اصول المقتل الحسینی

اشارة

عنوان الکتاب: اُصول المقتل الحسینی

المؤلف: الشیخ عامر الجابری

الاشراف العلمی: اللجنة العلمیة فی مؤسسة الأنبیاء

بیانات النشر: النجف، العراق: العتبة الحسینیة المقدسة - قسم الشؤون الفکریة والثقافیة - مؤسسة وارث الأنبیاء للدراسات التخصصیة فی النهضة الحسینیة، 1436ه- ق 2015م.

الطبعة: الأولی

سنة الطبع : 1436ه 2015م

عددالنسخ: 1000

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

ص: 6

مقدمة المؤسسة

الماضی والحاضر والمستقبل، ثلاثة حلقات، یربطها العلم والمعرفة، فتتکوّن منها منظومة متکاملة ممتدة الجذور عبر التاریخ، وواضحة الهویة فی الحاضر، وترنو إلیٰ مستقبل سعید.

إنّ أعظم ما أنعم الله تعالیٰ به علیٰ الإنسان، العلم، فبه یُعرف الله تعالیٰ وبه یُطاع، وبه تتحقق الغایة «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِیَعْبُدُونِ » (1). وهذا أمر عظیم ومقدس؛ ولأجل ذلک حازت أماکن العلم والتعلّم القداسة والاحترام عند عامّة عقلاء البش_ر؛ کونها تصنع الإنسان من خلال رسم الطریق الصحیح والمعرفة الهادیة، فالض_رورة قاضیة بأهمیّة تأسیس الحوزات والمدارس العلمیة، والجامعات، والمؤسسات والمراکز البحثیة والتحقیقیة؛ کونه الخطوة الأهم والأساسیة فی طریق الحقیقة.

من هنا؛ عمدت الأمانة العامّة للعتبة الحسینیة المقدّسة بتأسیس الجامعات والمؤسسات والمراکز العلمیة والتحقیقیة؛ لنش_ر العلم وإنماء المعرفة، وتوسعة دائرة الفضیلة، وتثبیت رکائز الحقیقة، ونش_ر معالم النور، إلیٰ جنب ما تبذله من مشاریع خدمیة وثقافیة وتربویة کثیرة فی أماکن متعددة ومتباعدة.

وقد کان للتخصّص دور لافت فی تلک المشاریع؛ کونه من شأنه أن یبرز الموضوع

ص: 7


1- الذاریات: 56.

الذی تخصّص به بشکل أکبر وأوضح وأفضل، وفی هذا المیدان کان لمؤسسة وارث الأنبیاء للدراسات التخصصیة فی النهضة الحسینیة فی النجف الأشرف وقم المقدسة السمة الأبرز والأوضح فی مجال التخصّص العلمی التحقیقی، فهی مؤسسة علمیة تخصصیة تهتمّ بجمیع معالم النهضة الحسینیة المقدسة سواء التاریخیة منها أو الاجتماعیة، أو السیاسیة، أو العقائدیة، أو غیرها، وسواء النقلیة أو التحلیلیة أو التحقیقیة وغیرها، وقد عملت المؤسسة علیٰ مجموعة من المشاریع الکبریٰ فی هذا الصدد:

1_ قسم التحقیق، والعمل فیه جار علی تحقیق موسوعة حول التراث المکتوب عن الإمام الحسین(علیه السّلام) ونهضته المبارکة، ما یشمل المقاتل والتاریخ والسیرة وغیرها، وسواء التی کانت بکتاب مستقل أو ضمن کتاب. وکذا العمل جار فی هذا القسم علی متابعة المخطوطات الحسینیة التی لم تُطبع إلی الآن؛ لجمعها وتحقیقها، ثم طباعتها ونش_رها.

2_ قسم التألیف، والعمل فیه جار علی تألیف کتب حول الموضوعات الحسینیة المهمة التی لم یتم تناولها بالبحث والتنقیب أو التی لم تُعطَ حقها من ذلک، کما ویتم استقبال الکتب الحسینیة المؤلفة خارج المرکز ومتابعتها علمیاً وفنیاً من قِبل اللجنة العلمیة، وبعد إجراء التعدیلات والإصلاحات اللازمة یتم طباعتها ونش_رها.

3_ مجلّة الإصلاح الحسینی، وهی مجلّة فصلیة متخصصة فی النهضة الحسینیة، تهتم بنش_ر معالم وآفاق الفکر الحسینی، وتسلیط الضوء علی تاریخ النهضة المبارکة وتراثها، وکذلک إبراز الجوانب الإنسانیة والاجتماعیة والفقهیة والأدبیة فی تلک النهضة المبارکة.

4_ قسم ردّ الشبهات، ویتم فیه جمع الشبهات المثارة حول الإمام الحسین(علیه السّلام)

ص: 8

ونهضته المبارکة، ثم فرزها وتبویبها، ثم الردّ علیها بشکل علمی تحقیقی رصین.

5_ قسم الموسوعة العلمیة من کلمات الإمام الحسین(علیه السّلام)، وهی موسوعة تجمع کلمات الإمام الحسین(علیه السّلام) فی مختلف العلوم وفروع المعرفة، ثم تبویبها حسب التخصصات العلمیة، ووضعها بین یدی ذوی الاختصاص؛ لیستخرجوا لنا نظریات علمیة واضحة تمازج بین کلمات الإمام الحسین(علیه السّلام) والواقع العلمی.

6_ قسم دائرة معارف الإمام الحسین(علیه السّلام)، وهی موسوعة تشتمل علی کل ما یرتبط بالنهضة الحسینیة من أحداث ووقائع ومفاهیم ورؤی وأسماء أعلام وأماکن وکتب وغیر ذلک من الأُمور، مرتّبة حسب حروف الألف باء، کما هو معمول به فی دوائر المعارف والموسوعات، وعلی شکل مقالات علمیة رصینة تراعی فیها کل شروط المقالة العلمیة، ومکتوبة بلغة عصریة وبأُسلوب سلس ومقروء.

7_ قسم الرسائل الجامعیة، والعمل فیه جار علی إحصاء الرسائل الجامعیة التی کُتبت حول النهضة الحسینیة ومتابعتها من قِبل لجنة علمیة متخصصة؛ لرفع النواقص العلمیة وتهیئتها للطباعة والنش_ر. کما ویتم إعداد موضوعات حسینیة تصلح لکتابة رسائل وأطاریح جامعیة تکون بمتناول طلّاب الدراسات العلیا.

8 _ قسم الترجمة، والعمل فیه جار علی ترجمة التراث الحسینی باللغات الأُخری إلی اللغة العربیة.

9_ قسم الرصد، ویتم فیه رصد جمیع القضایا الحسینیة المطروحة فی الفضائیات والمواقع الالکترونیة والکتب والمجلات وغیرها؛ مما یعطی رؤیة واضحة حول أهم الأُمور المرتبطة بالقضیة الحسینیة بمختلف أبعادها، وهذا بدوره یکون مؤثّراً جدّاً فی رسم السیاسات العامة للمؤسسة، ورفد بقیة الأقسام فیها، وکذا بقیة المؤسسات والمراکز العلمیة بمختلف المعلومات.

ص: 9

10_ قسم الندوات، ویتم من خلاله إقامة ندوات علمیة تخصصیة فی النهضة الحسینیة، یحضرها الباحثون والمحققون وذوو الاختصاص.

11_ قسم المکتبة الحسینیة التخصصیة، حیث قامت المؤسسة بإنشاء مکتبة حسینیة تخصصیة تجمع التراث الحسینی المطبوع.

وهناک مشاریع أُخری سیتم العمل علیها قریباً إن شاء الله تعالی.

مجلّة الإصلاح الحسینی

ومن بین أبرز المشاریع التی أنشأتها هذه المؤسسة المبارکة هو إصدار مجلّة فصلیة متخصصة فی النهضة الحسینیة، تحمل عنوان وشعار وهدف وغایة ومنهج وفکر وهدایة (الإصلاح الحسینی) وقد احتوت علیٰ المقالات العلمیة التحقیقیة الرصینة، وقد اتفقت مجموعة من المقالات فی تناول موضوع واحد من جهات مختلفة وبإسالیب متعدّدة، فکان من المناسب _ بل والضروری _ أن تجمع هکذا أبحاث فی کتاب واحد حتیٰ تُلملم أطراف البحث الواحد وتعم الفائدة المطلوبة، فکان من الأُمور المهمة التی عملت علیها المؤسسة فی قسم مجلّة الإصلاح الحسینی هو إصدار سلسلة مؤلّفات بعنوان کتاب المجلة.

وهذا الکتاب الذی بین یدیک عزیزی القارئ هو الکتاب الثانی من هذه السلسلة والذی یحمل عنوان (أُصول المقتل الحسینی ) للشیخ عامر الجابری، والتی تم نش_رها فی أعداد سابقة من المجلّة مع إضافات جدیدة تفضّل بها الکاتب مشکوراً.

وهو یضم بین دفّتیه مجموعة من أُصول المقاتل الحسینیة، والتی کانت مصدراً لکتّاب التاریخ فی وقتها، وکانت محلاً للاعتماد ومحوراً للنقل، فقد نقل عنها أصحاب الموسوعات التاریخیة کثیراً، واعتمدوا علیها.

وقد اختار المؤلّف فی هذا الکتاب هذه المجموعة من المقاتل؛ کونها تتفق فی

ص: 10

قواسم مشترکة من قبیل أنها أقدم المقاتل، وکون مؤلّفیها من الشیعة بالمعنیٰ العام أوالخاص، وکونهم جمیعاً من أهل الکوفة.

وفی الختام نتمنیٰ للمؤلف وللإخوة العاملین فی قسم مجلّة الإصلاح الحسینی دوام التوفیق فی خدمة القضیة الحسینیة، ونسأل الله تعالیٰ أن ی_بارک لنا فی أعمالنا إنّه سمیع مجیب.

اللجنة العلمیة فی مؤسسة وارث الأنبیاء للدراسات

التخصصیة فی النهضة الحسینیة

ص: 11

ص: 12

المقدمة

تُعتبر کتابة المقاتل من أقدم أنواع الکتابة التاریخیّة، وقد ظهر هذا النوع من الکتب إلیٰ جانب کُتب السِّیَر والمغازی والفتوح فی مرحلة مبکرة من مراحل کتابة التاریخ الإسلامی، سبقت ظهور کتب التاریخ العام.

وموضوع کُتب المقاتل هو عبارة عن رموز وشخصیات بارزة فی المجتمع الإسلامی تعرَّضت إلیٰ القتل، حیث یحاول المؤرِّخ أن یبذل ما بوسعه لرصد جمیع ما یرتبط بتفاصیل حادثة القتل وملابساتها ومقدّماتها وإرهاصاتها وتداعیاتها وردود الأفعال المباشرة لها، بالإضافة إلیٰ تسلیط الضوء علیٰ شخصیّة القتیل وأبعادها وتحدید القاتل المباشر وغیره.

وبهذا البیان یتّضح للقارئ الکریم أنّ هذه الکُتب لیست مقصورة علیٰ روایة مقتل الإمام الحسین(علیه السّلام)، «فثَمَّة مؤلفون کثیرون کتبوا فی (مقتل علیّ)، (مقتل زید)، (مقتل عثمان)، (مقتل حجر بن عدی)، وغیر ذلک، ویجد الباحث أسماء عشرات من کتب المقتل فی موضوعات مختلفة»(1).

ولکن لا ریب فی أنّ أکثر تلک الکُتب قد کُتبت فی مقتل الإمام الحسین(علیه السّلام).

ألهت بنی تغلب عن کلِّ مکرمة

قصیدةٌ قالها عمرو بن کلثوم

وقد أحصیٰ الشیخ آغا بُزُرْک الطهرانی فی موسوعته القیمة (الذریعة إلیٰ تصانیف الشیعة) عش_رات الکتب فی المقتل الحسینیّ، کُتبت بلغات مختلفة: کالعربیّة، والفارسیّة،

ص: 13


1- شمس الدین، محمد مهدی، أنصار الحسین(علیه السّلام): ص36.

والأُردیّة، وغیرها، وهی تنتمی إلیٰ عصور مختلفة ومؤلِّفین من طبقات مختلفة ومستویات متفاوتة.

وقد امتاز المقتل الحسینیّ بمیزة أُخریٰ ألا وهی المواظبة علیٰ قراءته فی کلّ عام صبیحة الیوم العاشر من محرَّم فی شتّیٰ المجتمعات الشیعیّة، ولم تنقطع هذه العادة إلّا فی بعض الظروف الاستثنائیة؛ ومن هنا وبمرور الأیام تطوّر معنیٰ کلمة (المقتل) حتّیٰ صارت تدلّ بنفسها _ وبلا إضافة _ علیٰ مدلولِ شهادة الإمام الحسین(علیه السّلام)، فإذا قلتَ: (قرأتُ المقتلَ)، انصرف الذهن إلیٰ مقتل الإمام الحسین(علیه السّلام)، فصار (المقتل) اصطلاحاً فی الکتاب الذی یروی أحداث ووقائع شهادة الإمام الحسین(علیه السّلام)(1). قال ابن طاووس: «فإن قیل: فعَلامَ تُجدّدون قراءة المقتل والحزن کلَّ عام؟ فأقول: لأنّ قراءته هو عرض قصّة القتل علیٰ عدل الله (جلّ جلاله) لیأخذ بثأره کما وعد من العدل»(2).

وقد جرت العادة أن یبدأ الحدیث عن المقتل الحسینیّ من وفاة معاویة منتصف رجب عام (60ه_)؛ إذ من هنا تبدأ المواجهة الفعلیّة بین الحسین(علیه السّلام) ویزید، ثمَّ تصل المواجهة أوجها بحدوث المعرکة الخالدة فی مطلع سنة (61ه_) أی: فی العاشر من المحرّم کما هو معلوم، ویستمرّ أکثر أرباب المقاتل بعرض ما جریٰ بعد الواقعة من تداعیات وردود أفعال مباشرة، کأحداث الدفن والسبی والآیات الکونیّة التی حدثت بعد مقتل الحسین(علیه السّلام).

وقد یذهب بعض المؤرِّخین إلیٰ أبعد من ذلک فی الحدیث عن الإرهاصات والمقدّمات، کالحدیث عن صلح الإمام الحسن(علیه السّلام) بوصفه مقدّمة لثورة الحسین(علیه السّلام)، أو الحدیث عن الإخبارات الغَیبیّة التی تنبّأت بمقتله(علیه السّلام)، کما أنّه قد یُفرط البعض أیضاً فی الحدیث عمّا تلا الواقعة من تداعیات وردود أفعال، کالحدیث عن معرکة عین الوردة، أو

ص: 14


1- اُنظر: العطار، قیس بهجت، مقتل الحسین(علیه السّلام) (روایة عن جدّه رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )): ص10.
2- ابن طاووس، علیّ بن موسی، إقبال الأعمال: ج3، ص90 _ 91.

قیام المختار، وما شاکل ذلک.

وفی الواقع أنّنا لو نظرنا إلیٰ إرهاصات واقعة الطفّ ومقدّماتها بهذا المنظار فإنّنا لا ننتهی إلیٰ نقطة محدّدة فی التاریخ، فالتاریخ بشکل عام _ أو تاریخ المعصومین(علیهم السّلام) علیٰ الأقل _ هو عبارة عن حلقات متواصلة یرتبط بعضها بالبعض الآخر، کما أنّ لواقعة الطف ردود أفعال وتداعیات مستمرّة إلیٰ قیام الساعة، ولعل ما نکتبه الآن هو من تلک التداعیات وردود الأفعال.

إذا اتّضح هذا نقول: إنّ هناک مجموعة من المقاتل التی کُتبت بعد وقعة الطف یمکن اعتبارها الأُصول التاریخیّة الأُولیٰ والمنابع الأساسیة لتاریخ وقعة کربلاء.

والضابطة فی کون الکتاب أصلاً تاریخیّاً لهذه الواقعة، هو أن یحتوی علیٰ مادّة تاریخیّة مأخوذة مباشرة من أفواه الرواة، ولم تسجّل فی کتاب آخر غیر هذا الکتاب، وهذا ما ینطبق علیٰ مجموعة من المقاتل الحسینیّة القدیمة، وفی مقدّمتها المقاتل السبعة التالیة:

1_ مقتل الأصبغ بن نباتة الکوفی (ت بعد 101ه_).

2_ مقتل جابر بن یزید بن الحارث الجعفی الکوفی (ت128ه_).

3_ مقتل عمّار بن معاویة الدهنی الکوفی (ت133ه_).

4_ مقتل فضیل بن الزبیر الأسدی الکوفی (ت بین عامی122_ 148ه_).

5_ مقتل أبی مخنف لوط بن یحییٰ الأزدی الغامدی الکوفی (ت157ه_).

6_ مقتل هشام بن محمّد الکلبی الکوفی (ت204 _ 206ه_).

7_ مقتل نصر بن مزاحم المنقری الکوفی (ت212ه_).

ولا ریب فی أنّ أُصول المقاتل لا تنحصر بهذا العدد، وإنّما قص_رنا البحث فی هذا الکتاب علیٰ هذه المقاتل دون غیرها لوجود ثلاثة قواسم مشترکة تربط فیما بینها، وهی:

1_ إنّ هذه المقاتل هی أقدم المقاتل الحسینیّة علیٰ الإطلاق، حیث کُتبت بأجمعها بین

ص: 15

عامی 100ه_ _ 212ه_.

2_ إنّ أصحاب هذه المقاتل جمیعهم من أهل الکوفة.

3_ إنّ أصحاب هذه المقاتل جمیعهم من المحسوبین علیٰ التشیُّع بمعناه الخاص أو العام.

وبملاحظة هذه القواسم المشترکة یمکننا القول وبقوّة: إنّ حرکة التألیف والتصنیف حول واقعة الطفّ کانت فی بدایاتها حرکة کوفیّة شیعیّة، وأنّ شیعة الکوفة هم رادة هذا المجال والسبّاقون إلیه.

هیکلیّة الکتاب

یتکوّن الکتاب الذی بین أیدینا من سبعة فصول؛ إذ خصصنا لکلّ واحد من هذه المقاتل فصلاً مستقلاً، ویتکوّن کلّ فصل من مبحثین أساسیین: یتضمّن أحدهما ترجمة وافیة لصاحب المقتل، ویشتمل الآخر علیٰ ما توصّلنا إلیه من تحقیق وتنقیب فیما یخصّ کتابه فی المقتل، وقد بدأنا کلّ فصل بتقدیم مقتضب وختمناه بخاتمة بأهم النتائج التی توصّلنا إلیها حول المقتل وصاحبه.

هذه هی هیکلیّة الکتاب الأساسیة، وقد مهّدنا لذلک بمدخل تمهیدی یشتمل علیٰ المبحثین التالیین:

المبحث الأول: تأخّر تدوین أخبار کربلاء إلیٰ مطلع القرن الثانی الهجری.

المبحث الثانی: نظرة عامّة حول مدینة الکوفة.

وفی ختام هذه المقدّمة، نسأل الله سبحانه وتعالیٰ أن یجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الکریم، وما توفیقی إلّا بالله علیه توکّلت وإلیه أُنیب.

ص: 16

مدخل تمهیدی

اشارة

ص: 17

ص: 18

مدخل تمهیدی

اشارة

لمّا کانت الدراسة التی بین أیدینا تتمحور أحادیثها حول (أُصول المقاتل الکوفیّة)، ولما کانت تلک الأُصول قد کُتب أقدمها بعد وقعة الطف بما یقرب من أربعین عاماً، کان لا بدّ لنا أن نستهلّ هذه الدراسة بمدخل عام یشتمل علیٰ المبحثین التالیین:

المبحث الأوّل: تأخّر تدوین أخبار کربلاء إلیٰ مطلع القرن الثانی.

المبحث الثانی: نظرة عامّة حول مدینة الکوفة.

ص: 19

ص: 20

المبحث الأوّل : تأخّر تدوین أخبار کربلاء إلی مطلع القرن الثانی الهجری

اشارة

من الحقائق التاریخیّة التی یجهلها الکثیر هو أنّ أحداث ووقائع کربلاء قد بقیت أحادیث وحکایاتٍ شفهیّة، تلهج بها الألسن، ویتهامس بها الرواة فی البیوت والمجالس الخاصّة، ما یزید علیٰ الأربعین عاماً من دون أن یتصدّیٰ أحدٌ إلیٰ جمع تلک الأخبار وتدوینها فی القراطیس والصحف.

فمن العبث أن نبحث عن وجود عمل تدوینی حول واقعة کربلاء قبل مطلع القرن الثانی الهجری، أی: فی العقود الأربعة التی تلت واقعة الطف 61ه_؛ وذلک لوجود عاملین أساسیین تسبّبا فی تأخّر مسیرة جمع وتدوین روایات هذه الواقعة، وهما: (جریمة منع تدوین الحدیث) و(التقیة) التی کان یعیشها أهل البیت(علیهم السّلام) وأتباعهم فی أیام دولة بنی أُمیّة لا سیما فی العقود الأربعة الأُولیٰ، وفیما یأتی تفصیل عن هذین العاملین بحدود ما یتناسب وحجم هذا المدخل.

العامل الأوّل: جریمةُ منعِ تدوین الحدیث
اشارة

کان منع تدوین السنّة النبویّة الشریفة فی بدایة الأمر مجرّد فکرة أو رؤیة أو وجهة نظر تبنّاها بعض الصحابة من قریش، وفی طلیعتهم الخلیفة الأول والخلیفة الثانی ومَن کان یدور فی فلکهما وتلتقی غایاته مع غایاتهما.

والأساس النظری المُعلن لهذه الوجهة هو أنّ هؤلاء کانوا لا یرون فی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) کائناً

ص: 21

معصوماً مسدّداً، وإنّما هو بشر عادی یُخطئ ویُصیب، وإذا کان هناک نوع من العصمة یتمتّع بها النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فهی لا تتعدّیٰ حدود تبلیغ القرآن الکریم.

وکان أوّل إعلان عن هذه النظریة فی حیاة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فقد رویٰ الدارمی بسندٍ صحیح عن عبد الله بن عمرو، قال: «کنت أکتب کلّ شیء أسمعه من رسول الله(صلی الله علیه وسلم) أُرید حفظه، فنهتنی قریش، وقالوا: تکتب کلّ شیء سمعته من رسول الله(صلی الله علیه وسلم)، ورسول الله(صلی

الله علیه وسلم) بش_ر یتکلَّم فی الغضب والرضا؟ فأمسکت عن الکتاب، فذکرت ذلک لرسول الله(صلی الله علیه وسلم)، فأومأ بإصبعه إلیٰ فیه، وقال: اکتب؛ فوالذی نفسی بیده، ما خرج منه إلّا حق»(1).

فهذا کان أقدم تصریح بهذا التوجّه، وکان أوّل مَن وقف فی وجهه هو نفس النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وبقی فی حیاته(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) مجرّد صوت نشاز خافت لا یُصغیٰ إلیه. وبعد وفاة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) واستتباب الأُمور لأصحاب هذه النظریة وتسلُّطهم علیٰ رقاب المسلمین(2) عمدوا علیٰ الفور إلیٰ تفعیل هذه النظریة وبلورتها علیٰ المستویین النظری والعملی.

فعلیٰ المستویٰ النظری کانت جهودهم تصبّ فی اتّجاهین:

الاتّجاه الأوّل: خلق مبررات نظریّة وفکریّة جدیدة حاولت أن تُرمّم المنطلق الفلسفی الذی تقوم علیه هذه النظریّة، وقد تعرّض السیّد علیّ الشهرستانی فی (منع تدوین الحدیث) إلیٰ جمیع هذه المبرّرات، وقام بمناقشتها مناقشةً موضوعیّة علمیة جدیرة بالاهتمام والرجوع إلیها.

الاتّجاه الثانی: وضع روایات عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) تتضمّن النهی عن تدوین السنّة النبویّة

ص: 22


1- الدارمی، عبد الله بن الرحمن، سنن الدارمی: ج1، ص429، باب (مَن رخّص فی کتابة العلم)، رقم الحدیث (501).
2- وهذا من أوضح وأجلی مصادیق تأثیر السلطة علی النصّ.

الشریفة، وقد تعرّض الشیخ جعفر السبحانی فی کتابه (الحدیث النبویّ) إلیٰ أشهر تلک الروایات، وأثبت ضعفها من ناحیتی السند والدلالة معاً.

وأمّا علیٰ المستویٰ العملیّ، فإنّ الأُمور قد تطوّرت فی ثلاثة مسارات:

المسار الأوّل: قوننة قضیة المنع

حیث تحوّلت قضیة منع التدوین من مجرّد رأی أو فکرة إلیٰ قانون رسمی تتبنّاه الدولة، وتتّخذ التدابیر اللازمة لضمان تطبیقه علیٰ أفضل وجه وأکمل صورة.

جاء فی تذکرة الحفّاظ للذهبی: «أنّ الصدِّیق جمعَ الناسَ بعد وفاة نبیِّهم، فقال: إنَّکم تحدّثون عن رسول الله(صلی الله علیه وسلم) أحادیث تختلفون فیها، والناس بعدکم أشدّ اختلافاً، فلا تحدّثوا عن رسول الله(صلی الله علیه وسلم) شیئاً. فمَن سألکم فقولوا: بیننا وبینکم کتاب الله، فاستحلّوا حلاله، وحرّموا حرامه»(1).

فهذه هی أوّل بادرة رسمیة فی هذا الجانب، وقد سبق أن بادر أبو بکر إلیٰ حرق خمسمائة حدیث کان جمعها من أحادیث رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، کما حدَّثت عنه ابنته عائشة، ولکنّها لم تکن خطوة رسمیة ومعلنة کما یبدو(2)).

وفی عهد عمر بن الخطاب أصبح منع تدوین الحدیث قانوناً صارماً یتعرّض المخالفُ له إلیٰ شتّیٰ أنواع العقوبة. قال السیّد جعفر مرتض_یٰ العاملی: «ثمّ کانت خلافة عمر بن الخطاب، فکان التحرّک فی هذا الاتّجاه أکثر دقّة، کما کان أکثر شمولیّة واستقصاء، حتیٰ لیخیل إلیک: أنّ هذا الأمر هو أعظم ما کان یشغل بال الخلیفة، ویقضّ مضجعه، فکان یتابع هذا الأمر، ویحثّ علیه، ثمَّ یراقب ویعاقب ویتّخذ القرارات

ص: 23


1- الذهبی، محمّد بن أحمد، تذکرة الحفاظ: ج1، ص9.
2- اُنظر: المصدر السابق: ج1، ص11.

والإجراءات بصورة ظاهرة ومستمرّة ودؤوبة»(1).

ولعلّ أوسع خطوة عملیّة قام بها عمر بن الخطاب فی هذا المجال ما رواه الخطیب البغدادی بسنده، عن القاسم بن محمّد بن أبی بکر، قال: «إنّ عمر بن الخطاب، بلغه أنّه قد ظهر فی أیدی الناس کتب فاستنکرها وکرهها، وقال: أیُّها الناس، إنّه قد بلغنی أنّه قد ظهرت فی أیدیکم کتب فأحبّها إلیٰ الله أعدلها وأقومها، فلا یبقین أحدٌ عنده کتاب إلّا أتانی به، فأریٰ فیه رأیی. قال: فظنّوا أنّه یرید أن ینظر فیها ویقوّمها علیٰ أمر لا یکون فیه اختلاف، فأتوه بکتبهم فأحرقها بالنار، ثمّ قال: أُمنیة کأُمنیة أهل الکتاب»(2).

وهکذا استمرّ الحال بعد عمر، وسار مَن جاء بعده من الخلفاء _ باستثناء فترة خلافة أمیر المؤمنین والحسن(علیهماالسّلام) _ فی نفس هذا المسار، حتیٰ أصبح التدوین فی تلک الأیام عیباً یُعیَّر به صاحبه.

المسار الثانی: تقلیل التحدیث ثمَّ المنع منه

إذا کان الهدف الحقیقی من وراء منع التدوین هو طمس السنّة النبویّة الشریفة بالکامل _ کما أشرنا سابقاً _ فمن الطبیعی أن تقوم السلطة الحاکمة بمحاصرة التحدیث وتطویقه، ثمَّ منعه من الأساس، وهذا ما حصل بالفعل فی خطوات تدریجیّة متتابعة.

فقد لاحظنا سابقاً أنّ الخلیفة الأوّل قد نهیٰ الناس عن التحدیث عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) بقوله: «فلا تحدّثوا عن رسول الله شیئاً»، بید أنّ الناس لم یلتزموا بأوامر أبی بکر فی هذا المجال حتیٰ جاء عمر بن الخطاب إلیٰ السلطة، فاتّخذ خطوات متشدّدة فی هذا المجال.

فقد رویٰ ابن سعد بسنده، عن قرظة بن کعب الأنصاری، أنّه قال: «أردنا الکوفة

ص: 24


1- العاملی، جعفر مرتضی، الصحیح من سیرة النبی الأعظم(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): ج1، ص157.
2- الخطیب البغدادی، أحمد بن علیّ، تقیید العلم: ص52.

فشیَّعَنا عمر إلیٰ صرار، فتوضأ فغسل مرّتین، وقال: تدرون لِمَ شیَّعتکم؟ فقلنا: نعم، نحن أصحاب رسول الله(صلی الله علیه وسلم). فقال: إنّکم تأتون أهل قریة لهم دویّ بالقرآن کدویّ النحل، فلا تصدّوهم بالأحادیث فتشغلوهم. جرِّدوا القرآن وأقلّوا الروایة عن رسول الله(صلی الله علیه وسلم)، امضوا وأنا شریککم»(1).

ورویٰ ابن عساکر بسنده، عن السائب بن یزید، قال: «سمعت عمر بن الخطاب یقول لأبی هریرة: لتترکنّ الحدیث عن رسول الله(صلی الله علیه وسلم) أو لأُلحقنک بأرض دوس. وقال لکعب: لتترکنّ الحدیث أو لأُلحقنک بأرض القردة»(2).

قال الذهبی _ بعد نقله لهذه الروایة _ : «قلت: هکذا هو، کان عمر یقول: أقلّوا الحدیث عن رسول الله(صلی

الله علیه وسلم)، وزجر غیر واحد من الصحابة عن بثِّ الحدیث...»(3).

وذکر المؤرِّخون: «أنّه جمع الصحابة من الآفاق، وطالبهم بما أفشوه من حدیث رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ثمَّ أمرهم بالمقام عنده، وأن لا یفارقوه ما عاش، ومنعهم من مغادرة المدینة، فبقوا فیها إلیٰ أن مات»(4).

وقد استطاع ابن الخطاب بهذه السیاسة أن یمنع التحدیث عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، أو علیٰ الأقل استطاع أن یطوِّقه ویحاصره إلیٰ أبعد حدٍّ ممکن.

فقد کان أبو هریرة یقول _ بعد وفاة عمر _ : «کان یقول: إنّی لأحدِّث أحادیث لو تکلَّمت بها فی زمان عمر _ أو عند عمر _ لشجّ رأسی»(5).

وقال عمرو بن میمون: «صحبت عبد الله بن مسعود سنین فما سمعته یروی حدیثاً إلّا مرّة

ص: 25


1- ابن سعد، محمّد بن سعد، الطبقات الکبری: ج6، ص87.
2- ابن عساکر، علیّ بن الحسن، تاریخ مدینة دمشق: ج67، ص343.
3- الذهبی، محمد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج4، ص23 _ 24.
4- العاملی، جعفر مرتضی، الصحیح من سیرة النبی الأعظم(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): ج1، ص66.
5- ابن عساکر، علیّ بن الحسن، تاریخ مدینة دمشق: ج67، ص343.

واحدة»(1).

ویقول الشعبی: «قعدت مع ابن عمر سنتین، أو سنة ونصفاً، فما سمعته یحدِّث عن رسول الله(صلی

الله علیه وسلم) إلّا هذا الحدیث»(2).

وقد أصبح الإقلال من روایة الحدیث أو منعها سنّة یستنّ بها الخلفاء الذین جاؤوا بعد عمر «فکانوا یعلنون أنّ منهجهم فی ذلک منهج عمر، وقاموا بما قام به عمر من تهدید الصحابة، ومنعهم من الروایة. وبما أنّ السلطة قد تمکّنت من الرقاب بشکلٍ لا تخشیٰ من أیّ شیء ومن أیّ أحدٍ، فإنّ أهداف المنع من الحدیث _ تدویناً وروایةً _ لم تَعدُ طیّ الکتمان، بل بدأت یُعلن عنها، ویُتحدّث بها علیٰ المنابر، وتُصدّر الأوامر الأمیریّة بها»(3).

المسار الثالث: تعمیم المنع وتمدیده من الناحیة العملیّة

وهذا ما یلامس الموضوع الذی نحن بصدده بالصمیم، فالمنع المعلَن وإن کان من الناحیة النظریة خاصّاً بالسنّة النبویّة الشریفة، إلّا أنّه من الناحیة المیدانیّة والإجرائیّة کان شاملاً للسیرة والتاریخ. یقول محمّد هادی الیوسفی الغروی: «ولم یُدوَّن فی تأریخ الإسلام أو فی سیرته(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) شیء حتیٰ مضت أیام الخلفاء، لم یُدوَّن فی هذه المدّة شیء سویٰ القرآن الکریم وتقویم إعرابه بمبادئ وقواعد النحو علیٰ ید أبی الأسود الدؤلی بإملاء أمیر المؤمنین علیّ ابن أبی طالب(علیه السّلام)»(4).

وهناک الکثیر من الآثار الشاهدة علیٰ صحّة هذا المدّعیٰ، من بینها:

1_ مرّ علینا «إنّ عمر بن الخطّاب بلغه أنّه قد ظهرت فی أیدی الناس کتب»، إلیٰ أن تقول

ص: 26


1- السرخسی، محمّد بن أحمد، أُصول السرخسی: ج1، ص342.
2- الدارمی، عبد الله بن الرحمن، سنن الدارمی: ج1، ص326.
3- الجلالی، محمد رضا، تدوین السنّة الشریفة: 472.
4- الیوسفی الغروی، محمّد هادی، موسوعة التاریخ الإسلامی: ج1، ص14.

الروایة: «فأتَوْه بکتبهم، فأحرقها بالنّار».

وحینما ندقّق فی عبارات هذه الروایة لا نجد فیها ما یشیر إلیٰ کون تلک الکتب مختصّة بنقل الحدیث النبویّ الشریف، وإن کان بعضها مشتملاً علیه. ویبدو أنّ هدف عمر الأساسی هو منع تدوین السنّة النبویّة الشریفة، ولکنّه من الناحیّة العملیّة کان یمنع من انتشار الکتب _ ماعدا القرآن الکریم _ بنحو مطلق، ولا یفرِّق بین ما کان موضوعه السنّة النبویّة وما کان موضوعه شیئاً آخر، ولعلّه کان یقوم بهذه الإجراءات احتیاطاً وتحسّباً من تس_رّب بعض الأحادیث إلیٰ طیات تلک الکتب.

2_ وممّا یؤیِّد تطوّر المنع من الناحیة العملیّة إلیٰ الحدّ الذی أشرنا إلیه ما روی أنّ عمر ابن الخطاب ضرب رجلاً من عبد القیس لأنّه نسخ کتاب دانیال، وأمره بمحوه بالحمیم والصوف الأبیض(1).

3_ وقال عمرو بن میمون الأودی: «کنَّا جلوساً بالکوفة، فجاء رجل ومعه کتاب، فقلنا: ما هذا؟ قال: کتاب دانیال. فلولا أنّ الناس تحاجزوا عنه لقُتِلَ، وقالوا: کتاب سویٰ القرآن؟!»(2). ومن الواضح أنّ کتاب دانیال لم یکن یتضمّن شیئاً من السنّة.

4_ وعن میمون بن مهران، قال: «أتیٰ عمر بن الخطاب رجل، فقال: یا أمیر المؤمنین، إنّا فتحنا المدائن أصبت کتاباً فیه کلام معجِب، قال: أمن کتاب الله؟ قلت: لا. فدعا بالدرّة فجعل یضربه بها...»(3).

وقد استمرّ المنع _ بالشدّة التی ذکرناها والشمول الذی صوّرناه _ ساری المفعول إلیٰ أیام الخلیفة الأُمویّ عمر بن عبد العزیز الذی وصل إلیٰ رأس السلطة عام 99ه_، وأوقف

ص: 27


1- اُنظر: الخطیب البغدادی، أحمد بن علیّ، تقیید العلم: ص51.
2- المصدر السابق: ص56.
3- المتقی الهندی، علیّ، کنز العمال: ج1، ص373.

هذه المهزلة وأصدر أمراً رسمیّاً بتدوین الحدیث.

قال السیوطیّ (ت911ه_): «وأمّا ابتداء تدوین الحدیث، فإنّه وقع علیٰ رأس المائة فی خلافة عمر بن عبد العزیز بأمره»(1).

ویریٰ بعض المحقّقین _ استناداً إلیٰ العدید من کلمات مؤرِّخی السنّة _ أنَّ عمر بن عبد العزیز وإن أصدر أمراً بالتدوین، إلّا أنّ أمره لم یُنفَّذ فی حیاته، وبقی حبراً علیٰ ورق، وقد اضطربت کلماتهم فی تحدید البدایة الدقیقة لعصر التدوین(2).

ومهما یکن، فإنّ المنع قد استمرّ بعد واقعة الطف 61ه_ ما یناهز ال_ (40) عاماً علیٰ أقلِّ التقادیر، وهذه جنایة أُخریٰ تُضاف إلیٰ الجنایات التی تمخض عنها المنع.

العامل الثانی: التقیّة

إنّ العقود الأربعة التی تلت واقعة الطف (61ه_) هی أقسیٰ مقطع تاریخی مرّ علیٰ التشیُّع والشیعة، فهی فترة تسلّط الأُمَویّین والمروانیّین والزبیریّین علیٰ رقاب المسلمین، وکان أهل البیت(علیهم السّلام) وأتباعهم یعیشون فی هذه الحقبة فی أقصیٰ حالات التقیّة، حتیٰ قال بعض الباحثین: «إنّ بقاء التشیّع فی هذه العصور المظلمة کان معجزة من معاجز الله سبحانه»(3)، فکان القیام بجمع وتدوین روایات وقائع عاشوراء فی تلک السنین یُعدّ عملیّة انتحاریة لا یجرؤ أحدٌ علیٰ الإقدام علیها.

ولعل خیر ما یُبیِّن لنا حقیقة الأُمَویّین وأیامهم المظلمة هو ما جاء فی وصفهم علیٰ لسان أمیر المؤمنین(علیه السّلام)، فمن ذلک ما نقله ابن الأثیر عن علیٍّ(علیه السّلام) أنّه قال مخاطباً لأهل العراق وواصفاً الحزب الأُمَویّ: «قاتلوا مَن حادَّ الله ورسوله، وحاول أن یطفئ نور الله،

ص: 28


1- السیوطی، عبد الرحمن بن أبی بکر، تدریب الراوی: ج1، ص94.
2- اُنظر: الجلالی، محمّد رضا، تدوین السنّة الشریفة: ص18.
3- السبحانی، جعفر، أضواء علی عقائد الشیعة الإمامیة: ص35.

فقاتلوا الخاطئین الضالّین القاسطین الذین لیسوا بقرّاء قرآن، ولا فقهاء فی الدین، ولا علماء فی التأول، ولا لهذا الأمر بأهل فی سابقة الإسلام، والله، لو وُلّوا علیکم لعملوا فیکم بأعمال کسریٰ وهرقل»(1).

وعندما نزل أمیر المؤمنین(علیه السّلام) الأنبار، والتأمت علیه العساکر خطب الناس وحرّضهم علیٰ الجهاد، وقال: «سیروا إلیٰ قتلة المهاجرین والأنصار، قد طالما سعوا فی إطفاء نور الله، وحرّضوا علیٰ قتل رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ومَن معه، ألا إنّ رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أمرنی بقتال القاسطین، وهم هؤلاء الذین سرنا إلیهم، والناکثین وهم هؤلاء الذین فرغنا منهم، والمارقین ولم نلقهم بعد، فسیروا إلیٰ القاسطین فهم أهمّ علینا من الخوارج، سیروا إلیٰ قوم یقاتلونکم کیما یکونوا جبّارین یتّخذهم الناس أرباباً، ویتّخذون عباد الله خولاً ومالهم دولاً»(2).

وأمّا المجازر التی ارتکبها الحزب الأُمَویّ فی عهد الإمام علیّ(علیه السّلام) _ فضلاً عن العهود التالیة _ فحدِّث عنها ولا حرج، فقد ذکر التاریخ «أنّ معاویة بن أبی سفیان بعث بس_ر بن أرطاة بعد تحکیم الحکمین _ وعلیّ بن أبی طالب(علیه السّلام) یومئذٍ حیّ _ وبعث معه جیشاً ووجه الضحاک ابن قیس الفهری فی جیش آخر، وضمّ جیشاً آخر إلیٰ رجل من غامد، وأمرهم أن یسیروا فی البلاد فیقتلوا کلّ مَن وجدوه من شیعة علیّ بن أبی طالب(علیه السّلام) وأصحابه، وأن یغیروا علیٰ سائر أعماله، ویقتلوا أصحابه، ولا یکفّوا أیدیهم عن النساء والصبیان، فمرّ بسر لذلک علیٰ وجهه حتیٰ انتهیٰ إلیٰ المدینة فقتل بها أُناساً من أصحاب علیّ(علیه السّلام) وأهل هواه، وهدم بها دوراً، ومضیٰ إلیٰ مکّة وقتل نفراً من آل المهلب، ثمّ إلیٰ السراة فقتل بها مَن وجد من أصحابه، وأتیٰ نجران وقتل عبد الله بن عبد المدان الحارث وابنه، وکانا من أصهار ابن العباس عامل علیّ(علیه السّلام)، ثمَّ أتیٰ الیمن وعلیها عبید الله بن العباس عامل علیّ بن أبی طالب(علیه السّلام)، وکان غائباً فلم یصادفه بسر ووجد ابنین له صبیّین

ص: 29


1- ابن الأثیر، علیّ بن أبی الکرم، الکامل فی التاریخ: ج2، ص689.
2- المسعودی، علیّ بن الحسین، مروج الذهب ومعادن الجوهر: ج2، ص414.

فأخذهما بس_ر لعنه الله وذبحهما بیده بمدیة کانت معه، ثمّ انکفأ راجعاً إلیٰ معاویة، وفعل مثل ذلک سائر مَن بعثه معاویة، فقصد الغامدی الأنبار فقتل ابن حسان البکری، وقتل رجالاً کثیرین ونساء من الشیعة» (1).

کان هذا کلّه قد حدث فی أیام حکومة الإمام علیّ(علیه السّلام)، والشیعة لا تزال لهم دولة وکیان قائم یستظلون بظله، وما أن استُشهد الإمام علیّ(علیه السّلام) سنة 40ه_ حتیٰ بدأ عهد جدید من العهود المظلمة التی مرّت علیٰ الشیعة، وقد حفظ لنا التاریخ _ عن تلک الحقبة _ صفحات سوداء مظلمة یندیٰ لها الجبین، ویشیب لها الرضیع تضاف إلیٰ ملف الأُمَویّین الأسود.

ونحن نکتفی هنا بتسجیل هذا النص أو الوثیقة الذی یشتمل علیٰ توصیف دقیق لمجمل ما آلت إلیه الأُمور بعد شهادة الإمام علیّ(علیه السّلام)، والذی نقله لنا ابن أبی الحدید المعتزلی عن کتاب الأحداث لأبی الحسن علیّ بن محمّد بن أبی سیف المدائنی، قال: «کتب معاویة نسخة واحدة إلیٰ عمّاله بعد عام الجماعة أن برئت الذمّة ممَّن رویٰ شیئاً من فضل أبی تراب وأهل بیته، فقامت الخطباء فی کلّ کورة وعلیٰ کلّ منبر یلعنون علیّاً(علیه السّلام)، ویبرأون منه ویقعون فیه وفی أهل بیته، وکان أشدّ الناس بلاء حینئذٍ أهل الکوفة؛ لکثرة مَن بها من شیعة علیّ(علیه السّلام)، فاستعمل علیهم زیاد بن سمیة وضمّ إلیه البصرة، فکان یتتبّع الشیعة وهو بهم عارف؛ لأنّه کان منهم أیام علیّ(علیه السّلام)، فقتلهم تحت کلّ حجر ومدر وأخافهم، وقطع الأیدی والأرجل وسمل العیون، وصلبهم علیٰ جذوع النخل، وطرفهم وشردهم عن العراق، فلم یبقَ بها معروف منهم، وکتب معاویة إلیٰ عمّاله فی جمیع الآفاق ألّا یُجیزوا لأحد من شیعة علیّ وأهل بیته(علیهم السّلام) شهادة، وکتب إلیهم أن اُنظروا من قِبَلکم من شیعة عثمان ومحبّیه وأهل ولایته والذین یروون فضائله

ص: 30


1- العلوی، محمّد بن عقیل، النصائح الکافیة: ص53 _ 54.

ومناقبه، فاُدنوا مجالسهم وقرّبوهم وأکرموهم واکتبوا لیّ بکلّ ما یروی کلّ رجل منهم واسمه واسم أبیه وعشیرته. ففعلوا ذلک حتیٰ أکثروا فی فضائل عثمان ومناقبه؛ لما کان یبعثه إلیهم معاویة من الصلات والکساء والحباء والقطائع ویفیضه فی العرب منهم والموالی، فکثر ذلک فی کلّ مص_ر وتنافسوا فی المنازل والدنیا، فلیس یجیء أحد مردود من الناس عاملاً من عمّال معاویة فیروی فی عثمان فضیلة أو منقبة إلّا کتب اسمه وقرّبه وشفّعه، فلبثوا بذلک حیناً. ثمَّ کتب إلیٰ عمّاله أنّ الحدیث فی عثمان قد کثر وفشا فی کلّ مصر وفی کلّ وجه وناحیة، فإذا جاءکم کتابی هذا فادعوا الناس إلیٰ الروایة فی فضائل الصحابة والخلفاء الأولین، ولا تترکوا خبراً یرویه أحدٌ من المسلمین فی أبی تراب إلّا وتأتونی بمناقض له فی الصحابة، فإنّ هذا أحبّ إلیّ وأقرّ لعینی وأدحض لحجّة أبی تراب وشیعته، وأشدّ علیهم من مناقب عثمان وفضله. فقُرئت کتبه علیٰ الناس، فرویت أخبار کثیرة فی مناقب الصحابة مفتعلة لا حقیقة لها.

وجدّ الناس فی روایة ما یجری هذا المجریٰ حتیٰ أشادوا بذکر ذلک علیٰ المنابر، وأُلقی إلیٰ معلمی الکتاتیب فعلَّموا صبیانهم وغلمانهم من ذلک الکثیر الواسع، حتیٰ رووه وتعلّموه کما یتعلّمون القرآن وحتیٰ علّموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم، فلبثوا بذلک ما شاء الله.

ثمّ کتب إلیٰ عمّاله نسخة واحدة إلیٰ جمیع البلدان: اُنظروا مَن قامت علیه البیِّنة أنّه یحبّ علیّاً وأهل بیته(علیهم السّلام) فامحوه من الدیوان وأسقطوا عطاءه ورزقه.

وشفع ذلک بنسخة أُخریٰ: مَن اتّهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنکِّلوا به واهدموا داره. فلم یکن البلاء أشدّ ولا أکثر منه بالعراق، ولا سیما بالکوفة حتیٰ أن الرجل من شیعة علیّ(علیه السّلام) لیأتیه مَن یثق به فیدخل بیته فیلقی إلیه سرّه ویخاف من خادمه ومملوکه ولایحدِّثه حتیٰ یأخذ علیه الأیمان الغلیظة لیکتمن علیه، فظهر حدیث کثیر موضوع وبهتان منتشر ومضیٰ علیٰ ذلک الفقهاء والقضاة والولاة، وکان أعظم الناس فی ذلک بلیةً القرّاء

ص: 31

المراؤون والمستضعفون الذین یظهرون الخشوع والنسک، فیفتعلون الأحادیث لیحظوا بذلک عند ولاتهم ویقربوا مجالسهم ویصیبوا به الأموال والمنازل، حتیٰ انتقلت تلک الأخبار والأحادیث إلیٰ أیدی الدیّانین الذین لا یستحلّون الکذب والبهتان، فقبلوها ورووها وهم یظنّون أنّها حقّ، ولو علموا أنّها باطلة لما رووها ولا تدیّنوا بها.

فلم یزل الأمر کذلک حتیٰ مات الحسن بن علیّ(علیه السّلام) فازداد البلاء والفتنة، فلم یبقَ أحدٌ من هذا القبیل إلّا وهو خائف علیٰ دمه أو طرید فی الأرض. ثمّ تفاقم الأمر بعد قتل الحسین(علیه السّلام) وولی عبد الملک بن مروان فاشتدّ علیٰ الشیعة، وولّیٰ علیهم الحجّاج بن یوسف، فتقرّب إلیه أهل النُسک والصلاح والدین ببغض علیّ وموالاة أعدائه وموالاة مَن یدّعی من الناس أنّهم أیضاً أعداؤه، فأکثروا فی الروایة فی فضلهم وسوابقهم ومناقبهم، وأکثروا من الغضِّ من علیٍّ(علیه السّلام) وعیبه والطعن فیه والشنئان له حتیٰ أنّ إنس_اناً وقف للحجّاج _ ویقال: إنّه جدّ الأصمعی عبد الملک بن قریب _ فصاح به: أیُّها الأمیر، إنّ أهلی عقّونی فسمونی علیّاً وإنّی فقیر بائس، وأنا إلیٰ صلة الأمیر محتاج. فتضاحک له الحجّاج، وقال: للطف ما توسّلت به قد ولّیتک موضع کذا»(1).

فهذا النصّ أو الوثیقة یکشف لنا بوضوح عن کیفیّة وکمیّة الظلم الواقع علیٰ أهل البیت(علیهم السّلام) وشیعتهم، ویدلّنا _ کذلک _ علیٰ ارتفاع مؤشِّر هذا الظلم وتزایده باستمرّار کلّما مشینا فی الحقبة التاریخیة التی تلت رحیل الإمام علیّ(علیه السّلام)، حتیٰ بلغ الظلم غایته بعد مقتل الإمام الحسین(علیه السّلام)، فکان أهل البیت(علیهم السّلام) وأتباعهم ومحبِّوهم یمرّون فی أحلک الظروف

وأسواها، ویمکن القول: إنّ الأمر قد وصل فی عهد الإمام زین العابدین(علیه السّلام) إلیٰ حدِّ الاستئصال والإبادة لولا مشیئة الله (عزّ وجلّ) فی حفظ هذه الجماعة، فقد جاء فی نصٍّ

ص: 32


1- ابن أبی الحدید المعتزلی، عبد الحمید، شرح نهج البلاغة: ج11، ص45 _ 46.

آخر _ مروی عن الإمام الباقر(علیه السّلام) _ یتناسب مع النصّ السابق: «ثمّ لم یزل البلاء یشتدّ ویزداد إلیٰ زمان عبید الله بن زیاد قاتل الحسین(علیه السّلام)، ثمّ جاء الحجّاج فقتلهم کلّ قتلة، وأخذهم بکلّ ظنّة وتهمة، حتّیٰ أنّ الرجل لیقال له: زندیق أو کافر، أحبّ إلیه من أن یقال: شیعة علیّ(علیه السّلام)...» (1)، وبهذا تعرف أنّنا لم نغالِ حینما قلنا _ فی بدایة حدیثنا _ : إنّ القیام بجمع وتدوین روایات وقائع عاشوراء فی تلک السنین یُعدُّ عملیة انتحاریّة لا یجرؤ أحدٌ علیٰ الإقدام علیها.

ص: 33


1- ابن أبی الحدید المعتزلی، عبد الحمید، شرح نهج البلاغة: ج11، ص43 _ 44.

ص: 34

المبحث الثانی: نظرة عامّة حول مدینة الکوفة

قلنا فی المقدّمة: بأنّ حرکة التألیف والتصنیف حول واقعة الطفِّ کانت فی بدایاتها حرکة کوفیّة شیعیّة، وأنّ شیعة الکوفة هم رادة هذا المجال والسبّاقون إلیه.

من هنا؛ کان لا بدّ لنا أن نمهِّد لذلک بما یثبت أهمّیة الکوفة من الناحیة العلمیّة وصیرورتها مرکزاً من المراکز الفکریّة للشیعة والتشیُّع خلال مدّة وجیزة نسبیاً بعد تمصیرها.

1_ الکوفة، بالضم: الرملة الحمراء المجتمعة. وقیل: المستدیرة، أو کلّ رملة تخالطها حصباء أو الرملة ما کانت.

والکوفة: مدینة العراق الکبریٰ، وهی قبّة الإسلام، ودار هجرة المسلمین، واختُلف فی سبب تسمیتها، فقیل: سُمیت لاستدارتها. وقیل: بسبب اجتماع الناس بها. وقیل: لکونها رملة حمراء، أو لاختلاط ترابها بالحصیٰ. ویقال لها أیضاً: کوفان، بالضم، قال اللحیانی: کوفان: اسم للکوفة، وبها کانت تُدعیٰ قَبْل. وقال الکسائی: کانت الکوفة تُدعیٰ کوفان(1).

ومهما یکن، فقد مُصِّرت الکوفة فی عهد عمر بن الخطاب عام 17 أو 18 أو 19ه_(2)،

ص: 35


1- اُنظر: الزبیدی، محمّد مرتضی، تاج العروس: ج24، ص340 _ 341.
2- اُنظر: الحموی، یاقوت بن عبد الله، معجم البلدان: ج4، ص491.

وذلک بعد فراغ الجیش الإسلامی _ بقیادة سعد بن أبی وقاص _ من وقعة القادسیة وفتح المدائن، وحکایة ذلک باختصار هو ما ذکره البلاذری: «أنّ عمر بن الخطاب کتب إلیٰ سعد ابن أبیٰ وقاص یأمره أن یتّخذ للمسلمین دار هجرة، وأن لا یجعل بینه وبینهم بحراً، فأتیٰ الأنبار وأراد أن یتّخذها منزلاً، فکثر علیٰ الناس الذباب، فتحوّل إلیٰ موضع آخر فلم یصلح، فتحوّل إلیٰ الکوفة فاختطها وأقطع الناس المنازل، وأنزل القبائل منازلهم، وبنیٰ مسجدها»(1).

فقد کان الغرض من تأسیس هذه المدینة غرضاً عسکریّاً خالصاً، حیث أُرید لها أن تکون قاعدة عسکریّة تنطلق منها الجیوش الإسلامیّة لفتوح البلدان، وقد نُظِّم الجیش فیها علیٰ أساس قَبَلی، وکانوا یقسمون الأرزاق فی معسکراتهم باعتبار القبائل والبطون التی ینتمون إلیها أیضاً(2).

وقد قُسِّمت الجیوش فیها علیٰ سبعة تجمّعات رئیسة، وهی:

1_ کنانة وحلفاؤها وجدیلة.

2_ قضاعة وبُجیلة وغسان وخثعم وکندة وحضرموت والأزد.

3_ مذحج وحمیر وهمدان.

4_ تمیم ورباب.

5_ بنو أسد ومحارب ونمر من بنی بکر وتغلب، وأکثریة هؤلاء من ربیعة.

6_ إیاد وبنو عبد قیس وأهل هجر والحمر (وهم بقایا الجیش الفارسی کما سنشیر).

7_ مُلملَمَة أظهرهم طی.

وقد غیَّر الإمام علیّ(علیه السّلام) بعد ذلک تشکیل هذه التجمّعات إلیٰ ما یلی:

1_ همدان وحمیر والحمر.

ص: 36


1- البلاذری، أحمد بن یحیی، فتوح البلدان: ج2، ص338.
2- اُنظر: القرشی، باقر شریف، حیاة الإمام الحسین(علیه السّلام): ج2، ص445.

2_ مذحج وأشعر وطی.

3_ قیس وعبس وذبیان وعبد القیس.

4_ کندة وحضرموت وقضاعة ومهرة.

5_ الأزد وبجیلة وخثعم والأنصار.

6_ بکر وتغلب وبقیة ربیعة.

7_ قریش وکنانة وأسد وتمیم وضبة ورباب(1).

ولم یکن الجیش وحده قد نُظِّم وفق الأساس القبلی، بل کانت الروح القبلیّة سائدة ومتحکِّمة فی کلِّ شیء، فالتخطیط العمرانی فی الکوفة ابتداءً من توزیع الأحیاء ومروراً بالشوارع والسکک وانتهاءً بالمقابر، کلّ ذلک کان یُخطّط له علیٰ أساس قبلی(2).

2_ ولم یکن العنصر العربی هو العنصر الوحید الذی استوطن الکوفة، بل استوطنتها إلیٰ جانبه عناصر أُخریٰ، ساهمت مساهمة کبیرة فی تقدُّم عجلة الحیاة الفکریّة والثقافیّة فی هذه المدینة، ولعل أهمّ هذه العناصر هو العنصر الفارسی، فقد «کان مع رستم یوم القادسیة أربعة آلاف یسمون جند شهانشاه، فاستأمنوا علیٰ أن ینزلوا حیث أحبّوا ویحالفوا مَن أحبّوا، ویفرض لهم فی العطاء، فأُعطوا الذی سألوه، وحالفوا زهرة بن حویة السعدی من بنی تمیم، وأنزلهم سعد بحیث اختاروا، وفرض لهم فی ألف ألف، وکان لهم نقیب منهم یقال له: دیلم. فقیل: حمراء دیلم... والعرب تُسمِّیٰ العجم الحمراء، ویقولون: جئت من حمراء دیلم. کقولهم: جئت من جهینة وأشباه ذلک»(3).

ویمکن اعتبار هؤلاء الجند بمثابة الموجة الفارسیّة الأُولیٰ التی استوطنت الکوفة، ثمَّ

ص: 37


1- اُنظر: البراقی، حسین بن أحمد، تاریخ الکوفة: ص162_ 163.
2- اُنظر: لویس ماسنیون، خطط الکوفة: ص18.
3- البلاذری، أحمد بن یحیی، فتوح البلدان: ج2، ص275.

بدأت أعدادهم تزداد بمرور الوق_ت، وقد کان لهذه الجالیة _ بصفتها جالیة متحضّ_ِرة _ دور کبیر فی دفع عجلة التقدُّم الحضاری فی مدینة الکوفة علیٰ کافّة الأصعدة.

وقد عانت هذه الجالیة ما عانت من ممارسة التمییز العنص_ری العرقی فی عهد الخلیفتین الثانی والثالث، ولم یذوقوا طعم العدالة والمساواة إلّا فی عص_ر أمیر المؤمنین(علیه السّلام)، فقد رویٰ الفضل بن أبی قرّة عن الإمام الصادق(علیه السّلام)، قال: «أتت الموالی أمیر المؤمنین(علیه السّلام) فقالوا: نشکو إلیک هؤلاء العرب، إنّ رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) کان یعطینا معهم العطایا بالسویة، وزوّج سلمان، وبلالاً، وصهیباً، وأبوا علینا هؤلاء، فقالوا: لا نفعل. فذهب إلیهم أمیر المؤمنین(علیه السّلام) فکلَّمهم فیهم، فصاح الأعاریب: أبینا ذلک یا أبا الحسن، أبینا ذلک. فخرج وهو مغضب یجرّ رداءه وهو یقول: یا معشر الموالی، إنّ هؤلاء قد صیَّروکم بمنزلة الیهود والنصاریٰ، یتزوَّجون إلیکم ولا یزوِّجونکم، ولا یعطونکم مثل ما یأخذون، فاتّجروا بارک الله لکم، فإنّی قد سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) یقول: الرزق عش_رة أجزاء، تسعة أجزاء فی التجارة وواحد فی غیرها»(1).

ومنذ ذلک الحین أصبح میل وهویٰ هذه الجالیة لأهل البیت(علیهم السّلام) ، وبدأ أفرادها یدخلون إلیٰ التشیُّع بمعناه الرسمی بشکل تدریجی، وقد کان للمختار الثقفی دور کبیر فی کسب هذه الجماعة وتقریبهم من التشیُّع، وکان لها دور کبیر فی حرکته ودولته، فقد ذکر الدینوری: «أنّ أکثر مَن استجاب له همدان، وقوم کثیر من أبناء العجم الذین کانوا بالکوفة... وکانوا یُسمَّون الحمراء، وکان منهم بالکوفة زهاء عشرین ألف رجل»(2).

ومن العناصر التی سکنت الکوفة وترکت أثراً إیجابیاً علیٰ نموّها الفکریّ والحضاریّ، هو العنصر النبطیّ، والأنباط _ بحسب رأی بعض الباحثین _ من عرب شمال الجزیرة، ولعلّهم أقرب الدول القدیمة إلیٰ عرب الحجاز، فأغلب الأسماء التی کانت

ص: 38


1- الکلینی، محمّد بن یعقوب، الکافی: ج5، ص318.
2- الدینوری، أحمد بن داود، الأخبار الطوال: ص288.

شائعة عندهم تشبه الأسماء المستعملة عند ظهور الإسلام، مثل: حارثة، وملیکة، وجذیمة، وکلیب، ووائل، ومغیرة، وقصی، وعدی، وعائذ، وعمر، وعمیرة، ویعمر، وکعب.

کما أنّ ترکیب لغتهم یُشبه ترکیب النحو العربی المعروف لدینا، غیر أنّهم یستعملون فی الکتابة والمکاتبات الرسمیة والمعاملات التجاریة اللغة الآرامیة، فکانت لهم لغة للتخاطب ولغة للکتابة(1).

وعلیٰ أیّ حال، فقد نزل الأنباط الکوفة بعد تمصیرها، وکان لهم دور فعّال فی تطویر الحیاة المدنیّة فیها، ویکفی أن تعرف أنّ الخط العربی الکوفی هو نسخة محورة عن الخطّ النبطی، وهو بدوره نسخة محورة عن الخط الآرامی المشتق من الفینیقی(2).

ویقول الشیخ باقر شریف القرشی: «وکانت الأنباط مِن العناصر التی سکنت الکوفة، وقد أثّروا فی الحیاة العامّة تأثیراً عقلیّاً واجتماعیّاً»(3).

هذا من جهة، ومن جهة أُخریٰ لم یکن المسلمون وحدهم یسکنون فی هذه المدینة _ وإن کانوا هم العنصر المتسیِّد _ بل کانت تضمّ إلیٰ جانبهم الیهود والمسیحیین، وقد کان لهاتین الفئتین دور مهم فی بلورة الحیاة الاقتصادیّة فی الکوفة، ولا سیما المسیحیین الذین کانت لهم أکبر محلات الصیرفة فی الکوفة(4).

3 _ ومن الأُمور التی ساهمت فی تطویر الحیاة العلمیّة فی هذه المدینة، وساعدت _ من جهة أُخریٰ _ علیٰ انتشار التشیُّع فیها، هو نزول ثلّة من صحابة الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فیها فی وقت مبکِّر، کعبد الله بن مسعود، وعمّار بن یاسر، والبراء بن عازب الأنصاری وغیرهم، وقد

ص: 39


1- اُنظر: العلی، صالح أحمد، محاضرات فی تاریخ العرب: ج1، ص43 _ 44.
2- اُنظر: المصدر السابق: ج1، ص44.
3- القرشی، باقر شریف، حیاة الإمام الحسین(علیه السّلام): ج2، ص438.
4- اُنظر: البراقی، حسین بن أحمد، تاریخ الکوفة: ص168.

کان لبعض هؤلاء مهام إداریّة أو علمیّة، ولم یکونوا أفراداً من عامّة الناس، فعمّار بن یاسر جاءها والیاً من قِبَل عمر بن الخطاب بعد ما عزل والیها الأسبق سعد بن أبی وقاص... وعبد الله بن مسعود بعثه عمر لیکون معلِّماً للقرآن.

ویریٰ الدکتور عبد الرسول الغفاری بأنّ هؤلاء الصحابة وأمثالهم کانوا یعرفون أهمّیة الإمام علیّ(علیه السّلام) فی الخلافة والإمرة، ویعترفون بفضله، وسابقیّته فی الإسلام، وعلمه، وشجاعته، فکانوا ممَّن یمیلون إلیه ویتشیّعون له، وهم الذین بذروا بذور التشیُّع فی الکوفة، بنش_رهم ما کانوا یعرفونه من فضائل ومناقب أمیر المؤمنین(علیه السّلام)؛ ولذا کانت الکوفة

_ حسب رؤیة الغفاری _ تمیل إلیٰ أمیر المؤمنین علیّ(علیه السّلام) قبل أن یدخلها بعنوانه خلیفةً للمسلمین أو یتّخذها عاصمة للدولة الإسلامیة(1).

4 _ وبعد عقد ونصف من تمصیرها تقریباً أضحت الکوفة مرکزاً لصحابة رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، والتابعین وأهل العلم، یوم نزلها أمیر المؤمنین(علیه السّلام)، باب مدینة العلم بحسب الحدیث الشریف: «أنا مدینة العلم وعلیٌّ بابها»(2)؛ ولذا ازدلفت إلیٰ هذه المدینة «زرافات من خیار الصحابة ورجالات التابعین ورواد العلم وحفّاظ الحدیث، فمَن والج مدینة العلم من بابه المفتوح علیٰ هذه الحاضرة الدینیّة بکلا مصراعیه، ومَن کارع من فضل بحره المدید الوافر متهذِّب بخلقه العذب النمیر، ومعتبر بعظاته البالغة، وآخذ منه معالم دینه وراوٍ عنه صدق الحدیث،ومحض الحقیقة»(3).

ص: 40


1- اُنظر: الغفاری، عبد الرسول، الکافی والکلینی: ص41.
2- الطوسی، محمّد بن الحسن، الأمالی: ص559. المفید، محمّد بن محمّد، الاختصاص: ص238. الحاکم النیسابوری، محمّد بن عبد الله، المستدرک علی الصحیحین: ج3، ص126. والحدیث مشهور ورواه جم غفیر من الفریقین. وفی المصادر التی أشرنا إلیها کفایة.
3- البراقی، حسین بن أحمد، تاریخ الکوفة: ص429.

وقد ذکر لنا المؤرِّخون أنّ مجموع الصحابة الذین نزلوا العراق مع أمیر المؤمنین(علیه السّلام) وناصروه فی حروبه لا یقلّون عن ألفین وثمانمائة صحابی، قال المسعودی: «وکان ممَّن شهد صفِّین مع علیٍّ من أصحاب بدر سبعة وثمانون رجلاً، منهم سبعة عشر من المهاجرین، وسبعون من الأنصار، وشهد معه من الأنصار ممَّن بایع تحت الشجرة وهی بیعة الرضوان من المهاجرین والأنصار من أصحاب رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) تسعمائة، وکان جمیع مَن شهد معه من الصحابة ألفین وثمانمائة»(1).

وقد اس_تقرّ قس_م کبیر من هؤلاء الص_حابة المذکوری_ن فی نصِّ المس_عودی _ بعد أن وضعت الحرب أوزارها _ فی الکوفة، واتّخذوها موطناً لهم، وساهموا فی تنشیط الحرکة العلمیّة فیها، قال ابن سعد: «هبط الکوفة ثلاثمائة من أصحاب الشجرة وسبعون من أهل بدر»(2).

فنزول أمیر المؤمنین(علیه السّلام) فی الکوفة کان له أکبر تأثیر فی دفع عجلة التقدُّم فی هذه المدینة، وعلیٰ جمیع الأصعدة، حتیٰ قال ابن الوردی: «الکوفة مدینة علویّة بناها علیّ بن أبی طالب(علیه السّلام)»(3)، مشیراً بذلک إلیٰ الدور الکبیر الذی ترکه أمیر المؤمنین(علیه السّلام) علیٰ جوانب هذه المدینة لا سیما الجانب العقدیّ والفکریّ.

5 _ وقد قطنت الکوفة بعد مرور مدّة قصیرة علیٰ تمصیرها العدید من الأُسَر العلمیّة التی أسهمت فی نش_ر نور العلم والمعرفة فی هذه المدینة، وأضحت ببرکة أبنائها قبلة

الباحثین عن العلم والمتزودین من حیاض المعرفة، وقد عدَّ مؤرِّخ الکوفة الکبیر السید حسین البراقی واحداً وعشرین من الأُسّر العلمیّة التی سکنت الکوفة وتفرّعت فیها،

ص: 41


1- المسعودی، علی بن الحسین، مروج الذهب: ج2، ص276.
2- ابن سعد، محمّد بن سعد، الطبقات الکبری: ج6، ص89.
3- ابن الوردی، عمر بن المظفر، خریدة العجائب وفریدة الغرائب: ص118.

وکان لها أکبر الأثر فی رفد الحرکة العلمیّة فیها، وهذه الأُسَر هی:

1 _ آل أبی جعد.

2 _ آل أبی الجهم.

3 _ آل أبی رافع.

4 _ آل أبی سارة.

5 _ آل أبی شعبة الحلبیون.

6 _ آل أبی صفیة.

7 _ آل أعین.

8 _ آل حیان التغلبی.

9 _ آل نعیم الأزدی الغامدی.

10_ آل أبی أراکة.

11_ بنو الحرّ الجعفی.

12_ بنو الیاس البجلی.

13_ بنو عبد ربّه بن أبی میمونة بن یسار الأسدی.

14_ بنو أبی سبرة.

15_ بنو سوقة.

16_ بنو نعیم الصحاف.

17_ بنو عطیة.

18_ بنو رباط.

19_ بنو فرقد.

20_ بنو درّاج.

ص: 42

21_ بنو عمّار البجلی الدهنی .

هذه هی الأُسَر العلمیّة التی استوطنت الکوفة، وقد أشار البراقی إلیٰ ما تفرّع عن کلِّ أُسرة من هذه الأُسَر ممَّن انخرط فی سلک أهل العلم من أبنائها، وأشار إلیٰ مجمل ما أنتجته من ثمار العلم والمعرفة(1).

لهذه العوامل المختلفة المتق_دّمة أض_حت الکوفة _ وخلال مدّة وجیزة _ مرکزاً علمیّاً هامّاً یعجّ بالعلماء والفقهاء والمفسِّرین والمحدِّثین والأخباریین والنحاة والشعراء، فلیس غریباً علیٰ الکوفة بعد هذا کلّه أن تکون المنطلق الأَوّل والقاعدة الأساسیّة لحرکة جمع وتتبّع وتدوین أخبار کربلاء، لا سیما وأنّ أکثر رواة الواقعة المباشرین هم من أهل الکوفة، فنهض فیها فی القرن الثانی للهجرة سبعة من الأخباریین والمحدِّثین المنتسبین إلیٰ التشیُّع، وانبروا إلیٰ تسجیل أحداث واقعة الطفِّ، فأثمرت جهودهم عن سبعة مقاتل اشتملت علیٰ أقدم مادّة تاریخیّة مسجلة حول هذه الواقعة.

ص: 43


1- اُنظر: البراقی، حسین بن أحمد، تاریخ الکوفة: ص450 وص468.

ص: 44

الفصل الأول: مقتل الأصبغ بن نباتة التمیمی الکوفی(أقدم المقاتل الحسینیّة)

اشارة

ص: 45

ص: 46

تقدیم

یُعتبر مقتل الأصبغ بن نباتة التمیمی أقدم عمل تدوینی قام به مؤرِّخٌ حول أحداث ووقائع کربلاء، إلّا أنّه من المحزن حقّاً أن نُعلن عن فقدان هذا المقتل واندثاره بشکل کامل، بحیث لا تریٰ له من أثر، والأغرب من ذلک أن لا تجد مَن ینقل عن هذا المقتل بالرغم من بقائه فی متناول العلماء ما یزید علیٰ ثلاثة قرون، کما سنبیِّن من خلال البحث.

والصفحات القلیلة التالیة هی نتاج لیالٍ وأیام من البحث المستمرّ کنت خلالها أحفر فی بطون کتب التاریخ، وأُنقِّب فیما وصَلَنا من نصوص حول الأصبغ ومقتله؛ بغیة الوصول إلیٰ بصیص نور فی هذا المجال.

وقد أرغمت_نا ندرة الوثائق التاریخیّة _ المتوفِّرة فی هذا الجانب _ علیٰ التوسُّع قلیلاً فی التحلیل والاستنتاج لترمیم وترقیع الکثیر من الجوانب المرتبطة بترجمة الأصبغ ومقتله المفقود، لنخرج بصورة مقبولة ومقروءة.

والبحث عن هذا المقتل المفقود _ من وجهة نظرنا _ له ثلاثة أهداف علیٰ الأقل:

الهدف الأول: هو الهدف النظری البحت، فالتعرُّف علیٰ صاحب أَوّل عمل تدوینی حول واقعة کربلاء، هو مطلب علمیّ یستحقّ البحث والدراسة، بغضِّ النظر عمّا سیترتَّب علیٰ هذا المطلب من آثار میدانیّة وعملیّة، وقد دأب أصحاب التراجم والرجال علیٰ ذکر کلِّ ما یتعلَّق بالمترجَم له من مؤلفات وغیرها؛ ممّا له دور فی إبراز شخصیّة صاحب الترجمة علمیّاً، وإن لم یکن ذلک الکتاب قد وصل إلیهم.

الهدف الثانی: هو تقدیم الشکر والعرفان لهذا المؤرِّخ المسلم الإمامیّ الذی بذل جهده

ص: 47

وقدّم ما علیه فی رصد وملاحقة وجمع وتدوین روایات کربلاء، ولکنّ الأقدار قد حالت

بینه وبین وصول مقتله إلینا، وهل من الإنصاف أن نتنکّر لریادة هذا الرجل وأسبقیته فی هذا المیدان بحجّة أن لا فائدة عملیّة مرجوة من هذا العمل؟!

الهدف الثالث: هو أنّنا نستطیع أن ندّعی أنّ لهذا البحث أثراً عملیّاً؛ فإنّنا نحتمل بأنّ روایات مقتل الأصبغ لم تُهمَل، بل تسلّلت إلیٰ المدونات التاریخیّة من دون الإشارة إلیٰ أنّ مصدرها هو مقتل الأصبغ، خصوصاً وأنّه قد بقی موجوداً فی الأوساط لعدّة قرون، وإنّا وإن کنّا لا نستطیع تحدید تلک المدونات ومواضع نقلها من هذا المقتل، إلّا أنّ دَیْدَن العلماء فی التألیف هو الاستفادة من مؤلفات السابقین، ولا أقل من أنّ الأصبغ بتألیفه للمقتل قد ألهمَ الآخرین تألیف المقاتل.

ومهما یکن، ینبغی لنا الآن أن نترجم للأصبغ، ثمَّ نحاول أن نسلِّط الضوء علیٰ مقتله.

ص: 48

المبحث الأول :ترجمة الأصبغ

1 _ اسمه ونسبه وکنیته

هو (الأصبغ) _ ب_الألف واللام، کما هو شائع علیٰ الألسن، وکما عنونت له الکثیر من المصادر(1). أو (أصبغ) بتعریته منهما، کما هو معنون فی مصادر أُخریٰ(2) _ بن نُباتة بن

ص: 49


1- ممَّن عنون له بالألف واللام منّا: الطوسی، محمّد بن الحسن، اختیار معرفة الرجال (رجال الکشی): ج1، ص220، برقم (164). والنجاشی، أحمد بن علیّ، رجال النجاشی: ص68، برقم (5). والطوسی، محمد بن الحسن، الفهرست: ص85، برقم (119). وابن شهر آشوب، محمّد بن علیّ، معالم العلماء: ص63، برقم (38). والبرقی، أحمد بن محمد، الرجال: ص6. والحلی، الحسن بن یوسف، إیضاح الاشتباه: ص80، برقم(2). والحلی، الحسن بن یوسف، الخلاصة: ص24، برقم(9). والحلی، الحسن بن علی بن داود، رجال ابن داود: ص52، برقم (204). والعاملی، حسن بن زید الدین، التحریر الطاووسی: ص77، برقم (47). والخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج4، ص132، برقم (1517). ومن العامّة نذکر: ابن سعد، محمّد بن سعد، الطبقات: ج6، ص229. وابن حجر، أحمد بن علیّ، الإصابة فی تمیز الصحابة: ج1، ص347، برقم (471). والنسائی، أحمد بن علیّ، الضعفاء والمتروکین: ج1، ص156، برقم (64). وابن شاهین، عمر، تاریخ أسماء الضعفاء والکذّابین: ص55، برقم (53).
2- ممَّن عنون له بتعریته من الألف واللام منّا: والطوسی، محمّد بن الحسن، رجال الطوسی: ص57، برقم (2) عنونه ب_دون ألف ولام بخلاف ما فعل بالفهرست. والبصری، أحمد بن عبد الرضا، فائق المقال فی الحدیث والرجال: ص91، برقم (55). ومن العامّة: البخاری، محمد بن إسماعیل، التاریخ الکبیر: ج2، ص35، برقم (1595). والرازی، ابن أبی حاتم، الجرح والتعدیل: ج2، ص319، برقم (1213). وابن عدی، عبد الله، الکامل فی ضعفاء الرجال: ج1، ص407. وابن حبان، محمّد بن حبان، المجروحین من المحدِّثین: ج1، ص173. والمزی، یوسف ، تهذیب الکمال: ج3، ص308، برقم (537). وابن حجر، أحمد بن علیّ، تهذیب التهذیب: ج1، ص362، برقم(658). والذهبی، محمّد بن أحمد، میزان الاعتدال: ج1، ص271، برقم(1014). والعجلی، أحمد بن عبدالله، معرفة الثقات: ص233، برقم (113).

الحارث بن عمرو بن فاتک بن عامر(1) التمیمی الحنظلی الدارمی المُجاشعی، أبو القاسم الکوفی(2).

والتمیمی: بفتح التاء وکسر المیم وسکون الیاء وکسر المیم، نسبةً إلیٰ تمیم التی تنتسب إلیها عدّة من القبائل العربیّة المعروفة، والمنتسب إلیها جماعة من الصحابة والتابعین(3)، ولا زالت هذه القبائل موجودة إلیٰ یومنا هذا، بل فی بعض الروایات ما یشیر إلیٰ بقائها إلیٰ زمان ظهور القائم، حیث ورد فی أحادیث أنّ صاحب رایة المهدیّ رجل من تمیم یقال له: شعیب بن صالح التمیمی(4).

والحنظلی: بفتح الحاء وسکون النون وفتح الظاء وکسر اللام، نسبة إلیٰ حنظلة بطن من تمیم، وهو حنظلة بن مالک بن زید بن مناة بن تمیم(5).

والدارمی: بفتح الدال وکسر الراء، هذه النسبة إلیٰ بنی دارم، وهو دارم بن مالک بن حنظلة(6).

والمُجاشعی: بضم المیم، وفتح الجیم، وکسر الشین، هذه النسبة إلیٰ بنی مُجاشِع، وهو مجاشع بن دارم(7).

ص: 50


1- اُنظر: ابن سعد، محمد بن سعد، الطبقات: ج6، ص247، برقم (2232).
2- اُنظر: المزی، یوسف، تهذیب الکمال: ج3، ص308، برقم (537).
3- اُنظر: السمعانی، عبد الکریم بن محمّد، الأنساب: ج1، ص76.
4- اُنظر: السیوطی، عبد الرحمن، العرف الوردی فی أخبار المهدی: ص99. المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار: ج53، ص35.
5- اُنظر: ابن الأثیر، علیّ بن أبی الکرم، اللباب فی تهذیب الأنساب: ج1، ص396.
6- اُنظر: المصدر السابق: ج1، ص484.
7- اُنظر: المصدر السابق: ج3، ص164.

قال صاحب الاشتقاق: «... واشتقاق الأَصبغ من قولهم: فرس أصبغ، والأُنثیٰ صبغاء، وهو الذی طرف ذنبه بیاض. والصبغ معروف. وثوب صبیغ ومصبوغ. ونُباتة: فُعالة من النبت»(1).

کان الأصبغ من خاصّة أمیر المؤمنین(علیه السّلام)، وکان من المعدودین من شرطة الخمیس الذین ضمنوا لأمیر المؤمنین(علیه السّلام) الذبح وضمن لهم الفتح، «وکان من ذخائر علی ممَّن قد بایعه علیٰ الموت، وکان من فرسان أهل العراق، وکان علیّ(علیه السّلام) یضن به علیٰ الحرب والقتال»(2).

2 _ ولادته ونشأته

الذی یراجع کتب السیرة والتاریخ والتراجم یلاحظ أنّ أکثر المشاهیر فی التاریخ من علماء وأُدباء وملوک وأُمراء وغیرهم، لا یعرف المؤرِّخون تواریخ موالیدهم، وغایة ما یتمکّنون منه هو تحدید وفیاتهم؛ ولذا نجد أنّ هناک عدداً من المؤرِّخین قد ألّفوا کتباً فی الوفیات، کوفیات المصریین لأبی إسحاق الْحَبَّال (ت418ه_)، ووفیات الأعیان لابن خلکان (ت681ه_)، والوافی بالوفیات للصفدی (ت764ه_)، والوفیات لابن رافع السلامی (ت774ه_)، والوفیات لابن قنفذ (ت810ه_)، بینما لا نجد مَن ألّف فی الموالید إلّا نادراً کمولد العلماء ووفیاتهم للربعی (ت397ه_).

والسبب فی ذلک أنّ الرجل من هؤلاء العظماء یُولَد کما یولَد ملایین الأطفال من عامة الناس، فلا تُبادر أُسرته أو مجتمعه إلیٰ تسجیل زمان ولادته، فهم لا یعلمون الغیب کی یتنبَّأوا بأنّ هذا الطفل أو ذاک سیکون له شأن أو منزلة رفیعة فی المستقبل.

وقد یلجأ بعض الباحثین فی مثل هذه الحالات إلیٰ الاعتماد علیٰ بعض القرائن

ص: 51


1- ابن درید، محمّد بن الحسن، الاشتقاق: ص243.
2- المنقری، ابن مزاحم، وقعة صفّین: ص443.

والمؤشرات العقلیّة والتاریخیّة لتخمین فترة زمنیّة معینة وقعت فیها ولادة الشخصیة المترجَم لها، کما لو عرفنا تاریخ وفاة والدة المترجَم له، فإن ّولادته ستکون حتماً قبل هذا التاریخ، أو عرفنا تاریخ وفاة والده، فإنّنا سنعلم أنّ ولادته کانت قبل هذا التاریخ أو بعده بأشهُر؛ لاحتمال أن یکون قد توفّی والده بعد الحمل وقبل الولادة، وهکذا.

وفیما یخصّ المترجَم له: فإنّنا لم نعثر علیٰ نصٍّ یحدد لنا زمان ولادته بالدقّة، غیر أنّنا نستطیع القول: بأنّ ولادته کانت فی حیاة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )؛ یدلّنا علیٰ ذلک ما رواه ابن عساکر بإسناده إلیٰ الأصبغ بن نباتة أنّه قال: «إنّا لجلوس ذات یوم عند علیّ بن أبی طالب(علیه السّلام) فی خلافة أبی بکر إذ أقبل رجل من حضرموت لم أرَ رجلاً قط أنکر منه ولا أطول...»(1).

فهذا النصّ یدلّ علیٰ أنّ الأصبغ کان رجلاً أو صبیاً ممیِّزاً علیٰ أقل تقدیر فی زمان خلافة أبی بکر، وبما أنّ خلافته لم تمتد لأزید من سنتین وعدّة أشهُر(2)، فیکون الأصبغ قد أدرک زمان رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )؛ ولذا عنوَن له ابن حجر فی الإصابة فی ضوء هذا المؤشر(3).

وممّا یدعم ذلک ما وصفه به نصر بن مزاحم المنقری بعد إحدیٰ مبارزاته فی صفِّین، حیث قال: «فرجع الأصبغ وقد خُضّب سیفه دماً ورمحه، وکان شیخاً ناسکاً عابداً»(4).فإنّ لفظة الشیخ لا تُطلق فی اللغة إلّا علیٰ مَن ظهر علیه الشیب، أو تجاوز ال_ 50 أو 51 عاماً(5)، وهذا یعنی أنّه قد بلغ هذا السنّ أو قاربه أو تجاوزه فی وقعة صفِّین التی حصلت سنة 37ه_.

وعلیٰ أیّة حال، فإنّ هذا النصّ الذی أسنده ابن عساکر إلیٰ الأصبغ یرشدنا إلیٰ

ص: 52


1- ابن عساکر، علیّ بن الحسن، تاریخ مدینة دمشق: ج36، ص138.
2- اُنظر: المصدر السابق: ج30، ص50 _ 53. ابن حجر، أحمد بن علیّ، الإصابة فی معرفة الصحابة: ج4، ص150.
3- اُنظر: ابن حجر، أحمد بن علیّ، الإصابة فی معرفة الصحابة: ج1، ص347.
4- المنقری، ابن مزاحم، وقعة صفّین: ص443.
5- اُنظر: الزبیدی، محمّد مرتضی، تاج العروس: ج7، ص286، مادة (شیخ).

ملازمته لأمیر المؤمنین(علیه السّلام) ومتابعته له فی مرحلة مبکِّرة جدّاً من حیاته، قبل تولّیه للخلافة، ممَّا یؤکِّد إخلاص الأصبغ وعمق ولائه لأمیر المؤمنین(علیه السّلام)، وأنّه لم یکن یتحرّک بدافع دنیوی أو سیاسی أو مصلحی.

وقد بقی الأصبغ _ کما تشیر النصوص _ فی شرف هذه الصحبة إلیٰ آخر لحظة من لحظات حیاة أمیر المؤمنین(علیه السّلام)، فقد انتقل معه إلیٰ العراق، وشهد معه وقعة الجمل وصفِّین(1)، وحینما نزل أمیر المؤمنین(علیه السّلام) فی الکوفة واتّخذها عاصمة للدولة الإسلامیّة، استقرّ معه فیها متتلمذاً علیٰ یدیه، مقتفیاً أثره، مستضیئاً بنور علمه، وفی هذا الصدد نقل عنه أنّه قال: «حفظت من الخطابة کنزاً لا یزیده الإنفاق إلاّ سعة وکثرة، حفظت مائة فصل من مواعظ علیّ بن أبی طالب(علیه السّلام)»(2).

وتشیر بعض النصوص إلیٰ انتقال الأصبغ من الکوفة إلیٰ المدائن فی الأیام الأخیرة من ولایة سلمان الفارسی علیها(3)، ولا تسعفنا النصوص فی تحدید المهمّة التی أُنیطت بالأصبغ فی المدائن.

وعلیٰ أیّة حال، فالذی یظهر من نصوص أُخریٰ أنّ مکثه فی المدائن لم یدم طویلاً؛ إذ وجدناه حاضراً فی الکوفة فی شهر رمضان من عام 40 ه_، وهو الشهر الذی قُتل فیه أمیر المؤمنین(علیه السّلام)(4)، وقد کان حاضراً فی اللیلة التی ضُرب فیها أمیر المؤمنین(علیه السّلام) معه فی بیته(5).

ص: 53


1- اُنظر _ حول حضوره الجمل _: المدنی، ضامن بن شدقم، وقعة الجمل: ص46. واُنظر_ حول حضوره صفّین _: المنقری، ابن مزاحم، وقعة صفّین: ص604.
2- المجلسی، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج41، ص146.
3- اُنظر: المصدر السابق: ج22، ص374. وفیه یقول الأصبغ: «کنت مع سلمان الفارسی رحمه الله وهو أمیر المدائن فی زمان أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب(علیه السّلام)».
4- اُنظر: المصدر السابق: ج42، ص193. وفیه یقول الأصبغ: خطبنا أمیر المؤمنین(علیه السّلام) فی الشهر الذی قُتل فیه، فقال: «أتاکم شهر رمضان وهو سید الشهور...».
5- اُنظر: الطوسی، محمّد بن الحسن، الأمالی: ص123.

ولا تهدینا النصوص إلیٰ معرفة ما آل إلیه أمر الأصبغ بعد رحیل أمیر المؤمنین(علیه السّلام)، ولا نعرف شیئاً کثیراً عن طبیعة علاقته بالأئمّة(علیهم السّلام) من بعده، کما أنّ الأخبار لا تفیدنا بش_یءٍ عن نشاطه فی الکوفة بعد غیاب أمیر المؤمنین(علیه السّلام) عنها.

والمظنون أنّه قد کرّس جهده وما بقی من عمره فی نش_ر التشیّع وترویج أُصوله وأُسسه ومفاهیمه من خلال ما سمعه ووعاه من أمیر المؤمنین(علیه السّلام)، نتلمس ذلک ونتحسسه من خلال ما نقله الرواة عنه من أحادیث فی العقیدة والفقه والتفسیر والأخلاق والعرفان...

والذی نعتقده أنّه لم یهاجر من الکوفة بعد استشهاد أمیر المؤمنین(علیه السّلام)، وإنّما بقی فیها إلیٰ آخر لحظات عمره.

3 _ مکانته العلمیّة وطبقته ومصنَّفاته

کان الأصبغ رجلاً فاضلاً کما عبّر عنه المفید فی الاختصاص(1)، وهو من الأوصاف التی تُطلَق علیٰ أهل العلم فی عُرفِهم، وفی معالم العلماء لابن شهر آشوب: «إنّ أوّل مَن صنّف فیه [یعنی فی الإسلام] أمیر المؤمنین(علیه السّلام)، ثمَّ سلمان، ثمّ أبو ذرّ، ثم الأصبغ بن نباتة...»(2).

ویمکن أن نتلمّس الجانب العلمی فی شخصیّة الأصبغ من خلال مرویاته الکثیرة فی فنون العلم: الفقه والتفسیر والحکم وغیرها، فقد کان کثیر الروایة، متقناً فی حدیثه، وکان أکثر روایاته عن أمیر المؤمنین(علیه السّلام)، وقد رویٰ عن الصحابة، عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فضائل علیٍّ(علیه السّلام).

وله روایات فی فضل الشیعة، کما فی اختصاص المفید، وغیره(3).

ص: 54


1- اُنظر: المفید، محمّد بن محمّد، الاختصاص: ص65.
2- ابن شهر آشوب، محمّد بن علیّ، معالم العلماء: ص38.
3- اُنظر: الأبطحی، محمّد علیّ، تهذیب المقال: ج1، ص 201.

أمّا طبقته، فقد عدّه الطوسی فی رجاله من أصحاب الإمام أمیر بالمؤمنین(علیه السّلام)، ثمَّ عاد مرّة أُخریٰ وعدّه من أصحاب الإمام الحسن(علیه السّلام)(1).

وقد عدّه ابن حجر من الطبقة الثالثة، المشتملة علیٰ أسماء الطبقة الوسطیٰ من التابعین(2)، بل إنّه احتمل فی الإصابة _ کما ألمحنا _ أن یکون مُدرِکاً للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وأن تکون له صحبة.

ووقع الأصبغ فی إسناد اثنتین وستّین روایة فی الکتب الأربعة عدا ما رویٰ فی غیرها، بعنوان (الأصبغ بن نباتة) فی إسناد ستّ وخمسین روایة، وبعنوان (الأصبغ) فی إسناد خمس روایات، وبعنوان (أصبغ بن نباتة الحنظلی) فی إسناد روایة واحدة (3).

رویٰ عنه أبو الجارود زیاد بن منذر، وأبو حمزة الثمالی، وأبو الصباح الکنانی، والحارث بن المغیرة، وخالد النوفلی، وسعد بن طریف، وعبد الحمید الطائی، وعبد الله بن جریر العبدی، وعلیّ الحزور، ومحمّد بن داود الغنوی، ومحمّد بن الفرات، ومسمع، والأجلح بن عبد الله الکندی، وثابت بن أسلم البنانی، ورزین بیاع الأنماط، وسعید بن مینا، وعلیّ بن الحزور، وفطر بن خلیفة، ومحمّد بن السائب الکلبی، والولید بن عبدة الکوفی، ویحییٰ بن أبی الهیثم العطار وآخرون(4).

والأصبغ هو مَن رویٰ عهد مالک الأشتر الذی عهده إلیه أمیر المؤمنین(علیه السّلام) لمّا ولّاه مصر، ورویٰ _ أیضاً _ وصیة أمیر المؤمنین(علیه السّلام) إلیٰ ابنه محمّد بن الحنفیّة، کما ذکر ذلک شیخ الطائفة الطوسی فی فهرسه، وقال: «أخبرنا بالعهد ابن أبی جید، عن محمّد بن الحسن، عن الحمیری، عن هارون بن مسلم، والحسن بن ظریف جمیعاً، عن الحسین بن علوان الکلبی، عن

ص: 55


1- اُنظر: الطوسی، محمّد بن الحسن، رجال الطوسی: ص57 _ 93.
2- اُنظر: ابن حجر، أحمد بن علیّ، تقریب التهذیب: ص113، برقم(537).
3- اُنظر: الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج4، ص135_ 136.
4- اُنظر: المصدر السابق: ج4، ص135. المزی، یوسف، تهذیب الکمال: ج3، ص308، برقم (537).

سعد بن طریف، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمیر المؤمنین(علیه السّلام).

وأمّا الوصیة، فأخبرنا بها الحسین بن عبید الله، عن الدوری، عن محمّد بن أحمد بن أبی الثلج، عن جعفر بن محمّد الحسینی، عن علیّ بن عبدک الصوفی، عن الحسن بن ظریف، عن الحسین بن علوان، عن سعد بن طریف، عن الأصبغ بن نباتة المجاشعی، قال کتب أمیر المؤمنین(علیه السّلام) إلیٰ ولده محمّد بن الحنفیّة بوصیته»(1).

ورویٰ الطوسی عنه أیضاً مقتل الحسین(علیه السّلام) کما سیأتی عمّا قریب.

وقد رویٰ الأصبغ _ أیضاً _ القضایا التی حکم فیها أمیر المؤمنین(علیه السّلام)، وهو بروایة إبراهیم بن هاشم القمّی، وتوجد نسخة منه فی مکتبة جامعة طهران برقم (3915) وبتاریخ (1064ه_)، ونسخة فی ترکی_ا مکتب_ة حمی_دیّة رقم (1447) من 149 آ _ 153 آ، وهی بعنوان (أقضیة أمیر المؤمنین(علیه السّلام)).

وکانت عند السیِّد محسن الأمین العاملی صاحب أعیان الشیعة نسخة ثمینة من هذا الکتاب، ضمن مجموعة علیها تواریخ سنة (410 و420) باسم (عجائب أحکام أمیر المؤمنین(علیه السّلام) ومسائله)، أدرجها فی کتاب ألّفه باسم (عجائب أحکام وقضایا ومسائل أمیر المؤمنین(علیه السّلام))(2).

4 _ مذهبه ومعتقده

لا ینبغی التوقّف فی القول بتشیُّع الأصبغ وموالاته لأهل البیت(علیهم السّلام) ، بل لا ینبغی التردّد فی کونه من الناشرین لمذهبهم والمروِّجین لفکرهم، ویمکن للقارئ الکریم أن یتأکَّد من ذلک من خلال ما بثّه الأصبغ من روایات تحمل فضائل أهل البیت(علیهم السّلام)

ص: 56


1- الطوسی، محمّد بن الحسن، الفهرست: ص37 _ 38.
2- اُنظر: الجلالی، محمّد رضا، تدوین السنّة الشریفة: ص140.

ومناقبهم وفضائل شیعتهم ومحبّیهم.

ونحن نکتفی هنا بإیراد روایة واحدة رواها الصدوق بإسناده إلیٰ الأصبغ بن نباتة أنّه قال: «خرج علینا أمیر المؤمنین علیُّ بن أبی طالب(علیه السّلام) ذات یوم ویده فی ید ابنه الحسن(علیه السّلام)، وهو یقول: خرج علینا رسولُ الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ذات یوم ویدی فی یده هکذا، وهو یقول: خیر الخلق بعدی وسیِّدهم أخی هذا، وهو إمام کلّ مسلم، ومولیٰ کلّ مؤمن بعد وفاتی. ألا وإنّی أقول: خیر الخلق بعدی وسیِّدهم ابنی هذا، وهو إمام کلّ مؤمن، ومولیٰ کلّ مؤمن بعد وفاتی، ألا وإنّه سیُظلَم بعدی کما ظُلمت بعد رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وخیر الخلق وسیِّدهم بعد الحسن ابنی أخوه الحسین المظلوم بعد أخیه، المقتول فی أرض کربلاء، أما إنّه وأصحابه من سادة الشهداء یوم القیامة، ومن بعد الحسین تسعة من صلبه، خلفاء فی أرضه وحججه علیٰ عباده، وأمناؤه علیٰ وحیه، وأئمّة المسلمین وقادة المؤمنین، وسادة المتّقین، تاسعهم القائم الذیٰ یملأ الله (عزّ وجلّ) به الأرض نوراً بعد ظلمتها، وعدلاً بعد جورها، وعلماً بعد جهلها، والذی بعث أخی محمداً بالنبوّة واختصّنی بالإمامة لقد نزل بذلک الوحی من السماء علیٰ لسان الروح الأمین جبرئیل، ولقد سُ_ئل رس_ول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) _ وأنا عنده _ عن الأئمّة بعده، فقال للسائل: والسماء ذات البروج: إنّ عددهم بعدد البروج، وربّ اللیالی والأیام والشهور: إنّ عددهم کعدد الشهور. فقال السائل: فمَن هم یا رسول الله؟ فوضع رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) یده علیٰ رأسی، فقال: أوّلهم هذا وآخرهم المهدی، مَن والاهم فقد والانی، ومَن عاداهم فقد عادانی، ومَن أحبّهم فقد أحبّنی، ومَن أبغضهم فقد أبغضنی، ومَن أنکرهم فقد أنکرنی، ومَن عرفهم فقد عرفنی، بهم یحفظ الله (عزّ وجلّ) دینه، وبهم یعمر بلاده،وبهم یرزق عباده، وبهم نزل القطر من السماء، وبهم یخرج برکات الأرض هؤلاء أصفیائی وخلفائی وأئمّة المسلمین وموالی المؤمنین»(1).

ص: 57


1- الصدوق، محمّد بن علیّ، کمال الدین وتمام النعمة: ص25_ 260.

والمحتویٰ العقائدی الذی تحمله هذه الروایة ونظائرها ممّا کان ینش_ره الأصبغ بین الناس هو جوهر العقیدة الإمامیّة ومحورها؛ ومن هنا عبَّر عنه الرجالیون بألفاظ دالّة علیٰ عمق تشیّعه ورسوخ عقیدته فی أهل البیت(علیهم السّلام) ، فقد عبَّر عنه النجاشی _ وهو یوافق قول الطوسی أیضاً _ بقوله: «کان من خاصّة أمیر المؤمنین(علیه السّلام)»(1)، وقال عنه المفید: «وکان من شرطة الخمیس»(2)، وهذه العبارة لا تُطلق إلّا علیٰ خیار شیعة أمیر المؤمنین(علیه السّلام)، والمقصود بالخمیس: الجیش، سُمّی به لأنّه مقسوم إلیٰ خمسة أقسام: المقدّمة، والساقة، والمیمنة، والمیسرة، والقلب، وهم ستّة آلاف رجل أو خمسة آلاف، وهم أصحاب أمیر المؤمنین(علیه السّلام) الذین قال لهم: «تش_رّطوا فأنا أُشارطکم علیٰ الجنّة، ولست أُشارطکم علیٰ ذهب ولا فضّة»(3).

رویٰ الکشی، عن محمّد بن مسعود، قال حدَّثنی علیّ بن الحسین، عن مروک بن عبید قال: حدَّثنی إبراهیم بن أبی البلاد، عن رجل، عن الأصبغ، قال: قلت له: کیف سُمِّیتم شرطة الخمیس یا أصبغ؟ قال: «إنّا ضمنّا له الذبح وضمن لنا الفتح»(4).

هذا من زاویة أتباع مدرسة أهل البیت(علیهم السّلام) ، أمّا من زاویة العامّة فتکاد تتّفق کلمتهم علیٰ تشیُّعه ونسبته إلینا، فهذا ابن قتیبة یعدّه من رجال الشیعة(5)، وقال ابن سعد: «کان شیعیّاً»(6)، وقال ابن حجر: «رُمی بالرفض»(7)، وقال العقیلی: «کوفی کان یقول بالرجعة»(8).

ص: 58


1- النجاشی، أحمد بن علیّ، رجال النجاشی: ص68.
2- المفید، محمّد بن محمّد، الاختصاص: ص65.
3- اُنظر: المصدر السابق: ص2 _ 3.
4- الطوسی، محمّد بن محمّد ، اختیار معرفة الرجال (رجال الکشی): ص320.
5- اُنظر: ابن قتیبة الدینوری، عبد الله بن مسلم، المعارف: ص624.
6- ابن سعد، محمّد بن سعد، الطبقات: ج6، ص247.
7- ابن حجر، أحمد بن علیّ، تقریب التهذیب: ج1، ص113.
8- العقیلی، محمّد بن عمرو، الضعفاء: ج1، ص129.

وقال ابن حبان: «وهو ممَّن فُتن بحبِّ علیّ(علیه السّلام)»(1). وقال الخرکوشی عنه: إنّه من الشیعة المحترقین(2).

5 _ وثاقته وعدالته

قلنا _ فیما تقدّم _ : إنّ الأصبغ من المعدودین من (شرطة الخمیس)، وقد تحدَّثنا عن معنیٰ هذه العبارة وعن دلالتها علیٰ تشیُّع مَن أُطلقت فی حقّه، ونرید أنّ نضیف الآن بأنّها قد ت_دلّ علیٰ الوث_اقة _ أیضاً _ کما صرّح به صاحبُ س_ماء المقال بقوله: «ثمّ إنّه لا یخفیٰ أنّها [یعنی عبارة شرطة الخمیس] تدلّ علیٰ غایة قوّة إیمان مَن ذُکر فی حقّه... کما أنّ الظاهر دلالتها علیٰ الوثاقة، کما جریٰ علیه جمع من الطائفة...»(3).

ولا کلام فی کون الأصبغ من المعدودین من شرطة الخمیس، کما نصَّ علیٰ ذلک المفید، بل نصّت علیٰ ذلک جملة من المصادر من الفریقین(4)، وإنّما الکلام کلّ الکلام فی دلالة هذه العبارة علیٰ وثاقة مَن أُطلقت فی حقّه، والواقع أنّ العبارة لا تدلّ بذاتها علیٰ التوثیق وإن دلّت علیٰ التشیّع، وإنّما اکتسبت هذه الحمولة، وصارت تدلّ علیٰ التوثیق من خلال الروایات المادحة ل_(شرطة الخمیس)، وهی بأجمعها ضعیفة، کما صرّح بذلک السیِّدالخوئی(5).

ومن هنا؛ لم ینصّ النجاشی والطوسی علیٰ عدالة الأصبغ واکتفیا بالتعبیر عنه بأنّه:

ص: 59


1- ابن حبان، محمّد بن حبان، المجروحین من المحدِّثین: ج1، ص174.
2- اُنظر: الخرکوشی، عبد الملک بن محمّد، شرف المصطفی: ج5، ص358.
3- الکلباسی، کمال الدین (أبو الهدی)، سماء المقال فی علم الرجال: ج2، ص248.
4- ممَّن نصّ علی ذلک بالإضافة إلی المفید فی الاختصاص: الطوسی، محمد بن الحسن، اختیار معرفة الرجال (رجال الکشی): ص320. ابن سعد، محمّد بن سعد، الطبقات: ج6، ص225. المنقری، ابن مزاحم، وقعة صفّین: ص406.
5- اُنظر: الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج4، ص134.

«من خاصّة أمیر المؤمنین(علیه السّلام)»، وهذا التعبیر لا یدلّ _ عند الدرائی_ین _ علیٰ أکثر من المدح والحسن(1)، ونعته العلّامة الحلّی فی الخلاصة ب_لفظ (مشکور) بعد ما ذکره فی القسم المخصَّص للرواة المعتمد علیهم، وهو من الألفاظ التی تفید المدح کما فی الراشحة الثانیة عش_ر من الرواشح السماویة(2)، واعتبره صاحب نهایة الدرایة من ألفاظ المدح من المرتبة الثانیة(3)، ومثله ما وصفه به فائق المقال، حیث قال عنه: «وکان جلیل القدر، خیّراً»(4)، وهو من تعابیر المدح أیضاً دون التوثیق، وکذا صنع الخوئی؛ إذ وصفه بقوله: «وهو من المتقدِّمین، من سلفنا الصالحین»(5)، وهذه الکلمات لا تدلّ علیٰ غیر المدح أیضاً، کما لا یخفیٰ علیٰ مَن تتبّع کتب کلمات الدرائیین ومصطلحاتهم.

ویتلّخص ممّا تقدم: أنّ المستقرّ علیه هو أنّ الرجل من الممدوحین فی رجالنا، ولم یص_رِّح أحدٌ منهم بتوثیقه وتعدیله، غیر أنّ النَفْس غیر راضیة بما قالوه، ونحن نریٰ وثاقته ونرجِّح عدالته لوجوه:

الوجه الأول: إنّ الرجل قد تکرّر اسمه فی تفسیر علیّ بن إبراهیم القمّی (کان حیّاً سنة307ه_)، وهذا الوجه حجّة علیٰ مَن یذهب إلیٰ وثاقة جمیع مَن وقع فی إسناد هذا التفسیر.

الوجه الثانی: ورود اسمه فی إسناد کامل الزیارات، فهو أیضاً موثّق عند مَن یریٰ

ص: 60


1- اُنظر: الغفاری، علیّ أکبر، دراسات فی علم الدرایة: ص115. قال حول دلالة هذا اللفظ: «وأمّا قولهم: (خاصیّ)، فإن أُرید به ما یُراد من قولهم: من خاصّة الإمام الفلانی(علیه السّلام). دلّ علی المدح المعتد به وأفاد الحسن، وإن أُرید ما قابل قولهم: (عامیّ). کما هو الأظهر، لم یُفد إلّا کونه إمامیاً، وعند الإطلاق یکون الأمر فیه مشتبهاً وتعین الأخذ منه بالقدر المتیقّن...».
2- اُنظر: الأسترآبادی، المیرداماد محمّد باقر، الرواشح السماویة: ص53.
3- اُنظر: الصدر، حسن، نهایة الدرایة: ص399.
4- البصری، أحمد بن عبد الرضا، فائق المقال فی الحدیث والرجال: ص91، برقم (155).
5- الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج4، ص132، برقم (1517).

وثاقة جمیع الواقعین فی سلسلة الإسناد.

الوجه الثالث: أن نرفض القوالب التی وضعها علماء الدرایة فی تحدیدهم لألفاظ الجرح والتعدیل، ونقول: بأنّ عبارة «من خاصّة أمیر المؤمنین(علیه السّلام)» تدلّ علیٰ التوثیق، بل هی من أرفع عبارات التوثیق، ویتّضح ذلک من خلال عرض العبارة علیٰ العرف(1).

الوجه الرابع(2): وهو مبنی علیٰ مسلک (الاطمئنان) المتاخم للعلم الحاصل من ملاحظة مجموع الأوصاف التی وصفها به علماء الرجال والتاریخ، ومجموع ما قیل عنه وما صدر منه.

فإنّ کلّ مفردة _ إذا فُصلت عن نظائرها _ وإن لم تفد الوثوق والاطمئنان النوعی، إلّا أنّها بمجموعها قد تفید العلم، أو علیٰ الأقل الاطمئنان بوثاقته، بل بما هو فوق الوثاقة، أی: الدرجات العالیة منها.

ومن العبارات: قول النجاشی والطوسی: «کان من خاصّة أمیر المؤمنین(علیه السّلام)»، وکذا عبارة «مشکور»، و«کان جلیل القدر، خیِّراً»، و«من المتقدِّمین من سلفنا الصالحین...» إلخ، فإذا ض_ممنا إلیٰ ذلک وق_وعه فی إس_ناد کام_ل الزیارات، وتفسیر علیّ بن إبراهیم _ وإن لم نقل بوثاقة جمیع مَن ورد فی إسنادهما علیٰ المبنیٰ فرضاً _ ثمَّ ضممنا إلیٰ ذلک کلّه ما وصفه به رجالیو العامّة، کقول ابن حبان: «وهو ممَّن فُتِن بحبِّ علیٍّ»(3)، وإذا ضممنا إلیٰ ذلک کلّه أنّ بعض العامّة قد وثّقه کالعجلی، بل وابن عدی، رغم أنّ ذلک علیٰ خلاف القاعدة منهم، وإذا ضممنا إلیٰ ذلک أیضاً ما ذُکر له من الأوصاف والأعمال والمواقف، مثل کونه من شرطة الخمیس، وکونه راویاً لمقتل سیِّد الشهداء(علیه السّلام)، وکونه الراوی لعهد الأشتر عن

ص: 61


1- وهذا الوجه سمعناه من أُستاذنا سماحة السیِّد مرتضی الشیرازی (دام ظله) فی خارج الفقه.
2- والوجه أیضاً من إفادات سماحة السیِّد الأُستاذ (دام ظله).
3- ابن حبان، محمّد بن حبان، المجروحین من المحدِّثین: ج1، ص174.

أمیر المؤمنین(علیه السّلام)، وکونه الراوی لوصیّة أمیر المؤمنین(علیه السّلام) إلیٰ ابنه محمّد بن الحنفیة، ومثل مضامین مجموعة من روایاته التی رُویت عنه ورواها کبار علمائنا فی موسوعاتهم الروائیة، کما فی روایة الک_شی عنه خبر المائة وأویس القرنی(1)، وروایة أبی الجارود عنه فی قوله: «إلّا أنّ سیوفنا علیٰ عواتقنا فمَن أومأ إلیه [أی: مَن أومأ إلیٰ أمیر المؤمنین(علیه السّلام)] ضربناه بها»(2)، وکروایته قضیة دخول حارث الهمدانی علیٰ أمیر المؤمنین(علیه السّلام)، وقوله(علیه السّلام) له: «یا حار همدان مَن یمت یرنی...»(3).

أقول: إذا ضممنا ذلک کلّه بعضه إلیٰ بعض؛ فالظاهر أنّه یُطمأن _ دون شکٍّ _ بوثاقته، وذلک سواء أقلنا: بأنّ (الاطمئنان) الشخصی حجّة، أم قلنا: بأنّ الحجّة هی للاطمئنان النوعی، أی: حصول الوثوق النوعی من المجموع، وإن لم یحصل للشخص نفسه اطمئنان شخصی، فإنّ العقلاء بملاحظتهم مجموع ذلک، یحصل لهم الاطمئنان بوثاقته، فحجّیة هذا الظنّ الحاصل من المجموع مستندة إلیٰ بناء العقلاء، کما یمکن إسنادها إلیٰ أنّها نوع استبانة، بل من أظهر مصادیقها _ والأشیاء کلّها علیٰ ذلک حتیٰ تستبین أو تقوم البینة _ کما تشملها آیة النبأ، بلحاظ التعلیل فیها(4).

هذه بعض الوجوه، ولعل المتتبّع یجد وجوهاً أُخریٰ یُستفاد منها توثیق الأصبغ.

أمّا فی رجال العامّة فقد ذهب أکثرُهم إلیٰ ردِّ روایته ونکارة حدیثه(5)، ولم یوثِّقه منهم

ص: 62


1- اُنظر: الطوسی، محمّد بن الحسن، اختیار معرفة الرجال (رجال الکشی): ص315.
2- المصدر السابق: ص320.
3- المفید، محمّد بن محمّد، الأمالی: ص5 _ 6. الطوسی، محمّد بن الحسن، الأمالی: ص626 _ 627.
4- وقد فصل سماحة السیِّد الأُستاذ(دام ظله) الحدیث عن (الاطمئنان) باعتباره وجهاً من وجوه حجّیة قول الرجالی، واللُغوی وغیرهما فی الدروس 78 _ 79 من مبحث (قاعدة الإلزام)، و 36 _ 37 من مبحث (حفظ کتب الضلال) ، وهی مسجلة وموجودة علی موقع سماحته لمَن أراد التوسّع.
5- اُنظر: ابن حجر، أحمد بن علیّ، تهذیب التهذیب: ج1، ص362، برقم (658).

سویٰ العجلی الذی قال عنه: «کوفی، تابعی، ثقة»(1)، وتوسّط فی أمره ابن عدی فاعتبره فی نفسه ثقة، وجعل الإنکار من جهة مَن رویٰ عنه، فقال: «وإذا حدّث عن الأصبغ ثقة، فهو عندی لا بأس بروایته، وإنّما الإنکار من جهة مَن رویٰ عنه، لأنّ الراوی عنه لعلّه یکون ضعیفاً»(2).

وفی الحقیقة إنّک لو فتّشت عن سبب مقنع لتضعیف الأصبغ وجرحه، فلن تجد سویٰ حبّه لأمیر المؤمنین(علیه السّلام) وعشقه له، ونقله لفضائله ومناقبه، وهذا ما صرّح به ابن حبان جهاراً نهاراً، حیث قال: «وهو ممَّن فُتن بحبِّ علیٍّ، أتیٰ بالطامات فی الروایات، فاستحقّ من أجلها الترک»(3).

فقد بَانَ السبب إذن، فلم یکن الأصبغ تارکاً للصلاة ولا شارباً للخمر ولا زانیاً ولا ولا... وإنّما کان ذنبه الوحید هو افتتانه بحبِّ أمیر المؤمنین(علیه السّلام)، ونقله لما یغیظ ابن حبان ومَن علیٰ شاکلته، «فالصواب ما قاله العجلی، من أنّه ثقة، وأشار إلیه ابن عدی بقوله: لا بأس بروایته، وجعل الإنکار من جهة مَن رویٰ عنه، ولا یُلتفت إلیٰ قدح مَن قدح فیه؛ لأنّ الجرح إنّما یُقدَّم علیٰ التعدیل إذا لم یکن الجرح مستنداً إلیٰ سببٍ عُلِمَ فساده»(4).

ص: 63


1- العجلی، عبد الله بن صالح، معرفة ثقات: ج1، ص233، برقم (233).
2- ابن عدی، عبد الله، الکامل فی ضعفاء الرجال: ج1، ص401.
3- ابن حبان، محمّد بن حبان، المجروحین من المحدِّثین: ج1، ص174.
4- السبحانی، جعفر، موسوعة طبقات الفقهاء: ج1، ص293.

6 _ وفاته

نصَّ النجاشی _ ومن بعده الطوسی _ علیٰ أنّ الأصبع قد عمَّر بعد أمیر المؤمنین(علیه السّلام)، ولکنّهما لم یحددا لنا سنة وفاته(1).

ولا یوجد ما نستند إلیه فی تحدید سنة وفاة الأصبغ عدا أمرین:

أ _ ذکر الذهبی له فی تاریخه فی الطبقة الحادیة عشرة _ بحسب تقسیمه للطبقات فی هذا الکتاب _ وقد حصر وفیات هذه الطبقة بین عامی 101- 120ه_(2).

ب _ عدّ ابن حج_ر له فی تقریب التهذیب فی الطبقة الث_الثة _ کما تق_دَّم _ وقد صرّح فی مقدّمة الکتاب أنّ المعدودین فی الطبقة الثالثة إلیٰ آخر الثامنة کلّهم من المتوفّین بعد المائة الأُولیٰ للهجرة(3).

وفی ضوء ذلک ذکر الطهرانی: أنّ وفاته کانت بعد عام مائة للهجرة، ذکر ذلک مرّتین: تارة عند ذکره لکتابته عهد أمیر المؤمنین(علیه السّلام) إلیٰ مالک الأشتر(4)، وأُخریٰ عند ذکره لکتابته وصیة أمیر المؤمنین(علیه السّلام) لابنه محمّد بن الحنفیّة(5).

ص: 64


1- اُنظر: النجاشی، أحمد بن علیّ، رجال النجاشی: ص8، برقم (5). الطوسی، محمّد بن الحسن، الفهرست: ص37، برقم (109).
2- اُنظر: الذهبی، محمّد بن أحمد، تاریخ الإسلام: ج7، ص7 _ 28.
3- اُنظر: ابن حجر، أحمد بن علیّ، تقریب التهذیب: ج1، ص26.
4- اُنظر: الطهرانی، آغا بزرک، الذریعة إلی تصانیف الشیعة: ج15، ص362.
5- اُنظر: المصدر السابق: ج25، ص105.

المبحث الثانی :کتاب مقتل الحسین(علیه السّلام) للأصبغ

اشارة

الظاهر أنّ الأصبغ بن نباتة هو أول مَن کتب فی مقتل الحسین(علیه السّلام)، وکتابه أسبق کتب المقاتل(1)، بل الظاهر أنّه أوّل مؤرِّخی واقعة الطف علیٰ الإطلاق، فکتابه کان یحوی أقدم مادّة تاریخیّة مسجّلة عن واقعة الطف؛ لأنّه کان معاصراً للواقعة.

وینبغی أن نتحدّث عن هذا المقتل من عدّة نواحی:

الناحیة الأُولی:

اشارة

لعلّ المصدر الوحید الذی أشار إلیٰ وجود کتاب باسم مقتل الحسین(علیه السّلام) للأصبغ بن نباتة هو کتاب الفهرست للطوسی (ت460ه_)، فبعد أن ذکر من کتبه عهد أمیر المؤمنین(علیه السّلام) لمالک الأش_تر، ووصیته إلیٰ محمّد بن الحنفیة، قال: «ورویٰ ال_دوری عنه _ أیضاً _ مقتل الحسین بن علیّ(علیه السّلام)، عن أحمد بن محمّد بن سعید، عن أحمد بن یوسف الجعفی، عن محمّد ابن یزید النخعی، عن أحمد بن الحسین، عن أبی الجارود، عن الأصبغ، وذکر الحدیث بطوله»(2).

رجال السند الواقعون بین الشیخ والأصبغ:

والرواة الظاهرون فی سند هذا الحدیث ستّة رجال: الدوری، أحمد بن محمّد بن سعید، أحمد بن یوسف الجعفی، محمّد بن یزید النخعی، أحمد بن الحسین، أبو الجارود.

ص: 65


1- الطهرانی، آغا بزرک، الذریعة إلی تصانیف الشیعة: ج22، ص24.
2- الطوسی، محمّد بن الحسن، الفهرست: ص38.

والدوری أقربهم إلیٰ الشیخ، والشیخ لا یروی عنه مباشرة، بل یروی عنه بواسطة شیخه الحسین بن عبید الله الغضائری، وإنّما لم یصرِّح بالواسطة لوضوحها فی ذهن المتتبّع لأسانید الشیخ، وهذه الطریقة تُسمّیٰ فی فنِّ الرجال ب_(التعلیق).

وعلیٰ أساس ذلک؛ یکون عدد الرجال الواقعین فی السند بین الشیخ والأصبغ سبعة رجال، سنحاول فیما یلی أن نقف علیٰ کلِّ واحد منهم والتعریف به تعریفاً مقتضباً؛ تمهیداً لاستنتاج بعض النتائج التاریخیّة المهمّة التی ترتبط بمقتل الأصبغ.

1_ الحسین بن عبید الله بن إبراهیم الغضائری (ت411ه_): هو شیخ النجاشی، وقد ذکره فی الرجال قائلاً: «الحسین بن عبید الله بن إبراهیم الغضائری، أبو عبد الله، شیخنا (رحمه الله)»، ثمَّ قال بعد أن ذکر عدداً من کتبه: «أجازنا جمیعها وجمیع روایاته، عن شیوخه، ومات رحمه الله فی نصف صفر سنة إحدیٰ عشرة وأربعمائة»(1).

أقول: وقد ثبت فی محلِّه من علم الرجال وثاقة جمیع شیوخ النجاشی(2).

وهو من مشایخ الطوسی أیضاً، وقد ذکره فی رجاله فی باب مَن لم یروِ عنهم(علیهم السّلام) ، ووصفه بکثیر السماع بالرجال، وقال: إنّ له تصانیف ذکرها فی الفهرست(3)، ولکن النُّسَخ الموجودة من الفهرست لا تحتوی علیٰ ترجمة للغضائری، وقد احتمل السید الخوئی سقوطها منها وأنّها کانت موجودة فی نسخة الأصل؛ فإنّ جلالة مقام الشیخ تأبیٰ عن أن یُخبر بشیء لا أصل له(4).

أقول: وما ذهب إلیه السید الخوئی من سقوط ترجمة الغضائری من الفهرست یحلّ لنا إحدیٰ الإشکالیات التی ابتُلینا فیها فی الرجال، أعنی إشکالیة إعراض الأُصول

ص: 66


1- النجاشی، أحمد بن علیّ، رجال النجاشی: ص69، برقم (166).
2- اُنظر حول ذلک: الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج1، ص50.
3- اُنظر: الطوسی، محمّد بن الحسن، رجال الطوسی: ص425، برقم (52).
4- اُنظر: الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج7، ص23.

الرجالیّة عن ترجمة عدد کبیر من الرواة والشخصیات العلمیّة؛ إذ من المحتمل أن تکون قد سقطت تراجمهم من النُّسخ الأصلیة للأُصول، کما سقطت ترجمة الغضائری من رجال الشیخ، وفی ضوء هذا الاحتمال لا یکون عدم الترجمة للراوی _ بالضرورة _ مساویاً للتقلیل من شأنه والحطّ من أهمّیته.

2_ الدوری: هو أحمد بن عبد الله بن أحمد بن جُلّین الدّوری. أبو ب_کر ال_ورّاق (299_ 379ه_)، من أهل بغداد(1)، قال فیه النجاشی: «کان من أصحابنا، ثقة فی حدیثه، مسکوناً إلیٰ روایته، لا نعرف له إلّا کتاباً واحداً، فی طرق ردّ الشمس...»(2).

3_ أحمد بن محمّ_د بن س_عید: وهو المعروف ب_(ابن عق_دة) (249_ 233ه_)، وهذا رجل جلیل القدر معظَّم عند جمیع فرق المسلمین، مشهور بالحفظ، وکان کوفیّاً زیدیّاً جارودیاً علیٰ ذلک حتّیٰ مات(3). قال عنه الطوسی فی الفهرست: «وأمره فی الثقة والجلالة وعِظم الحفظ أشهر مِن أن یُذکر»(4)، وقال النعمانی فی غیبته: «وهذا الرجل ممَّن لا یُطعن علیه فی الثقة، ولا فی العِلم بالحدیث والرجال الناقلین له»(5).

4_ أحمد بن یوسف الجعفی (ت _ بعد 271ه_)(6): هو من أهل الکوفة ومن شیوخ ابن عقدة، وقد ذکر النجاشی اسمه ونسبه بشکل مفصَّل فی ترجمة (الحسن بن علیّ بن أبی

ص: 67


1- اُنظر _ حول سکناه بغداد وتحدیثه بها _: الذهبی، محمّد بن أحمد، میزان الاعتدال: ج 1، ص109. وابن حجر، أحمد بن علیّ، تبصیر المنتبه بتحریر المشتبه: ج2، ص510.
2- النجاشی، أحمد بن علیّ، رجال النجاشی: ص85، برقم (205).
3- اُنظر: المصدر السابق: ص94، برقم (233).
4- الطوسی، محمّد بن الحسن، الفهرست: ص28، برقم (76).
5- النعمانی، محمّد بن إبراهیم(ابن أبی زینب) ، الغیبة: ص25.
6- یدلّنا علی ذلک ما نقله النجاشی فی رجاله: ص11 فی (ترجمة أبان بن تغلب)، عن الحسن أحمد بن الحسین، أنّه قال: «وقع إلی بخط أبی العباس بن سعید، قال: حدَّثنا أبو الحسین أحمد بن یوسف بن یعقوب الجعفی من کتابه فی شوال سنة إحدی وسبعین ومائتین».

حمزة البطائنی)، قال: «وله [یعنی للبطائنی] کتاب فضائل القرآن أخبرناه أحمد بن محمّد بن هارون عن أحمد بن محمّد بن سعید، قال حدَّثنا أحمد بن یوسف بن یعقوب بن حمزة بن زیاد الجعفی القصبانی یُعرف بابن الجلا [الحلا] بعرزم...»(1).

والعجیب أنّ النجاشی والطوسی لم یعنونا له، مع کثرة ذکر النجاشی له فی تراجم الآخرین، وکثرة روایة ابن عقدة عنه وتصریحه بأنّ له (کتاباً وأصلاً) کان یحدِّثه ممَّا فیه(2)؛ ولذا لم یجد الخوئی بُداً من القول(3) باتّحاده مع أحمد بن یوسف الذی عنون له الطوسی فی الفهرست، وقال: «له روایات»(4)، وباتّحاده مع أحمد بن یوسف مولیٰ بنی تیم الله الذی ذکره فی رجاله فی عداد أصحاب الرضا(علیه السّلام)، وقال عنه: «کوفی کان منزله بالبص_رة، ومات ببغداد، ثقة»(5)، ولا تعارض بین کونه جعفیاً وبین ولائه لبنی تیم الله، فإنّ منزله کان بالبصرة، فجاز ولاؤه فیها لبنی تیم الله، کما ذکر الخوئی(6).

5_ محمّد بن یزید النخعی: لم یعنون له النجاشی، وهو شیخ أحمد بن یوسف وتلمیذ أحمد بن الحسین، کما یبدو من هذا السند، وقد رویٰ عن سیف بن عمیرة، کما فی ترجمة أبان ابن تغلب من رجال النجاشی (7).

أمّا الشیخ، فقد ذکر عشرة أشخاص بعنوان (محمّد بن یزید)، سبعة منهم یمکن تمییز بعضهم عن الآخر، کما یمکن تمییزهم عن المترجَم له؛ وذلک من خلال ملاحظة الصفات

ص: 68


1- النجاشی، أحمد بن علیّ، رجال النجاشی: ص37.
2- اُنظر: المصدر السابق: ص11 _ 127.
3- اُنظر: الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج3، ص162، برقم (1027).
4- الطوسی، محمّد بن الحسن، الفهرست: ص37.
5- الطوسی، محمّد بن الحسن، رجال الطوسی: ص351.
6- اُنظر: الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج3، ص163.
7- اُنظر: النجاشی، أحمد بن علیّ، رجال النجاشی: ص11.

والأحوال التی ذکرها فی تراجمهم(1)، والثلاثة الباقون وإن کان یمکن تمییز أحدهم عن الآخر بوضوح، إلّا أنّ کلّ واحد منهم إذا قارناه بصاحبنا فإنّنا لا نجد ما یمیزه عنه _ لا علیٰ مستویٰ المؤشرات اللفظیّة، ولا علیٰ مستویٰ المؤشرات الخارجیّة _ وعلیه یمکن أن نقول: إنّه مشترک بین هؤلاء الثلاثة، وهم(2):

الأوّل: محمّد بن یزید الکوفی من أصحاب الصادق(علیه السّلام) برقم (391)، لم یوثَّق ولم یضعّف= مهمل.

الثانی: محمّد بن یزید: من أصحاب الکاظم(علیه السّلام) برقم (16)، بدون جرح أو تعدیل= مهمل.

الثالث: محمّد بن یزید: من أص_حاب الکاظم(علیه السّلام)_ أیض_اً _ برقم (41)، وقال عنه: مجهول.

وخلاصة الکلام فی محمّد بن یزید النخعی: أنّه مشترک بین مجهول الحال ومهمَلَین.

6_ أحمد بن الحسین: لا یوجد له ذِکْر فی الرجال، بل لیس له ذِکْر فی غیر هذا الموضع

ص: 69


1- وهم: 1_ محمّد بن یزید صاحب الشعیری: کوفی، من أصحاب الباقر(علیه السّلام)، برقم (39). 2_ محمّد بن یزید بن أبی زیاد: الهاشمی الکوفی، مولاهم، أُسند عنه، من أصحاب الصادق(علیه السّلام)، برقم (389). 3_ محمد بن یزید الرواسی: من أصحاب الصادق(علیه السّلام)، برقم (390). 4_ محمد بن یزید بن عمر الثقفی: کوفی، من أصحاب الصادق(علیه السّلام)، برقم (392). 5_ محمّد بن یزید العطار: صاحب البان، الکوفی: أسند عنه، مات سنة تسع وأربعین ومائة، وهو ابن إحدی وستّین سنة، من أصحاب الصادق(علیه السّلام)، برقم (393). 6_ محمّد بن یزید [بن] أبو الأشهب: الجعفی الکوفی، من أصحاب الصادق(علیه السّلام)، برقم (394). 7_ محمّد بن یزید النهروانی: من أصحاب الکاظم(علیه السّلام)، برقم (19). اُنظر ما ذکرناه حول هؤلاء المحمدین السبعة: النجاشی، أحمد بن علیّ، رجال النجاشی: ص304، 305 ، 359 ، 360، 361.
2- اُنظر: الطوسی، محمّد بن الحسن، رجال الطوسی: ص304، 359، 361.

علیٰ الإطلاق، وقال الأبطحی فی تهذیب المقال: «وأحمد بن الحسین مشترک بین الضعیف وغیره»(1)، ونحن لا نوافقه علیٰ ذلک، فإنّ الذین یشترکون مع المترجَم له فی اسمه واسم أبیه ممَّن عنونت لهم الأُصول الرجالیّة کلّهم معروفون بصفات وأحوال ومؤشرات خارجیة، ونستبعد معها احتمال الاتّحاد بین المترجَم له وکلّ واحد منهم، فالصحیح ما ذکرناه: من عدم عنونة المترجَم له فی کتب الرجال، ونُخمّن أنه کان زیدیّاً جارودیّاً من أتباع أبی الجارود، وقد لا یکون له نشاط علمیّ سویٰ نقله لهذا المقتل؛ ولهذا السبب أعرضوا عن ترجمته.

7_ أبو الجارود: وهو زیاد بن المنذر الهمدانی الکوفی، وإلیه تُنسب الزیدیّة الجارودیّة، قال عنه النجاشی: «کان من أصحاب أبی جعفر ورویٰ عن أبی عبد الله(علیهماالسّلام)، وتغیّر لمّا خرج زید رضی الله عنه»(2).

وهذا الذی ذکره النجاشی یؤکِّده الطوسی بقوله فیه: «زیاد بن المنذر، أبو الجارود الهمدانی، الحوفی الکوفی تابعی زیدی أعمیٰ، إلیه تُنسب الجارودیة منهم»(3).

فهنا لا یشیر الطوسی إلیٰ إمامیّته قبل خروج زید، ولکنّه یؤکِّد علیٰ ما یؤکِّد علیه النجاشی من اعتناقه لمذهب الزیدیّة، ویظهر منهما استمراره علیٰ هذا الحال إلیٰ آخر عمره.

وقد أورد الصدوق روایتین تدلّان دلالة واضحة علیٰ رجوع أبی الجارود إلیٰ مذهب الإمامیّة فی آخر حیاته(4).

وعلیٰ أیّة حال، فقد اختلفت کلمة القوم فی وثاقته، فذکر الکشی أنّ أبا الجارود سُمی سرحوباً، ونُسبت إلیه السرحوبیة من الزیدیّة، سمّاه بذلک أبو جعفر(علیه السّلام)، وذکر أنّ

ص: 70


1- الأبطحی، محمّد علی، تهذیب المقال: ج1، ص196.
2- النجاشی، أحمد بن علیّ، رجال النجاشی: ص170.
3- الطوسی، محمّد بن الحسن، رجال الطوسی: ص122.
4- اُنظر: الصدوق، محمّد بن علیّ، عیون أخبار الرضا: ج2، ص52، الحدیث (6و7).

سرحوباً اسم شیطان أعمیٰ یسکن البحر، وکان أبو الجارود مکفوفاً أعمیٰ، أعمیٰ القلب، ثمَّ أورد عدَّة روایات عن أبی عبد الله(علیه السّلام) فی ذمّه(1).

وقد ناقش السید الخوئی فی تلک الروایات وأثبت ضعفها(2).

وأمّا النجاشی والشیخ، فلا یظهر منهما جرح أو تعدیل للرجل، وإنّما اکتفیا ببیان مذهبه وطبقته کما مرّ علیک.

وأمّا ابن الغضائری، فمن قوله فیه: «... حدیثه فی حدیث أصحابنا أکثر منه فی الزیدیّة، وأصحابنا یکرهون ما رواه محمّد بن سنان عنه، ویعتمدون ما رواه محمّد بن بکر الأرجنی»(3).

وهذا یدلّ علیٰ أنّ الرجل ثقة فی نفسه، وإنّما حصل التشویش بسبب ما رواه بعض الضعفاء عنه؛ ولذا فإنّ رأینا فیه کرأی المحقق النوری الذی قال فیه: «وأمّا أبو الجارود، فالکلام فیه طویل، والذی یقتضیه النظر بعد التأمّل فیما ورد وفیما قالوا فیه أنّه کان ثقة فی النقل، مقبول الروایة، معتمداً فی الحدیث، إمامیاً فی أوله وزیدیّاً فی آخره»(4).

استنتاجات فی ضوء ما تقدّم:

حینما نتأمّل فی سلسلة هذا السند نستنتج الأُمور التالیة:

1_ إنّ هذا المقتل قد کُتب فی الکوفة، وأملاه الأصبغ فیها، حیث تلقّاه زیاد بن المنذر من الأصبغ وهو من أهل الکوفة، ومن الغریب أن لا یروی هذا المقتل عن الأصبغ غیر هذا الرجل، لا سیما القاسم بن الأصبغ بن نباتة الذی کان مهتمّاً علیٰ ما یبدو بموضوع

ص: 71


1- اُنظر: الطوسی، محمّد بن الحسن، اختیار معرفة الرجال (رجال الکشی): ج2، ص495 _ 496.
2- اُنظر: الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج8، ص335.
3- العلّامة الحلّی، الحسن بن یوسف، خلاصة الأقوال فی معرفة الرجال: ص348.التفرشی، مصطفی ابن الحسین، نقد الرجال: ج2، ج279.
4- النوری، حسین، خاتمة المستدرک: ج5، ص412.

روایات کربلاء کما سنُشیر.

2_ من المرجح أنّ هذا المقتل قد بقی محبوساً فی الکوفة یتوارثه تلامیذ الأصبغ، فمن أبی الجارود إلیٰ أحمد بن الحسین إلیٰ محمّد بن یزید النخعی إلیٰ أحمد بن یوسف الجعفی، الذی کان حیّاً عام 271ه_، بمعنیٰ أنّه قد بقی حوالی 170عاماً فی الکوفة، أی: أربعة أجیال.

3_ إنّ الذی نقل هذا المقتل إلیٰ بغداد هو ابن عقدة الذی کان زیدیّاً جارودیّاً حتیٰ مات، وهذا ما یجعلنا نرجّح بأنّ الواقعِین فی السند بین أبی الجارود وابن عقدة کلّهم من الزیدیّة الجارودیّة، ممَّا قد یفسِّر لنا عدم النقل عن هذا المقتل خلال تلک الفترة، فقد کان هذا المقتل محبوساً فی الکوفة عند أتباع أبی الجارود، وهؤلاء بدورهم کانوا منشغلِین عن نش_ر هذا المقتل بالدفاع عن مذهبهم الذی کان لا یزال فَتیِّاً فی تلک الفترة هذا من جانب.

ومن جانب آخر، فإنّ انتماءهم الفکری والمذهبی سیکون مانعاً من الاتّصال بهم لدیٰ الکثیر من المؤرِّخین المختلفین معهم فی المذهب.

وعلیٰ أیّة حال، فقد انتقل هذا المقتل إلیٰ بغداد قبل عام 333ه_ التی هی سنة وفاة ابن عقدة، وقد بقی متداولاً هناک إلیٰ أن وصل إلیٰ ید شیخ الطائفة الطوسی(ت 460ه_).

والسبب واضح فی انتقال هذا المقتل إلیٰ بغداد فی هذه الفترة بالذات، ففی هذه الفترة وتحدیداً عام 320ه_ کان مبدأ قیام الدولة البویهیّة الشیعیّة، فکانت لهم السلطة فی العراق وبعض بلاد إیران کفارس وکرمان وبلاد الجبل وهمدان وأصفهان والری(1)، وفی هذه الفترة أظهر الشیعة ما کان مدفوناً من تراثهم، واستطاعوا أن یعیدوا الحیاة لهذا التراث، وقام العلماء ببذل جهود جبارة فی تنظیم ونش_ر وترویج فکر أهل البیت(علیهم السّلام) فی تلک الفترة.

ص: 72


1- اُنظر: السبحانی، جعفر، أضواء علی عقائد الشیعة الإمامیة: ص94.

الناحیة الثانیة:

لقد عرفنا الآن بأنّ مقتل الأصبغ قد بقی إلیٰ أیام شیخ الطائفة الطوسی (ت460ه_)، أی: ما یزید علیٰ ثلاثة قرون، وقد بقی حوالی نصف هذه المدَّة فی الکوفة، منحص_راً بین تلامیذ أبی الجارود من الزیدیّة، ثمَّ نقله ابن عقدة إلیٰ بغداد فی بدایات الحکم البویهی، ثمَّ وصل إلیٰ الدوری، فابن الغضائری، فالطوسی، وربما کانت هناک نسخة من هذا المقتل فی المکتبة العامّة التی أنشأها الوزیر أبو نصر سابور بن أردشیر وزیر بهاء الدولة ابن عضد الدولة، وکانت من دُور العلم المهمّة فی بغداد بناها هذا الوزیر الجلیل فی محلة بین السورین فی الکرخ سنة 381 ه_ علیٰ مثال بیت الحکمة الذی بناه هارون الرشید.

قال یاقوت الحموی: «وبها کانت خزانة الکتب التی أوقفها الوزیر أبو نص_ر سابور بن أردشیر وزیر بهاء الدولة بن عضد الدولة، ولم یکن فی الدنیا أحسن کتباً منها، کانت کلّها بخطوط الأئمّة المعتبرة وأُصولهم المحررة»(1).

وعند مجیء طغرل بیک أُحرقت هذه المکتبة العظیمة فی جملة ما أُحرق من محال الکرخ، ثمّ توسعت الفتنة فدخلوا دار شیخ الطائفة، فأحرقوا کُتبَه وکرسیَّه الذی کان یجلس علیه للتدریس(2).

قال ابن الجوزی فی حوادث سنة (449ه): «وفی صفر هذه السنة کبست دار أبی جعفر الطوسی متکلِّم الشیعة فی الکرخ، وأُخذ ما وُجد من دفاتره وکرسی یجلس علیه للکلام، وأُخرج إلیٰ الکرخ وأُضیف إلیه ثلاث مجانیق بیض کان الزوار من أهل الکرخ قدیماً یحملونها معهم إن قصدوا زیارة الکوفة، فأُحرق الجمیع»(3).

ص: 73


1- الحموی، یاقوت بن عبد الله، معجم البلدان: ج1، ص534.
2- اُنظر: السبحانی، جعفر، أضواء علی عقائد الشیعة الإمامیة: ص56.
3- ابن الجوزی، عبد الرحمن بن علیّ، المنتظم فی تاریخ الملوک والأُمم: ج16، ص16.

من هنا؛ فنحن نرجِّح أنّ مقتل الأصبغ قد أُتلف فیما أُتلف فی الحملة السلجوقیّة التی تسبّبت بتدمیر عدد هائل من الأُصول الشیعیّة، وفی مقدِّمتها الأُصول الأربعمائة التی

کانت موجودة فی هذه المکتبة.

وقد کان الطوسی بعد انتقاله للنجف منهمکاً بإعادة ما یمکن إعادته من هذا التراث التالف، ولا ریب فی أنّ الشغل الشاغل له هو الترکیز علیٰ الجانب العقدی والفقهی من هذا التراث، وسیکون الترکیز علیٰ الجانب التاریخی ترکیزاً هامشیاً. وممّا یدعم ذلک: أنّ الطوسی نفسه کان له مقتل، کما صرّح بذلک فی الفهرست عند ترجمته لنفسه(1)، وقد فُقد هذا المقتل أیضاً، ولعلّه أیضاً ممّا أُتلف فی هذه الحملة، إلّا أنّ الوقت لم یکن یسمح للطوسی بإعادة کتابته.

الناحیة الثالثة:

ذکر السیِّد محمّد طاهر الیاسری الحسینی روایتین عن القاسم بن الأصبغ، رویٰ أحدهما الطبری والأُخریٰ أبو الفرج، واحتمل کونهما ممَّا نقله القاسم عن مقتل والده(2)، فتکون الروایتان بحسب هذا الاحتمال هما بقیّة هذا المقتل، وسنورد الروایتین، ثمَّ نناقشهما:

الروایة الأُولیٰ: رویٰ الطبری، عن هشام الکلبی بسنده، عن القاسم بن الأصبغ بن نُباتة، قال: «حدَّثنی مَن شهد الحسین(علیه السّلام) فی عسکره: أنّ حسیناً حین غُلب علیٰ عسکره رکب المسناة یرید الفرات، قال: فقال رجل من بنی أبان بن دارم: ویلکم! حولوا بینه وبین الماء لا تتام إلیه شیعته. قال: وضرب فرسه، واتبعه الناس حتیٰ حالوا بینه وبین الفرات، فقال الحسین: اللّهم أظمه، قال: وینتزع الأبانی بسهم، فأثبته فی حنک الحسین، قال: فانتزع الحسین السهم، ثمَّ بسط

ص: 74


1- الطوسی، محمّد بن الحسن، الفهرست: ص161.
2- اُنظر: الحسینی، محمّد طاهر، مقدمة فی مقتل الحسین(علیه السّلام): ص 11_ 12.

کفیه فامتلأت دماً، ثمَّ قال الحسین: اللّهم، إنّی أشکو إلیک ما یُفعل بابن بنت نبیک. قال: فوالله، إن مکث الرجل إلّا یسیراً حتیٰ صبَّ الله علیه الظمأ، فجعل لا یرویٰ. قال القاسم بن الأصبغ:

لقد رأیتنی فیمَن یروح عنه والماء یبرد له فیه السکر وعساس فیها اللبن، وقلال فیها الماء، وإنّه لیقول: ویلکم! اسقونی قتلنی الظمأ. فیعطیٰ القلة أو العس کان مُرْوِیاً أهل البیت فیش_ربه، فإذا نزعه من فیه اضطجع الهنیهة، ثمَّ یقول: ویلکم! اسقونی قتلنی الظمأ. قال: فو الله، ما لبث إلّا یسیراً حتیٰ انقد بطنه انقداد بطن البعیر»(1).

الروایة الثانیة: رویٰ أبو الفرج عن المدائنی، بسنده إلیٰ القاسم بن الأصبغ بن نباتة قال: «رأیت رجلاً من بنی أبان بن دارم أسود الوجه، وکنت أعرفه جمیلاً، شدید البیاض، فقلت له: ما کدت أعرفک. قال: إنّی قتلتُ شابّاً أمرد مع الحسین، بین عینیه أثر السجود، فما نمتُ لیلة منذ قتلته إلّا أتانی، فیأخذ بتلابیبی حتیٰ یأتی جهنم فیدفعنی فیها، فأصیح، فما یبقیٰ أحد فی الحیّ إلّا سمع صیاحی. قال: والمقتول العباس بن علیّ(علیهماالسّلام)»(2).

والمتأمِّل فی سند الروایتین لا یریٰ وجهاً لما احتمله الحسینی من کون هاتین الروایتین ممّا تبقیٰ من آثار مقتل الأصبغ.

فروایة الطبری صریحة فی کون منبع الروایة هو أحد الرواة الذین کانوا متواجدین فی الطف، وظاهر الروایة أنّ القاسم یروی عن هذا الراوی مباشرة، ولا علاقة لأبیه بالموضوع لا من قریب ولا من بعید.

وأمّا روایة المقاتل، فهی أشدّ صراحة؛ حیث صرّح فیها بأنّ القاسم هو الراوی المباشر لهذا الخبر وأنّه کان شاهد عیان فی الحادثة.

نعم، یمکن أن یُقال: إنّ نفس القاسم کان أحد المصادر التی اغترف منها الأصبغ فی

ص: 75


1- الطبری، محمّد بن جریر، تاریخ الأُمم والملوک: ج5، ص450.
2- الأصفهانی، أبو الفرج، مقاتل الطالبیین: ص118.

مقتله؛ وحینئذٍ یتّجه هذا الاحتمال، وهو ما یُسمّیٰ عند الدرائیین ب_(روایة الأکابر عن الأصاغر)(1)، ولکن هذا الکلام هو بمثابة ارتفاع المانع لا بمنزلة المقتضی، أی: إنّه لا مانع من روایة الوالد عن ولده وإن کان ذلک نادراً، ولکن وقوع ذلک وتحقّقه بالفعل یحتاج إلیٰ دلیل، وهو مفقود فی مورد بحثنا.

ومهما یکن، فإنّ فی هاتین الروایتین إشارة إلیٰ اهتمام آل الأصبغ بجمع أخبار کربلاء وملاحقتها من منابعها ومصادرها الأُولیٰ.

ص: 76


1- اُنظر: السیوطی، عبد الرحمن، تدریب الراوی فی شرح تقریب النواوی (النوع الحادی والأربعون روایة الأکابر عن الأصاغر): ج2، ص712.

خاتمة بأهمّ النتائج

النتیجة الأُولیٰ: إنّ الأصبغ بن نباتة هو من کبار محدِّثی الإمامیّة فی القرن الأوّل وبدایات القرن الثانی، وقد کان له شرف الریادة والمبادرة إلیٰ الکتابة حول وقعة کربلاء.

النتیجة الثانیة: إنّ مقتله هو أقدم المقاتل الحسینیّة، وکان یتضمّن أقدم مادّة تاریخیّة حول هذه الوقعة.

النتیجة الثالثة: إنّ هذا المقتل قد بقی إلیٰ منتصف القرن الخامس الهجری، وقد رجّحنا أنّه قد أُتلف فی الحملة السلجوقیّة التی قضت علیٰ الدولة البویهیّة.

النتیجة الرابعة: إنّنا لم نعثر علیٰ منقولات من هذا المقتل فی المدوّنات التاریخیّة التی تأخّرت عنه؛ ممّا یعنی أنّ هذا المقتل قد ضاع من بین أیدینا بشکل نهائی.

ص: 77

ص: 78

الفصل الثانی: مقتل جابر بن یزید الجعفی الکوفی (... __ 128ه_)

اشارة

ص: 79

ص: 80

تقدیم

کان جابر بن یزید الجعفی من المعاصرین للإمام السجّاد والباقر والصادق(علیهم السّلام) کما یبدو من مرویاته، ولکنّه کان مختصّاً بالإمام الباقر(علیه السّلام) وقد أکثر الروایة عنه، وتوفّی فی أیام الإمام الصادق(علیه السّلام).

ویُعَدّ الجعفی من الشخصیات العلمیّة البارزة فی الربع الأوّل من القرن الثانی الهجری، وقد أثارت شخصیته وکتبه ومرویاته جدلاً واسعاً بین العلماء، فرفعه قوم إلیٰ مصاف سلمان الفارسی وأبی ذرّ الغفاری، ورماه البعض بالاختلاط والجنون.

ویعتبر الجعفی من أوائل مَن تصدّیٰ إلیٰ حفظ وتسجیل النصِّ الکربلائی، ولم یسبقه فی هذا المض_مار سویٰ الأصبغ بن نباتة التمیمی (توفّی بعد101ه_)، ولک_ن _ مع الأسف الشدید _ أنّ کتابه فی المقتل لم یصل إلینا، وقد طالته ید التلف والضیاع کما طالت غیره من أُصول المقاتل، ولم تُبقِ لنا الأیام من هذا المقتل سویٰ روایات عثرنا علیها فی بطون المدونات التاریخیّة، وأغلب الظنّ أنّها کانت ممَّا کان قد أودعه الجعفی فی مقتله.

وسننطلق أوّلاً للحدیث عن ترجمة جابر بن یزید الجعفی، ثمَّ نتّجه للحدیث عن کتابه فی مقتل الحسین(علیه السّلام).

ص: 81

ص: 82

المبحث الأول: ترجمة جابر بن یزید الجعفی

1 _ اسمه وکنیته ونسبه وأولاده

قال النجاشی: «جابر بن یزید أبو عبد الله، وقیل: أبو محمّد الجعفی، عربی قدیم، نسبه: ابن الحارث بن عبد یغوث بن کعب بن الحارث بن معاویة بن وائل بن مرار بن جعفی»(1).

وجعفی علیٰ وزن کرسی أبو قبیلة من القحطانیة، والنسبة إلیه کذلک، وهم بطن من سعد العشیرة، وهو جعفی بن سعد العشیرة بن مالک بن أدد بن زید بن یشجب بن عریب(2).

قال ابن درید: «واشتقاق جعفی من قوله: جعفت الشیء أجعفه جعفاً. إذا اقتلعته من أصله. وضربه حتیٰ انجعف، أی: انصرع»(3).

وقد أنجبت قبیلة جعفی العدید من الرواة والمحدِّثین الذین کانوا من أصحاب الأئمّة(علیهم السّلام) ، وروّاد مجالسهم، وأکثرهم من سکان الکوفة، وممَّن صحب الإمامین الباقر والصادق(علیهماالسّلام)، فمنهم: بشر بن جعفر الجعفی أبو الولید، وسالم الجعفی، ویزید بن عبد الملک الجعفی، وجمیعهم من أصحاب الإمام الباقر(علیه السّلام).

ص: 83


1- النجاشی، أحمد بن علیّ، رجال النجاشی: ص128.
2- اُنظر: عمر کحالة، معجم قبائل العرب القدیمة والحدیثة: ج1، ص195.
3- الأزدی، ابن درید، الاشتقاق: ص406.

وأحمد بن معاذ الجعفی الکوفی، وأیوب بن مهاجر الجعفی الکوفی، وأشعر بن الحسن الجعفی الکوفی، وبکر بن عبد الله الجعفی الکوفی، وجمیعهم من أصحاب الصادق(علیه السّلام)(1).

2 _ ولادته ونشأته

وُلِد جابر ونشأ وتعلّم فی الکوفة، ولکن لیس فی أیدینا ما نقطع معه بإعطاء تاریخ دقیق لمولده، وإن کنّا نقدّر _ کما قدر السیِّد محمّد علیّ الأبطحی _ أنّ ولادته کانت حوالی سنة 50ه_، وهو ما جمع الأبطحی لإثباته العدید من الشواهد والقرائن، قال فی تهذیب المقال: «لم أقف علیٰ ذکر لتاریخ مولد جابر الجعفی فی کلام أصحابنا وغیرهم، إلّا أنّه یمکن [أن] تعرف عصر مولده ممّا اتّفق علیه الأکثرون، من أنّه مات سنة ثمان وعشرین ومائة، وأیضاً من کونه شیخاً کبیر السن حین مات، وهو فی العادة ابن ثمانین أو قبله أو بعده بقلیل. ومن أنّه رویٰ عن غیر واحد من الصحابة وأکابر التابعین، کما سیأتی ذکرهم. ومن کونه تابعیاً، کما صرَّح به الشیخ فی أصحاب الصادق(علیه السّلام) بقوله: (تابعی أُسند عنه)، وقد عدّ جماعة من نظرائه من أصحاب الصادق(علیه السّلام) من التابعین، مثل: أبی حمزة الثمالی، وإسماعیل بن عبد الرحمان الکوفی، وعبد الله بن الحسن بن الحسن بن علیّ(علیهماالسّلام)، وغیرهم کما فی مناقب ابن شهر آشوب فی أصحابه(علیه السّلام) من التابعین. وغیر ذلک من الشواهد... وعلیٰ هذا؛ فهو علیٰ الظاهر من موالید سنة خمسین أو قُبیل ذلک أو بُعیدها»(2).

والمعروف أنّ الجعفی لم یمکث طوال حیاته فی الکوفة، بل طویٰ 18عاماً فی خدمة الإمام الباقر(علیه السّلام) فی المدینة المنوّرة؛ ولذا کانت أکثر أحادیثه عن هذا الإمام(علیه السّلام)، وقد کان

ص: 84


1- اُنظر: الطوسی، محمّد بن الحسن، رجال الطوسی: ص107 و 124 و140 و142 و150 و153 و157.
2- الأبطحی، محمّد علیّ، تهذیب المقال: ج5، ص45 _ 46.

من خواصّه وحملة علومه وأسراره.

ورویٰ الطوسی فی أمالیه بسنده، عن جابر بن یزید الجعفی، قال: «خدمت سیِّدنا الإمام أبا جعفر محمّد بن علیّ(علیهماالسّلام) ثمانی عشرة سنة، فلمّا أردت الخروج ودّعته، وقلت: أفِدْنی. فقال: بعد ثمانی عشرة سنة یا جابر؟! قلتُ: نعم، إنّکم بحر لا ینزف ولا یبلغ قعره. فقال: یا جابر، بلِّغ شیعتی عنّی السلام، وأعلمهم أنّه لا قرابة بیننا وبین الله (عزّ وجلّ)، ولا یُتقرب إلیه إلّا بالطاعة له.

یا جابر، مَن أطاع الله وأحبَّنا فهو ولینا، ومَن عصیٰ الله لم ینفعه حبّنا. یا جابر، مَن هذا الذی یسأل الله فلم یُعطه، أو توکل علیه فلم یکفه، أو وثق به فلم یُنجه.

یا جابر، أنزل الدنیا منک کمنزلٍ نزلته ترید التحویل عنه، وهل الدنیا إلّا دابة رکبتها فی منامک فاستیقظت وأنت علیٰ فراشک غیر راکب ولا آخذ بعنانها، أو کثوب لبسته أو کجاریة وطأتها.

یا جابر، الدنیا عند ذوی الألباب کفیء الظلال، لا إله إلّا الله إعزاز لأهل دعوته، الصلاة تثبیت للإخلاص وتنزیه عن الکبر، والزکاة تزید فی الرزق، والصیام والحجّ تسکین القلوب، القصاص والحدود حقن الدماء، وحبُّنا أهل البیت نظام الدین، وجعلنا الله وإیاکم من الذین یخشون ربّهم بالغیب وهم من الساعة مشفقون»(1).

وحیث إنّنا نعلم أنّ فترة تولّی الإمام الباقر(علیه السّلام) لشؤون الإمامة الفعلیة تمتدّ بین عامی95_ 114ه_، أی: قرابة ال__ (19) عاماً، فیمکن القول: إنّ جابر قد لازم الإمام الباقر(علیه السّلام) طیلة فترة إمامته ما عدا عام واحد، ولنا أن نقدِّر حینئذٍ أنّ انتقال جابر من الکوفة إلیٰ المدینة المنوّرة کان فی بین عامی 95_ 96ه_، وأنّ عودته إلیٰ الکوفة مرّة أُخریٰ کانت بین عامی 113_ 114ه_.

نعم، یمکن أن یُقال: إنّ مبدأ خدمة جابر للإمام الباقر(علیه السّلام) کانت قبل تولّیه شؤون

ص: 85


1- الطوسی، محمّد بن الحسن، الأمالی: ص296.

الإمامة الفعلیّة، أی: فی عهد والده الإمام السجاد(علیه السّلام)، وهذا ما قد تشیر إلیه قصّة الخیط التی رواها جابر عن الإمامین السجاد والباقر(علیهماالسّلام)، حیثُ تبدو من القصّة ملازمة جابر للإمام الباقر(علیه السّلام) منذ ذلک الحین(1).

نعم رویٰ الکشی بإسناده عن جابر، قال: «دخلت علیٰ أبی جعفر(علیه السّلام) وأنا شابٌّ، فقال: مَن أنت؟ قلت: من أهل الکوفة. قال ممَّن؟ قلت: من جعفی. قال: ما أقدمک إلیٰ هیهنا؟ قلت: طلب العلم. قال: ممَّن؟ قلت: منک. قال: فإذا سألک أحد من أین أنت؟ فقل: من أهل المدینة. قال، قلت: أسألک قبل کلّ شیء عن هذا، أیحلّ لی أن أکذب؟ قال: لیس هذا بکذب، مَن کان فی مدینة فهو من أهلها حتیٰ یخرج. قال: ودفع إلیّ کتاباً وقال لی: إن أنت حدَّثت به حتیٰ تهلک بنو أُمیّة فعلیک لعنتی ولعنة آبائی، وإذا أنت کتمت منه شیئاً بعد هلاک بنی أُمیّة فعلیک لعنتی ولعنة آبائی. ثمَّ دفع إلیّ کتاباً آخر، ثمَّ قال: وهاک هذا فإن حدَّثت بشیء منه أبداً فعلیک لعنتی ولعنة آبائی»(2).

فإنّ ظاهر هذه الروایة _ لو صحّت _ یدلّ علیٰ أنّ قدوم جابر علیٰ أبی جعفر(علیه السّلام)، کان فی أیام إمامته الفعلیّة، یعنی بعد عام 195ه_، مع أنّ جابر یصف نفسه ب_ (الشابّ)، وهذا ما لا ینسجم مع القول بولادته حدود سنة 50ه_، فإنّ المفروض أن یکون عمره وقتئذٍ قد تجاوز ال_ (45) عاماً علیٰ أقلّ تقدیر.

وعلیٰ أیّة حال، فإنّ جابر لم ینقطع عن المدینة المنورة بعد رحیل الإمام الباقر(علیه السّلام)، بل جعل یتردّد علیها، ویتزوّد من الإمام الصادق(علیه السّلام)، کما تشهد بذلک روایاته التی یرویها عن الإمام الصادق(علیه السّلام) بلا واسطة(3).

ص: 86


1- اُنظر: المجلسی، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج26، ص8.
2- الطوسی، محمّد بن الحسن، اختیار معرفة الرجال (رجال الکشی): ج3، ص438.
3- اُنظر مثلاً: المصدر السابق: ج1، ص186، 196، 224.

3 _ مکانته العلمیة وطبقته ومصنفاته

یُعتبر جابر بن یزید الجعفی من علماء أصحاب الأئمّة الذین ساهموا بنش_ر وترویج مذهب أهل البیت(علیهم السّلام) ، وقد عدّه الشیخ المفید من الفقهاء، والأعلام الرؤساء، المأخوذ عنهم الحلال والحرام، والفُتیا والأحکام، ومن أصحاب الأُصول المدوَّنة والمصنَّفات المشهورة(1).

ووصفه الذهبی فی میزان الاعتدال بکونه أحد علماء الشیعة(2)، وفی تاریخ الإسلام بأحد أوعیة العلم(3).

وقال عنه الزرکلی: «تابعی، من فقهاء الشیعة... وکان واسع الروایة غزیر العلم بالدین»(4).

أمّا طبقته: فقد قال النجاشی: «لقی أبا جعفر وأبا عبد الله(علیهماالسّلام) ومات فی أیامه»(5)، وعدّه الشیخ الطوسی أوّلاً: فی أصحاب الإمام الباقر(علیه السّلام)(6)، ثمَّ رجع ثانیاً: وعدَّه فی أصحاب الإمام الصادق(علیه السّلام)(7).

بل عدّه بعض الرجالیین فی أصحاب الإمام زین العابدین(علیه السّلام)، استناداً إلیٰ بعض الروایات التی رواها جابر عنه(علیه السّلام)(8).

وعدّه ابن حجر فی الطبقة الخامسة(9)، وقد رویٰ عن: الحارث بن مسلم، وخیثمة بن

ص: 87


1- اُنظر: المفید، محمّد بن محمّد، الرسالة العددیة (المطبوعة فی مصنفات المفید): ص25 _ 35.
2- اُنظر: الذهبی، محمّد بن أحمد، میزان الاعتدال: ج1، ص379.
3- اُنظر: الذهبی، محمّد بن أحمد، تاریخ الإسلام: ج8، ص59.
4- الزرکلی، خیر الدین، الأعلام: ج2، ص105.
5- النجاشی، أحمد بن علیّ، رجال النجاشی: ص128.
6- اُنظر: الطوسی، محمّد بن الحسن، رجال الطوسی: ص111.
7- اُنظر: المصدر السابق: ص163.
8- اُنظر: الأبطحی، محمّد علیّ، تهذیب المقال: ج5، ص58.
9- ابن حجر، أحمد بن علیّ، تقریب التهذیب: ج1، ص192.

أبی خیثمة البصری، وزید العمی، وسالم بن عبد الله بن عمر، وطاووس بن کیسان، وعامر بن شراحیل الشعبی، وأبی الطفیل عامر بن واثلة اللیثی الصحابی، وأبی حریز عبد الله بن الحسین قاضی سجستان، وعبد الله بن نجی، وعبد الله بن عبد الرحمان بن الأسود ابن یزید، وعطاء بن أبی رباح، وعکرمة مولیٰ ابن عباس، وعمار الدهنی، والقاسم بن عبد الرحمان بن عبد الله بن مسعود، وغیرهم.

ورویٰ عنه: إسرائیل بن یونس، وحسان بن إبراهیم الکرمانی، والحسن بن صالح بن حی، وحفص بن عمر البرجمی الأزرق، وزهیر بن معاویة، وسفیان الثوری، وسفیان بن عیینة، وسلام بن أبی مطیع، وشریک بن عبد الله، وشعبة بن الحجاج، وشیبان بن عبد الرحمان، وعبد الرحمان بن عبد الله المسعودی، وقیس بن الربیع، وأبو حمزة محمّد بن میمون السکری، ومسعر بن کدام، وغیرهم(1).

أمّا مصنفاته: فقد ذکرها الطوسی فی الفهرست(2)، والنجاشی فی الرجال(3)، وابن شهر آشوب فی المعالم(4)، وتبلغ قائمة کتبه عشرة کتب هی:

1 _ أصل جابر الجعفی (ذکره الطوسی وابن شهر آشوب).

2 _ التفسیر (ذکره الطوسی والنجاشی وابن شهر آشوب).

3 _ النوادر (ذکره النجاشی).

4 _ الفضائل (ذکره النجاشی).

5 _ الجَمَل (ذکره النجاشی).

6 _ صفِّین (ذکره النجاشی).

ص: 88


1- اُنظر: المزی، یوسف، تهذیب الکمال: ج4، ص466.
2- اُنظر: الطوسی، محمّد بن الحسن، الفهرست: ص44.
3- اُنظر: النجاشی، أحمد بن علیّ، رجال النجاشی: ص129.
4- اُنظر: ابن شهر آشوب، محمّد بن علیّ، معالم العلماء: ص68.

7 _ النهروان (ذکره النجاشی).

8 _ مقتل أمیر المؤمنین(علیه السّلام) (ذکره النجاشی).

9 _ مقتل الحسین(علیه السّلام) (ذکره النجاشی).

10_ رسالة أبی جعفر(علیه السّلام) إلیٰ أهل البص_رة (ذکرها النجاشی، وقال: وتضاف إلیه رسالة...).

4 _ مذهبه ومعتقده

لسنا بحاجة إلیٰ إثبات تشیُّع جابر بن یزید الجعفی واختصاصه بالمذهب الإمامی، فإنّ هذا الأمر من المسلَّمات التی لم یناقش فیها أحد، بل لسنا بحاجة إلیٰ إثبات کونه من خواص الأئمّة وبطانتهم وحملة علومهم وأسرارهم، وقد ذکرنا سابقاً أنّه کان بوّاب الإمام الباقر(علیه السّلام) لمدّة 18 عاماً.

وقد رویٰ الشیخ المفید بإسناد صحیح، عن الصدوق، عن محمّد بن موسیٰ بن المتوکِّل، عن علیّ بن إبراهیم، عن محمّد بن عیسیٰ بن عبید، عن أبی أحمد الأزدی، عن عبد الله بن الفضل الهاشمی، قال: کنت عند الصادق جعفر بن محمّد(علیهماالسّلام) إذ دخل المفضل بن عمر، فلمّا بصر به ضحک إلیه، ثمَّ قال: «إلیّ یا مفضل» _ إلیٰ أن قال: _ فقال: «یا بن رسول الله، فما منزلة جابر بن یزید منکم؟ فقال(علیه السّلام): منزلة سلمان من رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )»(1).

وقد عدّه فی الرسالة العددیة _ کما مرّ _ من الأعلام الرؤساء، المأخوذ عنهم الحلال والحرام، والفتیا والأحکام، وعدّه فی الاختصاص ممَّن اعتبرهم أصحاب محمّد بن علیّ الباقر(علیه السّلام)، وهم: جابر بن یزید الجعفی، حمران بن أعین، وزرارة، وعامر بن عبد الله بن جذاعة، حجر بن زائدة، عبد الله بن شریک العامری، فضیل بن یسار البص_ری، سلام بن

ص: 89


1- المفید، محمّد بن محمّد، الاختصاص: ص216.

المستنیر، برید بن معاویة العجلی، الحکم بن أبی نعیم(1).

وقد صرّح الکثیر من علماء العامّة بنسبته إلیٰ التشیُّع أو الرفض، فقال الذهبی: «جابر ابن یزید... بن الحارث الجعفی الکوفی أحد علماء الشیعة»(2)، وقال عنه أیضاً: «جابر بن یزید الجعفی الکوفی...أحد أوعیة العلم علیٰ ضعفه ورفضه»(3)، وقال ابن حجر: «... رافض_ی من الخامسة»(4)، وقال الزرکلی: «جابر بن یزید بن الحارث الجعفی... من فقهاء الشیعة»(5)، وقال عمر کحالة: «جابر بن یزید... الجعفی، الکوفی، الشیعی...»(6).

5 _ وثاقته وعدالته

اختلف القدماء فی وثاقة جابر وعدالته اختلافاً کبیراً، فقد عدّه الشیخ المفید من فقهاء أصحاب الأئمّة، والأعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام، والفتیا والأحکام، الذین لا یُطعن علیهم، ولا طریق إلیٰ ذمّ واحد منهم، وهم أصحاب الأُصول المدوَّنة، والمصنَّفات المشهورة(7).

وأمّا ابن الغضائری، فقال: «إنّ جابر بن یزید الجعفی الکوفی ثقة فی نفسه، ولکن جُلَّ مَن رویٰ عنه ضعیف، فمَن أکثر عنه من الضعفاء: عمرو بن شمر الجعفی، ومفضل بن صالح، والسکونی، ومنخل بن جمیل الأسدی، وأریٰ الترک لما رویٰ هؤلاء عنه، والوقف فی الباقی إلّا ما

ص: 90


1- اُنظر: المفید، محمّد بن محمّد، الاختصاص: ص8.
2- الذهبی، محمّد بن أحمد، میزان الاعتدال: ج1، ص379.
3- الذهبی، محمّد بن أحمد، تاریخ الإسلام: ج8، ص59.
4- ابن حجر، أحمد بن علیّ، تقریب التهذیب: ج1، ص192.
5- الزرکلی، خیر الدین، الأعلام: ص2، ص105.
6- عمر کحالة، معجم المؤلفین: ج3، ص106.
7- اُنظر: المفید، محمّد بن محمّد، الرسالة العددیة (المطبوعة فی مصنفات المفید): ص25 _ 35.

خرج شاهداً»(1).

وأمّا النجاشی، فقد بالغ فی تضعیفه، فقال: «...وکان فی نفسه مختلطاً، وکان شیخنا أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان رحمه الله ینشدنا أشعاراً کثیرة فی معناه تدلّ علیٰ الاختلاط، لیس هذا موضعاً لذکرها»(2).

والحقّ أنّ جابر من أصحاب الأئمّة(علیهم السّلام) الذین لا یُطعن علیهم، ولا طریق إلیٰ ذمّ واحد منهم، کما قال الشیخ المفید، وکان ثقة فی نفسه کما قال ابن الغضائری، وأمّا رمی النجاشی له بالاختلاط فیمکن مناقشته من عدّة وجوه:

1_ إنّنا لا نعرف المعطیات والمؤشرات التی وقف علیها النجاشی، وحکم من أجلها باختلاط جابر، فلعلّه قد وقف علیٰ بعض الآراء المنسوبة لجابر، والتی کانت تُعدّ غلواً وارتفاعاً من منظور النجاشی، ومن المعلوم أنّ القدماء لم یتّفقوا فیما بینهم علیٰ ضابطة موحدة فی مسألة الغلو والتقصیر، فما کان غلواً وارتفاعاً فی منظور القمّیین لم یکن کذلک فی منظور البغدادیین.

یقول المامقانی: «قد نبّهنا غیر مرّة علیٰ أنّ رمی القدماء _ سیما القمّیین منهم _ الرجل بالغلو لا یُعتنیٰ به؛ لأنّ الاعتقاد بجملة ممّا هو الآن من ضروریات المذهب کان معدوداً عندهم من الغلو، ألا تریٰ عدَّهم نفی السهو عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) والأئمّة(علیه السّلام) غلوّاً، مع أنّ مَن لم ینفِ السهو عنهم الیوم لا یعدّ مؤمناً، ولقد أجاد الفاضل الحائری حیث قال: رمی القمّیین بالغلو، وإخراجهم من قمّ لا یدلّ علیٰ ضعفٍ أصلاً، فإنّ أجلّ علمائنا وأوثقهم غالٍ علیٰ زعمهم، ولو وجدوه فی قم لأخرجوه منها لا محالة»(3).

ص: 91


1- العلّامة الحلّی، الحسن بن یوسف، خلاصة الأقوال فی معرفة الرجال: ص94.
2- النجاشی، أحمد بن علیّ، رجال النجاشی: ص128.
3- المامقانی، عبد الله، تنقیح المقال: ج2، ص227.

2_ یمکن أن یکون اختلاط جابر ممّا أشاعه علیه المخالفون من أجل إسقاطه من عیون الناس وإبعادهم عنه، فقد رویٰ الکشی بسنده عن عبد الحمید بن أبی العلا، قال: «دخلت المسجد حین قُتل الولید، فإذا الناس مجتمعون، قال: فأتیتهم فإذا جابر الجعفی علیه عمامة خزٍّ حمراء، وإذا هو یقول: حدَّثنی وصی الأوصیاء ووارث علم الأنبیاء محمّد بن علّی(علیه السّلام). قال: فقال الناس: جُنَّ جابر، جُنَّ جابر»(1).

وقد رویٰ لنا العقیلی عن الحمیدی ما یکشف لنا مَن هم هؤلاء الناس الذین رموا جابر بالجنون، قال الحمی_دی: «س_معت ابن أکثم الخراس_انی قال لس_فیان: أرأیت _ یا أبا محمّد _ الذین عابوا علیٰ جابر الجعفی قوله: حدَّثنی وصیٰ الأوصیاء؟ فقال سفیان: هذا أهونه»(2).

3 _ کما یمکن أن یکون رمی جابر بالاختلاط أو الجنون، کان بسبب تظاهره بذلک فی فترة من الفترات بأمر من الإمام الباقر(علیه السّلام) للحفاظ علیه من السیف، فقد رویٰ الشیخ المفید بسنده، عن النعمان بن بشیر، قال: «زاملت جابر بن یزید الجعفی إلیٰ الحجّ، فلمّا خرجنا إلیٰ المدینة ذهب إلیٰ أبی جعفر الباقر(علیهماالسّلام)، فودعه ثمَّ خرجنا، فما زلنا حتیٰ نزلنا الأخیرجة، فلمّا صلَّینا الأُولیٰ ورحلنا واستوینا فی المحمل إذا دخل رجل طوال آدم شدید الأدمة، ومعه کتاب طینه رطب من محمّد بن علیّ الباقر(علیهماالسّلام) إلیٰ جابر بن یزید الجعفی، فتناوله جابر وأخذه وقبّله، ثمّ قال: متیٰ عهدک بسیِّدی؟ قبل الصلاة أو بعد الصلاة؟ قال: بعد الصلاة الساعة. قال: ففکّ الکتاب وأقبل یقرأه ویقطب وجهه، فما ضحک ولا تبسّم حتیٰ وافینا الکوفة، وقد کان قبل ذلک یضحک ویتبسّم ویحدِّث، فلمّا نزلنا الکوفة دخل البیت فأبطأ ساعة، ثمَّ خرج علینا قد علق الکتاب فی عنقه ورکب القصب، ودار فی أزقة الکوفة، وهو یقول: منصور بن جمهور أمیر غیر مأمور. ونحو هذا من الکلام، وأقبل یدور فی أزقة الکوفة والناس یقولون: جُنَّ جابر، جُنَّ جابر. فلمّا کان بعد ثلاثة

ص: 92


1- الطوسی، محمّد بن الحسن، اختیار معرفة الرجال (رجال الکشی): ج2، ص437.
2- العقیلی، محمّد بن عمرو، الضعفاء: ج1، ص194.

أیام ورد کتاب هشام بن عبد الملک علیٰ یوسف بن عثمان بأن اُنظر رجلاً من جعف یقال له: جابر ابن یزید، فاضرب عنقه، وابعث إلیّ برأسه. فلمّا قرأ یوسف بن عثمان الکتاب التفت إلیٰ جلسائه، فقال: مَن جابر بن یزید؟ فقد أتانی من أمیر المؤمنین یأمرنی بضرب عنقه وأن أبعث إلیه برأسه؟ فقالوا: أصلح الله الأمیر، هذا رجل علّامة صاحب حدیث وورع وزهد وأنّه جُنَّ وخولط فی عقله، وها هو ذا فی رحبة یلعب مع الصبیان. فکتب إلیٰ هشام بن عبد الملک: أنّک کتبت إلیّ فی أمر هذا الرجل الجعفی وأنّه جُنَّ! فکتب إلیه دعه. قال: فما مضت الأیام حتیٰ جاء منصور بن جمهور فقتل یوسف بن عثمان، فصنع ما صنع»(1).

هذا بحسب رجالنا، أمّا العامّة، فقد اختلفوا فیه أیضاً، فوثقه جماعة، وضعفه جماعة، وهم الأکثر.

قال سفیان الثوری: إذا قال جابر: حدَّثنا، وأخبرنا، فذاک. وکان یقول أیضاً: کان جابر ورعاً فی الحدیث، ما رأیت أورع فی الحدیث منه.

وقال شعبة: جابر صدوق فی الحدیث، وقال أیضاً: کان جابر إذا قال: حدَّثنا، وسمعت، فهو من أوثق الناس.

وقال زهی_ر بن معاوی_ة: کان إذا قال _ یعنی جابر _ : س_معت، أو سألت، فهو من أصدق الناس.

وکان وکیع یقول: مهما شککتم فی شیء، فلا تشکّوا فی أنّ جابراً ثقة.

وقال یحییٰ بن معین: لم یدع جابراً ممَّن رآه إلّا زائدة، وکان جابر کذّاباً. وقال فی موضع آخر: لا یُکتب حدیثه، ولا کرامة.

وقال یحییٰ بن سعید: ترکنا حدیث جابر، قبل أن یقدم علینا الثوری.

ص: 93


1- المفید، محمّد بن محمّد، الاختصاص: ص67 _ 68.

وقال زائدة: أمّا جابر الجعفی، فکان _ والله _ کذّاباً یؤمن بالرجعة.

وقال أبو حنیفة: ما لقیت فیمَن لقیت أکذب من جابر الجعفی، ما أتیته بشیء من رأیی إلّا جاءنی فیه أثر، وزعم أنّ عنده ثلاثین ألف حدیث، عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، لم یظهرها.

وقال: عبد الرحمان بن مهدی، یقول: ألا تعجبون من سفیان بن عیینة؟ لقد ترکت جابراً الجعفی لقوله لما حکیٰ عنه أکثر من ألف حدیث، ثمَّ هو یحدِّث عنه.

وقال النسائی: متروک الحدیث. وقال فی موضع آخر: لیس بثقة، ولا یُکتب حدیثه(1).

ومن الملاحظ علیٰ أقوال الجارحین أنّهم قد ترکوا روایته لأحد سببین:

السبب الأول: کثرة أحادیثه، ونحن نظنّ أنّ أکثر هذه الأحادیث ممَّا رواه عن الإمام الباقر(علیه السّلام)، وهو أمر طبیعی بالنسبة لمَن قضیٰ 18عاماً من عمره فی خدمة الإمام الباقر(علیه السّلام)، ولکنّنا نعتقد أنّ مشکلة القوم لم تکن مع جابر، بل مع أستاذ جابر، أعنی به: الإمام الباقر(علیه السّلام)، فإنّهم یعتقدون أنّ کلّ ما رواه الإمام الباقر(علیه السّلام) ولم یسنده فهو من المراسیل ظاهراً وواقعاً؛ وبالتالی، فإنّ روایات جابر أو غیره عن الإمام الباقر(علیه السّلام) عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) تُعدّ من المراسیل فی نظرهم ما لم تُبیَّن الواسطة بین الإمام الباقر(علیه السّلام) والنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).

قال الذهبی _ فی ترجمة الإمام الباقر(علیه السّلام) من س_یر أعلام النب_لاء _ : «رویٰ ع_ن جدَّیه: النبی(صلی الله علیه وسلم) وعلیّ (رضی الله عنه) مرسلاً، وعن جدَّیه: الحسن والحسین مرسلاً أیضاً»(2).

ونحن نعتقد أنّ أحادیث الإمام الباقر(علیه السّلام) عن جدِّه رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) کلّها مأخوذة عن طریق آبائه المعصومین(علیهم السّلام) ، سواء صرح الإمام(علیه السّلام) بإسناده أو لا.

فقد رویٰ الشیخ المفید فی أمالیه بسنده عن جابر، أنّه قال: «قلتّ لأبی جعفر محمّد بن

ص: 94


1- اُنظر أقوالهم فی: المزی، یوسف، تهذیب الکمال: ج4، ص467 _ 469.
2- الذهبی، محمّد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج7، ص452.

علی الباقر(علیهماالسّلام): إذا حدَّثتنی بحدیث فأسنده لی. فقال: حدَّثنی أبی، عن جدِّی، عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، عن جبرئیل(علیه السّلام)، عن الله (عزّ وجلّ)، وکلّ ما أحدِّثک بهذا الإسناد»(1).

السبب الثانی: اعتراضهم علیٰ بعض المفاهیم التی کانت تحملها بعض تلک الأحادیث، وهذا ما صرّح به المزی بعد نقله لتلک الأقوال، حیث قال: «وقد احتمله الناس، ورووا عنه، وعامّة ما قذفوه به: أنّه کان یؤمن بالرجعة...»(2).

6 _ وفاته

توفّی جابر _ علیٰ ما ذکر النجاشی _ عام 128ه_ فی حیاة الإمام الصادق(علیه السّلام)(3)، وهذا هو المشهور المنصور، فقد قال به محمّد بن سعد صاحب الطبقات (ت230ه_) عن الفضل بن دکین(4)، ولعلّه أقدم مَن نقل ذلک، وأحمد بن حنبل (ت241ه_) کما فی رجال الطوسی(5)، وإسماعیل بن إبراهیم البخاری (ت256ه_) عن أبی نعیم(6)، ومحمّد بن عبد الله بن أحمد بن سلیمان بن زبر الربعی(ت397ه_)(7)، وأبی الحجاج یوسف المزی (ت742ه_)، عن أبی موسیٰ محمّد بن المثنیٰ(8)، وغیرهم.

وقیل: مات جابر سنة 127ه_، وقیل: سنة132ه_ (9)، وقیل سنة 167ه_ (10).

ص: 95


1- المفید، محمّد بن محمّد، الأمالی: ص42.
2- المصدر السابق: ج4، ص469.
3- اُنظر: النجاشی، أحمد بن علیّ، رجال النجاشی: ص128.
4- اُنظر: ابن سعد، محمّد بن سعد، الطبقات الکبری: ج6، ص333.
5- اُنظر: الطوسی، محمّد بن الحسن، رجال الطوسی: ص129.
6- اُنظر: البخاری، محمّد بن إسماعیل، التاریخ الکبیر: ج2، ص210.
7- اُنظر: الربعی، محمّد بن عبد الله، تاریخ مولد العلماء ووفیاتهم: ج1، ص302.
8- اُنظر: المزی، یوسف، تهذیب الکمال: ج4، ص470.
9- اُنظر: ابن حجر، أحمد بن علیّ، تقریب التهذیب: ج1، ص192_ 193.
10- اُنظر: الذهبی، محمّد بن أحمد، میزان الاعتدال: ج1، ص384.

ص: 96

المبحث الثانی :مقتل الحسین(علیه السّلام) لجابر بن یزید الجعفی

اشارة

وصلنا للکلام حول مقتل الحسین(علیه السّلام) لجابر بن یزید الجعفی، وهو ما سنوزعه ضمن ثلاث جهات:

الجهة الأُولی: بقاء هذا المقتل إلی منتصف القرن الخامس الهجری

إنّ کتاب مقتل الحسین(علیه السّلام) لجابر بن یزید الجعفی، من الکتب المفقودة فی زماننا شأنه شأن سائر کتبه، ولعلّ أقدم مَن نصَّ علیٰ وجود هذا الکتاب، هو الرجالی الکبیر أبو العباس النجاشی (ت450ه_)، قال: «...وکتاب الجَمَل، وکتاب صفِّین، وکتاب النهروان، وکتاب مقتل أمیر المؤمنین(علیه السّلام)، وکتاب مقتل الحسین(علیه السّلام). رویٰ هذه الکتب الحسین بن الحصین العمّی، قال: حدَّثنا أحمد بن إبراهیم بن معلیٰ، قال: حدَّثنا محمّد بن زکریا الغلابی وأخبرنا ابن نوح، عن عبد الجبار بن شیران الساکن نهر خطیٰ، عن محمّد بن زکریا الغلابی، عن جعفر بن محمّد بن عمّار، عن أبیه، عن عمرو بن شمر، عن جابر بهذه الکتب».

والملاحظ: أنّ النجاشی له طریقان إلیٰ هذا المقتل، کلاهما ینتهی بمحمّد بن زکریا الغلابی (ت298ه_)، الذی یروی هذا المقتل عن جابر بن یزید الجعفی بثلاث وسائط.

فالغلابی من الرواة الأساسی_ین لهذا المقت_ل: وهو مولیٰ بنی غلاب _ بالغین المفتوحة واللام المفتوحة المخففة _ وبنو غلاب قبیلة بالبصرة من بنی نص_ر بن معاویة، وکان هذا

ص: 97

الرجل وجهاً من وجوه الإمامیّة بالبصرة فی القرن الثالث الهجری، وکان مؤرِّخاً کبیراً صنَّف العدید من الکتب، منها: کتاب مقتل الحسین(علیه السّلام)(1)، وهو أیضاً مفقود فی هذا الزمان.

ویبدو لی _ من خلال التأمّل فی طریق النجاشی إلیٰ الجعفی _ : أنّ هذا المقتل، قد انتقل من الکوفة إلیٰ البصرة، فکان موجوداً فی البصرة فی القرن الثالث الهجری، وکانت نسخته موجودة عند محمّد بن زکری_ا الغ_لابی (ت298ه_)، ثمَّ انتق_ل بعد ذلک _ مع الرواة _ من البصرة إلیٰ بغداد، فکان موجوداً فی بغداد فی القرن الخامس الهجری عند النجاشی الذی وصلته _ علیٰ ما یبدو _ نسختان من هذا الکتاب، إحداهما: عن طریق الحسین بن الحصین العمّی، وأُخراهما: عن طریق ابن نوح السیرافی، وهاتان النسختان، هما فی الأصل نسخة واحدة، وهی نسخة الغلابی.

ولا نعلم شیئاً بعد ذلک عن مصیر هذا المقتل، ففی سنة 447ه_، أی: قبل وفاة النجاشی بثلاث سنین، ورد طغرل بک أول ملوک السلاجقة إلیٰ بغداد، الذی اضطهد الشیعة، وخرَّب الکثیر من مراکزهم العلمیّة، ومنها: المکتبة العامّة التی وقفها الوزیر أبو نصر سابور بن أردشیر وزیر بهاء الدولة بن عضد الدولة، ولم یکن فی الدنیا أحسن کتباً منها، کانت کلّها بخطوط الأئمّة المعتبرة وأُصولهم المحررة، فاحترقت فیما أُحرق من محال الکرخ(2).

ثمّ توسعت الفتنة فطالت علماء الشیعة وکبار رجال الطائفة، فقد قال ابن الجوزی فی أحداث سنة 449ه_ : «وفی صفر هذه السنة: کُبست دار أبی جعفر الطوسی متکلِّم الشیعة بالکرخ، وأُخذ ما وُجد من دفاتره، وکرسیّ کان یجلس علیه للکلام، وأُخرج ذلک إلیٰ الکرخ

ص: 98


1- النجاشی، أحمد بن علیّ، رجال النجاشی: ص346 _ 347.
2- اُنظر: الحموی، یاقوت بن عبد الله، معجم البلدان: ج1، ص534.

وأُضیف إلیه ثلاثة مجانیق بیض کان الزوّار من أهل الکرخ قدیماً یحملونها معهم إذا قصدوا زیارة الکوفة، فأُحرق الجمیع»(1).

ویبدو أنّ هذه الأحداث قد وقعت بعد هجرة الشیخ الطوسی إلیٰ النجف بعام واحد، إذ ذکر ابن الجوزی فی أحداث سنة 448ه_ ما نصّه: «وقد هرب أبو جعفر الطوسی، ونُهبت داره»(2)، یعنی فی سنة 448ه_.

کما أنّ النجاشی لم یسلم من هذه الفتنة أیضاً علیٰ ما یبدو، فنفذ بجلده إلیٰ مطیر آباد

_ وهی ناحیة من نواحی سامراء _ وبقی إلیٰ أن توفّی هناک سنة 450ه_ (3)، ولا تسعفنا المصادر عن السنة التی کان خروجه فیها إلیٰ هذه الناحیة.

وعلیٰ أیّة حال، فإنّ هذه الفتنة قد تسبّبت بضیاع الکثیر من الکتب، بدلیل وجودها فی متناول العلماء قبل هذه الفتنة، واختفائها بعد ذلک مباشرةً، فکتاب مقتل الحسین(علیه السّلام) لجابر بن یزید الجعفی کان موجوداً فی متناول العلماء إلیٰ منتصف القرن الخامس الهجری تقریباً، ثمَّ اختفیٰ بعد ذلک.

الجهة الثانیة: ما تبقّیٰ من آثار مقتل الحسین× لجابر بن یزید الجعفی

اشارة

قلنا فی الجهة السابقة: إنّ مقتل جابر بن یزید الجعفی غیر موجود فی زماننا، والغریب أنّنا لا نجد من آثار هذا المقتل فی الکتب المتأخِّرة عن عصر الجعفی، سویٰ مجموعة قلیلة من الروایات _ ممّا وقع الجعفی فی طرقها _ ونحتمل أنّها ممّا کان أودعه الجعفی فی مقتله، وهی متوفرة بشکل رئیسی فی کتاب مقاتل الطالبیین لأبی فرج الأصفهانی (ت356ه_)،

ص: 99


1- ابن الجوزی، عبد الرحمن بن علیّ، المنتظم فی تاریخ الملوک والأُمم: ج16، ص16.
2- المصدر السابق: ج16، ص8.
3- اُنظر: العلّامة الحلّی، الحسن بن یوسف، خلاصة الأقوال فی معرفة الرجال: ص74.

وکتاب کامل الزیارات لابن قولویه (ت368ه_)، وهناک روایات أُخریٰ متفرِّقة فی تاریخ الأُمم والملوک لمحمّد بن جریر الطبری (ت310ه_)، وتفسیر العیاشی لمحمّد بن مسعود العیاشی (ت320ه_)، والکافی لمحمّد بن یعقوب الکلینی (ت329ه_)، والهدایة الکبریٰ لأبی عبد الله الحسین بن حمدان الخصیبی (ت334ه_)، والخرائج والجرائح وقصص الأنبیاء لقطب الدین الراوندی (ت573ه_).

وعلینا الآن أن نشیر إلیٰ مواضع تلک الروایات فی المصادر المشار إلیها أعلاه ضمن العناوین التالیة:

1_ روایات مقتل الجعفی فی مقاتل الطالبیین:

1_ تعیین قاتل جعفر بن علیّ(علیهماالسّلام)، قال: قال نصر بن مزاحم: حدَّثنی عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبی جعف_ر محمّ_د بن علیّ(علیهماالسّلام): «أنّ خ_ولی بن یزی_د الأصبحی _ لعنه الله _ قتل جعفر بن علیّ»(1).

2_ تعیین قاتل العباس(علیه السّلام)، قال: حدّثنی أحمد بن عیسیٰ، قال: حدَّثنی حسین بن نص_ر، قال: حدَّثنا أبی، قال: حدَّثنا عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبی جعفر(علیه السّلام): «أنّ زید ابن رقاد الجنبی، وحکیم بن الطفیل الطائی، قتلا العباس بن علیّ»(2).

3_ تعیین قاتل محمّد الأصغر بن علیّ بن أبی طالب(علیهم السّلام) ، قال: حدَّثنی أحمد بن عیسیٰ، قال: حدَّثنا الحسین بن نصر، عن أبیه، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبی جعفر...: «أنّ رجلاً من تمیم من بنی أبان بن دارم قتله _ رضوان الله علیه _ ولعن الله قاتله»(3).

4_ تعیین قاتل أبی بکر بن الحسین بن علیّ بن أبی طالب(علیهم السّلام) ، قال: وفی حدیث عمرو

ص: 100


1- الأصفهانی، أبو الفرج، مقاتل الطالبیین: ص88.
2- المصدر السابق: ص90.
3- لمصدر السابق: ص90 _ 91.

ابن شمر، عن جابر، عن أبی جعفر(علیه السّلام): «أنّ عقبة الغنوی قتله»(1).

أقول: الروایات الثلاث الأُولیٰ ممّا یندرج ضمن مقتل نص_ر بن مزاحم المنقری (ت212ه_) أیضاً، کما سیأتی إن شاء الله تعالیٰ، وبهذا تعرف أنّ مقتل جابر الجعفی هو من المصادر التی اعتمدها نصر بن مزاحم المنقری فی تصنیفه لمقتله.

2_ روایات مقتل الجعفی فی کامل الزیارات:

1_ قال: وحدَّثنی محمَّد بن الحسن بن أحمد بن الولید، عن سعد بن عبد الله، عن محمّد بن عیسیٰ، عن صفوان بن یحییٰ، عن الحسین بن أبی غندر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبی جعفر(علیه السّلام)، قال: قال أمیر المؤمنین(علیه السّلام): «زارنا رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وقد أهدت لنا أُمّ أیمن لبناً وزبداً وتمراً، فقدمنا منه، فأکل ثمَّ قام إلیٰ زاویة البیت، فصلّیٰ رکعات، فلمّا کان فی آخر سجوده بکیٰ بکاءً شدیداً، فلم یسأله أحدٌ منّا إجلالاً وإعظاماً له، فقام الحسین(علیه السّلام) وقعد فی حجره، فقال: یا أبه، لقد دخلت بیتنا فما سررنا بشیء کسرورنا بدخولک، ثمَّ بکیت بکاء غمّنا، فما أبکاک، فقال: یا بنی، أتانی جبرئیل(علیه السّلام) آنفاً فأخبرنی أنّکم قتلیٰ وأنّ مصارعکم شتّیٰ...»(2).

2_ قال: حدَّثنی محمّد بن عبد الله بن جعفر الحمیری، عن أبیه، عن محمّد بن الحسین ابن أبی الخطاب، عن محمّد بن حماد الکوفی، عن إبراهیم بن موسیٰ الأنصاری، قال: حدَّثنی مصعب، عن جابر، عن محمّد بن علیّ(علیهماالسّلام)، قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): «مَن سرّه أن یحییٰ حیاتی ویموت مماتی ویدخل جنتی، جنة عدن غرسها ربّی بیده، فلیتولَّ علیّاً ویعرف فضله، والأوصیاء من بعده، ویتبرّأ من عدوی، أعطاهم الله فهمی وعلمی، هم عترتی من لحمی ودمی، أشکو إلیٰ ربّی عدوهم من أُمّتی، المنکرین لفضلهم، القاطعین فیهم صلتی، والله، لیقتلن ابنی، ثمَّ

ص: 101


1- الأصفهانی، أبو الفرج، مقاتل الطالبیین: ص92.
2- ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص126.

لا تنالهم شفاعتی»(1).

3_ قال: حدَّثنی محمّد بن جعفر الرزاز، عن خاله محمّد بن الحسین بن أبی الخطاب، عن نصر بن مزاحم، عن عمرو بن سعید، عن علیّ بن حماد، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)، قال: قال علیّ(علیه السّلام) للحسین(علیه السّلام): «یا أبا عبد الله، أُسوة أنت قدماً. فقال: جعلت فداک ما حالی؟ قال: علمت ما جهلوا وسینتفع عالم بما علم، یا بنی، اسمع وأبصر من قَبْل أن یأتیک، فوالذی نفسی بیده، لیسفکن بنو أُمّیة دمک، ثمَّ لا یزیلونک عن دینک، ولا ینسونک ذکر ربّک...»(2).

4_ وحدَّثنی أبی(رحمه الله)، عن سعد بن عبد الله، عن إبراهیم بن هاشم، عن عثمان بن عیسیٰ، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبی جعفر(علیه السّلام)، قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): «إنّ فی النار لمنزلة لم یکن یستحقّها أحد من الناس إلّا قاتل الحسین بن علیّ ویحییٰ بن زکریا(علیهماالسّلام)»(3).

5_ وحدَّثنی علیّ بن الحسین بن موسیٰ، عن علیّ بن إبراهیم وسعد بن عبد الله جمیعاً، عن إبراهیم بن هاشم، عن علیّ بن فضال، عن أبی جمیلة، عن جابر، عن أبی جعفر(علیه السّلام)، قال: «ما بکت السماء علیٰ أحد بعد یحییٰ بن زکریا إلّا علیٰ الحسین بن علیّ(علیهماالسّلام)، فإنّها بکت علیه أربعین یوماً»(4).

أقول تعلیقاً علیٰ هذه الروایات: إنّ الروایتین الأُولیٰ والثانیة قد ذکرتا فی الباب (22) قولَ رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إنّ الحسین(علیه السّلام) تقتله أُمّته من بعده. والروایة الثالثة قد ذکرت فی الباب (23) قولَ أمیر المؤمنین(علیه السّلام) فی قتل الحسین(علیه السّلام) وقول الحسین له فی ذلک، والروایة الرابعة فی الباب (25) ما جاء فی قاتل الحسین(علیه السّلام) وقاتل یحییٰ بن زکریا(علیهماالسّلام)، والروایة الخامسة

ص: 102


1- ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص149.
2- المصدر السابق: ص149 _ 150.
3- المصدر السابق: ص162.
4- المصدر السابق: ص 183.

فی الباب (28) بکاء السماء والأرض علیٰ قتل الحسین(علیه السّلام) ویحییٰ بن زکریا(علیهماالسّلام).

ولقائل أن یقول: إنّ هذه الروایات لا تدخل فی صمیم أحداث یوم عاشوراء، کما أنّها لا تتحدَّث عمّا سبقه من تمهیدات ومقدِّمات، أو ما لحقه من وقائع السبی، فالروایات الثلاث الأُولیٰ تندرج ضمن النبوءات التی تحدَّثت عن مقتل الحسین(علیه السّلام) قبل وقوعه، والروایة الرابعة تندرج ضمن عقوبة قتلة الحسین(علیه السّلام)، والروایة الخامسة تندرج ضمن الأحداث الکونیّة التی حدثت بعد مقتله(علیه السّلام)، ومعه کیف یُحتمل أن تکون هذه الروایات کانت مودعة فی مقتل جابر الجعفی؟

وهذا الکلام غیر صحیح، فإنّ أرباب المقاتل قد دأبوا علیٰ ذکر هذه الروایات وأمثالها فی کتب المقتل، ونحن وإن کنّا نفتقد کتب المقاتل القدیمة (الأُصول)، ولا یمکننا أن نطّلع علیٰ تبویبها بشکل مباشر، ولکن یمکن أن نقیسها علیٰ ما وصلنا من کتب المقاتل التی کُتبت بعد ذلک، وکمثال علیٰ ذلک مقتل الخوارزمی، فقد عُقد الفصل الثامن من هذا الکتاب فی إخبار رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) عن الحسین(علیه السّلام) وأحواله، وأورد فیه نبوءات الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) عن مقتل الحس_ین(علیه السّلام)، ثمَّ عُقد بعد ذلک الفصل الثانی عشر فی بیان عقوبة قاتل الحسین(علیه السّلام) وخاذله وما له من الجزاء.

3_ شذرات من مقتل الجعفی:

بقی علینا أن نشیر إلیٰ شذرات متناثرة من هذا المقتل عثرت علیها عدّة من المصادر التاریخیّة، وهی _ ما أشرنا إلیها سابقاً _ : تاریخ الأُمم والملوک لمحمّد بن جریر الطبری (ت310ه_)، وتفسیر العیاشی لمحمّد بن مسعود العیاشی (ت320ه_) ، والکافی لمحمّد ابن یعقوب الکلینی (ت329ه_)، والهدایة الکبریٰ لأبی عبد الله الحسین بن حمدان الخصیبی (ت334ه_)، والخرائج والجرائح وقصص الأنبیاء لقطب الدین الراوندی (ت573).

ص: 103

1_ محمّد بن جریر الطبری (ت310ه_) فی تاریخ الأُمم والملوک: قال: قال هشام: حدَّثنی عمرو بن شمر، عن جابر الجعفی، قال: «عطش الحسین حتیٰ اشتدّ علیه العطش، فدنا لیشرب من الماء، فرماه حصین بن تمیم بسهم، فوقع فی فمه، فجعل یتلقّیٰ الدم من فمه، ویرمی به إلیٰ السماء، ثمَّ حمد الله وأثنیٰ علیه، ثمَّ جمع یدیه، فقال: اللّهم، أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تذر علیٰ الأرض منهم أحداً»(1).

أقول: وهذه الروایة تندرج _ أیضاً _ ضمن مقتل هشام بن محمّد بن السائب الکلبی (ت204ه_) _ کما سیأتی _ وبهذا یکون مقتل جابر الجعفی من المصادر التی استقیٰ منها الکلبی فی مقتله.

2_ محمّد بن مسعود العیاشی (ت320ه_) فی تفسیره: قال: عن جابر، عن أبیٰ جعفر(علیه السّلام)، قال: «نزلت هذه الآیة فی الحسین(علیه السّلام) «وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِیِّهِ سُلْطَانًا فَلَا یُسْرِفْ فِی الْقَتْلِ »*قاتل الحسین. «إِنَّهُ کَانَ مَنْصُورًا » قال: الحسین(علیه السّلام)»(2).

3_ محمّد بن یعقوب الکلینی (ت329ه_) فی الکافی: قال: أبو علیّ الأشعری، عن محمّد بن س_الم، عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبی جعفر(علیه السّلام)، قال: «قُتل الحسین بن علیّ(علیهماالسّلام) وعلیه جبّة خزّ دکناء فوجدوا فیها ثلاثة وستّین من بین ضربة بالسیف وطعنة بالرمح أو رمیة بالسهم»(3).

4_ قطب الدین الراوندی (ت573ه_) فی الخرائج والجرائح وقصص الأنبیاء:

أ _ فی الخرائج والجرائح: عن أبی سعید سهل بن زیاد: حدَّثنا الحسن بن محبوب: حدّثنا ابن فضیل: حدّثنا سعد الجلاب، عن جابر، عن أبی جعفر(علیه السّلام)، قال: قال الحسین

ص: 104


1- الطبری، محمد بن جریر، تاریخ الأُمم والملوک: ج5، ج449.
2- العیاشی، محمد بن مسعود، تفسیر العیاشی: ج2، ص290.
3- الکلینی، محمّد بن یعقوب، الکافی: ج6، ص452.

ابن علیّ(علیهماالسّلام) لأصحابه قبل أن یُقتل: «إن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قال: یا بنی، إنّک ستُساق إلیٰ العراق، وهی أرض قد التقیٰ بها النبیون، وأوصیاء النبیین، وهی أرض تُدعیٰ (عمورا)، وإنّک تُستَشهد بها ویُستشهد معک جماعة من أصحابک، لا یجدون ألم مسِّ الحدید، وتلا: «قُلْنَا یَا نَارُ کُونِی بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَی إِبْرَاهِیمَ »تکون الحرب علیک وعلیهم برداً وسلاماً. فأبشروا: فو الله، لئن قتلونا، فإنّا نرد علیٰ نبینا. ثمّ أمکث ما شاء الله، فأکون أول مَن تنشقّ عنه الأرض، فأخرج خرجة یوافق ذلک خرجة...»(1).

ب _ فی قصص الأنبیاء: عن جابر، عن أبی جعفر(علیه السّلام)، قال: «إنّ عاقر ناقة صالح کان أزرق ابن بغیّ، وکانت ثمود تقول: ما نعرف له فینا أباً ولا نسباً، وأنّ قاتل الحسین بن علیّ صلوات الله علیهما ابن بغیّ، وأنّه لم یقتل الأنبیاء ولا أولاد الأنبیاء إلاّ أولاد البغایا، وقال فی قوله تعالیٰ جلّ ذکره: « لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِیًّا » قال: یحییٰ بن زکریّا لم یکن له سمیّ قبله ، والحسین بن علیّ لم یکن له سمیّ قبله، وبکت السّماء علیهما أربعین صباحاً، وکذلک بکت الشّمس علیهما، وبکاؤها أن تطلع حمراء وتغیب حمراء»(2).

الجهة الثالثة: السبب فی إعراض المؤرِّخین عن مقتل الجعفی

اشارة

استنتجنا فی الجهة الأُولیٰ _ بناءً علیٰ بعض المعطیات _ بقاء مقتل الجعفی فی متناول أیدی العلماء إلیٰ منتصف القرن الخامس الهجری، ومع بقاء هذا المقتل طوال هذه المدّة، وانتش_اره فی الک_وفة والبص_رة وبغ_داد، غ_یر أنّنا قد لاحظ_نا _ فی الجهة الثانی_ة _ إعراض المؤرِّخین عن هذا المقتل، وندرة اعتمادهم علیه، فالطبری _ مثلاً _ لم یروِ عنه سویٰ روایة واحدة، وهناک مصادر _ کالإرشاد للشیخ المفید (ت313ه_) _ قد خلت تماماً من

ص: 105


1- الراوندی، قطب الدین، الخرائج والجرائح: ج2، ص848.
2- الراوندی، قطب الدین، قصص الأنبیاء: ص220.

مرویات هذا المقتل، وهذا ما یثیر الاستغراب، ویدفع بنا للبحث عن وجود تفسیر لذلک:

التفسیر الأوّل: تخطیط ومؤامرة الدولة العباسیة ضد کتاب الجعفی

یریٰ السیِّد سامی البدری فی کتابه (المدخل إلیٰ دراسة مصادر السیرة النبویّة والتاریخ الإسلامی): أنّ هذا الإعراض عن مقتل الجعفی وندرة الاعتماد علیه، کان مؤامرة مدبَّرة، خطّط لها الساسة العباسیون، ونفّذها أبو مخنف والمؤرِّخون بعده، یقول البدری: «أقول: بل وضع کتابه فی المقتل [یعنی: أبو مخنف] علیٰ ما یبدو فی قبال کتاب جابر بن یزید الجعفی(رحمه الله) لتطویقه واحتوائه؛ إرضاءً للعباسیین فی خطّتهم التی استهدفت وصف أهل الکوفة خاّصة بأنّهم خذلوا الحسین(علیه السّلام)، وأنّهم المسؤولون عن قتل الحسین(علیه السّلام) دون یزید، وقد نجح أبو مخنف فی تحقیق ما أرادوا، وصار کتابه أفضل الکتب المؤلّفة فی بابه وتبّناه المؤرِّخون بعده».

وهذا الرأی یمکن مناقشته والاعتراض علیه من عدّة وجوه:

1_ إنّ مقتل أبی مخنف وإن احتویٰ علیٰ بعض المرویات التی تحاول رفع المسؤولیة عن یزید، غیر أنّه قد اشتمل علیٰ مرویات أُخریٰ مضادّة، فعلیٰ سبیل المثال، قال أبو مخنف: «وأمّا ما حدَّثَنا به المجالد بن سعید والصقعب بن زهیر الأزدی وغیرهما من المحدِّثین، فهو ما علیه جماعة المحدِّثین، قالوا: إنّه قال: اختاروا منّی خصالاً ثلاثاً: إمّا أن أرجع إلیٰ المکان الذی أقبلت منه، وإمّا أن أضع یدی فی ید یزید بن معاویة، فیریٰ فیما بینی وبینه رأیه، وإمّا أن تسیِّرونی إلیٰ أیّ ثغرٍ من ثغور المسلمین شئتم، فأکون رجلاً من أهله، لی ما لهم وعلیَّ ما علیهم»(1).

فهذا النصّ من النصوص التی حاولت إلصاق المسؤولیّة بعمر بن سعد وحده، وتبرئة یزید، إلّا أنّ الظاهر أنّ أبا مخنف قد أورده کمقدِّمة لتفنیده ونقل ما یضاده، حیث قال بعد ذلک مباشرة: «فأمّا عبد الرحمن بن جندب، فحدَّثنی عن عقبة بن سمعان، قال:

ص: 106


1- الطبری، محمد بن جریر، تاریخ الأُمم والملوک: ج5، ص413.

صحبت حسیناً فخرجت معه من المدینة إلیٰ مکّة، ومن مکّة إلیٰ عراق، ولم أُفارقه حتیٰ قُتل، ولیس من مخاطبته الناس کلمة بالمدینة ولا بمکّة ولا فی الطریق ولا بالعراق ولا فی عسکر إلیٰ یوم مقتله إلّا وقد سمعتها، ألا والله، ما أعطاهم ما یتذاکر الناس وما یزعمون، من أن یضع یده فی ید یزید ابن معاویة، ولا أن یُسیّروه إلیٰ ثغر من ثغور المسلمین، ولکنّه قال: دعونی فلأذهب فی هذه الأرض العریضة حتیٰ ننظر ما یصیر أمر الناس»(1).

ویظهر من کلام ابن سمعان أنّ الروایة الأُولیٰ کانت قد انتشرت فی وقت مبکر، فکان لا بدّ له من عرضها وإیراد ما یناقضها.

2_ إنّنا قد نؤمن بنظریة المؤامرة فی هذا الخصوص، ولکنّها لم تکن کما صوّرها البدری، بل المؤامرة کانت ضدّ جمیع أصحاب الأُصول الشیعیّة فی المقتل، کالأصبغ بن نباتة التمیمی، وجابر بن یزید الجعفی، وأبی مخنف، وغیرهم.

هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإنّ المؤامرة لم تکن من قِبَل ساسة بنی العباس؛ إذ إنّنا نسأل ما هی مصلحة بنی العباس بتحسین صورة یزید؟!

بل المؤامرة کانت _ فی تصورنا _ من قِبَل المؤرِّخین أنفسهم، وبدافع مذهبی، فکان کلّ واحد منهم ینتقی من الأخبار ما ینسجم مع میوله وتوجهاته المذهبیة، وکانت نظرة الواحد منهم إلیٰ بنی أُمیّة عموماً ویزید خصوصاً قد لعبت دوراً مهمّاً وخطیراً فی هذا المجال، ونحن نعلم أنّ نظرة مؤرِّخی العامّة إلیٰ بنی أُمیّة عموماً ویزید خصوصاً لم تکن متساویة، بل کانت متفاوتة أشدّ التفاوت.

3_ لو تنزلنا عن المناقشتین السابقتین، فإن هذا الرأی یبقیٰ قاصراً عن تفسیر الإعراض عن مقتل الجعفی من عموم المؤرخین، فإن هذا الإعراض لم یکن خاصاً

ص: 107


1- الطبری، محمد بن جریر، تاریخ الأُمم والملوک: ج5، ص413 _ 414.

بمؤرخی السنّة، بل یشمل مؤرخی الشیعة أیضاً، کالشیخ المفید الذی لم یورِد من هذا المقتل شیئاً فی الإرشاد.

التفسیر الثانی: ما توصلنا إلیه فی المقام

نحن نعتقد أنّ الإعراض عن مقتل الجعفی وندرة الاعتماد علیه، جاء نتیجة أحد الأسباب التالیة:

1_ قد یکون إعراض البعض عن هذا المقتل بسبب تضعیف الجعفی من قِبَل شریحة کبیرة من المؤرِّخین السنّة والشیعة معاً، کما ذکرنا ذلک سابقاً، وهذا وإن لم یکن خاصّاً بالجعفی، فقد ضعّفوا أبا مخنف أیضاً، ومع ذلک اعتمد علیه الطبری کثیراً، ولکنّ المتأخّرین عن الطبری قد انتقدوه فی ذلک، ولم یسلم من طعونهم، قال ابن کثیر: «...ولهذا توسّع [یعنی الطبری] فی إیراده [یعنی المقتل] بروایات أبی مخنف لوط بن یحییٰ، وهو متّهم فیما یرویه، ولا سیما فی باب التشیُّع...»(1).

2_ قد یکون إعراض البعض عن هذا المقتل بسبب ضعف تلامذة الجعفی الذین نقلوا عنه هذا المقتل، وقد نقلنا سابقاً قول ابن الغضائری: «إنّ جابر بن یزید الجعفی الکوفی ثقة فی نفسه، ولکن جلّ مَن رویٰ عنه ضعیف، فمن أکثر عنه من الضعفاء: عمرو بن شمر الجعفی، ومفضل بن صالح، والسکونی، ومنخل بن جمیل الأسدی، وأریٰ الترک لما رویٰ هؤلاء عنه، والوقف فی الباقی إلّا ما خرج شاهداً»(2).

وهذه الرؤیة التی یتبنّاها ابن الغضائری، لو عُمِّمت إلیٰ آخرین، ووسِّعت لتشمل مرویاته التاریخیّة، ستکون من أخطر أسباب محاصرة هذا المقتل وتطویقه، فإنّ عمرو بن

ص: 108


1- ابن کثیر، إسماعیل، البدایة والنهایة: ج8، ص302.
2- العلّامة الحلّی، الحسن بن یوسف، خلاصة الأقوال فی معرفة الرجال: ص94.

شمر الجعفی _ مثلاً _ هو الراوی الأساسی لهذا المقتل.

3_ قد یکون إعراض البعض عن هذا المقتل، بسبب عدم اشتهاره بین المؤرِّخین؛ فإنّ الجعفی وإن کان من المؤرِّخین القدماء، وقد صنّف عدّة کتب فی مجال التاریخ، إلّا أنّ شهرته لم تکن بمستویٰ شهرة أبی مخنف والکلبی وأضرابهما، وقد یؤیِّد ذلک عدم النصِّ علیٰ وجود هذا المقتل فی کتب الفهارس ومعاجم المؤلّفات، سویٰ نصّ النجاشی علیه.

ص: 109

خاتمة بأهمّ النتائج

1_ کان جابر بن یزید الجعفی من الشخصیات الشیعیّة العلمیّة الکوفیّة التی برزت فی الربع الأوّل من القرن الثانی للهجرة.

2_ وُلِد جابر ونشأ وتعلّم فی الکوفة، ثمَّ رحل إلیٰ المدینة المنوّرة، لیمکث فیها (18) عاماً فی خدمة الإمام الباقر(علیه السّلام)، ثمّ عاده ثانیة إلیٰ الکوفة، لیُتوفّیٰ فیها عام 128ه_.

3_ کان جابر مختصّاً بالإمام الباقر(علیه السّلام)، وملازماً له، وقد أکثر الروایة عنه، ولکنّه قد صحب الإمامین السجّاد والصادق(علیهماالسّلام)، ورویٰ عنهما أیضاً.

4_ یُعتَبر جابر من رواة المعارف، وقد أثارت مرویاته فی هذا المجال جدلاً واسعاً، کما أنّه کان من المهتمین بکتابة التاریخ الإسلامی، وله عدّة کتب فی هذا المجال.

5_ کان جابر من المختصین بمذهب أهل البیت(علیهم السّلام) ، ولم یناقش أحدٌ فی تشیِّعه، بل فی إمامیّته، ولکنّ النقاش قد وقع بعد ذلک فی وثاقته وعدالته، فوثّقه قوم وضعّفه آخرون، وقد ناقشنا ذلک بشیءٍ من التفصیل، ورجّحنا وثاقته وعدالته.

6_ یُعتَبر مقتل جابر بن یزید الجعفی من أُصول المقاتل، وقد نصَّ النجاشی علیٰ وجوده وذکر طریقه إلیه، ولکنّه مفقود فی عصرنا، ولم یتبقَّ منه سویٰ مجموعة قلیلة من الروایات التی روتها المدوَّنات التاریخیّة عن جابر، وقد ناقشنا بعد ذلک السبب فی إعراض هذه المدوَّنات عن هذا المقتل وندرة اعتمادها علیه.

ص: 110

الفصل الثالث: مقتل عمّار الدهنی، الکوفی (ت133ه_)

اشارة

ص: 111

ص: 112

تقدیم

نحن بین یدی المحدِّث والأخباری القدیم عمّار الدهنی، وهو من الشخصیات الکوفیة التی برزت فی نهایات القرن الأوّل وبدایات القرن الثانی، وقد عُرف بوصفه محدِّثاً أکثر من أیِّ شیءٍ آخر.

وعمّار الدهن_ی هو وال_د معاویة بن عمّار المحدِّث المعروف، ولکن لم تکن منزلة عمّار _ عندنا نحن الإمامیّة _ کمنزلة وَلَدِه معاویة، فقد وقع خلاف حول مذهب عمّار ومعتقده، کما أنّ موقف علمائنا غامض من وثاقته وعدالته کما سیجیء، بینما لا نجد خلافاً حول إمامیّة معاویة بن عمّار، کما لا یُشکک أحد فی کونه من ثقات محدِّثی الطائفة وأجلّائها.

کان عمّار الدهنی من المهتمّین بمعرفة تفاصیل مقتل الحسین(علیه السّلام)، وکان یطمح أن تکون معرفته بما جریٰ فی کربلاء معرفة یقینیّة، معرفة غیر قائمة علیٰ الحَدْس والتخمین اللذین لا ینفکّان عن إخبارات المؤرِّخین وحکایاتهم، فلم یجد مَن یجمع بین هذین الأمرین سویٰ الإمام الباقر(علیه السّلام)، فذهب إلیه، وطلب منه أن یحدِّثه بمقتل الحسین(علیه السّلام) حدیثاً یکون معه عمّار الدهنی بمنزلة الحاضر فی تلک الأحداث، فحدَّثه الإمام(علیه السّلام) عن ذلک، فی روایة مفصلة سنأتی علیها فی مطاوی البحث.

ولو سَلِم هذا المقتل من تلاعب الرواة الذین جاؤوا بعد الدهنی، لکان فی هذا المقتل غنیٰ عن سائر المقاتل، ولکنّه مع الأسف لم یُروَ عن طرقنا، بل وصلنا عن طریق العامّة، وقد توسّط فی الطریق بعض الکذّابین والمدلِّسین الذین تلاعبوا بالنصّ بالحذف تارة، وبالدسِّ أُخریٰ؛ ففقد بذلک قیمته، وأهملته المصادر الشیعیّة المعنیّة بذکر وقعة الطف.

ص: 113

وفی الصفحات التالیة ستکون لنا رحلة تحقیقیّة نفصِّل الکلام فی المبحث الأوّل منها حول ترجمة عمّار الدهنی، ثمَّ نتحدَّث فی المبحث الثانی حول مقتله.

ص: 114

المبحث الأول:ترجمة عمّار الدهنی

1 _ اسمه ونسبه وکنیته وذرّیته

اشارة

هو عمّار بن أبی معاویة، واسم أبی معاویة خباب(1)، وقیل: معاویة(2) بن عبد الله الدهنی أبو معاویة.

عُرِف عمّار ب_ (الدهنی)، حیث کان مولیٰ لبنی دهن، وهو بضم الدال وسکون الهاء نسبة إلیٰ حی من بجیلة، وهم: بنو دهن بن معاویة بن أسلم بن أحمس بن الغوث بن أنمار(3).

قال السمعانی: «قرأت بخطِّ أبی بکر الأودنی ببخاریٰ، علیٰ وجه الجزء التاسع والعشرین من کتاب الغریب لأبی سلیمان الخطابی، سمعت أبا سلیمان یقول: سمعت أبا سعید بن الأعرابی یقول: سمعت عباساً الدوری یقول سمعت یحییٰ بن معین یقول: عمّار الدهنی، دهن قبیلة من بجیلة»(4).

وقال ابن عبد البرّ: «ومن بطون بجیلة: دهن بن معاویة بن أسلم بن أحمس بن الغوث بن

ص: 115


1- اُنظر: النجاشی، أحمد بن علی، رجال النجاشی: ص411.الطوسی، محمّد بن الحسن، رجال الطوسی: ص251.
2- اُنظر: الطوسی، محمّد بن الحسن، الفهرست: ص118.
3- اُنظر: ابن الأثیر، علیّ بن أبی الکرم، اللباب فی تهذیب الأنساب: ج1، ص520.
4- السمعانی، عبد الکریم بن محمّد، الأنساب: ص427.

أنمار، ومن دهن هذا: عمّار بن أبی معاویة الدهنی»(1).

معاویة بن عمّار:

وعمّار هذا هو والد معاویة بن عمّار المحدِّث الإمامی الثقة المشهور، الذی کان من خواصّ الإمام الصادق(علیه السّلام)، وکان _ بحسب تعبیر النجاشی _ : «وجهاً فی أصحابنا ومقدَّماً، کبیر الشأن عظیم المحل»(2). له عدّة کتب، منها: کتاب الحجّ، وکتاب یوم ولیلة، وکتاب الزکاة، وغیر ذلک(3).

معاویة بن حکیم:

ومن أحفاد عمّار: معاویة بن حکیم بن معاویة بن عمّار الدهنی، وهو من الثقات الأجلّاء، ومن أصحاب الإمام الرضا(علیه السّلام). قال أبو عبد الله الحسین بن عبید الله: سمعت شیوخنا یقولون: «رویٰ معاویة بن حکیم أربعة وعشرین أصلاً لم یروِ غیرها. وله کتب، منها: کتاب الطلاق، وکتاب الحیض، وکتاب الفرائض، وکتاب النکاح، وکتاب الحدود، وکتاب الدیِّات، وله نوادر»(4).

أحمد بن معاویة:

ومن أولاده: أبو الفضل أحمد بن معاویة بن حکیم بن معاویة بن عمّار، سمع منه ابن عقدة، وقال: مات سنة 292 ه_، وله ثمان وستّون سنة(5).

ص: 116


1- ابن عبد البرّ، یوسف بن عبد الله، الإنباه علی قبائل الرواة: ص95.
2- النجاشی، أحمد بن علی، رجال النجاشی: ص411.
3- اُنظر: الطوسی، محمد بن الحسن، الفهرست: ص166.
4- النجاشی، أحمد بن علی، رجال النجاشی: ص412.
5- اُنظر: العسقلانی، أحمد بن علیّ، تبصیر المنتبه بتحریر المشتبه: ج2، ص572.
یونس بن یعقوب:

ومن أسباط عمّار: یونس بن یعقوب بن قیس أبو علیّ الجلاب البجلی الدهنی، حیث إنّ أُمّه هی منیة بنت عمّار الدهنی، وهو من خواص الإمامین الصادق والکاظم(علیهماالسّلام)، وکان وکیلاً للإمام الکاظم(علیه السّلام)، ومات فی المدینة فی أیام الرضا(علیه السّلام)، فتولّیٰ أمره، وکان من المحظوظین والموثقین عند الأئمّة(علیهم السّلام) (1).

2 _ ولادته ونشأته

توجد ثلاث حقائق تاریخیّة _ فی سیرة عمّار الدهنی _ لا یرتقی إلیها شکّ، ولا تطالها شبهة:

الحقیقة الأُولیٰ: إنّه قد وُلد بالکوفة، کما تشهد بذلک المصادر التی تعرَّضت لترجمته ولقبته ب_ (الکوفی)(2)، أو التی قالت: إنّ عداده فی أهل الکوفة(3).

ولم ینسب عمّار إلیٰ أیِّ مدینة سویٰ الکوفة، وهذا ما یجعلنا نطمأنّ بأنّه من موالید هذه المدینة، ولم یکن مجرَّد نزیل فیها.

الحقیقة الثانیة: إنّه قد نشأ وتعلَّم الحدیث فیها أیضاً، یدلّنا علیٰ ذلک أنّ أکثر شیوخه وأساتذته هم من أهل الکوفة.

الحقیقة الثالثة: إنّه قد حدَّث وبثَّ ما لدیه من العلم فیها کذلک، وهذا واضح من

ص: 117


1- اُنظر: النجاشی، أحمد بن علیّ، رجال النجاشی: ص446.
2- اُنظر مثلاً: البخاری، محمّد بن إسماعیل، التاریخ الکبیر: ج7، ص28. الرازی، ابن أبی حاتم، الجرح والتعدیل: ج6، ص390، ابن المبرد، یوسف بن الحسن، بحر الدم فیمَن تکلَّم فیه الإمام أحمد بمدح أو ذم: ص113.ابن حجر، أحمد بن علیّ، تقریب التهذیب: ص710. الذهبی، محمّد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج11، ص53.
3- اُنظر: ابن حبان، محمّد بن حبان، الثقات: ج5، ص268.

خلال مراجعة سیر وتراجم تلامذته والمستفیدین منه، حیث إنّ غالبیتهم من أهل الکوفة.

فهذه الحقائق الثلاث ممّا لا ریب فیه، ولکن ما یحتاج إلیٰ مزید من البحث والتنقیب، هو تحدید أو علیٰ الأقل تخمین زمان ولادته، وفی الحقیقة أنّنا نفتقر إلیٰ وجود نصٍّ فی هذا المجال، ولا یمکننا أن نحدِّد زمان ولادة عمّار الدهنی تحدیداً دقیقاً.

ولعل أهم ما ینفعنا فی هذا الصدد، هو روایته عن عدّة ممَّن کانت وفیاتهم فی تسعینیات القرن الهجری الأوّل، ومنهم:

1_ سعید بن جبیر، قُتل سنة 94 أو 95ه_.

1_ إبراهیم النخعی مات: سنة 96ه_.

2_ إبراهیم التیمی: مات سنة92 أو 94ه_.

وقد تتبّعت شیوخ الدهنی وأساتذته، فلم أجد فیهم مَن توفّی فی ثمانینیات القرن الأوّل، وهذا إن دلّ علیٰ شیء فإنّما یدلّ علیٰ أنّه کان صبیاً صغیراً غیر مؤهلٍ لتلقّی الحدیث فی الثمانینیات، وبهذا نستطیع أن نُخمِّن أنّ ولادته کانت قُبَیل أو بُعَید عام 80ه_، وأنّه طلب العلم فی فترة التسعینیات، ولعله لم یکن قد بلغ آنذاک؛ ولذا نجد أنّ ابن عیاش کان یشکِّک فی سمع سعید بن جبیر(1).

نعم، رویٰ العقیلی عن عبد الله بن أحمد، عن البخاری، عن علیّ بن المدینی، قال: قال: سفیان: «قطع بشر بن مروان عرقوبیه(2). فقلت: فی أیِّ شیء. قال: فی التشیُّع»(3).

وبشر بن مروان هو أخو عبد الملک بن مروان الذی ولی إمرة العراق لأخیه عبد

ص: 118


1- اُنظر: المزی، یوسف، تهذیب الکمال: ج20، ص210.
2- العرقوب: «عصب غلیظ موتر فوق عقب الإنسان». الزبیدی، محمد مرتضی، تاج العروس: ج3، ص353، (مادة عرقب).
3- العقیلی، محمد بن عمرو، الضعفاء: ج3، ص323.

الملک، وکانت وفاته سنة 75ه_(1)، فإذا افترضنا أنّ عمر الدهنی فی أیام بشر کان 15عاماً کما هو أقل الفروض المحتملة، تکون ولادته حوالی عام 60ه_، وهذا یعنی أنّه کان فی الثمانینیات شابّاً قد تجاوز العشرین، وهذا بدوره یتعارض مع عدم نقله ولو لحدیث واحد من رجل واحد من رواة الحدیث الذین کانت وفیاتهم فی الثمانینیات، ولعل الذهبی کان ملتفتاً إلیٰ هذا التعارض، حیث یق_ول _ بعد أن أشار إلیٰ هذه الروایة _ : «وأراه کان صبیاً شابّاً فی أیام بشر»(2).

أقول: إنّ افتراض کونه صبیاً شابّاً فی أیام بشر لا یحلّ الإشکالیة، وإنّما افترض الذهبی ذلک لیتفصّیٰ من ردّ الروایة، وأنّیٰ له ذلک، فالروایة _ بناءً علیٰ ما تقدم _ غیر قابلة للإثبات التاریخی.

وممّا یُثیر الشکّ حول هذه الروایة أیضاً، أنّ العقیلی ذاته، قد رویٰ مضمون هذه الروایة عن سفیان نفسه، ولکن بحقِّ مصدع، أبی یحییٰ الأعرج، ولیس فی حقِّ الدهنی(3).

3 _ مکانته العلمیة وطبقته ومصنفاته

لم یُعرف الدهنی بکونه مؤرِّخاً، بل اشتُهر بوصفه محدِّثاً، ولعل أهمّ وأدقّ ما قیل فی بیان مکانته العلمیّة، هو نعت الذهبی له ب_ (الإمام المحدِّث)(4)، ووصف النجاشی له _ فی ترجمة ابنه معاویة _ حیث قال: «وکان أبوه عمّار ثقة فی العامّة وجهاً»(5).

وقد عدّه ابن الندیم من فقهاء الشیعة ومحدِّثیهم وعلمائهم ومن مشایخهم الذین رووا

ص: 119


1- اُنظر: الصفدی، خلیل بن أیبک، الوافی بالوفیات: ج10، ص95.
2- الذهبی، محمّد بن أحمد، میزان الاعتدال: ج3، ص170.
3- اُنظر: العقیلی، محمّد بن عمرو، الضعفاء: ج4، ص266.
4- الذهبی، محمد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج11، ص173.
5- النجاشی، أحمد بن علیّ، رجال النجاشی: ص411.

الفقه عن الأئمّة(علیهم السّلام) (1). وسیأتی الحدیث عن مذهبه، وکونه من الشیعة بالمعنیٰ العام للتشیُّع، والمساوی للمیل والمحبّة لأهل البیت(علیهم السّلام) .

وأمّا طبقته، فقد عدّه الشیخ فی رجاله من أصحاب الصادق(علیه السّلام)(2)، مع أنّه قد رویٰ عن الإمام الباقر(علیه السّلام) أیضاً، ویکفی أن نستشهد علیٰ ذلک بکتاب المقتل الذی نحن بصدده، حیث یدّعی أنّه یرویه عنه(علیه السّلام).

وق_د عدّه ابن حج_ر من الطبق_ة الخامس_ة(3)، وقد رویٰ _ ک_ما فی تهذیب الکمال _ عن إبراهیم التیمی، وبکیر الطویل، والحکم بن عتیبة، وسالم بن أبی الجعد، وسعید بن جبیر، وأبی فاختة سعید بن علاقة، وأبی وائل شقیق بن سلمة، وأبی الطفیل عامر بن واثلة، وعبد الله بن شداد بن الهاد، وعبد الجبار بن العباس الشبامی، وعبد الرحمن بن القاسم بن محمّد ابن أبی بکر، وعطیة العوفی، ومالک بن عمیر الحنفی، ومجاهد بن جبر المکّی، وغیرهم.

ورویٰ عنه الأجلح الکندی، وإسرائیل بن یونس (س)، وجابر الجعفی، وأبو صخر حمید بن زیاد المدنی، وخالد بن یزید بن أسد بن عبد الله القس_ری، وزهیر بن معاویة، وسفیان الثوری (س)، وسفیان بن عیینة (س ق)، وشریک بن عبد الله، وشعبة بن الحجاج، والصباح بن یحییٰ، وعبد الله بن الأجلح، وعبد الله بن شبرمة، وعبد الجبار بن العباس الشبامی، وعبیدة بن حمید، وغیرهم کثیر(4).

ولم یکن للدهنی نشاطاً تألیفیّاً واسعاً، ولعل السبب فی ذلک _ فی تقدیرنا _ هو أنّه قد توفّی ما بین عامی 33 _ 40 بعد المائة الهجریة کما سنبیِّن، وقد کانت حرکة التدوین والتألیف والتصنیف فی هذه الفترة ضعیفة جدّاً عند العلماء المخالفین لخطّ أهل

ص: 120


1- اُنظر: ابن الندیم، محمّد بن إسحاق، الفهرست: ص271.
2- اُنظر: الطوسی، محمّد بن الحسن، رجال الطوسی: ص251.
3- اُنظر: ابن حجر، أحمد بن علیّ، تقریب التهذیب: ص408.
4- اُنظر: المزی، یوسف، تهذیب الکمال: ج21، ص209.

البیت(علیهم السّلام) ، فمع أنّ قانون منع التدوین الجائر قد أُلغی فی مطلع القرن الثانی الهجری بقرار من عمر بن عبد العزیز(1)، غیر أنّ التفاعل مع هذا القرار والتجاوب معه بشکل واعٍ وشامل قد تأخّر لعقود، وقد کان تجاوب العلماء معه _ وقت صدوره _ متفاوتاً، فالعلماء الواعون الذین کانوا یرون قانون منع التدوین قانوناً ظالماً، قد رحبّوا بهذا القرار، وبادروا مباشرة إلیٰ تدوین ما یحملونه من العلم، وهؤلاء هم العلماء الذین کانوا یسیرون علیٰ هدیٰ أهل البیت(علیهم السّلام) ، ویستضیئون بتعلیماتهم وتوجیهاتهم، وأمّا العلماء الذین لم یکونوا علیٰ صلة وثیقة بخطّ أهل البی_ت(علیهم السّلام) _ ومنهم عمّار الدهنی _ فقد کانت استجابتهم لهذا القرار بطیئة، ولم یتفاعلوا معه کما ینبغی.

قال أبو طالب المکّی: «یقال: إن أوّل کتاب صنّف فی الإسلام کتاب ابن جریج فی الآثار وحروف من التفاسیر عن مجاهد وعطاء وأصحاب ابن عباس بمکة، ثم کتاب معمر بن راشد الصنعانی بالیمن جمع فیه سنناً منثورة مبوّبة، ثم کتاب الموطأ بالمدینة لمالک بن أنس فی الفقه، ثم جمع ابن عیینة کتاب الجوامع فی السنن والأبواب وکتاب التفسیر فی أحرف من علم القرآن، وجامع سفیان الثوری الکبیر فی الفقه والأحادیث. فهذه من أوّل ما صُنّف ووُضع من الکتب بعد وفاة سعید بن المسیب وخیار التابعین وبعد سنة عشرین أو أکثر ومائة من التاریخ، فکان العلماء الذین هم أئمة هؤلاء العلماء من طبقات الصحابة الأربعة ومن بعد موت الطبقة الأُولیٰ من خیار التابعین هم الذین انقرضوا قبل تصنیف الکتب وکانوا یکرهون کتب الحدیث، ووضع الناس الکتب»(2).

وقال الغزالی: «الکتب والتصانیف مُحدَثة ولم یکن شیء منها زمن الصحابة وصدر التابعین،وإنّما حدث بعد سنة (120ه_)، وبعد وفاة جمیع الصحابة وجلّة التابعین، وبعد وفاة سعید بن

ص: 121


1- اُنظر: الجلالی، محمّد رضا، تدوین السنّة الشریفة: ص15.
2- الحارثی (أبو طالب المکّی)، محمّد بن علیّ، قوت القلوب: ج1، ص273.

المسیب (ت105ه_)، والحسن البصری (ت110ه_)، وخیار التابعین، بل کان الأوّلون یکرهون کتب الحدیث، وتصنیف الکتب»(1).

وعلیٰ أیّة حال، لم یذکر أصحاب الفهارس إلّا کتاباً واحداً من تألیف عمار الدهنی، قال الطوسی: «عمّار بن معاویة الدهنی له کتاب ذکره ابن الندیم»(2).

وهذا الکتاب هو ما أشار إلیه ابن الندیم فی الفنّ الخامس من المقالة السادسة تحت عنوان (فقهاء الشیعة ومحدِّثوهم وعلماؤهم) فقال _ عند عدِّ الکتب المصنفة لهم _ : «کتاب عمّار بن معاویة الدهنی...»(3).

وهذا الکتاب غیر موجود الآن، ولا نعرف محتویاته تفصیلاً، وإن تبدّیٰ لنا من کلام ابن الندیم أنّه کان یحتوی علیٰ مرویات فقهیّة رواها عمّار الدهنی عن أهل البیت(علیهم السّلام) ؛ إذ یقول: «هؤلاء مشایخ الشیعة الذین رووا الفقه عن الأئمّة، ذکرتهم علیٰ غیر ترتیب فمنهم... کتاب عمّار بن معاویة الدهنی...»(4).

ویمکن أن نُضیف إلیٰ هذا الکتاب کتاباً آخر صنّفه الدهنی، وهو کتاب المقتل الذی نحن بصدده، هذا إن صح کونه کتاباً، وستأتی مناقشة ذلک.

4 _ مذهبه ومعتقده

کان عمّار الدهنی یمیل إلیٰ أهل البیت(علیهم السّلام) إلیٰ درجة أنّه صنّف کتاباً ممّا رواه من فقههم(علیهم السّلام) _ کما مرَّ علینا _ وکان من المهتمّین بمرویات کربلاء، وقد حرص أن یأخذ تفاصیلها عن الإمام الباقر(علیه السّلام)، کما سیأتی عند الحدیث عن مقتله.

ص: 122


1- الغزالی، أبو حامد، إحیاء علوم الدین: ج1، ص179.
2- الطوسی، محمد بن الحسن، الفهرست: ص118.
3- ابن الندیم، محمّد بن إسحاق، الفهرست: ص272.
4- المصدر السابق: ص271 _ 272.

وقد کان الإمام الصادق(علیه السّلام) یهتمّ به ویُخلی له المجلس، فقد رویٰ محمّد بن یعقوب بإسناده، عن معاویة بن عمّار، قال: «کنّا عند أبی عبد الله(علیه السّلام) نحواً من ثلاثین رجلاً، إذ دخل علیه أبی فرحب به أبو عبد الله(علیه السّلام) وأجلسه إلیٰ جنبه، فأقبل علیه طویلاً، ثمّ قال أبو عبد الله(علیه السّلام): إنّ لأبی معاویة حاجة فلو خفّفتم. فقمنا جمیعاً، فقال لی أبی: ارجع یا معاویة فرجعت، فقال أبو عبد الله(علیه السّلام): هذا ابنک؟ قال: نعم»(1).

ومع هذا کلّه، فإنّ عمّار الدهنی لم یکن شیعیّاً إمامیّاً، بل کان عامّیاً معتدلاً محبّاً لأهل البیت(علیهم السّلام) ، وهذا ما یظهر من کلام النجاشی الذی مرّ علینا؛ إذ وصفه بکونه: «ثقّة فی العامّة وجهاً».

قال بحر العلوم _ بعد نقله لکلام النجاشی _ : «وظاهر کلام النجاشی أنّ عمّاراً هذا لیس منّا»(2).

وهذا ما فهمه السید الخوئی أیضاً من عبارة النجاشی؛ إذ قال: «إنّ قول النجاشی کان ثقة فی العامّة وجهاً، لیس معناه أنّ عمّاراً کان ثقة عند العامّة أیضاً، وإلّا لم یقل: فی العامّة، بل معناه أنّه کان ثقة فی رواة العامّة وجماعتهم؛ فیکون ذلک شهادة من النجاشی علیٰ أنّ الرجل لم یکن شیعیّاً»(3).

وعلیٰ هذا؛ فإنّ عدَّ البعض من علماء العامّة له من الشیعة(4)، یُحمل علیٰ التشیُّع بالمعنیٰ العام المنسجم مع القول بأنّ الإمامة بالاختیار، وممَّا یؤید ذلک أنّهم أجمعوا علیٰ وثاقته وعدالته کما سیجیء، ولو کان تشیُّعه بالمعنیٰ الخاص للتشیُّع، لکان ذلک من أکبر الطعون

ص: 123


1- الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی: ج5، ص768.
2- بحر العلوم، محمد مهدی، رجال بحر العلوم المعروف ب_ (الفوائد الرجالیة): ج1، ص391.
3- الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج13، ص269.
4- اُنظر: ابن حجر، أحمد بن علیّ، تهذیب التهذیب: ج7، ص604. وابن حجر، أحمد بن علیّ، تقریب التهذیب: ج1، ص408.

فیه، ولحکموا بردِّ روایته کما فعلوا مع غیره.

وقد یُستدلّ علیٰ تشیُّعه بروایة تفسیر الإمام العسکری(علیه السّلام)، ومفادها: أنّ القاضی ابن أبی لیلیٰ ردّ شهادة عمّار الدهنی، معلّلاً ذلک بکونه رافضیاً، فبکیٰ عمّار، وقال: نسبتَنی إلیٰ مرتبة شریفة لست من أهلها، فقیل هذا للصادق(علیه السّلام)، فقال: «لو أنّ علیٰ عمّار من الذنوب ما هو أعظم من السماوات والأرضین لَمُحِیَت عنه بهذه الکلمات، وإنّها لتزید فی حسناته عند ربِّه حتیٰ جعل کلّ خردلة منها أعظم من الدنیا ألف مرّة»(1).

وقد ردّ السیِّد الخوئی هذه الروایة بوجهین:

الوجه الأوّل: إنّ نسبة هذا التفسیر إلیٰ الإمام(علیه السّلام) غیر ثابتة، بل هی معلومة العدم.

الوجه الثانی: إنّ الصدوق قد رویٰ عن أبی کهمس، أنّه قال: تقدّمت إلیٰ شریک فی شهادة لزمتنی، فقال لی: کیف أُجیز شهادتک وأنت تُنسب إلیٰ ما تُنسب إلیه؟! قال أبو کهمس: فقلتُ: وما هو؟ قال: الرفض. قال: فبکیتُ، ثمَّ قلتُ: نسبتَنی إلیٰ قوم أخاف أن لا أکون منهم. فأجاز شهادتی، وقد وقع مثل ذلک لابن أبی یعفور ولفضیل سکرة، فإنّ عدم تعرّض الصدوق لذکر عمّار یؤیِّد عدم صحّة القصّة المنسوبة إلیه(2).

وخلاصة القول: إنّ کلَّ المعطیات والدلائل التی بین أیدینا تشیر إلیٰ میل عمّار الدهنی ومودّته الشدیدة لأهل البیت(علیه السّلام)، ولکنّنا لا نستطیع أن نثبت تشیُّعه بالمعنیٰ الخاص للتشیُّع.

5 _ وثاقته وعدالته

یمکن أن یُدّعیٰ توثیق عمّار الدهنی _ بحسب مبانی علم الرجال لدینا _ بعدِّة وجوه:

ص: 124


1- التفسیر المنسوب إلی الإمام العسکری(علیه السّلام): ص311.
2- اُنظر: الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج13، ص270.

الوجه الأوّل: هو أن یُستدلّ علیٰ وثاقته وعدالته بروایة تفسیر العسکری(علیه السّلام) السالفة، فقد ورد فیها ما یدلّ علیٰ وثاقة عمّار وعدالته، بل إنّ قول الإمام(علیه السّلام): «لو أنّ علیٰ عمّار من الذنوب ما هو أعظم من السماوات والأرضین لَمُحِیت عنه بهذه الکلمات، وإنّها لتزید فی حسناته عند ربِّه حتیٰ جعل کلّ خردلة منها أعظم من الدنیا ألف مرّة». هو من أعلیٰ عبارات التوثیق، ولا یخفیٰ أنّ توثیق الإمام(علیه السّلام) هو أرفع طرق التوثیق، قال جعفر السبحانی: «إذا نصَّ أحد المعصومین(علیهم السّلام) علیٰ وثاقة الرجل، فإنّ ذلک یثبت وثاقته قطعاً، وهذا من أوضح الطرق وأسماها، ولکن یتوقّف ذلک علیٰ ثبوته بالعلم الوجدانی، أو بروایة معتبرة»(1).

ولکن قد عرفت حال هذه الروایة من خلال الوجهین اللذین أوردهما السیِّد الخوئی علیها.

الوجه الثانی: مرّ علینا وصف النجاشی له بکونه: «ثقة فی العامّة وجهاً»، والنجاشی من علمائنا المتقدِّمین، وهو خرِّیت هذه الصناعة، وقوله یقدّم حتیٰ علیٰ قول الطوسی عند التعارض، وإنّما الکلام فی دلالة هذه العبارة، وهل أنّ النجاشی یرید أن یقول: إنّ الدهنی ثقة عندنا، مع أنه وجهاً من وجوههم؟ أی: أنّ الفارزة تقع بعد کلمة (ثقة). هذا احتمال، والاحتمال الآخر: هو أنّه یرید أن یقول: إنّ الدهنی ثقة عند العامّة ووجهاً لدیهم، أی: نجعل الفارزة بعد عبارة (ثقة فی العامّة).

وقد استظهر السیِّد الخوئی _ کما مرّ علینا _ من هذه العبارة توثیق النجاشی له، إذ سمعناه یقول: «إنّ قول النجاشی: کان ثقة فی العامّة، وجهاً، لیس معناه أنّ عمّاراً کان ثقة عند العامّة أیضاً، وإلّا لم یقل: فی العامّة، بل معناه أنّه کان ثقة فی رواة العامّة، وجماعتهم».

فهو _ إذن _ یرجّح الاحتمال الأوّل فی فهم عبارة النجاشی، وقد استظهر السیِّد

ص: 125


1- السبحانی، جعفر، کلیات فی علم الرجال: ص151.

الخوئی ذلک من کلمة (فی).

ولکن ممّا یرجّح الاحتمال الآخر هو وجود معطیٰ خارجی واضح لا یمکن تجاوزه أو صرف النظر عنه، وهو أنّ عمّاراً بالفعل _ کما سیجیء عمّا قریب _ موثّق عند العامّة، بل هم مجمعون علیٰ ذلک، فالاحتمال الآخر هو المتبادر إلیٰ الذهن بعد الاطّلاع علیٰ هذا المعطیٰ.

الوجه الثالث: إنّ الطوسی قد عنوَن لعمّار الدهنی فی الرجال(1)، والفهرست(2)، وهو وإن لم یوثقه، أو یمدحه، ولکنه لم یجرحه أیضاً، وإنّما أهمله، ومَن کانت هذه حاله فهو معتمَد علیٰ أخباره عند جماعة؛ إذ المهمل غیر المجهول الذی صرّح علماء الرجال بجهالة حاله، وقد کان ابن داود یعمل بخبر المهمل کما یعمل بخبر الممدوح(3).

وهذا هو مبنیٰ العلامة الحلّی أیضاً، حیث قال فی إبراهیم بن هاشم: «ولم أقف لأحد من أصحابنا علیٰ قول فی القدح فیه ولا علیٰ تعدیله بالتنصیص، والروایات عنه کثیرة، والأرجح قبول قوله»(4). وقال فی أحمد بن إسماعیل بن سمکة: «ولم ینصّ علماؤنا علیه بتعدیل، ولم یرد فیه جرح، فالأقویٰ قبول روایته مع سلامتها من المُعَارِض»(5).

نعم، کان العلّامة الحلّی یشترط فی توثیق الشخص المهمل أن یکون إمامیّاً، وهذا ما لم یثبت بحقِّ المترجَم له.

الوجه الرابع: إنّ ابن داود قال فی ترجمة معاویة بن عمّار نقلاً عن الکش_ی: «وأبوه عمّار

ص: 126


1- اُنظر: الطوسی، محمّد بن الحسن، رجال الطوسی: ص251.
2- اُنظر: الطوسی، محمّد بن الحسن، الفهرست: ص118.
3- قال ابن داود الحلی _ فی رجاله: ص29 _: «الجزء الأول من الکتاب فی ذکر الممدوحین ومَن لم یضعفهم الأصحاب فما علمته». ویُفهم منه أنّه یعمل بخبر الراوی المهمل کما یعمل بخبر الراوی الممدوح.
4- العلّامة الحلّی، الحسن بن یوسف، خلاصة الأقوال فی معرفة الرجال: ص49.
5- المصدر السابق: ص66.

أیضاً ثقة»(1).

والکشی من علمائنا المتقدِّمین، وتوثیقاته معتمدة بلا خلاف، شأنه شأن سائر المتقدِّمین کالنجاشی والشیخ وغیرهما، وقد ألّف کتاباً أسماه (معرفة الرجال) أو (معرفة الناقلین عن الأئمّة الصادقین) أو (معرفة الناقلین)، ولکنّه لم یصل إلینا، والموجود بین أیدینا هو ما اختصره الطوسی من هذا الکتاب، وأسماه (اختیار معرفة الرجال)، وحینما نراجع هذا المختصر (أعنی: اختیار معرفة الرجال)، لا نجد أثراً لهذه العبارة، ویوجد فی المقام عدّة احتمالات:

الاحتمال الأوّل: إنّ هذه العبارة موجودة فی أصل الکتاب، وإنّ هذا الأصل کان موجوداً عند ابن داود، وکان یرتشف منه مباشرة، لا من (اختیار معرفة الرجال)، فقد قیل: إنّ الأصل کان موجوداً عند السیِّد جمال الدین أحمد بن موسیٰ بن طاووس؛ لأنّه تصدّیٰ إلیٰ ترتیب هذا الکتاب وتبویبه وضمّه إلیٰ کتب أُخریٰ من الکتب الرجالیة وأسماه (حل الإشکال فی معرفة الرجال)(2)، وزمان ابن داود لیس بعیداً عن زمان السیِّد ابن طاووس، فقد کان الأخیر أُستاذ الأوّل.

وممّا یؤیِّد ذلک أنّ القهب_ائی کان یقول _ فی کیفیّة عمل الشیخ فی رجال الکش_ی _ : «إنّ الأصل کان فی رجال العامّة والخاصّة، فاختار منه الشیخ الخاصّة»(3)، وبما أنّ عمّاراً کان من العامّة _ کما رجحّنا فیما سلف _ فمن الطبیعی أن لا نجد له ذکراً فی اختیار الشیخ إلّا ما وقع عَرَضَاً.

الاحتمال الثانی: أن تکون عند ابن داود نسخة من (اختیار معرفة الرجال) تختلف فی

ص: 127


1- الحلّی، ابن داود، رجال ابن داود: ص191.
2- اُنظر: السبحانی، جعفر، کلیات فی علم الرجال: ص59.
3- المصدر السابق: ص59.

بعض الموارد عن النسخة المتداولة، فإنّ لابن داود طریقه الخاص إلیٰ الشیخ کما صرّح فی مقدِّمة رجاله، وبالتالی تکون لدیه نسخته الخاصّة التی قد تکون غیر متطابقة مع النسخة المتداولة فی بعض الموارد.

قال فی المقدِّمة: «وطریقی إلیٰ الکشی شیخنا نجم الدین أیضاً، والشیخ مفید الدین محمّد بن جهیم جمیعاً، عن السیِّد شمس الدین فخار، عن أبی محمّد قریش ابن سبیع بن مهنا بن سبیع الحسینی، عن الحسین بن رطبة السوراوی، عن أبی علیِّ عن أبیه أبیٰ جعفر الطوسی، عن عدّة من أصحابنا، عن أبی محمّد هارون بن موسیٰ التلعکبری، عن الکشی رحمه الله تعالیٰ»(1).

الاحتمال الثالث: أن تکون هذه العبارة من إنشاء ابن داود، وقد امتزجت بکلام الکش_ی بسبب سوء النسخ، وفی ضوء هذا الاحتمال تسقط قیمة هذه العبارة فی توثیق عمّار الدهنی إلّا علیٰ المبنیٰ القائل بصحّة الاعتماد علیٰ توثیقات المتأخّرین، وهو ما قال به جماعة(2).

هذا بحسب رجالنا، وأمّا فی رجال العامّة، فقد وثقوه واعتمدوا مرویاته، قال الذهبی: «وثقة أحمد، وابن معین، وأبو حاتم، والناس، وما علمت أحداً تکلَّم فیه إلّا العقیلی، فتعلّق علیه بما سأله أبو بکر بن عیاش: أسمعت من سعید بن جبیر؟ قال: لا. قال: فاذهب»(3).

وقد أشرنا إلیٰ هذه الروایة سابقاً، وهذه الروایة _ إن ثبتت _ فهی لا تدلّ علیٰ أکثر من کون مرویات عمّار عن ابن جبیر مرسلة، والإرسال فی نفسه لا یُعَدُّ طعناً فی الراوی، ما لم

یدّعِ المرسِّل المباشرة، کأن یقول: حدَّثنی، أو أخبرنی، وما شابه ذلک من العبارات التی تفید التلقّی المباشر، ففی هذه الحالة یکون الإرسال تدلیساً، وهذا لم یثبت فی حقّ عمّار.

ص: 128


1- الحلّی، ابن داود، رجال ابن داود: ص28.
2- اُنظر حول ذلک: العاملی، علی حسین، بحوث فی فقه الرجال: ص93 _ 99.
3- الذهبی، محمّد بن أحمد، میزان الاعتدال: ج3، ص170.

6 _ وفاته

یوجد حول وفاة عمّار الدهنی قولان:

القول الأوّل: قال المزّی: قال محمد بن عبد الله الحض_رمی: «مات سنة ثلاث وثلاثین ومائة»(1).

وهذا القول هو الذی تبنّاه الذهبی فی سیر أعلام النبلاء(2)، ومیزان الاعتدال(3)، وتاریخ الإسلام(4)، ومَن له روایة فی الکتب الستّة(5)، ونُسب هذا القول فی سیر أعلام النبلاء وتاریخ الإسلام إلیٰ مطین، ومطین هو لقب محمّد بن عبد الله الحضرمی، وقد لُقِّب ب_(مطین) لأنّه کان وهو صغیر یلعب مع الصبیان فی الماء فیطینون ظهره(6).

إذاً؛ فالمزّی والذهبی استندا فی هذا القول علیٰ نفس المصدر، وهو محمّد بن عبد الله الحضرمی الملقب ب_ (مطین)، وجمیع مَن تبنّیٰ هذا القول ممَّن تأخّر عنهما، فإنّه قد أخذه عنهما عن مطین.

القول الثانی: ما تفرّد به الصفدی من أنّ عمّار الدهنی قد توفّی فی حدود الأربعین ومائة(7)، وفی تقدیری أنّ هذا القول غیر نابع من نصّ روائی، وإلّا لذکر الصفدی مصدره، ولعلّه قد استنتجه من خلال ملاحظة طبقتَی شیوخ وتلامذة الدهنی، ومعرفة وفیاتهم، وهذا ما توحی به طریقته المرنة فی التعبیر؛ حیث قال: (فی حدود)، وهذه العبارة تس_تخدم

ص: 129


1- المزی، یوسف، تهذیب الکمال: ج21، ص210.
2- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج11، ص173.
3- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، میزان الاعتدال: ج3، ص170.
4- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، تاریخ الإسلام: ج8، ص501.
5- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، مَن له روایة فی الکتب الستّة: ج2، ص52.
6- اُنظر: الزرکلی، خیرالدین، الأعلام: ج6، ص223.
7- اُنظر: الصفدی، خلیل بن أیبک، الوافی بالوفیات: ج22، ص234.

_ فی العادة _ فی حالة التقدیر.

ومهما یکن، فإنّنا بالجمع بین هذین القولین، نستطیع القول: إنّ وفاة الدهنی کانت بین عامی 133 _ 140ه_.

ص: 130

المبحث الثانی: مقتل الحسین(علیه السّلام) للدهنی

اشارة

یروی الدهنی مقتل الإمام الحسین(علیه السّلام) عن الإمام الباقر(علیه السّلام)، وهذا ما یزید من أهمّیة البحث حول هذا المقتل، ومن الملفت للنظر أنّ هذا المقتل لم یروَ بطرقنا الخاصّة، ولیس له أیُّ أثر فی مدوناتنا الحدیثیّة.

وینبغی أن یُعلم أنّه لا یوجد کتاب مستقلّ بعنوان مقتل الحسین(علیه السّلام) من تصنیف عمّار الدهنی، لا فی هذا العصر ولا فی العصور السابقة، کما لا تجد إشارةً إلیٰ وجود کتاب بهذا العنوان فی کتب الفهارس ومعاجم المؤلفات، والظاهر أنّ هذا المقتل کان عبارة عن روایة شفهیة مطوّلة، ولم یکن مدوّناً علیٰ قرطاس قبل تدوینه فی تاریخ الطبری، فأقدم نسخة من هذا المقتل هی نسخة الطبری المتوفَّیٰ عام 310ه_، وروایة الطبری له غیر متّصلة، بل أورده فی ثلاثة مقاطع.

ویُعَدُّ هذا المقتل من الأُصول التی اعتمدها أبو الفرج الأصفهانی (ت356ه_) فی کتابه مقاتل الطالبیین، حیث ذکره فی جملة المصادر التی استقیٰ منها حدیثه حول مقتل الحسین(علیه السّلام)(1).

ونلاحظ أنّ العامّة قد ضخّموا من شأن هذا المقتل، واهتمّوا بروایته؛ لأنّه ینسجم إلیٰ حدٍ کبیر مع نظرتهم إلیٰ واقعة الطف، ویمکن القول: إنّ أهمّیة مقتل عمّار الدهنی عند

ص: 131


1- اُنظر: الأصفهانی، أبو الفرج، مقاتل الطالبیین: ص90.

العامّة کأهمّیة مقتل أبی مخنف عند الشیعة.

قال ابن حجر(ت852ه_) _ بعد أن رویٰ مقت_ل الحس_ین(علیه السّلام) بروایة ع_مّار الدهن_ی _ : «وقد صنّف جماعة من القدماء فی مقتل الحسین تصانیف فیها الغثّ والسّمین، والصّحیح والسّقیم، وفی هذه القصّة التی سقتها غنیٰ»(1).

وعلیٰ أیّة ح_ال، فنحن الآن سنورد مقتل عمّار الدهن_ی کام_لاً بروایة الط_بری _ لأنّها الأصل علیٰ ما یبدو _ بعد وَصْلِ بعضها بالبعض الآخر، ثمَّ نذکر أهمّ المناقشات التی أُثیرت حول هذه الروایة.

مقتل عمار الدهنی بروایة الطبری(2):

قال الطبری: «حدَّثنی زکریا بن یحییٰ الض_ریر، قال: حدَّثنا أحمد بن جناب المصیصی _ ویُکنّیٰ أبا الولید _ قال: حدَّثنا خالد بن یزید بن أسد بن عبد الله الق_سری، قال: حدَّثنی عمّار الدهنی، قال: قلت لأبی جعفر(علیه السّلام): حدَّثنی بمقتل الحسین حتیٰ کأنّیٰ حضرته.

قال(علیه السّلام): مات معاویة، والولید بن عتبة بن أبی سفیان علیٰ المدینة، فأرسل إلیٰ الحسین بن علیّ لیأخذ بیعته، فقال له: أخّرنی وأرفِقْ. فأخّره، فخرج إلیٰ مکّة، فأتاه أهل الکوفة ورسلهم:

إنّا قد حبسنا أنفسنا علیک، ولسنا نحضر الجمعة مع الوالی، فأقدِمْ علینا. وکان النعمان بن بشیر الأنصاری علیٰ الکوفة. قال: فبعث الحسین إلیٰ مسلم بن عقیل بن أبی طالب ابن عمّه، فقال له: سِرْ إلیٰ الکوفة فانظُر ما کتبوا به إلیّ، فإن کان حقّاً خرجنا إلیهم. فخرج مسلم حتیٰ أتیٰ المدینة، فأخذ منها دلیلین، فمرا به فی البرِّیة، فأصابهم عطش، فمات أحد الدلیلین، وکتب مسلم إلیٰ

ص: 132


1- ابن حجر، أحمد بن علیّ، الإصابة فی معرفة الصحابة: ج2، ص71.
2- إنّ طبیعة عملنا تقتضی تجنّب إیراد تفاصیل المقتل، ولکن للضرورة أحکام، فإنّ جلّ _ إن لم تکن کلّ _ المناقشات التی سنوردها علی مقتل الدهنی تستوجب قبل ذلک عرض هذا المقتل للقارئ، یضاف إلی ذلک: أنّ مقتل الدهنی هو عبارة عن قصّة أو روایة طویلة نسبیاً، ولیس مقتلاً مفصّلاً، ولن یأخذ مساحة کبیرة من البحث.

الحسین یستعفیه، فکتب إلیه الحسین: أن امضِ إلیٰ الکوفة.

فخرج حتیٰ قدمها، ونزل علیٰ رجل من أهلها یُقال له: ابن عوسجة. قال: فلمّا تحدَّث أهل الکوفة بمقدمه دبّوا إلیه فبایعوه، فبایعه منهم اثنا عشر ألفاً. قال: فقام رجل ممَّن یهویٰ یزید بن معاویة إلیٰ النعمان بن بشیر، فقال له: إنّک ضعیف أو متضعِّف، قد فسد البلاد! فقال له النعمان: أن أکون ضعیفاً وأنا فی طاعة الله أحبُّ إلیّ من أن أکون قویاً فی معصیة الله، وما کنت لأهتک ستراً ستره الله.

فکتب بقول النعمان إلیٰ یزید، فدع_ا مولیٰ له یُق_ال له: س_رجون _ وک_ان یس_تشیره _ فأخبره الخبر، فقال له: أکنت قابلاً من معاویة لو کان حیّاً؟ قال: نعم. قال: فاقبل منّی، فإنّه لیس للکوفة إلّا عبید الله ابن زیاد، فولها إیاه _ وکان یزید علیه ساخطاً، وکان همَّ بعزله عن البصرة _ فکتب إلیه برضائه، وأنّه قد ولّاه الکوفة مع البصرة، وکتب إلیه أن یطلب مسلم بن عقیل فیقتله إن وجده.

قال: فأقبل عبید الله فی وجوه أهل البصرة حتیٰ قدم الکوفة متلثِّماً، ولا یمرّ علیٰ مجلس من مجالسهم فیسلم إلّا قالوا: علیک السلام یا بن بنت رسول الله _ وهم یظنّون أنّه الحسین بن علیّ(علیه السّلام) _ حتیٰ نزل القصر، فدعا مولیٰ له، فأعطاه ثلاثة آلاف، وقال له: اذهب حتیٰ تسأل عن الرجل الذی یبایع له أهل الکوفة فأعلمه أنّک رجل من أهل حمص جئت لهذا الأمر، وهذا مال تدفعه إلیه لیتقوّیٰ. فلم یزل یتلطّف ویُرفق به حتیٰ دُلّ علیٰ شیخ من أهل الکوفة یلی البیعة، فلقیه فأخبره، فقال له الشیخ: لقد سرّنی لقاؤک إیای، وقد ساءنی، فأمّا ما سرّنی من ذلک فما هداک الله له، وأمّا ما ساءنی فإنّ أمرنا لم یستحکم بعد. فأدخله إلیه، فأخذ منه المال وبایعه، ورجع إلیٰ عبید الله فأخبره.

فتحوّل مسلم حین قدم عبید الله بن زیاد من الدار التی کان فیها إلیٰ منزل هانئ بن عروة المرادی، وکتب مسلم بن عقیل إلیٰ الحسین بن علی(علیه السّلام) یخبره ببیعة اثنی عشر ألفاً من أهل الکوفة، ویأمره بالقدوم.

وقال عبید الله لوجوه أهل الکوفة: ما لی أریٰ هانئ بن عروة لم یأتنی فیمَن أتانی! قال: فخرج

ص: 133

إلیه محمّد بن الأشعث فی ناس من قومه وهو علیٰ باب داره، فقالوا: إنّ الأمیر قد ذکرک واستبطأک، فانطلق إلیه، فلم یزالوا به حتیٰ رکب معهم وسار حتیٰ دخل علیٰ عبید الله وعنده شریح القاضی، فلمّا نظر إلیه قال لشریح: أتتک بحائن رجلاه. فلمّا سلّم علیه، قال: یا هانئ، أین مسلم؟ قال: ما أدری. فأمر عبید الله مولاه صاحب الدراهم فخرج إلیه، فلمّا رآه قطع به، فقال: أصلح الله الأمیر! والله، ما دعوته إلیٰ منزلی ولکنّه جاء فطرح نفسه علیّ. قال: ائتنی به، قال: والله، لو کان تحت قدمیّ ما رفعتهما عنه. قال: أدنوه إلیّ. فأُدنی فضربه علیٰ حاجبه فشجّه، قال: وأهویٰ هانئ إلیٰ سیف شرطی لیسلّه، فدُفِع عن ذلک، وقال: قد أحلّ الله دمک، فأمر به فحُبس فی جانب القصر»(1).

ثمَّ قال: «فبینا هو کذلک إذ خرج الخبر إلیٰ مذحج، فإذا علیٰ باب القصر جلبة سمعها عبید الله، فقال: ما هذا؟ فقالوا: مذحج، فقال لشریح: اخرج إلیهم فأعلمهم أنّی إنّما حبسته لأسائله. وبعث عیناً علیه من موالیه یسمع ما یقول، فمرّ بهانئ بن عروة، فقال له هانئ: اتّقِ الله یا شریح، فإنّه قاتلی. فخرج شریح حتیٰ قام علیٰ باب القصر، فقال: لا بأس علیه، إنّما حبسه الأمیر لیُسائله. فقالوا: صدق، لیس علیٰ صاحبکم بأس، فتفرّقوا، فأتیٰ مسلماً الخبر، فنادیٰ بشعاره، فاجتمع إلیه أربعة آلاف من أهل الکوفة، فقدّم مقدمته، وعبّیٰ میمنته ومیسرته، وسار فی القلب إلیٰ عبید الله، وبعث عبید الله إلیٰ وجوه أهل الکوفة، فجمعهم عنده فی القصر، فلمّا سار إلیه مسلم فانتهیٰ إلیٰ باب القصر أشرفوا علیٰ عشائرهم فجعلوا یکلِّمونهم ویردّونهم، فجعل أصحاب مسلم یتسلّلون حتیٰ أمسیٰ فی خمسمائة، فلمّا اختلط الظلام ذهب أُولئک أیضاً.

فلمّا رأیٰ مسلم أنّه قد بقی وحده یتردّد فی الطرق أتیٰ باباً فنزل علیه، فخرجت إلیه امرأة، فقال لها: اسقینی. فسقته، ثمّ دخلت فمکثت ما شاء الله، ثمَّ خرجت فإذا هو علیٰ الباب، قالت: یا

ص: 134


1- الطبری، محمّد بن جریر، تاریخ الأُمم والملوک: ج5، ص347 _ 349.

عبد الله، إنّ مجلسک مجلس ریبة، فقم. قال: إنّی أنا مسلم بن عقیل، فهل عندک مأویٰ؟ قالت:نعم، ادخُل. وکان ابنها مولیٰ لمحمّد بن الأشعث، فلمّا علم به الغلام انطلق إلیٰ محمّد فأخبره، فانطلق محمّد إلیٰ عبید الله فأخبره، فبع_ث عبی_د الله عمرو بن حریث المخزومی _ وکان صاحب شرَط_ه _ إلیه، ومعه عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث، فلم یعلم مسلم حتیٰ أُحیط بالدار، فلما رأیٰ ذلک مسلم خرج إلیهم بسیفه فقاتلهم، فأعطاه عبد الرحمن الأمان، فأمکن من یده، فجاء به إلیٰ عبید الله، فأمر به، فأُصعد إلیٰ أعلیٰ القصر فضُ_ربت عنقه، وألقیٰ جثته إلیٰ الناس، وأمر بهانیٰء فسحب إلیٰ الکناسة، فصُلب هنالک، وقال شاعرهم فی ذلک:

فإن کنتِ لا تدرین ما الموت فاُنظری

إلی ٰ هانئ فی السوقِ وابن عقیل

أصابهما أمر الإمام فأصبحا

أحادیثَ مَن یسعیٰ بکلِّ سبیل

أیرکب أسماء الهمالیج آمناً

وقد طلبَتْه مذحجٌ بذحول»(1)

ثمّ قال: فأقبل حسین بن علیّ بکتاب مسلم بن عقیل کان إلیه، حتیٰ إذا کان بینه وبین القادسیة ثلاثة أمیال، لقیه الحرّ بن یزید التمیمی، فقال له: أین ترید؟ قال: أُرید هذا المصر. قال له: ارجع فإنّی لم أدع لک خلفی خیراً أرجوه. فهمّ أن یرجع، وکان معه إخوة مسلم بن عقیل، فقالوا: والله، لا نرجع حتیٰ نصیب بثأرنا أو نُقتل. فقال: لا خیر فی الحیاة بعدکم. فسار فلقیته أوائل خیل عبید الله، فلمّا رأیٰ ذلک عدل إلیٰ کربلاء، فأسند ظهره إلیٰ قصباء وخلا؛ کی لا یُقاتل إلّا من وجه واحد، فنزل وضرب أبنیته. وکان أصحابه خمسة وأربعین فارساً، ومائة راجل وکان عمر بن سعد ابن أبی وقاص قد ولّاه عبید الله بن زیاد الری، ، وعهد إلیه عهده، فقال: اکْفِنی هذا الرجل. قال: اعفنی. فأبیٰ أن یعفیه، قال: فانظُرنی اللیلة. فأخّره، فنظر فی أمره، فلمّا أصبح غدا علیه راضیاً بما أمر به، فتوجّه إلیه عمر بن سعد، فلمّا أتاه قال له الحسین: اختر واحدة من ثلاث: أمّا أن تدَعونی

ص: 135


1- الطبری، محمّد بن جریر، تاریخ الأُمم والملوک: ج5، ص349 _ 351.

فأنصرف من حیث جئت، وأمّا أن تدَعونی فأذهب إلیٰ یزید، وأمّا أن تدَعونی فألحق بالثغور. فقبِل ذلک عمر فکتب إلیه عبید الله: لا ولا کرامة، حتیٰ یضع یده فی یدی. فقال له الحسین: لا والله، لا یکون ذلک أبداً. فقاتله، فقُتل أصحاب الحسین کلّهم، وفیهم بضعة عش_ر شاباً من أهل بیته...وجاء سهم فأصاب ابناً له معه فی حجره، فجعل یمسح الدم عنه، ویقول: اللّهم، احکُم بیننا وبین قوم دعونا لینصرونا فقتلونا. ثمّ أمر بحبرة فشقها ثمّ لبسها، وخرج بسیفه، فقاتل حتیٰ قُتل صلوات الله علیه قتله رجل من مذحج، واحتزّ رأسه وانطلق به إلیٰ عبید الله، وقال:

أوقر رکابی فضّة وذهبا

أنا قتلت الملک المحجّبا

قتلتُ خیرَ الناس أمّاً وأبا

وخیرهم إذ یُنسبون نسبا

وأوفده إلیٰ یزید بن معاویة، ومعه الرأس فوضع رأسه بین یدیه، وعنده أبو برزة الأسلمی فجعل ینکت بالقضیب علیٰ فیه، ویقول:

یفلقن هاماً من رجال أعزّة

علینا وهم کانوا أعقّ وأظلما

فقال له أبو برزة: ارفع قضیبک، فو الله، لربّما رأیت فاه رسول الله(صلی الله علیه وسلم) علیٰ فیه یلثمه، وسرّح عمر بن سعد بحرمه وعیاله إلیٰ عبید الله، ولم یکن بقی من أهل بیت الحسین إلّا غلام کان مریضاً مع النساء، فأمر به عبید الله لیُقتل، فطرحت زینب نفسها علیه، وقالت: والله، لا یُقتل حتیٰ تقتلونی!! فرقّ لها فترکه وکفّ عنه.

قال: فجهّزهم، وحملهم إلیٰ یزید، فلمّا قدموا علیه جمع مَن کان بحض_رته من أهل الشام، ثمَّ أدخلوهم فهنئوه بالفتح، فقام رجل منهم أزرق أحمر، ونظر إلیٰ وصیفة من بناتهم، فقال: یا أمیر المؤمنین، هب لی هذه. فقالت زینب: لا والله، ولا کرامة لک ولا له إلّا أن یخرج من دین الله. قال فأعادها الأزرق، فقال له یزید کفّ عن هذا، ثمّ أدخلهم علیٰ عیاله فجهّزهم، وحملهم إلیٰ المدینة، فلمّا دخلوها خرجت امرأة من بنی عبد المطلب ناشرة شعرها، واضعة کمّها علیٰ رأسها تلقاهم، وهی تبکی وتقول:

ص: 136

ماذا تقولون إن قال النبیُّ لکم

ماذا فعلتم وأنتم آخر الأُمم!

بعترتی وبأهلی بعد مفتقدی

منهم أُساریٰ وقتلیٰ ضرجوا بدم

ما کان هذا جزائی إذ نصحت لکم

أن تخلفونی بسوء فی ذوی رحمی»(1).

إلیٰ هنا ینتهی مقتل عمّار الدهنی بروایة الطبری.

مناقشات حول روایة الدهنی:

توجد عدّة مناقشات یمکن أن تُثار حول هذه الروایة، نقتصر علیٰ أهمّها:

1_ أشرنا فیما سبق إلیٰ أهمیة البحث حول هذا المقتل من جهة کونه مرویاً عن الإمام الباقر(علیه السّلام)، وأشرنا أیضاً إلیٰ أنّ هذا المقتل لم یصل إلینا من خلال طُرُقنا الخاصّة، ولم یعتمد فی مدوناتنا المعنیّة بنقل مرویات کربلاء.

نعم، اعتمد علیه ابن نما فی مثیر الأحزان، وأثبت منه الروایة التی تتحدّث عن مفاوضة الحسین(علیه السّلام) مع ابن سعد لعنه الله، وطلب الإمام الحسین(علیه السّلام) منه أن یأخذه إلیٰ یزید لعنه الله لیریٰ فیه رأیه(2)، وهذا غریب من ابن نما.

والطبری یرویه عن الدهنی بثلاث وسائط: (عن زکریا بن یحییٰ الضریر، عن أحمد ابن جناب المصیصی، عن خالد بن یزید بن أسد بن عبد الله القس_ری)، وهؤلاء جمیعهم من العامّة، وقد طعنت کتبهم الرجالیة فی زکریا بن یحییٰ الض_ریر، فذکره ابن الجوزی فی الضعفاء والمتروکین(3)، وعن الشعبی، عن یحییٰ بن معین أنّه قال فیه: «لیس بشیء»(4)،

ص: 137


1- الطبری، محمّد بن جریر، تاریخ الأُمم والملوک: ج5، ص389 _ 390.
2- اُنظر: الحلی (ابن نما) ، محمد بن جعفر، مثیر الأحزان: ص36.
3- اُنظر: ابن الجوزی، عبد الرحمن بن علی، الضعفاء والمتروکین: ج1، ص269.
4- الذهبی، محمد بن أحمد، میزان الاعتدال: ج2، ص75.

وخالد بن یزید القسری، فقد ذکره ابن عدی فی الضعفاء، وقال فیه: «وخالد بن یزید هذا له أحادیث غیر ما ذکرت وأحادیثه کلّها لا یتابع»(1)، وهذا ما یجعلنا نحتمل أنّ التلاعب الذی حصل فی هذه القصّة _ وسنشیر إلیٰ بعضه فیما یلی _ قد أتیٰ من أحد هذین الرجلین، وذلک لو سلّمنا بوثاقة الدهنی والمصیصی والطبری.

2_ ما ناقش به الشیخ باقر شریف القرشی هذه الروایة، حیث قال: «إنّ عمّار الدهنی طلب من الإمام(علیه السّلام) أن یحدِّثه _ بالتفصیل _ عن مقتل الإمام الحسین(علیه السّلام) کأنّه قد حض_ره، أمّا الجواب، فقد کان موجزاً، ولم یُشر إلیٰ کثیر من الأحداث لا بقلیل ولا بکثیر، فقد طویت فیه أکثر فصول تلک المأساة، ومن الطبیعی أنّ هذا لا یتناسب مع السؤال الذی یطلب فیه المزید من المعلومات»(2).

ویمکن مناقشة ما ذکره القرشی من وجهین:

الوجه الأوّل: إنّ طلب عمّ_ار الدهن_ی من الإمام(علیه السّلام) أن یحدِّثه _ بالتفصیل _ عن مقتل الإمام الحسین(علیه السّلام)، غیر ملزم للإمام(علیه السّلام) بأن یکون جوابه تفصیلیّاً، فقد تقتضی المصلحة بأن یکون الجواب مجملاً، وممّا یؤیِّد ذلک أنّنا نلاحظ: أنّ الأحادیث الواردة عن المعصومین(علیهم السّلام) حول کربلاء، کلّها تتّسم بالاقتضاب والإجمال، بل یریٰ بعض الأعلام: أنّ المعصومین(علیهم السّلام) لم یتحدَّثوا عن واقعة الطفّ کمؤرِّخین، بل کانوا یرکِّزون علیٰ الجانب المعنوی لواقعة الطف والدفاع عن قضیة الحسین(علیه السّلام)، ولا یکون همّهم روایة أو نقل الحوادث، إلّا ما جاء عَرَضاً خلال الحدیث، إذاً؛ فلا ینبغی أن نتوقّع سماع حدیثهم عن التفاصیل الکثیرة التی نریدها(3).

ص: 138


1- ابن عدی، عبد الله، الکامل فی ضعفاء الرجال: ج3، ص432.
2- القرشی، باقر شریف، حیاة الإمام الباقر(علیه السّلام)(دراسة وتحلیل): ج1، ص280.
3- اُنظر: الصدر، محمّد، أضواء علی ثورة الحسین(علیه السّلام): ص152.

وقد شاع مؤخّراً بین الموالین حدیثاً منسوباً إلیٰ الإمام الباقر(علیه السّلام) یقول: «لولا خوفنا علیٰ شیعتنا من الموت لروینا لهم ما جریٰ فی کربلاء»، وهذا الحدیث لو کان صحیحاً، لصلح أن یکون جواباً عن هذه المناقشة، ولکن هذا الحدیث لا أساس له من الصحّة، وهو غیر متوفِّر فی أیِّ مصدر من المصادر، ویبدو أنّ مسلسل الأحادیث الموضوعة حول واقعة الطفّ لیس له نهایة.

الوجه الثانی: قد یکون الإمام(علیه السّلام) قد أجابه مفصَّلاً، ولکنّ الطبری لم ینقل القصّة بشکل کامل، وممّا یؤیِّد ذلک أنّ الطبری قد أوردها فی ثلاثة مقاطع، والظاهر أنّ الطبری کان یقتطع منها حسب الحاجة، ولم یدّعِ الطبری أنّه أورد الروایة بشکل کامل.

3_ کما حصل حذف فی بعض تفاصیل هذه الروایة، فقد حصل دسٌّ وإضافة أیضاً، ومن ذلک قوله: إنّ الحسین(علیه السّلام) همَّ أن یرجع علیٰ أثر نصیحة الحرّ له، ولکن إخوة مسلم ابن عقیل کانوا معه، فقالوا: «والله، لا نرجع حتیٰ نصیب بثأرنا أو نُقتل، فقال: لا خیر فی الحیاة بعدکم فسار...».

ویأتی هذا النصّ جزءاً من النصوص التی وُضِعتْ لتشویه وتحریف أهداف نهضة الحسین(علیه السّلام) ووضعها فی إطار قبلیٍّ ضیِّق، وهذا ممَّا لا یمکن قبوله فی حقِّ إخوة مسلم، فضلاً عن قبوله فی حقِّ الحسین(علیه السّلام)، وهو الإمام المفترض الطاعة.

4_ ومن نماذج الدسِّ والإضافة فی هذا المقتل، الفقرة التی تقول: إنّ الحسین(علیه السّلام) قال لعمر بن سعد لعنه الله: «اختر واحدة من ثلاث: إمّا أن تدَعونی فأنصرف من حیث جئت، وإمّا أن تدعونی فأذهب إلیٰ یزید، وإمّا أن تدعونی فألحق بالثغور...».

فهذا ممّا لا یمکن صدوره من الحسین(علیه السّلام)، وهو ممّا کان یشیعه بنو أُمیّة لتشویه صورة الحسین(علیه السّلام)، ولنفی الجریمة عن یزید، وإلصاقها بعبید الله بن زیاد، وعمر بن سعد، وقد کان عقبة بن سمعان ینفی هذه القضیة، وکان یقول: «صحبت حسیناً، فخرجت معه من

ص: 139

المدینة إلیٰ مکّة، ومن مکّة إلیٰ العراق، ولم أُفارقه حتیٰ قُتل، ولیس من مخاطبته الناس کلمة بالمدینة ولا بمکّة ولا فی الطریق ولا بالعراق ولا فی عسکر إلیٰ یوم مقتله إلّا وقد سمعتها، ألا والله، ما أعطاهم ما یتذاکر الناس وما یزعمون، من أن یضع یده فی ید یزید بن معاویة، ولا أن یسیّروه إلیٰ ثغر من ثغور المسلمین، ولکنّه قال: دعونی فلأذهب فی هذه الأرض العریضة حتیٰ ننظر ما یصیر أمر الناس»(1).

ص: 140


1- الطبری، محمّد بن جریر، تاریخ الأُمم والملوک: ج5، ص413 _ 414.

خاتمة بأهمّ النتائج

1_ إنّ عمّار الدهنی من المحدِّثین والأخباریین القدامی، وقد دخل معترک الحیاة العلمیّة فی نهایات القرن الأوّل، ونشط فی نش_ر الحدیث وتعلیمه بعد مطلع القرن الهجری الأوّل.

2_ کان عمّار الدهنی من الشخصیات التی اتّصلت بأهل البیت(علیهم السّلام) ، وروت عنهم، وکان محبّاً لهم، ولکن لم یثبت لدینا أنّه کان یؤمن بإمامتهم.

3_ یمکن توثیق عمّار الدهنی فی ضوء بعض المبانی الرجالیّة المعمول بها عند البعض منّا، وقد أجمعت _ أو ک_ادت أن تُجمع _ کتب الجرح والتعدیل عند العامّة علیٰ وثاقته وتعدیله.

4_ کان عمّار الدهنی من الأوائل الذین اهتموا بحفظ النصّ الکربلائی، وقد حرص الدهنی أن یتلّقیٰ هذا النصّ من مصادره القریبة والمأمونة، کما حرص أن یتعرّف علیٰ أدقّ التفاصیل، وإن جاء الجواب مجملاً من الإمام(علیه السّلام)، وحصل تلاعب فی هذا النصّ، کما ناقشنا فی ذلک.

5_ لا یوجد أثر لکتاب فی مقتل الحسین(علیه السّلام) من تصنیف الدهنی، ولم تنصّ کتب الفهارس علیه، ولکن الطبری قد نقل لنا هذا المقتل فی ثلاثة مقاطع، وقد قمنا بوصل بعضها بالبعض الآخر، وجمعناها فی روایة واحدة.

6_ مقتل الدهنی من الأُصول التی اعتمد علیها الکثیر من العامّة، وهو کمقتل أبی مخنف لدیٰ الشیعة، وقد فضّله ابن حجر علیٰ سائر المقاتل؛ وذلک لکونه یحتوی علیٰ بعض المفردات التی تخدمهم، ویخلو من الکثیر من الحقائق التی لا تروق لهم.

7_ لم یعتنِ رواة الشیعة الأوائل بروایة هذا المقتل، ولم یهتمّ أصحاب المدونات

ص: 141

الحدیثیّة والتاریخیّة الشیعیّة بتدوینه، اللّهم إلّا ما کان من ابن نما فی مثیر الأحزان، کما أشرنا.

8_ استعرضنا مقتل عمّار الدهنی بروایة الطبری، وأوردنا علیها أربع مناقشات، واحدة منها ترتبط بسند هذا المقتل، والبقیة تتعلّق بالمتن، وأشرنا فیها إلیٰ عملیات الحذف والدسّ والإضافة التی أُجریت علیٰ هذا المقتل.

ص: 142

الفصل الرابع: مقتل الفضیل بن الزبیر الأسدی الکوفی (ت بین 122_ 148ه_)

اشارة

ص: 143

ص: 144

تقدیم

کان الفضیل بن الزبیر علیٰ صلة وثیقة بزید الشهید(علیه السّلام)، وقد حاول أن یتعرّف من خلاله علیٰ (تسمیة مَن قُتل مع الحسین بن علیّ(علیهماالسّلام) من وُلْده وإخوته وأهله وشیعته)، ثمَّ أضاف إلیٰ ذلک ما توصّل إلیه من مصادر أُخریٰ أهمّها:

1_ یحییٰ بن أُمّ طویل، أخو الإمام زین العابدین(علیه السّلام) من الرضاعة.

2_ عبد الله بن شریک العامری، من حواریی الإمامین السجاد والباقر(علیه السّلام).

ثمَّ ألّف من کلّ ذلک نصّاً یُعد من أهمّ وأقدم النصوص التاریخیّة التی ذکرت أسماء مَن قُتل مع الحسین(علیه السّلام) من الهاشمیین وغیرهم.

وقد کان هذا النصّ ولقرون متطاولة غائباً عن أوساطنا العلمیّة، إلیٰ أن وفّق الله سبحانه وتعالیٰ العلّامة والمحقق الکبیر السید محمد رضا الحسینی الجلالی لاستخراج هذا النصّ من بعض مصادر التراث الزیدیّ، وتحقیقه ونش_ره ووضعه بین یدی الباحثین والمؤرِّخین.

وقد وضعتُ فی هذه السطور غایة ما توصّلت إلیه من بحث وتنقیب وتحقیق حول شخصیة الفضیل وکتابه فی المقتل، وما توفیقی إلاّ باللّه علیهِ توکلتُ وإلیه أُنیب.

ص: 145

ص: 146

المبحث الأوّل :ترجمة الفضیل بن الزبیر

1 _ اسمه ونسبه وأُسرته

اشارة

هو الفضیل(1) _ بالألف واللام. أو فضیل(2)، بدونهما _ بن الزبیر، بضم الزای وفتح الباء علیٰ زنة (رُجَیل) مصغراً علیٰ ما هو المألوف والظاهر من علماء الأنساب(3)، بن عمر ابن درهم(4) الأسدی الرسّان.

والأَسَدی _ بفتح الألف والسین _ نسبة إلیٰ أسد، وهو اسم عدّة من القبائل العربیّة، منهم:

1_ أسد بن عبد العزّیٰ من قبائل قریش.

2_ أسد بن خزیمة.

3_ أسد بن ربیعة بن نزار.

ص: 147


1- اُنظر _ مثلاً _: الطوسی، محمّد بن الحسن، اختیار معرفة الرجال (رجال الکشی): ج2، ص628. الطوسی، محمّد بن الحسن، رجال الطوسی: ص269.
2- اُنظر _ مثلاً _: الطوسی، محمّد بن الحسن، رجال الطوسی: ص143، البرقی، أحمد بن محمد، الرجال: ص35.
3- اُنظر: الجلالی، محمد رضا الحسینی، تسمیة مَن قُتل مع الحسین(علیه السّلام)، مجلة تراثنا، العدد الثانی: ص129.
4- اُنظر: السمعانی، عبد الکریم بن محمّد، الأنساب: ص268 _ 269، عند ترجمة: (أبو أحمد محمد بن عبد الله الزبیری).

4_ أسد بن دودان.

5_ أسد بن شریک، بطن من الأزد(1).

ویظهر من بعض النسّابین أنّ الفضیل بن الزبیر ینتسب إلیٰ أسد بن خزیمة(2)، وهی قبیلة عظیمة من العدنانیّة، تنتسب الیٰ أسد بن خزیمة بن مدرکة بن الیاس بن مض_ر بن نزار. وهی ذات بطون کثیرة یطول ذکرها.

کانت بلادهم فیما یلی الکرخ من أرض نجد، وفی مجاورة طیء، ویُقال: إنّ بلاد طیء کانت لبنی أسد، فلمّا خرجوا من الیمن غلبوهم علیٰ أجأ وسلمیٰ، وجاءوا واصطلحوا، وتجاوروا لبنی أسد، ثمّ تفرّقوا من بلاد الحجاز علیٰ الأقطار وذلک بعد الإسلام، فنزلوا العراق، وسکنوا الکوفة منذ سنة 19ه_ وملکوا الحلّة وجهاتها حتیٰ سنة 588ه_(3).

وعلیٰ أیّة حال، فإنّ الفضیل بن الزبیر_ علیٰ ما یبدو_ لم یکن من صمیم بنی أسد، بل کان ینتسب إلیهم بالولاء، کما صرّح بذلک الشیخ الطوسی، قائلاً: «الفضیل بن الزبیر الأسدی مولاهم»(4).

والرَسّان: بفتح الراء وتشدید السین هو صانع الرسن أو بائعه، والرسن هو زمام البعیر ونحوه(5).

ویبدو لی أنّ هذا الوصف کان فی الأصل للزبیر، والد الفضیل، فهو صاحب هذه المهنة علیٰ ما یبدو، ثمّ عُمِّم الوصف علیٰ أفراد أُسرته، والدلیل علیٰ ذلک: أنّ هذا الوصف

ص: 148


1- اُنظر: السمعانی، عبد الکریم بن محمّد، الأنساب: ص214.
2- اُنظر: البری، محمد بن أبی بکر، الجوهرة فی نسب النبی وأصحابه العشرة: ج1، ص180. قال هناک: «ففی ذلک یقول عبد الله بن الزبیر الأسدی؛ أسد خزیمة...»، وعبد الله هذا هو أخو الفضیل کما سیأتی.
3- اُنظر: عمر کحالة، معجم قبائل العرب القدیمة والحدیثة: ج1، ص24.
4- الطوسی، محمد بن الحسن، رجال الطوسی: ص269.
5- اُنظر: المامقانی، عبد الله، تنقیح المقال: ج2، ص182. البروجردی، علیّ، طرائف المقال: ج2، ص211.

لم یکن خاصّاً بالفضیل، بل یُطلق علیٰ أخیه عبد الله أیضاً (1).

من أعلام أُسرة آل الزبیر:
اشارة

تعتبر أُسرة آل الزبیر من الأُسَر الشیعیّة الکوفیّة التی أنجبت عدّة من الأعلام، فمنهم الفضیل بن الزبیر صاحب الترجمة، ومنهم:

1_ عبد الله بن الزبیر الأسدی الرَّسّان:

ذکره الشیخ الطوسی فی أصحاب الإمام الصادق(علیه السّلام)، قائلاً: «عبد الله بن الزبیر والد أبی أحمد الزبیری»(2).

أقول: أبو أحمد الزبیری هو محمّد بن عبد الله بن الزبیر الآتی، وکلام الشیخ یدلّ بظاهره علیٰ کونه أشهر من والده.

رویٰ الکشی _ کما مرّ _ عن عبد الرحمن بن سیابة، قال: «دفع إلیّ أبو عبد الله(علیه السّلام) دنانیر، وأمرنی أن أُقسمها فی عیالات مَن أُصیب مع عمّه زید، فقسمتها، قال: فأصاب عیال عبد الله بن الزبیر الرسّان أربعة دنانیر»(3). وقد علّق العلّامة الحلّی علیٰ هذه الروایة بقوله: «وهذه الروایة تُعطی أنّه کان زیدیّاً»(4)).

أقول: الدلیل أعمّ من المدّعیٰ، فلیس کلّ مَن خرج مع زید کان _ بالض_رورة _ زیدیّاً، نعم، لا شکّ فی أنّ الخروج یعدّ قرینة مهمّة علیٰ ذلک، وعلینا أن نبحث عن قرائن أُخریٰ نضمّها إلیها.

وعلیٰ أیّة حال، فظاهر روایة الک_شی أنّ عبد الله من المُستَشهدِین مع زید(علیه السّلام) سنة

ص: 149


1- اُنظر: الطوسی، محمد بن الحسن، اختیار معرفة الرجال (رجال الکشی): ج2، ص629.
2- الطوسی، محمد بن الحسن، رجال الطوسی: ص234.
3- الطوسی، محمد بن الحسن، اختیار معرفة الرجال (رجال الکشی): ج2، ص629.
4- العلّامة الحلّی، الحسن بن یوسف، خلاصة الأقوال فی معرفة الرجال: ص372.

122ه_، ولکن بعض النقولات قد دلّت علیٰ بقائه حیّاً إلیٰ أیام محمّد بن عبد الله النفس الزکیّة المُستشهَد سنة 145ه_، فقد قال أبو الفرج الأصفهانی: حدَّثنا علیّ بن العباس، قال: حدَّثنا بکار بن أحمد، قال: حدَّثنا الحسن بن الحسین، قال: حدَّثنا عبد الله بن الزبیر الأسدی، وکان فی صحابة محمّد بن عبد الله، قال: «رأیت محمّد بن عبد الله علیه سیف محلّیٰ یوم خرج، فقلت له: أتلبس سیفاً محلّیٰ؟ فقال: أیّ بأس بذلک؟! قد کان أصحاب رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) یلبسون السیوف المحلّاة»(1).

وروایة المقاتل صریحة الدلالة علیٰ بقائه حیّاً إلیٰ أیام محمّد بن عبد الله، فلا بدّ من حَمْل روایة الکشی علیٰ الجرح دون القتل، وهذا ما تحتمله روایة الک_شی من غیر تکلّف، حیث قالت: «من أُصیب مع عمّه زید». ومن المعلوم أنّ الإصابة أعمّ مفهوماً من القتل.

هذا من جهة، ومن جهة أُخریٰ ربما تصلح هذه الروایة کقرینة أُخریٰ علیٰ زیدیّة عبد الله بن الزبیر، أو علیٰ ابتعاده عن خطِّ الاثنی عشریّة علیٰ الأقل.

وقد کان عبد الله بن الزبیر شاعراً، وله فی رثاء مسلم وهانئ(علیهماالسّلام) قصیدة مشهورة بین خطباء المنبر الحسینیّ، یقول فی مطلعها:

فإن کنتِ لا تدرین ما الموت فاُنظری

إلی ٰ هانئ فی السوقِ وابن عقیل(2)

2_ محمد بن عبد الله بن الزبیر (أبو أحمد الزبیری):

وهو أبو أحمد، محمّد بن عبد الله بن الزبیر بن عمر بن درهم الأسدی الزبیری، من أهل الکوفة، محدِّث کبیر مکثر، کان یبیع القت بزبالة(3).

قال عنه الذهبی: «الحافظ الکبیر، المجود، أبو أحمد الزبیری، الکوفی، مولیٰ بنی أسد، حدَّث

ص: 150


1- الأصفهانی، أبو الفرج، مقاتل الطالبیین: ص255.
2- المصدر السابق: ص109.
3- اُنظر: السمعانی، عبد الکریم بن محمّد، الأنساب: ص269.

عن مالک بن مغول، وفطر بن خلیفة، وعیسیٰ بن طهمان _ صاحب أنس _ وعمر بن سعید بن أبی حسین، ومسعر، وسعد بن أوس العبسی، وأیمن بن نابل، ورباح بن أبی معروف، وحمزة بن حبیب، والولید بن عبد الله بن جمیع، وسفیان، وشیبان النحوی، وسعید بن حسان المخزومی، ویونس بن أبی إسحاق، وخلق کثیر. حدّث عنه ابنه طاهر، وأحمد، والقواریری، وأبو بکر بن أبی شیبة، وعمرو الناقد، وابن نمیر، وابن مثنیٰ، ومحمود بن غیلان، ونصر بن علیّ، وأحمد بن سنان القطان، وبندار، ومحمّد بن رافع، ویحییٰ بن أبی طالب، والکدیمی، وخلق سواهم»(1).

وذکره العجلی فی تاریخ الثقات بقوله: «محمّد بن عبد الله بن الزبیر الأسدی، یکنّیٰ أبا أحمد، کوفی، ثقة، یتشیَّع»(2).

وعدّه ابن حبّان فی کتاب الثقات قائلاً: «أبو أحمد الزبیری اسمه محمّد بن عبد الله بن الزبیر الأسدی، من أهل الکوفة، یرویٰ عن الثوری وإسرائیل، رویٰ عنه أحمد بن حنبل وأهل العراق، مات سنة ثلاث ومائتین بالأهواز»(3).

2 _ ولادته ونشأته

لم نقف علیٰ ما یحدِّد لنا مولد الفضیل تحدیداً دقیقاً، إلّا أنّ کونه من دعاة زید(علیه السّلام) المُستشهَد سنة 122ه_ کما سنشیر، وکونه _ کما سیأتی أیضاً _ ممَّن رویٰ عن الإمام الباقر(علیه السّلام) المتوفَّیٰ سنة 114ه_، وعدم روایته عن الإمام السجاد(علیه السّلام) المتوفَّیٰ سنة 95ه_، کلّها مؤشرات علیٰ ولادته قبل مطلع القرن الثانی الهجری.

ونحن لا نمتلک ما یساعدنا علیٰ معرفة نشأة الفضیل ومسیرة حیاته بشکل دقیق

ص: 151


1- الذهبی، محمد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج18، ص63.
2- العجلی، أحمد بن عبد الله، تاریخ الثقات: ص406.
3- ابن حبان، محمّد بن حبّان، الثقات: ج9، ص58.

ومفصّل، فالنصوص فی هذا المجال شحیحة، بل تکاد تکون منعدمة.

وغایّة ما نستطیع استشفافه من النصوص، هو أنّه قد نشأ وترعرع فی الکوفة، وقد نُسب إلیها فی بعض المصادر(1)، وأخذ العلم عن أهلها، وأخذه عنه أهلها، کما یستفاد هذا الأمر من خلال النظر فی تراجم شیوخه وتلامذته والراوین عنه.

وحینما نزل زید(علیه السّلام) فی الکوفة سنة 121ه_، وقام بنش_ر دعوته بین أهلها، کان الفضیل بن الزبیر من أوائل المبادرین إلیٰ نصرته، بل کان من قیادیی هذه الدعوة کما یستفاد من بعض الروایات التی سنشیر إلیها لاحقاً.

کما یُستشفّ من خلال مرویات الفضیل أنّه قد سافر إلیٰ المدینة المنوّرة، فی حیاة الإمام الباقر(علیه السّلام)، فکان یلتقی به، وقد رویٰ عنه معجزة لأمیر المؤمنین(علیه السّلام)(2)، کما رویٰ عنه حدیث: «یا فضیل، أما علمت أنّ رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قال: إنا أهل بیت...»(3)، وسیأتی ما یشیر إلیٰ سفره بعد مقتل زید(علیه السّلام) إلیٰ المدینة للقاء الإمام الصادق(علیه السّلام).

3 _ مکانته العلمیة وطبقته، من مصنفاته

قال ابن الندیم: «ومَن متکلمیّ الزیدیّة: فضیل الرساف، وهو ابن الزبیر»(4).

أقول: (الرساف) تصحیف (الرسّان) کما هو واضح.

وقد اعتبره سعد بن عبد الله الأشعری أحد رؤساء فرق الزیدیّة القویّة، حیث قال:

«وأمّا الأقویاء منهم، فهم: أصحاب أبی الجارود، وأصحاب أبی خالد الواسطی، وأصحاب

ص: 152


1- اُنظر: الطوسی، محمّد بن الحسن، رجال الطوسی: ص269.
2- الراوندی، قطب الدین، الخرائج والجرائح: ج2، ص377.
3- المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار: ج5، ص249.
4- الطوسی، محمّد بن الحسن، الفهرست: ص221.

فضیل الرسان»(1).

ویمکن أن نتلمّس المکانة العلمیّة التی کان یتمتّع بها الفضیل بن الزبیر، من خلال التأمّل بروایاته المنقولة فی أبواب: التفسیر والعقیدة، والأخلاق والعرفان والتاریخ، وغیرها.

وقد لاحظنا: أنّ أکثر روایاته ترتبط بأحقیّة أهل البیت(علیهم السّلام) فی الخلافة، وتفضیلهم علیٰ غیرهم، وهو ما یؤکِّد کون الرجل من المهتمّین بالجانب الکلامی والعقائدی، کما دلّ علیٰ ذلک کلام ابن الندیم والأشعری، ولم أجده یتعرّض إلیٰ نقل الروایات الفقهیّة إلّا نادراً.

أمّا طبقته: فقد عدّه الشیخ الطوسی من أصحاب الإمام الباقر(علیه السّلام)، قائلاً: «فضیل بن الزبیر الرسّان»(2)، ثمَّ عدّه فی أصحاب الإمام الصادق(علیه السّلام)، قائلاً: «الفضیل بن الزبیر الأسدی، مولاهم، کوفی، الرسّان»(3).

وقد رویٰ أیضاً _ کما یأتی فی سند مقتله _ عن زید الشهید(علیه السّلام)، ویحییٰ بن أُمّ طویل، وعبد الله بن شریک العامری، ورویٰ أیضاً عن أبی سعید عقیصا(4)، وأبی عبد الله مولیٰ بنی هاشم(5)، وأبی داود السبیعی(6)، وأبی عمر مولیٰ ابن الحنفیة(7)، وفروة بن مجاشع(8)، ویحییٰ

ص: 153


1- القمی، سعد بن عبد الله، المقالات والفرق: ص74.
2- الطوسی، محمّد بن الحسن، رجال الطوسی: ص132.
3- المصدر السابق: ص269.
4- اُنظر: ابن قولویه، جعفر بن محمّد، کامل الزیارات: ص151.
5- اُنظر: الطوسی، محمّد بن الحسن، الأمالی: ص148.
6- اُنظر: المصدر السابق: ص289.
7- اُنظر: المصدر السابق: ص459.
8- اُنظر: المفید، محمد بن محمد، الأمالی: ص125.

ابن عقیل(1)، وغیرهم.

ورویٰ عنه أبو حفص الأعشیٰ الکاهلی(2)، وإسماعیل بن أبان(3)، ومخول بن إبراهیم(4)، وعاصم بن حمید الحناط(5)، وغیرهم.

وهو عادة ما یقع فی نصوص کتب الحدیث والتاریخ بعنوان (الفضیل بن الزبیر) أو (فضیل بن الزبیر) أو (فضیل الرسّان)، وقد یقع فی بعض النصوص بعنوان (الفضل بن الزبیر) وهو تصحیف.

ولم أجد من ذکر الفضیل بن الزبیر فی عداد المصنِّفین، ولم یُنسب إلیه أیُّ کتاب فی أیِّ علم من العلوم أو فنٍّ من الفنون، وأمّا کتابه فی المقتل فهو فی ظاهره لیس کتاباً مدوّناً فی قرطاس، ولم تذکره کتب الفه_ارس، وإن کنت أریٰ أنّ عم_له فی هذا المقت_ل _ فی واقعه _ لا یختلف عن عمل المؤلّفین، بل إنّ انطباق مفهوم التألیف علیه أشدّ بکثیر من انطباقه علیٰ العدید من الآثار المنقولة عن تلک الفترة الزمنیّة، فمن سمات التألیف فیه:

1_ ذکره فی البدء لمصادره ومنابعه الأساسیة التی استقیٰ منها مادّة هذا المقتل.

2_ تبوبیه للمادّة، حیث قسّم الشهداء علیٰ قسمین: شهداء أهل البیت(علیهم السّلام) ، وشهداء الأصحاب، وقدم شهداء أهل البیت(علیهم السّلام) علیٰ غیرهم، وقسم شهداء الأصحاب بحسب القبائل التی ینتمون إلیها، وهو المنهج الذی سار علیه جلُّ مَن کتب فی هذا الموضوع، کعبد المجید الحسینی الحائری فی ذخیرة الدارین، والسماوی فی إبصار العین، وشمس الدین فی أنصار الحسین(علیه السّلام)، وغیرهم.

ص: 154


1- اُنظر: المفید، محمد بن محمد، الأمالی: ص207.
2- اُنظر: الطوسی، محمد بن الحسن، الأمالی: ص32.
3- اُنظر: المصدر السابق: ص148.
4- اُنظر: المصدر السابق: ص289.
5- اُنظر: المصدر السابق: ص493.

والخلاصة: إنّنی أظنّ أنّ هذا العمل کان فی واقعه کتاباً من حیث المحتویٰ والمضمون، وإن لم ینتشر بین الناس بهذه الصفة إلّا فی وقتنا الحاضر علیٰ ید السیِّد الجلالی.

4_ مذهبه ومعتقده

نقلنا فیما مرّ اعتبار ابن الندیم الفضیل بن الزبیر من متکلمیّ الزیدیّة، بل اعتبره عبد الله بن سعد الأشعری _ کما مرّ أیضاً _ من رؤساء الفرق القویّة المنبثقة عن المذهب الزیدیّ، ویمکن أن نضیف إلیٰ ذلک قرینتین تؤکِّدان هذا المعنیٰ:

1_ کونه من دعاة زید(علیه السّلام) وکبار مساعدیه فی ثورته، کما یدلّ علیٰ ذلک ما رواه أبو الفرج الأصفهانی، عن الفضیل بن الزبیر، قال: قال أبو حنیفة: «مَن یأتی زیداً فی هذا الشأن من فقهاء الناس؟ قال: قلت سلیمة بن کهیل، ویزید بن أبی زیاد، وهارون بن سعد، وهاشم بن البرید، وأبو هاشم الرمانی، والحجاج بن دینار، وغیرهم. فقال لی: قل لزید لک عندی معونة وقوّة علیٰ جهاد عدوک، فاستعن بها أنت وأصحابک فی الکراع والسلاح. ثمَّ بعث ذلک معی إلیٰ زید، فأخذه زید»(1).

ویمکن أن یستدلّ علیٰ ارتباطه بزید(علیه السّلام) وثورته أیضاً ما رواه الکش_ی عن فضیل الرسّان، قال: «دخلت علیٰ أبی عبد الله(علیه السّلام) بعد ما قُتل زید بن علیّ، فأُدخلت بیتاً جوف بیت، فقال لی: یا فضیل، قُتل عمّی زید؟ قلت: نعم جُعلت فداک. قال: رحمه الله إنّه کان مؤمناً وکان عارفاً وکان عالماً وکان صادقاً، أما إنّه لو ظفر لوفیٰ، أما إنّه لو ملک لعرف کیف یضعها...»(2).

2_ اختصاصه بزید(علیه السّلام) وأخذه عنه، وهذا ما یمکن الاستدلال علیه بعدّة أُمور:

منها: کونه أحد المصادر الأساسیة التی اغترف منها الفضیل فی هذا المقتل کما سیأتی.

ص: 155


1- الأصفهانی، أبو الفرج، مقاتل الطالبیین: ص141.
2- الطوسی، محمد بن الحسن، اختیار معرفة الرجال(رجال الکشی): ج3، ص570.

ومنها: ما روی عن الفضیل بن الزبیر، قال: قلت لزید بن علی(علیه السّلام): «ما تقول فی أبی بکر وعمر؟ قال: قل فیهما ما قال علیّ: کفّ کما کفّ لا تجاوز قوله. قلت: أخبرنی عن قلبی أنا خلقته ؟ قال: لا. قلت: فإنّی أشهد علیٰ الذی خلقه أنّه وضع فی قلبی بغضهما، فکیف لی بإخراج ذلک من قلبی؟ فجلس جالساً، وقال: أنا والله الذی لا إله إلّا هو، إنّی لأبغض بنیهما من بغضهما؛ وذلک لأنهم إذا سمعوا سبَّ علیٍّ(علیه السّلام) فرحوا»(1)، وما روی عنه أیضاً أنّه قال: «سمعت زید بن علیّ(علیهماالسّلام) یقول: المنتظَر من وُلد الحسین بن علیّ، فی ذرّیة الحسین وفی عقب الحسین(علیه السّلام)...»(2)، فإنّ هاتین الرواتین تکشفان عن مدیٰ اختصاصه بزید(علیه السّلام)، وکونه المرجعیّة التی کان یرجع إلیها فی مسائله الفکریّة والعقدیّة.

5 _ وثاقته وعدالته

یمکننا أن نحاول إثبات اعتبار الفضیل بن الزبیر بأکثر من أُسلوب:

الأُسلوب الأوّل: أن نستدلّ علیٰ وثاقته أو مدحه علیٰ أقل تقدیر من خلال نصِّ المعصوم(علیه السّلام)، کالروایة التی نقلناها سابقاً عن الکشی، عن الفضیل بن الزبیر، قال: «دخلتُ علیٰ أبی عبد الله(علیه السّلام) بعد ما قُتل زید بن علیّ، فأُدخلت بیتاً جوف بیت...»، فإنّ هذه الروایة تکشف عن وجود نوع من أنواع العلاقة الخاصّة بین الإمام(علیه السّلام) والفضیل، وأقلّ ما یستفاد من جو هذه الروایة: هو أنّ الرجل من الممدوحین، ولعل هذه الروایة هی التی دعت ابن داود إلیٰ ذکره فی القسم المخصص للرواة الممدوحین، وهی التی دعته إلیٰ نسبة مدحه إلیٰ الکشی(3).

ص: 156


1- المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار: ج30، ص385.
2- المصدر السابق: ج51، ص35.
3- اُنظر: الحلّی، ابن داود، رجال ابن داود: ص151.

ولکن أقلّ ما یُعترض به علیٰ هذه الروایة: هو أنّ الراوی لهذه الروایة هو الفضیل نفسه، فیکون الاستدلال بها _ حینئذٍ _ علیٰ مدح الفضیل أشبه بالدور.

الأُسلوب الثانی: أن نستدلّ علیٰ وثاقته من خلال التوثیقات العامّة، فقد وقع اسمه فی بعض أسانید کتاب کامل الزیارات(1)، وکتاب تفسیر القمّی(2)، فیکون بذلک موثقاً علیٰ المبنیٰ القائل بوثاقة جمیع مَن ورد اسمه فی أسانید هذین الکتابین.

نعم، بناءً علیٰ القول بانحصار التوثیق بشیوخ ابن قولویه والقمّی المباشرین، لا یکون الفضیل مشمولاً بهذین التوثیقین.

الأُسلوب الثالث: أن نستدلّ علیٰ وثاقته بعدم ورود ما یقدح به.

وتوضیح ذلک: أنّ الفضیل قد عنونه الرجالیون ولم یضعفوه، وهذا ما یجعله فی عداد المهملین، والمهمل _ عند القدماء _ یختلف عن المجهول الذی صرَّح علماء الرجال بضعفه، فالأخیر تُردّ روایته دون الأوّل، وقد کان ابن داود یعمل بخبر المهمل کما یعمل بخبر الممدوح؛ ولذا خصّص الجزء الأوّل من کتابه للممدوحین ومَن لم یضعفهم الأصحاب، وبهذا یکون الفضیل معتبر الروایة عند أصحاب هذا المبنیٰ.

الأُسلوب الرابع: أُسلوب جمع القرائن والشواهد المفیدة للاطمئنان، وهو ما سلکه السیِّد محمّد رضا الجلالی لتوثیق الفضیل، قال: «والذی أراه أنّ الرجل معتبر الحدیث، لما یبدو من مجموع أخباره وأحواله من انقطاعه إلیٰ أهل البیت(علیهم السّلام) ، واختصاصه بهم ونص_رته له وتعاطفه معهم، وکونه مأموناً علیٰ أسرارهم، وکذلک وقوعه فی طریق کثیر من الروایات _ وکلّها خالیة ممّا

ص: 157


1- اُنظر: ابن قولویه، جعفر بن محمّد، کامل الزیارات: ص151، الباب(23) قول أمیر المؤمنین(علیه السّلام) فی قتل الحسین(علیه السّلام) وقول الحسین(علیه السّلام) له فی ذلک، الحدیث رقم(7).
2- اُنظر: القمی، علیّ بن إبراهم، تفسیر القمی: ج2، ص388، سورة نوح، فی تفسیر قوله تعالی: «إِنَّکَ إِنْ تَذَرْهُمْ یُضِلُّوا عِبَادَکَ وَلَا یَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا کَفَّارًا » وفیه (فضیل الرسام)، والتصحیف فیه واضح.

یوجب القدح فیه _ فهذا کلّه مدعاة إلیٰ الاطمئنان به...»(1).

6 _ وفاته

من المؤکَّد أنّ الفضیل قد کان حیّاً بعد عام 122ه_، وهو العام الذی استُشهد فیه زید(علیه السّلام)، حیث أشرنا إلیٰ لقائه بالإمام الصادق(علیه السّلام) بعد هذا التاریخ، کما أنّ عدم روایته عن الإمام الکاظم(علیه السّلام) قد تدلّ علیٰ وفاته فی أیام الإمام الصادق(علیه السّلام) المتوفّیٰ عام 148ه_، وبالتالی نستطیع أن نحصر وفاته بین عامی (122_ 148ه_).

ص: 158


1- الجلالی، محمّد رضا، تسمیة مَن قُتل مع الحسین(علیه السّلام)، مجلة تراثنا، العدد الثانی: ص145.

المبحث الثانی: مقتل الحسین(علیه السّلام) لفضیل بن الزبیر الأسدی

اشارة

قبل أن نقوم بنقل النصّ الکامل لهذا المقتل من کتاب الأمالی الخمیسیّة، توجد عدّة نقاط ینبغی الوقوف علیها:

1_ أقدم نصّ مکتوب من هذا المقتل

إنّ أقدم نصّ احتویٰ علیٰ هذا المقتل هو کتاب الأمالی الخمیسیّة لیحییٰ بن الحسین الشجری (ت479ه_) المشهور ب_ (المرشد بالله) أحد أئمّة الزیدیّة؛ من هنا کان لا بدّ لنا من وقفة قصیرة للتعریف بالکاتب والکتاب.

أمّا الکاتب، فهو أبو الحسین یحییٰ بن الحسین _ (الموفق بالله) صاحب کتاب (الاعتبار وسلوة العارفین) _ بن إسماعیل بن زید الحسنی الرازی، عرف یحییٰ ب_ (المرشد بالله) و(الشجری) و(إِلْکیَا)(1)، وکان مفتی الزیدیّة ومرجعهم، وکانت دعوته فی بلاد الجیل والدیلم والرّی وجرجان فی القرن الخامس الهجری.

قال ابن الجوزی: «یحییٰ بن الحسین بن إسماعیل بن زید، أبو الحسین الحسنی وکان مفتی طائفته علیٰ مذهب زید بن علیّ، وکان له معرفة بالأُصول والحدیث»(2).

وقال ابن حجر _ بعد ما أشار إلیٰ نسبه ومذهبه وسکناه _ : سمع الصوری والعتیقی

ص: 159


1- (إِلْکیَا): هذه المفردة تعنی (الحبر).اُنظر: السفر الخامس من کتاب الذیل والتکملة لکتابی الموصول والصلة: ج2، ص584.
2- ابن الجوزی، عبد الرحمن بن علیّ، المنتظم فی تاریخ الملوک والأُمم: ج16، ص266.

وابن غیلان وابن زیده بأصبهان وغیرهم، رویٰ عنه محمّد بن عبد الواحد الدقاق ونصر

ابن مهدی وأبو سعد یحییٰ بن طاهر السمان، وکان ممّن عُنی بالحدیث إلّا أنّه مبتدع کان مفتی الزیدیّة ومقدّمهم وعالمهم توفِّی بالرّی سنة تسع وسبعین وأربع مائة(1).

أمّا الکتاب، فیعرف ب_(الأمالی الخمیسیّة)، والأمالی: هو «عنوان لبعض کتب الحدیث غالباً، وهو الکتاب الذی أدرج فیه الأحادیث المسموعة من إملاء الشیخ عن ظهر قلبه وعن کتابه، والغالب علیها ترتیبه علیٰ مجالس السماع، ولذا یطلق علیه المجالس أو عرض المجالس أیضاً، وهو نظیر الأصل فی قوّة الاعتبار وقلّة تطرّق احتمال السهو والغلط والنسیان، ولا سیما إذا کان إملاء الشیخ عن کتابه المصحح، أو عن ظهر القلب مع الوثوق والاطمئنان بکونه حافظاً ضابطاً متقناً»(2).

وسُمیت (الأمالی الخمیسیّة) بهذا الاسم، لأنّ الشجری کان یملیها علیٰ طلابه کلّ یوم خمیس، وللمصنِّف کتاب آخر اسمه کتاب (الأنوار) یعرف ب_(الأمالی الاثنینیّة) أملاه یوم الاثنین.

ویُعرف هذا الکتاب أیضاً باسم (ترتیب الأمالی الخمیسیّة)، وذلک بعدما رتّبه العلّامة محیی الدین محمّد بن أحمد بن علیّ بن الولید القرشی العبشمی، وهو الآن علیٰ ترتیبه، وکان قبل ذلک رتّبه القاضی العلّامة شمس الدین جعفر بن أحمد بن أبی یحییٰ فی سبعة وعش_رین باباً.

2_ سند الکتاب واسمه

اشارة

قال الشجری: «أخبرنا الشریف أبو عبد الله محمّد بن علیّ(3) بن الحسن البطحانی، بقراءتی

ص: 160


1- ابن حجر، أحمد بن علیّ، لسان المیزان: ج8، ص427.
2- الطهرانی، آغا بزرک، الذریعة إلی تصانیف الشیعة: ج2، ص305 _ 306.
3- فی الأصل: (عبد الله) بدل (علیّ)، وهو غلط کما نبّه علیه الجلالی. اُنظر: الجلالی، محمّد رضا، تسمیة مَن قُتل مع الحسین(علیه السّلام)، مجلة تراثنا، العدد الثانی: هامش ص46.

علیه بالکوفة، قال: أخبرنا محمّد بن جعفر التمیمی _ قراءةً _ قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعید، قال: أخبرنی الحسن بن جعفر التمیمی _ قراءةً _ قال: حدّثنی عمّی طاهر بن مدرار، قال: حدَّثنی فضیل بن الزبیر، قال: سمعت الإمام أبا الحسین زید بن علیّ(علیهماالسّلام)، ویحییٰ بن أُمّ طویل، وعبد الله ابن شریک العامری یذکرون تسمیة مَن قُتل مع الحسین بن علیّ(علیهماالسّلام) من وُلْده وإخوته وأهله وشیعته، وسمعته أیضاً من آخرین سواهم»(1)).

وقد اشتمل هذا النصّ علیٰ أمرین أساسیین:

أولاً: طریق صاحب الأمالی إلیٰ الفضیل بن الزبیر.

ثانیاً: مصادر الفضیل بن الزبیر فی هذا الکتاب.

وهذا ما سنبحثه فیما یلی:

أولاً: طریق صاحب الأمالی إلیٰ الفضیل بن الزبیر

رویٰ صاحب الأمالی هذا الکتاب عن الفضیل بن الزبیر بوسائط خمس:

1- الشریف أبو عبد الله محمّد بن علیّ بن الحسن البطحانی (ت445ه_): قال عنه الذهبی: «الإمام، المحدِّث، الثقة، العالم، الفقیه، مسند الکوفة، أبو عبد الله محمّد بن علیّ بن الحسن بن عبد الرحمن العلوی الکوفی. انتقیٰ علیه الحافظ أبو عبد الله الصوری، وغیره»(2).

وذکره ابن الجوزی فی ترجمة (أبو الغنائم النرسی)، حیث قال: «ولقی [یعنی النرسی] أبا عبد الله العلوی العلّامة، وهو محمّد بن علیّ بن الحسن بن عبد الرحمن العلوی، وکان هذا العلوی یعرف الحدیث...»(3).

ص: 161


1- الشجری، یحیی بن الحسین، ترتیب الأمالی الخمیسیّة: ج1، ص224.
2- الذهبی، محمّد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج34، ص146.
3- ابن الجوزی، عبد الرحمن بن علیّ، المنتظم فی تاریخ الملوک والأُمم: ج17، ص151.

2_ محمّد بن جعفر التمیمی: هذا هو أبو الحسن محمّد بن جعفر بن محمّد بن هارون ابن فروة التمیمی، النحوی، الکوفی، المعروف ب_ (ابن النجار)، کان مولده عام 303ه_،

ووفاته عام 402ه_(1).

قال الزرکلی: «محمّد بن جعفر بن محمّد بن هارون التمیمی، أبو الحسن، المعروف بابن النجّار: عالم بالعربیة، له اشتغال بالتأریخ، معمِّر، من أهل الکوفة، مولده ووفاته فیها، من کتبه (تاریخ الکوفة) رآه یاقوت، و(التحف والطرف) و(روضة الأخبار) و(القراءات)»(2).

3_ أحمد بن محمّد بن سعید: هذا هو الحافظ المعروف ب_ (ابن عقدة)، المولود سنة (249ه_) والمتوفَّیٰ سنة (333ه_) والموثّق عند الإمامیّة والزیدیّة والعامّة، (وقد مرّت له ترجمته فی هذا الکتاب عند حدیثنا عن مقتل الأصبغ بن نباتة).

4_ الحسن بن جعفر التمیمی: من شیوخ ابن عقدة، ومن تلامذة عمّه طاهر بن مدرار الآتی، وأکثر روایاته عنه، ولم ترد له ترجمة خاصّة فی رجالنا، ذکره الخطیب البغدادی فی غنیة الملتمس إیضاح الملتبس، قائلاً: «الحسن بن جعفر بن مدرار الکوفی، حدَّث عن عمّه طاهر بن مدرار، رویٰ عنه أبو العباس بن عقدة الحافظ»(3).

5_ طاهر بن مدرار: هذا هو طاهر بن مدرار التمیمی الطنافسی الکوفی، عمّ الحسن ابن جعفر وشیخه، ومن تلامذة الفضیل بن الزبیر، وراوی کتابه فی المقتل.

قال الجلالی فیه وفی ابن أخیه: «...ویظهر حُسْن حالهما عند الدار قطنی؛ حیث لم یتعرّض لهما بشیء فی الروایات التی وقعا فی طُرُقِها مع أنّه تعرّض للحسن بن عمارة مکرراً، وقال: إنّه متروک. أو إذا لاحظنا ما ذکره الذهبی فی حقّ الدار قطنی من أنّه: حافظ العصر الذی لم یأتِ بعد

ص: 162


1- اُنظر: الذهبی، محمّد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج33، ص91.
2- الزرکلی، خیرالدین، الأعلام: ج6، ص71.
3- الخطیب البغدادی، أحمد بن علیّ، غنیة الملتمس إیضاح الملتبس: ص156.

النسائی مثله، ولاحظنا أنّ کتابه (السنن) من مظانّ الحدیث الحسن، کما قال السیوطی، بل من مظانّ الحدیث الصحیح، کما قال ابن حجر، اتّضح عدم مجهولیّة الرجلین، بل حُسْن حالهما والاعتماد علیهما»(1).

ثانیاً: مصادر الفضیل بن الزبیر فی هذا الکتاب

لقد اعتمد الفضیل بن الزبیر فی هذا الکتاب _ کما ص_رّح فی النصِّ أعلاه _ علیٰ ثلاثة مصادر أساسیة: (أبو الحسین زید بن علیّ(علیهماالسّلام)، ویحییٰ بن أُمّ طویل، وعبد الله بن شریک العامری)، فهؤلاء یمثّلون المآخذ الأساسیة والمنابع الرئیسیّة التی استقیٰ منها الفضیل مادّة کتابه، وفیما یلی تعریف مقتضب لکلّ واحد منهم:

1_ أبو الحسین زید بن علیّ(علیهماالسّلام): هذا هو زید الشهید(علیه السّلام)، الذی یُنسب إلیه المذهب الزیدیّ، وهو أشهر من نار علیٰ علم.

قال الشیخ المفید: «کان زید بن علیّ بن الحسین(علیهماالسّلام) عین إخوته بعد أبی جعفر(علیه السّلام) وأفضلهم، وکان عابداً ورعاً فقیهاً سخیّاً شجاعاً، وظهر بالسیف یأمر بالمعروف وینهیٰ عن المنکر، ویطلب بثارات الحسین(علیه السّلام).

أخبرنی الشریف أبو محمّد الحسن بن محمّد، عن جدِّه عن الحسن بن یحییٰ، قال: حدَّثنا الحسن بن الحسین، عن یحییٰ بن مساور عن أبیٰ الجارود زیاد بن المنذر، قال: قدمت المدینة فجعلت کلّما سألت عن زید بن علیّ(علیه السّلام)، قیل لی: ذاک حلیف القرآن! ورویٰ هشام ابن هشام، قال: سألت خالد بن صفوان، عن زید بن علیّ(علیه السّلام)، وکان یحدِّثنا عنه، فقلت: أین لقیته؟ قال: بالرصافة. فقلت: أیّ رجل کان؟ فقال: کان کما علمت یبکیٰ من خشیة الله حتیٰ یختلط دموعه بمخاطه. واعتقد کثیر من الشیعة فیه الإمامة، وکان سبب اعتقادهم

ص: 163


1- الجلالی، محمّد رضا، تسمیة مَن قُتل مع الحسین(علیه السّلام)، مجلة تراثنا، العدد الثانی: ص146.

ذلک فیه خروجه بالسیف، یدعو إلیٰ الرضا من آل محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فظنّوه یرید بذلک نفسه، ولم یکن یریدها به لمعرفته باستحقاق أخیه(علیه السّلام) للإمامة من قبله، ووصیته عند وفاته إلیٰ أبی عبد الله(علیه السّلام)»(1).

وعدّه الشیخ الطوسی فی أصحاب الإمام زین العابدین(علیه السّلام)، قائلاً: «زید بن علیّ بن الحسین بن علیّ بن أبی طالب(علیهم السّلام) »(2)، ثمّ عدّه فی أصحاب الإمام الباقر(علیه السّلام) قائلاً بعد أن عنونه: «أبو الحسین أخوه(علیه السّلام)»(3)، ثمّ عنونه فی أصحاب الإمام الصادق(علیه السّلام)، وقال: «أبو الحسین مدنی تابعی، قُتل سنة إحدیٰ وعشرین ومائة وله اثنتان وأربعون سنة»(4).

2_ یحییٰ بن أُمّ طویل: هذا هو یحییٰ بن أُمّ الطویل أخو الإمام زین العابدین(علیه السّلام) من الرضاعة وبابه وخاصّته وبطانته، عدّه الشیخ الطوسی فی أصحاب الإمام زین العابدین(علیهم السّلام) مع توصیفه ب_ (المطعمی)(5).

ورویٰ الکشی بسنده عن أبی عبد الله(علیه السّلام)، قال: «ارتدّ الناس بعد قتل الحسین(علیه السّلام) إلّا ثلاثة أبو خالد الکابلی، ویحییٰ بن أُمّ الطویل، وجبیر بن مطعم، ثمّ إنّ الناس لحقوا وکثروا»(6).

3_ عبد الله بن شریک العامری: هذا هو أبو المحجل عبد الله بن شریک بن عدی العامری الکلابی الوحیدی، الکوفی، من وجوه الشیعة، ومن حواریی الإمامین السجّاد والباقر(علیهماالسّلام). ذکره النجاشی فی ترجمة حفید حفیده: (عبید بن کثیر بن محمد)، فقال: «رویٰ عن علیّ بن الحسین وأبی جعفر(علیهماالسّلام)، وکان یُکنّیٰ أبا المحجل، وکان عندهما وجیهاً مقدّماً»(7).

ص: 164


1- المفید، محمد بن محمد، الإرشاد فی معرفة حجج الله علی العباد: ج2، ص171.
2- الطوسی، محمّد بن الحسن، رجال الطوسی: ص113.
3- المصدر السابق: ص135.
4- المصدر السابق: ص206.
5- اُنظر: المصدر السابق: ص122.
6- الطوسی، محمّد بن الحسن، اختیار معرفة الرجال (رجال الکشی): ج1، ص338.
7- النجاشی، أحمد بن علیّ، رجال النجاشی: ص234.

3_ الجلالی أوّل مَن أحیی هذا المقتل

اشارة

ممّا ینبغی أن یُشار إلیه هو أنّ أوّل مَن أحییٰ هذا الأثر، ونش_ره فی حواضرنا العلمیّة، هو العلّامة والمحقق الکبیر المعاصر محمّد رضا الحسینی الجلالی، حیث قام باستخراج متنه من کتاب الأمالی الخمیسیّة، وقام بتحقیق النصّ وتقویمه، وقدّم له بمقدّمة إضافیة اشتملت علیٰ: (التعریف بالکت_اب، ترجمة الفض_یل بن الزبیر، سند الکتاب) وقد نش__ر _ لأوّل مرّة _ بعنوان (تسمیة مَن قُتل مع الحسین(علیه السّلام) من وُلْده وإخوته وأهل بیته وشیعته) فی العدد الثانی من فصلیّة تراثنا (1406ه_) التی تصدر فی قم عن مؤسسة آل البیت(علیهم السّلام) لأحیاء التراث.

وقد تعرّض السیِّد الجلالی _ فی مستهلّ مقدّمة التحقیق _ إلیٰ نقاط القوّة التی اشتمل علیها هذا النصّ، والتی حفّزته علیٰ تحقیقه ونش_ره، وهی کما یلی:

1_ إنّ روایته مسندة عن رجال معروفین، یتمتّعون بمکانة عند المحدّثین والعلماء، وهذا ما لم تحضَ به أکثر الروایات التی یتداولها المؤرِّخون وأرباب المقاتل وغیرهم من المؤلّفین بهذا الصدد.

2 _ إن جامعه (فضیل بن الزبیر) قصد إلیٰ استیعاب ما توفّر له من النقول فی هذا المجال، فلقی أکثر من شخص، وجمع ما ذکروه فی هذه الروایة؛ ممّا یدلّ علیٰ عنایته الفائقة بما جمعه فیه.

3 _ احتواؤه علیٰ أسماء لشهداء لم یُذکروا فی موضع آخر.

4 _ احتواؤه علیٰ آثار وروایات وتفصیلات، ممّا یرفع من قیمته العلمیّة والتاریخیّة.

5 _ إنّی لم أجد (والکلام للجلالی) فیما قرأت من الکتب المعنیّة بهذا الموضوع ذکراً لهذا الأثر، ولا نقلاً عنه(1).

ص: 165


1- الجلالی، محمّد رضا، تسمیة مَن قُتل مع الحسین(علیه السّلام)، مجلة تراثنا، العدد الثانی: ص28.

أقول: وبعد هذا أخذ هذا الأثر بالانتشار فی حواضرنا العلمیّة، وأخذت الکتب المعنیة بواقعة کربلاء تعتمد علیه، فممَّن اعتمد علیه _ بحسب تتبّعی لما صدر فی هذا الشأن فی السنوات الماضیة _ : الطبسی فی کتابه الرکب الحسینی من المدینة إلیٰ المدینة، وفوزی آل سیف فی کتابه من قضایا النهضة الحسینیّة، وجواد محدّثی فی کتابه موسوعة عاشوراء، وحسین الشاکری فی کتابه سیرة الإمام الحسین(علیه السّلام)، وفارس تبریزیان الحسون فی تحقیقه لکتاب الملهوف علیٰ قتلیٰ الطفوف لابن طاووس.

متن المقتل براویة صاحب الأمالی:

أشرنا فیما سبق إلیٰ أنّ أقدم نصٍّ مکتوب من هذا المقتل هو ما نقله الشجری فی الأمالی الخمیسیّة، وسننقل فیما یأتی النصّ الکامل لهذا المقتل بروایة صاحب الأمالی، مع الأخذ بعین الاعتبار التصحیحات التی أجراها السیِّد الجلالی بعد تحقیقه للنصّ، فهذه هی النسخة المحققة من هذا المقتل بتحقیق السیِّد الجلالی، والمنشورة فی العدد الثانی من فصلیّة تراثنا بعنوان: (تسمیة مَن قُتل مع الحسین بن علیّ(علیهماالسّلام) من وُلْده وإخوته وأهله وشیعته)، الصفحات: (149_ 157)، ولم نغیِّر من هذه النسخة سویٰ حذف التعلیقات التی یضعها المحقّق أحیاناً للتنبیه علیٰ المواضع المصحّحة.

بسم الله الرحمن الرحیم

تسمیة مَن قُتل مع الحسین بن علیّ(علیهماالسّلام) من وُلده وإخوته وأهله وشیعته

شهداء أهل البیت(علیهم السّلام) :

(1) الحسین بن علیّ، ابن رسول الله (صلوات الله علیهم)، قتله سنان بن أنس النخعی، وحمل رأسه، فجاء به خولی بن یزید الأصبحی.

(2) والعباس بن علیّ بن أبی طالب(علیهماالسّلام)، وأُمّه أُمّ البنین بنت حزام بن خالد بن ربیعة

ص: 166

ابن الوحید العامری، قتله زید بن رقاد الجنبی، وحکیم بن الطفیل الطائف السنبس_ی، وکلاهما ابتُلی فی بدنه.

(3) وجعفر بن علیّ بن أبی طالب(علیهماالسّلام)، وأُمّه _ أیضاً _ أُمّ البنین بنت حزام، قتله هانئ ابن ثبیت الحضرمی.

(4) وعبد الله بن علیّ(علیه السّلام)، وأُمّه _ أیضاً _ أُمّ البنین، رماه خولی بن یزید الأصبحی بسهم، وأجهز علیه رجل من بنی تمیم بن أبان بن دارم.

(5) ومحمّد بن علیّ بن أبی طالب(علیهماالسّلام) الأصغر، قتله رجل من أبان بن دارم، ولیس بقاتل عبد الله بن علیّ، وأُمّه أُمّ وَلَد.

(6) وأبو بکر بن علیّ بن أبی طالب(علیهماالسّلام)، وأُمّه لیلیٰ بنت مسعود بن خالد بن مالک ابن ربعی بن سلم بن جندل بن نهشل بن دارم التمیمی.

(7) وعثمان بن علیّ(علیهماالسّلام)، وأُمّه أُمّ البنین بنت حزام، أخو العباس وجعفر وعبد الله أبناء علیّ لأُمّ.

(8) وعلیّ بن الحسین، الأکبر، وأُمّه لیلیٰ بنت (أبی) مرّة بن عروة بن مسعود بن مغیث الثقفی، وأُمّها میمونة بنت أبی سفیان بن حرب، قتله مرّة بن منقذ بن النعمان الکندی، وکان یحمل علیهم، ویقول:

أنا علیّ بن الحسین بن علیّ

نحن وبیت الله أوْلیٰ بالنبی

حتیٰ قُتل(علیه السّلام).

(9) وعبد الله بن الحسین(علیهماالسّلام)، وأُمّه الرباب بنت امرئ القیس بن عدی بن أوس بن جابر بن کعب بن حکیم الکلبی، قتله حرملة بن الکاهل الأسدی الوالبی، وکان وُلِدَ للحسین بن علیّ(علیه السّلام) فی الحرب، فأُتی به وهو قاعد، وأخذه فی حجره ولبأه بریقه، وسمّاه عبد الله، فبینما هو کذلک إذ رماه حرملة بن الکاهل بسهم فنحره، فأخذ الحسین(علیه السّلام) دمه،

ص: 167

فجمعه ورمیٰ به نحو السماء، فما وقعت منه قطرة إلیٰ الأرض. قال فضیل: وحدَّثنی أبو الورد: أنّه سمع أبا جعفر یقول: لو وقعت منه إلیٰ الأرض قطرة لنزل العذاب. وهو الذی یقول الشاعر فیه:

وعند غنی قطرة من دمائنا

وفی أسد أُخریٰ تُعدُّ وتُذکر

وکان علیّ بن الحسین(علیه السّلام) علیلاً، وارتثّ یومئذٍ، وقد حض_ر بعض القتال فدفع الله عنه، وأُخِذ مع النساء هو، ومحمّد بن عمرو بن الحسن، والحسن بن الحسن بن علیّ بن أبی طالب(علیهم السّلام) .

(10) وقُتل أبو بکر بن الحسن بن علیّ، وأُمّه أُمّ ولد، قتله عبد الله بن عقبة الغنوی.

(11) وعبد الله بن الحسن بن علیّ(علیهم السّلام) ، وأُمّه أُمّ ولد، رماه حرملة بن الکاهل الأسدی بسهم فقتله.

(12) والقاسم بن الحسن بن علیّ، وأُمّه أُمّ ولد، قتله عمرو بن سعید بن نفیل الأزدی.

(13) وعون بن عبد الله بن جعفر بن أبی طالب، وأُمّه جمانة بنت المسیب بن نجیة بن ربیعة بن رباح الفزاری، قتله عبد الله بن قطنة الطائی النبهانی.

(14) ومحمّد بن عبد الله بن جعفر بن أبی طالب، وأُمّه الخوصاء بنت حفصة بنت ثقیف بن ربیعة بن عائذ بن الحارث بن تیم الله بن ثعلبة بن بکر بن وائل، قتله عامر بن نهشل التیمی. قال: ولمّا أتیٰ أهل المدینة مصابهم، دخل الناس علیٰ عبد الله بن جعفر یعزونه، فدخل علیه بعض موالیه، فقال: هذا ما لقینا ودخل علینا من الحسین! قال: فحذفه عبد الله بن جعفر بنعله، وقال: «یا بن اللخناء! أللحسین تقول هذا؟! والله، لو شهدته ما فارقته حتیٰ أُقتل معه. والله، ما تسخیٰ نفسی عنهما وعن أبی عبد الله(علیه السّلام) إلّا أنّهما أُصیبا مع أخی وکبیری وابن عمّی مواسین، مضاربین معه»، ثمّ أقبل علیٰ جلسائه، فقال: «الحمد لله علیٰ کلّ محبوب ومکروه، أعزز علیّ بمصرع أبی عبد الله(علیه السّلام)، ثمّ أعزز علیّ ألا أکون آسیته بنف_سی، الحمد

ص: 168

لله علیٰ کلّ حال، قد آساه وَلدای».

(15) جعفر بن عقیل بن أبی طالب، أُمّه أُمّ البنین بنت الشقر بن الهضاب الکلابی، قتله عبد الله بن عمرو الخثعمی.

(16) وعبد الرحمن بن عقیل، أُمّه أُمّ ولد، قتله عثمان بن خالد بن أسیر الجهنی، وبش_ر بن حرب الهمدانی القانصی، اشترکا فی قتله.

(17) وعبد الله بن عقیل بن أبی طالب، وأُمّه أُمّ ولد رماه عمرو بن صبیح الصیداوی، فقتله.

(18) ومسلم بن عقیل بن أبی طالب، قُتل بالکوفة، وأُمّه حبلة أُمّ ولد.

(19) وعبد الله بن مسلم بن عقیل، وأُمّه رقیة بنت علیّ بن أبی طالب، وأُمّها أُمّ ولد، قتله عمرو بن صبیح الصیداوی، ویُقال: قتله أسد بن مالک الحضرمی.

(20) ومحمّد بن أبی سعید بن عقیل بن أبی طالب، وأُمّه أُمّ ولد، قتله ابن زهیر الأزدی، ولقیط بن یاسر الجهنی، اشترکا فی قتله.

ولمّا أتیٰ الناس بالمدینة مقتل الحسین بن علیّ(علیهماالسّلام)، خرجت زینب بنت عقیل بن أبی طالب، وهی تقول:

ماذا تقولون إن قال النبیُّ لکم

ماذا صنعتم وأنتم آخر الأُمم

بعترتی أهل بیتی بعد مفتقدی

منهم أُساریٰ ومنهم ضُرِّجوا بدم

ما کان هذا جزائی إذ نصحت لکم

أن تخلفونی بسوء فی ذوی رَحمی

شهداء الأصحاب رضوان الله علیهم:

(21) وقُتل سلیمان، مولیٰ الحسین بن علیّ(علیهماالسّلام)، قتله سلیمان بن عوف الحضرمی.

(22) وقُتل منجح، مولیٰ الحسین بن علیّ(علیهماالسّلام)، قتله حسّان بن بکر الحنظلی.

(23) وقُتل قارب الدیلمی، مولیٰ الحسین بن علیّ(علیهماالسّلام).

ص: 169

(24) وقُتل الحارث بن نبهان، مولیٰ حمزة بن عبد المطلب، أسد الله وأسد رسوله.

(25) وقُتل عبد الله بن یقطر، رضیع الحسین بن علیّ(علیهماالسّلام) بالکوفة، رُمی به من فوق القصر فتکسّر، فقام إلیه عبد الملک بن عمیر اللخمی فقتله واحتزّ رأسه.

وقُتل من بنی أسد بن خزیمة:

(26) حبیب بن مظاهر، قتله بدیل بن صریم الغفقانی، وکان یأخذ البیعة للحسین ابن علیّ(علیهماالسّلام).

(27) وأنس بن الحارث، وکانت له صحبة من رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).

(28) وقیس بن مسهَّر الصیداوی.

(29) وسلیمان بن ربیعة.

(30) ومسلم بن عوسجة السعدی، من بنی سعد بن ثعلبة، قتله مسلم بن عبد الله، وعبید الله بن أبی خشکاره.

وقُتل من بنی غفار بن ملیل بن ضمرة:

(31) و(32) عبد الله، وعبید الله، ابنا قیس بن أبی عروة.

(33) و(جون بن) حوی، مولیٰ لأبی ذرّ الغفاری.

وقُتل من بنی تمیم:

(34) الحرّ بن یزید، وکان لَحِق بالحسین بن علیّ(علیهماالسّلام) بعدُ.

(35) وشبیب بن عبد الله، من بنی نفیل بن دارم.

وقُتل من بنی سعد بن بکر:

(36) الحجّاج بن بدر.

وقُتل من بنی تغلب:

(37) و(38) قاسط، وکردوس، ابنا زهیر بن الحارث.

ص: 170

(39) وکنانة بن عتیق.

(40) والضرغامة بن مالک.

وقُتل من قیس بن ثعلبة:

(41) (جوین) بن مالک.

(42) وعمرو بن ضبیعة.

وقُتل من عبد القیس، من أهل البصرة:

(43) و(44) و(45) یزید بن ثبیط، وابناه: عبد الله، وعبید الله، ابنا یزید.

(46)و(47) وعامر بن مسلم وسالم مولاه.

(48) وسیف بن مالک.

(49) والأدهم بن أُمیّة.

وقُتل من الأنصار:

(50) عمرو بن قرظة.

(51) وعبد الرحمن بن عبد ربّ، من بنی سالم بن الخزرج، وکان أمیر المؤمنین(علیه السّلام) ربّاه وعلّمه القرآن.

(52) ونعیم بن العجلان الأنصاری.

(53) وعمران بن کعب الأنصاری.

(54) و(55) وسعد بن الحارث، وأخوه: (أبو) الحتوف بن الحارث، وکانا من المحکمة، فلمّا سمعا أصوات النساء والصبیان من آل رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، حکما، ثمّ حملا بأسیافهما، فقاتلا مع الحسین(علیه السّلام) حتیٰ قُتلا، وقد أصابا فی أصحاب عمر بن سعد ثلاثة نفر.

وقُتل من بنی الحارث بن کعب:

ص: 171

(56) الضباب بن عامر.

وقُتل من بنی خثعم:

(57) عبد الله بن بشر الأکلة.

(58) وسوید بن عمرو بن المطاع، قتله هانئ بن ثبیت الحضرمی.

وقُتل:

(59) بکر بن حیّ التیملی، من بنی تیم الله بن ثعلبة.

(60) وجابر بن الحجاج، مولیٰ عامر بن نهشل من بنی تیم الله.

(61) ومسعود بن الحجاج.

(62) وابنه: عبد الرحمن بن مسعود.

وقُتل من عبد الله:

(63) مجمع بن عبد الله.

(64) وعائذ بن مجمع.

وقُتل من طی:

(65) عامر بن حسان بن شریح بن سعد بن حارثة بن لام.

(66) وأُمیّة بن سعد.

ص: 172

وقُتل من مراد:

(67) نافع بن هلال الجملی، وکان من أصحاب أمیر المؤمنین(علیه السّلام).

(68) و(69) وجنادة بن الحارث السلمانی، وغلامه: واضح الرومی.

وقُتل من بنی شیبان بن ثعلبة:

(70) جبلة بن علیّ.

وقُتل من بنی حنیفة:

(71) سعید بن عبد الله.

وقُتل من جواب:

(72) و(73) جندب بن حجیر، وابنه: حجیر بن جندب.

وقُتل من صیدا:

(74) و(75) عمرو بن خالد الصیداوی، وسعد، مولاه.

وقُتل من کلب:

(76) و(77) عبد الله بن عمرو بن عیاش بن عبد قیس، وألم مولیٰ لهم.

وقُتل من کندة:

(78) الحارث بن امرئ القیس.

(79) ویزید بن زید بن المهاصر.

(80) وزاهر، صاحب عمرو بن الحمق، وکان صاحبه حین طلبه معاویة.

وقُتل من بجیلة:

(81) کثیر بن عبد الله الشعبی.

(82) و(83)ومهاجر بن أوس، وابن عمّه: سلمان بن مضارب.

ص: 173

وقُتل:

(84) و(85) النعمان بن عمرو، والحلاس بن عمرو الراسبیّان.

وقُتل من خرقة جهینة:

(86) مجمع بن زیاد.

(87) وعباد بن أبی المهاجر الجهنی.

(88) وعقبة بن الصلت.

وقُتل من الأزد:

(89) مسلم بن کثیر.

(90) والقاسم بن بشر.

(91) وزهیر بن سلیم.

(92) ومولیٰ لأهل شندة یُدعیٰ رافعاً.

وقُتل من همدان:

(93) أبو ثمامة، عمرو بن عبد الله الصائدی، وکان من أصحاب أمیر المؤمنین(علیه السّلام)، قتله قیس بن عبد الله.

(94) ویزید بن عبد الله المشرقی.

(95) وحنظلة بن أسعد الشبامی.

(96) وعبد الرحمن بن عبد الله الأرحبی.

(97) وعمار بن سلامة الدالانی.

(98) وعابس بن أبی شبیب الشاکری.

(99) وشوذب، مولیٰ شاکر، وکان متقدّماً فی الشیعة.

(100) وسیف بن الحارث بن سریع.

ص: 174

(101) ومالک بن عبد الله بن سریع.

(102) وهمام بن سلمة القانصی.

وارتثّ من همدان:

(103) سوار بن حمیر الجابری فمات لستّة أشهُر من جراحته.

(104) وعمرو بن عبد الله الجندعی، مات من جراحة کانت به، علیٰ رأس سنة.

وقُتل:

(105) هانئ بن عروة المرادی، بالکوفة، قتله عبید الله بن زیاد.

وقُتل من حضرموت:

(106) بشیر بن عمر.

(107) وخرج الهفهاف بن المهنّد الراسبی، من البص_رة، حین سمع بخروج الحسین(علیه السّلام)، فسار حتیٰ انتهیٰ إلیٰ العسکر بعد قتله، فدخل عسکر عمر بن سعد، ثمَّ انتض_یٰ سیفه، وقال: «یا أُیها الجند المجنّد، أنا الهفهاف بن المهنّد، أبغس عیال محمّد». ثمّ شدّ فیهم.

قال علیّ بن الحسین(علیهماالسّلام): فما رأیٰ الناس منذ بعث الله محمّداً(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فارساً _ بعد علیّ بن أبی طالب(علیهماالسّلام) _ قتل بیده ما قتل، فتداعوا علیه خمسة نفر، فاحتوشوه، حتیٰ قتلوه، رحمه الله تعالیٰ. ولمّا وصلوا إلیٰ سرادقات الحسین بن علیّ(علیهماالسّلام) أصابوا علیّ بن الحسین علیلاً مدنفاً، ووجدوا الحسن جریحاً، وأُمّه خولة بنت منظور الفزاری، ووجدوا محمّد بن عمرو بن الحسن بن علیّ غلاماً مراهقاً، فضموهم مع العیال، وعافاهم الله تعالیٰ فأنقذهم من القتل.

فلمّا أُتی بهم عبید الله بن زیاد همَّ بعلیّ بن الحسین، فقال له: إنّ لک بهؤلاء حرمة، فأرسل معهن مَن یکفلهن ویحوطهن. فقال: لا یکون أحد غیرک، فحملهم جمیعاً.

واجتمع أهل الکوفة ونساء همدان حین خرج بهم، فجعلوا یبکون، فقال علیّ بن الحسین(علیهماالسّلام): هذا أنتم تبکون! فأخبرونی مَن قتلنا؟! فلمّا أُتی بهم مسجد دمشق، أتاهم

ص: 175

مروان، فقال للوفد: کیف صنعتم بهم؟! قالوا: ورد علینا منهم ثمانیة عشر رجلاً، فأتینا علیٰ آخرهم! فقال أخوه عبد الرحمن بن الحکم: حُجبتم عن محمّد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) یوم القیامة، والله، لا أجامعکم أبداً. ثمّ قام وانصرف، فلمّا أن دخلوا علیٰ یزید، فقال: إیه یا علیّ! أجزرتم أنفسکم عبید أهل العراق؟! فقال علیّ بن الحسین: «مَا أَصَابَ مِنْ مُصِیبَةٍ فِی الْأَرْضِ وَلَا فِی أَنْفُسِکُمْ إِلَّا فِی کِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِکَ عَلَی اللَّهِ یَسِیرٌ ». فقال یزید: «وَمَا أَصَابَکُمْ مِنْ مُصِیبَةٍ فَبِمَا کَسَبَتْ أَیْدِیکُمْ وَیَعْفُو عَنْ کَثِیرٍ ».ثمَّ أمر بهم فأُدخلوا داراً، فهیّأهم وجهّزهم وأمر بتس_ریحهم إلیٰ المدینة. وکان أهل المدینة یسمعون نوح الجنّ علیٰ الحسین بن علیّ(علیهماالسّلام) حین أُصیب، وجنّیة تقول:

ألا یا عین فاحتفلی بجهدِ

ومَن یبکی علیٰ الشهداء بعدی

علیٰ رهط تقودهم المنایا

إلیٰ متجبِّر فی مُلک عبد

تکملة مقتل الفضیل بن الزبیر:

یبدو أنّ الفضیل بن الزبیر کان من المهتمین بحفظ وتسجیل النصّ الکربلائی، وقد عثرت علیٰ عدّة روایات مسندة إلیٰ الفضیل ترتبط بکربلاء غیر روایة الأمالی الخمیسیّة، وقد أحببت أن أجمع تلک الروایات، لتکون بمثابة التکملة لروایة الأمالی.

1_ فی تاریخ دمشق لابن عساکر (ت571ه_) بسنده إلیٰ الفضیل(1) بن الزبیر، قال: «کنت جالساً عند شخص(2)،

فأقبل رجل فجلس إلیه رائحته رائحة القطران، فقال له: یا هذا، أتبیع القطران؟ قال: ما بعته قط. قال: فما هذه الرائحة؟ قال: کنت ممَّن شهد عسکر عمر بن سعد،

ص: 176


1- فی المطبوعة (الفضل) وهو تصحیف، وما أثبتناه هو الصحیح. اُنظر: ابن منظور، محمد بن مکرم، مختصر تاریخ دمشق: ج7، ص157.
2- اُنظر: ابن منظور، محمّد بن مکرم، مختصر تاریخ دمشق: ج7، ص157. (السدی) بدل کلمة (شخص).

وکنت أبیعهم أوتاد الحدید، فلمّا جنَّ علیّ اللیل رقدت فرأیت فی نومی رسول الله(صلی الله علیه وسلم) ومعه علیّ، وعلیٌّ یسقی القتلیٰ من أصحاب الحسین، فقلت له: اسقنی. فأبیٰ، فقلت: یا رسول الله، مُره یسقینی. فقال: ألست ممَّن عاون علینا؟! فقلت: یا رسول الله، والله، ما ضربت بسیف ولا طعنت برمح ولا رمیت بسهم، ولکنّی کنت أبیعهم أوتاد الحدید، فقال: یا علیّ، اسقه فناولنی قعباً مملوءاً قطراناً فشربت منه قطران، ولم أزل أبول القطران أیاماً، ثمّ انقطع ذلک البول عنّی وبقیت الرائحة فی جسمی. فقال له السدی: یا عبد الله، کُل من برِّ العراق واشرب من ماء الفرات فما أراک تعاین محمّداً أبداً»(1).

2_ وفیه أیضاً: بسنده عن فضیل بن الزبیر، عن عبد الرحیم بن میمون، عن محمّد بن عمرو بن حسن، قال: «کنّا مع الحسین رضی الله عنه بنهری کربلاء، فنظر إلیٰ شمر بن ذی الجوشن، فقال: صدق الله ورسوله، قال رسول الله(صلی الله علیه وسلم) کأنّی أنظر إلیٰ کلب أبقع یلغ فی دماء أهل بیتی»(2).

وقد رواه بطریق آخر ینتهی للفضیل أیضاً، وبلفظ متقارب(3).

3_ وفی کامل الزیارات: بسنده عن فضیل الرسّان، عن أبی سعید عقیصا، قال: «سمعت الحسین بن علیّ(علیهماالسّلام)، وخلا به عبد الله بن الزبیر وناجاه طویلاً، قال: ثمَّ أقبل الحسین(علیه السّلام) بوجهه إلیهم، وقال: إنّ هذا یقول لی: کن حماماً من حمام الحرم. ولأن أُقتل وبینی وبین الحرم باعٌ أحبُّ إلیّ من أن أُقتل وبینی وبینه شبر، ولأن أُقتل بالطفّ أحبّ إلیّ من أن أُقتل بالحرم»(4).

4_ وفی علل الشرائع: بسنده عن فضیل الرسّان عن جبلة المکیّة، قالت: «سمعت میثم التمّار (قدّس الله روحه) یقول: والله، لتَقتُل هذه الأُمّة ابن نبیِّها فی المحرّم لعشر یمضین منه، ولیتّخذن

ص: 177


1- ابن عساکر، علیّ بن الحسن، تاریخ مدینة دمشق: ج14، ص258 _ 259.
2- المصدر السابق: ج23، ص190.
3- المصدر السابق: ج55، ص16.
4- ابن قولویه، جعفر بن محمّد، کامل الزیارات: ص151.

أعداء الله ذلک الیوم یوم برکة، وإن ذلک لکائن قد سبق فی علم الله تعالیٰ ذکره، أعلم ذلک بعد عهده إلیَّ مولای أمیر المؤمنین(علیه السّلام)، ولقد أخبرنی أنّه یبکی علیه کلّ شیء حتیٰ الوحوش فی الفلوات والحیتان فی البحر والطیر فی السماء، ویبکیٰ علیه الشمس والقمر والنجوم، والسماء والأرض، ومؤمنو الإنس والجنّ، وجمیع ملائکة السماوات والأرضین، ورضوان ومالک وحملة العرش، وتمطر السماء دماً ورماداً.

ثمّ قال: وجبت لعنة الله علیٰ قتلة الحسین(علیه السّلام)، کما وجبت علیٰ المشرکین الذین یجعلون مع الله إلها آخر، وکما وجبت علیٰ الیهود والنصاریٰ والمجوس.

قالت جبلة: فقلت له: یا میثم، فکیف یتّخذ الناس ذلک الیوم الذی قُتل فیه الحسین(علیه السّلام) یوم برکة؟ فبکیٰ میثم (رضیٰ الله عنه) ثمّ قال: یزعمون لحدیث یضعونه أنّه الیوم الذی تاب الله فیه علیٰ آدم(علیه السّلام)! وإنّما تاب الله علیٰ آدم(علیه السّلام) فی ذی الحجّة، ویزعمون أنّه الیوم الذی قَبِل الله فیه توبة داود(علیه السّلام)! وإنّما قَبِل الله (عزّ وجلّ) توبته فی ذیّ الحجّة، ویزعمون أنّه الیوم الذی أخرج الله فیه یونس(علیه السّلام) من بطن الحوت! وإنّما أخرج الله (عزّ وجلّ) یونس(علیه السّلام) من بطن الحوت فی ذی الحجّة، ویزعمون أنّه الیوم الذی استوت فیه سفینة نوح(علیه السّلام) علیٰ الجودی! وإنّما استوت علیٰ الجودی یوم الثامن عش_ر من ذی الحجّة، ویزعمون أنّه الیوم الذی فلق الله تعالیٰ فیه البحر لبنیٰ إسرائیل! وإنّما کان ذلک فی ربیع الأوّل. ثمَّ قال میثم: یا جبلة، اعلمی أنّ الحسین بن علیّ(علیهماالسّلام) سیِّد الشهداء یوم القیامة، ولأصحابه علیٰ سائر الشهداء درجة، یا جبلة إذا نظرتِ السماء حمراء کأنّها دم عبیط فاعلمی أنّ سیِّد الشهداء الحسین(علیه السّلام) قد قُتل.

قالت جبلة: فخرجت ذات یوم فرأیت الشمس علیٰ الحیطان کأنّها الملاحف المصفرّة؛ فصحت حینئذٍ وبکیت وقلت: قد _ والله _ قُتل سیِّدنا الحسین(علیه السّلام)»(1).

ص: 178


1- الصدوق، محمّد بن علیّ، علل الشرائع: ص229.

خاتمة بأهمّ النتائج

1_ یُعتبر الفضیل بن الزبیر من الشخصیات الکوفیّة التی برزت فی بدایات القرن الهجری الأوّل، ولم نستطع تحدید تاریخ دقیق لولادته أو وفاته، إلا أنّ المعطیات المتوفرة تشیر إلیٰ ولادته قبل مطلع القرن الهجری الثانی، ووفاته بین عامی (122_ 148ه_).

2_ انحدر الفضیل من أُسرة من الأُسّر الّتی تنتمی إلیٰ بنی أسد بالولاء، وهی أُسرة الزبیر بن عمر بن درهم التی أنجبت عدّة من الأعلام، کالفضیل بن الزبیر، وأخیه عبد الله ابن الزبیر، وولده محمّد بن عبد الله بن الزبیر المعروف ب_ (أبی أحمد الزبیری).

3_ کان الفضیل من الشخصیات العلمیّة التی رکّزت علیٰ الجانب الکلامی والعقائدی، کما کان له اهتمام حدیثیّ وتاریخیّ، والتأمّل فی أُسلوبه وصیاغته لکتابه فی المقتل، والمصادر التی اعتمد علیها فی ذلک یدلّ علیٰ حسٍّ علمی، وبراعة فی التألیف یجعلانه فی مصاف الأخباریین من الطراز الأوّل.

4_ کان الفضیل علیٰ مذهب الزیدیّة، بل هو من متکلِّمیهم وکبرائهم، وکان من أبرز مساعدی زید الشهید(علیه السّلام) فی دعوته وثورته.

5_ کان الفضیل علیٰ صلة طیبة بالإمامین الباقر والصادق(علیهماالسّلام)، وکان یفد علیهما، ویروی عنهما.

6_ والفضیل معتبر الحدیث بحسب المبنیٰ القائل بوثاقة جمیع رواة کامل الزیارات، والمبنیٰ القائل بوثاقة جمیع رواة تفسیر القمّی، والمبنیٰ القائل بکفایة عنونة الراوی فی الأُصول الرجالیّة وعدم القدح فیه، وأیضاً یمکن اعتبار حدیثه عن طریق التأمّل فی القرائن والشواهد الدالّة بمجموعها علیٰ وثاقته کما صنع الجلالی.

7_ وکتابه فی المقتل موجود فی کتاب الأمالی الخمیسیّة للشجری، ویعود فضل

ص: 179

انتشاره فی أوساطنا العلمیّة إلیٰ العلّامة والمحقق الکبیر السیّد محمّد رضا الجلالی کما نبَّهنا.

8_ کان الفضیل من المهتمّین بحفظ وتدوین النصّ الکربلائی، وهو ما لمسناه فی مقتله، وفی نصوص أُخریٰ مرویّة عنه فی هذا الشأن، جمعناها تحت عنوان (تکملة مقتل الفضیل بن الزبیر).

ص: 180

الفصل الخامس: مقتل أبی مِخْنَف الأزدی الکوفی (000_ 157ه_)أشهر المقاتل الحُسینیّة

اشارة

ص: 181

ص: 182

تقدیم

کان أبو مخنف فی زمانه شیخ المؤرِّخین فی الکوفة، وکان من أشدّ المؤرِّخین اهتماماً بجمع وتدوین أخبار کربلاء، وقد حاول أن یحیط بأدقّ التفاصیل المرتبطة بهذه الواقعة، فشملت أخباره أحداث ووقائع یوم عاشوراء، وما سبقه من إرهاصات وتمهیدات، وما تلاه من أحداث ووقائع السبی.

وقد رویٰ محمّد باقر القائنی فی کتابه الکبریت الأحمر: «أنّه أعطیٰ قباءه _ وهو برد یمانی نفیس _ ثمناً لکتابة أبیات من الشعر منسوبة لسیِّد الشهداء(علیه السّلام)»(1).

وهذه الروایة _ إن صحت _ تکشف عن حرصه الشدید وتطلّعه إلیٰ التقاط کل شاردة وواردة حول هذه الواقعة.

وکما حاول أبو مخنف أن یحیط بأدقّ تفاصیل أحداث ووقائع کربلاء، فقد حاول _ أیضاً _ أن یستند فی عمله إلیٰ المنابع الأُولیٰ المتمثِّلة فی الرواة الأوائل الذین عایشوا الأحداث وباشروها، کعقبة بن سمعان مولیٰ الرباب زوجة الحسین(علیه السّلام)(2)، ودلهم بنت

ص: 183


1- القائنی، محمّد باقر، الکبریت الأحمر: ج1، ص43.
2- هو مولی الرباب بنت امرئ القیس الکلبیة زوجة الحسین(علیه السّلام)، وقد صاحب الحسین(علیه السّلام) من المدینة إلی مکّة ومن مکّة إلی کربلاء، ولم یُفارقه حتی قُتل(علیه السّلام)، ولکنّه لم یوفّق لنیل الشهادة بین یدی الإمام الحسین(علیه السّلام)، ولم یکن له دور قتالیّ أصلاً، وبعد انتهاء المعرکة وقع فی الأسر، فعرضوه علی ابن سعد، فقال له: ما أنت؟ قال: أنا عبد مملوک. فخلّی سبیله، وأصبح بعد ذلک من رواة واقعة الطف. وقد حرص أبو مخنف علی الاتّصال به والأخذ منه. هذا ما استفدناه من مواضع عدّة من تاریخ الطبری: ج4، ص260، وص313، وص347.

عمرو زوجة زهیر بن القین(1)، وجعفر بن حذیفة الطائی(2)، وعقبة بن أبی العیزار(3)، ویحییٰ ابن هانئ بن عروة المرادی(4)، وغیرهم.

وإذا تعذّر الاتّصال بالراوی المباشر لعدم معاصرته، أو للبُعد المکانی، کان أبو مخنف یتّصل بمَن اتّصل بالرواة المباشرین (بلا واسطة) کما اتّصل بسلیمان بن أبی راشد الأزدی للوصول إلیٰ أخبار حُمید بن مسلم الأزدی(5)، أو (بواسطة) کما أخذ أخبار عبد الله بن سلیم والمذری بن المشمعل الأسدیین(6)عن أبی جناب الکلبی عن عدی بن حرملة الأسدی عنهما(7).

من هنا؛ فقد جاءت روایات مقتل أبی مخنف غنیّة فی تفاصیلها وإحاطتها بالجزئیات، مسندة متّصلة موثوقة فی مآخذها ومنابعها؛ ولذا أصبح مقتله من أشهر المقاتل الحسینیّة،

ص: 184


1- روی عنها أبو مخنف خبراً واحداً حول التحاق زوجها زهیر بالحسین(علیه السّلام)، وهو یرویه عنها مباشرة. اُنظر: تاریخ الطبری: ج4، ص298.
2- اُنظر: الطبری، محمد بن جریر، تاریخ الأُمم والملوک: ج4، ص281. فی الجرح والتعدیل لابن أبی حاتم: ج2، ص476: «جعفر بن حذیفة من آل عامر بن جوین بن عائذ بن قیس الجرمی، کان مع علیّ یوم صفّین، روی عنه أبو مخنف لوط بن یحیی...». وعدّه ابن حبّان فی الثقات. اُنظر: ابن حبان، محمّد بن حبّان، الثقات: ج4، ص105.
3- اُنظر: الطبری، محمّد بن جریر، تاریخ الأُمم والملوک: ج4، ص304.
4- ویحیی هذا وإن کان أبوه من رموز الثورة وقیادیها، إلّا أنّ أُمّه روعة کانت أُخت عمرو بن الحجاج، وکان مشدوداً إلی خاله، وکان معه فی کربلاء فی عسکر عمر بن سعد، وکان معه أیضاً فی قتاله ضد المختار تحت عبد الله بن مطیع والی الکوفة من قِبَل ابن الزبیر. اُنظر: المصدر السابق: ج6، ص331 _ 504.
5- اُنظر: المصدر السابق: ج4، ص311، وص312، وص314، وص326، وص334، وص340، وص341، وص344، وص345، وص347.
6- وکانا مهتمِّین بمتابعة أخبار النهضة کما صرحا بذلک، حیث قالا: «لمّا قضینا حجّنا لم یکن لنا همّة إلّا اللحاق بالحسین فی الطریق لننظر ما یکون من أمره وشأنه». اُنظر: الطبری، محمّد بن جریر، تاریخ الأُمم والملوک: ج4، ص229.
7- اُنظر: أخبارهما فی المصدر السابق: ج4، ص289، وص290، وص299، وص300، وص302.

وأکثرها اعتماداً لدیٰ المؤرِّخین علیٰ مرِّ العصور.

وسنعود سریعاً للحدیث عن مقتل أبی مخنف بشیءٍ من التفصیل، ولکن بعد أن نکون قد ترجمنا لأبی مِخْنَف، وحملنا فکرة کافیة عن شخصیته.

ص: 185

ص: 186

المبحث الأوّل: ترجمة أبی مخنف

1 _ اسمه ونسبه وکنیته

اشارة

هو ل_وط بن یحییٰ بن س_عید بن مخن_ف _ بکس_ر المیم وسکون الخاء وفتح النون _ بن سلیم(1) _ بضم السین وفتح اللام وسکون الیاء _ أو سالم(2)، أو سلیمان(3)، الأزدی الغامدی (أبو مِخْنَف).

ص: 187


1- هکذا ضُبط فی أکثر المصادر من الفریقین. اُنظر: الکلبی، هشام بن محمّد، نسب معد والیمن الکبیر: ج2، ص482. ابن سعد، محمّد بن سعد، الطبقات: ج1، ص787. الطبری، محمّد بن جریر، تاریخ الأُمم والملوک: ج4، ص546. الطبری، محمّد بن جریر، المنتخب من ذیل المذیَّل: ص47. ابن العدیم، عمر بن أحمد، بغیة الطلب فی تاریخ حلب: ج8، ص3673، ابن عبد البرّ، یوسف بن عبد الله، الاستیعاب: ج4، ص1476. ابن حجر، أحمد بن علیّ، الإصابة: ج6، ص46. ابن قتیبة، عبد الله بن مسلم، المعارف: ص537. ابن الأثیر، علیّ بن أبی الکرم، اللباب فی تهذیب الأنساب: ج1، ص529. ابن الأثیر، علیّ بن أبی الکرم، أُسد الغابة: ج4، ص352. ابن حجر، أحمد بن علیّ، تهذیب التهذیب: ج10، ص78. العینی، محمود بن أحمد، مبانی الأخبار: ج3، ص408. البغدادی البابانی، إسماعیل باشا، هدیة العارفین: ج1، ص841. الآملی، حسن زاده، أضبط المقال فی ضبط أسماء الرجال: ص119. القمی، عباس، الکنی والألقاب: ج1، ص155.
2- اُنظر: النجاشی، أحمد بن علیّ، رجال النجاشی: ص320. مع أنّه عدَّ من کتبه بعد ذلک: کتاب أخبار مخنف بن سلیم؛ ولذا احتمل بعض الباحثین أنّه من تصحیف النسّاخ، وممَّن تابع النجاشی فی ذلک العلّامة الحلی والتفرشی. اُنظر: العلّامة الحلّی، الحسن بن یوسف، إیضاح الاشتباه: ص359. التفرشی، مصطفی بن الحسین، نقد الرجال: ج4، ص74.
3- اُنظر: الحموی، یاقوت، معجم الأُدباء: ج5، ص2252. وتابعه علی ذلک: ابن شاکر، محمد، فوات الوفیات: ج3، ص325. الوجیه، عبد السلام عباس، معجم رجال الاعتبار وسلوة العارفین: ص262. عمر کحالة، معجم المؤلّفین: ج8، ص157.

وهو مشتَهر بکنیته (أبو مخنف)، ویُخطأ بعض الخطباء فی تلفظ کلمة (مخنف)،والصحیح ما أثبتناه: (بکسر المیم وسکون الخاء وفتح النون) علیٰ وزن (مِنْبَر)، کما ضبطه أئمّة اللغة، وجهابذة علم الأنساب، وفحول فنّ المؤتلف والمختلف.

قال ابن درید: «مخنف: مِفعل من قولهم: خنَفَ الرجلُ بأنفه، إذا أمالَه من کِبْر. والفرس خانف وخَنُوف، إذا أمالَ رأسَه فی جریه أو تقریبه. والخِنَاف: ضربٌ من سیر الإبل. والخَنیف: ثوب من کَتّان خشن. والجمع خُنُف، شبیهٌ بالخَیْش. ویُقال: خَنفْتُ الأُتْرُجَّة، إذا قطعتها، والواحد من قَطْعها خَنِیفٌ أیضاً»(1).

والأزدی: بفتح الألف وسکون الزای وکسر الدال، نسبةً إلیٰ أزد شنوءة، وهو أزد ابن الغوث بن نبت بن مالک بن زید بن کهلان بن سبأ(2).

قال الجوهری: «والشَّنُوْءَةُ _ علیٰ فَعُوْلَةٍ _ : التقَزُّز وهو التباعد من الأدناس، تقول: رجل فیه شَنُوْءَةٌ، ومنه أزْدُ شَنُوءَةَ وهم حی من الیمن، یُنسب إلیهم شَنَئیٌّ، قال ابن السِّکیت: ربما قالوا: أزدُ شَنُوَّةَ _ بالتشدید غیر مَهْمُوزةٍ _ ویُنسب إلیها شَنَوِیٌّ»(3).

والغامدی: بفتح الغین وکسر المیم والدال، هذه النسبة إلیٰ غامد بطن من الأزد، واسم غامد _ کما فی أُسد الغابة _ : عمرو بن عبد الله بن کعب بن الحارث بن کعب بن عبد الله بن مالک بن نصر بن الأزد. وهو معدود فی أهل الحجاز، سکن الطائف(4).

ص: 188


1- ابن درید، محمّد بن الحسن، الاشتقاق: ص493.
2- اُنظر: السمعانی، عبد الکریم بن محمّد، الأنساب: ص 213.
3- الجوهری، إسماعیل بن حماد، الصحاح: ج2، ص64، مادّة (شنأ).
4- اُنظر: ابن الأثیر، علیّ بن أبی الکرم، أُسد الغابة: ج2، ص397.
آل مخنف بن سلیم زعماء الأزد فی الکوفة:

یبدو أنّ مخنف بن سلیم هو أول مَن دخل فی الإسلام من أسلاف أبی مخنف، وکانت له صحبة مع رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ثمَّ نزل الکوفة بعد ذلک، وهو نقیب الأزدیین فیها(1)، وکان فی الکوفة جبانة (مقبرة) تُعرف ب_ (جبانة مخنف بن سلیم)(2).

وقد عدّه الشیخ فی رجاله فی طبقة أصحاب أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب(علیه السّلام)(3)، بل عدّه ابن داوود من خواص أصحابه(4).

وکان حامل رایة الأزد من أهل الکوفة فی وقعة الجمل، وقیل: إنّه قُتل یومئذٍ(5). ولم یثبت؛ فإنّ الأخبار الدالّة علیٰ حیاته بعد وقعة الجمل من الکثرة بحیث یسقط معها هذا القول عن الاعتبار التاریخی، ومنها علیٰ سبیل المثال:

1_ رویٰ نصر بن مزاحم المنقری: أنّ علیّاً(علیه السّلام) استعمله علیٰ أصفهان وهمدان بعد الجمل(6).

2_ وذکر المنقری أیضاً: أنّه لمّا أراد علیّاً(علیه السّلام) المسیر إلیٰ أهل الشام، کتب إلیٰ عمّاله، فکتب إلیٰ مخنف بن سلیم کتاباً، یذکره فیه بفریضة الجهاد، ویُخبره بنیته فی المسیر إلیٰ أهل الشام، ویصف له فیه ظلم بنی أُمّیة وانحرافهم عن النهج الإسلامی العادل، وفی آخر

الکتاب: «فإذا أتیت بکتابی هذا فاستخلف علیٰ عملک أوثق أصحابک فی نفسک، وأقبل إلینا،

ص: 189


1- اُنظر: ابن سعد، محمّد بن سعد، الطبقات: ج6، ص109.
2- اُنظر: الطبری، محمد بن جریر، تاریخ الأُمم والملوک: ج7، ص183.
3- اُنظر: الطوسی، محمّد بن الحسن، رجال الطوسی: ص81.
4- اُنظر: الحلّی، ابن داود، رجال ابن داود: ص188.
5- اُنظر: الطبری، محمّد بن جریر، تاریخ الأُمم والملوک: ج4، ص521.
6- اُنظر: المنقری، ابن مزاحم، وقعة صفّین: ص11.

لعلک تلقیٰ هذا العدو المحل، فتأمر بالمعروف وتنهیٰ عن المنکر، وتجامع الحقّ وتباین الباطل، فإنّه لا غناء بنا ولا بک عن أجر الجهاد. وحسبنا الله ونعم الوکیل، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العلیٰ العظیم...»(1).

ثمَّ أردف المنقری قائلاً: «فاستعمل مخنفُ علیٰ أصبهان الحارثَ بن أبیٰ الحارث بن الربیع، واستعمل علیٰ همدان سعیدَ بن وهب _ وکلاهما من قومه _ وأقبل حتیٰ شهد مع علیٍّ صفِّینَ»(2).

وذکر الطبری فی أحداث سنة 39ه_ أنّ معاویة قد بعث النعمان بن بشیر فی ألفی رجل إلیٰ عین التمر، وبها مالک بن کعب مسلحة لعلیٍّ(علیه السّلام) فی ألف رجل، فأذن لهم، فأتوا الکوفة، وأتاه النعمان، ولم یبقَ معه إلّا مائة رجل، فکتب مالک إلیٰ أمیر المؤمنین(علیه السّلام) یخبره بما جریٰ، فخطب علیٌّ(علیه السّلام) الناسَ، وأمرهم بالخروج، فتثاقلوا، وواقع مالک النعمان، فأمر مالک أصحابه أن یجعلوا جُدُر القریة فی ظهورهم، واقتتلوا.

وکتب إلیٰ مخنف بن سلیم یسأله أن یمدّه وهو قریب منه، فوجه إلیه ابنه عبد الرحمن ابن مخنف فی خمسین رجلاً، فانتهوا إلیٰ مالک وأصحابه، وقد کس_روا جفون سیوفهم، واستقتلوا، فلما رآهم أهل الشام وذلک عند المساء، ظنوا أن لهم مددا فانهزموا(3).

قال محمّد هادی الیوسفی الغروی _ بعد أن نقل ما نقلناه وما لم ننقله من الأحادیث الدالّة علیٰ بقاء مخنف بن سلیم حیّاً بعد الجمل _ : «فهذه الأحادیث کلّها ت_صرِّح بحیاة جدِّه مخنف بن سلیم بعد الجمل، بل حتّیٰ بعد صفِّین، فإنّ غارات معاویة إنّما کانت سنة 39 ه_ بعد وقعة صفّین 37 ه_، بینما تنفرد تلک الروایة بأنّه قُتل یوم الجمل کما سلف آنفاً، ولم یفطن الطبری لذلک، فلم یعلِّق علیه بشیء، مع تصریحه فی (ذیل المذیّل) بحیاته إلیٰ سنة 80 ه_»(4).

ص: 190


1- المنقری، ابن مزاحم، وقعة صفّین: ص104 _ 105.
2- المصدر السابق: ص105.
3- اُنظر: الطبری، محمّد بن جریر، تاریخ الأُمم والملوک: ج5، ص133.
4- أبو مخنف، وقعة الطف (تحقیق محمد هادی الیوسفی الغروی): ص23.

ونحن نؤیِّده فیما ذهب إلیه من بقاء مخنف بن سلیم بعد الجمل، بل حتیٰ بعد صفِّین کما قال، غیر أنّنا لا نوافقه علیٰ عدم التفات الطبری إلیٰ ذلک، فإنّ منهج الطبری فی تاریخه هو نقل جمیع الروایات المختلفة ووجهات النظر المتباینة حول الحادث، بغضِّ النظر عن موافقتها للعقل والفکر، أو عدم موافقتها، وبص_رف النظر عن انسجامها مع الثوابت التاریخیّة أو عدم انسجامها، فعدم تعلیق الطبری علیٰ ما شذّ من النقول التاریخیّة هو الموافق للنهج الذی ألزم نفسه السیر علیه فی مقدِّمة الکتاب حیث یقول: «فما یکن فی کتابی هذا من خبر ذکرناه عن بعض الماضین ممَّا یستنکره قارئه، أو یستشنعه سامعه، من أجل أنّه لم یعرف له وجهاً فی الصحّة، ولا معنیٰ فی الحقیقة، فلیعلم أنّه لم یؤتَ فی ذلک من قبلنا، وإنّما أتیٰ من قِبل بعض ناقلیه إلینا، وإنّا إنّما أدّینا ذلک علیٰ نحو ما أُدّی إلینا»(1).

أمّا فی منتخب ذیل المذیَّل، فلم یظهر منه أنّه یسیر علیٰ نفس المنهج، بل الظاهر خلافه، وأنّ الآراء الموجودة فیه تمثِّل مختارات الطبری ممَّا قیل فی وفیات الصحابة والتابعین.

وعلیه؛ فلا منافاة بین تصریح الطبری فی منتخب ذیل المذیَّل بحیاته إلیٰ سنة 80ه_، وبین نقله لخبر مقتله فی یوم الجمل فی تاریخه، ما دام لکلٍّ من الکتابین منهجه الخاصّ وأُسلوبه المتمیِّز.

وقد انفرد ابن حجر (ت852ه_) فذکر أنّ مخنف بن سلیم کان ممَّن خرج مع سلیمان ابن صرد فی وقعة عین الوردة، وقُتل بها سنة 64ه_(2)، ونحن نستبعد هذا الخبر ونشکک به لسببین:

1_ إنّ ابن حجر لم یعیِّن لنا المصدر الذی استقیٰ منه هذا الخبر، وقد تتبّعنا کتب

ص: 191


1- الطبری، محمّد بن جریر، تاریخ الأُمم والملوک: ج1، ص8.
2- اُنظر: ابن حجر، أحمد بن علیّ، تهذیب التهذیب: ج10، ص78.

قدامیٰ الأخباریین والمؤرِّخین، فلم نعثر له علیٰ قائل قبل ابن حجر.

2_ إنّ مخنف بن سلیم لم یکن شخصاً عادیاً من عامّة المجتمع، وإنما کان زعیم الأزدیین فی الکوفة، وأحد رجالات الشیعة البارزین، ولو کان حاضراً فی معرکة عین الوردة، وقُتل بها کما زعم ابن حجر، لذکر ذلک المؤرِّخون الذین رووا أحداث ووقائع هذه المعرکة.

وکان لمخن_ف بن س_لیم _ علیٰ ما ذکره الطبری _ إخوة ثلاثة یُقال لأحدهم: عبد شمس، قُتل یوم النخیلة، والصقعب، وعبد الله، قُتلا یوم الجمل(1).

ومن أبرز أولاد مخنف بن سلیم عبد الرحمن بن مخنف، زعیم الأزدیین فی الکوفة، وأبرز قیادات الکوفة فی زمانه، وکان إلیٰ جانب أبیه مع أمیر المؤمنین(علیه السّلام) فی حربه ضدّ أهل الشام(2)، إلّا أنّه تحوّل بعد ذلک إلیٰ الخطّ المعادی للعلویین، فعندما خرج المختار وقف عبد الرحمن ضدّه مع عبد الله بن مطیع، وکان فی لیلة خروج المختار متمرکزاً مع اتباعه فی جبانة (مقبرة) مراد(3).

وحینما سار إبراهیم بن مالک الأشتر یرید الموصل، وتواطأ أهل الکوفة عَلَیٰ حرب المختار، کان عبد الرحمن ممَّن خرج ضدّه(4).

وقبیل حدوث وقعة المذار _ التی وقعت بین أنصار المختار بقیادة أحمر بن شمیط وأنصار مصعب بن الزبیر بقیادة المهلب بن أبی صفرة _ دعا مصعب بن الزبیر عبد الرحمن

ابن مخنف، فقال له: ائت الکوفة مستخفیاً حتیٰ تُخرِج إلیّ مَن استطعت إخراجه، وخذّل

ص: 192


1- اُنظر: الطبری، محمّد بن جریر، منتخب ذیل المذیل: ص47.
2- اُنظر: الطبری، محمّد بن جریر، تاریخ الأُمم والملوک: ج5، ص133.
3- اُنظر: البلاذری، أحمد بن یحیی، أنساب الأشراف: ج6، ص389.
4- اُنظر: المصدر السابق: ج6، ص398.

الناس عن المختار، فمضیٰ حتیٰ نزل منزله سرّاً فلم یظهر(1).

وفی زمان عبد الملک بن مروان، وفی سنة75ه_ ناهض عبد الرحمن بن مخنف والمهلب ابن أبی صفرة الأزارقة برامهرمز بکتاب الحجاج إلیهما لعشر بقین من شعبان، فأجْلَوهم عن رامهرمز من غیر قتال شدید، وخرج القوم کأنّهم علیٰ حامیة، حتیٰ نزلوا سابور بأرض منها یُقال لها: کازرون. وسار المهلّب وعبد الرحمن بن مخنف حتیٰ نزلوا بهم فی أول رمضان، فخندق المهلّب علیه، فذکر أهل البصرة أنّ المهلّب قال لعبد الرحمن بن مخنف: إن رأیت أن تخندق علیک فافعل، وإنّ أصحاب عبد الرحمن أبوا علیه، وقالوا: إنّما خندقنا سیوفنا وإن الخوارج زحفوا إلیٰ المهلّب لیلاّ لیبیتوه، فوجدوه قد أخذ حذره، فمالوا نحو عبد الرحمن بن مخنف فوجدوه لم یخندق، فقاتلوه، فانهزم عنه أصحابه، فنزل فقاتل فی أُناس من أصحابه فقُتل، وقُتل أصحابه حوله (2).

وأمّا سعید بن مخنف الجدّ المباشر للوط، فلم أعثر له علیٰ ذکر عدا وروده فی سلسلة نسب أبی مخنف، علیٰ أنّ بعض المصادر قد أسقطته من سلسلة نسب أبی مخنف وذکرت نسبه هکذا: (لوط بن یحییٰ بن مخنف)(3)، فجعلت مخنف الجدّ المباشر للوط.

وأمّا یحییٰ والد لوط، فلم أجد له ترجمة خاصّة، ولم أعرف عنه شیئاً سویٰ عدِّ الطوسی له فی طبقة أصحاب أمیر المؤمنین(علیه السّلام)(4)، وقول ابن شهر آشوب فی معالم العلماء:

ص: 193


1- اُنظر: البلاذری، أحمد بن یحیی، أنساب الأشراف: ج6، ص429.
2- اُنظر: الطبری، محمّد بن جریر، تاریخ الأُمم والملوک: ج6، ص111_ 112.ابن الجوزی، عبد الرحمن بن علیّ، المنتظم فی تاریخ الملوک والأُمم: ج6، ص165.
3- اُنظر: الحموی، یاقوت، معجم الأُدباء: ج5، ص2252. وتابعه علی ذلک: ابن شاکر، محمّد، فوات الوفیات: ج3، ص325. الوجیه، عبد السلام بن عباس، معجم رجال الاعتبار وسلوة العارفین: ص262. عمر کحالة، معجم المؤلفین: ج8، ص157.
4- لم یذکر الطوسی ذلک فی ترجمة خاصّة لیحیی، وإنّما ذکره ضمن ترجمته لأبی مخنف، حیث قال _ بعد أن ذکر أبا مخنف فی طبقة أصحاب أمیر المؤمنین(علیه السّلام) مجاراةً للکشی _: «وعندی أنّ هذا غلط؛ لأنّ لوط بن یحیی لم یلقَ أمیر المؤمنین(علیه السّلام)، وکان أبوه یحیی من أصحابه». الطوسی، محمّد بن الحسن، رجال الطوسی: ص81.

إنّه من أصحاب أمیر المؤمنین والحسن والحسین(علیهم السّلام) (1).

وهذا یعنی أنّ ولادته کانت قبل عام40ه_، بفترة تؤهِّله لتلقّی الحدیث عن أمیر المؤمنین(علیه السّلام) المستشهَد فی هذا العام، وأنّه کان حیّاً بعد سنة 50ه_، وهی السنة التی توفِّی فیها الإمام الحسن(علیه السّلام).

وممّا ینبغی أن یُشار إلیه: أنّ جلّ مَن ترجم لمخنف بن سلیم أشار إلیٰ أنّ من وُلده (أبو مخنف) لوط بن یحییٰ صاحب الترجمة، ممّا یدلل علیٰ أنّه أشهر شخصیة فی هذا البیت.

2 _ ولادته ونشأته

لُقِّب أبو مخنف ب_ (الکوفی) فی عدّة مصادر(2)، وما ذلک إلّا لکونه کوفی المولد، ولا نقاش فی ذلک، کما لا نقاش فی کونه نشأ وتعلّم فی الکوفة أیضاً، کما یشهد بذلک التأمّل فی کثرة مشایخه وأساتذته من أهل الکوفة، وإنّما ینحصر الکلام فی زمان ولادته؛ إذ لا یوجد نصّ یُعتمد علیه فی تحدیدها، وإنّما یتوّفر فی أیدینا معطیان تاریخیان نستطیع أن نستنتج فی ضوئهما أنّ ولادته کانت فی بدایة أربعینیات القرن الهجری الأوّل، وهما:

المُعطیٰ الأوّل: قد مرّ علینا أنّ والده یحییٰ کان من أصحاب أمیر المؤمنین(علیه السّلام) _ بحسب الطوسی وابن شهر آشوب _ وقد قال الطوس_ی عن أبی مخنف أنّه «لم یلقَ أمیر

ص: 194


1- اُنظر: ابن شهر آشوب، محمّد بن علیّ، معالم العلماء: ص129_ 130.
2- اُنظر علی سبیل المثال لا الحصر: الذهبی، محمّد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج13، ص342. الذهبی، محمد بن أحمد، تاریخ الإسلام: ج9، ص581. ابن عدی، عبد الله، الکامل فی ضعفاء الرجال: ج7، ص241. الخطیب البغدادی، أحمد بن علیّ، تاریخ بغداد: ج3، ص562.

المؤمنین(علیه السّلام)»(1)، فقد نفیٰ اللقاء الذی هو أعمّ من تلقّی الحدیث، وهذا یعنی أنّ أبا مخنف لم یکن قد وُلِد فی حیاة أمیر المؤمنین(علیه السّلام)، وإنّ ولادته کانت بعد عام40ه_ الذی هو عام مقتله(علیه السّلام).

المعطیٰ الثانی: عرفنا الآن أنّ أبا مخنف قد وُلِد بعد عام 40ه_، ونقول الآن: إنّه قد وُلِد قبل عام 50ه_، فهذا هو المنسجم مع ذکره فی طبقة أصحاب الحسن(علیه السّلام)(2) المتوفّیٰ فی هذا العام، فإذا عرفنا أنّ عدّ الشخص من أصحاب الإمام(علیه السّلام) معناه أنّه قد سمع حدیثه ووعاه، فلا بدّ لنا أن نفترض أنّ ولادة أبی مخنف کانت فی بدایة الأربعینیات: 41أو42أو43ه_ مثلاً؛ لکی یکون صبیاً ممیِّزاً علیٰ أقل تقدیر فی نهایات حیاة الإمام الحسن(علیه السّلام).

ویمکن أن ندعم هذا الرأی ونؤکِّده بأمرین:

الأمر الأوّل: إنّ هذا الرأی ینسجم مع إدراک أبی مخنف لعددٍ من رواة الطفّ المباشرین، ونقله عنهم بلا واسطة، کعقبة بن سمعان، ودلهم بنت عمرو زوجة زهیر بن القین وغیرهما.

الأمر الثانی: إنّ هذا الرأی ینسجم مع کون المشهور فی وفاة أبی مخنف هو عام 157ه_ کما سیأتی فی آخر الترجمة، فإنّ عمره سیکون حین وفاته 120سنة أو أقل بقلیل، ولیس فی هذا شذوذ أو مخالفة للمألوف من معدل الأعمار فی تلک الأزمان.

3 _ مکانته العلمیّة وطبقته ومصنّفاته

یُعدّ أبو مخنف من کبار الأخباریین والمؤرِّخین الأوائل الذین سارعوا إلیٰ کتابة

ص: 195


1- الطوسی، محمّد بن الحسن، رجال الطوسی: ص81.
2- المصدر السابق: ص95.

التاریخ الإسلامی، وقد ترکّز نشاطه علیٰ تاریخ العراق بصورة خاصّة، کما انصبّت جهوده علیٰ الأحداث التی وقعت بعد رحیل النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) إلیٰ أواخر العهد الأُموی.

قال ابن الندیم: «قرأت بخطِّ أحمد بن الحارث الخزّاز، قالت العلماء: أبو مخنف بأمر العراق وأخبارها وفتوحها یزید علیٰ غیره، والمدائنی بأمر خراسان والهند وفارس، والواقدی بالحجاز والسیرة، وقد اشترکوا فی فتوح الشام»(1).

وأخبار العراق وفتوحها هو تعبیر آخر عن تاریخ التشیُّع؛ إذ ارتبط التشیُّع منذ بدایات وجوده _ کقوّة اجتماعیّة _ بالعراق، ومن هنا قال فلهاوزن: «وأبو مخنف هو أَثْبَتُ حجّة... فی تاریخ الشیعة طالما اتّصل بالکوفة، والطبری یکاد لا یعتمد علیٰ غیره فی ذِکر أخبارهم وما أطولها»(2).

وقد ترکّزت جهود أبی مخنف علیٰ جمع وتدوین أخبار الکوفة بنحو خاصٍّ، حتیٰ وصفه النجاشی بکونه «شیخ أصحاب الأخبار بالکوفة ووجههم»(3)، والکوفة کانت آنذاک مرکز التشیُّع وجمجمة العراق، وحینما یکون أبو مخنف شیخ مؤرِّخیها فإنّه یعنی أنّه شیخ مؤرِّخی أهل العراق بشکل عام، أو یکون من کبار مؤرِّخی العراق علیٰ أقل تقدیر.

إلّا أنّه ممَّا ینبغی أن یشار إلیه: أنّ علاقة أبی مخنف بالتشیّع ربما تکون علاقة علمیّة، ولیست روحیة، وإذا ما قیل: إنّه (من مؤرِّخی الشیعة). فقد یکون المقصود أنّه من المهتمّین بتاریخ الشیعة وجمع أخبارهم، ولیس بالضرورة أن یکون المقصود من هکذا عبارة أنّه کان شیعیّاً بالمعنیٰ الخاصّ للتشیّع.

أمّا طبقة أبی مخنف، فلا یمکن ضبطها من خلال ملاحظة أساتذته وشیوخه؛ إذ

ص: 196


1- ابن الندیم، محمّد بن إسحاق، الفهرست: ص122.
2- یولیوس فلهوزن، الخوارج والشیعة، ترجمه عن الألمانیة الدکتور عبد الرحمن بدوی: ص113.
3- النجاشی، أحمد بن علیّ، رجال النجاشی: ص320.

اختلف فی ذلک اختلافاً کبیراً، فقد عدَّه الکش_ی فی طبقة أصحاب الإمام علیّ(علیه السّلام)، ونفیٰ الطوسی ذلک(1)، وأثبت صحبته للحسنین(علیهماالسّلام)(2)، ونفیٰ النجاشی أن تکون له صحبة مع الإمام الباقر(علیه السّلام) فضلاً عمَّن سبقه من أئمّة أهل البیت(علیهم السّلام) ، وعدّه من أصحاب الإمام الصادق(علیه السّلام)(3).

وعلیه؛ فلا یمکن أن نضبط طبقة أبی مخنف من خلال أساتذته وشیوخه مع الاختلاف المشار إلیه، والقدر المتیقن أنّه من طبقة أصحاب الإمام الصادق(علیه السّلام)، مع احتمال أن یکون من طبقة أقدم، وإنّما یمکن تحدید طبقته من خلال ملاحظة الآخذین عنه والمتتلمذین علیٰ یدیه، ومنهم:

1_ أبو المنذر هشام بن محمّد بن السائب الکلبی (ت204 أو 206ه_)، النسّابة المشهور(4)، وهو الراوی لمقتله کما سنبیِّن.

2_ أبو الفضل نصر بن مزاحم بن سیار المنقری (ت212ه_)(5)، صاحب کتاب وقعة صفِّین، وقد أخطأ ابن الندیم فی عدِّ نصر بن مزاحم من طبقة أبی مخنف(6).

3_ أبو الحسن علیّ بن محمّد المدائنی (ت225ه_)، المؤرِّخ المعروف(7).

فهؤلاء الثلاثة هم من کبار الأخباریین والمؤرِّخین الذین برزوا فی نهایات المائة الثانیة وبدایات المائة الثالثة، وهم من تلامیذ أبی مخنف؛ فیکون أبو مخنف فی الطبقة التی فوقهم،

ص: 197


1- اُنظر: الطوسی، محمد بن الحسن، رجال الطوسی: ص81.
2- المصدر السابق: ص95، وص104.
3- اُنظر: النجاشی، أحمد بن علیّ، رجال النجاشی: ص320.
4- اُنظر: الذهبی، محمّد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج10، ص101.
5- اُنظر: الصدوق ، محمد بن علی، الأمالی: ص231. المجلسی، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج23، ص49.
6- اُنظر: ابن الندیم، محمّد بن إسحاق، الفهرست: ص122.
7- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، میزان الاعتدال: ج3 ، ص، 420. الذهبی، محمّد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج7، ص302.

مع أنّه لا مانع من أن یندرج فی طبقات أعلیٰ أیضاً لو احتملنا طول عمره، وأنّه قد وُلِد فی خمسینیات القرن الهجری الأوّل، کما احتملنا ذلک عند الحدیث عن ولادته ونشأته.

وقد صنّف أبو مخنف کُتباً کثیرة یطول تعدادها، وقد ذکرها النجاشی فی رجاله(1)، وابن الندیم فی فهرسه(2)، والحموی فی معجمه(3)، والصفدی فی وافیه(4)، منها: کتاب المغازی، کتاب السقیفة، کتاب الردّة، کتاب فتوح الإسلام، کتاب فتوح العراق، کتاب فتوح خراسان، کتاب الشوریٰ، کتاب قتل عثمان، کتاب الجَمَل، کتاب صفّین، کتاب النهر، کتاب الحکمین، کتاب الغارات، کتاب مقتل أمیر المؤمنین(علیه السّلام)، کتاب قتل الحسن(علیه السّلام)، کتاب قتل الحسین(علیه السّلام)، کتاب مقتل حجر بن عدی، کتاب أخبار زیاد، کتاب أخبار المختار، کتاب أخبار الحجاج، کتاب أخبار مطرف بن المغیرة بن شعبة، کتاب أخبار آل مخنف بن سلیم، کتاب أخبار الحریث بن أسد الناجی وخروجه.

وکُتُب أبی مخنف قد أُبیدت عن بکرة أبیها، ولم یتبقَّ منها سویٰ ما نقلته الموسوعات التاریخیّة المتأخّرة عن عص_ر أبی مخنف، کموسوعة تاریخ الأُمم والملوک للطبری (ت310ه_) التی نقلت عن أبی مخنف ما ینیف علیٰ (٥٠٠) روایة فی موضوعات مختلفة، حیث تحتلّ الروایات التی تتحدّث عن عهد خلافة الإمام علیّ(علیه السّلام) المرتبة الأُولیٰ، فقد بلغت (١٢٦) روایة، تعقبها (١١٨) روایة حول حادثة کربلاء، و(١٢٤) روایة تناولت ثورة المختار(5).

وقد حاول العدید من الباحثین والمحقّقین إحیاء تراث أبی مخنف من خلال

ص: 198


1- اُنظر: النجاشی، أحمد بن علیّ، رجال النجاشی: ص320.
2- اُنظر: ابن الندیم، محمّد بن إسحاق، الفهرست: ص122.
3- اُنظر: الحموی، یاقوت، معجم الأُدباء: ج5، ص2253.
4- اُنظر: الصفدی، خلیل بن أیبک، الوافی بالوفیات: ج24، ص306.
5- اُنظر: جلیل تاری، حقائق السقیفة فی دراسة روایة أبی مخنف (ترجمة أحمد الفاضل): ص13.

استخراج مرویاته من بطون المدوّنات التاریخیّة، کمحاولة حسن الغفاری ومحمّد هادی الیوسفی الغروی فی إحیائهما کتاب مقتل الحسین(علیه السّلام) لأبی مخنف، حیث کتب الأوّل مقتل الحسین(علیه السّلام)، وکتب الآخر وقعة الطفّ، وکلاهما متّخذان من تاریخ الطبری، ومحاولة جلیل تاری فی کتابه (حقائق السقیفة فی دراسة روایة أبی مخنف) الذی حاول فیها إحیاء کتاب السقیفة علیٰ ما یبدو، ومحاولة الباحث السعودی یحییٰ الیحییٰ فی دراسته المسماة ب_ (عص_ر الخلافة الراشدة)، والتی حاول أن یدرس فیها _ دراسة نقدیّة _ مرویات أبی مخنف فی تاریخ الطبری والمختصّة بهذه الحقبة.

4 _ مذهبه ومعتقده

إنّ التأمّل فی مرویات أبی مخنف، وما نقله من فضائل ومحاسن أهل البیت(علیهم السّلام) ، ومثالب وقبائح أعدائهم، وترکیزه البالغ علیٰ تاریخ التشیُّع هو الذی قاد بعض الباحثین والمحقّقین إلیٰ القول بإمامیّته.

کما أنّ التأمّل فی مرویات أُخریٰ لأبی مخنف تتقاطع مع الإیمان بعصمة الأئمّة(علیهم السّلام) هو الذی أرغم بعض الباحثین والمحقّقین علیٰ التوقّف عن القول بإمامیّته(1).

والذی یبدو لی _ بعد الوقوف طویلاً علیٰ هذا الموضوع _ أنّ أبا مخنف لم یکن إمامیّاً، وإنّما کان شیعیّاً بالمعنیٰ العام للتشیُّع، والمساوی للمیل والمودّة الشدیدة لأهل البیت(علیهم السّلام) ، وهذا ما صرّح به ابن أبی الحدید المعتزلی (ت655ه_) بقوله: «وأبو مخنف من المحدِّثین، وممَّن

ص: 199


1- ومن تلک الروایات ما نقله أبو مخنف: أنّه لمّا خطب الحسین(علیه السّلام)، وسمع أخواته خطبته «صحن وبکین، وبکی بناته فارتفعت أصواتهن، فأرسل إلیهن أخاه العباس بن علیّ وعلیّاً ابنه، وقال لهما: أسکتاهن، فلعمری لیکثرن بکاؤهن. قال: فلمّا ذهبا لیسکتاهن، قال: لا یبعد ابن عباس. قال: فظننا أنّه إنّما قالها حین سمع بکاؤهن؛ لأنّه قد کان نهاه أن یخرج بهن...». الطبری، محمّد بن جریر، تاریخ الأُمم والملوک: ج5، ص424.

یریٰ صحّة الإمامة بالاختیار، ولیس من الشیعة ولا معدوداً من رجالها»(1).

وهذا الکلام ذکره ابن أبی الحدید بعد أن نقل عن أبی مخنف أشعاراً وأراجیز تضمّنت بأنّ علیّاً(علیه السّلام) وصی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ومن المعلوم أنّ الوصیّة لدیهم لا تساوی الاستخلاف.

قال ابن أبی الحدید: «أمّا الوصیّة، فلا ریب عندنا أنّ علیّاً(علیه السّلام) کان وصی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وإن خالف فی ذلک مَن هو منسوب عندنا إلیٰ العناد ولسنا نعنی بالوصیة النصّ والخلافة، ولکن أُموراً أُخریٰ لعلّها إذا لمحت أشرف وأجل»(2).

من هنا؛ فإنّ تعجُّب المامقانی من نفی ابن أبی الحدید لإمامیّة أبی مخنف فی غیر محلّه، حینما قال: «والعجب العجاب أنّ ابن أبی الحدید نطق بما سمعت، بعد أن رویٰ أشعاراً فی أنّ علیّاً(علیه السّلام) وصیّ رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )»(3).

إذ لا منافاة بین القول بالوصیّة وبین القول بأنّ صحّة الإمامة بالاختیار بحسب تفسیر القوم لمفهوم الوصیّة.

والقول بعامّیة أبی مخنف هو ما یظهر من الشیخ المفید (ت413ه_) أیضاً فی کتابه الجَمَل، فبعد أن نقل أخبار الجَمَل عن أبی مخنف وغیره من المؤرِّخین قال: «فهذه جملة من أخبار البصرة وسبب فتنتها ومقالات أصحاب الآراء فی حکم الفتنة بها، قد أوردناها علیٰ سبیل الاختصار، وأثبتنا ما أثبتنا من الأخبار عن رجال العامّة دون الخاصّة، ولم نثبت فی ذلک ما روته کتب الشیعة»(4).

والشیخ المفید من متقدِّمی علمائنا، وهو أخبر بحال أبی مخنف، ومن المرجَّح أنّه استند فی الحکم بعامّیته علیٰ شواهد حِسِّیة، ولیست حَدسیّة.

ص: 200


1- ابن أبی الحدید المعتزلی، عبد الحمید، شرح نهج البلاغة: ج1، ص147.
2- المصدر السابق: ج1، ص140_ ص141.
3- المامقانی، عبد الله، تنقیح المقال: ج2، ص44.
4- المفید، محمّد بن محمّد، الجَمل: ص225.

ویمکن تأکید هذا الرأی ودعمه بعدّة قرائن وإن کانت جمیعاً قابلةً للنقاش:

القرینة الأُولیٰ: قد یُستدلّ علیٰ عدم تشیُّع أبی مخنف بالمصطلح الخاصّ للتشیُّع بندرة روایته عن الأئمّة(علیهم السّلام) ، مع معاصرته لأربعة منهم، هم: السجّاد، والباقر، والصادق، والکاظم(علیهم السّلام) .

«وهذا ممّا قد یدلّنا علیٰ أنّه لم یکن شیعیّاً، ومن صحابة الأئمّة(علیهم السّلام) بالمعنیٰ المصطلح الشیعی الإمامی الذی یعبّر عنه العامّة، ب_ (الرافضی)، وإنّما کان شیعیّاً فی الرأی والهویٰ کأکثر الکوفیّین، غیر رافض لمذهب عامّة المسلمین آنذاک»(1).

ولکن هذه القرینة قابلة للنقاش، فإنّ ندرة الروایة عن الأئمّة(علیهم السّلام) لیست بالض_رورة مباینة للتشیُّع بالمصطلح الخاصّ له، کما أنّ کثرة الروایة عنهم(علیهم السّلام) لیست مساویة له أیضاً، وإنّما الصحیح أنّ النسبة بین ندرة الروایة وعدم التشیُّع هی (العموم والخصوص من وجه)، فقد یکون الراوی مقلاً وهو من الشیعة بالمصطلح الخاص، وقد یکون الراوی مکثراً وهو لیس منهم، والنماذج علیٰ ذلک کثیرة یمکن استخراجها بسهولة من کُتُب الرجال.

القرینة الثانیة: قال الیوسفی الغروی: «وقد یکون ممّا یؤید هذا [یعنی کونه غیر إمامی]: أنّ أحداً من العامّة لم یرمه بالرفض، کما هو المعروف من مصطلحهم: أنّهم لا یقصدون بالتشیُّع سویٰ المیل إلیٰ أهل البیت(علیهم السّلام) ، وأمّا مَن علموا من أتّباع أهل البیت(علیهم السّلام) فی مذهبه، فإنّهم یرمونه بالرفض لا التشیّع فحسب، وهذا هو الفارق فی مصطلحهم بین الموردین»(2).

ویمکن أن یناقش فی ذلک من جهتین:

الجهة الأُولیٰ: إنّ قوله: «أنّ أحداً من العامّة لم یرمه بالرفض». غیر تام، فقد وصفه الذهبی بذلک فی کتابه تاریخ الإسلام، فقال: «أبو مخنف الکوفی الرافض_ی الأخباری صاحب

ص: 201


1- أبو مخنف، وقعة الطف (تحقیق محمد هادی الیوسفی الغروی): ص28.
2- المصدر السابق: ص28.

هاتیک التصانیف»(1).

الجهة الثانیة: أنّ تفسیره للتشیُّع _ عند العامّة _ بالمیل إلیٰ أهل البیت(علیهم السّلام) غیر دقیق، والصحیح أنّ التشیُّع فی اصطلاحهم: تارة: یُستخدم بمعنیٰ المیل إلیٰ أهل البیت(علیهم السّلام) ، وهذا لا یؤدّی إلیٰ ردِّ الروایة لدیهم، وأُخریٰ: یُستخدم بما یساوی الإیمان بالإمامة، وهذا ما یُطلق علیه أیضاً بالرفض، وهو ما یؤدّی إلیٰ ردِّ الروایة عندهم.

ویمکن القول: إنّ إطلاق لفظة (الشیعی) علیٰ أبی مخنف هی بالمعنیٰ الثانی دون الأوّل، وذلک لعدّة شواهد:

الشاهد الأوّل: إنّ ابن عدی قبل أن یصف أبا مخنف بکونه (شیعیّاً) قدّم هذه العبارة: «حدَّث بأخبار مَن تقدّم من السلف الصالحین، ولا یبعد منه أن یتناولهم»، ثمَّ قال بلا فصل: «وهو شیعی محترق»(2)، فإنّ الدلیل لدیهم علیٰ تشیُّعه هو تناوله لسلفهم ونقله لمخازیهم ومثالبهم، فهذا شاهد علیٰ أنّ تشیّعه بمعنیٰ الرفض لا المیل.

الشاهد الثانی: لو کان تشیُّعه بمعنیٰ المیل لما أدّیٰ ذلک إلیٰ ردِّ روایته، مع أنّهم أجمعوا علیٰ ردِّها، فیشهد هذا علیٰ أن تشیّعه بمعنیٰ الرفض.

الشاهد الثالث: ما نقلناه من وصف الذهبی له ب_ (الرافضی)؛ فإنّه قرینة علیٰ أنّ مراد أسلافه من تشیُّع أبی مخنف هو التشیُّع بمعنیٰ الرفض لا مجرَّد المیل.

القرینة الثالثة: قال التستری: «ولم یذکره [أی: لم یذکر أبا مخنف] ابن قتیبة وابن الندیم فی الشیعة مع عقد باب فی کتاب کلّ منهما للشیعة، ولو کان إمامیّاً لأشار إلیه أحدهم، بل ظاهر سکوتهم عامّیته»(3).

ص: 202


1- الذهبی، محمد بن أحمد، تاریخ الإسلام: ج9، ص581.
2- ابن عدی، عبد الله، الکامل فی ضعفاء الرجال: ج7، ص241.
3- التستری، محمّد تقی، قاموس الرجال: ج8، ص619.

وهذه القرینة لا تصمد أمام النقاش أیضاً لمَن خَبُر منهجی ابن قتیبة وابن الندیم فی کتابیهما المعارف والفهرست، فإنّهما لم یقسِّما أبحاث کتابیهما تقسیماً منطقیاً یمنع من تداخل الأقسام، فلیس هناک أساس واحد قُسّمت علیٰ ضوئه المباحث، کما أنّهما لم یقصدا إلیٰ الاستیعاب فی کلّ قسم.

فلو أتینا إلیٰ کتاب المعارف لابن قتیبة لوجدنا أبا مخنف مذکوراً فی باب (النسّابون وأصحاب الأخبار)(1)، ثمَّ بعد ذلک دخل فی تعداد الفِرَق وذکر من ضمن الفِرَق (الشیعة)، وذکر (42) رجالاً ممَّن یُحسبون علیٰ التشیُّع(2)، وأهمل العدید من الشخصیات المعاصرة لهؤلاء المذکورین، فهل یُعدّ إهمالهم قرینة علیٰ عدم تشیُّعهم؟!

وحینما نأتی إلیٰ کتاب الفهرست لابن الندیم نجده قد قسّم کتابه إلیٰ عش_ر مقالات، وجعل المقالة الثالثة (فی أخبار الأخباریین والنسّابین وأصحاب الأحداث والآیات)، وقسّمها إلیٰ ثلاثة فنون، فجعل الفنّ الأوّل (فی أخبار الأخباریین والنسّابین وأصحاب السیر والأحداث وأسماء کتبهم)، بغض النظر عن اتّجاهاتهم ومیولهم العقدیّة والمذهبیّة،ثمَّ ذکر (أبا مخنف) کأحد أعمدة هذا الفنّ(3).

ولم یخصّص ابن الندیم بعد ذلک باباً خاصّاً بعلماء الشیعة بمختلف تخصّصاتهم فی العلوم، لکی یکون إهمال أبی مخنف وعدم ذکره فی هذا الباب قرینة علیٰ عدم تشیُّعه کما زعم التستری، وإنّما خصّص الفنّ الثانی من المقالة الخامسة (فی أخبار متکلِّمی الشیعة والإمامیّة والزیدیّة)، ثمَّ خصّص الفنّ الخامس من المقالة السادسة (فی أخبار فقهاء الشیعة وأسماء کتبهم)(4).

ص: 203


1- اُنظر: ابن قتیبة الدینوری، عبد الله بن مسلم، المعارف: ص537.
2- اُنظر: المصدر السابق: ص624.
3- اُنظر: ابن الندیم، محمّد بن إسحاق، الفهرست: ص122.
4- اُنظر: المصدر السابق (محتویات الکتاب): ص10.

ومن المعلوم أنّ أبا مخنف لیس من حملة هذین الفنّین؛ لکی یکون إهماله مؤشِّراً علیٰ عدم تشیُّعه.

وهناک قرائن أُخریٰ یمکن أن یُستفاد منها عدم إمامیّة أبی مخنف صرفنا النّظر عنها خوفاً من الإطالة.

وخلاصة القول فی مذهب أبی مخنف ومعتقده: أنّه کان شیعیّاً بالمعنیٰ العام للتشیُّع، وأمّا إمامیّته فلم یقم عندنا دلیل قاطع علیها، ولم یصرِّح بها أحدٌ من علمائنا المتقدِّمین.

5 _ وثاقته وعدالته

بالرغم من الخلاف الذی أشرنا إلیه حول مذهب أبی مخنف ومعتقده، غیر أنّ الطائفة تکاد تتّفق کلمة رجالیّیها علیٰ قبول مرویات أبی مخنف الفقهیّة، فضلاً عن التاریخیّة.

ولعل الأصل فی ذلک هو قول شیخ الرجالیین النجاشی فیه: «أبو مخنف شیخ أصحاب الأخبار بالکوفة ووجههم، وکان یُسکن إلیٰ ما یرویه»(1).

وهذا الذی قاله النجاشی یوافقه علیه أغلب الرجالیین، کالعلّامة الحلّی(ت726ه_) فی خلاصة الأقوال(2)، والتفرشی فی نقد الرجال(3)، والسیِّد علیّ البروجردی (ت1313ه_) فی طرائف المقال(4))، والسید الخوئی فی معجم رجال الحدیث(5)، وعبد الحسین الشبستری فی أصحاب الإمام الصادق(علیه السّلام)(6).

ص: 204


1- النجاشی، أحمد بن علیّ، رجال النجاشی: ص320 _ 321.
2- اُنظر: العلّامة الحلّی، الحسن بن یوسف، خلاصة الأقوال فی معرفة الرجال: ص234.
3- اُنظر: التفرشی، مصطفی بن الحسین، نقد الرجال: ج4، ص75.
4- اُنظر: البروجردی، علیّ، طرائف المقال فی معرفة طبقات الرجال: ج1، ص566.
5- اُنظر: الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج15، ص142.
6- اُنظر: الشبستری، عبد الحسین، أصحاب الإمام الصادق(علیه السّلام): ج1، ص625.

فجمیع هؤلاء وغیرهم قد نعتوه بما نعته به النجاشی فی قوله: «وکان یُسکن إلیٰ ما یرویه»، ومع أنّ شیخ الطائفة قد أهمل أبا مخنف، ولم یحکم علیه بجرح ولا تعدیل، غیر أنّ ذلک لم یمنع أغلب الرجالیین من متابعة رأی النجاشی فیه، وذلک لسببین:

السبب الأوّل: إنّ الطوسی وإن لم یوثِّق أبا مخنف إلّا أنّه لم یطعن به أیضاً، ولم یقل أنّه مجهول الحال، والمهمل غیر المجهول الذی صرّح علماء الرجال بجهالة حاله، فالمهمل لا توصف روایته بضعف أو صحّة أو توثیق أو حسن ما لم تتبیَّن حاله من جهة تتبّع القرائن والمؤشِّرات، وقد کان ابن داود یعمل بخبر المهمل کما یعمل بخبر الممدوح(1).

السبب الثانی: لو تنزّلنا وقلنا: بأنّ سکوت الطوسی یُعدّ جرحاً بأبی مخنف، فإنّنا فی هذه الحالة سنقدِّم رأی النجاشی علیٰ رأی الشیخ أیضاً؛ وذلک لاتّفاقهم علیٰ تقدیمه عند المعارضة، «بل الظاهر منهم تقدیم قوله، ولو کان ظاهراً علیٰ قول غیره من أئمّة الرجال فی مقام

المعارضة فی الجرح والتعدیل، ولو کان نصّاً»(2).

قال الشهید الثانی: «وظاهر حال النجاشی أنّه أضبط الجماعة، وأعرفهم بحال الرجال»(3).

وق_ال حفی_ده الشیخ محمّد بن الش_یخ حس_ن بن الش_هید الثانی _ بعد ذکر کلامی النجاشی والشیخ فی (سماعه) _ : «... والنجاشی یُقدّم علیٰ الشیخ فی هذه المقامات، کما یُعلم بالممارسة»(4).

وقال المیرزا محمّد الأسترآبادی _ فی ترجمة س_لیمان بن صالح الجصّاص _ : «ولا یخفیٰ

ص: 205


1- قال ابن داود فی رجاله: ص29: «الجزء الأوّل من الکتاب فی ذکر الممدوحین ومن لم یضعفهم الأصحاب فما علمته». ویفهم منه أنّه یعمل بخبر الراوی المهمل کما یعمل بخبر الراوی الممدوح.
2- النوری، حسین، خاتمة المستدرک: ج3، ص147.
3- العاملی (الشهید الثانی) ، زین الدین بن علیّ، مسالک الأفهام: ج7، ص467.
4- النوری، حسین، خاتمة المستدرک: ج3، ص147، نقلاً عن کتاب شرح الاستبصار المخطوط لحفید الشهید الثانی.

تخالف ما بین طریقی الشیخ والنجاشی، ولعل النجاشی أثبت»(1).

بقیت نکتة مهمّة ینبغی أن یُشار إلیها: وهی أنّ عبارة «وکان یُسکن إلیٰ ما یرویه». تُعَدُّ من ألف_اظ المدح من المرتبة الثانیة عند الدرائیین(2)، والمعروف عند الرجالیین والدرائیین _ منّا _ أنّ الراوی الممدوح تُعتبر مرویاته من قسم الحسن إن کان إمامیّاً، وأمّا إذا کان علیٰ غیر نهج الإمامیّة، فإنّ المدح الوارد فیه لا یؤثِّر فی قیمة مرویاته مهما کانت مرتبة المدح، ولا یُخرج_ها من دائ_رة الض_عیف إلیٰ دائرة المعت_بر، نعم، یمکن أن نعدَّ المدح _ إذا ورد فی غ_یر الإمامیّ _ کقرینة من القرائن التی یمکن أن تنضمّ إلیها قرائن أُخریٰ توصلنا إلیٰ الاطمئنان بوثاقته. هذا کلّه فی رجالنا.

وأمّا أهل السنّة، فقد أجمع أئمّة الرجال منهم علیٰ تضعیفه وترک روایته.

قال یحییٰ بن معین: «لیس بثقة»، وقال مرّة: «لیس بش_یء»، وقال أبو حاتم الرازی:«متروک الحدیث»، وقال الدارقطنی: «ضعیف»(3).

وقال ابن عدی _ بعد أن نقل رأی یحییٰ بن معین فی أبی مخنف _ : «وهذا الذی قاله ابن معین یوافقه علیه الأئمّة؛ فإنّ لوط بن یحییٰ معروف بکنیته وباسمه. حدَّث بأخبار مَن تقدَّم من السلف الصالحین، ولا یبعد منه أن یتناولهم، وهو شیعی محترق صاحب أخبارهم...»(4).

وبهذا یتّضح السبب الذی ترکوا حدیث أبی مخنف من أجله، وهو میله ومودّته لأهل البیت(علیهم السّلام) من جانب، ونقله لمثالب ومخازی أعدائهم من جانب آخر.

ومع هذا الإعراض عن مرویات أبی مخنف فیما یخصّ الفقه والعقیدة، غیر أنّهم قد

ص: 206


1- النوری، حسین، خاتمة المستدرک: ج3، ص 148، نقلاً عن: الأسترآبادی، محمّد، منهج المقال: ص174.
2- اُنظر: الصدر، حسن، نهایة الدرایة: ص399.
3- اُنظر: ابن الجوزی، عبد الرحمن بن علیّ، الضعفاء والمتروکین: ج3، ص28.
4- ابن عدی، عبد الله، الکامل فی ضعفاء الرجال: ج7، ص241.

اعتمدوا علیه اعتماداً منقطع النظیر فی مرویاته التاریخیّة، لا سیما الطبری الذی شحن موسوعته التاریخیّة الکبریٰ بمرویات أبی مخنف.

قال عنه ابن الأثیر: «وهو أحد أئمّة هذا الشأن»(1)، وقال عنه أیضاً: «وقد کان شیعیّاً، وهو ضعیف الحدیث عند الأئمّة، ولکنّه أخباری حافظ، عنده من هذه الأشیاء ما لیس عند غیره، ولهذا یترامیٰ علیه کثیر من المصنِّفین فی هذا الشأن ممَّن بعده»(2).

6 _ وفاته

توفّی أبو مخنف سنة (157ه_) کما فی تاریخ مولد العلماء ووفیاتهم للربعی (ت279ه_)(3)، ومعجم الأُدباء للحموی (ت626ه_)(4)، وسیر أعلام النبلاء(5)، وتاریخ الإسلام(6) للذهبی (ت748ه_)، والوافی بالوفیات لصلاح الدین الصفدی (ت764ه_)(7)، والذریعة للطهرانی (ت1389ه_)(8)، والأعلام لخیر الدین الزکلی الدمشقی (ت1396ه_)(9)، ومعجم المؤلفین لعمر کحالة (ت1408ه_)(10)، وغیر ذلک من مصادر ومراجع.

ص: 207


1- ابن کثیر، إسماعیل، البدایة والنهایة: ج7، ص343.
2- المصدر السابق: ج8، ص220.
3- الربعی، محمد بن عبد الله، تاریخ مولد العلماء ووفیاتهم: ج1، ص366.
4- الحموی، یاقوت، معجم الأُدباء: ج5، ص2252.
5- الذهبی، محمد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج13، ص342.
6- الذهبی، محمد بن أحمد، تاریخ الإسلام: ج9، ص581.
7- الصفدی، خلیل بن أیبک، الوافی بالوفیات: ج24، ص306.
8- اُنظر: الطهرانی، آغا بزرک، الذریعة إلی تصانیف الشیعة: ج1، ص312، وص324، وص327، وص331، وص333، وص335.
9- الزرکلی، خیر الدین، الأعلام: ج5، ص254.
10- عمر کحالة، معجم المؤلفین: ج8، ص157.

ولعلّ الجمیع قد نهلوا هذا القول من مصدر واحد، وهو تاریخ مولد العلماء ووفیاتهم للربعی (ت279ه_)؛ نظراً لکونه أقدم مَن صرَّح بهذا القول بحسب تتبّعنا للمصادر والمراجع التی تعرَّضت لوفاة أبی مخنف.

وفی قبال هذا القول یوجد قولان ضعیفان وغیر مشهورین:

القول الأوّل: إنّه توفِّی قبل سنة (170ه_)، وهو قول الذهبی فی میزان الاعتدال(1)، ویلاحظ علیه:

1_ إنّه لم یذکر الحادثة التی بسببها استنتج کون وفاته قبل سنة (170ه_)، وهذا الإشکال لا یرد علیٰ أصحاب القول الأوّل؛ لأنّهم قد استندوا إلیٰ قول الربعی المتوفَّیٰ عام 279ه_، وهو یحکم عن حسٍّ لا عن حَدس، فإنّه لا یفصله عن أبی مخنف سویٰ طبقة واحدة، فهو من طبقة تلامیذ تلامیذ أبی مخنف، أو قُل هو من أقران أحفاده، بخلاف الذهبی (ت748ه_)، الذی یفصله عن أبی مخنف قرابة خمسة قرون.

2_ إنّه مخالف لما اشتُهر من کون وفاته سنة (157ه_)، بل هو مخالف لما ذهب إلیه الذهبی نفسه فی سیر أعلام النبلاء وتاریخ الإسلام کما مرّ.

القول الثانی: إنّه توفّی سنة (175ه_)، ذکر ذلک إسماعیل باشا بن محمّد أمین بن میر سلیم البابانی البغدادی (ت1339ه_)، ولم یُشر إلیٰ مستنده فی هذا القول، ولولا أنّه قد أکَّد علیٰ ذلک ثلاث مرّات، مرّتین فی إیضاح المکنون(2)، ومرّة واحدة فی هدیة العارفین(3)، ولولا أنّه قد ذکر ذلک (رقماً وکتابةً) فی المواضع الثلاث، لولا ذلک لقلنا: بحصول تصحیف للتشابه الکبیر بین الرقم (175) والرقم (157).

ص: 208


1- الذهبی، محمد بن أحمد، میزان الاعتدال: ص3، ص420.
2- البغدادی، إسماعیل باشا، إیضاح المکنون: ج4، ص178_ 289.
3- البغدادی، إسماعیل باشا، هدیة العارفین: ج1، ص841.

المبحث الثانی :کتاب مقتل الحسین(علیه السّلام) لأبی مخنف

اشارة

والحدیث حول مقتل أبی مخنف حدیث ذو شجون، والإحاطة به من جمیع الجهات یحتاج إلیٰ بحث مستقلّ ودراسة مفردة؛ ولذا سنحاول أن نتحدّث بإیجاز عن عدّة أُمور أساسیة ورئیسة حول هذا المقتل:

الأمر الأوّل: أنّه لا ریب ولا شبهة فی أنّ أبا مخنف قد کتب کتاباً حول واقعة الطفّ أسماه مقتل أو قتل الحسین(علیه السّلام).

فقد ذکره ابن الندیم (ت428ه_) فی قائمة کتبه، وذکر أنّ اسمه (مقتل الحسین(علیه السّلام))(1)، ولعلّ ابن الندیم هو أقدم مَن نصَّ علیٰ وجود کتابٍ لأبی مخنف فی مقتل الحسین(علیه السّلام).

وذکره النجاشی (ت450ه_) کذلک فی قائمة مصنَّفاته، وذکر أنّ اسمه (قَتْل الحسین(علیه السّلام))، ثمَّ ذکر طریقه إلیٰ هذا الکتاب وسائر کُتُب أبی مخنف، فقال: «أخبرنا أحمد بن علیّ بن نوح، قال: حدَّثنا عبد الجبار بن شیران الساکن بنهر جطا (خطیٰ)، قال حدَّثنا محمّد بن زکریا بن دینار الغلابی، قال: حدَّثنا عبد الله بن الضحاک المرادی، قال: حدَّثنا هشام بن محمّد بن السائب الکلبی عن أبی مخنف»(2).

وقد ذکره الطوسی(ت460ه_) أیضاً فی الفهرست، وذکر أنّ اسمه (مقتل

ص: 209


1- اُنظر: ابن الندیم، محمّد بن إسحاق، الفهرست: ص122.
2- النجاشی، أحمد بن علیّ، رجال النجاشی: ص320.

الحسین(علیه السّلام))، ثمَّ ذکر طریقه إلیٰ مصنفات أبی مخنف بما فیها کتاب المقتل، فقال: «أخبرنا بها أحمد بن عبدون، والحسین بن عبید الله جمیعاً، عن أبی بکر الدوری، عن القاضی أبی بکر أحمد بن کامل، عن محمّد بن موسیٰ بن حماد، عن ابن أبی السری محمّد، قال أخبرنا هشام بن محمّد الکلبی عنه...»(1).

ثمَّ جاء بعدهما ابن شهر آشوب (ت588ه_) فأکَّد لنا وجود هذا الکتاب فی قائمة کُتُب أبی مخنف، فقال _ بعد التعریف بأبی مخنف _ : «له کُتُب کثیرة فی السیر، کمقتل الحسین(علیه السّلام)»(2).

وممَّن ذکره أیضاً الحموی (ت626ه_) فی معجم الأُدباء، وهو یذکر ذلک عن محمّد بن إسحاق(3).

فهذه أهمّ النصوص الأصیلة الموجودة فی هذا المجال، وقد اخترناها من أشهر المصادر فی عالم الفهارس ومعاجم المؤلفات، وجمیعها صرَّحت بوجود کتاب لأبی مخنف فی مقتل الحسین(علیه السّلام)، وهناک نصوص أُخریٰ صرَّحت بوجود هذا الکتاب فی قائمة أبی مخنف، ولکنّها بأجمعها تنهل من المصادر التی ذکرناها.

الأمر الثانی: ذهب بعض الباحثین إلیٰ القول: بأنّ مقتل أبی مخنف هو أقدم المقاتل الحسینیّة وأسبقها، قال محمّد مهدی شمس الدین: «فکُتُب المقتل تصلح أن تکون موضوعاً لدراسة علمیّة واسعة وعمیقة، تشتمل علیٰ تاریخ نشوء هذا النوع من کتابة التاریخ، وتطوره، ومنهجه، ومحتویاته، ونوعیات المؤلِّفین، والأُسلوب الذی کُتب به، وتطور هذا الأُسلوب خلال العصور، وعلاقة هذا الأُسلوب بلغة الکتابة فی المجالات الأُخریٰ، واللغات التی کُتبت بها

ص: 210


1- الطوسی، محمد بن الحسن، الفهرست: ص129.
2- ابن شهر آشوب، محمّد بن علیّ، معالم العلماء: ص129.
3- اُنظر: الحموی، یاقوت، معجم الأُدباء: ج5، ص2253.

(العربیّة، والفارسیّة، والترکیّة، والأُردیة، وغیرها) والمحتویٰ الشعری لهذه الکُتب التی بدأت _ فیما نحسب _ بأبی مخنف ولم تنتهِ بعد...»(1).

وقال محمّد هادی الیوسفی الغروی: «وکذلک بقیت هذه الحادثة الألیمة فی سنة 61ه_ ، أحادیث شجون تتناقلها الألسن نقلاً عن الذین کانوا قد شهدوا المعرکة، أو الحوادث السّابقة علیها أو التالیة لها، کسائر أحادیث المغازی والحروب فی الإسلام... حتّیٰ انبریٰ لها فی أوائل المئة الثانیة للهجرة أبو مِخْنف، لوط بن یحییٰ بن سعید بن مِخْنف بن سلیم الأزدی الغامدی الکوفی (ت158ه_)، فجمعها من أفواه الرواة وأودعها کتاباً أسماه: (کتاب مقتل الحسین(علیه السّلام)) کما فی قائمة کُتبه. فکان أوّل کتاب فی تاریخ هذه الحادثة العظمیٰ علیٰ الإطلاق»(2).

ونحن لا نواف_ق علیٰ ما ذهب إلی_ه ه_ذان المحقّق_ان وغیرهما، فقد أثبت_نا _ فی بحوثنا السابقة _ أنّ أوّل مَن کتب فی المقتل الحسینی هو الأصبغ بن نباتة، ثمّ جاء بعده جابر بن یزید الجعفی، ثمّ جاء بعدهما عمّار الدهنی، فلا یکون أبو مخنف هو أول مَن کتب فی المقتل الحسینیّ، وإن جریٰ ذکر ذلک علیٰ بعض الألسن.

الأمر الثالث: إنّ مقتل أبی مخنف مفقود، ولم یصل إلینا منه إلّا ما انتقل إلینا عبر مطاوی الکتب، وفی ضوئه فإنّ المقتل المتداول بین الناس والمنسوب لأبی مخنف، هو لیس له بإجماع المحققین.

یقول السیِّد عبد الحسین شرف الدین: «ولا یخفیٰ أنّ الکتاب المتداول فی مقتله(علیه السّلام)، المنسوب إلیٰ أبی مِخْنف، قد اشتمل علیٰ کثیر من الأحادیث التی لا علم لأبی مِخْنَف بها، وإنّما هی مکذوبة علیٰ الرجل، وقد کثرت علیه الکذّابة، وهذا شاهد علیٰ جلالته»(3).

ص: 211


1- اُنظر: شمس الدین، محمد مهدی، أنصار الحسین(علیه السّلام): ص33.
2- أبو مخنف، وقعة الطفّ (تحقیق محمد هادی الیوسفی الغروی): ص16 _ 17.
3- المصدر السابق ، نقلاً عن: شرف الدین، عبد الحسین، مؤلفو الشیعة فی صدر الإسلام: ص42.

ویقول الشیخ عباس القمّی: «ولیُعلم أنّ لأبی مِخْنَف کتباً کثیرةً فی التاریخ والسیر، منها کتاب: (مقتل الحسین(علیه السّلام)) الذی نقل عنه أعاظم العلماء المتقدّمین واعتمدوا علیه... ولکن للأسف إنّه فُقد ولا یوجد منه نسخة، وأمّا المقتل الذی بأیدینا ویُنسب إلیه، فلیس له، بل ولا لأحد من المؤرِّخین المعتمدین، ومَن أراد تصدیق ذلک، فلیقابل ما فی هذا المقتل وما نقله الطبری وغیره عنه حتّیٰ یعلم ذلک، وقد بیّنتُ ذلک فی نَفَس المهموم فی: طرمّاح بن عدی، والله العالم»(1).

ویقول محمّد هادی الیوسفی الغروی: «تتداول الأیدی والمطابع فی هذه العهود المتأخّرة کتاباً فی مقتل الحسین(علیه السّلام)، نُسب إلیٰ أبی مخنف، ومن المعلوم الواضح أنّه لیس لأبی مخنف، وإنّما هو من جمع جامع غیر أبی مخنف، ولا یُدریٰ بالضبط متیٰ؟ وأین؟ وممّن وجد هذا الکتاب؟ ومتیٰ طُبع لأوّل مرّة» (2).

أقول: ولکن صاحب الذریعة قد صرّح بأنّ الطبعة الأُولیٰ لهذا المقتل کانت علیٰ الحجر فی بمبئیٰ منضمّاً إلیٰ المجلد العاشر من (البحار) فی سنة 1287ه_(3).

ثمَّ أُعیدت طباعته علیٰ الحجر مرّتین: الأُولیٰ: فی بمبئی عام 1326ه_ منضمّاً إلیٰ مثیر الأحزان، واللهوف، کما نصّ علیٰ ذلک التبریزی فی مرآة الکتب(4)، والأُخریٰ: فی النجف الأشرف عام 1353ه_، کما صرّح بذلک الأمینی فی معجم المطبوعات النجفیّة(5).

وللمقتل المتداول علامتان أساسیتان یمکن معرفته من خلالهما:

العلامة الأُولیٰ: من خلال العنوان حیث إنّ هذه النسخة عادة ما تُطبع بعنوان (مقتل الحسین(علیه السّلام) ومصرع أهل بیته وأصحابه فی کربلاء).

ص: 212


1- القمّی، عباس، الکُنی والألقاب: ج1، ص55.
2- أبو مخنف، وقعة الطفّ (تحقیق محمد هادی الیوسفی الغروی): ص32.
3- اُنظر: الطهرانی، آغا بزرک، الذریعة إلی تصانیف الشیعة: ج22، ص27.
4- التبریزی، علی بن موسی، مرآة الکتب: ج1، ص434.
5- الأمینی، محمد هادی، معجم المطبوعات النجفیّة: ص131.

العلامة الأُخریٰ: من خلال الکلمات الأُولیٰ فیه حیث یبدأ بهذه الکلمات: «قال أبو مخنف حدَّثنا أبو المنذر هشام بن محمّد بن السائب الکلبی...».

وهذه الکلمات هی أوّل مؤاخذة علیٰ هذا المقتل، فإنّ أبا مخنف هو شیخ هشام بن محمد وأستاذه، فکیف یصح أن یحدِّث الأُستاذ عن التلمیذ؟!

الأمر الرابع: أشرنا فی الأمر السابق، إلیٰ أنّ الباحثین المحقّقین قد أجمعوا علیٰ ضیاع مقتل أبی مخنف، وأنّه لم یصلنا منه إلّا ما نقله المؤرِّخون عن هذا المقتل، والمعروف بین المحقّقین أن أقدم نصٍّ نقل مرویّات هذا المقتل هو کتاب تاریخ الأُمم والملوک للطبری (ت310ه_).

یقول محمد هادی الیوسفی الغروی: «وأقدم نصّ معروف لدینا ممّن نقل أحادیث هشام الکلبی فی کتابه عن أبی مِخْنف هو: تاریخ أبی جعفر محمّد بن جریر الطبری (ت310ه_)، وهو لمْ یُفرد لها تألیفاً خاصّاً، وإنّما ذکر الوقعة فی أثناء تاریخه لحوادث سنة (60 _ 61ه_)»(1).

ویقول حسن غفاری: «... أردت أن أجمع الأخبار الواردة فی مقتل مولانا الشهید أبی عبد الله الحسین روحی له الفداء، بحیث کان کلّ مَن نظر فیه، وتأمَّل فی مضامینه أغناه عن الرجوع إلیٰ سائر المقاتل، وبینا أنا کنت مشغولاً بذلک بانَ لی أنّ من جملة المقاتل التی استندوا إلیها، ونقلوا عنها مقتل أبی مخنف المشهور بین الخواص والعوام، ونقل مهرة الفنّ عنه فی زبرهم القدیمة کمحمّد بن جریر الطبری فی کتابه تاریخ الأُمم والملوک...»(2).

ویتکوّن مقتل أبی مخنف المستخرج من تاریخ الطبری _ بحسب ما حقّقه محمّد هادی الیوسفی الغروی _ من 65 حدیثاً مسنداً(3)، رواها أبو مخنف بالمباشرة وبالواسطة عن 39

ص: 213


1- أبو مخنف، وقعة الطفّ (تحقیق محمد هادی الیوسفی الغروی): ص18.
2- أبو مخنف، مقتل الحسین(علیه السّلام) (تحقیق حسن الغفاری): ص386.
3- مرَّ علینا عند الحدیث عن مصنفات أبی مخنف أنّ مرویاته حول کربلاء تبلغ (118) ، وهذا الرقم بملاحظة تقطیع بعض الروایات، وعدّ کلّ مقطع روایة، فالمسألة نسبیة.

راویاً، وقد وضع الیوسفی الغروی ستّة قوائم تفصیلیّة بأسماء الرواة الوسائط بین أبی مخنف والأحداث، ووضع أمام اسم کلّ راوٍ منهم الحدیث الذی رواه، فکانت هذه القوائم _ هی فی حدّ ذاتها _ فهرساً لأحادیث الکتاب أیضاً(1). وتتوّزع هذه الأحادیث المتناثرة فی الطبری علیٰ حوادث المعرکة وما قبلها وما بعدها، بشکل یغطّی أکثر التفاصیل، ویجیب علیٰ أغلب التساؤلات التی تشغل الباحث؛ ومن هنا؛ أمکن إعادة تنسیقها وتشکیلها بحسب التسلسل الزمنی للأحداث والخروج بمقتل متکامل أو شبه متکامل.

من هنا؛ نهض المحققان الکبیران: المیرزا حسن الغفاری، والشیخ محمد هادی الیوسفی الغروی لإحیاء مقتل أبی مخنف من خلال العمل علیٰ استخراج روایات أبی مخنف من تاریخ الطبری، ثمّ تنسیقها بحسب تسلسل الأحداث ووضعها فی کتاب مستقل یکون بدیلاً للطبعة المتداولة بین الناس.

فکتب الأوّل مقتل الحسین(علیه السّلام)، وکتب الثانی وقعة الطفّ، وکلاهما مستخرجان من تاریخ الطبری.

طریق الطبری إلی مقتل أبی مخنف:

وطریق الطبری إلیٰ مقتل أبی مخنف هو أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الکلبی، الکوفی (ت206ه_).

ولا ریب فی أنّ الطبری لم یتّصل بهشام بن محمّد، فقد توفّی الأخیر قبل ولادة الطبری بحوالی 18 عاماً ومع ذلک نجد أنّ الطبری _ فی أحداث سنتی 60 - 61 ه_ _ یسند مرویاته إلیٰ هشام من دون أن یذکر الواسطة بینهما، ویمکن أن نتصور فی هذا الخصوص

ثلاث فرضیات:

ص: 214


1- اُنظر: أبو مخنف، وقعة الطف (تحقیق محمد هادی الیوسفی الغروی): ص40 _ 81.

الفرضیة الأُولیٰ: أن نقول بانقطاع السند بین الطبری وبین هشام؛ وبالتالی سنحکم علیٰ مجموع روایات الطبری عن أبی مخنف بالإرسال، فتکون ضعیفة بحسب المقاییس الفقهیّة؛ لأنّنا نجهل الواسطة بین الطبری وهشام.

ولو أردنا أن نتکلَّم بلغةٍ یفهمها الجمیع نقول: بما أنّنا نجهل الواسطة التی نقلت مقتل أبی مخنف من هشام إلیٰ الطبری، فلا یمکننا الجزم بنسبة هذا المقتل إلیٰ أبی مخنف، فلا تکون قیمته التاریخیّة أفضل من المقتل المتداول.

الفرضیة الثانیة: ما ذکره محمد هادی الیوسفی الغروی ومفاده: أنّ الطبری کان یمتلک نسخة من مقتل أبی مخنف، فکان ینقل من الکتاب بشکل مباشر، وکان یعزز ذلک بمرویات من هذا المقتل وردت إلیه عن طریق تلمیذه هشام، ولا یُعیِّن لنا مَن حدَّثه عن هشام(1).

وعلیٰ ضوء هذه الفرضیة یکون دور هشام بن محمّد دوراً هامشیاً، والمصدر الأساسی الذی اعتمده الطبری هو نفس کتاب مقتل أبی مخنف.

وممّا یعزز هذه الفرضیة، أنّ الطبری کثیراً ما یتجاوز هشام ویحدِّث عن أبی مخنف بالمباشرة، فیقول مثلاً: (وقال: أبو مخنف).

الفرضیة الثالثة: وهو ما نراه نحن؛ إذ نعتقد أنّ طریق الطبری إلیٰ هشام بن محمّد معروف، فإنّ الطبری یروی عن الحارث بن محمّد (ت282ه_)(2)، عن محمّد بن سعد

ص: 215


1- اُنظر: أبو مخنف، وقعة الطف (تحقیق محمد هادی الیوسفی الغروی): ص18 _ 19.
2- الحارث بن محمّد بن أبی أسامة داهر التمیمی: من حفاظ الحدیث، له (مسند) لم یُرتِّبه، وُلِد سنة 186ه_ وتوفِّی سنة 282ه_. سمع یزید بن هارون وعبد الوهاب الخفاف والواقدی ومحمد بن سعد وغیرهم، وروی عنه أبو جعفر الطبری وأبو بکر بن خلاد وأبو بکر الشافعی وخلق کثیر. وثّقه أکثر أهل الحدیث ومنهم الدارقطنی _ وهو راوی کتاب الطبقات _ عن أُستاذه محمّد بن سعد. اُنظر ترجمته فی: ابن حبان، محمّد بن حبّان، الثقات: ج8، ص183. الذهبی، محمّد بن أحمد، المغنی فی الضعفاء: ج1، ص143. الخطیب البغدادی، أحمد بن علیّ، تاریخ بغداد: ج9، ص114. الذهبی، محمّد بن أحمد، تذکرة الحفاظ: ج2، ص145. الذهبی، محمّد بن أحمد، میزان الاعتدال: ج1، ص442. السیوطی، عبد الرحمن بن أبی بکر، طبقات الحفاظ: ج1، ص276. الصفدی، خلیل بن أیبک، الوافی بالوفیات: ج11، ص200. الزرکلی، خیر الدین، الأعلام: ج2، ص157. عمر کحالة، معجم المؤلفین: ج3، ص176. وغیر ذلک من المصادر والمراجع.

صاحب الطبقات (ت230ه_)، عن هشام بن محمّد، عن أبی مخنف.

ولیس للطبری طریق إلیٰ هشام غیر ما ذکرنا، وقد صرَّح الطبری بذلک فی ستّة موارد فی الجزء الأوّل من تاریخه(1)، وبعد أن صار طریقه معروفاً إلیٰ هشام بن محمّد بدأ یسند إلیٰ هشام بن محمّد بقوله مثلاً: (حُدِّثت) بصیغة المبنی للمجهول، وهذه الطریقة فی الاختصار تُسمّیٰ فی علم الرجال ب_ (التعلیق)، وهی طریقة معروفة بینهم، لا سیما بین المتقدِّمین.

قال صاحب المعالم فی منتقیٰ الجمان: «اعلم أنّه اتّفق لبعض الأصحاب توهّم الانقطاع فی جملة من أسانید الکافی؛ لغفلتهم عن ملاحظة بنائه لکثیر منها علیٰ طُرُق سابقة وهی طریقة معروفة بین القدماء، والعجب أنّ الشیخ(رحمه الله) ربما غفل عن مراعاتها فأورد الإسناد من الکافی بصورته ووصله بطُرُقه عن الکلینی من غیر ذکر للواسطة المتروکة؛ فیصیر الإسناد فی روایة الشیخ له منقطعاً، ولکن مراجعة الکافی تفید وصله. ومنشأ التوهُّم الذی أشرنا إلیه فَقْدُ الممارسة المطلعة علیٰ التزام تلک الطریقة...»(2).

یقول جعفر السبحانی _ حول طریقة الکلینی فی الإسناد _ : «...قد یحذف الکلینی صدر السند فی خبر مبتنیاً علیٰ الخبر الذی قبله، وهذا ما یُعبَّر عنه فی کلام أهل الدرایة بالتعلیق، فمثلاً یقول فی الخبر الأوّل من الباب: (علیّ بن إبراهیم، عن أبیه، عن ابن أبی عمیر، عن منصور

ص: 216


1- اُنظر: الطبری، محمّد بن جریر، تاریخ الأُمم والملوک: ج1، ص120، وص127، وص152، وص160، وص206، وص209.
2- الحسن بن زین الدین، منتقی الجمان فی الأحادیث الصحاح والحسان: ج1، ص24 _ 25.

بن یونس...)، وفی الخبر الثانی منه: (ابن أبی عمیر، عن الحسن بن عطیة، عن عمر بن یزید)، أو یقول فی الخبر الأوّل من الباب: (علیّ، عن أبیه، عن ابن أبی عمیر، عن أبی عبد الله صاحب السابری...)، وفی الخبر الثانی منه: (ابن أبی عمیر، عن ابن رئاب، عن إسماعیل بن الفضل). وفی الخبر الثالث منه: (ابن أبی عمیر، عن حفص بن البختری، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)...)»(1).

وعلیٰ هذا الأساس _ أیضاً _ نفسِّر إسناده إلیٰ أبی مخنف مباشرة، فإنّه لم یسند إلیه إلّا بعد أن صار واضحاً أنّه یروی عنه بواسطة هشام.

وفی ضوء هذه الفرضیة تتهاویٰ الفرضیتان السابقتان، وإن کنّا فی نفس الوقت لا نمانع من وصول کتاب مقتل أبی مخنف إلیٰ الطبری، من خلال هذا الطریق عینه.

الأمر الخامس: أشرنا _ فیما مضیٰ _ أنّ أقدمَ نصٍّ تاریخی یحتوی علیٰ نقولات من مقتل أبی مخنف هو تاریخ الطبری، وهذا لا یعنی أنّه النصّ الوحید، فهناک العدید من النصوص التی اشتملت علیٰ مرویات من هذا المقتل، وهذه النصوص علیٰ أنواع:

النوع الأوّل: ما لم یکن طریقه إلیٰ مقتل أبی مخنف یمرّ بالطبری، کالبلاذری (ت279ه_) فی أنساب الأش_راف، وابن أعثم الکوفی (ت _ نح_و _ 314ه_) فی الفتوح، والمسعودی (ت345ه_) فی مروج الذهب، وأبی الفرج الأصفهانی (ت356ه_) فی مقاتل الطالبیین، وغیرهم ممَّن نقل عن أبی مخنف عن غیر طریق الطبری.

ویمکن عدّ المفید (ت413ه_) فی الإرشاد، وسبط ابن الجوزی (ت654ه_) فی التذکرة منهم؛ فإنّهما لا ینقلان عن مقتل أبی مخنف عن طریق الطبری علیٰ ما یبدو، ففی

هذه الکتب وأمثالها یجد الباحث شذرات مبثوثة من هذا المقتل یمکن اقتصاصها وإضافتها إلیٰ مقتل أبی مخنف المستخرج من الطبری.

ص: 217


1- السبحانی، جعفر، کلیات فی علم الرجال: ص450.

النوع الثانی: ما کان معتمداً علیٰ نسخة الطبری من المؤرِّخین المتأخّرین عنه کابن الأثیر (ت630ه_) فی الکامل فی التاریخ، والذهبی (ت748ه_) فی تاریخ الإسلام، وابن کثیر (ت774ه_) فی البدایة والنهایة، وابن شهر آشوب (ت588ه_) فی مناقب آل أبی طالب، فإنّ لکلّ واحد من هؤلاء طریقه الخاص إلیٰ تاریخ الطبری، وبعض هذه النسخ غیر مطابقة لنس_خة الطبری المتداولة فی بعض الموارد؛ وبالت_الی فإنّ المتتبّع لا یُعدَم _ من خلال المقارنة _ من التقاط بعض العبارات الساقطة من تاریخ الطبری، وهی وإن کانت نادرة جدّاً إلّا أنّنا بحاجة حتیٰ إلیٰ هذا النادر، فلعلّ فیه سدّاً لثغرة مهمّة فی التاریخ الکربلائی.

النوع الثالث: هناک نُسَخ من مقتل أبی مخنف لا تتطابق مع نسخة الطبری، ولا مع الطبعة المتداولة، وأبرز نماذج ذلک نسختان:

1_ نسخة القندوزی (ت1294ه_) فی ینابیع المودة: فقد خصص الباب الحادی والستّین من الجزء الثالث من کتابه لما أورده أبو مخنف، وعند المقارنة یتّضح للباحث عدم تطابق هذه النسخة مع النسخة الشائعة المتداولة ولا نسخة الطبری، کما اتّضح لیّ عند التحقیق أنّ هذه النسخة لا یمکن أن تکون ملفّقة من النسختین؛ لانفرادها بالعدید من الموارد، مع أنّه یقول فی صدر الباب: «الباب الحادی والستّون فی إیراد ما فی الکتاب المسمّیٰ ب_(مقتل أبی مخنف) الذی ذکر فیه شهادة الحسین وأصحابه مفصّلاً... »(1).

وهذا النصّ صریح بأنّه ینقل عن کتاب کان لدیه اسمه (مقتل أبی مخنف)؛ فتکون هذه نسخة ثالثة من مقتل أبی مخنف ینبغی للباحثین والمحقّقین أن یلتفتوا إلیها.

2_ نسخة إعجاز حسین النیسابوری الکنتوری (ت1286ه_): قال فی کشف

ص: 218


1- القندوزی، سلیمان بن إبراهیم، ینابیع المودّة: ج3، ص53.

الحجب والأستار عن أسماء الکتب والأسفار: «مقتل الحسین(علیه السّلام) للوط بن یحییٰ بن سعید بن مخنف (بکسر المیم وإسکان الخاء المعجمة وفتح النون) بن سالم الأزدی الغامدی، أوله: قال أبو منذر هشام بن السائب الکلبی: أخبرنا أبو عبد الله بن الجاسر، قال: أخبرنا أبو مخنف لوط بن یحییٰ الأزدی إلخ»(1).

ولا ریب فی أنّ هذا المقتل الذی یتحدَّث عنه صاحب (کشف الحُجُب) غیر المقتل المشهور؛ لأنّ أوله _ کما مرّ علینا _ هکذا: «قال أبو مخنف: حدَّثنا أبو المنذر هشام بن محمّد بن السائب الکلبی...».

وممّا لا بدّ أن یُشار إلیه: هو أنّ صاحب (کشف الحُجُب) من العلماء المحقّقین والمنقِّبین فی الآثار، یقول عنه شهاب الدین الحسینی المرعشی النجفی: «واعلم أنّه سافر إلیٰ العراق وزار المشاهد المشرَّفة واجتمع بعلمائها؛ فأفاد واستفاد، وکثرت مجالسته مع العلّامة الحاج المیرزا حسین النوری شیخ مشایخنا فی الروایة، وجمع هناک عدّة کُتُب ومن نفائس المخطوطات فجاء بها إلیٰ خزانة کُتُب أخیه صاحب العبقات»(2).

ولا یخفیٰ أنّ عصر صاحب (کشف الحُجُب) هو عصر اکتشاف الأُصول المندثرة، وقد اکتُشفت فی هذه الفترة العدید من الکتب التراثیة المفقودة(3)؛ ولذا لا نستبعد أن تکون نسخة صاحب (کشف الحُجُب) من بین تلک الأُصول المکتشفة فی تلک الفترة، ولکنّنا مع شدید الأسف لا نعلم شیئاً عن مصیر تلک النسخة.

إنّ هاتین النسختین: نسخة ینابیع المودّة، ونسخة کشف الحُجُب والأستار، هما أبرز نماذج نُسَخ مقتل أبی مخنف، التی لا تطابق نسخة الطبری، ولا النسخة المتداولة. ویظهر

ص: 219


1- النیسابوری الکنتوری، إعجاز حسین، کشف الحُجُب والأستار عن أسماء الکتب والأسفار: ص545.
2- المصدر السابق: مقدّمة الکتاب: (ب).
3- اُنظر: حیدر حبّ الله، نظریة السنّة فی الفکر الإمامی: ص276.

من خلال التأمّل فی منقولات صاحب أسرار الشهادة عن مقتل أبی مخنف، ومقارنتها بالمقتل المتداول، ونسخة الطبری، وجود نُسَخ متعدّدة لمقتل أبی مخنف، ویبدو أنّ الدربندی کان ملتفتاً إلیٰ ذلک؛ حیث یقول فی بعض تلک الموارد: «وفی نسخة من نُسَخ کتاب أبی مخنف هکذا...»(1). فهذه العبارة تدلّ بوضوح علیٰ تعدّد نُسَخ مقتل أبی مخنف، وأنّ صاحب أسرار الشهادة کان ملتفتاً إلیٰ هذا التعدّد.

وفی ضوء هذه الحقائق التی ذک_رناها، فإنّنا نزعم أنّه یمکن _ مع مضاعفة الجه_ود _ أن یُکتب مقتل أبی مخنف بحجمٍ أکبر من المقتل المستخرَج من تاریخ الطبری.

ص: 220


1- الدربندی، آغا بن عابد، أسرار الشهادة: ج3، ص465.

خاتمة بأهمّ النتائج

1_ إنّ أبا مخنف لوط بن یحییٰ الکوفی الأزدی هو من أعلام القرنین الأوّل والثانی الهجریین.

2_ کان أبو مخنف من کبار الأخباریین والمؤرِّخین فی عص_ره، وقد اختصّ بتاریخ العراق والتشیُّع فی الفترة التی تلت رحیل النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) إلیٰ أواخر العص_ر الأُموی، وقد عُدَّ أعلم المؤرِّخین بتاریخ العراق والتشیُّع فیما یخصّ هذه الفترة.

3_ کان أبو مخنف شدید الولاء والمحبّة لأهل البیت(علیهم السّلام) ، متجاهراً فی نقل مخازی أعدائهم إلیٰ الحدِّ الذی أوهم بعض الباحثین بکونه إمامیّاً، مع أنّه لم یکن علیٰ مذهب أهل البیت(علیهم السّلام) ، ولکنّه لم یکن متعصِّباً.

4_ تکاد تتّفق کلمة الرجالیین منّا علیٰ توثیق أبی مخنف، وقبول مرویاته، وفی المقابل تکاد تتّفق کلمة مخالفینا علیٰ ترک أبی مخنف وتضعیفه، ومع ذلک فقد أجمع المؤرِّخون من الفریقین علیٰ عدم الاستغناء عنه فیما یخصّ مرویاته التاریخیّة.

5_ یعتبر أبا مخنف من أهمّ مؤرِّخی واقعة الطف، ویُعتبر مقتله أشهر المقاتل الحسینیّة علیٰ الإطلاق، وقد جاءت هذه الأهمّیة والشهرة ممَّا تضمّنه هذا المقتل من تفاصیل تکاد تکون مفقودة فی غیره، وممّا سلکه من طریق علمی فی جمع أخباره وتدوینها، وهو طریق الإسناد المعمول به بین المحدِّثین.

6_ ومقتل أبی مخنف مفقود فی هذا العصر، ولم یتبقَّ منه سویٰ ما نقله عنه المؤرِّخون المتأخرون عنه، وفی مقدمتهم الطبری فی تاریخه الکبیر، وأمّا النسخة المتداولة فهی منحولة علیه بإجماع المحقّقین.

7_ تمکنّا من العثور علیٰ الواسطة المفقودة بین الطبری وهشام بن محمّد الکلبی راوی

ص: 221

مقتل أبی مخنف، وبذلک سدَدْنا الطریق علیٰ مَن أراد أن یطعن بمرویات هذا المقتل بکونها مراسیل، ولا نتصور أنّ أحداً من الباحثین والمحققین قد سبقنا إلیٰ هذه النتیجة المهمّة.

8 _ أثبتنا بأنّ الطبری لیس هو النصّ الوحید المتضمِّن لمرویات أبی مخنف، وهذه النصوص بعضها لا یمرّ بالطبری، وینهل من أبی مخنف مباشرة، وبعضها ینهل من الطبری ولکنّها تحتوی علیٰ زیادات غیر موجودة فی المطبوعة المتداولة، وبعضها عبارة عن نُسَخ من هذا المقتل لا تتطابق مع نسخة الطبری والنسخة المتداولة. وبهذا نکون قد نبهّنا الباحثین والمحقّقین المختصین فی هذا الشأن إلیٰ إمکانیة کتابة مقتل أبی مخنف بصورة أوسع من الصورة المستخرجة من تاریخ الطبری.

ص: 222

الفصل السادس: مقتل هشام بن محمّد بن السائب الکلبی، الکوفی (000 _ 204ه_)

اشارة

ص: 223

ص: 224

تقدیم

یُعتبر هشام بن محمّد بن السائب الکلبی الکوفی، من أبرز المؤرِّخین والنسّابین فی القرن الثانی الهجری، وکان من المهتمّین بروایة أحداث ووقائع کربلاء، فهو الذی رویٰ کتاب مقتل الحسین(علیه السّلام) لشیخه أبی مخنف کما ذکرنا عند حدیثنا عن مقتله.

ویبدو أنّ الکلبی قد قرّر فیما بعد تصنیف کتاب فی مقتل الحسین(علیه السّلام)، وهذا الکتاب وإن کان مفقوداً فی هذا العصر، ولکنّنا نُقدّر أنّ المادّة الروائیة الأساسیة التی تألَّف منها هذا الکتاب کانت مأخوذة من کتاب أُستاذه أبی مخنف، ثمَّ أضاف إلیها ما توصّل إلیه عبر مصادر أُخریٰ، وأهمّها فیما نحسب:

1_ مرویات شیخه عوانة بن الحکم الکلبی (ت147ه_).

2_ مرویات والده وشیخه محمّد بن السائب الکلبی (ت146ه_).

ودعونا ننطلق الآن للحدیث عن شخصیة الکلبی وأهمّ أبعادها، ثمَّ ننطلق بعد ذلک للحدیث عن کتابه فی مقتل الحسین(علیه السّلام)، مستمدّین العون فی ذلک کلّه من الله سبحانه وتعالیٰ.

ص: 225

ص: 226

المبحث الأول :ترجمة هشام بن محمّد الکلبی

1 _ اسمه وکنیته ونسبه

هو أبو المنذر، هشام بن محمّد بن السائب، بن بشر بن زید بن عمرو، بن الحارث بن عبد الحارث بن عبد العزیٰ، بن امرئ القیس بن عامر بن النعمان، بن عامر بن عبد ود بن عوف، بن کنانة بن عوف بن عذرة، بن زید اللات بن رفیدة بن ثور بن کلب بن وبرة(1).

ویُقال له: الکلبی أو ابن الکلبی. نسبةً إلیٰ جدِّه کلب، وهو _ علیٰ ما حقّقه ابن الأثیر _ :

«کلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان، بن عمران بن الحاف بن قضاعة، وقد اختلف النسّابون فی قضاعة هل هو من معد أو من الیمن؟ فقیل: هو قضاعة ابن معد بن عدنان، وبه کان معد یکنّیٰ. وقیل: هو من الیمن، وهو قضاعة بن مالک بن حمیر بن سبأ. وقیل: قضاعة بن مالک بن عمرو بن مرّة بن زید بن مالک بن حمیر. ولهذا الاختلاف قال محمّد بن سلام البصری النسّابة لمّا سُئل: أنّ نزار أکثر أم الیمن؟ فقال ما شاءت قضاعة إن تمعددت، فنزار أکثر وإن تیمّنت فالیمن أکثر»(2).

قال الشیخ عبّاس القمّی: «والکلبی _ بفتح الکاف وسکون اللام _ نسبة إلیٰ کلب بن وبرة، قبیلة کبیرة من قضاعة، یُنسب إلیها خلق کثیر»(3).

ص: 227


1- النجاشی، أحمد بن علیّ، رجال النجاشی: ص434.
2- ابن الأثیر، علیّ بن أبی الکرم، اللباب فی تهذیب الأنساب: ج3، ص105.
3- القمی، عباس، الکنی والألقاب: ج3، ص119.

انحدر هشام بن محمّد من بیت من البیوتات التی عُرفت بولائها لأهل البیت(علیهم السّلام) ،فجدّه بشر کان من الموالین لأمیر المؤمنین(علیه السّلام)، وقد شارک هو وبنوه: السائب، وعبید، وعبد الرحمن مع أمیر المؤمنین(علیه السّلام) فی وقعتی الجَمَل وصفِّین(1).

وأمّا والده محمّد بن السائب (ت146ه_)، فقد عدّه الشیخ الطوسی فی أصحاب الإمامین الباقر والصادق(علیهماالسّلام)(2)، وعدّه البرقی من أصحاب الإمام الصادق(علیه السّلام)(3).

وقد کان محمّد بن السائب من المهتمّین بعلمی التفسیر والأنساب، حتیٰ عُدَّ رأساً فیهما.

قال ابن سعد: «وکان محمّد بن السائب عالماً بالتفسیر وأنساب العرب وأحادیثهم»(4).

وقال ابن عدی: «وللکلبی غیر ما ذکرت من الحدیث أحادیث صالحة وخاصّة، عن أبی صالح، وهو رجل معروف بالتفسیر، ولیس لأحد تفسیر أطول، ولا أشبع منه، وبعده مقاتل بن سلیمان إلّا أنّ الکلبی یُفضّل علیٰ مقاتل...»(5).

وقال الذهبی: «العلّامة،الأخباری، أبو النضر محمّد بن السائب بن بش_ر الکلبی، المفسّ_ِر، وکان أیضاً رأساً فی الأنساب»(6).

2 _ ولادته ونشأته

وُلِد هشام بن محمّد الکلبی ونشأ وتعلّم فی الکوفة، قال تلمیذه محمّد بن سعد

ص: 228


1- ابن سعد، محمّد بن سعد، الطبقات الکبری: ج6، ص341.
2- اُنظر: الطوسی، محمد بن الحسن، رجال الطوسی: ص135 _ 284.
3- اُنظر: البرقی، أحمد بن محمّد، الرجال: ص20.
4- ابن سعد، محمّد بن سعد، الطبقات الکبری: ج6، ص342.
5- ابن عدی، عبد الله، الکامل فی ضعفاء الرجال: ج7، ص284.
6- الذهبی، محمد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج11، ص309.

صاحب الطبقات: «أخبرنا هشام بن محمّد بن السائب بن بشر الکلبی، قال: علّمنی أبی وأنا غلام نسبَ النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )...»(1).

(والغلام)، بالضمّ له ثلاثة استعمالات فی کلام العرب:

الأوّل: یُطلق هذا اللفظ علیٰ الشاب الطارّ الشارب(2).

الثانی: ویُطلق أیضاً علیٰ المولود حین یولد ذکراً(3).

الثالث: ویُطلق أیضاً علیٰ الرجل الکبیر من باب المجاز باسم ما کان علیه، کما یُقال للصغیر: شیخ مجازاً باسم ما یؤول إلیه(4).

ولا ریب فی أنّ المراد من لفظ (غلام) الوارد فی کلام الکلبی هو المعنیٰ الأوّل من المعانی المتقدِّمة؛ وذلک لأنّ الغلام بمعناه الثانی لا یعقل بحقّه التعلّم والتعلیم، وأمّا المعنیٰ الثالث فهو معنیٰ مجازی یحتاج إلیٰ نصب قرینة، وهی مفقودة فی المقام، فیتعیَّن المعنیٰ الأوّل.

وأقل ما یُستفاد من هذه الروایة أنّ محمّد بن السائب والد هشام لم یرحل عن الدنیا إلّا وقد ترک هشاماً شابّاً طارّ الشارب علیٰ أقلّ الفروض، والشاب الطارّ الشارب هو ما قارب عمره ال_ 15 عاماً بحسب العادة؛ وحیث إنّ وفاة محمّد بن السائب کانت عام 146ه__، فلذا فنحن نقدِّر أنّ ولادة هشام کانت فی العقد الثانی أو الثالث من القرن الثانی الهجری، ویمکن أن ندعم هذا الاستنتاج ونؤکِّده بالأُمور التالیة:

الأمر الأوّل: إنّ أقدم شیوخه وأساتذته کانت وفیاتهم فی العقد الخامس من القرن

ص: 229


1- ابن سعد، محمّد بن سعد، الطبقات الکبری: ج1، ص46.
2- اُنظر: الزبیدی، محمد مرتضی، تاج العروس: ج17، ص176، مادّة (غ ل م).
3- اُنظر: الأزهری، محمّد بن أحمد، تهذیب اللغة: ج8، ص136، مادّة (غ ل م).
4- اُنظر: الفیومی، أحمد بن محمد، المصباح المنیر: ج2، ص452، مادّة (غ ل م).

الثانی، کمجالد بن سعید الهمدانی (ت144ه_)(1)، وعوانة بن الحکم الکلبی (ت147ه_)(2)، ولا یوجد من شیوخه وأساتذته مَن کانت وفاته قبل العقد المشار إلیه.

الأمر الثانی: عدّه فی أصحاب الإمام الصادق(علیه السّلام) دون غیره من الأئمّة، فإنّه یؤکِّد أنّ فترة تلقیه للعلم کانت قبل عام 148ه_، وهو تاریخ وفاة الإمام الصادق(علیه السّلام).

الأمر الثالث: إنّ القول بولادته فی فترة ما بین عامی 120_ 140ه_ ینسجم مع القول بوفاته عام 104ه_ کما سیأتی؛ لأنّ عمره سیکون حینئذٍ لا یتجاوز ال_ 84 عاماً علیٰ أبعد فرض، وهو ینسجم مع معدَّل العمر الطبیعی.

قال الشیخ الطهرانی: «ولم نجد تاریخ ولادة هشام الکلبی فی فهرس ابن الندیم وغیره، لکن یرشدنا أخذه الأنساب عن أبیه الذی توفّی سنة 146ه_، وکذا الحدیث المشهور عنه الذی رواه النجاشی فی کیفیّة تعلّمه من الإمام الصادق(علیه السّلام) الذیٰ توفّی سنة 148ه_ من أنّه(علیه السّلام) کان یقرّبه ویدنیه ویبسطه وکان یسبقه العلم، إلّا أنّه وُلد فی أوائل القرن الثانی وکان فی عص_ره من الکبار المحترمین...»(3). هذا من جهة ولادته ونشأته.

وأمّا من جهة تنقّلاته وأسفاره، فإنّ المعروف من سیرة ابن الکلبی، أنّه لم یخرج من الکوفة إلّا لبغداد حیث دخلها محدِّثاً کما ذکر ذلک الخطیب البغدادی، وقد أخذ عنه العلم کبارُ مؤرِّخی بغداد فی ذلک العصر، کمحمّد بن سعد صاحب الطبقات (ت212ه_)، وله حضور بیِّن فی کتاب الطبقات، ومحمّد بن أبی السری الأزدی، وأحمد بن مقدام بن سلیمان العجلی (ت253ه_) وغیرهم(4).

وقد کان نزول ابن الکلبی فی بغداد فی زمان أصبحت فیه قبلة العلم والعلماء من

ص: 230


1- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج6، ص384.
2- اُنظر: المصدر السابق: ج13، ص231.
3- الطهرانی، آغا بزرک، الذریعة إلی تصانیف الشیعة: ج2، ص370.
4- اُنظر: الخطیب البغدادی، أحمد بن علیّ، تاریخ بغداد: ج16، ص68.

جمیع الأمصار. ومن الملاحظ أنّ أغلب علماء المدینة والبصرة والکوفة فی تلک الفترة قد نزلوا بغداد وحدَّثوا بها، کما تشهد بذلک تراجمهم وسیرهم، وهذا إن دلّ علیٰ شیء فإنّما یدلّ علیٰ ازدهار العلم فی بغداد فی تلک الحقبة، وتقدّمها علیٰ سائر حواضر العلم فی بلاد الإسلام.

ولم نقف علیٰ تاریخ دقیق لقدومه لبغداد، ولا مدّة مکثه فیها، إلّا أنّه یبدو أنّ ابن الکلبی لم یبقَ فی بغداد إلیٰ آخر عمره، بل عاد إلیٰ الکوفة مرّة أُخریٰ فی آخر أیام حیاته، وتوفِّی فیها(1).

3 _ مکانته العلمیّة وطبقته ومؤلفاته

تُعتَبر شخصیة ابن الکلبی من أشهر الشخصیات العلمیّة الکوفیّة التی ذاع صیتها فی النصف الثانی من القرن الثانی الهجری، وقد اعتبره علماء الأنساب رأس هذا العلم وباقره، کما یعدّه المؤرِّخون أحد المصادر التی لا غنیٰ عنها فی مجال التاریخ الجاهلی والإسلامی.

وإلیک هذه الباقة من شهادات أهل الاختصاص بحقِّه؛ لیتّضح لک علوّ مقامه وسموّ مکانته فی علمَی التاریخ والأنساب:

قال النجاشی: «الناسب العالم بالأیام، المشهور بالفضل والعلم، وکان یختصّ بمذهبنا، وله الحدیث المشهور، قال: اعتللت علّة عظیمة نسیت علمی، فجلست إلیٰ جعفر بن محمّد(علیه السّلام)، فسقانی العلم فی کأس فعاد إلیَّ علمی. وکان أبو عبد الله(علیه السّلام) یقرِّبه ویدنیه ویبسطه»(2).

وقال محمّد بن سعد (ت230ه_) _ بحسب نقل ابن الندیم _ : «هو هشام بن محمّد بن

ص: 231


1- اُنظر: الزرکلی، خیر الدین، الأعلام: ج8، ص88. عمر کحالة، معجم المؤلفین: ج13، ص150.
2- النجاشی، أحمد بن علیّ، رجال النجاشی: ص434.

السائب بن بشر عالم بالنسب وأخبار العرب وأیامها ومثالبها ووقائعها»(1).

وقال إسحاق المصلی (الموصلی): «کنتُ إذا رأیت ثلاثة یرون ثلاثة یذوبون... علویه إذا رأیٰ مخارقاً، وأبا نواس إذا رأیٰ أبا العتاهیة، والزهری إذا رأیٰ هشاماً»(2).

وقال ابن قتیبة (ت276ه_): «وابن الکلبی هشام بن محمّد بن السائب کان أعلم الناس بالأنساب»(3).

ورویٰ الخطیب البغدادی (ت463ه_) بسنده إلیٰ محمّد بن أبی الس_ری، قال: قال لی هشام بن الکلبی: «حفظت ما لم یحفظه أحد، ونسیت ما لم ینسه أحد، کان لی عمٌّ یعاتبنی علیٰ حفظ القرآن فدخلت بیتاً وحلفت أن لا أخرج منه حتیٰ أحفظ القرآن، فحفظته فی ثلاثة أیام، ونظرت یوماً فی المرآة، فقبضت علیٰ لحیتی لآخذ ما دون القبضة، فأخذت ما فوق القبضة»(4).

قال الشیخ عباس القمّی معلِّقاً علیٰ هذه الحادثة: «وأنا أقول: لا بدع فی ذلک، فإنّ من سقاه الصادق(علیه السّلام) العلم فی کأس یحفظ القرآن بأقل من ثلاثة أیام»(5).

وقال الحموی (ت626ه_) بعد أن عنونه: «الأخباری النسّابة العلّامة: کان عالماً بالنسب وأخبار العرب وأیامها ووقائعها ومثالبها»(6).

ص: 232


1- ابن الندیم، محمّد بن إسحاق، الفهرست: ص124. وهو غیر موجود فی الطبقات، بل الموجود فی الطبقات: ج6، ص342 هکذا: «أخبرنی بذلک کلّه [یعنی: بترجمة وأحوال محمّد بن السائب] ابنه هشام بن محمّد بن السائب. وکان عالماً بالنسب وأحادیث العرب وأیامهم»، ولا ندری إن کان الضمیر فی قوله: «وکان عالماً... ». یعود علی الابن؛ فتکون هذه العبارة هی الأصل لقول ابن الندیم، وإن کان قد نقلها بالمعنی، أو أنّ الضمیر یعود علی الأب _ الذی کان عالماً بالنسب أیضاً ومنه أخذ هشام _ فیکون ابن الندیم قد اشتبه علیه الأمر، ولعل ابن الندیم نقله بالمعنی.
2- المصدر السابق: ص124.
3- ابن قتیبة الدینوری، عبد الله بن مسلم، المعارف: ص536.
4- الخطیب البغدادی، أحمد بن علیّ، تاریخ بغداد: ج16، ص68.
5- القمّی، عباس، الکنی والألقاب: ج3، ص119.
6- الحموی، یاقوت، معجم الأُدباء: ج6، ص2779.

وقال ابن أبی الحدید (ت655ه_): «... هو هشام بن محمّد بن السائب الکلبی نسّابة ابن نسّابة، عالم بأیام العرب وأخبارها، وأبوه أعلم منه، وهو یروی عن أبیه»(1).

وقال الذهبی (ت748ه_): «أبو المنذر هشام بن محمّد بن السائب العلّامة، الأخباری، النسّابة الأوحد»(2).

ویقول حاجی خلیفة (ت1067ه_): «والذی فتح هذا الباب وضبط علم الأنساب هو الإمام النسّابة: هشام بن محمّد بن السائب الکلبی المتوفّیٰ سنة أربع ومائتین، فإنّه صنَّف فیه خمسة کتب: المنزلة، والجمهرة، والوجیز، والفرید، والملوک»(3).

أمّا طبقته: فالمستظهَر من ترجمته فی رجال النجاشی کونه من طبقة أصحاب الإمام الصادق(علیه السّلام)(4)، ویؤیِّده عدُّ والده محمّد بن السائب من طبقة الإمام الباقر(علیه السّلام)، ثمَّ من طبقة الإمام الصادق(علیه السّلام)، وقد توفّی محمّد بن السائب _ کما مرّ _ عام 146ه_، أی: قبل وفاة الإمام الصادق(علیه السّلام) بسنتین، وقد رجّحنا سابقاً _ فی ضوء بعض المعطی_ات _ کون ولادة هشام فی العقد الثانی أو الثالث من القرن الثانی؛ فتکون بدایة انطلاقته العلمیة فی عص_ر الإمام الصادق(علیه السّلام).

نعم، إنّ القول بوفاة الکلبی عام 204ه_ _ کما س_یأتی _ یقتض_ی معاصرته للإمامین الکاظم (ت183ه_) والرضا (ت203ه_)(علیهماالسّلام)، ومع ذلک فلم یدّعِ أحد صحبته لهما وأخذه عنهما.

وقد رویٰ هشام عن أبیه محمّد بن السائب، ومجالد بن سعید، وأبی مخنف لوط بن

ص: 233


1- ابن أبی الحدید المعتزلی، عبد الحمید، شرح نهج البلاغة: ج18، ص66.
2- الذهبی، محمد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج19، ص83.
3- حاجی خلیفة، کشف الظنون: ج1، ص178.
4- اُنظر: النجاشی، أحمد بن علیّ، رجال النجاشی: ص434.

یحییٰ، وطائفة(1).

وحدّث عنه: ابنه العبّاس، وخلیفة بن خیاط، ومحمّد بن سعد صاحب الطبقات، ومحمّد بن أبی السری، وأبو الأشعث أحمد بن المقدام، وغیرهم(2).

وقد ترک الکلبی ثروة ضخمة من المصنَّفات، یُقال: بلغت تصانیفه مائة وخمسین مصنَّفاً(3)، وقد عدّ ابن الندیم منها مائة وأربعة وأربعین کتاباً، وعدَّ النجاشی منها خمسین کتاباً، وهی: «کتاب المذیّل الکبیر فی النسب، وهو ضعف کتابه الجمهرة، وکتابه الجمهرة، وکتاب حروب الأوس والخزرج، وکتاب المشاتمات بین الأشراف، وکتاب القداح والمیس_ر، وکتاب أسواق العرب، وکتاب أخبار ربیعة والبسوس وحروب تغلب وبکر، وکتاب أنساب الأُمم، وکتاب المعمِّرین، کتاب الأوائل، کتاب أخبار قریش، کتاب أخبار جرهم، کتاب أخبار لقمان بن عاد، کتاب أخبار بنی تغلب وأیامهم وأنسابهم، کتاب أخبار بنی عجل وأنسابهم، کتاب بنی حنیفة، کتاب کلب، کتاب أخبار تنوخ وأنسابها، کتاب مثالب ثقیف، کتاب مثالب بنی أُمیّة، کتاب الطاعون فی العرب، کتاب الأصنام، کتاب فتوح العراق، کتاب فتوح الشام، کتاب الردّة، کتاب فتوح خراسان، کتاب فتوح فارس، کتاب مقتل عثمان، کتاب الجَمَل، کتاب صفِّین، کتاب النهروان، کتاب الغارات، کتاب مقتل أمیر المؤمنین(علیه السّلام)، کتاب مقتل حجر بن عدی، کتاب مقتل رشید ومیثم وجویریة بن مسهر، کتاب عین الوردة، کتاب الحَکَمَین، کتاب مقتل الحسین(علیه السّلام)، کتاب قیام الحسن(علیه السّلام)، کتاب أخبار محمّد بن الحنفیة، کتاب التباشیر بالأولاد، کتاب الموؤودات، کتاب مَن نُسب إلیٰ أُمّه من قبائل العرب، کتاب الطائف، کتاب رموز العرب، کتاب غرائب قریش وبنی هاشم فی سائر العرب، کتاب أجزاء الخیل، کتاب الرواد، کتاب الجیران،

ص: 234


1- اُنظر: الذهبی، محمّد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج19، ص83.
2- اُنظر: الخطیب البغدادی، أحمد بن علیّ، تاریخ بغداد: ج16، ص68.
3- اُنظر: الذهبی، محمّد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج19، ص83.

کتاب الخطب»(1).

هذا ما عدّه النجاشی من کُتب ابن الکلبی، وینبغی أن نشیر إلیٰ أنّ أکثر کتب ابن الکلبی التی ذکرها ابن الندیم والنجاشی وغیرهما غیر موجودة فی هذا العص_ر، وما هو موجود منها فعلاً _ کما ذکر المحقّق المتتبّع الشیخ نجاح الطائی _ لا یتعدّیٰ سبعة کُتُب هی:

1_ مثالب العرب (مطبوع).

2_ أسواق العرب (مخطوط).

3_ أخبار بکر وتغلب (مخطوط).

4_ الجمهرة فی النسب (مطبوع).

5_ نسب الخیل (مطبوع).

6_ نسب معد والیمن الکبیر (مطبوع).

7_ کتاب الأصنام (مطبوع)(2).

هذا ما ذکره المحقق المتتبّع الشیخ نجاح الطائی حول کتب ابن الکلبی الموجودة فعلاً (المخطوط والمطبوع منها)، ولکن الشیخ الطهرانی فی کتابه الذریعة قال: «ومن آثاره الباقیة أیضاً: کتابه (الملوکی فی النسب) و(المنزل الکبیر) أیضاً فی النسب و(نسب الخیل) و(المعمِّرین) و(الجمهرة) کلّها موجودة»(3).

ففی هذا النصّ توجد ثلاثة کُتب أُخریٰ یدّعی الشیخ الطهرانی وجوده_ا

_ بالإضافة إلیٰ ما ذکره الطائی _ وهی:

1_ الملوکی فی النسب.

ص: 235


1- النجاشی، أحمد بن علیّ، رجال النجاشی: ص434 _ 435.
2- اُنظر: ابن الکلبی، هشام بن محمد ، مثالب العرب (مقدّمة تحقیق الکتاب): ص9.
3- الطهرانی، آغا بزرک، الذریعة إلی تصانیف الشیعة: ج22، ص20.

2_ المنزل الکبیر.

3_ المعمِّرین.

ولکن الطهرانی _ ومع شدید الأسف _ لم یعیِّن لنا أماکن هذه الکتب. هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإنّ الکثیر من مضامین کتب الکلبی التالفة قد وصلت إلینا عِبْر الموسوعات التاریخیّة، وقد أثبتها المؤرِّخون فی مصنَّفاتهم قبل تلفها، ومنهم: محمّد بن سعد کاتب الواقدی (ت230ه_) فی الطبقات الکبریٰ، وخلیفة بن خیاط العصفری (ت240ه_) فی الطبقات والتاریخ، ومحمّد بن حبیب البغدادی (ت245ه_) فی المنمق فی أخبار قریش، ومحمّد بن جریر الطبری (ت310ه_) فی تاریخ الأُمم والملوک، والمسعودی فی مروج الذهب (ت346ه_) وغیرهم.

وأمّا علماء الأنساب، فکلّهم عیال علیه کما عرفت، وقد اعتمد المؤلِّفون منهم علیه بشکل رئیسی، وقد اعترفوا جمیعاً بتقدُّمه وریادته فی هذا الحقل، وقد حملت إلینا کتبهم الکثیر من آرائه وأقواله فی علم الأنساب.

ویُذکر هشام _ عادة _ فی المصادر المشار إلیها بعنوان (هشام بن محمد)، أو(هشام بن محمّد بن السائب)، أو (الکلبی)، أو (ابن الکلبی).

4 _ مذهبه ومعتقده

قال النجاشی _ کما مرّ علینا _ : «... وکان یختصّ بمذهبنا، وله الحدیث المشهور، قال: اعتللت علّة عظیمة نسیتُ عِلمی، فجلست إلیٰ جعفر بن محمّد(علیه السّلام)، فسقانی العلم فی کأس؛ فعاد إلیَّ عِلمی. وکان أبو عبد الله(علیه السّلام) یقرِّبه ویدنیه ویبسطه».

وقد تسالم الرجالیون من الشیعة علیٰ تشیُّعه واختصاصه بمذهب أهل البیت(علیه السّلام)، ولم

ص: 236

یخالف فی ذلک أحدٌ من المتقدِّمین والمتأخِّرین(1)، سویٰ ما نقله الطوسی فی (اختیار معرفة الرجال) المعروف ب_ (رجال الکشی)؛ حیث اعتبر الکلبی من رجال العامّة الذین لهم میل ومحبّة شدیدة لأهل البیت(علیه السّلام)، ثمّ قال: «وقد قیل: إنّ الکلبی کان مستوراً ولم یکن مخالفاً»(2).

ویبدو أنّ الطوسی کان معتقداً بما نقله عن الکش_ی حول هشام؛ ولذا لم یذکره فی الرجال ولا فی الفهرست إلّا من حیث وقوعه فی بعض الأسانید، وقد اشتبه صاحب أعیان الشیعة فی قوله: «وذکره الشیخ الطوسی فی رجال الصادق(علیه السّلام)، وقال: إنّه مولیٰ»(3)، فإنّ هذا شخص آخر غیر هشام بن محمّد الکلبی جزماً؛ لأنّه من الواضح أنّ هشاماً صاحب الترجمة لم یکن مولیٰ لبنی کلب، بل هو من أنفسهم.

وهذا الذی ذهبنا إلیه _ من التفریق بین هشام الکلبی وهشام المولیٰ المذکور فی رجال الطوسی _ یذهب إلیه غیر واحد من المحقّقین فی الرجال، منهم: السید الخوئی، فقد ذَکره بعد ذِکره لهشام الکلبی مباشرة، وقد قال عنه: «هشام بن محمّد: مولیٰ، من أصحاب الصادق(علیه السّلام)» (4).

وعلیٰ أیّة حالٍ، فإنّ الرجل من الشیعة الإمامیّة بلا ریب، وما ذهب إلیه الکش_ی أو الطوسی لا یرجَّح علیٰ ما ذهب إلیه النجاشی لسببین علیٰ الأقل:

أولاً: إنّ قول النجاشی یُقدَّم علیٰ قول غیره فی الجرح والتعدیل وما یلزمهما من مقدِّمات، ومن تلک المقدِّمات معرفة مذهب الرجل ومعتقده ونحوها ممَّا له مدخلیّة فی

ص: 237


1- اُنظر_ مثلاً _: النجاشی، أحمد بن علیّ، رجال النجاشی: ص434.العلّامة الحلّی، الحسن بن یوسف، خلاصة الأقوال فی معرفة الرجال: ص289.الحلّی، ابن داود، رجال ابن داود: ص201.التفرشی، مصطفی بن الحسین، نقد الرجال: ج5، ص52. الشبستری، عبد الحسین، أصحاب الإمام الصادق(علیه السّلام): ج2، ص389. الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ص20، ص336.
2- الطوسی، محمّد بن الحسن، اختیار معرفة الرجال (رجال الکشی): ج2، ص687.
3- الأمین، محسن، أعیان الشیعة: ج10، ص265.
4- الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج20، ص337.

الجرح والتعدیل؛ ولذا وجدنا أغلب الرجالیین قد قالوا بتشیُّعه واختصاصه بمذهبنا تبعاً للنجاشی، ولم یلتفتوا إلیٰ کلام الکشی فیه وإهمال الطوسی له.

ثانیاً: إنّ قول الکش_ی _ بحسب نقل الطوس_ی _ : «إنّ الکلبی کان مستوراً...»، لیس صحیحاً، فإنّ هشاماً کان متجاهراً ومعروفاً بولائه لأهل البیت(علیه السّلام)؛ ولذا نسبه العامّة إلیٰ الرفض والتشیُّع والغلو فی مذهب أهل البیت(علیهم السّلام) .

قال ابن حبان: «...وکان غالیاً فی التشیُّع...»(1).

وقال ابن عساکر: «رافضی، لیس بثقة»(2).

ووصفه الذهبی: ب_«الکوفی، الشیعی»(3).

5 _ وثاقته وعدالته

اشارة

مرَّ علینا قول النجاشی فی ابن الکلبی: «الناسب العالم بالأیام، المشهور بالفضل والعلم، وکان یختصّ بمذهبنا، وله الحدیث المشهور، قال: اعتللت علّة عظیمة نسیت عِلمی، فجلستُ إلیٰ جعفر بن محمّد(علیه السّلام)، فسقانی العِلم فی کأس؛ فعاد إلیَّ عِلمی. وکان أبو عبد الله(علیه السّلام) یقرِّبه ویدنیه ویبسطه».

وهذا النصّ کما أنّه یدلّ علیٰ تشیُّع الکلبی وإمامیّته واختصاصه بمذهب أهل البیت(علیهم السّلام) ، فإنّه یدلّ أیضاً علیٰ عدالته ووثاقته وجلالته، وکما أشرنا سابقاً فقد نقل أغلب رجالی الشیعة نصَّ النجاشی فی مدوناتهم الرجالیّة، وقد اقترن نقلهم بالموافقة والقبول بما قاله النجاشی فی حقِّه؛ ومن هنا نستطیع أن ندّعی وثاقة وعدالة وجلالة ابن الکلبی عند

ص: 238


1- ابن حبان، محمّد بن حبان، المجروحین من المحدِّثین: ج3، ص91، برقم (1157).
2- اُنظر: الذهبی، محمّد بن أحمد، میزان الاعتدال: ج4، ص304.
3- الذهبی، محمّد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج19، ص83.

أکثر رجالیّی الشیعة.

نعم، قد یُقال: بأنّ نصَّ النجاشی _ الذی هو الأصل فی توثیق الکلبی _ لا یفید توثیقاً، وعبائره لا تزید علیٰ المدح، وهذا الکلام ربما یصحّ لو قص_رنا النظر علیٰ قوله: «المشهور بالفضل والعلم». أو قوله: «وکان یختصُّ بمذهبنا»، ولکن لو نظرنا إلیٰ قوله فی ذیل النصّ: «وکان أبو عبد الله(علیه السّلام) یقرِّبه ویدنیه ویبسطه»، فلا محیص لنا من القول بوثاقة هذا الرجل وعدالته وجلالته، فحاشا للإمام(علیه السّلام) أن یقرِّب أو یُدنی منه کاذباً أو فاسقاً، فالإمام(علیه السّلام) منهجه منهج القرآن الذی یقول: « إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاکُمْ » (1).

وقد یُقال: لعل سبب تکریم الإمام(علیه السّلام) له، هو ما کان یحمله من العلم، والعلم سبب من أسباب التکریم، ومقیاس من مقاییس التفضیل؛ لقوله تعالیٰ: « هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ » (2).

والجواب: إنّ العلم إنّما یکون سبباً من أسباب التکریم إذا کان مقترناً بالتقویٰ، وما قیمة العلم المتّهم صاحبه بالکذب، خصوصاً إذا کان من جنس العلم القائم علیٰ الأخبار والحکایات کما هو العلم الذی یحمله الکلبی.

وقد یُقال: إنّ ذیل النصِّ لیس من کلام النجاشی، بل هو جزء من الروایة، وهذه الروایة مرسلة فلا یصحّ الاستشهاد بها!

والجواب: أولاً: الظاهر أنّ هذه العبارة من کلام النجاشی علّق بها علیٰ الروایة، وکون هذه العبارة جزءاً من الروایة _ أی: من کلام الراوی لا من کلام النجاش_ی _ هو مجرّد احتمال خلاف الظاهر.

ص: 239


1- الحجرات: آیة 13.
2- الزمر: آیة 9.

ثانیاً: إنّ هذه الروایة من الروایات المشهورة بین القدماء، کما یدلّ علیٰ ذلک قول النجاشی: «وله الحدیث المشهور»، والشهرة الروائیّة بین القدماء تجعل الخبر غیر الموثوق بصدوره فی نفسه موثوقاً، کما هو مقرّر فی علم الأُصول.

یقول السیِّد الخوئی: «...فلا ریب أنّ کثرة روایة أص_حاب الأئمّة(علیهم السّلام) لروای_ة معیَّنة _ ولو کان فی سندها مَن لا یوثق به _ یوجب الظنّ الاطمئنانی باحتفافها بقرینة أوجبت اشتهارها بین الأصحاب؛ لقرب عهدهم من زمان صدورها، فیکشف ذلک عن تثبّتهم فیها ووقوفهم علیٰ ما یوجب اطمئنان النفس بصدورها...»(1).

الکلبی فی رجال العامّة:

هذا کلّه بحسب رجالنا، أمّا فی رجال العامّة فقد أجمعت کلمتهم علیٰ ترکه وطرح أحادیثه فی العقیدة والتشریع، ولم نجد لذلک سبباً ظاهراً سویٰ تشیُّعه واختصاصه بمذهب أهل البیت(علیهم السّلام) ، وهذا ما صرّح به ابن حبان جهاراً نهاراً، حیث قال فیه _ بعد أن وضعه فی قائمة المجروحین _ : «هشام بن محمّد بن السائب، أبو المنذر الکلبی من أهل الکوفة، یروی عن أبیه _ ومعروف مولیٰ سلیمان والعراقیین _ العجائب والأخبار التی لا أُصول لها، رویٰ عنه شباب العصفری، وعلیّ بن حرب الموصلی، وعبد الله بن الضحاک الهدادی، وکان غالیاً فی التشیُّع، أخباره فی الأغلوطات أشهر من أن یحتاج إلیٰ الإغراق فی وصفها»(2).

وقال ابن عساکر: «رافضی، لیس بثقة»(3).

وقال الذهبی: «وکان حافظاً علّامة، إلّا أنّه متروک الحدیث، فیه رفض»(4).

ص: 240


1- الخوئی، أبو القاسم، أجود التقریرات: ج2، ص159.
2- ابن حبان، محمّد بن حبان، المجروحین من المحدِّثین: ج3، ص91، برقم (1157).
3- اُنظر: الذهبی، محمّد بن أحمد، میزان الاعتدال: ج4، ص304.
4- الذهبی، محمّد بن أحمد، العِبَر فی خَبر مَن غَبر: ج1، ص271.

هذا هو موقف العامّة من مرویات الکلبی فی مجال العقیدة والتشریع، أمّا حینما نأتی إلیٰ علمَی التاریخ والأنساب _ ولا سیما الأخیر _ نجد أنّ روّاد هذین المیدانین کلّهم عیال علیه، ونلاحظ: أنّ الموسوعات التاریخیّة الکبریٰ وکُتب الأنساب مشحونة من روایاته وأخباره، وقد نقلنا فی بدایة حدیثنا عن (مکانته العلمیّة وطبقته ومصنّفاته) الکثیر من الأقوال الدالّة علیٰ قبول مرویاته فی مجالَی التاریخ والأنساب عند العامّة، بل فی تلک الأقوال ما یدلّ علیٰ تقدُّمه فی هذین الحقلین وعدم غناهم عنه.

6 _ وفاته

توفّی ابن الکلبی فی الکوفة سنة 204ه_ علیٰ ما صححه أکثر المؤرِّخین، وقیل: سنة 206ه_.

قال الخطیب البغدادی (ت463ه_): «بلغنی أنّ هشام ابن الکلبی مات فی سنة أربع ومائتین، وقیل: سنة ستّ ومائتین»(1).

وقال یاقوت الحموی (ت626ه_): «مات هشام سنة أربع ومائتین، وقیل: سنة ستّ»(2).

وقال ابن خلکان (ت681ه_): «وتوفّی سنة أربع ومائتین، وقیل: سنة ستّ، والأوّل أصح، والله أعلم بالصواب، رحمه الله تعالیٰ»(3).

وقال الذهبی (ت748ه_): «مات ابن الکلبی علیٰ الصحیح سنة أربع ومائتین، وقیل:بعد ذلک بقلیل... وقیل: مات سنة ستّ ومائتین»(4).

ویبدو لی أنّ أصل الرأی القائل بوفاة الکلبی سنة 206ه_ والذی ضعّفه المؤرِّخون

ص: 241


1- الخطیب البغدادی، أحمد بن علیّ، تاریخ بغداد: ج16، ص68.
2- الحموی، یاقوت بن عبد الله، معجم الأُدباء: ج6، ص2779.
3- ابن خلکان، أحمد بن محمّد، وفیات الأعیان: ج6، ص84.
4- الذهبی، محمد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج19، ص83.

السابقون هو ابن الندیم، فقد صرّح فی فهرسه بوفاة هشام الکلبی سنة 206ه_، والذی لم یُشر إلیٰ الرأی الآخر فی المقام؛ ممّا یدلل علیٰ استبعاده له أو عدم اطّلاعه علیه(1).

وقد نسب الصفدی هذا الرأی _ أعنی الرأی القائل بوفاته سنة 206ه_ _ إلیٰ ابن سعد صاحب الطبقات(2)، ولو ثبت ذلک عن ابن سعد لکان هذا الرأی هو الرأی الأصح؛ نظراً لمعاصرته لهشام وتتلمذه علیٰ یدیه فی بغداد کما ذکرنا، ولکنّنا أطلنا الفحص فی کتاب الطبقات ولم نعثر علیٰ شیءٍ من ذلک.

ومن الواضح من خلال رصد السیر التاریخی لهذین الرأیین فی وفاة ابن الکلبی أنّ الخطیب البغدادی هو المصدر الأوّل للرأی القائل بوفاته سنة 204ه_، کما أنّه هو أوّل مَن رجّح هذا الرأی علیٰ الرأی الآخر، ثمَّ تابعه القوم علیٰ ذلک، ولم یبیِّن لنا الخطیب البغدادی ولا غیره مستنده فی هذا الترجیح.

ص: 242


1- ابن الندیم، محمّد بن إسحاق، الفهرست: ص124.
2- الصفدی، خلیل بن أیبک، الوافی بالوفیات: ج27، ص212.

المبحث الثانی: کتاب مقتل الحسین(علیه السّلام) للکلبی

اشارة

تُعتبر کتابة المقاتل أحد أنواع الکتابة التاریخیّة التی بدأت مع بدایات عص_ر التدوین، وقد کان لهشام الکلبی اهتماماً ملحوظاً فی هذا المحور، حیث کتب عدّة مقاتل لعدّةٍ من الشخصیات البارزة فی المجتمع الإسلامی فی القرن الهجری الأوّل، وکُتُبه فی هذا المجال بلغت خمسة کتب هی:

1_ مقتل عثمان.

2_ مقتل أمیر المؤمنین(علیه السّلام).

3_ مقتل حجر بن عدی.

4_ مقتل رشید ومیثم وجویریة بن مسهر.

5_ مقتل الحسین(علیه السّلام)(1).

وقد أشرنا فیما مضیٰ إلیٰ فقدان أکثر کُتُب هشام الکلبی فی هذا العصر، وقد کان من جملة کتبه المفقودة کتابه فی مقتل الحسین(علیه السّلام)، غیر أنّ من حُسن الحظِّ أنّ الکثیر من المرویات التی جمعها ابن الکلبی فی کتابه مقتل الحسین(علیه السّلام) قد وصلتنا عِبَر المصادر التاریخیّة المتأخّرة عن عصر ابن الکلبی، والتی اهتمّت بحفظ وتسجیل النصّ الکربلائی، وأخذه من منابعه الأصلیّة، وهذا ما سنفصِّل الکلام عنه فی السطور التالیة:

ص: 243


1- اُنظر: النجاشی، أحمد بن علیّ، رجال النجاشی: ص435.

1 _ علاقة مقتل ابن الکلبی بمقتل أبی مخنف

عند حدیثنا عن کتاب مقتل الحسین(علیه السّلام) لأبی مخنف لوط بن یحییٰ الأزدی الکوفی (ت157ه_)، ذکرنا هناک أنّ الکلبی هو تلمیذ أبی مخنف وهو الراوی لکتابه فی المقتل، ویبدو أنّ کتاب مقتل الحسین(علیه السّلام) للکلبی هو عین کتاب أبی مخنف مع إضافات أُخریٰ توصّل إلیها الکلبی عن غیر طریق أبی مخنف، فأخبار أبی مخنف المرتبطة بواقعة کربلاء

_ والتی أش_رنا إلیٰ مواضع_ها هناک _ تُشکِّل المادّة الأساسیّة لکتاب مقتل الحسین(علیه السّلام) للکلبی.

إنّ من الطُرُق المألوفة بین الأخباریین والمؤرِّخین القدامیٰ أن یأخذ التلمیذُ أحدَ کتب أُستاذه، ویجعله أساساً لکتاب یقوم التلمیذُ بتصنیفه فی نفس الموضوع، وربما حمل نفس العنوان، وقد یشتُهر کتاب التلمیذ أکثر من کتاب الأُستاذ، لا سیما إن طالت ید التلف والضیاع کتابَ الأُستاذ، وشاءت الأقدار أن یبقیٰ کتاب التلمیذ، ومن أمثلة ذلک: المؤرِّخ الکبیر محمد بن سعد البصری البغدادی (ت230ه_) الذی سار فی کتابه الشهیر (الطبقات الکبریٰ) علیٰ منوال کتاب (الطبقات) المفقود لأُستاذه الواقدی وأفاد منه کثیراً.

ویمکن مقاربة هذا النوع من أنواع الکتابة بما هو شائع فی کتابة الرسائل العملیّة فی عصرنا، حیث یعمد الفقیه إلیٰ الرسالة العملیّة لأُستاذه، فیقوم بتطبیقها علیٰ فتاویه مع تغییر مواضع الخلاف وتوضیح بعض المواضع وإضافة فروع وعناوین جدیدة أُخریٰ إلیها، ثمَّ تُطبع بنفس العنوان السابق، ولکن باسم الفقیه اللاحق، کما یمکن اعتبار کتاب عوالم العلوم للشیخ عبد الله البحرانی مصداقاً من مصادیق الجَرْی علیٰ هذه الطریقة، حیث إنّ الکتاب هو عبارة عن نسخة مکرّرة من کتاب البحار لأُستاذه المجل_سی مع إضافات وتغییرات بسیطة.

وإنّما سقنا هذا الکلام، لیتّضح للقارئ الکریم شیوع هذه الطریقة ومقبولیتها بین

ص: 244

قدماء الأخباریین، وأنّها کانت لوناً من ألوان الکتابة التاریخیّة المستساغة لدیهم، إلیٰ جانب الإملاء والتهذیب والتحشیّة وغیرها من ألوان الکتابة التی کانت شائعة فی ذلک العص_ر، ولأنّنا لم نجد من الباحثین مَن تحدَّث عن هذه الطریقة بشیءٍ من التفصیل.

وعلیٰ أیِّة حال، فإنّ مقتل هشام الکلبی هو عبارة عن مقتل أبی مخنف مع إضافات الکلبی التی توصّل إلیها بطرقه الخاصّة، وحیث إنّنا قد تحدَّثنا سابقاً عن مقتل أبی مخنف، فإنّنا نحیل القارئ الکریم إلیٰ هناک، وبقی علینا أن نتحدَّث عن مرویات مقتل الکلبی التی توصّل إلیها عن غیر طریق أبی مخنف فی الطبری، ثمّ نتحدَّث عن مرویاته فی غیر الطبری، وأهمّها: کتاب الإرشاد للشیخ المفید، وکتاب تذکرة الخواص لسبط بن الجوزی، وهو ما تتکلّف به العناوین التالیة.

2 _ ما رواه هشام عن غیر أبی مخنف فی الطبری

یبلغ ع_دد رواة هش_ام فی الطبری _ غیر أبی مخنف _ تسعة رواة، وهؤلاء هم الذین اتّصل بهم هشام مباشرة، وحدَّثوه عن الأحداث من خلال واسطة واحدة أو واسطتین، وسنقوم فیما یلی بتعداد أسماء هؤلاء الرواة مع الإشارة إلیٰ مرویاتهم وتحدید مواضعها فی الطبری.

1_ عوانة بن الحکم الکلبی الکوفی، وهو من أهمّ مصادر هشام بعد أبی مخنف، غیر أنّه علیٰ النقیض منه، فقد کان متّهماً بولائه للأُمویین، ووضع الأحادیث والأخبار لهم، کما ذکر ذلک غیر واحد من المؤرِّخین.

قال الزرکلی: «عوانة بن الحکم بن عوانة بن عیاض، من بنی کلب، أبو الحکم: مؤرِّخ من أهل الکوفة، ضریر، کان عالماً بالأنساب والشعر، فصیحاً، واتُّهم بوضع الأخبار لبنی أُمیّة»(1).

ص: 245


1- الزرکلی، خیر الدین، الأعلام: ج5، ص93.

ونقل صاحب لسان المیزان، عن عبد الله بن المعتز، عن الحسن بن علیل العنزی قوله فی عوانة بن الحکم: «إنّه کان عثمانیّاً، فکان یضع الأخبار لبنی أُمیّة»(1). ومع ذلک فقد اعتمد هشام علیٰ بعض مرویاته، ولعل انتساب عوانة إلیٰ نفس قبیلة هشام (بنی کلب)، وانتمائه إلیٰ نفس مدینته (الکوفة) جعل اتّصال هشام به أمراً طبیعیّاً.

ویبدو أنّ هشاماً لم یقم بغربلة روایات عوانة؛ ولذا یجب التعاطی بحذر شدید مع روایات هذا الرجل وغربلتها حتیٰ وإن کان وصولها إلینا عبر طریق هشام، فقد رویٰ الطبری ستّ روایات ممَّا کان یحدِّث به هشام عن شیخه عوانة، ویغلب علیٰ بعض تلک الروایات طابع التبرئة لساحة یزید ومحاولة إلصاق الجرائم التی ارتُکبت فی کربلاء بعبید الله بن زیاد وعمر بن سعد وأعوانهما، وفیما یلی نشیر إلیٰ مواضع تلک الروایات:

الروایة الأُولیٰ: اجتماع کتب أعوان بنی أُمیّة فی الکوفة عند یزید، ودعوته لس_رجون ومشاورته فی الأمر، وأخذ یزید برأی سرجون، وأوّل الروایة: قال هشام: قال عوانة: «فلمّا اجتمعت الکتب عند یزید لیس بین کتبهم إلّا یومان، دعا یزید بن معاویة سرجون مولیٰ معاویة، فقال: ما رأیک؟...»(2).

الروایة الثانیة: لقاء الفرزدق بالحسین(علیه السّلام)، ثمَّ لقاء الفرزدق بعبد الله بن عمرو بن العاص، ثمّ مجیء الخبر بقتل الحسین(علیه السّلام)، ومعرفة الناس بقتل الحسین(علیه السّلام) قبل حدوثه، وأوّل الروایة: قال هشام، عن عوانة بن الحکم، عن لبطة بن الفرزدق بن غالب، عن أبیه، قال: «حججت بأُمّی، فأنا أسوق بعیرها حین دخلت الحرم فی أیام الحجّ، وذلک فی سنة ستّین، إذ

لقیت الحسین بن علیّ خارجاً من مکّة معه أسیافه وتراسه...»(3).

ص: 246


1- ابن حجر، أحمد بن علیّ، لسان المیزان: ج6، ص247.
2- الطبری، محمّد بن جریر، تاریخ الأُمم والملوک: ج5، ص356.
3- المصدر السابق: ج5، ص386.

الروایة الثالثة: دخول عمّار بن عبد الله بن یسار الجهنی علیٰ عمر بن سعد قبل مسیره إلیٰ الحسین(علیه السّلام)، إلیٰ حین نزول الأخیر بکربلاء، وإرساله الرُّسُل إلیٰ الحسین(علیه السّلام) یسألونه ما الذی جاء به؟ وماذا یرید؟ وأوّل الروایة: قال هشام: حدَّثنی عوانة بن الحکم، عن عمّار ابن عبد الله بن یسار الجهنی، عن أبیه، قال: «دخلت علیٰ عمر بن سعد، وقد أمر بالمسیر إلیٰ الحسین(علیه السّلام)...»(1).

الروایة الرابعة: جانب من أحداث السبی فی حبس الکوفة، ثمّ تسریحهم ووصولهم إلیٰ الشام، وجانب ممّا حصل من أحداث ومحاورات هناک، وأوّل الروایة: قال هشام: وأمّا عوانة بن الحکم الکلبی، فإنّه قال: «لمّا قُتل الحسین وجیء بالأثقال والأُساریٰ حتیٰ وردوا بهم الکوفة إلیٰ عبید الله، فبینا القوم محتبسون...»(2).

الروایة الخامسة: إرسال ابن زیاد لعبد الملک بن أبی الحارث السلمی إلیٰ المدینة یُخبر عمرو بن سعید بن العاص بقتل الحسین(علیه السّلام)، وأوّل الروایة: قال هشام: حدَّثنی عوانة بن الحکم، قال: «لمّا قتل عبیدُ الله بن زیاد الحسینَ بن علیّ، وجیء برأسه إلیه، دعا عبدَ الملک بن أبی الحارث السلمی، فقال: انطلق حتیٰ تقدم المدینة علیٰ عمرو بن سعید بن العاص، فبش_ّره بقتل الحسین(علیه السّلام)...»(3).

الروایة السادسة: مطالبة ابن زیاد عمر بن سعد بالکتاب الذی کتبه إلیه بقتل الحسین(علیه السّلام)، وأوّل الروایة: قال هشام: عن عوانة، قال: «قال عبید الله بن زیاد لعمر بن سعد بعد قتله الحسین: یا عمر، أین الکتاب الذی کتبتُ به إلیک فی قتل الحسین؟...»(4).

2_ أبو بکر بن عیاش بن سالم الأسدی (95-193ه_)، الکوفی، الحنّاط، المقرئ،

ص: 247


1- الطبری، محمّد بن جریر، تاریخ الأُمم والملوک: ج5، ص410.
2- المصدر السابق: ج5، ص463.
3- المصدر السابق: ج5، ص465.
4- المصدر السابق: ج5، ص467.

الفقیه، المحدِّث، وفی اسمه أقوال: أشهرها شعبة، عامّی المذهب، وُلِد سنة 95ه_ وتوفِّی سنة 193ه_، وقد وثّقه العامّة وأثنوا علیه(1).

رویٰ عنه هشام خبراً واحداً، وخبره یدور حول: تبرئة عبد الملک بن عمیر اللخمی المتّهم بذبح عبد الله بن یقطر، وورود خبر مقتله ومقتل مسلم وهانئ (رضوان الله علیهم أجمعین) إلیٰ الحسین(علیه السّلام) فی زبالة، وتفرّق الناس عنه بعد سماع النبأ، وأول الخبر: قال هشام: حدَّثنا أبو بکر بن عیاش عمّن أخبره، قال: «والله، ما هو عبد الملک بن عمیر الذی قام إلیه فذبحه، ولکنّه قام إلیه رجل جعد طوال یُشبه عبد الملک بن عمیر...»(2).

3_ لقیط، لا یُعرف مَن هو، وإن کنت أحتمل أنّه لقیط بن یاسر الجهنی (لعنه الله) قاتل محمد بن أبی سعید بن عقیل(علیه السّلام)(3)، بقرینة روایته عن علیّ بن الطعان المحاربی الذی کان فی معسکر یزید لعنه الله.

وعلیٰ أیِّة حال، فقد رویٰ هشام عن لقیط هذا خبراً واحداً مفصّلاً حول لقاء الحرّ (رضوان الله علیه) بالحسین(علیه السّلام) ومسایرته له، وأوّله هکذا: قال هشام: حدَّثنی لقیط، عن علیِّ بن الطعان المحاربی: «کنت مع الحرّ بن یزید، فجئت فی آخر مَن جاء من أصحابه، فلمّا رأیٰ الحسین ما بی وبفرسی من العطش قال: أنخ الراویة...»(4).

4_ أبو الهذیل السکونی، بفتح السین وضم الکاف، نسبةً إلیٰ السکون بطن من کندة(5)، لیس له ذِکْر فی الرجال، له خبر واحد فی الطبری رواه عنه هشام حول حدیث هانئ بن ثبیت الحضرمی فی مجلس الحضرمیین أوله:

ص: 248


1- اُنظر ترجمته فی: الذهبی، محمد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج16، ص22.
2- الطبری، محمد بن جریر، تاریخ الأُمم والملوک: ج5، ص398.
3- المصدر السابق: ج5، ص469.
4- المصدر السابق: ج5، ص401.
5- اُنظر حول هذه النسبة: السمعانی، عبد الکریم بن محمّد، الأنساب: ص164 _ 165.

قال هشام: حدَّثنی أبو الهذیل _ رجل من السکون _ عن هانئ بن ثبیت الحض_رمی، قال: «رأیته جالساً فی مجلس الحضرمیین فی زمان خالد بن عبد الله وهو شیخ کبیر، قال: فسمعته وهو یقول: کنت ممَّن شهد قتل الحسین...»(1).

5_ عمرو بن شمر بن یزید الجعفی الکوفی، ضعّفه النجاشی(2)، وعدّه الشیخ الطوسی فی أصحاب الإمام الباقر(علیه السّلام)(3)، ثمَّ عاد مرّة أُخریٰ وعدّه فی أصحاب الإمام الصادق(علیه السّلام)(4). رویٰ له هشام خبراً واحداً فی الطبری حول عطش الحسین(علیه السّلام)، ومحاولته شرب الماء، أوله: قال هشام: حدّثنی عمرو بن شمر، عن جابر الجعفی، «قال: عطِش الحسین حتیٰ اشتدّ علیه العطش، فدنا لیشرب من الماء...»(5).

6_ محمّد بن السائب والد هشام، مرّت ترجمته، رویٰ عنه ابنه هشام _ فی تاریخ الطبری _ خبرین بخصوص واقعة الطفّ.

الخبر الأوّل: حول رکوب الحسین(علیه السّلام) إلیٰ المسناة طالباً الماء، وهذا أوّله: قال هشام، عن أبیه محمّد بن السائب، عن القاسم بن الأصبغ بن نباته، قال: «حدَّثنی مَن شهد الحسین فی عسکره أنّ حسیناً حین غُلب علیٰ عسکره رکب المسناة یرید الفرات...»(6).

الخبر الآخر: حول ما أخبرت به النوار زوجة خولی عمّا رأت من معجزات رأس الحسین(علیه السّلام)، وأوّل الخبر: قال هشام: فحدّثنی أبی، عن النوار بنت مالک، قالت: «أقبل خولی برأس الحسین(علیه السّلام) فوضعه تحت إجانة فی الدار، ثمّ دخل البیت...»(7).

ص: 249


1- الطبری، محمّد بن جریر، تاریخ الأُمم والملوک: ج5، ص449.
2- اُنظر: النجاشی، أحمد بن علیّ، رجال النجاشی: ص287.
3- اُنظر: الطوسی، محمّد بن الحسن، رجال الطوسی: ص141.
4- اُنظر: المصدر السابق: ص250.
5- الطبری، محمّد بن جریر، تاریخ الأُمم والملوک: ج5، ص449.
6- المصدر السابق: ج5، ص449.
7- المصدر السابق: ج5، ص455.

7_ عبد الله بن یزید بن روح بن زنباع الجذامی، لم یرد له ذکر فی الرجال، ولکن یظهر من بعض النصوص أنّه کان من أتباع مروان بن محمّد بن مروان بن الحکم، ویبدو أنّه کان من الوجوه المعروفة، یدلّنا علیٰ ذلک أنّه لمّا سار مروان إلیٰ فلسطین بعد قیام أبی مسلم الخراسانی، فنزل نهر أبی فطرس، وقد غلب علیٰ فلسطین الحکم بن ضبعان الجذامی، أرسل مروان إلیه عبد اللّه بن یزید بن روح بن زنباع الجذامی، فأجاره(1).

وقد رویٰ هشام عن هذا الرجل خبراً واحداً حول دخول زحر بن قیس علیٰ یزید بن معاویة، وتقدیمه تقریر بما حصل من أحداث فی کربلاء، أوّله هکذا قال هشام: فحدّثنی عبد الله بن یزید بن روح بن زنباع الجذامی، عن أبیه، عن الغاز بن ربیعة الجرشی، من حمیر، قال: «والله، إنّا لعند یزید بن معاویة بدمشق إذ أقبل زحر بن قیس حتیٰ دخل علیٰ یزید بن معاویة، فقال له یزید: ویلک! ما وراءک؟ وما عندک؟...»(2).

8_ ما عبَّر عن هشام ب_ (بعض أصحابنا)، وقد رویٰ عنه هشام خبراً حول بعض المعجزات التی حدثت یوم مقتل الحسین(علیه السّلام) فی المدینة، جاء فیه: قال هشام: حدَّثنی بعض أصحابنا، عن عمرو بن أبی المقدام، قال: حدَّثنی عمرو بن عکرمة، قال: «أصبحنا صبیحة قَتْل الحسین بالمدینة فإذا مولیٰ لنا یحدِّثنا، قال: سمعت البارحة منادیاً ینادی، وهو یقول:

أُیّها القاتلون جهلاً حُسیناً

أبش_روا بالعذاب والتنکیل

کلّ أهل السماء یدعو علیکم

من نبی وملاک وقبیل

قد لُعنتم علیٰ لسان ابن داود

وموسیٰ وحامل الإنجیل»(3)

9_ عمر بن حیزوم الکلبی، لم یرد ذکره فی الرجال، رویٰ عنه هشام خبراً یؤکِّد فیه

ص: 250


1- اُنظر: العصامی، عبد الملک، سمط النجوم العوالی: ج3، ص346.
2- الطبری، محمد بن جریر، تاریخ الأُمم والملوک: ج5، ص459.
3- المصدر السابق: ج5، ص467.

علیٰ سماع أبیه للنداء الوارد فی الخبر السابق، ونصّ الخبر: قال هشام: حدّثنی عمر بن حیزوم الکلبی، عن أبیه، قال: «سمعت هذا الصوت»(1).

3 _ آثار مقتل الکلبی فی الإرشاد للمفید

اشارة

یُعتبر الشیخ محمّد بن محمّد بن النعمان المفید (ت413ه_) من کبار علماء الإمامیّة فی زمانه، و«فضله أشهر من أن یوصف فی الفقه والکلام والروایة والثقة والعلم». بحسب تعبیر الرجالیّ الکبیر أبو العباس النجاشی(2).

وقال عنه الشیخ الطوسی: «محمّد بن محمّد بن النعمان المفید، یُکنّیٰ أبا عبد الله، المعروف بابن المعلِّم، من جملة متکلِّمی الإمامیّة، انتهت إلیه رئاسة الإمامیة فی وقته، وکان مقدَّماً فی العلم وصناعة الکلام، وکان فقیهاً متقدِّماً فیه، حسن الخاطر، دقیق الفطنة حاضر الجواب، وله قریب من مائتی مصنَّفٍ کبار وصغار، وفهرست کتبه معروف، وُلِد سنة ثمان وثلاثین وثلاثمائة، وتوفِّی للیلتین خلتا من شهر رمضان سنة ثلاث عشرة وأربع مائة، وکان یوم وفاته یوماً لم یُرَ أعظم منه من کثرة الناس للصلاة علیه وکثرة البکاء من المخالف والمؤالف»(3).

أمّا کتابه (الإرشاد فی معرفة حجج الله علیٰ العباد)، فهو من أقدم وأهمّ وأشهر الکتب المص_نَّفة فی س_یرة الأئ_مّة الاثنی عش_ر(علیهم السّلام) ، وقد خصص المصنِّف _ فی الباب المخصّص لسیرة الإمام الحسین(علیهم السّلام) _ عدّة فصول للحدیث عن مقتل الإمام الحسین(علیه السّلام)، وقد اعتمد المصنِّف فی مقتله بشکل شبه کلّی علیٰ مصدرین هما: الکلبی، والمدائنی؛ إذ یقول فی مستهلِّ کلامه: «فمن مختصر الأخبار التی جاءت بسبب دعوته(علیه السّلام)، وما أخذه علیٰ

ص: 251


1- الطبری، محمّد بن جریر، تاریخ الأُمم والملوک: ج5، ص467.
2- النجاشی، أحمد بن علیّ، رجال النجاشی: ص399.
3- الطوسی، محمد بن الحسن، الفهرست: ص157 _ 158.

الناس فی الجهاد من بیعته، وذکر جملة من أمره فی خروجه ومقتله: ما رواه الکلبی والمدائنی وغیرهما من أصحاب السیرة...»(1).

وظاهر هذا الکلام أنّ مقتل الکلبی هو أحد الأُصول الأساسیّة المعتمدة فی مقتل الإرشاد، وهذا ما یستدعی بسط الکلام حوله فی النقاط التالیة:

النقطة الأُولیٰ: إنّ المراد بالمدائنی الذی اعتمده المفید إلیٰ جانب الکلبی هو علیّ بن محمّد المدائنی (ت225ه_)، عامّی المذهب(2)، وهو من المؤرِّخین الأوائل، ومن قدماء کتّاب السیر والفتوح والمغازی، ووزانه فی هذه الفنون کَوِزان أبی مخنف والواقدی وأضرابهما.

قال ابن الندیم فی الفهرست: «قرأتُ بخطِّ أحمد بن الحارث الخزاز: قالت العلماء: أبو مخنف بأمر العراق وأخبارها وفتوحها یزید علیٰ غیره، والمدائنی بأمر خراسان والهند وفارس، والواقدی بالحجاز والسیرة. وقد اشترکوا فی فتوح الشام»(3).

أمّا کتابه فی المقتل، فهو من الأُصول القدیمة المفقودة، ذکره ابن الندیم فی الفهرست، وذکر أنّ اسمه (أسماء مَن قُتل من الطالبیین)(4)، وسمّاه الطوسی (ت460ه_) فی الفهرست (مقتل الحسین)(5)، وذکر ابن شهر آشوب فی المعالم أنّ اسمه (السیرة فی مقتل الحسین)(6)، ولعلّ لهذا الکتاب أکثر من اسم، کما فی کثیر من التصانیف القدیمة(7).

ص: 252


1- المفید، محمّد بن محمّد، الإرشاد فی معرفة حجج الله علی العباد: ج2، ص32.
2- اُنظر: الطوسی، محمد بن الحسن، الفهرست: ص95.
3- ابن الندیم، محمّد بن إسحاق، الفهرست: ص122.
4- اُنظر: المصدر السابق: ص131.
5- اُنظر: الطوسی، محمّد بن الحسن، الفهرست: ص95.
6- اُنظر: ابن شهر آشوب، محمّد بن علیّ، معالم العلماء: ص107.
7- کمثال علی ذلک: ذکر الشیخ فارس الحسون _ فی مقدّمة تحقیقه لمقتل ابن طاووس: ص76 _ أنّ لهذا المقتل ستّة أسماء هی: 1_ اللهوف علی قتلی الطفوف. 2 _ الملهوف علی قتلی الطفوف. 3 _ الملهوف علی قتل الطفوف. 4 _ اللهوف فی قتلی الطفوف. 5 _ الملهوف علی أهل الطفوف. 6 _ المسالک فی مقتل الحسین(علیه السّلام).

ولعلّ أقدم مَن رویٰ عن هذا المقتل هو أبو الفرج الأصفهانی (ت356ه_) فی مقاتل الطالبیین؛ حیث نقل عنه فیما یناهز الخمسة عشر موضعاً، ویبدو أنّه کان یمتلک نسخة من هذا المقتل، ثمَّ جاء بعده الشیخ المفید (ت413ه_) الذی جعله مصدراً أساسیّاً من مصادره کما هو واضح من النصّ.

النقطة الثانیة: لا ریب فی أنّ المراد ب_(الکلبی) الوارد فی نصّ المفید هو هشام بن محمّد الکلبی؛ فإنّ هذا اللّقب إذا أُطلق فی کُتُب الأنساب والسیرة والتاریخ ینص_رف إلیه، وقد یُطلق فی بعض المصادر ویُراد به والده محمّد بن السائب الکلبی، والتمییز بینهما یتمّ عِبْر القرائن الحالیّة، کما لو کان الکلام حول التفسیر فیُحمل علیٰ (الکلبی الأب)، لاهتمامه بهذا الجانب، وکما لو کان الکلام حول أخبار کربلاء _ کما فی المقام _ فیُحمل علیٰ (الکلبی الابن) لتخصّصه فی هذا الحقل، وهذا أمر بیِّن للمتخصّصین، وإنّما ذکرنا هذه الالتفاتة

لیتّضح الأمر لغیر المتخصّص.

نعم، قد یشتبه الأمر حتیٰ علیٰ بعض المتخصّصین، فیتصور أنّ مراد الشیخ المفید بالأخبار التی رواها الکلبی هی خصوص أخبار شیخه أبی مخنف، وإنّما نسبها للکلبی باعتباره الراوی الأساسی لمقتل أُستاذه أبی مخنف؛ وبالتالی لا معنیٰ لاعتبار کتاب الإرشاد من المصادر التی حملت آثار مقتل الکلبی؛ لأنّ المفید قد اعتمد فی الحقیقة علیٰ روایتی أبی

ص: 253

مخنف والمدائنی، ولیس الکلبی سویٰ طریق إلیٰ روایة أبی مخنف؟

والجواب: إنّ هذا الاحتمال وإن کان وارداً، إلّا أنّ مقارنة المادّة التاریخیّة التی احتواها مقتل الإرشاد بما نقله هشام عن غیر أبی مخنف فی الطبری، تظهر أنّ المراد بأخبار الکلبی الواردة فی مقتل الإرشاد هی عموم أخباره التی استقاها من أبی مخنف وغیره من مشایخه، لا خصوص أخبار أبی مخنف، وهذه عیِّنات من نتائج تلک المقارنة:

1_ نقل الشیخ المفید أربعاً من روایات هشام الکلبی، عن شیخه عوانة بن الحکم، مع حذف بسیط لبعض الأجزاء وتغییر قلیل فی اللفظ، وهی الروایات: (الأُولیٰ، والثانیة، والثالثة، والخامسة) بحسب التسلسل الذی سرنا علیه فی نقل روایات هشام عن عوانة، وقد أهمل الروایتین: (الرابعة، والسادسة) لما فیهما من رائحة التبرئة لساحة یزید، وإلصاق التّهمة بابن زیاد وابن سعد، وتحمیلهما المسؤولیة وحدهما، وإلیک مواضع تلک الروایات فی الإرشاد:

أ _ قال: «فلمّا وصلت الکتب إلیٰ یزید دعا سرجون مولیٰ معاویة، فقال: ما رأیک؟...»(1)، وهذه الروایة الأُولیٰ بحسب تسلسلنا فی نقل روایات هشام عن عوانة.

ب _ قال: «...فرویٰ عن الفرزدق الشاعر أنّه قال: حججت بأُمّی فی سنة ستّین، فبینا أنا أسوق بعیرها حین دخلت الحرم، إذ لقیت الحسین بن علیّ(علیهماالسّلام)، خارجاً من مکّة مع أسیافه وتراسه...»(2)، وهذه هی الروایة الثانیة.

ج _ «...فلمّا کان من الغد قدم علیهم عمر بن سعد بن أبیٰ وقاص من الکوفة فی أربعة آلاف فارس، فنزل بنینویٰ، فبعث إلیٰ الحسین(علیه السّلام) عروة بن قیس الأحمسی، فقال له: إیته فسله: ما الذی

ص: 254


1- المفید، محمّد بن محمّد، الإرشاد فی معرفة حجج الله علی العباد: ج2، ص42.
2- المصدر السابق: ج2، ص67.

جاء بک؟ وماذا ترید؟...»(1)، وهذه هی الراویة الثالثة.

د _ «ولمّا أنفذ ابن زیاد برأس الحسین(علیه السّلام) إلیٰ یزید تقدَّم إلیٰ عبد الملک بن أبی الحدیث السلمی، فقال: انطلق حتیٰ تأتیٰ عمرو بن سعید بن العاص بالمدینة فبشّ_ِره بقتل الحسین(علیه السّلام)...»(2)، وهذه هی الروایة الخامسة.

2_ قال: «ثمّ ارتحلوا، فسار حتیٰ انتهیٰ إلیٰ زبالة، فأتاه خبر عبد الله بن یقطر، فأخرج إلیٰ الناس کتاباً فقرأه علیهم: بسم الله الرحمن الرحیم، أمّا بعد، فإنّه قد أتانا خبر فظیع، قُتِل مسلم بن عقیل وهانئ بن عروة وعبد الله بن یقطر...»(3)، وهذا هو نفس الخبر الذی رواه هشام عن أبی بکر بن عیاش مع حذف أوله، وتغییر بسیط فی اللفظ.

3_ قال: «فقال علیّ بن الطعان المحاربی: کنت مع الحرّ یومئذٍ، فجئت فی آخر مَن جاء من أصحابه، فلمّا رأیٰ الحسین(علیه السّلام) ما بی وفرسی من العطش، قال: أنخ الراویة...»(4). وهذه هی نفس روایة لقیط مع تغییر قلیل فی الصیاغة.

4_ قال: «واشتدّ به العطش، فرکب المسناة یرید الفرات وبین یدیه العباس أخوه، فاعترضه خیل ابن سعد (لعنه الله) وفیهم رجل من بنیٰ دارم، فقال لهم: ویلکم! حولوا بینه وبین الفرات ولا تمکّنوه من الماء...»(5)، وهذا هو الخبر الأوّل الذی رواه هشام عن والده محمّد بن السائب مع بعض التغییر.

5_ «فرویٰ عبد الله بن ربیعة الحمیری، قال: إنّی لعند یزید بن معاویة بدمشق، إذ أقبل زحر

ص: 255


1- المفید، محمّد بن محمّد، الإرشاد فی معرفة حجج الله علی العباد: ج2، ص84.
2- المصدر السابق: ج2، ص123.
3- المصدر السابق: ج2، ص75.
4- المصدر السابق: ج2، ص78.
5- المصدر السابق: ج1، ص109.

ابن قیس حتیٰ دخل علیه، فقال له یزید: ویلک! ما وراءک وما عندک؟...»(1)، وهذا هو خبر هشام عن عبد الله بن یزید بن روح بن زنباع الجذامی، مع تغییر فی اسم الراوی وتغییر قلیل فی اللفظ.

فهذه عیِّنات تُثْبِت أنّ مراد المفید بأخبار الکلبی، عموم أخباره حول واقعة کربلاء، لا خصوص ما رواه عن أبی مخنف، ویبدو أنّ المفید کان یقوم بغربلة أخبار الکلبی، فلا ینقل منها سویٰ ما وافق الثوابت العقدیّة والتاریخیّة من منظور الإمامیّة؛ ولذا وجدناه ینتقی بعض روایات هشام عن عوانة، ویترک البعض الآخر، کما أنّه قد یحذف جزءاً من الخبر، إذا أحسّ أنّ ذلک الجزء ممّا أُضیف علیٰ الخبر الأصلی؛ نظراً لتعارض ذلک الجزء مع بعض الثوابت.

النقطة الثالثة: یتّضح من خلال نصِّ المفید، بأنّ روایات الکلبی فی مقتل الإرشاد قد اختلطت بروایات المدائنی وغیره، علیٰ طریقة مزج الحدیث بعضه ببعض، وهی الطریقة التی کان یعمل بها الواقدی، وأُثیر حولها جدل بین المؤرِّخین والمحدِّثین.

فممّا أنکره البعض علیٰ الواقدی _ فی منهجه التاریخی _ أنّه یأتی بأسانید متعدّدة، ثمَّ یذکر متناً واحداً ویدخل نصوص الرواة بعضها فی بعض ویلفِّق من الجمیع نصّاً واحداً.

قال إبراهیم الحربی: «سمعت المسیبی، یقول: رأینا الواقدی یوماً جالساً إلیٰ إسطوانة فی مسجد المدینة، وهو یُدرِّس، فقلنا: أیُّ شیء تُدرِّس؟ فقال: جزئی من المغازی. وقلنا یوماً له: هذا الذی تجمع الرجال تقول: حدَّثنا فلان وفلان، وجئت بمتن واحد، لو حدَّثتنا بحدیث کلّ واحد علیٰ حدة. فقال: یطول. قلنا له: قد رضینا، فغاب عنّا جمعة، ثمَّ جاءنا بغزوة أحد، فی عشرین جلداً، فقلنا: ردّنا إلیٰ الأمر الأوّل»(2).

وفی تاریخ ابن عساکر بإسناده إلیٰ المغیرة، أنّه قال: أخبرنی بعض مشایخنا، قال:

ص: 256


1- المفید، محمّد بن محمّد، الإرشاد فی معرفة حجج الله علی العباد: ج2، ص118.
2- الذهبی، محمّد بن أحمد، تاریخ الإسلام: ج14، ص366.

«سألت إبراهیم الحربی عمّا أنکره أحمد بن حنبل علیٰ الواقدی، فذکر أنّ ممّا أنکر علیه جمعه الأسانید ومجیئه بالمتن واحداً، قال إبراهیم الحربی: ولیس هذا عیباً، قد فعل هذا الزهری وابن إسحاق»(1).

مناقشة: یظهر من الخبر الأوّل أنّ اختصار الوقت هو السبب الذیٰ دفع الواقدی للسیر علیٰ هذا المنهج، وهذا السبب یمکن أن یکون مبرّراً فی حدود المادّة الدراسیة، أعنی: فی حدود الکتاب الموضوع للدرس والتدریس، أمّا إذا کان الکتاب قد وُضِع لیکون مصدراً ومرجعاً للمتخصصین، فلا معنیٰ حینئذٍ للاختصار.

ویظهر من الخبر الثانی أنّ هذه الطریقة کانت موضع خلاف بین أحمد بن حنبل وإبراهیم الحربی، فبینما أنکرها الأوّل علیٰ الواقدی، ولم یرَ الثانی بأساً بها، وأنّها ممّا کان یعمل به العلماء قبل الواقدی، کالزهری وابن إسحاق، وهذا الردّ من الحربی أشبه ما یکون بالنقض ولیس حلاً.

ولعل عیب هذه الطریقة _ من وجهة نظر الرافضین لها _ یتمثّل بإشکالیتین:

1_ إنّ فیه مصادرة لما یُطلق علیه الیوم بحقوق النش_ر الفکریّة، فقد یکون أحد هذه النقول ممّا بذل صاحبه للوصول إلیه جهوداً کبیرة.

2_ إنّ هناک تفاوتاً بین المؤرِّخین فی الاعتقاد والوثاقة والعلم وغیرها، ممّا له دخالة فی ترجیح بعض النصوص علیٰ بعض، ولکنّنا بسبب هذه الطریقة قد فقدنا فرصة الترجیح المشار إلیها.

فإذا استطاع المؤرِّخ أن یتجاوز هاتین الإشکالیتین بإعطائه مبرِّراً ما للسیر علیٰ هذه الطریقة، کما لو کان الکتاب کتاباً تدریسیّاً تعلیمیّاً، وإلّا فإنّ هذه الطریقة فی حدِّ نفسها معیبة، ولا یمکن غضِّ الطرف عن الإشکالیتین المذکورتین.

ص: 257


1- ابن عساکر، علیّ بن الحسن، تاریخ دمشق: ج54، ص455.
دفاع عن الشیخ المفید:

وفیما یخصّ الشیخ المفید فی مقتل الإرشاد، نقول: إنّ الشیخ لم یکن بصدد النقل التاریخی البحت، لکی یکون ملزَماً بذکر الأسانید والمتون تفصیلیّاً والتمییز بینها، وإنّما کان بصدد عرض ما صحّ عنده من أخبار مقتل الحسین(علیه السّلام).

وبعبارة أُخریٰ: کان الشیخ فی مقتل الإرشاد یمارس عملاً تاریخیّاً اجتهادیّاً لا نقلیّاً، بحیث إنّ إطلاق عبارة: (مقتل المفید) علیٰ هذا العمل قد تکون أصدق من إطلاق عبارة: (مقتل الکلبی أو المدائنی بروایة المفید).

نعم، لا ش_ک فی أنّ_ه قد اعت_مد علیٰ هذین المص_درین فی تص_نیف مقتله _ کما صرّح _ ولکن ممّا لا شکّ فیه أیضاً، أنّ الروایة عنهما لم تکن ملحوظة لدیه بالدرجة الأُولیٰ.

ویمکن مقاربة العمل التاریخی الاجتهادی، بالعمل الفقهی الاجتهادی، فإنّ الفقیه تارة یقوم بعمل فقهی نقلی (حدیثی)؛ فیکون فی هذا العمل ملزَماً بنقل الأسانید والمتون وفرز بعضها عن بعض بدقّة عالیة، وتارة یقوم بعمل فقهی اجتهادی (إفتائی)؛ فلا یکون ملزَماً إلّا بذکر ما توصّل إلیه من آراء صحیحة _ من وجهة نظره _ ولا حاجة لذکر متون الأحادیث والتمییز بینها وبین رواتها.

هذا، ویمکن للمحقّقین المتمرِّسین فی تراث واقعة الطفّ، تمییز روایات هشام الکلبی عن غیره فی مقتل الإرشاد، بمقارنة هذا المقتل بما رواه الطبری عن هشام من

جانب، وبمقارنته بما رواه أبو الفرج الأصفهانی وغیره عن المدائنی من جانب آخر.

وینبغی الاعتراف بأنّها عملیة شاقّة، وقلیلة الجدویٰ؛ لما قلناه من عدم وجود کتابی الکلبی والمدائنی فی المقتل، فالروایات المنقولة عن هذین الکتابین فی تاریخ الطبری ومقاتل الطالبین وغیرهما لا تمثِّل تمام هذین الکتابین؛ وحینئذٍ ستکون المقارنة ناقصة، ولکنّها علیٰ أیّة حال مفیدة وموصلة إلیٰ نتائج جزئیة، وقد طبقناها سابقاً فی فرز روایات هشام عن غیر أبی مخنف، واستطعنا فرز العدید منها.

ص: 258

4 _ آثار مقتل الکلبی فی تذکرة الخواص لسبط ابن الجوزی

وُلد أبو المظفر شمس الدین یوسف بن قزغلی (فرغلی) المعروف ب_ (سبط ابن الجوزی) بعد سنة 580ه_ ببغداد، وتوفّی فی دمشق سنة 654ه_، فهو من أعلام القرن السابع الهجری، وهو سبط أبی الفرج عبد الرحمن بن علیّ بن محمّد الجوزی (ت597ه_) صاحب کتاب المنتظم فی تاریخ الملوک والأُمم(1).

أمّا کتابه (تذکرة خواص الأُمّة بذکر خصائص الأئمّة)، أو (تذکرة الخواص من الأُمّة فی ذکر مناقب الأئمّة)، أو (تذکرة الخواص) اختصاراً، فهو من أهمّ الکتب التی تناولت سیرة أمیر المؤمنین والصدیقة الزهراء والأئمّة من ذرّیتهما(علیهم السّلام) ، وتکمن أهمّیة هذا الکتاب _ بالإضافة إلیٰ اشتماله علیٰ جملة من مرویات الأُص_ول التاریخیّة القدیمة _ بکون مؤلفه من العامّة الموصوفین بالاعتدال وعدم التعصّب المذهبی.

وقد خصّص سبط ابن الجوزی الباب التاسع من هذا الکتاب لذکر الحسین(علیه السّلام) ومقتله، معتمداً فی ذلک علیٰ مرویات قدماء الأخباریین والمحدِّثین، ومنهم: هشام

الکلبی، وقد وجدنا فی هذا الکتاب العدید من النصوص التی انفرد سبط ابن الجوزی بروایتها بصورة أو بأُخریٰ، فکان لا بدّ من التأشیر علیها:

النصّ الأوّل: قال سبط ابن الجوزی: «قال هشام بن محمّد: وکتب یزید فی أسفل الکتاب:

یا أیّها الراکب الغادی لمطیَّته(2)

علیٰ عذافرة فی سیرها قحمُ» (3)

ص: 259


1- اُنظر ترجمته فی: الذهبی، محمّد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج23، ص326.
2- فی تاریخ الطبری: (لطیّته) والطیة الحاجة. اُنظر: الطبری، محمد بن جریر، تاریخ الأُمم والملوک: ج8، ص202. وفی تاریخ ابن عساکر: (مطیَّته).اُنظر: ابن عساکر، علیّ بن الحسن، تاریخ مدینة دمشق: ج14، ص210.
3- سبط ابن الجوزی، تذکرة الخواص: ص306.

هذا مطلع من قصیدة تتکّون من عشرة أبیات، کتبها یزید أسفل الکتاب الذی بعثه إلیٰ ابن عباس، رواها سبط ابن الجوزی عن هشام، ورواها ابن عساکر مع زیادة بیت واختلاف یسیر فی اللفظ، ضمن کلام طویل ملفّق من عدّة نصوص تاریخیّة لعدّة مؤرِّخین من بینهم أبی مخنف(1)، ولا ندری بالضبط هل أنّ هذه القصیدة من مرویات أبی مخنف أم لا، وعلیٰ فرض أنّها من مرویاته، فنحن لا نعلم بکون هشام قد أخذها عنه أم عن غیره؛ ولذا فقد أثبتنا هذه القصیدة کمثال علیٰ ما روی عن هشام فی غیر الطبری والإرشاد من غیر طریق أبی مخنف، وقد رویٰ الطبری هذه القصیدة مع زیادة بیتین واختلاف یسیر فی اللفظ، ولکن بطریق لا یمر بهشام ولا أبی مخنف، کما أنّه لم یذکرها ضمن أحداث الطفّ، وإنّما ذکرها ضمن أحداث فخ(2).

النصّ الثانی: عن هشام بن محمّد الکلبی، قال: «لمّا رآهم الحسین(علیه السّلام) مص_رِّین علیٰ قتله أخذ المصحف ونش_ره وجعله علیٰ رأسه ونادیٰ...»(3).

والنصّ هو عبارة عن مقتل مقتضب، فیبدأ بمحاورة الإمام الحسین(علیه السّلام) لمعسکر الأعداء ووعظه إیاهم، ثمَّ یمرّ بمقتل عبد الله الرضیع(علیه السّلام)، ومبارزة زهیر بن القین أثناء أداء الإمام الحسین(علیه السّلام) لصلاة الخوف بأصحابه، ثمَّ ینتهی بمقتل الحسین(علیه السّلام)، ولیس فیه إشارة إلیٰ مبارزات بقیة الهاشمیین والأصحاب.

ویبدو لی من خلال مقارنة هذا النصّ بروایات هشام فی الطبری، أنّ هذا النصّ قد اقتبسه سبط ابن الجوزی من عدّة روایات لهشام فی الطبری، وصاغه بأُسلوبه الخاصّ، ومع هذا فمادّة هذا النصّ لیست کلّها اقتباساً من تاریخ الطبری، فبالتدقیق تجد فی ثنایا النصّ بعض الشذرات التی لم تؤخذ من الطبری ولا غیره.

ص: 260


1- اُنظر: ابن عساکر، علیّ بن الحسن، تاریخ مدینة دمشق: ج14، ص210.
2- اُنظر: الطبری، محمد بن جریر، تاریخ الأُمم والملوک: ج8، ص202.
3- سبط ابن الجوزی، تذکرة الخواص: ص321 _ 322.

النصّ الثالث: إقدام ابن زیاد علیٰ إهانة الرأس الش_ریف، ومحاورته لزید بن أرقم، وأوّله هکذا: قال هشام بن محمّد: «لمّا وُضِع الرأس بین یدی ابن زیاد قال له کاهنه: قُم فضع قدمک علیٰ فم عدوِّک ! فقام فوضع قدمه علیٰ فیه...»(1).

النصّ الرابع: یتحدَّث عن قصّة حافر حمار النبی عیسیٰ(علیه السّلام) التی رواها رسول القیصر فی قصر یزید، جاء فی أوله: «وحکیٰ هشام بن محمّد، عن أبیه، عن عبید بن عمیر، قال: کان رسول قیصر حاضراً عند یزید، فقال لیزید: هذا رأس مَن؟...»(2).

ونودّ أنّ نعلِّق علیٰ هذا النصّ بتعلیقین:

1_ ذکرنا سابقاً روایتین ممّا رواه هشام عن والده محمّد بن السائب فی تاریخ الطبری؛ فیکون مجموع روایات هشام عن والده ثلاث روایات بعد ضمّ هذه الروایة إلیهما، وبهذا نستطیع القول: إنّ محمّد بن السائب یأتی بعد أبی مخنف وعوانة بن الحکم من حیث کثرة اعتماد هشام علیه فی تصنیف مقتله.

2_ إنّ القصّ_ة ال_واردة فی النصّ قد وردت أیضاً _ مع بعض الاختلاف _ فی الملهوف علیٰ قتلیٰ الطفوف لعلیّ بن موسیٰ بن جعفر بن طاووس (ت664 ه_)(3)، وابن طاووس معاصر لسبط ابن الجوزی وروایته مرسلة؛ وبالتالی یتعذّر علینا التأکّد إن کان مصدره هشام أم غیره، ونقل هذه القصّة _ بشکل مقتضب _ أحمد بن محمّد بن علیّ بن حجر الهیتمی (ت974ه_) فی الصواعق المحرقة(4)، وروایته مرسلة أیضاً، وإن کنّا نحتمل أنّه قد نقلها عن کتاب التذکرة؛ لتأخر الهیتمی عن سبط ابن الجوزی قرابة الثلاثة قرون.

النصّ الخامس: طلب الشامی من یزید أن یهب له فاطمة بنت الحسین(علیهاالسّلام)، وتشبّثها

ص: 261


1- سبط ابن الجوزی، تذکرة الخواص: ص327.
2- المصدر السابق: ص333.
3- اُنظر: ابن طاووس، علیّ بن موسی، الملهوف علی قتلی الطفوف: ص222.
4- ابن حجر، أحمد بن محمّد، الصواعق المحرقة: ج2، ص580.

بعمتها زینب(علیهماالسّلام)، ومحاورة زینب(علیهاالسّلام) مع یزید وإفحامه، وهذا أوله: وذکر هشام بن محمّد: «أنّه لمّا دخل النساء علیٰ یزید نظر رجل من أهل الشام إلیٰ فاطمة بنت الحسین(علیهماالسّلام)...»(1).

وهذه الحادثة رواها الطبری عن أبی مخنف(2)، ولکنّه ذکر أنّ صاحبة الحادثة هی فاطمة بنت علیّ(علیهماالسّلام) ولیست فاطمة بنت الحسین(علیهماالسّلام)، کما أنّه جاء فی نصِّ التذکرة: أنّ یزید قد سکن غضبه بعد أن کلَّمته زینب(علیهاالسّلام)، علیٰ العکس من نصِّ الطبری الذی ذکر: أنّ یزید قد غضب واستطار بعد سماع کلامها(علیهماالسّلام)؛ ومن هنا نحتمل أنّ نصّ التذکرة هو روایة أُخریٰ غیر روایة الطبری.

النصّ السادس: حادثة دخول الرؤوس إلیٰ الکوفة، وحمل حرملة بن کاهل الأسدی رأس العباس بن علیّ(علیهماالسّلام)، وهذا هو أوّل النصّ: عن هشام بن محمّد، عن القاسم بن الأصبغ المجاشعی، قال: «لمّا أُتی بالرؤوس إلیٰ الکوفة إذا بفارس أحسن الناس وجهاً، قد علَّق فی لبب فرسه رأس غلام أمرد کأنّه القمر لیلة تمامه...»(3).

وقد رویٰ صاحب مقاتل الطالبیین هذا الخبر عن طریق المدائنی بسنده إلیٰ القاسم بن الأصبغ، وفیه بعض الاختلاف عن روایة هشام(4).

ص: 262


1- سبط ابن الجوزی، تذکرة الخواص: ص335.
2- اُنظر: الطبری، محمّد بن جریر، تاریخ الأُمم والملوک: ج5، ص461.
3- سبط ابن الجوزی، تذکرة الخواص: ص353.
4- اُنظر: الأصفهانی، أبو الفرج، مقاتل الطالبیین: ص117_ 118.

خاتمة بأهمّ النتائج

1_ یُعتبر هشام بن محمّد بن السائب الکلبی من أبرز المؤرِّخین الذین أنجبتهم الکوفة فی القرن الثانی الهجری.

2_ یُعدّ الکلبی رأس علم الأنساب، وأوّل مَن فتح باب التصنیف والتألیف فی هذا العلم، وعلماء الأنساب کلّهم عیال علیه.

3_ الکلبی من ثقات علماء الإمامیّة وأجلّائها، وکان من المختصّین بمذهب أهل البیت(علیهم السّلام) ، ومن المقرّبین من الإمام الصادق(علیه السّلام).

4_ یُعتبر کتاب مقتل الحسین(علیه السّلام) للکلبی من أُصول المقاتل، وقد جمع مادّته ممَّا رواه عن أبی مخنف وعوانة بن الحکم ووالده محمّد بن السائب وغیرهم من شیوخه وأساتذته.

5_ مقتل الکلبی مفقود فی عصرنا، ولکنّنا یمکن أن نلمس آثاره ومرویاته فی کتب التاریخ المتأخِّرة عن الکلبی وأهمّها: تاریخ الأُمم والملوک لمحمّد بن جریر الطبری (ت310ه_)، والإرشاد فی معرفة حجج الله علیٰ العباد لمحمّد بن محمّد بن النعمان المفید (ت413ه_)، وتذکرة خواص الأُمّة بذکر خصائص الأئمّة لسبط ابن الجوزی (ت654ه_).

ص: 263

ص: 264

الفصل السابع: مقتل الحسین(علیه السّلام)لنصر بن مزاحم المنقری الکوفی (000_ 212ه_)

اشارة

ص: 265

ص: 266

تقدیم

من الشخصیات الکوفیّة الأخباریّة القدیمة، هی شخصیة نصر بن مزاحم المنقری، وقد برزت هذه الشخصیّة فی نهایات القرن الثانی وبدایات القرن الثالث الهجریین.

وهی شخصیة یکتنف الغموضُ العدیدَ من جوانبها، فلیس لدینا حول شخصیته سویٰ معلومات متناثرة فی بطون کتب التاریخ والسیرة والرجال، وقد حاولنا جمع تلک المعلومات وتنسیقها، وإخضاعها للتحلیل والاستنتاج بغیة سدّ الثغرات والفجوات التی قد نواجهها فی معرفة الکثیر من أبعاد هذه الشخصیّة.

ولعلّ أشهر ما عُرِف به نصر بن مزاحم هو کتابه (وقعة صفِّین) الذی یُعد أقدم وأهمّ أصل تاریخی یتحدَّث عن هذه الوقعة، وربما یکون کتابه هذا أعرف منه، ولذا کثیراً ما یُعرف به، فیقال مثلاً: نصر بن مزاحم، صاحب وقعة صفِّین.

وإلیٰ جانب هذا الکتاب ألَّف المنقری عدّة کُتُب أُخریٰ، ومنها کتاب (مقتل الحسین(علیه السّلام))، الذی یُعدُّ من أُصول المقاتل الحُسینیّة.

وهذا المقتل وإن کان مفقوداً فی عصرنا، إلّا أنّ اعتماد علماء کبار علیٰ هذا المقت_ل

_ کأبی الفرج الأصفهانی، وابن قولویه، والشیخ الصدوق _ قد حفظ لنا العدید من مرویاته.

وسنتحدّث أوّلاً عن شخصیة المنقری، ثمَّ نتحوّل للحدیث عن کتابه فی المقتل، ومن الله نستمدّ العون والتوفیق.

ص: 267

ص: 268

المبحث الأوّل :ترجمة المنقری

1 _ اسمه ونسبه وکنیته وأولاده

نصر بن مزاحم بن یسار(1) أو سیار(2) المنقری العطار، أبو الفضل(3) أو المفضل(4).

والمنقری: بکسر المیم، وسکون النون، وفتح القاف، نسبة إلیٰ بنی منقر، وهو منقر بن عبید بن مقاعس بن عمرو بن کعب بن سعد بن زید مناة بن تمیم(5)، فَهُمْ بطنٌ من تمیم؛ ولذا قد یلقّب نصر بن مزاحم فی بعض المصادر ب_ (التمیمی) أیضاً، وإن کان إطلاق لقب (المنقری) علیه أشهر.

وقد نُسب إلیٰ هذا الفرع من تمیم جماعة من أهل العلم ممَّن التفّوا حول أئمّة أهل البیت(علیهم السّلام) ، منهم: الحسین بن أحمد المنقری من أصحاب الباقر والکاظم(علیهماالسّلام)(6)، وسلیمان

ص: 269


1- اُنظر: ابن الندیم، محمّد بن إسحاق، الفهرست: ص122.
2- اُنظر: البغدادی، إسماعیل باشا، هدیة العارفین: ج2، ص489. الزرکلی، خیر الدین، الأعلام: ج8، ص28.
3- اُنظر: ابن الندیم، محمّد بن إسحاق، الفهرست: ص122. الزرکلی، خیر الدین، الأعلام: ج8، ص28. عمر کحالة، معجم المؤلفین: ج13، ص92.الرازی، ابن أبی حاتم، الجرح والتعدیل: ج8، ص468. البروجردی، علیّ، طرائف المقال فی معرفة طبقات الرجال: ج1، ص352.
4- اُنظر: النجاشی، أحمد بن علیّ، رجال النجاشی: ص427. العلّامة الحلّی، الحسن بن یوسف، خلاصة الأقوال فی معرفة الرجال: ص285.
5- اُنظر: السمعانی، عبد الکریم بن محمّد، الأنساب: ص459.
6- اُنظر: الطوسی، محمّد بن الحسن، الفهرست: ص57. الطوسی، محمد بن الحسن، رجال الطوسی: ص115، وص347. النجاشی، أحمد بن علیّ، رجال النجاشی: ص53.

ابن داود المنقری الذی کان یروی عن جماعة من أصحاب الإمام الصادق(علیه السّلام)(1)، وأسلم ابن أیمن المنقری الکوفی من أصحاب الإمام الباقر(علیه السّلام)(2)، وإسماعیل بن محمّد المنقری من أصحاب الإمام الکاظم(علیه السّلام)(3)، وخلاد، وعبد الله، ومحمّد، أبناء سلیم المنقری، وهم من أهل الکوفة، ومن أصحاب الإمام الصادق(علیه السّلام)(4)، وموسیٰ بن داود المنقری من أصحاب الجواد(علیه السّلام)، وغیرهم ممَّن أعرضنا عن ذکرهم خوفاً من الإطالة(5).

والعطار: هو بائع العطور کما فی المعاجم(6)، ولکن یبدو لی من خلال التتبّع أنّ لهذه المفردة معنیٰ أوسع ممّا ذکره أصحاب المعاجم، قال أعرابی فی امرأة تزوّجها، وذُکِر له أنّها شابّة طریة، ودسّوا إلیه عجوزاً:

عجوزٌ ترجیٰ أن تکون فتیةً

وقد نحل الجنبان واحدودب الظهرُ

تدسّ إلیٰ العطار سلعةَ أهلها

وهل یُصلِحُ العطارُ ما أفسد الدهرُ

تزوّجتُها قبل المحاق بلیلةٍ

فکان محاقاً کلّه ذلک الشهرُ

وما غرّنی إلّا خضابٌ بکفّها

وکحلٌ بعینیها وأثوابها الصفرُ(7)

ص: 270


1- اُنظر: الطوسی، محمد بن الحسن، الفهرست: ص78. النجاشی، أحمد بن علیّ، رجال النجاشی: ص184.
2- اُنظر: الطوسی، محمد بن الحسن، رجال الطوسی: ص107.
3- اُنظر: المصدر السابق: ص343. البرقی، أحمد بن محمد، الرجال: ص50.
4- اُنظر: الطوسی، محمد بن الحسن، رجال الطوسی: ص199، وص233، وص297.
5- اُنظر: المصدر السابق: ص405.
6- اُنظر: ابن منظور، محمد بن مکرم، لسان العرب: ج4، ص2994، (مادة عطر).
7- اُنظر: المبرِّد، محمّد، الکامل فی اللغة والأدب: ج1، ص247_ 248.

نفهم من البیت الأخیر أنّ (الخضاب) و(الکحل) هما من ضمن الأشیاء التی یبیعهاالعطّار؛ فتکون تجارته أوسع من تجارة بیع العطور، ویمکن أن نقول: إنّ العطّار هو بائع مواد التجمیل.

وقد تطلق مفردة (العطار) علیٰ بائع الأدویة (الصیدلانی)، قال الزبیدی: «والصیدنانی: العطّار مثل الصیدلانی»(1).

وقد تقول: إنّ هذا النصّ قد فسَّر (الصیدلانی) ب_ (العطار)، وهذا لا ینفعنا فی مورد البحث؛ لأنّه أشبه بالدور؟

فأقول: هذا صحیح، ولکن ما ینفعنا فی هذا النصّ هو أنّه یعتبر (الصیدلانی) و(العطار) لفظین مترادفین علیٰ معنیٰ واحد، وبما أنّ مفردة (الصیدلانی) لا تدلّ إلّا علیٰ بائع الأدویة والعقاقیر الطبیّة(2)، یکون العطار بهذا المعنیٰ فی هذا النصّ وأمثاله بنحو الخصوص.

وفی الحقیقة، نحن لا نعلم ما إذا کانت مهنة المنقری هی بیع العطور ونحوها من مواد التجمیل، أم بیع الأدویة والعقاقیر الطبیّة، فکلاهما محتملان؛ لأنّ المؤرِّخین لم یذکروا لنا سویٰ کونه (عطّاراً) ولم یزیدوا علیٰ ذلک، وقد رجّح عبد السلام محمّد هارون محقق کتاب وقعة صفِّین أن یکون العطار هو بائع العطور؛ حیث یقول: «ویذکر المترجمون له أنّه کان عطّاراً یبیع العطور، ولعلّ ذلک ممّا أسبغ علیٰ تألیفه ذلک الذوق الحسن الذی یلمع فی أثناء کتابه، ولعلّ ذلک أیضاً ممّا أکسبه هذه الروح البارعة فی التألیف»(3).

ص: 271


1- الزبیدی، محمد مرتضی، تاج العروس: ج18، ص344.
2- اُنظر: الفیومی، أحمد بن محمد، المصباح المنیر: ص75. مجمع اللغة العربیة، المعجم الوسیط: ج1، 530، وجاء فی (کتاب العین): «الحبق: دواء من أدویة الصیدلانی». الفراهیدی، الخلیل بن أحمد، کتاب العین: ج3، ص52، (مادّة حبق).
3- اُنظر: المنقری، ابن مزاحم، وقعة صفّین (مقدمة المحقق علی الطبعة الأُولی المدرجة فی آخر الکتاب): ص566.

أقول: قد ذکر المترجمون لنصر بن مزاحم أنّه کان عطّاراً، أمّا کون العطار بمعنیٰ بائع العطور فهو من ترجیحات المحقق، وهو ترجیح بلا مرجح، وأمّا الربط بین الذوق الحسن والروح البارعة فی التألیف وبین مهنة بیع العطور فهو ربط لطیف، ولکن هذا إن ثبت أن المنقری کان عطّاراً بهذا المعنیٰ، وکما یقولون: (ثبِّت العرش، ثمَّ انقش).

من أولاد نصر بن مزاحم ومن آل نصر: مزاحم بن نصر بن مزاحم، یروی عن هلقام بن جمیع السدوسی(1)، وحسین أو (الحسین) بن نصر بن مزاحم، یروی عن أبیه(2)، ومحمّد بن سکین بن الرحال(3)، وخالد بن عیسیٰ(4)، ورویٰ عنه محمد بن القاسم بن زکریا الحارثی السودانی الکوفی(5)، وعلی بن العباس(6)، وعلی بن الحسن بن فضال(7) ، ومحمّد بن مسلم(8).

2_ ولادته ونشأته

ذکر شیخُ الطائفة (نصراً) فی قائمة أصحاب الإمام الباقر(علیه السّلام)(9)، وحیث إنّنا نعلم أنّ وفاة الإمام الباقر(علیه السّلام) کانت فی عام 114ه_؛ فتکون ولادة نص_ر قبل هذا التاریخ بفترة

ص: 272


1- اُنظر: البخاری، محمّد بن إسماعیل، التاریخ الکبیر: ج8، ص258.
2- اُنظر: الدارقطنی، علیّ بن عمر، المؤتلف والمختلف: ج4، ص119.
3- اُنظر: الخطیب البغدادی، أحمد بن علیّ، المتّفق والمفترق: ج3، ص250.
4- اُنظر: ابن عساکر، علیّ بن الحسن، تاریخ مدینة دمشق: ج50، ص307.
5- اُنظر: ابن حجر، أحمد بن علیّ، تبصیر المنتبه بتحریر المشتبه: ج2، ص759.
6- اُنظر: العقیلی، محمّد بن عمرو، الضعفاء: ج3، ص415.
7- اُنظر: الطوسی، محمّد بن الحسن، الفهرست: ص69.
8- اُنظر: الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج7، ص116.
9- اُنظر: الطوسی، محمّد بن الحسن، رجال الطوسی: ص147.

یکون معها مؤهّلاً لصحبة الإمام الباقر(علیه السّلام)، فإذا قلنا: إنّه وُلِد حوالی عام 100ه_، فقد قلنا بأقرب الاحتمالات؛ لأنّنا نستبعد أن یکون قد وُلِد قبل عام 100ه_ بفترة طویلة، لأنّنا فی هذه الحالة سنضطر إلیٰ افتراض کونه من المعمِّرین، وذلک بعد ملاحظة أنّ وفاته کانت عام 212ه_ کما سیأتی.

هذا کلّه بناءً علیٰ صحّة عدِّ الشیخ الطوسی له فی أصحاب الإمام الباقر(علیه السّلام)، ولکن سیجیء عند الحدیث عن (مکانته العلمیّة وطبقته ومصنفاته) مناقشة السیِّد الخوئی فی صحّة ذلک.

والقدر المتیقن لدینا أنّ ولادته کانت قبل عام 161ه_، فقد ذکر ابن حبّان أنّ نص_راً قد أخذ عن سفیان الثوری(1)، وقد توفِّی سفیان هذا عام 161ه_ (2).

کانت ولادة المنقری ونشأته فی الکوفة، وکان عطّاراً فیها کما مرّ علینا عند الحدیث عن (اسمه ونسبه وکنیته وأولاده)، ثمّ ولّاه محمّد بن محمّد بن زید _ أحد أئمّة الزیدیّة _ سوقها(3)، أو بالأحریٰ: أنّ الذی ولّاه سوق الکوفة هو أبو السرایا الذی کان القیِّم بأُمور الحرب لمحمّد بن محمّد بن زید(4)، ثمَّ سکن بغداد(5)، ولا نعرف إذا ما استقرّ فی بغداد إلیٰ آخر حیاته أم أنّه رجع إلیٰ الکوفة مرّة أُخریٰ.

3_ مکانته العلمیّة وطبقته ومؤلفاته

یُعتبر نصر بن مزاحم من الأخباریین القدامیٰ الذین اعتنوا بتدوین التراث

ص: 273


1- اُنظر: ابن حبان، محمّد بن حبّان، الثقات: ج9، ص215.
2- اُنظر: ابن خلکان، أحمد بن محمّد، وفیات الأعیان: ج2، ص391.
3- اُنظر: القاسمی، عبد الله بن الحسین، الجداول الصغری: ص105.
4- اُنظر: عمر کحالة، معجم المؤلفین: ج13، ص92.
5- اُنظر: الخطیب البغدادی، أحمد بن علیّ، تاریخ بغداد: ج15، ص382.

الإسلامی، وقد ترکّز نشاطه علیٰ جمع أخبار وروایات حربَی الجَمَل وصفِّین، وقد عدَّه ابن أبی الحدید المعتزلی من رجال أصحاب الحدیث(1).

أمّا طبقته، فقد عدَّه الشیخ فی رجاله من أصحاب الباقر(علیه السّلام). ولکن السیِّد الخوئی قد أشکل علیٰ ذلک، ورآیٰ ذلک غیر قابل للتصدیق، وذلک لعدّة أُمور:

1_ لأنّ محمّد بن علیّ الصیرفی أبا سمینة، رویٰ عنه بکتابه، علیٰ ما ذکره النجاشی والشیخ، وهو معاصر لأحمد بن محمد بن عیسیٰ، المتوفَّیٰ حدود سنة (280ه_)، وقد أخرجه من قم، وکیف یمکن روایة مثل ذلک عن أصحاب الباقر(علیه السّلام)؟!

2_ ولأنّ حمیداً رویٰ کتاب نصر بن مزاحم بواسطة، علیٰ ما ذکره الشیخ، وحمید توفِّی سنة (310ه_)، وکیف یمکن أن یروی عن أصحاب الباقر(علیه السّلام) بواسطة واحدة؟!

3_ ولأنّ أحمد بن محمّد بن سعید المتوفَّیٰ سنة (333ه_) رویٰ کتاب نص_ر بن مزاحم بواسطة واحدة، علیٰ ما ذکره النجاشی، وکیف یمکن روایته عن أصحاب الباقر(علیه السّلام) بواسطة واحدة؟!

4_ إنّ الذهبی أرَّخ وفاته فی میزان الاعتدال لسنة اثنتی عشرة ومئتین(2).

وممّا یدعم رأی السیِّد الخوئی هو عدم وجود روایات لنصر بن مزاحم یرویها عن الإمام الباقر(علیه السّلام) مباشرة، وإنّما هناک روایات له یرویها عن الإمام الباقر(علیه السّلام) بعضها بواسطة واحدة (3) وبعضها بواسطتین(4)، ویروی عن الإمام الصادق(علیه السّلام) بواسطة واحدة(5).

ص: 274


1- ابن أبی الحدید المعتزلی، عبد الحمید، شرح نهج البلاغة: ج2، ص206.
2- اُنظر: الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج20، ص158_ 159.
3- اُنظر: المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار: ج13، ص372. حیث جاء فیه: قال محمّد بن مالک: «فلقیت نصر بن مزاحم المنقری، فحدّثنی عن غالب الجهنی، عن أبی جعفر محمّد بن علیّ بن الحسین، عن أبیه، عن جدِّه، عن علیّ(علیه السّلام) قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): لما أُسری بی إلی السماء...».
4- اُنظر: المصدر السابق: ج26، ص120، وفیه: «عن نصر بن مزاحم، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبی جعفر(علیه السّلام) قال: إنّ الله أخذ میثاق شیعتنا...».
5- اُنظر: الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی: ج6، ص388، وفیه: «عن نصر بن مزاحم، ودرست الواسطی، عن زرارة، وغیره، عن أبی عبد الله(علیه السّلام) قال: شارب المسکر...».

وقد یُنتصر لرأی الشیخ الطوسی بعَدِّ ابن الندیم له فی طبقة أبی مخنف المظنون معاصرته للإمام الباقر(علیه السّلام)، إلّا أنّ هذا القول من ابن الندیم لا یصمد أمام النقد أیضاً؛ لأنّ اشتراک اثنین فی طبقة واحدة یعنی اشتراکهما فی الأساتذة والمنابع والمآخذ، مع أنّ المنقری یروی _ أحیاناً _ عن أبی مخنف بالواس_طة، کما فی بعض النقول(1)، ویروی عنه _ أحیاناً _ بلا واسطة، کما فی نقل آخر(2)، فهو إن لم یکن من طبقة تلامذة تلامذته، یکون من طبقة تلامذته علیٰ أقل تقدیر.

من مصنّفات نصر بن مزاحم(3): کتاب الجَمَل، کتاب صفِّین، کتاب مقتل الحسین بن علیّ، کتاب الغارات، کتاب مقتل حجر بن عدی(4)، کتاب النهروان، کتاب أخبار محمّد بن إبراهیم وأبی السرایا(5)، کتاب المناقب(6)، کتاب أخبار عین الوردة، کتاب أخبار المختار(7).

ولم تحفظ لنا الأیام من هذه الآثار سویٰ (کتاب صفِّین) أو (وقعة صفِّین)، کما هو معروف فی طبعته المتداولة، وهذا الکتاب هو أقدم نصٍّ تأریخی محفوظ عن هذه الوقعة.

ص: 275


1- اُنظر: المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار: ج32، ص153، جاء فیه: «عن نصر بن مزاحم، عن عمر بن سعد، عن أبی مخنف لوط بن یحیی...».
2- اُنظر: الأصفهانی، أبو الفرج، مقاتل الطالبیین: ص113، وفیه: «فحدّثنی عبد الله بن زیدان البجلی، قال: حدّثنا محمد بن زید التمیمی، قال: حدّثنا نصر بن مزاحم، عن أبی مخنف عن الحرث بن کعب، عن علی بن الحسین، قال: إنّی _ والله _ لجالس مع أبی فی تلک اللیلة...».
3- اُنظر: ابن الندیم، محمّد بن إسحاق، الفهرست: ص122. النجاشی، أحمد بن علیّ، رجال النجاشی: ص327. الطوسی، محمّد بن الحسن، الفهرست: ص171، وص172.
4- إلی هنا ینتهی ما ذکره ابن الندیم من قائمة کتبه.
5- انفرد بذکرهما النجاشی.
6- ذکره النجاشی والطوسی.
7- انفرد بذکرهما الطوسی.

والملاحظ من خلال أسماء هذه الکتب أنّ المنقری قد انحص_ر نشاطه علیٰ التأریخ الشیعی بالخصوص؛ ولذا لا نجد له حضوراً واسعاً فی کتب التاریخ العام، وإن کانت هذه الکتب لم تغفل عن روایاته فیما یتّصل ب_ (وقعة صفِّین)، لا سیما أبی الفرج الأصفهانی فی کتابه مقاتل الطالبیین، حیث اعتمد علیٰ مرویاته، وفضّلها علیٰ غیرها، وقال معلِّلاً ذلک «إذ کان ثبتاً فی الحدیث والنقل»(1)، وابن أبی الحدید المعتزلی فی شرح النهج، حیث اعتمد علیه اعتماداً کلیّاً فی قصّة التحکیم وظهور أمر الخوارج، فقال: «ونحن نذکر ما أورده نص_ر بن مزاحم فی کتاب صفِّین فی هذا المعنیٰ، فهو ثقة ثبت صحیح النقل، غیر منسوب إلیٰ هویٰ ولا إدغال، وهو من رجال أصحاب الحدیث»(2).

4 _ مذهبه ومعتقده

اشارة

یوجد فی مذهب نصر بن مزاحم ومعتقده ثلاثة آراء:

الرأی الأوّل: إنّه إمامیّ المذهب، کما یظهر ذلک من النجاشی، إذ یقول فی وصفه: «مستقیم الطریقة، صالح الأمر، غیر أنّه یروی عن الضعفاء. کُتُبه حِسَان...»(3).

ومحل الشاهد فی قوله: «مستقیم الطریقة»، فإنّها لا تُستعمل فی کلمات المتقدِّمین إلّا بحقّ الإمامیّ الخالی من الشطحات الاعتقادیة، والمقالات المنکَرة، فهی أخصّ دلالةً من لفظ (الإمامیّ)؛ لأنّ هذا اللفظ بمفرده لا یدلّ علیٰ سلامة صاحبه من الأفکار المنحرفة والآراء الضالّة، وإنّما تقتصر دلالته علیٰ کونه من المنتسبین إلیٰ مذهب الإمامیّة، وهذا واضح لمَن خبُر موارد استعمالات هذه العبارة فی کلمات الرجالیین القدامیٰ، ومن تلک

ص: 276


1- اُنظر: الأصفهانی، أبو الفرج، مقاتل الطالبیین: ص424.
2- ابن أبی الحدید المعتزلی، عبد الحمید، شرح نهج البلاغة: ج2، ص206.
3- النجاشی، أحمد بن علیّ، رجال النجاشی: ص427 _ 428.

الموارد:

1_ قال شیخ الطائفة فی ترجمة (علیّ بن أحمد الکوفی): «کان إمامیّاً مستقیم الطریقة، وصنّف کتباً کثیرة سدیدة، منها کتاب الوصایا، وکتاب فی الفقه علیٰ ترتیب کتاب المزنی، ثمَّ خلَّط وأظهر مذهب المخمسة، وصنّف کتباً فی الغلو والتخلیط، وله مقالة تُنسب إلیه»(1).

فلاحظ معی کیف قیَّد وصفه له بکونه إمامیّاً، بوصف آخر أخصّ منه، وهو قوله: «مستقیم الطریقة»، أی: إنّه کان علیٰ مذهب الإمامیّة، وکان خالیاً من الاعتقادات الفاسدة والآراء المنحرفة.

ویؤکِّد هذا المعنیٰ قوله بعد ذلک: «ثمَّ خلَّط وأظهر مذهب المخمسة وصنَّف کتباً فی الغلو والتخلیط، وله مقالة تُنسب إلیه»، فجعل الخلط وإظهار مذهب المخمسة معنیٰ مقابلاً لاستقامة الطریقة، ممَّا یدلّ علیٰ ما قلناه من استعمالهم لهذه العبارة فی المعنیٰ الذی ذکرناه.

2_ وقال الشیخ أیضاً فی ترجمة (محمّد بن علیّ الشلمغانی): «وکان مستقیم الطریقة، ثمَّ تغیَّر وظهرت منه مقالات منکرة».

فقوله: «کان مستقیم الطریقة». لا یدلّ علیٰ إمامیّة الشلمغانی فحسب، بل تکشف عن تنزیهه عن الشطحات والأفکار المنحرفة أیضاً، أی: إنّه کان إمامیّاً خالص العقیدة قبل أن ینحرف وتتغیَّر أفکاره.

وعلیٰ هذا الأساس؛ تکون هذه العبارة شهادة من النجاشی بإمامیّة المنقری، بل تکون شهادة بما هو أعلیٰ من ذلک، وهو السلامة من الانحرافات العقائدیّة والشطحات الفکریّة.

الرأی الثانی: إنّه زیدیّ المذهب، وذلک لکونه من عمّال محمّد بن محمّد بن زید أحد

ص: 277


1- الطوسی، محمّد بن الحسن، الفهرست: ص92.

أئمّة الزیدیّة، حیث ولّاه السوق کما نصّ علیٰ ذلک غیر واحد من المؤرِّخین؛ ومن هنا اعتبرته الزیدیّة عَلماً من أعلامها وعَیناً من أعیانها.

قال صاحب الجداول الصغریٰ: «کان أحد شیعة الإمام محمّد بن إبراهیم، وولّاه محمّد بن محمّد بن زید السوق...»(1).

وقال أحمد بن صالح بن أبی الرجال: «نصر بن مزاحم المنقری الزیدیّ... کان(رحمه الله) أحد أعلام الزیدیّة... وأحد أعیان أصحاب الإمام الأعظم محمّد بن إبراهیم...»(2).

الرأی الثالث: إنّه عامیّ المذهب، یظهر ذلک من أبی الفرج الأصفهانی عند حدیثه (عن ذکر السبب فی خروج أبی السرایا)، حیث صرّح بقلّة اعتماده علیٰ (علیّ بن محمّد بن سلیمان النوفلی) فی نقله أخبار (أبی السرایا)، وعلّل ذلک بقوله: «لأنّ علیّ بن محمّد کان یقول: بالإمامة؛ فیحمله التعصّب لمذهبه علیٰ الحیف فیما یرویه»، ثمّ قال: «فاعتمدت علیٰ روایة مَن کان بعیداً عن فعله فی هذا، وهی روایة نصر بن مزاحم؛ إذ کان ثبتاً فی الحدیث والنقل»(3).

ففی نظر أبی الفرج أنّ العلّة التی قلّلت من اعتماده علیٰ مرویات النوفلی غیر موجودة فی المنقری، وهذه العلّة هی القول بالإمامة، فیکون المنقری من غیر القائلین بالإمامة فی نظر أبی الفرج.

ویظهر القول بعامّیته أیضاً من ابن أبی الحدید؛ إذ قال فیه: «فهو ثقة ثبتٌ، صحیح النقل غیر منسوب إلیٰ هویٰ ولا إدغال، وهو من رجال أصحاب الحدیث»(4).

قال صاحب روضات الجنّات تعلیقاً علیٰ قول بن أبی الحدید: «وهذا یُشْعِر بأنّه لیس

ص: 278


1- القاسمی، عبد الله بن الحسین، الجداول الصغری: ص105.
2- ابن أبی الرجال، أحمد بن صالح، مطلع البدور ومجمع البحور: ص426.
3- اُنظر: الأصفهانی، أبو الفرج، مقاتل الطالبیین: ص424.
4- ابن أبی الحدید المعتزلی، عبد الحمید، شرح نهج البلاغة: ج2، ص206.

إمامیّاً، وفیه نظر»(1).

المختار من هذه الآراء:

إنّ الرأی الثالث هو أبعد هذه الآراء عن الصواب؛ فإنّ رجالیّی العامّة تکاد تتّفق کلمتهم علیٰ مخالفة المنقری لمذهبهم، فمرّة ینسبونه إلیٰ التشیُّع، وأُخریٰ یرمونه بالرفض، وثالثة یتّهمونه بالزیغ عن الحقِّ، کما سیأتی عند الحدیث عن (وثاقته وعدالته)، فهذا الرأی مخالف لما علیه أکثر علماء العامّة، بل هو مخالف لما علیه أکثر العلماء من الإمامیّة والزیدیّة والعامّة.

وأمّا الرأی الثانی، فهو غیر مستند إلیٰ شاهد حسّی قطعی، بل هو مجرّد استنتاج، وهو مبنی علیٰ کون المنقری أحد عمّال محمّد بن محمّد بن زید، أحد أئمّة الزیدیّة، ومن الواضح أنّه لیس کلّ مَن ساهم مع الزیدیّة فی ثوراتهم أو کان عاملاً لأحد أئمّتهم لا بدّ أن یکون موافقاً لهم فی المذهب!

فالمختار من هذه الآراء هو الرأی الأوّل (رأی النجاشی)؛ فإنّه خرِّیت هذا الفنّ، وهو العارف البصیر بأحوال الرجال، وقوله هو القول الفیصل فی أمثال هذه الخصومات، وإذا کان قوله یُقدّم فی مثل هذا وأشباهه علیٰ قول شیخ الطائفة، فکیف نتحرّج من تقدیمه علیٰ قول غیره ممَّن ینتسبون إلیٰ غیر مذهب الإمامیّة؟

ولا یُقال: إنّ تقدُّم النجاشی وتفوّقه یقتصر علیٰ معرفة ما یوجب الجرح والتعدیل، ولا یتعدّیٰ إلیٰ ما هو خارج حدود هذه الدائرة، کمعرفة مذهب الرجل ومعتقده.

لأنّنا نقول: إنّ معرفة المذهب والمعتقد لا یخرج عن حدود هذه الدائرة أیضاً؛ فإنّ معرفة هذا الجانب فی شخصیّة الراوی لها مدخلیّة کبیرة فی تقییم مرویاته، وکان القدماء

ص: 279


1- الزرکلی، خیر الدین، الأعلام: ج8، ص28، نقلاً عن روضات الجنات.

یحرصون أشدّ الحرص علیٰ معرفة هذا الجانب.

5 _ وثاقته وعدالته

مرّ علینا قول النجاشی فیه: «مستقیم الطریقة، صالح الأمر، غیر أنّه یروی عن الضعفاء، کُتُبه حِسَان...».

ولا ریب فی أنّ عبارة (مستقیم الطریقة) لا تفید توثیقاً ولا مدحاً، بل المقصود بها صحّة المذهب والسلامة من الشطحات الفکریّة والاعتقادیة کما مرّ، وإنّما غایة ما یمکن أن یُستدلّ به علیٰ توثیقه أو مدحه علیٰ أقلّ تقدیر، هو الکلام الذی یلی هذه العبارة.

فإنّ قوله: «صالح الأمر». وإن کانت تحتمل صلاح العقیدة کما تحتمل صلاح السلوک، إلّا أنّ حملها علیٰ المعنیٰ الأخیر أوْلیٰ؛ وذلک بقرینة قوله بعد ذلک: «غیر أنّه یروی عن الضعفاء»؛ فلو لم یکن قوله: «صالح الأمر». دالاً علیٰ توثیقه أو مدحه فی نفسه، لما احتاج إلیٰ الاحتراز من روایته عن الضعفاء.

وبکلمة ثانیة: إنّه بعد أن وثّقه فی نفسه بقوله: «صالح الأمر»، خش_ی أن یس_ری هذا التوثیق إلیٰ جمیع مرویاته، فاحترز من ذلک بقوله: «غیر أنّه یروی عن الضعفاء».

وأمّا عبارة: (کُتُبه حِسَان)، فیمکن أن تکون متفرِّعة علیٰ قوله: «صالح الأمر»، أی: بما أنّه صالح الأمر تکون کُتُبه حِسَان، ولا بدّ أن یکون ذلک بنحو الموجبة الجزئیة، أی: إنّها حِسَان فی الجملة؛ لکی لا یتنافیٰ ذلک مع روایته عن الضعفاء، کما یمکن أن تکون هذه العبارة مدحاً مستقلاً غیر متفرِّع علیٰ عبارة: (صالح الأمر)، وفی جمیع الأحوال، فإنّ أقلّ ما یُستفاد من نصِّ النجاشی هو أنّ الرجل من الممدوحین.

بل یمکن أن نقول بتوثیقه علیٰ بعض المبانی، وذلک بناءً علیٰ ورود اسمه مکرّراً فی

ص: 280

کتاب کامل الزیارات(1)، ولا یخفیٰ أنّ هناک مبنیٰ رجالیّاً یریٰ وثاقة جمیع المذکورین فی هذا الکتاب(2).

أمّا علماء رجال العامّة، فقد ترک أکثرُهم روایته بسبب تشیُّعه، فقال الذهبی: رافض_ی جلد ترکوه(3). وقال العقیلی: کان یذهب إلیٰ التشیُّع، وفی حدیثه اضطراب وخطأ کثیر من حدیثه(4). وقال أبو خثیمة: کان کذّاباً. وقال یحییٰ بن معین: لیس حدیثه بش_یء. وقال أبو حاتم الرازی: واهی الحدیث متروک الحدیث. وقال الدارقطنی: ضعیف. وقال إبراهیم بن یعقوب الجوزجانی: کان زائغاً عن الحقِّ. وقال صالح بن محمّد: رویٰ عن الضعفاء أحادیث مناکیر. وقال أبو الفتح الأزدی: کان غالیاً فی مذهبه غیر محمود فی حدیثه(5).

وقد أنصفه ابن حبّان فذکره فی الثقات(6).

کما أنصفه ابن أبی الحدید المعتزلی بقوله المارّ علینا: «فهو ثقة ثَبْت، صحیح النقل غیر منسوب إلیٰ هویٰ ولا إدغال...».

کما أنصفه أبو الفرج الأصفهانی بقوله فیه: «...إذ کان ثَبْتاً فی الحدیث والنقل»، وقد مرّ علینا أیضاً.

ص: 281


1- سنقف علی الموارد التی ورد فیها ذکر المنقری فی کتاب کامل الزیارات عند الحدیث عن مقتله فانتظر.
2- اُنظر حول هذا المبنی مثلاً: الفانی، علی، بحوث فی فقه الرجال (تقریر علی مکی العاملی): ص100.
3- اُنظر: الذهبی، محمّد بن أحمد، میزان الاعتدال: ج7، ص24.
4- العقیلی، محمد بن عمرو، الضعفاء: ج4، ص300.
5- اُنظر: ابن الجوزی، عبد الرحمن بن علیّ، الضعفاء والمتروکین: ج3، ص160.
6- ابن حبان، محمّد بن حبّان، الثقات: ج9، ص215.

6 _ وفاته

قال الخطیب البغدادی (ت463ه_): «أخبرنا ابن الفضل، أخبرنا جعفر بن محمّد بن نصیر الخلدی، حدَّثنا محمّد بن عبد الله بن سلیمان الحضرمی، قال: سنة اثنتی عش_رة ومائتین فیها مات نصر بن مزاحم المنقری»(1).

ویبدو لی أنّ هذا هو أقدم نصٍّ تاریخی یحدّد لنا وفاة نص_ر بن مزاحم المنقری، وقد تسالم مَن جاء بعده من المؤرِّخین علیٰ ذلک، کالذهبی فی تاریخ الإسلام(2) ومیزان الاعتدال(3)، ویاقوت الحموی فی معجم الأُدباء(4)، وإسماعیل باشا البغدادی فی هدیة العارفین(5)، وخیر الدین الزرکلی فی الأعلام(6)، وعمر کحالة فی معجم المؤلفین(7)، وغیرهم.

ص: 282


1- اُنظر: الخطیب البغدادی، أحمد بن علیّ، تاریخ بغداد: ج15، ص382.
2- اُنظر: الذهبی، محمّد بن أحمد، تاریخ الإسلام: ج15، ص427.
3- اُنظر: الذهبی، محمّد بن أحمد، میزان الاعتدال: ج4، ص253.
4- اُنظر: الحموی، یاقوت بن عبد الله، معجم الأُدباء: ج6، ص2750.
5- اُنظر: البغدادی، إسماعیل باشا، هدیة العارفین: ج4، ص489.
6- اُنظر: الزرکلی، خیر الدین، الأعلام: ج8، ص28.
7- اُنظر: عمر کحالة، معجم المؤلفین: ج13، ص92.

المبحث الثانی : مقتل الحسین(علیه السّلام) للمنقری

اشارة

نصّ علیٰ کتابه فی مقتل الحسین(علیه السّلام) الطوسی فی الفهرست(1)، وابن الندیم کذلک(2)، والنجاشی فی رجاله(3)، وابن شهر آشوب فی معالم العلماء(4)، والحموی فی معجم الأُدباء(5)، وغیرهم.

وهذا المقتل غیر محفوظ، کما أشرنا عند الحدیث عن قائمة کتبه، إلّا أنّنا لو فتّشنا فی الموروث الروائی لواقعة الطفّ لوجدنا العدید من الروایات المتناثرة هنا وهناک، ممّا وقع فی سنده نصر بن مزاحم.

ولعل أقدم مَن نقل عن هذا المقتل هو أبو الفرج الأصفهانی (ت356ه_)، فی کتابه مقاتل الطالبیین، ثمّ ابن قولویه (ت368ه_) فی کامل الزیارات، ثمّ الصدوق (ت381ه_) فی الأمالی، وعلل الشرائع، وثواب الأعمال وعقاب الأعمال.

ولا یوجد قبل هؤلاء الأعلام مَن نقل شیئاً من هذا المقتل، کما أنّ مَن جاء بعدهم قد أخذ روایات المنقری عنهم، فروایاته منحصرة بکتب هؤلاء المصنِّفین الثلاثة.

وهذا أمر له دلالته؛ فإنّه یشیر إلیٰ بقاء مقتل المنقری محبوساً علیٰ نفسه لمدّة تقارب

ص: 283


1- اُنظر: الطوسی، محمّد بن الحسن، الفهرست: ص172.
2- اُنظر: ابن الندیم، محمّد بن إسحاق، الفهرست: ص122.
3- اُنظر: النجاشی، أحمد بن علیّ، رجال النجاشی: ص428.
4- اُنظر: ابن شهر آشوب، محمّد بن علیّ، معالم العلماء: ص161.
5- اُنظر: الحموی، یاقوت بن عبد الله، معجم الأُدباء: ج6، ص2750.

القرن من الزمن، ولم یجرأ أحد علیٰ النقل عنه حتیٰ جاء البویهیون وتسلّموا «مقالید الحکم والسلطة من عام (320 _ 447ه_)، فکانت لهم السلطة فی العراق وبعض بلاد إیران، کفارس، وکرمان، وبلاد الجبل، وهمدان، وأصفهان، والرّی، وقد أُقصوا عن الحکم فی الأخیر بهجوم الغزاونة علیه عام 420ه_. وقد ذکر المؤرِّخون خصوصاً ابن الأثیر فی الکامل وابن الجوزی فی المنتظم شیئاً کثیراً من أحوالهم، وخدماتهم، وإفساحهم المجال لجمیع العلماء من دون أن یفرِّقوا بینهم بافتراق طوائفهم»(1).

وفی ظلّ هذه الدولة کان یعیش هؤلاء العلماء، فاتّصلوا برواة هذا المقتل الذین یروونه عن المنقری بواسطة أو واسطتین أو ثلاث؛ ممّا یؤکِّد ما قلناه من انحصار روایة هذا المقتل بین تلامذة المنقری وتلامذة تلامذته، ولم تتوفر نسخه بین العلماء والمؤرِّخین إلّا فی أیام البویهیین.

وفیما یلی سنشیر إلیٰ مواضع تلک الروایات فی الکتب المشار إلیها لکی یتمکَّن المعنیون من ملاحقتها ومتابعتها:

1_ أبو الفرج فی کتابه (مقاتل الطالبیین)

هو علیّ بن الحسین بن محمّد (ت356ه_)، صاحب کتاب الأغانی، أُمویّ النسب، أصفهانی الأصل، بغدادی المنشأ(2)، زیدیّ المذهب(3).

وکان أبو الفرج من أعیان الأُدباء وکبار العلماء، وکان خبیراً بأیام الناس، والأنساب، والسیرة، وکان شاعراً محسناً، وصنَّف کتباً کثیرة منها: (الأغانی)، و(مقاتل الطالبیین) وغیرهما(4).

ص: 284


1- اُنظر: السبحانی، جعفر، أضواء علی عقائد الشیعة الإمامیّة: ص94.
2- اُنظر: الحر العاملی، محمد بن الحسن، أمل الآمل: ج2، ص181.
3- اُنظر: الطوسی، محمد بن الحسن، الفهرست: ص192.
4- اُنظر: الخطیب البغدادی، أحمد بن علیّ، تاریخ بغداد: ج13، ص337.

قال التنوخی: «ومن الرواة المتّسعین الذین شاهدناهم أبو الفرج علیّ بن الحسین الأصبهانی، فإنّه کان یحفظ من الشعر، والأغانی، والأخبار، والآثار، والحدیث المسند والنسب ما لم أرَ قط مَن یحفظ مثله، وکان شدید الاختصاص بهذه الأشیاء، ویحفظ دون ما یحفظ منها علوماً أُخر منها: اللغة، والنحو، والخرافات، والسیر والمغازی، ومَن آلة المنادمة شیئاً کثیراً، مثل: علم الجوارح، والبیطرة، ونتفاً من الطب، والنجوم والأشربة، وغیر ذلک»(1).

وقد عُرِف أبو الفرج ب_(الکاتب)؛ لأنّه کان کاتباً لدیٰ رکن الدولة البویهی، وکان قریب المنزلة منه، عظیم المکانة لدیه(2).

وأمّا کتابه (مقاتل الطالبیین)، فهو ممّا لا غنیٰ عنه لکلّ مؤرِّخ أو باحث فی التاریخ الإسلامی، وذلک لما یحویه من مرویات الأُصول التی صنَّفها الأخباریون الأوائل، والتی ضاع معظمها، ولم یتبقَّ منها سویٰ ما نقله عنها کتاب مقاتل الطالبیین ونظائره.

قال آغا بزرک الطهرانی: «مقاتل الطالبیین لأبی الفرج الأصفهانی، علی بن الحسین بن محمد بن أحمد بن الهیثم بن عبد الرحمن بن مروان الأُموی الزیدیّ... ذکر فیه شهدائهم إلیٰ أواخر المقتدر الذی مات سنة320ه_، ابتدء فیه بجعفر الطیار أول الشهداء من آل أبی طالب، واختتم بإسحاق ابن عباس(3)، المعروف بالمهلوس الشهید بأرمن، وذکر بعده جمعاً ممَّن حُکیٰ له قتلهم وتبرّء من خطائه، وفرغ منه فی جمادی الأُولیٰ سنة313ه_، ویظهر من مواضع منه أنّه شیعی زیدیّ المذهب»(4).

وقد اعتمد أبو الفرج فی تألیف کت_ابه هذا _ کما ألمح_نا _ علیٰ مجموعة من الأُصول التاریخیّة القدیمة التی صنّفها قدامیٰ الأخباریین، ومن بینهم: نصر بن مزاحم المنقری

ص: 285


1- اُنظر: الخطیب البغدادی، أحمد بن علیّ، تاریخ بغداد: ج13، ص337.
2- اُنظر: الأصفهانی، أبو الفرج، مقاتل الطالبیین (مقدمة المحقق السیِّد أحمد صقر): ص6.
3- یظهر أن فی الاسم تقدیماً وتأخیراً، وهو سهو من قلمه الشریف، أو من خطأ النسّاخ، والصحیح هو العباس بن إسحاق. اُنظر: المصدر السابق: ص449.
4- الطهرانی، آغا بزرک، الذریعة إلی تصانیف الشیعة: ج21، ص376.

الذی عدّه أبو الفرج من المعتمدین الأثبات _ کما مرّ _ فکان أحد مصادره التی استقیٰ منها حدیثه عن مقتل الحسین(علیه السّلام).

وتتّخ_ذ روایات أبی الفرج عن المنقری _ فیما یتّص_ل بأح_داث ووق_ائع کربلاء _ عدّة أشکال، نبیِّنها فیما یلی:

الشکل الأوّل: ما أُسند إلیٰ نصر بن مزاحم بشکل صریح وواضح، وهو ما ینطبق علیٰ الروایات التالیة:

الروایة الأُولیٰ: وهی ترتبط بمقتل جعفر بن علیّ بن أبی طالب(علیهم السّلام) ، ونصّ الروایة: «وقال نصر بن مزاحم: حدّثنی عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبی جعفر محمّد بن علیّ: أن خولی بن یزید الأصبحی _ لعنه الله _ قتل جعفر بن علیّ»(1).

الروایة الثانیة: تعیین قاتل العباس(علیه السّلام)، قال: «حدَّثنی أحمد بن عیسیٰ، قال: حدّثنی حسین بن نصر، قال: حدّثنا أبی، قال: حدّثنا عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبی جعفر(علیه السّلام): إنّ زید بن رقاد الجنبی، وحکیم بن الطفیل الطائی، قتلا العباس بن علی»(2).

الروایة الثالثة: تعیین قاتل محمّد الأصغر بن علیّ بن أبی طالب(علیهم السّلام) ، قال: «حدَّثنی أحمد ابن عیسیٰ، قال: حدَّثنا الحسین بن نصر، عن أبیه، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبی جعفر...: أنّ رجلاً من تمیم من بنی أبان بن دارم قتله _ رضوان الله علیه _ ولعن الله قاتله»(3).

الروایة الرابعة: وهی تتعلّق بجانب ممّا حدث فی لیلة العاشر فی معسکر الحسین(علیه السّلام)، قال أبو الفرج: «فحدَّثنی عبد الله بن زیدان البجلی، قال: حدّثنا محمّد بن زید التمیمی، قال: حدَّثنا نص_ر بن مزاحم، عن أبی مخنف عن الحرث بن کعب، عن علیّ بن الحسین(علیه السّلام)، قال:

ص: 286


1- الأصفهانی، أبو الفرج، مقاتل الطالبیین: ص88.
2- المصدر السابق: ص90.
3- المصدر السابق: ص90 _ 91.

إنّی _ والله _ لجالس مع أبی فی تلک اللیلة، وأنا علیل...»(1).

أقول: الروایات الثلاث الأُولیٰ مرّت علینا فی مقتل جابر بن یزید الجعفی، وقد أشرنا هناک إلیٰ کون الجعفی من مصادر المنقری فی کتابه فی المقتل، وأمّا الروایة الرابعة، فهی مقتبسة من مقتل أبی مخنف کما هو واضح من السند.

الشکل الثانی: ما أُسند إلیٰ المنقری بشکل مضمر، وهو ما یعبِّر عنه القدماء بطریقة (التعلیق)، وتوضیح ذلک: أنّ أبا الفرج قد سلک طریقین للوصول إلیٰ روایة أبی مخنف حول مقتل الحسین(علیه السّلام)، وهما:

الطریق الأوّل: أحمد بن عیسیٰ بن أبی موسیٰ العجلی، عن الحسین بن نصر بن مزاحم، عن أبیه (نصر بن مزاحم)، عن عمر بن سعد(2)، عن أبی مخنف.

الطریق الثانی: أحمد بن محمّد بن شبیب المعروف بأبی بکر بن شیبة، عن أحمد بن الحرث الخزاز، عن علیّ بن محمّد المدائنی، عن أبی مخنف(3).

ولکنّه بعد ذلک کان کثیراً ما یختصر أحد هذین الطریقین بحذف بعض الوسائط علیٰ طریقة التعلیق المتعارفة عند القدماء، فیقول _ مثلاً _ : «قال عمر بن سعد: عن أبی مخنف...»، فیطوی الوسائط الثلاث التی ذکرناها فی الط_ریق الأوّل، أو یقول _ مثلاً _ : «فقال المدائنی: عن أبی مخنف...». فیطوی الواسطتین اللتین ذکرناهما فی الطریق الثانی.

وفی ضوء ذلک؛ فإنّ الروایات التی رواها أبو الفرج _ مباشرة _ عن عمر بن سعد، عن أبی مخنف، یمکن إسنادها أیضاً إلیٰ نصر بن مزاحم؛ وبالتالی یمکن القول: إنّها ممّا کان قد أودعه فی کتابه مقتل الحسین(علیه السّلام)، وهذا ما ینطبق علیٰ الروایات الثلاث التالیة:

ص: 287


1- الأصفهانی، أبو الفرج، مقاتل الطالبیین: ص114.
2- هو عمر بن سعد بن أبی الصید الأسدی، کما فی کتاب المنقری. ابن مزاحم، وقعة صفِّین: ص3.
3- اُنظر: الأصفهانی، أبو الفرج، مقاتل الطالبیین: ص98 _ 99.

الروایة الأُولیٰ: قال عمر بن سعد: عن أبی مخنف، فحدّثنی المصعب بن زهیر، عن أبی عثمان: «إنّ ابن زیاد أقبل من البصرة ومعه مسلم بن عمر الباهلی، والمنذر بن عمرو بن الجارود، وشریک بن الأعور، وحشمه وأهله...»(1).

الروایة الثانیة: وقال عمر(2): عن أبی مخنف، عن المعلیٰ بن کلیب، عن أبی الوداک، قال: «لمّا نزل ابن زیاد القصر نودی فی الناس: الصلاة جامعة. فاجتمع إلیه الناس، فخرج إلینا...»(3).

الروایة الثالثة: وقال عمر بن سعد: عن أبی مخنف، قال: حدَّثنی الحجاج بن علیّ الهمدانی، قال: «لمّا ضرب عبید الله هانئاً وحبسه، خشی أن یثب الناس به...»(4).

الشکل الثالث: ما یحتمل وقوع المنقری فی طریقه، وتوضیح ذلک: أنّ هناک العدید من الروایات التی نسبها أبو الفرج إلیٰ أبی مخنف بنحو مباشر، وبما أنّنا قد عرفنا أنّ روایة أبی الفرج عن أبی مخنف تمرّ عن أحد طریقین یقع فی أحدهما نصر بن مزاحم، فنحن نحتمل أنّ جمیع تلک الروایات أو بعضها قد وقعت لأبی الفرج عن طریق نصر بن مزاحم، وهذا ما یصدق علیٰ أحد عشر روایة:

الروایة الأُولیٰ: وقال أبو مخنف: فحدّثنی یوسف بن یزید، عن عبد الله بن حازم البکری، قال: «أنا _ والله _ رسول ابن عقیل إلیٰ القصر فی أثر هانئ لأنظر ما صار إلیه أمره...»(5).

الروایة الثانیة: قال أبو مخنف: فحدَّثنی سلیمان بن أبی راشد، عن عبد الله بن حازم البکری، قال: «أشرف علینا الأشراف، وکان أوّل مَن تکلّم کثیر بن شهاب. فقال...»(6).

ص: 288


1- الأصفهانی، أبو الفرج، مقاتل الطالبیین: ص99.
2- فی المطبوعة المتداولة هکذا (عمرو)، والظاهر أنّه من تصحیف النسّاخ.
3- الأصفهانی، أبو الفرج، مقاتل الطالبیین: ص100.
4- المصدر السابق: ص102.
5- المصدر السابق: ص103.
6- المصدر السابق: ص104.

الروایة الثالثة: قال أبو مخنف: حدَّثنی المجالد بن سعید: «أنّ المرأة کانت تأتی ابنها وأخاها، فتقول: انصرف، الناس یکفونک...»(1).

الروایة الرابعة: قال أبو مخنف: فحدَّثنی قدامة بن سعد بن زائدة الثقفی: «أنّ ابن زیاد بعث مع ابن الأشعث ستّین أو سبعین رجلاً کلّهم من قیس...»(2).

الروایة الخامسة: قال أبو مخنف: فحدَّثنی قدامة بن سعد: «أنّ مسلم بن عقیل حین انتُهی به إلیٰ القصر رأیٰ قلّة مبرّدة موضوعة علیٰ الباب...»(3).

الروایة السادسة: قال أبو مخنف: فحدَّثنی أبو قدامة بن سعد: «أنّ عمرو بن حریث بعث غلاماً له یُدعیٰ سلیماً، فأتاه بماء فی قلّة فسقاه...»(4).

الروایة السابعة: قال (یعنی أبا مخنف): وحدَّثنی مدرک بن عمارة «أنّ عمارة بن عقبة بعث غلاماً یُدعیٰ نسیماً فأتاه بماء فی قلّة علیها مندیل...»(5).

الروایة الثامنة: قال أبو مخنف فی حدیثه خاصّة عن رجاله: «إنّ عبید الله بن زیاد وجّه الحرّ بن یزید لیأخذ الطریق علیٰ الحسین(علیه السّلام)...»(6).

الروایة التاسعة: قال أبو مخنف: فحدَّثنی عبد الرحمن بن جندب، عن عتبة بن سمعان الکلبی، قال: «لمّا ارتحلنا من قص_ر ابن مقاتل، وسرنا ساعة خفق رأس الحسین(علیه السّلام) خفقة ثمّ انتبه...»(7).

الروایة العاشرة: وقال أبو مخنف: عن سلیمان بن أبی راشد، عن حمید بن مسلم، قال:

ص: 289


1- الأصفهانی، أبو الفرج، مقاتل الطالبیین: ص104.
2- المصدر السابق: ص106.
3- المصدر السابق: ص107.
4- المصدر السابق: ص108.
5- المصدر السابق: ص108.
6- المصدر السابق: ص111.
7- المصدر السابق: ص112.

«سماع أُذنی یومئذٍ الحسین(علیه السّلام) وهو یقول: قتلَ اللهُ قوماً قتلوک یا بُنی...»(1).

الروایة الحادیة عشرة: قال أبو مخنف: فحدَّثنی سلیمان بن أبی راشد، عن حمید بن مسلم، قال: «لمّا اشتدّ العطش علیٰ الحسین(علیه السّلام) دعا أخاه العباس بن علیّ(علیهماالسّلام)، فبعثه فی ثلاثین راکباً وثلاثین راجلاً...»(2).

الشکل الرابع: ما دخلت فیه روایة المنقری فی روایة غیره، وهذا ما فعله عند حدیثه عن أوّل قتیل قُتل من وُلد أبی طالب(علیه السّلام) مع الحسین(علیه السّلام)، فقال: قال المدائنی، عن العبّاس ابن محمّد بن رزین، عن علیّ بن طلحة، وعن أبی مخنف، عن عبد الرحمن بن یزید بن جابر، عن حمید بن مسلم، وقال عمر بن سعد البص_ری: عن أبی مخنف، عن زهیر بن عبد الله الخثعمی، وحدَّثنیه أحمد بن سعید، عن یحییٰ بن الحسن العلوی، عن بکر بن عبد الوهاب، عن إسماعیل بن أبی إدریس، عن أبیه، عن جعفر بن محمّد، عن أبیه، دخل حدیث بعضهم فی حدیث الآخرین: «إنّ أوّل قتیل قُتل من وِلْد أبی طالب مع الحسین ابنه علیّ، قال: فأخذ یشدّ علیٰ الناس...»(3).

وقد أشرنا سابقاً إلیٰ أنّ روایة عمر بن سعد عن أبی مخنف هی بعینها روایة المنقری عنه، بعد حذف الوسائط الثلاث بین أبی الفرج وعمر بن سعد؛ اختصاراً للسند، عملاً بطریقة التعلیق المعروفة بین القدماء.

2 _ ابن قولویه (ت 368ه_) فی کتابه کامل الزیارات

وهو الشیخ أبو القاسم جعفر بن محمّد بن جعفر بن موسیٰ بن قولویه القمّی

ص: 290


1- الأصفهانی، أبو الفرج، مقاتل الطالبیین: ص115.
2- المصدر السابق: ص117.
3- المصدر السابق: ص114 _ 115.

(ت368ه_)، أُستاذ الشیخ المفید، من علمائنا المتقدِّمین المتبحِّرین فی الفقه والحدیث.

قال عنه النجاشی: «وکان أبو القاسم من ثقات أصحابنا وأجلّائهم فی الحدیث والفقه، رویٰ عن أبیه وأخیه عن سعد، وقال: ما سمعت من سعد إلّا أربعة أحادیث، وعلیه قرأ شیخنا أبو عبد الله الفقه ومنه حمل، وکلّ ما یُوصَف به الناس من جمیل وثقة وفقه فهو فوقه...»(1).

وقال عنه الطوسی: «جعفر بن محمد بن قولویه القمی، یُکنّیٰ أبا القاسم ثقة، له تصانیف کثیرة علیٰ عدد أبواب الفقه...»(2).

وأمّا کتابه (کامل الزیارات)، فهو من أشهر کتب الزیارات وأکثرها اعتماداً، أخذ عنه شیخ الطائفة فی التهذیب، والحرّ العاملی فی الوسائل، وغیرهما، وقد ذکر ابن قولویه فی مقدّمة کتابه هذا ما لفظه: «وأنا مُبیِّن لک _ أطال الله بقاک _ ما أثاب الله به الزائر لنبیّه وأهل بیته (صلوات الله علیهم أجمعین) بالآثار الواردة عنهم(علیهم السّلام) ... ولم أُخرِّج فیه حدیثاً روی عن غیرهم؛ إذ کان فیما روینا عنهم من حدیثهم (صلوات الله علیهم) کفایة عن حدیث غیرهم، وقد علمنا أنّا لا نحیط بجمیع ما روی عنهم فی هذا المعنیٰ ولا فی غیره، لکن ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا (رحمهم الله برحمته)، ولا أخرجت فیه حدیثاً روی عن الشذّاذ من الرجال، یؤثَر ذلک عنهم عن المذکورین غیر المعروفین بالروایة المشهورین بالحدیث والعلم. فَهِمَ بعض العلماء من عبارته توثیق کلّ مَن ذُکر فی أسانید کتابه، بل کونهم من المشهورین بالحدیث والعلم»(3).

وقد أصبح هذا النصّ فیما بعد من أهمّ مصادیق التوثیقات العامّة التی نالت قسطاً وافراً من البحث والتحقیق حولها فی کتب الفقه والرجال؛ حیث اعتبر البعض أنّ هذا الکلام یُعدّ توثیقاً لجمیع المذکورین فی أسانید الکتاب، وهم حوالی (400) راویاً، ولا

ص: 291


1- النجاشی، أحمد بن علیّ، رجال النجاشی: ص123.
2- الطوسی، محمد بن الحسن، الفهرست: ص42.
3- اُنظر: ابن قولویه، جعفر بن محمّد، کامل الزیارات (ضمن مقدمة المحقق): ص27.

ریب فی أنّ هذا العدد یُعدّ ثروة ضخمة لو ثبتت دلالة هذا النصّ علیٰ المدّعیٰ، ولکن البعض یریٰ أنّ عبارات ابن قولویه فی هذا النصّ قاصرة عن بلوغ هذا المعنیٰ، وأنّ القدر المتیّقن أنّها تدلّ علیٰ وثاقة خصوص شیوخه المباشرین، وهم لا یتجاوزون (32) شیخاً، وهذا بحث طویل الذیل نکتفی منه بهذه الإشارة(1).

وکتاب کامل الزیارات فی الأصل هو عبارة عن جامع للزیارات، وما ورد فیها من فضل وثواب، ولکنّه قد ذکر _ استطراداً أو تمهیداً _ الکثیر من الأبواب الخارجة عن إطار منهجیّة الکتاب لا سیما فیما یرتبط بالإمام الحسین(علیه السّلام) وقضیته المقدّسة، وقد نقل ابن قولویه خمس روایات عن المنقری _ تتّصل بقضیة الطفّ _ نشیر إلیٰ مواضعها فیما یلی:

الروایة الأُولیٰ: عن محمّد بن جعفر الرزاز، عن خاله محمّد بن الحسین بن أبی الخطاب، عن نصر بن مزاحم، عن عمر بن سعد، عن یزید بن إسحاق، عن هانئ، عن علیّ بن حماد، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبی عبد الله(علیه السّلام) قال: قال علیّ للحسین: «یا أبا عبد الله، أُسوة أنت قُدماً. فقال: جُعلت فداک ما حالی؟ قال: علمت ما جهلوا وسینتفع عالم بما علم، یا بنی، اسمع وأبصر من قَبْل أن یأتیک، فوالذی نفسی بیده، لیسفکن بنو أُمیّة دمک، ثمَّ لا یزیلونک عن دینک، ولا ینسونک ذکرَ ربّک. فقال الحسین: والذی نفس_ی بیده، حسبی أقررت بما أنزل الله وأُصدّق قول نبی الله ولا أُکذّب قول أبی»(2).

الروایة الثانیة: عن محمّد بن جعفر الرزاز، عن خاله محمّد بن الحسین، عن نص_ر بن مزاحم، عن عمر بن سعد، عن یزید بن إسحاق، عن هانئ بن هانئ، عن علیٍّ(علیه السّلام) قال: «لیُقتل الحسین(علیه السّلام) قتلاً، وأنّی لأعرف تربة الأرض التی یُقتل علیها قریباً من النهرین»(3).

ص: 292


1- للتوسّع حول هذا البحث، اُنظر مثلاً: الفانی، علیّ، بحوث فی فقه الرجال (تقریرعلیّ مکّی العاملی): ص100 _ 107.
2- ابن قولویه، جعفر بن محمّد، کامل الزیارات: ص150.
3- المصدر السابق: ص150.

الروایة الثالثة: عن محمّد بن جعفر الرزاز، عن محمّد بن الحسین، عن نصر بن مزاحم، عن عمر بن سعد، عن محمّد بن سلمة، عمَّن حدَّثه، قال: «لمّا قُتل الحسین بن علیّ(علیهماالسّلام) أُمطرت السماء تراباً أحمر»(1).

الروایة الرابعة: عن محمّد بن جعفر (والد المؤلِّف)، عن نصر بن مزاحم، عن عمر بن سعد، قال: حدّثنی أبو معشر، عن الزهری، قال: «لمّا قُتل الحسین(علیه السّلام) أُمطرت السماء دماً»(2).

الروایة الخامسة: عن محمّد بن جعفر الرزاز، عن محمّد بن الحسین بن أبی الخطاب، عن نصر بن مزاحم، عن عمر بن سعد، عن عمرو بن ثابت، عن حبیب بن أبی ثابت، عن أُمّ سلمة زوجة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قالت: «ما سمعت نوح الجنّ منذ قبض الله نبیَّه إلّا اللیلة، ولا أرانی إلّا وقد أُصبت بابنی الحسین...»(3).

الروایة السادسة: عن محمّد بن جعفر (والد المؤلف)، عن سعد بن عبد الله، عن محمّد بن الحسین، عن نصر بن مزاحم، عن عبد الرحمن بن أبی حماد، عن أبی لیلیٰ الواسطی، عن عبد الله بن حسان الکنانی، قال: «بکت الجنّ علیٰ الحسین بن علیّ بن أبی طالب(علیه السّلام)...»(4).

ونلاحظ علیٰ هذه الروایات ما یلی:

أوّلاً: إنّ هذه الروایات لا ترتبط بأحداث ووقائع المعرکة، بل نلاحظ: أنّ الروایتین الأُولیین تندرجان ضمن الإخبارات الغیبیّة عن واقعة الطفّ، والروایات الثلاث الأخیرة تندرج ضمن الروایات التی تحدَّثت عن الظواهر الکونیّة التی حدثت بعد مقتل الحسین(علیه السّلام).

ومع هذا، فلا ینبغی التردّد فی اندراج هذه الروایات ضمن کتاب المقتل؛ لأنّ العادة

ص: 292


1- ابن قولویه، جعفر بن محمّد، کامل الزیارات: ص183.
2- المصدر السابق: ص188.
3- المصدر السابق: ص189.
4- المصدر السابق: ص193.

قد جرت بین أرباب المقاتل الحسینیّة علیٰ ذکر الإخبارات الغیبیّة عن واقعة الطفّ کفصل من الفصول التمهیدیّة قبل الدخول فی تفاصیل المقتل، کما جرت العادة بینهم أیضاً علیٰ ذکر الظواهر الکونیّة بعد الفراغ من أحداث القتل.

ثانیاً: بملاحظة أسانید ابن قولویه إلیٰ نصر بن مزاحم یمکن أن نستنتج أنّ مقتله قد وصل إلیه من خلال طریقین، کلاهما ینتهی إلیٰ محمّد بن الحسین بن أبی الخطاب أبی جعفر الزیّات الهمدانی الکوفی (ت262ه_)، وهو _ بحسب النجاشی _ عظیم القدر، کثیر الروایة، ثقة، عین، حسن التصانیف، مسکون إلیٰ روایته(1)، ویبدو لی أنّه أحد رواة هذا المقتل الأساسیین.

الطریق الأوّل: أبو العباس محمّد بن جعفر الرزاز الکوفی (ت301ه_) ابن أُخت محمّد بن الحسین(2) ومن مشایخ الکلینی(3).

ولعلّ ابن قولویه قد أخذ عنه هذا المقتل فی بغداد بعد مجیئه إلیها سنة 337ه_(4)،ونحن وإن لم نظفر بنصٍّ صریح دالٍّ علیٰ تواجد الرزاز فی تلک الفترة ببغداد، ولکن کونه من أساتذة الکلینی یشیر إلیٰ تواجده فیها، وبهذا یتأکّد ما قلناه: سابقاً من وصول هذا المقتل إلیٰ بغداد وانتشاره فیها.

الطریق الثانی: والده محمّد بن جعفر، وکان یُلقَّب ب_ (مَسلمة) بفتح المیم وسکون السین(5)، وهو یرویه عن أبی خلف سعد بن عبد الله القمّی الأشعری (ت301ه_)، وهو

ص: 294


1- اُنظر: النجاشی، أحمد بن علیّ، رجال النجاشی: ص334.
2- اُنظر: ابن قولویه، جعفر بن محمّد، کامل الزیارات: ص149.
3- اُنظر: الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج16، ص183.
4- فی الخرائج والجرائح: عن أبی القاسم جعفر بن محمّد بن قولویه، قال: «لمّا وصلت بغداد سنة 337ه_، وهی السنة التی ردَّ القرامطة فیها الحجر إلی مکانه من البیت...». الراوندی، قطب الدین، الخرائج والجرائح: ج1، ص475 _ 476.
5- اُنظر: العلّامة الحلّی، الحسن بن یوسف، خلاصة الأقوال فی معرفة الرجال: ص88.

کما قال النجاشی: «شیخ هذه الطائفة وفقیهها ووجیهها، کان سمع من حدیث العامّة شیئاً کثیراً وسافر فی طلب الحدیث»(1).

وهو صاحب کتاب بصائر الدرجات الذی اختصره الحسن بن سلیمان الحلبی وسمّاه (مختصر بصائر الدرجات)، وهو غیر بصائر الدرجات لشیخ القمّیین أبی جعفر محمّد بن الحسن بن فروخ الصفار (ت290ه_) من أصحاب الإمام الحسن العسکری(علیه السّلام)؛ فإنّ بصائر الدرجات للأشعری مفقود.

ولا ریب فی أنّ الأشعری قد صادف فی بعض أسفاره محمّد بن الحسین، ورویٰ عنه مقتل المنقری، ثمَّ نقله إلیٰ قم ونش_ره فیها، وهذا ما تؤیِّده روایات الصدوق عنه کما یأتی.

3 _ الصدوق فی (الأمالی وعلل الشرائع وعقاب الأعمال)

اشارة

هو رئیس المحدِّثین أبو جعفر محمّد بن علیّ بن الحسین بن موسیٰ بن بابویه القمّی المعروف ب_ (الصدوق) (ت381ه_)، أشهر من نارٍ علیٰ عَلم.

قال عنه النجاشی: «شیخنا وفقیهنا ووجه الطائفة بخراسان، وکان ورد بغداد سنة خمس وخمسین وثلاثمائة، وسمع منه شیوخ الطائفة وهو حدث السنّ...»(2).

وقال عنه الطوسی: «کان جلیلاً حافظاً للأحادیث، بصیراً بالرجال، ناقداً للأخبار، لم یُرَ فی القمّیین مثله فی حفظه وکثرة عِلمه، له نحو من ثلاثمائة مصنَّف...»(3).

وقد نقل الصدوق عن المنقری أربع روایات ترتبط بواقعة الطفّ، ممّا یُحتمل أنّها کانت مودعة فی کتاب مقتل الحسین(علیه السّلام) للمنقری، وهذه الروایات عثرنا علیها فی (الأمالی

ص: 295


1- النجاشی، أحمد بن علیّ، رجال النجاشی: ص177.
2- المصدر السابق: ص389.
3- الطوسی، محمّد بن الحسن، الفهرست: ص157.

وعلل الشرائع وعقاب الأعمال)، وهی من مؤلَّفات الصدوق المعروفة والمتداولة، کما أنّها تُعتبر من أُصول کُتُب الحدیث ومصادره.

وفیما یلی نُشیر إلیٰ مواضع تلک الروایات فی الکتب المذکورة:

الروایة الأُولیٰ: عن محمّد بن الحسن بن أحمد بن الولید(رحمه الله)، قال: حدَّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، قال: حدَّثنا محمّد بن الحسین بن أبی الخطاب، عن نص_ر بن مزاحم، عن عمر بن سعد، عن عمرو بن ثابت، عن حبیب بن أبی ثابت، عن أُمّ سلمة زوجة النبی، قالت: «ما سمعت نوح الجنّ منذ قُبض النبی إلّا اللیلة...»(1).

الروایة الثانیة: عن محمّد بن علیّ ماجیلویه، عن عمّه محمّد بن أبی القاسم، عن محمّد ابن علیّ الکوفی، عن نصر بن مزاحم، عن لوط بن یحییٰ، عن الحارث بن کعب، عن فاطمة بنت علیّ (صلوات الله علیهما): «ثمّ إنّ یزید (لعنه الله) أمر بنساء الحسین(علیه السّلام)، فحُبسن مع علیّ بن الحسین(علیهماالسّلام) فی محبس لا یکنّهم من حرٍّ ولا قر...»(2).

الروایة الثالثة: حدَّثنا الحسین بن أحمد بن إدریس(رحمه الله)، قال: حدَّثنا أبی، عن محمّد بن الحسین بن أبی الخطاب، عن نصر بن مزاحم، عن عمر بن سعد، عن أرطاة بن حبیب،عن فضیل الرسّان، عن جبلة المکّیة، قالت: سمعت میثم التمّار (قدس الله روحه) یقول: «والله، لتَقتُل هذه الأُمّة ابن نبیِّها فی المحرّم لعشر یمضین منه...»(3).

الروایة الرابعة: عن محمّد العطّار، عن الأشعری، عن محمّد بن الحسین، عن نص_ر بن مزاحم، عن عمر بن سعد، عن محمّد بن یحییٰ الحجازی، عن إسماعیل بن داود، عن أبی العباس الأسدی، عن سعید بن الخلیل، عن یعقوب بن سلیمان، قال: «سمرت أنا ونفر

ص: 296


1- الصدوق، محمّد بن علیّ، الأمالی: ص 202.
2- المصدر السابق: ص 231.
3- المصدر السابق، المجلس: ص 189، وعلل الشرائع: ج1، ص217.

ذات لیلة، فتذاکرنا مقتل الحسین(علیه السّلام)...»(1).

ونلاحظ علیٰ هذه الروایات ما یلی:

أوّلاً: إنّ الروایة الأُولیٰ من هذه الروایات هی نفس الروایة الخامسة التی نقلها ابن قولویه عن المنقری، ونقلناها سابقاً، والاختلاف بینهما ینحصر باختلاف طریقیهما إلیٰ محمّد بن الحسین بن أبی الخطاب، وفیما عدا ذلک فإنّ الروایتین تتّفقان سنداً ومتناً.

ثانیاً: إنّ الصدوق کان ینهل من هذا المقتل من طُرُق شتّیٰ، ینتهی أکثرها إلیٰ محمّد بن الحسین بن أبی الخطاب، وهذا یدلّ علیٰ شیوع روایة هذا المقتل بین مشایخ قم، ووصول نسخته إلیهم کما أکّدنا علیه سابقاً، کما یدلّ علیٰ ما قلناه سابقاً من کون محمّد بن الحسین بن أبی الخطاب هو أحد الرواة الأساسیین لهذا المقتل.

ما جاء فی کتاب وقعة صفِّین:

ولعل ممَّا کان فی ذلک المقتل ما رواه نصر نفسه فی کتابه (وقعة صفِّین) حول نزول أمیر المؤمنین(علیه السّلام) فی کربلاء وإخباره بمقتل الحسین(علیه السّلام)، وهی ثلاث روایات نذکرها بأسانیدها علیٰ التسلسل الموجود فی الکتاب المذکور:

الروایة الأُولیٰ: حدَّثنی مصعب بن سلام، قال أبو حیان التمیمی، عن أبی عبیدة، عن هرثمة بن سلیم، قال: «غزونا مع علیّ بن أبی طالب غزوة صفِّین، فلمّا نزلنا بکربلا صلّیٰ بنّا صلاة، فلمّا سلّم رفع إلیه من تربتها فشمّها، ثمَّ قال: واهاً لکِ أیّتها التربة، لیُح_شرُنَّ منکِ قومٌ

ص: 297


1- الصدوق، محمّد بن علیّ، ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: ص259. وعنه: البحرانی، عبد الله، العوالم، الإمام الحسین(علیه السّلام): ص226. ونقله: المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار: ج45، ص307، عن ثواب الأعمال، وهو اشتباه من صاحب البحار أو بعض النسّاخ، وذکره ابن حمزة الطوسی فی الثاقب فی المناقب: ص335، وحذف الوسائط بینه وبین یعقوب بن سلیمان.

یدخلون الجنّة بغیر حساب...»(1).

الروایة الثانیة: عن مصعب بن سلام، قال: حدَّثنا الأجلح بن عبد الله الکندی، عن أبی جحیفة، قال: جاء عروة البارقی إلیٰ سعید بن وهب، فسأله وأنا أسمع، فقال: «حدیث حدثتنیه عن علیّ بن أبیٰ طالب(علیهماالسّلام). قال: نعم، بعثنی مخنف بن سلیم إلیٰ علیٍّ، فأتیته بکربلاء، فوجدته یشیر بیده ویقول: هاهنا هاهنا. فقال له رجل: وما ذلک یا أمیر المؤمنین؟ قال: ثقلٌ لآل محمّد ینزل هاهنا...»(2).

الروایة الثالثة: عن سعید بن حکیم العبسی، عن الحسن بن کثیر، عن أبیه: «أنّ علیّاً أتیٰ کربلاء فوقف بها، فقیل: یا أمیر المؤمنین، هذه کربلاء...»(3).

ص: 298


1- المنقری، ابن مزاحم، وقعة صفّین: ص140_ 141.
2- المصدر السابق: ص141 _ 142.
3- المصدر السابق: ص142.

خاتمة بأهمّ النتائج

وصلنا إلیٰ نهایة بحثنا حول شخصیة المنقری، وکتابه فی مقتل الحسین(علیه السّلام)، ونوجز فیما یلی أهمّ النتائج التی خرجنا بها فی هذا البحث:

النتیجة الأُولیٰ: إنّ نصر بن مزاحم المنقری من الشخصیات الأخباریّة الکوفیّة القدیمة التی نشطت مع نهایات القرن الثانی وبدایات القرن الثالث الهجریین، وهو صاحب کتاب (وقعة صفِّین) الذی یُعدّ أقدم وأهمّ أصل تاریخی حول هذه الوقعة.

النتیجة الثانیة: اختلف القوم فی تحدید مذهب المنقری ومعتقده، فیظهر من النجاشی إمامیّته، وقال آخرون: بزیدیّته، ویتبدّیٰ من أبی الفرج وابن أبی الحدید عامّیته، وقد انتص_رنا لرأی النجاشی واتّبعناه فی القول بإمامیّته.

النتیجة الثالثة: إنّ المنق_ری من الممدوح_ین فی رجال_نا _ تبعاً للنجاش_ی _ بل هو من الموثقّین علیٰ ضوء بعض المبانی، وأمّا العامّة، فقد ترک أکثرهم روایته بسبب تشیُّعه، وأنصفه البعض منهم کابن حبّان الذی عدّه فی الثقات.

النتیجة الرابعة: مقتل المنقری مفقود فی هذا العصر، ولم یتبقَ منه سویٰ ما نقله عنه أبو الفرج الأصفهانی فی (مقاتل الطالبیین)، وابن قولویه فی (کامل الزیارات)، والصدوق فی (الأمالی وعلل الشرائع وعقاب الأعمال).

فما بقی من آثار مقتل المنقری ینحصر بکتب هؤلاء العلماء، فلم یسبقهم أحد فی النقل عنه، کما أنّ مَن جاء بعدهم قد أخذ روایات مقتله عنهم.

النتیجة الخامسة: وقد عرفنا أنّ السبب فی انتشار هذا المقتل فی عصر هؤلاء المؤرِّخین بالذات _ رغم الفاصل الزمنی الطویل بینهم وبین المنقری _ هو کون الثلاثة من المعاصرین

ص: 299

للدولة البویهیّة التی فسحت المجال أمام نش_ر العلم وترویجه، فأظهر علماء الشیعة ما کان محبوساً من تراثهم نتیجة الضغوط التی کانت تُمارس علیهم من قِبَل الحکومات الجائرة.

النتیجة السادسة: وفی ختام بحْثنا ح_ول کت_اب مقت_ل الحس_ین(علیه السّلام) للمنقری أش_رنا _ استدراکاً _ إلیٰ ثلاث روایات ذکرها المنقری فی کتابه وقعة صفِّین تتحدَّث عن نزول أمیر المؤمنین(علیه السّلام) فی کربلاء وإخباره بمقتل الحسین(علیه السّلام)؛ إذ لعل تلک الروایات ممّا کان قد أودعه فی مقتله أیضاً.

ص: 300

المصادر والمراجع

أ

1_ أجود التقریرات، أبو القاسم الخوئی، تقریراً لأبحاث الشیخ النائینی، الطبعة الثانیة، 1369ه_ .ش، مؤسسة مطبوعات دینی، قم.

2_ إحیاء علوم الدین، أبو حامد محمد بن محمد الغزالی (ت505ه_)، دار المعرفة، بیروت.

3_الأخبار الطوال، أبو حنیفة أحمد بن داود الدینوری (ت282ه_)، تحقیق: عبد المنعم عامر، مراجعة: جمال الدین الشیال، الطبعة الأُولیٰ، 1960م، دار إحیاء الکتاب العربی.

4_الاختصاص، أبو عبد الله محمد بن النعمان المفید (ت413ه_)، تصحیح وتعلیق: علی أکبر الغفاری، ترتیب الفهارس: محمود الزرندی المحرمی، منشورات جماعة المدرِّسین فی الحوزة العلمیّة، قم.

5_ اختیار معرفة الرجال، المعروف برجال الکش_ی، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسی (ت460ه_)، تصحیح وتعلیق: میرداماد الإستربادی، تحقیق: مهدی الرجائی، مؤسسة آل البیت(علیه السّلام)، قم، 1404ه_.

ص: 301

6_ الإرشاد فی معرفة حجج الله علیٰ العباد، أبو عبد الله محمد بن النعمان المفید (ت413ه_)، مؤسسة آل البیت(علیه السّلام) لإحیاء التراث، المؤتمر العالمی بمناسبة ذکریٰ ألفیة الشیخ المفید.

7_ أُسد الغابة، أبو الحسن علیّ بن أبی الکرم محمد بن محمد بن عبد الکریم بن عبد الواحد المعروف بابن الأثیر (ت630ه_)، دار الفکر، 1409ه_/1989م، بیروت.

8_ أسرار الشهادات، آغا بن عابد الفاضل الدربندی (ت1285ه_)، تحقیق: محمد جمعة بادی وعباس ملا عطیة الجمری، ذوی القربیٰ، قم، 1431ه_.

9_ الاشتقاق، محمد بن الحسن المعروف بابن درید (ت321ه_)، تحقیق: عبد السلام محمد هارون، الطبعة الأُولیٰ، 1991م، دار الجیل، بیروت.

10_ أُصول السرخسی، محمد بن أحمد بن أبی سهل السرخس_ی (ت483ه_)، دار المعرفة، بیروت.

11_ الإصابة فی تمییز الصحابة، أبو الفضل أحمد بن علیّ بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلانی (ت852ه_)، تحقیق: عادل أحمد عبد الموجود وعلی محمد معوض، الطبعة الأُولیٰ، 1415ه_، دار الکتب العلمیّة، بیروت.

12_ أضواء علیٰ عقائد الشیعة الإمامیّة، جعفر السبحانی، الطبعة الأُولیٰ 1379ه_، دار مشعر.

13-أضواء علیٰ ثورة الحسین(علیه السّلام)، محمد محمد صادق الصدر، تحقیق: کاظم

ص: 302

العبادی، هیئة تراث السیِّد الشهید الصدر ودار ومکتبة البصائر، بیروت، 1431ه_.

14_ إقبال الأعمال، رضی الدین علیّ بن موسیٰ بن جعفر بن طاووس (ت664ه_)، بتحقیق: جواد القیومی الأصفهانی، الطبعة الأُولیٰ، 1414ه_، طبع ونش_ر: مکتب الإعلام الإسلامی فی قم _ إیران.

15_ أمل الآمل، محمد بن الحسن الحرّ العاملی (ت1104ه_)، تحقیق: أحمد الحسینی، مکتبة الآداب، النجف.

16_ الأمالی، أبو عبد الله محمد بن النعمان المفید (ت413ه_)، تحقیق: الحسین أستاد ولی وعلی أکبر الغفاری، منشورات جماعة المدرِّسین فی الحوزة العلمیة، قم، 1403ه_.

17_ الأمالی، أبو جعفر محمد بن علیّ بن الحسین بن بابویه الصدوق (ت381ه_)، الطبعة الأُولیٰ، ١٤١٧ه_، قسم الدراسات الإسلامیة، مؤسسة البعثة، قم.

18_ الأمالی، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسی (ت460ه_)، تحقیق قسم الدراسات الإسلامیة، مؤسسة البعثة، دار الثقافة.

19_ أنساب الأشراف، أحمد بن یحییٰ بن جابر بن داود البلاذری (ت279ه_)، تحقیق: سهیل زکّار وریاض الزرکلی، الطبعة الأُولیٰ، 1417ه_/1996م، دار الفکر، بیروت.

20-الأنساب، أبو سعد عبد الکریم بن محمد بن منصور السمعانی (ت562ه_)،

ص: 303

تحقیق: عبد الرحمن بن یحییٰ المعلمی الیمانی وغیره، الطبعة الأُولیٰ، 1382ه_/1962م، مجلس دائرة المعارف العثمانیة، حیدر آباد.

21_ الإنباه علیٰ قبائل الرواة، أبو عمر یوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر (ت463ه_)، تحقیق: إبراهیم الأبیاری، الطبعة الأُولیٰ، 1405ه_/1985م، دار الکتاب العربی، بیروت.

22_ أنصار الحسین(علیه السّلام)، محمد مهدی شمس الدین، تحقیق: سامی الغریری الغراوی، الطبعة الثالثة، 1429ه_/2008م، مؤسسة دار الکتاب الإسلامی.

23_ أعیان الشیعة، السیِّد محسن الأمین، تحقیق: حسن الأمین، دار التعارف، بیروت، 1403ه_.

24_ الأعلام، خیر الدین بن محمود بن محمد بن علی بن فارس الزرکلی (ت1396ه_)، الطبعة الخامسة، 2002م، دار العلم للملایین.

25_ إیضاح الاشتباه فی معرفة أسماء الرواة، الحسن بن یوسف بن المطهَّر المعروف بالعلّامة الحلّی (ت726ه_)، تحقیق: محمد الحسون، مؤسسة النش_ر الإسلامی التابعة لجماعة المدرِّسین، قم.

26_ إیضاح المکنون فی الذیل علیٰ کشف الظنون، إسماعیل بن محمد أمین بن میر سلیم البابانی البغدادی (ت1399ه_)، عُنی بتصحیحه وطبعه علیٰ نسخة المؤلف: محمد شرف الدین ورفعت بیلکه الکلیسی، دار إحیاء التراث العربی، بیروت.

ص: 304

ب

27_ بحار الأنوار، محمد باقر المجلس_ی (ت1111ه_)، الطبعة الثانیة، 1403ه_/1983م، مؤسسة الوفاء، بیروت.

28_ بحر الدم فیمَن تکلَّم فیه الإمام أحمد بمدح أو ذم، یوسف بن حسن بن أحمد بن حسن بن عبد الهادی بن المبرد (ت909ه_)، تحقیق وتعلیق: روحیة عبد الرحمن السویفی، الطبعة الأُولیٰ، 1413 ه_ _ 1992م، دار الکتب العلمیة، بیروت.

29_ البدایة والنهایة، أبو الفداء إسماعیل بن عمر بن کثیر (ت774ه_)، تحقیق: علیّ شیری، الطبعة الأُولیٰ، 1408ه_ _ 1988م، دار إحیاء التراث العربی.

30_ بحوث فی فقه الرجال، علیّ حسین مکّی العاملی، تقریر بحث الفانی، الطبعة الثانیة، 1414ه_، مؤسسة العروة الوثقیٰ.

ت

31_ تاج العروس من جواهر القاموس، محمد بن محمد بن عبد الرزاق الزبیدی (ت1205ه_)، تحقیق: مجموعة محققین، نش_ر دار الهدایة.

32_ التاریخ الکبیر، أبو عبد الله محمد بن إسماعیل بن إبراهیم، البخاری (ت256ه_)، طُبع تحت مراقبة الدکتور محمد عبد المعید خان، دائرة المعارف العثمانیة، حیدر آباد _ الدکن.

33-تاریخ أسماء الضعفاء والکذابین، أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان بن أحمد بن

ص: 305

محمد بن أیوب بن أزداذ المعروف بابن شاهین (ت385ه_)، تحقیق: عبد الرحیم محمد أحمد القشقشری، الطبعة الأُولیٰ، 1409ه_.

34_ تاریخ بغداد، أحمد بن عبد المجید بن علیّ بن ثابت الخطیب البغدادی (ت463ه_)، تحقیق: بشار عواد معروف، الطبعة الأُولیٰ، 1422ه_/2002م، دار الغرب الإسلامی، بیروت.

35_ تاریخ الکوفة، حسین بن أحمد البراقی (ت1332ه_)، استدراک: محمد صادق آل بحر (ت1399ه)، تحقیق ماجد بن أحمد العطیة، الطبعة الأُولیٰ، 1424ه_، انتشارات المکتبة الحیدریّة.

36_ تاریخ الأُمم والملوک، أبو جعفر محمد بن جریر بن یزید بن کثیر الطبری (ت310ه_)، الطبعة الأُولیٰ، 1407ه_، دار الکتب العلمیة، بیروت.

37_ تاریخ مولد العلماء ووفیاتهم، أبو سلیمان محمد بن عبد الله بن أحمد بن ربیعة بن سلیمان بن خالد بن عبد الرحمن بن زبر المعروف بابن زبر الربعی (ت379ه_)، تحقیق: عبد الله أحمد سلیمان الحمد، الطبعة الأُولیٰ، 1410ه_، دار العاصمة، الریاض.

38-تاریخ دمشق، أبو القاسم علیّ بن الحسن بن هبة الله ابن عساکر (ت571ه_)، تحقیق: عمرو بن غرامة العمروی، دار الفکر، 1415 ه_ /1995م.

39-تاریخ الإسلام، أبو عبد الله شمس الدین محمد بن أحمد بن عثمان بن قایماز الذهبی (ت748ه_)، تحقیق: بشار عوّاد معروف، الطبعة الأُولیٰ، 2003م، دار

ص: 306

الغرب الإسلامی.

40_ التحریر الطاووسی، الشیخ حسن زین الدین (ت1011ه_)، صاحب المعالم، تحقیق: فاضل الجواهری، الطبعة الأُولیٰ، 1411ه_، مکتبة آیة الله العظمیٰ المرعش_ی النجفی.

41_ تذکرة الحفاظ، أبو عبد الله شمس الدین محمد بن أحمد بن عثمان بن قایماز الذهبی (ت748ه_)، مصحَّح عن النسخة القدیمة المحفوظة فی مکتبة الحرم المکّی تحت إعانة وزارة معارف الحکومة العالیة الهندیة، دار إحیاء التراث العربی، بیروت.

42_ تنقیح المقال فی علم الرجال، عبد الله المامقانی (ت1351ه_)، تحقیق واستدراک: محمّد رضا المّامقانی، مؤسسة آل البیت(علیهم السّلام) لإحیاء التراث.

43_ التفسیر المنسوب إلیٰ الإمام العسکری، الحسن بن علیّ العسکری(علیه السّلام)، تحقیق ونش_ر: مدرسة الإمام المهدی(علیه السّلام)، قم.

43_ تقیید العلم، أحمد بن عبد المجید بن علی بن ثابت الخطیب البغدادی (ت463ه_)، إحیاء السنّة النبویّة، بیروت.

45_ تقریب التهذیب، أبو الفضل أحمد بن علی بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلانی (ت852ه_)، تحقیق: محمد عوامة، الطبعة الأُولیٰ، 1406ه_ /1986م، دار الرشید، سوریا.

46-تبصیر المنتبه بتحریر المشتبه، أبو الفضل أحمد بن علیّ بن محمد بن أحمد بن حجر

ص: 307

العسقلانی (ت852ه_)، تحقیق: محمد علی النجار، مراجعة: علیّ محمد البجاوی، المکتبة العلمیّة، بیروت.

47_ تدریب الراوی فی شرح تقریب النواوی، عبد الرحمن بن أبی بکر السیوطی (ت911ه_)، تحقیق: أبو قتیبة نظر محمد الفاریابی، دار طیبة.

48_ تذکرة الخواص، أبو المظفر بن فرغلی بن عبد الله المعروف بسبط ابن الجوزی (ت654ه_)، الطبعة الأُولیٰ، 1425ه_ /2004م، دار العلوم، بیروت.

49_ تفسیر العیاشی، محمد بن مسعود العیاشی (ت320ه_)، المکتبة العلمیة الإسلامیة، طهران.

50_ ترتیب الأمالی الخمیسیة، یحییٰ (المرشد بالله) بن الحسین (الموفق) بن إسماعیل ابن زید الشجری (ت499ه_)، رتّبه: القاضی محیی الدین محمد بن أحمد القرشی العبشمی (ت610ه_) تحقیق: محمد حسن محمد حسن إسماعیل، الطبعة الأُولیٰ، 1422 ه_/2001م دار الکتب العلمیة، بیروت.

51_ الجلالی، محمد رضا، مجلة تراثنا، العدد الثانی، مقال: تسمیة مَن قُتل مع الحسین(علیه السّلام).

52_ تهذیب المقال فی تنقیح کتاب الرجال، محمد علیّ الأبطحی، الطبعة الثانیة، 1417ه_، قم.

53_ تهذیب التهذیب، أبو الفضل أحمد بن علیّ بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلانی (ت852ه_)، الطبعة الأُولیٰ، 1326ه_، مطبعة دائرة المعارف النظامیة، الهند.

ص: 308

54-تهذیب اللغة، محمد بن أحمد، تحقیق: محمد عوض مرعب الأزهری (ت370 ه_)، الطبعة الأُولیٰ 2001م، دار إحیاء التراث العربی، بیروت.

55_ تهذیب الکمال، أبو الحجاج یوسف بن عبد الرحمن بن یوسف المزی (ت742ه_)، تحقیق: بشار عواد معروف، الطبعة الأُولیٰ، 1400 ه_/1980م، مؤسسة الرسالة، بیروت.

56_ تدوین السنّة الشریفة، محمد رضا الجلالی، 1418ه_.

ث

57_ الثاقب فی المناقب، أبو جعفر محمد بن علیّ المعروف بابن حمزة الطوسی، تحقیق: نبیل رضا علوان، الطبعة الثانیة، 1412ه_، مؤسسة أنصاریان، قم.

58_ الثقات، محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعْبدَ المعروف بابن حبان (ت354ه_)، طُبع تحت مراقبة: محمد عبد المعید خان مدیر دائرة المعارف العثمانیة، الطبعة الأُولیٰ، 1393 ه _1973، دائرة المعارف العثمانیة بحیدر آباد، الدکن _ الهند.

59_ ثقات العجلی، أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن صالح العجلی (ت261ه_)، تحقیق: عبد العلیم عبد العظیم البستوی، الطبعة الأُولیٰ، 1405ه_/1985م، مکتبة الدار، المدینة المنورة.

60-ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، أبو جعفر محمد بن علیّ بن الحسین بن بابویه الصدوق (ت381ه_)، الطبعة الخامسة، 1431ه_، طلیعة نور، قم.

ص: 309

ج

61_ الجداول الصغریٰ مختص_ر الطبقات الکبریٰ، عبد الله بن الحسن بن یحییٰ القاسمی (ت1375ه_)، مؤسسة الإمام زید بن علی الثقافیة.

62_ الجرح والتعدیل، أبو محمد عبد الرحمن ابن أبی حاتم محمد إدریس بن المنذر الرازی(ت327ه_)، الطبعة الأُولیٰ، 1271ه_ / 1952م، دار إحیاء التراث العربی، بیروت.

63_ الجمل، أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان المفید (ت413ه_)، الطبعة الأُولیٰ، 1403ه_.

64_ الجوهرة فی نسب النبیّ وأصحابه العشرة، محمد بن أبی بکر بن عبد الله بن موسیٰ البری (تبعد 645ه_)، الطبعة الأُولیٰ، 1403ه_/1983م، تنقیح وتعلیق: محمد التونجی، دار الرفاعی، الریاض.

ح

65_ حقائق السقیفة فی دراسة روایة أبی مخنف، جلیل تاری، ترجمة: أحمد الفاضل، الطبعة الأُولیٰ، ١٤٢٧ه_، المجمع العالمی لأهل البیت(علیهم السّلام) .

66_ حیاة الإمام الباقر(علیه السّلام)، باقر شریف القرشی، دار البلاغة.

67-حیاة الإمام الحسین(علیه السّلام)، باقر شریف القرشی، الطبعة الأُولیٰ، 1395ه/1975م، مطبعة الآداب، النجف.

ص: 310

خ

68_ خاتمة المستدرک، حسین، النوری الطبرسی (ت1320ه_)، تحقیق ونش_ر: مؤسسة آل البیت(علیهم السّلام) لإحیاء التراث، الطبعة الأُولیٰ 1415ه_، قم.

69_ خریدة العجائب وفریدة الغرائب، سراج الدین أبو حفص عمر بن الوردی (ت852ه_)، تحقیق: أنور محمود زناتی، الطبعة الأُولیٰ، 1428ه_ / 2008م، مکتبة الثقافة الإسلامیّة، القاهرة.

70_ الخرائج والجرائح، أبو الحسین سعید بن هبة الله قطب الدین الراوندی (ت573ه_)، تحقیق ونش_ر: مؤسسة الإمام المهدی(علیه السّلام)، الطبعة الأُولیٰ 1409ه_، قم.

71_ خلاصة الأقوال فی معرفة الرجال، الحسن بن یوسف بن المطهَّر المعروف بالعلّامة الحلّی (ت726ه_)، تحقیق: جواد القیومی، مؤسسة تحقیقات ونش_ر معارف أهل البیت(علیه السّلام).

72_ خطط الکوفة، لویس ماسینیون، ترجمة: تقی محمد المصعبی، تحقیق: کامل سلمان الجبوری، الطبعة الأُولیٰ، 1979م، جمعیة منتدیٰ النش_ر، النجف.

73_ الخوارج والشیعة، یولیوس فلهوزن، ترجمة: عبد الرحمن بدوی، الطبعة الثالثة، 1978م، وکالة المطبوعات، الکویت.

ص: 311

د

74_ دراسات فی علم الدرایة تلخیص مقباس الهدایة للمامقانی، علیّ أکبر الغفاری، جامعة الإمام الصادق(علیه السّلام).

ذ

75_ الذریعة إلیٰ تصانیف الشیعة، آغا بزرک الطهرانی (ت1389ه_)، الطبعة الثانیة، دار الأضواء، بیروت.

ر

76_ رجال الطوسی، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسی (ت460ه_) تحقیق: جواد القیومی، مؤسسة النش_ر الإسلامی التابعة لجماعة المدرِّسین، قم، 1415ه_.

77_ رجال ابن داود، تقی الدین الحسن بن علیّ ابن داود الحلی (ت707ه_)، تحقیق وتقدیم: محمد صادق آل بحر العلوم، منشورات المطبعة الحیدریّة، النجف، 1392ه_/1972م.

78_ رجال البرقی، أبو جعفر أحمد بن محمد بن خالد البرقی (ت274ه_)، مؤسسة تحقیقات ونش_ر معارف أهل البیت(علیهم السّلام) .

79-رجال النجاشی، أبو العباس أحمد بن علیّ بن أحمد بن العباس النجاشی (ت450ه_)، تحقیق: موسیٰ الشبیری الزنجانی، الطبعة الخامسة، ١٤١٦ه_، مؤسسة النش_ر الإسلامی التابعة لجماعة المدرِّسین، قم.

ص: 312

80_ الرسالة العددیّة (المطبوعة ضمن مصنّفات الشیخ المفید المجلَّد التاسع)، أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان المفید (ت413ه_)، الطبعة الأُولیٰ، ١٤١٣ه_، مؤتمر الشیخ المفید، قم.

81_ الرواشح السماویّة، محمد باقر بن محمد المیرداماد (ت1041ه_)، منشورات مکتبه آیة الله العظمیٰ المرعشی النجفی، قم، 1405ه_.

س

82_ سماء المقال فی علم الرجال، أبو الهدیٰ الکلباسی (ت1356ه_)، تحقیق: محمد الحسینی القزوینی، الطبعة الأُولیٰ، 1419ه_، مؤسسة ولی العص_ر(علیه السّلام)، للدراسات الإسلامیة، قم.

83_ سنن الدارمی، أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بَهرام بن عبد الصمد الدارمی (ت255ه_)، تحقیق: حسین سلیم أسد الدارانی، الطبعة الأُولیٰ، 1412ه_، دار المغنی، المملکة العربیة السعودیة.

84_ سمط النجوم العوالی فی أنباء الأوائل والتوالی، عبد الملک بن حسین بن عبد الملک العصامی (ت1111ه_)، تحقیق: عادل أحمد عبد الموجود وعلیّ محمد معوض، الطبعة الأُولیٰ، 1419 ه_/1998م، دار الکتب العلمیّة، بیروت.

85_ سیر أعلام النبلاء، أبو عبد الله شمس الدین محمد بن أحمد بن عثمان بن قایماز الذهبی (ت748ه_)، مجموعة من المحققین بإشراف الشیخ شعیب الأرناؤوط، الطبعة الثالثة، 1405 ه_/1985م، مؤسسة الرسالة.

ص: 313

86_ سیرة الإمام الحسین(علیه السّلام)، حسین الشاکری.

ش

87_ _ شرح نهج البلاغة، عزّ الدین عبدالحمید بن هیبة الله ابن أبی الحدید (ت656ه_)، الطبعة الأُولیٰ، 1418ه_/1998م، دار الکتب العلمیّة، بیروت.

88_ شرف المصطفیٰ، أبو سعد عبد الملک بن محمد بن إبراهیم الخرکوشی (ت407ه_)، الطبعة الأُولیٰ، 1424ه_، دار البشائر الإسلامیّة، مکّة.

ص

89_ الصحاح تاج اللغة وصحاح العربیة، إسماعیل بن حماد الجوهری (ت393ه_)، تحقیق أحمد عبد الغفور، دار العلم للملایین، الطبعة الرابعة، 1990م، بیروت.

90_ الصحیح من سیرة النبی الأعظم(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، جعفر مرتض_یٰ العاملی، الطبعة الرابعة، 1995م، دار الهادی ودار السیرة.

91_ الصواعق المحرقة علیٰ أهل الرفض والضلال، أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد بن علیّ ابن حجر الهیتمی، الطبعة الأُولیٰ، 1997م، مؤسسة الرسالة، بیروت.

ض

92_ الضعفاء والمتروکون، أبو الفرج عبد الرحمن بن علیّ بن الجوزی (ت597ه_)،

ص: 314

تحقیق: عبد الله القاضی، الطبعة الأُولیٰ، 1406ه_، دار الکتب العلمیّة، بیروت.

93_ الضعفاء والمتروکون، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعیب بن علیّ النسائی (ت303ه_)، تحقیق: محمود إبراهیم زاید، الطبعة الأُولیٰ، 1406ه_/1986م، دار المعرفة، بیروت.

94_ الضعفاء الکبیر، أبو جعفر محمد بن عمرو بن موسیٰ بن حماد العقیلی (ت322ه_)، تحقیق: عبد المعطی أمین قلعجی، الطبعة الأُولیٰ، 1404ه_/1984م، دار المکتبة العلمیّة، بیروت.

ط

95_ طبقات الحفّاظ، عبد الرحمن بن أبی بکر السیوطی (ت911ه_)، الطبعة الأُولیٰ، 1403ه_، دار الکتب العلمیّة، بیروت.

96_ الطبقات الکبریٰ، أبو عبد الله محمد بن سعد بن منیع المعروف بابن سعد (ت230ه_)، تحقیق: محمد عبد القادر عطا، الطبعة الأُولیٰ، 1410ه_/1990م، دار الکتب العلمیّة، بیروت.

97-طرائف المقال، علیّ أصغر بن محمد شفیع البروجردی(ت1313ه_)، تحقیق: مهدی الرجائی، مکتبة آیة الله العظمیٰ المرعش_ی النجفی العامّة، الطبعة الأُولیٰ،

1410ه_، قم.

ص: 315

ع

98_ العِبَر فی خبر مَن غَبَر، أبو عبد الله شمس الدین محمد بن أحمد بن عثمان بن قایماز الذهبی (ت748ه_)، تحقیق: أبو هاجر محمد السعید بن بسیونی زغلول، دار الکتب العلمیة، بیروت.

99_ العُرْف الوردی فی أخبار المهدی، عبد الرحمن بن أبی بکر السیوطی (ت911ه_)، تحقیق: أبی یعلیٰ البیضاوی، الطبعة الأُولیٰ، 1427ه_، دار الکتب العلمیّة، بیروت.

100_ علل الشرائع، أبو جعفر محمد بن علیّ بن الحسین بن بابویه الصدوق (ت381ه_)، منشورات المکتبة الحیدریّة ومطبعتها، النجف، 1386ه_/1966م.

101_ عیون أخبار الرضا، أبو جعفر محمد بن علیّ بن الحسین بن بابویه الصدوق (ت381ه_)، صححه وقدَّم له وعلَّق علیه: حسین الأعلمی، الطبعة الأُولیٰ، 1404ه_، مؤسسة الأعلمی، بیروت.

102_ العوالم، الإمام الحسین(علیه السّلام)، عبد الله بن نور الله البحرانی، الطبعة الأُولیٰ، 1407ه_، تحقیق ونش_ر مدرسة الإمام المهدی(علیه السّلام)، قم.

103_ العین، الخلیل بن أحمد الفراهیدی (ت170ه_)، تحقیق: مهدی المخزومی وإبراهیم السامرائی، دار ومکتبة الهلال.

غ

104_ غنیة الملتمس إیضاح الملتبس، أحمد بن عبد المجید بن علیّ بن ثابت المعروف

ص: 316

بالخطیب البغدادی (ت463ه_)، تحقیق: یحییٰ بن عبد الله البکری الشهری، الطبعة الأُولیٰ، 1422ه_/2001م مکتبة الرشد، الریاض.

105_ الغیبة، ابن أبی زینب محمد بن إبراهیم النعمانی، تحقیق: علیّ أکبر الغفاری، مکتبة الصدوق، طهران.

ف

106_ فائق المقال فی الحدیث والرجال، أحمد بن عبد الرضا البص_ری، تحقیق: غلام حسین قیصریّه ها، الطبعة الأُولیٰ 1422ه_، دار الحدیث، قم.

107_ الفائق فی رواة وأصحاب الإمام الصادق(علیه السّلام)، عبد الحسین الشبستری، الطبعة الأُولیٰ، 1418ه_، مؤسسة النش_ر الإسلامی التابعة لجماعة المدرِّسین، قم.

108_ فتوح البلدان، أحمد بن یحییٰ بن جابر بن داود البلاذری (ت279ه_)، دار ومکتبة الهلال، عام النش_ر: 1988م، بیروت.

109_ فوات الوفیات، محمد بن شاکر بن أحمد بن عبد الرحمن بن شاکر بن هارون المعروف بابن شاکر الکتبی (ت764ه_)، تحقیق: إحسان عباس، الطبعة الأُولیٰ، 1973_ 1974م دار صادر، بیروت.

110-الفهرست، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسی (ت460ه_)تصحیح وتعلیق: محمد صادق آل بحر العلوم، منشورات الشریف الرضی، قم.

111_ الفهرست، أبو الفرج محمد بن إسحاق بن محمد المعروف بابن الندیم (ت438ه_)، تحقیق: إبراهیم رمضان، الطبعة الثانیة، 1417ه_/1997م، دار

ص: 317

المعرفة، بیروت.

112_ الفوائد الرجالیة، محمد المهدی بحر العلوم (ت1212ه_)، تحقیق وتعلیق: محمد صادق بحر العلوم وحسین بحر العلوم، الطبعة الأُولیٰ، 1363ه_، مکتبة الصادق(علیه السّلام)، طهران.

ق

113_ قاموس الرجال، محمد تقی التستری، الطبعة الثانیة، 1417ه_، مؤسسة النش_ر الإسلامی.

114_ قصص الأنبیاء، أبو الحسین سعید بن هبة الله قطب الدین الراوندی (ت573ه_)، تصحیح وتعلیق: غلام رضا عرفانیان، الطبعة الأُولیٰ، 1409ه_، مجمع البحوث الإسلامیّة.

115_ قوت القلوب، محمد بن علیّ بن عطیة المشهور بأبی طالب المکّی (ت386ه_)، تحقیق: عاصم إبراهیم الکیالی، الطبعة الثانیة، 1426ه_/2005م، دار الکتب العلمیّة، بیروت.

ک

116_ کمال الدین وتمام النعمة، أبو جعفر محمد بن علیّ بن الحسین بن بابویه الصدوق (ت381ه_)، تصحیح وتعلیق: علیّ أکبر الغفاری، مؤسسة النش_ر الإسلامی التابعة لجماعة المدرِّسین، قم، 1405ه_.

ص: 318

117_ الکامل فی التاریخ، أبو الحسن علیّ بن أبی الکرم محمد بن محمد بن عبد الکریم ابن عبد الواحد المعروف بابن الأثیر (ت630ه_)، تحقیق: عمر عبد السلام تدمری، الطبعة الأُولیٰ، 1417ه_/1997م، دار الکتاب العربی، بیروت _ لبنان.

118_ الکامل فی اللغة والأدب، أبو العباس محمد بن یزید المبرد (ت285ه_)، تحقیق: محمد أبو الفضل إبراهیم، الطبعة الثالثة، 1417ه_/1997م، دار الفکر العربی، القاهرة.

119_ الکامل فی ضعفاء الرجال، أبو أحمد عبد الله ابن عدی (ت365ه_)، تحقیق: عادل أحمد عبد الموجود وعلی محمد معوض وعبد الفتاح أبو سنة، الطبعة الأُولیٰ، 1418ه_/1997م دار الکتب العلمیّة، بیروت.

120_ کامل الزیارات، أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولویه (ت386ه_)، تحقیق: جواد القیومی، الطبعة الأُولیٰ، 1417ه_، مؤسسة النش_ر الإسلامی.

121_ الکافی، محمد بن یعقوب الکلینی (ت329ه_)، صححه وعلّق علیه: علیّ أکبر الغفاری، الطبعة الثالثة، 1388ه_، دار الکتب الإسلامیّة.

122-الکبریت الأحمر، محمد باقر القائنی البیرجندی (ت1352ه_)، الطبعة الأُولیٰ، 1425ه_ انتشارات المکتبة الحیدریّة، قم.

123_ کشف الحُجُب والأستار عن أسماء الکتب والأسفار، حسین إعجاز النیسابوری الکنتوری، مکتبة آیة الله المرعشی النجفی، قم، 1409ه_.

ص: 319

124_ کشف الظنون عن أسامی الکتب والفنون، مصطفیٰ بن عبد الله حاجی خلیفة (ت1067ه_)، مکتبة المثنیٰ _ بغداد، 1941م، (وصورتها عدّة دور لبنانیّة بنفس ترقیم صفحاتها، مثل: دار إحیاء التراث العربی، ودار العلوم الحدیثة، ودار الکتب العلمیّة).

125_ کلیات فی علم الرجال، جعفر السبحانی، الطبعة السادسة 1425ه_، مؤسسة النش_ر الإسلامی التابعة لجماعة المدرِّسین، قم.

126-الکلینی والکافی، عبد الرسول عبد الحسین الغفار، الطبعة الأُولیٰ، 1416ه_، مؤسسة النش_ر الإسلامی.

127_ الکنیٰ والألقاب، عباس القمّی، منشورات مکتبة الصدر، طهران.

128_ کنز العمال، علاء الدین علیّ بن حسام الدین ابن قاضی خان المتقی الهندی (ت975ه_)، تحقیق: بکری حیانی وصفوة السقا، الطبعة الخامسة، 1401ه_/1981م، مؤسسة الرسالة.

ل

129-اللباب فی تهذیب الأنساب أبو الحسن علیّ بن أبی الکرم محمّد بن محمّد بن عبد الکریم بن عبد الواحد المعروف بابن الأثیر (ت630ه_)، دار صادر، بیروت.

130_ لسان المیزان، أبو الفضل أحمد بن علیّ بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلانی (ت852ه_)، تحقیق: عبد الفتاح أبو غدة، الطبعة الأُولیٰ، 2002م، دار البشائر

ص: 320

الإسلامیّة.

131_ لسان العرب، أبو الفضل محمّد بن مکرم بن علیّ بن منظور (ت711ه_)، الطبعة الثالثة، 1414ه_، دار صادر، بیروت.

م

132_ المتّفق والمفترق، أحمد بن عبد المجید بن علیّ بن ثابت المشهور بالخطیب البغدادی (ت463ه_)، تحقیق: محمد صادق آیدن الحامدی، الطبعة الأُولیٰ، 1417ه_/1997م، دار القادری، دمشق.

133_ مثالب العرب، أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الکلبی (ت204 أو 206ه_)، تحقیق: نجاح الطائی، دار الهدیٰ، بیروت، 1419ه_/1998م.

134_ مثیر الأحزان، محمد بن جعفر بن نما (ت645ه_)، منشورات المطبعة الحیدریّة، النجف 1369ه /1950م.

135_ المجروحین من المحدثین والضعفاء والمتروکین، محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعْبدَ المعروف بابن حبان (ت354ه_)، تحقیق: محمود إبراهیم زاید، دار الوعی، الطبعة الأُولیٰ، 1396ه_، حلب.

136_ محاضرات فی تاریخ العرب، أحمد صالح العلی، دار الکتب، جامعة الموصل، 1981م.

137_ مختصر تاریخ دمشق، أبو الفضل محمد بن مکرم بن علیّ بن منظور (ت711ه_)، تحقیق: روحیّة النحاس وریاض عبد الحمید مراد ومحمد مطیع،

ص: 321

الطبعة الأُولیٰ، 1402ه_/1984م دار الفکر، دمشق.

138_ مرآة الکتب، علیّ بن موسیٰ بن محمد شفیع التبریزی، تحقیق: محمد علیّ الحائری، الطبعة الأُولیٰ، 1414ه_، منشورات مکتبة آیة الله العظمیٰ المرعش_ی النجفی، قم.

139_ مروج الذهب، الحسن بن علیّ المسعودی (ت346ه_)، اعتنیٰ به وراجعه: کمال حسن مرعی، الطبعة الأُولیٰ، 1425ه_، المکتبة العصریّة، بیروت.

140_ مسالک الأفهام إلیٰ تنقیح شرائع الإسلام، زین الدین بن علیّ الشهید الثانی، تحقیق ونش_ر: مؤسسة المعارف الاسلامیة ، الطبعة الأُولیٰ، 1416ه_.

141_ المستدرک علیٰ الصحیحین، أبو عبد الله الحاکم محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدویه بن نُعیم بن الحکم الحاکم النیسابوری (ت405ه_)، تحقیق مصطفیٰ عطا، دار الکتب العلمیة، بیروت، 1990م.

142_ المصباح المنیر، أحمد بن محمد بن علی الفیومی، دراسة و تحقیق: یوسف الشیخ محمد، المکتبة العصریة.

143-مطلع البدور ومجمع البحور، أحمد بن صالح بن أبی الرجّال، تحقیق: عبدالسلام عباس الوجیه ومحمد یحییٰ سالم عزان، مرکز التراث والبحوث الیمنی.

144_ مقاتل الطالبیین، أبو الفرج علیّ بن الحسین بن محمد بن أحمد بن الهیثم الأصفهانی (ت356ه_)، تحقیق: أحمد صقر، دار المعرفة، بیروت.

ص: 322

145_ مقتل الحسین(علیه السّلام) روایة عن جدّه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، قیس بهجت العطار، الطبعة الأُولیٰ، 1430ه_، المعاونیّة الثقافیة للمجمع العالمی لأهل البیت(علیهم السّلام) .

146_ مقتل أبی مخنف المتّخذ من تاریخ الطبری، حسن الغفاری، منشورات المکتبة العامّة لآیة الله العظمیٰ المرعشی.

147_ مقدّمة فی مقتل الإمام الحسین(علیه السّلام)، محمد طاهر الحسینی، دار المحجّة البیضاء، الطبعة الأُولیٰ، 1430ه_/2009م، بیروت.

148_ معالم العلماء، محمد بن علیّ بن شهر آشوب (ت558ه_).

149_ المعارف، أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتیبة (ت276ه_)، تحقیق: ثروة عکاشة، الطبعة الثانیة، 1992م، الهیئة المصریّة العامّة للکتاب، القاهرة.

150_ معجم البلدان، شهاب الدین أبو عبد الله یاقوت بن عبد الله الحموی (ت626ه_)، الطبعة الثانیة، 1995م، دار صادر، بیروت.

151_ معجم الأدباء، شهاب الدین أبو عبد الله یاقوت بن عبد الله الحموی (ت626ه_)، تحقیق: إحسان عباس، الطبعة الأُولیٰ، 1414ه_/1993م، دار الغرب الإسلامی، بیروت.

152_ معجم رجال الحدیث، أبو القاسم الخوئی، الطبعة الخامسة، 1413ه_/1992م.

153_ معجم المطبوعات النجفیّة، محمد هادی الأمینی، الطبعة الأُولیٰ 1385ه_، مطبعة الآداب، النجف.

ص: 323

154_ معجم المؤلفین، عمر بن رضا بن محمد راغب بن عبد الغنی کحالة (ت1408ه_)، دار إحیاء التراث العربی، بیروت.

155_ معجم قبائل العرب القدیمة والحدیثة، عمر بن رضا بن محمد راغب بن عبد الغنی کحالة (ت1408ه_)، الطبعة السابعة، 1414ه_/1994م، مؤسسة الرسالة، بیروت.

156_ المعجم الوسیط، مجمع اللغة العربیة بالقاهرة، (إبراهیم مصطفیٰ، أحمد الزیات، حامد عبد القادر، محمد النجار)، دار الدعوة.

157_ معجم رجال الاعتبار وسلوة العارفین، عبد السلام عباس الوجیه، مؤسسة زید بن علیّ الثقافیة.

158_ منتقیٰ الجمان فی الأحادیث الصحاح والحسان، الشیخ حسن زین الدین (ت1011ه_)، صاحب المعالم: تصحیح وتعلیق: علیّ أکبر الغفاری، مؤسسة تحقیقات ونش_ر معارف أهل البیت(علیهم السّلام) .

159-المؤتلف والمختلف، أبو الحسن علیّ بن عمر بن أحمد بن مهدی بن مسعود بن النعمان بن دینار الدارقطنی (ت385)، تحقیق: موفق بن عبد الله بن عبد القادر،

الطبعة الأُولیٰ، 1406ه_/1986م، دار الغرب الإسلامی، بیروت.

160_ الملهوف علیٰ قتلیٰ الطفوف، رضی الدین علیّ بن موسیٰ بن جعفر بن طاووس (ت664ه_)، تحقیق: فارس تبریزیان الحسون، دار الأُسوة، طهران، 1417ه_.

161_ المنتظم فی تاریخ الملوک والأُمم، أبو الفرج عبد الرحمن بن علیّ بن الجوزی

ص: 324

(ت597ه_)، تحقیق: محمد عبد القادر عطا ومصطفیٰ عبد القادر عطا، الطبعة الأُولیٰ، 1412ه_ /1992م، دار الکتب العلمیّة، بیروت.

162_ المنتخب من ذیل المذیّل، أبو جعفر محمد بن جریر بن یزید بن کثیر الطبری (ت310ه_)، مؤسسة الأعلمی، بیروت.

163_ میزان الاعتدال فی معرفة الرجال، أبو عبد الله شمس الدین محمد بن أحمد بن عثمان بن قایماز الذهبی (ت748ه_)، تحقیق: علی محمد البجاوی، دار المعرفة، بیروت.

164_ المغنی فی الضعفاء، أبو عبد الله شمس الدین محمد بن أحمد بن عثمان بن قایماز الذهبی (ت748ه_)، تحقیق: نور الدین عتر.

165_ موسوعة طبقات الفقهاء، جعفر السبحانی، اللجنة العلمیّة فی مؤسسة الإمام الصادق(علیه السّلام)، الطبعة الأُولیٰ 1418ه_.

166_ موسوعة التاریخ الإسلامی، محمد هادی الیوسفی الغروی، مجمع الفکر الإسلامی، 1417ه_.

ن

167_ النصائح الکافیة لمَن یتولّیٰ معاویة، محمد بن عقیل المعروف ابن عقیل (ت1350ه_)، الطبعة الأُولیٰ، 1412ه_، دار الثقافة، قم.

168_ نقد الرجال، مصطفیٰ بن الحسین التفرشی، تحقیق ونش_ر: مؤسسة آل البیت(علیهم السّلام) لإحیاء التراث، الطبعة الأُولیٰ، ١٤١٨ ه_، قم.

ص: 325

169_ نظریة السنّة فی الفکر الإمامی، حیدر حبُّ الله، الطبعة الأُولیٰ، 2006ه_، الانتشار العربی.

170_ نهایة الدرایة، حسن الصدر (ت1354ه_)، تحقیق: ماجد الغرباوی، نش_ر المشعر.

ه_

171_ هدیة العارفین أسماء المؤلفین وآثار المصنفین، إسماعیل بن محمد أمین بن میر سلیم البابانی البغدادی (ت1399ه_)، دار إحیاء التراث العربی، بیروت.

و

172_ الوافی بالوفیات، صلاح الدین خلیل بن أیبک بن عبد الله الصفدی (ت764ه_)، تحقیق: أحمد الأرناؤوط وترکی مصطفیٰ، دار إحیاء التراث، بیروت، 1420ه_/2000م.

173_ وفیات الأعیان وأنباء أبناء الزمان، أبو العباس شمس الدین أحمد بن محمد بن إبراهیم بن أبی بکر المعروف بابن خلکان (ت681ه_)، تحقیق: إحسان عباس، الطبعة الأُولیٰ، 1994م، دار صادر، بیروت.

174_ وقعة الجَمَل، ضامن بن شدقم بن علیّ المعروف بابن شدقم (تبعد1082ه_)، تحقیق ونش_ر: تحسین آل شبیب الموسوی.

175_ وقعة صفِّین، نصر بن مزاحم المنقری (ت212ه_)، تحقیق: عبد السلام محمد

ص: 326

هارون، الطبعة الثانیة، 1382ه_، المؤسسة العربیة الحدیثة.

176_ وقعة الطفّ لأبی مخنف، محمد هادی الیوسفی الغروی، المجمع العالمی لأهل البیت(علیهم السّلام) ، الطبعة الثانیة، 1427ه_.

ی

177_ ینابیع المودّة، سلیمان بن إبراهیم القندوزی (ت1294ه_)، تحقیق: علیّ جمال أشرف الحسینی، الطبعة الأُولیٰ، 1416ه_، دار الأُسوة.

ص: 327

ص: 328

المحتویات

مقدمة المؤسسة 7

المقدمة 13

هیکلیّة الکتاب.. 16

مدخل تمهیدی

المبحث الأوّل:تأخّر تدوین أخبار کربلاء إلی مطلع القرن الثانی الهجری.. 21

العامل الأوّل: جریمةُ منعِ تدوین الحدیث.. 21

المسار الأوّل: قوننة قضیة المنع. 23

المسار الثانی: تقلیل التحدیث ثمَّ المنع منه. 24

المسار الثالث: تعمیم المنع وتمدیده من الناحیة العملیّة. 26

العامل الثانی: التقیّة. 28

المبحث الثانی: نظرة عامّة حول مدینة الکوفة 35

الفصل الأول

مقتل الأصبغ بن نباتة التمیمی الکوفی (ت _ بعد 101ه_)

(أقدم المقاتل الحسینیّة)

تقدیم. 47

المبحث الأول: ترجمة الأصبغ. 49

ص: 329

1 _ اسمه ونسبه وکنیته. 49

2 _ ولادته ونشأته. 51

3 _ مکانته العلمیّة وطبقته ومصنَّفاته. 54

4 _ مذهبه ومعتقده 56

5 _ وثاقته وعدالته. 59

6 _ وفاته. 64

المبحث الثانی: کتاب مقتل الحسین(علیه السّلام) للأصبغ. 65

الناحیة الأُولی. 65

رجال السند الواقعون بین الشیخ والأصبغ. 65

استنتاجات فی ضوء ما تقدّم. 71

الناحیة الثانیة. 73

الناحیة الثالثة. 74

خاتمة بأهمّ النتائج. 77

الفصل الثانی مقتل جابر بن یزید الجعفی الکوفی (000_ 128ه_)

تقدیم. 81

المبحث الأول: ترجمة جابر بن یزید الجعفی. 83

1 _ اسمه وکنیته ونسبه وأولاده 83

2 _ ولادته ونشأته. 84

3 _ مکانته العلمیة وطبقته ومصنفاته. 87

ص: 330

4 _ مذهبه ومعتقده 89

5_ وثاقته وعدالته. 90

6 _ وفاته. 95

المبحث الثانی: مقتل الحسین(علیه السّلام) لجابر بن یزید الجعفی. 97

الجهة الأُولی: بقاء هذا المقتل إلیٰ منتصف القرن الخامس الهجری.. 97

الجهة الثانیة: ما تبقّیٰ من آثار مقتل الحسین(علیه السّلام) لجابر بن یزید الجعفی. 99

1_ روایات مقتل الجعفی فی مقاتل الطالبیین.. 100

2_ روایات مقتل الجعفی فی کامل الزیارات.. 101

3_ شذرات من مقتل الجعفی. 103

الجهة الثالثة: السبب فی إعراض المؤرِّخین عن مقتل الجعفی. 105

التفسیر الأوّل: تخطیط ومؤامرة الدولة العباسیة ضد کتاب الجعفی. 106

التفسیر الثانی: ما توصلنا إلیه فی المقام. 108

خاتمة بأهمّ النتائج. 110

الفصل الثالث مقتل عمّار الدهنی، الکوفی (ت133ه_)

تقدیم. 113

المبحث الأول: ترجمة عمّار الدهنی. 115

1 _ اسمه ونسبه وکنیته وذرّیته. 115

معاویة بن عمّار. 116

معاویة بن حکیم. 116

ص: 331

أحمد بن معاویة. 116

یونس بن یعقوب.. 117

2 _ ولادته ونشأته. 117

3 _ مکانته العلمیة وطبقته ومصنفاته. 119

4 _ مذهبه ومعتقده 122

5 _ وثاقته وعدالته. 124

6 _ وفاته. 129

المبحث الثانی: مقتل الحسین(علیه السّلام) للدهنی. 131

مقتل عمار الدهنی بروایة الطبری.. 132

مناقشات حول روایة الدهنی. 137

خاتمة بأهمّ النتائج. 141

الفصل الرابع مقتل الفضیل بن الزبیر الأسدی الکوفی (ت بین 122_ 148ه_)

تقدیم. 145

المبحث الأوّل: ترجمة الفضیل بن الزبیر. 147

1 _ اسمه ونسبه وأُسرته. 147

من أعلام أُسرة آل الزبیر. 149

1_ عبد الله بن الزبیر الأسدی الرَّسّان. 149

2_ محمد بن عبد الله بن الزبیر (أبو أحمد الزبیری). 150

2 _ ولادته ونشأته. 151

ص: 332

3 _ مکانته العلمیة وطبقته، من مصنفاته. 152

4_ مذهبه ومعتقده 155

5 _ وثاقته وعدالته. 156

6 _ وفاته. 158

المبحث الثانی: مقتل الحسین(علیه السّلام) لفضیل بن الزبیر الأسدی.. 159

1_ أقدم نصّ مکتوب من هذا المقتل. 159

2_ سند الکتاب واسمه. 160

أولاً: طریق صاحب الأمالی إلیٰ الفضیل بن الزبیر. 161

ثانیاً: مصادر الفضیل بن الزبیر فی هذا الکتاب.. 163

3_ الجلالی أوّل مَن أحیی هذا المقتل. 165

متن المقتل براویة صاحب الأمالی. 166

شهداء أهل البیت(علیهم السّلام) .... 166

شهداء الأصحاب رضوان الله علیهم. 169

تکملة مقتل الفضیل بن الزبیر. 176

خاتمة بأهمّ النتائج. 179

الفصل الخامس

مقتل أبی مِخْنَف الأزدی الکوفی (000_ 157ه_)

أشهر المقاتل الحُسینیّة

تقدیم. 183

المبحث الأوّل: ترجمة أبی مخنف.. 187

ص: 333

1 _ اسمه ونسبه وکنیته. 187

آل مخنف بن سلیم زعماء الأزد فی الکوفة. 189

2 _ ولادته ونشأته. 194

3 _ مکانته العلمیّة وطبقته ومصنّفاته. 195

4 _ مذهبه ومعتقده 199

5 _ وثاقته وعدالته. 204

6 _ وفاته. 207

المبحث الثانی: کتاب مقتل الحسین(علیه السّلام) لأبی مخنف.. 209

طریق الطبری إلیٰ مقتل أبی مخنف.. 214

خاتمة بأهمّ النتائج. 221

الفصل السادس

مقتل هشام بن محمّد بن السائب الکلبی، الکوفی (000 _ 204ه_)

تقدیم. 225

المبحث الأول: ترجمة هشام بن محمّد الکلبی. 227

1 _ اسمه وکنیته ونسبه. 227

2 _ ولادته ونشأته. 228

3 _ مکانته العلمیّة وطبقته ومؤلفاته. 231

4 _ مذهبه ومعتقده 236

5 _ وثاقته وعدالته. 238

الکلبی فی رجال العامّة. 240

ص: 334

6 _ وفاته. 241

المبحث الثانی: کتاب مقتل الحسین(علیه السّلام) للکلبی. 243

1 _ علاقة مقتل ابن الکلبی بمقتل أبی مخنف.. 244

2 _ ما رواه هشام عن غیر أبی مخنف فی الطبری.. 245

3 _ آثار مقتل الکلبی فی الإرشاد للمفید. 251

دفاع عن الشیخ المفید. 258

4 _ آثار مقتل الکلبی فی تذکرة الخواص لسبط ابن الجوزی.. 259

خاتمة بأهمّ النتائج. 263

الفصل السابع مقتل الحسین(علیه السّلام)

لنصر بن مزاحم المنقری الکوفی (000_ 212ه_)

تقدیم. 267

المبحث الأوّل: ترجمة المنقری.. 269

1 _ اسمه ونسبه وکنیته وأولاده 269

2 _ ولادته ونشأته. 272

3 _ مکانته العلمیّة وطبقته ومؤلفاته. 273

4 _ مذهبه ومعتقده 276

5 _ وثاقته وعدالته. 280

6 _ وفاته. 282

المبحث الثانی: مقتل الحسین(علیه السّلام) للمنقری.. 283

ص: 335

1_ أبو الفرج فی کتابه (مقاتل الطالبیین). 284

2_ ابن قولویه (ت 368ه_) فی کتابه کامل الزیارات.. 290

3 _ الصدوق فی (الأمالی وعلل الشرائع وعقاب الأعمال). 295

ما جاء فی کتاب وقعة صفِّین.. 297

خاتمة بأهمّ النتائج. 299

المصادر والمراجع. 301

المحتویات 329

ص: 336

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.