ، واعلم أن التخلص قلیل فی کلام المتقدمین وأکثر انتقالاتهم من قبیل الاقتضاب ، وأما المتأخرون فقد لهجوا به لما فیه من الحسن والدلالة علی براعة المتکلم ، والمراد بالمتقدمین شعراء الجاهلیة والمخضرمین ، والمراد بالمتأخرین الشعراء الإسلامیون الذین لم یدرکوا الجاهلیة قال فی الأطول : ثم إن التأنق فی التخلص لیس مبنیّا علی عدم صحة الاقتضاب ولیس دائرا علی مذهب المتأخرین کما یکاد یتقرر فی الوهم القاصر ، بل مع حسن الاقتضاب إذا عدل عنه إلی التخلص ینبغی أن یتأنق فیه (قوله : کقوله) أی : الشاعر وهو أبو تمام فی مدح عبد الله بن

ص: 291

فی قومس) اسم موضع (قومی وقد أخذت ، منا السّرّی) أی أثر فینا السیر باللیل ونقص من قوانا (وخطا المهریّة) عطف علی السری لا علی المجرور فی منا کما سبق إلی بعض الأوهام وهی جمع خطوة وأراد بالمهریة الإبل المنسوبة إلی مهرة بن حیدان ...

******

طاهر (قوله : فی قومس) بضم القاف وفتح المیم وهو متعلق بیقول (قوله : اسم موضع) أی : متسع بین خراسان وبلاد الجبل وإقلیم بالأندلس أیضا - کذا فی الأطول ، وفی الأنساب : قومس محل بین بسطام إلی سمنان (قوله : قومی) فاعل یقول (وقوله : وقد أخذت إلخ) جملة حالیة من الفاعل (وقوله : منا) أی : من هذا الشخص وقومه أی : نقص منا القوی وأثر فینا السری وحرکات الإبل ، وأنث الفعل وهو أخذت مع أن الفاعل وهو السری مذکر علی لغة بنی أسد فإنهم یؤنثون السری والهدی توهمّا أنه جمع سریة وهدیة وإنما توهموا ذلک ؛ لأن هذا الوزن من أبنیة الجمع بکثرة ویقل فی أبنیة المصادر ونظرا للمضاف المحذوف أی : مزاولة السری (قوله : أی أثر فینا السیر إلخ) أشار بذلک إلی أن أخذ بمعنی أثر ومن بمعنی فی ، والسری بمعنی السیر لیلا وأن المراد بتأثیر السیر لیلا فیهم نقص قوتهم (قوله : عطف علی السری) أی : فالمعنی وقد أثرت فینا السری ونقصت من قوانا وأخذت منا أیضا خطا المهریة أی : مشیها وتحریکها إیانا ففاعل التأثیر فیهم والنقص فی قواهم شیئان السری وخطا المهریة (قوله : لا علی المجرور فی منا) أی : لأن فیه مانعا من جهة اللفظ وهو العطف علی الضمیر المجرور من غیر إعادة الجارّ ومن جهة المعنی أی : لأن التقدیر حینئذ وقد نقصت منا السری ونقصت السری أیضا من خطا المهریة ولا معنی لنقص السری من خطا المهریة من حیث إنها خطأ ، وحمله علی أن السری طال فنقص قوی المهریة کما نقص قوانا ، وکنی عن ضعفها ونقص قوتها بنقص خطاها تکلف لا حاجة إلیه علی أن هذا لا یناسب قوله : أمطلع الشمس إلخ ؛ لأنه یفید أنها قویة لا ضعیفة ، فتأمل.

(قوله : جمع خطوة) أی بالضم وهو اسم لما بین القدمین وأما الخطوة بالفتح فاسم لنقل القدم وتجمع علی خطاء کرکوة ورکاء (قوله : إلی مهرة بن حیدان) مهرة

ص: 292

أبی قبیلة (القود) أی الطویلة الظهر والأعناق ، جمع أقود أی أثرت فینا مزاولة ومسایرة المطایا بالخطأ ومفعول یقول هو قوله (أمطلع الشّمس تبغی) أی تطلب (أن تؤمّ) (بنا ، فقلت : کلّا) ردع للقوم وتنبیه (ولکن مطلع الجود. وقد ینتقل منه) أی مما شبب به الکلام (إلی ما لا یلائمه ویسمی) ذلک الانتقال (الاقتضاب)

******

بفتح المیم وسکون الهاء ، وحیدان بفتح الحاء المهملة وسکون الیاء المثناة (قوله : أبی قبیلة) أی : من الیمن إبلهم أنجب الإبل وهو راجع لمهرة. قال فی الأنساب : مهرة قبیلة من قضاعة سمیت باسم أبیها مهرة بن حیدان (قوله : أمطلع الشمس إلخ) یصح نصبه علی أنه مفعول لتؤم أی : أتبغی وتطلب أن تؤم أی : تقصد بنا مطلع الشمس ویصح رفعه علی أنه مبتدأ خبره تبغی أی : تطلب أن تؤمه وتقصده بنا أی : معنا وعلی کل حال ، فالجملة فی محل نصب مقول القول ومطلع الشمس أی : محل طلوعها أما السماء الرابعة أو المحل المشار له بقوله تعالی : (حَتَّی إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ) وهذا هو المراد فإن قلت : ما معنی طلبه قصد مطلع الشمس ، مع أنه إنما یطلب مطلع الشمس بعینه لا قصده؟ قلت : المراد بقصد مطلع الشمس التوجه والذهاب إلیه ، وکثیرا ما یطلق علی التوجه والذهاب قصدا لتعلقه به فکأنهم قالوا : أتطلب بهذا المشی أن تتوجه بنا لمطلع الشمس (قوله : ردع للقوم) أی : ارتدعوا وانزجروا عما تقولون من طلب التوجه بکم لمطلع الشمس وتنبهوا علی أنه لا وجه لقصده (قوله : ولکن مطلع الجود) أی : ولکن أطلب التوجه بکم لمطلع الجود وهو عبد الله بن طاهر الجواد الکریم ، فقد انتقل من مطلع الشمس إلی الممدوح الذی سماه مطلع الجود مع رعایة المناسبة بینهما من جهة أن کلّا محل لطلوع أمر محمود به النفع فکان فیه حسن التخلص (قوله : أی مما شبب به الکلام) أی : ابتدئ به (قوله : إلی ما لا یلائمه) أی : إلی مقصود لا یلائمه بحیث یستأنف الحدیث المتعلق بالمقصود من غیر ارتباط له واتصال بما تقدمه (قوله : ویسمی الاقتضاب) والحق أنه واقع فی القرآن کما فی قوله تعالی : (حافِظُوا عَلَی الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطی)(1) فإنه قد انتقل من الکلام علی النفقة والمتعة للأمر

ص: 293

هو فی اللغة الاقتطاع والارتجال (وهو) أی الاقتضاب (مذهب العرب الجاهلیة ومن یلیهم من المخضرمین) - بالخاء والضاد المعجمتین - أی الذین أدرکوا الجاهلیة والإسلام مثل لبید. قال فی الأساس : ناقة مخضرمة أی جدع نصف أذنها ومنه المخضرم الذی أدرک الجاهلیة والإسلام کأنما قطع نصفه حیث کان فی الجاهلیة (کقوله :

لو رأی الله أنّ فی الشّیب خیرا

جاورته الأبرار فی الخلد شیبا (1))

******

بالمحافظة علی الصلاة ولا ملاءمة بینهما ، وکما فی قوله تعالی (لا تُحَرِّکْ بِهِ لِسانَکَ لِتَعْجَلَ بِهِ)(2) إذ لا مناسبة بینه وبین قوله قبل : (أَیَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ)(3) إلی آخر الآیات (قوله : لاقتطاع) أی : لأن فی هذا قطعا عن المناسبة (قوله : الارتجال) بالجیم أی : الانتقال من غیر تهیؤ (قوله : وهو مذهب العرب الجاهلیة) أی کامرئ القیس ، وزهیر بن أبی سلمی ، وطرفة بن العبد ، وعنترة (قوله : ومن یلیهم من المخضرمین) أی : مثل لبید ، وحسان بن ثابت ، وکعب بن زهیر (قوله : أی الذین أدرکوا الجاهلیة والإسلام) أی : الذین مضی بعض عمرهم فی الجاهلیة ، وبعضهم مضی فی الإسلام (قوله : جدع) بالدال المهملة أی : قطع نصف أذنها (قوله : کأنما قطع نصفه) أی : سمی بذلک ؛ لأنه لما فات جزء من عمره فی الجاهلیة صار کأنه قطع نصفه أی : ما هو کالنصف من عمره ؛ لأن ما صدف به الجاهلیة وکان حاصلا منه فیها ملغی لا عبرة به کالمقطوع (قوله : کقوله) أی : قول الشاعر وهو أبو تمام وهو من الشعراء الإسلامیة کان موجودا فی زمن الدولة العباسیة وذمه للشیب جریا علی عادة العرب فلا ینافی ما ورد من الأحادیث بمدح (قوله : لو رأی الله) أی : لو علم الله أن فی الشیب خیرا ، (وقوله : جاورته) الضمیر لله تعالی ، والمراد بالخلد الجنة ، والمراد بالأبرار خیار الناس أی : لأنزل الله الأبرار فی المنزل الذی خصهم به من الجنة فی حال کونهم شیبا ؛ لأن الألیق

ص: 294

جمع أشیب وهو حال من الأبرار ثم انتقل من هذا الکلام إلی ما یلائمه فقال (کل یوم تبدی) أی تظهر (صروف اللیالی ، خلقا من أبی سعید غریبا) ثم کون الاقتضاب مذهب العرب والمخضرمین أی دأبهم وطریقتهم لا ینافی أن یسلکه الإسلامیون ویتبعوهم فی ذلک لأن البیتین المذکورین لأبی تمام وهو من الشعراء الإسلامیة فی الدولة العباسیة ، وهذا المعنی مع وضوحه قد خفی علی بعضهم حتی اعترض علی المصنف بأن أبا تمام لم یدرک الجاهلیة فکیف یکون من المخضرمین؟!.

(ومنه) أی من الاقتضاب (ما یقرب من التخلص) فی أنه یشوبه شیء من المناسبة (کقولک ...

******

أن الأبرار یجاورنه علی أحسن حال ؛ ولأن الجنة دار الخیر والکرامة (قوله : جمع أشیب) أی : بمعنی شائب (قوله : ثم انتقل من هذا الکلام) أی المفید لذم الشبب (قوله : إلی ما لا یلائمه) أی : إلی مقصود لا یلائمه وهو مدح أبی سعید بأنه تبدی أی : تظهر اللیالی منه خلقا وطبائع غریبة لا یوجد لها نظیر من أمثاله ومعلوم أنه لا مناسبة بین ذم الشیب ومدح أبی سعید ، وقد یقال : لا یتعین کون هذا من الاقتضاب ؛ لأن أول کلامه یذم الشیب ویحتمل أن أبا سعید کان شائبا فیکون مناسبا لأول الکلام فکأنه قال : ولا بأس بابتلاء أبی سعید بالشیب الذی لا خیر فیه لإبداء صروف اللیالی خلقا غریبا منه ، ورد بأن اللفظ لا یشعر بالمناسبة ، إذ لیس فی البیت الثانی ذکر الشیب. نعم لو ذکر فیه الشیب بأن قیل مثلا : وأبو سعید أشیب فلا یبقی فیه خیر لأمکن أن یقال ما ذکر ، تأمل (قوله : صروف اللیالی) أی : حوادثها (وقوله : خلقا) أی : طبیعة حسنة (وقوله : غریبا) صفة لخلق (قوله : من الشعراء الإسلامیة) المراد بهم من کان غیر مخضرم وکان موجودا زمن الإسلام ولو کافرا کجریر والفرزدق وأبی تمام والسموأل (قوله : وهذا المعنی) أی : قوله ثم کون الاقتضاب إلخ (قوله : فکیف یکون من المخضرمین) فلا یصح أن یکون من المخضرمین وظاهر کلام المصنف أنه منهم (قوله : أی من الاقتضاب) أی : الذی هو الإتیان بالمقصود بلا ربط ومناسبة بینه وبین ما شیب به الکلام (وقوله : ما یقرب من

ص: 295

بعد حمد الله أما بعد) فإنه کان وکذا وکذا فهو اقتضاب من جهة الانتقال من الحمد والثناء إلی کلام آخر من غیر ملاءمة لکنه یشبه التخلص من حیث لم یؤت بالکلام الآخر فجأة من غیر قصد إلی ارتباط وتعلیق ما قبله ...

******

التخلص) أی : اقتضاب أو انتقال یشبه التخلص الاصطلاحی فی کونه یخالطه شیء من المناسبة ، ولم یجعل هذا القسم تخلصا قریبا من الاقتضاب لعدم المناسبة الذاتیة فیه بین الابتداء والمقصود والتخلص مبناه علی ذلک (قوله : بعد حمد الله) أی : بعد أن حمدت الله وصلّیت علی رسوله (قوله : أما بعد) هذا مقول القول ، وقوله بعد حمد الله حال مقیدة أی : کقولک : أما بعد حالة کونها واقعة بعد أن حمدت الله.

(قوله : فإنه کان کذا وکذا) أشار بذلک إلی أن المراد أما بعد مع جملتها التی هی فیها وبه یندفع ما یقال : إن السیاق فی أقسام الکلام التی ینبغی للمتکلم أن یتأنق فیها ، وأما بعد لیست کلاما (قوله : فهو اقتضاب) أی : فالانتقال المحتوی علی أما بعد اقتضاب (قوله : من جهة الانتقال من الحمد والثناء) أی : علی الله ورسوله (وقوله إلی کلام آخر) أی : کالسبب الحامل علی تألیف الکتاب مثلا (قوله : فجأة) أی : بغتة ، (وقوله : من غیر قصد إلخ) بیان للفجأة (وقوله : وتعلیق) تفسیر لما قبله (قوله : من غیر قصد إلخ) تفسیر لقوله فجأة (قوله : بل قصد نوع من الربط) أی : من حیث الإتیان بأما بعد ؛ لأنها بمعنی مهما یکن من شیء بعد الحمد والثناء ، فالأمر کذا وکذا ، وتحقیق ذلک أن حسن التخلص فیه القصد إلی إیجاد الربط بالمناسبة علی وجه لا یقال فیه : إن هنا کلامین منفصلین مستقلین أتی بأحدهما وهو الثانی بغتة والاقتضاب فیه القصد إلی الإتیان بکلام بعد آخر علی وجه یقال فیه : إن الأول منفصل عن الثانی ولا ربط بینهما ، وأما بعد لما کان معناه مهما یکن من شیء بعد الحمد والثناء ، فالأمر کذا وکذا أفاد أن کون الأمر کذا مربوط بوجود شیء بعد الحمد والثناء علی وجه اللزوم ، ولما أفادت ما ذکر ارتبط ما بعدها بما قبلها لإفادتها الوقوع بعده ولا بدّ فلم یؤت بما بعدها علی وجه یقال فیه إنه لم یرتبط بما قبله ، بل هو مرتبط به من حیث التعلق فأشبه بهذا الوجه حسن التخلص ، ولما کان ما بعدها شیء آخر لا ربط فیه بالمناسبة کان فی الحقیقة

ص: 296

بل قصد نوع من الربط معنی مهما یکن من شیء بعد الحمد والثناء فإن کان کذا وکذا (قیل : وهو) أی قولهم بعد حمد الله أما بعد هو (فصل الخطاب) قال ابن الأثیر : والذی أجمع علیه المحققون من علماء البیان أن فصل الخطاب هو أما بعد لأن المتکلم یفتتح کلامه فی کل أمر ذی شأن بذکر الله وتحمیده فإذا أراد أن یخرج منه إلی الغرض المسوق له فصل بینه وبین ذکر الله تعالی بقوله : أما بعد. وقیل : فصل الخطاب معناه الفاصل من الخطاب أی الذی یفصل بین الحق والباطل علی أن المصدر بمعنی الفاعل. وقیل : المفصول من الخطاب وهو الذی یتبین من یخاطب به أی یعلمه بینا لا یلتبس علیه فهو بمعنی المفعول ...

******

اقتضابا (قوله : بل قصد نوع من الربط) أی : والربط یقتضی المناسبة بین المعلق والمعلق علیه ، فالتعلیق یتضمن نوع مناسبة (قوله : علی معنی مهما إلخ) مرتبط بمحذوف أی : من حیث الإتیان بأما بعد ؛ لأنها بمعنی مهما یکن إلخ (قوله : هو فصل الخطاب) أی : هو المسمی بهذا اللفظ ، والمراد بالخطاب الکلام المخاطب به ، وکذا یقال فیما یأتی (قوله : قال ابن الأثیر إلخ) القصد من نیل کلامه تأیید ذلک القیل والتورک علی المصنف حیث حکاه بقیل مع أن المحققین أجمعوا علیه (قوله : إلی الغرض المسوق له) أی : الذی سبق الذکر والتحمید لأجله (قوله : فصل بینه) أی : بین ذلک الغرض وبین ذکر الله بقوله أما بعد أی : فلفظ أما بعد حینئذ فاصل فی ذلک الخطاب أی : الکلام المخاطب به وهو المشتمل علی الثناء ، وعلی الغرض المقصود علی وجه لا تنافر فیه ولا سماجة ، بل علی وجه مقبول کما مر ، وعلم من هذا أن فصل فی قولهم فصل الخطاب مصدر بمعنی فاصل ، وأن الخطاب بمعنی الکلام المخاطب به ، وأن الإضافة علی معنی فی.

(قوله : الفاصل من الخطاب) أی : من الکلام (وقوله : أی الذی یفصل) أی یمیز بین الحق والباطل ، فکل کلام میز بین الحق والباطل یقال له فصل الخطاب علی هذا القول (قوله : علی أن المصدر بمعنی الفاعل) أی : والإضافة علی معنی من (قوله : وقیل المفصول) أی : المبین المعلوم من الخطاب أی : من الکلام فکل کلام یعلم المخاطب به علما بینا یقال فیه فصل الخطاب علی هذا القول (قوله : فهو بمعنی المفعول) أی : والإضافة

ص: 297

(وکقوله) تعالی عطف علی قوله کقولک بعد حمد الله یعنی من الاقتضاب القریب من التخلص ما یکون بلفظ هذا کما فی قوله تعالی بعد ذکر أهل الجنة (هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِینَ لَشَرَّ مَآبٍ) فهو اقتضاب فیه نوع مناسبة وارتباط لأن الواو للحال ولفظ هذا إما خبر مبتدأ محذوف (أی الأمر هذا) والحال کذا (أو) مبتدأ محذوف الخبر أی (هذا ذکر وقد یکون الخبر مذکورا مثل قوله تعالی) بعد ما ذکر جمعا من الأنبیاء علیهم الصلاة والسّلام وأراد أن یذکر بعد ذلک الجنة وأهلها (هذا ذِکْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِینَ لَحُسْنَ مَآبٍ) بإثبات الخبر أعنی قوله ذکر ...

******

علی معنی من أیضا قوله : (هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِینَ)(1) أی : هذا المذکور للمؤمنین ، والحال أن للطاغین إلخ (قوله : فهو اقتضاب) أی : لأن ما بعد هذا لم یربط بما قبلها بالمناسبة ، ولکن فیه نوع ارتباط ووجه الربط هنا أن الواو فی قوله وإن للطاغین واو الحال وواو الحال تقتضی مصاحبة ما بعدها لما قبلها برعایة اسم الإشارة المتضمن لمعنی عامل الحال وهو أشیر ، فالمحصل للربط واو الحال مع لفظ هذا (قوله : أی الأمر هذا) أی : الأمر الذی یتلی علیکم هو هذا ، والحال أن کذا وکذا واقع (قوله : أو مبتدأ محذوف الخبر) أی : أو مفعول فعل محذوف أی : اعلم هذا ، أو فاعل فعل محذوف أی : مضی هذا ، والحال أن کذا وکذا (قوله : بعد أن ذکر جمعا من الأنبیاء) أی : وهم أیوب فی قوله تعالی : (وَاذْکُرْ عَبْدَنا أَیُّوبَ)(2) وإبراهیم وإسحق ویعقوب فی قوله : (وَاذْکُرْ عِبادَنا إِبْراهِیمَ وَإِسْحاقَ وَیَعْقُوبَ أُولِی الْأَیْدِی وَالْأَبْصارِ)(3) أی : أصحاب القوی فی العبادة (وَالْأَبْصارِ) أی : البصائر فی الدین وإسماعیل والیسع وذو الکفل فی قوله : (وَاذْکُرْ إِسْماعِیلَ وَالْیَسَعَ وَذَا الْکِفْلِ)(4) ، وقد اختلف فی نبوته قیل کفل مائة نبی فروا إلیه من القتل ، وقوله : (هذا ذِکْرٌ) أی : لهم بالثناء الجمیل ، وقوله (وَإِنَّ لِلْمُتَّقِینَ) أی : الشاملین لهم ولغیرهم لحسن مآب أی : مرجع فی الآخرة ، وقوله جنات عدن : بدل من حسن مآب (قوله : الجنة) هی قوله (لَحُسْنَ مَآبٍ)(5) (وقوله : أهلها) هو قوله : للمتقین.

ص: 298

وهذا مشعر بأنه فی مثل قوله تعالی (هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِینَ)(1) مبتدأ محذوف الخبر قال ابن الأثیر : لفظ هذا فی هذا المقام من الفصل الذی هو أحسن من الوصل وهو علاقة وکیدة بین الخروج من کلام إلی کلام أخر (ومنه) أی من الاقتضاب القریب من التخلص (قول الکاتب) هو مقابل الشاعر عن الانتقال من حدیث إلی آخر (هذا باب) فإن فیه نوع ارتباط حیث لم یبتدئ الحدیث الآخر بغتة (وثالثها) أی ثالث المواضع التی ینبغی للمتکلم أن یتأنق فیها ...

******

(قوله : وهذا مشعر إلخ) أی : أن ذکر الخبر فی هذا الترکیب مشعر بأنه المحذوف فی نظیره کقوله تعالی : (هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِینَ لَشَرَّ مَآبٍ ؛) لأن الذکر یفسر الحذف فی النظیر ، فلفظ هذا فیما تقدم علی هذا مبتدأ محذوف الخبر ، والحاصل أن التصریح بالخبر فی بعض المواضع نحو : هذا ذکر - یرجع احتمال کونه مبتدأ محذوف الخبر علی بقیة الاحتمالات (قوله : فی هذا المقام) أی : مقام الانتقال من غرض إلی غرض آخر (قوله : من الفصل الذی هو أحسن من الوصل) أی : مما یفصل بین کلامین فصلا أحسن عند البلغاء من التخلص الذی هو الوصل بالمناسبة ؛ وذلک لأن لفظ هذا ینبه السامع علی أن ما سیلقی علیه بعدها کلام آخر غیر الأول ولم یؤت بالکلام الثانی فجأة حتی یشوش علی السامع سمعه لعدم المناسبة ، وأما التخلص المحض فلیس فیه تنبیه السامع علی أن ما یلقی هل هو کلام آخر أو لا (قوله : وهو علاقة إلخ) أی : ولفظ هذا علاقة وکیدة أی : وصلة بین المتقدم والمتأخر ، (وقوله : وکیدة) أی : قویة شدیدة أی : یتأکد الإتیان بها بین الخروج من کلام والدخول فی کلام آخر (وقوله : وهو علاقة وکیدة) کالعلة لما قبله ، وهو أحسنیة هذا فی مقام الانتقال من الوصل بالمناسبة (قوله : هو مقابل الشاعر) أی : فالمراد الناثر (قوله : هذا باب) أی : وکذا قوله بعد تمام کلام والشروع فی کلام آخر ، وأیضا کذا وکذا (قوله : فإن فیه نوع ارتباط) أی : لأنه ترجمة علی ما بعده ویفید أنه انتقل من غرض لآخر ، وإلا لم یحتج للتبویب ، فلما کان فیه تنبیه

ص: 299

(الانتهاء) لأنه آخر ما یعیه السمع ویرتسم فی النفس فإن کان حسنا مختارا تلقاه السمع واستلذه حتی جبر ما وقع فیما سبقه من التقصیر وإلا کان علی العکس حتی بما أنساه المحاسن الموردة فیما سبق فالانتهاء الحسن (کقوله : وإنّی جدیر (1)) أی خلیق (إذ بلغتک بالمنی ،) أی جدیر بالفوز بالأمانی ...

******

علی إرادة الانتقال لم یکن الإتیان بما بعده بغتة فکان فیه ارتباط ما ولفظ أیضا فی کلام المتأخرین من الکتّاب یشعر بأن الثانی یرجع به علی المتقدم ، وهذا المعنی فیه ربط فی الجملة بین السابق واللاحق ولم یؤت بالثانی فجأة.

(قوله : الانتهاء) أی : الکلام الذی انتهت به وختمت به القصیدة أو الخطبة أو الرسالة وختم المصنف کتابه بالکلام علی حسن الانتهاء لأجل أن یکون فیه حسن انتهاء ، حیث أعلم بفراغ کلامه وانتهائه ففیه براعة مقطع (قوله : آخر ما یعیه) أی : یحفظه (وقوله : السمع) أی : سمع السامع ویرتسم فی نفسه أی : یدوم ویبقی فیها فأل عوض عن المضاف إلیه (قوله : تلقاء السمع) أی : بغایة القبول (قوله : حتی جبر ما وقع فیما سبقه من التقصیر) أی : فتعود ثمرة حسنه إلی مجموع الکلام بالقبول والمدح (قوله : وإلا کان علی العکس) أی : وإن لم یکن الانتهاء حسنا مجه السمع ، وأعرض عنه وذمه ، وذلک قد یعود علی مجموع الکلام بالذم ؛ لأنه بما أنسی محاسنه السابقة قبل الانتهاء فهو أی : ما ختم به الکلام کالطعام الذی یتناول فی الآخر بعد غیره من الأطعمة ، فإن کان حلوا لذیذا أنسی مرارة أو ملوحة ما قبله ، وإن کان مرّا أو مالحا أنسی حلاوة ما قبله (قوله : فالانتهاء الحسن) أی : فما وقع به الانتهاء الحسن (قوله : کقوله) أی : کقول الشاعر : وهو أبو نواس فی مدح الخصیب بن عبد الحمید ، والخصیب بوزن الحبیب کما فی الأطول (قوله : وإنی جدیر) أی : حقیق لکونی شاعرا مشهورا عند الناس بمعرفة الشعر والأدب (وقوله : إذ بلغتک) أی : وصلت إلیک بمدحی (وقوله : بالمنی) أی : بما أتمنی وهو

ص: 300

(وأنت بما أملت منک جدیر ... فإن تولنی) أی تعطنی (منک الجمیل فأهله ،) أی فأنت أهل لإعطاء ذلک الجمیل (وإلّا فإنّی عاذر) إیاک (وشکور) لما صدر عنک من الإصغاء إلی المدیح أو من العطایا السالفة.

(وأحسنه) أی أحسن الانتهاء (ما آذن بانتهاء الکلام) حتی لا یبقی للنفس ...

******

متعلق بجدیر ، وفی الکلام حذف مضاف أی : إنی جدیر بالفوز بالمنی منک حین بلغتک (قوله : وأنت بما أملت منک جدیر) أی : وأنت جدیر وحقیق بما أملته ورجوته منک وهو الظفر بالمنی ؛ لأنک من الکرام (قوله : فإن تولنی منک الجمیل) أی : الإحسان والإفضال.

(قوله : وإلا فإنی عاذر) أی : وإن لم تولنی الجمیل فإلّا أجد علیک فی نفسی ، ولکنی عاذر لک فی منعک لعدم تیسر المعطی فی الوقت ؛ لأن کرمک أداک إلی خلوّ یدک أو لتقدیم من لا یعذر بالعطاء (قوله : وشکور) أی : وإنی شکور لک علی ما صدر منک من غیر الإعطاء وهو إصغاؤک لمدحی ، فإن ذلک من المنة علیّ ، ویحتمل أن المراد وشکور لک علی ما صدر منک من الإعطاء سابقا ولا یمنعنی من شکر السابق عدم تیسر اللاحق. قال بعضهم : والذی حصل به الانتهاء فی المثال جمیع البیتین ، وقرر شیخنا العدوی : أن محل الشاهد قوله : فإنی عاذر وشکور ؛ لأنه یقتضی أنه قبل العذر ، وإذا قبله فقد انقطع الکلام فقبول العذر یقتضی انقطاع الکلام فهو من قبیل الانتهاء الذی آذن بانتهاء الکلام ، وقرر أیضا : أن فی إتیان المصنف بهذین البیتین توریة ؛ لأن معناهما القریب ما قصده الشاعر والبعید ما قصده المصنف وهو أن کتابه قد ختمه وبلغ مناه فیه ، وبعد ذلک یطلب من مولاه أن یقبله منه ویثیبه علیه (قوله : ما آذن بانتهاء الکلام) أی : ما أعلم بأن الکلام قد انتهی والذی یعلم بالانتهاء أما لفظ یدل بالوضع علی الختم کلفظ انتهی ، أو تم أو کمل ، ومثل : ونسأله حسن الختام وما أشبه ذلک ، أو بالعادة کأن یکون مدلوله یفید عرفا أنه لا یؤتی بشیء بعده ولا یبقی للنفس تشوف لغیره بعد ذلک مثل قولهم فی آخر الرسائل والمکاتبات : والسّلام ، ومثل الدعاء ، فإن العادة جاریة بالختم به کما فی البیت الآتی.

ص: 301

تشوف إلی ما وراءه (کقوله :

بقیت بقاء الدّهر یا کهف أهله

وهذا دعاء للبریّة شامل (1))

لأن بقاءک سبب لنظام أمرهم وصلاح حالهم ...

******

واعلم أن الانتهاء المؤذن بانتهاء الکلام یسمی براعة مقطع (قوله : تشوف) أی : انتظار (قوله : کقوله) أی : الشاعر وهو أبو العلاء المعری - کذا فی المطول ، ونسبه ابن فضل الله لأبی الطیب المتنبی ، قال فی معاهد التنصیص ولم أر هذا البیت فی دیوان واحد منهما.

(قوله : یا کهف أهله) أی : یا کهفا یأوی إلیه غیره من أهله ، والمراد بأهله جنسه بدلیل ما بعده ، والکهف فی الأصل الغار فی الجبل یؤوی إلیه ویلجأ إلیه استعیر هنا للملجأ (قوله : وهذا دعاء للبریة شامل) الإشارة لقوله بقیت إلخ ، وقد وجه الشارح الشمول بقوله : لأن بقاءک سبب إلخ ، وحاصله أنه لما کان بقاؤه سببا لنظام البریة أی : کونهم فی نعمة وسببا لصلاح حالهم ؛ برفع الخلاف فیما بینهم ودفع ظلم بعضهم عن بعض ، وتمکن کل واحد من بلوغ مصالحه کان الدعاء ببقائه دعاء بنفع العالم ، ومراده بالبریة : الناس وما یتعلق بهم ، وإنما آذن هذا الدعاء بانتهاء الکلام ؛ لأنه قد تعورف الإتیان بالدعاء فی الآخر ، فإذا سمع السامع ذلک لم یتشوف لشیء وراءه ، ومثل ذلک قول المتنبی :

قد شرّف الله أرضا أنت ساکنها

وشرّف الناس إذ سوّاک إنسانا (2)

فإن هذا یقتضی تقرر کل ما مدح به ممدوحه ، فعلم أنه قد انتهی کلامه ولم یبق للنفس تشوف لشیء وراءه ، وکذا قوله :

فلا حطّت لک الهیجاء سرجا

ولا ذاقت لک الدّنیا فراقا (3)

ص: 302

وهذه المواضع الثلاثة مما یبالغ المتأخرون فی التأنق فیها وأما المتقدمون فقد قلّت عنایتهم بذلک (وجمیع فواتح السور وخواتمها واردة علی أحسن الوجوه وأکملها) من البلاغة لما فیها من التفنن وأنواع الإشارة ...

******

وفی ختم الکتاب بهذا البیت إشارة إلی أن هذا الکتاب قد ختم ، وکأن مؤلفه یدعو له بأنه یبقی بین أهل العلم بقاء الدهر ؛ لأن بقاءه نفع صرف لجمیع البرایا ، وأنه متضمن لزبد جمیع ما صنف فی هذا الفن (قوله : وهذه المواضع الثلاثة) یعنی الابتداء والتخلص والانتهاء (قوله : فقد قلّت عنایتهم بذلک) أی : للسهولة وعدم التکلف لا لقصورهم وعدم معرفتهم بذلک (قوله : وجمیع فواتح السور) أی : القرآنیة وخواتمها ، والفواتح والخواتم : جمع فاتحة وخاتمة أی : ما به افتتاحها وما به اختتامها من جمل ومفردات ، والسور : جمع سورة وهی جملة من القرآن مشتملة علی فاتحة وخاتمة وآی أقلها ثلاث ، ویقال فیها سؤرة بالهمز وترکه ، فبالهمز : مأخوذة من أسأر إذا أفضل بقیة من السؤر أی : من المشروب ، وإنما سمیت بذلک ؛ لأنها فضلة وبقیة من القرآن ، وأما بلا همز فأصلها من المهموز لکنها سهلت فهی مأخوذة مما علمت علی کل حال ، وقیل : إنها علی الثانی مأخوذة من السور وهو البناء المحیط بالبلد ، سمیت بذلک ؛ لإحاطتها بآیاتها کإحاطة البناء بالبلد ، ومنه السوار لإحاطتها بالساعد ، وذکر بعضهم أن السورة تطلق علی المنزلة المرتفعة سمیت الجملة من القرآن بذلک لارتفاع شأنها من أجل أنها کلام الله (قوله : واردة علی أحسن الوجوه) أی : آتیة ومشتملة علی أحسن الوجوه أی : الضروب والأنواع التی هی مقتضیات الأحوال ، فقول الشارح : من البلاغة حال من الوجوه أی : حالة کون تلک الوجوه متعلق البلاغة (قوله : وأکملها) عطف مرادف وأتی به المصنف إشارة إلی أن کتابه قد کمل فهو براعة مقطع (قوله : لما فیها من التفنن) أی : ارتکاب الفنون أی : العبارات المختلفة ، وهذا علّة لقوله واردة إلخ (قوله : وأنواع الإشارة) أی : اللطائف المناسب کل منها لما نزل لأجله ومن خوطب به ، وهذا - أی قوله : لما فیها من التفنن وأنواع الإشارة - راجع لفواتح السور ، وذلک کالتحمیدات المفتتح بها أوائل بعض السور کسورة الأنعام والکهف وفاطر وسبأ ،

ص: 303

وکونها بین أدعیة ووصایا ومواعظ وتحمیدات وغیر ذلک مما وقع موقعه وأصاب محزه بحیث تقصر عن کنه وصفه العبارة وکیف لا وکلام الله سبحانه وتعالی فی الرتبة العلیا من البلاغة القصوی من الفصاحة ولما کان هذا المعنی مما قد یخفی علی بعض الأذهان لما فی بعض الفواتح والخواتم من ذکر الأهوال والأفزاع وأحوال الکفار

******

وکالابتداء بالنداء فی مثل : (یا أَیُّهَا النَّاسُ)(1) ، (یا / أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا)(2) فإن هذا الابتداء یوقظ السامع وینبهه للإصغاء لما یلقی إلیه ، وکالابتداء بحروف التهجی کالم وحم فإن الابتداء بها مما یحرض السامع ویبعثه علی الاستماع إلی الملقی إلیه ؛ لأنه یقرع السمع عن قریب ، وکالابتداء بالجمل الاسمیة والفعلیة لنکات یقتضیها المقام تعلم مما تقدم (قوله : وکونها بین أدعیة) أی : دائرة بین أدعیة ، وهذا راجع لقوله وخواتمهما ، فالکلام محمول علی التوزیع فوافق کلامه هنا ما فی المطول من أن خواتم السور إما أن تکون أدعیة کآخر البقرة أو وصایا کآخر آل عمران (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا)(3) إلخ ، أو مواعظ کآخر إذا زلزلت أو تحمیدات کآخر الزخرف وآخر الصّافّات (وقوله : وغیر ذلک) أی : بأن تکون فرائض کآخر النساء ، أو تبجیلا وتعظیما کآخر المائدة وهو : (هذا یَوْمُ یَنْفَعُ الصَّادِقِینَ صِدْقُهُمْ)(4) إلخ ، أو وعدا ووعیدا کآخر الأنعام (وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ) إلخ ، وغیر ذلک من الخواتم التی لا یبقی للنفوس بعدها تطلع ولا تشوف لشیء آخر.

(قوله : وأصاب محزه) بالحاء المهملة والزای المعجمة أی : موضعه الذی یلیق به والمحز فی الأصل موضع القطع أرید به هنا موضع اللفظ من العبارة علی طریق المجاز المرسل والعلاقة الإطلاق والتقیید (قوله : وکیف لا إلخ) یصح رجوعه لکلام المتن أی : وکیف لا تکون فواتح السور وخواتمها واردة علی أحسن الوجوه والحال أن کلام الله إلخ ، ویصح رجوعه لکلام الشارح قبله (قوله : ولما کان هذا المعنی) أی : ورود فواتح السور وخواتمها علی أحسن الوجوه وأکملها (قوله : من ذکر الأهوال والأفزاع) أی : التی قد یتوهم عدم مناسبتها للابتداء والختم (قوله : وأحوال الکفار) أی : کما فی أول

ص: 304

وأمثال ذلک أشار إلی إزالة هذا الخفاء بقوله (یظهر ذلک بالتأمل مع التذکر لما تقدم) من الأصول والقواعد المذکورة فی الفنون الثلاثة التی لا یمکن الاطّلاع علی تفاصیلها وتفاریعها إلا لعلّام الغیوب فإنه یظهر بتذکرها أن کلّا من ذلک وقع موقعه بالنظر إلی مقتضیات الأحوال وأن کلّا من السور بالنسبة إلی المعنی الذی یتضمنه مشتملة علی لطف الفاتحة ومنطویة علی حسن الخاتمة.

******

براءة (قوله : وأمثال ذلک) أی : مثل ذکر الغضب والذم وذکر الأهوال وما مثلها فی الابتداء کقوله تعالی : (یا أَیُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّکُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَیْءٌ عَظِیمٌ)(1) وکما فی أول القارعة وقوله تعالی (تَبَّتْ یَدا أَبِی لَهَبٍ وَتَبَ)(2) وقوله : (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ. لِلْکافِرینَ)(3) وذکرها فی الخواتم کقوله تعالی : (غَیْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَیْهِمْ وَلَا الضَّالِّینَ)(4)(إِنَّ شانِئَکَ هُوَ الْأَبْتَرُ)(5) (قوله : یظهر ذلک) أی : کون الفواتح والخواتم واردة علی أحسن الوجوه وأکملها (وقوله : بالتأمل) أی : فی معانی الفواتح والخواتم (قوله : مع التذکر لما تقدم من الأصول والقواعد المذکورة فی الفنون الثلاثة) أی : الدالة وعلی وجه الحسن وإن لکل مقام خطابا یناسبه ، وأن هذا المقام یناسبه من الخطاب کذا وهذا هو المراد بتفاریعها وتفاصیلها ، فالمراد بتفاریعها الفروع المستنبطة منها ککون مقام کذا یناسبه من الخطاب کذا (قوله : والقواعد) عطف تفسیر (وقوله : التی لا یمکن إلخ) نعت للأصول والقواعد المذکورة کما هو ظاهر.

(قوله : فإنه یظهر بتذکرها) أی بتذکر ما مرّ من الأصول والقواعد (وقوله : أن کلّا من ذلک) أی مما ذکر من الأهوال والأفزاع وأحوال الکفار وأمثال ذلک (قوله : مشتملة) راعی المعنی فأنّث (وقوله : علی لطف الفاتحة) أی علی لطف ما افتتح به (وقوله : وحسن الخاتمة) أی ما اختتمت به والوقوف علی ذلک لمن نوّر الله بصیرته. مثلا سورة براءة لما نزلت بمنابذة الکفار ومقاطعتهم بدئت بما یناسب ذلک من الأمر بقتالهم

ص: 305

ختم الله تعالی لنا بالحسنی ویسّر لنا الفوز بالذخر الأسنی بحق النبی وآله الأکرمین ، والحمد لله رب العالمین.

******

وعذابهم والنبذ إلیهم وإسقاط عهدهم ولما انتهت إلی ما یناسب التحریض علی اتباع الرسل قیل : (لَقَدْ جاءَکُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِکُمْ عَزِیزٌ عَلَیْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِیصٌ عَلَیْکُمْ بِالْمُؤْمِنِینَ رَؤُفٌ رَحِیمٌ)(1) فوصفه بما لا عذر لأحد یستمعه فی ترک اتباعه ثم أمره بالاکتفاء بالله والتوکل علیه إن أعرضوا عنه والاستغناء به عن کل شیء فهذه الألفاظ من النهایة فی الحسن ؛ لأنها غایة فی المطابقة لمقتضی الحال وکذا الفاتحة لما نزلت لتعلیم الدعاء بدئت بحمد المسئول ووصفه بالصفات العظام ؛ لأن ذلک أدعی للقبول ثم قید المسئول بأنه هو الذی لا یکون للمغضوب علیهم ولا الضّالّین إظهارا للاختصاص وتعریضا بغیر المؤمنین أنهم لا ینالون ما کان للداعین (قوله : بالحسنی) أی : بالحالة الحسنی وهو الموت علی الإیمان لأنه یترتب علیها کل أمر حسن (قوله : بالذخر الأسنی) هو بالذال المعجمة وهو ما یکون فی الآخرة بخلاف ما یکون فی الدنیا فإنه بالدال المهملة.

وقد انتهی ما أردت جمعه ولله الحمد والمنّة ونسأل مولانا الکریم الوهّاب أن یجعله خالصا لوجهه الکریم وأن ینفع به کما نفع بأصوله وأن یختم بالصالحات أعمالنا ویبلغنا فی الدارین آمالنا. وصلّی الله علی سیدنا محمد وعلی آله وصحبه وسلّم.

قال جامعه الفقیر محمد الدسوقی : فرغ جمعه لثمانیة وعشرین من شهر شوال سنة ألف ومائتین وعشر من الهجرة النبویة.

ص: 306

ص: 308

(إنّا معکم

إنّما نحن مستهزئون)

14

2 / 495 ، 469 ، 459

(إنّما

نحن مستهزئون)

14

2 / 495 ، 459 ، 107

(وإذا

لقوا الّذین آمنوا قالوا آمنّا)

14

2 / 77

(الله

یستهزئ بهم)

15

2 / 467 ، 460 ، 107

(أولئک

الّذین اشتروا الضّلالة بالهدی)

16

3 / 373 ، 370

(فما

ربحت تجارتهم)

16

1 / 460 ، 445 ، 401 ، 3 / 370 ، 357

(کمثل

الّذی استوقد نارا)

17

3 / 445

(صمّ

بکم عمی)

18

3 / 55

(أو

کصیّب من السّماء فیه ظلمات)

19

3 / 491 ، 146

(یجعلون

أصابعهم فی آذانهم)

19

3 / 270 ، 147

(یأیّها

النّاس اعبدوا ربّکم الّذی خلقکم)

21

1 / 491

(فأخرج

به من الثّمرات رزقا لکم)

22

270

(فلا

تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون)

22

2 / 615

(فأتوا

بسورة من مثله)

23

1 / 2 ، 535 / 409

(وإن

کنتم فی ریب ممّا نزّلنا علی عبدنا)

23

2 / 77 ، 64

(ینقضون

عهد الله)

27

3 / 472

(وکنتم

أمواتا فأحیاکم)

28

3 / 64

(وعلّم

آدم الأسماء کلّها)

31

1 / 565

(لا

علم لنا إلا ما علّمتنا)

32

1 / 83

(وإذ

قلنا للملائکة اسجدوا لآدم)

34

2 / 499

(قلنا

اهبطوا بعضکم لبعض عدوّ)

36

2 / 619

(واتّقوا

یوما لا تجزی نفس عن نفس)

48

3 / 413

(ثمّ

اتّخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون. ثمّ عفونا عنکم)

51 - 52

2 / 724

(فقلنا

اضرب بعصاک الحجر فانفجرت)

60

1 / 524 ، 2 / 674

(کونوا

قردة خاسئین)

65

1 / 145 ، 2 / 673

ص: 310

(وبالوالدین

إحسانا)

83

2 / 532

(وإذ

أخذنا میثاق بنی إسرائیل لا تعبدون إلا الله)

83

2 / 600

(قالوا

نؤمن بما أنزل علینا ویکفرون بما وراءه)

91

2 / 598

(معهم

قل فلم تقتلون أنبیاء الله من قبل)

91

2 / 599

(واتّبعوا

ما تتلو الشّیاطین)

102

1 / 745

(ولقد

علموا لمن اشتراه ما له فی الآخرة)

102

1 / 361

(وقالوا

لن یدخل الجنّة إلّا من کان هودا أو نصاری)

111

4 / 61

(قولوا

آمنّا بالله وما أنزل إلینا)

136

4 / 38

(فإن

آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا)

137

2 / 69

(صبغة

الله)

138

4 / 38

(وإنّ

فریقا منهم لیکتمون الحقّ وهم یعلمون)

146

2 / 66

(إنّما

حرّم علیکم المیتة)

173

2 / 252

(وآتی

المال علی حبّه)

177

2 / 719

(ولکم

فی القصاص حیاة)

179

2 / 684 ، 663 ، 658

(حتّی

یتبیّن لکم الخیط الأبیض)

187

3 / 480 ، 332 ، 56

(هنّ

لباس لکم وأنتم لباس لهنّ)

187

3 / 175

(یسألونک

عن الأهلّة)

189

1 / 742

(ولا

تلقوا بأیدیکم إلی التّهلکة)

195

1 / 32

(فإذا

أفضتم من عرفات)

198

3 / 127

(واذکروه

کما هداکم)

198

4 / 122

(سل

بنی إسرائیل کم آتیناهم من آیة بیّنة)

211

2 / 371

(أم

حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا یأتکم مثل الّذین خلوا من قبلکم)

214

2 / 604

(متی

نصر الله)

214

2 / 379

(ویسألونک

ما ذا ینفقون)

215

1 / 37 ، 742

(یسألونک

عن الشّهر الحرام قتال فیه)

217

1 / 609

(فأتوهنّ

من حیث أمرکم الله إنّ الله یحبّ التّوّابین)

222

2 / 728

ص: 311

(ویحبّ

المتطهّرین)

(فأتوا

حرثکم أنّی شئتم)

223

2 / 375

(وبشّر

المؤمنین)

223

1 / 754

(نساؤکم

حرث لکم)

223

2 / 728

(والمطلّقات

یتربّصن ...)

228

2 / 183

(ولکن

لا تواعدوهنّ سرّا)

235

1 / 17

(حافظوا

علی الصّلوات والصّلاة الوسطی)

238

2 / 695 ، 736

(ورفع

بعضهم درجات)

253

1 / 583

(قال

أنّی یحیی هذه الله بعد موتها)

259

2 / 375

(أو

کالّذی مرّ علی قریة وهی خاویة علی عروشها)

259

2 / 585

(إنّما

البیع مثل الرّبا)

275

1 / 751

(والله

لا یحبّ کلّ کفّار أثیم)

276

1 / 693

(فأذنوا

بحرب من الله ورسوله)

279

1 / 582

(لها

ما کسبت وعلیها ما اکتسبت)

286

4 / 25 ، 11

سورة آل عمران

(لا تزغ قلوبنا)

8

1 / 185

(شهد

الله)

18

1 / 372

(ویحذّرکم

الله نفسه)

30

4 / 38

(ربّ

إنّی نذرت لک ما فی بطنی محرّرا)

35

1 / 129 ، 546

(إنّی

وضعتها أنثی والله أعلم بما وضعت ولیس الذّکر کالأنثی وإنّی سمّیتها مریم)

36

1 / 2 ، 500 ، 350 ، 129 / 546 ، 545 ،

721

(أنّی

لک هذا)

37

2 / 377

(أنّی

یکون لی غلام وقد بلغنی الکبر)

40

2 / 605 ، 602

(ومکروا

ومکر الله)

54

2 / 656

(لن

تنالوا البرّ حتّی تنفقوا ممّا تحبّون)

92

2 / 717

(فأمّا

الّذین اسودّت وجوههم أکفرتم)

106

1 / 94

(وأمّا

الّذین ابیضّت وجوههم ففی رحمة الله)

107

3 / 274

ص: 312

(کنتم خیر أمّة

أخرجت للنّاس)

110

1 / 90

(والله

یحبّ المحسنین)

134

1 / 565

(وما

محمّد إلا رسول)

144

2 / 280

(لإلی

الله تحشرون)

158

2 / 198

(فبما

رحمة من الله لنت لهم)

159

3 / 491

(وشاورهم

فی الأمر)

159

2 / 401

(فإذا

عزمت فتوکّل علی الله)

159

1 / 2 ، 716 / 269

(وقالوا

حسبنا الله ونعم الوکیل)

173

1 / 124 ، 2 / 451

(فانقلبوا

بنعمة من الله وفضل لم یمسسهم سوء)

174

2 / 603

(سنکتب

ما قالوا)

181

1 / 203

سورة اانساء

(وآتوا

الیتامی أموالهم)

2

3 / 272

(ولأبویه)

11

1 / 178

(فلهنّ

ثلثا ما ترک)

11

1 / 490

(وإن

خفتم شقاق بینهما)

35

1 / 417 ، 416

(ولا

یکتمون الله حدیثا)

42

2 / 210

(ولو

أنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوک فاستغفروا الله واستغفر لهم الرّسول)

64

1 / 735

(وإن

تصبهم سیّئة)

78

2 / 54

(وأرسلناک

للنّاس رسولا)

79

2 / 582

(وإذا

جاءهم أمر من الأمن أو الخوف)

83

4 / 169

(أو

جاءوکم حصرت صدورهم)

90

2 / 605 ، 602

(لا

یستوی القاعدون من المؤمنین)

95

1 / 351

(وعلّمک

ما لم تکن تعلم)

113

1 / 82

(إن

یکن غنیّا أو فقیرا فالله أولی بهما)

136

4 / 90

(یأیها

الّذین آمنوا آمنوا بالله)

136

2 / 309

(یخادعون

الله وهو خادعهم)

142

2 / 530

ص: 313

(قاموا

کسالی)

142

2 / 64

سورة المائدة

(وإذا

حللتم فاصطادوا)

2

2 / 415

(حرّمت

علیکم المیتة)

3

2 / 678 ، 681

(یأیّها

الّذین آمنوا إذا قمتم إلی الصّلاة)

6

1 / 724

(وإن

کنتم جنبا فاطّهّروا)

7

2 / 69

(اعدلوا

هو أقرب للتّقوی)

8

1 / 585 ، 490 ، 178 ، 2 / 641

(فلا

تخشوا النّاس واخشون)

44

4 / 14

(أذلّة

علی المؤمنین أعزّة علی الکافرین)

54

2 / 715

(یأیها

الرّسول بلّغ)

67

2 / 435

(وما

لنا لا نؤمن بالله)

84

2 / 601

(جعل

الله الکعبة البیت الحرام قیاما للنّاس)

97

1 / 605

(أأنت

قلت للنّاس اتّخذونی وأمّی إلهین من دون الله)

116

2 / 390 ، 384

(إن

کنت قلته فقد علمته)

116

1 / 97

(تعلم

ما فی نفسی ولا أعلم ما فی نفسک)

116

4 / 37

سورة الأنعام

(وجعل

الظّلمات والنّور)

1

3 / 334

(وما

تأتیهم من آیة من آیات ربّهم إلا کانوا عنها معرضین)

4

2 / 605

(وقالوا

لو لا أنزل علیه ملک ولو أنزلنا ملکا لقضی الأمر)

8

2 / 578

(أغیر

الله أتّخذ ولیّا)

14

2 / 387

(وهم

ینهون عنه وینأون عنه)

26

4 / 169 ، 167

(ولو

تری إذ وقفوا علی النّار)

27

2 / 671 ، 113 ، 107

(فإنّهم

لا یکذّبونک ولکنّ الظّالمین بآیات الله یجحدون)

33

2 / 66

(إنّما

یستجیب الّذین یسمعون)

36

2 / 276

(وما

من دابّة فی الأرض ولا طائر یطیر بجناحیه)

38

1 / 2 ، 593 / 654

(إلا

أمم أمثالکم)

38

1 / 595

ص: 314

(أغیر

الله تدعون)

40

2 / 393 ، 386

(ولا

هم یحزنون)

48

2 / 105

(کتب

ربّکم علی نفسه الرّحمة)

54

4 / 38

(قل

من ینجّیکم من ظلمات البرّ والبحر)

64

2 / 19

(قل

الله ینجّیکم منها)

64

2 / 19

(أتتّخذ

أصناما آلهة)

74

2 / 387

(یخرج

الحیّ من المیّت ومخرج المیّت من الحیّ)

95

4 / 48

(فالق

الإصباح وجعل اللّیل سکنا)

96

1 / 125

(ذلکم

الله ربّکم)

102

1 / 539

(لا

تدرکه الأبصار وهو یدرک الأبصار)

103

4 / 29

(أو

من کان میتا فأحییناه)

122

3 / 4 ، 311 / 12

(فلو

شاء لهداکم أجمعین)

149

2 / 171

سورة الأعراف

(وکم

من قریة أهلکناها فجاءها بأسنا بیاتا أو هم قائلون)

4

2 / 619 ، 613 ، 463

(اسکن

أنت وزوجک الجنّة)

19

2 / 260

(یا

بنی آدم قد أنزلنا علیکم لباسا)

26

4 / 41

(ینزع

عنهما لباسهما)

27

1 / 435

(أتقولون

علی الله ما لا تعلمون)

28

2 / 340

(کلوا

واشربوا ولا تسرفوا)

31

2 / 531

(فإذا

جاء أجلهم لا یستأخرون ساعة ولا یستقدمون)

34

2 / 579

(ادخلوا

فی أمم)

38

2 / 24

(یلج

الجمل فی سمّ الخیاط)

40

4 / 124

(فهل

وجدتم ما وعد ربّکم حقّا)

44

2 / 337

(ورضوان

من الله أکبر)

72

1 / 578

(الّذین

کذّبوا شعیبا کانوا هم الخاسرین)

92

1 / 528

(أفامن

أهل القری)

97

2 / 61

(وما

تنقم منّا إلا أن آمنّا بآیات ربّنا)

126

4 / 130

ص: 315

(اسکن

أنت وزوجک الجنّة)

19

2 / 260

(فإذا

جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سیّئة یطّیّروا بموسی ومن معه)

131

1 / 2 ، 236 / 55

(اجعل

لنا إلها کما لهم آلهة)

138

2 / 332

(ربّ

أرنی أنظر إلیک)

143

2 / 184

(ربّ

اغفر لی)

151

2 / 417

(وقطّعناهم

فی الأرض أمما)

168

3 / 319

(ألم

یؤخذ علیهم میثاق الکتاب أن لا یقولوا علی الله إلا الحقّ ودرسوا ما فیه)

169

2 / 531

(ولله

الأسماء الحسنی فادعوه بها)

180

1 / 31

(من

یضلل الله فلا هادی له ویذرهم فی طغیانهم یعمهون)

186

2 / 505

سورة الأنفال

(وإذا

تلیت علیهم آیاته)

2

1 / 433

(ویرید

الله أن یحقّ الحقّ بکلماته ویقطع دابر الکافرین)

7

2 / 673

(لیحقّ