عنوان الکتاب: الشائرالحسینیة بین الإفراط والتفریط
المؤلف :زهیر قاسم عبد النبی التمیمی
الإشراف العلمی :اللجنة العلمیة فی مؤسسة وارث الأنبیاء
الإخراج الفنی : حسین المالکی
الطبعة : الأولی
سنة الطبع : 1439ه 2018م
عدد النسخ : 1000
مصدر الفهرسة : IQ – KaPLI ara IQ –KaPLI rda
رقم الاستدعاء : BP260.3 .T34 2018
المؤلف : التمیمی، زهیر قاسم عبد النبی. مؤلف.
العنوان : الشعائر الحسینیة بین الإفراط والتفریط.
بیان المسؤولیة : بقلم زهیر قاسم عبد النبی التمیمی؛ تقدیم مؤسسة وارث الأنبیاء للدراسات التخصصیة فی النهضة الحسینیة.
بیانات الطبعة : الطبعة الأولی.
بیانات النشر : النجف، العراق: العتبة الحسینیة المقدسة، قسم الشؤون الفکریة والثقافیة، مؤسسة وارث الأنبیاء للدراسات التخصصیة فی النهضة الحسینیة، 2018/1439 للهجرة.
الوصف المادی : 208 صفحة ؛ 21 سم.
سلسلة النشر : (العتبة الحسینیة المقدسة؛ 403).
سلسلة النشر : مؤسسة وارث الأنبیاء للدراسات التخصصیة فی النهضة الحسینیة.
تبصرة عامة : یتضمن إرجاعات ببلیوجرافیة.
موضوع شخصی : الحسین بن علی الشهید(علیه السّلام)، الإمام الثالث، 4-61 للهجرة - مآتم العزاء - دراسة وتحقیق.
مصطلح موضوعی: عاشوراء - شعائر ومراسیم مذهبیة - دراسة.
مصطلح موضوعی: أهل البیت(علیهم السّلام) فی القرآن.
مصطلح موضوعی: أهل البیت(علیهم السّلام) - فضائل - أحادیث.
مصطلح موضوعی: واقعة کربلاء، 61 للهجرة - تأثیر.
مصطلح موضوعی: الشعائر والمراسیم المذهبیة - من الناحیة الفقهیة.
مصطلح موضوعی: الشعائر والمراسیم المذهبیة - أحادیث.
اسم هیئة اضافی : العتبة الحسینیة المقدسة. قسم الشؤون الفکریة والثقافیة. مؤسسة وارث الأنبیاء للدراسات التخصصیة فی النهضة الحسینیة - جهة مصدرة.
تمت الفهرسة قبل النشر فی مکتبة العتبة الحسینیة المقدسة
رقم الإیداع فی دار الکتب والوثائق ببغداد (1792) لسنة (2018م)
ص: 1
ص: 2
ص: 3
ص: 4
ص: 5
ص: 6
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ
اللهم کن لولیک الحُجَّة بن الحسن صلواتک علیه وعلی آبائه فی هذه الساعة وفی کل ساعة ولیّاً وحافظاً وقائداً وناصراً ودلیلاً وعیناً حتی تسکنه أرضک طوعاً وتمتِّعه فیها طویلاً، وعجِّل اللهم فرَجَنا بظهوره واجعلنا من أعوانه وأنصاره وارزقنا الشهادة فی رکابه.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمین وأذلَّ الکفر والکافرین وادفع وارفع شرورهم عن المؤمنین واجعلهم مغلوبین مخذولین مقتولین.
اللهمّ علیک توکلنا، وبحبیبک المصطفی توسلنا، وبأهل بیته للعون استمددنا، لنکون من المجاهدین فیک، فیشملنا وعدک المحقَّق: «وَالَّذِینَ جَاهَدُوا فِینَا لَنَهْدِیَنَّهُمْ سُبُلَنَا» (العنکبوت: آیة69).
ص: 7
ص: 8
إنّ نشر المعرفة، وبیان الحقیقة، وإثبات المعلومة الصحیحة، غایاتٌ سامیة وأهدافٌ متعالیة، وهی من أهمّ وظائف النُّخب والشخصیات العلمیة، التی أخذت علی عاتقها تنفیذ هذه الوظیفة المقدّسة.
من هنا؛ قامت الأمانة العامة للعتبة الحسینیة المقدسة بإنشاء المؤسّسات والمراکز العلمیة والتحقیقیة؛ لإثراء الواقع بالمعلومة النقیة؛ لتنشئة مجتمعٍ واعٍ متحضّر، یسیر وفق خطوات وضوابط ومرتکزات واضحة ومطمئنة.
وممّا لا شکّ فیه أنّ القضیة الحسینیة - والنهضة المبارکة القدسیة - تتصدّر أولویات البحث العلمی، وضرورة التنقیب والتتبّع فی الجزئیات المتنوّعة والمتعدّدة، والتی تحتاج إلی الدراسة بشکلٍ تخصّصی علمی، ووفق أسالیب متنوّعة ودقیقة، ولأجل هذه الأهداف والغایات تأسّست مؤسّسة وارث الأنبیاء للدراسات التخصّصیة فی النهضة الحسینیة، وهی مؤسّسة علمیّة متخصّصة فی دراسة النهضة الحسینیة من جمیع أبعادها: التاریخیة، والفقهیة، والعقائدیة، والسیاسیة، والاجتماعیة، والتربویة، والتبلیغیة، وغیرها من الجوانب العدیدة المرتبطة بهذه النهضة العظیمة، وکذلک تتکفّل بدراسة سائر ما یرتبط بالإمام الحسین(علیه السّلام).
وانطلاقاً من الإحساس بالمسؤولیة العظیمة الملقاة علی عاتق هذه المؤسّسة
ص: 9
المبارکة؛ کونها مختصّة بأحد أهمّ القضایا الدینیة، بل والإنسانیة، فقد قامت بالعمل علی مجموعة من المشاریع العلمیة التخصّصیة، التی من شأنها أن تُعطی نقلة نوعیة للتراث، والفکر، والثقافة الحسینیة.
بعد الدراسة المتواصلة التی قامت بها مؤسسة وارث الأنبیاء حول المشاریع العلمیة فی المجال الحسینی تمّ الوقوف علی مجموعة کبیرة من المشاریع التی لم یُسلَّط الضوء علیها کما یُراد لها، وهی مشاریع کثیرة وکبیرة فی نفس الوقت، ولکل منها أهمیته القصوی، إلا أنّه ووفقاً لجدول الأولویات المعتمد فی المؤسسة تمّ اختیار المشاریع العلمیّة الأکثر أهمیّة والتی یُعتبر العمل علیها إسهاماً فی تحقیق نقلة نوعیة للتراث والفکر الحسینی، وهذه المشاریع هی:
إنّ العمل فی هذا القسم علی مستویین:
ویعنی هذا القسم بالکتابة فی العناوین الحسینیة التی لم یتمّ تناولها بالبحث والتنقیب، أو التی لم تُعطَ حقّها من ذلک. کما یتم استقبال النتاجات القیمة التی أُلفت من قبل العلماء والباحثین فی هذا القسم، لیتم إخضاعها للتحکیم العلمی، وبعد إبداء الملاحظات العلمیة وإجراء التعدیلات اللازمة بالتوافق مع مؤلفیها یتمّ طباعتها ونشرها.
ص: 10
والعمل فیه قائم علی جمع وتحقیق وتنظیم التراث المکتوب عن مقتل الإمام الحسین(علیه السّلام)، ویشمل جمیع الکتب فی هذا المجال، سواء التی کانت بکتابٍ مستقل أو ضمن کتاب، تحت عنوان: (موسوعة المقاتل الحسینیّة). وکذا العمل جارٍ فی هذا القسم علی رصد المخطوطات الحسینیة التی لم تُطبع إلی الآن؛ لیتم جمعها وتحقیقها، ثمّ طباعتها ونشرها. کما ویتم استقبال الکتب التی تمّ تحقیقها خارج المؤسسة، لغرض طباعتها ونشرها، وذلک بعد إخضاعها للتقییم العلمی من قبل اللجنة العلمیة فی المؤسسة، وبعد إدخال التعدیلات اللازمة علیها وتأیید صلاحیتها للنشر تقوم المؤسسة بطباعتها.
وهی مجلّة فصلیة متخصّصة فی النهضة الحسینیة، تهتمّ بنشر معالم وآفاق الفکر الحسینی، وتسلّط الضوء علی تاریخ النهضة الحسینیة وتراثها، وکذلک إبراز الجوانب الإنسانیة، والاجتماعیة والفقهیة والأدبیة فی تلک النهضة المبارکة، وقد قطعت شوطاً کبیراً فی مجالها، واحتلّت الصدارة بین المجلات العلمیة الرصینة فی مجالها، وأسهمت فی إثراء واقعنا الفکری بالبحوث العلمیة الرصینة.
إنّ العمل فی هذا القسم قائم علی جمع الشبهات المثارة حول الإمام الحسین(علیه السّلام) ونهضته المبارکة، وذلک من خلال تتبع مضان تلک الشبهات من
ص: 11
کتب قدیمة أو حدیثة، ومقالات وبحوث وندوات وبرامج تلفزیونیة وما إلی ذلک، ثم یتم فرزها وتبویبها وعنونتها ضمن جدول موضوعی، ثمّ یتم الرد علیها بأُسلوب علمیّ تحقیقی فی عدة مستویات.
وهی موسوعة علمیة تخصصیة مستخرجة من کلمات الإمام الحسین(علیه السّلام) فی مختلف العلوم وفروع المعرفة، ویکون ذلک من خلال جمع کلمات الإمام الحسین(علیه السّلام) من المصادر المعتبرة، ثمّ تبویبها حسب التخصّصات العلمیة مع بیان لتلک الکلمات، ثم وضعها بین یدی ذوی الاختصاص؛ لیستخرجوا نظریات علمیّة ممازجة بین کلمات الإمام(علیه السّلام) والواقع العلمی.
وهی موسوعة تشتمل علی کلّ ما یرتبط بالإمام الحسین(علیه السّلام) ونهضته المبارکة من أحداث، ووقائع، ومفاهیم، ورؤی، وأعلام وبلدان وأماکن، وکتب، وغیر ذلک، مرتّبة حسب حروف الألف باء، وکما هو معمول به فی دوائر المعارف والموسوعات، وعلی شکل مقالات علمیّة رصینة، تُراعی فیها کلّ شروط المقالة العلمیّة، مکتوبة بلغةٍ عصریة وأُسلوبٍ حدیث.
إنّ العمل فی هذا القسم یتمحور حول أمرین: الأول: حول إحصاء الرسائل والأطاریح الجامعیة التی کُتبتْ حول النهضة الحسینیة، ومتابعتها من
ص: 12
قبل لجنة علمیة متخصّصة؛ لرفع النواقص العلمیة، وتهیئتها للطباعة والنشر، الثانی: حول إعداد موضوعات حسینیّة من قبل اللجنة العلمیة فی هذا القسم، تصلح لکتابة رسائل وأطاریح جامعیة، تکون بمتناول طلّاب الدراسات العلیا.
یقوم هذا القسم بمتابعة التراث المکتوب حول الإمام الحسین(علیه السّلام) ونهضته المبارکة باللغات غیر العربیة لنقله إلی العربیة، ویکون ذلک من خلال تأیید صلاحیته للترجمة، ثم ترجمته أو الإشراف علی ترجمته إذا کانت الترجمة خارج القسم.
یتم فی هذا القسم رصد جمیع القضایا الحسینیّة المطروحة فی جمیع الوسائل المتبعة فی نشر العلم والثقافة، کالفضائیات، والمواقع الإلکترونیة، والکتب، والمجلات والنشریات، وغیرها؛ ممّا یعطی رؤیة واضحة حول أهمّ الأُمور المرتبطة بالقضیة الحسینیة بمختلف أبعادها، وهذا بدوره یکون مؤثّراً جدّاً فی رسم السیاسات العامّة للمؤسّسة، ورفد بقیّة الأقسام فیها، وکذا بقیة المؤسّسات والمراکز العلمیة فی شتی المجالات.
ویتمّ العمل فی هذا القسم علی إقامة مؤتمرات وملتقیات وندوات علمیّة
ص: 13
فکریة متخصّصة فی النهضة الحسینیة، لغرض الإفادة من الأقلام الرائدة والإمکانات الواعدة، لیتمّ طرحها فی جوٍّ علمیّ بمحضر الأساتذة والباحثین والمحقّقین من ذوی الاختصاص، کما تتمّ دعوة العلماء والمفکرین لطرح أفکارهم ورؤاهم القیمة علی الکوادر العلمیة فی المؤسسة وکذا سائر الباحثین والمحققین وکل من لدیه اهتمام بالشأن الحسینی، للاستفادة من طرق قراءتهم للنصوص الحسینیة وفق الأدوات الاستنباطیة المعتمدة لدیهم.
وهی مکتبة حسینیة تخصّصیة تجمع التراث الحسینی المخطوط والمطبوع، أنشأتها مؤسسة وارث الأنبیاء، وهی تجمع آلاف الکتب المهمة فی مجال تخصصها.
وهو موقع إلکترونی متخصص بنشر نتاجات وفعالیات مؤسسة وارث الأنبیاء، فهو یقوم بنشر وعرض کتبها ومجلاتها التی تصدرها، وکذا الندوات والمؤتمرات التی تقیمها، وکذا یسلط الضوء علی أخبار المؤسسة ومجمل فعالیاتها العلمیة والإعلامیة.
یعمل هذا القسم ومن خلال کادر علمی متخصص علی تفعیل دور المرأة المسلمة فی النهضة الحسینیة وبأقلام علمیة نسویة من الجانب الدینی والأکادیمی، کما یعمل علی تأهیل الباحثات والکاتبات ضمن ورشات عمل
ص: 14
تدریبیة وفق الأسالیب المعاصرة فی التألیف والکتابة.
إنّ العمل فی هذا القسم قائم علی طباعة وإخراج النتاجات الحسینیة التی تصدر عن المؤسسة، وفقاً للبرامج الإلکترونیة المتطورة، وذلک من خلال کادر فنیّ متخصص، کما ویعمل علی تصمیم الأغلفة وواجهات الصفحات الإلکترونیة، ومن مهام هذا القسم أیضاً العمل علی برمجة الإعلانات المرئیة والمسموعة وغیرهما، وسائر الأمور الفنیّة الأخری التی تحتاجها کافّة الأقسام.
وهناک مشاریع أُخری سیتمّ العمل علیها إن شاء الله تعالی.
إنّ البحث عن الشعائر الحسینیة والتدقیق فی أبعادها وتأثیراتها وأدلتها من الأمور المهمّة جداً علی الصعید الفکری والعملی؛ لأن الشعائر تعتبر أحد أهم المحرکات الدینیة فی المجتمع الإیمانی، بل والإسلامی بل والإنسانی حیث تعتبر هی الظواهر أو الممارسات الظاهریة التی تحکی
المحتوی والمضمون. وللبحث عن الشعائر توجد جوانب وجهات متعددة، من أهمها مسألة الإفراط والتفریط فی الشعائر وأنه هل یوجد إفراط فی الشعیرة؟ وهل یوجد تفریط فی بعض الأحیان؟
والبحث هنا عن هذا الموضوع الحیوی من جهة التصویر والإمکان لا من جهة الممارسات الخارجیة الموجودة سابقاً أو التی فی الأزمان المتأخرة.
ص: 15
وقد تناول هذا الموضوع الأخ الشیخ زهیر التمیمی بالبحث والتنقیب وعرض الأدلة بشکل علمی تحقیقی وفق الموازین العلمیة المتبعة فی الأبحاث الفقهیة فی الدروس الحوزویة.
وقد تطرق لمجموعة من البحوث؛ منها: مجموعة من الأبحاث اللغویة والموضوعیة التی تعتمد علیها نتائج البحث.
ومنها: علاقة الناس بأهل البیت(علیهم السّلام) علی ضوء ما ثبت من حقهم.
ومنها: ما ینبغی أن یصدر من الناس تجاه الإمام الحسین(علیه السّلام).
وقد خرج بمجموعة من النتائج المهمّة، من خلال عرض الآیات والروایات وتدقیقها وتحلیلها وبیان أبعادها.
وأنهی بحثه بخاتمة تحت عنوان: ضرورة الالتزام بالأحکام الشرعیة بحسب قواعد التقلید وضرورة تهذیب الشعائر عما لا یلیق بمقام مجالس أهل البیت(علیهم السّلام) .
وفی الختام نتمنّی للمؤلِّف دوام السداد والتوفیق لخدمة القضیة الحسینیة، ونسأل الله تعالی أن یبارک لنا فی أعمالنا، إنّه سمیعٌ مجیبٌ.
ص: 16
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ
الحمد لله رب العالمین، وأفضل الصلاة والتسلیم علی خاتم الأنبیاء والمرسلین، المصطفی محمد وعلی أهل بیته المطهَّرین المعصومین، واللعنة الدائمة علی أعدائهم ومنکری فضائلهم إلی یوم الدین..... وبعد
فکما أنّ من ضروریات الدین القطعیة وجوبَ تعظیم شعائر الله، لأنّ مُنکِره منکرٌ للقرآن الکریم اللازم لإنکار نبوّة رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).
فکذلک من ضروریات المذهب الإمامی القطعیة کون الشعائر الحسینیة - فی الجملة - من أوضح مصادیق شعائر الله تعالی، بمقتضی عصمة الحسین(علیه السّلام) فعصمة نهضته اللازمة لکون کلّ ما صدر منه منسوباً إلی الله تعالی، ولذا أطلِق علیه أنه (ثأر الله)، فالجنایة العظمی التی وقعت علیه هی جنایة عظمی وجرأة کبری علی الساحة القدسیة لله تعالی.
وقد قال(عزوجل): «ذَلِکَ وَمَنْ یُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَی الْقُلُوبِ »(1).
والتقوی قدْ تکون لکلِّ عضوٍ وجارحةٍ خاصّة، فتقوی العَین والأذن واللسان
ص: 17
بحفظها عّما حرّمه الله تعالی، وتقوی الید عن استعمالها فی ما حرّم الله وهکذا، وهذه التقوی قد تجتمع فی شخصٍ وقد تفترق، وقد تجتمع فی حالٍ وقد تفترق، ولکن إذا کان القلب هو معروض التقوی فالنتیجة مختلفة، لأنّ مرکز الجوارح ومدیرها هو القلب - أی العقل - فإذا کانت للإنسان تقوی القلب فستکون له تقوی فی جمیع جوارحه وفی جمیع أحواله.
فهذه الآیة الشریفة بیَّنت أمرین مُهمَّین:
الأمر الأوّل: أنّ تقوی القلوب هو الأساس فی تقوی الجوارح.
الأمر الثانی: أنّ الطریق إلی تحصیل تقوی القلوب هو تعظیم الشعائر الإلهیة.
ولازم ذلک أنّ ترکَ التعظیم - وإنْ لم یکن توهیناً - خلافُ التقوی وجرأةٌ علی المولی.
وتعظیم الشعائر أمرٌ عرفی یتفاوت عندهم بحسبِ کلِّ موردٍ، وکلِّ مکان وزمان، مع التقیید بالقصد للتعظیم لأنه من الأمور القصدیة.
والشعائر الحسینیة المقدّسة لها فی الحقیقة حیثیتان:
1- الحیثیة الموضوعیة: من جهة کونها مطلوبة إما بعنوانها الخاصِّ أو العامِّ.
2- الحیثیة الطریقیة: فإنّ تعظیم الشعائر الحسینیة له دور مهم فی حفظ المذهب الحقّ وتقویة عقائد المؤمنین، المُترتب علیه تقویة الجانب العملی عندهم خُلُقاً وأحکاماً، وهذه هی أرکان الدین الأساسیة.
ص: 18
فالشعائر الحسینیة لها تأثیر فی بناء الفرد من أصل اعتقاده وباطنه القلبی، وکذلک تأثیرها فی وحدة مجتمع المؤمنین ووحدة کلمتهم وشعارهم وسلوکهم المطلوب تحت ظلّ علماء الطائفة، فتکون من أهمّ أسباب استمرار الخطّ الصحیح للإسلام، وتمییزه عن غیره من المذاهب.
ولذا نجد أنّ أعداء أهل البیت(علیهم السّلام) لم یکن یهمّهُم الجانب الموضوعی فی الشعائر من بکاءٍ ومجالس عزاءٍٍ لو لا إدراکهم تأثیرها علی بیان الحقائق ومعرفة الإسلام الحقّ وأئمته، وتمییز ذلک عن الطرق المنحرفة وأئمة الجور والظلم.
فقد کان سلوکهم باتجاهین:
الإتّجاه الأوّل: من جهة الإفتاء، حتی إنّهم حرّموا علی الوعّاظ روایة مقتل الحسین(علیه السّلام) وحکایاته کالغزالی وغیره(1).
والإتّجاه الثانی: من جهة القتل والنهب والتحریق والترهیب للشیعة عند إقامة الشعائر الحسینیة(2)،حتی إنّ حکامهم منعوا من الشعائر علی مرّ التأریخ(3)، وحسبکُ ما فعله الحَجّاج والمتوکّل العباسی فی زوار قبر الحسین(علیه السّلام)، بل وصلَ الأمر بهم إلی وضع أحادیث ونشرها بین العوامِّ
ص: 19
تُفید إثبات لزوم الفرح والسرور والاکتحال فی عاشوراء وعدّهُ من الأعیاد، مقابلةً للشعائر الحزینة للشیعة(1)، ولا یخفی أنّ منشأ أفعال الحُکّام والعوامِّ هو فتاوی وتوجیهات علمائهم.
ومن ثَمَّ فقد أکّد أئمتنا(علیهم السّلام) تأکیداً شدیداً علی ممارسة هذه الشعائر التی عدّوها من مصادیق المودّة لهم وأجر الرسالة لخاتم المرسلین(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).
حتی إنّه وردّ عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) عن طریق إبن عمر: «ألا وإنّ الحسین باب من أبواب الجنة، من عانده حرّمّ اللهُ علیه ریحَ الجنة»(2)، ومن مصادیق معاندته محاربة شعائره أو الاستخفاف أو التشکیک بها.
فرسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وأهل بیته(علیهم السّلام) هم من أسّس الشعائر الحسینیة - کما سیأتی - وصبغها بالصبغة الشرعیة الإلهیة لما لها من ضمان لحفظ عقائد الناس وتشذیبها من الشوائب، قال المظفر(قدسّ سرّه): «لأنها السبب الوحید لاجتماع کلمة الشیعة، ورسوخ عقائدهم، وبقاء ذکر الجمیل بکلّ معانیه للأئمة فیما بینهم، وتلک نکتة مستورة عن جمیع المسلمین حتی عن الشیعة أنفسهم، فإنهم لا یتصوّرون هذه الفائدة من عملهم، بل قصدهم الثواب الأخروی فقط»(3)، وهذا ما أشرنا إلیه من الحیثیّة الموضوعیة والحیثیة الطریقیة.
ص: 20
ومن أخطر أسلحة أعداء أهل البیت(علیهم السّلام) فی محاربة هذا الرکن المهمّ فی حفظ الدین، هو بثَّ السموم ونشر الشبهات بین الشیعة فی أصل الشعائر أو فی بعضها من جهة کونها غلوّاً وإفراطاً فی الدین، وأنّها من البدع التی لا دلیل شرعی علیها، فکان لزاماً علی من له القدرة علی الدفاع عن هذه الرکیزة المهمة أن یتصدّی لیتبیّن للناس ما هو الإفراط وما هو التفریط فیها.
راجین من المولی(عزوجل) أن یتقبله فی باب المودّة وأداء حقّهم العظیم علینا، وأن یکون البحث ذا فائدةٍ للمؤمنین وفقهم الله، وإن کان المخاطب فیه غالباً فئة أهل الفنّ والتحقیق خاصّة، والله من وراء القصد والحمد لله أولاً وآخراَ.
ص: 21
ص: 22
ص: 23
ص: 24
لو تأملنا فی الاختلافات الفکریة بین المتکلمین والمفکرین لوجدنا أنّ أکثرها یمکن رفعه ببیان المراد من الموضوعات المطروحة للبحث والإبرام، والإتفاق علی معانیها وحدودها عرفاً أو اصطلاحاً، ومن ثَمَّ یتبیّن أهمیّة الترکیز علی البحث الموضوعی وتقدّمه علی الخوض فی أصل الأحکام والأفکار.
وفیما نحن فیه فأنّ کثیراً من الغفلةِ عن معانی العناوین التی وردت فی النصوص الشرعیة صارت سبباً لإنکار البعض بعضَ الحقائق التی رغّب إلیها الشارع رأساً أو مقداراً وصفةً، وقد ثبتَ فی محلّه أنّ العناوین الشرعیة یُرجع فیها إلی ما یفهمه العرف السلیم، إنْ لم یثبت معنی شرعیٌّ خاصٌّ بها.
وفی هذا البحث سنتعرّض لأهمّ العناوین التی وردت فی النصوص والتی تعلّق بها بعض الأحکام الشرعیة، وقبل ذکرها ینبغی ذکْر ما یتعلّق بعنوان البحث، وهو(الشعائر الحسینیة)، فنقول:
من غیر المُجدی أن نبحث عن معنی (الشعائر) فی العرف واللغة، لأنّه لم ترد فی النصوص هذه العبارة مطلقاً، وإنّما وردتْ علی ألْسُن العلماء لأجلِ إدراجها
ص: 25
تحت عامٍّ فوقانی، وهو الشعائر الإلهیة، لإثبات استحباب ما یصدق أنّه شعیرة وإنْ لم یکن قد دلّ علی استحبابه دلیلٌ خاصٌّ.
وهی وإن کانت کذلک، ولکن مع وجود النصوص الکثیرة التی ذکرت عناوینَ مختلفة فیما یتعلّق برزیّة عاشوراء لا حاجة إلی إدراجها تحت هذا العنوان العام، وعلی أساس ذلک یمکن أن نقدّمَ تعریفاً توضیحیاً للشعائر الحسینیة فنقول: «الشعائر الحسینیة هی مجموعة الأفعال التی یقوم بها شیعةُ أهل البیت(علیهم السّلام) لبیان انفعالهم بما جری علی سید الشهداء وأهل بیته صلوات علیهم یوم عاشوراء».
ویبقی هناک عدة مفردات نحتاج إلی فهم معانیها قبل الخوض فی أصل البحث، نذکرها مع بیان ما یستفاد من کتب اللغة الکاشفة عن المعنی العرفی:
1- الإفراط والتفریط: قال الفراهیدی(رحمه الله): «الْفَرَطُ: مَا سَبَقَ من عمل وأجر... وأَفْرَاطُ الصَّبَاحِ: أوائلُ تَبَاشِیرِهِ... والإِفْرَاطُ: إِعْجَال الشی ء فی الأمر قبل التَثَبُّتِ، وأَفْرَطَ [فلانٌ] فی أمرِهِ، أی: عَجِلَ فیه وجاوز القدر... وفَرَطَ فلانٌ فی جَنْبِ الله، أی: ضیّع حظّه من عند الله فی اتّباع دینه ورضوانه»(1).
وقال الصاحب بن عباد: «الإِفْرَاطُ: إعْجَالُ الإِنْسَانِ فی أمْرٍ، والسَّحَابَةُ تُفْرِطُ الماءَ فی أوَّلِ الوَسْمِیِّ: إذا عَجَّلَتْه... قَوْلُه(عزوجل): « وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ » مِن قَوْلِهم أَفْرَطْتُ: تَرَکْتُ ونَسِیْتُ، ویکون بمعنی قَدَّمتُ، وهو من الأضداد... وقُرِئَ: (مُفَرَّطُونَ): أی
ص: 26
مُضَیَّعُوْنَ مُنَحَّوْنَ، کُلُّ أمْرِه فُرُطٌ: أی مُضَیَّعٌ... وفَرَّطْتُ الشَّیءَ تَفْرِیطاً: إذا أخَّرْتَه وخَلَّفْتَه»(1).
وقال إبن فارس: «الفاء والراء والطاء أصلٌ صحیح یدلُّ علی إزالةِ شی ءٍ عن مکانه وتنحیتِه عنه... فهذا هو الأصل، ثم یقال أفْرَطَ، إذا تجاوَزَ الحدَّ فی الأمر. یقولون: إیَّاک والفَرْطَ، أی لا تجاوِز القَدْر. وهذا هو القیاس، لأنَّه [إذا] جاوَزَ القَدْر فقد أزالَ الشَّی ء عن جهته. وکذلک التفریط، وهو التَّقصیر، لأنَّه إذا قصَّر فیه فقد قَعَد به عن رُتْبته التی هی له... أفرطَ فی الأمر: عجَّل»(2).
وأما الأزدی فقد قال: «الإفْراطُ: تجاوُز الحَدّ فی کلّ شی ء. والفَرْط والفَرَط مثله. یقولون: ایّاک والفَرْط فی الأمر، أی: الْزَمْ حَدَّ طَبیعتک، ولا تُفْرِط فی شهوتک له. والتّفْرِیط: التّقصیر»(3).
وقال إبن منظور: «الفارِطُ: المتقدّم السابقُ، فرَطَ یَفْرُط فُروطاً. قال أعرابیٌّ للحسَن: یا أَبا سَعِیدٍ، عَلِّمْنی دیناً وسُوطاً، لا ذاهباً فُروطاً، ولا ساقِطاً سُقوطاً، أَی دِیناً مُتوسِّطاً لا مُتقدِّماً بالغُلُوِّ ولا متأَخِّراً بالتُّلُوِّ، قال له الحسن: أَحسنت یا أَعرابی خیرُ الأُمورِ أَوْساطُها... فی حدیث علی رضوان اللّه علیه: لا یُری الجاهلُ إلّا مُفْرِطاً أو مُفَرِّطاً، هو بالتخفیف المُسرِف فی العمل، وبالتشدید المقصِّر فیه»(4).
ص: 27
خلاصة معنی الإفراط والتفریط: أنهما معنیان متقابلان وفی طرفی نقیض، أحدهما زیادة وإسراف فی الفعل وهو الإفراط، والآخر نقص وتقصیر - أو ترک - فی الفعل وهو التفریط، وکما هو واضح فإنهما أمران إضافیّان، من ذوات المتعلّق، فَلِلْحکمِ علی فعلٍ کونه إفراطاً أو تفریطاً لا بدّ من تحدید متعلقهما أولاً.
وبعبارةٍ أخری: ینبغی أنْ نثبّت أولاً ما هو الحدّ الوسط الذی ینبغی أن یکون حتی یمکن الحکم علی ما زاد علیه أنّه إفراطٌ، وما نقص عنه أنّه تفریطٌ.
ویُطلق علی الحدّ الوسط ب-(القصْد)، فیلزم ذکر مفهوم القصد.
2- القصد: وهو: «استقامة الطریقة... والقَصْدُ فی المعیشة إلّا تسرف ولا تُقَتِّر»(1)، وقال العسکری: «أنّ القصْد هو ترک الاسراف والتقتیر جمیعاً... ومقتصد لمن لا یتجاوز الحاجة ولا یقصر دونها»(2).
وقال الراغب الإصفهانی: «الْقَصْدُ: استقامة الطریق، ... والاقتِصَادُ علی ضربین: أحدهما محمود علی الإطلاق، وذلک فیما له طرفان: إفراط وتفریط کالجود، فإنه بین الإسراف والبخل، وکالشّجاعة فإنّها بین التّهوّر والجبن، ونحو ذلک، وعلی هذا قوله: «وَاقْصِدْ فِی مَشْیِکَ » [لقمان/19]...»(3)، وقال
ص: 28
إبن منظور:«والقَصْد فی الشی ء: خلافُ الإِفراطِ وهو ما بین الإِسراف والتَقْتیر»(1).
وعلی أساس ذلک لا طریق إلی معرفة صدْق الإفراط أو التفریط إلّا أن نثبت أولاً ما هو الذی یحقّق القصد والوسطیة، أی ما هو الحقّ الثابت علینا فی مقابل رزیّة عاشوراء المفجعة.
هذا هو المعنی المستفاد من کلمة الإفراط وهو الزیادة فی الشیء بحیث یخرجه عن حدّ الوسط والإعتدال، وهو ما یدل علی أن تکون الزیادة من جنس الشیء نفسه، من قبیل الحزن والحزن الشدید، ومن قبیل الشجاعة والتهوّر، ومن قبیل الکرم والإسراف، وأما إذا کانت الإضافة من غیر جنس أصل الشیء فلا یصدق علیه الإفراط بالمعنی المتقدم، وإنما هو شیء آخر وإن أطلق علیه الإفراط فی الشیء فی بعض الأحیان، ویمکن أنْ یکون هذا معنی ثانیاً للإفراط غیر المعنی الأوّل، إلّا أنه معنی خاطیء لا یستند إلی دلیل علمی، من قبیل الإتیان ببعض الأمور المحرّمة بعنوان الشعائر، فهذا لا یصدق علیه إفراط بمعناه الأوّل وإنما هو بالمعنی الثانی، والحدیث فی البحث هنا عن القسم الأوّل للإفراط.
3- الجَزَع: من المفردات التی تدخل فی صمیم موضوعنا هو عنوان (الجزع) الذی ورد فی بعض النصوص، فما هو مفهوم الجزع؟
ص: 29
قال إبن فارس: «الجزَع: نَقِیض الصّبر، وهو انقطاعُ المُنَّة عن حَمْل ما نزل»(1).
وقال غیره: «الجَزَعُ: أبلغ من الحزن، فإنّ الحزن عام والجزع هو: حزن یصرف الإنسان عمّا هو بصدده، ویقطعه عنه، وأصل الجَزَعِ: قطع الحبل من نصفه»(2).
وقال إبن منظور: «الجَزُوع: ضد الصَّبُورِ علی الشرِّ، والجَزَعُ نَقِیضُ الصَّبْرِ»(3).
4- الهَلَع: وقد ورد أیضاً فی بعض النصوص، قال العسکری: «وأما الهَلَع فهو أسوأ الجَزَع»(4)، وقریب منه قول الثعالبی: «الهَلَعُ: شدّة الجَزَع»(5)، وقال الزمخشری: «به هَلَعٌ: جَزَعٌ شدید»(6)، وقال أیضاً: «الهَلَع، وهو أشدُّ الجَزَعِ والضَّجَر»(7)، وقال إبن منظور: «الهَلَعُ:... وقیل: هو أَسْوأُ الجَزَعِ وأَفْحَشُه»(8).
5- القَرح: وقد وردت هذه المفردة أیضاً فی بعض النصوص، فیلزم التعرّف علی مفهومها.
قال الفراهیدی(رحمه الله): «قَرِحَ قلبه من الحزن»(9)، وقال الصاحب بن عباد(رحمه الله): «القُرْحُ - بالضَّمِّ -: ألَمُ الجِراحِ، والقَرْحُ: الجُرْحُ»(10)، وقال إبن
ص: 30
فارس: «قرح:... یدلُّ علی ألمٍ بجراحٍ أو ما أشبَههَا... القَرْح: قرْح الجِلد یُجرَح، والقَرح: ما یخرُجُ به من قُروحٍ تؤلمه. قال اللَّه تعالی: «إِنْ یَمْسَسْکُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ »(1)، وقال الراغب: «الْقَرْحُ: الأثر من الجراحة من شیء یصیبه من خارج، والْقُرْحُ: أثرها من داخل کالبثرة ونحوها، ... وقَرَحَ قلبُهُ وأَقْرَحَهُ اللّه، وقد یقال الْقَرْحُ للجراحة، والْقُرْحُ للألم»(2)، وقال الأزدی: «القَرْحَة: کلّ خُراج أو وَرَم إذا انفجر وبقی مُنفجراً... والقُرْح: الألم... الجمع قُرُح وقُرُوح، وهی تتولَّد عن الجِراحات وعن کلّ ما جَمَع مِدَّةً ثمّ انفجر وبَقِی مُنْفَجِراً»(3).
وقد فصّل إبن منظور أکثر فی المقام، فقال: «القَرْحُ الآثارُ، والقُرْحُ الأَلَمُ، قال یعقوب: کأَنّ القَرْحَ الجِراحاتُ بأَعیانها، وکأَنّ القُرْحَ أَلَمُها؛ وفی حدیث أُحُدٍ: بعدَ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ؛ هو بالفتح وبالضم: الجُرْحُ؛ ... أَراد ما نالهم من القتل والهزیمة یومئذٍ»(4)، بینما أضاف آخر قائلاً: «القَرْحُ، کفَلْسٍ: تفرُّقُ اتِّصالِ الجلدِ من بثرةٍ أو دواءٍ حادٍّ أو عَضِّ سلاحٍ وغیره... والقَرحَةُ: البثرةُ المنفتحةُ»(5).
ص: 31
6- اللدم واللطم: «اللَّدْمُ: ضرب المرأة صدرها وعضدیها فی النیاحة،والِالْتِدَامُ فعلها بنفسها»(1)، «وعلی الخَدِّ ببسْطِ الکف: لَطْمٌ..... وبکلتا الیدین: لَدْم»(2).
7- المودة: قال الفیض الکاشانی(قدسّ سرّه): «والمودة: هی من الودّ بمعنی الحب وکأنَّ الفرق بینها وبین الحب أنّ الحب ما کان کامناً فی النفس وربما لم یظهر أثره بخلاف المودّة فإنّها عبارة عن إظهار المحبة وإبراز آثارها من التألّف والتعطّف ونحو ذلک، فالحبّ أعم»(3)، وقال العسکری: «(الفرق) بین الحبّ والودّ؛ أنّ الحبّ یکون فیما یوجبه مَیل الطباع والحکمة جمیعاً، و الودّ من جهة مَیل الطباع فقط، إلّاتری أنّک تقول: أحبّ فلاناً وأودّه، وتقول: أحبّ الصلاة، ولا تقول: ألا تری الصلاة»(4)، وقال آخر: «والوِدُّ والوُدُّ کسراً وضمّاً: المودّة. والوَدُّ بالفتح مثله... أَوَدُّ: إذا أحببته، والاسم المَوَدَّةُ، وتَوَدَّدَ إلیه: تحبّب إلیه، وهو وَدُودٌ أی: مُحِب»(5).
ص: 32
ص: 33
ص: 34
یتکفَّل بیان الحدّ والحقّ الذی یُعتبر نقطة القصد والوسطیة من التعامل بالنسبة إلی أهل البیت(علیهم السّلام) ، فلا بدّ من الرجوع إلی معدن الحقّ المطلق وأصله، وهو کلام الله العزیز وسنّة نبیه الأکرم(صلّی الله علیه و آله وسلّم ):
الأدلّة التی تثبت حدود تحقق الإفراط أو التفریط فی حقّ أهل البیت(علیهم السّلام) :
وسنذکر - بما یسعه المقام - آیتین من الکتاب العزیز:
الآیة الأولی: قوله تعالی: « قُلْ لَا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی وَمَنْ یَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِیهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَکُورٌ » (1).
فی بدایة الاستدلال لابد من ذکر مقدمة یعتمد علیها الاستدلال:
ص: 35
لا بدّ من الإلتفات إلی قاعدة أصولیة فی مبحث تعلق الأوامر والنواهی، حیث قد ثبت فی محلّه أنَّ الأمر یتعلّق بالطبائع لا بالأفراد، فلو فرضنا أنّ التعبیر کان بصیغة الأمر - أو ما یدلّ علیه - بأنْ یکون التعبیر (تصدّق علی فقیر)، فتعلّق الأمر بطبیعة التصدّق، والطبیعة إنّما تتحقق بأحد أفرادها، مهما کانت مرتبته ضعیفة بالنسبة إلی الأمور التشکیکیة، فیمکنه التصدّق بألف دینار ویمکنه التصدّق بمئة دینار، وکان قد امتثل الأمر، لأنّ کلاً منهما یصدق علیه طبیعة التصدّق.
ولکن هذه القاعدة لا تجری فی هذه الآیة، لأنّ التعبیر لم یکن بصیغة «ودّوا ذی القربی»، أو «أسألکم المودّة فی القربی»، بل جاء بصیغة طلب المودّة باعتبارها أجراً علی رسالة نبینا محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ومما لا شکّ فیه لزوم تناسب الأجر مع قدر العمل عقلا، لقبح الظلم وحُسن العدْل وقاعدة الإحسان، وعقلائیاً فسیرتهم قائمة علی حفظ النظام المتقوّم بحفظ الحقوق.
وکذلک شرعاً کما دلّت علی ذلک بعض النصوص، کقوله(علیه السّلام): «مَنْ ظَلَمَ أَجِیراً أَجْرَهُ أَحْبَطَ اللهُ عَمَلَهُ وَحَرَّمَ عَلَیْهِ رِیحَ الجَنَّة»(1)، وقوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): «ولَعْنَة اللهِ عَلَی مَنْ ظَلَمَ أَجِیراً أَجْرَه...»، قال أمیر المؤمنین(علیه السّلام) فی تفسیره: «[لیس حیث ذهبت] یا أبا خدیجة [والأجیر] لیس بالدینار ولا بالدینارَین ولا بالدرهم ولا بالدرهمَین، بل من ظلم رسولَ الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أجره فی قرابته،
ص: 36
قال الله تعالی: «قُلْ لَا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی»، فمن ظلم رسولَ الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أجره فی قرابته فعلیه لعنة الله والملائکة والناس أجمعین»(1).
فلا بدّ أولاً من معرفة ما هو قدْر العمل الذی حقّقه رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لمعرفة ما یناسبه من أجر، فما الذی فعله رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فی رسالته؟
ولِنتعَرَّف أولاً علی وصْف المعصوم(علیه السّلام) لهذا العمل الجبّار، فقد روی الصدوق(قدسّ سرّه) بسندٍ معتبر إلی أبی الحسن الرضا(علیه السّلام): عَلِی بنُ الحُسَیْنِ بنِ شَاذَوَیْهِ المُؤَدِّبُ، وجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْرُورٍ رَضِیَ اللهُ عَنْهُمَا، عن مُحَمَّدِ بْن عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحِمْیَرِی، عَنْ أبیهِ، عَنِ الرَّیَّانِ بْنِ الصَّلْت(2)، عن أبی الحسن الرضا(علیه السّلام)، أنّه قال: «ومَا مَنَّ اللهُ بِهِ - أی برسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) - عَلَی أُمَّتِهِ مِمَّا
ص: 37
تَعْجِزُ الأَلسُنُ عَنْ وَصْفِ الشُّکْرِ عَلَیْه»(1).
وسرّ العجز عن الشکر هو عظمة العمل الذی قام به رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فقد أخرج الناس من الظلمات المطلقة إلی النور، ولا یختصّ بذلک الزمان، بل الناس تغرق فی بحر الظلمات فی کل زمان وتغوص فیها أکثر وأکثر، فلا ذکْرٌ لله تعالی،، ولا وجود لآدمیة بنی آدم لولا رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وبعبارة جامعة: أنّه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قد أحیی إنسانیة وآدمیة الإنسان فی کلّ مکان وزمان، فعظَمة العمل لا یعرف قدرها إلّا الله، فکیفَ یُمکن أن یُقدّر بشرٌ محدود ما فعله رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) حتی نأتی إلی مرحلة الإیفاء بأجْرِه؟
وقد بیّن الإمام العسکری(علیه السّلام) أنّ لولاهم لکان الناس کالبهائم، فقد روی الصدوق(قدسّ سرّه) بسندٍ معتبر مکاتبة إسحاق النیسابوری مع الإمام العسکری(علیه السّلام) نذکر منها محلّ الشاهد، قال(علیه السّلام): «إنّ اللهَ تَعَالَی بمَنِّهِ ورَحْمَتِهِ لَمَّا فَرَضَ عَلَیْکُمُ الْفَرَائِضَ لَمْ یَفْرِضْ ذَلِکَ عَلَیْکُمْ لِحَاجَةٍ مِنْهُ إِلَیْهِ، بَلْ رَحْمَةً مِنْهُ إِلَیْکُمْ لا إِلَهَ إلّا هُوَ، لِیَمِیزَ الخَبِیثَ مِنَ الطَّیِّبِ ولِیَبْتَلِیَ مٰا فِی صُدُورِکُمْ ولِیُمَحِّصَ مٰا فِی قُلُوبِکُمْ... ولَوْلا مُحَمَّدٌ(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) والأَوْصِیَاءُ مِنْ وُلْدِهِ کُنْتُمْ حَیَارَی کَالْبَهَائِمِ، لا تَعْرِفُونَ فَرْضاً مِنَ الْفَرَائِضِ وهَلْ تُدْخَلُ قَرْیَةٌ إلّا مِنْ بَابِهَا؟ فَلَمَّا مَنَّ اللهُ عَلَیْکُمْ بِإِقَامَةِ الأوْلیَاءِ، بَعْدَ نَبِیِّکُم(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قَالَ اللهُ(عزوجل):«الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتِی وَرَضِیتُ لَکُمُ الْإِسْلَامَ دِینًا »، وفَرَضَ عَلَیْکُمْ
ص: 38
لِأَوْلِیَائِهِ حُقُوقاً فَأَمَرَکُمْ بِأَدَائِهَا إِلَیْهِمْ لِیُحِلَّ لَکُمْ مَا وَرَاءَ ظُهُورِکُمْ مِنْ أَزْوَاجِکُمْ وأَمْوَالِکُمْ ومَأْکَلِکُمْ ومَشْرَبِکُمْ، ویُعَرِّفَکُمْ بِذَلِکَ الْبَرَکَةَ والنَّمَاءَ والثَّرْوَة، ولِیَعْلَمَ مَنْ یُطِیعُهُ مِنْکُمْ بِالْغَیْبِ، وقَالَ اللهُ تَبَارَکَ وتَعَالَی: «قُلْ لَا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی»، فَاعْلَمُوا أَنَّ مَنْ یَبْخَلْ فَإِنَّمٰا یَبْخَلُ عَلَی نَفْسِهِ إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِیُّ وأَنْتُمُ الْفُقَرٰاءُ إِلَیْهِ لا إِلهَ إلّا هُوَ، فَاعْمَلُوا مِنْ بَعْدِ مَا شِئْتُمْ فَسَیَرَی اللهُ عَمَلَکُمْ ورَسُولُهُ والمُؤْمِنُونَ ثُمَّ تُرَدّونَ إِلیٰ عٰالِمِ الْغَیْبِ والشَّهٰادَةِ فَیُنَبِّئُکُمْ بِمٰا کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ والعٰاقِبَةُ لِلْمُتَّقِینَ والحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِینَ»(1).
وخلاصة ما یُستفاد من الآیة المبارکة: أنّها جعلت المودّة لذی القربی أجراً مقابلاً لعمل رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، والعمل ما لا یمکن إدراک عظمته - فضلاً عن وصفه - فلا بدّ من أن یکون الأجر هو أعلی مراتب المودة لقربی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) - ولیس أی مرتبة من مراتب الطبیعة - بما یتناسب مع عظمة العمل.
بل قد یصل الأمر إلی الهلکة مع ترک مودّتهم، کما روی الشیخ بإسناده إلی موسی الکاظم(علیه السّلام): «... الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی عَرَّفَنِی مَا کُنْتُ بِهِ جَاهِلاً ولَولا تَعْرِیفُهُ إِیَّایَ لَکُنْتُ هَالِکاً، إِذْ قَالَ وقَوْلُهُ الحَقُّ: «قُلْ لَا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی »،فَبَیَّنَ لِی الْقَرَابَةَ»(2).
ص: 39
لا یُقال: إنّ أعلی مراتب المودة غیر مقدور علیه، بل هو حرام شرعاً، لأنّه ینتهی فی الحزن إلی قتل النفس، والممتنع شرعاً کالممتنع عقلاً، فیسقط التکلیف به.
لأنّه یُقال: إنّ أعلی مرتبة تکون لکلِّ شخصٍ بحسَبه، وبما أنّ التکلیف بغیر المقدور قبیحٌ أو محال، فیکون المطلوب هو أعلی مرتبة مقدورة من المودّة عقلاً وشرعاً.
ولیس هو من باب قاعدة المیسور، بل من باب أصل توجّه التکلیف بما هو مقدور، وهذا واضح عند العقلاء، فمن کان مدیوناً لشخصٍ بمئة دینار، وکان لا یملک إلّا خمسین، فلیس له أنْ یقول بأنّی غیر قادر علی المئة فیسقط عنّی لزوم الإیفاء رأساً.
وعلیه؛ فالمطلوب - بحسب الآیة - هو أعلی مراتب المودّة لهم(علیهم السّلام) ، والذی یقدر علی مرتبة ما - مهما بلغتْ - وأدّی مرتبةً أقلّ منها لم یمتثل الأمر لأنّ المأمور به المرتبة المقدورة العُلیا.
وقد روی محمد بن سلیمان الکوفی بسنده إلی أبی ذر(رحمه الله)، والصدوق(قدسّ سرّه) بسنده إلی أبی لیلی، والطوسی بسنده إلی إبن مسعود، عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أنّه قال: «لا یؤمن عبدٌ حتی أکون أحبَّ إلیه من نفسه، وأهلی أحبّ إلیه من أهله،
وعترتی أحبّ إلیه من عترته، وذاتی أحبّ إلیه من ذاتهِ»(1).
ص: 40
ولذا فإنّه لو کنّا نحن والآیة لاعْتُبِر جمیع المسلمین مقصّرین إلّا ما ندر من الأوحدیین، لوجود التناسب بین المعرفة بمقامهم وفضلهم وبین المودّة المؤداة فی حقّهم، وقد قال(علیه السّلام) فی بیان معیار امتثال آیة المودة: «إِنَّمَا تَکُونُ عَلَی قَدْرِ مَعْرِفَةِ الْفَضْل»(1).
فکلّما کانت معرفة الإنسان بفضلهم أکبر کان صدور المودّة منه أکبر، ولم یکن ممّن یمتلک هذه المعرفة آنذاک إلّا سبعة، کما قال الصادق(علیه السّلام): «فَواللهِ مَا وَفَی بهَا إلّا سَبْعَةُ نَفَرٍ»(2)، فکیف یتصوّر إفراطٌ فی حقّ أهل البیت(علیهم السّلام) ، بل کلّه تقصیر وتفریط وقصور.
وتتجلّی هذه الحقیقة فی قول الرضا(علیه السّلام) فی معتبرة إبن الصلت: «فَلَمَّا أَوْجَبَ اللهُ تَعَالَی ذَلِک، ثَقُلَ ذَلِکَ لِثِقَلِ وجُوبِ الطَّاعَةِ فَتَمَسَّکَ بِهَا قَوْمٌ قَدْ أَخَذَ اللهُ مِیثَاقَهُمْ عَلَی الْوَفَاءِ»(3).
ولأجلِ خطورة مفاد هذه الآیة تصدّی بعض کبار علماء المخالفین لتحریف هذه النتیجة بإرتکاب مخالفة الظاهر، وذلک بحمل الاستثناء فیها علی الاستثناء المنقطع(4)،أو بحمل الأجْر علی
ص: 41
المجاز(1)،أو - بعد أنْ سلّموا بکونه استثناءاً متصلاً والأجر حقیقیاً، فقالوا: - بنسخها بآیة: «قُلْ مَا سَأَلْتُکُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَکُمْ إِنْ أَجْرِیَ إِلَّا عَلَی اللَّهِ وَهُوَ عَلَی کُلِّ شَیْءٍ شَهِیدٌ » (2)، بل إنّ بعضهم بعد أنْ قال بالنسْخ تجرَّأ قائلاً: ف-«إنْ شئتم آذوهم وإنْ شئتم امتنعتم»(3).
کلّ هذه الوجوه متمسکین ببعض الحُجَج الضعیفة، نذکرها فی مناقشة الفخر الرازی الذی جمعها فی تفسیره:
ذکر الفخر الرازی(4) إشکالاً فی الآیة، وهو عدم جواز طلب الأجر من قِبَل النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وذکر وجوهاً علی ذلک منها:
(أنّه تعالی حکی عن أکثر الأنبیاء أنّهم صرّحوا بنفی طلب الأجرة، فذکر
ص: 42
فی قصة نوح(علیه السّلام): «وَمَا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِیَ إِلَّا عَلَی رَبِّ الْعَالَمِینَ »(1)، وکذا فی قصة هود وصالح، وفی قصة لوط وشعیب(علیهم السّلام) ، ورسولنا أفضل من سائر الأنبیاء فکان بألّا یطلب الأجر علی النبوّة والرسالة أولی).
(أنه صلّی الله علیه [وآله] وسلّم صرّح بنفی طلب الأجر فی سائر الآیات فقال: «قُلْ مَا سَأَلْتُکُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَکُمْ »(2)، وقال: «قُلْ مَا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَکَلِّفِینَ » (3).
فیلزم التنافی فی القرآن وهو باطل.
(العقل یدلّ علیه وذلک لأنّ ذلک التبلیغ کان واجباً علیه قال تعالی: « بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَیْکَ مِنْ رَبِّکَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ »(4)، وطلب الأجرِ علی أداء الواجب لا یلیق بأقلِّ الناس، فضلاً عن أعلم العلماء).
ولعلّ مراده بعدم اللیاقة هو قبحه العقلی، لعدم استحقاق الأجر علی فعل الواجب.
ص: 43
(أنّ النبوّة أفضل من الحکمة، وقد قال تعالی فی صفة الحکمة: « مَنْ یَشَاءُ وَمَنْ یُؤْتَ الْحِکْمَةَ فَقَدْ أُوتِیَ خَیْرًا کَثِیرًا » (1)، وقال فی صِفة الدنیا:« قُلْ مَتَاعُ الدُّنْیَا قَلِیلٌ » (2)، فکیف یحسن فی العقل مقابلة أشرف الأشیاء بأخسِّ الأشیاء).
(أنّ طلب الأجر کان یُوجِب التُّهمة، وذلک ینافی القطْع بصحّة النبوّة)، وهو یؤول إلی إدراک العقل بلزوم نفی کلّ ما یشین أو یورد التهمة والتشکیک بالرسول.
وبعد أنْ أوردَ هذه الإشکالات وسلّم بعدم جواز طلب الأجر من قِبَل الرسول، قام بحرف الآیة عن ظهورها، فأجاب عن الإشکالات جمیعاً بجوابین:
الجواب الأوّل: بحملِ الأجر علی المجاز، لأنّ المودّة واجبة بین جمیع المسلمین بحسب النصوص، «وإذا کان حصول المودة بین جمهور المسلمین واجباً فحصولها فی حق أشرف المسلمین وأکابرهم أولی»، فیرجع فی الحقیقة إلی عدم طلب الأجر، بل هو تأکید علی أمرٍ واجب بین جمیع المسلمین، ولیس کأجرٍ علی الرسالة.
ص: 44
الجواب الثانی: أنْ نحمل الاستثناء علی المنقطع - المنفصل - فیکون الکلام قد تمَّ عند قوله: «لا أسالکم أجراً»، ثمّ تأتی جملة جدیدة، «أی: لکن أذکّرکُم قرابتی منکم، وکأنّه فی اللفظ أجرٌ ولیس بأجرٍ» أی لیس المُراد بالأجر الأجر الحقیقی.
کما یُلاحظ - إنْ أحسنّا الظنّ - فإنّ محور الإشکال هو ممنوعیة أخذ الأجر من قِبل النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) علی رسالته الواجبة، وهنا جواب عامّ وأجوبة لکلّ ما ذکره من إشکالات:
أمّا الجواب العامّ فنقول: إنّ ما ذُکر من محذور إنّما یأتی لو کان المقصود من الأجر هو الأجر المادی الدنیوی، ولکن المفروض أنّ الأجر هو أمر یتعلّق بإکمال الإیمان، ویعود علی المسلم بالخیر، ومنه یتبیّن المُراد من قوله تعالی: «قُلْ مَا سَأَلْتُکُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَکُمْ »، أی یعود نفْعُه علیکم، مُضافاً إلی أنّ النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لم یطلب الأجر من عنده، بل الله تعالی هو الذی أمره بهذا الطلب، فلا یکون منافیاً لعدم جواز أخذ الأجرة علی الواجب.
وقد ورد فی معتبرة الریّان عن الرضا(علیه السّلام): «فَقَامَ رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فِی أَصْحَابِهِ فَحَمِدَ اللهَ وأَثْنَی عَلَیْهِ وقَال: یَا أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللهَ(عزوجل) قَدْ فَرَضَ لِی عَلَیْکُمْ فَرْضاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُؤَدُّوهُ؟ فَلَمْ یُجِبْهُ أَحَدٌ، فَقَالَ: یَا أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَیْسَ مِنْ فِضَّةٍ ولا ذَهَبٍ ولا مَأْکُولٍ ولا مَشْرُوبٍ، فَقَالُوا: هَاتِ إِذاً، فَتَلا عَلَیْهِمْ هَذِهِ الآیَةَ»(1).
ص: 45
وقد دفع الشبهة أمیر المؤمنین(علیه السّلام) بقوله لأبی
خدیجة: «[لیس حیثُ ذهبتَ] یا أبا خدیجة [والأجیر] لیس بالدینار ولا بالدینارَین، ولا بالدرهم ولا بالدرهمین، بل مَن ظَلمَ رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أجره فی قرابته، قال الله تعالی: «قُلْ لَا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی »، فمن ظَلمَ رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أجرَه فی قرابته فعلیه لعنة الله والملائکة والناس أجمعین»(1).
ولذلک تجد أکثر علماء المخالفین نصْباً وعداءاً قد اعترف بأنّ المودّة هی أجر الرسالة، ففی بیان تفسیر الواحدی، قال إبن حجر فی صواعقه: «أخرج الدیلمی عن أبی سعید الخدری أنّ النبی[(صلّی الله علیه و آله وسلّم )] قال: «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ » عن ولایة علی»، وکأنّ هذا هو مراد الواحدی بقوله: رُوِی فی قوله تعالی: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ)، أی عن ولایة علی وأهل البیت لأنّ الله أمرَ نبیّه أنْ یُعرِّف الخلقَ أنّه لا یسألهم علی تبلیغ الرسالة أجراً إلّا المودة فی القربی، والمعنی أنّهم یُسألون هَل والَوهم حقّ الموالاة کما أوصاهم النبی، أم أضاعوها وأهملوها فتکون علیهم المطالبة والتبعة؟»(2).
ومنه یتبیّن دفع الإشکال الرابع، فالعقل لا یحسن مقابلة أشرف الأشیاء وهی النبوّة مع أبخسها وهو المال والمادیات، ولکن إذا کان الأجر هو المتمّم لرسالة الرسول، ولیس أمراً مادیاً فالعقل یحسّنه.
ص: 46
وکذلک قد انتفی الإشکال الخامس، لأنّ طلب المال والدنیا یوجب تعریض النبوّة للشک والتهمة، ولیس ما ذکرنا من أمرٍ مهم.
أمّا جواب الإشکال الثالث: فجوابان:
الجواب الأوّل: أنّ حکم العقل بعدم استحقاق الأجر علی الواجب، وقبْح طَلَبه مِن قبَل الفاعل، هو حکم معلّق علی عدم إیجاب المولی باستیفائه، فلو قال المولی: (إدفن المیت)، ثمّ قال: «من یدفن المیّت فلْیَسْتَوفِ أجره»، فلا قبحَ فیه.
الجواب الثانی: فی الحقیقة توجد مغالطة فی الإشکال، لأنّ القبیح أنْ یطلب من المولی أجرَ ما أوجبه علیه، لأنه لا یستحق الثواب علی الواجب، ولکنّ هنا یوجد تکلیفان ومُکلّفان:
الأوّل: تکلیف الرسول بتبلیغ الرسالة إلی الناس.
والثانی: تکلیف الناس بمودّة ذی القربی فی مقابل النعمة التی صدرت منه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) علی جمیع الناس.
فهذه المودّة لیست فی مقابل ذلک الواجب الذی أدّاه، وإنّما فی مقابل ما تولّد بسبب امتثال ذلک الواجب، ألا تری أنّه لا یقبحُ أخذ الأجرة علی الصنعات التی تدخل فی معاش الناس مع کونها واجبة؟
وأمّا جواب الإشکال الأوّل - وهو لزوم التنافی فی القرآن لوجود الآیات الدالّة علی نفْی الأجر بالنسبة إلی الأنبیاء الآخرین(علیهم السّلام) - فأصل الإشکال غلط محض، لأنّ نفی شیء عن مکلّف لا ینافی إثباته علی آخر، فقد نفی الله
ص: 47
تعالی الأجر بالنسبة إلی نوحٍ وهودٍ وصالح ولوط(علیهم السّلام) ، ولکنْ أثْبَته فی خصوص سیّدِهم محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ولا وجه للتنافی بینهما، ولا یوجد ما یدلّ بعمومه علی نفْی الأجر عن الأنبیاء لیشمل المصطفی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ولو وُجِدَ لخصّص بآیة المودة.
بل لو وُجِدَت آیةٌ تنفی الأجْر فی خصوص سیدنا الرسول الأعظم(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لَقُلْنا بنسخِها بهذه، کما عن البعض(1).
قال إبن شهرآشوب(قدسّ سرّه): «فهذه الآیات لا تخلو إمّا أن تکون نزلت قبلها أو بعدها، فإن کانت نزلت قبلها فلا تکون ناسخة لها، وإن کانت نزلت بعدها فهی تؤکّده فإنه لیس فی ظاهر الآیة ما یوجب سقوط الأجر والله تعالی أخبرهم بأن ذلک الأجر لهم یثابون فیه بمودتهم أهل بیته إذا فعلوا ذلک»(2).
هذا تمام الکلام فی دفع أصل الإشکال عن ظهور الآیة، ومنه یتبیّن أنّه لا وجه لما قاموا به من توجیهات لصرف الآیة عن مدلولها.
أما بالنسبة إلی دعوی التجوّز فی معنی الأجْر، فقد ثبت أنّه لا محذور فی الأخذ بمعناه الحقیقی، فلا مجوّز للصیر إلی التجوّز، وحمل الآیة علی خلاف ظاهرها.
وأما الحمل علی الاستثناء المنقطع، فهو خلاف الظاهر أیضاً، کما ثبت
ص: 48
فی محلّه(1)، بل صرّح فخر المحققین(قدسّ سرّه) أنّ الاتّصال هو الحقیقة(2)،فالقول بکونه استثناءاً منفصلاً تجوّز آخر لا وجه له.
أما القول بنسخِ هذه الآیة بآیاتِ عدم سؤال الأجر، فأقلّ ما یمکن أنْ یوصف أنّه شططٌ من القول، إنْ لم نقل بأنّه یکشف عن نصْبٍ دفین لأهل البیت(علیهم السّلام) ، کما یظهر من قول السمرقندی سابقاً: «إنْ شئتُم آذوهم، وإنْ شئتم امتنعتم»، لأنّه قد ثبت بإجماع المسلمین أنّه لا یمکن القول بالنسخ إلّا بدلیلٍ قطعیٍّ، والأصل عدم النسخ، مضافاً إلی أنّ بعض الآیات التی أدّعیَ کونها ناسخة تتعلّق بالأنبیاء السابقین(علیهم السّلام) ، ولا ینسخ المتقدّمُ المتأخّرَ، وقد أجری الله الحقَّ علی لسان بعضهم فقال: «والقول بنسخ هذه الآیة غیر مرضی، لأنّ مودة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وکفَّ الأذی عنه ومودّةَ أقاربه من فرائض الدین، وهو قول السَلَف فلا یجوز المسیر إلی نسخ هذه الآیة»(3).
ومما ذکرنا یتبیّن عدم تمامیة کلام مفید الطائفة(قدسّ سرّه) فی مناقشته للشیخ الصدوق(قدسّ سرّه)، فراجع(4) فإنّه لا یخلو من فائدة.
ص: 49
من الثابت عند مذهب العدلیة هو تبعیّة الأحکام - بنحوٍ ما - للمصالح أو المفاسد فی متعلقاتها، وغالباً لا نعلم حقیقة تلک المصلحة أو المفسدة إلّا ما یخبرنا بها الشارع، وفی هذه الآیة المبارکة وردَ حکم وجوب المودة للقربی، وقد مرّ أنّ نفع إمتثاله یعود إلی المکلّفین بِحَسَب الآیة الأخری، ولکن ما حقیقة تلک المنفعة؟
قد بیّن الإمام الرضا(علیه السّلام) - فی معتبرة الریّان - وجهاً من وجوه تلک المنفعة، بقوله: «أنْ یَکُونَ الرَّجُلُ وَادّاً لِلرَّجُلِ فَیَکُونُ بَعْضُ أهل بَیْتِهِ عَدُوّاً لَهُ، فَلا یَسْلَمُ لَهُ قَلْبُ الرَّجُلِ، فَأَحَبَّ اللهُ(عزوجل) أَنْ لا یَکُونَ فِی قَلْبِ رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) عَلَی المُؤْمِنینَ شَیْ ءٌ، فَفَرَضَ عَلَیْهِمُ اللهُ مَوَدَّةَ ذَوِی الْقُرْبَی فَمَنْ أَخَذَ بِهَا وأَحَبَّ رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وأَحَبَّ أهل بَیْتِهِ لَمْ یَسْتَطِعْ رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أَنْ یُبْغِضَهُ، ومَنْ تَرَکَهَا ولَمْ یَأْخُذْ بِهَا وأَبْغَضَ أهل بَیْتِهِ فَعَلَی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أَنْ یُبْغِضَهُ، لأَنَّهُ قَدْ تَرَکَ فَرِیضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللهِ(عزوجل)»(1).
ما أعظم مکانة رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، إنّه بیان لارتباط عالم الإمکان بقلب الخاتم المقدّس، فلعلّ مسلماً أحبّ رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وأمتثل أوامره کما ینبغی، ولکن لِخفیّةٍ ما أبغضَ أهل بیته(علیهم السّلام) ، فمن البدیهیّ أنّ قلب رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لا یکون راضیاً عنه ولا یمکنه أن یحبّه لمکانتهم فی قلبه، فکیف یرضی الله عن
ص: 50
ذلک المسلم، وکیف یدخله جنانه وحبیبه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لم یرضَ عنه؟
ولأجل ذلک أمر تعالی الناس بالمودّة لهم، حتی یرضی رسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) عنهم - بل لا یستطیع عادةً أنْ یکره من مُلِیء قلبُه بحبّ أهل بیته - فیرضی تعالی عنهم، والعکس صحیح.
بعد أنْ ثبتَ أنّ الاستثناء متّصلٌ بدون أیّ مانع، یجری قانون التناسب بین العمل والأجر المطلوب علیه، وحیث إنّ العمل - رسالة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وهدایة البشریة - لا یمکن وصف حدود عظمته، فبالبداهة لا بدّ من أنْ یکون الأجر أعظم ما یمکن - شرعاً وعقلاً - وقد عیّنَ المولی ذلک الأجر وهو مودّة القربی، فلا بدّ بحکم هذه الآیة من امتثال مودّة القربی بأعظم ما یمکنه الإنسان، غایة الأمر أنّ أعظم مراتب المودّة غیر مقدور، فیکون التکلیف بحسب کلّ مکلّف وقدرته، وقد بیّن(علیه السّلام) فی معتبرة الریّان الحدّ المقدور الذی یجب علی الناس امتثاله، فقال(علیه السّلام): «وأَنْ یَجْعَلُوهُمْ فِیهِمْ بِمَنْزِلَةِ الْعَیْنِ مِنَ الرَّأْسِ»(1)، وفیه معانٍ کثیرة یمکن استنباطها لو لا ضیق المقام، ولکن أقلّ ما یمکن تسجیله من هذا التنزیل الرائع، هو أنّه کما أنّ الإنسان یضحّی بکلّ شیء للحفاظ علی عینَیه، فکذلک یجب علیه فی مقابل أهل البیت(علیهم السّلام) .
ص: 51
ولذا ذکر العلامة المجلسی(قدسّ سرّه) مرتبةً فی مودّتهم وعبّر عنها بأنّها أقلّ مرتبةٍ تُفهم من الآیة، قال: «وأقلّ مرتبتها أن یکونوا أحبَّ من أنفسنا»(1).
وفی بیان الوجه من التعبیر ب-(فی القربی)، ولیس (للقربی)، أو (مودّة القربی) قال الزمخشری: «جُعِلوا مکاناً للمودة، ومقرّاً لها کقولک: لِی فی آل فلان مودّة، ولی فیهم هوی وحبّ شدید، تُرید أحبُّهم وهم مکان حبّی ومحلّه، ولیست (فی) بِصِلةٍ للمودة کاللام إذا قلت إلّا المودّة للقربی، إنّما هی متعلقة بمحذوف تعلّق الظرف به... وتقدیره: إلّا المودة ثابتةٌ فی القربی، ومتمکِّنة فیها»(2).
فإذا ثبت وجوب هذه المرتبة من المودّة، نعود إلی ما سجّلناه من المعنی اللغوی للمودّة، فعلی ما ذکره الفیض(قدسّ سرّه)، بأنّها إظهار المحبّة وإبراز آثارها، فیجب إظهار محبّتهم بأعلی ما یمکن من درجات الإظهار، فی أحزانهم وأفراحهم، وفی متابعتهم.
وأمّا علی ما ذکره العسکری فی فروقه، بأنّ المودّة بمعنی التوجّه بمَیل الطباع دون الحکمة، فتنتفی مسألة مراعاة التعقّل فی المودّة، فکیف لو کان المطلوب أعظم مراتبها؟
وهذا لا ینافی أنّ أصل لزوم امتثال وجوب المودّة قد ثبت بحکم العقل، ولکن بعد ثبوت التکلیف من المولی فلا یبقی إلّا فهم المُراد من المکلَّف به، فإنْ ثبتَ أنّه أمرٌ عاطفی محض فلا مجال للتعقّل فیه.
ص: 52
بل حتّی علی من قال بأنّها مساویة للمحبة(1) یمکن إثبات المطلوب، لأنّ الحُبّ أمرٌ نفسانی غیر اختیاری، فالتکلیف به فی الحقیقة هو تکلیفٌ بمبدئه لأجل منتهاه، فنحنُ مکلَّفون بالمقدّمات التی تؤدّی إلی محبتهم(علیهم السّلام) ، لا للمحبة فقط، بل لأجل أنْ یکون لها آثارها من الإتّباع والانفعال بما یجری علیهم، فهل یُعقَل أنّ شخصاً یحبّ شخصاً أکثر من أمّه وأبیه وزوجته وبنیه، ثمّ لا ینفعل فی أحزانه وأفراحه؟
ونتیجة ذلک: أنّه لا یُتَصوَّر الإفراط والإسراف فی مودّتهم، بل کلّ ما یقدَّم فی حقّهم فهو تفریط وتقصیر وقصور.
الآیة الثانیة: قوله تعالی: «وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَیْکُمْ مِنْ رَبِّکُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ یَأْتِیَکُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ »*«أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ یَا حَسْرَتَا عَلَی مَا فَرَّطْتُ فِی جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ کُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِینَ »(2).
والجَنْب: الناحیة من کلّ شیء، وهو غیر الشیء، ویدلّ علی القرب(3)، قال الفرَّاء: «الجَنْبُ: القُرْبُ. وقوله: عَلی ما فَرَّطْتُ فِی جَنْبِ اللهِ، أَی فی قُرْبِ اللّهِ وجِوارِه»(4).
ص: 53
هناک ثلاثة أرکان فی الاستدلال:
أنّ الوعید بالعذاب یدلّ علی کون العمل من کبائر الذنوب، ولکنّ ترتّب الحسرة والخسران علی مطلق التقصیر لا یمکن تصوّره فی الأحکام الفرعیة، ففی جمیعها من صلاة وصیام وحجٍّ یصدر التقصیر والتفریط من عامّة الناس - إلّا من عصمَ اللهُ - وقد یُعاقَب علیها العبدُ بعقوبةٍ دنیویةٍ فیُبْتلی ویُطهَّر منها، وقد یُغْفَر له فی الآخرة لحَسناتٍ فعلها أو شفاعةٍ یُشفَع له بها، فلا بدّ من أنْ یکون المُراد منها ما لا جابر له ولا شفاعة، وهی الأمور المرتبطة بعقیدة الإنسان بحیث یترتّب علی مطلق التفریط فیها الخسران والحسرة.
متعلّق الوعید هو التفریط، أی التقصیر فی أمرٍ، فالوعید علی جانب التفریط فی أمرٍ معیّن دون الإفراط یدلّ علی أحدِ أمرین علی نحو مانعة الخلو:
الأمر الأوّل: استحالة
جانب الإفراط، أو عدم وقوعه.
الأمر الثانی: جواز
الإفراط فیه.
وعلی أیٍّ من الاحتمالین یثبت حرمة التفریط فی هذا الأمر فقط، ولا مطرح للإفراط فیه.
ص: 54
متعلّق التفریط المنهیّ عنه هو جنب الله، فما هو جنب الله؟
وقبل بیان المُراد من (جنب الله)، یلزم ذکْر مقدمتین:
المقدمة الأولی: أنّ الوعید والتهدید علی أمرٍ مبهمٍ له سعة فی حدود مفهومه هو أمر لا یمکن صدوره من حکیم، لأنّه ینافی الغرض من الوعید، وهو امتثال العبد وانبعاثه نحو متعلّقه، فلو کان متعلّقه غیر محدّد لزم وقوع العبد فی حَیرةٍ فلا یمکنه الانبعاث نحوه.
ولو رجعنا إلی المعنی اللغوی لَرَأیْنا أنّ مفهوم (الجَنْب) أمرٌ غیر محدّد، مثل (ناحیة الله)، (قرب الله)، فلا یتحصّل معنی واضح لکی یتجنّب المکلّف هذا الوعید والحسرة والخسران علی التفریط به.
وعلیه لا یمکن المصیر إلی المعنی العُرفی، بل لا بدّ من البحث عن معنی خاصٍّ أرید من لفظ (الجنب) فی الآیة.
وسواءاً أکان المفهوم العرفی ممکن الأخذ به أم لا، یجب الرجوع إلی عِدْل القرآن فی کشف المُراد الواقعی من کلمات القرآن علی جمیع المبانی:
1- مبنی الأخباریین، من عدم حجیة ظواهر الکتاب لغیر المعصوم(علیه السّلام)، فمن الواضح عدم جواز الرکون إلی المعنی العرفی، بل لا بدّ من الرجوع الیهم(علیهم السّلام) .
2- مبنی المشهور - حجیة ظواهره علی الجمیع - ومبنی المیرزا القمی(قدسّ سرّه) - حجیته علی المشافهین أولاً وعلی الجمیع بالاشتراک ثانیاً - فإنّ حجیّته
ص: 55
للجمیع لا فی مرتبة واحدة، وإنّما یُقدَّم استظهار المعصوم(علیه السّلام) عند اختلاف الفهم العرفی مع استظهاره، إمّا لأنّه سیّد أهل العرف، أو لعلمه بإرادة معنی خاصٍّ.
3- الرأی المختار(1): هو حجیة ظواهر الکتاب العزیز لغیر المعصوم(علیه السّلام)، لأنّ حجیّة الظاهر إنّما تکون مع عدم العلم بالمُراد الواقعی للمتکلّم، والمعصوم(علیه السّلام) مُخاطَبٌ بالمراد الواقعی الجدّی للکتاب، فلا موضوع لحجیّة ظواهر الکتاب بالنسبة إلیه، فإنْ وُجِد بیان المُراد الواقعی للمعصوم(علیه السّلام) کان هو الحجّة وإلّا فظهور المعنی العرفی یکون هو الحجّة.
وفیما نحن فیه توجد روایات متعددة فی بیان المراد من لفظ (جنب الله)، نذکر ما هو معتبر منها:
1- معتبرتَا الجُهنی: محمد بن الحسن الصفّار(قدسّ سرّه)، عن أحمد بن مُحَمَّد، عَنِ الْحُسَینِ بنِ سَعِید، عَنْ فَضَالَةَ بنِ أَیُّوب، عَنِ القَاسِمِ بنِ یَزِیدَ(2)، عَن مَالِک الْجُهَنِی(3)،قَال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه(علیه السّلام) یَقُولُ: «إِنَّا شَجَرَةٌ مِنْ جَنْبِ اللهِ فَمَنْ وَصَلَنَا وَصَلَهُ اللهُ،... ثُمَّ تَلا هَذِهِ الْآیَةَ: «أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ یَا حَسْرَتَا عَلَی مَا فَرَّطْتُ فِی جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ کُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِینَ »(4).
ص: 56
الصفّار، عن أحمد بن محمد، عَنِ الْبَرْقِی، عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَیْد، عَنْ یَحْیَی بن الْحَلَبِی، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُسْکَان، عَنْ مَالِکٍ الْجُهَنِی، نحوه(1)).
2- معتبرة علی بن سوَید: الصفّار عن أحمد بْن مُحَمَّد، عَنِ الحُسَیْنِ بنِ سَعِید، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسماعیل، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ بَزِیع(2)، عَنْ عَلِیٍّ السَّائِیِّ(3)، عن أبی الْحَسَنِ موسی(علیه السّلام) فی قَوْلِ اللهِ تعالی: «أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ یَا حَسْرَتَا عَلَی مَا فَرَّطْتُ فِی جَنْبِ اللَّهِ»، قَالَ: «جَنْبُ اللهِ هُوَ أَمِیرُ المُؤْمِنِینَ، وکَذَلِکَ مَنْ کَانَ مِنْ بَعْدِهِ مِنَ الأَوْصِیَاءِ بِالمَکَانِ الرفیعِ إِلَی أَنْ یَنْتَهِیَ الأَمْرُ إِلَی آخِرِهِمْ... »(4).
3- صحیحة أو حسنة خثیمة: محمد بن الحسن الصفار، عن عَبْد اللهِ بن عامِر، عَنِ العَبَّاسِ بنِ مَعْرُوف، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أبی عَبدِ اللهِ الْبَصْرِیِّ، عَنْ أبی الْمِعْزَی، عَنْ أبی بَصِیر، عَنْ خَیْثَمَةَ(5)،عَنْ أبی جَعْفَر(علیه السّلام) قَال: سَمِعْتُهُ یَقُولُ: «نَحْنُ جَنْبُ اللهِ، ونَحْنُ صَفْوَتُه ... ونَحْنُ الْجُسُورُ والْقَنَاطِرُ، مَنْ مَضَی عَلَیْهَا سَبَقَ، ومَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا مَحَقَ... »(6).
ص: 57
وهناک نصوص أخری، لا مجال لذکرها فراجع(1).
أنّ المُراد من کلمة (جنب الله) فی هذه الآیة، هو أمیر المؤمنین والأئمة من ولده صلوات الله علیهم أجمعین.
هذا تمام بیان الرکن الثالث من الاستدلال، وهو المراد من (جنب الله) الذی تعلّق به النهی عن التفریط فیه، فینبغی أن نجمع الأرکان الثلاثة:
هو أنّ ترتّب الحسرة والخسران وعذاب الآخرة یلازم کون العمل من الکبائر التی لا تُغتفَر، وأنّها تؤول إلی الإخلال بالاعتقاد الصحیح للمسلم.
هو أنّ متعلّق الوعید والحسرة هو التفریط فی هذا الأمر، أمّا الإفراط فیه فلا معنی له، والنهی یقتضی عدم إیجاد أیّ فردٍ من الطبیعة.
هو أنّ متعلّق الوعید علی التفریط فیه هم الأئمة المعصومون(علیهم السّلام) .
إنّ أیّ فعلٍ أو ترکٍ یصدق علیه أنّه تفریط وتقصیر - مهما کانت مرتبته فی الصدق ضعیفة - فی حقّ أهل البیت(علیهم السّلام) یستوجب الحسْرة والعذاب
ص: 58
الأخروی، مع فتْح الباب أمام الإفراط، إما لعدم تحقّقه - کما مرّ فی الآیة السابقة - أو لمطلوبیّته.
ویؤیّد ذلک: قوله(علیه السّلام) فی الروایة الأخیرة: «ونَحْنُ الجُسُورُ والْقَنَاطِرُ، مَنْ مَضَی عَلَیْهَا سَبَقَ، ومَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا مَحَقَ»، فالتخلّف والتفریط یلزم المَحْق.
نعم، مع الشکِّ فی صدْق التفریط فی أمرٍ ما لا یمکن التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة، ولکن قد ثبت فی البحث الموضوعی أنّ صدق التفریط متوقّف علی معرفة الحقّ الذی ینبغی أن یکون، فإذا کان الفعل فی مقابل جنْب الله تعالی، فهذه النسبة إلی المُنعم المُطلق تدلّ علی علوّ نقطة القصْد.
وعلی أساس ذلک: مَهما فعَل الإنسان فی حبّهم ومشارکتهم أفراحهم وأحزانهم، وإحیاء أمرهم لا یُعَدّ إفراطاً، بل هو قلیل فیهم، لأنّهم جنْب الله الذی من فرّط فیه لزمته الحسرة والندامة الأبدیة.
ویفید ما ذکرنا، الروایة التی أسندها فرات الکوفی إلی أبی ذر(رحمه الله)، عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أنّه وصفَ نفسه وأهل بیته(علیهم السّلام) قائلاً: «... ونَحْنُ جَنْبُ اللهِ الَّذِی یُنَادِی مَنْ فَرَّطَ فِینَا یَوْمَ الْقِیَامَةِ بِالحَسْرَةِ والنَّدَامَةِ، ونَحْنُ حَبْلُ اللهِ المَتِینُ الَّذِی مَنِ اعْتَصَمَ بِهِ هُدِیَ إِلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ، ولا یَزَالُ مُحِبُّنَا مَنْفِیّاً مُودِیاً مُنْفَرِداً مَضْرُوباً مَطْرُوداً مَکْذُوباً مَحْزُوناً بَاکِیَ الْعَیْنِ حَزِینَ الْقَلْبِ حَتَّی یَمُوتَ [فِی ذَلِکَ] وذَلِکَ فِی اللهِ قَلِیلٌ»(1).
هذا ما وسِع المقام بالنسبة إلی الکتاب العزیز.
ص: 59
محمد بن الحسین (الشریف الرضی(قدسّ سرّه))، عن هَارُون بن مُوسَی، بسندٍ متّصلٍ إلی موسی بن جعفر(علیه السّلام)، عن آبائه(علیهم السّلام) عن أمیر المؤمنین(علیه السّلام)، قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): «یا عَلِیّ؛ مَثَلُکُمْ فِی النَّاسِ مَثَلُ سَفِینَةِ نُوحٍ مَنْ رَکِبَهَا نَجَا ومَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا غَرِق... إلی أن قال: یَا عَلِیُ « وَلِلَّهِ عَلَی النَّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَیْهِ سَبِیلًا » ومَنْ کَانَ لَهُ عُذْرٌ فَلَهُ عُذْرُهُ، ومَنْ کَانَ فَقِیراً فَلَهُ عُذْرُهُ، ومَنْ کَانَ مَرِیضاً فَلَهُ عُذْرُهُ، وإِنَّ اللهَ لا یُعْذِرُ غَنِیّاً ولا فَقِیراً ولا مَرِیضاً ولا صَحِیحاً ولا أَعْمَی ولا بَصِیراً فِی تَفْرِیطِهِ فِی مُوَالاتِکُمْ ومَحَبَّتِکُمْ»(1).
المقدمة الأولی: تنقسم التکالیف الشرعیة إلی قسمین:
القسم الأوّل: التکالیف المشروطة بالقدرة الشرعیة، وهی التکالیف التی یؤخَذ فی لسانها اشتراط القدرة أو الاستطاعة، کالحجّ، وتؤول إلی اعتبار القدرة فی ملاکات الأحکام، فمع انتفاء القدرة لا یکون مطلوباً ولا مصلحة فیه أصلاً.
القسم الثانی: التکالیف المشروطة بالقدرة العقلیة، وهی جمیع التکالیف
ص: 60
التی لا یُذکر فیها اشتراط القدرة، بل العقل یدرک قبح تکلیف العاجز، مع بقاء المصلحة علی حالها.
المقدمة الثانیة: قد ثبت فی محلّه أنّه إذا شکّ فی ثبوت التکلیف مع العلم ببقاء الملاک فالقاعدة هی الاشتغال ولیس البراءة، فلا بدّ من الفراغ الیقینی، کما فی موارد الشکّ فی القدرة علی الامتثال، کما لو شکّ فی القدرة علی حفر الأرض لدفن المیِّت المُسلم من جهة الشکِّ فی صلابة الأرض وسهولتها، فقد ثبت فی محلّه کون هذه الموارد مجری الاحتیاط لا البراءة، والسِّرُّ فی ذلک أنَّه وإنْ کانت موارد الشکِّ فی التکلیف مجری البراءة إلّا أنَّ غرض المولی فی هذه الموارد لم یُقیَّد بالقدرة قطعاً، لأنَّ غرضه حفظ حرمة المیِّت المُسلم وحفظ جسده من الهتک، وهذا إنَّما یکون بدفنه ومواراته فی الأرض، والفرض أنَّ هذا الغرض لم یُقیِّده المولی بالقدرة، بل هو ثابت علی کل حال، فمع الشکّ فی القدرة علی تحقیق غرض المولی لا ینتفی الغرض، فإنَّه باقٍ علی کلّ حالٍ لأنه مطلق(1).
والحاصل: بعد ثبوت عدم تقیُّد غرض المولی بالقدرة علیه، وقد تعلَّق بذمَّة المُکلَّف قطعاً، فمع الشکِّ فی سقوطه وعدمه یحکم العقلُ بلزوم امتثاله کما کان یحکم بلزوم امتثال تکالیف المولی.
ص: 61
وهنا: لو کان التعبیر: «أن لا تُفرّطوا فی محبتهم وولایتهم»، لکان التکلیف مشروطاً بالقدرة العقلیة، فمع العذر ینتفی التکلیف، ومع انتفائه لا علم لنا ببقاء الملاک، ومع الشکّ بالقدرة یجری أصل البراءة، ولکن هنا تعبیران مؤثّران:
التعبیر الأوّل: فی
توطئته(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) بذکْر الحجّ ومقابلته بحرمة التفریط، فکشف لنا أنّ مسألة التفریط فی مقابل التکالیف المشروطة بالقدرة الشرعیة، التی ینتفی الملاک بانتفائها، فهنا تکلیفٌ لا ینتفی الملاک بانتفاءه، لأنّ فی الحجّ ینتفی الملاک من الوجوب مع العذر، وهنا لا یکون معذوراً فالملاک باقٍ.
فلو کان فی موردٍ فیه تفریط وشککنا ببقاء الحرمة، کان الملاک للحرمة موجوداً قطعاً.
التعبیر الثانی هو: أنّ قوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): (لا عُذر) یُخبِر عن حقیقةٍ مهمة - مضافاً إلی إنشاء حکم حرمة التفریط - وهی عدم اشتراط حرمة التفریط بالقدرة، أی أنّ ولایتهم ومحبتهم غیر مشروطة بالقدرة، فالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) نفی المعذوریة مُطلقاً - وما ذکره(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) من العمی والمرض والفقر من باب المثال الغالب - .
فبالنسبة إلی کل فعلٍ - أو ترْکٍ - لا یخلو من صور:
الصورة الأولی: أنْ
یکون جازماً بکونه تفریطاً فی محبتهم، فیحرم قطعاً.
الصورة الثانیة: أنْ یجزم بکونه لیس تفریطاً، فیجوز ویکون مطلوباً قطعاً، سواء أصَدَقَ علیه الإفراط، أم لا.
ص: 62
الصورة الثالثة: أنْ یجزم بکونه تفریطاً، مع الشکّ فی معذوریته، فیعود إلی الشکّ فی القدرة مع العلم بوجود غرض المولی، والأصل فیه جریان قاعدة الاشتغال، فیحرم فعله - أو ترکه -،کما مرّ فی المقدمة الثانیة.
الصورة الرابعة: أنْ یشکّ فی کونه تفریطاً فلا یمکنه التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة لنفس العامّ، فیکون فاقداً للدلیل، ولکن مع احتماله التفریط الواقعیّ لا مسوّغ له للإقدام، لأنّ غایة ما یمکن أنْ یکون مسوّغاً هو معذوریة الجهل المشمول لحدیث الرفع، ومع ثبوت المقدمة الثانیة - وهی عدم المعذوریة مطلقاً، التی تکشف عن بقاء الملاک واقعاً- یکون نظیر مسألة قوّة المحتَمل، کما لو احتمل مسمومیّة الطعام، فلا یسوّغ العقلُ له الإقدام والأکل.
1- عدم معذوریة أیّ فعل - أو ترکٍ - بالنسبة إلی أهل البیت(علیهم السّلام) إلّا أنْ یقطع بعدم کونه تفریطاً فی حبهم وولایتهم.
2- وجوب ما قابل التفریط، ویشمل الإفراط - إنْ صدق - وغیره، إمّا بالدلیل أو بالأصل.
صحیحة الجُهَنی: أحمد بن محمد البرقی، عن إبن مَحْبُوب، عَنْ عَمْرِو بنِ أبی المِقْدَامِ، عَن مَالِک بنِ أعْیَنَ الجُهَنِیِّ، قَال: أقْبَلَ إِلَیَّ أبو عَبْدِ اللَّه(علیه السّلام) فَقَالَ: «یا مَالِکُ أَنْتُمْ واللهِ شِیعَتُنَا حَقّاً، یا مَالِکُ تَرَاکَ قَدْ أَفْرَطْتَ فِی القَولِ فِی فَضْلِنَا؟
ص: 63
إِنَّهُ لَیْسَ یَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَی صِفَةِ اللهِ وکُنهِ قُدْرَتِهِ وعَظَمَتِهِ، فَکَمَا لا یَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَی کُنْهِ صِفَةِ اللهِ وکُنْهِ قُدْرَتِهِ وعَظَمَتِهِ - ولِلهِ المَثَلُ الأَعْلیٰ - فَکَذَلِکَ لا یَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَی صِفَةِ رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وفَضْلِنَا ومَا أَعْطَانَا اللهُ ومَا أَوْجَبَ مِنْ حُقُوقِنَا»(1).
الجهة الأولی: قوله(علیه السّلام): «تراک قد أفرطتَ فی القول فی فضلنا؟» بتقدیر الهمزة، «أ تراک. . » فهو استفهام مجازی، ویُقال له: الإستفهام الإنکاریّ، ویفید الإخبار للإنکار، ومعناها نفی المتعلّق(2)،
أی: ما أفرطْتَ فی ذلک، ومثاله قوله تعالی: «أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ » (3)، أی ما شهدوا ذلک.
فقد نفی(علیه السّلام) تحقّق الإفراط بالنسبة إلی حقّهم وفضلهم، فکل ما یصدر من الناس لا یمکن أن یتّصف بالإفراط فی حقّ أهل البیت(علیهم السّلام) .
الجهة الثانیة: من جعله المقابلة والمقایسة بین العجْز عن إدراک صفة الله تعالی ومعرفة کنه عظمته وقدرته، وبین العجْز عن الوصول إلی صفة رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وفضل أهل بیته(علیهم السّلام) وأداء حقّهم.
فالجهة الأولی أثبتت عدم تحقّق الإفراط مُطلقاً، والجهة الثانیة فیها ترقٍّ حیث أثبتتْ - بواسطة التمثیل - أنّ کل ما یُقدَّم فی حقّهم لیس إلّا تفریطاً.
ص: 64
والخلاصة: من مجموع الجهتین یثبت لنا أنّه کما أنّ الإفراط منفیٌّ ومحال فی وصف الله تعالی ووصف عظمته، فکذلک فی حقّهم(علیهم السّلام) الذی أوجبه الله تعالی علی الناس، لا یمکن تصوّر الإفراط فیه، بل کلّ فعلٍ - جارحیّ أو نفسیّ - یکونون هم متعلقّه فهو تقصیر أو قصور وحسب.
أما سند الحدیث فهو صحیح، وقد مرّ ذکر توثیق مالک الجهنی، أما عمرو بن أبی المقدام - ثابت العجلی - فقد وثّقه إبن الغضائری وغیره من الأعلام(1)،وحسْبه أنّه قد روی عنه صفوان وإبن أبی عمیر، فهو من مشایخ الثقات(2).
صحیحة أبی بصیر ومحمد بن مسلم: الشیخ الصدوق(قدسّ سرّه) عن أبیه، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن عیسی بن عبید الیقطینی، عن القاسم بن یحیی، عن جدّه الحسن بن راشد، عن أبی بصیر ومحمد بن مسلم، عن أبی عبد الله(علیه السّلام) قال: «حدثنی أبی، عن جدّی، عن آبائه(علیهم السّلام) أنّ أمیر المؤمنین(علیه السّلام) قال: ... إنّ الله تبارک وتعالی أطّلعَ إلی الأرض فاختارنا، واختار لنا شیعة
ص: 65
ینصروننا ویفرحون لفرحنا ویحزنون لحزننا، ویبذلون أموالَهم وأنفسهم فینا، أولئک منّا وإلینا»(1).
بیّن(علیه السّلام) المقام السامی للشیعة، فهم بهذه المواصفات:
1- المختارون من قِبَل الله تعالی بعد اختیاره للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وآله(علیهم السّلام) .
2- ینصرون أهل البیت(علیهم السّلام) ، بکلّ ما یصدق علیه النصرة.
3- ینفَعلون ویتأثرون بما یجری علی أهل البیت(علیهم السّلام) ، فیفرحون إذا فرحوا، ویحزنون إذا حزنوا، ولازمه خروج مَن لا یتأثر بهم أو من یتأثّر علی خلاف تأثّرهم عن هذا المقام العظیم.
4- بیان الحدّ الذی ینبغی أنْ یکون الشیعی بالغاً له لیبلغ مقام التشیّع وهو بذْل المال والنفس فی أهل البیت(علیهم السّلام) ، فما معنی البَذْل؟ وما هی خصوصیته؟
البذْل هو إباحة الشیء والعطاء عن طیب نفس(2)،فمهما قدّم الإنسان ولم یکن برضا قلبی وطیب نفسٍ لا یُعدّ بذلاً.
وحیث إنّ الأصل فی العناوین هو الاحترازیة، فلازم ذلک أنّ من لا یبذل المال والنفس فیهم لا یکون فی دائرة الشیعة، حتّی لو قدّم لهم ولم یکن عن طیب نفس.
ص: 66
5- نتیجة هذا المقام بعد تحصیله، أنّهم من أهل البیت(علیهم السّلام) وإلیهم.
إنْ قلت: إنّ هذا مقامٌ خاصّ، وهم الشیعة الخلّص لا عموم الشیعة، لأنّا نعلم بأنّ هناک طبقة خاصّة من الشیعة وهم الحواریّون، وهناک السواد الأعظم من الموالین الذین یشملهم عنوان الشیعة حُکماً، فلا یدلّ علی الوجوب.
قلتُ:
أولاً: وردتْ فی بعض النصوص صفاتُ الشیعة مع وجود قرینة علی عدم التعمیم، بل إرادة طبقة خاصّة، وهنا القرینة مفقودة.
وثانیاً: الروایة بیّنت ما یجب أنْ یکون علیه الشیعی کحُکْمٍ أوّلیٍّ، أما باب التفضّل والقبول ممّن لا یصل إلی هذا المقام لقرینة خارجیة فله مقام آخر.
وثالثاً: سلّمنا وجود ضرورة علی عدم وجوب هذا الأمر، فلا أقلّ یثبت لدینا أمران:
الأمر الأوّل: الاستحباب والمطلوبیة القوّیة لبذل المال والنفس فیهم.
الأمر الثانی: أنّه لا یتصوّر الإفراط - بالمعنی الذی تقدّم - فی سبیل أهل البیت(علیهم السّلام) ، فهل یملک الإنسان أغلی من النفْس؟
دلالة هذه الصحیحة علی المطلوبیة الشدیدة - إنْ تنزّلنا عن الحکم الإلزامی والوجوب - لأنْ یبذل الإنسان کلّ ما یملکه فی سبیلهم وفی نصرتهم(علیهم السّلام) ، ومن مصادیقه نصرتهم بإحیاء حقّهم وبیان مظلومیتهم ومقامهم.
ص: 67
کلّ رجاله من الثقات الإمامیة، وقد یُتوهّم ضعف القاسم وجدّه لِما عن إبن الغضائری والعلامة من تضعیفهما(1)،وهو مردود:
أولاً: بعدم اعتبار تضعیفات إبن الغضائری، لمبالغته وإغراقه فی الطعن، مع عدم ثبوت نسبة الکتاب الموجود فی زماننا إلیه(2).
وثانیاً: تضعیفات العلامة غیر معتمدة علی المشهور لبُعد الفترة.
وثالثاً: حتی لو قلنا بقبول تضعیفات العلامة(قدسّ سرّه)، فهنا لا یُقبل لاعتماده علی تضعیف إبن الغضائری، کما أشار إلیه بعض الأعلام(قدسّ سرّه)(3).
وفی مقابل هذا التضعیف المشکوک توجد عدّة أمور تفید توثیقهما:
- منها: توثیق الصدوق(قدسّ سرّه) للزیارة التی أوردها فی الفقیه قائلاً: «اخترتُ هذه لهذا الکتاب لأنّها أصحّ الزیارات عندی من طریق الروایة»(4)، وهو ظاهر فی أنّ التوثیق من جهة الروایة والسند، لا لقرائن أخری، مع أنّ فی سندها القاسم بن یحیی وجدّه الحسن بن راشد(5).
ص: 68
- ومنها: روایة إبن أبی عمیر(رحمه الله) عن الحسن بن راشد، بل ممّن أکثر الروایة عنه(1)، فیشمله التوثیق العامّ فی شهادة الشیخ الطوسی(قدسّ سرّه).
- ومنها: روایة أجلّاء الطائفة عنهما، ولا سیما القمّیین، وفیهم من کان یقوم بطرد الرواة من قم لروایته عن الضعفاء، کأحمد بن محمد بن عیسی الذی أکثر الروایة عنهما(2)، وقد أنحصر طریق الصدوق إلیهما بثلاثة منهم وهُم؛ إبراهیم بن هاشم، وأحمد بن محمد بن عیسی، وسعد بن عبد الله الأشعری(3)، وفی مشیخة الشیخ الطوسی فی رجاله وفهرسته عن أحمد بن محمد بن عیسی(4)، وکذلک روی عن القاسم أحمد بن إسحاق ومحمد بن خلف(5) وهما من وجوه الطائفة.
فحتّی علی القول بعدم قبول روایة الأجلّاء فی التوثیق، ففی مورد بحثنا اجتماع مجموعة من الأجلاء وإکثارهم فی الروایة مما یُضعف احتمال عدم وثاقتهما جداً.
وقد کفانا بعضُ أعلام عصرنا فی کافیه(6)
العناء، بجمعه لوجوه توثیقهما وردّ ما ورد من تضعیف فراجع.
ص: 69
وبعیداً عن السند فإنّ هذه الروایة التی یُصْطلح علیها بحدیث (الأربع مئة) قد تلقّاها الأصحاب بالقبول، ووزّعوا أحکامه علی الأبواب(1)،وقد قال العلامة المجلسی(قدسّ سرّه) عنها: «إعلم أنّ أصل هذا الخبر فی غایة الوثاقة والاعتبار علی طریقة القدماء، وإنْ لم یکن صحیحاً بزعم المتأخرین، واعتمد علیه الکلینی(رحمه الله) وذکر أکثر أجزائه متفرقةً فی أبواب الکافی، وکذا غیره من أکابر المحدثین»(2)، فالتشکیک فی صدور هذه الروایة لا یعتدّ به.
مستفیضة أبی لیلی: فقد رواها الصدوق وعماد الدین الطبری بثلاثة أسانید مختلفة إلی عبد الرحمن بن أبی لیلی عن أبیه، قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): «لا یُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّی أَکُونَ أَحَبَّ إِلَیْهِ مِنْ نَفْسِه، وأهْلِی أَحَبَّ إِلَیْهِ مِنْ أَهْلِه، وعِتْرَتِی أَحَبَّ [أعزّ] إِلَیْهِ مِنْ عِتْرَتِه، وذَاتِی أَحَبَّ إِلَیْهِ مِنْ ذَاتِهِ»(3).
الاستثناء بعد النفی یُفید الحصر، والنکرة فی سیاق النفی تفید العموم، فظهور الکلام أنّه لا إیمان إلّا بأنْ یکون النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أحبّ إلی الشخص من نفسه، ویکون أهله بیت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وعترته أحبّ للشخص من أهل بیته، فإذا تساوت محبتهم مع محبة أهل بیته عند شخص فلیس بمؤمن.
ص: 70
إنّ ما یفعله الشخص عند مصیبته بأهل بیته - الناشیء من حبّه لهم - لا یجوز أنْ یساوی ما یفعله عند مصیبة أهل بیت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وإلّا فقد زالت عنه صفة الإیمان.
وعلیه یجب أنْ تکون فجیعته بهم(علیهم السّلام) أعظم من فجیعته بأهله وَوَلَده، ومن الثابت بالوجدان أنّ الرجل قد یضرب نفسه ویشتدّ صراخه وعویله عند إصابته بأهل بیته وأعزّ الناس إلیه، وقد ینهار ویُغشی علیه، فإذا کان المطلوب أنْ یفعل أکثر من ذلک فی مصیبة أهل البیت(علیهم السّلام) فهل یتصوّر وصف الإفراط فیهم؟
ومن ثَمَّ یمکن إدراک قوله(علیه السّلام): «لِکُلِّ شَیْ ءٍ أَسَاسٌ، وأَسَاسُ الإسلام حُبُّنَا أهل الْبَیْتِ»(1).
وقوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): «أَثْبَتُکُمْ قَدَماً عَلَی الصِّرَاطِ أَشَدُّکُمْ حُبّاً لأَهْلِ بَیتِی»(2).
ونفهمُ أیضاً العلاقة بین العبادة والتسبیح من جهةٍ، وبین الانفعال لما یجری علیهم من جهةٍ أخری، حیثُ قال(علیه السّلام): «نَفَسُ المهموم لِظلْمِنا تسبیحٌ، وهَمُّه لنا عبادة».
ویتبیّن لنا الوجه فی تعقیبه(علیه السّلام) للحدیث بهذا التنبیه المهم، بقوله: «یجب أنْ یُکتب هذا الحدیث بالذهب»(3).
ص: 71
الدعاء الموسوم ب-(دعاء الندبة).
نقله محمد بن المشهدی(قدسّ سرّه) عن محَمّد بن أبی قُرَّةَ - الثقة(1) - من کِتَابِ مُحَمَّدِ بن الحُسَینِ بنِ سُفیَانَ البَزَوفَرِیّ رَضِیَ اللهُ عَنْهُ(2)، وذَکَرَ فِیهِ أَنَّهُ الدُّعَاءُ لِصَاحِبِ الزَّمَانِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَیْهِ وعَجَّلَ فَرَجَهُ وفَرجَنا بِه(3).
ولکن العلامة المجلسی(قدسّ سرّه) قال فی زاد المعاد بأنه مروی بسندٍ معتبر عن الصادق(علیه السّلام)(4)، ویا حبّذا لو کان قد نقل لنا هذا السند المعتبر.
وسنذکر ما یرتبط ببحثنا من الدعاء: «فَعَلَی الأَطَائِبِ مِن أهل بَیتِ مُحَمَّدٍ وعَلِیٍّ (صَلَّی اللهُ عَلَیْهِمَا وآلِهِمَا)، فَلْیَبکِ البَاکُونَ، وإِیَّاهُمْ فَلْیَندُبِ النَّادِبُونَ، ولِمِثْلِهِمْ فَلْتُدَرَّ الدُّمُوعُ، ولیَصْرُخِ الصَّارِخُونَ، ویَضِجَّ الضَّاجُّونَ، ویَعِجَّ الْعَاجُّونَ»(5).
الندْب: ندْب المیّت هو النیاحة بقول: وا فلاناه وا هناه، مقیّداً بذکر
ص: 72
محاسنه(1)، وهو من الندْب للجِراح لأنه احتراقٌ ولَذْع من الحزن(2).
صرخَ: الصرخة: الصیحة الشدیدة عند الفزع والمصیبة. . وهو الصوت الشدید، ویکون عند المصیبة علی المیت(3).
ضّجَّ: الصیاح بضَجَر، قال أبو عبید:... فإذا جزعوا من شیءٍ وغُلِبوا، قیل: ضَجّوا(4).
عجَّ: رفع صوته وصاح(5).
من المعلوم لکلّ باحثٍ فی الإسلام، أنّ کلّ ما فی الشریعة من محاجّات واستدلال وبراهین ومعتقدات، کلّها مبتنیة علی قاعدة اللّین والهدوء وسعة الصدّر وعدم الانفعال، فرفع الصوت والصراخ لیس محبوباً عند الشارع المقدّس، لکن عندما تصل المسألة إلی العدوان علی مقام محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وأهل بیته(علیهم السّلام) فإنّ القاعدة والطریقة والإسلوب یختلف تماماً.
فنری الشارع یحبّ ویطلب الصراخ الشدید، والصیاح بجزعٍٍ وندْبٍ، وجاء الکلام بصیغة الأمر فهو مطلوب علی کلّ حال، ولم یبیّن لهذا
ص: 73
الضجیج والعویل حدّاً معیَّناً.
فالمطلوب من الشیعة أنْ یصرخوا بأعلی ما یمکن لأصواتهم: وا علیاه وا مظلوماه، وا حسناه وا مسموماه، وا حسیناه وا شهیداه، وکلّ ذلک بجزعٍ وحرقةٍ وتلوّعٍ، فمَن صاح بصوتٍ معتدلٍ لم یمتثل الأمر إلّا أنْ یصرخ صراخاً، ومن ذَرف الدموع هادئاً لم یبادر إلی المطلوب بحسب هذا الحدیث الشریف إلّا أنْ یضجّ ضجیجاً ویعجّ عجیجاً، حتی یظهر لمن یراه أنها أعظم ما یُصاب به.
هذا غیضٌ من سیلِ من الروایات التی یُمکن استفادة عدم وجود معنی محصّل للإفراط - بالمعنی المتقدم - بالنسبة إلی الشعائر الحسینیّة المقدّسة.
ص: 74
ویکون البحث فی ثلاثة مقامات:
· المقام الأوّل: عالم الملکوت.
· المقام الثانی: عالم الجمادات (اللا عاقل).
· المقام الثالث: عالم التشریع.
ص: 75
ص: 76
والبحث یتمّ فی مقدمتین؛ کبری وصغری:
الکبری: أنّ أفعال الملائکة حقٌّ لا یشوبه الباطل، فلا یصدر منهم إلّا علی طبق إرادة المولی تعالی وحبّه وطلبه لذلک الفِعْل.
الصغری: خروجهم فی أفعالهم عن المألوف فی المصیبة والحزن.
أمّا الکبری: فینبغی التعرّف علی مقام وحقیقة الملائکة، وبإختصارٍ یسمح به المقام:
قال(عزوجل): «مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِکَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا کَانُوا إِذًا مُنْظَرِینَ » (1).
فالاستثناء بعد النفی یدلّ علی الحصر، فلا یصدر منهم غیر الحق.
وقال تعالی: «وَجَعَلُوا الْمَلَائِکَةَ الَّذِینَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا » (2).
فوصَفَهم تعالی بالعباد ونسَبَهم إلی نفسه القدوسیّة، فهُم عِباد الرحمن مُطلقاً، فی کلّ أفعالهم، فما یصدر عنهم فهو حقّ وعبادة للرحمن تعالی.
وقال تعالی:«وَلِلَّهِ یَسْجُدُ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَمَا فِی الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِکَةُ وَهُمْ لَا یَسْتَکْبِرُونَ *یَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَیَفْعَلُونَ مَا یُؤْمَرُونَ »(3).
ص: 77
فلا یصدر منهم فعلٌ إلّا ما أمروا به.
وقال(عزوجل):«وَلَهُ مَنْ فِی السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا یَسْتَکْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا یَسْتَحْسِرُونَ »*یُسَبِّحُونَ اللَّیْلَ وَالنَّهَارَ لَا یَفْتُرُونَ »(1).
فلا حسْرة عن فِعلٍ صدر منهم، لأنّ کلّما یصدر منهم فهو تسبیح وعبادة وامتثال.
وأصرح منها قوله تعالی: «وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُکْرَمُونَ *لَا یَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ یَعْمَلُونَ »(2).
فلیس لهم عملٌ غیر مأمورٍ به من الله تعالی، بل لا یصدر منهم شیءٌ قَبْل أمْره تعالی.
أمّا الروایات: فقد أخبرَ أمیرُ المؤمنین(علیه السّلام) عن حقیقة الملائکة بقوله فی صحیح إبن سنان: «إنَّ اللهَ(عزوجل) رَکَّبَ فِی المَلائِکَةِ عَقْلاً بِلا شَهْوَة... الحدیث»(3).
فإذا ضممْنا إلیه قوله(علیه السّلام): «والذنب من الشهوة»(4)، وقوله(علیه السّلام): «لا عقل مع شهوة»(5)، و: «حَرَامٌ عَلَی کُلِّ عَقْلٍ مَغْلُولٍ بِالشَّهْوَةِ أَنْ یَنْتَفِعَ بِالحِکمَة»(6)،
ص: 78
یُعلَم أنّ المصدر الوحید للذنوب هو الشهوة، والذی یتمتّع بالعقل فقط دون شهوة لا یصدر منه غیر الحقّ والطاعة.
قال صدر المتألهین الشیرازی: (وجنود العقل فی مقابلة باعث الهوی وجنود الشهوة، وذلک لأنّ التجرّد المحْض للخیر دأب الملائکة المقربین، والتجرد للشرّ دون الخیر سجیّة أهل الشهوة والهوی کالبهائم والشیاطین... فاعتبر بحال الملائکة والبهائم، فالمتجرِّد للعقل کالمَلَک والمتجرِّد للشهوة کالبهیمة)(1).
ولأنّ قیمة کلّ عملٍ تتناسب مع عِلم العامل، وإلّا فلا قیمة تُذکر لعمل الجاهل، لَزم أنْ نتعرّف علی عِلم الملائکة، ولا طریق إلّا بإخبار المعصوم(علیه السّلام) کما فی صحیح(2) علی بن جعفر، عن أخیه موسی(علیه السّلام): «إنّ لله تبارک وتعالی عِلْمَین: علماً أظهر علیه ملائکته وأنبیاءه ورسله... الحدیث»(3).
فعِلْمهم لیسَ اکتسابیّاً، بل هو علم ونورٌ ألقاه الله تعالی فی عقول الملائکة یضاهی علوم الأنبیاء والمرسلین.
ونتیجة الکبری: حجیّة عمل الملائکة، وأنّ عملهم مطلوب ومحبوبٌ عند المولی.
ص: 79
إنْ قُلتَ:سلّمنا مطلوبیة أعمالهم من قِبَل المولی وأنّ جمیع أعمالهم لا تکون إلّا عن أوامر الله تعالی ولکن، هذا لا یُثبِت حجیّة عملهم علی بنی آدم(علیه السّلام)، لأنّ تکالیف الملائکة تختلف عن تکالیف البشر.
قلت: ینبغی التوجّه إلی أمرین: الأمر الأوّل: الکلام فی نوع العمل الذی یصدر منهم، لا فی حدود وتفاصیل العمل، لأنّ التکلیف یتناسب مع القدرة، ولا شکّ فی أنّ قدرة الملائکة تفوق أضعاف قدرة البشر، ولکن عندما نتکلّم عن نوع العمل کالتسبیح والتقدیس لله تعالی، والعبادة والتسلیم له، فلا یعنی إرادة إثبات مطلوبیة عبادتهم وتسلیمهم کمّاً وکیفاً علی البشر، أمّا من حیث أصل المطلوبیة فلا شکّ فی اتّحادها بیننا وبینهم، لاتحاد الطالب والمُرید، فمولانا ومولاهم واحد هو الله تعالی.
الأمر الثانی: تارةً هناک أعمال یقومون بها لا نعلم بها، فلا علاقة لنا بها مطلقاً.
وتارةً أخری یکون عملُهم موضوعاً لإخبار الشارع المقدّس إیّانا والتأکید علیه، فیکون البشر هو المخاطَب بتلک الإخبارات، فنری النبی الأعظم(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) والأئمة المعصومین(علیهم السّلام) یکررون الخبر بأنّ الملائکة تفعل کذا وکذا، ومن المسلّم منع کون إخبار الشارع من باب القصّة التی لا عِبرة فیها والخالیة عن الحکمة، کما یدلّ علیه قوله تعالی: «فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ
ص: 80
یَتَفَکَّرُونَ»(1)،وقوله تعالی: «لَقَدْ کَانَ فِی قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِی الْأَلْبَابِ ...»الآیة(2).
فلا یبقی مجال إلّا بالقول بأنّ الغرض هو حثّ المخاطَب وبعْثه وتحریکه باتّجاه القیام بما فعله الملائکة وإنْ کان بمقدار الوِسْع والقدرة.
أما الصغری: فلْنلاحظ ما أخبرنا به مَن له الحقّ بالإخبار عن المغیّبات عن حال الملائکة:
1- صحیح الریّان: الشیخ الصدوق(قدسّ سرّه) عن محمد بن علی ماجیلویه، عن علی بن إبراهیم، عن أبیه، عن الریان بن شبیب، قال: دخلت علی الرضا(علیه السّلام) فی أول یوم من المحرم، فقال لی: «... یا بن شبیب، إنْ کنتَ باکیاً لشیءٍ فابکِ للحسین بن علی...، ولقد نزل إلی الأرض من الملائکة أربعة آلاف لنصرهِ فوجدوه قد قُتِل، فهُم عند قبره شُعثٌ غبرٌ إلی أنْ یقوم القائم، فیکونون من أنصاره، وشعارهم: یا لثارات الحسین»(3).
ونحوه فی صحیح الثمالی عن أبی عبد الله(علیه السّلام)، قال: «إنّ الله وکَّل بقبر الحسین(علیه السّلام) أربعة آلاف مَلک شُعثٌ غُبرٌ یبکونه من طلوع الفجر إلی زوال الشمس، فإذا زالت الشمس هبط أربعة آلاف ملک وصعد أربعة آلاف ملک،
ص: 81
فلم یزل یبکونه حتی یطلع الفجر، وذکر الحدیث»(1).
فکلّ ملک من الأربعة آلاف أشعثُ الشعر، لا یمتشط أبداً، أغبر الرأس والوجه، تعلو وجوههم ورؤوسهم التراب والطین، لعِظم المصیبة، لیس فی عاشوراء، ولا فی سنةٍ وینقضی الحُزن ویعودون إلی الملأ الأعلی إلی تسبیحهم وعباداتهم، بل هم منذ بُعید شهادته إلی قیام القائم(عجل الله تعالی فرجه الشریف) علی هذه الحال.
وفی هذا المعنی فی کامل الزیارات ما یربو علی حدّ التواتر، فراجع(2).
2- صحیح بکر بن محمد: إبن قولویه القمی(رحمه الله)، عن أبیه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عیسی، عن أبیه، عن سیف بن عمیرة، عن بکر بن محمد، عن أبی عبد الله(علیه السّلام) قال: «وکَّل الله بقبر الحسین(علیه السّلام) سبعین ألف ملک شُعثاً غُبراً یبکونه إلی یوم القیامة، یصلّون عنده، الصلاة الواحدة من صلاتهم تعدل ألف صلاة من صلاة الآدمیین، یکون ثواب صلاتهم وأجر ذلک لمن زار قبره»(3).
3 - موثقة محمد بن حمران: الکلینی: عن أحمد بن محمد، عن محمد بن الحسن، عن محمد بن عیسی بن عبید، عن علی بن أسباط، عن سیف بن
ص: 82
عمیرة، عن محمد بن حمران قال: قال أبو عبد الله(علیه السّلام): «لمّا کان من أمر الحسین(علیه السّلام) ما کان ضجَّتْ الملائکة إلی الله بالبکاء [والنحیب] وقالت: یُفعَل
هذا بالحسین صفیک وابن نبیک؟ قال: فأقام الله لهم ظلّ القائم(علیه السّلام) وقال: بهذا أنتقم لهذا»(1).
4 - معتبرة زید الشحام(2): قال: کنّا عند أبی عبد الله(علیه السّلام) ونحن جماعة من الکوفیین، فدخل جعفر بن عفان علی أبی عبد الله(علیه السّلام) فقرّبه وأدناه، ثم قال: «یا جعفر، قال: لبیک جعلنی الله فداک، قال: بلغنی أنک تقول الشعر فی الحسین(علیه السّلام) وتجید، فقال له: نعم، جعلنی الله فداک، فقال: قُل، فأنشده فبکی(علیه السّلام) ومَن حوله حتی صارت له الدموع علی وجهه ولحیته.
ثم قال: یا جعفر والله لقد شهدک ملائکة الله المقربون هیهنا، یسمعون قولک فی الحسین(علیه السّلام) وقد بکوا کما بکینا وأکثر... الحدیث»(3).
فالإمام(علیه السّلام) یخبر بأنّ الملائکة المقرّبین تبکی الحسین(علیه السّلام) أکثر من بکاء البشر الموالین، بل ظاهره أنّه یفوق بکاء الإمام(علیه السّلام).
ص: 83
وفی زیارة الناحیة المقدَّسة التی أوردها إبن المشهدی(قدسّ سرّه): «واخْتَلَفَتْ جُنُودُ المَلائِکَةِ المُقَرَّبِینَ تُعَزِّی أَبَاکَ أَمِیرَ المُؤْمِنِینَ، وأقِیمَت لَکَ المَآتِمُ فِی أَعْلَی
عِلِّیِّینَ، ولَطَمَتْ عَلَیْکَ الحُورُ الْعِینُ... »(1).
5 - کامل الزیارت بسنده عن الصادق(علیه السّلام): «... وإنّ ملائکة اللیل والنهار من الحفظة تحضر الملائکة الذین بالحائر فتصافحهم فلا یجیبونها من شدّة البکاء، فینتظرونهم حتی تزول الشمس وحتی ینوّر الفجر، ثم یکلّمونهم ویسألونهم عن أشیاء من أمر السماء، فأمّا ما بین هذین الوقتین فإنهم لا ینطقون ولا یفترون عن البکاء والدعاء، ولا یشغلونهم فی هذین الوقتین عن أصحابهم، فإنّما شغلهم بکم إذا نطقتم... ولو یعلموا [یعلمون] ما فی زیارته من الخیر ویعلم ذلک الناس لاقتتلوا علی زیارته بالسیوف، ولباعوا أموالهم فی إتیانه، وإنّ فاطمة(علیهماالسّلام) إذا نظرت إلیهم ومعها ألف نبی وألف صدّیق وألف شهید، ومن الکروبییّن ألف ألف یسعدونها علی البکاء، وإنها لتشهق شهقة فلا یبقی فی السماوات ملَکٌ إلّا بکی رحمةً لصوتها، وما تسکن حتی یأتیها النبی(علیهماالسّلام) فیقول: یا بُنیّة قد أبکیت أهل السماوات وشغلتهم عن التسبیح والتقدیس فکُفّی حتی یقدّسوا، فإنّ الله بالغ أمره، وإنّها لتنظر إلی من حضر منکم، فتسأل الله لهم من کل خیر، ولا تزهدوا فی
ص: 84
إتیانه، فإنّ الخیر فی إتیانه أکثر من أنْ یُحصی»(1).
إنّ لکلّ إنسانٍ حیٍّ ملَکَین من الحَفَظة، فیکون عددهم فی کلّ زمان ضِعف عدد الأحیاء من البشر، وهؤلاء برنامجهم الیومی بعد انتهاء فترة عملهم من تسجیل ما یصدر من البشر، هو التشرّف بزیارة سید الشهداء(علیه السّلام)، ثمّ مصافحة ملائکة الحائر الذین کتب الله علیهم البقاء شُعثاً غُبراً إلی یوم الوعد بالنصر، وبعد المصافحة لا یتکلّمون إلی الصباح من شدّة البکاء والنحیب.
بعد ضمّ الصغری إلی الکبری، ینتج أنّ المطلوب من قِبَل الشارع الجزع والحُزن علی الحسین الشهید(علیه السّلام) بأعلی مراتبه المقدورة، وإنْ لم یُمکن بلوغ المرتبة المطلوبة کما وصل إلیها الملائکة.
ص: 85
ص: 86
ویتمّ بیان المطلب فی أمور:
الأمر الأوّل: أنّ البعث هو مرحلة متأخرة عن الإرادة، فلا یُعقَل صدور البعْثِ من العاقل دون سبْقه بالإرادة فی صقع النفس، والحُبّ والشوق الشدید.
الأمر الثانی: أنّه قد ثبت فی محلّه - علی مسلک العدلیة - أنّ إرادة الشارع مبدأها المصالح والمفاسد الموجودة فی نفس المتعلقات، ولا تکون عن لغوٍ وعبث.
الأمر الثالث: أنّ البعثَ ینقسم إلی نوعین:
النوع الأوّل البعث التکوینی: وهو التحریک الخارجی المباشر الصادر من الفاعل، وبالنسبة إلی الباری تعالی - بما هو مکوِّن - یُعبَّر عنه ب- (کن فیکون).
النوع الثانی البعث التشریعی: وهو طلب الفعل من الغَیر وحثّه علی التحرُّک نحو المُراد، وبالنسبة إلی الشارع المقدَّس - بما هو شارع - یکون ذلک عن طریق أحکامه الشرعیة.
الأمر الرابع: أنّ البعث الخارجی لا یختلف عن البعث التشریعی من حیثُ المراد والإرادة ومبدئها، فلو أراد المولی إنقاذ ولده من الغرق فأمر عبده بإنقاذه - إرادة تشریعیة - ولم یمتثل العبدُ، فسیقوم المولی بإنقاذه بنفسه لنفس
ص: 87
الإرادة والمصلحة الموجودة فی إتیان هذا الفعل.
الأمر الخامس: أنّ ثبوت المقتضی للحکم وإنْ کان لا یلازم تحقّق المقتضی - وهو فعلیة الحکم - ولکن لا شکّ فی ثبوت مبدأ الإرادة والحکم نحو المُراد.
الأمر السادس: أنّ إخبار الشارع بوجود المصلحة وتأکیده علی أهمیّة المقتضی قرینة عقلائیة علی إنشاء وجعل المقتضی، بل قد تکون أبلغ من الإنشاء المباشر، مثلاً لو قال المولی: إنّ الحفاظ علی حیاة فلان مهمٌّ جداً عندی بل هی أهمّ من حیاة ولدی، فالعقلاء بناؤهم علی أنّ المولی یحتجّ علی عبده لو قدر علی إنقاذه ولم یفعل، ولا یحتجّ العبد عندهم بأنّ المولی لم یأمرنی بالحفاظ علی حیاته.
إذا ثبتَ لنا صدور بعثٍ تکوینی من الباری تعالی، فهو واسطة فی إثبات الحبّ والإرادة منه تعالی لتحقق ذاک العمل - حسب الامر الأوّل -. .
وبحسب الأمر الثانی فأنّ هذه الإرادة مبدأها المصلحة الموجودة فی نفس المتعلّق للإرادة.
وحیث إنّ البعث التکوینی والبعث التشریعی لازِمان لملزومٍ واحد - کما فی الأمر الرابع - فیثبت بالکشف الإنّی تحقّق مرتبة من مراتب الحکم، وهی مرتبة المقتضی والمِلاک، وهی وإن کانت لا تلازم ثبوت الحکم بحسب طبعها، ولکن لو ثبت إخبار الشارع وتأکیده علی إبرازها کانت قرینة علی
ص: 88
احتجاجه کما لو أنشأ الحکم إن لم یکن أبلغ من الإنشاء کما فی الأمر السادس.
فماذا حدثَ فی الکون بأمر الله تعالی لأجل شهادة أبی عبد الله الحسین(علیه السّلام)؟
یمکن تصنیف الأحداث بحسب الموضوعات إلی طوائف:
وهی من المتواترات بین الفریقین، فمن طرقنا:
- روی الصدوق(قدسّ سرّه) فی صحیح الریّان: «یا إبن شبیب:... لمّا قُتل جدّی الحسین(علیه السّلام) أمطرت السّماء دماً وتراباً أحمر»(1).
- وروی إبن قولویه(قدسّ سرّه) بسنده إلی الصادق(علیه السّلام): «یا زرارة: إنّ السّماء بکتْ علی الحسین أربعین صباحاً بالدم»(2)، وإنّ السماء ظلّت تسعة أشهر مثل العلقة لا تری الشمس(3)، وإنّها أمطرت تراباً أحمر(4)،وإنّه لم یبقَ فی بیت المقدس حصاة إلّا وجِد تحتها دم عبیط(5)،ونحو ذلک(6).
ص: 89
ونحو هذه الروایات رواها فی مناقب الإمام أمیر المؤمنین(علیه السّلام)(1).
ومن طرق المخالفین:
- روی الطبرانی فی معجمه حادثة نضوح الدم العبیط تحت کل حجرٍ فی بیت المقدس، ومکوث السماء کالعَلَقة فترةً من الزمان، وغیرها(2).
- وروی إبن عساکر بأسانید متعددة أکثر من عشر روایات بهذا المعنی(3).
وبعد کلّ هذه الروایات - وما سیأتی فیما جری مع الأنبیاء(علیهم السّلام) - هل یشَکّ بدعوی أنّ الله تعالی یحبّ أنْ یری مخلوقاته دمیمةً فی مصیبة عاشوراء؟
والروایات فی هذا الأمر یصعب عدّها وإحصاؤها، ودعوی تواترها لفظاً ومعنیً لیست بمجازفة، نذکر أهمّ ما جاء فیها:
- منها: إخبار رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لابنته فاطمة(علیهماالسّلام) کما فی کامل الزیارات:
ص: 90
«قالت: یا أبه فیُقتَل؟ قال: نعم یا بنتاه، وما قُتِل قتْلته أحدٌ کان قبله، ویبکیه السماوات والأرضون والملائکة والوحش والنباتات والبحار والجبال، ولو یؤذن لها ما بقی علی الأرض متنفس»(1).
- ومنها: ما جاء فی صحیح إبن شبیب عن الرضا(علیه السّلام): «یا بن شبیب إنْ کنتَ باکیاً فابکِ للحسین بن علی بن أبی طالب(علیهم السّلام) ، فإنه ذُبح کما یذبح الکبش... ولقد بکت السماوات والأرضون لقتله... »(2).
- ومنها: صحیحة إبن ثویر: عَنِ الصَّادِقِ(علیه السّلام) قَالَ فِی حَدِیثٍ: «إِنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ الحُسَیْنَ(علیه السّلام) لَمَّا قَضَی بَکَتْ عَلَیْهِ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ والاَرَضُونَ السَّبْعُ ومَا فِیهِنَّ ومَا بَیْنَهُنَّ ومَنْ یَتَقَلَّبُ فِی الْجَنَّةِ والنَّار مِنْ خَلْقِ رَبِّنَا ومَا یُرَی ومَا لا یُرَی، بَکَی عَلَی أبی عَبْدِ اللهِ الحُسَیْنِ(علیه السّلام) إلّا ثَلاثَةَ أَشْیَاء... »(3).
- ومنها: ما جاء فی زیارة الناحیة المقدّسة(عجل الله تعالی فرجه الشریف) : «وأقِیمَتْ لَکَ المَآتِمُ فِی أَعْلَی عِلِّیِّینَ، ولَطَمَتْ عَلَیْکَ الحُورُ الْعِینُ، وبَکَتِ السَّمَاءُ وسُکَّانُهَا، والْجِنَانُ وخُزَّانُهَا، والهِضَابُ وأَقْطَارُهَا، والأَرْضُ وأَقْطَارُهَا، والبِحَارُ وحِیتَانُهَا، ومَکَّةُ وبُنْیَانُهَا، والْجِنَانُ ووِلْدَانُهَا، والبَیتُ والمَقَامُ، والمَشْعَرُ الحَرَامُ، والحِلُّ
ص: 91
والإِحْرَامُ...»(1).
- ومنها: روایة الحارث الهمدانی، التی رواها فی کامل الزیارات بسنده إلی الحارث، فقد أخبر أمیر المؤمنین(علیه السّلام) عن بکاء الوحوش، قال: قال علی(علیه السّلام): «بأبی
وأمی الحسین المقتول بظهر الکوفة، والله کأنی أنظرُ إلی الوحوش مادّةً أعناقها علی قبره من أنواع الوحش، یبکونه ویرْثونه لیلاً حتی الصباح، فإذا کان ذلک فإیّاکم والجفاء»(2).
والروایات فی هذا الباب کثیرة - کما قدّمنا - وفیها الصحاح، فمن أراد الإطلاع أکثر فلیراجع المصادر(3).
وفی هذا الباب حقیقة غایة الخطورة، لا یستوعبها إلّا من امتحن اللهُ
ص: 92
قلبه للإیمان، وهی العلاقة الوطیدة بین عالم التکوین وبین حجّة الله المختارة فی الأرض، ومن خلال هذه الروایات یُمکن تفسیر جانباً من قولهم(علیهم السّلام) : «لو بقیت الأرض بغیر إمامٍ لساخت» کما فی صحیح الثمالی(1)، أو قوله(علیه السّلام): «لو أنّ الإمام رُفِع من الأرض ساعةً لَماجتْ بأهلها کما یموج البحر بأهله»(2)، و«لو خَلَت الأرض طرْفة عینٍ من حجّة لساخت بأهلها»(3).
فلا عجَبَ إنْ اضطربت المنظومة الکونیة وما فیها لمِا فعلوا بسبط رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وأهل بیته الطاهرین، وهو حجّة الله العظمی علی الخلق، ولو لا رحمته تعالی اللامتناهیة، ووجود الحجّة التالیة - زین العابدین(علیه السّلام) - لقُلِب عالیها علی سافلها، ولعذبهم الله بأشد عذابه(4))، فلنذکر بعض ما ورد فی ذلک:
1- ما أخبر به جبرائیل(علیه السّلام) رسولَ الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): ما استجازه الحسین بن أحمد بن المغیرة - الثقة - فی روایته عن شیخه إبن قولویه(رحمه الله) بسنده إلی الصادق(علیه السّلام)، فی ضمن حدیث طویل یخبر فیه جبرائیل(علیه السّلام) ما سیجری علی الحسین(علیه السّلام)، إلی أنْ قال: « فإذا کان ذلک الیوم الذی یُقتَل فیه سبطُک وأهله، وأحاطت بهم
ص: 93
کتائب أهل الکفر واللعنة، تزعزعت الأرض من أقطارها ومادتْ الجبالُ وکثُرَ اضطرابها، واصطفقتْ البحار بأمواجها، وماجت السماوات بأهلها، غضباً لک یا محمد ولذریتک، واستعظاماً لِما یُنتَهک من حرمتک، ولِشرّ ما تُکافَیء به فی ذریتک وعترتک، ولا یبقی شیءٌ من ذلک إلّا استأذن الله(عزوجل) فی نصرة أهلک المستضعفین المظلومین الذین هُم حجّة الله علی خلقه بعدک، فیوحی الله إلی السماوات والأرض والجبال والبحار ومن فیهن: أنّی أنا الله الملک القادر الذی لا یفوته هارب، ولا یعجزه ممتنع، وأنا أقدر فیه علی الإنتصار والإنتقام، وعزتی وجلالی لأعذّبنّ مَن وَتَرَ رسولی وصفییّ، وانتهک حرمته وقتل عترته، ونبذ عهده وظلم أهله عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمین، فعند ذلک یضجّ کلُّ شیءٍ فی السماوات والأرضین... الحدیث»(1).
2- حدیث زرارة عن الصادق(علیه السّلام): «یا زرارة: إنّ السماء بکت علی الحسین أربعین صباحا بالدم،... وإنّ الجبال تقطّعت وانتثرتْ، وإنّ البحار تفجّرت..... ولقد خرجت نفسه(علیه السّلام) فزفرتْ جهنمُ زفرةً کادت الأرضُ تنشقّ لزفرتها... لولا أنّ الله حبسها بخزّانها لأحرقت مَن علی ظهر الأرض من فورها، ولو یُؤذن لها ما بقی شیءٌ إلّا ابتلعته، ولکنها مأمورةٌ مصفودة، ولقد عتَت علی الخزّان غیر مرّة حتی أتاها جبرئیل فضربها بجناحه فسکنت، وإنّها
لتبکیه وتندبه، وإنّها لتتلظّی علی قاتله، ولولا مَن علی الأرض من حُجَج الله
ص: 94
لنُقِضت الأرض وأکفِئت بما علیها... الحدیث»(1).
3- حدیث أبی بصیر عن الصادق(علیه السّلام): کنتُ عند أبی عبد الله(علیه السّلام) أحدثه، فدخل علیه إبنه، فقال له: مرحباً، وضمّه وقبّله، وقال: «حقّر الله مَن حقّرکم وانتقم مِمّن وَتَرکم، وخذل الله من خذلکم ولعن الله من قتلکم... ثم بکی وقال: یا أبا بصیر إذا نظرتُ إلی وِلد الحسین أتانی ما لا أملکه بما أتی إلی أبیهم وإلیهم، یا أبا بصیر إنّ فاطمة(علیهماالسّلام) لتبکیه وتشهق فتزفر جهنمُّ زفرةً، لولا أنّ الخَزَنة یسمعون بکاءَها وقد استعدّوا لذلک مخافة أنْ یخرج منها عنقٌ، أو یشرد دخانها فیحرق أهل الأرض فیکبحونها ما دامت باکیة، ویزجرونها ویوثّقون من أبوابها مخافةً علی أهل الأرض، فلا تسکن حتی یسکن صوتُ فاطمة، وإنّ البحار تکاد أنْ تنفتق فیدخل بعضُها علی بعض، وما منها قطرة إلّا بها ملکٌ موکّلٌ، فإذا سمع الملک صوتها - أی صوت فاطمة(علیهماالسّلام) - أطفأ نارها - أی جهنم - بأجنحته، وحبس بعضها علی بعض مخافةً علی الدنیا وما فیها ومن علی الأرض، فلا تزال الملائکة مشفقین، یبکونه لبکائها، ویدعون الله ویتضرعون إلیه، ویتضرع أهل العرش ومن حوله، وترتفع أصواتٌ من الملائکة بالتقدیس لله مخافة علی أهل الأرض، ولو أنّ صوتاً من أصواتهم یصِل إلی الأرض لصُعق أهل الأرض، وتقطّعت الجبال وزُلزِلت الأرض بأهلها».
قلت: جُعلتُ فداک إنّ هذا الأمر عظیم، قال: غیره أعظم منه ما لم تسمعه، ثم قال لی: «یا أبا بصیر أما تحبّ أنْ تکون فیمن یُسعِد فاطمة(علیهماالسّلام)؟».
ص: 95
فبکیت حین قالها فما قدرت علی المنطق، وما قدرت علی کلامی من البکاء، ثم قام إلی المصلّی یدعو، فخرجتُ من عنده علی تلک الحال، فما انتفعتُ بطعامٍ وما جاءنی النوم، وأصبحت صائماً وجِلاً حتی أتیتُه، فلمّا رأیتُه قد سکن سکنت، وحمدتُ الله حیث لم تنزل بی عقوبة(1).
4- صحیح إبن ثُویر: «أشهدُ أنّ دمَک سکن فی الخلد، واقشعرّتْ له أظلّةُ العرش... الحدیث»(2).
وفی زیارة النصف من شعبان ورَد بلفظ: «لقد اقْشعرَّت لدمائکم أظلّة العرش مع أظلّة الخلائق»(3).
والقشعریرة: شِبْه الرجفة، أو الرعدة من خوفٍ وفزعٍ وغیره(4).
قال العلامة المجلسی(قدسّ سرّه): «قوله(علیه السّلام): (أظلّة العرش): الأظلة: جمع ظِلال... والمراد بها هنا إمّا ما فوق العرش، أو أطباقه وبطونه، فإنّ کلّ طبقة وبطن منه ظلٌّ لطائفةٍ، أو أجزاء العرش، فإنّ کلَّ جزءٍ منه ظلٌّ لِمن یسکن تحته، وقد یطلق الظلال علی الأشخاص والأجسام اللطیفة والأرواح، فیمکن أن
ص: 96
یُراد بها الأرواح المقدّسة والملائکة الذین یسکنون العرش ویطیفون به»(1).
وقال الطریحی(قدسّ سرّه): «واقشعرت له أظلة العرش لعلّ المراد به أنوار العرش»(2).
ولکن مع ملاحظة بعض النصوص قد یُستبعد إرادة الظلال وما له علاقة بالنور، وإنّما هو عالم خاصٌّ کعالم الذرّ، وقد یکون عالم الأرواح والمجرّدات، کما یُستفاد من قول الصادق(علیه السّلام): «إِنَّ اللهَ آخَی بَیْنَ الأَرْوَاحِ فِی الأَظِلَّةِ قَبْلَ أَنْ یَخْلُقَ الْأَجْسَادَ بِأَلْفَیْ عَامٍ»(3)، وعند سؤال المفضَّل إیّاه: کیف کنتم حیث کنتم فی الأظلّة؟ فقال(علیه السّلام): «یا مفضّل: کنّا عند ربّنا، لیس عنده أحدٌ غیرنا، فی ظلّة خضراء نسبّحه ونقدّسه ونهلّله ونُمجّده... الحدیث»(4).
ولذا قال العلامة المجلسی(قدسّ سرّه) فی تفسیره للأظلّة بأنّه: «عالم الظلال، وهی عالم الأرواح، أو عالم المثال، أو عالم الذرّ»(5).
ونقل عن والده المجلسی الأوّل(قدسّ سرّه): «أی: ما فوق العرش أو الروحانیین المطیفین به والحاملین له، وفی بعض کتب الزیارات «مع أظلة الخلائق»، أی:
ص: 97
السماوات السبع والکرسی والحُجب إنْ کانت تحت العرش، وإن کانت فوق العرش فهی أظلة العرش، أو المراد بهم جمیع المجردات، فإنّهم عالون علی الجسمانیات فکأنهم أظلتها، وقیل: النفوس المتعلقة بها، ولا نقول بها، انتهی.
أقول: یُمکن أنْ یکون المراد الأشخاص الساکنین فی العرش من الأرواح المقدسة والملائکة، لأنه قد یُطلق الظلال علی الأشخاص والأجسام اللطیفة وعالم الأرواح، ولعل هذا مُراد الوالد العلامة تغمده الله برحمته من الاحتمال الثانی، أو المراد ما فوق العرش أو أطباقه وبطونه، فإنّ کلّ طبقةٍ وبطن منه ظلّ لطائفة، أو المراد أجزاء العرش، فإنّ کلّ جزءٍ منه ظلّ لمن یسکن تحته»(1).
وقال الطریحی: «وکأنّ المراد فی الأظِلَّةِ عالم المجردات...»(2).
وکیف کان، فإنّ هذا العالم المجرّد من المادیات - سواء أکان فوق العرش، أم تحته، أم الساکنین فیه من عوالم مجرّدة - فقد أخبرنا الشارع بأنّه اهتزَّ وارتعد وارتجف لدم الحسین الشهید(علیه السّلام) وما جری علیه من ظلمٍ وعدوان یوم عاشوراء.
أمّا ما ورد فی کتب المخالفین، فنذکر بعض عناوینها باختصار:
- عنوان الباب الذی ذکره إبن عساکر: [تغیر الآفاق وسقوط التراب
ص: 98
الأحمر وکسوف الشمس وظهور الکواکب نهاراً عند قتل ریحانة رسول الله(علیهماالسّلام)...](1).
- الکواکب تضرب بعضها البعض(2).
رواه الطبرانی فی معجمه، وابن عساکر وغیره.
- ظهور الکواکب والجوزاء نهاراً للناس(3).
- کسوف الشمس إلی درجة العتمة، وظهور الکواکب نهاراً حتی ظُنّ أنها الساعة(4).
إنّ النسبة بین البکاء وعدمه لیست نسبة النقیضین، بل نسبة المَلَکة وعدمها، فلا یصحّ - منطقیاً - أنْ ننفی البکاء عن الجدار والحجر لعدم القابلیة علی البکاء، ولکنّ الله تعالی بقدرته أجری الدموع من هذه الجمادات الفاقدة للإختیار بأشدّ مرتبةٍ وبما یفوق التصوّر علی مصیبة الحسین الشهید(علیه السّلام)، فماذا یُرید من المُختار اللبیب؟
إنّ هناک اضطراباً فی النظام التکوینی حدث بصورٍ مختلفة بفعل المکوّن الخالق تعالی، وقد أخبرنا الشارع ببعض ما حدث، ثمَّ إنّه قد وصل إلینا الیسیر مما أخبر به، وقد ذکرنا - هنا - بعض مما وصل إلینا.
فهذه الأفعال لم تصدر إلّا من الله تعالی لرزیة الحسین الشهید(علیه السّلام)، فهی شعائر الله تعالی التی أراد بها إظهار غضبه ومحبتّه له.
ص: 99
ولأنّ الساحة القدّوسیة لیست محلاً للانفعالات والتغیّر فقد أبرزَ سبحانه وتعالی عظمة الرزیّة بتغییرات مهولة علی النظام الذی أسّسه هو لعالم الناسوت وعالم الملکوت، تزعزعت الأرض، وتقطّعت الجبال ومادت وتناثرت، واصطفقتْ البحار وتفجّرتْ، وماجت السماءُ وزفرتْ جهنّم وعَتَت، وارتعد عالم الأظلّة واهتزّ العرش، وضجّ کلّ شیء، وغیرها من الأمور العظیمة، وهی لیست إلّا مظاهر حبّ الله تعالی لرسوله محمد المصطفی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ولآله المطهرین، ومواساته لهم، وهل الشعائر سوی ذلک؟
هذا تمام الکلام فی المقام الثانی، وهو عالم التکوین.
ص: 100
والمقصود منه ما یثبت به أحد الأحکام الشرعیة - فی أیّ مرتبةٍ کانت - من قولٍ أو فعلٍ أو تقریرٍ من قِبَل الشارع المقدّس، وسنبوّبه فی طوائف:
ما روی أنه(علیه السّلام) لمّا هَبَطَ إِلَی الأَرْضِ مَرَّ بِکَربلاءَ «فَاغْتَمَّ وضَاقَ صَدْرُهُ مِنْ غَیْرِ سَبَبٍ وعَثَرَ فِی المَوْضِعِ الَّذِی قُتِلَ فِیهِ الحُسَیْنُ حَتَّی سَالَ الدَّمُ مِنْ رِجْلِهِ فَرَفَعَ رَأسَهُ إِلَی السَّمَاءِ وقَال: إِلَهِی هَلْ حَدَثَ مِنِّی ذَنْبٌ آخَرُ فَعَاقَبْتَنِی بِهِ؟ فَإِنِّی طُفْتُ جَمِیعَ الأَرْضِ ومَا أَصَابَنِی سُوءٌ مِثْلُ مَا أَصَابَنِی فِی هَذِهِ الأَرْضِ.
فَأَوْحَی اللهُ إِلَیْهِ یَا آدَمُ مَا حَدَثَ مِنْکَ ذَنْبٌ، ولَکِنْ یُقْتَلُ فِی هَذِهِ الأَرْضِ وَلَدُکَ الحُسَیْنُ ظُلْماً فَسَالَ دَمُکَ مُوَافَقَةً لِدَمِه... الحدیث»(1).
ورَوَی صَاحِبُ الدُّرِّ الثَّمِینِ فِی تَفْسِیرِ قَوْلِهِ تَعَالَی: «فَتَلَقَّی آدَمُ مِنْ رَبِّهِ کَلِمَاتٍ »، أَنَّهُ «رَأَی سَاقَ الْعَرْشِ وأَسْمَاءَ النَّبِیِّ والأَئِمَّةِ(علیهم السّلام) فَلَقَّنَهُ جَبْرَئِیلُ...
ص: 101
فَلَمَّا ذَکَرَ الحُسَیْنَ سَالَتْ دُمُوعُهُ وانْخَشَعَ قَلْبُهُ، وقَالَ: یَا أَخِی جَبْرَئِیلُ فِی ذِکْرِ الخَامِسِ یَنْکَسِرُ قَلْبِی وتَسِیلُ عَبْرَتِی؟ قَال جَبْرَئِیلُ: وَلَدُکَ هَذَا یُصَابُ بِمُصِیبَةٍ تَصْغُرُ عِنْدَهَا المَصَائِبُ، فَقَالَ: یَا أَخِی ومَا هِیَ؟ قَالَ: یُقْتَلُ عَطْشَاناً غَرِیباً وَحِیداً فَرِیداً لَیْسَ لَهُ نَاصِرٌ ولا مُعِینٌ، ولَوْ تَرَاهُ یَا آدَمُ وهُوَ یَقُول: (وا عَطَشَاهْ وَا قِلَّةَ نَاصِرَاهْ) حَتَّی یَحُولَ الْعَطَشُ بَیْنَهُ وبَیْنَ السَّمَاءِ کَالدُّخَانِ فَلَمْ یُجِبْهُ أَحَدٌ إلّا بِالسُّیُوفِ وشُرْبِ الحُتُوفِ فَیُذْبَحُ ذَبْحَ الشَّاةِ مِنْ قَفَاهُ ویَنْهَبُ رَحْلَهُ أَعْدَاؤُهُ وتُشْهَرُ رؤوسُهُمْ هُوَ وأَنْصَارُهُ فِی الْبُلْدَانِ ومَعَهُمُ النِّسْوَانُ، کَذَلِکَ سَبَقَ فِی عِلْمِ الْوَاحِدِ المَنَّانِ، فَبَکَی آدَمُ وجَبْرَئِیلُ بُکَاءَ الثَّکْلَی»(1).
رُوِیَ أَنَّ إبراهیم(علیه السّلام) «مَرَّ فِی أَرْضِ کَربلاءَ وهُوَ رَاکِبٌ فَرَساً فَعَثَرَتْ بِهِ وسَقَطَ إبراهیم وشُجَّ رَأسُهُ وسَالَ دَمُهُ، فَأَخَذَ فِی الاستِغْفَارِ وقَال: إِلَهِی أَیُّ شَیْ ءٍ حَدَثَ مِنِّی؟ فَنَزَلَ إِلَیْهِ جَبْرَئِیلُ وقَالَ: یَا إبراهیم مَا حَدَثَ مِنْکَ ذَنْبٌ، ولَکِنْ هُنَا یُقْتَلُ سِبْطُ خَاتَمِ الأنبیاء وإبن خَاتَمِ الأَوْصِیَاءِ، فَسَالَ دَمُکَ مُوَافَقَةً لِدَمِه»(2).
وفی معتبرة الفضل بن شاذان عن الرضا(علیه السّلام): «... فأوحی الله(عزوجل) إلیه: یا إبراهیم مَن أحبّ خلقی إلیک؟ فقال: یا ربّ ما خلقتَ خلقاً هو أحبّ إلیّ من
حبیبک محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فأوحی الله تعالی إلیه: أفهو أحبّ إلیک أم نفسک؟ قال: بل
ص: 102
هو أحبّ إلیّ من نفسی، قال: فولده أحبّ إلیک أم ولدک؟ قال: بل ولده، قال: فذَبْح وَلده ظلماً علی أیدی أعدائه أوجع لقلبک أو ذبْح ولدک بیدک فی طاعتی؟ قال: یا ربّ بل ذبْح ولده ظلماً علی أیدی أعدائه أوجع لقلبی، قال: یا إبراهیم فإنّ طائفةً تزعم أنها مِن أمة محمد ستقتل الحسینَ ابنه من بعده ظلماً وعدواناً کما یُذبَح الکبش، ویستوجبون بذلک سخطی، فجزع إبراهیم(علیه السّلام) لذلک، وتوجع قلبه وأقبل یبکی، فأوحی الله(عزوجل) إلیه: یا إبراهیم قد فدیتُ جزعک علی ابنک إسماعیل لو ذبحته بیدک بجزعک علی الحسین وقتله، وأوجبتُ لک أرفع درجات أهل الثواب علی المصائب، وذلک قول الله(عزوجل): «وَفَدَیْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِیمٍ »(1).
رُوِیَ: «أَنَّ مُوسَی کَانَ ذَاتَ یَوْمٍ سَائِراً وَ مَعَهُ یُوشَعُ بْنُ نُونٍ فَلَمَّا جَاءَ إِلَی أَرْضِ کَرْبَلاءَ انْخَرَقَ نَعْلُهُ وانْقَطَعَ شِرَاکُهُ ودَخَلَ الحَسَکُ فِی رِجْلَیْهِ وسَالَ دَمُهُ، فَقَال: إِلَهِی أَیُّ شَیْ ءٍ حَدَثَ مِنِّی؟ فَأَوْحَی إِلَیْهِ أَنَّ هُنَا یُقْتَلُ الحُسَیْنُ وهُنَا یُسْفَکُ دَمُهُ فَسَالَ دَمُکَ مُوَافَقَةً لِدَمِه... الحدیث»(2).
وقد یُطرح هنا سؤالان:
السؤال الأوّل: أنّ بعض هذه الروایات ضعیف السند، فکیف یمکن الاستناد إلیه؟
ص: 103
السؤال الثانی: أنّ ما حدثَ لیس بفعلٍ إختیاریّ للأنبیاء(علیهم السّلام) فکیف یستدلّ به؟
أمّا جواب السؤال الأوّل: فهو أنّ بعض تلک الروایات معتبرٌ، وحیث إنّ المقام لیس مقام إثبات حکمٍ إلزامیٍّ، بل لإثبات الجواز بالمعنی الأعمّ، فالتسامح فی السند حینئذٍ هو المتّبع.
امّا جواب السؤال الثانی: - فیما عدا بکاء آدم(علیه السّلام) بکاء الثکلی، وجزع وبکاء إبراهیم(علیه السّلام) - فهو أنّ محلّ الاستفادة هو تعلیل ذلک الحدث الذی أوقعه ألله تعالی علیهم، فأجری دماءهم فی کربلاء معللاً بأنّ ذلک موافقة وتأسیاً بدماء الحسین(علیه السّلام).
بل کون الإدماء قد وقع علیهم قهراً من قِبل الله تعالی فیه دلالة أقوی علی الرجحان والمحبوبیة.
روی الصدوق(قدسّ سرّه) بسندٍ صحیح إلی محمد بن سنان وإبن أبی عمیر عمّن ذکره عن أبی عبد الله(علیه السّلام) فی قصّة إسماعیل صادق الوعْد، أنّه لم یکن إبن إبراهیم(علیه السّلام) «بلْ کَانَ نَبِیّاً مِنَ الأنبیاء بَعَثَهُ اللهُ(عزوجل) إِلَی قَوْمِهِ فَأَخَذُوهُ فَسَلَخُوا فَرْوَةَ رَأْسِهِ ووَجْهِه، فَأَتَاهُ مَلَکٌ فَقَالَ: إِنَّ اللهَ جَلَّ جَلالُهُ بَعَثَنِی إِلَیْکَ فَمُرْنِی بِمَا
ص: 104
شِئْتَ، فَقَال: لِی أُسْوَةٌ بِمَا یُصْنَعُ بِالحُسَیْنِ(علیه السّلام)»(1).
وابن أبی عمیر لا یرسل إلّا عن ثقة - کما هو التحقیق(2) تبعاً للمشهور - فالروایة معتبرة سنداً، مضافاً إلی روایة نحو هذه الألفاظ بأسانیدٍ متعددة فی العلل وکامل الزیارات(3).
أمّا دلالتها: فیلزم ابتداءً ذکْر مقدمات لها:
المقدمة الأولی: أنّ هناک قاعدة عقلیة فی عِلل تحقق الشیء، مفادها لزوم سدّ جمیع أبواب العدم حتی یوجد ذلک الشیء، وقد سدّ إسماعیل(علیه السّلام) باختیاره آخر بابٍ للعدم بالنسبة إلی التعذیب والقتل الذی وقع علیه من قِبل إعدائه.
المقدمة الثانیة: أنّ علّةً واحدةً من مجموعة عِلَلِ وجود الشیء لو کانت إختیاریة، فلا شکّ فی صدق نسبة الإختیار بالنسبة إلی ذلک الشیء، کما لو ألقی نفسه فی النار، فإنّ احتراقه بعد مماسّة النار وإنْ کان غیر اختیاری، ولکن یُنسَب الإحراق إلیه لأنّ ما یجب بالإختیار لا ینافی الإختیار، فإنّ جزء العلّة الأخیر فیما جری علی إسماعیل(علیه السّلام) کان بالإختیار، فالمعلول أیضاً یُنسَب إلیه بالإختیار.
ص: 105
المقدمة الثالثة: ممّالا شکّ فیه أنّ الضرر الخطیر المتیقّن - وأعلی مرتبته ما یتعلّق بالحیاة - یجب دفعه عقلاً وشرعاً، عند القدرة علی دفعه، بالمباشرة أم بالواسطة.
وعلی ضیاء هذه المقدمات تتّضح نتیجتان:
النتیجة الأولی: أنّ النبی إسماعیل بن حزقیل (علی
نبیّنا وآله وعلیه الصلاة والسلام) قد شارکَ فیما جری علیه من تعذیب وقتلٍ، فلا بدّ من کونه محبوباً للمولی إنْ کان بنیّة التأسّی بالحسین(علیه السّلام).
النتیجة الثانیة: مع ثبوت وجوب دفع الخطر عن النفْس عقلاً وشرعاً، یکون الوجْه فی ترک دفعه یُحتمل فیه أحد أمرین:
الأمر الأوّل: کون هذا الترْک کاشفاً عن وجود أمرٍ بالتأسی بالحسین(علیه السّلام)، وهذا الأمر - المنکَشف - یکون مخصّصاً للوجوب الشرعی(1)،وحاکماً علی الوجوب العقلی التعلیقی، لأنّ التنجیزی ینفی موضوع الحکم التعلیقی.
الأمر الثانی: أو یکون من باب التزاحم بین الحکمین، وتقدیم الأهمّ مِلاکاً عند المولی، فالتأسّی بسید الشهداء(علیه السّلام) أهمّ مِلاکاً عند الله من وجوب دفع الخطر.
فسلامٌ علی إسماعیل بن حزقیل شهید التأسّی بالحسین(علیه السّلام) یوم قُتِل، ویوم یکرّ لینتقم مع الحسین(علیه السّلام)، ویوم یُبعَث حیاً.
ص: 106
روی الصدوق(قدسّ سرّه) بسنده إلی أمیر المؤمنین(علیه السّلام) وهو یخبر إبن عبّاس عمّا جری بین النبی عیسی(علیه السّلام) والحواریین فی کربلاء: «... فجلس عیسی وجلس الحواریون معه، فبکی وبکی الحواریون وهم لا یدرون لِمَ جلس ولِمَ بکی، فقالوا: یا روح الله وکلمته ما یُبکیک؟ قال: أتعلمون أیّ أرضٍ هذه؟ قالوا: لا، قال: هذه أرض یُقتَل فیها فرخ الرسول أحمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وفرخ الحُرّة الطاهرة البتول شبیهة أمّی، ویُلحَد فیها طینة أطیب من المسْک لأنها طینة الفرخ المستشهد... »(1).
فی الأمالی بسنده عن إبن عباس أنّه سمع صوتاً من ناحیة البیت وهو یقول:
إصبروا آل الرسول
قُتل الفرخ النحول
نزل الروح الأمین
ببکاءٍ وعویل
ثم بکی بأعلی صوته وبکیت فأثبتُّ عندی تلک الساعة وکان شهر المحرم یوم عاشورا لعشرٍ مضین منه، فوجدته قُتل یوم ورد علینا خبره وتاریخه کذلک، فحدثت هذا الحدیث أولئک الذین کانوا معه، فقالوا: والله لقد سمعنا ما سمعت ونحن فی المعرکة ولا ندری ما هو، فکنا نری أنه الخضر(علیه السّلام)(2).
ص: 107
روی الصدوق(قدسّ سرّه) بسنده إلی سعد بن عبد الله القمّی فی ضمن مسائل لمولانا العسکری(علیه السّلام): «قُلْتُ: فَأخْبِرْنِی یَا بن رَسُولِ اللهِ عَنْ تَأوِیلِ«کهیعص »؟ قَال: هَذِهِ الحُرُوفُ مِنْ أَنبَاءِ الْغَیْبِ أَطْلَعَ اللهُ عَلَیْهَا عَبْدَهُ زَکَرِیَّا، ثُمَّ قَصَّهَا عَلَی مُحَمَّدٍ(صلّی الله علیه و آله وسلّم )... فَکَانَ زَکَرِیَّا إِذَا ذَکَرَ مُحَمَّداً وعَلِیّاً وفَاطِمَةَ والحَسَنَ [والحُسَیْنَ](1) سُرِّیَ عَنْهُ هَمُّهُ وانْجَلَی کَربُهُ، وإِذَا ذَکَرَ الحُسَیْنَ خَنَقَتْهُ الْعَبْرَةُ ووَقَعَتْ عَلَیْهِ الْبُهْرَةُ(2)، فَقَالَ ذَاتَ یَوْمٍ: یَا إِلَهِی مَا بَالِی إِذَا ذَکَرْتُ أَرْبَعاً مِنْهُمْ تَسَلَّیْتُ بِأَسْمَائِهِمْ مِنْ هُمُومِی، وإِذَا ذَکَرْتُ الحُسَیْنَ تَدْمَعُ عَیْنِی وتَثُورُ زَفْرَتِی؟ فَأَنْبَأَهُ اللهُ تَعَالَی عَنْ قِصَّتِهِ... فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِکَ زَکَرِیَّا لَمْ یُفَارِقْ مَسْجِدَهُ ثَلاثَةَ أَیَّامٍ ومَنَعَ فِیهَا النَّاسَ مِنَ الدُّخُولِ عَلَیْهِ، وأَقبَلَ عَلَی الْبُکَاءِ والنَّحِیبِ وکَانَتْ نُدْبَتُهُ: إِلَهِی أَتُفَجِّعُ خَیْرَ خَلْقِکَ بِوَلَدِهِ؟ إِلَهِی أَتُنْزِلُ بَلْوَی هَذِهِ الرَّزِیَّةِ بِفِنَائِهِ؟ إِلَهِی أَتُلْبِسُ عَلِیّاً وفَاطِمَةَ ثِیَابَ هَذِهِ المُصِیبَةِ؟ إِلَهِی أَتُحِلُّ کُرْبَةَ هَذِهِ الْفَجِیعَةِ بِسَاحَتِهِمَا؟ ... اللَّهُمَّ ارْزُقْنِی وَلَداً تَقَرُّ بِهِ عَیْنِی عَلَی الْکِبَرِ، واجْعَلْهُ وَارِثاً وَصِیّاً، واجْعَلْ مَحَلَّهُ مِنِّی مَحَلَّ الحُسَیْنِ، فَإِذَا رَزَقْتَنِیهِ فَافْتِنِّی بِحُبِّهِ ثُمَّ فَجِّعْنِی بِهِ کَمَا تُفَجِّعُ مُحَمَّداً حَبِیبَکَ بِوَلَدِهِ، فَرَزَقَهُ اللهُ یَحْیَی وفَجَّعَهُ بِه»(3).
ص: 108
ورواه الطبری بسندٍ آخر، والطبرسی مرسلاً، ونسبها إبن شهرآشوب إلی الإمام الحجة(عجل الله تعالی فرجه الشریف) عن إسحاق الأحمر(1).
أمّا ما ورد فیها من تعامل النبی زکریا علی نبیّنا وآله وعلیه الصلاة والسلام مع رزیّة عاشوراء - قبل وقوعها بمئات السنین - فعبارة عن مجموعة من الانفعالات النفسیة والتأثّرات العاطفیة التی وصلت خارجاً إلی درجة الإرادة والشوق الشدید لأفعالٍ خارجیة قد تکشف عن أوج مرتبة التأثّر النفسی بما أخبِر:
1- یختنق بعبرته وتتقطّع أنفاسه مختنقاً، وتثور زفرته لمجرّد ذکر اسم الحسین(علیه السّلام) قبل أن یعلم بفجیعة ما یجری علیه.
2- عند عِلْمه بالرزیّة ینقطع عن الناس والتبلیغ ثلاثة أیّام فی المسجد، یقضّیها بالبکاء والنحیب، والنحیب هو أشدّ البکاء، وهو الإعوال ورفْع الصوت ومَدّه(2).
3- قام بقراءة العزاء والمصیبة ببکاء وعویل، فقام بندبة الحسین(علیه السّلام) وفی ندبته وجّهَ تساؤلات إلی ربّه مستعظِماً - لا معترضاً - قضاءَ الله تعالی علی
ص: 109
محمد وعلی وفاطمة صلوات الله علیهم.
4- الوصول إلی قمّة مُصاب العارف بمقام المجنیّ علیه، وهو طلب المواساة الواقعیة بأن یُفجَع بمثل ما فُجِع به رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فیرزقه ولداً یکون محبوباً عنده کحبّ رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) للحسین(علیه السّلام)، ثمّ یُثکل به بنفس الطریقة التی قُتِل بها الحسین(علیه السّلام)، فلماذا لم یکتفِ زکریا(علیه السّلام) بالندب واللدْم والعویل واللطْم؟
إنّه علِم أنّ الدرجة العُلیا إنما تلیق بمن بلغَ فی مواساته ومودّته للقربی أعلی درجات المواساة، وعلم أنّ الندب واللطم لا یُبلِغانه مبتغاه من الأجر والکمال، فطلب أعلی ما یمکنه من مرتبةٍ عند من لا حبیب إلّا هو وأهله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وهی مرتبة تذوّق أشدّ الآلام فی مواساته، ولیس أشدّ مِن فقْد أعزّ الوِلْد - بعدما کان محروماً من الإنجاب لعقر زوجته - «إِذْ نَادَی رَبَّهُ نِدَاءً خَفِیًّا »(1)، «هُنَالِکَ دَعَا زَکَرِیَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِی مِنْ لَدُنْکَ ذُرِّیَّةً طَیِّبَةً إِنَّکَ سَمِیعُ الدُّعَاءِ »(2)، «فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ یَحْیَی وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ کَانُوا یُسَارِعُونَ فِی الْخَیْرَاتِ وَیَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَکَانُوا لَنَا خَاشِعِینَ »(3).
ص: 110
وأیّ استجابة دعاءٍ وأیّ ولدٍ قد وهبه له، یحیی النبی والسیّد الحصور «... وَآتَیْنَاهُ الْحُکْمَ صَبِیًّا »* «وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَکَاةً وَکَانَ تَقِیًّا » *«وَسَلَامٌ عَلَیْهِ یَوْمَ وُلِدَ وَیَوْمَ یَمُوتُ وَیَوْمَ یُبْعَثُ حَیًّا »(1)، وسلام علی زکریّا یوم واسی الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وآله الطاهرین بفجیعته العظمی بذبحِ ولده یحیی.
1- صحیحة أبی بصیر: عن الصادق(علیه السّلام) قَالَ: «إِنَّ جَبْرَئِیلَ(علیه السّلام) أَتَی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) والحُسَینُ(علیه السّلام) یَلْعَبُ بَینَ یَدَیهِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ أُمَّتَهُ سَتَقْتُلُهُ... فَجَزِعَ رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فَقَال: أَ لا أرِیکَ التُّربَةَ الَّتِی یُقْتَلُ فِیهَا... فَخَسَفَ مَا بَیْنَ مَجْلِسِ رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) إِلَی المَکَانِ الَّذِی قُتِلَ فِیهِ الحُسَیْنُ(علیه السّلام)... الحدیث»(2).
2- معتبرة إبن عباس: عن أمیر المؤمنین(علیه السّلام) ما قاله رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فی عقیل(علیه السّلام): «... وإنّ وَلَده لمقتولٌ فی محبّة وَلَدک، فتدمع علیه عیون المؤمنین، وتصلّی علیه الملائکة المقربون، ثم بکی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) حتی جرتْ دموعُه علی صدره، ثم قال: إلی الله أشکو ما تلقی عترتی من بعدی»(3).
ص: 111
3- حدیث أبی الجارود: عن أبی جعفر(علیه السّلام)، قال: «کان النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فی بیت أم سلمة(رضی الله عنها)، فقال لها: لا یدخل علیّ أحد، فجاء الحسین(علیه السّلام) وهو طفل، فما ملکت معه شیئاً حتی دخل علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فدخلت أم سلمة علی أثره، فإذا الحسین علی صدره، وإذا النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) یبکی، وإذا فی یده شیء یقلبه، فقال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): یا أم سلمة، إنّ هذا جبرئیل یخبرنی أنّ هذا مقتول، وهذه التربة التی یُقتَل علیها، فضعیها عندک، فإذا صارتْ دماً فقد قتل حبیبی... »(1).
ونحو هذا الحدیث بسند الخزاز عن عائشة(2).
وفی روایة السید إبن طاووس(قدسّ سرّه) والطبرانی: «فسمعت نشیج النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) یبکی، فدخلتُ فإذا حسین فی حِجره یمسح رأسه ویبکی..»(3).
والنشیج: الصوت الذی فیه توجّع وبکاء.
وفی عیون أخبار الرضا(علیه السّلام) بسنده إلی أسماء بنت عُمَیس رضوان الله علیها عند ولادة الحسین(علیه السّلام) أنّه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) بعدَ أنْ أذّن فی أذنه الیمنی وأقام فی الیسری، وضعه فی حجْرِه وبکی، وأخبرَ عن مقتله(4).
ص: 112
وفی زیارة الناحیة المقدّسة: «فَانْزَعَجَ الرَّسُولُ وبَکَی قَلْبُهُ المَهُولُ»(1).
وفی کامل الزیارات بأسانیدٍ متعددة، أنّ فاطمة(علیهماالسّلام) رأتْه فی صباح باکیاً حزیناً، فأخبر(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) عن مقتله قبل أنْ تحمل به(2).
وفی روایات أخری أنّه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) خرّ ساجداً وبکی بکاءاً شدیداً وأطال البکاء(3).
وفی روایة الصنعانی عن الصادق(علیه السّلام) أنّه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) کان یکرّر من هذا الفعل، فیمسک بالحسین(علیه السّلام) فیقع علیه ویقبله ویبکی، ویقول له: أنا أقبّل موضع السیوف منک(4).
وفی روایة الخصیبی: «ثُمَّ یَقُومُ الحُسین(علیه السّلام) مُخَضَّباً بِدِمَائِه... فَإِذَا رَآهُ رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فَبَکَتْ أهل السَّمَاوَاتِ والأرضِ ومَنْ عَلَیْهَا ویَقِفُ أمِیرُ المُؤْمِنِینَ والحَسَنُ عَنْ یَمِینِهِ وفَاطِمَةُ عَنْ شِمَالِهِ ویُقبِل الحُسَین ویَضُمُّهُ رَسُولُ اللَّه إِلَی صَدْرِهِ ویَقُولُ یَا حُسَیْن: فَدَیْتُکَ قَرَّتْ عَیْنَاکَ وعَیْنَایَ فِیک... »(5)، ففی یوم الفصل وإقامة الحقّ، یتمنی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أن یفدی الحسین(علیه السّلام) بنفسه الشریفة.
ونقل فی مثیر الأحزان عن البلاذری والخطیب فی تاریخیهما رؤیا إبن
ص: 113
عباس أنهّ رأی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أشعث أغبر وبیده قارورة فیها دم الحسین(علیه السّلام)، فاخبره أنّه کان یلتقطه ویجمعه فی القارورة منذ مقتله(1).
وعن علی بن الحسین(علیه السّلام): أنَّهُ وَجَّهَ وَجْهَهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ وبَسَطَ یَدَیْهِ ودَعَا ثُمَّ خَرَّ سَاجِداً وهُوَ یَنْشِجُ فَأَطَالَ النُّشُوجَ وعَلا نَحِیبُهُ وجَرَتْ دُمُوعُهُ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وأَطْرَقَ إِلَی الأرضِ ودُمُوعُهُ تَقْطُرُ کَأَنَّهَا صَوْبُ المَطَرِ فَحَزِنَتْ فَاطِمَةُ وعَلِیٌّ والْحَسَنُ والْحُسَیْنُ(علیهم السّلام) (2).
وفی روایة إبن عباس، جلوس النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) بین أصحابه وذِکْره مصیبة ما جری علی الحسین(علیه السّلام) مفصّلاً، حتی بکی وأبکی أصحابه، قال(صلّی الله علیه و آله وسلّم ):
«کأنی أنظرُ إلیه وقد رُمی بسهمٍ فخرَّ عن فرسه صریعاً، ثُمّ یُذبَح کما یُذبَح الکبش مظلوماً، ثُمَّ بکی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وبکی من حوله وارتفعت أصواتُهم بالضجیج، ثُمَّ قام(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وهو یقول: اللّهم إنّی أشکو إلیک ما یَلقی أهل بیتی بعدی »(3).
فالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) یقرأ عزاء الحسین(علیه السّلام) علی الأصحاب ویَبکی ویُبکی الأصحاب ویجعلهم یضجّون بأصواتٍ عالیة قبل أکثر من خمسین عاماً من شهادته.
هذا - باختصار شدید - حال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) علی ولده الشهید قبل شهادته، بل قبل ولادته، بکاءٌ شدید وجزع، نحیب ونشیج، أشعث أغبر،
ص: 114
یضمّه إلیه ویبکی، یقبلّ منحره الشریف ویبکی، ینظر إلیه فیبکی، یخبر أصحابه ویبکیهم ویبکی.
والمُطّلِع علی بعض مقامات الرسول الأعظم(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) یُدرک کیفیة ارتباط المنظومة الکونیة بقلبه المقدَّس، وأنّ أی انزعاجٍ أو تأثّر أو حزنٍ لذلک القلب تهتزّ له السماوات والأرض والملائکة وجمیع الخلائق.
ومن ثَمَّ تنکشف أصل العلة للحوادث المهولة ونبوع الدم من الأرض وبکاء السماء دماً یوم عاشوراء.
نحن لا نتحدّث عن بکاء أیّ إنسان قد یتعاطف مع ولده فتذرف دموعه، فإنّ من یعرف فاطمة(علیهماالسّلام) - کأبیها(صلّی الله علیه و آله وسلّم )- یعرف ما تأثیر بکاء فاطمة علی عالم الملکوت والنظام الکونی، وقد قال لها(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) حین رآها تبکی: «یا بنیّة لا تبکین ولا تؤذین جلساءک من الملائکة، هذا جبرئیل یبکی لبکائک، ومیکائیل وصاحب صور اللّه إسرافیل، یا بنیّة لا تبکین، فقد بکت السماواتُ والأرض [الأرضین] لبکائک»(1).
- روی الصدوق بسنده إلی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أنّه لمّا ولد الحسین(علیه السّلام):
ص: 115
«فَدَخَلَ النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) عَلَی فَاطِمَةَ(علیهماالسّلام) فَهَنَّأَهَا وعَزَّاهَا فَبَکَتْ فَاطِمَةُ... »(1).
- روی الکوفی بسنده إلی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أنّه قال لفاطمة(علیهماالسّلام): «فکیف
لو رأیت الأکبر مسقیّاً بالسمّ، والأصغر مُلطَّخاً بدمه فی قاعٍ من الأرض یتناوبه السباع؟ قال: فبکت فاطمة»(2).
- فرات الکوفی عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أنّه قال للحسین(علیه السّلام) وهو صبی: «لعن الله قاتلک، ولعن الله سالبک، وأهلک الله المتوازرین علیک، وحکم الله بینی وبین من أعان علیک... فقالت فاطمة الزهراء(علیهماالسّلام): یا أبَه إنّا لله، وبکتْ... فمسح علی قلبها ومسح عینیها... »(3).
- وفی روایة إبن عقدة الکوفی(رحمه الله): بسنده إلی الصادق(علیه السّلام) عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أنّه قال لفاطمة(علیهماالسّلام): «أتانی جبرئیل فبشّرنی بفرخَین یکونان لکِ، ثمّ عزّیت بأحدهما، وعرفت أنّه یُقتل غریباً عطشاناً، فبکتْ فاطمة حتّی علا بکاؤها»(4).
- روی فی البحار: «لما أخبر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ابنته فاطمة بقتل ولدها الحسین وما یجری علیه من المِحَن بکتْ فاطمة بکاءً شدیداً، وقالت: یا أبت متی یکون
ص: 116
ذلک؟ قال: فی زمان خال منی ومنک ومن علی، فاشتدَّ بکاؤها وقالت: یا أبت فمن یبکی علیه، ومَن یلتزم بإقامة العزاء له؟
فقال النبی: یا فاطمة إنّ نساء أمّتی یبکون[یبکین] علی نساء أهل بیتی،ورجالهم یبکون علی رجال أهل بیتی، ویجدّدون العزاء جیلاً بعد جیل فی کلّ سنة، فإذا کان القیامة تشفعین أنتِ للنساء وأنا أشفع للرجال وکلّ مَن بکی منهم علی مصاب الحسین أخذنا بیده وأدخلناه الجنة»(1).
هذه نماذج من الروایات التی نصّت علی بکائها(علیهماالسّلام) حین ولادة الحسین(علیه السّلام)، وهی کثیرة إلی درجة تُفید القطع بوقوع هذا الأمر منها(علیهماالسّلام).
- ما رواه إبن قولویه القمی(قدسّ سرّه) بسنده إلی الصادق(علیه السّلام) فی حدیث: «یا أبا بصیر إنّ فاطمة(علیهماالسّلام) لَتبْکیه وتشهق فتزفر جهنمُّ زفرةً لولا أنّ الخزنة یسمعون بکاءها وقد استعدوا لذلک مخافةَ أنْ یخرج منها عنقٌ أو یشرد دخانُها فیحرق أهل الأرض، فیکبحونها ما دامت باکیة، ویزجرونها ویوثقون من أبوابها مخافةً علی أهل الأرض، فلا تسکن حتی یسکن صوت فاطمة، وإنّ البحار تکاد أنْ تنفتق فیدخل بعضها علی بعض، وما منها قطرة إلّا بها ملَک موکّل، فإذا سمع الملَکُ صوتَها أطفأ نارها بأجنحته، وحبس بعضَها علی بعض مخافةً علی الدنیا وما فیها ومَن علی الأرض، فلا تزال الملائکة مشفقین یبکونه
ص: 117
لبکائها، ویدعون الله ویتضرعون إلیه، ویتضرّع أهل العرش ومَن حوله، وترتفع أصواتٌ من الملائکة بالتقدیس لله مخافةً علی أهل الأرض، ولو أنّ صوتاً من أصواتهم یصل
إلی الأرض لصُعِق أهل الأرض، وتقطّعت الجبال وزُلزِلت الأرض بأهلها»(1).
- وبسنده أیضاً إلی الصادق(علیه السّلام) أنّه قال: «ولو یعلموا [یعلمون] ما فی زیارته من الخیر ویعلم ذلک الناس لاقتتلوا علی زیارته بالسیوف، ولباعوا أموالهم فی إتیانه، وإنّ فاطمة(علیهماالسّلام) إذا نظرت إلیهم ومعها ألف نبیّ وألف صدّیق وألف شهید، ومن الکروبیین ألف ألف یسعدونها علی البکاء، وإنّها لتشهق شهقة، فلا یبقی فی السماوات ملَک إلّا بکی رحمةً لصوتها، وما تسکن حتی یأتیها النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فیقول: یا بُنیة قد أبکیت أهل السماوات وشغلتهم عن التسبیح والتقدیس، فکفّی حتی یقدّسوا... وإنّها لتنظر إلی مّن حضر منکم، فتسأل الله لهم من کلّ خیر، ولا تزهدوا فی إتیانه، فإنّ الخیر فی إتیانه أکثر مَن أنْ یحصی»(2).
والظاهر من الروایة - کما مرّ- أنّ هذا الأمر یتکرر فی کلّ یوم.
- ما رواه الصدوق(قدسّ سرّه) بسنده إلی الصادق(علیه السّلام) عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): «إِذا کانَ یَومُ القِیامةِ نُصِبَ لِفاطمةَ(علیهماالسّلام) قُبَّةٌ مِن نُورٍ وأقبَل الحُسَینُ(علیه السّلام) رَأسُهُ عَلَی یَدِه، فَإِذَا رَأتْهُ شَهَقَتْ شَهْقَةً لا یَبقَی فِی الجَمْعِ مَلَکٌ مُقَرَّبٌ ولا نَبِیٌّ مُرْسَلٌ ولا
ص: 118
عَبْدٌ مُؤْمِنٌ إلّا بَکَی لَهَا...»(1).
- وبإسناده إلی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أنّه قال: «إِذَا کَانَ یَومُ القِیَامةِ جَاءتْ فَاطِمَةُ(علیهماالسّلام) فِی لُمَةٍ مِن نسَائِهَا... فَتَنْظُرُ إِلَی الحُسَینِ(علیه السّلام) قَائِماً ولَیس عَلَیه رَأسٌ،فَتَصرُخُ صَرخَةً وأصْرُخُ لِصُرَاخِهَا، وتَصْرُخُ المَلائِکَةُ لِصُرَاخِهَا، فَیَغْضَبُ اللهُ(عزوجل) عِنْدَ ذَلِک فَیَأمُرُ نَاراً یُقَالُ لَهَا (هَبْهَبُ) قَدْ أوقِدَ عَلَیْهَا أَلفَ عَامٍ حَتَّی اسْوَدَّتْ... الحدیث»(2).
کما رواه إبن قولویه(قدسّ سرّه) بسنده إلی الصادق(علیه السّلام) قال: «دَخَلَتْ فَاطِمَةُ(علیهماالسّلام) عَلَی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وعَیْنَاهُ تَدْمَعُ فَسَأَلَتْهُ مَا لَکَ؟ فَقَالَ: إِنَّ جَبْرَئِیلَ(علیه السّلام) أَخْبَرَنِی أَنَّ أمَّتِی تَقتُلُ حُسَیْناً، فَجَزِعَتْ وشَقَّ عَلَیْهَا»(3).
- صحیح عبد السلام الهروی: وهو أنّ دعبل الخزاعی(رحمه الله) قرأ أبیاتاً فی نَدْب أهل البیت(علیهم السّلام) فی محضر الضامن أبی الحسن الرضا(علیه السّلام)، إلی أنْ وصل إلی رزیّة الرزایا فأنشد قائلاً:
أفاطمُ لَو خِلْتِ الحسینَ مُجَدَّلاً
جُهده وقد ماتَ عطشاناً بِشطِّ فُراتِ
ص: 119
إذن لَلَطمْتِ الخَدَّ فاطمُ عنده
وأجریتِ دمعَ العین فی الوجَناتِ
أفاطمُ قومی یا ابنة الخَیر واندُبی
نجومَ سماواتٍ بأرض فَلاة(1).
والإمام(علیه السّلام) لم یقرِّر ما فرَضه دعبل بالنسبة إلی ما ینبغی صدوره من فاطمة الزهراء(علیهماالسّلام) وحسْب، وإنّما بکی بُکاءاً شدیداً، وأمر بإکرامه بمالٍ وجُبّة خزّ، فمِن تقریر الإمام(علیه السّلام) وبکائه وإکرامه لدعبل یُعلَم أنّ هذا الفعل المذکور - لَطْم الخدّ - هو فعلٌ یصحّ أن یُنسَب إلی سیّدة النسوان(علیهماالسّلام)، وأنّها لو کانت لفعلت ذلک، ولا یُعقَل أن یُذکر شیئاً لا یَلیق بها ویسمع الإمام دون أنْ یزْجره ویوبّخَه.
- ما رواه الشیخ الصدوق(قدسّ سرّه) بسنده إلی إبن عبّاس، قال: کنتُ مع أمیر المؤمنین(علیه السّلام) فی خرجته إلی صفّین، فَلَمَّا نَزَلَ بِنَینوَی وهو شَطُّ الفُرَات قَال بأعْلَی صَوتِهِ: «یا إبن عَبَّاس، أتَعرِفُ هَذَا المَوضِع؟ قَال: قُلْت: مَا أعرِفُهُ یا أَمِیرَ المُؤمنِینَ، فَقَال: لَو عَرَفتَهُ کَمَعرِفَتِی لَمْ تَکنْ تَجُوزُهُ حَتَّی تَبکِیَ کَبُکَائِی، قَال: فَبَکَی طَوِیلاً حَتَّی اخْضَلَّتْ لِحیَتُهُ وسَالَت الدُّمُوعُ عَلَی صَدرِهِ وبَکَینَا مَعَهُ وهُوَ
ص: 120
یَقُولُ: أوِّهْ أوِّهْ مَا لِی ولآل أبی سُفیَانَ مَا لِی ولآلِ حَرْبٍ حِزْبِ الشَّیْطَان وأولِیَاءِ الکُفْرِ، صَبْراً یَا أبا عَبدِ اللَّه... ثُمَّ انْتَبهَ فَقَال:... رَأیتُ کَأَنِّی بِرِجَالٍ بیضٍ قَدْ نَزَلُوا مِنَ السَّمَاءِ مَعَهُمْ أعْلامٌ بیضٌ قَدْ تَقَلَّدُوا سُیوفَهُمْ وهِیَ بِیضٌ تَلْمَعُ، وقَدْ خَطُّوا حَوْلَ هَذِهِ الأرضِ خَطَّةً، ثُمَّ رَأیتُ هَذِهِ النَّخِیلَ قَد ضَرَبتْ بِأغصَانِهَا إِلَی الأرض فَرَأیتُهَا تَضْطَرِبُ بدَمٍ عَبِیطٍ، وکَأنِّی بِالحُسَینِ نَجْلِی وفَرْخِی ومُضْغَتِی ومُخِّی قَد غَرِقَ فِیهِ، یَستَغِیثُ فَلا یُغَاثُ، وکَأنَّ الرِّجَالَ الْبِیضَ قَد نَزَلُوا مِنَ السَّمَاء یُنَادُونَهُ ویَقُولُونَ: صَبْراً آلَ الرَّسُولِ، فَإِنَّکُمْ تُقْتَلُونَ عَلَی أیْدِی شِرَارِ النَّاسِ... ثُمَّ یُعَزُّونَنِی... ثُمَّ انْتَبَهْتُ هَکَذَا، والَّذِی نَفْسُ عَلِیٍّ بِیَدِهِ لَقَد حَدَّثَنِی الصَّادِقُ المُصَدَّقُ أبو القَاسِمِ(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أَنِّی سَأرَاهَا فِی خُرُوجِی إِلَی أهل البَغْیِ عَلَیْنَا، وهَذِهِ أرضُ کَرْبٍ وبَلاءٍ یُدْفَنُ فِیهَا الحُسَینُ وسَبْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً کُلُّهُمْ مِن وُلْدِی ووُلدِ فَاطِمَةَ(علیهماالسّلام)... ثُمَّ قَامَ یُهَرْوِلُ إلَیْهَا فَحَمَلَهَا وشَمَّهَا وقَالَ: هِیَ هِیَ بِعَینِهَا،... وقَال بِأعْلَی صَوْتِهِ: یَا رَبَّ عِیسَی بن مَرْیَمَ لا تُبَارِک فِی قَتَلَتِهِ والحَامِلِ عَلَیْهِ والمُعِینِ عَلَیهِ والخَاذِلِ لَهُ ثُمَّ بَکَی بُکَاءاً طَوِیلاً وبَکَیْنَا مَعَهُ حَتَّی سَقَطَ لِوَجْهِهِ وغُشِیَ عَلَیْهِ طَوِیلاً...»(1).
لم یُعهَد عن أمیر المؤمنین(علیه السّلام) أنّه سَقطَ علی وجهه علی طول عمره الشریف إلّا هذه المرّة، وأخری عندما أخبره(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أنّه ستُنْتَهک الحرمةُ من بعده(2)، فما أشدّ الموقفَین هولاً وأعظمهما علی قلب علیّ(علیه السّلام) حتی یُسقطه علی
ص: 121
وجهه وهو مُجَندِل الأبطال بلا منازع، ثمّ یُغشی علیه مِن کثرة البکاء، وکان یقول عندما ینظر إلی الحسین(علیه السّلام): «یا عَبْرة کلّ مؤمن»(1)، ویقول: «بأبی وأمّی الحسین المقتول...»(2).
1- ما رواه إبن قولویه بسنده إلی زائدة الثقفی، قال له علیّ بن الحسین(علیه السّلام) فی حدیث: «لَمَّا أَصَابنَا بالطَّفِّ مَا أصَابَنَا وقُتِلَ أبی(علیه السّلام) وقُتِلَ مَن کَانَ مَعَهُ... فَجَعَلتُ أنظُرُ إِلَیهِمْ صَرعَی ولَم یوُارَوا، فَعَظُمَ ذَلِکَ فِی صَدرِی واشتَدَّ لِمَا أرَی مِنهُم قَلَقِی، فَکَادَتْ نَفْسِی تَخْرُجُ، وتَبَیَّنَتْ ذَلِکَ مِنِّی عَمَّتِی زَیْنَبُ... فَقَالَت: ما لی أَرَاکَ تَجُودُ بِنَفسِکَ یَا بَقِیَّةَ جَدِّی وأبی وإِخْوَتِی؟ فَقُلْتُ: وکَیفَ لا أجزَعُ وأهلَعُ وقَد أرَی سَیِّدِی وإِخوَتِی وعُمُومَتِی ووُلدَ عَمِّی وأهْلِی مُصرَّعِینَ [مضرّجین] بِدِمَائِهِم مُرَمَّلِینَ بِالعَرَاءِ مُسَلَّبِینَ لا یُکَفَّنُونَ ولا یُوَارَوْنَ ولا یُعَرِّجُ عَلَیْهِم أَحَدٌ ولا یَقْرَبُهُمْ بَشَرٌ، کَأَنَّهُم أهل بَیتٍ مِنَ الدَّیْلَمِ والخَزَرِ؟ فَقَالَت: لا یُجْزِعَنَّکَ مَا تَرَی فَوَ اللهِ إِنَّ ذَلِکَ لَعَهْدٌ مِن رَسُولِ اللهِ(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) إلی جَدِّکَ وأبیکَ وعَمِّکَ، ولَقَد أخَذَ اللهُ [المیثاق] مِیثَاقَ أنَاسٍ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ لا تَعْرِفُهُم فَرَاعِنَةُ هَذِهِ الأُمَّةِ وهُمْ مَعْرُوفُونَ فِی أهل السَّمَاوَاتِ...ویَنصِبُونَ لِهَذَا الطَّفِّ عَلَماً لِقَبْرِ أبیکَ سَیِّدِ الشُّهَدَاءِ لا یَدْرُسُ أَثَرُهُ ولا یَعْفُو رَسْمُهُ عَلَی کُرُورِ اللَّیَالِی
ص: 122
والأَیَّامِ، ولَیَجْتَهِدَنَّ أَئِمَّةُ الْکُفْرِ وأشْیَاعُ الضَّلالَةِ فِی مَحْوِهِ وتَطْمِیسِهِ فَلا یَزْدَادُ أَثَرُهُ إلّا ظُهُوراً وأمْرُهُ إلّاعُلُوّاً... الحدیث»(1).
وفی هذا الحدیث عدّة مواقف:
الموقف الأوّل: قوله(علیه السّلام): «فکادت نفسی أنْ تخرج»، و(کادَ) أی: قاربَ وهمَّ، و«کأنّها تدلّ علی إلتماس شیءٍ ببعضِ العناء»(2).
الموقف الثانی: قول زینب الکبری(علیهماالسّلام): «ما لی أراک تجود بنفسک»، ویجود بنفسه: أی یخرجها ویدفعها(3)، إذا ساقها سیاق الموت(4)، والجود هو بذْل الشیء(5).
فکأنّه(علیه السّلام) یطلب بذْل نفسه ویرید إخراجها طلباً للموت، ولا یمنعه من ذلک إلّا ما أشارت إلیه عمّته القدیسة(علیهماالسّلام) بقولها: «یا بقیّة جدّی وأبی
وأخوتی»، وهذا یکشفُ عن عمق معرفتها بأنّ الإمامة لا بدّ أنْ تستمرّ ولا ینبغی أنْ تتوقف بأنْ یبذل الإمام السجّاد(علیه السّلام) نفسه یومذاک، وملخصّه أنه لو لا الإمامة الملازمة لحیاته(علیه السّلام) لجادَ بنفسه ولم یَقُل: (کادت) بنحو المقاربة.
الموقف الثالث: قوله(علیه السّلام): «کیف لا أجزع وأهلع»، فهو(علیه السّلام) یعتبر صدور الجزع والهلَع أمراً حقیقاً بمن هو مثله، ولا یذکر مبرراً لذلک إلّا عِظَم ما
ص: 123
جری علیهم یوم عاشوراء، وقد ذکرنا معنی الهَلع وأنه أشدّ حالات الجزع، والجزع هو نقیض الصبْر، فهو(علیه السّلام) فی أعلی مرتبةٍ من فقدان الصبر، ومع کون أفعالهم(علیهم السّلام) إختیاریةً، فیکون قد ترَک صبره وراء ظهره وأوصل نفسه إلی أعلی مرتبة اللاصبر - سوی قتل النفس - معتبِراً ذلک هو اللائق لأجل الحسین(علیه السّلام).
الموقف الرابع: المیثاق النبوی المُزیل لحالة الجزع، فقد ذکرتْ زینب الحوراء(علیهماالسّلام) - فی سیاق نهیها عن الجزع - المیثاقَ من رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) بأنّ أقواماً سوف ینصبون لهذا الطفّ عَلَماً لا یندرِس ولا یعفو، وهو عبارة أخری عن إحیاء رزیّة عاشوراء بإقامة الشعائر، فلا یسکّن جزع السجّاد(علیه السّلام) سوی سماعُه لخبر إقامة الشعائر الحسینیة من شیعتهم فی المستقبل.
2- ما رواه إبن قولویه(قدسّ سرّه): أشرَفَ مَولی لِعَلِیِّ بنِ الحُسَینِ(علیه السّلام) وهو فی سقیفَة لَهُ سَاجِدٌ یَبکی، فَقَال له: یا مَولای یاعلِیَّ بن الحُسینِ أما آنَ لحُزنِکَ أن یَنقضیَ؟ فَرفعَ رَأسه إِلیه وقَال: «ویلکَ أو ثَکِلَتْکَ أمُّکَ، واللهِ لَقدْ شَکَا یَعقُوبُ إِلَی ربِّهِ فی أقَلَّ مِمَّا رَأیتُ، حَتَّی قَالَ: « یَا أَسَفَی عَلَی یُوسُفَ» ، أَنَّهُ فَقَدَ إبناً واحداً وأنا رَأیْتُ أبی وجَماعةَ أهل بَیتی یُذْبَحُونَ حَولِی...»(1).
الإمام الذی لا یوجد مَن هو أکثر رأفةً وحنوّاً منه علی الموالین، نراه یردّ علی خادمه بهذه الکلمات (ویلک) أو (ثکلتک أمک)، لأنه دعاه أنْ ینهی حزنه وبکاءه علی الحسین(علیه السّلام) رأفةً به لما رآه من عِظم آثاره علی سیده، فهو لیس مجرّد
ص: 124
حزنٍ وبکاءٍ، بل هو تلازمٌ وذوبان، إلی درجةٍ کان یُخشی علیه منها.
والأهمّ من ذلک استشهاده(علیه السّلام) بقضیة یعقوب(علیه السّلام) علی ولَده یوسف(علیه السّلام)، فذَکر هذه الآیة التی تتضمن ذهاب بصره حُزناً علی فراق وَلَده(1)، مع خفّة ما أصابه فی میزان المقایسة مع ما أصاب السجّاد(علیه السّلام)، ومفهومه أنّه لو فعل أکثر من ذهاب بصرِهِ علی الحسین(علیه السّلام) لکان حَریّاً به.
3- روایة إبن طاووس(قدسّ سرّه)، عن علی بن الحسین(علیه السّلام) فی ضمن خطبةٍ له قال: «نحمدُه علی عظائم الأمور وفجائع الدهور وألم الفجائع ومَضاضة اللواذع وجلیل الرزء وعظیم المصائب الفاظعة الکاظّة الفادحة الجائحة.
أیّها القوم إنّ الله - وله الحمد - إبتلانا بمصائبٍَ جلیلةٍ، وثلمة فی الإسلام عظیمة، قُتل أبو عبد الله الحسین(علیه السّلام) وعترته، وسُبی نساؤه وصبیته، وداروا برأسِه فی البلدان من فوق عامل السّنان وهذه الرزیّة التی لا مثلها رزیة....
یا أیّها الناس أیّ قلْبٍ لا ینصدِع لقتلِه، أم أیّ فؤادٍ لا یحنّ إلیه، أم أیّ سمعٍ یسمع هذه الثلمة التی ثلمت فی الإسلام ولا یصمّ؟ ... فإنّا لله وإنّا إلیه راجعون مِن مصیبةٍ ما أعظمها وأوجعها وأفجعها وأکظّها وأمرّها وأفدحها...»(2).
ولنأخذ عبارة واحدة فقط من عباراته المفجعة، قوله(علیه السّلام): «أیّ قلْبٍ لا
ص: 125
ینصدِع لقتلِه»، والصدْع: هو الشقّ فی الأجسام الصلبة کالحدید(1)، فتشبیه القلْب بالحدید والأجسام الصلبة هو لبیان عظمة الإنصداع الحاصل وعظمة الضربة الواردة علی القلب لقتل الحسین(علیه السّلام)، فلو کان القلبُ من حدیدٍ لَصَدَعه، والسؤال هنا سؤال استنکار، فالإمام السجّاد یستنکر مَن لا یتشقّق قلبه لأجل أبی عبد الله(علیه السّلام)، فما الذی أحدثَت تلک الفاجعة بقلب أبی الحسن السجّاد(علیه السّلام)؟
4 - ما رواه الصدوق بسنده عن الصادق(علیه السّلام) قال: «البکَّاؤون خَمْسَةٌ؛ آدَمُ ویَعْقُوبُ ویُوسُفُ وفَاطِمَةُ بِنتُ مُحَمَّدٍ(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وعَلِیُّ بنُ الحُسَینِ(علیه السّلام).
فَأَمَّا آدَمُ فَبَکَی عَلَی الجَنَّةِ حَتَّی صَارَ فِی خَدَّیْهِ أَمْثَالُ الأَوْدِیَةِ، وأَمَّا یَعْقُوبُ فَبَکَی عَلَی یُوسُفَ حَتَّی ذَهَبَ بصره... وأَمَّا عَلِیُّ بْنُ الحُسَیْنِ فَبَکَی عَلَی الحُسَیْنِ(علیه السّلام) عِشْرِینَ سَنَةً أو أَربَعِینَ سَنَةً ومَا وُضِعَ بَیْنَ یَدَیْهِ طَعَامٌ إلّا بَکَی...»(2).
وفی المناقب: قِیلَ إِنَّهُ بَکَی حَتَّی خِیفَ عَلَی عَیْنَیْهِ... وکَانَ إِذَا أَخَذَ إِنَاءاً یَشْرَبُ مَاءاً بَکَی حَتَّی یَملأَهَا دَمْعاً فَقِیلَ لَهُ فِی ذَلِکَ فَقَال: «وکَیْفَ لا أَبکِی وقَدْ مُنِعَ أبی مِنَ المَاءِ الَّذِی کَانَ مُطْلَقاً لِلسِّبَاعِ والوُحُوش».
وقِیلَ لَهُ: إِنَّکَ لَتَبکِی دَهْرَکَ فَلَوْ قَتَلْتَ نَفْسَکَ لَمَا زِدْتَ عَلَی هَذَا فَقَال:
ص: 126
«نَفْسِی قَتَلْتُهَا وعَلَیْهَا أَبْکِی»(1).
بل فی بعض النسخ: «وکان إذا أخذ إناءاً لیشرب بکی حتی یملأها دماً»(2).
ولیس بعیداً عنهم(علیهم السّلام) کما لا یخفی علی مَن تابع أحوالهم إزاء رزیّة عاشوراء.
قال بعض المحققین(قدسّ سرّه): «وهذا بظاهره من غرائب الأخبار، فإنّ العیون لا تسیل دموعها دماً، ولذلک کنتُ أحتمل وقوع التحریف فیه، وأنّ الصحیح (دمعاً) بدل (دماً)، لکنی وجدتُ المخطوط والمطبوع من الجلاء وغیره کما هو مرویٌّ فیه».
ثمّ وجّه الحدیث ب-«أنّ العیون وإن لم تبکِ دماً لکنها لکثرة البکاء والإحتراق تتقرَّح أجفانها، فإذا اشتدّ البکاء تنفجر القروحُ دماً یمتزج بالدموع، فهو إذا سال فی الإناء یسیل کأنه دمٌ ویصدق حینئذٍ أن یُقال: یملأُ الإناء دماً...»(3).
وفی روایة إبن نما الحلّی وتلمیذه إبن طاووس: «أنَّ زَینَ العَابِدِین(علیه السّلام) کَان مَع حِلمِهِ الَّذِی لا تُوصَفُ بِهِ الرَّوَاسِی، وصَبرِهِ الَّذِی لا یَبلُغُهُ الخِلُّ
ص: 127
المُوَاسِی، شَدِیدُ الجَزَع والشَّکوَی لِهَذِهِ المُصِیبَةِ والبَلوَی، بَکَی أربَعِینَ سَنَةً بدَمعٍ مَسفُوحٍ وقَلبٍ مَقرُوحٍ. . فَإِذَا أحْضِرَ الطَّعَامُ لإفطَارِهِ ذَکَرَ قَتلاهُ وقَالَ: «وا کَربَاهْ » ویُکَرِّرُ ذَلِکَ ویَقُول: قُتِلَ إبن رَسُولِ اللهِ جَائِعاً، قُتِلَ إبن رَسُولِ اللهِ عَطْشَاناً، حَتَّی یَبُلَّ بالدَّمعِ ثِیَابهُ» (1).
وقال الشهید الثانی(قدسّ سرّه) واصفاً هذا الخبر بأنّه من مشاهیر الأخبار(2).
وفی روایة المحاسن مسنداً، بأنّ علی بن الحسین، کان یعمل الطعام لعمّاته ونساء بنی هاشم، لأجل إقامة المأتم علی سید الشهداء(علیه السّلام)(3).
بعدما ثبتَ بأنّ المعصوم لا ینفعل لغیر الله، وأنّه مهما أحیط به من أهوال وفجائع لا یصدر منه إلّا ما هو مطلوب ومحبوبٌ عند الله تعالی، فتکون هذه الأفعال التی صدرت من السجّاد(علیه السّلام) من الجزع الشدید والهلع، وتشقّق القلب وملازمة البکاء والحزن، وذرف الدماء بدل الدموع، وذکره ما هو حریٌّ به من أبیضاض العین لأجل الحسین(علیه السّلام) ویومه، کلّ ذلک من الأفعال المستحبّة التی لا ینبغی للمؤمن ترکها.
ص: 128
ما رواه الشیخ (قدسّ سرّه) بسنده إلی علقمة، وإبن قولویه بطرقٍ متعددةٍ عن علقمة الحضرمی ومالک الجهنی عن الباقر(علیه السّلام) أنّه قال - بعد أنْ سأله عن الشخص الذی لم یستطع زیارة الحسین(علیه السّلام) یوم عاشوراء لبُعد بلده - :
«إذا کان ذلک الیوم بَرَزَ إلی الصحراء أو صعد سطحاً مرتفعاً... ثُمّ لیَندُب الحسین(علیه السّلام) ویبکیه، ویأمر مَن فی داره بالبکاء علیه، ویقیم فی داره مصیبته بإظهار الجَزَع علیه، ویتلاقون بالبکاء بعضهم بعضاً بمصاب الحسین(علیه السّلام)، فأنا ضامنٌ لهم إذا فعلوا ذلک علی الله(عزوجل) جمیع هذا الثواب - إلی أنْ قال - فإنْ استطعتَ ألّا تنتشر یومک فی حاجةٍ فافعل، فإنه یوم نحسٍ لا تقضی فیه حاجة، وإن قُضیت لم یُبارَک له فیها ولم یَرَ رشداً، ولا تدخرنّ لمنزلک شیئاً، فإنه من ادّخَر لمنزله شیئاً فی ذلک الیوم لم یُبارَک له فیما یدّخره ولا یبارک له فی أهله... الحدیث»(1).
الأمر الأوّل: الأمر بالبکاء والندْب، وندْب المیّت هو النیاحة بقول: وا فلاناه وا هناه، مقیّداً بذکر محاسنه(2)،وهو من الندْب للجِراح لأنه احتراقٌ
ص: 129
ولذْع من الحزن(1)،
فالمطلوب أنْ یصعد الإنسان علی سطحٍ ویصیح باکیاً محترق القلب: وا حسیناه وا شهیداه.
الأمر الثانی: أنْ یقیم المصیبة علی الحسین الشهید(علیه السّلام) ویأمر مَن فی داره بالبکاء والنوح علیه، فلا یکفی الجَزع، بل المطلوب إظهار الجزَع والتواسی فیما بینهم، والتلاقی بالبکاء علی الحسین(علیه السّلام).
الأمر الثالث: بیان الأثر الوضعی علی الأعمال المطلوبة فی نفسها، کالسعی فی طلب ما یحتاج إلیه الإنسان فی معاشه، وکسْب المال وادّخاره للعَیش، فهذه أمور مطلوبة فی نفسها بنحوٍ من أنحاء الطلب، ولکن فی یوم عاشوراء یکون لها آثار سیئة کزوال البرکة من المال والأهل، ولیس ذلک إلّا کون فاعلها یُعدّ غیرَ مهتمٍّ وغیر متأثّرٍ بمصاب الحسین(علیه السّلام)، فالعیش بشکل طبیعی وعادی لیس منهیّاً عنه من الشارع وحسب، بل له من الآثار الخطیرة فی الدنیا.
حدیث محمد بن مسلم، رواه إبن قولویه بسندٍ متّصل إلی محمد بن مسلم عن أبی جعفر الباقر(علیه السّلام) فی حدیث أنه قال له: «هل تأتی قبر الحسین(علیه السّلام)؟ قلت: نعم علی خوفٍ ووَجَلٍ، فقال: ما کان من هذا أشدّ فالثواب فیه علی قدر الخوف، وَمَن خاف فی إتیانه أمن الله روعته یوم القیامة، یوم یقوم الناس
ص: 130
لربِّ العالمین، وانصرف بالمغفرة، وسلّمتْ علیه الملائکةُ، وزاره النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ودعا له، وانقلب بنعمةٍ من الله وفضل لم یمسسه سوء واتبع رضوان الله...»(1).
جعل(علیه السّلام) تناسباً طردیّاً بین الخوف وبین مقدار الأجر، فکلّما زاد الخوف - کمّاً وکیفاً - إزداد الأجرُ فیکشف عن إزدیاد المطلوبیة، وحذف متعلّق الخوف یُفید العموم لیشمل الخوفَ علی کلّ ما یمکن للإنسان أنْ یقدّمه کالنفس والأهل والمال والجاه.
قال العلامة المجلسی(قدسّ سرّه) - بعد أنْ ذکر روایة معاویة بن وهب بأسانیدها السبعة عن الصادق(علیه السّلام)، الناهیة عن ترْک زیارة الحسین(علیه السّلام) لخوفٍ(2) - :
«لعلّ هذا الخبر بتلک الأسانید الجمّة محمولٌ علی خوفٍ ضعیفٍ یکون مع ظنَّ السلامة، أو علی خوفِ فوات العزّة والجاه وذهاب المال، لا تلف النفس والعِرض، لعمومات التقیة، والنهی عن إلقاء النفس إلی التهلکة، والله یعلم»(3).
ما یُمکن من توجیه کلامه(قدسّ سرّه): أنّ النسبة بین هذه الروایة - الدالّة علی
ص: 131
طلب زیارة الحسین(علیه السّلام) مع مُطلق الخوف - وبین أدلة التقیّة، وأدلّة النهی عن إتلاف النفس، هی نسبة العموم والخصوص من وجه، فموردَی الإفتراق هما:
الأوّل: الخوف فی زیارة الحسین(علیه السّلام) علی غیر النفس، کالمال والجاه.
الثانی: الخوف علی النفس فی غیر زیارة الحسین(علیه السّلام).
وحکمهما واضحٌ، لدخول کلٍّ منهما فی موضوع أحد الدلیلین دون الآخر.
أما مورد الإجتماع والتنافی: فهو الخوف علی النفس فی زیارة الحسین(علیه السّلام)، فیتعارضان، فأدلة وجوب التقیّة وحرمة إتلاف النفس تدلّ علی لزوم ترک الزیارة، وروایة معاویة تدلّ علی جوازها واستحبابها، ولا بدّ - أولاً - من الجمع الدلالی إنْ أمکن، فلو حملنا (الخوف) فی روایة معاویة علی غیر الخوف علی النفس لزالَ التنافی بینهما دون أنْ یتساقطا، ومرجّح هذا الجمْع هو الأصل فی المسألة، وهو أصالة الاحتیاط فی الدماء، حیثُ عُلِم من ذوق الشارع ترجیح جانب حقن الدماء فی موارد الشکّ.
هذا غایة ما أمکننا من توجیه کلامه طیّب الله ثراه.
نقول: أولاً حکومة روایة معاویة بن وهب علی أدلة التقیّة، بیان الحکومة:
ص: 132
هناک قاعدة فی التعارض بالعموم والخصوص من وجه مفادها: أنه لو لزم من تقدیم أحد الدلیلین - أو من تساقطهما - فی مورد الإجتماع لغویّة جعل الدلیل الآخر - إمّا بعدم بقاء موردٍ له، أو بحمله علی فردٍ نادر- فیلزم تقدیم الدلیل الأخیر دفعاً للغویته المنزّه عنها مقام الحکیم، فتنقلب النسبة إلی العموم المطلق.
ولو تتبّعنا الظروف التی أحاطت بشیعة تلک الأزمنة، وشدّة حُکّام الجور خصوصاً بالنسبة إلی زیارة الحسین(علیه السّلام)، التی کانت فی أغلب الأحیان تؤدّی إلی القتل أو تلف الأعضاء بالسجن والتعذیب(1)، فیکون متعلّق
ص: 133
الخوف فی قلوب الناس هو النفسَ، إلّا ما ندَر فی بعض الموارد الخاصّة، فحمل هذه الروایة علی الفرد النادر - وهو ما کان لغیر النفس - بتقدیم
ص: 134
عمومات التقیّة یلزم لغویتها، فتقدّم هذه الروایة لذلک.
وثانیاً: إنّ حمل الخوف فی هذه الروایة علی الخوف الخاصّ بغیر النفس، معارضٌ بحمل التقیّة علی غیر زیارة الحسین(علیه السّلام)، فهذا الحمل تبرّع لا شاهد له.
وثالثاً: القاعدة تقتضی هنا تخصیص التقیّة بغیر زیارة الحسین(علیه السّلام)، لوجود الشاهد فی النصوص المتعدّدة المصرّحة بطلب زیارة الحسین(علیه السّلام) مع الخوف علی النفس، ففی الحقیقة النسبة بینهما العموم والخصوص المطلق، منها:
1- روایة هشام بن سالم عن الصادق(علیه السّلام)، قال: قلت: فما لِمَن قُتِل عنده، جارَ علیه سلطانٌ فقتله؟ قال: «أوّل قطرة مِن دمه یُغفَر له بها کلّ خطیئةٍ، وتَغسل طینتَه التی خُلقَ منها الملائکةُ حتی تخلص کما خلصت الأنبیاء المخلَصین، ویذهب عنها ما کان خالطها من أجناس طین أهل الکفر... فإذا کانت النفخة الثانیة وخرج من قبره کان أوّل من یصافحه رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وأمیر المؤمنین(علیه السّلام) والأوصیاء، ویبشّرونه ویقولون له: إلزَمنا، ویقیمونه علی الحوض فیشرب منه ویُسقی من أحبّ.
قلت: فما لِمَن حُبِس فی إتیانه؟ قال: له بکل یوم یحبس ویغتمّ فرحة إلی یوم القیامة، فإنْ ضُرِب بعد الحبس فی إتیانه کان له بکل ضربة حوراء، وبکلّ وجعٍ یدخل علی بدنه ألف ألف حسنة، ویُمحی بها عنه ألف ألف سیئة، ویرفع له بها ألف ألف درجة، ویکون من مُحدّثی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )... الحدیث»(1).
ص: 135
وبترک الإستفصال من الإمام(علیه السّلام) یُعلم عموم الحکم لمن قُتل وهو خائف، ومن قتل وهو آمن، إنْ لم نقل بإختصاصه بالخائف کما یُستفاد من النصوص الأخری.
2- روایة عبد الله بن بکیر عن الصادق(علیه السّلام): قلت له: إنّی أنزل الإرجان وقلبی ینازعنی إلی قبر أبیک، فإذا خرجتُ فقلبی وجِل مشفقٌ حتی أرجع خوفاً من السلطان والسّعاة وأصحاب المسالح، فقال: «یا بن بکیر، أما تحبّ أنْ یراک الله فینا خائفاً، أما تعلم أنه من خاف لخوفنا أظله الله فی ظلّ عرشه، وکان محدثه الحسین(علیه السّلام) تحت العرش... الحدیث»(1).
3- روایة یونس بن ظبیان عن الصادق(علیه السّلام): قلت له: جعلت فداک زیارة قبر الحسین(علیه السّلام) فی حال التقیة، قال: إذا أتیتَ الفرات فإغتسل، ثمّ إلبَس أثوابک الطاهرة، ثمّ تَمُر بإزاء القبر، وقل: صلی الله علیک یا أبا عبد الله، صلی الله علیک یا أبا عبد الله، صلی الله علیک یا أبا عبد الله، فقد تمتْ زیارتک»(2).
والأخیرة نصّ فی التقیّة والخوف علی النفس، فتخصّص أدلة التقیّة وحُرمة إلقاء النفس فی التهلکة بما دلّ علی محبوبیة زیارة الحسین(علیه السّلام) ولو مع الخوف.
ص: 136
ورابعاً: سلّمنا التعارض بنسبة العموم من وجه، وعدم إمکان
تخصیص أحدهما بالآخر فی مرتبة الموضوع، فیتعیّن الجمع فی مرتبة المحمول، بحمل الظاهر علی النصّ، فأدلّة التقیّة وحرمة إتلاف النفس ظاهرة فی الحرمة، وروایة معاویة بن وهب نصٌّ فی الجواز والإستحباب، فیسقط ظهور تلک فی الحرمة.
إلّا أنْ یُقال: إنّ هذا من موارد ورود الحدیثین، أحدهما یأمرنا والآخر ینهانا، فیستقرّ التعارض لا محالة، فیکون الجواب الرابع محلّ تأمّلٍ.
أمّا مسألة ترجیح أحد الدلیلین المتعارضین بالأصل فلا مجال له، للزومه تأثیر المتأخّر رتبةً فی المتقدّم، وهو باطل عقلاً.
وأضعف من تلک شبهة التمسّک بأدلّة نفی الضرر لنفی الرجحان - علی القول بعمومها للأحکام الترخیصیة - أو بأدلة نفی الإضرار بالنفس لنفی الجواز - علی مسلک اختصاص قاعدة نفی الضرر بالأحکام الإلزامیة - من جهة لزوم الضرر الخطیر غالباً لزیارة سید الشهداء(علیه السّلام) أو لإقامة شعائر عاشوراء فی حکومة الظالمین، ووجه ضعف الشبهة من جهتین:
الجهة الأولی: بما ثبت فی بحث القاعدة، بأنّ الحکم الذی شُرّع فی مورد الضرر - کالجهاد مثلاً - لا یرتفع بقاعدة نفی الضرر بسبب ذلک المقدار من الضرر الثابت فی طبعه.
ص: 137
الجهة الثانیة: بما مرّ فی الأجوبة الثلاثة فی جواب شبهة التقیة، من لزوم اللغویة للروایات المثبتة للإستحباب - بل الوجوب فی بعضها - وإنقلاب النسبة إلی العموم المطلق والتخصیص، قال بعض الأعلام(قدسّ سرّه):
«ومِن هنا یظهر: أنّ التمسّک بقاعدتَی الضرر والحرج لنفی إستحباب زیارة إمامنا المظلوم سیّد الشهداء أرواحنا فداه، أو إثبات مرجوحیتها، مع اقترانها غالباً - خصوصاً فی الأزمنة السابقة - بالمِحن والبلایا من الضرر المالی والبدنی وإرعاب الزوّار وتخویفهم بالقتل وقطع الأطراف - ببیان: أنّ مورد هاتَین القاعدتین هو نفی الحکم الضرری والحرجی مطلقاً وإنْ کان ترخیصیاً، ومع الغضِّ عن ذلک والبناء علی اختصاصهما بالحکم الإلزامی یمکن الإستدلال علی عدم الجواز بما دلَّ علی حرمة الإضرار بالنفس والإلقاء فی التهلکة - فی غایة الضعف:
وذلک لعدم جریان قاعدتَی الضرر والحرج فی المقام - سواءٌ کانت الزیارة واجبة أم مستحبة - مع ورود النصّ علی رجحانها والترغیب فیها حال الخوف، کما سیأتی بعض النصوص الدالة علی ذلک.
ومع ورود الدلیل علی إستحبابها - بل وجوبها - مع الخوف لا بدّ من تخصیص عموم قاعدتی الضرر والحرج، کلزوم تخصیصه بکل حکم شُرِّع فی مورد الضرر... کما أنه لا بدّ أیضاً من تخصیص عموم ما دلّ علی حرمة الإضرار بالنفس والإلقاء فی التهلکة بذلک...
وبالجملة: فهذه النصوص توجِبُ الإطمئنان بخروج زیارة الإمام المظلوم مولانا أبی عبد الله سید الشهداء أرواحنا له الفداء مع خوف الضرر والحرج عن حیِّز قاعدتَی الضرر والحرج تخصّصاً أو تخصیصاً، بل لا یبعد
ص: 138
أیضاً خروج الضرر والحرج المترتّبین علی ما جرتْ به العادةُ فی المآتم الحسینیة
- من اللطم علی الخدود وشقّ الجیوب - عن هاتین القاعدتَین، قال الإمام الصادق(علیه السّلام)...: «وقد شققنَ الجیوبَ ولطمْنَ الخدودَ الفاطمیات علی الحسین بن علی(علیهماالسّلام)، وعلی مثله تُلطَم الخدود وتشق الجیوب».
فإنّ لطْم الخدود - خصوصاً عند العرب - مستلزمٌ غالباً للمشقة والتألُّم وتغیّر اللون، بل الضرر، ومع ذلک حثَّ الإمام(علیه السّلام) علی ذلک بدون التقیید بعدم الضرر والحرج، فإنّ التقیید بهما یوجب حمل المطلق علی الفرد النادر الذی یکون بیانه بلفظ المُطلق خارجاً عن طریقة أبناء المحاورة ومُستهجَناً عندهم...
بل التعدّی عن اللطم إلی غیره - مما یصنعه الشیعةُ جیلاً بعد جیل، بل وغیرهم من سائر الفرق الإسلامیة فی المواکب العزائیة بحیث صار من الشعائر الحسینیة من الضرب بالأیدی علی الصدور وبالسلاسل علی الظهور وغیر ذلک کتلطیخ وجوههم ورؤوسهم، بل جمیع أبدانهم بالوحل أو التراب والتبن، کما هو المرسوم فی بعض بلاد الشیعة فی أیام عاشوراء - غیر بعید، إذ الظاهر أنه لا خصوصیة للَطْم الخدود، والمقصود بیان رجحان إظهار الحُزن الشدید والتأثّر العمیق لمصابه صلوات الله علیه وأرواحنا فداه کما یدل علیه جملة من الروایات، ومن المعلوم اختلاف کیفیات الأعمال المُهیّجة للشجون والأحزان فی مختلف البلاد والأحیان مع کونها بمحضر ٍمن العلماء الأعیان، وعدم إنکارهم لها فی شیءٍ من الأزمان، فلا خصوصیة للَطْم الخدود وشقّ الجیوب.
ص: 139
فالمتحصل: أنّ زیارته وإقامة عزائه علیه الصلاة والسلام - مع اقترانهما بالضرر والحرج غالباً - خارجتان عن عموم قاعدتیهما تخصصاً أو تخصیصاً، فلا وجه للقول بحرمتهما لهاتین القاعدتین کما قیل»(1).
إبن قولویه بسنده إلی صفوان الجمال عن أبی عبد الله(علیه السّلام)، قال: سألته فی طریق المدینة ونحن نرید المکّة فقلتُ: یا بن رسول الله، مالی أراک کئیباً حزیناً منکسراً، فقال: «لو تسمع ما أسمعُ لشغلکَ عن مسألتی»، قلت: فما الذی تسمع؟ قال: «ابتهال الملائکة إلی الله(عزوجل) علی قتلة أمیر المؤمنین وقتلة الحسین(علیه السّلام)، ونَوح الجنّ وبکاء الملائکة الذین حولَه وشدّة جزعهم، فمَن یتهنّأ مع هذا بطعامٍ أو بشرابٍ أو نومٍ...؟»(2).
فالسبب الذی یجعلنا نهنَأ بحیاتنا وملذّاتنا هو جهلنا المانع من رؤیة الواقع المریر وما رسمه یوم عاشوراء علی العوالم الأخری من جزعٍ وإنکسار، ولولا ذاک المانع لکان حریّاً بنا ألّا نهنَأ بلذّةٍ دنیویةٍ.
ص: 140
حدیث مسمع بن عبد الملک البصری، أنّ الصادق(علیه السّلام) قال له فی حدیث: «أفما تذکر ما صنع به؟ قلت: نعم، قال: فتجزع؟ قلت: إی والله وأستعبرُ لذلک حتی یری أهلی أثرَ ذلک علیّ، فأمتنعُ من الطعام حتی یستبینَ ذلک فی وجهی، قال: رحم اللهُ دمعتک، أما إنّک من الذین یُعدّون مِن أهل الجزع لنا، والذین یفرحون لفرحنا ویحزنون لحزننا، ویخافون لخوفنا ویأمنون إذا أمِنّا، أما إنّک ستری عند موتک حضورَ آبائی لک ووصیّتهم ملک الموت بک، وما یلقونک به من البشارة أفضل، ومَلَک الموت أرقّ علیک وأشدّ رحمةً لک من الأمّ الشفیقة علی ولدها، قال: ثمّ استعبرَ واستعبرتُ معه... - إلی أنْ قال: - وأنّ الموجع قلبه لنا لیفرح یوم یرانا عند موته فرحةً لا تزال تلک الفرحة فی قلبه حتی یرد علینا الحوض... الحدیث»(1).
قول الصادق(علیه السّلام): «إنّ البکاء والجزع مکروه للعبد فی کلّ ما جزع، ما خلا البکاء والجزع علی الحسین بن علی(علیهماالسّلام)، فإنه فیه مأجور»(2).
ولا یخفی أنّ لفظ (مکروه) فی لسان النصوص لیس بالمعنی
ص: 141
الإصطلاحی، بل یُستفادُ منه الحرمة، والاستثناء من الحرمة یدلّ علی الجواز بالمعنی الأعم الشامل للأحکام الأربعة، ولکنّ الإمام(علیه السّلام) علَّل الاستثناء بتثبیت الأجر الملازم للإستحباب، دفعاً لتوهّم مطلق الإباحة.
وإذا کانت الأحکام تابعةً للملاکات فی نفس متعلقات الأحکام، کانت الحرمة تابعةً للمفسدة الموجودة فی نفس الجَزَع، ولکنّ تعلّق الجَزَع وفقدان الصبْر بسید الشهداء(علیه السّلام) هو الإکسیر الذی قلَب الشیء من ذی مفسدةٍ إلی ذی مصلحةٍ، وهذا نموذجٌ من تأثیر الحسین بن علی(علیهماالسّلام) فی عالم التکوین.
فتارةً یتغیّر حکمُ موضوعٍ ما للتزاحم وتقدیم الأهمّ والعناوین الثانویة، فیکون التصرّف الغصبی واجباً لإنقاذِ مؤمنٍ، ولکن الملاک ثابت فیه لا یتغیّر، فیبقی الغصب الواجب ذا مفسدةٍ فی ذاته، وإنّما صار واجباً لمصلحةٍ أهم ولا یُمکن أنْ یترتّب الثواب علیه فیکون مستحبّاً.
وتارةً أخری یرتفع حکمُ موضوعٍ لحکومةٍ، کأدلة نفی الحرج والضرر، وهذه الأدلّة لا تثبت حکماً فضلاً عن إثبات أجرٍ وثواب فضلاً عن تبدّل الملاک.
وتارةً ثالثةً یکون إخراج فردٍ من عموم الحکمِ بالتخصیص المنفصل، فینعقدُ ظهور العامّ فی جمیع الأفراد، ولکن الخاصّ یمنع من الإرادة الجدّیة والحجّیة فی العموم، فیکون التخصیص علی خلاف الإرادة الإستعمالیة فی العموم، وهو وإنْ کشف لنا أنّ مراد المتکلّم من الأوّل هو ما عدا الخاصّ،
ص: 142
ولکنّ هناک فترةً من الزمن کان العامّ هو الحجّة علی السامع بکلّ ما له من لوازم.
ولکن التعبیر فی هذا الحدیث لیس کذلک، فبنفس المجلس وقبل أنْ ینعقد ظهور فی وجود مفسدة حتی فی الجزع علی سید الشهداء(علیه السّلام) أثبت الصادق(علیه السّلام) أمرین:
الأمر الأوّل: أنه(علیه السّلام)منعَ إنعقاد الظهور، فاستثنی الجزعَ علی الحسین(علیه السّلام)، فهو لیس محرّمٌ ولا مفسدة فیه.
الأمر الثانی: أثبتَ(علیه السّلام)مرتبةً فی الخاصّ أعلی من مطلق رفْع الحرمة والمفسدة، فقد أثبت الأجر والثواب الملازم للإستحباب، والمعلول لرضا ربّ العالمین.
نتیجة الحدیث: أنّ انتساب الجَزَع المتضمِّن للمفسدة فی ذاتِه إلی سید الشهداء(علیه السّلام) یقلبه إلی أمرٍ محبوبٍ للمولی، مأجور علیه لما فیه من مصلحة.
صحیحة معاویة بن وهب: الصدوق عن أبیه، عن یعقوب بن یزید، عن إبن أبی عمیر، عن معاویة بن وهب، قال: دخلتُ علی أبی عبد الله(علیه السّلام) وهو فی مُصلّاه، فجلستُ حتی قضی صلاته، فسمعته وهو یناجی ربّه فیقول:
«یا من خصّنا بالکرامة، ووعدنا الشفاعة، وحمَّلنا الرسالة، وجعلنا ورثة
ص: 143
الأنبیاء، وختمَ بنا الأمم السالفة، وخصّنا بالوصیة، وأعطانا علم ما مضی وعلم ما بقی، وجعل أفئدةً من الناس تهوی إلینا، اغفر لی ولإخوانی، وزوّار قبر أبی عبد الله الحسین بن علی(علیهماالسّلام) الذین أنفقوا أموالهم، وأشخصوا أبدانهم رغبةً فی بِرّنا ورجاءاً لِما عندک فی صِلَتنا وسروراً أدخلوه علی نبیک محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وإجابةً منهم لأمرنا وغیظاً أدخلوه علی عدّونا، أرادوا بذلک رضوانک فکافِهِم عنّا بالرضوان، وأکلأهم باللیل والنهار، واخلِف علی أهالیهم وأولادهم الذین خلّفوا بأحسن الخَلَف، وأصحبهم واکفهم شَرَّ کلّ جبّار عنید، وکلّ ضعیف من خلقک وشدید، وشرّ شیاطین الإنس والجن، وأعطهم أفضل ما أمّلوا منک فی غربتهم عن أوطانهم، وما آثروا علی أبنائهم وأبدانهم وأهالیهم وقراباتهم.
اللهم إنّ أعدائنا أعابوا علیهم خروجَهم فلم ینهَهُم ذلک عن النهوض والشخوص إلینا خلافاً علیهم، فارحم تلک الوجوه التی غیّرتها الشمسُ، وارحم تلک الخدود التی تقلبت علی قبر أبی عبد الله الحسین(علیه السّلام)، وارحم تلک العیون التی جرت دموعُها رحمةً لنا، وارحم تلک القلوب التی جزعتْ واحترقتْ لنا، وارحم تلک الصرخة التی کانت لنا، اللهم إنی أستودعک تلک الأنفس وتلک الأبدان حتی ترویهم من الحوض یوم العطش».
فما زال صلوات الله علیه یدعو بهذا الدعاء وهو ساجد - إلی أنْ قال: - «فما الذی یمنعک عن زیارته یا معاویة؟ ... قلتُ: جعلتُ فداک، فلم أدْرِ أنّ الأمر یبلغ هذا، فقال: یا معاویة ومَن یدعو لزوّاره فی السماء أکثر ممن یدعو لهم فی الأرض، لا تدَعْه لخوفٍ من أحدٍ، فمن ترکه لخوفٍ رأی من الحسرة ما
ص: 144
یتمنی أنّ قبره کان بیده، أما تحب أنْ یری الله شخصک وسوادک ممّن یدعو له رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )؟ أما تحب أنْ تکون غداً ممّن تصافحه الملائکة؟ أما تحب أنْ تکون غداً فیمن رأی ولیس علیه ذنب فتتبع؟ أما تحب أن تکون غداً فیمن یصافح رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )؟»(1).
الإشارة الأولی: حالة الإمام(علیه السّلام) حین الدعاء، فی محرابه وبُعَید إتمام صلاته قام بمناجاة ربّه متضرّعاً ساجداً، وهی أقرب حالات الخضوع إلی الله تعالی.
الإشارة الثانیة: قبل أنْ یشرع فی دعائه إلی الله تعالی یقدِّم مقدّمات یذکر فیها مقاماتهم(علیهم السّلام) التی منَّ بها علیهم «یا من خصّنا بالکرامة ووعدنا الشفاعة...» مما یکشف عن أهمیّة ذی المقدّمة التی یحتاج الوصول إلیها ذِکْر کلّ هذه المقامات، وهو من أرقی آداب دعاء العبد أمام مولاه، وکأنّه یُقسِم علیه بهذه المقامات ألّا یردّ طلبه، ومِن جهةٍ أخری فیها نوع من الشُکر علی مِنَن الله تعالی علیهم بذکرها فی حضرته، فیقرّ له بنعمه علیهم وشکره لها فیستحقّ الزیادة.
الإشارة الثالثة: قدّم(علیه السّلام)نفسه فی متعلّق الطلب بالمغفرة ثمّ عطف بالواو
ص: 145
علی الآخرین «اغفر لی ولإخوانی و...»، ومَن یُدرک مقام الإمام(علیه السّلام) یُدرک ما معنی المغفرة المطلوبة وسرّ تقدیم الطلب لنفسه.
الإشارة الرابعة: أنّ متعلّق الطلب هو المغفرة والرحمة، أمّا متعلّق المتعلّق فهم طوائف، جامِعُهم المشتَرک - الذی أوصلهم إلی مقام دعاء الصادق لهم - هو الإرتباط بالحسین الشهید(علیه السّلام)، دعاءٌ لا یردّ قطعاً علی نحو القضیة الحقیقیّة، فهو سارٍ ما دامت هذه العناوین تجد مصادیقَ لها، ومن هذه العناوین:
1- زوّار قبر الحسین(علیه السّلام) الذین أنفقوا أموالهم، وأشخصوا أبدانهم رغبةً فی بِرّنا ورجاءاً لِما عندک فی صِلَتنا وسروراً أدخلوه علی نبیک محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وإجابةً منهم لأمرنا وغیظاً أدخلوه علی عدّونا.
ففی طریق الحسین(علیه السّلام) لا یوجد حدّ أعلی لمقدار الإنفاق، فلا یصدق الإفراط فی هذا الطریق.
2- وأعطهم أفضل ما أمّلوا منک فی غربتهم عن أوطانهم، وما آثروا علی أبنائهم وأبدانهم وأهالیهم وقراباتهم.
المقام المطلوب فی طریق سید الشهداء(علیه السّلام) الإیثار علی کلّ عزیز، الأهل والأبناء والأنفس، کلّ شیء یُقدّم قرباناً رخیصاً فی هذا الطریق.
3- فارحم تلک الوجوه التی غیّرتها الشمسُ.
تتقشّر الجلود وتتغیر الوجوه من حرارة الشمس، وهم یطوون السنین والأشهر فی هذا الطریق.
ص: 146
4- وارحم تلک العیون التی جرتْ دموعُها رحمةً لنا، وارحم تلک القلوب التی جزعتْ واحترقتْ لنا.
العیون التی تجری إنّما تکشف عن قلوب جزِعة نافدة الصبر، سیّد الجوارح إذا جزِع ونفد ما عنده من صبرٍ وحلمٍ فستضطرب الجوارح التی تأتمر بأمره، عینٌ مُحمَرّة جاریة، یدٌ مرتجفة لاطمة، ألسنة صارخةٌ نادبة، هذه حال جوارح مَن یصدق علیه دعاء الإمام الصادق(علیه السّلام).
ولکنّ المقام الأعظم لما فوق القلب الجازع، هو القلب المحترق لسید الشهداء(علیه السّلام)، فهل یٌتخَیَّل ما تنفجر به جوارحُ القلب المحترق؟
وهل نصلُ فعلاً إلی درجة إحتراق القلوب فی حزننا علی المظلوم(علیه السّلام)؟
5 - وارحم تلک الصرخة التی کانت لنا.
اعلی ما یُمکن أنْ یُخرجه الإنسان من صوتٍ ومن صیاح، فللحسین الشهید(علیه السّلام) کلّ شیء لا بدّ من أنْ یکون فی أعلی مرتبةٍ، لا یُکتفی بالصیحة والعویل، بل الرحمة للصرخة التی کانت لمصابهم، ولو کان وصفٌ فوق الصرخة لترحّم علیه.
الإشارة الخامسة: قوله(علیه السّلام):
«لا تدَعْه لخوفٍ من أحدٍ، فمن ترکه لخوفٍ رأی من الحسرة ما یتمنی أنّ قبره کان بیده».
الخوف قد یتعلَّق بأمورٍ عدیدة، کالخوف علی المال - قلیلاً أو کثیراً - والخوف علی الأهل والأوّلاد، والخوف علی النفس والأعضاء، وغیرها.
ومما لا یخفی علی متفقّهٍ أنّ هناک أقساماً من الخوف تُبیح للمسلم
ص: 147
ارتکاب المحرّمات العِظام، وترک الواجبات الجِسام، وحسْبُک خبر عمار بن یاسر(رحمه الله) مع المشرکین.
بل التعبیر الصحیح أنّ من خاف علی نفسه أو أهل حزانته وجب علیه ارتکاب المحرّم الذی یقیه الخطر، ویحرم علیه إتیان الواجب الذی یلازم الضرر.
ولکن فیما نحن فیه: لا تدع سید الشهداء خوفاً، والنهی ظاهر فی الحرمة، وحذف المتعلّق یفید العموم، ومن ترکه خوفاً - فی أیّ قسمٍ کان - فلا یَری إلّا الحسرة.
وخلاصة الکلام: أنّ المقام الذی یشمله دعاء الصادق(علیه السّلام) بالرحمة والمغفرة والمقامات المذکورة، هو مقام مَن لا یترک سید الشهداء(علیه السّلام) وإنْ فاز بفوات أعزّ ما یملک، ولا یتصوّر فی هذا المقام وجود مرتبة یصدق علیها الإفراط فیه.
موثّقة(1) حنّان بن سدیر: عن الصادق(علیه السّلام) فی حدیث إلی أنْ قال: «وقَدْ شَقَقْنَ الْجُیُوبَ ولَطَمْنَ الخُدُودَ الفَاطِمِیَّاتُ عَلَی الحُسَینِ بنِ عَلِیّ(علیه السّلام)،وعَلَی مِثلِهِ
ص: 148
تُلْطَمُ الخُدُودُ وتُشَقُّ الْجُیُوبُ»(1).
والظاهر إعتماد الأصحاب علی هذه الروایة فی الفتوی بقطع النظر عن سندها، حتی إنّ من ضعّفها کالمحقق(قدسّ سرّه)(2) إنما کان بلحاظ وجود محمد بن عیسی فی السند کما ذکر الشهید الثانی(قدسّ سرّه)(3)، ولم نجد وجهاً لتضعیفه، لذا نری الفخر(قدسّ سرّه) قد ناقش فیها من جهة الدلالة - دون السند - فحملها علی الإستحباب(4).
أما دلالة الحدیث: فقد ثبت فی الأصول دلالة الجملة الخبریة علی إنشاء الأمر أو النهی، حتی عبّر البعض بأنها أصرح دلالة فی الوجوب من صیغة الأمر.
فظاهر قوله(علیه السّلام): «تُلطَم الخدود وتُشقّ الجیوب» هو وجوب لطْم الخدود وشقّ الجیوب علی أبی عبد الله الحسین(علیه السّلام)، ولو لا القرینة الخارجیة علی الترخیص فی ترکهما لما أمکن تجاوز الوجوب بوجهٍ.
ومن ثَمَّ لا یبقی مناص من القول باستحباب لطم الخدود وشقّ الجیوب علی الإمام الغریب(علیه السّلام)، وعدم المٌقیِّد فی المقام یقتضی إطلاق الحکم لما یشمل أعلی درجات اللطم ولوازمه.
ص: 149
الصدوق(رحمه الله) بسنده الصحیح إلی محمد بن سنان، عن بعض أصحابه عن الصادق(علیه السّلام) أنه قال: «رَحِمَ اللهُ شِیعَتَنَا، شِیعَتُنَا واللهِ المُؤمِنُونَ، فَقَد واللهِ شَرِکُونَا فِی المُصِیبَة بِطُولِ الحُزنِ والحَسْرَة»(1).
فقه الحدیث: هنا مطلبان:
المطلب الأوّل: وصْف الشیعة بعنوان (المؤمنین) مِن قِبل الصادق الذی لا ینطق عن الهوی، مع القسَم العظیم بلفظ الجلالة (الله) تبیاناً لخطورة المقام والموصوف.
الأمر الثانی: ذِکرعلّة استحقاق هذا الوصْف، بأنهم شارکوا أهل البیت(علیهم السّلام) مصیبتهم بالحسین(علیه السّلام) بطول الحسْرةِ والحزن، مع القسَم ثانیاً بالله العظیم علی ذلک.
وبقانون العلّیة یدور وصْف الإیمان مدار وجود الحزن والحسرة من جهة، ومن جهةٍ أخری فأنّ مرتبة الإیمان تتناسب مع مقدار الحزن والحسْرة علی رزیّة الحسین(علیه السّلام)، ولمّا کانت مراتب الإیمان هدفاً للتسابق لکلِّ ذی لبٍّ وإیمان، ولم یُحدَّد الإیمان بمنتهی، فیلزمه عدم وجود حدٍّ للحزن والحسرة، بل کلما زادت الحسرة والحزن - بما لها من مظاهر ولوازم - زاد صدق إنطباق عنوان الإیمان علیه.
ص: 150
ونتیجة هذا الفَهم: عدم وجود مرتبةٍ فی الخارج یمکن صدق الإفراط علیها فی عالم الحزن والحسرة علی مَن أحزن قلبَ العقل الأوّل محمد المصطفی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).
حدیث عبد الملک عن الصادق(علیه السّلام) بعد سؤاله عن صوم عاشوراء قال فی الحدیث: «بِأبی المُسْتَضْعَفُ الغَرِیبُ... کَلّا ورَبِّ البَیتِ الحَرَامِ مَا هُوَ یَومَ صَوْمٍ، ومَا هُوَ إلّا یَوْمُ حُزْنٍ ومُصِیبَةٍ دَخَلَتْ عَلَی أهل السَّمَاءِ وأَهْلِ الأَرْضِ وجَمِیعِ المُؤْمِنِینَ، ویومُ فَرَحٍ وسُرُورٍ لإبن مَرْجَانَةَ وآلِ زِیَادٍ وأَهْلِ الشَّامِ غَضِبَ اللهُ عَلَیْهِمْ وعَلَی ذُرِّیَّاتِهِمْ، وذَلِکَ یَوْمٌ بَکَتْ عَلَیْهِ جَمِیعُ بِقَاعِ الأَرْضِ خَلا بُقْعَةِ الشَّامِ، فَمَنْ صَامَهُ أو تَبَرَّکَ بِهِ حَشَرَهُ اللهُ مَعَ آلِ زِیَادٍ مَمْسُوخُ الْقَلْبِ مَسْخُوطٌ عَلَیْهِ... »(1).
معتبرة المفضّل بن عمر: إبن قولویه بسنده إلی المفضّل عن الصادق(علیه السّلام): «تَزُورُونَ خَیْرٌ مِنْ أَنْ لا تزورون [تَزُورُوا]، ولا تَزُورُونَ خَیْرٌ مِنْ أَنْ تزورون [تَزُورُوا]، قَالَ: قُلْتُ: قَطَعْتَ ظَهْرِی، قَالَ: تَاللهِ إِنَّ أَحَدَکُمْ لَیَذْهَبُ إِلَی قَبْرِ أبیهِ کَئِیباً حَزِیناً، وتَأتُونَهُ أَنْتُمْ بِالسُّفَرِ، کَلَّا حَتَّی تأتونه [تَأتُوهُ] شُعْثاً غُبْراً»(2).
ص: 151
وفی السند الحسن بن علی بن مهزیار، وهو من رجال کامل الزیارات وموثّق بالتوثیق العام لعلی بن إبراهیم القمی(قدسّ سرّه)، فهو من مشایخه بلا واسطة(1).
وأیضاً فی السند محمد بن أحمد بن الحسین الزعفرانی، شیخ إبن قولویه، ومِن أصحاب الإجازة، فقد استجاز منه التلعکبری، وهو هارون بن موسی بن أحمد، و«کان وجهاً فی أصحابنا ثقة، معتمداً لا یُطعن علیه... - رجال النجاشی - جلیل القدر عظیم المنزلة، واسع الروایة، عدیم النظیر، ثقة، روی جمیع الأصول والمصنفات - رجال الشیخ - .»(2).
ومَن مثل التلعکبری لا یستجیز غیر الثقة - إنْ لم نقل غیر الأکابر من أهل الفن - فالسند قویّ تحقیقاً.
أما دلالة الحدیث: فمحلّ الشاهد فی القسم الثانی من الحدیث: «ولا تَزُورُونَ خَیْرٌ مِنْ أَنْ تَزُورُوا».
فترک زیارة الحسین(علیه السّلام) فی حالٍ ما أفضل من زیارته، مع الأجر الذی یصعب إدراک وصفه المذکور فی الروایات المعتبرة فی حقّ زائر الحسین(علیه السّلام)، ففی کامل الزیارات ذکر لثواب الزیارة عشرات الروایات فی أکثر من خمس وثلاثین باباً(3)، فترک الزیارة مع ما فیها من أجور عظیمة أفضل من زیارته فی حالٍ طبیعیةٍ، بأنْ یأکل ویشرب ویکون فی حالٍ لا تبدو علیه الکآبة والحزن،
ص: 152
بل لا أجر إلّا أنْ یکون أشعث الشَعر یعلوه الغبرة والتراب.
فقد قرَنَ(علیه السّلام) الزیارة التی یکون لها أثر بحالة المهموم المغموم، ولا أثر للزیارة مطلقاً، وکلّما زادت آثار الحزن والغمّ زادت آثار الزیارة من الأجر وغیره، حتی إنّه ورد فی بعض الروایات أنْ یأتیه عطشاناً جوعاناً.
ففی الصحیح عن علی بن الحکم عن بعض أصحابنا عن الصادق(علیه السّلام): «إذا أردت زیارة الحسین(علیه السّلام) فزُره وأنت کئیب حزین مکروب شعث مغبر جائع عطشان، فإنّ الحسین قُتل حزیناً مکروباً شعثاً مُغبراً جائعاً عطشاناً...»(1).
فیُعلَم أنّ المطلوب من المکلَّف أنْ یُظهِر الحزن ویکون متأثّراً بمصیبة الحسین(علیه السّلام) مهما أمکن، فیکون الأجرُ علی قدر التأثّر والانفعال دون حدٍّ مذکور.
ولکن إذا فرّط وهبط التأثّر إلی درجة اللا مبالاة وعدم التأثّر حتی یکون الإنسان فی حالةٍ عادیّة من الأکل والشرب والکلام، فترْک الزیارة أفضل له.
صحیحة عبد الله بن سنان(2):
قَالَ: دَخَلْتُ عَلَی سَیِّدِی أبی عَبْدِ اللهِ
ص: 153
جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ(علیه السّلام) فِی یَوْمِ عَاشُورَاء، فَأَلْفَیْتُهُ کَاسِفَ اللَّوْنِ(1) ظَاهِرَ الْحُزْنِ ودُمُوعُهُ تَنْحَدِرُ مِنْ عَیْنَیْهِ کَاللُّؤْلُؤِ المُتَسَاقِطِ، فَقُلْتُ: یَا بن رَسُولِ اللهِ مِمَّ بُکَاؤُکَ لا أَبْکَی اللهُ عَینَیْک؟
فَقَالَ لِی: «أَ وَ فِی غَفْلَةٍ أَنْتَ؟ أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ الحُسَیْنَ بْنَ عَلِیِّ أُصِیبَ فِی مِثْلِ هَذَا الْیَوْمِ؟ ... وبَکَی أبو عَبْدِ اللهِ(علیه السّلام) حَتَّی اخْضَلَّتْ لِحْیَتُهُ بِدُمُوعِهِ... یَا عَبْدَ اللهِ بن سِنَانٍ إِنَّ أَفْضَلَ مَا تَأْتِی بِهِ فِی هَذَا الْیَوْمِ أَنْ تَعْمِدَ إِلَی ثِیَابٍ طَاهِرَةٍ فَتَلْبَسَهَا وتَتَسَلَّبَ، قُلْتُ: ومَا التَّسَلُّبُ؟ قَالَ: تُحَلِّلُ أَزْرَارَکَ وتَکْشِفُ عَنْ ذِرَاعَیْکَ کَهَیْئَةِ أَصْحَابِ المَصَائِبِ... ولیَکُنْ عَلَیْکَ فِی ذَلِکَ الْکَآبَةُ والحَزَنُ...».
وفی حدیث داود الرقّی عن الصادق(علیه السّلام): قَالَ: کُنْتُ عِنْدَ أبی عَبْدِ اللهِ(علیه السّلام) إِذ اسْتَسْقَی المَاءَ فَلَمَّا شَرِبَهُ رَأَیْتُهُ وقَدِ اسْتَعْبَرَ واغْرَوْرَقَتْ عَیْنَاهُ بِدُمُوعِهِ، ثُمَّ قَالَ: «یَا دَاوُدُ لَعَنَ اللهُ قَاتِلَ الحُسَیْنِ فَمَا أَنغَصَ ذِکْرَ الحُسَیْنِ لِلْعَیْشِ...»(2).
ونغّص علیه عیشه: بأذی ومکروه(3)، والنغص: کدَر العیش(4)،
والکَدَر: نقیض الصفاء.
فکانت حیاة الإمام الصادق(علیه السّلام) کلّها کُدورة ونغص، لأنه لا یُعقل فی
ص: 154
حقّه النسیان مُطلقاً، فضلاً عن نسیان یومٍ أذلّ عزیزهم وأقرح جفونهم واهتزّت له قوائم العَرش، وبکت علیه السماوات والأرض.
صحیحة إبن شبیب: «قَالَ: دَخَلتُ عَلَی الرِّضَا(علیه السّلام) فِی أَوَّلِ یَوْمٍ مِنَ المُحَرَّمِ - إلی أنْ قال: - یَا بن شَبِیبٍ إِنْ کُنتَ بَاکِیاً لِشَیْ ءٍ فَابکِ لِلحُسَینِ بنِ عَلِیِّ بْنِ أبی طَالِبٍ(علیه السّلام) فَإِنَّهُ ذُبِحَ کَمَا یُذْبَحُ الکَبْشُ، وقُتِلَ مَعَهُ مِن أهل بَیتِهِ ثَمَانِیَةَ عَشَرَ رَجُلاً، مَا لَهُمْ فِی الأَرضِ شَبِیهُونَ، وَلَقَد بَکَتِ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ والأَرَضُونَ لِقَتْلِهِ... أَنَّهُ لَمَّا قُتِلَ جَدِّیَ الحُسَین(علیه السّلام) أَمْطَرَتِ السَّمَاءُ دَماً وتُرَاباً أَحْمَرَ، یَا بن شَبِیبٍ إِنْ بَکَیْتَ عَلَی الحُسَیْنِ حَتَّی تَصِیرَ دُمُوعُکَ عَلَی خَدَّیْکَ غَفَرَ اللهُ لَکَ کُلَّ ذَنْبٍ أَذْنَبْتَهُ صَغِیراً کَانَ أو کَبِیراً، قَلِیلاً کَانَ أو کَثِیراً... یَا بن شَبِیبٍ إِنْ سَرَّکَ أَنْ تَکُونَ مَعَنَا فِی الدَّرَجَاتِ العُلی مِنَ الجِنَانِ فَاحْزَن لِحُزْنِنَا وافْرَحْ لِفَرَحِنَا، وعَلَیکَ بِوَلایتِنا... الحدیث»(1).
معتبرة الحسن بن فضّال: عن أبی الحسن الرضا(علیه السّلام) أنه قَالَ: «مَنْ تَرَکَ
ص: 155
السَّعْیَ فِی حَوَائِجِهِ یَومَ عَاشُورَاءَ قضَی اللهُ لهُ حَوَائِجَ الدُّنْیَا والآخِرَة، ومَنْ کَانَ یَوْمُ عَاشُورَاءَ یَوْمَ مُصِیبَتِهِ وحُزْنِهِ وبُکَائِهِ جَعَلَ الله(عزوجل) یَوْمَ الْقِیَامَةِ یَوْمَ فَرَحِهِ وسُرُورِه، وقَرَّتْ بِنَا فِی الجِنَانِ عَینُهُ، ومَنْ سَمَّی یَوْمَ عَاشُورَاءَ یَوْمَ بَرَکَةٍ وادَّخَرَ فِیهِ لِمَنْزِلِهِ شَیْئاً لَمْ یُبَارَکْ لَهُ فِیمَا ادَّخَرَ وحُشِرَ یَوْمَ الْقِیَامَةِ مَعَ یَزِیدَ وعُبَیْدِ اللهِ بنِ زِیَادٍ وعُمَرَ بْنِ سَعْدٍ لَعَنَهُمُ اللهُ إِلَی أَسْفَلِ دَرْکٍ مِنَ النَّارِ»(1).
وقد مرَّ الکلام فی نحو هذه الروایة عن الباقر(علیه السّلام) وکیف إنّها تناولت ذمّ جانب عدم التأثّر والانفعال برزیّة سید الشهداء(علیه السّلام) حتّی فی الأمور المعیشیة الطبیعیة، فتدلّ بالإلتزام علی طلب التأثّر وکون الإنسان یعیش حالة خاصّة من الحزن والکآبة بحیث لا یلتفت إلی متطلّبات معیشته وعیاله.
صحیحة إبراهیم بن أبی محمود: قال الرضا(علیه السّلام): «إِنَّ المُحَرَّمَ شَهْرٌ کَان أهل الجَاهِلِیَّةِ یُحَرِّمُونَ فِیهِ القِتَالَ، فَاسْتُحِلَّتْ فِیهِ دِمَاؤُنَا وهُتِکَ فِیهِ حُرمَتُنَا وسُبِیَ فِیهِ ذَرَارِینَا ونِسَاؤُنَا وأُضْرِمَتِ النِّیرَانُ فِی مَضَارِبِنَا وانْتُهِبَ مَا فِیهَا مِنْ ثَقَلِنَا، ولَمْ تُرْعَ لِرَسُولِ اللهِ حُرْمَةٌ فِی أَمْرِنَا، إِنَّ یَوْمَ الحُسَیْنِ أَقْرَحَ جُفُونَنَا وأَسْبَلَ دُمُوعَنَا وأَذَلَّ عَزِیزَنَا بِأَرْضِ کَرْبٍ وبَلاء وأَوْرَثَتْنَا [یَا أَرْضَ کَرْبٍ وبَلاءٍ أَوْرَثْتِنَا] الْکَرْبَ [وَ]
ص: 156
الْبَلاءَ إِلَی یَوْمِ الإنقِضَاءِ، فَعَلَی مِثْلِ الحُسَیْنِ فَلْیَبْکِ الْبَاکُونَ فَإِنَّ البُکَاءَ یَحُطُّ الذُّنُوبَ الْعِظَامَ.
- ثُمَّ قَالَ(علیه السّلام): - کَانَ أبی(علیه السّلام) إِذَا دَخَلَ شَهْرُ المُحَرَّمِ لا یُرَی ضَاحِکاً وکَانَتِ الْکِآبَةُ تَغْلِبُ عَلَیْهِ حَتَّی یَمْضِیَ مِنْهُ عَشَرَةُ أَیَّامٍ، فَإِذَا کَانَ یَوْمُ العَاشِرِ کَانَ ذَلِکَ الْیَوْمُ یَوْمَ مُصِیبَتِهِ وحُزْنِهِ وبُکَائِهِ، ویَقُولُ هُوَ الْیَوْمُ الَّذِی قُتِلَ فِیهِ الحُسَیْنُ(علیه السّلام)»(1).
أربعة مطالب تضمَّنها کلام الإمام(علیه السّلام):
المطلب الأوّل: بیان حدود الحرمات عند الجاهلیة وعند الإسلام، حیثُ ذکر(علیه السّلام) أنّ الجاهلیة التی لم یکن لها زاجرٌ شرعیٌّ ولا إنسانیّ کانت تعتبر شهر المحرم من الحرمات التی لا یمکن تجاوزها، ومن تجاوزها کان مطروداً من مجتمعهم، کما أنّ فی الإسلام تعدّ حرمة رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) من أعظم الحرمات، فلا یفوقها حرمة الزمان والمکان.
المطلب الثانی: بیان عظمة ما أرتُکِب من هتک حرماتهم یوم عاشوراء، بأبشع ما یمکنهم من تطاولٍ وجرأة علی آل الله ورسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ولیس القتل هو قمّة التجاوز وإنما إعتبار دماء أهل بیت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) حلالاً هو أعظم من قتلهم.
ص: 157
المطلب الثالث: بیان الآثار العظیمة - التی تتناسب مع عظمة الجنایة، بعَظَمة المجنی علیه أولاً، وبعَظَمة أفعال الجُناة ثانیاً - تلک الآثار العمیقة التی لا حدّ لها فی المقدار والزمان، إلّا أنّ یأتی یوم الثأر الإلهی، یوم القصاص العادل.
ثمّ ذکر(علیه السّلام) نماذج من آثار رزیّة عاشوراء علیهم قائلاً: «إِنَّ یَوْمَ الحُسَیْنِ أَقْرَحَ جُفُونَنَا وأَسْبَلَ دُمُوعَنَا وأَذَلَّ عَزِیزَنَا بِأَرْضِ کَرْبٍ وبَلاء وأَوْرَثَنَا الْکَرْبَ والْبَلاءَ إِلَی یَوْمِ الإنقِضَاءِ»، وسنتعرّض إلی واحدة منها:
قوله(علیه السّلام): «إِنَّ یَوْمَ الحُسَیْنِ أَقْرَحَ جُفُونَنَا».
الجفْن: هو غطاء العین الذی یحیط بها ویحمیها، والتعبیر هنا بصیغة الجمع (جفوننا)، ولیس جفونی، أی جفون أهل البیت(علیهم السّلام) جمیعهم - بنفسی هم - قد تقرَّحت بیوم الحسین(علیه السّلام)، فما معنی القُرح، ولماذا لم یستعمل کلمة الجرح؟
القُرْح: هو الجرح العمیق الداخلی الذی ینفجر بعد أنْ یتشقّق الجِلْد المانع منه لتضخّمه وعدم تحمّل الجلد له، ویبقی منفجراً.
قال الأزدی: «وهی تتولَّد عن الجِراحات وعن کلّ ما جمع مُدَّةً ثمّ انفجر وبَقِی مُنْفَجِراً»(1)، وقال الراغب: «والقُرْحُ: أثرها من داخل، کالبثرة ونحوها»(2).
ص: 158
إنّ التأثّر بمصیبة أبی عبد الله(علیه السّلام) وصل إلی حدّ الإنفجار فی جفون الإمام الرضا وبقیة الأئمة(علیهم السّلام) ، فجعلتها متشقّقةً متقرحةً دامیةً، هو الجرح الذی یصدر من أعماقهم القدسیة فتظهر بصورة الجزع والدماء والدموع، ومع أنّ عالم الأجساد لا یمکن أن یعبّر عن حقیقة عالم الأرواح، ولکن بمقدار ما یمکن أنْ یحکی عنه یجب متابعتهم(علیهم السّلام) فیه بمقتضی الإمامة والتأسّی ولزوم المودّة.
المطلب الرابع: بیان الغَرض من الإخبار عمّا یلازمهم(علیهم السّلام) من کرْبٍ مستمر وآلامٍ عمیقة لأجل رزیّة الحسین(علیه السّلام)، فقد فرّعَ(علیه السّلام) علی ما یجری علیهم طلبَ البکاء والحزن علی الحسین(علیه السّلام)، ولکن لا بصیغة الأمر، وإنّما بصیغة ما ینبغی، فعلی مِثْلِ الحُسَیْنِ فَلْیَبْکِ الْبَاکُون، أی أنّ البکاء إنّما ینبغی علی الحسین(علیه السّلام) دون غیره، والتفریع یقتضی أنْ یکون الفرع بمستوی المفرَّع علیه.
إنْ قلت: إنّ مستوی المفرَّع علیه لا یُمکن أنْ یُدرَک، فمَن یمکنه أنْ یفهم معنی تقرّح جفون الإمام علی بن موسی(علیه السّلام) فضلاً عن طلب الوصول إلیه؟
قلت: هذا ما نُرید الوصول إلیه، فأصل الدعوی أنّ المطلوب من المکلَّفین هو أعلی حدٍّ یمکن أنْ یؤتی به من الانفعال والتأثّر بفاجعة عاشوراء، وأنّه لا حدّ أعلی فی ذلک، فلا یصدق علی فِعلٍ متصوّر فی ذلک أنه إفراطٌ، وعندما یفرّع الإمام(علیه السّلام) طلب ذلک علی مستویً لا یُمکن إدراکه من الناس فیدلّ علی إرادة أعلی ما یمکن من مستوی فی شعائر سید
ص: 159
الشهداء(علیه السّلام) فتدبَّر.
ثمَّ یذکر(علیه السّلام) حالتَین من حالات أبیه الإمام الکاظم(علیه السّلام) تأییداً لذلک:
الحالة الأولی: غَلَبة الکآبة(1)
علیه، ومن الثابت عندنا عدم إمکان غلبة غریزةٍ علی المعصوم دون إختیار، فهو تغلیب فی حقیقته، وباختیارٍ تامٍّ منه(علیه السّلام).
إنَّ إدراکهم الحقیقی لما جری علی آل رسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) یجعَل من عواصف عاشوراء المُهلکة تصطدم بأرواحهم القدسیة، ولولا قوّة هذه الأرواح واتصالها ببارئها لما أبقَت علیها من باقیة، ولکن بمقدار ما تسمح لها - مختارةً - أنْ تغلب علیها فتَحرمها من الفرح والضحک، وتلوّنها بلون الکآبة إظهاراً لشیعتهم بعظمة الفاجعة، لینبعثوا باتّجاه هذا التلّون والتحوّل إلی عمق القضیة، لتترک آثارها علی نفوسهم حزناً ولوعةً ظاهریة، وإیماناً ومعرفةً باطنیةً.
الحالة الثانیة: إذا کان یوم عاشوراء کان یوم حزنه ومصیبته، ولا یخفی علی أهل اللسان المقصود من التعبیر بیوم المصیبة، فعند قولنا: هذا یوم المصیبة، أی المصیبة فی هذا الیوم وحسْب، وکلّ مصیبةٍ أمام مصیبة هذا الیوم لا تُعَدّ مصیبةً.
ص: 160
والنتیجة: أنّ یوم عاشوراء هی مصیبة الإمام الشهید موسی بن جعفر(علیهماالسّلام) العظمی التی تتصاغر بین یدیها مصائبه کلها؛ من ظلمٍ وطامورةٍ وهتکِ حرمةٍ، وغربة عن الأهل والوطن، وأغلالٍ رضَّت عظامه الضعیفة، ثمَّ شهادةٍ فی غربةٍ.
ولکن ما یعظّم الخطْب، هو ملاحظة المضاف إلیه، فالمصیبة عندما تُضاف إلی موسی بن جعفر(علیهماالسّلام) فإدراکها یلزم إدراک کُنْه موسی الشهید(علیه السّلام)، والتالی باطل قطعاً، فیثبت عدم إمکان معرفة عظمة هذه الکلمة ومستوی ما تتفاعل نفسه المطهرة بتلک المصیبة، ولمّا کان الغرضُ من نقل الإمام الرضا(علیه السّلام) هذه الحالات عن والده(علیه السّلام) هو إیصال عظمة المصیبة الواقعة علیهم لیتحرّک شیعتهم فی التأسّی بهم ومتابعتهم بمقتضی إمامتهم الإلهیة، کان المصیر إلی لزوم إحاطة الحزن والمصیبة العُظمی بمن یؤمن بذلک إلی أعلی درجةٍ یمکن لکلّ فردٍ منهم، وکلّما زاد الإیمان زادت المتابعة لهم فعظمتْ آثار المصیبة، فیکون المطلوب الدرجة العُلیا من الحُزن دون حدٍّ، إلّا قابلیة ذلک الفرد المتفرّعة عن عمق إیمانه ومعرفته بهم صلوات الله علیهم أجمعین.
ویشهدُ لهذا المعنی ما رواه العلامة المجلسی(قدسّ سرّه) فی قضیة دِعبل(رحمه الله)، قَالَ: «دَخَلتُ عَلَی سَیِّدِی ومَولایَ عَلِیِّ بنِ مُوسَی الرِّضَا(علیه السّلام) فِی مِثلِ هَذِهِ الأَیَّامِ، فَرَأَیْتُهُ جَالِساً جِلسَةَ الحَزِینِ الکَئِیبِ... ثُمَّ قَالَ لِی: یَا دِعبِلُ أُحِبُّ أَنْ تُنْشِدَنِی شِعْراً فَإِنَّ هَذِهِ الأَیَّامَ أَیَّامَ حُزْنٍ کَانَتْ عَلَیْنَا أهل البَیتِ، وأَیَّامَ سُرُورٍ کَانَتْ عَلَی
ص: 161
أَعدَائِنَا خُصُوصاً بَنِی أُمَیَّةَ... یا دِعْبِلُ: مَنْ بَکَی عَلَی مُصَابِ جَدِّیَ الحُسَیْنِ غَفَرَ اللهُ لَهُ ذُنُوبَهُ الْبَتَّةَ، ثُمَّ إِنَّهُ(علیه السّلام) نَهَضَ وضَرَبَ سِتْراً بَیْنَنَا وبَیْنَ حُرَمِهِ وأَجْلَسَ أهل بَیْتِهِ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ لِیَبْکُوا عَلَی مُصَابِ جَدِّهِمُ الحُسَیْنِ(علیه السّلام)، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَیَّ وقَالَ لِی: یَا دِعْبِلُ ارْثِ الحُسَیْنَ فَأَنتَ نَاصِرُنَا ومَادِحُنَا مَا دُمْتَ حَیّاً، فَلا تُقَصِّرْ عَنْ نَصْرِنَا مَا اسْتَطَعْتَ، قَالَ دِعْبِلٌ: فَاسْتَعْبَرْتُ وسَالَتْ عَبْرَتِی... الحدیث»(1).
فقوله(علیه السّلام): «لا تقصِّر عن نصرنا ما استطعت» ظاهرٌ فی أنّ ترْک النصرة - مُطلقاً - مع الإستطاعة یُعدُّ تقصیراً وتفریطاً، فکیف یتصوَّر الإفراط فی نصرتهم؟
نکتفی بذکر روایة واحدة فی حضرته الشریفة:
فی بعض فقرات زیارة الناحیة المقدَّسة، یقول مُخاطباً جدّه الشهید(علیه السّلام):
«السَّلامُ عَلَی الحُسَیْنِ الَّذِی سَمَحَتْ(2) نَفْسُهُ بِمُهْجَتِهِ... السَّلامُ عَلَی مَنْ
ص: 162
بَکَتْهُ مَلائِکَةُ السَّمَاءِ... سَلامَ مَنْ قَلبُهُ بِمُصَابِکَ مَقْرُوحٌ، ودَمْعُهُ عِنْدَ ذِکْرِکَ مَسْفُوحٌ، سَلامَ المَفْجُوعِ المَحْزُونِ، ألوَالِهِ المُسْتَکِینِ، سَلامَ مَنْ لَوْ کَانَ مَعَکَ بِالطُّفُوفِ لَوَقَاکَ بِنَفْسِهِ حَدَّ السُّیُوفِ، وبَذَلَ حُشَاشَتَهُ دُونَکَ لِلْحُتُوفِ، وجَاهَدَ بَیْنَ یَدَیْکَ، ونَصَرَکَ عَلَی مَنْ بَغَی عَلَیْکَ، وفَدَاکَ بِرُوحِهِ وَ جَسَدِهِ ومَالِهِ ووُلْدِهِ، ورُوحُهُ لِرُوحِکَ فِدَاءٌ وأَهْلُهُ لأَهلِکَ وِقَاءٌ.
فَلَئِنْ أَخَّرَتْنِی الدُّهُورُ، وعَاقَنِی عَنْ نَصْرِکَ المَقْدُورُ، ولَمْ أَکُنْ لِمَنْ حَارَبَکَ مُحَارِباً، ولِمَنْ نَصَبَ لَکَ الْعَدَاوَةَ مُنَاصِباً، فَلأَندُبَنَّکَ صَبَاحاً ومَسَاءاً، ولأَبکِیَنَّ عَلَیْکَ بَدَلَ الدُّمُوعِ دَماً، حَسْرَةً عَلَیْکَ وتَأَسُّفاً عَلَی مَا دَهَاکَ وتَلَهُّفاً، حَتَّی أَمُوتَ بِلَوْعَة المُصَابِ وغُصَّةِ الاکتِئابِ...إلی آخر الزیارة الشریفة»(1).
سند الزیارة: نقل هذه الزیارة الشیخُ المفید والسیدُ المرتضی والسیدُ ابن طاووس وغیرهم(طیَّب الله ثراهم) کما فی البحار(2)، فهی من الزیارات المشهورة بینهم کما یظهر، والأهمّ من ذلک هو روایة إبن المشهدی - وهو المحدّث الفاضل الصدوق(3)
- هذه الزیارة بلفظِ الجازم بصدورها، قال: «ومما خرج من الناحیة المقدّسة إلی أحد الأبواب».
مع أنّه قد التزم بأنّ روایاته فی هذا الکتاب یرویها کلّها متّصلاً عن
ص: 163
الثقات إلی الأئمة السادات(علیهم السّلام) (1)، حتی قال المتبحّر فی علم الدرایة العلامة المجلسی(قدسّ سرّه): «یُعلَم من کیفیة إسناده أنه کتاب معتبر»(2).
وبغضّ النظر عن توثیقه العام للرواة فالقدر المتیقّن توثیق الروایات فی هذا الکتاب، وقد اعتمد علیه السیدان ابنا طاووس(3) وغیرهما.
والنتیجة: أنّ هذه الزیارة من الزیارات المعتبرة المشهورة التی صحَّ نسبتها إلی المعصوم(علیه السّلام) مع أنّ حرمة اختراع الزیارات من الأمور المسلّمة عندهم(4).
سنسلّط الضوء علی بعض الفقرات فیها:
الفقرة الأولی: قوله(علیه السّلام): «سَلامَ مَنْ قَلْبُهُ بِمُصَابِکَ مَقْرُوحٌ».
وقد مرَّ أنّ القرح بمعنی الجرح الداخلی العمیق، فقَلبُ صاحب الزمان والمکان(علیه السّلام) ومن بیُمنه یُرزَقُ الوری وتنبت الأرضُ وتمطر السماء قُرح بسبب مصیبة سید الشهداء(علیه السّلام)، ولکن لم یلتئم ولن یلتئم، لأنّه مقروحٌ دائماً.
الفقرة الثانیة: قوله(علیه السّلام): «سَلامَ المَفجُوعِ المَحْزُونِ».
قال الفراهیدی(رحمه الله): «فجع: أن یُفجَع الرجلُ بشیءٍ یکرمه فیعدمه...
ص: 164
یتفجّع وهو توجّعه للمصیبة»(1)، وفی لسان العرب: «الفواجع: المصائب المؤلمة... الرزیة المؤلمة بمن یکرم»(2).
فإمامنا الغائب الحاضر (عجل الله تعالی فرجه الشریف)یُرید منّا أنْ نذکر بزیارتنا للحسین(علیه السّلام) أنّه یعیش ألم الرزیّة، فألم کربلاء ملازم لقلبه المقروح، فلماذا یُرید منّا ذلک عند زیارته؟
ألیس لأجل أنْ نتفجَّع ویتقرَّح قلبنا تأسّیاً به، وإلّا کان الإخبار بزیارته بلا غرض والعیاذ بالله.
الفقرة الثالثة: قوله(علیه السّلام):
«ألوَالِهِ المُسْتَکِینِ».
وهی من أصعب الکلمات فَهماً علی غیر المعصوم، ف- (الوَلَه) هو ذهاب العقل والفؤاد من فقدان الحبیب(3)، وشدّة الحزن إلی درجة شدّة التحیّر من شدّة الوَجْد، ویُطلق علی کلّ أمٍّ فارقت ولدها(4)، فبعض هذه المعانی لا یمکن الإلتزام بظاهره بالنسبة إلی المعصوم(علیه السّلام)، فیکون مجملاً.
ولکن هذا الإجمال لا یضرّ بالجهة التی نرید أنْ نثبتها، لأنّ الکلام له جهتان:
ص: 165
الجهة الأولی: ما یمرّ به الإمام(عجل الله تعالی فرجه الشریف) من حالاتٍ لأجل عاشوراء، من ذهاب العقل والفؤاد وشدّة التحیّر، وهذه الجهة لا نفهمها فنردّ علمها إلی أهلها.
الجهة الثانیة: الغرض من بیان هذه الحالة، وهو الحثّ والبعث علی التأسی بها وطلب تحصیلها من قبل محبیهم وشیعتهم، فهذه الجهة لا إجمال فیها، لأنّ المطلوب أنْ نعیش حالة من الجزع والتفجّع إلی أعلی درجاته کذهاب العقل وشدّة التحیّر، وهذا المعنی جلیٌّ بیّنٌ بالنسبة إلینا.
نظیر ما لو قیل: «إنّ الله تعالی یحبّ محمداً (صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فأحبّوا نبیکم محمداً (صلّی الله علیه و آله وسلّم )»، فهل یدّعی عاقلٌ أنه یفهم معنی (الحُبّ) المنسوب إلی الذات القدّوسیة؟
وهل الإجمال فی معنی الحبّ هذا یسری إلی الحبّ المأمور به بالنسبة إلینا؟
الفقرة الرابعة: قوله(علیه السّلام): «وبَذَلَ حُشَاشَتَهُ دُونَکَ لِلْحُتُوفِ».
والحُشاشة: هو الرَمَق المتبقّی من المریض، أی ما یتبقّی للمریض المُشرف علی الموت من روح ونفس(1)، وهو متّخذٌ من الحشیش الیابس، ومن یُبس الشیء وجفافه.
ففی الآن الذی یُخبرنا (أرواح العالمین لتراب مقدمه الفداء) کیف یفدی
ص: 166
جدّه الحسین(علیه السّلام) بکلّ ما یملک اختیاره، یُشیر بنفس العبارة إلی أنّ ما یملکه هو بقیّة روح، فلم تُبقِ رزیّة کربلاء علی روحه الشریفة إلّا بقیّة نَفَسٍ وروح.
الفقرة الخامسة: قوله(علیه السّلام): « فَلأَندُبَنَّکَ صَبَاحاً ومَسَاءاً».
أما من جهة المادة:
(ندب)، فقد مرّ معناها اللغوی، وأنها بمعنی النیاحة
بقول: وا فلاناه وا هناه، مقیّداً بذکر محاسنه(1)، وهو من الندْب للجِراح لأنه إحتراقٌ ولذْع من الحزن(2)، فندْب الحسین(علیه السّلام) هو النیاح والصیاح: وا حسیناه وا شهیداه وا غریباه وا عطشاناه... بلذعٍ الحزن وإحتراق القلب علیه.
أما من جهة الهیئة: فقد جمع(علیه السّلام) صیغتین للتوکید:
1- بدء الکلمة بلام التوکید.
2- ختْم الکلمة بنون التوکید.
کلمةٌ تصدر ممن لا یتخلَّف فعلُه عن قوله آناً، یبدؤها بتوکیدٍ ویختمها بتوکیدٍ فهو لبیان عظمة المطلب وتعظیم الطلَب لیس إلّا، فهو(عجل الله تعالی فرجه الشریف) یفتتح ویختتم کلّ یومٍ من أیام عمره الشریف بنوح جدّه الشهید(علیه السّلام) صائحاً بلوعةٍ: وا جدّاه وا حسیناه، ولکن الإفصاح عن هذا الفعل المستمر لقرون من سنیّ عمره الشریف، والطلب من المؤمنین بأنْ یقرأوا ذلک فی زیارته، لا یکون إلّا لإیجاد الداعی فی نفوسهم لفعل ذلک متابعةً لإمامهم المنتظَر المنتقِم،
ص: 167
فکلّ یومٍ عنده عاشوراء، کلّ یومٍ وفی کلّ أرضٍ ینوح علی الحسین(علیه السّلام) صباحاً ومساءاً.
الفقرة السادسة: قوله(علیه السّلام): «ولأبکِیَنَّ عَلَیکَ بَدَلَ الدُّمُوعِ دَماً».
بعد العطف علی الفعل السابق - بهیئته التوکیدیة المؤکّدة - یأتی بمعطوفٍ بنفس الهیئة السابقة فی مادة البُکاء، ولکن الکلام لیس فی بکائه (أرواح العالمین لدموع عینیه الفداء)، وإنّما فی کَیفیة البُکاء، التی یزول معها صِدق الإفراط، ویُثبت أنّ کلّ ما نفعله حزناً وجزعاً علی سید الشهداء(علیه السّلام) لیس إلّا تفریطاً وتقصیراً فی أغلب الأحیان، وقصوراً فی أحیانٍ أخری.
إنّه(علیه السّلام) یندبه کل صباح ومساء، والندب یکون مصحوباً بالبکاء، ولکن بکاؤُه لیس بذرف الدموع وحسْب، بل بصبّ الدماء من العُیون.
وبقطع النظر عمّا یُذکر فی توجیه حدوث ذلک من الناحیة التشریحیة فإنه أمرٌ محیّر یصدر من إمام زماننا کلّ یوم، ویطلب(علیه السّلام) منّا أنْ نذکر هذا الحدَث العظیم کلّما وقفنا فی حضرة سید الشهداء(علیه السّلام)، فإراقة الدّم أمرٌ محبّب لدیهم علی الحسین(علیه السّلام)، وفعل الإمام(علیه السّلام) لا یمکن صدوره بدون إختیار عقلاً، ولو بإیجاد مقدماته الإختیاریة - تنزّلاً، لانّا نعتقد بأنّ ذوی المقدّمات بإختیارهم أیضاً وولایتهم(علیهم السّلام) أیضاً - .
لا یُقال: الفعل لا لسان له، فلا یُمکن التمسّک بالإطلاق لإثبات المحبوبیة لغیر ذرف الدماء من العیون، فیُقتصر علی المتیقّن منه وهو مورد الفعل.
ص: 168
فإنّه یُقال: لو کان مجرّد نقل فعله(علیه السّلام) من أحد الرواة لسُلّم الإیراد، ولکن هنا قرینتین علی التعمیم:
القرینة الأولی: حکایة الفعل من نفس الإمام(عجل الله تعالی فرجه الشریف) وبصیغة التوکید المؤکّدة کما مر.
القرینة الثانیة: طلب ذکر هذا الأمر فی زیارة الحسین(علیه السّلام)، المُزیل لخصوصیة البکاء، والمُعمِّم لطلب حالة الجزع بذلک المستوی بما فیها من اتفاقات.
الفقرة السابعة: قوله(علیه السّلام): «حَسْرَةً عَلَیْکَ وتَأَسُّفاً عَلَی مَا دَهَاکَ وتَلَهُّفاً».
حسرةً وتأسّفاً وتلهّفاً، ثلاث کلمات محلّها فی الجملة هو المفعول لأجله، فعِلّة ما یفعله صاحب الزمان من صیاحٍٍ وندبٍٍ وصبّ الدماء بالبکاء هو هذه الأمور الثلاثة، الحسْرة علی الحسین(علیه السّلام) والتلهّف علیه والتأسّف علی ما دهاه.
الحسرة: إنکشاف الشیء فی جزعه وقلّة صبره(1)،وهو أشدّ الندم(2)
والغمّ علی ما فاته(3).
فالذی یفعله مولانا صاحب الزمان(علیه السّلام) إنّما یدلّ علی إنکشاف جزعه وقلّة صبره علی رزیّة جدّه الحسین(علیه السّلام)، وما فاته من نصرته وتقدیم نفسه دونه.
التأسُّف: المبالغة فی الحزن والغضب، وقال مجاهد: أسفاً أی جَزَعاً، فقوله
ص: 169
تعالی علی لسان یعقوب النبی(علیه السّلام): «یَا أَسَفَی عَلَی یُوسُفَ»أی: یا جزعاه(1).
التلهُّف: التحسُّر،ولهَّف نفسه وأمّه إذا قال: وا نفساه، وا أمّیاه، ووا لهفتاه(2)، وهی تدلّ علی حزنٍ وتحسّرٍ، والملهوف: المظلوم یستغیث(3)، وهو الأسی والحزن والغیظ، واللاهف المکروب(4).
دهاک: کلّ ما أصابک من منکرٍ من وجه المأمَن(5).
فإنّ المصیبة العظیمة التی حلَّت بسید الشهداء(علیه السّلام) غدْراً سبَّبتْ الکرب والحزن الشدید والغَیظ والجزَع وفقدان الصبر لإمام زماننا(عجل الله تعالی فرجه الشریف) إلی درجة إنکشاف هذا الجزع وترجمته دموعاً ودماءاً وعویلاً وندباً لأکثر من ألف عامٍ فی کلّ صباحٍ ومساءٍ، ولا تنتهی ولا تخفّ هذه الحال إلّا بالموت کما یأتی فی الفقرة الأتیة.
وعندما یُخبرنا صلوات الله علیه بهذه الحال، إنّما یرید منّا أنْ نتّبعه فی هذا الجزع والکرب والتألّم والندْب دون النظر إلی ما یمکن أنْ یسبّبه من آثارٍ بحسب کلّ إنسانٍ ومعرفته وطهارة قلبه وروحه.
ص: 170
الفقرة الثامنة: قوله(علیه السّلام): «حَتَّی أَمُوتَ بِلَوْعَة المُصَابِ وغُصَّةِ الاکتِئابِ».
اللوعة: حرقة. . من الحزن والوَجْد(1)،وهو من الجزَع(2).
الغصّة: شجا یُغصّ به فی الحلق، وهو ما نشب فی الحلْق من غصّة وهمٍّ أو غیظٍ، والأصل فیه هو الإنعصار والتضیّق(3).
فالباء فی قوله: «أموت بلوعة المصاب» هی باء السببیة، فقد صرَّح أنّ رحیله من هذه الدنیا سیکون بسبب حرقة قلبه وإنعصاره، واللوعة التی فی نفسه لما أصاب الحسین(علیه السّلام) من عظیم المُصاب.
أنّ حال إمام زماننا (أرواح العالمین لتراب مقدمه الفداء) هو أنْ یُقیم مأتم الحسین(علیه السّلام) فی کلّ صباحٍ ومساء علی مرّ القرون والدهور، حزیناً نادباً جدّه(علیه السّلام) صارخاً وا حسیناه وا غریباه، مریقاً للدموع والدماء فی ذلک، ولا یهدأ الحال حتی بعد نصرهِ المحتّم وفترة حکومته المأمولة، حتی تکون وفاته بسبب الجزع والحرقة واللوعة والغُصّة علی الإمام الغریب أبی عبد الله(علیه السّلام).
وبإملاءه هذه الزیارة بهذه الأوصاف لحالته وانفعالاته لأحد أبوابه(رحمه الله) یکون قد حثَّنا أشدّ الحثّ والبعث والتحریک نحو هذه الأفعال الظاهریة
ص: 171
والباطنیة، وکلّ شخصٍ بحسبه دون أنْ یکون للحدّ الأعلی ذکرٌ.
هذا ما سمحَ به المقامُ للکلام فی عالم التشریع وهو المقام الثالث من البحث.
إنّ الشعائر الحسینیة أسّسها حُجَج الله تعالی من الأنبیاء والأوّلیاء المعصومین (صلوات الله وسلامه علیهم) قولاً وفِعلاً وتقریراً، والمُتحصَّل منه تعلّق الطَلَب والبعث بأمرٍ کلّی أشارت إلیه عناوین متعددة لیست هی إلّا مصادیقَ بارزةً لذلک المطلوب الکلّی، وهو إظهار الجزع والتألّم والتوجّع وقلّة الصبر علی رزّیة سید الشهداء وأهل بیته الکِرام (صلوات الله علیهم)، دون خصوصیةٍ للونٍ أو حالةٍ أو کیفیةٍ ما، ودون تحدیدٍ للحدّ الأعلی لذلک المطلوب الکلّی، لأنّه لا یُمکن الوصول إلیه مهما کان الفعل عظیماً، ولا منتهی له دون الموت جزعاً علی الحسین الشهید(علیه السّلام).
ف-«المتعمّق فی الأسرار المتتبّع للأخبار یحصل له... الجزم بأنّ ما تفعله الشیعة من ضروب مظاهر الحزن هو دون الحقّ الثابت فی مصاب الحسین(علیه السّلام)، وأنّه لو کان فوقه شیء لکان راجحاً فی سبیل ذلک المصاب الهائل»(1).
هذا ما تیسَّر بالنسبة إلی البحث الثالث «البحث الخاصّ بسید الشهداء(علیه السّلام)»، وبه نختم مقاصد البحث الثلاثة.
ص: 172
وفیها ثلاثة تنبیهات فی المقام:
البحث هنا فی تحقق عنوان الإفراط من عدمه بالنسبة إلی الشعائر الحسینیة، فقطب البحث هو السعی إلی إثبات عدم وجود مصداقٍ یمکن أنْ ینطبق علیه عنوان الإفراط - بالمعنی الذی ذکرناه فی صدر البحث - فی ذلک، ولسنا فی مقام التعرّض إلی الأحکام التی تتعلّق بالمکلّفین، فمسألة ما یجوز - من بعض الأفعال - وما لا یجوز موکولة إلی فقهاء الطائفة ذوی الشرائط المذکورة فی مرجع التقلید، وکلّ مکلّفٍ یجب علیه الرجوع فی معرفة حکم أیّ فعلٍ منها إلی المرجع الذی یقلّده، سواءاً أکان بعنوانه الأوّلی أم لمزاحمة عنوانٍ ثانوی أهم.
کما فی حکم الفعل الذی یُقطَع معه بزهاق النفس - مثلاً- فقد أفتی الفقهاء بحرمة هذا الفعل، ولا یمکن التقرّب إلی الله تعالی بفعلٍ حرام.
إنّ هذه الشعائر منسوبةٌ إلی الحسین الشهید(علیه السّلام)، فینبغی الإلتزام بما لا ینافی الآداب المناسبة لمحضر سید الشهداء وأهل البیت(علیهم السّلام) .
ص: 172
فالإتیان ببعض الأفعال المُستهجنة أو المُستقبحة عند عرف الناس قد یکون ضررها أکبر من نفعها، لأنها قد تُسیء إلی صورة الشعیرة، وتنفی الغرض منها، فیلزم علی المؤمنین حین الأقدام علی أیّ شعیرةٍ أنْ یشعروا - أو یستشعروا - بحضور الإمام(علیه السّلام) معهم، وکلّ ما لم یجرأوا علی فعله فی حضرته استحیاءاً منه ینبغی ترکه تأدّباً.
نعم، ما ورد فی لسان النصوص من مصادیق - کالندب والصراخ والبکاء - غیر خاضعة لتحکّم العُرف فیها بعد أنْ أمر بها - أو فعلها - سید العقلاء، فهی مطلوبة علی کلّ حال.
مرّ الکلام فی قاعدة لا ضرر - عند التعرّض لحدیث محمد بن مسلم وشبهة العلامة المجلسی(قدسّ سرّه)(1) - وذکرنا فی دفع الشبهة بأنّ قاعدة لا ضرر لا تشمل الحکمَ الثابت فی مورد الضرر - کالجهاد - فخروج الشعائر الحسینیة عنها بالتخصّص، وإنْ أبیت فبالتخصیص لورود النصوص المعتبرة الدالّة علی مطلوبیة بعض الشعائر الحسینیة فی خصوص مورد الخوف علی النفس أو الضرر أو التقیة.
ولکن هنا قال البعض إنّ هذا المورد من موارد باب التزاحم، فتقدیم الشعائر الحسینیة علی قاعدة نفی الضرر والحرج لأهمیتها ملاکاً.
ص: 174
ومنشأ هذا القول - کما ذکر - أنّ المشهور وإنْ کان قائلاً بحکومة قاعدة الضرر علی أدلة الأحکام الأوّلیّة صورةً، ولکن فی حقیقة الأمر ولُبِّه هو من باب التزاحم وأهمیّة قاعدة الضرر علی الأحکام الأوّلیة، فیدور الأمر حینئذٍ مدار الأهمیة فی کلّ مورد، وحیث إنّ الشعائر الحسینیة أهمّ ملاکاً - کما یشهد له بعض النصوص - تنقلب النسبة إلی حکومة الشعائر الحسینیة علی القاعدة(1).
ویلزم من هذا القول عدّة أمور:
الأمر الأوّل: أنّ الحکم الفعلی المُستفاد من التزاحم وتقدیم الأهم هو نتیجة إجتماع ما فیه مفسدة مع ما فیه المصلحة فی فعلٍ واحد، فیکون الفعل حاملاً للملاکَین معاً، فالشعیرة فیها مصلحة من جهة حفظ الدین، وفیها مفسدة من جهة الضرر، ثمَّ یقدَّم ما فیه المصلحة لأهمیته، کأکل المیتة حفظاً للنفس.
بینما علی القول بحکومة قاعدة الضرر، وخروج مثل الجهاد بالتخصیص أو التخصّص، تکون الشعیرة حاملةً لملاکٍ واحدٍ فقط وهو المصلحة.
الأمر الثانی: بناءاً علی التزاحم یلزم التفصیل فی الشعائر، فلیست الشعائر کلها علی مستوی واحد من الأهمیّة، کما یلزم لحاظ مقدار الضرر فی کلّ موردٍ، فیُقال فی بعض الموارد بتقدیم الشعائر وفی غیرها بحرمتها، کما
ص: 175
صرّح بذلک قائلاً: «إنّ طروّ قاعدة (لا ضرر) علی الشعائر الدینیّة - ومنها الشعائر الحسینیة- لیس بأیّ درجةٍ کان، لأنّ المفروض أنّ الضرر إنّما یرفع الحکم... عندما یکون ملاک الحکم بدرجة مناسبة له، لا أیّ ضررٍ یسیرٍ یُسبّب رفع عموم الأحکام»(1).
أمّا علی القول بالحکومة وخروج الأحکام المجعولة فی مورد الضرر بالتخصیص أو التخصّص، فتکون جمیع الشعائر فی جمیع الأحوال خارجةً عن حکم الضرر، لأنّ الخاصّ یُقدَّم علی العامّ مُطلقاً، وفی التخصّص أوضح.
ومنه یظهر ما فی نسبته إلی المحقق النائینی(قدسّ سرّه) من أنه حتی علی مختاره فی قاعدة لا ضرر - وهو کونها مخصِّصة للأحکام الأوّلیة ف- - لا تُقدّم القاعدة فی مطلق الضرر، بل یقدَّم الأهم منهما، وفی الشعائر الحسینیة فإنه(قدسّ سرّه) یقدمها لأهمیتها، قال: «بل سواءٌ بنینا علی مبنی المشهور فی (لا ضرر) أو علی المبنی غیر المشهور، علی کلا التقدیرَین یمکن أنْ نستدلّ علی أنّ الشعائر الحسینیّة من حیث الأهمیّة فی أقسامها تفوق أهمیّة دفع الضرر - وقال: - قد مرّ بنا أنْ طروّ قاعدة (لا ضرر) علی الشعائر الدینیّة - ومنها الشعائر الحسینیة - لیس بأیّ درجةٍ کان، لأنّ المفروض أنّ الضرر إنّما یرفع... بدرجة مناسبة له، لا أیّ ضرر یسیر یسبب رفع عموم الأحکام... سواء علی مسلک المحقق النائینی فی رفع الإضطرار من باب التخصیص، أو علی مسلک المشهور وهو من باب التزاحم».
ص: 176
وهذا الکلام بعید عن القواعد والأصول، فإنّ التخصیص یکون مطلقاً، بقطع النظر عن أهمیة ملاک الخاصّ من عدمه.
الأمر الثالث: فی باب التزاحم یُقدَّم الأهمّ ملاکاً أو مُحتمل الأهمیة - لدوران الأمر بین التعیین والتخییر - فیختلف الحکم بإختلاف الأنظار والإستحسانات، فقد یری فقیهٌ تقدیم الشعائر فی موردٍ ویری آخر حرمتها، بل قد یخضع الحکمُ لتوهّم العوامّ فی مقام الإمتثال تقدیم أحدهما علی الآخر
لاحتمال أهمیته.
بخلاف القول بالحکومة، فإنّ خروج الشعائر أمر ثابتٌ منضبط عند الکل.
مناقشة هذا القول: یرد علی هذا القول مع بیانه عدّة أمور:
الأمر الأوّل: هنا خلطٌ بیّنٌ بین حرمة الضرر والإضرار المستندة إلی قوله تعالی فی سورة البقرة: «وَأَنْفِقُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَیْدِیکُمْ إِلَی التَّهْلُکَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الْمُحْسِنِینَ »(1) وأمثاله، وبین قاعدة نفی الضرر المستندة إلی النصوص کقوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): «لا ضرر ولا ضرار فی الإسلام»(2)، فإنّ الأوّل یثبت حکماً شرعیاً وهو الحرمة کسائر الأحکام الأوّلیة، والثانی قاعدة کلّیة ثانویة لا تثبت حکماً، وإنما تنفی الحکم الثابت لموضوعٍ حین اتفاق طروّ الضرر.
فقوله: «عدم إزالة الضرر الشخصیّ لحکم الشعائر بناءاً علی التمسّک
ص: 177
بحرمة الضرر کرافع للأحکام الأوّلیّة، وقد مرّ بنا أنّ طروّ قاعدة (لا ضرر) علی الشعائر الدینیّة - ومنها الشعائر الحسینیة - لیس بأیّ درجة کان...»(1) فیه شیءٌ من الخلط والإضطراب.
الأمر الثانی: قوله بأنّ مبنی المشهور الذی قال بحکومة قاعدة (لا ضرر) مآلُه لُبّاً إلی التزاحم، فهو خلطٌ آخر وجمعٌ بین الضدّین، وبیان ذلک:
أنّ التزاحم فی المقام لا یُتصوّر إلّا علی القول بأنّ مفاد حدیث (لا ضرر) هو النهی لا النفی، وبذلک یکون لدینا حرمة الضرر والإضرار، فیزاحم وجوب أو جواز الموضوع المتّحد معه، فیقدّم الأهم ملاکاً بینهما.
وهذا القول - أی: حرمة الضرر - قد تفرّد به - بحسب التتبّع - أحدُ المناطقة من العامة وهو البدخشی - علی ما نسبه إلیه فی العوائد(2) - وکلّ من جاء بعده تعرّض لشبهته وقام بردّها، ولکن المشهور - بل لم أجد مخالفاً- قال بنفی الحکم الضرری، ولا یمکن تصوّر التزاحم علی قول المشهور کما لا یخفی.
الأمر الثالث: هنا قد حصل خلْطٌ ثالث فی المقام، بین التزاحم فی الملاکات وبین التزاحم فی الخطابات، والأوّل من شؤون الشارع والمقنّن قبل مرحلة جعل الحکم، والثانی من شؤون المُکلَّف - بالمعنی الأعم - بعد جعل الحکم.
ص: 178
فالنصوص التی استشهد بها علی أهمیة ملاک الشعائر الحسینیة(1) کونها حثّت علی الزیارة فی مورد الخوف علی النفس، إنّما تدلّ علی تزاحم الملاکات قبل جعل الشارع، ثمّ الکسر والإنکسار وترجیح کفّة الشعائر، لأنّ الإمام(علیه السّلام) لیس عنده تزاحم بالمعنی الإصطلاحی، بل أنه لاحظَ الملاکات فحکمَ بلزوم الزیارة.
ما مرّ فی روایة محمد بن مسلم، من خروج موارد الأحکام المجعولة فی مورد الضرر کالجهاد والشعائر والزکاة عن قاعدة لا ضرر موضوعاً للزوم لغویة جعلها، وکلّ حکم بحسب ما یقتضیه طبعه من ضرر دون الزائد عن ذلک، مضافاً إلی إمکان القول بالتخصیص فی بعض الموارد التی ورد فیها النصّ خاصّةً.
هذا علی القول بأنّ الشعائر فی الجملة من الواجبات المؤکّدة فی الدین ولو علی نحو الکفایة، فیلزم - لو تعطّلت - الإنفاق لإحیائها من بیت المال.
أمّا بلحاظ إستحبابها النفسی، فیکون الجواب هو أنّ قاعدة نفی الضرر والحرج لا تشمل الأحکام غیر الإلزامیة المتقوّمة بالترخیص، لأنّ القاعدة وردَتْ فی مقام الإمتنان، وهو غیر متحقّق عند ترخیص المکلّف فی الفعل والترک، لعدم صدق الحرج والضرر معه، وإنما تعمل قاعدة نفی الحرج فیما
ص: 179
لو کان منشأ الضیق والحرج أو الضرر علی المکلّف من قِبَل الشارع، وفی غیر الإلزامیات لا ضیق من قبل الشارع(1).
هذا - بتوفیق الله المنّان سبحانه وتعالی، وبعنایة مولانا الإمام الحاضر صاحب الزمان(عجل الله تعالی فرجه الشریف) - ما وسعه المقام من البحث فی الشعائر الحسینیة المقدّسة من جهة طرفَی الإفراط والتفریط فیها، وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربِّ العالمین، وخیر الصلاة والتسلیم علی أشرف الأنبیاء والمرسلین وعلی آله المطهرین.
ص: 180
1. أجود التقریرات: النائینی، الشیخ محمد حسین، الوفاة: 1355 ه- . تقریر بحث النائینی للسید أبو القاسم بن علی أکبر الخوئی، الوفاة 1413ه-، الطبعة: الثانیة، سنة الطبع: 1368 ش، المطبعة: الغدیر- قم، الناشر: منشورات مصطفوی.
2. الإحتجاج: الطبرسی، أبو منصور أحمد بن علی بن أبی طالب ت548 ه-، تعلیقات السید محمد باقر الخرسان، طبع فی مطابع النعمان النجف الأشرف - حسن الشیخ إبراهیم الکتبی، 1386-1966م.
3. الإختصاص (للمفید): المفید، أبو عبد الله محمد بن النعمان العکبری البغدادی، من سنة 336-413 ه-. صححه وعلق علیه: علی أکبر الغفاری، رتب فهارسه: السید محمود الزرندی المحرمی، منشورات: جماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة فی قم المقدسة، الناشر: دار المفید للطباعة والنشر والتوزیع، بیروت - لبنان.
4. اختیار معرفة الرجال: (المعروف برجال الکشی): الشیخ الطوسی، أبو جعفر، محمد بن الحسن، من سنة 385-460ه-. والکشی محمد بن عمر (ت القرن الرابع)، نشر: مؤسسة آل البیت(علیهم السّلام) ، تحقیق : مهدی الرجائی، الطبعة الأولی مع تعلیقات المیرداماد الاسترابادی، سنة الطبع: ١٤٠٤ ه-، مطبعة : بعثت، قم.
5. أساس البلاغة: الزمخشری، محمود بن عمر ت583ه-، نشر: دار صادر، بیروت، الطبعة الاولی، سنة 1979 م.
6. الإستبصار: الشیخ الطوسی، أبو جعفر محمد بن الحسن، من سنة 385- 460ه-. حققه وعلق علیه: السید حسن الموسوی الخرسان، الناشر: دار الکتب الإسلامیة: تهران، بازار سلطانی، مطبعة خورشید، ط4 سنة1390 ه-.
ص: 181
7. إقبال الأعمال، ط ق: (مضمار السبق فی میدان الصدق): إبن طاووس، السید أبو القاسم رضی الدین علی بن موسی بن جعفر بن محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إسحاق بن الحسن بن محمد بن سلیمان بن داود بن الحسن المثنی بن الحسن بن علی بن أبی طالب(علیهم السّلام) ، من سنة 589-664 ه- . المحقق: جواد القیومی الإصفهانی، مرکز النشر: مکتب الاعلام الإسلامی. طبع علی مطابع: مکتب الاعلام الإسلامی، الطبعة: الأولی 1414ه-.ق، تاریخ النشر: رجب 1414 ه-، قم.
8. الإقبال بالأعمال الحسنة (ط - الحدیثة): إبن طاووس، السید أبو القاسم رضی الدین علی بن موسی بن جعفر بن محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إسحاق بن الحسن بن محمد بن سلیمان بن داود بن الحسن المثنی بن الحسن بن علی بن أبی طالب(علیهم السّلام) ، من سنة 589-664 ه-. المحقق: جواد القیومی الإصفهانی، الطبعة الأولی: سنة 1376 ه- ش، نشر: دفتر التبلیغات الإسلامی: قم.
9. أمالی الصدوق: الصدوق، أبو جعفر، محمد بن علی بن الحسین بن موسی بن بابویه القمی، من سنة 306-381 ه-. تحقیق: قسم الدراسات الإسلامیة - مؤسسة البعثة، قم، الطبعة: الأولی 1417 ه-.
10. أمالی المفید: المفید، أبو عبد الله محمد بن النعمان العکبری البغدادی، من سنة 336- 413 ه-. تحقیق: الحسین أستاد ولی - علی أکبر الغفاری، منشورات: جماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة، قم المقدسة، المطبعة الإسلامیة: 1403 ه-. الطبعة الثانیة: سنة 1414 ه- - 1993 م، دار المفید للطباعة والنشر بیروت، لبنان.
11. أمل الآمل: تألیف الشیخ محمد بن الحسن بن علی بن محمد بن الحسین المشغری، المعروف ب- (الحر العاملی) صاحب الوسائل، ت سنة 1104 ه-. تحقیق: السید أحمد الحسینی، مطبعة الآداب - النجف الأشرف، نشر مکتبة الأندلس بغداد.
ص: 182
12. إیضاح الفوائد: فخر المحققین، أبو طالب محمد بن الحسن بن یوسف بن المطهر الحلی 682-771 ه-، علق علیه وأشرف علی طبعه: السید حسین الموسوی الکرمانی - الشیخ علی پناه الاشتهاردی - الشیخ عبد الرحیم البروجردی -. الطبعة الأولی - 1387 ه-، المطبعة العلمیة بقم.
13. الإیضاح فی علوم البلاغة والمعانی(الخطیب القزوینی ت739ه-): جلال الدین، أبو عبد الله محمد بن سعد الدین أبی محمد عبد الرحمن القزوینی ت739 ه-. نشر: دار الکتاب الإسلامی، قم، الطبعة الأولی 1405 ه-- 1985 م، المطبعة: مطبعة أمیر - قم، تاریخ النشر: ربیع الأوّل، 1411 ه-.
14. بحار الأنوار: العلامة المجلسی، محمد باقر بن محمد تقی بن مقصود علی الإصفهانی، من سنة 1027-1110 ه-. الطبعة: الثانیة المصححة، سنة الطبع: 1403 ه- - 1983 م، مؤسسة الوفاء بیروت - لبنان.
15. البدایة والنهایة: للإمام الحافظ أبی الفداء، إسماعیل بن کثیر الدمشقی ت 774 ه-. حققه ودقق أصوله وعلق حواشیه: علی شیری طبعة جدیدة محققة: الطبعة الأولی سنة 1408 ه- - 1988 م، مؤسسة: دار احیاء التراث العربی، فرع أول: بیروت - لبنان.
16. البرهان فی علوم القرآن: الزرکشی، بدر الدین محمد بن عبد الله ت794ه-. تحقیق: محمد أبو الفضل إبراهیم، مؤسسة: دار إحیاء الکتب العربیة، الطبعة الأولی: سنة 1376 ه-- 1957 م.
17. بشارة المصطفی لشیعة المرتضی: الطبری، عماد الدین أبو جعفر محمد بن أبی القاسم ت553 ه-. الطبعة القدیمة، الطبعة الثانیة سنة 1383ه-.، المکتبة الحیدریة النجف الأشرف.
18-بصائر الدرجات الکبری: الصفار، أبو جعفر محمد بن الحسن بن فروخ ت
ص: 183
290 ه-. من أصحاب الإمام الحسن العسکری(علیه السّلام)، تقدیم وتعلیق وتصحیح العلامة الحجة: میرزا محسن کوچه باغی، الناشر: مؤسسة الأعلمی - طهران، المطبعة: مطبعة الأحمدی - طهران، طبع سنة 1362 ش - 1404 ه-.
19. تأریخ الإسلام ووفیات المشاهیر والأعلام: الذهبی، شمس الدین محمد بن أحمد بن عثمان الذهبی المتوفی سنة 748 ه-. تحقیق: الدکتور عمر عبد السلام تدمری أستاذ التاریخ الإسلامی فی الجامعة اللبنانیة، عضو الهیئة الاستشاریة للمنشورات التاریخیة فی اتحاد المؤرخین العرب، الناشر: دار الکتاب العربی، بیروت، الطبعة الثانیة: سنة 1409 ه-- 1998م.
20. تحفة الآحوذی بشرح جامع الترمذی: المبارکفوری، أبو العلا، محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحیم 1282-1353ه-. طبعة جدیدة مقارنة مع الطبعتین الهندیة والمصریة، مع ملحق خاص بالأحادیث المستدرکة من جامع الترمذی، الطبعة الأولی: سنة1410 ه- - 1990 م، نشر: دار الکتب العلمیة بیروت - لبنان. التحقیق فی کلمات القرآن الکریم: مصطفوی، حسن تبریزی. مؤسسة الطباعة والنشر وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامی، طهران، سنة الطبع 1374 ه-. ش، الطبعة الأولی سنة 1417 ه-.
21. ترجمة الإمام الحسین(علیه السّلام) من تاریخ مدینة دمشق: إبن عساکر، الحافظ أبی القاسم علی بن الحسن بن هبة الله الشافعی ت571 ه-. تحقیق: الشیخ محمد باقر المحمودی، الطبعة: الثانیة 1414 ه-، الناشر: مجمع إحیاء الثقافة الإسلامیة، قم، ایران، المطبعة: فروردین.
22-التشریف بالمنن فی التعریف بالفتن (الملاحم والفتن): إبن طاووس، السید أبو القاسم رضی الدین علی بن موسی بن جعفر بن محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إسحاق بن الحسن بن محمد بن سلیمان بن داود بن الحسن المثنی بن الحسن بن علی بن أبی طالب(علیهم السّلام) ، من سنة
ص: 184
589-664 ه-. تحقیق: مؤسسة صاحب الأمر، نشر: مؤسسة صاحب الأمر(عجل الله تعالی فرجه الشریف)- کلبهار - إصفهان، الطبعة الأولی: سنة الطبع: 1416 ه-، المطبعة: نشاط - إصفهان.
23. تصحیح اعتقادات الإمامیة: الشیخ المفید، محمد بن محمد بن النعمان، أبو عبد الله العکبری، البغدادی، المعروف ب- (إبن المعلم)،336 - 413 ه-. تحقیق: حسین درگاهی، ویتضمن تعلیقات الشیخ عباس قلی الواعظ الچرندابی، وتعلیقات السید هبة الدین الشهرستانی وقد قدّم للکتاب سنة 1363 ه-،وتعلیقات الشیخ فضل الله الزنجانی، الطبعة: الثانیة، سنة الطبع: 1414 ه- - 1993 م، الناشر: دار المفید للطباعة والنشر والتوزیع: بیروت - لبنان.
24. تعلیقة علی منهج المقال: الوحید البهبهانی، محمد باقر بن محمد أکمل ت1205 ه-، تصحیح وتعلیق: المعلم الثالث میرداماد الاستربادی، تحقیق: السید مهدی الرجائی، مؤسسة آل البیت (علیهم السّلام) . وفی حاشیته کتاب: التعلیقة علی اختیار معرفة الرجال، تألیف: المیرداماد، محمد باقر الحسینی الاسترآبادی، تحقیق: السید مهدی الرجائی، نشر: مؤسسة آل البیت(علیهم السّلام) ، مطبعة بعثت - قم، تاریخ الطبع: 1404 ه-.
25. تفسیر البحر المحیط: إبن حیان الأندلسی، أبو عبد الله محمد بن یوسف بن علی بن یوسف بن حیان الأندلسی الجیانی ت745ه-. تحقیق: الشیخ عادل أحمد عبد الموجود - الشیخ علی محمد معوض، شارک فی التحقیق: د. زکریا عبد المجید النوقی - د. أحمد النجولی الجمل، الطبعة: الأولی، سنة الطبع: 1422 ه- - 2001م، المطبعة: لبنان، بیروت، الناشر: دار الکتب العلمیة.
26. تفسیر الرازی: الفخر الرازی، فخر الدین محمد بن عمر بن الحسین الرازی من سنة 544-606 ه-، 1149-1209 م، الطبعة الثالثة.
ص: 185
27. تفسیر السمرقندی: السمرقندی، أبو اللیث نصر بن محمد بن إبراهیم ت383 ه-. تحقیق: د.محمود مطرجی، المطبعة: بیروت - دار الفکر، الناشر: دار الفکر.
28. تفسیر القرآن المجید المستخرج من تراث الشیخ المفید: المفید، أبو عبد الله محمد بن النعمان العکبری البغدادی، من سنة 336- 413 ه-. تحقیق: السید محمد علی أیازی، الطبعة: الأولی: سنة الطبع: 1424 ه- - 1382 ش، مرکز الثقافة والمعارف القرآنیة، المطبعة: مطبعة مکتب الإعلام الإسلامی، الناشر: مؤسسة بوستان کتاب قم.
29. تفسیر القمی: القمی، أبو الحسن علی بن إبراهیم، (من أعلام القرن الثالث والرابع) ت نحو 329 ه-. صححه وعلق علیه وقدم له: السید طیب الموسوی الجزائری، الطبعة: الثالثة، صفر عام 1404ه-، الطبع والنشر: مؤسسة دار الکتاب للطباعة والنشر، قم - إیران.
30. تفسیر فرات الکوفی: أبو القاسم فرات بن إبراهیم بن فرات الکوفی من أعلام الغیبة الصغری ت 352 ه-. تحقیق: محمد الکاظم، الطبعة الأولی: 1410 ه- - 1990 م، الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامی - طهران.
31. تفسیر مقاتل بن سلیمان: الأزدی، أبو الحسن مقاتل بن سلیمان بن بشر الخراسانی المروزی، ت 150ه-. تحقیق: أحمد فرید، الطبعة الأولی: سنة الطبع: 1424ه- - 2003م، نشر وطبع: دار الکتب العلمیة- بیروت - لبنان.
33. تهذیب الأحکام: الشیخ الطوسی، أبو جعفر محمد بن الحسن، من سنة 385-460 ه-. حققه وعلق علیه: السید حسن الموسوی الخرسان، الطبعة: الثالثة: سنة الطبع: 1364 ش، الناشر: دار الکتب الإسلامیة طهران، المطبعة: خورشید.
ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: الصدوق، أبو جعفر، محمد بن علی بن الحسین بن موسی بن بابویه القمی، من سنة 306-381 ه-. قدم له: السید محمد
ص: 186
مهدی السید حسن الخرسان، الطبعة الثانیة: سنة الطبع: 1368 ش، الناشر: منشورات الشریف الرضی - قم، المطبعة: أمیر - قم.
34. جامع البیان عن تأویل آی القرآن: الطبری، أبو جعفر محمد بن جریر، من 224-310 ه-. قدم له: الشیخ خلیل المیس، ضبط وتوثیق وتخریج: صدقی جمیل العطار، نشر: دار الفکر للطباعة والنشر والتوزیع، بیروت - لبنان، سنة الطبع: 1415-1995 م.
35. حاشیة الإرشاد: الشهید الثانی، زین الدین بن علی بن أحمد العاملی الشامی، وُلِدَ سنة 911 - واستشهد سنة 965ه-. المحقق: رضا المختاری، تقدیم محمد مهدی فقیهی، تحقیق ونشر: مرکز الأبحاث والدراسات الإسلامیة - قم، الطبعة: الأولی تاریخ الطبع: 1414ه-، المطبعة: مکتب الإعلام الإسلامی - قم.
36. حاشیة المکاسب: الیزدی، السید محمد کاظم بن عبد العظیم الطباطبائی الوفاة: 1337 ه-. عنی بتجدید طبعه ونشره: مؤسسة إسماعیلیان للطباعة والنشر والتوزیع قم - إیران، سنة الطبع 1378 ه-، طبعة حجریة قدیمة.
37. حقائق الأصول (وهی تعلیقة علی (کفایة) الأستاذ الأعظم المحقق الخراسانی(قدسّ سرّه))، تألیف: الحکیم، السید محسن بن مهدی الطباطبائی، من 1306- 1390 ه-. قدّم له: السید یوسف الحکیم فی17 محرم الحرام 1372 ه-، من منشورات: مکتبة بصیرتی قم، الطبعة: الخامسة سنة الطبع: 1408ه-، المطبعة: الغدیر.
38. حکم الإغتیال فی الشریعة الإسلامیة: التمیمی، زهیر بن قاسم بن عبد النبی بن قاسم بن علی التمیمی (مؤلف الکتاب الذی بین یدیک). رسالة ماجستیر من جامعة آل البیت(علیهم السّلام) العالمیة - المرکز العالمی للعلوم الإسلامیة - قم المقدسة - السنة الدراسیة 1428- 1429 ه-.
ص: 187
39. خاتمة مستدرک الوسائل: المحقق النوری، حسین بن محمد تقی الطبرسی، من سنة 1254-1320 ه-. تحقیق ونشر: مؤسسة آل البیت(علیهم السّلام) لإحیاء التراث، قم - ایران، الطبعة: الأولی، سنة الطبع: رجب 1415ه-، المطبعة: ستاره - قم.
40. الخصال: الصدوق، أبو جعفر، محمد بن علی بن الحسین بن موسی بن بابویه القمی، من سنة 306-381 ه-. صححه وعلق علیه: علی أکبر الغفاری، منشورات: جماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة، قم المقدسة، سنة الطبع: 18 ذی القعدة الحرام 1403 ه- - 1362 ه-.ش.
41. خصائص الأئمة(علیهم السّلام) (خصائص أمیر المؤمنین(علیه السّلام)): الشریف الرضی، أبو الحسن محمد بن الحسین بن موسی الموسوی البغدادی، من سنة 359 - 406 ه-. تحقیق وتعلیق: الدکتور محمد هادی الأمینی، سنة الطبع: 1406 ه-، الناشر: مجمع البحوث الإسلامیة، مؤسسة طبع ونشر الآستانة الرضویة المقدسة، مشهد - ایران.
42. خلاصة الأقوال فی معرفة الرجال (رجال العلامة): العلامة الحلی، أبو منصور الحسن بن یوسف بن المطهر الأسدی، من سنة 648- 726ه-. تحقیق: الشیخ جواد القیومی، نشر: مؤسسة نشر الفقاهة، الطبعة: الأولی بتاریخ: عید الغدیر 1417 ه-، المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامی.
43. دُرَر الأخبار (منتخب من بحار الأنوار): الحجازی، سید مهدی بن فضل اللَّه الحسینی الشّهرضایی الإصفهانی. الناشر: دفتر مطالعات التاریخ والمعارف الإسلامیة، الطبعة الأولی،20 جمادی الثانی 1419ه-، مطبعة نمونه فی شهرضا، إصفهان - ایران. المتن العربی طُبع فی بیروت سابقاً سنة 1417ه-.
44.الدروع الواقیة: إبن طاووس، السید رضی الدین علی بن موسی بن جعفر بن محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إسحاق بن الحسن بن محمد بن سلیمان بن داود بن الحسن المثنی بن الحسن بن علی(علیهم السّلام) ، من سنة 589-664 ه-. تحقیق ونشر: مؤسسة آل البیت(علیهم السّلام) لإحیاء التراث - قم، الطبعة:
ص: 188
الأولی - محرم 1414 ه-، المطبعة: یاران - قم.
45. دلائل الإمامة: الطبری الصغیر، أبو جعفر، محمد بن جریر بن رستم الآملی، من أعلام القرن الخامس الهجری. تحقیق: قسم الدراسات الإسلامیة - مؤسسة البعثة قم، نشر: مرکز الطباعة والنشر فی مؤسسة البعثة، الطبعة: الأولی 1413ه-
46. دیوان دعبل الخزاعی: دعبل بن علی بن رزین بن سلیمان بن تمیم بن نهشل بن خداش بن خالد بن عبد بن دعبل بن انس بن خزیمة بن سلامان بن اسلم بن حارثة بن عمرو بن عامر بن مزیقیا الخزاعی، من سنة 148- 246 ه-. تقدیم: عبد الحسین أنصاری، شرحه وضبطه وقدم له: ضیاء حسین الأعلمی، منشورات مؤسسة الأعلمی للمطبوعات، بیروت - لبنان، الطبعة الأولی: 1417ه- - 1997م.
47. الذریعة إلی أصول الشریعة: السید المرتضی علم الهدی، أبو القاسم علی بن الحسین الموسوی ت 436 ه-. تصحیح ومقدمه وتعلیقات: دکتر أبو القاسم گرجی، انتشارات جامعة طهران، سنة الطبع: 1346ه-.ش.
48. رجال إبن الغضائری(الضعفاء): إبن الغضائری، أحمد بن الحُسَیْن بن عُبَیْد الله بن إبراهیم أبی الحُسَیْن الواسِطیّ البَغْدادیّ، من أعلام القرن الخامس، قیل إنه توفی سنة 450 ه-. تحقیق: السیّد محمّد رضا الحسینیّ الجلالی، الطبعة: الأولی سنة الطبع: 1422ه- - 1380ه-.ش، الناشر: دار الحدیث للطباعة والنشر - قم - ایران، المطبعة: سرور.
49. رجال إبن داوود: إبن داود الحلی، تقی الدین أبو محمد الحسن بن علی بن داود الحلی، وقد یسمی فی بعض المعاجم الرجالیة الحسن بن داود نسبة إلی الجد، من سنة 647-740 ه-. حققه وقدم له: السید محمد صادق آل بحر العلوم، منشورات المطبعة الحیدریة - النجف الأشرف، سنة الطبع: 1392 ه- - 1972م.
ص: 189
50. روضة المتّقین فی شرح من لا یحضر الفقیه: المجلسی الأوّل، المولی محمد تقی بن مقصود علی الإصفهانی، من سنة 1003-1070 ه-. علّق علیه وأشرف علی طبعه: السید حسین الموسوی الکرمانی والشیخ علی پناه الإشتهاردی، الناشر: مؤسسة الثقافةالإسلامیة - حاج محمد حسین کوشانپور، سنة الطبع 15 ذی حجة الحرام 1393 ه-، قم المقدسة - ایران.
51. زاد المعاد (مفتاح الجنان): العلامة المجلسی، محمد باقر بن محمد تقی بن مقصود علی الإصفهانی، من سنة 1027-1110 ه-. تحقیق: علاء الدین الأعلمی، نشر: مؤسسة الأعلمی للمطبوعات، الطبعة الأولی سنة الطبع 1423ه-.
52. شرائع الإسلام فی مسائل الحلال والحرام: المحقق الحلی، أبو القاسم نجم الدین، جعفر بن الحسن بن یحیی بن الحسن بن سعید الهذلی، من سنة 602-676 ه-. تعلیق: السید صادق الشیرازی، الناشر: انتشارات استقلال - طهران، الطبعة: الثانیة،1983م - 1403 ه-، المطبعة: أمیر - قم. الطبعة الثالثة سنة 1409 ه-، طبع بموافقة مؤسسة الوفاء - بیروت - لبنان.
53. شرح أصول الکافی: الملا صدرا الشیرازی، محمد بن إبراهیم ت1050ه-. تحقیق: محمد خواجوی، مع تعلیقات للمولی علی النوری، نشر: مؤسسة مطالعات وتحقیقات فرهنگی، الطبعة الأولی: سنة 1383ه-.ش، طهران.
54. شرح الأخبار فی فضائل الأئمة الأطهار: القاضی، أبو حنیفة، النعمان بن محمد التمیمی المغربی، المتوفی سنة 363 ه-. المحقق: السید محمد الحسینی الجلالی، نشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، الطبعة: الثانیة سنة الطبع: 1414ه-، مطبعة مؤسسة النشر الإسلامی.
55.شرح تبصرة المتعلمین: الآغا ضیاء العراقی، ضیاء الدین بن المولی محمد العراقی النجفی، من سنة 1278-1361 ه-. تحقیق: الشیخ محمد الحسون، نشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة- ایران، الطبعة
ص: 190
الأولی: سنة1414 ه- .
56. شرح نهج البلاغة: المعتزلی، عزّ الدین أبو حامد بن هبة الله بن محمد بن محمد بن الحسین بن أبی الحدید المدائنی، من سنة 586 – 656 ه-. تحقیق: محمد أبو الفضل إبراهیم، نشر: دار إحیاء الکتب العربیة - عیسی البابی الحلبی وشرکاه، الطبعة الأولی: 1378 ه- - 1959 م.
57. الشعائر الحسینیة بین الأصالة والتجدید: السند، محمد، معاصر. کتبه وحققه: السید ریاض الموسوی، النشر: دار الغدیر للطباعة والنشر - قم، الطبعة الأولی1424 ه- - 2003 م.
58. شمس العلوم ودواء کلام العرب من الکلوم: الحِمیَری، نشوان بن سعید بن سعد بن أبی حمیر بن عبید بن القاسم بن عبد الرحمن بن المفضل توفی سنة 573ه-. تحقیق: حسین بن عبد الله العمری - مطهر بن علی الاربانی - یوسف محمد عبد الله، نشر: دار الفکر المعاصر- بیروت - لبنان، الطبعة الأولی: سنة 1420ه-.
59. صحیفة الإمام الرضا(علیه السّلام): الرضا(علیه السّلام)، علی بن موسی بن جعفر(علیهم السّلام) من سنة 153-202 ه-. تحقیق ونشر: مدرسة ومؤسسة الإمام المهدی(علیه السّلام) - قم المقدسة، بإشراف: السید محمد باقر بن المرتضی الموحد الأبطحی الإصفهانی، طبعة: مؤسسة الإمام المهدی(عجل الله تعالی فرجه الشریف) سنة 1408 ه- - 1366 ه-.ش، المطبعة: أمیر - قم المقدسة.
60. الصواعق المحرقة فی الرد علی أهل البدع والزندقة: إبن حجر، أحمد بن حجر الهیتمی المکی من سنة 899 - 974 ه- . خرّج أحادیثه وعلّق حواشیه وقدم له: عبد الوهاب عبد اللطیف، الأستاذ المساعد بکلیة أصول الدین بجامعة الأزهر، الناشر: مکتبة القاهرة لصاحبها: علی یوسف سلیمان - مصر، الطبعة الثانیة - مزیدة ومنقحة - سنة 1385ه- - 1965م.
61.الطراز الأوّل والکناز لما علیه من لغة العرب المعول: صدر الدین، السید علی
ص: 191
خان بن نظام الدین أحمد بن الأمیر محمد معصوم المدنی الهندی الحسینی، من سنة 1052-1120ه-. تحقیق ونشر: مؤسسة آل البیت(علیهم السّلام) لإحیاء التراث - شعبة مشهد، الطبعة الأولی سنة 1384ه-.ش.
62. طُرَف من الأنباء والمناقب: إبن طاووس، السید أبو القاسم رضی الدین علی بن موسی بن جعفر بن محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إسحاق بن الحسن بن محمد بن سلیمان بن داود بن الحسن المثنی بن الحسن بن علی بن أبی طالب(علیهم السّلام) ، من سنة 589 - 664 ه-. تحقیق: قیس عطار، نشر: تاسوعاء - مشهد - ایران، الطبعة الأولی: 1420 ه-.
63. علل الشرائع: الصدوق، أبو جعفر، محمد بن علی بن الحسین بن موسی بن بابویه القمی، من سنة 306-381 ه-. قدّم له: السید محمد صادق بحر العلوم، نشر: منشورات المکتبة الحیدریة ومطبعتها فی النجف الأشرف، سنة الطبع: 1385 ه- - 1966 م.
64. عوائد الأیام: النراقی، أحمد بن محمد مهدی بن أبی ذر النراقی الکاشانی، من سنة 1185-1245 ه-. تقدیم: محمد مهدی فقیهی، علی أوسط الناطقی، تحقیق: مرکز الأبحاث والدراسات الإسلامیة، الناشر: مرکز النشر التابع لمکتب الإعلام الإسلامی، المطبعة: مطبعة مکتب الإعلام الإسلامی، الطبعة الأولی: 1417 ه- - 1375 ه-.ش.
65. عیون أخبار الرضا(علیه السّلام): الصدوق، أبو جعفر، محمد بن علی بن الحسین بن موسی بن بابویه القمی، من سنة 306-381 ه-. صححه وقدم له وعلق علیه: الشیخ حسین الأعلمی، الناشر: مؤسسة الأعلمی للمطبوعات - بیروت - لبنان، الطبعة الأولی: سنة الطبع: 1404 ه- - 1984 م، المطبعة: مطابع مؤسسة الأعلمی - بیروت - لبنان.
66.عیون الحکم والمواعظ: اللیثی، إبن الشرفیة،کافی الدین أبو الحسن علی بن
ص: 192
محمد بن الحسن بن أبی نزار الواسطی، من أعلام الإمامیة فی القرن السادس الهجری. تحقیق: الشیخ حسین الحسنی البیرجندی، نشر: دار الحدیث - قم المقدسة، المطبعة: مطبعة دار الحدیث، الطبعة: الأولی، 1418ه-.
67. غایة المراد فی شرح نکت الإرشاد: الشهید الأوّل، أبو عبد الله، شمس الدین محمد بن مکی، وُلِدَ سنة 734 - واستشهد سنة 786 ه- . تحقیق ونشر: مرکز الأبحاث والدراسات الإسلامیة، تحقیق: رضا مختاری، الطبعة الأولی، سنة الطبع ١٤١٤ ه-.
68. الفائق فی غریب الحدیث: الزمخشری، جار الله أبو القاسم، محمود بن عمر الزمخشری، من سنة 467-583 ه-. وضع حواشیه: إبراهیم شمس الدین، الناشر: دار الکتب العلمیة - بیروت، الطبعة: الأولی: سنة الطبع: 1417ه- - 1996 م.
69. فتح الباری فی شرح صحیح البخاری: إبن حجر، شهاب الدین أبو الفضل، أحمد بن علی بن محمد بن محمد بن حجر الکنانی العسقلانی الأصل، المصری الشافعی، من سنة 773-852 ه-. نشر وطبع: دار المعرفة للطباعة والنشر - بیروت - لبنان، الطبعة الثانیة: أعید طبعه بالأوفست.
70. فضائل الشیعة: الصدوق، أبو جعفر، محمد بن علی بن الحسین بن موسی بن بابویه القمی، من سنة 306-381 ه-. نشر: مرکز انتشارات العابدی - طهران.
71. فضائل أمیر المؤمنین(علیه السّلام): إبن عقدة الکوفی، أبو العباس أحمد بن محمد بن سعید بن عبد الرحمن بن إبراهیم، من سنة 249-332 ه-. جمعه ورتبه وقدم له: عبد الرزاق محمد حسین فیض الدین حرز الدین، طبع سنة 1421 ه-.
72. فقه اللغة: الثعالبی، عبد الملک بن محمد بن إسماعیل، من سنة 350-429 ه-. تحقیق: الدکتور جمال طلبة، نشر: دار الکتب العلمیة - بیروت - لبنان، الطبعة الأولی: سنة1414ه-.
ص: 193
73. فهرست أسماء مصنفی الشیعة، المشتهر ب-(رجال النجاشی): النجاشی، أبو العباس، أحمد بن علی بن أحمد بن العباس الأسدی الکوفی، من سنة 372-450 ه-. التحقیق: السید موسی الشبیری الزنجانی، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین ب-(قم المشرفة) - ایران، الطبعة: الخامسة سنة الطبع: 1416 ه-.
74. الفهرست: الشیخ الطوسی، أبو جعفر، محمد بن الحسن، من سنة 385-460 ه-.تحقیق: الشیخ جواد القیومی، طبع ونشر: مؤسسة نشر الفقاهة، المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامی، الطبعة الأولی: شعبان المعظم 1417ه-.
75. قاعدة مشایخ الثقات: التمیمی، زهیر بن قاسم بن عبد النبی بن قاسم بن علی النجفی(مؤلف الکتاب الذی بین یدیک)، مجلة الإصلاح الحسینی، العدد السابع، السنة الثانیة 1435 ه- - 2014 م، مرکز الدراسات التخصصیة فی النهضة الحسینیة - النجف الأشرف - قم المقدسة، قسم الشؤون الفکریة فی العتبة الحسینیة المقدسة.
76. قرب الإسناد، ط حدیثة: الحمیری، أبو العباس القمی، عبد الله بن جعفر بن الحسین بن مالک بن جامع، من أعلام القرن الثالث الهجری، من أصحاب الهادی والعسکری(علیهماالسّلام). حقّقه وقدم له: محمد باقر الکرمانی - مؤسسة آل البیت(علیهم السّلام) لإحیاء التراث - قم المقدسة، نشر: مؤسسة آل البیت(علیهم السّلام) لإحیاء التراث - قم، الطبعة الأولی: 1413ه-، المطبعة: مطبعة مهر - قم المقدسة - ایران.
77. الکافی فی أصول الفقه: الحکیم، السید محمد سعید بن محمد علی الطباطبائی، وُلِدَ عام 1354 ه-. الناشر: دار الهلال، مطبعة: فاضل، الطبعة الرابعة: 1428 ه- - 2007 م.
78.الکافی: ثقة الإسلام الکُلَینی، أبو جعفر محمد بن یعقوب بن إسحاق الأعور الرازی، السلسلی البغدادی، المتوفی سنة 328 أو 329 ه-. قدم له: الدکتور حسین علی محفوظ سنة 1374 ه-، تحقیق: علی أکبر الغفاری، الناشر: دار الکتب
ص: 194
الإسلامیة - طهران، تاریخ الطبعة الثالثة: 1388 ه-، الطبعة الخامسة: سنة 1363 ه-.ش، مطبعة: حیدری.
79. کامل الزیارات: إبن قولویه القمی، أبو القاسم جعفر بن محمد بن جعفر بن موسی بن قولویه، توفی سنة 367 ه-. قدم له: محمد علی الغروی الأوردباری، تحقیق: العلامة عبد الحسین الأمینی، نشر: دار المرتضویة - النجف الأشرف، الطبعة الأولی: سنة 1356 ه-.ش.
80. کتاب العین: الفراهیدی، أبو عبد الرحمن، الخلیل بن أحمد، من سنة 100- 175 ه-. تحقیق: الدکتور مهدی المخزومی - الدکتور إبراهیم السامرائی، الناشر: مؤسسة دار الهجرة - قم، الطبعة: الثانیة فی إیران - تاریخ الطبع: 1409 ه-.
81. کتاب الماء: الأزدی، أبو محمد، عبد الله بن محمد(المعروف بإبن الذهبی) توفی سنة 466ه-. تقدیم: الدکتور محمد مهدی الإصفهانی، تحقیق الدکتور هادی حسن حمودی، الناشر: مؤسسة بحوث تاریخ الطب والطب الإسلامی - التابع لجامعة العلوم الطبیة - طهران - ایران، الطبعة الأولی سنة 1367 ش.
82. کتاب المزار(مناسک المزار): المفید، أبو عبد الله محمد بن النعمان العکبری البغدادی، من سنة 336-413 ه-. تحقیق: السید محمد باقر الموحد الأبطحی، الناشر: المؤتمر العالمی لألفیة الشیخ المفید - قم، الطبعة الأولی: سنة 1413 ه-. الطبعة الثانیة: سنة 1414ه-، نشر: دار المفید للطباعة والنشر والتوزیع - بیروت - لبنان.
83.کتاب الوافی: المولی الفیض الکاشانی، محمد (المحسن) بن مرتضی بن محمود، من سنة 1007-1091 ه-. تحقیق: السید ضیاء الدین الحسینی، مع حواشی: للمولی رفیع الدین النائینی أستاذ المجلسی - والعلامة المجلسی - والمولی صالح المازندرانی - والمولی خلیل القزوینی - والشعرانی - ومختارات من کتاب الهدایا للمیرزا محمد «مجذوب» التبریزی، نشر: مکتبة الإمام أمیر المؤمنین علی(علیه السّلام) العامة
ص: 195
- إصفهان، الطبعة الأولی: سنة الطبع: 1406 ه- - 65 13 ه-.ش، المطبعة: طباعة أفست نشاط - إصفهان.
84. الکشاف عن حقائق التنزیل وعیون الأقاویل فی وجوه التأویل: الزمخشری، جار الله أبو القاسم، محمود بن عمر الزمخشری، من سنة 467-583 ه-. الناشر: شرکة مکتبة ومطبعة مصطفی البابی الحلبی وأولاده بمصر - عباس ومحمد محمود الحلبی وشرکائهم - خلفاء، الطبعة الأخیرة سنة: 1385 ه- - 1966 م.
85. کشف الغمّة فی معرفة الأئمة: الأربلی، أبو الحسن علی بن عیسی بن أبی الفتح ت693 ه-. دار الأضواء بیروت - لبنان، الطبعة الثانیة 1405 ه- - 1985م.
86. کشف المشکل من حدیث الصحیحین: إبن الجوزی، أبو الفرج، عبد الرحمن بن محمد بن علی، من سنة 515-597ه-. تحقیق: الدکتور علی حسین البواب، الناشر: دار الوطن للنشر - الریاض - السعودیة، الطبعة الأولی: سنة 1418 ه- - 1997 م.
87. کفایة الأثر فی النص علی الأئمة الاثنی عشر: الخزاز القمی، أبو القاسم علی بن محمد بن علی الخزاز القمی الرازی، من علماء القرن الرابع، توفی سنة 400 ه-. حققه: السید عبد اللطیف الحسینی الکوه کمری الخوئی، انتشارات بیدار، مطبعة الخیام - قم، سنة الطبع: 1401ه-.
88. کمال الدین وتمام النعمة: الصدوق، أبو جعفر، محمد بن علی بن الحسین بن موسی بن بابویه القمی، من سنة 306-381 ه-. تصحیح وتعلیق: علی أکبر الغفاری، نشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة - إیران، تاریخ الطبع: محرم الحرام 1405ه- - الموافق 1363 ه-.ش.
89.لسان العرب: إبن منظور، جمال الدین. أبو الفضل محمد بن مکرم بن علی بن أحمد الأنصاری الأفریقی، ثمّ المصری، من سنة 630-711ه-. تحقیق: جمال الدین میردامادی، نشر دار الفکر للطباعة والنشر والتوزیع - دار صادر - بیروت،
ص: 196
الطبعة الثالثة: سنة1414ه-، الطبعة الأولی: 1300ه-.
90. اللهوف علی قتلی الطفوف (مقتل الحسین): إبن طاووس، السید أبو القاسم رضی الدین علی بن موسی بن جعفر بن محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إسحاق بن الحسن بن محمد بن سلیمان بن داود بن الحسن المثنی بن الحسن بن علی بن أبی طالب(علیهم السّلام) ، من سنة 589-664 ه-. الناشر: أنوار الهدی - قم - ایران، الطبعة: الأولی، سنة الطبع: 1417 ه-، المطبعة: مهر.
91. متشابه القرآن ومختلفه: إبن شهرآشوب، أبو جعفر رشید الدین، محمد بن علی السروی المازندرانی المتوفّی سنة 583 أو 588 ه-. وکان فراغه من تألیفه سنة 570 ه-، سنة الطبع 1328 ه-، مطبعة: شرکت سهامی طبع کتاب.
92. مثیر الأحزان: إبن نما، نجم الملة والدین، أبو إبراهیم، محمد بن جعفر بن أبی البقاء هبة الله بن نما بن علی بن حمدون الحلی الربعی، من سنة 567-645 ه-. تحقیق: عبد المولی الطریحی، منشورات المطبعة الحیدریة فی النجف الأشرف، سنة الطبع: 1369 ه- - 1950 م.
93. المجالس الفاخرة فی مصائب العترة الطاهرة: شرف الدین، السید عبد الحسین بن یوسف بن جواد بن إسماعیل بن محمد بن محمد - جد الأسرتین (آل شرف الدین) و (آل الصدر) - بن إبراهیم - الملقب ب-(شرف الدین) - المنتهی نسبه إلی الإمام موسی الکاظم(علیه السّلام)، من سنة 1290-1377 ه-.مراجعة وتحقیق: محمود بدری، الناشر: مؤسسة المعارف الإسلامیة - قم، الطبعة الأولی: سنة الطبع: 1421 ه-، المطبعة: عترت.
94.مجمع البحرین ومطلع النَیّرَین: الطریحی، فخر الدین بن محمد علی بن أحمد بن علی بن طریح بن خفاجی الطریحی المسلمی العزیزی الرماحی النجفی (من أحفاد الشهید حبیب بن مظاهر الأسدی)، من سنة 979-1087ه-. تحقیق
ص: 197
وتصحیح: أحمد الحسینی الأشکوری، الناشر: مکتبة مرتضوی - طهران، الطبعة الثالثة سنة 1375 ه-.ش، طهران.
95. المجموع (شرح المهذب): النووی، محیی الدین أبو زکریا، یحیی بن شرف بن مری الحزامی الحواربی الشافعی، من سنة 631- 676 ه-. الناشر: دار الفکر - بیروت.
96. المحاسن: البرقی، أبو جعفر أحمد بن محمد بن خالد بن عبد الرحمن بن محمد بن علی البرقی، أصله کوفی، توفی سنة 274 ه-. تصحیح وتعلیق: السید جلال الدین الحسینی، الناشر: دار الکتب الإسلامیة - طهران، سنة الطبع: 1370 ه- - 1330 ه-.ش.
97. المحرر الوجیز فی تفسیر الکتاب العزیز: إبن عطیة الأندلسی، أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن غالب بن عبد الرؤوف بن تمام بن عبد الله بن تمام بن عطیة بن خالد بن عطیة المحاربی، توفی سنة 546ه-. تحقیق: عبد السلام عبد الشافی محمد، الناشر: دار الکتب العلمیة - بیروت، المطبعة: دار الکتب العلمیة - بیروت - لبنان، الطبعة: الأولی: سنة الطبع: 1413 ه- - 1993م.
98. المحیط فی اللغة: الصاحب بن عباد، أبو القاسم إسماعیل بن عباد بن العباس بن أحمد بن إدریس الطالقانی الإصبهانی، من سنة 326-385 ه-. تحقیق: محمد حسن آل یاسین، الناشر: عالم الکتاب - بیروت، الطبعة الأولی: سنة 1414ه-.
99. مختصر المعانی: التفتازانی، مسعود بن عمر، المدعو بسعد التفتازانی، توفی 792ه-. الناشر: دار الفکر- قم، المطبعة: قدس - قم، الطبعة الأولی: سنة الطبع: 1411 ه-.
100. مدارک التنزیل وحقائق التأویل (تفسیر النسفی): النسفی، أبو البرکات عبد الله بن أحمد بن محمود الوفاة: 537 ه- .
101.مرآة العقول فی شرح اخبار آل الرّسول (شرح کتاب الکافی): العلامة المجلسی، محمد باقر بن محمد تقی بن مقصود علی الإصفهانی، من سنة
ص: 198
1027-1110 ه-. قدّم له: السیّد مرتضی العسکری - إخراج ومقابلة وتصحیح: السید هاشم الرّسولی، الناشر: دار الکتب الإسلامیة، الطبعة الثانیة: سنة الطبع: 1404ه- - 1363 ش، المطبعة: مروی - طهران.
102. المزار الکبیر: إبن المشهدی، أبو عبد الله محمد بن جعفر بن علی المشهدی الحائری، من سنة 510-610ه-. تحقیق: جواد القیومی الإصفهانی، نشر: نشر القیوم - قم - ایران، طبع: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین - قم - ایران، الطبعة الأولی: بتاریخ: 1419ه-.
103. مسائل علی بن جعفر ومستدرکاتها: أبو الحسن العریضی، علی بن جعفر بن محمد بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب(علیهم السّلام) ، عاش ما بین سنة 135-220 ه- تقریباً. تحقیق وجمع: مؤسسة آل البیت(علیهم السّلام) لإحیاء التراث - قم - المؤتمر العالمی للإمام الرضا(علیه السّلام)، نشر: المؤتمر العالمی للإمام الرضا(علیه السّلام) - مشهد المقدسة، الطبعة الأولی: سنة 1409ه-، المطبعة: مهر - قم.
104. مستدرکات علم الرجال: النمازی، علی بن محمد بن إسماعیل بن محمد خان بن هاشم بن حاتم النمازی السعدآبادی الشاهرودی، من سنة 1333-1405 ه-. تقدیم وتحقیق ونشر: الشیخ حسن النمازی (ولد المصنف)، الطبعة الأولی: سنة الطبع: 1412ه-، المطبعة: شفق - طهران.
105. مسکّن الفؤاد عند فقد الأحبة والأوّلاد: الشهید الثانی، زین الدین علی بن أحمد الجبعی العاملی، من سنة 911-965 ه-. تحقیق ونشر: مؤسسة آل البیت(علیهم السّلام) لإحیاء التراث - قم، الطبعة الأولی: سنة الطبع: 1407 ه-، المطبعة: مهر - قم - ایران.
106.مصباح الأصول (تقریرات البحث الخارج): الخوئی، السید أبو القاسم بن علی أکبر، توفی سنة 1413 ه-، قررها: البهسودی، السید محمد سرور الواعظ
ص: 199
الحسینی. تحقیق ونشر: مؤسسة إحیاء آثار الإمام الخوئی(قدسّ سرّه)، ایران، تاریخ الطبع: 1422 ه-.
107. مصباح المتهجد: الشیخ الطوسی، أبو جعفر محمد بن الحسن، من سنة 385-460 ه-. تحقیق: علی أصغر مروارید، الناشر: مؤسسة فقه الشیعة - بیروت - لبنان، الطبعة الأولی: سنة الطبع: 1411 ه- - 1991م.
108. المصباح المنیر فی غریب الشرح الکبیر للرافعی: الفیومی، أبو العباس أحمد بن محمد بن علی المقری، المتوفّی عام 770 ه-. الناشر مؤسسة دار الهجرة - قم - ایران، الطبعة الثانیة: سنة الطبع 1414 ه-.
109. معجم الفروق اللغویة: العسکری، أبو هلال، حسن بن عبد الله بن سهل بن سعید بن یحیی بن مهران، الأهوازی، توفی بعد شعبان سنة 395ه-. نشر دار الآفاق الجدیدة- بیروت - لبنان، الطبعة: الأولی، 1400ه-.
110. المعجم الکبیر: الطبرانی، أبو القاسم سلیمان بن أحمد بن أیوب اللخمی، من سنة 260 ه- - 360 ه-. حققه وخرج أحادیثه: حمدی عبد المجید إسماعیل السلفی، الناشر: دار إحیاء التراث العربی - بیروت، الطبعة الثانیة مزیدة ومنقحة: سنة الطبع: 1404 ه- - 1983 م، تاریخ الطبعة الأولی: 1397ه-.
111. معجم رجال الحدیث وتفصیل طبقات الرواة: الخوئی، السید أبو القاسم بن علی أکبر، توفی سنة 1413 ه- - 1992 م. تحقیق الطبعة الأولی: مرتضی الحکمی، تقدیم الطبعة الخامسة: عبد الصاحب الخوئی، الطبعة الخامسة: طبعة منقحة ومزیدة، صفّ الحروف: دار الحسن(علیه السّلام)، وطبع فی مطابع مرکز نشر الثقافة الإسلامیة، تم التجلید فی مؤسسة مهر آئین.
112.معجم مقاییس اللغة: الرازی، أبو الحسین أحمد بن فارس بن زکریا بن حبیب النحوی الزهراوی، توفی سنة395 ه-. تحقیق وضبط: عبد السلام محمد هارون، نشر: مرکز النشر - مکتب الاعلام الإسلامی - قم، طباعة وتصحیف: مطبعة
ص: 200
مکتب الإعلام الإسلامی - قم، الطبعة الأولی: سنة الطبع: 1404ه-.
113. مفردات ألفاظ القرآن: الراغب الإصفهانی، أبو القاسم حسین بن محمد بن المفضل، توفی حوالی سنة 425 ه-. تحقیق: صفوان عدنان الداوودی، طبع ونشر: دار القلم(بیروت) - دار الشامیة (دمشق)، الطبعة الأولی: سنة الطبع: 1412 ه-.
114. ملاذ الأخیار فی فهم تهذیب الأخبار: العلامة المجلسی، محمد باقر بن محمد تقی بن مقصود علی الإصفهانی، من سنة 1027-1110 ه-. تحقیق: السید مهدی الرّجائی، أعاد النظر فیه وأشرف علی طبعه: السیّد أحمد الحسینی، نشر: مکتبة آیة الله المرعشی - قم، طبع: مطبعة الخیام - قم، سنة: 1406 ه-.
115. من لا یحضره الفقیه: الصدوق، أبو جعفر، محمد بن علی بن الحسین بن موسی بن بابویه القمی، من سنة 306-381 ه-. صححه وعلق علیه: علی أکبر الغفاری، منشورات جماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة فی قم المقدسة، الطبعة الثانیة: سنة الطبع 1392 ه-.
116. مناقب آل أبی طالب(علیهم السّلام) : إبن شهرآشوب، مشیر الدین أبو عبد الله محمد بن علی بن شهرآشوب بن أبی نصر بن أبی حبیشی السروی المازندرانی، المتوفی سنة 588 ه-. قام بتصحیحه وشرحه ومقابلته علی عدة نسخ خطیة: لجنة من أساتذة النجف الأشرف: نشر وطبع: محمد کاظم الکتبی - صاحب المکتبة والمطبعة الحیدریة - النجف الأشرف، سنة الطبع: 1376 ه- - 1956 م.
117. مناقب الإمام أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب(علیه السّلام): الکوفی، محمد بن سلیمان الأسدی القاضی، من أعلام القرن الثالث الهجری. تحقیق: الشیخ محمد باقر المحمودی، الناشر: مجمع إحیاء الثقافة الإسلامیة - قم المقدسة، الطبعة الأولی: سنة الطبع: محرم الحرام 1412ه-، المطبعة: النهضة - ایران - قم.
118.مناهج العقول (فی شرح منهاج الوصول إلی علم الأصول للقاضی
ص: 201
البیضاوی) - ومعه شرح الأسنوی: البدخشی، محمد بن الحسن، توفی سنة 922 ه-. مطبعة: محمد علی صبیح وأولاده - الأزهر - مصر.
119. منتهی الدرایة فی توضیح الکفایة: المرّوج، السید محمد جعفر الجزائری ت1419ه-. الناشر: مؤسسة دار الکتاب (الجزائری) للطباعة والنشر- قم - ایران، الطبعة السادسة: سنة الطبع: 1415 ه-، مطبعة غدیر - قم، الطبعة الأولی: مطبعة النجف، سنة 1388 ه-.
120. منیة الطالب فی شرح المکاسب (تقریر بحث النائینی للخونساری): الخونساری، موسی بن محمد النجفی، المتوفی سنة 1363 ه-، تقریرات المحقق المیرزا محمد حسین النائینی، المتوفی سنة 1355 ه-. تحقیق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین قم المشرفة، الطبعة: الأولی: سنة الطبع: 1418 ه-.
121. المواقف (فی علم الکلام): الإیجی، عضد الدین عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار بن أحمد الشیرازی الشافعی، من سنة 708-756 ه-، الموافق ل- 1308-1355 م. تحقیق: عبد الرحمن عمیرة، الناشر: دار الجیل - لبنان - بیروت، الطبعة الأولی: سنة الطبع: 1417 ه- - 1997م، المطبعة: دار الجیل - لبنان - بیروت.
122. النجوم الزاهرة فی ملوک مصر والقاهرة: الأتابکی، جمال الدین أبو المحاسن، یوسف بن تغری بردی، من سنة 813-874 ه-. نسخة مصورة عن طبعة دار الکتب، مع استدراکات وفهارس جامعة وزارة الثقافة والارشاد القومی، نشر: المؤسسة المصریة العامة للتألیف والترجمة والطباعة والنشر. المطبعة: مطابع گستاتسوماس وشرکاه - القاهرة - مصر.
123. نصرة المظلوم: المظفّر، الشیخ حسن بن عبد المهدی بن إبراهیم بن نعمة بن جعفر بن عبد الله بن عبد الحسین بن مُظفَّر النجفی، توفی فی یوم عاشوراء 1388 ه-. النشر: دار الکتب العلمیة - بیروت، طبع: المطبعة العلویة - النجف الأشرف، سنة الطبع: 1345 ه-.
ص: 202
124. نظم درر السمطین فی فضائل المصطفی والمرتضی والبتول والسبطین: الزرندی، شمس الدین محمد بن عز الدین أبی المظفر یوسف بن الحسن بن محمد بن محمود بن الحسن الأنصاری الحنفی المدنی، من سنة 693-750 ه-. قدم له: الشیخ محمد هادی الأمینی، نشر: مکتبة الإمام أمیر المؤمنین(علیه السّلام) العامة، الطبعة الأولی: سنة الطبع: 1377 ه- - 1958 م.
125. نقد الرجال: التفریشی، السید مصطفی بن الحسین الحسینی، کان حیاً إلی سنة 1015 ه-، من اعلام القرن العاشر الهجری. تحقیق ونشر: مؤسسة آل البیت(علیهم السّلام) لا حیاء التراث - قم، الطبعة الأولی: سنة الطبع: 1418 ه-، المطبعة: ستارة - قم.
126. النقد النزیه لرسالة التنزیه (الشعائر الحسینیة فی المیزان الفقهی): العلامة عبد الحسین الحلی، من سنة 1299-1375 ه-. تحقیق: نزار الحائری، مکتبة الطَف - دمشق، الطبعة الثانیة: سنة الطبع: 1995 م، الطبعة الأولی، المطبعة الحیدریة فی النجف الأشرف، سنة الطبع: 1347 ه-.
127. نهایة الأرب فی فنون الأدب: النویری، شهاب الدین أحمد بن عبد الوهاب، من سنة 677-733 ه-. نسخة مصورة عن طبعة دار الکتب مع استدراکات وفهارس جامعة وزارة الثقافة والارشاد القومی - المؤسسة المصریة العامة للتألیف والترجمة والطباعة والنشر، مطابع گوستاتسوماس وشرکاه - القاهرة - مصر.
128. الهدایة الکبری: الخصیبی، أبو عبد الله الحسین بن حمدان الجنبلائی أو الجنبلانی، وفاته سنة 358 ه-. النشر والطبع: مؤسسة البلاغ للطباعة والنشر والتوزیع - بیروت - لبنان، الطبعة الرابعة: سنة الطبع: 1411ه- - 1991 م، المطبعة: مؤسسة البلاغ للطباعة والنشر والتوزیع - بیروت.
ص: 203
129. الوجیز فی تفسیر الکتاب العزیز (تفسیر الواحدی): الواحدی، أبو الحسن علی بن أحمد بن محمد بن علی الشافعی النیسابوری، توفی سنة 468ه-.تحقیق: صفوان عدنان داوودی، الناشر: دار القلم(بیروت) - الدار الشامیة (دمشق)، الطبعة الأولی: سنة الطبع: 1415ه-، المطبعة: دار القلم (بیروت) - الدار الشامیة (دمشق).
ص: 204
مقدّمة المؤسّسة. 9
المقدّمة. 17
البحث الأوّل
البحث الموضوعی
البحث الثانی: البحث العام
فی تحدید العلاقة بین الناس وبین أهل بیت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) بشکل عام
علی ضوء ما ثبت من حقهم
الدلیل الأوّل: من الکتاب العزیز: 35
بیان الاستدلال. 35
قاعدة أصولیة. 36
مناقشة الفخر الرازی.. 42
الوجه الأوّل. 42
الوجه الثانی. 43
الوجه الثالث.. 43
الوجه الرابع. 44
الوجه الخامس.. 44
دفع أصل الإشکال. 45
تبعیة الأحکام للمصالح والمفاسد 50
خلاصة مفاد آیة المودّة 51
تقریب الاستدلال. 54
الرکن الأوّل. 54
الرکن الثانی. 54
الرکن الثالث.. 55
خلاصة النصوص... 58
ص: 205
الرکن الأوّل. 58
الرکن الثانی. 58
الرکن الثالث.. 58
نتیجة أرکان الاستدلال. 58
الدلیل الثانی: من السنة الشریفة. 60
الحدیث الأوّل. 60
تقریب الاستدلال. 60
نتیجة الاستفادة من الحدیث.. 63
الحدیث الثانی. 63
تقریب الاستدلال من جهتین. 64
الحدیث الثالث.. 65
تقریب الاستدلال. 66
النتیجة. 67
البحث السندی.. 68
الحدیث الرابع. 70
تقریب الاستدلال. 70
النتیجة. 71
الحدیث الخامس.. 72
معانی بعض المفردات.. 72
فقه الحدیث.. 73
البحث الثالث
البحث الخاص بسید الشهداء الحسین بن علی(علیه السّلام)
المقام الأوّل: عالم الملائکة. 77
نتیجة المقام الأوّل. 85
المقام الثانی: عالم الجمادات وغیر العاقلات (اللا اختیار) 87
النتیجة. 88
الطائفة الأولی: نبوع الدم من الأرض ومن الجدران، وهطوله من السماء مطراً 89
الطائفة الثانیة: بکاء السماء والأرض وجمیع المخلوقات لرزیّة الحسین(علیه السّلام). 90
ص: 206
نتیجة الطائفة الثانیة. 92
الطائفة الثالثة: حال المنظومات والأکوان. 92
النتیجة. 99
المقام الثالث: عالم التشریع. 101
الطائفة الأولی: ما یتعلّق بالأنبیاء السابقین صلوات الله تعالی وسلامه علیهم 101
نبی الله آدم علی نبیّنا وآله وعلیه الصلاة والسلام 101
خلیل الله إبراهیم علی نبیّنا وآله وعلیه الصلاة والسلام 102
کلیم الله موسی علی نبیّنا وآله وعلیه الصلاة والسلام 103
إسماعیل صادق الوعْد علی نبیّنا وآله وعلیه الصلاة والسلام 104
عیسی روح الله علی نبیّنا وآله وعلیه الصلاة والسلام 107
الخِضر علی نبیّنا وآله وعلیه الصلاة والسلام 107
زکریّا النبی علی نبیّنا وآله وعلیه الصلاة والسلام 108
الطائفة الثانیة: ما یختصّ بنبیّنا المصطفی محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) 111
الطائفة الثالثة: فاطمة الزهراء(علیهماالسّلام). 115
العنوان الأوّل: فاطمة(علیهماالسّلام) تبکی علی ولدها الحسین(علیه السّلام) قبل شهادته. 115
العنوان الثانی: فاطمة (علیهماالسّلام) تشهق وتصرخ فی یوم القیامة فیضطرب کلُّ شیء. 117
العنوان الثالث: فاطمة(علیهماالسّلام) تَجزَع علی مصاب الحسین(علیه السّلام). 119
العنوان الرابع: فاطمة(علیهماالسّلام) تلطم خدَّها علی الحسین(علیه السّلام). 119
الطائفة الرابعة: ما صدر من أمیر المؤمنین(علیه السّلام) لأجل رزیّة الحسین(علیه السّلام). 120
الطائفة الخامسة: ما یصدر من انفعالات اختیاریة من الإمام السجّاد(علیه السّلام). 122
الخلاصة. 128
الطائفة السادسة: العلوم الباقریة وعاشوراء. 129
الحدیث الأوّل. 129
فقه الحدیث.. 129
الحدیث الثانی. 130
مفاد الحدیث.. 131
شبهة العلامة المجلسی(قدسّ سرّه) ودفعها 131
دفع الشبهة والتأمل فی کلام العلامة المجلسی(قدسّ سرّه). 132
ص: 207
شبهة شائعة أضعف من الأولی. 137
الطائفة السابعة: جعفر بن محمد الصادق(علیهماالسّلام) وعاشوراء. 140
الحدیث الأوّل. 140
الحدیث الثانی. 141
الحدیث الثالث.. 141
الحدیث الرابع. 143
الحدیث الخامس.. 148
الحدیث السادس.. 150
الحدیث السابع. 151
الحدیث الثامن. 151
حال الإمام الصادق(علیه السّلام) عند ذِکر الحسین(علیه السّلام). 153
الطائفة الثامنة: علی بن موسی الرضا(علیه السّلام) وعاشوراء. 155
الحدیث الأوّل. 155
الحدیث الثانی. 155
الحدیث الثالث.. 156
فقه الحدیث.. 157
الطائفة التاسعة: صاحب الثأر وخاتم حجج الله فی الأرض(عجل الله تعالی فرجه الشریف). 162
زیارة الناحیة المقدّسة. 162
البحث فی فقه الزیارة 164
النتیجة. 171
نتیجة المقام الثالث.. 172
خاتمة. 173
التنبیه الأوّل. 173
التنبیه الثانی. 173
التنبیه الثالث.. 174
خلاصة الجواب.. 179
المصادر. 181
المحتویات 205
ص: 208