امهات الائمه المعصومین علیهم السلام: دراسه تاریخیه،تحلیلیه،علمیه

اشارة

سرشناسه:أمهات الأئمة المعصومین علیهم السلام: دراسة تاریخیة تحلیلیة علمیة / تألیف الدکتور السید حسین الموسوی الصافی؛ تقدیم اللجنة العلمیة السید محمد علی الحلو. الطبعة الأولی. - کربلاء: قسم الشؤون الفکریة والثقافیة فی العتبة الحسینیة المقدسة، 1436

عنوان و نام پدیدآور:امهات الائمه المعصومین / تالیف سید حسین موسوی صافی

مشخصات نشر: العتبة الحسینیة المقدسة، قسم الشؤون الفکریة و الثقافیة

محل نشر: کربلای معلی - عراق

سال نشر : 1436

مشخصات ظاهری: 2ج.

یادداشت:عربی.

موضوع:چهارده معصوم -- مادران

موضوع:زنان مقدس مسلمان -- سرگذشتنامه

ص :1

امهات الائمه المعصومین علیهم السلام: دراسه تاریخیه،تحلیلیه،علمیه المجلد 1

هویة الکتاب

رقم الإیداع فی دار الکتب والوثائق - وزارة الثقافة العراقیة لسنة 2013؛ 773

الموسوی الصافی، حسین.

امَّهات الأئمة المعصومین علیهم السلام: دراسة تاریخیة تحلیلیة علمیة / تألیف الدکتور السید حسین الموسوی الصافی؛ تقدیم اللجنة العلمیة السید محمد علی الحلو. الطبعة الأولی. - کربلاء: قسم الشؤون الفکریة والثقافیة فی العتبة الحسینیة المقدسة، 1436 ق. = 2015 م.

2 ج. (قسم الشؤون الفکریة والثقافیة فی العتبة الحسینیة المقدسة؛ 153)

المصادر.

1. النساء المقدسات فی الإسلام سیرة. 2. الأربعة عشر معصوم امَّهات. 3. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ ق. ه -- 11 ه -. العصمة. 4. النساء المقدسات فی الإسلام دفع مطاعن. ألف. الحلو، محمد علی، 1957 - م، مقدم. ب. العنوان. ج. السلسلة.

BP 52 . M85 2015

تمت الفهرسة فی مکتبة العتبة الحسینیة المقدسة قبل النشر

ص:2

ص:3

بسم الله الرحمن الرحیم

ص:4

الإهداء

إلی أمّ أبیها وبضعة نبیها والحجة علی من یلیها

سیدة نساء العالمین أمّ الحسن والحسین علیهماالسلام...

إلی جمیع امَّهات الأنبیاء والأوصیاء المعصومین...

إلی مَن غذتنی الولاء وأسعدتنی بعد الفناء

وأبعدتنی عن الشقاء إلی والدتی الحنونة...

إلی مَن شاطرتنی الحیاة وشارکتنی المأساة

وَصَبرت علی تخطی العقبات إلی أمّ أبنائی..

ص:5

ص:6

مقدمة اللجنة العلمیة

تندرجُ کثیرٌ من البحوث فی غیاهب التحقیق الکلی، الذی لم یثبت أهمیة هذه لبحوث إلا ما وقع منها فی مطاوی السیر التحقیقی، ولعل الکثیر منها یحمل أهمیته وخطورته بشکلٍ ینسجمُ فی تثبیت الحصیلة النهائیة التی یخرجُ بها الباحث، إلاّ أن هذه البحوث لم تکن من أولویاته واهتماماته مع أهمیتها بشکلٍ یحتم علی الباحث أن لا یغفل عنها، فیعید النظر فی قراءته لبحوثٍ کهذه مع أنها غیر معنونةٍ بعنوان، ولا مندرجةٍ تحت قضیةٍ بحثیة مستقلة، ولم تزل هذه البحوث تفرض أهمیتها علی الباحث ومن ثم القارئ فهی إذن لم تکن ثانویة حقاً بل بحوث لها أهمیتها وقیمتها العلمیة، ومن تلک البحوث التی غفل عنها المحققون، البحث عن امَّهات المعصومین حیث لم یفرد لها المحققون عنواناً خاصاً بل اکتفوا بالبحوث الفرعیة التی تأتی استطراداً فی سیرة المعصومین علیهم السلام، فالباحث لا یمکن له أن یتعدی امَّهات المعصومین إذ البحث عنهن یعد جزءاً مکملاً للوقوف علی سیرتهم إلا أنه لا یتعدی الأمر عن ذکر نتفٍ عن حیاتهن دون الغور إلی عوالم التحقیق لحیاتهن الشریفة، وهذا ما یجعل البحث مخلاً غیر جادٍ فی

ص:7

أحیان أخری.. إذن لا تُعد بحوث حیاة امَّهات المعصومین من الترف الفکری الذی یتعرض إلیه بعضهم، بل فرضت هذه التحقیقات أهمیتها علی الباحث لیجد مسلکاً علمیاً خطیراً یدخلُ فی ترجمة بعض فترات الحقب التی عاشها أهل البیت علیهم السلام ولعل ما یعزز هذا الأمر هو أهمیة معالجة الکثیر من الشبهات التی تدخل فی إطار التنقیب البحثی الذی یقدّم نتائجه للباحث علی أساس المسلک العلمی الدقیق.

من هنا وجد الباحث الدکتور السید حسین الموسوی الصافی الذی أعد بحثاً مهماً فی شأن "اُمَّهات الأئمة المعصومین علیهم السلام" والذی حاول من خلاله معالجة الکثیر من القضایا المهمة التی تدخل فی معرفة مقطعٍ مهمٍ من سیرتهم علیهم السلام، وبذلک یخلص البحث إلی التعریف بأهمیة امَّهاتهم علیهم السلام کونهن الوعاء المقدس للمعصوم، فالبحث یعالج النظرة التاریخیة بأسلوبٍ تحلیلی فضلاً عن السمة العلمیة التی تُعطی بُعداً آخر لمحطات تاریخیة مهمة لا غنی للباحث عنها ومراعاتها.

عن اللجنة العلمیة

السید محمدعلی الحلو

ص:8

المقدمة

الحمد لله خالق الخلق وباسط الرزق والصلاة والسلام علی رسوله وآل بیته الطیبین الطاهرین.

إنّ الشرع الحنیف أولی اهتماماً فی بیان بعض المزایا والصفات الکمالیة العالیة التی تتمتع بها أُمّ المعصوم سواء فی المجال العلمی أم العملی, المادی أم المعنوی, فعندما یذکر القرآن الکریم السیدة مریم علیهاالسلام (امَّ نبی الله عیسی علیه السلام) فقد یکشف أنّها محدثة الملائکة ومطهرة من کل شائبة, وقد احتلت مرتبة الاصطفاء من قِبَل الله وأصبحت سیدة نساء عالمها, کما یتضح من قوله تعالی:(وَ إِذْ قالَتِ الْمَلائِکَةُ یا مَرْیَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفاکِ وَ طَهَّرَکِ وَ اصْطَفاکِ عَلی نِساءِ الْعالَمِینَ)1 , وأیضاً قوله تعالی: (إِذْ قالَتِ الْمَلائِکَةُ یا مَرْیَمُ إِنَّ اللّهَ یُبَشِّرُکِ بِکَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِیحُ عِیسَی ابْنُ مَرْیَمَ وَجِیهاً فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَةِ وَ مِنَ الْمُقَرَّبِینَ)2 , فإنّ الکمال الروحی والمعنوی الذی تجسّد فی کیان السیدة

ص:9

مریم علیهاالسلام قد أهّلها لکل هذه المزایا ولأن تکون وعاءً وحجراً لنبیً ّ من أنبیاء أولی العزم علیهم السلام, کما بشرها الله بهذه المنقبة العظیمة.

وهکذا الحال فی أمّ نبی الله موسی وأخیه هارون علیهماالسلام (السیدة یوخابید علیهاالسلام), فقد خصها الله بالإیحاء والیقین والإیمان, کما فی قوله تعالی (وَ أَوْحَیْنا إِلی أُمِّ مُوسی أَنْ أَرْضِعِیهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَیْهِ فَأَلْقِیهِ فِی الْیَمِّ وَ لا تَخافِی وَ لا تَحْزَنِی إِنّا رَادُّوهُ إِلَیْکِ وَ جاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِینَ)1 , فقد أوحی الله لها وصدقته وامتثلت أوامره بکل ثقة ویقین فی أحلک الظروف, حتی أنّ البعض قال هذا یقتضی ظهور المعجز لها من وجهین: أحدهما الوحی وهو معجز، والثانی أنها علیهاالسلام لا یجوز أن تقدم علی جعل ولدها فی التابوت وطرحه فی الیم إلا بعد الیقین بأن الآمر لها بذلک هو القدیم سبحانه ولا سبیل إلی ذلک إلا بظهور معجز تعلم به أن الخطاب المتضمن لذلک وحی منه سبحانه(1).

وقد بشّر الله امَّ نبی الله إسحاق ویعقوب علیهماالسلام (السیدة سارة علیهاالسلام) بقوله تعالی: (وَ امْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِکَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَ مِنْ وَراءِ إِسْحاقَ یَعْقُوبَ * قالَتْ یا وَیْلَتی أَ أَلِدُ وَ أَنَا عَجُوزٌ وَ هذا بَعْلِی شَیْخاً إِنَّ هذا لَشَیْ ءٌ عَجِیبٌ * قالُوا أَ تَعْجَبِینَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَ بَرَکاتُهُ عَلَیْکُمْ أَهْلَ الْبَیْتِ إِنَّهُ حَمِیدٌ مَجِیدٌ)3 , فهنا خصّها الله بالبشارة وقد حدثتها الملائکة وحدثتهم, وأنّها من أهل

ص:10


1- (2) الکافی للحلبی, أبو الصلاح الحلبی, ص 101.

البیت الذین خصّهم الله بالرحمة. وهکذا سبیل باقی امَّهات المعصومین علیهم السلام من الأنبیاء وغیرهم.

وقد جعل الله السعی بین الصفا والمروة من مناسک الحج؛ إحیاءً لذکری سعی السیدة هاجر علیهاالسلام (أمّ نبی الله إسماعیل علیه السلام) واحتفالاً بعملها, واستحباب الهرولة فی محل الوادی الذی سعت فیه هاجر سعی الإنسان المجهود إحیاءً لذکری هرولتها هناک.

فنستفید من خلال هذه الرؤیة السماویة فی حق امَّهات الأولیاء المعصومین علیهم السلام أمرین, أولاً: أنّ هناک رابطة وعلیّة لیس فقط فی طهارة وعفاف والدة المعصوم علیه السلام, بل لابد أنّ تکون بالمستوی اللائق والمطلوب من صفات وأبعاد کمالیة عالیة تنسجم مع ما تحمل من أمانة عظیمة وهی حجة الله فی خلقه, فالأمّ لها الأثر الکبیر فی تغییر حال الابن علی المستوی المادی والمعنوی, وهذا بخلاف مجرد الزوجة فلم تکن هناک ثمة رابطة وعلیّة فی البین, فلذلک نجد القرآن الکریم قد کشف عن ذمّ وسوء عاقبة بعض أزواج الأنبیاء علیهم السلام کما فی قوله تعالی:(ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِلَّذِینَ کَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَ امْرَأَتَ لُوطٍ کانَتا تَحْتَ عَبْدَیْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَیْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ یُغْنِیا عَنْهُما مِنَ اللّهِ شَیْئاً وَ قِیلَ ادْخُلاَ النّارَ مَعَ الدّاخِلِینَ)1 .

وثانیاً: إنّ فی إعطائه سبحانه وتعالی هذه الأهمیة فی بیان وذکر المزایا الإیجابیة لاُمَّهات المعصومین علیهم السلام یمکن أن تکون فیه إشارة فی توجیه الأنظار

ص:11

إلی الاهتمام بدراسة وبیان سیرة امّ المعصوم علیه السلام وبیان صفاتها ومدی إیمانها, لاسیما امَّهات أهل البیت علیهم السلام فإنّهن لسن أقل شأنا من امَّهات الأنبیاء علیهم السلام, لکن مع الأسف لم نجد اهتماماً بدراسة وبحث سیرة امَّهات المعصومین علیهم السلام لاسیما سیرة امَّهات ما بعد الزهراء علیهاالسلام, فقد همشت إذا لم نقل أهملت, فلم نعثر علی دراسة لا من القدماء ولا من المتأخرین ولا من المحدثین ولا من المؤرخین إلا الشتات من الروایات وغیرها, مع أنّها من المواضیع الساخنة والتی لها صلة بالاعتقادات وما إلیها. ونحن بعون الله قد وضعنا هذه الدراسة بعد ما لاحظنا أنّ هناک فراغاً فی عالم السیرة والتاریخ فی هذا الجانب, ولم نقتصر فی هذه الدراسة علی سرد التاریخ وما إلیه, بل انتحلنا النهج العلمی الاستقرائی التحلیلی, ومناقشة الآراء بالأدلة المنطقیة لاسیما فی المواضیع العقدیة والقریبة منها, والرجوع إلی المصادر المعتبرة عند الفریقین, بالإضافة إلی ذکر المواضیع التی لها صلة فی الموضوع أو القریبة منه, من قبیل ذکر أزواج المعصوم وما شاکله, ونأمل أن تکون هذه الدراسة خطوة للشروع فی دراسات معمقة وتحقیقات منتظمة من قبل المختصین وغیرهم. سائلین المولی القبول والتسدید.

المؤلف

15 / شعبان/ 1432

ص:12

التمهید

آثار الأمّ علی الجنین

تحظی الأمّ بمکانة رفیعة لا تقل أهمیة عن مکانة الأب إذا لم تزد علیها, وهذا ما أکده الشّرع الحنیف وفسّره العلم الحدیث, فهی بمثابة المنعطف الکبیر لتأهیل البشر وإعداد الأجیال, حیث أنّ المجتمعات عبارة عن شعوب وقبائل وأسر, ونواة هذه الأسر الزوج والزوجة (الأبوان) فهما أصل التکاثر البشری بما جعلته الحکمة الإلهیة لاستمرار الحیاة الإنسانیة فی عالم الدنیا, ولو لاحظنا ذلک لوجدنا الأمّ أکثر تأثیراً وانفعالاً وأنها لها الحظ الکبیر فی إعداد الأجیال علی الصعید المادی والمعنوی.

ومن هنا نری أقلام العلماء وقرائح الأدباء تصفها بمدح لا یضاهی حیث قالوا: المرأة نصف المجتمع, وانّها تهزُّ المهد فی ید والعالم فی یدها الأخری, وقول الشاعر:

الأمُّ مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طیب الأعراق(1)

ص:13


1- (1) التعدیل والتجریح, سلیمان بن خلف الباجی, ص 57.

دور الأمّ

صحیح أن رحم المرأة یکون بالنسبة إلی نطفة الرجل کالأصیص بالنسبة إلی البذرة إلا أن الأمر یختلف تماماً فی موضوع تکوین الخلیة التناسلیة، إذ لیست نطفة الرجل هی الخلیة التناسلیة الکاملة - کما کانت البذرة وإنما المرأة تکون الشریک الأهم للرجل فی الوهلة الأولی, کما أشار لذلک القرآن الکریم فی قوله:(إِنّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ)1 .

أی أنّ الله خلق الإنسان من نطفة مرکبة وممزوجة من حویمن الرجل وبویضة المرأة کلیهما.

وکذلک رحم الأمّ یتحمل فی المرحلة الأولی نصف مسؤولیة عملیة التلقیح، ثم ینفرد فی أنه یتحمل مسؤولیة الاحتفاظ بالنطفة لمدة تسعة أشهر کاملة فی داخله حتی یصنع إنساناً کاملاً.

وجدیر بنا أن نذکر دور الأم فی هذه المرحلة بحسب ما أفادنا به العلم الحدیث: ویکون ردّاً علی هذا السؤال: من أن البویضة التی تحتویها المرأة هی أکبر خلیة فی جسم الإنسان، حیث تبلغ فی قطرها (200) میکرون, بینما الحیوان المنوی الذی یضعه الرجل لا یزید عن خمسة میکرونات (لکن مع هذا المستوی من صغر الحیوان المنوی فأنه یساهم بنصف مکونات الجنین تماماً کما تساهم البویضة)، فما هو السبب فی کبر حجم البویضة, وصغر حجم الحیوان المنوی؟

ص:14

وقد أجابوا: إنّ البویضة هی المسؤولة عن تغذیة النطفة الأمشاج، المکونة من کروموسومات الحیوان المنوی (الأب) وکروموسومات البویضة (الأم), وعلیها أن تقوم بالتغذیة حتی تعلق النطفة، وتنشب فی جدار الرحم لتصبح العلقة, فتعطیه من دمائها وتوفر له الغذاء والهواء والحمایة من السموم التی یفرزها جسمه أثناء نموه, حتی یأذن الله بخروجه متکامل البناء سوی الأعضاء(1).

فمن هنا نفهم أن دور الأُم فی التغذیة والرعایة یبدأ من أول لحظة دخول النطفة فی الحیاة, فلا غرور أن جعل لها الإسلام مکانة عظیمة، وأعطاها المقام الأول فی البر والصلة والطاعة وقدمها علی الأب ثلاثاً, وجعل الجنة تحت أقدامها, کما روی عن النبی الأکرم صلی الله علیه و آله:

«الجنة تحت أقدام الاُمَّهات»(2).

وعن أبی القاسم الکوفی قال: قال رجل لرسول الله صلی الله علیه و آله: إن والدتی بلغها الکبر، وهی عندی الآن، أحملها علی ظهری، وأطعمها من کسبی، وأمیط عنها الأذی بیدی، وأصرف عنها (مع ذلک) وجهی استحیاءً منها وإعظاماً لها، فهل کافأتها؟ قال صلی الله علیه و آله:

«لا؛ لأن بطنها کان لک وعاء، وثدیها کان لک سقاء، وقدمها لک حذاء، ویدها لک وقاء، وحجرها لک حواء، وکانت تصنع ذلک لک وهی تمنی حیاتک، وأنت تصنع هذا بها وتحب مماتها»(3).

وأیضا قال صلی الله علیه و آله:

«إذا کنت فی صلاة التطوع، فان دعاک والدک فلا

ص:15


1- (1) انظر: خلق الإنسان بین الطب والقرآن: ص 164.
2- (2) مستدرک الوسائل, المیرزا النوری, ج 15 ص 180.
3- (3) المصدر نفسه.

تقطعها، وان دعتک والدتک فاقطعها»(1).

وعن الباقر علیه السلام، أنّه قال:

«قال موسی بن عمران علیه السلام: یا رب، أوصنی، قال: أوصیک بی، قال فقال: رب أوصنی، قال: أوصیک بی، ثلاثاً، قال: یا رب أوصنی، قال: أوصیک بأمک، قال: رب أوصنی، قال: أوصیک بأمک، قال: رب أوصنی، قال: أوصیک بأبیک، قال: (فکان یقال) لأجل ذلک أن للأم ثلثی البر وللأب الثلث»(2).

وعن مهر بن حکیم، عن أبیه، عن جده قال:

«قلت للنبی صلی الله علیه و آله: یا رسول الله، من أبرر؟ قال: أمک قلت: ثم من؟ قال: ثم أمک قلت: ثم من؟ قال: ثم أمک قلت: ثم من؟ قال: ثم أباک، ثم الأقرب فالأقرب»(3). وأیضا ورد عن الإمام الباقر علیه السلام:

إنّ للأم ثلثی البر وللأب الثلث(4). وغیرها من الروایات المستفیضة التی تؤکد علی برّ الوالدین لاسیما الأم بالذات, وهذا یعبّر عن مدی أهمیة الأم فی المجتمع.

الصفات الوراثیة

حُدِّدَتْ الوراثة بأنها مشابهة الفرع لأصله، ولا تقتصر علی المشابهة فی المظاهر الشکلیة وإنما تشمل الخواص الذاتیة، والمقومات الطبیعیة، کما نص علی

ص:16


1- (1) المصدر نفسه, ج 15 ص 181.
2- (2) الأمالی, الشیخ الصدوق, ص 602.
3- (3) مستدرک الوسائل, المیرزا النوری, ج 15 ص 181.
4- (4) راجع: مستدرک الوسائل, المیرزا النوری, ج 15 ص 180.

ذلک علماء الوراثة وقالوا: أن ذلک أمر بیّن فی جمیع الکائنات الحیة فبذور القطن تخرج القطن، وبذور الزهرة تخرج الزهرة، وهکذا غیرها، فالفرع یحاکی أصله ویساویه فی خواصه وأدق صفاته، کما یقول بعض العلماء: «إنّ کثیراً من الصفات الوراثیة تنتقل بدون تجزئة أو تغیر من أحد الأصلین أو منهما إلی الفرع...». وأکد هذه الظاهرة (هکسلی) بقوله: «إنه ما أثر أو خاصة لکائن عضوی إلا ویرجع إلی الوراثة أو إلی البیئة فالتکوین الوراثی یضع الحدود لما هو محتمل، والبیئة تقرر أن هذا الاحتمال سیتحقق، فالتکوین الوراثی إذن لیس إلا القدرة علی التفاعل مع أیة بیئة بطریق خاص...»(1).

ومعنی ذلک أن جمیع الآثار والخواص التی تبدو فی الأجهزة الحساسة من جسم الإنسان ترجع إلی العوامل الوراثیة وقوانینها، والبیئة تقرر وقوع تلک الممیزات وظهورها فی الخارج، فإذن لیست البیئة إلا عاملاً مساعداً للوراثة، حسب البحوث التجریبیة التی قام بها الاختصاصیون فی بحوث الوراثة.

وکیف کان قد أکد علماء الوراثة بدون تردد أن الأبناء والأحفاد یرثون معظم صفات آبائهم وأجدادهم النفسیة والجسمیة، وهی تنتقل إلیهم بغیر إرادة ولا اختیار، وقد جاء هذا المعنی صریحاً فیما کتبه الدکتور (الکسیس کارل) عن الوراثة بقوله: «یمتد الزمن مثلما یمتد فی الفرع إلی ما وراء حدوده الجسمیة, وحدوده الزمنیة لیست أکثر دقة ولا ثباتاً من حدوده الاتساعیة، فهو مرتبط بالماضی والمستقبل، علی الرغم من أن ذاته لا تمتد خارج الحاضر...

ص:17


1- (1) انظر: حیاة الإمام الحسین علیه السلام, الشیخ باقر شریف القرشی, ج 1 ص 43.

وتأتی فردیتنا کما نعلم إلی الوجود حینما یدخل الحویمن فی البویضة, ولکن عناصر الذات تکون موجودة قبل هذه اللحظة ومبعثرة فی أنسجة أبوینا وأجدادنا وأسلافنا البعیدین جداً لأننا مصنوعون من مواد آبائنا واُمَّهاتنا الخلویة, وتتوقف فی الماضی علی حالة عضویة لا تتحلل... ونحمل فی أنفسنا قطعاً ضئیلة لأعدادٍ من أجسام أسلافنا، وما صفاتنا ونقائصنا إلا امتداد لنقائصهم وصفاتهم»(1).

وقد اکتشف الإسلام - قبل غیره - هذه الظاهرة، ودلل علی فعالیتها فی التکوین النفسی والتربوی للفرد، وقد حث بإصرار بالغ علی أن تقوم الرابطة الزوجیة علی أساس وثیق من الاختیار والفحص عن سلوک الزوجین، وسلامتهما النفسیة والخلقیة من العیوب والنقص, وأشار القرآن الکریم إلی ما تنقله الوراثة من أدق الصفات. قال تعالی حکایة عن نبیه نوح علیه السلام:(وَ قالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَی الْأَرْضِ مِنَ الْکافِرِینَ دَیّاراً * إِنَّکَ إِنْ تَذَرْهُمْ یُضِلُّوا عِبادَکَ وَ لا یَلِدُوا إِلاّ فاجِراً کَفّاراً)2 . فالآیة دلت بوضوح علی انتقال الکفر والإلحاد بالوراثة من الآباء إلی الأبناء، وقد حفلت موسوعات الحدیث بکوکبة کبیرة من الأخبار التی اثِرَتْ عن أئمة أهل البیت علیهم السلام, وهی تدلل علی واقع الوراثة وقوانینها وما لها من الأهمیة البالغة فی سلوک الإنسان، وتقویم کیانه.

فإنّ ما اکتشفه علماء الوراثة الیوم، وتوصلوا إلیه بأبحاثهم الدقیقة من

ص:18


1- (1) الإنسان ذلک المجهول, الدکتور. الکسیس کارل, ص 202.

وجود موجودات صغیرة داخل الکروموسومات تنقل الصفات الوراثیة والتی أسموها (الجینات) لیس أمراً جدیداً ومبتکراً, فالقرآن والرسول الأعظم والأئمة الطاهرون علیهم السلام - الذین کانوا یکشفون الحقائق بنور الوحی والإلهام - لم یغفلوا أمر هذا القانون الدقیق. بل أشاروا إلیه وأطلق علی عامل الوراثة فیها اسم (العرق).

وبعبارة أوضح: إنّ المعنی الذی یستفیده علماء الوراثة الیوم من کلمة (الجینة) هو نفس المعنی الذی عبرت عنه الأخبار بکلمة (العرق) وعلی سبیل المثال نذکر بعض الروایات الواردة فی هذا المجال.

منها, عن النبی صلی الله علیه و آله قال:

«وانظر فی أی نصاب تضع ولدک فإن العرق دساس»(1). ومنها: عن النبی صلی الله علیه و آله:

(تزوجوا فی الحجز الصالح), أی الأصل والمنبت الصالح وهو کنایة عن العفة.

(فإن العرق دساس)(2) أی إدخال بالتشدید؛ لأنه ینزع فی خفاء ولطف, یقال دسست الشیء إذا أخفیته وأخملته, ومنه قوله تعالی:(وَ قَدْ خابَ مَنِ افْتَری) أی أخمل نفسه وأبخس حظها. وقیل: معنی دساس خفی قلیل وکل من أخفیته وقللته فقد دسسته(3). والمعنی: أنّ الرجل إذا تزوج فی منبت صالح یجیء الولد یشبه أهل الزوجة فی العمل والأخلاق ونحوهما وعکسه بعکسه.

ص:19


1- (1) مسند الشهاب, ابن سلامة, ج 1 ص 370.
2- (2) أنظر: النهایة فی غریب الحدیث, ابن الأثیر, ج 1 ص 345. ومیزان الحکمة, محمد الریشهری, ج 2 ص 1183.
3- (3) راجع: فیض القدیر شرح الجامع الصغیر, المناوی, ج 3 ص 317

وذلک حینما نراجع المعاجم اللغویة فی معنی کلمة (دساس) نجد أن بعضها - کالمنجد یعلق علی ذلک بالعبارة التالیة: «العرق دساس أی: أن أخلاق الآباء تنتقل إلی الأبناء»(1).

فهذان الحدیثان یتحدثان عن قانون الوراثة بصراحة, ویعبران عن العامل فیها ب - (العرق). فالنبی صلی الله علیه و آله: یوصی أصحابه بأن لا یغفلوا عن قانون الوراثة, بل یفحصوا عن التربة الصالحة التی یریدون أن یبذروا فیها، لکی لا یرث الأولاد الصفات الذمیمة.

ومنها: عن الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام قال:

«حسن الأخلاق برهان کرم الأعراق»(2).

وهذا الحدیث یثبت إمکان اکتشاف الطهارة العائلیة للفرد من السجایا الفاضلة عنده.

ومنها: حدیث محمد ابن الحنفیة ابن الإمام علی علیه السلام کان حامل اللواء فی حرب الجمل، فأمره علیٌّ علیه السلام بالهجوم، فأجهز علی العدو، لکن ضربات الأسنة ورشقات السهام منعته من التقدم فتوقف قلیلاً... وسرعان ما وصل إلیه الإمام وقال له: (احمل بین الأسنة) فتقدم قلیلاً ثم توقف ثانیة، فتأثر الإمام من ضعف ابنه بشدة فاقترب منه ووکزه بقائم سیفه وقال: أدرکک عرق من امِّک(3).

ص:20


1- (1) المنجد، مادة دس.
2- (2) غرر الحکم ودرر الکلم, للآمدی, ص 167.
3- (3) تتمة المنتهی, ص 17.

فهنا الحدیث یعطینا صورة عملیة عن الواقع الوراثی من لحاظ الجانب السلبی, وقد أثبت الإمام علیه السلام أن التراجع الذی ظهر واضحاً فی ابنه محمد لیس موروثاً منه علیه السلام؛ لأنه وآباءَهُ لم یعرفوا للتوقف معنی قط، فلا بد وأن یکون ذلک من أمه؛ لأنها لم تکن من الفضیلة بدرجة تکون معها بمنزلة الصدیقة الزهراء علیها السلام.

الصفات الوراثیة السلبیة

حذر علماء الاختصاص من انتقال الصفات الوراثیة السلبیة إلی الأبناء کالحمق والبلادة والبله فإنها تنتقل من الآباء والاُمَّهات إلی الأبناء، الأمر الذی یسبب أقسی أنواع شقاء المجتمع، فالفرد الأحمق یظل طوال سنی عمره أسیراً للحرمان العقلی وعدم النضج الفکری مما یسبب للأمة مشاکل عدیدة.

وقد توصل العلم الحدیث، بعد التجارب العدیدة والإحصائیات الدقیقة إلی خطر هذا النوع من الزواج، ولذلک أخذ العلماء یحذرون الناس منه بقولهم: «یجب أن یعلم کل فرد أن التزوج من الأسر المصابة بالجنون أو الحمق أو البلادة، أو الإدمان علی الخمرة یؤدی إلی تحطیم کیان المجتمع وهدم قانون التکاثر والتناسل، مما یجر معه سلسلة من المعایب والجرائم التی لا تحمد عقباها»(1).

ص:21


1- (1) نقلاً عن کتاب الطفل بین الوراثة والتربیة, الشیخ محمد تقی فلسفی, ج 1 ص 75.

وأیضاً لاحظ (کدار) فی إحصائیاته الدقیقة التی أجراها علی الأسر التی کان آباؤها أو امَّهاتها مصابین بضعف العقل وجود (470) طفلاً ضعیفی العقل منهم و (6) فقط سالمین وبدیهی أن إیجاد جیل منحط ومجرم وأبله یعد خیانة کبیرة(1).

وهذه الظاهرة لم یغفل عنها الشّرع الحنیف, فقد أدرک أخطارها فحذر المسلمین منها.

ولذا نری الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام یقول:

«إیاکم وتزوج الحمقاء، فأن صحبتها بلاء وولدها ضیاع»(2).

وأحسن تعبیر عن الأولاد الناتجین من آباء أو امَّهات مصابین بالحمق هو الضیاع.

وعن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر علیه السلام عن الخبیثة یتزوجها الرجل،

قال: لا، ثم قال: إنّ کان له أمة وطئها ولا یتخذها أم ولده(3).

الآثار الوراثیة لشرب الخمر

لقد انتشر شرب الخمر فی کثیر من دول العالم، وتکبلوا بهذا الداء الوبیل وأسراره, وهذا السم الفاتک لا یکتفی بتوجیه ضربات قاسیة إلی المدمنین علیه فقط، بل یتعداهم إلی أطفالهم البریئین ویجعلهم یرزحون تحت کابوس

ص:22


1- (1) راه ورسم زندکی, الکسیس کارل, ص 74.
2- (2) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 5 ص 354.
3- (3) االمصدر نفسه, ج 5 ص 353.

الأمراض والعوارض المختلفة, فقد تترک الخمرة آثاراً سیئة علی أجسام المدمنین علیها، ومن تأثیراتها فیهم إیجاد اختلالات فی خلایا المخ والأعصاب مما تجعلهم أناساً غیر اعتیادیین، ومما یبعث علی الأسف أن هذا الاختلال ینتقل إلی أولادهم، والنطف الحادثة من أناس مأسورین للخمرة تنتج أطفالاً منحرفین وغیر اعتیادیین فی سلوکهم وتفکیرهم, إنّ قسماً کبیراً من المجانین الذین یقضون حیاتهم فی مستشفیات المجانین یئنون من ویلات انحراف آبائهم. کما ورد ذلک عن المختصین والمهتمین بهذا الشأن حیث قالوا: «إن قلة الذکاء واختلال القوة العاقلة تنشأ من المشروبات الروحیة والسلوک المفرط فی جمیع جوانب الحیاة، إنه لا ریب فی وجود رابطة قویة بین استعمال المشروبات الروحیة والضعف العقلی فی مجتمع ما. ومن بین الدول المتقدمة علمیاً وصناعیاً نجد فرنسا أکثرها استعمالاً للخمرة فی حین أنها أقل تلک الدول حصولاً علی جوائز نوبل»(1).

وعلیه لاحظ الإسلام جمیع العوارض والویلات الناشئة من الخمرة، ونظر إلی آثارها السیئة فی المدمنین علیها وفی أولادهم، فلم یکتف بتحریم عصرها والتعامل بها وتعاطیها علی المسلمین من الجهة القانونیة فقط، بل حذر من الاتصال الجنسی والتناکح مع شاربی الخمر بکل صراحة, وهناک جملة من الشواهد الروائیة علی ذلک.

منها: عن أبی عبد الله علیه السلام قال:

قال رسول الله صلی الله علیه و آله: شارب الخمر لا

ص:23


1- (1) راجع: الطفل بین الوراثة والتربیة, الشیخ محمد تقی فلسفی, ج 1 ص 76.

یزوج إذا خطب(1).

ومنها: عن الإمام الصادق علیه السلام قال:

من زوج کریمته من شارب خمر، فقد قطع رحمها(2).

وبدیهی أن یعتبر إنجاب أطفال مختلین (بدنیاً وعصبیاً وروحیاً) قطعا لرحم المرأة التی بإمکانها أن تنجب أولاداً سالمین من غیره.

وغیرها من الروایات الواردة عن الأئمة المعصومین علیهم السلام فی هذا المجال، ولکن أشدها تحذیراً وأعظمها توبیخاً ما إذا حصل الاتصال الجنسی فی حالة السکر، کما یتضح ذلک من حدیث الإمام الصادق علیه السلام أنه قال:

«أیما امرأة أطاعت زوجها وهو شارب الخمر، کان لها من الخطایا بعدد نجوم السماء، وکل مولود تلد منه فهو نجس، ولا یقبل الله منها صرفاً ولا عدلاً حتی یموت زوجها، أو تخلع عنه نفسها»(3).

وقد نقل نص لأحد علماء الغرب بهذا الصدد عن الدکتور کاریل یقول: «إن سکر الزوج أو الزوجة حین الاتصال الجنسی بینهما یعتبر جریمة عظیمة، لأن الأطفال الذین ینشأون فی ظروف کهذه یشکون فی الغالب من عوارض عصبیة ونفسیة غیر قابلة للعلاج»(4).

ص:24


1- (1) تهذیب الأحکام, الشیخ الطوسی, ج 7 ص 398.
2- (2) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 5 ص 347.
3- (3) عوالی اللئالی, أبی جمهور الأحسائی, ص 267.
4- (4) راه زندکی, الکسیس کارل, ترجمة, دبیری, ص 91.

الأرحام الطاهرة

بالرغم من أن الأب والأم کلیهما یشترکان فی صنع الخلیة الأولی للطفل ویتساوی دورهما فیه (ولهذا نجد أن الأطفال یکتسبون بعض صفاتهم من آبائهم وبعضها من امَّهاتهم) لکن الرحم هو الذی یصنع الطفل ویخرج تلک الذرة الصغیرة بصورة إنسان کامل. وإن جمیع الاستعدادات التی کانت کامنة فی تلک الخلیة الأولیة تظهر إلی عالم الفعلیة فی رحم الأم کما تقدم. إذن فالمقدرات التفصیلیة للطفل من الصلاح والفساد، والجمال والقبح، والنواقص والکمالات الظاهریة والباطنیة کلها تخطط فی الرحم, فهناک مئات التفاعلات والتأثیرات الاختیاریة والاتفاقیة تمرُّ فی طریق أصلاب الآباء وأرحام الاُمَّهات، وتؤثر فی الأطفال بصورة خفیة حیث تظهر نتائجها جمیعا فی الرحم, والرحم هو آخر مراحل التأثیرات المختلفة الطارئة علی تکوین الطفل، وعند عبوره هذه المرحلة یبدأ الحیاة علی الأرض.

إذن فالسعادة والشقاء التکوینیّان للإنسان یجب البحث عنهما فی آخر المراحل وهو رحم الأم, ولهذا نجد الرسول الأعظم والأئمة الطاهرین علیهم السلام (بالرغم من عنایتهم الشدیدة بالتأثیر المشترک لأصلاب الآباء وأرحام الاُمَّهات حول سعادة الطفل وشقائه) یوجهون جل اهتمامهم إلی رحم الأم فیقولون:

«السعید سعید فی بطن أمه، والشقی شقی فی بطن أمه»(1).

ولهذا السبب اعتبرت الروایات رحم الأم هو الملاک فی السعادة والشقاء،

ص:25


1- (1) شرح أصول الکافی, صالح المازندرانی, ج 1 ص 232.

وأغفلت ذکر صلب الأب من حیث إنّه لا مندوحة لنا من القول بأن دور الأم فی بناء الطفل یفوق دور الأب بکثیر. نعم لو اکتفینا بملاحظة دور الأب والأم فی تلقیح البویضة بواسطة الحیمن لإیجاد الخلیة الأولی للطفل لکانا متساویین فی ذلک الدور، إلا أن الواقع من أن الأم تتحمل فی دور الحمل مسؤولیة کبیرة وبالخصوص فیما یتعلق بأسلوب تغذی الأم ونوعه.

فإنّ دور الآباء فی البناء الطبیعی للطفل ینتهی بعد انعقاد النطفة وحصول التلقیح، لکن دور الأم یستمر طیلة أیام الحمل، فالطفل یتغذی من الأم، ویأخذ منها جمیع ما یحتاجه فی بنائه. ولهذا فإن لسلامة الأم ومرضها، طهارتها ورذالتها، سکرها وجنونها... أثراً مباشراً فی الجنین. وأشار إلی ذلک کاریل: «إنّ الأب والأم یساهمان بقدرٍ متساوٍ فی تکوین نواة البویضة التی تولد کل خلیة من خلایا الجسم الجدید ولکن الأم تهب علاوة علی نصف المادة النوویة کل البروتویلازم المحیط بالنواة، وهکذا تلعب دوراً أهم من دور الأب فی تکوین الجنین».

وقال أیضا: «إنّ دور الرجل فی التناسل قصیر الأمد. أما دور المرأة فیطول إلی تسعة أشهر, وفی خلال هذه الفترة یغذی الجنین بمواد کیمیاویة ترشح من دم الأم من خلال أغشیة الخلاص»(1).

إنّ الطفل أشبه ما یکون بعضو من أعضاء الأم تماماً، عندما یکون فی بطنها, وجمیع العوامل التی تؤثر فی جسد الأم وروحها تؤثر فی الطفل أیضا. وهذا بخلاف ما إذا ابتلی أب بعد انعقاد النطفة - بشرب الخمرة أو العوارض الأخری

ص:26


1- (1) أنظر: الإنسان ذلک المجهول, الکسیس کارل, ص 79.

فإنها لا تؤثر فی الطفل، لأن صلة الطفل بأبیه إنما تکون ثابتة إلی حین انعقاد النطفة فقط، لکن صلة الأم تستمر لمدة تسعة أشهر، وعلیه فإذا أقدمت الأم - فی أیام الحمل - علی شرب الخمر فإن الجنین یسکر ویتسمم أیضا.

فإن أحد أسباب سلامة هیکل الطفل ورشاقة قوامه أو عدمها فی أیام الحمل یتعلق بالغذاء الذی تتناوله الأم وهی حامل. وکذلک الغذاء الذی کان یتناوله الأب قبل انعقاد النطفة.

آثار الأرحام الملوثة

توجد بین النساء الملوثات بالانحرافات الجنسیة طائفة معلنة بالفجور لا تملک الإیمان کی یراقبن الخوف من الله ولا تملک سمعة حسنة فی المجتمع کی یخفن من انفضاح الأمر، ولذلک یرتکبن الزنا من دون اکتراث, ولا یرین فرقاً بین الاتصال القانونی وغیر القانونی.

وقد حذر الإسلام الحنیف من هذه الشریحة الملوثة, کما ورد عن الحلبی قال: قال أبو عبد الله علیه السلام

«لا تتزوج المرأة المعلنة بالزنا ولا تزوج الرجل المعلن بالزنا إلا أن یعرف منهما التوبة»(1).

وهناک بعض النساء یتزوجن ولکن نفوسهن القذرة الدنیئة تمیل إلی الرجال الأجانب، ومن الممکن أن ترتکب الزنا بالرغم من أنها ذات زوج وتستفید من ذلک لأنها تجعل الزوج حصناً منیعاً أمام التهم الاجتماعیة. إن ما لا شک فیه أن

ص:27


1- (1) الاستبصار, الشیخ الطوسی, ج 3 ص 168

هذه المرأة مصابة بالانحراف النفسی وحتی إذا حملت من زوجها القانونی، فإن الطفل بالرغم من کونه قانونیاً حسب المقررات الشرعیة ولکنه من جهة الانحراف الروحی والفساد النفسی لا یقل عن ولد الزنا، إذ أن الطفل یرث الصفات الرذیلة من أمه فهو ینزع إلی الإجرام والخروج علی القانون. ونأخذ لذلک مثالاً: کان الحجاج بن یوسف الثقفی فرداً غیر طبیعی، وخطراً فی نفس الوقت، والتاریخ أحصی له جرائم وجنایات عظیمة سودت وجه البشریة, فقد بلغ عدد من قتله الحجّاج صبراً فی غیر حروبه مئة وعشرین ألفاً. وعندما توفی خلَّف فی محبسه خمسین ألف رجل, وثلاثین ألف امرأة, وکان حبسه لا یکنّهم من برد ولا حرّ, ویسقون الماء مشوباً بالرماد(1). ومن طرائفه المُبکیة قالوا عندما أخذه السل وهجره النوم أحضر منجماً فسأله: هل تری ملکاً یموت؟ قال: نعم أری ملکاً یموت ولکن أسمه کُلیب, فقال: بذلک سمّتنی أُمی, قال المنجم کذلک تدل علیه النجوم, قال الحجّاج: فلأُقدمنّک أمامی, ثم أمر به فضربت عنقه, ثم مات الحجاج(2). فإنّ مما لا شک فیه أنّ عوامل عدیدة تدخلت فی انحراف سلوک هذا الإنسان مما جعلته خطراً وشریراً إلی هذه الدرجة، ومن الممکن أن قسطاً وافراً من ذلک یرجع إلی روح أمّه المنحرفة. حیث أنّ امَّ الحجاج التی أسمها (فارغة) کانت زوجة (للمغیرة بن شعبة) قبل أن تتزوج یوسف الثقفی, وکان عمر بن الخطاب یسیر فی أزقة المدینة فی بعض اللیالی... فسمع امرأة تغنی فی أحد البیوت وتنشد البیت الآتی:

ص:28


1- (1) راجع: موسوعة التأریخ الإسلامی, الیوسفی الغروی, ج 6 ص 518.
2- (2) تاریخ مختصر الدول, ابن العربی, ص 113.

هل من سبیل إلی خمر فأشربها أم من سبیل إلی نصر بن حجاج؟

فتأثر عمر من هذا البیت، وساءه أن تکون فی عاصمة حکومته امرأة تترنم بغرام شاب أجنبی بالرغم من أنها متزوجة، فأحضر النصر بن الحجاج (وکان شاباً جمیلاً) فحلق رأسه وسفّره إلی البصرة(1).

إنّ المرأة المحصنة التی تفکر فی رجل أجنبی وتتمنی معاقرة الخمر والوصول بالنصر بن حجاج إذا حملت من زوجها القانونی نطفة فإنّ انحرافها سیؤثر فی نفس طفلها قطعاً. وأیضا المرأة التی لا تفهم لاحترام القوانین الإلهیة والتعالیم الدینیة معنی لا یستغرب منها أن تلد طفلاً مثل الحجاج فی فساده وانتهاکه حریم الناس وأرواحهم وأموالهم.

فقد أثبت الواقع الاجتماعی والواقع العلمی بدراساته المستفیضة الأثر الحاسم للوراثة والمحیط الاجتماعی فی تکوین الطفل ونشوئه، وانعکاسات الوراثة والمحیط علیه فی جمیع جوانبه الجسدیة والنفسیة، فأغلب الصفات تنتقل من الآباء والاُمَّهات والأجداد إلی الأبناء، کالذکاء والاضطراب السلوکی وانفصام الشخصیة والأمراض العقلیة والانضباط الذاتی، وصفات التسامح والمرونة، فیکونون وسطاً مساعداً للانتقال أو یکون فی الأبناء الاستعداد للاتصاف بها، إضافة إلی انعکاس العادات والتقالید علی الأبناء نتیجة لتکرر الأعمال، ومن هنا أکد الإسلام علی الزواج الانتقائی، أی بانتقاء الزوجین من أسرة صالحة وبیئة صالحة.

ص:29


1- (1) تاریخ مدینة دمشق, ابن عساکر, ج 40 ص 275.

اختیار الزوجة

راعی الإسلام فی تعلیماته لاختیار الزوجة الجانبین: الجانب الوراثی الذی انحدرت منه المرأة، والجانب الاجتماعی الذی عاشته. ولهذین الجانبین دور کبیر فی انعکاسه علی سلوکها وسیرتها، کما کشف ذلک رسول الله صلی الله علیه و آله حیث قال:

اختاروا لنطفکم فان الخال أحد الضجیعین(1).

فالرسول الأکرم یؤکد علی اختیار الزوجة من الأسر التی تحمل الصفات النبیلة، لتأثیر الوراثة علی تکوین المرأة وعلی تکوین الطفل الذی تلده، وکانت سیرته قائمة علی هذا الأساس، فاختار خدیجة فأنجبت له أفضل النساء فاطمة علیهاالسلام، وتبعه فی السیرة هذه أهل البیت علیهم السلام فاختاروا زوجاتهم من الأسر الکریمة, أو التی حظیت برعایة وتربیة إلهیة کما سیأتی. وإلی جانب الانتقاء علی أسس الوراثة، أکد الإسلام علی انتقاء الزوجة من المحیط الاجتماعی الصالح الذی أکسبها الصلاح وحسن السلوک، وفی نفس الوقت حذر من المحیط غیر الصالح الذی تعیشه، فحذر من الزواج من الحسناء المترعرعة فی منبت السوء فقال صلی الله علیه و آله:

إیاکم وخضراء الدمن(2) قیل: یا رسول الله وما خضراء الدمن؟ قال:

المرأة الحسناء فی منبت السوء(3).

وغیرها من الروایات الکثیرة فی هذا المجال وأکدت هذه الروایات علی

ص:30


1- (1) تهذیب الأحکام, الشیخ الطوسی, ج 7 ص 402.
2- (2) الدمن: البعر. تقول: والماء متدمن، إذا سقطت فیه أبعار الغنم والإبل. الصحاح, الجوهری, ج 5 ص 2114.
3- (3) الکافی, الکلینی, ج 5 ص 332.

أن یکون التدین مقیاساً لاختیار الزوجة، وکان رسول الله صلی الله علیه و آله یشجع علی ذلک، فقد أتاه رجل یستأمره فی الزواج فقال:

علیک بذات الدین تربت یداک(1).

وقدّم الإمام الصادق علیه السلام اختیار التدین علی المال والجمال, فقال:

إذا تزوج الرجل المرأة لجمالها أو مالها وکل إلی ذلک وإذا تزوجها لدینها رزقه الله الجمال والمال(2).

فالمرأة المنحدرة من سلالة طاهرة ومن أسرة صالحة وکان التدین صفة ملازمة لها، فانّ سیر الحرکة التربویة یتقدم أشواطاً إلی الأمام، وتکون تربیتها للأطفال منسجمة مع القواعد التی وضعها الإسلام فی شؤون التربیة، فیکون المنهج التربوی المتبع متفقاً علیه من قبل الزوجین، لا تناقض فیه ولا تضاد، وتکون الزوجة حریصة علی إنجاح العملیة التربویة وتعتبرها تکلیفاً شرعیاً قبل کل شیء، وهذا التکلیف یجنبها عن أی ممارسة سلبیة مؤثرة علی النمو العاطفی والنفسی للأطفال.

ولو نظرنا إلی صفة الکرم والجود التی احتوتها نفس حاتم الطائی لرأینا أنّه ورثها من أمه عنترة بنت عفیف بن عمرو بن امرئ القیس, فقد ذکر المؤرخون أنّها لا تمسک شیئاً, سخاءً وجوداً، وکان إخوتها یمنعونها فتأبی، وکانت امرأة موسرة، فحبسوها فی بیت سنة یطعمونها قوتها لعلها تکف عما تصنع، ثم

ص:31


1- (1) المصدر نفسه.
2- (2) المصدر نفسه, ج 5 ص 333.

أخرجوها بعد سنة، وقد ظنوا أنها قد ترکت ذلک الخلق، فدفعوا إلیها صرمة(1) من مالها وقالوا استمتعی بها. فأتتها امرأة من هوازن وکانت تغشاها فسألتها، فقالت: دونک هذه الصرمة، فقد والله مسنی من الجوع ما آلیت أن لا أمنع سائلا، ثم أنشأت تقول:

لعمری لقدما عضنی الجوع عضة فآلیت ألا أمنع الدهر جائعا

فقولا لهذا اللائمی الیوم أعفنی وإن أنت لم تفعل فعض الأصابعا

فماذا عساکم أن تقولوا لأختکم سوی عذلکم أو عذل من کان مانعا

وماذا ترون الیوم إلا طبیعة فکیف بترکی یا بن أمی الطبائعا(2)

طهارة امَّهات الأئمة

نستخلص مما تقدم أنّ اهتمام الهدی السماوی فی شؤون الأم, وکشفه عن مدی أهمیتها وخطورتها وما تعکسه بالنسبة إلی الأبناء, والذی یلزم أن یکون هذا الوعاء طاهراً خالیاً من الشوائب والأدناس کی یخرج منه الجیل الصالح الذی یسعد البشریة وتتحقق منه أهداف الإنسانیة, فلا نستغرب عندما نری اختصاص امَّهات الأئمة الأطهار علیهم السلام قد حظین بالأدب والتربیة الإلهیة, وما أوعزته السماء من اهتمام کبیر فی رعایة هذه الأوعیة التی کانت مضاجع لخیر الخلق وحملة الرسالة الإلهیة, وهذا معتقد مسلّم عندنا (أشهد أنک کنت نوراً فی الأصلاب

ص:32


1- (1) الصرمة: القطیع من الإبل, والفرقة من الغنم. وقیل الصرمة: مابین العشرة الی الأربعن من الإبل. راجع: لسان العرب, ابن منظور, ج 8 ص 196.
2- (2) السیرة النبویة, ابن کثیر, ج 1 ص 114.

الشامخة والأرحام المطهرة)(1), وهذه الطهارة والصفات الایجابیة التی حوتها أمّ المعصوم علیهاالسلام لم تکن ولیدة الفترة المتأخرة أو المزامنة باقترانها بالإمام علیه السلام, حیث ربما یقال أنّه لا یشترط أن تکون أُم الإمام المعصوم علیهاالسلام طاهرة وکاملة فی بدایة أمرها, وإنما یکون ذلک بعد دخولها الإسلام وقد تابت وأحسنت توبتها وحصلت علی الطهارة والصفات العالیة.

قلنا: صحیح أنّ التائب من الذنب کمن لا ذنب له, لکن هذا لا یرفع الآثار التکوینیة والمخلفات النفسیة والجسدیة, نعم یصح أن نقول یرتفع عنه العقاب الأخروی بحسب تطبیق موازینه وإجراء أحکامه, وإنما تبقی الآثار التکوینیة فی الجسد والنفس جراء تلک الذنوب وممارسة المنکرات, ویمکن أن نقرب ذلک بمثال: من قبیل لو شرب الإنسان الخمرة وبعد الشرب مباشرة أدرکته الرحمة الإلهیة وتاب توبة نصوحة فلا تجدیه هذه التوبة عن ترتب الآثار التکوینیة (السکر) حیث یصاب بالسکر والغثیان وتترتب علیه کل الآثار الجسدیة والنفسیة, نعم کل ما هنالک یرتفع عنه العقاب الأُخروی فی حال قبول التوبة, وهنا لو فرضنا أنّ أمّ المعصوم علیه السلام کانت تزاول وتمارس المنکر قبل اقترانها بالإمام علیه السلام, بلا شک یبقی أثره فی جسمها ونفسها ولا تصلح أن تکون وعاءً وحجراً للمعصوم؛ لأنه سینعکس علیه جملة من الآثار السلبیة جراء تلوث جسد ونفس الأم, کما تقدمت الإشارة إلیه من الناحیة العلمیة والشرعیة, فعلیه لابد أن تکون أمّ المعصوم علیهاالسلام خالیة من الشوائب والآثار السلبیة لاسیما من اللحاظ الجسدی

ص:33


1- (1) مصباح المتهجد, الطوسی, ص 721.

والنفسی فی کل أطوار حیاتها, فلابد أن تکون لأم المعصوم درجة رفیعة فی مجال التکامل النفسی والطهارة الروحیة بحیث تجعلها أهلاً لحمل السر الإلهی الذی لولاه لساخت الأرض بأهلها، والنور الربانی الذی أودع فی الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة، فلها إذن درجة ترتفع بصاحبها عن مردیات الهوی، ومهلکات النفس، وتسمو به عالیاً نحو المقصود الکلی والوجود الأزلی، من هنا کان اختیار أم المعصوم محفوفاً بألطاف جلیة، ورعایة إلهیة، ومعاجز ربانیة لذلک جاءت جملة من الروایات تکشف لنا اهتمام السماء فی باُمَّهات المعصومین علیهم السلام, حیث نجد أنّ من ألقاب فاطمة الزهراء علیهاالسلام (البتول): وذلک لأنها لم ترَ الحیض, کما فسّره النبی الأکرم صلی الله علیه و آله عندما سئل عن معناه فقال صلی الله علیه و آله:

هی المرأة التی لم تحض ولم تر حمرة قط وإنّ الحیض مکروه فی بنات الأنبیاء علیهم السلام(1).

وقد رُویَ عنهم علیهم السلام أن سبیل امَّهات الأئمة علیهم السلام سبیل فاطمة علیهاالسلام فی ارتفاع الحیض عنهن. وهذا مما تمیزت به امَّهات أئمتنا علیهم السلام من سائر النساء لأنه لم یصح فی واحدة من جمیع النساء حصول الولادة مع ارتفاع الحیض عنها سواهن تخصیصاً لهن لمکان أولادهن المعصومین صلوات الله علیهم أجمعین(2).

فالمتتبع لقصة أسر شهر بانویه، کما ستأتی فی محلها, واختیارها للإمام الحسین علیه السلام من دون الرجال، وتقریظ أمیر المؤمنین علیه السلام لها بقوله للحسین علیه السلام. (لیلدن لک منها خیر أهل الأرض)، لا یخفی علیه عمق التسدید الإلهی، والإعداد

ص:34


1- (1) معانی الأخبار, الصدوق, ص 64.
2- (2) تاج الموالید, الشیخ الطبرسی, ص 20

الربانی للحادثة.

ویحدثنا الصادق علیه السلام عن حمیدة أم الإمام الکاظم علیه السلام فیقول:

حمیدة مصفاة من الأدناس، کسبیکة الذهب، ما زالت الأملاک تحرسها حتی أدیت إلی، کرامة من الله لی والحجة من بعدی(1). وفی هذا الحدیث دلالة واضحة علی أنّ أمّ المعصوم علیهاالسلام تعیش تحت الحراسة والرعایة الإلهیة منذ البدء, حیث وَکَّلَ الله تعالی أملاکاً تحرسها وتدرأ عنها شوائب الأقذار؛ وذلک لکی تکون الوعاء المناسب للحجة علیه السلام.

وأیضا ذکر أبو عبد الله الصادق علیه السلام جدته أم أبیه فقال علیه السلام:

کانت صدیقة لم تدرک فی آل الحسن امرأة مثلها(2). وهذا یعنی أنها کانت منذ البدء کاملة طاهرة.

وقد ذکر ابن مهزیار عن الإمام الهادی علیه السلام یصف أمه قائلا:

أمی عارفة بحقی وهی من أهل الجنة، لا یقربها شیطان مارد، ولا ینالها کید جبار عنید، وهی مکلوءة بعین الله التی لا تنام، ولا تختلف عن امَّهات الصدیقین والصالحین(3).

وهکذا کل امَّهات الأئمة طاهرات مطهرات مصطفیات، لجلیل ما یحملن، وعظیم ما اختیر لهن.

ص:35


1- (1) الکافی, الکلینی, ج 1 ص 477.
2- (2) المصدر نفسه, ج 1 ص 469.
3- (3) الأنوار البهیة, الشیخ عباس القمی, ص 273.

من آثار الحمل بالمعصوم

من أشد المصاعب والآلام التی تمر بها الأم وتعکر علیها صفوة حیاتها, هی فی حال حملها بجنینها حیث تعتریها أزمات وأعراض جانبیة, نفسیة کانت أم جسدیة, بالإضافة إلی الثقل وغیره, نعم ربما یختلف ذلک بین امرأة وأخری اختلافاً بسیطاً, ولکنْ هناک فرقٌ شاسعٌ فی حمل امَّهات الأئمة بالمعصوم علیه السلام یختلف عن حمل باقی النساء من لحاظ الخفة والغشیان وما إلیها من الکرامات, کما نقل بأسانید معتبرة عن الصادق علیه السلام قال:

ذا حملت بهم امَّهاتهم أصابها فترة شبه الغشیة، فأقامت فی ذلک یومها ذلک إن کان نهاراً، أو لیلتها إن کان لیلاً، ثم تری فی منامها رجلاً یبشرها بغلام، علیم حلیم، فتفرح لذلک، ثم تنتبه من نومها، فتسمع من جانبها الأیمن فی جانب البیت صوتاً یقول: حملت بخیر وتصیرین إلی خیر وجئت بخیر، أبشری بغلام، حلیم علیم، وتجد خفة فی بدنها ثم لم تجد بعد ذلک امتناعاً من جنبیها وبطنها, فإذا کان لتسع من شهرها سمعت فی البیت حساً شدیداً، فإذا کانت اللیلة التی تلد فیها ظهر لها فی البیت نور تراه لا یراه غیرها إلا أبوه، فإذا ولدته ولدته قاعداً وتفتحت له حتی یخرج متربعاً یستدیر بعد وقوعه إلی الأرض، فلا یخطئ القبلة حیث کانت بوجهه، ثم یعطس ثلاثاً یشیر بأصبعه بالتحمید ویقع مسروراً مختوناً ورباعیتاه من فوق وأسفل وناباه وضاحکاه ومن بین یدیه مثل سبیکة الذهب نور ویقیم یومه ولیلته(1).

ص:36


1- (1) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 1 ص 387.

أسماء المعصومین واُمَّهاتهم فی صحیفة الزهراء علیهاالسلام

لم تکن أسماء وألقاب أهل البیت علیهم السلام وحتی ذکر أسماء امَّهاتهم ولیدة عصرها, بل هی سابقة فی علم الله ومعرفة أولیائه والمقربین لهم, وهذه واحدة من الروایات التی تذکر ذلک مفصلاً, وکان مدوناً فی صحیفة الزهراء علیهاالسلام, کما ورد عن أبی نضرة قال: لما احتضر أبو جعفر محمد بن علی الباقر علیهماالسلام عند الوفاة دعا بابنه الصادق علیه السلام لیعهد إلیه عهداً فقال له أخوه زید بن علی علیه السلام: لو امتثلت فی تمثال الحسن والحسین علیهماالسلام لرجوت أن لا تکون أتیت منکراً فقال له: یا أبا الحسن إن الأمانات لیست بالتمثال ولا العهود بالرسوم وإنما هی أمور سابقة عن حجج الله عز وجل ثم دعا بجابر بن عبد الله فقال: له یا جابر حدثنا بما عاینت من الصحیفة فقال له جابر: نعم یا أبا جعفر دخلت علی مولاتی فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه و آله لأهنئها بمولودها الحسین علیه السلام فإذا بیدیها صحیفة بیضاء من دره فقلت لها: یا سیدة النساء ما هذه الصحیفة التی أراها معک؟ قالت: فیها أسماء الأئمة من ولدی قلت لها: ناولینی لأنظر فیها قالت: یا جابر لولا النهی لکنت افعل لکنه قد نهی أن یمسها إلا نبی أو وصی نبی أو أهل بیت نبی, ولکنه مأذون لک أن تنظر باطنها من ظاهرها قال جابر: فإذا أبو القاسم محمد بن عبد الله المصطفی أمه آمنة, أبو الحسن علی بن أبی طالب المرتضی أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف, أبو محمد الحسن بن علی البر, أبو عبد الله الحسین بن التقی, أمهما فاطمة بنت محمد, أبو محمد علی بن الحسین العدل أمه شهربانو بنت یزدجرد, أبو جعفر محمد بن علی الباقر أمه أم عبد الله بنت الحسن بن علی بن أبی طالب علیه السلام, أبو

ص:37

عبد الله جعفر بن محمد الصادق وأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبی بکر, أبو إبراهیم موسی بن جعفر أمه جاریة اسمها حمیدة المصفاة, أبو الحسن علی بن موسی الرضا أمه جاریة اسمها نجمة, أبو جعفر محمد بن علی الزکی أمه جاریة اسمها خیزران, أبو الحسن علی بن محمد بن الأمین أمه جاریة اسمها سوسن, أبو محمد الحسن بن علی الرفیق أمه جاریة اسمها سمانة, وتکنی أم الحسن, أبو القاسم محمد الحسن هو حجة الله القائم أمه جاریة اسمها نرجس صلوات الله علیهم أجمعین(1).

إهمال التاریخ لاُمَّهات الأئمة علیهم السلام

هناک عدة عوامل وقفت عائقاً أمام الحدیث عن ذکر خصوصیات امَّهات الأئمة علیهم السلام بشکل مفصل، أو لا أقل بما یلیق بشأنهنَّ ومقامهنَّ السامی الذی أوصلهنَّ، بأن یکنَّ وعاءً وحجراً لخیر أهل الأرض فی زمانه, فهن یعشنَّ فی بحر من الکرامات والمعاجز, وربّما من تلک العوامل هی أن التأریخ عاش وترعرع فی أحضان أعداء أهل البیت علیهم السلام ومن الواضح لا تسنح الظروف الراهنة آنذاک فی نشر فضائل أهل البیت علیهم السلام سواء کان من جهة الآباء أو الاُمَّهات, نعم هناک مواقف وکرامات فرضت نفسها علی التاریخ واُختزلَتْ فی أذهان الناس وانتشرت فی ربوع المعمورة وغالبا ما یتأتی هذا من جهة الرجال دون النساء لما تحیطها من ظروف اجتماعیة وغیرها.

ص:38


1- (1) عیون أخبار الرضا علیه السلام, الشیخ الصدوق, ج 2 ص 47. والاحتجاج, الطبرسی, ج 2 ص 137.

وأیضاً من العوامل التی تقف حائلاً دون ذلک, تحجیم دور المرأة فی المجتمع حینذاک ولم تحظَ بمکانة بینهم فی جمیع الأصعدة, ولا نبالغ حینما نقول عانت المرأة خلال العصور التاریخیة المختلفة ألواناً من الظلم والاضطهاد والتعسف فی جمیع مراحل التاریخ، وذلک أنّ المرأة کانت فی کثیر من المجتمعات شخصیة غیر مستقلة فی جمیع الحقوق الاقتصادیة والسیاسیة والاجتماعیة، فکانت المرأة تعامل معاملة الکائن غیر المستقل، وکانوا یستثمرونها بشکل فظیع قریب من حالة التوحش, وبلغ وضع المرأة من الانحطاط بحیث إن صاحبها کان یستفید منها للارتزاق أحیاناً، فیعرضها للإیجار, بما کان یعانیه هؤلاء من فقر حضاری وفقر مادی جعل منهم قساة لا یتورعون عن ارتکاب جریمة (الوأد) بحق الأنثی. نعم مع ظهور الإسلام وانتشار تعالیمه السامیة، دخلت حیاة المرأة مرحلة جدیدة بعیدة کل البعد عما سبقها, ففی هذه المرحلة أصبحت المرأة مستقلة ومتمتعة بکل حقوقها الفردیة والاجتماعیة والإنسانیة, لکن بقیت هذه الرواسب الجاهلیة کامنة فی أذهان الکثیر لاسیما المتغطرسین والمتسلطین علی رقاب الناس ما یمنع من نشر فضائل النساء اللاتی خصَّهُنَّ الله بالکرامة والتقدیر, والتی فیها مواقف مشرّفة تبیض فیها وجه الإنسانیة والتاریخ, ولنأخذ مثالاً مختصراً علی بعض المواقف الخالدة من بعض النساء الشامخات, قال المدائنی أتی عبید الله بن زیاد بامرأة من الخوارج فقطع رجلها وقال لها کیف ترین فقالت إن فی الفکر فی هول المطلع لشغلاً عن حدیدتکم هذه ثم قطع رجلها الأخری وجذبها فوضعت یدها علی فرجها فقال لتسترینه فقالت لکن سمیة

ص:39

أمک لم تکن تستره(1).

وکذلک من العوامل المهمة أیضاً التی حالت دون وصول تاریخ وفضائل امَّهات الأئمة المعصومین علیهم السلام هی إحراق وإتلاف مکتبات وتراث الشیعة فی مرّ العصور لاسیّما فی العصور القدیمة والقریبة من عصر الأئمة علیهم السلام, کحرق مکتبة الشیخ الطوسی رحمه الله والتی تعد من أکبر المکتبات فی زمانها, وما حدث علی ید التتار عند دخولهم بغداد من إحراق المکتبات وإلقاء الکتب فی نهر دجلة حتی أسودَّ ماؤه. وأیضا ما جری فی إحراق المکتبات الشیعیة فی مصر علی أیدی الأیوبیین. ولنأخذ مثالاً لما جری علی الکتب والتراث الشیعی آنذاک, ذکروا أنّ طغرل بک أول ملوک السلاجقة لما ورد بغداد فی سنة (447 ه -) وشن حملته المشهورة علی الشیعة أمر بإحراق مکتبتهم التی أسسها أبو نصر سابور بن أردشیر وزیر بهاء الدولة البویهی فی محلة (بین السورین) فی کرخ بغداد سنة (381 ه (. وقد کانت من دور العلم المهمة فی بغداد بناها هذا الوزیر الجلیل والأدیب الفاضل علی مثال بیت الحکمة الذی بناه هارون الرشید کما ذکر فی ترجمته, وقد جمع فیها هذا الوزیر ما تفرق من کتب فارس والعراق، واستکتب تألیف أهل الصین والروم ونافت کتبها علی عشرة آلاف، من جلائل الآثار ومهام الأسفار، وأکثرها نسخ الأصل بخطوط المؤلفین، ولم یکن فی الدنیا أحسن کُتباً منها، کانت کلها بخطوط الأئمة المعتبرة وأصولهم المحررة. وکان من جملتها مئة مصحف بخط ابن مقلة(2).

ص:40


1- (1) بلاغات النساء, ابن طیفور, ص 140.
2- (2) أنظر: الصراط المستقیم, علی بن یونس العاملی, ج 2 ص 21.

فنفهم من هذا وغیره أنّ کثیراً من العلوم القیمة لاسیما المرتبطة بأهل البیت علیهم السلام (لیس فقط سیرة وفضائل امَّهات الأئمة علیهم السلام) قد اتلِفَتْ وأحرقت من قبل المجرمین وحرموا منها الإنسانیة أن تواصل مسیرها فی العلم والکمال والإرشاد نحو مستقبل زاهر, هذا إضافة ما جری علی الشیعة من سفک دمائهم ومصادرة أموالهم وما إلیه والحدیث فی ذلک ذو شجون.

فتحصل أنّ هذا هو الآخر من الأسباب التی حالت دون وصول فضائل وکرامات وتاریخ امَّهات الأئمة المعصومین علیهم السلام, فربما کانت قد أحصیت ودونت من قبل العلماء حینذاک کثیر مما یرتبط باُمَّهاتهم علیهم السلام من فضائل وسیرة وغیرهما ولکن أتلفت وأحرقت مع باقی الکتب القیمة. ویؤیده ما ذکر فی الاتهام الباطل لأم الإمام الجواد علیه السلام (کما سیأتی فی محله)... ثم قال علیه السلام:

یا عم، ألم تسمع أبی وهو یقول: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: بأبی ابن خیرة الإماء ابن النوبیة الطیبة الفم، المنتجبة الرحم... الخ(1).

فنفهم من هذا أنّ طهارة ونزاهة أم المعصوم علیه السلام کانت واضحة فی أذهان غیر المعصوم أیضاً, لذلک الإمام الرضا علیه السلام أخذ یذکر عمه بما قاله النبی صلی الله علیه و آله بحق زوجته السیدة خیزران. فهناک اهتمام من قبل النبی صلی الله علیه و آله وأهل البیت علیهم السلام فی بیان مزایا وصفات امَّهات المعصومین علیهم السلام ولکن حال دون وصوله الجهل والتخلف والطغیان.

ص:41


1- (1) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 1 ص 323.

ص:42

الفصل الأول: آمنة بنت وهب امُّ النبی الخاتم صلی الله علیه وآله وسلم

اشارة

ص:43

ص:44

النسب الطاهر

هی السیدة آمنه بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن کلاب بن مرة بن کعب بن لؤی بن غالب بن فهر بن مالک بن النضر بن کنانة بن خزیمة بن مدرکة ابن إلیاس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان(1).

ووهب بن عبد مناف (أبو آمنة أم رسول الله صلی الله علیه و آله) من قریش وهو سید بنی زهرة قبل الإسلام. وکانت کنیته أبا کبشة، فلما ظهر النبی صلی الله علیه و آله وناوأته قریش کانوا ینسبونه إلیه، فیقولون: قال ابن أبی کبشة، وفعل ابن أبی کبشة. وفی وهب یقول أحد معاصریه:

یا وهب یابن الماجدین زهره سدت کلابا - کلها - ابن مره

بحسب زاک وأم حره(2)

ولا یُعلَمُ أنه أکان لآمنة أخ فیکون خالاً للنبی صلی الله علیه و آله أم لا، ولکنَّ بنی زهرة یقولون: نحن أخوال رسول الله صلی الله علیه و آله، لأن آمنة منهم وأقارب الأم أخوال، وقد کانت أفضل امرأة فی قریش نسباً وموطناً، ویؤخذ من اللهجة التی کانت تتکلم بها السیدة آمنة أن أصلها من المدینة.

ص:45


1- (1) تاریخ الموالید, الطبرسی, ص 4.
2- (2) أنظر: الأعلام, خیر الدین الزرکلی, ج 8 ص 125.

وورد فی لسان العرب: أن بنی زهرة حی من قریش أخوال النبی صلی الله علیه و آله، وهو اسم امرأة کلاب بن مرة بن کعب بن لؤی بن غالب بن فهر، نسب ولده إلیها. وقد سمت زاهراً وأزهر وزهیراً(1).

وهناک قول آخر هو أقرب للصحة, کما نقل عن ابن إسحاق والطبری وغیرهم أنّ زهرة هو جد بنی زهرة (وهو اسم رجل) اسمه زهرة بن کلاب ومن ولده الحارث وعبد مناف ومن ولد عبد مناف وهب(2) (والد آمنة بنت وهب, أم النبی صلی الله علیه و آله).

وأما نسبها من الأم: هی آمنة بنت برة بنت عبد العزی بن عثمان بن عبد الدار بن قصی بن کلاب، وأم برة أم حبیب بنت أسد بن عبد العزی بن قصی بن کلاب(3).

ونسبها قریب جداً من سلسلة النبوة، فهی متصلة من الطرفین بنسب النبی صلی الله علیه و آله بوسائط قریبة. فإن نسب النبی صلی الله علیه و آله یتحد بأبیه وأمه فی کلاب, الذی هو الجد الخامس للنبی صلی الله علیه و آله.

ومحل ولادتها مکة المکرمة, ما یقارب سنة (76) قبل الهجرة, لها من العمر (30 سنة), حیث ذکروا أنّ تاریخ وفاتها سنة (46) قبل الهجرة, وقیل سنة (576) بعد المیلاد(4).

ص:46


1- (1) لسان العرب, ابن منظور, ج 4 ص 333.
2- (2) انظر: حاشیة البدایة والنهایة, ابن کثیر, ج 2 ص 268.
3- (3) الطبقات الکبری, ابن سعد, ج 1 ص 59.
4- (4) راجع: کتاب کاروانی با سیزده کجاوه, ص 21. ومادران معصومان, أحمد أمیری بور, ص 42.

وآمنة تلی خدیجة الکبری فی جلالة القدر وفی کمالها وجمالها الصوری والمعنوی ونبل المقام فی مکة المکرمة, وشهد الکثیر بطهارتها وتکامل صفاتها, حیث قالوا: إن رحم آمنة أشرف الأرحام وأسماها وأعلاها إذ استقرت فیه نطفة کریمة عظیمة ما زالت تتقلب فی الأصلاب بتدبیر وتقدیر من الباری عز وجل حتی استفرغها عبدالله فتی قریش لکی یبقی الاصطفاء حقیقة فاعلة, وذلک لأنه حمل خاتم النبیین وإمام المرسلین مع إیماننا وإقرارنا باصطفاء مریم بنت عمران, وسیأتی الکلام عن ذلک.

نبذة عن أبناء کلاب

لا بأس أن نلقی نظرة مقتضبة فی حال أبناء کلاب کل من زهرة جد آمنة (والدة النبی صلی الله علیه و آله) وأخیه قصی جد عبدالله (والد النبی صلی الله علیه و آله) وکلهم أبناء کلاب, فقد ذکر المؤرخون أن قصیاً اسمه زید وإنما قیل له قصی؛ لان أباه کلاب بن مرة کان تزوج أم قصی فاطمة بنت سعد بن سیل, فولدت لکلاب زهرة وزیداً (قصی) فهلک کلاب وزید صغیر وقد شب زهرة وکبر, فقدم ربیعة ابن حرام وتزوج فاطمة أم زهرة وقصی, وزهرة رجل قد بلغ وقصی فطیم أو قریب من ذلک فاحتملها إلی بلاده من أرض بنی عذرة من أشراف الشأن فاحتملت معها قصیاً لصغره وتخلف زهرة فی قومه فولدت فاطمة بنت سعد بن سیل لربیعة بن حرام رزاح بن ربیعة فکان أخاه لأمه وکان لربیعة بن حرام ثلاثة نفر من امرأة أخری وهم حن بن ربیعة ومحمود بن ربیعة وجلهمة بن ربیعة وشب زید فی حجر ربیعة فسمی زید قصیاً لبعد داره عن دار قومه ولم یبرح

ص:47

زهرة مکة فبینا قصی بن کلاب بأرض قضاعة لا ینتمی فیما یزعمون إلا إلی ربیعة بن حزام إذ کان بینه وبین رجل من قضاعة شیء وقد بلغ قصی وکان رجلاً شاباً فأنبه القضاعی بالغربة وقال له ألا تلحق بقومک ونسبک فإنک لست منا فرجع قصی إلی أمه وقد وجد فی نفسه مما قال له القضاعی فسألها عما قال له ذلک الرجل فقالت له أنت والله یا بنی أکرم منه نفساً ووالداً أنت ابن کلاب ابن مرة بن کعب بن لؤی بن غالب بن فهر بن مالک بن النضر بن کنانة القرشی وقومک بمکة عند البیت الحرام وفیما حوله فأجمع قصی الخروج إلی قومه واللحوق بهم وکره الغربة بأرض قضاعة فقالت له أمه یا بنی لا تعجل بالخروج حتی یدخل علیک الشهر الحرام فتخرج فی حاج العرب فإنی أخشی علیک أن یصیبک بعض البأس فأقام قصی حتی إذا دخل الشهر الحرام خرج حاج قضاعة فخرج فیهم حتی قدم مکة فلما فرغ من الحج أقام بها وکان رجلاً جلیداً نسیباً فخطب إلی حلیل بن حبشیة الخزاعی ابنته حبی بنت حلیل فعرف حلیل النسب ورغب فیه فزوجه وحلیل یومئذ فیما یزعمون یلی الکعبة وأمر مکة فأقام قصی معه یعنی مع حلیل وولدت له ولده عبد الدار وعبد مناف وعبد العزی وعبد ابنی قصی فلما انتشر ولده وکثر ماله وعظم شرفه هلک حلیل بن حبشیة فرأی قصی أنه أولی بالکعبة وأمر مکة من خزاعة وبنی بکر وأن قریشاً فرعة إسماعیل بن إبراهیم, وصریح ولده فکلم رجالاً من قریش وبنی کنانة ودعاهم إلی إخراج خزاعة وبنی بکر من مکة فلما قبلوا منه ما دعاهم إلیه وبایعوه علیه کتب إلی أخیه من أمه رزاح بن ربیعة بن حرام وهو ببلاد قومه یدعوه إلی

ص:48

نصرته والقیام معه فقام رزاح بن ربیعة فی قضاعة فدعاهم إلی نصر أخیه والخروج معه إلیه فأجابوه إلی ما دعاهم من ذلک(1).

وبقیت هذه الأخوة المتأصلة والمودة بین بنی زهرة وابناء قصی مستمرة وکانت بنو زهرة تحمل الود والإخلاص لبنی عبد مناف وکانت معها فی حلف فی الضراء والسراء, وکانوا متجاورین لا تنفصل بیوتهم, وحینما جزأت قریش الکعبة کان شق الباب لبنی عبد مناف وبنی زهرة.

تقرش قریش

قریش فی اللغة: هو تصغیر القرش, وهی دابة فی البحر لا تدع دابة إلا أکلتها, فجمیع الدواب تخافها(2).

وفی الاصطلاح: قبیلة النبی الأکرم صلی الله علیه و آله، أبوهم النضر بن کنانة بن خزیمة ابن مدرکة بن إلیاس بن مضر، فکل من کان من ولد النضر، فهو قرشی دون ولد کنانة ومن فوقه، کما هو المشهور فی أنّ قریش تقرشت (أی تجمعت) من النضر ابن کنانة، وکان لکنانة ولد غیر النضر ولا یسمون قریشاً. وقیل: من فهر بن مالک ابن النضر، وسبب ذلک أن أولاد النضر کانوا قد تفرقوا فی البلاد لاستیلاء خزاعة علیهم فلما انتقل أمر مکة من خزاعة إلی قصی بن کلاب جمع أولاد النضر فی مکة فسموا قریشاً، وفی قریش بطون کثیرة(3).

ص:49


1- (1) راجع: تاریخ الطبری, الطبری, ج 2 ص 14.
2- (2) لسان العرب, ابن منظور, ج 6 ص 335.
3- (3) أنظر: شرح أصول الکافی, مولی محمد صالح المازندرانی, ج 5 ص 229.

والحاصل: سمیت بذلک لتقرشها أی تجمعها إلی مکة من حوالیها بعد تفرقها فی البلاد حین غلب علیها قصی بن کلاب، وبه سمی قصی مجمعاً.

وقیل: سموا بقریش هو مشتق من الدابة التی ذکرت وهی التی تخافها جمیع الدواب, کما فی حدیث ابن عباس فی ذکر قریش قال: هی دابة تسکن البحر تأکل دوابه(1) ، وبها سمیت قریش قریشاً. وقیل: سمیت باسم قریش بن مخلد بن غالب بن فهر, حیث کان صاحب عیرهم, فکانوا یقولون: قدمت عیر قریش وخرجت عیر قریش. وقیل: سمیت بذلک لأنهم کانوا أهل تجارة ولم یکونوا أصحاب ضرع وزرع, من قولهم: فلان یتقرش المال أی یجمعه(2).

الکمالات العالیة للسیدة آمنة

بلا شک أنّ المرأة التی تحظی بهذا الفخر العظیم وتکون وعاءً لخاتم النبیین وخیر الخلق أجمعین من الأولین والآخرین لابد وأن تکون متصفة بکمالات عالیة تؤهلها لذلک سواء علی الصعید المادی أو المعنوی کی تکون مستعدة لتقبل النور النبوی.

وعلیه قد روی فی أوصاف آمنة أم النبی صلی الله علیه و آله أنها کانت کالمرآة المضیئة، ووجهها کفلقة قمر، وکانت من أحسن النساء جمالاً وکمالاً، وأفضلهن حسباً ونسباً. قال عبد المطلب لولده عبد الله: «فوالله ما فی بنات أهل مکة مثلها، لأنها محتشمة ونفسها طاهرة مطهرة، وهی دیّنة أدیبة عاقلة فصیحة بلیغة، وقد

ص:50


1- (1) أنظر: معجم البلدان, الحموی, ج 4 ص 337.
2- (2) أنظر: لسان العرب, ابن منظور, ج 6 ص 335.

کساها الله جمالاً لا یوصف»(1). ویمکن استکشاف أدبها وفضلها وعقلها وإیمانها وبیانها الملیح من أبیاتها المنظومة وکلماتها المنثورة، ومنها ما خاطبت به النبی الخاتم صلی الله علیه و آله قبل وفاتها:

إن صح ما أبصرت فی المنام فأنت مبعوث علی الأنام

من عند ذی الجلال والإکرام تبعث فی الحل وفی الحرام

تبعث بالتحقیق والإسلام دین أبیک البر إبراهیم

فالله أنهاک عن الأصنام أن لا توالیها مع الأقوام(2)

وهذه الأبیات هل یفهم منها سوی إیمانها وتحقق إسلامها، وإتباعها لملة إبراهیم الحنیف؟ ومن ذرابة لسانها وحلاوة بیانها وحسن منطقها وعقیدتها الصحیحة, أنها قالت فی بعض نثرها عند وفاتها: کل حی میت، وکل جدید بال، وکل کثیر یفنی، وأنا میتة وذکری باق، وقد ترکت خیراً, وولدت طهراً والسلام(3).

فلا تستغرب من هذا المنطق الدقیق والنظر البعید الذی یحمل فی طیاته روح الإیمان والإخلاص بالله وبالرسول الأکرم صلی الله علیه و آله, فالله أعلم حیث یضع نور نبیه الخاتم, وعلیه فإن آمنة بنت وهب من کبار النساء، ومن أشراف النسوة المکرمات، وإنها من أعلی العرب نسباً وحسباً، سطع نور فخرها إلی السماوات

ص:51


1- (1) بحار الأنوار, المجلسی, ج 15 ص 99.
2- (2) سبل الهدی والرشاد, الصالحی الشامی, ج 2 ص 121.
3- (3) سبل الهدی والرشاد, الصالحی الشامی, ج 2 ص 121.

العلی، وهبت ریاح عطرها فی کل ذرات الهواء، فلها الفضل الجمیل، ولم یسمع لها بمثیل، أذاقنا الله من أسرار نفحاتها، وأعاد علی من آمن بها وبإیمانها من برکاتها ورحماتها.

وأن الواقدی ومن شاکله رووا أخباراً فی ولادة النبی صلی الله علیه و آله تشعر فی الغالب بجلالة قدر آمنة وصلابة إیمانها ومن فضل تلک الدرة الیتیمة والسیدة الکریمة والجوهرة الثمینة والحسناء الحصینة آمنة علیهاالسلام أنها صارت وعاءً للوجود النبوی المقدس، ونالت به شرف الأمومة، ولنعم ما قاله الحلبی: فهنیئا لآمنة الفضل الذی حصل لها بسبب ولادتها له صلی الله علیه و آله أی لا یشوب ذلک الفضل کدر ولا مشقة الذی شرفت بذلک الفضل حواء التی هی أم البشر ومن یشفع لحواء فی أنها حملت به وأنه أصابها نفاس به یوم أعطیت آمنة بنت وهب بسبب وضعه من الفخار وهو ما یمتدح به من الخصال العلیة والشیم المرضیة ما لم یعطها غیرها من النساء أی وقد أقسم الله بلیلة مولده صلی الله علیه وسلم فی قوله تعالی:(وَ الضُّحی وَ اللَّیْلِ) وقیل أراد باللیل لیلة الإسراء ولا مانع أن یکون الأقسام وقع بهما أی استعمل اللیل فیهما ویدل لکون ولادته صلی الله علیه و آله کانت لیلاً, قول بعض الیهود ممن عنده علم الکتاب لقریش هل ولد فیکم اللیلة مولود؟ قالوا لا نعلم, قال ولد اللیلة نبی هذه الأمة الأخیرة إلی آخر(1).

والأفضل منه ما قیل فی ولادته صلی الله علیه و آله وأمیر المؤمنین علیه السلام معاً: کما عن السید الحمیری المتوفی (173) قال:

ص:52


1- (1) السیرة الحلبیة, الحلبی, ج 1 ص 95.

ولدته فی حرم الإله وأمنه والبیت حیث فناؤه والمسجد

بیضاء طاهرة الثیاب کریمة طابت وطاب ولیدها والمولد

فی لیلة غابت نحوس نجومها وبدت مع القمر المنیر الأسعد

ما لُفَّ فی خرق القوابل مثله إلا ابن آمنة النبی محمد(1)

وروی أن کعب الأحبار الیهودی قال لمعاویة: إنی قد قرأت اثنین وسبعین کتاباً کلها أنزلت من السماء، وقرأت صحف دانیال کلها، ووجدت فی کلها ذکر مولده ومولد عترته، وأن اسمه لمعروف، وأنه لم یولد نبی قط فنزلت علیه الملائکة ما خلا عیسی وأحمد (صلوات الله علیهما)، وما ضرب علی آدمیة حجب الجنة غیر مریم وآمنة أم أحمد صلی الله علیه و آله، وما وکلت الملائکة بأنثی حملت غیر مریم أم المسیح وآمنة أم أحمد... الخ(2).

ولا شک أنّ الله یأبی أن یساوی بین امرأة کافرة وأخری مؤمنة مثل مریم ویکرمهما بنفس التکریم، فما الفرق بین الإیمان والکفر حینئذ؟ وأی میزان سیمیز بینهما فی العبودیة؟ وذکر هذا الشرف فی حق فاطمة أیضا التی صارت وعاءً للأئمة المعصومین علیهم السلام، ونالت فضیلة الأمومة للأولیاء الکاملین. وهکذا کان الوعاء الشریف الذی ضم الوجود المحمدی السعید، عظیماً فی ذاته، تمیز بالمزایا الذاتیة والأصالة الفطریة، فحسدتها لذلک نساء مکة وتمنین منزلتها وأثنین علیها بکل تلک الکرامات والسعادات والمواهب الجمیلة والمناقب الجلیلة، وبارکن

ص:53


1- (1) الغدیر, الشیخ الأمینی, ج 6 ص 28.
2- (2) الأمالی, الشیخ الصدوق, ص 698. وبحار الأنوار, المجلسی, ج 15 ص 261.

لأبیها بهذه النعمة المحمودة والمکرمة المسعودة، وکان الناس رجالاً ونساءً یدعون النبی بها، وینسبونه إلیها کما فعل الجارود ابن المنذر النصرانی فی عام الحدیبیة حینما أسلم، وکان عالماً بالطب والفلسفة والکتب السماویة; قال فی قصیدة:

أتیتک یا بن آمنة الرسولا لکی بک أهتدی النهج السبیلا

إلی آخر ما قال(1).

ولم تکن هذه النسبة إهانة، بل کانت علی سبیل التفخیم والجلالة.

طهارتها وإیمانها بالله

ما تجد فی سیرة آمنة بنت وهب عند أدنی متابعة إلا الکرامات والمعاجز, وذوبانها فی الله وشدة توحیدها, وهذا دیدن الأسرة الهاشمیة حسب سلسلة طهارة وتوحید آباء النبی الخاتم صلی الله علیه و آله (هذا مع غض النظر من أنها وعاء وحاضنة النبوة والذی هو بحد ذاته دلیل قاطع علی طهارتها ومدی إیمانها), وقد کشف عن مدی إیمانها وطهارتها النبی صلی الله علیه و آله والمعصومون علیهم السلام, فقد فاضت الأدلة علی ألسنة العلماء والمحدثین لدی الفریقین, فمن ذلک: ما رواه الثعلبی والواحدی وابن بطة، عن عطاء وعکرمة، عن ابن عباس فی قوله تعالی:(وَ تَقَلُّبَکَ فِی السّاجِدِینَ) یعنی ندبرک من أصلاب الموحدین من موحد إلی موحد حتی أخرجک فی هذه الأمة، وما زال رسول الله صلی الله علیه و آله، یتقلب فی أصلاب الأنبیاء والصالحین حتی ولدته أمه(2).

ص:54


1- (1) راجع: کنز الفوائد, ابو الفتح الکراکجی, ص 258.
2- (2) الدر المنثور, جلال الدین السیوطی, ج 5 ص 98.

وعن علی علیه السلام: أنّ النبی صلی الله علیه و آله قال:

«خرجت من نکاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلی أن ولدنی أبی وأمی، ولم یصبنی من سفاح الجاهلیة شیء»(1). لقد منّ الله علیه بالآباء الطاهرین الساجدین. ولو عنی سجدة الأصنام لما منّ علیه؛ لأن المنّة علی الکفر قبیح.

وقد انتهی النبی صلی الله علیه و آله إلی رسم قبر، فجلس وجلس الناس حوله، فجعل یحرک رأسه کالمخاطب, ثم بکی, فقیل: ما یبکیک یا رسول الله؟ قال هذا قبر آمنة بنت وهب، استأذنت ربی فی زیارة قبرها فأذن لی، فزوروا القبور یذکرکم الموت.(2) ولو لم تکن مؤمنة لما جاز له زیارتها، ولا أذن له، لقوله تعالی:(وَ لا تُصَلِّ عَلی أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَ لا تَقُمْ عَلی قَبْرِهِ)3 .

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: نزل جبرئیل علی النبی صلی الله علیه و آله فقال:

«یا محمد إن الله جل جلاله یقرؤک السلام ویقول: إنی قد حرمت النار علی صلب أنزلک، وبطن حملک، وحجر کفلک»(3) یعنی عبد الله وآمنة وأبا طالب وفاطمة بنت أسد.

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله:

«لم یزل ینقلنی من أصلاب الطاهرین، إلی أرحام المطهرات حتی أخرجنی فی عالمکم هذا»(4).

ص:55


1- (1) البدایة والنهایة, ابن کثیر, ج 2 ص 255.
2- (2) راجع: صحیح مسلم, ج 2 ص 672 باب 36 من کتاب الجنائز ح 106.
3- (4) روضة الواعظین, ص 139. الکافی, ج 1 ص 446 باب مولد النبی ح 21.
4- (5) أوائل المقالات, الشیخ المفید, ص 46.

وعن الصادق جعفر بن محمد، عن أبیه، عن جده، عن أبیه علیهم السلام، قال: سئل النبی صلی الله علیه و آله أین کنت وآدم فی الجنة؟ قال:

کنت فی صلبه، وهبط بی إلی الأرض فی صلبه، ورکبت السفینة فی صلب أبی نوح، وقذف بی فی النار فی صلب أبی إبراهیم، لم یلتق لی أبوان علی سفاح قط، ولم یزل الله عز وجل ینقلنی من الأصلاب الطیبة إلی الأرحام الطاهرة هادیاً مهدیاً حتی أخذ الله بالنبوة عهدی، وبالإسلام میثاقی، وبین کل شیء من صفتی، وأثبت فی التوراة والإنجیل ذکری، ورقی بی إلی سمائه، وشق لی اسماً من أسمائه الحسنی، أمتی الحمادون، فذو العرش محمود وأنا محمد(1).

وعن الکلبی أنه قال کتبت للنبی صلی الله علیه و آله خمسمائة أم, أی من قبل أمه وأبیه فما وجدت فیهن سفاحاً والمراد بالسفاح الزنا أی فإن المرأة کانت تسافح الرجل مدة ثم یتزوجها إن أراد(2).

وقال ابن هشام: فرسول الله صلی الله علیه و آله أشرف ولد آدم حسباً وأفضلهم نسباً من قِبَل أبیه وأمه(3).

وقال الشیخ المفید, أجمعوا علی أن آمنة بنت وهب کانت علی التوحید، وأنها تحشر فی جملة المؤمنین وأن آمنة بنت وهب کانت مسلمة(4). بل من خیرة المؤمنات العالمات.

ص:56


1- (1) الأمالی, الشیخ الصدوق, ص 723.
2- (2) السیرة الحلبیة, الحلبی, ج 1 ص 65.
3- (3) السیرة النبویة, ابن هشام, ج 1 ص 127.
4- (4) أوائل المقالات, الشیخ المفید, ص 46.

مکر الیهود فی إطفاء النور المحمدی

اجتمع الأحبار بأرض الشام، وتکلموا فی مولد رسول الله صلی الله علیه و آله, فلما أیقنوا أنه قد قرب خروج صاحب السیف، وظهرت أنواره تشاوروا فیما بینهم وساروا إلی حبر لهم وکان فی قریة من قری الأردن، وکانوا یقتبسون من علمه، وکان ممن عمر فی زمانه، فقصده القوم، فلما وصلوا إلیه قال لهم: ما الذی أزعجکم؟ قالوا له: إنا نظرنا فی کتبنا فوجدنا صفة هذا الرجل السفاک الذی تقاتل معه الأملاک، وما نلقی عند ظهوره من الأهوال والهلاک، وقد جئناک نشاورک فی أمره قبل ظهوره وعلو ذکره، قال: یا قوم إن من أراد إبطال ما أراد الله فهو جاهل مغرور، وإنه لکائن بکم، وهذا الذی ذکرتم قد سبق أمره عند الله، فکیف تقدرون علی إبطاله؟ وهو مبطل کهانة الکهان، ومزیل دولة الصلبان، وسیکون له وزیر وقریب، فلما سمعوا کلامه خافوا وحاروا، فقام حبر من أحبارهم یقال له: هیوبا بن داحورا، وکان کافراً شدید البأس، فقال لهم: هذا رجل قد کبر وخرف وقل عقله فلا تسمعوا من قوله، ثم قال لهم: أرأیتم الشجرة إذا قطعت من أصلها فهل تعود خضرا؟ قالوا: لا، قال: فإن قتلتم صاحبکم هذا الذی یخرج من صلبه هذا المولود فما الذی تخافون منه؟ فقوموا هذه الساعة وخذوا معکم تجارة وسیروا إلی البلد الذی هو فیها، یعنی مکة، فإذا وصلتم دبرتم الحیلة فی هلاکه فتبعوا قوله وقالوا له: أنت سیدنا، قال لهم: افعلوا ما آمرکم به، وأنا معکم بسیفی ورمحی، ولکن ما أسیر معکم حتی تعاهدونی، فیعمد کل واحد منکم إلی سیفه لیسقیه سما فأجابوه إلی ذلک وافترقوا، ثم اجتمعوا بایلة، وخرجوا بجمالهم محملة بالتجارة، وساروا

ص:57

حتی وصلوا مکة، فکان کل من لقاهم یحدثهم بحسن عبد الله وجماله، فوقع فی قلوبهم الکمد والحسد، فجعلوا یسومون متاعهم ولا یبیعون منه شیئا، وإنما یریدون بذلک المقام بمکة والحیلة فی قتل عبد الله, فأقبل یوما عبد المطلب وهو قابض علی ید ولده عبد الله، ومرّ بالیهود، وکان عبد الله قد رأی رؤیا أفزعته، فخرج مرعوبا إلی أبیه فقال: ما أصابک یا بنی؟ قال: رؤیا هالتنی، قال: رأیت سیوفا مجردة فی أیدی قردة وهم قعود علی أدبارهم، وأنا أنظر إلیهم وهم یهزون السیوف ویشیرون بها إلی فعلوت عنها فی الهواء، فبینما أنا کذلک وإذا بنار قد نزلت من السماء فزادتنی خوفا، وقلت: کیف خلاصی منها؟ فبینما أنا کذلک وإذا بالنار قد وقعت علی القردة فأحرقتهم عن آخرهم، فزادنی ذلک رعبا، فقال له أبوه: وقاک الله یا بنی شر ما تحاذر من الحساد والأضداد، فإن الناس یحسدونک علی هذا النور الذی فی وجهک، ولکن لو اجتمعت أهل الأرض انسها وجنها لم یقدروا علی شیء، لأنه ودیعة من الله عز وجل لخاتم الأنبیاء، وهاهنا أحبار الیهود من الشام وفیهم الحکمة والمعرفة فقم معی حتی أقص علیهم رؤیاک، فقبض عبد المطلب علی ید ولده عبد الله ودخلا علیهم، فلما نظر إلیه الأحبار وهو کأنه البدر المنیر نظر بعضهم إلی بعض وقالوا: هذا الذی نطلبه، فقال لهم عبد المطلب: یا معاشر الیهود جئنا إلیکم نخبرکم برؤیا رآها ولدی هذا، فقالوا له: وماذا؟ فقص علیهم الرؤیا، فزادهم حنقاً علیه، وقال له هیوبا: أیها السید إنها أضغاث أحلام وأنتم سادات کرام، لیس لکم معاند ولا مضاد، ثم انصرف عبد المطلب بولده(1).

ص:58


1- (1) راجع: بحار الأنوار, العلامة المجلسی, ج 15 ص 92.

موقف من بسالة عبدالله

أقام الیهود أیاماً یریدون الحیلة فی اغتیال والد النبی صلی الله علیه و آله (عبدالله) فلم یجدوا إلی ذلک سبیلاً، وکان عبد الله مغرماً بالصید، وکان إذا خرج إلی الصید لا یرجع إلا لیلاً، وکان یخرج مع أبیه فلم یجدوا إلی ذلک سبیلاً حتی خرج ذات یوم وحده فخرجوا وراءه من حیث لا یشعر بهم أحد، فقال لهم هیوبا: ما انتظارکم وقد خرج الذی تطلبونه؟ فقالوا له: إنا نخاف من فتیان مکة وفرسان بنی هاشم وهم لا یطاقون وقد ذلت لهم العمالقة وغیرهم، ونخشی أن یشعروا بنا، فلما سمع هیوبا مقالتهم قال: خاب سعیکم، فإذا کنتم هکذا فما الذی أتی بکم إلی هاهنا؟ فلابد من قتل هذا الغلام، ولو طال علیکم المقام، ولم تجدوا یوماً مثل هذا الیوم، فإذا قتلناه وخفتم التهمة به فعلی دیته، وکانوا قد بعثوا عبداً من عبیدهم ینظر إلی أین یتوجه عبد الله، فرجع العبد وأخبرهم أنه قد غاب بین الجبال والشعاب، وقد خرج من العمران، ولیس عنده إنسان، فعزم القوم علی ما أملوه، وجعلوا نصفاً عند الأمتعة، والنصف الآخر أخذوا السیوف تحت ثیابهم وخرجوا قاصدین عبد الله والعبد أمامهم حتی أوقفهم علیه، وکان عبد الله قد صاد حمار وحش وهو یسلخه فنظر إلی القوم وقد أقبلوا علیه، فقال لهم هیوبا: هذا صاحبکم الذی خرجتم من أوطانکم فی طلبه، فما أحس عبد الله إلا وقد أحاطوا به، وکانوا قد افترقوا فرقتین، وقالوا للذین خلفوهم عند متاعهم: إذا دعوناکم أجیبونا مسرعین، فلما أشرفوا علی عبد الله وقد سدوا الطرقات، وزعموا أنهم قد حکموا علیه، فرفع عبد الله رأسه إلی السماء، ودعا الله تعالی وأقبل إلیهم وقال: یا قوم ما شأنکم؟

ص:59

فوالله ما بسطت یدی إلی واحد منکم بمکروه أبداً فتطالبونی به، ولا غصبت مالاً قط، ولا قتلت أحداً فاقتل به، فما حاجتکم؟ فإن یکن سبقت منی فعلة سوء إلیکم فأخبرونی حتی أعرفها، والیهود یومئذ تلثموا ولم یبین منهم إلا حمالیق الحدق، فلم یردوا علیه جواباً، وأشار بعضهم إلی بعض وهموا بالهجوم علیه، فجعل نبلة فی کبد قوسه ورمی بها نحوهم فأصابت رجلا منهم فوقع میتا، ثم رماهم بأربع نبال أصابت أربعة رجال فاشتغلوا عنه بأنفسهم(1).

یمکرون ویمکر الله

بعدما عجزوا عن مواجهة عبدالله أخذوا یدبرون الخدیعة فی قتله حیث قال له هیوبا: یا فتی احبس عنا نبالک فقد أسرفت فی فعالک، ولقد قتلت منا رجالاً من غیر ذنب ولا سابقة سبقت منا إلیک، ونحن قوم تجار، ونحن الذین وقفت علینا بالأمس مع أبیک، وکان لنا عبد قد هرب منا، فلما رأیناک أنکرناک، فعندما عرفناک أنک عبد الله فنحن ما لنا معک طلابة، وأنک لأعزُّ الخلق علینا، وأکرمهم لدینا، فامض لسبیلک فقد سمحنا لک بما فعلت فینا، فقال لهم: یا ویلکم ما الذی تبین لکم منی أنی عبدکم؟ فهل عبدکم مثلی، أو صفته صفتی، أو لهُ نور کنوری؟ فقالوا له: إنما دخلنا الشک وأنت متباعد عنا، فلما قربت منا وعرفناک، فاسمح لنا بما کان منا إلیک فإنا سمحنا لک بما کان وإن کان وأعظم من ذلک أنک قتلت منا رجالاً لا ذنب لهم، ونحن حیث أکلنا طعام أبیک وشربنا شرابه فنحن لک شاکرون، وأنت أولی بکتمان ما کان الیوم منا، فلما سمع عبد الله کلامهم زعم أنه

ص:60


1- (1) راجع: المصدر نفسه, ج 15 ص 95.

حق وهو خدیعة، ثم إنه رکب جواده وأخذ قوسه وعطف إلی ناحیة المضیق، فلما رآه القوم قد أقبل علیهم یرید الخروج بادروا إلیه بأجمعهم وجعلوا یرمونه بالحجارة وقاموا إلیه بالسیوف، فجعل یکر فیهم کرة بعد کرة، فعند ذلک صاح فیهم هیوبا فتبادروا إلیه بأجمعهم وهو یکر فیهم یمیناً وشمالاً، وکلما رمی رجل خر صریعاً ونزل عبد الله عن فرسه واستند إلی المضیق، وقد أقبلوا إلیه من کل جانب یرمونه بالحجارة، فبینما هم فی المعرکة وإذا هم برجال قد أقبلوا بأیدیهم السیوف مشهورة وهم عراة مسرعون نحوهم، فإذا هم بنو هاشم، وأبو طالب وفتیان مکة وکان فی أولهم أبو طالب وحمزة والعباس، فعند ذلک ناداه أبوه فقال: یا بنی هذا تأویل رؤیاک من قبل، فما استتم کلامه حتی أحاط بعبد الله إخوته وأقاربه(1).

زواج السیدة آمنة من عبد الله

ذکر المؤرخون أن عبد الله بن عبد المطلب تزوجها (آمنة بنت وهب) وله ثلاثون سنة, وقیل: خمس وعشرون سنة(2). وذکر الیعقوبی: وبعد حفر زمزم بعشر سنین وبعد الفداء عن عبد الله بسنة واحدة کان تزویجه بآمنة بنت وهب وکان سنّه یوم تزویجها أربعا وعشرین سنة(3).

وذلک خرج به أبوه عبد المطلب إلی وهب فزوجه ابنته. وقیل: کانت آمنة

ص:61


1- (1) راجع: المصدر نفسه, ج 15 ص 96.
2- (2) ذخائر العقبی, أحمد بن عبدالله الطبری, ص 258
3- (3) تاریخ الیعقوبی, ج 2 ص 9.

فی حجر عمها وهیب بن عبد مناف، فخطب عبد المطلب ابنته هالة بنت وهیب لنفسه, وخطب لابنه عبد الله آمنة ابنة وهب. فهو قد تزوج هالة وزوّج ابنه آمنة فی مجلس واحد. فولدت آمنة رسول الله وولدت هالة لعبد المطلب حمزة(1).

وهب یرغب فی تزویج عبد الله

ذکر أن وهب أقبل علی زوجته برة بنت عبد العزی وقال لها: یا برة لقد رأیت الیوم عجباً من عبد الله (والد النبی صلی الله علیه و آله) ما رأیته من أحد، وهو یکر علی هؤلاء القوم (یقصد الیهود الذی مرّ ذکرهم)، وکلما رماهم بنبلة قتل منهم إنساناً، وهو أجمل الناس وجهاً مما خصه الله تعالی من الضیاء الساطع، فامضی إلی أبیه واخطبیه لابنتنا واعرضیها علیه، فعسی أن یقبلها، فإن قبلها سعدنا سعادة عظیمة، قالت له یا وهب: إن رؤساء مکة وأبطال الحرم وأشراف البطحاء قد رغبوا فیه فأبی عن ذلک، وقد کاتبه ملوک الشام والعراق علی ذلک فأبی علیهم، فکیف یتزوج بابنتنا وهی قلیلة المال؟ قال لها: إن لی علیهم الید إننی أخبرتهم بأمر عبد الله مع الیهود، ثم إن برة قامت ولبست أفخر أثوابها وخرجت حتی أتت دار عبد المطلب فوجدته یحدث أولاده بالخبر، فقالت: أنعم الله مساءکم، ودامت نعماؤکم، فرد علیها عبد المطلب التحیة والإکرام، وقال لها: لقد سلف لبعلک الیوم علینا ید لا نقدر أن نکافیه أبداً، وله أیاد بالغة بذلک، وسنجازیه بما فعل إن شاء الله تعالی، فطمعت برة فی کلامه، ثم قال: بلغی بعلک عنا التحیة والإکرام وقولی له: إن کان له لدینا حاجة تقضی إن شاء الله مهما کانت، فقالت له برة: یا أبا الحارث

ص:62


1- (1) مستدرکات علم رجال الحدیث, الشیخ علی النمازی الشاهرودی, ج 8 ص 545.

قد طلبنا تعجیل المسرة، وقد علمنا أن ملوک الشام والعراق وغیرهم تطاولت إلیکم، وقد رغبوا فی ولدکم یطلبون أولادکم وأنوارکم المضیئة، ونحن أیضا طمعنا فیمن طمع فی ولدکم عبد الله، ورجوناه مثل من رجا. وقد رجا وهب أن یکون عبد الله بعلاً لابنتنا، وقد جئناکم طامعین وراغبین فی النور الذی فی وجه ولدکم عبد الله، ونسألکم أن تقبلونا، فإن کان مالها قلیلاً فعلینا ما نجملها به وهی هدیة منا لابنک عبد الله، فلما سمع عبد المطلب کلامها نظر إلی ولده وکان قبل ذلک إذا عرض علیه التزویج من بنات الملوک یظهر فی وجهه الامتناع، وقال أبوه: ما تقول یا بنی فیما سمعت؟ فوالله ما فی بنات أهل مکة مثلها، لأنها محتشمة فی نفسها طاهرة مطهرة، عاقلة دینة، فسکت عبد الله ولم یرد جواباً، فعلم أبوه أنه قد مال إلیها، فقال عبد المطلب: قد قبلنا دعوتکم، وأجبنا ورضینا بابنتکم(1).

فاطمة زوجة عبد المطلب تصف آمنة

بعد ما سمعت فاطمة زوجة عبد المطلب ما دار بین زوجة وهب وبنی هاشم فی تزویج ابنها عبد الله قالت أنا أمضی معک إلیها حتی أنظر إلی آمنة، فرجعت برة مسرورة بما سمعت، ثم سارت إلی زوجها مسرعة وبشرته وسمعت أم آمنة هاتفاً فی الطریق یقول: (بخ بخ لکم یا معشر أهل الصفا، قد قرب خروج المصطفی)، فدخلت علی زوجها فقال: وما وراءک؟ قالت: لقد سعدت سعادة علا قدرک فی جملة العالمین، اعلم أن عبد المطلب قد رضی بابنتک، ولکن مع الفرح ترحة، قال: وما هی؟ قالت: إنّ فاطمة خارجة تنظر إلی ابنتک آمنة, فأدخلوا فاطمة، فقامت لها

ص:63


1- (1) راجع: بحار الأنوار, العلامة المجلسی, ج 15 ص 98.

آمنة إجلالاً وتعظیماً ورحبت بها أحسن المرحب، فنظرت إلیها فاطمة وإذا بها قد کساها الله جمالاً لا یوصف، فلما رأت فاطمة ذلک الحسن والجمال وقد أضاء من نور وجهها ذلک المجلس، قالت فاطمة: یا برة ما کنت عهدت أن آمنة علی هذه الصورة ولقد رأیتها قبل ذلک مراراً، فقالت برة: یا فاطمة کل ذلک ببرکتهم علینا، ثم خاطبت فاطمة آمنة وإذا هی أفصح نساء أهل مکة، فقامت فاطمة وأتت إلی عبد المطلب وعبد الله، وقالت: یا ولدی ما فی بنات العرب مثلها أبداً، ولقد ارتضیتها، وإن الله تعالی لا یودع هذا النور إلا فی مثل هذه(1).

عقد القران بین عبدالله وآمنة

ولما وقع الحدیث بین وهب وبین عبد المطلب فی أمر ابنته آمنة، قال وهب: یا أبا الحارث هذه آمنة هدیة منی إلیک بغیر صداق معجل ولا مؤجل، فقال عبد المطلب جزیت خیراً ولابد من صداق، ویکون بیننا وبینک من یشهد به من قومنا، ثم وبعد ذلک خرج عبد المطلب وولده وزوجته إلی منزلهم، وقالوا: یا وهب إذا کان فی غداة غد جمعنا قومنا وقومک لیشهدوا بما یکون من الصداق، فقال: جزاک الله خیراً، فلما طلع الفجر أرسل عبد المطلب إلی بنی عمه لیحضروا خطبتهم، ولبس عبد المطلب افخر أثوابه، وجمع وهب أیضا قرابته وبنی عمه فاجتمعوا فی الأبطح، فلما أشرف علیهم الناس قاموا إجلالاً لعبد المطلب وأولاده، فلما استقر بهم المجلس خطبوا خطبتهم وعقدوا عقد النکاح، وقام عبد المطلب فیهم خطیباً فقال: (الحمد لله حمد الشاکرین حمداً استوجبه بما أنعم علینا وأعطانا،

ص:64


1- (1) راجع: المصدر نفسه, ج 15 ص 99.

وجعلنا لبیته جیراناً، ولحرمه سکاناً، وألقی محبتنا فی قلوب عباده، وشرفنا علی جمیع الأمم، ووقانا شر الآفات والنقم، والحمد لله الذی أحل لنا النکاح، وحرم علینا السفاح، وأمرنا بالاتصال وحرم علینا الحرام، اعلموا أن ولدنا عبد الله هذا الذی تعرفونه قد خطب فتاتکم آمنة بصداق معجل ومؤجل کذا وکذا، فهل رضیتم بذلک من ولدنا؟ قال وهب: قد رضینا منکم، فقال عبد المطلب: اشهدوا یا من حضر، ثم تصافحوا وتهانوا وتصافقوا وتعانقوا، وأولم عبد المطلب ولیمة عظیمة، فیها جمیع أهل مکة وأودیتها وشعابها وسوادها، فأقام الناس فی مکة أربعة أیام. قال أبو الحسن البکری: ولما تزوج عبد الله بآمنة أقامت معه زماناً، والنور فی وجهه لم یزل حتی نفذت مشیة الله تعالی وقدرته وأراد أن یخرج خیرة خلقه محمداً رسول الله(1).

وفاة زوجها عبد الله ورثاؤها علیه

اختلفوا فی تحدید زمان وفاة عبد الله والد النبی صلی الله علیه و آله, منهم من قال توفی والنبی صلی الله علیه و آله حمل کما اختاره ابن سعد فی طبقاته, فقد روی عن ابن أبی صعصعة قال: خرج عبد الله بن عبد المطلب إلی الشام إلی غزة فی عیر من عیرات قریش یحملون تجارات ففرغوا من تجاراتهم ثم انصرفوا فمروا بالمدینة و عبد الله بن عبد المطلب یومئذ مریض فقال أنا أتخلف عند أخوالی بنی عدی بن النجار فأقام عندهم مریضاً شهراً ومضی أصحابه فقدموا مکة فسألهم عبد المطلب عن عبد الله فقالوا خلفناه عند أخواله بنی عدی بن النجار وهو مریض فبعث إلیه عبد المطلب

ص:65


1- (1) راجع: المصدر نفسه, ج 15 ص 102.

أکبر ولده الحارث فوجده قد توفی ودفن فی دار النابغة وهو رجل من بنی عدی ابن النجار فی الدار التی إذا دخلتها فالدویرة عن یسارک وأخبره أخواله بمرضه وبقیامهم علیه وما ولوا من امره وإنّهم قبروه فرجع إلی أبیه فأخبره فوجد علیه عبد المطلب وإخوته وأخواته وجداً شدیداً ورسول الله صلی الله علیه وسلم یومئذ حمل ولعبد الله یوم توفی خمس وعشرون سنة(1).

وأیضاً اختاره محمد بن عمر الواقدی حیث قال: هذا هو أثبت الأقاویل والروایة فی وفاة عبد الله بن عبد المطلب وسنة عندنا. قال وأخبرنا محمد بن عمر حدثنی معمر عن الزهری قال بعث عبد المطلب عبد الله إلی المدینة یمتار له تمراً فمات قال محمد بن عمر والأول أثبت(2).

وهناک أقوال أخری فی وفاة عبد الله حیث قیل: إن عبد الله توفی والنبی صلی الله علیه و آله ابن ثمانیة وعشرین شهراً, وذلک بعد ما أرسله أبوه یمتر بالمدینة(3). وقیل: وعمر النبی صلی الله علیه و آله سبعة أشهر. وقیل ابن شهرین(4).

وذکر ابن سعد عن محمد بن عمر بن واقد الأسلمی قال ترک عبد الله بن عبد المطلب أم أیمن وخمسة أجمال أوارک یعنی تأکل الأراک وقطعة غنم فورث ذلک رسول الله صلی الله علیه وسلم فکانت أم أیمن تحضنه واسمها برکة, وقالت آمنة بنت وهب ترثی زوجها عبد الله بن عبد المطلب:

ص:66


1- (1) راجع: الطبقات الکبری, محمد بن سعد, ج 1 ص 99.
2- (2) نقلا عن البدایة والنهایة, ابن کثیر, ج 2 ص 323.
3- (3) راجع: حیاة النبی ج 1 ص 26 محمد قوام الشنوی.
4- (4) راجع: الوافی بالوفیات, الصفدی, ج 1 ص 63.

عفا جانب البطحاء من ابن هاشم وجاور لحداً خارجاً فی الغماغم

دعته المنایا دعوة فأجابها وما ترکت فی الناس مثل ابن هاشم

عشیة راحوا یحملون سریره تعاوره أصحابه فی التزاحم

فان یک غالته المنایا وریبها فقد کان معطاءً کثیر التراحم(1)

آمنة وعاء نور النبی الخاتم

کان الملوک والسلاطین وأشراف مکة وصنادید قریش وسدنة البیت وخدام الحرم ورؤساء القبائل یتمنون لسنوات طویلة مصاهرة عبد المطلب، فکانوا یعرضون بناتهم الخیرات الحسان بلا مهر ولا عوض، بل کانوا یبذلون المهر وأکثر؛ لعلهم ینقلون النور الساطع اللامع فی جبینه إلی أرحام بناتهم، ویشرفون أسرهم بهذا الفخر. فلما تزوجت السیدة آمنة تکدرت منها النفوس وأعرضت عنها القلوب، ورأوا أن النور النبوی المحمدی صلی الله علیه و آله انتقل من صلب عبد الله إلی صدر آمنة بنت وهب، فحسدوها وأرادوا إطفاء ذلک النور سیما نساء مکة، حیث کانت آمنة علی مرأی ومسمع منهن، وشاهدن انتقال النور الطیب إلیها، فمات منهن أکثر من مائتی باکر نادرة الحسن والجمال فتعرین من کسوة الدنیا وتغطین بإطباق التراب وسلمن أرواحهن إلی الموت بعد أن ماتت آمالهن ویئسن من الوصال مع عبد الله عدیم المثال(2).

وقد ورد عن ابن عباس، قال: سمعت أبی العباس یحدث، قال: ولد لأبی

ص:67


1- (1) راجع: الطبقات الکبری, محمد بن سعد, ج 1 ص 99.
2- (2) الخصائص الفاطمیة, باقر الکجوری, ج 2 ص 53.

عبد المطلب عبد الله، فرأینا فی وجهه نوراً یزهر کنور الشمس، فقال أبی: إنّ لهذا الغلام شأناً عظیماً. قال: فرأیت فی منامی أنه خرج من منخره طائر أبیض، فطار فبلغ المشرق والمغرب، ثم رجع راجعاً حتی سقط علی بیت الکعبة، فسجدت له قریش کلها، فبینما الناس یتأملونه إذ صار نوراً بین السماء والأرض، وامتد حتی بلغ المشرق والمغرب. فلما انتبهت سألت کاهنة بنی مخزوم فقالت: یا عباس، لئن صدقت رؤیاک لیخرجن من صلبه ولد یصیر أهل المشرق والمغرب تبعاً له.

قال أبی: فهمنی أمر عبد الله إلی أن تزوج بآمنة، وکانت من أجمل نساء قریش، وأتمها خلقاً، فلما مات عبد الله وولدت آمنة رسول الله صلی الله علیه و آله أتیته، فرأیت النور بین عینیه یزهر، فحملته وتفرست فی وجهه، فوجدت منه ریح المسک، وصرت کأنی قطعة مسک من شدة ریحی، فحدثتنی آمنة وقالت لی: إنه لما أخذنی الطلق واشتد بی الأمر، سمعت جلبة وکلاماً لا یشبه کلام الآدمیین، ورأیت علماً من سندس علی قضیب من یاقوت قد ضرب بین السماء والأرض، ورأیت نوراً یسطع من رأسه حتی بلغ السماء، ورأیت قصور الشامات کأنها شعلة نار نوراً، ورأیت حولی من القطاة أمراً عظیماً، قد نشرت أجنحتها حولی، ورأیت شعیرة الأسدیة قد مرت وهی تقول: آمنة، ما لقیت الکهان والأصنام من ولدک؟ ورأیت رجلاً شاباً من أتم الناس طولا، وأشدهم بیاضاً، وأحسنهم ثیاباً، ما ظننته إلا عبد المطلب، قد دنا منی فأخذ المولود، فتفل فی فیه، ومعه طست من ذهب مضروب بالزمرد، ومشط من ذهب، فشق بطنه شقاً، ثم أخرج قلبه فشقه، فأخرج منه نکتة سوداء فرمی بها، ثم أخرج صرة من حریرة خضراء ففتحها، فإذا فیها

ص:68

کالذریرة البیضاء فحشاه، ثم رده إلی ما کان، ومسح علی بطنه، واستنطقه فنطق، فلم أفهم ما قال، إلا أنه قال: فی أمان الله وحفظه وکلاءته، قد حشوت قلبک إیماناً وعلماً وحلماً ویقیناً وعقلاً وشجاعة، أنت خیر البشر، طوبی لمن اتبعک، وویل لمن تخلف عنک. ثم أخرج صرة أخری من حریرة بیضاء ففتحها فإذا فیها خاتم، فضرب علی کتفیه، ثم قال: أمرنی ربی أن أنفخ فیک من روح القدس. فنفخ فیه، وألبسه قمیصاً، وقال: هذا أمانک من آفات الدنیا. فهذا ما رأیت - یا عباس - بعینی. قال العباس: وأنا یومئذ أقرأ، فکشفت عن ثوبه، فإذا خاتم النبوة بین کتفیه، فلم أزل أکتم شأنه، وأنسیت الحدیث فلم أذکره إلی یوم إسلامی حتی ذکرنی رسول الله صلی الله علیه و آله(1).

شغف النساء بنور النبی صلی الله علیه و آله

اشارة

ذکر المؤرخون وأصحاب السیر بعض القصص التی تشیر إلی أنّ بعض النساء حاولن أن یحظین بنور النبی صلی الله علیه و آله وتکون هی الوعاء لخاتم الرسل کی تحظی بسعادة الدارین, وتناسین أنّ امَّهات المعصومین أمر موکول إلی الباری عز وجل. وهذه الروایات أو القصص فی عمومها لا تنسجم مع شأن عبدالله والد النبی صلی الله علیه و آله, بل سیرة الأسرة الهاشمیة التی عرفت بالنجابة والإیمان لاسیما آباء النبی الذین خصهم الله بالطهارة واتسموا بالعفاف والتدین بحسب ما هو ثابت عقلاً ونقلاً, فهذه المرویات إمّا فیها تصحیف وزیادة أو انّها موضوعة, الغرض منها النیل من والد النبی الأکرم.

ص:69


1- (1) أنظر: الأمالی, الشیخ الصدوق, ص 335. وکمال الدین وتمام النعمة, الشیخ الصدوق, ص 176.
الروایة الأولی

ورد فی طبقات بن سعد: إنّ قتیلة ابنة نوفل (أخت ورقة) کانت تنظر وتعتاذ, فمر بها عبد الله بن عبد المطلب فدعته یستمتع منها ولزمت طرف ثوبه فأبی وقال حتی آتیک, وخرج سریعاً حتی دخل علی آمنة بنت وهب فوقع علیها فحملت برسول الله صلی الله علیه و آله, ثم رجع عبد الله بن عبد المطلب إلی المرأة فیجدها تنتظره فقال هل لک فی الذی عرضت علی فقالت لا, مررت وفی وجهک نور ساطع ثم رجعت ولیس فیه ذلک النور, وقیل: فقالت له فارقک النور الذی کان معک بالأمس فلیس لی بک الیوم حاجة, وقد کانت تسمع من أخیها ورقة بن نوفل وکان قد تنصر واتبع الکتب حتی أدرک فکان فیما طلب من ذلک أنه کائن لهذه الأمة نبی من بنی إسماعیل(1).

الروایة الثانیة

عن ابن کثیر وغیره عن ابن عباس قال: لما انطلق عبد المطلب بابنه عبد الله لیزوجه مرّ به علی کاهنة من أهل تبالة متهودة قد قرأت الکتب، یقال لها فاطمة بنت مرّ الخثعمیة، فرأت نور النبوة فی وجه عبد الله فقالت یا فتی هل لک أن تقع علیَّ الآن وأعطیک مائة من الإبل؟ فقال عبد الله:

أما الحرام فالممات دونه والحل لا حل فأستبینه

فکیف بالأمر الذی تبغینه یحمی الکریم عرضه ودینه

ثم مضی مع أبیه فزوجه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة، فأقام عندها

ص:70


1- (1) الطبقات الکبری, ابن سعد, ج 1 ص 98. تاریخ مدینة دمشق, ابن عساکر, ج 3 ص 406.

ثلاثاً. ثم إن نفسه دعته إلی ما دعته إلیه الکاهنة فأتاها فقالت: والله ما أنا بصاحبة ریبة، ولکنی رأیت فی وجهک نوراً فأردت أن یکون فیّ، وأبی الله إلا أن یجعله حیث أراد, فما صنعت بعدی قال زوجنی أبی آمنة بنت وهب. ثم أنشأت تقول:

إنی رأیت مخیلة لمعت فتلألأت بحناتم القطر

فلمأتها نوراً یضیء له ما حوله کإضاءة البدر

ورجوتها فخراً أبوء به ما کل قادح زنده یوری

لله ما زهریة سلبت ثوبیک ما استلبت وما تدری(1)

الروایة الثالثة

عن أبی إسحاق بن یسار أنه حدث: أنّ عبد الله إنما دخل علی امرأة کانت له مع آمنة بنت وهب، وقد عمل فی طین له، وبه آثار من الطین، فدعاها إلی نفسه فأبطأت علیه لما رأت به من أثر الطین، فخرج من عندها فتوضأ وغسل ما کان به من ذلک الطین، ثم خرج عامداً إلی آمنة فمر بها، فدعته إلی نفسها، فأبی علیها، وعمد إلی آمنة، فدخل علیها فأصابها، فحملت بمحمد صلی الله علیه و آله, ثم مرّ بامرأته تلک فقال لها: هل لک؟ قالت: لا، مررت بی وبین عینیک غرة بیضاء فدعوتک فأبیت ودخلت علی آمنة فذهبت بها. قال ابن إسحاق: فزعموا أن امرأته تلک کانت تحدث: أنه مرّ بها وبین عینیه غرة مثل غرة الفرس، فقالت: فدعوته رجاء أن تکون تلک بی فأبی علیّ، ودخل علی آمنة فأصابها، فحملت برسول الله صلی الله علیه و آله. فکان رسول الله صلی الله علیه و آله أوسط قومه نسبا،

ص:71


1- (1) السیرة النبویة, ابن کثیر, ج 1 ص 178, والکامل فی التاریخ, ابن الأثیر ج 2 ص 8.

وأعظمهم شرفا من قبل أبیه وأمه, ولذا قد ورد أن التی عرضت علیه نفسها لم تک بغیا وإنما کانت زوجه.(1)

الجمع بین الروایات

اشارة

ذهب الحلبی فی السیرة إلی إمکان الجمع بین هذه القصص وأن لکل واقعة بمعزل عن الأُخری حیث یقول: لا یخفی أن تعدد الواقعة ممکن وأن هذا السیاق یدل علی أن هذه المرأة کان عندها علم بأن عبد الله تزوج آمنة وأنه یرید الدخول بها وأنها علمت أنه کائن نبی یکون له الملک والسلطان وغیر خاف أن عرض عبد الله نفسه علی المرأة لم یکن لریبة بل لیستبین الأمر الذی دعاها إلیه بذلک القدر الکثیر من الإبل فی مقابلة هذا الشیء علی خلاف عادة النساء مع الرجال ولا یخالف ذلک بل یؤکده ما فی الوفاء من قوله, ثم تذکر الخثعمیة وجمالها وما عرضت علیه فأقبل إلیها الحدیث والله أعلم(2).

الصحیح

إنّ هذه القصص لیس حظ فی الوجود وهی بعیدة عن واقع الأسرة الهاشمیة لاسیما آباء النبی صلی الله علیه و آله الذین اصطفاهم الله وأبعدهم عن الأرجاس کما سیأتی, لذلک علماؤنا ومؤرخونا قد أعرضوا عن ذکر هذه القصص ولم یذکروها فی کتبهم, بل حتی فی کتب القوم لاسیما الروایة الأولی فقد ذکرها ابن سعد ونقلها عنه ابن عساکر ولیس علی نحو ثبوتها وانما ذکروها واحدة من تلک النصوص

ص:72


1- (1) تاریخ مدینة دمشق, ابن عساکر, ج 3 ص 406
2- (2) السیرة الحلبیة, ج 1 ص 65.

التاریخیة وفی الأغلب المحدث والمؤرخ یذکر النصوص مجرد لسرد التأریخ من دون التدقیق فی صحتها وعدمه.

ولو فرضنا ثبوت هذه النصوص التاریخیة أو هذه القصص فقد یتضح من الأبیات التی أطلقها عبد الله خیر دلیل علی إیمانه وتمسکه وابتعاده عن الفحشاء والمنکر, فهذا إما أن یکون بأمر مشروع کما یستشف من ظاهرها, أی أنه طلب منها الزواج. أو هو إضافة من بعض الرواة المنحرفین بقصد تشویه سیرة آباء النبی صلی الله علیه و آله.

مشهد من إیمان عبدالله

عندما سافر عبدالله مع أبیه نحو الیمن قبل أن یتزوج بآمنة بنت وهب، وکان نور النبی, فی وجهه، وأن الزرقاء نظرت إلیه وقد نزل بقصر من قصور الیمامة، وذهب أبوه عبد المطلب فی حاجة وترکه عند متاعه وسیفه عند رأسه، فنزلت الزرقاء مسرعة، وفی یدها کیس من الورق، فوثبت علیه ثم قالت له: یا فتی حیاک الله بالسلام، وجللک بالانعام، من أی العرب أنت؟ فما رأیت أحسن منک وجهاً، قال: أنا عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، سید الأشراف، ومطعم الأضیاف، سادات الحرم، ومن لهم السابقة فی القدم، فقالت: فهل لک یا سیدی من فرحتین عاجلتین؟ قال: وما هما؟ قالت: تجامعنی الساعة، وتأخذ هذه الدراهم، وأبذل لک مائة من الإبل محملة تمراً وبسراً وسمناً، فلما استتم کلامها قال: إلیک عنی، فما أقبح صورتک یا ویلک، أما علمت أنا قوم لا نرکب الآثام، اذهبی، وتناول سیفاً کان عنده فانهزمت ورجعت خائبة، فأقبل أبوه فوجده وسیفه مسلول

ص:73

وهو یقول شعراً:

أنرتکب الحرام بغیر حل ونحن ذووا المکارم فی الأنام

إذا ذکر الحرام فنحن قوم جوارحنا تصان عن الحرام

فقال له أبوه: یا ولدی ما جری علیک بعدی؟ فأخبره بخبره، ووصف له صفاتها فعرفها، وقال له: یا بنی هذه زرقاء الیمامة، قد نظرت إلی النور الذی فی وجهک یلوح، فعرفت أنه الشرف الوکید، والعز الذی لا یبید، فأرادت أن تسلبه منک، والحمد لله الذی عصمک عنها، ثم رحل به إلی مکة، وزوجه بآمنة بنت وهب، فلما رأته الزرقاء عرفته، وعلمت أنه تزوج، فقالت: ألست صاحبی بالیمامة فی یوم کذا؟ قال لها: نعم، فلا أهلاً بک ولا سهلاً، یا ابنة اللخناء، قالت: أین النور الذی کان فی غرتک؟ قال: فی بطن زوجتی آمنة بنت وهب، قالت: لا شک أنها لذلک أهل(1).

عملیة اغتیال فاشلة

بعدما عجزت زرقاء الیمامة من عبد الله والد النبی صلی الله علیه و آله ولم تفلح فی اختطاف النور النبوی وعلمت أنّه انتقل إلی السیدة آمنة فأخذت تخطط وتفکر فی قتل آمنة، وکیف تعمل الحیلة، فأقبلت حتی نزلت علی امرأة من الخزرج اسمها تکنا، وکانت ماشطة لآمنة، فلما أصبحت جلست بین یدی الزرقاء فقالت: ما لی أراک مغمومة؟ قالت لها: یا أختاه إن الذی نزل بی من الهموم والغموم لخروجی من الأوطان، وذهابی من البلدان، وتشتتی فی کل مکان، وتفردی عن

ص:74


1- (1) راجع: بحار الأنوار, العلامة المجلسی, ج 15 ص 313.

الخلان، قالت لها: ولم ذلک؟ قالت لها: یا ویلک من حامل مولود، یدعو إلی أکرم معبود، یکسر الأصنام، ویذل السحرة والکهان، یخرب الدیار، ولا یترک بمکة أحداً من ذوی الأبصار، وأنت تعلمین أن القعود علی النار، أیسر من الذل والصغار، فلو وجدت من یساعدنی علی قتل آمنة بذلت له المنا، وأعطیته الغنا، وعمدت إلی کیس کان معها فأفرغته بین یدی تکنا، وکان مالاً جزیلاً، فلما نظرت تکنا إلی المال لعب بقلبها، وأخذ بعقلها، وقالت لها: یا زرقاء لقد ذکرت أمراً عظیماً، وخطباً جسیماً، والوصول إلیه بعید، وإنی ماشطة لجملة نساء بنی هاشم، ولا یدخل علیهن غیری، ولکن سوف أفکر لک فیما ذکرت، وکیف أجسر علی ما وصف، والوصول إلی ما ذکرت، قالت الزرقاء: إذا دخلت علی آمنة وجلست عندها فاقبضی علی ذوائبها، واضربیها بهذا الخنجر، فإنه مسموم، فإذا اختلط الدم بالسم هلکت، فإذا وقع علیک تهمة، أو وجب علیک دیة فأنا أقوم بخلاصک، وأدفع عنک عشر دیات غیر الذی دفعته إلیک فی وقتی هذا، فما أنت قائلة؟ قالت: إنی أجبتک، لکن أرید منک الحیلة بأن تشغلی بنی هاشم عنی، قالت الزرقاء: إنی هذه الساعة آمر عبیدی أن یذبحوا الذبائح، ویطرحوها فی الجفان، فإذا أکلوا ظفرت بحاجتک، قالت لها تکنا: الآن تمت الحیلة، فافعلی ما ذکرت، فصنعت الزرقاء ما ذکرت، وأمرت عبیدها ینادون فی شوارع مکة أن یجمعوا الناس، فلم یبق أحد إلا وحضر ولیمتها من أهل مکة، فلما أکلوا وشربوا وعلمت أن القوم قد خالط عقولهم الشراب أقبلت إلی تکنا وقالت: قومی إلی حاجتک، فقامت تکنا وجاءت بالخنجر ورشت فی جوانبه السم، ودخلت علی آمنة فرحبت

ص:75

بها آمنة، وسألتها عن حالها، وقالت: یا تکنا ما عودتینی بالجفاء فقالت: اشتغلت بهمی وحزنی، ولولا أیادیکم الباسطة علینا لکنا بأقبح حال، ولا أحد أعز علیَّ منک، هلمی یا بنیة إلی حتی أزینک، فجاءت آمنة وجلست بین یدی تکنا، فلما فرغت من تسریح شعرها عمدت إلی الخنجر وهمت أن تضربها به، فحست تکنا کأن أحداً قبض علی قلبها فغشی علی بصرها، وکأن ضارباً ضرب علی یدها فسقط الخنجر من یدها إلی الأرض، فصاحت: وا حزناه، فالتفتت آمنة إلیها وإذا الخنجر قد سقط من ید تکنا، فصاحت آمنة فتبادرت النسوان إلیها، وقلن لها: ما دهاک؟ قالت: یا ویلکن أما ترین ما جری علیَّ من تکنا، کادت أن تقتلنی بهذا الخنجر، فقلن: یا تکنا ما أصابک؟ ویلک تریدین أن تقتلی آمنة علی أی جرم؟ فقالت: یا ویلکن قد أردت قتل آمنة، والحمد لله الذی صرف عنها البلاء، فقالت: الحمد لله علی السلامة من کیدک یا تکنا، فقالت لها النساء: یا تکنا ما حملک علی ذلک؟ قالت: لا تلومونی، حملنی طمع الدنیا الغرور، ثم أخبرتهن بالقصة، وقالت لهن: ویحکن دونکن الزرقاء اقتلنها قبل أن تفوتکن، ثم سقطت میتة، فصاحت النسوان صیحة عالیة، فأقبل بنو هاشم إلی منزل آمنة، فإذا بتکنا میتة، وقد تجلل نور آمنة، ونظروا إلی الخنجر، وحکوا لهم القصة، فخرج أبو طالب ینادی: أدرکوا الزرقاء وقد وصلها الخبر، فخرجت هاربة فتبعها الناس من بنی هاشم وغیرهم فلم یدرکوها ولم یلحقوها(1).

ص:76


1- (1) راجع: بحار الأنوار, العلامة المجلسی, ج 15 ص 316.

إرهاصات فی حملها وولادتها للنبی صلی الله علیه و آله

لقد کثرت المشاهدات قبل ولادته المبارکة وفی أیام حمله وبعد الولادة بفترة وجیزة، فشاهد الناس عموماً والنساء خصوصاً فی الیقظة والمنام من الآثار الأرضیة والسماویة، ومن هواتف الجن ونداءات الملائکة وأقوال السحرة والکهنة من أهل مکة وغیرها، وهذا أمر اعتادت علیه البشریة فی ولادة ذات المکانات العالیة والرفیعة عند الله, ومن الکرامات وخوارق العادات والمعجزات الباهرات لهذا المولود المبارک، حتی أذعن الأغلب بنبوته ورسالته وخاتمیته، فکیف یعقل أن لا تؤمن تلک المخدرة؟ وهل یستقیم هذا الظن الفاسد والخیال الکاسد مع ظهور کل تلک المعجزات وبروز تلک الآیات البینات؟ حاشاها من هذه العقائد الفاسدة والنیات الکاسدة.

فنقول: إذا قامت القیامة وأخرجت امَّهات الأنبیاء والأوصیاء والصدیقین والأولیاء الکاملین رؤوسهن من التراب، فکم سیکون لهذه المخدرة من حرمة خاصة ومنزلة شریفة عند فاطمة الزهراء علیها السلام لا تکون لغیرها من النساء، سیما حینما تستظل آمنة تحت لواء الولایة، وتدخل فی حمی النبوة والشفاعة، فأی امرأة تفضل علیها وتتطاول إلی مقامها.

ورد عن أبی عبد الله علیه السلام، قال:

کان حیث طلقت آمنة بنت وهب وأخذها المخاض بالنبی صلی الله علیه و آله حضرتها فاطمة بنت أسد امرأة أبی طالب، فلم تزل معها حتی وضعت، فقالت إحداهما للأخری: هل ترین ما أری؟ قالت: وما ترین؟ قالت: هذا النور الذی قد سطع ما بین المشرق والمغرب،

ص:77

فبینما هما کذلک إذ دخل علیهما أبو طالب، فقال لهما: ما لکما, من أی شیء تعجبان؟ فأخبرته فاطمة بالنور الذی قد رأت، فقال لها أبو طالب: ألا أبشرک؟ فقالت: بلی، فقال: أما إنک ستلدین غلاماً یکون وصی هذا المولود(1).

وعن ابن حمید قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال: یزعمون فیما یتحدث الناس والله أعلم أن آمنة بنت وهب أم رسول الله صلی الله علیه و آله کانت تحدث أنها أتیت لما حملت برسول الله فقیل لها إنّک قد حملت بسید هذه الأمة فإذا وقع بالأرض فقولی أعیذه بالواحد من شر کل حاسد ثم سمیه محمداً ورأت حین حملت به أنه خرج منها نور رأت منه قصور بصری من أرض الشام, فلما وضعته أرسلت إلی جده عبد المطلب أنه قد ولد لک غلام فأته فانظر إلیه, فأتاه فنظر إلیه وحدثته بما رأت حین حملت به, وما قیل لها فیه, وما أمرت أن تسمیه(2).

وقال یونس بن بکیر عن ابن إسحق: وکانت آمنة بنت وهب أم رسول الله صلی الله علیه و آله تحدث أنها أتیت حین حملت بمحمد صلی الله علیه و آله, فقیل لها إنک قد حملت بسید هذه الأمة، فإذا وقع علی الأرض فقولی: أعیذه بالواحد، من شر کل حاسد، من کل بر عاهد، وکل عبد رائد، یذود عنی ذائد، فإنه عند الحمید الماجد، حتی أراه قد أتی المشاهد. وقال: فإن آیة ذلک أن یخرج معه نور یملأ قصور بصری من أرض الشام، فإذا وقع فسمیه محمداً، فإن اسمه فی التوراة والإنجیل أحمد، یحمده

ص:78


1- (1) حلیة الأبرار, السید هاشم البحرانی, ج 1 ص 28.
2- (2) تاریخ الطبری, الطبری, ج 1 ص 571.

أهل السماء والأرض، واسمه فی الفرقان محمد، فسمته بذلک. فلما وضعته بعثت إلی عبد المطلب جاریتها(1).

وروی الطبرسی فی (الاحتجاج) عن الکاظم علیه السلام انه قال: إنّ آمنة بنت وهب رأت فی المنام أنّه قیل لها: إنّ ما فی بطنک سید، فإذا ولدته فسمیه محمداً. ثم قال علی علیه السلام: فاشتق الله له اسماً من أسمائه، فإن الله المحمود وهذا محمد(2).

وروی عن أمه أنّها قالت: لما وضعته رأیت نوراً ساطعاً بدا منی حتی أفزعنی، ولم أر شیئاً مما یرینه النساء. قال: وروی بعضهم: أنّها قالت: سطع منی النور حتی رأیت قصور الشام. ولما وقع إلی الأرض قبض قبضة من تراب، ثم رفع رأسه إلی السماء(3).

تاریخ ولادتها للنبی صلی الله علیه و آله

اختلف المؤرخون فی تعیین زمان ولادة النبی الأکرم صلی الله علیه و آله, فقیل: ولد النبی صلی الله علیه و آله لاثنتی عشرة لیلة مضت من شهر ربیع الأول فی عام الفیل یوم الجمعة مع الزوال، وروی أیضا عند طلوع الفجر قبل أن یبعث بأربعین سنة. وحملت به أمه فی أیام التشریق عند الجمرة الوسطی وکانت فی منزل عبد الله بن عبد

ص:79


1- (1) سیرة ابن اسحاق, محمد بن اسحاق بن یسار, ج 1 ص 22.
2- (2) الاحتجاج, ج 1 ص 321.
3- (3) أنظر: موسوعة التاریخ الإسلامی, محمد هادی الیوسفی, ج 1 ص 252.

المطلب, وولدته فی شعب أبی طالب فی دار محمد بن یوسف(1), فی الزاویة القصوی عن یسارک وأنت داخل الدار، وقد أخرجت الخیزران ذلک البیت فصیرته مسجداً، یصلی الناس فیه(2).

ونقل المجلسی عن کتاب (حدائق الریاض) و (التواریخ الشرعیة) للشیخ المفید أنّه قال: السابع عشر من ربیع الأول مولد سیدنا رسول الله صلی الله علیه و آله عند طلوع الفجر من یوم الجمعة عام الفیل. وقال الطبرسی علیهم السلام: ولد یوم الجمعة عند طلوع الشمس، السابع عشر من شهر ربیع الأول عام الفیل، وذلک لأربع وثلاثین سنة مضت من ملک کسری أنوشیروان.

وقال السید ابن طاووس فی (الإقبال): إن الذین أدرکناهم من العلماء کان علمهم علی أن ولادته المقدسة صلی الله علیه و آله کانت یوم الجمعة السابع عشر من ربیع الأول فی عام الفیل عند طلوع فجره. ولذلک قال الشیخ المجلسی قدس سره: اعلم أنّه اتفقت الإمامیة (إلا من شذ منهم) علی أن ولادته صلی الله علیه و آله کانت فی السابع عشر من شهر ربیع الأول، وذهب أکثر المخالفین إلی أنها کانت فی الثانی عشر منه، واختاره الکلینی قدس سره(3).

ص:80


1- (1) قال فی هامش البحار: قال المؤرخون: کانت هذه الدار للنبی صلی الله علیه و آله فوهبها لعقیل بن أبی طالب، فباعها أولاده لمحمد بن یوسف أخ الحجاج الثقفی, فاشتهرت بدار محمد بن یوسف, فأدخلها فی قصره الذی کانوا یسمونه البیضاء وبعد انقضاء دولة بنی أمیة حجت خیزران أم الهادی والرشید فأفرزتها من القصر وجعلتها مسجدا، وهو الآن یصلی ویزار فیه. البحار ج 15 ص 250.
2- (2) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 1 ص 439.
3- (3) راجع: موسوعة التاریخ الإسلامی, محمد هادی الیوسفی, ج 1 ص 254.

وفاتها ومحل قبرها

لما أتی علی رسول الله صلی الله علیه و آله ست سنین خرجت آمنة بنت وهب زائرة لقبر زوجها عبدالله ومعها عبد المطلب, وأم أیمن حاضنة رسول الله صلی الله علیه و آله، فلما صارت بالأبواء منصرفة إلی مکة ماتت بها. وقیل توفیت وهو ابن أربعة أشهر أو أربع سنین أو ست(1).

وهذا کان السبب فی دفنها (آمنة بنت وهب) بالأبواء هناک, حیث أنّ عبد الله والد رسول الله صلی الله علیه و آله کان قد خرج إلی المدینة یمتار تمراً، فمات بالمدینة، فکانت زوجته آمنة بنت وهب، تخرج فی کل عام إلی المدینة تزور قبره.

ویقال إن أبا طالب زار أخواله بنی النجار بالمدینة وحمل معه آمنة أم رسول الله صلی الله علیه و آله، فلما رجع منصرفا إلی مکة، ماتت آمنة بالأبواء, ولها من العمر ثلاثون سنة(2).

والأبواء: الأخلاط من الناس، قال کثیر: إنما سمیت الأبواء للوباء الذی بها; ولا یصح هذا إلا علی القلب. وبوادیها من نبات الطرفاء ما لا یعرف فی واد أکثر منه. وعلی خمسة أمیال منها مسجد للنبی صلی الله علیه و آله(3).

وقیل: هی قریة من أعمال الفرع بین المدینة والجحفة بینها وبین المدینة ثلاثة وعشرون میلا؛ وقیل الأبواء جبل علی یمین آرة ویمین الطریق للمصعد إلی

ص:81


1- (1) مستدرکات علم رجال الحدیث, الشیخ علی النمازی الشاهرودی, ج 8 ص 545.
2- (2) معجم البلدان, الحموی, ج 1 ص 79.
3- (3) معجم ما استعجم, البکری الأندلسی, ج 1 ص 102.

مکة من المدینة؛ وهناک بلد ینسب إلی هذا الجبل. وقال السکری: هو جبل مشرف شامخ لیس به شیء من النبات غیر الخزم والبشام وهو لخزاعة وضمرة، وقد اختلف فی تحقیق لفظه فقیل: هو فعلاء من الأبوة، کما یدل له صنیع المصنف حیث ذکره هنا، وقیل: أفعال کأنه جمع بو: وهو الجلد، أو جمع بوی وهو السواد، وقیل: إنه مقلوب من الأوباء سمی بذلک لما فیه من الوباء. وقال ثابت اللغوی: سمی لتبوء السیول به، وهذا أحسن، وسئل عنه کثیر فقال: لأنهم تبوؤا به منزلاً(1).

لکن ذکر البعض أن مزارها فی الحجون, حیث یقول: أما مزار آمنة بنت وهب فإن قلنا أنه فی الحجون من مکة, وهی مقبرة السالفین إلی الیوم، وأهل مکة یزورونها قرب قبر خدیجة سلام الله علیها، فهو یعارض القول بدفنها فی الأبواء. والحق أن السیدة آمنة نقلت إلی الحجون. وعلی ضریحها قبة سامیة یتلألأ النور من أعلاها، وقبرها مشهور بین البقاع، یقصد لدفع المهمات، ویزار لکشف الملمات(2).

والحجون: بفتح الحاء جبل بمعلاة مکة مشرف مما یلی شعب الخرازین، فیه اعوجاج، عنده مقبرة. قال السهیلی: علی فرسخ وثلثین من مکة؛ قال الأعشی:

فما أنت من أهل الحجون ولا الصفا ولا لک حق الشرب فی ماء زمزم

وقال عمرو بن مضاض الجرهمی یتأسف علی البیت:

ص:82


1- (1) تاج العروس, الزبیدی, ج 19 - ص 131.
2- (2) الخصائص الفاطمیة, ج 2 ص 70.

کأن لم یکن بین الحجون إلی الصفا أنیس ولم یسمر بمکة سامر(1)

وروی الطبرانی وابن مردویه عن عکرمة، عن ابن عباس، أن رسول الله صلی الله علیه و آله لما أقبل من غزوة تبوک فلما هبط من ثنیة عسفان أمر أصحابه أن یستندوا إلی العقبة حتی یرجع إلیهم، فذهب فنزل علی قبر أمه فناجی ربه طویلاً، ثم إنه بکی فاشتد بکاؤه ثم عاد(2).

وأیضا روی عن عائشة أن النبی مرّ فی سفره إلی الحج بالحجون، فبکی کثیراً وبکیت لبکائه، ثم قال: خذی زمام ناقتی، وذهب إلی قبر أمه وعاد مستبشراً ضاحکاً، فسألته فقال: سألت الله أن یحیی أمی فأحیاها، فعرضت علیها الإیمان فأقرت، ثم عادت إلی نومتها(3).

وروی البیهقی فی مثله عن عائشة، وألّفَ السیوطی رسالة فی ذلک، وقال ابن حجر فیه شعراً:

الله أحیا للنبی أباه للإیمان والأم آمنة الأمینة(4)

أقول: مع غض النظر عن مراجعة سند الروایة یظهر من قول النبی صلی الله علیه و آله (فأقرت) أنّها کانت مؤمنة وهذا الإیمان الذی تشرب فیها قد أقرته وأکدته, ولو کان غیر ذلک لکان الأصح أن یقول (فآمنت) بعد ما عرض علیها الإیمان. ویؤید هذا: ما تقدم من خلال سیرتها ومدی إیمانها شعراً ونثراً, فعند نزول الوحی

ص:83


1- (1) تاج العروس, الزبیدی, ج 18 ص 132.
2- (2) المعجم الکبیر, للطبرانی, ج 11 ص 296.
3- (3) الخصائص الفاطمیة, الشیخ محمد باقر الکجوری, ج 2 ص 71.
4- (4) بحار الأنوار, المجلسی, ج 10 ص 441.

والرسالة أقرت ذلک بکل یقین.

زیارة النبی لقبرها وإحیاؤها له

ذکر المؤرخون أن النبی صلی الله علیه و آله لما فرغ من حجة الوداع لاذ بقبر قد درس فقعد عنده طویلاً ثم استعبر, فقیل له یا رسول الله ما هذا القبر؟ فقال: هذا قبر أمی آمنة بنت وهب, سألت الله فی زیارتها فأذن لی. وقال صلی الله علیه و آله: قد کنت نهیتکم عن زیارة القبور ألا فزوروها(1). وفی روایة أخری أتی قبرها وأصلحه وبکی عنده وبکی المسلمون لبکائه(2).

وعن الصدوق بسنده قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن عمرو بن علی البصری، قال: حدثنا أبو عبد الله عبد السلام ابن محمد بن هارون الهاشمی، قال: حدثنا محمد بن [محمد بن] عقبة الشیبانی، قال: حدثنا أبو القاسم الخضر بن أبان، عن أبی هدیة إبراهیم بن هدیة البصری، عن أنس بن مالک قال: أتی أبو ذر یوماً إلی مسجد رسول الله صلی الله علیه و آله فقال: ما رأیت کما رأیت البارحة. قالوا: وما رأیت البارحة؟ قال: رأیت رسول الله صلی الله علیه و آله ببابه فخرج لیلاً فأخذ بید علی بن أبی طالب علیه السلام وخرجا إلی البقیع فما زلت أقفوا أثرهما إلی أن أتیا مقابر مکة فعدل إلی قبر أبیه فصلی عنده رکعتین فإذا بالقبر قد انشق وإذا بعبد الله جالس وهو

ص:84


1- (1) الفصول المختارة, الشریف المرتضی, ص 131. وغیره من الخاصة والعامة, منها الحاکم النیسابوری فی المستدرک, ج 1 ص 374, قال فقد أذن الله تعالی لنبیه صلی الله علیه و آله فی زیارة قبر أمه. ثم قال: هذا الحدیث مخرج فی الکتابین الصحیحین للشیخین.
2- (2) مستدرکات علم رجال الحدیث, الشیخ علی النمازی الشاهرودی, ج 8 ص 545. السیرة الحلبیة, ج 1 ص 172.

یقول: (أنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله). فقال له: من ولیک یا أبة؟ فقال: وما الولی یا بنی؟ فقال: هو هذا علی. فقال: وأن علیاً ولیی. قال: فارجع إلی روضتک. ثم عدل إلی قبر أمه آمنة فصنع کما صنع عند قبر أبیه فإذا بالقبر قد انشق وإذا هی تقول: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأنک نبی الله ورسوله). فقال لها: من ولیک یا أماه؟ فقالت: وما الولایة یا بنی؟ قال: هو هذا علی بن أبی طالب. فقالت: وأن علیاً ولیی. فقال: ارجعی إلی حفرتک وروضتک. فکذبوه ولببوه وقالوا: یا رسول الله کذب علیک الیوم. فقال: وما کان من ذلک؟ قالوا إن جندب حکی عنک کیت وکیت، فقال النبی صلی الله علیه و آله: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء علی ذی لهجة أصدق من أبی ذر. قال عبد السلام بن محمد: فعرضت هذا الخبر علی الجهمی محمد بن عبد الأعلی فقال: أما علمت أن النبی صلی الله علیه و آله قال: أتانی جبرئیل علیه السلام فقال: إن الله عز وجل حرم النار علی ظهر أنزلک، وبطن حملک، وثدی أرضعک، وحجر کفلک؟(1).

وذکر ابن طاووس قدس سره زیارتها ضمن الزیارة الخاصة بالنبی الأکرم صلی الله علیه و آله.

السلام علیک وعلی أهل بیتک الطیبین الطاهرین الهادین المهدیین, السلام علی جدک عبد المطلب وعلی أبیک عبد الله، السلام علی أمک آمنة بنت وهب، السلام علی عمک حمزة سید الشهداء(2).

ص:85


1- (1) معانی الأخبار, الشیخ الصدوق, ص 178.
2- (2) إقبال الأعمال, السید ابن طاووس, ج 3 - ص 123.

تحریف الحقائق

اشارة

ذکر البعض عن ابن مسعود قال: خرج رسول الله صلی الله علیه و آله یوماً فخرجنا معه حتی انتهینا إلی المقابر، فأمرنا فجلسنا، ثم تخطینا القبور حتی انتهینا إلی قبر منها، فجلس إلیه فناجاه طویلاً، ثم ارتفع نحیب رسول الله صلی الله علیه و آله باکیاً، فبکینا لبکائه، ثم إن النبی أقبل فلقیه عمر بن الخطاب فقال: ما الذی أبکاک یا رسول الله؟ قال: لقد أبکانا وأفزعنا فأخذ بید عمر، ثم أومأ إلینا فأتیناه فقال: أفزعکم بکائی؟ فقلنا: نعم، یا رسول الله قال: فإن القبر الذی رأیتمونی عنده قبر أمی آمنة بنت وهب، وإنی استأذنت ربی فی زیارتها، فأذن لی، ثم استأذنته فی الاستغفار لها، فلم یأذن لی، وأنزل قوله تعالی:(ما کانَ لِلنَّبِیِّ وَ الَّذِینَ آمَنُوا أَنْ یَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِکِینَ) ، وقوله:(وَ ما کانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِیمَ لِأَبِیهِ) فأخذنی ما یأخذ الولد للوالد من الرأفة فذلک أبکانی، ألا إنی نهیتکم عن ثلاث: عن زیارة القبور، وعن أکل لحوم الأضاحی فوق ثلاث لیسعکم، وعن نبیذ الأوعیة، فزوروها فإنها تزهد فی الدنیا وتذکر الآخرة، وکلوا لحوم الأضاحی وأنفقوا منها ما شئتم، فإنما نهیتکم إذا الخیر قلیل، وتوسعة علی الناس، ألا وإن الوعاء لا یحرم شیئاً، کل مسکر حرام(1).

وهذا ما ذهب إلیه أغلب المفسرین من الجمهور, فی تفسیر قوله تعالی: (ما کانَ لِلنَّبِیِّ وَ الَّذِینَ آمَنُوا أَنْ یَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِکِینَ...) ، الخ وذلک أن النبی صلی الله علیه و آله سأل بعدما افتتح مکة: أی أبویه أحدث به عهداً، قیل له: أمک آمنة بنت وهب بن عبد مناف، قال: حتی أستغفر لها، فقد استغفر إبراهیم لأبیه وهو مشرک، فهمّ

ص:86


1- (1) موارد الضمآن, الهیثمی, ص 73.

النبی صلی الله علیه و آله بذلک، فأنزل الله عز وجل قوله: (ما کانَ لِلنَّبِیِّ...) ، الخ یعنی: ما ینبغی للنبی (وَ الَّذِینَ آمَنُوا أَنْ یَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِکِینَ) ,(وَ لَوْ کانُوا أُولِی قُرْبی مِنْ بَعْدِ ما) کانوا کافرین ف -(تَبَیَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِیمِ) حین ماتوا علی الکفر، نزلت فی محمد صلی الله علیه و آله، وعلی بن أبی طالب علیه السلام. فقد استغفر إبراهیم لأبیه وکان کافراً، فبین الله کیف کانت هذه الآیة، فقال تعالی:(وَ ما کانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِیمَ لِأَبِیهِ إِلاّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِیّاهُ) ، وذلک أنه کان وعد أباه أن یستغفر له، فلذلک استغفر له،(فَلَمّا تَبَیَّنَ) لإبراهیم (أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ) حین مات کافراً، لم یستغفر له، و تبرأ منه (إِنَّ إِبْراهِیمَ لَأَوّاهٌ)1 .

نعم ذکر السمعانی فی تفسیره أن هناک اختلافاً فی شأن نزول هذه الآیة, حیث قال: أن القوم اختلفوا فی سبب نزول قوله تعالی:(ما کانَ لِلنَّبِیِّ وَ الَّذِینَ آمَنُوا أَنْ یَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِکِینَ وَ لَوْ کانُوا أُولِی قُرْبی مِنْ بَعْدِ ما تَبَیَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِیمِ) علی ثلاثة أقوال:

الأول: ما رواه سعید بن المسیب، عن أبیه: أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل علیه النبی وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبی أمیة، فقال له النبی: أی عم قل: لا إله إلا الله، کلمة أحاج لک بها عند الله.

فقال له أبو جهل وعبد الله بن [أبی] أمیة: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فما زالا یکلمانه حتی کان آخر کلمة قالها: علی ملة عبد المطلب، فقال النبی صلی الله علیه و آله: لأستغفرن لک ما لم انْهَ عنه؛ فأنزل الله تعالی هذه الآیة: (ما کانَ

ص:87

لِلنَّبِیِّ...) الخ.

والثانی: روی مسروق، عن عبد الله بن مسعود: أن النبی خرج إلی المقابر فاتبعناه، فأتی قبراً وقعد عنده، وناجاه طویلاً، ثم بکی وبکینا لبکائه، فقلنا له: یا رسول الله من صاحب هذا القبر؟ فقال: هذه أمی آمنة بنت وهب، استأذنت ربی فی زیارتها فأذن لی، ثم استأذنته فی أن أستغفر لها فلم یأذن لی، قال: فأخذنی علیها الشفقة ما یأخذ الولد للوالدة فبکیت، وأنزل الله تعالی هذه الآیة: (ما کانَ لِلنَّبِیِّ...) . الخ

والثالث: روی عن علی - رضی الله عنه -: أنه سمع رجلاً یستغفر لأبویه وهما مشرکان، فقال له علی: أتستغفر للمشرکین؟ فقال ذلک الرجل: قد استغفر إبراهیم لأبیه وهو مشرک, فأتی النبی وأخبره بذلک، فأنزل الله تعالی هذه الآیة: (ما کانَ لِلنَّبِیِّ...)1 الخ.

والصحیح

أن التحریف والتغییر فی الحقائق الحقّة والجلیّة أمر متبع ومعتاد علیه بحسب المصالح والأطماع الدنیویة للذین اشتروا الدنیا بالآخرة, لاسیما وأن التأریخ کان قد عاش وترعرع فی أحضان السیاسة الأمویة والتی طالما سعت وأجهدت نفسها وشمّرت عن ساعدها فی دفن وإطفاء النور الإلهی ولکن أبی الله إلا أن یتمم نوره.

ص:88

وعلیه فإن سیرة آمنة بنت وهب بما فیها أقوالها وأعمالها عند الفریقین تکذّب هذا الافتراء جملة وتفصیلاً, وهی لم تکن أقل شأناً من امَّهات الأنبیاء فی الطهارة والاصطفاء, وقد ذکر القرآن أمثلة علی ذلک, منها: أم نبی الله إسماعیل علیه السلام هاجر حیث یتحدث عنها القرآن بقوله تعالی:(رَبَّنا إِنِّی أَسْکَنْتُ مِنْ ذُرِّیَّتِی بِوادٍ غَیْرِ ذِی زَرْعٍ عِنْدَ بَیْتِکَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِیُقِیمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِی إِلَیْهِمْ وَ ارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ یَشْکُرُونَ) .(1) ومنها: ما ذکره سبحانه وتعالی عن أم نبی الله موسی علیه السلام وکیف أوحی لها وألهمها طریق النجاة لها ولولدها بقوله تعالی:(وَ أَوْحَیْنا إِلی أُمِّ مُوسی أَنْ أَرْضِعِیهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَیْهِ فَأَلْقِیهِ فِی الْیَمِّ وَ لا تَخافِی وَ لا تَحْزَنِی إِنّا رَادُّوهُ إِلَیْکِ وَ جاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِینَ)2 . ومنها: ما کشف عن مکانة أم نبی الله عیسی علیه السلام بقوله تعالی:(وَ إِذْ قالَتِ الْمَلائِکَةُ یا مَرْیَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفاکِ وَ طَهَّرَکِ وَ اصْطَفاکِ عَلی نِساءِ الْعالَمِینَ) .(2) بالإضافة إلی کل ذلک ما ورد عند الفریقین عن النبی الأکرم والأئمة علیهم السلام فی التأکید علی طهارتها وشدة إیمانها. والتی منها: ما ورد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلی الله علیه وسلم لم یلتق أبوای قط علی سفاح لم یزل الله ینقلنی من الأصلاب الطیبة إلی الأرحام الطاهرة مصفیً مهذباً لا تتشعب شعبتان إلا کنت فی خیرهما(3). وقد تقدمت بعض

ص:89


1- (1) القصص: 7.
2- (3) آل عمران 42.
3- (4) الدر المنثور, جلال الدین السیوطی, ج 3 ص 294.

الروایات فی هذا المجال. مع أنه لو کانت مشرکة کیف جوز الله للنبی ولغیره زیارتها, والبکاء علیها, فالآیة بسیاقها ودلالتها بعیدة عن هذا التصور ولکن العدو أعمی البصر والبصیرة وغفل أو أغفل نفسه عن کل التناقضات الواضحة, وذلک لغایة فی قلب یعقوب.

أما شأن نزول هذه الآیة: هو أنّ المسلمین قالوا لرسول الله صلی الله علیه و آله ألا نستغفر لآبائنا الذین ماتوا فی الجاهلیة وکانوا مشرکین؟ فأنزل الله هذه الآیة, قوله تعالی:(ما کانَ لِلنَّبِیِّ وَ الَّذِینَ آمَنُوا أَنْ یَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِکِینَ وَ لَوْ کانُوا أُولِی قُرْبی مِنْ بَعْدِ ما تَبَیَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِیمِ) وبیّن أنه لا ینبغی لنبی ولا لمؤمن أن یدعو لکافر ویستغفر له.(1)

ویؤیده ما ذکره السمعانی فی القول الثالث, من أن علیاً علیه السلام سمع رجلاً یستغفر لأبویه وهما مشرکان، فقال له علی: أتستغفر للمشرکین؟ فقال (ذلک الرجل): قد استغفر إبراهیم لأبیه وهو مشرک فأتی النبی وأخبره بذلک، فأنزل الله تعالی هذه الآیة: (ما کانَ لِلنَّبِیِّ وَ الَّذِینَ...) الخ.

وقد ورد عن الحسن البصری فی قوله تعالی:(ما کانَ لِلنَّبِیِّ وَ الَّذِینَ آمَنُوا أَنْ یَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِکِینَ) : أی ما کان ذلک یا محمد إلا بأمر منی، فلما أمره أن یقول:(وَ قُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما کَما رَبَّیانِی صَغِیراً) علمنا أن الله أمره(2). کما سیأتی التفصیل إن شاء الله فی طهارة آباء النبی صلی الله علیه و آله.

ص:90


1- (1) تفسیر مجمع البیان, الطبرسی ج 5 ص 132.
2- (2) الدر النظیم, ابن حاتم العاملی, ص 27.

مرضعات النبی صلی الله علیه و آله

1 - حلیمة السعدیة
اشارة

وهی حلیمة بنت أبی ذؤیب عبد الله بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رزام ابن ناصرة بن فُصَیّة بن نصر بن سعد بن بکر بن هوازن بن منصور بن عکرمة بن حفصة بن قیس بن غیلان(1). ینتهی نسبهم إلی نزار وهو أحد أجداد النبی صلی الله علیه و آله، له أربعة أولاد ذکور: مضر وربیعة وأنار وأیاد، وتجتمع قبائل مضر فی قیس وخندف.

وقبرها بالبقیع, وقد هُدمت قبتها کغیرها من مشاهد الأئمة والصالحین(2).

والسبب فی إعطائه للمرضعة, کما هو المعتاد عن الأشراف فی مکة کانوا یسلمون أولادهم الرضع إلی المراضع اللواتی کن یقصدن مکة فی سنی العجاف, وذلک لیکتسب الشجاعة والنطق بالکلمات, وأیضا الحفاظ علیه من الوباء والأمراض التی کانت تتعرض لها مکة بسبب الوفود التی کانت تلتقی فیها من جمیع أنحاء شبه الجزیرة, وفی نفس الوقت إنّ جو الصحراء یساعد علی صفاء الفطرة ونمو الأعضاء ویزود الجسم بالقوة والمناعة, فهذا من شیم العرب وأخلاقهم إذا ولد لهم وُلِدَ یلتمسون له مرضعة فی غیر قبیلتهم لیکون أنجب للولد وأفصح له.

ص:91


1- (1) السیرة النبویة, ابن هشام, ج 1 ص 186.
2- (2) أنظر: العقد الفرید, ج 3 ص 251.

وقیل لأنهم کانوا یرون أنه عار علی المرأة أن ترضع ولدها. أی تستقل برضاعه ویدل للأول ما جاء أنه صلی الله علیه و آله کان یقول لأصحابه أنا أعربکم أی أفصحکم عربیة أنا قرشی واسترضعت فی بنی سعد(1).

وجاء أن أبا بکر لما قال للنبی صلی الله علیه و آله ما رأیت أفصح منک یا رسول الله فقال له ما یمنعنی وأنا من قریش وأرضعت من بنی سعد, فهذا کان یحمله علی دفع الرضعاء إلی المراضع الأعرابیات ومن ثم نقل عن عبد الملک بن مروان أنه کان یقول أضر بنا حبّ الولید یعنی ولده لأنه لمحبته له أبقاه مع أمه فی المصر ولم یسترضعه فی البادیة مع الأعراب فصار لحاناً لا عربیة له وأخوه سلیمان استرضع فی البادیة مع الأعراب فصار عربیاً غیر لحان(2).

وحلیمة السعدیة مرضعة الرسول من المخدرات المعروفات بالعفاف والشرف والحیاء، وکانت وسیطة فی بنی سعد کریمة من کرائم قومها لذلک اختار الله تعالی إیاها لرضاعة نبیه کما اختار له شرف البطون والأصلاب والرضاعة کالنسب لأنه یغیر الطباع. ورد عن عائشة ترفعه: لا تسترضعوا الحمقی فإن اللبن یورث(3).

وأیضا هی من البیوتات ذات الاسم والسمة المعروفة بین قبائل تهامة والحجاز، والموصوفة بالنجابة والطهر، والداخلة فی زمرة النساء الکریمات العظیمات ذوات العز والشأن, وکانت حلیمة مشهورة بین العرب بکمال الجود

ص:92


1- (1) أنظر: الطبقات الکبری, محمد بن سعد, ج 1 ص 113.
2- (2) السیرة الحلبیة, الحلبی, ج 1 ص 146.
3- (3) السیرة النبویة, ابن هشام, ج 1 ص 188.

وتمام الشرف.

یروی عندما جاءت حلیمة ابنة عبد الله أم النبی صلی الله علیه و آله من الرضاعة إلی رسول الله صلی الله علیه و آله فقام إلیها وبسط لها رداءه فجلست علیه(1).

وروی عن النبی صلی الله علیه و آله أنّه قال: إن الله خلق الخلق فجعلنی فی خیر خلقه، وجعلهم فرقاً فجعلنی فی خیرهم فرقة، وجعلهم قبائل فجعلنی فی خیر قبیلة، وجعلهم بیوتاً فجعلنی فی خیر بیت، فأنا خیرکم بیتاً، وخیرکم نسباً. وقال: أنا ابن الفواطم والعواتک من سلیم، واسترضعت فی بنی سعد.

وقال: نزل القرآن بأعرب اللغات، فلکل العرب فیه لغة، ولبنی سعد بن بکر سبع لغات، وبنو سعد بن بکر بن هوازن أفصح العرب فهم من الأعجاز، وهی قبائل من مضر متفرقة(2).

زوج حلیمة السعدیة

هو الحارث بن عبد العُزّی بن رفاعة بن ملان بن ناصرة بن قُصیّة بن نصر بن سعد بن بکر بن هوازن السعدی.

وقد قدم مکة ودخل علی رسول الله صلی الله علیه و آله حین أنزل علیه القرآن, فقالت له قریش ألا تسمع ما یقول ابنک هذا, فقال: ما یقول؟ قالوا: یزعم أنّ الناس یبعثون بعد الموت وأنّ لله دارین یعذب فیهما من عصاه ویکرم فیهما من أطاعه, فقد شتت أمرنا وفرق جماعتنا, فأتاه فقال: أی بنی ما هذا الذی تقول؟ قال: نعم لو قد کان ذلک الیوم

ص:93


1- (1) الإصابة, ابن حجر, ج 8 ص 87.
2- (2) أنظر: العقد الفرید, ج 3 ص 250.

أخذت بیدک حتی أعرفک حدیثک الیوم, فأسلم الحارث بعد ذلک وحسن إسلامه وکان یقول لو قد أخذ ابنی بیدی لم یرسلنی حتی یدخلنی الجنة(1).

2 - ثویبة

وکانت ثویبة مولاة أبی لهب بن عبد المطلب أرضعته أیضا بلبن ابنها مسروح، وذلک قبل أن تقدم حلیمة، وکانت قد أرضعت ثویبة قبله حمزة بن عبد المطلب عمه، فلذلک قال رسول الله صلی الله علیه و آله لابنة حمزة: إنها ابنة أخی من الرضاعة، وکان حمزة أسن من رسول الله صلی الله علیه و آله بأربع سنین(2).

توفیت سنة سبع بعد مرجعه من خیبر، فقال: ما فعل ابنها مسروح؟ قالوا: مات قبلها. وکانت خدیجة تکرمها، وطلبت شراءها من أبی لهب فامتنع(3).

طهارة آباء النبی صلی الله علیه و آله

علماء السنة علی ثلاثة آراء

أختلف علماء جمهور السنة فی مسألة إیمان آباء النبی الخاتم صلی الله علیه و آله, إلی ثلاثة آراء.

الرأی الأول: ذهبوا فیه إلی طهارة وإیمان آباء النبی صلی الله علیه و آله, کما نقل عن السیوطی أنه قال فی کتابه (مسالک الخلفاء) فی والدی المصطفی: إنی استقرأت

ص:94


1- (1) الإصابة, ابن حجر, ج 1 ص 676.
2- (2) أنظر: مستدرک سفینة البحار, الشیخ النمازی, ج 4 ص 145. و بحار الأنوار, العلامة المجلسی, ج 15 ص 281.
3- (3) تاریخ الإسلام, الذهبی, ج 2 ص 445.

امَّهات الأنبیاء فلم أجد فیهن إلا مؤمنة ماتت علی الإیمان(1). وذهب القرطبی والدمیاطی وابن حجر وعلماء آخرون من أهل الخلاف إلی مذهب السیوطی، وماتوا علی هذا المذهب(2).

فقد نقل عن أبی حیان الأندلسی أنه قال: ذهبت الرافضة إلی أن آباء النبی صلی الله علیه و آله کانوا مؤمنین, أما غیر الامامیة، فذهب أکثرهم إلی کفر والدی النبی صلی الله علیه و آله وغیرهما من آبائه صلی الله علیه و آله، وذهب بعضهم إلی إیمانهم. وممن صرح بإیمان عبد المطلب، وغیره من آبائه صلی الله علیه و آله، المسعودی، والیعقوبی، وهو ظاهر کلام الماوردی، والرازی فی کتابه أسرار التنزیل، والسنوسی، والتلمسانی محشی الشفاء، والسیوطی، وقد ألّفَ هذا الأخیر عدة رسائل لإثبات ذلک. وفی المقابل قد ألَّفَ بعضهم رسائل لإثبات کفرهم، مثل إبراهیم الحلبی، وعلی القاری الذی فصل ذلک فی شرح الفقه الأکبر، واتهموا السیوطی بأنه متساهل، لا عبرة بکلامه، ما لم یوافقه کلام الأئمة النقاد(3). حتی أنّ بعضهم أخذ یأوّل فی أخبار والد نبی الله إبراهیم علیه السلام حتی انتهی إلی إیمانه کما هو الحق عندنا. فعن محمد بن کعب القرظی أنه قال: الخال والد والعم والد وتلا الآیة:(قالُوا نَعْبُدُ إِلهَکَ وَ إِلهَ آبائِکَ إِبْراهِیمَ وَ إِسْماعِیلَ وَ إِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)4 . وفی الخبر

«ردوا علیّ أبی العباس», وأید بعضهم دعوی أن أبا إبراهیم علیه السلام الحقیقی

ص:95


1- (1) حاشیة البحار, ج 15 ص 118.
2- (2) الخصائص الفاطمیة, الشیخ محمد باقر الکجوری, ج 2 ص 59.
3- (3) الصحیح من سیرة النبی الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم, السید جعفر مرتضی, ج 2 ص 187.

لم یکن کافراً وإنما الکافر عمه بما أخرجه ابن المنذر فی تفسیره بسند صحیح عن سلیمان بن صرد قال: لما أرادوا أن یلقوا إبراهیم علیه السلام فی النار جعلوا یجمعون الحطب حتی إنّ کانت العجوز لتجمع الحطب فلما تحقق ذلک قال: حسبی الله تعالی ونعم الوکیل فلما ألقوه قال الله تعالی:(قُلْنا یا نارُ کُونِی بَرْداً وَ سَلاماً عَلی إِبْراهِیمَ)1 فکانت, فقال عمه من أجلی دفعه عنه فأرسل الله تعالی علیه شرارة من النار فوقعت علی قدمه فأحرقته(1).

الرأی الثانی: هو ما یختلف تماماً عن الرأی الأول حیث قالوا بکفر آباء النبی صلی الله علیه و آله, فقد ذکر الفخر الرازی فی التفسیر الکبیر، أنه قال: أن والدی رسول الله کانا کافرین، وذکر أن نص الکتاب یدل علی أن آزر کان کافراً، وکان والد إبراهیم الخلیل. فیقول: واعلم أن الرافضة ذهبوا إلی أن آباء النبی صلی الله علیه و آله کانوا مؤمنین وتمسکوا فی ذلک بهذه الآیة وبالخبر، أمّا هذه الآیة فقالوا: قوله تعالی:(وَ تَقَلُّبَکَ فِی السّاجِدِینَ)3 یحتمل الوجوه التی ذکرتم ویحتمل أن یکون المراد أن الله تعالی نقل روحه من ساجد إلی ساجد کما نقوله نحن، وإذا احتمل کل هذه الوجوه وجب حمل الآیة علی الکل ضرورة أنه لا منافاة ولا رجحان، وأما الخبر فقوله صلی الله علیه و آله:

«لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرین إلی أرحام الطاهرات» وکل من کان کافراً فهو نجس لقوله تعالی:(إِنَّمَا الْمُشْرِکُونَ

ص:96


1- (2) أنظر: تفسیر روح المعانی, الآلوسی, ج 7 ص 195.

نَجَسٌ)1 قالوا: فإن تمسکتم علی فساد هذا المذهب بقوله تعالی:(وَ إِذْ قالَ إِبْراهِیمُ لِأَبِیهِ آزَرَ) قلنا الجواب عنه أن لفظ الأب قد یطلق علی العم کما قال أبناء یعقوب له:(نَعْبُدُ إِلهَکَ وَ إِلهَ آبائِکَ إِبْراهِیمَ وَ إِسْماعِیلَ وَ إِسْحاقَ) فسموا إسماعیل أباً له مع أنه کان عمّاً له، وقال صلی الله علیه و آله:

«ردوا علی أبی» یعنی العباس، ویحتمل أیضاً أن یکون متخذاً الأصنام, أب أمه؛ فإن هذا قد یقال له الأب قال تعالی:(وَ مِنْ ذُرِّیَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَیْمانَ) إلی قوله تعالی:(وَ عِیسی) فجعل عیسی من ذریة إبراهیم مع أنّ إبراهیم کان جده من قبل الأم.

واعلم إنّا نتمسک بقوله تعالی:(لِأَبِیهِ آزَرَ) وما ذکروه صرف للفظ عن ظاهره، وأمّا حمل قوله:(وَ تَقَلُّبَکَ فِی السّاجِدِینَ) علی جمیع الوجوه فغیر جائز لما بینا أن حمل المشترک علی کل معانیه غیر جائز، وأما الحدیث فهو خبر واحد فلا یعارض القرآن(1).

وأشار إلی ذلک الآلوسی فی تفسره حیث یقول: والذی عول علیه الجم الغفیر من أهل السنة أنّ (ءازر) لم یکن والد إبراهیم علیه السلام وادعوا أنه لیس فی آباء النبی صلی الله علیه و آله کافر أصلاً لقوله صلی الله علیه و آله:

«لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرین إلی أرحام الطاهرات والمشرکون نجس». وتخصیص الطهارة بالطهارة من السفاح لا دلیل له یعول علیه. والعبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب. وقد ألّفُو فی هذا المطلب الرسائل واستدلوا له بما استدلوا، والقول بأن ذلک قول الشیعة کما ادعاه

ص:97


1- (2) تفسیر الرازی, ج 12 ص 9.

الإمام الرازی ناشئ من قلة التتبع(1).

الرأی الثالث: قالوا: بالتوقف والإمساک فی مسألة آباء النبی, فقد جاء فی فتاوی الأزهر تحریم الإساءة لآباء النبی صلی الله علیه و آله لما فیه إیذاء له صلی الله علیه و آله فتشمله اللعنة.

سئل القاضی أبو بکر بن العربی أحد أئمة المالکیة (رحمه الله) عن رجل قال إن آباء النبی صلی الله علیه و آله فی النار فأجاب بأنه ملعون لأن الله تعالی یقول:(إِنَّ الَّذِینَ یُؤْذُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّهُ فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِیناً)2 , قال ولا أذی أعظم من أن یقال عن أبیه أنه فی النار وقال الإمام السهیلی (رحمه الله) فی کتاب (الروض الأنف): ولیس لنا نحن أن نقول ذلک فی أبویه صلی الله علیه و آله لقوله علیه الصلاة والسلام لا تؤذوا الأحیاء بسبِّ الأموات والله تعالی یقول:(إِنَّ الَّذِینَ یُؤْذُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّهُ فِی الدُّنْیا) وقد أمرنا أن نمسک اللسان إذا ذکر أصحابه رضی الله عنهم بشیء یرجع إلی العیب والنقص فیهم.

فلأن نمسک ونکف عن أبویه أحق وأحری إذا تکرر ذلک فحق المسلم أن یمسک لسانه عما یخل بشرف نسب نبیه علیه الصلاة والسلام بوجه من الوجوه ولا خفاء فی أن إثبات الشرک فی أبویه إخلال ظاهر بشرف نسب نبیه الطاهر، وجملة هذه المسائل لیست من الاعتقادات فلا حظّ للقلب فیها، وأما اللسان فحقه الإمساک عما یتبادر منه النقصان خصوصا عند العامة لأنهم لا یقدرون علی دفعه وتدارکه.

ص:98


1- (1) تفسیر الآلوسی, ج 7 ص 388.

ومن ذلک یعلم أن الرجل الذی قال بموت أبوی النبی صلی الله علیه وسلم علی الکفر قد أخطأ خطأً بیّناً یأثم ویدخل به فیمن آذی رسول الله صلی الله علیه وسلم, ولکن لا یحکم علیه بالکفر؛ لأن المسألة لیست من ضروریات الدین التی یجب علی المکلف تفصیلها. هذا هو الحق الذی تقتضیه النصوص وعلیه المحققون من العلماء والله أعلم(1).

الشیعة الإمامیة

اشارة

إنّ ما دلت علیه أخبار الإمامیة وغیرها، واشتهر بین الاثنی عشریة، أنّ والدی رسول الله صلی الله علیه و آله ماتا علی الإیمان الکامل والإسلام الخالص، ولم یتدینا بأدیان أهل مکة طرفة عین أبداً، ولم یعبدا إلا الله, کما هو حال سلسلة آباء النبی صلی الله علیه و آله إلی آدم علیه السلام. قال الصدوق فی الاعتقادات: اعتقادنا فی آباء النبی صلی الله علیه و آله أنهم مسلمون من آدم علیه السلام إلی أبیه (النبی) عبد الله، وأن أبا طالب کان مسلماً، وآمنة بنت وهب أم رسول الله کانت مسلمة. وقال النبی صلی الله علیه و آله:

«إنی خرجت من نکاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم علیه السلام». وقد روی أن عبد المطلب کان حجة وأبو طالب کان وصیه(2). وفی النبوی أیضاً:

«لم أزل ینقلنی الله من أصلاب الطاهرین إلی أرحام المطهرات، حتی أخرجنی من عالمکم هذا ولم یدنسنی دنس الجاهلیة»(3). والحدیث عام یشمل جمیع آباء النبی وأجداده، ولو کان فیهم مشرک لأخرجه، ولو کان فیهم

ص:99


1- (1) راجع: فتاوی الأزهر, ج 7 ص 316.
2- (2) أنظر: الاعتقادات فی دین الإمامیة, الشیخ الصدوق, ص 110.
3- (3) أوائل المقالات, الشیخ المفید, ص 46.

مشرک لم یصفهم جمیعا بالطهارة مع قوله تعالی:(أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِکُونَ نَجَسٌ)1 .

قال أمین الدین الطبرسی فی مجمع البیان: أجمعت الطائفة علی ذلک.(1)

وقال المجلسی: اتفقت الإمامیة علی أنّ والدی الرسول صلی الله علیه و آله وکل أجداده إلی آدم صلی الله علیه و آله کانوا مسلمین، بل کانوا من الصدیقین، أو أوصیاء معصومین. ولعل بعضهم لم یُظْهِرْ الإسلام لمصلحة دینیة ولتقیة(2).

وفی الحدیث المعتبر عند الفریقین: «نزل جبرئیل علی رسول الله صلی الله علیه و آله فقال: یا محمد إن الله عز وجل: قد شفعک فی خمسة: فی بطن حملک وهی آمنة بنت وهب بن عبد مناف، وفی صلب أنزلک وهو عبد الله بن عبد المطلب وفی حجر کفلک، وهو عبد المطلب بن هاشم، وفی بیت آواک وهو عبد مناف بن عبد المطلب أبو طالب، وفی أخ کان لک فی الجاهلیة، قیل: یا رسول الله من هذا الأخ؟ فقال: کان انسی وکنت انسه، وکان سخیاً یطعم الطعام. واسم هذا الأخ الجلاس بن علقمة»(3).

وفی حدیث علل الشرائع: إن الله شفعک فی خمسة منها: فی حجر کفلک وفی بیت آواک، والمراد من الحجر عبد المطلب ومن البیت عبد مناف بن عبد المطلب. والنبی صلی الله علیه و آله لا یشفع للمشرک.

ص:100


1- (2) أنظر: تفسیر مجمع البیان, الطبرسی, ج 4 ص 90.
2- (3) البحار, المجلسی, ج 15 ص 117.
3- (4) أنظر الخصال, الشیخ الصدوق, ص 293.

وفی تهذیب الأحکام عن صفوان الجمال عن الصادق علیه السلام عن النبی صلی الله علیه و آله قال: إنی مستوهب من ربی أربعة وهو واهبهم لی إن شاء الله تعالی: آمنة بنت وهب، وعبد الله بن عبد المطلب، وأبو طالب، ورجل من الأنصار جرت بینی وبینه ملحة(1). والرسول صلی الله علیه و آله لا یستوهب مشرکاً وینجیه من النار. ولعل الرجل هو (خلاص بن علقمة)، والملحة: إما أن تکون (الحلف) أو أکل الملح، أی أنّه صلی الله علیه و آله أکل من زاده وملحه. وأیضاً من أدلتنا معاشر الشیعة علی طهارة آباء النبی صلی الله علیه و آله وأجداده من کتاب الله قوله تعالی:(الَّذِی یَراکَ حِینَ تَقُومُ * وَ تَقَلُّبَکَ فِی السّاجِدِینَ)2 أی أنّه کان ینقل روحه من ساجد إلی ساجد، فالآیة دالة علی أن جمیع آباء النبی صلی الله علیه و آله کانوا مسلمین مؤمنین: عبد المطلب وهاشم وعبد مناف وغیرهم.

ومعنی ذلک: هو أنه لیس فی آباء الرسول صلی الله علیه و آله إلا الخیر والبرکة، وهذا هو ما ورثه الرسول عنهم، ویتأکد بذلک طهارته صلی الله علیه و آله من الأرجاس، والرذائل، حتی ما یکون عن طریق الوراثة، والناس معادن کمعادن الذهب والفضة، وهو ما أثبته العلم الحدیث أیضا، حیث لم یبق ثمة أیة شبهة فی تأثیر عامل الوراثة فی تکوین شخصیة الإنسان، وفی خصاله ومزایاه.

محاولة فاشلة

ذکر ابن أبی الحدید احتمالاً لإثبات خیالات أبناء جنسه، فقال: إذا تعارض الجرح والتعدیل، فالترجیح لجانب الجرح; لأن الجارح قد اطلع علی زیادة

ص:101


1- (1) قرب الإسناد, الحمیری القمی, ص 56.

لم یطلع علیها المعدل ولا شهادة علی النفی(1).

والجواب

أولا: إننا نقول إنّ أخبارنا وصلت حد الاستفاضة، وما تروونه من أن أبا طالب قال عند موته: «أنا علی دین الأشیاخ» فالمقصود من الأشیاخ آباؤه الکرام وأجداده العظام، وعلی هذا فلا تعارض بین الدلیلین لتصل النوبة إلی الجرح والتعدیل وتقدیم الجارح علی المعدل.

وثانیاً: من البدیهی عدم إمکان إثبات کفر والدی الرسول وأبی طالب من ظاهر قوله تعالی:(وَ إِذْ قالَ إِبْراهِیمُ لِأَبِیهِ آزَرَ) لأن آزر کان عمه ولم یکن أباه الواقع فی عمود النسب النبوی، وإطلاق الأب علی العم لغة مستعملة عند العرب إلی یومنا هذا، کما أنهم یطلقون الأم علی الخالة.

وثالثا: إن ابن أبی الحدید نفسه قال أنه سأل شیخه النقیب یحیی بن أبی زید فقال: قد نقل الناس کافة عن رسول الله صلی الله علیه و آله أنه قال: نقلنا من الأصلاب الطاهرة إلی الأرحام الزکیة، فوجب بهذا أن یکون آباؤه کلهم منزهین عن الشرک، لأنهم لو کانوا عبدة أصنام لما کانوا طاهرین(2).

خلاصة الأدلة علی إیمان آباء النبی صلی الله علیه و آله

اشارة

أولاً: هناک روایات کثیرة تدل علی إیمان آبائه صلی الله علیه و آله، بالإضافة إلی إجماع

ص:102


1- (1) شرح النهج, ابن ابی الحدید, ج 14 ص 49.
2- (2) شرح النهج, ج 14 ص 38.

الطائفة المحقة، وهذا الإجماع وإن کان معلوم المستند، فلا بد من النظر إلی مستنده نفسه، ومستند ذلک هو الأخبار. والإحاطة بجمیعها متعسر، إن لم یکن متعذرا. وهذا هو الدلیل المعتمد(1).

من تلک الأخبار قوله صلی الله علیه و آله:

«لم یزل ینقلنی الله من أصلاب الطاهرین إلی أرحام المطهرات، حتی أخرجنی فی عالمکم، ولم یدنسنی بدنس الجاهلیة»(2). ولو کان فی آبائه صلی الله علیه و آله کافر، لم یصفهم کلهم بالطهارة، مع قوله تعالی:(إِنَّمَا الْمُشْرِکُونَ نَجَسٌ) . وغیرها کثیر وقد تقدم بعضها. ومنها: قال صلی الله علیه و آله:

«فأحبطنی الله تعالی إلی الأرض فی صلب آدم وجعلنی فی صلب نوح وقذفنی فی صلب إبراهیم علیهم الصلاة والسلام ثم لم یزل ینقلنی من الأصلاب الکریمة والأرحام الطاهرة حتی أخرجنی من بین أبوی لم یلتقیا علی سفاح قط»(3).

ومنها: عن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت علیاً علیه السلام یقول:

والله ما عبد أبی، ولا جدی عبد المطلب، ولا هاشم، ولا عبد مناف صنماً قط. قیل: وما کانوا یعبدون؟ قال:

کانوا یصلون إلی البیت، علی دین إبراهیم، متمسکین به(4).

ثانیا: الآیات القرآنیة منها قوله تعالی:(الَّذِی یَراکَ حِینَ تَقُومُ * وَ تَقَلُّبَکَ

ص:103


1- (1) راجع الصحیح من سیرة النبی الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم, السید جعفر مرتضی, ج 2 ص 189.
2- (2) أوائل المقالات, الشیخ المفید, ص 46.
3- (3) السیرة الحلبیة, الحلبی, ج 1 ص 49.
4- (4) الخرائج والجرائح, قطب الدین الراوندی, ج 3 ص 1074.

فِی السّاجِدِینَ)1 . وقد روی عن ابن عباس، وأبی جعفر، وأبی عبد الله علیهماالسلام: أنّه صلی الله علیه و آله لم یزل ینقل من صلب نبی إلی نبی حتی صرت نبیاً(1). والروایات صریحة فی تفسیر هذه الآیة وقد تقدم بعضها.

ومنها: حکایة قوله تعالی لقول إبراهیم وإسماعیل:(رَبَّنا وَ اجْعَلْنا مُسْلِمَیْنِ لَکَ وَ مِنْ ذُرِّیَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَکَ وَ أَرِنا مَناسِکَنا وَ تُبْ عَلَیْنا إِنَّکَ أَنْتَ التَّوّابُ الرَّحِیمُ)3 ، مع قوله تعالی:(وَ جَعَلَها کَلِمَةً باقِیَةً فِی عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ)4 ، أی فی عقب إبراهیم، فیدل علی أنه لا بد أن تبقی کلمة الله فی ذریة إبراهیم، ولا یزال ناس منهم علی الفطرة یعبدون الله تعالی حتی تقوم الساعة. ولعل ذلک استجابة منه تعالی لدعاء إبراهیم الذی قال:(وَ اجْنُبْنِی وَ بَنِیَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) وقوله:(رَبِّ اجْعَلْنِی مُقِیمَ الصَّلاةِ وَ مِنْ ذُرِّیَّتِی رَبَّنا وَ تَقَبَّلْ دُعاءِ) .

ثالثا: أمر الإمام الصادق فی الطواف لآباء النبی صلی الله علیه و آله وصلاة رکعتین, کما ورد فی الکافی عن داود الرقی قال: دخلت علی أبی عبد الله صلی الله علیه و آله ولی علی رجل مال قد خفت تواه فشکوت إلیه ذلک فقال لی:

«إذا صرت بمکة فطف عن عبد المطلب طوافاً وصلِّ رکعتین عنه وطف عن أبی طالب طوافاً وصلِّ عنه رکعتین وطف عن عبد الله طوافاً وصلِّ عنه رکعتین وطف عن آمنة طوافاً

ص:104


1- (2) مجمع الزوائد, الهیثمی, ج 8 ص 214. قال ورجاله ثقات, الطبرانی فی المعجم الکبیر, ج 11 ص 287.

وصلِّ عنها رکعتین وطف عن فاطمة بنت أسد طوافاً وصلِّ عنها رکعتین ثم ادع أن یرد علیک مالک»، قال: ففعلت ذلک ثم خرجت من باب الصفا وإذا غریمی واقف یقول: یا داود حبستنی تعال أقبض مالک(1).

فلو کانوا مشرکین کیف یأمر الإمام الصادق علیه السلام بذلک, بل نفهم من ذلک أن لهم خصوصیات زائدة علی الأیمان ومکانة عالیة عند الله.

استغفار إبراهیم علیه السلام لأبیه
اشارة

وقد اعترض علی القائلین بإیمان جمیع آبائه صلی الله علیه و آله إلی آدم، بأن القرآن الکریم ینص علی کفر (آزر) أبی إبراهیم، قال تعالی:(وَ ما کانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِیمَ لِأَبِیهِ إِلاّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِیّاهُ فَلَمّا تَبَیَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِیمَ لَأَوّاهٌ حَلِیمٌ)2 . فیلزم من هذا خرم للقاعدة, فی أن سلسلة آباء النبی صلی الله علیه و آله إلی آدم کانوا علی الإیمان والطهر, حیث أنّ والد نبی الله إبراهیم علیه السلام (الذی هو من سلسلة آباء النبی صلی الله علیه و آله) لم یکن علی ملة الإسلام وإنّما کان من المشرکین کما فی هذه الآیة, فعلیه لا یصح القول إنّ جمیع آباء النبی صلی الله علیه و آله إلی آدم کانوا مؤمنین.

والجواب

أولا: إنّ اسم (آزر) الذی فی الآیة لیس أباً لإبراهیم علیه السلام وإنما عمه, أو جده لاُمهِ، علی اختلاف النقل واسم أبیه الحقیقی: (تارخ) وإنّما أطلق علیه لفظ الأب توسعاً، وتجوزاً, وهذا کقوله تعالی:(أَمْ کُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ یَعْقُوبَ

ص:105


1- (1) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 4 ص 544.

اَلْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِیهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِی قالُوا نَعْبُدُ إِلهَکَ وَ إِلهَ آبائِکَ إِبْراهِیمَ وَ إِسْماعِیلَ وَ إِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)1 . فعد فیهم إسماعیل، ولیس من آبائه، ولکنه عمه(1). یؤیده ما ورد عن الإمام الصادق علیه السلام قال:

آزر کان عم إبراهیم, منجماً لنمرود(2).

وثانیاً: إن استغفار إبراهیم لأبیه قد کان فی أول عهده وفی شبابه، مع أنّنا نجد أن إبراهیم علیه السلام حین شیخوخته، وبعد أن رزق أولاداً، وبلغ من الکبر عتیاً یستغفر لوالدیه، قال تعالی حکایة عنه:(رَبَّنَا اغْفِرْ لِی وَ لِوالِدَیَّ وَ لِلْمُؤْمِنِینَ یَوْمَ یَقُومُ الْحِسابُ)4 قال هذا بعد أن وهب الله له علی الکبر إسماعیل وإسحاق حسب نص الآیات الشریفة. ومن الواضح: أنّ بین الوالد والأب فرقاً، فإن الأب یطلق علی المربی وعلی العم والجد، أمّا (الوالد) فإنما یخص الوالد بلا واسطة. فالاستغفار هنا فی الآیة إنما کان للوالد، أمّا فی الآیة: (وَ ما کانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِیمَ لِأَبِیهِ...) الخ فکان للأب الذی هو غیر والده.

إشکال وجواب

روی مسلم وغیره: أن رجلاً سأل النبی صلی الله علیه و آله: أین أبی؟ فقال: فی النار. فلما قفا دعاه، وقال له: إن أبی وأباک فی النار(3).

ص:106


1- (2) راجع: الصحیح من سیرة النبی الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم, السید جعفر مرتضی, ج 2 ص 189.
2- (3) راجع: تفسیر المیزان, السید الطباطبائی, ج 7 ص 207.
3- (5) صحیح مسلم, ج 1 ص 133. وسنن أبی داود, ج 2 ص 417.
الجواب

أولاً: إنّ هذا غیر صحیح لما تقدم. وهو ما یدل علی إیمان جمیع آبائه صلی الله علیه و آله. وأن أنوارهم محفوظة: یعنی حفظها الله عز وجل عن أقذار الجاهلیة وأنجاسها وأدناس الضلالة وأرجاسها بأن لم یودعها إلا الأصلاب الطاهرة والأرحام المطهرة, فإن اعتقادنا کما علیه الإجماع, بل الضرورة أن آباءهم الذین استودعوا تلک الأمانة الإلهیة من الخاتم إلی آدم، کانوا بأجمعهم مؤمنین طاهرین، لم یشرکوا بالله تعالی طرفة عین, وکذلک امَّهاتهم اللاتی استودعن تلک الأمانة کما فی الزیارة (لم تنجسک الجاهلیة بأنجاسها ولم تلبسک من مدلهمات ثیابها). وکما ورد عن الصادق علیه السلام قال: إن الله کان إذ لا کان فخلق الکان والمکان وخلق الأنوار وخلق نور الأنوار الذی نورت منه الأنوار، وأجری فیه من نوره الذی نورت منه الأنوار, وهو النور الذی خلق منه محمداً وعلیاً، فلم یزالا نورین أولین إذ لا شیء کون قبلهما، فلم یزالا یجریان طاهرین مطهرین فی الأصلاب الطاهرة حتی افترقا فی أطهر طاهرین فی عبد الله وأبی طالب(1).

وفی الاحتجاج عن الصادق علیه السلام فی جواب مسائل الزندیق، قال علیه السلام: وأخرج من آدم نسلاً طاهراً طیباً، أخرج منه الأنبیاء والرسل، هم صفوة الله وخالص الجوهر، طهروا فی الأصلاب وحفظوا فی الأرحام، ولم یصبهم سفاح الجاهلیة ولا شاب أنسابهم؛ لأن الله تعالی جعلهم فی موضع لا یکون أعلی درجة وشرفاً منه, فمن کان خازن علم الله، وأمین غیبه، ومستودع سره، وحجة علی

ص:107


1- (1) مکیال المکارم, میرزا محمد تقی الأصفهانی, ج 1 ص 368.

خلقه، وترجمانه، ولسانه لا یکون إلا بهذه الصفة، فالحجة لا یکون إلا من نسلهم، یقوم مقام النبی صلی الله علیه و آله فی الخلق.(1)

وثانیا: لقد روی هذه الروایة حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس. مع أننا نجد: أنّ معمراً قد روی نفس هذا الحدیث عن ثابت عن أنس، ولکن بنحو آخر لا یدل علی کفر أبیه صلی الله علیه و آله، فقد قال له صلی الله علیه و آله: (حیثما - أو إذا - مررت بقبر کافر فبشره بالنار). وقد نص علماء الجرح والتعدیل (من أصحاب هؤلاء الرواة) علی أن معمراً أثبت من حماد. وأن الناس قد تکلموا فی حفظ حماد، ووقع فی أحادیثه مناکیر، دسها ربیعة فی کتبه، وکان حماد لا یحفظ، فحدث بها، فوهم فیها(2).

وثالثا: لقد رویت هذه الروایة بسند صحیح علی شرط الشیخین عن سعد بن أبی وقاص، وجاء فیها: حیثما مررت بقبر مشرک فبشره بالنار. وکذا روی عن الزهری، بسند صحیح أیضا. وهذا نص الروایة: حدثنا محمد بن إسماعیل بن البختری الواسطی, حدثنا یزید بن هارون، عن إبراهیم بن سعد، عن الزهری، عن سالم، عن أبیه، قال: جاء أعرابی إلی النبی صلی الله علیه وسلم فقال: یا رسول الله إنّ أبی کان یصل الرحم، وکان وکان. فأین هو؟ قال صلی الله علیه و آله: (فی النار), قال فکأنه وجد من ذلک. فقال: یا رسول الله فأین أبوک؟ فقال رسول الله صلی الله علیه و آله «حیثما مررت بقبر مشرک، فبشره بالنار» قال فأسلم الأعرابی، بعد. وقال: لقد کلفنی رسول الله صلی الله علیه و آله

ص:108


1- (1) الاحتجاج, ج 2 ص 78.
2- (2) راجع الصحیح من سیرة النبی الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم, السید جعفر مرتضی, ج 2 ص 192.

تعبا. ما مررت بقبر کافر إلا بشرته بالنار. وفی الزوائد: إسناد هذا الحدیث صحیح(1).

وقد رفض الجمهور ما جاء فی المستدرک, أنّ رجلاً من الأنصار جاء إلی رسول الله صلی الله علیه و آله, فقال یا رسول الله إنّ أُمنا تحفظ علی البعل وتکرم الضیف وقد وأدت فی الجاهلیة فأین أُمنا قال أمکما فی النار, فقاما وقد شق ذلک علیهما فدعاهما رسول الله صلی الله علیه و آله فرجعا فقال: إنّ أمی مع أمکما(2).

حتی أنّ الحلبی وغیره قد أسقطوه, فقال: یجوز أن یکون قوله لشخصین أمی وأمکما فی النار علی تقدیر صحته التی ادعاها الحاکم فی المستدرک کان قبل إحیائها وإیمانها به کما تقدم, نظیر ذلک فی أبیه صلی الله علیه وسلم. وقولنا علی تقدیر صحة الحدیث إشارة لما تقرر فی علوم الحدیث أنه لا یقبل تفرد الحاکم بالتصحیح فی المستدرک لما عرف من تساهله فیه فی التصحیح وقد بین الذهبی ضعف هذا الحدیث وحلف علی عدم صحته یمینا(3).

ص:109


1- (1) سنن ابن ماجة, محمد بن یزید القزوینی, ج 1 ص 501. ومجمع الزوائد, ج 1 ص 118.
2- (2) المستدرک, الحاکم النیسابوری, ج 2 ص 364.
3- (3) راجع: السیرة الحلبیة, الحلبی ج 1 ص 174.

ص:110

الفصل الثانی: فاطمة بنت أسد أُمُّ الإمام علیٍّ علیهما السلام

اشارة

ص:111

ص:112

النسب الطاهر

هی السیدة فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصی بن کلاب بن مرة بن کعب بن لؤی بن غالب بن فهر بن مالک بن النضر بن کنانة, بن خزیمة بن مدرکة بن إلیاس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وهو من أولاد نبی الله إسماعیل علیه السلام.

وإنها أول هاشمیة ولدت لهاشمی(1), حیث لم یکن فی زمانها هاشمی ابن هاشمیین إلا أولادها, ثم أولاد علی علیهم السلام, وهی تکون بنت عم أبی طالب علیه السلام زوجها (عبد مناف بن عبد المطلب), حیث أنّ عبد المطلب بن هاشم (الذی هو والد أبی طالب) وأسد إخوان. کما نفهم منه أیضا قربها من النبی صلی الله علیه و آله حیث أنّ أباها أسد أخ لجد النبی صلی الله علیه و آله کما هو واضح, فهی بنت عم والد النبی صلی الله علیه و آله, وهو عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم, فتجتمع مع النبی صلی الله علیه و آله فی هاشم من جهة الأب.

وأمّا أمّها: فهی فاطمة بنت هرم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معیص بن

ص:113


1- (1) الطبقات الکبری, محمد بن سعد, ج 8 ص 51.

عامر بن لؤی(1). وتلتقی فاطمة بنت أسد بنسب النبی صلی الله علیه و آله من جهة الأم فی لؤی, وهو الجد السابع لها من قبل أمها. وأمّا إخوانها: حنین بن أسد, وخالدة بنت أسد.

ومحل ولادة السیدة فاطمة بنت أسد علیهاالسلام فی مکة المکرمة, حدودا فی سنة (61 قبل الهجرة), ومدة عمرها ما یقارب (65 سنة), وفی روایة (60 سنة) وروایة أخری (70 سنة)(2). وقد توفیت سنة (4 بعد الهجرة النبویة), کما سیأتی بیانه إن شاء الله تعالی.

إیمانها بالله والرسول

لم یکن إیمان فاطمة بنت أسد متأخراً کما هو شأن عوام الناس بعد البعثة, بل کان أمره سابقاً حتی علی ولادة النبی صلی الله علیه و آله بحسب مقتضیات الأسرة الهاشمیة ودیدنها بإیمانهم بالحنیفیة الإبراهیمیة, وبمجیء البعثة المحمدیة, وهو أمر واضح عند أدنی نظرة فی سیرتها المبارکة الخالدة, وقد کشف لنا النبی صلی الله علیه و آله مدی إخلاصها وإیمانها قبل مجیء الإسلام, حیث یقول: «رحمک الله یا أمی کنت أمی بعد أمی تجوعین وتشبعینی وتعرین وتکسینی وتمنعین نفسک طیباً وتطعمینی تریدین بذلک وجه الله والدار الآخرة»(3). فکانت خدمتها ورعایتها للنبی صلی الله علیه و آله فی وقت سابق علی البعثة بدافع أیمانی مرسخ بالإخلاص والتقرب لله تعالی, ویظهر مدی إیمانها السابق أیضاً ما جری علی لسانها فی حال لجوئها إلی

ص:114


1- (1) مقاتل الطالبیین, أبو فرج الأصفهانی, ص 3.
2- (2) راجع: کتاب کاروانی با سیزده کجاوه, ص 44.
3- (3) المعجم الأوسط, الطبرانی, ج 1 ص 67.

الکعبة الشریفة لا غیر فی مخاضها بسید الوصیین أمیر المؤمنین حیث قالت: رب إنی مؤمنة بک وبما جاء من عندک من رسل وکتب، وإنی مصدقة بکلام جدی إبراهیم الخلیل علیه السلام، وإنّه بنی البیت العتیق... وهکذا إلی آخر حیاتها, لاسیما بعد البعثة المبارکة, وظهور ما کان راسخاً فی أذهانهم ومتشرباً فی عقائدهم, فقد کشفت لنا جملة من النصوص مدی ذوبانها بالإسلام, فعن عبد الله ابن یسار، عن جعفر بن محمد علیه السلام قال: کانت فاطمة بنت أسد أُم علی بن أبی طالب حادیة عشرة، یعنی فی السابقة إلی الإسلام، وکانت بدریة(1).

وعن أبی عبد الله علیه السلام

قال: إن فاطمة بنت أسد أم أمیر المؤمنین کانت أول امرأة هاجرت إلی رسول الله صلی الله علیه و آله من مکة إلی المدینة علی قدمیها وکانت من أبر الناس برسول الله(2).

وعن جریر بن عبد الحمید عن مغیرة عن إبراهیم، عن الحسن البصری عن الزبیر بن العوام قال: سمعت النبی صلی الله علیه و آله یدعو النساء إلی البیعة حین أنزلت هذه الآیة:(یا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِذا جاءَکَ الْمُؤْمِناتُ یُبایِعْنَکَ)3 . وکانت فاطمة بنت أسد أوّل امرأة بایعت رسول الله صلی الله علیه و آله. وکانت صالحة وکان رسول الله صلی الله علیه و آله یزورها ویقیل فی بیتها(3). ولما توفت نزع رسول الله قمیصه فألبسها إیاه, کما سیأتی بیانه إن شاء الله.

ص:115


1- (1) مقاتل الطالبیین, ابی فرج الاصفهانی, ص 55.
2- (2) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 1 ص 453.
3- (4) الطبقات الکبری, محمد بن سعد, ج 8 ص 222.

مکانتها عند الله ورسوله

حظیت فاطمة بنت أسد (أُم الأمام أمیر المؤمنین علیه السلام) بمکانة عالیة عند الله وعند رسوله تمتاز بها عن غیرها من النساء, فیکفیها فخراً أنها کانت أُمّاً لخاتم النبیین وأُمّاً لسید الوصیین, وعلیه قد صحبتها کرامات ومعاجز یعجز عن تفسیرها الذهن البشری, والتی من جملتها انشقاق جدار البیت العتیق ودخولها فیه, وغیرها, لذلک ظللها النبی صلی الله علیه و آله بما یتناسب وشأنها ومکانتها المعنویة التی تتمتع بها, فقد ورد عن أبی عبد الله علیه السلام قال: إن فاطمة بنت أسد أمّ أمیر المؤمنین کانت أوّل امرأة هاجرت إلی رسول الله صلی الله علیه و آله من مکة إلی المدینة علی قدمیها وکانت من أبر الناس برسول الله صلی الله علیه و آله، فسمعت رسول الله وهو یقول: إنّ الناس یحشرون یوم القیامة عراة کما ولدوا فقالت: وآسوأتاه، فقال لها رسول الله صلی الله علیه و آله: فإنی أسأل الله أن یبعثک کآسیة. وسمعته یذکر ضغطة القبر، فقالت: وآضعفاه، فقال لها رسول الله صلی الله علیه و آله: فإنی أسأل الله أن یکفیک ذلک، وقالت لرسول الله صلی الله علیه و آله یوماً: إنی أرید أن أعتق جاریتی هذه، فقال لها: إن فعلت أعتق الله بکل عضو منها عضواً منک من النار، فلما مرضت أوصت إلی رسول الله صلی الله علیه و آله وأمرت أن یعتق خادمها، واعتقل لسانها فجعلت تومی إلی رسول الله صلی الله علیه و آله إیماء، فقبل رسول الله صلی الله علیه و آله وصیتها(1).

ویکفیها ما نزل فیها من المدح فی القرآن الکریم فی قوله تعالی:(الَّذِینَ یَذْکُرُونَ اللّهَ قِیاماً وَ قُعُوداً وَ عَلی جُنُوبِهِمْ وَ یَتَفَکَّرُونَ فِی خَلْقِ السَّماواتِ

ص:116


1- (1) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 1 ص 453.

وَ الْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَکَ فَقِنا عَذابَ النّارِ) , إلی قوله:(فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّی لا أُضِیعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْکُمْ مِنْ ذَکَرٍ أَوْ أُنْثی بَعْضُکُمْ مِنْ بَعْضٍ)1 .

فقد ورد الذکر علی، والأنثی الفواطم، وهن فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه و آله وفاطمة بنت أسد، وفاطمة بنت الزبیر, (بعضکم من بعض) یقول: علی من فاطمة(1).

وروی فی الذخائر أنها توفیت بالمدینة وشهدها النبی صلی الله علیه و آله وتولی دفنها ونزع قمیصه وألبسها إیاه واضطجع فی قبرها فلما سوی علیها التراب سئل عن ذلک فقال ألبستها لتلبس من ثیاب الجنة واضطجعت معها فی قبرها لأخفف عنها من ضغطة القبر إنها کانت أحسن خلق الله صنیعاً إلیّ بعد أبی طالب(2).

وبالجملة, جلالة فاطمة بنت أسد یعلم من ولادتها أمیر المؤمنین علیه السلام فی جوف الکعبة، وأنها کانت من السابقات إلی الإیمان، وکان رسول الله صلی الله علیه و آله یکرمها ویعظمها ویدعوها أمی.

وروی أنها لما ماتت بکی علیها النبی صلی الله علیه و آله وکفنها بثیابه، وصلی علیها، وکبر علیها أربعین تکبیرة، وقد صلی علیها صلاة لم یصل قبلها ولا بعدها علی أحد مثلها ودخل فی قبرها وتمدد فیه. کما سیأتی بیانه إن شاء الله.

ص:117


1- (2) الأمالی, الشیخ الطوسی, ص 471.
2- (3) أنظر: ذخائر العقبی, أحمد بن عبدالله الطبری, ص 56. مجمع الزوائد, الهیثمی, ج 9 ص 257.

فاطمة بنت أسد أُم النبی الثانیة

حازت فاطمة بنت أسد علی هذا اللقب العظیم (أم النبی) والذی یکشف عن مدی إیمانها وعظم مکانتها عند الله ورسوله؛ وذلک لرعایتها واهتمامها برسول الله صلی الله علیه و آله. لذلک: عندما سئل النبی صلی الله علیه و آله عن اهتمامه فی تجهیز ودفن فاطمة بنت أسد والذی لم یسبق له نظیر, قال: إن أبی هلک وأنا صغیر فأخذتنی هی وزوجها فکانا یوسعان علیَّ ویؤثرانی علی أولادهما فأحببت أن یوسع الله علیها قبرها.(1)

ویؤکد هذا ما ذکره الحاکم فی مستدرکه, عن علی علیه السلام قال: لما ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم کفنها رسول الله صلی الله علیه و آله فی قمیصه وصلی علیها وکبر علیها سبعین تکبیرة ونزل فی قبرها فجعل یومی فی نواحی القبر کأنه یوسعه ویسوی علیها وخرج من قبرها وعیناه تذرفان وحثا فی قبرها فلما ذهب قال له عمر بن الخطاب رضی الله عنه یا رسول الله رأیتک فعلت علی هذه المرأة شیئاً لم تفعله علی أحد فقال یا عمر إنّ هذه المرأة کانت أمی التی ولدتنی إنّ أبا طالب کان یصنع الصنیع وتکون له المأدبة وکان یجمعنا علی طعامه فکانت هذه المرأة تفضل منه کله نصیبنا فأعود فیه وان جبریل علیه السلام أخبرنی عن ربی عز وجل أنّها من أهل الجنة وأخبرنی جبریل علیه السلام أنّ الله تعالی أمر سبعین ألفاً من الملائکة یصلون علیها(2).

وأیضاً روی عن فاطمة بنت أسد: أنه لما ظهرت أمارة وفاة عبد المطلب قال لأولاده: من یکفل محمداً؟ قالوا: هو أکیس منا فقل له یختار لنفسه. فقال عبد

ص:118


1- (1) علل الشرائع, الشیخ الصدوق, ج 2 ص 469
2- (2) المستدرک علی الصحیحین, الحاکم النیسابوری, ج 3 ص 108.

المطلب: یا محمد جدک علی جناح السفر إلی القیامة، أی عمومتک وعماتک ترید أن یکفلک؟ فنظر فی وجوههم، ثم زحف إلی عند أبی طالب، فقال له عبد المطلب: یا أبا طالب، إنی قد عرفت دیانتک وأمانتک، فکن له کما کنت له. قالت: فلما توفی أخذه أبو طالب، وکنت أخدمه، وکان یدعونی الأم(1).

وروی أیضاً أنه صلی الله علیه وسلم صلی علیها وتمرغ فی قبرها وبکی وقال جزاک الله من أُم خیراً فلقد کنت خیر أم، وسماها أماً؛ لأنها کانت ربته(2).

وقد ذکر الطبرانی فی المعجم الکبیر عن عاصم الأحول عن أنس بن مالک قال لما ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أم علی بن أبی طالب دخل علیها رسول الله صلی الله علیه و آله فجلس عند رأسها فقال: رحمک الله یا أمی کنت أمی بعد أمی تجوعین وتشبعینی وتعرین وتکسینی وتمنعین نفسک طیباً وتطعمینی تریدین بذلک وجه الله والدار الآخرة ثم أمر أن تغسل ثلاثاً فلما بلغ الماء الذی فیه الکافور سکبه رسول الله صلی الله علیه و آله بیده ثم خلع رسول الله صلی الله علیه و آله قمیصه فألبسها إیاه وکفنها ببرد فوقه ثم دعا رسول الله صلی الله علیه و آله أسامة بن زید وأبا أیوب الأنصاری وعمر بن الخطاب وغلاماً أسود یحفرون فحفروا قبرها فلما بلغوا اللحد حفره رسول الله صلی الله علیه و آله بیده وأخرج ترابه بیده فلما فرغ دخل رسول الله صلی الله علیه و آله فاضطجع فیه ثم قال: الله الذی یحیی ویمیت وهو حی لا یموت أغفر لأمی فاطمة بنت أسد ونکبتنا حجتها ووسع علیها مدخلها بحق نبیک والأنبیاء الذین من قبلی فإنک أرحم الراحمین وکبر علیها أربعاً وأدخلوها اللحد(3).

ص:119


1- (1) الخرائج والجرائح, قطب الدین الراوندی, ج 1 ص 138
2- (2) ذخائر العقبی, أحمد بن عبد الله الطبری, ص 55
3- (3) المعجم الکبیر, الطبرانی, ج 24 ص 351

مشهد من کرم بنی هاشم

حفلت سیرة بنی هاشم بهذه الصفة (الکرم) والتی مدحها العقل وأقرها الشرع وأثاب علی کل من تلبس بها, وکان من أجلی مصادیق ذلک الأنبیاء وأوصیاؤهم وذلک بما هو ثابت عقلاً وشرعاً أنّ المعصوم کامل الصفات لا یسبقه أحد علی ذلک, نأخذ مثالاً هنا له صلة بالبحث, وهو أن النبی صلی الله علیه و آله قبل الهجرة خرج یوماً إلی خارج مکة ورجع طالباً منزله فاجتاز بمناد ینادی من بنی تمیم (وکان لهم سید یسمی عبد الله ابن جذعان، وکان یعد من سادات قریش وأشیاخهم، وکان له منادیة ینادون فی شعاب مکة وأودیتها: من أراد الضیافة والقری فلیأت مائدة عبد الله بن جذعان، وکان من منادیه: أبو قحافة، وأجرته أربعة دوانیق، وله مناد آخر فوق سطح داره) فأخبر عبد الله بن جذعان بجواز النبی صلی الله علیه و آله علی بابه، فخرج یسعی حتی لحق به وقال: یا محمد؟ بالبیت الحرام إلا ما شرفتنی بدخولک إلی منزلی وتحرمک بزادی، وأقسم علیه برب البیت والبطحاء وبشیبة بن عبد المطلب، فأجابه النبی صلی الله علیه و آله إلی ذلک ودخل منزله وتحرم بزاده، فلما خرج النبی صلی الله علیه و آله خرج معه ابن جذعان مشیعاً له، فلما أراد الرجوع عنه قال له النبی صلی الله علیه و آله: إنی أحب أن تکون غدا فی ضیافتی أنت وتیم وأتباعها وحلفاؤها عند طلوع الغزالة(1) ، ثم افترقا ومضی النبی إلی دار عمه أبی طالب وجلس متفکراً فیما وعده لعبد الله بن جذعان، إذ دخلت علیه فاطمة بنت أسد علیهاالسلام (وکانت هی

ص:120


1- (1) فی الصحاح, ج 5 ص 1781, غزالة الضحی: أولها، یقال: جاءنا فلان فی غزالة الضحی، ثم قال: ویقال: الغزالة الشمس أیضا. وفی القاموس, ج 4 ص 24: کسحابة الشمس لأنها تمد حبالا کأنها تغزل، أو الشمس عند طلوعها، أو عند ارتفاعها، أو عین الشمس.

مربیته، وکان یسمیها الأُم) فلما رأته مهموما قالت: فداک أبی وأمی، ما لی أراک مهموماً؟ أعارضک أحد من أهل مکة؟. فقال: لا. قالت: فبحقی علیک إلا ما أخبرتنی بحالک, فقص علیها قصته مع ابن جذعان وما قاله وما وعده من الضیافة، فقالت: یا ولدی لا تضیقن صدرک، معی مشار عسل یقوم لک بکل ما ترید، فبینما هما فی الحدیث إذ دخل أبو طالب رضی الله عنه، فقال لزوجته: فیما أنتما؟. فأعلمته بذلک کله، وبما قال النبی صلی الله علیه و آله لابن جذعان، فضمه إلی صدره وقبل ما بین عینیه، وقال: یا ولدی بالله علیک لا تضیقن صدرک من ذلک، وفی نهار غد أقوم لک بجمیع ما تحتاج إلیه إن شاء الله تعالی، وأصنع ولیمة تتحدث بها الرکبان فی سائر البلدان، وعزم علی ولیمة تعم سائر القبائل...(1).

زواجها من أبی طالب

اختار أبو طالب فاطمة بنت أسد شریکة لحیاته, وذلک بما کانت تمتاز بصفات کمالیة عالیة تؤهلها لأن تکون کفؤاً له, لاسیما إن قلنا أنه وصی من الأوصیاء (کما ذکر عن أبی الحسن الأول... لأنه کان قد آمن وأقر، وکیف لا یکون کذلک والحال أن أبا طالب کان من الأوصیاء، وکان أمیناً علی وصایا الأنبیاء وحاملا لها إلیه صلی الله علیه و آله...)(2). وله المکانة والقدر العالی عند الله, ومن ناحیة أخری تکون وعاء لسید الأوصیاء, فهذه وغیرها تکشف لنا عن سبب اختیار أبی طالب لها,

ص:121


1- (1) بحار الأنوار, المجلسی, ج 30 ص 367.
2- (2) أنظر: تهذیب المقال فی تنقیح کتاب رجال النجاشی, السید محمد علی الأبطحی, ص 407. بحار الأنوار, العلامة المجلسی, ج 35 ص 74.

وقد خطب أبو طالب فی نکاح فاطمة بنت أسد حیث قال: الحمد لله رب العالمین رب العرش العظیم والمقام الکریم والمشعر والحطیم الذی اصطفانا أعلاماً وسدنة وعرفاء وخلصاء وحجیته بهالیل أطهار من الخنا والریب والأذی والعیب وأقام لنا المشاعر وفضلنا علی العشائر نخب آل إبراهیم وصفوته وزرع إسماعیل. وفی کلام له قال: وقد تزوجت بنت أسد وسقت المهر ونفذت الأمر فاسألوه واشهدوا، فقال أسد: زوجناک ورضینا بک، ثم أطعم الناس فقال أمیة بن الصلت:

اغمرنا عرس أبی طالب وکان عرساً لبن الحالب

اقرأؤه البدو بأقطاره من راجل خف ومن راکب(1)

مشهد من إیمان أبی طالب

من الهوان أن یُشکک فی إیمان رائد المسیرة الإسلامیة والقاعدة الکبری لانطلاق الإسلام واستحکامه والممهد له والرکن القویم, حتی یأتی الدانی الذی تشرّب هو وأسلافه فی محض الشرک وعبادة الأصنام وتناول النجاسات أن ینال من العالی وینکر وینفی إیمان من هو محل الإیمان, وهذا إن یعبر عن شیء فهو یعبر عن مدی الانتکاسة التی مرّ بها العالم الإسلامی, والازدواجیة القصوی فی المعاییر, فلم یکن إیمان أبی طالب بل العائلة الهاشمیة والعدنانیة إلا مصدراً للإیمان وللإسلام والممهدین لخاتمیة الرسالة, إلا من شذ کأبی لهب, لذلک نجد سیرتهم لاسیما أبی طالب علیه السلام حافلة بالتلبسات العبادیة والتضحیات الإیمانیة والتنبؤات الیقینیة, ویکفی ذلک إعجازاً أنّه أرضع النبی, کما ورد عن أبی بصیر، عن أبی عبد

ص:122


1- (1) مناقب آل أبی طالب, ابن شهر آشوب, ج 2 ص 20.

الله علیه السلام قال: لما ولد النبی صلی الله علیه و آله مکث أیاماً لیس له لبن، فألقاه أبو طالب علی ثدی نفسه، فأنزل الله فیه لبناً فرضع منه أیاماً حتی وقع أبو طالب علی حلیمة السعدیة فدفعه إلیها(1). وربما یضعف تحمل هذا الحدیث من ضعاف النفوس وقلیلی الإیمان کما أشار لذلک رسول الله صلی الله علیه و آله بقوله:

إنّ حدیث آل محمد صعب مستصعب لا یؤمن به إلا ملک مقرب أو نبی مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للإیمان(2). وعن الإمام الصادق علیه السلام

إنّ حدیثنا صعب مستصعب، لا یحتمله إلا صدور منیرة أو قلوب سلیمة أو أخلاق حسنة(3). وأیضا تناسوا أو تغافلوا مما صدر عن النبی صلی الله علیه و آله من نظائر لذلک, فهم یرون الحیاة من جانب واحد أو من جانب مادی وهو الجانب الذی استولی علی حیاتهم ومشاعرهم ونفوسهم ولا یعطون للتدخلات الغیبیة والمعجزات أو الکرامات الإلهیة أی اهتمام أو قبول, فلو رجعنا إلی القرآن الکریم لرأینا کیف یفرق بین المؤمن وغیره بالإیمان بالغیب بقوله:(الَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِالْغَیْبِ وَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَ مِمّا رَزَقْناهُمْ یُنْفِقُونَ)4 , فقد شاءت حکمته تعالی أن یعطی لأنبیائه والأوصیاء والصالحین القدرة علی التحکم بما هو خارج عن نوامیس الطبیعة بأذنه سواء کان علی سبیل المعجزة أم الکرامة وقد ضرب لنا أمثلة کثیرة فی القرآن الکریم سواء کان للأنبیاء أم غیرهم من قبیل معاجز نبی الله سلیمان علیه السلام أو إحضار عرش بلقیس (قالَ الَّذِی عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ

ص:123


1- (1) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 1 ص 448.
2- (2) نفس المصدر, ج 1 ص 401.
3- (3) نفس المصدر.

اَلْکِتابِ أَنَا آتِیکَ بِهِ قَبْلَ أَنْ یَرْتَدَّ إِلَیْکَ طَرْفُکَ فَلَمّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّی لِیَبْلُوَنِی أَ أَشْکُرُ أَمْ أَکْفُرُ وَ مَنْ شَکَرَ فَإِنَّما یَشْکُرُ لِنَفْسِهِ وَ مَنْ کَفَرَ فَإِنَّ رَبِّی غَنِیٌّ کَرِیمٌ)1 , وغیر ذلک فی القرآن کثیر, إضافة إلی ما ورد فی السنة الشریفة, فلماذا نستکثر ونستغرب ما حدث عن أبی طالب علیه السلام مع النبی صلی الله علیه و آله سواء کان ذلک إکراماً لمنزلة أبی طالب عند الله أم رعایة للنبی الأکرم صلی الله علیه و آله. وقد ورد أیضاً عن فاطمة بنت أسد أنها قالت: لما توفی عبد المطلب أخذ أبو طالب النبی صلی الله علیه و آله عنده لوصیة أبیه به وکنت أخدمه وکان فی بستان دارنا نخلات وکان أول إدراک الرطب وکنت کل یوم ألتقط له حفنة من الرطب فما فوقها وکذلک جاریتی فاتفق یوماً أن نسیت أن التقط له شیئاً ونسیت جاریتی أیضاً، وکان محمد نائماً ودخل الصبیان وأخذوا کلما سقط من الرطب وانصرفوا فنمت ووضعت الکم علی وجهی حیاءً من محمد صلی الله علیه و آله إذا انتبه فانتبه محمد صلی الله علیه و آله ودخل البستان فلم یر رطبة علی وجه الأرض فأشار إلی نخلة وقال: أیتها الشجرة أنا جائع. فرأیت النخلة قد وضعت أغصانها التی علیها الرطب حتی أکل منها ما أراد ثم ارتفعت إلی موضعها، فتعجبت من ذلک وکان أبو طالب رضی الله عنه غائباً فلما أتی وقرع الباب عدوت إلیه حافیة وفتحت الباب وحکیت له ما رأیت فقال: هو إنما یکون نبیاً وأنت تلدین له وزیراً بعد یأس. فولدت علیاً علیه السلام کما قال(1). وهذا أیضاً یکشف عن مدی اتصال أبی طالب علیه السلام بالغیب وعن مدی إیمانه وعلمه.

ص:124


1- (2) الغدیر, الشیخ الأمینی, ج 7 ص 398.

أبو طالب رمز الإیمان

اشارة

کثرة تشویش أذهان المؤمنین والمستضعفین من قبل المغرضین والمحرّفین فی تشویه وتحریف سیرة أحد کبار ورموز المضحین والمدافعین عن بیضة الإسلام وحامل لوائه, جعلتنا أن نذکر وباختصار الأدلة الاثباتیة علی إیمانه علیه السلام, فإن الدلائل علی إیمان أبی طالب بدین ابن أخیه تبلغ من الوفرة والکثرة بحیث استقطبت اهتمام کل المحققین المنصفین والمحایدین، ولکن بعض المتعصبین توقف فی إیمان تلک الشخصیة المتفانیة العظیمة بالدعوة المحمدیة بینما تجاوز فریق هذا الحد إلی ما هو أبعد من ذلک، حیث قالوا بأنه مات غیر مؤمن. ولو صحت عشر هذه الدلائل الدالة علی إیمان أبی طالب الثابتة فی کتب التاریخ والحدیث، فی حق رجل آخر لما شک أحد فی إیمانه فضلاً عن إسلامه ولکن لا یعلم الإنسان لماذا لا تستطیع کل هذه الأدلة إقناع هذه الزمرة، وإنارة الحقیقة لهم؟ فهناک أدلة کثیرة تدل علی إیمان أبی طالب من جملتها ما یلی:

الأول: الروایات الواردة بحقه

والروایات فی هذا المجال کثیرة, منها: ما روی عن علی بن محمد الباقر علیه السلام:

«لو وضع إیمان أبی طالب فی کفه میزان، وإیمان هذا الخلق فی الکفة الأخری لرجح إیمانه». ثم قال:

(ألم تعلموا أنّ علیاً علیه السلام کان یأمر أن یحج عن أبی النبی عبد الله وعن أمه وأبیه أبی طالب فی حیاته وقد أوصی

ص:125

فی وصیته بالحج عنهم بعد مماته)(1). فهذه الروایة تکشف لنا أن إیمان أبی طالب یحظی بمرتبة عالیة.

ومنها: عن الصادق علیه السلام، عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنه قال:

«والذی بعث محمداً صلی الله علیه و آله بالحق نبیاً لو شفع أبی فی کل مذنب علی وجه الأرض لشفعه الله فیهم»(2).

ومنها: عن الأمالی: عن أبی عبد الله عن آبائه عن أمیر المؤمنین علیه السلام، قال: کان ذات یوم جالساً بالرحبة والناس حوله مجتمعون، فقام إلیه رجل فقال: یا أمیر المؤمنین، إنک بالمکان الذی أنزلک الله به وأبوک یعذب بالنار؟

فقال له: مه فض الله فاک والذی بعث محمداً بالحق نبیاً، لو شفع أبی فی کل مذنب علی وجه الأرض لشفعه الله (تعالی) فیهم، أبی یعذب بالنار وابنه قسیم النار؟ ثم قال: والذی بعث محمداً بالحق نبیاً، إن نور أبی طالب یوم القیامة لیطفئ أنوار الخلق إلا خمسة أنوار: نور محمد صلی الله علیه و آله، ونوری، ونور فاطمة، ونوری الحسن والحسین ومن ولده من الأئمة، لان نوره من نورنا الذی خلقه الله (عز وجل) من قبل خلق ادم بألفی عام(3).

ومنها: عن أبان بن محمد قال کتبت إلی الإمام علی بن موسی علیه السلام: جعلت فداک إنی شککت فی إیمان أبی طالب قال: فکتب

«بسم الله الرحمن الرحیم

ص:126


1- (1) بحار الأنوار, المجلسی, ج 35 ص 112.
2- (2) خاتمة المستدرک, المیرزا النوری, ج 5 - ص 20.
3- (3) الأمالی, الشیخ الطوسی, ص 305.

ومن یبتغ غیر سبیل المؤمنین نوله ما تولی أما إنک إن لم تقر بإیمان أبی طالب کان مصیرک إلی النار»(1).

وفی روایة أخری عن ابن علی بن بابویه بإسناد له أن عبد العظیم بن عبد الله العلوی کان مریضاً، فکتب إلی أبی الحسن الرضا علیه السلام: عرفنی یابن رسول الله عن الخبر المروی أن أبا طالب فی ضحضاح من نار یغلی منه دماغه، فکتب إلیه الرضا علیه السلام:

«بسم الله الرحمن الرحیم أما بعد فإنک إن شککت فی إیمان أبی طالب کان مصیرک إلی النار»(2).

ومنها: عن أبان، عن محمد بن یونس، عن أبیه، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال: یا یونس ما یقول الناس فی أبی طالب؟ قلت: جعلت فداک یقولون هو فی ضحضاح من نار، وفی رجلیه نعلان من نار تغلی منهما أم رأسه، فقال:

کذب أعداء الله، إن أبا طالب من رفقاء النبیین والصدیقین والشهداء والصالحین وحسن أولئک رفیقاً(3).

وهذه الطائفة من الروایات تدل بصراحة علی أن القول بإیمان أبی طالب له دخل فی العقیدة سلباً وإیجاباً, وعلیه من أنکر إیمان أبی طالب فقد خرج عن العقیدة الحقّة وکان مصیره النار مع الکافرین, مع أنّ هذه الروایات لیس المراد منها إثبات إیمان أبی طالب فحسب, وإنّما تفید أیضا وبوضوح مدی عظمة أبی طالب علیه السلام

ص:127


1- (1) کنز الفوائد, ابو الفتح الکراجکی, ص 80.
2- (2) أنظر: إیمان أبی طالب, الشیخ المفید, ص 4.
3- (3) أنظر: کنز الفوائد, ابو الفتح الکراجکی, ص 80.

ومکانته عند الله فلا یقل شأنا عن الرسل والأنبیاء؛ بدلیل أنّ الشک فی إیمانه یلزم منه انحراف بالعقیدة ویستحق علی ذلک النار, وهذا ما لا یتأتی إلا لنبی أو وصی لأنّ له ارتباط بالغیب وینطق عن الله, فإذا شک به أو کذّبه فقد شک وکذّب بالله فیکون مصیره الهلاک, وإلا لو أنّ شخصاً شک فی إیمان زید من الناس ولو کان مسلماً لا یلزم خروجه من العقیدة ولا یصبح کافراً ومن ثم یکون مصیره النار.

الثانی: أشعاره فی نصرة النبی وتأییده

إنّ أشعاره علیه السلام التی تدل علی مدی إیمانه ومجابهته أعداء الإسلام, هی کثیرة وربما تبلغ أکثر من مجلد, وقد ذکر عن ابن شهر آشوب المازندرانی فی کتابه متشابهات القرآن عند قوله تعالی:(وَ لَیَنْصُرَنَّ اللّهُ مَنْ یَنْصُرُهُ إِنَّ اللّهَ لَقَوِیٌّ عَزِیزٌ)1 : إنّ أشعار أبی طالب الدالة علی إیمانه تزید علی ثلاثة آلاف بیت یکاشف فیها من یکاشف النبی صلی الله علیه و آله و یصحح نبوته(1). ونحن هنا نقتصر علی أنموذجٍ منها کی لا نخرج بعیداً عن موضوع الکتاب والفصل, فمن تلک الأشعار ما جاء فی وصیته بالنبی صلی الله علیه و آله:

أوصی بنصر نبی الخیر أربعة ابنی علیاً وشیخ القوم عباسا

وحمزة الأسد الحامی حقیقته وجعفراً أن تذودا دونه الناسا

کونوا فداء لکم أمی وما ولدت فی نصر أحمد دون الناس أتراسا(2)

ص:128


1- (2) إیمان أبی طالب, الشیخ الأمینی, ص 18.
2- (3) الغدیر, الشیخ الأمینی, ج 7 ص 341.

ومنها:

لیعلم خیار الناس أن محمداً نبی کموسی والمسیح بن مریم

أتانا بهدی مثلما أتیا به فکل بأمر الله یهدی ویعصم(1)

ومنها:

ألم تعلموا إنا وجدنا محمداً رسولاً کموسی خط فی أول الکتب(2)

الثالث: مواقفه من الرسول ودفاعه عنه

إنّ مواقفه من رسول الله صلی الله علیه و آله وکیفیة دفاعه وذبّه عنه لا یقتصر علی ما بعد البعثة وإنما کان ذلک والنبی صلی الله علیه و آله فی غرة حیاته وبدایة صباه, فکان أبو طالب یحفه بالرعایة والحفاظ والتکریم, وهذا یعبر عن الترجمة الإیمانیة الراسخة له, إضافة إلی جهاده والدفاع عنه ما بعد البعثة, فقد ورد عن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت أمیر المؤمنین علیاً علیه السلام یقول: «مرّ رسول الله صلی الله علیه و آله بنفر من قریش وقد نحروا جزوراً، وکانوا یسمونها الظهیرة، ویذبحونها علی النصب، فلم یسلم علیهم، فلما انتهی إلی دار الندوة قالوا: یمر بنا یتیم أبی طالب فلا یسلم علینا، فأیکم یأتیه فیفسد علیه مصلاه؟ فقال عبد الله بن الزبعری السهمی: أنا أفعل. فأخذ الفرث والدم فانتهی به إلی النبی صلی الله علیه و آله وهو ساجد، فملأ به ثیابه ومظاهره فانصرف النبی صلی الله علیه و آله حتی أتی عمه أبا طالب فقال: یا عم من أنا؟ فقال: ولم یابن أخی؟ فقص علیه القصة، فقال وأین ترکتهم؟ فقال: بالأبطح. فنادی [أبو طالب] فی قومه:

ص:129


1- (1) الإحتجاج, الطبرسی, ج 1 ص 341.
2- (2) شرح نهج البلاغة, ابن أبی الحدید, ج 14 ص 72.

یا آل عبد المطلب یا آل هاشم یا آل عبد مناف! فأقبلوا إلیه من کل مکان ملبین، فقال: کم أنتم؟ قالوا: نحن أربعون, قال: خذوا سلاحکم, فأخذوا سلاحهم، وانطلق بهم حتی انتهی إلی أولئک النفر، فلما أرادوا أن یتفرقوا قال لهم: ورب هذه البنیة لا یقومن منکم أحد إلا جللته بالسیف, ثم أتی إلی صفاة کانت بالأبطح فضربها ثلاث ضربات حتی قطعها ثلاثة أفهار، ثم قال: یا محمد سألتنی من أنت؟ ثم أنشأ یقول ویومئ بیده إلی النبی صلی الله علیه و آله: أنت النبی محمد قرم أغر مسود... إلی آخر الأبیات, ثم قال: یا محمد أیهم الفاعل بک؟ فأشار النبی صلی الله علیه و آله إلی عبد الله بن الزبعری السهمی الشاعر، فدعاه أبو طالب، فوجأ انفه حتی أدماها، ثم أمر بالرفث والدم فأمر علی رؤوس الملأ کلهم، ثم قال: یابن أخ أرضیت؟ ثم قال: سألتنی من أنت؟ أنت محمد بن عبد الله، ثم نسبه إلی آدم علیه السلام، ثم قال: أنت والله أشرفهم حسباً، وأرفعهم منصباً. یا معشر قریش من شاء منکم یتحرک فلیفعل، أنا الذی تعرفونی(1).

وجاء فی المستدرک: عن أبی العباس محمد بن یعقوب (إلی قوله) عن هشام بن عروة عن أبیه عن عائشة رضی الله عنها عن النبی صلی الله علیه و آله قال: ما زالت قریش کاعة (أی جبانة)(2) حتی توفی أبو طالب هذا حدیث صحیح علی شرط الشیخین ولم یخرجاه(3).

ص:130


1- (1) حیاة أمیر المؤمنین علیه السلام عن لسانه, محمد محمدیان, ج 1 ص 271.
2- (2) الکاعة, جمع کاع, وهو الجبان, أراد أنهم کانوا یجبنون عن النبی صلی الله علیه و آله فی حیاة أبی طالب, فلما مات اجترؤوا علیه. أنظر لسان العرب, ابن منظور, ج 8 ص 312.
3- (3) المستدرک, الحاکم النیسابوری, ج 2 ص 622. وتاریخ الإسلام, الذهبی, ج 1 ص 233. وغیرهم.

وهذا کما یظهر من کلام أبی طالب علیه السلام لیس بدافع عاطفی أو قبلی وإنّما بدافع إیمانی إلهی بما یعرفه من حال النبی صلی الله علیه و آله ومستقبله؛ لذلک عندما عرّفه عرّفه بالنبی الأکرم وأرجع نسبه إلی آدم علیه السلام, وهذه المواقف الجریئة والباسلة لیس المراد منها الدفاع عن النبی صلی الله علیه و آله فقط وإنّما المراد منها أیضا فتح الطریق وتهیئة الأجواء المناسبة کی یتسنی للنبی الأکرم صلی الله علیه و آله أن یواصل طریق التبلیغ ونشر الدعوة الإسلامیة, فلابد أن یحظی بغطاء أمنی یستطیع من خلاله أن یتحرک فی أرجاء شبه الجزیرة العربیة, لاسیما فی تلک الظروف الحرجة وبدایة الدعوة الإسلامیة, وفعلاً کان أبو طالب القاعدة الکبری والحصن الأمین لانطلاق الرسالة الإلهیة.

ومن تلک المواقف: کان أبو طالب کثیراً ما یخاف علی رسول الله صلی الله علیه و آله المبیت إذا عُرف مضجعه, فکان یقیمه لیلاً من منامه ویضجع ابنه علیاً مکانه، فقال له علی لیلة: یا أبت إنی مقتول, فقال له:

أصبرن یا بنی فالصبر أحجی کل حی مصیره لشعوب

قد بذلناک والبلاء شدید لفداء الحبیب وابن الحبیب

فأجاب علی بقوله:

أتأمرنی بالصبر فی نصر أحمد ووالله ما قلت الذی قلت جازعا

ولکننی أحببت أن تر نصرتی وتعلم أنی لم أزل لک طائعا

سأسعی لوجه الله فی نصر أحمد نبی الهدی المحمود طفلا ویافعا

ص:131

قال الأمینی: إن القرابة والرحم تبعثان إلی المحاماة إلی حد محدود، لکنه إذا بلغت حد التضحیة بولد کأمیر المؤمنین هو أحب العالمین إلی والده فهناک یقف التفانی علی موقفه، فلا یستسهل الوالد أن یعرض ابنه علی القتل کل لیلة فینیمه علی فراش المفدی، ویستعوض منه ابن أخیه، إلا أن یکون مندفعا إلی ذلک بدافع دینی وهو معنی اعتناق أبی طالب بالدین الحنیف، وهو الذی تعطیه المحاورة الشعریة بین الوالد والولد فتری الولد یسارح بالنبوة فلا ینکر علیه الوالد(1).

فان من المستحیل أن تصدر أمثال هذه التضحیات التی کان أبرزها محاصرة بنی هاشم جمیعاً فی الشعب ومقاطعتهم القاسیة، من دافع غیر الإیمان العمیق بالهدف والشغف الکبیر بالمعنویة، الذی کان یتصف به أبو طالب، إذ لا یستطیع مجرد الوشائج العشائریة، وروابط القربی، أن توجد فی الإنسان مثل هذه الروح التضحویة. لذلک ابن أبی الحدید لما لاحظ تضحیات ومواقف أبی طالب إزاء النبی والإسلام غلبت علی أهوائه ومضی یقول: ولم أستجز أن أقعد عن تعظیم أبی طالب، فإنی أعلم أنه لولاه لما قامت للإسلام دعامة. واعلم أن حقه واجب علی کل مسلم فی الدنیا إلی أن تقوم الساعة، فکتبت:

ولولا أبو طالب وابنه لما مثل الدین شخصاً فقاما

فذاک بمکة آوی وحامی وهذا بیثرب جس الحماما(2)

ص:132


1- (1) الغدیر, الشیخ الأمینی, ج 7 ص 357.
2- (2) شرح نهج البلاغة, ابن أبی الحدید, ج 14 ص 83.
الرابع: وصیة أبی طالب عند وفاته بالنبی صلی الله علیه و آله

... وإنی أوصیکم بمحمد خیراً فإنه الأمین فی قریش وهو الصدیق فی العرب وهو الجامع لکل ما أوصیکم به وقد جاء بأمر قبله الجنان وأنکره اللسان مخافة الشنآن (أی البغض وهو لغة فی الشنآن) وأیم الله کأنی أنظر إلی صعالیک العرب وأهل البر فی الأطراف والمستضعفین من الناس قد أجابوا دعوته وصدقوا کلمته وعظموا أمره فخاض بهم غمرات الموت فصارت رؤساء قریش وصنادیدها أذناباً ودورها خراباً وضعفاؤها أرباباً وإذا أعظمهم علیه أحوجهم إلیه وأبعدهم منه أحظاهم عنده قد محضته العرب ودادها وأعطته قیادها دونکم یا معشر قریش کونوا له ولاة ولحزبه حماة والله لا یسلک أحد منکم سبیله إلا رشد ولا یأخذ أحد بهدیه إلا سعد, (ولو کان لنفسی مدة وفی أجلی تأخیر لکفیته الکوافی ولدفعت عنه الدواهی غیر أنّی أشهد شهادته وأعظم مقالته). وجاء وفی لفظ آخر (أو روایة أخری) أنّه لما حضرته الوفاة دعا بنی عبد المطلب فقال لن تزالوا بخیر ما سمعتم من محمد وما اتبعتم أمره فأطیعوه ترشدوا(1).

الخامس: قول النبی بحقه

إنّ أبا طالب لما مات جاء علی علیه السلام إلی رسول الله صلی الله علیه و آله، فآذنه بموته، فتوجع عظیماً وحزن شدیداً، ثم قال له: امض فتول غسله، فإذا رفعته علی سریره فأعلمنی، ففعل، فاعترضه رسول الله صلی الله علیه و آله وهو محمول علی رؤوس الرجال، فقال: وصلتک رحم یا عم، وجزیت خیراً فلقد ربیت وکفلت صغیراً، ونصرت

ص:133


1- (1) راجع: السیرة الحلبیة, الحلبی, ج 2 ص 49. بحار الأنوار, المجلسی, ج 35 ص 107.

وآزرت کبیراً، ثم تبعه إلی حفرته، فوقف علیه، فقال أما والله لاستغفرن لک ولأشفعن فیک شفاعة یعجب لها الثقلان(1).

هذه ملخص الأدلة فی إثبات إیمان أبی طالب علیه السلام والذی هو فی الحقیقة دفع ضریبة إیمانه ودفاعه عن النبی صلی الله علیه و آله والإسلام والإنسانیة بأن تشوه سیرته ویُفتری علیه, ویغفلوا أو یتغافلوا عن کل الشواهد الجلیة والبیانات الواضحة, کما هو الحال فی ابنه علیه السلام الذی حمل رایة الحق وتحمل أعباء الجهاد منذ نعومة أظفاره وقد کللته السماء وحفّه النبی صلی الله علیه و آله بالوصایا والبیان بالأقوال والأفعال ما لم نجد لها نظیراً, ومع ذلک عاش مظلوماً ومات مظلوماً وافْتُری علیه, وقد کشف الله تعالی عن هذه النفوس الخبیثة بقوله:(وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَیْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا فَانْظُرْ کَیْفَ کانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِینَ)2 .

أولادها

اشارة

ولدت فاطمة بنت أسد لأبی طالب علیه السلام, طالباً وعقیلاً وجعفراً وعلیاً وأم هانی (واسمها فاختة) وجمانة(2) ، وکان علیٌّ أصغر ولد أبی طالب، وکان أصغر من جعفر بعشر سنین. وکان جعفر أصغر من عقیل بعشر سنین وکان عقیل أصغر

ص:134


1- (1) شرح نهج البلاغة, ابن أبی الحدید, ج 14 ص 76
2- (3) الفاختة: ضرب من الحمام المطوق، إذا مشی توسع فی مشیه وباعد بین جناحیه وإبطیه وتمایل. والجمانة: حبة تعمل من الفضة کالدرة، وجمعها جمان. راجع: لسان العرب, ابن منظور, ج 2 ص 65. والصحاح, الجوهری, ج 5 ص 2092.

من طالب بعشر سنین(1). فکان عند أبی طالب أربعة بنین وکان طالب أسن من علیٍّ بثلاثین سنة. وبه کان یکنی أبوه. وأمهم أجمع فاطمة بنت أسد بن هاشم، أما طالب فأکرهته قریش علی الخروج إلی بدر حتی فقد فلم یعرف له خبر, کما سیأتی الکلام عنه، ولیس لطالب عقب ولکل من إخوته عقب متصل(2).

إسلام طالب ابن أبی طالب

أسلم طالب من بدایة أمره لکن کتم إیمانه, کما هو الحال فی العباس عم النبی صلی الله علیه و آله الذی أسلم قبل واقعة بدر وقبل أن یهاجر, وأوکل إلیه النبی مهمة حمایة بعض المستضعفین من المسلمین من عادیة خصومهم من المشرکین وکان بمنزلة العین لرسول الله صلی الله علیه و آله علی قریش یوافیه بأخبارهم, وقد کتب إلی رسول الله یطلب إلیه الإذن بالهجرة فأبی علیه صلی الله علیه و آله وأمره بالإقامة بمکة لحاجة فی إقامته هناک, ولم یهاجر إلا بعد فتح خیبر بعد ما أنجز مهمته فی مکة ولم یبقَ لها موضوع, وأخرجه المشرکون معهم إلی بدر کرهاً وأسر فیمن أسروا مع المشرکین, وعامله النبی صلی الله علیه و آله معاملة المشرکین تماماً لتأدیة مهمته عندما یعود إلی مکة(3). کما أخرجوا طالباً وبعض بنی هاشم کرهاً.

الأدلة علی إیمان طالب بن أبی طالب

وأمّا الأدلة علی إسلام طالب بن أبی طالب فقد ظهرت علی لسانه من خلال

ص:135


1- (1) ذخائر العقبی, أحمد بن عبد الله الطبری, ص 55
2- (2) عمدة الطالب, ابن عنبة, ص 30.
3- (3) راجع کتاب عبدالله بن عباس, السید محمد تقی الحکیم, ص 33.

أشعاره کما هو مبثوث فی کتب الفریقین وفیها تأیید صریح لحرکة النبی صلی الله علیه و آله, بالإضافة إلی الروایات الواردة فی إسلامه, لکن مع ذلک حاول المشرکون أن یدفنوا تاریخ طالب معه حینما اغتالوه ودفنوه.

أشعاره ومواقفه تجاه النبی صلی الله علیه و آله

وهذه الأشعار منها ما یدل علی معارضته لقریش فی حربهم للنبی صلی الله علیه و آله وتأییده لحرکة النبی حتی أودی هذا المیل بحیاته, ومنها ما هو صریح فی دلالتها علی إسلامه ومدی إیمانه بالنبی صلی الله علیه و آله.

أمّا الأول: هو ما جاء فی تاریخ الطبری, وأیضا فی الکافی عن أبی عبد الله علیه السلام قال: لما خرجت قریش إلی بدر وأخرجوا بنی عبد المطلب معهم خرج طالب بن أبی طالب فنزل رجازهم وهم یرتجزون ونزل طالب بن أبی طالب یرتجز ویقول:

یا رب إما یغزون بطالب فی مقنب من هذه المقانب(1)

فی مقنب المغالب المحارب بجعله المسلوب غیر السالب

فقالت قریش: إن هذا لیغلبنا فردوه(2).

وجاء فی بعض السیر هکذا:

یارب اما أخرجوا بطالب فی مقنب من هذه المقانب

ص:136


1- (1) المقنب - بالکسر - جماعة الخیل والفرسان.
2- (2) الکافی, الکلینی, ج 8 ص 375. وتاریخ الطبری, ج 2 ص 144 وغیرهم.

فاجعلهم المغلوب غیر الغالب وارددهم المسلوب غیر السالب(1)

قال صاحب الکامل فی ذکر قصته: وکان بین طالب بن أبی طالب وهو فی القوم وبین بعض قریش محاورة, فقالوا: والله لقد عرفنا أنّ هواکم مع محمد فرجع طالب فیمن رجع إلی مکة. وقیل: انه اخرج کرهاً فلم یوجد فی الأسری ولا فی القتلی ولا فیمن رجع إلی مکة وهو الذی یقول: یا رب إمّا یغزون طالب... إلی آخر الآبیات التی تقدم ذکرها.

تحصل مما نقلناه أنه لم یکن راضیاً بهذه المقاتلة وکان یرید ظفر النبی صلی الله علیه و آله، إما لأنه قد أسلم کما تدل علیه المرسلة أو لمحبة القرابة، فالذی یخطر بالبال فی توجیه ما فی الخبر أن یکون قوله (بجعله) بدل اشتمال لقوله: (بطالب) أی أمّا تجعل الرسول غالبا بمغلوبیة طالب حال کونه فی مقانب عسکر مخالفیه الذین یطلبون الغلبة علیه بأن تجعل طالباً مسلوب الثیاب والسلاح غیر سالب لأحد من عسکر النبی صلی الله علیه و آله وبجعله مغلوباً منهم غیر غالب علیهم.

وأیضاً فی کتب العامة کان المشرکون أخرجوه وسائر بنی هاشم إلی بدر کرهاً فخرج طالب وهو یقول: اللهم أما یغزون... إلی آخر الأبیات, قال فلما انهزموا، لم یوجد فی الأسری ولا فی القتلی ولا رجع إلی مکة ولا یدری ما حاله ولیس له عقب(2).

أمّا الثانی: إن له ثمة أبیات صریحة فی دلالتها علی إسلامه ومدی إیمانه

ص:137


1- (1) الوافی بالوفیات, الصفدی, ج 16 ص 222.
2- (2) طبقات ابن سعد ج 1 ص 121, والطبری ج 2 ص 144, والکامل ج 2 ص 121.

بالنبی صلی الله علیه و آله حیث یقول فی رسول الله صلی الله علیه و آله:

وقد حل مجد بنی هاشم فکان النعامة والزهرة

ومحض بنی هاشم أحمد رسول الملیک علی فترة

عظیم المکارم نور البلاد حری الفؤاد صدی الزبرة

کریم المشاهد سمح البنان إذا ضن ذو الجود والقدرة

عفیف تقی نقی الردا طهر السراویل والازرة

جواد رفیع علی المعتقین وزین الأقارب والأسرة

واشوس کاللیث لم ینهه لدی الحرب زجرة ذی الزجرة

وکم من صریع له قد ثوی طویل التأوه والزفرة(1)

الروایات الدالة علی إسلام طالب

هناک جملة من الروایات الصریحة فی دلالتها علی إسلام طالب بن أبی طالب, وما له من مکانة عظیمة عند الله, فقد جاء فی حدیث جابر الأنصاری یقول: قلت لرسول الله صلی الله علیه و آله أکثر الناس یقولون: إنّ أبا طالب مات کافراً, قال:

یا جابر ربک اعلم بالغیب انّه کما کانت اللیلة التی اسری بی فیها إلی السماء انتهیت إلی العرش فرأیت أربعة أنوار فقلت الهی ما هذه الأنوار, فقال: یا محمد هذا عبد المطلب وهذا أبو طالب وهذا أبوک عبد الله وهذا أخوک طالب, فقلت: الهی وسیدی فیم نالوا هذه الدرجة؟ قال بکتمانهم الإیمان

ص:138


1- (1) شرح الأخبار, القاضی النعمان المغربی, ج 3 ص 235.

والصبر علی ذلک حتی ماتوا(1). ففی هذا الحدیث دلالة واضحة وجلیة علی إسلام طالب بن أبی طالب, بل علی بعد إیمانه وعظم مکانته عند الله عزّ وجلّ, کما هو واضح فی صدر الحدیث وذیله المعلل, حیث نالوا هذه المرتبة وتبوؤوا هذه المکانة العالیة التی یصعب لکل أحد الارتقاء إلیها إلا أنّهم ثابروا بشدة إیمانهم وصبرهم وتحملهم.

وفی روایة أخری عن أبی عبد الله علیه السلام أنه کان أسلم(2). کما عن مستدرک سفینة البحار: إنّ طالب بن أبی طالب: أسلم، وکان مع المؤمنین یوم بدر خرج معهم یرتجز(3). ربما المراد هنا أنّه کان بقلبه وسیفه مع المسلمین ولو أنّه أُخرج کرهاً مع المشرکین.

ویؤکد ذلک أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله قال یوم بدر إنی لأعرف رجالاً من بنی هاشم وغیرهم قد اخرجوا کرهاً لا حاجة لهم بقتالنا فمن لقی منکم أحداً فلا یقتله ومن لقی العباس بن عبد المطلب فلا یقتله إنّما خرج مستکرهاً(4).

استشهاد طالب بن أبی طالب

قد اختلف فی موت طالب فقیل إنّه لما خرج إلی بدر فُقِد ولم یعرف خبره, وقیل: رجع إلی مکة, وقیل: أقحم فرسه فغرق(5). وهذا القول غایة فی البعد

ص:139


1- (1) روضة الواعظین, الفتال النیسابوری, ص 81.
2- (2) الکافی, الکلینی, ج 8 ص 375. وراجع البحار ج 9 ص 296.
3- (3) مستدرک سفینة البحار, الشیخ علی النمازی الشاهرودی ج 6 - ص 567.
4- (4) الکافی, الکلینی, ج 8 ص 202.
5- (5) أعیان الشیعة, محسن الأمین, ج 8 ص 125.

ولم یرتضیه المجنون فرضاً عن العاقل, حیث لم یکن هناک بحرٌ فی میدان معرکة بدر, إضافة إلی انه لم یعقل إقحام الفرس البحر وإجبار فارسها علی الغرق والانتحار, فهذا ضرب من الوهم والخیال لأجل تحریف مسیرة التاریخ حتی بالأمور التی لا تعقل, وهذا یعبر عن مدی دنائة أعداء الإسلام وإهمال محاکمة العقول, فظنوا أنّ کل ما یکتب ویدون فی التاریخ تتلقاه العقول بسعة وترحیب ویؤخذ مسلّماً؛ لان الناس فی نظرهم کالمجانین أو البلداء السُذّج, کما فی المثل (حدث العاقل بما لا یعقل فان صدق فلا عقل له), والصحیح أنّ قریشاً اغتالته حین ما عرفت منه الإسلام وعرفت مصارحته بالتفاؤل بمغلوبیتهم, ویدل علی ذلک أنّه بعد معرکة بدر لم یکن مع الأسری ولا مع القتلی ولا مع الذین رجعوا إلی مکة, فلیس من البعید أن یکون قد اغتیل ودفن, ومن ثم طرحت الأکاذیب والأوهام, ولهم فی مثل هذه الأعمال نظائر لا یسمح المقام بذکرها.

نبذة عن عقیل بن أبی طالب

أما عقیل فکان احد أغصان الشجرة الطیبة وممن رضی عنهم الرسول صلی الله علیه و آله, فإن النظرة فی التاریخ واستظهار الروایات کلها تفیدنا اعتناق عقیل الإسلام أوّل الدعوة, وهذا الذی جعله سبباً للحب النبوی, حیث اجتمعت فیه شرائط الولاء من رسوخ الإیمان فی جوانحه وعمل الخیر فی جوارحه ولزوم الطاعة فی أعماله, لذلک قال فیه النبی صلی الله علیه و آله کما عن ابن عباس قال: «قال علی علیه السلام لرسول الله صلی الله علیه و آله: یا رسول الله، إنک لتحب عقیلاً؟ قال:

إی والله إنی لأحبه حبین: حبا له، وحبا لحب أبی طالب له، وإن ولده لمقتول فی محبة ولدک، فتدمع علیه عیون

ص:140

المؤمنین، وتصلی علیه الملائکة المقربون. ثم بکی رسول الله صلی الله علیه و آله حتی جرت دموعه علی صدره، ثم قال: إلی الله أشکو ما تلقی عترتی من بعدی»(1). فهذه الصفات الایجابیة التی اجتمعت فی عقیل هی التی دعت النبی صلی الله علیه و آله أن یکشف عن هذا الحب, ولیس من المعقول (لاسیما فی النبی الذی هو ما ینطق عن الهوی إن هو إلا وحی یوحی) أن یکون حبه لغایة عاطفیة أو لشیء من عرض الدنیا, فکیف صح أن النبی یحب الکافر أو الخارج عن صراط الحق, وهکذا فی حب أبی طالب لعقیل لم یکن لمحض البنوة, فانه لم یکن ولده البکر ولا کان أشجع ولده ولا هو ولده الوحید, وقد کان ولده مثل أمیر المؤمنین وجعفر أبو المساکین وهو أکبرهم سناً, فیظهر أنّ سبب حبه لعقیل جمعه من الفضائل والفواضل الإیمانیة.

عقیل ینتصر علی معاویة

اختلفت الروایات فی سفر عقیل إلی الشام هل کان علی عهد أخیه الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام أو بعد استشهاده علیه السلام, وقد استظهر ابن أبی الحدید فی أنّ سفره بعد شهادة أمیر المؤمنین علیه السلام, وجزم به العلامة السید علی خان فی (الدرجات الرفیعة)(2), وعلیه تکون وفادته کوفود غیره من الرجال المرضیین عند أهل البیت علیهم السلام إلی معاویة فی تلک الظروف القاسیة, بعد أن اضطرتهم إلیه الحاجة, وساقهم وجه الحیلة فلا یلامون ولا یحط من کرامتهم عند الملأ الدینی,

ص:141


1- (1) الأمالی, الشیخ الصدوق, ص 191.
2- (2) الدرجات الرفیعة, السید علی خان المدنی, ص 160.

فإن للتقیة إحکاماً لا یلام فیها المضطر.

أمّا لو غضضنا النظر عن ذلک وقلنا إنّ وفوده کان فی حیاة أخیه أمیر المؤمنین علیه السلام فهو أیضاً لا یحط من شأنه, بل یکون سبباً لرفعة منزلته, حیث إنّ ذهابه (کما هو الظاهر من حواراته مع معاویة) بمنزلة الصفقة السیاسیة الإعلامیة التی یحتاجها الإسلام آنذاک, فقد قاتل معاویة من ناحیة أخری غیر المیدان والسیف, بل فی الإعلام والسیاسة وهی ما تسمی الیوم بالاصطلاح الحرب الباردة والتی لا تقل أهمیة عن غیرها, وفی کل جولة یبدؤها معاویة مع عقیل لکی یکسب الرأی العام الذی تعمد جمعهم لاسیما الشخصیات والرموز کان یخسر فیها معاویة النزال ویخیب أمله ولا یصل غایته حتی انه أجبر عقیلاً إلی الرجوع, وجدیر بنا أن نذکر شیئاً من تلک الجولات علی سبیل الاختصار:

بعدما جمع معاویة وجوه الناس ممن معه وجلس وذکر لهم قدوم عقیل، وقال: ما ظنکم برجل لم یصلح لأخیه حتی فارقه وآثرنا علیه، ودعا به, فلما دخل رحب به وقربه، وأقبل علیه، ومازحه، وقال: یا أبا یزید من خیر لک أنا أو علی؟ فقال له عقیل: أنت خیر لنا من علی، وعلی خیر لنفسه منک لنفسک. فضحک معاویة (وأراد أن یستر بضحکه ما قاله عقیل عمن حضر) وسکت عنه. فجعل عقیل ینظر إلی من فی مجلس معاویة ویضحک, فقال له معاویة: ما یضحکک یا أبا یزید؟ فقال: ضحکت والله إنی کنت عند علی، والتفت إلی جلسائه فلم أرَ غیر المهاجرین، والأنصار، والبدریین، وأهل بیعة الرضوان، وأخایر أصحاب النبی صلی الله علیه و آله، وتصفحت من فی مجلسک هذا فلم أر إلا الطلقاء وبقایا الأحزاب

ص:142

أصحابک فقال له معاویة: فلماذا جئتنا؟ قال: لطلب الدنیا. فأراد أن یقطع قوله، فالتفت إلی أهل الشام، فقال: یا أهل الشام أسمعتم قول الله عز وجل: (تبت یدا أبی لهب وتب). قالوا: نعم, قال: فأبو لهب عم هذا الشیخ المتکلم (یعنی عقیل) وضحک وضحکوا. فقال لهم عقیل: فهل سمعتم قول الله عز وجل: (وامرأته حمالة الحطب). هی عمة أمیرکم معاویة، هی ابنة حرب بن أمیة زوجة عمی أبی لهب وهما جمیعاً فی النار، فانظروا أیهما أفضل الراکب أم المرکوب؟ فلما نظر معاویة إلی جوابه قال: إن کنت إنما جئتنا یا أبا یزید للدنیا فقد أنلناک منها ما قسم لک ونحن نزیدک، والحق بأخیک، فحسبنا ما لقینا منک. فقال عقیل: والله لقد ترکت معه الدین، وأقبلت إلی دنیاک، فما أصبت من دینه، ولا نلت من دنیاک عوضاً منه، وما کثیر إعطائک إیای، وقلیله عندی إلا سواء، وإن کل ذلک عندی لقلیل فی جنب ما ترکت من علی. وانصرف إلی علی علیه السلام(1).

نبذة عن جعفر بن أبی طالب

أمّا جعفر بن أبی طالب فحسبه من العظمة أنّه من أوائل المسلمین وأسلم بعد علی مباشرة, وکان الجناح الآخر للنبی صلی الله علیه و آله کما جاء فی کتب السیر والتاریخ أنّ أبا طالب رأی النبی صلی الله علیه و آله وعلیاً یصلیان وعلی علی یمینه فقال لجعفر رضی الله تعالی عنه صل جناح ابن عمک, فصلی عن یساره وکان إسلام جعفر بعد إسلام أخیه علی بقلیل(2). هذا بالإضافة إلی شهادة الرسول الأکرم له بأنه یشبهه خَلْقاً

ص:143


1- (1) راجع: شرح الأخبار, القاضی النعمان المغربی, ج 2 ص 100.
2- (2) السیرة الحلبیة, الحلبی, ج 1 ص 433.

وخُلُقاً حیث قال له (أشبهت خَلقی وخُلقی)(1) وقد وصف الله تعالی النبی صلی الله علیه و آله فی کتابه المجید بالخلق العظیم, لا شک فی شمول جعفر بهذا النحو من الخلق. وله فضائل عدیدة فی الإسلام من جملتها الهجرة للحبشة علی رأس مجموعة من المسلمین فی أوائل البعثة, والجهاد فی سبیل الله حتی نال وسام الطیار, حیث جعل الله له جناحین یطیر بهما مع الملائکة یوم القیامة بعد ما قطعت یداه فی المعرکة. کما ورد عن أمیر المؤمنین علیه السلام فی حدیث طویل إلی أن یقول:

(... ألا وإن أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب، وجعفر بن أبی طالب له جناحان خضیبان یطیر بهما فی الجنة)(2).

أبو طالب یبشر زوجته بالوصی

تقدم أنّ إیمان أبی طالب وراثی وفطری, وأنه علی علم ومعرفه فی الکتب المنزلة والأنبیاء المرسلة وعلی إطلاع أیضاً فی الرسالة والنبوة الخاتمة وما تشمله من أوصیاء ووزراء, کما یتضح من بعض الروایات الواردة فی هذا الشأن, منها: ما ورد عن المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: لما ولد رسول الله صلی علیه وآله فتح لآمنة بیاض فارس وقصور الشام، فجاءت فاطمة بنت أسد أُم أمیر المؤمنین إلی أبی طالب ضاحکة مستبشرة، فأعلمته ما قالت آمنة، فقال لها أبو طالب: وتتعجبین من هذا إنک تحبلین وتلدین بوصیه ووزیره(3).

ص:144


1- (1) أنظر: مسند أحمد بن حنبل, ج 1 ص 108. وصحیح البخاری, ج 3 ص 168.
2- (2) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 1 ص 450.
3- (3) المصدر نفسه, ص 453.

وعن محمد بن عبد الله بن مسکان، عن أبیه قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: إن فاطمة بنت أسد جاءت إلی أبی طالب لتبشره بمولد النبی صلی الله علیه و آله فقال أبو طالب: اصبری سبتاً أبشرک بمثله إلا النبوة، وقال: السبت ثلاثون سنة وکان بین رسول الله صلی الله علیه و آله وأمیر المؤمنین علیه السلام ثلاثون سنة(1).

فاطمة بنت أسد وعاء نور الوصی

لیس من السهل أن تحظی کل امرأة فی أن تکون وعاءً لسید الأوصیاء, إلا أن تکون ذات خصائص تؤهلها لذلک وفاطمة بنت أسد هی تلک المرأة التی خصها الله واصطفاها وأکرمها بمزایا فائقة ومن جملة تلک المزایا التی حازت علیها وأصبحت وعاءً وحجراً لسید الأوصیاء. فقد ورد عن جابر بن عبد الله الأنصاری قال: سألت رسول الله صلی الله علیه و آله عن میلاد أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام فقال: آه آه لقد سألتنی عن خیر مولود ولد بعدی علی سنة المسیح علیه السلام إن الله تبارک وتعالی خلقنی وعلیاً من نور واحد، قبل أن یخلق الخلق بخمسمائة ألف عام فکنا نسبح الله ونقدسه، فلما خلق الله تعالی آدم قذف بنا فی صلبه واستقررت أنا فی جنبه الأیمن، وعلی فی الأیسر ثم نقلنا من صلبه فی الأصلاب الطاهرات إلی الأرحام الطیبة، فلم نزل کذلک حتی أطلعنی الله تعالی من ظهر طاهر وهو عبد الله بن عبد المطلب فاستودعنی خیر رحم وهی آمنة، ثم أطلع الله تبارک وتعالی علیاً من ظهر طاهر وهو أبو طالب واستودعه خیر رحم، وهی فاطمة بنت أسد, ثم قال: یا جابر ومن قبل أن یقع علی فی بطن أمه کان فی زمانه رجل عابد راهب یقال له المثرم بن رعیب بن

ص:145


1- (1) معانی الأخبار, الشیخ الصدوق, ص 403. والکافی, الکلینی, ج 1 ص 453.

الشیقنام وکان مذکورا فی العبادة قد عبد الله مائة وتسعین سنة، ولم یسأل حاجة فسأل ربه أن یریه ولیاً له، فبعث الله تبارک وتعالی بأبی طالب إلیه فلما أن بصر به المثرم، قام إلیه فقبل رأسه وأجلسه بین یدیه، فقال: من أنت یرحمک الله؟ قال: رجل من تهامة، فقال من أی تهامة؟ قال من مکة، قال ممن؟ قال: من عبد مناف قال من أی عبد مناف؟ قال من بنی هاشم فوثب إلیه الراهب فقبل رأسه ثانیاً، وقال الحمد لله الذی أعطانی مسألتی، فلم یمتنی حتی أرانی ولیه، ثم قال له: أبشر یا هذا فإن العلی الأعلی قد ألهمنی إلهاماً فیه بشارتک، قال أبو طالب وما هو؟ قال: ولد یخرج من صلبک هو ولی الله تبارک وتعالی وهو إمام المتقین ووصی رسول الله، فان أدرکت ذلک الولد فأقرأه منی السلام وقل له: إنّ المثرم یقرؤک السلام، وهو یشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له، وأن محمداً عبده ورسوله وانک وصیه حقاً، بمحمد تتم النبوة وبک تتم الوصیة، قال: فبکی أبو طالب، وقال له: ما اسم هذا المولود؟ قال اسمه علی، فقال أبو طالب إنی لا أعلم حقیقة ما تقول إلا ببرهان بین ودلالة واضحة قال المثرم: فما ترید أن اسأل الله لک أن یعطیک فی مکانک ما یکون دلالة لک قال أبو طالب: أرید طعاماً من الجنة فی وقتی هذا فدعا الراهب بذلک فما استتم دعاؤه حتی اتی بطبق علیه من فواکه الجنة رطبة وعنبة ورمان، فتناول أبو طالب منه رمانة ونهض فرحاً من ساعته، حتی رجع إلی منزله فأکلها فتحولت ماءً فی صلبه، فجامع فاطمة بنت أسد، فحملت بعلی وارتجت الأرض وزلزلت بهم أیاماً حتی لقیت قریش من ذلک شدة وفزعوا... الخ(1).

ص:146


1- (1) روضة الواعظین, الفتال النیسابوری, ص 77.

وفی حدیث آخر عن أنس بن مالک عن معاذ بن جبل، أن رسول الله صلی الله علیه و آله قال: إن الله عز وجل خلقنی وعلیاً وفاطمة والحسن والحسین قبل أن یخلق الدنیا بسبعة آلاف عام قلت: وأین کنتم یا رسول الله؟ قال: قدام العرش، نسبح الله عز وجل ونقدسه ونمجده, قال: قلت: علی أی مثال؟ قال: أشباح نور حتی [إذا] أراد الله تعالی أن یخلق صورنا، صیرنا عمود نور. ثم قذفنا فی صلب آدم، ثم أخرجنا إلی أصلاب الآباء وأرحام الاُمَّهات لا یصیبنا نجس الشرک ولا سفاح الکفر، یسعد بنا قوم ویشقی بنا آخرون. فلما صیرنا إلی صلب عبد المطلب، أخرج ذلک النور فشقه نصفین، فجعل نصفه فی صلب عبد الله ونصفه فی صلب أبی طالب. ثم أخرج النصف الذی لی إلی آمنة، والنصف الآخر إلی فاطمة بنت أسد فأخرجتنی آمنة، وأخرجت فاطمة علیاً. ثم أعاد الله عز وجل العمود إلی فخرجت منی فاطمة. ثم أعاد عز وجل العمود إلی [علی] فخرج الحسن والحسین، فما کان من نور علی صار فی الحسن، وما کان من نوری صار فی ولدی الحسین، فهو ینتقل فی الأئمة من ولده إلی یوم القیامة(1).

وفی خبر طویل: إن فاطمة بنت أسد رأت النبی صلی الله علیه و آله یأکل تمراً له رائحة تزداد علی کل الأطایب من المسک والعنبر من نخلة لا شماریخ لها فقالت: ناولنی أنل منها، قال علیه السلام: لا تصلح إلا أن تشهدی معی أن لا إله إلا الله وانی محمداً رسول الله فشهدت الشهادتین فناولها فأکلت فازدادت رغبتها وطلبت أخری لأبی طالب فعاهدها أن لا تعطیه إلا بعد الشهادتین فلما جن علیها اللیل اشتم أبو طالب

ص:147


1- (1) نوادر المعجزات, محمد بن جریر الطبری (الشیعی) - ص 80.

نسماً ما اشتم مثله قط فأظهرت ما معها فالتمسه منها فأبت علیه إلا أن یشهد الشهادتین فلم یملک نفسه أن شهد الشهادتین غیر أنه سألها أن تکتم علیه لئلا تعیره قریش فعاهدته علی ذلک فأعطته ما معها وآوی إلی زوجته فعلقت بعلی فی تلک اللیلة ولما حملت بعلی ازداد حسنها فکان یتکلم فی بطنها فکانت فی الکعبة فتکلم علی مع جعفر فغشی علیه فألقیت الأصنام خرت علی وجوهها فمسحت علی بطنها وقالت: یا قرة العین سجدتک الأصنام داخلاً فکیف شأنک خارجاً، وذکرت لأبی طالب ذلک(1).

الکعبة تستقبل فاطمة بنت أسد

صحیح أنّ المولود (علی بن أبی طالب) له مکانة عظیمة عند الله, وشاءت حکمته تعالی أن یدخل هذا المولود الطاهر الدنیا من بیته تعالی ویکون معجزة خالدة, کما أنه خرج من الدنیا من بیت الله أی مسجد الکوفة, لکن فی نفس الوقت یدل علی عظمة السیدة فاطمة بنت أسد علیهاالسلام. بما أنها وعاء لخیر البشریة بعد النبی صلی الله علیه و آله وبما حظیت من صفات فریدة من نوعها, فقد ورد عن سعید بن جبیر، قال: قال یزید بن قعنب: کنت جالساً مع العباس بن عبد المطلب وفریق من عبد العزی بإزاء بیت الله الحرام، إذ أقبلت فاطمة بنت أسد أم أمیر المؤمنین علیه السلام، وکانت حاملة به لتسعة أشهر وقد أخذها الطلق، فقالت: ربِّ إنی مؤمنة بک وبما جاء من عندک من رسل وکتب، وإنی مصدقة بکلام جدی إبراهیم الخلیل علیه السلام، وإنه بنی البیت العتیق، فبحق الذی بنی هذا البیت، وبحق المولود الذی فی بطنی

ص:148


1- (1) مناقب آل أبی طالب, ابن شهر آشوب, ج 2 - ص 20

لما یسرت علی ولادتی. قال یزید بن قعنب: فرأینا البیت وقد انفتح عن ظهره، ودخلت فاطمة فیه، وغابت عن أبصارنا، والتزق الحائط، فرمنا أن ینفتح لنا قفل الباب فلم ینفتح، فعلمنا أنّ ذلک أمر من أمر الله عز وجل ثم خرجت بعد الرابع وبیدها أمیر المؤمنین علیه السلام، ثم قالت: إنی فضلت علی من تقدمنی من النساء، لأنَّ آسیة بنت مزاحم عبدت الله عز وجل سراً فی موضع لا یحب أن یعبد الله فیه إلا اضطراراً، وإن مریم بنت عمران هزت النخلة الیابسة بیدها حتی أکلت منها رطباً جنیاً، وإنی دخلت بیت الله الحرام فأکلت من ثمار الجنة وأرزاقها، فلما أردت أن أخرج هتف بی هاتف: یا فاطمة، سمیه علیاً، فهو علی، والله العلی الأعلی یقول: إنی شققت اسمه من اسمی، وأدبته بأدبی، ووقفته علی غامض علمی، وهو الذی یکسر الأصنام فی بیتی، وهو الذی یؤذن فوق ظهر بیتی، ویقدسنی ویمجدنی، فطوبی لمن أحبه وأطاعه، وویل لمن أبغضه وعصاه(1).

وعن الأمینی فی غدیره قال: وقد انشق جدار البیت لأمه فاطمة بنت أسد فدخلته ثم التأمت الفتحة، فلم تزل فی البیت العتیق حتی ولدت مشرف البیت بذلک الهبوط المیمون، وأکلت من ثمار الجنة، ولم ینفلق صدف الکعبة عن دره الدری إلا وأضاء الکون بنور محیاه الأبلج، وفاح فی الأجواء شذی عنصره الأقدس، وهذه حقیقة ناصعة أصفق علی إثباتها الفریقان، وتضافرت بها الأحادیث، وطفحت بها الکتب، فلا نعبأ بجلبة رماة القول علی عواهنه بعد نص

ص:149


1- (1) الأمالی, الشیخ الصدوق, ص 194. وقد ورد فی أکثر من (77) کتاباً ولادتها فی الکعبة المکرمة, کما عدهم علی محمد دخیل, فی کتابه فاطمة بنت أسد, ص 19.

جمع من أعلام الفریقین علی تواتر حدیث هذه الأثارة(1).

وقال الحاکم فی المستدرک وقد تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب کرم الله وجهه فی جوف الکعبة(2).

وروی عن عمارة بنت عبادة بن نضلة بن مالک بن العجلان الساعدی, أنها کانت ذات یوم فی نساء من العرب إذ أقبل أبو طالب کئیباً حزیناً، فقلت له: ما شأنک یا أبا طالب؟ قال: إن فاطمة بنت أسد فی شدة المخاض. ثم وضع یدیه علی وجهه فبینا هو کذلک، إذ أقبل محمد صلی الله علیه و آله فقال له ما شأنک یا عم؟ فقال: إن فاطمة بنت أسد تشتکی المخاض، فأخذ بیده وجاء وهی معه فجاء بها إلی الکعبة فأجلسها فی الکعبة، ثم قال: أجلسی علی اسم الله. قالت: فطلقت طلقة فولدت غلاماً مسروراً نظیفاً منظفاً لم أرَ کحسن وجهه، فسماه أبو طالب (علیاً) وحمله النبی صلی الله علیه و آله حتی أداه إلی منزلها(3).

وقد نظمت هذه الحادثة والمکرمة العظیمة بقوالب شعریة جمیلة لا بأس بذکرها:

أما سمعت خبر ابن قعنب ینطق من مقصودنا بالعجب

وانه محقق مشهور یثبته المدقق النحریر

قال جلست مع أناس شتی فی المسجد الحرام یوما حتی

مرت بنا فاطمة بنت أسد حاملة بالمرتضی ذاک الأسد

ص:150


1- (1) الغدیر, الشیخ الأمینی, ج 6 ص 21.
2- (2) المستدرک, للحاکم النیسابوری, ج 3 ص 483.
3- (3) الطرائف فی معرفة مذاهب الطوائف, السید ابن طاووس, ص 17.

فجاءها الطلق فطافت سبعا ثم دعت أکرم رب یدعا

قالت إلهی إننی آمنت بک حقا وصدقت جمیع کتبک

وما علی الخلیل جدی أنزلا وما به کل رسول أرسلا

ثم دعت خالقها بما سنح فسهل الله العسیر وانفتح

باب لها تجاه باب الکعبة وذاک مستجار أهل الرهبة

ودخلت فیه فعاد مثل ما کان وما زال مشیدا محکما

هذا وقفل الباب لم یفتح لنا من بعد جهد وعلاج واعتنا

فقلت إن ذاک أمر الله فلم أکن عن ذکره باللاهی

فمکثت ثلاثة أیاما وخرجت فأعلنت کلاما

إنی فضلت علی النساء دخلت بیت رافع السماء

ثم أکلت من ثمار الجنة ورزقها فهو علی جنه

فعندما وضعته ورمت أن أخرج نادی هاتف بی بالعلن

سمی الذی وضعته علیا فلن یزال قدره علیا(1)

فاطمة وبعلها یسألان الله فی تسمیة علی علیه السلام

لما ولدت فاطمة بنت أسد علیاً علیه السلام قال لها أبو طالب هلّمِ حتی نعلو أبا قبیس لیلاً وندعو خالق الخضراء فلعله أن ینبئنا فی اسمه, (وربما تأکید بما أنبئت به فاطمة بنت أسد) فلما أمسیا خرجا وصعدا أبا قبیس، ودعیا الله تعالی, فأنشأ یقول أبو طالب:

ص:151


1- (1) أمل الأمل, الحر العاملی, ج 1 ص 40.

یا رب هذا الغسق الدجی والفلق المبتلج المضی

بین لنا عن أمرک المقضی بما نسمی ذلک الصبی

فإذا خشخشة من السماء، فرفع أبو طالب طرفه، فإذا لوح مثل الزبرجد الأخضر فیه أربعة أسطر فأخذه بکلتا یدیه وضمه إلی صدره ضماً شدیداً فإذا مکتوب (فیه).

خصصتما بالولد الزکی والطاهر المنتجب الرضی

واسمه من قاهر علی علی اشتق من العلی

فسُرّ أبو طالب سروراً عظیماً، وخر ساجداً لله تبارک وتعالی وعق بعشرة من الإبل، وکان اللوح معلقاً فی بیت الله الحرام یفتخر به بنو هاشم علی قریش حتی غاب زمان قتال الحجاج بن الزبیر(1).

وقد نقل الأبیات الکنجی الشافعی محمد بن یوسف بن محمد فی کتابه کفایة الطالب، وفیها اختلاف فی بعض الکلمات وهذا نص ألفاظه:

یا رب هذا الغسق الدجی والقمر المنبلج المضی

بین لنا من أمرک الخفی ماذا تری فی اسم ذا الصبی

قال فسمع صوت هاتف یقول:

یا أهل بیت المصطفی النبی خصصتم بالولد الزکی

إن اسمه من شامخ علی علی اشتق من العلی(2)

ص:152


1- (1) ینابیع المودة, القندوزی, ج 2 ص 306.
2- (2) نقلا عن کتاب إیمان أبی طالب, الشیخ الأمینی, ص 25.

وفاتها ومحل دفنها

توفیت فاطمة بنت أسد فی السنة الرابعة للهجرة(1), وقالوا أنّها توفیت بعد زواج ابنها علی علیه السلام بفاطمة الزهراء علیهاالسلام, وفی کل الأحوال یظهر من التأریخ أنّها توفیت بعد میلاد الحسن علیه السلام, ومع ذلک لم نسمع بذکرها فی زفاف وزواج ابنها أمیر المؤمنین علیه السلام بفاطمة ولا حتی فی میلاد حفیدها الإمام الحسن علیه السلام, نعم نجد بدلاً عنها أسماء بنت عمیس, وهی فی الحقیقة غیر ثابتة, بل هی إمّا أختها سلمی بنت عمیس, أو أسماء بنت یزید بن سکن الأنصاریة؛ لأنّ أسماء کانت حینذاک فی الحبشة مع زوجها جعفر. وقد دفنت فاطمة بنت أسد علیهاالسلام فی المدینة المنورة بالبقیع مع الأئمة الأربعة وهم الإمام الحسن بن علی بن أبی طالب, والإمام علی بن الحسین زین العابدین, والإمام محمد الباقر, والإمام جعفر الصادق علیهم السلام. وقد ذکر الفقهاء أنّه یستحب زیارة قبرها,(2) حیث ذکر المحدثون أن لها زیارة خاصة کما سنذکرها فیما بعد. والبقیع: مقبرة فی الجهة الشرقیة للمسجد النبوی الشریف فی المدینة المنورة، وتقع فیه مراقد بعض أئمة أهل البیت علیهم السلام فی جهة الجنوب مع میل للشرق وهم (الحسن بن علی, وعلی زین العابدین, ومحمد الباقر, وجعفر الصادق، علیهم السلام) ومع قبورهم قبر العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلی الله علیه و آله(3). وقیل دفنت فاطمة بنت أسد بن هاشم بالروحاء مقابل حمام أبی قطیعة(4).

ص:153


1- (1) راجع: مستدرک سفینة البحار, الشیخ علی النمازی, ج 8 ص 256.
2- (2) راجع: مناسک الحج, السید الکلبایکانی, ص 225.
3- (3) معجم ألفاظ, الفقه الجعفری, ص 88.
4- (4) علل الشرائع, الشیخ الصدوق, ج 2 ص 469.

النبی یصلی علی فاطمة بنت أسد

وهذه المزیة الأخری قد نالتها فاطمة بنت أسد وکان لها وسام شرف خلد فی صفحات التاریخ وهی أن یهتم النبی الأکرم بتجهیزها والصلاة علیها, فقد ورد عن ابن عباس أن النبی صلی الله علیه و آله صلی علی فاطمة بنت أسد أم أمیر المؤمنین علیه السلام صلاة لم یصل علی أحد قبلها مثل تلک الصلاة، ثم کَبَّرَ علیها أربعین تکبیرة، فقال له عمار: لِمَ کبرت علیها أربعین تکبیرة یا رسول الله؟ قال: نعم یا عمار، التفت إلی یمینی فنظرت إلی أربعین صفاً من الملائکة فکبرت لکل صف تکبیرة(1).

النبی یدفن فاطمة بنت أسد

من الدلالات الساطعة علی مکانة فاطمة بنت أسد عند الله وعند رسوله هی ما رواه المؤرخون وأصحاب السیر عند الفریقین وبطرق کثیرة وألسن مختلفة, أن النبی صلی الله علیه و آله قام بتجهیزها وأجری علیها بعض الأمور ما لم یکن قد صنعها بأحد, کما ورد عن أبی عبدالله علیه السلام قال لما ماتت فاطمة بنت أسد أم أمیر المؤمنین جاء علی علیه السلام عند النبی فقال له رسول الله صلی الله علیه و آله یا أبا الحسن مالک, قال: أمّی ماتت, قال فقال النبی صلی الله علیه و آله وأمّی والله, ثم بکی وقال وا أمّاه ثم قال لعلی علیه السلام هذا قمیصی فکفنها فیه وهذا ردائی فکفنها فیه فإذا فرغتم فأذنونی فلما أخرجت صلی علیها النبی صلی الله علیه و آله صلاة لم یصل قبلها ولا بعدها علی أحد مثلها, ثم نزل علی قبرها

ص:154


1- (1) وسائل الشیعة (آل البیت), الحر العاملی, ج 3 ص 82.

فاضطجع فیه, ثم قال لها یا فاطمة قالت لبیک یا رسول الله فقال فهل وجدت ما وعد ربک حقا قالت نعم فجزاک الله جزاء وطالت مناجاته فی القبر فلما خرج قیل یا رسول الله لقد صنعت بها شیئاً فی تکفینک ثیابک ودخولک فی قبرها وطول مناجاتک وطول صلواتک ما رأیتک صنعته بأحد قبلها قال أما تکفینی إیاها فإنّی لما قلت لها یعرض الناس یوم یحشرون من قبورهم فصاحت فقالت وآسوأتاه فلبستها ثیابی وسألت الله فی صلواتی علیها ان لا یبلی أکفانها حتی تدخل الجنة فأجابنی إلی ذلک واما دخولی فی قبرها فإنی قلت لها یوماً ان المیت إذا دخل قبره وانصرف الناس عنه دخل علیه ملکان منکر ونکیر فیسألانه فقالت وآغوثاه بالله فما زلت اسأل ربی فی قبرها حتی فتح لها روضة من قبرها إلی الجنة وروضة من ریاض الجنة(1).

وعن الکافی یقول: فبینما هو ذات یوم قاعد (أی رسول الله) إذ أتاه أمیر المؤمنین علیه السلام وهو یبکی فقال له رسول الله صلی الله علیه و آله: ما یبکیک؟

فقال: ماتت أمی فاطمة، فقال رسول الله: وأمی والله وقام مسرعاً حتی دخل فنظر إلیها وبکی، ثم أمر النساء أن یغسلنها وقال صلی الله علیه و آله: إذا فرغتن فلا تحدثن شیئاً حتی تعلمننی، فلما فرغن أعلمنه بذلک، فأعطاهن أحد قمیصیه الذی یلی جسده وأمرهن أن یکفنها فیه وقال للمسلمین: إذا رأیتمونی قد فعلت شیئاً لم أفعله قبل ذلک فسلونی لم فعلته، فلما فرغن من غسلها وکفنها دخل صلی الله علیه و آله فحمل جنازتها علی عاتقه، فلم یزل تحت جنازتها حتی أوردها قبرها، ثم وضعها ودخل القبر

ص:155


1- (1) بصائر الدرجات, محمد بن الحسن الصفار, ص 307.

فاضطجع فیه، ثم قام فأخذها علی یدیه حتی وضعها فی القبر ثم انکب علیها طویلاً یناجیها ویقول لها: ابنک، ابنک [ابنک] ثم خرج وسوی علیها، ثم انکب علی قبرها فسمعوه یقول: لا إله إلا الله، اللهم إنی أستودعها إیاک ثم انصرف، فقال له المسلمون: إنا رأیناک فعلت أشیاء لم تفعلها قبل الیوم فقال: الیوم فقدت بر أبی طالب، إن کانت لیکون عندها الشیء فتؤثرنی به علی نفسها وولدها وإنی ذکرت القیامة وأن الناس یحشرون عراة، فقالت: وآسوأتاه، فضمنت لها أن یبعثها الله کاسیة وذکرت ضغطة القبر فقالت وآضعفاه، فضمنت لها أن یکفیها الله ذلک، فکفنتها بقمیصی واضطجعت فی قبرها لذلک، وانکببت علیها فلقنتها ما تسأل عنه، فإنها سئلت عن ربها فقالت وسئلت عن رسولها فأجابت وسئلت عن ولیها وإمامها فارتج علیها، فقلت: ابنک، ابنک(1).

وعن مستدرک الوسائل: أنه لما أهیل علیها التراب، وأراد الناس الانصراف، جعل رسول الله صلی الله علیه و آله.

یقول لها: «ابنک ابنک لا جعفر ولا عقیل، ابنک ابنک علی بن أبی طالب علیه السلام»،... إلی أن قال صلی الله علیه و آله: وأمّا قولی لها ابنک ابنک لا جعفر ولا عقیل، فإنها لما نزل علیها الملکان وسألاها عن ربها فقالت: الله ربی، وقالا: من نبیک؟ قالت: محمد نبیی فقالا: من ولیک وإمامک؟ فاستحیت أن تقول ولدی، فقلت لها: قولی: ابنک علی بن أبی طالب علیه السلام: فأقر الله بذلک عینها(2).

ص:156


1- (1) الکافی, الکلینی, ج 1 ص 453.
2- (2) مستدرک الوسائل, المیرزا النوری, ج 2 - ص 342.

زیارة خاصة لفاطمة بنت أسد

بلا شک أن صاحب المکانة السامیة والمنزلة الرفیعة عند الله هو الذی یحظی بالتکریم والترحیب ویبقی ذکره خالداً فی الدنیا والآخرة, فهذه الزیارة شاهد آخر یدل علی عظمة أُم أمیر المؤمنین ومربیة خاتم النبیین. فعندما تقف علی قبرها تقول:

السلام علی نبی الله، السلام علی رسول الله، السلام علی محمد سید المرسلین، السلام علی سید الأولین، السلام علی سید الآخرین، السلام علی من بعثه الله رحمة للعالمین، السلام علیک أیها النبی ورحمة الله وبرکاته. السلام علی فاطمة بنت أسد الهاشمیة، السلام علیک أیتها الصدیقة المرضیة، السلام علیک أیتها التقیة النقیة، السلام علیک أیتها الکریمة الرضیة، السلام علیک یا کافلة محمد خاتم النبیین. السلام علیک یا من ظهرت شفقتها علی رسول الله خاتم النبیین، السلام علیک یا من تربیتها لولی الله الأمین، السلام علیک وعلی روحک وبدنک الطاهر، السلام علیک وعلی ولدک ورحمة الله وبرکاته. اشهد انک أحسنت الکفالة وأدیت الأمانة، واجتهدت فی مرضاة الله، وبالغت فی حفظ رسول الله، عارفة بنبوته، مستبصرة بنعمته، کافلة بتربیته، مشفقة علی نفسه، واقفة علی خدمته، مختارة رضاه، مؤثرة رضاه. واشهد انک مضیت علی الإیمان والتمسک بأشرف الأدیان، راضیة مرضیة، طاهرة زکیة، تقیة نقیة، فرضی الله عنک وأرضاک، وجعل الجنة منزلک ومأواک. اللهم صل علی محمد وآل محمد وانفعنی بزیارتها، وثبتنی علی محبتها، ولا تحرمنی شفاعتها وشفاعة الأئمة من ذریتها، وارزقنی مرافقتها،

ص:157

واحشرنی معها ومع أولادها الطاهرین. اللهم لا تجعله آخر العهد من زیارتی إیاها، وارزقنی العود إلیها أبداً ما أبقیتنی، وإذا توفیتنی فاحشرنی فی زمرتها، وأدخلنی فی شفاعتها، برحمتک یا ارحم الراحمین. اللهم بحقها عندک ومنزلتها لدیک اغفر لی ولوالدی ولجمیع المؤمنین والمؤمنات، وآتنا فی الدنیا حسنة وفی الآخرة حسنة وقنا برحمتک عذاب النار. ثم تصلی رکعتین للزیارة قربة إلی الله تعالی(1).

ص:158


1- (1) بحار الأنوار, المجلسی, ج 97 ص 219.

الفصل الثالث: خدیجة بنت خویلد أم السیدة فاطمة علیهما السلام

اشارة

ص:159

ص:160

النسب الطاهر

هی السیدة خدیجة بنت خویلد بن أسد بن عبد العزی بن قصی بن کلاب بن مرة بن کعب بن لؤی بن غالب بن فهر بن مالک بن النضر. وفی قصی یجتمع نسبها مع نسب النبی صلی الله علیه و آله.

وأمها: فاطمة بنت زید بن الأصم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معیص بن عامر بن لؤی بن غالب بن فهر(1).

فهی (خدیجة) تلتقی بالرسول صلی الله علیه و آله بالجد الرابع لها (قصی بن کلاب) الذی هو الجد الخامس للنبی صلی الله علیه و آله, وتلتقی به أیضاً بالجد الثامن لها من ناحیة أمها (الذی هو لؤی بن غالب).

ومن هذا النسب الزاهر الشامخ الطاهر ذکر الرواة فی أنّها ولدت فی بیت مجد وسؤدد, وکانت خدیجة بنت خویلد تسمّی الطاهرة فی الجاهلیة والإسلام. وقال البعض إنها کانت تسمّی سیدة نساء قریش(2).

ص:161


1- (1) الذریة الطاهرة النبویة, محمد بن أحمد الدولابی, ص 44. سیرة ابن هشام ج 1 ص 214.
2- (2) أنظر: السیرة النبویة, ابن هشام, ج 1 ص 212.

نعم لم تحدد لنا الروایات السنة التی ولدت فیها السیدة خدیجة علیهاالسلام, بل تعرضت لعمرها عند زواجها من رسول الله صلی الله علیه و آله, وهذا سیأتی بیانه مفصلاً إن شاء الله تعالی.

واما إخوانها فأکبرهم عدی بن خویلد, والعوام بن خویلد, قد تزوج من صفیة بنت عبد المطلب فولدت له الزبیر والسائب وأم حبیب وعبد الکعبة الذی سماه الرسول صلی الله علیه و آله عبد الرحمن(1). وأیضاً من إخوانها حزام بن خویلد, وقد تزوج فاحتة بنت زهیر بن الحارث بن أسد فأنجبت له حکیماً وخالداً وهشاماً. قتل هو وأخوه العوام فی حرب الفجار(2).

ومن إخوانها أیضاً نوفل بن خویلد, کان له ولدٌ یسمی الأسود ابن نوفل مع المسلمین الذین هاجروا إلی الحبشة, بخلاف أبیه فقد روی أنّه کان مشرکاً وکان شجاعاً ویسمی أسد قریش وکان شدید العداء للإسلام, وقد قُتل بسیف علی بن أبی طالب علیه السلام فی معرکة بدر, کما جاء فی الإرشاد بسنده عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهری قال: لما عرف رسول الله صلی الله علیه و آله حضور نوفل بن خویلد بدراً قال: (اللهم اکفنی نوفلاً) فلما انکشفت قریش رآه علی بن أبی طالب علیه السلام وقد تحیر لا یدری ما یصنع، فصمد له ثم ضربه بالسیف فنشب فی حجفته (أی

ص:162


1- (1) الوافی بالوفیات, الصفدی, ج 18 ص 95.
2- (2) سُمّی الفجار لأنهم فجروا فی شهر حرام, حیث اقتتلوا فی رجب، وکان عندهم من الأشهر الحرم الذی لا تسفک فیه الدماء, راجع: موسوعة التاریخ الإسلامی, محمد هادی الیوسفی, ج 1 ص 304. وقیل: استحلت کنانة وقیس عیلان فی الحرب من المحارم بینهم, فسمیّ حرب الفجار, راجع: تاریح الإسلام, الذهبی, ج 1 ص 61.

الترس) فانتزعه منها، ثم ضرب به ساقه (وکانت درعه مشمرة) فقطعها، ثم أجهز علیه فقتله. فلما عاد إلی النبی صلی الله علیه و آله سمعه یقول: من له علم بنوفل؟ فقال له: أنا قتلته یا رسول الله, فکبر النبی صلی الله علیه و آله وقال: الحمد لله الذی أجاب دعوتی فیه(1). ولها أیضا أخت تسمی هالة بنت خویلد زوجة أبی هند التمیمی.

الأسرة الکریمة

کانت خدیجة بنت خویلد من أسرة أصیلة، لها مکانة وشرف فی قریش، عرفت بالعلم والمعرفة، والتضحیة والفداء، وحمایة الکعبة, وحینما جاء تُبّع (ملک الیمن) لیأخذ الحجر الأسود من المسجد الحرام إلی الیمن، هبت قریش ومنهم خویلد لحمایته ومنعه عن ذلک وکان أسد بن عبد العزی (جد خدیجة) من المبرزین فی حلف الفضول الذی تداعت له قبائل من قریش، فتعاقدوا وتعاهدوا علی أن لا یجدوا بمکة مظلوماً من أهلها أو غیرهم ممن دخلها من سائر الناس، إلا قاموا معه وکانوا علی من ظلمه حتی ترد مظلمته قال رسول الله صلی الله علیه و آله:

«لقد شهدت فی دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما أحب أن لی به حمر النعم، ولو أدعی به فی الإسلام لأجبت» وقد سماهم ابن إسحاق بن یسار قال: بنو هاشم بن عبد مناف, وبنو المطلب بن عبد مناف, وبنو أسد ابن عبد العزی بن قصی, وبنو زهرة بن کلاب, وبنو تیم بن مرة, فتحالفوا فی دار عبد الله بن جدعان, فسموا ذلک الحلف حلف الفضول تشبیها له بحلف کان بمکة أیام جرهم علی

ص:163


1- (1) الإرشاد, الشیخ المفید, ج 1 ص 76.

التناصف والأخذ للضعیف من القوی وللغریب من القاطن, قام به رجال من جرهم یقال لهم الفضل بن الحارث والفضل بن وداعة والفضل بن فضالة فقیل حلف الفضول جمعاً لأسماء هؤلاء(1).

وکان ورقة بن نوفل (ابن عم خدیجة) أحد الأربعة الذین رفضوا عبادة الأوثان، وبحثوا عن الدین الحق وکانوا من الأحناف، یدینون الله علی ملة إبراهیم. وهم: ورقة بن نوفل، وزید بن عمرو، وابن أبی السلط، وقس ابن ساعدة وغیرهم ممن سخروا بالأصنام وعبادتها، واعتبروا ذلک جهلاً وضلالاً قال ابن إسحاق: واجتمعت قریش یوما فی عید لهم عند صنم من أصنامهم کانوا یعظمونه وینحرون له ویعکفون عنده ویدیرون به، فخلص منهم أربعة نفر نجیا، ثم قال بعضهم لبعض: تصادقوا ولیکتم بعضکم علی بعض قالوا: أجل (وهم ورقة بن نوفل وثلاثة آخرون) کما سبق ذکرهم. فقال بعضهم لبعض: تعلموا (والله) ما قومکم علی شیء، لقد أخطأوا دین أبیهم إبراهیم، ما حجر نطیف به لا یسمع ولا یبصر، ولا یضر ولا ینفع؟ فتفرقوا فی البلدان یلتمسون الحنیفیة دین إبراهیم, فاما ورقة بن نوفل فتنصر واستحکم فی النصرانیة وتعلم الکتب(2).

ففی ظل هذه العائلة عاشت السیدة خدیجة علیهاالسلام حیاة أبناء العوائل الشریفة الکبیرة, مع ما لأبیها وأجدادها من مکانة فی قریش, ومما لاشک فیه أنّ قوة شخصیتها ومکانتها جاءت نتیجة لتأثیر هذه العائلة فیها, فضلا عن ممیزاتها الذاتیة.

ص:164


1- (1) أنظر: السنن الکبری, البیهقی, ج 6 ص 367.
2- (2) إمتاع الأسماع, المقریزی, ج 6 ص 255.

فنستطیع أن نعرف أنّ تأثیر الأسرة کان کبیراً فیها؛ لأنّها خیر قاعدة یبدأ منها الإنسان حیاته وتقرر معالم شخصیته.

دور آباء خدیجة

بعدما رجع قصی (الجد الرابع لخدیجة علیهاالسلام) إلی وطنه ومسقط رأسه مکة (کما تقدم) آلت إلیه زعامة قریش من دون منازع وأصبح زعیم مکة, وقد قام فی عدة مشاریع فی جمیع الأصعدة لاسیما الاجتماعیة منها والسیاسیة, فقد شرع فی تنظیم الحیاة فی مکة فکان أول إجراءاتهِ أن نظم سکن القرشیین فی مکة, فقسم المناطق المحیطة بالکعبة علی بطون قریش فأنزلها علی قسمین.

الأول: قریب من الکعبة, وهم بنو زهرة بن کلاب, وبنو تیم بن مرة, وبنو مخزوم بن مرة, وبنو جمح وبنو سهم وبنو عدی بن کعب, إضافة علی قصی وأبنائه.

القسم الثانی: أنزله فی مناطق بعیدة عنها(1). ویبدو من هذا التقسیم السکانی الذی قام به قصی حیث أنزل البطون القریبة منه قریب مکة والبطون البعیدة منه بعید عنها, ربما یکون الهدف من وراء ذلک التقسیم إیجاد قوة یستطیع من خلالها حمایة ما حققه من إنجازات فی مکة, کما یستفاد من قول ابن إسحاق (وجمع قومه من قریش من منازلهم إلی مکة)(2).

کما قام قصی بعد ذلک بتنظیم إدارة مکة حیث بنی دار الندوة قریب الکعبة

ص:165


1- (1) أنظر: حیاة السیدة خدیجة بنت خویلد من المهد الی اللحد, حسین علی الشرهان, ص 46.
2- (2) أنظر: البدایة والنهایة, ابن کثیر, ج 2 ص 263.

لتکون بمثابة مبنی للحکومة یتشاورون فیها هو وقومه فی الأمور الخاصة بهم. وعمل أیضاً علی الاهتمام بالکعبة والوظائف التابعة لها وهی الحجابة: أی قفل البیت الحرام وفتحه للزائرین. والسقایة: وهی توفیر میاه الشرب للحجاج فی موسم الحج. والرفادة: وهی توفیر الطعام للحجاج واستضافتهم. واللواء: وهی رایة قریش فی الحرب(1).

إمّا جد خدیجة الثالث عبد العزی فقد نال جزءاً من وظائف الکعبة وهی الرفادة, وذلک بعد وفاة قصی لم یتمکن أحد من أبنائه الأربعة (عبد الدار وعبد العزی وعبد مناف وعبد قصی) أن یجمع کل السلطان بیده کما کان علیه الحال فی عهد أبیهم قصی, بل توزعت الزعامة بینهم, کما ذکر ذلک الیعقوبی «أنّ قصیاً قسم بین ولده فجعل السقایة والرئاسة لعبد مناف, والدار لعبد الدار والرفادة لعبد العزی وحافتی الوادی لعبد قصی)(2). ومن ثمة حصل نزاع بین الأبناء والأحفاد استمر فترة طویلة, ویبدو من هذا النزاع حول وظائف الکعبة جعل أسد (جد خدیجة) بن عبد العزی یتنبه إلی ضعف موقفه فی قریش لذلک تزوج العدید من النساء وصل عددهن إلی ست نساء, أولهن زهرة بنت عمر (أم خویلد والد خدیجة) وهذه الزیجات حققت لأسد ما أراد حیث أنجبن عددا کثیراً من الأبناء تجاوزوا العشرة استطاعوا أن یثبتوا مکانة هذه الأسرة فی مجتمع مکة قبل الإسلام.

ص:166


1- (1) أنظر: السیرة النبویة, ابن هشام الحمیری, ج 1 ص 81.
2- (2) أنظر: تاریخ الیعقوبی, ج 1 ص 211.

ممیزات خویلد والد السیدة خدیجة علیهاالسلام

من الوظائف المهمة التی شغلها خویلد بن أسد وحصلت علیها أسرته هی وظیفة المشورة: وهی من أهم الوظائف الثانویة, حیث أنّ صاحبها کالمستشار العام التی تُعرض علیه القرارات التی یتوصل إلیها الملأ المکی, فهی إنْ اجتمعت قریش علی أمر عرضته علیه فإن وافق رأیهم سکت وإلا أعترض أو اختار.

وهذا المنصب لیس من صلاحیة کل أحد یستطیع أن یتصدی له, إلا من کان ذا کفاءة عالیة وله أساس عائلی متین فی قریش, من جملتها أن ینتسب إلی قصی کما هو الحال فی خویلد بن أسد. ولم تقتصر هذه الاستشارة علی مجال معین بل فی شتی المجالات سواء کانت علی الصعید الاجتماعی أم غیره. وقد أورد ابن إسحاق روایة حول تولی خویلد هذا المنصب الرفیع والتی تکون بمثابة التطبیق لما کان یتصدی له. حیث قال: فلما أراد (تبع) الشخوص إلی الیمن أراد أن یخرج حجر الرکن فیخرج به معه فاجتمعت قریش إلی خویلد بن أسد بن عبد العزی بن قصی فقالوا ما دخل علینا یا خویلد إن ذهب هذا بحجرنا قال وما ذاک قالوا تبع یرید أن یأخذ حجرنا یحمله إلی أرضه فقال خویلد الموت أحسن من ذلک, ثم أخذ السیف وخرج وخرجت معه قریش بسیوفهم حتی أتوا تبعا فقالوا: ماذا ترید یا تبع إلی الرکن فقال أردت أن أخرج به إلی قومی فقالت: قریش الموت أقرب ذاک ثم خرجوا حتی أتو الرکن فقاموا عنده فحالوا بینه وبین ما أراد من ذلک. فقال خویلد فی ذلک شعرا:

دعینی أم عمرو ولا تلومی ومهلا عاذلی لا تعذلینی

ص:167

دعینی لا أخذت الخشف منهم وبیت الله حتی یقتلونی

فما عذری وهذا السیف عندی وعضب نال قائمه یمینی

ولکن لم أحد عنها محیدا وانی راهق ما أرهقونی(1)

بالإضافة إلی هذا المنصب فقد مارس خویلد أعمالاً أخری لا تقل أهمیة عن غیرها, ومن أهمها تهنئة انتصار سیف بن ذی یزن علی الأحباش وطردهم من الیمن, ووقوع حرب الفجار. أما الحدث الأول فقد خرج مع وفد من مکة مکون من أربع شخصیات لتهنئة سیف علی الانتصار وکان هذا الوفد یضم عبد المطلب ابن هاشم وخویلد بن أسد وأمیة بن عبد شمس, وعبدالله بن جدعان, وکان لهم کلام مع الملک واستضافهم ما یقارب الشهر, ثم أرسل إلی عبد المطلب فأدنی مجلسه وأخلاه ثم قال: یا عبد المطلب إنی مفض إلیک من سر علمی ما لو یکون غیرک لم أبح به. ولکنی رأیتک معدنه فأطلعتک علیه، فلیکن عندک مطویاً حتی یأذن الله فیه، فإن الله بالغ أمره. إنی أجد فی الکتاب المکنون والعلم المخزون الذی اختزناه لأنفسنا واحتجبناه دون غیرنا خبراً عظیماً، وخطراً جسیماً فیه شرف الحیاة وفضیلة الوفاة، للناس عامة ولرهطک کافة ولک خاصة. فقال عبد المطلب: أیها الملک مثلک سر وبر، فما هو، فداؤک أهل الوبر زمراً بعد زمر؟ قال: إذا ولد بتهامة، غلام به علامة، بین کتفیه شامة، کانت له الإمامة، ولکم به الزعامة إلی یوم القیامة. قال عبد المطلب: أبیت اللعن، لقد أبت بخیر ما آب به وافد، ولولا هیبة الملک وإجلاله وإعظامه لسألته من بشارته إیای ما أزداد به سروراً.

ص:168


1- (1) أنظر: سیرة ابن إسحاق, محمد بن إسحاق بن یسار, ج 1 - ص 31.

قال ابن ذی یزن: هذا حینه الذی یولد فیه أوقد ولد، واسمه محمد، یموت أبوه وأمه، ویکفله جده وعمه، ولدناه مراراً والله باعثه جهاراً، وجاعل له منا أنصاراً، یعز بهم أولیاءه ویذل بهم أعداءه، ویضرب بهم الناس عن عرض، ویستبیح بهم کرائم الأرض، یکسر الأوثان ویخمد النیران، یعبد الرحمن ویدحر الشیطان، قوله فصل، وحکمه عدل، یأمر بالمعروف ویفعله، وینهی عن المنکر ویبطله(1).

والذی یهمنا من الکلام هنا, أولاً: أنّ خویلد من الشخصیات التی لها الثقل الأکبر سواء فی العلاقات أم فی صنع القرار. وثانیاً: أنّ هذا التحرک فیه نوع من تحسین العلاقات مع الدول المجاورة من أجل استمرار العمل التجاری أو غیره. وثالثاًً: یؤکد لنا أیضا أنّ خویلد بن أسد لا یزال إلی جنب بنی هاشم فی خط الأحلاف, وکونه أحد زعماء مکة المعروفین.

وأما دور خویلد بن أسد فی حرب الفجار التی دارت رحاها بین قریش وکنانة مع هوازن, وقد شارکت جمیع البطون القرشیة بدون استثناء, وذلک یشعر بأنّ هناک خطراً محدقاً یهدد مصالحهم التجاریة وغیرها, حتی أنّ بنی أسد تحملوا دوراً کبیراً فی هذه الحرب, وکان زعیم هذه العائلة فی الحرب خویلد بن أسد, حیث فقد فی هذه الحرب أربعة إخوان وأثنین من أبنائه إضافة إلی نفسه علی أحد الأقوال المرجحة. أما الأخوان: فهم نوفل بن أسد, وحبیب بن أسد, وطالب بن أسد, وطلیب بن أسد, وأبناؤه, العوام بن خویلد, وحزام بن خویلد.

ص:169


1- (1) أنظر: السیرة النبویة, ابن کثیر, ج 1 ص 335.

خویلد علی خط الأنبیاء

من خلال تتبع التاریخ والسیرة الخاصة بخویلد بن أسد وأسرته یظهر لنا جلیاً أنّ خویلد وعائلته کانوا من المتدینین الملتزمین المتبعین لخط الأنبیاء, کما یؤکد ذلک اعتناق اثنین من أبناء هذه الأسرة للدیانة النصرانیة, وهم ورقة, وعثمان, وهذا الاتجاه والسلوک لا یأتی من فراغ بل هناک توجه دینی وواعز خلقی فی العائلة أثر علی هؤلاء وجعلهم یسلکون طریق الأنبیاء. هذا بالإضافة إلی بعض الشواهد التاریخیة التی وردت بحق خویلد بن أسد وهی تؤکد تدینه والتزامه بطریق الأنبیاء وخط التوحید. منها ما ذکره ابن أبی الحدید: عن عبد الله ابن عثمان بن سلیمان قال: سمعت أبی یقول: لما حفرت زمزم، وأدرک منها عبد المطلب ما أدرک، وجدت قریش فی أنفسها مما أعطی عبد المطلب، فلقیه خویلد ابن أسد بن عبد العزی فقال: یا بن سلمی، لقد سقیت ماءً رغداً، ونثلت عادیة حسدا، فقال: یا بن أسد، أما إنک تشرک فی فضلها، والله لا یساعدنی أحد علیها ببر، ولا یقوم معی بارزاً إلا بذلت له خیر الصهر، فقال خویلد بن أسد:

أقول وما قولی علیهم بسبة إلیک ابن سلمی أنت حافر زمزم

حفیرة إبراهیم یوم ابن هاجر ورکضه جبریل علی عهد آدم

فقال عبد المطلب: ما وجدت أحداً ورث العلم الأقدم غیر خویلد بن أسد(1). وقد أسلفنا أنّ خویلد کان مع بنی هاشم وحلیفهم وأفکارهم متقاربة لاسیما فی الأمور المعنویة, وهذا أیضا یمکن أنّ یکون من الشواهد الذی یؤکد تدینه.

ص:170


1- (1) أنظر: شرح نهج البلاغة, ابن أبی الحدید, ج 15 ص 217.

دین السیدة خدیجة قبل الإسلام

من الأدیان السائدة فی الجزیرة العربیة حینذاک وخاصة فی مکة عبادة الأوثان ویقال لعبدتها المشرکون، ویلیهم فی الکثرة الأحناف الذین بقوا علی دین أبیهم إبراهیم الخلیل ویدینون الله سبحانه وتعالی به، ویلیهم النصاری، والیهود، والصابئة, وقلیل منهم یدینون بالرکوسیة: وهی خلیط من عقائد الصابئة والنصرانیة، کما کانت تدین بها قبیلة طی, هذا ما کان من الأدیان السائدة حینذاک، ومن الذین یدینون الله بملة إبراهیم من قریش هم بنو هاشم بن عبد مناف إلا ما شذ منهم مثل (أبی لهب) عبد العزی بن عبد المطلب، حیث صاهر بنی أمیة ودان بدینهم. وکثیر من بنی زهرة، وبنی أسد، کانوا من الأحناف یدینون الله بدین إبراهیم الخلیل، ومنهم السیدة خدیجة بنت خویلد کانت تدین الله بالحنیفیة، وکذلک ابن عمها ورقة بن نوفل الذی دان بالنصرانیة بعد أن کان حنیفیاً, وکذلک السیدة آمنة بنت وهب وأهلها من بنی زهرة والدة النبی الأقدس صلی الله علیه و آله, والسیدة فاطمة بنت أسد الهاشمیة وأهلها والدة الإمام علی أمیر المؤمنین علیه السلام(1).

الصفات الکمالیة للسیدة خدیجة

إضافة إلی الروایات التی تکشف عن بعد إیمان خدیجة وتکامل صفاتها, شهادة التاریخ لها وأنها تتمتع بصفات ومؤهلات تمتاز بها عن غیرها من النساء, فقد کانت خدیجة علیهاالسلام من خیرة نساء قریش شرفاً، وأکثرهن مالاً، وأحسنهن جمالاً. وکانت تدعی فی الجاهلیة ب) الطاهرة) ویقال لها: (سیدة قریش). وکل

ص:171


1- (1) أم المؤمنین خدیجة الطاهرة علیها السلام, حسین الشاکری ص 87.

أفراد قومها کانوا حریصین علی الاقتران بها لو یقدر علیه وقد خطبها عظماء قریش، وبذلوا لها الأموال, وممن خطبها عقبة بن أبی معیط، والصلت بن أبی یهاب، وأبو جهل، وأبو سفیان فرفضتهم جمیعاً، واختارت النبی صلی الله علیه و آله، لما عرفته فیه من کرم الأخلاق، وشرف النفس، والسجایا الکریمة العالیة. ونکاد نقطع (بسبب تضافر النصوص) بأنها هی التی قد أبدت أولاً رغبتها فی الاقتران به صلی الله علیه و آله(1). وإنما تفعل الحرة العاقلة اللبیبة ذلک، فلا تغرها زبارج الدنیا وبهارجها، ولا تبحث عن اللذة لأجل اللذة، وعن المال للشهرة، إنما تبحث عمن یخدم هدفها الأسمی فی الحیاة، وعن الأخلاق الفاضلة والسجایا الحمیدة، والواقعیة فی التعامل والسمو فی الهدف، لأن کل ذلک هو الذی یسخر المال والجاه والقوة وکل شیء لخدمة الإنسان والإنسانیة، وتکاملها فی الدرجات العلیا, لم یحفظ التاریخ فی أوراقه أن امرأة من فضلیات النساء فی دنیا النساء قد فاحت سیرتها بالعطاء کما کانت أم المؤمنین خدیجة الطاهرة, لقد تناول التاریخ سیرة نساء کثیرات، اشتهرن بجانب أو أکثر من العبقریات ولکنه لم یحدثنا کما حدثنا عن السیدة خدیجة من بلوغ قمم المکارم فی کل الفضائل، ولم یستطع أن یحصر تلک الفضائل بین دفتیه.

أصبحت خدیجة سیدة نساء قریش قبل أن تبلغ الخامسة والعشرین من عمرها، وکانت امرأة عالیة الهمة، جیاشة العواطف واسعة الأفق، مفطورة علی التدین والنقاء والطهر، حتی عرفت بین أترابها وبین نساء قریش بالطاهرة وناهیک

ص:172


1- (1) الصحیح من سیرة النبی الأعظم صلی الله علیه و آله, السید جعفر مرتضی العاملی, ج 2 ص 107.

بهذه الصفة التی حلقت بها فجعلتها فی سماء السبق إلی ساحة المعالی, وجدیر بنا أن نذکر بعض صفاتها.

من صفاتها السخاء

لقد کانت علیهاالسلام من أهل الجود والکرم وکانت معروفة بهذا الوصف, ولذا قال أبو طالب علیه السلام فی خطبته حین خطب خدیجة للنبی صلی الله علیه و آله (خاطب کریمتکم الموصوفة بالسخاء والعفة)(1).

ویدل علی هذا أیضا ما رواه ابن الأثیر: قدمت علیه حلیمة فشکت إلیه جدب البلاد فکلم لها خدیجة فأعطتها أربعین شاة وبعیراً موقعاً للظعینة(2).

وعن البیهقی: عن رسول الله صلی الله علیه و آله ما رأیت من صاحبة أجید خیراً من خدیجة ما کنا نرجع أنا وصاحبی إلا وجدنا عندها تحفة من طعام تخبوه لنا(3).

ویکفیها شاهداً أنّها وهبت کل ما تملک إلی رسول الله صلی الله علیه و آله وجعلته تحت تصرفه, حتی قال صلی الله علیه و آله: ما نفعنی مال قط مثل ما نفعنی مال خدیجة علیهاالسلام، وکان رسول الله صلی الله علیه و آله یفک من مالها الغارم والعانی ویحمل الکل، ویعطی فی النائبة، ویرفد فقراء أصحابه إذ کان بمکة، ویحمل من أراد منهم الهجرة(4).

ص:173


1- (1) راجع: بحار الأنوار, المجلسی, ج 6 ص 70.
2- (2) النهایة فی غریب الحدیث: ج 5 ص 215. الطبقات الکبری: ج 1 ص 113. الموقع: الذی بظهره آثار الدبر لکثرة ما حمل علیه ورکب فهو ذلول مجرب. والظعینة: الهودج.
3- (3) دلائل النبوة: ج 1 ص 90.
4- (4) الأمالی, الشیخ الطوسی, ص 468.

من صفاتها العلم

لم تؤثر علی خدیجة الأجواء السائدة آنذاک (حیث کانت تحکم الجزیرة العربیة البداوة والتخلف والانحطاط وإشاعة الأمیة) فقد کانت تحوی کثیراً من العلوم, ومن تلک العلوم التی کانت تحویها خدیجة علیهاالسلام هی علومها ومعرفتها بالأدیان والرسالات, وذلک أنّ عمها وعلی قول آخر ابن عمها ورقة بن نوفل علی ما فی بعض الروایات کان من القسیسین, وکان قد قرأ الکتب کلها، وکان عنده کتاب من عهد عیسی علیه السلام فیه طلاسم وعزائم وأنّ خدیجة علیهاالسلام قد تعلمت منه هذه العلوم. ومضافا إلی هذا کله فهی قرینة الرسول الأکرم صلی الله علیه و آله وأول الناس قرباً منه.

وبعبارة واضحة هی قریبة من معدن العلم ومخزنه وفی بیتها یهبط الوحی والملائکة, فأول ما یصدر الحکم تکون هی علیهاالسلام علی اطلاع به وتأخذه من المصطفی صلی الله علیه و آله.

قال ابن المغازلی: أنزل الله علی رسوله القرآن والهدی وعنده خدیجة(1).

ومن علومها علیهاالسلام أنها کانت عالمة بتعبیر الأحلام وهذا العلم من العلوم الصعبة جداً والخفیة بحیث لا یتمکن الإنسان العادی أن یصل إلی مطالبه العالیة إلا بفضل من الله ورحمته. ولذا نری بالوجدان أن أهل هذا العلم بالدرجة الأولی هم الأنبیاء والأوصیاء علیهم السلام ومن بعدهم التالین من بعدهم فی العلم والعمل(2).

هذا بالإضافة إلی علمها بالتجارة ومستلزماتها, والتی لا تقل أهمیة عن

ص:174


1- (1) الأنوار الساطعة, الشیخ غالب السیلاوی, ص 324.
2- (2) المصدر نفسه.

غیرها من العلوم, بل تحتاج إلی حنکة وخبرة وتدبیر وإتقان, وخدیجة کانت المشرف العام علی الصفقات التجاریة وما یلازمها.

رؤیا نورانیة صادقة

فی لیلة غارت نجومها، واحلولک ظلامها، جلست خدیجة فی بیتها، بعد أن طافت مراراً حول الکعبة، کعادتها کل لیلة، وما أن أسلمت جنبها للرقاد حتی استسلمت للنوم وراحت فی سبات عمیق, ورأت فیما یری النائم شمساً عظیمة تهبط من سماء مکة لتستقر فی دارها، وتملأ جوانب الدار نوراً وبهاءً، ویفیض من دارها لیغمر کل ما حولها بضیاء یبهر النفوس، قبل أن یبهر الأبصار, هبت خدیجة من نومها، وراحت تدیر عینیها فیما حولها بدهشة فإذا باللیل ما یزال یسربل الدنیا بالسواد عندما غادر اللیل الدنیا، غادرت خدیجة فراشها، مع إشراقة الشمس وتسربلت جلبابها وغادرت البیت فی طریقها إلی دار ابن عمها ورقة بن نوفل، لعلها تجد عنده تفسیراً لحلمها، فألفته قد عکف علی قراءة صحیفة من صحف السماء التی شغف بها، وما أن سمع صوتها حتی هب مرحباً، وقال متعجباً: خدیجة الطاهرة؟ قالت: هی, هی، قال فی دهشة: ما جاء بک الساعة؟ جلست خدیجة، وراحت تقص علیه ما رأت فی منامها حرفاً حرفاً، ومشهداً مشهداً. وکان ورقة یصغی إلیها باهتمام، وما أن انتهت من کلامها، حتی تهلل وجهه بالبشر، وارتسمت علی شفتیه ابتسامة الرضا، ثم قال لخدیجة فی هدوء ووقار، أبشری یا ابنة العم. وهذا یدل علی أنّ خدیجة عرفت مضمون رؤیتها ولکن جاءت للتأکید

ص:175

والاطمئنان(1). والرؤی الصادقة أمر ثبت فی القرآن والسنة بشکل لا یقبل التشکیک, کما سیأتی الکلام عنها.

من صفاتها الروایة

ذکر الرجالی المعروف السید المیرزا محمد الأستر آبادی رحمه الله: باب ذکر نساء لهن روایة خدیجة بنت خویلد زوجة النبی صلی الله علیه و آله. وذکر الرجالی الخبیر الشیخ محمد الحائری رحمه الله: باب ذکر نساء لهن روایة أو صحبة خدیجة بنت خویلد زوجة النبی صلی الله علیه و آله.

وذکر المرحوم الخبیر الرجالی الأردبیلی فصل فی ذکر نساء لهن روایة: خدیجة بنت خویلد زوجة النبی صلی الله علیه و آله. وذکر ابن حزم الأندلسی فی أصحاب الواحد خدیجة أم المؤمنین.

وعن الحافظ محمد بن حبان أبی حاتم التمیمی ممن روی عن النبی من النساء: خدیجة بنت خویلد بن أسد بن عبد العزی.

ذکر البیهقی أخبرنا أبو سعید بن أبی عمرو حدثنا أبو عبد الله الصفار حدثنا أبو بکر بن أبی الدنیا حدثنا المثنی بن معاذ، حدثنا أبی عن المسعودی، حدثنی عبد الأعلی التیمی قال: قالت خدیجة بنت خویلد: یا رسول الله ما أقول وأنا أطوف بالبیت, قال: قولی اللهم اغفر لی ذنوبی وخطای وعمدی وإسرافی فی أمری إنک إنْ لا تغفر لی تهلکنی(2).

ص:176


1- (1) أم المؤمنین, خدیجة الطاهرة, الحاج حسین الشاکری, ص 133.
2- (2) راجع قی ذلک کتاب الأنوار الساطعة, الشیخ غالب السیلاوی, ص 326.

من صفاتها الشعر

یتضمن شعرها علیهاالسلام الحکمة والإیمان بالله والنبی صلی الله علیه و آله وأیضا کثیر من أشعارها فی بحث زواجها من الرسول صلی الله علیه و آله ولا یخفی أن الشعر کان وسیلة للإعلام آنذاک.

فقد ذکرها المرحوم الأمینی رحمه الله فی موکب الشعراء حیث قال: أم المؤمنین خدیجة بنت خویلد زوج النبی الطاهر صلی الله علیه و آله وکانت رقیقة الشعر جداً, ومن شعرها فی تمریغ البعیر وجهه علی قدمی النبی صلی الله علیه و آله ونطقه بفضله کرامة له صلی الله علیه و آله قولها:

نطق البعیر بفضل أحمد مخبرا هذا الذی شرفت به أم القری

هذا محمد خیر مبعوث أتی فهو الشفیع وخیر من وطئ الثری

یا حاسدیه تمزقوا من غیضکم فهو الحبیب ولا سواه فی الوری(1)

ومن شعرها للنبی صلی الله علیه و آله:

فلو أننی أمسیت فی کل نعمة ودامت لی الدنیا وملک الأکاسرة

فما سویت عندی جناح بعوضة إذا لم تکن عینی لعینک ناظرة(2)

إیمانها برسول الله قبل زواجها منه

عند مراجعة تاریخ السیدة خدیجة قبل زواجها برسول الله صلی الله علیه و آله, إضافة إلی ما تحویه من کمال مادی ومعنوی, نری أنّها تتمتع ببعد إیمانی إلهی, وقد أیقنت

ص:177


1- (1) الغدیر, الامینی: ج 2 ص 17.
2- (2) بحار الأنوار, المجلسی: ج 16 ص 52.

أنه ارتسم فی ذات محمد صلی الله علیه و آله, فمن خلال قراءتها الفاحصة ونظرتها الدقیقة والأجواء الإیمانیة التی تعیشها جعلتها أن تصل إلی معرفة منقذ البشریة وهادیها حتی آمنت به وبکل الآیات التی أجریت علی یده, ومما یؤید هذا ما ورد عنها إزاء الکرامات التی صدرت من النبی صلی الله علیه و آله, والتی منها: إنّ العباس جاء إلی النبی صلی الله علیه و آله وقال: سر معی إلی دار خدیجة بنت خویلد تکون أمیناً علی أموالها، تسیر بها حیث شئت، قال: أرید الشام، قال: ذلک إلیک، فسار النبی صلی الله علیه و آله والعباس إلی بیت خدیجة، وکان من عادته صلی الله علیه و آله إذا أراد زیارة قوم سبقه النور إلی بیتهم، فسبقه النور إلی بیت خدیجة، فقالت لعبدها میسرة: کیف غفلت عن الخیمة حتی عبرت الشمس إلی المجلس؟ قال: لست بغافل عنها، وخرج فلم یجد تغیر وتد ولا طنب، ونظر إلی العباس فوجده قد أقبل هو والنبی صلی الله علیه و آله معه، فرجع وقال لها: یا مولاتی هذا الذی رأیته من أنوار محمد صلی الله علیه و آله، فجاءت خدیجة لتنظر إلی محمد، فلما دخل المجلس نهض أعمامه إجلالاً له، وأجلسوه فی أوساطهم، فلما استقر بهم الجلوس قدمت لهم خدیجة الطعام فأکلوا، ثم قالت خدیجة: یا سیدی أنست بک الدیار، وأضاءت بک الأقدار، وأشرقت من طلعتک الأنوار، أترضی أن تکون أمیناً علی أموالی تسیر بها حیث شئت؟ قال: نعم رضیت، ثم قال: أرید الشام، قالت: ذلک إلیک، وإنی قد جعلت لمن یسیر علی أموالی مائة وقیة من الذهب الأحمر، ومائة وقیة من الفضة البیضاء، وجملین وراحلتین، فهل أنت راض؟ فقال أبو طالب رضی الله عنه، رضی ورضینا، وأنت یا خدیجة محتاجة إلیه، لأنه من حین خلق ما وقف له العرب علی صبوة، وأنه مکین أمین، قالت

ص:178

خدیجة: تحسن یا سیدی تشد علی الجمل وترفع علیه الأحمال؟ قال: نعم، قالت: یا میسرة: ایتنی ببعیر حتی أنظر کیف یشد علیه محمد، فخرج میسرة وأتی ببعیر شدید المراس، قوی الباس، لم یجسر أحد من الرعاة أن یخرجه من بین الإبل لشدة بأسه، فأدناه لیرکبه فهدر وشقشق واحمرت عیناه، فقال له العباس: ما کان عندک أهون من هذا البعیر؟ ترید أن تمتحن به ابن أخینا؟ فعند ذلک قال النبی صلی الله علیه و آله: دعه یا عم، فلما سمع البعیر کلام البشیر النذیر برک علی قدمی النبی صلی الله علیه و آله، وجعل یمرغ وجهه علی قدمی النبی صلی الله علیه و آله ونطق بکلام فصیح وقال: من مثلی وقد لمس ظهری سید المرسلین؟ فقلن النسوة اللاتی کن عند خدیجة: ما هذا إلا سحر عظیم قد أحکمه هذا الیتیم، قالت لهم خدیجة: لیس هذا سحراً، وإنما هو آیات بینات، وکرامات ظاهرات، ثم قالت: نطق البعیر بفضل أحمد مخبرا... إلی آخر الأبیات التی تقدم ذکرها(1).

زواجها من رسول الله

لم یکن اقتران خدیجة بنت خویلد بالنبی الأکرم إلا شاهد علی إیمانها وعظمة مکانتها وإنها جامعة للصفات التی تؤهلها لأن تکون شریکة حیاة النبی صلی الله علیه و آله لاسیما فی الأوقات الصعبة والحرجة والإسلام یکاد أنْ تنبثق بذرته وتعم إرجاء قریش, فکانت خدیجة تشاطر النبی صلی الله علیه و آله فی هذا الشعور وتنظر إلی مستقبل الازدهار والعدالة, فکانت شریکته قبل کل شیء بالهدف والطموح, حتی

ص:179


1- (1) أنظر: بحار الأنوار, العلامة المجلسی, ج 16 ص 26.

بلغ خضوعها لرسول الله وحبها له, أنّها بعد أن تم عقد زواجها برسول الله صلی الله علیه و آله قالت له: إلی بیتک فبیتی بیتک وأنا جاریتک(1). وذلک یعبر عن مدی معرفتها وإیمانها برسول الله صلی الله علیه و آله.

عن أبی عبد الله علیه السلام قال: لما أراد رسول الله صلی الله علیه و آله أن یتزوج خدیجة بنت خویلد أقبل أبو طالب فی أهل بیته ومعه نفر من قریش حتی دخل علی ورقة بن نوفل عم خدیجة فابتدأ أبو طالب بالکلام فقال: الحمد لرب هذا البیت، الذی جعلنا من زرع إبراهیم، وذریة إسماعیل وأنزلنا حرماً آمناً، وجعلنا الحکام علی الناس، وبارک لنا فی بلدنا الذی نحن فیه، ثم إن ابن أخی هذا (یعنی رسول الله صلی الله علیه و آله) ممن لا یوزن برجل من قریش إلا رجح به ولا یقاس به رجل إلا عظم عنه ولا عدل له فی الخلق وإن کان مقلاً فی المال فإن المال رفد جار(2) وظل زائل وله فی خدیجة رغبة ولها فیه رغبة، وقد جئناک لنخطبها إلیک برضاها وأمرها والمهر علیّ فی مالی الذی سألتموه عاجله وآجله وله ورب هذا البیت حظ عظیم ودین شائع ورأی کامل، ثم سکت أبو طالب وتکلم عمها وتلجلج(3), وقصر عن جواب أبی طالب وأدرکه القطع والبُهر(4), وکان رجلاً من القسیسین فقالت خدیجة مبتدئة: یا عماه إنک وإن کنت أولی بنفسی منی فی الشهود فلست أولی بی من نفسی، قد زوجتک یا محمد نفسی، والمهر علیّ فی مالی فأمر عمک فلینحر

ص:180


1- (1) أنظر: الخرائج والجرائح, قطب الدین الراوندی, ج 1 ص 141.
2- (2) رفد جار: أی عطاء الله تعالی، أجراه علی عباده بقدر ضرورتهم واحتیاجهم.
3- (3) التلجلج: التردد فی الکلام.
4- (4) البهر (بالضم): النفس من الاعیاء.

ناقة فلیولم بها وادخل علی أهلک قال أبو طالب: أشهدوا علیها بقبولها محمداً وضمانها المهر فی مالها، فقال بعض قریش یا عجباه المهر علی النساء للرجال، فغضب أبو طالب غضباً شدیداً وقام علی قدمیه وکان ممن یهابه الرجال ویکره غضبه، فقال: إذا کانوا مثل ابن أخی هذا طلبت الرجال بأغلا الأثمان وأعظم المهر وإذا کانوا أمثالکم لم یزوجوا إلا بالمهر الغالی، ونحر أبو طالب ناقة ودخل رسول الله صلی الله علیه و آله بأهله. وقال رجل من قریش یقال له عبد الله بن غنم:

هنیئاً مریئاً یا خدیجة قد جرت لک الطیر فیما کان منک بأسعد

تزوجته خیر البریة کلها ومن ذا الذی فی الناس مثل محمّد

وبشر به البر إنّ عیسی ابن مریم وموسی بن عمران فیا قرب موعد

أقرت به الکتاب قدماً بأنه رسول من البطحاء هاد ومهتد(1)

أبو طالب خاطب خدیجة للنبی صلی الله علیه و آله

اختلف المؤرخون فی الشخصیة التی قامت فی إجراء مراسیم الخطبة من خدیجة إلی النبی صلی الله علیه و آله, المشهور والذی هو الصحیح, أنّ أبا طالب قد ذهب لخطبة خدیجة، ولیس حمزة الذی اقتصر علیه ابن هشام فی سیرته(2) ؛ لأن ذلک لا ینسجم مع ما کان لأبی طالب من المکانة والسؤدد فی قریش، من جهة؛ ومن جهة أخری لأن حمزة کان یکبر النبی صلی الله علیه و آله بسنتین أو بأربع کما قیل.

ص:181


1- (1) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 5 ص 374.
2- (2) انظر: سیرة ابن هشام, ج 1 ص 201.

هذا بالإضافة إلی مخالفة ما یذکره عامة المؤرخین فی المقام. وقد اعتذر البعض عن ذلک: بأن من الممکن أن یکون حمزة قد حضر مع أبی طالب، فنسب ذلک إلیه وهو اعتذار واه، إذ لماذا لم ینسب ذلک إلی غیر حمزة، ممن حضر مع أبی طالب من بنی هاشم وغیرهم من القرشیین. ویظهر: أن ثمة من یهتم بسلب هذه المکرمة عن أبی طالب علیه السلام، وإعطائها لأی کان من الناس سواه، حتی لحمزة, ولا ضیر فی ذلک عنده ما دام أنه قد استشهد فی وقت مبکر. وعلی کل حال فقد خطبها أبو طالب له صلی الله علیه و آله قبل البعثة بخمس عشرة سنة، علی المشهور(1).

هل تزوجت خدیجة قبل النبی صلی الله علیه و آله

اختلف المؤرخون فی مسألة زواج السیدة خدیجة قبل النبی صلی الله علیه و آله بین النفی والإثبات, قال القرطبی قد تزوجها (النبی صلی الله علیه و آله) قبل النبوة ثیباً بعد زوجین, بعد ابن هالة التمیمی, وبعد عتیق المخزومی, ثم تزوجها النبی صلی الله علیه و آله, وهی بنت أربعین سنة وأقامت معه أربعاً وعشرین سنة، وتوفیت وهی بنت أربع وستین، سنة وستة أشهر وسن رسول الله صلی الله علیه و آله حین تزوجها إحدی وعشرون سنة، وقیل: خمس وعشرون سنة, وقیل ثلاث وثلاثون سنة(2).

وعن القاضی النعمان کانت خدیجة قبل النبی عند عتیق بن عامر المخزومی، وولدت له حارثة، ومات عنها بمکة، وتزوجها بعده أبو هالة زرارة بن

ص:182


1- (1) انظر: الإصابة, ابن حجر, ج 8 ص 99.
2- (2) انظر: تفسیر القرطبی, ج 14 ص 164.

ساس الأسدی، ومات عنها بمکة وولدت له هند بنت أبی هالة(1).

والصحیح أنها (خدیجة) لم تقترن بزوج قبله والدلیل علی ذلک:

أوّلاً: ذکر ابن شهر آشوب وروی أحمد البلاذری، وأبو القاسم الکوفی فی کتابیهما، والمرتضی فی الشافی، وأبو جعفر فی التلخیص, أنّ النبی صلی الله علیه و آله تزوج بها، وکانت عذراء. وکما یؤکد ذلک ما ذکر فی کتابی الأنوار والبدع: أنّ رقیة وزینب کانتا ابنتی هالة أخت خدیجة(2), کما سیأتی بیانه.

وثانیاً: قال أبو القاسم الکوفی: إن الإجماع من الخاص والعام، من أهل الآثار ونقلة الأخبار، علی أنه لم یبق من أشراف قریش، ومن ساداتهم وذوی النجدة منهم، إلا من خطب خدیجة، ورام تزویجها، فامتنعت علی جمیعهم من ذلک، فلما تزوجها رسول الله صلی الله علیه و آله غضب علیها نساء قریش وهجرنها، وقلن لها خطبک أشراف قریش وأمراؤهم فلم تتزوجی أحداً منهم، وتزوجت محمداً یتیم أبی طالب، فقیراً، لا مال له؟ فکیف یجوز فی نظر أهل الفهم أن تکون خدیجة، یتزوجها أعرابی من تمیم، وتمتنع من سادات قریش، وأشرافها علی ما وصفناه؟

وأما الرد علی ذلک بأنّه لا یمکن أن تبقی امرأة شریفة وجمیلة هذه المدة الطویلة بلا زواج فلیس علی ما یرام؛ لأنّ ذلک لا یبرر رفضها لعظماء قریش وقبولها بأعرابی من بنی تمیم. وأما کیف یترکها أبوها أو ولیها بلا تزویج؟ ذلک أنّ أباها قد قتل فی حرب الفجار، وأما ولیها، فلم یکن له سلطة الأب لیجبرها علی الزواج ممن

ص:183


1- (1) شرح الأخبار, القاضی النعمان المغربی, ج 3 ص 15.
2- (2) مناقب آل أبی طالب, ابن شهر آشوب, ج 1 ص 138.

أراد وبقاء المرأة الشریفة والجمیلة مدة بلا زواج لیس بعزیز, إذا کانت تصبر إلی أن تجد الرجل الفاضل الکامل، الذی کان یعز وجوده فی تلک الفترة(1).

وثالثاً: کیف لم یعیرها زعماء قریش الذین خطبوها فردتهم، بزواجها من أعرابی. فهکذا کانت السیدة خدیجة حین زواجها من رسول الله صلی الله علیه و آله بکراً غیر ثیب وأجمل نسائه ولم یتزوج علیها الی أن فارقت الحیاة احتراماً لها وتعظیماً لشأنها.

سبب زواجها من النبی صلی الله علیه و آله

لیست کل امرأة تنظر الی مستقبل حیاتها لاسیما فی اختیارها الشریک الذی یشاطرها ویواکبها الحیاة فی طیلة ما تبقی من عمرها وبه تنتقل الحیاة من مرحلة الی أخری فیها یحدد المصیر فی الدنیا بین السعادة والشقاء ربما تأخذها العواطف والأهواء وتقع فی الفخ المؤلم, فخدیجة هنا تعطی درساً للفتیات اللاتی یصلن مرحلة الزواج أن تتأن فی اختیارها الزوج وأن تنظر به الصفات التی تضمن بها سعادتها وحسن المعاشرة معه, فکان اختیار خدیجة للنبی صلی الله علیه و آله لم یکن متسرعاً وانّما بعد المتابعة والسؤال وما وجدت من صفات کمالیة عالیة یتمتع بها نبی الإنسانیة, حیث کانت خدیجة ذات مال کثیر وعبید ومضاربین لها یتجرون فی مالها، ویسافرون به لها إلی الشام، فلما اتصل بها عن رسول الله صلی الله علیه و آله ما هو علیه من الأمانة والطهارة والصدق والعفاف أرسلت إلیه، وسألته أن یخرج ببضاعة إلی

ص:184


1- (1) الاستغاثة, أبو القاسم الکوفی, ج 1 ص 17.

الشام، ففعل وأرسلت معه غلاماً یقال له: میسرة فجاءها بفضل واسع لم یأتها غیره. وأخبرها غلامها بما شاهده من فضله وآیات رآها فیه. وکان لها ابن عم یقال له ورقة بن نوفل علی دین النصرانیة قد قرأ الکتب، وکان یذکر لها أن نبیاً إن بعثه یبعث من قریش، فلما أخبرها غلامها بما شاهد منه مع ما اتصل بها من آیاته وعلامات النبوة فیه ذکرت ذلک لابن عمها ورقة, فقال: والله ما أشک، إنه هو النبی المنتظر. وکان ورقة هذا قد خطب خدیجة، وهمت بتزویجه لما تبین لها أمر رسول الله صلی الله علیه و آله وأراد الله کرامتها ألهمها أن أرسلت إلی رسول الله صلی الله علیه و آله تعرض بنفسها علیه، فتزوجها وبنی بها صلی الله علیه و آله وهو ابن خمس وعشرین سنة، ولم یتزوج علیها غیرها، ولا تزوج امرأة إلا بعد أن ماتت. وکانت من أفضل نسائه وأحبهن إلیه، وکانت تنتظر نبوته، ویسألها ابن عمها عن ذلک، وعن دلائل تعرفها فیه، فتخبره بذلک، فیقول: هو والله النبی المنتظر، وله فی ذلک أشعار کثیر قالها، ومات قبل أن یبعث الله نبیه صلی الله علیه و آله. وکان رسول الله صلی الله علیه و آله یعارض خدیجة ویخبرها بما یأتیه من قبل أن ینبأ به، وما یراه فی منامه، وتخبره هی بقول ورقة، فلما أتاه الوحی من عند الله عز وجل بالرسالة أخبرها بذلک ودعاها إلی الإسلام، فأسلمت، فکانت أول من أسلم وکان رسول الله صلی الله علیه و آله فی ابتداء أمره إذا دعا قومه فکذبوه, ونالوا منه وهموا به، منعه منهم عمه أبو طالب. وکان سیداً مطاعاً فیهم، وکان یأتی خدیجة مغموماً لما یناله منهم، فتهدئه، وتصبره، وتهون علیه, وبذلت مالها له، فکان ذلک مما یعز به(1).

ص:185


1- (1) انظر: شرح الأخبار, القاضی النعمان المغربی, ج 3 ص 17.

عمر خدیجة حین زواجها

ویلاحظ هنا مدی الاختلاف والتفاوت فی عمر خدیجة حین اقترانها بالرسول الأکرم صلی الله علیه و آله وهی تتراوح ما بین ال - (25) سنة إلی ال) 46) سنة وهی علی النحو الآتی:

ألف - 25 سنة, وصححه البیهقی. ب - 28 سنة. هو ما رجحه کثیرون. ج - 30 سنة د - 35 سنة. ه - 40 سنة. و - 44 سنة. ز - 45 سنة. ح - 46 سنة.

ولا یخفی أنّ الکثیرین قد رجحوا القول الثانی، کما ذکره ابن العماد. أما البیهقی فقد صحح القول الأول، حیث قال: بلغت خدیجة خمساً وستین سنة، ویقال: خمسین سنة، وهو أصح فإذا کانت رحمها الله قد تزوجت برسول الله قبل البعثة بخمس عشرة سنة کما جزم به البیهقی نفسه فإن ذلک معناه: أن عمرها حین زواجها کان خمساً وعشرین سنة. ورجح هذا القول غیر البیهقی أیضا أما الحاکم، الذی روی لنا القول الثانی المتقدم عن ابن إسحاق، فإنه لم یوضح لنا حقیقة ما یذهب إلیه، غیر أنه حین روی عن هشام بن عروة قوله: إن خدیجة قد توفیت وعمرها خمس وستون سنة. هذا قول شاذ، فإن الذی عندی: أنها لم تبلغ ستین سنة, فکلامه هذا یدل علی أنه یعتبر القول بأنها قد تزوجت بالنبی وعمرها أربعون سنة، شاذ. ویری أنّ عمرها کان أقل من خمس وثلاثین حینئذ، ولکنه لم یبین القول الذی یذهب إلیه، هل هو ثلاثون؟ أو ثمان وعشرون؟ أو خمس وعشرون(1).

ص:186


1- (1) راجع: الصحیح من سیرة النبی الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم, السید جعفر مرتضی ج 2 - ص 117.

روی الدولابی فی کتابه: (الذریة الطاهرة) بسنده عن عمار بن أبی عمار، عن ابن عباس... ثم قال: وبلغنی أن رسول الله صلی الله علیه و آله تزوج خدیجة علی اثنتی عشرة أوقیة ذهباً، وهی یومئذ ابنة ثمان وعشرین سنة(1).

وعن ابن عباس قال: کانت خدیجة یوم تزوجها رسول الله صلی الله علیه و آله ابنة ثمان وعشرین سنة ومهرها اثنتا عشرة أوقیة(2).

مقدار مهر السیدة خدیجة

من الضروری أن یتعرف المسلمون علی مهر زوجات النبی صلی الله علیه و آله ومهر ابنته فاطمة علیهاالسلام لتکون سنة یُقتدی بها, ویرتفع الحجر الذی وقع فی طریق الشباب من التنافس فی غلاء المهور وارتفاعه, فالنبی صلی الله علیه و آله بُعث لإسعاد البشریة وحل العقد التی یواجهونها بشتی المجالات لاسیما الاجتماعیة, فینبغی أن تدرس سیرته المبارکة بشکلها العملی وتقنن دستوراً ومنهاجاً للمسلمین, من هنا جاءت الآیات والروایات تحث علی الإتباع والاقتداء بأقوال وأفعال النبی صلی الله علیه و آله, کما فی قوله تعالی:(لَقَدْ کانَ لَکُمْ فِی رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)3 . وعلیه هناک جملة من الروایات الواردة فی تعیین مقدار مهر السیدة خدیجة علیهاالسلام. فقد روی الصفار عن حماد بن عیسی قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: قال أبی: ما زوج رسول الله صلی الله علیه و آله شیئاً من بناته ولا تزوج شیئاً من نسائه علی أکثر من اثنتی عشرة أوقیة

ص:187


1- (1) راجع: الذریة الطاهرة النبویة, محمد بن أحمد الدولابی, ص 52.
2- (2) راجع: الطبقات الکبری, محمد بن سعد, ج 8 ص 17.

ونش، یعنی نصف أوقیة(1).

وروی الخبر الکلینی بسنده عنه قال: سمعته یقول: قال أبی: ما زوج رسول الله صلی الله علیه و آله سایر بناته ولا تزوج شیئاً من نسائه علی أکثر من اثنتی عشرة أوقیة ونش. والأوقیة: أربعون درهماً، والنش: عشرون درهماً. ثم روی عن حماد عن إبراهیم بن أبی یحیی عن الصادق علیه السلام قال: وکانت الدراهم وزن ستة یومئذ(2).

وروی بسنده عن معاویة بن وهب قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: ساق رسول الله صلی الله علیه و آله إلی أزواجه اثنتی عشرة أوقیة ونشاً، والأوقیة: أربعون درهماً، والنش: نصف الأوقیة: عشرون درهماً، فکان ذلک خمسمائة درهم. قلت: بوزننا؟ قال: نعم(3).

وروی بسنده عن أبی العباس قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الصداق هل له وقت (یعنی الحد للمهر) قال: لا، ثم قال: کان صداق النبی صلی الله علیه و آله اثنتی عشرة أوقیة ونشاً، والنش نصف الأوقیة، والأوقیة: أربعون درهماً، فذلک خمسمائة درهم(4).

أقول: لم یتضح من الروایات المتقدمة مقدار مهر خدیجة بالذات فالروایات فی هذا المورد عامة تشیر إلی صداق أزواج النبی صلی الله علیه و آله بشکل عام لیس بما قدمه النبی صلی الله علیه و آله لخدیجة علیهاالسلام, نعم خدیجة واحدة من أزواجه فینطبق علیها العنوان.

ص:188


1- (1) رسالة المهر, الشیخ المفید, ص 36.
2- (2) الکافی, الکلینی, ج 5 ص 376.
3- (3) الحدائق الناضرة, البحرانی, ج 24 ص 432.
4- (4) الکافی, الکلینی, ج 5 ص 376.

من هو الذی عَیَّنَ مهر خدیجة

لا یخفی مما تقدم أنّ أبا طالب هو الذی قد ضمن المهر فی ماله، کما هو صریح خطبته، ولکن خدیجة رضوان الله تعالی علیها عادت فضمنت المهر فی مالها من دون أن تعین مقداره، فقال البعض: یا عجبا؟ المهر علی النساء للرجال؟ فغضب أبو طالب، وقال: إذا کانوا مثل ابن أخی هذا طلبت الرجال بأغلی الأثمان، وأعظم المهر، وإن کانوا أمثالکم لم یزوجوا إلا بالمهر الغالی.

اللهم إلا أن یکون المراد: أنه صلی الله علیه و آله قد أمهرها بواسطة أبی طالب. أو قیده بعدد معین لیکن أسوة وسنة, کما یبدو ذلک من الروایات أنّ النبی صلی الله علیه و آله عیّن مقدار مهرها إلا أنّ أبا طالب قد ضمن المهر فی ماله کما هو صریح خطبته, کما ذکر ذلک الحلبی فی سیرته: «... وهو والله بعد هذا له نبأ عظیم وخطر جلیل وقد خطب إلیکم رغبة فی کریمتکم خدیجة وقد بذل لها من الصداق ما عاجله وآجله اثنتی عشرة أوقیة ونشاً (أی وهو عشرون درهماً والأوقیة أربعون درهماً أی وکانت الأواقی والنش من ذهب کما قال المحب الطبری أی فیکون جملة الصداق خمسمائة درهم شرعی»(1).

وقیل: کما عن ابن هشام: وأصدقها رسول الله صلی الله علیه وسلم عشرین بکرة(2). والبکرة: الأنثی من الإبل. ویؤیده: ما ذکره ابن عباس, والدولابی. أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله تزوج خدیجة علی اثنتی عشرة أوقیة ذهباً، وهی یومئذ ابنة ثمان

ص:189


1- (1) راجع: السیرة الحلبیة, الحلبی ج 1 ص 226.
2- (2) راجع: السیرة النبویة, ابن هشام الحمیری, ج 1 ص 122.

وعشرین سنة(1).

وعن ابن عباس قال: کانت خدیجة یوم تزوجها رسول الله صلی الله علیه و آله ابنة ثمان وعشرین سنة ومهرها اثنتی عشرة أوقیة(2).

ولما رأت خدیجة ذلک سخت نفسها بضمانها المهر کله من مالها, وهذا یعبر عن مدی الخلق الذی تتمتع به السیدة خدیجة وخضوعها وتواضعها لمراسم السنة الإلهیة.

أولادها

اشارة

خدیجة هی المرأة الوحیدة التی رزق منها النبی صلی الله علیه و آله الأولاد دون غیرها من نسائه اللاتی یتجاوز عددهن أربع عشرة امرأة ماعدا ماریة القبطیة فقد ولدت له إبراهیم. وقد اختلف أهل النقل فی عدد أولاد خدیجة, فقالوا إنّها (خدیجة) ولدت له أربع بنات وکلهن أدرکن الإسلام وهاجرن: زینب وفاطمة ورقیة وأم کلثوم، وأجمعوا أنها ولدت له ولداً سماه القاسم وبه کان یکنی.

واختلفوا أیضا هل ولدت له ذکراً غیره فقیل: ولدت ثلاثة عبد الله والطیب والطاهر, والخلاف فی ذلک کثیر ومات القاسم بمکة صغیراً قبل أن یمشی وقیل: إنّه لم یعش إلا أیاماً یسیرة ولم یکن له صلی الله علیه و آله من غیر خدیجة ولد غیر إبراهیم ولدته ماریة القبطیة بالمدینة وبها توفی وهو رضیع وتوفی جمیع أولاده فی حیاته

ص:190


1- (1) راجع: الذریة الطاهرة النبویة, محمد بن أحمد الدولابی, ص 52.
2- (2) راجع: الطبقات الکبری, محمد بن سعد, ج 8 ص 17.

إلا فاطمة علیهاالسلام فإنها توفیت بعده(1).

وقول آخر: إنّه ولد له من خدیجة القاسم وبه کان یکنی, والطاهر والطیب وفاطمة وزینب ورقیة وأم کلثوم, فأما القاسم والطیب فماتا بمکة صغیرین، ومات الطاهر کذلک صغیراً, وأما إبراهیم من ماریة فولد بالمدینة بعد ثمان سنین من مقدمه صلی الله علیه و آله، وعاش سنة وعشرة أشهر وثمانیة أیام، ومات بالمدینة(2).

فاطمة البنت الوحیدة للنبی صلی الله علیه و آله

المتتبع للسیرة النبویة بما فیها أفعال النبی صلی الله علیه و آله وأقواله یدرک بوضوح أنّه لم تکن فی البین ابنة للنبی صلی الله علیه و آله غیر الزهراء علیهاالسلام, وأما ما ذکر من أنّ رقیة وزینب وأم کلثوم (قالوا أم کلثوم کنیة لرقیة) فهن بنات هالة بنت وهب أخت خدیجة, کما روی مشایخنا من أهل العلم عن الأئمة من أهل البیت علیهم السلام, وکما یقول أبو القاسم الکوفی المتوفی سنة 352 ه -: أنّه کان لخدیجة بنت خویلد زوجة رسول الله الکبری أخت لأمها یقال لها: هالة قد تزوجها رجل من بنی مخزوم فولدت له بنتاً اسمها هالة ثم خلف علیها بعد أبی هالة رجل من تمیم یقال له أبو هند فأولدها ابناً کان یسمی هندا بن أبی هند وابنتین فکانتا هاتان الابنتان منسوبتین إلی رسول الله صلی الله علیه و آله زینب ورقیة ومات أبو هند وقد بلغ ابنه مبلغ الرجال والابنتان طفلتان، فکان ذلک فی حدثان تزویج رسول الله بخدیجة بنت خویلد، وکانت هالة أخت خدیجة فقیرة وکانت خدیجة من الأغنیاء الموصوفین بکثرة المال.

ص:191


1- (1) راجع: شرح أصول الکافی, محمد صالح المازندرانی, ج 7 ص 144.
2- (2) شرح الأخبار, القاضی النعمان المغربی, ج 3 ص 15.

فأما هند بن أبی هند فإنه لحق بقومه وعشیرته بالبادیة وبقیت الطفلتان عند أمهما هالة أخت خدیجة فضمت خدیجة أختها هالة مع الطفلتین إلیها وکفلتهن جمیعاً وکانت هالة أخت خدیجة هی الرسول بین خدیجة وبین رسول الله صلی الله علیه و آله فی حال التزویج فلما تزوج رسول الله خدیجة ماتت هالة بعد ذلک بمدة یسیرة وخلفت الطفلتین زینب ورقیة فی حجر رسول الله صلی الله علیه و آله وحجر خدیجة فربیاهما، وکان من سنة العرب فی الجاهلیة من یربی یتیماً ینسب ذلک الیتیم إلیه ویدعی باسمه فلم یستحل لمن یربیها تزوجها لأنها کانت عند العرب بزعمهم بنت المربی لها ولذلک کانوا یقولون زید بن محمد صلی الله علیه و آله ویدعون یا زینب بنت محمد ویا رقیة بنت محمد وهکذا نسبتا إلیه صلی الله علیه و آله.

ولم تزل العرب علی هذا الحال إلی أن جاء الإسلام وربی بعض الصحابة یتیمة بعد الهجرة وسأل رسول الله هل یجوز فی الإسلام تزویج الیتیمة ممن رباها فأنزل الله تعالی قوله:(وَ یَسْتَفْتُونَکَ فِی النِّساءِ قُلِ اللّهُ یُفْتِیکُمْ فِیهِنَّ وَ ما یُتْلی عَلَیْکُمْ فِی الْکِتابِ فِی یَتامَی النِّساءِ اللاّتِی لا تُؤْتُونَهُنَّ ما کُتِبَ لَهُنَّ وَ تَرْغَبُونَ أَنْ تَنْکِحُوهُنَّ وَ الْمُسْتَضْعَفِینَ مِنَ الْوِلْدانِ وَ أَنْ تَقُومُوا لِلْیَتامی بِالْقِسْطِ وَ ما تَفْعَلُوا مِنْ خَیْرٍ فَإِنَّ اللّهَ کانَ بِهِ عَلِیماً)1 .

وقوله تعالی:(وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا فِی الْیَتامی فَانْکِحُوا ما طابَ لَکُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنی وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ... الخ)(1), وهکذا سقط عن المربی للأیتام

ص:192


1- (2) النساء: 3.

انتسابهم إلیه شرعاً وبقی بعض العامة علی بعض السنن إلی الیوم. وکذلک نسب هند أخو زینب ورقیة إلی خدیجة ولو لم یلتحق بعشیرته فی البادیة لنسب إلی رسول الله أیضاً. ومن هنا ظن العامة لما غلب اسم خدیجة علی اسم هالة أختها أن أبا هند کان متزوجاً بخدیجة قبل رسول الله صلی الله علیه و آله، ومما یدل علی توهم العامة: أن هنداً بن أبی هند عمّر حتی لحق أیام الحسین علیه السلام فقتل بین یدیه وهو شیخ فقال الناس: قتل خال الحسین هند بن أبی هند التمیمی, فجهلوا أمه وعرفوا أباه. قلت: لو رباه رسول الله لجهلوا أمه وأباه. فکان رسول الله صلی الله علیه و آله فی نسب ابنتی أبی هند علی ما وصفناه من سنة العرب فی الجاهلیة فدرج نسبهما عند العامة کذلک، ثم نسب أخوهما أیضا هند إلی خدیجة إذ کان اسم خدیجة ثابتاً معروفاً وکان اسم أختها هالة خاملاً مجهولاً فظنوا لما غلب اسم خدیجة علی اسم هالة أختها فی نسب ابنها أن أبا هند کان متزوجاً بخدیجة قبل رسول الله صلی الله علیه و آله فانتسبوا إلیها لذلک وتحقق فی ظنهم بجهلهم بأمهم أخت خدیجة, أنّ هنداً کان قد عمّر حتی لحق أیام الحسین علیه السلام فقتل بین یدیه وهو شیخ فقال الناس قتل خال الحسین علیه السلام هند ابن أبی هند التمیمی وأنه کان هند ابن خالة فاطمة أم الحسین علیهماالسلام علی ما شرحناه فلم یمیز العوام هذا القول وقدر السامع له أن هنداً کان ابن خدیجة ولم یجعلوا أبا هند التمیمی أنه والد هند لبلوغ هند قبل موت أبی هند وجهلوا اسم هالة أختها أم هند بن أبی هند التمیمی(1), هذا أولاً.

وثانیاً: إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله زوجهن فی الجاهلیة من رجال کافرین فزوج

ص:193


1- (1) راجع: الاستغاثة, أبو القاسم الکوفی, ج 1 ص 69.

زینب من أبی العاص بن الربیع بن عبد العزی بن عبد شمس بن مناف بن قصی القرشی العبشمی، وزوج رقیة من عتبة بن أبی لهب، وزوج أم کلثوم من عتیبة بن أبی لهب علی القول به وبها. وعلیه لم یخل الحال فی ذلک من أن یکون الرسول صلی الله علیه و آله فی زمن الجاهلیة علی دین الجاهلیة أو کان مخالفاً لهم بالإیمان بالله فإن قال قائل: إنه کان علی دین الجاهلیة کفر بالله ورسوله لأن الله یقول فی کتابه الحکیم ما نصه فی شأن الإمامة من قصة إبراهیم علیه السلام:(قالَ إِنِّی جاعِلُکَ لِلنّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّیَّتِی قالَ لا یَنالُ عَهْدِی الظّالِمِینَ)1 .

ومن کان کافراً مشرکاً کان أکبر الظالمین لقوله تعالی:(وَ إِذْ قالَ لُقْمانُ لاِبْنِهِ وَ هُوَ یَعِظُهُ یا بُنَیَّ لا تُشْرِکْ بِاللّهِ إِنَّ الشِّرْکَ لَظُلْمٌ عَظِیمٌ)2 . ومن کان کذلک کان عابداً للأصنام ومن کان عابداً للأصنام کان محالاً أن یتخذه الله عز ذکره نبیاً أو رسولاً أو إماماً بحکم هذا الوجه. ولو جاز علی الله أن یتخذ کافراً أو مشرکاً نبیاً أو رسولاً أو إماماً لجاز فی حکم النظر أن یرسل کفاراً مشرکین، وکما أنه جاز أن ینقل الکافر إلی الإیمان والمؤمن إلی الکفر کذلک یجب فی حکم النظر أن یکون حال الأنبیاء والأوصیاء لو جاز علی الله ذلک. فلما فسد ذلک فی حکمة الله جل اسمه کان محالاً علی رسول الله أن یزوج بناته من کافرین مشرکین من غیر ضرورة دعت إلی ذلک، وهو مخالف لهم فی دینهم عارف بکفرهم وإلحادهم, مع ارتفاع المانع وتوفر الموجب حیث إنّ أرض الحجاز لم

ص:194

تعدم القلة من أهل الفطرة استمراراً للبقیة المتبقیة من حنیفیة إبراهیم الخلیل ولما فسد هذا بطل أن یَکُنَّ بناته.

وأما قول الله تعالی:(یا أَیُّهَا النَّبِیُّ قُلْ لِأَزْواجِکَ وَ بَناتِکَ وَ نِساءِ الْمُؤْمِنِینَ یُدْنِینَ عَلَیْهِنَّ مِنْ جَلاَبِیبِهِنَّ ذلِکَ أَدْنی أَنْ یُعْرَفْنَ فَلا یُؤْذَیْنَ وَ کانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِیماً)1 , فالمقصود من بناته بنات المؤمنین بدلیل أنه تعالی لم یذکر هنا بنات المؤمنین، وإلا فلو کان المقصود بناته حقیقة یکون المعنی أن الله أمر نساء النبی وبناته ونساء المؤمنین بالتستر وترک بناتهم, ولا قائل به من المسلمین(1).

وثالثاً: لم نجد من خلال سیرة النبی الأکرم صلی الله علیه و آله أی رابطة عملیة أو لفظیة مع زینب ورقیة وأم کلثوم, بخلاف ما صدر بحق ابنته فاطمة علیهاالسلام فهناک مئات الروایات, ولم نسمع یوما أنه صلی الله علیه و آله مرّ ببیت إحداهن, بخلاف ما کان یصنعه مع الزهراء علیهاالسلام, فقد ورد عن ابن عباس قال کان رسول الله صلی الله علیه وسلم إذا قدم من سفر قبل ابنته فاطمة(2).

ورابعاً: لم یحتج عثمان فی حیاته بأنه صهر النبی صلی الله علیه و آله أبدا، ولم یقل النبی صلی الله علیه و آله: عثمان صهری؟ وقال رسول الله صلی الله علیه و آله لعلی علیه السلام: یا علی أوتیت ثلاثاً لم یؤتهن أحد ولا أنا، أوتیت صهراً مثلی ولم أوت أنا مثلی. وأوتیت صدیقة مثل

ص:195


1- (2) انظر: دفاع من وحی الشریعة ضمن دائرة السنة والشیعة, السید حسین الرجا, ص 368.
2- (3) مجمع الزوائد, الهیثمی, ج 8 ص 42.

ابنتی، ولم أوت مثلها زوجة. وأوتیت الحسن والحسین من صلبک ولم أوت من صلبی مثلهما ولکنکم منی، وأنا منکم(1). وقال عمر لقد أوتی ابن أبی طالب ثلاث خصال لئن تکون لی واحدة منهن أحب إلی من حمر النعم: زوجه النبی صلی الله علیه و آله ابنته (وولدت له). وسد الأبواب إلا بابه (فی المسجد). وأعطاه الرایة یوم خیبر. (أخرجه أحمد)(2). فهنا لم یقل الخلیفة عمر: زوجه إحدی بناته بل قال زوجه ابنته.

وخامساً: عندما سُئل عبد الله بن عمر... فما قولک فی علی وعثمان قال أما عثمان فکان الله عفا عنه, وأما أنتم فکرهتم أن تعفوا عنه, وأما علیٌّ فابن عم رسول الله صلی الله علیه وسلم وختنه, وأشار بیده فقال هذا بیته حیث ترون(3). اقتصر ابن عمر علی وصف علی علیه السلام بختن رسول الله صلی الله علیه و آله، ولو کان عثمان ختنه أیضاً لذکره. وأعتقد أنّ هذا یکفی فی إثبات أنّ الزهراء علیهاالسلام هی البنت الوحیدة للنبی صلی الله علیه و آله, مع أنّه هناک شواهد وأدلة أخری فی المقام.

سبب تصدی السیدة خدیجة للتجارة

اشارة

الطابع العام الذی عرفت به السیدة خدیجة الکبری قبل زواجها بالنبی صلی الله علیه و آله هو عملها بالتجارة, حتی أصبحت هذه المیزة الشائعة فی سیرتها, ولم یکن نشاط السیدة خدیجة بالتجارة بعیداً عن الطابع العام للحیاة الاقتصادیة والأعراف

ص:196


1- (1) الغدیر, الأمینی, ج 2 ص 312.
2- (2) ینابیع المودة لذوی القربی, القندوزی, ج 2 ص 169.
3- (3) صحیح البخاری, البخاری, ج 5 ص 157.

الاجتماعیة فی مکة, حیث کانت التجارة تمثل العمود الفقری لمکة, ومنذ أن جمع قصی قریشاً أخذت تمارس مهنة التجارة وتستمد منها الحیاة والعیش, ولذلک أجریت عدة معاهدات تجاریة قام بها هاشم وإخوته تسمی الإیلاف, وذلک لتامین الطرق التجاریة الداخلیة والخارجیة, وأصبح لقریش صلات مع العراق والشام والیمن والحبشة. وهذا إضافة إلی الانتعاش الاقتصادی الذی حظیت به قریش فقد أعطاها غطاءً واسعاً من التحضر والتعرف علی الثقافات الأخری, التی کانت تفد مع التجار الأجانب, فجعلتها تختلف عن مجتمعات الجزیرة العربیة, وتبعاً لذلک تطورت مکانة المرأة نوعاً ما فی هذا المجتمع فی شتی المجالات فاشترکت النساء فی کثیر من النشاطات لاسیما الاقتصادیة منها, ولم تبقَ حکراً علی الرجال, کما یؤکد ذلک ورود عدة روایات تذکر جملة من النساء کن یمارسن التجارة, من تلک النساء أسماء بنت مخربه (أم أبی جهل) کانت تعمل ببیع العطور التی یجلبها لها ابنها عبدالله ابن ربیعة من الیمن(1). وأیضا کانت قیلة (أم أنمار) تعمل بالتجارة. وهاله أخت خدیجة. فهذا کان أمراً شائعاً فی المجتمع المکی. ولیس ممارسة السیدة خدیجة للتجارة أمراً خارجاً عن الإطار العرفی والقانونی.

إما السبب الذی جعل السیدة خدیجة تباشر هذا العمل بعد وفاة خویلد هو لم یبق احد یرثه سوی خدیجة ونوفل ابن خویلد فلم یکن احد یقوم بإدارة هذه الأموال, لذلک قامت بنفسها فی إدارة هذه الأموال وتنظیمها للتجارة, حیث کانت ترسل الأمناء الذین من ضمنهم ابن أخیها حکیم ابن حزام, وکان یعمل معها

ص:197


1- (1) أنظر: الطبقات الکبری, محمد بن سعد, ج 8 ص 301.

بشکل منظم ومستمر وأیضا غلامها میسرة.

وکیف کان فإن السیدة خدیجة وجدت بین یدیها ثروة ومالاً بحاجة إلی عمل وتنمیة وکانت ذات نضوج عقلی وقوة فی شخصیتها الاجتماعیة قد حفزها ودفعها لتحریک هذا المال فی المجال الاقتصادی السائد آنذاک. ولکنها لم تباشر العمل بنفسها وإنما استعانت ببعض الأشخاص للعمل ومزاولة البیع والشراء والخروج مع القوافل, وهی بمثابة المشرف العام علی رؤوس هذه الأموال.

مصادر أموال السیدة خدیجة

لم یبین لنا التاریخ الموارد الأولیة التی من خلالها حصلت السیدة خدیجة علی رأس المال حتی أصبحت تضارب وتتاجر به وحازت کل هذه الثروة العظیمة التی تنافس کبار التجار من قریش, وعلیه حاول بعض الباحثین أن یحدد مصدر أموال السیدة خدیجة بافتراض بعید عن الواقع ولا ینسجم مع المنطق العام, حیث قال حصلت علی المال من أزواجها قبل الرسول صلی الله علیه و آله قال: «وقد مات عن خدیجة زوجان وترک کل منهما ثروة»(1). وهذا الکلام غیر صحیح ولا یصمد أمام النقاش من عدة أمور نستعرضها علی شکل نقاط:

أولاً: ثبت عندنا أنّ السیدة خدیجة لم تکن متزوجة قبل النبی صلی الله علیه و آله, فالافتراض منتفٍ أصلاً, أو یکون بمثابة الموجبة بانتفاء الموضوع.

ثانیاً: لو سلمنا جدلاً وقلنا لها زوج أو أزواج قبل النبی الأکرم صلی الله علیه و آله, فهم

ص:198


1- (1) نقلاً عن کتاب حیاة خدیجة من المهد الی الحد, ص 118.

کانوا فقراء لا یملکون أموالاً ولا هم من التجار, ولم توجد روایة أو نص تاریخی یؤید ذلک, بل هناک شواهد تدل علی عکس ذلک وتثبت أنهم کانوا فقراء, کما جاء عن ابن إسحاق فی أسراء بدر: (قال: وصیفی بن أبی رفاعة بن عائذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ترک فی أیدی أصحابه، فأخذوا علیه لیبعثن لهم بفدائه فخلوا سبیله ولم یف لهم)(1). فلو کان عتیق المخزومی تاجر وذا مال لکانت ابنته هند بنت عتیق أرسلت فداءً لزوجها عندما أسر فی معرکة بدر بدلاً من بقائه فی الأسر لأنه لا یمتلک فدیة.

ثالثاً: إنّ القوانین الوراثیة السائدة فی أغلب المجتمعات الجاهلیة ما قبل الإسلام کانت لا تورث الزوجة حیث یأخذ أهل الزوج أو أقرباؤه کل المال الذی یترکه زوجها, بل کانوا لا یورثون النساء والأطفال, حتی نزلت آیة المواریث لتعالج هذه المعضلة التی کان یعانیها المجتمع الجاهلی (لِلرِّجالِ نَصِیبٌ مِمّا تَرَکَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ وَ لِلنِّساءِ نَصِیبٌ مِمّا تَرَکَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ مِمّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ کَثُرَ نَصِیباً مَفْرُوضاً)2 ، وهذه الآیة نزلت فی أوس بن مالک الأنصاری، وذلک أن أوس بن مالک الأنصاری توفی وترک امرأته أم کحة الأنصاریة، وترک ابنتین إحداهن صفیة، وترک ابنی عمه عرفطة وسوید ابنی الحارث، فلم یعطیاها ولا ولداها شیئاً من المیراث، وکان أهل الجاهلیة لا یورثون النساء ولا الولدان الصغار شیئاً، ویجعلون المیراث لذوی الإنسان منهم، فانطلقت أم کحة وبناتها إلی

ص:199


1- (1) أنظر: البدایة والنهایة ابن کثیر, ج 3 ص 380.

النبی صلی الله علیه وسلم، فقالت: إنّ أباهن توفی، وإنّ سوید بن الحارث وعرفطة منعاهن حقهن من المیراث، فأنزل الله عز وجل فی أم کحة وبناتها: قوله (لِلرِّجالِ نَصِیبٌ ...)(1). بل کان الحال أسوء من ذلک, وهو إذا کان للرجل زوجة ومات عنها فأولیاؤه أحق بها, کما ورد عن ابن عباس قال کانوا إذا مات الرجل کان أولیاؤه أحق بامرأته إن شاء بعضهم تزوجها وان شاؤوا زوجوها وان شاؤوا لم یزوجوها فهم أحق بها من أهلها, حتی نزلت هذه الآیة (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا یَحِلُّ لَکُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ کَرْهاً وَ لا تَعْضُلُوهُنَّ)2 .

رابعا: لو فرضنا أنّها ورثتهم فإنّ لأولادهم حصة فی هذا المال, ولا یحق لها أن تستأثر بالأموال دونهم, مع أنّه کیف نتصور أنّ النبی صلی الله علیه و آله قبل هذه الأموال منها وعمل بها واستفاد منها فی نشر الدعوة الإسلامیة وهی فی الواقع بحکم المغصوبة.

فتحصل من کل ذلک أنّ السیدة خدیجة لم ترث من أزواجها الذین لا یعرف عنهم شیء سوی أسمائهم.

والصحیح أو الذی هو أقرب للواقع أنّ السیدة خدیجة ورثت هذا المال من عائلتها حیث إنّ أباها خویلد واثنین من أخوتها قتلوا فی حرب الفجار, فنالت جزءاً من هذه الأموال مع بقیة الورثة, أو أهداها أبوها فی حیاته ثم عملت به فنمی, مع أنّ أباها کان من الشخصیات المرموقة والمعروفة ومرجع الناس إلیه کما تقدم.

ص:200


1- (1) أنظر: تفسیر مقاتل بن سلیمان, مقاتل بن سلیمان, ج 1 ص 216.

هل کان النبی أجیراً عند خدیجة

اشارة

لا یسمح المقام الذی یتمتع به النبی صلی الله علیه و آله ولا العائلة الهاشمیة حینذاک أن یکون النبی صلی الله علیه و آله أجیراً بهذه الصفة لأحد کیف ما کان لاسیما وهو مؤهل لأن یکون منقذاً للبشریة, بالإضافة إلی العرف الجاهلی الذی یستهجن أن یکون أجیراً عند امرأة کیف ما کانت ولذلک لم نلحظ من التاریخ أنّ أعداء الإسلام عابوا علیه بذلک. وعلیه إنّه ما کان مما یقول الناس: إنها استأجرته بشیء، ولا کان أجیراً لأحد قط ولعل إضافة لما تقدم فی عزة نفس النبی صلی الله علیه و آله وإبائها. وأیضاً فی تسدید الله تعالی له. وأیضا فی شرف أبی طالب وسؤدده، ما یبعد کثیراً أن یکون قد صدر شیء مما نسب إلی أبی طالب منه وعلی هذا، فقد یکون سفره صلی الله علیه و آله إلی الشام، لا لکونه کان أجیراً لخدیجة، وإنما لأنه کان یضارب بأموالها، أو شریکاً لها.

وأمّا ما جاء فی روایة الیعقوبی عن عمار بن یاسر ما یفید أن خبر سفر النبی بأموال خدیجة إلی الشام وأن خدیجة أحبته حیث حدثها غلامها میسرة بأخباره، وأنها بعثت إلی النبی صلی الله علیه و آله فعرضت نفسها علیه... کان هذا قد شاع فی الناس یوم ذاک فکانوا یقولون: إنها استأجرته بشیء من أموالها، وکان عمار بن یاسر یقول: «أنا أعلم الناس بتزویج رسول الله خدیجة بنت خویلد... إنّه ما کان مما یقول الناس أنّها استأجرته بشیء، ولا کان أجیراً لأحد قط... بل کنا نمشی یوماً بین الصفا والمروة إذ بخدیجة بنت خویلد وأختها هالة، فلما رأت رسول الله جاءتنی هالة أختها فقالت: یا عمار ما لصاحبک حاجة فی خدیجة؟ قلت: والله ما أدری.

ص:201

فرجعت فذکرت ذلک له، فقال: ارجع فواضعها وعدها یوماً نأتیها فیه، ففعلت. فلما کان ذلک الیوم أرسلت إلی عمرو بن أسد (عمها) وطرحت علیه حبراً ودهنت لحیته بدهن أصفر... ثم جاء رسول الله صلی الله علیه و آله فی نفر من أعمامه، یتقدمهم أبو طالب، فخطب أبو طالب فقال: ثم روی الخطبة المذکورة ثم قال: فتزوجها وانصرف»(1).

بالإضافة إلی ما جاء فی التفسیر المنسوب إلی الإمام الحسن العسکری عن أبیه الهادی علیه السلام یصرح بذلک فیقول: «إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله کان یسافر إلی الشام مضارباً لخدیجة بنت خویلد»(2). وکذلک ابن إسحاق یقول: «کانت خدیجة بنت خویلد امرأة تاجرة ذات مال وشرف، تستأجر الرجال فی مالها وتضاربهم إیاه بشیء تجعله لهم منه... الخ»(3). وعلی هذا فقد یکون سفره صلی الله علیه و آله إلی الشام لا لکونه أجیراً لخدیجة بل مضارباً بأموالها, أو شریکاً.

والعمل لا یتنافی مع العبقریات والنبوات، ولا یضع من شأن الإنسان مهما کان، بل هو من أفضل الطاعات إذا کان فی سبیل العیال والأولاد وخیر الناس، ولکن تأریخ النبی صلی الله علیه و آله منذ ولادته إلی أن بلغ سن الرجولة وأصبح زوجاً لخیر امرأة عرفها تأریخ المرأة، ومواقف جده ثم عمه والمراحل التی عاش فیها معهما عزیزاً موفور الکرامة، لا یفارقهما فی لیل أو نهار، یبذلان فی سبیل راحته واطمئنانه الغالی ومن تتبع ذلک وأدرک أنهما منذ طفولته کانا یترقبان له مستقبلاً

ص:202


1- (1) راجع: تاریخ الیعقوبی, ج 2 ص 20.
2- (2) راجع: تفسیر الإمام العسکری, ص 155.
3- (3) راجع: سیرة ابن إسحاق, محمد بن إسحاق بن یسار, ج 2 ص 59.

یهز العالم من أقصاه إلی أقصاه ویحدث تحولاً فی تأریخ البشریة، وأنهما کانا یخافان علیه دعاة الأدیان وطواغیت العرب.

زیف القول

حاول أعداء الإسلام أو الحمقی والمغفلون تحریف مسار التاریخ واتهام نبی الإنسانیة بما لا یعقل, فقد نقل الحلبی فی سیرته أنّ النبی صلی الله علیه و آله دخل علی خدیجة قبل التزویج فأخذت یده فضمته إلی صدرها(1). وأیضا من جملة ما نقله أنّ عمها کان یأنف من أنّ یزوجها من محمد یتیم أبی طالب فاحتالت علیه حتی سقته الخمر فزوجها فی حال سکره فلما أفاق وجد نفسه أمام الأمر الواقع, فلم یجد بداً من القبول(2) ؟.

والجواب

لا ریب إنّ هذا الهراء والافتراء یتناقض مع أخلاق الرسول الکریم وخدیجة أم المؤمنین فهو لیس إلا کذباً موضوعاً لم یقصد به سوی الحط والوضع من کرامة النبی صلی الله علیه و آله وتنقیصه. إضافة إلی قدح مکانة السیدة خدیجة.

وکما أنّ کون خدیجة هی التی عرضت نفسها علی النبی صلی الله علیه و آله، وأنه لم یکن هو الذی تقدم بطلب یدها، لخیر جواب لما جاء فی کلمات بعض المستشرقین من اتهام باطل بأنه صلی الله علیه و آله إنّما تزوج خدیجة طمعاً فی مالها, مع أنّه لم

ص:203


1- (1) انظر: السیرة الحلبیة, الحلبی, ج 1 ص 140.
2- (2) انظر: المصدر السابق, ص 138.

یبق هذا التقدیر والحب من خدیجة للنبی صلی الله علیه و آله من طرف واحد، بل قابله النبی صلی الله علیه و آله بالحب والتقدیر لها فی أیام حیاتها وبعد مماتها، حتی لقد کان ذلک یثیر حفیظة بعض أزواجه اللواتی ما رأین، ولا عشن مع خدیجة، دلیل واضح علی بطلان هذا الزعم. بل إن حیاة النبی صلی الله علیه و آله من بدایتها إلی نهایتها لخیر شاهد علی أنّه ما کان یقیم للمال أی وزن وقد أنفقت خدیجة أموالها برغبتها فی سبیل الله والدعوة إلی دینه ولیس علی النبی صلی الله علیه و آله وملذاته وهکذا تفعل الحرة العاقلة اللبیبة کما فعلت خدیجة، فلا تغرها بهرجة الدنیا وزخرفها وزبرجها، ولا تبحث عن المال والشهرة، ولا عن اللذة والشهوة, وإنمّا یکون نظرها إلی الأخلاق الفاضلة والسجایا الکریمة، لأنّها هی التی تسخر المال والجاه والقوة فی سبیل الإنسانیة, والمادیون الذین ینظرون إلی کل شیء من ناحیة المال والمادة فإنّ حیاة النبی صلی الله علیه و آله من بدایتها إلی نهایتها لخیر شاهد علی أنه صلی الله علیه و آله ما کان یقیم للمال وزناً.

تصید بالماء العکر

زعم بعض المغرضین أن خدیجة بما أنها کانت ذات مال تتاجر به، کانت أحوج ما تکون إلی رجل أمین لإدارة أمور تجارتها، لذلک اندفعت للزواج بمحمد الصادق الأمین وکان النبی صلی الله علیه و آله یعلم بوضعها المالی وحیاتها الکریمة قبل خطوبتها مع ما بینهما من تفاوت العمر.

إلا أن الذی نراه فی التأریخ هو أن دوافع خدیجة للزواج بالصادق الأمین کانت دوافع معنویة لا مادیة.

ص:204

والشاهد لذلک ما رواه ابن إسحاق قال: وکانت خدیجة قد ذکرت لورقة بن نوفل بن أسد (ابن عمها) ما ذکر لها غلامها میسرة من قول الراهب، وما کان یری منه إذ کان الملکان یظلانه.

وکان ورقة نصرانیاً قد تتبع الکتب وعلم من علم الناس فقال لها: لئن کان هذا حقاً یا خدیجة فان محمداً لنبی هذه الأمة، وقد عرفت انّه کائن لهذه الأمّة نبی ینتظر وکانت أول امرأة آمنت به، لما یشهد فی صفحات التأریخ بأن زواجها کان منبعثاً من إیمانها بطهارة الصادق الأمین، وان حیاة خدیجة وما ورد بشأنها من الروایات والأحادیث لما یوضح هذا الموضوع بما لا یدع فیه أی شبهة، علی من أراد التفصیل فی ذلک أن یراجع الروایات الواردة فی فضلها وفضیلتها(1).

منزلة خدیجة عند الله

حظیت خدیجة بنت خویلد بمکانة عالیة ومقام رفیع عند الله, وهذا ما کشف عنه الوحی الإلهی الذی طالما یوصل لها التحیة والسلام المباشر من قبل الله تعالی ویبشرها بما أعد لها من النعیم فی الآخرة. کما ورد بطرق مختلفة, أتی جبرائیل النبی صلی الله علیه و آله فقال: یا رسول الله هذه خدیجة قد أتتک ومعها إناء فیه أدام أو طعام أو شراب فإذا هی أتتک فاقرأ علیها السلام من ربها، وبشرها ببیت فی الجنة من قصب لا صخب فیه ولا نصب(2).

ص:205


1- (1) راجع: موسوعة التاریخ الإسلامی, محمد هادی الیوسفی, ج 1 ص 331
2- (2) صحیح البخاری, ج 4 ص 231. والسیرة النبویة, ابن کثیر, ج 2 ص 133.

وأیضا ورد عن زرارة وحمران بن أعین ومحمد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام قال:

حدث أبو سعید الخدری ان رسول الله صلی الله علیه و آله قال: إنّ جبرئیل قال لی لیلة اسری بی وحین رجعت فقلت: یا جبرئیل هل لک من حاجة؟ فقال: حاجتی أن تقرأ علی خدیجة من الله ومنی السلام, وحدثنا عند ذلک انها قالت حین لقیها نبی الله علیه وآله السلام فقال لها الذی قال جبرئیل، قالت: ان الله هو السلام، ومنه السلام، وإلیه السلام، وعلی جبرئیل السلام(1).

وعن وکیع، بإسناده، أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله قال لخدیجة:

یا خدیجة، هذا جبرائیل یخبرنی أن الله عز وجل أرسله إلیک بالسلام. فقالت خدیجة: الله السلام ولله السلام وعلی جبرائیل السلام(2).

وعن ابن عباس قال: خط رسول الله صلی الله علیه و آله أربعة خطوط فی الأرض وقال: أتدرون ما هذا: قلنا الله ورسوله أعلم فقال رسول الله صلی الله علیه و آله:

أفضل نساء [أهل] الجنة أربع: خدیجة بنت خویلد، وفاطمة بنت محمد، ومریم بنت عمران، وآسیة بنت مزاحم امرأة فرعون(3) ).

وغیرها من الروایات الکثیرة التی تشیر إلی عظمة مکانة السیدة خدیجة عند الله.

ص:206


1- (1) شرح الأخبار, القاضی النعمانی المغربی, ج 3 ص 21. ینابیع المودة, القندوزی, ج 2 ص 48.
2- (2) تفسیر العیاشی, محمد بن مسعود العیاشی, ج 2 ص 279.
3- (3) الخصال, الشیخ الصدوق, ص 205.

مکانتها عند النبی صلی الله علیه و آله

انفردت خدیجة عن غیرها من زوجات النبی صلی الله علیه و آله فی حبه لها, فقد نالت حب النبی صلی الله علیه و آله ورضاه وشغفه بها وما کان یقدم علیها امرأة وبقیت هی زوجته الوحیدة وشریکة حیاته إلی أن وافاها الأجل, وهذا الحب وهذه العلاقة لم تنقطع عند الموت وإنّما ظلت فی ذاکرته وهواجسه صلی الله علیه و آله, وکان یؤنسه الحدیث عنها حتی أنّهُ کان یقصد صویحباتها یحدثنه عنها وعن ذکریاتها, وکان یکثر ذکرها، ویحسن الثناء علیها، ویقول: ما نفعنی مال کمالها، ورزقه الله الولد منها، ولم یتزوج فی حیاتها إکراماً منه لها. ذات یوم اجتمعن عنده نساؤه, قالت أم سلمة: فلما ذکرنا خدیجة بکی رسول الله صلی الله علیه و آله ثم قال: خدیجة وأین مثل خدیجة، صدقتنی حین کذبنی الناس وآزرتنی علی دین الله وأعانتنی علیه بمالها، إن الله عز وجل أمرنی أن أبشر خدیجة ببیت فی الجنة من قصب [الزمرد] لا صخب فیه ولا نصب(1). ولکثرة ما کان یذکرها قالت له عائشة یوماً: تکثر من ذکر خدیجة وقد أبدلک الله من هو خیر منها؟ فقال صلی الله علیه و آله: کلا والله ما بدلت بها من هو خیر منها، صدقتنی إذ کذبنی الناس، وآوتنی إذ طردنی الناس، وأسعدتنی بمالها، ورزقنی الله الولد منها، ولم ارزق من غیرها(2).

وعن عائشة قالت ما غرت علی نساء النبی صلی الله علیه وسلم إلا علی خدیجة وإنی لم أدرکها قالت وکان رسول الله صلی الله علیه وسلم إذا ذبح الشاة فیقول أرسلوا بها إلی أصدقاء خدیجة قالت فأغضبته یوماً فقلت خدیجة فقال

ص:207


1- (1) أنظر: شرح إحقاق الحق, السید المرعشی, ج 4 ص 480. وبحار الأنوار, العلامة المجلسی, ج 43 ص 131.
2- (2) التعجب, أبو الفتح الکراجکی, ص 103.

رسول الله صلی الله علیه وسلم إنّی قد رزقت حبها(1).

وجاء عن أنس قال کان النبی صلی الله علیه وسلم إذا أتی بالشیء قال اذهبوا به إلی فلانة فإنها کانت صدیقة لخدیجة. وقالت عائشة کان رسول الله صلی الله علیه وسلم إذا ذکر خدیجة لم یکن یسأم من الثناء علیها والاستغفار لها فذکرها ذات یوم واحتملتنی الغیرة إلی أن قلت قد عوضک الله من کبیرة السن قالت فرأیت رسول الله صلی الله علیه وسلم غضب غضباً سقط فی جلدی فقلت فی نفسی اللهم إنک إن أذهبت عنی غضب رسول الله صلی الله علیه وسلم لم أذکرها بسوء ما بقیت فلما رأی رسول الله صلی الله علیه وسلم الذی قد لقیت قال کیف قلت والله لقد آمنت بی إذ کفر بی الناس وصدقتنی إذ کذبنی الناس ورزقت منی الولد إذ حرمتیه منی فغدا بها علی وراح شهراً(2).

وأیضا عن عائشة قالت کان النبی صلی الله علیه وسلم إذا ذکر خدیجة اثنی علیها فأحسن الثناء قالت فغرت یوما فقلت ما أکثر ما تذکرها حمراء الشدق قد أبدلک الله عز وجل بها خیراً منها قال ما أبدلنی الله عز وجل خیراً منها قد آمنت بی إذ کفر بی الناس وصدقتنی إذ کذبنی الناس وواستنی بمالها إذ حرمنی الناس ورزقنی الله عز وجل ولدها إذ حرمنی أولاد النساء(3). وغیر ذلک من الروایات المستفیضة عند الفریقین, ویکفیها أنّه صلی الله علیه و آله بعد ما فارقت الحیاة ومن ثم أبی طالب سمی ذلک العام عام الحزن؛ لأنه فقد عزیزین یصعب فراقهما.

ص:208


1- (1) صحیح مسلم, مسلم النیسابوری, ج 7 ص 134.
2- (2) المعجم الکبیر, الطبرانی, ج 23 ص 12.
3- (3) انظر: مسند أحمد, أحمد بن حنبل, ج 6 ص 117.

سبق إسلامها

امتازت خدیجة عن غیرها فی جملة من المواقف النبیلة التی أعطتها صبغة ممیزة أشخصتها عن أقرانها ومعاصریها من جملتها أنّها أوّل النساء اللاتی أسلمت وآمنت وضحّت وقدمت الغالی والنفیس من أجل الدین والرسالة, وقد أظهرت ما کان یختلج صدرها من إیمانها بالنبی الأکرم وما رسمه من مستقبل زاهر فی إحیاء البشریة ومجابهة الطاغوت الغاشم, مع أنّ دخول خدیجة علیهاالسلام فی الإسلام یختلف عن غیره بکثیر إذ أکثر أهل الإسلام کان إسلامهم بطیئاً ومتأخراً وربما یکون خجولاً عند بعض الأشخاص, بل متزلزلاً عند البعض الآخر, لذا نلاحظ البعض یدخل دائرة الإسلام بعد المشاورة أو بعد التأمل, أو هناک ثمة ضغوط سیاسیة أو اجتماعیة, وغیر ذلک, وأمّا خدیجة علیهاالسلام فقد کان إسلامها سریعاً وفوریاً ومنشأ هذه السرعة والفوریة فی إسلامها أمران:

الأمر الأول: علمها ومعرفتها بالأدیان والکتب وعلامات الرسل, فقد تعلمتها من عمها ورقة بن نوفل کما سوف یأتی فی الکلام حول علمها فهی علی اطلاع بأنّ محمداً صلی الله علیه و آله سوف یکون هو النبی لهذه الأمة, وکان هذا العلم یلازمه الإیمان بالله تعالی فإنها علیهاالسلام کانت علی ملة إبراهیم الخلیل علیه السلام کما تقدمت الإشارة إلیه.

الأمر الثانی: هو علمها بأنّ محمداً صلی الله علیه و آله أهل لذلک ولیس أحد فی أمته من هو أفضل منه, وعلیه فقد ذکروا أن خدیجة أوّل من أسلم حیث بُعث صلی الله علیه و آله یوم الاثنین فأسلمت هی فی ذلک الیوم, وکانت له عوناً علی حاله کله تثبته علی أمره

ص:209

وتصبره علی ما یلقی من أذی قومه, وکان رسول الله صلی الله علیه و آله یحبها ویقول: رزقت حبها، ولم یتزوج علیها حتی ماتت قبل الهجرة بسبع سنین, وقیل بخمس, وقیل بأربع, وقیل بثلاث, وهو أصح وأشهر وتوفیت هی وأبو طالب فی سنة واحدة. قیل: کان بینهما ثلاث أیام, وسیأتی الکلام عن تاریخ وفاتها إنْ شاء الله.

النبی یعلّم خدیجة الوضوء والصلاة

بعد ما علّم جبرائیل الوضوء والصلاة للنبی صلی الله علیه و آله من قبل الله, فجاء رسول الله إلی خدیجة فتوضأ لها لیریها کیفیة الطهور للصلاة کما أراه جبرائیل فتوضأت کما توضأ لها رسول الله صلی الله علیه و آله ثم صلی بها رسول الله صلی الله علیه و آله کما صلی به جبرائیل فصلت بصلاته(1). وکانت هذه الصلاة فی نفس یوم الوحی کما ورد. صلی النبی صلی الله علیه و آله یوم الاثنین وصلت خدیجة آخر یوم الاثنین. وأیضا ورد عن عفیف قال: جئت فی الجاهلیة حتی قدمت مکة لابتاع لأهلی من ثیابها وعطرها وآویت إلی العباس وکان رجلاً تاجراً فأنا جالس عنده وأنا أنظر إلی الکعبة وقد حلقت الشمس فی السماء إذ اقبل فتی شاب حتی رمی ببصره إلی السماء فنظر ثم اقبل إلی الکعبة فدنا منها فلم یلبث إلا یسیراً حتی جاء شاب فصنع کما صنع ثم قام إلی جنبه فما مکث إلا یسیراً حتی جاءت امرأة فقامت خلفهما فأهوی الشاب فرکع فرکعا فرفع فرفعا ثم أهوی إلی الأرض ساجداً (فسجدا) فقلت: یا عباس أمر والله عظیم؟ فقال: أمر والله عظیم؟ هل تدری من هذا؟ قلت: لا, قال: هذا محمد ابن عبد الله هذا ابن أخی, هل تدری من هذه المرأة؟ قلت: لا, قال: هذه خدیجة

ص:210


1- (1) السیرة النبویة, ابن هشام الحمیری, ج 1 ص 161.

بنت خویلد زوجة ابن أخی. هل تدری من هذا (الفتی؟) هذا علی بن أبی طالب ابن أخی, هذا الذی تری ذکر أن ربه رب السماوات والأرض أمره بهذا الدین فهو علیه ولا والله (ما) أعلم علی ظهر الأرض کلها أحداً علی هذا الدین غیر هؤلاء الثلاثة(1).

خدیجة وعاء لأم الأئمة

تقدم أنّ أم المعصوم لا بد وأن تحتوی علی مؤهلات وصفات کمالیة عالیة بحیث تؤهلها لأن تکون وعاءً للمعصوم وتنال هذا الوسام الرفیع, ولذلک دخل هذا الوعاء تحت الرعایة والتربیة الإلهیة وکان ذلک بمثابة الاصطفاء وأم المعصوم قد اصطفیت من قبل الله عزّ وجل. والسیدة فاطمة الزهراء علیهاالسلام لم تکن حجة ومعصومة فحسب وإنما بحسب الأحادیث الثابتة أنها حجة علی الحجج الطاهرة والبراهین الزاهرة, کما أکده المعصوم علیه السلام بعبارة صریحة لا تقبل التأویل: نحن حجج الله علی الخلق وفاطمة حجة الله علینا(2). من هنا أخذت فاطمة علیهاالسلام تعرّف علیاً عن نفسها وعن عظم مکانتها وذلک من باب إیاک أعنی واسمعی یا جارة, وإلا أهل البیت علیهم السلام أعلم وأعرف ببعضهم البعض, فراحت مخاطبة علیاً علیه السلام قائلة: اعلم یا أبا الحسن إنّ الله تعالی خلق نوری وکان یسبح الله جل جلاله ثم أودعه شجرة من شجر الجنة فأضاءت فلما دخل أبی صلی الله علیه و آله إلی الجنة أوحی الله تعالی إلیه إلهاماً أن اقتطف الثمرة من تلک الشجرة وادرْها فی لهواتک ففعل

ص:211


1- (1) مناقب الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام, محمد بن سلیمان الکوفی, ج 1 ص 271
2- (2) انظر: الانتصار, العاملی, ج 7 ص 193.

فأودعنی الله تعالی صلب أبی صلی الله علیه و آله ثم أودعنی خدیجة بنت خویلد علیهاالسلام فوضعتنی وأنا من ذلک النور, اعلم ما کان وما یکون وما لم یکن, یا أبا الحسن المؤمن ینظر بنور الله تعالی(1).

وعن مجاهد، عن ابن عباس، قال: لما تزوجت خدیجة بنت خویلد، رسول الله صلی الله علیه و آله هجرها نسوان مکة، وکن لا یکلمنها، ولا یدخلن علیها، فلما حملت بالزهراء علیهاالسلام کانت إذا خرج رسول الله صلی الله علیه و آله من منزلها تکلمها فاطمة الزهراء فی بطنها من ظلمة الأحشاء، وتحدثها وتؤانسها، فدخل رسول الله صلی الله علیه و آله فقال لها: یا خدیجة من تکلمین؟ قالت: یا رسول الله، إن الجنین الذی أنا حامل به إذا أنا خلوت به فی منزلی کلمنی، وحدثنی من ظلمة الأحشاء, فتبسم رسول الله صلی الله علیه و آله ثم قال: یا خدیجة، هذا أخی جبرائیل علیه السلام یخبرنی أنها ابنتی، وأنها النسمة الطاهرة المطهرة، وأن الله تعالی أمرنی أن أسمیها (فاطمة) وسیجعل الله تعالی من ذریتها أئمة یهتدی بهم المؤمنون. ففرحت خدیجة بذلک(2). ولم نسمع بمثل هذا من أبناء السیدة خدیجة غیر السیدة الزهراء علیهاالسلام أنه کلمها وحدثها وهو فی بطنها فهذه الکرامة من اختصاص السیدة الزهراء علیها السلام بما لها من مکانة عند الله.

نساء الجنة یحضرن خدیجة فی مخاضها

نالت خدیجة مرة أخری وسام الشرف والافتخار حیث حضرن خیر نساء أهل الجنة لخدمتها والقیام بشأنها وهذا الأعجاز لا یتأتی لکل أحد إلا من خصه

ص:212


1- (1) عیون المعجزات, حسین بن عبد الوهاب, ص 47.
2- (2) الثاقب فی المناقب, ابن حمزة الطوسی, ص 285.

الله عز وجل بالفضل والاصطفاء. فلما أن حضر وقت ولادتها أرسلت إلی نسوان مکة أن یتفضلن ویحضرن ولادتی لیلین منی ما تلی النساء من النساء، فأرسلن إلیها: یا خدیجة، أنت عصیتنا ولم تقبلی منا قولنا، وتزوجت فقیراً لا مال له، فلسنا نجیء إلیک، ولا نلی منک ما تلی النساء من النساء فاغتمت خدیجة رضی الله عنها غماً (شدیداً)، فبینما هی کذلک إذ دخل علیها أربع نسوة کأنهن من نسوة قریش، فقالت إحداهن: یا خدیجة، لا تحزنی فأنا آسیة بنت مزاحم، وهذه صفیة بنت شعیب وفی روایة أخری: کلثم بنت عمران أخت موسی علیه السلام وهذه سارة زوجة إبراهیم علیه السلام، وهذه مریم بنت عمران، وقد بعثنا الله تعالی إلیک لنلی منک ما تلی النساء من النساء, وجلسن حولها، ووضعت الزهراء فاطمة علیهاالسلام طاهرة ومطهرة(1).

خدیجة مربیة لأمیر المؤمنین علیه السلام

ومن فضائلها والخصوصیات التی اختصت بها علیهاالسلام إنها ربت أمیر المؤمنین علیه السلام ویکفیها هذا الفخر العظیم حیث احتضنت مولی الموحدین الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام.

وبعبارة أخری، یحتاج أمیر المؤمنین إلی حاضنة خاصة طاهرة ومطهرة من کل شائبة ولا یحمل هذا الظرف الطاهر ولا یحتضنه أی محضن مهما کانت خصوصیاته, بل لا بد أن یکون قابلاً لهذا المعصوم أرواحنا فداه فکما أن لفاطمة بنت أسد سلام الله علیها الفخر والفضل حیث ربت الرسول صلی الله علیه و آله

ص:213


1- (1) الثاقب فی المناقب, ابن حمزة الطوسی, ص 286.

فکذلک لخدیجة علیهاالسلام هذا الفضل العظیم ویدل علی هذا ما ذکره ابن شهر آشوب حیث قال: کان أبو طالب وفاطمة بنت أسد ربیا النبی صلی الله علیه و آله وخدیجة لعلی صلوات الله علیه، ونقل تاریخ الطبری, والبلاذری, وتفسیر الثعلبی, والواحدی, وشرف النبی, وأربعین الخوارزمی, ودرجات محفوظ البستی, ومغازی محمد بن إسحاق, ومعرفة أبی یوسف النسوی, أنه قال مجاهد:... وأخذ رسول الله علیاً وهو ابن ست سنین کسنه یوم أخذه أبو طالب فربته خدیجة والمصطفی إلی أن جاء الإسلام، فکان مع النبی إلی أن مضی وبقی علیٌّ بعده(1).

وعن الباعونی الشافعی: أنّ أبا طالب قال لزوجته فاطمة بنت أسد أم علی رضی الله عنهم یا فاطمة ما لی لا أری علیاً یحضر طعامنا؟ فقالت: إن خدیجة بنت خویلد قد تألفته(2), فقال أبو طالب: والله لا أحضر طعاماً لا یحضره علی, فأرسلت أمه جعفراً أخاه وقالت: جئنی به وحدثته بما قال أبوه. قال: فانطلق جعفر إلی خدیجة فأعلمها وأخذ علیاً...(3). هذا وغیره یدل علی مدی حبها لأمیر المؤمنین علیه السلام وإیمانها به.

وذکر ابن حجر العسقلانی قوله: وعلی نشأ فی بیت خدیجة وهو صغیر, ثم تزوج بنتها بعدها فظهر رجوع أهل البیت النبوی إلی خدیجة دون غیرها...(4).

ص:214


1- (1) راجع: حلیة الأبرار, السید هاشم البحرانی, ج 2 ص 28.
2- (2) وتألف فلان فلانا إذا داراه وآنسه وقاربه وواصله حتی یستمیله إلیه. تاج العروس, ج 6 ص 45.
3- (3) راجع: جواهر المطالب فی مناقب علی بن أبی طالب علیهما السلام, ج 1 ص 39.
4- (4) فتح الباری بشرح البخاری, ج 7 ص 109.

خدیجة عند احتضارها

ذکر بعض المؤرخین حال السیدة خدیجة عند احتضارها: وقد بدأت وطأة المرض تشتد علی أم المؤمنین خدیجة علیهاالسلام ولکن لم یکن یشغلها ما تعانیه من مرض بل کان کل شغلها رسول الله صلی الله علیه و آله وأصحابه والدعوة إلی الله تعالی وتصبر علی آلامها فتبتسم له حین یدخل علیها وهموم الدعوة إلی الله ترسم آثارها علی وجه الحبیب فتشد خدیجة رضی الله عنها علیه بیدها الحانیة وتمسح عنه بهذا التأیید کل آثار التعب أو النصب.

ولبث الرسول صلی الله علیه و آله إلی جوار زوجته المریضة یرعاها ویؤنس وحشتها ویقف إلی جوارها لحظة الاحتضار هذه السیدة التی کان لها قصب السبق فی الإسلام وهی التی احتضنت الدعوة الولیدة بقلبها المؤمن المستیقن وهی التی واست النبی صلی الله علیه و آله والمسلمین بمالها وجاهها وفوق هذا کله صاحبة البشری الواعدة بأنّ لها بیتاً فی الجنة.

لقد أتی الخاصة من الأهل والأقارب یهرولون لیهونوا علی أم المؤمنین مرضها بإحاطتها بالرعایة والود وإسباغ مشاعر المحبة علیها واقترب منها المصطفی صلی الله علیه و آله أکثر أنه یری وداعها قد حان وأنها الآن أوشکت علی الفراق, ثم أسلمت الروح لبارئها وهی بین یدی رسول الله صلی الله علیه و آله وقام رسول الله صلی الله علیه و آله وهو حزین یحاول مغالبة عبراته, وهو یقول لقد ماتت خدیجة. ثم سری الخبر فی أرجاء مکة یحمل نبأ وفاة أعظم امرأة عرفها الناس فی تلک الأرض الطاهرة ووقع الخبر علی أهل مکة کالصاعقة لقد ماتت خدیجة بنت خویلد الطاهرة سیدة نساء قریش.

ص:215

وروی عن الصدوق قال: عندما دخل رسول الله صلی الله علیه و آله علی خدیجة وهی لما بها. فقال لها بالرغم منا ما نری بک یا خدیجة فإذا قدمت علی ضرائرک فأقرئیهن السلام. فقالت: من هن یا رسول الله؟ قال: مریم بنت عمران وکلثم أخت موسی وآسیة امرأة فرعون. قالت: بالرفاء یا رسول الله(1).

وروی لما مرضت مرضها الذی توفیت دخل علیها رسول الله صلی الله علیه و آله فقال لها: بالکره منی ما أری منک یا خدیجة وقد یجعل الله فی الکره خیراً کثیراً أما علمت أن الله قد زوجنی معک فی الجنة مریم بنت عمران وکلثم أخت موسی وآسیة امرأة فرعون. قالت: وقد فعل الله ذلک یا رسول الله؟ قال: نعم. قالت: بالرفاء والبنین(2).

وذکر الطبرسی رحمه الله قریباً من روایة الصدوق والبحار إلا أنه قال: دخل رسول الله صلی الله علیه و آله علی خدیجة وهی تجود بنفسها، فقال: أکره ما نزل بک یا خدیجة... الخ(3).

وعن الخوارزمی: دخل رسول الله صلی الله علیه و آله علی خدیجة بنت خویلد امرأته وهی بالموت فشکت إلیه شدة کرب الموت فبکی رسول الله صلی الله علیه و آله ودعا لها ثم قال: أقدمی خیر مقدم یا خدیجة أنت خیر امَّهات المؤمنین وأفضلهن وسیدة نساء العالمین(4).

ص:216


1- (1) من لا یحضره الفقیه, ج 1 ص 84.
2- (2) مجمع الزوائد, الهیثمی, ج 9 ص 218. وبحار الأنوار, ج 19 ص 20.
3- (3) مجمع البیان, ج 10 ص 806.
4- (4) مناقب علی بن أبی طالب علیهما السلام, ص 334.

من وصایا خدیجة للنبی صلی الله علیه و آله

لما اشتد مرضها قالت یا رسول الله اسمع وصایای, أولاً فأنی قاصرة فی حقک فأعفنی یا رسول الله. قال رسول الله صلی الله علیه و آله: حاشا وکلا ما رأیت منک تقصیراً فقد بلغت جهدک وتعبت فی داری غایة التعب وبذلت بذلک أموالک وصرفت فی سبیل الله جمیع مالک قالت: یا رسول الله الوصیة الثانیة أوصیک بهذه وأشارت إلی فاطمة فإنها غریبة من بعدی فلا یؤذیها أحد من نساء قریش، ولا یلطمن خدها ولا یصحن فی وجهها ولا یرینها مکروهاً.

الوصیة الثالثة: فإنی أقولها لابنتی فاطمة وهی تقول لک فإنی مستحیة منک یا رسول الله فقام النبی صلی الله علیه و آله وخرج من الحجرة فدعت بفاطمة وقالت یا حبیبتی وقرة عینی قولی لأبیک إن أمی تقول أنا خائفة من القبر أرید منک رداءک الذی تلبسه حین نزول الوحی تکفننی فیه فخرجت فاطمة وقالت لأبیها ما قالت أمها خدیجة فقام النبی صلی الله علیه و آله وسلم الرداء إلی فاطمة وجاءت به إلی أمها فسرت به سروراً عظیماً(1).

اهتمامها بفاطمة علیهاالسلام

کان یشغل خدیجة أمران النبی صلی الله علیه و آله وما یعانیه من مصاعب وآلام, ومستقبل ابنتها فاطمة علیهاالسلام حتی وهی فی أحلک الظروف ومعاناتها سکرات الموت, فقد ورد عن أسماء بنت عمیس قالت: لما حضرت وفاة خدیجة علیهاالسلام

ص:217


1- (1) شجرة طوبی, الشیخ محمد مهدی الحائری, ج 2 ص 234.

فبکت. فقلت: أتبکین وأنت سیدة نساء العالمین وأنت زوجة النبی صلی الله علیه و آله مبشرة علی لسانه بالجنة, فقالت: ما لهذا بکیت ولکن المرأة لیلة زفافها لا بد لها من امرأة تقضی إلیها بسرها وتستعین لها علی حوائجها وفاطمة حدیثة عهد بصبی وأخاف أن لا یکون لها من یتولی أمرها حینئذ.

فقلت: یا سیدتی لک علیَّ عهد الله إن بقیت إلی ذلک الوقت أن أقوم مقامک فی هذا الأمر. فلما کانت تلک اللیلة وجاء النبی صلی الله علیه و آله وأمر النساء فخرجن وبقیت فلما أراد الخروج رأی سوادی فقال: من أنت؟ فقلت: أسماء بنت عمیس. فقال: ألم آمرک أن تخرجی؟ فقلت: بلی یا رسول الله فداک أبی وأمی وما قصدت خلافک ولکنی أعطیت خدیجة عهداً وحدثته. فبکی فقال: بالله لهذا وقفت؟ فقلت: نعم والله. فدعا لی(1).

النبی یجهزها

لما توفت خدیجة أخذ رسول الله صلی الله علیه و آله فی تجهیزها وغسلها وحنطها, فلما أراد أن یکفنها هبط الأمین جبرئیل وقال یا رسول الله إن الله یقرئک السلام ویخصک بالتحیة والإکرام ویقول لک یا محمد إنّ کفن خدیجة من عندنا فإنها بذلت مالها فی سبیلنا فجاء جبرئیل بکفن وقال یا رسول الله هذا کفن خدیجة وهو من أکفان الجنة أهدی الله إلیها فکفنها رسول الله بردائه الشریف أولاً وبما جاء به جبرئیل ثانیاً فکان لها کفنان کفن من الله وکفن من رسول الله صلی الله علیه و آله.

ص:218


1- (1) بحار الأنوار, المجلسی, ج 43 ص 138.

وفاتها ومحل دفنها

اختلف المحدثون والمؤرخون فی تحدید زمن وفاة خدیجة علیهاالسلام وسنذکر جملة من أقوالهم فی ذلک:

ذکر ابن آشوب وغیره: أن أبا طالب رضی الله عنه توفی فی آخر السنة العاشرة من مبعث رسول الله صلی الله علیه و آله ثم توفیت خدیجة رضی الله عنها بعد أبی طالب بثلاثة أیام فسمی رسول الله ذلک العام عام الحزن. فقال: ما زالت قریش قاعدة عنی حتی مات أبو طالب(1).

وذکروا عن ابن إسحاق قال: ثم إن خدیجة بنت خویلد وأبا طالب ماتا فی عام واحد فتتابعت علی رسول الله المصائب بموتهما. وکانت خدیجة وزیرة صدق علی الإسلام کان یسکن إلیها.

وذکر الواقدی أنهم خرجوا من الشعب قبل الهجرة بثلاث سنین وأنهما توفیا فی ذلک العام وتوفیت خدیجة قبل أبی طالب بخمسة وثلاثین یوماً(2).

وعن قطب الدین الراوندی رحمه الله قال: وخرج النبی صلی الله علیه و آله ورهطه من الشعب وخالطوا الناس ومات أبو طالب بعد ذلک بشهرین وکانت خدیجة رضی الله عنها بعد ذلک وورد علی رسول الله صلی الله علیه و آله أمران عظیمان وجزع جزعاً شدیداً(3).

وعن ابن المغازلی حدثنا سعید عن قتادة قال: توفیت خدیجة قبل الهجرة

ص:219


1- (1) انظر: مناقب آل أبی طالب, ابن شهر آشوب, ج 1 ص 150.
2- (2) أنظر: تاریخ الإسلام, الذهبی, ج 1 ص 236. والسیرة النبویة, ج 1 ص 268.
3- (3) قصص الأنبیاء, القطب الراوندی, ص 337.

بثلاث سنین.

وأما أبو عبیدة معمر بن المثنی فقال: ماتت خدیجة بمکة قبل الهجرة بخمس سنین ویقال: بأربع سنین ماتت قبل تزویج النبی صلی الله علیه و آله عائشة.

وقال ابن سعید یرفعه إلی حکیم بن حزام قال: توفیت خدیجة فی شهر رمضان سنة عشر من النبوة وهی ابنة خمس وستین فخرجنا بها من منزلها حتی دفنها بالحجون(1), فنزل رسول الله صلی الله علیه و آله فی حفرتها ولم یکن یومئذ صلاة علی الجنازة. قیل: ومتی ذلک یا أبا خالد. قال: قبل الهجرة بسنوات ثلاث أو نحوها(2).

وذکر الشیخ النمازی رحمه الله أنها توفیت فی سنة عشر من النبوة فی عشر من شهر رمضان بعد أبی طالب بثلاثة أیام.

وعن الفقیه الکبیر العلامة المامقانی: أنّ أهل السیر ذکروا أن خدیجة توفت فی شهر رمضان قبل الهجرة بخمس سنین وقیل بأربع وقیل بثلاث واستصوب فی أسد الغابة الأخیر، فقال: ودفنت بالحجون(3).

وعن المسعودی: وکان وفاتها فی شوال بعد مبعثه بثلاث سنین. وعن أبی الفرج الأصفهانی: وتوفیت خدیجة رضی الله عنها قبل الهجرة بثلاث سنین. ودفنت بالحجون. وعن الیعقوبی: وتوفیت خدیجة بنت خویلد فی شهر رمضان قبل الهجرة بثلاث سنین(4).

ص:220


1- (1) الحجون: قیل جبل بأعلی مکة عنده مدافن أهلها.
2- (2) أنظر: الأنوار الساطعة, الشیخ غالب السیلاوی, ص 383.
3- (3) تنقیح المقال, ج 3 ص 77.
4- (4) تاریخ الیعقوبی, ج 2 ص 35.

التبرک بقبر خدیجة ومنزلها

یمکن أن یستدل علی عظمة الإنسان ومدی مکانته عند الله بانشداد الناس إلی زیارة قبره وسمو مقام ضریحه, وتأکید السماء علی زیارة قبره والتبرک به فکان لخدیجة جزء من هذهِ الحبوة الإلهیة. لذلک عده (ضریحها ومنزلها) بعضهم من المستحبات حیث قال: إتیان بعض المواضع المتبرکة بمکة، کمولد رسول الله صلی الله علیه و آله، ومنزل خدیجة، وزیارة قبر خدیجة، والغار الذی بجبل حراء، الذی کان رسول الله صلی الله علیه و آله فی ابتداء الوحی یتعبد به، والغار الذی بجبل ثور، استتر فیه رسول الله صلی الله علیه و آله عن المشرکین(1).

استحباب زیارة قبر خدیجة الکبری

ذکر صاحب الأنوار الساطعة فی زیارة السیدة خدیجة علیهاالسلام جملة من الأقوال(2).

قال: ذکر سیدنا الأستاذ فقیه أهل بیت العصمة والطهارة السید التقی القمی دام ظله ما یلی: لا ریب ولا إشکال فی أن الإتیان بهذه الزیارة من القریب أو البعید رجاء لا یکون فیه خلاف فإن باب الرجاء واسع ویمکن الاستدلال علی رجحان زیارتها بأنها مقربة عند الله وعند الرسول وعند أمیر المؤمنین وفاطمة الزهراء والأئمة علیهم السلام ولکن مقتضی الاحتیاط التام أن لا یقصد بزیارتها الورود, بل یقصد الرجاء والله العالم بحقائق الأشیاء.

ص:221


1- (1) أنظر: مستند الشیعة, المحقق النراقی, ج 3 ص 95.
2- (2) الأنوار الساطعة, الشیخ غالب السیلاوی, ص 404.

وعن فقیه أهل بیت العصمة والطهارة الشیخ أحمد آل کاشف الغطاء رحمه الله ویستحب زیارة خدیجة بالحجون وعن الفقیه المقدس السید عبد الأعلی السبزواری رحمه الله: ویستحب زیارة قبر خدیجة علیهاالسلام المعروفة بالمعلی لأنها أم المسلمین ومن بر الأولاد بأمهم زیارة قبرها بعد ارتحالها مع أنها بذلت نهایة جهدها فی خدمة سید المرسلین وما لها فی نشر دعوة خاتم النبیین صلی الله علیه و آله إلی غیر ذلک من مفاخرها التی ملأت کتب الفریقین فمن شک بعد ذلک فی رجحان زیارتها فهو عاق لأمه. وذکر الزیارة المرحوم السید محسن الأمین رحمه الله: السلام علیک یا أم المؤمنین السلام علیک یا زوجة سید المرسلین السلام علیک یا أم فاطمة الزهراء سیدة نساء العالمین السلام علیک یا أول المؤمنات السلام علیک یا من أنفقت مالها فی نصرة سید الأنبیاء ونصرته ما استطاعت ودافعت عنه الأعداء السلام علیک یا من سلم علیها جبرئیل وبلغها السلام من الله الجلیل فهنیئاً لک بما أولاک الله من فضل والسلام علیک ورحمة الله وبرکاته. وذکرها فی المنتخب الحسنی(1).

وذکر السید البطحائی زیارة أخری: السلام علیک یا زوجة رسول الله سید المرسلین السلام علیک یا زوجة نبی الله خاتم النبیین السلام علیک یا أم فاطمة الزهراء السلام علیک یا أم الحسن والحسین سیدی شباب أهل الجنة أجمعین السلام علیک یا أم الأئمة الطاهرین السلام علیک یا أم المؤمنین السلام علیک یا أم المؤمنات السلام علیک یا خالصة المخلصات السلام علیک یا سیدة الحرم وملکة البطحاء السلام علیک یا أول من صدقت برسول الله من النساء السلام علیک یا من وفت بالعبودیة حق الوفاء

ص:222


1- (1) المنتخب الحسنی, ص 505.

وأسلمت نفسها وأنفقت مالها لسید الأنبیاء السلام علیک یا قرینة حبیب إله السماء المزوجة بخلاصة الأصفیاء یابنة إبراهیم الخلیل السلام علیک یا حافظة دین الله السلام علیک یا ناصرة رسول الله السلام علیک یا من تولی دفنها رسول الله واستودعها إلی رحمة الله أشهد أنک حبیبة الله وخیرة الله وأن الله جعلک فی مستقر رحمته فی قصر من الیاقوت والعقیان فی أعلی منازل الجنان صلی الله علیک ورحمة الله وبرکاته(1).

أزواج النبی صلی الله علیه و آله

تزوج رسول الله صلی الله علیه و آله بخمس عشرة امرأة، ودخل بثلاث عشرة منهن، وقبض عن تسع، فأما اللتان لم یدخل بهما فعمرة والسنی، وأما الثلاث عشرة اللاتی دخل بهن فأولهن خدیجة بنت خویلد، ثم سورة بنت زمعة، ثم أم سلمة واسمها هند بنت أبی أمیة، ثم أم عبد الله عائشة بنت أبی بکر، ثم حفصة بنت عمر، ثم زینب بنت خزیمة بن الحارث أم المساکین، ثم زینب بنت جحش، ثم أم حبیبة رملة بنت أبی سفیان، ثم میمونة بنت الحارث، ثم زینب بنت عمیس، ثم جویریة بنت الحارث، ثم صفیة بنت حیی بن أخطب. والتی وهبت نفسها للنبی صلی الله علیه و آله خولة بنت حکیم السلمی، وکان له سریتان یقسم لهما مع أزواجه: ماریة، وریحانة الخندفیة والتسع اللاتی قبض عنهن: عائشة، وحفصة، وأم سلمة، وزینب بنت جحش، ومیمونة بنت الحارث، وأم حبیبة بنت أبی سفیان، وصفیة بنت حیی بن أخطب، وجویریة بنت الحارث، وسورة بنت زمعة(2).

ص:223


1- (1) آداب الحرمین, ص 55.
2- (2) انظر: الخصال, الشیخ الصدوق, ص 419.

ص:224

الفصل الرابع: فاطمة بنت محمد أم الحسنین علیهم السلام

اشارة

ص:225

ص:226

مولدها المبارک

ولدت السیدة فاطمة بنت محمد بن عبد الله بن عبد المطلب علیهم السلام بمکة یوم الجمعة, العشرین من جمادی الآخرة, بعد المبعث بسنتین, کما قاله الشیخ الطوسی فی مصباح المتهجد. وفی روایة أخری سنة خمس من المبعث. وقال الکلینی وابن شهر آشوب: ولدت بعد المبعث بخمس سنین وهو المروی عن الباقر علیه السلام وهو المشهور بین أصحابنا(1).

وفی کشف الغمة عن ابن الخشاب فی موالید ووفیات أهل البیت علیهم السلام مرفوعاً عن الباقر علیه السلام أنّها ولدت بعد النبوة بخمس سنین وقریش تبنی البیت, ولعله اشتباه من الراوی أو سهو من النساخ فبناء الکعبة کان قبل النبوة لا بعدها ویدل علیه ما فی مقاتل الطالبیین أنها ولدت قبل النبوة وقریش تبنی الکعبة(2).

وروی الحاکم فی المستدرک وابن عبد البر فی الاستیعاب أنها ولدت سنة إحدی وأربعین من مولد النبی صلی الله علیه و آله. وفی الإصابة ولدت قبل البعثة بقلیل(3).

ص:227


1- (1) راجع: أعیان الشیعة, السید محسن الأمین, ج 1 ص 347.
2- (2) راجع: موسوعة التاریخ الإسلامی, محمد هادی الیوسفی, ج 1 ص 347.
3- (3) راجع: المستدرک, ج 3 ص 162. الإصابة, ابن حجر, ج 8 ص 236.

وأکثر علماء أهل السنة تروی أنها ولدت قبل البعثة بخمس سنین(1). ولعله وقع اشتباه من الرواة بین کلمتی قبل وبعد, حیث إنّ الذی یستفاد من الأخبار والأحادیث التی وصلت إلینا من طریق أهل البیت علیهم السلام ولا یقبل الشک والتغییر أنّ فاطمة علیهاالسلام ولدت علی فطرة الإسلام وبعد نزول الوحی علی أبیها صلی الله علیه و آله خلافا لما فی بعض کتب العامة، فإلیک بعض النصوص فی ذلک:

قال علی بن الحسین علیهماالسلام فی حدیث طویل: ولم یولد لرسول الله صلی الله علیه و آله من خدیجة علیهاالسلام علی فطرة الإسلام إلا فاطمة علیهاالسلام(2).

وعن حبیب السجستانی قال: سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول: ولدت فاطمة بنت محمد بعد مبعث رسول الله صلی الله علیه و آله بخمس سنین، وتوفیت ولها ثمانی عشرة سنة وخمسة وسبعون یوماً(3).

وعن أبی بصیر، عن أبی عبد الله علیه السلام قال: ولدت فاطمة فی جمادی الآخرة الیوم العشرین منها سنة خمس وأربعین من مولد النبی صلی الله علیه و آله، فأقامت بمکة ثمان سنین، وبالمدینة عشر سنین وبعد وفاة أبیها خمسة وسبعین یوماً(4).

وبالجملة کان زمان ولادتها علیهاالسلام أیام حکومة یزد جرد بن شهریار من ملوک العجم، الذی کان دار سلطنته قلعة الجولاء قرب بغداد دار السلام، وکان أمر سلطنته مستقرا فی تلک الأیام إلی أن انهزم فی عصر عمر من جیش الإسلام، ففر

ص:228


1- (1) راجع: الإصابة, ابن حجر, ج 6 ص 12.
2- (2) مختصر بصائر الدرجات, الحسن بن سلیمان الچلبی, ص 131.
3- (3) بحار الأنوار, المجلسی, ج 43 ص 9.
4- (4) دلائل الإمامة, ابن جریر الطبری الشیعی, ص 79.

بعد أن انهزم إلی بلاد العجم، وقتل بقلعة هرات أو بنیشابور أو غیر ذلک علی اختلاف الأقوال والروایات، کما سیأتی, وکان آخر ملوک العجم.

وأمّا یوم ولادتها, فقد ولدت علیهاالسلام یوم الجمعة وقت الصبح أی فی آخر جزء من لیلة الجمعة، وهی الساعة الأخیرة التی هی أفضل الساعات ومحل استجابة الدعوات، ووجه اختصاص تولدها بتلک الساعة لعله أن تکون مستورة عن عیون الأجانب، وبها علیهاالسلام فسر قوله تعالی:(إِنّا أَنْزَلْناهُ فِی لَیْلَةٍ مُبارَکَةٍ إِنّا کُنّا مُنْذِرِینَ * فِیها یُفْرَقُ کُلُّ أَمْرٍ حَکِیمٍ)1 , أی إنا أنزلنا نور فاطمة علیهاالسلام فی لیلة الجمعة، أو أنزلنا نور الإمامة فی فاطمة الزهراء علیهاالسلام، وهی اللیلة المبارکة، فالضمیر فی (إِنّا أَنْزَلْناهُ) راجع إلی نور الإمامة، ولذا ورد استحباب قراءة سورة القدر عشر مرات فی تلک الساعة من کل لیلة خصوصاً لیلة الجمعة، ولیلة القدر أیضاً هی تلک اللیلة المبارکة(1).

کیفیة ولادة فاطمة علیهاالسلام

هناک جملة من الإرهاصات والکرامات التی حصلت متزامنة فی حال ولادتها وحال حملها فی بطن أمها وهذا یعبر عن السر الإلهی الذی شاءت حکمته تعالی أن یخرجه إلی المعمورة ویزهر به المشرق والمغرب, فقد ورد عن المفضل ابن عمر، قال: قلت لأبی عبد الله الصادق علیه السلام: کیف کان ولادة فاطمة علیهاالسلام؟ فقال:

ص:229


1- (2) راجع: اللمعة البیضاء, التبریزی الأنصاری, ص 227.

نعم، إن خدیجة علیهاالسلام لما تزوج بها رسول الله صلی الله علیه و آله هجرتها نسوة مکة، فکن لا یدخلن علیها، ولا یسلمن علیها، ولا یترکن امرأة تدخل علیها، فاستوحشت خدیجة علیهاالسلام لذلک، وکان جزعها وغمها حذراً علیه صلی الله علیه و آله, فلما حملت بفاطمة کانت علیهاالسلام تحدثها من بطنها وتصبرها، وکانت تکتم ذلک من رسول الله صلی الله علیه و آله، فدخل رسول الله صلی الله علیه و آله یوماً فسمع خدیجة تحدث فاطمة علیهاالسلام، فقال لها: یا خدیجة، من تحدثین؟ قالت: الجنین الذی فی بطنی یحدثنی ویؤنسنی, قال: یا خدیجة، هذا جبرئیل یخبرنی أنها أنثی، وأنها النسلة الطاهرة المیمونة، وأنّ الله تبارک وتعالی سیجعل نسلی منها، وسیجعل من نسلها أئمة، ویجعلهم خلفاءه فی أرضه بعد انقضاء وحیه فلم تزل خدیجة علیهاالسلام علی ذلک إلی أن حضرت ولادتها، فوجهت إلی نساء قریش وبنی هاشم: أن تعالین لتلین منی ما تلی النساء من النساء، فأرسلن إلیها أنت عصیتنا، ولم تقبلی قولنا، وتزوجت محمداً یتیم أبی طالب فقیراً لا مال له، فلسنا نجئ ولا نلی من أمرک شیئاً فاغتمت خدیجة علیهاالسلام لذلک، فبینا هی کذلک، إذ دخل علیها أربع نسوة سمر طوال، کأنهن من نساء بنی هاشم، ففزعت منهن لما رأتهن، فقالت إحداهن: لا تحزنی یا خدیجة فإنا رسل ربک إلیک، ونحن أخواتک، أنا سارة، وهذه آسیة بنت مزاحم، وهی رفیقتک فی الجنة، وهذه مریم بنت عمران، وهذه کلثوم أخت موسی بن عمران، بعثنا الله إلیک لنلی منک ما تلی النساء من النساء، فجلست واحدة عن یمینها، وأخری عن یسارها، والثالثة بین یدیها، والرابعة من خلفها، فوضعت فاطمة علیهاالسلام طاهرة مطهرة، فلما سقطت إلی الأرض أشرق منها النور حتی دخل بیوتات مکة، ولم یبق فی شرق الأرض ولا

ص:230

غربها موضع إلا أشرق فیه ذلک النور ودخل عشر من الحور العین کل واحدة منهن معها طست من الجنة، وإبریق من الجنة، وفی الإبریق ماء من الکوثر، فتناولتها المرأة التی کانت بین یدیها، فغسلتها بماء الکوثر، وأخرجت خرقتین بیضاوین أشد بیاضاً من اللبن وأطیب ریحاً من المسک والعنبر، فلفتها بواحدة، وقنعتها بالثانیة، ثم استنطقتها فنطقت فاطمة علیهاالسلام بالشهادتین، وقالت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن أبی رسول الله سید الأنبیاء، وأن بعلی سید الأوصیاء، وولدی سادة الأسباط، ثم سلمت علیهن، وسمت کل واحدة منهن باسمها، وأقبلن یضحکن إلیها، وتباشرت الحور العین، وبشر أهل السماء بعضهم بعضاً بولادة فاطمة علیهاالسلام، وحدث فی السماء نور زاهر لم تره الملائکة قبل ذلک، وقالت النسوة: خذیها یا خدیجة طاهرة مطهرة زکیة میمونة، بورک فیها وفی نسلها، فتناولتها فرحة مستبشرة، وألقمتها ثدیها، فدر علیها، فکانت فاطمة علیهاالسلام تنمی فی الیوم کما ینمی الصبی فی الشهر، وتنمی فی الشهر کما ینمی الصبی فی السنة(1).

انعقاد نطفة فاطمة من ثمار الجنة

من جملة الکرامات التی امتازت بها فاطمة الزهراء علیهاالسلام, أنها حظیت برعایة إلهیة فی بدء تکوینها المادی (إضافة إلی ما حظیت به من کرامات عالیة روحیة), وهذا ما لم یحدُث عند أحد لا من الأنبیاء ولا من الأولیاء والصالحین فلم نسمع رعایة إلهیة بهذا المستوی مطلقاً إلا فی بدء تکوین نطفة الزهراء علیهاالسلام, حیث اهتمت بها ید الغیب اهتماماً لا نظیر له فی الوجود, وإلیک ملخص ما روی فی

ص:231


1- (1) الأمالی, الشیخ الصدوق, ص 690. الخرائج والجرائح, قطب الدین الراوندی, ج 2 ص 525.

ذلک من الفریقین: منها ما ورد, أنّ الله تعالی أمر رسول الله صلی الله علیه و آله أن یعتزل أربعین صباحاً یصوم النهار ویقوم اللیل، وبعث إلی خدیجة بعمار بن یاسر قال: قل لها: یا خدیجة لا تظنی أن انقطاعی عنک هجرة ولا قلی، ولکن ربی أمرنی بذلک، فلا تظنی إلا خیراً، وإنی فی منزل فاطمة بنت أسد. فلما تم میقات ربه الأربعین هبط الأمین جبرئیل وقال: العلی الأعلی یقرئک السلام وهو یأمرک أن تتأهب لتحیته وتحفته, فهبط میکائیل ومعه طبق مغطی بمندیل من سندس الجنة، فأکل النبی صلی الله علیه و آله منه شبعاً، وشرب من الماء، ومد یده للغسل، فأفاض الماء علیه جبرئیل وغسل یده میکائیل وتمندله إسرافیل، ثم قام النبی صلی الله علیه و آله لیصلی فأقبل علیه جبرئیل وقال: الصلاة محرمة علیک فی وقتک، حتی تأتی خدیجة فتواقعها، فإن الله عز وجل آلا علی نفسه أن یخلق من صلبک فی هذه اللیلة ذریة طیبة, فوثب رسول الله إلی منزل خدیجة وواقعها. قالت خدیجة: والذی سمک السماء وأنبع الماء، ما تباعد عنی النبی صلی الله علیه و آله حتی حسست بثقل فاطمة فی بطنی(1).

وفی روایة عن ابن عباس قال: کان النبی صلی الله علیه و آله یکثر القبل لفاطمة، فقالت له عائشة: إنک تکثر تقبیل فاطمة؟ فقال صلی الله علیه و آله: إنّ جبرئیل لیلة اسری بی أدخلنی الجنة فاطعمنی من جمیع ثمارها فصار ماء فی صلبی فحملت خدیجة بفاطمة، فإذا اشتقت لتلک الثمار قبلت فاطمة فأصبت من رائحتها جمیع تلک الثمار التی أکلتها(2).

وأخرج الطبرانی, والهیثمی عن عائشة قالت کنت أری رسول الله صلی الله

ص:232


1- (1) مستدرک سفینة البحار, الشیخ علی النمازی الشاهرودی, ج 8 ص 241.
2- (2) ذخائر العقبی, أحمد بن عبدالله الطبری, ص 36.

علیه وسلم یقبل فاطمة فقلت یا رسول الله إنی أراک تفعل شیئاً ما کنت أراک تفعله من قبل, فقال لی: یا حمیراء أنه لما کان لیلة أسری بی إلی السماء أدخلت الجنة فوقفت علی شجرة من شجر الجنة لم أرَ فی الجنة شجرة هی أحسن منها حسنا ولا أبیض منها ورقة ولا أطیب منها ثمرة, فتناولت ثمرة من ثمرتها فأکلتها فصارت نطفة فی صلبی فلما هبطت الأرض واقعت خدیجة فحملت بفاطمة, فإذا أنا اشتقت إلی رائحة الجنة شممت ریح فاطمة, یا حمیراء إن فاطمة لیست کنساء الآدمیین ولا تعتل کما یعتلون(1).

وروی الحاکم فی المستدرک بسنده عن سعد بن مالک قال: قال صلی الله علیه و آله: أتانی جبرائیل علیه السلام بسفرجلة من الجنة فأکلتها لیلة أسری بی فعلقت خدیجة بفاطمة فکنت إذا اشتقت إلی رائحة الجنة شممت رقبة فاطمة(2).

من الأدلة علی عصمة فاطمة علیهاالسلام

هناک جملة من الآیات والروایات الدالة وبصراحة علی عصمة فاطمة الزهراء علیهاالسلام, ولا نرید أن نسهب فی الموضوع هنا, فقد تفردت لذلک کثیر من الکتب المختصة, (فقد وجدت فی مکتبة واحدة ما یقارب 360 کتاباً تتحدث عن حیاة وخصائص السیدة الزهراء علیهاالسلام) علی الرغم من أنّ عصمتها واضحة من خلال الآیات والروایات إلی کل ملتفت ونقی السریرة, قد نذکر بعض الأدلة علی عصمتها وعلی نحو الإجمال, فنقول:

ص:233


1- (1) المعجم الکبیر, الطبرانی, ج 22 ص 401. مجمع الزوائد, الهیثمی, ج 9 ص 202.
2- (2) المستدرک, النیسابوری, ج 3 ص 156

أمّا الکتاب

قوله تعالی:(إِنَّما یُرِیدُ اللّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً)1 , تشمل هذه الآیة المبارکة فیمن تشمل السیدة فاطمة الزهراء علیهاالسلام بل هی محور الآیة وأساسها؛ لأنها نزلت فی أهل بیت النبوة, فإن المتأمل فی کلمات الآیة یتوصل إلی أن المخاطبین بهذه الآیة مطهرون معصومون من کل رجس، وفاطمة أحدهم. کما جاء عن ابن عساکر فی إسناده إلی عمرة بنت أفعی، قالت: سمعت أم سلمة تقول: نزلت هذه الآیة فی بیتی:(إِنَّما یُرِیدُ اللّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً) . وفی البیت سبعة: جبریل ومیکائیل ورسول الله صلی الله علیه وسلم وعلی وفاطمة والحسن والحسین، قالت: وأنا علی باب البیت، فقلت: یا رسول الله ألست من أهل البیت؟ قال: إنّک علی خیر، إنک من أزواج النبی صلی الله علیه وسلم، وما قال: إنک من أهل البیت(1). وغیرها من الروایات الکثیرة عند الفریقین والتی تعیّن شأن النزول بأهل البیت علیهم السلام المعصومین دون غیرهم.

تقریب الاستدلال بالآیة

أولاً: تصدیر الآیة بأقوی أدوات الحصر علی الإطلاق (إنما) مما یعنی أن هذا الأمر خاص بجماعة معینة محددة لا یتعداهم إلی غیرهم.

ص:234


1- (2) ترجمة الإمام الحسین علیه السلام, ابن عساکر ص 100.

وثانیاً: یأتی البحث عن الإرادة الإلهیة التی ذکرت فی الآیة (إنما یرید الله) وهی إرادة المولی عز وجل:(إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَیْئاً أَنْ یَقُولَ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ)1 , فلا یمکن بحال تخلف إرادته تعالی.

وثالثاً: إنّ الرجس فی اللغة معناه کل ما یلوث الإنسان سواء کان لوثاً ظاهریاً أو باطنیاً والذی یعبر عنه بالإثم, والرجس فی هذه الآیة هو اللوث والنجاسة الباطنیة لأن الابتعاد والطهارة من النجاسة الظاهریة وظیفة دینیة عامة لجمیع المسلمین وذلک لشمول التکلیف للجمیع ولا خصوص لأهل البیت حتی ترد هذه الآیة بحصرها وتوکیدها لنفی الرجس الظاهری عن أهل البیت, إنما جاءت لبیان فضیلة لهم خصهم بها الله سبحانه وتعالی وأخبر عنها فی کتابه العزیز.

رابعاً: یأتی التأکید (وَ یُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً) وعلیه أن الآیة تجعلنا لا نشک لحظة واحدة فی عصمة أهل البیت الذین ذکروا فیها ومنهم فاطمة بنت محمد صلی الله علیه و آله فهی معصومة مطهرة من کل رجس ظاهرٍ وباطنٍ.

أما السنة

نذکر بعضاً مما قاله المصطفی فی ابنته ربیبة الوحی فاطمة الزهراء علیهاالسلام, مع أنّ النبی صلی الله علیه و آله حینما یتحدث عن فاطمة فإنه لا ینطلق من عاطفة الأبوة وهو القائل فیه البارئ عز وجل:(وَ ما یَنْطِقُ عَنِ الْهَوی. إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْیٌ یُوحی)2 ,

ص:235

وهو صلی الله علیه و آله فی عموم حدیثه عن الأشخاص لا یعطی أحداً أکثر مما یستحقه تبعاً لعاطفته وحتی لو کان ذلک الإنسان ابنته, لأننا لو قلنا بذلک لطعنا فی نبوته وکلماته القدسیة التی نؤمن جمیعاً بأنها حجة لا زیغ فیها ولا هوی. قال عبد الله بن عمرو ابن العاص: کنت أکتب کل شیء أسمعه من رسول الله صلی الله علیه و آله فنهتنی قریش وقالوا تکتب کل شیء سمعته من رسول الله وهو بشر یتکلم فی الغضب والرضا؟ فأمسکت عن الکتابة فذکرت ذلک لرسول الله فأومأ بأصبعه إلی فیه وقال: أکتب فوالذی نفسی بیده ما خرج منه إلا حق(1). إن النبی الأکرم صلی الله علیه و آله لا ینطق إلا صدقاً وعدلاً فلنضع کلماته عن الزهراء نصب أعیننا ونحن نقرأ عن موقفها بعد وفاته ولا نترک للشیطان سبیلاً یتسلل منه؛ لأنّ فهمنا لهذه النقطة یمهد لنا السبیل لفهم موقف فاطمة علیهاالسلام.

أولاً: قول الرسول صلی الله علیه و آله لها, کما أخرجه الحاکم فی مستدرکه, والطبرانی, والهیثمی وغیرهم:

«إن الله یغضب لغضبک ویرضی لرضاک»(2) ، وهذا القول الصادر من الرسول صلی الله علیه و آله بحق فاطمة علیهاالسلام تلازمه العصمة؛ لأنه من المستحیل أن یناط غضب الزهراء بغضب الله سبحانه وهی غیر معصومة؛ لأن القول بعدم عصمتها یعنی إمکانیة وقوعها فی الزلل والخطأ وربما تغضب لغیر الحق، والرسول صلی الله علیه و آله فی کلامه إطلاق بلا تقیید یعنی أن الزهراء علیهاالسلام لن تغضب إلا لشیء یغضب الله بسببه, ومن کان غضبه یعنی غضب الله فهو لن یفعل إلا الحق

ص:236


1- (1) مسند أحمد, الإمام أحمد بن حنبل, ج 2 ص 192. سنن الدارمی, ج 1 ص 125.
2- (2) المستدرک, الحاکم النیسابوری, ج 3 ص 203. مجمع الزوائد, الهیثمی, ج 9 ص 203.

ولن یخطئ أو یمیل إلی الباطل طرفة عین, وبالتالی یمثل غضبه الحق، وفی الواقع إن هذا الحدیث یدلل أنّ للزهراء مکانة عظیمة لا تدرک بالعقول ولبیان هذه العظمة التی من تجلیاتها عصمتها علیهاالسلام.

ثانیاً: قول النبی صلی الله علیه و آله, (کما هو مسلم عند الفریقین من دون خلاف):

(فاطمة بضعة منی یریبنی ما رابها ویؤذینی ما آذاها)(1), إنّ أذی الرسول یعنی أذی الرسالة، أذی القیم والمبادئ؛ لأنه صلی الله علیه و آله هو محور الحق بل هو الحق الذی یجب أن نقتبس منه، إن الرسول صلی الله علیه و آله یمثل الإرادة الإلهیة وهو قطب الرحی الذی به یعرف الموحد من المشرک والکافر إذ أن الله تعالی غیب لا ندرکه بعقولنا وأوهامنا والارتباط به تعالی یکون عبر رسله وأنبیائه؛ لذلک کان مبعث الأنبیاء وتولیة الأوصیاء, ولذلک لا یکون الرسول إلا معصوماً حتی لا یفترق عن الحق لحظة واحدة وبالتالی تکون کل تصرفاته حق وأذیته تعنی التحدی للرسالة والإرادة الإلهیة ولبیان هذه الحقیقة یقول القرآن الکریم:(إِنَّ الَّذِینَ یُؤْذُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّهُ فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِیناً)2 , وقد تقدم أن الرسول صلی الله علیه و آله عندما یتحدث عن شخص أو یدلی بأی حدیث فمن منطلق مسؤولیته تجاه الرسالة وبالتالی یستبعد أی مجاملات أو تقریظ بلا حق، والمتفق علیه أن قول الرسول صلی الله علیه و آله وفعله وتقریره حجة, یعنی شرع نتعبد به قربة إلی الله تعالی. وقد قال صلی الله علیه و آله: فاطمة بضعة منی یعنی هی جزء لا یتجزأ من کیانه وروحه

ص:237


1- (1) صحیح البخاری, ج 6 ص 158. صحیح مسلم, ج 7 ص 141. وغیرهم.

وهو کما قلنا محور الحق والشرع وبالتالی تکون الزهراء علیهاالسلام أیضا کذلک، لذلک جعل الرسول أذاها أذاه وکل شیء یریبها یریبه, وهو المعصوم الذی لا تمیل به الأهواء ومن یکون جزءاً منه یؤذیه ما یؤذیه فهو أیضاً مؤهل أن یکون معصوماً. وبهذا التقریب نری عصمة الزهراء علیهاالسلام جلیة وواضحة فقط تحتاج إلی وجدان صاف سلیم وعقل مستنیر.

مکانة الزهراء علیهاالسلام

لم ترقَ امرأة إلی ما وصلت إلیه فاطمة الزهراء علیهاالسلام ونالت السیادة المطلقة علی النساء من لسان الوحی وتوسمت بهذا الشرف العظیم الذی یکشف عن الأبعاد والمؤهلات التی تتمتع بها فاطمة علیهاالسلام, فلقب سیدة نساء العالمین لیس نابعاً عن عفویة وإنما هو یحکی عن واقع فعلی تعیشه الزهراء علیهاالسلام, حیث طوت مراحل من الکمال یعجز لغیرها الوصول إلیها. فقد أورد الترمذی فی سننه کتاب المناقب عن حذیفة قال: أتیت النبی صلی الله علیه و آله فصلیت معه المغرب فصلی حتی صلی العشاء ثم انفتل فتبعته فسمع صوتی فقال: من هذا حذیفة؟ قلت: نعم قال: ما حاجتک غفر الله لک ولأمک؟ ثم قال: إن هذا ملک لم ینزل الأرض قط قبل هذه اللیلة استأذن ربه أن یسلم علیَّ ویبشرنی بأن فاطمة سیدة نساء أهل الجنة وأن الحسن والحسین سیدا شباب أهل الجنة(1).

وعن عائشة أنها کانت إذا ذکرت فاطمة بنت النبی صلی الله علیه و آله قالت: ما رأیت أحداً کان أصدق لهجة منها إلا أن یکون الذی ولدها. وقالت: وکانت إذا دخلت

ص:238


1- (1) سنن الترمذی, ج 5 ص 326.

علی النبی قام إلیها وقبلها وأجلسها فی مجلسه وکان النبی صلی الله علیه و آله إذا دخل علیها قامت من مجلسها فقبلته وأجلسته فی مجلسها(1).

وکان رسول الله صلی الله علیه و آله إذا سافر جعل آخر عهده فاطمة وأول من یدخل علیه إذا قدم فاطمة. وقد جاء فی مسند أحمد بن حنبل أنّه قال: نظر رسول الله صلی الله علیه و آله لعلی وفاطمة والحسن والحسین فقال: أنا سلم لمن سالمکم وحرب لمن حاربکم(2).

وأیضا عن النبی صلی الله علیه و آله قال: إذا کان یوم القیامة نادی مناد من بطنان العرش: یا أهل الجمع نکسوا رؤوسکم وغضوا أبصارکم حتی تمر فاطمة بنت محمد علی الصراط فتمر مع سبعین ألف جاریة من الحور العین کمر البرق(3).

لا یخفی أنّ هذا غیض من فیض مع کثرة أحادیث الرسول صلی الله علیه و آله حول بیان عظمة فاطمة علیهاالسلام مقارنة بما ورد فی حقها, ولکن هذا القدر یکفی للعاقل حتی یتعرف علی الزهراء علیهاالسلام التی أحاطتها العنایة الإلهیة من قبل میلادها وکانت فی جنة الخلد هنالک کان المبدأ, کما فی روایة الإسراء والجنة هی النهایة کما علمت وما بین الانطلاقة الأولی من الجنة والمنتهی, لذلک أوصی الرسول بفاطمة کثیراً وحذر الناس من غضبها الذی یعنی غضبه, بل وغضب الله عز وجل کما مرّ, وشهدت لها عائشة بأنها أصدق الناس لهجة فهی الصدیقة, کما أن العنایة الإلهیة

ص:239


1- (1) راجع: السنن الکبری, النسائی, ج 5 ص 96.
2- (2) مسند أحمد, ج 2 ص 442.
3- (3) المستدرک, الحاکم النیسابوری ج 3 ص 153

کان لها الدور المباشر فی صیاغة شخصیة الزهراء فصار أذاها أذی الرسول الذی یعنی أذی الرسالة, ونزل الوحی یجلجل بالتطهیر کما جاء فی آیة التطهیر, ورعایة الرسول صلی الله علیه و آله الخاصة بفاطمة حتی أنّه عند قدومها یقبلها ویجلسها فی مجلسه, وکذا العکس, ولا یخرج صلی الله علیه و آله فی سفر إلا أن یکون آخر من یودعه ابنته وأول من یسلم علیه عندما یعود هی سیدة نساء العالمین وسیدة نساء أهل الجنة، إذاً کل فعل تفعله هو فعل أهل الجنة وکل موقف تقفه هو موقف أهل الجنة ولو نظرت فی الجنة لرأیت نعیماً وملکاً کبیراً ویأتی المنادی غضوا أبصارکم حتی تجوز فاطمة وتستقر فی مقام محمود منه انطلقت وإلیه تعود هذه المسیرة المقدسة، وهذه العظمة ألا تدفعنا للوقوف إجلالاً وإعظاماً لشخصیة قدستها السماء وبارک مسیرتها أبوها صاحب رسالة السماء؟ لقد جسدت الزهراء تعالیم الوحی وسارت وفق هداه فکانت من الجنة إلی الجنة.

أکابر قریش تخطب فاطمة علیهاالسلام

لما کانت فاطمة علیهاالسلام ذات الشرف والمجد الرفیع والصفات الباهرة وهی تعیش فی کنف أبیها صلی الله علیه و آله، فقد اتجهت الأنظار إلیها، وکل یحدث نفسه بأن یحظی بالاقتران بها، لینال شرف الانتساب إلی أشرف خلق الله ویحظی بأفضل امرأة علی مرّ التاریخ، فهی أعظم امرأة فی شرفها ودینها وکمالها ومکانتها عند بارئها. لذلک تقدم لخطبتها مجموعة من أکابر قریش ومن جملتهم الخلیفة الأول والثانی کما روی الهیثمی فی الحدیث المسند, عن أنس بن مالک قال: جاء أبو بکر إلی النبی صلی الله علیه و آله فقعد بین یدیه فقال: یا رسول الله، قد علمت مناصحتی،

ص:240

وقدمی فی الإسلام، وأنی، وأنی... قال: (وما ذاک؟). قال: تزوجنی فاطمة. قال فسکت عنه. فرجع أبو بکر إلی عمر فقال له: هلکت وأهلکت. فقال: وما ذاک؟ قال: خطبت فاطمة إلی النبی صلی الله علیه و آله فأعرض عنی، فقال: مکانک حتی آتی النبی صلی الله علیه و آله فأطلب مثل الذی طلبت، فأتی عمر النبی صلی الله علیه و آله فقعد بین یدیه فقال: یا رسول الله قد علمت مناصحتی وقدمی فی الإسلام وأنی، وأنی... قال: (وما ذاک؟). قال: تزوجنی فاطمة. فسکت عنه.

فرجع عمر إلی أبی بکر فقال: إنه ینتظر أمر الله فیها. قم بنا إلی علی حتی نأمره یطلب مثل الذی طلبنا. قال علی: فأتیانی وأنا أعالج فسیلاً لی، فقالا: إنا جئناک من عند ابن عمک بخطبة، قال: فنبهانی لأمر، فقمت أجر ردائی حتی أتیت النبی صلی الله علیه و آله فقعدت بین یدیه، فقلت: یا رسول الله، قد علمت قدمی فی الإسلام ومناصحتی، وأنی، وأنی... قال: (وما ذاک؟). قال: تزوجنی فاطمة. قال: (وعندک شیء؟). قلت: فرسی وبدنی. قال: (أما فرسک فلا بد لک منه، وأما بدنک فبعها) قال: فبعتها بأربع مئة وثمانین، فجئت بها حتی وضعتها فی حجره، فقبض منها قبضة، فقال: (أی بلال، ابعث ابتع بها طیباً). وأمرهم أن یجهزوها(1).

وذکر الیعقوبی فی تاریخه, تقدم جماعة من المهاجرین لخطبتها إلی رسول الله صلی الله علیه و آله, فلما زوّجها علیاً قالوا فی ذلک, فقال رسول الله: ما أنا زوّجته ولکن الله زوّجه(2).

ص:241


1- (1) أنظر: موارد الظمآن, الهیثمی, ج 7 ص 170.
2- (2) أنظر: تاریخ الیعقوبی, ج 2 ص 41.

الله یأمر بتزویج فاطمة من علی علیهما السلام

کما أنّ لفاطمة علیهاالسلام النصیب الأوفر من الرعایة الإلهیة قبل مجیئها الی عالم الدنیا حسب ما أخبر عنه لسان الغیب مراراً وتکراراً, کذلک عاشت علیهاالسلام فی الدنیا برعایة الله وأمره ولم یترک موقف من مواقفها إلا وکللته القدرة بالقدسیة والإحسان, ومن جملة ذلک زواجها المیمون من علی بن أبی طالب علیه السلام, حیث تم أولاً بأمر من الله وقد أقیم لها حفل زفاف فی السماء قبل الأرض, کما تشیر إلی ذلک عدة روایات, منها: عن علی رضی الله عنه قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: أتانی ملک فقال یا محمد إنّ الله تعالی یقرأ علیک السلام ویقول لک إنّی قد زوجت فاطمة ابنتک من علی بن أبی طالب فی الملأ الأعلی فزوجها منه فی الأرض(1).

وعن أنس رضی الله عنه قال بینما رسول الله صلی الله علیه و آله فی المسجد إذ قال لعلیٍّ هذا جبریل یخبرنی أن الله زوجک فاطمة وأشهد علی تزویجها أربعین ألف ملک وأوحی إلی شجرة طوبی أن انثری علیهم الدر والیاقوت فنثرت علیهم الدر والیاقوت فابتدرت إلیه الحور العین یلتقطن فی أطباق الدر والیاقوت فهم یتهادونه بینهم إلی یوم القیامة(2).

وأیضاً عن عمر بن الخطاب، أنه ذکر علیاً، فقال صهر رسول الله صلی الله علیه و آله نزل جبرائیل علی النبی صلی الله علیه و آله فقال: یا محمد، إن الله یأمرک أن تزوج فاطمة من علی(3).

ص:242


1- (1) ذخائر العقبی, أحمد بن عبد الله الطبری, ص 31.
2- (2) ذخائر العقبی, أحمد بن عبد الله الطبری, ص 31.
3- (3) شرح الأخبار, القاضی النعمان المغربی, ج 3 - ص 28.

وقد ذکر الیعقوبی, فی ذکر زواج فاطمة علیهاالسلام, قال: زوجها رسول الله من علیٍّ بعد قدومه بشهرین، وقد کان جماعة من المهاجرین خطبوها إلی رسول الله، فلما زوجها علیاً قالوا فی ذلک، فقال رسول الله: ما أنا زوجته ولکن الله زوجه(1).

وما جاء عن الخوارزمی: أنبأنی أبو العلا الحافظ الهمدانی، ثم عنعنه إلی الحسین بن علی علیهماالسلام، قال بینا رسول الله صلی الله علیه و آله فی بیت أم سلمة إذ هبط علیه ملک له عشرون رأساً، فی کل رأس ألف لسان، یسبح الله ویقدسه بلغة لا تشبه الأخری، وراحته أوسع من سبع سماوات وسبع أرضین، فحسب النبی صلی الله علیه و آله أنه جبرائیل، فقال یا جبرئیل؟ لم تأتنی فی مثل هذه الصورة قط قال: ما أنا جبرئیل، أنا صرصائیل، بعثنی الله إلیک لتزوج النور من النور فقال النبی صلی الله علیه و آله من ممن؟ قال: ابنتک فاطمة من علی بن أبی طالب، فزوج النبی صلی الله علیه و آله فاطمة من علی بشهادة جبرائیل ومیکائیل وصرصائیل, قال: فنظر النبی صلی الله علیه و آله فإذا بین کتفی صرصائیل: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علی بن أبی طالب مقیم الحجة، فقال النبی صلی الله علیه و آله: یا صرصائیل منذ کم هذا کتب بین کتفیک؟ قال: من قبل أن یخلق الله الدنیا باثنی عشر ألف سنة(2). فهذه الروایات وغیرها لا یفهم منها إلا اعتناء السماء والغیب بهذه الشخصیة العظیمة التی لا مثیل لها من النساء علی وجه البسیطة, وأنّها سر من أسرار الله تعالی.

ص:243


1- (1) تاریخ الیعقوبی, ج 2 ص 41.
2- (2) أنظر: المناقب, الموفق الخوارزمی, ص 340. وأیضا: الخصال, الشیخ الصدوق, ص 64, وغیرهم.

فلسفة زواج فاطمة من علی علیهماالسلام

هذا الموقف النبوی المرتبط بالمشیئة الإلهیة والوحی یلفت أنظارنا، ویلقی علی أسماعنا هذه الأسئلة المهمة لماذا لم یرخص لفاطمة علیهاالسلام بتزویج نفسها؟ ولِمَ لم یرخص لرسول الله صلی الله علیه و آله (وهو أبوها ونبیها) بتزویجها، والنبی أولی بالمؤمنین من أنفسهم؟ ولماذا خص زواج فاطمة علیهاالسلام بهذه المیزة؟ فلابد وأن یکون هناک سر وحکمة إلهیة، ترتبط بهذا الزواج. إن هذا السر والاعداد لم یکن غامضاً، وهذه العنایة لم تکن مجرد علاقة رحم وقرابة، فالأمر ذو علاقة بحیاة هذه الأمة، والعلاقة ترتبط بامتداد فرع النبوة والإمامة، فشاء الله أن یزوج خیرة نساء هذه الأمة بخیرة رجالها.

فقد روی عن ابن عمیر التمیمی قال: دخلت مع عمی علی عائشة فسئلت أی الناس کان أحب إلی رسول الله صلی الله علیه و آله؟ قالت: فاطمة، قیل من الرجال؟ قالت: زوجها(1).

وروی عن أبی الحمراء أنه قال: رابطت فی المدینة سبعة أشهر، فکان النبی صلی الله علیه و آله یأتی علیاً وفاطمة کل غداة، فیقول: الصلاة، الصلاة،(إِنَّما یُرِیدُ اللّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً)2 .

وروی عن ابن عباس قال: کنت أنا والعباس جالسین عند رسول الله صلی الله علیه و آله، إذ دخل علی بن أبی طالب فسلم، فرد علیه رسول الله السلام، وقام إلیه وعانقه

ص:244


1- (1) أنظر: اسُد الغابة, ابن الأثیر, ج 5 ص 522.

وقبل بین عینیه وأجلسه عن یمینه، فقال العباس: یا رسول الله أتحب هذا؟ فقال رسول الله صلی الله علیه و آله یا عم والله، لله أشد حباً له منی، إن الله جعل ذریة کل نبی فی صلبه، وجعل ذریتی فی صلب هذا(1). وعلی علیه السلام هو الذی قال رسول الله صلی الله علیه و آله أما ترضی أن تکون منی بمنزلة هارون من موسی إلا أنه لا نبی بعدی(2). وفاطمة علیهاالسلام هی التی قال لها النبی صلی الله علیه و آله: أما ترضین أن تکونی سیدة نساء العالمین وسیدة نساء المؤمنین وسیدة نساء هذه الأمة(3). هذه الرویات وغیرها تشیر إلی أنّ هناک تکافؤاً بین علی وفاطمة علیهماالسلام له أبعاد غیبیة رسمت فیها المشیئة, وألقیت الحجة.

مقدار مهر فاطمة

لم نجد هناک اختلافاً فی أنّ مهر فاطمة علیهاالسلام هو غیر درع علی علیه السلام, وإنما وقع الخلاف فی أنّه هل باعه واتی بثمنه, أو رهنه ثم فکه من حصته من الغنائم, أو أرجعه له النبی صلی الله علیه و آله بعد ذلک. کما یشهد للأول, هو عندما جاء علی علیه السلام خاطباً فاطمة سأله النبی صلی الله علیه و آله قائلا: فهل عندک شیء تستحلها به؟ فقلت: لا. فقال: ما فعلت بالدرع التی سلحتکها؟ فقلت: عندی، ولکنها - والذی نفسی بیده - لحطمیة ما ثمنها إلا أربعمائة درهم. قال: قد زوجتکها (بها) فابعث بها. فکان ذلک صداق فاطمة(4).

ص:245


1- (1) أنظر: ذخائر العقبی, أحمد بن عبد الله الطبری, ص 67.
2- (2) أنظر: مسند أحمد, أحمد بن حنبل, ج 1 ص 170.
3- (3) أنظر: کنز العمال, المتقی الهندی, ج 12 ص 110.
4- (4) أنظر: کنز العمال, المتقی الهندی, ج 13 ص 683.

وقیل: باع درعه إلی عثمان بن عفان بأربع مئة وثمانین درهماً، فصبها بین یدی النبی صلی الله علیه و آله.

ویشهد للثانی ما رواه الدولابی بسنده عن الحارث (الهمدانی) عن علی علیه السلام قال: خطب أبو بکر وعمر إلی رسول الله صلی الله علیه و آله فأبی رسول الله علیهما. فقال عمر: أنت لها یا علی. فقلت: ما لی من شیء إلا درعی أرهنها. ولعله علیه السلام أرهنها وثیقة لاستدانته مبلغ المهر وأدی دینه بعد بدر من سهمه من غنائمها(1).

ویشهد للثالث, هو بعدما سأله النبی صلی الله علیه و آله عن المهر فقال: ما عندی یا رسول الله شیءٌ إلا درعی فزوجه رسول الله صلی الله علیه و آله علی اثنتی عشرة أوقیة ونش ودفع إلیه درعه، فقال له رسول الله: هیئ منزلاً حتی تحول فاطمة إلیه(2).

وکیف کان بعد أن قرت عین الزهراء بهذه الخطبة السعیدة، وزوج الله فاطمة علیاً، أراد رسول الله، أن یعلن لعامة المسلمین هذا النبأ العظیم، فأمر أنس بن مالک أن یجمع فئة من الصحابة لیعلن علیهم نبأ تزویج فاطمة لعلی علیه السلام، قال أنس: فدعوتهم، فلما اجتمعوا عنده کلهم، وأخذوا مجالسهم، ثم قال صلی الله علیه و آله: إن الله قد أمرنی أن أزوج فاطمة علی أربعمائة مثقال فضة إن رضیت بذاک، فقال علیه السلام: قد رضیت بذلک یا رسول الله قال أنس بن مالک: فقال النبی صلی الله علیه و آله: جمع الله شملکما، وأسعد جدکما، وبارک علیکما وأخرج منکما کثیراً طیباً، قال أنس: فوالله لقد أخرج الله منهما الکثیر الطیب(3).

ص:246


1- (1) راجع: موسوعة التاریخ الإسلامی, محمد هادی الیوسفی, ج 2 ص 100.
2- (2) راجع: إعلام الوری بأعلام الهدی, الشیخ الطبرسی, ج 1 ص 160.
3- (3) أنظر: مکارم الأخلاق, الشیخ الطبرسی, ص 207.

تاریخ زواج فاطمة علیهاالسلام

ذکر المؤرخون أن الزهراء عقدت لعلی علیهماالسلام للیلتین بقیتا من شهر صفر بعد الهجرة، وبعضهم قال: بعد سنة من الهجرة، وبعضهم قال: فی شهر صفر من السنة الثانیة للهجرة وهو یقصد البدء بالسنة الثانیة من المحرم، وجاء فی الکافی عن سعید بن المسیّب قال: فقلت لعلی بن الحسین علیهماالسلام فمتی زوج رسول الله صلی الله علیه و آله فاطمة من علی علیهماالسلام فقال: بالمدینة بعد الهجرة بسنة وکان لها یومئذ تسع سنین(1).

وأما بناء علی علیه السلام بها أی الزفاف: فقد نقل الطبری عن الواقدی بسنده عن الباقر علیه السلام قال: إن علی بن أبی طالب بنی بفاطمة علیهاالسلام فی ذی الحجة علی رأس اثنین وعشرین شهراً. کما رواه الدولابی فی الذریة الطاهرة عن الصادق علیه السلام أما عن الیوم فقد عینه المفید فی مسار الشیعة والطوسی فی المصباح بالیوم الأول منه(2).

الملائکة تحضر زفاف فاطمة علیهاالسلام

إنّ زفاف فاطمة علیهاالسلام یختلف عن غیره, حیث حفته جملة من الکرامات وقد شارک فیه النبی صلی الله علیه و آله مع أفواج من الملائکة المقربین وغیرهم, فقد ورد عن أسماء بنت عمیس(3) ، أنها قالت: کنت فیمن زفت فاطمة إلی علی علیه السلام، فلما

ص:247


1- (1) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 8 ص 340.
2- (2) راجع: موسوعة التاریخ الإسلامی, محمد هادی الیوسفی, ج 2 ص 211.
3- (3) ربما المراد هنا سلمی بنت عمیس لیس أختها أسماء, لأنها کانت مهاجرة بأرض الحبشة مع زوجها جعفر بن أبی طالب علیهما السلام، ولم تعد هی ولا زوجها إلا یوم فتح خیبر وذلک فی سنة ست من الهجرة،

دخلت بیتها اقبل رسول صلی الله علیه و آله حتی دخل علیها، فدعا بماء، فذکر اسم الله علیه، ثم شرب منه، ومج من الماء فیما بین درع فاطمة وبدنها، ثم مج منه أیضاً فیما بین سربال علی وبدنه ثم قال: اللهم أحفظ أهل البیت، وبارک فیهم وبارک علیهم، واجعلهم مبارکین أین کانوا(1).

وعن الفضل بن دکین، باسناده، عن عبد الله بن عباس، أنه قال لما زفت فاطمة إلی علی علیهماالسلام کان رسول الله صلی الله علیه و آله قدامها، وجبرائیل عن یمینها، ومیکائیل عن شمالها، وسبعون ألف ملک من خلفها یسبحون الله ویقدسونه حتی طلع الفجر(2).

فاطمة المصداق الأکمل للزوجة وللأم الصالحة

لم تکن السیدة الزهراء علیهاالسلام کغیرها من النساء من أنّها امرأة عرفها التاریخ بآدابها وأدبها وبطولاتها وعاشت حیاتها ثم اندرست شخصیتها وکل معالمها, ولا یقال عنها شیء فی صفحات التاریخ إلا أنّها بنت رسول الله وحلیلة أمیر المؤمنین علیه السلام, بل تبقی السیدة الزهراء علیهاالسلام قدوة ومنهاجاً للنساء فی شتی المجالات, فهی قدوة للبنت الرشیدة اللبیبة المطیعة لوالدیها وأولیائها فعلیها أن

ص:248


1- (1) أنظر: شرح الأخبار, القاضی النعمان المغربی, ج 3 ص 28.
2- (2) أنظر: إقبال الأعمال, السید ابن طاووس, ج 3 ص 92. وتاریخ بغداد, الخطیب البغدادی, ج 5 ص 211.

تنتهج من حیاة الزهراء علیهاالسلام والتی ارتقت فیها کی تکون أمّاً لأبیها علی لسان الوحی, کما تکون قدوة للمرأة الواعیة المثقفة المؤمنة وقدوة للأم الکاملة وللزوجة الصالحة, فعلی المرأة الواعیة أن تقرأ حیاة الزهراء العلمیة والسیاسیة والمعنویة کی تتخذ منها منهاجاً ترسم به مستقبلها ومستقبل الأمة, وعلی الأم أن تقرأ حیاة الزهراء علیهاالسلام مع أولادها وکیف کانت تتعامل معهم کی تصبح أمّاً کاملة قد قدمت للأجیال من یُسعدها, وعلی الزوجة أیضاً أن تقرأ حیاة السیدة فاطمة علیهاالسلام مع زوجها وکیف کانت غایة فی حسن التبعّل والاحترام المتبادل والمحبة الدائمة لاسیما فی تلک الظروف البسیطة والألیمة حیث ذکروا عندما انتقلت فاطمة علیهاالسلام إلی بیت علی علیه السلام ذاک البیت البسیط لم یکن فیه شیء حتی من ضروریات ومستلزمات الحیاة فأخذت تعتنی بشؤون منزلها وتدیر حوائجها بالاعتماد علی جهودها فلم یکن لدیها خدم ولا عبید ولا غیر ذلک فکل حیاتها کدح وجهاد, فقد کانت تطحن الشعیر وتدیر الرحی بیدها وتصنع أقراص الخبز بنفسها وتکنس البیت وتدیر مستلزمات الأسرة وکان النبی صلی الله علیه و آله وعلی علیه السلام یشاهدان کل ذلک منها ویشارکانها العناء, بل کانا یساعدانها فی أعمال المنزل, فقد ذکر التاریخ صوراً ولو أنّها قلیلة من الحیاة العائلیة الفریدة التی کانت تعیشها فاطمة مع زوجها وأولادها, کما ورد عن جابر بن عبد الله قال دخل رسول الله صلی الله علیه وسلم علی فاطمة وهی تطحن بالرحی وعلیها کساء من حملة الإبل فلما نظر إلیها (بکی) وقال یا فاطمة تعجلی فتجرعی مرارة الدنیا لنعیم الآخرة غداً, فأنزل الله (وَ لَسَوْفَ

ص:249

یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضی)1 .

وأیضا دخل النبی صلی الله علیه و آله علی فاطمة وهی تطحن مع علی علیه السلام، فقال النبی صلی الله علیه و آله: لأیکما أعقب؟ فقال علی علیه السلام: لفاطمة؛ فإنها قد أعیت, فقامت فاطمة، فطحن النبی صلی الله علیه و آله مع علی لفاطمة(1).

وأیضا یذکر لنا التاریخ صورة أخری للزهراء علیهاالسلام فی معاناتها وعملها فی بیتها البسیط, فقد روی المجلسی رحمه الله بینما النبی صلی الله علیه و آله والناس فی المسجد ینتظرون بلالاً أن یأتی فیؤذن إذ أتی بعد زمان فقال له النبی صلی الله علیه و آله: ما حبسک یا بلال؟ فقال: إنی اجتزت بفاطمة علیهاالسلام وهی تطحن واضعة ابنها الحسن عند الرحی وهی تبکی، فقلت لها: أیما أحب إلیک إن شئت کفیتک ابنک، وإن شئت کفیتک الرحی، فقالت: أنا أرفق بابنی، فأخذت الرحی فطحنت فذاک الذی حبسنی، فقال النبی صلی الله علیه و آله: رحمتها رحمک الله(2).

وغیرها من الروایات التی ترینا حیاة الزهراء علیهاالسلام الاجتماعیة مع زوجها وأولادها وجیرانها, ونحن لا نرید أن نأخذ ألفاظاً جامدة أو روایات فارغة وإنّما نقف عندها مقتبسین ومستلهمین الدروس والعبر, فعلی البنت والزوجة والأم أن تجعل الزهراء علیهاالسلام وسیرتها قدوة ومنهاجاً فی حیاتها الزوجیة والاجتماعیة وغیرها کی تحظی بالسعادة الأبدیة.

ص:250


1- (2) أنظر: موسوعة الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام فی الکتاب والسنة والتاریخ, محمد الریشهری, ج 9 ص 372.
2- (3) أنظر: مسند أحمد بن حنبل, ج 3 ص 151. وذخائر العقبی, أحمد بن عبدالله الطبری, ص 51.

کذبة بیضاء

بعد ما ثبتت أذیة وغضب فاطمة علیهاالسلام فی الکتب المعتبرة والصحیحة عند القوم, بما فیها صحیح البخاری, حیث قال: عندما جاءت فاطمة تطالب بإرثها قال لها أبو بکر إن رسول الله صلی الله علیه وسلم قال لا نورث ما ترکنا صدقة, فغضبت فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه وسلم فهجرت أبا بکر فلم تزل مهاجرته حتی توفیت(1). ولا ریب أنّ هذا یلزم منه غضب وأذیة الرسول صلی الله علیه و آله ومن ثم أذیة الله وغضبه؛ لأنّه ثبت أیضا فی الصحاح وغیرها, من آذی فاطمة فقد آذی النبی صلی الله علیه و آله, ومن أغضبها فقد أغضب النبی صلی الله علیه و آله کما جاء عنه فی هذا المجال کثیر من الروایات من جملتها: فاطمة بضعة منّی من أغضبها فقد أغضبنی, (وفی صحیح مسلم یؤذینی ما آذاها)(2), وأذیة النبی صلی الله علیه و آله وغضبه یلزم منها أذیة الله وانتقامه بصریح الآیة فی قوله تعالی:(إِنَّ الَّذِینَ یُؤْذُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّهُ فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِیناً)3 . فمن هذا وغیره لم یجدوا مفراً ومهرباً إلا افتعال وسیلة للهجوم کی یلتجئوا خلفها ویتحصنوا بها, حیث قالوا إنّ علی بن أبی طالب علیه السلام خطب بنت أبی جهل فی حیاة فاطمة علیهاالسلام وحینما وصل الخبر لفاطمة غضبت وتأذت, وهذا یعنی أنّ علیاً قد أغضب وآذی فاطمة, ومن ثم یشمله الحدیث فی أنّه قد آذی فاطمة, وکأن علیاً أصبح حکراً للشیعة حتی

ص:251


1- (1) أنظر: صحیح البخاری, البخاری, ج 4 ص 42.
2- (2) أنظر: صحیح البخاری, ج 4 ص 210. وصحیح مسلم, ج 7 ص 141.

ینقضوا به, ولم یکن خلیفة وقدوة للمسلمین, ومن حسن الحظ أنّ هذه الروایة التی افتعلوها لا تنسجم مع الضوابط العامة سواء فی سندها أم دلالتها, حتی أن الصحابة ومن جملتهم ابن عباس أنکرها وقال فی محضر الخلیفة الثانی هذه من الخواطر, بل حتی المنافقین والأعداء لم یتخذوها ذریعة للتشنیع والتهویل, بالإضافة إلی أنّ بطل هذه الأسطورة والراوی لها المسور بن مخرمة لم یتجاوز عمره الست سنوات حتی أخذوا یبررون هذا النقص الفنی الذی اتضح فیما بعد بأنّه وإن لم یکن محتلماً ولکنه عاقل, فتجاوزوا الخطوط الحمراء عندهم فی علم الروایة کی یمرروا هذه الأکذوبة علی الأذهان والتاریخ ولو بالتخلی عن مبادئهم وضوابطهم, مع کل ذلک أنّ الروایات الواردة فی هذا الشأن مختلفة ومتناقضة. ولو سلمنا أن لها حظاً من الوجود ولو جدلاً فلماذا یتأذی النبی وکذا الزهراء من أمر قد شرعه الله وجعله من المستحبات, مع عدم دخول الولایة هنا حیث إنّه صلی الله علیه و آله یقول لست أحرم حلالاً ولا احل حراماً, فکیف ینهی علی بالزواج بالثانیة, ویأمر بطلاق فاطمة من علی وعصمتها بید زوجها لا غیر, ولماذا اختار الله علیاً زوجاً لفاطمة ولولاه لما کان لها کفءٌ فکیف یختار لها من یؤذیها وهو یعلم أنّه یؤذیها؟ وکیف یقدم علی علی أذیة فاطمة وهو یعلم ما قال فیها الله ورسوله, بل کیف یقدم علی معصیة الله وهو یعلم أنّ الله حرّم علیه النساء فی حیاة فاطمة علیهاالسلام کما سیأتی, وقد نص القرآن والسنة والعقل علی عصمته, وما کان فی هذه المرأة بنت أبی جهل من خصوصیات وهی بنت الطلقاء حتی یقدم علیها علی, کی یجعل النبی صلی الله علیه و آله یصعد المنبر وینشر الخبر علی الناس من دون أن یواجه الإمام

ص:252

علیاً علیه السلام, وغیرها من الأسئلة التی لا تنتهی, لکن أرید أن اختم الکلام هنا, من أنّ النبی صلی الله علیه و آله الذی لا ینطق إلا عن الوحی قال بعلی علیه السلام ما لم یقله بغیره وکشف الله عنه أنّه نفس النبی صلی الله علیه و آله وطاعته طاعة النبی ومعصیته معصیة النبی وطاعة ومعصیة النبی صلی الله علیه و آله طاعة ومعصیة الله, وقال الحق مع علی وعلی مع الحق, وغیرها من الروایات الواردة عن النبی صلی الله علیه و آله بحق علی علیه السلام وقد یصعب عدّها, وهی تؤکد أنّ علیاً علیه السلام لا یعتریه الخطأ والزلل وکل فعله حق وعین ما أراده الله ورسوله, فلو سلمنا بهذه الأسطورة ألا یلزم من ذلک إما التوهین بالنبی صلی الله علیه و آله وأنّه أخطأ فی تقییمه للإمام علی علیه السلام وهو مستحیل بعد ما ثبت أنّه لا ینطق إلا عن الله, وإمّا أنّ نکذب ونطرح کل هذه الروایات التی تکشف عن أبعاد علی علیه السلام بل حتی الآیات التی کللت الإمام علی علیه السلام بالعصمة فتکون المصیبة أعظم, فلا سبیل الی تمریر هذه الأسطورة لا من بعید ولا من قریب. ونحن قد اختصرنا الرد هنا؛ لأن المسألة لا تستحق أکثر من ذلک من حیث جلاء کذبها وضعف متنها.

حرمة الزواج علی علی فی حیاة الزهراء علیهاالسلام

اشارة

إنّ للسیدة الزهراء علیهاالسلام خصوصیات کثیرة سواء کانت فی المجال التکوینی من قبیل أنها لم ترَ دم حیض أو نفاس وغیر ذلک, أم فی المجال التشریعی من قبیل حرمة الزواج علیها فی حیاتها, کما أشار لذلک بعض الأعلام بقوله: الظاهر أنه لا خلاف بین المسلمین فی اختصاص هذا الحکم بفاطمة علیهاالسلام دون غیرها من أخواتها (أو ربائبه کما ثبت عندنا) وسایر النساء، ولم یفت أحد من أهل العلم فیما أعلم بعدم جواز النکاح علی سایر بنات رسول الله صلی الله علیه و آله, ولیس هذا إلا لما

ص:253

حازته علیهاالسلام من الفضلیة والکرامة والدرجة الرفیعة عند الله تعالی، واختصاصها بفضائلها المشهورة، دون غیرها من النساء. ولو کان علة حرمة نکاح امرأة أخری علیها، اجتماع بنت رسول الله صلی الله علیه و آله وبنت عدو الله مکاناً واحداً، لاشترکت معها فی هذا الحکم أخواتها زینب ورقیة وأم کلثوم، ولما یجوز نکاحهن من أبی العاص بن ربیع، وعتبة، وعتیبة ابنی أبی لهب فی حال کفرهم، بل لما یجوز نکاحهن بمن کان قبل الإسلام مشرکاً کافراً(1).

والدلیل علی اختصاص الزهراء علیهاالسلام بهذا الحکم, أولاً: ما ورد عن أبی بصیر عن أبی عبد الله علیه السلام قال:

حرم الله النساء علی علی علیه السلام ما دامت فاطمة علیهاالسلام حیة قال: قلت کیف؟ قال:

لأنها طاهرة لا تحیض(2).

وقال المجلسی رحمه الله أنّ هذا التعلیل یحتمل وجهین: الأول أن یکون المراد أنها لما کانت لا تحیض حتی یکون له علیه السلام عذر فی مباشرة غیرها، فلذا حرم الله علیه غیرها رعایة لحرمتها. الثانی أن یکون المعنی أن جلالتها منعت من ذلک وعبر عن ذلک ببعض ما یلزمه من الصفات التی اختصت بها(3).

وثانیا: یمکن أنّ تکون الحرمة هنا من باب عدم وجود الکفء للسیدة الزهراء علیهاالسلام بما أنّها معصومة لیس لها عدل من النساء إطلاقاً, حیث لو رجعنا إلی فلسفة حرمة الزواج الدائم بالکافرة هو عدم کفئها للمسلمة فلا تستحق أن تکون

ص:254


1- (1) أنظر: لمحات, الشیخ لطف الله الصافی, ص 264.
2- (2) تهذیب الأحکام, الشیخ الطوسی, ج 7 ص 475.
3- (3) أنظر: بحار الأنوار, العلامة المجلسی, ج 43 ص 153.

عدلاً لها کی توزع بینهما الحقوق والأیام وغیر ذلک, فکذلک لا تکون للزهراء علیهاالسلام عدل ولو کانت مسلمة وهی سیدة نساء العالمین من الأولین والآخرین.

وهذا بحدّ ذاته یکون ردّاً قاطعاً علی أسطورة بنت أبی جهل المتقدم ذکرها فتکون سالبةً بانتفاء الموضوع, من حیث إنّ الزواج محرم علی علی علیه السلام کحرمة غیره من المحرمات فکیف یجوز أن یقدم علی أمر قد شرع الله حرمته علی فرض وصول الحکم إلیه, وإن لم یکن قد وصل إلیه فلا یؤاخذ بشیء من ذلک لا من جهة النبی صلی الله علیه و آله ولا من جهة الزهراء علیهاالسلام. وکیف کان قد تنزلنا وتجارینا مع القوم إلی أدنی المستویات التی لا ینبغی أن تقال وإلا علی بن أبی طالب علیه السلام أجلُّ من کل ما یقال عنه وقد وصفه المولی تعالی أنّه نفس النبی صلی الله علیه و آله ووصفه النبی أنّه لا یعرفه إلا الله ورسوله.

إشکال وجواب

ذُکر عن محمد بن أبی القاسم أنّه قال: هذا (الخبر) من جملة خبر الآحاد, وقد قال الله تعالی:(فَانْکِحُوا ما طابَ لَکُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنی وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ)1 ولا یجوز تحریم ذلک فی حق أحد إلا بسنة قاطعة أو آیة محکمة(1). وذلک لأنّ القرآن قطعی الصدور, وهو یصرح بجواز الزواج من الثانیة وحتی الرابعة لکل المسلمین بما فیهم علی بن أبی طالب علیه السلام, وهذا الخبر الواحد, الذی یحرم

ص:255


1- (2) أنظر: بشارة المصطفی, محمد بن علی الطبری, ص 381.

الزواج من علی علیه السلام فی حیاة الزهراء علیهاالسلام هو فی حد ذاته ظن ولکن الشارع جعله حجة فی المسائل الشرعیة أو العقائد الثانویة, فعندما نقارن بینه وبین الآیة تکون مقارنةً فی الحقیقة بین ظن ویقین, ولا ریب أنّ المسألة الیقینیة تبقی ثابتة ولا تخصص أو تنسخ إلا بیقین آخر ولیس بظن کما هو فی المقام.

والجواب

قد جاء عن بعض الأساطین أنّه لا یوجد خلاف بین أصحابنا فی جواز تخصیص الکتاب بخبر الواحد, نعم هناک خلاف فی المسألة عند أبناء العامّة منهم من ذهب إلی عدم جواز التخصیص والآخر الی جواز تخصیص الکتاب بخبر الواحد, ومنهم من توقف فی المسألة کالباقلانی(1).

وأمّا الدلیل علی جواز التخصیص, هو أنّ التخصیص للکتاب إنمّا هو فی الدلالة لا فی الصدور وهی ظنیة أیضاً, فیکون رفع ظنی بظنی لیس رفع یقین بظنی کما توهم المستشکل. وإنّ شئت قلت: إنّه رفع ید عن قطعی بقطعی, بتقریب أنّ خبر الواحد بعد فرض حجیته وشمولها للمقام یکون قطعی الحجیة فقد رفعنا الید عما هو قطعی الحجیة وهو الکتاب بما هو قطعی الحجیة وهو خبر الواحد.

بعبارة أوضح: أنّ العموم فی نفسه وإن کان شموله للمورد ظنیاً من قبیل قوله تعالی:(وَ حَرَّمَ الرِّبا) شمول للربا بین الوالد وولده ظنی إلا أنّ أصالة العموم جعلت شموله لکل فرد من أفراده حجة قطعیة معذرة لولا المخصص الذی جعل

ص:256


1- (1) أنظر: غایة المأمول من علم الأصول, تقریرات بحوث السید الخوئی, للشیخ محمد تقی الجواهری, ج 2 ص 670. ومحاضرات فی أصول الفقه, تقریرات بحث السید الخوئی, للفیاض, ج 5 ص 309.

الشارع له الحجة کخبر الواحد, من قبیل قول أمیر المؤمنین علیه السلام:

لیس بین الرجل وولده ربا ولیس بین السید وعبده ربا(1). فهو حجة قطعیة, فیکون المقام هنا وکذا فی مسألتنا من قبیل العام والخاص القطعییّن, فإنّ الخاص قرینة علی عدم العموم فهو مقدم علیه تقدم القرینة علی ذیها. فعندما حصل عموم أفرادی فی الآیة فی جواز أو استحباب لکل الأفراد من الزواج بالثانیة وحتی الثالثة الی الرابعة مع توفر الشروط اللازمة فی محلها خُص هذا العموم بحق علی علیه السلام فی حال حیاة الزهراء علیهاالسلام لوجود خصوصیة خاصة فیها, وربما أشارت الروایة الی هذه الخصوصیة وهی أنّها طاهرة أی معصومة ولا تحیض لا تعتریها النجاسات کما هو الحال فی النساء, فهی متکاملة من الناحیة المعنویة والمادیة.

مصحف فاطمة علیهاالسلام

من تراث فاطمة علیهاالسلام هو المصحف الخاص بها المعبر عنه فی لسان الروایات بمصحف فاطمة, وذلک بما أملته علیها الملائکة بإذن الله, کما فی المعتبرة فی الکافی: «أنّ ملکاً من الملائکة کان ینزل علی الزهراء علیهاالسلام بعد وفاة أبیها، ویسلیها ویحدثها بما یکون من الأمور، وکان علی علیه السلام یکتب ذلک الحدیث, فسمی ما کتب, مصحف فاطمة علیهاالسلام، فهو لیس قرآناً کما توهم، ولا کتاباً مشتملاً علی الأحکام، فإن هذا التوهم مخالف للنصوص. ولا غرابة فی حدیث الملائکة مع الزهراء علیهاالسلام فقد ذکر القرآن أن الملائکة حدثت مریم ابنة عمران, کما فی قوله تعالی:(وَ إِذْ قالَتِ الْمَلائِکَةُ یا مَرْیَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفاکِ وَ طَهَّرَکِ وَ اصْطَفاکِ

ص:257


1- (1) الکافی, الکلینی, ج 5 ص 147.

عَلی نِساءِ الْعالَمِینَ)1 , ومن المعلوم أفضلیة الزهراء علی مریم ابنة عمران، کما ورد فی النصوص المعتبرة، من أنّ مریم سیدة نساء عالمها، وأنّ فاطمة سیدة نساء العالمین.

عن حماد بن عثمان قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: تظهر الزنادقة فی سنة ثمان وعشرین ومائة, وذلک أنی نظرت فی مصحف فاطمة علیهاالسلام، قال: قلت: وما مصحف فاطمة؟ قال: إن الله تعالی لما قبض نبیه صلی الله علیه و آله دخل علی فاطمة علیهاالسلام من وفاته من الحزن ما لا یعلمه إلا الله عز وجل فأرسل الله إلیها ملکاً یسلی غمها ویحدثها، فشکت ذلک إلی أمیر المؤمنین علیه السلام فقال: إذا أحسست بذلک وسمعت الصوت قولی لی فأعلمته بذلک فجعل أمیر المؤمنین علیه السلام یکتب کلما سمع حتی أثبت من ذلک مصحفاً, ثم قال أما إنه لیس فیه شیء من الحلال والحرام ولکن فیه علم ما یکون(1).

وعن أبی عبیدة قال: سأل أبا عبد الله علیه السلام بعض أصحابنا عن الجفر فقال: هو جلد ثور مملوء علماً، قال: له فالجامعة؟ قال: تلک صحیفة طولها سبعون ذراعاً فی عرض الأدیم مثل فخذ الفالج، فیها کل ما یحتاج الناس إلیه، ولیس من قضیة إلا وهی فیها، حتی أرش الخدش قال: فمصحف فاطمة علیهاالسلام؟ قال، فسکت طویلا ثم قال: إنکم لتبحثون عما تریدون وعما لا تریدون إن فاطمة مکثت بعد رسول الله صلی الله علیه و آله خمسة وسبعین یوماً وکان دخلها حزن شدید علی أبیها وکان جبرئیل علیه السلام یأتیها فیحسن عزاءها علی أبیها، ویطیب نفسها، ویخبرها عن أبیها

ص:258


1- (2) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 1 ص 240.

ومکانه، ویخبرها بما یکون بعدها فی ذریتها، وکان علی علیه السلام یکتب ذلک، فهذا مصحف فاطمة علیهاالسلام(1).

ولفظ المصحف لیس اسماً مختصاً بالقرآن، حتی تختص بنت المصطفی بقرآن خاص، وإنما کان کتاباً فیه الملاحم والأخبار. والمصحف: من أصحف، بمعنی ما جعل فیه الصحف، کما جاء فی لسان العرب, المصحف: الجامع للصحف المکتوبة بین الدفتین کأنه أصحف، والکسر والفتح فیه لغة، قال أبو عبید: تمیم تکسرها وقیس تضمها، ولم یذکر من یفتحها ولا أنها تفتح إنما ذلک عن اللحیانی عن الکسائی, قال الأزهری: وإنما سمی المصحف مصحفاً لأنه أصحف أی جعل جامعاً للصحف المکتوبة بین الدفتین، قال الفراء: یقال مِصحف ومُصحف کما یقال مِطرف ومُطرف، قال: وقوله مصحف من أصحف أی جمعت فیه الصحف وأطرف جعل فی طرفیه العلمان(2).

وعلیه إنما سمی المصحف مصحفاً، لأنه جعل جامعاً للصحف المکتوبة بین الدفتین, ولم یکن ذلک اللفظ علماً للقرآن فی عصر نزوله، وإنما صار علماً له بعد رحیل رسول الله صلی الله علیه و آله. قال السیوطی: روی ابن أشتة فی کتاب المصاحف أنه لما جمعوا القرآن فکتبوه فی الورق قال أبو بکر: التمسوا له اسماً، فقال بعضهم: السفر، وقال بعضهم: المصحف، فإن الحبشة یسمونه المصحف, قال: وکان أبو بکر أول من جمع کتاب الله وسماه المصحف(3).

ص:259


1- (1) الکافی, الشیخ الکلینی ج 1 ص 241.
2- (2) أنظر: لسان العرب, ابن منظور, ج 9 ص 186.
3- (3) أنظر: الإتقان فی علوم القرآن, السیوطی, ج 1 ص 146.

أسماء فاطمة علیهاالسلام

اشارة

إن للسیدة الزهراء علیهاالسلام أسماء نزلت من السماء، وتحت کل اسم أسرار کما نطقت بها الأخبار، ولکل منها جهة تسمیة بل جهات سمیت بها بذلک الاعتبار، ونحن نذکر قسماً منها, مع جملة من الأخبار الواردة فیها، ومرادنا من الأسماء هنا أعم من الاسم واللقب والکنیة علی نحو ما ورد فی الأخبار المرویة.

سبب تسمیتها بفاطمة

قد ورد فی سبب تسمیتها بذلک أخبار کثیرة من طرق الخاصة والعامة، فی أنها سمیت بذلک؛ لأن الله تعالی قد فطم من أحبها من النار, وغیرها من الأسرار الکامنة تحت هذا الاسم المبارک.

کما عن الشعبی، عن ابن عباس، قال: لما ولدت فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه و آله سماها المنصورة، فنزل جبرائیل، فقال: یا محمد، الله یقرئک السلام، ویقرئ مولودک السلام، وهو یقول: ما ولد مولود أحب إلی منها، وأنها قد لقبها باسم خیر مما سمیتها، سماها فاطمة، لأنها تفطم شیعتها من النار(1).

وعن أبی الحسن الرضا علیه السلام انّه قال: سمیت فاطمة, فاطمة؛ لأن الله تبارک وتعالی علم ما کان قبل کونه، فعلم أن رسول الله صلی الله علیه و آله یتزوج فی الأحیاء، وأنهم یطمعون فی وراثة هذا الأمر من قبله، فلما ولدت فاطمة سماها الله تعالی فاطمة لما أخرج منها من ولدها، فجعل الوراثة فی أولادها، فقطع غیر أولادها عما طمعوا،

ص:260


1- (1) أنظر: میزان الاعتدال, الذهبی, ج 3 ص 439.

فبهذا سمیت فاطمة أی فطمت طمعهم وقطعت(1).

وروی یزید بن عبد الملک عن الباقر علیه السلام قال: لما ولدت فاطمة علیهاالسلام أوحی الله عز وجل إلی ملک، فأنطق به لسان محمد صلی الله علیه و آله فسماها فاطمة، وقال: إنی قد فطمتک بالعلم، وفطمتک عن الطمث، ثم قال أبو جعفر علیه السلام: والله لقد فطمها الله تعالی بالعلم وعن الطمث فی المیثاق(2).

وفی روایة: أنّه قال رسول الله صلی الله علیه و آله: یا فاطمة أتدرین لم سمیت فاطمة؟ فقال علی علیه السلام: یا رسول الله لم سمیت فاطمة؟ قال: لأنها فطمت هی وشیعتها من النار(3).

سبب تسمیتها بالزهراء

هناک عدة روایات تکشف لنا سبب تسمیتها بهذا الاسم, وانّه مقتبس من واقعٍ تتمتع وتتصف به الزهراء علیهاالسلام, کما ورد عن محمد بن عمارة، عن أبیه، قال: سألت الصادق علیه السلام عن فاطمة علیهاالسلام لم سمیت زهراء؟ فقال علیه السلام: لأنها کانت إذا قامت فی محرابها زهر نورها لأهل السماء کما یزهر نور الکواکب لأهل الأرض(4).

وعن العسکری علیه السلام: سمیت فاطمة زهراء لأنه کان نور وجهها یزهر لأمیر

ص:261


1- (1) أنظر: علل الشرائع, الشیخ الصدوق, ج 1 ص 178.
2- (2) أنظر: الکافی, الشیخ الکلینی, ج 1 ص 460.
3- (3) أنظر: علل الشرائع, الشیخ الصدوق, ج 1 ص 179.
4- (4) معانی الأخبار, الشیخ الصدوق, ص 64.

المؤمنین علیه السلام من أول النهار کالشمس الضاحیة، وعند الزوال کالقمر المنیر، وعند غروب الشمس کالکوکب الدری(1). وفی خبر آخر أنّه حدث عند ولادتها فی السماء نور ظاهر لم تره الملائکة قبل ذلک(2).

وروی عن النبی صلی الله علیه و آله أنّی رأیت لیلة الإسراء امرأة فی الجنة فی غایة البهاء والجلالة قد بهر نورها جمیع الموجودات، وهی جالسة علی سریر من أسرة الجنة، وعلی رأسها تاج مکلل، وفی أذنیها قرطان یزهران لأهل الأرض والسماء، أحدهما من الزمردة الخضراء والآخر من الیاقوتة الحمراء، فسألت جبرئیل عنها فقال: هذه بنتک فاطمة الزهراء، والتاج علی رأسها هو علی بن أبی طالب علیه السلام زوجها، والقرطان فی اذنیها الحسن والحسین علیهماالسلام ولداها(3).

وروی جابر عن الصادق علیه السلام قال: قلت له: لم سمیت الزهراء زهراء؟ فقال: لأن الله تعالی خلقها من نور عظمته، فلما أشرقت أضاءت السماوات والأرضین، وغشیت أبصار الملائکة، وخرت الملائکة لله تعالی ساجدین، وقالوا: إلهنا وسیدنا ما هذا النور؟ فأوحی الله إلیهم: هذا نور من نوری، أسکنته فی سمائی، خلقته من عظمتی، أخرجته من صلب نبی من أنبیائی، أفضله علی جمیع الأنبیاء، واخرج من ذلک النور أئمة یقومون بأمری، ویهدون إلی حقی، وأجعلهم خلفائی فی أرضی بعد انقضاء وصی نبیی(4).

ص:262


1- (1) مناقب آل أبی طالب, ابن شهر آشوب, ج 3 ص 110.
2- (2) الأمالی, الشیخ الصدوق, ص 692.
3- (3) اللمعة البیضاء, التبریزی الأنصاری, ص 105.
4- (4) علل الشرائع, الشیخ الصدوق, ج 1 ص 18.
سبب تسمیتها بالصدیقة

هذا الاسم معروف علی لسان أهل البیت علیهم السلام وقد سماها به الله تبارک وتعالی إجلالاً وإکراماً لمقامها السامی ولما وصلت إلیه من التصدیق بکل ما آتاه الله ورسوله صلی الله علیه و آله. والصدیقة صیغة مبالغة فی الصدق والتصدیق أی أنها سلام الله علیها کثیرة الصدق، ولقد ورد فی کتب اللغة معنی التصدیق والصدق حیث قیل: إن الصدیق أبلغ من الصدوق، وقیل: إنه الکامل فی الصدق الذی یصدق قوله بالعمل، البار، الدائم التصدیق، وقیل: إنه من لم یکذب قط، وقیل: من صدق بقوله واعتقاده، وحقق صدقه بفعله(1).

وأیاً کان منها معنی الصّدیق فإن فاطمة الزهراء علیهاالسلام تنطبق علیها جمیع الأقوال فهی سلام الله علیها کانت المداومة علی التصدیق بما یوجبه الحق جل وعلا حیث کانت المصدقة بکل ما أمر الله به وبأنبیائه ولا یدخلها فی أی شیء من ذلک أی شک کان وکانت المصداق الأفضل مع أولیائه المعصومین, لقوله تعالی:(وَ الَّذِینَ آمَنُوا بِاللّهِ وَ رُسُلِهِ أُولئِکَ هُمُ الصِّدِّیقُونَ)2 . وقوله تعالی:(مَا الْمَسِیحُ ابْنُ مَرْیَمَ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَ أُمُّهُ صِدِّیقَةٌ)3 ، حیث فسرت کلمة صدیقة فی هذا الآیة المبارکة بأنها تصدق بآیات ربها، ومنزلة والدها وتصدقه فیما أخبرها به، بدلالة قوله تعالی:(وَ صَدَّقَتْ بِکَلِماتِ رَبِّها

ص:263


1- (1) أنظر: تاج العروس, الزبیدی, ج 13 ص 36.

وَ کُتُبِهِ وَ کانَتْ مِنَ الْقانِتِینَ)1 ، وقیل: لکثرة صدقها وعظم منزلتها فیما تصدق به من أمرها وعلی کل حال فإن فاطمة الزهراء علیهاالسلام کانت الصدیقة الطیبة التی صدقت بالله ورسوله وبما جاء به من عند الله تعالی وکانت المؤمنة بکل عقائدها الربانیة والتی کانت تعمل علی ضوء تلک العقائد والمعتقدات, ولقد جاءت الروایات الکثیرة لکی تؤکد علی هذه الحقیقة الواضحة للزهراء علیهاالسلام فلقد ورد عن النبی صلی الله علیه و آله فی حدیث طویل: یا علی، إنی قد أوصیت فاطمة ابنتی بأشیاء وأمرتها أن تلقیها إلیک، فأنفذها، فهی الصادقة الصدوقة، ثم ضمها إلیه وقبل رأسها، وقال: فداک أبوک یا فاطمة(1).

وعن مفضل بن عمر قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام: من غسل فاطمة علیهاالسلام؟ قال: ذاک أمیر المؤمنین علیه السلام، فکأنما استضقت (استفظعت) ذلک من قوله، فقال لی: کأنک ضقت مما أخبرتک به، فقلت: قد کان ذلک جعلت فداک، فقال: لا تضیقن فإنها صدیقة لم یکن یغسلها إلا صدیق، أما علمت أن مریم لم یغسلها إلا عیسی؟(2). وکذلک قول رسول الله صلی الله علیه و آله إنه قال لعلی علیه السلام: أوتیت ثلاثاً لم یؤتیهن أحد ولا أنا أوتیت, صهراً مثلی ولم أوت أنا مثلک، وأوتیت زوجة صدیقة مثل ابنتی ولم أوت مثلها زوجة، وأوتیت الحسن والحسین من صلبک ولم أوت من صلبی مثلهما، ولکنکم منی(3).

ص:264


1- (2) أنظر: الصراط المستقیم, علی بن یونس العاملی, ج 2 ص 93. وبحار الأنوار, المجلسی, ج 22 ص 491.
2- (3) انظر: الکافی, الکلینی, ج 1 ص 460. ووسائل الشیعة, الحر العاملی, ج 2 ص 714.
3- (4) انظر: الغدیر, المینی, ج 2 ص 312.

وعن أبی الحسن علیه السلام قال: إنّ فاطمة علیهاالسلام صدیقة شهیدة(1). وقال الصادق علیه السلام: وهی الصدیقة الکبری، وعلی معرفتها دارت القرون الأولی(2). وغیرها من الروایات التی تبین الأبعاد المعنویة لهذه الصفة التی تتمتع بها الزهراء علیهاالسلام.

سبب تسمیتها بالمبارکة

وهو من الأسماء التی وردت أیضاً عن لسان المعصوم علیه السلام لفاطمة الزهراء علیهاالسلام عند الباری عز وجل، والظاهر من خلال سیرتها علیهاالسلام وما ترکت من ذریة طیبة من بعدها أن مسألة البرکة واضحة البرهان فی حیاتها الواقعیة، حیث نجد أن ذریة کل رسول من ولده وخصوصا الذکور إلا نبینا محمد صلی الله علیه و آله حیث کانت ذریته من ابنته المبارکة فاطمة علیهاالسلام، وهذا ما نجده من خلال المأثور الروائی فی حیاة الرسول وأهل بیته علیهم السلام. وعندما نراجع کتب اللغة لنری مدی انطباق معنی المبارکة أو البرکة علی حیاتها الشخصیة وما ترکته فی هذه الدنیا, فلقد ورد فی معنی کلمة البرکة هی النماء والزیادة، وعن الزجاج: المبارک ما یأتی من قبله الخیر الکثیر. وقیل: إن البرکة: هی النماء والسعادة والزیادة وقال الراغب: ولما کان الخیر الإلهی یصدر من حیث لا یحبس، وعلی وجه لا یحصی ولا یحصر, قیل: لکل ما یشاهد منه زیادة محسوسة هو مبارک فیه وفیه برکة(3).

ص:265


1- (1) انظر: الکافی, الشیخ الکلینی, ج 1 ص 458.
2- (2) انظر: الامالی, الشیخ الصدوق, ص 668.
3- (3) انظر: تاج العروس, الزبیدی, ج 13 ص 515.

ولا شک ولا ریب ومن خلال استقراء حیاة فاطمة علیهاالسلام قبل وبعد وفاتها أنها هی الخیر الکثیر الذی ورد فیه قوله تعالی:(إِنّا أَعْطَیْناکَ الْکَوْثَرَ) ، ولقد انطبقت علیها هذه المعانی لکثرة برکتها علی رسول الله صلی الله علیه و آله وعلی أهل بیته وعلی شیعة أمیر المؤمنین، فأی برکة بعد رسول الله صلی الله علیه و آله مثل فاطمة والتی علی معرفتها دارت القرون الأولی، وأی برکة أکبر وأفضل من برکة فاطمة علیهاالسلام علی الشیعة وخاصة فی هذه الحیاة الدنیا حیث کانت الوعاء الأکبر للإمامة التی مثلت أفضل مصادیق الولایة الکبری وأی برکة أفضل منها عندما تأتی یوم القیامة وتخلص شیعتها ومحبیها من عذاب النار ولقد طفحت کتب السیرة والتاریخ دلالة علی کثرة برکة فاطمة الزهراء علیهاالسلام وکذلک الکتب الروائیة والکلامیة والتفسیریة حیث أظهرت من خلال طیات صفحاتها هذه الصفة الواردة فیها، وتصدیقاً لهذا الکلام تری فی العالم الیوم ذریة فاطمة الزهراء علیهاالسلام الذین هم ذریة رسول الله صلی الله علیه و آله منتشرین فی بقاع العالم، ففی العراق حوالی ملیون، وفی إیران حوالی ثلاثة ملایین، وفی مصر خمسة ملایین، وفی المغرب الأقصی خمسة ملایین، وفی الجزائر وتونس ولیبیا عدد کثیر، وکذلک فی الأردن وسوریا ولبنان والسودان وبلاد الخلیج والسعودیة ملایین، وفی الیمن والهند وباکستان والأفغان وجزر اندونیسیا حوالی عشرین ملیوناً، وقل أن تجد فی البلاد الإسلامیة بلدة لیس فیها أحد من نسل السیدة فاطمة الزهراء علیهاالسلام، ویقدر مجموعهم بخمسة وثلاثین ملیوناً، ولو أجریت إحصائیات دقیقة وصحیحة فلعل العدد یتجاوز هذا المقدار(1).

ص:266


1- (1) انظر: الأسرار الفاطمیة, الشیخ محمد فاضل المسعودی, ص 401.
سبب تسمیتها بالطاهرة

من الأسماء الجمیلة والتی تدل علی معنی یصبو إلیه کل مؤمن, هو الطهارة الباطنیة والظاهریة، حیث سمیت به فاطمة علیهاالسلام، وقد دلت عدة روایات فی هذا الباب علی مدی طهارتها علیهاالسلام, هذا بالإضافة إلی الشواهد الأخری التی أیدت هذه المعنی، وأفضل دلیل علی طهارتها هو آیة التطهیر،(إِنَّما یُرِیدُ اللّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً)1, فهی علیهاالسلام مطهرة نقیة مبرأة من کل الأرجاس الظاهریة والباطنیة, وإلیک بعض الأحادیث والشواهد التی تدل علی أنها طاهرة سواء الطهارة الظاهریة أو الباطنیة, فقد ورد عن أبی جعفر، عن آبائه علیهم السلام قال: إنما سمیت فاطمة بنت محمد صلی الله علیه و آله الطاهرة لطهارتها من کل دنس، وطهارتها من کل رفث، وما رأت قط یوماً حمرة ولا نفاساً(1).

وعن الصادق علیه السلام قال:

إن الله حرم النساء علی علی ما دامت فاطمة حیة، لأنها طاهرة لا تحیض(2).

وقوله صلی الله علیه و آله: ألا إن مسجدی حرام علی کل حائض من النساء وکل جنب من الرجال إلا علی محمد وأهل بیته علیهم السلام علی وفاطمة والحسن والحسین علیهم السلام(3).

و ما جاء فی غسلها ووصیتها علیهاالسلام قبل الوفاة، وهو أدل دلیل وأقوی حجة علی

ص:267


1- (2) أنظر: مستدرک سفینة البحار, الشیخ علی النمازی الشاهرودی, ج 6 ص 608. وبحار الأنوار, المجلسی, ج 43 ص 19.
2- (3) تهذیب الأحکام, الشیخ الطوسی, ج 7 ص 175.
3- (4) انظر: السنن الکبری, البیهقی, ج 7 ص 65.

أنها کانت طاهرة میمونة فی حیاتها وبعد مماتها، ولم یحدث الموت فیها رجاسة ولا دناسة، مع أنک تعلم أنه مما لا خلاف فیه تنجس البدن بعد الموت وبعد خروج النفس عنه، ولأجل ذلک لا بد أن یغسل المیت حتی یطهر بدنه وینظف جسمه، إلا أن سیدة النساء علیهاالسلام أوصت أن لا یکشفها أحد، وأن تدفن بغسلها قبل الوفاة.

روی أحمد بن حنبل فی مسنده عن أم سلمی (زوجة أبی رافع) قالت: اشتکت فاطمة شکواها التی قبضت فیها، فکنت أمرضها، فأصبحت یوماً کأمثل ما رأیتها فی شکواها تلک، قالت: وخرج علی لبعض حاجته، فقالت: یا أمة اسکبی لی غسلاً, فسکبت لها غسلاً، فاغتسلت کأحسن ما رأیتها تغسل، ثم قالت: یا أمة أعطینی ثیابی الجدد، فأعطیتها، فلبستها، ثم قالت: یا أمة قدی لی فراشی وسط البیت، ففعلت، واضطجعت واستقبلت القبلة وجعلت یدها تحت خدها، ثم قالت: یا أمة إنی مقبوضة الآن وقد تطهرت، فلا یکشفنی أحد، فقبضت مکانها. قالت: فجاء علی فأخبرته(1).

وقال الأربلی: واتفاقهما من طرق الشیعة والسنة علی نقله مع کون الحکم علی خلافه عجیب، فإن الفقهاء من الطرفین لا یجیزون الدفن إلا بعد الغسل إلا فی موضع لیس هذا منه, ولعل هذا أمر یخصها علیهاالسلام(2). نعم إنها علیهاالسلام کأبیها فی طهارتها کما تقدم عن الصادق علیه السلام إنه لما سئل: هل اغتسل علی حین غسل رسول الله صلی الله علیه و آله؟ قال: النبی طاهر مطهر ولکن اغتسل علی علیه السلام وجرت به السنة(3).

ص:268


1- (1) انظر: مسند أحمد, الأمام أحمد بن حنبل, ج 6 ص 461.
2- (2) انظر: کشف الغمة, ابن أبی الفتح الأربلی, ج 2 ص 125.
3- (3) الحدائق الناضرة, المحقق البحرانی, ج 3 ص 231.
تسمیتها بالراضیة

من الأمور المهمة والتی تکون ذا أهمیة کبیرة فی معرفة درجة أیمان الفرد المسلم مسألة الرضا عن الله تعالی، فمقام الرضا یحتاج إلی معرفة ویقین حتی یصل إلیه الإنسان ویکون من الراضین بما قسم الله تعالی حتی یصل فی النهایة إلی مرحلة إیمانیة عالیة جداً، وکما ورد فی دعاء کمیل: (وتجعلنی بقسمک راضیاً قانعاً) أی أن الإنسان المؤمن یطلب من الله تعالی أن یوصله إلی مقام الرضا منه جل وعلا فی کل ما یقسمه له سواء من خیر أو بلاء أو غیر ذلک، وعلی غرار هذا وردت عدة أحادیث مرویة عن أهل بیت العصمة علیهم السلام: من جملتها ما جاء فی الحدیث الشریف عن علی بن الحسین علیهاالسلام أنّه قال:

الصبر والرضا عن الله رأس طاعة الله، ومن صبر ورضی عن الله فیما قضی علیه فیما أحب أو کره، لم یقض الله عز وجل له فیما أحب أو کره إلا ما هو خیر له(1). لأنّ الله سبحانه لا یختار لعبده إلا ما فیه خیره ومصلحته، وإن خفیت تلک المصلحة علی العبد لمحدودیته وقصوره عن الإحاطة بمصالحه ومفاسده.

وجاء فی حدیث آخر عن أبی عبد الله علیه السلام قال:

إنّ أعلم الناس بالله أرضاهم بقضاء الله عز وجل(2). من هنا یظهر مقام الزهراء علیهاالسلام العالی, حیث إنها کانت راضیة عن الله تعالی بکل ما قدر لها من خیر وبلاء، وبما قدر لها من مرارة الدنیا ومشقاتها ومصائبها وبلایاها, وهذا یظهر من خلال أبسط تأمل لحیاتها وما

ص:269


1- (1) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 2 ص 60.
2- (2) المصدر نفسه.

جری علیها من الظلم والأذی, فمن خلال استقراء حیاتها وسیرتها الذاتیة نجد أنها کانت راضیة بکل ما قدر الله لها، فهی کانت راضیة بقضاء الله تعالی وصابرة علی ما جری علیها من الظلم والهوان، وکانت شاکرة لله تعالی فالشکر یدل علی الرضا, وهذا ینم عن الحالة الإیمانیة عند فاطمة علیهاالسلام.

تسمیتها بالمرضیة

وأیضاً لفاطمة علیهاالسلام اسم آخر یقاربه وهو (المرضیة) والذی یظهر من خلال التأمل والتدبر فی السیرة الذاتیة لها, أنه هناک احتمالان فی معنی کونها مرضیة، أحدهما هو کون جمیع أعمالها وأفعالها وأقوالها وما صدر منها خلال مسیرة حیاتها مرضیة عند الله تبارک وتعالی فهی رضی الله عنها ورضت عنه، فهی راضیة مرضیة راضیة عن الباری عز وجل ومرضیة بما وعد الله تبارک وتعالی عباده بالرضوان الأکبر. والاحتمال الآخر أنها علیهاالسلام کانت مرضیة من جهة ما أعطاها الله تبارک وتعالی من المقامات النورانیة التی بها فضلها علی غیرها وکذلک، ومن خلال ما أعطاها تبارک وتعالی من الذریة ا لکثیرة حیث جعل منها الأئمة الهادین علیهم السلام، وکذلک هی مرضیة علیهاالسلام من جهة أن لها مقام الشفاعة الکبری, وأیاً کان تفسیر معنی المرضیة سواء کان الاحتمال الأول أو الثانی، فإن فاطمة علیهاالسلام قد حازت وفازت بهذه المنزلة الرفیعة والدرجة الراقیة فهی راضیة مرضیة أعمالها عند الله عز وجل:(یا أَیَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ. اِرْجِعِی إِلی رَبِّکِ راضِیَةً مَرْضِیَّةً. فَادْخُلِی فِی عِبادِی. وَ ادْخُلِی جَنَّتِی)1 .

ص:270

تسمیتها بالمحدثة

ونقف هنا مع اسم آخر لفاطمة علیهاالسلام والذی نستفیده من خلال مراجعة جملة من الروایات, إن هذا الاسم ومن دون تحریک حرف الدال نحتمل فیه احتمالان: إما أن تکون الدال المشددة مکسورة, وأما أن تکون الدال المشددة فیه مفتوحة، وعلی الاحتمال الأول یکون معنی هذا الاسم أنّها علیهاالسلام کانت تحدث أمها خدیجة علیهاالسلام وهی فی بطنها، وأیضا الملائکة, وهذا ما یظهر من خلال مراجعة بعض الروایات، کما ورد عندما سأل رسول الله زوجته خدیجة أثناء دخوله علیها قائلاً لها مع من تتحدثین قالت: الجنین الذی فی بطنی یؤنسنی ویحدثنی(1). وعلی الاحتمال الثانی یکون معنی المحدثة هو أنها علیهاالسلام کانت تحدثها الملائکة وتؤنسها وخصوصاً بعد فقد أبیها رسول الله صلی الله علیه و آله, فقد ورد عن زید بن علی قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول:

«إنما سمیت فاطمة مُحدَّثَة؛ لأن الملائکة کانت تهبط من السماء فتنادیها کما تنادی مریم بنت عمران فتقول: یا فاطمة، إن الله اصطفاک وطهرک واصطفاک علی نساء العالمین. یا فاطمة، اقنتی لربک واسجدی وارکعی مع الراکعین. فتحدثهم ویحدثونها، فقالت لهم ذات لیلة: ألیست المفضلة علی نساء العالمین مریم بنت عمران؟ فقالوا: إن مریم کانت سیدة نساء عالمها، وإن الله جعلک سیدة نساء عالمک وعالمها وسیدة نساء الأولین والآخرین»(2).

ص:271


1- (1) روضة الواعظین, الفتال النیسابوری, ص 143.
2- (2) الأمالی, الشیخ الصدوق, ص 691.
سؤال وجواب

وهنا سؤال یطرح نفسه فی المقام وینقدح فی ألأذهان, وهو هل من الممکن أن تکون الملائکة تحدث بعض الناس لاسیما بعد رحیل النبی الأکرم صلی الله علیه و آله حیث إنّ الوحی انقطع بعد وفاة الرسول صلی الله علیه و آله، وفی حالة کون تحدیث الملائکة وإمکان وقوعه ولو علی غیر نحو الوحی هل یقع هذا مع فاطمة علیهاالسلام؟

وللإجابة: أنّ أدنی مراجعة للقرآن الکریم تفیدنا الجواب علی هذه المسألة من إمکان وقوعها فی الأمم السابقة, باعتبار أن القرآن الکریم المصدر الأول للمسلمین فی عرض الأشیاء علیه, فنجد من خلال عدة آیات قرآنیة ثبتت هذه الحقیقة, وهی أن الملائکة یمکن أن تتحدث مع البشر، وإلیک بعض هذه الآیات القرآنیة التی تثبت هذه المسألة: منها: قوله تعالی: (وَ امْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِکَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَ مِنْ وَراءِ إِسْحاقَ یَعْقُوبَ)1 .

ومنها قوله تعالی:(وَ إِذْ قالَتِ الْمَلائِکَةُ یا مَرْیَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفاکِ وَ طَهَّرَکِ وَ اصْطَفاکِ عَلی نِساءِ الْعالَمِینَ)2 . فهذا صریح القرآن یثبت هذه الحقیقة الواضحة والتی لا یبقی معها شک, فمن هذا المنطلق یکون من باب أولی ثبوته بحق سیدة نساء العالمین من الأولین والآخرین, إضافة إلی الروایات الخاصة بهذا المضمون.

ص:272

سبب تسمیتها بالبتول

اشارة

وهذا هو الاسم الآخر الذی یحکی عن الخصوصیات التی تحظی بها فاطمة علیهاالسلام وتشخصها عن غیرها سواء فی المجالات المادیة أو المعنویة, کما بینته کثیر من الروایات الواردة فی هذا الشأن, فقد سئل رسول الله صلی الله علیه و آله: لم قیل لها: البتول؟ فقال: لانقطاعها عن نساء أهل زمانها ونساء الأمة عفافاً وفضلاً ودیناً وحسباً. وقیل: لانقطاعها عن الدنیا إلی الله عز وجل(1). وقیل تبتیل خلقها انفراد کل شیء عنها بحسنه لا یتکل بعضه علی بعض. قال ابن الأعرابی: المبتلة من النساء: الحسنة الخلق، لا یقصر شیء عن شیء، لا تکون حسنة العین سمجة الأنف، ولا حسنة الأنف سمجة العین، ولکن تکون تامة(2).

وعن ابن الأثیر: وامرأة بتول: منقطعة عن الرجال لا شهوة لها فیهم، وبها سمیت مریم أم المسیح علیهاالسلام. وسمیت فاطمة (البتول) لانقطاعها عن نساء زمانها فضلاً ودیناً وحسباً. وقیل: لانقطاعها عن الدنیا إلی الله تعالی(3).

وورد عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال: سمیت فاطمة بتولاً لأنها تبتلت وتقطعت عما هو معتاد العورات فی کل شهر، ولأنها ترجع کل لیلة بکراً. وسمیت مریم بتولا لأنها ولدت عیسی بکراً(4).

ص:273


1- (1) راجع: شرح أصول الکافی, محمد صالح المازندرانی, ج 11 ص 342, والبحار, المجلسی, ج 14, ص 300.
2- (2) راجع: لسان العرب, ابن منظور, ج 11 ص 43.
3- (3) راجع: النهایة فی غریب الحدیث, ابن الأثیر, ج 1 ص 94.
4- (4) راجع: شرح احقاق الحق, السید المرعشی, ج 5 ص 7.

وعن علی علیه السلام قال: إن النبی صلی الله علیه و آله سئل: ما البتول؟ فإنا سمعناک یا رسول الله تقول: إن مریم بتول، وفاطمة بتول؟ فقال: البتول التی لم تر حمرة قط، أی لم تحض، فإن الحیض مکروه فی بنات الأنبیاء(1).

وعن عائشة قال: إذا أقبلت فاطمة کانت مشیتها مشیة رسول الله صلی الله علیه و آله، وکانت لا تحیض قط، لأنها خلقت من تفاحة الجنة، ولقد وضعت الحسن بعد العصر، وطهرت من نفاسها، فاغتسلت وصلت المغرب وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: إن ابنتی فاطمة حوراء، إذ لم تحض ولم تطمث(2).

وروی عن أسماء بنت عمیس قالت: قبلت: (أی ولدت) فاطمة بالحسن فلم أر لها دماً فی حیض ولا نفاس، فقال النبی صلی الله علیه و آله: أما علمت أن ابنتی طاهرة، لا یُری لها دم فی طمث ولا ولادة(3).

دم الحیض والنفاس نقص أم کمال؟

بعدما وردت الروایات الصحیحة والصریحة فی تنزیه فاطمة علیهاالسلام من دماء الحیض والنفاس وأنها تختلف عن نساء عصرها فقد طهرها الله من کل النجاسات المادیة والمعنویة فی کل الأحوال, فعلی ذلک ینبغی أن نسلط الضوء علی مسألة جدیرة بالاهتمام وهی أن دم النفاس أو دم الحیض التی تراه المرأة فی کل شهر من حین بلوغها إلی الخمسین من عمرها أو أکثر والذی یسمی بالعادة الشهریة

ص:274


1- (1) علل الشرائع, الصدوق, ج 1 ص 181.
2- (2) راجع: شرح إحقاق الحق, السید المرعشی, ج 10 ص 244.
3- (3) راجع: کشف الغمة, ابن أبی الفتح الأربلی, ج 2 ص 91.

هل هو نقص وعارض یعتری المرأة أو هو کمال بالنسبة للمرأة بحسب ترکیبتها الفسیولوجیة, وقبل الجوب یلزم أن نعرف حقیقة هذه الدماء (دماء الحیض) والحکمة من ورائها, فهی دماء فاسدة قد تخزّن فی الأوعیة والأجهزة التی جعلها الله فی جسم المرأة لیکون ذلک الدم غذاءً للجنین فإذا لم یکن جنین فی رحم المرأة سال الدم إلی الخارج وربما انقلب إلی اللبن إذا کانت المرأة مرضعة. وأمّا طبیعة هذه الظاهرة فهی مؤذیة ونقص بالنسبة للمرأة وقد صرح بذلک القرآن الکریم بقوله:(وَ یَسْئَلُونَکَ عَنِ الْمَحِیضِ قُلْ هُوَ أَذیً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِی الْمَحِیضِ وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّی یَطْهُرْنَ)1 , لذلک ثبت أن دم الحیض مادة ضارة مؤذیة فی جسم المرأة فلابد من خروجها لتنجو المرأة من أمراض وأعراض, وفی فترة العادة تعرض حوادث جسمیة وروحیة للمرأة تغیر ملامحها ولون وجهها بل وأخلاقها ونفسیتها وأیضاً تشعر بالانفعال والخجل والانکسار وإن کان هذا الأمر خارجاً عن إرادتها واختیارها ولکنها تتألم بهذا الحادث الذی لا یحسن التصریح به لکل أحد وخاصة للرجال, وغیر ذلک من السلبیات التی تلحق بالمرأة جراء الحیض والنفاس, ولهذا سقط عنها حکم الصلاة والصیام خلال فترة العادة وحرم علیها المکث بالمسجد والدخول إلیه وغیرها من الأحکام.

ولکن الله تعالی کره لسیدة نساء العالمین أن تتلوث بهذه القذارات حیث أذهب عنها الرجس وطهرها تطهیراً, نعم إنّ الله قد جعل فی مخلوقاته قوانین وسنناً وجعل تلک المخلوقات خاضعة لتلک القوانین والسنن ولکن جعل أولیاءه

ص:275

فوق تلک القوانین والسنن فی ظروف خاصة لحکمة بالغة. من قبیل التناسل لا یمکن إلا بالتلقیح وانتقال نطفة الرجل إلی رحم المرأة وتطور النطفة إلی علقة ثم مضغة ثم عظام ثم خلق آخر إلی أن یکمل الجنین خلال ستة أشهر علی أقل تقدیر وتسعة أشهر کما هو الغالب, هذه سنة الله فی قانون التناسل, لکن هذه السنة والقانون ما کان خاضعاً بالنسبة لمریم علیهاالسلام عندما حملت بنبی الله عیسی علیه السلام فلم یمسسها بشر وحملت بولدها إلی أن جاءها المخاض فوضعت بعیسی علیه السلام وکل ذلک کان خلال تسع ساعات أو ست ساعات فقط (1), وأیضا ما جری فی تعطیل هذا القانون بولادة زوجة نبی الله إبراهیم علیه السلام (سارة) حیث ولدت علی الکبر وکان هذا ما لا تسمح به العادة وأنه فوق القوانین والسنن الإلهیة (قالَتْ یا وَیْلَتی أَ أَلِدُ وَ أَنَا عَجُوزٌ وَ هذا بَعْلِی شَیْخاً إِنَّ هذا لَشَیْ ءٌ عَجِیبٌ. قالُوا أَ تَعْجَبِینَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَ بَرَکاتُهُ عَلَیْکُمْ أَهْلَ الْبَیْتِ إِنَّهُ حَمِیدٌ مَجِیدٌ)2 . وعلی غرار هذا تصدر المعجزات للأنبیاء والأولیاء عن طریق خرق العادة, فلا غرابة أن خرق الله العادة لسیدة النساء وجنبها هذا الأذی والنقص التی تحرم فیه من العبادة وغیرها.

کیفیة شهادتها

إضافة إلی کل الکرامات والفضائل التی حازت علیها فاطمة علیهاالسلام فقد نالت الشهادة فی خاتمة مطافها من حیاتها وهذه المنقبة لیس من السهل الوصول

ص:276


1- (1) راجع: الکافی, الکلینی, ج 8 ص 332. مجمع البیان, الطبرسی, ج 6 ص 417.

والارتقاء إلیها ولا یتسنی لکل أحد أن یتلبس بها إلا من حظا بالتوفیق والتسدید الإلهی, فقد روی عن الإمام الصادق علیه السلام فی سبب وفاتها علیهاالسلام قال: إنّ قنفذاً مولی عمر لکزها بنعل السیف بأمره فأسقطت محسناً، ومرضت من ذلک مرضاً شدیداً، وکان علی علیه السلام یمرضها بنفسه، وتعینه علی ذلک أسماء بنت عمیس(1).

وذکر الجوهری المتوفی سنة (323 ه -) بإسناده عن الحسن علیه السلام قال: فی یوم دخلت نسوة من المهاجرین والأنصار علی فاطمة بنت رسول الله یعدنها فقلن السلام علیک یا بنت رسول الله صلی الله علیه و آله کیف أصبحت؟ فقالت: أصبحت والله عائفة لدنیاکن قالیة لرجالکم, لفظتهم بعد أن عجمتهم وشنئتهم بعد أن سبرتهم فقبحاً لفلول الحد وخور القناة، وخطل الرأی، وبئسما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله علیهم وفی العذاب هم خالدون لا جرم قد قلدتهم ربقتها، وشنت علیهم غارتها، فجدعاً وعقراً، وسحقاً للقوم الظالمین، ویحهم أنّی زحزحوها عن رواسی الرسالة، وقواعد النبوة، ومهبط الروح الأمین، والطبین بأمر الدنیا والدین، ألا ذلک هو الخسران المبین، وما الذی نقموا من أبی الحسن، نقموا والله نکیر سیفه، وشدة وطأته، ونکال وقعته، وتنمره فی ذات الله... الخ(2).

وعن سلیم بن قیس الهلالی قال: عندما حالت فاطمة علیهاالسلام بین القوم وبین علی علیه السلام عند باب البیت، فضربها قنفذ بالسوط فماتت حین ماتت, وإن فی عضدها کمثل الدملج من ضربته(3).

ص:277


1- (1) راجع: دلائل الإمامة, محمد بن جریر الطبری, ص 134. وبحار الأنوار, المجلسی, ج 43 ص 170.
2- (2) راجع: السقیفة وفدک, الجوهری, ص 120. ومعانی الأخبار, الشیخ الصدوق, ص 354.
3- (3) راجع: کتاب سلیم بن قیس, تحقیق محمد باقر الأنصاری, ص 151.

وفی خبر آخر عندما حالت بینهم وبینه فاطمة عند باب البیت ضربها قنفذ بالسوط فماتت حین ماتت وأن فی عضدها کمثل الدملج من ضربته فألجأها إلی عضادة بیتها ودفعها فکسر ضلعها وألقت جنینها من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتی ماتت علیهاالسلام من ذلک شهیدة(1).

وقد ذکر الزرندی الحنفی, عن عمران بن دینار أن فاطمة لم تضحک بعد النبی صلی الله علیه و آله حتی قبضت لما لحقها من شدة الحزن علی أبیها صلی الله علیه و آله. (إلی أن یقول) وعن علی (رض) أنّ فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه و آله جاءت إلی قبر النبی صلی الله علیه و آله فوقعت علیه ثم أخذت قبضة من تراب القبر فوضعتها علی عینیها وبکت وأنشأت تقول:

ماذا علی من شم تربة أحمد أن لا یشم مدی الزمان غوالیا

صبت علیّ مصائب لو أنها صبت علی الأیام صرن لیالیا(2)

وغیرها من الروایات التی تذکر وتؤکد الحالة المفجعة التی مرّت بها الزهراء علیهاالسلام فی حال شهادتها وما جری علیها, والحکم یبقی للقارئ الکریم ولکل إنسان منصف, ونحن نقتصر بهذا القدر فی ذکر شهادتها خوفاً من الإطالة.

فاطمة فی حالة الاحتضار

تتشرف الملائکة المقربون فی زیارة فاطمة علیهاالسلام عند نزع الروح وسکرات الموت وینقلون لها التحیة والسلام من الرفیق الأعلی, وهذا قلما یحدث إلا عند

ص:278


1- (1) راجع: مجمع النورین, الشیخ أبو الحسن المرندی, ص 82.
2- (2) راجع: نظم درر السمطین, الزرندی الحنفی, ص 181. والشرح الکبیر, عبد الرحمن بن قدامة, ج 2 ص 430.

النوادر من الأنبیاء والأولیاء, فقد روی أنّه لما ثقل علیها المرض، والإمام لا یفارقها، وأسماء تمرضها، والحسن والحسین وزینب عندها، وهی تفیق مرة ویغشی علیها أخری من شدة المرض، وتجیل بصرها فی أولادها.

یقول الإمام علی علیه السلام: إنها لما حضرتها الوفاة فتحت عینیها وقالت: السلام علیک یا جبریل، السلام علیک یا رسول الله، اللهم احشرنی مع رسولک، اللهم اسکنی جنتک وفی جوارک ثم قالت: هؤلاء ملائکة ربی، جبریل ورسول الله حاضرون عندی، وأبی یقول: القدوم إلینا, یقول علی علیه السلام: فلما کانت اللیلة التی أراد الله أن یکرمها ویقبضها إلیه أخذت تقول: وعلیکم السلام, یا بن عم، هذا جبریل أتانی مسلماً، وقال: السلام یقرئک السلام یا حبیبة حبیب الله وثمرة فؤاده, الیوم تلحقین بالرفیق الأعلی وجنة المأوی ثم انصرف عنی ثم أخذت تقول: وعلیکم السلام، وتقول: یا بن عم، هذا میکائیل یقول کقول صاحبه, ثم أخذت ثالثا تقول: وعلیک السلام، ثم فتحت عینیها شدیداً وقالت: یا بن عم هذا والله الحق، عزرائیل نشر جناحه فی المشرق والمغرب، وقد وصفه لی أبی وهذه صفته ثم قالت: یا قابض الأرواح عجل بی ولا تعذبنی، ثم قالت: إلیک ربی لا إلی النار، ثم غمضت عینیها، ومدت یدیها ورجلیها، وکأنها لم تکن حیة قط (1).

فاطمة تفارق الحیاة

الموت کما هو واضح یفاجئ الإنسان من دون أن یعرف زمانه ومکانه, إلا أولئک الذین خصهم الله بالمعرفة والعصمة فقد کانوا یعرفون مجاری الأمور ما

ص:279


1- (1) دلائل الإمامة, محمد بن جریر الطبری (الشیعی), ص 133. و بحار الأنوار, المجلسی, ج 43 ص 209.

ظهر منها وما خفی, ومن جملة ذلک معرفتهم للآجال, حیث إنّ فاطمة علیهاالسلام کانت عالمة بدنو أجلها ومفارقة أحبائها فقامت وتهیأت للقاء ربها وأبیها, حیث روی عن أسماء أنّ فاطمة علیهاالسلام لما حضرتها الوفاة قالت لأسماء: إن جبریل أتی النبی صلی الله علیه و آله (لما حضرته الوفاة) بکافور من الجنة فقسمه أثلاثاً، ثلثاً لنفسه، وثلثاً لعلی، وثلثاً لی، وکان أربعین درهما، فقالت یا أسماء آتینی ببقیة حنوط والدی من موضع کذا وکذا وضعیه عند رأسی، فوضعته, ثم قالت لأسماء حین توضأت وضوءها للصلاة، هاتی طیبی الذی أتطیب به، وهاتی ثیابی التی أصلی فیها، فتوضأت ثم تسجت بثوبها، ثم قالت: انتظرینی هنیئة وادعینی، فإن أجبتک وإلا فاعلمی أنی قدمت علی أبی فأرسلی إلی علی. فانتظرت هنیئة ثم نادتها، فلم تجبها، فکشفت الثوب عن وجهها فإذا بها قد فارقت الدنیا، فوقعت علیها تقبلها، فبینا هی کذلک إذ دخل الحسن والحسین فقالا لها: یا أسماء ما ینیم أمنا فی هذه الساعة، قالت: یا ابنی رسول الله لیست أمکما نائمة، قد فارقت الدنیا، فوقع علیها الحسن یقبلها مرة ویقول: یا أماه کلمینی قبل أن تفارق روحی بدنی، وأقبل الحسین یقبل رجلها ویقول: أنا ابنک الحسین کلمینی قبل أن یتصدع قلبی فأموت. قالت لهما أسماء: یا ابنی رسول الله، انطلقا إلی أبیکما علی فأخبراه بموت أمکما، فخرجا حتی إذا کانا قرب المسجد رفعا أصواتهما بالبکاء فقالا: قد ماتت أمنا فاطمة علیهاالسلام فوقع علی علیه السلام علی وجهه یقول: بمن العزاء یا بنت محمد، کنت بک أتعزی فبمن العزاء من بعدک؟ وأنشأ یقول:

لکل اجتماع من خلیلین فرقة وکل الذی دون الممات قلیل

ص:280

وإن افتقادی فاطم بعد أحمد دلیل علی أن لا یدوم خلیل(1)

وروی أیضا أنّه علیه السلام أنشأ قائلاً:

نفسی علی زفراتها محبوسة یا لیتها خرجت مع الزفرات

لا خیر بعدک فی الحیاة وإنما أبکی مخافة أن تطول حیاتی(2)

تشییعها وإعفاء قبرها

من الأدلة القاطعة علی مظلومیة الزهراء علیهاالسلام هو تشییعها فی اللیل سراً واعفاء قبرها, کی یبقی هذا الدلیل خالداً الی ظهور العدل علی ید المصلح العالمی الموعود من قبل السماء ولو کان غیر ذلک لجاز لأحد الأئمة علیهم السلام أن یهدی الناس الی قبرها ویرشدهم لزیارته والتبرک به ولکن شاءت الحکمة الإلهیة أن یکون خافیاً کی یکون دلیلاً علی مدی مظلومیة السیدة فاطمة علیهاالسلام للأجیال المتعاقبة من جهة, ومن جهة أخری عدم اقتدار ید التحریف الی الإیهام والتعتیم علی ظلامة بنت رسول الله صلی الله علیه و آله, وعلیه ذکره المؤرخون وأصحاب السّیر فی ذکر فاطمة حال وفاتها حیث قالوا: ارتفعت أصوات البکاء من بیت علی علیه السلام فصاح أهل المدینة صیحة واحدة، واجتمعت نساء بنی هاشم فی دارها، فصرخن صرخة واحدة کادت المدینة تتزعزع لها، وأقبل الناس مثل عرف الفرس إلی علی علیه السلام، وهو جالس، والحسن والحسین بین یدیه یبکیان، وخرجت أم کلثوم، وهی تقول: یا أبتاه یا رسول الله، الآن فقدناک حقاً لا لقاء بعده أبداً. واجتمع الناس فجلسوا وهم

ص:281


1- (1) بیت الأحزان, الشیخ عباس القمی, ص 179.
2- (2) أنظر: مستدرک سفینة البحار, الشیخ علی النمازی الشاهرودی, ج 4 ص 73.

یضجون، وینتظرون خروج الجنازة لیصلوا علیها، وخرج أبو ذر، وقال: انصرفوا فإن ابنة رسول الله قد اخِرَ إخراجها فی العشیة. وأقبل أبو بکر وعمر یعزیان علیاً علیه السلام، ویقولان له: یا أبا الحسن لا تسبقنا بالصلاة علی ابنة رسول الله صلی الله علیه و آله, ولکن علیاً غسلها وکفنها هو وأسماء فی تلک اللیلة ثم نادی: یا أم کلثوم، یا زینب، یا حسن، یا حسین، هلموا تزودوا من أمکم فهذا الفراق واللقاء فی الجنة، وبعد قلیل نحاهم أمیر المؤمنین علیه السلام عنها. ثم صلی علی علیه السلام علی الجنازة، وشیعها والحسن والحسین وعقیل وسلمان وأبو ذر والمقداد وعمار وبریدة والعباس وابنة الفضل. فلما هدأت الأصوات ونامت العیون ومضی شطر من اللیل أخرجها أمیر المؤمنین علیه السلام ودفنها سراً وأهال علیها التراب، والمشیعون من حوله یترقبون لئلا یعرف القوم، فدفنوها وعفوا تراب قبرها(1).

وروی الحاکم فی المستدرک عن عائشة أنّها قالت: دفنت فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه و آله لیلاً ودفنها علی ولم یشعر بها أبو بکر رضی الله عنه حتی دفنت وصلی علیها علی بن أبی طالب رضی الله عنه(2).

ولها علیهاالسلام وصیة فی ذلک جاء فیها: بسم الله الرحمن الرحیم هذا ما أوصت به فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه و آله: أوصت وهی تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الجنة حق، والنار حق، وأن الساعة آتیة لا ریب فیها، وأن الله یبعث من فی القبور، یا علی: أنا فاطمة بنت محمد صلی الله علیه و آله، زوجنی الله منک لأکون لک فی الدنیا

ص:282


1- (1) الأنوار البهیة, الشیخ عباس القمی, ص 62.
2- (2) المستدرک, الحاکم النیسابوری, ج 3 ص 162.

والآخرة، أنت أولی بی من غیری، حنطنی وغسلنی وکفنی باللیل وصل علی وادفنی باللیل ولا تعلم أحداً، وأستودعک الله وأقرأ علی ولدی السلام إلی یوم القیامة(1).

الوداع الأخیر

بعدما انتهت مراسم الدفن بسرعة خوفاً من انکشاف أمرهم، ونفض الإمام یده من تراب القبر هاج به الحزن لفقد بضعة الرسول التی تذکر به، وزوجته الودود التی عاشت معه الصفا والطهارة والتضحیة، وتحملت من أجله الأهوال والصعاب, فأرسل دموعه علی خدیه، وحَوَّلَ وجهه إلی قبر رسول الله صلی الله علیه و آله فقال: السلام علیک یا رسول الله، السلام علیک من ابنتک وحبیبتک وقرة عینک وزائرتک، والبائنة فی الثری ببقعتک، المختار الله لها سرعة اللحاق بک، قَلَّ یا رسول الله عن صفیتک صبری وضعف عن سیدة النساء تجلدی، إلا أن فی التأسی لی بسنتک، والحزن الذی حل بی لفراقک، موضع التعزی، ولقد وسدتک فی ملحودة قبرک، بعد أن فاضت نفسک علی صدری، وغمضتک بیدی وتولیت أمرک بنفسی. نعم، وفی کتاب الله أنعم القبول، إنا لله وإنا إلیه راجعون، قد استرجعت الودیعة، وأخذت الرهینة، واختلست الزهراء، فما أقبح الخضراء والغبراء، یا رسول الله. أما حزنی فسرمد، وأما لیلی فمسهد، لا یبرح الحزن من قلبی أو یختار الله لی دارک التی أنت مقیم، کمد مقیح، وهم مهیج، سرعان ما فرق الله (بیننا)، وإلی الله أشکو، وستنبئک ابنتک بتظافر أمتک علی، وعلی هضمها حقها، فأحفها السؤال واستخبرها الحال، فکم من علیل معتلج بصدرها، لم تجد إلی بثه سبیلاً، وستقول، ویحکم الله وهو خیر الحاکمین. سلام علیک یا رسول الله، سلام

ص:283


1- (1) الأنوار البهیة, الشیخ عباس القمی, ص 61.

مودع لا سئم ولا قال، فإن أنصرف فلا عن ملالة وإن أقم فلا عن سوء ظنی بما وعد الله الصابرین، الصبر أیمن وأجمل. ولولا غلبة المستولین علینا، لجعلت المقام عند قبرک لزاماً، وللبثت عنده معکوفاً، ولأعولت إعوال الثکلی علی جلیل الرزیة، فبعین الله تدفن ابنتک سراً، ویهتضم حقها قهراً، ویمنع إرثها جهراً، ولم یطل العهد، ولم یخلق منک الذکر، فإلی الله - یا رسول الله - المشتکی وفیک أجمل العزاء، فصلوات الله علیها ورحمة الله وبرکاته(1).

تاریخ وفاتها

لا شک أنّ وفاتها علیهاالسلام کانت فی السنة الحادیة عشرة من الهجرة؛ لأن النبی صلی الله علیه و آله حج حجة الوداع فی السنة العاشرة وتوفی فی أوائل السنة الحادیة عشرة. واتفق المؤرخون علی أن فاطمة عاشت بعد أبیها أقل من سنة، إلا أنهم اختلفوا فی یوم وشهر وفاتها اختلافاً شدیداً، فروی عن أبی بصیر، عن الصادق علیه السلام قبضت فی جمادی الآخرة، یوم الثلاثاء لثلاث خلون منه, سنة إحدی عشرة من الهجرة. وهو المختار. وبه قال الطوسی والطبرسیان والسید بن طاووس والکفعمی. ویؤیده ما ورد أنها بقیت بعد أبیها خمسة وتسعین یوماً, وقریب منه ما روی أنها قبضت بعد ثلاثة أشهر من وفاة النبی صلی الله علیه و آله, أو مائة یوم, علی التسامح فی زیادة خمسة أیام أو نقصها(2).

وروی أحمد ومسلم وابن سعد وغیرهم من الجمهور: عن عائشة أنها عاشت

ص:284


1- (1) نهج البلاغة, ج 2 ص 182, الکافی, الشیخ الکلینی, ج 1 ص 459.
2- (2) راجع: موسوعة شهادة المعصومین علیهم السلام, لجنة الحدیث فی معهد باقر العلوم علیه السلام, ج 1 ص 150.

بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه و آله ستة أشهر(1). قال ابن سعد: عن عروة أن فاطمة توفیت بعده صلی الله علیه و آله بستة أشهر. قال محمد بن عمر: وهو الثبت عندنا: وتوفیت لیلة الثلاثاء لثلاث خلون من شهر رمضان إحدی عشرة وهی ابنة تسع وعشرین سنة أو نحوها(2). وأمّا الساعة التی توفیت فیها علیهاالسلام هی ما بین المغرب والعشاء, وقیل فی جوف اللیل(3).

محل دفنها

تقدم أنّها علیهاالسلام دفنت لیلاً وسراً وقد أعفی قبرها فلیس من السهل أن یُشخّص قبرها ویتضح للعیان, فلذلک أختلف علماؤنا فی مکان دفنها ومحل قبرها, کما ذکره الشیخ الطوسی رحمه الله قال: إنّک تأتی الروضة فتزور فاطمة علیهاالسلام لأنّها مقبورة هناک، وقد اختلف أصحابنا فی موضع قبرها، فقال بعضهم: إنّها دفنت بالبقیع، وقال بعضهم: انها دفنت بالروضة، وقال بعضهم: إنّها دفنت فی بیتها، فلما زاد بنو أمیة فی المسجد صارت من جملة المسجد، وهاتان الروایتان کالمتقاربتین, والأفضل عندی (عند الشیخ المفید) أن یزور الإنسان من الموضعین جمیعاً فإنه لا یضره ذلک, ویحوز به أجراً عظیماً، وأما من قال إنها دفنت بالبقیع فبعید من الصواب(4).

ص:285


1- (1) راجع: مسند أحمد, ج 1 ص 6. وصحیح مسلم, ج 2 ص 144. والطبقات الکبری, ج 8 ص 23.
2- (2) راجع: الطبقات الکبری, محمد بن سعد, ج 8 ص 28.
3- (3) راجع: موسوعة التاریخ الإسلامی, الیوسفی الغروی, ج 4 ص 152.
4- (4) تهذیب الأحکام, الشیخ الطوسی, ج 6 ص 9.

وهذا بخلاف ما ذهب الیه الشیخ المفید رحمه الله حیث قال: قبرها فی البقیع، وهو القبر الذی فیه ولدها الحسن علیه السلام(1).

استحباب زیارة فاطمة علیهاالسلام

اشارة

لا ریب أنّ للزهراء علیهاالسلام مکانة عظیمة عند الله ومحبة فی قلوب المؤمنین, ولو شاءت الحکمة أن یظهر قبرها لکان مزاراً أوسع مما یتصور ولا یقل شأنا عن غیره من المعصومین علیهم السلام, ومع أخفاء قبرها لا یسقط استحباب زیارتها کما کشفت عنه الروایات, وروی فی فضل زیارتها أکثر من أن یحصی.

فقد روی ابن یزید بن عبد الملک، عن أبیه، عن جده قال: دخلت علی فاطمة علیهاالسلام فابتدأتنی بالسلام، ثم قالت: ما غدا بک؟ قلت: طلب البرکة. فقالت: أخبرنی أبی وهو ذا، هو أنه من سلم علی ثلاثة أیام أوجب [الله] له الجنة. قال: فقلت لها: فی حیاته وحیاتک؟ قالت: نعم، وبعد موتنا(2).

أما زیارتها علیهاالسلام تقف علی قبرها أو علی أحد المواضع المحتملة وتقول: السلام علیک یا ممتحنة، امتحنک الذی خلقک قبل أن یخلقک، فوجدک لما امتحنک به صابرة، ونحن لک أولیاء ومصدقون، ولکل ما أتی به أبوک صلی الله علیه و آله، وأتی به وصیه علیه السلام مسلمون. ونحن نسألک اللهم إذ کنا مصدقین لهم أن تلحقنا بتصدیقنا لهم بالدرج العلیا لنبشر أنفسنا بأنا قد طهرنا بولایتهم علیهم السلام(3).

ص:286


1- (1) المزار, الشیخ المفید, ص 177.
2- (2) تهذیب الأحکام, الشیخ الطوسی, ج 6 ص 10.
3- (3) المزار, الشیخ المفید, ص 177.
وذکرت زیارة أخری

هو أن تقف وتقول: السلام علیک یا بنت رسول الله، السلام علیک یا بنت نبی الله، السلام علیک یا بنت حبیب الله، السلام علیک یا بنت خلیل الله، السلام علیک یا بنت صفی الله السلام علیک یا بنت امین الله، السلام علیک یا بنت خیر خلق الله، السلام علیک یا بنت أفضل أنبیاء الله ورسله وملائکته، السلام علیک یا بنت خیر البریة، السلام علیک یا سیدة نساء العالمین من الأولین والآخرین، السلام علیک یا زوجة ولی الله وخیر الخلق بعد رسول الله صلی الله علیه و آله، السلام علیک یا أم الحسن والحسین سیدی شباب أهل الجنة، السلام علیک أیتها الصدیقة الشهیدة, السلام علیک أیتها الرضیة المرضیة، السلام علیک أیتها الفاضلة الزکیة، السلام علیک أیتها الحوراء الإنسیة، السلام علیک أیتها التقیة النقیة، السلام علیک أیتها المحدثة العلیمة، السلام علیک أیتها المظلومة المغصوبة، السلام علیک أیتها المضطهدة المقهورة، السلام علیک یا فاطمة بنت رسول الله ورحمة الله وبرکاته، صلی الله علیک وعلی روحک وبدنک، اشهد انک مضیت علی بینة من ربک، وان من سرک فقد سر رسول الله صلی الله علیه و آله، ومن جفاک فقد جفا رسول الله صلی الله علیه و آله، ومن آذاک فقد آذی رسول الله صلی الله علیه و آله، ومن وصلک فقد وصل رسول الله صلی الله علیه و آله، ومن قطعک فقد قطع رسول الله صلی الله علیه و آله، لأنک بضعة منه وروحه التی بین جنبیه کما قال صلی الله علیه و آله، اشْهِدُ الله ورسله وملائکته أنی راضٍ عمن رضیت عنه وساخط علی من سخطت علیه ومتبرئ ممن تبرأت منه، موالٍ لمن والیت معادٍ لمن عادیت، مبغض لمن أبغضت محب لمن أحببت وکفی بالله شهیداً وحسیباً وجازیاً ومثیباً. ثم تصلی علی النبی والأئمة علیهم السلام إن شاء الله(1).

ص:287


1- (1) تهذیب الأحکام, الشیخ الطوسی, ج 6 ص 10.

من أزواج أمیر المؤمنین

1 - خولة الحنفیة
اشارة

هی السیدة خولة بنت جعفر بن قیس بن سلمة بن ثعلبة بن یربوع بن ثعلبة بن الدول بن حنیفة بن اللحم. وأمها أسماء بنت عمرو بن أرقم بن عبید بن ثعلبة من بنی حنیفة(1). اختلف فی أمرها أنها سبیت أیام رسول الله صلی الله علیه و آله أم بعد وفاة النبی, فقد ذهب جمع من الأعلام (أمثال القطب الراوندی, والنووی, وابن عساکر وغیرهم) أنها کانت من سبی بنی حنیفة حین قتلهم خالد بن الولید وقتل رئیسهم مالک بن نویرة وتزوج بامرأته من لیلته(2). وذلک بعد وفاة النبی صلی الله علیه و آله فی زمن خلافة أبی بکر. حتی أنّه لما قدم خالد, قال له عمر بن الخطاب: یا عدو الله قتلت امرأً مسلماً ثم نزوت علی امرأته لأرجمنک، وفیه أن أبا قتادة شهد أنهم أذنوا وصلوا(3).

وقد أکثر أخوه متمم بن نویرة من بکائه ورثائه حتی ضربت بهما الأمثال, وقال متمم یخاطب ضرار بن الأزور قاتل أخیه بأمر خالد:

نعم القتیل إذا الرماح تناوحت بین البیوت قتلت یابن الأزور

ثم قال یخاطب خالداً:

أدعوته بالله ثم غدرته لو هو دعاک بذمة لم یغدر(4)

ص:288


1- (1) مناقب الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام, محمد بن سلیمان الکوفی, ج 2 ص 48.
2- (2) سیر أعلام النبلاء, الذهبی, ج 1 ص 378. وشرح مسلم, النووی, ج 1 ص 204.
3- (3) تاریخ الإسلام, الذهبی, ج 3 ص 36. أسد الغابة, ابن الأثیر, ج 4 ص 296.
4- (4) مجمع الزوائد, الهیثمی, ج 6 ص 221.

وقیل: کان مُجّاعة بن مرارة الأسدی قد خطبها منهم فمنعوه منها, فحقد علیهم, فلما توفی النبی صلی الله علیه و آله واضطربت الأمور خرج مجّاعة فی سریة یطلب ثأره منهم, حتی اختلجها منهم ورجعوا من بلاد بنی عامر وقد استخرجوا معهم خولة ابنة جعفر(1). وقیل: أنّها سبیت فی أیام رسول الله صلی الله علیه و آله، قالوا: بعث رسول الله صلی الله علیه و آله علیاً إلی الیمن، فأصاب خولة فی بنی زبید، وقد ارتدوا مع عمرو بن معدی کرب، وکانت زبید سبتها من بنی حنیفة فی غارة لهم علیهم، فصارت فی سهم علی علیه السلام، فقال له رسول الله صلی الله علیه و آله: إن ولدت منک غلاماً فسمه باسمی، وکنه بکنیتی، فولدت له بعد موت فاطمة علیهاالسلام محمداً، فکناه أبا القاسم(2).

وفی الإصابة: خولة بنت ایاس بن جعفر الحافیة والدة محمد بن علی بن أبی طالب, رآها النبی صلی الله علیه و آله فی منزله فضحک ثم قال یا علی أما انک تتزوجها من بعدی فتلد لک غلاماً فسمه باسمی وکنه بکنیتی وانحله(3).

من مآسی التاریخ

عندما ادخلوا السبایا فی المسجد وفیهن خولة أم محمد ابن الحنفیة فجاءت إلی قبر رسول الله صلی الله علیه و آله والتجأت به وبکت وقالت یا رسول الله أشکو إلیک أفعال هؤلاء القوم سبونا من غیر ذنب ونحن مسلمون, ثم قالت أیها الناس لم سبیتمونا ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله, فقالوا منعتم الزکاة, فقالت الأمر لیس علی ما زعمت والأمر إنما کان کذا وکذا, وهب الرجال منعوکم فما

ص:289


1- (1) أنظر: موسوعة التاریخ الإسلامی, الیوسفی الغروی, ج 4 ص 137.
2- (2) شرح نهج البلاغة, ابن أبی الحدید, ج 1 ص 244.
3- (3) الإصابة, ابن حجر, ج 8 ص 113.

بال النسوان المسلمات یسبین. ثم فقالت: ما بالکم یا معاشر العرب، تصونون حلائلکم وتهتکون حلائل غیرکم؟ فقیل لها: لأنکم قلتم: لا نصلی (ولا نصوم) ولا نزکی فقالت: لیس الأمر علی ما زعمتم، والله ما قالها أحد من بنی حنیفة وإنّا نضرب صبیاننا علی الصلاة من التسع وعلی الصیام من السبع, وإنّا لنخرج الزکاة من حیث یبقی فی جمادی الآخرة عشرة أیام ویوصی مریضنا بها لوصیة, والله یا قوم ما نکثنا ولا غیرنا ولا بدلنا حتی تقتلوا رجالنا وتسبوا حریمنا إنما قلنا: إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله کان یبعث کل سنة رجلاً یأخذ منا صدقاتنا من الأغنیاء من جملتنا، یفرقها علی فقرائنا فافعل أنت کذلک(1).

زواجها من أمیر المؤمنین

اختار کل رجل منهم واحدة من السبایا, وجاء طلحة, وخالد بن عنان, ورمیا بثوبین إلی خولة فأراد کل واحد منهما أن یأخذها من السبی, قالت: لا یکون هذا أبداً ولا یملکنی إلا من یخبرنی الکلام الذی قلته ساعة ولدت, قال أبو بکر: قد فزعت من القوم فکانت لم تر ذلک قبله فتکلم بما لا تحصیل له, فقالت والله إنّی صادقة, إذ جاء علی بن أبی طالب علیه السلام فوقف ونظر إلیهم وإلیها وقال علیه السلام: اصبروا حتی أسألها عن حالها ثم ناداها یا خولة اسمعی الکلام, ثم قال علیه السلام: لما کانت أمک حاملة بک وضربها الطلق واشتد بها الأمر نادت اللهم سلمنی من هذا المولود فسبقت تلک بالنجاة, فلما وضعتک نادیت من تحتها لا إله إلا الله محمد رسول الله, عما قلیل سیملکنی سید سیکون له ولد منی, فکتبت أمک

ص:290


1- (1) مناقب آل أبی طالب, ابن شهر آشوب, ج 2 ص 111.

ذلک الکلام فی لوح نحاس فدفنته فی الموضع الذی سقطت فیه, فلما کانت فی اللیلة التی قبضت أمک فیها أوصت إلیک بذلک, فلما کان فی وقت سبیکم لم یکن لک همٌّ إلا أخذ ذلک اللوح فأخذتیه وشددتیه علی عضدک الأیمن, هات اللوح فأنا صاحب ذلک اللوح وأنا أمیر المؤمنین وأنا أبو ذلک الغلام المیمون واسمه محمد, قال: فرأیناها وقد استقبلت القبلة وقالت إلهی أنت المتفضل المنان أوزعنی أن اشکر نعمتک التی أنعمت بها إلی ولم تعطها لأحد إلا أتممتها علیه, اللهم بصاحب من بیده التربة الناطق المنبئ بما هو کأس إلا أتممت فضلک علی, ثم أخرجت اللوح ورمت به إلیه فأخذه أبو بکر وقرأه عثمان فإنه کان أجود القوم قراءة وما ازداد ما فی اللوح علی ما قال علی علیه السلام ولا نقص, فقال أبو بکر: خذها یا أبا الحسن, ثم قالت: یا معاشر الناس، اشهدوا أنی قد جعلت نفسی له عبدة. فقال علیه السلام: لا بل قولی زوجة. فقالت: اشهدوا أنی قد زوجته نفسی کما أمرنی أهلی. فقال علیه السلام: قد قبلتک زوجة، فماج الناس. فبعث بها علی علیه السلام إلی بیت أسماء بنت عمیس فزینتها وتزوج بها وعلقت بمحمد وولدته(1).

وعن أبی سعید الخدری، قال: دخلت خولة المسجد وشرحت ما شرحت، ولم یکن علی علیه السلام حاضراً، وقد عرض علیها جماعة الصحابة، وکانت تسأل الرجل (عن) اسمه (حتی) (أتاها) رجل اسمه علی، فقالت له: من أنت؟ فقال: علی بن عبد الله الغرانی. فقالت: لو کنت ابن أبی طالب فإنی لا اسلم نفسی إلا إلیه، بذلک أمرنی والدی، فعند ذلک اعلم أمیر المؤمنین علیه السلام فجاء(2).

ص:291


1- (1) الخرائج والجرائح, قطب الدین الراوندی, ج 2 ص 565. والأنوار العلویة, الشیخ جعفر النقدی، ص 437.
2- (2) مدینة المعاجز, البحرانی, ج 2 ص 219.
2 - أم البنین الکلابیة
اشارة

هی السیدة فاطمة بنت حزام بن خالد بن ربیعة بن عامر المعروف بالوحید ابن کلاب بن عامر بن ربیعة بن عامر بن صعصعة. أمها ثمامة بنت سهیل بن عامر ابن مالک بن جعفر بن کلاب(1).

والشاعر لبید: هو أبو عقیل لبید بن ربیعة العامری، عم حزام بن خالد بن ربیعة, الذی قال عنه النبی صلی الله علیه و آله: أصدق کلمة قالتها العرب، کلمة لبید:

ألا کل شیء ما خلا الله باطل وکل نعیم لا محالة زائل(2)

أما کیفیة زواجها من أمیر المؤمنین علیه السلام أنّه قال لأخیه عقیل وکان نسابة عالماً بأخبار العرب وأنسابهم ابغ امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوجها فتلد لی غلاماً فارساً, فقال له أین أنت عن فاطمة بنت حزام بن خالد الکلابیة, فإنه لیس فی العرب أشجع من آبائها ولا أفرس, فتزوجها أمیر المؤمنین علیه السلام فولدت له العباس, وعثمان, وجعفر الأکبر, وعبد الله, قتلوا مع الحسین علیه السلام ولا بقیة لهم إلا للعباس(3).

وکانت هذه السیدة الجلیلة من الشخصیات المتألقة فی التاریخ الإسلامی, وتنتسب إلی أسرة لا نظیر لها فی الشجاعة والشهامة والقتال. وقد ذکر أن آباءها من أشجع العرب وأثبتهم وأشدهم قتالاً وکانت أم البنین شاعرة مفوهة جلیلة.

ص:292


1- (1) العباس, المقرم, ص 125.
2- (2) مستدرک سفینة البحار, الشیخ علی النمازی الشاهرودی, ج 9 ص 217.
3- (3) أعیان الشیعة, السید محسن الأمین, ج 7 ص 429. مقاتل الطالبیین, أبو الفرج الأصفهانی, ص 7 ص 53.
أم البنین ترثی أولادها

ذکر المؤرخون أنّها کانت تخرج إلی البقیع فی کل یوم ترثیهم وتحمل ولد العباس عبید الله فیجتمع لسماع رثائها أهل المدینة وفیهم مروان بن الحکم فیبکون لشجی الندبة، من قولها رضی الله عنها, من جملة رثائها وشعرها هو:

یا من رأی العباس کر علی جماهیر النقد

ووراه من أبناء حیدر کل لیث ذی لبد

أنبئت أن ابنی أصیب برأسه مقطوع ید

ویلی علی شبلی أما ل برأسه ضرب العمد

لو کان سیفک فی ید یه لما دنا منه أحد

وقولها علیهاالسلام:

لا تدعونی ویک أم البنین تذکرینی بلیوث العرین

کانت بنون لی أدعی بهم والیوم أصبحت ولا من بنین

أربعة مثل نسور الربی قد واصلوا الموت بقطع الوتین

تنازع الخرصان أشلاءهم فکلهم أمسی صریعاً طعین

یا لیت شعری أکما أخبروا بأن عباساً قطیع الیمین(1)

موقف من إیمانها

لما دخل بشیر بن حذلم المدینة المنورة لینعی الحسین علیه السلام التقی بأم البنین

ص:293


1- (1) أبصار العین فی أنصار الحسین علیه السلام, الشیخ محمد السماوی, ص 64.

(وهی أم العباس) فقال لها عظم الله لک الأجر بولدک عبد الله قالت له: أسألک عن سیدی ومولای الحسین. قال لها: عظم الله الأجر بولدک جعفر قالت له: أسألک عن سیدی ومولای الحسین. قال لها: عظم الله لک الأجر بولدک عثمان قالت له: أسألک عن سیدی ومولای الحسین قال لها: عظم الله لک الأجر بولدک العباس قالت له: أسألک عن سیدی ومولای الحسین. فقال:

یا أهل یثرب لا مقام لکم بها قتل الحسین فأدمعی مدرار

الجسم منه بکربلاء مضرج والرأس منه علی القناة یدار

فصاحت ولطمت خدها، وشقت جیبها ونادت: وا حسیناه وا سیداه، ثم أنشدت:

لا تدعونی ویک أم البنین تذکرینی بلیوث العرین(1)

لقد کانت السیدة أم البنین تکنُّ فی نفسها من المودة والحب للحسن والحسین علیهماالسلام ما لا تکنه لأولادها الذین کانوا ملء العین فی کمالهم وآدابهم, لقد قدمت أم البنین أبناء رسول الله صلی الله علیه و آله, علی أبنائها فی الخدمة والرعایة، ولم یعرف التاریخ أن ضرة تخلص لأبناء ضرتها وتقدمهم علی أبنائها سوی هذه السیدة الزکیة، والسیدة فاطمة بنت أسد الهاشمیة لرسول الله صلی الله علیه و آله، فقد کانت تری ذلک واجبا دینیا؛ لأن الله أمر بمودتهما فی کتابه الکریم، وهما ودیعة رسول الله صلی الله علیه و آله وریحانتاه، وقد عرفت أم البنین ذلک فوفت بحقهما وقامت بخدمتهما خیر قیام.

ص:294


1- (1) المجالس الفاخرة فی مصائب العترة الطاهرة - السید شرف الدین - ص 245.
تاریخ وفاة أم البنین علیهاالسلام

اختلف المؤرخون فی تعیین زمان وفاة أم البنین علیهاالسلام, فذهب بعضهم إلی أنّها توفیت فی الثالث من جمادی الآخرة سنة 61 للهجرة, بعد مقتل الحسین علیه السلام. ویفهم منه أنّ أم البنین توفیت بعد مقتل الحسین علیه السلام بلا فصل.

وذهب البعض الآخر إلی أنّها توفیت فی الثالث عشر من جمادی الآخرة سنة 64 للهجرة, وهناک روایة تؤید هذا الرأی بخصوص توقیت الیوم والشهر دون السنة, فقد ورد عن الأعمش قال دخلت علی الإمام زین العابدین فی الثالث عشر من جمادی الآخرة وکان یوم الجمعة, فدخل الفضل بن العباس وهو باک حزین وهو یقول لقد ماتت جدتی أم البنین(1).

یقول السالکی یظهر أنّ المخبر الباکی هو الفضل, مع أنّ الفضل مات صغیراً, وإنّ أهل السیر یقولون إن إرث العباس صار إلی عبید الله بن العباس, وإنّ نسله منه فقط, فالصحیح أنّه عبیدالله, إلا أن یقال الفضل مات بعد هذا الخبر, ثم انتقل الإرث إلی عبیدالله وهم ینظرون إلی النتیجة, هی أنّ ارث العباس وصل إلی أمه والی أبنائه, وارث أخوة العباس وصل إلی أمه وورثها أبناء العباس, ثم لم یبقَ من الأبناء إلاّ عبیدالله وورث هو کل المال فهو الوارث بعدهم.

وکان عبیدالله بن العباس من العلماء ویوصف بالکمال والمروءة والجمال ومات وله خمس وخمسون سنة(2).

ص:295


1- (1) راجع: کتاب أم البنین, محمد علی السالکی, ص 201.
2- (2) المصدر نفسه, ص 205.

وقبر أم البنین علیهاالسلام بالبقیع؛ لأنها لم تخرج إلی بلد آخر بعد مقتل الحسین علیه السلام فمدفنها فی المدینة وهو المشهور الآن(1).

3 - لیلی النهشلیة

هی لیلی بنت مسعود بن جابر بن مالک بن ربعی بن سلم بن جندل بن نهشل ابن دارم بن حنظلة بن زید مناة بن تمیم.

ولدت للإمام أمیر المؤمنین علیه السلام محمداً الأصغر المکنی أبا بکر وعبیدالله, الشهیدان مع أخیهما الحسین علیه السلام بالطف(2). وقیل: قتل عبید الله مع مصعب یوم المختار(3).

4 - أسماء بنت عمیس الخثعمیة

أسماء بنت عمیس الخثعمیة رضی الله عنها, هی أخت میمونة زوج النبی صلی الله علیه و آله, وأخت لبابة زوج العباس بن عبد المطلب, وأخت سلمی بنت عمیس زوج حمزة, هاجرت مع زوجها جعفر بن أبی طالب علیه السلام إلی الحبشة, وأعقبت أسماء من جعفر بن أبی طالب الطیار ثمانیة بنین, وهم عبد الله، وعون، ومحمد الأکبر، ومحمد الأصغر، وعبد الله الأکبر، وعبد الله الأصغر، وحمید، وحسین, أما محمد الأکبر فقتل مع عمه أمیر المؤمنین علیه السلام بصفین. وأما عون ومحمد الأصغر فقتلا مع ابن عمهما الحسین علیه السلام یوم الطف, وأما عبد الله الأکبر فهو أحد أجواد

ص:296


1- (1) راجع: کتاب أعمال الحرمین, بن الشیخ منصور المرهون, ص 191.
2- (2) الإرشاد, الشیخ المفید, ج 1 ص 354.
3- (3) مناقب الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام, محمد بن سلیمان الکوفی, ج 2 ص 49.

بنی هاشم الأربعة وهم: الحسن والحسین وعبد الله بن العباس وهو الرابع علیهم السلام. ولم یبایع رسول الله صلی الله علیه و آله طفلاً غیر هؤلاء الأربعة, ولد بأرض الحبشة, وله فی الجود أخبار کثیرة حتی لقب بقطب السخاء، حضر مع عمه صفین، وعقد له یوم الجمل علی عشرة آلاف، ولیس لجعفر عقب إلا منه. فلما قتل جعفر بن أبی طالب علیه السلام تزوجها أبو بکر فأولدت له محمداً حبیب علی علیه السلام وربیب حجره ووالیه علی مصر، قتله معاویة بن أبی سفیان, وللإمام علیه السلام عند قتل محمد بن أبی بکر خطبة موجودة فی النهج ولما مات أبو بکر، تزوجها أمیر المؤمنین علیه السلام فأولدت له یحیی بإجماع، واختلف فی عون بن علی بن أبی طالب فقیل إنه منها(1). وقیل: ولدت للإمام یحیی وعون. وقیل ومحمدا الأصغر(2).

وأسماء لها مقام عظیم عند الله وأهل البیت, وکانت من أولیات النساء اللآتی آمنَّ بالنبی صلی الله علیه و آله, وقد حظیت بمدحٍ علی لسان النبی صلی الله علیه و آله وأهل البیت حتی کانت من المبشرات بالجنة, کما روی عن أبی بصیر عن أبی جعفر علیه السلام قال: سمعته یقول: رحم الله الأخوات من أهل الجنة، فسماهن أسماء بنت عمیس الخثعمیة، وکانت تحت جعفر بن أبی طالب, وسلمی بنت عمیس الخثعمیة وکانت تحت حمزة، وخمس من بنی هلال(3).

وذکر ابن الأثیر: أن عمر قال لها نعم القوم لولا أننا سبقناکم إلی الهجرة، فذکرت ذلک للنبی صلی الله علیه و آله فقال: بل لکم هجرتان: إلی أرض الحبشة وإلی

ص:297


1- (1) الاحتجاج, الشیخ الطبرسی, ج 1 ص 125.
2- (2) شرح إحقاق الحق, السید المرعشی, ج 32 ص 675.
3- (3) الخصال, الشیخ الصدوق, ص 363.

المدینة(1). وکانت رفیقة الزهراء علیهاالسلام وصاحبتها وهی التی اقترحت علیها أن یضع جثمانها الطاهر فی التابوت وأعانت الإمام علیه السلام علی غسلها, وکانت من رواة الحدیث(2).

5 - أمامه بنت أبی العاص

وهی أمامه بنت أبی العاص بن الربیع بن عبد العزی بن عبد مناف القرشیة العبشمیة, وأمها زینب بنت رسول الله صلی الله علیه و آله, وکانت زینب قد تزوجت أبا العاص قبل الإسلام, وهو (أبو العاص) ابن أخت خدیجة علیهاالسلام, وزینب أنجبت ولدین هما: علی الذی مات صغیراً, وأمامه التی کان یحبها النبی صلی الله علیه و آله ویلاطفها, وتزوجها الإمام علی علیه السلام بوصیة الزهراء علیهاالسلام إذ وصته أن یتزوجها, وقالت: إنها تکون لولدی مثلی(3).

وزوجها منه الزبیر بن العوام؛ لأن أباها قد أوصاه (أوصی الزبیر) بها, فلما جرح علی علیه السلام خاف أن یتزوجها معاویة فأمر المغیرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب أن یتزوجها بعده, فلما توفی علیٌّ علیه السلام وقضت العدة تزوجها المغیرة, فولدت له یحیی وبه کان یکنی, فهلکت عند المغیرة وبقیت عنده حدود الخمسین للهجرة(4).

ص:298


1- (1) اسد الغابة, ابن الأثیر, ج 5 ص 296.
2- (2) أنظر: موسوعة الإمام علی, ری شهری, ج 1 ص 111.
3- (3) أنظر: کتاب سلیم بن قیس, ج 2 ص 870. وأسد الغابة, ابن الأثیر, ج 5, ص 400.
4- (4) أنظر: أسد الغابة, ابن الأثیر, ج 5, ص 400. وأعیان الشیعة, السید محسن الأمین, ج 3 ص 473.

وقد ذکر بعض المؤرخین أنّ علیاً لما حضرته الوفاة قال لأمامه بنت أبی العاص إنی لا آمن أن یخطبک هذا الطاغیة بعد موتی (یعنی معاویة) فإن کان لک فی الرجال حاجة فقد رضیت لک المغیرة بن نوفل عشیراً, فلما انقضت عدتها کتب معاویة إلی مروان یأمره أن یخطبها علیه ویبذل لها مائة ألف دینار, فلما خطبها أرسلت إلی المغیرة بن نوفل إنّ هذا قد أرسل یخطبنی, فإن کان لک بنا حاجة فأقبل, فأقبل وخطبها من الحسن بن علی علیهماالسلام فزوجها(1).

ص:299


1- (1) أنظر: الاستیعاب, ابن عبد البر, ج 4 ص 1789.

ص:300

الفصل الخامس: شهربانو أم الإمام السجاد علیهما السلام

اشارة

ص:301

ص:302

اسمها ونسبها

اشارة

أختلف المؤرخون وأصحاب السّیر فی تشخیص اسمها علیهاالسلام, وأیضا فی نسبها, فالمشهور قالوا: هی شاه زنان, أو شهر بانو, کما مرّ ذکره فی صحیفة الزهراء علیهاالسلام... (إلی قوله) أبو محمد علی بن الحسین العدل أمه شهربانو بنت یزدجرد, بالإضافة إلی الشواهد التاریخیة التی یأتی ذکرها. ومعنی شاه زنان أی ملکة النساء, وشهر بانویه أی ملکة المدینة. وقیل: سلامة، وقیل: غزالة، وقیل: خولة علی اختلاف الروایات, وقد ذکر المجلسی عن المبرد قال: کان اسم أم علی بن الحسین علیهماالسلام سلافة من ولد یزدجرد, معروفة النسب من خیرات النساء(1). وربما یعود اختلاف الروایات فی تسمیتها إلی ما قیل: من أنّ أمیر المؤمنین علیه السلام سألها یوماً عن اسمها، فقالت: شاه زنان, فقال علیه السلام: أنت شهربانو. وأظن هذا التغیر الذی صدر من الإمام لأجل اختصاص الزهراء علیهاالسلام بذلک, کما سیأتی بیانه إن شاء الله.

أمّا أبوها: هو یزدجرد بن شهریار بن شیرویه بن کسری أبرویز بن هرمز بن انوش, روان الملک العادل، وکان یزدجرد آخر ملوک الفرس(2).

ص:303


1- (1) بحار الأنوار, المجلسی, ج 46 ص 16.
2- (2) شرح أصول الکافی, مولی محمد صالح المازندرانی, ج 7 ص 236.

وقیل: هو یزدجرد بن شهریار ابن کسری بن قباذ بن فیروز بن یزدجرد بن بهرام حور بن یزدجرد بن بهرام بن سابور ذی الأکتاف وهؤلاء کلهم ملوک(1). وقیل: شاه زنان بنت شیرویه بن کسری أبرویز...(2).

اکاذیب واهیة فی نسب أم السجاد علیه السلام

ذکر ابن عنبة فی ذیل کلامه قولاً فی اختلاف نسب السیدة شهربانو, فقال قد منع البعض من انتساب أم الإمام السجاد علیه السلام إلی یزدجرد الذی هو أحد ملوک الفرس, حیث قالوا: إنّ کثیراً من النسابین والمؤرخین قالوا إن بنتی یزدجرد کانتا معه حین ذهب إلی خراسان. وقیل إن أم زین العابدین علیه السلام من غیر ولده. وقد أغنی الله تعالی علی بن الحسین علیهماالسلام بما حصل له من ولادة رسول الله صلی الله علیه و آله عن ولادة یزدجرد بن شهریار المجوسی المولود من غیر عقد علی ما جاءت به التواریخ، والعرب لا تعد للعجم فضیلة وإنْ کانوا ملوکاً ولو اعتدوا بالملک فضیلة لوجب أن یفضلوا العجم علی العرب ویفضلوا قحطان علی عدنان، ولکن لیس ذلک عندهم شیئاً یعتد به. وقد لهج بعض العوام وکثیر من بنی الحسین علیه السلام بذکر هذه النسبة وقالوا: جمع علی بن الحسین علیهماالسلام بین النبوة والملک ولیس ذلک بشیء(3).

وقد تمسک شرذمة من أصحاب الضغائن والأحقاد من الشعوبیین واللیبرالیین فی ما ذکره ابن عنبة وقاموا بتوسعة الاشکال وتغییر حقائق التاریخ,

ص:304


1- (1) المجموع, محیی الدین النووی, ج 10 ص 391.
2- (2) مناقب آل أبی طالب, ابن شهر آشوب, ج 3 ص 311.
3- (3) أنظر: عمدة الطالب, ابن عنبة ص 193.

فقد حاولوا أنّ یجعلوا الحق کذباً والکذب حقاً, حیث قالوا إنّ أمّ الإمام السجاد علیه السلام لیست أَمَة, بل جعلوها بدلاً من ذلک عدنانیة قرشیة تیمیة, فقالوا إنّها الفاضلة أم إسحاق بنت طلحة بن عبید الله التیمی. وعمدة ما استندوا إلیه هو ما ذکره صاحب عمدة الطالب (ابن عنبة) من أنّ الأمام السجاد علیه السلام وأخته فاطمة بنت الحسین أم فاطمة بنت الحسین هی أم إسحاق بنت طلحة بن عبید الله هما أشقاء من نفس الأم, وعلیه تکون هی أیضاً أم الأمام السجاد علیه السلام, وغیر ذلک کما تقدم من کلام ابن عنبة(1).

والصحیح

إنّ ابن عنبة فی أول کلامه بشکل صریح أثبت رأی المشهور أنّها شاه زنان بنت یزدجرد, حیث قال بنص عبارته: وقد اختلف فی أمه فالمشهور أنها شاه زنان بنت کسری یزدجرد بن شهریار بن أبرویزد، وقیل إن اسمها شهربانو، قیل نهبت فی فتح المدائن فنفلها عمر بن الخطاب من الحسین علیه السلام وقیل بعث حریث بن جابر الجعفی إلی أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام ببنتی یزدجرد بن شهریار فأخذهما وأعطی واحدة لابنه الحسین علیه السلام فأولدها علی بن الحسین علیه السلام وأعطی الأخری لمحمد بن أبی بکر فأولدها القاسم الفقیه ابن محمد بن أبی بکر فهما ابنا خالة، وقال ابن جریر الطبری: اسمها غزالة وهی من بنات کسری. وقال المبرد: هی سلامة من ولد یزدجرد(2), هذا أولاً.

ص:305


1- (1) انظر: کتاب کذبة فارسیة یفضحها الحق العربی, عبد الحمید العلوجی.
2- (2) عمدة الطالب, ابن عنبة, ص 192.

وثانیاً: أنّه (ابن عنبة) کان یتناول الموضوع من حیث الفخر بالأنساب لیس لغرض إثبات حقیقة تاریخیة, فقال: إنه إذا کان للحسینیین فخر بولادة جدهم علی زین العابدین علیه السلام من أحدی بنات کسری فالفخر متحقق أیضاً للحسنیین لأن فاطمة بنت الحسین قد تزوجت من الحسن المثنی بن الإمام الحسن الزکی علیه السلام وولدت له أولاده الحسن المثلث وعبد الله المحض وإبراهیم وهی فیما یقال من أم علی زین العابدین علیه السلام, وأنت تری أنه لم یجزم بهذه الصلة الجدیدة للحسنیین بل أستخدم عبارة (فیما یقال), ولم ینقل هذه الصلة أحد من المؤرخین قبل ابن عنبة فی عمدة الطالب ولا بعده، ولو کانت هذه الصلة معروفة لشاعت ونقلها العدید من المؤرخین ولکن ذلک لم یحدث.

وثالثاً: أنّ المستشکل نفسه قدذکر فی قائمة مصادر کتیبه (26) مصدراً لم یحتوِ أیٌّ منها علی تصریح أو تلمیح أو أشارة أو افتراض إلی أنّ أم السجاد علیه السلام عربیة، بل الکتب التاریخیة والتراثیة متأرجحة بین کون أمّه امَة أو امَة من بنات کسری.

رابعاً: أنّ الإمام الحسن بن أمیر المؤمنین علیهماالسلام قد تزوج من أم إسحاق بنت طلحة فولدت له طلحة والحسین وفاطمة, ثم خلف علی أم إسحاق بعد الحسن علیه السلام أخیه الحسین علیه السلام، وکلمة (خلف) تحتمل معنیین الأول أنّ الحسین علیه السلام تزوج أم إسحاق بعد وفاة أخیه الحسن علیه السلام والثانی أنّه علیه السلام تزوجها بعد طلاق أخیه علیه السلام لها، والمعنی الأول هو الأکثر شیوعاً واستعمالاً عند العرب لکلمة (خلف) إضافة الی ما أثبته المؤرخون, وکیف کان فإنّ الإمام الحسن علیه السلام

ص:306

قد استشهد سنة (50) ه - وزواج الإمام الحسین علیه السلام من أم إسحاق کان بعد هذا التاریخ فیما نجد أنّ ولادة الإمام علی زین العابدین علیه السلام کانت عام (37) ه - وعلیه فإنّ أم إسحاق لا یمکن أنْ تکون أمّاً له لأنها حین ولادته کانت حلیلةً للأمام الحسن علیه السلام.

خامساً: أنّ الإمام محمداً الباقر علیه السلام هو أول من جمع ولادة الحسن والحسین علیهماالسلام؛ لأن أباه الإمام علیاً زین العابدین علیه السلام قد تزوج من ابنة عمه أم عبدالله فاطمة بنت الأمام الحسن علیه السلام وأمها أم إسحاق بنت طلحة فولدت له أبنه الإمام الباقر علیه السلام، (کما سیأتی فی محله مفصلاً) فلو کانت ام إسحاق هی التی ولدت الإمام علیاً زین العابدین علیه السلام بحسب مزاعم المستشکل لما جاز له أنْ یتزوج من فاطمة بنت الإمام الحسن علیه السلام لأنها حینئذٍ ستکون أخته من جهة الأم.

سادساً: أنّ هناک وثیقة تاریخیة فی النصف الأول للقرن الثانی الهجری تشیر إلی أنّ أم الإمام علی زین العابدین علیه السلام هی أَمَة ولیست عربیة کما زعم، وهذه الوثیقة إضافة إلی أنها قریبة من عصر الإمام علی زین العابدین علیه السلام فقد وردت بلسان شخص بعید عن شبهة التأثیر الشعوبی والدس الفارسی, وهی رسالة کتبها الخلیفة العباسی الثانی أبو جعفر الملقب بالمنصور, إلی محمد الملقب بالنفس الزکیة بن عبد الله المحض بن الحسن المثنی بن الإمام الحسن علیه السلام لما ثار الأخیر علیه، وقد ذکرها ابن خلدون فی تأریخه، جاء فیها: وما ولد قبلکم مولود بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه و آله أفضل من علی بن الحسین وهو لأم ولد (یقصد أَمَه) ولقد کان خیراً من جدک حسن بن حسن ثم ابنه محمد خیر من أبیک وجدته أم

ص:307

ولد ثم ابنه جعفر وهو خیر منک(1).

وهناک عشرات الکتب تاریخیة وحدیثیة لدی الفریقین تذکر أنّها أمة فارسیة بنت یزدجرد, ولکنّ العداء یعمی الأبصار والبصائر, حتی جعل شریعتی هو الآخر یطعن بروایة تذکر مقام وفضل السیدة شهربانو ویتخذها سبباً لنفی زواج شهربانویة بنت یزدجرد بالإمام الحسین علیه السلام, أو أنّها أم للإمام السجاد علیه السلام, ویحول الموضوع إلی مساجلات واهیة واستنتاجات باطلة لا تستند إلی أی دلیل ولا تعبر إلا عن مجموعة أوهام أراد من إظهارها التنفیس وإثارة النعرات الطائفیة والقومیة(2), فقد تناسی ما علیه الجمهور وغیرهم من ثبوت هذه الحقیقة فی تواریخهم وأحادیثهم, ولماذا لا تکون هذه الحملات الشعواء والاستنتاجات الفاسدة علی امَّهات الأئمة الباقین الذین کانت امَّهاتهم جواریَ أیضا وغیر عربیات, فهناک سبعة أئمة امَّهاتهم جوارٍ وغیر عربیات, أمثال أم الإمام الکاظم علیه السلام (حمیدة البربریة) فلِمَ لم یقال انّهم (الشیعة) احیوا البربر کما احیوا الدولة الساسانیة, أو لهم میول للبرابرة, وغیرها من التهاترات التی لا تستحق الإطالة والوقوف عندها.

وهکذا تتکشف الحقائق ویتضح الخطأ الذی وقع فیه البعض بادعائهم النسب العربی لأم السجاد علیه السلام, وأسأل الله أنّ یبعد الأمة الإسلامیة من هذه الأمراض الخطیرة التی تجرّ الویل للإسلام والمسلمین.

ص:308


1- (1) تاریخ ابن خلدون, ابن خلدون, ج 4 ص 6.
2- (2) انظر: کتاب التشیع العلوی والتشیع الصفوی, الدکتور علی شریعتی, تحت عنوان: عروس المدائن فی المدینة, ص 124.
اشکال وجواب

وأما ما ذکر من أنّ أباها کان مولوداً من غیر عقد؛ وهذا ینافی ما علیه اعتقاد الأمامیة فی طهارة آباء المعصومین علیهم السلام. فنقول باختصار: ثبت أن لکل قوم نکاحاً, کما جاء فی الحدائق عن أبی بصیر قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: نهی رسول الله صلی الله علیه و آله أن یقال للإماء یا بنت کذا وکذا، وقال: لکل قوم نکاح. أقول: فیه دلالة علی عدم جواز قذف أصحاب الملل والأدیان والطعن فی أنسابهم بما خالف مقتضی شریعتنا إذا کان سائغاً فی شرایعهم، وعلیه تدل جملة من الأخبار(1).

ومنها, ما رواه فی التهذیب عن عبد الله بن سنان فی الحسن قال: قذف رجل رجلاً مجوسیاً عند عن أبی عبد الله علیه السلام فقال: مه، فقال الرجل: إنه ینکح أمه وأمته، فقال: ذاک عندهم نکاح فی دینهم(2).

وعن أبی بصیر عن أبی عبد الله علیه السلام قال: کل قوم یعرفون النکاح من السفاح فنکاحهم جائز(3). إلی غیر ذلک من الأخبار. مع أنّ دعواهم بعیدة عن الواقع ولم تکن ثابتة ومسلمة, وإنّما مجرد استیحاء وتوهم.

إضافة إلی ذلک یمکن أن یقال إنّها کانت فی أسرة محتشمة مراعیة لآداب العفّة ولو بحسب أعرافهم, کما یظهر ذلک من النصوص التاریخیة, منها: حین إدخالها علی الخلیفة الثانی فقد غطت وجهها وتأوهت..., کما سیأتی. وذلک

ص:309


1- (1) الحدائق الناضرة, المحقق البحرانی, ج 24 ص 330.
2- (2) تهذیب الأحکام, الشیخ الطوسی, ج 7 ص 487. والکافی, الشیخ الکلینی, ج 5 ص 574
3- (3) . تهذیب الأحکام, الشیخ الطوسی, ج 7 ص 475.

یعکس لنا أنّها عاشت فی ظروف اسریة واجتماعیة مراعیة قد أثرت بها وبسلوکها. ومنها أیضاً ما کشف عنه الإمام علی علیه السلام حین سألها قائلاً: ما حفظت عن أبیک بعد وقعة الفیل؟ قالت: حفظنا عنه أنه کان یقول: إذا غلب الله علی أمر ذلت المطامع دونه، وإذا انقضت المدة کان الحتف فی الحیلة. فقال علیه السلام: ما أحسن ما قال أبوک تذل الأمور للمقادیر حتی یکون الحتف فی التدبیر(1). فیظهر من سؤال الإمام علیه السلام وتأییده واستحسانه لقول أبیها أنّ أباها من الشخصیات ذات العلم والمکانة. وأیضا الرؤیا التی رأتها فی المنام من دخول النبی صلی الله علیه و آله وأهل البیت علیهم السلام دارهم لغرض خطبتها, کما سیأتی.

مقتل والدها یزدجرد

اشارة

ذکر ابن الأثیر فی أحداث سنة إحدی وثلاثین مقتل یزدجرد بن شهریار, حیث قال: قد اختلف الناس فی سبب قتله, فقیل إنه هرب من کرمان فی جماعة یسیرة إلی مرو ومعه خرزاد أخو رستم فرجع عنه إلی العراق ووصی به ماهویه مرزبان مرو فسأله یزدجرد مالاً فمنعه فخافه أهل مرو علی أنفسهم فأرسلوا إلی الترک یستنصروهم علیه فأتوه فبیتوه فقتلوا أصحابه فهرب یزدجرد ماشیاً إلی شط المرغاب فأوی إلی بیت رجل ینقر الأرحاء فلما نام قتله، وقیل: بل بیته أهل مرو ولم یستنصروا بالترک فقتلوا أصحابه وهرب منهم فقتله النقار وتبعوا أثره إلی بیت الذی ینقر الأرحاء فأخذوه وضربوه فأقر بقتله فقتلوه وأهله. وأخرج یزدجرد من النهر وجعل فی تابوت وحمل إلی إصطخر فوضع فی ناووس هناک. وقیل إن

ص:310


1- (1) الإرشاد, الشیخ المفید, ج 1 ص 302.

یزدجرد هرب بعد وقعة نهاوند إلی أرض أصبهان وبها رجل یقال له مطیار کان قد أصاب من العرب شیئاً یسیراً فصار له بها محل کبیر فأتی مطیار یزدجرد ذات یوم زائراً فحجبه بوابه لیستأذن له فضربه وشج أنفه وحمیة لحجبه إیاه فدخل البواب علی یزدجرد مدمی فلما نظر إلیه أفظعه ذلک فرحل عن أصبهان من ساعته فأتی الری فخرج إلیه صاحب طبرستان وعرض علیه بلاده وأخبره بحصانتها وقال له إن أنت لم تجبنی یومک هذا ثم أتیتنی بعد ذلک فلم أقبلک ولم أرک فلم یجبه. وقیل مضی من فوره ذلک إلی سجستان ثم سار إلی مرو فی ألف فارس، وقیل: بل قصد فارس فأقام بها أربع سنین ثم أتی کرمان فأقام بها سنتین أو ثلاثاً فطلب إلیه دهقانه شیئاً فلم یجبه فجره برجله وطرده عن بلاده فسار إلی سجستان فأقام بها نحواً من خمس سنین ثم عزم علی قصد خراسان لیجمع الجموع ویسیر بهم إلی العرب فسار إلی مرو ومعه الرهن من أولاد الدهاقین ومعه فی رؤسائهم فرخزاد فلما قدم مرو کاتب ملوک الصین وملک فرغانة وملک کابل وملک الخرز یستمدهم وکان الدهقان یومئذ بمرو ماهویة أبو براز فوکل ماهویه بمرو ابنه براز لیحفظها ویمنع عنها یزدجرد خوفاً من مکره فرکب یزدجرد یوماً وطاف بالمدینة وأراد دخولها من بعض أبوابها فمنعه براز فصاح به أبوه لیفتح الباب فلم یفعل وأومأ إلیه أبوه أن لا یفعل ففطن له رجل من أصحاب یزدجرد فأعلمه بذلک واستأذنه فی قتله وقال إن فعلت صفت لک الأمور بهذه الناحیة فلم یأذن له. وقیل: أراد یزدجرد صرف الدهقنة عن ماهویة إلی صنجان ابن أخیه فبلغ ذلک ماهویه فعمل فی هلاک یزدجرد فکتب إلی نیزک طرخان یخبره أن یزدجرد وقع إلیه

ص:311

مفلولاً یدعوه إلی القدوم علیه لیتفقا علی قتله ومصالحة العرب علیه وضمن له إن فعل أن یعطیه کل یوم ألف درهم فکتب نیزک إلی یزدجرد یعده المساعدة علی العرب وأنه یقدم علیه بنفسه إن أبعد عسکره وفرخزاد عنه فاستشار یزدجرد أصحابه فقال له سنجان لست أری أن تبعد عنک أصحابک وفرخزاد وقال أبو براز أری أن تتألف نیزک وتجیبه إلی ما سأل فقبل رأیه وفرق عنه جنده وأمر فرخزاد أن یأتی أجمة سرخس فصاح فرخزاد وشق جیبه وتناول عموداً بین یدیه یرید ضرب أبی براز به وقال یا قتلة الملوک قتلتم ملکین وقال أظنکم قاتلی هذا. ولم یبرح فرخزاد حتی کتب له یزدجرد بخط یده أنه آمن وأنه قد أسلم یزدجرد وأهله وما معه إلی ماهویه وأشهد بذلک. وأقبل نیزک فلقیه یزدجرد بالمزامیر والملاهی أشار علیه بذلک أبو براز فلما لقیه تأخر عنه أبو براز فاستقبله نیزک ماشیاً، فأمر له یزدجرد بجنیبة من جنائبه، فرکبها، فلما توسط عسکره توافقا فقال له نیزک فیما یقول زوجنی إحدی بناتک حتی أناصحک فی قتال عدوک. فسبه یزدجرد فضربه نیزک بمقرعته وصاح یزدجرد غدر الغادر ورکض منهزماً وقتل أصحاب نیزک أصحاب یزدجرد وانتهی یزدجرد من هزیمته إلی مکان من نواحی مرو فنزل عن فرسه ودخل إلی بیت طحان فمکث فیه ثلاثة أیام لم یأکل طعاماً فقال له الطحان أیها الشقی کل طعاماً فقد جعت. فقال لست أصل إلی ذلک إلا بزمزمة. وکان عند الطحان رجل یزمزم فکلمه الطحان فی ذلک ففعل وزمزم له فأکل فلما رجع المزمزم سمع بذکر یزدجرد فسأل عن حلیته فوصفوه له فأخبرهم به وبحلیته فأرسل إلیه أبو براز رجلاً من الأساورة وأمره بخنقه وإلقائه فی النهر وأتی الطحان

ص:312

فضربه لیدله علیه فلم یفعل وجحده فلما أراد الانصراف عنه قال له بعض أصحابه إنی لأجد ریح مسک ونظر إلی طرف ثوبه من دیباج فی الماء فجذبه فإذا هو یزدجرد فسأله أن لا یقتله ولا یدل علیه وجعل له خاتمه ومنطقته وسواره فقال له أعطنی أربعة دراهم وأخلی عنک فلم یکن معه وقال إن خاتمی لا یحصی ثمنه فخذه فأبی علیه فقال له یزدجرد قد کنت أخبر أنی سأحتاج إلی أربعة دراهم واضطر إلی أن یکون أکلی أکل الهر فقد رأیت ذلک ثم نزع أحد قرطیه فأعطاه الطحان لیستر علیه وأرادوا قتله فقال ویحکم إنا نجد فی کتبنا أنه من قتل الملوک عاقبه الله بالحریق فی الدنیا فلا تقتلونی واحملونی إلی الدهقان أو إلی العرب فإنهم یستبقون مثلی. فأخذوا ما علیه من الحلی وخنقوه بوتر القوس وألقوه فی الماء فجری به الماء حتی انتهی إلی فوهة الرزیق فتعلق بعود فأخذه أسقف مرو وجعله فی تابوت ودفنه. وقیل: بل سار یزدجرد من کرمان قبل ورود العرب إلیها نحو مرو علی الطبسین وقهستان فی أربعة آلاف فلما قارب مرو لقیه قائدان یقال لأحدهما براز وللآخر سنجان وکانا متباغضین، فسعی براز بسنجان حتی هم یزدجرد بقتله وأفشی ذلک إلی امرأة من نسائه ففشا الحدیث فجمع سنجان أصحابه وقصد قصر یزدجرد فهرب براز وخاف یزدجرد فهرب أیضاً إلی رحی علی فرسخین من مرو فدخل بیت نقار الرحی فأطعمه الطحان فطلب منه شیئاً فأعطاه منطقته فقال إنما یکفینی أربعة دراهم فلم یکن معه ثم نام یزدجرد فقتله الطحان بفأس کان معه وأخذ ما علیه وألقی جیفته فی الماء وشق بطنه وثقله. وسمع بقتله مطران کان بمرو فجمع النصاری وقال قتل ابن شهریار وإنما شهریار

ص:313

بن شیرین المؤمنة التی قد عرفتم حقها وإحسانها إلی أهل ملتنا مع ما نال النصاری فی ملک جده أنوشروان من الشرف فینبغی أن نحزن لقتله ونبنی له ناووساً فأجابوه إلی ذلک وبنوا له ناووساً وأخرجوا جثته وکفنوها ودفنوها فی الناووس. وکان ملکه عشرین سنة منها أربع سنین فی دعة وست عشرة سنة فی تعب من محاربة العرب إیاه وغلظتهم علیه وکان آخر من ملک من آل أردشیر بن بابک وصفا الملک بعده للعرب(1).

ما قاله البلاذری فی مقتل یزدجرد

ذکر البلاذری أنّ یزدجرد هرب من المدائن إلی حلوان، ثم إلی إصبهان. فلما فرغ المسلمون من أمر نهاوند هرب من إصبهان إلی إصطخر. فتوجه عبد الله ابن بدیل بن ورقاء بعد فتح إصبهان لاتباعه فلم یقدر علیه. ووافی أبو موسی الأشعری إصطخر فرام فتحها فلم یمکنه ذلک، وعاناها عثمان بن أبی العاصی الثقفی فلم یقدر علیها. وقدم عبد الله بن عامر بن کریز البصرة سنة تسع وعشرین، وقد افتتحت فارس کلها إلا إصطخر وجور، فهمَّ یزدجرد بأن یأتی طبرستان. وذلک أن مرزبانها عرض علیه وهو بإصبهان أن یأتیها وأخبره بحصانتها، ثم بدا له فهرب إلی کرمان، واتبعه ابن عامر مجاشع بن مسعود السلمی وهرم بن حیان العبدی، فمضی مجاشع فنزل بیمنذ من کرمان، فأصاب الناس الدمق، وهلک جیشه فلم ینج إلا القلیل، فسمی القصر قصر مجاشع. وانصرف مجاشع إلی ابن عامر. وکان یزدجرد جلس ذات یوم بکرمان، فدخل علیه مرزبانها فلم یکلمه تیهاً، فأمر

ص:314


1- (1) أنظر: الکامل فی التاریخ, ابن الأثیر, ج 3 ص 119.

بجر رجله وقال: ما أنت بأهل لولایة قریة فضلاً عن الملک، ولو علم الله فیک خیراً ما صیرک إلی هذه الحال. فمضی إلی سجستان، فأکرمه ملکها وأعظمه، فلما مضت علیه أیام سأله عن الخراج فتنکر له. فلما رأی یزدجرد ذلک سار إلی خراسان، فلما صار إلی حد مرو تلقاه ماهویه مرزبانها معظماً مبجلاً، وقدم علیه نیزک طرخان فحمله وخلع علیه وأکرمه، فأقام نیزک عنده شهراً، ثم شخص وکتب إلیه یخطب ابنته، فأحفظ ذلک یزدجرد وقال: اکتبوا إلیه إنما أنت عبد من عبیدی، فما جرأک علی أن تخطب إلیّ؟ وأمر بمحاسبة ماهویه مرزبان مرو، وسأله عن الأموال. فکتب ماهویه إلیّ نیزک یحرضه علیه ویقول: هذا الذی قدم مفلولاً طریداً فمننت علیه لیرد علیه ملکه، فکتب إلیه بما کتب. ثم تضافرا علی قتله. وأقبل نیزک فی الأتراک حتی نزل الجنابذ، فحاربوه، فتکافأ الترک ثم عادت الدائرة علیه، فقتل أصحابه ونهب عسکره. فأتی مدینة مرو فلم یفتح له، فنزل عن دابته ومشی حتی دخل بیت طحان علی المرغاب، ویقال إن ماهویه بعث إلیه رسله حین بلغه خبره فقتلوه فی بیت الطحان. ویقال إنه دس إلی الطحان فأمره بقتله فقتله، ثم قال: ما ینبغی لقاتل ملک أن یعیش. فأمر بالطحان فقتل. ویقال إن الطحان قدم له طعاماً فأکل، وأتاه بشراب یشرب فسکر، فلما کان المساء أخرج تاجه فوضعه علی رأسه، فبصر به الطحان فطمع فیه، فعمد إلی رحا فألقاها علیه، فلما قتله أخذ تاجه وثیابه وألقاه فی الماء. ثم عرف ماهویه خبره فقتل الطحان وأهل بیته وأخذ التاج والثیاب. ویقال إن یزدجرد نذر برسل ماهویه فهرب ونزل الماء. فطلب من الطحان فقال: قد خرج من بیتی. فوجدوه فی الماء. فقال: خلوا عنی

ص:315

أعطکم منطقتی وخاتمی وتاجی. فتغیبوا عنه. وسألهم شیئاً یأکل به خبزاً فأعطاه بعضهم أربعة دراهم. فضحک وقال: لقد قیل لی إنک ستحتاج إلی أربعة دراهم. ثم إنه هجم علیه بعد ذلک قوم وجههم ماهویه لطلبه. فقال: لا تقتلونی واحملونی إلی ملک العرب لأصالحه عنی وعنکم. فأبوا ذلک وخنقوه بوتر، ثم أخذوا ثیابه فجعلت فی جراب، وألقوا جثته فی الماء(1).

تکامل صفاتها

إنّ اقترانها بالإمام الحسین علیه السلام, وتأهلها لأن تکون وعاءً للمعصوم دون غیرها, یکشف لنا بوضوح عن مدی کمالها وبعد إیمانها, بالإضافة الی الروایات التی تتحدث عن اهتمام ید الغیب فی تربیتها واصطفائها, فقد ورد عن جابر، عن أبی جعفر علیه السلام قال: لما اقدمت بنت یزدجرد علی عمر أشرف لها عذاری المدینة وأشرق المسجد بضوئها لما دخلته، فلما نظر إلیها الخلیفة الثانی غطت وجهها وقالت: اف بیروج بادا هرمز... الخ(2). والکلام الذی نطقت به فارسی, مشتمل علی تأفیف ودعاء علی أبیها هرمز, تعنی لا کان لهرمز یوم فإن ابنته أسرت بصغر ونظر الیها الرجال.

وقیل: إن أمیر المؤمنین علیه السلام قد سماها مریم، وهذا ما یعطیها نفس المکانة. ویقال: سماها فاطمة، وکانت تدعی سیدة النساء(3).

ص:316


1- (1) فتوح البلدان, البلاذری, ج 2 ص 387. وانظر: أیضا البدایة والنهایة, ابن کثیر, ج 7 ص 178.
2- (2) راجع: الکافی, الکلینی, ج 1 ص 467.
3- (3) بحار الأنوار, المجلسی, ج 46 ص 13.

ومن کلامه علیه السلام وقد سأل شاه زنان بنت کسری حین أسرت: ما حفظت عن أبیک بعد وقعة الفیل؟ قالت: حفظنا عنه أنه کان یقول: إذا غلب الله علی أمر ذلت المطامع دونه، وإذا انقضت المدة کان الحتف فی الحیلة.

فقال علیه السلام: ما أحسن ما قال أبوک تذل الأمور للمقادیر حتی یکون الحتف فی التدبیر(1).

وأجاد الحر العاملی فی أرجوزته حین وصفها قائلاً:

أو أمه ذات العلی والمجد شاه زنان بنت یزد جرد

وهو ابن شهریار بن کسری ذو سؤدد لیس یخاف کسری(2)

علی یغیر اسمها

اهتم الأمام أمیر المؤمنین علیه السلام فی أم السجاد علیهاالسلام کثیر الاهتمام, وقد أمر فی عتقها مع جمیع من معها من السبایا, ومن ثم وصی بها وقام بتغییر اسمها حیث قال علیه السلام لها: ما اسمک؟ فقالت: جهان شاه، فقال لها بل شهر بانویه(3).

فقوله علیه السلام: بل شهر بانویه کأنه علیه السلام غیر اسمها للسنة، أو لأنه من أسماء الله تعالی, لما ورد فی الخبر فی النهی عن اللعب بالشطرنج إنه یقول مات شاهه وقتل شاهه والله شاهه ما مات وما قتل(4).

ص:317


1- (1) الإرشاد, الشیخ المفید, ج 1 - ص 302.
2- (2) نقلاً عن: الأنوار البهیة, الشیخ عباس القمی, ص 107.
3- (3) بصائر الدرجات, محمد بن حسن الصفار, ص 355.
4- (4) بحار الأنوار, المجلسی, ج 46 ص 10.

وجاء فی مجمع البحرین, أن بعض الشارحین قال: لا یخفی ما فی هذا الحدیث من الإغماض، والذی یخطر فی البال: أن الشاه المذکور هنا عبارة عن شیء یتقامر فیه یسمی بهذا الاسم یضاف إلی المتقامرین، فحین یقع النزاع بینهما ویرید الآخر إثبات ما یدعیه بالیمین یقول هذا القول وهو فی الحقیقة لا ینبغی أن یستعمل إلا فیمن له السلطنة والغلبة، وهو الله تعالی. فعلی هذا ینبغی رفع شاهه فی قوله: (والله تعالی ذکره شاهه ما مات ولا قتل) علی أنه خبر مبتدأ محذوف أی هو شاهه لا غیر، فکیف ینسب إلیه الموت والقتل(1).

ویذهب بعض المؤرخین إلی أن أمیر المؤمنین علیه السلام أبدل اسم شاه زنان ب - (شهر بانویه) لئلا تشارک الزهراء علیهاالسلام لقبها، فإن شاه زنان تعنی فی العربیة: سیدة النساء، وقد خصت فاطمة الزهراء علیهاالسلام بلقب سیدة نساء العالمین.

کما یؤیده ما ورد عن أمیر المؤمنین علیه السلام قال: ما اسمک؟ قالت: شاه زنان قال: نه شاه زنان نیست، مگر دختر محمد صلی الله علیه و آله وهی سیدة النساء، أنت شهربانو وأختک مروارید بنت کسری قالت: آریه(2) (یعنی نعم).

والمراد من المعنی هنا أنّ الإمام علیه السلام حینما سألها عن إسمها قالت اسمی شاه زنان أی سیدة النساء, قال علیه السلام لا لست سیدة النساء بل بنت محمد صلی الله علیه و آله سیدة النساء, أنت شهربانو أی سیدة المدینة. وهذا لا یقال فی العرف الفارسی إلا للمرأة ذات الشأن العظیم والمنزلة الرفیعة.

ص:318


1- (1) أنظر: مجمع البحرین, الشیخ الطریحی, ج 2 ص 474.
2- (2) دلائل الإمامة, محمد بن جریر الطبری (الشیعی), ص 196.

رسول الله یخطبها للحسین علیه السلام

حظیت أم الإمام السجاد علیهاالسلام بتربیة إلهیة ومراعاة غیبیة وهذا یعکس عن صفائها وطهارتها وما أعدها الله للمستقبل المنیر, فقد کشفت الروایات جملة من الکرامات التی تلبست بها هذه السیدة الجلیلة منها, اقترانها بالإمام الحسین علیه السلام حیث قالوا: إنما اختارت الحسین علیه السلام لأنّها رأت فاطمة علیهاالسلام وأسلمت قبل أن یأخذها عسکر المسلمین، ولها قصة, وهی أنها قالت رأیت فی النوم قبل ورود عسکر المسلمین کأن محمداً رسول الله صلی الله علیه و آله دخل دارنا وقعد مع الحسین علیه السلام وخطبنی له وزوجنی منه، فلما أصبحت کان ذلک یؤثر فی قلبی وما کان لی خاطر غیر هذا، فلما کان فی اللیلة الثانیة رأیت فاطمة بنت محمد صلی الله علیه و آله قد أتتنی وعرضت علی الإسلام فأسلمت ثم قالت: إن الغلبة تکون للمسلمین، وإنک تصلین عن قریب إلی ابنی الحسین سالمة لا یصیبک بسوء أحد قالت: وکان من الحال أنی خرجت إلی المدینة ما مس یدی إنسان(1).

الرؤیا فی القرآن والسنة

من الظواهر التی یلاحظها الإنسان بکل أطیافه وباستمرار علی مر التاریخ هی ظاهرة الرؤیا, وقد اهتمت بها أغلب الأمم, وإذا رجعنا الی الشریعة الإسلامیة نری أنّها تقسم الرؤیا علی ثلاثة أقسام بحسب ما ورد من النصوص الشریفة, کما عن النبی صلی الله علیه و آله قال: الرؤیا ثلاثة: رؤیا بشری من الله، ورؤیا تحزین من الشیطان،

ص:319


1- (1) أنظر: موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام, الشیخ هادی النجفی, ج 8 ص 385. وبحار الأنوار, المجلسی, ج 46 ص 11.

ورؤیا یحدث بها الإنسان نفسه فیراها فی النوم(1). وأیضا ما ورد عن أبی عبد الله علیه السلام قال: الرؤیا علی ثلاثة وجوه: بشارة من الله للمؤمن وتحذیر من الشیطان وأضغاث أحلام(2).

وجدیر بنا أن نلقی نظرة مختصرة ومقتضبة فی بیان حقیقة الرؤیا, فقد ذکروا أنّ العوالم ثلاثة:

الأوّل: عالَم الطبیعة وهو العالم الدنیوی الذی نعیش فیه, والأشیاء الموجودة فیه صور مادیة تجری علی نظام الحرکة والسکون والتغیر والتبدل, فالأشیاء فی عالم الدنیا تحتوی علی صور ومواد.

الثانی: عالم المثال, وهو فوق عالم الطبیعة وجوداً وفیه صور الأشیاء بلا مادة, منها تنزل هذه الحوادث الطبیعیة وإلیها تعود وله مقام العلیة ونسبة السببیة لحوادث عالم الطبیعة.

الثالث: عالم العقل وهو فوق عالم المثال وجوداً وفیه حقائق الأشیاء وکلیاتها من غیر مادة طبیعیة ولا صورة وله نسبة السببیة لما فی عالم المثال.

والنفس الإنسانیة لتجردها لها مسانخة مع العالمین عالم المثال وعالم العقل, فإذا نام الإنسان وتعطل الحواس انقطعت النفس طبعاً عن الأمور الطبیعیة الخارجیة ورجعت إلی عالمها المسانخ لها وشاهدت بعض ما فیها من الحقائق بحسب ما لها من الاستعداد والإمکان.

ص:320


1- (1) عوالی اللئالی, ابن أبی جمهور الأحسائی, ج 1 ص 79.
2- (2) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 8 ص 90.

فان کانت النفس کاملة متمکنة من ادراک المجردات العقلیة أدرکتها واستحضرت أسباب الکائنات علی ما هی علیها من الکلیة والنوریة وإلا حکتها حکایة خیالیة بما تأنس بها من الصور والأشکال الجزئیة الکونیة, کما نحکی نحن مفهوم السرعة الکلیة بتصور جسم سریع الحرکة ونحکی مفهوم العظمة بالجبل ومفهوم الرفعة والعلو بالسماء وما فیها من الاجرام السماویة والشجاع بالأسد إلی غیر ذلک.

وان لم تکن متمکنة من إدراک المجردات علی ما هی علیها والارتقاء إلی عالمها توقفت فی عالم المثال مرتقیة من عالم الطبیعة فربما شاهدت الحوادث بمشاهدة عللها وأسبابها من غیر أن تتصرف فیها بشیء من التغییر ویتفق ذلک غالبا فی النفوس السلیمة المتخلفة بالصدق والصفاء وهذه هی المنامات الصریحة, وربما حکت ما شاهدته منها بما عندها من الأمثلة المأنوس بها, ومن أمثلة هذا النوع من المنامات ما نقل أنّ رجلاً رأی فی المنام انّ بیده خاتما یختم به أفواه الناس وفروجهم فسأل ابن سیرین عن تأویله فقال إنک ستصیر مؤذناً فی شهر رمضان فیصوم الناس بأذانک.

وقد تبین أنّ المنامات الحقة تنقسم انقساماً أولیاً إلی منامات صریحة لم تتصرف فیها نفس النائم فتنطبق علی ما لها من التأویل من غیر مؤنة, ومنامات غیر صریحة تصرفت فیها النفس من جهة الحکایا لأمثال والانتقال من معنی إلی ما یناسبه أو یضاده وهذه هی التی تحتاج إلی التعبیر بردها إلی الأصل الذی هو المشهود الأولی للنفس.

ص:321

ثم هذا القسم الثانی ینقسم إلی قسمین أحدهما ما تتصرف فیه النفس بالحکایة فتنتقل من الشیء إلی ما یناسبه أو یضاده ووقفت فی المرة والمرتین مثلاً بحیث لا یعسر رده إلی أصله, وثانیهما ما تتصرف فیه النفس من غیر أن تقف علی حدٍ کأن تنتقل مثلاً من الشیء إلی ضده ومن الضد إلی مثله ومن مثل الضد إلی ضد المثل وهکذا بحیث یتعذر أو یتعسر للمعبر أنّ یرده إلی الأصل المشهود, وهذا النوع من المنامات هی المسماة بأضغاث الأحلام ولا تعبیر لها لتعسره أو تعذره(1).

والحاصل: إنّ المنامات ثلاثة أقسام کلیة: وهی المنامات الصریحة ولا تعبیر لها لعدم الحاجة إلیه, وأضغاث الأحلام ولا تعبیر فیها لتعذره أو تعسره, والمنامات التی تصرفت فیها النفس بالحکایة والتمثیل وهی التی تقبل التعبیر.

الرؤیا الصادقة

الرؤیا الصادقة حقیقة ثابتة کما دلت علیها شواهد کثیرة من القرآن والسنة, وقد ذکر ذلک بشکل صریح فی القرآن الکریم فی منامات عدیدة من الأنبیاء وغیرهم, کما فی سورة الصافات (رؤیا النبی إبراهیم علیه السلام), وفی سورة یوسف أربعة منامات, أحدها لیوسف علیه السلام, واثنان للشابین الذین دخلا معه السجن, ورؤیا للملک یوم ذاک, وکانت هذه الأحلام والمنامات صادقة وقد تحقق تأویلها وتعبیرها فی الخارج.

ص:322


1- (1) راجع: تفسیر المیزان, السید الطباطبائی, ج 11 ص 271.

وقد جاء فی سیرة النبی صلی الله علیه و آله أنّه رأی منامات وفسرها وکانت کما أخبر بها. والسیدة فاطمة علیهاالسلام رأت أباها فی المنام فی یوم وفاتها, فقال لها النبی صلی الله علیه و آله أنت اللیلة عندی, فتوفیت علیهاالسلام فی ذلک الیوم. وکذلک أمیر المؤمنین علیه السلام قبیل وفاته, وباقی الأئمة علیهم السلام.

ویمکن أن تقسم الرؤیا الصادقة علی عدة أقسام: منها, ما تکون تذکیر أو ناهیة وزاجرة عن فعل القبیح الذی ربما غفل عنه الإنسان فیریه رؤیة تزجره عن فعل تلک المعصیة, کما ورد عن الإمام الصادق علیه السلام: إذا کان العبد علی معصیة الله عز وجل وأراد الله به خیراً أراه فی منامه رؤیا تروعه فینزجر بها عن تلک المعصیة، وإن الرؤیا الصادقة جزءٌ من سبعین جزءاً من النبوة(1).

وفی هذا الصدد ینقل أنّ رجلا قال لعلی بن الحسین علیهماالسلام: رأیت کأنی أبول فی یدی. قال: تحتک محرم. فنظروا فإذا بینه وبین امرأته رضاع(2).

ومنها: ما تحکی عن المستقبل, وتکون لها دلالات مستقبلیة وتذکر أموراً لم تتحقق بعد, کما هو مذکور فی القرآن الکریم فی عدة مواضع, والتی منها, سجود الکواکب والشمس والقمر لیوسف علیه السلام, حیث فیه دلالة إلی نبوة یوسف علیه السلام فی المستقبل, ورؤیا عزیز مصر بأن سبع بقرات عجاف تأکل سبع بقرات سمان وقد فسرها نبی الله یوسف علیه السلام بما یجری فی المستقبل.

ومنها: ما یکون ضرباً من الإیحاء وهذا ما یخص الأنبیاء والأولیاء کما ورد

ص:323


1- (1) راجع: الاختصاص, الشیخ المفید, ص 241.
2- (2) راجع: الطفل بین الوراثة والتربیة, الشیخ محمد تقی فلسفی, ج 1 ص 316.

فی القرآن الکریم عن لسان إبراهیم علیه السلام (قالَ یا بُنَیَّ إِنِّی أَری فِی الْمَنامِ أَنِّی أَذْبَحُکَ فَانْظُرْ ما ذا تَری قالَ یا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِی إِنْ شاءَ اللّهُ مِنَ الصّابِرِینَ)1 , وعلی ذلک فالرؤیا التی یترتب علیها حکمٌ شرعیٌّ أو أصل عقائدیٌّ وتکون حجة مستقلة هی للأنبیاء خاصة؛ لأنه نوع من أنواع الوحی.

نعم ربما یکون إیحاء لبعض الأولیاء ولو عن طریق المکاشفة أو مکالمة من عالم ما وراء الطبیعة, کما ورد عن أم نبی الله موسی علیه السلام فی قوله تعالی:(وَ أَوْحَیْنا إِلی أُمِّ مُوسی أَنْ أَرْضِعِیهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَیْهِ فَأَلْقِیهِ فِی الْیَمِّ وَ لا تَخافِی وَ لا تَحْزَنِی إِنّا رَادُّوهُ إِلَیْکِ وَ جاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِینَ)2 , حیث ورد فی الروایات انّه کان رؤیا(1).

تطبیق الرؤیا فی المقام

ونقول من هذا وذاک إنّ أم المعصوم علیهاالسلام لا تقل شأناً عن أم موسی علیهاالسلام وغیرها, بأن یحبوها الله عز وجل بالإیحاء والمکاشفة والبشارة, لأن تکون وعاءً وحجراً لحجة الله علی خلقه وغیر ذلک, وعلیه کانت رؤیا السیدة شهر بانویه علیهاالسلام (أم السجاد علیه السلام) أو رؤیا السیدة نرجس علیهاالسلام (أم الإمام المهدی علیه السلام) رؤیا صادقة, بل تعتبر نوعاً من المکاشفة والمعاینة, فقد خطبها رسول الله صلی الله علیه و آله فی عالم الرؤیا, ولقنتها الزهراء علیهاالسلام الشهادتین حتی أسلمت, وبشرتها بزواجها من الحسین علیه السلام,

ص:324


1- (3) راجع: تفسیر المیزان, السید الطباطبائی, ج 11 ص 268.

وهکذا الحال فی نرجس علیهاالسلام, فلا ینبغی الشک فی مطلق الرؤی والأحلام من حیث إنّه لا ینسجم مع العصر والنهضة العلمیة, کما روج له الکثیر من الذین حصروا أنفسهم فی بوتقة التجربة وعالم المادة ولم یکن لهم نصیب فی التعرف علی ما وراء الطبیعة وعالم الغیب, مع أنّ الرؤیا شاهد قاطع علی ذلک, فأمّ المعصوم علیه السلام لها الحظ الأوفر فی احتکاکها بالغیب واطلاعها علی مجری الأمور, وذلک بما تحویه من مؤهلات ومواهب وفضائل وغیرها.

موقف من عفافها وإیمانها

صحیح أنّها عاشت فی بیئة مترفة بعیدة عن التعالیم والقیم الإسلامیة لکن لا یلزم منه انحرافها الخلقی وانحطاطها النفسی وما إلیه؛ لأنّها کانت تحت الرعایة والتخطیط الإلهی, وکل المؤشرات تؤکد إیمانها وتوحیدها ولو علی طریق الکتم والإخفاء, کما هو الحال فی أغلب الأسرة الهاشمیة فی الجاهلیة, أو زوجة فرعون حیث تحدث الله عنها بقوله:(وَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِلَّذِینَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِی عِنْدَکَ بَیْتاً فِی الْجَنَّةِ وَ نَجِّنِی مِنْ فِرْعَوْنَ وَ عَمَلِهِ وَ نَجِّنِی مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِینَ)1 , وغیر ذلک کثیر, لذلک نلاحظ الإمام علیاً علیه السلام اهتم بها کثیراً وعندما أنحلها ابنه الحسین علیه السلام أو هی اختارته سارع فی الإشارة والتلمیح إلی الأمر الذی خططت له السماء بقوله: احتفظ بها وأحسن إلیها، فستلد لک خیر أهل الأرض فی زمانه بعدک، وهی أم الأوصیاء الذریة الطیبة. مع الحفاظ

ص:325

والتشدد الذی کانت تعیشه داخل الأسرة, لذلک ورد عن أبی الحسن علی بن حماد العبدی بالبصرة سنة إحدی وتسعین وثلاثمائة عن رجاله أنّه قال: لما فتحت المدائن وجمعت فی مسجد رسول الله صلی الله علیه و آله بالمدینة الغنائم، وأحضر عمر جمیع المسلمین لیقسموها علی ما أوجبه الله، وعرضت السبایا علیهم وهن متابعات بینهم، أبرزت شهربان بنت یزدجرد وهی مختمرة وعلیها من ثیاب الملوک شملة، فقال عمر: احبسوا عنها الخمار فلا حرمة إلا للإسلام. فقال له علی علیه السلام یجب لبنات الملوک أن تتمیزن عن غیرهن. فقال له عمر: أفیخرجن من السبی ویزول عنهن الرق؟ قال: [لا] ولکن لا یهتک خمرهن ویجعل الاختیار إلیهن فیمن یملکهن. فأجاز عمر ذلک وطیف بها علیهم (وهم جلوس مجتمعون) لیقع اختیارها علی من تملکها من المسلمین، فلم تزل تتفحصهم، ثم أشارت إلی الحسین علیه السلام من بینهم، فحصلت فی سهمه علی ما أوجب من الفرض له، فولدت علی بن الحسین زین العابدین علیه السلام. ثم حدث أبو نصر مهیار بن أدبار (وکان من رؤساء المتصرفین وعلماء المجوس المتأدبین) عن رجاله ومن أسند من رواة الطائفة إلیه: إنّ شهربان حین طیف بها عند اقتسام الغنائم علی کافة المسلمین فی المسجد لتختار من تکون من سهمه منهم، وتسیر إلی من یحصل فی ملکه من جملتهم، ووقع اختیارها علی الحسین، وصارت فی قسمه، وتقدم لحملها إلی داره، قال لها عمر: أخبرینی عنک: قد عرض علیک کافة المسلمین، وفیهم أنا وأنا أمیرهم، وما یتعذر وجود الکهول والصباح والشبان والأوضاح فیهم، وکیف اخترت هذا الفتی من بینهم؟ فقالت: الصدق أنجی وأرجی، کنت حین طیف بی

ص:326

علی الجماعة (فأنا ألحظهم لیقع اختیاری علی من یملکنی منهم) لا أری أحداً إلا یرمقنی بطرف حدید ونظر شدید غیر هذا الکهل وابنیه (وأشارت إلی علی علیه السلام) فإنهم ما لحظونی ولا التفتوا إلیّ، فرأیت النزاهة وشرف الهمة هناک، فبینت إلیهم الاختیار، وعلمت أن المروءة ملک لا یزول إذا زالت الممالک بنوائب الدهر. فقال لها: أفلا اخترت أباه فهو أفضل منه، أو أخاه فهو کبیره؟ فقالت: نزعت نفسی إلی [...] سنا لحداثته، ورغبت مع الشرف والعفاف فیما یرغب فیه أمثالی, فأعجبه ذلک منها وأثنی هو والجماعة الخیر علیها(1).

زمان سبیها

اختلف المؤرخون فی زمان سبی السیدة شهربانو وفی أی عهد من الخلفاء کان, ولکنّ المشهور کما علیه کثیر من المؤرخین هو فی زمن خلافة عمر بن الخطاب کما جاء فی وفیات الأعیان وغیره, حیث قالوا: إنّ الصحابة رضی الله عنهم لما أتوا المدینة بسبی فارس فی خلافة عمر بن الخطاب رضی الله عنه کان فیهم ثلاث بنات لیزدجرد فباعوا السبایا وأمر عمر ببیع بنات یزدجرد أیضاً, فقال له علی بن أبی طالب رضی الله عنه إن بنات الملوک لا یعاملن معاملة غیرهم من بنات السوقة, فقال کیف الطریق إلی العمل معهن, قال یُقَومنَ ومهما بلغ ثمنهن قام به من یختارهن, فقُومنَ وأخذهنّ علی رضی الله عنه فدفع واحدة لعبد الله بن عمر وأخری لولده الحسین وأخری لمحمد بن أبی بکر وکان ربیبه(2). وهناک

ص:327


1- (1) أنظر: العقد النضید والدر الفرید, محمد بن الحسن القمی, ص 145.
2- (2) راجع: وفیات الأعیان وأنباء أبناء الزمان, ابن خلکان, ج 3 ص 267.

روایات تفید أنّه ترک لهن الخیار من بین الحاضرین فاختارت السیدة شهربانو الإمام الحسین علیه السلام.

ولکن جاء فی العیون عن الرضا علیه السلام أن عبد الله بن عامر لما افتتح خراسان أصاب ابنتین ل - (یزدجرد بن شهریار) ملک الأعاجم، فبعث بهما إلی عثمان فوهب إحداهما للحسن علیه السلام والأخری للحسین علیه السلام فماتتا عندهما نفساوین، وکانت صاحبة الحسین علیه السلام نفست بعلی بن الحسین علیهماالسلام فکفله بعض امَّهات أولاد أبیه(1).

وقیل: جاءوا بها مع أختها کیهان بانو من حدود فارس فی خلافة عثمان بن عفان فأراد أن یبیعهما، قال له علی علیه السلام لا یعامل فی بنی الملوک معاملة سائرهم. فتزوج الحسین شهربانو، فولدت له علیاً الأصغر، وتزوج محمد بن أبی بکر کیهان بانو، فولدت له القاسم. حتی قالوا: انظر إلی برکة العدل حیث جعل الله - تبارک وتعالی - الأئمة المهدیین من نسل الحسین علیه السلام من بنت یزدجرد المنتسب إلی کسری أنوش (روان الملک العادل) دون سائر زوجاته(2).

وهناک قول ثالث کما جاء فی الإرشاد إنّها سبیت فی عصر خلافة الإمام علی علیه السلام حیث قال: ولی أمیر المؤمنین علیه السلام حریث بن جابر الحنفی جانباً من المشرق، فبعث إلیه ابنتی یزدجرد بن شهریار بن کسری فنحل ابنه الحسین علیه السلام(3).

ویمکن أن یرجح أنّ سبیها فی عهد خلافة عثمان, أو زمن خلافة أمیر

ص:328


1- (1) راجع: عیون أخبار الرضا علیه السلام, الشیخ الصدوق, ج 1 ص 136.
2- (2) راجع: ینابیع المودة لذوی القربی, القندوزی, ج 3 ص 152.
3- (3) راجع: الإرشاد, الشیخ المفید, ج 2 ص 137.

المؤمنین علیه السلام إذ أنّ أسر أولاد یزدجرد الظاهر أنّه کان بعد قتله أو استئصاله، وذلک کان فی زمن عثمان, وإن أمکن أن یکون بعد فتح القادسیة أو نهاوند أخذ بعض أولاده هناک قبل مقتله وکانت من جملتهم شهربانو. وأیضاً یلاحظ علی المشهور من أنّ ولادة الإمام السجاد علیه السلام کانت سنة (38 ه -) فإذا فرضنا أنّها سبیت فی خلافة عمر بن الخطاب کما علیه المشهور فیلزم منه أنّها بقیت بدون حمل إلی ما یقارب عشرین سنة وهو عادة بعید, فالأرجح أن نقول إنّها سبیت فی خلافة عثمان أو علی علیه السلام.

ولکن هذا أیضاً لیس دلیلاً قطعیاً, حیث یمکن أنّ تتأخر المرأة عن الحمل سنین متعددة کما ثبت ذلک فی القرآن الکریم من أنّ زوجة إبراهیم علیه السلام سارة تأخرت الی ما بعد الیأس, وأیضاً کانت الفاصلة بین أولاد فاطمة بنت أسد عشر سنین, وربما الجمیع اطلع علی أنّ بعض النساء تأخر بهن الحمل إلی فترة طویلة فی مثل هذه الأیام التی اتسمت بالتطور العلمی لاسیما فی المجال الصحی والتناسلی وما إلیه.

علی ینظر إلی المستقبل

من المسلمات عند کل المسلمین أنّ الإسلام لا یختص بقومیة واحدة أو فئة خاصة وإنما هو یعم کل البشر کما عبّر عن ذلک القرآن الکریم فی قوله تعالی:(شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِی أُنْزِلَ فِیهِ الْقُرْآنُ هُدیً لِلنّاسِ وَ بَیِّناتٍ مِنَ الْهُدی

ص:329

وَ الْفُرْقانِ)1 فهو نداء عام للناس جمیعاً فی کل زمان ومکان لإخراجهم من الظلمات إلی النور فی دار الدنیا والآخرة, فعلیه أنّ تُتخذ خطوات تسهل دخول الناس إلی هذا المرفأ الکریم, فالمرونة والعفو عن الغیر من السجایا التی تطمع الغیر فی الإقرار والتسلیم, فترک الإمام موقفاً لاسیما مع بنات ملوک الفرس ربما کان أحد العوامل فی دخولهم الإسلام وإخلاصهم فیه, لذلک ذکر المؤرخون أنّه لما ورد سبی الفرس إلی المدینة أراد عمر بن الخطاب (علی القول إنّها سبیت فی زمن خلافة عمر بن الخطاب) بیع النساء وأن یجعل الرجال عبیداً فقال له أمیر المؤمنین علیه السلام: إن رسول الله صلی الله علیه و آله قال: أکرموا کریم کل قوم، فقال عمر: قد سمعته یقول: إذا أتاکم کریم قوم فأکرموه وإن خالفکم, فقال له أمیر المؤمنین علیه السلام هؤلاء قوم قد ألقوا إلیکم السلم ورغبوا فی الإسلام ولابد أن یکون لی فیهم ذریة، وأنا اشهد الله وأشهدکم أنی قد أعتقت نصیبی منهم لوجه الله تعالی، فقال جمیع بنی هاشم: قد وهبنا حقنا أیضاً لک، فقال: اللهم اشهد أنی قد أعتقت ما وهبوا لی لوجه الله، فقال المهاجرون والأنصار: وقد وهبنا حقنا لک یا أخا رسول الله، فقال: اللهم اشهد إنّهم قد وهبوا لی حقهم وقبلته وأشهدک أنی قد أعتقتهم لوجهک، فقال عمر: لم نقضت علیَّ عزمی فی الأعاجم؟ وما الذی رغبک عن رأیی فیهم، فأعاد علیه ما قال رسول الله صلی الله علیه و آله فی إکرام الکرماء فقال عمر: قد وهبت لله ولک یا أبا الحسن ما یخصنی وسائر ما لم یوهب لک، فقال أمیر المؤمنین علیه السلام اللهم اشهد علی ما قالوه وعلی عتقی إیاهم(1).

ص:330


1- (2) مستدرک الوسائل, المیرزا النوری, ج 11 ص 132. و الغارات, إبراهیم بن محمد الثقفی, ج 2 ص 825.

شهربانویه تختار الحسین علیه السلام زوجاً

لم یکن اختیارها للحسین علیه السلام فی معزل عن التخطیط والإرادة الإلهیة, بل هی اقترنت به فی عالم الأرواح والغیب (کما تقدم) قبل حضورها واختیارها له فی عالم المادة والأجساد وهذا یعبر عن ارتباط الغیب فی زواجها للحسین علیه السلام, فقد ذکروا هناک رهط من قریش وغیرهم کانوا حاضرین وکانت لهم المکانة والإمرة وقد رغبوا فی زواجها لکن اعترضهم الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام قائلاً: هن لا یکرهن علی ذلک ولکن یخیرن ما اخترنه عمل به، فأشار جماعة إلی شهر بانویه بنت کسری فخیرت وخوطبت من وراء الحجاب والجمع حضور فقیل لها: من تختارین من خطابک؟ وهل أنت ممن تریدین بعلاً؟ فسکتت فقال أمیر المؤمنین قد أرادت وبقی الاختیار، فقال عمر: وما علمک بإرادتها البعل؟ فقال أمیر المؤمنین علیه السلام: إن رسول الله صلی الله علیه و آله کان إذا أتته کریمة قوم لا ولی لها - وقد خطبت - یأمر أن یقال لها: أنت راضیة بالبعل؟ فإن استحیت وسکتت جعل إذنها صماتها وأمر بتزویجها، وإن قالت: لا لم یکرهها علی ما تختاره، وإن شهر بانویه أریت الخطاب فأومأت بیدها واختارت الحسین بن علی علیهماالسلام، فأعید القول علیها فی التخییر فأشارت بیدها، وقالت: هذا إن کنت مخیرة، وجعلت أمیر المؤمنین علیه السلام ولیها، وتکلم حذیفة بالخطبة، فقال أمیر المؤمنین علیه السلام: ما اسمک؟ فقالت: شاه زنان بنت کسری، قال أمیر المؤمنین علیه السلام: أنت شهر بانویه وأختک مروارید بنت کسری قالت: آریه(1).

ص:331


1- (1) الغارات, إبراهیم بن محمد الثقفی, ج 2 ص 825. جامع أحادیث الشیعة, السید البروجردی, ج 20 ص 152.

شهربانو وعاء للمعصوم

اشارة

حازت هذه السیدة الجلیلة بهذه المفخرة العظیمة حتی أصبحت وعاءً وأمّاً للإمام المعصوم علیه السلام, وهذا مما لا یتسنی لکل امرأة إلا أنّ تُصطفی وتُعد من قبل السماء, حتی تکون الوعاء السالم والصالح المناسب لهذا المخلوق العظیم, وهذا الحکم من الاصطفاء والإعداد الإلهی لا یجب فی مجرد الزوجة, حیث إنّ الأُم تختلف عن الزوجة بشکل جوهری ولذلک ذکر القرآن أنّ هناک زوجات لبعض الأنبیاء علیهم السلام کُنَّ خائنات فی عدم تمسکهن بخط النبوة والهدی الإلهی, کما جاء فی قوله تعالی:(ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِلَّذِینَ کَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَ امْرَأَتَ لُوطٍ کانَتا تَحْتَ عَبْدَیْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَیْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ یُغْنِیا عَنْهُما مِنَ اللّهِ شَیْئاً وَ قِیلَ ادْخُلاَ النّارَ مَعَ الدّاخِلِینَ)1 , مع أنّه لم نجد أی انحراف أو غیره لأُم من الأنبیاء أو الأوصیاء بل نجد العکس من أنّها قد أُعدت من الناحیة الروحیة والنفسیة والجسدیة کی تکون وعاءً صالحاً لأشرف مخلوقات أهل زمانه, وربما السبب فی ذلک لأنّ للأُم أثراً تکوینیاً علی الجنین بخلاف مجرد الزوجة فإنّها لا تؤثر تکویناً علی الزوج ولا یلزم من انحرافها آثارٌ سلبیة تکوینیة علی الزوج وإنما یرجع علیها فقط, أمّا الأم الکافرة والملوثة أو حتی الضعیفة روحیاً ومعنویاً ترجع بآثارها علی جنینها وأسرتها, فشرط الطهارة والنقاء فی امَّهات الأنبیاء والأئمة أمر ثابت ولا غبار علیه بخلاف زوجاتهم علیهم السلام, وعندما

ص:332

نرجع الی أُم الإمام السجاد علیهاالسلام نجد أنّها حظیت باهتمام ورعایة إلهیة علی الصعید المادی والروحی, کما جاءت فی ذلک عدة روایات, منها ما روی عن جابر، عن أبی جعفر علیه السلام قال: لما قدمت ابنة یزدجرد ابن شهریار آخر ملوک الفرس وخاتمتهم علی عمر، وأدخلت المدینة استشرفت لها عذاری المدینة، وأشرق المجلس بضوء وجهها، ورأت عمر فقالت: آه بیروز باد هرمز، فغضب عمر وقال: شتمتنی هذه العلجة, وهمَّ بها, فقال له علی علیه السلام: لیس لک إنکار علی ما لا تعلمه، فأمر أن ینادی علیها، فقال أمیر المؤمنین علیه السلام: لا یجوز بیع بنات الملوک، ولکن أعرض علیها أن تختار رجلا من المسلمین حتی تتزوج منه، وتحسب صداقها علیه من عطائه من بیت المال یقوم مقام الثمن، فقال عمر: أفعل، وعرض علیها أن تختار فجالت فوضعت یدها علی منکب الحسین علیه السلام, فقال أمیر المؤمنین علیه السلام: چه نام داری أی کنیزک, یعنی: ما اسمک یا صبیة؟ قالت جهان شاه، فقال بل شهر بانویه، قالت: تلک أختی قال: راست گفتی, أی صدقت ثم التفت إلی الحسین فقال: احتفظ بها وأحسن إلیها، فستلد لک خیر أهل الأرض فی زمانه بعدک، وهی أم الأوصیاء الذریة الطیبة، فولدت علی بن الحسین زین العابدین علیهماالسلام(1).

سؤال وجواب

ربما یقال إنّ الإسلام نهی عن تزویج الأمة مع أنّنا نلاحظ أنّ أغلب امَّهات الأئمة المعصومین من الإماء؟ کما سیأتی أنّ ستة أئمة إضافة إلی أم الإمام

ص:333


1- (1) راجع: الکافی, الکلینی, ج 1 ص 467.

السجاد علیه السلام امَّهاتهم إماء, نعم إنّ الزواج بالإماء إنما یجوز لمن یعانی من ضغط شدید بسبب شدة غلبة الغریزة الجنسیة علیه ولم یکن قادراً علی التزوج بالحرائر من النساء، وعلی هذا الأساس لا یجوز الزواج بالإماء لغیر هذه الطائفة.

فیمکن أن تکون فلسفة هذا الحکم فی أن الإماء خاصة فی تلک العهود لم یحظن بتربیة جیدة، ولهذا کنّ یعانین من نواقص خلقیة ونفسیة وعاطفیة، ومن الطبیعی أن یتخذ الأطفال المتولدون من هذا الزواج صفة الاُمَّهات ویکتسبوا خصوصیاتهن الخلقیة، ولهذا السبب طرح الإسلام طریقة دقیقة لتحریر العبید تدریجاً حتی لا یبتلوا بهذا المصیر السیئ، وفی نفس الوقت فسح للأرقاء أنفسهم أن یتزوجوا فیما بینهم.

والجواب

هذا الموضوع لا یتنافی مع وضع بعض الإماء اللائی حظین بوضع استثنائی وخاص من الناحیة الخلقیة والتربویة وغیرهما، فالحکم المذکور أعلاه یرتبط بأغلبیة الإماء، وکون بعض امَّهات الأئمة من أهل البیت النبوی علیهم السلام من الإماء هو من هذه الجهة کما سیتضح.

وأمّا الظروف السیاسیة والاجتماعیة التی ألجئتها الی هذا الحال من الأسر والرق لا یقلل من شأنها ولا یؤثر فی ذاتها وکیانها بل تبقی بکمالها وبعدها المعنوی, وربما تکون هذه الظروف الألیمة التی واجهتها سبباً فی اعدادها وترقیها, إضافة إلی حفظها من أیدی الغاشمین.

ص:334

فلسفة أکثر امَّهات الأئمة جوارِ

اشارة

إن مما یدعو إلی الالتفات ویثیر التساؤل هو أن أکثر امَّهات الأئمة علیهم السلام جوار من غیر العرب، فأم کل من السجاد والکاظم والرضا والجواد والهادی والعسکری والحجة علیهم السلام امَّهات أولاد، وقعن فی الأسر، واقترن بهنّ الأئمة علیهم السلام, مع أنّه لا یغیب عن بالنا ما یجری فی سوق العبید والجواری، مضافاً إلی أن مسألة الإمامة لیست من المسائل العادیة، فإنّها تستوجب الحیطة والحذر فی کل ما یرتبط بولادة الإمام المعصوم علیه السلام وتربیته ونشأته، وکما أنّ الأب ینبغی أن یکون فی أعلی درجات الکمال الممکن، فکذلک الأم وعلی ذلک قامت الأدلة. وهذا البحث جدیر بالعنایة والدراسة.

والسؤال الذی یواجهنا, هو ما هو السر فی اختیار الأئمة للجواری من دون الحرائر العربیات من البیوتات الرفیعة ذات المنزلة الاجتماعیة؟

ولماذا یقترن الأئمة علیهم السلام بالجواری لیلدن لهم أفضل الأولاد والبنات؟

وللإجابة عن ذلک لابد أن نسلط الأضواء علی بعض المفاهیم العامة والرکائز الأساسیة ذات الصلة بما نحن فیه لنخرج من خلالها بما یرفع الغموض والإبهام عن هذه المسألة.

والذی یظهر من خلال دراسة بعض المفاهیم العامة والقواعد الأساسیة أن وراء اختیار الأئمة علیهم السلام الجواری أسباباً أهمها ثلاثة.

ص:335

الأول: التربیة الإلهیة لأم المعصوم

إن مما لا شک فیه أن أئمة أهل البیت علیهم السلام - کما نعتقد وعلیه قامت الأدلة - قد أوتوا العلم بحقائق الأمور والأشیاء ومعرفة مداخلها ومخارجها، ومنها العلم بأحوال الناس وخصوصیاتهم، وقد ورثوا ذلک عن رسول الله أو أطلعهم الله تعالی علیه لنفوذ بصائرهم، وصفاء نفوسهم وطهارة ذواتهم، ولما کان الأمر یتعلق بالإمامة ومنصب الولایة فلا بد من اختیار الوعاء الطاهر، والأصل الزاکی، والحجر العفیف الذی سیکون حاملاً وحاضناً لولی الله، وخلیفته علی العباد، والحجة علی الخلق، ویعد ذلک من المسلمات البدیهیة فی عقیدة الشیعة الإمامیة، وإنما وقع اختیار الأئمة علیهم السلام علی هؤلاء الجواری من دون سائر النساء لعلمهم علیهم السلام بأنهن قد جمعن شرائط الاقتران بالمعصوم وصلاحیتهن للأمومة التی ستنجب الإمام المعصوم, إذ کما یشترط أن یکون الآباء طاهرین مطهرین فکذلک الحال بالنسبة للاُمَّهات. وقد تقدم مدی تأثیر الأم علی ولدها، فإن لعامل الوراثة مدخلاً کبیراً فی التکوین الخلقی المنعکس علی الولد من قبل أبویه لاسیما الأم، لذلک نلاحظ أنّ الإمام علیه السلام قد یختار واحدة بعینها من دون سائر الجواری اللاتی عرضن للبیع، وقد تکون غیر صالحة - بحسب المعاییر المادیة - للبیع والشراء إلا أن الإمام علیه السلام لا یختار غیرها، بل تذکر المصادر کما سیأتی ذکرها أن هذه الجاریة المعینة من قبل الله قد جعلت للإمام فقد تمتنع عن الاستسلام لأی مشترٍ یتقدم لشرائها حتی یکون الذی یشتریها هو الإمام علیه السلام، مع أنها فی ظروف لا تملک

ص:336

من أمرها شیئاً، الأمر الذی یؤکد علی أن هناک تخطیطاً إلهیاً متقناً لأن تکون هذه المرأة قرینة للإمام علیه السلام وقد أعدها الله تعالی لتصبح أمّاً ووعاءًً للمعصوم. ویدل علی ذلک ما تقدم من تحرک السماء نحو إیصال أم الإمام السجاد علیه السلام للإمام الحسین علیه السلام ولم تتعدَ بالاختیار غیره.

ولو رجعت القهقری ولاحظت کیف جعل الله إسماعیل ابن إبراهیم علیهم السلام فی بطن هاجر التی هی من الجواری کما قیل قبطیة من مصر أهداها لسارة أحد ملوک مصر(1), والذی ینحدر منه عن طریق هاجر نسب النبی الأکرم صلی الله علیه و آله, فقد ذکر أنّ نبی الله إبراهیم علیه السلام بقی فترة طویلة بلا ذریة مع زوجته سارة, ثم أشار علیها أن تبیع له هاجر تلک الجاریة لتی حظیت بتربیة إلهیة وأعدت لأن تکون وعاءً للمعصوم نبی الله إسماعیل علیه السلام, وقد ذکرها القرآن وعظّمها وجعلها سبباً لإیجاد بعض السنن الإلهیة والتی منها السعی بین الصفا والمروة, وقد دفنها ابنها إسماعیل علیه السلام مقابل البیت العتیق, بإزاء الرکنین العراقی والشامی, والذی یسمی الیوم بحِجر إسماعیل علیه السلام, وقد حجّر علیها لئلا یطأ الناس قبرها, تقدیراً لها واحتراماً, ومن ثم هو دفن فیه وتبعه مجموعة من الأنبیاء علیهم السلام, کما ورد ذلک عن أبی عبد الله علیه السلام قال: إن إسماعیل دفن أمه فی الحجر وحجر علیها لئلا یوطأ قبر أم إسماعیل فی الحجر(2). وعنه أیضا قال: الحجر بیت إسماعیل وفیه قبر هاجر وقبر إسماعیل(3).

ص:337


1- (1) أنظر: موسوعة التاریخ الإسلامی, الیوسفی, ج 1 ص 85.
2- (2) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 4 ص 210.
3- (3) المصدر نفسه.

ومن بعض الطرائف التی تذکر عن زید بن علی الشهید مع هشام بن عبد الملک حینما قال له, بلغنی أنّک تذکر الخلافة وتتمناها ولست هناک وأنت ابن أمة؟. فقال له زید: إن الاُمَّهات لا یقعدن بالرجال عن الغایات، وقد کانت أم إسماعیل (هاجر) أمة لأم إسحق (سارة)، فلم یمنعه ذلک أن بعثه الله نبیاً وجعله أباً للعرب وأخرج من صلبه خیر الأنبیاء محمداً صلی الله علیه و آله، وأخرج من إسحق القردة والخنازیر وعبدة الطاغوت(1).

الثانی: محاربة الطبقیة والعرقیة

إنّ من أعظم الرکائز التی قام علیها الدین هو إلغاء الفوارق الطبقیة بین أبنائه والمنتسبین إلیه، وقد أکد القرآن الکریم فی آیاته، والرسول الکریم فی سیرته علی ذلک، وکانت النظرة إلی جمیع الناس علی أساسٍ من التساوی ونبذ الفوارق العرقیة والنسبیة، وأن المعیار فی التفاضل بین الناس هو مقدار ما یتحلی به الإنسان من الإیمان والتقوی ومکتسباته الشخصیة کما أشار إلیه سبحانه فی قوله (یا أَیُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْناکُمْ مِنْ ذَکَرٍ وَ أُنْثی وَ جَعَلْناکُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاکُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِیمٌ خَبِیرٌ)2 . لیس لأحد علی أحد فضل إلا بالتقوی ولیس للعنصر العربی فضل علی سواه، ولیس لسواه فضل علیه، ولیس ثمة ما یمیز أحدهما علی الآخر إلا مقدار قربه من الله تعالی، أو بعده عنه، ولذا رفع الإسلام من شأن سلمان الفارسی الأصل حتی غدا ینسب إلی أهل بیت

ص:338


1- (1) أنظر: تاریخ الکوفة, السید البراقی, ص 381. وأعیان الشیعة, السید محسن الأمین, ج 7 ص 115.

العصمة فقال صلی الله علیه و آله:

سلمان منا أهل البیت(1) ، ووضع الإسلام أبا لهب العربی الأصل والقرشی النسب، وهو عم النبی حتی غدا من أشد الناس عداوة لله ولرسوله، ونزل فیه قرآن یتلی, قوله تعالی:(تَبَّتْ یَدا أَبِی لَهَبٍ وَ تَبَّ * ما أَغْنی عَنْهُ مالُهُ وَ ما کَسَبَ * سَیَصْلی ناراً ذاتَ لَهَبٍ)2 .

وقد اتخذ هذا المنهج القویم صوراً وأشکالاً مختلفة، لتثبیت هذه القاعدة، حتی تکون هی المنطلق والأساس فی تقییم الأشخاص، وسعی سعیاً حثیثاً بالقول تارة، وبالفعل أخری، لبیان أن الإنسان لا یقعد به نسبه، ولا یعیقه عنصره، أو صنفه، عن تسنم أرفع الدرجات، إذا کانت علی وفق ما یرید الله ورسوله, کما فی قوله تعالی:(رَبُّهُمْ أَنِّی لا أُضِیعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْکُمْ مِنْ ذَکَرٍ أَوْ أُنْثی بَعْضُکُمْ مِنْ بَعْضٍ)3 . ولم یکن الأمر یقتصر علی القضایا الرئیسیة ذات الأهمیة القصوی، بل کانت تشمل الشؤون الجانبیة الأخری، فما کان النبی یفاضل بین أحد من المسلمین فی العطاء - مثلاً -، وکان یری أن المال مال الله والناس عباد الله، وهکذا کان أمیر المؤمنین علیه السلام الذی أتخذ هذه السیرة النبویة منهاجاً له، یقتفی خطی النبی فی تطبیقها علی المسلمین معتبراً نفسه واحداً منهم، وأنهم جمیعاً أخوة فی الدین، حتی أصبح هذا المبدأ أحد الأسس التی مهدت السبیل أمام کثیر من الناس للالتحاق بهذا الدین والسیر فی رکابه.

ص:339


1- (1) شرح أصول الکافی, صالح المازندرانی, ج 7 ص 7.

روی الکلینی بسنده عن حنان، قال: سمعت أبی یروی عن أبی جعفر علیه السلام قال: کان سلمان جالساً مع نفر من قریش فی المسجد، فأقبلوا ینتسبون، ویرفعون فی أنسابهم حتی بلغوا سلمان، فقال له عمر بن الخطاب: أخبرنی من أنت؟ ومن أبوک؟ وما أصلک؟ فقال: أنا سلمان بن عبد الله، کنت ضالاً فهدانی الله عز وجل بمحمدٍ، وکنت عائلاً فأغنانی الله بمحمدٍ، وکنت مملوکاً فأعتقنی الله بمحمدٍ، هذا نسبی، وهذا حسبی، قال: فخرج النبی وسلمان (رضی الله عنه) یکلمهم، فقال له سلمان: یا رسول الله ما لقیت من هؤلاء، جلست معهم فأخذوا ینتسبون، ویرفعون فی أنسابهم حتی إذا بلغوا إلی قال عمر بن الخطاب: من أنت؟ وما أصلک؟ وما حسبک؟ فقال النبی: فما قلت له یا سلمان؟ قال: قلت له: أنا سلمان بن عبد الله، کنت ضالاً فهدانی الله عز ذکره بمحمدٍ، وکنت عائلاً فأغنانی الله عز ذکره بمحمدٍ، وکنت مملوکاً فأعتقنی الله عز ذکره بمحمدٍ، هذا نسبی، وهذا حسبی، فقال رسول الله: یا معشر قریش إن حسب الرجل دینه، ومروءته خلقه، وأصله عقله، قال الله عز وجل:(إِنّا خَلَقْناکُمْ مِنْ ذَکَرٍ وَ أُنْثی وَ جَعَلْناکُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاکُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِیمٌ خَبِیرٌ)1 ثم قال النبی صلی الله علیه و آله لسلمان: لیس لأحد من هؤلاء علیک فضل إلا بتقوی الله عز وجل، وإن کانت التقوی لک علیهم فأنت أفضل(1).

ولو أن هذا المبدأ أخذ مجراه کما أراد الله تعالی ورسوله، وکما سعی أمیر

ص:340


1- (2) الکافی, الکلینی, ج 8 ص 181.

المؤمنین علیه السلام وأبناؤه المعصومون علیهم السلام لتطبیقه، لما احتجنا إلی حروب الفتوحات التی یعتبرها البعض إحدی إنجازات الإسلام الکبری. وما یدرینا فلعل ما یحیق بالمسلمین من خصومهم من الکید والعدوان إنما هو عمل انتقامی واقتصاص مما جری فی سالف الزمان من حروب الفتوحات إذ ترکت حقداً دفیناً تتوارثه الأجیال، حتی إذا أمکنتهم الفرصة للانتقام شنوا حروباً لا هوادة فیها علی الدین والأخلاق وبأسالیب مختلفة. وکانت هذه السیاسة طامة کبری حرفت مسار الإسلام عن طریقه المستقیم، وأصبح الذین یرون أنفسهم من سادة القوم أن الاقتران بالجواری عارٌ لا یلیق بالأشراف. ویدل علی ذلک ما ورد من معاتبة عبد الملک بن مروان للإمام زین العابدین علیه السلام، واعتراضه علیه حین تزوج بإحدی الجواری، فقد روی الکلینی بسنده عن یزید بن حاتم، قال: کان لعبد الملک بن مروان عین بالمدینة یکتب إلیه بأخبار ما یحدث فیها، وإن علی بن الحسین علیه السلام أعتق جاریة ثم تزوجها، فکتب العین إلی عبد الملک، فکتب عبد الملک إلی علی ابن الحسین علیه السلام: أما بعد، فقد بلغنی تزویجک مولاتک، وقد علمت أنّه کان فی أکفائک من قریش من تمجد به فی الصهر، وتستنجبه فی الولد، فلا لنفسک نظرت، ولا علی ولدک أبقیت، والسلام. فکتب إلیه علی بن الحسین علیه السلام أما بعد، فقد بلغنی کتابک تعنفنی بتزویجی مولاتی، وتزعم أنّه کان فی نساء قریش من أتمجد به فی الصهر، واستنجبه فی الولد، وأنه لیس فوق رسول الله مرتقی فی مجد ولا مستزاد فی کرم، وإنما کانت ملک یمینی خرجت متی أراد الله عز وجل منی بأمر التمس به ثوابه، ثم ارتجعتها علی سنته، ومن کان زکیا فی دین الله فلیس

ص:341

یخل به شیء من أمره، وقد رفع الله بالإسلام الخسیسة، وتمم به النقیصة، وأذهب به اللؤم فلا لؤم علی امرءٍ مسلم، وإنما اللؤم لؤم الجاهلیة، والسلام. فلما قرأ الکتاب رمی به إلی ابنه سلیمان، فقرأه فقال: یا أمیر المؤمنین لشد ما فخر علیک علی بن الحسین علیه السلام، فقال: یا بنی لا تقل ذلک، فإنّه ألسن بنی هاشم التی تفلق الصخر، وتغرف من بحر، إن علی بن الحسین علیه السلام یا بنی یرتفع من حیث یتضع الناس(1). وفی روایة أخری عندما أعتق الإمام السجاد علیه السلام جاریة له وتزوجها, کتب إلیه عبد الملک بن مروان یعیره بذلک, فکتب إلیه الإمام علیه السلام قد کان لکم فی رسول الله أسوة حسنة قد أعتق رسول الله صلی الله علیه و آله صفیة بنت حیی وتزوجها وأعتق زید بن حارثة وزوجه ابنة عمته زینب بنت جحش(2). وعرض بعض المحققین صوراً من هذه السیاسة الهوجاء التی اتبعها الحکام فی احتقار کل من هو غیر عربی فقال: لقد أمر الحجاج أن لا یؤم فی الکوفة إلا عربی، وقال لرجل من أهل الکوفة: لا یصلح للقضاء إلا عربی. کما طرد غیر العرب من البصرة والبلاد المجاورة لها، واجتمعوا یندبون: وا محمدا و أحمدا، ولا یعرفون أین یذهبون، ولا عجب أن تری أهل البصرة یلحقون بهم ویشترکون معهم فی نعی ما نزل بهم من حیف وظلم, بل لقد قالوا: لا یقطع الصلاة إلا حمار، أو کلب، أو مولی. وقد أراد معاویة أن یقتل شطراً من الموالی عندما رآهم کثروا، فنهاه الأحنف عن ذلک. وتزوج رجل من الموالی بنتاً من أعراب بنی سلیم، فرکب محمد بن بشیر الخارجی إلی المدینة، ووالیها یومئذٍ إبراهیم بن هشام بن

ص:342


1- (1) الکافی, الکلینی, ج 5 ص 345.
2- (2) راجع: الطبقات الکبری, محمد بن سعد, ج 5 ص 214.

إسماعیل، فشکی إلیه ذلک، فأرسل الوالی إلی المولی، ففرق بینه وبین زوجته، وضربه مائتی سوط، وحلق رأسه وحاجبه ولحیته، فقال محمد بن بشیر فی جملة أبیات له:

قضیت بسنة وحکمت عدلا ولم ترث الخلافة من بعید

ولم تفشل ثورة المختار إلا لأنه استعان فیها بغیر العرب، فتفرق العرب عنه لذلک. ویقول أبو الفرج الأصفهانی: کان العرب إلی أن جاءت الدولة العباسیة إذا جاء العربی من السوق ومعه شیء ورأی مولی دفعه إلیه فلا یمتنع. بل کان لا یلی الخلافة أحد من أبناء المولدین الذین ولدوا من امَّهات أعجمیات(1).

وذکر أحمد أمین فی کتابه ضحی الإسلام قوله: الحق أن الحکم الأموی لم یکن حکماً إسلامیاً یسوی فیه بین الناس، ویکافئ المحسن عربیاً کان أو مولی ویعاقب المجرم عربیاً کان أو مولی، وإنّما الحکم فیه عربی، والحکام خدمة للعرب، وکانت تسود العرب فیه النزعة الجاهلیة لا النزعة الإسلامیة(2). ولما کان أهل البیت علیهم السلام هم أئمة الدین، أرادوا إظهار فساد هذه السیاسة بإجراء عملی، وبدأوا بأنفسهم، وهم وإن لم یعطوا الفرصة لیمارسوا دورهم فی تطبیق تعالیم الدین إلا أنهم لا یتخلون عن أداء وظیفتهم مهما أمکن، لذلک اختاروا امَّهات الأولاد الجواری - مع ملاحظة سائر الشرائط - لیثبتوا أن لا فرق بین أحد من الناس، وأن ما وضع من الامتیازات لبعض دون بعض لم تکن بحسب المقاییس

ص:343


1- (1) راجع: حیاة الإمام الرضا علیه السلام السید جعفر المرتضی, ص 27.
2- (2) ضحی الإسلام, ج 1 ص 187.

الإلهیة، وإذا کانت الظروف قد قهرت بعض أولئک النسوة فأصبحن یبعن فی أسواق الرقیق فلا یعنی ذلک أنهن خالیات من الشرف والفضیلة، بل قد یکون العکس صحیحاً، فرب جاریة أحاطتها العنایة الإلهیة لتکون قرینة للعصمة وأمّاً للمعصوم، وهذا ما حدث بالنسبة إلی امَّهات بعض الأئمة علیهم السلام. ولا یقاس بعد ذلک فضل هذه الجواری والإماء اللاتی أصبحن أوعیة لحمل الإمامة بأی امرأة أخری ممن لم تحظ بهذا الشرف العظیم, وإن کانت من أرقی البیوتات العربیة بحسب الظاهر.

الثالث: الإسلام لکل الناس
اشارة

إن مما لا شک فیه أنّ رسالة النبی المصطفی صلی الله علیه و آله هی الخاتمة الناسخة لجمیع الرسالات السابقة وهی الشاملة لکافة البشر، فلا دین بعد دین الإسلام،(إِنَّ الدِّینَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ)1 ولا نبی بعد النبی محمد صلی الله علیه و آله، وإلی أن یرث الله الأرض ومن علیها, وذلک من البدیهیات المسلمة التی لا مجال للنزاع فیها، وأیدت ذلک الأدلة والبراهین.

وقد اقتضت الحکمة الإلهیة أن یبقی هذا الدین محفوظاً وإن رحل النبی إلی الرفیق الأعلی، وقد أوکلت مهمة حفظ الدین إلی ذریة النبی صلی الله علیه و آله وعترته، وهم وراث علمه ومقامه الأئمة الإثنا عشر أولهم أمیر المؤمنین علیه السلام، وآخرهم الحجة بن الحسن العسکری علیه السلام، وعلی ذلک قامت الأدلة والبراهین أیضا.

ص:344

ونتیجة ذلک أنه کما أن نبوة النبی عامة شاملة، فکذلک إمامة الأئمة علیهم السلام عامة وشاملة، ومعنی ذلک أن إمامة الأئمة علیهم السلام لیست مقتصرة علی مجتمع معین أو عنصر معین، أو فئة من الناس معینة، فکما أن النبی بعث للأبیض والأسود علی السواء، فکذلک إمامة الأئمة علیهم السلام لکافة الناس.

ومن هنا یتضح لنا وجه آخر فی اقتران بعض الأئمة بنساء غیر عربیات, بل من قومیات أخری کالفارسیة أو الرومیة أو غیرهما، کما أوردت الروایات الدالة علی ذلک. فإن أم الإمام السجاد علیه السلام کانت من أصل فارسی، وکانت أم الإمام الکاظم علیه السلام من أشراف الأعاجم، وکانت أم الإمام الرضا علیه السلام من أهل المغرب، وکانت أم الإمام الجواد علیه السلام من أهل النوبة من قبیلة ماریة القبطیة أم إبراهیم ابن رسول الله، وکانت أفضل نساء زمانها، وأشار إلیها رسول الله بقوله: بأبی ابن خیر الإماء النوبیة الطیبة، وکانت أم الإمام الهادی علیه السلام مغربیة، ولم یکن لها مثیل فی الزهد والتقوی، وکانت أم الإمام الحسن العسکری فی بلدها من الأشراف فی مصاف الملوک، وکانت أم الإمام الحجة بنت قیصر ملک الروم، وأمها من ولد الحواریین، وتنسب إلی وصی المسیح شمعون کما سیأتی کل ذلک مفصلا فی محله.

والذی نود أن نشیر إلیه فی هذا الوجه أن الإمامة لما کانت عامة وأن الإمام إمام لکل الناس علی شتی اختلاف أعراقهم وأصولهم انحدر بعض الأئمة من جهة امَّهاتهم من أصول غیر عربیة لیکون ذلک علامة بارزة علی عالمیة إمامتهم، وشمولها لجمیع أهل الأرض، وأن لکل من السلالات البشریة طرفاً یوصلها بهذا

ص:345

الدین الإلهی العظیم، وتلک حکمة بالغة ولطف عام لکل البشر، وأما العروبة فلیس لها خصوصیة فی حد ذاتها من حیث هی وإنما المدار فی الأول والأخیر التقوی.

احتمال یفرض نفسه

ولعل هناک سرّاً آخر ینطوی تحت هذا الوجه قد تکشف عنه الأیام, نورده کاحتمال لیس إلا، إذ لا نملک دلیلاً قاطعاً علیه، وإن کان فی نفسه غیر بعید.

وحاصله: أنّ الإمام المهدی الموعود به علی لسان النبی صلی الله علیه و آله، ونطق بذلک القرآن الکریم، وأکدت علیه الروایات المتواترة عن أهل البیت علیهم السلام سیکون له الشأن العظیم فی إعلاء کلمة الله تعالی، وسیملأ الأرض قسطاً وعدلاً کما ملئت ظلماً وجوراً، وسیقوم بأداء مهمته فی أغلب أحواله بشکل طبیعی، وإن کان یأتی بالمعجزة والکرامة تأییداً من الله تعالی، ولا شک أن تلک مهمة شاقة کما شرحتها الروایات والآیات.

وإذا کانت أم الإمام المهدی علیه السلام تنحدر من سلالة أحد أوصیاء عیسی ابن مریم علیهماالسلام فما یدرینا: لعل فی ذلک تمهیداً وتسهیلاً لإنجاز مهمة الإمام علیه السلام فی خضوع النصاری والکفار وتسلیمهم له نظراً إلی أن أجداده لأمه منهم، فیحرک فی نفوسهم الجانب العاطفی للرحم القائمة بینه وبینهم، الأمر الذی یختصر علیه کثیراً من الأمور وینجزها فی سهولة ویسر. علی أن ذلک أحد أسباب اللطف العام بأولئک النصاری حیث یکونون علی مقربة من الهدایة والنجاة.

ص:346

أنا ابن الخیرتین

اشارة

یکشف الإمام السجاد علیه السلام عن أصالة نسبه من الطرفین کما روی عنه علیه السلام أنّه کان یقول أنا ابن الخیرتین, یعنی جده محمداً صلی الله علیه و آله وعلیاً علیه السلام وکسری, فهو ابن خیرة العرب والعجم(1). ولم یقل ذلک للبذخ والفخر ولکن بیاناً للواقع, وکأنه نظر إلی قول جده رسول الله صلی الله علیه و آله کما جاء فی المناقب وغیره:

إنّ لله من عباده خیرتین فخیرته من العرب قریش، ومن العجم فارس(2). ولقد أحسن أبو الأسود الدؤلی بقوله:

وإنّ ولیداً بین کسری وهاشم لأکرم من نیطت علیه التمائم

وروی أن أمیر المؤمنین علیه السلام قال للحسین علیه السلام: یا أبا عبد الله لتلدن لک منها خیر أهل الأرض، فولدت علی بن الحسین علیه السلام وکان یقال لعلی بن الحسین علیه السلام: ابن الخیرتین، فخیرة الله من العرب هاشم، ومن العجم فارس(3).

ولو لم تکن أمه علیه السلام بهذا المستوی من الفخر والسمو لکانت مندوحة لیزید ابن معاویة فی توهین وذم الإمام السجاد علیه السلام لاسیما فی المساجلات التی دارت بینهم فی الشام, وعادة الأعداء یتربصون الثغرات کیف ما کانت للنیل من الطرف الآخر, وقد لاحظنا کیف کان توهین هشام بن عبد الملک لزید بن علی علیه السلام, حیث قال له إنّک ابن أمة کیف تروم الی الخلافة, فلم یذکر لنا التاریخ أن عُیّر الإمام

ص:347


1- (1) راجع: المصدر نفسه.
2- (2) مناقب آل أبی طالب, ابن شهر آشوب, ج 3 ص 305.
3- (3) راجع: الکافی, الکلینی, ج 1 ص 467.

السجاد علیه السلام بسبب أمّه لا من یزید ولا من غیره فهذا یعبر بلا ریب من أنّ أمه علیه السلام من النساء العارفات الفاضلات ذات المکانة العالیة فی جمیع الأصعدة, وقد کشف عن ذلک المعصوم الذی ینطق عن واقعٍ لا یشوبه أدنی شک بقوله أنا ابن الخیرتین.

من کلام المغرضین

ذکروا أن من أسباب دخول الفرس للتشیع إصهار الحسین علیه السلام إلی الفرس؛ لأنّه تزوج ابنة یزدجرد وهو أحد الملوک الساسانیین واسمها شاه زنان فولدت له علی بن الحسین الذی اجتمعت فیه الخواص الوراثیة للأکاسرة وخواص الإمامة من آبائه کما یقول صاحب تاریخ الإسلام: إن زواج الحسین بن علی بشهر بانواه إحدی بنات یزدجرد آخر ملوک الأسرة الساسانیة، وان الفرس کانوا یرون فی أولاد الحسین وارثین لملوکهم الأقدمین، وهذا الشعور الوطنی یفسّر تعلق الفرس بعلی من جهة وظهور المذهب الشیعی من جهة أخری(1).

وفی ذلک تقول سمیرة اللیثی معقبة علی رأی أرنولد توینبی فی انتشار الإسلام بین الفرس, الذی أدی إلی انتشار الإسلام هو زواج الحسین من شاه بانو إحدی بنات یزدرجرد وقد رأی الفرس فی أولاد شاه بانو والحسین وارثین لملوکهم الأقدمین(2).

فزواج الحسین علی رأی هؤلاء أحد العوامل التی أدت إلی انتشار التشیع لأهل البیت علیهم السلام عند الفرس.

ص:348


1- (1) تاریخ الإسلام, لحسن إبراهیم, ج 1 ص 222.
2- (2) الزندقة والشعوبیة, ص 56.
والجواب علیه

إنّ من القواعد المسلم بها أنّ حکم الأمثال فیما یجوز أو لا یجوز واحد، وبناء علی هذا فإنّ العلة التی ذکرها هؤلاء فی اعتناق التشیع من قبل الفرس وهی إصهار الحسین علیه السلام للفرس موجودة عند عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعند محمد بن أبی بکر، فقد تقدم أنّ الصحابة لما جاؤوا بسبی فارس فی خلافة الخلیفة الثانی کان فیهم ثلاث بنات لیزدجرد فأخذهن علی, فدفع واحدة لعبد الله بن عمر, وأخری لولده الحسین, وأخری لمحمد بن أبی بکر، فأولد عبد الله بن عمر ولده سالماً، وأولد الحسین زین العابدین, وأولد محمد ولده القاسم, فهؤلاء أولاد خالة واُمَّهاتهم بنات یزدجرد(1).

وهنا نسأل إذا کانت العلة فی دخول الفرس للتشیع هی مصاهرة الحسین علیه السلام للفرس فلماذا لا تطرد هذه العلة فیتسنن الفرس لاصهار عبد الله بن عمر لهم ومحمد بن أبی بکر کذلک؟ مع أن العلة هنا أقوی وآکد حیث یجتمع اثنان بالاصهار ولیس واحداً کما هی فی الحسین علیه السلام, وکل من محمد وعبد الله أبناء خلیفة کما کان الحسین ابن خلیفة. بالإضافة لذلک إن کلاً من یزید بن الولید ابن عبد الملک وأمه شاه فرند بنت فیروز بن یزدجرد ومروان بن محمد آخر خلفاء بنی أمیة أمه أم ولد من کرد إیران فلماذا لا تطرد العلة هنا أیضاً وبالعکس لماذا لا یمیل العرب السنة لأهل البیت الذین امَّهاتهم عربیة فی حین نجد قسماً من العرب یبغض أهل البیت کالنواصب مثلا(2).

ص:349


1- (1) وفیات الأعیان وأنباء أبناء الزمان, ابن خلکان, ج 3 ص 267. تاریخ المذاهب الإسلامیة ج 1 ص 40.
2- (2) انظر: هویة التشیع, الشیخ أحمد الوائلی, ص 76.

مأساتها فی کربلاء

ذکر بعض المؤرخین أنّ السیدة شهر بانویه کانت حاضرة فی معرکة کربلاء مع زوجها الحسین علیه السلام وأهل بیته, فقد ورد فی کلام طویل عن حال خروج الحسین علیه السلام وأهل بیته إلی کربلاء, إلی قوله... ثم خرج شاب آخر وهو یقول: تنحوا عنی یا بنی هاشم, تنحوا عن حرم أبی عبد الله علیه السلام، فتنحی عنه بنو هاشم، وإذا قد خرجت امرأة من الدار وعلیها آثار الملوک، وهی تمشی علی سکینة ووقار، وقد حفت بها إماؤها، فسألت عنها؟ فقیل لی: أما الشاب فهو زین العابدین ابن الإمام الحسین علیهماالسلام، وأما ألامرأة فهی أمه شاه زنان بنت الملک کسری, زوجة الإمام الحسین علیه السلام، فأتی بها وأرکبها علی المحمل، ثم ارکبوا بقیة الحرم والأطفال علی المحامل(1).

وأیضا التقطت لنا عدسة التأریخ ذکرها فی کربلاء فی حال براز بنی هاشم الی القتال حیث قال: وخرج غلام من خباء من أخبیة الحسین علیه السلام وفی اذنیه درتان فاخذ بعود من عیدانه وهو مذعور فجعل یلتفت یمیناً وشمالاً وقرطاه یتذبذبان فحمل علیه هانی بن ثبیت الحضرمی فضربه بالسیف فقتله, فصارت أمّه شهر بانویه تنظر إلیه ولا تتکلم کالمدهوشة(2).

کما وجاء فی المناقب عن ابن آشوب قال: ثم تقدم علی بن الحسین

ص:350


1- (1) أنظر: موسوعة کلمات الإمام الحسین علیه السلام, لجنة الحدیث فی معهد باقر العلوم علیه السلام ص 362.
2- (2) أنظر: لواعج الأشجان, السید محسن الأمین, ص 181.

الأکبر علیه السلام وهو ابن ثمان عشرة سنة، ویقال ابن خمس وعشرین، وکان یشبه رسول صلی الله علیه و آله خَلقاً وخُلقاً ونطقاً وجعل یرتجز... الی أن قال: فطعنه مرة بن منقذ العبدی علی ظهره غدراً فضربوه بالسیف، فقال الحسین: علی الدنیا بعدک العفا، وضمه إلی صدره وأتی به إلی باب الفسطاط، فصارت أمه شهر بانویه وهی تنظر إلیه ولا تتکلم، فبقی الحسین وحیداً وفی حجره علی الأصغر فرمی إلیه بسهم فأصاب حلقه، فجعل الحسین یأخذ الدم من نحره فیرمیه إلی السماء فما یرجع منه شیء... الخ(1).

ومن هنا نلاحظ أنّ بعض المحققین المعاصرین اتخذ من هذا النص التاریخی شاهداً علی جهاد الإمام السجاد علیه السلام فی کربلاء بین یدی والده علیه السلام, حیث قال: من المعلوم أنّ أم علی الشهید هی لیلی العامریة أو برة بنت عروة الثقفی (کما یراه ابن شهر آشوب) والمعروف أن (شهر بانویه) هی أم علی بن الحسین علیه السلام، فلابد أن یکون قد سقط من عبارة مناقب شهرآشوب ذکر مبارزة علی بن الحسین السجاد علیه السلام، وبهذا یکون شاهداً علی ما نحن بصدده.

(قال) ومن المحتمل أن تکون العبارة مقدمة علی موضعها فی مقتل علی الأصغر الذی ذکره ابن شهرآشوب بعد هذا النص المنقول، لأن ابن شهرآشوب ذکر أن أُم علی السجاد هی أم علی الأصغر شهربانو رضی الله عنها(2).

فعلی هذا أنّ السیدة شهر بانویه شاهدت المآسی والآلام سواء فی أحداث

ص:351


1- (1) أنظر: مناقب آل أبی طالب, ابن شهر آشوب, ج 3 ص 257.
2- (2) أنظر: جهاد الإمام السجاد ع, السید محمد رضا الجلالی, ص 43.

الطف من استشهاد زوجها الحسین علیه السلام وأهل بیته وأصحابه وما جری علیها من ترویع وعطش وما إلیه, أم فی حال سبیها مع ابنها السجاد علیه السلام من بلد الی بلد وإدخالها فی مجلس الی مجلس ولا تُعرف عاقبة مصیرهم, مع رؤیتها ابنها فی حالٍ یرثی له وهو یُؤمر بقتله بین حین وآخر, وهذا مما لا یقل مأساة عن أحداث الطف وما جری فیه.

زمان وفاتها

لم نلحظ اهتماماً فی تتبع سیرتها ومزایاها من قبل المؤرخین وأصحاب السیر إلا من القلائل لاسیما من بعض المحدثین, لذلک حصل اختلاف وخلط فی تحدید زمان وفاتها علیهاالسلام, فمنهم ذکروا أنّها علیهاالسلام توفیت قبل واقعة الطف, بل فی حال نفاسها بالإمام السجاد علیه السلام, کما جاء فی العیون عن سهل بن القاسم النوشجانی، قال: قال لی الرضا علیه السلام بخراسان: إنّ بیننا وبینکم نسباً، قلت: وما هو أیها الأمیر؟ قال: إن عبد الله بن عامر بن کریز لما افتتح خراسان أصاب ابنتین لیزدجر بن شهریار ملک الأعاجم فبعث بهما إلی عثمان بن عفان فوهب إحدیهما للحسن علیه السلام والأخری للحسین علیه السلام فماتتا عندهما نفساوین وکانت صاحبة الحسین علیه السلام نفست بعلی بن الحسین علیهماالسلام فکفل علیٌّ علیه السلام بعض امَّهات ولد أبیه فنشأ وهو لا یعرف أُمّاً غیرها, ثم علم أنّها مولاته فکان الناس یسمونها أمه وزعموا أنّه زوج أمه ومعاذ الله إنما زوج هذه علی ما ذکرناه وکان سبب ذلک أنه واقع بعض نسائه ثم خرج یغتسل فلقیته أمه هذه فقال: لها إن کان فی نفسک من هذا الأمر شیء فاتقی وأعلمینی فقالت: نعم فزوجها فقال الناس زوج علی بن

ص:352

الحسین علیه السلام أمّه. وقال لی عون قال لی سهل بن القاسم: ما بقی طالبی عندنا إلا کتب عنی هذا الحدیث عن الرضا علیه السلام(1).

وأمّا الروایات التی تدل علی اهتمام الإمام السجاد علیه السلام فی برّ أمّه (کما سیأتی ذکرها) فالمراد من أمّه - هنا - أم ولد کانت تحضنه فکان یسمیها أمّاً، وأمّا أمّه شهر بانویه فقد توفیت فی نفاسها به کما تقدم، فکفلته بعض امَّهات ولد أبیه، فنشأ لا یعرف أمّاً غیرها، ثم علم أنّها مولاته وکان الناس یسمونها أمه.

وعلیه یکون زمان وفاة السیدة شهر بانو معلوم علی هذا القول من خلال ولادة الإمام السجاد علیه السلام, فقد ولد علیه السلام فی المدینة أو الکوفة فی الخامس من شعبان سنة ست أو سبع أو ثمان وثلاثین, فکما یکون هذا الیوم أو الأیام القریبة منه تاریخ لولادة الإمام السجاد علیه السلام فکذلک یکون تاریخ لرحیل أمّه السیدة شهر بانو.

ولکن منهم قال إنّها بقیت حیة وشهدت أحداث عاشوراء, کما جاء فی الأخبار التی تقدم ذکرها فی حضورها کربلاء, بالإضافة إلی الروایات التی کانت تبین لنا حال احترام وبرّ الإمام السجاد علیه السلام لأمّه.

منها: ما روی أنه قیل له علیه السلام: إنک أبر الناس وأوصلهم إلی الرحم فکیف لا تؤاکل أمک؟ قال: إنّی أکره أن تسبق یدی إلی ما سبقت عینها إلیه فأکون عاقا لها(2).

وفی روایة وکان ابنها شدید البر بها, کما ذکره أبو العباس الفاضل الحافظ

ص:353


1- (1) عیون أخبار الرضا علیه السلام, الشیخ الصدوق, ج 1 ص 135.
2- (2) الخصال, الشیخ الصدوق, ص 518.

یرفعه، قال: ما أکل علی بن الحسین علیه السلام مع أمّه فاکهة إلا وهی مغطاة خشیة أن تمتد یده إلی ما مدت إلیه عینها(1).

محل قبرها

لم یذکر التأریخ لنا مکان قبرها, ولکن یمکن أن نثبت ذلک من خلال ولادتها للإمام زین العابدین علی القول فی أنّها ماتت فی نفاسها به علیه السلام فإذا کانت قد ولدته فی المدینة کما هو المشهور فلا ریب من أنّ یکون قبرها بالمدینة فی البقیع, أما لو قلنا ولدته فی الکوفة وذلک لأنّه ولد فی أواخر حیاة جده أمیر المؤمنین وقد عاصره سنتین ومع أنّ الأمام کان فی الکوفة بعدما تحولت العاصمة الإسلامیة من المدینة إلی الکوفة وکان الخلیفة آنذاک وقد کان الحسن والحسین علیهما السلام معه کما هو ثابت, ولم یوجد خبر أن الحسین علیه السلام ذهب إلی المدینة أو استقر هناک, فعلیه یکون قبرها بالکوفة؛ لأنّ ولادة الإمام زین العابدین علیه السلام فی الکوفة وهی ماتت فی حال نفاسها به کما تقدم, وأمّا علی القول الثانی من أنّها ماتت بعد أحداث الطف, فأیضاً یکون أقرب الأقوال من أنّ قبرها فی المدینة؛ لأنّها بقیت مع ابنها السجاد علیه السلام وهو لم یفارق مدینة جده, بل استقر فیها إلی أن وافاه الأجل وقد دفن فیها.

ولکن هناک قول ثالث ضعیف تعارف علیه الناس إلی زماننا هذا من أنّ قبرها فی طهران عاصمة الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة ولها مزار یقصده الناس وتطلب حوائجها وهو إلی الیوم معلوم لقاطنیها, ولکن لم نعثر علی دلیل یثبت

ص:354


1- (1) المجدی فی أنساب الطالبین, علی بن محمد العلوی, ص 93.

ذلک لا من التاریخ ولا من غیره, إلا أنّ الناس یقولون هذا قبر أُمّ الإمام زین العابدین علیه السلام والله العالم, نعم قد ذکر البعض أنّ جماعة تعتقد أنّ السیدة شهربانو بقیت علی قید الحیاة إلی ما بعد أحداث کربلاء سنة (60) للهجرة ومن ثم جاءت نحو إیران وفیها توفیت ودفنت قریب من شهر ری(1).

السجاد یزوج حاضنته

کان الإمام السجاد علیه السلام یدعو خدمه کل شهر ویقول: إنی قد کبرت ولا أقدر علی النساء فمن أراد منکن التزویج زوجتها، أو البیع بعتها، أو العتق أعتقتها، فإذا قالت إحداهن: لا، قال: اللهم اشهد حتی یقول ثلاثاً، وإن سکتت واحدة منهن قال لنسائه: سلوها ما ترید، وعمل علی مرادها(2). ومن جملة هذه النسوة حاضنته التی کان الناس یسمونها أمه حتی زعموا أنّه زوج أمه, أو التی کانت ترعاه وتخدمه بشکل مباشر حتی عرفت کأمّه, هذا مع غض النظر عن صحة وثبوت هذه القصة, وکان سبب تزویج حاضنته أنّه واقع بعض نسائه ثم خرج یغتسل فلقیته أمة (حاضنته) هذه فقال: لها إن کان فی نفسک من هذا الأمر شیء فاتقی وأعلمینی فقالت: نعم فزوجها فقال الناس زوج علی بن الحسین علیه السلام أمّه حتی أن بعض ملوک بنی أمیة (عبد الملک بن مروان) أرسل إلیه یعاتبه فی ذلک، ولم تکن أمّه إنما کانت حاضنته. ولم یکن أهل المدینة یرغبون فی نکاح الجواری حتی ولد علی بن الحسین فرغبوا فیهن.

ص:355


1- (1) أنظر: مادران جهارده معصوم علیهم السلام, أحمد أمیر بور, ص 163.
2- (2) الأنوار البهیة, الشیخ عباس القمی, ص 116.

من أزواج الحسین علیه السلام

1 - لیلی (أم علی الأکبر)
اشارة

لیلی بنت عروة بن مسعود بن معتب بن مالک بن کعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقیف. یکنی بأبی مرة. فعروة بن مسعود الثقفی زعیم من زعماء العرب وسید ممن ساد قومه فأحسن السیادة, وهو رابع من أربعة من العرب سادوا قومهم, کما ورد ذلک عن النبی صلی الله علیه و آله فی قوله: «أربعة سادة فی الإسلام: بشر ابن هلال، وعدی بن حاتم، وسراقة المدلجی، وعروة بن مسعود الثقفی(1). وهو أحد الرجلین العظیمین الذی قالت قریش فیهما, حیث بالغوا به وتطرفوا إذ عظّموه تعظیماً علی حساب النبی صلی الله علیه و آله لیجعلوا منه شخصیة تضاهی النبی الأعظم کما حکی القرآن عن ذلک بقوله:(وَ قالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلی رَجُلٍ مِنَ الْقَرْیَتَیْنِ عَظِیمٍ)2 , والقریتان هما مکة والطائف.

نعم کان شخصیة مرموقة لکن أبی أن یکون انتهازیاً کغیره من المرتزقة, بل کان شجاعاً وجریئاً وقد صمم علی أن یدعو قومه للإسلام بعدما أسلم وأحسن علی ید الرسول صلی الله علیه و آله عندما اتبع أثره من الطائف وأدرکه قبل دخوله مکة فقد ذکروا: «لما انصرف رسول الله صلی الله علیه وسلم من الطائف اتبع أثره عروة بن مسعود بن معتب حتی أدرکه قبل أن یصل إلی المدینة فأسلم وسأل رسول الله صلی الله علیه وسلم أن یرجع إلی قومه بالإسلام فقال له رسول الله صلی الله علیه

ص:356


1- (1) میزان الاعتدال, الذهبی, ج 2 ص 422.

وسلم إن فعلت فإنهم قاتلوک فقال یا رسول الله أنا أحب إلیهم من أبصارهم وکان فیهم محبباً مطاعاً فخرج یدعو قومه إلی الإسلام فاظهر دینه رجاء ألا یخالفوه لمنزلته فیهم فلما أشرف علی قومه وقد دعاهم إلی دینه رموه بالنبل من کل وجه فأصابه سهم فقتله(1).

وفی لفظ آخر: أنّه رضی الله تعالی عنه قدم الطائف عشاءً فجاءته ثقیف یسلمون علیه فدعاهم إلی الإسلام نصح لهم فعصوه وأسمعوه من الأذی ما لم یکن یغشاه منهم فخرجوا من عنده حتی إذا کان السحر وطلع الفجر قام علی غرفة فی داره وتشهد فرماه رجل من ثقیف بسهم فقتله, فقیل له قبل أن یموت ما تری فی دمک فقال کرامة أکرمنی الله بها وشهادة ساقها الله إلی فلیس فیّ إلا ما فی الشهداء الذین قتلوا مع رسول الله صلی الله علیه وسلم قبل أنّ یرتحل عنکم فادفنونی معهم فدفنوه معهم(2).

وقد قال فی حقه النبی صلی الله علیه و آله: إنّ مثله فی قومه کمثل صاحب یس فی قومه(3). حیث دعی قومه إلی الله فقتلوه, فهنا ذکر النبی صلی الله علیه و آله حسن عاقبته وخاتمة مطافه إلی الحق تعالی.

کما قد شبَّهه صلی الله علیه و آله بالمسیح ابن مریم علیه السلام فی صورته حیث قال صلی الله علیه و آله: عرض علیّ الأنبیاء علیهم السلام فإذا موسی ضرب من الرجال کأنه من رجال شنوءة ورأیت عیسی ابن مریم فإذا أقرب من رأیت به شبهاً عروة بن مسعود ورأیت

ص:357


1- (1) راجع: الاستیعاب, ابن عبد البر ج 3 ص 1066.
2- (2) راجع: السیرة الحلبیة, الحلبی, ج 3 ص 241.
3- (3) راجع: السیرة النبویة, ابن کثیر, ج 4 ص 54.

إبراهیم علیه السلام فإذا أقرب من رأیت به شبهاً صاحبکم یعنی نفسه صلی الله علیه و آله(1).

وأمّا أمها: فهی میمونة بنت أبی سفیان صخر بن حرب ابن أمیة, أی أنّ أبا سفیان یُعد جداً للیلی, ولکن شوائب أمیة لم تمس من لیلی أو تؤثر فیها, فهی من سلالة الأمجاد والمکارم من آل مسعود, فقد ترک أبوها فی نفسها آثار الهدی والإیمان والاستقامة علی الدین الحنیف إلی أن أصبحت عضواً ممیزاً فی العائلة الهاشمیة.

وقد ولدت لیلی للإمام الحسین علیه السلام علیاً الأکبر أول شهید من بنی هاشم یوم عاشوراء, ولقد استمد الشهید (علی الأکبر) أمجاده من جهة الأب سادة قریش وزعماء العرب، ومن جهة الأم من مفاخر العرب ثقیف.

حضور لیلی فی کربلاء

هناک جملة من النصوص والقرائن تؤکد وجود لیلی (أم علی الأکبر) فی کربلاء, وکلامنا هنا لیس من باب الادعاء حتی یلزمنا الإتیان بالبینة, بل هذا یلزم الطرف الآخر الذی یدعی عدم وجودها فی کربلاء؛ لأن من المسلم والثابت أنّ الحسین علیه السلام وأهل بیته ونساءه (شاء الله أنّ یراهن سبایا)(2) وصحبه حلّوا فی کربلاء وجری ما جری, فمن أنکر حضورها معهم یلزمه البینة؛ لأنه أصبح مدّعیّاً وحینئذٍ تلزمه البینة, ومع الأسف إنّ الذین أدعوا عدم وجودها وحضورها فی کربلاء لم یبرهنوا لا من بعید ولا من قریب, نعم صادروا بقولهم: لم یذکر

ص:358


1- (1) راجع: الاستیعاب, ابن عبد البر, ج 3 ص 1067.
2- (2) راجع: مختصر بصائر الدرجات, الحسن بن سلیمان الحلی, ص 132. وغیره کثیر.

المؤرخون لیلی فی کربلاء, وربما تنزّل البعض وقال: ولم یذکر أحد فی السیر المعتبرة حیاة لیلی أم الأکبر یوم الطف فضلاً عن شهودها(1). ولا أدری هل هذا یعتبر دلیلاً یثبت فیه ما ذهبوا إلیه؟ وحتی لو سلمنا أنهم استقرأوا واطلعوا علی کل کتب التاریخ والسیرة والحدیث والأنساب وغیرها من الأولین والآخرین فهو لا یکون دلیلاً علی إثبات المدعی الذی ذهبوا إلیه؛ لأنّ عدم ذکر التاریخ لها لا یلزم منه بالضرورة عدم وجودها فی کربلاء, حتی لو قلنا إنّه ذکر بعض نساء الحسین علیه السلام وبناته, لأنّ إثبات الشیء لا ینفی ما عداه, حیث لم نجد ملازمة إطلاقاً, مع أنّ التاریخ لم یعط اهتماماً إلی ذکر المرأة علی مرّ التاریخ, لاسیما وأنّ نساء أهل البیت علیهم السلام یتمتعن بالعفّة والحشّمة ومهما أمکن یبتعدن عن الأنظار وغیرها, وربما یتعذر علی الحاضرین أن یمیزوا بینهن أو یعرفوا أسماءهنَّ إلا أن یستعینوا بأقرب الناس إلیهن. ومع هذا کله فقد ذکر التاریخ حضورها فی کربلاء ومشارکتها المآسی والآلام مع زوجها علیه السلام وأولادها وکانت جزءاً من الثورة الحسینیة فی المبادئ والأهداف والعواطف, ونذکر ذلک کی تقرّ به عین القارئ الکریم مراعین الاختصار والإیجاز؛ لأنّه لیس مورد بحثنا.

من الأدلة علی حضور لیلی فی کربلاء

إضافة إلی ما تقدم فقد ذکروا عندما أراد الإمام الحسین علیه السلام الرحیل إلی کربلاء أمر بحمل نسائه معه فکانت کل امرأة یرکبها ابنها أو المقرب لها المحمل

ص:359


1- (1) راجع: نفس المهموم, الشیخ عباس القمی, ص 167. وقاموس الرجال, المحقق التستری, ج 7 ص 422. والملحمة الحسینیة, العلامة الشهید مطهری, ج 1 ص 18.

ومن جملة هذه النسوة لیلی حیث أرکبها ابنها علی الأکبر, کما قال الراوی... ثم خرج غلام آخر کأنه البدر الطالع، ومعه امرأة، وقد حفت بها إماؤها، فأرکبها ذلک الغلام المحمل، فسألت عنها وعن الغلام، فقیل لی: أما الغلام فهو علی الأکبر ابن الحسین علیه السلام، والامرأة أمه لیلی زوجة الحسین علیه السلام(1).

وأیضاً جاء ذکرها فی جملة النساء اللاتی وقفن وشاهدن أبناءهنَّ فی کربلاء, حیث قال: علی بن الحسین علیهما السلام فإن أمه لیلی واقفة تدعو له فی الفسطاط علی ما روی فی بعض الأخبار، وتراه یقطع وتنظر إلیه(2).

وأیضاً ورد عن حکیم بن داود, عن سلمة, قال حدثنی أیوب بن سلیمان بن أیوب الفزاری, عن علی بن الحزوّر, قال: سمعت لیلی وهی تقول: سمعت نوح الجن علی الحسین بن علی علیه السلام وهی تقول:

یا عین جودی بالدموع فإنما یبکی الحزین بحرقة وتفجع

یا عین ألهاک الرقاد بطیبه من ذکر آل محمد وتوجع

باتت ثلاثاً بالصعید جسومهم بین الوحوش وکلهم فی مصرع(3)

ولا أقل نستفید من هذا النص, أنّها باقیة علی قید الحیاة إلی ما بعد استشهاد الإمام الحسین علیه السلام.

وهناک روایات وردت فی حال مصرع علی الأکبر والعزاء له تحتوی قرائن

ص:360


1- (1) راجع: موسوعة کلمات الإمام الحسین علیه السلام, لجنة الحدیث فی معهد باقر العلوم علیه السلام, ص 362.
2- (2) راجع: أبصار العین فی أنصار الحسین علیه السلام, الشیخ محمد السماوی, ص 224.
3- (3) کامل الزیارات, جعفر بن محمد بن قولویه, ص 192.

جلیة من أنّ المراد من المرأة التی خرجت ونادت وبکت هی أمه لیلی, نذکر واحدة منها وهی ما جاء عن حمید بن مسلم والذی هو أحد الذین حضروا المعرکة ونقلوا أخبارها ویعتبر فی اللسان المعاصر صُحفی أو مراسل أو شاهد عیان مع غض النظر عن طبیعة انتمائه, فقال حمید بن مسلم: فکأنی أنظر إلی امرأة خرجت مسرعة کأنها الشمس الطالعة تنادی بالویل والثبور، وتقول: یا حبیباه یا ثمرة فؤاداه، یا نور عیناه؟ فسألت عنها فقیل: هی زینب بنت علی علیهماالسلام وجاءت وانکبت علیه فجاء الحسین علیه السلام فأخذ بیدها فردها إلی الفسطاط وأقبل علیه السلام بفتیانه وقال: احملوا أخاکم، فحملوه من مصرعه فجاؤوا به حتی وضعوه عند الفسطاط الذی کانوا یقاتلون أمامه(1).

والملاحظ هنا أنّ التعبیر ب - (یا ثمرة فؤاده) یشیر إلی أنّها تندب ولدها ولیس ابن أخیها؛ لأنّ ثمرة الفؤاد تدل علی الولد, سواء فی لسان الأحادیث أم فی اللغة, کما ورد عن جابر، عن أبی جعفر علیه السلام قال: دخل رسول الله صلی الله علیه و آله علی خدیجة حین مات القاسم ابنها وهی تبکی فقال لها: ما یبکیک؟ فقالت: درت دریرة فبکیت، فقال: یا خدیجة أما ترضین إذا کان یوم القیامة أن تجیئی إلی باب الجنة وهو قائم فیأخذ بیدک فیدخلک الجنة وینزلک أفضلها وذلک لکل مؤمن، إنّ الله عز وجل أحکم وأکرم أن یسلب المؤمن ثمرة فؤاده ثم یعذبه بعدها أبداً(2). وغیرها من الروایات التی تفسر ثمرة الفؤاد بالولد. وقد جاء فی اللغة کما فی تاج العروس أنّ الولد ثمرة القلب. وفی الحدیث: إذا مات ولد العبد قال الله لملائکته: قبضتم

ص:361


1- (1) راجع: أبصار العین فی أنصار الحسین, الشیخ محمد السماوی, ص 224.
2- (2) راجع: الکافی, الشیخ الکلینی, ج 3 ص 218.

ثمرة فؤاده؟ فیقولون: نعم. قیل للولد: ثمرة لأن الثمرة ما ینتجه الشجر، والولد ینتجه الأب. وقال بعض المفسرین فی قوله تعالی:(وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ) أی: الأولاد والأحفاد(1). وعلیه نقول ربما اشتبه الأمر علی الراوی فی تعیین اسم المرأة لاسیما فی ساحة الوغی حیث یصعب التأکید علی الجزئیات, بالإضافة إلی ما تقدم من عدم تمییز ومعرفة نساء أهل البیت علیهم السلام, مع أنهن محجوبات عن أنظار الناس حتی فی حال معرکة الطف, فیصعب تشخیصها ومعرفتها لا من الراوی ولا من غیره, ولعل اطلاق اسم السیدة زینب فی الجواب لکونه کان هو المعروف والمتداول لدی الجمیع, فعلی هذا لیس من البعید أنّ المراد بالمرأة هنا هی أمّه لیلی. والمحصل من کل ما تقدم أنّ حضور السیدة لیلی فی کربلاء وبقائها علی قید الحیاة الی ما بعد ذلک أمر ثابت ولا غبار علیه.

2 - الرباب (أم عبد الله الرضیع)

هی الرباب بنت امرء القیس بن عدی بن أوس بن جابر بن کعب بن علیم ابن جناب بن کلب. وکان امرء القیس زوج ثلاث بناته فی المدینة من أمیر المؤمنین والحسن والحسین علیهم السلام، المحیاة بنت أمرء القیس للإمام علی علیه السلام وسلمی بنت أمرء القیس للإمام الحسن علیه السلام, والرباب بنت أمرء القیس للإمام الحسین علیه السلام, فکانت الرباب عند الحسین علیه السلام وولدت له سکینة وعبد الله الرضیع الذی کان من جملة الشهداء فی الطف. وأمها, هند الهنود بنت الربیع بن مسعود ابن مصاد بن حصن بن کعب، کانت من خیر النساء وأفضلهن.

ص:362


1- (1) راجع: تاج العروس, الزبیدی, ج 6 ص 150.

والرباب هی التی یقول فیها أبو عبد الله الحسین علیه السلام

لعمرک إننی لأحب دارا تحل لها سکینة والرباب

أحبهما وأبذل جل مالی ولیس لعاتب عندی عتاب(1)

وقال ابن عساکر هی التی أقامت علی قبر الحسین علیه السلام حولاً, ثم قالت:

إلی الحول ثم اسم السلام علیکما ومن یبک حولاً کاملاً فقد اعتذر

وسکینة اسمها آمنة أو أمیمة وإنما سکینة لقب لقبتها أمها الرباب بنت امرئ القیس, ولما توفی الحسین خطبت الرباب وألح علیها فقالت ما کنت لأتخذ حمواً بعد ابن رسول الله علیه السلام فلم تتزوج وعاشت بعده سنة لم یظلها سقف بیت حتی بلیت وماتت کمداً وکانت من أجمل النساء وأعقلهن(2).

وقال المسعودی والإصبهانی والطبری وغیرهم: إن الحسین لما آیس من نفسه ذهب إلی فسطاطه فطلب طفلاً له لیودعه، فجاءته به أخته زینب، فتناوله من یدها ووضعه فی حجره، فبینا هو ینظر إلیه إذ أتاه سهم فوقع فی نحره فذبحه قالوا: فأخذ دمه الحسین علیه السلام بکفه ورمی به إلی السماء وقال: اللهم لا یکن أهون علیک من دم فصیل، اللهم إن حبست عنا النصر من السماء فاجعل ذلک لما هو خیر لنا: وانتقم لنا من هؤلاء الظالمین، فلقد هون ما بی أنه بعینک یا أرحم الراحمین قالوا: فروی عن الباقر علیه السلام: أنه لم تقع من ذلک الدم قطرة إلی الأرض(3).

ص:363


1- (1) راجع: مقاتل الطالبیین, أبو فرج الاصفهانی, ص 59.
2- (2) راجع: تاریخ مدینة دمشق, ابن عساکر, ج 69 ص 120.
3- (3) راجع: حاشیة مقتل الحسین علیه السلام, ابو مخنف الأزدی, ص 172.

محتویات الکتاب

الإهداء 4

مقدمة اللجنة العلمیة 7

المقدمة 10

التمهید 15

آثار الأم علی الجنین 15

دور الأم 16

الصفات الوراثیة 19

الصفات الوراثیة السلبیة 24

الآثار الوراثیة لشرب الخمر 25

الأرحام الطاهرة 28

آثار الأرحام الملوثة 31

اختیار الزوجة 34

ص:364

طهارة امَّهات الأئمة 36

من آثار الحمل بالمعصوم 40

أسماء المعصومین واُمَّهاتهم فی صحیفة الزهراء علیهاالسلام 41

إهمال التاریخ لاُمَّهات الأئمة علیهم السلام 43

الفصل الأول 49

آمنة بنت وهب أم النبی الخاتم صلی الله علیه وآله وسلم 49

النسب الطاهر 51

نبذة عن أبناء کلاب 53

تقرش قریش 56

الکمالات العالیة للسیدة آمنة 57

طهارتها وإیمانها بالله 61

مکر الیهود فی إطفاء النور المحمدی 64

موقف من بسالة عبدالله 67

یمکرون ویمکر الله 68

زواج السیدة آمنة من عبد الله 70

وهب یرغب فی تزویج عبد الله 70

فاطمة زوجة عبد المطلب تصف آمنة 72

عقد القران بین عبدالله وآمنة 73

ص:365

وفاة زوجها عبد الله ورثاؤها علیه 75

آمنة وعاء نور النبی الخاتم 76

شغف النساء بنور النبی صلی الله علیه و آله 79

الروایة الأولی 80

الروایة الثانیة 80

الروایة الثالثة 81

الجمع بین الروایات 82

الصحیح 83

مشهد من إیمان عبدالله 84

عملیة اغتیال فاشلة 85

إرهاصات فی حملها وولادتها للنبی صلی الله علیه و آله 88

تاریخ ولادتها للنبی صلی الله علیه و آله 91

وفاتها ومحل قبرها 92

زیارة النبی لقبرها وإحیاؤها له 96

تحریف الحقائق 98

والصحیح 101

مرضعات النبی صلی الله علیه و آله 104

1 - حلیمة السعدیة 104

زوج حلیمة السعدیة 107

2 - ثویبة 107

طهارة آباء النبی صلی الله علیه و آله 108

ص:366

علماء السنة علی ثلاثة آراء 108

الشیعة الإمامیة 113

محاولة فاشلة 116

والجواب 116

خلاصة الأدلة علی إیمان آباء النبی صلی الله علیه و آله 117

استغفار إبراهیم علیه السلام لأبیه 120

والجواب 120

إشکال وجواب 121

الجواب 122

الفصل الثانی 127

فاطمة بنت أسد أم الإمام علی علیهما السلام 127

النسب الطاهر 129

إیمانها بالله والرسول 130

مکانتها عند الله ورسوله 132

فاطمة بنت أسد أُم النبی الثانیة 134

مشهد من کرم بنی هاشم 137

زواجها من أبی طالب 138

مشهد من إیمان أبی طالب 140

أبو طالب رمز الإیمان 143

الأول: الروایات الواردة بحقه 143

الثانی: أشعاره فی نصرة النبی وتأییده 146

ص:367

الثالث: مواقفه من الرسول ودفاعه عنه 147

الرابع: وصیة أبی طالب عند وفاته بالنبی صلی الله علیه و آله 151

الخامس: قول النبی بحقه 152

أولادها 153

إسلام طالب ابن أبی طالب 154

الأدلة علی إیمان طالب بن أبی طالب 155

أشعاره ومواقفه تجاه النبی صلی الله علیه و آله 155

الروایات الدالة علی إسلام طالب 158

استشهاد طالب بن أبی طالب 159

نبذة عن عقیل بن أبی طالب 160

عقیل ینتصر علی معاویة 161

نبذة عن جعفر بن أبی طالب 164

أبو طالب یبشر زوجته بالوصی 165

فاطمة بنت أسد وعاء نور الوصی 166

الکعبة تستقبل فاطمة بنت أسد 169

فاطمة وبعلها یسألان الله فی تسمیة علی علیه السلام 173

وفاتها ومحل دفنها 174

النبی یصلی علی فاطمة بنت أسد 176

النبی یدفن فاطمة بنت أسد 176

زیارة خاصة لفاطمة بنت أسد 179

الفصل الثالث 183

ص:368

خدیجة بنت خویلد أم السیدة فاطمة علیهما السلام 183

النسب الطاهر 185

الأسرة الکریمة 187

دور آباء خدیجة 189

ممیزات خویلد والد السیدة خدیجة علیهاالسلام 191

خویلد علی خط الأنبیاء 195

دین السیدة خدیجة قبل الإسلام 196

الصفات الکمالیة للسیدة خدیجة 197

من صفاتها السخاء 199

من صفاتها العلم 200

رؤیا نورانیة صادقة 201

من صفاتها الروایة 202

من صفاتها الشعر 203

إیمانها برسول الله قبل زواجها منه 204

زواجها من رسول الله 206

أبو طالب خاطب خدیجة للنبی صلی الله علیه و آله 208

هل تزوجت خدیجة قبل النبی صلی الله علیه و آله 209

سبب زواجها من النبی صلی الله علیه و آله 212

ص:369

عمر خدیجة حین زواجها 214

مقدار مهر السیدة خدیجة 215

من هو الذی عین مهر خدیجة 217

أولادها 219

فاطمة البنت الوحیدة للنبی صلی الله علیه و آله 220

سبب تصدی السیدة خدیجة للتجارة 226

مصادر أموال السیدة خدیجة 228

هل کان النبی أجیراً عند خدیجة 231

زیف القول 233

والجواب 234

تصید بالماء العکر 235

منزلة خدیجة عند الله 236

مکانتها عند النبی صلی الله علیه و آله 238

سبق إسلامها 240

النبی یعلّم خدیجة الوضوء والصلاة 242

خدیجة وعاء لأم الأئمة 243

نساء الجنة یحضرن خدیجة فی مخاضها 245

خدیجة مربیة لأمیر المؤمنین علیه السلام 246

خدیجة عند احتضارها 247

ص:370

من وصایا خدیجة للنبی صلی الله علیه و آله 249

اهتمامها بفاطمة علیهاالسلام 250

النبی یجهزها 251

وفاتها ومحل دفنها 252

التبرک بقبر خدیجة ومنزلها 254

استحباب زیارة قبر خدیجة الکبری 254

أزواج النبی صلی الله علیه و آله 256

الفصل الرابع 259

فاطمة بنت محمد أم الحسنین علیهم السلام 259

مولدها المبارک 261

کیفیة ولادة فاطمة علیهاالسلام 264

انعقاد نطفة فاطمة من ثمار الجنة 266

من الأدلة علی عصمة فاطمة علیهاالسلام 268

أمّا الکتاب 269

تقریب الاستدلال بالآیة 270

أما السنة 271

مکانة الزهراء علیهاالسلام 274

أکابر قریش تخطب فاطمة علیهاالسلام 276

ص:371

الله یأمر بتزویج فاطمة من علی علیهماالسلام 278

فلسفة زواج فاطمة من علی علیهماالسلام 280

مقدار مهر فاطمة 282

تاریخ زواج فاطمة علیهاالسلام 284

الملائکة تحضر زفاف فاطمة علیهاالسلام 284

فاطمة المصداق الأکمل للزوجة وللأم الصالحة 285

کذبة بیضاء 288

حرمة الزواج علی علی فی حیاة الزهراء علیهاالسلام 291

إشکال وجواب 294

والجواب 294

مصحف فاطمة علیهاالسلام 296

أسماء فاطمة علیهاالسلام 299

سبب تسمیتها بفاطمة 299

سبب تسمیتها بالزهراء 300

سبب تسمیتها بالصدیقة 302

سبب تسمیتها بالمبارکة 305

سبب تسمیتها بالطاهرة 307

تسمیتها بالراضیة 309

تسمیتها بالمرضیة 310

تسمیتها بالمحدثة 311

سؤال وجواب 313

ص:372

سبب تسمیتها بالبتول 314

دم الحیض والنفاس نقص أم کمال؟ 315

کیفیة شهادتها 318

فاطمة فی حالة الاحتضار 320

فاطمة تفارق الحیاة 322

تشییعها وإعفاء قبرها 323

الوداع الأخیر 326

تاریخ وفاتها 327

محل دفنها 328

استحباب زیارة فاطمة علیهاالسلام 329

وذکرت زیارة أخری 330

من أزواج أمیر المؤمنین 331

1 - خولة الحنفیة 331

من مآسی التاریخ 333

زواجها من أمیر المؤمنین 334

2 - أم البنین الکلابیة 336

أم البنین ترثی أولادها 337

موقف من إیمانها 338

تاریخ وفاة أم البنین علیهاالسلام 340

3 - لیلی النهشلیة 341

4 - أسماء بنت عمیس الخثعمیة 341

5 - أمامه بنت أبی العاص 343

ص:373

الفصل الخامس 345

شهربانو أم الإمام السجاد علیهما السلام 345

اسمها ونسبها 347

اکاذیب واهیة فی نسب أم السجاد علیه السلام 348

والصحیح 349

اشکال وجواب 354

مقتل والدها یزدجرد 355

ما قاله البلاذری فی مقتل یزدجرد 360

تکامل صفاتها 363

علی یغیر اسمها 364

رسول الله یخطبها للحسین علیه السلام 366

الرؤیا فی القرآن والسنة 366

الرؤیا الصادقة 370

تطبیق الرؤیا فی المقام 372

موقف من عفافها وإیمانها 373

زمان سبیها 376

علی ینظر إلی المستقبل 378

شهربانویه تختار الحسین علیه السلام زوجاً 380

شهربانو وعاء للمعصوم 381

ص:374

سؤال وجواب 383

والجواب 384

فلسفة أکثر امَّهات الأئمة جوارِ 384

الأول: التربیة الإلهیة لأم المعصوم 386

الثانی: محاربة الطبقیة والعرقیة 388

الثالث: الإسلام لکل الناس 395

احتمال یفرض نفسه 398

أنا ابن الخیرتین 399

من کلام المغرضین 400

والجواب علیه 401

مأساتها فی کربلاء 402

زمان وفاتها 405

محل قبرها 407

السجاد یزوج حاضنته 408

من أزواج الحسین علیه السلام 409

1 - لیلی (أم علی الأکبر) 409

حضور لیلی فی کربلاء 412

من الأدلة علی حضور لیلی فی کربلاء 414

2 - الرباب (أم عبد الله الرضیع) 417

محتویات الکتاب 419

ص:375

امهات الائمه المعصومین علیهم السلام: دراسه تاریخیه،تحلیلیه،علمیه المجلد 2

اشارة

سرشناسه:أمهات الأئمة المعصومین علیهم السلام: دراسة تاریخیة تحلیلیة علمیة / تألیف الدکتور السید حسین الموسوی الصافی؛ تقدیم اللجنة العلمیة السید محمد علی الحلو. الطبعة الأولی. - کربلاء: قسم الشؤون الفکریة والثقافیة فی العتبة الحسینیة المقدسة، 1436

عنوان و نام پدیدآور:امهات الائمه المعصومین / تالیف سید حسین موسوی صافی

مشخصات نشر: العتبة الحسینیة المقدسة، قسم الشؤون الفکریة و الثقافیة

محل نشر: کربلای معلی - عراق

سال نشر : 1436

مشخصات ظاهری: 2ج.

یادداشت:عربی.

موضوع:چهارده معصوم -- مادران - تاریخ

موضوع:زنان مقدس مسلمان -- سرگذشتنامه

ص :1

هویة الکتاب

رقم الإیداع فی دار الکتب والوثائق - وزارة الثقافة العراقیة لسنة 2013؛ 774

الموسوی الصافی، حسین.

أمهات الأئمة المعصومین علیهم السلام: دراسة تاریخیة تحلیلیة علمیة / تألیف الدکتور السید حسین الموسوی الصافی؛ تقدیم اللجنة العلمیة السید محمد علی الحلو. الطبعة الأولی. - کربلاء: قسم الشؤون الفکریة والثقافیة فی العتبة الحسینیة المقدسة، 1436 ق. = 2015 م.

2 ج. (قسم الشؤون الفکریة والثقافیة فی العتبة الحسینیة المقدسة؛ 153)

المصادر.

1. النساء المقدسات فی الإسلام سیرة. 2. الأربعة عشر معصوم أمهات. 3. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ ق. ه -- 11 ه -. العصمة. 4. النساء المقدسات فی الإسلام دفع مطاعن. ألف. الحلو، محمد علی، 1957 - م، مقدم. ب. العنوان. ج. السلسلة.

BP 52 . M85 2015

تمت الفهرسة فی مکتبة العتبة الحسینیة المقدسة قبل النشر

ص:2

ص:3

ص:4

المقدمة

الحمد لله ربّ العالمین والصلاة والسلام علی خیر الأنام خاتم النبیین والمرسلین وسیّد الخلق أجمعین أبی القاسم محمد وعلی الولاة من بعده الهادین المهدیین.

هناک عدّة عوامل وقفت عائقاً أمام الحدیث عن ذکر خصوصیات أمهات الأئمة علیهم السلام بشکل مفصل، أو لا أقل بما یلیق بشأنهنَّ ومقامهنَّ السامی - لاسیّما أمهات المعصومین بعد السیدة فاطمة الزهراء علیها السلام - فهن یعشنَّ فی بحر من الکرامات والمعاجز, وربما من تلک العوامل هی أن التأریخ عاش وترعرع فی أحضان أعداء أهل البیت علیهم السلام، ومن الواضح لا تسنح الظروف الراهنة آنذاک فی نشر فضائل أهل البیت علیهم السلام، سواء کان من جهة الآباء أو الأمهات, نعم هناک مواقف وکرامات فرضت نفسها علی التاریخ واختزلت فی أذهان الناس وانتشرت فی ربوع المعمورة وغالباً ما یتأتی هذا من جهة الرجال دون النساء لما تحیطها من ظروف اجتماعیة وغیرها.

کما أنّ هناک عوامل وقفت حائلاً دون ذلک, من قبیل تحجیم دور المرأة

ص:5

فی المجتمع حینذاک؛ إذ لم تحظَ بمکانة بینهم فی جمیع الأصعدة, ولا نبالغ حینما نقول عانت المرأة خلال العصور التاریخیة المختلفة ألواناً من الظلم والاضطهاد والتعسف فی جمیع مراحل التاریخ.

نعم مع ظهور الإسلام وانتشار تعالیمه السامیة، دخلت حیاة المرأة مرحلة جدیدة بعیدة کل البعد عما سبقها, ففی هذه المرحلة أصبحت المرأة مستقلة ومتمتعة بکل حقوقها الفردیة والاجتماعیة والإنسانیة, لکن بقیت هذه الرواسب الجاهلیة کامنة فی أذهان الکثیر لاسیما المتغطرسین والمتسلطین علی رقاب الناس ما یمنع من نشر فضائل النساء اللاتی خصها الله بالکرامة والتقدیر, والتی فیها مواقف مشرّفة تبیض فیها وجه الإنسانیة والتاریخ.

وکذلک من العوامل المهمة أیضاً التی حالت دون وصول تاریخ وفضائل أمهات الأئمة المعصومین علیهم السلام هی إحراق وإتلاف مکتبات وتراث الشیعة فی مرّ العصور لاسیما فی العصور القدیمة والقریبة من عصر الأئمة علیهم السلام, کحرق مکتبة الشیخ الطوسی رحمه الله والتی تعد من أکبر المکتبات فی زمانها, وما حدث علی ید التتار عند دخولهم بغداد من إحراق المکتبات وإلقاء الکتب فی نهر دجلة حتی أسود ماؤه. وما جری فی إحراق المکتبات الشیعیة فی مصر علی أیدی الأیوبیین.

وعلیه فتاریخ أمهات الأئمة المعصومین علیهم السلام قد یکون حافلاً بذکر فضائلهن التی دوّنها علماء التاریخ والسیر وغیرهم، ولکن بسبب ما تعرضت إلیه مکتبات الشیعه علی مرّ التاریخ من الإحراق والاتلاف الذی أدّی بدوره إلی تضییع هذه الفضائل؛ ولذا جاء هذا الجزء من الکتاب مکملاً لما جاء فی الجزء الأول بما

ص:6

یرتبط بسیرة أمهات المعصومین علیهم السلام، حیث قمنا ببذل قصاری جهودنا للبحث عن هذه السیرة فی متون الکتب ومطاویها، حتی تسنی لنا جمع أکبر قدر ممکن من هذه السیرة العطرة، ولا ندعی لهذه الدراسة الکمال، بل هی خطوة لسد هذا الفراغ فی عالم السیرة والتاریخ، وبادرة خیر للتحقیق حولها، سائلین المولی العلی القدیر أن یتقبل منا هذا النزر القلیل، وأن یوفقنا لما فیه الخیر والصلاح.

المؤلف

15 / شعبان / 1432 ه -.

ص:7

ص:8

الفصل السادس: فاطمة بنت الحسن أم الإمام الباقر علیهم السلام

اشارة

ص:9

ص:10

النسب الطاهر

السیدة فاطمة بنت الحسن بن علی بن أبی طالب علیهم السلام (عبد مناف) بن عبد المطلب بن هاشم، إلی آخر السلسلة الهاشمیة. وقیل اسمها زینب, ولکن المشهور هو فاطمة.

وأمّا أمها: أم إسحاق بنت طلحة بن عبید الله التیمی, وهی بعد استشهاد زوجها الإمام الحسن علیه السلام تزوجها الإمام الحسین علیه السلام بوصیة منه, حیث قال له بعد وفاتی تزوج بأم إسحاق, وهذا یدلل علی مدی مکانة هذه المرأة عند أهل البیت علیهم السلام, وقد اهتم معاویة فی تزویجها لابنه یزید قبل زواجها من الإمام الحسن علیه السلام لکن سارع أهلها فی تزویجها الحسن علیه السلام عند قدومه إلی المدینة(1), وربما هذا أحد الأسباب التی جعلت الإمام الحسن علیه السلام یوصی أخاه الحسین علیه السلام فی زواجها بعده.

وأمّا أمها (أی جدة فاطمة بنت الحسن من أمّها) فهی الجرباء بنت قسامة بن رومان من طیء, وإنما سمیت الجرباء بنت قسامة لحسنها, کانت لا تقف إلی

ص:11


1- (1) راجع: تاریخ مدینة دمشق, ابن عساکر, ج 8 ص 229.

جانبها امرأة إلا استقبح منظرها لجمالها وکان النساء یتحامین أنْ یقفن إلی جانبها فشُبهت بالناقة الجرباء التی تتوقاها الإبل مخافة أنْ تعدیها(1).

وأمّا إخوانها (أی إخوان فاطمة بنت الحسن علیه السلام) فهم خمسة عشر ولداً بین ذکر وأنثی: أمّا زید بن الحسن وأختاه أم الحسن وأم الحسین أمهم أم بشیر بنت أبی مسعود عقبة بن عمرو بن ثعلبة الخزرجیة. وأمّا الحسن بن الحسن أمه خولة بنت منظور الفزاریة. وأمّا عمرو بن الحسن وأخواه القاسم وعبد الله ابنا الحسن أمهم أم ولد. وأیضاً عبد الرحمن بن الحسن أمه أم ولد. وأمّا الحسین بن الحسن الملقب بالأثرم وأخوه طلحة بن الحسن وأختهما فاطمة بنت الحسن (أم الإمام الباقر) أمهم أم إسحاق بنت طلحة بن عبید الله التیمی. وأم عبد الله وفاطمة وأم سلمة ورقیة بنات الحسن علیه السلام لأمهات أولاد شتی(2). وقد ترکنا ذکر نسبها من جهة الأب؛ لأنّهم أجل وأعرف من التعریف.

کنیتها وألقابها

اشارة

من عادة العرب لاسیما فی العصور القدیمة کانت تستخدم الکنیة بدل الاسم, وذلک فیه نوع من التعظیم والاحترام للطرف المقابل سواء کان رجلاً أم امرأة, فکانوا یقولون للرجل ولو لم یتزوج أبو فلان وللمرأة کذلک أم فلان وعادة یکون باسم الابن الأکبر, وهذا مما أیده الشرع الحنیف وجعله من المستحبات, حیث ورد أنّه یستحب تکنیة أهل الفضل من الرجال والنساء، سواء کان له ولد،

ص:12


1- (1) راجع: مقاتل الطالبیین, أبو الفرج الأصفهانی, ص 122.
2- (2) راجع: الإرشاد, الشیخ المفید, ج 2 ص 20.

أم لا، وسواء کنی بولده، أم بغیره. ولا بأس بکنیة الصغیرة، وإذا کنی من له أولاد، فالسنة أن یکنی بأکبرهم(1). والمشهور فی کنیة السیدة فاطمة بنت الحسن علیه السلام أم عبد الله, وقیل أم الحسن وقیل أم عبده.

ومن ألقابها: الصدیقة الآمنة التقیة المحسنة, کما سیأتی بیان ذلک مع الروایات الواردة فیها.

الدلیل علی کنیتها أم عبد الله

اختلف المؤرخون فی اسم وکنیة السیدة فاطمة بنت الحسن المکناة أم عبد الله, والسبب فی ذلک هو تعدد أسماء بنات الإمام الحسن علیه السلام, حیث یتراوح عدد بناته علیه السلام إلی سبع, کما عدهم الشیخ المفید فیما تقدم, وأم الإمام الباقر علیه السلام تحتل المرتبة الرابعة, والشیخ عدها فی المرتبة الثالثة, ولا یخفی أنّ ثلاثاً من بنات الإمام الحسن علیه السلام باسم فاطمة؛ وذلک لشدة حب الحسن علیه السلام بأمه فاطمة الزهراء علیها السلام, فأخذ یکثر فی تسمیة بناته باسم أمه.

وکیف کان فإنّ الدلیل الذی یعین لنا أنها فاطمة المکناة بأم عبد لله هو ما ذکر بمصحف فاطمة علیها السلام بلسان جابر وتأیید الإمام الصادق علیهما السلام, کما تقدم ذکره کاملاً فی التمهید فقد ورد أنّه لما احتضر أبو جعفر محمد بن علی الباقر علیه السلام عند الوفاة دعا بابنه الصادق علیه السلام لیعهد إلیه عهداً، (الی أن یقول) قال جابر: فقرأت فإذا: أبو القاسم محمد بن عبد الله المصطفی أمه آمنة، أبو الحسن علی بن أبی طالب المرتضی أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، أبو محمد الحسن

ص:13


1- (1) راجع: روضة الطالبین, محیی الدین النووی, ج 2 ص 504.

ابن علی البر، أبو عبد الله الحسین بن علی التقی، أمهما فاطمة بنت محمد، أبو محمد علی بن الحسین العدل أمه شهربانو بنت یزدجرد، أبو جعفر محمد بن علی الباقر أمه أم عبد الله بنت الحسن بن علی بن أبی طالب،... الخ(1).

من خصوصیات فاطمة بنت الحسن علیهما السلام

تمتاز السیدة فاطمة بنت الحسن علیه السلام عن غیرها فی جملة من الخصوصیات بحسب الترکیبة الاجتماعیة والوراثیة, إضافة إلی أبعادها الروحیة والإیمانیة وما شهد بحقها المعصوم علیه السلام, فهی غصن من الدوحة الهاشمیة، والشجرة المحمدیة, حیث تکون حفیدة الإمام علی علیه السلام، وحفیدة فاطمة الزهراء علیها السلام, أضف إلی ذلک المجد الشامخ, أنها قرینة الإمام السجاد علیه السلام, وهی تکون بنت عمه علیه السلام (أی بنت عم زوجها الإمام زین العابدین علیه السلام), ووالدة الإمام الباقر علیه السلام، فقد جمعت المجد من أطرافه والفخر من أعلی سنامه إلی أن تصل إلی هاشم بن عبد مناف بن قصی. فهی بنت إمام معصوم أحد أصحاب أهل الکساء, وحفیدة معصومین, وبنت عم معصوم, وهو الإمام الحسین علیه السلام وقد کانت تحت رعایته بعد استشهاد أبیها الحسن علیه السلام, وایضا زوجة معصوم وأم معصوم, ومن ابنها انحدرت سلسلة العصمة المبارکة إلی الإمام الثانی عشر علیه السلام, وأیضاً لها من الخصوصیات أنها بنت شهید وحفیدة شهیدین, وبنت عم سید الشهداء فی کربلاء وزوجة شهید وأخت شهید وأم شهید, وهی أوّل من تلد علویاً من علویین، وفاطمیاً من فاطمیین، وأول من

ص:14


1- (1) راجع: عیون أخبار الرضا علیه السلام, الشیخ الصدوق, ج 2 ص 47. وبحار الأنوار, العلامة المجلسی, ج 36 ص 193.

اجتمعت بها ولادة من الحسن والحسین علیهما السلام. جدتها فاطمة الزهراء سیدة نساء العالمین, وخدیجة الکبری وفاطمة بنت أسد, إضافة إلی أمها أم إسحاق, تلک المرأة الطاهرة الجلیلة التی اعترف بفضلها وطهارتها حتی الأعداء, وکانت تقرن مع سیدات النساء, کما جاء عن بن إسحاق قال: سئل أبو جعفر لما حج عبد الله ابن الحسن عن ابنیه؟ فقال: لا علم لی بهما حتی تغالظا فأمصه (أی شتمه) أبو جعفر فقال: یا أبا جعفر بأی أمهاتی تمصنی أبفاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه و آله, أم فاطمة بنت الحسین أم خدیجة بنت خویلد امِّ إسحاق بنت طلحة؟ قال: ولا بواحدة منهن ولکن بالجرباء بنت قسامة بن رومان، فوثب المسیب بن إبراهیم فقال: یا أمیر المؤمنین دعنی اضرب عنق ابن الفاعلة. فقام زیاد بن عبد الله فألقی علیه رداءه، فقال: یا أمیر المؤمنین هبه لی فأنا استخرج لک ابنیه فخلصه منه(1).

مقامها السامی

هی العلویة الطاهرة، والصدیقة المخدرة، ذات علم وفقه وکمال وفضل وشرف، وحیاء وعفة، العابدة الزاهدة, فقد سجل التاریخ لها مناقب وکرامات کثیرة.

منها ما رواه الشیخ الکلینی فی الکافی، عن محمد بن یحیی... معنعناً إلی أن یصل إلی الإمام أبی جعفر الباقر علیه السلام، قال: کانت أمی قاعدة عند جدار فتصدع الجدار وسمعنا هدّه فقالت بلسانها وأومأت بیدها: لا وحق المصطفی ما أذن الله لک بالسقوط، فبقی معلقا فی الجو حتی جازته، فتصدق أبی عنها بمائة دینار(2).

ص:15


1- (1) مقاتل الطالبیین, أبو الفرج الأصفهانی, ص 145.
2- (2) الکافی, الکلینی, ج 1 ص 469.

وأیضا ذکر الرواة أن أم الإمام الباقر علیه السلام کانت علی مرتبة عالیة من الجلال والکمال.

یقول المحدث القمی: أمه (أی الإمام الباقر علیه السلام) الماجدة فاطمة بنت الإمام الحسن المجتبی فأصبح علیه السلام ابن الخیرتین، وعلویاً بین العلویین(1).

وذکرها الصادق علیه السلام یوما فقال: کانت صدیقة لم یدرک فی آل الحسن امرأة مثلها(2). وکانت من الرواة کما ورد عنها جملة من الروایات, کما سیأتی فی محله.

الزواج المیمون

اشارة

بعد نصف قرن تقریباً من الهجرة النبویة المبارکة, تم زواج الإمام السجاد علیه السلام من ابنة عمه فاطمة (أم عبد الله) بنت الإمام الحسن علیه السلام, وعمره آنذاک یناهز السابعة عشرة, وکان هذا الزواج فی عهد خلافة الإمام الحسین علیه السلام, بعد استشهاد الإمام الحسن علیه السلام أصبحت عائلته تحت رعایة وإشراف الإمام الحسین علیه السلام وعندها تم زواج الإمام السجاد علیه السلام من ابنة عمه, وقد عمت الفرحة فی ربوع الأسرة الهاشمیة والمحبین, وهم یعلمون أنها الوعاء الطاهر الذی أعده الله تعالی للمعصوم (أی الباقر علیه السلام), ولهذا الزواج جملة من الخصوصیات, منها: أنّ الزوج إمام معصوم ابن إمام معصوم (الإمام الحسین علیه السلام) ابن جدین معصومین, ابن سید الأوصیاء, وابن سیدة النساء, والزوجة بنت معصوم ومن جدین معصومین

ص:16


1- (1) منتهی الآمال ج 2 ص 131
2- (2) الکافی, الکلینی, ج 1 ص 469.

أیضاً. ومن الخصوصیات أنّ من هذا الزواج المیمون استمرت الإمامة من نسل الحسین علیه السلام إلی الإمام صاحب العصر والزمان عجل الله تعالی فرجه الشریف, فامتدت الإمامة من نسل الحسن والحسین علیهما السلام, لذلک عند زیارة السیدة المعصومة علیها السلام (فاطمة بنت الإمام موسی الکاظم علیه السلام) الواردة عن الإمام الرضا علیه السلام نقول:... السلام علیک یا بنت الحسن والحسین... الخ(1).

أی أنّ فاطمة المعصومة أخت الإمام الرضا علیه السلام کما هی من نسل الحسین فکذلک هی من نسل الحسن علیه السلام.

المهدی حسینی الأب حسنی الأم

من جملة المزایا التی حازت علیها السیدة فاطمة بنت الحسن علیه السلام إضافة إلی ما عندها من تاریخ حافل بالکرامات وغیرها, أنّها أصبحت حلقة وصل بین الحسنین, فکما أنّ الذریة الطاهرة تنتسب إلی الحسین علیه السلام من جهة الإمام السجاد علیه السلام فکذلک تنسب إلی الإمام الحسن علیه السلام من ناحیة السیدة فاطمة بنت الحسن علیه السلام؛ وذلک لأنّها زوجة الإمام علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب علیهم السلام، أم الإمام الباقر محمد بن علی بن الحسین علیهم السلام وهی فاطمة بنت الإمام الحسن المجتبی علیه السلام کما تقدم, وعلی هذا یکون الإمام الباقر علیه السلام حسینی الأب حسنی الأم، وذریته التی منها الإمام صاحب العصر والزمان عجل الله تعالی فرجه الشریف تکون من ذریة السبطین حقیقة, وهذا الجمع له ما یؤیده من القرآن الکریم حیث

ص:17


1- (1) انظر: صحیفة الرضا علیه السلام, جمع الشیخ جواد القیومی, ص 240. وبحار الأنوار, العلامة المجلسی, ج 99 ص 266.

قال تعالی:(وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ یَعْقُوبَ کُلاًّ هَدَیْنا وَ نُوحاً هَدَیْنا مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ ذُرِّیَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَیْمانَ وَ أَیُّوبَ وَ یُوسُفَ وَ مُوسی وَ هارُونَ وَ کَذلِکَ نَجْزِی الْمُحْسِنِینَ * وَ زَکَرِیّا وَ یَحْیی وَ عِیسی وَ إِلْیاسَ کُلٌّ مِنَ الصّالِحِینَ)1 فعیسی علیه السلام ألحق بذراری الأنبیاء من جهة مریم علیها السلام، فلا مانع إذن فی أن تلحق ذریة الإمام الباقر بالإمام الحسن السبط من جهة الأم, کما ألحق السبطان برسول صلی الله علیه و آله من جهة فاطمة الزهراء علیها السلام. وهذا یکون أحد الوجوه التی تفسر الحدیث الوارد فی السنن عن أبی إسحاق بعد فرض صحته، من أنّ الإمام المهدی عجل الله تعالی فرجه الشریف من صلب الإمام الحسن علیه السلام, حیث قال: قال علی رضی الله عنه ونظر إلی ابنه الحسن فقال: إن ابنی هذا سید کما سماه النبی صلی الله علیه وسلم وسیخرج من صلبه رجل یسمی باسم نبیکم یشبهه فی الخلق ولا یشبهه فی الخلق، ثم ذکر قصة: یملأ الأرض عدلاً(1).

أولادها

اشارة

اختلف المؤرخون فی تعیین عدد أولادها علیها السلام, منهم من قال: إنّها ولدت للإمام زین العابدین علیه السلام, الإمام محمداً الباقر علیه السلام وعبد الله الباهر(2) ، واختلف فی

ص:18


1- (2) سنن أبی داود, ابن الأشعث السجستانی, ج 2 ص 311.
2- (3) عبد الله هو المعروف بالباهر, لقب بذلک لجماله، قالوا: ما جلس مجلساً إلا بهر جماله وحسنه من حضر، وکان یلی صدقات النبی صلی الله علیه و آله وصدقات أمیر المؤمنین علیه السلام, وکان فاضلاً فقیهاً روی عن آبائه عن رسول الله أخباراً کثیرة وحدت الناس، وحملوا عنه الآثار, توفی وهو ابن سبع وخمسین سنة، لاحظ عمدة الطالب ص 252.

أنّ الحسین هی أمّه أم ولد رومیة، والصحیح أنّها أمّه وهی فاطمة بنت الإمام الحسن علیه السلام، وکان الحسین عالماً فاضلاً أشبه ولد أبیه به، وإنما اشتهر بالأصغر لأنه کان له أخ آخر أکبر منه، اسمه الحسین، توفی فی حیاة أبیه(1).

وقیل: عمر بن علی السجاد علیه السلام من أولادها. ولذلک یقال لعمر بن علی بن أبی طالب الأطرف وتلقب ذریة الأخیر العمری: نسبة إلی جده عمر الأطرف، واشتهر بالأطرف حتی یتمیز من عمر الأشرف ابن الإمام السجاد علیه السلام؛ لأن الأشرف انتسب إلی علی علیه السلام من طرف الأب والأم، إذ أبوه الإمام زین العابدین علیه السلام, وأمه فاطمة بنت الإمام الحسن المجتبی، بخلاف عمر الأطرف الذی حاز الشرف من طرف واحد، فانه منتسب إلی علی علیه السلام من طرف الأب فقط, وأما أمّه هی الصهباء التغلبیة(2). وقد نص علی کونها (فاطمة بنت الحسن) أمّه (عمر بن علی السجاد) الشیخ أبو نصر البخاری فی کتابه سر السلسلة العلویة(3).

وبعضهم قال إنّها أنجبت له من الذکورة السادة: زید والحسن والحسین الأصغر وعبد الرحمن وسلیمان وعلی ومحمد الباقر علیه السلام وعبد الله الباهر، ومن الإناث السیدات: خدیجة وفاطمة وعلیة وأم کلثوم(4).

وعن ابن شهر آشوب قال: أبناؤه اثنا عشر من أمهات الأولاد إلا اثنین محمد الباقر، وعبد الله الباهر أمهما أم عبد الله بنت الحسن بن علی علیهم السلام، وأبو

ص:19


1- (1) راجع: شرح إحقاق الحق, السید المرعشی, ج 1 ص 107.
2- (2) المجدی فی أنساب الطالبین, علی بن محمد العلوی, ص 8.
3- (3) سر السلسلة العلویة, ص 96.
4- (4) شرح إحقاق الحق, السید المرعشی, ج 28 - ص 200.

الحسین زید الشهید بالکوفة وعمر توأم، والحسین الأصغر، وعبد الرحمن وسلیمان توأم، والحسن والحسین وعبید الله توأم، ومحمد الأصغر فرد، وعلی وهو أصغر ولده، وخدیجة فرد، ویقال: لم تکن له بنت، ویقال: ولدت له فاطمة، وعلیة، وأم کلثوم(1).

النبی یبعث سلاماً لابنها الباقر علیه السلام

طالما کان النبی صلی الله علیه و آله یوصی بإتباع ومودة أهل البیت علیهم السلام, وکان یعرفهم بصفاتهم وذواتهم إلی الإمام الثانی عشر عجل الله فرجه الشریف وذلک لأنهم ترجمان القرآن وعدله وبهم یستقیم الأمر وتستمر الرسالة والهدی الإلهی, وکان صلی الله علیه و آله یعلم أنّ أحد أصحابه الموالین وهو جابر بن عبد الله الأنصاری یُعمّر ویدرک ولده الباقر علیه السلام فقد ضمنه رسالة سلام معطرة من نور الوحی والنبوة, حیث ورد عن أبان بن تغلب عن أبی عبد الله علیه السلام قال: إن جابر بن عبد الله الأنصاری کان آخر من بقی من أصحاب رسول الله وکان رجلاً منقطعاً إلینا أهل البیت وکان یقعد فی مسجد رسول الله صلی الله علیه و آله وهو معتجر (متعمم) بعمامة سوداء وکان ینادی یا باقر العلم، یا باقر العلم، فکان أهل المدینة یقولون: جابر یهجر، فکان یقول: لا والله ما أهجر ولکنی سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله یقول: إنک ستدرک رجلاً منی اسمه اسمی وشمائله شمائلی، یبقر العلم بقراً، فذاک الذی دعانی إلی ما أقول، قال: فبینا جابر یتردد ذات یوم فی بعض طرق المدینة إذ مرّ بطریق فی ذاک الطریق کان فیه محمد بن علی فلما نظر إلیه قال: یا غلام أقبل فأقبل ثم قال له: أدبر

ص:20


1- (1) انظر: مناقب آل أبی طالب, ج 3 ص 311.

فأدبر ثم قال: شمائل رسول الله صلی الله علیه و آله والذی نفسی بیده، یا غلام ما اسمک؟ قال: اسمی محمد بن علی بن الحسین، فأقبل علیه یقبل رأسه ویقول: بأبی أنت وأمی أبوک رسول الله صلی الله علیه و آله یقرئک السلام ویقول ذلک، قال: فرجع محمد بن علی بن الحسین إلی أبیه وهو ذعر فأخبره الخبر، فقال له: یا بنی وقد فعلها جابر، قال نعم قال: الزم بیتک یا بنی, فکان جابر یأتیه طرفی النهار وکان أهل المدینة یقولون: وا عجباه لجابر یأتی هذا الغلام طرفی النهار وهو آخر من بقی من أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله(1).

زید الشهید فی لسان المعصوم

زید بن علی بن الحسین علیهم السلام هو أحد أباة الضیم، ومن مقدمی علماء أهل البیت، قد اکتنفته الفضائل من شتی جوانبه، موصول بشرف نبوی، ومجد علوی، وسؤدد فاطمی، وروح حسینی. والشیعة علی بکرة أبیها لا تقول فیه إلا بالقداسة، وقد دعا إلی الرضا من آل محمد، کما تشهد لذلک أحادیث أسندت إلی النبی صلی الله علیه و آله والأئمة الأطهار علیهم السلام إضافة إلی نصوص العلماء، ومدائح الشعراء وتأبینهم له، فمنها قول رسول الله صلی الله علیه و آله للحسین السبط: یخرج من صلبک رجل یقال له: زید یتخطی هو وأصحابه رقاب الناس یدخلون الجنة بغیر حساب(2). وأیضا قوله صلی الله علیه و آله: إنّه یخرج ویقتل بالکوفة ویصلب بالکناسة،

ص:21


1- (1) انظر: الکافی, الشیخ الکلینی, ج 1 ص 469.
2- (2) مقاتل الطالبیین, أبو الفرج الأصفهانی, ص 88.

یخرج من قبره نبشاً، وتفتح لروحه أبواب السماء، وتبتهج به أهل السماوات والأرض(1). وقول أمیر المؤمنین علیه السلام وقد وقف بالکوفة علی الموضع الذی صلب فیه زید فبکی حتی اخضلت لحیته وبکی أصحابه فقالوا له: یا أمیر المؤمنین مم بکاؤک؟ قال: إنّ رجلاً من ولدی یصلب فی هذا الموضع، من رضی أن ینظر إلی عورته أکبه الله علی وجهه فی النار(2). وقول الإمام الباقر علیه السلام: اللهم اشدد أزری بزید. ودخل علیه زید فلما رآه علیه السلام تلا قوله تعالی:(یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا کُونُوا قَوّامِینَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلّهِ). ثم قال: أنت والله یا زید من أهل ذلک(3). وقول الصادق علیه السلام: إنّه کان مؤمنا، وکان عارفا، وکان عالما، وکان صدوقا، أما إنه لو ظفر لوفی، أما إنه لو ملک لعرف کیف یصنعها(4). وقول الرضا علیهم السلام، إنّه کان من علماء آل محمد غضب لله فجاهد أعداءه حتی قتل(5). وغیرها من الأحادیث الکثیرة فی هذا المجال.

الفرق بین العلوی والفاطمی

العلویون: هم المنسوبون إلی أمیر المؤمنین من غیر طرف الحسنین یقال لهم العلویون، وهم عدة کثیرة فی بلاد الهند، وفی أردکان من بلاد فارس, وبخارا

ص:22


1- (1) انظر: عیون أخبار الرضا, الصدوق, ج 2 ص 227.
2- (2) الملاحم والفتن, ابن طاووس, ص 244.
3- (3) الغدیر, الأمینی, ج 2 ص 70.
4- (4) مستدرک الوسائل, المیرزا النوری, ج 10 ص 391.
5- (5) عیون أخبار الرضا, الصدوق, ج 2 ص 225.

وبلاد الأفغان وملتان والسند وغیرها(1). أمّا الفاطمی: هو الذی ینتسب إلی علی وفاطمة عن طریق الحسنین. فالذی ینتسب إلی فاطمة علیها السلام بالولادة فاطمی، والعلوی هو الذی ینتسب إلی علی علیه السلام. ومن الواضح أن کل فاطمی علوی ولیس کل علوی فاطمی.

والفاطمیون ینتسبون إلی جدهم الملقب بالمهدی، أول خلفائهم ببلاد المغرب، وهو عبید الله بن محمد بن جعفر بن محمد بن إسماعیل بن الإمام جعفر الصادق علیه السلام. وهم من فرقة الإسماعیلیة، إحدی فرق الشیعة. والإسماعیلیة یوافقون الإمامیة الاثنی عشریة فی سوق الإمامة من أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب إلی الإمام جعفر الصادق، ثم یعدلون بها عن الإمام موسی الکاظم إلی أخیه إسماعیل، ثم إلی ابنه محمد، ثم إلی ابنه جعفر، ثم إلی ابنه محمد الملقب بالحبیب، ثم إلی عبید الله الملقب بالمهدی أول خلفاء الفاطمیین، ثم إلی ابنه العزیز، ثم ابنه الظاهر، إلی ابنه المستنصر بالله أبی تمیم خامس خلفائهم بمصر، وهنا یفترق الإسماعیلیة إلی فرقتین: إحداهما تقول: إن الإمامة انتقلت من المستنصر إلی ابنه المستعلی، وأخری تقول: إنها انتقلت إلی ابنه نزار(2).

وذکرهم الشهید الأول بقوله: کان الفاطمیون شیعةً إسماعیلیةً، سعوا کثیراً لنشر التشیع فی مصر وأفریقیا والأقطار الأخری التی کانت تحت یدهم. وربما جاز لنا أن نقول: إنّ ظهور الفاطمیین واستیلاءهم علی الحکم وحرصهم علی نشر

ص:23


1- (1) المجدی فی أنساب الطالبیین, علی بن محمد العلوی, ص 9.
2- (2) انظر: الشیعة فی المیزان, محمد جواد مغنیة, ص 149.

التشیع ومعارضة المذاهب الأخری کان رد فعل طبیعی للعنف والضغط الذی کانت الشیعة تنوء به أیام الحکم العباسی(1). وقد نُقل عن المقریزی قال: إنّه لما کان الخلفاء الفاطمیون بمصر کانت تتعطل الأسواق فی ذلک الیوم (عاشوراء) ویعمل فیه السماط العظیم المسمی سماط الحزن وینحرون الإبل، وظل الفاطمیون یجرون علی ذلک کل أیامهم فلما زالت الدولة الفاطمیة اتخذ الملوک من بنی أیوب یوم عاشوراء یوم سرور یوسعون فیه علی عیالهم، ویتبسطون فی المطاعم، ویتخذون الأوانی الجدیدة، ویکتحلون ویدخلون الحمام جریاً علی عادة أهل الشام التی سنها لهم الحجاج فی أیام عبد الملک بن مروان لیرغموا بذلک أنوف شیعة علی بن أبی طالب کرم الله وجهه الذین یتخذون یوم عاشوراء یوم عزاء وحزن علی الحسین بن علی علیهما السلام لأنه قتل فیه(2).

فاطمة بنت الحسن وعاء وحجر للمعصوم

إضافة إلی کل السجایا والکرامات والصفات العالیة التی حازت علیها هذه العلویة الجلیلة, فحسبها فخراً وسمواً أنّها بضعة من رسول الله صلی الله علیه و آله, وتکون وعاءً للإمام الباقر علیه السلام ومربیة له فی حجرها الطاهر, فقد ولد علیه السلام بالمدینة یوم الجمعة غرة رجب سنة سبع وخمسین من الهجرة، قبل استشهاد الحسین علیه السلام بثلاث سنین أو قریب الأربع سنوات. وفی روایة الثالث من شهر صفر سنة سبع وخمسین من الهجرة, فأقام مع جده ثلاث سنین، ومع أبیه الإمام علی السجاد علیه السلام أربعاً وثلاثین

ص:24


1- (1) انظر: الدروس, الشهید الأول, ج 1 ص 50.
2- (2) انظر: صوم عاشوراء بین السنة النبویة والبدعة الأمویة, نجم الدین الطبسی, ص 136.

سنة وعشرة أشهر. وعاش بعد أبیه أیام إمامته بقیة ملک الولید، وملک سلیمان بن عبد الملک، وملک عمر بن عبد العزیز، وملک یزید بن عبد الملک، وملک هشام بن عبد الملک، وملک الولید بن یزید، وملک إبراهیم بن الولید. وقبض فی أول ملک إبراهیم بن الولید، فی شهر ربیع الآخر سنة مائة وأربع عشرة من الهجرة، فکانت أیام إمامته تسع عشرة سنة وشهرین، وصار إلی کرامة الله (عز وجل) وقد کمل عمره سبعاً وخمسین سنة.

وکان سبب وفاته أنّ إبراهیم بن الولید سمه. ودفن بالبقیع مع أبیه علی علیه السلام(1). وکان علیه السلام یشبه جده رسول الله صلی الله علیه و آله، لذا لقب بالشبیه.

الملائکة تنادی فاطمة بنت الحسن علیها السلام

من الصفات التی امتازت بها السیدة فاطمة بنت الحسن علیها السلام أنّها من جملة المحدثات علاوة علی ما حظیت به من خصائص ومزایا جمة, وهذا مما لا یتسنی لکل أحد إلا من خصه الله بمزید من الإیمان والمعرفة والارتقاء بحیث یصل إلی مرتبة التحدث مع الملائکة, فالسیدة أم الباقر علیه السلام بما فیها من مؤهلات وما تحمل من المعارف الإلهیة, وتجسد فی ذاتها الإخلاص والعمل والسیر علی نهج الأنبیاء والأولیاء علیهم السلام قد جعلها أن تصل إلی هذه المرتبة العالیة وتشابه جدتها الزهراء علیها السلام بهذه الصفة وتکون محدثة من قبل الملائکة, وأیضا شابهت مریم بنت عمران (أم نبی الله عیسی علیه السلام) حیث کانت تخاطبها الملائکة وقد ذکر القرآن تلک الفضیلة لها بقوله:(وَ إِذْ قالَتِ الْمَلائِکَةُ یا مَرْیَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفاکِ وَ طَهَّرَکِ وَ اصْطَفاکِ

ص:25


1- (1) راجع: دلائل الامامة, محمد بن جریر الطبری (الشیعی), ص 215.

عَلی نِساءِ الْعالَمِینَ)1, فکما طهر الله واصطفی أم نبی الله عیسی علیه السلام وباقی أمهات الأنبیاء علیهم السلام فکذا الحال فی أمهات الأئمة المعصومین علیهم السلام, فلا عجب عندما نسمع أو نقرأ أنّ الملائکة تحدث أم أحد الأئمة علیهم السلام, کما هو الحال فی السیدة فاطمة بنت الحسن علیها السلام, فقد ورد عندما حملت السیدة فاطمة بالإمام الباقر علیه السلام أخذها الضعف والانهیار وأحیاناً تصاب بغثیان وربما غشیان فترقد فی فراشها, وفی بعض الأیام کانت نائمة فرأت فی عالم الرؤیا أن جاءها شخص وبشرها بمولد الباقر علیه السلام, فعندما جلست من نومها فقد سمعت صوتاً من الجانب الأیمن من الدار من دون أن تراه وهو یقول: أنت حامل بأفضل أهل الأرض فی زمانه وأخذ بالإمام الباقر علیه السلام. من ذلک الوقت لم تشعر السیدة فاطمة بنت الحسن علیه السلام بثقلٍ أو غیره فی حملها إلی حین ولادته(1).

من صفاتها الصِّدِّیقة

مرّ علیک أنّ لفظ الصّدِّیقة من الأسماء التی عرفت بها السیدة فاطمة الزهراء علیها السلام وذلک لشدة تصدیقها بالله ورسوله ووصیه, والصّدِّیق صیغة مبالغة فی التصدیق الکامل والتام, أی کثیرة الصدق, وهو کما فی اللغة من صدق بقوله واعتقاده وحقق صدقه بفعله(2).

وکیف کان فالسیدة فاطمة بنت الحسن علیه السلام تشابه جدتها فی هذه الصفة

ص:26


1- (2) راجع: منتهی الآمال, ج 2 ص 174.
2- (3) راجع: تاج العروس, الزبیدی, ج 13 ص 36.

العظیمة وهی التصدیق العلمی والعملی أو قل التصدیق بالجوانح والجوارح, ومنه نعرف أنّ کل قولها صدق وکل فعلها صدق مطابق للواقع ولا تشوبه الأخطاء والانحرافات, وقد أشار القرآن الکریم إلی بیان هذه الصفة والمراحل التی یلزم طیها ثم الوصول إلیها بقوله:(وَ الَّذِینَ آمَنُوا بِاللّهِ وَ رُسُلِهِ أُولئِکَ هُمُ الصِّدِّیقُونَ)1, والسیدة فاطمة بنت الحسن علیه السلام من المصادیق الجلیة لهذه الآیة المبارکة حیث آمنت کل الإیمان حتی أصبحت من الدعاة إلی الحق ونشر کلمة العدل, وقد أحفاها الله بکرامات عدیدة ذلک بما أحسنت وصدقت بالله الواحد ورسوله الخاتم,(وَ صَدَّقَتْ بِکَلِماتِ رَبِّها وَ کُتُبِهِ وَ کانَتْ مِنَ الْقانِتِینَ)2, وأیضا شابهت فی هذه الصفة مریم بنت عمران أم نبی الله عیسی علیه السلام حیث کانت تلقب بالصدیقة کما هو ثابت فی صریح القرآن الکریم بقوله:(مَا الْمَسِیحُ ابْنُ مَرْیَمَ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَ أُمُّهُ صِدِّیقَةٌ)3, فالصدیقة من الصفات العالیة التی لا یتسنی لکل أحد أن یصل إلیها إلا من خصه الله بالحفاوة والرعایة, ویبقی أن نعرف الدلیل الذی یثبت أنّ فاطمة بنت الحسن من الصدیقین وقد تجاوزت هذه الصفة العالیة, وهو ما ثبت عن المعصوم الذی یتکلم عن الواقع وعن الله بدون أی مبالغة أو مجاملة أو بدافع العاطفة وإنما ینطق عن الله وهذا هو شأن العصمة, فقد ثبت فی الکتب

ص:27

المعتبرة أنّ الإمام أبا عبد الله الصادق علیه السلام ذکر جدته یوماً (أی ذکر فاطمة بنت الحسن علیه السلام) فقال: کانت صدیقة لم یدرک فی آل الحسن امرأة مثلها(1). بالإضافة إلی أنّ زوجها علی بن الحسین علیهما السلام کان یسمیها الصّدیقة(2). وعلی غرار هذا یلزم حتی فی تغسیلها لابد من صّدیقٍ معصومٍ یتولی غسلها کما هو واضح من تعلیل الحدیث الذی یذکر تغسیل علی علیه السلام لفاطمة علیها السلام, حیث سئل الصادق علیه السلام عن فاطمة علیها السلام من غسلها؟ فقال: غسلها أمیر المؤمنین علیه السلام لأنها کانت صدِّیقة لم یکن لیغسلها إلا صدّیق(3).

من صفاتها الروایة

من جملة الصفات التی حوتها السیدة فاطمة بنت الحسن علیهما السلام أنها کانت تروی الحدیث عن النبی صلی الله علیه و آله وعن أئمة أهل البیت علیهم السلام, وقد روی عنها المحدثون من الفریقین, ومن تلک الروایات التی روتها عن النبی صلی الله علیه و آله کما جاء فی فلاح السائل: بإسناده عن فاطمة بنت الحسن علیهما السلام عن أبیها الحسن بن علی علیهما السلام قال: کان رسول الله صلی الله علیه و آله یدعو بهذا الدعاء بین کل رکعتین من صلاة الزوال، الرکعتان الأولتان: اللهم أنت أکرم مأتی، وأکرم مزور، وخیر من طلب إلیه الحاجات، وأجود من أعطی، وأرحم من استرحم، وأرأف من عفا، وأعز من اعتمد, اللهم بی إلیک فاقة، ولی إلیک حاجات، ولک عندی طلبات، من ذنوب أنا

ص:28


1- (1) الکافی, الکلینی, ج 1 ص 469.
2- (2) انظر: الفصول المهمة فی معرفة الأئمة, ابن الصباغ, ج 2 ص 880.
3- (3) الکافی, الکلینی, ج 1 ص 469.

بها مرتهن قد أوقرت ظهری وأوبقتنی، وألا ترحمنی وتغفر لی أکن من الخاسرین... الخ(1).

وکذلک روی عنها ابن إسحاق حیث قال: عن فاطمة بنت الحسن بن علی رضی الله عنهم أن رسول الله صلی الله علیه وسلم بعث زید بن حارثة نحو مدین ومعه ضمیرة مولی علی بن أبی طالب وأخ له، قالت: فأصاب سبباً من أهل میناء وهی السواحل وفیها جماع من الناس فبیعوا ففرق بینهم(2).

وأیضا روی عنها مسألة رد الشمس لعلی بن أبی طالب علیه السلام, فقد ورد عن فاطمة بنت الحسن، عن أسماء بنت عمیس قالت: کان رسول الله صلی الله علیه و آله یوحی إلیه ورأسه فی حجر علی فلم یصل (علی) العصر حتی غربت الشمس, وقال أبو أمیة: صلیت یا علی. قال: لا. وقال أبو أمیة: فقال رسول الله صلی الله علیه و آله: اللهم إنه کان فی طاعتک وطاعة نبیک, فاردد علیه الشمس. قالت: أسماء: فرأیتها غربت ثم رأیتها طلعت بعد ما غربت(3). وغیرها من الروایات التی جاءت عن طریقها.

من أخبارها فی آخر الزمان

جاء عن السیدة فاطمة بنت الحسن علیهم السلام أنّها تتکلم عن أحوال آخر الزمان وحال الناس فیه من انشقاقهم وتکفیر بعضهم البعض وغیر ذلک, وهذا ینم عن مدی اطلاعها ونظرتها الثاقبة التی تجاوزت فیها المستقبل البعید الذی یظهر فیه

ص:29


1- (1) سنن النبی صلی الله علیه و آله, السید الطباطبائی, ص 376.
2- (2) سبل الهدی والرشاد, الصالحی الشامی, ج 6 ص 96.
3- (3) انظر: شرح إحقاق الحق, السید المرعشی, ج 16 ص 316.

العدل والإصلاح علی ید المصلح العالمی الذی یملأ الأرض عدلا وقسطا بعد ما ملئت ظلما وجورا. فقد ورد عن عمیرة بنت نفیل قالت: سمعت بنت الحسن بن علی علیهما السلام تقول: لا یکون هذا الأمر الذی تنتظرون حتی یبرأ بعضکم من بعض، ویلعن بعضکم بعضا، ویتفل بعضکم فی وجه بعض، وحتی یشهد بعضکم بالکفر علی بعض، قلت: ما فی ذلک خیر قالت: الخیر کله فی ذلک عند ذلک یقوم قائمنا فیرفع ذلک کله(1). ومثل هذه الروایة ذکرت عن الحسن علیه السلام تارة وعن الحسین علیه السلام کذلک, فلا یتعارض مع ما ذکرته علیها السلام فإنّ کل ما عندها من المزایا والعلم هو مکتسب من نور وفیض أهل البیت علیهم السلام, حیث عاشت وترعرعت تحت أکناف أهل العصمة ومعدن الرسالة.

الأوضاع السیاسیة فی عصرها

عاشت السیدة فاطمة بنت الحسن علیهما السلام أوضاعاً سیاسیة ألیمة فی کل مراحل حیاتها إلی حین وفاتها, حیث یمکن لنا أن نقسم حیاتها إلی ثلاث مراحل: المرحلة الأولی فی عصر أبیها الحسن علیه السلام وهی ما بین (40-50 ه -) وهذه المرحلة کانت من المراحل العصیبة التی مرت بها السیدة فاطمة بنت الحسن علیهما السلام, حیث کانت ملیئة بالأحداث والأحزان وتأزم الأوضاع فی شتی الأمور, فهی الحقبة التی کان فیها معاویة یقاتل الحسن علیه السلام والمؤمنین, وقد شاهدت ما جری علی أبیها من إصابات وخیانة من البعید والقریب واضطهادٍ واستبدادٍ لعموم المؤمنین, ومن ثم استقرت مع أبیها فی المدینة المنورة تحت الحصار والاضطهاد إلی أن جاءت

ص:30


1- (1) بحار الأنوار, العلامة المجلسی, ج 52 ص 211.

جعدة بنت الأشعث زوجة الحسن علیه السلام وسمت أباها علیه السلام, فقد أخذ هو الآخر مأخذه الکبیر منها واشتد حزنها وألمها بعد فقدها أباها مسموما مظلوما شهیدا. وأمّا المرحلة الثانیة, فهی کانت فی عصر عمها الحسین علیه السلام ما بین (50-61 ه -) حیث إنّها بعد استشهاد أبیها علیه السلام انتقلت إلی کفالة عمها الحسین علیه السلام إلی أن تزوجت بالإمام زین العابدین علیه السلام, وهذه المرحلة بدورها لا تقل عن الأولی من أحزانٍ وآلامٍ ومحنٍ, حیث کانت أیضاً ملیئة بالأحداث والمصائب, فقد کانت المناهضات بین عمها الحسین علیه السلام ومعاویة إلی أن هلک وجاء دور ابنه یزید وأول عمل أقدم علیه أن حارب عمها الحسین علیه السلام وقتله مع أهل بیته وأصحابه, وقد شاهدت السیدة فاطمة بنت الحسن علیهما السلام حال عمها وإخوتها وأهل بیتها مجزرین علی رمضاء کربلاء بلا رؤوس وهی مسبیة مع زوجها العلیل وابنها الصغیر وعمتها زینب علیها السلام وباقی أهلها من بلد إلی بلد, ورؤوس أهل بیتها نصب أعینها تلوح علی رؤوس الرماح, مع شدة المعاملة القاسیة التی واجهتها من قبل أعداء الإنسانیة والدین. وأما المرحلة الثالثة, فمع زوجها الإمام زین العابدین علیه السلام وقد شاهدت ما فیه من المصائب والحزن وهو فی حال یرثی له من شدة المرض, وتجاوز الأعداء علیه وغیره, حتی حاولوا قتله عدة مرات فی کربلاء وفی الکوفة ولکن حالت ید الغیب بینهم وبین قتله لکی یبقی نسل آل محمد یعطی دوره الکامل فی رسم النهج الإلهی الخالد, وبقیت هذه السیدة بعد عاشوراء وآلام السبی مع زوجها فی تلک الظروف الحزینة الألیمة إلی أن وافاها الأجل.

ص:31

حضورها کربلاء

حضرت السیدة فاطمة بنت الحسن علیهما السلام أرض کربلاء وشاهدت وقائع عاشوراء وعاشت فی تلک الحظة هذه السیدة الجلیلة المحن والآلام بما مرّ بها وبأهل البیت علیهم السلام, فقد کانت مع زوجها الإمام السجاد وابنها الإمام الباقر علیهما السلام فی واقعة الطف یوم عاشوراء، وبذلک تکون قد شاهدت الفجائع المروعة وما جری علی آل الرسول صلی الله علیه و آله فی ذلک الیوم من مصائب ومحن، فقد شاهدت مصرع عمها الإمام الحسین علیه السلام وقتل أخیها القاسم ومصارع بقیة الأبطال من آل البیت وأصحابهم الکرام، وشاهدت أیضا زوجها العلیل مکبلاً بالأغلال، وولدها الإمام الباقر علیه السلام البالغ من العمر أربع سنوات تقریباً، یشکون العطش ومرارة الأسر وذله، محتسبة کل ذلک فی سبیل الله.

وفاتها ومحل دفنها

لم یظهر لنا من التاریخ وکتب السّیر وغیرها تحدید تاریخ ولادة السیدة فاطمة بنت الحسن علیهما السلام أو شهادتها وحتی مقام دفنها, وهذا یعبر عن مدی الظلامة التی عاشتها هذه السیدة الجلیلة فی اندثار تاریخها وإعفاء معالمها, ولکن یمکن أن نقول إنّ حیاتها بعد واقعة الطف استقرت مع زوجها الإمام زین العابدین علیه السلام فی المدینة, فلا یبعد أن تکون قد دفنت فیها مع زوجها وابنها وباقی أئمة البقیع وأولادهم, کما ذکر ذلک فی بعض الکتب, حیث قال وإنّ مدفنها فی المدینة المنورة وعمرها ما یقارب (57 سنة)(1). ولکن مع ذلک قد ذکر أنّ قبرها فی

ص:32


1- (1) راجع: کتاب کاروانی با سیزده کجاوه, ص 77.

فلسطین عند مسجد الیقین, حیث روی أن فی موضع قُری لوط مسجد بناه أبو بکر محمد بن إسماعیل الصاحی فیه مرقد إبراهیم علیه السلام قد غاص فی الصخر بنحو ذراع، ویقال: إن إبراهیم علیه السلام لما رأی قُری قوم لوط فی الهواء، وقف (أو رقد) ثم قال: أشهد أن هذا هو الحق الیقین؛ فلذلک سُمّی مسجد الیقین.

وکان بناء هذا المسجد فی شهر شعبان سنة اثنتین وخمسین وثلاثمائة، وبظهر المسجد مغارة بها قبر فاطمة بنت الحسن بن علی بن أبی طالب علیهم السلام وعند قبرها رخامة مکتوب علیها بالکوفی:

من البسیط أسکنت من کان بالأحشاء مسکنه بالرّغم منّی بین التّرب والحجر

أفدیک فاطمةٌ ممّا رمیت به بنت الأئمّة بنت الأنجم الزّهر(1)

ولکن ذکر ابن بطوطة فی رحلته أنّ هذا القبر لفاطمة بنت الحسین علیهما السلام, فقد قال: وهنالک بحیرة لوط وهی أجاج یقال إنّها موضع دیار قوم لوط وبمقربة من تربة لوط مسجد الیقین وهو علی تل مرتفع له نور وإشراق لیس لسواه ولا یجاوره إلا دار واحدة یسکنها قیمه وفی المسجد بمقربة من بابه موضع منخفض فی حجر صلد قد هیئ فیه صورة محراب لا یسع إلا مصلیاً واحداً. ویقال إن إبراهیم سجد فی ذلک الموضع شکراً لله تعالی عند هلاک قوم لوط فتحرک موضع سجوده وساخ فی الأرض قلیلاً, وبالقرب من هذا المسجد مغارة فیها قبر فاطمة بنت الحسین بن

ص:33


1- (1) سمط النجوم العوالی فی أنباء, ج 1 ص 66.

علی علیهما السلام وبأعلی القبر وأسفله لوحان من الرخام فی أحدهما مکتوب منقوش بخط بدیع بسم الله الرحمن الرحیم له العزة والبقاء وله ما ذرا وبرا وعلی خلقه کتب الفناء ولکم فی رسول الله أسوة حسنة هذا قبر أم سلمة فاطمة بنت الحسین رضی الله عنه وفی اللوح الآخر منقوش صنعه محمد بن أبی سهل النقاش بمصر وتحت ذلک هذه الأبیات: أسکنت من کان بالأحشاء مسکنه... الخ(1).

زیارة السیدة فاطمة بنت الحسن

لم نعثر علی زیارة خاصة للسیدة فاطمة بنت الحسن علیه السلام وإنما هناک زیارات وردت لعموم أولاد المعصومین الصالحین, ولا ریب أنّ السیدة فاطمة بنت الحسن علیهما السلام (أم الإمام الباقر علیه السلام) من الأوائل المقصودین فی تلک الزیارات. ومن تلک الزیارات هذه:

السلام علی جدک المصطفی، السلام علی أبیک المرتضی الرضا، السلام علی السیدین الحسن والحسین، السلام علی خدیجة سیدة نساء العالمین، السلام علی فاطمة أم الأئمة الطاهرین، السلام علی النفوس الفاخرة، بحور العلوم الزاخرة، شفعائی فی الآخرة، وأولیائی عند عود الروح إلی العظام الناخرة, أئمة الخلق وولاة الحق، السلام علیک أیها الشخص الشریف الطاهر الکریم أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ومصطفاه، وأن علیاً ولیه ومجتباه وأن الإمامة فی ولده إلی یوم الدین، نعلم ذلک علم الیقین، ونحن لذلک معتقدون وفی نصرهم مجتهدون(2).

ص:34


1- (1) رحلة ابن بطوطة, ص 74.
2- (2) بحار الأنوار, العلامة المجلسی, ج 99 ص 272.

الفصل السابع: فاطمة بنت القاسم أم الإمام الصادق علیهما السلام

اشارة

ص:35

ص:36

اسمها ونسبها

السیدة فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبی بکر بن أبی قحافة التیمی, وقیل اسمها قریبة, وتکنی أم فروة. وقیل أم القاسم, وکان أبوها القاسم من ثقات أصحاب علی بن الحسین زین العابدین علیه السلام کما سیأتی.

ووالد القاسم, محمد بن أبی بکر, ربیب الإمام علی علیه السلام والذی یعتبره بمثابة ابنه, وأیضا أمه (أم القاسم) أخت شهر بانویة بنت یزدجرد (أُم الإمام السجاد علیه السلام), کما تقدم الکلام عنه مفصلاً فی سیرة السیدة شهر بانویه, حیث قالوا: وأخذهن علی رضی الله عنه فدفع واحدة لعبد الله بن عمر وأخری لولده الحسین علیه السلام وأخری لمحمد بن أبی بکر وکان ربیبه(1). فیکون والدها (أی القاسم) ابن خالة الإمام السجاد علیه السلام.

وأمّا أمّها, فهی أسماء بنت عبد الرحمن بن أبی بکر. فهی (فاطمة بنت القاسم) ترجع إلی أبی بکر من جهة الأب ومن جهة الأم؛ لأن أباها القاسم تزوج من ابنة عمه عبد الرحمن بن أبی بکر.

ص:37


1- (1) راجع: وفیات الأعیان وأنباء أبناء الزمان, ابن خلکان, ج 3 ص 267.

وأمّا أخوها, فهو عبد الرحمن بن القاسم, من فضلاء قریش ویکنی أبا محمد.

وقال عنه الأمینی: عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبی بکر التیمی أبو محمد المدنی المتوفی (126 ه -)، وثّقه أحمد وابن سعد وأبو حاتم، وأثنی علیه الخزرجی فی خلاصته(1).

وأمّا أختها, فهی أم حکیم بنت القاسم بن محمد بن أبی بکر, تزوجها إسحاق ألعریضی ابن عبد الله بن جعفر فولد له منها القاسم والد داود أبی هاشم الجعفری المشهور، فقد روی أنّ إسحاق بن عبد الله بن جعفر الطیار ویقال له إسحاق العریضی, هو الذی تزوج أم حکیم أخت أم فروة بنتی القاسم بن محمد بن أبی بکر، فولدت أم حکیم لإسحاق القاسم، وکان القاسم والصادق علیه السلام ابنی خالة, وکان القاسم رجلاً جلیلاً أمیراً علی الیمن، وهو والد داود بن القاسم المعروف بأبی هاشم الجعفری البغدادی، العالم الورع، الثقة الجلیل، الذی أدرک الرضا وبقیة الأئمة علیهم السلام، وکان من وکلاء الناحیة المقدسة، ولم یکن فی آل أبی طالب مثله فی علو النسب فإنه ینتهی إلی عبد الله بن جعفر بن أبی طالب بأبوین، توفی فی جمادی الأولی سنة مائتین وإحدی وستین، وکان قبره مشهوراً یزار علی ما صرح به المسعودی. ولابن عیاش کتاب فی أخبار أبی هاشم الجعفری، یروی عنه الطبرسی فی إعلام الوری(2).

ص:38


1- (1) انظر: الغدیر, الشیخ الأمینی, ج 1 ص 73.
2- (2) مستدرکات علم رجال الحدیث, الشیخ علی النمازی الشاهرودی, ج 1 ص 569. والأنوار البهیة, الشیخ عباس القمی, ص 150.

منزلة والدها القاسم

نال القاسم بن محمد بن ابی بکر, والد السیدة أم فروة, درجة سامیة وحظی بتأیید وتوثیق من المعصوم ومدح واطراء من العلماء وغیرهم, وقد شهد بفضله وعلمه وتقواه المؤرخون والمحدثون وغیرهم من العلماء, حیث ملأ صیته الخافقین حتی کان یعد عند المحدثین بفقیه المدینة وعالمها, فکان بُعید کل صلاة تلتف حوله الناس ویعطی دروساً فی الأحکام وغیرها, وکان أیضاً یتمتع بخلق عظیم وتدبیر. لذلک جاءت بحقه روایات تدل علی توثیقه وفضله وما إلی ذلک. منها ما روی عن إسحاق بن جریر قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: کان سعید بن المسیب وقاسم بن محمد بن أبی بکر وأبو خالد الکابلی من ثقات علی بن الحسین علیه السلام(1).

وفی حاشیة الخلاف قال: القاسم بن محمد بن أبی بکر بن أبی قحافة القرشی، التیمی، أبو محمد، ویقال: أبو عبد الرحمن روی عن أبیه، وعن العبادلة، (یقصد عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبیر وعبد الله بن عباس) وغیرهم. عده الشیخ الطوسی فی أصحاب الإمامین السجاد والباقر علیهما السلام, وقال ابن سعد: کان ثقة، فقیهاً، إماماً، کثیر الحدیث، ورعاً، وقال ابن خلکان: کان من سادات التابعین وأفضل أهل الزمان، وأحد الفقهاء السبعة فی المدینة. مات سنة (101 ه (وقیل: (106 ه -), وقیل غیر ذلک(2).

ص:39


1- (1) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 1 ص 472.
2- (2) انظر: هامش الخلاف, الشیخ الطوسی, ج 1 ص 120.

وقال السید الخوئی رحمه الله: عدّه الشیخ تارة فی أصحاب السجاد علیه السلام، وأخری فی أصحاب الباقر علیه السلام، مقتصرا علی قوله: القاسم بن محمد. وکذلک ذکره البرقی فی أصحاب الصادق علیه السلام، وهو جد الصادق علیه السلام لامّه أم فروة، ذکره المفید فی الارشاد: باب ذکر الإمام القائم بعد أبی جعفر محمد بن علی علیه السلام(1).

وقد ذکر عنه الإمام الصادق علیه السلام قال: أخبرنی جدی القاسم بن محمد ابن أبی بکر قال: قالت عائشة: لأن تبتر یدی أحب إلی من أن أمسح علی الخفین(2).

وله مواقف مشرّفة مع أهل البیت علیهم السلام کأبیه محمد بن أبی بکر, منها ما جاء فی مسألة دفن جثمان الإمام الحسن علیه السلام مع جده صلی الله علیه و آله ووقوف القوم حائلاً دون ذلک, فقد جاء فی تاریخ الیعقوبی قال: عندما جاءوا بنعش الإمام الحسن علیه السلام إلی قبر جده صلی الله علیه و آله, رکب مروان بن الحکم وسعید بن العاص، فمنعا من ذلک، ورکبت عائشة بغلة شهباء، وقالت: بیتی ولا آذن فیه لأحد فأتاها القاسم بن محمد بن أبی بکر، فقال: یا عمة ما غسلنا رؤوسنا من یوم الجمل الأحمر، أتریدین أن یقال: یوم البغلة الشهباء، فرجعت، واجتمع مع الحسین بن علی جماعة من الناس، فقالوا له: دعنا وآل مروان، فوالله ما هم عندنا إلا کأکلة رأس، فقال: إن أخی أوصانی ألا أریق فیه محجمة دم، فدفن الحسن فی البقیع(3).

وکان یتمتع بسجایا إیمانیة عالیة تنم عن مدی إخلاصه وتمسکه بالقیم

ص:40


1- (1) انظر: معجم رجال الحدیث, السید الخوئی, ج 15 ص 48.
2- (2) النوادر, فضل الله الراوندی, ص 218.
3- (3) انظر: تاریح الیعقوبی, ج 2 ص 225.

الإلهیة والهدی المحمدی ولا تأخذه فی ذلک لومة لائم لأنه رسم طریق الحق أمامه, فقد ذکره الشهید الثانی فی کتابه الأخلاقی قال ورد عن القاسم بن محمد بن أبی بکر أحد فقهاء المدینة المتفق علی علمه وفقهه بین المسلمین أنه سئل عن شیء فقال: لا أحسنه، فقال السائل: إنی جئت إلیک لا أعرف غیرک، فقال القاسم: لا تنظر إلی طول لحیتی وکثرة الناس حولی، والله ما أحسنه. فقال شیخ من قریش جالس إلی جنبه: یابن أخی ألزمها فوالله ما رأیتک فی مجلس أنبل منک مثل الیوم. فقال القاسم: والله لان یقطع لسانی أحب إلی أن أتکلم بما لا علم لی به(1).

نبذة عن جدها محمد بن أبی بکر

ولد محمد بن أبی بکر جدها من جهة الأب بالبیداء فی سنة حجة الوداع, وأمه أسماء بنت عمیس کانت تحت جعفر بن أبی طالب، وهاجرت معه إلی الحبشة فولدت له هناک عبد الله بن جعفر الجواد ثم قتل عنها یوم مؤتة، فخلف علیها أبو بکر فأولدها محمداً، ثم مات عنها، فخلف علیها علی بن أبی طالب علیه السلام وکان محمد ربیبه وخریجه وجاریاً عنده مجری أولاده، ورضیع الولاء والتشیع مذ زمن الصبا، فنشأ علیه، فلم یکن یعرف أباً غیر علی علیه السلام ولا یعتقد لأحد فضیلة غیره، حتی قال علیه السلام: محمد ابنی من صلب أبی بکر، وکان یکنی أبا القاسم فی قول ابن قتیبة، وقال غیره: بل کان یکنی أبا عبد الرحمن، وکان من نساک قریش، وکان ممن أعان فی یوم الدار(2).

ص:41


1- (1) انظر: منیة المرید, الشهید الثانی, ص 286.
2- (2) انظر: حاشیة الاحتجاج, الطبرسی, ج 1 ص 296. و بحار الأنوار, العلامة المجلسی, ج 42 ص 162.

وروی أنّ أبا بکر خرج فی حیاة رسول الله صلی الله علیه و آله فی غزوة, فرأت أسماء بنت عمیس (فی عالم الرؤیا) وهی تحته کأنّ أبا بکر متخضب بالحناء رأسه ولحیته، وعلیه ثیاب بیض، فجاءت إلی عائشة فأخبرتها، فبکت عائشة وقالت: إن صدقت رؤیاک فقد قتل أبو بکر إن خضابه الدم وأن ثیابه أکفانه، فدخل النبی صلی الله علیه و آله وهی کذلک فقال: ما أبکاها؟ فذکروا الرؤیا. فقال صلی الله علیه و آله: لیس کما عبرت عائشة ولکن یرجع أبو بکر، فتحمل منه أسماء بغلام تسمیه محمداً یجعله الله تعالی غیظاً علی الکافرین والمنافقین, فکان الغلام محمد بن أبی بکر(1).

وقال ابن أبی الحدید: ونشأ فی حجر أمیر المؤمنین علیه السلام وأنه لم یکن یعرف أباً غیر علیٍّ علیه السلام، حتی قال أمیر المؤمنین علیه السلام: محمد ابنی من صلب أبی بکر، وکان یکنی (أبا القاسم) وکان من نساک قریش، وکان ممن أعان فی یوم الدار، ومن ولده القاسم بن محمد فقیه أهل الحجاز وفاضلها، ومن ولد القاسم عبد الرحمن من فضلاء قریش ویکنی (أبا محمد) ومن ولد القاسم أیضاً أم فروة تزوجها الإمام الباقر أبو جعفر محمد بن علی علیه السلام, وکان من حواری أمیر المؤمنین علیه السلام، وخواصه وأحد المحامدة التی تأبی أن یعصی الله حتی شهد معه الجمل, وکان علی الرجالة, وشهد معه صفین وولاه مصر(2).

وروی عن حمزة بن محمد الطیار قال: ذکرنا محمد بن أبی بکر عند أبی عبدالله علیه السلام فقال أبو عبد الله علیه السلام: رحمه الله وصلی علیه، قال لأمیر المؤمنین علیه السلام

ص:42


1- (1) الغارات, ابراهیم بن محمد الثقفی, ج 1 ص 288.
2- (2) شرح نهج البلاغة, ابن أبی الحدید, ج 6 ص 53.

یوماً من الأیام: أبسط یدک أبایعک، فقال: أو ما فعلت؟ قال: بلی، فبسط یده فقال أشهد أنک إمام مفترض طاعتک(1).

وعن شعیب عن أبی عبد الله علیه السلام قال: سمعته یقول: ما من أهل بیت إلا ومنهم نجیب من أنفسهم، وانجب النجباء من أهل (بیت) محمد بن أبی بکر, وینسب إلیه قوله:

یا بنی الزهراء أنتم ُعدتی وبکمْ فی الحشر میزانی رَجَح

وإذا صحَ ولائی فیکم لا أبالی أی کلبٍ قد نبح(2)

وقتل بمصر, قتله معاویة بن خدیج, وکان فیها والیاً من قبل أمیر المؤمنین علیه السلام ثم وضعه فی جوف حمار میت وأحرقه ولما بلغ أمیر المؤمنین علیه السلام قتل محمد بن أبی بکر حزن لذلک حزناً شدیداً حتی ظهر ذلک علیه وتبین فی وجهه.

وقام خطیباً فحمد الله وأثنی علیه إلی أن قال: ألا وإن محمد بن أبی بکر قد استشهد رحمة الله علیه وعند الله نحتسبه, وقیل له علیه السلام قد جزعت علی محمدٍ جزعاً شدیداً یا أمیر المؤمنین فقال: وما یمنعنی إنّه کان لی ربیباً وکان لبنی أخاً، وکنت له والداً، أعده ولداً. ولما سمعت أمه أسماء بقتله کظمت غیظها حتی شخبت ثدیاها دماً وکان استشهاده سنة (37) للهجرة(3).

ص:43


1- (1) الاختصاص, الشیخ المفید, ص 70.
2- (2) راجع: حاشیة الاحتجاج, الشیخ الطبرسی, ج 1 ص 269.
3- (3) راجع: المصدر نفسه.

منزلته عند أهل البیت علیهم السلام

کان محمد بن أبی بکر یُعد من حواری أمیر المؤمنین علیه السلام ومن شیعته المقربین المخلصین ونال تأییداً ومدحاً کبیراً من قبل أهل البیت علیهم السلام وهذا یکشف عن إیمانه وإخلاصه, کما ورد عن أبی الحسن موسی علیه السلام قال: إذا کان یوم القیامة نادی مناد أین حواری محمد بن عبد الله رسول الله صلی الله علیه و آله الذین لم ینقضوا العهد ومضوا علیه، فیقوم سلمان والمقداد وأبو ذر، ثم ینادی أین حواری علی بن أبی طالب وصی محمد بن عبد الله رسول الله صلی الله علیه و آله فیقوم عمرو بن الحمق الخزاعی ومحمد بن أبی بکر ومیثم بن یحیی التمار مولی بنی أسد وأویس القرنی(1).

وقد جاء فی الاحتجاج بالإسناده عن أبی محمد العسکری علیه السلام أنه قال: لما جعل المأمون إلی علی بن موسی الرضا علیه السلام ولایة العهد، دخل علیه آذنه فقال: إنّ قوماً بالباب یستأذنون علیک، یقولون: (نحن من شیعة علی علیه السلام). فقال: أنا مشغول فاصرفهم, فصرفهم إلی أن جاءوا هکذا (وبقوا أیاماً إلی أن أذن لهم ودخلوا علیه)... فقالوا: یا بن رسول الله ما هذا الجفاء العظیم، والاستخفاف بعد هذا الحجاب الصعب، أی باقیة تبقی منا بعد هذا؟ فقال الرضا علیه السلام: اقرؤا:(وَ ما أَصابَکُمْ مِنْ مُصِیبَةٍ فَبِما کَسَبَتْ أَیْدِیکُمْ وَ یَعْفُوا عَنْ کَثِیرٍ)2 والله ما اقتدیت إلا بربی عز وجل وبرسوله وبأمیر المؤمنین ومن بعده من آبائی الطاهرین علیهم السلام،

ص:44


1- (1) اختیار معرفة الرجال, الشیخ الطوسی, ج 1 ص 43.

عتبوا علیکم فاقتدیت بهم, قالوا: لماذا یا بن رسول الله؟ قال: لدعواکم أنکم شیعة أمیر المؤمنین ویحکم إن شیعته: الحسن والحسین وسلمان، وأبو ذر، والمقداد، وعمار، ومحمد بن أبی بکر الذین لم یخالفوا شیئاً من أوامره، وأنتم فی أکثر أعمالکم له مخالفون، وتقصرون فی کثیر من الفرائض وتتهاونون بعظیم حقوق إخوانکم فی الله...(1).

وجاء عن سلیم قال: فلمّا قتل محمد بن أبی بکر بمصر وعزّیت به أمیر المؤمنین علیه السلام وخلوت به وحدثته بما حدثنی به محمد بن أبی بکر وبما حدّثنی به ابن غنم، قال علیه السلام: صدق محمد رحمه اللّه، أما انّه شهید حیّ مرزوق(2).

وفی تاریخ الطبری أنّه حزن أمیر المؤمنین علیه السلام عند ما بلغه خبر استشهاد محمد بن أبی بکر، حتی رُئی ذلک فیه وتبین فی وجهه وقام فی الناس خطیباً: ألا وإن محمد بن أبی بکر قد استشهد رحمه الله فعند الله نحتسبه، أما والله لقد کان ما علمت ینتظر القضاء ویعمل للجزاء ویبغض شکل الفاجر ویحب هین المؤمن(3).

وجاء فی نهج البلاغة: وقال علیه السلام لما بلغه قتل محمد بن أبی بکر: إن حزننا علیه علی قدر سرورهم به إلا أنهم نقصوا بغیضاً ونقصنا حبیباً(4).

وفی نهج البلاغة أیضاً: ومن کتاب له علیه السلام إلی عبد الله بن العباس بعد مقتل

ص:45


1- (1) راجع: الاحتجاج, الشیخ الطبرسی, ج 2 ص 236.
2- (2) راجع: کتاب سلیم بن قیس, تحقیق: محمد باقر الأنصاری, ص 352.
3- (3) تاریخ الطبری, الطبری, ج 4 ص 82.
4- (4) راجع: نهج البلاغة, ج 4 ص 77.

محمد بن أبی بکر بمصر: أما بعد فإنّ مصر قد افتتحت ومحمد بن أبی بکر رحمه الله قد استشهد فعند الله نحتسبه ولداً ناصحاً، وعاملاً کادحاً، وسیفاً قاطعاً، ورکناً دافعاً، وقد کنت حثثت الناس علی لحاقه وأمرتهم بغیاثه قبل الوقعة ودعوتهم سراً وجهراً وعوداً وبدءاً... الخ(1).

نظرة فی جدها من أمها عبد الرحمن بن أبی بکر

عبد الرحمن بن أبی بکر, جد السیدة أم فروة من جهة أمّها وعم والدها القاسم, شهد الیمامة مع خالد, وقتل محکم الیمامة فی الحصن فاقتحمه المسلمون, وبعث إلیه معاویة بمائة ألف درهم فردها وقال لا أبیع دینی بدنیای(2).

کما ذکر ذلک ابن حیان الأندلسی عنه (عبد الرحمن) حین دعاه مروان, وهو أمیر المدینة, إلی مبایعة یزید, فقال: جعلتموها هرقلیة؟ کلما مات هرقل ولی ابنه، وکلما مات قیصر ولی ابنه؟ فقال مروان: خذوه، فدخل بیت أخته عائشة رضی الله عنها، وقد أنکرت ذلک عائشة فقالت، وهی المصدوقة: لم ینزل فی آل أبی بکر من القرآن غیر براءتی؛ وقالت: والله ما هو به، ولو شئت أن أسمیه لسمیته. وصدت مروان وقالت: ولکن الله لعن أباک وأنت فی صلبه، فأنت فضض من لعنة الله. وکان عبد الرحمن من أفاضل الصحابة وسراتهم وأبطالهم، وممن له فی الإسلام غناء یوم الیمامة وغیره(3).

ص:46


1- (1) راجع: المصدر السابق, ج 3 ص 60.
2- (2) الإمام جعفر الصادق علیه السلام, عبد الحلیم الجندی, ص 128.
3- (3) انظر: تفسیر البحر المحیط, أبی حیان الأندلسی, ج 8 ص 61.

وفی لفظ آخر: فقال عبد الرحمان بن أبی بکر: جاء بها معاویة هرقلیة. فقال مروان: أیها الناس إن هذا عبد الرحمان بن أبی بکر هو الذی أنزل الله عز وجل فیه:(وَ الَّذِی قالَ لِوالِدَیْهِ أُفٍّ لَکُما أَ تَعِدانِنِی)1, فبلغ ذلک أخته عائشة، فغضبت، وقالت: لا والله ما هو به ولو شئت أن اسمیه لسمیته، ولکن الله لعن أباک یا مروان علی لسان رسوله وأنت فی صلبه، فأنت قطعة من لعنة الله عز وجل(1).

وجاء فی أسد الغابة عن عبد العزیز الزهری عن أبیه عن جده قال: بعث معاویة إلی عبد الرحمن بن أبی بکر بمائة ألف درهم بعد أن أبی البیعة لیزید بن معاویة فردها عبد الرحمن وأبی أن یأخذها وقال لا أبیع دینی بدنیای وخرج إلی مکة فمات بها قبل أن تتم البیعة لیزید وکان موته فجأة من نومة نامها بمکان اسمه حبشی علی نحو عشرة أمیال من مکة وحمل إلی مکة فدفن بها ولما اتصل خبر موته بأخته عائشة ظعنت إلی مکة حاجة فوقفت علی قبره فبکت(2). وهکذا أسدل التاریخ علیه الستار من دون معرفة أسباب وملابسات موته, وربما طعنه أحد الجنود التی کان یستخدمها معاویة بن أبی سفیان, ومن هذه الجنود العسل المسموم, فعندما أرسل السم إلی مالک الأشتر وهو فی طریقه إلی مصر, قام معاویة خطیباً فقال: لله جنود من العسل(3).

ص:47


1- (2) شرح الأخبار, القاضی النعمان المغربی, ج 2 ص 158.
2- (3) أسد الغابة, ابن الأثیر, ج 3 ص 306.
3- (4) راجع: مروج الذهب, ج 2 ص 139.

کمالاتها العالیة

کانت أم فروة (أم الإمام الصادق) علیهما السلام من الصالحات القانتات الطائعات ومن أتقی نساء زمانها علیها السلام, وکان یصفها العلماء من الفریقین من دون تردید بأنّها المرأة النجیبة الجلیلة المکرمة, حتی أنّ الإمام الصادق علیه السلام کان یُعبر عنه بابن المکرمة(1).

وذلک بما کانت تمتاز به هذه المرأة الصالحة من صفات کمالیة عالیة, فلم یکن اختیارها کی تکون للمعصوم وعاءً وحجراً کان مجرد صدفة, بل کان مخططاً له مسبقاً وأنّها هی التی تستحق أن تکون لذلک بما تحویه من نزاهة مادیة ومعنویة إضافة إلی السجایا الحمیدة التی کانت تتمتع بها هذه السیدة العظیمة.

وقد روی الکلینی، عن الکاهلی، عن أبی الحسن علیه السلام قال: کان أبی یبعث أمی وأم فروة تقضیان حقوق أهل المدینة(2). فهذا یعبر عن الکفاءة العالیة والمکانة العظیمة التی کانت تمتاز بها السیدة فاطمة بنت القاسم.

الصفات التی تتمتع بها

اشارة

عندما نرید دراسة شخصیة ما أو التعرف علی سیرة إنسان لابد أن نلاحظ مدی ارتباطه بقوانین السماء وملاحظة الصفات والسجایا التی یحتویها فی باطنه

ص:48


1- (1) راجع: الأنوار البهیة, الشیخ عباس القمی, ص 150.
2- (2) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 4 ص 428.

وظاهره ولیس من السهل أن نصل إلی ذلک إلا بعد معاشرته والسفر معه وما إلیه, ومع ذلک لا نقطع بأنّ هذا هو الواقع الذی یعیشه وأنّه سیبقی علی هذا الحال إلی آخر العمر؛ لأن مثل هذه الصفات یصعب معرفتها من الغیر؛ لأنّها صفات وسجایا معنویة باطنیة لا تدرک وتلاحظ بالحواس, وما أروع کلام الإمام أمیر المؤمنین عندما یصف المتقین بقوله: إذا زکی أحدهم خاف مما یقال له فیقول: أنا أعلم بنفسی من غیری، وربی أعلم بی من نفسی(1).

فالإنسان بنفسه أبصر من غیره, ومع ذلک بحاله ولا یعلم کیف یختم أمره. نعم إلا الذی یحصل علی توثیق ووصف من قبل الله, أو المعصوم فهذا یکون أدل علیه من نفسه؛ لأن المعصوم یحکی عن تمام الواقع بما له من معنی, فعندما نرید معرفة الأبعاد التی یتمتع بها هذا الإنسان نلاحظ تأییده من قبل المعصوم وما کشف عنه من صفات, وبه نکون قد خلصنا إلی تمام معرفة صفاته وبیان حاله, فعندما نأتی إلی السیدة أم فروة أم الإمام الصادق علیه السلام نلاحظ أنها حظیت بتأییدٍ وتوثیقٍ من المعصوم عظیم وقد کشف عن الأبعاد التی کانت علیها, کما جاء فی الکافی بسنده عن الصادق علیه السلام فی حدیث قال: کانت أمی ممن آمنت واتقت وأحسنت والله یحب المحسنین(2).

ویجدر بنا أن نقف عند هذه الصفات التی کانت تمتاز بها هذه السیدة الجلیلة بحسب شهادة المعصوم علیه السلام.

ص:49


1- (1) نهج البلاغة, خطب الإمام علی علیه السلام, ج 2 ص 162.
2- (2) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 1 ص 472.
قوة الإیمان

النقطة التی یفترق منها الإنسان ویُصنف علی غرارها إمّا کافرٌ أو مؤمنٌ هو الإیمان بالغیب وعدمه, فالمؤمن هو الذی آمن بالله ورسله والیوم الآخر وعقد قلبه علی ذلک وامتثل لکل الأوامر السماویة ووافق ظاهره باطنه, وهذا أیضا یتضمن فرقا آخرَ بین الإسلام والإیمان, حیث إنّ الإسلام دائرته أوسع من الإیمان, ربما الإنسان یدخل فی حلقة الإسلام لکن لم تتبلور فی کیانه ونفسه تعالیم الإسلام ولم تتجذر فی أعماقه وباطنه, فیمکن أن یتصف بظاهره أنّه مسلم وینتمی إلی هذه الدیانة الحقة لکن بباطنه وعمله لم یکن علی هذا المستوی ولم یعکس قوانین ومتطلبات القیم والمبادئ الإسلامیة, فالإسلام لیس مجرد شعارات فارغة بل هو قیّم ومبادئ تنبعث من الأفئدة والقلوب وتظهر علی الجوارح والجوانح, وقد عانی الإسلام من هذه الثلة التی أعیت وأتعبت کاهل المسلمین وجرَّت الویلات للمؤمنین المخلصین, بل أصبحت سداً منیعاً لمن أراد أن ینتمی إلی هذا الدین الذی ینسجم مع القیم الإنسانیة والفطرة الإلهیة, لذلک نلاحظ أن القرآن والسنة یؤکدان علی إسلام حقیقی یحمل معنی الإیمان, کما فی قوله تعالی:(قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لکِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَ لَمّا یَدْخُلِ الْإِیمانُ فِی قُلُوبِکُمْ)1, فیمکن أن نعرف من هذه الآیة وغیرها أنّ ثمرة الإسلام هو الإیمان, ولهذا الإیمان مراتب ودرجات, ولیس من السهل أن یرد الإنسان إلی حلقة الإیمان إلا بالعمل والإخلاص والطاعة لله ورسوله وأولیائه, فالإیمان لیس

ص:50

مجرد انتماء بل هو صور روحانیة تتجسد فیه وینعکس صداها إلی الفضاء المادی, من هذا نجد أن الروایات تصف المؤمن عبارة عن مجموعة قیم وسجایا حمیدة تجسدت فیه, کما روی عن أبی عبد الله علیه السلام فی توصیف المؤمن قال: «صفة المؤمن قوة فی دین، وحزم فی لین، وإیمان فی یقین، وحرص فی فقه، ونشاط فی هدی، وبر فی استقامة، وإغماض عند شهوة، وعلم فی حلم، وشکر فی رفق، وسخاء فی حق، وقصد فی غنی، وتجمل فی فاقة، وعفو فی قدرة، وطاعة فی نصیحة، وورع فی رغبة، وحرص فی جهاد، وصلاة فی شغل، وصبر فی شدة، وفی الهزاهز وقور، وفی المکاره صبور، وفی الرخاء شکور، لا یغتاب ولا یتکبر ولا یبغی، وإن بُغی علیه صبر، ولا یقطع الرحم ولیس بواهن ولا فظ ولا غلیظ، ولا یسبقه بصره، ولا یفضحه بطنه، ولا یغلبه فرجه ولا یحسد الناس، ولا یفتر ولا یبذر ولا یسرف، بل یقتصد، ینصر المظلوم، ویرحم المساکین، نفسه منه فی عناء والناس منه فی راحة، لا یرغب فی عز الدنیا، ولا یجزع من ألمها، للناس هم قد أقبلوا علیه، وله هم قد شغله، لا یری فی حلمه نقص، ولا فی رأیه وهن، ولا فی دینه ضیاع، یرشد من استشاره، ویساعد من ساعده، ویکیع من الباطل والخنا والجهل»(1).

فکل هذه الصفات التی یحتوی علیها المؤمن الحقیقی کانت تتمتع بها

ص:51


1- (1) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 2 ص 231.

السیدة المکرمة أم الإمام الصادق علیه السلام, کما کشف عن ذلک المعصوم علیه السلام بقوله إنّها ممن آمنت, وربما وصلت إلی مرتبة عالیة من الإیمان حتی جعلت الإمام علیه السلام أن یصفها بهذا الوصف العظیم, ولو صدر هذا من غیر المعصوم لقلنا إنّه یرید فی ذلک المبالغة أو غیرها ولکن بما أنّه صدر من المعصوم الذی لا ینطق إلا عن حقیقة وواقع بدون أی مبالغة ومراعاة, فقد یثبت أنه یکشف عن واقع فعلی تعیشه هذه السیدة الجلیلة.

شدة التقوی

بعد ما تجذّر فی أعماق السیدة أم فروة ونفسها الإیمان وتجاوزت فیه مرتبة عالیة حازت علی مرتبة التقوی التی تعد من المراتب القصوی فی مراتب الکمال وقد یعجز الإنسان الوصول إلیها إلا من خصه الله وحباه وسدده بعدما لاحظ منه الهدایة والإخلاص والطاعة والتزکیة وما شاکلها, فلا شک أنّ السیدة أم فروة قد طوت المقدمات التی تؤهلها لأن تصبح عضواً ممیزاً من المتقین وتتحمل أعباء هذه المرحلة بکل أطیافها, حیث یصعب لکل أحد تحملها حتی من المؤمنین الممیزین کما یتبین ذلک من وصف الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام حال المتقین وکیف مات السائل بمجرد سماع هذه الصفات, فقد روی أنّ صاحباً لأمیر المؤمنین علیه السلام یقال له همام کان رجلاً عابداً، فقال یا أمیر المؤمنین صف لی المتقین حتی کأنی أنظر إلیهم, فتثاقل علیه السلام عن جوابه ثم قال: یا همام اتق الله وأحسن فإن الله مع الذین اتقوا والذین هم محسنون، فلم یقنع همام بهذا القول حتی عزم علیه، فحمد الله وأثنی علیه وصلی علی النبی صلی الله علیه و آله ثم قال: «أما بعد،

ص:52

فإنّ الله سبحانه وتعالی خلق الخلق حین خلقهم غنیاً عن طاعتهم، آمناً من معصیتهم، لأنّه لا تضره معصیة من عصاه ولا تنفعه طاعة من أطاعه, فقسم بینهم معیشتهم، ووضعهم من الدنیا مواضعهم, فالمتقون فیها هم أهل الفضائل, منطقهم الصواب, وملبسهم الاقتصاد ومشیهم التواضع, غضوا أبصارهم عما حرّم الله علیهم، ووقفوا أسماعهم علی العلم النافع لهم, نزلت أنفسهم منهم فی البلاء کالتی نزلت فی الرخاء, ولولا الأجل الذی کتب لهم لم تستقر أرواحهم فی أجسادهم طرفة عین شوقاً إلی الثواب، وخوفاً من العقاب, عظم الخالق فی أنفسهم فصغر ما دونه فی أعینهم، فهم والجنة کمن قد رآها فهم فیها منعمون، وهم والنار کمن قد رآها فهم فیها معذبون, قلوبهم محزونة، وشرورهم مأمونة, وأجسادهم نحیفة، وحاجاتهم خفیفة، وأنفسهم عفیفة, صبروا أیاماً قصیرة أعقبتهم راحة طویلة, تجارة مربحة یسرها لهم ربهم, أرادتهم الدنیا فلم یریدوها وأسرتهم ففدوا أنفسهم منها, أما اللیل فصافون أقدامهم تالین لأجزاء القرآن یرتلونه ترتیلاً, یحزنون به أنفسهم ویستثیرون به دواء دائهم, فإذا مروا بآیة فیها تشویق رکنوا إلیها طمعا، وتطلعت نفوسهم إلیها شوقاً، وظنوا أنها نصب أعینهم, وإذا مروا بآیة فیها تخویف أصغوا إلیها مسامع قلوبهم وظنوا أن زفیر جهنم وشهیقها فی أصول آذانهم فهم حانون علی أوساطهم، مفترشون لجبابهم، وأکفهم ورکبهم وأطراف أقدامهم، یطلبون إلی الله تعالی فی فکاک رقابهم,

ص:53

وأما النهار فحلماء علماء، أبرار أتقیاء, قد براهم الخوف بری القداح ینظر إلیهم الناظر فیحسبهم مرضی وما بالقوم من مرض ویقول قد خولطوا ولقد خالطهم أمر عظیم, لا یرضون من أعمالهم القلیل, ولا یستکثرون الکثیر, فهم لأنفسهم متهمون, ومن أعمالهم مشفقون إذا زکی أحدهم خاف مما یقال له فیقول: أنا أعلم بنفسی من غیری وربی أعلم بی من نفسی, اللهم لا تؤاخذنی بما یقولون، واجعلنی أفضل مما یظنون، واغفر لی ما لا یعلمون... الخ». فصعق همام صعقة کانت نفسه فیها, فقال أمیر المؤمنین علیه السلام: أما والله لقد کنت أخافها علیه(1). ونحن عندما نذکر صفات المتقین هنا کی یتبین لنا منزلة هذه السیدة الجلیلة أم فروة, فإنّها من رموز المتقین, کما کشف عن ذلک المعصوم علیه السلام الذی ینطق عن الغیب, إنّها ممن آمنت واتقت, فعندما نعرف معانی التقوی نعرف من خلالها عظمة من تلبس بها والتی من مصادیقها أم الإمام الصادق علیه السلام.

من صفاتها الإحسان

من جملة الصفات التی کانت تتمتع بها فاطمة بنت القاسم (أم الإمام الصادق علیه السلام) هی صفة الإحسان, کما شهد لها بذلک المعصوم علیه السلام بقوله وکانت من المحسنین, واعتنت الشریعة فی مسألة الإحسان حتی وردت فی عدة آیات, منها قوله تعالی:(إِنَّ الْمُتَّقِینَ فِی جَنّاتٍ وَ عُیُونٍ * آخِذِینَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ

ص:54


1- (1) نهج البلاغة, خطب الإمام علی علیه السلام, ج 2 ص 160.

إِنَّهُمْ کانُوا قَبْلَ ذلِکَ مُحْسِنِینَ * کانُوا قَلِیلاً مِنَ اللَّیْلِ ما یَهْجَعُونَ * وَ بِالْأَسْحارِ هُمْ یَسْتَغْفِرُونَ * وَ فِی أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ)1. فأبان لنا هنا بعض صفات المحسنین من أنهم کانوا یتقون ربهم ویقومون أکثر اللیل یصلون له ویستغفرونه بالأسحار وأن فی أموالهم حق لمن یسألهم ومن لا یسألهم من المحوجین لذلک جزاهم بالجنات الخالدة والعیون الجاریة آخذیها من ربهم جزاء حسن أعمالهم، وهکذا رغب الله فی الإحسان کل محسن لیدوم علیه ویتصف به أمام ربه وأبناء نوعه وأسرته ونفسه وأنّ الله یکون دائماً مع المحسنین, لقوله تعالی:(وَ الَّذِینَ جاهَدُوا فِینا لَنَهْدِیَنَّهُمْ سُبُلَنا وَ إِنَّ اللّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِینَ)2. کما أعلن جل وعلا فی عدة آیات بأنه یحب المحسنین، منها قوله تعالی:(لَیْسَ عَلَی الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ جُناحٌ فِیما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَ آمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَ أَحْسَنُوا وَ اللّهُ یُحِبُّ الْمُحْسِنِینَ)3. وغیرها من الآیات الکثیرة التی تناولت مسألة الإحسان وبینت مدی قرب المحسنین من الله عزّ وجلّ ومکانتهم عنده تعالی, فالسیدة أم فروة کانت من أفاضل المحسنین حتی حظیت بمکانة عند الله وعند أولیائه, فعلاوة علی ما کانت تمتاز به من إیمان وتقوی وعلم وما إلیه فقد اتصفت بالإحسان وحظیت بالجزاء والتسدید والمحبة الإلهیة إلی آخر مطاف حیاتها.

ص:55

من صفاتها الروایة

لم تقتصر السیدة أم فروة (أم الصادق علیه السلام) علی العبادة والارتقاء المعنوی فی معزل عن الناس وعن خدمة الإسلام, بل کانت مع ذلک من الدعاة إلی طریق الحریة ونشر کلمة الحق فی ربوع المعمورة وشارکت الناس فی همومهم والعلماء فی علمهم والرواة فی روایاتهم, لذلک کانت من الرواة الذین نقل عنها المعصوم والذی یدل بذلک علی عظمتها وعلمها وضبطها, بل إنها حازت علی کل مقدمات الروایة.

فعندما ینقل عنها الإمام نفهم منه أنّها من أکابر الرواة الذین یعتمد ویؤخذ بقولهم, فجاء فی الکافی قال الإمام الصادق علیه السلام وقالت أمی: قال أبی: یا أم فروة إنی لأدعو الله لمذنبی شیعتنا فی الیوم واللیلة ألف مرة، لأنا نحن فیما ینوبنا من الرزایا نصبر علی ما نعلم من الثواب وهم یصبرون علی ما لا یعلمون(1).

وقد ذکر المسعودی فی کتاب الوصیة, کانت أم الصادق علیه السلام أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبی بکر وکان أبوها القاسم من ثقات علی بن الحسین وکانت من اتقی نساء زمانها وروت عن علی بن الحسین علیه السلام أحادیث.

وأیضا عدها البرقی ممن روی عن أبی عبد الله علیه السلام(2).

ص:56


1- (1) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 1 ص 472.
2- (2) معجم رجال الحدیث, السید الخوئی, ج 24 ص 205.
من صفاتها العلم

وأیضا لم تکن السیدة أم فروة راویة للحدیث فقط وتتمتع بمکانة معنویة رفیعة, بل کانت تُعد من العلماء الکبار تستقل بعلومها لاسیما فی معرفة أحکام الشریعة بما استلهمته من زوجها وأسرتها إضافة إلی البیت التی کانت تعیش فیه, حیث إنّ أسرة هذا البیت قد تربت وترعرعت علی معرفة علوم أهل البیت علیهم السلام حتی صاروا من ثقات الأئمة علیهم السلام ومن العلماء الکبار ولهم ترجمة حقیقیة بالولاء والطاعة, من هنا وردت نصوص تاریخیة وغیرها تدل علی مدی العلم والمعرفة عند السیدة أم الإمام الصادق علیه السلام, فقد جاء فی الکافی عن داود بن فرقد، عن عبد الأعلی قال: رأیت أم فروة تطوف بالکعبة علیها کساء متنکرة فاستلمت الحجر بیدها الیسری فقال لها رجل ممن یطوف: یا أمة الله أخطأت السنة، فقالت: إنا لأغنیاء عن علمک(1).

قالوا: یظهر أنّ الرجل من فقهاء العامة وکان المعروف بابن خربوذ(2), وکیف لا تستغنی عن فقه العامة امرأة زوجها باقر علوم الأولین والآخرین, وأبو زوجها الإمام زین العابدین علیه السلام, وابنها ینبوع العلم ومعدن الحکمة جعفر الصادق علیه السلام. وأیضا قد تقدم کیف کان یبعثها الإمام لقضاء حقوق أهل المدینة, فهذا یعبر عن مدی المستوی العلمی والأخلاقی التی تعیشه هذه السیدة العظیمة, فهی نالت المجد من طرفیة والفخر من جانبیه حتی جمعت بین الصفات الروحیة والمعنویة والمادیة.

ص:57


1- (1) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 4 ص 428.
2- (2) انظر: الأنوار البهیة, الشیخ عباس القمی, ص 15.

أم فروة وعاء وحاضنة للمعصوم

عندما یختارها الإمام شریکة لحیاته وأمینة علی نطفته لاسیما المعصوم والحجة من بعده, وهو یعلم أنّها ستکون الوعاء المناسب واللائق للمعصوم من الناحیة المعنویة والمادیة والحضن الرؤف الصالح, فهذا یکشف بحد ذاته عن مدی طهارتها وقربها من الله تعالی, فلما تزوجها الإمام الباقر علیه السلام وعمت الفرحة فی ربوع الأسرة الهاشمیة لم تمض فترة طویلة من اقترانها بالإمام محمد بن علی الباقر علیه السلام حتی حملت بالإمام الصادق علیه السلام وزادت الفرحة وعمت البشری فی أفراد الأسرة العلویة بالمولود الجدید، ولما أشرقت الأرض بنور ولادته سارعت القابلة لتزف البشری إلی أبیه فلم تجده فی البیت، وإنما وجدت جده الإمام زین العابدین علیه السلام، فهنأته بالمولود الجدید وأخبرته القابلة بأن له عینین زرقاوین جمیلتین، فتبسم الإمام علیه السلام وقال: إنه یشبه عینی والدتی وبادر الإمام السجاد علیه السلام إلی الحجرة فتناول حفیده فقبله، وأجری علیه مراسیم الولادة الشرعیة، فأذن فی أذنه الیمنی، وأقام فی أذنه الیسری, والبدایة المشرقة للإمام الصادق علیه السلام أن استقبله جده، الذی هو خیر أهل الأرض وهمس فی أذنیه نشید الولاء للإسلام الخالد.

واختلف الرواة فی تاریخ ولادته علیه السلام, فقیل إنه ولد (17) ربیع الأول عام (80 ه (وقیل عام (83 ه (وقیل بل ولد قبل هذین التاریخین, والراجح أنه ولد عام (80 ه. (واستشهد (25) شوال (148 ه -) وتوفی جده زین العابدین وهو یومئذ ابن (14) عاما وأدرک جده من أُمّه القاسم الذی توفی عام (108 ه (وللصادق من العمر (28) عاما(1).

ص:58


1- (1) انظر: شرح إحقاق الحق, السید المرعشی, ج 28 ص 513.

أولادها

ذکروا أنّ أولاد الإمام الباقر علیه السلام سبعة, الذکور خمسة: وهم الإمام الصادق علیه السلام وعبد الله الأفطح(1), أمهما أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبی بکر. وإبراهیم وعبید الله وعلی من غیرها. وکان عبد الله بن الإمام الصادق یشار إلیه بالفضل والصلاح. وروی أنه دخل علی بعض بنی أمیة فأراد قتله، فقال له عبد الله: لا تقتلنی أکن لله علیک عوناً، واترکنی أکن لک علی الله عوناً, فلم یقبل، وسقاه السم فقتله.

أما بناته علیه السلام فزینب وأم سلمة. وقیل: له بنت واحدة اسمها زینب وکنیتها أم سلمة. درجوا أولاده کلهم (أی ماتوا فی حیاته) إلا أولاد الصادق علیه السلام والعقب منه(2).

لکن قال العلامة الأمینی فی الغدیر مجموع أولاد أبی جعفر الباقر علیه السلام الذکور ستة باتفاق الفریقین ولم نجد فیما وقفنا علیه من تآلیف العامة والخاصة غیرهم, ثم ذکر الخمسة المذکورة والسادس زید(3).

ویؤید القول الأول ما جاء فی المناقب حیث قال جعفر الإمام وکان یکنی به، وعبد الله الأفطح من أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبی بکر، وعبد الله وإبراهیم من أم حکیم بنت أسد الثقفیة، وعلی وأم سلمة وزینب من أم ولد. ویقال: زینب

ص:59


1- (1) الفطح: عرض فی وسط الرأس والأرنبة حتی تلتزق بالوجه کالثور الأفطح، قال أبو النجم یصف الهامة: قبضاء لم تفطح ولم تکتل ورجل أفطح: عریض الرأس بین الفطح. انظر: لسان العرب, لابن منظور, ج 2 ص 545.
2- (2) انظر: مستدرک سفینة البحار, الشیخ علی النمازی الشاهرودی, ج 2 ص 400.
3- (3) انظر: الغدیر, العلامة الأمینی, ج 3 ص 273.

لام ولد أخری. ویقال: له ابنة واحدة وهی أم سلمة، درجوا کلهم إلا أولاد الصادق فقد تزوجها مولانا الباقر علیه السلام فولد له منها مولانا الصادق علیه السلام وعبد الله(1).

وابنها الإمام الصادق علیه السلام غنی عن التعریف، ورث المجد کابراً عن کابر، ومن أجدر بالإمام جعفر الصادق علیه السلام أن یفتخر بهذا النسب الرفیع المقدس، ویترنم بقول الفرزدق:

أولئک آبائی فجئنی بمثلهم إذا جمعتنا - یا جریر المجامع(2)

إیثارها بنفسها

حبها للمعصوم الابن وإیثارها بنفسها له لأجل إنقاذ حیاته یکشف عن بُعْدِ إیمانها بالله وطاعتها وإیمانها بحملة الرسالة المحمدیة, حیث ذکروا أن فی سنة تسعین من الهجرة انتشر مرض الجدری فی یثرب، فأصاب مجموعة کبیرة من الأطفال، وکان الإمام الصادق علیه السلام فی السنة السابعة أو العاشرة من عمره، فخافت علیه أمه من العدوی، ففرت به إلی الطنفسة من ریف المدینة, ولما استقرت السیدة (أم فروة) مع ابنها (الصادق) فقد أصیبت هی بهذا المرض دون أن تشعر به فی بادئ الأمر، فلما ظهرت علیها الأعراض، تنبهت إلی خطورة الموقف، ولم تهتم السیدة (أم فروة) بعلاج نفسها، وإنما کان همها الوحید إنقاذ ولدها (جعفر) فأبعدته عنها إلی مکان آخر، وأخذت تعانی آلام أعراض المرض، وسریانه فی جسمها ولما انتهی الخبر إلی الإمام الباقر علیه السلام، أوقف بحوثه ودروسه العلمیة

ص:60


1- (1) انظر: مناقب آل أبی طالب, ابن شهر آشوب, ج 3 ص 340.
2- (2) انظر: موسوعة المصطفی والعترة, الحاج الشاکری, ج 9 ص 16.

واتجه لعیادة زوجته، وقبل أن یغادر المدینة زار قبر جده رسول الله صلی الله علیه و آله ودعا الله تعالی أن ینقذ زوجته (أم فروة) من هذا المرض ولما انتهی إلیها عظم علیها مجیئه، وخافت علیه من العدوی، وشکرته علی تصدعه لزیارتها، والتفت إلیها الإمام وبشرها بالسلامة، قائلاً لقد دعوت الله عز وجل عند قبر جدی رسول الله صلی الله علیه و آله أن ینجیک من هذا المرض، وإنی واثق أن جدی لا یردنی، وسیقضی لی حاجتی، فثقی بأنک ستشفین من هذا المرض، وأنا أیضاً مصون منه إن شاء الله واستجاب الله دعاء ولیّه الإمام، فقد عوفیت السیدة (أم فروة) من مرضها، ولم یترک أی أثر علی جسمها. ومن الجدیر بالذکر: أنّ هذا المرض لا یصیب الکبار إلا نادراً، فإن أصابهم کان خطراً علی حیاتهم فلا ینجو منه إلا القلیل(1).

سبب تسمیة ولدها بالصادق

إنّ أهل البیت علیهم السلام کلهم مظهر الصدق والإحسان والعبادة والجود والعلم والهدی وکظم الغیظ وما إلی ذلک, ولکن ربما تظهر حادثة تتجلی بها هذه الصفة لأحد الأئمة علیهم السلام التی راهن عصرها کما روی عن رسول الله صلی الله علیه و آله أنه قال: إذا ولد جعفر بن محمد بن علی بن الحسین ابنی فسموه الصادق؛ فإنه یولد من ولد ابنه ولد یقال له جعفر الکذاب, ویل له من جرأته علی الله وتعدیه علی أخیه صاحب الحق، وإمام زمانه وأهل بیتی. فلأجل ذلک سمی الصادق(2).

وأیضا روی عن أبی خالد أنه قال: قلت لعلی بن الحسین علیهما السلام من الإمام

ص:61


1- (1) الإمام الصادق کما عرفه علماء الغرب, ص 89
2- (2) دلائل الإمامة, محمد بن جریر الطبری (الشیعی), ص 248. وانظر: علل الشرائع, الصدوق, ج 1 ص 234.

بعدک؟ قال: محمد ابنی یبقر العلم بقراً، ومن بعد محمد جعفر، اسمه عند أهل السماء الصادق، قلت: کیف صار اسمه الصادق؟ وکلکم الصادقون؟ فقال: حدثنی أبی، عن أبیه أن رسول الله صلی الله علیه و آله قال: إذا ولد ابنی جعفر بن محمد بن علی ابن الحسین بن علی بن أبی طالب فسموه الصادق، فإن الخامس من ولده الذی اسمه جعفر یدعی الإمامة اجتراءً علی الله، وکذباً علیه، فهو عند الله جعفر الکذاب، المفتری علی الله، ثم بکی علی بن الحسین علیهما السلام فقال: کأنی بجعفر الکذاب وقد حمل طاغیة زمانه علی تفتیش أمر ولی الله، والمغیب فی حفظ الله(1).

وأیضا یمکن أن یکون هناک مغزی آخر لتجلی هذه الصفة فی الإمام الصادق علیه السلام وهی أنّ فی عصره علیه السلام اختلف العلماء فی کثیر من المسائل الشرعیة وغیرها لاسیما بین المسلمین, حتی أنّ بعض تلامیذه اتخذوا فکراً آخر یختلف مما کان علیه المعصوم علیه السلام, بل ربما کانوا یخالفونه بکل شیء, فلازم أن یبین من هو الصادق فی القول ویستحق الإقتداء والإتباع لکی یکون سبیلاً للنجاة وطریقاً للسعادة, فأکد النبی صلی الله علیه و آله عندما لقبه بالصادق وأنه الصادق بالقول والعمل, حیث قال صلی الله علیه و آله: یقال له جعفر أصدق الناس قولاً وعملاً هو الإمام والحجة بعد أبیه, وذلک یکون حجة علی إتباعه وأنّه هو صاحب الحق وقوله الصدق وإتباعه إتباع لله ولرسوله, کما یتضح ذلک فی أدنی تأمل فی أحادیث النبی صلی الله علیه و آله التی سیأتی ذکرها, فإنّ الإمامیة تعتقد أنّ أسماء أهل البیت وألقابهم علیهم السلام کانت جمیعها من قبل النبی صلی الله علیه و آله وتحمل فی طیاتها معانی ودلالات.

ص:62


1- (1) کمال الدین وتمام النعمة, الصدوق, ص 320.

النبی یکشف عن أسماء الأئمة وألقابهم

ذکر المؤرخون وأصحاب الحدیث جملة من الروایات الواردة عن النبی صلی الله علیه و آله فی بیان أسماء وألقاب أهل البیت علیهم السلام إلی الإمام الثانی عشر, کما جاء فی کفایة الأثر عن الحسن علیه السلام قال: خطب رسول الله صلی الله علیه و آله یوماً فقال بعد ما حمد الله وأثنی علیه: معاشر الناس کأنی ادعی فأجیب، وإنی تارک فیکم الثقلین کتاب الله وعترتی أهل بیتی ما أن تمسکتم بهما لن تضلوا، فتعلموا منهم ولا تعلموهم فإنهم أعلم منکم، لا تخلو الأرض منهم، ولو خلت إذاً لساخت بأهلها. ثم قال صلی الله علیه و آله: اللهم إنی أعلم أن العلم لا یبید ولا ینقطع، وإنک لا تخلی أرضک من حجة لک علی خلقک ظاهر لیس بالمطاع أو خائف مغمور لکیلا تبطل حجتک ولا یضل أولیاؤک بعد إذ هدیتهم، أولئک الأقلون عدداً الأعظمون قدراً عند الله. فلما نزل عن منبره قلت: یا رسول الله أما أنت الحجة علی الخلق کلهم؟ قال: یا حسن إن الله یقول (إنما أنت منذر ولکل قوم هاد) فأنا المنذر وعلی الهادی. قلت: یا رسول الله فقولک إنّ الأرض لا تخلو من حجة؟ قال: نعم علی هو الإمام والحجة بعدی، وأنت الحجة والإمام بعده، والحسین الإمام والحجة بعدک، ولقد نبأنی اللطیف الخبیر أنه یخرج من صلب الحسین غلام یقال له علی سمی جده علی، فإذا مضی الحسین أقام بالأمر بعده علی ابنه وهو الحجة والإمام، ویخرج الله من صلبه ولداً سمیی وأشبه الناس بی علمه علمی وحکمه حکمی هو الإمام والحجة بعد أبیه، ویخرج الله تعالی من صلبه مولوداً یقال له جعفر أصدق الناس قولاً وعملاً هو الإمام والحجة بعد أبیه، ویخرج الله تعالی من صلب جعفر مولوداً [یقال

ص:63

له موسی] سمی موسی بن عمران علیه السلام أشد الناس تعبداً فهو الإمام والحجة بعد أبیه، ویخرج الله تعالی من صلب موسی ولداً یقال له علی معدن علم الله وموضع حکمه فهو الإمام والحجة بعد أبیه، ویخرج الله من صلب علی مولوداً یقال له محمد فهو الإمام والحجة بعد أبیه، ویخرج الله تعالی من صلب محمد مولوداً یقال له علی فهو الحجة والإمام بعد أبیه، ویخرج الله تعالی من صلب علی مولوداً یقال له الحسن فهو الإمام والحجة بعد أبیه، ویخرج الله تعالی من صلب الحسن الحجة القائم إمام شیعته ومنقذ أولیائه، ویغیب حتی لا یری فیرجع عن أمره ویثبت آخرون ویقولون (متی هذا الوعد إن کنتم صادقین)، ولو لم یبق من الدنیا إلا یوم واحد لطول الله عز وجل ذلک حتی یخرج قائمنا فیملأها قسطاً وعدلاً کما ملئت جوراً وظلماً، فلا تخلو الأرض، أعطاکم الله علمی وفهمی ولقد دعوت الله تبارک وتعالی أن یجعل العلم والفقه فی عقبی وعقب عقبی ومزرعی وزرع زرعی(1).

وفی خبر آخر عن أبی هریرة قال: کنت عند النبی صلی الله علیه و آله وأبو بکر وعمر والفضل بن العباس وزید بن حارثة وعبد الله بن مسعود إذ دخل الحسین بن علی علیه السلام فأخذه النبی صلی الله علیه و آله وقبله ثم قال: حزقة حزقة، ترق عین بقة، ووضع فمه علی فمه وقال: اللهم إنی أحبه فأحبه وأحب من یحبه، یا حسین أنت الإمام ابن الإمام أبو الأئمة، تسعة من ولدک أئمة أبرار. فقال له عبد الله بن مسعود: ما هؤلاء الأئمة الذین ذکرتهم فی صلب الحسین؟ فأطرق ملیاً ثم رفع رأسه فقال: یا عبد الله سألت عظیماً ولکنی أخبرک أنّ ابنی هذا (ووضع یده

ص:64


1- (1) کفایة الأثر, الخزاز القمی, ص 163.

علی کتف الحسین علیه السلام ) یخرج من صلبه ولد مبارک سمی جده علی علیه السلام یسمی العابد ونور الزهاد، ویخرج الله من صلب علی ولداً اسمه اسمی وأشبه الناس بی یبقر العلم بقراً وینطق بالحق ویأمر بالصواب، یخرج الله من صلبه کلمة الحق ولسان الصدق، فقال له ابن مسعود: فما اسمه یا رسول الله؟ قال: یقال له جعفر، صادق فی قوله وفعله، الطاعن علیه کالطاعن علی، والراد علیه کالراد علی، ثم دخل حسان بن ثابت وأنشد فی رسول الله صلی الله علیه و آله شعراً وانقطع الحدیث. فلما کان من الغد صلی بنا رسول الله صلی الله علیه و آله ثم دخل بیت عائشة ودخلنا معه أنا و علی بن أبی طالب وعبد الله بن العباس، وکان صلی الله علیه و آله من دأبه إذا سئل أجاب وإذا لم یسأل ابتدأ، فقلت له: بأبی أنت وأمی یا رسول الله ألا تخبرنی بباقی الخلفاء من صلب الحسین قال: نعم یا أبا هریرة، ویخرج الله من صلب جعفر مولوداً نقیاً طاهراً أسمر ربعة سمی موسی بن عمران، ثم قال له ابن عباس: ثم من یا رسول الله؟ قال: یخرج من صلب موسی علی ابنه یدعی بالرضا، موضع العلم ومعدن الحلم، ثم قال صلی الله علیه و آله، بأبی المقتول فی أرض الغربة، ویخرج من صلب علی ابنه محمد المحمود، أطهر الناس خلقاً وأحسنهم خلقاً، ویخرج من صلب محمد علی ابنه: طاهر الحسب صادق اللهجة، ویخرج من صلب علی الحسن المیمون النقی الطاهر الناطق عن الله. وأبو حجة الله، ویخرج الله من صلب الحسن قائمنا أهل البیت یملأها قسطاً وعدلاً کما

ص:65

ملئت جوراً وظلماً، له هیبة موسی وحکم داود وبهاء عیسی ثم تلا صلی الله علیه و آله: (ذُرِّیَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ). فقال له علی بن أبی طالب علیه السلام: بأبی أنت وأمی یا رسول الله من هؤلاء الذین ذکرتهم؟ قال یا علی: أسامی الأوصیاء من بعدک، والعترة الطاهرة، والذریة المبارکة، ثم قال صلی الله علیه و آله: والذی نفس محمدٍ بیده لو أن رجلاً عبد الله ألف عام ثم ألف عام ما بین الرکن والمقام ثم أتانی جاحداً لولایتهم لأکبه الله فی النار کائناً من کان(1).

وأیضا ما ذکره بن عیاش الجوهری المتوفی سنة (401 ه -) بسنده المعنعن إلی أبی سلمی, سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله یقول: لیلة اسری بی إلی السماء قال العزیز جل ثناؤه: آمن الرسول بما انزل إلیه من ربه قلت: والمؤمنون، قال: صدقت یا محمد من خلفت لامتک؟ قلت: خیرها، قال: علی بن أبی طالب؟ قلت: نعم، قال: یا محمد إنی اطلعت علی الأرض اطلاعة فاخترتک منها، فشققت لک اسماً من أسمائی، فلا أذکر فی موضع الا وذکرت معی، فانا المحمود وأنت محمد، ثم اطلعت فاخترت منها علیاً، وشققت له اسماً من أسمائی، فانا الأعلی وهو علی، یا محمد أنی خلقتک وخلقت علیاً وفاطمة والحسن والحسین من سن نوری، وعرضت ولایتکم علی أهل السماوات والأرضین، فمن قبلها کان عندی من المؤمنین، ومن جحدها کان عندی من الکافرین، یا محمد لو أن عبداً من عبادی عبدنی حتی ینقطع أو یصیر کالشن البالی، ثم أتانی جاحداً لولایتکم، ما غفرت له أو یقر بولایتکم یا محمد تحب ان تراهم؟ قلت: نعم یا رب فقال لی: التفت عن

ص:66


1- (1) الصراط المستقیم, علی بن یونس العاملی, ج 2 ص 140.

یمین العرش فالتفت وإذا بعلی وفاطمة والحسن والحسین، وعلی بن الحسین، ومحمد بن علی، وجعفر بن محمد، وموسی بن جعفر، وعلی بن موسی، ومحمد بن علی، وعلی بن محمد، والحسن بن علی، والمهدی فی ضحضاح من نور قیاماً یصلون، وهو فی وسطهم - یعنی المهدی - کأنه کوکب درّی فقال: یا محمد؟ هؤلاء الحجج وهو الثائر من عزتک، وعزتی وجلالی إنّه الحجة الواجبة لأولیائی، والمنتقم من أعدائی(1).

ولدنی أبو بکر مرتین

اشارة

بما أنّ (أم فروه) فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبی بکر کانت أم الصادق علیه السلام, وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبی بکر, فیکون هذا معنی قول الصادق علیه السلام: إنّ أبا بکر ولدنی مرتین(2), حیث إنّ أُمه علیه السلام تتصل بأبی بکر من جهة الأب ومن جهة الأم, لأنّ أباها القاسم حفید أبی بکر, وأمها أسماء حفیدة أبی بکر کذلک. وقد تقدم توضیح ذلک مفصلاً.

وهذا الاتصال من الإمام علیه السلام بأبی بکر من جهة الأم بهذا النحو لا غبار علیه وانّه واقع فعلاً, ولکن الکلام فی صدور الحدیث عن لسان الإمام الصادق علیه السلام وعدمه, فیقع الکلام من هذه الناحیة فی مقامین, نذکرهما علی سبیل الاختصار والإیجاز لأنّ ذلک لیس مورد بحثنا, فالمقام الأول: من الناحیة السندیة. والمقام الثانی: ومن الناحیة الدلالیة.

ص:67


1- (1) مقتضب الأثر, أحمد بن عیاش الجوهری, ص 11.
2- (2) أعیان الشیعة, السید محسن الأمین, ج 8 ص 390.
المناقشة فی سند الروایة

أمّا المقام الأول من مناقشة الحدیث فتکون من جهة السند, فإن هذا الحدیث ینتهی إلی مسند الکوفة, محمد بن الحسین الحنینی، قال: حدثنا عبد العزیز بن محمد الأزدی، قال: حدثنا حفص بن غیاث، قال: سمعت جعفر بن محمد یقول: ما أرجو من شفاعة علی شیئاً إلا وأنا أرجو من شفاعة أبی بکر مثله، ولقد ولدنی مرتین(1).

وهذا الطریق من السند لیس بالسلیم ولا تقوم به حجة, کما یتضح ذلک من القوم أنفسهم, حیث إنّ المتفرد بروایته عن حفص بن غیاث, هو عبد العزیز بن محمد الأزدی, وهو فیه جهالة کما نص علیه جملة من علماء العامة, من جملتهم الذهبی حیث قال: عبد العزیز بن عبدالله الأصم (شیخ للحنینی) فیه جهالة, وقیل: عبد العزیز بن محمد(2).

وأیضا الحافظ ابن حجر قال: قال ابن القطان عبد العزیز لا یعرف, سواء کان عبد العزیز بن عبدالله (کما قال البزاز) أو عبد العزیز بن محمد (کما قال قاسم ابن محمد)(3). ثم إنّهم جعلوا ضابطة فی الأخذ بروایة من کانت حالته کذلک من الرواة, أن ینظر هل وافقه علیه أحد ممن یؤخذ بروایته أم لا, حیث قالوا: إنّ المجهول لا یخلو من أن یکون حدیثه معروفاً أو منکراً، فإن کان معروفاً فجهالته لا تضر، وإن کان منکراً وعرف تفرده به فهو (أی المجهول) ضعیف محقق الضعف حتی لو رفعت جهالته العینیة بروایة اثنین فصاعداً عنه، أو لم ترفع، فهو

ص:68


1- (1) تهذیب الکمال, المزی, ج 5 ص 81.
2- (2) میزان الاعتدال فی نقد الرجال, الذهبی, ج 2 ص 630.
3- (3) لسان المیزان, الحافظ ابن حجر, ج 4 ص 32.

ضعیف مجروح خارج من حیز المجاهیل إلی حیز الضعفاء المحقق ضعفهم, وبهذا الضابط یعرف المتأخرون ضعف الراوی المتقدم عنهم، أو ثقته، مع أنهم لم یروه ولم یعاشروه، بل یتکلمون فی الرواة المتقدمین عنهم بمئات السنین(1).

والأزدی هذا أولاً أنّه مجهول کما تقدم, وثانیاً لم یوافقه أحد من الرواة مطلقاً, لا من الثقات ولا غیرهم, فعلیه لا یصح الاستناد إلی کلامه, بالإضافة إلی ذلک أنّ شیخه حفص بن غیاث النخعی کان قد ساء حفظه, کما ذکر ذلک مجموعة من علمائهم, کما قال داود بن رشید: حفص کثیر الغلط (2). وأیضا سئل أحمد عن حفص قال: کان یخلط فی حدیثه(3). فمن هذا وذاک ثبت أن هذه الروایة ساقطة عن الاعتبار والقبول من ناحیة السندیة, ولا نرید أن نسهب فی الموضوع؛ لأنه لیس هدف بحثنا کما هو واضح.

إن قیل: إنّ علماء الشیعة قد نقلوا هذا الحدیث فی کتبهم, ولم ینفرد به علماء الجمهور؟ قلنا: إنّهم إنما نقلوه من کتب مخالفیهم, وأول من ذکره أبو الفتح الأربلی قدس سره(4), نقلاً عن کتاب (معالم العترة النبویة) لعبد العزیز بن الأخضر الجنابذی الحنبلی, ثم کل من جاء بعده من متقدمی أصحابنا ومتأخریهم إنما أخذ ذلک من کتابه, فهو لم یثبت عندنا وإنما هو منقول من طریق العامّة.

ص:69


1- (1) راجع: الکاشف فی معرفة من له روایة فی کتب الستة, الذهبی, ج 1 ص 26.
2- (2) راجع: تاریخ الإسلام, الذهبی, ج 13 ص 154.
3- (3) سیر أعلام النبلاء, ابن حجر, ج 9 ص 31. وأیضا: دفع شبه التشبیه بأکف التنزیه, أبو الفرج عبد الرحمن ابن الجوزی الحنبلی, ص 251.
4- (4) کشف الغمة فی معرفة الأئمة, أبو الفتح الأربلی, ج 2 ص 373.
المناقشة فی الدلالة

أمّا المقام الثانی فیکون النقاش فیه من الناحیة الدلالیة, فلو تنزلنا وسلما وأغضضنا النظر عن سندها فلا ریب أنّ هذا الحدیث جاء فی مورد التقیة لا مورد الجد وبیان الواقع, وذلک لدفع ضرر سواء کان علی الإمام علیه السلام أو علی شیعته, والتقیة أمر ثابت فی القرآن والسنة کما هو ثابت فی محله. أمّا الدلیل الذی یدل علی کون هذا الکلام صدر من الإمام علیه السلام تقیة أمران:

الأول: کون المخاطب به هو حفص بن غیاث النخعی قاضی بغداد, ثم قاضی الکوفة, وکان یقال: «ختم القضاء بحفص»(1). ولا ریب أنّ من کان هذا شأنه عند قومه وعند السلطان, فإنّه ممن یُتقی منه بمثل هذا الکلام.

الثانی: أنّ أهل البیت علیهم السلام شفعاء دار البقاء, کما ثبت فی محله بالأدلة القاطعة, فکیف یصح أن یرتجی شفاعة غیره, مع أنّه کیف یمکن ترک رجاء شفاعة جده صلی الله علیه و آله والتی ثبتت له أولاً وبالذات دون الخلق أجمعین, کما تواتر عند الفریقین, عنه صلی الله علیه و آله: أعطیت خمساً لم یعطهن أحد قبلی... وأعطیت الشفاعة(2). ویرتجی شفاعة غیره.

الثالث: أنّ الشفاعة لا تقع للأنساب بما هی, حتی لو کان هذا الأب أو الجد أو غیرهما من الأنبیاء أو الخواص, فالنسب لیس مقیاس بالقانون الإلهی ولا یغنی ولا یقرب, کما صرح به تعالی:(فَإِذا نُفِخَ فِی الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَیْنَهُمْ یَوْمَئِذٍ

ص:70


1- (1) راجع: تذکرة الحفاظ, الذهبی, ج 1 ص 297. تهذیب التهذیب, ابن حجر, ج 1 ص 568.
2- (2) راجع: صحیح البخاری, ج 1 ص 86. وصحیح مسلم, مسلم النیسابوری, ج 2 ص 63, وغیرهم.

وَ لا یَتَساءَلُونَ)1.

ولذلک أنّ بعض العلماء قد حمله علی التقیة کما ورد عن التستری رحمه الله حیث یقول: حاشا عن الإمام الصادق علیه السلام أن یستدل من غیر ضرورة تقیة...(1).

الرابع: أنّ هذا الحدیث لو سلمنا ثبوته لم یکن بهذا الشکل من النقل, بل ما ثبت عند محدثینا وغیرهم خالٍ من کلام رجاء الشفاعة وإنما فقط یتحدث عن واقع النسب وهو (ولدنی أبو بکر مرتین)(2). ولا أحد ینکر هذا الواقع بحد ذاته من دون أنّ یحمل أبعاداً أخر, لذلک نجد البعض کالسید المرعشی رحمه الله قد قلل من أهمیة هذا الحدیث وأنّه لا یشیر إلی منزلة أحد لا من بعید ولا من قریب وإنما مجرد بیان نسب من جهة الأم, وفی نفس الوقت دفع ضرر, فقد ذکر رحمه الله: وإنما المذکور فیه فی باب أحواله ومناقبه مجرد قوله: ولقد ولدنی أبو بکر مرتین، ولا إشعار لسوقه هناک أیضاً بما یفید الثناء والتعظیم, بل الظاهر أنّه ذکر ذلک عند تفصیل حال الآباء والأمهات من غیر إرادة الافتخار والمباهات... مع أن سوق الحدیث المذکور صریح فی صدوره علی وجه التقیة، إذ الظاهر کون ما روی عنه علیه السلام جواباً عن سؤال من اتهمه بسب أبی بکر، ودفع تلک التهمة لم یمکن بأدنی من ذلک کما لا یخفی، مع أن کلامه علیه السلام قد وقع علی أسلوب جوامع الکلم... الخ(3).

ص:71


1- (2) الصوارم المهرقة, الشهید نور الله التستری, ص 253.
2- (3) انظر: عمدة الطالب, ابن عنبة, ص 195. وبحار الأنوار, المجلسی, ج 29 ص 651, وغیرهم. وأمّا مصادر المخالفین: تهذیب الکمال, المزی, ج 5 ص 75. تهذیب التهذیب, ابن حجر, ج 2 ص 88.
3- (4) راجع: شرح إحقاق الحق, السید المرعشی, ج 1 ص 67.

وفاتها ومحل قبرها

لم یصل إلینا من کتب التاریخ أو کتب الحدیث بیان زمان وفاة السیدة فاطمة بنت القاسم علیها السلام, ولا بیان محل قبرها, ولکن یمکن أن نتصید ذلک من بعض الروایات أنّها بقیت إلی ما بعد حیاة زوجها الإمام الباقر علیه السلام, وأدرکت إمامة ابنها الإمام الصادق علیه السلام فترة من الزمن, کما تشر الروایة التی تقدم ذکرها, أنها کانت تعین الإمام الصادق علیه السلام فی قضاء حوائج أهل المدینة, فقد جاء عن أبی الحسن علیه السلام قال: کان أبی یبعث أمی وأم فروة تقضیان حقوق أهل المدینة(1). فنفهم من ذلک أنّ الإمام الصادق علیه السلام بعدما تحولت إلیه أدارة الأمة وشؤون الإمامة أخذ یستعین بالکوادر الکفوءة والنزیهة والتی من جملتهم زوجته حمیدة المصفاة, وأمه أم فروة علیهما السلام, فهذا مؤشر علی أنها عاصرت ابنها الإمام الصادق علیه السلام فی حال إمامته فترة من الزمن بقوة وافیة واستعداد کامل, کما یظهر من الروایة من القیام بهذا العمل الذی من شأنه ذلک, وقد فارقت الحیاة بعد ذلک فی هذه الفترة من إمامة الإمام علیه السلام. ولا ینبغی التردید من أنّ المراد أم فروة زوجته أو ابنته؛ وذلک, أولاً: لم تکن للصادق علیه السلام بنت قد اشتهرت بهذا اللقب, وربما نسبها البعض به من الوهم أو التصحیف. وثانیاً: أنّ هذا اللقب (أم فروة) مشهور عند الخاصة والعامة بأُم الإمام الصادق علیه السلام, حتی علی لسان المعصوم علیه السلام لاسیما زوجها الباقر علیه السلام کما مرّ فی روایة الکافی قال الإمام الصادق علیه السلام وقالت أمی: قال أبی: یا أم فروة إنی لأدعو الله لمذنبی شیعتنا فی الیوم واللیلة ألف مرة... الخ.

ص:72


1- (1) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 4 ص 428.

ولکن هناک روایة صریحة الدلالة تذکر أنّها علیها السلام توفیت فی حیاة زوجها الإمام الباقر علیه السلام, وحینئذ کان الإمام الصادق علیه السلام (ابنها) غلاماً, کما جاء ذلک عن ابن فضال، عن أبی جمیلة، عن محمد بن علی الحلبی قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام: الرجل یستأذن علی أبیه؟ قال: نعم، قد کنت أستأذن علی أبی ولیست أمی عنده إنما هی امرأة أبی توفیت أمی وأنا غلام وقد یکون من خلوتهما مالا أحب أن أفجأهما علیه ولا یحبان ذلک منی، السلام أصوب وأحسن(1). إلا أنّ هذه الروایة ضعیفة السند بأبی جمیلة, فإنّه یروی ممن عرف بالکذب(2).

وأمّا محل قبرها, فأیضا یمکن أن نستفیده (علی القول الأرجح) من أحوال ابنها الإمام الصادق علیه السلام, فقد ثبت أنّها عاشت أواخر عمرها مع ابنها الصادق علیه السلام, مع أنها حینذاک تمارس نشاطها التبلیغی فی المدینة المنورة, وأیضا کان الإمام مستقره ومثواه فی المدینة المنورة إلی أن وافاه الأجل ودفن فی المقبرة المعروفة لأهل البیت علیهم السلام واتباعهم فی البقیع, فاحتمال قوی أنها دفنت مع زوجها الإمام الباقر علیه السلام فی البقیع, فیکون محل قبرها علیها السلام البقیع مع أئمة أهل البیت علیهم السلام الذین دفنوا بالبقیع. وهذا أیضاً یثبت علی القول من أنّها فارقت الحیاة فی زمان زوجها, فکذلک الإمام الباقر علیه السلام لم یتخذ سکناً غیر مدینة جده. نعم إلا أن نقول قد وافاها الأجل فی سفر من اسفارها إلی مکة بقصد الحج أو التبلیغ, وهذا قلیل الوقوع.

ص:73


1- (1) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 4 ص 428.
2- (2) انظر: مبانی تکملة المنهاج, السید الخوئی, ج 2 ص 284. وکتاب النکاح, ج 1 ص 108.

ص:74

الفصل الثامن: حمیدة بنت صاعد البربری أم الإمام الکاظم علیهما السلام

اشارة

ص:75

ص:76

اسمها ونسبها

السیدة حمیدة بنت صاعد البربری، ویقال: إنّها أندلسیة, أو قل هی من أهالی المغرب بین حدود أفریقیا والأندلس. وهی أم ولد تکنی لؤلؤة, والأصح أنها تکنی أم محمد, ولؤلؤة لقب من ألقابها علیها السلام کما سیأتی. أمّا أخوها فقد ذکروا أنّه صالح بن صاعد البربری.

وعن ابن شهر آشوب ذکر عن أعلام الوری أنّ قال: أمه أم ولد یقال لها حمیدة البربریة, ویقال لها حمیدة المصفاة. وفی المناقب: أمه حمیدة المصفاة ابنة صاعد البربری ویقال إنّها أندلسیة(1).

من ألقاب السیدة حمیدة

ولها ألقاب کثیرة تحکی عن معانی اختزلت فی ذات السیدة حمیدة علیها السلام کما کشف عن ذلک المعصوم علیه السلام. فمن جملة ألقابها: المحمودة, کما وسمها الإمام الصادق علیه السلام بذلک حینما قال لها أنت حمیدة فی الدنیا محمودة فی الآخرة, وقیل وسمها بذلک الإمام الباقر علیه السلام أیضاً کما سیأتی فی محله, ویمکن الجمع فی

ص:77


1- (1) انظر: مناقب آل أبی طالب, ابن شهر آشوب, ج 3 ص 437.

ذلک من أن صدور هذا اللقب صدر من کلا الإمامین علیهما السلام, کما یتضح من خلال ذکر الروایات فی هذا المجال.

وأیضاً من ألقابها, المصفاة, کما لقبها أیضاً الإمام الصادق علیه السلام بذلک حینما قال حمیدة مصفاة من الأدناس کسبیکة الذهب... الخ. فأخذوا یسمونها حمیدة المصفاة. بمعنی أنّها خالیة ونزیهة وخالصة من کل الشوائب المعنویة والمادیة, وقد خلصت وصفت نفسها لله وحده. ومن ألقابها أیضاً المهذبة, وهذه الصفة إمّا أنّ تعطی معنی المصفاة من عموم الأرجاس والأدناس وتکون مرادفة لها, وإمّا المراد من هذه الصفة التهذیب فی أخلاقها ومنطقها وکلامها وما إلیه. کما جاء فی اللغة: التهذیب کالتنقیة. ورجل مهذب، أی مطهر الأخلاق(1). ومن ألقابها لؤلؤة, وهی الدرة, ویمکن أن یکون هذا اللقب له صلة فی مظهرها المادی أنّها تشع وتضیء, کما جاء: کوکب دری أی ثاقب ومضیء(2). وتلقب بأنّها سیدة الإماء. فکل هذه الألقاب تشیر إلی صفات تجسدت فی کیان السیدة الجلیلة حمیدة المصفاة أم الإمام الکاظم علیه السلام. لذلک قالوا إنها کانت من أشراف العجم.

البرابرة فی سطور

بما أنّ انتساب السیدة حمیدة یرجع إلی البرابرة بحسب المشهور فیجدر بنا هنا أن نلقی نظرة مقتضبة حول بیان هذا النسب فنقول:

البربرة فی اللغة: کثرة الکلام والجلبة باللسان، وقیل الصیاح والتخلیط فی

ص:78


1- (1) راجع: الصحاح, الجوهری, ج 1 ص 237.
2- (2) راجع: لسان العرب, ابن منظور, ج 4 ص 282.

الکلام مع غضب ونفور. وفی حدیث علیٍّ علیه السلام لما طلب إلیه أهل الطائف أن یکتب لهم الأمان علی تحلیل الزنا والخمر، فامتنع، قاموا ولهم تذمرٌ وبربرة. وفی حدیث أحد: فأخذ اللواء غلام أسود فنصبه وبربر. یقال: بربر الرجل، إذا هذا فهو بربار، کصلصال، مثل ثرثر فهو ثرثار. وقال الفراء: البربری: الکثیر الکلام بلا منفعة، وقد بربر فی کلامه بربرة، إذا أکثر. ودلو بربار. لها فی الماء بربرة، أی صوت فی الماء، قال رؤبة:

أروی ببربارین فی الغطماط إفراغ ثجاجین فی الأغواط (1)

والبربر فی الاصطلاح: جیل من الناس لا تکاد قبائله تنحصر، کما قاله ابن خلدون فی التاریخ، وفی الروض للسهیلی: أنّهم والحبشة من ولد حام، وفی المصباح أنّه معرب، وقیل: إنهم بقیة من نسل یوشع بن نون من العمالیق الحمیریة، وهم رهط السمیدع، وإنه سمع لفظهم، فقال: ما أکثر بربرتکم، فسموا البربر(2). وقیل غیر ذلک. البرابرة، زادوا الهاء فیه، إما للعجمة، وإما للنسب وهو الصحیح. قال الجوهری: وإن شئت حذفتها، وهم أی أکثر قبائلهم بالمغرب فی الجبال، من سوس وغیرها، متفرقة فی أطرافها، وهم زنانة وهوارة وصنهاجة ونبزة وکتامة ولواته ومدیونة وشباته، وکانوا کلهم بفلسطین مع جالوت، فلما قتل تفرقوا.

وأیضا بربر: أمة أخری، وبلادهم بین الحبوش والزنج، علی ساحل بحر الزنج وبحر الیمن، وهم سودان جداً، ولهم لغة برأسها لا یفهمها غیرهم،

ص:79


1- (1) راجع: لسان العرب, ابن منظور, ج 4 ص 56.
2- (2) انظر: تاریخ ابن خلدون, ج 6 ص 93.

ومعیشتهم من صید الوحش، وعندهم وحوش غریبة لا توجد فی غیرها، کالزرافة والکرکدن والببر والنمر والفیل، وربما وجد فی سواحلهم العنبر، وهم الذین یقطعون مذاکیر الرجال ویجعلونها مهور نسائهم وقال الحسن بن أحمد بن یعقوب الهمدانی: وجزیرتهم قاطعة من حد ساحل أبین، ملتحقة فی البحر بعدن، من نحو مطالع سهیل إلی ما یشرق عنها، وفیما حاذی منها عدن وقابله جبل الدخان، وهی جزیرة سقوطری، مما یقطع من عدن ثابتاً علی السمت، وکلهم من ولد قیس عیلان.

وقال البلاذری: حدثنی بکر بن الهیثم قال: سألت عبد الله بن صالح عن البربر، فقال: هم یزعمون أنهم من ولد بر بن قیس عیلان، وما جعل الله لقیس من ولد اسمه بر.

وقال أبو المنذر: هم من ولد فاران بن عملیق بن یلمع بن عابر بن سلیخ بن لاوذ بن سام بن نوح، والأکثر الأشهر أنهم من بقیة قوم جالوت، وکانت منازلهم فلسطین، فلما قتل جالوت تفرقوا إلی المغرب. أو هم بطنان من حمیر: صنهاجة وکتامة، صاروا إلی البربر أیام فتح والدهم أفریقش الملک ابن قیس بن صیفی بن سبأ الأصغر، کانوا معه لما قدم المغرب، وبنی أفریقیة فلما رجع إلی بلاده تخلفوا عنه عمالاً له علی تلک البلاد، فبقوا إلی الآن وتناسلوا(1).

وعن صاحب القاموس: البرابرة، وهم بالمغرب، وأمة أخری بین الحبوش والزنج، یقطعون مذاکیر الرجال ویجعلونها مهور نسائهم، وکلهم من ولد قیس

ص:80


1- (1) راجع: تاج العروس, الزبیدی, ج 6 ص 73. ومعجم البلدان, الحموی, ج 1 ص 368.

عیلان، أو هم بطنان من حمیر صنهاجة وکتامة، صاروا إلی البربر أیام فتح أفریقش الملک إفریقیة(1).

اقتران السیدة حمیدة بالإمام الصادق علیه السلام

الروایات الواردة عن أهل البیت علیهم السلام والتی تذکر کیفیة اختیار أم المعصوم وما تحیطها من رعایة إلهیة وحراسة ربانیة بحیث یکون أمرها وأمر زواجها بید الله عزّ وجل, والمعصوم یتحرک تحت أفق الغیب فی کثیر من المسائل لاسیما المصیریة والتی تتوقف علیها بعض المسائل التکوینیة, کما یتضح هذا المضمون من خلال الروایات الواردة فی اختیار أمهات الأئمة علیهم السلام ومن جملتهن اختیار حمیدة المصفاة أمّ الإمام الصادق علیه السلام, فقد روی عن ابن عکاشة الأسدی قال للباقر علیه السلام: لم لا تزوج الصادق علیه السلام؟ قال: وبین یدیه صرة مختومة, أما إنه سیجیء نخاس من أهل بربر فینزل دار میمون، فنشتری له بهذه الصرة جاریة، قال: فأتی لذلک ما أتی، فدخلنا یوماً علی أبی جعفر علیه السلام فقال: ألا أخبرکم عن النخاس الذی ذکرته لکم قد قدم، فاذهبوا فاشتروا بهذه الصرة منه جاریة، قال: فأتینا النخاس فقال: قد بعت ما کان عندی إلا جاریتین مریضتین إحداهما أمثل من الأخری، قلنا: فأخرجهما حتی ننظر إلیهما فأخرجهما، فقلنا: بکم تبیعنا هذه المتماثلة قال: بسبعین دیناراً قلنا أحسن قال: لا أنقص من سبعین دینار، قلنا له نشتریها منک بهذه الصرة ما بلغت ولا ندری ما فیها وکان عنده رجل أبیض الرأس واللحیة قال: فکوا وزنوا، فقال النخاس:

ص:81


1- (1) القاموس المحیط, الفیروز آبادی, ج 1 ص 370.

لا تفکوا فإنها إن نقصت حبة من سبعین دیناراً لم أبعکم فقال الشیخ: ادنوا، فدنونا وفککنا الخاتم ووزنا الدنانیر فإذا هی سبعون دیناراً لا تزید ولا تنقص, فأخذنا الجاریة فأدخلناها علی أبی جعفر علیه السلام وجعفر قائم عنده, فأخبرنا أبا جعفر بما کان، فحمد الله وأثنی علیه ثم قال لها: ما اسمک؟ قالت: حمیدة، فقال حمیدة فی الدنیا، محمودة فی الآخرة، أخبرینی عنک أبکر أنت أم ثیب؟ قالت: بکر قال: وکیف ولا یقع فی أیدی النخاسین شیء إلا أفسدوه، فقالت: قد کان یجیئنی فیقعد منی مقعد الرجل من المرأة فیسلط الله علیه رجلاً أبیض الرأس واللحیة فلا یزال یلطمه حتی یقوم عنی، ففعل بی مراراً وفعل الشیخ به مراراً فقال: یا جعفر خذها إلیک, فولدت له خیر أهل الأرض الکاظم(1).

وعن جابر قال: قال لی أبو جعفر علیه السلام: قدم رجل من المغرب معه رقیق، ووصف لی صفة جاریة معه، وأمرنی بابتیاعها بصُرَّةٍ دفعها إلیّ، فمضیت إلی الرجل، فعرض علیَّ ما کان عنده من الرقیق، فقلت: بقی عندک غیر ما عرضت علی؟ فقال: بقیت جاریة علیلة، فقلت: أعرضها علیَّ فعرض حمیدة، فقلت له: بکم تبیعها؟ فقال: بسبعین دیناراً، فأخرجت الصرة إلیه، فقال النخاس: لا إله إلا الله؟ رأیت البارحة فی النوم رسول الله صلی الله علیه و آله وقد ابتاع منی هذه الجاریة بهذه الصرة بعینها, فتسلمت الجاریة وصرت بها إلی أبی جعفر علیه السلام فسألها عن اسمها، فقالت: حمیدة، فقال: حمیدة فی الدنیا، محمودة فی الآخرة، ثم سألها عن خبرها، فعرفته أنها بکر، فقال لها: أنّی یکون ذلک وأنت جاریة کبیرة؟

ص:82


1- (1) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 1 ص 476.

فقالت: کان مولای إذا أراد أن یقرب منی أتاه رجل فی صورة حسنة، فیمنعه أن یصل إلی، فدفعها أبو جعفر علیه السلام إلی أبی عبد الله علیه السلام وقال: حمیدة سیدة الإماء، مصفاة من الأرجاس کسبیکة الذهب ما زالت الأملاک تحرسها حتی أدیت إلی کرامة الله عز وجل(1). والإمام علیه السلام یسألها عن حالها؛ لکی یُعرّف الناس مدی منزلة أم المعصوم علیه السلام عند الله, ورعایة ید الغیب لها, وإلا الإمام علیه السلام عالم بحالها وما جری لها.

حمیدة الزوجة الأولی للمعصوم علیه السلام

یظهر من قصة زواج السیدة حمیدة من الإمام الصادق علیه السلام هی الزوجة الأولی وأول امرأة تصبح شریکة لحیاته, حیث کان الإمام الباقر علیه السلام ینتظر مجیئها فی قوافل النخاسین, وهو یدل علی أنّ هناک أمراً ألزم الإمام فی انتظار مجیئها وتزویجها من ابنه, فهی تلک المرأة التی تتوافق مع مقتضیات الإمامة من وعاء وغیره, فقد روی عن ابن عکاشة الأسدی قال للباقر علیه السلام: لم لا تزوج الصادق علیه السلام؟ فقال: وبین یدیه صرة مختومة, أما إنّه سیجیء نخاس من أهل بربر فینزل دار میمون، فنشتری له بهذه الصرة جاریة... الخ, فلو کان الإمام الصادق علیه السلام متزوجاً لما صح هذا السؤال من ابن عکاشة الأسدی, وکذلک لتغیر جواب الإمام الباقر علیه السلام.

وأیضا نستفید من هذه الروایة أن الإمام الباقر علیه السلام قد کُلّف بمهمة یلزمه

ص:83


1- (1) دلائل الإمامة, محمد بن جریر الطبری (الشیعی), ص 308.

أداؤها وهی زواج ابنه من هذه المرأة بالذات, وهذا التکلیف یجری فی أفق الغیب خارج عن الادراکات الحسیّة, فالإمام علیه السلام کان ینظر من جانب غیبی وأصحابه ینظرون من جانب آخر, لذلک أبان لهم الإمام الباقر علیه السلام کیفیة زواج ابنه علیه السلام من هذه الجاریة التی ستأتی فی الأیام القلائل الآتیة حتی أنه عزل أموالها وقد ختمها؟.

والعجیب هنا أنّ السائل سأل الإمام الباقر علیه السلام لماذا لا تزوج الصادق علیه السلام, فمنطوق السؤال هو التزویج لیس التملیک, وما أکثر الجواری حینذاک فهی لیست بعیدة عن متناول ید الإمام الصادق علیه السلام وإنما کانت فی متناول الأیدی, لکن نلاحظ أنّ فحوی جواب الإمام الباقر علیه السلام هو شراء جاریة بهذه الأموال المعینة التی کانت أمامه فی صرة, والأعجب أنّ أصحابه ومن جملتهم السائل لم یستوضحوا من الإمام علیه السلام بل اقتنعوا بالجواب ونفذوا أوامر الإمام علیه السلام, فیمکن أنّ نفهم من کل ذلک أن مسألة اقتران حمیدة بالإمام الصادق علیه السلام هی بطریقة الزواج المتعارف (کما هو الحال فی باقی أمهات الأئمة) وأنّها بمثابة المرأة الحرة ولو أجبرتها الظروف أن یکون حالها مع الجواری بید النخاسین وتباع وتشتری لکن هی فی الواقع عاشت وتربت تحت الظل الإلهی والرعایة الربانیة إلی أن وصلت مثواها الذی أعدت له, فهی لا تعد جاریة کغیرها ولو کان یُنظر إلیها کذلک, وربما الإمام الباقر علیه السلام بیّن لأصحابه حال السیدة حمیدة علیها السلام ومکانتها وأنها هی ستکون شریکة حیاة ابنه الصادق علیه السلام وترزق منه الحجة بعده فلم یبدوا اعتراضاً أو توضیحاً.

ص:84

اهتمامها بزوجها الصادق علیه السلام

قد أصبحت هذه السیدة الجلیلة زوجة لحجة الله بعد أبیه وکانت تعتنی بشأنه وخدمته وتلبیة حاجاته ووقفت معه فی البأساء والضراء, فلم یقتصر اهتمامها علی أولادها فقط بل کانت تعتنی بکل احتیاجات زوجها وإمامها وتقدم له ما یسعده, حتی أنّه علیه السلام یذکر موقفاً من خدمتها له حیث یقول: «ولقد آذانی أکل الخل والزیت حتی أن حمیدة أمرت بدجاجة فشویت فرجعت إلی نفسی»(1).

تکامل صفات السیدة حمیدة

تتمتع حمیدة علیها السلام بصفات کمالیة عالیة تمتاز بها عن نساء عصرها, وعلیه حظیت باهتمام الأئمة علیهم السلام فقد کشفوا عن طهارتها وتکامل صفاتها بجملة من الروایات, منها: عن معلی بن خنیس أن الصادق علیه السلام قال: حمیدة مصفاة من الأدناس کسبیکة الذهب، ما زالت الأملاک تحرسها حتی أدیت إلی، کرامة من الله لی والحجة من بعدی(2).

فنفهم من کلام المعصوم علیه السلام أنّها مصفاة من الأدناس, أی أنها طاهرة مطهرة خالیة من کل الشوائب سواء کانت مادیة أم معنویة, وذلک أنّ الله تعالی جعلها صافیة وخالصة ومنع وصول الأدناس والأرجاس إلیها, وقد شابهت أُمنا

ص:85


1- (1) انظر: الکافی, الشیخ الکلینی, ج 4 ص 260.
2- (2) نفس المصدر, ج 1 ص 477.

حواء زوجة آدم علیه السلام فی هذه الصفة, کما جاء فی الدعاء: اللهم صل علی أبینا أدم بدیع فطرتک الذی کرمته بسجود ملائکتک وأبحته جنتک، اللهم صل علی أُمّنا حواء المطهرة من الرجس المصفاة من الدنس المفضلة من الإنس المترددة بین محال القدس... الخ(1). وأیضا قال الإمام الباقر علیهم السلام لها بعد ما سألها عن اسمها قالت حمیدة, فقال: حمیدة فی الدنیا محمودة فی الآخرة(2).

المعلّی بن خنیس فی لسان المعصوم

إنما نذکر بعض أحوال المعلّی هنا لکونه ذکر هذه الروایة التی لیس لها صلة بالسیدة حمیدة فقط, بل نستفید منها أن شأن کل أمهات الأئمة علیهم السلام کذلک تحت الحراسة الإلهیة والملائکة کرامة لحجة الله فی أرضه, فکما أکرم الله عزّ وجلّ الإمام الصادق علیه السلام بحراسة زوجته حمیدة کرامة له ولابنه المعصوم علیه السلام فکذلک یکون حال باقی أمهات الأئمة علیهم السلام؛ لأنّهم کلهم حجج الله فی أرضهِ والأمثال فیما یجوز وفیما لا یجوز واحدة, فمن الأجدر أنّ نعرف شیئا عن إیمان هذا الرجل الفاضل المعلی بن خنیس.

فقد روی عن ابن أبی عمیر عن عبد الرحمان بن الحجاج، قال: حدثنی إسماعیل بن جابر، قال: کنت عند أبی عبد الله علیه السلام مجاوراً بمکة، فقال لی: یا إسماعیل اخرج حتی تأتی مرا وعسفان فتسأل هل حدث بالمدینة حدث؟ قال:

ص:86


1- (1) انظر: مصباح المتهجد, الشیخ الطوسی, ص 808.
2- (2) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 1 ص 476.

فخرجت حتی أتیت مرا فلم ألق أحداً، ثم مضیت حتی أتیت عسفان فلم یلقنی أحد، فارتحلت من عسفان، فلما خرجت منها لقینی عیر تحمل زیتاً من عسفان فقلت لهم: هل حدث بالمدینة حدث؟ قالوا: لا، إلا قتل هذا العراقی الذی یقال له المعلی بن خنیس. قال: فانصرفت إلی أبی عبد الله علیه السلام، فلما رآنی قال لی: یا إسماعیل قتل المعلی بن خنیس؟ فقلت: نعم، قال: أما والله لقد دخل الجنة. قال السید الخوئی رحمه الله هذه الروایة صحیحة(1).

وفی روایة عن ابن أبی نجران عن حماد الناب، عن المسمعی، قال: لما أخذ داود بن علی, المعلی بن خنیس وحبسه، وأراد قتله، فقال له معلی بن خنیس: أخرجنی إلی الناس، فإن لی دینا کثیراً ومالاً، حتی أشهد بذلک، فأخرجه إلی السوق فلما اجتمع الناس، قال: یا أیها الناس أنا معلی بن خنیس فمن عرفنی فقد عرفنی اشهدوا أن ما ترکت من مال، من عین، أو دین، أو أمة، أو عبد أو دار، أو قلیل، أو کثیر، فهو لجعفر بن محمد علیه السلام، قال: فشد علیه صاحب شرطة داود فقتله... ثم قال حماد: فأخبرنی المسمعی عن معتب، قال: فلم یزل أبو عبد الله علیه السلام لیله ساجداً وقائماً، فسمعت فی آخر اللیل وهو ساجد ینادی: اللهم إنی أسألک بقوتک القویة وبمحالک الشدید، وبعزتک التی خلقک لها ذلیل، أن تصلی علی محمد وآل محمد، وأن تأخذه الساعة. قال: فوالله ما رفع رأسه من سجوده حتی سمعنا الصایحة. فقالوا: مات داود بن علی. فقال أبو عبد الله علیه السلام: إنی دعوت علیه بدعوة بعث بها الله إلیه ملکاً، فضرب رأسه بمرزبة انشقت منها مثانته(2).

ص:87


1- (1) معجم رجال الحدیث, السید الخوئی, ج 19 ص 260.
2- (2) المصدر نفسه.

الأملاک تحرس حمیدة

عندما ثبت أنّ هذه السیدة الجلیلة أصبحت أُمّاً للمعصوم علیه السلام فلابد أنّ نحکم بطهارتها ونزاهتها وعظم مکانتها کیف ما کانت؛ وذلک من خلال اختیارها وعاءً للمعصوم علیه السلام, حیث ثبت أن الوعاء یؤثر علی الجنین سلباً وإیجاباً, ولذلک أوصت الشریعة الإسلامیة بانتقاء الزوجة الصالحة کی یحافظ علی نطفته ونسله, وقد بینا ذلک فی التمهید بشکل مفصل, ولکن الذی نرید أن نقوله هنا هو أنّ أم المعصوم علیه السلام لا یشترط فیها الطهارة فقط بل علاوة علی ذلک أن تحتوی علی صفات کمالیة عالیة تتناسب مع احتوائها فی أحشائها المعصوم علیه السلام الذی هو أفضل الخلق فی زمانه وحجة الله فی أرضه, فعندما نجهل سیرة بعض أمهات الأئمة علیهم السلام أو حصل إهمال من قبل التاریخ فی دراسة حیاة أمهات المعصومین علیهم السلام وعدم الوقوف علی الکرامات والفضائل والمزایا التی کُنَّ یتمتعن بها, فیبقی الدلیل اللمی شاهداً وثابتاً علی علو مکانتها وفضلها وطهارتها وقد کللتها رعایة إلهیة حثیثة. وقد کشفت لنا بعض الروایات التی وصلت إلینا ذلک ومن جملتها الحدیث المتقدم ذکره: ما زالت الأملاک تحرسها حتی أدیت إلیّ، کرامة من الله لی والحجة من بعدی. أی مازالت الأملاک تحرس حمیدة إلی أن تزوجها الإمام الصادق علیه السلام, وذلک کرامة له علیه السلام ولکونها قدر لها أن تکون وعاءً للمعصوم علیه السلام, وربما کان أحد هؤلاء الملائکة شیخاً جمیلاً أبیضاً کان یلطم النخاس عند إرادته الدخول علیها, کما تقدم, فیمکن أنّ نعرف من ذلک أنّ المقیاس فی إنتقاء واختیار أُم المعصوم علیه السلام لیس هو أن تکون من العرب أو من قریش أو من البیوتات المعروفة

ص:88

والمرموقة, بل ولا أن تکون من بیوتات العلماء والعرفاء وما إلی غیر ذلک, نعم یمکن أن یکون ذلک قرینة فی أنها من أهل الصلاح والإیمان حیث تربت وعاشت فی هذه الأجواء, لکن لیس هو الطریق الوحید فی تفضیلها علی غیرها, حیث ربما تکون هنالک امرأة بعیدة عن کل هذه الأجواء لکنها حظیت بتربیة ورعایة إلهیة جعلتها أفضل من کل نساء زمانها کما هو الحال فی أم الإمام الکاظم علیه السلام وغیرها من أمهات المعصومین علیهم السلام, فقد جعل الله تعالی أملاکاً تحرسها وتسددها وهی فی أحرج الظروف الاجتماعیة وغیرها إلی أن أدیت للإمام الصادق علیه السلام وولدت له الحجة من بعده.

فتحصل أن من المزایا التی تتمتع بها السیدة حمیدة هی أنّ الله عزّ وجلّ أوکل لها ملائکة تحرسها وتحفظها منذ بدایة حیاتها فی الدنیا, بل ربما یکون بحسب المقتضی قبل ذلک, وهذا یعنی أنها عصمت من الأخطاء والذنوب وما إلیه. کما هو الحال فی باقی أمهات الأئمة علیهم السلام.

حمیدة من أهل العلم

بالإضافة إلی کل المزایا التی تتمتع بها السیدة حمیدة أنّ هناک طائفةً من الروایات تکشف لنا عن مدی علمها ودورها التبلیغی فی نهج الحق وبیان الأحکام, وأنّها علیها السلام قدوة لاسیما فی المسائل الشرعیة والحقوق, کما روی فی الصحیح عن موسی بن القاسم عن صفوان بن یحیی عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام وکنا تلک السنة مجاورین وأردنا الإحرام یوم الترویة فقلت: إنّ معنا مولوداً صبیاً فقال علیه السلام: مروا أمه فلتلق حمیدة فلتسألها کیف

ص:89

تفعل بصبیانها؟ قال: فأتتها فسألتها فقالت لها: إذا کان یوم الترویة فجردوه وغسلوه کما یجرد المحرم ثم احرموا عنه ثم قفوا به فی الموقف، فإذا کان یوم النحر فارموا عنه واحلقوا رأسه ثم زوروا به البیت ثم مروا الخادم ان یطوف به البیت وبین الصفا والمروة. وإذا لم یکن الهدی فلیصم عنه ولیه إذا کان متمتعاً(1).

هناک جانبان فی هذه الروایة یمکن أن نعرف من خلالهما الأبعاد والمزایا العالیة التی کانت تتمتع بها هذه السیدة الجلیلة, أمّا الجانب الأول هو اعتماد الإمام الصادق علیه السلام علیها بشکل مطلق وذلک یدل علی أنّه علیه السلام أشار لکفائتها المطلقة فی تبلیغ الأحکام وغیرها ولو کانت لیست بهذا المستوی لما أحالهم بهذه الطریقة حیث قال: مروا أمه فلتلق حمیدة فلتسألها کیف تفعل بصبیانها. فإنه واثق بجدارتها وعارف مدی علمها ومعرفتها, وکیف لا وهی تلمیذته وتربت علی هدیه وعلومه علاوة علی ما فضلها الله وأکرمها. والجانب الثانی: تسلطها علی معرفة الأحکام وبیان أصولها وفروعها من دون تأمل وتردد.

کما یظهر أیضاً من بعض الروایات أن الصادق علیه السلام کان یأمر النساء فی أخذ الأحکام إلیها(2). وهذا یدل علی أنّ السیدة حمیدة مرجع للنساء فی المسائل الشرعیة وغیرها, حیث إنّ الإمام علیه السلام أحال النساء فی أخذ الأحکام منها لاسیما الأحکام الخاصة بالنساء. فنفهم من هذا وغیره أنها علیها السلام کانت علی درجة عالیة من العلم والمعرفة حتی نالت التأیید من قبل المعصوم فی ذلک.

ص:90


1- (1) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 1 ص 476.
2- (2) الأنوار البهیة, الشیخ عباس القمی, ص 180

حمیدة من وکلاء الصادق علیه السلام

کانت السیدة حمیدة تحمل علی عاتقها تبلیغ الرسالة وأداء حقوق الناس لا سیما فی تلک الظروف العصیبة التی قیدت تحرکات الإمام علیه السلام ومارسوا معه أنواع الضغوطات ومنعوه من ممارسة نشاطاته التبلیغیة والإرشادیة وما إلیها, کما جاء عن المفضل بن عمر قال: إنّ المنصور قد کان هَمَّ بقتل أبی عبد الله علیه السلام غیر مرة فکان إذا بعث إلیه ودعاه لیقتله, فإذا نظر إلیه هابه ولم یقتله, غیر أنه منع الناس عنه، ومنعه من القعود للناس، واستقصی علیه أشد الاستقصاء حتی أنه کان لأحدهم مسألة فی دینه فی نکاح أو طلاق أو غیر ذلک فلا یکون علم ذلک عندهم(1). لکن لم یعقه ذلک عن مواصلة طریقه الرسالی فی مواصلة الناس وقضاء حوائجهم المادیة والمعنویة, فکان علیه السلام یستعین بوکلائه المخلصین الکفوئین من خلالهم یوصل صوته الإلهی إلی الناس فی إرشادهم وتبیین مسیرة حیاتهم وقضاء حاجاتهم وغیر ذلک, وکان من جملة هؤلاء الوکلاء الذین یرسلهم فی أداء حقوق الناس هی حمیدة المصفاة علیها السلام زوجته علیه السلام وأمه أم فروة, وربما کان لها الدور الأکبر بالقیام لهذا العمل؛ لکونها قریبة تماماً من الإمام علیه السلام وأیضاً بعیدة عن أنظار عیون الساسة الظالمة حیث لم یتوقعوا منها ذلک. کما وروی أنّ الصادق علیه السلام کان یرسلها مع أم فروة تقضیان حقوق أهل المدینة(2). وهذا یعبر عن مدی مکانتها العلمیة والعملیة ومشارکتها الأئمة علیهم السلام فی مواصلة

ص:91


1- (1) مناقب آل أبی طالب, ابن شهر آشوب, ج 3 ص 364.
2- (2) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 3 ص 217.

تنویر الطریق وبیان کلمة الحق وإعانة المظلومین والمضطهدین من قبل العصابات الظالمة والمستبدة, مع أنّها علیها السلام کسبت ثقة المعصوم علیه السلام فی أداء هذا الدور الرسالی وتحملت کل مصاعبه وعواقبه فی سبیل إعلاء کلمة الحق ونشر العدل, فکان الإمام علیه السلام کلما أراد أن یؤدی حقوق أهل المدینة یرسل زوجته حمیدة المصفاة.

من صفاتها الروایة

بقیت السیدة حمیدة علیها السلام تواکب العصور ویرد ذکرها فی ألسن وأذهان الأجیال المتعاقبة وذلک بما خلفت من آثار کانت بمثابة الإیحاء فی ضمائر الأمة والإرشاد فی سبیل الحق, فدورها لم یقتصر علی مجال خاص بل اتسعت دائرته وشمل کل ما هو من شأنه أن یرسم مستقبلاً زاهراً للأمة, فکما کان لها دور ریادی فی عصرها فأیضاً کان لها دور فی نقل علوم أهل البیت علیهم السلام إلی الأجیال المتعاقبة وهی علی یقین أن هذه العلوم التی تؤخذ وتستقی من مصدرها الأصیل هی التی تسعد البشریة ما إن أخذوا بها وامتثلوها, فلم یقتصر نشاطها فی إیصال کلمة الحق بعصرها وجیلها وإنّما ترکت وسمات ذلک إلی الأجیال والعصور الآتیة, ومن جملت ما جاء عنها ما ذکره أبو بصیر حیث قال: دخلت علی حمیدة أعزیها بأبی عبد الله علیه السلام، فبکت وبکیت لبکائها، ثم قالت: یا أبا محمد، لو رأیت أبا عبد الله علیه السلام عند الموت لرأیت عجباً، فتح عینیه ثم قال: اجمعوا کل من بینی وبینه قرابة، قالت: فما ترکنا أحداً إلا جمعناه، فنظر إلیهم ثم قال: إن شفاعتنا لا

ص:92

تنال مستخفاً بالصلاة(1).

فکانت الناس والأعاظم من العلماء یعزون السیدة حمیدة برحیل إمامهم الصادق علیه السلام, وهذا بحد ذاته یبین لنا مکانة هذه السیدة الجلیلة, وهی تنقل لهم ما شاهدته وسمعته من لسان أهل العصمة والطهارة.

أولادها

ولد للإمام الصادق علیه السلام عشرة أولاد: سبعة ذکور وثلاث بنات, وقیل إنّ أولاده أحد عشر سبع ذکور وأربع بنات, أمّا الإمام موسی الکاظم علیه السلام وإسحاق ومحمد المعروف بالدیباج لحسنه وجماله, أمهم السیدة حمیدة المصفاة. وقیل: فاطمة الکبری وبریه أیضاً من أولاد حمید المصفاة(2). وأمّا إسماعیل (الملقب بالأعرج) وعبد الله وأم فروة، أمهم فاطمة بنت الحسین الأصغر بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب علیهم السلام، وأمّا العباس وعلی وأسماء وفاطمة، لأمهات أولاد شتی(3). ولکنّ الأصح کما فی کشف الغمة, أنّ أمّ إسماعیل الأعرج وإخوته عبدالله وأم فروة هی فاطمة بنت الحسین الأثرم بن الحسن بن علی بن أبی طالب علیهم السلام(4).

وقد مات إسماعیل فی حیاة أبیه بالعُریض (العُریض: مصغر وهو واد فی

ص:93


1- (1) وسائل الشیعة (آل البیت), الحر العاملی, ج 4 ص 26.
2- (2) انظر: تواریخ النبی صلی الله علیه و آله والآل علیهم السلام, الشیخ محمد تقی التستری, ص 125.
3- (3) انظر: الإرشاد, الشیخ المفید, ج 2 ص 209.
4- (4) انظر: کشف الغمة, ابن أبی الفتح الإربلی, ج 2 ص 374.

المدینة) وحمل علی رقاب الرجال إلی أبیه بالمدینة، حتی دفن بالبقیع(1).

وروی أن أبا عبد الله علیه السلام جزع علیه جزعاً شدیداً، وحزن علیه حزناً عظیماً، وتقدم سریره بغیر حذاء ولا رداء، وأمر بوضع سریره علی الأرض مراراً کثیرة، وکان یکشف عن وجهه وینظر إلیه، یرید بذلک تحقیق أمر وفاته عند الظانین خلافته له من بعده، وإزالة الشبهة عنه فی حیاته، ولما مات إسماعیل رحمة الله علیه انصرف عن القول بإمامته بعد أبیه من کان یظن ذلک ویعتقده من أصحاب أبیه علیه السلام(2).

ومن جملة أولاده المعروفین بعظمة المنزلة، علی بن جعفر علیه السلام المدفون بمدینة قم المقدسة, وکان أصغر أولاد الإمام الصادق علیه السلام وقد شهد استشهاد أبیه وهو طفل. فتکفل الإمام الکاظم علیه السلام بتربیته فتدرج شیئاً فشیئاً فی درجات الفضل والکمال وصار عالماً زاهداً عظیم القدر, وقد نقل روایات کثیرة عن الإمام الکاظم علیه السلام. وقد أدرک زمان الإمام الرضا والإمام الجواد والإمام الهادی علیهم السلام. وکان علی بن جعفر فی زمان الإمام الجواد علیه السلام کهلاً موقراً یتمتع بمنزلة کبیرة ولکنه مع ذلک کان یتصرف مع الإمام الجواد بکامل الاحترام والتعظیم, فکان (فی المجالس) یقدّم نعلی الإمام علیه السلام بین یدیه، وفی مسجد النبی صلی الله علیه و آله استقبل الإمام الجواد علیه السلام وقبّل یده الشریفة, ولما عاتبه البعض من أصحابه علی هذه التصرفات، قال: أنا له عبد(3).

ص:94


1- (1) انظر: شرح الأخبار, القاضی النعمان المغربی, ج 3 ص 309.
2- (2) انظر: الإرشاد, الشیخ المفید, ج 2 ص 210. والبحار, المجلسی, ج 47, ص 242.
3- (3) انظر: الکافی, الکلینی, ج 1 ص 322. والأنوار البهیة, الشیخ عباس القمی, ص 252.

حمیدة وعاء للمعصوم

المرأة التی تحظی برعایة الله ومدح المعصوم وتحمل علم آل محمد فی صدرها وتؤدی وظیفتها الأخلاقیة والتبلیغیة أحق أن تکون الوعاء اللائق للمعصوم القائم بعد أبیه, فقد ولد الإمام الکاظم علیه السلام بالأبواء (منزل بین مکة والمدینة) یوم الأحد, لسبع خلون من صفر سنة ثمان وعشرین ومائة(1).

کما روی عن أبی بصیر قال: کنت مع أبی عبد الله علیه السلام فی السنة التی ولد فیها ابنه موسی علیه السلام، فلما نزلنا الأبواء وضع لنا أبو عبد الله علیه السلام الغداء ولأصحابه، وکان علیه السلام إذا وضع الطعام لأصحابه أکثره وأطابه، فبینا نحن نتغدی إذ أتاه رسول حمیدة: إن الطلق قد ضربنی، وقد أمرتنی أن لا أسبقک بابنک هذا. فقام أبو عبد الله علیه السلام فرحاً مسروراً فلم یلبث أن عاد إلینا حاسراً عن ذراعیه ضاحکاً سنه، فقلنا: أضحک الله سنک، وأقر عینک ما صنعت حمیدة؟ فقال: وهب الله لی غلاماً، وهو خیر من برأ الله، ولقد خبرتنی بأمر کنت أعلم به منها، قلت: جعلت فداک وما خبرتک عنه حمیدة؟ قال: ذکرت أنه لما وقع من بطنها وقع واضعاً یدیه علی الأرض، رافعاً رأسه إلی السماء، فأخبرتها أن تلک أمارة رسول الله صلی الله علیه و آله، وأمارة الإمام من بعده إذا خرج من بطن أمه، أن تقع یداه علی الأرض، ورأسه إلی السماء، ویقول: (اشهد الله أنه لا إله إلا هو)، أعطاه الله العلم الأول، والعلم الآخر، واستحق زیادة الروح فی لیلة القدر، وهو أعظم خلقاً من جبرئیل(2).

ص:95


1- (1) الأنوار البهیة, الشیخ عباس القمی, ص 179.
2- (2) دلائل الإمامة, للطبری (الشیعی), ص 300.

وروی لما ولد موسی بن جعفر علیهما السلام دخل أبو عبد الله علیه السلام علی حمیدة البربریة أم موسی علیه السلام فقال لها: یا حمیدة بخٍ بخٍ حل الملک فی بیتک(1).

علامات غیبیة فی ولادتها للکاظم علیه السلام

عندما تکون أم المعصوم علیه السلام قد اصطفاها الله وأعدها وحازت علی صفات مادیة ومعنویة تخرجها وتمیزها عن أقرانها لکونها وعاءً للمعصوم علیه السلام الذی شاء الله أن یجعله فی أحشائها ویتغذی من دمائها, وتجری علیه الإرهاصات والتغیرات الغیبیة فلا یتأتی هذا لکل امرأة إلا أنّ تکون قد تهیأت واستعدت لتحمل هذا الأمر العظیم, لذلک تذکر لنا الروایات مدی التغیرات التی تجریها ید الغیب والقدرة فی الجنین المعصوم علیه السلام وهو فی بطن أمه, فقد روی عن أبی بصیر قال, فقلت: جعلت فداک، وما الأمارة؟ فقال: العلامة یا أبا بصیر، إنه لما کان فی اللیلة التی علق فیها أتانی آتٍ بکأس فیه شربة من الماء، أبیض من اللبن، وأحلی من العسل وأشد، وأبرد من الثلج، فسقانیه فشربته، وأمرنی بالجماع، ففعلت فرحاً مسروراً، وکذلک یفعل بکل واحد منا، فهو والله صاحبکم. إن نطفة الإمام حین تکون فی الرحم أربعین یوماً ولیلة نصب لها عمود من نور فی بطن أمه، ینظر به مد بصره، فإذا تمت له أربعة أشهر أتاه ملک یقال له (الخیر) فکتب علی عضده الأیمن (وَ تَمَّتْ کَلِمَةُ رَبِّکَ صِدْقاً وَ عَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِکَلِماتِهِ وَ هُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ)2, فإذا وضعته أمه اتقی الأرض بیده، رافعاً رأسه إلی السماء، ویشهد

ص:96


1- (1) الفصول المختارة, الشریف المرتضی, ص 313.

أن لا إله إلا الله. وینادی منادٍ من قبل العرش، من الأفق الأعلی باسمه واسم أبیه: یا فلان بن فلان، یقول الجلیل: أبشر فإنک صفوتی، وخیرتی من خلقی، وموضع سری، وعیبة علمی، لک ولمن تولاک أوجب رحمتی وأسکنه جنتی، وأحلله جواری، ثم وعزتی لأصلین من عاداک ناری وأشد عذابی، وإن أوسعت علیه فی دنیاه. فإذا انقطع المنادی أجابه الإمام: (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائکة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزیز الحکیم), فإذا قالها أعطاه الله علم الأولین وعلم الآخرین، واستوجب الزیادة من الجلیل لیلة القدر فقلت: جعلت فداک، ألیس الروح هو جبرئیل؟ فقال: جبرئیل من الملائکة، والروح خلق أعظم منه، وهو مع الإمام حیث کان(1).

حمیدة ترعی أُم الإمام الرضا علیه السلام

تزداد حمیدة فخراً ورفعة إضافة إلی کل ما تقدم, أنها کانت راعیةً لأُم الرضا علیه السلام وقد تفرست فیها الصفات الکمالیة اللائقة بأن تکون زوجةً للمعصوم ووعاءً لابنه المعصوم, کما روی عون بن محمد الکندی قال: سمعت أبی الحسن علی بن میثم یقول وما رأیت أحداً قط اعرف بأمور الأئمة علیهم السلام وأخبارهم ومناکحهم منه, قال: اشترت حمیدة المصفاة وهی أم أبی الحسن موسی بن جعفر علیهما السلام وکانت من أشراف العجم جاریةً مولده واسمها تکتم وکانت من أفضل النساء فی عقلها ودینها وإعظامها لمولاتها حمیدة المصفاة, حتی أنها ما جلست بین یدیها منذ ملکتها إجلالاً لها, فقالت لابنها موسی علیه السلام یا بنی إنّ تکتم جاریه

ص:97


1- (1) راجع: الدر النظیم, ابن حاتم العاملی, ص 650.

ما رأیت جاریةً قط أفضل منها ولست أشک أنّ الله تعالی سیظهر نسلها إن کان لها نسل, وقد وهبتها لک فاستوص خیراً بها فلما ولدت له الرضا علیه السلام سماها الطاهرة, قال: والرضا علیه السلام یرتضع کثیراً وکان تام الخلق فقالت أعینونی بمرضع فقیل لها: أنقص الدر؟ فقالت: ما أکذب والله نقص الدر ولکن علیّ ورد من صلواتی وتسبیحی وقد نقص منذ ولدت(1).

حمیدة تزوج الإمام الکاظم علیه السلام

ومن انجازات السیدة حمیدة علیها السلام أنّها کانت تخطط لرسم مستقبل ابنها المعصوم علیه السلام لاسیما فی المجال الاجتماعی حیث عندما لاحظت الکفاءة العالیة فی جاریتها وما کانت تمتاز به من صفات عالیة سواء علی الصعید المادی أم المعنوی, وربما تفرست أنّها أولی فی أن تکون وعاءً للمعصوم من ابنها علیه السلام؛ لأنّها علی علم أنّ أم المعصوم علیه السلام لابد أن تحتوی علی خصائص مادیة ومعنویة تؤهلها للقیام بحمل هذا الدور العظیم, ومن حسن الحظ أن هذا التفرس وهذه النظرة الثاقبة قد توافقت مع النظرة الغیبیة والتخطیط الإلهی, حتی أنّ النبی صلی الله علیه و آله أید ذلک وأمر به وذلک فی عالم الرؤیا التی رأتها السیدة حمیدة کما روی عن علی بن میثم عن أبیه قال: لما اشترت حمیدة أم موسی بن جعفر علیهما السلام أم الرضا علیه السلام نجمه ذکرت حمیدة: إنّها رأت فی المنام رسول الله صلی الله علیه و آله یقول لها یا حمیدة هبی نجمه لابنک موسی فإنه سیولد له منها خیر أهل الأرض, فوهبتها له فلما ولدت له الرضا علیه السلام سماها الطاهرة, وکانت لها أسماء, کما سیأتی فی محله, منها نجمه

ص:98


1- (1) عیون أخبار الرضا علیه السلام, الشیخ الصدوق, ج 2 ص 24.

وأروی وسکن وسمان وتکتم وهو آخر أسمائها, قال علی بن میثم: سمعت أبی یقول: سمعت أمی تقول: کانت نجمه بکراً لما اشترتها حمیدة(1).

حرق دار السیدة حمیدة

واست السیدة حمیدة مولاتها الزهراء علیها السلام فی هذه المصیبة من حرق الدار, فکما أنّ القوم احرقوا دار فاطمة الزهراء علیها السلام وروعوها وروعوا أطفالها وظلموا بعلها, فکان الحال کذلک فی حرق الدار التی کانت تقطنها السیدة حمیدة مع زوجها الصادق علیهما السلام وقد روعوها وأرهبوا أطفالها واعتدوا علی بعلها وظلموه, کما ورد عن المفضل بن عمر قال وجَّه أبو جعفر المنصور إلی الحسن بن زید وهو والیه علی الحرمین أن أحرق علی جعفر بن محمد داره، فألقی النار فی دار أبی عبد الله علیه السلام فأخذت النار فی الباب والدهلیز، فخرج أبو عبد الله علیه السلام یتخطی النار ویمشی فیها ویقول: أنا ابن أعراق الثری أنا ابن إبراهیم خلیل الله علیه السلام(2).

وأیضاً جاء أنّهم لما وضعوا الحطب الجزل علی باب الدار وأضرموا فیه النار فلما أخذت النار ما فی الدهلیز تصایحن النساء والعلویات وخرج الإمام یطفئ النار ویخمد الحریق حتی قضی علیها وجلس فی بیته حزیناً کئیباً فلما کان الغد دخل أصحابه علیه یسألونه, فقال لهم الإمام علیه السلام: لما أخذت النار ما فی الدهلیز نظرت إلی نسائی وبناتی یتراکضن من حجرة إلی حجرة ومن مکان إلی

ص:99


1- (1) الاختصاص, الشیخ المفید, ص 196.
2- (2) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 1 ص 473.

مکان... الخ(1). فالسیدة حمیدة کانت تشاهد کل هذه المآسی والآلام التی حلت علیها وعلی أسرتها, ومن الظلم الذی حلّ علی بعلها وأهل البیت علیهم السلام وقلبها یتألم ویحترق حسرة علی أئمتها ولکن تحتسب ذلک بعین الله.

حزنها علی زوجها

أجهد العباسیون أنفسهم فی ظلم أهل البیت علیهم السلام وأخذوا یقتفون آثارهم وآثار ذراریهم وقتلهم وتعذیبهم, وکان من جملة الذین عانوا الأمرین منهم ومن أحقادهم هو مولانا الإمام الصادق علیه السلام وأهل بیته, فقد روی عن محمد بن عبد الله الإسکندری أنّه قال: کنت من جملة ندماء أمیر المؤمنین المنصور وخواصه، وکنت صاحب سره من بین الجمیع، فدخلتُ علیه یوماً فرأیته مغتماً وهو یتنفس نفساً بارداً، فقلت ما هذه الفکرة یا أمیر المؤمنین فقال لی: یا محمد لقد هلک من أولاد فاطمة ألفٌ أو یزیدون (فی البحار مقدار مائة) وقد بقی سیدهم وإمامهم فقلت له من ذلک؟ قال جعفر بن محمد, فقلت له: یا أمیر المؤمنین إنّه رجل أنحلته العبادة واشتغل بالله عن طلب الملک والخلافة, فقال: یا محمد وقد علمت أنک تقول به وبإمامته، ولکن الملک عقیم، وقد آلیت علی نفسی أن لا أمسی عشیتی هذه، أو أفرغ منه، قال محمد: والله لقد ضاقت علیّ الأرض برحبها، ثم دعا سیافاً وقال له: إذا أنا أحضرت أبا عبد الله الصادق وشغلته بالحدیث، ووضعت قلنسوتی عن رأسی فهی العلامة بینی وبینک فاضرب عنقه... الخ(2). وهکذا کان یتوعد

ص:100


1- (1) انظر: مجمع مصائب أهل البیت, الشیخ محمد الهنداوی, ج 3 ص 144.
2- (2) انظر: عیون المعجزات, حسین بن عبد الوهاب, ص 80. وبحار الأنوار, العلامة المجلسی, ج 47 ص 202.

الإمام الصادق علیه السلام ویستدعیه بین حین وآخر إلی العراق وهو یرید بذلک قتله لکن یحول بینه القدر إلی أن جاءت الساعة التی قتل فیها الإمام علیه السلام.

وبعد شهادته علیه السلام اشتد حزن السیدة حمیدة علی إمامها قبل أن یکون زوجها وما رأت منه إلا الحنان والسعادة فکانت من بکائها علیه وحنینها تبکی الحاضرین, ومن جملتهم أبو بصیر حیث یقول بکیت لبکاء وحزن حمیدة المصفاة علی الإمام الصادق علیه السلام, کما جاء فی نص کلامه, وقد تقدم هذا الحدیث ونذکر منه هنا محل الشاهد, قال أبو بصیر: دخلت علی حمیدة أعزیها بأبی عبد الله الصادق علیه السلام فبکت وبکیت لبکائها ثم قالت: یا أبا محمد لو رأیت أبا عبد الله عند الموت لرأیت عجباً... الخ(1).

حمیدة من أوصیاء الصادق علیه السلام

عانی الإمام الصادق علیه السلام أشد المعاناة من هؤلاء الظالمین الذین تربصوا وشمروا عن ساعدیهم لاستئصاله واستئصال ذریته الطاهرة وقد ضیقوا علیه کل السبل حتی أنّهم تتبعوا وصایاه وتعمدوا إلی قتل الوصی من بعده فأخبر الإمام علیه السلام أصحابه المخلصین والمقربین بالحجة من بعده وهو ابنه الکاظم علیه السلام سواء کان فی حال ولادته أو بعدها, وقد أوهم علی الساسة العباسیین ذلک ولم یترک لهم سبیلاً لقتله, کما ورد ذلک عن أبی أیوب الجوزی قال بعث إلیّ أبو جعفر المنصور فی جوف اللیل فدخلت علیه وهو جالس علی کرسی وبین یدیه

ص:101


1- (1) روضة الواعظین, الفتال النیسابوری, ص 318.

شمعة وفی یده کتاب فلما سلمت رمی الکتاب إلیّ وهو یبکی وقال هذا کتاب محمد بن سلیمان والی المدینة یخبرنا أنّ جعفر بن محمد قد مات فانا لله وإنا إلیه راجعون ثلاثاً وأین مثل جعفر, ثم قال لی اکتب فکتبت صدر الکتاب ثم قال اکتب إن کان أوصی إلی رجل بعینه فقدمه واضرب عنقه فرجع الجواب إلیه أنّه أوصی إلی خمسة أحدهم أبو جعفر المنصور ومحمد بن سلیمان وعبد الله وموسی ابنی جعفر وحمیدة فقال المنصور لیس إلی قتل هؤلاء سبیل(1).

وقد ذکر الإمام الصادق علیه السلام السیدة حمیدة فی جملة الأوصیاء للدلالة علی أنّها تحمل جملة من وصایا الإمام علیه السلام والتی من جملتها أنها تعرف أنّ الحجة من بعده هو الإمام الکاظم علیه السلام, وأیضا کما هی کانت من وکلائه فی حیاته وتوصل أفکاره وإرشاداته وغیرها إلی الناس فکذلک هی من أوصیائه بعد وفاته وتنشر وصایاه وهدیه وأداء الحقوق وغیرها إلی عموم الناس, ونلاحظ أنّه علیه السلام قرنها بابنه الکاظم علیه السلام, مع أنّه لم یذکر امرأة غیرها لا من زوجاته ولا من أقربائه, بالإضافة إلی أنّ ذکرها هنا لم یکن فیه دلالة علی الإیهام کما هو الحال فی ذکر الطرف الآخر؛ لأن الوصایة بالإمامة والقیادة من المسلمات أنّها للرجال دون النساء لاسیما فی الأوساط العربیة والعدو وغیره یعرف ذلک, فالمغزی من ذکرها هنا لیس إلا لبیان مکانتها وعظمتها وإشارة إلی ما تحمل من علوم ومعارف استقتها من منبع الحق, فکأنّه ارشد الناس إلیها بعده فی بیان کثیر من الأمور ومن جملتها بیان الحجة من بعده, فذکرها هنا من قبل الإمام یحمل دلالة غیر ما

ص:102


1- (1) انظر: أعیان الشیعة, السید محسن الأمین, ج 1 ص 677.

یحملها غیره من الذین أوصی بهم, حیث یمکن أنّ نقول الوصایة لها هنا ولابنها المعصوم علیه السلام حقیقة وفی غیرها للإیهام والله العالم. وأمّا ذکره المنصور واضح أنّه للإیهام وللحفاظ علی الإمام من بعده کما حدث فعلاً وإلا کیف یصح أن یجعل عدوه والذی أراد قتله عدة مرات وصیاً له فکل لبیب یعرف ذلک بل ربما حتی العدو عرف ذلک لکن لم یجد سبیلاً لتعیینه الحجة من بعده.

وفاتها ومحل قبرها

لم نقف علی نص من التاریخ أو روایة تبیّن لنا زمان وفاة السیدة حمیدة, ولا یوجد أیضاً مما یدل علی محل قبرها, ولکن یمکن أن نعرف من خلال روایة أبی بصیر المتقدمة أنها بقیت علی قید الحیاة إلی ما بعد وفاة زوجها الإمام الصادق علیه السلام, (سنة 148 ه -) حیث قال دخلت علی حمیدة أعزیها بأبی عبد الله الصادق علیه السلام فبکت وبکیت لبکائها... الخ. نعم لا نعرف الفترة التی عاشتها بعد وفاة الإمام الصادق علیه السلام, فقد أهمل التاریخ وغیره ذکر ذلک أو حالت بین ذلک أیدی الظالمین من حرق وإتلاف التراث الأصیل کما حصل فی بغداد علی أیدی التتار وغیرهم أو ما حدث فی مصر علی أیدی الأیوبیین وقد بینا ذلک فی أواخر التمهید من هذا الکتاب. وأیضا یمکن أن نستفید من أن قبرها فی المدینة المنورة من خلال استقرارها فی محل سکناها فی المدینة مع أسرتها وأولادها ولا یبعد أن یکون مثواها الأخیر هو البقیع مع زوجها علیه السلام وأهل بیته, نعم قد ألجأت الظروف السیاسیة بعد ذلک ابنها الإمام الکاظم علیه السلام وألقی فی السجون إلی أن أستشهد فی سجن بغداد ودفن فیها.

ص:103

ص:104

الفصل التاسع: نجمة النوبیة أم الإمام الرضا علیهما السلام

اشارة

ص:105

ص:106

نسبها ومولدها

اسمها السیدة نجمة النوبیة, کما مرّ ذکره فی صحیفة الزهراء علیها السلام... إلی أن یقول, أبو الحسن علی بن موسی الرضا أمه جاریة اسمها نجمة, وأیضاً من الأدلة علی أنّ اسمها نجمة: هو تهنئة الإمام الکاظم علیه السلام لها بولادتها الإمام الرضا علیه السلام, هنیئاً لک یا نجمة کرامة ربک... الخ, کما سیأتی ذکره. ویقال: کان اسمها سکن النوبیة وسمیت أروی ومن ثم نجمة، ویقال لها سمان وتکتم وزاد بعضهم فی أسمائها خیزران، وصقر وسها، وتحیة، وشهد، ونجیة، وسلامة، وشهدة، وسبیکة، وصفراء، وسکینة(1). وتُکتَم, (بضم أوله وسکون الکاف وفتح التاء) هو آخر أسمائها علیها السلام علیه استقر اسمها حین ملکها الإمام الکاظم علیه السلام, ولما ولدت له الرضا علیه السلام سماها الطاهرة. والظاهر أنّ الطاهرة لقب من ألقابها, وهذه واحدة من الصفات التی کانت متجسدة فی ذات هذه السیدة الجلیلة وقد کشف عنها الإمام علیه السلام لاسیما بعد ولادتها للمعصوم علیه السلام, حیث فیه إشارة إلی أنّ أم المعصوم علیه السلام لابد أن تکون طاهرة, إضافة إلی المؤهلات الأخری, فعندما کان

ص:107


1- (1) راجع: هامش الفصول المهمة فی معرفة الأئمة, ابن الصباغ, ج 2 ص 970.

الإمام ینادیها ویسمیها بالطاهرة هو إشارة إلی صفة الطهارة التی کانت تتمتع بها السیدة نجمة حتی أصبحت کالعلم.

وأیضا من ألقابها الشقراء, وربما هنا فیه إشارة إلی تکامل صفاتها المادیة والجسدیة کما جاء فی اللغة أنّ الأشقر فی الإنسان حمرة صافیة وبشرته مائلة إلی البیاض(1).

أو أنّها أشرقت بالخیر والبرکة لاسیما ولادتها الإمام الرضا علیه السلام, أو أنها کانت تشرق فی محرابها کالشمس, فقد جاء (کما سیأتی) أنها کثیرة العبادة والصلاة.

فأبصر ناری، وهی شقراء، أوقدت بلیل فلاحت للعیون النواظر(2)

ولا یلزم التباین بین هذه الاحتمالات بل یمکن أن تنطبق کلها فی ذات هذه السیدة الجلیلة. وأمّا کنیتها فقد ذکروا أنّ کنیتها أم البنین.

السبب فی تعدد أسمائها

ذکروا أنّ السبب فی کثرة أسمائها نظراً لما هو المتعارف والمستحب من تغییر أسماء الممالیک عند شرائها, وکانت أم الرضا علیه السلام هذه جاریة مولدة: أی ولدت بین العرب ونشأت مع أولادهم وتأدبت بآدابهم, وکانت من أفضل النساء فی عقلها ودینها وإعظامها لمولاتها حمیدة, حتی أنها ما جلست بین یدیها منذ ملکتها إجلالاً لها فوهبتها حمیدة لولدها موسی علیه السلام وأوصته بها خیراً(3).

ص:108


1- (1) راجع: لسان العرب, ابن منظور, ج 4 ص 421..
2- (2) راجع: المصدر السابق, ج 4 ص 206.
3- (3) راجع: أعیان الشیعة, السید محسن الأمین, ج 3 ص 244.

أقول: ویمکن أن یکون فی تغییر اسمها أو کثرة أسمائها (کما هو الحال فی باقی أمهات الأئمة علیهم السلام خصوصاً فی أمهات الأئمة الذین عاصروا الحکومات العباسیة) هو لأهداف وأغراض سیاسیة منها حفاظاً علی أم المعصوم علیه السلام والإبهام والتشویش علی الأعداء لاسیما وأنّهم یقتفون آثار الأئمة علیهم السلام, وربما عندهم معرفة إجمالیة فی حال أم المعصوم بعد أبیه فیمکن أن یقطعوا الطریق فی قتلها قبل ولادتها المعصوم علیه السلام الذی یهدد عروش الظالمین, کما هو الحال فی أم النبی موسی علیهما السلام وقتل فرعون النسوة الحوامل حینذاک, وربما تسمیتها بتکتم فیه إشارة واضحة لما ذکرناه, حیث إنّ معناه کما جاء فی اللغة التستر والإخفاء والکتمان وقد أنشد الشاعر:

کتم الحب فأخفاه، کما تکتم البکر من الناس الوحم(1)

فقد کتمها الله وأخفاها عن أنظار وأفکار الحاقدین والمتربصین بأهل البیت علیهم السلام شراً, فلذا نلاحظ أنّ اسمها تکتم بعد ذلک اشتهر بین الناس حتی أنّه جری فی ألسن الشعراء کما ذکر عن الصولی قال: والدلیل علی أن اسمها تکتم قول الشاعر یمدح الرضا علیه السلام:

ألا أن خیر الناس نفساً ووالدا ورهطاً وأجداداً علی المعظم

أتتنا به للعلم والحلم ثامناً إماماً یؤدی حجة الله تکتم

وتکتم من أسماء نساء العرب قد جاءت فی الأشعار کثیرا منها فی قولهم:

طاف الخیالان فهاجا سقما خیال تکنی وخیال تکتما

ص:109


1- (1) راجع: لسان العرب, ابن منظور, ج 12 ص 631. (الوحم: الشهوة)

وقال الصولی: کانت لإبراهیم بن العباس الصولی (عم أبی) فی الرضا علیه السلام مدایح کثیره أظهرها, ثم اضطر إلی أن سترها وتتبعها فأخذها من کل مکان(1).

بلدها الأصلی

اختلفوا فی موطنها ومحل إقامتها، حیث قال بعضهم: إنها کانت من بلاد النوبة، کما ذکر عن العطاردی قال: یحتمل أن تکون أم الرضا علیه السلام من أهل بونة هذه؛ لأنها قریبة من مرسی الخزر، ثم لعبت بها ید النساخ وصحفوها بالنوبة، کما صحفوا غیرها من أسماء الرجال والبلدان(2).

ولکن یبقی الکلام فی أنّه إذا کانت نوبیة، هل هی من بلاد النوبة وهی الناحیة التی فی جنوب مصر والتی یقال لها الیوم: (السودان), أو من النوبة وهی جیل من السودان کما قاله الجوهری.

نعم ذکروا أنّ بونة: بالضم ثم السکون: مدینة بإفریقیة بین مرسی الخرز وجزیرة بنی مزغنای، وهی مدینة حصینة مقتدرة کثیرة الرخص والفواکه والبساتین القرینة، وأکثر فاکهتها من بادیتها، وبها معدن حدید، وهی علی البحر، ینسب إلیها جماعة، منهم: أبو عبد الملک مروان بن محمد الأسدی البونی، فقیه مالکی من أعیان أصحاب أبی الحسن القابسی، له کتاب فی شرح الموطأ، وأصله من الأندلس انتقل إلی إفریقیة فأقام ببونة فنسب إلیها، ومات فیها قبل سنة (440)،

ص:110


1- (1) راجع: عیون أخبار الرضا علیه السلام, الشیخ الصدوق, ج 2 ص 25.
2- (2) راجع: مسند الإمام الرضا علیه السلام, الشیخ عزیز الله عطاردی, ج 1 ص 18.

ویطل علی بونة جبل زغوغ(1).

وذکر بعض آخر أنّ السیدة نجمة من المرسیة، ولکن لم یصرحوا بأنها کانت من أی مرسیة, أمرسیة الأندلس أم مرسیة إفریقیة، فأما مرسیة الأندلس, وهی کانت بلدة إسلامیة بناها أحد الأمراء الأمویین بالأندلس. قال الزبیدی فی التاج: مرسیة بالضم مخففة وأهل المغرب یفتحونها, بلد إسلامی بالمغرب شرقی الأندلس بناه الأمیر عبد الرحمان بن الحکم الأموی، کثیر المنازه والبساتین، ومن هذا البلد أبو غالب تمام بن غالب اللغوی صنف فی علم اللغة کتاباً نفیساً(2).

ولکن یذکر علی أن المرسیة بنیت فی القرن الثالث بعد وفاة الرضا علیه السلام، فلا جرم أن أمّه علیه السلام تکون من مرسیة إفریقیة، وبیان ذلک أن المسلمین لما افتتحوا إفریقیة وبلاد الروم، أسسوا بلاداً فی سواحل البحر الأبیض شمالیها وجنوبیها, ویقال لهذه البلاد: المراسی لاجتماع السفن بها کمرسی الخزر، ومرسی الدجاج، ومرسی ابن جناد, ویمکن أن تکون أم الرضا علیه السلام من إحدی هذه المراسی.

قال یاقوت: مرسی الخزر بالفتح ثم السکون والسین مهملة والقصر، أصله مفعل من رست السفینة إذا ثبتت والموضع مرسی، والخزر بفتح الخاء المعجمة والراء ثم زای، واحدته خزرة، موضع معمور علی ساحل إفریقیة بینه وبین بونة ثلاثة أیام یستخرج منه المرجان(3).

ص:111


1- (1) راجع: معجم البلدان, الحموی, ج 1 ص 512.
2- (2) راجع: تاج العروس, الزبیدی, ج 8 ص 471.
3- (3) راجع: معجم البلدان, الحموی, ج 5 ص 106.

وقد ذکر أهل الحدیث والتاریخ وغیرهم: أنّ أم الرضا علیه السلام کانت من أهل المغرب، اشتراها رجل نخاس وجاء بها إلی المدینة المنورة کما سیأتی, وربما کان بسب تناقلها بین أیدی النخاسین حتی أوصلت المغرب, ومن ثم إلی المدینة المنورة, أو للتوسع فی معنی المغرب حینذاک.

بلاد النوبة

ذکر المختصون أنّ بلاد النوبة هی علی شاطئ النیل من الجانب الغربی فی الاقلیم الثانی، طولها من الغرب أربع وخمسون درجة وأربع عشرة دقیقة، وعرضها أربع وعشرون درجة وأربعون دقیقة، وهی مدینة عامرة طیبة کثیرة النخل والبساتین والتجارة(1). وفی بلاد النوبة من البلاد المشهورة والقواعد المذکورة: کوشة, وعلوة, ودُنقُلة, وبلاق, وسوبة.

ودُنقُلة: مدینة کبیرة فی بلاد النوبة، وإذا استقبلت الغرب کانت علی یسارک فی الجنوب، وهی منزلة ملک النوبة علی شاطئ النیل، ولها أسوار عالیة لا ترام مبنیة بالحجارة، وطول بلادها علی النیل مسیرة ثمانین لیلة، غزاها عبد الله بن سعد ابن أبی سرح فی سنة (31) ه - فی خلافة عثمان بن عفان، رضی الله عنه، وأصیبت یومئذ عین معاویة بن حدیج، وقاتلهم قتالاً شدیداً ثم سألوه الهدنة فهادنهم الهدنة الباقیة إلی الآن، وقال شاعر المسلمین:

لم تر عینی مثل یوم دمقله والخیل تعدو بالدروع مثقله

ص:112


1- (1) راجع: معجم البلدان, الحموی, ج 1 ص 189.

قال ابن لهیعة: وسمعت یزید بن أبی حبیب یقول کان أبی منسبی دمقلة، والله أعلم(1).

وقال الإدریسی: مدینة دُنقُلة فی غربی النیل وعلی ضفته ومنه شرب أهلها وأهلها سودان لکنهم أحسن السودان وجوهاً وأجملهم شکلاً وطعامهم الشعیر والذرة والتمر یجلب إلیهم من البلاد المجاورة لهم وشرابهم المزر المتخذ من الذرة واللحوم التی یستعملونها لحوم الإبل طریة ومقددة ومطحونة ویطبخونها بألبان النوق, وأما السمک فکثیر عندهم جداً وفی بلادهم الزرائف والفیلة والغزلان(2).

وأمّا مدینة کوشة الواغلة بینها وبین مدینة نوابة ستة أیام وهی تبعد عن النیل یسیراً وموضعها فوق خط الاستواء وأهلها قلیلون وتجاراتها قلیلة وأرضها حارة جافة کثیرة الجفوف جداً وشرب أهلها من عیون تمد النیل هناک وهی فی طاعة ملک النوبة وملک النوبة یسمی کاسل وهو اسم یتوارثه ملوک النوبة وقرارته ودار ملکه فی مدینة دنقلة وأمّا مدینة علوة وهی علی ضفة النیل أسفل من مدینة دنقلة وبینهما مسیر خمسة أیام فی النیل وماؤهم من النیل وشربهم منه وبه یزرعون الشعیر والذرة وسائر بقولهم من السلجم والبصل والفجل والقثاء والبطیخ وحال علوة فی هیأتها ومبانیها ومراتب أهلها وتجاراتهم مثل ما هی علیه حالات مدینة دنقلة وأهل علوة یسافرون إلی بلاد مصر وبین علوة وبلاق عشرة أیام فی البر وفی النیل أقل من ذلک انحداراً. وکذلک أهل علوة ودنقلة یسافرون فی النیل

ص:113


1- (1) راجع: المصدر السابق, ج 2 ص 470.
2- (2) راجع: نزهة المشتاق فی اختراق الآفاق, الشریف الادریسی, ج 1 ص 37.

بالمراکب وینزلون أیضاً إلی مدینة بلاق فی النیل.

وأمّا مدینة بلاق فهی بین ذراعین من النیل وأهلها متحضرون ومعایشهم حسنة وربما وصلت إلیهم الحنطة مجلوبة والشعیر والذرة عندهم ممکن کثیر موجود, وبمدینة بلاق یجتمع تجار النوبة والحبشة وتجار أرض مصر یسافرون إلیها إذا کانوا معهم فی صلح وهدنة ولباس أهلها الأزر والمآزر وأرضها تسقی بالنیل وماء النهر الذی یأتی من بلاد الحبشة وهو وادٍ کبیرٍ جداً یمد النیل وموقعه بمقربة من مدینة بلاق وفی الذراع المحیط بها وعلیه مزارع أهل الحبشة وکثیر من مدنها ولیس فی مدینة بلاق مطر ولا یقع فیها غیث البتة, وکذلک سائر بلاد السودان من النوبة والحبشة والکانمیین والزغاویین وغیرهم من الأمم لا یمطرون ولا لهم من الله رحمة ولا غیاث إلا فیض النیل وعلیه یعولون فی زراعة(1).

صفات السیدة نجمة الکمالیة

نستفید من کثرة أسمائها وألقابها علیها السلام المتقدمة أنّها تحکی عن معانی وصفات سامیة قد تجذرت وتجسدت فی کیان السیدة نجمة أُم الإمام الرضا علیه السلام وتعبر عن مدی مکانتها وإیمانها, لذلک عرف عنها أنّها کانت من أشراف العجم، وهی من أفضل النساء فی عقلها، ودینها. وإنما وقع اختیار الإمام الکاظم علیه السلام علیها لأنّها کانت ذات شرف ومکانة وطهر وعفاف، لم تکن امرأة عادیة من سائر النساء، بل کانت جلیلة القدر عظیمة الشأن ذات منزلة رفیعة تقیة ورعة عفیفة. فعندما یسمیها الإمام المعصوم علیه السلام بالطاهرة وهو الذی یتکلم عن واقع ثابت

ص:114


1- (1) راجع: المصدر السابق, ج 1 ص 37.

بالإضافة إلی أنّه اطلق لفظ الطاهرة علیها فیعم الطهارة المادیة والمعنویة, مع أنّ فیه عموم زمانی فلم تکن الطهارة قد عرضت علیها بعد تملکها من الإمام علیه السلام أو بعد زواجها أو بعد ولادتها الإمام الرضا علیه السلام بل کانت متأصلة فیها قبل ذلک بکل أحوالها, فقد اصطفاها الله وطهرها وأعدها لکی تکون وعاءً لحجة الله, لذا نلاحظ تدخل الغیب فی الأمر بشرائها وأیضاً فی زواجها من الإمام الکاظم علیه السلام. ونفهم أیضاً من أسمائها سبیکة, أنّها قد سبکت بأخلاقها وخلقها ومنطقها وأخلصت نفسها لله وحدة وطاعة أولیائه, وأمّا اسمها نجیة ربما کثرة نجوتها مع الله فقد ظهرت آثارها إلی العیان وأصبحت صفة لا تنفک عنها بحال من الأحوال حتی تحولت إلی اسم تخاطب فیه وهذا ما لا یتأتی إلا بعدما یصبح لازماً ودائماً فهو یحمل النجوی المستمرة والدائمة مع الله. وهناک مغزی فی معانی اسمیها شهد وشهدة یمکن أن یحمل فی أحشائه الکمالات المادیة والمعنویة, فقد ثبت فی اللغة أن الشهد هو العسل کما قال: الشهد: العسل ما لم یعصر من شمعه، شهاد، والواحدة: شهدة(1). فهی تتصف فی حسنها ومنطقها وخلقها بالحلاوة البالغة والأدب العظیم. وربما تحمل معنی الشاهد والشهادة ولها الحظ فی الشهادة یوم القیامة. وناهیک عن معنی اسمیها سلامة وتحیة فقد تنطوی أیضاً فی طیاتهما جملة من المعانی التی تشیر إلی الصفات الکمالیة التی تتمتع بها هذه السیدة الجلیلة, ومن جملتها السلامة والبراءة من العیوب سواء کانت مادیة أم معنویة, کما جاء فی الصحاح قال, والسلام: البراءة من العیوب فی قول أمیة(2).

ص:115


1- (1) راجع: کتاب العین, الخلیل الفراهیدی, ج 3 ص 397.
2- (2) راجع: الصحاح, الجوهری, ج 5 ص 1951.

خلقها العظیم

یعتبر حسن الأخلاق من المحاور الأساسیة فی مسیرة الکمال والارتقاء, ویعطی صبغة للإنسان یمتاز بها علی غیره ویکون مورداً للغبطة والانجذاب وما إلیه, لذا نلاحظ تأکید الشریعة علی التلبس بحسن الخلق والترغیب فیه بنصوص کثیرة, وقد مدح الله رسوله لعُظم خلقه صلی الله علیه و آله بقوله:(وَ إِنَّکَ لَعَلی خُلُقٍ عَظِیمٍ) مع أنّ النبی صلی الله علیه و آله متکامل الصفات من کل الجهات لیس فقط بحسن الخلق وإنما کذلک بالحلم والعلم والشجاعة و... ولکن نلاحظ خص الله مدحه بهذه الصفة, للدلالة علی أهمیة هذه الصفة فی الترکیبة الاجتماعیة بکل أطیافها, ولو رجعنا إلی السیدة نجمة أم الإمام الرضا علیه السلام لرأینا أنّها حظیت بمرتبة عالیة بحسن أخلاقها حتی أثار انتباه کل من عایشها وجالسها ومن جملتهم المعصوم علیه السلام وهذه الصفات الخلقیة الحمیدة وغیرها التی تجسدت فیها علیها السلام جعلت من مولاتها السیدة حمیدة أم الإمام الکاظم علیهما السلام تنظر لها بمستوی آخر حتی أخذت تخطط لها کی تکون زوجة لابنها المعصوم علیه السلام, فقد ذکروا أنّ من إعظامها لمولاتها السیدة حمیدة أنّها ما جلست بین یدیها من حین ملکتها إجلالاً، وإعظاماً لها، وهذا یشیر أیضاً إلی أنّها قد عرفت مکانة أم المعصوم علیهما السلام عند الله وعند أهل البیت علیهم السلام ومدی فضلها فیکون ذلک من منطلق الإیمان والمعرفة, فلم تکن تحرکاتها وأفعالها عن فراغ وإنما کانت تسیر علی وعی ومعرفة, وعلی غرار هذا وغیره نلاحظ أنّ السیدة حمیدة قد قالت لابنها الإمام موسی علیه السلام: یا بنی إنّ تکتم جاریة، ما رأیت جاریة قط أفضل منها، ولست أشک أن الله تعالی سیظهر نسلها، وقد

ص:116

وهبتها لک فاستوص بها خیراً. ولا یخفی أنّ السیدة حمیدة علیها السلام کانت علی مستوی عالٍ من العلم والمعرفة وقد رأینا مما تقدم من سیرتها أنّها کانت مورد اعتماد زوجها المعصوم علیه السلام فی حیاته وبعد مماته فی شتی المجالات فعندما تصف لنا هنا السیدة نجمة علیها السلام والتی کانت علی مقربة منها نفهم أنها وقفت علی حقائق واقعیة ذات سمات علیا خصوصاً مع تأیید المعصوم لها حتی أنها لم تقتصر علی مدحها, بل تحرکت فی زواجها من المعصوم علیه السلام لأنها تراها الوعاء الأنسب للحجة بعده علیه السلام وهذا ما رأیناه قد حصل فعلاً.

إنّها من الرواة

من جملة المزایا والصفات التی کانت تتمتع بها السیدة نجمة النوبیة هی الروایة فقد کانت تروی عن المعصوم علیه السلام, ومن جملت ما ورد عنها ما أسنده الصدوق رحمه الله عن علی بن میثم عن أبیه قال: سمعت أمی تقول: سمعت نجمه أم الرضا علیهما السلام تقول: لما حملت بابنی علی علیه السلام لم اشعر بثقل الحمل وکنت أسمع فی منامی تسبیحاً وتهلیلاً وتمجیداً من بطنی فیفزعنی ویهولنی فإذا انتبهت لم أسمع شیئاً, فلما وضعته وقع علی الأرض واضعاً یدیه علی الأرض رافعاً رأسه السماء یحرک شفتیه کأنه یتکلم فدخل إلیّ أبوه موسی بن جعفر علیهما السلام فقال لی: هنیئاً لک یا نجمة کرامة ربک فناولته إیاه فی خرقه بیضاء فأذّن فی أذنه الیمنی وأقام فی الیسری ودعا بماء الفرات فحنکه به ثم رده إلیّ فقال: خذیه فإنه بقیة الله تعالی فی أرضه(1). فهذه الروایة تحمل فی طیاتها جملة من الأحکام الفقهیة والعقیدیة وربما

ص:117


1- (1) راجع: عیون أخبار الرضا علیه السلام, الشیخ الصدوق, ج 2 ص 29.

تحتوی أیضاً علی معجزة وکرامة للإمام الرضا علیه السلام, وفیها اشارة إلی منزلة السیدة نجمة وأنّها مُحدَثة من جهة الغیب, وکیف کان فقد شارکت هذه السیدة الجلیلة فی نقل وإیصال العلوم والمعارف الإلهیة إلی البشریة بأجیالها المتعاقبة وکانت واحدة من الذین واصلوا فی سیر وتحریک العملیة الدینیة ونشر العلوم الحقة.

تربیتها فی بیت المعصوم

من جملة الخصوصیات التی رافقت السیدة نجمة النوبیة هی أنها نشأت وترعرت فی بیئة عربیة وأخذت من تقالیدهم وأعرافهم, کما ورد أنّها ولدت بین العرب ونشأت مع أولادهم وتأدبت بآدابهم, وکانت من أفضل النساء فی عقلها ودینها(1). ومن ثم تحولت إلی بیت العصمة والطهارة حیث اشتراها الإمام الکاظم علیه السلام وجعلها عند والدته السیدة حمیدة المصفاة وکانت بکراً کما ورد عن علی بن میثم قال: سمعت أبی یقول: سمعت أمی تقول: کانت نجمه بکراً لما اشترتها حمیدة(2). فکانت تحت إشراف وتعلیم المعصومین علیهم السلام وأهل العلم والمعرفة أمثال السیدة حمیدة علیها السلام التی کانت تباشر أمرها وکانت علی قدرٍ عالٍ من الکمال, حتی أضافت علی ما کانت تحویه من کفاءة وصفات حمیدة وعلوم ومعارف من بیت العصمة أضفت بها إلی الکمال والرقی الذی یعجز وصفه, فلا نستغرب عندما نجدها تتمتع بجملة من الصفات الکمالیة أو أعیت نفسها بالعبادة من الصیام والقیام وما إلیه, فقد کانت خریجة أهل الفضل والحکمة وتغرف من

ص:118


1- (1) راجع: أعیان الشیعة, السید محسن الأمین, ج 3 ص 244.
2- (2) راجع: عیون أخبار الرضا علیه السلام, الشیخ الصدوق, ج 2 ص 26.

ینابیع العلوم الحقة وتتغذی من مصادر السماء علی لسان الإیحاء والإلهام فکان مالکها وزوجها معصوم وابنها معصوم, إضافة إلی شرف وعلم الأسرة التی کانت فی ربوعها, ولا شک أنّ الحیاة فی بیت الإمام المعصوم علیه السلام، فی حد ذاتها کافیة فی تأسیس حیاة هی أفضل ما تکون، حیث منبع الطهر والعفاف والقداسة والکمال، فإذا انضم إلی ذلک الاستعداد التام کانت النتیجة هی بلوغ الغایة الممکنة، فی الکمال والاستقامة.

بُعدها الدینی

لقد تحلت السیدة نجمة علیها السلام بجمیع مزایا الشرف والفضیلة التی تسمو بها المرأة المسلمة من العفة والطهارة، وسمو الذات وهی من السیدات الماجدات فی الإسلام، ولو أنّ الظروف السیاسیة وغیرها ألجأتها أن تکون أمة فی ظاهر الحال لکن هذا لا ینقص مکانتها ولا یغیر ذاتها, کما فی غیرها من أمهات الأئمة الجواری؛ لأنّ الإسلام جعل المقیاس فی تفاوت الناس بالتقوی والعمل الصالح، ولا أثر لغیر ذلک فکانت هذه السیدة الزکیة من العابدات، فقد أقبلت علی طاعة الله إقبالاً شدیداً، وزادها تأثیراً سلوک زوجها الإمام الکاظم علیه السلام إمام المتقین, وأهل بیته, وقد انعکس ذلک علی حیاة السیدة نجمة علیها السلام، فکانت من أهل العبادة والتهجد، حتی إنّها لما أنجبت الرضا علیه السلام وکان کما تصفه الروایات یرتضع کثیرا، وکان تام الخلقة، قالت: أعینونی بمرضعة، فقیل لها أنقص الدر؟ فقالت: لا أکذب، والله ما نقص، ولکن علیّ ورد من صلاتی وتسبیحی وقد نقص منذ ولدت(1).

ص:119


1- (1) عیون أخبار الرضا علیه السلام, الشیخ الصدوق, ج 2 ص 24.

فلاحظ هذه النفس الملائکیة التی هامت بحب الله، وانقطعت إلیه فقد طلبت أن یعاونوها علی إرضاع ولدها لأنه یشغلها عن أورادها من الصلاة والتسبیح, وفی ذلک دلالة علی عظمة هذه المرأة، ومدی تعلقها بالله تعالی وارتباطها به، ولا شک أن لذلک تأثیراً علی ما ینحدر منها من نسل, مع أن المرأة التی یقع اختیار الإمام علیه السلام علیها وهو یعلم أنها ستکون وعاءً وحجراً لابنه المعصوم لم تکن من عامة الناس، بل من أشرف النساء، وذات مکانة فی قومها، غیر أنها وقعت فی الأسر وجرها ذلک إلی سوق النخاسین.

الله یختار أم الرضا علیهما السلام

وتقف هنا أیضاً ید الغیب لتختار الوعاء اللائق الذی أُعد کی یکون الحاضن الأصلح والحجر الأنسب والوعاء الأطهر للمعصوم علیه السلام بما تقتضیه الموازین العلمیة والعملیة, وقد کشف عن ذلک بجملة من الأحادیث, التی منها ما روی عن الصدوق بسنده عن هشام بن أحمد، قال: قال أبو الحسن الأول علیه السلام: هل علمت أحداً من أهل المغرب قدم؟ قلت: لا، فقال علیه السلام: بلی، قد قدم رجل أحمر، فانطلق بنا، فرکب ورکبنا معه حتی انتهینا إلی الرجل، فإذا رجل من أهل المغرب معه رقیق، فقال له: اعرض علینا، فعرض علینا تسع جوارٍ کل ذلک یقول أبو الحسن علیه السلام: لا حاجة لی فیها، ثم قال له: اعرض علینا، قال: ما عندی شیء، فقال له: بلی اعرض علینا، قال: لا والله، ما عندی إلا جاریة مریضة، فقال له: ما علیک أن تعرضها، فأبی علیه، ثم انصرف علیه السلام، ثم أرسلنی من الغد إلیه، فقال لی: قل له: کم غایتک فیها؟ فإذا قال: کذا وکذا فقل: قد أخذتها، فأتیته، فقال: ما أرید أن أنقصها

ص:120

من کذا، فقلت: قد أخذتها، وهو لک، فقال: هی لک، ولکن مَن الرجل الذی کان معک بالأمس؟ فقلت: رجل من بنی هاشم، فقال: من أی بنی هاشم؟ فقلت: من نقبائهم، فقال: أرید أکثر منه، فقلت: ما عندی أکثر من هذا، فقال: أخبرک عن هذه الوصیفة، إنی اشتریتها من أقصی بلاد المغرب، فلقیتنی امرأة من أهل الکتاب فقالت: ما هذه الوصیفة معک؟ فقلت: اشتریتها لنفسی، فقالت: ما ینبغی أن تکون هذه الوصیفة عند مثلک، إنّ هذه الجاریة ینبغی أن تکون عند خیر أهل الأرض، فلا تلبث عنده إلا قلیلاً حتی تلد منه غلاماً یدین له شرق الأرض وغربها، قال: فأتیته بها، فلم تلبث عنده إلا قلیلاً حتی ولدت له علیاً علیه السلام(1). فکان تحرک الإمام الکاظم علیه السلام نحو هذه الجاریة بأمر الغیب وأنه من جملة المخططات الغیبیة فی رسم مستقبل أهل البیت علیهم السلام الاجتماعی وقد کشف الإمام علیه السلام النقاب عن ذلک عندما تم شراء السیدة نجمة, التفت لأصحابه قائلاً: والله ما اشتریت هذه الجاریة إلا بأمر الله ووحیه... إلی آخر الحدیث الذی سیأتی ذکره.

زواجها بأمر الغیب

کما هو الحال فی کل أمهات الأئمة علیهم السلام أنّ الله اصطفاهن وأعدهن کی یکونن أوعیة وحواضن لحججه فی خلقه فنلاحظ أنّ الغیب یتدخل فی اختیارهن وشرائهن وأیضاً فی زواجهن وقد مرّ علینا أمر زواج الزهراء علیها السلام من علیٍّ علیه السلام حیث کان بأمرٍ ووحی من الله, فأیضاً نجد أنّ الوحی الغیبی کعادته فی تزویج

ص:121


1- (1) راجع: عیون أخبار الرضا علیه السلام, الشیخ الصدوق, ج 2 ص 27.

امهات الأئمة علیهم السلام قد تدخل فی أمر زواج السیدة نجمة النوبیة, کما ورد فی المأثور عن أبی الحسن موسی علیه السلام لما ابتاع هذه الجاریة قال لجماعة من أصحابه: والله ما اشتریت هذه الجاریة إلا بأمر الله ووحیه، فسئل عن ذلک فقال: بینا أنا نائم إذ أتانی جدی وأبی ومعهما شقة حریر فنشراها فإذا قمیص وفیه صورة هذه الجاریة، فقالا: یا موسی لیکونن لک من هذه الجاریة خیر أهل الأرض بعدک، ثم أمرانی إذا ولدته أن اسمیه علیاً، وقالا: إنّ الله سیظهر به العدل والرأفة والرحمة، طوبی لمن صدقه، وویل لمن عاداه وجحده(1).

إزالة توهم

ربما یتصور البعض أنّ هناک تنافیاً بین ما روی عن الصدوق رحمه الله بسنده عن علی بن میثم أنه قال: اشترت حمیدة المصفاة (وهی أم أبی الحسن موسی بن جعفر علیه السلام) جاریة واسمها تکتم، (أم الإمام الرضا علیه السلام) وهی من أشراف العجم وکانت من أفضل النساء فی عقلها ودینها وإعظامها لمولاتها حمیدة المصفاة، حتی أنها ما جلست بین یدیها منذ ملکتها إجلالاً لها, وکانت علائم الجلالة والنجابة تلوح منها حتی شهدت بذلک مولاتها حمیدة المصفاة.

وبین ما تقدم من أن الإمام الکاظم علیه السلام هو الذی اشتری السیدة تکتم (أم الإمام الرضا علیه السلام) حیث بعث هشاماً لابتیاعها له کما تقدم، وظاهر هذا هو التنافی بین الأحادیث.

ص:122


1- (1) دلائل الإمامة, محمد بن جریر الطبری (الشیعی), ص 349.

قلنا: یمکن الجمع بین الروایتین بأن یقال: إنّ الإمام الکاظم علیه السلام اشتراها جاریة لأمّه أو جعلها عندها فمکثت عند أمّه مدة، وربما کان ذلک لحکمة فی مخطط الغیب من إعدادها وتأهیلها وما إلیه, ومن ثم وهبتها أمّه إلی الإمام علیه السلام أو جعلتها تحت تصرفه بعدما علمت من أنّها تکاملت وأصبحت قادرة تماماً علی تحمل المسؤولیة الکبری لذا حصلت حینها الإرهاصات الغیبیة فی باب تزویجها من الإمام علیه السلام، وبذلک یرتفع التنافی بین الروایتین؛ ولذا یذکر الرواة أنّ أم الإمام علی بن موسی الرضا علیه السلام هی جاریة، کانت مملوکة لحمیدة المصفاة أم الإمام موسی بن جعفر علیه السلام وقد أعجبت بها لعظیم خلقها ودینها وجلال وأدبها، فوهبتها لولدها الکاظم علیه السلام لیتزوج بها, مع أنّ النساء لاسیما أم المعصوم لا تزاول البیع والشراء فی مثل هذا وإنما هو من مهام الرجال, نعم بعد ذلک یهبها الإمام وربما لغایة فی قلب یعقوب, منها أنّ تبقی تحت رعایتها وإشرافها وحفظها کما تقدم, أو لأغراض سیاسیة منها حفاظاً علی أم المعصوم علیه السلام والحجة من بعده بسبب الظروف التی کانت تحیط به علیه السلام, وإلا نحن علمنا أنّ الإمام عندما اشتراها قد أخبر أصحابه الخلّص أنّها أم الحجة من بعده وأنها ستکون زوجة له.

السیدة نجمة وعاء للمعصوم

من أهم الفضائل التی حازت علیها السیدة نجمة (أم الإمام الرضا علیهما السلام) والتی یکشف عن طهارتها وإیمانها ویکللها وسام الشرف والطهارة بالماضی والمستقبل, هو ترقیها فی أن تکون وعاءً وحجراً للمعصوم علیه السلام, فقد جاء فی عیون أخبار الرضا علیه السلام: عن نجمة قالت: لما حملت بابنی علی علیه السلام لم أشعر بثقل الحمل،

ص:123

وکنت أسمع فی منامی تسبیحاً وتهلیلاً وتمجیداً من بطنی، فیفزعنی ذلک ویهولنی، فإذا انتبهت لم أسمع شیئاً، فلما وضعته وقع علی الأرض واضعاً یده علی الأرض، رافعاً رأسه إلی السماء یحرک شفتیه کأنه یتکلم، فدخل إلیّ أبوه موسی ابن جعفر علیهما السلام فقال لی: هنیئاً لک یا نجمة، کرامة ربک، فناولته إیاه فی خرقة بیضاء، فأذّن فی أذنه الأیمن وأقام فی الأیسر، ودعا بماء الفرات فحنکه به، ثم رده إلیّ وقال: خذیه، فإنه بقیة الله فی أرضه(1).

وسمی الإمام الکاظم علیه السلام ولیده المبارک باسم جده الإمام أمیر المؤمنین علی علیه السلام، بأمر من الغیب کما تقدم, وتبرکاً وتیمناً بهذا الاسم الذی یرمز لأعظم شخصیة خلقت فی دنیا الإسلام والوجود بعد النبی المصطفی، والتی تحلت بجمیع فضائل الدنیا.

وقد وقع الاختلاف بین المحدثین وغیرهم فی تحدید السنة التی ولد فیها وأیضاً الشهر, فقد ولد الإمام علی الرضا علیه السلام بالمدینة المنورة عام (143 ه -) أو عام (148 ه -) أو عام (153 ه -)، علی اختلاف الروایات, وأیضاً حصل الاختلاف بینهم فی تحدید سنة وشهر استشهاده علیه السلام, فقد توفی عام (203 ه -)، کما فی روایة المسعودی وابن خلکان(2). وکانت ولادته علیه السلام یوم الجمعة فی بعض شهور سنة ثلاث وخمسین ومائة، وقیل: بل ولد سابع شوال، وقیل ثامنه، وقیل سادسه، سنة إحدی وخمسین ومائة، وتوفی فی آخر یوم من صفر سنة اثنتین ومائتین، وقیل بل

ص:124


1- (1) عیون أخبار الرضا علیه السلام, الشیخ الصدوق, ج 2 ص 29.
2- (2) مروج الذهب, المسعودی ج 2 ص 418. ووفیات الأعیان, ابن خلکان ص 3 ج 270.

توفی خامس ذی الحجة، وقیل: ثالث عشر ذی القعدة سنة ثلاث ومائتین بمدینة طوس، وکان مسموماً، فاعتل منه ومات(1).

أولادها

اختلف المحدثون والمؤرخون فی عدد أولاد الإمام الکاظم علیه السلام اختلافاً کبیراً, فعددهم یتراوح بین (33-60) بین ذکر وأنثی. فمنهم من قال ولد للکاظم علیه السلام ستون ولداً، سبعاً وثلاثین بنتاً، وثلاثة وعشرین ابناً، درج منهم خمسة لم یعقبوا بغیر خلاف وهم: عبد الرحمن وعقیل والقاسم ویحیی وداود. علی أنّ روایة الیعقوبی إنما تجعلهم (41) ولداً، ثمانیة عشر ذکراً، وثلاثاً وعشرین بنتا. بینما یجعلهم ابن کثیر أربعین فقط (2).

وفی الإرشاد قال: کان لأبی الحسن موسی علیه السلام، سبعة وثلاثون ولداً ذکرا وأنثی منهم: علی بن موسی الرضا علیه السلام، وإبراهیم، والعباس، والقاسم، لأمهات أولاد. وإسماعیل، وجعفر، وهارون، والحسین، لأم ولد. وأحمد، ومحمد، وحمزة، لأم ولد. و عبد الله، وإسحاق، وعبید الله، وزید، والحسن، والفضل، وسلیمان، لأمهات أولاد. وفاطمة الکبری، وفاطمة الصغری، ورقیة، وحکیمة، وأم أبیها، ورقیة الصغری، وکلثم، وأم جعفر، ولبابة، وزینب، وخدیجة، وعلیة، وآمنة، وحسنة، وبریهة، وعائشة، وأم سلمة، ومیمونة، وأم کلثوم، لأمهات أولاد. وکان أفضل ولد أبی الحسن موسی علیه السلام وأنبههم وأعظمهم قدراً وأعلمهم وأجمعهم

ص:125


1- (1) راجع: الإمامة وأهل البیت. محمد بیومی مهران, ج 3 ص 104. ووفیات الأعیان, ابن خلکان ص 3 ج 270.
2- (2) راجع: لإمامة وأهل البیت, محمد بیومی مهران, ج 3 ص 103.

فضلاً أبو الحسن علی بن موسی الرضا علیه السلام. وکان أحمد بن موسی کریماً جلیلاً ورعاً، وکان أبو الحسن موسی علیه السلام یحبه ویقدمه، ووهب له ضیعته المعروفة بالیسیرة. ویقال: إنّ أحمد بن موسی رضی الله عنه أعتق ألف مملوک(1).

ویذکر أن کل أولاد الإمام الکاظم علیه السلام أهل فضل وعلم وشهرة وکانت السیدة فاطمة المعصومة أخت الإمام الرضا لأمه وأبیه من أمهم السیدة الجلیلة نجمة النوبیه, ولم یذکر لنا التاریخ عدد نساء الإمام الکاظم علیه السلام ولا أسماءهن ولا أحوالهن مع کثرة أولاده وقالوا کل نسائه جواری(2).

الظروف المأساویة التی عاصرت السیدة نجمة

عندما نقرأ سیرة زوجها الإمام الکاظم علیه السلام نلاحظ أنّها کانت مشحونة بالظلم والاضطهاد من قبل الظالمین وکانت فترة عصیبة, وربما هی أشد المراحل فی عصر الأئمة علیهم السلام هی المرحلة التی عاصرها الإمام الکاظم علیه السلام فقد کرّس فیها الطغیان والاستبداد وکان فی أعلی مراتبه حتی أنّ أصحابه یصعب علیهم لقاؤه والحدیث عنه فکانوا یقولون حدثنا السید والرجل والعبد الصالح والعالم وغیر ذلک وکان یوصیهم بالکتمان والحذر, بالإضافة ما یجری علی الشیعة والمخلصین من قتلٍ وتشریدٍ وما إلیه, ومع ذلک کان یستدعی الإمام علیه السلام من وطنه المدینة إلی بغداد لأجل التحقیق معه وتهدیده حتی قاموا باعتقاله مرات عدیدة وأخذ ینقل من سجن إلی سجن.

ص:126


1- (1) راجع: الإرشاد, الشیخ المفید, ج 2 ص 244.
2- (2) انظر: تواریخ النبی صلی الله علیه و آله والآل علیهم السلام, ص 111.

ومن جملة الاعتقالات التی مرّ بها الإمام علیه السلام هی ما قام بها الرشید, حیث قبض علی موسی بن جعفر علیه السلام سنة تسع وسبعین ومائة فی سفره إلی مکة المعظمة، وهو عند رأس النبی صلی الله علیه و آله قائماً یصلی، فقطع علیه صلاته وحمله وهو یقول: إلیک أشکو یا رسول الله ما ألقی. وأقبل الناس من کل جانب یبکون ویضجون، فلما حمل إلی بین یدی الرشید وجن علیه اللیل أمر بقبتین فهیئاً له، فحمل الإمام إحداهما فی خفاء، ودفعه إلی حسان السروی وأمره أن یسیر به فی قبته إلی البصرة فیسلمه إلی عیسی بن جعفر بن أبی جعفر - وهو أمیرها -، ووجه قبة أخری علانیة نهاراً إلی الکوفة معها جماعة لیعمی علی الناس أمر موسی بن جعفر علیه السلام. فقدم حسان البصرة قبل الترویة بیوم، فدفعه إلی عیسی بن جعفر بن أبی جعفر نهاراً علانیة حتی عرف ذلک وشاع أمره، فحبسه عیسی فی بیت من بیوت المحبس الذی کان یحبس فیه، وأقفل علیه، وشغله عنه العید، فکان لا یفتح عنه الباب إلا فی حالتین: حال یخرج فیها إلی الطهور، وحال یدخل إلیه فیها الطعام(1). وهکذا بقی الإمام علیه السلام فی هذه الأجواء المظلمة إلی أن استشهد فی سجن السندی ببغداد. فکل هذه المحن والمصائب التی کان یعیشها الإمام علیه السلام وأهل بیته کانت السیدة نجمة زوجته علیهما السلام تتلقاها بقلب محترق یکاد یذوب ألماً علی حال إمامها وزوجها وهو فی أشد الأحوال من المعاناة والمضایقة فعاشت هذه السیدة أجواءً ملیئة بالأحزان والمصائب, مع أنّها کانت تحمل علی عاتقها مسؤولیة کبری فی ولادة وحفظ الحجة من بعده.

ص:127


1- (1) انظر: الأنوار البهیة, الشیخ عباس القمی, ص 192.

من بناتها فاطمة المعصومة علیها السلام

السیدة فاطمة بنت الإمام موسی بن جعفر الصادق إلی أن ینتهی نسبها إلی الإمام أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیهم السلام. وهی شقیقة الإمام الرضا علیه السلام أباً وأماً. ولدت فی المدینة المنورة وأن ولادتها علیها السلام کانت سنة (183 ه (، وهی السنة التی استشهد فیها والدها الإمام الکاظم علیه السلام، فی قول أکثر المؤرخین. وعلی هذا فلم تحظ السیدة المعصومة بلقاء أبیها علیه السلام ورعایته، وعاشت فی کنف أخیها وشقیقها الإمام الرضا علیه السلام وصی أبیه والقائم مقامه. واستبعد بعضهم أنّ تکون ولادتها علیها السلام فی تلک السنة؛ لأن السنوات الأربع الأخیرة من عمره علیه السلام (علی أقل التقادیر) کان فیها رهین السجون العباسیة، مضافاً إلی أنه قد ذکر أن للإمام الکاظم علیه السلام أربعاً من البنات، اسم کل منهنّ فاطمة، وأن الکبری من بینهن هی فاطمة المعصومة علیها السلام(1). ولذا فلا بد أن تکون ولادتها قبل ذلک فتکون فی غرة ذی القعدة سنة (179 ه -)(2).

وکیف کان فإنها رضعت من ثدی الإیمان، ونشأت وترعرعت فی أحضان العفة والطهارة، تحت رعایة أخیها الإمام الرضا علیه السلام، لأن أباها الإمام الکاظم علیه السلام أُشخص إلی بغداد وسجن فیها بأمر الرشید العباسی لذلک تکفل أخوها الإمام الرضا علیه السلام رعایتها ورعایة أخواتها ورعایة بقیة العلویین الذین کان الإمام الکاظم علیه السلام قائماً برعایتهم.

ص:128


1- (1) راجع: کتاب الفاطمة المعصومة علیها السلام, محمد علی المعلم, ص 56.
2- (2) مستدرک سفینة البحار, الشیخ علی النمازی الشاهرودی, ص 361.

من صفات فاطمة المعصومة علیها السلام

تعرف هذه السیدة بالمحدثة، والعابدة، والمقدامة، وکریمة أهل البیت علیهم السلام وهی فی غایة الورع والزهد والتقوی، والانقطاع إلی الله سبحانه وتعالی.

کیف لا وأبوها الإمام الکاظم علیه السلام المعروف بباب الحوائج، وأخوها الإمام الرضا الراضی بالقدر, وقد عرفت حال أمها وما تحوی من صفات کمالیة ورعایة ربانیة.

جاء فی کتاب النساء المؤمنات: کانت السیدة فاطمة الکبری بنت الإمام الکاظم علیه السلام عالمة محدثة راویة، حدثت عن آبائها الطاهرین علیهم السلام، وحدث عنها جماعة من أرباب العلم والحدیث، وأثبت لها أصحاب السنن والآثار روایات ثابتة وصحیحة من الفریقین الخاصة والعامة، فذکروا أحادیثها فی مرتبة الصحاح الجدیرة بالقبول والاعتماد(1).

وفاة المعصومة ومحل قبرها

توفیت علیها السلام فی العاشر من ربیع الثانی فی سنة إحدی ومائتین فی بلدة قم؛ وذلک لمّا أخرج المأمون الرضا علیه السلام من المدینة إلی مرو لولایة العهد فی سنة (200) من الهجرة، خرجت فاطمة أخته تقصده فی سنة (201 ه (، فلما وصلت إلی ساوة مرضت، فسألت: کم بینها وبین قم؟

ص:129


1- (1) النساء المؤمنات, ص 577.

قالوا: عشرة فراسخ.

فقالت: احملونی إلیها، فحملوها إلی قم، وأنزلوها فی بیت موسی بن خزرج ابن سعد الأشعری.

ذکروا أنّه لما وصل خبر وصولها إلی قم، استقبلها أشراف قم، وتقدمهم موسی بن خزرج، فلما وصل إلیها أخذ بزمام ناقتها وجرها إلی منزله، وکانت فی داره سبعة عشر یوماً، ثم توفیت علیها السلام، فأمر موسی بتغسیلها وتکفینها وصلی علیها ودفنها فی أرض کانت له، وهی الآن روضتها، وبنی علیها سقیفة من البواری، إلی أن بَنَتْ زینب بنت محمد بن علی الجواد علیه السلام علیها قبة(1).

وروی أنّه لما توفیت فاطمة علیها السلام سنة (201 ه (وغسلت وکفنت، حملوها إلی مقبرة بابلان، ووضعوها علی سرداب حفر لها، فاختلف آل سعد فی من ینزلها إلی السرداب، ثم اتفقوا علی خادم لهم صالح کبیر السن یقال له قادر، فلما بعثوا إلیه رأوا راکبین مقبلین من جانب الرملة وعلیهما اللثام، فلما قربا من الجنازة نزلا وصلیا علیها، ثم نزلا السرداب وأنزلا الجنازة ودفناها فیه، ثم خرجا ولم یکلما أحداً ورکبا وذهبا ولم یدر أحد من هما(2).

والمحراب الذی کانت فاطمة علیها السلام تصلی فیه موجود إلی الآن فی دار موسی بن خزرج ویزوره الناس, ولا یزال هذا المحراب إلی یومنا هذا یؤمه الناس

ص:130


1- (1) راجع: مستدرک سفینة البحار, الشیخ علی النمازی, ص 561.
2- (2) انظر: مستدرک سفینة البحار, الشیخ علی النمازی الشاهرودی, ج 8 ص 262. وبحار الأنوار, المجلسی, ج 48 ص 290.

للصلاة والدعاء والتبرک، وهو الآن مسجد عامر فی شارع (45 متری عمار یاسر) فی قم المقدسة، وقد جددت عمارته أخیراً بشکل یناسب مقام السیدة فاطمة المعصومة رضوان الله علیها.

فضل زیارة فاطمة المعصومة علیها السلام

یعد مشهد السیدة فاطمة المعصومة علیها السلام فی مدینة قم الیوم من المشاهد المشهورة فی عالمنا الإسلامی، وهو مبنی علی طرازٍ إسلامیٍّ رائعٍ، ویقصده محبو أهل البیت علیهم السلام من مختلف دیار الإسلام للزیارة والتوسل والدعاء, وهناک جملة من الروایات التی تحث علی زیارة السیدة فاطمة المعصومة علیها السلام, وتکشف عن عظم ثواب زیارة ضریحها.

منها ما روی عن ابن قولویه والشیخ الصدوق بالإسناد عن سعد بن سعد، قال: سألت أبا الحسن الرضا علیه السلام عن زیارة فاطمة بنت موسی بن جعفر علیهما السلام فقال: من زارها فله الجنة(1).

ومنها, ما روی ابن قولویه بإسناده عن العمرکی، عمن ذکره، عن ابن الرضا علیه السلام قال: من زار قبر عمتی بقم فله الجنة(2).

ومنها, ما ورد عن علی بن إبراهیم، عن أبیه، عن سعد، عن علی ابن موسی الرضا علیه السلام قال: یا سعد، عندکم لنا قبر, قلت له: جعلت فداک، قبر فاطمة بنت موسی علیهما السلام, قال: نعم، من زارها عارفاً بحقها فله الجنة فإذا

ص:131


1- (1) کامل الزیارات, جعفر بن محمد بن قولویه, ص 563. وثواب الأعمال, الشیخ الصدوق, ص 99.
2- (2) کامل الزیارات, جعفر بن محمد بن قولویه, ص 563.

أتیت القبر عند رأسها مستقبل القبلة، وکبر أربعاً وثلاثین تکبیرة، وسبح ثلاثاً وثلاثین تسبیحة، واحمد الله ثلاثاً وثلاثین تحمیدة، ثم قل الزیارة(1).

وأیضا روی عن الحسن بن محمد القمی عن أبی عبد الله الصادق علیه السلام، قال:

إنّ لله حرماً وهو مکة، وإن للرسول صلی الله علیه و آله حرماً وهو المدینة، وإنّ لأمیر المؤمنین علیه السلام حرماً وهو الکوفة، وإن لنا حرماً وهو بلدة قم، وستدفن فیها امرأة من أولادی تسمی فاطمة، فمن زارها وجبت له الجنة(2).

وببرکة السیدة فاطمة المعصومة علیها السلام تعج المدینة المقدسة قم بأعداد غفیرة من طلبة العلم، یختلفون إلی عشرات المدارس الدینیة وفی مراحل مختلفة من أقطار شتی، فهی الیوم جامعة علمیة دینیة یتخرج منها آلاف الطلبة کل عام، حتی أصبحت مدینة قم مدینة العلم والاجتهاد.

وفاة ومحل قبر السیدة نجمة

من البعید أن نقف علی نص تاریخی أو غیره یبین لنا تاریخ وفاتها علیها السلام ولا حتی بیان قبرها وأثر معلمها, ولکن یمکن أن نقول إنّها بقیت علی قید الحیاة إلی ما بعد استشهاد زوجها الکاظم علیه السلام, وذلک علی القول من أنّ ولادة السیدة

ص:132


1- (1) مستدرک الوسائل, المیرزا النوری, ج 10 ص 368.
2- (2) المصدر السابق.

المعصومة أخت الإمام الرضا علیه السلام کانت فی أیام استشهاد أبیها کما تقدم, وقد ثبت أنّ السیدة المعصومة والرضا علیهما السلام أولادها علیها السلام, فعلیه تکون قد أدرکت استشهاد زوجها علیه السلام ولکن لم تعرف الفترة التی عاشتها بعد ذلک. وأیضا یمکن أن نرجح أن محل قبرها فی المدینة المنورة؛ وذلک لأنّ زوجها الإمام الکاظم علیه السلام عندما کان مثواه الأخیر فی بغداد لم یکن ذهابه باختیاره ومع أسرته بل أعتقل وأخذ جبراً لوحده إلی العراق وکان فی غیاهب السجون إلی أن استشهد ودفن فی بغداد, أما أسرته فکانت مستقرة فی موطنها المدینة المنورة ولم تسافر إلی غیرها. ولو فرضنا أنها بقیت حیة إلی حین تولی ابنها الإمام الرضا علیه السلام ولایة العهد من قبل المأمون فی طوس فأیضاً الإمام علیه السلام لم یأخذ أسرته وأهل بیته معه, بل ترکهم فی موطنهم المدینة المنورة بعد ما سافر لتقلد ولایة العهد التی فرضت علیه قهراً. فیمکن أنْ نستفید من هذا وغیره أنّها فارقت الحیاة فی المدینة المنورة ودفنت فیها.

ص:133

ص:134

الفصل العاشر: خیزران المریسیة أم الإمام الجواد علیهما السلام

اشارة

ص:135

ص:136

اسمها ونسبها

اسمها السیدة خیزران المریسیة القبطیة, کما جاء ذلک فی صحیفة الزهراء علیها السلام والتی تشتمل علی أسماء الأئمة علیهم السلام وأمهاتهم کما مرّ مفصلاً, فقد أسند الشیخ الصدوق رحمه الله, عن أبی نضرة قال: لما احتضر أبو جعفر محمد بن علی الباقر علیه السلام عند الوفاة،... ثم دعا بجابر بن عبد الله فقال له: یا جابر, حدثنا بما عاینت من الصحیفة. فقال له جابر: نعم یا أبا جعفر دخلت علی مولاتی فاطمة... فقلت لها: یا سیدة النساء ما هذه الصحیفة التی أراها معک؟ قالت: فیها أسماء الأئمة من ولدی، (الی أن قال) أبو جعفر محمد بن علی الزکی أمه جاریة اسمها خیزران... الخ(1). والحدیث طویل، أخذنا منه موضع الحاجة.

ومن الأدلة علی أنّ اسمها خیزران هو ما ورد علی لسان السیدة حکیمة کما جاء فی المناقب عن حکیمة بنت أبی الحسن موسی بن جعفر علیه السلام قالت: لما حضرت ولادة الخیزران أم أبی جعفر علیه السلام دعانی الرضا فقال لی: یا حکیمة احضری ولادتها وادخلی وإیاها والقابلة بیتاً... الخ(2).

ص:137


1- (1) راجع: عیون أخبار الرضا علیه السلام, الشیخ الصدوق, ج 1 ص 41.
2- (2) راجع: مناقب آل أبی طالب, ابن شهر آشوب, ج 3 ص 499.

ومعنی الخیزران فی اللغة: هو نبات لیّن القضبان أملس العیدان لا ینبت ببلاد العرب إنما ینبت ببلاد الروم(1).

ویقال إنّ اسمها ریحانة، وهو مفرد الریاحین, والریحان: کل بقل طیب الریح، وقال:

بریحانة من بطن حلیة نورت لها أرج، ما حولها غیر مسنت

وقیل: الریحان أطراف کل بقلة طیبة الریح إذا خرج علیها أوائل النور، وفی الحدیث: إذا أعطی أحدکم الریحان فلا یرده، هو کل نبت طیب الریح من أنواع المشموم(2).

ویقال إنّ اسمها: سکینة, ویقال لها: درّه, کما عن ابن شهر آشوب, قال: وأمه (أی الجواد علیه السلام) أم ولد، تدعی: درة، وکانت مریسیة، ثم سماها الرضا علیه السلام: خیزران. وکانت من أهل بیت ماریة القبطیة. ویقال: إنها سبیکة، وکانت نوبیة. وتکنی: أم الحسن(3).

وکانت علیها السلام من أهل النوبة, أو من أهل مریسة, من قبیلة ماریة القبطیة أم إبراهیم ابن رسول الله صلی الله علیه و آله، والنوبة (بالضم) بلاد واسعة للسودان بجنب الصعید ومنها بلاد الحبشة، والنوبة أیضاً جیل من السودان, والنسبة إلیها نوبی ونوبیة, وقد تقدم الکلام عنه.

ص:138


1- (1) راجع: لسان العرب, ابن منظور, ج 4 ص 237.
2- (2) راجع: المصدر نفسه, ج 2 ص 458.
3- (3) راجع: مناقب آل أبی طالب, ابن شهر آشوب, ج 3 ص 487. دلائل الإمامة, محمد بن جریر الطبری (الشیعی), ص 396.

الحکمة من تعدد أسمائها

لا ضیر فی تعدد أسماء الجواری والإماء، وهو أمر وارد آنذاک وکان متعارفاً, فالسید أو المالک الجدید قد یطلق علی أمته اسماً جدیداً، إذا لم یعجبه اسمها الأول، أو یکون قد تزوجها فیغیر اسمها بما یتناسب ووضعها الجدید، أو أنه یطلق علیها عدة أسماء فی آن واحد؛ لهذا یکون للجاریة عدة أسماء أحیاناً, کما هو الحال فی والدة الإمام الجواد علیه السلام، فقد سماها الإمام الرضا علیه السلام إضافة لما لها من أسماء.

وربما یفهم من تعدد أسمائها تکامل صفاتها واحتواؤها علی الدرجات العالیة والرفیعة, فإن الأسماء عادة تحکی عن مسمیات فهی تشیر إلی معانٍ مقدسة, فلعلها إنما سمیت (درّة) لتلألأ وجهها بنور الإمامة لما کانت حاملاً بالإمام الجواد علیه السلام, وسمیت سبیکة بسبب لمعان وجهها کسبیکة الذهب, وسمیت ریحان لطیب ریحها کما تقدم معناه فی اللغة, وأیضاً أشار النبی صلی الله علیه و آله لذلک بقوله: الطیبة الفم, کما سیأتی.

وسمیت سکینة لحسن أخلاقها واستقامة سلوکها. وغیرها من الدلالات والإشارات التی تحویها هذه الأسماء.

ویمکن أن یکون من وراء تعدد أسمائها أهداف وأغراض سیاسیة وأمنیة منها الحفاظ علی أم المعصوم علیه السلام, لاسیما فی الفترة المتأخرة من عصر الأئمة علیهم السلام.

ص:139

الاختلاف فی بلدها بین المریسیة والمرسیة

اختلف المؤرخون والمحدثون فی نسبتها إلی بلدها, منهم من قال إنها ترجع إلی المریسة, والمراد بالمریسة: (بفتح أوله، وتخفیف الراء، ویاء ساکنة، وسین مهملة) هی جزیرة فی بلاد النوبة کبیرة یجلب منها الرقیق.

ومَرَیسة: (بالفتح ثم الکسر والتشدید، ویاء ساکنة، وسین مهملة) قریة بمصر وولایة من ناحیة الصعید، إلیها ینسب الحمر المریسیة وهی من أجود الحمیر وأمشاها، ینسب إلیها بشر بن غیاث المریسی صاحب الکلام مولی زید بن الخطاب، أخذ الفقه عن أبی یوسف القاضی صاحب أبی حنیفة ثم اشتغل بالکلام وجرد القول بخلق القرآن وحکی عنه أقوال شنیعة کقوله: إن السجود للشمس والقمر لیس بکفر، وکان مرجئاً، وروی عن حماد بن سلمة وسفیان بن عیینة، توفی سنة (218 ه -)، وببغداد درب یعرف بدرب المریسی ینسب إلیه(1).

ومنهم من نسبها إلی بلاد المرسیة, والمرسیة (بفتح المیم وسکون الراء وفی آخرها سین مهملة هذه النسبة إلی المرس) قریة نحو المدینة منها أبو عبد الله محمد بن إسماعیل بن القاسم بن إسماعیل العلوی المرسی المدینی, روی عن أبیه عن جده, وإلی المرسیة مدینة من بلاد الأندلس منها أبو غالب تمام بن غالب اللغوی المرسی الأندلسی یعرف بابن التیانی له کتاب مصنف فی اللغة.

والمرسیة: (بضم المیم وسکون الراء وفی آخرها سین مهملة) هذه النسبة

ص:140


1- (1) راجع: اللباب فی تهذیب الأنساب, ابن الأثیر الجزری, ج 3 ص 196.

إلی مرسیة وهی مدینة من بلاد المغرب هکذا ضبطه ابن ماکولا بالضم, قال السمعانی وکنت أسمع المغاربة یذکرونه بالفتح والله أعلم. ومنها جماعة من المحدثین والعلماء منها أبو غالب تمام بن غالب التیانی المرسی اللغوی ألَّفَ کتاباً فی اللغة أحسن فیه. (قال) قلت قول السمعانی فی هذه الترجمة بالضم وفی التی قبلها بالفتح وهما واحد لا وجه له فإن عادته فی أمثال هذا یذکر ترجمة واحدة ویقول وقیل بالفتح أو بالضم أو بالتشدید وأما میله إلی أنها بالفتح فغریب جداً وإنما هی بالضم وهما واحدة بالأندلس لا غیر ومن یراه قد ذکر فی الترجمة الأولی مرسیة بالأندلس فبقی الثانیة مرسیة بالمغرب یظن أن هذه غیر تلک لأنّ العادة جاریة أن یقال لبلاد العدوة المغرب ویقال لبلد الأندلس فهذا یوهم لبساً ودلیل أنهما مدینة واحدة أن المنسوب إلیهما واحد والله اعلم(1).

وکیف کان فقد ذکر البعض أنّها من المریسیة، نسبة إلی مریسة؛ وهی قریة فی صعید مصر من بلاد النوبة, وعلی هذا فهی من نوبة مصر لا السودان, والذی علیه أکثر المصادر عند الفریقین(2). ویؤید ذلک ما ورد فی الصحیفة عن النبی صلی الله علیه و آله بأبی ابن خیر الإماء النوبیة... الخ.

فتحصل أنّها علیها السلام سیدة أفریقیة من بلاد المغرب أو مصر أو النوبة, وهی شرق أفریقیة, ولیس هناک اختلاف جوهری وإنما اختلاف فی التعابیر.

ص:141


1- (1) راجع: معجم البلدان, الحموی, ج 5 ص 118.
2- (2) راجع: موسوعة شهادة المعصومین, لجنة الحدیث فی معهد باقر العلوم علیه السلام, ص 277.

مکانتها الرفیعة

نالت هذه السیدة الجلیلة الفخر والمجد الأوفر فی جملة من المزایا حتی أشخصتها عن غیرها وسادتْ علی أقرانها فی زمانها بحیث کانت أفضل نساء زمانها، حتی أنّ هذا الإیمان وهذه الفطرة السلیمة الراسخة فیها جعلت ید الغیب أن ترعاها ویجری مدحها علی لسان النبی صلی الله علیه و آله کاشفاً عن المستقبل وما تحویه هذه المرأة من طیب وطهارة.

فقد أشار إلیها رسول الله صلی الله علیه و آله بقوله: بأبی ابن خیر الإماء النوبیة الطیبة الفم، المنتجبة الرحم(1).

وأما مدح الإمام الرضا علیه السلام لها یکشف علی أنّها فی غایة القدسیة والکمال والطهارة, حیث قال علیه السلام بعدما سأله کلثم بن عمران, قال: قلت للرضا علیه السلام ادع الله أنّ یرزقک ولداً فقال علیه السلام:

إنما ارزق ولداً واحداً وهو یرثنی.

فلما ولد أبو جعفر (الجواد علیه السلام) قال الرضا علیه السلام لأصحابه:

قد ولد لی شبیه موسی ابن عمران علیه السلام فالق البحار, وشبیه عیسی ابن مریم علیه السلام قدست أم ولدته, قد خلقت طاهرة مطهرة, ثم قال الرضا علیه السلام یقتل غصباً فیبکی له وعلیه أهل السماء ویغضب الله تعالی علی عدوه وظالمه... الخ(2).

ص:142


1- (1) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 1 ص 323.
2- (2) راجع: عیون المعجزات, حسین بن عبد الوهاب, ص 108. وبحار الأنوار, المجلسی, ج 50 ص 15.

الصفات الکمالیة للسیدة خیزران

اشارة

تتمتع السیدة خیزران بکثیر من الصفات الکمالیة التی میزتها عن أقرانها وجعلتها أفضل أهل زمانها من النساء فی جمیع الأصعدة حتی أصبحت محط أنظار أهل البیت علیهم السلام وکشفوا لنا جملة من هذه الصفات الحمیدة التی کانت متجسدة فی ذات وکیان هذه المرأة العظیمة, فکانت تحوی علی الطهارة القصوی سواء کان ذلک فی المجال المعنوی أم المادی, وکانت المقدسة عند الجمیع والمنتجبة والمصطفاة من قبل الله تعالی, وکانت محل اهتمام الغیب فی کل شؤونها ولا نستبعد أو نستغرب ذلک فإنّ هذا دیدن أمهات وأوعیة الأئمة المعصومین علیهم السلام فقد اصطفاهن الله وخصهن وأعدهن حتی جعلهن طاهرات مطهرات مقدسات, وهذه الصفات المعنویة کثیر منها لا یمکن أن نطلع علیها إلا من قبل الغیب, فمن له شأن ارتباط بالغیب یکشف لنا عن مدی العظمة والمکانة التی تتمتع بها هذه السیدة الجلیلة, هب أنّ القدر أو الحکمة ساقها لأن تکون جاریة فی أیدی النخاسین أو أسیرة بأیدی القوم لکن هذا لا یحط من واقعها وعظمتها ورفعتها فإن الظاهر لا یؤثر بالواقع, فواقع حالها یحکی عن تکامل من جمیع جوانبها, فکیف أنّ السبی والأسر لم یؤثر بواقع السیدة زینب بنت أمیر المؤمنین علیه السلام بل جعلها بطلة ورائدة الإنسانیة وکشف عن مدی صلابتها ومتانتها وبعد إیمانها, فکذلک الأسر والسبی الذی حاکته السماء حتی تصل إلی مثواها الذی تؤدی به وظیفتها الکبری لن یلین ویؤثر بالسیدة خیزران أو غیرها من أمهات الأئمة علیهم السلام, بل ظلت تلک المرأة التی تحوی جملة من الصفات الکمالیة إلی أن أدت وظیفتها طبق المراد والمرسوم لها, کما شهد بذلک

ص:143

المعصوم الذی یحکی عن الواقع الذی غاب عن إدراک العوام, ونحن نذکر هنا بعضاً من صفاتها علیها السلام.

من صفاتها الطاهرة

من جملة الصفات التی کانت تتمتع بها السیدة خیزران هی صفة الطهارة, وهذه الصفة لم تکن ولیدةً فی حال اقترانها بالإمام الرضا علیه السلام أو فی حال ولادتها للإمام الجواد علیه السلام ولا فی حال طفولتها وغرة حیاتها, بل خلقت وجبلت طاهرة مطهرة کما کشف عن ذلک من له ارتباط بالغیب, وهو المعصوم الذی لا یزل ولا یخطأ ولا یتکلم فی مثل هذا إلا عن واقع فعلی, کما تقدم أنّه علیه السلام یُکلّم أصحابه بشأن السیدة خیزران (أم الإمام الجواد علیه السلام) ویقول: قد خلقت طاهرة مطهرة. ولو رجعنا إلی أهمیة هذه الصفة لوجدنا أنّها فی غایة الرفعة والعظمة, حیث ورد أنّ الطاهر أسم من أسماء المولی عزّ وجلّ کما جاء فی الدعاء: اللهم إنی أسألک باسمک المکنون المخزون الطاهر الطهر المبارک، وأسألک باسمک العظیم، وسلطانک القدیم... الخ(1). فهذه دلالة علی أهمیة هذه الصفة التی کانت من أسماء الله المکنونة المخزونة. قال الکفعمی: الطاهر من أسماء الله، أی المنزه عن الأشباه والأمثال والأضداد والأنداد وعن صفات الممکنات وحالات المخلوقات من الحدوث والزوال والسکون والانتقال(2). ولما کان لأسماء الله مظاهر فی هذا العالم، کانت السیدة خیزران إحدی مظاهر اسم «الطاهر».

ص:144


1- (1) راجع: من لا یحضره الفقیه, الشیخ الصدوق, ج 1 ص 324.
2- (2) راجع: المصباح, الکفعمی, ص 457.

وأیضا نجد أنّ هذه الصفة کانت من الصفات التی عُرف بها النبی صلی الله علیه و آله فقد کان یعبر عنه بالطاهر, کما جاء فی النصوص والأشعار وغیرها, منها: ورد عن الشروانی قال بعض الثقات إنّ من أکل الفجل ثم قال بعده خمس عشرة مرة: اللهم صل علی النبی الطاهر فی نفس واحد لم یظهر منه ریح ولا یتجشأ منه(1).

وأیضا جاء ذلک فی أرجوزة الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام فی ساحة الوغی:

أنا علی فسألونی تخبروا ثم ابرزوا لی فی الوغی وابدروا

سیفی حسام وسنانی یزهر منا النبی الطاهر المطهر(2)

وکما جاء عن العباس بن علی علیه السلام عندما حمل علی القوم فی کربلاء وهو یرتجز:

والله إن قطعتم یمینی إنی أحامی أبدا عن دینی

وعن إمام صادق الیقین نجل النبی الطاهر الأمین(3)

وکذلک عرفت هذه الصفة (الطاهر) بالإمام الحسین علیه السلام, کما جاء فی زیارته المبارکة: السلام علیک یا حجة الله فی أرضه وسمائه، صلی الله علی روحک الطیبة وجسدک الطاهر، وعلیک السلام یا مولای ورحمة الله وبرکاته... الخ(4). وأیضا هذه الصفة کانت من الألقاب المشهورة للصدیقة فاطمة

ص:145


1- (1) راجع: حواشی الشروانی, الشروانی, ج 2 ص 275.
2- (2) راجع: مناقب آل أبی طالب, ابن شهر آشوب, ج 2 ص 354.
3- (3) المصدر نفسه, ج 3 ص 256.
4- (4) راجع: المقنعة, الشیخ المفید, ص 470.

الزهراء علیها السلام بل کانت من الأوصاف الذاتیة للزهراء علیها السلام والمظهر الأجلی لاسم الله تعالی. کما عن الشیخ الصدوق فی علل الشرائع والأمالی عن الصادق علیه السلام قال: لفاطمة تسعة أسماء... وعَدَّ منها «الطاهرة»(1). وهو مشتق من الطُهر (بالضم)، وهو النزاهة والنظافة کما فی اللغة, والمطهر المنزه. ویقولون: امرأة طاهر من الحیض وطاهرة من النجاسة والعیوب(2). وکذلک عرفت بهذه الصفة السیدة خدیجة الکبری علیها السلام کما تقدم فی محله, عن الزبیر بن بکار قال فی حدیثه عن أحوال خدیجة الکبری علیها السلام «وکانت تدعی فی الجاهلیة الطاهرة»(3). حتی أنّ البعض قال إنّ هذا اللقب موروث لفاطمة علیها السلام من أمها إضافة إلی استحقاقها الذاتی. فنقول أیضا أصبح موروثاً لأمهات أولادها المعصومین علیهم السلام بعدها والتی من جملتهن السیدة الجلیلة خیزران أم الإمام الجواد علیه السلام. ولو فتشنا فی معنی الطاهرة والسبب فی تسمیتها بذلک لوجدنا أنها تحکی عن نزاهتها من کل القذارات والعیوب معنویة کانت أو مادیة, کما کشف عن ذلک المعصوم علیه السلام فی بیان سبب تسمیت فاطمة علیها السلام ب - (الطاهرة), فقد ورد عن أبی جعفر علیه السلام عن آبائه علیهم السلام قال: إنّما سمیت فاطمة بنت محمد الطاهرة لطهارتها من کل دنس، وطهارتها من کل رفث، وما رأت قط یوماً حمرة ولا نفاساً(4).

ص:146


1- (1) راجع: الأمالی, الشیخ الصدوق, ص 688. علل الشرایع, ج 1 ص 178.
2- (2) راجع: الصحاح, الجوهری, ج 2 ص 727.
3- (3) راجع: مجمع الزوائد, الهیثمی, ج 9 ص 218.
4- (4) راجع: الفصول المهمة فی معرفة الأئمة, ابن الصباغ, ج 2 ص 1198. وبحار الأنوار, المجلسی, ج 43 ص 19.

فکما أنّ فی هذا الحدیث إشارة إلی أن فاطمة علیها السلام مطهرة من الأخلاق الذمیمة والقبائح الباطنیة علاوة علی طهارتها من الأدناس والأرجاس البدنیة والظاهریة, فکذلک ینطبق تماماً علی السیدة خیزران (أم الإمام الجواد علیهما السلام)؛ لأنها أیضاً کانت توصف بالطاهرة علی لسان المعصوم علیه السلام والعلة والمناط واحد.

من صفاتها المُّطَهَّرَةٌ

ومن خصائص السیدة خیزران أنّها خلقت مطهَّرة, وقد اتصفت بهذه الصفة, کما تقدم عن الإمام الرضا علیه السلام, قد خلقت طاهرة مطهرة. والمطهر یحمل معانی أخری اضافة إلی المعانی التی تحملها صفة الطاهرة, وهذه الصفة أخذت مجالاً واسعاً فی القرآن الکریم والسنة الشریفة, کما جاء فی قوله تعالی:(وَ لَهُمْ فِیها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ)1, أی نساء مطهرة من الحیض والحدث ودنس الطبع وسوء الخلق. وفی مجمع البیان, طهرن من الحیض والنفاس، ومن جمیع المعائب، والأدناس، والأخلاق الدنیة، والطبائع الردیة، لا یفعلن ما یوحش أزواجهن، ولا یوجد فیهن ما ینفر عنهن(1). وقوله تعالی:(رَسُولٌ مِنَ اللّهِ یَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً)3, أی لا یمسها إلا الملائکة المطهرون، وقیل: مطهرة عن الباطل والکذب والزور. وفی قوله تعالی:(لا یَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ)4, والمعنی: لا

ص:147


1- (2) راجع: تفسیر مجمع البیان, الشیخ الطبرسی, ج 3 ص 111.

یمس الکتاب المکنون الذی فیه القرآن إلا المطهرون أو لا یمس القرآن الذی فی الکتاب إلا المطهرون. والکلام علی أی حال مسوق لتعظیم أمر القرآن وتجلیله فمسه هو العلم به وهو فی الکتاب المکنون. والمطهرون - اسم مفعول من التطهیر - هم الذین طهر الله تعالی نفوسهم من أرجاس المعاصی وقذارات الذنوب أو مما هو أعظم من ذلک وأدق, وهو تطهیر قلوبهم من التعلق بغیره تعالی، وهذا المعنی من التطهیر هو المناسب للمس الذی هو العلم دون الطهارة من الخبث أو الحدث کما هو ظاهر. فالمطهرون هم الذین أکرمهم الله تعالی بتطهیر نفوسهم کالملائکة الکرام والذین طهرهم الله، قال تعالی:(إِنَّما یُرِیدُ اللّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً)1 ، ولا وجه لتخصیص المطهرین بالملائکة کما عن جُلِّ المفسرین لکونه تقییداً من غیر مقید آیة التطهیر أن التطهیر بمعنی التنزیه عن أی عمل قبیح. ومتعلق الطهارة: إما الطهارة الظاهریة من الأخباث، أو طهارة الجوارح عن الجرائم والمعاصی، أو طهارة النفس من الأخلاق الردیة الرذیلة، أو طهارة السر عما سوی الله(1).

وکیف کانت هذه الصفة لها أهمیة فی الشرع الحنیف وقد وصف الله بعض خلقه ممن طهرهم واصطفاهم ولیس من السهل أن یصل کل أحد إلی هذا المقام ویتصف بهذه الصفة إلا من أخلص واتقی وسار علی نهج السماء... فمن هنا نعرف مکانة وعظمة السیدة الجلیلة الطاهرة المطهرة خیزران, فقد کشف لنا

ص:148


1- (2) راجع: تفسیر المیزان, السید الطباطبائی, ج 19 ص 137.

الإمام علیه السلام أنّها من جملة الذین طهرهم الله واصطفاهم فهی مطهرة من کل العیوب المادیة والمعنویة وما إلیها.

المقدسة

من جملة الصفات التی حظیت وتلبست بها السیدة خیزران هی التقدیس, وذلک أیضاً کشف عنه الإمام الرضا علیه السلام لأصحابه وللأجیال المتعاقبة أنّ أم ولده الإمام الجواد علیه السلام مقدسة, کما مرّ ذکره فی الحدیث المتقدم قوله علیه السلام: قدست امٌّ ولدته. وهذه الصفة تعبر عن مرتبة عالیة فی الکمال والارتقاء, بل هو أیضاً اسم من أسماء الله تعالی, کما جاء ذکره فی القرآن فی عدة آیات, منها قوله تعالی:(هُوَ اللّهُ الَّذِی لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْمَلِکُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ)1, ومنها قوله تعالی:(یُسَبِّحُ لِلّهِ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ الْمَلِکِ الْقُدُّوسِ الْعَزِیزِ الْحَکِیمِ)2. وفی الحدیث عن النبی صلی الله علیه و آله: یا قدوس، الطاهر فلا شیء کمثله(1).

وعن الإمام الکاظم علیه السلام فی الدعاء: تقدست یا قدوس عن الظنون والحدوس وأنت الملک القدوس بارئ الأجسام... الخ(2). وغیرها من النصوص التی تدل علی أنّ القدوس اسم من أسماء الله, وبعض المخلوقات التی خصها الله

ص:149


1- (3) راجع: جمال الاسبوع, السید ابن طاووس, ص 222.
2- (4) راجع: بحار الأنوار, المجلسی, ج 82 ص 220.

بالتطهیر والبرکة والاصطفاء تکون مظهراً لهذا الاسم العظیم, ومن جملة الذین نالت هذه المرتبة وأصبحت من المظاهر المتجلیة لهذا الاسم هی السیدة خیزران (أم الإمام الجواد علیهما السلام). وأما معنی التقدیس فقد اختلفوا فیه, منهم من قال التقدیس: هو التطهیر والتعظیم ومنه قولهم: سبوح قدوس، یعنی بقولهم سبوح: تنزیه لله وبقولهم قدوس: طهارة له وتعظیم ولذلک قیل للأرض: أرض مقدسة، یعنی بذلک المطهرة. فمعنی قول الملائکة - ونقدس لک - ننسبک إلی ما هو من صفاتک من الطهارة من الأدناس وما أضاف إلیک أهل الکفر بک. وقال بعضهم: التقدیس: هو التعظیم, نقدس لک: نعظمک ونمجدک ونکبرک. وقیل معنی المقدس المبارک فیه(1).

فتحصل أنّ البعض یری أنّه عبارة عن تنزیه الله عز وجل عن کل نقص. والبعض الآخر ذهبوا إلی أن التقدیس من مادة (قدس) أی تطهیر الأرض من الفاسدین والمفسدین. أو تطهیر النفس من کل رذیلة. أو تطهیر الجسم والروح لله. وبعض یری هو التعظیم والإجلال. وکیف کانت هذه الصفة تعبر عن مرتبة عالیة لا یتصف بها کل أحد إلا الخواص الذین طهرهم الله وسددهم واصطفاهم, وذلک بما قدموا من عملٍ وإخلاصٍ وطاعةٍ وما إلیه, وکانت السیدة خیزران واحدة من هؤلاء المصطفین, فقد حظیت برتبة التقدیس وأنها مقدسة, کما کشف عنها الإمام علیه السلام أنّها مقدسة, وهو یعبر عن مدی العظمة والمرتبة الرفیعة التی وصلت إلیها.

ص:150


1- (1) راجع: لسان العرب, ابن منظور, ج 82 ص 220. وتفسیر البحر المحیط, الأندلسی, ج 6 ص 215. وغیره.
المنتجبة

من الصفات الکمالیة العالیة التی حازت علیها السیدة خیزران هی الانتجاب کما کشف عن ذلک النبی صلی الله علیه و آله علی لسان الإمام الرضا علیه السلام حیث یقول: یا عم، ألم تسمع أبی وهو یقول: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: بأبی ابن خیرة الإماء ابن النوبیة الطیبة الفم، المنتجبة الرحم(1). والانتجاب: هو الاصطفاء والاختیار, ونجیب الله مختاره(2). وهو افتعال من الصفو، وهو الخالص من الکدر والشوائب. وفی اللسان: الانتجاب, من نجب - بالضم - نجابة، یقال: انتجبه أی استخلصه، وأصله من النجب - بالتحریک - لحاء الشجر، وبالتسکین مصدر قولک: نجبت الشجرة أنجبها إذا أخذت قشر ساقها(3). فاستعمل منه النجابة لخلوص الطینة من الرذائل الخلقیة، یقال: فلان نجیب أی فاضل کریم سخی، ونجب فلان إذا کان فاضلاً نفیساً فی نوعه، فالانتجاب بمعنی الاختیار والاصطفاء من بین النوع لامتیازه عن سائر أفراده بالفضائل الکاملة.

ویدل علیه ما رآه أحد زوار مشهد الإمام الرضا علیه السلام مکتوباً علی الضریح من قبل الملائکة الکرام, وذلک عندما أراد خادم القبر أن یخرجه ویغلق الباب فسأله أن یغلق علیه الباب ویدعه فی المشهد لیصلی فیه فإنه جاء من بلد شاسع ولا یخرجه وأنّه لا حاجة له فی الخروج فترکه وغلق علیه الباب وأنّه کان یصلی

ص:151


1- (1) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 1 ص 323.
2- (2) راجع: تفسیر البحر المحیط, أبی حیان الأندلسی, ج 1 ص 545.
3- (3) راجع: لسان العرب, ابن منظور, ج 1 ص 748.

وحده إلی أن أعیی فجلس ووضع رأسه علی رکبتیه لیستریح ساعة فلما رفع رأسه رأی فی الجدار مواجهة وجهه رقعة علیها هذان البیتان:

من سره أن یری قبراً برؤیته یفرج الله عمن زاره کربه

فلیأت ذا القبر أن الله أسکنه سلالة من نبی الله منتجبه

قال: فقمت وأخذت فی الصلاة إلی وقت السحر ثم جلست کجلستی الأولی ووضعت رأسی علی رکبتی فلما رفعت رأسی لم أر ما علی الجدار شیئاً(1).

وأیضا ما قاله الحمیری:

سبطان أمهما الزهراء منتجبة سادت نساء جمیع العالمیات

ابنا الرسول الذی جلت فضائله إنْ عُدِّدَ الفضل عن وصف المقالات

وابنا الوصی الذی کانت ولایته حتماً من الله فی تنزیل آیات(2)

وعلی هذا یکون حال السیدة خیزران کحال سیدتها الزهراء علیها السلام منتجبة ومختارة وتحسب من سلالة النبی صلی الله علیه و آله المختارة والمصطفاة, کما هو الحال أیضاً فی أمهات الأئمة المعصومین علیهم السلام.

رسول الله یمدح السیدة خیزران

من الملفت للنظر أنّ النبی صلی الله علیه و آله وعن طریق الغیب أخذ یمدح جاریة تأتی فی المستقبل بفارقٍ زمنیٍّ بعیدٍ, بقوله: بأبی ابن خیرة الإماء ابن النوبیة الطیبة الفم،

ص:152


1- (1) راجع: عیون أخبار الرضا علیه السلام, الشیخ الصدوق, ج 1 ص 313.
2- (2) راجع: مناقب آل أبی طالب, ابن شهر آشوب, ج 3 ص 157.

المنتجبة الرحم. کما تقدم ذکره, وهذا یکشف عن خصوصیة تمتاز بها السیدة خیزران علی أقرانها, فنلاحظ فی قوله صلی الله علیه و آله: بأبی ابن خیرة الإماء, هذه الباء تسمی باء التفدیة، والمعنی أفدی بأبی ابن خیرة الإماء. وخیرة: (بفتح الخاء والیاء الساکنة) الفاضلة من کل شیء. وابن النوبیة: اشارة إلی بلدها. والطیبة الفم: یحمل معانی بالإضافة إلی الحسن المادی, من أنّها عذبة اللسان حسنة المنطق وذلک فی مرضاة الله وذکره وتسبیحه, قوله تعالی:(وَ هُدُوا إِلَی الطَّیِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَ هُدُوا إِلی صِراطِ الْحَمِیدِ)1. وأیضاً فی قوله تعالی:(إِلَیْهِ یَصْعَدُ الْکَلِمُ الطَّیِّبُ وَ الْعَمَلُ الصّالِحُ یَرْفَعُهُ)2. فذکرها وتسبیحها لبارئها وکلامها المهذب مع أسرتها وجیرانها ومجتمعها جعلها محط نظر النبی صلی الله علیه و آله فی مدحها وتکریمها.

والمنتجبة: علی صیغة المفعول صفة مضافة إلی معمولها علی طریقة کریم الأب، أی المنجبة رحمها. فالنبی صلی الله علیه و آله أشار مادحاً إلی صفاتها المادیة والمعنویة والخلقیة وأنها خیرة نساء عصرها. ولم نجد فی مثل هذا بغیرها من النساء أن تحظی بمدحٍ من قبل نبی الإنسانیة ولم تکن قد عاصرته أو قاربت عصره, فهذا یعبر عن اهتمام الغیب بهذه السیدة الجلیلة وبیان مکانتها العظیمة عند الله وأهل البیت علیهم السلام. نعم ربما حظیت أمهات الأئمة الباقین علیهم السلام بمدحٍ وغیره من قبل النبی صلی الله علیه و آله لکن لم یصل إلینا, کما یشیر لذلک الحدیث المتقدم, من أنّ مدح النبی صلی الله علیه و آله بحق السیدة خیزران کان مشتهراً لا أقل بین الأسرة الهاشمیة کما خاطب الإمام الرضا علیه السلام

ص:153

بقوله: یا عم، ألم تسمع أبی وهو یقول: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: بأبی ابن خیرة الإماء ابن النوبیة الطیبة الفم... الخ. فکان الأئمة علیهم السلام ینشرون فضائل أمهاتهم ویکشفون عن سجایاهن وأبعادهن ویذکرون ما قال النبی صلی الله علیه و آله بحقهن, لکن لم یصل إلا النزر القلیل, وهذا الحدیث لم یسمع إلا من الإمام الرضا علیه السلام بهذه الحادثة التی سیأتی ذکرها وکأنها کانت السبب فی إیصال هذا الحدیث.

الإمام الکاظم یرسل لها سلامه

ومما یدل أیضاً علی جلالة قدرها ومکانتها ما فی الخبر المعتبر من أن الإمام موسی بن جعفر علیه السلام طلب من یزید بن سلیط أن یبلغها منه السلام إذا قدر علی ذلک, کما سیأتی بیانه. وهذا یعزز فی جلالة وقداسة هذه المرأة العظیمة بأن یبلغها السلام من المعصوم, کما أمر رسول الله صلی الله علیه و آله جابر بن عبد الله الأنصاری أن یبلغ أبا جعفر الباقر علیه السلام سلامه. فیبقی أن نعرف ما هو الدافع الذی جعل الإمام الکاظم علیه السلام أن یحرص علی إیصال سلامه لجاریة تأتی فی المستقبل القریب ولم یُقدّر له أن یدرکها ویراها؟ ویمکن أن یکون لأجل بیان عظمة ومکانة هذه المرأة وعظُم الدور الذی ستقوم به. أو أنّ لهذه المرأة شأناً تستحق أن یُرسل لها سلام من قبل حجة الله فی أرضه ولسانه الناطق, وکما حصل أنّ بعث الله سلامه إلی السیدة خدیجة علیها السلام وأیضاً إلی بنتها السیدة الزهراء علیها السلام عن طریق جبرئیل فهذا یفهم منه أنّ هؤلاء النسوة یتمتعن بمکانة رفیعة ولهن مرتبة عالیة عند الله ورسوله وأوصیائه. وأیضاً هنا شبه آخر بین السیدة خیزران وبین سیدتها الزهراء والسیدة خدیجة, هو أنّ ابن سلیط لم یلتقِ بالجاریة فی المکان المعین وأخبر الأمام الرضا علیه السلام بخبر

ص:154

أمانة إیصال السلام إلیها فتکفل المعصوم علیه السلام إیصاله إلیها عند شرائها کما حدث فعلاً. وهذا کما کان من أن جبرئیل أوصل سلام الله تعالی إلی الزهراء وخدیجة علیهما السلام عن طریق النبی صلی الله علیه و آله. فیکون سلام من معصوم عن طریق معصوم إلی السیدة خیزران, کما هو الحال فی إیصال سلام الله تعالی عن طریق معصومین للزهراء وأمها علیهما السلام.

أزواج الإمام الرضا علیه السلام

لم نقف علی ذکر زوجة للإمام الرضا علیه السلام غیر السیدة الجلیلة خیزران (أم الإمام الجواد علیهما السلام), وفی أواخر حیاته علیه السلام وبعد أشهر من قبوله بولایة العهد من قبل المأمون یقال تزوج بنت المأمون أم حبیب أو أم حبیبة, وقیل أخت المأمون المکناة أم أبیها, کما ذکره بعض من الخاصة والعامة, منها ما جاء فی العیون قال: حدثنا أبو ذکوان قال: سمعت إبراهیم بن العباس یقول: کانت البیعة للرضا علیه السلام لخمس خلون من شهر رمضان سنة إحدی ومأتین وزوجه ابنته أم حبیب فی أول سنة اثنتین ومأتین وتوفی سنة ثلاث ومأتین بطوس والمأمون متوجه إلی العراق فی رجب ولی غیره(1).

وعن ابن شهر آشوب قال: أخذ البیعة فی ملکه للرضا علیه السلام بعهد المسلمین من غیر رضی فی الخامس من شهر رمضان سنة احدی ومائتین، وزوجه ابنته أم حبیب فی أول سنة اثنتین ومائتین. وقیل: سنة ثلاث وهو یومئذ ابن خمس

ص:155


1- (1) راجع: عیون أخبار الرضا, الشیخ الصدوق, ج 1 ص 159. إعلام الوری بأعلام الهدی, الشیخ الطبرسی, ج 2 ص 85.

وخمسین سنة(1).

وأیضاً ذکر ذلک ابن الأثیر فی أحداث سنة (202 ه -) قال: فیها تزوج المأمون بوران بنت الحسن بن سهل. وفیها أیضاً زوج المأمون ابنته أم حبیب من علی بن موسی الرضا, وزوج ابنته أم الفضل من محمد بن علی الرضا بن موسی(2). ویمکن أن یراد من تزویجه الإمام الجواد علیه السلام فی هذه السنة هو مجرد تسمیة ابنته له أو اجراء العقد إلی حین بلوغه, لأن الإمام فی هذه السنة کان فی بدایة صباه بل کان عمره علیه السلام لم یتجاوز السنة السابعة. لذلک أشار إلیه السید الأمین فی قوله: بعد ما جعل الرضا علیه السلام ولی عهده زوجه ابنته أم حبیب أو أم حبیبة فی أول سنة (202) وفی روایة أنّه زوجه ابنته أم حبیبة وسمی للجواد ابنته أم الفضل وتزوج هو ببوران بنت الحسن بن سهل کل هذا فی یوم واحد. وقال علی بن الحسین المسعودی فی کتاب إثبات الوصیة لعلی بن أبی طالب علیه السلام: زوجه المأمون ابنته وقیل أخته المکناة أم أبیها, قال والروایة الصحیحة أخته أم حبیبة وسأله أن یخطب لنفسه فلما اجتمع الناس للأملاک خطب خطبة قال فی آخرها والتی تذکر أم حبیبة أخت أمیر المؤمنین عبد الله المأمون صلة للرحم وأمشاج الشبیکة وقد بذلت لها من الصداق خمسمائة درهم تزوجنی یا أمیر المؤمنین فقال المأمون نعم قد زوجتک فقال قد قبلت ورضیت(3).

وعن ابن خلکان قال: أبو الحسن علی الرضا بن موسی الکاظم بن جعفر

ص:156


1- (1) راجع: مناقب آل أبی طالب, ابن شهر آشوب, ج 3 ص 476.
2- (2) راجع: الکامل فی التاریخ, ابن الأثیر, ج 6 ص 350.
3- (3) راجع: أعیان الشیعة, السید محسن الأمین, ج 2 ص 23.

الصادق بن محمد الباقر بن علی زین العابدین المذکور قبله وهو أحد الأئمة الاثنی عشر علی اعتقاد الإمامیة وکان المأمون قد زوجه ابنته أم حبیب فی سنة اثنتین ومائتین وجعله ولی عهده وضرب اسمه علی الدینار والدرهم وکان السبب فی ذلک أنه استحضر أولاد العباس الرجال منهم والنساء وهو بمدینة مرو من بلاد خراسان وکان عددهم ثلاثة وثلاثین ألفاً ما بین الکبار والصغار واستدعی علیاً المذکور فأنزله أحسن منزلة وجمع خواص الأولیاء وأخبرهم أنه نظر فی أولاد العباس وأولاد علی بن أبی طالب رضی الله عنهما فلم یجد فی وقته أحداً أفضل ولا أحق بالأمر من علی الرضا فبایعه وأمر بإزالة السواد من اللباس والأعلام. و (قال) توفی فی آخر یوم من صفر سنة اثنتین ومائتین وقیل بل توفی خامس ذی الحجة وقیل ثالث عشر ذی القعدة سنة ثلاث ومائتین بمدینة طوس وصلی علیه المأمون ودفنه ملاصق قبر أبیه الرشید, وکان سبب موته أنه أکل عنباً فأکثر منه. وقیل بل کان مسموماً فاعتل منه ومات رحمه الله تعالی(1).

اقتران السیدة خیزران بالإمام الرضا علیه السلام

تکشف لنا قصة اقترانها بالإمام الرضا علیه السلام عن مدی مکانتها عند الله وعند أهل البیت علیهم السلام وعن بُعْدِ إیمانها وطهارتها وتکامل صفاتها (إضافة إلی اختیار المعصوم لها بالذات دون غیرها من النساء, ولکی تکون وعاءً وحجراً لابنه المعصوم وهذا وحده یکفی فی الدلالة علی تکامل صفاتها) فقد ورد عن یزید بن سلیط الزیدی، قال: لقیت أبا إبراهیم علیه السلام ونحن نرید العمرة فی بعض

ص:157


1- (1) راجع: وفیات الأعیان وأنباء أبناء الزمان, ابن خلکان, ج 3 ص 269.

الطریق... ثم قال لی أبو إبراهیم (الإمام الکاظم علیه السلام): إنی أؤخذ فی هذه السنة والأمر هو إلی ابنی علی علیه السلام, ثم قال لی: یا یزید وإذا مررت بهذا الموضع ولقیته وستلقاه، فبشره أنه سیولد له غلام، أمین، مأمون، مبارک، وسیعلمک أنک قد لقیتنی، فأخبره عند ذلک أن الجاریة التی یکون منها هذا الغلام جاریة من أهل بیت ماریة، جاریة رسول الله صلی الله علیه و آله أم إبراهیم، فإن قدرت أن تبلغها منی السلام، فافعل. قال یزید: فلقیت بعد مضی أبی إبراهیم علیاً علیه السلام فبدأنی. فقال لی: یا یزید ما تقول فی العمرة؟ فقلت: بأبی أنت وأمی ذلک إلیک وما عندی نفقة. فقال: سبحان الله ما کنا نکلف ولا نکفیک. فخرجنا حتی انتهینا إلی ذلک الموضع، فابتدأنی، فقال: یا یزید إنّ هذا الموضع کثیراً ما لقیت فیه جیرتک وعمومتک. قلت: نعم ثم قصصت علیه الخبر. فقال لی: أما الجاریة فلم تجئ بعد، فإذا جاءت بلغتها منه السلام. فانطلقنا إلی مکة، فاشتراها فی تلک السنة، فلم تلبث إلا قلیلاً حتی حملت فولدت ذلک الغلام(1).

أولادها

اختلف المؤرخون والمحدثون فی عدد أولاد الإمام الرضا علیه السلام فذهب جمع أنّه لیس له عقب إلا الإمام الجواد علیه السلام, قال المفید رحمه الله ومضی الرضا علیه السلام ولم یترک ولداً نعلمه إلا ابنه الإمام بعده أبا جعفر محمد بن علی علیه السلام وکانت سنهُ یوم وفاة أبیه سبع سنین وأشهراً(2).

ص:158


1- (1) راجع: الکافی, الشیخ الکلینی, ج 1 ص 316.
2- (2) راجع: الارشاد, المفید, ج 2 ص 263.

وأیضاً قال الطبرسی: وکان للرضا علیه السلام من الولد ابنه أبو جعفر محمد بن علی الجواد لا غیر(1). وعن المناقب: کان للرضا علیه السلام من الولد ابنه أبو جعفر محمد بن علی الجواد لا غیر(2).

ویؤید قولهم بعض المروایات فی هذا المجال, منها: عن حنان بن سدیر قال: قلت لأبی الحسن الرضا علیه السلام: أیکون إمام لیس له عقب؟ فقال أبو الحسن: أما إنّه لا یولد لی إلا واحد، ولکن الله منشئ منه ذریة کثیرة(3).

ومنها: ما روی عن عبد الرحمن بن محمد عن کلثم بن عمران قال قلت للرضا علیه السلام ادع الله أن یرزقک ولداً, فقال علیه السلام إنما ارْزَقُ ولداً واحداً وهو یرثنی(4).

ومنهم مَنْ ذهب إلی أنّ أولاده علیه السلام ستة کما جاء عن الإربلی قال: وأمّا أولاده فکانوا ستة, خمسة ذکور وبنت واحدة، وأسماء أولاده: محمد القانع، الحسن، جعفر، إبراهیم، الحسین، وعائشة(5). وکما نقل عن الحافظ عبد العزیز بن الأخضر الجنابذی أن له علیه السلام من الولد خمسة رجال وابنة واحدة, محمد الإمام وأبو محمد الحسن، وجعفر، وإبراهیم والحسین، وعائشة. وکذلک عن ابن الخشاب(6). ویؤید

ص:159


1- (1) راجع: إعلام الوری، الطبرسی, ص 329.
2- (2) راجع: مناقب آل أبی طالب, ابن شهر آشوب, ج 4 ص 367.
3- (3) راجع: کشف الغمة, ابن أبی الفتح الأربلی, ج 3 ص 95.
4- (4) عیون المعجزات, حسین بن عبد الوهاب, ص 107.
5- (5) راجع: کشف الغمة, ابن أبی فتح الإربلی, ج 3 ص 60.
6- (6) راجع: مسند الإمام الرضا علیه السلام, الشیخ عزیز الله عطاردی, ج 1 ص 140. وتاریخ موالید الأئمة (المجموعة), ابن الخشاب البغدادی, ص 37.

قولهم ما ذکر أنّ فی قوجان مشهد عظیم یعرف بسلطان إبراهیم بن علی بن موسی الرضا علیه السلام(1).

وجاء فی کتاب العدد: کان له علیه السلام ولدان أحدهما محمد والآخر موسی، لم یترک غیرهما(2).

ولکن ذکر الصدوق قدس سره روایات أسندها عن فاطمة بنت علی بن موسی الرضا علیه السلام, منها: حدثنا محمد بن أحمد بن یوسف البغدادی، قال: حدثنا علی بن محمد بن عیینة قال: حدثنی أبو الحسن بکر بن أحمد بن محمد بن إبراهیم بن زیاد بن موسی بن مالک الأشج العصری، قال حدثتنا فاطمة بنت علی بن موسی الرضا علیه السلام، قالت: سمعت أبی علیاً یحدث، عن أبیه، عن جعفر بن محمد، عن أبیه وعمه زید، عن أبیهما علی بن الحسین عن أبیه وعمه، عن علی بن أبی طالب علیهم السلام قال: لا یحل لمسلم أن یروع مسلماً.

وبهذا الإسناد، عن النبی صلی الله علیه و آله، قال: من کف غضبه کف الله عنه عذابه، ومن حسَّن خلقه بلغه الله درجة الصائم القائم(3).

وهذا یدل علی أنّه علیه السلام له بنت بهذا الاسم لم یذکروها ضمن أولاده علیه السلام, ویمکن أن یکون بدل اسم عائشة؛ لأنّ أهل البیت علیهم السلام کانوا یکثرون من تسمیة فاطمة تبرکاً بجدتهم فاطمة الزهراء علیها السلام وربما تجد أکثر من بنت بهذا الاسم فی

ص:160


1- (1) راجع: بحار الأنوار, العلامة المجلسی, ج 48 ص 320.
2- (2) راجع: العدد القویة, علی بن یوسف الحلی, ص 294.
3- (3) راجع: مسند الإمام الرضا علیه السلام, الشیخ عزیز الله عطاردی, ج 1 ص 140. وتاریخ موالید الأئمة (المجموعة), ابن الخشاب البغدادی, ص 37.

أسرة واحدة, مع أنّه لم یوجد مانع أو غیره فی عصر الإمام الرضا علیه السلام من تسمیة بناته بفاطمة.

وکیف کان إن الذین ذکروا له أولاداً غیر الإمام الجواد علیه السلام لم یذکروا أمهاتهم ولا یبعد أن تکون السیدة خیزران أمهم جمیعاً, لأنّهم لم یذکروا له زوجة غیرها, نعم ذکر الصدوق رحمه الله وغیره کما تقدم أنّ له زوجة باسم أم حبیب بنت المأمون(1). وعلی صحة ذلک وثبوته فیکون تزویجها منه فی أواخر حیاته علیه السلام بعد سفره إلی طوس وتسلمه ولایة العهد, کما ذکروا أنّ المأمون زوجه بعد أشهر مرت علی ولایة العهد من ابنته أم حبیب وذلک فی أوائل سنة (202 ه -), وقیل إنّه زوجه أخته المکناة أم أبیها, وقیل تکنی بأم حبیبة کما تقدم ذکره. ونستخلص من هذا وغیره أنّه علی القول بتعدد أولاد الإمام الرضا علیه السلام لا یبعد أن یکونوا من السیدة خیزران علیها السلام, بل هو الأرجح والأقرب للمنطق؛ لأنه علیه السلام علی القول بزواجه من بنت المأمون أو أخته فإنه لم یطل مکثه مع زوجته الثانیة (علی فرض ثبوتها) وإنما الفترة بین زواجه منها وبین استشهاده علیه السلام کانت تتراوح ما بین سنة إلی سنة ونصف, کما نص علیه المؤرخون والمحدثون وقد تقدم ذکره. والتی منها ما فی العیون: حدثنا أبو ذکوان قال: سمعت إبراهیم بن العباس یقول: کانت البیعة للرضا علیه السلام لخمس خلون من شهر رمضان سنة إحدی ومأتین وزوجه ابنته أم حبیب فی أول سنة اثنتین ومأتین وتوفی سنة ثلاث ومأتین بطوس(2).

ص:161


1- (1) راجع: عیون أخبار الرضا, الشیخ الصدوق, ج 1 ص 274.
2- (2) راجع: المصدر نفسه, ج 1 ص 159.

ولادة السیدة خیزران للمعصوم

هذه المزّیة الأخری التی تزداد بها علیها السلام فخراً وعزّاً وتحظی بالشرف العظیم حیث تکون أمّاً مناسبة للمعصوم, وهذا بنفسه یعطیها الدلیل القاطع علی مدی إیمانها وطهارتها ورعایة الله لها حیث لا یمکن أن یکون وعاء المعصوم غیر ذلک, فقد وفر الله تعالی هذه المؤهلات فی هذه السیدة الجلیلة لتکون أمّاً لحجة الله, وحینما وصل الخبر إلی زوجها الإمام الرضا علیه السلام بولادتها لابنه الجواد, قال علیه السلام: قدست أم ولدته، قد خلقت طاهرة مطهرة...(1). والمقدس: هو المطهر والمبارک, والتقدیس: التطهیر والتنزیه, کما تقدم بیانه. فالجملة التی ذکرها الإمام تشیر إلی ما کانت تمتاز به أمّ الجواد علیه السلام من العفاف والنزاهة والتقوی والورع والبرکات التی جعلها الله فیها سواء کانت معنویة أو مادیة.

وقد وقع الاختلاف فی تاریخ ولادتها للإمام الجواد علیه السلام, فقد ذکر المجلسی أنّ یوم ولادة الجواد علیه السلام هو عاشر رجب بروایة ابن عیاش, أو سابع عشر شهر رمضان أو منتصفه سنة (195)، ویوم وفاته هو آخر ذی القعدة أو الحادی عشر منه، ویوم إمامته هو یوم شهادة أبیه علیه السلام(2). وقد أحصی هذا الاختلاف السید القزوینی فی موسوعته فراجع(3). والاختلاف فی زمان ولادته علیه السلام کما رأینا مردد فی شهر رجب أو شهر رمضان کما علیه المشهور.

ص:162


1- (1) راجع: عیون المعجزات, حسین بن عبد الوهاب, ص 108. وبحار الأنوار, العلامة المجلسی, ج 50 ص 15.
2- (2) راجع: بحار الأنوار, العلامة المجلسی, ج 99 ص 25.
3- (3) راجع: موسوعة الإمام الجواد, السید الحسینی القزوینی, ج 1 ص 7.

ولکن مما یؤید کون ولادته فی رجب هو هذا الدعاء الوارد فی أیام رجب: اللهم إنی أسألک بالمولودین فی رجب محمد بن علی الثانی وابنه علی بن محمد المنتجب وأتقرب بهما إلیک خیر القرب... الخ(1).

من المعجزات فی ولادتها للمعصوم

وقد روی عن ابن شهر آشوب بسند معتبر عن حکیمة بنت أبی الحسن موسی بن جعفر علیهما السلام قالت: لما حضرت ولادة أم أبی جعفر علیه السلام دعانی الرضا فقال لی: یا حکیمة احضری ولادتها وادخلی وإیاها والقابلة بیتاً، ووضع لنا مصباحاً وأغلق الباب علینا فلما أخذها الطلق طفی المصباح وبین یدیها طست فاغتممت بطفی المصباح، فبینا نحن کذلک إذ بدر أبو جعفر علیه السلام فی الطست وإذا علیه شیء رقیق کهیئة الثوب یسطع نوره حتی أضاء البیت فأبصرناه فأخذته فوضعته فی حجری ونزعت عنه ذلک الغشاء فجاء الرضا ففتح الباب وقد فرغنا من أمره، فأخذه فوضعه فی المهد وقال لی: یا حکیمة الزمی مهده. قالت: فلما کان فی الیوم الثالث رفع بصره إلی السماء ثم نظر یمینه ویساره ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، فقمت ذعرة فزعة فأتیت أبا الحسن علیه السلام فقلت له: لقد سمعت من هذا الصبی عجباً.

فقال: وما ذاک؟ فأخبرته الخبر فقال:

یا حکیمة ما ترون من عجائبه أکثر(2).

ص:163


1- (1) مصباح المتهجد, الشیخ الطوسی, ص 805.
2- (2) راجع: مناقب آل أبی طالب, ابن شهر آشوب, ج 3 ص 499.

براءتها من الاتهام

إضافة إلی تجاوز ید الشر والطغیان فی عدائهم لأهل البیت علیهم السلام فی کل المجالات حتی التی تنتهی بالمساس بالشرف والعفة؛ وذلک لإطفاء نور الله بأفواههم, کما عبر عنهم المولی القدیر بقوله:(یُرِیدُونَ أَنْ یُطْفِؤُا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ یَأْبَی اللّهُ إِلاّ أَنْ یُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ کَرِهَ الْکافِرُونَ)1, لقد وصل الأمر إلی عداء أقرب الناس إلیه من عمومته وإخوته أن یطعنوا فی أسرته, فهذه الحادثة التی ألمت بالإمام علیه السلام وقد یندی لها جبین الإنسانیة ومن خلال هکذا ظُلامات نعرف مدی المحن والآلام التی مرّ بها أهل البیت علیهم السلام, فقد ورد عن زکریا بن یحیی بن النعمان الصیرفی قال: سمعت علی بن جعفر یحدث الحسن بن الحسین بن علی بن الحسین، فقال: والله لقد نصر الله أبا الحسن الرضا علیه السلام. فقال له الحسن: أی والله - جعلت فداک - لقد بغی علیه اخوته. فقال علی بن جعفر: أی والله ونحن عمومته بغینا علیه, فقال له الحسن: جعلت فداک کیف صنعتم، فإنی لم أحضرکم؟, قال: قال له إخوته ونحن أیضاً: ما کان فینا إمام قط حائل اللون(1), فقال لهم الرضا علیه السلام: هو ابنی. قالوا: فإن رسول الله صلی الله علیه و آله قد قضی بالقافة(2) ، فبیننا

ص:164


1- (2) کل حائل متغیر سمی به؛ لأنه یحول من حال إلی حال والمقصود أن لونه لیس مثل لونک ولون آبائک الطاهرین، لأن لونه علیه السلام کان أسمر، وکان غرضهم من ذلک سلب نسبه علیه السلام لسلب إمامته طمعاً فیها نعوذ بالله من ذلک. راجع: شرح أصول الکافی, المازندرانی, ج 6 ص 211
2- (3) القافة: جمع قائف، وهو الذی یعرف آثار الأقدام, تقول: قفت أثر. اذا اتبعته, مثل قفوت أثره. أنزر: الصحاح الجوهری ج 4 ص 1419. وفی الاصطلاح: هی الاستناد الی علامات یترتب علیها الحاق بعض

وبینک القافة قال: إبعثوا أنتم إلیهم، فأمّا أنا فلا، ولا تعلموهم لما دعوتموهم، ولتکونوا فی بیوتکم, فلما جاءوا أقعدونا فی البستان، واصطف عمومته واخوته، وأخذوا الرضا علیه السلام وألبسوه جبة صوف وقلنسوة منها، ووضعوا علی عنقه مسحاة، وقالوا له: ادخل البستان کأنک تعمل فیه، ثم جاءوا بأبی جعفر علیه السلام فقالوا: ألحقوا هذا الغلام بأبیه. فقالوا: لیس له ههنا أب، ولکن هذا عم أبیه، وهذا عم أبیه، وهذا عمه، وهذه عمته. وإن یکن له ههنا أب فهو صاحب البستان، فإن قدمیه وقدمیه واحدة. فلما رجع أبو الحسن علیه السلام قالوا: هذا أبوه. قال علی بن جعفر: فقمت فمصصت ریق أبی جعفر علیه السلام ثم قلت: أشهد أنک إمامی عند الله. فبکی الرضا علیه السلام. ثم قال: یا عم، ألم تسمع أبی وهو یقول: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: بأبی ابن خیرة الإماء ابن النوبیة الطیبة الفم، المنتجبة الرحم, ویلهم لعن الله الأعیبس وذریته، صاحب الفتنة ویقتلهم سنین وشهوراً وأیاماً، یسومهم خسفاً، ویسقیهم کأساً مصبرة، وهو الطرید الشرید الموتور بأبیه وجده, صاحب الغیبة یقال: مات أو هلک، أی واد سلک, أفیکون هذا یا عم إلا منی فقلت: صدقت جعلت فداک(1). ولا یفهم من هذه الروایة أنّ الإمام الرضا علیه السلام قد أقرّ عمل القافة ورتب علیه

ص:165


1- (1) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 1 ص 323.

حکماً, بل الأمام علیه السلام رفض هذا العمل من أول الأمر وقال أنتم قوموا به ثم الزمهم بما کانوا به یعتقدون, والقیافة منهی عنها وهی حرام عندنا وقد عمل بها غیرنا(1).

وفاة ومحل قبر السیدة خیزران

لم یذکر المؤرخون ولا غیرهم زمان وفاة السیدة خیزران أم الإمام الجواد علیه السلام ولم نقف أیضاً علی ذکر محل قبرها, ولکن لا یُستبعد أن یکون فی المدینة المنورة مع قبور أهل البیت علیهم السلام؛ والشاهد علی ذلک أنّها کانت قاطنة ومستقرة فیها, وحتی لو قلنا إنّها بقیت علی قید الحیاة إلی حین سفر زوجها الإمام الرضا علیه السلام إلی خراسان بطلب من المأمون لولایة العهد فهو علیه السلام لم یصطحب أسرته معه, بل ترکهم فی المدینة إلی حین استشهاده فی طوس, ویفهم منه أنّها کانت مع فرض حیاتها مستقرة فی المدینة المنورة أیضاً إلی حین استشهاد زوجها علیه السلام ولم تسافر إلی غیرها من البلدان, وکذلک لو فرضنا حیاتها إلی حین استشهاد ولدها الإمام الجواد علیه السلام فهی أیضاً کانت مستقرة فی المدینة ولم تسافر مع ابنها علیه السلام إلی العراق, مع أنّ الإمام الجواد علیه السلام کان أغلب سکنه فی مدة إمامته فی المدینة المنورة, فقد ذکروا أنّه علیه السلام بعد زواجه من أم الفضل رجع إلی المدینة ومعه زوجته أم الفضل, وخرج منها مع زوجته أم الفضل بنت المأمون إلی بغداد قبیل وفاته وبعد وفاة المأمون بطلب من المعتصم, حتی أنه ترک ولده الإمام الهادی علیه السلام فی المدینة المنورة. کما جاء فی الإرشاد قال: ولما توجه أبو جعفر علیه السلام من بغداد منصرفاً من عند المأمون ومعه أم الفضل قاصداً بها المدینة،

ص:166


1- (1) راجع: نهایة الأحکام, العلامة الحلی, ج 2 ص 472.

صار إلی شارع باب الکوفة ومعه الناس یشیعونه، فانتهی إلی دار المسیب. عند مغیب الشمس، نزل ودخل المسجد، وکان فی صحنه نبقة لم تحمل بعد، فدعا بکوز فیه ماء فتوضأ فی أصل النبقة فصلی بالناس صلاة المغرب، فقرأ فی الأولی منها الحمد وإذا جاء نصر الله، وقرأ فی الثانیة الحمد وقل هو الله أحد، وقنت قبل رکوعه فیها، وصلی الثالثة وتشهد وسلم، ثم جلس هنیهة یذکر الله تعالی، وقام من غیر تعقیب فصلی النوافل أربع رکعات، وعقب بعدها وسجد سجدتی الشکر، ثم خرج. فلما انتهی إلی النبقة رآها الناس وقد حملت حملاً حسناً فتعجبوا من ذلک وأکلوا منها فوجدوه نبقاً حلواً لا عجم له. وودعوه ومضی علیه السلام من وقته إلی المدینة، فلم یزل بها إلی أن أشخصه المعتصم فی أول سنة عشرین ومائتین إلی بغداد، فأقام بها حتی توفی فی آخر ذی القعدة من هذه السنة، فدفن فی ظهر (ضریح) جده أبی الحسن موسی علیه السلام(1).

وأیضاً یؤید استقراره علیه السلام فی المدینة المنورة ما روی من أن أم الفضل بنت المأمون کتبت إلی أبیها من المدینة تشکو أبا جعفر علیه السلام وتقول: إنه یتسری علی ویغیرنی، فکتب إلیها المأمون: یا بنیة، إنا لم نزوجک أبا جعفر لتحرمی علیه حلالاً، فلا تعاودی لذکر ما ذکرت بعدها(2). فهذا وغیره یدلنا علی أن السیدة خیزران أم الجواد علیه السلام فارقت الحیاة فی المدینة المنورة وقد دفنت فیها والله العالم.

ص:167


1- (1) راجع: نهایة الأحکام, العلامة الحلی, ج 2 ص 472.
2- (2) راجع: المصدر نفسه.

ص:168

الفصل الحادی عشر: سوسن المغربیة أم الإمام الهادی علیهما السلام

اشارة

ص:169

ص:170

اسمها ونسبها

اسمها السیدة سوسن المغربیة. کما جاء فی صحیفة الزهراء علیها السلام مع ذکر الأئمة وأمهاتهم وقد تقدم ذکره فی التمهید مفصلاً, فقد ورد فی عیون الأخبار, عن أبی نضرة قال: لما احتضر أبو جعفر محمد بن علی الباقر علیه السلام عند الوفاة دعا بابنه الصادق علیه السلام لیعهد إلیه عهداً... ثم دعا بجابر بن عبد الله فقال له: یا جابر حدثنا بما عاینت من الصحیفة فقال له جابر: نعم... فقلت لها: یا سیدة النساء ما هذه الصحیفة التی أراها معک؟ قالت: فیها أسماء الأئمة من ولدی... أبو الحسن علی بن محمد بن الأمین أمه جاریة اسمها سوسن... الخ(1). ومعنی سوسن فی اللغة: نبت، أعجمی معرب، وهو معروف وقد جری فی کلام العرب، قال الأعشی:

وآس وخیری ومرو وسوسن إذا کان هیزمن ورحت مخشما

وأجناسه کثیرة وأطیبه الأبیض(2). ویقال لها سمانة, وعن ابن الخشاب: یقال إنّ اسمها متفرشة المغربیة. ویقال لها الدرة المغربیة, ویقال: سکینة, مربیة أم ولد, ویقال خورنال, ویقال غزالة المغربیة. قال ابن أبی الثلج سألت أبا علی محمد

ص:171


1- (1) راجع: عیون أخبار الرضا علیه السلام, الشیخ الصدوق, ج 2 ص 47.
2- (2) لسان العرب, ابن منظور, ج 13 ص 229.

ابن همام(1) عن اسمها فقال: حدثنی ماجن مولاة أم محمد وجماعة الحانیة أنّ اسمها حویث(2). أو حُدیث. ویقال لها: جمانة. وأیضاً مهرسنة المغربیة. ومدنب. وهذا التعدد من الأسماء یحکی عن مسمیات وسجایا حمیدة جسدتها هذه المرأة الجلیلة وکانت تحکی عن واقعها وجمالها المادی والمعنوی.

أمّا نسبها: فیرجع إلی ذریة وولد عمار بن یاسر کما نقله السید ابن طاووس عن أبی نصر الهمدانی, قال حدثتنی حکیمة بنت محمد بن علی بن موسی بن جعفر عمة أبی محمد الحسن بن علی قالت لما مات محمد بن علی الرضا علیه السلام أتیت زوجته أم عیسی بنت المأمون فعزیتها ووجدتها شدیدة الحزن والجزع علیه... (إلی أن قالت أم عیسی) فبینما أنا جالسة ذات یوم إذ دخلت علیّ جاریة فسلمت فقلت من أنت فقالت جاریة من ولد عمار بن یاسر وأنا زوجة أبی جعفر محمد بن علی الرضا علیه السلام زوجک فدخلنی من الغیرة لم أقدر علی احتمال ذلک وهممت أن أخرج وأسیح فی البلاد... الخ(3).

وأمّا لقبها وکنیتها فقد ورد عن الطبری وغیره: أنّها کانت معروفه بالسیدة, وتکنی أم الفضل المغربیة, کانت من سادات الروم, حیث وقعت أسیرة فی جیش الإسلام وعلیه صارت حرّة(4). فهی من سبایا بعض الأمم النصرانیة.

ص:172


1- (1) محمد بن همام شیخ جلیل ثقة, یقال له أبو علی محمد بن همام الاسکافی صاحب کتاب التمحیص ویظهر من الأخبار أنّه من أصحاب سفراء الإمام الحجة علیه السلام المتوفی سنة (336 ه -).
2- (2) تاریخ الأئمة (المجموعة), الکاتب البغدادی, ص 25.
3- (3) انظر: الأمان من أخطار الأسفار, السید ابن طاووس, ص 74.
4- (4) انظر: چهارده نور پاک (فارسی), دکتر عقیقی بخشایشی, ج 12 ص 155.

بلاد المغرب

المغرب: بالفتح، ضد المشرق: وهی بلاد واسعة کثیرة ووعثاء شاسعة، قال بعضهم: حدها من مدینة ملیانة وهی آخر حدود إفریقیا إلی آخر جبال السوس التی وراءها البحر المحیط وتدخل فیه جزیرة الأندلس وإن کانت إلی الشمال أقرب ما هی، وطول هذا فی البر مسیرة شهرین(1).

ومن بلاد المغرب: تبالة، ومدینة صاحب الحبشة جرمی، ومدینة النوبة دمقلة، وجنوب البرابر، وغانة من بلاد سودان المغرب إلی البحر الأخضر(2). ویقول الحموی غانة: بعد الألف نون، کلمة أعجمیة لا أعرف لها مشارکا من العربیة: وهی مدینة کبیرة فی جنوبی بلاد المغرب متصلة ببلاد السودان یجتمع إلیها التجار ومنها یدخل فی المفازات إلی بلاد التبر ولولاها لتعذر الدخول إلیهم لأنها فی موضع منقطع عن الغرب عند بلاد السودان فمنها یتزودون إلیها، وقد ذکرت القصة فی ذلک فی التبر(3).

وتم فتحها فی عصر حکومة معاویة بن أبی سفیان بقیادة عمرو بن العاص, حیث قالوا لم یکتف عمرو بتأمین مصر من جهة الغرب، بل حاول أن یؤمنها من الجهة الوحیدة التی کانت لا تزال مصدر الخوف: وهی جهة الجنوب، فبعث نافع ابن عبد القیس الفهری (وکان نافع أخا العاص بن وائل لأمه) فدخلت خیلهم

ص:173


1- (1) معجم البلدان, الحموی, ج 5 ص 161.
2- (2) المصدر السابق, ج 1 ص 29.
3- (3) المصدر السابق, ج 4 ص 184.

أرض النوبة فقاتلهم أهلها قتالاً شدیداً فانصرفوا(1). وفی زمن یزید فتح المغرب الأقصی علی ید الأمیر «عقبة بن نافع»(2).

تکامل صفات السیدة سوسن

من المسلم أنّ المرأة التی یختارها الإمام المعصوم علیه السلام بأمر من الغیب کی تکون وعاءً وحجراً لابنه المعصوم علیه السلام, لا شک أنها تتمتع بصفات کمالیة عالیة, وقد حظیت بتربیة وإعداد إلهی, وتکون من جملة النساء اللاتی اصطفاهن الله وطهرهن وفضلهن علی غیرهن کما هو الحال فی أمهات الأنبیاء علیهم السلام, والسیدة سوسن من جملة هذه الکوکبة المنتجبة التی اختارها الله لکی تکون أوعیة صالحة وحجوراً طاهرة, فقد کشف لنا المعصوم علیه السلام عن مکانة وعظمة هذه السیدة الجلیلة من الناحیة المعنویة والمعرفیة, وأنّها تحظی برعایة وحراسة إلهیة لا یقربها شیطان ولا یعتریها مکروه, فقد روی ذلک تعزیزاً لشئنها وکشفاً عن عظم مکانتها وبُعد إیمانها, کما جاء عن محمد بن الفرج وعلی بن مهزیار، عن السید علیه السلام (الإمام الهادی علیه السلام) أنّه قال: أمی عارفة بحقی، وهی من أهل الجنة، لا یقربها شیطان مارد، ولا ینالها کید جبار عنید، وهی مکلوءة بعین الله التی لا تنام، ولا تتخلف عن أمهات الصدیقین والصالحین(3). وماذا یرید الإنسان أکثر من هذا التوثیق والبیان عن مدی أبعاد هذه السیدة الجلیلة, وهو یعلم

ص:174


1- (1) تاریخ عمرو بن العاص, دکتور حسن إبراهیم حسن, ص 187.
2- (2) الأعلام, خیر الدین الزرکلی, ج 8 ص 189.
3- (3) نظر: الأنوار البهیة, الشیخ عباس القمی, ص 274.

أنّ المعصوم علیه السلام لا یتکلم إلا عن واقع قد تجسد فی کیانها وتشرب فی ذاتها, فقد نطق الغیب عن مستوی المراحل والمراتب الکمالیة التی ارتقت إلیها هذه السیدة الطاهرة.

من صفاتها العارفة

ویستفاد من الحدیث أنّ السیدة سوسن کانت علی درجة کبیرة من الفضائل والصفات الحمیدة والأخلاق العالیة ویکفیها فخراً وعظم منزلة أنّه وصفها الإمام المعصوم علیه السلام (أمی عارفة بحقی) حیث إنّ معرفة حق الإمام علیه السلام کما هو الواقع لا یتأتی لکل أحد, إلا من خصه الله بمزایا وأیده وسدده؛ لأنّ المعرفة من المسائل التی تحتاج إلی توفیق الهی حتی یصل إلی مرحلة من الکمال لکی یتمکن من معرفة الإمام المعصوم علیه السلام بقدر ما توصل إلیه من کمال ومعرفة, وتحتاج هذه إلی مقدمات یصعب إحرازها, وهذه المعرفة لها مراتب کما أشار النبی الأکرم صلی الله علیه و آله إلی هذه المعرفة ذات المرتبة الکاملة «یا علی ما عرف الله إلا أنا وأنت وما عرفنی إلا الله وأنت وما عرفک إلا الله وانا»(1).

فقد صح أنّهم خزان العلم وعیبته وصاحب الدرجة العلیا یطیق حمل الدنیا وصاحب الدنیا لا یطیق حمل العلیا. وعلی غرار هذا حثت الروایات الإنسان أن یسأل الله فی معرفة ربه ومعرفة رسوله وإمام زمانه, کما ورد عن الصادق علیه السلام مخاطباً زرارة قل: «اللهم عرفنی نفسک، فإنک إن لم تعرفنی نفسک لم أعرف

ص:175


1- (1) انظر: مختصر بصائر الدرجات, الحسن بن سلیمان الحلی, ص 125.

نبیک، اللهم عرفنی رسولک، فإنک إن لم تعرفنی رسولک لم أعرف حجتک، اللهم عرفنی حجتک، فإنک إن لم تعرفنی حجتک ضللت عن دینی»(1).

وروی عن یسیر قال قلت لأبی عبدالله علیه السلام: إنّه یفوتنی الحج فأعرف عند قبر الحسین علیه السلام، فقال علیه السلام: أحسنت یا یسیر, من أتاه یوم عرفة عارفا بحقه کتب الله له ألف حجة وألف عمرة مبرورات متقبلات وألف غزوة مع نبی مرسل أو إمام عدل(2).

فتحصل أن معرفة المعصوم علیه السلام من خواص الأولیاء وأصحاب المعرفة والقرب الإلهی, والتی من جملتهم السیدة سوسن أمّ الإمام الهادی علیهما السلام, کما شهد لها بذلک المعصوم علیه السلام, بالإضافة إلی غیرها من المزایا التی لا تقل درجاتها عن درجات أمهات الصدیقین والصالحین.

ومعرفة الإمام علیه السلام لیست مجرد اطلاع علی واقع حاله ومدی بعده, بل یکون محرکاً نحوه فی الطاعة والاقتداء والامتثال لکل أقواله وأفعاله؛ لأنه لسان الله وحجته فی خلقة المفترض الطاعة, لذلک نلاحظ السیدة سوسن هی الوحیدة التی عرفت مقام ومکانة الإمام الجواد علیه السلام دون غیرها من نسائه, بل کانت أم الفضل بنت المأمون زوجته لا تری فی الإمام الجواد علیه السلام إلا إشباع متطلباتها وعلیه أخذت تشکوه بدافع الغیرة کما سیأتی.

ص:176


1- (1) انظر: الکافی, الشیخ الکلینی, ج 1 ص 337.
2- (2) انظر: مصباح المتهجد, الشیخ الطوسی, ص 715.

من صفاتها المعصومة

العصمة فی اللغة: المنع. یقال: عصمه الطعام، أی منعه من الجوع. وأبو عاصم: کنیة السویق. وأیضاً العصمة: تأتی بمعنی الحفظ. یقال: عصمته فانعصم. واعتصمت بالله، إذا امتنعت بلطفه من المعصیة(1). ویدل علیه قوله تعالی:(قالَ سَآوِی إِلی جَبَلٍ یَعْصِمُنِی مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْیَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاّ مَنْ رَحِمَ وَ حالَ بَیْنَهُمَا الْمَوْجُ فَکانَ مِنَ الْمُغْرَقِینَ)2, ویجوز أن یراد هنا لا معصوم، أی لا ذا عصمة، فیکون فاعل بمعنی مفعول. وهذا المعنی ینطبق علی السیدة سوسن علیها السلام فإنّ الله قد حفظها وعصمها ومنع عنها کل الآفات المعنویة والمادیة, مع أنّه أبعد عنها کل ما من شأنه أن یوقعها بالخطأ والمعصیة, کما کشف عن ذلک المعصوم علیه السلام فی الحدیث المتقدم بقوله: «لا یقربها شیطان مارد، ولا ینالها کید جبار عنید»، فقد أبعد الله الشیطان وغیره من التقرب إلی السیدة سوسن.

الحراسة الإلهیة للسیدة سوسن

بالإضافة إلی ما تکللت به من مزایا وسجایا قد حظیت بحفظ وحراسة من الله, وهذه الحراسة والحفظ الإلهی التی أوعزته السماء لحمایة وحراسة هذه السیدة العظیمة, وأیضاً قد کشف عن ذلک المعصوم علیه السلام الذی یحکی عن الغیب

ص:177


1- (1) انظر: الصحاح, الجوهری, ج 5 ص 1986.

والواقع بذیل الحدیث المتقدم, حیث یقول: «وهی مکلوءة بعین الله التی لا تنام، ولا تتخلف عن أمهات الصدیقین والصالحین».

والمکلوء فی اللغة: المحروس والمحفوظ. یقال: کلأک الله کلاءة أی حفظک وحرسک، والمفعول منه مکلوء، وأنشد الشاعر:

إن سلیمی، والله یکلؤها، ضنت بزاد ما کان یرزؤها

وفی الحدیث أنه صلی الله علیه و آله قال لبلال، وهم مسافرون: اکلأ لنا وقتنا. هو من الحفظ والحراسة(1).

وأیضاً ورد فی القرآن الکریم عندما أمر نبیه صلی الله علیه و آله بأن یقول لهؤلاء الکفار (قُلْ مَنْ یَکْلَؤُکُمْ بِاللَّیْلِ وَ النَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِکْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ)2, أی من یحفظکم من بأس الرحمن وعذابه. وقیل: من عوارض الآفات أو یحفظکم من أن یحل بکم عذابه, وقیل: من یحفظکم مما یرید الله إحلاله بکم من عقوبات الدنیا والآخرة(2).

وهناک قول آخر فی تفسیر الآیة: هو أنّ المراد ب - (الکلأ) هنا هو وضع الغلاف الجوی الذی یحفظ المخلوقات علی سطح الأرض من هجوم النیازک والأجرام, حیث یقول «فلو أن الله سبحانه لم یجعل السماء - أی الجو المحیط بالأرض سقفاً محفوظاً کما مر فی الآیات السابقة - لکان هذا وحده کافیاً أن

ص:178


1- (1) انظر: لسان العرب, ابن منظور, ج 1 ص 145.
2- (3) انظر: التبیان, الشیخ الطوسی, ج 7 ص 251.

تتهاوی النیازک وتمطرکم الأجرام السماویة بأحجارها لیل نهار. إن الله الرحمن قد أولاکم من محبته أن جعل جنوداً متعددین لحفظکم وحراستکم، بحیث لو غفلوا عنکم لحظة واحدة لصب علیکم سیل البلاء(1).

وکیف کان أنّ السیدة سوسن علیها السلام علاوة علی منع کل ما من شأنه أن یزلّها ویوقعها فی المعصیة أنّها قد حظیت بحفظ الله وحراسته, وهذا یعنی أنّها قد عُصِمَتْ تماماً من اقتراف الخطیئة وارتکاب المعصیة وما إلیها؛ لأنّها تحت الحراسة التی لا یمکن معها ذلک, مع أنّه تعالی قید عنها أغلال الشیاطین وتجاوزات المردة, ولا یخفی أنّ هذه الحراسة والألطاف الإلهیة لم تکن متأخرة عنها أو فی حال اقترانها بالإمام الجواد علیه السلام أو عند حملها وولادتها للإمام الهادی علیه السلام, بل یفهم من الحدیث أن هذه الرعایة والحراسة وغیرها متقدمة علی ولادتها بحسب المقتضیات العلمیة والعملیة.

السیدة سوسن من أهل الجنة

کشف المعصوم علیه السلام (الذی یحکی ویتحدث عن الغیب) عن خاتمة مطاف السیدة الجلیلة سوسن علیها السلام أنّها من أهل الجنة, وهذه العاقبة الحسنة یتمناها کل أحد لأنها عین السعادة والرفاه الأبدی, والجنة وبحسب مراتبها لا تتسنی لکل أحد بل تحتاج إلی عملٍ واعتقادٍ وإخلاصٍ وما إلیه, کما کشف عن ذلک القرآن الکریم والروایات وحثت الشریعة بالعمل والإخلاص والدعاء حتی یرزق الجنة,

ص:179


1- (1) الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل, الشیخ ناصر مکارم الشیرازی, ج 10 ص 171.

قوله تعالی:(وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِینَ فِیها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِینَ)1. وأیضا جاء فی المأثور أن یدعو المؤمن عقیب صلاة الظهر وفی کل حال أن یرزقه الله الجنة, کما جاء فی المصباح یقول «اللهم اجعلنی من أهل الجنة التی حشوها البرکة وعمارها الملائکة مع نبینا محمد وأبینا إبراهیم علیهما السلام»(1).

والوصول إلی هذا المقام الرفیع والسعادة الحقیقیة یحتاج إضافة إلی العمل الصالح اعتقاداً وتقوی وإخلاصاً, کما فی قوله تعالی:(وَ سِیقَ الَّذِینَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَی الْجَنَّةِ زُمَراً حَتّی إِذا جاؤُها وَ فُتِحَتْ أَبْوابُها وَ قالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَیْکُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِینَ * وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِی صَدَقَنا وَعْدَهُ وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَیْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِینَ * وَ تَرَی الْمَلائِکَةَ حَافِّینَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ یُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ قُضِیَ بَیْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَ قِیلَ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ)3.

ونستفید من هذا أنّ الإخبار من المعصوم علیه السلام بحق أمه السیدة سوسن أنّها من أهل الجنة لیس نابعاً عن تکریم من دون عمل واعتقاد بل هو یکشف لنا أن هذه السیدة کانت فی غایة قصوی من العبادة والإخلاص والتقوی والورع حتی کانت تُعْرَفُ من القانتات الفاضلات الورعات, فإنّ الوصول إلی هذه المرتبة

ص:180


1- (2) انظر: مصباح المتهجد, الشیخ الطوسی, ص 377.

الرفیعة ومن ثم حظیت بالألطاف الإلهیة کل ذلک کان یعبر عن مدی إیمانها وإتقان عملها وطاعتها حتی ختم الله لها بالجنة وکشف عن سعادة مستقبلها فی الدار الأبدیة.

أزواج الإمام الجواد علیه السلام

لم نقف علی زوجة للإمام الجواد علیه السلام غیر السیدة سوسن علیها السلام (أم الإمام الهادی علیه السلام), والأخری أم الفضل بنت المأمون الخلیفة العباسی, کما هو ثابت عند المؤرخین لدی الفریقین, منهم ما ذکره ابن الجوزی فی حوادث سنة خمس عشرة ومأتین قال: إنّ المأمون شخص من بغداد لغزو الروم فی یوم السبت لثلاث بقین من المحرم، وکان ارتحاله من الشماسیة إلی البردان یوم الخمیس بعد صلاة الظهر لستٍ بقین من المحرم، واستخلف حین رحل عن بغداد علیها إسحاق بن إبراهیم بن مصعب، وولاه مع ذلک السواد وحلوان وکور دجلة، فلما صار المأمون بتکریت قدم علیه محمد بن علی بن موسی بن جعفر بن محمد بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب کرم الله وجهه من المدینة فی صفر، فأجازه، وأمره أن یدخل بابنته أم الفضل، وکان زوجها منه، فأدخلت علیه فی دار أحمد بن یوسف التی علی شاطئ دجلة، فأقام بها، فلما جاءت أیام الحج خرج بأهله وعیاله حتی أتی مکة، ثم أتی منزله بالمدینة، فأقام بها(1).

وروی الشیخ المفید رحمه الله أنّه لما أراد المأمون أن یزوجه ابنته قال له: أتخطب

ص:181


1- (1) انظر: المنتظم فی تاریخ الملوک والأمم, أبو الفرج عبد الرحمن بن علی بن محمد بن الجوزی المتوفی سنة 597 ه -, ج 10 ص 265, ط دار الکتب العلمیة بیروت.

یا أبا جعفر؟ قال: نعم یا أمیر المؤمنین. فقال له المأمون: اخطب لنفسک جعلت فداک فقد رضیتک لنفسی وأنا مزوجک أم الفضل ابنتی وإن رغم قوم لذلک، فقال أبو جعفر علیه السلام: الحمد لله إقراراً بنعمته، ولا إله إلا الله إخلاصاً لوحدانیته، وصلی الله علی سید بریته والأصفیاء من عترته.

أما بعد فقد کان من فضل الله علی الأنام أن أغناهم بالحلال عن الحرام فقال سبحانه:(وَ أَنْکِحُوا الْأَیامی مِنْکُمْ وَ الصّالِحِینَ مِنْ عِبادِکُمْ وَ إِمائِکُمْ إِنْ یَکُونُوا فُقَراءَ یُغْنِهِمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ اللّهُ واسِعٌ عَلِیمٌ)1. ثم إن محمد بن علی بن موسی یخطب أم الفضل بنت عبد الله المأمون وقد بذل لها من الصداق مهر جدته فاطمة بنت محمد صلی الله علیه و آله وهو خمسمائة درهم جیاداً، فهل زوجته یا أمیر المؤمنین بها علی هذا الصداق المذکور؟ فقال المأمون: نعم زوجتک یا أبا جعفر أم الفضل بنتی علی الصداق المذکور فهل قبلت النکاح؟ قال أبو جعفر: قد قبلت ذلک ورضیت به(1).

ولا یخفی أنّ هذا الزواج والإصرار علیه من قبل المأمون کانت وراءه أهداف وأغراض سیاسیة, منها مراقبة تحرکات الإمام الجواد علیه السلام حتی فی بیته من خلال ابنته, ومن ثم یضبط جمیع تحرکات الإمام علیه السلام ولقاءاته, کما حدث ذلک فی تزویجه بنته أو أخته للإمام الرضا علیه السلام لکی یراقب تحرکات ولقاءات الإمام علیه السلام.

ص:182


1- (2) انظر: الإرشاد, الشیخ المفید, ج 2 ص 284.

اقتران السیدة سوسن بالإمام الجواد علیهما السلام

صحیح أنّ الإمام المعصوم علیه السلام یتعامل مع الناس بحسب الظاهر وما جرت علیه العادة والعرف فی انسجامها مع أهداف الرسالة, لکن هذا لیس بشکل مطلق ودائم, فهناک رؤی خاصة للإمام علیه السلام وتحرکات بمقتضی احتکاکه بالغیب ونظراته الثاقبة وبما یتوقف علی إجراء المستقبل, فمن تلک المواقف التی اتخذها الإمام الجواد علیه السلام هی حالة اقترانه مع أمّ ولده الهادی علیه السلام السیدة سوسن علیها السلام, وهذا بعید عن متعارف عوام الناس حیث إنها تنتظر من الحرة ذات المنزلة الاجتماعیة فی أهلها أن تلد أمثال المعصوم علیه السلام, ولکن شاءت حکمة الله أن یجعل أمه من الجواری مع وجود زوجته بنت الخلیفة المأمون أمّ الفضل, فقد ذکروا أنّه علیه السلام بعث بِصُرَّةٍ فیها أموال مع أحد أصحابه وأعطاه مواصفات الجاریة التی أتت من المغرب لیشتریها, کما ورد ذلک عن إبراهیم بن عبد الله بن جعفر، قال: دعانی أبو جعفر محمد بن علی بن موسی علیهم السلام فأعلمنی أن قافلة قد قدمت، وفیها نخاس، معه جوارٍ، ودفع إلیّ سبعین دیناراً، وأمرنی بابتیاع جاریة وصفها لی, فمضیت وعملت بما أمرنی به، فکانت تلک الجاریة أمّ أبی الحسن علیه السلام(1).

وفی روایة المسعودی قال: روی عن محمد بن الفرج، وغیره، قال: دعانی أبو جعفر علیه السلام فأعلمنی أن قافلة قد قدمت، وفیها نخاس معه رقیق، ودفع إلی صرة فیها ستون دیناراً، ووصف لی جاریة معه بحلیتها وصورتها ولباسها، وأمرنی

ص:183


1- (1) انظر: دلائل الإمامة, محمد بن جریر الطبری (الشیعی), ص 410.

بابتیاعها، فمضیت واشتریتها بما استام (أی سام البائع) وکان سومها بها ما دفعه إلیّ. فکانت تلک الجاریة أم أبی الحسن علیه السلام, واسمها جمانة وکانت مولده عند امرأة ربتها، واشتراها النخاس، ولم یقض له أن یقربها حتی باعها(1).

اهتمام الإمام الجواد بالسیدة سوسن

بعدما علم الإمام الجواد علیه السلام مکانة السیدة سوسن علیها السلام عند الله وإخلاصها وطاعتها لله ولرسوله وأهل بیته علیهم السلام وأنّها أعدت لتکون له الزوجة الصالحة والوعاء الطاهر للحجة من بعده, وقد احتوت علی صفات کمالیة عالیة وما إلی غیر ذلک, فلا ریب أنّها قد تحظی باهتمام المعصوم علیه السلام وحبه وعطفه واهتمامه, ولو کانت لها ضرة تعد بحسب أنظار العوام من الملوک والسلاطین والأشراف وهی أم الفضل بنت المأمون التی حکمت علی نفسها بالهلاک والندم الأبدی فی الدنیا والآخرة وذلک بسوء خلقها وسریرتها فلم ترزق الولد ولا حب الإمام علیه السلام, فلذلک أنّها أخذت تشکوه وتؤذیه وتخطط لقتله, کما ذکر ذلک جملة من المؤرخین قالوا: لما انصرف أبو جعفر علیه السلام إلی العراق لم یزل المعتصم وجعفر بن المأمون یدبران ویعملان الحیلة فی قتله علیه السلام. فقال جعفر لأخته أم الفضل: (وکانت لأُمِّهِ وأبیه) فی ذلک، لأنه وقف علی انحرافها عنه وغیرتها علیه لتفضیله أم أبی الحسن ابنه علیها مع شدة محبتها له، ولأنها لم ترزق منه ولداً، فأجابت أخاها جعفراً وجعلوا سماً فی شیء من عنب رازقی... الخ(2).

ص:184


1- (1) انظر: إثبات الوصیة, ص 228.
2- (2) انظر: الأنوار البهیة, الشیخ عباس القمی, ص 269. وإثبات الوصیة: ص 192.

وهناک شاهد آخر یحکی عن مدی غیرتها وشکایتها من الإمام علیه السلام بسبب زواجه وحبه لأم الإمام العسکری علیه السلام السیدة سوسن, فقد روت السیدة حکیمة عنها أنّها تقول: فبینما أنا جالسة ذات یوم إذ دخلت علی جاریة من ولد عمار بن یاسر وسلمت علیّ، فقلت: من أنت؟ قالت: أنا جاریة من ولد عمار بن یاسر، وأنا زوجة أبی جعفر محمد بن علی، زوجک. فدخلنی من الغیرة ما لم أقدر علی احتماله، وهممت أن أخرج وأصیح فی البلاد، وکاد الشیطان أن یحملنی علی الإساءة إلیها، فکظمت غیظی وأحسنت رفدها، وکسوتها. فلما خرجت عنی لم أتمالک أن نهضت، فدخلت علی أبی، فخبرته الخبر... الخ(1). وکیف کان أنّ السیدة سوسن علیها السلام دون غیرها قد حظیت بحب واهتمام الإمام الجواد علیه السلام وهذا بحد ذاته یعبر عن مدی طاعتها وإیمانها وحسن تبعلها وتکامل صفاتها وقربها من الله, لأنّ تحرک المعصوم علیه السلام نحو الغیر بشکل إیجابی سواء کان من خلال القول أم الفعل دلالة علی حسن وجمال ذلک الغیر بکل المعاییر المادیة والمعنویة, وقد لاحظنا کیف کان اهتمام الإمام علیه السلام بهذه السیدة الجلیلة سوسن علیها السلام حتی أثار ذلک حفیظة الطرف الآخر.

ولادة السیدة سوسن للهادی علیه السلام

تزداد علی کمالها ومنزلتها فی موقف هو الآخر الذی یکللها بالشرف والمجد وتکون الوعاء الطاهر والحجر المبارک إلی المعصوم الحجة فی زمانه, فلم تلد امرأة فی ذلک العصر مثله علماً وتقوی وغیر ذلک, فقد ولد فی المدینة المنورة، وکان بحکم میراثه جامعاً لجمیع خصال الخیر والشرف والنبل, وسارع

ص:185


1- (1) انظر: الثاقب فی المناقب, ابن حمزة الطوسی, ص 219.

الإمام الجواد علیه السلام فأجری علی ولیده المبارک المراسیم الشرعیة فأذن فی أذنه الیمنی، وأقام فی الیسری، وسماه أبوه الإمام الجواد علیه السلام علیاً تبرکاً وتیمناً باسم أجداده العظماء: جده الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام وجده الإمام علی بن الحسین زین العابدین وسید الساجدین علیه السلام, وجده علی بن موسی الرضا علیه السلام. ثم ختنه فی الیوم السابع من ولادته, کما هی العادة المتبعة عند أئمة أهل البیت علیهم السلام أنهم یجرون هذه المراسیم الشرعیة علی أبنائهم عند الولادة.

واتفق أکثر المؤرخین أنّه (الإمام الهادی علیه السلام) ولد سنة (212) للهجرة, وقیل إنه ولد فی سنة (214) للهجرة, وقد اختلفوا فی الشهر والیوم الذی ولد فیه, وهذه بعض الأقوال: منها: ولد فی الیوم السابع والعشرین من ذی الحجة. ومنها: ولد فی الیوم الثالث عشر من رجب(1).

وقال العلامة المجلسی رحمه الله فی زیارة الإمامین العسکریین علیهما السلام: اعلم أن زیارتهما علیهما السلام فی الأوقات والأیام الشریفة والأزمان المختصة بهما أفضل وأنسب، کیوم ولادة الإمام الهادی علیه السلام وهو فی النصف من ذی الحجة، وبروایة ابن عیاش ثانی رجب، أو خامسه، وبروایة إبراهیم بن هاشم ثالث عشر رجب، والأول أشهر، ولکن کونه فی رجب قد ورد به الخبر. ویوم وفاته وهو ثالث رجب بروایة إبراهیم بن هاشم وغیره، أو ثانیه وخامسه علی بعض الأقوال، أو لأربع بقین من جمادی الآخرة بروایة الشیخ الکلینی، ویوم إمامته, وهو آخر ذی القعدة أو الحادی عشر منه(2).

ص:186


1- (1) انظر: حیاة الإمام الهادی, الشیخ باقر شریف القرشی, ص 17.
2- (2) انظر: بحار الأنوار, الشیخ المجلسی, ج 99, ص 79. والکافی, الکلینی, ج 1 ص 498

أولادها

اختلف المؤرخون وغیرهم فی عدد أولاد الإمام الجواد علیه السلام, منهم من قال: ولد للإمام الجواد علیه السلام أربعة أبناء، وأربع بنات. فالبنات زاد علی روایة الصدوق علیهن فاطمة. وأما الأولاد فزاد علی الجمیع إضافة إلی الإمام علی النقی علیه السلام، وموسی المبرقع، وأبو أحمد الحسین، وأبو موسی عمران، وقال: إن جمیعهم أمهم أم ولد یقال لها سمانة المغربیة، ولم یکن للإمام الجواد علیه السلام من أم الفضل بنت المأمون نسل. وعقبه ینحصر فی الإمام علی النقی علیه السلام وأبی أحمد موسی المبرقع(1).

وأمّا الشیخ المفید ذکر أنّ أولاده علیه السلام أربعة: علی الإمام الهادی علیه السلام وموسی المبرقع وفاطمة وأمامة، ولم یخلف ذکراً غیر من سمیناه(2). وعن الشیخ الصدوق قال: أولاده علی الإمام علیه السلام وموسی وحکیمة وخدیجة وأم کلثوم. وقال أبو عبد الله الحارثی: خلف فاطمة وأمامة. ولم یخلف غیرهم. وعن النفحات العنبریة: أنه أولد من الذکور محمداً وعلیاً وموسی المبرقع والحسین، ومن الإناث حکیمة وبریهة وأمامة... الخ. وعن عمدة الطالب، وصحاح أخبار: أنه لم یعقب إلا من مولانا علی الهادی علیه السلام وموسی المبرقع. وفی عمدة الطالب فی أحوال موسی المبرقع ووروده بقم: فأتته أخواته زینب وأم محمد ومیمونة بنات الجواد علیه السلام ونزلن عنده، فلما مِتْنَ دفنَّ عند فاطمة بنت موسی الکاظم علیه السلام وأقام موسی بقم

ص:187


1- (1) راجع: چهارده نور پاک (فارسی), دکتر عقیقی بخشایشی, ج 12 ص 155.
2- (2) راجع: الإرشاد, الشیخ المفید, ج 2 ص 295.

حتی مات(1).

وعن الفخر الرازی: وأما أبو جعفر التقی علیه السلام، فله من الأبناء ثلاثة: أبو الحسن علی النقی علیه السلام الإمام، وموسی، ویحیی، وولده بقم. وله من البنات خمسٌ: فاطمة، وبهجت، وبریهة، وحکیمة، وخدیجة. لا عقب للبنات ولا لیحیی(2).

فتحصل مع اختلاف العدد من أولاد الإمام الجواد علیه السلام فهم کلهم یرجعون إلی السیدة سوسن علیها السلام حیث لم یذکر لأم الفضل بنت المأمون ولد من الإمام علیه السلام ولو کان لبان وظهر فی بطون الکتب وغیرها, وأیضاً لم یذکروا زوجة أخری غیر ما ذکرناه للإمام الجواد علیه السلام, فلا یبعد أنّ تکون السیدة سوسن هی المرأة الوحیدة التی رزق منها الإمام الجواد علیه السلام الولد.

من بنات الإمام الجواد حکیمة

حکیمة بنت الإمام محمد الجواد بن علی الرضا بن موسی الکاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب علیهم السلام. مدفونة بسامراء هی ونرجس أم المهدی علیه السلام مع الإمامین العسکری والهادی علیهما السلام. والصواب أن اسمها حکیمة بالکاف کما هو الموجود فی کتب التواریخ والأخبار. وما یجری علی السنة العامة من تسمیتها حلیمة باللام تحریف. کانت من الصالحات العابدات القاتنات, لها أخبار فی تزویج الإمام الحسن العسکری علیه السلام بنرجس أم

ص:188


1- (1) راجع: مستدرک سفینة البحار, الشیخ علی النمازی الشاهرودی, ج 2 ص 405.
2- (2) انظر: الشجرة المبارکة, ص 78.

المهدی علیه السلام, وفی ولادة الإمام المهدی علیه وعلی أبیه السلام(1). وقد أدرکت أربعة من الأئمة علیهم السلام, الجواد, والهادی, والعسکری, والحجة المنتظر. وبعد وفاة العسکری علیه السلام تسنمت منصب السفارة لإمام العصر علیه السلام, وکانت توصل عرائض الناس إلیه, کما توصل التوقیعات الصادرة عن تلک الناحیة المقدسة إلی الناس.

وذکروا فی سنة (274 ه -) توفیت السیدة حکیمة بنت الإمام الجواد علیه السلام فدفنت جوار أخیها. ثم بعد ذلک توفی من توفی من العائلة الکریمة أمثال السیدة سوسن, وقیل حدیث أو حدیثة والدة الإمام الحسن العسکری علیه السلام(2).

حکیمة ترعی أم الإمام المهدی

حظیت حکیمة بمکانة عالیة بین الأئمة الأطهار ولها جملة من المواقف المخلدة, من جملتها تربیتها لأم الإمام المهدی علیه السلام, کما جاء عن الثقات من مشایخنا أنّ بعض أخوات أبی الحسن علی بن محمد الهادی علیه السلام کانت لها جاریة ولدت فی بیتها وربتها تسمی نرجس (أم الإمام المهدی علیه السلام) فلما کبرت دخل أبو محمد الحسن العسکری علیه السلام فنظر إلیها فأعجبته فقالت له عمته أراک تنظر إلیها فقال إنّی ما نظرت إلیها إلا متعجباً أما أنّ المولود الکریم علی الله جل وعلا یکون منها, ثم أمرها أن تستأذن أبا الحسن علیه السلام فی دفعها إلیه, ففعلت(3).

وعن الصدوق فی کمال الدین, روی بسنده عن الطهوی عن حکیمة بنت

ص:189


1- (1) راجع: أعیان الشیعة, السید محسن الأمین, ج 6 ص 217.
2- (2) راجع: الکشکول المبوب, الحاج حسین الشاکری, ص 114.
3- (3) راجع: الغیبة, الشیخ الطوسی, ص 244.

الإمام محمد الجواد علیه السلام قالت کانت لی جاریة یقال لها نرجس فزارنی ابن أخی أی الحسن العسکری علیه السلام وأقبل یحد النظر إلیها فقلت له یا سیدی لعلک هویتها فأرسلها إلیک فقال لا یا عمة لکن أتعجب منها سیخرج ولد کریم علی الله عز وجل الذی یملأ الله به الأرض عدلاً وقسطاً کما ملئت جوراً وظلماً, فقلت فأرسلها إلیک یا سیدی, فقال استأذنی أبی فأتیت منزل أبی الحسن علیه السلام فبدأنی وقال یا حکیمة ابعثی بنرجس إلی ابنی أبی محمد فقلت یا سیدی علی هذا قصدتک, فقال یا مبارکة إن الله تبارک وتعالی أحب أن یشرکک فی الأجر فزینتها ووهبتها لأبی محمد علیه السلام, فمضی أبو الحسن علیه السلام وجلس أبو محمد مکانه فکنت أزوره کما کنت أزور والده فجاءتنی نرجس یوماً تخلع خفی وقالت یا مولاتی ناولینی خفک, فقلت بل أنت سیدتی ومولاتی والله لا دفعت إلیک خفی ولا خدمتنی بل أخدمک علی بصری, فسمع أبو محمد علیه السلام ذلک فقال جزاک الله خیراً یا عمة, فلما غربت الشمس صحت بالجاریة ناولینی ثیابی لأنصرف فقال یا عمتاه بیتی اللیلة عندنا فإنه سیولد اللیلة المولود الکریم علی الله عز وجل الذی یحیی الله به الأرض بعد موتها(1). کما سیأتی الکلام فیه مفصلاً إن شاء الله.

نبذة من حیاة السید موسی المبرقع

ولد السید موسی المبرقع أخو الإمام الهادی علیه السلام بالمدینة المنورة وعاش مع أبیه فیها مدة حیاته، وبعد استشهاد أبیه انتقل إلی الکوفة وسکن بها مدة ثم هاجرها إلی قم فوردها سنة (256) للهجرة بقصد التوطن بها، وهو أول سید

ص:190


1- (1) راجع: کمال الدین وتمام النعمة, الشیخ الصدوق, ص 426.

رضوی تطأ أقدامه مدینة قم, وکان یضع برقعاً علی وجهه، لما قیل من أنه کان حسن الوجه، جمیل الصورة، فکان الناس رجالاً ونساءً یطیلون النظر إلیه، انبهاراً بجماله، فکان رحمه الله یتضایق من هذا الأمر، ولهذا ستر وجهه ببرقع حتی یستریح من کثرة نظر الناس إلیه، فلهذا لقب بالمبرقع. وارتاب منه أهالی قم لعدم معرفتهم إیاه، فأخرجه جماعة العرب المقیمین بها فرحل عنها إلی کاشان ونزل عند أحمد ابن عبد العزیز بن دلف العجلی، فأکرمه هذا ورحب به وبذل له الأموال، فعاش عنده مدة فی رخاء ورفاه وجاه حتی خرج جماعة من رؤساء الکوفیین المشایعین لأهل البیت علیهم السلام لتفحص أمره فقدموا قم واستطلعوا أخباره، فعرفوا ما کان بینه وبین أهل قم، فوبخوهم علی فعلهم من سوء معاملته، وعرفوهم به. فندم القمیون علی ما بدر منهم تجاه ابن الإمام علیه السلام واستشفعوا بالکوفیین کی یردوه إلی بلدهم، فقبل موسی شفاعتهم، وصفح عن أهل قم. ثم عاد إلی قم فنزل علی أهلها معززاً مکرماً، وبذلوا له الأموال والعقار فعاش بینهم فی رخاء وسعة، وانتقل إلیه أقاربه وأهل بیته من الکوفة وأقاموا عنده(1).

کان موسی المبرقع من أهل الحدیث والدرایة، ویروی عنه الشیخ الطوسی فی التهذیب، وابن شعبة فی تحف العقول. وهناک خبر مروی عن یعقوب بن یاسر، یمس بکرامة موسی المبرقع ویطعن فیه، وهو خبر لا اعتماد علیه؛ لمجهولیة الراوی، وعدم الاعتبار بحدیثه.

وقد ألف الشیخ النوری رحمه الله رسالة سماها: (البدر المشعشع فی أحوال ذریة

ص:191


1- (1) راجع: بحار الأنوار, الشیخ المجلسی, ج 50 ص 160.

موسی المبرقع) زیف فیها ذلک الخبر، وذکر بعض الأدلة علی استقامة حاله واعتداله(1).

توفی موسی المبرقع بقم فی الثامن ربیع الآخر سنة (296) للهجرة ودفن فی بیته وقبره الیوم مزار مشهور، تزوره الناس، وعلیه عمارة حدیثة ضخمة وضریح فضی مذهب، ویقع فی المحلة المعروفة ب - (دربهشت) أی باب الجنة. وعقبه کثیرون منتشرون فی بقاع واسعة فی إیران (فی مدینتی مشهد وقم) والهند، والباکستان، وأفغانستان، وترکستان، والعراق، وسوریة(2).

وفاة السیدة سوسن ومحل قبرها

لم یذکر المؤرخون ولا أصحاب الحدیث وغیرهم زمان وفاتها ولا محل قبرها علیها السلام نعم قد ورد فی عیون المعجزات وغیره: عن الحسن بن محمد بن المعلی، عن الحسن بن علی الوشاء قال: جاء المولی أبو الحسن علی بن محمد علیه السلام مذعوراً حتی جلس فی حجر أم موسی عمة أبیه، فقالت له: مالک؟ فقال لها: مات أبی والله الساعة، فقالت: لا تقل هذا، فقال: هو والله کما أقول لک، فکتب الوقت والیوم، فجاء بعد أیام خبر وفاته علیه السلام وکان کما قال علیه السلام(3). ویفهم من هذه الروایة أنّ الإمام الجواد علیه السلام ترک عائلته فی المدینة ومن جملة الذین

ص:192


1- (1) راجع: موسوعة المصطفی والعترة علیهم السلام, الحاج حسین الشاکری, ج 13 ص 34.
2- (2) راجع: الإمام الجواد علیه السلام من المهد الی اللحد, السید القزوینی, ص 85. والشجرة الطیبة, ص 11.
3- (3) راجع: عیون المعجزات, حسین بن عبد الوهاب, ص 119. وکشف الغمة, ابن أبی الفتح الأربلی, ج 3 ص 177.

بقوا السیدة سوسن, واصطحب معه فقط أم الفضل. وبقی الهادی علیه السلام حتی بعد شهادة أبیه فی المدینة أکثر من عشرین سنة. ولکن یبقی الکلام أنّه لماذا لم یأتِ إلی أمه ویخبرها بوفاة أبیه مع أنّ الراوی لم یذکر لها خبراً فی ساعة استشهاد زوجها الإمام الجواد علیه السلام, وربما کانت قد فارقت الحیاة قبل رحیل زوجها علیه السلام وبه یثبت ما نروم إلیه من أنّ قبرها فی المدینة المنورة وزمن وفاتها فی حیاة زوجها الجواد علیه السلام, إلا اللهم أن یقال إنّه علیه السلام قد اصطحبها معه إلی بغداد, وهو بعید لأمرین: الأول, عدم ذکر رحیلها وحضورها فی بغداد ولا ذکر شیء عن موقفها وجزعها عند وبعد استشهاد زوجها الإمام الجواد علیه السلام.

والثانی, من البعید أن یفرق الإمام الجواد علیه السلام بینها وبین أبنائها لاسیما ولدها الإمام الهادی علیه السلام فقد ثبت أنه قد ترکه فی المدینة المنورة عند رحیله إلی بغداد. حتی لو قیل إنّ عدم ذکرها من قبل الراوی حینذاک لیس بالضرورة قد کانت فارقت الحیاة, بل یمکن أن یکون الراوی رصد هذه الحادثة فی بیت عمة أبیه من دون أن یشیر إلی حالها, فأقول حتی مع هذا یمکن أن یفهم منه أنّها کانت مستقرة فی المدینة المنورة إلی حین وفاتها. وربما من هذا فهم البعض وقال إنّ محل قبرها فی المدینة المنورة(1).

ص:193


1- (1) کاروانی با سیزده کجاوه, ص 115.

ص:194

الفصل الثانی عشر: سُمانة النوبیة أم الإمام العسکری علیهما السلام

اشارة

ص:195

ص:196

اسمها ونسبها

اشارة

السیدة سُمانة النوبیة, کما ذکر ذلک جملة من المؤرخین وأصحاب السیر والحدیث, حیث قالوا إنّ امّ الإمام العسکری علیها السلام اسمها سُمانة, کما عن الصدوق رحمه الله قال: أمّه جاریة اسمها سمانة وتکنی أمّ الحسن, وغیره کذلک(1). ومن الأدلة علی ذلک ذکر اسمها وکنیتها فی صحیفة الزهراء علیها السلام, کما ورد عن أبی نضرة قال: لما احتضر أبو جعفر محمد بن علی الباقر علیه السلام عند الوفاة دعا بابنه الصادق علیه السلام، فعهد إلیه عهداً... ثم دعا بجابر بن عبد الله فقال له: یا جابر حدثنا بما عاینت فی الصحیفة؟ فقال له جابر: نعم یا أبا جعفر دخلت علی مولاتی فاطمة علیها السلام لأهنئها بمولود الحسن علیه السلام فإذا هی بصحیفة بیدها من درة بیضاء، فقلت: یا سیدة النسوان ما هذه الصحیفة التی أراها معک؟ قالت: فیها أسماء الأئمة من ولدی فقلت لها: ناولینی لأنظر فیها، قالت: یا جابر لولا النهی أفعل لکنه نهی أن یمسها إلا نبی أو وصی نبی، أو أهل بیت نبی، ولکنه مأذون لک أن تنظر إلی باطنها من ظاهرها. قال جابر: فقرأت فإذا فیها: أبو القاسم محمد بن عبد الله المصطفی، أمه

ص:197


1- (1) راجع: عیون أخبار الرضا علیه السلام, الشیخ الصدوق, ج 2 ص 48. والاحتجاج, الطبرسی, ج 2 ص 137. لکن منهم من قال: إنّ اسمها سمانه کما عن الکلینی, فی الکافی, ج 1 ص 498.

آمنة بنت وهب... (إلی أن یقول) أبو محمد الحسن بن علی الرفیق، أمه جاریة اسمها سمانة وتکنی بأم الحسن(1).

وقالوا اسمها حدیث, أو حدیثة (علی اختلاف النسخ) وتسمی سمانة, وتسمی شکل النوبیة, ویقال لها: سوسن المغربیة. ویقال: ستقوس. ویقال: أسماء, ویقال: سلیل. ویقال لها حریبة. وتکنی أم الحسن. وتلقب بالجدة.

سبب الاختلاف فی تعیین اسمها

اختلفوا أیضا فی تعیین اسمها علیها السلام کما هو الحال فی غیرها من أمهات الأئمة علیهم السلام, لاسیما ما بعد أمّ الرضا علیها السلام, وربما یکون ذلک بسبب الظروف السیاسیة التی أحاطت وألمت بهم علیهم السلام, لاسیما فی تعین أمّ الإمام الحجة علیه السلام التی وعدت بها الأحادیث عن النبی صلی الله علیه و آله وغیره من أهل البیت علیهم السلام, وهی التی تلد من یملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً, ویزیل عروش الظالمین والمستبدین, فأصبحت مراقبة خاصة لأمهات الأئمة فی الآونة الأخیرة من قبل السلطة الحاکمة حینذاک, فعمد أهل البیت علیهم السلام إلی الکتمان والإیهام لاسیما فی أمّ المعصوم علیه السلام. ولعل هذا السبب فی اضطراب أقلام المؤرخین وترددهم واختلافهم فی تحدید أسم أمّ المعصوم علیه السلام. بالإضافة إلی ذلک أنّ الأسماء التی تکللت بها السیدة سمانة علیها السلام تحمل مدالیل تحکی عن عظمة هذه السیدة الجلیلة وتکشف عن مدی أبعادها وصفاتها المعنویة والمادیة.

ص:198


1- (1) راجع: کمال الدین وتمام النعمة, الشیخ الصدوق, ص 305. وعیون أخبار الرضا علیه السلام, الشیخ الصدوق, ج 2 ص 48.

سمو مقام السیدة سمانة

ذکر المؤرخون وأصحاب السیر أنّها من العارفات الصالحات ومن السیدات الزاکیات, حیث کانت أفضل نساء عصرها فی عقلها وورعها وتقواها ویکفیها فخراً ورفعة وسمواً اختیار المعصوم علیه السلام لها کی تکون وعاءً وحجراً لابنه المعصوم, وذلک بما یعلم علیه السلام من أنّه الأنسب والأصلح, حیث أنه عُدّ وهیئ لذلک, کما فی غیره من أمهات المعصومین علیهم السلام. وقد ثبت بالأدلة النقلیة اعتماد الإمام علیه السلام علیها فی بیان أحکام الشریعة للناس بعده ورجوعهم إلیها علیها السلام, وتحملها میراث وأسرار المعصومین, والقیام بالحفظ والستر علی الحجة القائم الذی یملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً, وهذا کله نابع من تکامل خصالها وبعد إیمانها, إضافة إلی ذلک کله حظیت بمدحٍ وإطراءٍ من قبل المعصوم علیه السلام الذی بأقواله وأفعاله یحکی عن واقع محقق ولا یبالغ ویجامل, کما هو عند عوام الناس, فقد أثنی علیها الإمام الهادی علیه السلام ثناءً عاطراً وأشاد بمکانتها وسمو منزلتها فقال: سلیل (الذی هو أحد أسمائها) مسلولة من الآفات والأرجاس والأنجاس. فإنها لم تلوث بالأرجاس والأدناس ولا بما یشین المرأة وینقصها فی شرفها وعفتها.

وعن صاحب المنتهی رحمه الله قال: کانت فی غایة الصلاح والورع والتقوی وهی فی حیاة الخلود إذ ولد فی أیامها إمام الزمان علیه السلام, وکفی فی فضلها أنّها کانت مفزع الشیعة وغوثهم بعد وفاة الإمام العسکری علیه السلام(1).

ص:199


1- (1) راجع: منتهی الآمال, ج 2 ص 509.

وأمّا کونها علیها السلام من الجواری فهو لا یضر فی سمو منزلتها ولا ینقص من شأنها, فإنّ الإنسان فی دین الإسلام إنّما یسمو بهدیه وتقواه وصلاحه, وینحط بضلاله وانحرافه عن الطریق القویم, فلیس علو النسب أو انخفاضه, بل ولا الکرسی ولا المال ولا غیر ذلک من الشؤون الاعتباریة التی یؤول أمرها إلی التراب تکرم وترفع الإنسان أو العکس, بل المحور الأول والأخیر هو التقوی,(إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاکُمْ).

السیدة سُمانة مسلولة من کل الآفات

کشف المعصوم علیه السلام عن أبعاد وطهارة السیدة سمانة (أم الإمام العسکری علیه السلام) بما فیه الکفایة وقد أوجز أنّها طاهرة مطهرة لا یعتریها کل مکروه, وذلک عندما دخلت علی الإمام الهادی علیه السلام قال: «سُلَیل سلت من کل آفة وعاهة ومن کل رجس ونجاسة» ثم قال «لا تلبثین حتی یعطیک الله عزّ وجلّ حجته علی خلقه»(1).

والآفة فی اللغة: العاهة، أو عرض مفسد لما أصابه. وسلم من الآفة بالکسر سلامة وسلمه الله تعالی منها تسلیماً. وتأتی فی البلیة الشدیدة التی قَلَّ ما یخلو الإنسان عنها(2).

ص:200


1- (1) راجع: ریاحین الشریعة, شیخ ذبیح الله محلاتی, ج 3 ص 306. ومادران جهارده معصوم علیهم السلام, أحمد أمیری بور, ص 228.
2- (2) راجع: القاموس المحیط, الفیروز آبادی, ج 3 ص 120. و ج 4 ص 130. ومجمع البحرین, الشیخ الطریحی, ج 1 ص 131.

وجاء فی الحدیث عن النبی صلی الله علیه و آله قال, یا علی: آفة الحدیث الکذب، وآفة العلم النسیان، وآفة العبادة الفترة(1), وآفة الجمال الخیلاء(2) ، وآفة العلم الحسد(3).

وقد فسروا (السلام) الذی هو اسم من أسماء الله تعالی أنّه مصدر وصف به للمبالغة والمراد السالم من النقائص بأسرها, وسمیت الجنة دار السلام لأن سکانها سالمون من کل آفة أو لأنها داره جل شأنه(4).

وقد جاء استحباب الدعاء بالطهارة من کل آفة کما روی محمد بن مروان عن أبی عبد الله علیه السلام یقول فی غسل الجمعة: اللهم طهر قلبی من کل آفة تمحق دینی وتبطل عملی(5).

وجاء فی المصباح: فإذا اغتسلت، فقل فی غسلک: بسم الله وبالله، اللهم! اجعله نوراً وطهوراً وحرزاً وشفاءً من کل داء وسقم وآفة وعاهة، اللهم طهر به قلبی واشرح به صدری وسهل لی به أمری(6).

وأیضا سئل أبو عبد الله علیه السلام عن کیفیة تناوله (التربة الحسینیة)، قال: «إذا

ص:201


1- (1) الفترة: الانکسار والضعف، ولا یکون کل ذلک إلا لعدم التوجه وحضور القلب الذی هو روح العبادة، فإنه کلما کان الحضور أکثر کان الشوق والذوق والنشاط أکثر.
2- (2) الخیلاء: بالضم وبالکسر کلاهما صحیح وهو بمعنی العجب والتکبر.
3- (3) من لا یحضره الفقیه, الشیخ الصدوق, ج 4 ص 373.
4- (4) انظر: مفتاح الفلاح, البهائی العاملی, ص 100.
5- (5) ذخیرة المعاد, المحقق السبزواری, ج 1 ص 60.
6- (6) انظر: مصباح المتهجد, الشیخ الطوسی, ص 718.

تناول التربة أحدکم فلیأخذ بأطراف أصابعه، وقدره مثل الحمصة، فلیقبلها ولیضعها علی عینیه ولیمرها علی سائر جسده ولیقل: اللهم بحق هذه التربة، وبحق من حل بها وثوی فیها، وبحق أبیه وأمه وأخیه والأئمة من ولده، وبحق الملائکة الحافین به إلا جعلتها شفاءً من کل داء، وبرءاً من کل مرض، ونجاةً من کل آفةٍ، وحرزاً مما أخاف وأحذر»(1).

وقد وصف النبی صلی الله علیه و آله أنّه مطهر من کل آفة کما جاء فی الدعاء المروی عن صاحب الزمان علیه السلام: بسم الله الرحمن الرحیم اللهم صل علی محمد سید المرسلین وخاتم النبیین وحجة رب العالمین المنتجب فی المیثاق المصطفی فی الظلال المطهر من کل آفة البریء من کل عیب المؤمل للنجاة المرتجی للشفاعة المفوض إلیه دین الله(2).

ونستفید من کل ما تقدم أنّ السیدة سوسن علیها السلام منزهة من کل العیوب والآفات کما کشف عن ذلک المعصوم الذی یحکی عن الواقع الحق سلت من کل آفة وعاهة, فهی مطهرة ومصونة من کل آفة وعاهة بما أولاها الله بلطفه وعنایته وجعلها فی مرتبة عالیة ومنزلة رفیعة.

مطهرة من کل رجس

لم یکتف الإمام علیه السلام فی بیان عظمة السیدة سمانة من أنّها مصونة من کل الآفات والعاهات بل أخذ یبین الصفات الأخری التی تتمتع بها هذه السیدة الجلیلة

ص:202


1- (1) مستند الشیعة, المحقق النراقی, ج 15 ص 164.
2- (2) انظر: مصباح المتهجد, الشیخ الطوسی, ص 406.

ومنها الطهارة من کل رجس ونجاسة, کما تقدم فی الحدیث.

والرجس فی اللغة: القذر، وقیل: الشیء القذر. ورجس الشیء یرجس رجاسة، وإنه لرجس مرجوس، وکل قذر رجس. ویقال: رجس الرجل رجساً ورجس یرجس إذا عمل عملاً قبیحاً(1). فتحصل أنّ الرجس أعم من القذارات المادیة بل یشمل المعنویة والخلقیة, وعلیه أنّ السیدة سمانة علیها السلام طاهرة ومطهرة من کل رجس سواء کان علی الصعید المادی أم المعنوی أم الأخلاقی, فهی کغیرها من أمهات الأئمة المعصومین علیهم السلام والصالحات, تحتل المرتبة الثانیة بالتطهیر والتنزیه بعد أهل البیت علیهم السلام الذین أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهیراً.

من صفات السیدة سُمانة الروایة

من جملة الصفات العملیة التی تتمتع بها السیدة الجلیلة سُمانة هی الروایة والحدیث عن أهل بیت العصمة والطهارة علیهم السلام, بل أکثر من ذلک أنّ الإمام العسکری علیه السلام أرجع الناس إلیها بعد رحیله کما سیأتی بیانه, فلا نستعظم تصدّیها لبیان أحکام الشرع الحنیف فقد عاشت وترعرعت فی بیت العصمة والعلم والحکمة إضافة إلی ما حباها الله من الکمال والارتقاء والاصطفاء, وکیف کان فقد کانت إحدی الرواة التی حظیت بالتأیید والوثاقة من قبل المعصوم علیه السلام, ومن جملة الروایات التی وردت عنها ما جاء عن علی بن إبراهیم بن مهزیار، عن

ص:203


1- (1) انظر: لسان العرب, ابن منظور, ج 6 ص 94.

محمد بن أبی الزعفران، عن أم أبی محمد علیهما السلام قال: قال لی یوماً من الأیام تصیبنی فی سنة ستین ومائتین حزازة أخاف أن أنکب منها نکبة، قالت: وأظهرت الجزع وأخذنی البکاء، فقال: لا بد من وقوع أمر الله، لا تجزعی(1).

تلقیها أسرار الإمام العسکری علیه السلام

إضافة إلی الصفات الکاملة والمزایا النادرة التی تحویها السیدة سمانة أمّ الإمام العسکری علیه السلام, فقد کللت بهذه المنقبة العظیمة المشرفة والتی تعبر عن مدی إیمانها وبُعد إخلاصها لله ولأهل البیت علیهم السلام, بحیث کانت تحمل سرّ المعصوم علیه السلام الذی هو من سرّ الله عز وجل, لاسیما فی تلک الظروف العصیبة التی واجهها العسکریان علیهما السلام, فقد ورد أنّ أبا محمد علیه السلام أمر والدته بالحج فی سنة تسع وخمسین ومائتین، وعرفها ما یناله فی سنة ستین، وأحضر الصاحب علیه السلام فأوصی إلیه وسلّم الاسم الأعظم والمواریث والسلاح إلیه، وخرجت أم أبی محمد علیهما السلام مع الصاحب علیه السلام جمیعاً إلی مکة، وکان أحمد ابن محمد بن مطهر أبو علی المتولی لما یحتاج إلیه الوکیل، فلما بلغوا بعض المنازل من طریق مکة، تلقی الأعراب القوافل، فأخبروهم بشدة الخوف، وقلة الماء، فرجع أکثر الناس إلا من کان فی الناحیة، فإنهم نفذوا وسلموا(2).

وروی أنه ورد علیهم الأمر بالنفوذ. کما فی الکافی فی باب مولد أبی محمد علیه السلام بإسناده عن أبی علی المطهر، أنه کتب إلیه بالقادسیة یعلمه انصراف

ص:204


1- (1) انظر: بحار الأنوار, العلامة المجلسی, ج 50 ص 313.
2- (2) خاتمة المستدرک, المیرزا النوری, ج 4 - ص 56

الناس، وأنه یخاف العطش، فکتب علیه السلام: امضوا ولا خوف علیکم إن شاء الله، فمضوا سالمین(1).

ونفهم من هذه الروایة أنّ الإمام العسکری علیه السلام قد کلف والدته سمانة علیها السلام بأمر عظیم وفی غایة الخطورة وهو حراسة وحفظ الحجة من بعده (ابنه الإمام المهدی علیه السلام) مع خطورة تلک الفترة الحرجة والحساسة, لذلک أمرها أن تذهب به إلی البلد الأمین مکة المکرمة وتکون قد أبعدته عن أنظار الأعداء والمتربصین به لاسیما عند وفاة العسکری علیه السلام ورحیله, وربما فهم الإمام علیه السلام مخطط الأعداء فی اغتیال الإمام صاحب الزمان علیه السلام فی حال وفاته, أو لا أقل التعرف علی وجودهِ وتشخیصه. وهذا الدور الذی کُلفت به السیدة سمانة یکشف عن مدی قربها لله وأهل البیت علیهم السلام وأنّها مورد ثقة المعصوم علیه السلام, وأیضاً یکشف عن مدی فطنتها وحکمتها وشجاعتها مع الحنکة التی تتمتع بها فی مواجهة الأعداء والحفاظ علی الخلف من بعد الإمام العسکری علیه السلام, فلم یستعن الإمام علیه السلام بمثل هذا لا بأولاده ولا بعمومته وغیرهم, بل أوکل هذا الأمر العظیم إلی أمه السیدة سمانة علیها السلام.

أمانتها لمیراث الإمامة

تقدم أنّ الإمام العسکری علیه السلام بعدما نعی للسیدة سمانة نفسه علّمها أسراراً وسلّمها أمانة الإمام الثانی عشر الحجة بن الحسن علیهما السلام, ثم أمرها بالذهاب للحج, فلم یقتصر الأمر علی حفظ الإمام الثانی عشر علیه السلام, بل کانت أیضاً من أوصیاء ابنها الإمام العسکری علیه السلام لاسیما فی الأمور المهمة والخطیرة والتی تتعلق بأسرار

ص:205


1- (1) أصول الکافی, الکلینی, ج 6 ص 425.

الإمامة والدین, لذلک عندما توفی الإمام علیه السلام بسر من رأی، ووصل الخبر لأمه سمانة علیها السلام وهی فی المدینة، خرجت حتی قدمت سر من رأی، وجری بینها وبین أخیه جعفر أقاصیص فی مطالبته إیاها بمیراثه، وسعی بها إلی السلطان، وکشف ما ستر الله، فجعل نساءه وخدمه، ونساء الواثق، ونساء القاضی ابن أبی الشوارب، یتعاهدون أمرها إلی أن دهمهم أمر الصفار، وموت عبد الله بن یحیی بن خاقان، وأمر صاحب الزنج، وخروجهم عن سر من رأی ما شغلهم عنها، وعن ذکر من أعقب من أجل ما یشاء الله ستره وحسن رعایته بمنه وطوله.

رجوع الناس إلیها بعد العسکری علیه السلام

نقف مرة أخری علی واحدة من تلک المزایا التی حازت علیها السیدة سمانة علیها السلام أم العسکری علیه السلام والتی تعطیها بُعداً سامیاً یصعب تفسیره ویجل تقدیره, وهذا یعبر عن المؤهلات الذاتیة التی تمتلکها هذه المرأة الجلیلة, حیث کانت مرجع الناس بعد استشهاد الإمام العسکری علیه السلام فی کل الأمور لاسیما الأمور الشرعیة, ولا یخفی أنها کانت بظاهر أمرها هکذا ولکن کانت فی الواقع ترتبط مع الإمام الحجة علیه السلام وتقتبس من نوره وتوصیاته وتدلیها إلی الناس, کما ورد ذلک عن أحمد بن إبراهیم قال: دخلت علی حکیمة بنت محمد بن علی الرضا علیهما السلام، أخت أبی الحسن صاحب العسکر علیه السلام فی سنه اثنتین وستین ومائتین فکلمتها من وراء حجاب وسألتها عن دینها فسمت لی من تأتم بهم، ثم قالت: والحجة ابن الحسن بن علی فسمته، فقلت لها: جعلنی الله فداک معاینة أو خبراً؟ (یعنی هذا الحجة بن الحسن رأیتیه أم سمعتی به؟) فقالت خبراً عن أبی

ص:206

محمد علیه السلام کتب به إلی أمه، فقلت لها: فأین الولد؟ فقالت: مستور، فقلت: إلی من تفزع الشیعة؟ فقالت إلی الجدة أم أبی محمد علیه السلام السیدة سمانة (أم الإمام العسکری علیها السلام) فقلت لها: أقتدی بمن وصیته إلی امرأة؟ فقالت: اقتداءً بالحسین بن علی علیه السلام فإن الحسین بن علی علیهما السلام أوصی إلی أخته زینب بنت علی فی الظاهر فکان ما یخرج عن علی بن الحسین علیه السلام من علم ینسب إلی زینب علیها السلام, ستراً علی علی بن الحسین علیه السلام، ثم قالت: إنّکم قوم أصحاب أخبار, أما رویتم أن التاسع من ولد الحسین بن علی علیه السلام یقسم میراثه وهو فی الحیاة(1).

والذی نروم إلیه فی ذکر هذا الحدیث الشریف هو بیان فضل ومکانة أم الإمام العسکری علیهما السلام, حیث إنّه أمر المعصوم علیه السلام الذی أمره من أمر الله عزّ وجل برجوع الناس إلیها بعده, وتکون فی نفس الوقت حافظة لإمام العصر علیه السلام وحلقة وصل بینه وبین الناس فی تبلیغ الأحکام وغیرها, ولا یخفی أنّ هذا لیس من السهل أن یتلبس به کل إنسان وإنما یحتاج إلی کفاءة عالیة علی الصعید المعنوی والمادی, وعلیه لابد وأنّ یکون قد حظی برعایة إلهیة وتسدید فی جمع المواقف, فأم العسکری علیهما السلام أصبحت الشریک الأکبر فی تبلیغ الدین وتحمل أعباء التکالیف, بالإضافة إلی تحملها المصاعب والمشقات فی حفظ وستر الإمام علیه السلام من ید الشر والعدوان, ثم إنّ حکیمة مثلتها بزینب علیه السلام التی لا تُدرک بکمالها وعلو مقامها, بشهادة المعصوم لها (عمة بحمد الله أنت عالمة غیر معلمة, فهمة غیر مفهمة)(2), فهذا یدلنا علی العلم والورع والتقوی والحنکة التی تتمتع بها هذه السیدة الجلیلة

ص:207


1- (1) راجع: کمال الدین وتمام النعمة, الشیخ الصدوق, ص 507. والغیبة, الشیخ الطوسی, ص 230.
2- (2) راجع: الاحتجاج, الطبرسی, ج 2 ص 31.

سمانة أم العسکری علیها السلام, ولذلک لم یختر الأمام غیرها حینذاک من الرجال أو النساء فی رجوع الناس إلیه لبیان حکم الله.

أولادها

اختلف المؤرخون فی ذکر عدد أولاد الإمام علی الهادی علیه السلام, أمّا الشیخ المفید فعدهم خمسة, أربعة ذکور وابنة واحدة, فقد قال: توفی أبو الحسن علیه السلام فی رجب سنة أربع وخمسین ومائتین، ودفن فی داره بسر من رأی، وخلف من الولد أبا محمد الحسن ابنه وهو الإمام من بعده، والحسین، ومحمداً، وجعفراً، وابنته عائشة(1).

وأمّا الفخر الرازی فقال: له من الأبناء ستة أبو محمد العسکری الإمام علیه السلام وأبو عبدالله جعفر الذی لقبوه بالکذاب والحسین مات قبل أبیه بسر من رأی. وموسی ومحمد وهو أکبر أولاده, وعلی. واتفقوا علی أنّ المعقب من أولاده ابنان: الحسن العسکری الإمام, وجعفر الکذاب. وله من البنات ثلاث: عائشة وفاطمة وبریهة(2). وعن ابن عنبة أعقب علیه السلام رجلین هما الإمام أبو محمد الحسن العسکری علیه السلام وأخوه جعفر(3). وذکروا أنّ محمداً أراد النهضة إلی الحجاز فسافر فی حیاة أخیه (ولعل الصحیح فی حیاة أبیه؛ لان السید أبا جعفر محمداً رضوان الله تعالی علیه مات فی حیاة أبیه أبی الحسن الثالث الهادی علیه السلام) حتی بلغ بلدا وهی

ص:208


1- (1) راجع: الإرشاد, الشیخ المفید, ج 2 ص 311.
2- (2) راجع: الشجرة المبارکة, الفخر الرازی, ص 78.
3- (3) راجع: عمدة الطالب, ابن عنبة, ص 78.

قریة فوق الموصل بسبعة فراسخ فمات بالسواد فقبره هناک علیه مشهد(1).

وذکروا أنّ وفاة جعفر المشهور بالکذاب سنة (271 ه -). وقد اختُلِفَ فی حقه هل أنّه تاب أو بقی علی إصراره علی الأفعال المنکرة والدعاوی الکاذبة, وقیل إنّه تاب، وقد روی ثقة الإسلام الکلینی عن محمد بن عثمان العمری توقیعا بخط صاحب الأمر علیه السلام صریحا فی توبته وأنّ سبیله سبیل أخوة یوسف بن یعقوب علیه السلام، کما جاء عن الشیخ فی الغیبة عن جعفر بن محمد بن قولویه وأبی غالب الزراری (وغیرهما) عن محمد بن یعقوب الکلینی، عن إسحاق بن یعقوب قال: سألت محمد بن عثمان العمری رحمه الله أن یوصل لی کتاباً قد سألت فیه عن مسائل أشکلت علیّ، فورد التوقیع بخط مولانا صاحب الدار علیه السلام. أما ما سألت عنه أرشدک الله وثبتک من أمر المنکرین لی من أهل بیتنا وبنی عمنا، فاعلم أنه لیس بین الله عز وجل وبین أحد قرابة، ومن أنکرنی فلیس منی، وسبیله سبیل ابن نوح علیه السلام. وأما سبیل عمی جعفر وولده، فسبیل إخوة یوسف علی نبینا وآله وعلیه السلام(2). وتوفی جعفر عن (45) سنة وقبره فی دار أبیه بسامراء.

ولادتها للإمام العسکری علیه السلام

فلو لم تحظ أمّ العسکری علیها السلام إلا علی هذه المنقبة من أنّها أصبحت وعاءً وحجراً للمعصوم لکفاها فخراً وعزاً, ولکان ذلک الدلیل القاطع علی طهارتها وإیمانها وتکامل صفاتها؛ لأن وعاء المعصوم لابد أن تتوفر فیه الصفات الإیجابیة

ص:209


1- (1) راجع: المجدی فی أنساب الطالبین, علی بن محمد العلوی, ص 130
2- (2) راجع: الغیبة, الشیخ الطوسی, ص 290.

اللازمة, ومن هنا قد حظیت برعایة إلهیة وتربیة غیبیة. وقد ولدت الإمام العسکری علیه السلام بالمدینة فی شهر ربیع الأول سنة ثلاثین ومائتین، وکانت مدة خلافته ست سنین. وقیل: یوم العاشر من شهر ربیع الآخر سنة اثنتین وثلاثین ومائتین من الهجرة. وقیل یوم الاثنین(1).

وعن مناقب ابن شهرآشوب قال: میلاده یوم الجمعة لثمان خلون من شهر ربیع الآخر بالمدینة، وقیل: ولد بسر من رأی سنة اثنتین وثلاثین ومائتین، مقامه مع أبیه ثلاث وعشرون سنة، وبعد أبیه أیام إمامته ست سنین، وکان فی سنی إمامته بقیة أیام المعتز أشهراً ثم ملک المهتدی، والمعتمد، وبعد مضی خمس سنین من ملک المعتمد قبض علیه السلام. ویقال: استشهد، ودفن مع أبیه بسر من رأی، وقد کمل عمره تسعة وعشرین سنة, ویقال: سنة ثمان وعشرین، مرض فی أول شهر ربیع الأول سنة ستین ومائتین، وتوفی یوم الجمعة لثمان خلون منه(2).

وقال ابن الخشاب: ولد أبو محمد علیه السلام فی سنة إحدی وثلاثین ومائتین، وتوفی یوم الجمعة، وقال بعض الرواة فی یوم الأربعاء لثمان لیال خلون من ربیع الأول سنة مائتین وستین، فکان عمره تسعاً وعشرین سنة، منها بعد أبیه خمس سنین و ثمانیة أشهر وثلاثة عشر یوماً، قبره بسر من رأی(3). وذهب کثیر من أصحابنا إلی أنه علیه السلام قبض مسموماً وکذلک أبوه وجده و جمیع الأئمة علیهم السلام خرجوا من الدنیا علی الشهادة, واستدلوا فی ذلک بما روی عن أبی الصلت عبد

ص:210


1- (1) راجع: بحار الأنوار, العلامة المجلسی, ج 50 ص 235.
2- (2) راجع: مناقب آل أبی طالب, ابن شهر آشوب, ج 3 ص 523.
3- (3) تاریخ موالید الأئمة, ابن الخشاب البغدادی, ص 42.

السلام بن صالح الهروی قال: سمعت الرضا علیه السلام یقول: والله ما منّا إلا مقتول شهید، فقیل له: فمن یقتلک یابن رسول الله؟ قال: شر خلق الله فی زمانی یقتلنی بالسم ثم یدفننی فی دار مضیقة وبلاد غربة، ألا فمن زارنی فی غربتی کتب الله عز وجل له أجر مائة ألف شهید، ومائة ألف صدیق، ومائة ألف حاج ومعتمر، ومائة ألف مجاهد، وحشر فی زمرتنا وجعل فی الدرجات العلی من الجنة رفیقنا(1).

ونقل هذا الحدیث عن الإمام الصادق علیه السلام, کما عن المجلسی رحمه الله حیث قال: وذهب کثیر من أصحابنا إلی أن الأئمة خرجوا من الدنیا علی الشهادة، واستدلوا بقول الصادق علیه السلام: والله ما منا إلا مقتول شهید(2).

الظروف السیاسیة التی مرت بها

عانت السیدة سمانة مع زوجها الإمام الهادی علیه السلام وابنها الإمام العسکری علیه السلام ألوان العنف والاضطهاد من قبل المستبدین والمتسلطین علی رقاب الناس لاسیما الأبریاء والأحرار منهم, وقد بلغت هذه الضغوط والمضایقات ذروتها لاسیما فی عصر الإمام الهادی علیه السلام, فقد أشخصوها مع زوجها الإمام علیه السلام من المدینة إلی سر من رأی کرهاً کما یقول الإمام الهادی علیه السلام «یا أبا موسی، أخرجت إلی سر من رأی کرهاً»(3) وجعلوهم تحت المراقبة والمتابعة, والإقامة الجبریة, وکان ذلک فی عصر المتوکل الذی بالغ فی ظلم أهل البیت علیهم السلام

ص:211


1- (1) من لا یحضره الفقیه, الشیخ الصدوق, ج 2 ص 585.
2- (2) راجع: بحار الأنوار, العلامة المجلسی, ج 27 ص 209.
3- (3) راجع: الأمالی, الشیخ الطوسی, ص 281.

وشیعتهم, وقد ضیق علیهم اقتصادیاً وسیاسیاً واجتماعیاً, حتی قیل إنّه لم یکن للنساء العلویات فی تلک الفترة ثیاب سالمة یرتدینها للصلاة, وکن یملکن ثوباً واحداً بالیاً یرتدینه فی الصلاة بالتناوب, ویعشن علی بیع الغزل, وبقین علی هذه الحالة من الفقر والفاقة حتی هلک المتوکل(1). وفی قبال ذلک قد شید القصور الفخمة وهدر الملایین من الأموال علی اللهو والطرب وما إلیه, وهناک شواهد کثیرة یندی لها الجبین لا یسع المقام لذکرها. ولم یکتف عن ظلم الإمام علیه السلام بالمراقبة وجعل الجواسیس والعیون وسلب کل حقوقه, بل کان بین فترة وأخری یرسل علیه جلاوزته یفتشون بیته ویروعون حریمه وأطفاله ویستدعونه فی آناء اللیل علی أشد حال, کما ذکروا أنّه بعث إلیه جماعة من الأتراک، فهاجموا داره لیلاً فلم یجدوا فیها شیئاً، ووجدوه فی بیت مغلق علیه، وعلیه مدرعة من صوف وهو جالس علی الرمل والحصی، وهو متوجه إلی الله تعالی یتلو آیات من القرآن، فحمل علی حاله تلک إلی المتوکل وقالوا له: لم نجد فی بیته شیئاً، ووجدناه یقرأ القرآن مستقبل القبلة، وکان المتوکل جالساً فی مجلس الشراب فأدخل علیه والکأس فی یده، فلما رآه هابه وعظمه وأجلسه إلی جانبه، وناوله الکأس التی کانت فی یده، فقال الإمام علیه السلام: والله ما خامر لحمی ودمی قط... الخ(2).

ولم یرو غلیله بذلک حتی أمر بحبس الإمام علیه السلام وزجه فی السجن، بعدما فرض علیه الإقامة الجبریة فی داره، کما یدل علی ذلک جملة أخبار, منها: ما ورد

ص:212


1- (1) راجع: سیرة الأئمة, مهدی البیشوائی, ص 281.
2- (2) راجع: تاریخ الإسلام, الذهبی, ج 18 ص 199.

عن الحسن بن محمد بن جمهور، قال: کان لی صدیق مؤدب ولد (ولدی) بغا أو وصیف - الشک منی - فقال لی: قال الأمیر [عند] منصرفه من دار الخلافة: حبس أمیر المؤمنین هذا الذی یقولون له ابن الرضا الیوم ودفعه إلی علی بن کرکر، فسمعته یقول: «أنا أکرم علی الله من ناقة صالح»(تَمَتَّعُوا فِی دارِکُمْ ثَلاثَةَ أَیّامٍ ذلِکَ وَعْدٌ غَیْرُ مَکْذُوبٍ)1 لیس یفصح بالآیة ولا بالکلام، أی شیء هذا؟ قال: قلت: أعزک الله تعالی توعدک أنظر ما یکون بعد ثلاثة أیام. فلما کان من الغد أطلقه واعتذر إلیه، فلما کان الیوم الثالث وثب علیه باغر وبغلون أوتامش وجماعة معهم، فقتلوه وأقعدوا المنتصر ولده خلیفة(1). وهکذا إلی أن جاء دور المعتز فأرسل السم إلی الإمام علیه السلام وقتله. وکل هذه الأجواء من ظلم واضطهاد وغیرها لم تکن السیدة سمانة فی معزل عنها بل کانت تعیش المحنة مع زوجها وتتألم لکل ما یمرّ به من آلام ومضایقات, بالإضافة إلی أنّها واحدة من الذین عانوا من هذه السیاسة الرعناء من خوف وترویع وغیره. ثم اشتدت علیها الآلام والمحن بعد رحیل زوجها وفی عصر ابنها الإمام العسکری علیه السلام, حیث ضیقوا علیه کل تحرکاته وسکناته حتی أصحابه لم یتسنَ لهم الوصول إلیه والتحدث معه, فقد ورد عن محمد بن عبد العزیز البلخی قال أصبحت یوماً فجلست فی شارع الغنم فإذا بأبی محمد قد اقبل من منزله یرید دار العامة فقلت فی نفسی تری إن صحت أیها الناس هذا حجة الله علیکم فاعرفوه یقتلونی فلما دنی منی أومأ بإصبعه السبابة

ص:213


1- (2) الثاقب فی المناقب, ابن حمزة الطوسی, ص 536.

علی فیه أن أسکت ورأیته تلک اللیلة یقول إنما هو الکتمان أو القتل فاتق الله علی نفسک(1). ویعز علی السیدة سمانة أن تری ابنها قد زجوه فی الحبس ولا تعلم حاله وما یجری علیه, وهکذا إلی أن استشهد علیه السلام وقد عظم علیها الخطب والمصاب واحتسبت کل ذلک بعین الله, ولکن الأمر الذی زاد علیها الألم ووسع الجرح هو ما جری بینها وبین جعفر الکذاب فی المطالبة فی میراث أخیه الإمام العسکری علیه السلام وقد جعله الإمام علیه السلام عندها أمانة فقد قام بکشف سرها وشکاها إلی السلطة حتی أصبحت فی عین المواجه مع السلطة.

وفاتها ومحل قبرها علیها السلام

لم یذکر المؤرخون الزمان الذی توفیت به السیدة سمانة علیها السلام أم الإمام العسکری علیه السلام, ولکن ورد عن بعضهم أنّ فی سنة (274 ه -) توفیت السیدة حکیمة بنت الإمام الجواد علیه السلام فدفنت جوار أخیها. ثم بعد ذلک توفی من توفی من العائلة الکریمة أمثال السیدة سمانة, والدة الإمام الحسن العسکری علیه السلام(2). وهذا وغیره مما تقدم یؤکد أنّ السیدة سمانة بقیت علی قید الحیاة إلی ما بعد ابنها العسکری علیه السلام وعاصرت حفیدها الإمام المهدی علیه السلام أکثر من أربع عشرة سنة بحسب الروایة السابقة, فقد بقیت إلی ما بعد سنة (274 ه -) والإمام العسکری استشهد سنة (260 ه -).

أمّا محل قبرها فهو فی قبة الإمام العسکری علیه السلام, فی سر من رأی, فإنّ

ص:214


1- (1) کشف الغمة, ابن أبی الفتح الإربلی, ج 3 ص 218.
2- (2) راجع: الکشکول المبوب, الحاج حسین الشاکری, ص 114.

ذکرهم أن قبر حکیمة فی قبة العسکری علیه السلام کما اشتهر, فهو غیر معلوم، وکذلک اشتهر أنّ القبر الذی فی قبة العسکری علیه السلام للسیدة نرجس علیها السلام أم الإمام الحجة علیه السلام فهو أیضاً غیر معلوم, کما ذهب إلیه بعض الأعلام رحمه الله, وقال: لا یبعد أن یکون القبر المنسوب إلیها قبر أم العسکری علیه السلام(1).

وقد روی عن الصدوق فی باب من رأی الحجة علیه السلام أنه لما ماتت أم الحسن الجدة أمرت أن تدفن فی الدار، فنازعهم جعفر وقال (هی داری لا تدفن فیها) فخرج علیه السلام وهو یقول: (یا جعفر أدارک هی؟ ثم غاب فلم یره بعد ذلک)(2). ولکن لا یبعد أن یکون الکل قد دفنوا بهذه الروضة المبارکة.

ص:215


1- (1) راجع: قاموس الرجال, الشیخ محمد تقی التستری, ج 12 ص 239.
2- (2) کمال الدین وتمام النعمة, الشیخ الصدوق, ص 442.

ص:216

الفصل الثالث عشر: نرجس الرومیة أم الإمام الحجة المنتظر علیهما السلام

اشارة

ص:217

ص:218

اسمها ونسبها

هی السیدة نرجس بنت یشوعا بن قیصر ملک الروم, ولدت فی عاصمة الأمبراطوریة الرومیة، (القسطنطینیة) وذلک قبل عام (240 ه -), وأمّا الدلیل علی أنّ اسمها نرجس هو ما علیه أغلب العلماء لاسیما القریبین من عصرها أمثال الشیخ المفید والشیخ الطوسی وغیرهم, وأیضاً نقل عن ابن همام قال: حکیمة هی عمة أبی محمد ولها حدیث بمولود صاحب الزمان علیه السلام وهی روت أنّ أم الخلف اسمها نرجس(1). ومن الأدلة علی أنّ اسمها نرجس هو ما جاء ذکره فی صحیفة الزهراء علیها السلام, عن أبی نضرة قال: لما احتضر الإمام الباقر علیه السلام دعا بابنه الإمام الصادق علیه السلام,... ثم دعا بجابر بن عبد الله فقال: له یا جابر حدثنا بما عاینت من الصحیفة فقال له جابر: نعم یا أبا جعفر دخلت علی مولاتی فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه و آله لأهنئها بمولودها الحسین علیه السلام فإذا بیدیها صحیفة بیضاء من دره فقلت لها: یا سیدة النساء ما هذه الصحیفة التی أراها معک؟ قالت: فیها أسماء الأئمة من ولدی قلت لها: ناولینی لأنظر فیها قالت: یا جابر لولا النهی لکنت أفعل لکنه قد نهی أن یمسها إلا نبی أو وصی نبی أو أهل بیت نبی ولکنه مأذون لک أن تنظر باطنها من ظاهرها قال جابر:... (إلی أن قال) أبو القاسم محمد الحسن هو حجه الله

ص:219


1- (1) انظر: تاریخ الأئمة (المجموعة), الکاتب البغدادی, ص 26.

القائم أمه جاریة اسمها نرجس صلوات الله علیهم أجمعین(1).

والنرجس فی اللغة: هو من الریاحین معروف(2). ویقال لها: ریحانة، ویقال: صیقل، (الشیء الأملس). ویقال لها: سوسن، ویقال مریم بنت زید, ویقال ملیکة. ویقال لها خمط, (الخمط: نوع من شجر الأراک له حمل وثمر یؤکل)(3).

وکما أسلفنا ربما یکون هذا التعدد فی الأسماء لتعدد المناسبات أو لمصالح وأسباب وحکم سیاسیة وأمنیة واجتماعیة.

وأمّا نسبها فقیل: مریم بنت زید العلویة، أخت حسن ومحمد ابنی زید الحسینی الداعی بطبرستان(4).

والصحیح: أنّ نسبها یرجع إلی أولاد شمعون بن حمون بن الصفا وصی حضرت عیسی علیه السلام. و قیل إنّ أمها من ولد الحواریین تنسب إلی شمعون الصفا وصی عیسی علیه السلام(5). وکما نقل عن الشیخ الصدوق فی حدیث طویل یتضمن إرسال الهادی علیه السلام لبعض أصحابه فاشتراها له، وأعطاها ابنه الحسن علیه السلام فأولدها الإمام القائم علیه السلام کما سیأتی, ثم ذکر أن القول بکونها مریم بنت زید العلویة فی نهایة الضعف(6).

ص:220


1- (1) انظر: عیون أخبار الرضا علیه السلام, الشیخ الصدوق, ج 2 ص 47.
2- (2) انظر: لسان العرب, ابن منظور, ج 6 ص 23.
3- (3) الصحاح: الجوهری, ج 3 ص 112.
4- (4) کما یقول الخصیبی فی الهدایة الکبری: 32, نقلاً عن الهامش فی کتاب الفصول المهمة فی معرفة الأئمة, ابن الصباغ, ج 2 ص 1103.
5- (5) انظر: الأنوار البهیة, الشیخ عباس القمی, ص 336.
6- (6) انظر: الحدائق الناضرة, المحقق البحرانی, ج 17 ص 44.

من هو شمعون الصفا

هو شمعون بن حمون بن عامه؛ الملقب بالصفا, والصفا کلمة عربیة تعنی الحجر الأملس؛ ویقابلها بالیونانیة: بطرس؛ وبالآرمیة: کیفا؛ ومعناها الحجر أو الصخر.

والنصاری یسمّونه بطرس بالیونانیة وبالسریانیة کیفاس وهما بمعنی الحجر. إذاً لشمعون الصفا أسماء أخری یعرف بها منها: بطرس - کیفا أو کیفاس - سِمْعَان أو سَمْعَان أو شمعان الصفا, وفی قاموس الکتاب المقدس: بطرس اسم یونانی؛ ومعناه صخرة أو حجر؛ وکان هذا الرسول یسمّی أولاً سمعان... فلمّا اتبع یسوع سمی کیفا وهی کلمة آرمیة معناها صخرة؛ یقابلها فی العربیة صفا أی صخرة وقد سمّاه المسیح بهذا الاسم؛ والصخرة بالیونانیة بیتروس ومنها بطرس.

أمّا فی المصادر والکتب المسیحیة؛ فقد ورد ذکر شمعون الصفا باسم: سمعان؛ بطرس؛ کیفا, صفا. ففی العهد الجدید: نظر إلیه یسوع وقال: أنت سمعان ابن یونا؛ أنت تدعی صفا الذی تفسیره بطرس(1).

وممّا تقدّم نعلم أن شمعون الصفا؛ کان یعرف قدیماً بسمعان الصفا. وسمعان کلمة عبریة؛ یقابلها شیمون بالسریانیة؛ التی هی شمعون بالعربیة الملقب بطرس.

ولد شمعون الصفا سنة 10 ق. م. ویعتبر سلیل الأنبیاء من ناحیة الأب والأم

ص:221


1- (1) انظر: الکتاب المقدس, مجمع الکنائس الشرقیة, ص 83.. والکتاب المقدس (العهد الجدید), الکنیسة, ص 30.

معاً؛ فوالده حمون بن عامه؛ یعود فی نسبه إلی النبی سلیمان بن داود علیهما السلام؛ وهو من موالید بلدة جسکالا؛ المعروفة - الیوم - ببلدة الجش شمال فلسطین, وکانت نشأته الأولی من قریة مشرفة علی شاطئ البحر؛ وفی منطقة کانت تعرف بجلیل الأمم.

وأمّه سیّدة جلیلة؛ تربّت فی بیت من بیوتات الأنبیاء والذین ضرب الله المثل برفعة شأنهم وصدق إیمانهم؛ فهی أخت النبی عمران والد السیّدة مریم العذراء علیها السلام الذی خصّه الله وآله بسورة فی القرآن الکریم؛ فقال تعالی:(إِنَّ اللّهَ اصْطَفی آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِیمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَی الْعالَمِینَ)1, وعندما تزوّج حمون من أخت النبی عمران أنجبا شمعون الصفا (الذی یعتبر ابن عمة مریم) وهذا ما اشیر له فی حدیث للإمام علی علیه السلام لجاثلیق الروم؛ یقول: أوما تعلمون أن وصی عیسی شمعون بن حمون الصفا ابن خاله اختلفت علیه أمة عیسی...(1). وقیل ابن عم السیدة مریم علیها السلام(2).

وبناءً علی ما تقدّم تکون قرابة شمعون الصفا علیه السلام بالسیدة مریم علیها السلام من ناحیة الأب والأم معاً؛ فهو ابن خالها وابن عمتها فی الوقت نفسه. أما بالنسبة لمنطقة سکنهم؛ فالمصادر لا تذکر شیئاً سوی أن شمعون کان یسکن فی بلدة کفر ناحوم علی بحیرة طبریا؛ لکن بعض المعاصرین رجّح أن یکون والده قد سکن بالقرب من الناقورة فی منقطة حامول وحامول هذا تل بالقرب من الناقورة

ص:222


1- (2) انظر: بحار الانوار, المجلسی, ج 30 ص 76.
2- (3) انظر: بصائر الدرجات, محمد بن الحسن الصفار, ص 119.

یبعد عن مقام شمعون حوالی خمسة کیلومترات من الناحیة الجنوبیة الغربیة؛ ویعتقد أهالی المنقطة أن قبر أحد الأنبیاء أو الصالحین موجود علی سفحه الغربی؛ ویعتقد البعض أن والد شمعون الصفا حمون مدفون فیه. و (قال) نحن نرجّح ذلک لأنّ لفظة حمون؛ قد تکون حرفت نونها لاماً لتقارب المخارج الصوتیة؛ وقد ذکر روبنصون فی کتابه یومیات فی لبنان تعریفاً لحامول فقال: وتحتنا وادی حامول القصیرة؛ وهو یشق الجبل ویخرج من ثغرة ضیقة إلی الشاطئ شمال الناقورة؛ وفی هذا الوادی أطلال حامول؛ وربما کانت حمون.

شمعون وصی نبی الله عیسی علیه السلام

شاءت حکمته تعالی أنّ لا یجعل الأرض خالیة من حجة, من آدم علیه السلام إلی قیام الساعة, لا بد من نبیّ أو وصیّ, فکانت الوصایة تنتقل بین الأنبیاء والأوصیاء حتی الإمام الثانی عشر من أئمة أهل البیت علیهم السلام, کما جاء ذلک فی نصوص صریحة, منها: عن أبی عبد الله الصادق علیه السلام، قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: أنا سید النبیین، ووصیی سید الوصیین، وأوصیاؤه سادة الأوصیاء، إنّ آدم علیه السلام سأل الله عز وجل أن یجعل له وصیاً صالحاً، فأوحی الله عز وجل إلیه: أنی أکرمت الأنبیاء بالنبوة، ثم اخترت خلقی، وجعلت خیارهم الأوصیاء. ثم أوحی الله عز وجل إلیه: یا آدم، أوص إلی شیث، فأوصی آدم إلی شیث، وهو هبة الله بن آدم، وأوصی شیث إلی ابنه شبان، وهو ابن نزلة الحوراء التی أنزلها الله علی آدم من الجنة، فزوجها ابنه شیثاً، وأوصی شبان إلی مجلث، وأوصی مجلث إلی محوق، وأوصی محوق إلی غثمیشا، وأوصی غثمیشا إلی أخنوخ، وهو إدریس النبی علیه السلام، وأوصی

ص:223

إدریس إلی ناحور ودفعها ناحور إلی نوح النبی علیه السلام، وأوصی نوح إلی سام، وأوصی سام إلی عثامر، وأوصی عثامر إلی برعیثاشا، وأوصی برعیثاشا إلی یافث، وأوصی یافث إلی برة، وأوصی برة إلی جفسیه وأوصی جفسیه إلی عمران، ودفعها عمران إلی إبراهیم خلیل الرحمن علیه السلام، وأوصی إبراهیم إلی ابنه إسماعیل، وأوصی إسماعیل إلی إسحاق، وأوصی إسحاق إلی یعقوب، وأوصی یعقوب إلی یوسف، وأوصی یوسف إلی بثریاء، وأوصی بثریاء إلی شعیب علیه السلام، ودفعها شعیب إلی موسی بن عمران علیه السلام، وأوصی موسی بن عمران علیه السلام إلی یوشع بن نون، وأوصی یوشع بن نون إلی داود علیه السلام، وأوصی داود علیه السلام إلی سلیمان علیه السلام، وأوصی سلیمان علیه السلام إلی آصف بن برخیا، وأوصی آصف بن برخیا إلی زکریا علیه السلام، ودفعها زکریا علیها السلام إلی عیسی ابن مریم علیه السلام، وأوصی عیسی إلی شمعون بن حمون الصفا، وأوصی شمعون إلی یحیی بن زکریا، وأوصی یحیی بن زکریا إلی منذر، وأوصی منذر إلی سلیمة، وأوصی سلیمة إلی بردة. ثم قال رسول الله صلی الله علیه و آله: ودفعها إلی بردة، وأنا أدفعها إلیک یا علی، وأنت تدفعها إلی وصیک، ویدفعها وصیک إلی أوصیائک من ولدک واحداً بعد واحد، حتی تدفع إلی خیر أهل الأرض بعدک، ولتکفرن بک الأمة، ولتختلفن علیک اختلافاً شدیداً، الثابت علیک کالمقیم معی، والشاذ عنک فی النار، والنار مثوی الکافرین(1). وهناک روایات کثیرة تصرح أیضاً أنّ شمعون الصفا کان من الأوصیاء المباشرین والرئیسیین لنبی الله عیسی علیه السلام.

ص:224


1- (1) الأمالی, الشیخ الصدوق, ص 486.

الشبه بین نرجس وأم موسی علیه السلام

مما جاء فی زیارة السیدة نرجس علیها السلام یضفی لنا عظمة المکانة والمرتبة التی تحویها هذه السیدة الجلیلة وأنّها فی مسیر رکب الانبیاء علیهم السلام ومقام أمهاتهم, بل أکبر من ذلک بحسب ما تحمل من سر عظیم دارت علیه القرون وختم به الکون, فقد جاء فی زیارتها علیها السلام کما سیأتی ذکرها کاملة: السلام علیک أیتها الصدیقة المرضیة، السلام علیک یا شبیهة, أم موسی وابنة حواری عیسی، السلام علیک أیتها التقیة النقیة، السلام علیک أیتها الرضیة المرضیة... الخ(1). فکان لهذه السیدة العظیمة العدید من المقارنات بینها وبین السیدات العظام فی الأزمنة التی سبقتها لاسیما أم نبی الله موسی علیه السلام (یوخابید) فکما أخفی الله حمل السیدة یوخابید أم موسی علیه السلام بابنها أخفی حمل السیدة نرجس بابنها الإمام المهدی عجل الله تعالی فرجه الشریف.

ومنها: إنّ السیدة نرجس وأم نبی الله موسی علیه السلام کلتیهما قد تعرضتا لرقابة شدیدة وصارمة. وعاشتا ضغوطاً سیاسیة من قبل فراعنة الماضی والحاضر ففرعون موسی کان یعلم انه سیولد نبی ویقضی علی ملکه ویحقق طموح وآمال المستضعفین, وفراعنة العباسیین کانوا یعلمون بأنّ إماما أسمة باسم الرسول محمد صلی الله علیه و آله سیولد وسیقضی علی دولتهم وسلطانهم ویظهر العدل والرفاه فی أرجاء المعمورة التی عمها الظلم والاضطهاد.

ومنها: أنّ نبی الله موسی رُد إلی أمه علیها السلام کما فی قوله تعالی:(فَرَدَدْناهُ إِلی أُمِّهِ کَیْ تَقَرَّ عَیْنُها وَ لا تَحْزَنَ وَ لِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَ لکِنَّ أَکْثَرَهُمْ لا

ص:225


1- (1) انظر: المزار, محمد بن المشهدی, ص 660.

یَعْلَمُونَ)1, کذلک السیدة نرجس رد علیها ابنها ساعة ولادته, وقد صرح الإمام الحسن العسکری علیه السلام بذلک فقال لعمته السید حکیمة رضوان الله علیها «یا عمه ردیه إلی أمه کی تقر عینها ولا تحزن ولتعلم أنّ وعد الله حق ولکن أکثر الناس لا یعلمون. فرددته إلی أمه»(1).

وأیضاً ورد أنّ الإمام العسکری علیه السلام بعد ما أجری علیه مراسم الولادة قال لعمته السیدة حکیمة امضی به إلی أمه لترضعه وردیه إلیّ قالت: فتناولته أمه فأرضعته، فرددته إلی أبی محمد علیه السلام والطیر ترفرف علی رأسه فصاح بطیر منها فقال له: احمله واحفظه ورده إلینا فی کل أربعین یوماً، فتناوله الطیر وطار به فی جو السماء واتبعه سائر الطیر، فسمعت أبا محمد علیه السلام یقول: أستودعک الله الذی أودعته أم موسی موسی, فبکت نرجس فقال لها: اسکتی فإن الرضاع محرم علیه إلا من ثدیک وسیعاد إلیک کما رد موسی إلی أمه وذلک قول الله عز وجل (ثم تلا الآیة), قالت حکیمة: فقلت: وما هذا الطیر؟

قال: هذا روح القدس الموکل بالأئمة علیهم السلام یوفقهم ویسددهم ویربیهم بالعلم(2).

ومن جملة الشبه بینها وبین أم موسی علیه السلام: إنّ کلتا السیدتین اضطرتا لفراق ولیدهما ساعة ولادته إلی أن أعید لهما بفضل الله ولطفه وعنایته.

ص:226


1- (2) ألقاب الرسول وعترته (المجموعة), من قدماء المحدثین, ص 87.
2- (3) کمال الدین وتمام النعمة, الشیخ الصدوق, ص 428.

مکانة السیدة نرجس عند الله وأهل البیت علیهم السلام

إنّ الروایات التی تتحدث عن طهارة وإیمان أمهات الأئمة هی لیست ولیدة مرحلة اقترانها بالمعصوم أو بعد ذلک, وإنما تکشف عن ذلک قبل حضورها فی ید الإمام وزواجها منه, کما یکشف لنا الإمام عن طریق الغیب أنّها کانت معدة ومصانة من قبل الله عزّ وجل؛ لأن تکون الوعاء الصالح والأنسب للمعصوم, نعم لم یصل لدینا الکثیر من الروایات وذلک للظروف التی مرّ بها التاریخ (السیاسیة والاجتماعیة), وکیف کان فقد روی الشیخ رحمه الله من القضایا التی دلت علی أن الأمر لم یکن بصورة عفویة، أو من القضایا الاتفاقیة، بل کانت علی وفق تخطیط إلهی محکم ویحتوی علی الأسرار الإلهیة، وإن کانت لا تخرج عن ظاهرة الخضوع للأسباب المتعارفة، والتی کانت یبدو فیها أن الأمر طبیعی جداً, وربما أم الإمام المهدی عجل الله فرجه الشریف بالذات تحتاج إلی رعایة وصیانة أشد من غیرها بما ینطوی علیها ولادة منقذ البشریة من أیدی الظالمین ومطبق رسالة جده المصطفی فی أرجاء المعمورة, ولذا نری کما سیأتی فی زیارتها علیها السلام انّها کانت منعوتة فی الکتب المقدسة, مع أنّها حظیت باهتمام الأنبیاء والصالحین علیهم السلام فی نطاق إرهاصات الغیب السابق علی أوانه, إضافة إلی ظاهر الحال من اهتمام الأئمة علیهم السلام فیها.

الرعایة الإلهیة لأم القائم علیه السلام

لم یکن شراء السیدة نرجس صدفة کغیرها من الجواری, بل کان أمر شرائها مقصوداً ومبرمجاً عبر تخطیطٍ إلهی غیبی کما جاء فی خبر شرائها علیها السلام فقد

ص:227

أسند الصدوق عن أبی الحسین محمد بن بحر الشیبانی عن بشر بن سلیمان النخاس قال: فبینما أنا ذات لیلة فی منزلی بسر من رآی وقد مضی هوی من اللیل إذ قرع الباب قارع فعدوت مسرعاً فإذا أنا بکافور الخادم رسول مولانا أبی الحسن علی بن محمد علیه السلام یدعونی إلیه فلبست ثیابی ودخلت علیه فرأیته یحدث ابنه أبا محمد وأخته حکیمة من وراء الستر، فلما جلست قال: یا بشر إنّک من ولد الأنصار وهذه الولایة لم تزل فیکم یرثها خلف عن سلف، فأنتم ثقاتنا أهل البیت وإنی مزکیک ومشرفک بفضیلة تسبق بها شأن الشیعة فی الموالاة بها: بسر أطلعک علیه وأنفذک فی ابتیاع أمة فکتب کتاباً ملصقاً بخط رومی ولغة رومیة، وطبع علیه بخاتمه، وأخرج شستقة صفراء فیها مائتان وعشرون دیناراً فقال: خذها وتوجه بها إلی بغداد، واحضر معبر الفرات ضحوة کذا، فإذا وصلت إلی جانبک زواریق السبایا وبرزن الجواری منها فستحدق بهم طوائف المبتاعین من وکلاء قواد بنی العباس وشراذم من فتیان العراق، فإذا رأیت ذلک فأشرف من البعد علی المسمی عمر بن یزید النخاس عامة نهارک إلی أن یبرز للمبتاعین جاریة صفتها کذا وکذا، لابسة حریرتین صفیقتین، تمتنع من السفور ولمس المعترض، والانقیاد لمن یحاول لمسها ویشغل نظره، بتأمل مکاشفها من وراء الستر الرقیق فیضربها النخاس فتصرخ صرخة رومیة، فاعلم أنها تقول: وا هتک ستراه، فیقول بعض المبتاعین علی بثلاثمائة دینار فقد زادنی العفاف فیها رغبة، فتقول بالعربیة: لو برزت فی زی سلیمان وعلی مثل سریر ملکه ما بدت لی فیک رغبة فأشفق علی مالک، فیقول النخاس: فما الحیلة ولا بد من بیعک، فتقول الجاریة: وما العجلة ولا بد من اختیار

ص:228

مبتاع یسکن قلبی [إلیه و] إلی أمانته ودیانته، فعند ذلک قم إلی عمر بن یزید النخاس وقل له: إن معی کتاباً ملصقاً لبعض الأشراف کتبه بلغة رومیة وخط رومی، ووصف فیه کرمه ووفاه ونبله وسخاءه فناولها لتتأمل منه أخلاق صاحبه فإن مالت إلیه ورضیته، فأنا وکیله فی ابتیاعها منک. ثم قال بشر بن سلیمان النخاس: فامتثلت جمیع ما حده لی مولای أبو الحسن علیه السلام فی أمر الجاریة، فلما نظرت فی الکتاب بکت بکاءً شدیداً، وقالت لعمر بن یزید النخاس: بعنی من صاحب هذا الکتاب، وحلفت بالمحرجة المغلظة إنه متی امتنع من بیعها منه قتلت نفسها، فما زلت أشاحه فی ثمنها حتی استقر الأمر فیه علی مقدار ما کان أصحبنیه مولای علیه السلام من الدنانیر فی الشستقة الصفراء، فاستوفاه منی وتسلمت منه الجاریة ضاحکة مستبشرة.

السیدة نرجس تکشف عن التحرک الغیبی

لم تکن السیدة نرجس علیها السلام امرأة عادیة کغیرها من النساء, بل کانت تمتاز بصفات واسعة وتحظی بکمالٍ عالٍ لا یتسنی لکل امرأة إلا أنّ تکون قد خصها الله واصطفاها, فکانت السیدة نرجس تحظی بالنسب العریق والإیمان العمیق وقد خصها الله بالعلم, والمعرفة والشجاعة، والحکمة، والصمود، والکتمان، والمثالیة, وما إلیها, لذلک ورد عن بشر یقول بعدما اشتریتها وانصرفت بها إلی حجرتی التی کنت آوی إلیها ببغداد فما أخذها القرار حتی أخرجت کتاب مولاها علیه السلام من جیبها وهی تلثمه وتضعه علی خدها وتطبقه علی جفنها وتمسحه علی بدنها، فقلت: تعجباً منها أتلثمین کتاباً ولا تعرفین صاحبه؟ قالت: أیها العاجز الضعیف

ص:229

المعرفة بمحل أولاد الأنبیاء أعرنی سمعک وفرغ لی قلبک أنا ملیکة بنت یشوعا بن قیصر ملک الروم، وأمی من ولد الحواریین تنسب إلی وصی المسیح شمعون، أنبئک العجب العجیب إن جدی قیصر أراد أن یزوجنی من ابن أخیه وأنا من بنات ثلاث عشرة سنة فجمع فی قصره من نسل الحواریین ومن القسیسین والرهبان ثلاثمائة رجل ومن ذوی الأخطار سبعمائة رجل وجمع من أمراء الأجناد وقواد العساکر ونقباء الجیوش وملوک العشائر أربعة آلاف، وأبرز من بهو ملکه عرشاً مسوغاً من أصناف الجواهر إلی صحن القصر فرفعه فوق أربعین مرقاة فلما صعد ابن أخیه وأحدقت به الصلبان وقامت الأساقفة عکفاً ونشرت أسفار الإنجیل تسافلت الصلبان من الأعالی فلصقت بالأرض، وتقوضت الأعمدة فانهارت إلی القرار، وخر الصاعد من العرش مغشیاً علیه، فتغیرت ألوان الأساقفة، وارتعدت فرائصهم، فقال کبیرهم لجدی: أیها الملک أعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالة علی زوال هذا الدین المسیحی والمذهب الملکانی، فتطیر جدی من ذلک تطیراً شدیداً، وقال للأساقفة: أقیموا هذه الأعمدة، وارفعوا الصلبان، واحضروا أخا هذا المدبر العاثر المنکوس جده لأزوج منه هذه الصبیة فیدفع نحوسه عنکم بسعوده، فلما فعلوا ذلک حدث علی الثانی ما حدث علی الأول.

رسول الله صلی الله علیه و آله یخطب السیدة نرجس للعسکری علیه السلام

دخول السماء واهتمام الغیب بحیاة السیدة نرجس یعبر عن مدی إیمانها وطهارتها وما تحویه من صفات کمالیة عالیة حتی أنّ الأنبیاء علیهم السلام اجتمعوا لخطبتها کی تکون وعاءً لحجة الله فی أرضه القائم علی خلقه, فقد ذکرت

ص:230

السیدة نرجس قالت: عندما تفرق الناس وقام جدی قیصر مغتماً ودخل قصره وأرخیت الستور فأریت فی تلک اللیلة کان المسیح والشمعون وعدة من الحواریین قد اجتمعوا فی قصر جدی ونصبوا فیه منبراً یباری السماء علواً وارتفاعاً فی الموضع الذی کان جدی نصب فیه عرشه، فدخل علیهم محمدٌ صلی الله علیه و آله مع فتیة وعدة من بنیه فیقوم إلیه المسیح فیعتنقه فیقول: یا روح الله إنی جئتک خاطباً من وصیک شمعون فتاته ملیکة لابنی هذا، وأومأ بیده إلی أبی محمد صاحب هذا الکتاب، فنظر المسیح إلی شمعون فقال له: قد أتاک الشرف فصل رحمک برحم رسول الله صلی الله علیه و آله قال: قد فعلت، فصعد ذلک المنبر وخطب محمد صلی الله علیه و آله وزوجنی وشهد المسیح علیه السلام بنبوة محمد صلی الله علیه و آله والحواریون، فلما استیقظت من نومی أشفقت أن أقص هذه الرؤیا علی أبی وجدی مخافة القتل، فکنت أسرها فی نفسی ولا أبدیها لهم، وضرب صدری بمحبة أبی محمد حتی امتنعت من الطعام والشراب وضعفت نفسی ودق شخصی ومرضت مرضاً شدیداً فما بقی من مدائن الروم طبیب إلا أحضره جدی وسأله عن دوائی فلما برح به الیأس قال: یا قرة عینی فهل تخطر ببالک شهوة فأزودکها فی هذه الدنیا؟ فقلت: یا جدی أری أبواب الفرج علیّ مغلقة فلو کشفت العذاب عمن فی سجنک من أساری المسلمین وفککت عنهم الأغلال وتصدقت علیهم ومننتهم بالخلاص لرجوت أن یهب المسیح وأمه لی عافیةً وشفاءً، فلما فعل ذلک جدی تجلدت فی إظهار الصحة فی بدنی وتناولت یسیراً من الطعام فسر بذلک جدی وأقبل علی إکرام الأساری وإعزازهم.

ص:231

زیارة الزهراء للسیدة نرجس علیها السلام

نقف علی مزیة أخری قد حظیت بها السیدة نرجس علیها السلام, حیث رأت أیضاً بعد أربع لیال کأن سیدة النساء قد زارتنی ومعها مریم بنت عمران وألف وصیفة من وصائف الجنان فتقول لی مریم: هذه سیدة النساء أم زوجک أبی محمد علیه السلام، فأتعلق بها وأبکی وأشکو إلیها امتناع أبی محمد من زیارتی، فقالت لی سیدة النساء علیها السلام: إنّ ابنی أبا محمد لا یزورک وأنت مشرکة بالله وعلی مذهب النصاری وهذه أختی مریم تبرأ إلی الله تعالی من دینک فإن ملت إلی رضا الله عز وجل ورضا المسیح ومریم عنک وزیارة أبی محمد أیاک فتقولی: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنّ - أبی - محمداً رسول الله، فلما تکلمت بهذه الکلمة ضمتنی سیدة النساء إلی صدرها فطیبت لی نفسی، وقالت: الآن توقعی زیارة أبی محمد إیاک فإنی منفذه إلیک، فانتبهت وأنا أقول: وا شوقاه إلی لقاء أبی محمد، فلما کانت اللیلة القابلة جاءنی أبو محمد علیه السلام فی منامی فرأیته کأنی أقول له: جفوتنی یا حبیبی بعد أن شغلت قلبی بجوامع حبک؟ قال: ما کان تأخیری عنک إلا لشرکک وإذ قد أسلمت فإنی زائرک فی کل لیلة إلی أن یجمع الله شملنا فی العیان، فما قطع عنی زیارته بعد ذلک إلی هذه الغایة(1).

کیفیة أسر السیدة نرجس علیها السلام

لم تکن السیدة نرجس علیها السلام غیر عالمة بأسرها وما یجری لها, وإنما بحسب احتکاکها بالغیب وما فضلها الله من کشف رؤیة المستقبل وما یؤول الیه مصیرها

ص:232


1- (1) کمال الدین وتمام النعمة, الشیخ الصدوق, ص 418.

وختام حسن عاقبتها بأحسن ما یکون کانت عالمة بمجاری الأمور, کما ورد عن بشر قال: فقلت لها علیها السلام: وکیف وقعت فی الأسر فقالت: أخبرنی أبو محمد لیلة من اللیالی (حیث کان الإمام العسکری علیه السلام کل لیلة یأتیها فی الرؤیا کما تقدم) أن جدک سیسرب جیوشاً إلی قتال المسلمین یوم کذا، ثم یتبعهم فعلیک باللحاق بهم متنکرة فی زی الخدم مع عدة من الوصائف من طریق کذا، ففعلت فوقعت علینا طلائع المسلمین حتی کان من أمری ما رأیت وما شاهدت وما شعر أحد [بی] بأنی ابنة ملک الروم إلی هذه الغایة سواک، وذلک باطلاعی إیاک علیه، ولقد سألنی الشیخ الذی وقعت إلیه فی سهم الغنیمة عن اسمی فأنکرته وقلت: نرجس، فقال: اسم الجواری، فقلت: العجب إنک رومیة ولسانک عربی؟ قالت: بلغ من ولوع جدی وحمله إیای علی تعلم الآداب أن أوعز إلی امرأة ترجمانة له فی الاختلاف إلیّ، فکانت تقصدنی صباحاً ومساءً وتفیدنی العربیة حتی استمر علیها لسانی واستقام(1).

وثاقة رجال الروایة

ربما الشک یراود البعض لاسیما مرضی النفوس أو ضعفاء الإیمان ویستبعد صحة صور هذه الروایة أو یشکک فی رجالها فنقول إنّ الصدوق رحمه الله أسند الروایة إلی أحمد بن عیسی الوشاء البغدادی أبی العباس، وشیخه أحمد بن طاهر القمی، فی باب خاص باسم (باب ما روی فی نرجس أم القائم علیهما السلام) والظاهر منه معرفته بحالهما واعتماده علیهما، (الروایة)؛ وذلک لأنه لم یرو فی هذا الباب

ص:233


1- (1) کمال الدین وتمام النعمة, الشیخ الصدوق, ص 422.

الذی هو من الأبواب المهمة من کتابه إلا حدیثاً واحداً, بل یظهر من ذلک کمال وثاقتهما عنده واعتماده علی صدقهما وأمانتهما، ویظهر مما عنون به الباب أیضاً اعتماده واستدلاله علی ما کان مشهوراً فی عصره من اسم أمه علیها السلام ونسبها بهذا الحدیث، فالرجلان کانا معلومی الحال عنده بالصدق والأمانة، وإلا فلا ینبغی لمثله أنّ یعتمد علی روایة غیر موثقة لا یعرف رواتها بالوثاقة فی مثل هذا الأمر المعتنی به عند الخاص والعام، فالمظنون بل المقطوع اطمئنانه بصحة الروایة وصدق رواتها.

ولو تنزلنا عن ذلک فلا محیص عن القول باطمئنانه بصدورها بواسطة بعض القرائن والامارات المعتبرة التی یجبر بها ضعف الراوی ویقطع بها بصحتها، وإلا فیسأل ما فائدة عقد باب فی کتاب (مثل کمال الدین) للاحتجاج بروایة واحدة لا یحتج بها ولا یعتمد علیها مؤلف الکتاب لجهله بأحوال رجالها؟ وما معنی عنوان الباب بمضمونها؟ وکیف یقبل صدور ذلک من الصدوق قدس سره؟ ألم یصنف کتابه (کمال الدین) لرفع الحیرة والشبهة والاستدلال علی وجود الحجة؟ فهل هذه الروایة إذا کان مؤلف الکتاب لا یعتمد علیها تزید الشبهة والحیرة أو ترفعها؟(1).

إضافة إلی ذلک ما ورد فی صدر الروایة من أشارة إلی إیمان وعلم الراوی النخاس بشر بن سلیمان من أصحاب العسکریین علیهما السلام ومحمد بن بحر الشیبانی, ففیه أیضا تزکیة لهما فقد قال: وردت کربلاء سنة ست وثمانین

ص:234


1- (1) راجع: مجموعة الرسائل, الشیخ لطف الله الصافی, ج 2 ص 148.

ومائتین، قال: وزرت قبر غریب رسول الله صلی الله علیه و آله ثم انکفأت إلی مدینة السلام متوجهاً إلی مقابر قریش فی وقت قد تضرمت الهواجر وتوقدت السمائم، فلما وصلت منها إلی مشهد الکاظم علیه السلام واستنشقت نسیم تربته المغمورة من الرحمة، المحفوفة بحدائق الغفران أکببت علیها بعبرات متقاطرة، وزفرات متتابعة وقد حجب الدمع طرفی عن النظر فلما رقأت العبرة وانقطع النحیب فتحت بصری فإذا أنا بشیخ قد انحنی صلبه، وتقوس منکباه، وثفنت جبهته وراحتاه، وهو یقول لآخر معه عند القبر: یابن أخی لقد نال عمک شرفاً بما حمله السیدان من غوامض الغیوب وشرائف العلوم التی لم یحمل مثلها إلا سلمان، وقد أشرف عمک علی استکمال المدة وانقضاء العمر، ولیس یجد فی أهل الولایة رجلاً یفضی إلیه بسره، قلت: یا نفس لا یزال العناء والمشقة ینالان منک باتعابی الخف والحافر فی طلب العلم، وقد قرع سمعی من هذا الشیخ لفظ یدل علی علم جسیم وأثر عظیم، فقلت: أیها الشیخ ومن السیدان؟ قال: النجمان المغیبان فی الثری بسر من رأی، فقلت: إنی أقسم بالموالاة وشرف محل هذین السیدین من الإمامة والوراثة إنی خاطب علمهما، وطالب آثارهما، وباذل من نفسی الأیمان المؤکدة علی حفظ أسرارهما، قال: إن کنت صادقاً فیما تقول فأحضر ما صحبک من الآثار عن نقلة أخبارهم، فلما فتش الکتب وتصفح الروایات منها قال: صدقت أنا بشر بن سلیمان النخاس من ولد أبی أیوب الأنصاری أحد موالی أبی الحسن وأبی محمد علیهما السلام وجارهما بسر من رأی، قلت: فأکرم أخاک ببعض ما شاهدت من آثارهما قال: کان مولانا أبو

ص:235

الحسن علی بن محمد العسکری علیهما السلام فقهنی فی أمر الرقیق فکنت لا أبتاع ولا أبیع إلا بإذنه، فاجتنبت بذلک موارد الشبهات حتی کملت معرفتی فیه فأحسنت الفرق [فیما] بین الحلال والحرام(1).

خلاصة القول فی حال السیدة نرجس علیها السلام

إن السیدة نرجس کانت من سلالة الأوصیاء بنت یشوعا من أولاد شمعون بن الصفا وصی نبی الله عیسی علیه السلام. وإن الإمام الهادی علیه السلام عندما أراد شراءها وتزویجها من ابنه الإمام الحسن العسکری علیه السلام اجتمع مع ابنه علیه السلام وأخته حکیمة وتشاوروا بالأمر ثم أرسلوا إلی بشر بن سلیمان النخاس وبعثوه لشرائها. وقد ثبت أنّها کانت بالغة بل کان عمرها أکثر من ثلاث عشرة سنة. وأنّها کانت عارفة أدیبة وعالمة وکانت مسلمة حین أسرها, مع ذلک أن الإمام الهادی علیه السلام استودعها أخته حکیمة لتعلمها الفرائض والسنن. وقیل: إنّها ولدت فی بیت حکیمة کما جاء فی عیون المعجزات, قال: إنّه کان لحکیمة بنت أبی جعفر محمد بن علی علیه السلام جاریة ولدت فی بیتها وربتها وکانت تسمی نرجس فلما کبرت دخل أبو محمد فنظر إلیها فقالت له عمته حکیمة أراک یا سیدی تنظر إلیها فقال علیه السلام إنی ما نظرت إلاّ إلیها متعجباً أما إنّ المولود الکریم علی الله یکون منها ثم أمرها أن تستأذن أبا الحسن أباه علیه السلام فی دفعها إلیه فقلت فأمرها بذلک(2). أقول وربما حصل هنا تصحیف فی لفظة - ولدت فی بیت حکیمة - بدل - وضعت فی بیت حکیمة - والله العالم.

ص:236


1- (1) کمال الدین وتمام النعمة, الشیخ الصدوق, ص 417.
2- (2) انظر: عیون المعجزات, حسین بن عبد الوهاب, ص 127.

السیدة نرجس تتکلم العربیة

من جملة الصفات التی تتمتع بها السیدة نرجس علیها السلام أنّها کانت أدیبة وعالمة باللغة العربیة وربما هذه إحدی الحکم الغیبیة التی تحکی عن انتظار مستقبل یتطلب ذلک ومن جملتها الحفاظ علی مولودها الحجة التی تعلقت علیه آمال البشریة المستضعفة کی تعرف کلام القوم وتتقی شرهم, فقد جاء عن بشر عندما اشتراها للإمام علیه السلام قال لها: العجب أنک رومیة ولسانک عربی؟ قالت: نعم، من ولوع جدی وحمله إیای علی تعلم الآداب أن أوعز إلی امرأة ترجمانة له فی الاختلاف إلی وکانت تقصدنی صباحاً ومساءً وتفیدنی العربیة حتی استمر لسانی علیها واستقام(1).

الإمام الهادی یبشرها بالمهدی علیه السلام

حظیت هذه المرأة العظیمة باهتمام ثلاثة من الأئمة علیهم السلام (الهادی, والعسکری, والقائم علیهم السلام) بالإضافة إلی ما تقدم من اهتمام الأنبیاء علیهم السلام بشأنها, بشرها الهادی علیه السلام عن هذا الشرف العظیم الذی فیه السعادة الأبدیة فی الدارین, حیث قال بشر: فلما انکفأت بها إلی سر من رأی دخلت علی مولانا أبی الحسن العسکری علیه السلام فقال لها: کیف أراک الله عز الإسلام وذل النصرانیة، وشرف أهل بیت محمد صلی الله علیه و آله؟ قالت: کیف أصف لک یابن رسول الله ما أنت أعلم به منی؟ قال: فإنی أرید أن أکرمک فأیما أحب إلیک عشرة آلاف درهم؟ أم بشری لک فیها شرف الأبد؟ قالت: بل البشری، قال علیه السلام: فأبشری بولد یملک الدنیا شرقاً وغرباً

ص:237


1- (1) کمال الدین وتمام النعمة, الشیخ الصدوق, ص 417.

ویملأ الأرض قسطاً وعدلاً کما ملئت ظلماً وجوراً، قالت: ممن؟ قال علیه السلام: ممن خطبک رسول الله صلی الله علیه و آله من لیلة کذا من شهر کذا من سنة کذا بالرومیة، قالت: من المسیح ووصیه؟ قال: فممن زوجک المسیح ووصیه، قالت: من ابنک أبی محمد؟ قال: فهل تعرفینه؟ قالت: وهل خلوت لیلة من زیارته إیای منذ اللیلة التی أسلمت فیها علی ید سیدة النساء أمه.

فقال أبو الحسن علیه السلام: یا کافور ادع لی أختی حکیمة، فلما دخلت علیه قال علیه السلام لها: هاهیه فاعتنقتها طویلاً وسرت بها کثیراً، فقال لها مولانا: یا بنت رسول الله أخرجیها إلی منزلک وعلمیها الفرائض والسنن فإنها زوجة أبی محمد وأم القائم علیه السلام(1).

ولادة السیدة نرجس علیها السلام للإمام المهدی علیه السلام

وقفت نرجس علیها السلام مرة أخری لتسجل موقفاً مخلداً للتأریخ والإنسانیة, وتصل فیه إلی ذروة کمالها وختمت باکورة أعمالها وحازت علی الشرف العظیم حیث أصبحت وعاء وحجرا للقائم المنتظر علیه السلام, فقد ورد عن حکیمة بنت محمد الجواد علیهما السلام، قالت: بعث إلی أبو محمد الحسن بن علی علیهما السلام فقال: یا عمة اجعلی إفطارک [هذه] اللیلة عندنا فإنها لیلة النصف من شعبان فإن الله تبارک وتعالی سیظهر فی هذه اللیلة الحجة وهو حجته فی أرضه، قالت: فقلت له: ومن أمه؟ قال لی: نرجس، قلت له: جعلنی الله فداک ما بها أثر، فقال: هو ما أقول لک، قالت: فجئت، فلما سلمت وجلست جاءت تنزع خفی وقالت لی: یا سیدتی کیف

ص:238


1- (1) کمال الدین وتمام النعمة, الشیخ الصدوق, ص 423.

أمسیت؟ فقلت: بل أنت سیدتی وسیدة أهلی، قالت: فأنکرت قولی وقالت: ما هذا یا عمة؟ قالت: فقلت لها: یا بنیة إن الله تعالی سیهب لک فی لیلتک هذه غلاما سیدا فی الدنیا والآخرة قالت: فخجلت واستحیت, فلما أن فرغت من صلاة العشاء الآخرة أفطرت وأخذت مضجعی فرقدت، فلما أن کان فی جوف اللیل قمت إلی الصلاة ففرغت من صلاتی وهی نائمة لیس بها حادث ثم جلست معقبة، ثم اضطجعت ثم انتبهت فزعة وهی راقدة، ثم قامت فصلت ونامت قالت حکیمة وخرجتُ أتفقد الفجر فاذا أنا بالفجر الأول کذنب السرحان وهی نائمة فدخلنی الشکوک، فصاح بی أبو محمد علیه السلام من المجلس فقال: لا تعجلی یا عمة فهاک الامر قد قرب، قالت: فجلست وقرأت ألم السجدة ویس، فبینما أنا کذلک إذ انتبهت فزعة فوثبت إلیها فقلت: اسم الله علیک، ثم قلت لها: أتحسین شیئاً؟ قالت: نعم یا عمة، فقلت لها: اجمعی نفسک واجمعی قلبک فهو ما قلت لک، قالت: فأخذتنی فترة وأخذتها فترة فانتبهت بحس سیدی فکشفت الثوب عنه فإذا أنا به علیه السلام ساجداً یتلقی الأرض بمساجده فضممته إلیّ فإذا أنا به نظیف متنظف.

العسکری یستقبل ابنه المولود المنتظر علیهما السلام

قالت حکیمة فصاح بی أبو محمد علیه السلام هلمی إلی ابنی یا عمة فجئت به إلیه فوضع یدیه تحت ألیتیه وظهره ووضع قدمیه علی صدره ثم أدلی لسانه فی فیه وأمرَّ یده علی عینیه وسمعه ومفاصله، ثم قال: تکلم یا بنی فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له، وأشهد أن محمداً رسول الله صلی الله علیه و آله، ثم صلی علی أمیر المؤمنین وعلی الأئمة علیهم السلام إلی أن وقف علی أبیه، ثم أحجم.

ص:239

ثم قال أبو محمد علیه السلام: یا عمة اذهبی به إلی أمه لیسلم علیها وائتنی به، فذهبت به فسلم علیها ورددته فوضعته فی المجلس ثم قال: یا عمة إذا کان یوم السابع فأتینا قالت حکیمة: فلما أصبحت جئت لأسلم علی أبی محمد علیه السلام وکشفت الستر لأتفقد سیدی علیه السلام فلم أره، فقلت: جعلت فداک ما فعل سیدی؟ فقال: یا عمة استودعناه الذی استودعته أم موسی موسی علیه السلام.

العسکری یجری مراسم یوم السابع

قالت حکیمة: فلما کان فی الیوم السابع جئت فسلمت وجلست فقال: هلمی إلی ابنی، فجئت بسیدی علیه السلام وهو فی الخرقة ففعل به کفعلته الأولی، ثم أدلی لسانه فی فیه کأنه یغذیه لبناً أو عسلاً، ثم قال: تکلم یا بنی، فقال: أشهد أن لا إلا إله الله وثنی بالصلاة علی محمد وعلی أمیر المؤمنین وعلی الأئمة الطاهرین علیهم السلام حتی وقف علی أبیه علیه السلام، ثم تلا هذه الآیة:(وَ نُرِیدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَی الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا فِی الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِینَ)1, قال: موسی فسألت عقبة الخادم عن هذه، فقال: صدقت حکیمة(1).

ولادة السیدة نرجس علیها السلام للقائم علیه السلام بلسان آخر

ذکروا أنّ حکیمة کانت فی بیت الإمام العسکری علیه السلام وعندما أرادت الذهاب إلی بیتها فقال علیه السلام: یا عمة بیتی اللیلة عندنا فإنه سیولد اللیلة المولود

ص:240


1- (2) راجع قصة ولادة الإمام المنتظر فی کتاب کمال الدین وتمام النعمة, الشیخ الصدوق, ص 424.

الکریم علی الله عز وجل الذی یحیی الله به الأرض بعد موتها قلت: فممن یا سیدی ولست أری بنرجس شیئاً من أثر الحبل؟ فقال: من نرجس لا من غیرها قالت: فوثبت إلیها فقلبتها ظهراً لبطن فلم أر بها أثر حبل فعدت إلیه فأخبرته بما فعلت فتبسم ثم قال لی: إذا کان وقت الفجر یظهر لک بها الحبل؛ لأن مثلها مثل أم موسی لم یظهر بها الحبل، ولم یعلم بها أحد إلی وقت ولادتها لأن فرعون کان یشق بطون الحبالی فی طلب موسی، وهذا نظیر موسی علیه السلام قالت حکیمة: فعدت إلیها فأخبرتها بما قال وسألتها عن حالها فقالت: یا مولاتی ما أری بی شیئاً من هذا قالت حکیمة: فلم أزل أرقبها إلی وقت طلوع الفجر وهی نائمة بین یدی ولا تقلب جنباً إلی جنب حتی إذا کان فی آخر اللیل وقت طلوع الفجر، وثبت فزعة فضممتها إلی صدری وسمیت علیها فصاح أبو محمد علیه السلام وقال اقرئی إنّا أنزلناه فی لیلة القدر، فأقبلت اقرأ علیها وقلت لها ما حالک؟ قالت: ظهر بی الأمر الذی أخبرک به أبو محمد مولای، فأقبلت اقرأ علیها کما أمرنی فأجابنی الجنین من بطنها یقرأ بمثل ما أقرأ وسلم علی، قالت حکیمة: ففزعت لما سمعت فصاح بی أبو محمد علیه السلام لا تعجبین من أمر الله إنّ الله تعالی ینطقنا صغاراً بالحکمة ویجعلنا حجة فی أرضه کباراً فلم یستتم الکلام حتی غیبت عنی نرجس فلم أرها کأنه صُرِبَ بینی وبینها حجاب فعدوت نحو أبی محمد علیه السلام وأنا صارخة فقال لی: ارجعی یا عمة فإنک ستجدینها فی مکانها قالت: فرجعت فلم ألبث إلی أن کشف الغطاء الذی کان بینی وبینها وإذا أنا بها وعلیها من أثر النور ما غشی بصری, فإذا أنا بالصبی علیه السلام ساجداً لوجهه جاثٍ علی رکبتیه رافعاً سبابته نحو السماء وهو

ص:241

یقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن جدی رسول الله صلی الله علیه و آله وان أبی أمیر المؤمنین ثم عد إماماً إماماً إلی أن بلغ إلی نفسه فقال: اللهم أنجز لی وعدی وأتمم لی أمری، وثبت وطأتی وأملأ الأرض بی عدلاً وقسطاً فصاح بی أبو محمد علیه السلام، وقال: یا عمة تناولیه وهاتیه فتناولته وأتیت به نحوه فلما مثلت بین یدی أبیه وهو علی یدی فسلم علی أبیه فتناوله الحسن علیه السلام منی والطیر یرفرف علی رأسه ویناوله لسانه فیشرب منه ثم قال: امض به إلی أمه لترضعه وردیه إلیّ قالت فناولته أمه فأرضعته ورددته إلی أبی محمد والطیر یرفرف علی رأسه فصاح طیر منها فقال له: أحمله وأحفظه ورده إلینا فی کل أربعین یوماً فتناوله الطیر وطار به فی جو السماء واتبعه سائر الطیور فسمعت أبا محمد یقول: أستودعک الذی أودعته أم موسی فبکت نرجس فقال: اسکتی فان الرضاع محرم علیه إلا من ثدیک وسیعاد إلیک کما رد موسی إلی أم موسی وذلک قول الله عز وجل (فَرَدَدْناهُ إِلی أُمِّهِ کَیْ تَقَرَّ عَیْنُها وَ لا تَحْزَنَ) قالت حکیمة: قلت فما هذا الطیر؟ قال هذا روح القدس الموکل بالأئمة علیهم السلام یوفقهم ویسددهم ویربیهم العلم قالت حکیمة: فلما کان بعد أربعین یوما رد الغلام ووجهه إلی ابن أخی فدعانی فدخلت علیه فإذا أنا بصبی متحرک یمشی بین یدیه فقلت سیدی هذا ابن سنتین فتبسم علیه السلام ثم قال: إن أولاد الأنبیاء والأوصیاء إذا کانوا أئمة ینشؤون بخلاف ما ینشأ غیرهم وإن الصبی منا إذا أتی علیه شهر کان کمن أتی علیه سنة وإن الصبی منا لیتکلم فی بطن أمه ویقرأ القرآن ویعبد الله تعالی عند الرضاع وتطیف به الملائکة وینزل علیه بالسلام صباحا ومساءً قالت حکیمة: فلم أزل أری ذلک الصبی فی کل أربعین یوماً إلی أن رأیته رجلاً

ص:242

قد مضی أبو محمد بأیام قلائل فلم اعرفه فقلت لابن أخی علیه السلام من هذا الذی تأمرنی ان اجلس بین یدیه؟ فقال لی: هذا ابن نرجس وهذا خلیفتی من بعدی وعن قلیل تفقدوننی فاسمعی وأطیعی قالت حکیمة: فمضی أبو محمد بعد ذلک بأیام قلائل وافترق الناس کما تری(1).

ولادتها للمهدی المنتظر عجل الله فرجه الشریف عند المخالفین

هناک مجموعة کبیرة من علماء القوم ذکروا ولادة السیدة نرجس للإمام المهدی المنتظر علیه السلام وزمان ولادته له, ولم یکن ذلک مختص بالشیعة الإمامیة بل وجدناه مبثوثاً فی تراث الثقات من المسلمین لدی الفریقین, ونذکر هنا بغضاً منهم:

1 - الشیخ الشبراوی الشافعی(2):

فقد قال الشیخ الشبراوی: الثانی عشر من الأئمة أبو القاسم محمد الحجة الإمام، قیل: هو المهدی المنتظر، ولد الإمام محمد الحجة بن الإمام الحسن الخالص رضی الله عنه بسر من رأی لیلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسین ومائتین قبل موت

ص:243


1- (1) انظر: روضة الواعظین, الفتال النیسابوری, ص 258.
2- (2) هو الشیخ عبد الله بن محمد بن عامر بن شرف الدین القاهری الشافعی الشهیر بالشبراوی شیخ الجامع الأزهر فی سنة 1137 ه - انتقلت مشیخة الجامع الأزهر إلی الشافعیة فتولاها الشیخ عبد الله الشبراوی فی حیاة کبار العلماء بعد أن تمکن وحضر الأشیاخ وسمع الأولیة وأوائل الکتب ولم یزل یترقی فی الأحوال والأطوار ویفید ویملئ ویدرس حتی صار أعظم الأعاظم ذا جاه ومنزلة عند رجال الدولة والأمراء ونفدت کلمته وصار لأهل العلم فی مدته رفعة مقام ومهابة عند الخاص والعام وأقبلت علیه العلماء وهادوه بأنفس ما عندهم وکان عارفاً حاذقاً وأدیباً متفننا له النثر الرائق والنظم الطلی. مات بالقاهرة ودفن بمقبرة المجاورین. وله عدة مؤلفات. راجع: معجم المطبوعات العربیة, الیان سرکیس, ج 1 ص 1098.

أبیه بخمس سنین, وکان أبوه قد أخفاه حین ولد وستر أمره لصعوبة الوقت وخوفه من الخلفاء، فإنهم کانوا فی ذلک الوقت یتطلبون الهاشمیین ویقصدونهم بالحبس والقتل ویریدون إعدامهم. وکان الإمام محمد الحجة یلقب أیضاً بالمهدی، والقائم، والمنتظر، والخلف الصالح، وصاحب الزمان، وأشهرها المهدی... الخ(1).

2 - الشیخ الشبلنجی(2):

فقد ذکر الشبلنجی فصل فی ذکر مناقب محمد بن الحسن الخالص، بن علی الهادی، بن محمد الجواد، بن علی الرضا، بن موسی الکاظم، بن جعفر الصادق، بن محمد الباقر، بن علی زین العابدین، بن الحسین بن علی أبی طالب رضی الله عنهم: أمه أم ولد یقال لها: نرجس، وقیل: صقیل، وقیل: سوسن، وکنیته أبو القاسم، ولقبه الإمامیة بالحجة، والمهدی، والخلف الصالح، والقائم، والمنتظر، وصاحب الزمان، وأشهرها المهدی(3).

3 - الحافظ الکنجی الشافعی(4):

قال الحافظ أبو عبد الله محمد بن یوسف الکنجی الشافعی: أبو محمد

ص:244


1- (1) الإتحاف بحب الأشراف, الشبراوی, ص 68.
2- (2) هو مؤمن بن حسن مؤمن الشبلنجی, المتوفی بعد سنة 1308 ه -, فاضل، من أهل شبلنجة, من قری مصر، قرب بنها العسل, تعلم فی الأزهر وأقام فی جواره. وکان یمیل إلی العزلة. من کتبه (نور الأبصار فی مناقب آل بیت النبی المختار) و (فتح المنان) فی تفسیر غریب القرآن، و (مختصر الجبرتی) فی جزءین صغیرین. راجع: الأعلام, خیر الدین الزرکلی, ج 7 ص 334.
3- (3) نور الأبصار فی مناقب آل بیت النبی المختار, الشبلنجی الشافعی, ص 168.
4- (4) هو محمد بن یوسف بن محمد، أبو عبد الله ابن الفخر الکنجی (المتوفی سنة 658 ه -): محدث. من الشافعیة نسبته إلی (کنجة) بین اصبهان وخوزستان. نزل بدمشق. راجع: الأعلام, خیر الدین الزرکلی, ج 7 ص 150.

الحسن العسکری بن علی الهادی مولده بالمدینة... إلی أن قال: ودفن فی داره بسر من رأی فی البیت الذی دفن فیه أبوه، وخلف ابنه وهو الإمام المنتظر صلوات الله علیه(1).

4 - سراج الدین الرفاعی(2):

وقال سراج الدین بن السید عبد الله الرفاعی: وأما الإمام علی الهادی ابن الإمام محمد الجواد، ولقبه النقی، والعالم، والفقیه، والأمیر، والدلیل، والعسکری، والنجیب. ولد فی المدینة سنة اثنتی عشرة ومائتین من الهجرة، وتوفی شهیداً بالسم فی خلافة المعتز العباسی یوم الاثنین بسر من رأی لثلاث لیال خلون فی رجب سنة أربع وخمسین ومائتین، وکان له خمسة أولاد: الإمام الحسن العسکری، والحسین، ومحمد، وجعفر، وعائشة، فالحسن العسکری أعقب صاحب السرداب الحجة المنتظر ولی الله الإمام محمد المهدی(3).

5 - ابن حجر الهیتمی:

وأیضاً نقل عن ابن حجر الهیتمی قال: ولم یخلف غیر ولده أبی القاسم محمد الحجة، وعمره عند وفاة أبیه خمس سنین، لکن آتاه الله فیها الحکمة،

ص:245


1- (1) کفایة الطالب فی مناقب أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب, الکنجی, ص 458.
2- (2) هو محمد بن عبد الله بن محمد المخزومی الرفاعی الحسینی، سراج الدین: شیخ الاسلام فی عصره. ولد بواسط (فی العراق) ورحل إلی الشام ومصر. وتوفی ببغداد (سنة 885 ه -). له مؤلفات، منها (البیان فی تفسیر القرآن) و (صحاح الأخبار فی نسب السادة الفاطمیة الأخیار), وغیرها. راجع: الأعلام, خیر الدین الزرکلی, ج 6 ص 238.
3- (3) صحاح الأخبار, ص 55, ط بومبای سنة 1306

ویسمی القاسم المنتظر، قیل: لأنه ستر بالمدینة وغاب، فلم یعرف أین ذهب(1).

6 - ابن طولون الدمشقی الحنفی(2):

وعن الشیخ شمس الدین محمد بن طولون الدمشقی الحنفی قال: ثانی عشرهم ابنه محمد بن الحسن، وهو أبو القاسم محمد بن الحسن بن علی الهادی، ابن محمد الجواد، بن علی الرضا، بن موسی الکاظم، بن جعفر الصادق، بن محمد الباقر، بن علی زین العابدین، بن الحسین بن علی بن أبی طالب رضی الله عنهم. وکانت ولادته رضی الله عنه یوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسین ومائتین، ولما توفی أبوه المتقدم ذکره رضی الله عنهما کان عمره خمس سنین. واسم أمه خمط، وقیل: نرجس... إلی أن قال: وذکر ابن الأزرق فی تاریخ میافارقین: أن الحجة المذکور ولد تاسع ربیع الآخر سنة ثمان وخمسین ومائتین، وقیل: فی ثامن شعبان سنة ست وخمسین، وهو الأصح... إلی أن قال: وقد نظمتهم علی ذلک، فقلت:

علیک بالأئمة الاثنی عشر من آل بیت المصطفی خیر البشر

أبو تراب حسن حسین وبغض زین العابدین شین

ص:246


1- (1) الصواعق المحرقة, ص 208. نقلاً عن ینابیع المودة للقندوزی, ج 3 ص 131.
2- (2) هو محمد بن علی بن أحمد (المدعو محمد) ابن علی بن خمارویه بن طولون الدمشقی الصالحی الحنفی، شمس الدین, المتوفی سنة 953 (ه -) وکان مؤرخاً، عالماً بالتراجم والفقه. من أهل الصالحیة بدمشق، ونسبته إلیها. قال الغزی: کانت أوقاته معمورة کلها بالعلم والعبادة، وله مشارکة فی سائر العلوم حتی فی التعبیر والطب. وله نظم، ولیس بشاعر. کتب بخطه کثیراً من الکتب وعلق ستین جزءاً سماها (التعلیقات) أکثرها من جمعه وبعضها لغیره. ولم یتزوج ولم یعقب. راجع: الأعلام, خیر الدین الزرکلی, ج 6 ص 291.

محمد الباقر کم علم دری والصادق ادع جعفراً بین الوری

موسی هو الکاظم وابنه علی لقبه بالرضا وقدره علی

محمد التقی قلبه معمور علی النقی دره منثور

والعسکری الحسن المطهر محمد المهدی سوف یظهر(1)

7 - ابن خلکان(2):

وقال ابن خلکان: فی ذکر محمد بن الحسن المهدی: وکانت ولادته یوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسین ومائتین. وذکر ابن الأزرق فی تاریخ میافارقین أن الحجة المذکور ولد تاسع عشر ربیع الأول سنة ثمان وخمسین ومائتین، وقیل: فی ثامن شعبان سنة ست وخمسین، وهو الأصح(3).

8 - السبط ابن الجوزی(4):

وقال السبط ابن الجوزی: المهدی هو محمد بن الحسن، بن علی، بن

ص:247


1- (1) الشذورات الذهبیة فی تراجم الأئمة الاثنی عشریة عند الإمامیة, ابن طولون الدمشقی, ص 117.
2- (2) هو القاضی الفاضل المحقق شمس الدین أحمد بن محمد بن أبی بکر بن خلکان المتوفی سنة 681 ه - من أشهر مشاهیر أهل السنة، فقد قال الذهبی بترجمته: ابن خلکان قاضی القضاة... لقی کبار العلماء، وبرع فی الفضائل والآداب... وکان کریماً جواداً سریاً ذکیاً أخباریاً عارفاً بأخبار الناس... وقال أبو الفداء: القاضی الفاضل المحقق شمس الدین أحمد بن محمد بن أبی بکر بن خلکان البرمکی، وکان فاضلاً عالماً، تولی القضاء بمصر والشام وله مصنفات جلیلة مثل وفیات الأعیان وغیره فی التاریخ. راجع: نفحات الأزهار, السید علی المیلانی, ج 5 ص 46.
3- (3) وفیات الأعیان وأنباء أبناء الزمان, ج 4 ص 176.
4- (4) هو: شمس الدین یوسف سبط أبی الفرج ابن الجوزی، توفی سنة 654 أو 656 ه -، وصفوه بالإمام، الحافظ، الواعظ، المؤرّخ، الفقیه، الحنفی. وصفه ابن خلکان قائلاً: الواعظ المشهور، حنفی المذهب، وله صیت وسمعة فی مجالس وعظه، وقبول عند الملوک وغیرهم. راجع: وفیات الأعیان, ج 3 ص 142.

محمد، بن علی، بن موسی بن جعفر، بن محمد، بن علی، بن الحسین بن علی بن أبی طالب، وکنیته أبو عبد الله وأبو القاسم، وهو الخلف الحجة صاحب الزمان، القائم، والمنتظر، والتالی، وهو آخر الأئمة. وقال: ویقال له: ذو الاسمین: محمد، وأبو القاسم. قالوا: أمه أم ولد یقال لها: صیقل(1).

9 - الذهبی:

وأیضا عن الذهبی قال: ولد محمد بن الحسن، بن علی الهادی، بن محمد الجواد، بن علی الرضا، بن موسی الکاظم، بن جعفر الصادق العلوی الحسینی، أبو القاسم الذی تلقبه الرافضة الخلف الحجة، وتلقبه بالمهدی والمنتظر، وتلقبه بصاحب الزمان، وهو خاتمة الاثنی عشر(2).

10 - ابن الصباغ المالکی(3):

وکذلک عن ابن الصباغ قال: ولد أبو القاسم محمد الحجة بن الحسن الخالص بسر من رأی لیلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسین ومائتین للهجرة. وأما نسبه أباً وأماً فهو أبو القاسم محمد الحجة بن الحسن الخالص، ابن

ص:248


1- (1) تذکرة الخواص, السبط ابن الجوزی, ص 204.
2- (2) العبر, الذهبی, ج 2 ص 31.
3- (3) هو علی بن محمد بن أحمد، نور الدین ابن الصباغ: فقیه مالکی. من أهل مکة، مولداً ووفاة. أصله من سفاقس. له کتب، منها (الفصول المهمة لمعرفة الأئمة). راجع: الأعلام, خیر الدین الزرکلی, ج 5 ص 8. وابن الصباغ من مشاهیر فقهاء المالکیة، ومن ثقات علماء أهل السنة المعروفین، فهم ینقلون عنه أقواله ویعتمدون علی روایاته، ویصفونه - وهم ناقلون عنه - بالأوصاف العظیمة. راجع: خلاصة عبقات الأنوار, السید حامد النقوی, ج 8 ص 249.

علی الهادی، بن محمد الجواد، بن علی الرضا، بن موسی الکاظم، بن جعفر الصادق، بن محمد الباقر، بن علی زین العابدین، بن الحسین بن علی بن أبی طالب صلوات الله علیهم أجمعین. وأما أمه فأم ولد یقال لها: نرجس خیر أمة، وقیل: اسمها غیر ذلک. وأما کنیته فأبو القاسم. وأما لقبه فالحجة، والمهدی، والخلف الصالح، والقائم المنتظر، وصاحب الزمان، وأشهرها المهدی. صفته علیه السلام شاب مرفوع القامة، حسن الوجه والشعر، یسیل شعره علی منکبیه، أقنی الأنف، أجلی الجبهة. بوابه محمد بن عثمان، معاصره المعتمد. قیل: غاب فی السرداب والحرس علیه، وکان ذلک سنة ست وسبعین ومائتین للهجرة(1). ولا یخفی أنّ هناک جمعاً کثیراً من علماء القوم قد ذکروا ولادة الإمام المنتظر عجل الله تعالی فرجه الشریف أعرضنا عن ذکرهم هنا خوف التطویل, وقد دونهم أصحاب الحدیث والسیّر.

محاولات لقتل السیدة نرجس والحجة علیهما السلام

ربما عانت السیدة نرجس أکثر من غیرها من أمهات الأئمة محنة وبلاء؛ لأنها کانت فی خط المواجهة والصراع المباشر مع المستبدین والمتغطرسین, وکانت الوعاء للمعصوم الذی هدد عروش الظالمین فکانت تعیش تحت المراقبة المباشرة والتفتیش المستمر وینتظر زمان حملها فتقتل هی مع جنینها علیهما السلام, لذلک ذکروا أنّه لما علِم خلفاء بنی العباس بالأخبار النبویة والآثار المرویة عن النبی صلی الله علیه و آله ما مضمونها: أن المهدی المنتظر سیظهر من صلب الحسن

ص:249


1- (1) الفصول المهمة فی معرفة الأئمة, ابن الصباغ, ج 2 ص 1104.

العسکری علیه السلام، ویملأ الله به الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، وینتقم من أعداء آل محمد صلی الله علیه و آله خصوصا من بنی العباس وبنی أمیة، فلذلک صاروا فی صدد إطفاء نوره، ویأبی الله إلا أن یتم نوره، وقد بالغوا وجدّوا واجتهدوا فلم ینفعهم الجد حیث کانت ید الله فوق أیدیهم,(وَ مَکَرُوا وَ مَکَرَ اللّهُ وَ اللّهُ خَیْرُ الْماکِرِینَ)1, وقد أخفی الله عز وجل حمل أمه نرجس بنت یشوعا قیصر الروم عن عامة الناس, کما أخفی حمل أم موسی عن فرعون وقومه، مع أن الکهنة والمنجمین قد عیّنوا سنة ولادته إلی أن بعث المعتمد العباسی القوابل سراً وأمرهن أن یدخلن دور بنی هاشم سیما دار العسکری علیه السلام بلا استیذان، وفی أی وقت کان لیفتشن أثره ویتطلعن خبره إلی أن نور الکون بقدومه إلی عالم الوجود، وتولد علیه السلام قبل وفاة أبیه بسنتین، وقیل بخمس، فی سامراء فی منتصف شعبان، وأنّه کان علیه السلام یوماً من الأیام فی حجر والدته فی صحن الدار إذ أحست نرجس بالقوابل فاضطربت اضطراباً شدیداً، ولم تجد فرصة حتی تخفی ذلک النور، فهتف هاتف بها أن ألقی حجة الله القهار فی البئر التی فی صحن الدار، فألقته فی البئر وقد سمعت القوابل صوت الطفل فدخلن الدار بسرعة فبالغن فی التفحص فلم یجدن منه أثراً فخرجن والهات حایرات، فلما فرغت الدار عن الأغیار أقبلت نرجس إلی البئر لکی تعلم ما جری علی قرة عینها، فلما أشرفت علی البئر رأت الماء یفور إلی أن ساوی أرض الدار، وحجة الله فوق الماء صحیحاً سالماً کالبدر الطالع، والقماط الذی علیه لم یبتل أبداً فتناولته وأرضعته وحمدت الله وسجدت

ص:250

له شکراً فهتف هاتف: أن یا نرجس ألقیه إلی البئر أربعین یوماً، فمتی أردت أن تسترضعیه نوصله إلیک، فکانت کلما أرادت إرضاعه تأتی إلی شفیر البئر فیفور الماء، وحجة الله فوقه فتأخذه وترضعه وتقر عینها بجماله وترده إلی البئر فینزل الماء إلی قراره، فبقی علیه السلام فی البئر فی تلک المدة کما أن یوسف الصدیق أیضاً کذلک، وکان مستوراً عن أعین الناس(1).

أولادها

المعروف بین الشیعة الإمامیة بل المشهور أنّ الإمام الحسن العسکری علیه السلام لیس له ولد إلا المهدی المنتظر علیه السلام کما صرح به الشیخ المفید رحمه الله, بقوله: ولم یخلف أبوه ولداً ظاهراً ولا باطناً غیره وخلفه غائباً مستتراً(2).

وقد تصدی لبحث هذه المسألة بالذات کثیر من العلماء والمراجع الماضین منهم والمعاصرین ومن جملتهم آیة الله الشیخ الصافی دام ظله, قال: هذا ظاهر عبارات کثیر من أساطین الشیعة وهو القول المشهور بینهم فی ذلک ولم نعرف فی الأحادیث ما یدل علی وجود ولد لسیدنا أبی محمد علیه السلام غیر مولانا المهدی علیه السلام إلا هذین الخبرین اللذین أخرجهما فی کمال الدین، وقد عرفت أنّهما خبر واحد روی بألفاظ مختلفة ومضامین متقاربة، وروی فی الغیبة وفی دلائل الإمامة ولیس فیهما ذکر من ذلک، کما لم نجد أیضاً فی الأقوال قولاً مخالفاً لهذا القول إلا من الحسین بن حمدان فإنه قال فی کتابه الموسوم بالهدایة فی ترجمة مولانا أبی

ص:251


1- (1) انظر: إلزام الناصب فی إثبات الحجة الغائب, الشیخ علی الیزدی الحائری, ج 1 ص 318.
2- (2) انظر: الإرشاد, الشیخ المفید, ج 2 ص 339.

محمد علیه السلام (له من الولد موسی والحسین والخلف علیه السلام ومن البنات...) وإلا من ابن أبی الثلج فی تاریخ الأئمة فإنه قال (ولد للحسن بن علی العسکری علیه السلام (م ح م د) علیه السلام وموسی وفاطمة وعایشة. ولا ریب إن هذا القول شاذ ومخالف لما هو المعروف بین الشیعة وأرباب کتب السیرة والأنساب والتواریخ، وقد صرح بما هو المشهور بین الامامیة بعض أکابر العامة أیضا کابن حجر فی الصواعق قال: (ولم یخلف (یعنی مولانا أبا محمد علیه السلام) غیر ولده أبی القاسم محمد الحجة وعمره عند وفاة أبیه خمس سنین لکن آتاه الله فیها الحکمة. وهذا ظاهر کلمات جماعة منهم... الخ(1).

وقیل ولد للحسن بن علی العسکری علیه السلام (م ح م د علیه السلام) وموسی وفاطمة وعایشة. کما تقدم عن ابن أبی الثلج وذهب علی الفریابی فاطمة من ولد الحسن بن علی العسکری علیه السلام, ومن الدلائل ما جاء عن الحسن بن علی العسکری علیه السلام عند ولادة محمد بن الحسن علیه السلام فی کلام کثیر زعمت الظلمة أنهم یقتلوننی لیقطعوا هذا النسل کیف رأوا قدرة القادر وسماه المؤمل... الخ(2). ویدل علی أنّ له أکثر من ولد ما ورد عن إبراهیم بن مهزیار قال: قدمت مدینة الرسول صلی الله علیه و آله فبحثت عن أخبار آل أبی محمد الحسن بن علی الأخیر علیه السلام فلم أقع علی شیءٍ منها فرحلت منها إلی مکة مستبحثاً عن ذلک، فبینما أنا فی الطواف إذ تراءی لی فتی أسمر اللون، رائع الحسن، جمیل المخیلة، یطیل التوسم فیّ، فعدت إلیه مؤملاً منه عرفان ما قصدت له، فلما قربت منه سلمت، فأحسن الإجابة، ثم قال: من أی

ص:252


1- (1) انظر: مجموعة الرسائل, الشیخ لطف الله الصافی, ج 2 ص 202.
2- (2) انظر: تاریخ الأئمة (المجموعة), الکاتب البغدادی, ص 21.

البلاد أنت؟ قلت: رجل من أهل العراق، قال: من أی العراق؟ قلت: من الأهواز، فقال: مرحباً بلقائک هل تعرف بها جعفر بن حمدان الحصینی، قلت: دعی فأجاب، قال: رحمة الله علیه ما کان أطول لیله وأجزل نیله، فهل تعرف إبراهیم بن مهزیار قلت: أنا إبراهیم بن مهزیار فعانقنی ملیاً ثم قال: مرحباً بک یا أبا إسحاق ما فعلت بالعلامة التی وشجت بینک وبین أبی محمد علیه السلام؟ فقلت: لعلک ترید الخاتم الذی آثرنی الله به من الطیب أبی محمد الحسن بن علی علیه السلام؟ فقال: ما أردت سواه، فأخرجته إلیه، فلما نظر إلیه استعبر وقبله، ثم قرأ کتابته فکانت (یا الله یا محمد یا علی) - إلی أن قال لی -: یا أبا إسحاق أخبرنی عن عظیم ما توخیت بعد الحج؟ قلت: وأبیک ما توخیت إلا ما سأستعلمک مکنونه، قال: سل عما شئت فإنی شارح لک إن شاء الله؟ قلت: هل تعرف من أخبار آل أبی محمد الحسن علیه السلام شیئاً؟ قال لی: وأیم الله إنی لأعرف الضوء بجبین محمد وموسی ابنی الحسن بن علی علیه السلام ثم إنّی لرسولهما إلیک قاصداً لإنبائک أمرهما فإن أحببت لقاءهما و الاکتحال بالتبرک بهما فارتحل معی إلی الطائف ولیکن ذلک فی خفیة من رجالک واکتتام... الخ(1).

وقیل: کان له ولد توفی قبل ولادة الحجة علیه السلام کما ورد عن إبراهیم بن إدریس قال: وجه إلیّ مولای أبو محمد علیه السلام بکبش وقال: عقه عن ابنی فلان وکل وأطعم أهلک ففعلت، ثم لقیته بعد ذلک فقال لی: المولود الذی ولد لی مات، ثم وجه إلیّ بکبشین وکتب: بسم الله الرحمن الرحیم عق هذین الکبشین عن مولاک وکل

ص:253


1- (1) انظر: کمال الدین وتمام النعمة, الشیخ الصدوق, ص 445.

هنأک الله وأطعم إخوانک، ففعلت ولقیته بعد ذلک فما ذکر لی شیئاً(1).

الظروف السیاسیة الألیمة التی مرت بها السیدة نرجس علیها السلام

عاشت السیدة نرجس علیها السلام ألوان الظلم والاضطهاد من السیاسة المهیمنة علی رقاب المسلمین والمستضعفین وکانت السیدة بالذات علی رأس قائمة المطلوبین وذلک لأنّها الوعاء والحاضن للإمام الحجة الذی یبحثون عنه فقد واجهت السجن والتعذیب والترویع وما إلیه لاسیما بعد رحیل زوجها الإمام العسکری علیه السلام, کما جاء عن الصدوق رحمه الله... فنحن جلوس إذ قدم نفر من قم فسألوا عن الحسن بن علی علیهما السلام فعرفوا موته فقالوا: فمن (نعزی)؟ فأشار الناس إلی جعفر بن علی فسلموا علیه وعزوه وهنوه وقالوا: إن معنا کتباً ومالاً، فتقول ممن الکتب؟ وکم المال؟ فقام ینفض أثوابه ویقول: تریدون منا أن نعلم الغیب، قال: فخرج الخادم فقال: معکم کتب فلان وفلان (وفلان) وهمیان فیه ألف دینار وعشرة دنانیر منها مطلیة، فدفعوا إلیه الکتب والمال وقالوا: الذی وجه بک لأخذ ذلک هو الإمام، فدخل جعفر بن علی علی المعتمد وکشف له ذلک، فوجه المعتمد بخدمه فقبضوا علی صقیل الجاریة فطالبوها بالصبی فأنکرته وادعت حبلاً به لتغطی حال الصبی فسلمت إلی ابن أبی الشوارب القاضی، وبغتهم موت عبید الله بن یحیی بن خاقان فجأة، وخروج صاحب الزنج بالبصرة فشغلوا بذلک عن الجاریة، فخرجت عن أیدیهم، والحمد لله رب العالمین(2). والحدیث طویل أخذنا منه موضع الحاجة,

ص:254


1- (1) انظر: الغیبة, الشیخ الطوسی, ص 245.
2- (2) انظر: کمال الدین وتمام النعمة, الشیخ الصدوق, ص 476.

فهذه واحدة من الماسی والآلام التی واجهتها السیدة نرجس علیها السلام إلی أن قضت نحبها جاهدة فی سبیل الله ورضاه وطاعة أهل البیت علیهم السلام وقد بوأها الله مکانة رفیعة تُغبط علیها فی الدنیا والآخرة بما صبرت وجاهدة وعملت.

حکیمة تتکلم عن المهدی وأمه علیهما السلام

اعتاد الناس أن تعرف الخلف بعد الإمام علیه السلام, ویرجعوا إلیه فی الصغیرة والکبیرة فی حل مسائلهم وعلاج مشاکلهم, لکن فی عصر العسکری علیه السلام ضیقت السیاسة علی معرفة الإمام الخلف الذی یقف فی وجه الظالمین ویزیل عروشهم ویهدم کیانهم, کما بشرت به الروایات المستفیضة, فوقف الناس موقف حیرة وارتیاب ازاء الخلف, فأخذوا یبحثون عن معرفته وتشخیصه لیطمئنوا إلیه, ولذا روی عن عبد الله الطهوی قال: قصدت حکیمة بنت محمد الجواد علیه السلام بعد مضی أبو محمد علیه السلام أسألها عن الحجة وما قد اختلف فیه الناس من الحیرة التی هم فیها فقالت لی: اجلس فجلست، ثم قالت: یا محمد إن الله تبارک وتعالی لا یخلی الأرض من حجة ناطقة أو صامتة، ولم یجعلها فی أخوین بعد الحسن والحسین علیهما السلام تفضیلاً للحسن والحسین وتنزیهاً لهما أن یکون فی الأرض عدیلهما إلا أن الله تبارک وتعالی خص ولد الحسین علیه السلام بالفضل علی ولد الحسن علیه السلام کما خص ولد هارون علی ولد موسی علیه السلام وإن کان موسی حجة علی هارون، والفضل لولده إلی یوم القیامة، ولا بد للأمة من حیرة یرتاب فیها المبطلون ویخلص فیها المحقون، کیلا یکون للخلق علی الله حجة، وإن الحیرة لا بد واقعة بعد مضی أبی محمد الحسن علیه السلام، فقلت: یا مولاتی هل کان للحسن (العسکری)

ص:255

علیه السلام ولد؟ فتبسمت ثم قالت: إذا لم یکن للحسن علیه السلام عقب فمن الحجة من بعده وقد أخبرتک أنه لا إمامة لأخوین بعد الحسن والحسین علیهما السلام فقلت: یا سیدتی حدثینی بولادة مولای وغیبته علیه السلام قالت: نعم کانت لی جاریة یقال لها: نرجس فزارنی ابن أخی فأقبل یحدق النظر إلیها، فقلت له: یا سیدی لعلک هویتها فأرسلها إلیک؟ فقال لها: لا یا عمة ولکنی أتعجب منها, فقلت: وما أعجبک [منها]؟ فقال علیه السلام: سیخرج منها ولد کریم علی الله عز وجل الذی یملأ الله به الأرض عدلاً وقسطاً کما ملئت جوراً وظلماً، فقلت: فأرسلها إلیک یا سیدی؟ فقال: استأذنی فی ذلک أبی علیه السلام قالت: فلبست ثیابی وأتیت منزل أبی الحسن علیه السلام: فسلمت وجلست فبدأنی علیه السلام وقال: یا حکیمة ابعثی نرجس إلی ابنی أبی محمد, قالت: فقلت: یا سیدی علی هذا قصدتک علی أن أستأذنک فی ذلک، فقال لی: یا مبارکة إن الله تبارک وتعالی أحب أن یشرکک الأجر ویجعل لک فی الخیر نصیباً، قالت حکیمة: فلم ألبث أن رجعت إلی منزلی وزینتها ووهبتها لأبی محمد علیه السلام وجمعت بینه وبینها فی منزلی فأقام عندی أیاماً، ثم مضی إلی والده علیهما السلام ووجهت بها معه.

قالت حکیمة: فمضی أبو محمد علیه السلام بعد ذلک بأیام قلائل، وافترق الناس کما تری ووالله إنی لأراه صباحاً ومساءً وإنه لینبئنی عما تسألون عنه فأخبرکم، ووالله إنی لأرید أن أسأله عن الشیء فیبدأنی به وإنه لیرد علیّ الأمر فیخرج إلیّ منه جوابه من ساعته من غیر مسألتی. وقد أخبرنی البارحة بمجیئک إلیّ وأمرنی أن أخبرک بالحق. قال محمد بن عبد الله: فوالله لقد أخبرتنی حکیمة بأشیاء لم یطلع

ص:256

علیها أحد إلا الله عز وجل، فعلمت أن ذلک صدق وعدل من الله عز وجل، لأن الله عز وجل قد أطلعه علی ما لم یطلع علیه أحداً من خلقه(1).

إزالة وهم

اختلف الخبر فی السیدة نرجس أم الحجة علیه السلام هل کانت من جواریها (أی من جواری حکیمة) وأنها ربتها وأهدتها إلی ابن أخیها العسکری علیه السلام أو من أسراء الروم التی اشتراها الهادی علیه السلام لابنه؟ والمفهوم من إثبات المسعودی أن الأول الثبت، حیث اقتصر علی خبره، ومال الإکمال إلی الثانی حیث إنه وإن روی الأول، إلا أنه قال: ما روی فی نرجس أم القائم علیه السلام واسمها ملیکة بنت یوشعا بن قیصر الملک, کما تقدم(2).

أقول: لا منافاة بین هذا الحدیث الذی تقدم ذکره عن حکیمة, والذی سبق من أنّها کانت أسیرة واشتراها الإمام الهادی علیه السلام؛ لأن فی ما سبق قال علیه السلام: یا بنت رسول الله أخرجیها وعلمیها الفرائض والسنن فإنها زوجة أبی محمد وأم القائم علیه السلام, فکانت هی عند حکیمة فی تلک الحالة حتی اشتهرت بجاریة حکیمة وجری الأمر بعد ذلک کما فی هذا الخبر الذی عن حکیمة. فیمکن أن نقول إنّ السیدة نرجس علیها السلام عاشت ثلاث مراحل فی حیاتها قبل زواجها من الإمام ابی محمد الحسن العسکری علیه السلام مرحلة مع أسرتها والثانیة فی الأسر والثالثة فی دار حکیمة بنت الإمام الجواد علیه السلام ومن ثم تزوجت بأبی محمد العسکری علیه السلام.

ص:257


1- (1) کمال الدین وتمام النعمة, الشیخ الصدوق, ص 427.
2- (2) انظر: قاموس الرجال, الشیخ محمد تقی التستری, ج 12 ص 239.

شفاعة السیدة نرجس علیها السلام

من جملة المزایا التی حازت علیها السیدة نرجس علیها السلام علاوة علی ما تکللها من کرامات وصفات کمالیة عالیه هی الشفاعة, فقد أعطاها الله هذه الدرجة العظیمة وقرنها مع شفاعة المعصومین علیهم السلام کما جاء ذلک فی زیارتها علیها السلام «اللهم بحق محمد وآل محمد أن تصلی علی محمد وآل محمد وعجل لهم بانتقامک من عدوک وعدوهم یا إله العالمین ولا تجعله آخر العهد من زیارتی إیاها وارزقنی العود إلیها أبداً ما أبقیتنی وإذا توفیتنی فاحشرنی فی زمرتها وأدخلنی فی شفاعة ولدها وشفاعتها واغفر لی ولوالدی وللمؤمنین والمؤمنات وآتنا فی الدنیا حسنة وفی الآخرة حسنة وقنا برحمتک عذاب النار والسلام علیکم یا موالی وساداتی ورحمة الله وبرکاته»(1).

من کرامات السیدة نرجس علیها السلام

إنّ السیّدة نرجس علیها السلام تنحدر من سلالة الأنبیاء والأوصیاء علیهم السلام وقد اصطفاها الله أن تکون وعاءً وحجراً لخاتم الأوصیاء, لیس ببعید أو مستغرب أن تکون باباً من أبواب الله تعالی یقصده المحتاجون والمنکوبون فلا یعودوا إلاّ بحوائج مقضیة وهموم مکشوفة بإذن الله تعالی، والشواهد علی ذلک کثیرة.

منها: ما نقل فی أحوال المیرزا محمّد تقی الشیرازی قدس سره أنّه قد أصاب مدینة سامراء مرض الطاعون وأخذ من أهلها مأخذاً عظیماً بحیث إنّ أهالی

ص:258


1- (1) المزار, الشهید الأول, ص 213.

الموتی عجزوا عن دفن موتاهم فأصبحوا یأتون بهم ویترکونهم فی الشوارع آنذاک وفی شدّة المحنة جاء المیرزا محمّد تقی الشیرازی إلی منزل السیّد محمّد الفشارکی قدس سره الذی کان فی منزله مع کوکبة من العلماء فدار البحث حول الوباء الذی یهدّد حیاة الجمیع وبینما هم علی ذلک وإذا بالمیرزا الشیرازی یلتفت إلیهم قائلاً: إذا أصدرت حکماً فهل هو نافذ أم لا؟

فردّ الجمیع: نعم إنّه نافذ ویجب إجراؤه فقال المیرزا: إنّی أصدرت حکماً علی جمیع الشیعة القاطنین فی سامراء أن یقرؤوا زیارة عاشوراء من الیوم إلی عشرة أیّام ویهدوا ثوابها إلی روح السیّدة نرجس علیها السلام والدة الإمام الحجّة عجل الله فرجه الشریف لیبتعد عنهم البلاء فأبلغ الحاضرون حکمه ذاک لجمیع الشیعة فشرع الموالون بقراءة الزیارة، وإذا بالطاعون یرتفع عنهم منذ قراءتهم للزیارة، بینما بقی غیرهم یموتون کالعادة حتّی تجلّی الأمر للجمیع.

فسأل بعض أتباع المذاهب الاُخری أبناء الشیعة فی سامراء عن سبب ارتفاع الطاعون عنهم، فأخبروهم بالحال، فشرعوا بقراءة الزیارة وإهدائها إلی السیّدة نرجس علیها السلام فدفع البلاء عن الجمیع.

وفاة السیدة نرجس ومحل قبرها علیها السلام

ذکروا أنّ السیدة نرجس أم المهدی علیه السلام ماتت فی حیاة أبی محمد علیه السلام, کما روی ذلک عن الصدوق رحمه الله, قال أبو علی: فحدثتنی أنها حضرت ولادة السید علیه السلام، وأن اسم أم السید صقیل، وأن أبا محمد علیه السلام حدثها بما یجری علی

ص:259

عیاله، فسألته أن یدعوا الله عز وجل لها أن یجعل منیتها قبله، فماتت فی حیاة أبی محمد علیه السلام, وعلی قبرها لوح مکتوب علیه هذا قبر أم محمد(1).

والصحیح أنّها بقیت إلی ما بعد استشهاد زوجها الإمام أبی محمد الحسن العسکری علیه السلام, ومن الأدلة علی ذلک هو نفس ما جاء عن الشیخ الصدوق فی نفس الکتاب, حیث ذکر عن محمد بن الحسین بن عباد أنّه قال: مات أبو محمد الحسن بن علی علیهما السلام یوم جمعة مع صلاة الغداة، وکان فی تلک اللیلة قد کتب بیده کتباً کثیرة إلی المدینة، وذلک فی شهر ربیع الأول لثمان خلون منه سنة ستین ومائتین من الهجرة، ولم یحضر رحمه الله فی ذلک الوقت إلا صقیل الجاریة، وعقید الخادم ومن علم الله عز وجل غیرهما، قال عقید: فدعا بماء قد أغلی بالمصطکی فجئنا به إلیه فقال: أبدء بالصلاة هیئونی فجئنا به وبسطنا فی حجره المندیل فأخذ من صقیل الماء فغسل به وجهه وذراعیه مرة مرة ومسح علی رأسه وقدمیه مسحاً وصلی صلاة الصبح علی فراشه وأخذ القدح لیشرب فأقبل القدح یضرب ثنایاه ویده ترتعد فأخذت صقیل القدح من یده. ومضی من ساعته صلوات الله علیه ودفن فی داره بسر من رأی إلی جانب أبیه صلوات الله علیهما فصار إلی کرامة الله جل جلاله وقد کمل عمره تسعاً وعشرین سنة. قال: وقال لی عباد فی هذا الحدیث: قدمت أم أبی محمد علیه السلام من المدینة واسمها. (حدیث) حین اتصل بها الخبر إلی سر من رأی فکانت لها أقاصیص... الخ(2). فهذه الروایة تصرح علی أنّ أم الإمام المهدی علیه السلام کانت حاضرة عند وفاة زوجها العسکری علیه السلام.

ص:260


1- (1) انظر: کمال الدین وتمام النعمة, الشیخ الصدوق, ص 431.
2- (2) انظر: المصدر السابق, ص 473.

وأیضا من الأدلة التی تثبت أن وفاتها کانت بعد رحیل زوجها علیه السلام هو اعتقالها وحبسها ومطالبتها بالصبی بعد وفاة أبی محمد العسکری علیه السلام وقد تقدم ذکره بحسب ما أورده الصدوق فی نفس الکتاب, قال: إذ قدم نفر من قم فسألوا عن الحسن بن علی علیه السلام فعرفوا موته فقالوا: فمن (نعزی)؟ فأشار الناس إلی جعفر ابن علی فسلموا علیه وعزوه وهنوه وقالوا: إن معنا کتباً ومالاً، فتقول ممن الکتب؟ وکم المال؟ فقام ینفض أثوابه ویقول: تریدون منا أن نعلم الغیب، قال: فخرج الخادم فقال: معکم کتب فلان وفلان (وفلان) وهمیان فیه ألف دینار وعشرة دنانیر منها مطلیة، فدفعوا إلیه الکتب والمال وقالوا: الذی وجه بک لأخذ ذلک هو الإمام، فدخل جعفر بن علی علی المعتمد وکشف له ذلک، فوجه المعتمد بخدمه فقبضوا علی صقیل الجاریة فطالبوها بالصبی فأنکرته وادعت حبلاً به لتغطی حال الصبی فسلمت إلی ابن أبی الشوارب القاضی، وبغتهم موت عبید الله بن یحیی بن خاقان فجأة، وخروج صاحب الزنج بالبصرة فشغلوا بذلک عن الجاریة، فخرجت عن أیدیهم، والحمد لله رب العالمین(1). مع أنّه لم یذکر (فی غیر ما تقدم) من الأحادیث أو التواریخ وفاتها قبل أبی محمد علیه السلام.

أمّا محل قبرها فهو فی سر من رأی (سامراء) قریب من قبر العسکریین علیهما السلام, بل خلف ضریح مولانا الحسن العسکری علیه السلام, وعلی قبرها لوح مکتوب علیه هذا قبر أم محمد رحمه الله کما تقدم ذکره عن الشیخ الصدوق رحمه الله. وقد ذکر السید محسن الأمین علیهم السلام أنّ العسکریین علیهما السلام دفنا فی دارهما وکان سرداب الغیبة هو سرداب

ص:261


1- (1) انظر: المصدر السابق, ص 476.

تلک الدار سکنه الهادی والعسکری وصاحب الزمان علیهم السلام فکان القبران الشریفان والسرداب فی دار واحدة وکان طریق السرداب ودرجه من داخل حرم العسکریین علیهما السلام قریباً من قبر نرجس أم المهدی علیهما السلام(1).

زیارة ضریح السیدة نرجس علیها السلام

من خلال زیارة السیدة نرجس علیها السلام نعرف مدی المکانة التی تتبوأ بها أُمّ الإمام المعصوم علیه السلام, وأنّ الذی وصل إلینا من ذکر صفات أمهات المعصومین علیهم السلام هو غیض من فیض, حیث إنّ أمهات المعصومین علیهم السلام فی درجة واحدة من الکمال, وکل واحدة تحمل أسرار رب العالمین وغیرها من الصفات. فقد وصفت هذه السیدة أنّها مودعة أسرار الملک العلام, وأنّها منعوتة فی الإنجیل... الخ, کما ذکر المجلسی وغیره من المحدثین نص زیارتها علیها السلام, أنه بعد الفراغ من زیارة العسکریین علیهما السلام تزور السیدة نرجس أم القائم علیه السلام, وهذا الوسام بالإضافة إلی ما تحمله ألفاظ الزیارة الخاصة بها من مضامین عالیة یدل علی عظمة تلک المرأة الجلیلة الطاهرة, والیک نص زیارتها علیها السلام.

«السلام علی رسول الله صلی الله علیه و آله الصادق الأمین، السلام علی مولانا أمیر المؤمنین، السلام علی الأئمة الطاهرین، الحجج المیامین، السلام علی والدة الإمام، والمودعة أسرار الملک العلام، والحاملة لأشرف الأنام، السلام علیک أیتها الصدیقة المرضیة، السلام علیک یا شبیهة أم موسی، وابنة

ص:262


1- (1) انظر: أعیان الشیعة, السید محسن الأمین, ج 2 ص 588.

حواری عیسی السلام علیک أیتها التقیة النقیة، السلام علیک أیتها الرضیة المرضیة، السلام علیک أیتها المنعوتة فی الإنجیل، المخطوبة من روح الله الأمین، ومن رغب فی وصلتها محمد سید المرسلین، والمستودعة أسرار رب العالمین، السلام علیک وعلی آبائک الحواریین، السلام علیک وعلی بعلک وولدک، السلام علیک وعلی روحک وبدنک الطاهر، أشهد أنک أحسنت الکفالة، وأدیت الأمانة، واجتهدت فی مرضاة الله، وصبرت فی ذات الله، وحفظت سر الله، وحملت ولی الله، وبالغت فی حفظ حجة الله، ورغبت فی وصلة أبناء رسول الله، عارفة بحقهم، مؤمنة بصدقهم، معترفة بمنزلتهم، مستبصرة بأمرهم، مشفقة علیهم، مؤثرة هواهم. وأشهد أنک مضیت علی بصیرة من أمرک، مقتدیة بالصالحین، راضیة مرضیة تقیة نقیة زکیة، فرضی الله عنک وأرضاک، وجعل الجنة منزلک ومأواک، فلقد أولاک من الخیرات ما أولاک، وأعطاک من الشرف ما به أغناک، فهناک الله بما منحک من الکرامة».

ثم ترفع رأسک وتقول:

«اللهم إیاک اعتمدت، ولرضاک طلبت، وبأولیائک إلیک توسلت، وعلی غفرانک وحلمک اتکلت، وبک اعتصمت، وبقبر أم ولیک لذت، فصل علی محمد وآل محمد وانفعنی بزیارتها، وثبتنی علی محبتها، ولا تحرمنی شفاعتها وشفاعة ولدها وارزقنی مرافقتها واحشرنی معها ومع

ص:263

ولدها کما وفقتنی لزیارة ولدها وزیارتها، اللهم إنی أتوجه إلیک بالأئمة الطاهرین وأتوسل إلیک بالحجج المیامین، من آل طه ویس، أن تصلی علی محمد وآل محمد الطیبین، وأن تجعلنی من المطمئنین الفائزین، الفرحین المستبشرین، الذین لا خوف علیهم ولا هم یحزنون، واجعلنی ممن قبلت سعیه، ویسرت أمره، وکشفت ضره، وآمنت خوفه. اللهم بحق محمد وآل محمد، صل علی محمد وآل محمد، وعجل لهم بانتقامک ولا تجعله آخر العهد من زیارتی إیاها، وارزقنی العود إلیها أبداً ما أبقیتنی، وإذا توفیتنی فاحشرنی فی زمرتها، وأدخلنی فی شفاعة ولدها وشفاعتها، واغفر لی ولوالدی وللمؤمنین والمؤمنات، وآتنا فی الدنیا حسنة، وفی الآخرة حسنة وقنا برحمتک عذاب النار، والسلام علیکم یا ساداتی ورحمة الله وبرکاته»(1).

ص:264


1- (1) بحار الأنوار, العلامة المجلسی, ج 99 ص 70, وقد ذکر المفید والشهید وغیرهما فی کتبهم زیارة أم القائم علیه السلام هکذا, انظر مصباح الزائر, ابن طاوس ص 213. ومزار الشهید ص 65. المزار الکبیر ص 217.

فهرس المصادر

1. القرآن الکریم.

2. إبصار العین فی أنصار الحسین علیه السلام, الشیخ محمد السماوی, الطبعة: الأولی سنة الطبع: رمضان المبارک 1419-1377 ش, الناشر: مرکز الدراسات الإسلامیة لممثلیة الولی الفقیه فی حرس الثورة الإسلامیة.

3. الإتحاف بحب الأشراف, الشبراوی الشافعی, ط مصطفی البابی الحلبی بمصر.

4. الإتقان فی علوم القرآن, السیوطی, تحقیق: سعید المندوب, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1416 ه -- 1996 م, المطبعة: لبنان, دار الفکر.

5. إثبات الوصیة, علی بن الحسین المسعودی, نشر الرضی, قم.

6. الاحتجاج, الشیخ الطبرسی, تحقیق: السید محمد باقر الخرسان, سنة الطبع: 1386 ه -- 1966 م, الناشر: دار النعمان للطباعة والنشر, النجف الأشرف.

7. الاختصاص, الشیخ المفید, تحقیق: علی أکبر الغفاری، السید محمود الزرندی, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: 1414 ه -- 1993 م, الناشر: دار المفید للطباعة والنشر والتوزیع, بیروت.

8. اختیار معرفة الرجال, الشیخ الطوسی, تحقیق: السید مهدی الرجائی, سنة الطبع: ه - 1404, الناشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث.

9. الإرشاد, الشیخ المفید, تحقیق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لتحقیق التراث, الطبعة: الثانیة,

ص:265

سنة الطبع: 1414 ه -- 1993 م, الناشر: دار المفید للطباعة والنشر والتوزیع, بیروت, لبنان.

10. أسباب نزول الآیات, الواحدی النیسابوری, سنة الطبع: 1388-1968 م, الناشر: مؤسسة الحلبی وشرکاه للنشر والتوزیع, القاهرة.

11. الاستبصار, الشیخ الطوسی, تحقیق وتعلیق: السید حسن الموسوی الخرسان, الطبعة: الرابعة,, سنة الطبع: 1363 ش, الناشر: دار الکتب الإسلامیة, طهران.

12. الاستغاثة, أبو القاسم الکوفی, علی بن أحمد بن موسی بن الإمام الجواد محمد بن علی بن موسی بن جعفر بن محمد بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب علیهم السلام.

13. الاستیعاب, ابن عبد البر, تحقیق: علی محمد البجاوی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1412 ه -, المطبعة: بیروت, دار الجیل.

14. أسد الغابة, ابن الأثیر, الناشر: دار الکتاب العربی, بیروت, لبنان. الأسرار الفاطمیة, الشیخ محمد فاضل المسعودی, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: 1420 ه -- 2000 م, المطبعة: أمیر, قم.

15. الإصابة, ابن حجر, تحقیق: الشیخ عادل أحمد عبد الموجود، والشیخ علی محمد معوض, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1415, الناشر: دار الکتب العلمیة, بیروت.

16. الاعتقادات فی دین الإمامیة, الشیخ الصدوق, تحقیق: عصام عبد السید, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: 1414 ه - 1993 م, الناشر: دار المفید للطباعة والنشر والتوزیع, بیروت, لبنان.

17. إعلام الوری بأعلام الهدی, الشیخ الطبرسی, تحقیق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: ربیع الأول 1417 ه -, الناشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث, قم المشرفة.

18. الأعلام, خیر الدین الزرکلی, الطبعة: الخامسة, سنة الطبع: أیار, مایو 1980, الناشر: دار العلم للملایین, بیروت, لبنان.

ص:266

19. أعمال الحرمین, ابن الشیخ منصور المرهون, الطبعة: الثانیة المنقحة, سنة الطبع: 1422 ه -- 2001 م, الناشر: دار الهدی للطباعة والنشر.

20. أعیان الشیعة, السید محسن الأمین, تحقیق وتخریج: حسن الأمین, الناشر: دار التعارف للمطبوعات, بیروت, لبنان.

21. إقبال الأعمال, السید ابن طاووس, تحقیق: جواد القیومی الاصفهانی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: رجب 1414 ه -, المطبعة: مکتب الإعلام الإسلامی.

22. إلزام الناصب فی إثبات الحجة الغائب, الشیخ علی الیزدی الحائری, تحقیق: السید علی عاشور.

23. أم البنین, محمد علی السالکی.

24. أم المؤمنین خدیجة الطاهرة علیها السلام, حسین الشاکری, الطبعة: الأولی, المطبعة: ستارة.

25. الأمالی, الشیخ الصدوق, تحقیق: قسم الدراسات الإسلامیة, مؤسسة البعثة, قم, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1417 ه -, الناشر: مرکز الطباعة والنشر فی مؤسسة البعثة.

26. الأمالی, الشیخ الطوسی, تحقیق: قسم الدراسات الإسلامیة, مؤسسة البعثة, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1414 ه -, الناشر: دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزیع, قم.

27. الإمام الجواد علیه السلام من المهد إلی اللحد, السید القزوینی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: ذی الحجة 1419 ه -, الناشر: مؤسسة ولی العصر عجل الله فرجه الشریف للدراسات الإسلامیة, قم المشرفة.

28. الإمام الصادق کما عرفه علماء الغرب.

29. الإمام جعفر الصادق علیه السلام, عبد الحلیم الجندی, إشراف: محمد توفیق عویضة, سنة الطبع: 1397-1977 م, المطبعة: مطابع الأهرام التجاریة, القاهرة.

30. الإمامة وأهل البیت. محمد بیومی مهران, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: 1415 ه - 1995 م,

ص:267

المطبعة: نهضت, الناشر: مرکز الغدیر للدراسات الإسلامیة.

31. الأمان من أخطار الأسفار, السید ابن طاووس, تحقیق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1409 ه -, المطبعة: مهر, قم.

32. إمتاع الأسماع, المقریزی, تحقیق وتعلیق: محمد عبد الحمید النمیسی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1420 ه -- 1999 م, الناشر: منشورات محمد علی بیضون، دار الکتب العلمیة, بیروت, لبنان.

33. الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل, الشیخ ناصر مکارم الشیرازی.

34. أمل الأمل, الحر العاملی, تحقیق: السید أحمد الحسینی, المطبعة: الآداب, النجف الأشرف, الناشر: مکتبة الأندلس, بغداد.

35. الانتصار, العاملی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1422 ه -, الناشر: دار السیرة, بیروت, لبنان.

36. الإنسان ذلک المجهول, الدکتور. الکسیس کارل.

37. الأنوار البهیة, الشیخ عباس القمی, تحقیق: مؤسسة النشر الإسلامی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1417 ه -, الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

38. الأنوار الساطعة, الشیخ غالب السیلاوی, طبعة: الأولی, سنة الطبع: 1421 ه -, المطبعة: علمیة.

39. الأنوار العلویة, الشیخ جعفر النقدی, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: 1381 ه -- 1962 م, الناشر: مکتبة الحیدریة, النجف الأشرف.

40. أوائل المقالات, الشیخ المفید, تحقیق: الشیخ إبراهیم الأنصاری, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: 1414-1993 م, الناشر: دار المفید للطباعة والنشر والتوزیع, بیروت, لبنان.

41. إیمان أبی طالب, العلامة الشیخ عبد الحسین الأمینی النجفی.

42. بحار الأنوار, العلامة المجلسی, الطبعة: الثانیة المصححة, سنة الطبع: 1403 ه -- 1983 م,

ص:268

الناشر: مؤسسة الوفاء, بیروت, لبنان.

43. البدایة والنهایة ابن کثیر, تحقیق وتدقیق وتعلیق: علی شیری, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1408-1988 م, الناشر: دار إحیاء التراث العربی, بیروت, لبنان.

44. بشارة المصطفی, محمد بن علی الطبری, تحقیق: جواد القیومی الإصفهانی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1420 ه -, الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

45. بصائر الدرجات, محمد بن الحسن الصفار, تصحیح وتعلیق وتقدیم: الحاج میرزا حسن کوچه باغی, سنة الطبع: 1404-1362 ش, الناشر: منشورات الأعلمی, طهران.

46. بلاغات النساء, ابن طیفور, الناشر: مکتبة بصیرتی, قم المقدسة

47. بیت الأحزان, الشیخ عباس القمی, الطبعة: الجدیدة الأولی, سنة الطبع: 1412 ه -, المطبعة: أمیر, الناشر: دار الحکمة, قم, إیران.

48. تاج العروس, الزبیدی, تحقیق: علی شیری, سنة الطبع: 1414 ه -- 1994 م, الناشر: دار الفکر للطباعة والنشر والتوزیع, بیروت.

49. تاج الموالید, الشیخ الطبرسی, سنة الطبع: 1406 ه -, الناشر: مکتب آیة الله العظمی المرعشی النجفی, قم.

50. تاریح الإسلام, الذهبی, تحقیق: د. عمر عبد السلام تدمری, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1407 ه -- 1987 م, الناشر: دار الکتاب العربی.

51. تاریح الیعقوبی, الیعقوبی, الناشر: دار صادر, بیروت, لبنان.

52. تاریخ ابن خلدون, ابن خلدون. الناشر: مؤسسة الاعلمی للمطبوعات, بیروت لبنان. سنة الطبع: 1391 ه -..

53. تاریخ الإسلام, حسن إبراهیم.

ص:269

54. تاریخ الأئمة (المجموعة), الکاتب البغدادی, سنة الطبع: 1406 ه -, الناشر: مکتب آیة الله العظمی المرعشی النجفی. قم.

55. تاریخ الطبری, الطبری, الطبعة: الرابعة, سنة الطبع: 1403 ه -- 1983 م, الناشر: مؤسسة الأعلمی للمطبوعات, بیروت, لبنان.

56. تاریخ الکوفة, السید البراقی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1424 ه الناشر: انتشارات المکتبة الحیدریة.

57. تاریخ بغداد, الخطیب البغدادی, دراسة وتحقیق: مصطفی عبد القادر عطا, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1417 ه -- 1997 م, الناشر: دار الکتب العلمیة, بیروت, لبنان.

58. تاریخ عمرو بن العاص, الدکتور حسن إبراهیم حسن, الناشر: مکتبة مدبولی, القاهرة.

59. تاریخ مختصر الدول, ابن العربی.

60. تاریخ مدینة دمشق, ابن عساکر, تحقیق: علی شیری, سنة الطبع: 1415 ه -, الناشر: دار الفکر للطباعة والنشر والتوزیع, بیروت, لبنان.

61. تاریخ موالید الأئمة, ابن الخشاب البغدادی, سنة الطبع: 1406, المطبعة: الصدر, الناشر: مکتب آیة الله العظمی المرعشی النجفی, قم.

62. التبیان, الشیخ الطوسی, تحقیق وتصحیح: أحمد حبیب قصیر العاملی الطبعة: الأولی, الناشر: مکتب الإعلام الإسلامی.

63. تتمة المنتهی, الشیخ عباس القمی, طبع فی طهران, سنة الطبع, 1333 ش - 1373 ق ه

64. تذکرة الحفاظ, الذهبی, الناشر: دار إحیاء التراث العربی, بیروت, لبنان.

65. تذکرة الخواص, السبط ابن الجوزی, طبعة طهران.

66. ترجمة الإمام الحسین علیه السلام, ابن عساکر, حقیق: الشیخ محمد باقر المحمودی, الطبعة: الأولی, الناشر: مؤسسة المحمودی للطباعة والنشر, بیروت, لبنان.

ص:270

67. التشیع العلوی والتشیع الصفوی, الدکتور علی شریعتی. الناشر دار الأمیر للثقافة والعلوم, المترجم: حیدر مجید, الطبعة الأولی 1422 ه -.

68. التعجب, أبو الفتح الکراجکی, تصحیح وتخریج: فارس حسون کریم.

69. التعدیل والتجریح, سلیمان بن خلف الباجی, تحقیق: الأستاذ أحمد البزار, الناشر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامیة, مراکش.

70. تفسیر الإمام العسکری علیه السلام, تحقیق: مدرسة الإمام المهدی عجل الله فرجه الشریف, الطبعة: الأولی محققة, الناشر: مدرسة الإمام المهدی عجل الله فرجه الشریف - قم المقدسة

71. تفسیر البحر المحیط, أبی حیان الأندلسی, الطبعة: الأولی, طبع ونشر: لبنان, بیروت, دار الکتب العلمیة.

72. تفسیر الجامع لأحکام القرآن, القرطبی, تصحیح: أحمد عبد العلیم البردونی, الناشر: دار إحیاء التراث العربی, بیروت, لبنان.

73. تفسیر السمعانی, تحقیق: یاسر بن إبراهیم و غنیم بن عباس بن غنیم, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1418 علیه السلام - 1997 م, المطبعة: السعودیة, دار الوطن, الریاض.

74. تفسیر العیاشی, محمد بن مسعود العیاشی, تحقیق: الحاج السید هاشم الرسولی المحلاتی, الناشر: المکتبة العلمیة الإسلامیة, طهران.

75. التفسیر الکبیر, الفخر الرازی. 76. تفسیر المیزان, السید الطباطبائی, الناشر: منشورات جماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة, قم المقدسة.

77. تفسیر روح المعانی, الآلوسی.

78. تفسیر مجمع البیان, الشیخ الطبرسی, تحقیق وتعلیق: لجنة من العلماء والمحققین الأخصائیین, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1415 علیه السلام - 1995 م, الناشر: مؤسسة الأعلمی

ص:271

للمطبوعات, بیروت, لبنان.

79. تفسیر مقاتل بن سلیمان, مقاتل بن سلیمان, تحقیق: أحمد فرید الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1424 ه -- 2003 م, الناشر: دار الکتب العلمیة.

80. تنقیح المقال فی أحوال الرجال, عبدالله بن محمد حسن المامقانی, المطبعة: المرتضویة, النجف, 1352 ه -..

81. تهذیب الأحکام, الشیخ الطوسی, تحقیق وتعلیق: السید حسن الموسوی الخرسان, الطبعة: الثالثة, سنة الطبع: 1364 ش, الناشر: دار الکتب الإسلامیة, طهران.

82. تهذیب التهذیب, ابن حجر, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1404 ه -- 1984 م, الناشر: دار الفکر للطباعة والنشر والتوزیع, بیروت, لبنان.

83. تهذیب الکمال, المزی, تحقیق وضبط وتعلیق: الدکتور بشار عواد معروف, الطبعة: الرابعة, سنة الطبع: 1406 ه -- 1985 م, الناشر: مؤسسة الرسالة, بیروت, لبنان.

84. تواریخ النبیّ صلی الله علیه و آله والآل علیهم السلام, الشیخ محمد تقی التستری, تحقیق الشیخ محمود الشریفی, الطبعة الأولی 1416 ه - المطبعة أمیر.

85. الثاقب فی المناقب, ابن حمزة الطوسی, تحقیق: نبیل رضا علوان, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: 1412 ه -, الناشر: مؤسسة أنصاریان للطباعة والنشر, قم المقدسة.

86. ثواب الأعمال, الشیخ الصدوق, تقدیم: السید محمد مهدی السید حسن الخرسان, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: 1368 ش, الناشر: منشورات الشریف الرضی, قم.

87. جامع أحادیث الشیعة, السید البروجردی, سنة الطبع: 1399, المطبعة: المطبعة العلمیة, قم.

88. جمال الأسبوع, السید ابن طاووس, تحقیق: جواد قیومی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1371 ش, الناشر: مؤسسة الآفاق.

ص:272

89. جهاد الإمام السجاد علیه السلام, السید محمد رضا الجلالی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1418 ه -, الناشر: مؤسسة دار الحدیث الثقافیة.

90. جواهر المطالب فی مناقب علی بن أبی طالب علیه السلام, أحمد الدمشقی الشافعی, تحقیق: الشیخ محمد باقر المحمودی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1415 ه -, الناشر: مجمع إحیاء الثقافة الإسلامیة, قم, إیران.

91. چهارده نور پاک (فارسی), دکتر عقیقی بخشایشی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: تابستان 1381, الناشر: انتشارات نوید إسلام.

92. الحدائق الناضرة, المحقق البحرانی, الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

93. حلیة الأبرار, السید هاشم البحرانی, تحقیق: الشیخ غلام رضا مولانا البروجردی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1411 ه -, الناشر: مؤسسة المعارف الإسلامیة, قم, ایران.

94. حواشی الشروانی, الشروانی, الناشر: دار إحیاء التراث العربی, بیروت, لبنان.

95. حیاة الإمام الحسین علیه السلام, الشیخ باقر شریف القرشی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1394 ه -- 1974 م, المطبعة: مطبعة الآداب, النجف الأشرف.

96. حیاة الإمام الرضا علیه السلام السید جعفر المرتضی, سنة الطبع: 1398 ه -- 1978 م, الناشر: دار التبلیغ الإسلامی.

97. حیاة الإمام الهادی, الشیخ باقر شریف القرشی.

98. حیاة السیدة خدیجة بنت خویلد من المهد إلی اللحد, حسین علی الشرهان, الطبعة: الأولی, دار مکتبة الهلال, بیروت.

99. حیاة النبی, محمد قوام الشنوی. 100. حیاة أمیر المؤمنین علیه السلام عن لسانه, محمد محمدیان, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1417

ص:273

ه -, الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

101. خاتمة المستدرک, المیرزا النوری, تحقیق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: رجب 1415, الناشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث, قم, ایران.

102. الخرائج والجرائح, قطب الدین الراوندی, تحقیق: مؤسسة الإمام المهدی علیه السلام, بإشراف السید محمد باقر الموحد الأبطحی, الطبعة: الأولی، کاملة محققة, سنة الطبع: ذی الحجة 1409 ه -, الناشر: مؤسسة الإمام المهدی عجل الله فرجه الشریف, قم المقدسة.

103. الخصال, الشیخ الصدوق, تصحیح وتعلیق: علی أکبر الغفاری, سنة الطبع: 18 ذی القعدة الحرام 1403 ه -- 1362 ش, الناشر: منشورات جماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة فی قم المقدسة.

104. الخصائص الفاطمیة, الشیخ محمد باقر الکجوری, ترجمة: سید علی جمال أشرف, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1380 ش, الناشر: انتشارات الشریف الرضی.

105. الخلاف, الشیخ الطوسی, تحقیق: جماعة من المحققین, سنة الطبع: جمادی الآخرة 1407 ه -, الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

106. خلق الإنسان بین الطب والقرآن, دکتور: محمد علی البار, الطبعة: الثامنة مزیدة ومنقحة, سنة الطبع: 1412 ه -- 1991 م, الناشر: الدار السعودیة للنشر والتوزیع, جدة, السعودیة.

107. الدر المنثور, جلال الدین السیوطی, الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر, بیروت, لبنان.

108. الدر النظیم, ابن حاتم العاملی, الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

109. الدرجات الرفیعة, السید علی خان المدنی, حقیق: تقدیم: السید محمد صادق بحر

ص:274

العلوم, سنة الطبع: 1397, الناشر: منشورات مکتبة بصیرتی, قم.

110. الدروس, الشهید الأول, تحقیق: مؤسسة النشر الإسلامی, الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

111. دفاع من وحی الشریعة ضمن دائرة السنة والشیعة, السید حسین الرجا, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1421 ه -- 2000 م, الناشر: مؤسسة الإمامة للتحقیق والنشر, بیروت, لبنان.

112. دفع شبه التشبیه بأکف التنزیه, أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزی الحنبلی, تحقیق وتقدیم: حسن السقاف, الطبعة: الثالثة، مزیدة ومنقحة, سنة الطبع: 1413 ه -- 1992 م, الناشر: دار الإمام النووی, عمان, الأردن.

113. دلائل الإمامة, محمد بن جریر الطبری (الشیعی), تحقیق: قسم الدراسات الإسلامیة, مؤسسة البعثة, قم, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1413, الناشر: مرکز الطباعة والنشر فی مؤسسة البعثة.

114. دلائل النبوة, إسماعیل الأصبهانی, تحقیق: أبو عبد الرحمن مساعد بن سلیمان الراشد الحمید, الناشر: دار العاصمة للنشر والتوزیع.

115. ذخائر العقبی, أحمد بن عبد الله الطبری, سنة الطبع: 1356 ه -, الناشر: مکتبة القدسی لصاحبها حسام الدین القدسی, القاهرة

116. ذخیرة المعاد, المحقق السبزواری, الناشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث.

117. الذریة الطاهرة النبویة, محمد بن أحمد الدولابی, تحقیق: سعد المبارک الحسن, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1407 ه -, الناشر: الدار السلفیة, الکویت. راه زندکی, الکسیس کارل, ترجمة, دبیری.

118. رحلة ابن بطوطة, أبی عبد الله محمد بن إبراهیم اللواتی، طبع ومنشورات دار بیروت، بیروت 1405 ه -..

ص:275

119. رسالة فی المهر, الشیخ المفید, تحقیق: الشیخ مهدی نجف, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: 1414-1993 م, الناشر: دار المفید للطباعة والنشر والتوزیع, بیروت, لبنان.

120. روضة الطالبین, محیی الدین النووی, تحقیق: الشیخ عادل أحمد عبد الموجود، والشیخ علی محمد معوض, الناشر: دار الکتب العلمیة, بیروت, لبنان.

121. روضة الواعظین, الفتال النیسابوری, تقدیم: السید محمد مهدی السید حسن الخرسان, الناشر: منشورات الشریف الرضی, قم.

122. الزندقة والشعوبیة, سمیرة اللیثی.

123. سبل الهدی والرشاد, الصالحی الشامی, تحقیق وتعلیق: الشیخ عادل أحمد عبد الموجود، الشیخ علی محمد معوض, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1414 ه -- 1993 م, الناشر: دار الکتب العلمیة, بیروت, لبنان.

124. سر السلسلة العلویة, تقدیم وتعلیق: السید محمد صادق بحر العلوم, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1413 ه -- 1371 ش, الناشر: انتشارات شریف الرضی.

125. السقیفة وفدک, الجوهری, الناشر: شرکة الکتبی للطباعة والنشر, بیروت, لبنان, تحقیق: تقدیم وجمع وتحقیق: الدکتور الشیخ محمد هادی الأمینی, سنة الطبع: 1413 ه -- 1993 م.

126. سمط النجوم العوالی فی أنباء الأوائل والتوالی, عبد الملک العاصمی المکی.

127. سنن ابن ماجة, محمد بن یزید القزوینی, تحقیق وترقیم وتعلیق: محمد فؤاد عبد الباقی, الناشر: دار الفکر للطباعة والنشر والتوزیع.

128. سنن أبی داود, ابن الأشعث السجستانی, تحقیق وتعلیق: سعید محمد اللحام, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1410 ه -- 1990 م, الناشر: دار الفکر للطباعة والنشر والتوزیع.

129. سنن الترمذی, الترمذی, تحقیق وتصحیح: عبد الوهاب عبد اللطیف, الطبعة: الثانیة, سنة

ص:276

الطبع: 1403 ه -- 1983 م, الناشر: دار الفکر للطباعة والنشر والتوزیع, بیروت, لبنان.

130. السنن الکبری, البیهقی, الناشر: دار الفکر.

131. السنن الکبری, النسائی, تحقیق: عبد الغفار سلیمان البنداری، سید کسروی حسن, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1411 ه -- 1991 م, الناشر: دار الکتب العلمیة, بیروت, لبنان

132. سنن النبی صلی الله علیه و آله, السید الطباطبائی, تحقیق وإلحاق: الشیخ محمد هادی الفقهی, سنة الطبع: رمضان 1419 ه -, الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

133. سیر أعلام النبلاء, الذهبی, اشراف وتخریج: شعیب الأرنؤوط, تحقیق: حسین الأسد, الطبعة: التاسعة, سنة الطبع: 1413 ه -- 1993 م, الناشر: مؤسسة الرسالة, بیروت, لبنان.

134. سیرة ابن إسحاق, محمد بن إسحاق بن یسار, تحقیق: محمد حمید الله, الناشر: معهد الدراسات والأبحاث للتعریف.

135. سیرة الأئمة, مهدی البیشوائی, تعریب: حسین الواسطی, المطبعة: اعتماد, الناشر: مؤسسة الإمام الصادق علیه السلام, سنة 1423 ه -.

136. السیرة الحلبیة, الحلبی, سنة الطبع: ه - 1400, المطبعة والنشر: بیروت, دار المعرفة.

137. السیرة النبویة, ابن کثیر, تحقیق: مصطفی عبد الواحد, سنة الطبع: 1396 ه -- 1976 م, الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزیع, بیروت, لبنان.

138. السیرة النبویة, ابن هشام الحمیری, تحقیق وضبط وتعلیق: محمد محیی الدین عبد الحمید, سنة الطبع: 1383 ه -- 1963 م, الناشر: مکتبة محمد علی صبیح وأولاده, بمصر.

139. الشجرة المبارکة فی أنساب الطالبیة, الفخر الرازی, مطبعة سید الشهداء قم المقدسة, الطبعة الأولی 1409 ه -.

ص:277

140. شجرة طوبی, الشیخ محمد مهدی الحائری, الطبعة: الخامسة, سنة الطبع: محرم الحرام 1385 ه -, الناشر: منشورات المکتبة الحیدریة ومطبعتها, النجف الأشرف.

141. الشذورات الذهبیة فی تراجم الأئمة الاثنی عشریة عند الامامیة, ابن طولون الدمشقی الحنفی, طبعة بیروت.

142. شرح إحقاق الحق, السید المرعشی, تعلیق: السید شهاب الدین المرعشی النجفی, تصحیح: السید إبراهیم المیانجی, الناشر: منشورات مکتبة آیة الله العظمی المرعشی النجفی, قم, ایران.

143. شرح أصول الکافی, صالح المازندرانی, تحقیق: مع تعلیقات: المیرزا أبی الحسن الشعرانی, ضبط وتصحیح: السید علی عاشور, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1421 ه -- 2000 م, الناشر: دار إحیاء التراث العربی للطباعة والنشر والتوزیع, بیروت, لبنان.

144. شرح الأخبار, القاضی النعمان المغربی, تحقیق: السید محمد الحسینی الجلالی, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: ه - 1414, الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

145. الشرح الکبیر, المؤلف, عبد الرحمن بن قدامه, الناشر: دار الکتاب العربی للنشر والتوزیع, بیروت, لبنان.

146. شرح النهج, ابن أبی الحدید, تحقیق: محمد أبی الفضل إبراهیم, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1378-1959 م, الناشر: دار إحیاء الکتب العربیة, عیسی البابی الحلبی وشرکاؤه.

147. شرح مسلم, النووی, سنة الطبع: 1407 ه -- 1987 م, الناشر: دار الکتاب العربی, بیروت, لبنان.

148. الشیعة فی المیزان, محمد جواد مغنیة, الطبعة: الرابعة, سنة الطبع: 1399 ه -- 1979 م, الناشر: دار التعارف للمطبوعات, بیروت, لبنان.

ص:278

149. الصحاح, الجوهری, تحقیق: أحمد عبد الغفور العطار, الطبعة: الرابعة, سنة الطبع: 1407-1987 م, الناشر: دار العلم للملایین, بیروت, لبنان.

150. صحیح البخاری, البخاری, سنة الطبع: 1401 ه -- 1981 م, الناشر: دار الفکر للطباعة والنشر والتوزیع.

151. صحیح مسلم, مسلم النیسابوری, لناشر: دار الفکر, بیروت, لبنان.

152. الصحیح من سیرة النبی الأعظم|, السید جعفر مرتضی, الطبعة: الرابعة, سنة الطبع: 1415 ه -- 1995 م, الناشر: دار الهادی للطباعة والنشر والتوزیع, بیروت, لبنان.

153. الصراط المستقیم, علی بن یونس العاملی, تحقیق: تصحیح وتعلیق: محمد الباقر البهبودی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1384 ه -, الناشر: المکتبة المرتضویة لإحیاء الآثار الجعفریة.

154. الصوارم المهرقة, الشهید نور الله التستری, تحقیق: السید جلال الدین المحدث, سنة الطبع: 1367 ه -, المطبعة: نهضت.

155. صوم عاشوراء بین السنة النبویة والبدعة الأمویة, نجم الدین الطبسی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1422 ه -, الناشر: منشورات العهد

156. ضحی الإسلام, أحمد أمین المصری، المطبعة: مکتبة النهضة, القاهرة, مصر.

157. الطبقات الکبری, ابن سعد, الناشر: دار صادر, بیروت.

158. الطرائف فی معرفة مذاهب الطوائف, السید ابن طاووس, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1399 ه -, المطبعة: الخیام, قم.

159. الطفل بین الوراثة والتربیة, الشیخ محمد تقی فلسفی, تحقیق: تعریب وتعلیق: فاضل الحسینی المیلانی, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: 1426 ه -- 2005 م, الناشر: مکتبة الأوحد.

160. العباس, السید المقرم.

ص:279

161. العبر, الذهبی, طبعة الکویت.

162. العدد القویة, علی بن یوسف الحلی, تحقیق: السید مهدی الرجائی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1408 ه -, الناشر: مکتبة آیة الله المرعشی العامة.

163. العقد الفرید, بن عبد ربه الأندلسی، دار الکتاب العربی، بیروت.

164. العقد النضید والدر الفرید, محمد بن الحسن القمی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1423 ه -- 1381 ش, الناشر: دار الحدیث للطباعة والنشر.

165. علل الشرائع, الشیخ الصدوق, تحقیق: تقدیم: السید محمد صادق بحر العلوم, سنة الطبع: 1385 ه -- 1966 م, الناشر: منشورات المکتبة الحیدریة ومطبعتها, النجف الأشرف.

166. عمدة الطالب, ابن عنبة, تصحیح: محمد حسن آل الطالقانی, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: 1380-1961 م, الناشر: منشورات المطبعة الحیدریة, النجف الأشرف.

167. عوالی اللئالی, أبو جمهور الأحسائی, تقدیم: السید شهاب الدین النجفی المرعشی, تحقیق: الحاج آقا مجتبی العراقی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1403 ه -- 1983 م, المطبعة: سید الشهداء, قم.

168. عیون أخبار الرضا علیه السلام, الشیخ الصدوق, تصحیح وتعلیق وتقدیم: الشیخ حسین الأعلمی, سنة الطبع: 1404 ه -- 1984 م, الناشر: مؤسسة الأعلمی للمطبوعات, بیروت, لبنان.

169. عیون المعجزات, حسین بن عبد الوهاب, سنة الطبع: 1369 ه -, المطبعة: الحیدریة, نجف.

170. الغارات, إبراهیم بن محمد الثقفی, تحقیق: السید جلال الدین الحسینی الأرموی المحدث.

ص:280

171. غایة المأمول من علم الأصول, تقریرات بحوث السید الخوئی رحمه الله, للشیخ محمد تقی الجواهری.

172. الغدیر, الأمینی, الطبعة: الرابعة, سنة الطبع: 1397 ه -- 1977 م, الناشر: دار الکتاب العربی, بیروت, لبنان.

173. غرر الحکم ودرر الکلم, للآمدی عبد الواحد بن محمد التمیمی الآمدی، مکتب الإعلام الإسلامی، قم.

174. الغیبة, الشیخ الطوسی, تحقیق: الشیخ عباد الله الطهرانی، الشیخ علی أحمد ناصح, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: شعبان 1411 ه -, الناشر: مؤسسة المعارف الإسلامیة, قم المقدسة.

175. الفاطمة المعصومة علیها السلام, محمد علی المعلم.

176. فتاوی الأزهر.

177. فتح الباری بشرح البخاری, ابن حجر, الطبعة: الثانیة, طبع ونشر: دار المعرفة للطباعة والنشر بیروت, لبنان.

178. فتوح البلدان, البلاذری, نشر وإلحاق وفهرسة: الدکتور صلاح الدین المنجد., سنة الطبع: 1956 م, الناشر: مکتبة النهضة المصریة, القاهرة.

179. الفصول المختارة, الشریف المرتضی, تحقیق: السید نور الدین جعفریان الاصبهانی، الشیخ یعقوب الجعفری، الشیخ محسن الأحمدی, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: 1414 ه -- 1993 م, الناشر: دار المفید للطباعة والنشر والتوزیع, بیروت, لبنان.

180. الفصول المهمة فی معرفة الأئمة, ابن الصباغ, تحقیق: سامی الغریری, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1422 ه -, الناشر: دار الحدیث للطباعة والنشر.

181. فیض القدیر شرح الجامع الصغیر, المناوی, تصحیح أحمد عبد السلام, الطبعة: الأولی,

ص:281

سنة الطبع: 1415 ه -- 1994 م, الناشر: دار الکتب العلمیة, بیروت.

182. قاموس الرجال, الشیخ محمد تقی التستری, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1419 ه, الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

183. القاموس المحیط, الفیروز آبادی.

184. قرب الإسناد, الحمیری القمی, تحقیق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: ه - 1413, الناشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث, قم.

185. قصص الأنبیاء, القطب الراوندی, تحقیق: المیرزا غلام رضا عرفانیان الیزدی الخراسانی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1418 ه -- 1376 ش, المطبعة: مؤسسة الهادی.

186. کاروانی با سیزده کجاوه.

187. الکاشف فی معرفة من له روایة فی کتب الستة, الذهبی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1413 ه -- 1992 م, الناشر: دار القبلة للثقافة الإسلامیة, جدة, مؤسسة علوم القرآن, جدة.

188. الکافی, الکلینی, تصحیح وتعلیق: علی أکبر الغفاری, الطبعة: الخامسة, سنة الطبع: 1363 ش, الناشر: دار الکتب الإسلامیة, طهران.

189. کامل الزیارات, جعفر بن محمد بن قولویه, تحقیق: الشیخ جواد القیومی، لجنة التحقیق, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1417, الناشر: مؤسسة نشر, الفقاهة.

190. الکامل فی التاریخ, ابن الأثیر, سنة الطبع: 1386-1966 م, الناشر: دار صادر للطباعة والنشر - دار بیروت للطباعة والنشر.

191. کتاب العین, الخلیل الفراهیدی, تحقیق: الدکتور مهدی المخزومی، الدکتور إبراهیم السامرائی, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: 1409, الناشر: مؤسسة دار الهجرة.

192. الکتاب المقدس (العهد الجدید), الکنیسة. الناشر: دار الکتاب المقدس, سنة 1980.

193. الکتاب المقدس, مجمع الکنائس الشرقیة. الطبعة: الثالثة, سنة 1983, الناشر: دار

ص:282

المشرق, بیروت, لبنان.

194. کتاب سلیم بن قیس, تحقیق محمد باقر الأنصاری.

195. کتاب عبدالله بن عباس, السید محمد تقی الحکیم.

196. کذبة فارسیة یفضحها الحق العربی, عبد الحمید العلوجی, الطبعة الأولی بغداد 1987 م، عن دار الشؤون الثقافیة العامة.

197. کشف الغمة فی معرفة الأئمة, أبو الفتح الإربلی, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: 1405-1985 م, الناشر: دار الأضواء, بیروت, لبنان.

198. الکشکول المبوب, الحاج حسین الشاکری, الطبعة: الخامسة, سنة الطبع: 1418 ه -, المطبعة: ستارة.

199. کفایة الأثر, الخزاز القمی, تحقیق: السید عبد اللطیف الحسینی الکوهکمری الخوئی,, سنة الطبع: 1401 ه -, الناشر: انتشارات بیدار.

200. کفایة الأحکام, المحقق السبزواری, تحقیق: الشیخ مرتضی الواعظی الأراکی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1423 ه -, الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

201. کفایة الطالب فی مناقب أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب, الحافظ الکنجی الشافعی, ط النجف.

202. کمال الدین وتمام النعمة, الشیخ الصدوق, تحقیق: تصحیح وتعلیق: علی أکبر الغفاری, سنة الطبع: محرم الحرام 1405 ه -- 1363 ش, الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

203. کنز العمال, المتقی الهندی, ضبط وتفسیر: الشیخ بکری حیانی, تصحیح وفهرسة: الشیخ صفوة السقا, سنة الطبع: 1409-1989 م, الناشر: مؤسسة الرسالة, بیروت, لبنان.

ص:283

204. کنز الفوائد, أبو الفتح الکراکجی, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: 1369 ش, الناشر: مکتبة المصطفوی, قم.

205. اللباب فی تهذیب الأنساب, ابن الأثیر الجزری, المطبعة: دار صادر, بیروت, الناشر: دار صادر, بیروت.

206. لسان العرب, ابن منظور, سنة الطبع: محرم ه - 1405, الناشر: نشر أدب الحوزة, قم, ایران.

207. لسان المیزان, الحافظ ابن حجر, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: 1390 ه -- 1971 م, الناشر: مؤسسة الأعلمی للمطبوعات, بیروت, لبنان.

208. لمحات, الشیخ لطف الله الصافی, الناشر: قسم الدراسات الإسلامیة, مؤسسة البعثة.

209. اللمعة البیضاء, التبریزی الأنصاری, تحقیق: السید هاشم المیلانی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: ه - 1418, الناشر: دفتر نشر الهادی, قم, ایران.

210. لواعج الأشجان, السید محسن الأمین, سنة الطبع: 1331, الناشر: منشورات مکتبة بصیرتی, قم.

211. مادران چهارده معصوم علیهم السلام, أحمد أمیری بور, انتشارات راز توکل, ط 3 سنة 1385.

212. المجالس الفاخرة فی مصائب العترة الطاهرة, السید شرف الدین, مراجعة وتحقیق: محمود بدری, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1421 ه -, الناشر: مؤسسة المعارف الإسلامیة, قم.

213. المجدی فی أنساب الطالبین, علی بن محمد العلوی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1409 ه -, الناشر: مکتبة آیة الله العظمی المرعشی النجفی العامة, قم المقدسة.

214. مجمع البحرین, الشیخ الطریحی, تحقیق: السید أحمد الحسینی, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: 1408 ه -- 1367 ش, الناشر: مکتب النشر الثقافة الإسلامیة.

ص:284

215. مجمع الزوائد, الهیثمی, سنة الطبع: 1408 ه -- 1988 م, الناشر: دار الکتب العلمیة, بیروت, لبنان.

216. مجمع النورین, الشیخ أبو الحسن المرندی, طبعة حجریة.

217. مجمع مصائب أهل البیت, الشیخ محمد الهنداوی, الطبعة الثانیة, سنة 1378 ش, انتشارات: الشریف الرضی.

218. المجموع, محیی الدین النووی, الناشر: دار الفکر.

219. مجموعة الرسائل, الشیخ لطف الله الصافی.

220. محاضرات فی أصول الفقه, تقریرات بحث السید الخوئی, للفیاض, لطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1419 ه -, المطبعة والنشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

221. مختصر بصائر الدرجات, الحسن بن سلیمان الچلبی, لطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1370-1950 م, الناشر: منشورات المطبعة الحیدریة, النجف الأشرف.

222. مدینة المعاجز, البحرانی, تحقیق: الشیخ عزة الله المولائی الهمدانی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1413, الناشر: مؤسسة المعارف الإسلامیة, قم, ایران.

223. مروج الذهب, المسعودی.

224. المزار, الشهید الأول, تحقیق: مدرسة الإمام المهدی عجل الله فرجه الشریف, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: ذی الحجة 1410, الناشر: مؤسسة الإمام المهدی عجل الله فرجه الشریف, قم المقدسة.

225. المزار, الشیخ المفید, تحقیق: السید محمد باقر الأبطحی, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: 1414-1993 م, الناشر: دار المفید للطباعة والنشر والتوزیع, بیروت, لبنان.

226. مستدرک الوسائل, المیرزا النوری, تحقیق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث, الطبعة: الأولی المحققة, سنة الطبع: 1408 ه -- 1987 م, الناشر: مؤسسة آل

ص:285

البیت علیهم السلام لإحیاء التراث, بیروت, لبنان.

227. مستدرک سفینة البحار, الشیخ علی النمازی الشاهرودی, تحقیق وتصحیح: الشیخ حسن ابن علی النمازی, سنة الطبع: 1418, الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

228. المستدرک علی الصحیحین, الحاکم النیسابوری, تحقیق: إشراف: یوسف عبد الرحمن المرعشلی.

229. مستدرکات علم رجال الحدیث, الشیخ علی النمازی الشاهرودی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1412, المطبعة: شفق, طهران.

230. مستند الشیعة, المحقق النراقی, تحقیق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث, مشهد المقدسة, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: ربیع الأول 1415, الناشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث, قم.

231. مسند احمد, احمد بن حنبل, الناشر: دار صادر, بیروت, لبنان.

232. مسند الإمام الرضا علیه السلام, الشیخ عزیز الله عطاردی, سنة الطبع: ربیع الآخر 1406 ه -, المطبعة: مؤسسة طبع ونشر آستان قدس الرضوی, الناشر: المؤتمر العالمی الإمام الرضا علیه السلام.

233. مسند الشهاب, ابن سلامة, تحقیق: حمدی عبد المجید السلفی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1405-1985 م, الناشر: مؤسسة الرسالة, بیروت.

234. مصباح المتهجد, الشیخ الطوسی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1411 ه - 1991 م, الناشر: مؤسسة فقه الشیعة, بیروت, لبنان.

235. المصباح, الکفعمی, الطبعة: الثالثة, سنة الطبع: 1403 ه -- 1983 م, الناشر: مؤسسة الأعلمی للمطبوعات, بیروت.

ص:286

236. معانی الأخبار, الشیخ الصدوق, تصحیح وتعلیق: علی أکبر الغفاری, سنة الطبع: 1379-1338 ش, الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

237. المعجم الأوسط, الطبرانی, قسم التحقیق بدار الحرمین, سنة الطبع: 1415 ه -- 1995 م, الناشر: دار الحرمین للطباعة والنشر والتوزیع.

238. معجم البلدان, الحموی, سنة الطبع: 1399 ه -- 1979 م, الناشر: دار إحیاء التراث العربی, بیروت, لبنان.

239. معجم الفاظ الفقه الجعفری, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1415-1995 م, المطبعة: مطابع المدوخل, الدمام.

240. المعجم الکبیر, للطبرانی, تحقیق وتخریج: حمدی عبد المجید السلفی, الطبعة: الثانیة، مزیدة ومنقحة, الناشر: دار إحیاء التراث العربی.

241. معجم رجال الحدیث, السید الخوئی, الطبعة: الخامسة, سنة الطبع: 1413-1992 م.

242. معجم ما استعجم, البکری الأندلسی, تحقیق وضبط: مصطفی السقا, الطبعة: الثالثة, سنة الطبع: 1403-1983 م, الناشر: عالم الکتب, بیروت, لبنان.

243. مفتاح الفلاح, البهائی العاملی, الناشر: منشورات مؤسسة الأعلمی للمطبوعات, بیروت, لبنان.

244. مقاتل الطالبیین, أبو الفرج الأصفهانی, تقدیم وإشراف: کاظم المظفر, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: 1385-1965 م, الناشر: منشورات المکتبة الحیدریة ومطبعتها, النجف الأشرف.

245. مقتضب الأثر, تألیف أحمد بن عیاش الجوهری, الناشر: مکتبة الطباطبائی قم.

246. مقتل الحسین علیه السلام, أبو مخنف الأزدی, تعلیق: حسین الغفاری, المطبعة: مطبعة العلمیة, قم.

247. المقنعة, الشیخ المفید, تحقیق: مؤسسة النشر الإسلامی, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع:

ص:287

1410 ه -, الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

248. مکارم الأخلاق, الشیخ الطبرسی, الطبعة: السادسة, سنة الطبع: 1392 ه -- 1972 م, الناشر: منشورات الشریف الرضی.

249. مکیال المکارم, میرزا محمد تقی الأصفهانی, تحقیق: السید علی عاشور, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1421 ه -, الناشر: مؤسسة الأعلمی للمطبوعات, بیروت.

250. الملاحم والفتن, ابن طاووس, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1416, الناشر: مؤسسة صاحب الأمر عجل الله فرجه.

251. الملحمة الحسینیة, العلامة الشهید مطهری, الطبعة الثالثة, 1413 ه -, الناشر: المرکز العالمی للدراسات الإسلامیة, قم ایران.

252. من لا یحضره الفقیه, الشیخ الصدوق, تصحیح وتعلیق: علی أکبر الغفاری, الطبعة: الثانیة, الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

253. مناسک الحج, السید الکلبایکانی, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: رجب المرجب 1413 ه -, الناشر: دار القرآن الکریم, قم المشرفة, ایران.

254. مناقب آل أبی طالب, ابن شهر آشوب, تصحیح وشرح ومقابلة: لجنة من أساتذة النجف الأشرف, سنة الطبع: 1376 ه -- 1956 م, الناشر: المکتبة الحیدریة, النجف الأشرف.

255. مناقب الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام, محمد بن سلیمان الکوفی, تحقیق: الشیخ محمد باقر المحمودی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1412, الناشر: مجمع إحیاء الثقافة الإسلامیة, قم المقدسة.

256. مناقب علی بن أبی طالب علیه السلام, أحمد بن موسی بن مردویه الاصفهانی, جمعه ورتبه وقدم له: عبد الرزاق محمد حسین حرز الدین, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: 1424-1382 ش, المطبعة والنشر: دار الحدیث

ص:288

257. المناقب, الموفق الخوارزمی, تحقیق: الشیخ مالک المحمودی, مؤسسة سید الشهداء علیه السلام, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: ربیع الثانی 1414, الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

258. المنتخب الحسنی, مکتبة الصدر, طهران.

259. المنتظم فی تاریخ الملوک والأمم, أبو الفرج عبد الرحمن بن علی بن محمد بن الجوزی المتوفی سنة 597 ه -, ط دار الکتب العلمیة بیروت.

260. منتهی الآمال, الشیخ عباس القمی, الطبع فی طهران.

261. منیة المرید, الشهید الثانی, تحقیق: رضا المختاری, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1409-1368 ش, المطبعة والناشر: مکتب الإعلام الإسلامی.

262. موارد الضمآن, الهیثمی, تحقیق: حسین سلیم أسد الدارانی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1411 ه -- 1990 م, الناشر: دار الثقافة العربیة.

263. موسوعة الإمام الجواد, السید الحسینی القزوینی, إشراف: أبی القاسم الخزعلی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: ذی الحجة ه - 1419, المطبعة: أمیر, قم, الناشر: مؤسسة ولی العصر عجل الله فرجه الشریف للدراسات الإسلامیة, قم المشرفة.

264. موسوعة الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام فی الکتاب والسنة والتاریخ, محمد الریشهری, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: 1425 ه -, المطبعة والناشر: دار الحدیث للطباعة والنشر.

265. موسوعة التأریخ الإسلامی, الیوسفی الغروی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: ربیع الثانی 1417 ه -, المطبعة: مؤسسة الهادی, قم, الناشر: مجمع الفکر الإسلامی.

266. موسوعة المصطفی والعترة علیهم السلام, الحاج حسین الشاکری, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1417 ه -, المطبعة: ستارة, الناشر: نشر الهادی, قم, ایران.

267. موسوعة شهادة المعصومین علیهم السلام, لجنة الحدیث فی معهد باقر العلوم علیه السلام, الطبعة:

ص:289

الأولی, سنة الطبع: 1380 ش, المطبعة: اعتماد, قم, الناشر: انتشارات نور السجاد.

268. موسوعة کلمات الإمام الحسین علیه السلام, لجنة الحدیث فی معهد باقر العلوم علیه السلام, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: ربیع الثانی 1423 ه -, المطبعة: الآثار, قم, الناشر: دار المعروف.

269. میزان الاعتدال فی نقد الرجال, الذهبی, تحقیق: علی محمد البجاوی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1382 ه -- 1963 م, الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر, بیروت, لبنان.

270. میزان الحکمة, محمد الریشهری, تحقیق: دار الحدیث, الطبعة: الأولی, المطبعة والنشر: دار الحدیث.

271. نزهة المشتاق فی اختراق الآفاق, الشریف الادریسی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1409-1989 م, المطبعة والنشر: بیروت - عالم الکتب

272. نفس المهموم, الشیخ عباس القمی, مکتبة بصیرتی, قم.

273. نهایة الأحکام, العلامة الحلی, تحقیق: السید مهدی الرجائی, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: 1410 ه -, الناشر: مؤسسة إسماعیلیان للطباعة والنشر والتوزیع, قم, إیران.

274. النهایة فی غریب الحدیث, ابن الاثیر, تحقیق: طاهر أحمد الزاوی، محمود محمد الطناحی, الطبعة: الرابعة, سنة الطبع: 1364 ش, الناشر: مؤسسة إسماعیلیان للطباعة والنشر والتوزیع, قم, ایران.

275. نهج البلاغة, شرح: الشیخ محمد عبده, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1412 ه -- 1370 ش, الناشر: دار الذخائر, قم, ایران.

276. نوادر المعجزات, محمد بن جریر الطبری (الشیعی), تحقیق: مؤسسة الإمام المهدی عجل الله فرجه الشریف, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1410 ه -, الناشر: مؤسسة الإمام المهدی عجل الله فرجه الشریف, قم.

277. النوادر, فضل الله الراوندی, تحقیق: سعید رضا علی عسکری, الطبعة: الأولی, المطبعة والناشر: مؤسسة دار الحدیث الثقافیة, قم.

ص:290

278. هویة التشیع, الشیخ أحمد الوائلی, الطبعة: الثالثة, سنة الطبع: 1414 ه -- 1994 م, الناشر: دار الصفوة, بیروت, لبنان.

279. الوافی بالوفیات, الصفدی, تحقیق: أحمد الأرناؤوط وترکی مصطفی, سنة الطبع: 1420 ه -- 2000 م, المطبعة والنشر: بیروت, دار إحیاء التراث.

280. وسائل الشیعة (آل البیت), الحر العاملی, تحقیق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: 1414 ه -, المطبعة: مهر, قم, الناشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث بقم المشرفة.

281. وفیات الأعیان, ابن خلکان, تحقیق: إحسان عباس, المطبعة والنشر: لبنان, دار الثقافة.

282. ینابیع المودة لذوی القربی, القندوزی, تحقیق: سید علی جمال أشرف الحسینی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1416 ه -, المطبعة: أسوه, الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر.

ص:291

ص:292

فهرس المحتویات

المقدمة 5

الفصل السادس

فاطمة بنت الحسن أم الإمام الباقر علیهم السلام

النسب الطاهر 11

کنیتها وألقابها 12

الدلیل علی کنیتها أم عبد الله 13

من خصوصیات فاطمة بنت الحسن علیهما السلام 14

مقامها السامی 15

الزواج المیمون 16

المهدی حسینی الأب حسنی الأم 17

أولادها 18

النبی یبعث سلاماً لابنها الباقر علیه السلام 20

زید الشهید فی لسان المعصوم 21

ص:293

الفرق بین العلوی والفاطمی 22

فاطمة بنت الحسن وعاء وحجر للمعصوم 24

الملائکة تنادی فاطمة بنت الحسن علیها السلام 25

من صفاتها الصِّدِّیقة 26

من صفاتها الروایة 28

من أخبارها فی آخر الزمان 29

الأوضاع السیاسیة فی عصرها 30

حضورها کربلاء 32

وفاتها ومحل دفنها 32

زیارة السیدة فاطمة بنت الحسن 34

الفصل السابع

فاطمة بنت القاسم أم الإمام الصادق علیهما السلام

اسمها ونسبها 37

منزلة والدها القاسم 39

نبذة عن جدها محمد بن أبی بکر 41

منزلته عند أهل البیت علیهم السلام 44

نظرة فی جدها من أمها عبد الرحمن بن أبی بکر 46

کمالاتها العالیة 48

الصفات التی تتمتع بها 48

ص:294

قوة الإیمان 50

شدة التقوی 52

من صفاتها الإحسان 54

من صفاتها الروایة 56

من صفاتها العلم 57

أم فروة وعاء وحاضنة للمعصوم 58

أولادها 59

إیثارها بنفسها 60

سبب تسمیة ولدها بالصادق 61

النبی یکشف عن أسماء الأئمة وألقابهم 63

ولدنی أبو بکر مرتین 67

المناقشة فی سند الروایة 68

المناقشة فی الدلالة 70

وفاتها ومحل قبرها 72

الفصل الثامن

حمیدة بنت صاعد البربری أم الإمام الکاظم علیهما السلام

اسمها ونسبها 77

من ألقاب السیدة حمیدة 77

ص:295

البرابرة فی سطور 78

اقتران السیدة حمیدة بالإمام الصادق علیه السلام 81

حمیدة الزوجة الأولی للمعصوم علیه السلام 83

اهتمامها بزوجها الصادق علیه السلام 85

تکامل صفات السیدة حمیدة 85

المعلّی بن خنیس فی لسان المعصوم 86

الأملاک تحرس حمیدة 88

حمیدة من أهل العلم 89

حمیدة من وکلاء الصادق علیه السلام 91

من صفاتها الروایة 92

أولادها 93

حمیدة وعاء للمعصوم 95

علامات غیبیة فی ولادتها للکاظم علیه السلام 96

حمیدة ترعی أُم الإمام الرضا علیه السلام 97

حمیدة تزوج الإمام الکاظم علیه السلام 98

حرق دار السیدة حمیدة 99

حزنها علی زوجها 100

حمیدة من أوصیاء الصادق علیه السلام 101

وفاتها ومحل قبرها 103

ص:296

الفصل التاسع

نجمة النوبیة أم الإمام الرضا علیهما السلام

نسبها ومولدها 107

السبب فی تعدد أسمائها 108

بلدها الأصلی 110

بلاد النوبة 112

صفات السیدة نجمة الکمالیة 114

خلقها العظیم 116

إنّها من الرواة 117

تربیتها فی بیت المعصوم 118

بُعدها الدینی 119

الله یختار أم الرضا علیهما السلام 120

زواجها بأمر الغیب 121

إزالة توهم 122

السیدة نجمة وعاء للمعصوم 123

أولادها 125

الظروف المأساویة التی عاصرت السیدة نجمة 126

من بناتها فاطمة المعصومة علیها السلام 128

ص:297

من صفات فاطمة المعصومة علیها السلام 129

وفاة المعصومة ومحل قبرها 129

فضل زیارة فاطمة المعصومة علیها السلام 131

وفاة ومحل قبر السیدة نجمة 132

الفصل العاشر

خیزران المریسیة أم الإمام الجواد علیهما السلام

اسمها ونسبها 137

الحکمة من تعدد أسمائها 139

الاختلاف فی بلدها بین المریسیة والمرسیة 140

مکانتها الرفیعة 142

الصفات الکمالیة للسیدة خیزران 143

من صفاتها الطاهرة 144

من صفاتها المُّطَهَّرَةٌ 147

المقدسة 149

المنتجبة 151

رسول الله یمدح السیدة خیزران 152

الإمام الکاظم یرسل لها سلامه 154

أزواج الإمام الرضا علیه السلام 155

اقتران السیدة خیزران بالإمام الرضا علیه السلام 157

ص:298

أولادها 158

ولادة السیدة خیزران للمعصوم 162

من المعجزات فی ولادتها للمعصوم 163

براءتها من الاتهام 164

وفاة ومحل قبر السیدة خیزران 166

الفصل الحادی عشر

سوسن المغربیة أم الإمام الهادی علیهما السلام

اسمها ونسبها 171

بلاد المغرب 173

تکامل صفات السیدة سوسن 174

من صفاتها العارفة 175

من صفاتها المعصومة 177

الحراسة الإلهیة للسیدة سوسن 177

السیدة سوسن من أهل الجنة 179

أزواج الإمام الجواد علیه السلام 181

اقتران السیدة سوسن بالإمام الجواد علیهما السلام 183

اهتمام الإمام الجواد بالسیدة سوسن 184

ولادة السیدة سوسن للهادی علیه السلام 185

ص:299

أولادها 187

من بنات الإمام الجواد حکیمة 188

حکیمة ترعی أم الإمام المهدی 189

نبذة من حیاة السید موسی المبرقع 190

وفاة السیدة سوسن ومحل قبرها 192

الفصل الثانی عشر

سُمانة النوبیة أم الإمام العسکری علیهما السلام

اسمها ونسبها 197

سبب الاختلاف فی تعیین اسمها 198

سمو مقام السیدة سمانة 199

السیدة سُمانة مسلولة من کل الآفات 200

مطهرة من کل رجس 202

من صفات السیدة سُمانة الروایة 203

تلقیها أسرار الإمام العسکری علیه السلام 204

أمانتها لمیراث الإمامة 205

رجوع الناس إلیها بعد العسکری علیه السلام 206

أولادها 208

ولادتها للإمام العسکری علیه السلام 209

ص:300

الظروف السیاسیة التی مرت بها 211

وفاتها ومحل قبرها علیها السلام 214

الفصل الثالث عشر

نرجس الرومیة أم الإمام الحجة المنتظر علیهما السلام

اسمها ونسبها 219

من هو شمعون الصفا 221

شمعون وصی نبی الله عیسی علیه السلام 223

الشبه بین نرجس وأم موسی علیه السلام 225

مکانة السیدة نرجس عند الله وأهل البیت علیهم السلام 227

الرعایة الإلهیة لأم القائم علیه السلام 227

السیدة نرجس تکشف عن التحرک الغیبی 229

رسول الله| یخطب السیدة نرجس للعسکری علیه السلام 230

زیارة الزهراء للسیدة نرجس علیها السلام 232

کیفیة أسر السیدة نرجس علیها السلام 232

وثاقة رجال الروایة 233

خلاصة القول فی حال السیدة نرجس علیها السلام 236

السیدة نرجس تتکلم العربیة 237

الإمام الهادی یبشرها بالمهدی علیه السلام 237

ص:301

ولادة السیدة نرجس للإمام المهدی علیه السلام 238

العسکری یستقبل ابنه المولود المنتظر علیهما السلام 239

العسکری یجری مراسم یوم السابع 240

ولادة السیدة نرجس علیها السلام للقائم علیه السلام بلسان آخر 240

ولادتها للمهدی المنتظر عجل الله فرجه الشریف عند المخالفین 243

محاولات لقتل السیدة نرجس والحجة علیهما السلام 249

أولادها 251

الظروف السیاسیة الألیمة التی مرت بها السیدة نرجس علیها السلام 254

حکیمة تتکلم عن المهدی وأمه علیهما السلام 255

إزالة وهم 257

شفاعة السیدة نرجس علیها السلام 258

من کرامات السیدة نرجس علیها السلام 258

وفاة السیدة نرجس ومحل قبرها علیها السلام 259

زیارة ضریح السیدة نرجس علیها السلام 262

فهرس المصادر 265

فهرس المحتویات 293

ص:302

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.