الآراء الفقهیة-قسم البیع6- المجلد 9

هویة الکتاب

بطاقة تعريف: النجفي، هادي، 1342 -

عنوان واسم المؤلف: الاراء الفقهیة/ تالیف هادي النجفي.

تفاصيل المنشور: اصفهان: مهر قائم، 1399.

مواصفات المظهر: 3 ج.

شابک : 0 20000 ریال: دوره: 978-964-7331-77-7 ؛ ج. 1: 978-964-7331-74-6 ؛ ج. 2: 978-964-7331-75-2 ؛ ج. 3: 978-964-7331-85-2

حالة الاستماع: فاپا/الاستعانة بمصادر خارجية.

لسان: العربية.

ملحوظة: ج. 2 و 3 ( الطبعة الأولى: 1429ق. = 1387).

ملحوظة: فهرس.

موضوع : المعاملات (فقه)

موضوع : خیار العیب

موضوع : فقه جعفري -- قرن 14

ترتيب الكونجرس: BP190/1/ن3آ4 1387

تصنيف ديوي: 297/372

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 1245417

ص: 1

اشارة

ص: 2

صورة

إجازة الاجتهاد التي أصدرها المرجع الديني آيه اللّه العظمى

الشيخ محمّدتقى المجلسي الإصفهاني - دام ظله - للمؤلِّف بعد رؤية الكتاب

وصدّقها شيخ العلماء آيه اللّه المعظم الشيخ مجتبى البهشتي النجفي قدس سره (ح1332-1439)

ص: 3

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

تقريظ العلاّمة المحقّق الأديب الأُستاذ الحجّة السيّد عبدالسّتار الحسني دام ظله

تاريخُ إكمال آخر أجزاء كتاب (البيع) من ضمن موسوعة «الآراء الفِقْهِيَّة»

لِسماحَةِ آيه اللّه الْفَقِيه الكبير الأستاذ الشّيخ هادِي النَّجَفِيّ - دامَ ظِلُّهُ الوارف -

فقيهُ بني المجدِ اعْتَلى صَرْحُ عِلْمِهِ *** وَ بالمُثُلِ الْعُليا تَسامى اتِّسامُهُ

وَمازالَ يَحْبُوْ الْخَلْقَ غُرَّ نَفائِسِ الْ- *** بُحُوْثِ وَما قَدْ عَزَّ فينا مرامُهُ

بِ- (آرائِهِ الْفِقْهِيَّةِ) امْتازَ نَهْجُهُ *** وَسَحَّ بِوَضّاحِ الْبَيانِ غَمامُهُ

فَقُلْ هُوَ بَحْرٌ مَدُّهُ غَيْرُ جازِرٍ *** وَلُؤْلُؤْهُ الرَّطْبُ اسْتَنارَ انْتِظامُهُ

وَبَدْرُ الدُّجا (الْهادِي) إلى شِرْعَةِ الهُدى *** (جَواهِرُ) في سِمْطِ النُّضارِ (كلامُهُ)

عَلا قَدْرُهُ في حَوْزَةِ الْعلِلْمِ مِثْلَما *** بِمُنْتَدَياتِ الْفِكْرِ سامٍ مَقامُهُ

لَهُ شَهِدَتْ آثارُهُ وَشُيُوْخُهُ *** بِنَيْلِ اجْتِهادٍ صَحَّ فِيْهِ اعْتِيامُهُ(1)

تَجَلْبَبَ أبْرادَ(2) الْفَقاهَةِ يافِعا *** وَكَهْلاً وَبِالتَنْقِيْبِ دامَ الْتِزامُهُ

وَآخِرُ سِفْرِ (الْبَيْعِ) وافى مُحَقَّقا *** وَأسْفَرَ عَنْ خَيْرِ الثِمارِ تَمامُهُ

وبالواحِدِ الفَرْدِ استَعانوا فَأَرَّخُوْا: *** «وَفاخَ بَيانُ (الْبَيْعِ) مِسْكا خِتامُهُ»

(1) ---- (95) (63) (113) (121) (1046)

سنة 1439ه=1+1438

الأقَل عَبْدُالسّتار عَفا عَنْهُ المليك الغفّار، وَعَنْ والِدَيْهِ

ص: 4


1- اعتام بمعنى اختار.
2- أبراد جمع بُرْد، وهو الثوب؛ والجمع الآخر بُرُودٍ. والكلام مبنيٌ على الاستعارة.

وصلٌ: تتمةشرائط العوضین

اشارة

ص: 5

ص: 6

4- القدرة على التسليم

اشارة

«القدرة على التسليم شرط إجماعا كما في التذكرة(1) وتعليق الإرشاد(2) وظاهر الغنية(3) أو صريحها، ولا خلاف فيه كما في الرياض(4)، وفي المبسوط(5) والتذكرة(6) الإجماع على عدم جواز بيع الطير في الهواء. وفي الغنية(7) نفى الخلاف عنه وعن عدم جواز بيع السمك في الماء»(8).

تنقيح موضوع البحث

اشارة

القدرة على التسليم ممّا تسالم عليه الفقهاء من الخاصة والعامة في الجملة والمراد بها ليس قدرة خصوص البائع على تسليم المبيع فيكون هذا الشرط من شرائط المتعاقدين بل المراد نتيجة ذلك أي إمكان وصول المبيع في يد المشتري حين البيع فيكون من شرائط العوضين.ولكن بعض الفقهاء عدَّها من شرائط المتعاقدين لا من شرائط العوضين واستدلوا بأنّ «القدرة على التسليم من اوصافِ العاقدِ والبائع ومن وظائفه وتكاليفه كما أنّ العاقد،

ص: 7


1- تذكرة الفقهاء: في العوضين 10/48.
2- حاشية الإرشاد (حياة المحقّق الكركي وآثاره) 9/340.
3- غنية النزوع: في البيع /211.
4- رياض المسائل: في القدرة على التسليم 8/153.
5- المبسوط: في بيع الغرر 2/157.
6- تذكرة الفقهاء: في العوضين 10/51.
7- غنية النزوع: في البيع /211.
8- مفتاح الكرامة 13/14.

يجب أن يكون عاقلاً وبالغا كذلك يجب أن يكون قادرا على تسليمه، فَجَعْل هذا من شرائط العين والعوضين ليس بصحيح مع أنّ ذلك من اوصاف المتعاقدين.

رفع المحقّق النائيني(1) رحمه الله هذا الشّبهة بأنّ هذا الشرط، يرجع إلى العين ويكونُ متعلقا على العين ولو كان وصفٍ للعاقد في مرحلة الظاهر، لأنّ العين إذا لم يكن مقدور التسليم، لم يكن مالاً وليست له جدةً اعتباريّا.

بعبارةٍ اُخرى، الملكيّة، تكون من مقولة الجدة ومن المصاديق الاعتباريّة للجدة عليهذا، المال الّذي ليس مقدورا تسليمه، ليس له اعتبارُ كونه جدةٍ فكأنّه حالةٌ في العين

لا أنّه حالةٌ في العاقد.

بعبارةٍ ثالثة، يرجع هذا إلى فقد الماليّة والملكيّة [اللتين] اعتبرت في العين.

ولكن فيه ما لا يخفى: أنّ مسألة فقد الماليّة، شرطُ آخر بَحَثَ في المكاسب المحرّمة وليس هذا من شرائط خصوص البيع بل من شرائط مطلق المعاملات وهذا الشّرط الّذي يقال هنا، غير ذلك الشّرط حيث إنّ هذا الشّرط ليس راجعا إلى مسألة الماليّة هذا أوّلاً.

وثانيا: قد قلنا أنّ المال: ما يرغب فيه العقلاءُ، والمِلْك: إضافةٌ خاصّةٌ وبقول المحقّق النائيني: جِدةٌ اعتباريّةٌ، وبين المال والملك أعمّ من وجهٍ فكأنّه عرض الخلط في

كلامه رحمه الله المنقول عنه بين الماليّةِ والملكيّةِ والفرق بينهما واضحٌ حيث أنّ الماليّة، ليست جدةً اعتباريّةً بل هو كون الشّى ءِ بحيث يرغب فيه العقلاء حتّى أنّ المعادن تحت الأرض أموالٌ تحت الأرض حيث كانت موردا لرغبة العقلاء وليست بملكٍ حتّى أنّ المباحات من الآجام والمعادن، أموالٌ وليست ملكُ احدٍ. كما أنّ الطّير في الهواء، مالٌ وليس بملكٍ والسّمك في الماء مالٌ وليس بملكٍ.

وثالثا: قوله رحمه الله: «إذا لم يكن مالاً، لم يكن ملكا»، لا يصّح لأنَّ حَبَّةَ حنطة ليست بمالٍ بل يكون ملكا.

ص: 8


1- منية الطالب 2/339.

والّذى يمكن ان يقال: أنّ الوجه في عدم جعل هذا الشّرط من شرائط المتعاقدين وجعلوهُ من شرائط العين، ليس لأجل تماميّة الجهات الرّاجعة إلى نفس العاقد بل لجهة راجعةٍ إلى العين يعني ليست للعين حالةٌ يُعَدُّ بها من غير المقدور كالطّير في الهواء والسّمكِ في الماء.

فعلى هذا، كونه مقدور التّسليم، خصوصيّةٌ في العين ومن شرائط مورد المعاملة لا من شرائط المتعاقدين وهذا كلّه، في تنقيح محلّ النّزاع»(1).

أقول: لتوضيح مقالة المحقّق النائيني

قدس سره أذكرها مختصرا مع نقده مكررا:

«وأمّا ما في منية الطالب(2) من أنّ عدّ القدرة من شرائط العوضين مع أنّ عدّه من شروط المتعاقدين أنسب لأنّ مرجعه إلى مانعية عجز البائع عن صحة العقد إنّما هو لأجل أنّ مناط مالية المال هو كونه بحيث يتسلَّط مالكه على قلبه وانقلابه بأيِّ نحوٍ مِنْ أنحاء

التصرف، فإذا لم يتمكن من التصرف فيه بنحو من الأنحاء كالسمك في الماء والطير في الهواء فلا يعدّ مالاً بحسب الاعتبار العقلائي، فهذا الشرط في الحقيقة من شرائط العوضين. إذ مرجع اشتراط القدرة على التسليم إلى اشتراط المالية التي من شرائط العوضين.

ففيه: أوّلاً: إنّ اشتراط القدرة في كلامهم في مقابل اشتراط المالية، بعبارة أُخرى إنّ اعتبار المالية شرط في أصل تحقق الموضوع وهو البيع لعدم صدقه بدونها، وإنّما الكلام في شرط صحته بعد تحققه فعدم القدرة على التسليم إن كان لعدم المالية فهو خارج عن محل الكلام، وان كان لعدم وصول المالك إليه فهو محلّ الكلام.

وثانيا: إنّ ذلك غير مطرد في كلّ ما لا يقدر على تسليمه وقت التسليم فإنّه مع رجاء حصوله بعد ذلك فضلاً عن صورة العلم به بعد مدّة يعدّ مالاً، مع أنّ المحكي عن جماعة البطلان فيهما.

ص: 9


1- تحقيق وتقريرات في باب البيع والخيارات 5/53.
2- منية الطالب 2/339.

وثالثا: إنّهم حكموا بصحة بيع العبد الآبق مع الضميمة فلو كان الوجه في اعتبار القدرة انتفاء المالية لكان باطلاً إذ الضميمة لا تجعله مالاً فتأمل وجهه أنّ الضميمة لا

يجعل غير المال مالاً كذلك لا يجعل غير المقدور بالاعتبار المتقدم مقدورا فجواز البيع مع الضميمة ليس إلاّ عن باب التعبد المحض منه.

ورابعا: إنّهم بعد حكمهم بفساد بيع ما لا يقدر على تسليمه اختلفوا في صحة صلحه، واستدل القائل بالصحة بأنّ الغرر منفي في البيع دون غيره من المعاملات.

ورده القائل بالفساد بعدم انحصار الرواية في نهي النبي صلى الله عليه و آله عن بيع الغرر، لورود نهيه صلى الله عليه و آله عن الغرر على نحو الإطلاق أيضا فيشمل الصلح، فلو كان منشأ البطلان عدم المالية لم يبق مجال لهذا النزاع، لأنّ المالية شرط في تحقق أصل المعاوضة فإذا انتفت المالية انتفت المعاوضة صلحا كانت أو غيره»(1).

وبما ذكرنا ظهر عدم تمامية ما ورد في العقد النضيد من قوله: «وبالجملة: لا دليل على لزوم إدراج هذا الشرط في شروط العوضين بل يمكن البحث عنه حتّى من خلال البحث عن شرائط المتعاملين»(2).

ص: 10


1- غنية الطالب 3/483 و 484، لآيه اللّه الشيخ مرتضى الأردكاني 1286-1375ش
2- العقد النضيد 5/180.
أدلة اشتراط القدرة على التسليم
1- نهي النبي صلى الله عليه و آله عن بيع الغرر

وفيه جهات من البحث:

الجهة الأولى: إنّ هناك ثلاثة روايات:

أ: نهى النبي صلى الله عليه و آله عن بيع الغرر

ورد من الطرق الشيعية في كتاب دعائم الإسلام(1) للقاضي نعمان المصري فقط.

ومن طرق العامة في مسند أحمد(2) عن ابن عباس.

ب: نهى صلى الله عليه و آله عن الغرر

لم يرد في الكتب الرواية من الخاصة والعامة، نعم ورد في الكتب الاستدلال نحو الخلاف(3) والتذكرة(4).

ج: عن ابن مسعود قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: لا تشتر السمك في الماء فإنّه غرر(5).

تدّل الرواية الأولى والثالثة على النهي عن البيع الغرري فيكون البيع الغرري باطلاً لو تمت الدلالة.

ولكن الرواية الثانية تدلّ على أنّ الغرر في المعاملات مبطل بلا فرق بين البيع وغيره.

ولكن الرواية الثانية لم تثبت لعدم وجودها في الكتب الروائية وورودها في الكتب الاستدلال يمكن أن يكون للتلخيص.وأمّا الرواية الثالثة فروت في الكتب العامة فقط ولم يذكر من طرقنا ومن المعلوم

ص: 11


1- دعائم الإسلام 2/21، ح34.
2- مسند أحمد 1/302 عن ابن عباس.
3- الخلاف 3/319، مسألة 13.
4- تذكرة الفقهاء 10/95.
5- مسند أحمد 1/388، سنن البيهقي 5/340، المعجم الكبير للطبراني 9/321، مجمع الزوائد 4/80، الأُمّ 7/109.

عدم ثبوت طرقهم ورواياتهم في حقِّنا.

وأمّا الرواية الأولى فقد قال الشيخ الأعظم في شأن سندها: «اشتهار الخبر بين الخاصة والعامة يجبر ارساله»(1).

وأنت ترى بأنّها لم يشتهر لا بين الخاصة ولا العامة، لأنّها لم ترد في كتبنا الروائية إلاّ في الدعائم ولم ترد في صحاحهم الستة، والمروي عنهم ورد في مسند أحمد، فالاشتهار ممنوع إن كان المراد من الشهرة الروائية منها، مع أنّها لم تفد في جابرية ضعف

الأسناد.

وأمّا إن كان المراد من الشهرة الفتوائية منها وهي تطابق فتوى المشهور من الفقهاء من دون الاستناد إلى الرواية، فهي ثابتة ولكنها لم تفد في جابرية ضَعف الأسناد.

وأمّا إن كان المراد من الشهرة العَمَليّة منها وهي استناد فتوى المشهور من الفقهاء على رواية، فهي مفقودة ولكنّها لو كانت موجودة تفيدنا في جابرية ضعف الأسناد.

وبالجملة: الشهرة الروائية مفقودة ولو كانت موجودة لم تفدنا في الجابرية.

والشهرة الفتوائية موجودة ولكنها لم تفدنا في الجابرية.

والشهرة العملية مفقودة وهي لو كانت موجودة نستفيد منها في الجابرية.

فظهر ممّا ذكرنا عدم تمامية مقالة الشيخ الأعظم قدس سره في المقام.

الجهة الثانية: ما معنى الغرر؟

دلالة الرواية منوطة بأنّ معنى الغرر في الخبر هو الخدعة والخديعة وأمّا لو احتملنا معاني أُخر فلا تتم الدلالة.

ومن المعلوم عرَّف اللغويون «الغرر» بمعاني عديدة:

منها: الغفلة(2) والخطر(3) والخديعة(4) وما كان له ظاهر يغرّ المشتري وباطنٌ

ص: 12


1- المكاسب 4/176.
2- الصحاح 2/768، القاموس المحيط 2/101.
3- المصدران وأساس البلاغة /322، والمصباح المنير /445 و المغرب /338 للمطرزي ومجمل اللغة /532 لابن فارس، مجمع البحرين 3/423.
4- المصدران.

مجهول(1)، وما كان على غير عهدةٍ ولا ثقةٍ(2).

مقالة المحقّق الاصفهاني ونقده

قال قدس سره في ارجاع المعاني إلى معنى الخديعة ما نصه: «ما ذكره أهل اللغة في تفسير الغرر راجع إلى الغفلة والخديعة والخطر؛ وعمل ما لا يؤمن معه من الضرر؛ وما كان على غير عهدة وثقة؛ وما له ظاهر محبوب وباطن مكروه.

والمظنون قويا أنّ هذه التفاسير ليست كلّها بيانا لمعناه الحقيقي، بل بعضها بيان مفهومه وبعضها الآخر بيان لازمه الدائمي، وبعضها بيان لازمه الغالبي، وبعضها بيان لمورده، والظاهر كما يساعده موارد استعمالاته ما يقرب من الخديعة، ولازمها الدائمي هو الغفلة، ولازمها غالبا هو الخطر والوقوع في الضرر، والمنخدع لا يكون على عهدة وثقة وإلاّ لما كان منخدعا، كما أنّ مورد الخدعة ما كان له ظاهر محبوب وباطن مكروه.

ومنه تعرف أنّ معناه ليس هو الخطر؛ حتّى تكون المعاملة الخطرية منهيا عنها، وغاية ما يمكن أنْ يقال في جعل المعاملة الخطرية غررية - وتوجيه النهي إليها بعنوان الغررية - هو أنّ المعاملة إذا كانت خطرية - من حيث عدم الوثوق بتسلّم البدل - فصدورها من العاقل بمنزلة صدورها من الغافل المغرور، فاقدامه على مثل هذه المعاملة تغرير بنفسه، فكأنّه يغرّ نفسه، فالملتفت إلى أنّه غير مقدور التسليم عمله عمل الغافل، فالنهي عن الغرر - بمعنى الخديعة - نهى عن تغريره بنفسه في المعاملة التي لا تكاد تصدر إلاّ من الغافل المغرور، فتدبر»(3).

ولكن يردّ عليه: هذه المقالة مع لطافتها «تعدّ كلاما ذوقيا لا دليل عليه، حيث لادليل على أنّ هذه المعاني المذكورة تعدّ بعضها لوازم دائميّة، وبعضها لوازم غالبيّة، وبعضها

ص: 13


1- النهاية 3/355 لابن الأثير، الغريبين 4/1366.
2- المصدر، وتهذيب اللغة 16/83.
3- حاشية المكاسب 3/277.

موارده.

نعم، لا ترديد أنّ الخدعة لها مثل هذه الأُمور المذكورة، ولكن ما هو الدليل على أنّ مفهوم الغرر ومعناه هو الخديعة والخدعة؟ فإنّ المحقّق المذكور لم يقم دليلاً يفيد ذلك»(1).

أقول: لا يمكن إرجاع جميع المعاني إلى المعنى الواحد بلا فرق بين أنْ يكون الخديعة أو الخطر أو غيرهما ولكن ما ورد في الأثر: نهى النبي صلى الله عليه و آله عن بيع الغرر، لابدّ من أخذ معنى للغرر حتّى يتناسب مع البيع الذي أضاف إليه وهذا ليس إلاّ معنى الخديعة لأنّ النهي يقتضي مقدورية متعلَّقه، والغفلة والخطر وغيرهما معان لِ- «غرّ» الذي يكون لازما فلا يتعلّق النهي بها.

وأمّا الخديعة يكون متعديّا ولها خادع ومخدوع ومخدوع به فالنهي يتعلَّق ببيع الخدعة وأن يكون البائع خادعا والمشتري مخدوعا والعين مخدوعا به.

«ولا ينافي ذلك ما في كلام اللغويين من التمثيل لبيع الغرر ببيع السمك في الماء والطير في الهواء، لصدق الخديعة عليهما، فإنّ الخدعة تناسب ما ذكروه في كلماتهم من أنّ الغرر هو «ما له ظاهر محبوب وباطن مكروه» أو «تُوهم حسن ما هو قبيح واقعا»»(2).

هذا ما يخطر في البال على سبيل الاستعجال.

الجهة الثالثة: هل النهي الوارد في الأثر يدلّ على الفساد؟

«اتّفق الفقهاء على أنّ النهي المتعلّق بالمعاملة له ظهوران:

ظهور أوّلي في الزجر عن المعاملة.

وظهور ثانوي في الدلالة على الفساد.

لكن القاعدة المذكورة غير منطبقة على النبوي، حيث لم ينه عن العاجز عن تسليم المبيع مباشرةً، بل الوارد فيها قوله: (نهى النبي صلى الله عليه و آله عن بيع الغرر)، ولذلك ينبغي البحث عن أنّ هذا النهي هل يحمل على ظهوره الأوّلي في الزجر عن العمل والنهي

ص: 14


1- العقد النضيد 5/186.
2- هدى الطالب 7/583.

التكليفي، أم فضلاً عن ذلك فيه إرشاد إلى الفساد؟

وبعبارة أُخرى: هل النبويّة تدلّ على مجرّد النهي التكليفي، أمّ أنّها دالّة عليه وعلى الوضعي معا؟

لا شكّ أنّ القاعدة تقتضي حمل النهي في الظهور على الزجر والنهي التكليفي، لكن المشكلة أنّ عموم الفقهاء استفادوا النهي الوضعي من النهي الوارد في النبويّة، فحكموا بفساد المعاملة، ولا يبعد صحّته حيث يمكن تأييد ذلك بقيام القطع بعدم حرمة صدور البيع الغرري، وأنّ العادل المتعامل به لا ينقلب فاسقا، فالقطع المذكور يوجب حمل النهي الوارد في النبويّة على الإرشاد إلى فساد المعاملة»(1).

والحاصل: هذا الدليل غير تام عندنا لما مرّ في الجهة الأولى وكذا جهتا الثانية والثالثة لا إشكال فيهما.

فرعٌ: هل يمكن تصحيح بيع الغرري بالشرط؟

«كأن يقول: «بعتك الطير في الهواء بشرط أن أسلّمك» أم لا؟

لا يقال: إنّ هذه المعاملة المشروطة باطلة، لكن لا من جهة التعليق المبطل للعقد - لأنّ التعليق على شرط يبتني الصحّة عليه لا يعدّ مبطلاً - بل لاستلزامه الدور، حيث أنّ

صحّة الشرط متوقّف على صحّة الشيء الذي وقع الشرط في ضمنه، فصحّة الشرط متوقّفة على صحّة البيع وبالعكس، وهذا دورٌ واضح، فلا يمكن تصحيح العقد بالشرط المذكور.

لأنا نقول: إنّ بطلان المعاملة يتوقّف على ثبوت غرريّته، ومع انضمام شرط التسليم إلى البيع لم يتحقّق بيع غرريّ؛ لأنّه لا يخلو:

إمّا أنْ يتحقّق الشرط، فلا غرر حينئذٍ.

وإن لم يتحقّق، فإنّه مع تخلّف الشرط لا لزوم، ومع عدم اللّزوم لا [غرر] ليستلزم البطلان.

ص: 15


1- العقد النضيد 5/187.

وعليه تكون المعاملة المذكورة بشرط التسليم صحيحة، ولا مجال للحكم عليها بالبطلان.

[اللهم] إلاّ أن يقال: إنّ لازم اعتبار صحّة البيع مع شرط التسليم، هو الحكم بثبوت الخيار عند تخلّف الشرط المذكور، وهذا ما لا قائل به، ومعه يكون الحكم بالبطلان مع شرط التسليم لأجل مخالفته للإجماع لا للمحذور العقلي»(1).

2- قوله صلى الله عليه و آله : لا تبع ما ليس عندك

قد بحثنا حول إسناده في الاستدلال على بطلان عقد الفضولي بالسنة(2) فلا نعيد.

وتمسّك كلٌّ من الفاضل النراقي(3) والسيّد بحرالعلوم الطباطبائي(4) وصاحبي الجواهر(5) والمكاسب(6) بهذا النبوي الشريف للاستدلال على شرطية القدرة على التسليم.

تقريب الاستدلال: «منوط ببيان المعاني المشار إليها في المتن لكلمة «عند» وهي أربعة:

الأوّل: الحضور في مقابل الغيبة. وقد أبطله بالإجماع على جواز بيع الغائب والسّلف.

الثاني: مجرد الملكية، وقد أبطلها بأنّ المناسب حينئذٍ ذكر اللام بأنْ يقال: «ما ليس لك» بدل «عندك».الثالث: مجرد السلطنة والقدرة على التسليم سواء أكانت حاصلةً حين العقد أم

ص: 16


1- العقد النضيد 5/188.
2- راجع الآراء الفقهية 5/264.
3- مستند الشيعة 14/323.
4- المصابيح للسيّد محمّدمهدي بحرالعلوم / مخطوط، ونقله عنه في الجواهر 23/625 22/388.
5- الجواهر 23/625 22/388.
6- المكاسب 4/183.

بعده، كما إذا باعه ثمّ إشتراه من مالكه. فالمراد مطلق السلطنة.

وقد أبطله المصنف بوجهين:

أحدهما: تمسُّك العامة والخاصة بهذا النبوي على عدم جواز بيع العين الشخصية المملوكة للغير ثمّ شرائها من مالكها، فإنّه لو كان المراد مطلق السلطنة على التسليم لكان

تمسكهم المزبور منافيا لذلك، لحصول السلطنة حينئذٍ، خصوصا إذا كان وكيلاً عن المالك في بيعه ولو من نفسه. فتمسكهم المزبور يكشف عن عدم إرادة مطلق السلطنة من قوله صلى الله عليه و آله : «ما ليس عندك».

ثانيهما: أنّ بيع العين المملوكة للغير مورد الرواية، فلو كان المراد مجرد السلطنة على التسليم لزم منه صحة بيعه، لقدرته على التسليم بالقدرة على مقدمته أعني بيعه من نفسه، إذ المفروض كونه وكيلاً في بيعه ولو من نفسه.

الرابع: السلطنة التامة الفعلية المتوقفة على أمرين: أحدهما: الملكية، والآخر كونه تحت يده وقدرته وإن كان غائبا عنه.

ولمّا بطلت المعاني الثلاثة المتقدمة تعيَّن هذا المعنى الرابع، فيدلّ النبوي على إعتبار أمرين: الملكية، والقدرة على التسليم، فلا بأس بالإستدلال به على إعتبار القدرة على التسليم»(1).

واستشكل صاحب الجواهر

رحمه الله على الاستدلال بقوله: «لكن قد يقال: إنّ المراد به الإشارة إلى ما هو مستعمل الآن وفي السابق من بيع الشيء المخصوص مظهرا له أنّه ماله وعنده، ثمّ يمضي بعد ذلك إلى صاحبه ويشتريه منه بأنقص ممّا باعه، ثمّ يدفعه إلى الذي باعه إيّاه أوّلاً»(2).

وأجابه الشيخ الأعظم: «بعدم الشاهد على اختصاصه بهذا المورد، وليس في الأخبار المتضمّنة لنقل هذا الخبر ما يشهد باختصاصه بهذا المورد»(3).

ص: 17


1- هدى الطالب 7/611.
2- الجواهر 23/625 22/389.
3- المكاسب 4/184.

ثمّ استشكل الشيخ الأعظم(1) في دلالة النبوي على فساد بيع ما لا قدرة على تسليمه بوجهين:

الوجه الأوّل: «انّ غاية ما يدلّ عليه النبوي هو فساد البيع بمعنى عدم كون العقد علّة تامةً لترتب الأثر المقصود عليه، لا عدم ترتب أثرٍ عليه أصلاً، بحيث يكون وجوده كعدمه، فيمكن أنْ يقع مراعى بإنتفاء الغرر، وصيرورة المبيع مقدور التسليم»(2).

الوجه الثاني: «بعد تسليم ظهور الخبر في بطلان بيع ما لا قدرة على تسليمه - وعدم الجدوى في حصول القدرة عليه بعد العقد - يتعيّن رفع اليد عن الظهور المزبور، وحملُ النهي «عن بيع ما ليس عندك» على عدم العلية التامة في التأثير، وذلك لأنّه - بناءً

على دلالة النهي في النبوي على الفساد واللغوية - يدور الأمر بين إرتكاب أحد أمرين:

إمّا رفع اليد عن الظهور في اللغوية، والإلتزام بجعل الفساد عبارةً عن عدم العليّة التامة للتأثير، ولازمه صيرورة البيع مراعى بإرتفاع الغرر.

وإمّا حفظ الظهور في اللغوية، والإلتزام بتخصيص النبوي في مواردَ إلتزموا بوقوع البيع فيها مراعى - كبيع الرهن - مع كون البائع في تلك الموارد عاجزا شرعا عن التسليم.

فلابدّ أنْ يقال: «بيع ما ليس عندك فاسدٌ رأسا، إلاّ بيع الرهن، وبيع ما لا يملكه حين البيع، وبيع المحجور، وبيع العبد الجاني عمدا» فإنّها تقع مراعى بإجارة مَن له الأمر.

ولا ريب في عدم المجال لهذا التخصيص، وذاك لأنّ التخصيص وإن كان أولى من المجاز في سائر المقامات، إلاّ أنّه في المقام لكثرته ليس أرجح من المجاز أعني به إرتكاب خلاف الظاهر في النهي بجمله على الفساد، بمعنى عدم العلّية المنحصرة. ومع عدم أرجحية التخصيص من المجاز وبالعكس يتساوى الإحتمالان، فيصير الكلام مجملاً، فلا يصح معه الإستدلال.

وعليه فالتمسك بالنبوي على إعتبار القدرة على التسليم ليس في محلّه، ولا مانع

ص: 18


1- المكاسب 4/184.
2- هدى الطالب 7/618.

حينئذٍ من التمسك بالقواعد العامة المقتضية للصحة»(1).

ثمّ قال الشيخ الأعظم: «ولكن الإنصاف: أنّ الظاهر من حال الفقهاء اتّفاقهم على فساد بيع الغرر بمعنى عدم تأثيره رأسا، كما عرفت من الإيضاح(2)»(3).

مراده قدس سره : إنّ ما استظهره «من معنى الفساد - وهو عدم العلية التامة لا عدم ترتب الأثر رأسا - خلاف ظاهر حال الفقهاء، لأنّ ظاهرهم الإتفاق على كون فساد البيع عبارة عن عدم ترتب الأثر أصلاً. وهذا كاشف عن كون المراد بالنبويين هو الفساد محضا، فلا يصح حملهما على ما ذكره من عدم العلية التامة»(4).

أقول: يمكن أنْ يجاب عن وجهي الشيخ الأعظم قدس سره :

أمّا على الأوّل: فوقوع العقود مراعى بحيث لا يصدق عليه الصحيح ولا الفاسد محل تأمل بل منع لأنّ العقود والايقاعات إمّا وقعت صحيحة أو لا شيء أصلاً ولكن اثبات وقوعها مراعى يحتاج إلى دليل مفقود في المقام هذا أوّلاً.

وثانيا: يرجع وقوع العقد مراعى حتّى ينتفي صفة الغرر أو تحقق كون المبيع مقدورا تسليمه إلى الفرع الذي مرّ آنفا(5) في ذيل الدليل الأوّل وقد ذهبنا إلى عدم امكان تصحيح بيع الغرري بالشرط فراجع ما حررناه هناك.

وأمّا على الثاني: فيتم لو تمّ الوجه الأوّل ولكن بعد الجواب عنه فلا يتم ما بناه عليه، لأنّ قد مرّ عدم وقوع العقد مراعى ويدلّ النبويان على فساد البيع مع عدم القدرة على التسليم.وما ذكره قدس سره من موارد جواز البيع: مع عدم القدرة على التسليم يخرج عمّا نحن فيه موضوعا - يعني البائع يقدر على تسليم المبيع - أو حكما - يعني قد ورد الدليل على

ص: 19


1- هدى الطالب 7/619.
2- إيضاح الفوائد 1/430.
3- المكاسب 4/185.
4- هدى الطالب 7/623.
5- راجع صفحة 15 من هذا المجلد.

جواز البيع في هذا الموارد الخاص - فلا يكون تخصيصا مستهجنا في المقام.

وأمّا ما ذكره تحت عنوان «لكن الإنصاف» فتام ولابدّ أن نذهب إليه لا لإتفاق الفقهاء على الفساد بل لما يدلّ الدليل عليه واتفاقهم - قدس اللّه أسرارهم - على الفساد يكشف عن صحة فهمنا في الاستنباط، والحمدللّه.

مقالة المحقّق الاصفهاني في تائيد استشكال

الشيخ الأعظم في دلالة النبوي على المقام ونقدها

قال المحقّق الاصفهاني

قدس سره : «قد مرّ(1) منّا في مبحث الفضولي؛ وفي مبحث من باع ثمّ ملك(2) في مقام الجواب عن هذه الأخبار أنّ المراد إمّا هو البيع الإنشائي الموصوف بالصحة والفساد أو البيع الحقيقي الموصوف بالوجود والعدم، وأنّ النهي على الأوّل إرشاد إلى عدم النفوذ وعدم الأثر المترقب من السبب، وعلى الثاني إرشاد إلى عدم تحققه.

وقد ذكرنا أنّ الحكم ببطلانه من رأس أو الحكم بعدم تحققه كذلك مبني على الاطلاق، إمّا بلحاظ الآثار من حيث الصحة الفعلية والتأهلية معا على الأوّل، وإمّا بلحاظ

الأحوال من حيث تملّكه بعد العقد أو دخوله تحت يده ونحو ذلك على الأوّل والثاني معا.

والاطلاق من كلا الوجهين باطل، أمّا من الوجه الأوّل فلما مرّ من أنّ الصحة التأهلية انتزاعية لا شرعية فلا يعمه الإطلاق، وأمّا من الوجه الثاني فلأنّ المطلق لابدَّ من انحفاظه في جميع الحالات ليستوي الحكم بسريانه، وعدم كونه عنده بمعنى ملك الرقبة؛ وبمعنى ملك التصرف؛ وبمعنى القدرة على التسليم كلّها غير منحفظة مع تبدّل الحال، فالنهي عنه باعتبار عدم ملكه له لا يعقل أنْ يعم ما إذا أُضيف إليه بإضافة الملكية؛ أو كان مقدورا بعد إنْ لم يكن كذلك، فلو نفذ البيع وتحققت الملكية لم يكن من بيع غير المقدور وممّا ليس عنده، وبقية الكلام تطلب ممّا تقدم»(3).

ص: 20


1- حاشية المكاسب 2/101، تعليقة 86 و 87.
2- حاشية المكاسب 2/226، تعليقة 209 و 210.
3- حاشية المكاسب 3/281.

توضيح مقال الاصفهاني: «إنّ هيئة النهي في قوله: «لا تبع» واردة على مادّة البيع، وهناك احتمالان في البيع المنهي عنه:

1- احتمال أن يكون البيع إنشائيّا.

2- واحتمال أن يكون حقيقيّا.

1- إذا كان إنشائيّا، فإنّ النهي عمّا يعدّ سببا للمِلك يكون إرشادا إلى الفساد وعدم ترتّب الآثار.

لكن لا مجال لتحقّق ذلك، إلاّ مع تماميّة إطلاق النهي، بحيث يعمّ الصحّة الفعليّة والصحّة التأهّليّة، ليدلّ على أنّ إنشاء بيع ما ليس عند البائع فاقدٌ لاقتضاء الصحّة الفعليّة،

بل غير مؤهّل لها، خلافا لبيع الفضولي الذي فيه الصحّة التأهلية دون الفعليّة.

ودعوى القوم على أنّ إطلاق الخبر المذكور ينفي الصحّتان عن البيع [الذي لا يقدر على تسليمه].

ولكن لا يخفى أنّ هناك فرقا بين الصحّة الفعليّة والصحّة التأهّليّة، فالأُولى مجعولٌ شرعيّ، والثانية أمرٌ انتزاعيّ ينتزع من البيع المنشأ الفاقد لإجازة المالك، فمن خلال الإنشاء يتحقّق الاقتضاء، لكن بما أنّه فاقد للشرط، ويستفاد مجرّد الصحّة التأهّليّة، وعليه فلا تعدّ من المجعولات الشرعيّة، ولا يشملها إطلاق النهي، فالنهي المذكور في الخبر يختصّ بنفي الصحّة الفعليّة.

2- أمّا إذا كان المراد من البيع هو الحقيقي منه، فإنّ أمره يدور بين الوجود والعدم دون الصحّة والفساد، وبالتالي يصبح قوله: «لا تبع...» إرشادا إلى أنّ بيع المعدوم غير موجود.

ولكن لا يخفى أنّ إطلاقه يدور مدار تحقّق الموضوع وعدمه، أي مادام يكون البيع بيع ما ليس عندك، يكون الخبر دالاًّ على عدمه، وأمّا مع انقلابه وتبدّل الموضوع، فإنّه يستحيل بقاء النهي المذكور، فالخبر ينهى عن وجود البيع الحقيقي مادام لا قدرة على التسليم، لكن متى وجدت القدرة فمن الطبيعي انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه.

و [بناءً] عليه، التزمنا بصحّة البيع الفضولي بمجرّد لحوق الإجازة به، من دون

ص: 21

الحاجة إلى عقدٍ جديد؛ لأنّ قوله: «لا بيع إلاّ في ملك» ينفي البيع مادام لم يكن هناك ملك، فإذا صدرت الإجازة من المالك، أو أصبح المبيع مملوكا للبائع، انتفى مدلول الخبر بانتفاء موضوعه، وهكذا الأمر في المقام.

وبالتالي فإنّ بيع ما ليس عندك محكومٌ بالصحّة التأهّليّة، وقابلة للصحّة الفعليّة بعد

تبدّل الموضوع.

وبالجملة: سواءً كان البيع حقيقيّا أو إنشائيّا، فإنّ البرهان قائم على أنّ قوله صلى الله عليه و آله : «لا تبع ما ليس عندك» لا ينفي اقتضاء الصحّة»(1).

نقد مقال الاصفهاني: قد أورد عليه: «أوّلاً: إنّ تقسيم البيع إلى الإنشائي والحقيقي ممنوعٌ، بل المتحقّق ليس إلاّ البيع الإنشائي؛ لأنّ الثابت عند الجميع أنّ البيع

- على جميع المباني سواءً اعتبرناه نقل العين بالعوض، أو تبديل طرفي الإضافة، أو تبديل العين بالعوض - يعدّ من الأُمور الاعتباريّة، وبالتالي فلا شبهة في أنّ إنشائيّة البيع أمرٌ

معقول ثبوتا وإثباتا، وهناك مسالك عديدة في تفسير إنشائيّة البيع، والمعتبر منها إثنان:

1- قيام البائع بإيجاد ملكيّة عين معيّنة بعوض معيّن في عالم الاعتبار.

2- قيام البائع بإيجاد ملكيّة عين معيّنة بعوض معيّن في وعاء الاعتبار وإبراز ذلك خارجا.

والبيع المُنشَأ تارةً يمضيه العرف والشرع، وأُخرى ينفيانه، وعليه فليس هناك بيع حقيقي زائد على ما اعتبره الشارع أو العرف بأنّه بيعٌ، ولذلك نرى أنّ في تقسيم البيع إلى

الحقيقي والإنشائي تأمّلٌ، لأنّ حقيقة البيع ليس إلاّ صدور المادّة من البائع سواءً كان

أصيلاً أو فضوليّا، والمُنشَأ المذكور قد يمضيه الشارع وقد يرفضه، وبالتالي فلا مجال لتصوير البيع الحقيقي، إلاّ البيع الذي تعلّق به إمضاء الشارع.

فإن أصرَّ القائل على تسميته بالبيع الحقيقي، فلا مشاحّة في الاصطلاح، لكن الحقيقة أنّ تسمية البيع المُمضى شرعا بالحقيقي ممنوعٌ؛ لأنّ مثل هذا البيع المتقوّم بإمضاء

ص: 22


1- العقد النضيد 5/192 و 193.

الشارع يستحيل تعلّق النهي به، لما ثبت من أنّ متعلّق النهي يجب أن يكون مقدورا، والبيع المتقوّم بإمضاء الشارع يستحيل تعلّق النهي به بعد إمضائه.

ولذلك نعتقد أنّه لا يعقل حمل قوله صلى الله عليه و آله : «لا تبع ما ليس عندك» على البيع الحقيقي المتقوّم بإمضاء الشارع.

هذا فضلاً عن أنّه لا ثمرة لمثل هذا التقسيم، لعدم إمكان تصوير الإطلاق كما مرّ ذكره، ولانتفاء الموضوع بعد الوجدان.

وثانيا: لا شكّ أنّ النهي المتوجّه إلى العاجز عن تسليم المبيع، نهيٌ فعليّ يجعل البيع محكوما بالفساد، ومع ملاحظة استحالة الإهمال في الواقعيّات فلا يعقل الإهمال في

البيع الصادر عن العاجز عن التسليم، بل هو إمّا مقيّدٌ بالقدرة، وقد استند فقهاؤنا بإطلاق

النهي إطلاقا حدوثيّا في قوله: «لا تبع...» وحكموا بفساد البيع مع العجز عن التسليم.

وخلاصة الكلام: إنّ دلالة قوله صلى الله عليه و آله : «لا تَبْع ما ليس عندك» على فساد المعاملة الصادرة من العاجز عن التسليم، تامّة لا غبار عليها، فيستفاد منها اشتراط القدرة على التسليم»(1).

لا يقال: «قد أطلق عنوان «ما ليس عندك» في بعض الأخبار على «غير المملوك»، ومعه يتردّد النهي بينه وبين غير المقدور، فتصبح النبويّة مجملة وساقطة عن صلاحيّة الاستدلال بها على اشتراط القدرة.

ومن هذه الأخبار ما رواه الشيخ الكليني عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبدالرحمن بن الحجّاج - والسند صحيح - قال:

«قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : الرجل يجيئني يطلب المتاع، فأقاوله على الربح، ثمّ أشتريه فأبيعه منه؟

فقال: أليس إن شاء أخذ، وإن شاء ترك؟ قلت: بلى.

قال: فلا بأس به. قلت: فإنّ من عندنا يُفَسّده.

ص: 23


1- العقد النضيد 5/193.

قال: ولِمَ؟ قلت: قد باع ما ليس عنده؟

قال: فما يقول في السَّلم، قد باع صاحبه ما ليس عنده؟!

قلت: بلى.

قال: فإنّما صَلَح من أجل أنّهم يسمّونه سَلَما، إنّ أبي كان يقول: لا بأس ببيع كلّ متاع كنتَ تجده في الوقت الذي بعته فيه»(1).

[ومنها: صحيحة الأُخرى قال: سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الرجل يشتري الطعام من الرجل ليس عنده فيشتري منه حالاً، قال: ليس به بأس، قلت: إنّهم يفسّدونه عندنا، قال: وأيّ شيء يقولون في السلم؟ قلت: لا يرون به بأسا يقولون: هذا إلى أجل، فإذا كان إلى غير أجل وليس عند صاحبه فلا يصلح، فقال: فإذا لم يكن إلى أجل، فإذا كان إلى غير أجل وليس عند صاحبه فلا يصلح، فقال: فإذا لم يكن إلى أجل كان أجود ثمّ قال: لا بأس بأن يشتري الطعام وليس هو عند صاحبه، «وإلى أجل، فقال»: لا يسمّي له أجلاً، إلاّ أن يكون بيعا لا يوجد مثل العنب والبطيخ وشبهه في غير زمانه، فلا ينبغي شراء ذلك حالاً»(2)].

لأنا نقول: أنّ إطلاق «ما ليس عنده» في [هاتين الروايتين] لم يكن من باب حصر المفهوم في غير المملوك، بل من باب تطبيق كبرى «ما ليس عندك» على غير المملوك، ومن المعلوم أنّه لا يتحقّق الإجمال إذا كان الإطلاق من باب بيان المصداق، بخلاف ما إذا

كان في مقام بيان المفهوم حيث يؤدّي إلى الإجمال.

بيان ذلك: إنّ «ما ليس عندك» معنى عام له فردان، وهما غير المملوك وغير المقدور، حيث يصدق عليهما العنوان المذكور حقيقةً.

وعليه فالنبويّة تتحدّث عن مفهومٍ عام.

أمّا الصحيحتان فالمذكور فيهما حكم أحد فردي العام، وتطبيق العموم المذكور

ص: 24


1- وسائل الشيعة 18/47، ح3، الباب 7 من أبواب أحكام العقود.
2- وسائل الشيعة 18/46، ح1، الباب 7 من أبواب أحكام العقود.

على إحدى الحصّتين، لا يوجب إجمال العنوان المذكور في النبويّة، خاصّة إذا لاحظنا ذيل الصحيحة [الأولى] من قوله عليه السلام : «إنّ أبي كان يقول...» حيث يفيد ضرورة وجدان

المتاع حين البيع، وأمّا غير المقدور فلا يصحّ بيعه لأنّه غير موجود.

وهكذا ثبت أنّ دلالة النبويّة على مانعيّة العاجز عن التسليم عن صحّة البيع، تامّة ولا نقاش فيها»(1).

3- استحالة التكليف بالممتنع

«إنّ لازم العقد وجوب تسليم كلٍّ من المتبايعين العوضين إلى صاحبه فيجب أنْ يكون مقدورا لاستحالة التكليف بالممتنع»(2).

توضيحُ الاستدلال: «أنّ مضمون العقد - وهو نقل كلّ من العوضين عن مالكه إلى صاحبه وصيرورته ملكا للآخر الذي هو حكم وضعي - مستلزم لوجوب تسليم كلٍّ منهما ما إنتقل عنه إلى مالكه، وحرمة حبسه، لأنّه ظلم. وهذا الوجوب كسائر التكاليف يقتضي مقدورية متعلَّقه، فلابدّ من كون التسليم الواجب مقدورا، وإلاّ يلزم التكليف بالممتنع، وهو قبيح، فثبت إعتبار القدرة على التسليم.

وبعبارة أُخرى: أنّ البيع الصحيح يستلزم وجوبَ التسليم تكليفا، وهو متوقف على القدرة، وحيث إنّه لا قدرة حسب الفرض على التسليم، فلا وجوب، وبطلان اللازم يكشف عن بطلان الملزوم وهو البيع. وهذا مقتضى القياس الإستثنائي»(3).

واعترض عليه العلاّمة الطباطبائي في المصابيح: «بأنّه إن أُريد إثبات اشتراط القدرة على التسليم بوجوب التسليم منجّزا، فذلك باطل؛ لأنّه مشروط بالبيع، وإن أُريد إثبات اشتراطها بوجوب الإقدام على ما يتمكّن معه من فعل الواجب إذ وجب، منعنا الوجوب على الإطلاق؛ فإنّ التكليف مشروط بالقدرة، والعجز السابق على البيع

ص: 25


1- العقد النضيد 5/196-194 مع إضافة منّا.
2- المكاسب 4/185.
3- هدى الطالب 7/623.

كالمتجدّد، فكما لا يجب التسليم في الثاني فكذا في الأوّل»(1).

توضيح الاعتراض: «إنّ صحة البيع وضعا - بمعنى تأثيره في نقل كلّ من العوضين إلى الآخر - وإن كانت مستلزمةً لوجوب الوفاء به تكليفا بمعنى ترتيب آثاره عليه من تسليم المبيع للمشتري، والثمن للبائع، إلاّ أنّ إستفادة شرطية القدرة الفعلية على التسليم - حال العقد - من الأمر بالوفاء ممنوعة، وذلك لأنّ وجوب التسليم [1] إمّا أن يراد به وجوبه الفعلي المنجّز بحيث يكشف العجز عنه عن الحكم الوضعي في الملزوم أعني بطلان العقد. و [2] إمّا أن يراد به مطلق وجوبه الشامل للوجوب المطلق وللمشروط بالقدرة.

فإنْ أُريد الأوّل إتجه منعُ الملازمة بين الحكم الوضعي - وهو نفوذ البيع - وبين التكليفي أعني وجوب التسليم، ضرورة عدم إقتضاء الحكم الوضعي للتكليفي إلاّ في الجملة، فيستفاد صحة البيع من إطلاق حِلِّه ومن التجارة عن تراض، ونحوهما، ولا يستفاد إطلاق التكليف بالتسليم من وجوب الوفاء بالعقد بعد دخل القدرة على المتعلَّق في مطلق الخطابات الشرعية.

وإن أُريد الثاني، وهو إستلزام صحة البيع وجوبَ التسليم في الجملة - أي مشروطا بالقدرة عليه - فالملازمة بين الوضع والتكليف محققة، ومعناه ترتب وجوب التسليم على العقد منوطا بالتمكن منه. ومن المعلوم أنّ الوجوب المشروط بالقدرة قاصر عن إثبات إشتراط صحة العقد بالقدرة على التسليم.

وعليه فحكم القدرة على التسليم حال العقد وبعده واحد. فلو كان متمكنا من تسليم المبيع حين البيع ثمّ طرء عليه العجز، لم يجب عليه، ولا يستلزم بطلانَ العقد، بل

يتخيّر المشتري بين الفسخ والتربص. فكذا لو كان عاجزا عن التسليم حال البيع، وتمكّنَ منه في المستقبل. فلا تكليف به فعلاً.

ص: 26


1- المصابيح للسيّد محمّدمهدى بحرالعلوم / مخطوط، ونقل عنه في الجواهر 23/628 22/390 وفي غاية الآمال 7/210.

هذا توضيح»(1) الاعتراض.

وناقش العلاّمة الطباطبائي الاعتراض بقوله: «لا يقال: الأصل في الوجوب عدم التقييد، وقد ثبت بالقياس إلى العجز المتجدّد بخلاف السابق؛ لأنّ القدرة على التسليم إذا كانت شرطا كان الوجوب بالقياس إليها مطلقا، لكونها مفروضة الحصول على هذا التقدير»(2).

تقريب المناقشة: يمكن أنْ يمنع عن الشق الثاني من الاعتراض وهو جعل وجوب التسليم مشروطا بالقدرة عليه.

و «وجه المنع أنّ تقييد الوجوب بالتمكن منه مخالف لأصالة عدم تقيد الوجوب، ويتعيّن الشق الأوّل، وهو كون وجوب التسليم فعليا بنفس العقد، ويترتب عليه إنكشاف إنتفاء الملزوم من إنتفاء اللازم»(3). يعني يكشف عن عدم القدرة على التسليم الفعلي المنجَّز بطلان العقد.

ثمّ أجاب عن مناقشته بقوله: «لأنّ هذا الأصل معارض بمثله في جانب البيع؛ فإنّ الأصل عدم اشتراطه بالقدرة على التسليم، فيجب تقييد وجوب التسليم بحصول القدرة السابقة كاللاحقة»(4).

توضيح الإجابة: «إنّ دليل الصحة - كآية حلّ البيع - لم يُقيّد بالقدرة على التسليم، فلو شكّ في التقييد جرى أصالة عدم إشتراطه بها، وهذا الأصل العملي معارِض لأصالة إطلاق وجوب التسليم، وبعد التساقط يبقى إطلاق دليل حلِّ البيع بحاله، ويقال بصحة

ص: 27


1- هدى الطالب 7/624 و 625.
2- المصابيح للسيّد محمّدمهدى بحرالعلوم / مخطوط، ونقل عنه في الجواهر 23/628 22/390، و في غاية الآمال 7/210.
3- هدى الطالب 7/626.
4- المصابيح للسيّد محمّدمهدى بحرالعلوم / مخطوط، ونقل عنه في الجواهر 23/628 22/390، وفي غاية الآمال 7/211.

البيع حتّى مع العجز عن التسليم حال العقد، تمسكا بإطلاق دليل الإمضاء»(1).

ثمّ قال الشيخ الأعظم: «وفي الاعتراض والمعارضة نظر واضح فافهم»(2).

مراده من الاعتراض المناقشة ومن المعارضة جوابها، وأمّا وجه نظر الشيخ الأعظم يرجع إلى «أنّ أصالة عدم التقييد إن أُريد بها الأصل العملي، ففيه: أنّه لا أصل لها. وإن أُريد بها أصالة الإطلاق، ففيه: أنّها من شؤون ظواهر الألفاظ كالعموم والحقيقة وغيرهما، كما إذا قال المولى: «أكرم عالما» وشُك في تقيده بالعدالة. بخلاف ما لو كان الدليل عليه لبيّا. والوجوب فيما نحن فيه - حسب الفرض - ليس مستفادا من اللفظ حتّى يتمسك في الشك في تقييده بأصالة الإطلاق، فإنّ الإستدلال المزبور ينادي بأنّ الوجوب من لوازم العقد، هذا.

وأمّا وجه النظر في المعارضة فهو: أنّ أصالة الإطلاق - بناءً على جريانها في ناحية وجوب التسليم - حاكمة على أصالة عدم تقيد البيع بهذا الشرط، لما ثبت في محله من حكومة أصالة الإطلاق في المقيّد على أصالة الإطلاق في المطلق»(3).

وأمّا قوله «فافهم»، «لعلّه إشارة إلى: أنّه بناءً على كون القدرة على التسليم من مقوِّمات المالية لا من شرائط المتعاقدين - كما يؤمي إليه تعرضهم لها في شرائط العوضين، لا في شرائط المتعاقدين - ينهدم أساس الملازمة بين الحكم الوضعي وبين وجوب التسليم المستكشف منه إعتبار القدرة على التسليم، وذلك لأنّ مضمون العقد لا يتحقق حينئذٍ في الخارج، لتقوم المعاوضة بمالية العوضين، وبدونها لا يمكن تأثير إنشاء المعاملة حتّى يدّعى التلازم بين مضمون العقد وبين وجوب التسليم، فتدبّر»(4).

مقالة المؤسس الحائري قدس سره في الدفاع عن الدليلقال المؤسس الحائري: «يمكن توجيه كلام المستدلّ على وجه يندفع عنه المنع

ص: 28


1- هدى الطالب 7/626.
2- المكاسب 4/185.
3- هدى الطالب 7/626.
4- هدى الطالب 7/627.

المزبور وهو أن يدّعى أنّ مقتضى عقد البيع ليس هو الالتزام بملكيّة هذا بإزاء ملكيّة ذاك فقط، بل هو هذا الالتزام مع الالتزام بتسليم المبيع إلى المشتري وتسلّم الثمن منه، ولو كان مقتضاه هو الالتزام الأوّل لزم في ما إذا يقطع الطرفان بانقطاع يد كلّ منهما عن المال إمّا

لوقوعه في قعر البحر بحيث لا يرجى التمكّن منه، أو وقوعه في أيدي بعض الظلمة والسرّاق الغير القابل بحسب العادة لاسترجاع المال من أيديهم أن يتمشّى القصد الجدّي إلى البيع والشراء، والظاهر عدمه وأنّ حاله بعينه حال ما إذا لم يمكن فكّ الملكيّة عن

البائع، فكما أنّ القصد الجدّي حينئذ من البائع إلى البيع يرجع إلى قصد المتناقضين كذلك

في هذا المثال أيضا قصد البيع الجدّي.

وعلى هذا فتسمية التسليم الخارجي من كلِّ من الطرفين وفاء مع كون الوفاء عبارة عن الجري على طبق مقتضى العقد يكون على القاعدة، وإلاّ فمجرّد كون حكم العقد إيجاب التسليم مع كونه صرف الالتزام بالملكيّة من باب وجوب تسليم مال الغير إليه لا يستحقّ اسم الوفاء، مع أنّه يكفي في الجري على طبق الإنشاء المتكفّل لتبادل الملكين إمساك كلّ منهما المال بعنوان الغصب من صاحبه، فصيرورة خصوص التسليم وفاءً لا يستقيم إلاّ على ما عرفت من وجود الالتزامين العرضيّين في حقيقة البيع إمّا على وجه التركيب وإمّا على وجه البساطة والاندماج.

لكن نتيجة هذا البيان هو اشتراط العلم بالقدرة لا واقعها»(1).

ولكن يرد على استدلال المؤسس الحائري قدس سره أوّلاً: «هذا الاستدلال مبنيٌّ على أنّ العلم بالقدرة على تسليم المبيع، هو المسوّغ لصدور الالتزام البيعي من البائع، وإن كان عاجزا واقعا، كما أنّ جهله بها مانعٌ عن التزامه البيعي وإن كان قادرا واقعا، لكن غاية دلالة مثل هذا الدليل شرطيّة العلم بالقدرة دون القدرة الواقعيّة، والشرطيّة المذكورة في كلمات الفقهاء هي شرطيّة القدرة واقعا دون اشتراط العلم بالقدرة.

[ثانيا:] أنّه لا شكّ أنّ الالتزام البيعي الّذي أشار إليه والّذي لا ينفكّ عن التمليك

ص: 29


1- كتاب البيع 2/230 و 231.

والتسليم، يعدّ من الشروط الخارجة عن العقد - برغم كونه مشروطا بالالتزام العقدي - فهو شرط لكن في ضمن عقد البيع، ولا يخفى أنّ غاية دلالة مثل هذه الشروط الضمنيّة تأثيرها في جواز البيع ولزومه لا صحّته، ففائدة مثل هذه الشروط ثبوت الخيار للمشتري عند التخلّف عن الشرط برغم صحّة العقد.

وعليه، فغاية ما أفاده المحقّق الحائري إثبات صحّة البيع وجوازه عند العجز عن التسليم، دون البطلان الّذي حاول بعض فقهاءنا إثباته عند فقدان القدرة على التسليم»(1).

4- الغرض من البيع هو الانتفاع والتسليم مقدمة له

الدليل الرابع مركب من دعويين:

«إحداهما: كون الغرض من البيع منحصرا في إنتفاع كلّ من المتعاقدين بما ينتقل إليه.

ثانيتهما: توقف الإنتفاع - المترقب - على التسليم. فالتسليم مقدمة للغرض الداعي إلى المعاملة»(2).

وقد اعترض عليه الشيخ الأعظم(3) بوجهين:

الأوّل: «أنّ الغرض من البيع وإن كان هو الإنتفاع، إلاّ أنّ توقف مطلق الإنتفاع على التسليم ممنوع، بشهادة جواز إنتفاع المشتري بعتق العبد الآبق، مع عدم توقف هذا الإنتفاع الخاص على التسليم، فالدليل أخصّ من المدّعى.

ولو قيل: إنّ مطلق الإنتفاع وإن لم يكن منوطا بالتسليم، إلاّ أنّ الغرض من البيع هو الإنتفاع الخاص أعني المتوقف على التسليم، لا مطلق الإنتفاع.

يقال عليه: إنّ الإنتفاع المطلق صالح لكونه غرضا من البيع»(4).

ص: 30


1- العقد النضيد 5/207.
2- هدى الطالب 7/627.
3- المكاسب 4/185.
4- هدى الطالب 7/628.

الثاني: «أنّ الغرض من البيع وإن كان هو الإنتفاع، لكنه لا يلزم نقض الغرض بالعجز عن التسليم، فإنّ الشرط هو الإنتفاع الخاص الحاصل بعد التسليم، لا مطلق الإنتفاع ولو قبل التسليم حتّى يكون تعذره قادحا»(1).

ولكن الأولى في جواب هذا الدليل أن يقال: «إنّ الأغراض الداعية إلى الانشاءات لا تؤثر في صحة المعاملات بمعنى أنّ تخلُّفها لا يبطلها»(2).

5- بذل الثمن على غير المقدور سفهٌ

هذا الدليل مؤلَّف من صغرى وكبرى:

وأمّا الصغرى فهي: «إنّ بذل الثمن بإزاء المبيع غير المقدور على تسليمه للمشتري يكون سفهيّا وتضييعا للمال»(3).

وأمّا الكبرى فهي: «إنّ البيع السفهي ممنوع شرعا، لكونه من موارد أكل مال الغير بالسبب الباطل، لا بالتجارة عن تراضٍ، هذا»(4).

وأمّا النتيجة فهي: البيع الذي يكون المتبايعين غير قادرين على تسليم المبيع أو الثمن باطلٌ، فالقدرة على التسليم يكون شرطا لصحة البيع.

ولكن يمكن أنْ يناقش في هذا الدليل صغرىً وكبرىً

وأمّا الصغرى فبما ذكره العلاّمة بحرالعلوم الطباطبائي في مصابيحه: «المنع من لزوم السفه والتضييع على الإطلاق، فإنّ بذل القليل من المال في مقابلة الخطير المتوقّع الحصول ممّا يقدم عليه العقلاء، ولا يعدّ مثله سفها ولا تضييعا. وإذا قلنا بعدم الاجتزاءبالضميمة في بيع غير المقدور - كما هو المشهور(5) - كان توجّه المنع عليه أبين

ص: 31


1- هدى الطالب 7/628.
2- هدى الطالب 7/627.
3- هدى الطالب 7/629.
4- هدى الطالب 7/629.
5- نقلت الشهرة في المصابيح في الفقه للطباطبائي: البيع / مصباح: يشترط في المبيع القدرة على التسليم ورقه 237 (مخطوط).

وأظهر»(1).

وأمّا الكبرى فبما مرّ منّا تبعا للسيّد المحقّق الخوئي رحمه الله من أنّ الأدلة دالة على بطلان بيع السفيه لا بيع السفهي والفرق بينهما واضح.

فنمنع بطلان البيع السفهي مطلقا.

مضافا إلى النسبة بين السفاهة والقدرة على التسليم عموم من وجه لعدم السفاهة مع إمكان الانتفاع بدون تسلم المبيع كالعتق فالدليل أخص من المدعى على فرض تماميته.

ثمّ إنّ هاهنا تنبيهات لابدّ أن نذكرها

التنبيه الأوّل: القدرة على التسليم هل هي شرطٌ في صحة البيع أو العجز يكون مانعا؟

ذهب الشيخ الأعظم(2) رحمه الله إلى شرطية القدرة على التسليم وصاحب الجواهر(3) إلى أنّ العجز هو المانع عن صحة البيع.

واستظهر صاحب الجواهر من عبارة الغنية(4) «بل وغيرها عند التأمل: أنّ المراد من هذا الشرط عدم جواز بيع ما يعجز عن تسليمه كالأمثلة السابقة، وقد يطلق اشتراط القدرة على إرادة كون العجز مانعا، نحو ما ذكروه في كون القدرة شرطا في التكاليف.

وتظهر الثمرة: في المشكوك فيه؛ فإنّه بناءً على شرطيّة القدرة يمتنع بيعه، بخلافه بناءً على مانعيّة العجز.

وممّا يرشد إلى ذلك: أنّهم قد ذكروا الإجماع - كما عرفت - على اشتراط القدرة،

ص: 32


1- مصابيح الأحكام للسيّد محمّدمهدى بحرالعلوم / مخطوط، ونقله في الجواهر 23/629 22/391.
2- المكاسب 4/186.
3- الجواهر 23/618 22/385.
4- غنية النزوع /211.

مع أنّهم قد حكوا الخلاف في اُمور:

منها: بيع الضالّ، فإنّه قد قيل(1): فيه وجوه:

الأوّل: صحّة بيعه مع الضميمة - لا مطلقا - غير مراعى بالتسليم، وإن لم أجد به مصرّحا على التعيين، كما اعترف به بعض الأساطين(2).

الثاني: صحّته مطلقا مراعاة بالتسليم، فلو تعذّر تخيّر المشتري، وهو اختيار اللمعة(3) والمعالم(4).

الثالث: صحّة بيعه متردّدا بين إلحاقه بالآبق فيفتقر إلى الضميمة، ووقوعه مراعى مطلقا فلا يحتاج إليها، قاله في التذكرة(5) والقواعد(6).

الرابع: بطلان بيعه منفردا، مع التردّد فيه منضمّا وفي التقسيط والاختصاص على تقدير الصحّة وتعذّر التسليم، وهو للعلاّمة في النهاية(7).

الخامس: البطلان مطلقا كما في ظاهر الروضة(8) والمسالك(9) وحواشيالتحرير(10).

ومنها: بيع الضالّة، وفيها احتمالات:

ص: 33


1- كما في المصابيح في الفقه: البيع / مصباح: قال ابن حمزة ولا يصحّ بيع ما فيه غرر وورقه 240 مخطوط.
2- المصدر السابق.
3- اللمعة الدمشقيّة: المتأجر، الفصل الثاني، /111.
4- معالم الدين لابن القطّان: البيع، في البيع 1/343.
5- تذكرة الفقهاء: البيع، في العوضين 10/49.
6- قواعد الأحكام: المتأجر، في العوضين 2/23-24.
7- نهاية الإحكام: البيع، في المعقود عليه 2/482.
8- الروضة البهيّة: المتأجر، الفصل الثاني 3/251.
9- مسالك الأفهام: التجارة، شروط المبيع 3/172.
10- نقله عنها في المصابيح في الفقه للطباطبائي: البيع، مصباح: قال ابن حمزه ولا يصحّ بيع ما فيه غرر ورقة 240 (مخطوط).

أوّلها: الصحّة بشرط الضميمة؛ إلحاقا لها بالآبق لأنّها في معناه، بل هي أولى منه بها؛ فإنّ الآبق ممتنع على صاحبه بخلاف الضالّة. وإن كان فيه منع؛ لأنّ الآبق لتمدّنه يظهر أمره، ولا كذلك الضالّة.

ثانيها: الصحّة مراعاة بالتسليم كالضالّ، قاله في المجمع(1).

ثالثها: البطلان لتعذّر التسليم، وهو خيرة الدروس(2).

ومنها: ما في معنى الآبق من الحيوان الممتنع؛ كالجمل الشارد والفرس الغائر ونحوهما، وفيه أيضا وجوه:

البطلان، كما هو خيرة الشهيدين(3).

والصحّة مع الضميمة كالآبق.

وفي النهاية: بطلانه منفردا، مع التردّد فيه منضمّا(4).

والصحّة مطلقا، كما هو مقتضى إطلاق المجمع صحّة بيع الضالّة(5).

والغرض من ذلك كلّه: بيان أنّ المراد بالإجماع المزبور على اشتراط القدرة ما عرفت من عدم جواز بيع ما تحقّق العجز عن تسليمه؛ كبيع طيرٍ صِيد ثمّ فرّ ومضى في الهواء، وسمكٍ صِيد ثمّ مضى في الماء، ورجعا على حالهما السابق قبل أنْ يصطادا.

لا أنّ المراد: اشتراط القدرة فعلاً على تسليمه؛ كي يتّجه عدم جواز مطلق ما لا يعلم حاله من الضالّ والضالّة وغيرهما؛ وإلاّ لم يكن لما عرفت من الخلاف في الاُمور المزبورة وجه، ضرورة عدم تحقّق القدرة فعلاً في شيء منها؛ ومن هنا كان المتّجه فيهاجميعها: الصحّة مطلقا؛ لإطلاق الأدلّة.

ص: 34


1- مجمع الفائدة والبرهان: المتأجر، في العوضين 8/173.
2- الدروس الشرعيّة: البيع، 3/200، درس 239.
3- الشهيد الأوّل في الدروس: انظر الهامش السابق، والشهيد الثاني في المسالك: التجارة، شروط المبيع 3/172، والروضة البهيّة: المتأجر، الفصل الثاني 3/251.
4- نهاية الإحكام: البيع، في المعقود عليه 2/482.
5- مجمع الفائدة والبرهان: المتأجر، في العوضين 8/173.

نعم، لو بان بعد ذلك التعذّر تخيّر المشتري، كما سمعته من اللمعة والمعالم.

كما أنّ وجه الفساد في الذي قد عجز عن تسليمه - على وجهٍ يكون كالمثالين - السفه وغيره ممّا تعرفه، هذا»(1).

وردّ الشيخ عليه بقوله: «وفيه: - مع ما عرفت من أنّ صريح معاقد الإجماع، خصوصا عبارة الغنية المتأكّدة بالتصريح بالانتفاء عند الانتفاء، هي شرطيّة القدرة - : أنّ العجز أمرٌ عدميّ؛ لأنّه عدم القدرة عمّن من شأنه صنفا أو نوعا أو جنسا أن يقدر، فكيف يكون مانعا؟ مع أنّ المانع هو الأمر الوجودي الذي يلزم من وجوده العدم؟ ثمّ لو سلّم صحّة إطلاق «المانع» عليه لا ثمرة فيه، لا في صورة الشكّ الموضوعي أو الحكمي، ولا في غيرهما؛ فإنّا إذا شككنا في تحقّق القدرة والعجز مع سبق القدرة فالأصلٍ بقاؤها، أو لا معه فالأصل عدمها - أعني العجز - سواء جعل القدرة شرطا أو العجز مانعا، وإذا شككنا في أنّ الخارج عن عمومات الصحّة هو العجز المستمرّ أو العجز في الجمله أو شككنا في أنّ المراد بالعجز ما يعمّ التعسّر - كما حكي(2) - أم خصوص التعذّر، فاللازم التمسّك بعمومات الصحّة من غير فرقٍ بين تسمية القدرة شرطا أو العجز مانعا.

والحاصل: أنّ التردّد بين شرطيّة الشيء ومانعيّة مقابله إنّما يصحّ ويثمر في الضدّين مثل الفسق(3) والعدالة، لا فيما نحن فيه وشبهه كالعلم والجهل(4). وأمّا اختلاف الأصحاب في مسألة الضالّ والضالّة فليس لشكّ المالك في القدرة والعجز، ومبنيّا على كون القدرة شرطا أو العجز مانعا - كما يظهر من أدلّتهم على الصحّة والفساد - بل لما سيجيء عند التعرّض لحكمها(5)»(6).

ص: 35


1- الجواهر 23/621-618 [22/(385 و 386)].
2- الحاكي صاحبا المصابيح والجواهر 23/649 22/403، والمحكي عن الشيخ في الخلاف 3/155، م 245.
3- بناءً على أن يكون الفسق أمرا وجوديا لا عدميا، وهو عدم العدالة وتقابلها العدم والملكة.
4- لإنّ الجهل عدميٌّ.
5- راجع المكاسب 4/198.
6- المكاسب 4/186 و 187.

توضيح نقد الشيخ على صاحب الجواهر

اعترض الشيخ الأعظم على صاحب الجواهر بالوجوه الأربعة:

«الأوّل: أنّ إستظهار مانعية العجز من كلمات الأصحاب ممنوع، لمنافاته لظهور بعضها وصريح الآخر، قال العلاّمةُ قدس سره : «الشرط الرابع - من شرائط العوضين - القدرة على التسليم، وهو إجماع في صحة البيع، ليخرج البيع عن أن يكون بيع غررٍ»(1). ومن المعلوم أنّ حمل شرطية القدرة على مانعية العجز تصرُّف في الدلالة بلا موجب»(2).

الثاني: تعريف المانع لا ينطبق على العجز لأنّ «المانع هو الأمر الوجودي المزاحِم لتأثير المقتضي في مقتضاه، كالرطوبة المانعة عن تأثير النار في المحترِق، والعجزُ أمر عدمي لا يصحّ إعتبار مانعيته عن البيع»(3).

الثالث: «لو سُلِّم إطلاق «المانع» على العجز - لعدم كونه من العدم المطلق، بل من المضاف الذي له حظٌ من الوجود - قلنا: إنّ الثمرة التي ذكرها الجواهر بين شرطية القدرة ومانعية العجز لا تترتب على النزاع المزبور، وذلك لأنّ الشك في القدرة والعجز إمّا مسبوق بالعلم بأحدهما، وإمّا غير مسبوق به.

فعلى الأوّل يستصحب ما كان سابقا. فإنْ كانت الحالة السابقة هي القدرة، فيستصحب القدرة أو عدم العجز. وإن كانت هي العجز فيستصحب العجز أو عدم القدرة.

ولا فرق بين الإستصحابين نتيجةً، إذ بناءً على شرطية القدرة أو مانعية العجز إن كانت الحالة السابقة المعلومة هي القدرة، فيستصحب القدرة أو عدم العجز. وإن كانت هي العجز فيستصحب العجز أو عدم القدرة. وعلى كلّ حال لا تبقى ثمرة للقول بشرطية القدرة ومانعية العجز.

ولا فرق في إنتفاء الثمرة - بين شرطية القدرة ومانعية العجز - بين أنحاء الشبهة من كونها موضوعية أو مفهومية أو حكمية.وبيانه: أن الشك تارةً في إنطباق المفهوم المبيّن على ما في الخارج، كما إذا علم

ص: 36


1- تذكرة الفقهاء 10/48.
2- هدى الطالب 7/632.
3- هدى الطالب 7/633.

بحدود مفهوم القدرة، وأنّه «ما لا يصل إلى حدٍّ الإستحالة العادية» ولكن شُكّ في خصوص المورد أنّه هل يكون محالاً عاديّا بالنسبة إليه أم لا.

وأُخرى في حدود المفهوم وسعته وضيقه، وأنّ القدرة تختص بغير الخارج عن الأسباب العادية أو تعمّ الخارج عن المتعسِّر وإن لم يصل إلى حدِّ المحال العادي.

وثالثةً يشكّ فيما خرج عن حيِّز عمومات الصحة، من أنّه العجز المستمر أو خصوص العجز حين العقد»(1).

ثمّ في الشبهة الموضوعية: «يعني - بعد الإحاطة بمفهوم القدرة والعجز، وأنّه تعذر التسليم مثلاً لا تعسُّره - لو شك في تحققها، فتارةً تكون الحالة السابقة محرزَة، وهي إمّا

القدرة فتستصحب، ويصحّ البيع، وإما العجز فيستصحب ويُحكم بالفساد. وأُخرى لا تكون مُحرزة، ولم يتعرض الشيخ الأعظم قدس سره لحكمها، [وهو] تترتب الثمرة على القولين فيما إذا لم تعلم الحالة السابقة. فعلى القول بالشرطية لا يصح البيع، لعدم إحراز الشرط بوجه. وعلى القول بالمانعية يصح البيع، لأنّ المقتضي لصحة البيع موجود والمانع غير محرز، وعدم إحرازه كاف في ترتب الأثر على المقتضي، لا أنّه يُحرز عدم المانع بالأصل حتّى يستشكل فيه بتساوي الأصل بالنسبة إلى القدرة والعجز.

وإن كان فيه ما لا يخفى، لعدم ترتب الأثر بالفرض على القدرة حتّى يجري الأصل في عدمها.

لكن ما ذكرناه من كفاية عدم إحراز المانع مبني على حجية قاعدة المقتضي والمانع كما لا يخفى. ولمّا لم تكن القاعدة معتبرةً عند الشيخ الأعظم فلابدّ من التمسك للفساد فيما لم تعلم الحالة السابقة بأصالة الفساد، للشك في كون الخارج هل هو هذا أم غيره؟ فلا يمكن التمسك بعمومات الصحة»(2).

وفي الشبهة الحكمية: مثلاً لو «علمنا بتخصيص عمومات الصحة بمثل النية عن بيع الغرر، وأنّ القدرة على التسليم شرط في الجملة أو أنّ العجز مانع كذلك، ولكن لم نعلم بأنّ

ص: 37


1- هدى الطالب 7/634.
2- هدى الطالب 7/635.

المانع هو العجز المستمر في مدّةٍ طويلة، أم هو العجز في الجملة أي في مدّة قصيرة بعد العقد.

والمرجع في غير القدر المتيقن من المخصِّص عن عمومات الإمضاء، فيحكم بالصحة لو كان العجز في فترةً قصيرة وأمكن التسليم بعدها»(1).

وفي الشبهة المفهومية: نحو لو «عُلم دخل القدرة أو عدم العجز، ولكن شك في أنّ القدرة المعتبرة هي ما تقابل تعذر التسليم عرفا، أم تعم ما يقابل التعسُّر كذلك، بحيث لو

كان في التسليم مشقةً صدَقَ عليه العجز أو عدم القدرة.

والشبهة المفهومية كالحكمية من مرجعية عمومات الصحة في غير القدر المتيقن»(2).

الرابع: «إنّ اختلافهم في بيع الضال لا يشهد بكون العجز مانعا، فالقائل بالبطلان تمسّك بالنهي عن الغرر، والقائل بالصحة مَنعَ الغرر، مدّعيا: أنّ المبيع قبل قبضه يكون في

ضمان البائع لا المشتري، فلو تعذَّرَ تسليمه بَطَل البيع من زمان ظهور العجز، لا من حين

العقد. ومن المعلوم أنّ مقتضى مانعية العجز الواقعي بطلانُ البيع من أوّل الأمر»(3).

نقد الشيخ الأعظم قدس سره في الميزان

يرد على نقده الأوّل: من تسالم الفقهاء على كون القدرة شرطا.

«ففيه: أنّه مضافا إلى عدم كون كلامهم حجّة أنّهم لا يذكرون هذه الكلمات إلاّ من باب التعبير من دون ملاحظة المعاني المصطلحة للشرط والمانع أصلاً وإنّما يريدون بهما مجرد دخل الشيء في الحكم بل يعبّرون بمثل هذه الكلمات في موارد عديدة من غير تحقيق وتفكّر في أطرافها، فلابدّ من النظر إلى دليل المسألة، والمستفاد من النبوي الذي نهى النبي فيه عن بيع الغرر على فرض تماميته كون العجز مانعا، فإنّ النهي فيه إرشاد إلى

ص: 38


1- هدى الطالب 7/636.
2- هدى الطالب 7/636.
3- هدى الطالب 7/639.

المانعية وقد أُخرج البيع الغرري عن تحت عمومات الباب بالتخصيص»(1).

وهذا الإيراد يرد على صاحب الجواهر أيضا حيث استظهر من عبارة الغنية وغيرها مانعية العجز.

ويرد على نقده الثاني: «المانع في المعاملات المانع في المعاملات والعبادات غير المانع المعدّ عدمه من أجزاء العلّة التامّة، حيث إن المانع المزبور لا يمكن كونه أمرا

عدميا؛ لأنّ العدم لا يمنع عن تأثير شيء، بل المراد به ما يكون عدمه مأخوذا في متعلق الحكم أو موضوعه وضعيا كان أو تكليفيّا، وتقييد المتعلق أو الموضوع في جعل الحكم [بأمر عدمي] كتقييدهما بأمر وجودي أمر ممكن.

وبتعبير آخر: لو كان التقييد بأمر وجودي فيطلق على ذلك الأمر الوجودي الشرط، ولو كان بأمر عدميٍّ يطلق على ذلك الأمر العدمي المانع، فالمانعيّة ترجع إلى الاشتراط لا محالة.

وبهذا يظهر أنّ ما ذكر من أنّ الالتزام برجوع المانع في حقيقته إلى الاشتراط فرار من المطر إلى الميزاب؛ لأن العدم إذا لم يمكن كونه مانعا فكيف يمكن كونه شرطا، حيث إنّ الشرط ما يكون واسطة في التأثير.

[و] لا يخفى ما فيه من خلطه بين الشرط الفلسفي والشرط باصطلاح الفقيه»(2) هذا أوّلاً.

ثانيا: لو تمت مقالة الشيخ الأعظم من عدم صحة اطلاق المانع على أمر عدمي إنّما تتم «في ما إذا كان التقابل بين الشيئين تقابل الايجاب والسلب لا في مثل الموارد التي يكون التقابل بالعدم والملكة، بداهة أنّه لا مانع من أن يكون المانع في هذه الموارد أمرا

عدميا، وضروري أنّه لا نعني بالمانع في هذه الموارد إلاّ أن يكون عدمه مأخوذا في الموضوع، والمقام أيضا كذلك حيث إنّه يعتبر في صحّة البيع أنْ لا يكون غرريا وغير

ص: 39


1- التنقيح في شرح المكاسب 2/331.
2- ارشاد الطالب 5/66.

مقدور على تسليم المبيع فيه، وليس المقام إلاّ مثل قولنا إنّ العمى مانع عن صحّة الجماعة ويعتبر أن لا يكون الإمام أعمى، ومن هنا يظهر أنّ ما قد يتراءى من كلام بعض من عدم إمكان تأثير المعدوم في الموجود ليس كما ينبغي، لأنّ مرادنا بالمانع ليس هو معناه المصطلح بل المراد منه كما ذكرنا ما يكون عدمه مأخوذا في موضوع الحكم»(1).

وأمّا نقده الثالث: من نفي وجود الثمرة في نزاع شرطية القدرة ومانعية العجز: «فهو تامّ لكن لا لما ذكره من الرجوع إلى الاستصحاب على كلا الفرضين لأنّا نفرض الكلام فيما إذا كان الشخص جاهلاً بالحالة السابقة أو مسبوقا بحالتين وشكّ في التقدّم والتأخّر، بل الوجه في إنكار الثمرة أنّه كما لابدّ من إحراز الشرط لابدّ من إحراز عدم

المانع أيضا، فلا ثمرة بين القولين إلاّ على القول بقاعدة المقتضي والمانع بأن يقال إنّ العقد مقتضي الصحّة وعدم القدرة مانع فالأصل عدمه، ولكنّه قد ذكرنا في موطنه أنّه لا أصل لهذه القاعدة، بل يمكن أن يقال إنّه لا شكّ لنا أصلاً بناءً على ما ذكره شيخنا الأنصاري

قدس سره في معنى الغرر من احتمال الخطر، بداهة أنّا في موارد الشكّ نحتمل الخطر فالمانع محرز فلا يصحّ العقد.

وبالجملة: أنّ الثمرة المذكورة بين القولين مردودة لأنّه كما يعتبر إحراز الشرط يعتبر إحراز عدم المانع أيضا. وبعبارة أُخرى أنّ المناط في القدرة والعجز ليس وجودهما الواقعي بل وجودهما الاحرازي، فلابدّ من إحرازهما سواء قلنا بكون القدرة شرطا أو العجز وعدم القدرة مانعا، فعليه إذا كان عدم القدرة مسبوقا بالحالة السابقة نستصحب ونحرز عدمها ونحكم ببطلان العقد، ولكن هذا مبني على ما ذهب إليه الشيخ قدس سره وقوّاه الميرزا [النائيني] قدس سره واخترناه من أنّه لا يعتبر في جريان الاستصحاب أن يكون المستصحب حكما شرعيا أو موضوعا لحكم شرعي، بل المعتبر في جريانه عدم اللغوية من جريانه، خلافا لصاحب الكفاية حيث اعتبر في جريانه أنْ يكون حكما شرعيا أو موضوعا لحكم شرعي، بداهة أنّه بناءً على ما ذهب إليه لا يجري الاستصحاب المذكور

ص: 40


1- التنقيح في شرح المكاسب 2/331.

لعدم كون القدرة وعدمها الواقعي حكما ولا موضوعا لحكم شرعي، لعدم ترتّب الأثر على وجودها الواقعي بل على وجودها الاحرازي»(1).

وأمّا نقده الرابع: فتام لم يرد عليه شيءٌ.

التنبيه الثاني: زمان اعتبار القدرة على التسليم

قال الشيخ الأعظم: «ثمّ إنّ العبرة في الشرط المذكور إنّما هو في زمان استحقاق التسليم، فلا ينفع وجودها حال العقد إذا علم بعدمها حال استحقاق التسليم؛ كما لا يقدح عدمها قبل الاستحقاق ولو حين العقد»(2).

«أقول: إنّ معرفة الحكم في هذا المقام، يتوقّف على استعراض أدلّة الاعتبار، ومدى دلالتها، وهي:

1- إذا كان المستند قوله: «نهى النبيّ صلى الله عليه و آله عن بيع الغرر» دلّ على مانعيّة الخطر، وأنّه تمام المناط في المانعيّة، فيجب انتفاء الخطر حين التسليم، لئلاّ تكون المعاملة غرريّة وإن كان قادرا حين البيع.

2- إذا كان المستند آية وجوب الوفاء، فهي تدلّ على مفروضيّة وجود القدرة وتحقّقها عند توجّه الخطاب بالوفاء إلى المكلّف في ظرف التسليم. فالآية دالّة على اعتبار القدرة حين التسليم.

3- إذا كان المستند دعوى المحقّق الحائري، من أنّه مع عدمه لا يتحقّق الالتزام البيعي، فهي تدلّ على اعتبار وجدان القدرة وتحقّقها حين التسليم.

4- إذا كان المستند دعوى سفهيّة المعاملة مع عدم القدرة، وأنّ عقلائيّة المعاملة متوقّفة على تحقّق القدرة واشتراط وجودها، فهي تدلّ على اعتبارها حين التسليم.

5- وأخيرا لو كان المستند قوله عليه السلام: «لا تبع ما ليس عندك» بتوجيه أنّه لا تبع ما لا تقدر عليه بالفعل، يكون ظهور هذا النصّ دالاًّ على اعتبار الوجدان حين البيع، وعدم

ص: 41


1- التنقيح في شرح المكاسب 2/331.
2- المكاسب 4/187.

جواز بيع ما لم يكن موجودا.

كما أنّه من خلال إطلاقه يستفاد اعتبار القدرة حين البيع بالخصوص، وأمّا اعتبارها في غير الظرف المذكور بحاجة إلى بيان زائدٍ، كأن يقول: «لا تبع ما ليس عندك عقد التسليم» وهو منفيٌّ بظهور الدليل، لصدق الخبر على من باع ما ليس عنده وإن أصبح قادرا حين التسليم.

لكن لا يخفى أنّ الظهور المذكور بدويّ غير مستقرّ، يزول بملاحظة القرائن الحالية والمقاميّة، وينصرف من ظهوره في القدرة حين البيع إلى القدرة حين التسليم، والقرينة الصارفة في المقام إمضائيّة الأوامر الشرعيّة في باب المعاملات، ممّا يقتضي ملاحظة حال العقلاء في معاملاتهم السوقيّة المتعارفة، وهو مبنيّ على اعتبار القدرة حين التسليم لا حين البيع.

وبعبارة اُخرى: أنّ الأصل الأوّلي في التشريعات الشرعيّة العباديّة هو التأسيس، وفي التشريعات الشرعيّة المعامليّة هو إمضاء ما هو معتبر عند العقلاء في تعاملهم السوقي، ولذلك لابدّ من اعتبار المرتكزات العقلائيّة من القرائن التي تحفّ بالاعتبار الشرعي، ومن موجبات انصراف ظهوره، وقد ثبت في مقامه أنّه لا مجال لتحقّق ظهور الكلام الصادر من المتكلّم إلاّ عند خلوّه عن القرائن الصارفة، لأنّ وجودها واحتفاف الكلام بها توجب الانصراف، كما فيما نحن فيه، فإنّ المرتكز عند العقلاء اعتبار القدرة وشرطيّتها حين التسليم لا حين إنشاء العقد، ومثل هذا الارتكاز يوجب انصراف الدليل عن ظهوره البدوي في شرطيّة القدرة حين البيع، إلى اشتراطها لحين التسليم.

خلاصة الكلام: ثبت من خلال ما ذكرنا أنّه على جميع المباني يكون المدار ضرورة وجود القدرة عند التسليم، لا حين إنشاء العقد، فتصحّ معاملة القادر لاحقا وإن كان عاجزا حين إنشاءها، وتبطل المعاملة في عكس هذه الصورة»(1).

ص: 42


1- العقد النضيد 5/226-224.
التنبيه الثالث: المستثنى من اشتراط القدرة على التسليم
أ: إذا كانت العين في يد المشتري

قال الشيخ الأعظم: «عدم اعتبارها أصلاً إذا كانت العين في يد المشتري»(1).

لأنّ مع فرض وجود المبيع عند المشتري يعدّ اشتراط تحصيل القدرة تحصيلاً للحاصل، ولم يكن في البين غررية وخطرية للمشتري لأنّ المبيع في يده قبل عقد البيع.

ب: في ما لم يعتبر فيه التسليم

قال الشيخ الأعظم: «وفيما لم يعتبر التسليم فيه رأسا، كما إذا اشترى من ينعتق عليه، فإنّه ينعتق بمجرد الشراء ولا سبيل لأحدٍ عليه»(2).

عدم اعتبار القدرة على التسليم في هذا الفرع لأنّها فرع تحقق ملكية المشتري وحيث لم يتحقق له الملكية لأنّ المفروض الانعتاق بمجرد الشراء فلا يجب التسليم إليه فيسقط الاشتراط.

اعتراض المحقّق الخراسانى على الشيخ الأعظم وجوابه

قال المحقّق الخراساني

رحمه الله: «ربّما يشكل بانّ انعتاق المبيع على المشتري الموجب لعدم استحقاقه التّسليم، من أحكام البيع وآثاره، ولا يكاد يترتّب عليه آثاره إلاّ

إذا كان واجدا لشرائط الصّحة، ومنها القدرة على التّسليم، فكيف يسقط ما يعتبر في صحّته بما يترتّب عليها من الآثار؟ اللهم إلاّ أن يقال: بأنّ دليل الاعتبار ما دلّ إلاّ على اعتباره في غير مثل هذا البيع، فافهم»(3).

ولكن يمكن أن يدافع عن الشيخ الأعظم: إنّ دعوى المحقّق الخراساني رحمه الله أخيرا باختصاص «أدلّة اشتراط القدرة بغير بيع من ينعتق عليه، دعوى لم يقم عليهادليلٌ، فإنّ الأدلّة النافية عن البيع الغرري وما ليس عند البائع، مطلقةٌ وتفيد وجوب

ص: 43


1- المكاسب 4/187.
2- المكاسب 4/118.
3- حاشية المكاسب /124.

اتّصاف البيع بعدمهما على نحو القضيّة الحقيقيّة، ومن صغرياتها بيع العمودين، فلابدّ أن يكون مثل هذا البيع متحلّيا بالشروط ومنها اشتراط القدرة، فالانعتاق فرعٌ على الصحّة، وهي متفرّعة على القدرة، وهكذا يعود الإشكال، فيعدّ دعواه كرٌّ على ما فرَّ منه.

ولعلّ قوله «اللّهمَّ إلاّ أن يُقال» و «فافهم» إشارة إلى ضعف الجواب.

[أو] لعلّ مراد الشيخ رحمه الله من اختصاص اشتراط القدرة بغير بيع من ينعتق عليه،

ليس من جهة انصراف أدلّة اشتراط القدرة عن هذا البيع، حتّى يورد عليه بأنّ إطلاقها ينفي الإنصراف، بل يقصد أنّ القدرة يعدّ شرطا فيما لو تحقّق موضوع التسليم والتسلّم، وأمّا مع انتفاء الموضوع - كما في موارد الانعتاق القهري - فإنّه لا مجال لتحقّق موضوع التسليم ليترتّب عليه لزوم وجود القدرة، فلا معنى لشرطيّة القدرة.

وقوله أخيرا: «فافهم» لعلّه إشارة إلى هذا التوجيه لا إلى ضعف الجواب»(1).

ج: إذا لم يستحق التسليم مجرد العقد

«وهو متحقّق في موردين:

1- فيما لو اشترط تأخير التسليم لفترة زمنيّة معيّنة، حيث يقتضي دليل (المؤمنون عند شروطهم) عدم فوريّة التسليم، وبذلك يسقط اشتراط القدرة.

2- فيما لو كان العقد متزلزلاً، كما لو باع فضولةً، فإنّ صحّة مثل هذا البيع غير منوطة بالقدرة على التسليم إلاّ بعد إجازة المالك.

لكن ناقش الشيخ في صحّة هذه الأخيرة بقوله: «لكن يشكل على الكشف، من حيث إنّه لازم من طرف الأصيل»(2).

بيان ذلك: أنّ عدم إناطة صحّة مثل هذا البيع بالقدرة الفعليّة، ثابتٌ فيما لو كانت المعاملة فضوليّة من الطرفين، أمّا إذا كان أحد الطرفين أصيلاً، فإنّه يصعب الحكم المذكور بناءً على الكشف؛ لأنّ الأصيل من حين تحقّق العقد مأمورٌ بالوفاء، حيث تحصل له

ص: 44


1- العقد النضيد 5/231 و 232.
2- المكاسب 4/188.

الملكيّة من حين العقد بالإجازة المتأخّرة، فلابدّ أن يكون طرفه قادرا على التسليم، ومع فقدها يعدّ الأصيل مغرورا، فيتحقّق الغرر بالنسبة إليه إذا انتقل إليه ما لا يقدر على تحصيله»(1).

اعتراض المحقّق النائيني على الشيخ الأعظم

قال النائيني: «ولا يخفى ما في كلامه قدس سره من أوّله إلى آخرهُ.

أمّا أصل التمثيل بعدم استحقاق التسليم قبل الإجازة في الفضولي.

ففيه: أنّ المخاطب بأوفوا هو المالك لا البائع الفضولي فإنّه أجنبي عنه مطلقا سواء باع عن المالك فضولاً أو باع عن نفسه كما في الغاصب، أمّا في الأوّل فواضح وأما في الثاني فكذلك فإنّ البيع الصادر عنه يصح عنه بما هو مالك ادعائي لا بما هو غاصب فالمخاطب بالوفاء فيه هو المالك بعد إجازته فقبل الإجازة لا بيع من المالك حتّى يتحقق فيه استحقاق التسليم أو لايتحقّق، وبعد إجازته يتحقّق الاستحقاق. فجعل الفضولي مثالاً لما لا يستحق التسليم بمجرد العقد باطل لا وجه له أصلاً.

وأمّا ما أفاده من الإشكال ففيه:

أوّلاً: إنّ لزوم العقد من طرف الأصيل ليس مبنيا على الكشف لكى يبتني الإشكال عليه، بل العقد لازم من طرفه حتّى على النقل، وقد تقدم في الفضولي فساد جعل اللزوم على الأصيل من ثمرات القول بالكشف واثبتنا القول بلزومه عليه مطلقا سواء قلنا بالكشف أو بالنقل.

وثانيا: أن مقتضي اللزوم على الأصيل ليس هو ترتيب جميع الآثار من حين العقد قبل الإجازة حتّى صحة التصرف فيما انتقل عنه قبل الإجازة بل اللازم من اللزوم عليه هو عدم صحة نقل ما انتقل عنه قبل الإجازة حتّى يجيز المالك أو يرد فليس حصول المنتقل إليه لديه ممّا يترتب على لزوم العقد عليه حتّى يثبت منه الغرر.

واماما افاده من الاعتراف بحسن التمثيل فيما إذا كان الفضولي من الطرفين.

ص: 45


1- العقد النضيد 5/228.

ففيه: ان صرف كون الفضولي من الطرفين غير مفيد في نفي الإشكال وذلك لامكان تقدم الإجازة من احدهما فيصير حاله كحال الأصيل (نعم) هو حسن فيما إذا كان الفضولي من الجانبين مع تقارن اجازتهما كما لا يخفى»(1).

د: بيع العين المرهونة قبل إجازة المرتهن أو فكّه

«وممّا لا يستحق التسليم هو ما إذا لم يكن العقد تاما في التأثير بل توقف على وجود أمر مثل إجازة المرتهن أو فكه في بيع الرهن فإنّه قبل الإجازة أو الفك لا يكون زمان استحقاق التسليم لأجل عدم تمامية العقد وتوقف تأثيره على سقوط حقّ المرتهن بالإجازة أو الفك حسبما تقدم الكلام فيه مستوفى، فالتعذر الحاصل قبل سقوط حقّ المرتهن غير قادح في صحة العقد على حسب ما تبين»(2).

ه: عدم تسليم الثمن في بيع السَلَم أو التقابض في بيع الصرف

وممّا لا يستحق التسليم عدم قبض الثمن في مجلس العقد في بيع السلم أو عدم تقابض طرفي المعاملة في المجلس في بيع الصرف «فإنّ تعذر التسليم قبل التفرق غير قادح لان الاستحقاق انما يثبت بالقبض في المجلس فلو حصل الافتراق قبل القبض يكون البيع باطلاً لاجل عدم تمامية سببه لا لاجل تعذر التسليم كما انه لا يضر بالصحة تعذر التسليم مادام بقاء المجلس وعدم حصول الافتراق»(3).

مختار الشيخ الأعظم في الموردين الأخيرين

اختار الشيخ الأعظم «عدم اشتراط القدرة على التسليم في هذه الموارد وعدم كون التعذّر مانعا عن صحّة العقد، لأنّ تعذّر التسليم مانع عن صحّة العقد الذي يكون التسليم من أحكامه لا من شروط تأثيره ومقوّماته، بداهة كون التسليم والقبض في هذهالموارد جزء ناقل، والاعتبار بالقدرة إنّما هو بعد تمامية العقد، والمفروض أنّ العقد قبل

ص: 46


1- المكاسب والبيع 2/486 و 487.
2- المكاسب والبيع 2/487.
3- المكاسب والبيع 2/487.

التسليم في هذه الموارد لم يتم، وليس المقام إلاّ مثل موارد عجز الموجب قبل القبول فكما أنّ عجزه قبل القبول لا يمنع عن صحّة العقد إذا كان قادرا بعد القبول، فالمقام أيضا كذلك يعني لا يمنع عجز المالك عن التسليم لعدم تمامية العقد قبل التسليم، والمفروض أنّ المبيع بعد تحقّق الجزء الأخير من الناقل وهو في هذه الموارد عبارة عن القبض حاصل في يد المشتري، فالقبض ليس إلاّ مثل الإجازة بناءً على النقل، وأولى منها بناءً على الكشف لأنّه لا يحتمل أن يكون القبض كاشفا بل هو ناقل من حينه، هذا حاصل مرامه قدس سره ورفع في الخلد مقامه»(1).

اعتراض النائيني على الشيخ الأعظم

اعترض المحقّق النائيني على الشيخ الأعظم في الثلاثة الأخيرة - وهى الرهن والسلم والصرف - وقال: «وعلى أيّ حالٍ لا فرق بين عقد الصرف والسلم والرهن وسائر العقود، فإذا كان العجز عن التسليم مانعا عن تأثير العقد أو موجبا للخيار فكذلك في باب

الصرف والسلم والرهن؛ لأنّ القبض وإن كان شرطا في هذه العقود الثلاثة دون غيرها إلاّ أنّه ليس جزءا للسبب الناقل، وليس حكمه حكم القبول، وإنما هو شرط للملكيّة في باب الصرف والسلم.

وأمّا الإلزام والالتزام العقديّ فقد تحقّق بنفس العقد، ولذا اختار المشهور وجوب التقابض كما سيجيء في خيار المجلس.

ويدلّ عليه قوله عليه السلام: «فإن نَزا حائطا فانز معه»(2) الوارد فيمن تفرّق بدون رضا صاحبه، فإذا كان العقد تامّا تكون القدرة على التسليم شرطا في الصرف ونحوه، فلو تعذّر يفسد العقد كما في سائر العقود.

نعم، لو كان القبض جزءا للعقد كما هو المحتمل في عقد الرهن، فحيث لا عقد إذ لا

ص: 47


1- التنقيح في شرح المكاسب 2/338.
2- تهذيب الأحكام 7/99، ح427، ونقل عنه في وسائل الشيعة 18/169، ح8، الباب 2 من أبواب الصرف، صحيحة منصور بن حازم.

قبض فالعجز عن التسليم لا أثر له؛ لأنّه بعد حصول التسليم لا موضوع لوجوبه، وقبله لا عقد إلاّ على ما احتمله المصنّف قدس سره: من صدق الغرر عرفا وإن لم يصدق بالدقّة العقليّة.

ولكنّه [الشيخ الأعظم] قدس سره استشكل فيه بأنّ صدق الغرر عليه إنّما هو بالنظر البدويّ، والعرف بعد الاطّلاع على الحكم الشرعيّ - وهو أنّ أثر المعاملة لا يتحقّق إلاّ بعد التسليم - لا يحكمون بأنّه غرري. ثمّ أمر بالتأمّل، ووجهه: أنّ الحكم الشرعيّ بلزوم القبض لا يرفع الغرر مع العجز عن تسليم الثمن في بيع السلم»(1).

أقول: ولكن يمكن أن يناقش عليه: من عدم تمامية ما ذهب إليه من اعتبار القدرة على التسليم وفساد العقد عند عدم القدرة عليه، لأنّ الدليل على اعتبار القدرة لو كان نهي النبي صلى الله عليه و آله عن بيع الغرر فهو مفقود في المقام لأنّ الأمر دائر بين الصحة والفساد والوجه في ذلك لو حصل القبض فقد صح العقد وإلاّ يقع فاسدا ويبقى مال كلّ مالك في ملكه فلا غرر.

ولو كان الدليل على اعتبار القدرة قوله صلى الله عليه و آله: «لا تبع ما ليس عندك». لا يتم في المقام لأنّ اعتبار القدرة من باب المقدمة على التسليم فلا تكون معتبرة إلاّ إذا كان البائع

مأمورا بالتسليم والمفروض عدم كونه قبل القبض لعدم تمامية العقد وبعد القبض لتحقق التسليم»(2).

وبالجملة اعتبار القدرة على التسليم في موارد يكون من أحكام صحة العقد لا من مقوّماته فافهم.

التنبيه الرابع: إذا كان المشتري قادرا على التسلّم

«لا إشكال في صحّة البيع فيما إذا لم يكن البائع قادرا على التسليم ولكنّه كان المشتري قادرا على التسلّم، لعدم الغرر كما هو الظاهر وعدم كونه مشمولاً لقوله صلى الله عليه و آله وسلم «لا تبع ما ليس عندك» لما ذكرناه من أنّ اعتبار القدرة على التسليم ليس إلاّ من جهة حصول

ص: 48


1- منية الطالب 2/353.
2- راجع التنقيح في شرح المكاسب 2/339.

الشيء عند المشتري والمفروض تحقّقه عنده»(1).

التنبيه الخامس: إذا علمنا بحصول النتيجة

«إذا لم يكن كلّ من البائع والمشتري قادرا على التسلّم والتسليم ولكنّه علما بحصول النتيجة كما إذا باع أحد طيرا وقد طار ولكنّه كان من الطيور التي تعتاد العود، فالظاهر صحّته كما عليه الشيخ(2) وجماعة(3) قدس سرهم .

والإشكال(4) بأنّه لا قدرة على التسليم وأنّ عود الطائر غير موثّر فيه إذ ليس له عقل باعث في غير محلّه لأنّ المانع عن صحّته إمّا لزوم الغرر المفروض انتفاؤه لأنّ المفروض علمنا بالعود وليس المورد أيضا مشمولاً لقوله صلى الله عليه و آله وسلم «لا تبع ما ليس عندك» لما ذكرناه من عدم الموضوعية للقدرة وإنّما اعتبرناها من باب المقدّمة على التسليم والتسلّم ولأجل حصول الشيء عند المشتري والمفروض أنّه سيحصل كما هو مورد الكلام»(5).

التنبيه السادس: إذا لم يكونا قادرا على التسليم والتسلّم

قال السيّد العاملي: «وأمّا إذا اشترى ما يتعذّر تسليمه إلاّ بعد مدّة فالأقرب الجواز كما في التحرير(6) والمسالك(7) والمفاتيح(8) والكفاية(9) فإن لم يعلم المشتري كان له

ص: 49


1- التنقيح في شرح المكاسب 2/341.
2- المكاسب 4/191.
3- كأصحاب الشرائع 2/11، والقواعد 2/22، والإرشاد 1/361، وفي التذكرة 10/51، أنه أقوى، والدروس 3/199، واللمعة /111، وجامع المقاصد 4/92، والروضة 3/249، ومجمع الفائدة 8/174، والمفاتيح 3/51، والكفاية 1/454.
4- المستشكل هو العلاّمة في نهاية الإحكام 2/481، وفي المسالك 3/173 أنّه قولٌ موجّه. وفي مجمع البرهان 8/174 أنّه لا يخلو من بعد.
5- التنقيح في شرح المكاسب 2/341.
6- تحرير الأحكام: في عقد البيع وشروطه 2/282.
7- مسالك الأفهام: في شروط المبيع 3/174.
8- مفاتيح الشرائع: في اشتراط القدرة على الإقباض في العوضين 3/58.
9- كفاية الأحكام: في شروط العوضين 1/454.

الخيار وإلاّ فلا، لكن عبارة التحرير ليست نصّة في ذلك، قال: ويتخيّر المشتري، ولعلّه أراد إذا لم يعلم. وفي الشرائع(1) لو باع ما يتعذّر تسليمه إلاّ بعد مدّة فيه تردّد، ولو قيل بالجواز مع ثبوت الخيار للمشتري كان قويّا. والتردّد ينشأ من العجز الحالي وإمكان التسليم في الجملة غايته مع نقص وصف وهو فوات المنفعة قبل الامكان»(2).

وقال السيّد الخوئي: «إذا لم يكن البائع ولا المشتري قادرا على التسليم والتسلّم مدّة لا يتسامح فيها عرفا كسنة أو شهر أو شهرين ففي هذا المقام تكون المدّة تارة مضبوطة واُخرى غير مقدّرة بقدر بل كانت مجهولة، ففي الصورة الاُولى يكون المشتري تارة عالما بذلك واُخرى يكون جاهلاً به، وقد حكم الشيخ(3) قدس سره بصحّة العقد في صورة العلم بلا خيار وفي صورة الجهل مع الخيار لأجل فوات منفعة الملك عليه مدّة.

ولا يخفى أنّ ما ذكره قدس سره من صحّة العقد بلا خيار في صورة العلم متين لكون المقام بمنزلة اشتراط التأخير في التسليم، يعني مرجع هذه الصورة إلى تلك الصورة أي صورة اشتراط تأخير التسليم، إلاّ أنّ ما ذكره في صورة جهل المشتري بالحال من صحّة البيع مع

الخيار لا وجه له، بل البيع باطل لكونه غرريا، بداهة أنّ الغرر ليس إلاّ عبارة عن احتمال الخطر وهو موجود، وأيضا يكون هذا المورد مشمولاً لقوله صلى الله عليه و آله وسلم «لا تبع» الخ بداهة أنّ البائع ليس له سلطنة حين العقد عليه كما هو واضح، وأمّا فيما إذا لم تكن المدّة مضبوطة كالعبد المنفذ إلى الهند لأجل حاجة لا يعلم زمان قضائها فالظاهر بطلانه، لوجود الغرر وصدق قوله صلى الله عليه و آله وسلم «لا تبع ما ليس عندك» كما هو غير خفي. ومثل ذلك في عدم جوازالبيع الدار التي تكون مسلوبة المنفعة مدّة لا يعلم أمدها»(4).

ص: 50


1- شرائع الإسلام: فيما يتعلّق بالمبيع 2/11.
2- مفتاح الكرامة 13/162.
3- المكاسب 4/192.
4- التنقيح في شرح المكاسب 2/341.

أقول: نحن مع الأعلام الماضية والشيخ الأعظم - رحمهم اللّه - من الحكم بالخيار

في فرض الجهل - الصورة الأولى وهي ضبط المدّة - لدفع الغرر به واللّه العالم.

وأمّا في الصورة الثانية: وهي عدم تقدير المدّة ومجهوليتها قد أشكل الشيخ الأعظم في صحة هذا البيع وقال: «ولو كان مدّة التعذّر غير مضبوطة عادةً - كالعبد المُنَّفَذ إلى [ال-]هند لحاجةٍ(1) لا يعلم زمان قضائها - ففي الصحّة إشكالٌ: من حكمهم بعدم جواز بيع مسكن المطلّقة المعتدّة بالأقراء؛ لجهالة وقت تسليم العين. وقد تقدّم بعض الكلام فيه

في بيع الواقف للوقف المنقطع(2)»(3).

أقول: لم يذكر الشيخ الأعظم وجه الصحة في الصورة الثانية ولكن يمكن أن يوجه بمقال صاحب الجواهر رحمه الله حيث يقول: «الثالثة: بيع العين المقدور تسليمها بعد مدّة غير مضبوطة في العقد، فإن كانت مقدّرة في العادة فالبيع صحيح؛ لأنّ العادة بمنزلة الشرط المذكور في العقد.

بل الظاهر الجواز في غير المقدّرة عادةً أيضا؛ للعموم المؤيّد بإطلاق الفتوى، فإنّهم لم يشترطوا في بيع ما يتعذّر تسليمه في الحال انضباط المدّة التي يمكن التسليم بعدها بحسب العادة، كما لم يشترطوا تعيّنها في أصل البيع.

وكلامهم في جواز بيع الغائب والوديعة والعارية والمغصوب والآبق والسمك كالنصّ في ذلك؛ ضرورة عدم انضباط المدّة في ذلك واختلافها زيادةً ونقصا اختلافا فاحشا، ولا غرر في ذلك بعد إمكان التسليم.

وفوات المنفعة مدّة التعذّر ليس من الغرر في المبيع، وإنّما هو غرر في غيره، إلاّ أنّه أقدم عليه مع العلم، وجبر بالخيار مع الجهل، فلا غرر حينئذٍ ولا ضرر.

واشتراط ضبط الأجل في المؤجّل إنّما هو لكون الأجل فيه مقصودا فوجب ضبطه، بخلاف غيره ممّا لم يقصد فيه الأجل، فلم يعتبر فيه الضبط.

ص: 51


1- كذا في نسخة، وفي سائر النسخ: لأجل حاجة.
2- راجع المكاسب 4/102. هذا ولم يذكر وجه الصحة.
3- المكاسب 4/193.

وما يقال(1): من أنّه إذا لم يعيّن الأجل في العقد ولم يكن مقصودا امتنع ثبوت الخيار في وقت؛ لاحتمال التمكّن فيما بعده.

يدفعه ما قيل(2): من أنّ الخيار ثابت عند اليأس من حصوله، وهو معلوم بالعادة»(3).

ولكن مع ذلك حكم صاحب الجواهر رحمه الله في كتاب الطلاق(4) ببطلان بيع مسكن المعتدة بالأقراء كما نقل صاحب الإيضاح(5) منعهم ذلك لجهالة مدّة العدّة مع عدم كثرة التفاوت.

وظهر ممّا ذكرنا في وجه الصحة أنّ الحكم بالصحة في فرض عدم تقدير المدّة ومجهوليتها أولى خلافا للشيخ الأعظم(6) والسيّد المحقّق الخوئي(7) وشيخنا الأستاذ(8) - رحمهم اللّه - ، تبعا لصاحب الجواهر رحمه الله كما كان الأمر في المدّة المضبوطة فحينئذ لا وجه للحكم ببطلان بيع مسكن المعتدة بالأقراء لأنّ جهالة المدّة لا يضرّ مع العلم بها ومع

الجهل يثبت للمشترى خيار الفسخ كما في الصورة الأولى. واللّه العالم. والحمدللّه.

التنبيه السابع: الشرط هل هي القدرة المعلومة أو الواقعية؟
اشارة

قال الشيخ الأعظم رحمه الله: «ثمّ إنّ الشرط هي القدرة المعلومة للمتبايعين لأنّ الغرر لا

ص: 52


1- ورد بصيغة: «إن قلت... قلت» في المصابيح في الفقه للطباطبائي: البيع / المصباح: قال المحقّق في الشرائع ولو باع... ورقة 241 (مخطوط).
2- ورد بصيغة: «إن قلت... قلت» في المصابيح في الفقه للطباطبائي: البيع / المصباح: قال المحقّق في الشرائع ولو باع... ورقة 241 (مخطوط).
3- الجواهر 23/650 و 651 22/404.
4- الجواهر 33/575 32/345.
5- إيضاح الفوائد 2/409.
6- المكاسب 4/193.
7- التنقيح في شرح المكاسب 2/342.
8- إرشاد الطالب 5/77.

يندفع بمجرد القدرة الواقعية...»(1).

ثمّ قال: «ولو باع ما يعتقد التمكّن فتبيّن عجزه في زمان البيع وتجدّدها بعد ذلك، صحّ، ولو لم يتجدّد بطل. والمعتبر هو الوثوق، فلا يكفي مطلق الظنّ ولا يعتبر اليقين»(2).

أقول: تعريف شرطية القدرة على التسليم بالقدرة المعلومة لا الواقعية قلّما يوجد في كلمات القوم والموجود فيها شرطية القدرة على التسليم وبعضهم يعتبرون العجر عن التسليم مانعا كصاحب الجواهر، وقلّما يوجد مَنْ يقول بمقالة الشيخ الأعظم من أنّها القدرة المعلومة أو إحرازها أو العلم بها أو القدرة المحرزة وهو في هذا المقال تابع للسيّد

بحرالعلوم في مصابيحه(3).

دليل شرطية القدرة المعلومة

ثمّ لابدّ من البحث في مستند هذا التفسير ودليل شرطية القدرة المعلومة ومن المعلوم أنّ أدلة القدرة على التسليم لا تخلو:

«1- إمّا الاجماع: وهو قائمٌ على مجرّد اشتراط أصل القدرة، دون أن يرى للعلم بها أو الإحراز دخلاً فيها.

2- وإمّا قوله: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»(4).

فإنّ إطلاقه يقتضي اعتبار القدرة مفروض الوجود، فيكون المدار على القدرة الواقعيّة ليتحقّق من خلالها وجوب الوفاء، أمّا العلم والإحراز فلا دخل لهما في ثبوت وجوب الوفاء.

3- وإمّا دعوى سفهيّة البيع مع عدم القدرة.

ومعلومٌ أنّها تتحقّق مع عدم وجود القدرة واقعا، فإذا وجدت واقعا صحَّ البيع، وإن

ص: 53


1- المكاسب 4/193.
2- المكاسب 4/193.
3- المصابيح في الفقه، مخطوط، ونقل عنه في الجواهر 23/631 22/392.
4- سورة المائدة /1.

لم يعلم بها المتبايعان، فلا دخل للعلم والإحراز أيضا.

4- وإمّا قوله: «لا تبع ما ليس عندك».

بناءً على أنّ المراد منه النهي عن بيع ما لا يوجد، فظاهره إفادة اشتراط أصل القدرة دون القدرة المعلومة لا بنحو جزء الموضوع ولا تمامه.

وبعبارة اُخرى: النصّ المذكور يدلّ على أنّ المدار على الوجدان الواقعي للمتاع وعدمه. وإن لم يكن معلوما للمتبايعين أو محرزا»(1).

5- وأمّا قوله: «نهى النبي صلى الله عليه و آله عن بيع الغرر» فقد يقال بدلالته على شرطية القدرة المعلومة لأنّ عند فقدها تصبح المعاملة غررية خطرية ويشملها النهي المذكور و «قد صرح جماعة ممّن علّق على المكاسب، بأنّ مناط صحّة العقد، علم المتبايعين بحصول القدرة وتحقّقها، وإن كانت القدرة مفقودة في الواقع، ولهذا السبب يجب البحث عن حقيقة عنوان الغَرر المذكور في الأخبار.

ف-[لذا] نقول: تردّد القوم في بيان حقيقة الغرر:

فقد حدّده جماعة: بأنّه الخدعة أو الخديعة.

بينما حدّده آخرون بالخَطر.

وعلى كلا التقديرين، يجب البحث عن المراد من الخدعة والخطر وحقيقتهما:

أمّا مادّة الخدعة والانخداع والخدع والخديعة: فإنّ جميعها تتضمّن معنى الاحتيال والنصب، أو ما يعبّر عنه بالغرور المذكور في قوله: «المغرور يرجع إلى مَن غرّه»، حيث أنّ الغرور ظاهر في الخدعة، وهي صفة متقوّمة بالأمر النفسي الذي يكون الجهل جزءا من ذاتها.

أمّا الخطر: فهو عبارة عن معنا يدلّ على ما يتضمّن الهلاكة والفناء، سواءً في النفس أو المال، فلا يصحّ فرضه حينئذٍ أمرا متقوّما بالأمر النفسي، بل يعدّ من الأمور الواقعيّة التي

يوجد تارةً وينعدم اُخرى، وقد يكون تارةً معلوما واُخرى مشكوكا وثالثة مظنونا.

ص: 54


1- العقد النضيد 5/233 و 234.

وعليه، فيجب أن نلتزم أنّ الخطر - عند العجز عن التسليم - أمرٌ واقعيّ ولا دخل للعلم فيه، وبالتالي يكون مناط الحكم إمّا العجز عن التسليم واقعا، أو عدم القدرة الواقعيّة»(1). لأنّ «الخطر أمرٌ حقيقيّ خارج عن النفس وعن إدراكاته، لكن يتعلّق به الأمور النفسانيّة من الإدراكات والصفات، والبرهان قائم على أنّ كلّ متعلّق خارجٌ عن متعلّقه ومباينٌ له بالضرورة، والشاهد على أنّ الخطر معدودٌ من الأمور الواقعيّة دون النفسيّة، ما نشاهده عند العرف العام والخاص من وقوعه طرفا للاحتمال، وتعلّق الخوف العرفي به، وتحذير النّاس عن التورّط فيما يؤدّي بهم إلى إصابتهم بالأضرار المادّية والجسديّة»(2).

صورها

صور القدرة أربعة

الصورة الأولى: إذا كان المتبايعان قادران على التسليم والتسلّم في الواقع وكان عالمين بذلك أيضا، فلا إشكال في صحة البيع على المبنيين - أي القدرة الواقعية والقدرة المعلومة - .

الصورة الثانية: إذا كان المتبايعان غير قادرين على التسليم والتسلّم في الواقع وكانا عالمين بذلك أيضا، فلا إشكال في بطلان البيع على المبنيين.

الصورة الثالثة: إذا كان المتبايعان قادران على التسليم والتسلّم في الواقع ولكن لم يكونا عالمين بذلك فحينئذ على مبنى المشهور - القدرة الواقعية - لا إشكال في صحة البيع وأمّا على مبنى الشيخ الأعظم - القدرة المعلومة - البيع محكوم بالبطلان.

الصورة الرابعة: إذا كان المتبايعان غير قادرين على التسليم والتسلّم في الواقع ولكنهما عالمين بهما ويعتقدون القدرة عليهما فحينئذ على مبنى المشهور - القدرة الواقعية - البيع باطلٌ وأمّا على مبنى الشيخ الأعظم - القدرة المعلومة - يكون البيعصحيحا.

ص: 55


1- العقد النضيد 5/235.
2- العقد النضيد 5/236.

فرع: تجّدد القدرة

إذا كان المتبايعان غير قادرين على التسليم والتسلّم في الواقع حين العقد ولكن تجدّد القدرة بعده، فهل تصحح القدرةُ المتجددةُ العقدَ الذي كان باطلاً أم لا؟ ذهب الشيخ

الأعظم(1) إلى التصحيح والمحقّق الخوئي(2) إلى عدمه، والحكم بالتصحيح على ما ذهب إلى الشيخ الأعظم من اعتبار القدرة المعلومة مشكل لأنّ بعد تبيّن العجز في زمن البيع ظهر فقدان القدرة المحرزة وبعد هذا الظهور يحكم بالبطلان فكيف تجدّد القدرة الواقعية يبدّل البطلان بالصحة؟!

ولكن الحكم بالبطلان على مبنى المشهور - القدرة الواقعية - واضح لأنّ المتبايعين غيرُ قادرين على التسليم والتسّلم في زمن البيع فيحكم ببطلان البيع.

وعلى مبنى الشيخ الأعظم - القدرة المعلومة - أيضا بعد ظهور وتبيّن العجز كان البيع باطلاً.

اللهم إلاّ أن يقال على المبنيين: أنّ المعاملات ليست أُمورا توقيفيّةً بل جُعلت لأجل رفع احتياجات عامة النّاس وبعد قبول الشرط المتأخر وتأثيره في المشروط المتقدم، يمكن أن يصحح هذا البيع به، واللّه العالم.

هذا كلّه إذا وقع البيع من المالك.

التنبيه الثامن: إذا وقع البيع من غير المالك

كما إذا كان الابئع وكيلاً عن المالك فهل يُعتبر قدرته على التسليم والتسلّم أم يعتبر في موكِّله؟ فيه تفصيل بين نحوي التوكيل:

«فإن كان وكيلاً في مجرد إجراء الصيغة - لا في مقدمات العقد ولوازمه - إعتبر تمكن الموكِّل، لأنّه المخاطب بالوفاء بالعقد، دون الوكيل، لإنتهاء مهمّته بنفس الإنشاء. فلو عجز الموكّل عن التسليم وتمكّن الوكيل منه بَطَل البيع.

ص: 56


1- المكاسب 4/193.
2- التنقيح في شرح المكاسب 2/343.

وإن كان وكيلاً مفوّضا في التصرف في أموال الموكِّل، أو كان مأذونا في إجراء العقد ولوازمه كالتسليم والأخذ بالخيار ونحوهما، بحيث يصدق عليه عرفا أنه أحد المتبايعين - وكان الموكِّل أجنبيا عن هذه المعاملة - كفى قدرة هذا الوكيل، ضرورة أن الشرط - وهو التمكن - أعم من كونه بالمباشرة وبالإستنابة، فإقباض الوكيل إقباض موكِّله.

ولو كان الوكيل المأذون في لوازم العقد عاجزا عن التسليم، وموكِّلُه متمكنا منه، ففيه إحتمالات:

الأوّل: كفاية قدرة المالك، وعدم قدح عجز العاقد، لأعمية التسليم المعتبر من المباشري والإستنابي.

الثاني: عدم كفايتها، فيبطل البيع.

الثالث: التفصيل بين كون المشتري عالما بعجز العاقد وبقدرة المالك فيصحّ، وبين عدم علمه بذلك فيبطل. وهذا الوجه مختار [الشيخ الأعظم] بلا فرقٍ بين رضا المالك برجوع المشتري عليه للتسلُّم، أو رضا المشتري برجوعه إلى المالك، وبين عدم رضا كلّ منهما بالرجوع إلى الآخر، خلافا لمن قيّد الصحة بالرضا كما سيأتي»(1).

نقل مقال صاحب المصابيح ونقده

ذهب صاحب المصابيح(2) «في صورة عدم قدرة الوكيل إنّه يعتبر في صحّة البيع في هذه الصورة مضافا إلى علم المشتري بقدرة المالك أن يكون المالك راضيا برجوع المشتري عليه وكذا المشتري راضيا برجوعه عليه، وعلى هذا بنى فساد العقد الفضولي لعدم كون الفضولي قادرا على التسليم قبل الإجازة، وقدرة المالك إنّما يؤثّر لو بني العقد

عليها وكان المالك راضيا به حال العقد والمفروض عدم رضاه حال العقد.

ثمّ أورد [صاحب المصابيح(3)] على نفسه بأنّه لا يقال: بأنّا نفرض الكلام فيما إذا

ص: 57


1- هدى الطالب 7/665.
2- المصابيح في الفقه مخطوط، نقل عنه في الجواهر 23/630 22/392.
3- المصابيح في الفقه، مخطوط ونقل عنه في الجواهر 23/631 22/393.

حصل للفضولي اطمئنان ووثوق بإرضاء المالك ويطمئن أنّ المالك لا يخرج عن رأيه وكلامه، فعليه يكون الفضولي حال العقد قادرا على التسليم، ثمّ أجاب عنه بوجهين:

أحدهما: أنّ هذا الفرض خارج عن بيع الفضولي لمصاحبة الإذن للبيع وكونه مقارنا معه فيخرج عن الفضولية.

وثانيهما: أنّ المدّعى أعمّ من هذه الصورة، بداهة أنّ القائلين بصحّة الفضولي لا يقصرون الحكم على هذا الفرض، هذا ملخّص كلامه.

وذكر شيخنا الأنصاري(1) قدس سره أنّ ما ذكره [صاحب المصابيح] من المبنى وما فرّع عليه من بطلان الفضولي والاعتراض الذي ذكره بعده ثمّ أجاب عنه كلّها محلّ نظر وتأمّل.

أقول: أمّا عدم صحّة أصل المبنى فبداهة أنّه لم يعتبر في صحّة العقد إلاّ القدرة على التسليم والتسلّم وأمّا رضا المشتري بالرجوع على المالك عند عدم قدرة الوكيل وكذا رضا المالك برجوع المشتري عليه فلا دليل عليه، بل ليس للمشتري إلاّ التسلّم من أي شخص كان، ويكون نظره إلى مرحلة مبادلة ماله بمال آخر وتسلّم من أي شخص كان، ويكون نظره إلى مرحلة مبادلة ماله بمال آخر وتسلّم المبيع والمفروض تحقّقه، وأمّا اعتبار رضاه بأن يكون التسليم من نفس المالك فهو كما ترى، وأمّا اعتبار رضا المالك فهو

موجود بعين الوكالة بداهة أنّ يد الوكيل يده وبيعه بيعه، وعلى أي حال يكون المال مطلوبا من الموكّل ومحسوبا منه فرضاه موجود بمحض الوكالة.

وأمّا عدم صحّة تفريع بطلان الفضولي عليه على فرض تسليم المبنى فمن جهة ما ذكرناه مرارا أنّ المعتبر في باب الفضولي إنّما هو قدرة المالكين عند تمامية العقد وانتساب العقد إليهما والمفروض أنّ العقد يكون منسوبا إلى المالك عند إجازته، والمفروض قدرته على التسليم أيضا في مرحلة الإجازة والعقد الكذائي إنّما يكون مشمولاً لعموم أدلّة الوفاء بالعقد من حين الإجازة، وأمّا الفضولي فهو أجنبي بالمرّة عن

العقد كما لا يخفى، وهذا بخلاف المقام بداهة أنّ العقد من زمان وقوعه وحدوثه ومن

ص: 58


1- المكاسب 4/194.

الأوّل مشمول لأدلّة وجوب الوفاء بالعقد فكيف يقاس المقام بباب الفضولي.

وأمّا عدم صحّة الاعتراض على نفسه، فلأنّ قدرة الفضولي على التسليم غير مؤثّرة لكونه أجنبيا كما عرفت، وأمّا عدم صحّة جوابه الأوّل عن الاعتراض فلوجهين: أحدهما أنّه قد ذكرنا مرارا أنّ مقارنة العقد بالرضا لا يكون موجبا لخروج البيع عن الفضولية ما لم يكن في المقام إذن سابق أو إجازة مقارنة مع العقد. وثانيهما: أنّه على فرض تسليم ذلك أيضا فالمقام ليس من هذا القبيل لأنّ المفروض أنّ الفضولي يطمئن بارضائه فيما بعد لا حين العقد، وليس رضا المالك مقارنا مع العقد بل هو متأخّر عنه.

ولا يخفى أنّه لو سلّمنا جميع ما ذكره هذا القائل فلابدّ من تسليم ما ذكره أخيرا بقوله إنّ القائلين بصحّة الفضولي لا يقصرون الحكم على هذا الفرض، ولم يظهر لنا وجه التأمّل في هذا لِشيخنا الأنصاري قدس سره ومن المحتمل أن يكون مراده قدس سره من قوله: وفيما ذكره من مبنى مسألة الفضولي إلى آخر كلامه رفع في الجنّة مقامه التأمّل والمناقشة في المجموع من حيث المجموع لا كلّ واحد واحد بالخصوص حتّى الجواب الأخير أيضا فافهم وتأمّل جيّدا»(1).

هذا بعض الكلام في شرطية القدرة على التسليم والحمدللّه ربّ العالمين.

ص: 59


1- التنقيح في شرح المكاسب 2/346-344.

مسألة: لا يجوز بيع الآبق منفردا

اشارة

«مسألة: لا يجوز بيع الآبق منفردا»(1)

قال السيّد العاملي: «لا يصحّ بيع الآبق منفردا إجماعا كما في الخلاف(2) والغنية(3) والرياض(4) وبلا خلاف كما في كشف الرموز(5). وفي التذكرة(6) أنّه المشهور عند علمائنا وإن عرفا مكانه، قال: وقال بعض علمائنا بالجواز.

قلت: قد تتبّعتُ كتب الأصحاب من المقنع إلى النافع فلم أجد أحدا قال بذلك ممّن تقدّم عليه ولا نقله ناقل، وكأنّه مجهول عنده أيضا حيث لم يسمّه فتأمّل، وكذا من تأخّر عن المصنّف [العلاّمة الحلّي] ممّن تعرّض له قد نصّ على عدم الجواز ما عدا المولى القطيفي المعاصر للمحقّق الثاني في إيضاح النافع»(7).

أدلة بطلان بيع الآبق منفردا
أ: الإجماع

الإجماع الوارد في كلمات الفقهاء كما مرّت في مقالة السيّد العاملي بل قال:

ص: 60


1- المكاسب 4/195.
2- الخلاف: في البيع 3/168، مسألة 274.
3- غنية النزوع: في البيع /212.
4- رياض المسائل: في القدرة على التسليم 8/154.
5- كشف الرموز: في البيع وآدابه 1/453.
6- تذكرة الفقهاء: في العوضين 10/49-48.
7- مفتاح الكرامة 13/18.

«دليله: بعد الإجماع معلوما ومنقولاً»(1).

وفيه: أوّلاً: الإجماع ممنوعٌ ولكن الشهرة ثابتة والمخالف في المسألة إثنان:

1- ابن الجنيد الإسكافي حيث نقل عنه العلاّمة أنّه يقول: «لا يشتري وحده إلاّ إذا كان بحيث يقدر عليه المشتري أو يضمن له البائع»(2) ثمّ قرّبه العلاّمة وقال: «وهو الأقرب»(3).

2- الفاضل القطيفي قال على ما حكى عنه السيّد العاملي: «أنّ القدرة على التسليم من مصالح المشتري فقط إلاّ أنّها شرط في أصل صحّة البيع، فلو قدر على التسلّم صحّ البيع وإن لم يكن البائع قادرا عليه، بل لو رضي بالابتياع مع علمه بعدم تمكّن البائع من

التسليم جاز وينتقل إليه، ولا يرجع على البائع بعدم القدرة إذا كان المبيع على ذلك مع

العلم، فيصحّ بيع المغصوب ونحوه، نعم إذا لم يكن المبيع من شأنه أن يقبض عرفا لم تصحّ المعاوضة عليه بالبيع، لأنّه في معنى أكل مال بالباطل. وربما احتمل إمكان المصالحة عليه. ومن هنا تعلم أنّ قوله - يعني المحقّق في النافع - «لو باع الآبق منفردا لم يصحّ» إنّما

هو مع عدم رضا المشتري أو عدم علمه أو كونه بحيث لا يتمكّن منه عرفا، ولو أراد غير ذلك فهو غير مسلَّم»(4).

وقد حمل الشيخ الأعظم هذا الكلام منه على «منع اشتراط القدرة على التسليم»(5) ثمّ يراه ضعيفا.(6)

ثانيا: بعد وجود الأدلة النقلية في المقام وأمكان استفادة الحكم منها يكونالإجماع مدركيا لا يغني ولا يسمن من جوع.

ص: 61


1- مفتاح الكرامة 13/18.
2- مختلف الشيعة 5/216.
3- مختلف الشيعة 5/216.
4- مفتاح الكرامة 13/20.
5- المكاسب 4/194.
6- المكاسب 4/190 و 194.
ب: بيع الآبق غررٌ

ذهبوا إلى أنّ بيع الآبق غررٌ لأنّه إمّا أن يحصل اليأس عن الظفر به فلا يعدّ مالاً بل يكون بمنزلة التالف كالمسروق والغريق، وإمّا أن يحتمل الظفر به فيكون مالاً ولكنّه بيعه

غرري عرفا لوجود الخطر في هذا البيع والغرر ينفي المخاطرة.

وأمّا جريان الخيار أو اشتراطه أو اشتراط ضمان البائع إلى أيام معينة ونحوها فلا يخرجه عن الغرر، لأنّ بيع الآبق في نظر العرف غرريٌ ويشمله حديث نفي الغرر، وتمكّن المشتري من فسخ العقد بالخيار أو اشتراط الضمان حكم شرعي ثبت عليه ولا اعتبار به في الحكم بالبطلان بحديث نفي الغرر المحمول على الغرر العرفي هذا تقريب الاستدلال(1).

ويرد عليه: أوّلاً: أنّ حديث نفى الغرر كغيره من الأحكام الشرعية يكون من قبيل قضايا حقيقية وإنّما يتمّ مع تحقّق موضوعه في الخارج وهو هنا الغرر «وتطبيق الغرر على مصاديقه أمر غير راجع إلى العرف، لأنّه إنّما يتّبع نظره في خصوص مفاهيم الألفاظ دون باب التطبيقات، لأنّها ثابتة على واقعها وتحقّق مواردها ومصاديقها، ومن المعلوم أنّ المشتري إذا اشترط الخيار على البائع أو اشترط ضمانه عليه إن لم يوجد إلى عشرة أيّام مثلاً لما توجّه عليه غرر أبدا، لأنّ المفروض أنّه على خيار وله أن يفسخ المعاملة إذا كانت

ضررية عليه فلا يشمله نهيه صلى الله عليه و آله وسلم عن بيع الغرر لأنّه أمر خارج عن موضوعه، ولا يفرق في ذلك بين أن يصدق عليه الغرر عرفا أو لا يطلق عليه ذلك لعدم الاعتبار بنظره في التطبيقات، وعليه فلا مانع من صحّة البيع عند اشتراط الخيار أو الضمان كما حكي ذلك عن الاسكافي(2) فتكون المنافع الفائتة في المدّة المشترط ضمانه بعدها نظير بيع الشيء مسلوب المنفعة في المدّة المشروطة وهو لا يضرّ بالبيع»(3).

وثانيا: الغرر مفقود «مع تمكن المشتري من عتقه والانتفاع به بذاك، ولا يلزم في

ص: 62


1- كما ذهب إليه الشيخ الأعظم في المكاسب 4/199.
2- حكاه عن في المختلف 5/240.
3- التنقيح في شرح المكاسب 2/347.

صحّة البيع أن يكون المشتري قادرا على الانتفاع بالمبيع بجميع منافعه، وذلك نظير بيع العبد المريض فإنّه يتمكّن من عتقه ولذا صحّ بيعه وإن كان لا يعلم أنّه يبرا من مرضه حتّى

ينتفع بجميع منافعه أو يموت، كما لا يعلم في المقام أنّه يرجع إليه حتّى ينتفع به بسائر منافعه أو لا يرجع إليه.

وكيف كان فلا يحكم بالبطلان في المقام مستندا إلى الغرر»(1).

ج: بيع الآبق سفهٌ

ذكر السيّد العاملي(2) بأنّه سفه، لأنّ العاقل لا يقدِّم على بيع ما لا ينتفع به، والآبق بمنزلة التالف مع اليأس عن الظفر به - كما عليه الشيخ الأعظم(3) - والعاقل لا يقدّم على البيع الذي يكون بمنزلة التالف.

ويرد عليه: أوّلاً: الانتفاع بالعبد الآبق ممكن بعتقه عند الكل فلا يكون بمنزلة التالف كالمسروق والغريق فالمعاملة عليه عقلائية - ولا سفهيّة - وأكل المال في مقابله لا

يكون أكلاً له بالباطل.

وثانيا: «بل يصحّ بيعه وإن لم يكن للبائع قصد عتقه؛ فإنّ الصحّة لا تتوقّف على أغراض المتعاملين، فما كانت له منفعة عقلائيّة، يصحّ بيعه مع إمكان استيفائها ولو لم يستوفها، أو لم تكن تلك المنفعة موافقة لغرضه»(4).

د: الأخبار

منها: صحيحة رفاعة النخاس قال: سألت أبا الحسن موسى عليه السلام قلت له: أيصلح لي أن أشتري من القوم الجارية الآبقة، وأعطيهم الثمن وأطلبها أنا؟ قال: لا يصلح شراؤها إلاّأن تشتري منهم معها ثوبا أو متاعا، فنقول لهم: أشتري منكم جاريتكم فلانة، وهذا المتاع

ص: 63


1- التنقيح في شرح المكاسب 2/348.
2- مفتاح الكرامة 13/18.
3- المكاسب 4/195.
4- كتاب البيع 3/328 للسيّد الخميني رحمه الله.

بكذا وكذا درهما فإنّ ذلك جائز.(1)

بتقريب: انّ الصحيحة ظاهرة في عدم جواز بيع الآبق منفردا بقرينة الاستثناء الوارد فيها حيث أنّ الإمام عليه السلام جوّز فرض ضمّ الضميمة فقط، وهذا الحكم لا يكون إلاّ تعبّدا كالبيع الربوي ونحوه.

محتملات الصحيحة عند السيّد الخميني قدس سره

قال السيّد الخميني رحمه الله: «يحتمل أن يكون قوله عليه السلام: «لا يصلح شراؤها» غير ناظر إلى قوله: «وأطلبها».

فيكون المراد: أنّ الآبقة لا يصحّ شراؤها مطلقا إلاّ مع الضميمة، فتنقسم جميع صور بيع الآبق: إلى ما لا يصحّ، وما يصحّ؛ بحكم الإطلاق في المستثنى منه، وتبعيّة المستثنى له.

وأن يكون ناظرا إلى ما يتوقّف عليه الطلب، وهو رجاء الظفر، فيكون قوله عليه السلام: «لا يصلح شراؤها» بمنزلة «لا يصلح شراء الآبقة» التي علم الظفر بها، أو يرجى ذلك. ويرد الاستثناء عليه، فغير ذلك من الصور تخرج عن مفادها، فتقع صحيحة حال الانفراد حتّى المعلوم عدمه، فضلاً عن صورة اليأس.

وقد مرّ: أن شراءها حتّى مع العلم بعدم الظفر بها، ليس سفهيّا، ولا غرريّا، ولا أكلاً للمال بالباطل(2)، بعد كون العتق في الكفّارات وللّه، مع المنافع المرغوب فيها.

ولمّا كان شرط الانضمام من الشرائط التعبّدية كما أشرنا إليه(3)، ولا طريق للعقول إلى مناطه، وليس لأجل الغرر ونحوه أيضا، لم تصحّ دعوى المناط القطعيّ، ولا دعوى إلغاء الخصوصيّة عرفا.

ولو أغمضنا عن ذلك، وقلنا: بأنّه يفهم العقلاء والعرف من عدم صحّة الشراء في

ص: 64


1- وسائل الشيعة 17/353، ح1، الباب 11 من أبواب عقد البيع وشروطه.
2- راجع كتاب البيع 3/328.
3- تقدّم في كتاب البيع 3/329 و 331.

صورة رجاء الظفر بها - ولو بمناسبات مغروسة في الأذهان - عدم صحّته مع العلم بعدم الظفر بها، أو مع اليأس عنه، يكون المستثنى منه شاملاً لجميع الصور، ومقتضى الاستثناء صحّتها مع الضميمة، فتصير النتيجة كالاحتمال الأوّل.

ودعوى: شمول المستثنى منه ولو بمعاضدة فهم العرف، لجميع الصور، واختصاص الاستثناء بخصوص بعضها كالمرجوّ الظفر(1)، لا تخلو من مجازفة.

وهنا احتمال آخر، ولعلّه الأقرب، وهو عدم الإطلاق في قوله عليه السلام: «لا يصلح شراؤها» لكون المورد مرجوّ الظفر به، وعدم التقييد أيضا، فتكون الصحّة - في غير مورد الشمول - على القاعدة.

فتحصّل مع جميع ذلك: أنّه مع اليأس عن الظفر بها، أو العلم بعدمه، يصحّ إمّا مطلقا، أو مع الضميمة.

نعم لو قلنا: بأنّ مقتضى القاعدة البطلان، يكون الكلام على خلاف ذلك»(2).

ومنها: موثقة سماعة عن أبي عبداللّه

عليه السلام في الرجل يشتري معه شيئا آخر، ويقول: أشتري منك هذا الشيء وعبدك بكذا وكذا، فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى منه.(3)

بنفس تقريب صحيحة النخاس.

محتملاتها عند السيّد الخميني قدس سره

«احتمالات: 1- منها: أن يكون ذلك: أي «فإن لم يقدر...» إلى آخره، تعليما للبائع كيفيّة البيع في الآبق مع الضميمة؛ بأن يشتري العبد مع الضميمة بكذا وكذا، ومع عدم القدرة عليه يشتري الشيء بهذا الثمن.

ص: 65


1- اُنظر المكاسب 4/202 قوله: «وظاهر السؤال في الأولى والجواب في الثانية: الاختصاص بصورة رجاء الوجدان...».
2- كتاب البيع 3/334 و 335.
3- وسائل الشيعة 17/353، ح2.

فيكون بيعين في بيع، عكس ما ورد في النصّ(1)؛ من جعل ثمنين لمبيع واحد على فرضين فيكون مبيعين بثمن واحد على فرضين: فرض القدرة، وفرض عدم القدرة، فيقول: «أشتري منك هذا العبد وهذا الشيء بعشرين مثلاً، وإن لم أقدر على العبد أشتري الشيء بعشرين».

2- ومنها: أن يكون ذلك لتعليم بيع وشرط في ضمنه، فيقول: «اشتريت هذين بكذا» والشرط أن يكون الثمن بإزاء الشيء عند عدم القدرة.

3- ومنها: أن يكون ذلك حكما شرعيّا، مع وقوع البيع على العبد والضميمة؛ بأن يقال: إنّ الشارع عند عدم القدرة، جعل الثمن بإزاء الضميمة، فكان ذلك بصرف منه، لا بجعل من المتبايعين.

4- ومنها: أن يكون تعبيرا متعارفا بحسب أغراض المشتري، لا لبيان الحكم الشرعيّ؛ فإنّ الأغراض في اشتراء العبد - بحسب النوع - تتعلّق بخدمته وسائر منافعه الحاصلة تحت يد المولى، والعتق ليس منها غالبا.

وهذا وإن لم يوجب بطلان البيع كما مرّ(2)، لكن إذا أبق العبد يقال بحسب النظر إلى الأغراض النوعية: «إنّ ماله قد خرج من يده وتلف» فبهذا النظر يمكن أن تكون الرواية بصدد بيان هذا الأمر المتعارف.

فيكون حاصل المراد: أنّه إن قدر على العبد فهو، وإلاّ فلم يهدر ثمنه بلا شيء، بل كان بإزاء ذلك الشيء الذي اشتراه معه، لا بمعنى جعله بإزائه، بل بمعنى بيان أنّ ما بإزاء

المال، دخل في كيسه في الجملة.

ولا ينبغي الإشكال في مخالفة الاحتمالين الأوّلين للظاهر، بل ينبغي القطع بخلافهما، والاحتمال الثالث بعيد جدّا.

ولا يبعد أن يكون الاحتمال الأخير أوجه وأظهر، وإن كان لا يخلو من مخالفة

ص: 66


1- وسائل الشيعة 18/36، ح1، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 2.
2- تقدّم في كتاب البيع 3/328.

ظاهر، لكنّه أهون من غيره، واحتمال إلغاء الشارع ماليّته، إنّما هو في غير هذا الاحتمال الذي هو أرجح الاحتمالات، وعليه تكون صحّة البيع مع الضميمة، موافقة للقواعد، وعدم الجواز منفردا تعبّديا مخالفا لها.

وأمّا النقض بإمكان إباحة المال للغاصب والسارق، فهو كما ترى»(1).

المختار في معنى الروايتين وجواب اعتراض الشيخ الأعظم على الشهيد والعلاّمة - رحمهم اللّه -

أقول: قد مرّ عدم تمامية بطلان أدلة بيع العبد الآبق بالأدلة الثلاثة الأُوَل فلو لا هاتين الروايتين لابدّ لنا أن نذهب إلى صحة بيع العبد الآبق لجريان العمومات والاطلاقات الواردة في صحة البيع في شأنه وأمّا مع ورود الروايتين حيث تمّ سندهما ودلالتهما فلابدّ أن نذهب إلى بطلان بيع العبد الآبق تعبدا إلاّ مع ضم الضميمة وحيث أنّ

الروايتين تجري على خلاف الصحة فلابدّ من الأخذ بهما على قدر منطوقهما ولا يمكن التعدي منهما إلى غيره، مثلاً لا يمكن القول بالبطلان إذا وقع العبد الآبق ثمنا، خلافا للشيخ الأعظم حيث يقول: «وكما لا يجوز جعله مثمنا، لا يجوز جعله منفردا ثمنا لإشتراكهما في الأدلة»(2). لاختصاص النص ببيع العبد الآبق فلا يمكن التعدي منه إلى جعله ثمنا ولذا تردّد الشهيد في جعله ثمنا وإنّ قرّب المنع أخيرا وقال: «وفي احتياج الآبق المجعول ثمنا إلى الضميمة احتمال ولعله الأقرب»(3).

والوجه في احتمال الشهيد اختصاص النص بشراء العبد الآبق فلا يشمل بيعه كما مرّ.

ثمّ إنّ الشهيد(4) حكم بصحة بيع الضالّ والمجحود مراعيا على إمكان التسليم، مع

ص: 67


1- كتاب البيع 3/330 و 331.
2- المكاسب 4/196.
3- اللمعة الدمشقية /111.
4- اللمعة الدمشقية /111، وراجع شرحها الروضة البهية 3/251.

أنّهما مشتركان مع الإباق في عدم القدرة على التسليم، فالشهيد يرى النص مختصا بصورة بيع العبد الآبق فقط ولا يتعدى منه إلى بيع الضالّ والمجحود.

وكذا ذهب العلاّمة(1) إلى احتمال جواز بيع الضالّ منفردا ومنضما إلى الضميمة.

واحتمال جواز بيعه منفردا مستند إلى عدم التعدي من النص ومنضما مستند إلى التعدي.

قال العلاّمة ما نصه: «الشرط الرابع: القدرة على التسليم.

وهو إجماع في صحّة البيع ليخرج البيع عن أن يكون بيعَ غررٍ.

والقدرة قد تنتفي حسّا كالآبق، وشرعا كالرهن.

والمشهور عند علمائنا أنّه لا يصحّ بيع الآبق منفردا وإن عرفا مكانه - وبه قال مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي(2) - لأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم نهى عن بيع الغرر(3)، وهذا غرر.

وفي الصحيح عن رفاعة عن الكاظم عليه السلام، قلت له: يصلح أن أشتري من القوم الجارية الآبقة فاُعطيهم الثمن وأطلبها أنا؟ فقال: «لا يصلح شراؤها إلاّ أن تشتري معها منهم شيئا ثوبا أو متاعا فتقول لهم: أشتري منكم جاريتكم فلانة وهذا المتاع بكذا وكذا درهما، فإنّ ذلك جائز»(4).

ص: 68


1- تذكرة الفقهاء 10/49 و 48.
2- المدوّنة الكبرى 4/115؛ المنتقى للباجي 5/41؛ مختصر المزني /87؛ الحاوي الكبير 5/326؛ الوجيز 1/134؛ العزيز شرح الوجيز 4/34؛ المهذّب للشيرازي 1/270؛ المجموع 9/284؛ حلية العلماء 4/83-82 التنبيه في الفقه الشافعي /88؛ روضة الطالبين 3/23؛ منهاج الطالبين 94؛ المغني 4/293؛ الشرح الكبير 4/27.
3- صحيح مسلم 3/1153، ح1513؛ سنن ابن ماجة 2/739، ح2195؛ سنن الترمذي 3/532، ح1230؛ سنن أبي داوُد 3/254، ح3376؛ سنن البيهقي 5/338؛ سنن الدارمي 2/251؛ الموطّأ 2/664؛ ح75؛ المصنّف لابن أبي شيبة 6/132، ح550 و 553؛ مسند أحمد 1/497، ح2747 و 2/312، ح6271 و 2/332، ح6401.
4- الكافي 5/194، ح9؛ التهذيب 7/124، ح541.

ولأنّه غير مقدور على تسليمه، فأشبه الطير في الهواء.

وقال بعض علمائنا بالجواز(1)، وبه قال شريح وابن سيرين(2) - واشترى ابن عمر من بعض ولده بعيرا شاردا(3) - لأنّه مملوك، فصحّ.

فروع:

أ: لو باع الآبقَ على مَنْ هو في يده أو على مَنْ يتمكّن من أخذه، صحّ؛ لانتفاء المانع.

ب: لو باع الآبقَ منضمّا إلى غيره، صحّ، فإن لم يظفر به، لم يكن له رجوع على البائع بشيء، وكان الثمن في مقابلة الضميمة؛ لقول الصادق عليه السلام: «فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى منه»(4).

ج: الضالّ يمكن حمله على الآبق؛ لثبوت المقتضي، وهو: تعذّر التسليم. والعدم؛ لوجود المقتضي لصحّة البيع، وهو العقد. فعلى الأوّل يفتقر إلى الضميمة، ولو تعذّر تسليمه، كان الثمن في مقابلة الضميمة. وعلى الثاني لا يفتقر، ويكون في ضمان البائع إلى

أن يسلّمه أو يسقط عنه.

ومَنَع الشافعي من بيع الضالّ كالآبق؛ لتعذّر التسليم(5)»(6).

واعترض عليه الشيخ الأعظم ب- «انّ التنافي بين هذه الفقرات الثلاث ظاهر

ص: 69


1- السيّد المرتضى في الانتصار /209.
2- المحلّى 8/391؛ المغني 4/293؛ الشرح الكبير 4/27؛ حلية العلماء 4/84؛ الحاوي الكبير 5/326.
3- المحلّى 8/391؛ المغني 4/293؛ الشرح الكبير 4/27.
4- الفقيه 3/142، ح622؛ التهذيب 7/124، ح540.
5- الوجيز 1/134؛ العزيز شرح الوجيز 4/34؛ الحاوي الكبير 5/326؛ المجموع 9/284؛ منهاج الطالبين /94؛ روضة الطالبين 3/23.
6- تذكرة الفقهاء 10/48 و 49.

والتوجيه يحتاج إلى تأمل»(1).

ومراده قدس سره من الفقرات الثلاث:

[1] دعوى الاجماع على اعتبار القدرة على التسليم والتمثيل له ببيع العبد الآبق.

[2] بطلان بيع العبد الآبق منفردا عند المشهور وصحته كذلك عند بعض أصحابنا.

[3] احتمال صحة بيع الضال منفردا وكذلك منضما.

مراد الشيخ الأعظم من الاعتراض: أنّ الاجماع لا يجتمع مع القول بجواز بيع الآبق الذي قال به بعض أصحابنا وكذلك لو كان الملاك في عدم جواز بيع الآبق عدم القدرة على التسليم، هذا الملاك موجود في بيع الضال فلماذا ذهب إلى احتمال القول بصحة بيع الضال؟!

ويمكن أن يدافع عن العلاّمة: أنّ الإجمال الوارد في كلام العلاّمة مربوط باشتراط القدرة على التسليم في صحة البيع ولا يرتبط ببيع الآبق.

وذهب العلاّمة إلى أنّ المشهور عند علمائنا عدم صحة بيع الآبق منفردا وقال بعض بالجواز ولا تنافي بين القولين.

وثالثة ذهب العلاّمة إلى احتمال عدم حمل الضال على الآبق في احتياجه إلى ضمّ الضميمة في صحة البيع. فلا تنافي بين الفقرات الثلاث في كلامه والتوجيه واضح لا يحتاج إلى تأمل.

ويمكن استظهار مقالتنا من خلال كلمات الفقيهين العظيمين العلاّمة والشهيد فتأمل واللّه العالم.

الصلح وغيره هل يلحق بالبيع في اشتراط القدرة على التسليم

قال المحقّق السيّد الخوئي رحمه الله: «هل يلحق بالبيع الصلح على ما يتعذّر تسليمه فيعتبر فيه القدرة على التسليم أو أنّه لا يلحق بالبيع أو فيه تفصيل؟ وجوه وأقوال(2)، بعد

ص: 70


1- المكاسب 4/197.
2- ذهب الشهيد الثاني إلى عدم الالحاق في المسالك 4/24 والشيخ جعفر كاشف الغطاء إلى الالحاق في شرح القواعد 2/166.

التسالم على أنّ سائر المعاملات كالاجارة والمزارعة والمساقاة بل الوكالة التي هي من غير المعاوضات كالبيع في الاشتراط بالقدرة على التسليم.

فربما يقال بأنّ الصلح كالبيع في الحكم بالاشتراط لأنّ الدائر على الألسنة هو نفي الغرر من غير اختصاص بالبيع، بل قد أرسل في كلماتهم عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم والمرسل هو العلاّمة(1) ظاهرا أنّه صلى الله عليه و آله وسلم نهى عن الغرر ولم يقيّده بالبيع فيشمل الصلح أيضا لا محالة.

واُخرى يقال بأنّ النهي يختصّ بالمبادلة الواقعة على المالين و لا يشمل الصلح الذي هو أمر آخر وراء المبادلة بين المالين.

وثالثة يفصّل بين الصلح المبني على المغالبة والتدقيق نظير صلح الدلالين الذي هو في الحقيقة بيع وقد أبرز بلفظ الصلح للتخلّص عن بعض الإشكالات ولكن الغرض هو بيع هذا بذاك وغرض كلّ من المتصالحين هو الغلبة على الآخر فحكم بالحاقه بالبيع، وبين الصلح المحاباتى المبني على السماح والمسامحة لا على المغالبة كالمصالحة بين المالين من دون نظر إلى أنّ كلاً منهما يسوى كذا مقدار فحكم بعدم إلحاقه بالبيع.

والتحقيق أن يقال: إنّ إلحاق الصلح بالبيع أو عدمه متوقّف على ملاحظة مدرك ذلك الاشتراط في البيع، فإن كان المدرك للاشتراط في البيع هو الإجماع المنعقد على اشتراط البيع بالقدرة على التسليم فلا محالة نحكم بعدم الإلحاق لأنّ الإجماع دليل لبّي فيكتفى فيه بالمقدار المتيقّن، والقدر المتيقّن منه هو البيع فلا يشمل الصلح حينئذ.

وإن كان مدركه في البيع هو الحديث أعني نهي النبي

صلى الله عليه و آله وسلم عن بيع الغرر فلا مانع من الحكم بالإلحاق، وذلك لأنّ هذا النهي حينئذ نظير نهيه صلى الله عليه و آله وسلم عن بيع الملامسة أو

الحصاة وغيرهما ممّا اُريد منه البيع بالمعنى الأعمّ ويستفيد منه العرف أنّ المعاملة الغررية

باطلة لأجل غررها من دون خصوصية للمعاملة ويتعدّون منه إلى جميع الموارد الغررية، وهذا نظير ما إذا وهب أحد ماله لزيد واشترط عليه أن لا يبيعه فإنّ العرف يستفيد منه عدم جواز نقله إلى الغير من دون خصوصية للبيع بوجه، وعليه فلا مانع من شمول

ص: 71


1- تذكرة الفقهاء 10/51.

الحديث للصلح.

إلاّ أنّ الصلح المبني على السماح والمسامحة لا يأتي فيه الغرر أصلاً فهو خارج على الحديث موضوعا، وذلك لأنّ الغرض المعاملي يعني ما ينشأه المتصالحان إنّما هو التسالم من دون نظر ولا غرض في أنّ هذا يسوى بكذا وكذا، فهو ليس أمرا خطريا بل هو بنفسه صالح الآخر لينتقل هذا المال إليه، وعليه فلا مانع من التفصيل بين الصلح المسامحي والصلح المبني على الدقّة، هذا كلّه فيما إذا استندنا في إثبات شرطية ذلك إلى الإجماع أو الحديث.

وأمّا إذا استشكلنا في كلّ واحد من الإجماع والحديث وقلنا إنّ الإجماع الموجب للقطع برأي الإمام غير ثابت لأنّ دون تحصيله خرط القتاد، وأنّ الحديث غير تامّ من جهة السند، كما أنّ قوله عليه السلام «لا تبع ما ليس عندك» غير تامّ من جهة الدلالة فيبقى الاشتراط في نفس البيع خاليا عن الدليل فضلاً عن الحاق الصلح به، وبما أنّه لا دليل عليه غير الأمرين المتقدّمين فلابدّ من ملاحظة الأدلّة الواردة في خصوص بيع العبد الآبق حتّى نرى أنّها بحيث يمكن استفادة هذا الشرط منها لمطلق البيع أو لا.

فنقول: إنّه ورد في بيع الآبق روايتان إحداهما رواية رفاعة وثانيتهما موثّقة سماعة وقد نقلناهما آنفا، وهما تدلاّن على عدم جواز بيع الآبق إلاّ في صورة الضميمة، ويستفاد منهما أنّ التملّك في البيع بمجرّده لا يكفي في صحّته، بل لابدّ في البيع من أن

يصل إلى المشتري شيء يقابل ما بذله من الثمن، فالعبد الآبق وإن أمكن ضمّ شيء إليه، وهذا من دون اختصاص ببيع الآبق بل لابدّ في جميع البيوع من أن الانتفاع منه بعتقه فلا يجوز بيع غيره ممّا لا يمكن الانتفاع منه بوجه بطريق الأولوية وهذا كما في بيع الفرس الشارد حيث إنّه غير قابل للانتفاع بوجه، فمن هاتين الروايتين نستفيد اشتراط القدرة على التسليم وكون المبيع بحيث يعود إلى المشتري لا محالة في جميع البيوع بل مطلق المعاوضات من دون خصوصية لبيع الآبق.

ثمّ إنّ المذكور في ذيل موثّقة سماعة قوله عليه السلام: «فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى معه» وهو بمنزلة التعليل للحكم بالجواز، ولازم ذلك التعدّي من بيع

ص: 72

الآبق مع الضميمة إلى بيع مثل الفرس الشارد مع الضميمة، إلاّ أنّ المشهور لم يلتزموا بذلك بذلك وذهبوا إلى بطلانه، هذا تمام الكلام في إلحاق الصلح بالبيع»(1).

أقول: في إلحاق الصلح وغيره من العقود المعاملي بالبيع في اشتراط القدرة على التسليم لابدّ من ملاحظة دليل هذه الشرطية:

فلو كان دليلها نهى النبي صلى الله عليه و آله عن بيع الغرر فلا يشمل غير البيع.

ولو كان دليلها نهى صلى الله عليه و آله عن الغرر فيمكن شموله لها ولكن قد مرّ منّا عدم ثبوت هذه الرواية لعدم ورودها في الكتب الروائية للطائفتين الشيعية والسنيّة.

ولو كان دليلها قوله صلى الله عليه و آله: لا تشتر السمك في الماء فإنّه غرر، فلا يشمل غير الشراء.

ولو كان دليلها قوله صلى الله عليه و آله: لا تبع ما ليس عندك فلا يشمل غير البيع.

ولو كان دليلها استحالة التكليف بالممتنع فلا يشمل في غير البيع.

ولو كان دليلها مقدمية التسليم للانتفاع الذي هو الغرض في البيع فلا يشمل غيره.

ولو كان دليلها بذل الثمن على غير المقدور سفهٌ فلا يجري في غير البيع. فلا يبقى دليل في الالحاق على نحو العموم.

وأمّا بالنسبة إلى العبد الآبق فهل يمكن إلحاق الصلح وغيره بالبيع أم لا؟

بناءً على ما ذكرنا من أنّ الأصل الأوّلي في العبد الآبق عدم تمامية أدلة بطلان بيعه إلاّ الروايتين فدلالتهما على البطلان تعبديٌ فلابدّ من الاقتصار عليهما لانهما خلاف الأصل فنقول ببطلان بيع العبد الآبق منفردا ولا تجريان بالنسبة إلى غير البيع أبدا. فالإلحاق غير تام.

وأمّا بناءً على تمامية أدلة بطلان بيع العبد الآبق فكذلك لا يجري إلاّ بالنسبة إلى البيع فقط فلا يتم الالحاق.

فعلى جميع الأحوال لا يتم إلحاق الصلح وغيره من العقود إلى بطلان بيع العبد الآبق منفردا واللّه العالم.

ص: 73


1- التنقيح في شرح المكاسب 2/350-353.

مسألة: حكم بيع الضالّ والمجحود والمغصوب والمنهوب

اشارة

مما لا يقدر على تسليمه

الأقوال في المسألة

قال العلاّمة في القواعد: «لو باع الآبق منضمّا إلى غيره ولم يظفر به لم يكن له رجوع على البائع بشيءٍ، وكان الثمن في مقابلة المنضمّ. أما الضالّ فيمكن حمله على الآبق، لثبوت المقتضي وهو تعذّر التسليم، والعدم، لوجود المقتضي لصحّة البيع وهو العقد.

فعلى الأوّل يفتقر إلى الضميمة، ولو تعذَّر تسليمه كان الثمن في مقابلة الضميمة.

وعلى الثاني لا يفتقر، ويكون في ضمان البائع إلى أن يسلّمه؛ إلاّ مع الإسقاط»(1).

وقال السيّد العاملي في شرحه: «ومثل ذلك قال في التذكرة(2). والمراد بحمله على الآبق كما في جامع المقاصد(3) حمله عليه في اعتبار الضميمة، وليس المراد بالحمل عليه القياس في لحوق حكمه بل مساواته له في الحكم بالدليل الّذي ذكره.

وقال في نهاية الإحكام(4): أمّا الضالّ والجمل الشارد والفرس الغائر وشبههما كالآبق في بطلان البيع لتعذّر التسليم. وهل يصحّ مع الضميمة كالآبق؟ إشكال، فإن قلنا به

ص: 74


1- قواعد الأحكام 2/23.
2- تذكرة الفقهاء: في العوضين 10/49.
3- جامع المقاصد: في بيع العوضين 4/101.
4- نهاية الإحكام، في البيع 2/482.

فإن تعذّر تسليمه احتمل كون الثمن في مقابلة الضميمة والتقسيط. وفي التحرير(1) الجمل الشارد والطائر قبل صيده والسمك في الأجمة لو ضمّ إلى هذه غيرها صحّ بيعه.

وفي تعليق الإرشاد(2) هل يلحق بالآبق الضالّ فيصحّ بيعه بالضميمة حملاً على الآبق؟ أم يجوز مطلقا نظرا إلى صورة البيع وأصالة عدم الاشتراط؟ وجهان، ذكرهما المصنّف في التذكرة والقواعد. ويمكن قولاً ثالثا وهو عدم الجواز مطلقا، لأنّ القدرة على

التسليم شرط إجماعا وهي منتفية. وفي جامع المقاصد(3) بعد أن ذكر هذا الاحتمال الثالث قال: لم أجد به تصريحا، فيمكن أن يقال اشتراط القدرة على التسليم في الجملة لا

مطلقا وإلاّ لامتنع مجيء احتمال الصحّة هنا مطلقا ومع الضميمة، للإجماع على اشتراط هذا الشرط. فإن قلت: يلزم جواز بيع ما يتعذّر تسليم بعضه، قلنا: لا، لأنّ المراد بقولنا في

الجملة ما لا ينافي مسألة الآبق والضالّ حذرا من مخالفة الإجماع لا مطلقا. وضعّف الاحتمال الثاني في عبارة الكتاب بأنّ اشتراط القدرة على التسليم في الجملة إجماعي فكيف يحتجّ بوجود المقتصي للحصّة؟!

وفي حواشي الشهيد(4) أنّ الضالّ حكمه حكم الآبق في الضميمة، وقد سمعت(5) ما نقله عن ابن المتوّج.

وقال في مجمع البرهان(6): الظاهر جواز بيع الضالّة من البعير والغنم وغيرهما ولا تقاس على الآبق، بل يجوز بيعها من غير انضمام للأصل وعموم أدلّة العقود ولحصول الرضا، مع عدم معلومية دخوله تحت الغرر، لعدم ظهوره، لاحتمال أن يلقاه وإلاّ يرجعبثمنه، لعدم حصول التسليم فيبطل العقد وبهذا يخرج عن السفة، ثمّ احتمل بطلان العقد

ص: 75


1- تحرير الأحكام: في البيع وشروطه 2/282.
2- حاشية إرشاد الأذهان حياة المحقّق الكركي وآثاره 9/340.
3- جامع المقاصد: في العوضين 4/101.
4- لم نعثر عليه في مظاله.
5- مفتاح الكرامة 13/155.
6- مجمع الفائدة والبرهان: في بيع العوضين 8/173.

رأسا للغرر ثمّ أمر بالتأمّل.

وفي اللمعة(1) والروضة(2) أمّا الضالّ والمجحود من غير إباق فيصحّ البيع ويراعى بإمكان التسليم، فإن أمكن في وقت قريب لا يفوت به شيء من المنافع يعتدّ به أو رضي المشتري بالصبر إلى أن يسلّم لزم، وإن تعذّر فسخ المشتري إن شاء وإن شاء التزم وبقي على ملكه ينتفع به بالعتق ونحوه. واحتمل في الروضة(3) والرياض(4) قوّيا البطلان لفقد شرط الصحّة وهو إمكان التسليم. وفيهما(5) والمسالك(6) والمفاتيح(7) أنّه لا يلحق بالآبق غيره ممّا في معناه كالبعير الشارد والفرس الغائر، فلا يصحّ بيعه عندهم على الأقوى. وفي

الرياض(8) قال: إنّه أشهر. واحتمل في المسالك(9) الصحّة مراعاة بالتسليم.

ومنع في الروضة(10) من صحّة بيع المملوك المتعذّر تسليمه بغير الإباق استنادا إلى الاقتصار في مخالفة الأصل على المنصوص. وتبعه على ذلك صاحب الرياض فلا يجوز بيعه عندهما منفردا ولا منضمّا إلاّ أن تكون الضميمة مقصودة بالذات كما صرّحبذلك في الرياض(11).

ومعنى قول المصنّف «إلاّ مع الإسقاط» إسقاط الضمان المذكور فإنّه يسقط، لأنّه

ص: 76


1- اللمعة الدمشقية: في شرائط المبيع /111.
2- الروضة البهية: في شرائط المبيع 3/251.
3- الروضة البهية: في شرائط المبيع 3/251.
4- رياض المسائل: في اشتراط القدرة على التسليم 8/156.
5- الروضة البهية: في شرائط المبيع 3/251؛ ورياض المسائل: في اشتراط القدرة على التسليم 8/115.
6- مسالك الأفهام: في شروط المبيع 3/172.
7- مفاتيح الشرائع: في اشتراط القدرة على إقباض العوضين 3/57.
8- رياض المسائل: في اشتراط القدرة على التسليم 8/155.
9- مسالك الأفهام: في شروط المبيع 3/172.
10- الروضة البهية: في شرائط العوضين 3/251.
11- رياض المسائل: في اشتراط القدرة على التسليم 8/156.

حقّه»(1).

أقول: ظهر ممّا مرّت من كلمات القوم أربعة أقوال:

1- الحاق بيع الضال وما في حكمه ببيع العبد الآبق من بطلان البيع منفردا وصحته مع ضم الضميمة إليه وهو مختار تحرير العلاّمة وأحد احتمالي القواعد والتذكرة واستشكل عليه في النهاية. وهو مختار حواشي الشهيد.

2- صحة بيع الضال ومَنْ بحكمه ويراعى بإمكان التسليم فإن تمكن البائع من التسليم في وقت مقرر صح البيع وإلاّ للمشتري خيار الفسخ وقبض الثمن بعده وهو الاحتمال الآخر في القواعد والتذكرة ومختار الشهيد في اللمعة وأحد اختيارات ثانيه في الروضة ومحتمله في المسالك، وهو مختار الأردبيلي في مجمع الفائدة.

3- البطلان مطلقا أي مع ضم الضميمة وبدونها، وأبدعه المحقّق الثاني في تعليقه على الارشاد وجامع المقاصد وهو المحتمل القوي في الروضة والرياض بل هو الأقوى في المسالك والمفاتيح، بل مختار الروضة والرياض والمستند(2) عند الشيخ الأعظم(3).

4- الصحة مطلقا بشرط إسقاط ضمان البائع، يظهر هذا الاحتمال من آخر عبارة قواعد(4) العلاّمة.

والمهم ملاحظة دليل قول المختار في المقام فنقول:

المختار من الأقوال

ذهبنا إلى صحة بيع العبد الآبق لو لا الروايتان ومع وجودهما ذهبنا إلى صحته مع الضميمة تعبدا ولكن حيث أنّ الروايتين يختص بالآبق فلا يشمل غيره من الضالّ والمجحود والمغصوب والمنهوب فيكون بيع هذه الموارد باق تحت الاطلاقات

ص: 77


1- مفتاح الكرامة 13/160-158.
2- مستند الشيعة 14/324.
3- المكاسب 4/198.
4- قد مرّت مصادر الأقوال في كلام السيّد العاملي فلا نعيدها.

والعمومات الواردة في صحة البيع فنذهب إلى القول الثاني في المقام ومنه إلى القول الرابع من دون تأمل ولا إشكال واللّه سبحانه هو العالم بالأحوال.

ثمّ إنّ هاهنا فروع في الضميمة لابدّ من البحث حولها
الأوّل: «هل يعتبر في الضميمة أن تكون قابلة للبيع أو لا؟

ثمّ هل يعتبر كونها قابلةً للبيع منفردةً أو لا؟

أمّا اعتبار قابليّتها للبيع فهو أمر واضح على ما هو ظاهر إسناد الشراء إليها في الروايتين، فإذا فرضنا أنّ الضميمة لم تكن مالاً شرعا كما إذا كان خمرا، أو عرفا كما إذا

كان خنفساء أو حبّة من الحنطة مثلاً، لم يصحّ البيع أصلاً.

وأمّا قابليّة الضميمة للبيع منفردا فلم يعتبرها [الشيخ الأعظم]، وخالفه في ذلك الميرزا[النائيني(1)] قدس سره، فأجاز [الشيخ الأعظم(2)] بيع العبد الآبق منضمّا إلى شيء آخر لا يقدر على تسليمه أيضا، ولا أدري من أين استظهر جواز بيع العبد الآبق منضمّا إلى مثله؟ مع أنّه خلاف ظاهر الموثّقة، حيث أفاد فيها وقوع ما نقده من الثمن بإزاء الضميمة إذا لم يقدر على تسليم العبد الآبق، فإذا فرضنا الضميمة فرسا شاردا أو طيرا طائرا، فبإزاء أيّ شيء يقع الثمن؟ فالظاهر فساد بيع العبد الآبق إذا انضمّ إليه مثله، إلاّ إذا علم إجمالاً العثورذعلى أحدهما.

وأمّا جعل الضميمة منفعة، فإن علمنا أنّ الغرض من حكمه عليه السلام باعتبار الضميمة إنّما هو عدم بقاء الثمن مجّانا من دون أن يقع بإزاءه شيء كما في المتن، فيكفي ضمّ المنفعة. ولكن مقتضى الجمود على الروايتين وظاهر إسناد الشراء إلى الضميمة أيضا عدم كفاية كونها منفعة لعدم إمكان شرائها.

الثاني: هل المستفاد من الروايتين وقوع تمام الثمن بإزاء الضميمة

ابتداءً وعدم دخول العبد الآبق في ملك المشتري ما دام آبقا فليس له بيعه إلى الغير مع الضميمة ولا

ص: 78


1- انظر منية الطالب 2/358.
2- المكاسب 4/203.

عتقه وإنّما يدخل في ملكه بعد حصوله كما هو الظاهر من بعض كلام كاشف الرموز(1) على ما في المكاسب(2)، أو أنّ مفادهما دخوله في ملك المشتري كالظميمة؟

ظاهر الصحيحة هو الثاني وأنّ العبد الآبق أيضا جزء المبيع، غايته أنّ اليأس عنه الذي هو بحكم التلف لا يوجب الرجوع إلى البائع بما يقابله من الثمن على ما هو مقتضى قوله عليه السلام: (كلّ مبيع تلف قبل القبض فهو من مال بائعه) فتكون مخصّصة له في المقام، كما يكون مخصّصا أيضا لقاعدة «كلّ مبيع تلف في زمان الخيار فهو ممّن لا خيار له».

هذا كلّه في اليأس الذي هو بحكم التلف، فإنّه لا يوجب رجوع المشتري إلى البائع فيما يقابله من الثمن، كما لا يوجبه التلف الحقيقي بعد اليأس الذي هو في حكم التلف.

وأمّا إذا تلف العبد الآبق حقيقةً قبل اليأس عنه وقبل حصوله، فهل يوجب ذلك فساد البيع والرجوع إلى البائع بما يقابله من الثمن أم لا؟

أشكل المصنّف في ذلك ولم يرجّح أحد الاحتمالين، إلاّ أنّ مقتضى إطلاق قوله

عليه السلام«فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى معه» عدم وقوع شيء من الثمن بإزاء العبد إذا لم يقدر عليه، سواء كان ذلك من جهة إباقه أو من جهة تلفه قبل اليأس.

إن كان ذلك بعد حصول الآبق في يد المشتري أو ما بحكمه كما إذا تصرّف المشتري فيه بعتق أو قتل ونحو ذلك ممّا هو متلف له، فلا إشكال في انفساخ العقد بما يقابل الضميمة من الثمن، فيرجع فيه إلى البائع، كما أنّ العقد ينفسخ بتلف الضميمة إذا كان بعد اليأس عن حصول العبد الآبق.

الثالث: لو تلفت الضميمة قبل القبض

إذا كان التلف قبل حصول العبد الآبق في يد المشتري وقبل اليأس عنه، فهل يوجب ذلك فساد البيع في العبد الآبق أيضا لاشتراط صحّته بالضميمة وهي منتفية بقاءٌ،

ص: 79


1- حكاه عنه في الجواهر 23/640 22/398 ولم نِعثر عليه في كشف الرموز، نعم عثرت عليه في التنقيح الرائع 2/36 كما حكاه عنه في مفتاح الكرامة 13/156.
2- المكاسب 4/204، والصحيح صاحب التنقيح الرائع بدلاً عن كاشف الرموز كما مرّ في التعليقة الماضية.

أو لايوجب فساده لأنّ بيع العبد الآبق كان مشروطا بالضميمة حدوثا لا بقاءً، وتلف الضميمة إنّما يوجب انفساخ العقد بالإضافة إليها من حينه لا من الأوّل، إذ ليس التلف إلاّ بمنزلة الردّ إذا كان البيع في الضميمة فضوليّا فلم يجزه المالك، فإنّه يوجب عدم تحقّق الضميمة من الأوّل، فلا يوجب تلف الضميمة سوى انفساخ البيع بالإضافة إليها بما يقابلها من الثمن ويبقى صحيحا بالإضافة إلى العبد الآبق؟

احتمل [الشيخ الأعظم(1)] فيه الوجهين، ثمّ رجّح الأوّل، وهو الصحيح؛ لأنّ ظاهر النصّ أنّ العبد الآبق لا يقع بإزائه شيءٌ من الثمن على تقدير عدم الظفر به، فكيف يقسّط عليه الثمن وهو على إباقه؟

«قد يتوهّم أنّ الصحيح هو الوجه الثاني في خصوص بيع العبد الآبق مع الضميمة لأنّ القاعدة كانت تقتضي صحّة بيعه ولو بلا ضميمة كما تقدّم والخارج عن القاعدة يقينا إنّما هو الفاقد للضميمة حدوثا فقط فغيره باق تحت القاعدة وأمّا المستفاد من النصّ فهو

أنّ الحكمة في جعل الضميمة أن لا يكون المشتري صفر اليد خارجا في مقابل ما نقده لا أنّه لا يقع بإزاء الآبق شيء من الثمن اعتبارا على تقدير عدم الظفر به.

وفيه: أنّه إذا انفسخ بالنسبة إلى الضميمة يرجع المشتري بما يقابله من الثمن وإذا لم يوجد الآبق بعد ذلك لا يكون الثمن الذي بإزاء الآبق واقعا بإزاء ما وصل إليه خارجا مع أنّ المستفاد من الحديث أنّه إن لم يقدر على العبد كان ما نقده فيما اشترى معه»(2).

أقول: لو ذهبنا إلى ما ذكره الشيخ الشهيد الأحمدي رحمه الله وقلنا بأنّ ما ورد في النص لا يكون علة لحكم جعل الضميمة بل يكون حكمة فلو تخلف في مورد لا يضرّ بالصحة. وفي ما نحن فيه اشترى العبد الآبق مع الضميمة حدوثا وتلفت الضميمة بقاءً وتلفها لا يضر بصحة البيع وما ورد في النص لا يكون أزيد من الحكمة وليس بالعلّة ولذا في مورد إذا صار المشتري صفر اليد لا يضر بصحة البيع، واللّه العالم.

الرابع: أنّ الضميمة إذا كانت ملكا لغير مالك العبد الآبق

فانضمّت إليه في البيع

ص: 80


1- المكاسب 4/205.
2- تعليقة الشيخ الأحمدي رحمه الله على محاضرات في الفقه الجعفرى 3/289.

فضولةً.

ذكر [الشيخ الأعظم(1)] أنّه ينفسخ العقد في المجموع إذا ردّ البيع في الضميمة مالكها.

ونقول: الظاهر فساد البيع في المجموع مطلقا، أجاز مالك الضميمة بيعها أو ردّه؛ وذلك لأنّ الضميمة إذا كانت ملك الغير، فلا محالة يكون مقدارٌ من الثمن بازائها داخلاً في

ملك مالكها، فيكون المقدار الباقي من الثمن داخلاً في كيس مالك العبد الآبق، فإذا لم يقدر على تحصيله كان ما دفعه إليه بلا عوض، وهو مخالف لما ورد به النصّ.

وبعبارة اُخرى: ظاهر قوله عليه السلام في الموثّقة (فيقول: أشتري منك هذا الشيء وعبدك بكذا وكذا) وفي الصحيحة (أشتري منكم جاريتكم فلانة وهذا المتاع بكذا وكذا) أن تكون الضميمة أيضا ملكا للبائع ليكون الشراء منه حقيقةً لا من غيره، ففي فرض الإجازة أيضا يكون البيع فاسدا في المجموع فضلاً عن فرض الردّ.

أقول: بعد ما ذهبنا إليه في الفرع الثالث لا يبعد الحكم بالصحة في هذا الفرع أيضا لعين ما مرّ في السابق واللّه العالم.

الخامس: أنّ المشتري لو وجود عيبا سابقا في الآبق

كان له الرجوع إلى البائع بأرشه ولو قبل حصوله بيده.(2)

والوجه فيه ظاهر بعد ما ذكرناه من دخول العبد الآبق في ملك المشتري من حين العقد وأنّ المستفاد من الروايتين أنّ تلفه باليأس عنه لا يكون مضمونا على البائع. نعم

على ما نسب إلى صاحب التنقيح الرائع(3) من عدم دخول العبد ابتداءً في ملك المشتري وإنّما يملكه بعد حصوله في يده، ليس له الرجوع بالأرش قبل ذلك»(4).

ص: 81


1- المكاسب 4/205.
2- راجع المكاسب 4/205.
3- وفي المصدر: كاشف الرموز.
4- محاضرات في الفقه الجعفري 3/291-285 مع اصلاحات في المتن وتغييرات.

5- العلم بقدر الثمن

اشارة

قال العلاّمة: «لو باع بحكم أحدهما أو ثالث من غير تعيين قَدَرِ الثمن أو وصفه بطل...»(1).

وقال السيّد العاملي في شرحه: «إتفاقا كما في الروضة(2) وحاشية السيّد حسين

المشهور بخليفة سلطان على الفقيه(3). وفي التذكرة(4) لو باعه بحكم المشتري ولم يعيّن بطل البيع إجماعا. وفي السرائر بعد أن نقل كلام النهاية وستسمعه قال: والأولى أن يقال: البيع باطل، لأنّ كلّ مبيع لم يذكر فيه الثمن يكون باطلاً بلا خلاف بين المسلمين(5). وفي المختلف(6) بعد نقل كلام الشيخ والمفيد وأبي الصلاح والقاضي قال: لنا على بطلان البيع مع الجهالة الإجماع منقول على اشتراط العلم في التذكرة مع عدم ظهور خلافه. وفي التنقيح(7) أنّ عليه الفتوى. وفي الرياض(8) لو اشتراه بحكم أحدهما أو أجنبي فالبيع باطل

ص: 82


1- القواعد 2/25.
2- الروضة البهية: في شرائط العوضين 3/264.
3- نقل عنه المحدّث البحراني في الحدائق الناضرة 18/461.
4- تذكرة الفقهاء: في العوضين 10/100.
5- السرائر: في حكم تلف المبيع في بيع فاسد 2/286.
6- مختلف الشيعة: في بعى الغرر والمجازفة 5/244.
7- التنقيح الرائع: في البيع وآدابه 2/31.
8- رياض المسائل: في شروط العوضين 8/145.

إجماعا كما في المختلف والتذكرة والروضة، انتهى. وقد سمعت ما في التذكرة والمختلف فتأمل»(1).

أدلة اشتراط العلم بقدر الثمن في البيع

أ: الإجماع

الإجماع الوارد في كلمات الفقهاء الذين مرّ كلامهم آنفا.

ويرد عليه: أوّلاً: الإجماع المدعى منقول وليس بمحصّل فلا عبرة به.

وثانيا: الإجماع مدركيٌّ أو لاأقل من كونه محتمل المدركية فلا يفيد شيئا.

ب: حديث نفي الغرر

وقد وصف الشيخ الأعظم هذا الحديث بأنّه «المشهور بين المسلمين»(2).

ويدلّ على هذا الاشتراط بعد فرض تمامية سنده ودلالته على أنّ الجهل بالثمن يعدّ غررا.

ولكن يرد عليه: أوّلاً: قد مرّ(3) منا المناقشة في سنده.

وثانيا: يمكن المناقشة في دلالته أيضا بأنّ المراد من الغرر الخديعة والخطر وكلاهما غير الجهل، فلا يدلّ على اعتبار هذا الاشتراط.

ج: التعليل الوارد في خبر حمّاد بن مُيَسَّر

خبر حمّاد بن مُيَسَّر عن جعفر عن أبيه عليهماالسلام أنّه كره أن يشتري الثوب بدينار غير

درهم، لأنّه لا يدري كم الدينار من الدرهم.

أقول: وتقدّم ما يدل على أنّه لابد من تقدير المبيع والثمن.(4)حماد والضرير كلاهما مجهولان فالسند ضعيف.

ص: 83


1- مفتاح الكرامة 13/183.
2- المكاسب 4/206.
3- راجع صفحة 12 من هذا المجلد.
4- وسائل الشيعة 18/81، ح4، الباب 23 من أبواب أحكام العقود.

وتقريب الاستدلال: في الخبر كميّة الدينار بالدرهم تكون مجهولة فحينئذ الثمن مجهولٌ لاأقل حين أنشا العقد. والكراهة الوارة في الخبر هي الحرمة، لأنّ الكراهة في ألسنة الأئمة عليهم السلام تحمل على الحرمة كما ورد في قوله تعالى: «وكرّه إليكم الكفر

والفسوق»(1).

فالثمن المجهول يوجب بطلان البيع فلابدّ من العلم بقدر الثمن.

ولكن عبَّر الشيخ الأعظم(2) عن هذا البيان بالتأييد لا الدليل لأمرين:

الأوّل: ضعف سند الخبر كما مرّ.

الثاني: غاية دلالته النهي عن المعاملات التي تكون مجهولة الثمن ولا ملازمة بين النهى والبطلان في المعاملات.

د: معتبرة السكوني

معتبرة السكوني عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليهم السلام في رجل يشتري السلعة بدينار غير درهم إلى أجل، قال: فاسد، فلعل الدينار يصير بدرهم.(3)

سنده هذه الرواية معتبرة لأنّ المراد ب- «بُنان بن محمّد» هو عبداللّه بن محمّد بن عيسى وهو معتبر والباقي ثقات أو حسان فرواية معتبرة الإسناد. وتقريب الاستدلال بها، نفس التقريب الماضي.

ويمكن أن يناقش في التقريب: ورد في هذه المعتبرة احتمال سقوط القيمة السوقية للدينار ومن الممكن أنّ منشاء الفساد شرعا ليس الجهل بالثمن بل الاحتمال المذكور(4).

ثمّ بعد ملاحظة هاتين الروايتين نجد أنّ الأوّل علّل النهي بجهل الثمن والثاني

ص: 84


1- سورة الحجرات /7.
2- المكاسب 4/207.
3- وسائل الشيعة 18/80، ح2.
4- كما في العقد النضيد 5/242..

بسقوط القيمة السوقية للثمن فيتعارضان ويسقطان عن الدلالة.

ه: رواية دعائم الإسلام

عن أبي عبداللّه

عليه السلام عن آبائه عليهم السلام أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال: من باع بيعا إلى أجل لا يعرف أو بشيءٍ لا يعرف فليس بيعه ببيع.(1)

بتقريب: عدم معرفة الثمن يشمل الجهل بمقداره وحكم رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعدم بيعيته أي صحة بيعه فالجهل بمقدار الثمن مفسد للعقد.

ولكن السند مرسل.

صحيحة النخاس وتأويلاتها

اشارة

ولكن هنا رواية اُخرى اُستدل(2) بها على صحة البيع مع الجهل بمقدار الثمن وهي: صحيحة رِفاعة النَّخَّاس قال: سألت أبا عبداللّه عليه السلام، فقلت: ساوَمْتُ(3) رجلاً بجاريهٍ له، فباعنيها بحكمي، فقبضتها منه على ذلك، ثمّ بعثت إليه بألف درهمٍ، وقلت له: هذه الألف حكمي عليك، فأبى أنْ تُقَوَّمَ الجارية بقيمةٍ عادلةٍ، فإنْ كان ثمنها أكثر ممّا بعثت إليه، كان عليك أنْ تردّ إليه ما نقص من القيمة، وإنْ كانت قيمتها أقلّ ممّا بعثت به إليه، فهو له.

قال: فقلت: أ رأيت إنْ أصبت بها عيبا بعد ما مسِسْتُها؟

قال: ليس لك أنْ تردّها، ولك تأْخُذ قيمة ما بين الصّحّة والعيب.(4)

قال المحقّق الأردبيلي بعد تصحيح سند رواية رفاعة: «وهي تدلّ على جواز

ص: 85


1- دعائم الإسلام 2/50، ح131 ونقل عنه في مستدرك الوسائل 13/242، ح2.
2- المستدِّل هو صاحب الحدائق 18/460.
3- المساومة: المجاذبة بين البائع والمشتري على السلعة وفصل ثمنها، يقال: سام يسوم سوما، وساوم، واستام. وأمّا بيع المساومة فهو البيع بغير إخبار برأس المال. راجع: النهاية، ج2، ص425 سوم.
4- الكافي 10/204، ح4 5/209؛ الفقيه، 3/230، ح3851، والتهذيب 7/69، ح297، معلّقا عن الحسن بن محبوب؛ الوافي 18/746، ح18220، الوسائل 17/364، ذيل ح22758، وج 18/105، ح 23249.

الجهل في الثمن، وانه يقع البيع صحيحا، وينصرف إلى القيمة السوقية إذا بيع بحكم المشتري، ولكن نقل الاجماع في التذكرة على اشتراط العلم مع عدم ظهور خلافه، يمنع القول بها، ولكن تأويلها مشكل وكذا ردها، فيمكن ان يكون حكما في قضية ولا يتعدى»(1).

«وقال الفاضل السيّد حسين المشهور بخليفة سلطان، في حواشيه على كتاب الفقيه على هذا الخبر ماصورته: لا يخفى ان البيع بحكم المشتري أو غيره في الثمن باطل اجماعا، كما نقله الفاضل في التذكرة وغيره، لجهالة الثمن وقت البيع، فعلى هذا يكون بيع

الجارية المذكورة باطلا، وكان وطي المشتري محمولا على الشبهة، واما جواب الإمام عليه السلام للسائل فلا يخلو من اشكال، لان الظاهر ان الحكم حينئذ ردّ الجارية مع عشر القيمة أو نصف العشر، أو شراؤها مجددا بثمن يرضى به البائع مع احد المذكورين، سواء كان بقدر ثمن المثل أم لا، فيحتمل حمله على ما إذا لم يرض البائع باقل من ثمن المثل، ويكون حاصل الجواب حينئذ: انه تقوم بثمن المثل ان أراد، ويشترى به مجددا، وان كان المثل أكثر ممّا وقع، ندبا أو استحبابا، بناء على انه اعطاه سابقا، وهذا الحمل وان كان بعيدا عن العبارة، مشتملا على التكلف لكن لابدّ منه لئلا يلزم طرح الحديث الصحيح بالكلية. انتهى»(2).

وقال المحقّق السبزواري: «لا أعرف خلافا بينهم في اشتراط أن يكون الثمن معلوم القدر والجنس والوصف. قالوا: لو باع بحكم أحدهما لم ينعقد. ويدلّ على خلافه رواية رفاعة النخاس بإسناد ظاهره الصحة...»(3).

وقال صاحب الحدائق: «لا يخفى ان مدار كلامهم في رد الخبر المذكور على الإجماع الذي ادعى في التذكرة في هذه المسألة، فإنّه لا معارض له سواه. وأنت خبير بأن لا يعتمد على مثل هذه الاجماعات المتناقلة في كلامهم، والمتكرر دورانها على رؤوس

ص: 86


1- مجمع الفائدة والبرهان 8/176.
2- نقل عنه في الحدائق 18/461.
3- الكفاية 1/454.

أقلامهم، تبقى الرواية المذكورة سالمة عنده من المعارض، فيتعين العمل بها، خصوصا مع صحة السند واعتضاد ذلك برواية صاحب الفقيه(1)، المشعر بقوله بمضمونها والعمل بها،

بناء على قاعدته المذكورة في اول الكتاب(2)، كما تكرر في كلامهم من عدّ مضامين اخباره مذاهب له، بناء على القاعدة المذكورة.

وليس هنا بعد الاجماع المذكور إلاّ العمومات التي اشاروا إليها، من حصول الغرر، وتطرق النزاع ونحو ذلك. وهذه العمومات - مع ثبوت سندها وصحته - يمكن تخصيصها بالخبر المذكور، بل من الجائز - أيضا - تخصيص الإجماع المذكور، مع تسليم ثبوته، بهذا الخبر الصحيح، كما يخصص عمومات الأدلة من الآيات والروايات، وهو ليس بأقوى منها، إن لم يكن أضعف، بناء على تسليم صحته.

وحينئذ فيقال باستثناء صورة حكم المشتري، وقوفا على ظاهر الخبر. وما المانع من ذلك؟ وقد صاروا إلى أمثاله في مواضع لا تحصى، على انه سيأتيك ما يؤيد ما ذكرناه ويشيد ما اخترناه»(3).

ووافق الفقيه الشريعتمداري صاحب الحدائق وقال: «إنّ الاجماع أيضا صغرىً وكبرىً، محلُّ إشكالٍ:

وأمّا كبرىً فلانّ الاجماعات المنقولة، ليست بحجّةٍ.

وأمّا صُغرىً فلانّ تحقّق الاجماع هنا، ليس بمحرزٍ لنقل الصّدوق وغيره من القدماء، هذا الحديث أيضا.

فعليه، كان ظاهر الرّواية، البيع بثمن المثل والسّند أيضا صحيح، فيعمل بها»(4).

ص: 87


1- الفقيه 3/230، ح3851.
2- راجع الفقيه 1/3 قال: «ولم أقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه بل قصدت إلى إيراد ما اُختي به وأحكم بصحته وأعتقد فيه أنّه حجة فيما بيتي وبين ربي تقدس ذكره وتعالت قدرته...».
3- الحدائق 18/461 و 462.
4- تحقيق وتقريرات في باب البيع والخيارات 5/179.

ولكن ذهب الفقيه العاملي إلى بطلان البيع وحمل الصحيحة على الشراء المجدد إن شاء المشتري وقال: «ويمكن تأويلها بأن يكون حاصل الجواب: أنّها تقوّم بثمن المثل إن أراد شراءها ويشتري به مجدّدا إن كان ثمن المثل أكثر ممّا دفع، وإلاّ وقع ندبا واستحبابا بناءا على أنّه أعطاه سابقا»(1).

وراها صاحب الجواهر مخالفة لقواعد المذهب وقال: «ضرورة أنّ الخبر الأوّل [أي صحيحة رفاعة] الذي لم يحكم بصحّة البيع فيه على نحو ما وقع فيه، بل بثمن المثل الذي لم يكن مقصودا لهما - مع اتّحاده، وهجره بين الطائفة، واحتماله قضيّة في واقعة، والموافقة للعامّة، والتوكيل في البيع الذي ينبغي فيه مراعاة ثمن المثل، وتلف الجارية والشراء جديدا بثمن المثل... وغير ذلك - ممّا لا يليق بالفقيه الجرأة به على مخالفة قواعد المذهب التي صارت من ضروريّاته ويعرفه المخالف لنا فضلاً عن الموافق»(2).

وذهب الشيخ الأعظم(3) إلى منع العمل بالصحيحة على فرضي صحة البيع وفساده بتقرير:

«أمّا منع العمل بها لو قيل بصحّة البيع، فلأنّ معنى صحّته نفوذه على المتبايعين على ما التزما به، وحيث إنّ المفروض فيها قناعة البائع بثمنٍ يعيِّنه المشتري، لم يكن للبائع الامتناع من قبول ما عيّنه وهو ألف درهم، سواءٌ أكان مساويا لقيمة الجارية - واقعا - أم زائدا عليها أو ناقصا عنها، ويشكل حينئذٍ جوابه عليه السلام: «كان عليك أن تردّ ما نقص من القيمة» من إيصال ما بقي من قيمتها إلى البائع لو كان قيمتها واقعا أزيد من الألف درهم.

وجهُ الإشكال: أنّه لا قيمة لها سوى ما عيّنه المشتري، ولم يلتزم أصلاً بالزائد على الألف، فلابدّ من توجيه جواب الإمام عليه السلام بأنّ البائع إنّما فوّض تعيين الثمن إلى المشتري على تقدير تسعيرها بالقيمة العادلة، ولم يفوّضه إليه مطلقا حتّى لو كان التقويم بأقلّ من

ص: 88


1- مفتاح الكرامة 13/186.
2- الجواهر 23/662 22/412.
3- راجع المكاسب 4/208.

قيمة المثل.

وأمّا منع العمل بها لو قيل بفساد هذا البيع، فلأنّ مقتضى بطلان العقد ردّ الجارية إلى البائع فورا، لعدم انتقالها إلى المشتري حسب الفرض، بل وجب عليه ردّ العشر أو نصف العُشر من قيمتها إلى البائع، لأنّ المشتري مسّها شبهةً، لانتفاء ملك اليمين. ويُشكل حكمه عليه السلام بإبقاء الجارية عند المشتري، وتقويمها قيمةً عادلة، وأنّ البائع يستحقّ مازاد من قيمتها على ألف درهم.

وجه الإشكال: أمّا أوّلاً، فلمنافاة إبقاء الجارية لما تقرّر في المقبوض بالبيع الفاسد، وإبقاء الثمن في يد البائع.

وأمّا ثانيا، فلغرابة التفصيل في الثمن الذي تسلّمه البائع، بين كونه زائدا على قيمة المثل أو ناقصا عنها»(1).

وذهب إلى تعيّن التأويل فيها: «بأن يراد من قوله: «باعنيها بحكمي» قطع المساومة على أن اُقوّمها على نفسي بقيمتها العادلة في نظري - حيث إنّ رفاعة كان نخّاسا يبيع ويشتري الرقيق - فقوّمها رفاعة على نفسه بألف درهم إمّا معاطاةً، وإمّا مع إنشاء الإيجاب وكالةً والقبول أصالةً، فلمّا مسّها وبعث الدراهم لم يقبلها المالك، لظهور غبنٍ له في البيع، وأنّ رفاعة مخطى ءٌ في القيمة، أو لثبوت خيار الحيوان للبائع على القول به.

وقوله: «إن كان قيمتها أكثر فعليك أن تردّ ما نقص» إمّا أن يراد به لزوم ذلك عليه من باب إرضاء المالك إذا أراد إمساك الجارية؛ حيث إنّ المالك لا حاجة له في الجارية فيسقط خياره ببذل التفاوت، وإمّا أن يحمل على حصول الحَبَل بعد المسّ، فصارت اُمّ ولد تعيّن عليه قيمتها إذا فسخ البائع.

وقد يحمل على صورة تلف الجارية، وينافيه قوله فيما بعد: «فليس عليك أن تردّها... الخ»(2).

ص: 89


1- هدى الطالب 8/70.
2- المكاسب 4/208.

ثمّ قال: «وكيف كان، فالحكم بصحّة البيع بحكم المشتري، وانصراف الثمن إلى القيمة السوقيّة، لهذه الرواية - كما حكي عن ظاهر الحدائق(1) - ضعيف»(2).

وحملها المحقّق الاصفهاني على توكيل المشتري في البيع بالقيمة التي يعينّها وقال: «ويمكن رفع المنافاة بالحمل على توكيل المشتري بأنْ يبيع الجارية من نفسها بما يتعين في نظره لا بالقيمة الواقعيّة ليرد المحذور، فارسال ما نقص لمكان خيار الغبن المؤكد لصحة البيع بنظره، غاية الأمر يدعي الغبن بالإضافة إلى المسمى الّذي عيّنه بنظره، كما إذا عيّنه البائع بنظره؛ فإنّ خياره ثابت، وعدم الرجوع إلى الزائد لأنّ الثمن ليس هي

القيمة الواقعية بل ما عيّنه المشتري، فلا وجه لاسترداد الزائد، فتدبر»(3).

ولكن المحقّق الخوئي يراها «راجعة إلى أمر عرفي متعارف بين النّاس من المعاملة فان من المتعارف في زماننا خصوصا بين الحمالين أنهم لا يقاطعون في مقام المعاملة على الثمن والاجرة بل يوكلون الأمر إلى المشتري والمستأجر.

ولكن من المقطوع من القرائن أنّ غرضهم في ذلك ليس هو حكم المشتري والمستأجر بحيث لو نقص عنها يطالبون القيمة السوقية وأذا زاد طابق الواقع فينطبق الثمن عليه ففي الحقيقة أنَّ الثمن في أمثال هذه المعاملات أمر كلّيٌّ وهو عنوان القيمة السوقية ومازاد الذي هو قابل الانطباق على القيمة الواقعية ومازاد دون الناقص عنها لخروجه عن دائرة الكلي.

ونظير ذلك قد ذكرناه في تصوير الجامع في العبادات بين الصحيح والأعم وقلنا بإمكان فرض كلّي يكون قابل الانطباق على الكامل والناقص ومثّلنا لذلك بلفظ الكلمة الموضوعة لما يكون مركبا من حرفين وصاعدا فإنّها قابل الانطباق على ما يكون مركبا من حرفين أو ثلاثة أحرف أو أزيد وأيضا مثلناه بكلمة الدار الموضوعة لعرصة المشتملة على الحائط والقبة الواحدة أو أكثر فلا مانع من أن يكون الأمر في المعاملة أيضا كذلك،

ص: 90


1- لم نعثر على الحاكي، وراجع الحدائق 18/461/463.
2- المكاسب 4/209.
3- حاشية المكاسب 3/311.

فالثمن في مثل المعاملة المذكورة هو الكلّي المنطبق على القيمة السوقية والأكثر فيملك البائع لهذا الكلّي فالرواية الشريفة تدل على هذه القضية المتعارفة فلا وجه لرفع اليد عنها

أو تأويلها على نحو يكون إسقاطا لها فيكون حينئذٍ وجها لإلزام المشتري على ردِّ الناقص لكونه أقل من القيمة التي وقع عليها البيع فيقع قوله عليه السلام فعليك، الخ، في موقعه»(1).

والسيّد الخميني قال فيها: «وغاية ما يمكن أن يقال: إنّ المساومة تقع تارة على ازدياد الثمن ونقصه، من غير تعرّض للقيمة الواقعيّة، فيقول أحدهما: «إنّ الجارية بألف» والآخر: «إنّها بألفين» فيتسالمان على شيء، فيوقعان البيع، ففي مثلها ليس حكم من أحد المتعاملين في الواقعة.

واُخرى: في تشخيص الواقع، فيقول المشتري: «إنّ القيمة الواقعيّة كذا» ويقول البائع: «كذا» فحينئذٍ إن رضي البائع بحكم المشتري بأنّ القيمة كذا، وأوقعا البيع بحكمه، كان البيع صحيحا؛ لعدم الجهل بالثمن.

ولو زادت قيمة المبيع عمّا حكم به، يرجع إلى المشتري بالزيادة؛ لقاعدة الغرر، ولو زاد الثمن لم يرجع المشتري إلى البائع، وكانت الزيادة له.

فلم تتعرّض الرواية لخيار الغبن رأسا، وبهذا ينطبق مضمونها على القواعد، ولو كان فيها بعض إشعارات على خلاف ما ذكرناه لا يعتنى به»(2).

المختار في صحيحة النَّخَّاس

العلم بقدر الثمن معتبر في صحة البيع كما وردت روايات معتبرة في العلم بقدر المثمن - وسيأتي ذكرها - فإذا ثبت العلم في ناحية المثمن يجري في ناحية الثمن أيضا فلا يمكن الأخذ بظاهر صحيحة رفاعة النخاس من عدم اعتبار العلم بقدر الثمن وصحة البيع بحكم أحدهما.

كما أنّها مخالف لما اتفق عليه الأصحاب من العلم بقدر الثمن ولم يظهر الخلاف

ص: 91


1- مصباح الفقاهة 5/321 3/620. وراجع التنقيح في شرح المكاسب 2/362.
2- كتاب البيع 3/351.

من أحدٍ فالصحيحة بما يدعي أنّه ظاهرها مخالف للإجماع وأعرض عنها الأصحاب وقد بحثنا في بحث حجية الخبر الواحد من علم الاصول، عدم حجية الخبر الذي أعرض عنه الأصحاب وإن كان صحيح السند صريح الدلالة وأنّه كلما ازدادت صحة ازداد بعدا لإعراض الأصحاب.

فإذا لا يمكن الأخذ بظاهر الصحيحة لابدّ من التأويل في شأنها وأحسن ما يمكن أن يقال في تأويلها، حمل البيع الوارد فيها على ثمن المثل أو القيمة السوقية أو القيمة الواقعية - وعبارتنا شتى وحسنك واحد - ثمّ وقع الخلاف بينهما فيها وأمر الإمام عليه السلام بأن: «أرى أن تُقَوَّمَ الجاريةُ بقيمةٍ عادلةٍ»، وحكم بإرسال بقية الثمن إذا أرسل المشتري أقل

من ذلك وعدم رجوع الأكثر إذا بعث بأكثر لأنّ البيع وقع بحكم المشترى وحكم هو على نفسه بالزيادة فلا ترجع إليه.

وحيث كان البيع صحيحا ووقع بثمن المثل لم يحكم الإمام عليه السلام بردّ الجارية أو ارسال عشر القيمة أو نصف عشرها للوطي، لأنّه وقع في ملك المشتري.

وأمّا عدم الرد الوارد فيها للعيب فلأجل التصرف فيها بالوطي ولكن للمشتري أن يأخذ تفاوت القيمة بين الصحيح والمعيوب أرشا من البائع.

وبما ذكرنا من التأويل دخلت الصحيحة في القواعد الفقه وضوابطه فحفظنا على شرطية العلم بقدر الثمن في صحة البيع والأخذ بالصحيحة بتمامها ببركة التأمل في أقوال علمائنا الكبار والدقة فيها واللّه العالم.

فلا يقال: «ظاهر الصحيحة تمام البيع بحكم أحدهما وانتقال المبيع إلى المشتري بالثمن الواقع عليه الحكم فيما إذا لم يكن أقل من ثمن المثل، ومع كونه أقل يكون عليه ثمن المثل، وترديد الثمن بين الأمرين؛ أحدهما جعلي والآخر من الشرع، غير معهود. ولو كان هذا الحكم مع كثرة الابتلاء بمثل هذه المعاملة ثابتا لكان من الواضحات عند الأصحاب، فكيف الظن مع عدم الإفتاء بالظهور المزبور في كلام أحد»(1).

ص: 92


1- إرشاد الطالب 5/89.

فإنه يقال: لم يقع البيع على الثمن المردد بين الأمرين أحدهما جعليٌّ والآخر شرعيٌ بل وقع على ثمن المثل ثمّ وقع الخلاف بين الطرفين في ثمن المثل ووقوع الخلاف فيه أمر دارج رائج يرجع فيه إلى أهل الخبرة في رفع النزاع وهذا غيض من فيض علم شيخنا الأُستاذ قدس سره وممّا علَّمنا في طوال أربعة عشر عاما في مجالس درسه رحمة اللّه عليه وجعل الجنة مثواه.

فرع: البيع بمثل ما باعه للآخرين

قال العلاّمة في المختلف: «مسألة: لا خلاف بيننا في أنّ الثمن إذا كان مجهولاً بطل البيع، إلاّ من ابن الجنيد فانّه قال: لو وقع على مقدار معلوم بينهما والثمن مجهول لأحدهما

جاز إذا لم يكن يواجبه كان للمشتري الخيار إذا علم، وذلك كقول الرجل: بعني كرّ طعام بسعر ما بعت، فأمّا إن جهلا جميعا قدر الثمن وقت العقد لم يجز وكان البيع منفسخا... ، لنا: أنّه غرر فيكون منهيا عنه»(1).

وقال الشيخ الأعظم: «وأضعف منه ما عن الإسكافي(2): من تجويز قول البائع: «بعتك بسعر ما بعت»، ويكون للمشتري الخيار.

ويردّه: أنّ البيع في نفسه إذا كان غررا فهو باطل فلا يجبره الخيار. وأمّا بيع خيار الرؤية فذكر الأوصاف فيه بمنزلة اشتراطها المانع عن حصول الغرر، كما تقدّم عنه حكاية قول الإسكافي في مسألة القدرة على التسليم»(3).

الشيخ الأعظم عوّل في نقل كلام ابن الجنيد الإسكافي على ما نقله الفقيه العاملي(4) من مضمون كلامه وهو اعتمد على نقل الفاضل المقداد في التنقيح الرائع(5).واعترض عليه بما حاصله: «انّ الثمن إن كان مجهولاً - حال العقد - للمتبايعين،

ص: 93


1- مختلف الشيعة 5/244.
2- حكاه العلاّمة في المختلف 5/244.
3- المكاسب 4/209.
4- مفتاح الكرامة 13/184.
5- التنقيح الرائع 2/31.

بطل البيع.

وإن كان معلوما للبائع خاصّة لم يقدح جهلُ المشتري بمقدار الثمن في الصحّة.

وبعد تعيينه وعلم المشتري به يثبت الخيار له، فإنّ رضي بما عيّنه البائع لزم البيع، وإن لم يرضَ به انفسخ.

والوجه في كونه أضعف من سابقه أمران:

أحدهما: أنّه لو قيل بالصحّة تعبّدا في مورد صحيح رفاعة اختصّ بتحكيم البائع للمشتري، فيخصّص به عموم النهي عن بيع الغرر، وغيره ممّا دلّ على اعتبار العلم بالثمن.

وأمّا العكس - أي القول بالصحّة لو فوّض المشتري تعيين الثمن إلى البائع - فلا مخرج له عن عموم دليل المنع، ومقتضاه الفساد.

ثانيهما: أنّ ظاهر كلام الإسكافي جبر احتمال ضرر المشتري بالخيار. وهو ممنوع، لوضوح كون خيار الغبن - كغيره من أنواع الخيار - من أحكام البيع الصحيح، فلو كان العقد فاسدا في نفسه لفقد شرطه، لم يجرِ الخيار فيه. والمفروض في المقام بطلان البيع الغرري، ومعه لا موضوع لشيءٍ من الخيارات فيه أصلاً»(1).

ثمّ استشكل الشيخ الأعظم على اعتراضه: «وحاصله: النقص بحكمهم بصحّة البيع اعتمادا على إخبار البائع بقدر المبيع من كيله ووزنه، وثبوت الخيار للمشتري لو انكشف نقص ما تسلّمه عمّا أخبر البائع به.

ووجه النقض: أنّ مقدار المبيع مجهول هناك، ومقتضى عموم النهي عن الغرر البطلان، مع أنّهم حكموا بالصحّة والخيار.

ولعلّ نظر الشيخ الأعظم في التعرّض لهذا الإشكال إلى كلام صاحب الحدائق من قوله: «وممّا يؤيّد ذلك أيضا: الأخبار الدالة على جواز الاعتماد على إخبار البائع بكيله أو وزنه»(2). فإن كان المبيع على ما وصفه البائع فهو، وإلاّ تخيّر كما صرّح به في خيار الرؤية،

ص: 94


1- هدى الطالب 8/79.
2- الحدائق الناضرة 18/464.

من «أنّه مقصور على ما لم ير، حيث اشترط فيه الوصف عوضا عن الرؤية»(1).

والحاصل: أنّ مادلّ على جواز التعويل على إخبار البائع بقدر المبيع يؤيِّد اغتفار الجهالة حال العقد، لأوْله إلى العلم به، ولا موجب للبطلان رأسا للغرر.

وردّه الشيخ الأعظم

قدس سره بالفرق بين المقام - من تحكيم البائع أو المشتري في الثمن - وبين مورد خيار الرؤية، وهو توصيف البائع، والفارق أنّ ذِكر الأوصاف وقت الإنشاء يكون بمنزلة اشتراطها، المانع عن حصول الغرر، فإن كان المبيع متّصفا بها صحّ ولزم، وإلاّ ثبت الخيار للمشتري، وهذا بخلاف المقام، للجهل بالثمن وعدم قرينةٍ على تعيينه في خصوص القيمة السوقية ليرتفع الغرر»(2).

أقول: المختار في هذا الفرع: بعد ما ذهبنا إلى صحة البيع بالقيمة المثلية أو السوقية أو الواقعية، إذا باعه البائع «بالقيمة السوقية وهى معروفة بين أهل السوق كما أنّه

إذا باعه بسعر ما باعه لغيره أيضا لا يكون فيه غرر فيما إذا كان ما باعه لغيره بقيمة السوق،

فما ذكره الإسكافي(3) من تجويز قول البائع بعتك بسعر ما بعت والحكم بصحّته [عام و]

نعم ما ذكره.

ولكن قوله: يكون للمشتري الخيار ممّا لا نعرف له وجها، وذلك لأنّ البيع بالسعر المجهول إن كان موجبا للغرر فالمعاملة باطلة من أساسها، وإن لم يوجب الغرر فالمعاملة صحيحة فما الموجب للخيار في البين»(4).

اللهم إلاّ أن يكون مراده من الخيار المجعول من طرف المشتري فلا بأس به ويكون تمام كلامه صحيحا واللّه العالم.

هذا كلّه القول في اشتراط العلم بمقدار الثمن والحمدللّه.

ص: 95


1- الحدائق الناضرة 19/91.
2- هدى الطالب 8/80 و 81.
3- حكاه عنه في المختلف 5/266.
4- التنقيح في شرح المكاسب 2/363.

6- العلم بقدر المثمن

الأقوال

«أجمع علماؤنا على أنّ العلم شرط في العوضين» كما في التذكرة(1).

وفي الغنية: «اشترطنا أن يكون المعقود عليه معلوما، لأنّ العقد على المجهول باطل بلا خلاف»(2).

وفي الخلاف: «ما يباع كيلاً لا يصحّ بيعه جزافا وإن شوهدا إجماعا»(3).

وفي السرائر: «ما يباع وزنا فلا يباع كيلاً بلا خلاف»(4).

وفي التذكرة: «ذهب علماؤنا إلى أنّه لا يصح بيع المكيل والموزون جزافا لأنّه غررٌ(5)... حكم المعدود حكم المكيل والموزون فلا يصح بيعه جزافا»(6).

وقال الجدّ الشيخ الأكبر الشيخ جعفر كاشف الغطاء: «... وللإجماع المحصّل والمنقول عن جماعة على اشتراط العلم في مطلق المعاملة(7) أو مطلق البيع(8) - كما مرّ -

ص: 96


1- تذكرة الفقهاء 10/53.
2- غنية النزوع /211.
3- الخلاف 3/162، مسألة 258.
4- السرائر 2/321.
5- تذكرة الفقهاء 10/74.
6- تذكرة الفقهاء 10/75.
7- غنية النزوع / قسم الفروع /211.
8- تذكرة الفقهاء 10/53.

ولا يتحقّق إلاّ بذلك، أو المنقول منه فقط على اعتبار الكيل في المكيل(1) أو على اعتبار الوزن في الموزون صريحا(2) أو بلفظ «عليه الفتوى»(3)، أو على اعتبار أحدهما في الصبرة(4) مع استفادة العموم من الإجماع على عدم الفرق ومن تنقيح المناط، فلا تأمّل بعد ذلك في ثبوت الإجماع فيه.

وما في بعض عباراتهم من أنّ اشتراط الكيل والوزن في المكيل والموزون هو المشهور(5)، وفي بعضها أنّه الأشهر(6)، وفي اُخرى ذلك في خصوص ثمن السَلَم(7)؛ ليس إلاّ لخروج معلومي النَسَب المسبوقين بالإجماع والملحوقين به، كابن الجُنَيد(8)، والشيخ فيما نُسب إليه(9) من جواز بيع المجهول مطلقا(10) أو خصوص بيع الصبرة جزافا(11)، وكالسيّد في ثَمَن السَلَم(12). وهم محجوجون بما تقدّم، وبالأخبار الكثيرة المشتملة علىصحيح وموثَق وغيرهما(13)، مع اعتضادها بالإجماع المحصّل ------------- والمنقول(14)،

ص: 97


1- الخلاف 3/162، مسألة 258.
2- السرائر 2/321.
3- مسالك الأفهام 3/175.
4- مختلف الشيعة 5/245، المسألة الثالثة من فصل بيع الغرر والمجازفة.
5- مسالك الأفهام 3/175، مجمع الفائدة والبرهان 8/176، كفاية الفقه 1/455، مفاتيح الشرائع 3/53، مفتاح 900.
6- مختلف الشيعة 5/247، المسألة الخامسة من فصل بيع الغرر والمجازفة.
7- مختلف الشيعة 5/137، المسألة الخامسة من فصل بيع السلف.
8- حكاه عنه العلاّمة في مختلف الشيعة 5/244 و 247، والشهيد الثاني في مسالك الأفهام 3/175.
9- الناسب العلاّمة في مختلف الشيعة 5/245.
10- المبسوط 3/223.
11- المبسوط 2/152.
12- مسائل الناصريات 369/، المسألة 175. وحكاه عنه العلاّمة في مختلف الشيعة 5/245.
13- وسائل الشيعة، كتاب التجارة، الباب 4 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح2، والباب 5 منها، ح4 و 6 و 7. هذا بالنسبة إلى المبيع. وأمّا بالنسبة إلى الثمن فيدلّ على اعتبار العلم به التعليل الوارد في ح4 من الباب 22 من أبواب أحكام العقود، من المصدر المذكور.
14- كما ورد في الخلاف 3/162، والسرائر 2/321، وتذكرة الفقهاء 10/53 و 76، ومختلف الشيعة 5/244 و 245، والمسالك 3/175، والكفاية 1/454.

والشهرة كذلك(1)، وبموافقة الحكمة، ومخالفة العامّة(2)»(3).

وقال تلميذه الفقيه العاملي: «وأوّل من فتح باب الشك في ذلك فيما أجد ممّن تأخّر المولى الأردبيلي(4) وتبعه الفاضل الخراساني(5) والمحدّث البحراني(6)»(7).

وقال الشيخ الأعظم: «العلم بقدر المثمن كالثمن شرطٌ بإجماع علمائنا»(8).

أدلة العلم بقدر المثمن

أ: الإجماع

الإجماع المذكور في كلمات القوم قد مرّ آنفا.

ويرد عليه: أوّلاً: قد عرفت وجود المخالف في كلام الجدّ وتلميذه فالإجماع لا يتم صغرويا.

وثانيا: مع وجود الأدلة الاُخرى يكون الإجماع مدركيّا فلا يفيد في المقام شيئا.

ص: 98


1- مسالك الأفهام 3/175، مجمع الفائدة والبرهان 8/176، كفاية الفقه 1/455، مفاتيح الشرائع 3/53، مفتاح 900.
2- فراجع ما حكاه عنهم العلاّمة في تذكرة الفقهاء 10/74.
3- شرح القواعد 2/171-169.
4- مجمع الفائدة والبرهان 8/176 و 177.
5- الكفاية 1/456.
6- الحدائق 18/477-471.
7- مفتاح الكرامة 13/23.
8- المكاسب 4/210.
ب: حديث نهى النبي صلى الله عليه و آله عن بيع الغرر

بالتقريب المتقدم في شرطية القدرة على التسليم من كون النهي عن المعاملة ارشادا إلى الفساد ومن أنّ الجهل بقدر المثمن غرر.

وفيه: وقد مرّ منّا المناقشة في سنده ودلالته فلا نعيد.

ج: صحيحة الحلبي
اشارة

صحيحة الحلبى عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال في رجل اشترى من رجل طعاما عدلاً بكيل معلوم وأنّ صاحبه قال للمشتري: ابتع منّي من هذا العدل الآخر بغير كيل، فإن فيه مثل ما في الآخر الذي ابتعت، قال: لا يصلح إلاّ بكيل، وقال: وما كان من طعام سميت فيه كيلاً فإنّه لا يصلح مجازفة، هذا ممّا يكره من بيع الطعام.(1)

بتقريب: «أنّ الطعام - من الحنطة والشعير - يقدّر ماليّته بالكيل من القفيز والكرّ ونحوهما. والسائل سأل عمّا إذا اشترى كيلاً معيّنا من الطعام، واقترح عليه البائع شراء مقدارٍ آخر منه مدّعيا مساواة مقداره لما اشتراه، بشرط أن لا يكيله، وأنّه هل يصحّ ابتياع

هذا المقدار الآخر بلا كيلٍ، بل اعتمادا على إخبار البائع بالكيل، أم يعتبر أن يكال خارجا،

وإلاّ كان من شراء الطعام مجازفةً وتخمينا؟

فأجابه الإمام عليه السلام ب- «لا يصلح إلاّ بكيل... وهذا ممّا يكره من بيع الطعام».

والجملة الأُولى ظاهرة في المنع، لمقابلة الصلاح للفساد، وظاهر عدم الصلاح هو بطلان شراء العدل بغير أن يكال بحضور المشتري.

والجملة الثانية تؤكّد المنع، إذ «الكراهة» في الكتاب والسنّة لا يراد بها خصوص الحزازة المقابلة للحرمة، بل المكروه في مقابل المحبوب، فيراد بها الكراهة المصطلحة تارةً، والحرمة أُخرى. ويمكن قرينية ما ورد في الصدر من «عدم الصلاح» على تعيّن الحرمة من الذيل. وتكون الصحيحة - بهذا التقريب - دالّةً على بطلان البيع بالجزاف

ص: 99


1- وسائل الشيعة 17/342، ح2، الباب 4 من أبواب عقد البيع وشروطه.

والتخمين في المكيل، بعد إلقاء خصوصية الطعام عرفا»(1).

خَمْس ايرادات على دلالة صحيحة الحلبي

ولكن ردّه المحقّق الأردبيلي بقوله: «وفي الدلالة على المطلوب أيضا تأمل، للاجمال، وللاختصاص بالكيل والطعام في قوله: ما كان من طعام سميت فيه كيلا، ولقوله: هذا ممّا يكره من بيع الطعام»(2).

توضيح ايراده: «أوّلاً: سقوط قوله عليه السلام: «لا يصلح» في الموضعين عن الحجية، بإعراض المشهور عنه، لالتزامهم بجواز الشراء اعتمادا على إخبار البائع بالكيل والوزن. ومن المعلوم منافاة قوله عليه السلام: «لا يصلح إلاّ بكيل... ومجازفة» لاعتبار تصديق البائع.

وثانيا: أنّ جملة «لا يصلح» مجملة، لاحتمالها لكلٍّ من النهي التحريمي والتنزيهي، ولا قرينة على إرادة الحرمة كي تكون إرشادا إلى الفساد.

وثالثا: أنّها أخصّ من المدّعى وهو اعتبار العلم بالمبيع مطلقا، سواءٌ أكان مكيلاً أو

موزونا، لاختصاص النهي ببيع الطعام جزافا وبلا كيلٍ، وسكوتها عن بيع غير الطعام جزافا، وعن بيع غير المكيل من الطعام.

ورابعا: أنّ جملة «هذا ممّا يكره» لا يدلّ على الحرمة المصطلحة، ولذا قال بعض الفقهاء بالكراهة»(3).

وزاد الشيخ الأعظم(4) «تطرّق احتمالين في جملة «سمّيت فيه كيلاً»:

الأوّل: أن يكون خطابا للمشتري بما أنّه من أهل العرف، فالمقصود: أنّ الطعام الذي تعارف بيعُه بالكيل لا يصحّ بيعه جزافا. بناءً على هذا الاحتمال تدلّ الصحيحة على اشتراط العلم بمقدار كيل المبيع المكيل.

ص: 100


1- هدى الطالب 8/84 و 85.
2- مجمع الفائدة والبرهان 8/177.
3- هدى الطالب 8/86 و 87.
4- المكاسب 4/211.

الثاني: أن يكون خطابا له بما أنّه مشترٍ لهذا الطعام الشخصي الذي عيّن البائع مقداره بالكيل، وأنّه بعد قبول المشتري لشرائه بالكيل لا يصحّ بيعه بدونه. وبناءً عليه لا دلالة للصحيحة على اعتبار الكيل كلّيّةً لو تراضيا بشراء الطعام وزنا أو جزافا، لانتفاء المفهوم.

وبعد تردّد الجملة بين الاحتمالين وعدم مرجّحٍ لأحدهما، تسقط الرواية عن الدلالة على المدّعى»(1).

الجواب عن الايرادات الخمسة

يمكن أن يجاب عن الأوّل: الصحيحة دالة على اعتبار العلم بقدر المثمن ولكن جواز الشراء اعتمادا على إخبار البائع بالكيل أو الوزن أو العدد خرج في فرض حصول العلم من قوله أو لورود النص كما سيأتي.

وعن الثاني: جملة «لا يصلح» ظاهرة في النهي التحريمي لا سيّما إذا كانت في المعاملات وفي بعض نسخ كتاب من لا يحضره الفقيه(2) وردت جملة «لا يصح» الظاهرة في الحرمة الوضعية وهي البطلان.

وعن الثالث: المتفاهم العرفي من جملة «لا يصلح مجازفة» أنّ البطلان نشأ من الجزاف وعدم العلم من غير دخل للكيل، فتجري في غيره من الموزون والمعدود ويمكن استفادة كبرى كلية منها وهي بطلان البيع الجزافي سواء كان المبيع مكيلاً أو موزونا أو

معدودا أو متريا أو ليتريا أو غير ذلك من طرق العلم بالمبيع.

وعن الرابع: الكراهة في ألسنة الأخبار تستعمل في معنى اللغوي وهو المبغوض والمبغوض المطلق في الشريعة هو الحرام مضافا إلى ضمّ جملة «لا يصلح» مرّتين إليها يكون ظهورها الحرمة لا الكراهة المصطلحة عند المتشرعة.

هذا كله بالنسبة إلى ايرادات المحقّق الأردبيلي قدس سره.

ص: 101


1- هدى الطالب 8/87.
2- الفقيه /367، ح9، الطبعة الحجرية، مطبعة آفتاب طهران.

وعن الخامس: - وهو احتمال اجمال الشيخ الأعظم في جملة «سميت فيه كيلاً - بأنّ هذه الجملة تكون من قبيل وصف الطعام والوصف لا مفهوم له، فلا يتطرق الاحتمال الثاني في كلام الشيخ الأعظم رحمه الله.

نعم: إذا كان المبيع كلّيّا يمكن توصيفه والوصف مشعرٌ بالعلّيّة يعني أنّ الحكم لا يختص بالطعام بل كلّ ما فيه كيل يجب كيله في مقام البيع.

وإذا ثبت أنّ البيع الجزافي في المكيل لايصح، ثبت في غيره من الموزون والمعدود وغيرهما، لما مرّ من أنّ المتفاهم العرفي من جملة «لا يصلح مجازفة» أنّ البطلان يتطرق من أجل الجزاف وعدم العلم، بلا فرق بين الطعام وغيره وبين المكيل والموزون والمعدود وغيرها، وهذا يعني ثبوت العلم بقدر المثمن في البيع. فدلالة الصحيحة تامةٌ.

د: الاستدلال بروايات اُخَرَ

عدةٌ من الروايات تدلّ على اعتبار العلم بقدر المثمن:

منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه سُئل عن الجوز لا نستطيع أن نعدّه فيكال بمكيال ثمّ يعد ما فيه، ثمّ يكال ما بقي على حساب ذلك العدد؟ قال: لا بأس به.(1)

بتقريب: الصحيحة تدلّ على «اعتبار الكيل في المعدود الذي يصعب عدّه، فإنّ الجوز من المعدود، ولكن الكيل طريق إلى العدّ، فإنّه يستفاد من السؤال أنّ المركوز في

ذهن السائل لزوم بيع المعدود بالعدّ، وهذا الارتكاز مع تقرير الإمام دليل على ممنوعيّة بيع المكيل والموزون والمعدود جزافا»(2).

منها: موثقة سماعة قال: سألته عن شراء الطعام ممّا يكال أو يوزن: هل يصلح شراؤه بغير كيل ولا وزن؟

فقال: أمّا أنْ تأْتي رجلاً في طعامٍ قد اكتيل أو وزن، فيشتري منه مرابحةً، فلا بأس

ص: 102


1- وسائل الشيعة 17/348، ح1، الباب 7 من أبواب عقد البيع وشروطه.
2- العقد النضيد 5/250 و 251.

إنْ أنت اشتريته ولم تكله أو تزنه إذا كان المشتري الأوّل قد أخذه بكيلٍ أو وزنٍ، فقلت عند البيع: إنّي أربحك فيه كذا وكذا، وقد رضيت بكيلك أو وزنك، فلا بأس.(1)

بتقريب: تدلّ الموثقة على أنّ المشتري الأوّل قد أخذ بالكيل أو الوزن والثاني قد رضي بكيله أو وزنه وهذا الرضا لا يكون إلاّ مع الائتمان بالبائع - وهو هنا المشتري الأوّل - بحسب العادة.

وبالجملة: تدل الموثقة على اعتبار الكيل أو الوزن ومقدار المبيع.

ولكن المؤسس الحائرى يرى الموثقة في بيع المرابحه وقال: «الرواية الأُولى [موثقة سماعة] ظاهرة في مدخليّة خصوص المرابحة في الحكم، فإنّ كون النكتة في ذكرها هي العليّة خلاف الواقع، وحينئذ فلو حملناها على مسألتنا من اعتبار الكيل بمعنى معلوميّة المقدار لم يبق للقيد المذكور مدخليّة أصلاً كما هو واضح.

وإذن فمن القريب بل لا يحتمل غيره أن تكون الروايتان [موثقة سماعة ومعتبرة محمّد بن حمران الآتية] غير مرتبطتين بمقامنا ومندرجتين في أخبار مسألة أُخرى هي حرمة بيع المكيل والموزون قبل القبض وهى بين مانعة مطلقا ومرخصّة كذلك، ومفصّلة بين المرابحة والتولية بالمنع في الأُولى والتجويز في الثانية. وكيف كان فالناظر لتلك الأخبار وهذين الخبرين يقطع بأنّ الخبرين من باب تلك الأخبار وغير مرتبطين بمقامنا.

توضيح ذلك: أنّ السائل في الرواية الأُولى توهّم من الأخبار المانعة المطلقة أنّ حصول الملك للمشتري منوط بالقبض ولهذا منعت تلك الأخبار عن ترتيب أثر الملكيّة وهو مطلق البيع، فمقصوده بقوله: «هل يصلح شراؤه بغير كيل ولا وزن» أي قبل قبض نفسه المبيع عن البائع، إذ المتعارف في عرف الأخبار إطلاق الكيل والاكتيال وإرادة القبض الخارجي أنّه هل الشراء متحقّق قبل قبضي أو متوقّف على القبض؟ فأجابه الإمام عليه السلام بأنّه إذا كان الرجل الذي تشتري منه قد قبضه كفى في صحّة شرائك منه

ص: 103


1- الكافي 10/102، ح1 5/178، وسائل الشيعة 17/345، ح7، الباب 5 من أبواب عقد البيع وشروطه.

وصيرورته ملكا لك، وذكر قيد المرابحة من باب ذكر الفرد الخفيّ، فبيّن عليه السلام له أنّ القبض شرط في البيع من طرف البائع لا أنّه متمّم سبب الملك، فمع عدم القبض يحصل الملك ولكن لا يجوز بيع المرابحة تعبّدا إلاّ بعد القبض، ولفظ «بكيل أو وزن» في قوله: «قد أخذه

بكيل أو وزن» قيد توضيحي»(1).

أقول: في تبيين بيان المؤسس الحائري قدس سره: «اعلم أنّ ما يقع من المتعاملين في مقام البيع والشراء على نحوين: فتارة لا يقع منهما إلاّ المقاولة وتعيّن الثمن والمثمن من دون ملاحظة رأس المال وأنّ هذه المعاملة فيها نفع للبائع أو خسران، وأيّ مقدار نفعه أو خسارته، فيوقعان البيع على شيء معلوم بثمن معلوم، وهذا النحو من البيع يسمّى بالمساومة وهو أفضل أنواعه. وأُخرى يكون الملحوظ عندهما كيفيّة هذه المعاملة الواقعة وأنّها رابحة للبائع أو خاسرة، أو لا رابحة ولا خاسرة.

ومن هذه الجهة ينقسم البيع إلى أقسام ثلاثة: المرابحة والمواضعة والتولية؛ فالأوّل هو البيع على رأس المال مع الزيادة، والثاني هو البيع عليه مع النقيصة، والثالث هو البيع عليه من دون زيادة ولا نقيصة. ولابدّ في تحقّق هذه العناوين الثلاثة من إيقاع عقد البيع على نحو يكون مضمونه وافيا بإفادة أحد هذه المطالب الثلاثة. ويعتبر في المرابحة تعيين مقدار الربح، وفي المواضعة تعيين مقدار النقصان. فعبارة عقد المرابحة - بعد تعيين رأس المال إمّا بإخبار البائع أو تعيّنه عندهما من الخارج - أن يقول البائع: بعتك هذا المتاع - مثلاً - بما اشتريت مع ربح كذا، ويقول المشتري: قبلت، أو اشتريت هكذا، وعبارة المواضعة أن يقول: بعتك بما اشتريت مع نقصان ذاك المقدار، وعبارة التولية أن يقول: بعتك بما اشتريت»(2).

وأقول في نقد مقالة المؤسس الجائري قدس سره: «قد ورد في موثقة سماعة سؤالاً عن الكيل والوزن دون القبض وعدمه ومجرد ورود كلمة «مرابحة» في الرواية لا يخرجها

ص: 104


1- كتاب البيع 2/260-259.
2- وسيلة النجاة 1/528 و 529 لآيه اللّه السيّد أبوالحسن الاصفهاني قدس سره، طبعة الشيخ أحمد زادهوش.

عمّا جعلناها.

وحينئذ سؤال السائل وجواب الإمام عليه السلام عن المكيل والموزون وكيله ووزنه واشتراطهما فيهما في مطلق البيع ومن البيوع بيع المرابحة فيتعبران فيها، واللّه العالم.

ومنها: صحيحة عبدالرحمن بن أبي عبداللّه أنّه سأل أباعبداللّه عليه السلام عن الرجل يشتري الطعام اشتريه منه بكيله واُصدّقه؟ فقال: لا بأس، ولكن لا تبعه حتّى تكيله.(1)

الرواية تدلّ على اعتبار الكيل ولو بتصديق كيل البائع على فرض الائتمان به.

ومنها: معتبرة بل صحيحة محمّد بن حُمران النهدي قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام:

اشترينا طعاما فزعم صاحبه أنّه كاله قصدقناه وأخذناه بكيله، فقال: لا بأس، فقلت: أيجوز أن أبيعه كما أشتريته بغير كيل؟ قال: لا، أمّا أنت فلا تبعه حتّى تكيله.(2)

الرواية تدلّ على جواز تصديق كيل البائع فالبيع يحتاج إلى الكيل في المكيل ولو بتصديق كيل البائع كما مرّ.

ولكن قال المحقّق الحائري رحمه الله في ذيل هذه الرواية: «يبعد تنزيلها على المقام من حيث إنّه يلزم التفكيك في اعتبار قول البائع بين مقام البيع ومقام الشراء»(3).

ويمكن أن يقال: انّ التفصيل بين الشراء والبيع في هاتين الروايتين الأخيرتين «يمكن أن يكون المراد بها، أنّ تصديق البائع الملازم للوثوق، يوجب خروج البيع عن المجازفة، ولكن لا يثبت به الواقع شرعا، حتّى يجوز الإخبار بالكيل المبتلى به عند بيعه، كما أنّ القاضي مثلاً يجوز له الاتكال على قول البائع بكيله في الاشتراء منه، لكن لا يجوز له قبول شهادته.

أو أنّ المراد بقوله عليه السلام: «لا تبعه حتّى تكيله» القبض بكيل، كما ورد ذلك في روايات كثيرة بهذا التعبير وغيره، كما في «الوسائل» في باب جواز بيع المبيع قبل

ص: 105


1- وسائل الشيعة 17/346، ح8.
2- وسائل الشيعة 17/345، ح4.
3- كتاب البيع 2/260 للمؤسس الحائري رحمه الله.

قبضه(1)»(2).

ويمكن أن يقال: حجية إخبار البائع محدودة بالشراء منه لا ببيع المشتري الأوّل للثاني.

ومنها: مرسلة القاضي نعمان المصري عن أبيجعفر عليه السلام: أنّه سُئل عن رجلين باع كلّ واحدٍ منهما حصّته من دار بحصّة لصاحبه من دار اُخرى؟

فقال: ذلك جائز إذا عَلِمَا جميعا ما باعاه واشترياه، فإن لم يعلماه أو لم يعلم أحدهما فالبيع باطل.(3)

والدلالة على تعيين مقدار الثمن والمثمن واضحة ولكن سندها مرسل.

ومنها: مرسلة الشيخ الطوسي عن أئمتنا عليهم السلام من أنّه صلى الله عليه و آله: نهى عن بيع الصُبْرة بالصبرة ولا يدرى ما كيل هذه من كيل هذه.(4)

الدلالةُ واضحةٌ والسندُ مرسلٌ.

والحاصل: المستفاد من هذه الروايات اعتبار العلم بمقدار المثمن.

تنبيهٌ: العلم بمقدار المثمن هل له موضوعيّة أم أنّه معتبرٌ لأجل رفع الغرر؟

«المستفاد من كلمات البعض أنّ اعتبار الاُمور المذكورة إنّما هو بمناط عدم تحقّق الضرر، مستدلّين على ذلك بمدلول ما روى أنّه «نهى النبيّ صلى الله عليه و آله عن بيع الغرر» بينما ذهب غيرهم إلى الموضوعيّة فيه.

أقول: الحقّ أنّ اعتبار العلم بالمقدار - كيلاً أو وزنا أو عددا - ليس بمناط رفع الغرر، وإنّما له الموضوعيّة بدليلين:

الأوّل: أصالة موضوعيّة العناوين المأخوذة في لسان الأخبار والروايات؛ لأنّ

ص: 106


1- وسائل الشيعة 18/65، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 16.
2- كتاب البيع 3/359 للسيّد الخميني رحمه الله.
3- دعائم الإسلام 2/59، ح157 ونقل عنه في مستدرك الوسائل 13/231، ح2.
4- الخلاف 3/56.

اعتبارها طريقا ومشيرا إلى اُمور اُخرى بحاجة إلى ما يثبت ذلك، وقد مرّت الأخبار التي ورد فيها عنوان الكيل والوزن والعدّ؛ والقاعدة تقتضي حملها على الموضوعيّة دون الطريقيّة المشيرة إلى رفع الغرر، لأنّ ذلك يعدّ إلغاءً لخصوصيّة الموضوع، فمقتضى ظهور النصوص الآنفة، استقلال الشروط المذكورة، وعدم علاقتها بالغرر.

بل لو تمّت دلالة الأدلّة الثانية الغرر، لدلّت على مانعيّة الغرر، فضلاً عن اشتراط العلم من خلال الأدلّة.

وبالتالي فلا علاقة بين أدلّة اعتبار اشتراط العلم ومانعيّة الجهل، وبين الأدلّة النافية للغرر، فسواءٌ صحّت الأدلّة الأخيرة أم لم تصحّ، فإنّ هناك مجموعة من الأخبار الصحيحة تدلّ على أنّ الشروط المذكورة لها الموضوعيّة، وأنّ من شروط صحّة العقد معلوميّة العوضين كمّا ومقدارا وعددا.

الثاني: إنّ النسبة بين الغرر والجهل هي العموم من وجه، فتارةً غررٌ ولا جهل كما لو باع الطير في الهواء، واُخرى جهلٌ ولا غرر كبيع طعامين من جنسين مختلفين مجهولي المقدار مع اتّحادهما في القيمة، وثالثة غرر وجهل وموارده عديدة، ومع قيام مثل هذه النسبة بينهما يستحيل إرجاع أحد العنوانين إلى الآخر.

وبالجملة: ثبت أنّ اعتبار العلم بالمقدار لا يكون بمناط الغرر، بل كلاهما موضوعان مستقلاّن معتبران، فقد يجتمعان في موردٌ فتبطل المعاملة من جهتين؛ من جهة مانعيّة الغرر وكذلك من جهة الجهل بالمقدار»(1).

تتميمٌ: الكيل والوزن والعدّ طريق إلى عدم تحقق المجازفة

«هل الكيل والوزن والعدّ لها الموضوعيّة أو لها الطريقيّة؟

لا يخفى أنّه يترتّب على هذا البحث ثمرة مهمّة؛ لأنّه لو قلنا بالموضوعيّة وجب تبعيّة الخصوصيّات المذكورة، وإن قلنا إنّ لها الطريقيّة وأنّ اعتبار هذه الاُمور لأجل عدم تحقّق المجازفة، فتمام المناط في البطلان وعدمه يكون وقوع البيع جزافا وعدمه.

ص: 107


1- العقد النضيد 5/255-253.

[أقول:] لو لم تكن الأخبار معلّلة بل لوحظ فيها هذه العناوين، لكانت القاعدة تقتضي حملها على الموضوعيّة، إلاّ أنّ هناك جهتان تستوجبان حملها على الطريقيّة وسقوط موضوعيّة العناوين، والمهمّ من بينهما هو التعليل الوارد في الخبر، بقوله عليه السلام: «فإنّما لا يصلح مجازفة»(1) لما ثبت من أنّه متى أصبح الحكم معلّلاً فإنّ الموضوعيّة تكون للعلّة دون غيرها، حيث تسلب الموضوعيّة عن الموضوع المأخوذ في الدليل.

نعم هناك بعض الأخبار الصحيحة - كموثّقة سماعة -(2) لم ترد فيها التعليل المذكور، بل وردت العناوين المذكورة على نحو اللّف والنشر المرتّب، حيث أنّ ظاهرها اعتبار هذه الاُمور على نحو الخصوصيّة، لكن أغلب الأخبار تعليل اعتبار هذه الاُمور لجهة عدم تحقّق البيع الجزاف.

والثمرة المترتّبة على هذا البحث: أنّه بعد الاعتماد على عدم موضوعيّة العناوين المذكورة، وكون المناط في صحّة العقد وعدمها تحقّق الجزاف وعدمه، هي بطلان موضوعيّة رفع الجهل بالكيل والوزن والعدّ وزوالها، ودوران أمر الصحّة وعدمها بين تحقّق الجزاف وعدمه، وأنّه ينبغي رفع الجهالة لكي لا يتحقّق الجزاف، فيكون الاعتبار لكلّ ما يعدّ رافعا للجزاف، سواءً كان الرافع كيلاً أو وزنا أو عدّا.

بل لا ضرورة للاقتصار والجمود على إحداها، لما ثبت أنّ المناط رفع الجهل، فإذا ارتفعت الجهالة في المكيل بالوزن وفي الموزون بالكيل أو العدّ، كفى في صحّة العقد لانتفاء الجزاف بذلك.

وبعبارة اُخرى: لا ينبغي الجمود على العناوين بيعنها بأن نحكم بلزوم رفع الجهل في المكيل بالكيل وفي الموزون بالوزن، بل يكفي رفع الجهل والجزاف بأيّ نحوٍ كان، لأنّ المانع هي المجازفة في المعاملات، فإذا ارتفع الجزاف في مكيلٍ بالوزن، أو في موزونٍ بالكيل، وهكذا في غيرهما من الأوزان والمقادير، صحّ ذلك وترتّب عليه صحّة المعاملة.

ص: 108


1- وسائل الشيعة 17/342، ح2، صحيحة الحلبي.
2- وسائل الشيعة 17/345، ح7.

وممّا ذكرنا ظهر الاستغناء عن كثير من الأبحاث المطروحة في المقام، كالبحث عن معنى الكيل لغةً، وهل المراد من الكيل المذكور في الأخبار كيل بلد السائل أو الإمام عليه السلام وغيرها من الأبحاث، إذ لا اعتبار لهذه الاُمور، بل المناط هو رفع الجهالة، وعدم تحقّق الجزاف بأيّ نحوٍ كان، فيكون المعتبر مجرّد ما يرفع الجهالة سواءً كان بالأوزان القديمة أو الحديثة، بل يكفي الاعتماد في رفع الجزاف حتّى على من له القدرة على [تعيين مقدار] خرص(1) الثمار وهي على اُصولها؛ لارتفاع الجهل الممنوع [به]، وهذا المقدار كافٍ في صحّة البيع.

وبالجملة: ثبت من خلال دلالة النصوص الآنفة الذِّكر، لزوم حفظ ماليّة العوضين، ومعرفتها لطرفي العقد بمطلق الطرف والوسائل، ومنها العناوين المذكورة لتتحقّق بذلك حقيقة البيع التي هي تبديل عين بعوض، وبالتالي فلا خصوصيّة للعناوين المذكورة»(2).

فرعٌ: حكم المعاملة اعتمادا على تعيين المقدار توسط البائع

ربّما يستظهر من صحيحة الحلبي(3) الماضية عدم جواز الاعتماد على تعيين مقدار المثمن توسط البائع وكما ربّما يستظهر من صحيحة عبدالرحمن بن أبي عبداللّه (4) على فرض الاعتماد على قول البائع في الشراء منه، لا يجوز الاعتماد عليه في بيعه للمشتري الآخر، ولذا يقع البحث حول حكم الاعتماد على قول البائع في الشراء منه والبيع للغير هل يجوز أم لا؟

وفي هذا المجال لابدّ من ملاحظة الروايات الواردة في المقام حتّى يظهر لنا الحكم

ص: 109


1- الخَِرْصُ، بالخاء المثلثة: كلُّ قضيب رَطْب أو يابس كالخُوطِ. الخُرص: الجَريدة والجمع من ذلك أخراص وخرصان. تلخيص الذهب من لسان العرب 1/524 ولكن المراد بالخرص هنا التخمين كما يظهر من قول الفقيه العاملي: «كما جرت في بيع الثمرة على الشجرة فإنه بالخرص والتخمين والمشاهدة». مفتاح الكرامة 13/31.
2- العقد النضيد 5/258-256.
3- وسائل الشيعة 17/342، ح2.
4- وسائل الشيعة 17/346، ح8.

في مسألتنا هذه:

منها: خبر عبدالملك بن عمرو(1) قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: أشتري مائة رَاوِيَةٍ مِنْ زَيْبٍ فأعترض راويةً أو اثنتين فأتّزنهما ثمّ آخُذُ سائِرُهُ على قَدْرِ ذلك قال: لا بأس.(2)

على القول باعتبار عبدالملك بن عمرو ومدحه، السند ضعيف بأبي سعيد لأنّه هنا هاشم بن حيّان أبوسعيد المُكاري من وجوه الواقفة ضعيف على الأقوى.

وسند الشيخ أيضا ضعيف بسوار لأنّه مجهول مضافا إلى أبي سعيد، أللهم إذا كان سوار في سنده تصحيفا لصفوان كما قد يقال.

ولكن سند الصدوق صحيح فتكون الرواية صحيحة الأسناد بسنده.

ولكن الرواية أجنبية عمّا نحن بصدده لأنّ السائل يدّعي: «آخذ سائره على قدر ذلك» ولا يشير أنّه أخذ الروايتين اعتمادا على قول البائع ولا غيرهما.

ومنها: موثقة ابن بكير عن رجل من أصحابنا قال: سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الرجل يشتري الجص فيكيل بعضه ويأخذ البقيّة بغير كيل، إمّا أن يأخذ كلّه بتصديقه، وإمّا أن يكيله كلّه.(3)

السند مرسل برجل من أصحابنا.

والدلالة: قد يقال: بالفرق بين الأخذ بالتصديق الوارد في الرواية والأخذ بالإخبار والإمام عليه السلام أجاز الأوّل دون الثاني.

أقول: لكن الصحيح عدم الفرق بينهما لأنّ البائع في إخباره لابدّ أن يصدِّق من جانب المشتري وإلاّ لم يقبل خبره فالتصديق والإخبار وان كان النسبة الاوليّة بينهما عموم وخصوص من وجه ولكن هنا النسبة بينهما متساويان لأنّ المخبر إذا كان ثقة صدّقه المشتري في إخباره وإلاّ فلا ولذا لابدّ في الاعتماد على قول البائع أنّه ثقة في إخباره وإلاّ

ص: 110


1- الأحول روى عنهما عليهماالسلام روى في الكافي والكشي روايتين في مدحه روى عنه أصحاب الاجماع وحكم العلاّمة وولده وابن داود والشهيد باعتباره.
2- وسائل الشيعة 17/343، ح1، الباب 5 من أبواب عقد البيع وشروطه.
3- وسائل الشيعة 17/344، ح3.

لم يقبل قوله.

ومنها: خبر أبي العُطارد(1) قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: أشتري الطعام فأضع في أوله وأربح في آخره، فأسأل صاحبي أن يحطّ عنّي في كلّ كرّ كذا وكذا، قال: هذا لا خير فيه، ولكن يحطّ عنك حمله قلت: إن حط عنّي أكثر ممّا وضعت، قال: لا بأس به، قلت: فأخرج الكُرّ والكُرين فيقول الرجل: أعطنيه بكيلك، قال: إذا أئتمنك فلا بأس.(2)

السند ضعيف بأبي العُطارد ولكن الدلالة على اعتبار أخبار البائع إذا كان أمينا تامة.

ومنها: معتبرة بل صحيحة محمّد بن حُمران النهدي(3) الماضية.(4)

السند صحيح لأنّ محمّد بن حُمران هو النهدي الثقة لا محمّد بن حُمران بن أعين مولى بني شيبان الذي لم يوثق لأنّه هو المعروف والمشهور بينهما. كما ذهب المحقّق الخوئي رحمه الله أنّه هو النهدي في معجم رجاله(5).

والدلالة: واضحة على تصديق البائع والأخذ بقوله في مقدار الكيل، وقد مرّ(6) أنّ التفصيل الوارد بين البيع والشراء في هذه الصحيحة تحمل على أنّ حجية قول البائع محدودة بالشراء منه ولا يثبت به الواقع شرعا أو النهى عن البيع من دون الكيل محمول على الإرشاد للخروج من تبعاته الدنيوية - من ترتب الخيار لو لم يوافق الواقع خارجا -

أو الأُخروية - من مشغولية ذمة البائع الثاني لو كان المثمن أقلاً ممّا ذكره البائع الأوّل - لا على النهي المولوي ولعلّ هذا الأخير أظهر.

ص: 111


1- مهمل وله في الكتب الأربعة سبع روايات.
2- وسائل الشيعة 17/345، ح6.
3- وسائل الشيعة 17/345، ح4.
4- راجع صفحة 105 من هذا المجلد.
5- معجم رجال الحديث 16/41.
6- راجع صفحة 105 من هذا المجلد.

ومنها: موثقة سماعة(1) الماضية(2).

السند موثق والإضمار لا بأس به إذا كان المضمر سماعة بن مهران.

والدلالة على اعتبار قول البائع غير تامة لأنّ ظاهرها الاعتماد على الكيل أو الوزن المعلومان دون ما إذا كانا مجهولين.

بعبارة أُخرى: الموثقة واردة في مورد الكيل أو الوزن المحرزين لا أخبار البائع بهما والاعتماد على قوله، والفرق بين إحرازهما والإخبار بهما واضح.(3)

ولكن يمكن أن يقال في تصحيح الدلالة: قوله عليه السلام: «وقد رضيتُ بكيلك ووزنك فلا بأس» ظاهر في اعتبار إخبار قول البائع لا إحراز الكيل أو الوزن، لأنّ الإحراز لا يتم

بالرضا ولكن الاعتماد والاعتبار يتم بالرضا والقبول والتصديق، والجملة الأخيرة في الموثقة ظاهرة في الاعتماد والاعتبار والرضا بهما واللّه العالم.

ومنها: صحيحة عبدالرحمن بن أبيعبداللّه (4) الماضية(5).

السند صحيح والدلالة على جواز الاشتراء بتصديق البائع على كيله واضح.

وما ورد في ذيلها من التفصيل بين البيع والشراء مرّ وجهه آنفا في ذيل صحيحة محمّدبن حُمران النهدي.

وممّا ذكرنا إلى هنا ومن النصوص الماضية يستفاد الأمور التالية:

الأوّل: «إنّ النصوص دلّت على عدم جواز القيام بالمعاملة الجزافيّة المجهولة وأنّ بيع الجزاف باطل.

الثاني: إن التزمنا بإطلاق أدلّة الحلّ «أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ» بالنسبة إلى البيع الجزافيوغيره، فلابدّ من تقييدها بالنصوص المانعة عن بيع الجزاف، وإن التزمنا بعدم إطلاقها، فإنّ

ص: 112


1- وسائل الشيعة 17/345، ح7.
2- راجع صفحة 102 من هذا المجلد.
3- وسائل الشيعة 17/346، ح8.
4- كما يظهر من صاحب العقد النضيد 5/267.
5- راجع صفحة 105 من هذا المجلد.

الأدلّة المذكورة تنفي صحّة البيع الجزافي بالأولويّة.

الثالث: سواءً التزمنا بموضوعيّة الكيل والوزن أو طريقيّتهما لنفي المجازفة والجهل، فإنّ مقتضى التعليل الوارد من «فإنّه لا يصلح مجازفة»(1) و «لا يصلح إلاّ بكيل»(2) لزوم الكيل والوزن مطلقا، سواءً أخبر عنهما البائع أم لم يخبر، إلاّ أن نخصّصهما بالأخبار الآنفة الدالّة على اعتبار [قول] البائع بالمقدار، فيما لو كان ثقة، وظاهر الأخبار المذكورة لزوم أن يكون الإخبار بحيث يمكن تصديقه، أي يجب أن يكون الإخبار بحيث يتحقّق من خلاله طريقا عقلائيّا إلى الواقع، ومع عدم تحقّق مثل هذه الصفة في الإخبار، يكون عمومات منع الاشتراء إلاّ بالكيل هي المرجع.

الرابع: ولو وصل الدور إلى الشكّ في ظهور الأخبار المخصّصة الدالّة على اعتبار إخبار البائع، ينبغي التمسّك فيما زاد على القدر المتيقّن - وهو الخبر القابل للتصديق -

لعمومات منع الاشتراء إلاّ بالكيل، لأنّ النسبة بين أخبار الاعتبار والأخبار المانعة عن

الشراء إلاّ بالكيل والوزن، هي الأعمّ والأخصّ المطلق؛ لأنّ الأخيرة مطلقة تفيد ممنوعيّة الاشتراء إلاّ بالكيل، سواءً أخبر عنه البائع أو لم يخبر، والأخبار المخصّصة تعدّ من صنف

الأخبار المخصّصة المنفصلة المجملة والمردّدة بين الأقلّ والأكثر، والمرجع حينئذٍ هي الإطلاقات والعمومات المانعة عن الاشتراء بغير الكيل والوزن»(3).

ثمّ: هل صحيحة الحلبي مانعة عن حجية قول البائع الثقة؟

قد مرّ(4) صحيحة الحلبي(5) وقول الإمام عليه السلام «لا يصلح إلاّ بكيل» يدلّ على عدم اعتبار قول البائع، لأنّ الإمام لم يستفعل بين كون أخبار البائع حسيّا أو حدسيّا فيتعارضهذه الصحيحة مع النصوص الماضية وعند التعارض يكون المرجع بعد سقوطهما عموم

ص: 113


1- وسائل الشيعة 17/342، ح2، صحيحة الحلبي.
2- وسائل الشيعة 17/342، ح2، صحيحة الحلبي.
3- العقد النضيد 5/268.
4- راجع صفحة 99 من هذا المجلد.
5- وسائل الشيعة 17/342، ح2.

قوله عليه السلام: «لا يصلح مجازفة»(1).

ولكن يمكن أن يقال: أوّلاً: ليس لصحيحة الحلبي إطلاق وهى منصرفة إلى الإخبار عن حدسٍ لا عن حسٍ.

وثانيا: الصحيحة قاصرة عن معارضة النصوص الماضية لأنّها معلّلة بقوله عليه السلام:

«وما كان من طعام سميت فيه كيلا فإنّه لا يصلح مجازفة»، ومع إخبار البائع الثقة حسا بالكيل أو الوزن لا تكون مجازفة في البيع، فهذا التعليل الوارد في ذيل الصحيحة يمنع من

إطلاقها ومعارضتها مع النصوص الماضية واللّه العالم.

تكميلٌ: لو أخبر البائع بالمثمن واعتمد عليه المشتري

ثمّ انكشف بعد نقصانه أو زيادته

إذا أخبر البائع بالمبيع واشترى المشتري اعتماد على قوله ثمّ ظهر له عدم صحة إخباره، والمنكشف لا يخلو حاله إمّا أنّه ناقص من قول البائع أو زائد عليه، فيقع الكلام في مقامين:

المقام الأوّل: النقصان

إذا انكشف نقصان المثمن عمّا أخبره البائع فهاهنا ثلاثة احتمالات أو أقوال:

الأوّل: بطلان البيع

احتمله المحقّق الثاني(2) في الزيادة لا النقيصة ويستند البطلان إلى الأمرين:

«الأمر الأوّل: تخلّف العقد عن القصد، فالمقصود شراء عشرة أمنان، والواقع خمسة، فما وقع لم يُقصد وما قُصِد لم يقع، وبمقتضى قاعدة لزوم تبعيّة العقود للقصود وممنوعيّة التخلّف، هو الحكم ببطلان المعاملة.

وفيه: أنّ تخلّف العقد عن القصد على نحوين:تارةٌ: يتحقّق التخلّف في ذات العقد، بأن يتخلّف ما كان قد قصده وعقد عليه،

ص: 114


1- وسائل الشيعة 17/342، ح2 و 3.
2- جامع المقاصد 4/427.

فالقاعدة هي البطلان، كما هو الحال فيما لو تخلّف متعلّق العقد مع القصد - سواءً كان الاختلاف الحاصل اختلافا عقليّا أو عرفيّا بحيث عدّ العرف المقصود عليه مخالفا للمقصود - مثل ما لو كان المبيع ذهبا فبانَ فضّة، أو حديدا فبانَ نحاسا، فإنّ قاعدة التبعيّة

تقتضي بطلان المعاملة.

وأُخرى: يتحقّق التخلّف في شروط العقد، بأن يحصل التخلّف في الالتزامات الضمنيّة دون الالتزام العقدي، فلا مجال حينئذٍ للحكم ببطلان المعاملة، لعدم جريان قاعدة التبعيّة في هذا الفرض، بل المُحَكَّم قاعدة الشرط، ولذلك يثبت له الخيار، كما لو

وقعت الإجارة على الكاتب ثمّ بانَ اُميّا، فإنّ المعاملة واقعة على ذات الشخص، وهو بذاته متعلّق العقد والقصد، والتخلّف حاصلٌ في وصف الكتابة وهي لم تكن مندرجة في ضمن العقد بل خارجة عنه، ولم تقابل بالمال، لما ثبت من أنّ الأوصاف لها المدخليّة في زيادة الداعي والرغبة ونقصانهما دون أن تقابل بشيء من الثمن.

نعم وقع العقد مبنيّا على كتابة هذا الذات فتصبح شرطا، ويستلزم تخلّفه مجرّد الخيار دون بطلان أصل المعاملة.

الأمر الثاني: فَقْد الرضا، فإنّ ما تراضيا عليه عشرة أمنان لا خمسة، فيكون المقدار الأخير فاقدا للرضا، ممّا يستلزم بطلان المعاملة.

وفيه: أنّ أمر الرضا أيضا غير متّحد:

فقد يزول الرضا تارةً: بالنسبة إلى متعلّق العقد.

وأُخرى: بالنسبة إلى متعلّق الشرط.

أمّا فقد الرضا في الصورة الاُولى، فإنّه لا نقاش في استلزامه بطلان العقد، بخلاف الصورة الثانية حيث لا يستلزم البطلان، كما لو فرضنا أنّ المتخلّف شيءٌ لم يقسّط بإزاء الثمن، بالرغم من أنّ وجوده كان سببا لبذل الأكثر، إلاّ أنّ هذه الكثرة لم توجب تخصّص الثمن بالمتخلّف، فحينئذٍ يعود تخلّف الرضا إلى تخلّفه من ناحية الشرط والوصف دون

ص: 115

متعلّق العقد، والقاعدة هي الصحّة [مع ثبوت الخيار]»(1).

الثاني: صحة البيع مع ثبوت الخيار للمشتري بالفسخ وأخذ تمام الثمن

ودليل الصحة ظهر من ردّ الحكم ببطلان البيع آنفا.

وأما ثبوت الخيار للمشتري «فلأنّ المعاملة وقعت مشروطة بكمّية معيّنة، وحكم المعاملات الواقعة على الاُمور الموصوفة والمشروطة حكم الأقلّ والأكثر الارتباطي في التكاليف، حيث يتعلّق التكليف بمجموعة من الأعمال على نحو يرتبط بعضها ببعض، وكذلك في الوضعيّات حيث يكون متعلّق العقد ارتباطيّا، أي هذا المقدار من المتاع منضمّا إلى بقيّة الأجزاء، فالمعاملة تعود إلى بيع هذا المتاع أو شراءه بشرط انضمام هذا

الجزء مع بقيّة الأجزاء، وحينئذٍ لو ظهر النقص في المتعلّق كان موجبا لثبوت الخيار»(2).

فرع: خيار الغبن أو خيار تخلّف الشرط

«إنّ الخيار الثابت في المقام هل هو خيار الغبن أو أنّه خيار تخلّف الشرط؟ ظاهر كلام العلاّمة(3) قدس سره هو الأوّل حيث ذكر في قواعده عند ظهور الزيادة أو النقيصة أنّ المغبون منهما يتخيّر بين الفسخ والامضاء، ولكن الصحيح أنّ الخيار في المقام خيار تخلّف الشرط، وأمّا تعبير العلاّمة قدس سره ففيه من المسامحة ما لا يخفى، ولعلّه بذلك أراد إثبات الخيار لكلِّ من توجّه عليه الضرر منهما، فعلى تقدير الزيادة فالضرر متوجّه على البائع فهو على خيار، كما أنّه على تقدير النقيصة متوجّه على المشتري فهو مخيّر بين الفسخ والإمضاء، ولم يرد الغبن الاصطلاحي إذ لم تقع المعاملة على ثمن زائد عن القيمة السوقية حتّى يتوهّم أنّ المشتري مغبون في المعاملة لأنّه اشتراه بأكثر من القيمة السوقية وذلك ظاهر، وهو نظير تعبير الشهيد في اللمعة(4) كما نقله شيخنا الأنصاري(5) قدس سره بل

ص: 116


1- العقد النضيد 5/275-273.
2- العقد النضيد 5/275.
3- القواعد 2/67.
4- المكاسب 4/243.
5- اللمعة الدمشقية /113 حيث قال الشهيد رحمه الله: تخيّر المغبون منهما.

الظاهر أنّ الخيار مستند إلى تخلّف الشرط كما عرفت، هذا.

وربما يمنع عن ذلك بأنّ هذا الخيار إنّما يثبت مع التصريح باشتراط الوصف والمقدار في العقد وهو غير مفروض الكلام، لأنّ الفرض أنّ البيع وقع عليه بما أنّه كذا مقدار ولم يشترط فيه المقدار بالصراحة.

وأجاب عن ذلك شيخنا الأنصاري قدس سره بأنّ ذلك في الأوصاف الخارجية التي لا يشترط اعتبارها في صحّة المعاملة كالكتابة والخياطة ونحوهما وأمّا الوصف المأخوذ في عنوان المبيع بحيث لو لم يلاحظ لم يصحّ البيع كالمقدار المعيّن من الكيل أو الوزن فلا

يحتاج إلى ذكره في متن العقد، بل الأوصاف غير الدخلية في صحّة المعاملة أيضا إذا وقعت المعاملة عليها لا يحتاج إلى ذكرها في العقد، فإذا باعه عبدا كاتبا بقوله بعتك هذا

العبد الكاتب بكذا فإنّه بمنزلة أن يقول بعتك هذا العبد بشرط أن يكون كاتبا فيوجب تخلّفه الخيار، فهذا الإشكال ممّا لا أساس له»(1).

أقول: لا شك بعد القول بعدم بطلان البيع، ثبوت الخيار للمشتري ولكن إنّما الكلام في ما لم يستعمل خيارَه فهل له المطالبة بما يقابل الثمن من النقيصة أو لا يجوز وله الفسخ

والأخذ بتمام الثمن؟ فيقع الكلام في الاحتمال أو القول الثالث:

الثالث: صحة البيع مع ثبوت الخيار للمشتري بالفسخ أو استرجاع ما يقابل النقيصة من الثمن

قال المحقّق السيّد الخوئي رحمه الله: «لا ينبغي الإشكال في أنّ المشتري له أن يرجع إلى البائع بجزء من الثمن نسبته إليه كنسبة الناقص إلى المبيع، ولا وجه لتوهّم عدم جواز رجوعه، والوجه في ذلك أنّ الثمن يتقسّط على أجزاء المبيع في المعاملات فإذا اشترى عشرة أمنان من الحنطة بعشرة دراهم فمعناه أنّه اشترى كلّ منّ بدرهم وعليه فإذا ظهر أنّه أنقص من المقدار المعيّن بمنّين فلا محالة يكون جزءان من الثمن بلا مثمن وبلا عوض،فالمعاملة تصير بالاضافة إليهما باطلة، إذ لا معنى للبيع بلا مثمن، وأمّا في غيرهما من

ص: 117


1- التنقيح في شرح المكاسب 2/384.

الأجزاء الباقية فالمعاملة صحيحة ولكن للمشتري خيار تبعّض الصفقة لأنّه إنّما اشترى الثمانية بشرط أن تكون في ضمن العشرة ولم يشتر الثمانية باستقلالها ومرجع ذلك الخيار إلى خيار تخلّف الشرط كما عرفت، وبالجملة لا يقاس المقام بما إذا اشترى شيئا بوصف معيّن فظهر أنّه فاقد له فإنّ الثمن لا يتبعّض حينئذ لأنّه بأجمعه إنّما وقع في مقابل الموصوف، وأمّا الصفة فهي ممّا لا يقع بازائها الثمن، وهذا بخلاف المقام لأنّ الفرض أنّ

المبيع ظهر ناقصا وفاقدا لبعض أجزائه وهي أي الأجزاء يتقسّط الثمن عليها بلا خلاف»(1).

بعبارة أُخرى: «إنّ بيع مجموع المبيع بمجموع الثمن ينحلّ إلى بيع كلّ جزء بما يقابله من الثمن، فإذا كان بعض المبيع معدوما يبقى ما يقابله من الثمن بلا عوض، فيكون باقيا على ملك المشتري»(2).

المقام الثاني: الزيادة

إذا انكشف زيادة المثمن عمّا أخبره البائع ففي حكمه ثلاثة أقوال:

«1- بطلان المعاملة.

2- صحّة المعاملة، مع ثبوت الخيار للبائع بفسخها، أو إمضاءها بتمام ثمن المسمّى.

3- صحّة المعاملة مع ثبوت الخيار للمشتري وتحقّق الشركة.

أمّا القول الأوّل: فإنّ الحكم بالبطلان مبنيٌّ على تخلّف الواقع عن المقصود، حيث قصد الأقلّ دون الزائد، فاختلّ بذلك قاعدة لزوم تطابق العقود مع القصود.

وفيه: أنّ دعوى بطلان العقد المذكور ممنوعة، لما ذكرناه آنفا من أنّ المعاملات الواقعة على المقادير والكمّيات، تكون واقعة ومتعلّقة بالأمر الخارجي، وما هو الموجود خارجا، لكن لا على نحو الإهمال، لعدم معقوليّته في متعلّق البيع وغيره من الاُمور القصديّة، فالكمّية المبيعة من خلال العقد، لا يعقل أن تكون لا بشرطٍ من الزيادة أو بشرط

ص: 118


1- التنقيح في شرح المكاسب 2/385.
2- محاضرات في الفقه الجعفري 3/321.

الزيادة، بل هي كمّية مبيعة بشرط لا من الزيادة، ومتى أصبح المتعلّقِ المقصودْ هو الشرط، استلزم الحكم بصحّة المعاملة لا بطلانها؛ لأنّ الخلل في الشروط يُنتج الخيار المتفرّع عن

صحّة العقد، إلاّ إذا كان الخلل ممّا يسري إلى أصل العقد فيبطله، كما في الشرط المخالف للكتاب والسنّة ومقتضى العقد.

وبالتالي، فالحكم ببطلان العقد ممنوع.

أمّا القول الثاني: فهو أيضا ممنوعٌ، ولا مجال لتوجيهه، وإن حاولها بعض الأعلام، لأنّ المتحقّق خارجا معاملة مع زيادة المثمن عن المقدار المقصود الذي وقع العقد عليه، فليس هناك ما يسوّغ الحكم بصحّة المعاملة في المقدار الزائد، وتخيير البائع بين فسخ المعاملة من أساسها أو إمضاءها بمجموعها، مع الاقتصار على الثمن المسمّى، بل إنّ حقيقة هذه المعاملة مبنيّة على بيع كمّية معيّنة بشرط عدم الزيادة، وبعد ثبوت الزياة يثبت

للبايع خيار تخلّف الشرط، ومن حقّه المطالبة بثمن الزائد.

أمّا القول الثالث: وهو المختار؛ لأنّ القول بصحّة المعاملة إنّما هي بحسب القواعد، لتحقّق جميع شروط المعاوضة الصحيحة.

من تعلّق القصد بعينٍ خارجيّة معيّنة، وبأوصاف معلومة، وكمّية محدّدة. وبالتالي فلا غبار على صحّتها.

نعم، هناك زيادة في الكمّية المتّفق عليها، ولا دليل على خروجها عن مِلك مالكها، لعدم تعلّق سببٍ مملّك أو ناقلٍ بها، ولذلك تنظمّ إلى صحّة المعاملة بقاء الزائد على مِلك مالكه، وهذه الضميمة تفيد الشركة في المبيع، فيصبح المال المبيوع مشتركا بين البائع والمشتري، لكن يترتّب على تحقّق الشركة المذكورة، ثبوت الخيار [للمشتري]

باعتبار أنّها مخالفة للسلطنة المطلقة والاستقلال المطلوبان بحسب الارتكاز الأوّلي، فعتدّ عيبا في المتاع، وكان على البائع إخبار المشتري به حيث وقعت المعاملة مبنيّة على الاستقلال، ومع عدمه يثبت للمشتري خيار العيب. واللّه العالم»(1).

ص: 119


1- العقد النضيد 5/281-279.

وبعبارة أُخرى: «إذا ظهر أنّ المبيع أزيد من المقدار المعيّن فهل للبائع أن يفسخ المعاملة أو لا؟ الظاهر أنّه لا وجه للخيار للبائع أبدا وغاية ما هناك أنّه يرجع في مقدار الزائد إلى المشتري، إذ لا وجه ولا موجب لتخيّره بين الفسخ والامضاء وهذا لا يقاس بما إذا ظهرت الزيادة في الأوصاف التي لا يتمكّن البائع من إرجاعها إلاّ بارجاع نفس الموصوف كما إذا باع عبده بما أنّه مريض ثمّ ظهر أنّه صحيح فإنّ البائع يتخيّر حينئذ بين الفسخ والامضاء بلا كلام، وأمّا في المقام الذي له أن يأخذ الزيادة فلا موجب للخيار، نعم يوجب ذلك اشتراك المثمن بينهما وهذا أي الشركة نقص وعيب في المال فللمشتري خيار العيب وله أن يفسخ المعاملة أو يلتزم بها ولكنّه لا أرش له لأنّه ليس ممّا يقابل بالأرش فالخيار للمشتري دون البائع، فما أفاده شيخنا الاُستاذ(1) [النائيني] قدس سره من أنّ الخيار للمشتري على كلا تقديري ظهور الزيادة والنقصان هو الصحيح»(2).

فرع: التقدير بغير ما يتعارف

هل يجوز بيع المكيل بالوزن، والموزون بالكيل أم لا؟ أو فيه تفصيل بين المكيل دون الموزون يعني يجوز بيع الميكل بالوزن لا يجوز الموزون بالكيل كما هو مختار الشيخ الأعظم.(3)

أقول: إنّ هاهنا تسعة صور تحصل من ضرب الموزون والمكيل والمعدود إلى الوزن والكيل والعدّ، ثلاثة منها لا إشكال في صحتها وليس داخلاً في موضوع التقدير بغير ما يتعارف وهي بيع الموزون بالوزن والمكيل بالكيل والمعدود بالعدّ. فتبقى ستة وهي:

1 و 2- تعيين مقدار الموزون بالكيل والعدّ

3 و 4- تعيين مقدار المكيل بالوزن والعدّ

ص: 120


1- منية الطالب 2/376-375.
2- التنقيح في شرح المكاسب 2/386.
3- المكاسب 4/223.

5 و 6- تعيين مقدار المعدود بالوزن والكيل

1 و 2- تعيين مقدار الموزون بالكيل والعدّ

احتمل الشهيد في اللمعة(1) وثانيه في الروضة(2) جواز بيع الموزون كيلاً، للانضباط ورواية وهب، وذهب إلى جوازه الفيض الكاشاني(3) والشيخ يوسف(4) في فرض تغيير الموزون بالمكيل، تعيين مقدار الموزون بالكيل ممكن ويخرج البيع عن المجازفة التي نفاها صحيحتي الحلبي(5)، يدخله تحت الانضباط.

ويؤيده خبر وهب بن وهب أبي البختري عن جعفر عليه السلام، عن أبيه، عن علي عليهم السلام

قال: لا بأس بالسلف ما يوزن فيما يكال، وما يكال فيما يوزن.(6)

والسند ضعيف بوهب بن وهب أبي البختري، وأمّا المناقشة(7) في الدلالة بأنّها وردت في بيع السلف فلا تجري في غيره من بيع النقد، فلا تتم لعدم احتمال الفرق بين السلف وغيره من هذه الجهة.

وعلى أيِّ حالٍ عبرنا عن الرواية بالتأئيد لضعف السند.

وأمّا كون الوزن أصلاً في التقدير كما ذهب إليه سيّد الرياض والشيخ الأعظم(8)وقبل منهما السيّد الخوئي(9) قدس سرهم ، فمضافا إلى عدم قبول الأصلية وعدم الدليل عليه،

ص: 121


1- اللمعة الدمشقية /113.
2- الروضة البهية 3/266.
3- مفاتيح الشرائع 3/53.
4- الحدائق 17/474.
5- وسائل الشيعة 17/342، ح2 و 3.
6- وسائل الشيعة 18/296، ح1، الباب 7 من أبواب السلف.
7- كما تظهر من سيّد الرياض في كتابه رياض المسائل 8/238؛ والشيخ الأعظم رحمه الله في المكاسب 4/220.
8- رياض المسائل 8/238؛ والمكاسب 4/223.
9- التنقيح في شرح المكاسب 2/373.

اُورد(1) عليه: إنّما قدّر رسول اللّه

صلى الله عليه و آله الوزن أوّلاً ثمّ فرّع عليه الكيل، «وأمّا بعد جريان العادة بكيل هذا ووزن ذاك فلا ينفع كونه أصلاً في رفع الغرر، فتأمل»(2).

وبالجملة: أنّه صلى الله عليه و آله «قدّر الوزن أوّلاً ثمّ فرّع عليه الكيل» دون إثباته خرط القتاد.

وبما ذكرنا ظهر عدم تمامية مقالة ابن ادريس(3) من نفي الخلاف عن عدم جوازه.

والحاصل: لا بأس بتعيين مقدار الموزون بالكيل وكذا بالعدّ إذا خرج البيع بهما عن الجزافة فلا بأس بهما.

3 و 4- تعيين مقدار المكيل بالوزن والعدّ

ذهب الشيخ في المبسوط(4) إلى جواز بيع المكيل بالوزن وظاهر الشرائع(5) أيضا جوازه واستوجهه صاحب المسالك(6).

وذهب فخر المحقّقين(7) بحصول التقدير وانتفاء الغرر بكل من الكيل والوزن، ويرى الوزن أصل الكيل وبأنّ كلّ واحد منهما أصل ويتفاوت بأحدهما مع تقديره بالآخر.

وقال الفقيه العاملي رحمه الله : «الاجماع منقول ومعلوم على جواز بيع الحنطة والشعير وزنا مع الإجماع على كونهما مكيلين في عهده صلى الله عليه و آله ، ولعلّ هذا مخصّص لما سيأتي مندعوى الأجماع على أنّ المدار على ما عهد في زمان الشارع كما في المبسوط(8)»(9).

ص: 122


1- المورد هو صاحب مفتاح الكرامة 13/32.
2- مفتاح الكرامة 13/32.
3- السرائر 2/321.
4- المبسوط 2/182.
5- الشرائع 2/11.
6- المسالك 3/177.
7- إيضاح الفوائد 1/463.
8- المبسوط 2/90.
9- مفتاح الكرامة 13/33.

وقال الشيخ الأعظم: «الظاهر جواز بيع المكيل وزنا على المشهور، كما عن الرياض(1)؛ لأنّ ذلك ليس من بيع المكيل مجازفةً، المنهيّ عنه في الأخبار(2) ومعقد الإجماعات؛ لأنّ الوزن أضبط من الكيل، ومقدار ماليّة المكيلات معلومٌ به أصالةً من دون

إرجاعٍ إلى الكيل.

والمحكي - المؤيّد بالتتبّع - : أنّ الوزن أصلٌ للكيل، وأنّ العدول إلى الكيل من باب الرخصة؛ وهذا معلوم لمن تتبّع موارد تعارف الكيل في الموزونات.

ويشهد لأصالة الوزن: أنّ المكاييل المتعارفة في الأماكن المتفرّقة - على اختلافها في المقدار - ليس لها مأخذ إلاّ الوزن؛ إذ ليس هنا كيلٌ واحدٌ يقاس المكاييل عليه»(3).

أقول: نعم، بيع المكيل بالوزن ليس من بيع المكيل مجازفة فيخرج من تحت صحاح الثلاث للحلبي الماضية عنوانها في كلام الشيخ الأعظم، فإذا لم يكن مجازفة، يقع صحيحا لما مرّ منّا من أنّ الملاك في صحة البيع خروج المثمن والثمن من مجازفة بدلالة هذه الصحاح الثلاثة.

مضافا إلى دلالة موثقة سماعة(4) الماضية على أنّ المكيل والموزون يجوز بيعه بكل منهما من الكيل والوزن، ولابدّ من تعيين المقدار بأحدهما لا على التعيين.

وهذه الموثقة لا تكون مجملة وكذلك ليست بظاهرة في اللف والنشر المرتب بمعنى أنّ الكيل لابدّ في المكيل والوزن في الموزون كما عليها السيّد الخوئي(5) رحمه الله. لأنّ المعتبر خروج المثمن عن المجازفة فكما أنّ الكيل يخرجه عن المجازفة فكذلك الوزن بل العدّ أيضا.

ص: 123


1- الرياض 8/237 من طبعة آل البيت.
2- وسائل الشيعة 17/341 و 342، ح1 و 2 و 3 صحاح الحلبي، الباب 4 من أبواب عقد البيع وشروطه.
3- المكاسب 4/222 و 223.
4- وسائل الشيعة 17/345، ح7.
5- التنقيح في شرح المكاسب 2/373.

ويؤيد ما ذكرنا معتبرة عبدالرحمن بن أبي عبداللّه قال: سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الرجل يشتري بيعا فيه كيل أو وزن بغيره ثمّ يأخذ على نحو ما فيه؟ قال: لا بأس به.(1)

بناءً على شمول عدم البأس على نحو الأوّل أيضا لأنّ الإمام عليه السلام لم يتذكر أن البيع في المكيل بغير الكيل وفي الموزون بغير الوزن باطل، بل ذكر أن الرجوع إلى الأوّل صحيح يعني البيع في المكيل بالكيل وفي الموزون بالوزن. وسندها معتبر بالقاسم بن محمّدالجوهري. لأنّ النجاشي(2) ذكره ولم يطعن عليه.

والحاصل: الظاهر جواز تعيين مقدار المكيل بالوزن وكذلك بالعدّ لخروج البيع بهما عن عنوان المجازفة واللّه العالم.

5 و 6- تعيين مقدار المعدود بالوزن والكيل

هل يجوز تعيين مقدار المعدود بالوزن والكيل على نحو الاستقلال من دون أن يجعلا طريقا إلى العدّ أم لا؟ أو فيه تفصيل بين الجواز في الوزن وعدمه في الكيل كما يظهر

من الشهيدين(3) وصرح به الشيخ الأعظم(4).

وذلك بعد وضوح جواز بيع المعدود بالوزن والكيل إذا كانا طريقان إلى العدِّ، لأنّهما حينئذ يرجعان إلى العدّ وبيع المعدود بالعدِّ صحيح بلا اشكال.

ويدلّ على الأخير صحيحة الحلبي عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه سُئل عن الجوز لا نستطيع أن نعدّه فيكال بمكيال ثمّ يعد ما فيه، ثمّ يكال ما بقي على حساب ذلك العدد؟ قال: لا بأس به.(5)لا يقال: ظاهر الصحيحة أنّ السائل كان يعتقد عدم جواز بيع المعدود بغير العدّ في

ص: 124


1- وسائل الشيعة 17/342، ح4.
2- رجال النجاشي /315، رقم 862. قال: «كوفي سكن بغداد روى عن موسى بن جعفر عليه السلام له كتاب».
3- اللمعة /113؛ والروضة البهية 3/266.
4- المكاسب 4/225.
5- وسائل الشيعة 17/348، ح1، الباب 7 من أبواب عقد البيع وشروطه.

حال الاختيار فلذا سأل الإمام عليه السلام عن صورة عدم استطاعة العدّ والاضطرار إلى الكيل، والإمام قرّره على ذلك.

لانا نقول: الإمام عليه السلام لم يأخذ اعتقاد السائل - أيّ شيءٍ كان - في جوابه ولم يقيد جوابه بشيء، فالجواب مطلق يشمل حال الاضطرار وغيره.

ومن المعلوم أنّ الجواب لا يختص بالجوز فقط ويجري في غيره من المعدودات وكذلك لا يختص بالكيل فقط بل يجري في الوزن إذا كان طريقا إلى العدّ، فالصحيح تدلّ على صحة بيع المعدود بالوزن والكيل إذا كانا طريقان إلى العدّ.

وأمّا إذا كان الوزن والكيل في المعدود على نحو الاستقلال:

قد مرّ أنّ الشيخ الأعظم(1) ذهب إلى جواز بيع المعدود بالوزن دون الكيل لأنّ الوزن أضبط من العدّ.

واختار السيّد الخوئي رحمه الله عدم الجواز مطلقا لأنّ «المالية في المعدودات إنّما هي بالعدّ كما أنّها في المكيل بالكيل وفي الموزون بالوزن، إذا الميزان في مالية كلّ شيء بحسبه، وهذه المالية لا تعلم في المعدود إلاّ بالعدّ لا بالكيل والوزن لأنّ الكيل أو الوزن لا يعيّنان مقداره حتّى يعلم به ماليته، فتكون المعاملة في المعدود بالكيل والوزن جزافية لما مرّ من أنّ الجزاف عبارة عن عدم العلم بمقدار مالية المال، هذه كلّه في المكيل والموزون والمعدود»(2).

أقول: قد ظهر ممّا ذكرنا واستفنا من صحاح الحلبي(3) أنّ المدار في صحة البيع عدم مجازفية المثمن والخروج عن المجازفة كما يحصل بالعدّ في المعدودات وكذلك يحصل بالوزن والكيل أيضا فيكون البيع صحيحا بالوزن والكيل في المعدودات.

ولذا ذهب الاستاذ المحقّق - مدظله - إلى صحة البيع كذلك بل في جميع الصور الماضية وقال: «الأخبار الواردة باعتبار الكيل والوزن والعدّ، إنّما هي إشارة إلى قضيّة

ص: 125


1- المكاسب 4/225.
2- التنقيح في شرح المكاسب 2/377.
3- وسائل الشيعة 17/341 و 342، ح1 و 2 و 3.

عقلائيّة مبنيّة عليها تجارة العقلاء ومعاملاتهم اليوميّة، ألا وهي لزوم أن يحلّ مكان المبيع المدفوع أو الثمن المقبوض ما يسدّ فراغهما بنفس المقدار، ولا يتحقّق ذلك إلاّ من خلال معرفة المقدار، فيكون الكيل والعدّ والوزن طرقا عقلائيّة لرفع الجهالة ووسيلة لتحقّق الإطمئنان من عدم الخسارة نتيجة لوقوع المعاملة الجزافيّة، ولذلك فلا موضوعيّة للعدّ فيما لو استطاع أحد المتعاملين رفع الجهالة عن المعدود بالكيل أو الوزن، ومقتضى القاعدة هو الحكم بالصحّة»(1).

وبالجملة: نذهب إلى صحة جميع الصور الستة إذ بها يعرف مقدار مالية المثمن ويخرج بها البيع عن المجازفة فيحكم بصحته واللّه العالم.

فرع آخر: ما هو المناط في كون الشيء من المكيل أو الموزون؟

قال الشيخ: «المماثلة شرط في الربا وإنّما يعتبر المماثلة بعرف العادة بالحجاز على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم فإن كانت العادة فيه الكيل لم يجز إلاّ كيلاً في ساير البلاد وما كان العرف فيه الوزن لم يجز فيه إلاّ وزنا في ساير البلاد، والمكيال مكيال أهل المدينة، والميزان ميزان أهل مكّة هذا كلّه لا خلاف فيه.

فإن كان ممّا لا يعرف عادته في عهد النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم حمل على عادة البلد الّذي فيه ذلك الشيء فإذا ثبت ذلك فما عرف بالكيل لا يباع إلاّ كيلاً، وما كان العرف فيه وزنا لا

يباع إلاّ وزنا»(2).

قال السيّد العاملي بعد نقل كلام الشيخ الطوسي: «وذلك كلّه خيرة التذكرة(3) ونهاية الإحكام(4) و [القواعد(5)] والمختلف(6)

ص: 126


1- العقد النضيد 5/271 و 272.
2- المبسوط 2/90.
3- تذكرة الفقهاء: في العوضين 10/196-195.
4- نهاية الإحكام: في الربا 2/545.
5- قواعد الأحكام: في الربا 2/61.
6- مختلف الشيعة: في الربا 5/98.

وحواشي الشهيد(1) والمسالك(2) وغيرها(3). وهو المنقول عن القاضي(4)، قالوا: لأنّ ما انتفى فيه عرفه يحكم فيه بالعرف، ولا ريب أنّ كلّ بلد له عرف خاصّ فيصرف إطلاق الخطاب إليه. وقضية ذلك أنّه لو اختلف البلدان فلكلّ بلدٍ حكم نفسه، كما نصّ على ذلك في الشرائع(5) و [القواعد(6)] والتذكرة(7) ونهاية الإحكام(8) والمسالك(9) وغيرها(10).

وفي المقنعة: إذا كان الشيء يباع بمصر من الأمصار كيلاً أو وزنا ويباع في مصر آخر جزافا فحكمه حكم المكيل والموزون، وإن اختلف كان الحكم فيه حكم الأغلب والأعمّ. وقضيته أنّه لا يعطي كلّ بلدٍ حكم نفسه بل يحكم فيه الأغلب(11). وهو خيره السرائر(12) وقوّاه في الإيضاح(13).وفي النهاية(14) والمراسم(15) رجّح جانب الكيل أو الوزن على الجزاف غلب أم لم يغلب. قال في النهاية: إذا كان الشيء يباع في بلد جزافا وفي بلد آخر كيلاً أو وزنا فحكمه

ص: 127


1- لم نعثر عليه في الحواشي الموجودة لدينا.
2- مسالك الأفهام: في الربا 3/323.
3- كرياض المسائل: في الربا 8/282.
4- الناقل عنه هو الطباطبائي في رياض المسائل: في الربا 8/282.
5- شرائع الإسلام: في الربا والقرض 2/45.
6- قواعد الأحكام: في الربا 2/61.
7- تذكرة الفقهاء: في العوضين 10/198.
8- نهاية الإحكام: في الربا 2/545.
9- مسالك الأفهام: في الربا 3/324.
10- كمجمع الفائدة والبرهان: في الربا 8/477.
11- المقنعة: في الواحد بالاثنين... /605-604.
12- السرائر: في الربا و... 2/263.
13- إيضاح الفوائد: في الربا 1/476.
14- النهاية: في الربا و... /378.
15- المراسم: في بعى الواحد بالاثنين... /179.

حكم المكيل أو الموزون في تحريم التفاضل، انتهى.

هذا وما عرف أنّه كان مقدّرا في عهده صلى الله عليه و آله وسلم بأحدهما وجهل اعتباره احتمل فيه التخيير وتعيّن الوزن، لأنّه أضبط. وهو خيرة التذكرة(1). واحتمل في نهاية الإحكام الكيل، لأنّه أغلب في المطعومات في عصره صلى الله عليه و آله وسلم. ولو عرف أنّه يكال مرّة ويوزن أُخرى فالوجه التخيير بينهما، ويحتمل الرجوع إلى عادة أكثر البلاد كما في نهاية الإحكام أيضا. وفيها أيضا: لو أخذت النّاس خلاف ما عهد في زمانه صلى الله عليه و آله وسلم لم يعتدّ به بل بالمعهود.(2) قلت: ذلك قضية كلامهم، وظاهرهم الإجماع عليه كما هو ظاهر المبسوط كما سمعت.

والمراد بما في عهده ما ثبت علمه به أو تقريره، ويحتمل ما كان عادة في زمانه مطلقا. ولو لا ما يظهر من دعوى الإجماع لأمكن القول بالحوالة إلى العرف مطلقا كما حكي عن أبي حنيفة(3)، لأنّه العادة في الأحكام الشرعية كالقبض والحرز والمأكول والملبوس الّذي لا يجوز السجود عليه في الصلاة لكن الإجماع واجب الاتّباع، فالمدار على ما عهد في زمانه، ولا تغفل عن إجماع المسالك(4) وتأمل.

وقد قطع جماعة(5) وادّعى الإجماع بل إجماع الاُمّة في التذكرة أنّ أربعة كانت مكيلة في عهده صلى الله عليه و آله وسلم، وهي الحنطة والشعير والتمر والملح(6). واستثنى في التذكرة(7) ونهاية الإحكام(8) ما يتجافى منه في المكيال كالقطع الكبار من الملح فيباع وزنا لذلك.

ص: 128


1- تذكرة الفقهاء: في العوضين 10/195 و 201.
2- نهاية الإحكام: في الربا 2/546-545.
3- الهداية للمرغياني 3/62.
4- مسالك الأفهام: في أحكام الربا 3/317.
5- منهم الأردبيلي في المجمع: في السلف 8/348؛ والشهيد الثاني في المسالك: في الربا3/323؛ والبحراني في الحدائق: في الربا 19/255.
6- تذكرة الفقهاء: في العوضين 10/195-194.
7- تذكرة الفقهاء: في العوضين 10/195-194.
8- نهاية الإحكام: في الربا 2/546.

واحتمل في الأخير سحقه.

والظاهر أنّ الوزن أيضا ثابت بالإجماع في الذهب والفضّة كما هو ظاهر التذكرة(1) في باب الربا، وقد طال بنا الكلام لأمرٍ اقتضاه المقام»(2).

أقول: ظاهر كلام الأصحاب وجود الإجماع على أنّ المناط في كون الشيء من المكيل أو الموزون هو الحجاز في عصر الرسالة ففي كلّ مورد ظهر لابدّ من الأخذ به وإلاّ يرجع في كلِّ مصر إلى عرفه الخاص أو إلى حكم الأغلب والأعم على خلاف بين الشيخين الطوسي والمفيد .

واعترف بما ذكرنا الشيخ الأعظم(3) ولكن ناقشهم صاحب الجواهر وقال: «ودعوى: الإجماع هنا على كون المدار على زمان النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم على الوجه الذي عرفته، غريبة، فإنّي لم أجد ذلك في كلام أحد من الأساطين فضلاً عن أن يكون إجماعا.

نعم، قد ذكروا ذلك بالنسبة إلى حكم الربا تسمعه في محلّه، لا أنّه كذلك أيضا بالنظر إلى الجهالة والعلم والغرر وعدمه، الذي من المعلوم عدم المدخليّة لزمانه صلى الله عليه و آله وسلم في رفع شيء من ذلك وإثباته»(4).

اعتراض الشيخ الأعظم على صاحب الجواهر

اعترض الشيخ الأعظم عليه بأنّه: «إذا كان الموضوع للمسألتين عنوانا واحدا وذكروا في احدى المسألتين معيارا أو تفسيرا لذلك الموضوع وتركوا تفسيره وبيان معياره في المسألة الاخرى فان كان المعيار في المقام الذي تُرك فيه البيان غيره في المقام

الذي تعرضوا له لزم الابهام والاهمال في الاحكام الشرعية التي لا تقوم إلاّ بموضوعاتهاوصار ذلك منهم اغراءَ بالجهل فحيث تركوا البيان في المقام الآخر علم أنّ مرادهم

ص: 129


1- تذكرة الفقهاء: في الربا 10/146.
2- مفتاح الكرامة 13/37-35.
3- المكاسب 4/226.
4- الجواهر 23/686 (22/427).

بالعنوان هو ذلك المفسَّر»(1). واستشهد بكلام جماعة من الأصحاب.

وبعبارة أوضح: أنّ هنا فرعان:

«الأوّل: جريانُ الرّبا المعاوضيّ في المكيل والموزونِ ان كانا من جنسٍ واحدٍ.

الثاني: لا يجوزُ بيع المكيل إلاّ بالكيل ولا يجوزُ بيع الموزون إلاّ بالوزن يعني يشترط في صحّة المعاملة بها، الكيل في المكائيل والوزن في الموزوناتِ.

الظّاهر: انّ الموضوع في هذين الحكمينِ واحد فما هو المراد من المكيل و الموزون هنا هو المرادُ من المكيل والموزون هُناك بل يستفاد من كلمات بعض الفقهاء مثل المحقّق في الشّرائع(2) في باب الرّبا انّ مضافا إلى اتّحاد الموضوع في الحكمينِ، انّ بين الحكمين طوليّةٌ يعني حكم مسألتنا مأخوذةٌ في تلك المسألة.

ففي مسألتنا نقول: انّ المكيل ووالموزونَ لا يصّح بيعه بلاكيلٍ ولا وزنٍ وأمّا في تلك المسألة يكون الموضوع هكذا: «كلّ مكيلٍ وموزونٍ لا يصّح بيعه بلاكيلٍ ولا وزنٍ فهو

ممّا لا يجري فيه الرّبا هذا فيما كان معلوما من كونه مكيلاً أو مُوزونا.

وأمّا فيما إذا لم يعلم الحالُ بأنّه هل هو من المكيل أو الموزون من زمن رسول اللّه وعصره صلى الله عليه و آله أو لم يكن موجودا أصلاً في زمن رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فيرجع إلى أكثريّة البلاد والعرفِ العامِّ فان كانت البلاد تختلفُ يعني في بعض البلاد يكون البطّيخُ مثلاً موزونا وفي بعضٍ آخر كان مكيلاً فلكلّ بلدٍ حكمهُ.

بالجملة: الميزانُ في مصاديق المكيل والموزون أوّلاً بلدُ النّبيِّ وعصره صلى الله عليه و آله ان كان معلوما وان لم يعلم حال الجنس في ذلك العصر وفي ذلك المصر، فيرجع إلى عموم العامّ وأكثريّة البلاد وان كانت البلادُ مختلفةً، فَلِكلّ بلدٍ، حُكمُه والدّليل على ذلك كما قرّره المحقّق الأردبيلي رحمه الله وصاحب الحدائق رحمه الله وغيرهما من المحقّقين، ما قرّر في علم الأصول من انّ المتكلّم ان كان له اصطلاحٌ خاصٌّ يعني لو كانت له حقيقةٌ شرعيّةٌ فيحمل

ص: 130


1- غاية الآمال 7/240.
2- الشرائع 2/45.

عليها وان لم تكن له حقيقةٌ شرعيّةٌ فيُحمل على لُغةِ العرف العامّ وان لم تكن لغةُ العرف العامّ فيحمل على العرفِ الخاصِّ»(1).

تحرير محل النزاع

«ليس الكلامُ، في معنى كلمة المكيلِ أو الموزونِ وليس في المرادِ الاستعماليِّ منهما بانّه هل اراد المتكلّمُ بذلك، الحقيقة الشّرعيّة أو المعنى اللّغويّ أو العرف الخاصّ بل معنى الكلمة، معنىً واضحٌ لم يختلف فيه احدٌ، انّما الكلامُ في ميزانِ المَكيل، هل أراد

المتكلّم من المكيل، المكيلُ في زمان المتكلّم يعني أراد من القضيّة، القضيّةُ الخارجيّة يعني المراد من المكيل، الحنطة والشّعير ونحوهما فهو من قبيل القضايا الخارجيّة أو كان

ما يكالُ وما يوزن من قبيل القضايا الحقيقيّة يعني كلّما كان موزونا أو مكيلاً [في] أيّ عصرٍ وأيّ مصرٍ.

والظاهرُ أنّ في التّشريعيّات سواءٌ كانت شرعيّة أو غير شرعيّةٍ يراد من القضيّةِ، القضيّة الحقيقيّة لا القضيّة الخارجيّة والشّخصيّة.

ومن شأنِ القضيّة الحقيقيّة، انْ تتبدّل كلمةٌ، بتبدّل موضوعها حيث قالوا انّ الأحكام تابعةٌ للأسماء وحتّى في مورد الأشخاص أيضا وليس لنا، الدّاعيّ في مراعاة زمان النّبيّ صلى الله عليه و آله وآداب زمانه صلى الله عليه و آله ولا يرجع في أيِّ موردٍ من موارد الأحكام إلى العصر السّابقِ لأنا نقول: انّ القضايا، القضايا الحقيقيّة والمصاديقُ، يختلف في البلاد والأزمان و

الأعصار.

وما ورد في قوله تعالى، «لَقَدْ كانَ لَكُمْ في رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ»(2) راجعٌ إلى الطّريقيّةِ لا أنّه راجع إلى العاديّات [التي] تابعة إلى مجاريها»(3).

ص: 131


1- تحقيق وتقريرات في باب البيع والخيارات 5/215.
2- سورة الأحزاب /21.
3- تحقيق وتقريرات في باب البيع والخيارات 5/216.

القول المختار في المقام

«ذكر المشهور أن المدار في كون الشيء مكيلاً أو موزونا ما هو المتعارف في زمان الشارع، فإنّ ما كان مكيلاً في زمانه فمكيل إلى يوم القيامة وما كان موزونا في زمانه فموزون إلى يوم القيامة وكذلك المعدود.

وأمّا الأشياء التي لم تكن في زمانه من قبيل المكيل والموزون، أو المعدود فلمدار فيها ما هو المتعارف في العرف العام، وإلاّ فما هو المتعارف في كلّ بلد، وذكروا ذلك أيضا في بيان الجنس الربوي.

ولكن القول بهذا الرأي وحمل الأخبار الواردة في المسألة عليه يستلزم الالتزام بأمر مستحيل فانه إذا كان المدار في كون الشيء مكيلاً أو موزونا أو معدودا هو زمان الشارع وزمان الأئمة عليهم السلام كانت القضية خارجية، وعليه فما يتعارف كيله أو وزنه في ذلك الزمان لا يدخل تحت أحد العناوين إلى يوم القيامة.

وإذا كان المدار فيها متعارف كلّ زمان، بل كلٌّ بلد من غير توجه إلى ما هو المتعارف في زمان الشارع كانت القضية حقيقية وعليه فما هو مكيل في زمان الشارع يمكن أن يكون موزونا في زمان آخر وبالعكس، بل قد يكون معدوداا وعلى هذا فعرف كلّ زمان هو الميزان في تعيين المكيل والموزون والمعدود.

والجمع بين الأمرين في إنشاء واحد مستحيل فانَّ النظر في القضية الخارجية إلى دخل الخصوصيات الخارجية في الإنشاء وعدم كونه على نحو والإطلاق ولا بشرط والنظر في القضية الحقيقية إلى فرض الموضوع مفروض الوجود وجعل الحكم عليه من غير أن تكون الخصوصيات الخارجية دخيلة في الجعل والانشاء، فحمل الروايات على ما ذكره المشهور حمل على أمر محال كما لا يخفى.

بل، الظاهر منها هو الثاني وأنّها كسائر القضايا ليست إلاّ حقيقية وتخصيصها بالقضية الخارجية يحتاج إلى عناية زائدة فظهور الروايات يدفعها وعليه فالميزان في المكيل والموزون والمعدود هو العرف في كلِّ زمان إلاّ إذا قام اجماع أو ورد نص خاص على اعتبار الكيل مثلاً في جنس خاص كما ورد النص بجريان الربا في الدراهم والدنانير

ص: 132

مطلقا وإن كانتا من المعدودات فلو باع أحد درهما بدرهمين فتكون المعاملة ربوية مع أنّ الدراهم من المعدودات في زماننا بل في كلّ زمان كما دلّت عليه رواية [عبدالرحمن بن حجاج(1)].

وبالجملة: أنّ الظاهر من قوله عليه السلام: «ما كان من طعام سميّت فيه كيلاً فلا يصلح مجازفة»(2) وكذا غيره من الروايات الدالة على اعتبار الكيل والوزن في المكيل والموزون هو كون القضية حقيقية بحيث يكون الميزان كون الشيء مكيلاً أو موزونا في أي زمان كان.

والحاصل من أوّل المسألة المشهور بين الفقهاء أنّ العبرة في التقدير بزمان النبي صلى الله عليه و آله فما كان مكيلاً أو موزونا فيلحق بهما حكمهما إلى يوم القيامة وما لم يتعارف وزنه أو كيله في زمانه صلى الله عليه و آله فالعبرة فيه بما اتفق عليه البلاد وإن لم يتفق عليه البلاد فالعبرة فيه بما تعارف في كلّ بلدة بالنسبة إلى نفسها.

وقد ذكرنا أنّ هذا الذي ذكره المشهور مشكل، بل مستحيل فان الالتزام بأنّ ما تعارف في زمان النبي صلى الله عليه و آله كونه مكيلاً أو موزونا كذلك إلى الأبد سواء خرج عن كونهما مكيلاً أو موزونا أم لا، يقتضي كون القضية خارجية ثمّ الالتزام فيما لم يتعارف وزنه أو

كيله في ذلك الزمان بكون الميزان فيه العرف العام أو العرف الخاص يقتضى كون القضية حقيقية فهما لايجتمعان في إنشاء واحد فإنَّ النظر في القضية الخارجية إلى الأفراد الخارجية فقط، وثبوت الحكم لها إلى الأبد أي مادام موجودا وفي القضية الحقيقية إلى وجود الموضوع مطلقا وكونه مفروض الوجود بحيث أنّه في أيّ زمان تحقّق صدق عليه حكمه وفي أيّ زمان خرج عن كونه مكيلاً أو موزونا يرتفع عنه الحكم سواء كان مكيلاً في زمان الشارع أم لم يكن كما إذا ثبت وجوب الاكرام على العلماء فإنّه يدور مدار صدق موضوع في أيّ زمان وجودا وعدما فلو كان شخص عالما ثمّ نسى علمه يرتفع عنه

ص: 133


1- وسائل الشيعة 18/187، ح7 صحيحة عبدالرحمن بن حجاج.
2- وسائل الشيعة 17/343 و 344، ح1 و 2 و 3 صحاح الحلبي.

وجوب الاكرام.

وعلى هذا فلا مناص عن حمل الروايات الواردة في المسألة إمّا على القضية الحقيقية أو على القضية الخارجية، ولكن الظاهر منها كون القضية الحقيقية إذ لا خصوصية للأشياء التي كانت مكيلاً أو موزونا في زمان النبي صلى الله عليه و آله أو زمان الأئمة عليهم السلام وانّما النظر فيها إلى بيان حكم كلّ ما يتعارف فيه الكيل والوزن ويدلّ على ذلك قوله عليه السلام : «وما من طعام سميّت فيه كيلاً أو وزنا لا يجوز بيعه مجازفة»، وعليه ما تعارف كيله أو وزنه في زمان الشارع إن بقي على حاله فلحقه حكمه وإلاّ فالمتبع فيه حكم ما صدق عليه العنوان في كل زمان بل في كلّ بلد فلو كان الشيء مكيلاً أو موزونا في بلد ومعدودا في بلد آخر فلحقه في كلّ بلد حكمه على النحو المتعارف،نعم لو كان هنا نص أو اجماع تعبدي مصطلح ليكون كاشفا عن رأي المعصوم على مقالة المشهور فيلتزم به كما ورد النص بكون الدراهم والدنانير ربويّا مطلقا ولكن الأمر ليس كذلك أمّا النص فمعدوم وأمّا الاجماع فغير متحقق فإن أغلب القائلين بذلك، بل كلهم عللوا كلامهم بانصراف الأدلة والروايات المتقدمة إلى زمان من صدر منه الحكم ولا يشمل غير زمانه فكشف الاجماع التعبدي من مثل هذه الكلمات من الأُمور الصعبة.

فتحصل أنّ الميزان في كون الشيء مكيلاً أو موزونا هو ما صدق عليه المكيل والموزون في أيّ زمان كان فإنّه حينئذ لحقه حكمه.

[بقي هنا شيء]: ومن هنا ظهر أنه لو عاملاّ في بلد وكان المبيع في بلد آخر فالعبرة ببلد فيه وجود المبيع كما ذكره [الشيخ الأعظم(1)] لصدق عنوان المكيل أو الموزون أو المعدود عليه فلحقه حكمه.

ولو تعاقدا في الصحراء رجعا إلى حكم بلدهما، ولو تعاملاّ في البر بين البلدين واختلف عرفهما في كون ذلك الشيء من المكيل أو الموزون وشك في لحقوه بهما فيرجع إلى عمومات صحة العقد فإنّ المقدار الثابت من المخصص إنّما كان مكيلاً أو موزونا أو

ص: 134


1- المكاسب 4/238.

معدودا لا يجوز بيعه مجازفة وهذا المتاع الموجود في الصحراء ليس بمكيل قطعا لعدم لحوقه بإحدى البلدين كما يكفى في عدم المكيلة عدم اللحوق وعلى هذا فيتمسك بالعمومات فيحكم بصحة المعاملة عليه مجازفة فلا يكون من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية لعدم كون الشك في كونه مكيلاً أو موزونا وإنّما الشك في اعتبار الشارع الكيل هنا وإلاّ فهو ليس بمكيل قطعا كما عرفت»(1).

أقول: هذا كله بناءً على ما هو المشهور من وجوب تعيين مقدار المكيل بالكيل والموزون بالوزن والمعدود بالعدّ، أمّا بناءً على مختارنا من أنّ البيع لابدّ أن لا يكون

جزافيا فقط فيمكن تعيين مقدار كلّ منها بالأُخرى، فهذا البحث لا يجري أصلاً ونحن في غنىً عنه والحمدللّه أوّلاً وآخرا.

ص: 135


1- مصباح الفقاهة 5/344-341 ونحوها في التنقيح في شرح المكاسب 2/(380-378).

مسألة: حكم بيع المشاهَد

قال في القواعد: «وتكفى المشاهدة في الأرض والثوب وإن لم يُذرعا»(1).

وقال الجدّ في شرحه: «(وتكفي المشاهدة) وما يقوم مقامها من الوصف في مختلِف الأجزاء(2) ممّا يكون الغرض متعلّقا، بهيأته، لا بثقله بحسب الوزن وخفّته ولا بنقصه بحسب الكيل وزيادته ولا بعدّه ومساحته، أو ما لا يكون لأجزائه بعد التفريق لياقة للاجتماع على نحو ما كانت، والأوّل أولى، لجريانه (في الأرض والثوب) وهو مطلق اللّباس، دون الثاني، فإنّه لا يعمّ الأرض مع احتسابها من مختلف الأجزاء إلاّ بتكلّف، فيجوز بيعهما إنْ ذرعا (وإنْ لم يذرعا) لأنّ اختلاف الأجزاء باعث على الاكتفاء بالمشاهدة كما في البهائم والغروس(3) والظروف ونحوها، إذْ ليس مدار الرغبة فيها غالبا على ثقل الموازين وخفّتها، ولا على كبر المكائيل وصغرها، ولا على عدّها ومساحتها، فيرتفع الغرر بالمشاهدة(4)، وتبقى في العقود أو العمومات في الأنواع الخاصّة منها على

ص: 136


1- القواعد 2/22.
2- قال الفاضل المقداد، في: التنقيح الرائع 2/28: «مختلف الأجزاء هو: ما لا يساوي جزؤه كلّه في الحدّ والاسم. متفقها: ما يساوي جزؤه كلّه في الحدّ والاسم. مثال الأوّل: الثوب والعبد والفرس. ومثال الثاني: السمن والعسل والفضّه والذهب».
3- جمع الغَرْس: الشجر الذي يغرس.
4- كلمة: بالمشاهدة لم ترد في بعض النسخ.

حالها خالية عن المعارض(1)، وللإجماع المنقول في: التذكرة(2). وما نُقل منه في غيرها على خصوص الثوب(3)، أو عليه وعلى الأرض(4)؛ ربّما اتحد مع ما فيها بإرادة المثال.

وفي طريق الأولوية وتنقيح المناط كفاية. ولا يُنظَر إلى الخلاف في سَلَم: الخلاف(5)، و: المبسوط(6)، على أنّ في مسألة بيع الصبرة من الأخير(7) موافقة لمورد الشهرة. كما لا يُنظر إلى نظر: المختلَف(8)، واحتياط: الشرائع(9). وخلاف الحلبي(10) - لو صحّ(11) - لا يبعث على التردّد في الصحّة.

والحقّ انّ قاعدة الغرر متينة، لا يسوغ هدمها إلاّ بأقوى منها، وأنّى لنا بذلك، فيدور

ص: 137


1- العبارة في بعض النسخ كما يلي: (وتبقى العمومات في العقد على عمومها أو [و] في الأنواع الخاصّة منها خالية عن المعارض).
2- تذكرة الفقهاء 10/84، مسألة 47. قال الماتن: فيها «لو باع مختلف الأجزاء مع المشاهدة صحّ، كالثوب والدار والغنم، بالإجماع».
3- كما في: المبسوط 2/76؛ والسرائر 2/241. ففيهما: «فأمّا بيع الأعيان المرثية فهو أن يبيع الإنسان عبدا حاضرا، أو ثوبا مشاهدا، أو عينا من الأعيان مشاهدة حاضرة، فيشاهد البائع والمشتري ذلك، فهذا بيع صحيح بلا خلاف».
4- كما في: مفاتيح الشرائع 3/54، مفتاح 901. وفيه: «يجوز بيع مثل الثوب والأرض مع االمشاهدة وإن لم يُمسحا، للأصل، والإجماع إلاّ من ظاهر: الخلاف، والحلبي. وهو شاذ».
5- الخلاف 3/198، مسألة 4. وحكاه عنه الماتن، في: مختلف الشيعة 5/138، 265؛ والشهيد الأوّل، في: الدروس الشرعية 3/198؛ والفيض الكاشاني، في: مفاتيح الشرائع 3/54.
6- المبسوط: 1702. وحكاه عنه الماتن، في: مختلف الشيعة 5/138.
7- المبسوط 2/152. وأوضح ذلك الماتن، في: مختلف الشيعة 5/245.
8- مختلف الشيعة 5/138، حيث قال: «وعندي في ذلك نظر».
9- شرائع الإسلام 2/18. ففيها: «ويجوز بيع الثوب والأرض مع المشاهدة وإن لم يُمسحا. ولو مُسحا كان أحوط».
10- الكافي في الفقه /354. وحكاه عنه الماتن، في: مختلف الشيعة 5/265؛ والفيض الكاشاني، في: مفاتيح الشرائع 3/54.
11- كأنّه تشكيك في دلالة كلامه على الخلاف في المسألة.

الحكم مدارها. فما كان من الثياب مخيطا يُطلب وصفه لا ذرعه، ومن الأرض تُطلب فسحته لا ذرعته، ومن البهائم تُطلب هيأة اجتماعه لا عدده؛ لا يتوقّف بيعه على ذرع أو عدّ. وما بُني على المداقّة فلابدّ من ذلك فيه»(1).

وقال السيّد العاملي في شرحه: «اجماعا كما في التذكرة قال: لو باع مختلف الأجزاء مع المشاهدة صحّ كالثوب والدار والغنم بالإجماع.(2) قال الشهيد في حواشيه: لأنّ الثلاثة أجزاءها مختلفة، والأقوى الجواز إذا لم يكن كثيرا بحيث يمكن استعلامه من

بعض الوجوه لا ما يكون كثيرا يعسر الاطّلاع عليه، انتهى. وفي المبسوط(3) والسرائر(4) بيع الثوب المشاهد صحيح بلاخلاف.

وفي المفاتيح(5) تكفي المشاهدة في الأرض والثوب، للأصل والإجماع إلاّ من المبسوط والخلاف و [أبي صلاح تقي الدين] الحلبي، وهو شاذّ.

قلت: لم ينقل الخلاف عن الحلبي غيره. وهذا أبوالمكارم(6) جوّز بيع الثوب بالمشاهدة، وفي الغالب أنّه لا يخالف التقي، ونِعم ما صنع في الدروس(7) حيث نقل الخلاف عن ظاهر الخلاف. وأمّا المبسوط(8) فقد جوّز فيه أيضا في فصل بيع الصبرة بيعالأرض والثوب إذا نشر، من دون تعرّض لذرع، نعم فيه وفي الخلاف(9) في باب السلم فيهما أنّ رأس المال إذا كان معيّنا في حال العقد ونظر إليه فإنّه لا يكفي إلاّ بعد أن يذكر

ص: 138


1- شرح القواعد 2/178 و 179.
2- تذكرة الفقهاء: في العوضين 10/85.
3- المبسوط: في حقيقة البيع 2/76.
4- السرائر: في حقيقة البيع 2/241.
5- مفاتيح الشرائع: في حكم البيع مع المشاهدة السابقة 3/54.
6- غنية النزوع: في البيع /211.
7- الدروس الشرعية: في شرائط العوضين 3/198.
8- المبسوط في بيع الصبرة 2/154 وفي السلم 2/170.
9- الخلاف: في السلم 3/198، مسألة 4.

مقداره، سواء كان مكيلاً أو موزونا أو مذروعا، ولا يجوز جزافا. هذه عبارة الخلاف ونحوها من دون تفاوت عبارة المبسوط.

وفي المختلف(1) بعد نقل ذلك عنهما ونقل عن علم الهدى أنّه لم يوجب ذلك. قال: عندي فيه نظر.

واحتاط بالمسح فيهما في الشرائع(2). وفي المسالك(3) أنّ هذا الاحتياط ليس على وجهه. قلت: لعدم المقتضي لاعتباره هنا، ولم ينقل ذلك عن عهده صلى الله عليه و آله وسلم، والعادة جارية بذلك في الأعصار والأمصار يباع الثوب مخيطا وغير مخيط والأرض من دون ذرع. نعم لو جرت العادة بذلك في عهده صلى الله عليه و آله وسلم لم يجز بيعهما بغيره إلاّ أن يخرج بدليل. هذا إن قلنا: إنّ الذرع مشروط في المذروع كالكيل والوزن والعدّ، وحينئذٍ فيكون المجوّز لذلك فيما نحن فيه العادة والإجماع مع عدم نقله عن عهده صلى الله عليه و آله وسلم، وإن قلنا: إنّ الذرع غير مشروط في المذروع - كما يشهد به إضافة الأرض فإنّها قد تكون مذروعة أيضا، مع أنّهم تسالموا على جواز بيعها مشاهدةً وموصوفة من غير خلاف أصلاً - فلا إشكال، ولا حاجة بنا إلى تخصيص الثوب بالمخيط على كلّ حال.

وعلى كلّ حال تسقط مناقشة المولى الأردبيلي حيث قال: ويمكن المناقشة في الثوب فإنّ الكرباس منه مذروع بقرينة قوله «كالذراع من الثوب» ولأنّه المتعارف،(4) انتهى. ودعوى التعارف في محلّ المنع. وقد يحمل(5) ما في ظاهر الخلاف على ما إذا لم يكن المطلوب من الثوب أوصافة التي تتفاوت القيمة بتفاوتها، بل يكون المطلوب من المعاملة عليه في العادة إنّما هو ذرعه، لأنّه يشكل في هذه الصورة الاكتفاء بالمشاهدةلتحقّق الغرر والمجازفة حينئذٍ، فتأمّل.

ص: 139


1- مختلف الشيعة: في السلف 5/138.
2- شرائع الإسلام: في البيع 2/12.
3- مسالك الأفهام: في شروط المبيع 3/177.
4- مجمع الفائدة والبرهان: في العوضين 8/182.
5- كما في رياض المسائل: في شروط العوضين 8/241 من طبعة آل البيت.

والمراد بمشاهدة الثوب مشاهدته منشورا، فلو كان مطويّا لم يكف إلاّ مع تقليبه على وجهٍ يوجب معرفته كما لو كان غير متفاوت ولا منقوش نقشا يختلف ويخفى في مطاويه كما صرّح بذلك جماعة(1) وأشار إليه آخرون(2)»(3).

وفي الجواهر: «وكيف كان، فلا خلاف(4) معتدّ به في أنّه «يجوز بيع الثوب والأرض مع المشاهدة وإن لم يمسحا» بل في التذكرة: الإجماع عليه(5)، وظاهره من أهل العلم.

وهو الحجّة بعد العمومات السالمة عن معارضة دليل الغرر والجهالة، بعد فرض تعارف بيعها كذلك وإن بيعت أيضا بالذرع، لكنّ ذلك لا يقتضي الغرر والجهالة بدونه.

لكن مع ذلك قال المصنّف: «وإن مسحا كان أحوط؛ لتفاوت الغرض في ذلك وتعذّر إدراكه بالمشاهدة».

ولعلّه لما في الدروس من أنّه «يظهر من الخلاف المنع»(6)، وفي غيرها(7) عن الحلبي ذلك أيضا، أو أنّه لم يرد بذلك الإشارة إلى خلاف بل لتأكّد الوضوح كما في المسالك(8)؛ وإلاّ فتفاوت الأغراض لا يقتضي الغرر والجهالة بعد فرض التعارف.نعم، الظاهر اعتبار المشاهدة الرافعة للغرر، فلا يكفي مشاهدته مطويّا إلاّ مع

ص: 140


1- منهم البحراني في الحدائق الناضرة: في بيع ما تكفي فيه المشاهدة 18/481؛ والشهيد الثاني في مسالك الأفهام: في شروط المبيع 3/177.
2- منهم ابن إدريس في السرائر: في السلف 2/327، والعلاّمة في تذكرة الفقهاء: في العوضين 10/55.
3- مفتاح الكرامة 13/40-38.
4- كما في المبسوط: البيوع / حقيقة البيع 2/4؛ والسرائر: المتأجر / حقيقة البيع، 2/241؛ ونسبه إلى الأصحاب - فقال: «قالوا» - في الحدائق الناضرة: البيع / في العوضين، 18/481.
5- تذكرة الفقهاء: البيع / في العوضين 10/84.
6- الدروس الشرعيّة: البيع / درس 238، 3/198.
7- كمفاتيح الشرائع: مفتاح 901، 3/54.
8- مسالك الأفهام: التجارة / شروط المبيع، 3/177.

تقليبه على وجهٍ يوجب معرفته؛ كما لو كان غير متفاوتٍ ولا منقوشٍ نقشا يختلف ويخفى في مطاويه، وكذا البُسُط والزوالي ونحوها.

لكن مع ذلك في شرح الاُستاذ - بعد أن ذكر ما عليه الأصحاب - قال: «والحقّ أنّ قاعدة الغرر مثبتة لا يسوغ هدمها إلاّ بأقوى منها، وأنّى لنا بذلك؟! فيدور الحكم مدارها. فما كان من الثياب مخيطا يطلب وصفه لا ذرعه، ومن الأرض يطلب فسحته، ومن البهائم يطلب هيئة اجتماعها لا عددها، لا يتوقّف بيعها على ذرع أو عدد، وما بني على المداقّة فلابدّ من ذلك فيه»(1).

ولا يخفى عليك ما فيه؛ ضرورة أنّ البناء وعدمه لا مدخليّة له في ذلك، كما أنّ تفاوت الأغراض كذلك أيضا، وإنّما المدار على صدق المعلوميّة وعدم الغرر، والظاهر تحقّقها - كما عرفت - وإن اتّفق بيعهما بالأذرع، لكنّ ذلك لا يقتضي اعتباره كما هو واضح، واللّه العالم»(2).

ولكن استشكل الشيخ الأعظم في جواز بيع المشاهد بقوله: «يشكل الحكم بالجواز في كثير من هذه الموارد، لثبوت الغرر غالبا مع جهل أذرع الثوب وعدد قطيع الغنم والاعتماد في عددها على ما يحصل تخمينا بالمشاهدة عين المجازفة»(3).

مراده: أنّ المدار على رفع الغرر الشخصي في صحة البيع وإلاّ فلا.

أقول: بناءً على المختار من شرطية عدم مجازفية البيع، إذا رفعت المجازفية بالمشاهدة فلا بأس بها وإلاّ فلا.

وبناءً على أنّ المدار في صحة البيع نفي الغرر الشخصي تكون مقالة الشيخ الأكبر، والشيخ الأعظم صحيحة، وفي كلِّ مورد نفت المشاهدةُ الغررَ، يكون البيع صحيحا وإلاّ فلا.

وبناءً على اعتبار الموازين والمقادير والمكائيل فلا تكفي بالمشاهدة إلاّ في مورد

ص: 141


1- شرح القواعد: المتأجر / في العوضين 2/179.
2- الجواهر 23/690-688 [22/(430 و 429].
3- المكاسب 4/245.

ثبت الإجماع فيه نحو الأراضي والحدائق والأثواب والأحجار الكريمة وبعض الأمتعة وبعض الحيوانات من الأنعام والطيور ونحوها.

وبالجملة: إذا ارتفعت المجازفية من البيع بالمشاهدة فلا بأس بها على المختار واللّه سبحانه هو العالم.

ص: 142

مسألة: بيع بعض أجزاء الشيء

اشارة

«المبيع تارة يكون تمام الشيء من أوّله إلى آخره وهو ممّا لا إشكال في صحّته وأُخرى يكون بعض أجزائه كثلثه المشاع أو ربعه كذلك، فيكون المشتري حينئذ شريكا مع البائع في المال بالثلث والربع أو غيرهما، وهذا أيضا لا إشكال في صحّته نظير الشركة الأوّلية كما إذا مات أحد وانتقل ماله إلى ورثته فإنّهم يشتركون في تلك الأموال بالنسبة، فإذا كانوا ثلاثة فالمال بينهم بالثلث وإذا كانوا اثنين فهو بينهما بالنصف، وإذا فرضنا أحدهما بنتا وثانيهما ابنا فثلثاه للابن وثلثه للبنت ولعلّ ذلك واضح، وكيف كان فبيع بعض

أجزاء الشيء يتصوّر على أقسام وصور:

الصورة الأُولى: أن يشتري كسرا مشاعا كما إذا اشترى منّا من الحنطة الموجودة في الخارج من غير أن يعلم بأنّ نسبة المنّ إلى مجموع الحنطة بالعُشر أو بالربع أو بغيرهما

من المقدار وذلك للجهل بمقدار مجموع الحنطة، فالبائع لا يدري أنّ المشتري يشترك معه في ثلث ماله أو في ربعه ولكنّه يعلم أنّه يشترك معه في المال بنسبة المنّ إلى مجموع الحنطة فإن كانت هي بالثلث فبالثلث وإن كانت بالربع فبالربع وهكذا، فمقدار المبيع معلوم ولكن أنّه بأيّة نسبة من الثلث أو الربع غير معلوم.

ولا إشكال في صحّة المعاملة في هذه الصورة للعلم بمقدار المبيع وتعيين النسبة في الواقع وعلم اللّه، ولا يضرّ الجهل بها في صحّة البيع بعد العلم بمقدار المبيع، وهذا لا يختصّ بالحنطة بل يجري ويصحّ في بيع دار من الدارين أو عبد من العبدين بالاشاعة بأن يكون المشتري شريكا مع البائع في الدارين والعبدين بالنصف نصف من هذه الدار

ص: 143

ونصف آخر من الدار الأُخرى ونصف من هذا العبد ونصف آخر من العبد الآخر، هذا.

ولكن حكي عن العلاّمة(1) قدس سره الإشكال في صحّة بيع عبد من عبدين أو شاة من شاتين وإن ذهب إلى الصحّة في مثل منّ الحنطة، ولكن لا فرق بينهما إلاّ في أنّ العبد لا يطلق على النصف من عبد آخر فلا يصحّ أن يقال عرفا إنّ له عبدا، وهذا أمر راجع إلى مقام الإثبات ولا يضرّ بصحّة المعاملة في مقام الثبوت، إذ لا مانع من إطلاق العبد وإرادة النصفين من عبدين مع علم المتبايعين بالمراد سيّما إذا صرّح بالمراد في العقد، وأمّا اعتبار الصراحة والحقيقة في المعاملات وأنّ المعاملات لا تصحّ بالألفاظ المجازية أو الكنائية فقد عرفت في محلّه أنّه على تقدير اعتباره إنّما يعتبر في نفس البيع والاجارة ونحوهما بأن لا يقول بعت ويريد منه الاجارة وبالعكس، وأمّا في متعلّقات البيع والمعاملة فلا مانع من استعمال المجاز أو الكناية بل الغلط أيضا كما مرّ، وفي المقام قد ذكر البيع بالصراحة وقال بعت وإنّما الإجمال أو المجاز في متعلّقه وهو العبد وقد عرفت أنّه لا يوجب البطلان سيّما مع نصب القرينة أو التصريح بالمراد.

ثمّ إنّ ما ذكرناه في المقام لا يختصّ بما إذا كانت الأجزاء متساوية القيمة بل يجري فيما إذا كانت قيمتها مختلفة أيضا، كما أنّه لا يختصّ بما إذا كانت أجزاؤه مجتمعة بل يصحّ فيما إذا كانت الأجزاء متفرّقة كما إذا باعه منّا من حطنة التي مقدار منها في هذا المكان ومقدار منها في مكان آخر وذلك ظاهر.

فالمتحصّل من جميع ذلك: أنّ الصورة الأُولى وهي بيع كسر مشاع كمنّ ونحوه ممّا تكون النسبة فيه معيّنة في الواقع وإن لم يعلم بها المتبايعان صحيحة وممّا لا إشكال فيه، لأنّ البائع إنّما يعلم أنّ المشتري صار شريكا معه في ماله بمقدار نسبته إلى المال كنسبة المنّ إليه، وأمّا أنّه أي مقدار من الثلث أو الربع فلا علم له به بوجه وقد عرفت أنّ المعاملة في هذه الصورة صحيحة.

الصورة الثانية: أن يكون المبيع من قبيل الكلّي في الخارج وهذه هي التي جعلها

ص: 144


1- التذكرة 10/86.

شيخنا الأنصاري(1) قدس سره ثالث الأقسام في المقام ونحن قدّمناها على الثاني لكنة تظهر عن قريب إن شاء اللّه تعالى.

المبيع تارة يكون كلّيّا في الذمّة بأن لايضاف إلى شيء وله اعتبار عند العقلاء ويعتبرونه مالاً فلذا لا مانع من جعل مثله صداقا في نكاح أو ثمنا في معاملة بأن يجعل الصداق مائة دينار الثابتة على ذمّة زيد، وأُخرى يكون كلّيّا مضافا إلى ما في الخارج كبيع

صاع من صبرة معيّنة، ومعنى كونه كلّيّا أنّ الخصوصيات والتشخّصات في أفراد الصيعان كلّها مملوكة للبائع ولم تنتقل منه إلى المشتري فلذا ليس له المطالبة بخصوص حصّة معيّنة، إذ للبائع أن يجيب أنّك إنّما اشتريت صاعا من الحنطة لا بهذه الخصوصية وهذا ظاهر.

وأمّا الصورة الثانية وهى بيع الكلّي في الخارج فهي أيضا ممّا لا إشكال في صحّته كما أنّه أمر متعارف بين العقلاء، وذلك لأنّ كثيرا من المعاملات الواقعة بين المتعاملين إنّما

هي من قبيل بيع الكلّي في الخارج، هذا مضافا إلى صحيحة بريد عن أبى عبداللّه عليه السلام «عن رجل اشترى من رجل عشرة آلاف طن قصب(2) في أنبار بعضه على بعض من أجمة واحدة، والأنبار فيه ثلاثون ألف طن، فقال البائع: قد بعتك من هذا القصب عشرة آلاف طن، فقال المشتري: قد قبلت واشتريت ورضيت، فأعطاه من ثمنه ألف درهم، ووكل المشتري من يقبضه فأصبحوا وقد وقع النار في القصب فاحترق منه عشرون ألف طن وبقي عشرة آلاف طن، فقال: العشرة آلاف طن التي بقيت هي للمشتري»(3) وذلك لأنّها إنّما تنطبق على بيع الكلّي في الخارج دون صورة اشتراء القصب بوجه مشاع كما في الصورة الأُولى وإلاّ فلازمه اشتراك المشتري مع البائع في المقدار الباقي لا اختصاص الباقي بالمشتري فقط وهذا ينطبق على اشتراء العشرة بنحو الكلّي في الخارج، وبما أنّها تنطبق على الباقي فلذا حكم عليه السلام باختصاصها به لما مرّ من أنّ لازم الاشاعة الاشتراك

ص: 145


1- المكاسب 4/253.
2- الطن: حزمةٌ من حطب أو قصب.
3- وسائل الشيعة 17/365، ح1، أبواب عقد البيع وشروطه الباب 19.

وهو يقتضي الشراكة في الباقي، وكيف كان فبيع الكلّي أمر لا غرابة فيه بل هو أمر متعارف وقع في زمان الشارع فلا مانع من أن تشمله العمومات، هذا مع أنّ وجود ذلك وتحقّقه في زمانه عليه السلام غير معتبر في شمول العمومات له.

الصورة الثالثة: التي هي الصورة الثانية في كلام شيخنا الأنصاري وهي ما إذا كان المبيع فردا غير معيّن ونكرة مردّدة بين الأفراد لا كلّيّا كما في الصورة الثانية ولا معيّنا في الواقع كما في الصورة الأُولى بل حصّة غير معيّنة واقعا ولا ظاهرا وهذا هو الذي يعبّر عنه

بالنكرة والفرد المنتشر بين الأفراد الذي لا تعيّن له بحسب الواقع وقد وقع الكلام في صحّة المعاملة حينئذ وبطلانها، وحكى عن المحقّق الأردبيلي(1) أنّه ذهب إلى البطلان. وربما أورد على صحّتها بالجهالة تارة والإبهام أُخرى والغرر ثالثا، ورابعا بأنّ الملك صفة

وجودية تحتاج إلى محلّ تقوم به كسائر الصفات والفرد المردّد غير متحقّق في الخارج حتّى تقوم به صفة الملك كما هو ظاهر، هذا.

والأولى أن يتكلّم في إمكان هذه الصورة واستحالتها حتّى لا نحتاج إلى التكلّم في الصحّة والفساد بعد وضوح استحالتها فنقول: الظاهر أنّ هذه الصورة في حدّ نفسها غير معقولة، لأنّه إن أُريد بالفرد المنتشر الفرد غير المعيّن في الواقع الذي لا خصوصية له ولا تشخّص فيه بوجه فهذا أمر لا يوجد في الخارج بوجه، لأنّ الفرد الموجود في الخارج لا معنى لعدم تشخّصه وتعيّنه، لإنّ الوجود عين التشخّص ولا يوجد في الخارج فرد من دون خصوصية، فالمبيع أمر غير موجود فعلاً كما أنّه لا يوجد إلى أبد الدهر دائما فالمعاملة باطلة حينئذ لا إشكال.

وإن أُريد منه الفرد غير المعيّن ابتداءً والمعيّن بعد ذلك واقعا كما إذا باع صبرة أو عبدا يُعيّنه بعد ذلك، فإنّ العبد الذي يعيّنه بعد ذلك أمر معيّن في علم اللّه والواقع وإن كان مجهولاً عنده ابتداء، فهذا أمر آخر وراء الفرد المنتشر الذي لا تعيّن له في الواقع لما عرفت من أنّه معيّن في علم اللّه تعالى ومجهول عنده، فلا يرد عليه شيء من الايرادات المتقدّمة

ص: 146


1- مجمع الفائدة 8/182-181.

إلاّ الجهالة، فإن كانت الجهالة بهذا المقدار أيضا موجبة للبطلان فنلتزم ببطلان المعاملة وإلاّ فلا.

وأمّا إيراد الابهام فقد عرفت أنّه غير مبهم في الواقع والغرر منتف لفرض تساوي الأفراد والأجزاء بحسب القيمة، كما أنّ الفرد متحقّق موجود في الواقع فلا مانع من أن يعرضه الملك أبدا، فلا إشكال فيه إلاّ الجهالة وهي إنّما تضرّ فيما إذا قلنا بأنّ الجهالة عند

المشتري توجب البطلان وإن كان معلوما في الواقع ونفس الأمر وكيف كان فهذه الصورة خارجة عن الفرد المنتشر كما عرفت.

وأمّا الصورة الثالثة فقد عرفت أنّه إن أُريد من الفرد المردّد والمبهم أنّ المبيع أمر لا تعيين فيه في الخارج ولا في علم اللّه تعالى بل أمر مبهم من جميع الجهات ولا خصوصية فيه بوجه، فالمعاملة حينئذ باطلة لأنّ مثل ذلك ممّا لم يوجد إلى الآن ولا سيوجد بعد ذلك

بل هو أمر غير ممكن، إذ الفرد الموجود لا يمكن أن يكون عاريا من جميع الخصوصيات والتشخّصات، وإن أُريد منه ما هو معيّن في الواقع وغير معيّن عند المتبايعين كما إذا باع أحد عبدين يعيّنه فيما بعد حيث إنّ ما يعيّنه بعد ذلك أمر معيّن في علم اللّه تعالى فصحّته تبتني على عدم اعتبار العلم بالمبيع وعدم كون الجهالة ولو عند المتبايعين موجبة للبطلان»(1).

تصوير الاشاعة

قد فسرت الاشاعة بتعريفين أحدهما معروف والآخر متروك.

1- أمّا التعريف المعروف: فالاشاعة عبارة عن التملك للشيء في كلّ جزءٍ خاص من أجزائه بالثلث أو النصف أو غيرهما من النسب فكلّ واحدٍ من أجزائه متعلَّق للملكية له بالثلث أو النصف المعيّن في الواقع ولكن المجهول في الظاهر.

2- وأمّا التعريف المتروك: فالإشاعة عبارة عن التملك للنسبة الكلّيّة كالنصف الكلّي أو ثلثه أو غيرهما من النسب مثلاً القابل للانطباق على النصف الأخير للشيء أو

ص: 147


1- التنقيح في شرح المكاسب 2/392-387 مع تغييرات في المتن.

نصفه الأوّل، وهكذا الثلث الأخير أو ثلثه الأوّل، فإذا اشترى دارا بنحو الشركة مع البائع في نصفه فهو مالك لنصفه الكلّي الصادق على كلّ واحد من النصفين، هذا.(1)

مقالة المحقّق النائيني في ابتناء التعريفين على وجود الجزء الذي لايتجزّأ وعدمه

ذهب المحقّق النائيني إلى ابتناء التعريفين على وجود الجزء الذي لا يتجزّأ وعدمه وهذا نص مقالته: «ذهب أكثر المتكلّمين(2) وبعض الحكماء قبل ظهور الإسلام: إلى أنّ مادّه الجسم المطلق هي الأجزاء التي لا تقبل القسمة، لا خارجا ولا ذهنا، ويسمّى كلّ جزءٍ من هذه الأجزاء بالجوهر الفرد والجزء الّذي لا يتجزّأ.

وذهب النظّام: إلى أنّ الجسم مؤلّف من أجزاءٍ غير متناهية.(3) واختار بعض المحقّقين من المتكلّمين(4) وجمهور الحكماء إلى بطلان الجزء الّذي لا يتجزّأ، وعلى فرض تحقّقه فليس هو مادّه الجسم المطلق. وصار بطلان عدم قابليّة الجزء للقسمة من أوضح البديهيّات في عصرنا؛ لأنّ كلّ متحيّزٍ بالذات - أي كلّ ما هو قابل للإشارة الحسّية إليه - لابدّ أن يكون ما يحاذي منه جهة الفوق غير ما يحاذي منه جهة التحت، وكذا باقي الجهات الستّ، فلا محيص من أن يكون منقسما وإن لم يكن فعلاً كذلك ولم يكن لنا آلة لتقسيمه.

هذا، مضافا إلى ما برهنوا عليه من لزوم تفكّك الرحى ونفي الدائرة. وهكذا بطلان مذهب النظّام صار بدهيّا؛ لأنّه لو كان الجسم مركّبا فعلاً من أجزاءٍ غير متناهيةٍ يلزم امتناع قطع مسافةٍ معيّنةٍ في مدّةٍ متناهيةٍ إلاّ بالطفرة.

إذا عرفت ذلك فحيث إنّ الجزء قابل للقسمة فمعنى الشركة على الإشاعة: أنّ كلّ جزءٍ يفرض في الجسم فكلّ واحدٍ من الشريكين المتساويين مالك لنصف هذا الجزء، لا

ص: 148


1- راجع التنقيح في شرح المكاسب 2/392.
2- راجع كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد /104.
3- نقله عنه في القبسات /184.
4- منهم المحقّق الطوسي في تجريد الاعتقاد /145.

أنّ كلّ واحدٍ مالك في تمام الجزء، ولا أنّ لكلِّ واحدٍ جزءا خاصّا واقعا غير معلومٍ ظاهرا.

نعم، لو انتهى الأمر إلى الالتزام بصحّة الجزء الّذي لا يتجزّأ فلا محيص إلاّ عن القول بأنّ كلّ واحدٍ منهما مالك لجزءٍ معيّنٍ، أو مالك لتمام هذا الجزء.

وعلى هذه المسالك يبتنى القولان في قسمة المشاع: من أنّها بيع أو إفراز حقٍّ، فإنّ كونها إفراز حقٍّ ملازم لأن يكون كلّ واحدٍ شريكا مع الآخر في كلّ جزءٍ بحسب نسبة الملك، بأن يكون نصفه أو ثلثه أو غير ذلك من الكسور لأحد الشريكين والباقي للآخر. وحيث إنّ النصف من كلّ جزءٍ أمر كلّيّ قابل للانطباق على النصف من أيّ طرفٍ من الجسم فبالقسمة يميّز ويخرج عن الإبهام والكلّية، ويعيّن في الطرف الشرقيّ أو الغربي، وكونها بيعا ملازم لأنْ يبيع كلّ واحدٍ إضافته بالنسبة إلى هذا الجزء بإضافته بالنسبة إلى

الجزء الآخر.

وبالجملة: من التزم بالجوهر الفرد والجزء الّذي لا يتجزّا: فإمّا أن يلتزم بأنّ كلّ جزءٍ له مالكان حتّى يمكنه تصوير الإشاعة. وإمّا أن يلتزم بأنّ بعض الأجزاء بتمامه ملك لأحد الشريكين واقعا، وبعضه بتمامه ملك للآخر كذلك، إلاّ أنّه غير متميّزٍ خارجا.

وأمّا القائل بأنّ الجزء قابل للقسمة إلى ما لا نهاية له فمعنى الإشاعة على مختاره: عدم تمييز الكسر المشاع وكونه كلّيّا قابلاً للانطباق على كلّ كسر»(1).

«وأنت خبير بما فيه: ضرورة أنّ الشركة والإشاعة والإفراز، كلّها من المعاني الاعتباريّة العقلائيّة، لا الفلسفيّة، وابتناء مسألة عرفيّة سوقيّة رائجة عند طوائف النّاس، على تلك المسألة العقليّة، غير صحيح.

مع أنّ أصل المطلب أيضا غير صحيح؛ فإنّ الجزء الذي لا يتجزّأ - الذي هو مادّة الأجسام على رأي(2) - لا يحسّ حتّى بالمكبّرات العظيمة، ومثله كما لا يكون مالاً، لا يكون ملكا؛ فإنّ الملك اعتبار عقلائيّ لجهات عقلائيّة، ومن الواضح أنّ مثل تلك الأجزاء

ص: 149


1- منية الطالب 2/380-378.
2- الإشارات والتنبيهات 2/8 و 9 و 10 و 20؛ كشف المراد /143؛ شرح المقاصد 3/11 و 23 و 24؛ الحكمة المتعالية 5/66؛ شرح المنظومة، قسم الحكمة، /209 و 214.

لا تقع تحت الاعتبار.

نعم، بعد ضمّ ملايين منها على القول المزيّف، يعدّ شيئا محسوسا قابلاً لاعتبار الملكيّة، وبعد ضمّ ملايين أُخرى إليها، يصير مالاً أيضا، وأمّا كلّ جزء بنفسه الذي يكون أصغر من الهباء بكثير، فلا يعتبر شيئا وملكا ومالاً في العرف.

ثمّ إنّ عنوان «الكسر» وإن كلّيا؛ لصدقه على كلّ صبرة فيها كسر المشاع، وعلى كل كسر فرض في الصبرة الخارجية لكن ما ملكه المالكان من الكسر المشاع الخارجيّ، لا يكون كلّيا؛ لأنّ الكلّي بما هو كلّي، لا يعقل وجوده في الخارج.

مضافا إلى أنّه لو كان كلّيا، بقيت العين الخارجيّة بلا مالك، مثلاً إذا مات شخص عن وراث، يكون نصيبهم الكسور المشاعة، فلو كانت تلك الكسور كلّيات، للزم عدم نقل مال الميّت إلى أحد من الورثة؛ لأنّ ماله جزئيّ حقيقيّ، وكلّ ما وجود فيه أيضا كذلك.

وما أفاده قدس سره: من أنّ النصف المشاع كلّي، «قابل للانطباق على النصف من أيّ طرف من الجسم، فبالقسمة يميّز ويخرج عن الإبهام»(1)، غير مرضيّ؛ لأنّ ما هو كلّي قابل لما ذكر، غير مملوك لأحد في فرض مملوكيّة العين الخارجيّة لأشخاص بنحو الكسر المشاع، وما هو مملوك، هو الموجود الخارجيّ من الكسر، وهو غير كلّي.

وأمّا مملوكيّة كلّ طرف من الجسم بنحو الكسر المشاع، فليس معناه مملوكيّة لأحد الشريكين؛ ضرورة أنّه قبل الإفراز، يكون كلّ طرف فرض للعين مشتركا بينهما، لا ملكا لأحدهما بنحو الإبهام، وبالقسمة يخرج عنه.

وهو أي كون كلّ طرف من العين مملوكا بنحو الكسر المشاع، لازم مملوكيّة العين بنحو ذلك، فكما أنّ العين إذا كانت ملكا له، ولا تكون تلك الملكيّة كلّية، ولا العين كلّية،

كذلك لو كانت مشتركة بينهما، يكون كلّ طرف منها مشتركا بمقتضى الاشتراك في الجميع، وهذا غير مربوط بالكلّية»(2).

ص: 150


1- منية الطالب 2/380.
2- كتاب البيع 3/409 و 410.

ثمّ أضاف المحقّق الخميني قدس سره: «والظاهر أنّ منشأ الخلط من الأعلام هو لفظ «المشاع» غفلة عن معناه، الذي هو بحسب العرف واللّغة بمعنى الاشتراك في السهام، في قبال الإفراز وتقسيم السهام(1)، ولفظ «الساري في الكلّ» الذي وقع في بعض الكلمات»(2).

والمراد منه الاشتراك في الجميع، في مقابل الاشتراك لا بنحو الإشاعة والسريان، كما إذا كان أحد الشخصين مالكا لبعض مرافق البيت مثلاً، والآخر لبعض آخر، فيقال مسامحة: «إنّهما شريكان في الدار» فتوهّم من اللّفظين أنّ الشياع والسريان ملازمان للكلّية، مع أنّ المشاع؛ أي المشترك، والساري - أي سريان الاشتراك في الجميع - عين الجزئيّة.

وممّا يدلّ على أنّ المسألة، لا تبتني على مسألة الجزء الذي لا يتجزّأ، ولا على كون الأنصاف موجودة في الجسم بنحو القوّة - كما مرّ عن بعضهم في باب بيع نصف الدار -(3) أنّ مسألة الشركة والإشاعة، لا تختصّ بالأجسام المتّصلة المركّبة من المادّة والصورة، بل تجري في المنفصلات كالحبوب؛ فإنّ الاشتراك فيها عرفا إنّما هو في المجموع، من غير نظر إلى كلّ حبة، وإلى الأجزاء أو الأنصاف الموجودة فيها.

وكذا تجري في الديون والحقوق والمنافع؛ ممّا لا سبيل لمسألة الجوهر الفرد فيها.

مضافا إلى أنّ الأجزاء أو الكسور المتحقّقة، أو المفروضة في الأجسام المتّصلة والمنفصلة، كلّها معيّنات مشخّصات، لا تعقل فيها الإشاعة بوجه.

وما قيل: من أنّ معنى الإشاعة والسريان، أنّ تلك القسمة المساوية لقسمة أُخرى، متساوية النسبة إلى تمام أجزاء ذلك الموجود بالفعل(4) لا يرجع إلى محصّل؛ لأنّ نسبة

ص: 151


1- لسان العرب 7/260؛ المصباح المنير /329؛ القاموس المحيط 3/49.
2- البيع (تقريرات المحقّق الحائري) الأراكي 2/279؛ حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2/341 و 342.
3- تقدّم في كتاب البيع 2/561، انظر حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهانى 2/341.
4- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2/342.

نصف المجموع إلى نصف النصف... وهكذا، مختلفة كما هو واضح.

مع أنّ الكسور ليست موجودة إلاّ بالقوّة، ومعنى وجودها بالقوّة، أنّ قوّة وجودها موجودة، لا نفس الكسور، ولا تعقل النسبة بين الأعدام وقد مرّ الكلام مع القائل في بيع نصف الدار، فراجع(1).

والإنصاف: أنّ ابتناء المسائل العرفيّة على العقليّات، خروج عن طريق الفقاهة»(2).

التعريف المختار في معنى الإشاعة

التعريف المعروف غير تام «لأنّ كون الشريك مالكا لهذا النصف الشخصي دون النصف الشخصي الآخر ممّا يحتاج إلى مرجّح، فأيّ شيء دلّ على أنّ هذا الشريك مالك لهذا النصف أو الثلث أو غيرهما دون النصف أو الثلث الآخر، مثلاً إذا فرضنا أنّهما اشتريا مالاً بالشراكة أو انتقل إليهما مال من مورّثهما فصارا شريكين في المال، فإن كان كلّ واحد منهما مالكا لنصف المال على وجه الكلّي فلازمه أن تكونه الخصوصيات ملكا بلا مالك، وإن كان كلّ واحد منهما مالكا لنصف مشخّص فهو يحتاج إلى مملّك آخر حتّى يملك هذا النصف المعيّن لذاك دون الآخر، والمفروض عدم المرجّح في البين وعدم دلالة دليل على أنّه مالك لهذا النصف المشخّص دون النصف الآخر»(3).

والتعريف المتروك أيضا غير تام لأنّ «البيع الواقع على الكلّي في الخارج وإن كان أمرا معقولاً ومتداولاً أيضا إلاّ أنّه في باب الشركة غير ممكن، وذلك لأنّ الشريكين مالكان للخصوصيات الموجودة في المال فإذا فرضنا أنّ كلاً منهما إنّما ملك نصف المال على نحو الكلّي فمعناه أنّه لم يتملّك الخصوصيات كما هو معنى ملك الكلّي، فحينئذ تقع الخصوصيات خارجة عن حيّز ملك الشريكين فتكون الخصوصيات ملكا بلا مالك وهو

ص: 152


1- تقدّم في كتاب البيع 2/562.
2- كتاب البيع 3/412/410.
3- التنقيح في شرح المكاسب 2/393.

أمر محال»(1).

فحينئذ «لابدّ في المقام من تفسير الإشاعة بمعنى آخر وهو أن يقال إنّ المال من أوّله إلى آخره ملك لمالكين وهما قائمان مقام المالك الواحد، فالوارثان كالمورّث مالكان للمال وقائمان مقامه، فكما أنّه ملك لهذا الشريك كذلك ملك للشريك الآخر غاية الأمر أنّه

ملك غير تام فهو مال للمجموع والمجموع كالواحد، وبالجملة أنّ الملك لمّا كان من الأُمور الاعتبارية كان تصوير الملك لشخصين ومالكين في غاية الوضوح فهو بأسره ملك لهذا كما هو بأسره ملك لذاك إلاّ أنّ المجموع من الشريكين منزل منزلة المالك الواحد، وبه يندفع إشكال عدم تملّك الخصوصيات أو عدم المرجّح للتعيين.

وممّا يؤيّد ما ذكرناه: أنّ جزء المال تارة لا يكون مالاً عند العرف بحيث لو قسّمناه إلى أجزاء لما كان شيء من تلك الأجزاء مالاً وإنّما يصدق عليه المال فيما إذا اجتمعت دون صورة الافتراق وهذا كأعواد الشخّاط(2) فإن كلّ واحد منها ليس بمال وإن كان مجموعها مالاً، بل ربما يخرج عن الملك أيضا كما إذا قسّمناه إلى ألف جزء إذ العقلاء لا يعتبرون الملك فيه لصغره جدّا، وحينئذ فكيف يمكن أن يقال إنّه مالك لثلث هذا المال على نحو الكلّي أو على نحو التشخّص مع أنّ ثلثه أو ربعه خارج عن المالية والملكية، فهل هو اشترى ما ليس بمال أو ملك ما ليس بملك، وربما يكون المال المشترك من قبيل المنافع والحقوق وهما من البسائط حيث إنّها من الأعراض فكيف تقبل القسمة إلى نصفين أو الثلث ونحوهما وهذا كما إذا كان المورّث مالكا لمنفعة أو كان له حقّ فانتقلا إلى ورثته، والمنافع من قبيل الأعراض وهي من البسائط لا تقبل القسمة، وهذا بخلاف ما ذكرناه من التفسير فإنّهما أي الشريكان يملكان المنافع بأجمعها لا بالقسمة كما عرفت، وكيف كان فلا يمكن تصوير الاشاعة بشيء من الأمرين المتقدّمين.

وتوضيح ذلك: أنّ تفسيرها بالتملّك للنصف الكلّي أو بالثلث كذلك أو تفسيرها

ص: 153


1- التنقيح في شرح المكاسب 2/393.
2- بالفارسية: چوب كبريت.

بالتملّك للنصف المعيّن في الواقع وعلم اللّه وغير المعيّن عند المتعاملين والشريكين الذي عبّرنا عنه بالنصف المشخّص أو الثلث كذلك ممّا لا يمكن المساعدة عليه بوجه، بل لا نتعقّل لها معنىً غير ما أشرنا إليه آنفا وذكرنا أنّ الشركة والاشاعة إنّما هي عبارة عن كون الملك الواحد مملوكا لمالكين أو أكثر غاية الأمر أنّه حينئذ ملك ناقص وغير تامّ.

وتوضيح ذلك: أنّ من اشترى نصف مال أو ربعه أو نحو ذلك فإنّما تنتقل إليه مالكية المال لكن لا بمجموعها بل بنصفها أو ربعها فهما مالكان للمال وكلّ منهما نصف مالك لتمام المال. وبعبارة أوضح: أنّ المالك تارةً ينقل إضافته المالكية للمال بتمامها إلى المشتري بمعنى أنّه يعدم إضافته إلى نفسه ويوجد علقة وإضافة أُخرى للمال إلى المشتري لما ذكرناه في أوائل البيع من أنّه لا معنى لتبديل الاضافة ونقلها إليه لتقوّمها بالمالك الأوّل و المال، فلا يمكن تبديلها ونقلها إلى الغير فالبيع إعدام إضافة وإيجاد إضافة أُخرى، فتارةً تكون الاضافة بتمامها منتقلة بالمعنى المتقدّم إلى المشتري وأُخرى ينقل المالك الملكية الناقصة للمشتري، والملكية وإن كانت من الأُمور الاعتبارية وهي كالأعراض غير قابلة للقسمة إلاّ أنّها تقبلها من جهة محلّها نظير البياض ومعروضه حيث إنّه غير قابل للقسمة في نفسه وقابل لها من جهة محلّه، فإنّ البياض العارض لجزء من القرطاس يغاير البياض العارض للجزء الآخر، وكذلك الملكية فإنّ موضوعها مجموع الشخصين وهي تنقسم بهذا الاعتبار ولا مانع من أن يعدم المالك الاضافة التي كانت بينه وبين المال ويوجد إضافة أُخرى قائمة بمجموع الشخصين، وكذلك الحال في الوارثين فإنّهما يشتركان ويتملّكان التركة بهذا النحو المذكور ولعلّه ظاهر لا أنّ أحدهما مالك لكلّي الثلث أو النصف أو للثلث والنصف المعينين في الواقع والمجهولين عند المتبايعين»(1).

ص: 154


1- التنقيح في شرح المكاسب 2/395-393.
ما معنى القسمة في المال المشاع؟

«القسمة أو التقسيم هل هو بيع أو أنّه إفراز حقّ، وقد ذهب العامّة(1) إلى الأوّل، وخالفهم الخاصّة في ذلك وذكروا أنّه عبارة عن إفراز الحقّ، وهذا أحد الموردين اللذين خالفنا فيهما العامّة بأسرهم(2) وثانيهما باب الضمان حيث ذهب العامّة(3) إلى أنّه عبارة عن ضمّ ذمّة إلى ذمّة وذكر أصحابنا أنّه عبارة عن نقل المال من ذمّة إلى ذمّة اُخرى.

فنقول: إن أراد الخاصّة ظاهر ذلك الكلام والتزموا بأنّها عبارة عن إفراز الحقّ بمعنى أنّ الحقّ كان غير معيّن في الواقع ومجهولاً في نفس الأمر فيتعيّن بالقسمة فلا يمكن المساعدة عليه أبدا، لما ذكرناه من أنّ كون الحقّ غير معيّن إنّما ينطبق على بيع الكلّي في المعيّن ولا يأتي في الاشاعة والشركة لما مرّ من عدم صحّة تفسير الاشاعة بالملك الكلّي في النصف ونحوه بل الحقّ معيّن في الواقع لا إبهام فيه حتّى يتعيّن بالقسمة، وقد مرّ أنّ الاشاعة والشركة عبارة عن تملّك جميع المال بالربع أو النصف على الوجه المختار، أو عبارة عن تملّك الحصّة المعيّنة في الواقع وإن كانت مجهولة عندنا، وعند القسمة إذا أُعطي لأحدهما إحدى الدارين المشتركين بينهما وللآخر أُخرى كيف يكون

ص: 155


1- المغني 11/492؛ المجموع 20/172.
2- قال السيّد العاملي قدس سره: «لا يختلف اثنان من أصحابنا - رضي اللّه تعالى عنهم - في أنّها أمر برأسه سواء كان فيها تقويم أو ردّ أم لا، فإذا حصلت حصل الملك بها، وليست بيعا ولا صلحا ولا غيرهما، لعدم وجود خواصّ الغير فيها مثل صيغة البيع وغيرها بالإجماع كما في «المجمع [مجمع الفائدة والبرهان 10/211-210]» وغيره [كما في كشف اللثام 10/163]. بيان ذلك: إنّها لا تفتقر إلى صيغة، ويدخلها الإجبار ويلزمها أي يلزم الإجبار القسمة بمعنى أنّه بعد القسمة وإن كانت بالإجبار يلزم القسمة ولا يجوز للشركاء الرجوع، بخلاف البيع فإنّه لو اُجبر عليه كان له خيار الفسخ، ويتقدّر ويتعيّن أحد النصيبين بقدر الآخر. وخالف العامّة فاختلفوا، فبعض على أنّها بيع، وبعض إن تضمّنت ردّا كانت بيعا، ومنهم من نفى الخلاف في أنّها بيع [راجع الحاوي الكبير 16/(257-256)؛ والمجموع 20/172؛ والمغني لابن قدامة 11/502]». مفتاح الكرامة 25/471.
3- المغني لابن قدامة 5/70 و 83؛ المجموع 14/24؛ المهذّب 2/307.

هذا إفراز حقّ بل يكون من قبيل تبديل الملك غير التام إلى التام لأنّه مالك مستقلّ في الدار المنتقلة إليه بالقسمة أو تبديل للملك في بعض أجزاء إحدى الدارين بالملك في بعض أجزاء الدار الأُخرى وهذا لا يكون إفرازا للحقّ بل تبديلاً ومعاملة، نعم لا بأس بما ذكروه في مثل الخمس والزكاة بناءً على أنّهما يتعلّقان بالكلّي ويفرزان بتقسيم المالك وتعيينه، وكيف كان فلا يمكن المساعدة لما هو ظاهر هذا العنوان.

وإن أرادوا من ذلك ما هو خلاف ظاهر العنوان كما هو الظاهر بأن يريدوا بذلك ردّ مقالة العامّة وأنّها ليست بيعا ومعاملة لتجري فيها أحكام البيع من خياري المجلس والحيوان ونحوهما بل هي معاملة أُخرى مستقلّة في حدّ نفسها فهو صحيح ولا مناص عن الالتزام به، وذلك لما ذكرناه في المعاطاة من أنّه لا مانع من تصوير معاوضة لا تكون بيعا

ولا شيئا آخر من المعاملات المتعارفة، ولا مانع أيضا من أن تشملها العمومات نحو «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» وذلك كما إذا تبادلا بمالين من دون ملاحظة المالية في شيء منهما بأن أعطى كتابا وأخذ كتابا آخر من غير ملاحظة المالية بينهما فإنّها حينئذ خارجة عن البيع إذ لا بائع فيه ولا مشتري حينئذ، ولا يتعيّن أحدهما عن الآخر حتّى في علم اللّه تعالى، إذ لا واقع له حتّى يتعيّن فيه ومع ذلك تشمله عمومات أدلّة العقد والتجارة، وحينئذ نقول: إنّ تبديل الملك الناقص بالملك التامّ أو تبديل الملك في بعض أجزاء أحد المالين بالملك في بعض أجزاء المال الآخر معاوضة مستقلّة في قبال البيع ونحوه ولا مانع من أن تشملها عمومات أدلّة العقد والتجارة وإن كانت خارجة عن البيع ولا تجري فيها أحكام البيع بوجه»(1).

ص: 156


1- التنقيح في شرح المكاسب 2/397-395.

مسألة: بيع الكلّي في المعين

اشارة

قبل الورود في البحث لابدّ لنا من نقل أقوال الفقهاء فيه:

نقل الأقوال
اشارة

قال العلاّمة في القواعد: «... ويصح بيع الصاع من الصُبرة وإن كانت مجهولة الصيعان إذا عُرف وجود المبيع فيها. وهل يُنزّل على الإشاعة؟ فيه نظر؛ فإن جعلنا المبيع صاعا من الجملة غير مشاعٍ بقي المبيع ما بقي صاع، وعلى تقدير الإشاعة يتلف من المبيع بالنسبة»(1).

وقال الفقيه المتتبع السيّد العاملي في ذيله: «إذا باع صاعا من صبرة متساوية الأجزاء وهي مجهولة الصيعان صحّ البيع إذا علم وجود المبيع فيها إجماعا كما هو صريح حواشي الشهيد(2) وظاهر التذكرة(3) حيث قال: عندنا وعند الجمهور إلاّ داود، لأنّ المبيع أمرٌ كلّي والأجزاء متساوية فلا غرر ولا جهالة بجهل صيعانها، بخلاف ما لو باع النصف لأنّه مع الجهالة لا يعلم قدره فيلزم الغرر.

وظاهر الدروس(4) واللمعة(5) الصحّة وإن لم يعلم اشتمال الصبرة على القدر

ص: 157


1- القواعد 2/24.
2- لم نعثر عليه في مظانه من الحواشي الموجودة لدينا.
3- تذكرة الفقهاء: في العوضين 10/76.
4- الدروس الشرعية: في البيع 3/201.
5- اللمعة الدمشقية: في المتأجر /113.

المبيع. قال في اللمعة: فإن نقصت تخيّر بين الأخذ للموجود منها بحصّته من الثمن وبين الفسخ لتبعّض الصفقة. واستحسن في الروضة(1) ما في الكتاب [القواعد] والتذكرة وحواشي الشهيد وغيرها من اعتبار العلم باشتمالها على المبيع. وقال:(2) لو قيل بالاكتفاء بالظنّ الغالب باشتمالها عليه كان متّجها.

وظاهر عبارة المبسوط(3) الصحّة وإن لم يعلم اشتمال الصبرة على المبيع حيث قال: بعتك عشرة أقفزة(4) من هذه الصبرة(5) بكذا صحّ، لكنّه في الخلاف(6) أتى بهذه العبارة ونسب الخلاف إلى داود. وقد حكى في التذكرة(7) عن داود المنع مع العلم باشتمالها عليه، فيكون الشيخ ممّن يعتبر العلم كما حكي عنه في الإيضاح قال: إنّ الشيخ ذهب إلى الصحّة فيما إذا كانت الصبرة مجهولة وعلم دخول المبيع فيها وكانت متساوية، وقال: يبقى المبيع ما بقي صاع(8)، انتهى.

وقد يكون أراد هنا بيان أنّه هل ينزّل على الإشاعة أو لا؟ ...

وقد احتمل المصنّف [العلاّمة في القواعد] التنزيل على الإشاعة وأنّ المبيع ذلك المقدار على تقدير الجهل بالصيعان كما هو ظاهر الدروس(9) وصريح جامع المقاصد(10)

ص: 158


1- الروضة البهية: في شرائط العوضين 3/267.
2- الروضة البهية: في شرائط العوضين 3/267.
3- المبسوط: في البيوع 2/152.
4- جمع قفيز، كلّ قفيز في الوزن 12 صاعا ويعادل 36 كيلو غراما. وفي المساحة يعادل 144 گز من العرض.
5- بالفارسية: بافه.
6- الخلاف: في البيوع 3/163، مسألة 260.
7- تذكرة الفقهاء: في العوضين 10/76.
8- إيضاح الفوائد: في العوضين 1/430.
9- الدروس الشرعية: في شروط المبيع 3/201.
10- جامع المقاصد: في العوضين 4/105.

والمسالك(1) والروضة(2) والكفاية(3) والرياض(4) والحدائق(5).

وظاهر التذكرة(6) وكذا نهاية الإحكام(7) والإيضاح(8) إنّ الاحتمالين إنّما يجريان في صورة العلم، وهو الّذي كان يختاره الأُستاذ الشريف(9) أدام اللّه حراسته منذ عشر سنين. قال في التذكرة(10) لو باع صاعا من هذه الصبرة وهما يعلمان العدد صحّ، وهل ينزّل على الإشاعة بحيث لو تلف بعض الصبرة تلف بقسطه من المبيع أو لا بل المبيع صاع من الجملة غير مشاع لعدم اختلاف المقصود باختلاف أعيان الصاع فيبقى المبيع ما بقى صاع؟ فيه احتمالان أظهرهما عند الشافعية الأوّل، ولو لم يعلما العدد فإن نزّلناه على الإشاعة فالأقرب البطلان، وإن قلنا: إنّ المبيع صاع غير مشاع جاز. ونحوه ما في نهاية الإحكام(11).وأنت خبير بأنّ التنزيل على الإشاعة متوجّه على التقديرين كما صرّح به مَن عرفت، أمّا على تقدير العلم فظاهر، وأمّا على تقدير الجهل فلأنّه إنّما يشترط علم النسبة إذا كان مقدّرا بالجنسية المشاعة صريحا، أمّا إذا كان مقدّرا بالجزئي المعيّن الّذي تلزمه

الإشاعة بسببٍ من خارج فلا، وهنا كذلك كما لو انهالت حنطة على الصاع المعيّن قبل القبض.

ص: 159


1- مسالك الأفهام: في شروط المبيع 3/176.
2- الروضة البهية: في شروط العوضين 3/268.
3- كفاية الأحكام: في شروط العوضين 1/457.
4- رياض المسائل: في التجارة شروط العوضين 8/135.
5- الحدائق الناضرة: في بيع الجزء المشاع 18/480.
6- تذكرة الفقهاء: في العوضين 10/88-87.
7- نهاية الإحكام: في العلم بالمبيع 2/494.
8- إيضاح الفوائد: في المتأجر 1/430.
9- لم نعثر عليه.
10- تذكرة الفقهاء: في العوضين 10/88.
11- نهاية الإحكام: في العلم بالمبيع 2/493.

هذا والأجود في المسألة على التقديرين عدم الإشاعة وأنّ المبيع ذلك المقدار كما هو خيرة الدروس(1) وحواشي الكتاب للشهيد(2) وجامع المقاصد(3) والمسالك(4) والروضة(5) والكفاية(6) وهو المنقول في الإيضاح عن الشيخ كما سمعته(7) آنفا، لأنّه هو السابق إلى الفهم وعليه دلّت الرواية، وهي رواية بريد بن معاوية(8) عن أبي عبداللّه عليه السلام ... والرواية صحيحة أو حسنة إلاّ أنّ في صحّة هذا البيع إشكالاً من حيث جهالة عين المبيع فيه، وقد صرّحوا(9) فيما إذا باع شاةً غير معلومة من قطيع ببطلان البيع وإن علم عدد ما اشتمل عليه من الشياه وتساوت أثمانها، فليتأمّل. وقد تقدّم(10) لنا عند شرح قوله «ولو باع ذراعا من أرض أو ثوب... إلى آخره» ما له نفع في المقام.

وأمّا التنزيل على الإشاعة فلم أجد مَنْ صرّح به، وإنّما ذكر الاحتمالين في التذكرة(11) ونهاية الإحكام(12) مع العلم من دون ترجيح. نعم في الإيضاح قال: في صورةالعلم. وقيل بالأوّل - يعني التنزيل على الإشاعة - لأنّه لو لم يكن مشاعا لكان المبيع غير معيّن فلا يكون معلوم العين، وهو الغرر الّذي يدلّ على فساد البيع، ولأنّ ترجيح أحدهما

ص: 160


1- الدروس الشرعية: في شروط المبيع 3/201.
2- الحاشية النجّارية /226.
3- جامع المقاصد: في العوضين 4/105.
4- مسالك الأفهام: في شروط المبيع 3/176.
5- الروضة البهية: في شروط العوضين 3/268.
6- كفاية الأحكام: في شروط العوضين 1/457.
7- إيضاح الفوائد 1/430.
8- وسائل الشيعة 17/365، ح1، الباب 19 في عقد البيع وشروطه.
9- منهم الشهيد الأوّل في اللمعة الدمشقية: في المتأجر /113؛ والشهيد الثاني في الروضة البهية: في التجارة 3/267، وصاحب الحدائق الناضرة: في بيع المعدود مكيلاً 18/478.
10- تقدّم في مفتاح الكرامة 13/170-167.
11- تذكرة الفقهاء: في العوضين 10/88.
12- نهاية الإحكام: في البيع 2/493.

بعينه بوقوع البيع عليه ترجيح من غير مرجّح، ولا بعينه هو المبهم وإبهام يبطل(1)، انتهى. ولم يرجّح أحد الوجهين.

واعلم أنّ الشهيد في حواشي الكتاب(2) والشهيد الثاني في الروضة(3) قالا: إنّ أقسام بيع الصبرة عشرة، لأنّها إمّا أنْ تكون معلومة المقدار أو مجهولته، فإن كانت معلومته

صحّ بيعها أجمع وبيع نصفها أو ربعها، وبالجملة: جزء منها معلوم مشاع، وبيع مقدار كقفيز تشتمل عليه وبيعها كلّ قفيز بكذا لا بيع كلّ قفيز منها بكذا، والمجهولة كلّها باطلة إلاّ

الثالث وهو قوله: بعتك قفيزا منها وهي مشتملة عليه، وقد عرفت الحال في الثالث، وأمّا الخامس وهو بيع كلّ قفيز منها بكذا فباطل على التقديرين.

وبه صرّح في المبسوط فنسبة الخلاف(4) إليه لم تصادف محزّها، قال في المبسوط(5): لو قال: بعتك من هذه الصبرة كلّ قفيز بدرهم فإنّه لا يصحّ، لأنّ «مِنْ» للتبعيض، والبعض المبيع مجهول فلم يصحّ. وكلامه شامل لصورتي العلم والجهل. نعم ظاهر التذكرة قصر الحكم على صورة الجهل، قال: لو قال: بعتك من هذه الصبرة كلّ قفيز بدرهم ولم يعلما أو أحدهما القدر بطل عندنا، لأنّ «مِنْ» للتبعيض، والبعض المبيع مجهول(6)، انتهى. والوجه البطلان مطلقا، لعدم العلم بقدر المبيع والثمن، لأنّ مرجع هذه العقد إلى تخيّر المشتري في أخذ ما شاء منها، فإنّ أخذ قفيزين لزمه درهمان وهكذا، ولا ينفع حينئذٍ كون الصبرة معلومة.

وأمّا الرابع وهو بيعها كلّ قفيز بدرهم كأنْ يقول: بعتكها كلّ قفيز بدرهم، فإنّه يصحّمع العلم، لأنّها معلومة القدر وقد باعها كلّ قفيز بدرهم، فالمبيع هنا مجموعها. وفي

ص: 161


1- إيضاح الفوائد: في المتأجر 1/430.
2- لم نعثر عليه في النسخة الموجودة لدينا.
3- الروضة البهية: في التجارة 3/267.
4- كما في الرياض: في شروط العوضين 8/135.
5- المبسوط: في البيوع 2/152.
6- تذكرة الفقهاء: في العوضين 10/77 و 78.

المبسوط(1) والخلاف(2) لو قال: بعتك هذه الصبرة كلّ قفيز بدرهم صحّ البيع. قال في الخلاف: لأنّه لا مانع منه والأصل جوازه. وإطلاق كلامه يقضي بالصحّة ولو مع الجهل، وقد نفى عنه البُعد في الكفاية(3) وقد نصّ في التذكرة(4) والدروس(5) وغيرهما(6) على البطلان في صورة الجهل لعدم تعيين العوضين.

وفيه: أنّ المبيع معلوم بالمشاهدة والثمن معلوم، لأنّه ممّا يمكن أنْ يعرف وهو إن تكال الصبرة ويقسّط الثمن على قدر قفزانها فيعلم مبلغه. وله نظائر ذكر جملة منها في التذكرة(7) وقضية كلامه فيها أنّه إذا كان المبيع معلوما بالقوّة القريبة يصحّ بيعه وإن كان مجهولاً بالفعل، وإن استشكل فيه المحقّق الثاني كما سيأتي فيما لو باع من اثنين صفقةً قطعة أرض على الاختلاف بأن ورث من أبيه حصّة ومن أُمّه حصّة أقلّ أو أكثر وجعل لكلِّ واحدٍ منهما أحد النصيبين وللآخر الباقي، فليتأمّل جيّدا. واحتمل في المختلف(8) الصحّة في القفيز الواحد لا الجميع لجهالة الثمن، وقد حكاه فيه عن أبي حنيفة، وفيه تأمّل ظاهر.

وممّا ذكر يعلم الحال فيما إذا قال: بعتكها كلّ قفيز منها بدرهم فإنّ ظاهرهم البطلان مطلقا.

وقد ذكر في المبسوط في الصبرة أقساما عشرة بعضها غير ما ذكر، ونحوه ما في التذكرة قال في المبسوط: السابعة: أنْ يقول: بعتك هذه الصبرة كلّ قفيز بدرهم على أن أزيدك قفيزا، فإن أراد بالزيادة الهبة صحّ ولا مانع منه، وإن أراد أن يزيد مع المبيع لا يجوز،

ص: 162


1- المبسوط: في البيوع 2/152.
2- الخلاف: في البيوع 3/163، مسألة 261.
3- كفاية الأحكام: في شروط العوضين 1/457.
4- تذكرة الفقهاء: في العوضين 10/77 و 78.
5- الدروس الشرعية: في شروط المبيع 3/195.
6- كصاحب الحدائق الناضرة: في بيع الجزء المشاع 18/479.
7- تذكرة الفقهاء: في العوضين 10/84-79.
8- مختلف الشيعة: في بيع الغرر والمجازفة 5/246.

لأنّ الصبرة إذا لم تكن معلومة المقدار فإذا قسّم الزائد على القفزان كان كلّ قفيز وشيء، بدرهم وذلك مجهول. الثامنة: أن يقول: بعتك هذه الصبرة وهي عشرة أقفزة كلّ قفيز بدرهم على أن أزيدك فيه قفيزا، فإن لم يعيّن القفيز المزيد لم يجز لأنّه غير مشاهد، وإن

عيّن جاز لأنّه يصير كأنّه باعه كلّ قفيز وعشر قفيز بدرهم وذلك معلوم. التاسعة: أن يقول:

بعتك هذه الصبرة كلّ قفيز بدرهم على أن أنقصك قفيزا لم يصحّ، لأنّ معنى هذا إنّي آخذ منها قفيزا وأحسب عليك ثمنه، فيكون كلّ قفيز بدرهم وشيء وهو مجهول، لأنّ الصبرة مجهولة القفزان. العاشرة: أن يقول: بعتك هذه الصبرة وهي عشرة أقفزة كلّ قفيز بدرهم على أن أنقصك قفيزا، فإنّه يجوز ويكون كلّ قفيز بدرهم وتسع، وذلك معلوم. وقال في المسألة السادسة: إذا قال: بعتك هذه الصبرة كلّ قفيز بدرهم على أن أزيدك أو أنقصك قفيزا والخيار لي في الزيادة والنقصان فإنّه لا يجوز، لأنّ المبيع مجهول لا يدري أيزيده أم ينقصه(1)، انتهى. وقد ذكر مثل ذلك في التذكرة(2).

هذا وإنّما يصحّ بيع الصبرة إذا تساوت أجزاؤها فإن اختلفت كصبرة ممتزجة من جيّد وردي لم يصحّ إلاّ للمشاهد للجميع، ولو باعه نصفها أو ثلثها فكذلك»(3).

ثمّ يقع الكلام في جهات من البحث:

الجهة الأولى: حقيقة المراد من الكلّي في المعين

تعريف المحقّق الإصفهاني

قال المحقّق الإصفهاني قدس سره: «إنّ الكلّي في المعين ليس هو الكلّي الذمي مقيدا بالوفاء من الصبرة الخاصة؛ لينحل إلى بيع كلّي في الذمة وشرط الوفاء والأداء من الصبرة، فإنّ لازمه مع تلف الصبرة جميعا تعذّر الشرط وثبوت الخيار، مع أنّ حكم الكلّي في المعين انحلال البيع وانفساخه قهرا بتلف الصبرة تماما، وليس المراد منه الكلّي الموجود

ص: 163


1- المبسوط: في البيوع 2/152.
2- تذكرة الفقهاء: في العوضين 10/80.
3- مفتاح الكرامة 13/179-172.

خارجا في الصبرة، لأنّ الكلّي وجوده خارجا بوجود أفراده، فلو فرض أنّ الصبرة مشتملة على عشرة أصوع كان كلّي الصاع موجودا بوجودات تبلغ عشرة.

ومن البيّن أنّ المملوك بالبيع ليس أحد الوجودات معينا؛ وإلاّ لكان من بيع المجهول؛ ولا مرددا وإلاّ لكان من بيع المبهم والمردد، إذ لا فرق بين إبهام الحصص - بما هي وجودات الكلّي خارجا - وبين ابهام الأفراد، فإنّها الحصص المتخصصة بالخصوصيات اللازمة بوجود الكلّي، ولا وجود للكلّي بنحو آخر، فإنَّ صرف وجود الشيء إنْ أُريد منه الكلّي الملحوظ مع قطع النظر عن ذات حصة خاصة - كما هو كذلك بالنظر إلى الخصوصية اللازمة للحصة الخارجية - فهو عين الإهمال، ولا يعقل ترتب حكم تكليفي أو وضعي على الطبيعة المهملة جدا ثبوتا، وإنْ أُريد مطلق الوجود في قبال العدم الكلّي - أعني ناقض العدم - فمن البيّن أنّ كلّ وجود بديل عدم نفسه، فليس لناقض العدم المطلق مصداق حقيقة ليكون مبيعا، وأمّا صرف الوجود المصطلح عليه - أي الوجود الذي لا يشذ عنه وجود - فهو غير معقول في الوجودات المحدودة بحدود ماهوية، مع أنّ المفروض بيع صاع واحد من الصبرة، لا الصاع الذي لا يشذ عنه صاع.

بل المراد من الكلّي في المعين هو نفس الكلّي الغير المنطبق فعلاً على شيء في الخارج، وإنّما خارجيته بخارجية ما أُضيف إليه؛ وهي الصبرة الخارجية.

فالكلّي الذمي والكلّي من الصبرة في حد الكلّيّة على نهج واحد، غاية الأمر أنّه في الأوّل مضاف إلى الذمة تصحيحا لبذل المال بإزائه، وفي الثاني مضاف إلى الصبرة، وليس له تعيّن خارجي إلاّ التعيّن الحاصل له من إضافته إلى الصبرة، فالأفراد بحصصها المتقررة في مرتبة ذواتها؛ التي هي بهذا الاعتبار وجودات الكلّي بخصوصياتها الحافة بها؛ التي هو لوازم وجود الكلّي خارجا على التحقيق، ومن المفرّدات - على لسان الجمهور جميعا - للمالك، والذي هو للمشتري كلّي الصاع المتعيّن بإضافته إلى الصبرة، من دون أنْ يكون لذلك الكلّي وجود خارجي في الصبرة، ليرد عليه المحاذير المتقدمة، ويترتب عليه

ص: 164

ثمرات لا يترتب على الكلّي الخارجي بالمعنى المتوهم كما سيأتي(1) إن شاء اللّه تعالى.

والفرق بين التعيّن المأخوذ على هذا الوجه واشتراط الوفاء من الصبرة أنّ النعت المزبور مقوِّم للكلّي المملوك على الأوّل، وشرط في بيع الكلّي على الثاني، ولذا يختلف حكمهما؛ فينحل العقد قهرا على الأوّل بتلف الصبرة تماما؛ ويثبت الخيار بتلفها لمكان تعذّر الشرط على الثاني»(2).

مراده: «أنّ الكلّي في المعيّن هو الكلّي الموجود في الخارج لكن مضافا إلى الخارج، بمعنى أنّه حينما يقدم البائع على بيع الكلّي:

فتارةً: يبيع الكلّي دون أن يقيّده بقيدٍ أو شرطٍ أو إضافةٍ، كما لو باع صاعا من الحنطة، فهذا يعدّ كلّيّا في الذمّة.

وأُخرى: يبيع الكلّي مشروطا بشرط الأداء من صُبرة معيّنة، فإنّ المبيع حينئذٍ بيع كلّي في الذمّة، حيث لم يضاف إلى الصُّبرة، إلاّ أنّ الوفاء به أصبح مشروطا بكونه من هذه

الصُّبرة، وعليه فلو تلفت الصُّبرة قبل القبض والإقباض صحّ البيع، وإن يثبت للمشتري خيار تخلّف الشرط.

وثالثة: يبيع الكلّي فيكون المبيع كلّيّا، ولكن من دون أن يكون خارجيّا، أو مشروطا بالأداء الخارجي، بل هو كلّي مضاف إلى الخارج حيث يكون الخارج طرف إضافة الكلّي، فهو كلّي على نحو صرف الوجود. ومثل هذا الكلّي يسمّى بالكلّي في المعيّن.

ويستدلّ المحقّق الإصفهاني رحمه الله على أنّ المراد من الكلّي في المعيّن هذا المعنى الأخير، دون ما قيل من أنّ المراد منه هو الصاع الموجود في الصُّبرة، لاستلزامه ما لا

يمكن الالتزام به، وهو أنّه من الضروري حينئذٍ أن يكون الكلّي موجودا في ضمن أفراد الصُّبرة المذكورة، لاستحالة وجود الكلّي في الخارج إلاّ في ضمن فرد من أفرادها، فإذا

ص: 165


1- حاشية المكاسب للمحقّق الإصفهاني 3/339، تعليقة رقم 251.
2- حاشية المكاسب 3/336-334.

وجد في ضمن أفرادها لا يخلو حال الفرد أو أفراد الصُّبرة المذكورة من أنّها معيّنة أو مردّدة:

فإن كان الفرد أو الأفراد مردّدا: فقد سبق استحالة وجود الفرد المردّد خارجا؛ لأنّ الوجود مقرون بالتعيّن.

وإن كان معيّنا: فلا فائدة في تعيّنه بعد جهل المشتري به، فيبطل البيع لذلك. وبالتالي فلا سبيل إلاّ أنْ نقول: إنّ المبيع حينئذٍ كلّي غير موجود في الصُّبرة، لكنّها طرف لإضافة الكلّي، ممّا يستلزم اندراجه في قاعدة «تلف المبيع قبل قبضه من مال بايعه»، وبطلان البيع فيما لو تلفت الصُّبرة قبل قبض المشتري صاعا منها، ويمتاز عن بيع الكلّي المشروط بشرط الأداء من الصُّبرة المعيّنة، بأنّه لو تلفت الصُّبرة قبل أنْ يقبض صاعا منها، صحَّ البيع مع ثبوت خيار تخلّف الشرط»(1).

وبعبارة أسهل: تعرّض المحقّق الإصفهاني «لوجوه عديدة في تصوير الكلّي في المعيّن وناقشها، منها: أنْ يكون المراد منه الطبيعة المضافة إلى صرف الوجود، وأُورد عليه بأنّ المراد من صرف الوجود إن كان معناه الفلسفي أي بمعنى إلغاء جميع الحدود عنه الذي هو أمر واحد بسيط وهو فيضه تعالى فلا معنى لإضافة الطبيعة إليه، وإن كان بمعنى ناقض العدم فالطبيعة المضافة إلى الوجود بهذا المعنى قابلة الانطباق على مجموع الصبرة كما أنّها قابلة الإنطباق على بعضها وعليه يكون البيع غرريّا لأنّ المشتري لا يدري ما هو المبيع هل مجموع الصبرة أو بعضها؟ ثمّ قال: إنّ المبيع في بيع الكلّي في المعيّن هو الطبيعي أي الحنطة المقيّدة بكونها من الصبرة الفلانيّة من غير تقيّدها بالوجود لما تقدّم من أنّ الوجود بأيّ نحو من أنحائه خارج عن هذا المبيع وعليه فلا يكون المشتري مالكا لوجود الحنطة وإن كان اللازم على البائع أنْ يسلّمه من الحنطة الموجودة في الصبرة المعيّنة»(2).

ص: 166


1- العقد النضيد 5/312.
2- تعليقة المحاضرات 3/333 لآيه اللّه الشهيد الأحمدي الشاهرودي رحمه الله.

تقرير المحقّق الخوئي من تعريف الإصفهاني ونقده عليه

ولكن ذهب المحقّق الخوئي في بيان مراد الإصفهاني إلى أنّ مقالته يرجع إلى: «إنّ المبيع في بيع الكلّي في المعيّن هو الكلّي من غير إنْ يقيد في كونه في الذمة ولا أنّه مفيد بكونه في الخارج بل مطلقا من جميع ذلك فيكون منطبقا على كلّ فرد فرد في المعين الخارجى، فإذا باع منّا من الحنطة فمعناه أنّه باع كلّيّا مطلقا قابل الانطباق على الصياع الموجودة في الخارج المعين وعلى غيرها»(1).

ثمّ اعترض عليه بإشكالات ثلاث:

الأوّل: «أنّ لازمه جواز تصرّف البائع في الموجود الخارجي وضعا لبقائه في ملكه وكون المبيع كلّيّا في الذمّة، وإن لم يجز ذلك تكليفا لوجب أداء المبيع إلى المشتري وينافيه إتلافه»(2).

الثاني: «إذا فرضنا أنّ الموجود الخارجي تلف، لم يكن المبيع تالفا ليوجب انفساخ العقد لكونه من التلف قبل القبض، وإنّما يوجب تلفه تعذّر تسليم المبيع، وهو لا يوجب الفساد، بل ينتقل إلى المثل أو القيمة»(3). «لأنّ التلف متعلّق بالأفراد الموجودة فلا محالة لا يتعلّق التلف بمال المشتري لأنّه مالك للطبيعي غير المقيّد بالوجود الخارجي بل

يتعلّق بمال البائع لأنّه مالك لما في الخارج»(4).

الثالث: «إنّ الكلّي إذا لم يكن مضافا إلى ذمّة خاصّة لا يكون مالاً، بل هو من المعدوم، وليس قابلاً للبيع، كما أنّ الكلّي غير المضاف نسبته إلى جميع النّاس نسبة واحدة، فأيُّ جهة أوجبت أن يبيعه شخص خاص؟»(5). يعني «أنّ تصويره الكلّي بأنّهكلّي غير مضافٍ إلى الذمّة والخارج ممنوعٌ، لأنّ العقلاء لايعتبرون الماليّة لكلِّ ما لا يكون

ص: 167


1- مصباح الفقاهة 5/370.
2- المحاضرات في الفقه الجعفري 3/332.
3- المحاضرات في الفقه الجعفري 3/333.
4- تعليقة المحاضرات 3/333.
5- المحاضرات في الفقه الجعفري 3/333.

منسوبا إلى ذمّة أو إلى الخارج»(1).

تقرير المحقّق الخوئي قدس سره ونقوده في الميزان

ذهب المحقّق الإصفهاني إلى أنّ الكلّي في المعين غير الكلّي في الذمة وغير الكلّي المقيد بكونه في الخارج، بل هو الكلّي المضاف إلى الخارج المعين بحيث يتشخص بخروج صرف الوجود منه توسط البائع.

نعم، صرف الوجود يمكن أن ينطبق على كلِّ من الصياع الموجودة في الخارج المعين ولكن يتحقق بأوّل فردها.

فحينئذ أوّل نقد يترتب على مقالة المحقّق الخوئي قدس سره عدم تمامية تقريبه من كلام أُستاذه.

وثانيا: إشكاله الأوّل يجري في حقِّ كلِّ مَنْ قال بجواز بيع جميع الصبرة توسط مالكه، ولا يختص بالإصفهاني قدس سره فهو يجاب عن الإشكال بما أجاب غيره.

ولا يبعد أنْ نلتزم بهذا الإشكال ونذهب إلى جواز بيع جميع الصبرة توسط بائع الكلّي جوازا وضعيا مع عصيانه حينئذ تكليفا.

وثالثا: صرّح المحقّق الأصفهاني أنّ الإضافة إلى المعين الخارجي [الصبرة] مقوِّم للبيع لا شرطه، فإذا كان مقوِّما للبيع وتلفت الصبرة ينحل البيع وينفسخ قهرا لأنّه قال: «أنّ حكم الكلّي في المعين انحلال البيع و انفساخه قهرا بتلف الصبرة تماما»(2) ولا يذهب إلى انتقال المبيع إلى المثل أو القيمة.

رابعا: الكلّي إذا لم يكن مضافا إلى ذمة خاصة ولا إلى الخارج المعين لا يكون مالاً، ولكن المحقّق الإصفهاني رحمه الله يرى أنّ الكلّي في المعين يضاف إلى الخارج المعين فيكون مالاً، ولذا قال الإصفهاني: «المراد من الكلّي في المعين هو نفس الكلّي الغير المنطبق فعلاً على شيءٍ في الخارج، وإنّما خارجيته بخارجية ما أُضيف إليه وهي الصبرة

ص: 168


1- العقد النضيد 5/314.
2- حاشية المكاسب 3/334.

الخارجية... وليس له تعيّن خارجي إلاّ التعيّن الحاصل له من إضافته إلى الصبرة...»(1).

وبالجملة: ما ذكره السيّد الخوئي قدس سره من تقرير كلام أُستاذه الإصفهاني

رحمه الله والإشكال عليه غير تام «وهذا غريب منه مع تتلمذه عليه ومعرفته بآراء شيخه المحقّق»(2) ولم يكن من سهو المقررين لأنّ هذا التقرير والإشكالات عليه موجود في ثلاثة تقريراته(3) الموجودة عندي وسبحان من لا يسهو.

مناقشة الأُستاذ المحقّق - مدظله - على تعريف الإصفهاني

ذهب الأُستاذ المحقّق - مدظله - إلى «أنّ فرض الكلّي من الصُّبرة على نحو صِرْف الوجود ممنوعٌ، لأنّ لاصطلاح صِرْف الوجود معانٍ ثلاث:

1- ما هو مصطلحٌ عند الفلاسفة من أنّه وجودٌ لا يشذّ منه وجود.

2- ما هو مصطلح في باب التكاليف الشرعيّة حيث يعبّر عنها بأنّ المطلوب من العبد صِرْف وجود الصلاة مثلاً لا جميع وجوداتها.

3- وقد يكون المراد منه ما يعدّ ناقضا للعدم الكلّي، حيث أنّ وجود كلّ شيء يعدّ ناقضا لعدمه.

وأيّا من الاستعمالات الثلاث غير قابل للتطبيق على الكلّي في المعيّن المبحوث عنه في المقام:

أمّا المعنى الأوّل والثالث فلا موضوع لهما فيما نحن فيه.

كما أنّ المعنى الثاني أيضا ممنوعٌ، لاستلزامه أن يصبح الفرد المبيع مجهولاً ممّا يؤدّي إلى بطلان البيع»(4).أقول: يمكن أن يقال: مراد المحقّق الإصفهاني من صرف الوجود هو القسم الثاني

ص: 169


1- حاشية المكاسب 3/335.
2- العقد النضيد 5/316.
3- راجع: المحاضرات في الفقه الجعفري 3/333؛ ومصباح الفقاهة 5/370؛ والتنقيح في شرح المكاسب 2/399.
4- العقد النضيد 5/313.

في كلام الاستاذ المحقّق - مدظله - وهو المراد من صرف الوجود في كلام الفقهاء أي أوّل وجود يتحقق في الخارج من التكليف الشرعي أو غيره.

ولا يستلزم منه جهالة الفرد المبيع ولا يؤدّي إلى بطلان البيع لأنّ الكلّي إذا أضاف إلى الخارج المعين خرج عن الجهالة والبطلان، وهذا الكلّي يتشخص في الخارج بصرف الوجود من الخارج المعين وحيث أنّ الوجودات متساوية الأجزاء كما مرّ من صاحب مفتاح الكرامة(1)، عدم تشخّصها لايستلزم جهالة المبيع فلايؤدي إلى بطلان البيع فلا تتم المناقشة على المحقّق الإصفهاني قدس سره، وكما اعترف الاستاذ - أدام اللّه أيامه - بفرض تساوي أجزاء المبيع في بيع الكلّي في المعين بعد عشر صفحات في ما بعد.(2)

تعريف المحقّق الخوئي ونقده

قال السيّد الخوئي «والتحقيق في تصويره أنْ يقال أنّ الكلّي في المعين ليس إلاّ الكلّي المضيق الموجود في ضمن المعيّن الخارجي وقابل الانطباق على أفراده وتوضيح ذلك في أُمور:

الأوّل: إنّ الكلّيّة لايتخصص ولايتشخص إلاّ بالتشخصات الخارجية بحيث توجب تحيّزها في الخارج وإلاّ فبمجرد تقييد الكلّي من غير أن يوجب التقييد والتشخص في الخارج لايوجب خروج الكلّي عن كليته كما حُقِّقَ في علم الحكمة والكلام، نعم يوجب تضيق الدائر فقط، والتقريب بنحو التوضيح في تصوير بيع الكلّي أنَّ الملكية الاعتبارىّ متعلّق أوّلاً وبالذات بالكلّي حتّى في البيوع الشخصية وعلى الخارجيات بالعرض فيكون الكلّي مملوكا بالأصالة والأعراض مملوكا بالتبع نظير العلم بفسق زيد فإنّه عالم بالكلّي بالأصالة وبالجزئي بالعرض كما هو واضح فلا عجب في إمكان تمليك الكلّي على كلّيته وابقاء الخصوصيات في ملك نفسه كما لا يخفى.

الثاني: إنَّ الأعيان الخارجية إنّما هي مملوكة لِمُلاّكِها بجميع خصوصياتها

ص: 170


1- مفتاح الكرامة 13/172.
2- راجع العقد النضيد 5/323.

الشخصية وله مالكية عليها مالكية تامة فله أنْ ينتقل إلى الغير الذات المبرات عن الخصوصيات وتبقى الخصوصيات في ملكه وله أن ينقل إليه الذات مع جملة من الخصوصيات وله أن ينقلها مع جميع الخصوصيات فمع نقلها بالخصوصيات تارة تكون بحدّ توجب كون المبيع شخصيّا وآخر لا توجب بل يكون كلّيّا مضيقا.

الثالث: أنّه لا شبهة في وجود الجامع بين المفاهيم بحيث أنّ مفهوما واحدا يصدق على مفاهيم كثيرة كما لا شبهة في وجود الجامع بين الحقائق أيضا فإنّ حقيقة واحدة يمكن أن تصدق على الحقائق العديدة مثلاً أنّ مفهوم الوجود جامع لجميع مفاهيم الوجود في العالم كما أنّ حقيقة الوجود جامع لجميع حقائق الوجود ففي مقام الإشارة والدلالة يعبَّر بمفهوم الوجود وفي مقام اللب والواقع يعبَّر بحقيقة الوجود، فإذا قيدت الطبيعة مثلاً بالوجود يكون قابل الانطباق على جميع أفرادها على نحو الاستغراق والسريان، وإذا قيد بصرف الوجود يكون قابل الانطباق على جميع أفراد الطبيعة أيضا، ولكن على نحو البدلية بحيث يكون أوّل الفرد منها أيَّ فردٍ كان موردا للحكم وهذا أيضا يختلف بالسعة والضيق.

إذا عرفت ذلك فنقول: أنّ المالك إنّما هو مالك للعين الخارجية مع جميع خصوصياتها فإذا باع مثلاً صاعا منها أو ذرعا أو غيرهما من غير أن يعين المبيع بجزء خاص أو بطرف خاص فيكون المبيع حينئذٍ أمرا كلّيّا قابل الانطباق على بقيّة الأفراد بأجمعها على البدل مفهوما وحقيقةً كانطباق مفهوم الوجود وحقيقته على جميع مفاهيم الوجود وحقيقته فليس الذات من حيث هي المعرات عن جميع الخصوصيات مبيعا ولا أنّ الذات المقيدة بجميع الخصوصيات مبيع وإلاّ لتوجه على الأوّل ما ورد على شيخنا المحقّق، وعلى الثاني، كان المبيع شخصيا لا كلّيّا بل المبيع هي الذات المقيدة ببعض الخصوصيات أعني خصوصية كونها من هذه الحنطة أو هذه الطاقة أو هذه الفراش مثلاً بحيث أوجبت تلك الخصوصية تضييق دائرة الكلّي الوسيع المطلق من جميع الجهات، ولكن ليست تلك الخصوصية على حدٍّ تكون موجبة لصيرورة المبيع شخصيا فيكون واسطة بين الأمرين فيكون المبيع هو الطبيعة المقيدة بصرف الوجود الضيق، فالبائع قد

ص: 171

نقل إلى الغير الطبيعة المضيقة المقيدة بصرف الوجود من العين الخارجية كصاع ونحوه وملكه للمشتري بحيث صار المشتري مالكا لطبيعي الصاع المقيّد بصياع هذه الصبرة مثلاً وأبقى المالك بقية الخصوصيات في ملكه ومنها السريان وتطبيقه على كلِّ فردٍ فردٍ فليس للمشتري إلاّ الكلّي المقيد من هذا الموجود وهذا واضح جدا، فالاعتبارات العقلائية مساعدة لها في التكليفيات والوضعيات كما إذا أمر المولى بالصلاة مطلقا أو في المسجد فإنّ المكلف به في الأوّل مطلق [من] جميع الجهات غير تقيد الطبيعة بصرف الوجود، وأمّا القيود فكلّها ملغات وهذا الذي عبرنا عنه في باب المطلق والمقيد برفض القيود وبنينا عليه معنى المطلق، وفي الثاني مقيد بقيد آخر غير تقيده بصرف الوجود وهو كونها في المسجد ومع ذلك لم يخرج المكلف به عن كليته فإنّ المكلف مخير بين إيجاده في السطح أو في داخل المسجد وفي أيِّ مكانٍ منه.

وكذلك إذا آجر أحدا بخياطة ثوبه مطلقا أو في شهر خاص وهكذا وهكذا، فالمقصود أنَّ ماذكرناه من تصوير بيع الكلّي في المعيّن ليس معنى بعيدا عن العرف، بل اعتبارات العقلاء مساعدة عليه وكذلك اعتبار الشارع كما عرفت فاغتنم. [هذا كلّه في مقام الثبوت.

وأمّا مقام الاثبات] وقد ورد في رواية(1) الأطنان ما يدلّ على جواز بيع الكلّي كما عرفت.

وبالجملة لا بأس من الالتزام ببيع الكلّي ثبوتا وإثباتا بعد ما ساعده الإعتبار العقلائي وورد عليه الرواية»(2).

أقول: المقدمات الثلاث المذكورات في كلام السيّد الخوئي رحمه الله لم يدخل في محلِّ النزاع ولا ربط بها في تصوير حقيقة الكلّي في المعين، مضافا إلى ما أُورد عليها:

أوّلاً: «إنّ هناك فرقا بين الشخص وأمارات التشخّص، فالأوصاف تعدّ أمارات

ص: 172


1- وسائل الشيعة 17/365، الباب 19 من أبواب عقد البيع وشروطه، صحيحة بريد بن معاوية.
2- مصباح الفقاهة 5/373-370.

على الأخيرة، دون الشخص الذي هو عبارة عن الطبيعة الموجودة التي لها كمٌّ وكيف، فتشخّص كلّ طبيعة يحصل بإضافتها إلى الحصّة الموجودة منها، فما يتعلّق به البيع هو الكتاب مثلاً وأوصافه مبيعٌ بالعَرَض، فأوصاف الفرد أمرٌ والفرد بنفسه أمرٌ آخر، وكلّيه أمرٌ ثالث، وينبغي عدم الخلط بينها»(1).

وثانيا: «المبيع تارة كلّي فلا يكون الشخصي ولا أوصافه داخل في البيع، بل متعلَّق المعاملة هو ذات الطبيعة، لكن لا الطبيعة المعرّاة عن الوجود، بل مع الوجود بإلغاء جميع الخصوصيّات، فالمبيع في هذه المعاملة هو الكلّي بالذات، وأمّا الأوصاف فهي غير داخلة تحت البيع لا بالذات ولا بالعرض.

وأُخرى: المبيع شخصي كما لو باع هذه الحنطة الموجودة في الخارج، فالمبيع حينئذٍ شخصي لا كلّي، أمّا الأوصاف فهي ممّا تعلَّق البيع بها بالعرض، وبالتالي فقوله رحمه الله: «إنّ التشخّص في الخارج لا يوجب خروج الكلّي عن كلّيته»(2) وأنّه حتّى في البيع الشخصي يكون المبيع هو الكلّي بالذات، ممنوعٌ»(3).

وثالثا: المقدمة الثالثة تتحدّث عن قضية فلسفية لا علاقة لها بتعريف الكلّي في المعين.

ورابعا: وأمّا تعريفه قدس سره الكلّي في المعين بأنّه «هي الذات المقيدة ببعض الخصوصيات»(4) غير واف بالتعريف وما ورد في كلامه من تفسيره: «أعني خصوصية كونها من هذه الحنطة أو هذه الطاقة أو هذه الفراش مثلاً...»(5) لا يغني ولا يسمن من جوع.

وخامسا: الأمر المشكل في تعريف الكلّي في المعين هو تصوير كيفية وجودالكلّي في المعين الخارجي - أي تصوير الصاع الكلّي في الصبرة الخارجية - وتصوير

ص: 173


1- العقد النضيد 5/318.
2- مصباح الفقاهة 5/370.
3- العقد النضيد 5/318.
4- مصباح الفقاهة 5/372.
5- مصباح الفقاهة 5/372.

هذه الكيفية في تعريف المحقّق الخوئي قدس سره لا تزال مجهولة.

تعريف الاستاذ المحقّق - مدظله -

قال - أدام اللّه أيّامه - في ختام مناقشته مع المحقّق الإصفهاني: «أنّ المراد من الكلّي في المعين هو الصاع المضاف إلى المعين»(1).

أقول: هذا التعريف تلخيص من تعريف المحقّق الإصفهاني رحمه الله مع حذف ما لا يجوز حذفه من التعريف.

المختار في حقيقة الكلّي في المعين

بنظرنا القاصر ما ذكره المحقّق الإصفهاني قدس سره من التعريف تام وهو باختصار منّا:

الكلّي في المعين هو الكلّي المضاف إلى الخارج المعين بحيث يتشخص بإخراج صرف الوجود من هذ الخارج المعين بتوسط البائع. واللّه العالم.

الجهة الثانية: الإشكال في صحة بيع الكلّي في المعين والجواب عنه في مقام الثبوت

تقريب الإشكال العقلي الوارد على صحة بيع الكلّي في المعين:

لو قلنا «بأنّ المراد من الكلّي في المعيّن هو الموجود في المعيّن - كما ورد التصريح به - يأتي السؤال عن أنّ هذا الكلّي هل هو موجود في هذه الصُّبرة أو معدوم؟

ولابدّ من اختيار الوجود، لاستحالة بيع الكلّي المعدوم في الصبُّرة، وحينئذٍ لو أصبح الكلّي موجودا، فهو إمّا موجود بوجود فرده أو بدونه؟

ولا شكّ في بطلان الشقّ الأخير، وانحصار الجواب بالشقّ الأوّل، وأنّ الكلّي موجود بوجود الفرد، وحينئذٍ لا يخلو حال هذا الفرد إمّا أنّه معيّن أو مردّد؟

والالتزام بالشقّ الأخير يُعَدُّ كَرْا على ما فَرَّ منه، لأنّ [الفرد] المردّد باطلٌ إذ لا واقعيّة له ولا ذات.

وأمّا لو عُدَّ معيّنا، فممنوعٌ.

ص: 174


1- العقد النضيد 5/313.

أوّلاً: لأنّه خلف الفرض، لأنّ الكلّي لم يفرض معيّنا.

وثانيا: عُدَّ من أفراد البيع المجهول»(1).

قد عرفت آنفا عدم تمامية محاولة السيّد الخوئي رحمه الله في الخامس من إشكالاتنا عليه.

وأمّا محاولة المحقّق الإصفهاني

فقد حاول العويصة بقوله: «وأمّا بملاحظة كلمة «من» فهي؛ - كما ذكرنا في محلّه - لمجرد اقتطاع متعلَّقها عن مدخولها، فيلائم ارادة الكلّي لاقتطاعه من الصبرة المشتملة على الكليات؛ وإنْ اشتملت على خصوصياتها أيضا»(2).

وقد أُورد عليه: أنّ الإصفهاني ذهب في تعريف الكلّي في المعين أنّه كلّي متعين بالإضافة إلى الصبرة برغم من عدم وجوده فيه وأنّ هذه الاضافة المذكورة هي مقوم للمبيع.

ثمّ يدّعي هنا بأنّ «مِنْ» في جملة «صاع من الصبرة» للاقتطاع ويفيد التبعيض.

ولا يمكن الجمع بين هاتين مقالتين لأنّ نتيجة الأولى عدم وجوده في الصبرة ونتيجة الثانية وجوده في الصبرة وهما متناقضان. «نعم، مطلق الإضافة لا يقتضي الوجود في المضاف إليه، لو كان رحمه الله مقتصرا في دعواه على مجرّد الإضافة، لأمكن توجيهها؛ لأنّ مطلق الإضافة لا يستلزم الوجود في المضاف إليه، مثل إضافة العلّة إلى المعلول، حيث أنّ إضافتها لايستلزم الوجود فيه، بل ينافي وجود العلّة في المعلول، ولكنّه رحمه الله لأجل التخلّص من إشكال خيار تخلّف الشرط، حدَّد الإضافة بإضافة الاقتطاع من جهةٍ، وجعلها من جهةٍ أُخرى مقوِّما للمبيع، فيترتّب عليه الإشكال العقلي.

بيان ذلك: المشكلة العقليّة الحاصلة في المقام هي أنّ المالك حينما يُقدم على بيع الكلّي، فإنّه مالكٌ لجميع أجزاء المبيع، وإيجابه يتعلّق بالمبيع بجميع خصوصيّاته، وأمّا

ص: 175


1- العقد النضيد 5/320.
2- حاشية المكاسب 3/337.

المشتري فلا ملكيّة له بالنسبة إلى الخصوصيّات والأفراد، بل هما مسلوبتان عنه، وإثبات هذه الملكيّة الكلّية محالٌ، إلاّ مع الالتزام بأنّ الكلّي غير موجود بوجود أفراده، وهو محالٌ، لاستحالة الجمع بين السلب الكلّي والإيجاب الجزئي.

والإستعانة بطريقة الإضافة، لا تحلّ المشكل، لأنّها إضافة تبعيضيّة، ولاتتحقّق إلاّ بعد وجود البعض في الكلّ، وهو كرٌّ على ما فرّ منه»(1).

جواب الاستاذ المحقّق - مدظله -

ذهب - مدظله - إلى انحصار الجواب عن الإشكال في التفريق بين اعتباري والعُقلائي والعقلي ومثّل بالبخار من أنّه متولّد من الماء عقلاً إلاّ أنّ العقلاء والعرف يروونه غير الماء ولا يترتبون عليه أحكام الماء المتولِّد منه من الطهارة والنجاسة و... .

تقريبه: «يمكن عُقلاءً فرض الوجود لشيءٍ لا وجود له عَقْلاً، كما في بيع الكلّي في المعيّن، فإنّه من البيوع الشائعة والمتعارفة عند العقلاء، حيث يعتبرونه صنفا من أصناف البيوع، ويرتّبون عليه الآثار الوجوديّة العقلائيّة، برغم عدم وجودها عقلاً، ومجرّد وجود مثل هذا الأمر المعتبر عند العقلاء كافٍ لاندراج هذا الصنف من البيع في أدلّة المعاملات، وشمول أدلّة الصحّة له، لما سبق البحث عنه من أنّ عمومات الكتاب والسنّة ملقاة إلى العرف العام، وتكون سعتها وشمولها منوطة لما يراه العرف مصداقا لها.

وبالتالي يمكن تصحيح بيع الكلّي في المعيّن من خلال فرض اندارجه في «أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ»(2) و «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»(3) وغيرهما؛ لثبوت المقتضي لشمول العمومات المذكورة وفقدان الموانع»(4).

ولكن يرد عليه: أوّلاً: عدم انحصار الجواب في محاولته - دام ظله - كما يظهر من

ص: 176


1- العقد النضيد 5/321 و 322.
2- سورة المائدة /1.
3- سورة البقرة /275.
4- العقد النضيد 322/5.

الجواب المختار.

وثانيا: إنّ محاولته وإن كانت صحيحة في مقام الثبوت ويمكن التفريق بين حكم العقل والاعتبار العقلائي كما مثّل له - دام ظله - إلاّ أنّها تسليم في مقابل العويضة - وهي عدم إمكان وجود الكلّي في المعين - ثمّ خرج بهذه المحاولة عن إمكان تصحيح بيع الكلّي الذي لم يتحقق، بجعل الاعتبار العقلائي على خلاف الحكم العقلي وإمكان هذا الجعل وعدم ثبوت المانع له.

المختار في جواب العويصة

بلا إشكال يمكن تقييد الكلّي بالأوصاف والحالات نحو تقييد كلّي ّلإنسان بالعالم والمتقي والهاشمي ومثلها، وكلّ ما قيّدنا الكلّي يكون دائرة تطبيقه في الخارج ضيقا بحيث يمكن أنْ لاينطبق في الخارج إلاّ على واحد فقط أو حتّى عدم وجود مصداق له في الخارج.

وعليه يمكن إضافة الكلّي إلى خارج معين بحيث ينطبق فقط على هذا الخارج المعين نحو اختيار إمام الجماعة من ضمن طلاب مدرسة علمية خاصة أو اختيار الزوج أو الزوجة في ضمن أفراد عائلة خاصة.

وهذه الإضافة الخاصة لا يخرج الكلّي عن كلّيته وعن انطباقه على أفراد كثيرين.

ثمّ قد مرّ منّا - تبعا للمحقّق الإصفهاني - أنّ تطبيق الكلّي في بيع الكلّي في المعيّن يكون على يد البائع على نحو صرف الوجود من المعين الخارجي.

وهذه الإضافة أو اختيار التطبيق لا يخرج الكلّي عن كلّيته إلاّ بعد تطبيقه خارجا توسط البائع على فرد من أفراد المعين الخارجي، وبعد التطبيق يصير جزئيا كما يكون الأمر كذلك في انطباق جميع الكليات على أفراده، وهذا هو الجواب المختار في حلّ العويضة، في مقام الثبوت. واللّه العالم.

ص: 177

الجهة الثالثة: بيع الكلّي في المعين في مقام الإثبات

بعد تصوير بيع الكلّي في المعين يشمله إطلاقات و عمومات «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»(1) و «أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ»(2) و «تِجارَةً عَنْ تَراضٍ»(3) ويحكم بصحته.

مضافا إلى صحيحة بريد بن معاوية عن أبي عبداللّه عليه السلام في رجل اشترى من رجل عشرة آلاف طن قصب(4) في أنبار بعضه على بعض من أجمة واحدة، والأنبار فيه ثلاثون ألف طن، فقال البائع: قد بعتك من هذا القصب عشرة آلاف طن، فقال المشتري: قد قبلت واشتريت ورضيت، فأعطاه من ثمنه ألف درهم، ووكّل المشتري مَنْ يقبضه فأصبحوا وقد وقع النار في القصب فاحترق منه عشرون ألف طن وبقي عشرة آلاف طن، فقال: العشرة آلاف طن التي بقيت هي للمشتري، والعشرون التي احترقت من مال البائع.(5)

والرواية صحيحة الإسناد وتامة الدلالة على صحة بيع الكلّي في المعين.

الموانع في صحة بيع الكلّي في المعين
اشارة

قد ذكروا موانعا من صحة بيع الكلّي في المعين:

المانع الأوّل: غررية بيع الكلّي في المعين وجهالته

في بيع الكلّي في المعين حيث لم يعلم المشتري أنّ الكلّي ينطبق توسط البائع على أيِّ فردٍ من أفراد المعين الخارجي فيدخل الجهالة في المبيع والغررية.

صرح بالجهالة المحقّق الثاني في غير موضع مِنْ كتاب جامع المقاصد(6).واستدل بالغررية الفخر(7) والكركي(8) وتبعهما الشيخ الأكبر جدي

ص: 178


1- سورة البقرة /275.
2- سورة المائدة /1.
3- سورة النساء /29.
4- الطن: حزمةٌ من حطب أو قصب.
5- وسائل الشيعة 17/365، ح1، الباب 19 من أبواب عقد البيع وشروطه.
6- جامع المقاصد 4/103 و 105.
7- إيضاح الفوائد 1/430.
8- جامع المقاصد 4/103.

كاشف الغطاء(1).

ويمكن الجواب عنه: بما مرّ منّا من أنّ الكلّي في المعين لا يصح إلاّ في فرض تساوي أجزاء المعين الخارجي ومع تساوي الأجزاء ومعرفة المشتري بالمعين الخارجي وأجزائه، عدم علم المشتري بتطبيق البائع المبيع على أيِّ فردٍ من أجزائه لايدخل في المبيع الجهالة ولا في البيع الغررية.

المانع الثاني: عدم معهودية ملك الكلّي في غير الذمة

نسبه الشيخ الأعظم(2) قدس سره إلى بعض معاصريه وهو صاحب الجواهر رحمه الله تبعا لفخر المحقّقين(3) حيث يقول بعد رجحان الحمل على الاشاعة: «... عدم معهودية ملك الكلّي في غير الذمّة لا على وجه الإشاعة بل ينحل إلى جهالة المبيع وإبهامه...»(4).

ولكن يرد عليه: أنّ عدم المعهودية لاتكون مانعا لا كبرىً ولا صغرىً.

وأمّا الكبرى: ف- «لما ثبت أنّ إطلاقات الأدلّة الإمضائيّة منصرفة عن المعاملات السفهيّة غير العقلائيّة، وأمّا عدم المعهوديّة أو التعارف، فليسا بشرطين للصحّة، والشاهد على ذلك قولهم: إنّ ندرة الوجود لا توجب الانصراف، ولذلك لا مانع من شمول إطلاق «أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ»(5) بالنسبة إلى غير المعهود»(6).

وأمّا الصغرى: ف- «ممنوع، بما هو متعارف عند جميع العقلاء من جميع الأُمم، بالاعتماد على الكلّي في المعيّن في كثير من معاملاتهم، كالوصيّة وأبواب المهوروالصداق وأيضا باب البيع»(7).

المانع الثالث: الإبهام في المبيع مبطل له

ص: 179


1- شرح القواعد 2/251.
2- المكاسب 4/256.
3- إيضاح الفوائد 1/430.
4- الجواهر 24/414 23/222.
5- سورة المائدة /1.
6- العقد النضيد 5/323.
7- العقد النضيد 5/323.

كما صرّح به الفخر(1) ويستفاد من تعبير الكركي(2) وتصريح جدي كاشف الغطاء(3) - قدس اللّه أسرارهم - .

وذهبوا إلى أنّ الإبهام في المبيع مبطل للبيع وبيع الكلّي في المعين من مصاديق الإبهام في المبيع فيكون باطلاً.

ويرد عليه: أوّلاً: بمنع الكبرى وهي مبطلية الإبهام مطلقا بل في خصوص استلزامه للغرر يوجب البطلان.

وثانيا: بمنع الصغرى وهي عدم ورود الإبهام في بيع الكلّي في المعين مع تساوي أجزاء المبيع في المعين الخارجي.

المانع الرابع: الملك صفة وجودية

«الملك صفة وجوديّةٌ محتاجةٌ إلى محلٍّ تقوم به - كسائر الصفات الموجودة في الخارج - وأحدهما على سبيل البدل غير قابل لقيامه به؛ لأنّه أمرٌ انتزاعيٌّ من أمرين معيّنين»(4).

ذكره جدي كاشف الغطاء(5) رحمه الله.

توضيح هذه المانع: «أنّ البيع تمليك عين بعوض، والملكية وإن كانت من الاعتبارات العقلائية والشرعية وليست من الأعراض المقولية المتقوِّمة بمعروضٍ موجود كالسواد والبياض، إلاّ أنّها تُنشأ بالبيع ولها تحقّقٌ في موطن الاعتبار، وهي من هذه الجهة

متحدة حكما مع العرض المقولي الموجود في الغير. وحيث إنّ «أحد الصيعان على البدل»لا وجود له خارجا وذهنا أصلاً، فلو صحّ البيع لزم تملّك المشتري للمعدوم. وهو ممتنعٌ»(6).

ص: 180


1- إيضاح الفوائد 1/430.
2- جامع المقاصد 4/103.
3- شرح القواعد 2/251.
4- المكاسب 4/249.
5- شرح القواعد 2/251.
6- هدى الطالب 8/247.

ويرد عليه: «منع احتياج صفة الملك إلى موجودٍ خارجيٍّ، فإنّ الكلّي المبيع سَلَما أو حالاًّ مملوكٌ للمشتري، ولا وجود لفردٍ منه في الخارج بصفة كونه مملوكا للمشتري، فالوجه أنّ الملكيّة أمرٌ اعتباريٌّ يعتبره العرف والشرع أو أحدهما في موارده، وليست صفةً وجوديّةً متأصّلةً كالحموضة والسواد؛ ولذا صرّحوا بصحّة الوصيّة بأحد الشيئين، بل لأحد الشخصين ونحوهما(1)»(2).

توضيح الرد: «إنّ الصفة تكون تارةً من إحدى المقولات التسع العرضية كمقولة الكيف مثل السواد والبياض، والحموضة والحلاوة، والشدّة ونحوها ممّا يتوقّف وجودها خارجا على محلِّ تعرض عليه كالجدار الموصوف بالسواد مثلاً. وأُخرى من الموجودات في موطن الاعتبار الذي هو وعاءٌ لآثارٍ تترتب عليه. والملكية وإن كانت نسبةً بين المالك والمملوك، إلاّ أنّ اعتبارها عرفا وشرعا لا يختصّ بوجود المنتسبين، بل ربّما تُفرض للمالك المعدوم حال الاعتبار ككلّي السيّد والفقير، أو للملوك المعدوم كذلك، كالمبيع سلفا، فإنّه غير موجود حال اعتباره ملكا للمشتري، وكالمنفعة المعدومة في باب الإجارة.

ويكفي توقّع وجود المملوك في مقام الاعتبار»(3).

والحاصل: الإنصاف(4) عدم نهوض الموانع الأربعة المذكورة على فساد بيع الكلّي في المعين كما اعترف به جماعة من الأصحاب أوّلهم المحقّق الأردبيلي(5) وتبعهالبحراني(6).

ص: 181


1- ممّن صرّح بذلك العلاّمة في القواعد 2/460؛ والشهيد في الدروس 2/301 و 308؛ والكركي في جامع المقاصد 10/139.
2- المكاسب 4/251.
3- هدى الطالب 8/256.
4- كما ذكره الشيخ الأعظم في المكاسب 4/251.
5- مجمع الفائدة والبرهان 8/182.
6- الحدائق 18/480 و 481.

مسألة: لو باع صاعا من صبرة

اشارة

لو باع صاعا من صبرة فهل ينزّل على الكسر المشاع أو الكلّي في المعين وجوه بل أقوال:

لم أظفر بمن جزم بالأوّل وإن حكاه فخر المحقّقين(1) قولاً(2)، ولكن الشيخ(3) والشهيد(4) والمحقّق الثاني(5) والشهيد الثاني(6) والسبزواري(7) والفاضل النراقي(8) والشيخ جعفر(9) والسيّد العاملي(10) إلى الثاني.

«وهنا قول ثالث وهو التفصيل بين ما كانت الصبرة معلومة المقدار أو مجهولة بالوقف والتردّد على الأوّل والكلّي على الثاني واختاره العلاّمة في التذكرة(11)»(12).

ص: 182


1- إيضاح الفوائد 1/430.
2- كما تنبّه عليه الشيخ الأعظم في المكاسب 4/259.
3- المبسوط 2/152.
4- الدروس الشرعية 3/201.
5- جامع المقاصد 4/105.
6- الروضة البهية 3/268؛ المسالك 3/176.
7- كفاية الأحكام 1/457.
8- مستند الشيعة 14/338.
9- شرح القواعد 2/255.
10- مفتاح الكرامة 13/175.
11- تذكرة الفقهاء 10/88.
12- بغية الطالب 2/485.

ثمّ «البائع والمشتري قد يتّفقان في ما أُريد من بيع الصاع من الصبرة وشرائه، بأنَّ يعترفا بأنّهما أرادا منه الكلّي في المعيّن أو الكسر المشاع، فلا إشكال في صحّة البيع حينئذ.

وقد يختلفان في ذلك، بأنْ يدّعي البائع أنّه أراد الكلّي في المعيّن والمشتري أنّه أراد الكسر المشاع، ولا إشكال في الفساد في هذه الصورة.

وأمّا إذا تردّد الأمر ولم يعرف ما أُريد من بيع الصاع من الصبرة، وهو يكون في موردين:

أحدهما: ما إذا عرض النسيان للبائع والمشتري فلم يعرفا ما قصداه حين البيع.

والثاني: ما إذا ماتا وانتقل المالان إلى وارثيهما ولم يعلم الورّاث ما أُريد من بيع الصاع من الصبرة.

فهل يحمل بيع الصاع من الصبرة أو أحد العبدين ونحوهما على الكلّي في المعيّن أو على الكسر المشاع أو على غير ذلك؟(1) وجهان أو وجوه.

والظاهر هو الأوّل لوجهين:

أحدهما: [صحيحة] بريد عن أبي عبداللّه عليه السلام [الماضية] فإنّ ترك استفصاله عليه السلام في الجواب يقتضي حمل ملك الجملة على بيع الكلّي في المعيّن عند الشك تعبّدا، وإلاّ لم يكن وجه لكون المقدار الباقي للمشتري والتالف من البائع على ما حكم به الإمام عليه السلام، ولا مانع من التعبّد في باب الظهورات إذا شكّ فيها، فيعبّدنا الشارع بالبناء على ظهور اللفظ في معنى عند الشك، لأنّه أمر واقعيُّ وقع الشك فيه، وهو قابل للتعبّد.

ثانيهما: إنّ أخذ العنوان في الحكم ظاهر في أنّه هو الموضوع، لا أنّه طريق إلى ما هو الموضوع، فعنوان «المنّ» أو «الصاع» إذا وقع عليه البيع، كان ظاهره أنّ المبيع هو نفس هذا العنوان الكلّي(2)، لا أنّه طريق إلى الكسر المشاع، كالنصف أو الربع الذي نسبته إلى

ص: 183


1- كالحمل على البيع الشخصي أو على الواحد لا بعينه على نحو الإبهام لكن إرادة الخصوصيّة مطلقا تحتاج إلى قرينة الأحمدي.
2- إذا لفظ الصاع اسم جنس موضوع لنفس الطبيعة بحيث يصدق على القليل والكثير نظير لفظ الرجل والأظهر في تنوينه أنْ يكون تنوين التنكير كما مَثَّلَ في الأُنموذج لتنوين التنكير بالتنوين الداخل على أسماء الأجناس وعليه فتستفاد الوحدة من التنوين وعلى فرض كون التنوين تنوين التمكّن أي التنوين الموجب لتمكّن الاسم من دخول الإعراب عليه فتستفاد الوحدة من الإطلاق الصادق على الواحد أيضا ومن لفظ «من» الظاهرة في التبعيض دون التبيين كما حُقِّقَ في محلّه والصبرة اسم لمجموع الكومة لا لجميعها ولا لكلِّ جزء منه حتّى يقال إنّ بعض الجميع ظاهر في الكسر المشاع وعليه يكون ظاهر هذه الجملة كون المبيع صاعا واحدا ملغى عنه جميع التشخّصات سوى كونه صرف الوجود المقيّد بالصاع الواحد من الصبرة المعيّنة وهذا هو الكلّي في المعيّن الأحمدي.

مجموع الصبرة نسبة المنّ أو الصاع إليها.

وبالجملة: فإرادة الكسر من العنوان الكلّي المأخوذ في المبيع خلاف الظاهر، فلابدّ من تنزيل بيع الصاع من الصبرة على الكلّي في المعيّن، كما أنّ الفهم العرفي أيضا يساعده هنا.

وقد عرفت أنّ ما ذكره بعضهم من عدم جواز استعمال الألفاظ المجازيّة في المعاملات إنّما هو في عنوان نفس المعاملة، وأمّا متعلّقاتها فيمكن إرادتها من اللفظ المجازي بقرينة خارجيّة، بل يصحّ إرادتها من اللفظ مع نصب قرينة على ذلك ولو كان غلطا.

ثمّ ربما يقال: إنّه لابدّ من حمل بيع صاع من الصبرة على الفرد المنتشر، لأنّ «الصاع» أو «المنّ» منوّنٌ بتنوين التنكير، وظاهر النكرة هو الفرد المنتشر.

وفيه، أوّلاً: قد عرفت أنّه أمر مستحيل في الخارج، فلا معنى لبيعه.

وثانيا: أنّ الأصل في التنوين أن يكون للتمكّن، فإنّ الاسم المعرب يكون منوّنا إذا لم يكن فيه مانع عن ذلك، فكونه للتنكير في المقام أوّل الكلام»(1).

ثمرات البحث
اشارة

ثمرات المترتبة على القول بالإشاعة والقول بالكلّي في المعين:

ص: 184


1- محاضرات في الفقه الجعفري 3/338-335.
الثمرة الأولى: تعيين المبيع بيد البائع

بناءً على القول المختار أعني الكلّي في المعين يكون التخيير في تعيين المبيع بيد البائع وأمّا بناءً على الإشاعة فلابدّ من توافق الطرفين ورضايتهما.

لأنّ «المبيع لو كان كلّيّا فلا يملك المشتري سوى الطبيعة المعرّاة عن الخصوصيّات الشخصيّة، فليس له اقتراح شيء من الخصوصيّات في المبيع أصلاً، بل اختيار التطبيق يكون بيد البائع، كما هو الحال فيما إذا أوصى الميّت لرجل بواحد من متعدّد، فإنّ التعيين يكون بيد الوارث دون الموصى له. خلافا لما حكاه [الشيخ الأعظم]

عن الميرزا القميّ في جامع الشتات(1)، حيث أفتى بأنّ الاختيار بيد المشتري(2). ولم يعلم وجهه.

وقد قاس [الشيخ الأعظم] ما نحن فيه بما إذا تعلَّق الطلب بالطبيعة، فإنّه ليس للآخر مطالبة المأمور بشيء من الخصوصيّات، بذلك الطلب المتعلّق بالجامع.

وأمّا على الكسر المشاع فالخصوصيّات مشتركة بينهما، إمّا على النحو المعروف، وإمّا بالنحو الذي ذكرناه(3)»(4).

ص: 185


1- جامع الشتات 2/95، المسألة 72.
2- قياسا بباب التكليف فإنّه كما يكون أمر التطبيق بيد المكلّف في باب الأوامر لو أمر المولى بالطبيعة كالإتيان بالماء مثلاً كذلك في المقام يكون الاختيار في التطبيق بيد المشتري، وفيه ما لا يخفى وياليته قاس الكلّي في المعيّن بباب الأوامر كما فعله [الشيخ الأعظم] لأنّه في طلب الطبيعة حيث إنّ الآمر لا يملك إلاّ كلّي العمل على رقبة المأمور فليس له مطالبة الخصوصيّة من المأمور كذلك في المقام حيث لا يملك المشتري إلاّ الكلّي المقيّد بالواحد من البائع فليس له مطالبته بالخصوصيّات الشخصيّة فيكون أمر التطبيق بيد البائع الأحمدي.
3- وعليه فلا يجوز تصرّف أحدهما من دون إذن الآخر ولا يجوز إفراز البائع لعدم الولاية له على شريكه إلى غير ذلك من أحكام الشركة الأحمدي.
4- محاضرات في الفقه الجعفري 3/338.
الثمرة الثانية: تلف بعض المعين لا يحسب على المشتري

«إذا تلف من الصبرة شيء كنصفها أو ثلثها ونحوهما فعلى بيع الكلّي لا يحسب التالف على المشتري بل هو محسوب على البائع ولابدّ من إخراج المبيع من المقدار الباقي حينئذ لأنّه إنّما اشترى صاعا وهو موجود في الصبرة بعد تلف بعضها ولكن الاختيار بيد البائع أيضا في المقدار الباقي كما عرفت، نعم إذا تلفت الصبرة بأجمعها ولم

يبق منها إلاّ صاع واحد يجب على البائع دفعه إلى المشتري لانحصار حقّه فيه، لا من باب أنّ الخصوصيات أيضا مملوكة للمشتري، وهذا بخلاف القول بالكسر المشاع فإنّ التالف يحسب عليهما كما أنّ الموجود لهما لأنّهما حينئذ شريكان في مجموع المال فيشتركان في التالف والباقي لا محالة، هذا»(1).

الثمرة الثالثة: اختصاص النماءات والمنافع بالبائع

«لو كانت للموجود الخارجي نماءات أو منافع، فهي للبائع على الكلّي في المعيّن، ومشتركة بينهما على الإشاعة؛ لأنّ الخارج - على فرض كون المبيع كلّيا - لا يكون ملكا للمشتري إلاّ بعد تعيين المصداق»(2).

الثمرة الرابعة: فرعٌ ذكره الشيخ الأعظم

قال الشيخ الأعظم: «لو فرضنا أنّ البائع بعد ما باع صاعا من الجملة باع من شخص آخر صاعا كلّيّا آخر، فالظاهر إنّه إذا بقي صاع واحد كان للأوّل، لأنّ الكلّي المبيع ثانيا إنّما هو سارٍ في مال البائع وهو ما عدا الصاع من الصبرة، فإذا تلف ما عدا الصاع فقد تلف جميع ما كان الكلّي فيه ساريا فقد تلف المبيع الثاني قبل القبض، وهذا بخلاف ما لو قلنا بالإشاعة»(3).توضيحه: «إنّ البيع الأوّل حينما تعلّق بصاعٍ من هذه الصُّبرة، فإنّه يستحيل بقاء

ص: 186


1- التنقيح في شرح المكاسب 2/403.
2- كتاب البيع 3/433 للسيّد الخميني رحمه الله.
3- المكاسب 4/260.

إطلاق البيع الثاني بالنسبة إلى جميع الصيعان الموجودة في الصُّبرة، لأنّ صاعا واحدا قد خرج عن مِلك البائع بالبيع الكلّي، فيكون بيعه ثانيا محدودا ومقيّدا ومنحصرا فيما بقي من الصيعان بعد الصاع الأوّل المملوك للمشتري.

وبالتالي إذا تلفت الصُّبرة إلاّ صاعا منها، يكون قد تلف كلّ ما كان يملكه البائع، ويعدّ تلفه بالنسبة إلى الصاع الثاني مندرجا في قاعدة «تلف المبيع قبل قبضه من مال بائعه»، وعليه فينفسخ البيع الثاني، وتنحصر الصحّة بالبيع الأوّل»(1).

وتبع المحقّق النائيني(2) الشيخ الأعظم .

وتبعهما السيّد الخميني

رحمه الله ووجه بقوله: «إنّ مقتضى لزوم الوفاء بالعقد عرفا وشرعا، تحديد سلطنة البائع بالنسبة إلى الصبرة الخارجيّة؛ لأنّ لازم بيع الصاع من الصبرة، هو لزوم أدائه منها، لا أداء صاع مطلقا، وليس للبائع بعد بيع صاع منها أنْ يبيع

الصبرة بأجمعها؛ لعدم سلطنته عليها كذلك.

والفرق بين الكلّي المقيّد وإن انحصر مصداقه في الفرد الموجود خارجا، وبين الكلّي في المعيّن، إنّ لزوم الأداء من الصبرة، من مقتضيات البيع عرفا وشرعا في الثاني، دون الأوّل، ولازمه تحديد سلطنته، ولازم ذلك عدم نفوذ بيعه إلاّ في الواحد من الباقي، فيكون الكلّي المبيع ثانيا، صاعا من الصبرة ما عدا واحد منها»(3).

وتبعهم الاستاذ المحقّق - مدظله - وذهب إلى أنّه بعد تحليل هذا الفرع «نجد أنّ هناك بيعان أحدهما سابقٌ والآخر لاحق، فإنّه بمجرّد تحقّق البيع السابق، يكون بالضرورة قد تحقّق معه موضوع دليلي الحِلّ والوفاء من دون رادع ومانع، ممّا يستلزم انحصار الصاع المتبقّي بالمشتري الأوّل، وسقوط اختيار البائع بحسب ما بيّناه آنفا، ولا يبقى مجال حينئذٍ لشمول عمومات البيع والحِلّ للبيع الثاني، لاندراجه في قاعدة تلف المبيع قبل قبضه.

ص: 187


1- العقد النضيد 5/333.
2- منية الطالب 2/388.
3- كتاب البيع 3/434.

وبعبارة أُخرى: لابدّ من ترجيح العقد السابق، وحصر تمليك الحصّة المتبقّية به دون اللاّحق، لأنّه المستفاد من دليل وجوب الوفاء بالعقد والشرط بمجرّد تحقّق العقد.

أمّا العقد الثاني، فلا مجال لشمول العمومات له، لأنّ نسبة تطبيق قوله تعالى: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»(1) وقوله عليه السلام: «المؤمنون عند شروطهم» على العقد السابق واللاّحق نسبة الحاكم والمحكوم، حيث لا مجال للمحكوم بعد قيام الحاكم.

وبتعبير آخر: حينما أقدم المالك على بيع الصاع من الصُّبرة، فقد حدّد ملكيّته منها بما عدا الصاع الذي باعه للأوّل، لأنّ الأمر بعد وقوع البيع الأوّل لا يخلو:

إمّا أنّ ملكيّته عين الأوّل، فهو محالٌ.

وإمّا غير الأوّل، فهذا يعني أنّها أصبحت محدودة، ومدلول آية الوفاء المنطبق على البيع الأوّل أنّه يجب على المالك أنْ يتعامل مع هذه الصُّبرة بما لا يزاحم البيع الأوّل، وأنّ كلّ ما يزاحمه مردودٌ بمدلول الآية الشريفة، ولذلك لا يحقٌّ له أنْ يتصرّف في البيع الأوّل، فيثبت دعوى الشيخ قدس سره من أنّ للبائع السلطنة وحقّ التصرّف في جميع خصوصيّات الصُّبرة عدا الصاع الأوّل والبيع الأوّل، وهذا يقتضي اختصاص الصاع المتبقّي للأوّل السابق دون اللاّحق.

نعم، لو كان البيعين عرضيين، أمكن القول بالاشتراك والتنصيف، لإتّحاد نسبة دليلي الوفاء والشرط في الشمول بالنسبة لهما، لكن البحث في المقام عن العقدين الطوليين لا العرضيّين»(2).

المناقشة على قول الشيخ الأعظم وأتباعه

«إنّا ذكرنا في تصوير بيع الكلّي في المعيّن أنّ المملوك للمشتري والذي وقع عليه البيع إنّما هو صرف الوجود في الأفراد المخصوصة وهو أمر لا تعيّن له بوجه حتّى في علم اللّه تعالى، ومن الواضح أنّ تطبيق ذلك على فرد من الأفراد المخصوصة لا يكشف عن أنّ

ص: 188


1- سورة البقرة /275.
2- العقد النضيد 5/335 و 336.

البيع وقع على ذلك الفرد وأنّ المملوك هو ذاك بل المملوك هو الجامع بين الأفراد المخصوصة على نحو صرف الوجود غاية ما هناك أنّ الفرد الخارجي مطابق للمملوك لا أنّه عينه، وهذا الذي ذكرناه لايختصّ بالأُمور الاعتبارية بل هو جار في الأوصاف الحقيقية والأُمور الواقعية أيضا، فلذا ذكرنا في تصوير العلم الاجمالي أنّ متعلّقه إنّما هو عنوان أحد الإناءين كالعلم بنجاسة أحدهما وهذا ربّما لا يكون له تعيّن في صقع من الأصقاع حتّى في علم اللّه تعالى كما إذا فرضنا كليهما متنجّسا حيث إنّه لا تعيّن للمعلوم بالإجمال في الواقع أيضا، فإذا قامت البيّنة بعد ذلك على أنّ أحد الإناءين نجس وبذلك انحلّ علمنا الإجمالي فلا يكون هذا كاشفا عن أنّ المعلوم بالإجمال كان هو ذلك الفرد الذي حكمنا بنجاسته بالبيّنة، بأنْ يقال إنّ هذا الفرد بجميع خصوصياته ومشخّصاته كان متعلِّقا للعلم وكان معلوما لنا بالإجمال لأنّه خلاف الوجدان بالبداهة، نعم ذاك الفرد المحكوم بالنجاسة حينئذ مطابق لذلك العنوان الذي تعلّق به العلم الاجمالي.

وكيف كان، فلا يمكننا الحكم بأنّ اختيار هذا الفرد كاشف عن أنّ متعلّق قدرته هو هذا الفرد بل متعلَّق القدرة هو عنوان أحدهما وهذا الفرد مطابق لذلك العنوان لا أنّه متعلّق لقدرته، هذا في الأُمور الحقيقية والأوصاف الواقعية، وكذلك الحال في الأُمور الاعتبارية كالملكية ونحوها، فالملكية القائمة في صقع النفس متعلَّقها عنوان جامع بين الأفراد المخصوصة وهو ممّا لا تعيّن له في شيء من الأُوعية، فإذا اختار أحد تلك الأفراد خارجا فهو لا يكشف عن أنّ المملوك هو هذا الفرد وأنّ البيع وقع عليه، بل المملوك وما وقع عليه المعاملة هو العنوان الجامع بين الأفراد وهذا الفرد الخارجي مطابقه لا أنّه عينه بل هو بنفسه ممّا لا تعيّن له بوجه، وعليه فإذا باع صاعا كلّيّا بعد المعاملة الأُولى فقد باع صاعا جامعا بين هذه الأفراد المخصوصة، ومتعلَّق البيع حينئذ هو متعلَّق البيع الأوّل لأنّ المبيع في كلِّ واحدٍ من البيعين هو الجامع بين الأفراد المعبَّر عنه بالصاع وليس الكلّي كالفرد الخارجي غير قابل للبيع مرَّتين أو أكثر، إذا الكلّي يقبل البيع مرَّتين أو أكثر نظير بيع الكلّي في الذمّة إذا باع منّا من الحنطة في ذمّته ثمّ باع منّا منها من آخر وهكذا فإنَّ المبيع في جميع ذلك شيء واحد وهو المنّ الكلّي من الحنطة، وهذا لا يختصّ بالبيع والأُمور

ص: 189

الاعتبارية بل يجري في الأُمور الواقعية أيضا كما أشرنا إليه، مثلاً إذا علمنا بأنَّ أحد هذه المائعات بول ثمّ علمنا بأنَّ أحدها خمر فإنَّ متعلَّق العلم في كليهما عنوان أحدها، وكيف كان فمتعلَّق البيع الأوّل والثاني هو الكلّي ولا تميّز لأحد المبيعين عن الآخر.

وعليه فلا يمكننا المساعدة لما أفاده شيخنا الأنصاري في المقام من أنّ الصاع الباقي يتعيَّن للمشتري الأوّل دون الثاني، وذلك لأنّ المبيع في كلِّ واحدٍ من البيعين هو الكلّي والأفراد لم يقع عليها البيع حتّى يقال إنَّ الفرد الباقي للمشتري الأوّل ولا تميّز للمبيع في البيع الأوّل حتّى يختصّ للمشتري الأوّل دون الثاني، وليس في المقام فرق بينهما إلاّ من حيث الزمان، والتقدّم والتأخّر في الزمان لا يوجب تعيين المشتري الأوّل كما هو ظاهر، إذ لو فرضنا أنّه باع صاعين منها معا مع تلف الصبرة إلاّ بمقدار صاع واحد يأتي فيه ما ذكره قدس سره حرفا بحرف، وما أفاده قدس سره مبني على التعيّن في المبيع بالبيع الأوّل وقد عرفت خلافه»(1).

والحاصل: «أنّ المبيع في البيع الأوّل غير متميِّز لأنّه ليس إلاّ صاعا كلّيّا وأمّا الخصوصيات فهي بأجمعها للمالك، كما أنّ المبيع في البيع الثاني أيضا لا تميّز له، والاختيار في التعيين بيد البائع فإذا تلفت الصبرة وبقي منها صاع واحد فلا وجه لتخصيصه بالمشتري الأوّل لأنّه ترجيح بلا مرجّح»(2).

مقالة المحقّق الخوئي في المقام

السيّد الخوئي(3) بعد ما ناقش في قول الشيخ واتباعه ذهب إلى تنصيف الصاع الباقي بين المشتريين وانفساخ البيع في النصف الآخر من المبيع في البيعين تبعا لإستاذه المحقّق الإصفهاني(4) واختار وجود خيار تبعض الصفقة للمشتري إذا كان المبيع ممّا

ص: 190


1- التنقيح في شرح المكاسب 2/406-404.
2- التنقيح في شرح المكاسب 2/407.
3- محاضرات في الفقه الجعفري 3/342.
4- حاشية المكاسب 3/340.

يتعلّق فيه الغرض العقلائي بالهيئة الاجتماعية وإلاّ فلا.

قال قدس سره: «ربّما يقال: إنّ البائع قبل تلف الصبرة كان مخيّرا في أن يدفع الفرد الباقي إلى المشتري الأوّل وأنْ لا يدفعه إليه وهذا التخيير لم يحدث ما يزيله.

ويدفعه: أنّ ذلك إنّما هو قبل التلف من جهة وجود الأفراد والصيعان وكان الاختيار في التعيين بيده وكان متمكّنا من أنْ يدفع هذا الفرد الباقي إليه أو أنْ يدفع إليه فردا آخر، وبعد عروض التلف يرتفع هذا التمكّن إذ لم يبق في البين إلاّ صاع واحد فلا موضوع للتخيير، ونسبة البيعين إليه على حدّ سواء فلا موجب لترجيح أحدهما على الآخر فيدور الأمر حينئذ بين الحكم بالانفساخ في كلا البيعين والالتزام به مشكل، وبين أنْ يدفع نصفه إلى أحدهما ونصفه الآخر للآخر، وهذا هو الصحيح والسرّ في ذلك ما ذكرناه مرارا من أنّ البيع الواحد ينحلّ إلى بيوع متعدّدة حسب تعدّد أفراد المبيع وأجزائه، وهو وإن باع صاعا واحدا بدينار إلاّ أنّه ينحلّ إلى بيع نصف الصاع بنصف دينار ونصفه الآخر بنصف الآخر منه في كلا البيعين، فيدفع نصفه إلى أحدهما ونصفه الآخر إلى الآخر ويبطل البيع لكلِّ واحد منهما في نصف المبيع وحينئذ إذا كان المبيع ممّا يتعلّق فيه الغرض العقلائي بالهيئة الاجتماعية فيثبت للمشتري خيار تبعّض الصفقة، لأنّ الاجتماع حينئذ كوصف الصحّة من الأُمور المشروطة في البيع بحسب الارتكاز العقلائي، وأمّا إذا كان ممّا لا يتعلّق فيه الغرض العقلائي بالهيئة الاجتماعية كما في مثل الحبوبات والأدهان فلا يثبت للمشتري الخيار»(1).

المناقشة على السيّد الخوئي قدس سره

يمكن أن يناقش عليه:

أوّلاً: بعد ما مرّ(2) منّا في حقيقة الكلّي في المعين هو الكلّي المضاف إلى الخارج المعين ويتشخص بإخراج صرف الوجود من هذا الخارج المعين بتوسط البائع، ويكون

ص: 191


1- التنقيح في شرح المكاسب 2/406.
2- راجع صفحة 174 من هذا المجلد.

إخراج صرف الوجود مقبولاً عند المحقّق الخوئي(1) قدس سره، والبائع مع بقاء صاع واحد من صبرته يكون مالكا لصرف الوجود بالنسبة إلى كلا البيعين فله أن يختار ما شاء من المشتريين.

وثانيا: ما الدليل على قوله قدس سره: «أنّ البيع الواحد ينحلّ إلى بيوع متعدّدة حسب تعدّد أفراد المبيع وأجزائه»(2)؟!

دليل انحلال البيع الواحد إلى بيوع متعددة شرعي أو عقلي أو عرفي؟! والكل مفقود.

وثالثا: انحصار تعلّق خيار تبعّض الصفقة بفرض تعلّق الغرض العقلائي بالهيئة الاجتماعية محلّ تأمل بل منع، لورود هذا الخيار في فرض التبعض مطلقا بلا فرق بين وجود الغرض العقلائي في الهيئة الإجتماعية وعدمه لما يأتي في بحث الخيارات مفصلاً فانتظر.

القول المختار

ثبوت التخيير للبائع كما كان موجودا قبل التلف كذلك بعده، ونسبة البيعين إلى البائع على حد سواء لا يوجب سقوط اختياره ولا يدخله في مصاديق الترجيح من دون مرجّح، فالبائع كما كان قبل التلف مخيرا كذلك بعده ويعطي الصاع الباقي مَنْ شاء مِنْ المشترِيَيْن ولا موجب لسقوط هذا التخيير.

فحينئذ اختار البائع المشتري الذي يعطي إليه وليس عنده ما يعطي للمشتري الآخر فيصير البيع بالنسبة إليه منفسخا.

ولا وجه للقول بالتنصيف خلافا للمحقّق الإصفهاني والسيّد الخوئي - رحمهما اللّه - كما لا وجه للقول بالانفساخ في كلا البيعين. واللّه سبحانه هو العالم.

ص: 192


1- راجع التنقيح في شرح المكاسب 2/403.
2- راجع التنقيح في شرح المكاسب 2/403.

حكم صور الإقباض

ثمّ ذكر الشيخ الأعظم فرعا آخر لبيان الثمرة وهو أنّه «أنّ المبيع إنّما يبقى كلّيّا ما لم يقبض. وأمّا إذا قُبض، فإن قُبض منفردا عمّا عداه كان مختصّا بالمشتري، وإن قبض في ضمن الباقي - بأنْ أقبضه البائع مجموع الصبرة فيكون بعضه وفاءً، والباقي أمانة - حصلت الشركة، لحصول ماله في يده وعدم توقّفه على تعيينٍ وإقباضٍ حتّى يخرج التالف عن قابليّة تملّك المشتري له فعلاً وينحصر حقّه في الباقي، فحينئذٍ حساب التالف على البائع دون المشتري ترجيحٌ بلا مرجّح، فيحسب عليهما»(1).

إلى أنْ قال: «نعم، ولم يكن إقباض البائع للمجموع على وجه الإيفاء، بل على وجه التوكيل في التعيين، أو على وجه الأمانة حتّى يعيّن البائع بعد ذلك، كان حكمه حكم ما قبل القبض»(2).

أقول: أنّ هنا أمران لابدَّ من التفكيك بينهما:

«أحدهما: كفاية إقباض الصبرة في قبض المشتري للمبيع بحيث لو تلف بعد ذلك لما انطبقت عليه قاعدة: كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه، لأنّ ذلك يكفي في حصول القبض وهذا ظاهر.

وثانيهما: أنّ المبيع الكلّي هل ينقلب من الكلّية إلى التشخّص والجزيئة باقباض الكلّي إلى المشتري بأنّ أقبضه الصبرة بأجمعها فهل يكفي ذلك في تعيين المبيع وتشخّصه أو لا؟ والظاهر أنّ المبيع لا يتشخّص بإقباض الكلّي وجميع الصبرة إلى المشتري، لأنّ البائع الذي بيده التعيين والتشخيص لم يشخّصه، ولم يحدث التعيين والتشخّص من شخص آخر فبماذا يصير المبيع الكلّي متشخّصا ومتعيّنا، وعليه فإذا تلفت الصبرة بأجمعها فقد تلف الكلّي الذي أقبضه البائع للمشتري، وبما أنّه تلف بعد القبض فيتلف المبيع على المشتري، وأمّا إذا تلف نصفها وبقي نصفها الآخر فلا وجه لاشتراك التالف

ص: 193


1- المكاسب 4/260.
2- المكاسب 4/261.

والباقي بينهما بل لمّا كان المبيع كلّيّا وقابلاً للصدق على الباقي فله أنْ يقول إنّ المملوك لم يتلف بعد ويأخذه من المقدار الباقي والتالف محسوب على البائع فقط، ولا يمكنه دعوى أنّ المبيع تلف بتلف نصف الصبرة، لأنّ الفرض أنّ المبيع لم يتشخّص بعد وهو باقٍ على كلّيته كما كان وهو ينطبق على الباقي ويصدق عليه، فلا محالة يتمكّن المشتري من إخراج مملوكه من الباقي.

وأمّا دعوى حصول الشركة بين البائع والمشتري فتندفع بأنّ انقلاب المملوك الكلّي و تبدّله إلى الكسر المشاع يحتاج إلى معاملة جديدة ومراضاة منهما ولا يكفي فيه مجرد إقباض الصبرة إلى المشتري، اللهمّ إلاّ أنْ يكونا بذلك قاصدين لتبديل الكلّية إلى الإشاعة وهو أمر آخر يحتاج إلى قرينة، وكيف كان فلا وجه لما أفاده شيخنا الأنصاري في المقام، هذا»(1).

ص: 194


1- التنقيح في شرح المكاسب 2/409 و 410.

مسألة: لو باع ثمرة بستانا واستثنى منها أرطالاً معلومة

اشارة

قال الشيخ الأعظم: «لو باع ثمرة شجرات واستثنى منها ارطالاً معلومة: أنّه لو خاست الثمرة سقط من المستثنى بحسابه، وظاهر ذلك تنزيل الأرطال المستثناد على الإشاعة...»(1).

نقل الأقوال

قبل الورود في البحث لابدّ من نقل مقال الأصحاب في هذه المسألة:

قال المفيد: «ومن ابتاع ثمرة فأصابتها جائحة فليس له على البائع درك في شيء من ذلك. فإن كان استثنى منها شيئا فله بحساب ما هلك من الثمرة»(2).

وقال أبوالصلاح الحلبي: «... ويجوز أنْ يستثني البائع من الثمرة أرطالاً مسماة»(3).

قال المحقّق: «الأولى: يجوز أنْ يُستَثنى ثمرة شَجَراتٍ، أو نخلاتٍ بعينِها، وأنْ يُستَثنى حِصَةً مُشاعةً، أو أرطالاً معلومةً. ولو خاسَت الثمرةُ سقَطَ من الثُنْيا بحسابِهِ»(4).

وذكر نحوها في المختصر النافع(5).

وقال العلاّمة في القواعد: «ويجوز أن يستثني ثمرة شجرةٍ أو نخلةٍ معيَّنتين، ولو

ص: 195


1- المكاسب 4/261.
2- المقنعة /603.
3- الكافي في الفقه /356.
4- شرائع الإسلام 2/47.
5- المختصر النافع /130.

أبهم أو شرط الأجود بطل البيع. وأنْ يستثني حصّةً مشاعةً أو أرطالاً معلومةً، فإن اجتيحت الثمرة سقط من المستثنى بالنسبة»(1).

وذكر نحوها في الإرشاد(2).

وقال أيضا في تذكرة الفقهاء: «أ - إذا استثنى جزءا مشاعا أو أرطالاً معيّنة فتلف من الثمرة شيء، سقط من الثنيا بحسابه.

وأمّا في الأرطال المعلومة: فيؤخذ منه بالحَزْر والتخمين، فيقال: هل ذهب ثلث الثمرة أو نصفها؟ فيذهب من الثنيا بقدر تلك النسبة.

أمّا لو استثنى مائة رطل - مثلاً - من الثمرة وممّا يختلّف منها، احتمل بطلان البيع.

ب - لو استثنى نخلاتٍ بعينها أو عذقا معيّنا من نخلة فذهب بعض الثمرة، فإن كان من الثنيا، سقط التالف. وإن كان التالف غير المستثى، كان المستثنى للبائع.

ج - لو قال: بعتك من هذه الصبرة قفيزا إلاّ مكّوكا، صحّ البيع؛ لأنّ القفيز معلوم القدر، والملكّوك أيضا معلوم، فكان الباقي معلوما. هذا إذا علم وجود القفيز في الصبرة»(3).

وقال الشهيد: «وللبائع استثناء حصّة مشاعة من الثمرة، أرطال معلومة، فيحمل على الإشاعة، حتّى لو تلف شيء سقط من الثنيا بحسابه إذا كان بغير تفريط في الموضعين، أمّا لو استثنى ثمر شجرات بعينها فلا. وقد يفهم من هذا التوزيع تنزيل شراء صاع من الصبرة على الإشاعة»(4).

وذكر نحوها في اللمعة(5).وقال المحقّق الثاني في شرح قول العلاّمة في القواعد: «قوله: (ولو أبهم أو شرط

ص: 196


1- القواعد 2/35.
2- إرشاد الأذهان 1/363.
3- تذكرة الفقهاء 10/373.
4- الدروس الشرعية 3/239.
5- اللمعة الدمشقية /121.

الأجود بطل البيع).

إن كان الأجود في البستان معلوما بينهم، ولايريدون باطلاقهم سواه صح اشتراطه، وهو ظاهر، فإنّ المقتضي للبطلان إنّما هو الجهالة فإذا انتفت صح.

قوله: (فان اجتيحت الثمرة سقط من المستثنى بالنسبة).

بشرط عدم التعدي والتفريط، وطريق معرفته في الجزء المشاع ظاهر، وأمّا في الأرطال المعلومة فيؤخذ بالحرز والتخمين، فيقال: هل ذهب ثلث الثمرة أو نصفها فيسقط من الثنيا بتلك النسبة.

والجوح: الإهلاك والاستئصال كالاجاحة والاجتياح ذكره في القاموس(1)، وما في الكتاب مبني للمفعول فإنّه متعد بنفسه»(2).

وقال الشهيد الثاني: «(ويجوز استثناء ثمرة شجرة معينة، أو شجرات) معينة، (وجزءٍ مشاع) كالنصف، والثلث، (وأرطال معلومة، وفي هذين) الفردين، وهما استثناء الجزء المشاع، والأرطال المعلومة (يسقط من الثُنيا) وهو المستثنى (بحسابه) أي نسبته إلى الأصل (لو خاست الثمرة) بأمر من اللّه تعالى.

(بخلاف المعيَّن) كالشجرة والشجرات، فإن استثناءها كبيع الباقي منفردا، فلا يسقط منها بتلف شيء من المبيع شيء، لامتياز حقّ كلّ واحد منهما عن صاحبه، بخلاف الأوّل لأنّه حقّ شائع في الجميع فيوزّع الناقص عليهما إذا كان التلف بغير تفريط»(3).

وذكر نحوها في المسالك(4).

وقال المحقّق الأردبيلي: «يجوز بيع ثمرة بستان النخل واستثناء نخلة معينة، أو حصة مشاعة معينة مثل العشر والنصف، أو أرطال معينة مثل عشرة أرطال من المبيع، ولكن مع ظهور اشتمال المبيع عليه وعلى الزيادة بحيث يصير مبيعا، فإنْ سلمت الثمرة

ص: 197


1- القاموس المحيط جوح 1/219.
2- جامع المقاصد 4/167 و 168.
3- الروضة البهية 3/359 و 360.
4- المسالك 3/361.

وما تلفت، فالأمر واضح، وهو أن يأخذ البائع المستثنى تماما والمشتري الباقي. وأمّا إن خاست أي تلف بعضها يسقط من المستثنى بالنسبة، بأنْ يُخمّس جميع ثمر البستان على تقدير السلامة وينسب إليها الأرطال المعلومة المستثنيات (المستثناة خ ل)، ثمّ يأخذ بتلك النسبة من الباقي. ودليل الكل واضح بحمد اللّه»(1).

وقال سيّد الرياض في شرح قول المحقّق في المختصر: «(ولو خاست) بأمر منه سبحانه (سقط من الثُّنيا) وهو المستثنى (بحسابه) ونسبتِه إلى الأصل في الصورتين الأخيرتين خاصّة، بخلاف الأُولى، فإنّ استثنائها كبيع الباقي منفردا، فلا يسقط منها بتلف شيء من المبيع، لامتياز حقّ كلّ واحد عن صاحبه، بخلاف الأخيرتين، لأنّه فيهما شائع في الجميع، فيوزّع الناقص عليهما إذا كان التلف بغير تفريط

وطريق توزيع النقص على الحصّة المشاعة جعل الذاهب عليهما والباقي لهما.

وأمّا في الأرطال المعلومة فيعتبر الجملة بالتخمين وينسب إليها المستثنى، ثمّ ينظر الذاهب فيسقط منه بتلك النسبة»(2).

وقال سيّد المفتاح في شرح قول العلاّمة: «قوله: (فإن اجتيحت الثمرة سقط من المستثنى بالنسبة) إذا كان بغير تفريط كما في الدروس(3) وجامع المقاصد(4) والروضة(5) وقضيّته عدم التوزيع في صورة التفريط بمعنى أنّ المشتري إذا فرّط فيه ينصرف إلى حصّته ويأخذ البائع المستثنى من الباقي، وهو كذلك إن رضي به وإلاّ اقتضى الإشاعة، لعدم خصوصية التالف والباقي بكلّ من المشتري والبائع، والمناسب التوزيع ليعلم قدر التالف والباقي بالنسبة إلى البائع حتّى يمكنه الرجوع. وكذا لو تلف بتفريط الأجنبيليرجع كلّ منهما إليه بالنسبة، نعم يمكن أن يقال في الصورة الأُولى: إنّما يرجع البائع على

ص: 198


1- مجمع الفائدة والبرهان 8/211 و 212.
2- رياض المسائل 9/30.
3- الدروس الشرعية: في هلاك الثمرة 3/239.
4- جامع المقاصد: في بيع الثمار 4/168.
5- الروضة البهية: في بيع الثمار 3/359.

المشتري بالمثل خاصّة، لأنّها من ذوات الأمثال، فلا يقدح التخصيص إذا لم يرد المشتري ردّ المثل من غيرها.

وما ذكره المصنّف [العلاّمة في القواعد] من أنّه ينسب المستثنى إلى الأصل إنّما هو في الصورتين الأخيرتين خاصّة بخلاف الأُولى فإنّ استثناءها كبيع الباقي منفردا فلا يسقط منها بتلف شيء من المبيع، لامتياز حقّ كلّ واحد عن صاحبه بخلاف الأخيرتين، لأنّه فيهما شائع في فيوزّع الناقص عليهما إذا كان التلف بغير تفريط.

وطريق توزيع النقص على الحصّة المشاعة جعل الذاهب عليهما والباقي لهما على نسبة الجزء كما لو كان المستثنى هو الثلث وذهب نصف الثمرة، فتلف من البائع نصف الثلث وهو السدس، ومن المشتري الثلث الّذي هو نصف الثلثين، والباقي بينهما كذلك. وأمّا في الأرطال المعلومة فيؤخذ بالحزر والتخمين، فإذا قيل: الأرطال المستثناة بالتخمين ربع الجملة وتلف من الثمرة نصفها سقط من البائع ثمن الجملة ويبقى له ثمنها»(1).

وقال صاحب الجواهر: «... أنّ استثناء البائع أرطالاً معلومة ينزّل على الإشاعة من غير خلاف فيه بينهم...»(2).

و قال في شرح قول المحقّق: «... بل لا أجد فيه خلافا بينهم»(3).

والحاصل: بعد ما اختارنا «أنّ الصاع في بيع الصاع من الصبرة محمول على الكلّي في المعيّن دون الإشاعة، ولكن يظهر من المشهور خلاف ذلك فيما إذا باع ثمرة أشجار واستثنى منها أرطالاً حيث ذكروا أنّه إذا خاست الثمرة وتلفت من عند نفسها فيسقط من الأرطال المستثناة بحسابها، وهذا إنّما ينطبق على الاشاعة دون الكلّي في المعيّن لأنّ لازمه حينئذ عدم حساب التالف على المالك، وعليه فيقع الإشكال في الفارق بينه وبين بيع الصاع من صبرة، لأنّ حال الأرطال المستثناة في المثال بعينها حال الصاع في بيع

ص: 199


1- مفتاح الكرامة 13/494 و 495.
2- الجواهر 24/414 23/223.
3- الجواهر 25/170 24/85.

الصاع من صبرة فلماذا التزموا في الاستثناء بالإشاعة وفي البيع بالكلّي في المعيّن؟

وقد ذكروا في وجه الفرق وجوها

1- منها: أنّ الفارق بين البيع والاستثناء، النصّ وهو صحيحة الأطنان(1) الواردة في خصوص القصب، ولولاه لما التزمناه بالكلّي في البيع أيضا، لأنّ ظاهر لفظ الصاع ونحوه كالرطل هو الاشاعة دون الكلّي.

وقد أورد عليه شيخنا الأنصاري قدس سره بأُمور:

الأوّل(2): أنّ النصّ إن جاز التعدّي من مورده وهو بيع القصب إلى غيره كبيع الحنطة مثلاً فلا مانع من أن نتعدّى منه إلى الاستثناء أيضا، وإن لم يجز التعدّي من مورده

فلابدّ من الاقتصار على خصوص بيع القصب وحمل الصاع على الكلّي فيه دون بيع سائر الأشياء كبيع صاع من الحنطة والمشهور لا يلتزم بذلك، هذا.

ويمكن المناقشة في ذلك بأنّ التعدّي من مورده إلى بيع غير القصب إنّما هو للقطع بعدم الفرق بين بيع طنّ من القصب وبيع صاع من الحنطة مثلاً، وهذا بخلاف التعدّي منه إلى الاستثناء لعدم القطع بالتسوية.

الثاني: ما أفاده في آخر كلامه(3) من أنّ ظاهر لفظ الصاع مثلاً إذا كان الاشاعة والكسر فلماذا جاز للمشتري التصرّف في الأثمار بما شاء من دون الاستجازة والاستئذان من البائع مع أنّهما شريكان في الثمرة حينئذ ولا يجوز التصرف لأحد الشريكين في المال المشترك إلاّ برضاهما.

الثالث: أنّ اللازم من الاشاعة أنْ يحسب التالف عليهما مطلقا سواء كان التلف مستندا إلى المشتري أم كان مستندا إلى آفة سماوية غايته أنّ المشتري ضامن لحصّة

ص: 200


1- وهي صحيحة بريد المروية في وسائل الشيعة 17/365، أبواب عقد البيع وشروطه الباب 19، ح1.
2- المكاسب 4/262.
3- راجع المكاسب 4/265.

البائع من التالف في صورة الاستناد فلماذا لم يحسبوا التالف عليهما عند استناد التلف إلى المشتري حيث أوجبوا إخراج تمام الأرطال حينئذ من الباقي وخصّوا ذلك بما إذا كان التلف مستندا إلى الآفات السماوية وغير الاختيارية، هذا.

ويرد على الفرق بالنصّ إيراد رابع: وهو أنّ اللازم حينئذ عدم تبعية العقود للقصود، لأنّ ظاهر لفظ الصاع والطنّ حينئذ هو الكسر المشاع وهو المقصود للمتبايعين عند التلفّظ بلفظ الصاع والطنّ فلا وجه لحمله على الكلّي في البيع بالنصّ لأنّ مرجعه إلى أنّ العقد غير تابع للقصد في هذا المورد بالنصّ وهو كما ترى.

2- منها: أنّ الفارق بين المسألتين هو الإجماع(1) ولو لا الإجماع على حمل الأرطال على الإشاعة في الاستثناء لحملناها على الكلّي حتّى في الاستثناء أيضا.

وفيه: كما ذكره شيخنا الأنصاري(2) أنّ الإجماع لا يمكن الاعتماد عليه في المقام لعدم كشفه عن قول المعصوم عليه السلام لاحتمال أنّ استنادهم إلى النصّ أو غيره من الأدلّة ومعه لا يبقى للاعتماد عليه مجال، هذا مضافا إلى الايرادين الأخيرين اللذين أوردناهما [أي الثاني والثالث] على الوجه الأوّل وهما أنّ لازم الفرق بالإجماع والحمل على الإشاعة أنْ لا يجوز للمشتري التصرف في الأثمار إلاّ بإذن شريكه وهو ممّا لم يلتزم به المشهور، كما أنّ لازم ذلك أنْ يحسب التالف عليهما والباقي لهما من دون اختصاص ذلك بصورة تلف الثمرة بنفسها، بل يعمّ ما إذا أتلفها المشتري أيضا مع أنّهم التزموا في صورة الإتلاف بلزوم إعطاء الأرطال من الباقي وعدم احتساب التالف من البائع.

3- ومنها(3): أنّ الوجه في الفرق بين المسألتين لزوم القبض في البيع، إذ لولاه لا يكون البيع لازما بل ينفسخ حينئذ (فاللزوم في مقابل الانفساخ لا في مقابل الخيار) وعليه فإذا فرضنا أنّ الصبرة تلفت ولم يبق منها إلاّ بمقدار صاع فيجب على البائع بمقتضى لزوم القبض إقباض الصاع الباقي إلى المشتري، إذ لو لم يقبضه إليه لا يكون البيع

ص: 201


1- المكاسب 4/262.
2- المكاسب 4/263.
3- المكاسب 4/263.

ثابتا بنحو الاستمرار، لأنّ المبيع لم يصل إليه فلا يمكنه حساب التالف عليه وإلاّ لا يصدق عليه الإقباض فتنفسخ المعاملة، وهذا بخلاف مسألة الاستثناء إذ لا يجب على المشتري إقباض الأرطال للمالك، فإذا تلفت الأثمار وبقي منها بمقدار الأرطال فلا يتعيّن عليه دفعها للمالك كما في البيع إذ لا يبطل بيع الأثمار بذلك حينئذ دون بيع الصاع من صبرة، وهذا هو الفارق بين المسألتين بعد اشتراكهما في أنّ الصاع ونظائره ظاهر في الكلّي دون الحصّة المشاعة، هذا.

و [فيه]: لا يخفى أنّ مسألة لزوم القبض وعدم ثبوت البيع بدونه وإن كانت صحيحة إلاّ أنّها أجنبية عن المقام ولا ربط لها بما هو محلّ الكلام، إذ الكلام في أنّ الأرطال المستثناة لماذا حملت على الإشاعة في المسألة مع أنّ حالها حال الصاع في البيع وقد حملوه على الكلّي هناك، وهذا أيّ ربط له بمسألة لزوم القبض وعدم ثبوت البيع بدونه، هذا.

مضافا إلى أنّ إيجاب القبض في المقدار الباقي متفرّع على حمل الصاع على الكلّي وكيف يمكن إثبات حمله على الكلّي بلزوم القبض في الباقى، هذا مع أنّ القبض كما يجب في البيع يجب في الأرطال أيضا لأنّها حينئذ أمانة عند المشتري وقد أُمرنا بردِّ الأمانات إلى أهلها، فيأتي فيه ما ذكره المستدِّل في القبض في البيع، وكيف كان فلم نفهم

محصّل هذا البيان كما لم يفهمه شيخنا الأنصاري قدس سره أيضا.

4- ومنها: أنّ الأثمار لمّا كانت تحت يد البائع وهي ملك للمشتري وقد استثنى منها أرطالاً لنفسه فهي ملك له، فبما أنّهما في قبضه وتحت يده صار شريكا مع المشتري، وهذا نظير ما ذكره شيخنا الأنصاري قدس سره فيما إذا كانت الصبرة بأجمعها تحت يد المشتري من أنّه يصير بذلك شريكا مع البائع وبعد ما حصلت الشركة بينهما فالتالف عليهما لا محالة وإن كان لفظ الصاع ظاهرا في الكلّي أيضا في كلتا المسألتين، هذا.

و [فيه]: لا يخفى أنّ حصول الشركة بقبض الجميع غير مسلّم كما عرفت، ومع الإغماض عن ذلك والبناء على حصول الشركة بقبض المجموع أيضا لا يمكننا المساعدة عليه في المقام، لأنّ ذلك إنّما هو فيما إذا أقبضه المشتري فيقال حينئذ إنّ المشتري قد

ص: 202

أقبضه مجموع الأثمار التي فرضنا بعضها ملكا للبائع فيحصل بذلك الشركة بينهما، وأمّا إذا لم يقبضها المشتري بل كانت في يده من الابتداء فهذا كيف يوجب الاشتراك مع فرض أنّ الرطل كلّي في حدِّ نفسه، هذا.

مضافا إلى أنّ ذلك أخصّ من المدّعى فلنفرض الكلام فيما إذا كانت الأثمار بيد المشتري برضا البائع أو بالغصب، أو فرضناها في يد ثالث وتلفت الأثمار حينئذ فإنّهم يلتزمون بالإشاعة في الأرطال مع أنّ الأثمار ليست تحت يد البائع حتّى يقال إنّ الشركة حصلت بقبضه ولعلّه ظاهر.

5- ومنها: أنّ مقايسة الأرطال في المقام بالصاع في بيع صاع من الصبرة في غير محلِّها، بل الذي ينبغي أنْ يقاس إلى الصاع إنّما هو المستثنى منه أعني المبيع الذي هو ما عدى الأرطال، وذلك لأنّ ما يملكه المشتري في مسألة الاستثناء هو ما عدا الأرطال، كما أنّ ما يملكه في بيع صاع من الصبرة هو الصاع، فالمقايسة في المقام لابدَّ وأنْ تكون بين

الصاع وما عدى الأرطال، وعليه فيرتفع الإشكال عن المسألة لأنّ ما عدى الأرطال أمر كلّي في المعيّن وليس أمرا خاصّا، والبيع إنّما وقع على هذا العنوان الكلّي وبما أنّ المالك

أقبضه إلى المشتري في ضمن المجموع منه ومن الأرطال المستثناة فصار ملك المشتري أعني ما عدى الأرطال أمرا خارجيا، وبه تحصل الشركة والإشاعة بين ملكه وملك البائع فإذا تلف منها شيء فيحسب عليهما لا محالة، هذا.

وفيه أوّلاً: أنّ إقباض الكلّي في ضمن المجموع منه ومن مال البائع لا يوجب انقلاب استحقاق الكلّية إلى استحقاق الإشاعة كما مرّ تفصيله في الردّ على شيخنا الأنصاري قدس سره في مسألة قبض الكلّي.

وثانيا: أنّ المبيع أعني ما عدى الأرطال ليس كلّيّا في المعيّن بل هو عبارة عن مجموع الأثمار الخارجية، فدعوى أنّه كلّي خلاف المتبادر والمتعارف العرفي.

وثالثا: أنّ ذلك لا يدفع الإشكال، إذ لنا أنْ نسأله عن أنّه لماذا جاز للمشتري أنْ يتصرف في الأثمار بلا استئذان من المالك مع أنّها مال مشترك حينئذ والقاعدة تقتضي عدم جواز تصرّف الشريك في مال الشركة إلاّ بإذن شريكه ولماذا لا يحسب التالف

ص: 203

عليهما فيما إذا كان إتلاف بعض الأثمار مستندا إلى المشتري حيث ذكر المشهور أنّ حصّة المالك حينئذ لابدَّ مِنْ أنْ تخرج من الباقي مع أنّ الشركة تقتضي الشراكة في التالف والباقي على حسابهما وإن ضمن المتلف قيمة ما أتلفه وكيف كان فهذا الوجه أيضا لا يدفع الإيراد»(1).

ثمّ ذكر الشيخ الأعظم جوابين في حلِّ العويصة

6- الأوّل: «تُحملُ في مورد الاستثناء، الأرطال على الكلّي في المعيّنِ لا الإشاعة كما في مورد الصّاع ولكنّ المُستثنى إنْ كان كلّيّا فلابدّ من المستثنى منه أيضا كلّيّا كما هو شأنُ الأستثناءِ من استثناء الكلّي من الكلّي وإذا استثني الكلّي من الكلّي فالباقي أيضا

كلّيٌ.

فالمشتري يملك ما عد الأرطال على نحو الكلّي في المعيّن والبائع أيضا يملك الأرطال على نحو الكلّي في المعيّن فهما مالكانِ على نحو الكلّي فنسبة الكلّيين إليهما على السّواء فلو تَلَفَ، تَلَفَ منهما بالنّسبةِ فإذا بقى بقى لهما بالنّسبة.

إن قلت: إن كان شأن الاستثناء ما قلتم فهو كذلك في باب بيع صاعٍ من الصّبرة أيضا بأنّه لو باع صاعا كلّيّا فالباقي أيضا كلّيٌ فما الفرق بينهما؟

قلتُ: إنّ الباقي في مورد بيع صاعٍ من الصّبرة، ليس موردا للكلام وليست الصّبرة، موردا للمعاملة وإنّما ذكره في عنوان البيع لأجل تحديد المبيعِ ولكن في بيع الثّمرة واستثناء أرطالٍ منها، وقعت الثّمرة موردا للمعاملة.

فلذا نقول: لمّا استثنيت الأرطالُ منها، كانت الأرطال كليّةً، مورد المعاملة أيضا فلا ينتقض ببيع صاعٍ من الصّبرة لأنّ الصّاع ولو كان كلّيّا ولكن الصّبرة، ليست مورد المعاملة حتّى يقال بأنّها كلّي بقرينة ذكر الصّاع»(2).

ويرد عليه: ولكن الصحيح «أنّ المستثنى والمستثنى منه في كليهما جزئيّ خلافا

ص: 204


1- التنقيح في شرح المكاسب 2/415-410.
2- تحقيق وتقريرات في باب البيع والخيارات 5/290.

للشيخ رحمه الله حيث ذهب إلى أنّ المستثنى والمستثنى منه كليهما كلّيٌ.

توضيحه: أنّ الفرق بينهما أنّ معنى استثناء الأرطالِ، إبقاء المالكيّة السّابقة.

فحيث كانت مالكيّة البائع لأجزاء الثّمار على النّحو الجزئيّ والشّخصيّ، حيث كان الاستثناء إبقاء المالكيّة السّابقة، فمالكيّة الاستثناء جزئيّا حيث كان الاستثناءُ، إبقاء

المالكيّة السّابقة فلا يجوز حمله على الكلّي في المعيّنِ في مورد الأرطال وحيث ردّ الفقهاء، الفرد المردّد أيضا فينحصر في المشاعِ وليس في الاستثناءِ، تصويرٌ غير تصوير المشاع.

فبناءً عليه، ما قال به المشهور من حمل بيع صاعٍ من الصّبرة على الكلّي في المعيّن وحمل الأرطال على المشاع حقٌّ لا مريةَ فيه.

ويدلّ على ما ذكرناه، العرفُ حيث يبيعون الثّمار مع جميع الخصوصيّاتِ الموجودة والثّمار الموجودةِ»(1).

7- الثاني: ومبناه «الترديد في نقل حمل الفقهاءِ، الأرطال بالإشاعة بل يمكن القول بأنّ الفقهاء ذهبوا إلى الكلّي في المعيّن في مسألة: «بيع صاعٍ من الصُّبرة» واستثناء

الأرطال وذلك لأنّهم لم يصرّحوا بأنْ تحمل الأرطال على المشاع بل هو أمرٌ اصطياديٌّ واستنباطيٌّ من حكم الفقهاء للإشاعة في مورد الثّمرة وهو أنّهم قالوا: «لو خاسّت الثّمرة، سقطت من المستثنى بحسابه».

ومن المعلوم: أنّ هذا الحكم، خاصّةٌ لازمةٌ للإشاعة وليس هذا في الكلّي في المعيّن لأنّ التّالف في الكلّي في المعيّنِ، تَلَفَ من صاحب الصّبرة وليس التّلف في الكلّي في المعيّن منهما، ولكن في الاشاعة، تَلَفَ منهما بالنّسبة.

وحيث حكموا بسقوط الثّمرة من المستثنى بحسابه الّذي كان من خواصّ الإشاعة وآثارها، اصطادوا وقالوا بأنّ المراد من الأرطال، الإشاعة.

ويدلّ على ذلك أنّ الفقهاء، أفتُوا هنا فَتويَيْنِ اللّذَيْنِ كانا من خواصّ الكلّي في

ص: 205


1- تحقيق وتقريرات في باب البيع والخيارات 5/294.

المعيّن ولا يلائمان مع الإشاعة.

بناءً عليه كيف يجوز لنا جعل فتوىً، قرينةً على حمل الأرطال بالإشاعة وعدم جعل الفَتويَيْنِ، قرينَتيْنِ على حمل الأرطال على الكلّي في المعيّن؟

أحد الفَتويَيْنِ أنّه: من جملة أحكام الشّركة بالإشاعة، عدم جواز تصرّف أحد الشّريكين إلاّ بإذنهما جميعا وأمّا في باب استثناء الأرطال من الثّمرةِ، لم يفتُوا بذلك بل قالوا: بجواز تصرّف المشتري بالاستقلال والاستبداد من دون الاستيذان من البائع حتّى أنّ الشيخ رحمه الله صرّح بأنّ السّيرة على خلافه بكفاية الاشتراء في التّصرف وعدم الاستيذان بل لو صرّح البائع بعدم الإذن في المال المشترك، فليس له هذا الحقّ وهذا، دليل الكلّي في المعيّنِ.

وحاصل هذه الفتوى أنّ تصرّف المشتري في المبيع، لا يحتاج إلى إجازة البائع وإذنه مع أنّه لو كان مالاً مشتركا ومشاعا لكان يحتاج إلى إجازة الشّريك فلمّا لم يحتج فيعلم منه عدم كونه مُشاعا، هذه إلى هنا أحد الفَتويَيْنِ.

وأمّا الفتوى الثّانيةُ الّتي كانت آية الكلّي في المعيّنِ، أنّها لو تلفت، الثّمرةُ بفعل المشتري تفريطا، يكونُ المشتري ضامنا بتأديته مِنْ مابقى وهذا، أثر الكلّي في المعيّنِ لأنّه لو أتلف المشتري نصفَ المُشاع أو غيره، يلزم عليه الضّمان بمثل التّالف أو قيمته لاجبر التّالف مِنْ ما بقى.

ومن المعلوم: أنّهم قالوا فيما نحن فيه، أنّه لو أتلف المشتري تفريطا، ليلزم عليه، تأديته مِنْ ما بقى وهذا، لازم الكلّي في المعيّنِ لا الإشاعة لإنّ لازم الإشاعة في صورة التّلف، الضّمان بالمثل أو القيمة.

بناءً على مقال الشيخ رحمه الله: لنا أنّ نقول: أنّ في الأرطال أيضا، حملُوا على الكلّي في المعيّن فاتحدّت المسألتان من حملهم على الكلّي في المعيّن.

يبقى هنا سؤالٌ:

وهو أنّهم إذا حملوا الأرطال على الكلّي في المعيّن فما معنى هذه الفتوى:

(إذا خاست الثّمرة، يسقط من المستثنى بحسابه)؟ ثمّ قال: لم يحضرني وجهٌ لذلك ثمّ

ص: 206

ذكر رحمه الله لذلك وجها سنذكره فيما بعدُ إن شاء اللّه تفصيلاً وحاصلُ وجه الشيخ رحمه الله أنّ الأرطال، تُحملُ على الكلّي في المعيّن غاية الأمر، كان فيه بعضُ آثار الإشاعة لملاحظة مرجعها بأنّ هذا من قبيلِ الكلّي في المعيّن ولكنّه شرطٌ في ضمن المعاملة وهو بناء المتعاملين على ذلك»(1).

ويرد عليه: «يمكن القول بعكس كلام الشيخ رحمه الله وأنّه أيُّ مانعٍ في ذلك بأنّ المراد من الأرطالِ بنحو الإشاعة وترتّب بعض أحكام الكلّي في المعيّن لأجل خصوصيّة المعاملة.

بعبارةٍ أصرح، أنّ القول بأنّ للمشاعِ، حكم خاصٌّ والكلّي في المعيّن، أحكامٌ خاصّةٌ له في حدّ نفسه وبطبعه وأمّا في مقام المعاملة، فتمكن ملاحظة رسم المتعاملين في

خصوص مورد المعاملة وإن كان رسم المتعاملين معلوما يصيرُ كالشّرط الضّمنيّ.

فبناءً عليه، ربّما يتبدّل الحكم حينئذ إذا صدرت فتوىً منهم وبملاحظة مقام المعاملة ليس هذا دليلاً على انّه كذلك مع قطع النّظر عن المعاملة أيضا.

ومن هنا يظهر أنّ في مقام المعاملةِ ولو فرضنا وقوعها على نحو الإشاعة بناءً على تسليم البائع، مورد المعاملة من المشاع، يكون الاختيار بيد البائع فما قاله الشيخ

رحمه الله من أنّ التّخيير للبائع من لوازم الكلّي في المعيّن، الحقّ انّه حاصلٌ في الفروض الثّلاثة يعني في الكلّي في المعيّن والفرد المردّد إن قلنا بصحّته وفي المشاع أيضا فيما إذا كان البناءُ في

المشاع، الافراز لا في مورد البناء على أنْ يبقى مشاعا وذلك لأنّ هذا رسم المعاملة والشّرط الضّمنيّ في مقابل المعاملة»(2).

8- محاولة المحقّق الإيرواني لحلّ العويصة

قال المحقّق الإيرواني قدس سره: «إنّ الذي ينبغي مقايسته من مسألة الأرطال بمسألة بيع الصاع من الصبرة هو المبيع، دون نفس الأرطال التّي لم تقع عليها المعاملة؛ فإنّ مكانة

ص: 207


1- تحقيق وتقريرات في باب البيع والخيارات 5/293-291.
2- تحقيق وتقريرات في باب البيع والخيارات 5/294.

الأرطال هنا مكانة بقيّة الصبرة ممّا عدا صاع منها من تلك المسألة، فإنّ المعاملة وقعت على ما عدا الأرطال بأيِّ مقدارٍ ورطل انطبق وهذا كلّيّ في المعيّن؛ لأنّ الأرطال المستثناه في المعيّن ومقتضى كونها كلّيّا وإن كان عدم حساب شيء من التالف - مثل مسألة الصاع على المشتري وإعطا مقدار استحقاقه بالاشتراء مادام باقيا وكون التالف على البائع خاصّةً - ولكن حيث إنّ التلف هنا مفروض بعد إقباض البائع تمام المبيع لكن في ضمن المجموع المشتمل على المبيع وعلى الأرطال الباقية على ملك البائع على خلاف المفروض في تلك المسألة لا جرم صار ملك المشتري لما عدا الأرطال خارجيّا غاية الأمر منتشرا، كمفاد النكرة، فإذا تلف حُسب منهما جميعا، وهذا كذلك حتّى في مسألة بيع الصاع من الصبرة إذا حدث التلف بعد إقباض تمام الصبرة على أنْ يكون مقدار صاع منه وفاءً والبقية أمانةً؛ فإنّ التلف بعد هذا يكون منهما جميعا حسب ما تقدّم من المصنّف [الشيخ الأعظم]»(1).

ويرد عليه: أوّلاً: «أنّ قياس المبيع في مسألتنا بالصُّبرة في مسألة بيع الصاع من الصُّبرة قياسٌ مع الفارق؛ لأنّه إذا لاحظنا مسألة بيع الصاع من الصُّبرة نجد أنّ الصُّبرة المذكورة مملوكة للمالك، وإنّما باع صاعا منها، وهذه الصُّبرة لها الشخصيّة ويستحيل انقلابها إلى الكلّي، بل حتّى بعد استثناء الصاع من الصُّبرة تبقى شخصيّة الصُّبرة ثابتة ومملوكة للبايع، وأمّا الصاع المنتقل إلى المشتري فهو كلّي لكن لا تضرّ كلّيته بشخصيّة الصُّبرة.

وأمّا في مسألتنا فالحالة عكس ذلك تماما، لأنّ الثمرة التي كانت متشخّصة قد انتقلت ملكيّتها إلى المشتري، وبقيت الأرطال الكلّية مملوكة للبائع عكس الصورة السابقة.

وبالتالي لا مجال لقياس المبيع في مسألتنا بتلك المسألة.

وثانيا: لو سلّمنا صحّة المقايسة المذكورة، فإنّ لازمها باطلٌ لا يمكن الالتزام به،

ص: 208


1- حاشية المكاسب 2/588.

وهو تحقّق الشركة؛ لأنّه إذا اعتبرنا المنتقل إلى البائع والمشتري كليّا، لزم أن يكون مجموع المال للطرفين على نحو الشركة، ويترتّب عليها عدم جواز تصرّف المشتري دون إذن شريكه البائع، وهو ممنوع لالتزام جميع الفقهاء بجواز تصرّف المشتري»(1).

وثالثا: حمل قدس سره التلف عليهما قياسا على الفرع الذي ذكره الشيخ الأعظم رحمه الله وقد مرّ منّا الاشكال عليه.

ورابعا: لم يبيّن في هذه المحاولة وجه تصرف كلٍّ من البائع والمشتري من دون استيذان كلٍّ منهما في الثمرة.

وخامسا: وكذلك لم يبيّن أنّ التلف العمدي من المشتري لماذا لم يتعلق بحصة البائع، ويتعلق بحصة المشتري خاصة؟!

9- إجابة المحقّق النائيني

قال المحقّق النائيني: «فالصواب في الجواب: هو الّذي أشرنا إليه، وهو أنّ المبيع في بيع الصاع من الصبرة، والمستثنى في مسألة الاستثناء كلّ منهما كلّيّ، ولا وجه للإشاعة أصلاً، إلاّ أنّ المشتري في مسألة بيع الصاع من الصبرة لا يملك إلاّ الكلّيّ المجرّد

عن جميع الخصوصيّات، فما دام صاع من الصبرة موجودا يستحقّه منها، ولا وجه لاحتساب التالف عليه بمقدار نصيبه منها.

وأمّا البائع في مسألة الاستثناء فهو يملك الكلّي مع الخصوصيّة، فاحتساب التالف على المشتري لا وجه له، بل يحسب عليهما، ومقتضى استحقاقه الكلّي أنْ يستحقّ الباقي لو أتلف المشتري مقدارا من الثمرة؛ لأنّ حقّه لم يكن مشاعا في مال المشتري حتّى يستحقّ القيمة.

وعلى هذا، يرتفع إشكال جواز تصرّف المشتري في الثمرة بلا رضا من البائع؛ لأنّه لم يكن شريكا معه بعنوان الإشاعة، وعلى فرض حصول الإشاعة بعد العقد من جهة كون الثمرة بأجمعها تحت يد البائع فجواز تصرّفه بلا إذنٍ إنّما هو لبناء المتعاقدين نوعا في هذه

ص: 209


1- العقد النضيد 5/355 و 356.

المعاملة على استقلال المشتري في التصرّف، فكأنّه شرط ضمنيّ نشأ من البناء النوعيّ.

وعلى أيِّ حالٍ، هذا الإشكال لا يختصّ بالإشاعة، بل بناء ً على كون المستثنى كلّيّا يجري الإشكال أيضا؛ فإنّه لا وجه لاستقلال المشتري في التصرّف مع كون المستثنى منه أيضا كلّيّا، بل يجب إمّا الالتزام بعدم جواز تصرّف كلٍّ منهما بلا رضا الآخر،

وإمّا الالتزام باستقلال كلٍّ منهما فيه.

وكيف كان فإنّما يحكم في مورد الإتلاف ببقاء حصّة البائع في البقيّة، لا استحقاقه للمثل أو القيمة؛ لأجل أنّ مقتضى البناء المعامليّ في هذه المعاملة أنْ يكون اختيار التصرّف بيد المشتري، فكما يجوز له بيع مقدارٍ من الثمرة من ثالثٍ ويسري المستقنى في البقيّة فكذلك إذا أتلفه ينصرف قهرا حقّه إلى التالف ويبقى حقّ البائع في البقيّة؛ وذلك لأنّه إذا كان مختارا في التصرّف فيه بأيِّ نحوٍ شاء فتصرّفه يوجب أن يكون ما تصرّف فيه متعيّنا له. وبهذا الملاك نقول: إنّ اختيار تعيين المستثنى بيد المشتري.

وبالجملة: مقتضى البناء المعامليّ أن تكون مسألة الاستثناء عكس مسألة بيع الصاع مع الصبرة، فإنّ اختيار التعيين في تلك المسألة يحسب على البائع، وفي مسألة الاستثناء على كلّ واحدٍ بحسابه، وإنّما يشتركان في مورد الإتلاف، فإنّه يتعيّن حقّهما في

كلتا المسألتين في البقيّة، فافهم واغتنم»(1).

ويرد عليه: أوّلاً: بعد فرض قبول وجود الكلّي مع الخصوصية يمكن أن يناقش عليه بأنّ «البائع الذي باع الصُّبرة واستثنى لنفسه الكلّي مع الخصوصيّة، لا يخلو حال الخصوصيّة المستثناة: إمّا أنّها خصوصيّة معيّنة أو مردّدة؟

فإن كانت معيّنة: - كما هو الحقّ إذ لايعقل اجتماعها مع عدم التعيّن - لا يخلو حالها أيضا:

فتارةً: يكون قد ورد عليها التلف، فحينئذٍ يختصّ التلف بالبائع.

وأُخرى: لم يرد عليها تلف، فيختصّ التلف الوارد بالمشتري.

ص: 210


1- منية الطالب 2/394-392.

وإن كانت مردّدة: ففيها مجال للبحث، عن أنّه لو أمكن تصوير اجتماع الملكيّة الكلّية مع الخصوصيّة، فهل يحتسب التلف على البائع أو على المشتري - باعتبار أنّ احتسابه على أحدهما ترجيحٌ بلا مرجّح - أم لا؟»(1).

وثانيا: لم يقم قدس سره الدليل على «أنّ اختيار تعيين المستثنى بيد المشتري» إلاّ عدّه البناء المعاملي، ولكن يمكن المناقشة في هذا الاختيار وبنائه المعاملي.

وثالثا: لم يذكر في آخر كلامه لماذا يحسب التالف على كلٍّ منهما بحسابه؟! مع أنّ الموافق مع مقالته احتساب التلف على المشتري خاصة كما كان التلف في بيع صاع من الصبرة يحسب على البائع خاصة.

ورابعا: لماذا حكم بالتسوية بين التلف والإتلاف في ختام جوابه مع إمكان تفاوت حكمهما في المقام؟!

10- جواب المحقّق الإصفهاني

قال الإصفهاني: «ويمكن تقريب الاشكال: - بعد ظهور الصاع مثلاً في الكلّي -[1]

أنّ المبيع إنْ كان نفس الصبرة والمستثنى كلّي الصاع كان البائع هنا كالمشتري في تلك المسألة لا يحسب عليه شيء، حيث إنّ الكلّي لا تلف له إلاّ بتلف جميع الصبرة كما تقدم(2)، [2] وإنْ كان المبيع تسعة أصواع مثلاً بجعل المستثنى والمستثنى منه بمنزلة تحديد المبيع بتسعة أصواع كان المبيع هنا كالمبيع في المسألة المتقدمة لا يحسب على المشتري شيء، وعلى أيِّ حال لا يحسب التالف عليهما بالنسبة.

والجواب: أمّا على الأوّل فبأنّ المبيع شخص الصبرة، إلاّ أنّ الاستثناء ظاهر في الاتصال، فلا محالة يكون المستثنى جزئيا أُخرج عن الجزئيات، وحيث إنّ الجزئي المفروز إمّا مجهول أو مردد، والأوّل باطل، والثاني محال، فلابدّ من حمله على الجزئي بجزئية منشأ انتزاعه؛ وهو الكسر المشاع، والوجه في تقديم ظهور الاستثناء في الاتصال،

ص: 211


1- العقد النضيد 5/365.
2- حاشية مكاسب للمحقّق الإصفهاني 3/339، تعليقة رقم 251.

وعدم حمله على المنقطع - تقديما لظهور الصاع المستثنى في الكلّي - هو أنّ ارادة الجزئي والخاص لا ينافي ظهور الصاع في الكلّي، هو أنّ ارادة الجزئي والخاص لا ينافي ظهور الصاع في الكلّي، بل عدم ارادة الخصوصية المنضمة إليه بعدم الدال عليها، ومع الظهور في الاتصال لا مجال للظهور الاطلاقي.

وأمّا على الثاني: فبأنّ حفظ ظهور الصاع في الكلّي؛ وحفظ ظهور الاستثناء في الاتصال يقتضي حمل المستثنى منه على الكلّي، فما يملكه البائع والمشتري كلاهما كلي، ونسبة التالف والباقي إلى كليهما على حد سواء، وسيأتي(1) إنْ شاء تعالى أنّ حكم مثل هذا الكلّي حكم المشاع، والوجه الأوّل أقرب، لأنّ ظهور الاستثناء في الاتصال يقتضي مساواة المستثنى والمستثنى منه في الكلية والجزئية، فيقع الكلام في أنّ رفع اليد عن ظهور قوله «بعتك هذه الصبرة» في الشخصية أولى، أو رفع اليد عن ظهور الصاع المستثنى في الكلية.

وحيث عرفت - أنّ ظهور الصاع وضعا واستعمالاً في الكلية لا ينافي الحمل على الجزئية؛ من باب تعدد الدال والمدلول - تعرف أنّ رفع اليد عن الظهور الاطلاقي والتحفّظ على الظهور الوضعي في المستثنى منه أولى.

وهذا هو الفارق بين مسألة الاستثناء ومسألة بيع الصاع من الصبرة، حيث إنّه ليس في الثانية ظهور حاكم على ظهور الصاع، وهذا التقريب أولى ممّا قيل في بيان الفرق ممّا سيأتي(2) إن شاء اللّه تعالى، فإنّ تلك الوجوه غالبا لا تتكفل إلاّ لبيان الفارق من حيث نتيجة المسألة؛ لا من حيث الظهور في الكلية هنا وفي الاشاعة هناك، فتدبر جيدا.

وأمّا على ما هو التحقيق في الكلّي في المعين فالأمر في الفرق أوضح، إذ للبائع تمليك الكلّي المضاف، ولا يعقل استثناء الكلّي المضاف، إذ ليس المراد من الاستثناء تملك الكلّي المضاف من المشتري بعد تمليك شخص الصبرة إيّاه، بل استثناء الكلّي

ص: 212


1- حاشية مكاسب للمحقّق الإصفهاني 3/350، تعليقة رقم 257.
2- حاشية مكاسب للمحقّق الإصفهاني 3/344، تعليقة رقم 254 و 255.

راجع إلى إبقاء بعض ما يملكه، ولا يملك إلاّ الأشخاص، فلابدّ من رفع اليد عن الظهور في الكلية بهذا المعنى الموجود في بيع الصاع من الصبرة، فتدبره فإنّه حقيق به»(1).

توضيح جوابه

قرّب المحقّق الإصفهاني

رحمه الله الإشكال بوجهين:

«الوجه الأوّل: المبيع إن كان نفس الصُّبرة، والمستثنى كلّي الصاع، كان البائع هنا كالمشتري في تلك المسألة لا يحسب عليه شيء، حيث إنّ الكلّي لا تلف له إلاّ بتلف جميع الصُّبرة، ففي تلك المسألة لم ترد الخسارة والتلف على المشتري، لأنّه كان يملك كلّيّا في المعيّن، بل يرد على البائع، وفيما نحن فيه فإنّ الثمرة تنتقل إلى المشتري، وتكون

الخسارة عليه، وأمّا المالك فيصبح مالكا للكلّي ولا خسارة عليه، وهكذا تبطل دعوى الفقهاء باشتراكهما في الخسارة.

الوجه الثاني: أنّ استثناء أرطال معلومة يعدّ تحديدا لملكيّة المشتري، فيملك المستثنى منه الكلّي، كما يملك البائع للمستثنى الكلّي، وكان المبيع هنا كالمبيع في بيع الصاع من الصُّبرة من عدم احتساب التلف على المشتري، بل لا يحتسب التالف على أيِّ حالٍ عليهما بالنسبة، وبذلك تبطل دعوى الفقهاء باشتراكهما في التلف.

بيان مراده [في جواب الوجه الأوّل]: أنّ المعاملة تتضمّن مبيعا واستثناءً ومستثنى منه:

أمّا المبيع: فليس بكلّي، بل هو شخص الصُّبرة.

وأمّا المستثنى: فهو الصاع أو الرطل، وهما عنوانان كليّان.

وأمّا المستثنى منه: فهو جزئي حيث استثنى منه عنوانا كليّا.

ولا يخفى أنّ الأصل في الاستثناء هو الاتّصال، ولذلك يتنافي مع ظهور الاستثناء في الاتّصال القاضي بكون المستثنى كليّا، والقاعدة عند تعارضهما لزوم تقديم ظهور الاستثناء في الاتّصال على ظهور المستثنى في الكلّي؛ لأنّ ظهور الأخير إطلاقي تعليقي

ص: 213


1- حاشية المكاسب 3/344-342.

دون ظهور الأوّل الذي هو تنجيزي، والتنجيزي مقدّمٌ على التعليقي بالضرورة؛ لأنّ ظهور الظهورات الإطلاقيّة معلّق على عدم قيام القرينة المانعة الصارفة، وظهور الاستثناء في الاتّصال - الذي لازمه العقلي جزئيّة المستثنى - يعدّ قرينة صارفة، وتوجب انصراف عنوان الصاع من الكلّي إلى الجزئي، لأنّ المستثنى من الجزئي يجب أن يكون جزئيّا أيضا.

وبعد ثبوت جزئيّة عنوان المستثنى، فهنا ثلاث احتمالات:

الأوّل: احتمال كون الصاع الشخصي المستثنى، شخصيّا وجزئيّا مجهولاً بين صيعان الصُّبرة.

لكن مثل هذا الاحتمال يوجب بطلان البيع للجهالة.

الثاني: احتمال كون الصاع الشخصي المستثنى جزئيّا مردّدا.

والبيع على هذا الاحتمال أيضا باطل، لما ثبت من بطلان المبيع المردّد.

الثالث: احتمال كون الصاع المذكور جزئيّا بجزئيّة منشأ انتزاعه، فيصبح المستثنى كسرا مشاعا.

وهكذا ثبت برهانا أنّ المستثنى كسرٌ مشاع، واستثناء مثل هذا الكسر المشاع يستلزم أنْ تصبح الصُّبرة مشاعةً بينهما، ومع صيرورتها مشاعةً يثبت كلام المشهور من ثبوت التلف والخسارة عليهما.

بيان مراده [في جواب الوجه الثاني]: بعد تسليم كون الأصل في الاستثناء هو الاتّصال - وأنّ المستثنى داخلٌ في المستثنى منه حقيقةً، وخرج منه وانفصل عنه بدليل -

وأنّه كلّي، يجب أنْ نحمل معاملة من باع صُبرةً إلاّ صاعا منها، على أنّ البائع أبقى لنفسه صاعا كلّيّا واحدا، وملّك المشتري الأصوع الكلّية الباقية، فكلاهما يملكان حصصا كلّية، وحينئذٍ لو تلف بعض حصص الصُّبرة، لا يصحّ تحميل أحدهما التلف دون الآخر، لأنّه ترجيحٌ بلا مرجّح، بل لابدّ من اشتراكهما في الخسارة بالنسبة لكليّة ملكيّتها حسب الفرض، وبذلك يثبت صحّة حكم الفقهاء باشتراكهما في الخسارة واحتساب التلف عليهما دون أحدهما.

ص: 214

وأخيرا: يتعرّض المحقّق الإصفهاني لبيان الفرق بين المسألتين، حيث يقول ما خلاصته:

في بيع الصاع من الصُّبرة، فإنّ البائع يملّك المشتري كلّيّا مضافا، والأخير يتملّك، ولا يعقل أنْ يكون الاستثناء كلّيّا مضافا، بل لابدّ أن يكون جزئيّا، لأنّ استثناء الكلّي راجعٌ إلى إبقاء بعض ما يملكه ولا يملك إلاّ الأشخاص، وعليه فما يملكه المشتري كلّي، وما يُبقيه البائع لنفسه جزئي شخصي.

أمّا في مسألة الاستثناء فإنّ البائع لم يتملّك، ولم يُدخل في ملكه شيء. نعم، غاية ما هناك تمليكٌ وإبقاءٌ في ملكه لجزء ما كان معدودا من مملوكاته، ولا شكّ أنّه كان جزئيّا شخصيّا.

وعليه فلا يصحّ قياس المقام بتلك المسألة، لإمكان تصوير الكلّية في التمليك دون الإبقاء؛ لأنّ حقيقته إبقاء جزء ما كان يملكه»(1).

نقد جوابه

وقد أُورد عليه: «أوّلاً: أنّ الركيزة التي اعتمد عليها المحقّق الإصفهاني في دعواه، هي حصر ملكيّة المالك في الشخص دون الكلّي، ومن ثم تعارض الظهور الإطلاقي مع الظهور الوضعي، وتقديم الأخير، لكن الحقّ بطلانها، لأنّ ملكيّة مالك الصُّبرة لا تخلو:

1- إمّا أنّها ملكيّة للأشخاص وللكلّي الموجود في الصُّبرة، فهو مالكٌ لهما معا.

2- وإمّا أنّ ملكيّته منحصرة بالأشخاص دون الكلّي.

أمّا الثاني: فهو الذي اختاره المحقّق المذكور في محاولته لتشريكهما في الخسارة.

وأمّا بناءٌ على اختيار القول الأوّل: فإنّ الاستثناء أيضا يكون متّصلاً، لأنّ اقتطاع جزء من المملوكات الكلّية والشخصيّة التي كان يملكهما المالك، يعدّ استثناءٌ متّصلاً أيضا، فلا يعدّ الاتّصال منحصرا بمَن يملك الشخصي، بل يعمّ من يملك الشخصي

ص: 215


1- العقد النضيد 5/360-357.

والكلّي.

وبذلك يبطل دعواه واستدلاله القائم على مسلك المشهور، من تقديم الظهور الوضعي على الإطلاقي، حيث التزم الشيخ رحمه الله ومَنْ تبعه بهذا المبنى، وناقشناهم في مباحث الأُصول.

وعليه فبطلان دعواه مبنيٌّ على أنّه لا وجه لتقديم ظهور الاستثناء في الاتّصال على ظهور الصاع في الكلّي.

وبعبارة أُخرى: حتّى لو سلّمنا مسلك المشهور في التقديم المذكور، فإنّ المقام لا يعدّ من صغريانه؛ لأنّ المتحقّق في المقام أمران:

من جهةٍ ظهور الاستثناء في الاتّصال الموافق مع الأصل.

ومن جهةٍ أُخرى ظهور إطلاق الصاع في الكلّي.

فإذا حملنا الصاع على الجزئي دون الكلّي بقرينة اتّصال الاستثناء، فإنّ هذا الحمل يعدّ إسقاطا للظهور الإطلاقي، وتقديما لظهور الاستثناء الوضعي، مع أنّ دعواه رحمه الله كون المستثنى كسرٌ مشاع، ممّا يقتضي أنْ يكون الصاع المستثنى كسرا مشاعا، وإلاّ لما أمكن توجيه احتساب التلف عليهما، والالتزام بذلك يعني رفع اليد عن أصالة الحقيقة في الصاع المستثنى، الدالّة على انقطاع الاستثناء، وحمله على الكسر المشاع القائم على اتّصال الاستثناء، وترجيح أحدهما على الآخر يعدّ ترجيحا بلا مرجّح.

ويرد عليه ثانيا: أقرَّ رحمه الله بأنّ الصاع المستثنى جزئي، لكنّه مردّدٌ بين ثلاث محتملات، وأبطل الاحتمالين الأوّلين، وحصر الأمر في الشقّ الثالث، وحكم بأنّ المستثنى كسرٌ مشاع، ليصحّح بذلك دعوى المشهور في اشتراكهما في الخسارة والتلف.

لكن السؤال الموجّه إليه أنّه ما هو الدليل على هذه الدعوى؟

والظاهر اعتماده في ذلك على أصالة الصحّة، فإذا وصل الدور إلى هذا الأصل، فينبغي ملاحظة أنّ المقام هل يعدّ من صغرياته أم لا؟

فنقول: الثابت أنّ مجرى أصالة الصحّة هو الواقع مردّد بين الصحيح والفاسد، أي لو تحقّق أمرٌ في الخارج وتردّد وقوعه بين الصحيح والفاسد، فإنّ الأصل المذكور يفيد

ص: 216

صحّة الواقع، وهذا لا خلاف عليه بين الأعلام، إنّما المناقشة في أنّه هل لهذا الأصل إطلاق ليعمّ ما شكّ في قابليّة الفاعل، أو نقصان الواقع جزءً أو شرطا أم لا؟

وفيه مبنيان: مبنى التعميم ومبنى التخصيص.

والحقّ هو الأخير، لأنّ المتيقّن من سيرة العقلاء الاستناد إليها عند الشكّ في أجزاء الفعل وشروطه، دون ما إذا كان الشكّ في القابليّة أو النقصان.

وبالجملة: على كلا المبنيين، فإنّ مجرى الأصل هو فيما إذا كان لنا واقعٌ مردّد بين الصحيح والفاسد، دون ما إذا كان الأمر مردّدا بين ما يمكن وقوعه وما يستحيل وقوعه.

والاحتمال الثالث من هذا القبيل، حيث قسّم المبيع إلى ثلاثة، فأبطل الأوّل لأنّه مجهول، ثمّ أبطل الثاني لأنّه مردّدٌ، فانحصر الأمر عنده بالشقّ الثالث، فحكم بمقتضى أصالة الصحّة بصحّته، مع أنّ أمر الشقّ الثالث مردّدٌ بين ما هو ممكن ومحالٌ، وقد ثبت آنفا

عدم إمكان جريان الأصل في المردّد بين الممكن والمستحيل، ومع عدم جريان الأصل يأتي السؤال عن أنّه ما هو المعيّن لهذا الاحتمال الثالث؟!

ويرد عليه ثالثا: على تصريحه رحمه الله بأنّ المبيع في المقام كلّي مضاف إلى الصُّبرة، ممّا يستدعي أنْ نبحث عن نوعيّة هذه الإضافة؟

فإنّ الإضافة على أقسام متنوّعة فقد تكون إضافة الاستعلاء، أو القبليّة أو البعديّة أو البعضيّة.

ولا يصحّ فرض الإضافة في المقام إلاّ على النحو الأخير، فيكون المبيع قطعة من الصُّبرة الشخصيّة، وإذا أصبح شخصيّا استحال انقلابه إلى الكلّية»(1).

11- جواب المحقّق الشيخ ضياءالدين العراقي قدس سره

قال العراقي رحمه الله في شرح قول العلاّمة في التبصرة بتلخيص منّا: «إنّ الكلّي ينقسم إلى:

ما هو مجرّد عن جميع الخصوصيّات.

ص: 217


1- العقد النضيد 5/363-360.

والكلّي بشرط الوحدة، أي بشرط لا عن الزيادة.

وبالرغم من أنّ المبيع في المسألتين واحدة، حيث أنّه في بيع الصاع من الصُّبرة، الصاع مشروط بشرط الوحدة من هذه الصُّبرة، وكذلك الاستثناء فإنّ الصاع مشروط بالوحدة أيضا.

إلاّ أنّهما يختلفان في أنّ الصاع في المسألة الأُولى - حيث مثّل بما إذا باع صاعا من مجموع صاعين بشرط الوحدة - صاعٌ بشرط لا، وقابل للتطبيق على الصاع المبيوع والباقي، أي على صاع نفسه وصاع المشتري، وهذا بخلاف الصاع في الاستثناء.

بيان ذلك: إنّ في بيع الصاع من الصُّبرة، طبع العبارة يقتضي أن يكون المبيع هو الطبيعة الصرفة العارية عن جميع الحيثيّات... فلا جرم ينحصر ملك المشتري في الواحد بشرط لا، ولكن لا من جهة تقييد البائع العنوان المأخوذ في إنشاء البيع بالواحدة المزبورة، بل الضيق المزبور إنّما يعرض الطبيعة عقلاً لوجود المانع عن الانطباق على الزائد عن الواحد... .

ومن نتايج ذلك: هو أنّه لو فرض وجود فردين من الصالح، فتلف أحدهما وبقي الآخر.

فعلى المعنى الأوّل: كان الطبيعي قابلاً للصدق على كلّ واحد صدقا عرفيّا، فبانعدام أحدهما يخرج المورد عن القابليّة المزبورة، فينحصر مورد صدق الطبيعة على الموجود فعلاً، ولازمه حينئذٍ صيرورته ملكا للمشتري قهرا، بلا احتياج إلى قصد تعيين فيه، لصدق وجود الطبيعة الصرفة المملوكة، وعدم تلف الطبيعة، إذ تلفه بتلف تمام الأفراد.

وأمّا على المعنى الثاني: لا شبهة في صدق تلف الواحد بشرط لا، كما يصدق وجود الواحد بشرط لا، فإذا فرض تعلّق ملكيّة المشتري بالواحد بشرط لا، لا وجه لانطباقه على الموجود قهرا، بل نسبة موضوع الملكيّة بالنسبة إلى الباقي والتالف، كنسبة واحدة، فترجيح إحداهما في مفروض الملكيّة يحتاج إلى مرجّح من الخارج... .

ثمّ بعد وضوح الفارق بين الطبيعة المطلقة والمضيّقة المنحصر فردها بالواحد

ص: 218

بشرط لا، نقول:

إنّه لو فرض قبض الصُّبرة المشتملة على الصاعين بعنوان الوفاء بملك المشتري، ففي هذه الصورة لا يكون المشتري إلاّ مالكا واحدا لصيعان بشرط لا، كما أنّ المالك للصبرة أيضا مالك للخصوصيّة بلا تعيين مال المشتري بالقبض المزبور في المعيّن، وحينئذٍ لو تلف أحد الصاعين، لا يكاد يتعيّن الموجود في ملكيّته للمشتري، كيف ونسبته إلى التالف والموجود سواءٌ بلا مرجّح خارجي، يوجب تعيين الموجود في ملكيّة المشتري، ولازمه كون نسبة الموجود إلى البائع والمشتري على السواء، فحساب التالف على أحدهما ترجيح بلا مرجّح... .

ومن التأمّل فيما ذكرنا أيضا: ظهر وجه الفرق بين مسألة بيع الصاع من الصُّبرة وبين بيع الصُّبرة باستثناء الصاع أو الأرطال، فإنّ قبض الصُّبرة أيضا لا يوجب تعيين مال البائع في الصُّبرة في صاع معيّنة بل مال البائع على وحدته بشرط لا باقٍ بحاله، فلو فرض تلف الصُّبرة بأجمعها إلاّ صاعا منها، لا يقتضي الاستثناء المزبور تعيين الباقي للبائع، والمفروض أنّه ليس في المقام كفرض التلف قبل القبض أيضا معيّن للموجود في لزوم كونه للبائع، إذ ليس في المقام أيضا إلاّ عنوان وجوب ردّ مال الغير، الذي هو بالنسبة إلى حفظ الماليّة للغير مشروطٌ، بخلاف عكس المسألة مع كون التلف قبل القبض، إذ يكفي فيه إطلاق وجوب الوفاء بالعقد من غير جهة وجود العقد، المستتبع لوجوب تعيين الموجود للمشتري مقدّمة لوجوب الوفاء بالعقد»(1).

ردّ جوابه

وقد اورد عليه: «إنّ استدلاله من القوّة والمتانة بمكان، حيث جعل الفارق بين المسألتين إحراز الموضوع في المسألة الأُولى والتردّد في الثانية، لكن برغم ذلك لا يمكننا الموافقة معه، والمناقشة معه تقتضي تمهيد مقدّمات ثلاث:

المقدّمة الأولى: وهي أنّ هناك أصلٌ ثابتٌ عند المناطقة لم يشكّ فيه أحدهم، وهو

ص: 219


1- شرح تبصرة المتعلمين 5/93-87.

أنّ الطبيعي الكلّي، والخصوصيّة موجودان بوجود واحد، بمعنى أنّه ليس لنا وجودان: أحد الوجودين مضاف إلى الطبيعة الكلّية، والوجود الآخر مضاف إلى الفرد، بل وجودٌ واحدٌ بالحقيقة، وهو وجود الفرد والطبيعي الكلّي في آن واحد، كما في (إنسان) و (زيد)، فهما موجودان بوجودٍ واحد.

وبناءً على هذه الحقيقة تمَّ تأسيس قاعدة مشهورة وهي «أنّ الطبيعي موجودٌ بوجود فرده»، فالطبيعي والكلّي موجودٌ بوجود فرده ولا عكس.

وبناءً على هذه القاعده ة، فإنّ الطبيعة توجد بوجود الفرد وتنعدم بانعدامه.

وبعبارة أُخرى: إنّ الطبيعة الكلّية تابعة للفرد في وجوده وعدمها دون العكس، حيث لم يكن الفرد تابعا في وجوده وعدمه للطبيعي والكلّي.

المقدّمة الثانية: الثابت أنّ المبيع في بيع الصاع من الصُّبرة، الكلّي من الصُّبرة المعيّنة، فالمشتري يملك الكلّي، وأمّا البائع فله الخصوصيّات.

أمّا في مسألة الاستثناء: فقد اضطربت كلمات الأعلام في المقام، والحقّ عندنا أنّ المتحقّق عكس الصورة الأُولى، حيث يملك المشتري شخص المبيع، وأمّا المالك فيبقى له الكلّي، والدليل على ذلك أنّ محتملات المسألة ثبوتا ثلاثة:

الأوّل: احتمال انتقال الخصوصيّات إلى المشتري.

الثاني: احتمال عدم انتقالها إليه وبقاءها على ملك البائع.

الثالث: احتمال عدم انتقالها إليهما معا، وبقاءها في مثل هذا البيع بلا مالك.

أمّا الاحتمال الثاني: فلا شكّ في بطلانه، إذ لا يعقل بيع الصُّبرة الشخصيّة وانتقالها إلى المشتري، وبقاء الخصوصيّات على ملك البائع!

أمّا الاحتمال الثالث: فهو أيضا باطلٌ، لأنّ خروج الأموال عن ملكيّة الأشخاص ودخولها فيها قائمة على الأسباب الشرعيّة والعقلائيّة، والمفروض امتلاك المالك الخصوصيّات قبل البيع وانتقالها إلى المشتري عدا صاع واحد.

وعليه، فلا يصحّ فرض تجرّد الخصوصيّات عن المالك، بل المالك لها هو المشتري ليس إلاّ، فيثبت الاحتمال الأوّل وهو المطلوب.

ص: 220

المقدّمة الثالثة: وهي أنّه لا يصحّ الانفكاك بين الشخصي والطبيعة الموجودة بوجوده، أي يستحيل أن تكون الخصوصيّة والفرد مملوكة لشخص، والطبيعي والكلّي الموجود بتلك الخصوصيّة ملكا لشخص آخر.

وهذه الحقيقة لا نقاش فيها، لأنّها من القضايا التي قياساتها معها، لأنّ الطبيعي موجودٌ بعين وجود الفرد الخاصّ، ومع هذه الوحدة الوجوديّة لا يعقل أن تكون الخصوصيّة ملكا لشخص، والطبيعة ملكا لشخصٍ آخر.

وبعد ثبوت هذه المقدّمات، لابدّ من الحكم بأنّ الخصوصيّة الثابتة في الصُّبرة في مَن باع واستثنى أرطالاً معلومة تنتقل إلى المشتري - بحكم المقدّمة الثانية - فيكون التلف

واردا عليها وعلى المشتري الذي يملكها، وإلاّ استلزم وروده على الكلّي، ممّا يلزم منه انفصال الشخص عن الطبيعة الكلّية، وقد ثبت استحالته بالمقدّمة الثالثة.

فالبرهان العقلي المذكور دالّ على أنّ دعوى تحميل المشتري الخسارة والتلف يعدّ ترجيحا بلا مرجّح باطلة، بل الخسارة لابدّ أن تكون على المشتري دون غيره بالضرورة العقليّة.

وبعبارة أُخرى: لا سبيل للمحقّق العراقي رحمه الله إلاّ أن يدّعي أحد الدعاوى التالية:

إمّا أن يلتزم بأنّ الخصوصيّة ليست للمشتري، وهو ما ثبت بطلانه.

وإمّا أن يلتزم بأنّ التلف الوارد على الخصوصيّة، هو الكلّي الموجود بتلك الخصوصيّة، حيث لا يؤدّي إلى إتلافه، وقد ثبت بطلانه.

وإمّا أن يلتزم بخروج الخصوصيّة عن مِلك الأوّل والطبيعة عن ملك الثاني، وهذا أيضا ثبت بطلانه.

كما ثبت أنّ الالتزام بكون التلف محسوبٌ على خصوص المشتري دون البائع يعدّ ترجيحا بلا مرجّح.

وبالتالي، فالقاعدة كما تقتضي في بيع الصاع الالتزام بمدلول «أَوْفُوا

ص: 221

بِالْعُقُودِ»(1)، والحكم بلزوم ردّ الصاع الباقي بعد التلف إلى المشتري، كذلك تقتضي قوله تعالى: «إنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أنْ تُؤَدُّوا الاَْمَانَاتِ إلَى أهْلِهَا»(2) لزوم ردّ الصاع الباقي إلى البائع في مسألة الاستثناء.

وتوهّم: تنافي دعوانا في المقام من استحالة انفكاك ملكيّة الشخصي عن الكلّي - باعتبار أنّ الطبيعي موجودٌ بعين وجود الخصوصيّة والفرد، ومع وحدتهما وجودا يستحيل انفكاكهما - مع ما قيل أخيرا من فرض افتراقهما، وأنّ الخصوصيّة في مسألة بيع الصاع من الصُّبرة تكون للبائع والكلّي للمشتري.

مدفوع: لافتراق المقامين والموردين، وبطلان قياس أحدهما مع الآخر، فالانفكاك بينهما يتحقّق فيما لو كان الكلّي ثابتا في الصُّبرة الكلّية، فيصحّ أن يمتلك أحدهما الكلّي والآخر الشخصيّة، دون ما إذا كان الكلّي موجودا في الخصوصيّة والفرد.

وبعبارة أُخرى: ما لا يعقل التفكيك فيه عقلاً وعرفا وعقلاءً، هو فيما إذا كان الصاع المتخصّص بالخصوصيّة الشخصيّة ملكا لأحدهما، والخصوصيّة بذاتها ملكا للآخر.

وأمّا امتلاك أحدهما للخصوصيّات الموجودة في الصُّبرة، وامتلاك الآخر ملكيّة الكلّي الموجود في الصُّبرة، مع عدم تخصّصه بخصوصيّة خاصّة، فهو أمرٌ معقول عقلاً وعرفا وعقلاءً.

فقياس الصاع الموجود بخصوصيّة خاصّة، مع الصاع الكلّي الموجود في الصُّبرة قياسٌ مع الفارق.

وقد اعترف المحقّق العراقي جواز الافتراق بينهما في الفرض الأخير، في سياق قوله إنّه لو كانت الصُّبرة صاعين واستثنى المالك صاعا منها، فإنْ الخصوصيّات الموجودة فيها لا تكون مشتركة بل ملكيّتها ثابتة لأحدهما»(3).

ص: 222


1- سورة البقرة /275.
2- سورة النساء /58.
3- العقد النضيد 5/372-368.

12- محاولة السيّد الخوئي

قال المحقّق الخوئي: «والذي ينبغي أن يقال ولعله هو محتمل الجواب الأوّل [للشيخ الأعظم] وأن المستثنى هو الارطال المعلومة بعنوان الكسر الكلّي كما هو الظاهر من اضافة من مجموع ما سلم للمشتري دون مجموع المال وليس المستثنى هو الكسر المشاع بل الأمر كذلك حتّى مع التعبير عنه بلفظ المن والصاع والرطل ونحوها فان الظهور العرفي منها وان كان عنوان الكلّي منها بنفسها ولكن الارتكاز جار على كونها على أحد النسبة الممكنة في الصبرة كواحد من المائة مثلاً ممّا سلم بحيث يكون الباقي والتالف بينهما سيان وهذا لا ينافي الكلية كما هو واضح.

وتوضيح ذلك أن بيع الكسر الكلّي يتصور في مرحلة الثبوت على أقسام ثلاثة:

الأوّل: الكسر إلى المبيع كقولك بعتك نصف الصبرة أو ربعها مثلاً أو غيرهما من الكسور أن يكون على نحو القضية الخارجية كما إذا قال بعتك ربع هذه الصبرة فان المبيع هنا كسر كلّي على نحو القضية الخارجية فانه موجود في هذه الصبرة بعنوان الكليّة دون الاشاعة فان ربع هذه الصبرة أمر كلّي لانه قابل الانطباق على هذا الطرف وذلك الطرف من اليمنى أو اليسرى أو الفوق أو التحت، إلى غير ذلك ممّا يكون فردا لهذا الكلّي ويكون هو قابل الانطباق عليه من الافراد المتصورة.

الثاني: أن يكون المبيع كسرا كلّيّا ولكن لا بنحو القضية الخارجية، بل بعنوان القضية الحقيقة وهذا المعنى وان لم يجر في البيع لكونه موجبا للجهالة والغرر ولكن يمكن جريانه في باب الوصية وان لم يعهد فيها هذا الوجه أيضا، لان المعهود في الوصية هو الوجه الثالث ولكن لو أوصى أحد كذلك فلا محذور فيه شرعا كما إذا أوصى بان كلّ ما يكون مالا لى فربعه على نحو الكسر الكلّي لفلان، فان هذه قضية حقيقية تنطبق على ربع كل مال حصل في يد الموصى فيكون للموصى له بنحو الكليّة لا بنحو الشركة.

الثالث: أن يكون أيضا كلّيّا على نحو القضية الخارجية ولكنه تكون في حصة خاصة وهذا أيضا لا يمكن في البيع للجهالة والغرر ولكنه موجود في باب الوصية جدا بحيث لو أوصى أحد كذلك فلا محذور فيه وان كان يحتاج إلى القرائن في مقام الاثبات

ص: 223

وان كانت هو الارتكاز كما يمكن دعواه في الوصية والبيع فان الارتكاز على ذلك بل الأمر كذلك في باب الوصية غالبا والشركة على نحو الاشاعة فيها نادره جدا كما إذا أوصى لزيد ربع ما يسلم للورثة على نحو الكسر الكلّي بمعنى أن كما اجتمع أموالي تحت يد الورثة فربعه لزيد على نحو الكلّي دون الاشاعة وهذا المعنى كما عرفت موجود في باب الوصية فان من أوصى ربع ماله لفلان فليس معناه أنه شريك مع الورثة على الاشاعة ولو بقرينة الارتكاز ولا أن ربع مجموع المال أعم ممّا يسلم وممّا لا يسلم له وإلاّ فربما يكون ما يحصل من التركة للموصى له مجموعا بل معناه أن ربعه الكسرى الكلّي الذي يسلم من التلف والظاهر أنه لا يشك أحد في صحة ذلك الكلام في هذا المعنى ولو بالارتكاز العقلائي في باب الوصية بل عليه جريان السيرة العملية ما لم تكن تصريح على خلافه من الشركة على نحو الاشاعة.

وبالجملة الذي ذكرناه لا غبرا فيه ثبوتا وان كان يحتاج إلى القرائن في مقام الاثبات فان غرضنا تصحيح هذا المعنى فقط في عالم الثبوت ففي مقام الاثبات فيتبع لسان الدليل كما لا يخفى أو القرائن الخارجية كما في باب الوصية وكذلك فيما نحن فيه لشهادة الارتكاز على ذلك.

إذا عرفت ذلك فندعى جريان ذلك في مسألة الاستثناء فان قول القائل بعتك مجموع الثمرة إلاّ أرطالا معلومة معناه بعتك مجموعها كسرا كلّيّا ممّا يسلم وهو الواحد في المائة أو العشرة أو أقل أو أكثر، مثلاً فيكون عنوان الرطل معرّفا إلى ذلك الكسر الكلّي

ففي الحقيقة أن البائع يستثنى من العشر مثلاً واحدا ممّا يبقى من الثمرة للمشتري الذي يسمى كسرا كلّيّا ويجعل عنوان الرطل أو المنّ أو الصاع معرّفا إليه وهذا وان كان في نفسه على خلاف الظاهر فان ظهور المن أو الرطل ونحوهما في الكلّي في المعيّن وحملها على الكسر الكلّي على خلاف الظاهر ولكن قامت القرينة على ما ذكرناه والارتكاز فانه قائم على اراده ما ذكرناه من مثل هذا الكلام (بعتك الثمرة إلاّ ارطالا معلومة) فان الارتكاز العقلائي محقّق على أن المراد منه هو الكسر الكلّي ممّا يسلم ويتحصل للمشتري من الثمرة دون الشركة والاشاعة ولا الكلّي في مجموع الثمرة بحيث أن ما يسلم للمشتري لو

ص: 224

كان بمقدار المستثنى يكون المجموع للبايع، بل هو الكسر الكلّي أي حد معيّن من حد معيّن كالواحد من المائة مثلاً.

وعلى هذا فنسلم من جميع الاشكالات فانه لو تلفت الثمره بآفة سماوية يكون التالف عليهما فان حق البائع الكسر الكلّي ممّا سالم للمشتري والتالف خارج بحسب الارتكاز ولو اتلفه المشتري كان حق البائع من الباقي، فإن التالف ممّا يسلم فهو باختياره اتلفه ويجوز للمشتري التصرف في مجموع الثمرة لان البائع ليس شريكا في الثمرة حتّى يحتاج تصرفه إلى الإجازة وكان لفظ الكسر قبل لفظ الكلّي في عبارة [الشيخ الأعظم]

لكان عين ما ذكرناه وكان (أن المتبادر من الكلّي المستثنى هو الكسر الكلّي الشايع فيما يسلم للمشتري لا مطلق الموجود وقت البيع) ولعله كان كذلك وقد سقط من عبارته واللّه العالم، ولا يلزم كون المعاملة غررية أو كون المبيع مجهولا فان عبارته واللّه العالم، ولا

يلزم كون المعاملة غررية أو كون المبيع مجهولا فإن المبيع معلوم وهو مجموع الثمرة وما استثنى من مجموع الثمرة أيضا معلوم، فالتلف انما يرد على المستثنى والمستثنى منه المعلومين لا أن المبيع هو الباقي بعد التلف ليكون مجهولاً أو غرريا كما هو واضح.

ويمكن الجواب بوجه آخر بأن يقال أن قولك بعتك مجموع الثمرة هذا البستان إلاّ عشرة أرطالاً أن كلّ واحد من المستثنى والمستثنى منه يتحلان إلى الأجزاء فكانه قال بعتك عشرة إلاّ واحدا فيكون مفاد ذلك أن المستثنى من كلّ عشرة واحدة مثلاً بنحو الكلّي في المعين وهكذا إلى ان ينتهى كلّ ما يتصور من الأجزاء التحليلية والفرق بين هذا والوجه الأوّل هو أن في الأوّل كان المشتري جائز التصرف في المجموع لأن حق البائع كان كلّيّا بخلافه هنا فانه لا يجوز له التصرف في المجموع فان المفروض أن الواحد من كلّ عشرة مثلاً للبائع فبالتصرف في العشرة قطعا ينصرف ففي حق البائع أيضا، ولكن الشرط الضمني موجود على جواز التصرف في المجموع.

وعلى هذا فيرتفع الاشكال أيضا ويجتمع الأمور الثلاثة أما كون التالف عليهما فلما ذكرنا كون المستثنى والمستثنى منه منحلين إلى الأجزاء وأن من كلّ جزء جزء كالواحد من العشرة فإذا تلفت العشرة فيتلف من كلّ منهما جزء كما هو واضح.

ص: 225

وأما أنه يجوز للمشتري التصرف في المجموع فلما عرفت من كون الشرط الضمني على ذلك.

وأما أنّه مع اتلاف المشتري من الثمرة شيئا فيكون حق البائع من الباقي فهو أيضا للشرط الضمني وهذان الوجهان خصوصا الثالث على خلاف الظهور بمكان ولكن الذي يسهل الخطب أن الغرض لتصوير كلام القوم في مسألة استثناء الارطال المعلومة من المبيع على نحو لا يكون منافيا لحمل بيع صاع من الصبرة على الكلّي في المعيّن.

ثمّ لا يخفى عليك أنه يمكن الجواب بحمل الارطال على الاشاعة والجواب عن عدم جواز تصرف المشتري في المجموع وكون حق البائع من الباقي مع اتلاف المشتري مقدارا منه بالشرط الضمني كما عرفته في الوجه الثاني هذا ما عندنا ولعلّ غيرنا يأتي بما

هو أحسن من ذلك»(1).

نقد مقالته

وقد أورد عليه: لابدّ «أن نبحث عن هذا التوجيه كبرويّا وصغرويّا:

أمّا الكبرى: فهي صحيحة ولا غبار عليها، إذ لا شكّ أنّ بيع الكلّي أمرٌ معقول ثبوتا وصحيح إثباتا.

أمّا ثبوتا: فلأنّه يحقّ للمالك أن يُملّك رُبعا أو خُمسا كلّيّا من ماله.

وأمّا إثباتا: فإنّ هناك أدلّة شرعيّة عديدة دالّة على صحّة مثل هذا البيع الكلّي، وشمول أدلّة الحِلّ والوفاء له، كقوله تعالى: «وَاِعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ...»(2)، وكذلك قوله عليه السلام: «فيما سقت السماء فيه نصف العُشر»، فالآية والرواية دالّتان على لزوم إخراج النسب الكلّية المذكورة.

وأمّا الصغرى: فهي ممنوعة من جهتين:

الجهة الأُولى: أنّ على المحقّق الخوئي إثبات أمرين:

ص: 226


1- مصباح الفقاهة 5/397-393.
2- سورة الأنفال /41.

1- أنّ المستثنى من بيع الثمرة يعدّ استناءً لكسرٍ كلّي.

2- وأنّ المراد من المستثنى - الذي هو العُشر مثلاً - استثناءه في جميع الأحوال، سواءً من الأصل أو الباقي بعد التلف.

بيان ذلك: لا مجال للمحقّق المذكور إثبات الدعوى، إلاّ إذا استطاع أن يثبت الأمرين المذكورين، بأن يثبت:

أوّلاً: أنّ قوله: «بعتُك ثمرة هذا البستان إلاّ أرطالاً معلومة منها» ظاهرٌ في الكسر الكلّي دون الكلّي في المعيّن، كما هو الظهور المستفاد بدوا.

ثانيا: أنّ امتلاك البائع لهذا الكسر الكلّي ثابتٌ في جميع الأحوال، أي سواءً كان المال صحيحا أو تالفا بعضه، فأنّ المالك يملك عُشره.

ولا يخفى أنّ إثبات كلا الأمرين يتوقّف على قيام القرينة عليهما لمخالفتهما مع الظهور اللّفظي.

والمحقّق الخوئي لم يُقم دليلاً عليهما سوى دعوى قيام الارتكاز.

وعليه فينبغي أن نبحث في المقام عن معنى الارتكاز والارتكازيّات وتحديد مدلولهما.

بحثُ حول حقيقة الارتكاز والارتكازيّات

إنّ كلّ أمرٍ تعود جذوره إلى فطرة العقلاء المبنيّة عليها تصرّفاتهم وأفعالم الذاتيّة يُسمّى بالارتكازات العقلائيّة، فالتعابير التي تصف هذه الحقيقة الذاتيّة كالركيزة والمرتكز والارتكاز والبناء العقلائي، وغيرها من المسمّيات، جميعها تعود إلى تصويف الأمور المستقرّة في فطرة العقلاء، وما تعود جذوره إليها، دون الأفعال الأُخرى التابعة من غيرها كالعادات والتقاليد، فالاعتماد على خبر الثقة وعلى الظهورات وعلى غيرهما من الأمارات الظنّيّة، وعدّها حجّةً في مقام العمل، إنّما هي من الأُمور المرتكزة عند العقلاء، وعليها مدار عملهم في حياتهم اليوميّة، ولذلك فإنّ الحجّية والاعتبار تكون أوّلاً وبالذات لما هو المرتكز عندهم، إلاّ إذا قامت قرينة حيث تعدّ قرينة حافّة بالكلام توجب صرفهم عمّا هو مرتكز عندهم، فتعدّ القرينة حينئذٍ من القرائن الحافّة بالكلام.

ص: 227

ثمّ نقول: بعد وضوح هذه المقدّمة، إنّه لا نملك مؤشّرا يفيد ثبوت الارتكاز عند العقلاء على أنّه لو باع الرجل ثمار بستانه واستثنى منها لنفسه أرطالاً معلومة، على حمل هذه الأرطال المستثناة على الكسر الكلّي المردّد، وأنّ النسبة المذكورة تكون مستثناة له مطلقا، سواءً تلف جزءا من المبيع أم لم يتلف.

نعم مثل هذا الارتكاز ثابت في باب الوصيّة دون المقام.

وبالتالي يصبح دعوى المحقّق المذكور ساقطا لعدم قيام دليل عليها.

الجهة الثانية: استثناء الكسر المذكور بهذه الكيفيّة مستلزم للجهالة والغرر.

بيان ذلك: لا شكّ أنّ جميع العقود تابعة للقصود، فلا يصحّ وقوع العقد مهملاً، بل لابدّ من معلوميّة المبيع ومتعلّقاته، ومنها المستثنى والمستثنى منه، فلابدّ من معلوميّتهما، لأنّهما متعلّقان للقصد ولا يتصوّر فيهما الإهمال، وحال من يُقدم على بيع الثمرة إلاّ نسبة

معلومة منها كالعُشر لا يخلو:

تارة: يبيع الثمرة ويستثنى منها عُشرا من المجموع.

وأُخرى: يبيع مجموع ما يبقى سالما إلاّ عُشرها.

وثالثة: يبيع مجموع الثمرة إلاّ عُشرها، بحيث لو لم يتلف له منها العُشر، ولو تلف بعضه له عُشر الباقي، أي أنّ المبيع إمّا مجموع الموجود أو مجموع الباقي.

أمّا الأوّل: فإنّ المستثنى كلّي من المعيّن، لأنّ عُشر المجموع كلّي ينطبق على كلا الطرفين السالم والباقي.

وأمّا الثاني: فإنّ المستثنى ممّا بقي سالما يعدّ مجهولاً لا يُعرف مقداره، لاحتمال أن يكون التلف رُبع الثمرة أو نصفها أو أقلّ أو أكثر، وبالتالي يصبح المبيع مبتليا بالجهالة والغرور.

وأمّا الثالث: فإنّ المبيع فيه أيضا مردّدٌ بين ما هو موجود بالفعل وما يسلم بعد التلف، والمردّد مجهول كما هو واضح.

وبالجملة: اعتبار المستثنى كسرا كلّيّا ممّا بقي من الثمرة - كما ادّعاه المحقّق

ص: 228

الخوئي - ممنوع للجهالة والغرر»(1).

قال الشيخ الأعظم في ختام هذا البحث: «هذا ما خطر عاجلاً بالبال، وقد أوكلنا تحقيق هذا المقام - الذي لم يبلغ إليه ذهني القاصر - إلى نظر الناظر البصير الخبير الماهر، عفى اللّه عن الزلل في المعاثر»(2).

ص: 229


1- العقد النضيد 5/354-350.
2- المكاسب 4/267.

مسألة: أقسام بيع الصبرة

اشارة

مسألة: أقسام بيع الصبرة(1)

ذكر الشهيد في حواشي القواعد - على ما حكى عنه السيّد العاملي(2) - والشهيد الثاني في الروضة أنّ أقسام بيع الصبرة عشرة والعبارة للثاني: «وأعلم أنّ أقسام بيع الصبرة عشرة ذكر المصنف [الشهيد] بعضها منطوقا، وبعضها مفهوما، وجملتها انها إما أن تكون معلومة المقدار، أو مجهولته، فإن كانت معلومة صح بيعها أجمع، وبيع جزء منها معلوم مشاع، وبيع مقدارٍ كقفيز تشتمل عليه، وبيعها كلّ قفيز بكذا، لا بيع كلّ قفيز منها بكذا، والمجهولة يبطل بيعها في جميع الأقسام الخمسة إلاّ الثالث»(3).

أقول: تارة مقدار الصبرة معلوم وأُخرى مجهول وكلّ منها يفرض فيه خمسة قسم فيصير الأقسام عشرة.

الصورة الأولى: إذا كان مقدار الصبرة معلوم

1- وقع البيع على الصبرة بأجمعها: لا أشكال في صحته لأنّ مقدار المبيع معلوم.

2- وقوع البيع على كسر مشاع من الصبرة: كنصفها أو ثلثها أو عُشْرها، وهذا البيع أيضا صحيح للعلم بقدر المبيع.

3- أن يبيع صاعا منها على نحو الكلّي في المعيّن: ولا إشكال في صحته لما

ص: 230


1- بالفارسية: كومه.
2- راجع مفتاح الكرامة 13/176.
3- الروضة البهية 3/268.

مرّ منّا من صحة بيع الكلّي في المعيّن.

4- وقوع البيع على جميع ما في الصبرة على حساب كلّ صاعٍ منها بكذا: والمبيع في هذا الفرض كلّ الصبرة معلومة المقدار وجميعها فيكون مقدار المبيع معلوم ويحكم بصحة بيعها.

5- وقوع البيع على كلِّ صاعٍ من الصبرة بكذا، لكن لا كلّ الصبرة وجميعها بل كلّ صاع أراده المشتري من الصبرة: ذهب المشهور(1) في هذه الصورة إلى البطلان وتبعهم المحقق النائيني(2) للجهالة في المبيع، لعدم معلومية أنّ المشتري يختار كَمْ صاعا من الصبرة؟ وهذه الجهالة في المبيع يوجب بطلان البيع.

وعلّل النائيني(3) البطلان بتردّد متعلَّق العقد بين الأقل والأكثر وهذا يقتضي الجهل بمقدار المبيع. واستظهر من العلاّمة الصحة بالنسبة إلى صاع واحد وقال: «نعم، يظهر ممّا أفاده العلاّمة في بعض كتبه - من صحّة الإجارة لو قال المؤجر: آجرتك الدار كلّ شهرٍ بكذا

في الشهر الأوّل؛ لتضمّن هذا القول إجارة هذا الشهر يقينا - صحّة البيع في المقام بالنسبة إلى صاعٍ واحد».

أقول: ذهب إلى هذا القول الشيخ في نهايته(4) والعلاّمة في قواعده(5) ولكن يمكن أن يرد على المحقّق النائيني رحمه الله في تعليله البطلان: أنّ تردّد دوران متعلّق العقد بين الأقل والأكثر إنّما يستلزم الجهل في مقدار المبيع مع عدم انحلال البيع وأمّا مع فرض انحلاله بين المتيقن - وهو الصاع الأوّل - والمشكوك - وهو مازاد على الصاع الأوّل - فلا مانع من الحكم بالصحة في المتيقن والحكم بالبطلان في المشكوك، وأمّا الحكم في الأوّل بالصحةفلانتفاء الجهل والغرر فيه، وأمّا الحكم في الثاني بالبطلان فَلِطرو الجهل والغرر.

ص: 231


1- كما في المحاضرات في الفقه الجعفري 3/357.
2- منية الطالب 2/394.
3- منية الطالب 2/394.
4- النهاية /444.
5- قواعد الأحكام 2/310.

وقد تعرّض المحقّق الخوئي قدس سره لهذه المسألة - ولكن في باب الإجارة - في بحث الأصول(1) وقال: «أنّ معنى آجرتك الدار كلّ شهر بدرهم معناه آجرتك هذا الشهر بدرهم والأشهر الآتية بعدد ما أردته بهذه الاُجرة، وعليه فالإجارة في الشهر الأوّل صحيحة للعلم بمقدار المدّة وبالإضافة إلى الأشهر الآتية باطلة، ونظير ذلك نلتزم في المقام لأنّ

معنى بعتك كلّ صاع بدرهم بعتك هذا الصاع بدرهم والباقي على حساب ذلك، فالمعاملة في الصاع الأوّل صحيحة وفي الأصواع المتأخرة باطلة»(2).

وتبعه شيخنا الاستاذ(3) قدس سره ونفى البعد عن مقالة أُستاذه السيّد الخوئي في المقام.

ويمكن أن يعلل مقالة السيّد الخوئي بأنّ «الجهل يعدّ من موانع صحّة العقد وعليه فلو آجر داره وقال: «آجرتك الدار كلّ شهر بكذا» فأنّ متعلّق الإجارة معلوم من ناحية الأقلّ ومجهول من ناحية الأكثر، ولذلك تصحّ الإجارة في الأقلّ لتماميّة شروط الصحّة وتبطل فيما زاد عليه، والجهالة الحاصلة في الأكثر لا تؤثّر في صحّة الأقلّ.

ويمكن تنظير حكم المقام بحكم الأقلّ والأكثر الاستقلالي في باب التكاليف - دون الأقلّ والأكثر الارتباطيّين، لأنّ في صحّة الأقلّ بحثٌ من جهة ارتباطه بالأكثر - من معلوميّة تعلّق التكليف بالأقلّ، والشكّ فيما زاد عنه، فتجري البراءة العقليّة والشرعيّة.

وهكذا الحال في الوضعيّات، حيث أنّ متعلّق الإجارة في الأقلّ معلومٌ، فتصحّ المعاملة لأنّه لا غَرر ولا مجازفة فيه، وتشمله عمومات أدلّة الإجارة والبيع، وأمّا الزائد

عليه فالجهالة تمنع عن صحّته، والقاعدة تقتضي البطلان»(4).

هذا كلّه في الصورة الأولى.

وأمّا الصورة الثانية: إذا كان مقدار الصبرة مجهول

فهو أيضا ينقسم إلى خمسة أقسام وهي:

ص: 232


1- راجع مصباح الأصول 3/403 من طبعة موسوعة الإمام الخوئي المجلّد 48.
2- التنقيح في شرح المكاسب 2/422.
3- إرشاد الطالب 5/152.
4- العقد النضيد 5/378 و 379.

6- بيع مجموع الصبرة: مع الجهل بمقدارها باطلٌ لأنّ المبيع مجهول قدره فيكون البيع غرريا وجزافيا.

7- بيع الكسر المشاع من الصبرة المجهولة قدرها: كنصفها أو ثلثها فهو أيضا باطل للجهل بمقدار الصبرة الموجب للجهل بنصفها أو ثلثها.

8- بيع صاع من الصبرة المجهولة المقدار على نحو بيع الكلّي في المعيّن: لا إشكال في صحة البيع للعلم بمقدار المبيع وهو الصاع وإن لم يعلم نسبة الصاع إلى مجموع الصبرة إلاّ أنّ ذلك لا يضرّ بصحة البيع.

فرعٌ

نعم، هل يشترط في صحة البيع، العلم باشتمال الصبرة على مقدار الصاع أو أكثر منها أم لا يشترط ويصح البيع مع الجهل بها؟

ظاهر الشيخ(1) والشهيد(2) عدم الاشتراط وحكما بالصحة ولو لم يعلم باشتمال الصبرة على مقدار المبيع، غاية الأمر لو نقصت تخيّر المشتري بيع الفسخ والإمضاء بنسبة الثمن وذهب الشيخ الأعظم إلى أنّه: «لا يخلو عن قوة»(3).

ومال المحقّق النائيني إلى الاشتراط وذهب إلى «أنّ الجهل بوجود المبيع غرر عرفا، ولا يرفعه الخيار الذي هو من أحكام العقد الصحيح للزوم الدور، فإنّه يتوقف الخيار على الصحة وهي على عدم الغرر»(4).

ولكن قال الشيخ الأعظم في ختام مقاله: «هذا، ولكن الأوفق بكلماتهم في موارد الغرر عدم الصحّة، إلاّ مع العلم بالاشتمال، أو الظنّ الذي يتعارف الاعتماد عليه ولو كانمن جهة استصحاب الاشتمال»(5).

ص: 233


1- المبسوط 2/152.
2- راجع الدروس الشرعية 3/196 واللمعة الدمشقية /113.
3- المكاسب 4/268.
4- منية الطالب 2/395.
5- المكاسب 4/269.

أقول: يمكن القول بعدم الاشتراط وصحة البيع ولو لم يعلم بوجود المبيع بوجوه:

الأوّل: إذا باع صاعا على تقدير وجوده فلا يتحقّق غررٌ وإنّما يتوجّه الغرر إذا باع الصاع على كلّ تقدير، ومن المعلوم أنّ التعليق على وجود الموضوع لا يوجب البطلان.

الثاني: وقع البيع على صاع بنحو الكلّي في المعيّن، وعمومات وإطلاقات صحة البيع يشمله وإذا لم يكن في البين مانع من الصحة يحكم بها، والأمر كذلك لأنّ بعد انتفاء الغرر لم يكن مانع فيحكم بصحة البيع بمقتضى ذات المعاملة.

الثالث: على القول بانحلال البيع إلى بيعين أو أكثر حسب تعدد المبيع، فالبيع ينحل إلى مقدار الموجود من الصاع والمعدوم وبالنسبة إلى الأوّل صحيح وبالنسبة إلى الثاني باطلٌ ويقسط الثمن بينهما وللمشتري حينئذ خيار تبعض الصفقة لدفع ضرره واللّه العالم.

9- بيع جميع الصبرة المجهولة المقدار على أنّ كلّ صاعٍ منها بكذا:

يحكم بصحة هذا البيع لعدم الغرر فيه ومعلومية مقدار الصبرة في نهاية المطاف والجهل بمقدار المبيع في الأوّل لا يضر بالصحة وقد وقع البيع على الوزن المعلوم والثمن المعلوم فيكون صحيحا.

10- أن يبيع كلّ صاع يريده المشتري من الصبرة المجهولة بكذا، وقد ذهب المشهور إلى البطلان وقد مرّ منّا في القسم الخامس أنّه صحيح في الصاع الأوّل دون الأصوع الأُخرى بعين ما مرّ فلا نعيده.

والحاصل: «أنّ بعض صور العلم والجهل مشترك في الصحّة والفساد وبعضها الآخر مفترقان.

ومن صور الافتراق: ما إذا باع الصبرة بأجمعها لأنّه صحيح عند العلم بالصبرة وباطل عند الجهل بها.

ومنها: ما إذا باع كسرا مشاعا منها كما إذا باع نصفها أو ثلثها وهكذا فإنّه صحيح أيضا عند العلم بمقدار الصبرة وباطل في صورة الجهل بمقدارها.

ومن صور الاشتراك: ما إذا باع الصبرة بأجمعها على أنّ كلّ صاع منها بدرهم فإنّه صحيح على تقديري العلم والجهل.

ص: 234

ومنها: ما إذا باع كلّ صاع منها بدرهم فإنّ البيع في الصاع الأوّل منها صحيح على كلا تقديري العلم والجهل وفي غيره من الأصوع باطل على كلا التقديرين أيضا.

ومنها أيضا: ما إذا باع صاعا منها بكذا فإنّه بيع كلّي في المعيّن وصحيح على كلا التقديرين»(1).

هذا كلّه الأقسام العشرة في بيع الصبرة، والحمدللّه.

ص: 235


1- التنقيح في شرح المكاسب 2/424.

مسألة: بيع العين المشاهدة سابقا

المسألة في كلام الفقهاء
اشارة

قال العلاّمة في القواعد: «تكفي المشاهدة عن الوصف وإن تقدّمت بمدّة لا تتغيّر عادةً، ولو احتمل التغيّر صحّ، للاستصحاب، فإن ثبت التغيّر تخيَّر المشتري، والقول قوله لو ادّعاه على إشكال»(1).

وقال السيّد العاملي في شرحه: «نبّه بذلك على خلاف الأنماطي من الشافعية وأحمد في إحدى الروايتين عنه حيث اشترطا مقارنة الرؤية للمبيع فلو تقدّمت بطل عندهما.(2)

وقال في التذكرة(3): ذهب علماؤنا وعامّة أهل العلم إلى أنّه يصحّ بيع الغائب إذا كان قد شاهداه ولا يتطرّق إليه التغيير غالبا كالأرض والأواني والحديد أو كان ممّا لا يتغيّر في المدّة المتخلّلة بين الرؤية والعقد. ونحو ذلك قال في المسالك(4): بل فيه التصريح بالإجماع. وقد نصّ على ذلك في المبسوط(5) والخلاف(6) وما تأخّر عنهما(7)

ص: 236


1- القواعد 2/25.
2- المجموع: المتأجر 9/289 و 296.
3- تذكرة الفقهاء: في العوضين 10/61.
4- مسالك الأفهام: في شروط المبيع 3/177.
5- المبسوط: في حقيقة البيع 2/77.
6- الخلاف: في البيوع 3/6، مسألة 4.
7- كجامع المقاصد: في العوضين 4/109؛ والكفاية: في شروط العوضين 1/458؛ والحدائق الناضرة 18/481.

ممّا تعرّض له فيه. ونقضوا قول الأنماطيّ(1) ومَن وافقه بما لو شاهدا دارا ووقفا في بيتٍ فيها وتبايعا أو أرضا ووقفا في طَرفها فإنّ البيع صحيح إجماعا مع عدم المشاهدة للكلّ في الحال والشرط إنّما هو العلم وهو ثابت حال العقد.

وأمّا إذا احتمل التغيير وعدمه أو كان حيوانا ففي المبسوط(2) والخلاف(3) أنّه يصحّ بيعه أيضا، لأنّ الأصل السلامة. وفي نهاية الإحكام(4) أنّه الأصحّ، وفي التذكرة(5) أنّه أقرب، وفي الكتاب [القواعد] صحّ للاستصحاب. ونحوه ما في الروضة(6).

لا يقال: كيف يعتمد على الاستصحاب وغاية ما يفيد الظنّ والشرط في الصحّة المعلومية.

لأنّا نقول: إنّ العلم المشترط في الصحّة قد تقدّم أنّه في كلّ شيء بحسبه، ففيما يعتبر فيه اليقين لابدّ منه، وفيما جرت فيه العادة بالعلم العادي فالمرجع فيه إلى العادة. وهي حاكمة بأنّ الظنّ المستفاد من الاستصحاب علم وإلاّ لما صحّت مكاتبة الغائب ومراسلته.

ولو كان المبيع ممّا يتغيّر في مثل تلك المدّة غالبا لم يصحّ البيع كما في المبسوط(7) والتذكرة(8) ونهاية الإحكام(9) والروضة(10) وغيرها(11) لتحقّق الجهالة المترتّبة على

ص: 237


1- المجموع: المتأجر 9/289 و 296.
2- المبسوط: في حقيقة البيع 2/78.
3- الخلاف: في البيوع 3/7، مسألة 5.
4- نهاية الإحكام: في شرط العلم بالصفة 2/501.
5- تذكرة الفقهاء: في العوضين 10/62.
6- الروضة البهية: في شرائط العوضين 3/269.
7- المبسوط: في حقيقة البيع 2/77.
8- تذكرة الفقهاء: في العوضين 10/62.
9- نهاية الإحكام: في شرط العلم بالصفة 2/501.
10- الروضة البهية: في شرائط العوضين 3/269.
11- مسالك الأفهام: في شروط المبيع 3/177.

تغيّره.

إذا عرفت هذا فلو رأي مالاً يتغيّر عادةً أو ما يحتمل التغيير وعدمه والحال أنّه على ما رآه لم يتغيّر لزم البيع قولاً واحدا كما في التذكرة(1). وإن كان قد تغيّر تغيرا لا يتسامح بمثله عادةً تخيّر المشتري كما في المبسوط(2) والخلاف(3) والتذكرة(4) ونهاية الإحكام(5) والدروس(6) واللمعة(7) والروضة(8) وغيرها(9) بل لا أجد فيه مخالفا. نعم احتمل في نهاية الإحكام(10) البطلان ثمّ قوّى الصحّة لبناء العقد على ظنٍّ غالب. ثمّ قال: ولا نعني بالتغيّر التعيّب. فإنّ خيار العيب لا يختصّ بهذه الصورة، ولكنّ الرؤية بمثابة الشرط في الصفات الكائنة عند الرؤية، فكلّ ما فات منها فهو بمثابة ما لو تبيّن الخلف فيالشرط.(11) ومثل ذلك قال في المسالك(12) وحاصله: أنّ المراد بالتغيّر الموجب للتخيير

هنا ما اختلف بسببه الثمن اختلافا لا يتسامح بمثله غالبا ويوجب اختلاف الرغبات. وصاحب الحدائق(13) توقّف وتخيّر لمّا لم يكن في المسألة خبر»(14).

ص: 238


1- تذكرة الفقهاء: في العوضين 10/62.
2- المبسوط: في حقيقة البيع 2/77.
3- الخلاف: في البيوع 3/7، مسألة 5.
4- تذكرة الفقهاء: في العوضين 10/62.
5- نهاية الإحكام: في شرط العلم بالصفة 2/501.
6- الدروس الشرعية: في شرائط المتعاقدين 3/199.
7- اللمعة الدمشقية: في شرائط المبيع /113.
8- الروضة البهية: في شرائط العوضين 3/270.
9- كإرشاد الأذهان: في شرائط العوضين 1/362.
10- نهاية الإحكام: في شرط العلم بالصفة 2/501.
11- نهاية الإحكام: في شرط العلم بالصفة 2/501.
12- مسالك الأفهام: في شروط المبيع 3/178.
13- الحدائق الناضرة: في بيع ما تكفي فيه المشاهدة 18/482.
14- مفتاح الكرامة 13/190-188.

أقول: يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين:

المقام الأوّل: في صحة البيع وعدمه

بيع العين المشاهدة سابقا «مبنيّا على تلك الصفات فلا ينبغي الإشكال في صحّته إذ لا غرر فيه؛ فإنّه لا يقلّ عن إخبار البائع والشراء منه مبنيّا عليه، فإذا تخلّف الوصف

ثبت الخيار.

وأمّا بيعها غير مشروط بوجود تلك الصفات التي شاهدها فيها، فعلى أقسام:

لأنّ العادة إمّا أن تقتضي بقاء تلك الصفات، كما إذا رأى المشتري الجارية قبل يومٍ - مثلاً - بصفات خاصّة، وعادةً لا تتغيّر صفاتها بمرور يوم واحد، فيطمئنّ ببقائها، فيصحّ

فيه البيع تعويلاً على الرؤية السابقة، إذ لا غرر فيه.

وإمّا أن تقتضي العادة زوالها، كما إذا رآها قبل أربعين سنة - مثلاً - شابّةً جميلة قويّة، وعادةً لا تبقى تلك الصفات بعد مرور أربعين سنة، فيطمئنّ بزوالها وتبدّلها بأوصاف اُخر، ولا إشكال في فساد البيع حينئذ للغرر.

وإمّا أن لا تقتضى العادة زوالها ولا بقاءها، فيشكّ في ذلك، فهل تكفي الرؤية السابقة فيصحّ البيع، أو لا يكفي ذلك فيبطل؟

ظاهر [الشيخ الأعظم(1)] هو الأوّل؛ تمسّكا باستصحاب بقائها وعدم تبدّلها، والاستصحاب طريق يتعارف التعويل عليه عند العقلاء.

وقد أورد عليه المحقّق النائيني بما حاصله: أنّ الأثر في المقام لم يترتّب على بقاء الصفات السابقة بوجودها الواقعي ليرتّب بالاستصحاب، بل الأثر مترتّب على إحراز بقائها، فلا يجري الاستصحاب»(2).

وجوه جريان أصالة عدم التغيّر

استقصاء هذه الوجوه كما يلي:

ص: 239


1- المكاسب 4/271.
2- محاضرات في الفقه الجعفري 3/362.

«الوجه الأوّل: ما ورد في كلام الشيخ [الأعظم(1)] من أنّ الأصل المذكور من الطرق المتعارفة التي يمكن الاعتماد عليها، وليس المراد من هذه الطرق ما اصطلح تسميته بالطريق في مقابل الأصول، بل المراد منه أنّ الاعتماد على استصحاب بقاء الحالة السابقة تعدّ من الوجوه التي تعارف اعتماد العرف عليها.

وفيه: أنّ التعارف لا يخلو: إمّا تعارف عقلائي، أو شرعي.

أمّا التعارف العقلائي: فمفقودٌ في المقام؛ إذ لم يتعارف من العقلاء الاعتماد على استصحاب عدم التغيّر لدفع الغرر والخطر، ومن ثمّ القيام بمعاملة فيها احتمال تغيّر صفات

المبيع.

أمّا التعارف الشرعي: فلا يعني إلاّ قيام الدليل على الاعتبار، أي يجب أن نقيم الدليل على حجّية استصحاب الحالة السابقة لرفع الغرر المانع، وهو مفقودٌ في المقام.

الوجه الثاني: ما ذكره الشيخ [الأعظم(2)] من أنّ الاعتماد على أصالة عدم التغيّر

ليس بأقلّ من إخبار البائع بالكيل والوزن، فكما يصحّ البيع بإخباره مع ثبوت الخيار للمشتري فيما لو ظهرت المخالفة، كذلك الحال في المقام، فإنّ الصحّة ثابتة بالأولويّة.

وفيه: أنّ قياس ما نحن فيه بإخبار البائع قياسٌ مع الفارق، لأنّ الشراء مبنيّا على إخبار البائع، يعدّ من الطرق المتعارفة والمعتمدة عند العقلاء، والمبنيّة عليها معاملاتهم اليوميّة، وهذا بخلاف المقام، فإنّ الاستصحاب دليلٌ تعبدّي غير مرتكز عند العقلاء، وليس هناك ما يثبت تعارفهم على العمل به.

الوجه الثالث مبنيٌ على ركيزتين:

1- إنّ الاستصحاب مفيدٌ للظنّ الشخصي.

2- وإنّ هذا الظنّ كافٍ لرفع الغرر.

وفيه أوّلاً: أنّ المقدّمة الأولى باطلة، لعدم قيام الملازمة بين الاستصحاب وحصول

ص: 240


1- المكاسب 4/271.
2- المكاسب 4/271.

الظنّ المذكور، لأنّ نسبة إفادة الاستصحاب للظنّ الشخصي نسبة العام والخاصّ المطلق، حيث قد يحصل الظنّ لبعضهم وقد لا يحصل.

وثانيا: حتّى لو سلّمنا إفادته للظنّ المذكور فإنّه غير مفيد، لأنّ المطلوب حينئذٍ ما

يخرج المعاملة عن الجزاف والغرر بمقتضى «نهى النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم عن بيع الغرر» و «لا يصلح بيعه مجازفة» ومجرّد المظنّة ببقاء الحالة المسابقة لا تخرج المعاملة عنهما، وإنّما الذي

يرفع المانع ليس إلاّ الوثوق والاطمئنان دون المظنّة المجرّدة؛ لأنّ مثلها فاقدة للحجّية العقلائيّة والاعتبار الشرعي.

الوجه الرابع: أنّ أصالة عدم تغيّر أوصاف المتيقّن السابق يفيد الظنّ النوعي المفيد لتصحيح المعاملة.

وفيه أوّلاً: أنّ الاستصحاب المذكور غير مؤثّرٍ في تحقّق الظنّ النوعي بالبقاء، لأنّ الظنّ النوعي لا يتحقّق إلاّ من خلال الطرق المفيدة له كخبر الثقة، وأمّا الأصول فلا قدرة

لها على إفادة الظنّ النوعي.

وثانيا: ولو سلّمنا حصوله، فإنّ مثل هذا الظنّ النوعي غير مؤثّرٍ في رفع الغرر عن الشاكّ في بقاء الوصف وعدمه.

الوجه الخامس: أنّ أصالة عدم الغرر يعدّ من اللّوازم الواقعيّة لبقاء الصفة السابقة، ولذلك يترتّب على جريان الاستصحاب لوازمه الواقعيّة، ومنها بقاء المبيع على صفاته السابقة.

وفيه أوّلاً: أنّ عدم الغرر وعدم الجزاف لا يعدّان من اللّوازم الواقعيّة لوجود الصفة، بل الذي يرفع الغرر والجزاف ليس إلاّ الوجود العلمي دون الخارجي مع الشكّ الوجداني.

وبالجملة: إنّ عدم الغرر لم يكن من لوازم الوجود الخارجي لأوصاف المبيع، بل يعدّ من لوازم الوجود العلمي.

وثانيا: على فرض قدرة الاستصحاب على إثبات اللّوازم، فإنّه يثبت خصوص اللّوازم الشرعيّة دون العقليّة والعاديّة، والمطلوب في المقام إثبات عدم غرريّة البيع، وهو

من الأُمور الواقعيّة التكوينيّة - دون الشرعيّة - التي لا مجال لإحرازها من خلال

ص: 241

الاستصحاب، إلاّ بناءً على الأصل المثبت.

بل حتّى بناءً على هذا المبنى، فإنّه يثبت فيما لو كانت الوسائط خفيّة، ولا شكّ أنّ الوسائط في ما نحن فيه جليّة غير خفيّة.

الوجه السادس: فمبنيٌّ على قضيّة مركّبة من كبرى وصغرى:

أمّا الكبرى: اعتبار أصالة عدم الغرر من لوازم العلم والوثوق والاطمئنان، دون وجود الأوصاف السابقة، لما هو معلومٌ من أنّ غرريّة المعاملة وعدمها مرتبطان بالوجود العلمي دون الوجود الخارجي.

بمعنى أنّ العلم والوثوق بوجود الصفات المطلوبة، رافعٌ للغرر والجزاف عن المعاملة.

وهذه الكبرى صحيحة لا غبار عليها.

أمّا الصغرى: وهي اعتبار قيام الأدلّة على أنّ الاستصحاب قائمٌ مقام العلم على وجه الطريقيّة، فيترتّب عليه لوازم العلم وآثاره.

والنتيجة: أنّ أصالة عدم الغرر طريقٌ لرفع الغرر والجهالة عن المعاملة.

وفيه: أنّ الصغرى المذكورة ممنوعةٌ، لما ثبت من أنّ الاستصحاب قائمٌ مقام العلم في الآثار الشرعيّة المرتّبة على الوثوق، ولا يعدّ من الآثار الشرعيّة.

وهكذا ثبت أنّ الاستصحاب عاجز عن نفي الغرر والجزاف عن المعاملة»(1).

اعتراض المحقّق الخراساني على الشيخ الأعظم - رحمهما اللّه - في عدم جريان الأصل في المقام قال المحقّق الخراساني: «لا يخفى أنّ الأصل وإن كان ممّا يعوّل عليه، إلاّ أنّه في ترتيب الآثار، لا إثبات ما له الأثر، إلاّ على القول بالأصل المثبت، فإنّه عليه يثبته إذا كان من لوازم المستصحب لا من لوازم الوثوق به، وعدم الغرر ليس لا جرءا عدم الثّقة، بل من لوازم الوثوق به، كما أشرنا إليه في الحاشية السابقة، وقد عرفت أنّ البناء لا يوجب رفع

ص: 242


1- العقد النضيد 5/392-389.

الغرر، وإلاّ لم يحتج معه إلى الأصل وغيره، فتذكّر»(1).

أقول: بناءً على ما ذهب إليه المحقّق الخراساني رحمه الله من عدم قيام الأصول والأمارات مقام القطع المأخوذ في الموضوع على وجه الطريقية لا مانع من منع جريان الاستصحاب في المقام واعتراضه تامٌّ على ما ذهب إليه وعلى مبناه، وإن ناقشنا هذا المبنى في دروسنا الأصولية.

مناقشة المحقّق النائيني مع الشيخ الأعظم

قال المحقّق النائيني

رحمه الله: «إنمّا الكلام في اعتبار الاستصحاب في هذه الصورة، والأقوى عدم اعتباره وإن قلنا بحجّيّة حتّى مع الظنّ بالخلاف؛ لأنّ الأثر لم يترتّب على الواقع، بل على إحراز الصفات، كانت في الواقع أو لم تكن، فإنّ ارتفاع الغرر من آثار العلم

بوجود هذه الصفات، فاستصحاب بقاء الصفات لا أثر له»(2).

مراده قدس سره: «إنّ الأثر في المقام أعني الحكم بصحّة المعاملة غير مترتّب على وجود تلك الأوصاف واقعا وبقاء العين بحالها في نفس الأمر، بل إنّما يترتّب على إحرازها والعلم بها وإن لم تكن موجودة في الواقع وذلك لأنّ الغرر إنّما ينتفي بالإحراز والعلم ببقاء

العين على أوصافها السابقة لا بوجود تلك الأوصاف في الواقع وإن لم تحرز في المعاملة، والاستصحاب إنّما يجري فيما إذا كان الأثر مترتّبا على الواقع فإنّه يوجب الحكم بترتّبه في مقام الشكّ أيضا دون ما إذا كان الأثر مترتّبا على نفس الإحراز والعلم»(3).

وأورد عليه: «هذا الذي أفاده [المحقّق النائيني] قدس سره ينافي مسلكه حيث إنّه(4) قدس سره بنى على أنّ الأصول تقوم مقام القطع الموضوعي الطريقي فلا وجه لمنعه عن صحّةالمعاملة في المقام بالاستصحاب»(5).

ص: 243


1- حاشية المكاسب /130.
2- منية الطالب 2/396.
3- التنقيح في شرح المكاسب 2/427.
4- أجود التقريرات 3/19.
5- التنقيح في شرح المكاسب 2/427.

ولكن يمكن أن يدافع عنه: بأنّ «المحقّق النائيني يرى أنّ الاستصحاب ليس طريقا محضا، بل هو أصلٌ محرزٌ عبّدنا الشارع بالبناء القلبي عليه، وترتيب آثار الواقع عليه، وترتيب آثار الواقع عليه دون أن يكون كاشفا عنه، وبالتالي فلا قدرة له للقيام مقام العلم وإحراز الواقع واقعا، بل غايته ثبوت الواقع بناءً، ومعلومٌ أنّ هناك فرقٌ شاسعٌ بين ثبوت الواقع وبين إحرازه»(1). ولذا قد يقال: بعدم ورود الإيراد على النائيني بحسب مبناه الأُصولي ووارد عليه بحسب تقريره الفقهي.(2)

مقالة المحقّق الإصفهاني

قال المحقّق الإصفهاني: «لا يخفى أنّ كفاية ذكر الصفات اللازمة مشاهدتها في صحة البيع إمّا من باب أخبار البائع بها الموجب للظن بوجودها الرافع للغرر بنفسه لا بالتعبد به، وإمّا من باب التزام البائع بها الرافع للغرر بلحاظ الخيار الموجب لعدم ذهاب

ماله هدرا.

أمّا على الأوّل: - فهو على فرض افادة الظن وكفايته في رفع الغرر من دون اعتبار الوثوق والاطمئنان - يرد عليه أنّ ذكر الصفات وإنْ كان أخبارا بوجودها ومفيدا للظن إلاّ

أنّه كذلك بدوا كما في بيع الغائب، وأمّا فيما نحن فيه فحيث إنّ المفروض اقتضاء العادة تغيّر الصفات فعدمها موثوق به لو لم يكن مقطوعا عادة؛ فلا وثوق ولا ظن فعلاً بوجودها، ومنه تبيّن فساد قياسه ببيع العين الغائبة بالتوصيف.

وأمّا على الثاني: فقد بيّنا ما فيه سابقا من أنّ ارتفاع الغرر من حيث عدم ذهاب ماله هدرا لا ينافي عدم ارتفاعه من حيث تخلّف غرضه المعاملي النوعي فراجع(3) ما قدمناه، وسيأتي(4) إن شاء اللّه تعالى ما يتعلق بالمقام»(5).

ص: 244


1- العقد النضيد 5/387.
2- المصدر.
3- حاشية المكاسب للمحقّق الإصفهاني 3/329، تعليقة 245.
4- حاشية المكاسب للمحقّق الإصفهاني 3/354، تعليقة 261.
5- حاشية المكاسب 3/351.

مراده في اول كلامه: «أنّ استدلال الشيخ [الأعظم] بالأصل ليس من باب ترتيب أثر الواقع تعبّدا، حتّى يناقش فيه بأنّ عدم الغرر ليس من آثار الواقع، بل من آثاره إحراز الواقع، بل يرى الشيخ [الأعظم] أنّ الاستصحاب يفيد الظنّ ببقاء الحالة السابقة، ولذلك يكون رافعا للضرر»(1).

لكن يرد عليه: مقالته في اول كلامه مخالف مع صريح كلام الشيخ الأعظم حيث يقول: «ولو فرضناه [أي التغيّر] في مقام لا يمكن التعويل عليه لحصول أمارة على خلافه، فإن بلغت قوّة الظنّ حدّا يلحقه بالقسم الأوّل - وهو ما اقتضى العادة تغيّره - لم يجز البيع، وإلاّ جاز مع ذكر تلك الصفات، لا بدونه؛ لأنّه لا ينقص عن الغائب الموصوف الذي يجوز بيعه بصفات لم يشاهد عليها، بل يمكن القول بالصحّة في القسم الأوّل إذا لم يفرض كون ذكر الصفات مع اقتضاء العادة عدمها لغوا. لكن هذه كلّه خارج عن البيع بالرؤية القديمة»(2).

أفاد الشيخ الأعظم «أنّه متى لم تقم أمارة على خلاف الحالة السابقة لكي يلتحق بالقسم الأوّل المتغيّر عادةً، وبرغم ذلك قام الظنّ واحتملنا التغيّر، فإنّ الأصل جارٍ في هذه الحالة، وعليه فلا اعتبار بهذا التوجيه»(3).

مضافا إلى أنّ هذا التوجيه «لا يلائم مع عبارةٍ ذكرها الشيخ [الأعظم]: «من الطّرق التي يتعارف التأويلُ عليها»(4).

وهذا العبارةُ، يستفاد منها انّ أصل عدم التغيّر في نظره رحمه الله، من الطّرق التي يعتمد عليها لا انّه من باب انّه لا يصدق عليه الغرر موضوعا بل هنا من باب أصلٍ وطريقٍ في البين هذا أوّلاً.وثانيا: صرّح الشيخ [الأعظم] بانّ الأصل، عدم التغيّر والأصل لا يطلق إلاّ على

ص: 245


1- العقد النضيد 5/388.
2- المكاسب 4/272.
3- العقد النضيد 5/389.
4- المكاسب 4/271.

القاعدة المعمولة بها عند ذلك كما صَرَّحَ به الشيخ [الأعظم] فلو لا أنّ أصل عدم التغييرِ، قاعدةٌ من القواعد فلم يعبّر الشيخ [الأعظم] عنها بأصالة عدم التّغيير مع انّه عبّر عنه بذلك»(1).

ايراد المحقّق الخوئي على الشيخ الأعظم

قال السيّد الخوئي: «فالصحيح في الجواب أن يقال: إنّ الأثر في الفرض لم يترتّب على بقاء الصفات واقعا ولا على العلم ببقائها، وإنّما هو مترتّب على لازم العلم ببقاء الصفات، وهو عدم احتمال الضرر الذي هو الموضوع للغرر، فاستصحاب بقاء الصفات لا يترتّب عليه أثرٌ إلاّ على القول بالأصل المثبت(2)، ولا نقول به. وبعبارةٍ أُخرى: ما له الأثر - وهو عدم كون البيع غرريّا - ليست له حالة سابقة لا أثر له(3)، فلا مناص من القول ببطلان البيع في هذه الصورة»(4).

مقالة السيّد الخميني في المقام

قال السيّد الخميني رحمه الله بالنسبة إلى كلام الشيخ الأعظم: «وفيه محالّ أنظار:

منها: أنّ أصالة عدم التغيّر لو كانت من الطرق العقلائيّة، لكانت مثبتاتها حجّة، ومن المعلوم أنّه لا يخلو مورد من موارد الاستصحاب الشرعيّ إلاّ وفيه هذا الطريق العقلائيّ؛ ضرورة أنّه في جلّ الموارد، يكون الشكّ في تغيّر الحالة السابقة، كالشكّ في بقاء الموضوع، أو حالاته، أو بقاء الحكم، ونحوه.

ص: 246


1- تحقيق وتقريرات في باب البيع والخيارات 5/306.
2- فإنّ الغرر الذي هو الموضوع للبطلان حيث إنّه بمعنى الخطر وهو من الأوصاف النفسانيّة الموجودة بالوجدان فعلاً والاستصحاب المذكور لا يرفع الغرر تعبّدا إلاّ بالأصل المثبت. الأحمدي
3- هذا على القول بحجيّة الاستصحاب من باب التعبّد وأمّا دعوى أنّ العمل بالحالة السابقة ممّا يعوّل عليه عند العقلاء فقد ذكرنا عدم ثبوت بنائهم عليه مطلقا بل عملهم على الحالة السابقة إمّا في فرض الاطمئنان بالبقاء أو من باب الاحتياط أو الذهول والغفلة ونحو ذلك. الأحمدي
4- محاضرات في الفقه الجعفري 3/363.

ولو لم يكن الشكّ في مورد في التغيّر، بل كان في البقاء، لكان ملحقا به بلا إشكال؛ لأنّ المناط - على فرض كونه عقلائيّا - هو إدامة ما كان، لا عنوان «التغيّر».

وعليه يكون الاستصحاب الشرعيّ، محكوما بهذا الطريق العقلائيّ في جميع موارده، فلابدّ إمّا من الالتزام، بأنّ الاستصحاب طريق عقلائيّ، وأدلّته ناظره إلى إنفاذ الاستصحاب العقلائيّ.

أو الالتزام بكونه محكوما في جميع موارده؛ فإنّ الطريق حاكم على الاستصحاب، وهو موجب للغويّته، فلابدّ من طرح الأخبار الواردة فيه، وهو كما ترى.

ومنها: أنّه لا أصل لهذا الأصل مع الشكّ في التغيّر عن الحالة السابقة.

نعم، قد يحصل الوثوق بالبقاء بواسطة جهات، وهو خارج عن الفرض، وهو الاحتمال المقابل للوثوق بالبقاء، والوثوق بعدمه المسبّب من اقتضاء العادة، بل يمكن الخدشة من أصالة الصحّة والسلامة.

وعلى فرض الاعتماد عليها، فهي غير جارية إلاّ في فرض واحد، وهو الشكّ في بقاء الصحّة، والكلام أعمّ كما لا يخفى.

ومنها: أنّ الأصل المذكور، لو كان من الطرق المعوّل عليها، لكان رافعا للغرر، بناءً على كون العلم المعتبر أعمّ من العلم الوجدانيّ وما يحصل من الطرق العقلائيّة، وعليه فلا

وجه لضمّ بناء المتعاملين إليه، ولا دخالة له في الصحّة، فيهدم جميع ما ذكره رحمه اللّه تعالى: من ابتناء الصحّة على بناء المتعاملين.(1)

ولو كان الجهل مقابل العلم الوجدانيّ، لم يفد بناء المتعاملين أيضا؛ ضرورة عدم حصول العلم ولا رفع الجهل ببنائهما.

ولو كان الغرر بمعنى الخطر، والإقدام على ما لا يؤمن معه من الضرر، فالطريق العقلائيّ القائم الموجب للوثوق، رافع له.

نعم، لو لم يرفع به، أو لم يحصل الوثوق، فالبناء الراجع إلى الاشتراط الموجب

ص: 247


1- المكاسب 4/271.

للخيار، لا يرفعه على مبناه(1)، وإن صحّحناه(2).

ثمّ على فرض كون الأصل من الطرق المعوّل عليها، لو قام طريق آخر على خلافه، فإن قلنا: بأنّ الاعتماد على الأصل، معلّق على عدم قيام طريق على خلافه، فمع قيامه لا يعوّل عليه، ويقع البيع باطلاً، سواء بلغت قوّة الظنّ حدّا يلحقه بالقسم الأوّل، وهو ما اقتضت العادة تغيّره أم لا.

وإن قلنا: بأنّه طريق في عرض سائر الطرق، يسقط هو ومعارضه، ويقع البيع أيضا باطلاً، سواء حصل الظنّ القويّ بالتغيّر أم لا، فلا وجه للتفصيل الذي ذكره الشيخ الأعظم قدس سره.(3)

ولو لم يقم طريق عقلائيّ ولا أصل على التغيّر، ولا على عدمه، وكان البيع بالرؤية السابقة، يبطل إلاّ إذا وقع مشروطا على وجود الصفات، أو مبنيّا عليها؛ بحيث يرجع إلى الاشتراط، وكان المعتبر هو عدم الغرر بمعنى الخطر، لا مقابل العلم ولو بالمعنى الأعمّ من

الوجدانيّ؛ ضرورة أنّ الاشتراط والبناء لا يرفعه»(4).

فذلكة الكلام في المقام

ذهب الشيخ الأعظم(5) رحمه الله في فرض الشك بين بقاء العين على صفاتها السابقة

وعدمه إلى جواز الاعتماد على أصالة عدم التغيّر والبناء عليها في العقد وأنّه من الطرق التي يتعارف التعويل عليها.

وذهب الشيخ(6) إلى صحة البيع في فرض الشك مع التمسك إلى أصل السلامة،

ص: 248


1- المكاسب 4/240.
2- راجع كتاب البيع 3/392.
3- المكاسب 4/272.
4- كتاب البيع 3/464-462.
5- المكاسب 4/271.
6- المبسوط 2/78؛ الخلاف 3/7، مسألة 5.

والعلاّمة إلى أنّه الأصح في نهايته(1) وأنّه أقرب في التذكرة(2)، وفي القواعد(3) صح للاستصحاب وذهب إلى الأخير الشهيد الثاني في الروضة(4).

ثمّ المراد من الأصل في كلام الشيخ الأعظم إن كان أصالة عدم التغير وادعى أنّها من الطرق العقلائية يرد عليها إيرادات المحقّق الخميني رحمه الله الماضية آنفا.

وإن كان مراده استصحاب بقاء الصفات في العين المشاهدة سابقا فيرد عليه:

أوّلاً: الإشكال المبنائي: وهو عدم قيام الأصول مقام القطع الموضوعي الطريقي للزوم الجمع بين الحاظين كما عليه المحقّق الخراساني(5) قدس سره وإن ناقشناه في هذا المبنى في أبحاثنا الأصولية كما مرّ.

وثانيا: الاستصحاب لا يجري في المقام لأنّ الموضوع لصحة البيع هو عدم الغرر أي عدم احتمال الضرر واستصحاب بقاء الأُوصاف السابقة في العين لا يثبت عدم احتمال الضرر وانتفاء الغرر إلاّ على القول بالأصل المثبت لأنّ عدم احتمال الخطر وانتفاء الغرر الذي هو الموضوع للحكم بالصحة ملازم للعلم بوجود الأوصاف السابقة عقلاً، ولا يجري الاستصحاب في اثبات الأُصول المثبتة.(6)

والحاصل: «بعد استقصاء جميع المحتملات والوجوه المتصوّرة في الأصل المذكور، وبطلان جميعها، ثبت أنّ البيع المبنيّ على أصالة عدم التغيّر باطل شرعا.

ولا نقاش في أنّه سواءً اعتبرنا عدم الغرر شرطا أو وجوده مانعا عن صحّة العقد،فإنّ انتفاء الغرر يعدّ من الأُمور المعتبرة في صحّة البيع، إنّما الكلام في أنّ الرافع لهذا المانع، هل وجود الوصف واقعا أو علميّا؟

ص: 249


1- نهاية الإحكام 2/501.
2- تذكرة الفقهاء 10/62.
3- قواعد الاحكام 2/25.
4- الروضة البهية 3/269.
5- راجع كفاية الأصول /263.
6- راجع التنقيح في شرح المكاسب 2/428.

والظاهر كفاية الوجود العلمي دون الواقعي، لما ثبت من قيام الإجماع على أنّ المعتبر كفاية الاطمئنان والوثوق بوجود الصفة»(1).

هذا تمام الكلام في المقام الأوّل.

المقام الثاني: حكم ظهور التغيّر بعد البيع

إذا اشترى العين المرئية سابقا من جهة اقتضاء العادة ببقائها على ما كانت عليه أو ما يحتمل التغيير وعدمه - بناءً على جريان استصحاب بقاء الأوصاف السابقة في العين أو أصالة عدم التغيّر إن قلنا بأنهما أصلان مختلفان - فلا إشكال في صحة البيع ولزومه «قولاً واحدا» كما في تذكرة الفقهاء(2).

وأمّا إذا ظهر التخلف وعدم اشتمالها على الأوصاف السابقة وأنّها تغيّرت تغيّرا لا يتسامح بمثله عادة فهل يحكم ببطلان البيع أو بصحته؟ فيه وجوه:

الأوّل: الحكم بالبطلان

احتمله العلاّمة في نهايته(3) ثمّ قوّى الصحة لبناء العقد على ظنٍّ غالبٍ.

يمكن توجيه احتمال البطلان في كلام العلاّمة قدس سره بوجهين:

«أحدهما: دعوى أنّ الأوصاف يتقسّط عليها الثمن فإذا تخلّفت فالمبيع غير متحقّق في الخارج لأنّ إنّما بذل على الذات وأوصافها والمفروض أنّ الأوصاف متخلّفة، وهذا أنسب بما حكي عن العلاّمة قدس سره من الاستدلال على البطلان بأنّ ما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع.

ويدفعه: ما ذكرناه غير مرّة من أنّ الأوصاف لا يتقسّط عليها الثمن وإنّما يبذل المال في مقابل الذوات، نعم الصفات دخيلة في زيادة قيمة الموصوف أو المشروط لا أنّهاممّا يقع الثمن بازائها، والمفروض أنّ المبيع موجود فلا وجه للبطلان حينئذ.

ص: 250


1- العقد النضيد 5/392.
2- تذكرة الفقهاء 10/62، فرع أ.
3- نهاية الإحكام 2/501.

وثانيهما: دعوى أنّ البيع إنّما وقع على الموصوف أو المشروط وانتفاء الشرط والوصف يوجب انتفاء الموصوف والمشروط لا محالة فالمبيع غير موجود.

وفيه: من المغالطة ما لا يخفى، وذلك لأنّ انتفاء الشرط أو الوصف إنّما يوجب انتفاء المشروط فيما إذا كان من أجزاء العلّة كما إذا وقع العقد على المشروط مقيّدا ومعلّقا

على وجود الشرط والوصف بحيث لو لم يكن المشروط متّصفا به لم يلتزم بالبيع، فنفس البيع دون المبيع معلّق على الشرط والوصف فانتفاؤه حينئذ وإن كان يوجب انتفاء المشروط أيضا إلاّ أنّ البيع في مثله باطل ولو مع وجود الأوصاف أيضا فضلاً عمّا إذا تخلّف عن المشروط، وذلك لأنّه من التعليق المبطل للمعاملة وأمّا إذا لم يكن الشرط والوصف من أجزاء العلّة بل إنّما وقع البيع على شيء واشترط فيه أمر خارج عن المبيع فتخلّفه لا يوجب انتفاء المشروط لأنّه حينئذ من قبيل الالتزام في التزام فتخلّفها يوجب الخيار فقط كما سيأتي تفصيل ذلك في بحث الشروط إن شاء اللّه تعالى»(1).

الثاني: الحكم بالصحة من دون خيار

ولم أرمن أفتى بها من الفقهاء(2) ويمكن توجيهها بأنّ الثمن لا يتقسَّط على الأوصاف.

ووجه عدم الخيار لأنّ الوصف والشرط لم يذكر في ضمن العقد حتّى يوجب تخلفه الخيار بل إنّما تبانيا عليه خارجا وتخلفه حينئذ لا يوجب الخيار.

وردّها الشيخ الأعظم(3) رحمه الله بأنّ الشروط والأوصاف التي لا تصحّ المعاملة إلاّ إذا وقعت مبنيّة عليها لا يحتاج إلى ذكرها في ضمن العقد بل دخولها فيه أولى من دخول الشرط المذكور على وجه الشرطية.

ص: 251


1- التنقيح في شرح المكاسب 2/428 و 429.
2- كما اعترف به الفقيه الشريعتمداري في تحقيق وتقريرات في باب البيع والخيارات 5/307.
3- راجع المكاسب 4/273.

توضيح كلام الشيخ الأعظم في بيان المحقّق النائيني

وقال المحقّق النائيني قدس سره في توضيح كلام الشيخ الأعظم: «أنّ الشروط أو الأوصاف على أقسام أربعة:

قسم يذكر الوصف أو الشرط في متن العقد، وهذا لا إشكال في أنّ تخلّفه يوجب الخيار. وثلاثة أقسام يقع العقد مبنيّا عليها.

فالأوّل منها: ما يدلّ عليه العقد بالدلالة الالتزاميّة باللازم بالمعنى الأخصّ، وهو ما يكون بناء العرف والعادة نوعا عليه - كاشتراط تساوي المالين في الماليّة، واشتراط عدم كونهما معيبا، واشتراط التسليم والتسلّم، واشتراط كون المعاملة نقديّةً، واشتراط كون النقد نقد البلد - ويعبّر عنها بالشرط الضمنيّ، ولا إشكال في أنّ تخلّفها أيضا يوجب

الخيار.

والثاني: ما يتوقّف صحّة العقد عليه كالوصف الّذي لو لا وجوده لزم الغرر، كموضوع البحث في المقام فإنّه وإن كان يعتبر في كلّ موردٍ لخصوصيّةٍ فيه إلاّ أنّه يدخل

في كبرى الالتزام النوعيّ؛ لأنّه إذا فرض كونه ممّا يتوقّف عليه صحّة المعاملة ومن الشروط الراجعة إلى العوضين، وفرضنا أنّ المتعاقدين أوقعا العقد مبنيّا عليه، فلو لم يكن

أولى من الالتزامات النوعيّة فلا أقلّ من كونه مساويا لها من حيث دخولها تحت الالتزام، فلا ينافي ذلك كونه بناءً شخصيّا من المتعاقدين؛ لأنّه في حكم البناء النوعيّ، ويدخلان تحت جامعٍ واحدٍ، ويفترقان(1) عن: القسم الثالث: وهو الوصف الخارجيّ الّذي لا يعتبر ملاحظته في العقد ككون العبد كاتبا ونحو ذلك من الدواعي الموجبة لإيقاع المعاملة لأجلها، فإنّها لا أثر لها إلاّ إذا ذكرت في متن العقد. وأمّا مجرّد وقوع العقد مبنيّا عليه فلا يوجب تخلّفه الخيار.

وبالجملة: لا ينبغي الإشكال في أنّ مجرّد النيّة في باب العقود والإيقاعات لا أثر لها، بل لابدّ أن ينشأ المقصود بما هو آلة لإيجاده، فإذا كان الوصف الّذي وقع العقد مبنيّا

ص: 252


1- الأوّل والثاني.

عليه من الأغراض الشخصيّة أو من الأوصاف الخارجيّة ولم يذكر في العقد لا صريحا ولا ضمنا فوجوده كعدمه.

وأمّا إذا كان من الأغراض النوعيّة - كالقسم الأوّل - أو من الأوصاف الشخصيّة المتوقّفة صحّة العقد عليها - كالثاني - فيخرج عن الشروط البنائيّة، ويدخل في الالتزام العقديّ، ويكون العقد آلةً لإنشائه. غاية الأمر لا مدلولاً مطابقيّا، بل التزاميّا نوعيّا أو شخصيّا، فتخلّفه يوجب الخيار»(1).

وحاصل بيانه: «أنّ اعتبار ذكر الشرط في متن العقد إنّما هو فيما إذا لم تكن العقد مبنيّة عليه، وإلاّ فتخلّفه يوجب الخيار وإن لم يذكر في متن العقد»(2).

مناقشة السيّد الخوئي في كلام الشيخ الأعظم وبيان أستاذه النائيني

قال السيّد الخوئي

رحمه الله: «وما ذكره الشيخ [الأعظم والأستاذ النائيني] لا يخلو عن مناقشة صغرى وكبرى.

أما الصغرى: فلانه يصح البيع مع الاكتفاء بالرؤية السابقة إذا حصل الاطمينان ببقاء العين على الاوصاف المرئية من غير أن يبنيان على بقائها على تلك الأوصاف ومع التخلّف يثبت لهما الخيار أما للبائع في فرض الزيادة وأما للمشتري في فرض النقيصة فلو كان البناء على الأوصاف السابقة مشروطا في صحة البيع وعدم البناء موجبا للبطلان، فلازمه بطلان البيع هنا مع أنه صحيح فالصغرى ليس بتمام.

وكذلك يصحّ البيع في هذه الصورة أي مع الاطمينان بالأوصاف السابقة مع التبرى من جميع ما يوجب الخيار مع أنه لو كان البناء على الأوصاف السابقة شرطا في صحة البيع لم يصحّ ذلك.

وكذلك لو أخبر البائع بأوصاف المبيع وحصل الاطمينان للمشتري من قول فاشترى اطمينانا عليه فإنّه يصح البيع حينئذ مع أنهما لم يبنيان على الأوصاف الدخيلة

ص: 253


1- منية الطالب 2/397.
2- محاضرات في الفقه الجعفري 3/367.

في صحة البيع ومع التخلف يثبت الخيار كما تقدم.

وكذلك يصح البيع مع الاطمينان مع التبرى من العيوب فانه أيضا يصحّ البيع مع أنه ليس هنا بناء على الأوصاف السابقة بل يصح البيع مع التبري حتّى لو ظهر الخلاف لم يكن لهما الخيار أصلاً فإنّ البائع أسقط الخيار رأسا بل جواز البيع مع التبري من العيوب منصوص فإنّه مع الاطمينان يصحّ البيع مع التبري منه كما سيأتي في باب الخيارات.

نعم هنا قسم ثالث فصحة البيع فيه من جهة البناء على الأوصاف الدخيلة، وهو أن يخبر البائع بكون العين حاوية للأوصاف المذكورة ولكن لم يحصل الاطمينان من قوله على ذلك، فإنّه حينئذ إذا اشترى المشتري تلك العين فلابدَّ وأن يشتريها مع البناء على الأوصاف المذكورة وإلاّ بطل البيع للغرور وليس للبائع حينئذ التبري هنا وإسقاط الخيار، فإنّه حينئذ كما عرفت يكون البيع غرريا فما ذكره [الشيخ الأعظم] وشيخنا الأستاذ صحيح في هذه الصورة فقط وأما الصورتين الأوّلتين ليستا كذلك كما لا يخفى.

وأما من حيث الكبرى: فلأنه لا نعقّل معنى الاشتراط شيء في العقد إلاّ كون العقد معلقا عليه أو مشروطا به أو كان الشرط ملحوظا بنفسه، فإنّه لا معنى للتقييد بوجه فإنّه إنّما يتصور إذا كان المبيع أمرا كلّيّا وقابلاً للتضييق والتقييد كِأَنْ يبيع الحنطة الكلية تارة على نحو الإطلاق وأخر يبيعها على نحو التقييد كأن يكون من المزرعة الفلانية وأمّا الأمر الجزئي فلا يعقل أن يكون مقيدا ومضيقا لأنَّ وجوده في الخارج آخر مرتبة من التضيق وعليه فإمّا أن يقال: أنّ معنى الاشتراط ليس إلاّ لحاظ الشرط بنفسه فهو بديهي البطلان، أو كان الشرط ملحوظا بنفسه؟! فإنّه أيُّ معنى لقولك بعتك هذه الدار بشرط أن تلحظ هذا الشرط فانه لا معنى لاعتبار ذات الشرط في العقد وكونه بذاته معتبرا فيه بأنْ يلتزم بنفس الوصف لكونه أمرا غير اختياري كوصف الكتابة والخياطة ونحوها فإنّ البائع لا يبيع الشرط ليعتبر ذاته فيه ولا أنه يقابل بالثمن كما هو واضح.

أو كون العقد معلقا عليٍ الشرط بحيث يكون إنشاء البيع على تقدير الشرط المعهود وإلاّ لم يبع أصلاً فهو تعليق مجمع على بطلانه.

وأما الثاني: فهو المطلوب فيكون معنى الشرط في العقد هو كونه مشروطا بشرط

ص: 254

أي كون الالتزام العقدي منوطا بالالتزام الشرطي لا أن يكون دائرا مداره وجودا وعدما ليكون تعليقا بل بمعنى أن استمراره والبقاء عليه والوقوف عليه يكون متوقفا على الشرط ويعبّر عنه في لغة الفارس (استادن) وهذا هو المعنى اللغوي للشرط كما ذكره في القاموس ومن هنا يقال للحبل الّذي يشدّ به العدلين على الإبل أو يمتدّ بين الجدارين أنه شريط.

وبالجملة معنى الشرط في العقود ربط الالتزام العقدي بالالتزام الشرطي من غير أن يتوقف أصل الالتزام العقدي بالالتزام الشرطي ويتوقف الوقوف إلى الأبد بالالتزام العقدي على وقوف المشروط عليه بالالتزام الشرطي.

وهذا المعنى مِنْ الشرط جار في جميع الشروط فأنَّ غيره إمّا غير معقول أو غير صحيح سواء كانت الشروط ممّا يتوقف عليه صحة العقد أو من الشروط الخارجية الشخصية وعليه فجميع الشروط من واد واحد فلا وجه لجعل البناء على بعض الأوصاف شرطا وإن كان الذكر في بعضها الآخر معتبرا، بل إن كان البناء شرطا فهو شرط في جميع الشروط وإن كان الذكر معتبرا ولا زما وشرطا فهو كذلك في جميعها فلا معنى للفرق بينهما بوجه أصلاً، فضلاً عن كون البناء شرطا في بعضها أولى من ذكر بعضها الآخر في العقد فالكبرى الّذي ذكره [الشيخ الأعظم] وأوضحه شيخنا الأستاد ليس بتمام.

وبالجملة: فما ذكره [الشيخ الأعظم] من كون البناء على الأوصاف الدخيلة في صحة البيع شرطا في صحة البيع فانَّ البيع لا يصحّ إلاّ مبنيا عليها وإلاّ فيكون باطلاً دون

الأوصاف الخارجية فلا وجه له كما عرفت.

والّذي ينبغي أن يقال: أنه لم يرد نص على اعتبار البناء على الأوصاف المذكورة شرطا في صحة العقد بل إن كان هنا إرتكاز عقلائي والتزام عرفي على اعتبار بعض الأوصاف في المبيع بحيث يدلّ عليها العقد بالدلالة الالتزامية وكونها معتبرة فلا شبهة في

اعتبارها فيه وكون تخلفها موجبا للخيار ككون المالين متساويين في المالية وكون التسليم والتسلّم في بلد العقد وكون النقد نقد البلد وهكذا فان بناء العقلاء وارتكازاتهم في أمثالهم على كون العقد مشروطا بتلك الأمور وأمثالها سواء ذكرت في العقد أم لا وسواء بنى المتعاملان عليها أم لا، بل هي معتبرة في العقد حتّى مع الغفلة عنها حين البيع

ص: 255

فإنّ الإرتكاز قرينة قطعية على ذلك وقائمة مقام الذكر وهكذا في كلِّ مورد قامت القرينة على ذلك وإن كانت غير الارتكاز العقلائي والدلالات الالتزامية فيكون تخلّفها موجبا للخيار.

وأما في غير تلك الموارد فان اشترط في متن العقد فمع التخلف يثبت الخيار وان لم يذكر في العقد فالعقد لازم وغير مشروط بشيء سواء بناء المتعاملان عليها أم لا، إذ لم

تقم قرينة على الاعتبار مع عدم الذكر كما لا يخفى»(1).

متابعة السيّد الخوئي للمحقّق الإصفهاني

تابع السيّد الخوئي في مقالته الأخيرة أُستاذه المحقّق الإصفهاني حيث يقول الإصفهاني مانصه: «إذا اشترى ما شاهده على وصف عند البيع؛ ثمّ تبيّن خلافه لخطأ في الحس، فالظاهر صحة البيع من دون خيار، أمّا الصحة فلأنّ الشرط في الصحة - وهي المشاهدة - متحقّق، وإنّما العبرة بها لا بالوصف المشاهد، فإنّ السمن والهزال لا يعتبران في الصحة، بل الاعتبار بمشاهدة المبيع بما هو على الوصف.

وأمّا عدم الخيار فلأنّ الوصف لم يؤخذ في المبيع، وإنّما اشترى ذات الموصوف مع مشاهدةِ وصفهِ الباعثة على شرائه؛ فلم يتخلّف إلاّ الداعي، بل ربّما لم يتخلّف الداعي أيضا، وإنّما شاهده تصحيحا للعقد لا تحصيلاً للوصف... .

وأمّا إذا اشترى اعتمادا على أخبار البائع الموجب للظن؛ فالبيع صحيح لتحقق الشرط وهو الظن بوجود الوصف الرافع للغرر، ولا خيار فإنّ الاشتراء اعتمادا على الأخبار تصحيحا للبيع غير الاشتراء مبنيا على الوصف؛ كالوصف الّذي لا يعتبر مشاهدته؛ وإنّما اعتبره المشتري لغرض شخصي، فإنّه لا فرق بينهما في ايجاب الخيار، وإنّما الفرق في لزوم مشاهدة الأوّل أو ما يقوم مقامها في صحة البيع دون الثاني»(2).

أقول: الظاهر أنّ حكم كلّ من الرؤية وإخبار البائع بمنزلة الاشتراط في أغلب

ص: 256


1- مصباح الفقاهة 5/412-409.
2- حاشية المكاسب 3/352.

المعاملات فيترتب على تخلّف كلِّ واحدٍ من هذه الثلاثة خيار تخلّف الشرط كما يأتي توضيح ذلك آنفا.

فذلكة الكلام في الوجه الثاني

القول المختار أنّ الرؤية وأخبار البائع بمنزلة الاشتراط في العقد، والدليل عليه بناء أهل السوق وعرفهم في معاملاتهم على ذلك، لأنّهم يقدمون على المعاملة بالرؤية السابقة وبإخبار البائع ولا يرؤن المعاملة غرريا حينئذ لانهم يعدونهما بمنزلة الاشتراط في العقد.(1)

وعلى ما ذكرنا نحن مع الشيخ الأعظم رحمه الله في نتيجة استدلاله من الحكم بثبوت الخيار، لا في طريق استدلاله وما ذكره من الكبرى الكلية التي ردّها الإصفهاني وتبعه السيّد الخوئي، بل بناءً على بناء أهل السوق وعرفهم ورسمهم في المعاملات، فهذا الوجه الثاني باطل في قسمه الأخير وهو عدم ثبوت الخيار، واللّه العالم.

الثالث: الحكم بالصحة مع الخيار

وهو خيرة المبسوط(2) والخلاف(3) والتذكرة(4) ونهاية الإحكام(5) والإرشاد(6) والدروس(7) واللمعة(8) والروضة(9) بل لا أجد فيه مخالفا(10).

ص: 257


1- كما نبّه عليه العلاّمة في النهاية 2/501.
2- المبسوط 2/77.
3- الخلاف 3/7، مسألة 5.
4- تذكرة الفقهاء 10/62.
5- نهاية الإحكام 2/501.
6- إرشاد الأذهان 1/362.
7- الدروس الشرعية 3/199.
8- اللمعة الدمشقية /113.
9- الروضة البهية 3/270.
10- كما في مفتاح الكرامة 13/190.

والمراد بالتغيّر الموجب للتخيير هنا ما اختلف بسببه الثمن اختلافا لا يتسامح بمثله غالبا ويوجب اختلاف الرغبات كما نبّه عليه الشهيد الثاني.(1)

وهذا التغيّر إمّا بالزيادة أو النقيصة والخيار للبائع في فرض الزيادة وللمشتري في فرض النقيصة و «تخيّر المغبون منهما» يعني لو ظهرت الزيادة فالبائع مغبون فله الخيار ولو ظهرت النقيصة فالمشتري مغبون فله الخيار، وليس المراد بالغبن هنا، الغبن المالي الّذي هو الموجب لخيار الغبن.

والمراد بالخيار هنا ليس خيار العيب لأنّ المراد بالتغيّر ليس التعيّب، بل المراد به هنا خيار تخلف الشرط لما مرّ منّا من بناء أهل السوق وعرفهم على أنّ الرؤية بمنزلة الاشتراط - وكذا إخبار البائع - ولذا قال العلاّمة: «الرؤية بمثابة الشرط في الصفات الكائنة

عند الرؤية فكل مافات منها فهو بمثابة ما لو تبيّن الخلف في الشرط»(2). وتبعه الشهيد الثاني وزاد في أوّل كلامه «وبالجملة فالرؤية»(3) الخ.

وأمّا الحكم بالصحة فلدخول المعاملة تحت إطلاقات وعمومات صحة البيع من الآيات والروايات وأمّا الحكم بالخيار فلما مرّ آنفا من بناء أهل السوق وعرفهم على أنّ

الرؤية بمنزلة الاشتراط وإذا تبيّن تخلّف الشط فيترتب الخيار.

والحاصل: المختار هو الحكم بالخيار في فرض تبيّن النقيصة والزيادة للمتضرر من البائع أو المشتري كما عليه المشهور بل لا أجد فيه مخالفا، بل يحكم بالخيار في كلّ فرضٍ تخلّف فيه الشرط أو القيد أو الوصف إذا لم يكونوا من مقومات المعاملة وإلاّ باطلة.

فظهر لك ممّا سردناه عليك عدم تمامية توقّف وتحيّر صاحب الحدائق(4) في المسألة لعدم وجود خبر فيها واللّه هو العالم.

ص: 258


1- المسالك الأفهام 3/178.
2- نهاية الإحكام 2/501.
3- المسالك 3/178.
4- راجع الحدائق 18/482.
فرعان
الأوّل: الاختلاف في التغيير

لو اختلفا في التغيير فادّعاه المشتري يكون القول قوله كما في المبسوط(1) والسرائر(2) والتذكرة(3) والإيضاح(4) والدروس(5) واللمعة(6) وجامع المقاصد(7) والروضة(8) والمسالك(9) وقد استدلوا عليه بأمور ثلاثة:

«الأوّل: أنّ المشتري يده على الثمن وأصالة الصحّة في اليد مع المشتري والبائع يريد انتزاعه منه فعليه إثبات أنّ الثمن ملكه فيكون المدّعي هو البائع هذا.

وقد أورد عليه شيخنا الأنصاري(10) قدس سره أنّ اليد لا فائدة مترتّبة عليها في المقام، لأنّ المشتري يعترف بأنّ الثمن لإقراره بصحّة البيع غاية ما هناك أنّه يدّعي ثبوت الخيار لنفسه من جهة دعوى تغيّر العين عمّا كانت عليه حين المشاهدة، ومع الإقرار والاعتراف بأنّ الثمن ملك للبائع فلا يبقى لليد أثر على تقدير صحّتها لأنّها عليه يد أمانة كما هوظاهر.

نعم يمكن أن يقال إنّ المشتري لا يجب عليه دفع الثمن إلى البائع لأنّه يدّعي الخيار، وقد ذكر العلاّمة(11) قدس سره أنّ تسليم الثمن والمثمن في مدّة الخيار غير واجب على

ص: 259


1- المبسوط 2/77.
2- السرائر 2/243.
3- تذكرة الفقهاء 10/62.
4- إيضاح الفوائد 1/432.
5- الدروس الشرعية 3/199.
6- اللمعة الدمشقية /113.
7- جامع المقاصد 4/109.
8- الروضة البهية 3/270.
9- المسالك 3/178.
10- المكاسب 4/275.
11- تذكرة الفقهاء 11/181.

المتعاملين ولم ينسب خلاف ذلك إلى أحد إلاّ بعض الشافعية والسرّ في ذلك أن المشتري بدعواه الخيار يدّعي سلطنته على عدم تسليم الثمن إلى البائع لتزلزل العقد بالخيار وتسلّطه على حلّه ورفع جميع آثاره ومنها وجوب تسليم الثمن إلى البائع.

وذكر شيخنا [النائيني(1)] قدس سره أنّ ما أفاده شيخنا الأنصاري

قدس سره من أنّ الخيار يمنع عن وجوب دفع الثمن إلى البائع إنّما يتمّ في الخيارات الزمانية كخياري المجلس والحيوان دون الخيارات غير الزمانية، والخيار في المقام من جهة تخلّف الشرط أو الوصف أمر آخر غير الخيارات الزمانية فلا يتمّ ما أفاده في المقام.

وبالجملة: أنّه قدس سره سلّم ما أفاده شيخنا الأنصاري

قدس سره بحسب كبراه وإنّما ناقش فيه من جهة الصغرى كما عرفت، والحقّ أنّ المطلب ممّا لا يمكن المساعدة عليه بحسب الأصل والكبرى أيضا، وذلك لأنّ الثمن بعد الاعتراف بصحّة المعاملة ملك للبائع، وعموم «النّاس مسلّطون على أموالهم»(2) غير مخصّص في المقام، فلا يجوز للمشتري منع البائع عن الثمن ويجب عليه دفعه إليه، إذ لم يرد على العموم المذكور شيء من المخصّصات.

ومن العجب أنّ شيخنا [النائيني(3)] قدس سره نسب إلى شيخنا الأنصاري قدس سره في بحث الخيار تسلّم ما حكي عن العلاّمة من عدم وجوب دفع الثمن أو المثمن في مدّة الخيار واستظهره من عبارة شيخنا الأنصاري قدس سره في بحث الخيار «لو قلنا بوجوب التقابض في عقد الصرف والسلم فثمرة الخيار واضحة وهي عدم وجوب التقابض»(4) حيث عبّر ب- «لو» الظاهر في أنّ خيار المجلس يمنع عن وجوب دفع الثمن والمثمن وتقابضهما، هذا.

ولكن ذلك ممّا ينبغي أن يعدّ من غرائب كلام شيخنا الأُستاذ قدس سره (على تقدير صحّة ما في التقريرات كما هو المظنون، لأنّ المقرّر كان كثير الاهتمام بضبط كلام شيخنا الأُستاذ قدس سره) وذلك لأنّ الوجه في عدم وجوب التقابض في بيع الصرف والسلم هو عدم

ص: 260


1- منية الطالب 2/400-399.
2- عوالي اللآلي 3/208، ح49؛ بحارالأنوار 2/272.
3- منية الطالب 2/339.
4- راجع المكاسب 5/49.

حصول الملك منهما إلاّ بالتقابض، فقبله لا ملك للبائع حتّى يجب على المشتري تسليمه إلى مالكه، وهذا بخلاف غيرهما من البيوع فإنّ الملك في غيرهما يحصل بالعقد والمعاملة وبعده لا معنى للتصرف في مال الغير وعدم تسليمه إلى مالكه، فما أفاده شيخنا الأنصاري إنّما هو في الصرف والسلم لا في مطلق البيع فتعبيره بكلمة «لو» في محلّه، لما عرفت من أنّه لا ملك قبل التقابض فيهما.

فالمتحصّل أنّ شيخنا الأنصاري لم يظهر منه تسلّم هذا المطلب بوجه، وقد عرفت أنّ أصل الكلام ممّا لا يمكن الالتزام به وهذا ظاهر كلّه.

مضافا إلى أنّ هذا الدليل أخصّ من المدّعى، إذا ربما يكون الثمن بيد البائع دون المشتري وهذا كما إذا كان الثمن دارا يسكنها البائع سابقا وقد وقع ثمنا في بيع شيء اشتراه منه أو نفرض الثمن دَينا للمشتري كان في ذمّة البائع فباشترائه منه سقط من ذمّته قهرا، فلا يد في أمثال ذلك حتّى يدعى أنّ المشتري هو المنكر لمطابقة قوله للأصل»(1).

أقول: قد ناقش الشيخ الأعظم كلام العلاّمة في بحث أحكام الخيار صريحا وقال في ختامه: «وبالجملة فلم أجد لهذا الحكم وجها معتمدا ولم أجد من عنونه وتعرّض لوجهه»(2).

«الثاني: أنّ البائع يدّعي علم المشتري بالمبيع على وصف الهزال والمشتري ينكر علمه به بهذا الوصف والأصل عدم علمه به بهذا الوصف، فالمشتري منكر ويقدّم قوله والبائع مدّع وعليه أن يثبت مدّعاه بالبيّنة أو بغيرها، هذا.

وقد أورد عليه شيخنا الأنصاري(3) قدس سره بالمعارضة بأصالة عدم علم المشتري بالمبيع بوصف السمن فلا حقّ له في الخيار، ثمّ ذكر أنّ الشكّ في علم المشتري بوصف الهزال وعدمه إنّما نشأ وتسبّب عن الشكّ في وجود غير وصف الهزال عند المشاهدة، فإذا نفينا وجود غير الهزال حين المشاهدة فيه يرتفع الشكّ عن علم المشتري، لأنّ الشكّين

ص: 261


1- التنقيح في شرح المكاسب 2/435-433.
2- راجع المكاسب 6/187.
3- المكاسب 4/275.

سببي ومسبّبي.

وشيخنا [النائيني(1)] قدس سره سلّم المعارضة بين الأصالتين أعني أصالة عدم علمه به(2) بهذا الوصف وأصالة عدم علمه به بغير هذا الوصف.

والصحيح أنّ ذلك كلّه منافٍ لمسلك شيخنا الأنصاري قدس سره لأنّ الأصلين لا أثر لهما إلاّ باعتبار لوازمهما والمثبت ليس بحجّة عنده.

مضافا إلى أنّ التسبّب غير شرعي فلا حكومة في مثلهما، والسرّ فيما ذكرناه أنّ الأثر وهو الخيار لم يترتّب على وجود وصف السمن واقعا ولا على العلم بالمبيع بهذا الوصف بل إنّما هو مترتّب على وجود الاشتراط بوصف السمن وعدمه، إذ من الممكن أن يكون السمن موجودا بحسب الواقع وقد علم به المشتري أيضا إلاّ أنّه لم يشترط هذا الوصف في المعاملة فوجوده والعلم به لا أثر له في حدّ نفسه بل الأثر للاشتراط وعدمه، نعم من لوازم العلم بوصف السمن حين المعاملة اشتراطه كما أنّه من لوازم عدم العلم به عدم اشتراطه فاستصحاب عدم العلم لأجل إثبات أثر ذلك اللازم من المثبت، نعم لو كان الأثر وهو الخيار مترتّبا على العلم بالوصف كما في خيار العيب لارتفاعه مع العلم بالحال وثبوته عند عدم العلم لم يكن لجريان الأصلين مانع حينئذ»(3).

«الثالث: أنّ وصول حقّ المشتري بيده بدفع العين المهزولة مشكوك والأصل عدم وصول حقّه إليه [كما في جامع المقاصد(4)] فيكون المشتري هو المنكر وعلى البائع أن يثبت وصول حقّه بالبيّنة أو بشيء آخر.

وفيه: ما أورده عليه شيخنا الأنصاري(5) قدس سره من أنّ المراد بالحقّ إن كان هو ذاتالعين فهو قد وصل إلى المشتري قطعا، وإن أُريد بالحقّ العين بوصف السمن فثبوت ذلك

ص: 262


1- منية الطالب 2/401.
2- الضمير يرجع إلى «المبيع».
3- التنقيح في شرح المكاسب 2/435 و 436.
4- جامع المقاصد 4/109.
5- المكاسب 4/276.

أوّل الكلام، ومع عدم ثبوته لا معنى لاستصحاب عدم وصول حقّه، إذ لم يثبت له حقّ حتّى يستصحب عدمه، وإن أُريد به حقّ الخيار فهو لا معنى لوصوله إليه بل هو تابع للاشتراط كما مرّ، وعليه فلا يمكن الاعتماد بشيء من الوجوه المذكورة في المقام»(1).

مقالة الشيخ الأعظم في الاستدلال للقول المشهور

ذهب الشيخ الأعظم في المقام إلى معنىً آخر «ووافقه عليه شيخنا [النائيني(2)] وملخّصه: أنّه لابدّ في المقام من ملاحظة أنّ الإوصاف المتخلّفة هل كانت أُخدت في المعاملة قيدا للمبيع كما إذا اشترى مقدارا من الأُرز الحاصل من مكان كذا كالعنبر مثلاً فإنّ الوصف حينئذ قيد في المبيع فإنّه لم يشتر الأُرز المجرّد حينئذ بل الأُرز المقيّد بقيد

العنبر، وفي مثله القول قول المشتري لأنّه يدّعي عدم انعقاد المعاملة على الفاقد للوصف حينئذ والمفروض أنّ العقد وقع على المقيّد بذاك الوصف لا على ذاته كما عرفت، فعليه فلا معاملة على الفاقد فالقول قول المشتري وعلى البائع إثبات أنّ البيع وقع على الفاقد أيضا، إلاّ أنّ هذه الأوصاف أنّما هي شروط خارجية والعقد إنّما وقع على ذات الموصوف غاية الأمر باشتراط ذاك الوصف بخصوصه، وعليه فالقول قول البائع لأنّهما متّفقان على وقوع المعاملة على الفاقد للشرط والمشتري يدّعي حقّا زائدا على الذات فعليه الاثبات، ويتّضح هذا بملاحظة ما ذكرناه سابقا من أنّ الثمن إنّما يبذل بازاء ذات المشروط والموصوف ولا يقع في مقابل هذه الأوصاف الكمالية شيء من الثمن فإنّ المعاملة حينئذ وقعت على الذات والمشتري يدّعي أمرا زائدا عليه وعليه الاثبات.

وحينئذ فيقع الكلام في تشخيص أنّ الأوصاف هل هي مأخوذة على وجه القيدية أو على وجه الشرطية، وملخّص ما ذكره قدس سره أنّه لابدّ من ملاحظة أنّ الرؤية السابقة هل هي بمنزلة تقييد المبيع كما إذا فرضنا أنّ المبيع كلّي كالأُرز والحنطة ونحوهما إلاّ أنّ المشتري

قيّده في المعاملة بكونه كذا كتقييد الحنطة بالمكان المخصوص والأُرز بكونه من العنبر

ص: 263


1- التنقيح في شرح المكاسب 2/436.
2- منية الطالب 2/403.

على نحو يكون نتيجة التقييد هو الخيار عند عدم حصول القيد دون البطلان، فيكون التقييد مشتركا مع الاشتراط في النتيجة، وعليه فيكون قول المشتري مقدّما حينئذ، لأنّ الأصل عدم وقوع العقد على الموجود الخالي عن الوصف وأثره عدم إلزام المشتري بأخذه من البائع، ولا يعارض ذلك بأصالة عدم وقوع العقد على المقيّد الّذي يدّعيه المشتري لأنّه لا أثر له في المقام إلاّ إثبات أنّ العقد وقع على هذا الموجود الفاقد للوصف والأصل المثبت لا اعتبار به بوجه، فيكون القول قول المشتري.

هذا كلّه فيما إذا أُريد بالأصل أصالة عدم وقوع العقد على المقيّد على نحو مفاد ليس التامّة وقد عرفت أنّها ممّا لا يترتّب عليه أثر شرعي.

وأمّا إذا أُريد بالأصل أصالة عدم الوقوع على الأمر المقيّد على نحو مفاد ليس الناقصة فهو وإن كان يترتّب عليه الأثر وهو لزوم أخذه على المشتري وعدم ثبوت الخيار له إلاّ أنّه لا حالة سابقة له، إذا لم يسبق زمان وقع عقد على الفاقد للوصف ولم يقع عليه

مقيّدا بوصف، وقد نظّر ذلك شيخنا الأنصاري قدس سره باستصحاب عدم الكرّية في الماء المخلوق الساعة أو الماء غير المعلوم حاله سابقا حيث إنّ استصحاب عدم الكرّية على نحو مفاد ليس التامّة يجري ولا يترتّب عليه أنّ الماء الموجود في الحوض غير كرّ، وأمّا استصحاب عدم اتّصافه بالكرّية على نحو مفاد ليس الناقصة فهو وإن ترتّب عليه عدم كرّية الماء الموجود في الحوض إلاّ أنّه لا حالة سابقة له ليجري استصحاب اتّصافه بعدم الكرّية سابقا، وكيف كان فالأصل في هذه الصورة مع المشتري لأنّ البائع يدّعي حينئذ أنّ

البيع وقع على الفاقد والمشتري ينكروه والأصل عدم وقوع البيع على الفاقد.

وأمّا إذا كانت الرؤية السابقة بمنزلة الاشتراط دون التقييد بأن يكون العقد واقعا على ذات العين المشاهدة واشترط في ضمنه أن تكون كذا وكذا فالقول قول البائع حينئذ، لأنّ المشتري يدّعي أمرا زائدا عن العين على البائع والأصل عدم التزام آخر سوى الالتزام بالعين، هذا ملخّص ما أفاده في المقام»(1).

ص: 264


1- التنقيح في شرح المكاسب 2/439-437.

القول المختار

لأجل وضوح حكم هذا الفرع لابدّ «من التكلّم في مقامين: أحدهما في أنّ المشتري إذا ادّعى الاشتراط أو التقييد فهل يقدّم قوله أو قول البائع. وثانيهما: في أنّ

الرؤية السابقة هل توجب الاشتراط أو توجب التقييد.

أمّا البحث عن المقام الأوّل فنقول: إن ادّعى المشتري الاشتراط وأنكره البائع فلا ينبغي الشكّ في أنّ الأصل مع البائع حينئذ، لأنّ المشتري يطالب أمرا زائدا عن المبيع والأصل عدم التزام آخر على غير العين، فلابدّ للمشتري من إثبات مدّعاه ببيّنة ونحوها، وإذا ادّعى كلّ منهما الاشتراط فالمورد من موارد التداعي.

وأمّا إذا ادّعى المشتري أنّ المبيع كان مقيّدا بقيد غير متحقّق فعلاً فتارة يدّعي البائع عدم التقييد ويقول إنّ المعاملة مطلقة وأُخرى يدّعي البائع أيضا التقييد بقيد كما أنّ المشتري يدّعي التقييد بقيد، فإن ادّعى كلّ واحد منهما تقييد المبيع بقيد كما إذا اشترى أُرزا أو حنطة على وجه كلّي وقد قيّده بكونه من مكان مخصوص أو من العنبر مثلاً وادّعى البائع أنّك اشتريت أُرزا أو حنطة من مكان آخر أو من غير العنبر مثلاً فهما حينئذ متداعيان لأنّ كلّ واحد منهما يدّعي أمرا ينكره الآخر وأصالة عدم وقوع العقد على المقيّد الّذي يدّعيه المشتري معارضة بأصالة عدم وقوعه على المقيّد الّذي يدّعيه البائع، فالأصلان متساقطان وبعده لابدّ من أن يثبتا مدّعاهما ببيّنة ونحوها وإلاّ فيتحالفان ويحكم بانفساخ المعاملة كما هو الحال في موارد التداعي.

وأمّا إذا ادّعى المشتري التقييد وادّعى البائع عدم التقييد وقال إنّ البيع مطلق والاختيار بيدي وأُعيّن شيئا آخر غير المقيّد الّذي يدّعيه المشتري، فالظاهر أنّ الأصلين متعارضان أيضا من دون فرق بين جريان الأصل في العدم الأزلي أو جريانه في العدم على نحو مفاد ليس التامّة، وذلك لما ذكرناه سابقا وحقّقناه في مباحث الأقل والأكثر والتعبّدي والتوصّلي من أنّ الإهمال في الواقع غير معقول وأنّه لابدّ وأن يكون الشيء ملحوظا مقيّدا أو على نحو السعة والاطلاق، وعليه فكلّ واحد من التقييد والإطلاق أمر وجودي مسبوق بالعدم غاية الأمر أنّ الاطلاق عبارة عن ملاحظة الشيء موسّعا والتقييد

ص: 265

ملاحظته على نحو التضييق، نعم الاطلاق في مقام الاثبات أمر عدمي لأنّه في مقام الابراز عبارة عن عدم التقييد وعليه فإذا ادّعى أحدهما التقييد وادّعى الآخر إطلاقه فكلاهما يدّعيان أمرا وجوديا مسبوقا بالعدم، فأصالة عدم التقييد أي عدم كون المبيع مضيّقا بحسب الالتزام معارض بأصالة عدم كون المبيع ملحوظا على نحو السعة فتكون المسألة من التداعي فإذا أثبت أحدهما مدّعاه بشيء فهو وإلاّ يتحالفان ويحكم بانفساخ المعاملة كما في الصورة المتقدّمة، وهذا من دون فرق بين استصحاب عدم وقوع العقد على المضيّق على نحو مفاد ليس التامّة وبين استصحاب عدم الاتّصاف بالتضيّق على نحو مفاد ليس الناقصة بناءً على جريان الأصل في العدم الأزلي بأن يقال الأصل عدم تحقّق التضيّق مع البيع على هذا الموجود لما عرفت من أنّ كلّ واحد منهما معارض بالمثل في الطرف الآخر فالأصل عدم ملاحظة التوسعة وعدم تحقّقها معه، وهذا كلّه في كبرى المسألة.

وأمّا البحث عن المقام الثاني وأنّ المشاهدة والرؤية السابقة هل هي تفيد الاشتراط أو التقييد؟ فملخّص الكلام في ذلك: أنّ التقييد غير ممكن في المقام لأنّ العين المشاهدة الخارجية أمر غير قابل للتوسّع والتضيّق، لأنّ الجزئي لا يتضيّق ولا يتوسّع وإنّما القابل لهما هو الكلّي، وأمّا المبيع الخاص فلا معنى للتقييد والاطلاق فيه بوجه، نعم

يمكن أن يتصوّر فيه ذلك لا من جهة نفسه بل بلحاظ الحكم عليه معلّقا على شيء كما هو الحال في الواجب المشروط بأن يقال أكرم هذا الجائي إن كان زيدا أو يقال أكرم هذا الجائي سواء كان زيدا أو غير زيد، وعليه فيمكن أن يقال في المقام قد وقع البيع على هذه

العين الخارجية مقيّدا ومعلّقا على وجود الوصف الفلاني أو وقع عليه من دون تقييد بوجود الوصف إلاّ أنّ تعليق البيع على شيء من الأوصاف مبطل للمعاملة ولو مع وجود الوصف أيضا فضلاً عمّا إذا لم يتحقّق الوصف معه.

فالمتحصّل: أنّ تقييد المبيع غير ممكن لجزئيته وتقييد البيع غير صحيح لأنّه من التعليق في العقود، وعليه فيتعيّن أن تكون الرؤية مفيدة للاشتراط وقد تقدّم أنّ القول حينئذ قول البائع دون المشتري، وبه يحكم بتقدّم قول البائع في المقام لأنّ النزاع في

ص: 266

الاشتراط والمشتري يدّعي أمرا زائدا عن المبيع ولأصل عدمه ولا يعتنى بقول المشتري، اللهمّ إلاّ أن يقيم البيّنة على مدّعاه وهو أمر آخر، وأمّا بدونها فالقول قول البائع خلافا للأعاظم بأجمعهم.

وملخّص ما ذكرناه في المقام: أنّ المبيع لمّا كان جزئيا خارجيا فلا يمكن تقييده وتوسعته، وعليه أي بناءً على عدم إمكان التقييد في المبيع وأنّه لابدّ وأن يرجع إلى الالتزام بالأوصاف والاشتراط، لا معنى للالتزام بوصف السمن أو الكتابة ونحوهما من الأُمور الخارجة عن اختيار البائع في المبيع، فما معنى الالتزام بتلك الأوصاف فيه؟ فلا محالة إمّا أن يرجع ذلك إلى تعليق البيع على وجود تلك الأوصاف في المبيع، وإمّا أن يرجع إلى تعليق الخيار على هذه الأوصاف بمعنى أنّ المشتري على اختيار من الالتزام بالفاقد عند تخلّف الأوصاف ومن فسخ المعاملة حينئذ، [وهذا الأخير هو الصحيح].

والتعليق في البيع على تلك الأوصاف الكمالية التي لا يبذل بازائها الثمن يوجب البطلان في البيع ولو مع تحقّقها ووجودها في المبيع، نعم التعليق على الأوصاف النوعية المقوّمة للمبيع التي يبذل المال بازائها لا يوجب البطلان كما مرّ في محلّه، ولكن السمن والكتابة ونحوهما ليست من الأوصاف النوعية كما هو ظاهر فلا محالة يكون تعليق الخيار متعيّنا، وعليه فيرجع دعوى تغيّر المبيع في المقام إلى أنّ المشتري يدّعي الخيار بعد وصول حقّه وهو العين إليه والبائع ينكره وقد عرفت أنّ الأصل حينئذ مع البائع وعلى المشتري إثبات مدّعاه، وبما ذكرناه في المقام يتّضح الحال في محلّ الكلام ولا يبقى حاجة إلى ما ذكره الشيخ قدس سره في المسألة، هذا كلّه في صورة النقص في العين.

وأمّا إذا فرضنا الزيادة فيها كما إذا كانت العين عند المشاهدة مهزولة وادّعى البائع أنّها صارت سمينة بعد ذلك فلي الخيار لأنّى إنّما بعت العين المهزولة، وأنكره المشتري وقال إنّ المبيع هو العين السمينة فلا خيار لك، فقد ظهر الحال في ذلك ممّا ذكرناه في صورة دعوى النقص وأنّ هذه المسألة على عكس المسألة المتقدّمة حيث إنّ المشتري يدّعي اللزوم والبائع يدّعي الخيار والأصل مع المنكر للخيار، لأنّ الأصل عدم الالتزام بشيء غير الالتزام بالعين، فعلى البائع إثبات مدّعاه على خلاف ما ذكره شيخنا

ص: 267

الأنصاري(1) قدس سره في المقام، هذا كلّه في الفرع الأوّل من الفرعين»(2).

الثاني: الاختلاف في تقدّم التغيّر على البيع أو تأخره عنه

«إذا اتّفق كلّ واحد من البائع والمشتري على وقوع التغيّر في العين بعد المشاهدة وأنّها وقعت على السمين مثلاً إلاّ أنّهما اختلفا في زمان حصول ذلك التغيّر كالهزال فادّعى المشتري أنّه حدث قبل المعاملة عليها فلي الخيار، وقال البائع إنّه حدث بعد المعاملة فلا خيار لك، فهل القول قول البائع أو قول المشتري؟ وعنوان الاختلاف بذلك أي بما إذا ادّعى المشتري وقوعه قبل البيع والبائع حدوثه بعده مبنيّ على أنّ تلف الأوصاف قبل قبض العين ليس راجعا إلى البائع لأن الدليل إنّما ورد في تلف نفس المبيع وأنّه إذا تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه وبما أنّه على خلاف القاعدة فيقتصر فيه على مورد الدليل، وأمّا إذا بنينا على أنّ الأوصاف كالعين في أنّ تلفها قبل قبضها من مال بائعها، فيمكن عنوان الاختلاف في المقام بعد البيع أيضا بأن اتّفقا على أنّ العقد والبيع وقعا على العين بوصف السمن واتّفقا أيضا على تغيّرها فعلاً إلاّ أنّ البائع يدّعي حدوث التغيّر بعد قبض المشتري أو وكيله العين وأنكره المشتري وقال إنّه حدث قبل قبض المبيع فهي من مال بائعها»(3).

مقالة الشيخ الأعظم

ذهب الشيخ الأعظم إلى «أنّ هناك حادثين البيع والتغيّر والخلاف في تقدّم أحدهما على الآخر وتأخّره، واستصحاب عدم حدوث البيع إلى زمان حدوث التغيّر معارض باستصحاب عدم حدوث التغيّر إلى زمان حدوث البيع فهما متساقطان، أو غير جاريين فى نفسهما على خلاف في ذلك بيننا وبين صاحب الكفاية(4) قدس سره وكيف كان

ص: 268


1- راجع المكاسب 4/282.
2- التنقيح في شرح المكاسب 2/442-439.
3- التنقيح في شرح المكاسب 2/442.
4- الكفاية /420 و 421.

فالأثر في المقام وهو الخيار غير مترتّب على عدم حدوث البيع إلى زمان حدوث التغيّر كما أنّ نفيه غير مترتّب على عدم حدوث التغيّر إلى زمان حدوث الحادث الآخر بل إنّما هو مترتّب على عدم وصول حق المشتري إليه بعد الاعتراف بحقّه والبيع، ومن الظاهر أنّ شيئا من الاستصحابين لا يثبت وصول حقّه إليه أو عدم وصوله إلاّ على نحو المثبت وهو لا اعتبار به، وعليه فهذه المسألة نظير المسألة المتقدّمة في جريان الأصل في عدم وصول حقّه إليه فيثبت الخيار للمشتري بهذا الأصل فيقدّم قوله على قول البائع كما ذكرناه في المسألة المتقدّمة، بل المقام أولى بجريان استصحاب عدم وصول حقّه من المسألة المتقدّمة، لأنّ النزاع في المسألة المتقدّمة إنّما كان في ثبوت الحقّ وعدمه وفي المقام يتّفقان على ثبوت الحق للمشتري بالبيع وإنّما الخلاف في وصوله وعدمه والأصل عدمه، هذا ما أفاده شيخنا الأنصاري في المقام»(1).

بعبارة أُخرى ذهب

قدس سره إلى أنّ «مرجع المسألة إلى الحادِثَيْنِ، مجهولَيِ التّاريخ، فَحَدَثَ في هذا المبيع، بيعٌ وسمنٌ انّما الشّك في تقدّم أحدهما على الآخر كما هو شأن

مجهولَيِ التّاريخ فمنشأ الشّك أنّ الغنم كان مهزولاً قبل البيع أو انّه بيع قبلَ الهزال؟

لا يخفى انّ في مجهولَيِ التّاريخ، مَبنيانِ:

المبنى الثاني: مبنى المحقّق الخراسانيّ ومن تبعهُ.

امّا الشيخُ رحمه الله فقد صرّح في مَجهولَيِ التّاريخ انّ الأصلَيْنِ، يتعارضانِ ويَتساقطانِ فيما إذا كان الاصلانِ كلاهما، ذا أثَرِ.

وامّا المحقّق الخراسانيّ رحمه الله فقال: انّ الأصلين، لا يجريان أصلاً في مجهولَيِ التّاريخ في العلم الاجماليِّ.

كيف ما كان، ترجع المسألة إلى أصالة عدم وصول حقِّ المشتري إليه فيصير حكم هذا الفرع كالفرع السّابق بعد سقوط الأصلين ملاكا ومناطا فكان الأصل في كلا الفرعين، عدم وصول حقّ المشتري إليه.

ص: 269


1- التنقيح في شرح المكاسب 2/443.

غاية الأمر، الفرقُ بينهما انّ في الشّك في وصول الحقّ في الفرع السّابق في مقدار الحقّ وامّا هنا فمقدار الحقّ معلومٌ يعنى معلوم انّه عامَلَ على السّمين ولكنّ الشّك في انّ المشتري هل تسلّم المهزول أو السّمين؟

ومع ذلك لا يفترقان في انّ في كليهما، يكون الشّك في وصول الحقّ.

تقريبُ جريان هذَيْنِ الأصلَيْنِ وتساقطهما فهو انّ الأصل، عدم تقدّم التّغيير على البيع.

وبعبارة أُخرى، يشكّ حين بيع البائع والمشتري، في استدامة السّمن إلى حين البيع وعروض الهزال بعد ذلك أو لم يكن السّمن باقيا حين البيع؟ فيجرى استصحاب بقاء السّمن إلى حين البيع بالنسبة إلى البائع حتّى ليس للمشتري خيار الفسخ أو يجرى المشتري استصحاب عدم وقوع البيع إلى زمان الهِزال فلم يقع البيع اللاّزمُ وهو البيع زمن

السّمن فيتعارض الأصلانِ فيتساقطان»(1).

نقد مقالة الشيخ الأعظم

يرد على مقالة الشيخ الأعظم اشكالان:

«الاشكال الأوّل: الفرقُ بين مجهولَيِ التّاريخ وبين ما كان تاريخ احدهما معلوما والآخرُ كان مجهولاً كما صرّح بذلك، الشّيخ في موارد مُختلفةٍ فإذا فرضنا انّ تاريخ البيع معلوما، لا يجرى فيه الأصلُ بل يجرى الأصل في الطّرف الآخر وهو استصحاب بقاء السّمن إلى زمان البيع وإذا فرضنا انّ تاريخ الهِزال معلوما وتاريخ البيع مجهولاً فلا يجرى الاستصحابُ في طرف المعلوم فتجرى أصالة عدم تحقّق البيع إلى زمان الهزال ولا مُعارضَ له حينئذٍ؛

حينئذٍ، للسّؤال من الشّيخ رحمه الله مجالٌ: بانّه لِمَ لم يتعرّض رحمه الله لهذا هنا واطلق كلامه رحمه الله في تعارض الأصلين وتساقطهما؟ ولم يُفصِل رحمه الله بين مجهولَيِ التّاريخِ وبين المعلوم والمجهولِ؟

ص: 270


1- تحقيق وتقريرات في باب البيع والخيارات 5/341.

الاشكال الثاني: انّ ما نحن فيه وكذلك في مثالِ الكرّ والملاقاة للنّجسِ، ليس مورد تعارض الأصلين بل يجرى احد الأصلينِ هنا وكان له أثر شرعيٌّ.

وأمّا الأصل الآخر المعارض له، لا أثرٌ شرعيٌّ له وفي مثل المقام، لا يصّح التعارض بل التعارضُ انّما هو في موردٍ كان لِكليهما، أثرٌ شرعيٌّ مثل اسلام الوارث وموت المورّثِ وذلك انّ جريان استصحاب بقاء السّمن، ذو أثرٍ حيث كان موضوعا لِلّلزوم فيجرى فيه وامّا الأصل المقابل له وهو أنّ أصل عدم وقوع البيع إلى زمن السّمن فهو لا يثبت انّه باعه بعد الهزال حتّى يقال: بخيار الفسخ له لانّ موضوعَ خيار الفسخ، ما إذا باع ما لم يكن من الصّفة ومورد اللّزوم، ما كانت فيه الصّفةُ.

وحينئذٍ لا تصل النّوبة إلى اصالة عدم حقِّ المشتري إليه.

ايرادٌ ثالثٌ [على الشيخ الأعظم] رحمه الله

هنا ايرادٌ ثالثٌ له رحمه الله وهو انّه رحمه الله قال(1) أخيرا: انّ موجب الخيار، عدم وصول حقّ المشتري إليه وليس مُوجب الخيار، وقوع العقد على ما لا ينطبق عليه وهذا ينافي قوله رحمه الله حيث قال سابقا(2): انّ موجب الخيار، كان وُقوع العقد على ما ينطبق عليه ونظير هذا التّناقض، حدث للشّيخ رحمه الله لانّ موجب اللّزوم والجواز، ليس منحصرا في مقام الوفاء ولو كان مقامُ الوفاء من جملة ذلك لأنّ للمشتري، خيار تأخّر التّسليم إذا يوف البائع وهذا يصّح فيما إذا لم يكن في الرّتبة السّابقة عليه، موجبُ خيارٍ آخر.

ومن المعلوم: انّ وقوع العقد على ما لا ينطبق، يوجب الخيار لا الوفاءُ به حيث لم يمكن الوفاء التّام هنا، إذا باع السّمين وكان في الواقع، مَهزولاً وكذلك: «لا ضرر» الّذي كان دليلاً للخيار، لا ينطبق على مقام الوفاء بل ينطبق على مقام العقد»(3).

ص: 271


1- راجع المكاسب 4/283.
2- راجع المكاسب 4/280.
3- تحقيق وتقريرات في باب البيع والخيارات 5/342.

القول المختار

«ظهر من مطاوي ما ذكرناه أنّه لا حقّ للمشتري سوى العين وهي قد وصلت إليه بالقطع ولم يثبت له حقّ آخر غيرها لما مرّ من أنّ مرجع اختلافهما إلى الخلاف في ثبوت الخيار للمشتري وعدمه والأصل عدمه، فلا حقّ له حينئذ حتّى يجري فيه الاستصحاب.

وأمّا ما أفاده من أنّ الخيار إنّما يترتّب على عدم وصول حقّه إليه.

ففيه: أنّه لم يرد بهذا العنوان دليل وعليه فنقول إنّ الخيار في المقام إنّما يترتّب على عدم بقاء وصف السمن في زمان البيع إذ مع بقائه فلا وجه للخيار.

وعليه فلا نرى مانعا من استصحاب بقاء السمن والوصف الموجود حين المشاهدة إلى زمان البيع فيترتّب عليه عدم الخيار للمشتري فيقدّم قول البائع إلاّ أن يثبت المشتري مدّعاه(1).

ولا يعارض هذا باستصحاب عدم وقوع العقد على العين في زمان السمن لأنّه لا أثر لهذا الاستصحاب، لعدم إثباته أنّ العقد وقع على العين في زمان عدم السمن حتّى يثبت له الخيار، هذا فيما إذا اتّفقا على حصول النقيصة في العين كما إذا كانا عالمين بالسمن في العين حين المشاهدة وبعده عرضها الهزال.

وأمّا إذا انعكس الأمر واتّفقا على الهزال حين المشاهدة والسمن بعدها واختلفا في تقدّمه على البيع حتّى يكون البائع مخيّرا وتأخّره عنه حتّى لا يثبت له الخيار فلا مانع فيها أيضا من استصحاب الهزال إلى زمان البيع ويترتّب عليه عدم الخيار للبائع»(2).

ثمّ إنّ هاهنا فرع آخر

إذا وقع البيع على العين بعد المشاهدة «ثمّ ظهرت تالفة واختلفا في أنّ التلف كان مقدّما على البيع حتّى يكون البيع باطلاً، إذ لا معنى لبيع المعدوم، أو أنّ التلف كان متأخّرا

ص: 272


1- ولا يخفى أنّ هذا الاستصحاب لا يثبت وقوع العقد على السمين حتّى يرتفع به خيار المشتري.
2- التنقيح في شرح المكاسب 2/444.

عن البيع فالبيع صحيح، أو اختلفا في أنّ التلف كان قبل القبض حتّى يحسب من البائع أو أنّه حدث بعد القبض حتّى يحسب من المشتري فيما إذا كان المبيع ممّا يكفي في قبضه التخلية بينه وبين المشتري كاعطاء المفتاح له»(1).

توضيح مقالة الشيخ الأعظم

ذهب الشيخ الأعظم(2) إلى أنّ الأصل في ذلك مع المشتري لأنّ الأصل عدم زوال ملك المشتري عن الثمن وبقاء ملكه عليه وهو أصل حكمي بعبارة أُخرى الأصل مع المشتري «لأنّه لم يعلم انّ الثّمن الّذي كان ملكا للمشتري، هل انتقل إلى ملك البائع أو لم ينتقل فان كان المبيع موجودا حين البيع، انتقل الثّمن إليه وان لم يكن موجودا لم ينتقل الثّمن إليه ويشكّ في الانتقال وعدمه؟ الأصل عَدمُ انتقال الثّمن إلى البائع.

ان قلت: انّ هذا الشّك، مسبّبٌ من شكٍّ آخر وهو انّه هل بقى المبيع إلى حين البيع أو لم يبق؟ يجرى استصحاب بقاء المبيع إلى حين البيع فصار البيع صحيحا فالثّمن ينتقل إلى البائع.

قلتُ: مرّ سابقا انّ هذا من قبيل مجهولَيِ التّاريخ ولا يجوز جريان الأصل في احدهما دون الآخر لانّ تلف المبيع، حادثٌ والبيعٌ حادثٌ آخر وهذان حادثان (تلف المبيع وبيع هذا المبيع) والشّكُ في تقدّم احدهما على الآخر وتأخّر احدهما عن الآخر فاستصحاب بقاء المبيع إلى حين البيع يعارضه استصحابُ عدم البيع إلى حين تلف المبيع وتساقطاكما هو شأن مجهولَيِ التّاريخِ إذا تساقطا، يكون الأصل في الثّمن وهو استصحاب عدم انتقالِ الثّمن إلى البائع، عدم خروجه عن ملك المشتري.

ان قلت: انّ هنا أصلٌ آخر مقدّمٌ على هذا الأصل وهو أصالة صحّة البيع فيما إذا شكّ في صحّة البيع.

ومن المعلوم: تُقدَّمُ أصالة الصّحة على جميع الأصول الجارية في المعاملة لو لا

ص: 273


1- التنقيح في شرح المكاسب 2/445.
2- المكاسب 4/284.

هذا الأصل فأصالة الصّحة في المعاملاتِ، تُقدَّمُ على استصحاب عدم انتقال المبيع واستصحاب عدم انتقال الثّمن، حكومةً أو واردةً لانّا إذا عملنا باستصحاب المذكورين، لا يبقى لاصالة الصّحة، موردٌ.

نظير ذلك بعينه في مسألةٍ أُخرى عنونها صاحب الجواهر(1) رحمه الله وهو بيع عَينٍ مرهونةٍ فيما إذا شككنا في بيع العين المرهونة هل هو من قبيل رجوع المرتهن عن الاذن [بعد البيع] حتّى يكون صحيحا أو يكون من قبيل الرّجوع قبل البيع حتّى لا يكون صحيحا.

فهنا: اتّفق حادثان: رجوعٌ وبيعٌ فان رجع المرتهن قبل البيع فالبيع باطلٌ وان رجع بعد البيع، يكون الرّجوع باطلاً.

حينئذٍ، يكون الشّك، في صحّة البيع وفسادِه وفي صحّة الرّجوع وفسادِه؟

صرّح صاحب الجواهر رحمه الله كما انّه يجرى أصل الصّحة في البيع، كذلك تجرى أصالة صحّةِ الرّجوعِ.

قلت: انّ أصالة الصّحة، لا تجرى من كلا الموردين كما قال به الشيخُ رحمه الله لانّ معنى حمل فعل المسلم على الصّحة، انّ المسلم، لا يرتكب عملاً لغوا فإذا كانت العين تالفةً وهو مع كونه عالما بالتّلف، اقدم على البيع فقد باشر لغوا ولقد اقدم على عملٍ لغوٍ، والمُسْلِمُ، لا يرتكب عملاً لغوا.

وامّا إذا كان الْمُسْلِمُ، جاهلاً بكون المبيع تالفا أم لا؟ وتخيّل وجود المبيعِ وباعه للغير ثمّ ظهر عدم وجود العينِ، لا يقع هذا الشّخص موردا للملامةِ حيث لم يفعل لغوا.

بالجملة، حيثُ كان محلّ الكلام، مورد الشّك أو لا أقلّ من ان يكون مورد الشّك، داخلاً لفرض الكلام، لا تجرى أصالة صحّةِ البيع بمعنى حمل فعل المسلم على غير اللّغو كما انّه يجرى أصل الصّحّة في بيع الرّاهن للعين المرهونة مع إذن المرتهن ورجوعه من بعدُ ولم يعلم انّه رَجَعَ قبل البيع أو بعده؟ ولا تجرى أصالةُ صحّة الرّجوعٍ لانّ صحّة

ص: 274


1- الجواهر [26/521 25/267].

الرجوع بمعنى انّ المؤمن، لا يرتكب عملاً لغوا فإذا أذِنَ المرتهن، الرّاهن في البيع وكان الرّاهن باعه فقد خرج عن سلطة المرتهن وخرج عن كونه رَهنا هذا كلّه خلاصَةُ كلام الشّيخ رحمه الله في البابِ»(1).

نقدها

يرد على تعارض استصحابي مجهولي التاريخ ما أُوردته عليه من الاشكال الأوّل دون الثاني في الفرع الثاني آنفا.(2)

فحينئذ إذا كان أحد الحادثين معلوم التاريخ يجري الاستصحاب بالنسبة إلى الطرف الآخر مثلاً: إذا كان التلف معلوم التاريخ يجري استصحاب عدم البيع إلى حين التلف ونتيجته بطلان البيع.

وإذا كان البيع معلوم التاريخ يجري استصحاب عدم التلف إلى حين البيع ويحكم بصحة البيع.

فالاشكال الّذي يتوجّه إلى الشيخ الأعظم هو انحصار فرض المسألة في الحادثين مجهولي التاريخ، مع امكان فرض معلومية أحد الحادثين كما مرّ.

ومع فرض معلومية زمان أحد الحادثين يجري الاستصحاب في الطرف الآخر وينتج، فيجري الأصل الموضوعي حينئذ ولا تصل النوبة إلى الأصل الحكمي، فتأمل(3).

وأمّا بالنسبة إلى عدم جريان أصالة الصحة في المسألة، فإنّها لا تجري لوجوه:

الأوّل: أصالة الصحة «نظير قاعدة الفراغ بل هي هي بعينها غاية الأمر أنّ قاعدة الفراغ تجري في فعل نفسه وأصالة الصحّة تجري في فعل الغير، وعليه فكما أنّ قاعدة الفراغ لا تجري عند الشكّ في احتمال المصادفة الواقعية من دون أن يكون المشكوك أمرا

ص: 275


1- تحقيق وتقريرات في باب البيع والخيارات 5/346-344.
2- راجع صفحة 270 من هذا المجلد.
3- أشار إلى ما يأتي في القول المختار من عدم جريان الاستصحاب في هذا الفرع.

اختياريا للفاعل فكذلك الحال في أصالة الصحّة فإنّها تجري فيما إذا شككنا في فعل اختياري للمتبايعين وأنّهما مثلاً هل أوقعا الصيغة عربية أو ماضوية ونحوهما، وأمّا إذا

شككنا فيما لا يرجع إلى اختيار الفاعل أصلاً بل لو تحقّق فإنّما يتحقّق من باب المصادفة الواقعية فلا تجري أصالة الصحّة فيه، لأنّ مدركها السيرة وجريانها في مثله غير متحقّق وهذا ظاهر، وبما أنّ التلف وعدمه خارجان عن اختيار المتبايعين فلا يجري أصالة الصحّة فيه، وهذا هو الّذي كنّا نعبّر عنه في قاعدة الفراغ بما إذا كانت صورة العمل محفوظة كما إذا اعتقد أنّ مائعا ماء فتوضّأ منه ثمّ شكّ في أنّه ماء أو غير ماء وقلنا إنّ

القاعدة لا تجري في مثله، نعم لو كان مرجع الشكّ إلى الشكّ في وجود أمر اختياري للمكلّف فلا مانع من جريان قاعدتي الفراغ والصحّة وهذا كما إذا كان عنده مايعان فتوضّأبأحدهما ثمّ شكّ في أنّه توضّأ بالمايع الّذي هو الماء أو بالمايع الثاني الّذي هو الخلّ فلا مانع من جريان قاعدة الفراغ في مثله لأنّ مرجعه إلى الشكّ في أنّه هل اختار التوضّؤ بالماء أو اختار التوضّؤ بالخلّ واختيار هذا أو ذاك فعل اختياري له، وعليه فإذا شككنا في المقام في أنّ العقد هل وقع يوم السبت حتّى يقع باطلاً للعلم بتلف المبيع يوم الجمعة أو أنّه وقع يوم الخميس فلا مانع من جريان أصالة الصحّة فيه، لأنّه يرجع إلى أنّه هل اختار إيقاع البيع يوم الخميس حتّى يصحّ أو أنّه اختار إيقاعه يوم السبت حتّى يقع باطلاً وهو أمر اختياري للعاقد والبائع.

ومنها: ما أشرنا إليه في بحث أصالة الصحّة أيضا من أنّها إنّما تجري بعد إحراز قدرة المكلّف عليه ومع الشكّ في القدرة لا مجال لأصالة الصحّة بوجه، فلذا قلنا إنّ القاعدة لا تجري فيما إذا باع أحد دارا أو غيرها من الأملاك من دون أن نحرز أنّها ملكه أو

أنّه وكيل من قبل مالكها إذ لم نحرز حينئذ قدرته على بيعها حينئذ، ولذا لا يسلّم العقلاء الثمن إلى البائع في أمثال هذه الموارد أصلاً، وكذا فيما إذا طلّق أحد زوجة شخص آخر من دون أن نعلم بوكالته من قبل زوجها فإنّه لا تجري القاعدة في مثله لعدم إحراز قدرة الفاعل على الفعل، وبما أنّ قدرة الفاعل على البيع غير محرزة في المقام، لأنّ التلف إذا كان متقدّما على البيع لا يمكنه بيعه إذ لا قدرة على بيع المعدوم شرعا فلا يجري أصالة

ص: 276

الصحّة في حقّه (وقد كان يعبّر عن ذلك في الأصول باشتراط إحراز القابلية في المورد أو الفاعل في جريان أصالة الصحّة) وكيف كان فمع الشكّ في قدرة الفاعل على الفعل لا تجري أصالة الصحّة، ومن هنا اشترطنا إحراز القابلية في المورد والفاعل في جريان أصالة الصحّة على خلاف في ذلك بين المحقّق الثاني(1) وشيخنا الأنصارى(2) قدس سره نعم فيما إذا أحرزنا القابلية وشككنا في صحّته وفساده من جهة أُخرى لا مانع من التمسّك بأصالة الصحّة كما هو ظاهر.

ومنها: أنّه إذا قلنا بعدم اعتبار إحراز القابلية في المورد أو الفاعل في جريان أصالة الصحّة وفاقا لشيخنا الأنصاري قدس سره في رسائله حيث التزم بجريانها مع الشكّ في القابلية أيضا فلا تجري أصالة الصحّة في المقام أيضا، وذلك لأنّ أصالة الصحّة إنّما تجري فيما إذا

أحرزنا الجامع بين الصحيح والفاسد وشككنا في صحّة صلاته وفسادها فتجري أصالة الصحّة في حمل صلاته على الصحيح، وأمّا إذا لم نحرز العنوان الجامع بين الصحيح والفاسد كما إذا رأينا أنّ أحدا قائم على جنازة ولا ندري أنّه يصلّي على الميّت أو أنّه

يدعو ويستغفر للميّت مثلاً فلا معنى حينئذ لحمل فعله على الصحيح والحكم بصحّة صلاته إذ لم نحرز أنّه يصلّي حتّى نحكم بصحّتها وفي المقام أيضا لم نحرز عنوان البيع أصلاً حتّى نشكّ في صحّته وفساده، لأنّ وجود المبيع مقوّم لحقيقة البيع والمعاملة وبما أنّا

نشكّ في وجوده فنشكّ في تحقّق مفهوم البيع فأصل الجامع بين الصحيح والفاسد غير محرز حتّى تجري أصالة الصحّة ونحكم بها بصحّة البيع، وهذا الوجه هو الّذي ذكره شيخنا الأنصاري في المقام دون الوجه المتقدّم عليه، لأنّه قدس سره ينكر اعتبار إحراز القابلية في جريان أصالة الصحّة في رسائله(3)»(4).

ص: 277


1- جامع المقاصد 7/307.
2- فرائد الأصول 2/724.
3- فرائد الأصول 2/724.
4- التنقيح في شرح المكاسب 2/450-447.

القول المختار في هذا الفرع

إنّ هاهنا فرضين في هذا الفرع: «تارة يكون الكلام فيما إذا كانت العين تحت يد المشتري قبل البيع بعارية ونحوها فتلفت ثمّ وقع الخلاف في زمان التلف، كما إذا فرضنا أنّ ثوب زيد استعاره أحد ثمّ اشتراه منه وبعد ما باعه ذهب إلى المنزل فوجد الثوب تالفا.

وأُخرى فيما إذا لم تكن العين قبل البيع مقبوضة للمشتري وكان تماميّة البيع منوطا بإقباض المبيع بعد البيع، ولكن كان ممّا تكفي التخلية في إقباضه.

أمّا في الفرض الأوّل، فالمبيع وقع عليه حادثان، أحدهما البيع والآخر التلف، وشكّ في المتقدّم منهما، والأصول فيهما متعارضة، فإنّ أصالة عدم تحقّق التلف - أي وجود المبيع إلى زمان البيع - يعارضها أصالة عدم تحقّق البيع إلى زمان التلف، وليسا بمثبتين، إذ يكفي عدم وقوع البيع على الموجود في نفي اللزوم، من غير حاجة إلى إثبات وقوعه على المعدوم، فعلى المختار يسقطان بالمعارضة، وعلى مسلك الآخوند لا يجريان رأسا، فيرجع إلى الأصل الحكمي، وهو أصالة بقاء الثمن في ملك المشتري.

إلاّ أنّه عليه يجري فيه حكم الحادثين المشكوك تقدّم كلّ منهما على الآخر، فمن يفصّل بين مجهول التاريخ ومعلومه لابدّ له من التفصيل في المقام، ومن يقول بتساقط الأُصول فيهما مطلقا - كما هو المختار - يقول بذلك فيما نحن فيه أيضا. فتظهر الثمرة على

القول الأوّل فيما إذا كان تاريخ البيع معلوما وتاريخ التلف مجهولاً، فإنّه يجري حينئذ أصالة عدم التلف إلى زمان البيع، وتحقّق البيع محرز بالوجدان، فيلتئم الموضوع بضمّ الوجدان إلى الأصل، لأنّ ما يترتّب عليه حصول النقل والانتقال ليس إلاّ تحقّق البيع ووجود المبيع إلى زمان البيع، وأحد الأمرين محرز بالوجدان والآخر بالاستصحاب، والقبض حاصل على الفرض، فيثبت اللزوم، ولا تصل النوبة للرجوع إلى الأصل الحكمي.

وأمّا الفرض الثاني، فبما أنّ القبض لم يكن متحقّقا، فلا محالة يرجع الشكّ في تقدّم البيع على التلف وعدمه إلى الشكّ في تحقّق أصل القبض، إذ المعدوم لا معنى لقبضه، فيستصحب عدم تحقّق القبض، وهو يوجب الفساد.

ص: 278

وبالجملة: في الفرض الثاني بما أنّ أصل تحقّق القبض مشكوك فيه، إذ لا يعقل القبض في المعدوم، لا أنّه متحقّق يشكّ في سبقه ولحوقه، لا تظهر فيه الثمرة، إذ الأصل عدم تحقّق القبض، ويترتّب عليه الفساد لا محالة. ولا يعارضه استصحاب بقاء المبيع إلى زمان التخلية، لأنّه مثبت لا يثبت تحقّق القبض. وأمّا في الفرض الأوّل فتظهر فيه الثمرة بناءً على القول بجريان الاستصحاب في مجهول التاريخ دون معلومه فيما إذا فرضنا تاريخ البيع معلوما، فإنّه يجري حينئذ استصحاب بقاء العين وعدم التلف إلى زمان البيع، فيلتئم موضوع النقل والانتقال بضمّ الوجدان إلى الأصل.

[الرجوع إلى مقالة الشيخ الأعظم]

إلاّ أنّه بالتأمّل يظهر عدم الفرق بين الفرضين، وذلك لأنّ موضوع الأثر ليس هو الإنشاء، بل هو حقيقة البيع، وهو التمليك لا مجّانا بل بعوض بحسب اعتبار المتعاملين والعقلاء، في مقابل الهبة التي حقيقتها التمليك بلا عوض ومجانا، فهو الموضوع للأثر، ومن الواضح أنّ تحقّقه غير محرز لا بالوجدان ولا بالتعبّد، فإنّ المبيع لو كان تالفا حين البيع يستحيل تعلّق الالتزام العقلائي بل المتعاملي بتمليكه في مقابل الثمن. نعم إنشاء التمليك محرز وجدانا، إلاّ أنّه لا يكفي في ترتّب الأثر، كما هو واضح.

فعلى كلّ تقدير، لا مناص من الرجوع إلى الأصل الحكمي، وهو عدم انتقال الثمن عن ملك المشتري، فيثبت البطلان»(1).

ص: 279


1- محاضرات في الفقه الجعفري 3/385-382.

مسألة: اختبار أوصاف المبيع

اشارة

إنّ هنا فرعان تعرض لهما الأصحاب:

1- بيع ما لا يفسده الاختبار نحو العطور والتمور والأعناب والحلويات

2- بيع ما يفسده الاختبار نحو البطيخ والجوز والبيض

فلابدّ من التكلم فيهما:

الفرع الأوّل: بيع ما لايفسده الاختبار
الجهة الأولى: الأقوال فيه

«اختلفوا في صحّة بيعه على أقوال، فذهب بعضهم إلى صحّة بيعه مع الاختبار، وذكر بعض آخر أنّ بيعه مشروط باشتراط الصحّة عند عدم اختباره، وحكي عن ثالث اعتبار أحد الأمرين في صحّة بيعه إمّا اشتراط الصحّة فيه وإمّا البراءة عن العيوب، هذا ولا يهمّنا التعرّض إلى كلماتهم في المقام ولابدّ من التكلّم في أصل المسألة وما تقتضيه القاعدة فيها إذ لم يرد في ذلك رواية أو شيء آخر من الأدلّة النقلية»(1).

الجهة الثانية: حكمه

لابدّ في بيع ما لايفسده الاختبار من الاختبار «إذ المفروض اختلاف قيمته باختلاف طعمه وريحه أو غيرهما من الأوصاف التي لها مدخلية في زيادة قيمة المبيع وفي اتّصافه بالصحّة والفساد، والوجه في ذلك أنّه عند عدم اختباره لا يؤمن من صحّة المبيع وفساده

ص: 280


1- التنقيح في شرح المكاسب 2/451.

وهو أمر خطري يستلزم الغرر، لأنّ الجهل بالكيفية قد يوجب الغرر بأكثر ممّا يوجب الجهل بالكمية من الكيل والوزن ولعلّه ظاهر، كما لا إشكال في كفاية اشتراط الصحّة في صحّة المعاملة فيه لأنّه يتمكّن من فسخها عند ظهور الفساد وعدم صحّة المبيع وبهذا يرتفع الغرر لا محالة ولكن اشتراط الصحّة ممّا لا حاجة إليه في المعاملة لما أشرنا إليه سابقا من أنّ الصحّة ممّا يعتبره العقلاء في المعاملات ويشترطونها في جميع الأشياء والأُمور من دون حاجة إلى اشتراطها في ضمن المعاملة، وعليه فإذا باع أو اشترى شيئا على وجه الاطلاق من دون أن يشترط فيه الصحّة في المعاملة فلزوم المعاملة أيضا متوقّف على صحّة المبيع وعدم عيبه، لأنّ المطلق ينصرف إلى الصحيح فكأنّه قد اشتراه من البائع بهذا الشرط في المعاملة فيرتفع الغرر بذلك لا محالة»(1).

الفرع الثاني: بيع ما يفسده الاختبار

قال العلاّمة في القواعد: «ولو أدّى اختباره إلى الإفساد كالبطِّيخ والجوز والبيض جاز بيعه بشرط الصحّة، فإن كسره المشتري فخرج معيبا فله الأرش خاصّةً إن كان لمكسوره قيمة، والثمن بأجمعه إن لم يكن كالبيض الفاسد»(2).

وقال السيّد العاملي بعد قوله: «بشرط الصحة»، «إجماعا كما في المقتصر(3) والظاهر اتّفاقهم على الجواز في الجملة وإن اختلفوا في إطلاقه وتقييده، فالأكثر كما في

المهذّب البارع(4) والمقتصر(5) على أنّ ابتياعه جائز مطلقا. وفي الرياض أنّه الأشهر.(6)وهو صريح المبسوط(7)

ص: 281


1- التنقيح في شرح المكاسب 2/452.
2- قواعد الأحكام 2/22.
3- المقتصر: في البيع /166.
4- المهذّب البارع: في البيع 2/359.
5- المقتصر: في البيع /166.
6- رياض المسائل: في شروط العوضين 8/139.
7- المبسوط: في حكم المبيع إذا وجد به عيبا 2/135-134.

والسرائر(1) والتحرير(2) والمختلف(3) والمقتصر(4) وجامع المقاصد(5) وغيرها(6)، وظاهر الشرائع(7) والنافع(8) وغيرهما(9). وفي المقنعة(10) والمراسم(11) أنّ بيعه جائز بشرط الصحّة. وفي الوسيلة(12) جاز بيعه على الصحّة والبراءة من العيوب. وفي النهاية(13) أنّ ابتياعه جائز على شرط الصحّة والبراءة من العيوب. وهو المنقول(14) عن الكافي»(15).

والحاصل: «أمّا ما يفسده الاختبار فلا ينبغي الإشكال في عدم اعتبار الاختبارفيه لأنّ الفرض أنّ الاختبار يوجب فساده ويمنع عن الانتفاع به، والبيع إنّما هو لأجل الانتفاع بالمبيع فيما يريد المالك الانتفاع به فيه، نعم ربما يكون الغرض من الابتياع استهلاكه بالأكل ونحوه وفي مثله لا مانع عن الاختبار لأنّه لا يوجب سقوطه عن الانتفاع به في الأكل، وأمّا في غيره من الموارد التي يمنع اختبار المبيع فيها عن أن ينتفع به مالكه

ص: 282


1- السرائر: في بعى الغرر والمجازفة 2/332-331.
2- تحرير الأحكام: في بيع الغرر 2/350.
3- مختلف الشيعة: في بيع ال غرر والمجازفة 5/262-261.
4- المقتصر: في البيع /166.
5- جامع المقاصد: في العوضين 4/95.
6- كرياض المسائل: في شروط العوضين 8/139.
7- شرائع الإسلام: في شرائط المبيع 2/19.
8- المختصر النافع: في البيع /119.
9- كمسالك الأفهام: في شروط المبيع 3/179.
10- المقنعة: في بيع ما يمكن معرفته بالاختبار /610.
11- المراسم: في بيع الأعدال المحزومة... /180.
12- الوسيلة: في بيع الغرر /247-246.
13- النهاية: في بيع الغرر و المجازفة /404.
14- الكافي في الفقه: في البيع /354.
15- مفتاح الكرامة 13/52.

فلا وجه لاعتبار الاختبار فيه أبدا بل لابدّ في صحّة بيعه»(1)... من إخبار البائع بالوصف الكمالي إذ بدونه يحتمل فيه الخطر والغرر والمفروض عدم إمكان اختباره لأجل الفساد بالاختبار وهذا الإخبار كالشرط يترتب عليه الخيار في فرض عدم تحقق الوصف الكمالي.

وفي فرض عدم وجود الوصف الكمالي يجوز بيعه باشتراط الصحة أو بالاعتماد على أصالة الصحة في المبيع لأجل بناء العقلاء على هذا الاشتراط في البيع، فاشتراطه وعدمه سيان لتحقق هذا الشرط على أساس بناء العقلاء في البيع واللّه العالم.

الجهة الثالثة: مقالة الشيخ الأعظم ونقدها

«ممّا ذكرنا يظهر أنّ ما ذكره شيخنا الأنصاري(2) قدس سره من التفصيل ممّا لا يمكن المساعدة عليه حيث فصّل قدس سره بين الموارد التي يتوقّف معظم المالية والانتفاعات بالمبيع على وصف الصحّة فلابدّ من إحرازها بالاختبار ونحوه وبين الموارد التي لا يتوقّف معظم المالية على وصف الصحّة فلا يجب إحرازها ومثّل للأوّل بما إذا طهرت الجارية المبيعة خنثى حيث إنّ الانتفاع من الجارية في الطبخ والكنس وغيرهما من وظائف النساء والاستمتاع ونحوه يتوقّف على عدم كونها خنثى وإلاّ فتفوت عنه تلك الانتفاعات كما لا يخفى، ومثّل للثاني بما إذا ظهرت الجارية ممّن لا تحيض وهي في سنّ من تحيض فإنّ ذلك عيب إلاّ أنّه لا يوجب انتفاء أكثر المالية عن الجارية لتمكّنه من الاستمتاع والانتفاع بها في الكنس والطبخ، نعم لا يحصل منها الولد فقط، والتزم ببطلان المعاملة في الصورة الأُولى دون الثانية واستشكل فيما ذُكر من أنّ أصالة السلامة من الطرق التي يعتمد عليها العقلاء في مقام إحراز الصحّة والسلامة في المبيع بأنّ أصالة السلامة إنّما يعتمد عليها العقلاء فيما إذا كانت الصحّة والسلامة في المبيع محرزة سابقا وحينئذ يعتمد على صحّته السابقة وسلامته في المعاملة، دون ما إذا لم تحرز الصحّة في المبيع سابقا.

ص: 283


1- التنقيح في شرح المكاسب 2/451.
2- المكاسب 4/294-293.

والوجه في عدم إمكان المساعدة عليه: أنّ أصالة الصحّة والسلامة ليست من طرق الإحراز عند العقلاء مطلقا من دون فرق في ذلك بين إحراز الصحّة في المبيع سابقا وبين عدم إحرازها فيه كذلك، إذ لم يثبت بناء من العقلاء على اعتبار بقاء وصف الصحّة فيما إذا

كانت موجودة سابقا، والاستصحاب أمر تعبّدي يثبت من الأخبار لا ببناء العقلاء كما ذكرناه في محلّه، فأصالة الصحّة في مقام إحراز السلامة ممّا لم يثبت بناء العقلاء عليها بوجه، نعم لو أُريد من ذلك أنّ العقلاء بنوا على اشتراط الصحّة والسلامة في المبيع بحيث

إذا ظهر المبيع معيبا يتمكّن المشتري من الفسخ لأجل هذا البناء من دون حاجة إلى بيان ذلك وذكره في المعاملة، فقد عرفت أنّه كذلك إلاّ أنّ ذلك لا يفرّق فيه بين كون الصحّة موجودة في السابق أو غير موجودة، وكون معظم المالية متوقّفة على وصف الصحّة أو غير متوقّفة، لأنّ العقلاء في جميع ذلك بنوا على اشتراط الصحّة من العيب في المعاملات.

وكيف كان فما أفاده قدس سره في المقام ممّا لا يمكن المساعدة عليه، وقد عرفت أنّ اشتراط الصحّة فيما لا يفسده الاختبار وإن كان ممّا لا بأس به إلاّ أنّه لا حاجة إليه بعد بناء العقلاء على اشتراط الصحّة في المبيع من غير أن يحتاج فيه إلى ذكرها في العقد والمعاملة»(1).

الجهة الرابعة: هل يعتبر البراءة من العيوب؟

قال العلاّمة: «مسألة: قد اختلف عبارة علمائنا هنا، فقال المفيد: ممّا لا يمكن اختباره إلاّ بافساده كالبيض الّذي لا يعرف جيّده من رديئه إلاّ بعد كسره فابتياعه جائز

بشرط الصحة، فإن وجد فيه فاسد كان للمبتاع ما بين قيمته صحيحا ومعيبا(2)، وكذا قال سلاّر(3).

ص: 284


1- التنقيح في شرح المكاسب 2/454-452.
2- المقنعة /610-609.
3- المراسم /180.

وقال الشيخ: ابتياعه جائز على شرط الصحة أو البراءة من العيوب(1). وكذا قال أبوالصلاح(2)، وابن حمزة(3).

وقال ابن البرّاج: وأمّا ما لا يمكن اختباره إلاّ بافساده فلا يجوز بيعه إلاّ بشرط الصحة أو البراءة من العيوب، فإن باع بخلاف ذلك لم يكن البيع صحيحا.

وهذه العبارة تُوْهِم ا شتراطَ أحد القيدين في العقد، إمّا الصحة أو التبري من العيوب، وليس بجيّد، بل الأولى انعقاد البيع، سواء شرط أحدهما أو أخلاه عنهما أو شرط العيب. والظاهر انّه انّما صار إلى هذا لإبهام عبارة الشيخين حيث قالا: «إنّه جائز على شرط الصحة أو بشرط الصحة» ومقصودهما: انّ البيع بشرط الصحة أو على شرط الصحة جائز؛ لأنّ جوازه مشروط بالصحة أو البراءة»(4).

أقول: «المعروف من معنى «البراءة من العيوب» - كما سيأتي في مسقطات خيار العيب إن شاء اللّه تعالى - هو عدم تعهّد البائع للعيب المعلوم أو المحتمل، وأنّه لا خيار للمشتري لو بان له عيبٌ في المبيع. ولكن مراد [الشيخ الأعظم] بالتبرّي هنا بقرينة قوله في: «اشتراط الوصف أو السلامة»(5) سلامة المبيع من العيب»(6).

وكيف ما كان «إن كان المراد من البراءة من العيوب هو إحراز كلّ من البائع والمشتري كون المبيع سليما عن العيوب وصحيحة، هذا هو المراد ظاهر [الشيخ الأعظم] حيث ذكر في أواخر كلامه أنه ظاهر عبائرهم المتقدمة «اشتراط الوصف أو السلامة منالعيوب فيما يفسده الاختبار»(7) بحيث يكون البيع غير غرري وان كان المراد من البراءة

ص: 285


1- النهاية /404؛ النهاية ونكتها 2/185.
2- الكافي في الفقه /354.
3- الوسيلة /247-246.
4- مختلف الشيعة 5/262.
5- المكاسب 4/292.
6- هدى الطالب 8/438.
7- المكاسب 4/292.

من العيوب التبرى منها بحيث يبيع المتاع على ما هو عليه من الصحيح والفساد سواء ظهر فاقدا لأوصاف الصحة أو واجدا لها لا يكون خيار للمشتري ويشترط المشتري على البائع في الثمن أيضا، هذا الاشتراط فهذا البيع غرري بلا شبهة فيكون الاشتراط مؤكدا للغرر فيبطل البيع للغرر بناء على مانعيته عن البيع فلا يرتفع الغرر بالاشتراط وعلى الاجمال فلا وجه لاشتراط هذا الشرط أصلاً، فانه ان كان راجعا إلى اشتراط الصحة فذكره تكرار وان كان بمعنى التبري فاشتراطه مؤكد للغرر فلا يكون رافعا له»(1).

الجهة الخامسة: الاستدلال برواية محمّد بن العيص أو الفيض

رواها البرقي عن أبي سليمان الحذّاء عن محمّد بن فيض قال: سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل يشتري ما يذاق، أ يذوقه قبل أن يشتريه؟

قال: نعم، فليذقه ولا يذوقنَّ ما لا يشتريه.(2)

ورواها الشيخ الطوسي بإسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيى عن أبي جعفر عن داود بن إسحاق الحذّاء عن محمّد بن العيص.(3)

ورواها صاحب الوسائل(4) عنهما.

سند البرقي: لا بأس به لأنّ أبا سليمان الحذاء هو داود بن إسحاق(5) وللصدوق(6)إليه طريق معتبر عندي وعدّه المجلسي(7) ممدوحا كما نقل عنه

ص: 286


1- مصباح الفقاهة 5/434.
2- المحاسن 2/238، ح368.
3- التهذيب 7/230، ح4.
4- وسائل الشيعة 17/375، ح1، الباب 25 من أبواب عقد البيع وشروطه.
5- تنقيح المقال 26/135، رقم 7778.
6- من لا يحضره الفقيه 4/526، باب المشيخة.
7- الوجيزة في علم الرجال /229، رقم 140، قال العلاّمة المجلسي في آخرها وذكر الطُرُق والأسناد: «وإلى داود بن إسحاق ض ر ح، م ر ح». مراده: سند الصدوق إلى داود بن إسحاق ضعيف أو ممدوح [على مختاره]، وداود نفسه مجهول أو ممدوح [على مختاره]، وهذا الأخير هو مراد الوحيد البهبهاني - رحمهما اللّه - .

الوحيد(1) وذهب نجل المامقاني إلى «أنّ مضمون رواياته وبعض القرائن الأُخرى ترجّح حسنه»(2).

وأمّا محمّد بن الفيض بن المختار فهو من أصحاب الصادق عليه السلام كما ذكره الشيخ(3) والظاهر اتحاده مع محمّد بن فيض التميمي وللصدوق(4) طريق صحيح إلى الأخير وقد حسنّه المجلسي الأوّل(5).

وأمّا سند الشيخ: فطريقه إلى محمّد بن محمّد بن أحمد بن يحيى صحيحٌ وهو ثقة. والمراد بأبي جعفر إمّا أحمد بن محمّد بن خالد البرقي صاحب كتاب المحاسن وهو ثقة أو أحمد بن محمّد بن عيسى وهو أيضا ثقة.

وقد مرّ مدح أو حُسْن داود بن إسحاق أبي سليمان الحذاء آنفا.

وأمّا محمّد بن العيص المذكور في المطبوع من التهذيب فمهملٌ ويمكن قويّا تصحيفه من الفيض وقد مرّ حُسْن محمّد بن الفيض آنفا.

فصار سند الشيخ أيضا لا بأس به أو حسنٌ، وهذا غاية ما يمكن أن يقال(6) في اعتبار سند هذه الرواية.

فالرواية لا تكون مرفوعة كما قاله الفاضل الآبي(7) ولا ضعيفة السند كما قاله

ص: 287


1- تعليقة الوحيد على منهج المقال 5/77، رقم 746 تعليقة الوحيد البهبهاني على هامش منهج المقال /134.
2- تنقيح المقال 26/137 حصيلة البحث.
3- رجال الطوسي /298، رقم 287.
4- من لا يحضره الفقيه 5/485، باب المشيخة.
5- روضة المتقين 14/249.
6- أخذتُ جلّها من صاحب مفتاح الكرامة 13/47.
7- كشف الرموز 1/448.

السيّد الخميني(1) رحمه الله.

وأمّا دلالتها: ذهب الشيخ الأعظم إلى عدم دلالتها على وجوب الاختبار لأنّه «السؤال فيها عن جواز الذوق لا عن وجوبه»(2).

قرّر السيّد الخوئي مقالة الشيخ الأعظم بأنّ السؤال في الرواية «إنّما هو عن جواز الذوق لا عن وجوبه وتعيّنه وأجابه الإمام عليه السلام بجواز ذوق ما أراد أن يشتريه دون ما لا يشتريه كما إذا أخذ بالذوق من الأعناب الموجودة في السوق من أوّله إلى آخره من هذا الدكّان وذاك إلى أن يصل إلى آخره و لا يشتري شيئا من العنب مع أنّه أكل منها بمقدار كثير»(3).

وردّ السيّد الخميني عليهما: «بدعوى: أنّه لو كان بصدد بيان الجواز، والتفصيل فيه بين مريد الاشتراء وعدمه، لكان يقتصر على قوله: «نعم» فقوله: «فليذقه» مصدّرا ب- «الفاء» وتعبيره بالأمر، يدلّ على لزوم الذوق، وليس ذلك إلاّ لرفع الجهالة.

وليس المراد الذوق بلا إذن المالك، فإنّه معلوم الحكم، كما أنّ الذوق مع إذنه لمن يريد الشراء أيضا كذلك، فلا محالة يكون المراد الاستفسار عن الحكم الوضعيّ، وبالغاء الخصوصيّة يتمّ المطلوب، لو لا ضعف السند، فتأمّل»(4).

أقول: «أنّ الرواية لا تصلح لإثبات اعتبار الاختبار إلاّ إذا دلّت على وجوب الذوق. وليس كذلك، لأنّ قوله عليه السلام: «فليذقه» وإن كان أمرا، لكنّه لا يدلّ على الوجوب، لوقوعه في مقام توهّم الحظر، لأنّ الذوق ربما يكون تصرّفا في مال الغير، وهو حرام. وربما يكشف عن ذلك قوله عليه السلام: «ولا يذوقن مالا يشتري» فالأمر مقابل لهذا النهي، وهو

لا يدلّ إلاّ على ارتفاع الحظر، كقوله تعالى: «فَاصْطادَوا»(5) بعد النهي عن الاصطياد

ص: 288


1- كتاب البيع 3/513.
2- المكاسب 4/289.
3- التنقيح في شرح المكاسب 2/455.
4- كتاب البيع 3/513.
5- سورة المائدة /2.

للمحرِم.

وبالجملة: فهذه الرواية لا تصلح لإثبات وجوب الاختبار»(1).

ولذا ذهب الفاضل الآبي(2) إلى عدم دلالتها على محلّ النزاع - وهو هل يبطل البيع بدون الذوق أم لا؟ - وتبعه الفاضل المقداد وقال: «الأمر به [بالذوق] لا يقتضي اشتراطه لجواز أن يكون على سبيل الإرشاد إلى مصلحته واحتياطه في شرائه»(3).

فذلكة القول في المقام

يصح بيع ما لا يفسده الاختبار وما يفسده من دون الاختبار واشتراط صحة المبيع واشتراط الوصف الكمالي، لأنّ الاختبار في ما لا يفسده الاختبار غير لازم وفي ما يفسده الاختبار لا يجوز، وشرط صحة المبيع إرتكازي عند العقلاء لا يحتاج إلى اشتراط البائع وتضمينه، وذكر الوصف الكمالي يصير شرطا بالوصف فلا يحتاج إلى اشتراطه، وهذا مجمل القول في اختبار المبيع، واللّه سبحانه هو العالم.

ص: 289


1- هدى الطالب 8/433.
2- كشف الرموز /447.
3- التنقيح الرائع 2/29.

مسألة: بيع المسك في الفارة

اشارة

مسألة: بيع المسك(1) في الفارة(2)

اللغة

الفأرة بالهمزة وجمعه الفأر كتَمْرَة وتَمْر وقد تترك همزته تخفيفا.(3)

الأقوال

قال الشيخ في المبسوط: «المسك طاهر يجوز بيعه في فأره قبل أن يُفتح(4) ويرى المسك والأحوط أن يباع بعد فتحه»(5).

وقال في الخلاف: «المسك طاهر يجوز بيعه وشراؤه. وبه قال أكثر الفقهاء(6)، وفي النّاس من قال: نجس لا يجوز بيعه، لأنه دم(7).

دليلنا: ان النجاسة حكم شرعي، ولا دلالة في الشرع على نجاسة المسك.

ص: 290


1- بالفارسية: مُشك: ماده خوشبوئى است كه معمولاً از نافه جنس نر آهوى خُتن گرفته مى شود.
2- بالفارسية: نافه.
3- راجع مجمع البحرين 3/433؛ والنهاية 3/433 لابن الأثير مادة «فأر».
4- في النسخ: «يفتق».
5- المبسوط 2/158.
6- المجموع 2/573 و 9/306؛ وعمدة القاري 11/221؛ وإرشاد الساري 4/39؛ وفتح الباري 4/324.
7- عمدة القاري 11/221؛ والمجموع 9/306.

وروى أبوسعيد الخدري انّ النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال: «أطيب الطيب المسك»(1) ولا خلاف ان النبي صلى الله عليه و آله وسلم كان يتطيب به، ولم يكن يتطيب بالنجاسات.

مسألة: يجوز بيع المسك في فأرة، والاحوط أن يفتح ويشاهد، وبه قال ابن سريج.(2)

وقال باقي أصحاب الشافعي: لا يجوز بيعه في فأرة حتّى يفتح.(3)

دليلنا: الآية(4)، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل»(5).

وقال العلاّمة في التذكرة: «المسك طاهر يجوز بيعه في الجملة، وبه قال عامّة الفقهاء.(6)

وحكي عن بعض النّاس: المنع من بيعه؛ لأنّه نجس، لقوله عليه السلام: «ما اُبين من حيّ فهو ميّت»(7) والميتة نجسة(8).

وقد قيل: إنّه دم.(9)وهو خطأ؛ لأنّ النبيّ

صلى الله عليه و آله وسلم قال للأنصاريّة التي سألته عن غسل الحيض: «خُذي

ص: 291


1- انظر ما روي في صحيح مسلم 2/849، ح45؛ وسنن النسائي 5/138؛ ومسند أحمد بن حنبل 3/36 و 40 و 62 و 6/186.
2- المجموع 9/306.
3- مختصر المزني 87/؛ والمجموع 9/306؛ وكفاية الأخيار 1/154؛ وإرشاد الساري 4/63.
4- سورة البقرة /275.
5- الخلاف 3/170، مسألة 277 و 278.
6- المجموع 9/306 وكما في الخلاف 3/170، المسألة 277.
7- سنن أبي داوُد 3/111، رقم 2858؛ المستدرك للحاكم 4/234 نحوه.
8- حلية العلماء 4/102؛ المجموع 9/306؛ الحاوي الكبير 5/334؛ وكما في الخلاف 3/170، المسألة 277.
9- حلية العلماء 4/102؛ المجموع 9/306؛ الحاوي الكبير 5/334؛ وكما في الخلاف 3/170، المسألة 277.

فِرصةً(1) من مسك فتطهّري بها»(2).

ولا دلالة في الخبر؛ لأنّ الغزال يلقيه كما يلقي الولدَ، ويلقي الطير البيضَ. والدم المحرَّم هو المسفوح، فإنّ الكبد حلال وهو دم، وقد روي جواز بيعه عن الصادق عليه السلام.(3)

إذا ثبت هذا، فقد جوّز الشيخُ بيعَ المسك في فأرة وإن لم يفتق، وفتقه أحوط(4)، وبه قال بعض الشافعيّة؛ لأنّ بقاءه في فأرةٍ مصلحة له، فإنّه يحفظ رطوبته وذكاء رائحته، فأشبه ما مأكوله في جوفه(5).

ومَنَع أكثر أصحاب الشافعي وأصحاب أحمد؛ لبقائه خارج وعائه من غير ضرورة، وتبقى رائحته [فلم يجز] بيعه مستورا؛ لجهالة صفته، كالدرّ في الصدف.(6)

والوجه: الصحّة؛ لأنّ صفة المسك معلومة، فيشتريه بشرط الصحّة، كالمذوق قبل ذوقه»(7).

وقال المحقّق العاملي في مفتاحه: «جواز بيع المسك في فأره من دون فتق قد نصّ عليه في المبسوط(8) والشرائع(9) والنافع(10) والتذكرة(11)

ص: 292


1- الفِرْصة: قطعة من صوف أو قطن أو خرفة. النهاية لابن الأثير 3/431 «فرص».
2- صحيح البخاري 1/86-85؛ سنن النسائي 1/(136-135)؛ سنن البيهقي 1/183؛ معرفة السنن والآثار 1/(489-488)، رقم 1461؛ مسند أبي عوانة 1/317.
3- اُنظر: الفقيه 3/143، رقم 628؛ والتهذيب 7/139، رقم 615.
4- المبسوط للطوسي 2/158؛ الخلاف 3/170، المسألة 278.
5- المجموع 9/306؛ العزيز شرح الوجيز 4/24؛ المغني 4/299؛ الشرح الكبير 4/32.
6- الحاوي الكبير 5/335-334؛ المجموع 9/306؛ العزيز شرح الوجيز 4/24؛ المغني 4/299؛ الشرح الكبير 4/32.
7- تذكرة الفقهاء 10/93، مسألة 52.
8- المبسوط: في بيع الغرر 2/158.
9- شرائع الإسلام: فيما تعلّق بالمبيع 2/19.
10- المختصر النافع: في البيع وآدابه /119.
11- تذكرة الفقهاء: في العوضين 10/93.

والإرشاد(1) ونهاية الإحكام(2) والتحرير(3) والدروس(4) واللمعة(5) وحواشي الكتاب(6) للشهيد و جامع المقاصد(7) والروضة(8) والمسالك(9) ومجمع البرهان(10) والرياض(11). وفي المفاتيح قالوه(12). وفي الحدائق(13) أنّه المشهور بينهم من غير خلافيعرف. وفي مجمع البرهان(14) لعلّه لإجماع أو نصّ، فهم ذلك من التذكرة ويأتي أن ليس في التذكرة دعوى إجماع ولا نصّ. وفي الرياض(15) أنّه يجوز بيعه بشرط العلم بمقداره ونحوه ممّا تعتبر معرفته في معاملته وتتفاوت قيمته بتفاوته بلا خلاف، بل في بعض العبارات الإجماع عليه، وهو الحجّة.

قلت: هذه العبارة التي ادّعى فيها الإجماع لم نجدها وليته دلّنا عليها، ولعلّه أراد ما

في مجمع البرهان أو ما في الحدائق»(16).

ص: 293


1- إرشاد الأذهان: في العوضين 1/362.
2- نهاية الإحكام: في المعقود عليه 2/506.
3- تحرير الأحكام: في أقسام الغرر 2/348.
4- الدروس الشرعية: في شرائط العوضين 3/198.
5- اللمعة الدمشقية: في البيع /114.
6- لم نعثر عليه في الحواشي الموجودة لدينا.
7- جامع المقاصد: في العوضين 4/96.
8- الروضة البهية: في شرائط العوضين 3/281.
9- مسالك الأفهام: في شروط المبيع 3/182.
10- مجمع الفائدة والبرهان: في العوضين 8/189.
11- رياض المسائل: في شروط العوضين 8/141.
12- مفاتيح الشرائع: في حكم المجهول إذا ضمّ إلى معلوم وعدمه 3/56.
13- الحدائق الناضرة: في بيع المسك 18/485.
14- مجمع الفائدة والبرهان: في العوضين 8/189.
15- رياض المسائل: في شروط العوضين 8/141.
16- مفتاح الكرامة 13/59 و 60.
أدلة عدم جواز بيعه

1- الجهل بصحة المسك وفساده قبل أن يُفْتَقَ يدخل البيع في عنوان الغرر.

وردّه: قد مرّ منّا أنّ شرط الصحة في المعاملات ارتكازيٌّ عند العقلاء ويمنع عن الغرر، لأنّ على تقدير فساده يثبت للمشتري خيار تخلف الشرط ويندفع الغرر.

2- نجاسة المسك: لأنّه دم منجمد أو جزء مبان من الحي.

ردّه: أوّلاً: انّ المسك غير الدم عرفا، نعم يمكن أن يكون أصله الدم.

ثانيا: على فرض كونه من الدم، يحكم بطهارته بالنص والإجماع.

وثالثا: الدم المسفوح حرام لا غيره، لأنّ الكبد حلال وهو دم كما مرّ من العلاّمة قدس سره.

ورابعا: كلّ جزء مبان من الحي لا يكون نجسا إذا كان على نحو القاء البيض والولد، والمسك نظيرهما كما مرّ من العلاّمة.

وخامسا: قد مرّ في بحث المكاسب المحرّمة أنّ النجاسة بما هي غير مانعة عن البيع واعترف به الشيخ الأعظم(1) في بحث البيع الميتة.

3- الجهل بالوزن يضرّ بالبيع إذا كان المبيع موزونا: والمسك موزون ولكن يباع بغير وزن فيحكم ببطلان بيعه.

وردّه: أوّلاً: فلو باع المسك بالوزن مثلاً فيحكم بالصحة.

ولذا قال جدي الشيخ جعفر رحمه الله: «لا تضرّ جهالته، لجهالة وزن الجلد بعد وزنه معه»(2).

وثانيا: «الفأرة والمسك الّذي فيها لا يباع موزونا بل يباع معدودا فلا يضرّ الجهل بوزنه»(3).

وثالثا: السيرة المتشرعة قائمة على جواز بيع المسك في الفأرة من دون الوزن.

ص: 294


1- المكاسب 1/33.
2- شرح القواعد 2/191.
3- كتاب البيع 3/530، للسيّد الخميني قدس سره.
أدلة جواز بيعه

بعد العمومات والأصل، عدّة من النصوص تدلّ على طهارته أو جواز بيعه:

منها: صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى

عليه السلام قال: سألته عن فارة المسك تكون مع من يصلّي وهي في جيبه أو ثيابه؟ فقال: لا بأس بذلك.(1)

والصحيحة تدل على جواز حمل المسك في الفأرة في الصلاة، وجواز الحمل لا يدلّ على الطهارة، لأنّ حمل النجس في الصلاة لا بأس به، نعم يدلّ على أنّه ليس من الميتة.

ومنها: صحيحة عبداللّه بن سنان، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: كانت لرسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ممسكة إذا هو توضّأ أخذهما بيده وهي رطبة، فكان إذا خرج عرفوا أنّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم برائحته.(2)

الممسكة: ظرف صغير يوضع فيه المسك(3)، ودلالتها على طهارة المسك واضحة.

ومنها: صحيحة أُخرى لعلي بن جعفر، عن أخيه أبي الحسن عليه السلام، قال: سألته عن المسك في الدهن، أيصلح؟ فقال: إنّي لأصنعه في الدهن ولا بأس.(4)

الدهن مايع وجعل المسك فيه واستعماله دال على طهارته.

ومنها: صحيحة ثالثة لعلي بن جعفر في كتابه، عن أخيه، قال: سألته عن المسك والعنبر وغيره من الطيب، يجعل في الطعام؟ قال: لا بأس.(5)

دلالتها على الطهارة واضحة لعدم جواز أكل النجس.

ومنها: صحيحة داود بن سرحان، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: كان معي جرابان منمسك أحدهما رَطِب والآخر يابس، فبدأت بالرطِب فبعته، ثمّ أخذت اليابس أبيعه فإذا أنا

ص: 295


1- وسائل الشيعة 4/433، ح1، الباب 41 من أبواب لباس المصلي.
2- وسائل الشيعة 4/434، ح1، الباب 43 من أبواب لباس المصلي.
3- كما في مجمع البحرين 5/288.
4- وسائل الشيعة 2/150، ح7، الباب 95 من أبواب آداب الحمام.
5- وسائل الشيعة 2/150، ح9.

لا أعطى باليابس الثمن الّذي يسوى ولا يزيدوني على ثمن الرطب، فسألته عن ذلك أيصلح لى أن أنديه؟ فقال: لا إلاّ أن تعلمهم، قال: فنديته ثمّ أعلمتهم، فقال: لا بأس به إذا أعلمتهم.(1)

بتقريب: «أنّ أصل جواز بيع المسك كان واضحا لدى السائل، وإنّما سأل عن جواز إنداء ما يُبس منه لمضيِّ مدّةٍ عليه، فأجاب عليه السلام بالتفصيل بين إعلام المشتري بتبليله حتّى لا يغترّ بأنّ رطوبته أصلية، وبين عدم الإعلام، بالصحّة في الفرض الأوّل، والمنع في الثاني»(2).

فهذه الصحيحة الأخيرة تدلّ بوضوح على جواز بيعه، مع ما مرّ من «أنّه المشهور بينهم من غير خلاف يعرف»(3). واللّه العالم.

ص: 296


1- وسائل الشيعة 18/113، ح4، الباب 9 من أبواب أحكام العيوب.
2- هدى الطالب 8/505.
3- مفتاح الكرامة 13/60.

مسألة: بيع المجهول إذا انضمّ إليه معلوم

اشارة

لا يصح بيع المجهول ولكن هل يصحّحه ضم الضميمة إذا كانت معلومة أم لا؟

أقوال:

الأقوال في المسألة

الأوّل: ذهب المحقّق إلى عدم صحة بيع المجهول مطلقا وقال: «لا يجوز بيع سمك الآجام ولو كان مملوكا لجهالتِهِ، وإن ضُمَّ إليه القصبُ أو غيرُهُ، على الاصحّ؛ وكذا اللَّبَنِ في الضَّرع، ولو ضُمَّ إليه ما يُحتَلَبُ منه؛ وكذا الجلودِ والاصوافِ والأوبارِ والشعرِ على الأنعامِ، ولو ضُمَّ إليه غيرُهُ؛ وكذا ما في بُطونِها؛ وكذا إذا ضمَّها؛ وكذا ما يُلقحُ الفحل(1)»(2).

كما قال به الحلّي(3) والفاضل الآبي(4) والعلاّمة(5) والشهيد(6) والفاضل المقداد(7)

ص: 297


1- التوضيح 2/264: وهو ما يكون من نتاج من لقاح فحل مخصوص؛ فلا يباع منفرد؛ ولا بأس بالضميمة.
2- الشرائع 2/13.
3- السرائر 2/322 و 323.
4- كشف الرموز 1/449.
5- تحرير الأحكام الشرعية 2/345؛ وإرشاد الأذهان 1/362.
6- اللمعة الدمشقية /114.
7- التنقيح الرائع 2/30.

والكركي(1) وثاني الشهيدين(2) والبحراني(3).

الثاني: جواز بيع المجهول إذا ضمّ إليه الضميمة صرح به الشيخ في النهاية(4) والخلاف(5) والمبسوط(6) وقال به أبوعلي وتبعهما القاضي(7) وابن حمزة(8) والأردبيلي(9) والكاشاني(10) والسبزواري(11).

وذهب الفقيه المتتبع العاملي(12) أنّ الصحة هو المشهور بين المتقدمين.

وذهب السيّد الخوئي(13) إلى أنّها هي المشهور بين المتقدمين والمتأخرين.

الثالث: تفصيل صدر من العلاّمة في القواعد(14) وهو القول بالصحة مع الضميمةالمعلومة إذا كان المجهول تابعا للمعلوم وأمّا إذا كان منفردا أو متبوعا للمعلوم فالبيع باطل.

أدلة الأقوال

دليل القول الأوّل - وهو عدم صحة البيع - : القاعدة الأوّلية من بطلان بيع

ص: 298


1- جامع المقاصد 4/110.
2- الروضة البهية 3/282.
3- الحدائق 18/487.
4- النهاية /400.
5- الخلاف 3/155، مسألة 245.
6- المبسوط 2/157.
7- كما نقل عنهما العلاّمة في المختلف 5/247.
8- الوسيلة /246.
9- مجمع الفائدة والبرهان 8/187.
10- مفاتيح الشرائع 3/56.
11- كفاية الأحكام 1/459.
12- مفتاح الكرامة 13/196.
13- التنقيح في شرح المكاسب 2/469.
14- قواعد الأحكام 2/25.

المجهول ولو انضمّ إليه شيء آخر معلوم أيضا، يكون البيع باطلاً للجهل بمقدار المركب من المجهول والمعلوم، والجهل بمقدار المبيع يوجب الغرر وهو يوجب البطلان، هذا بحسب القاعدة الأوّلية.

دليل القول الثاني - وهو صحة البيع منضما إلى معلوم مطلقا - : عدّة من الروايات لابدّ من ملاحظتها:

منها: ما رواه المشايخ الثلاث بسند موثق عن سماعة الثقة قال: سألته عن اللبن يشترى وهو في الضرع؟ فقال: لا، إلاّ أن يحلب لك منه سكرجة فيقول: اشتر مني هذا اللبن الّذي في السكرجة وما في ضروعها بثمن مسمّى، فإن لم يكن في الضرع شيء كان ما في اسكرجة»(1).

ومنها: ما رواه أيضا المشايخ الثلاث بسند صحيح عن أبراهيم بن أبي زياد الكرخي الّذي حُكم(2) بحسنه - قال: قلت لأبي عبداللّه

عليه السلام: ما تقول في رجل اشترى من رجل أصواف مائة نعجة وما في بطونها من حمل بكذا وكذا درهما؟ قال: لا بأس بذلك إن لم يكن في بطونها حمل كان رأس ماله في الصوف.(3)

ومنها: موثقة معاوية بن عمار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: لا بأس أن يشتري الآجام إذا كانت فيها قصب.(4)

ص: 299


1- وسائل الشيعة 17/349، ح2، الباب 8 من أبواب عقد البيع.
2- حكم بصحيحته المجلسي الأوّل في روضة المتقين 14/25 وبحسنه العلاّمة المجلسي رحمه الله في الوجيزة /216، رقم 4 والوحيد استشعر كونه من الثقات في تعليقه على منهج المقال 1/248 و 342 والمامقاني نفي البعد عن حسنه في نتائج التنقيح /5، رقم 46 ونجله في تعليقات تنقيح المقال 3/236 عدّه في الثقات ومع التنزل لابدّ من عدّه حسنا في أعلى مراتب الحسن أقلاً فالمترجم عنده حسن ورواياته من الحسان كالصحاح.
3- وسائل الشيعة 17/351، ح1، الباب 10 من أبواب عقد البيع.
4- وسائل الشيعة 17/355، ح5، الباب 12 من أبواب عقد البيع.

الظاهر أنّه أراد به سمك الآجام لا نفسها(1) كما ورد في الرواية الآتية وما بعدها.

ومنها: خبر أبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام في شراء الأجمة ليس فيها قصب إنّما هي ماء، قال: يصيد كفّا من سمك تقول: أشتري منك هذا السمك وما في هذه الأجمة بكذا وكذا.(2)

ومنها: خبر البزنطي عن بعض أصحابه، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: إذا كانت أجمة ليس فيها قصب أخرج شيء من السمك فيباع وما في الأجمة.(3)

ومنها: صحيحة عيص بن القاسم قال: سألت أباعبداللّه عليه السلام عن رجل له نعم يبيع ألبانها بغير كيل؟ قال: نعم حتّى تنقطع أو شيء منها.(4)

قال الفيض في ذيلها: «أي يشترط أن تنقطع الألبان من الثدي، أي تخلب إمّا كلّها أو بعضها، وأمّا إذا كان كلّها في الثدي ولم يحلب منها بعد لا يجوز بيعها»(5).

وقال الشيخ الحر العاملي: «هذا مخصوص بوجود الضميمة»(6).

مناقشات الشيخ الأعظم على الاستدلال بالروايات

أورد الشيخ الأعظم(7) مناقشات على الاستدلال بالروايات الماضيات:

«الأوّل: أنّ الروايات على تقدير دلالتها والعمل على طبقها تختص بمواردها ولا يمكن التعدّي منها إلى غيرها لأنّها على خلاف القاعدة الأوّلية كما عرفت.الثاني: أنّ مورد الأخبار إنّما هو الشكّ في وجود المجهول كالشكّ في وجود السمك في الأجمة وعدمه ومحلّ الكلام إنّما هو الشكّ في صفة الموجود فوجود المبيع

ص: 300


1- كما عليه العاملي في مفتاح الكرامة 13/199.
2- وسائل الشيعة 17/355، ح6.
3- وسائل الشيعة 17/354، ح2.
4- وسائل الشيعة 17/348، ح1، الباب 8 من أبواب عقد البيع وشروطه.
5- الوافي 18/670، ذيل ح8.
6- وسائل الشيعة 17/349.
7- راجع المكاسب 4/313-311.

معلوم ونشكّ في أوصافه، وهذا غير مورد الروايات كما لا يخفى.

الثالث: أنّ هذه الأخبار لا يمكن العمل على طبقها في مواردها فكيف بالعمل بها في غيرها من الموارد، وذلك لأنّها دلّت على جواز بيع المجهول بضمّه إلى مجهول آخر وهذا ممّا لا يلتزم به أحد.

أمّا ما ورد في بيع السمك فلأنّ السمك من الموزون ولذا ذهبوا إلى جريان الربا في السمك فراجع، وإخراج سمك بيده لا يخرج السمك عن الجهالة فكيف يكون ضمّ ذلك إلى المجهول موجبا لصحّة بيع المجهول.

وأمّا ما ورد في بيع الحمل في بطون الغنم فلأنّ الأصواف المنضمّة إليه مجهولة المقدار ولا يعلم أنّ أصواف النعم على ظهورها أيّ مقدار فالضميمة مجهولة فكيف تصحّح البيع.

وكذا الحال فيما ورد في بيع اللبن في الضرع للجهل بمقدار ما في السكرجة من المحلوب، ومع كون الضميمة مجهولة لا يمكن الالتزام بصحّة المجهول.

هذا ملخّص ما أورده قدس سره على استدلال بالأخبار»(1).

الجواب عن هذه المناقشات

الجواب عن الوجه الأوّل: ما مرّ في بيع العبد الآبق مع الضميمة من أنّ رواياته يدلّ «على تقدير عدم وجدانه الآبق يكون ما نقده بازاء ما اشترى معه بمنزلة التعليل للحكم بالجواز، وهو بيان للمناط في جواز بيع المجهول مع الضميمة والروايات الواردة فيما نحن فيه أيضا مشتملة على التعليل، وعليه فلا مانع من التعدّي عن موارد الأخبار إلى غيرها، هذا مع أنّ السائل في الروايات لم يكن يحتمل الخصوصية في المورد قطعا وإنّما سأله عنها من باب المثال حتّى يعرف حكم المسألة في غيره من الموارد.

وأمّا الجواب عن الوجه الثاني: فهو أنّ بيع المجهول بحسب الوجود إذا صحّ بالضمّ إلى معلوم فكيف لا يصحّ بيع شيء معلوم الوجود مجهول بحسب الأوصاف عند

ص: 301


1- التنقيح في شرح المكاسب 2/469 و 470.

الضمّ إلى شيء معلوم، فما أفاده قدس سره من أن مورد الأخبار هو الشكّ في وجود المجهول فلا تشمل ما إذا كان وجود المجهول ثابتا وشككنا فيه بحسب الأوصاف ممّا يتقضي العجب، لأنّ البيع في مثل المجهول بحسب الأوصاف يصحّ بطريق أولى.

وأمّا الجواب عن الوجه الثالث: فهو أنّ الغرض من الأخبار ومحطّ النظر فيها إنّما هو تصحيح بيع المجهول بالضمّ إلى معلوم، وأمّا أنّ المعلوم لابدّ وأن يكون على أيّ

نحو فليست الروايات مسوقة لذلك وإنّما هي تدلّ على جواز بيع المجهول بالضمّ إلى المعلوم المشروط جواز بيعه بما ذكر في البيع من المعلومية والوزن وغيرهما من الشروط، لا أنّها دلّت على جواز بيع المجهول بالضمّ إلى معلوم لا يعلم قدره أو وزنه بوجه، لوضوح أنّها في مقام بيان الجواز في المجهول بضمّه إلى معلوم على الشروط المذكورة في صحّة بيع ذلك الضميمة المعلومة، هذا.

مضافا إلى أنّ الضمائم من أين استكشفنا جهالتها في الروايات:

أمّا في ضمّ الأصواف إلى بيع الحمل في البطون فلاحتمال انفصالها عن ظهور الغنم ومعلومية مقدارها، أو احتمال معلوميتها على ظهورها لأجل تعيين أهل الخبرة على وجه لا يوجب الغرر.

وأمّا ضمّ اللبن في السكرجة فلاحتمال أنّ السكرجة كانت كيلاً معيّن المقدار وكان اللبن الموجود فيها معلوم المقدار لا محالة.

وأمّا السمك فهو أيضا كذلك لاحتمال العلم بوزنه ومقداره، على أنّا نمنع من كون السمك من الموزون بل هو يباع بالوزن تارة وبالعدد أُخرى كما لا يخفى على من لاحظ موارد بيع السمك، فإثبات جهالة الضمائم في الروايات على عهدة مدّعيها. وأمّا جريان الربا في السمك فهو ليس مستندا إلى كونه من الموزون بل هو من جهة قاعدة أنّ كلّ شيء كان موزونا في زمان أو في بلد يجري فيه الربا ولو كان ذلك الشيء من المعدود في مكان آخر أو بلد آخر فلا تغفل، وكيف كان فلا مانع من الاستدلال بالأخبار في المقام، هذا»(1).

ص: 302


1- التنقيح في شرح المكاسب 2/472-470.

نختم الكلام بذكر مقالة صاحب الجواهر رحمه الله حيث يقول: «لكنّ الإنصاف: عدم جواز الجرأة على طرح هذه النصوص، التي فيها الصحيح والحسن والموثّق وغيرها، المشتملة على التعليل المناسب، المعمول بها بين الطائفة أجمع - وإن اختلفوا في كيفيّته -

التي يمكن دعوى حصول القطع بمضمونها في الجملة، خصوصا بعد: ملاحظة ورودها في مقامات متعدّدة، والقطع بعدم تقيّد تقضي بها - إن لم يكن الأمر بالعكس - وفتوى الأصحاب بها في الجملة، وتعاضدها وكثرتها، بل ظاهرها أنّ ذلك طريق احتيال شرعي في التخلّص عن المفسد، نحو ضميمة غير الجنس إلى الربوي وبيعه بالأزيد منه من جنسه»(1).

دليل القول الثالث: - وهو تفصيل العلاّمة في القواعد(2) - و هذا القول «خيرة

المختلف(3) وشرح الإرشاد لفخرالإسلام(4) وتخليص التلخيص والمقتصر(5) والمسالك(6) واستحسنه في الروضة(7) ومال إليه .و قال به في المهذّب البارع(8). وفي جامع المقاصد(9) وتعليق الإرشاد(10) وهو حسن إلاّ أنّ فيه إعراضا عن الأخبار»(11).

ص: 303


1- الجواهر 13/712 و 713 22/444.
2- قواعد الأحكام 2/25.
3- مختلف الشيعة: في بيع الغرر والمجازفة 5/251.
4- شرح إرشاد الأذهان للنيلي: المتأجر /47، س24 من كتب المكتبة المرعشي برقم 2474.
5- المقتصر: المتأجر /167.
6- مسالك الأفهام: في شروط المبيع 3/180.
7- الروضة البهية: في شرائط العوضين 3/282.
8- المهذّب البارع: المتأجر 2/360.
9- جامع المقاصد: في العوضين 4/110.
10- حاشية الإرشاد (حياة المحقّق الركيك¨ وآثاره): 9/342.
11- مفتاح الكرامة 13/195.

وفي المسالك(1) ومجمع البرهان(2) والمفاتيح(3) أنّه المشهور بين المتأخرين.

وقال السيّد العاملي: «وليتأمّل في نسبته إلى المتأخرين فكأنّها لم تصادق محزّها»(4).

ما المراد من التبعية في هذا التفصيل؟

استظهر الشيخ الأعظم(5) من كلمات الفقهاء وجوها في معنى التبعية هنا:

«الأوّل: ما يظهر من القواعد(6) والتذكرة(7) وغيرهما من أنه إذا كان المجهول شرطا في المبيع بحيث يدخل في ملك المشتري يحكم بصحة البيع وجهالة الشرط لا تضر بصحة البيع، بخلاف ما إذا جعل جزءا من المبيع بأن يكون الثمن بإزاء المجموع من المعلوم والمجهول في مدلول الإيجاب والقبول، وعلى ذلك فلو باع العبد لا يدخل ماله في المبيع بناءً على تملكه المال. نعم، مع اشتراط دخوله في المبيع يدخل العبد في ملك المشتري مع ماله على النحو الّذي كان مالكا للمال عند البائع. وأما إذا قيل بعدم جواز تملك العبد وجعل المال جزءا من المبيع لأعتبر فيه شرائط البيع، ومنها معلوميته.

الثاني: ما عن جامع المقاصد(8) والمحكي عن الشهيد(9) فإنه قد ذكر الأوّل في ردما تقدم في بيان التابع: أن عبارة العقد لا اعتبار بها، وأنّ ما قيل: من أنه لو كان حمل الحيوان جزءا من المبيع لكان باطلاً وإن جعل شرطا صح غير صحيح، بل بيع الأُم مع

ص: 304


1- المسالك 3/180.
2- مجمع الفائدة والبرهان 8/185.
3- مفاتيح الشرائع 3/57.
4- مفتاح الكرامة 13/195.
5- راجع المكاسب 4/313 وما بعدها.
6- القواعد 2/85.
7- التذكرة 10/66 تذنيب.
8- جامع المقاصد 4/389.
9- الدروس 3/216؛ والروضة البهية 3/313.

حمله محكوم بالصحة؛ لأن الحمل تابع شرطا أو جزءا، ولو باع العبد مع ماله يدخل ماله أيضا في المبيع إن قلنا بأن العبد يملك، سواءً جُعل جزءا أو شرطا، وإن قلنا بأنه لا يملك

لا يصح جعل المال في المبيع، إلاّ إذا كان معلوما؛ لأنه ليس بتابع على هذا القول. والمتحصل من كلامه أنّ ما يُعدّ تابعا عرفا، بأن يكون الشيء محسوبا عرفا من فروعات المبيع كالحمل بالإضافة إلى الأُم، وكل ما لا يكون كذلك فلا يجوز كونه مجهولاً، سواءً أتى بصورة الاشتراط أو بصوره الجزء، كما أنه لا يفرق في كون الشيء تابعا كما ذكر بين تعلق الغرض الشخصي من المتبايعين أو أحدهما بتمليكهما وتملكهما معا في مقابل الثمن، أو كان غرضهما أو غرض أحدهما تمليك المتبوع وتملكه أو التابع، كما يتفق الأخير في شراء بعض أفراد الخيل، حيث يكون الغرض الأصلي تملك حمله.

الثالث: أن يكون كون الشيء تابعا أم لا بقصد المتعاقدين نوعا، وإذا كان الغرض الأصلي للمتعاقدين غالبا في تملك المجهول والمعلوم خصوص المعلوم، كما إذا كان الثمن في البيع بمقدار يشترى به المعلوم، فلا تضر جهالة الآخر، سواءً جعل جزءا أو شرطا، وإذا نعكس الأمر يحكم ببطلان البيع من غير فوق بين جعل المجهول جزءا أم شرطا.

الرابع: أن يكون الميزان في كون الشيء تابعا للغرض الأصلي للمتعاقدين بشخصهما، فإنه لو كان الغرض الأصلي لهما تمليك وتملك المجهول فيحكم ببطلان البيع جعل جزءا أو شرطا وإذا انعكس الأمر يحكم بصحته.

الخامس: أن الميزان في كون الشيء تابعا للغرض العقدي للمتعاقدين دون الغرض الأصلي الباطني، نظير ما قد يفعله المتعاقدان في التخلص عن المخاصمة المحتملة مستقبلاً في متاع لعارض من العوارض من إجرائهما البيع على متاعٍ آخر لا يحتمل النزاع فيه وجعل الآخر تابعا، ولكن لا يخفى أن مرجع هذا الوجه إلى الوجه الأوّل من ذكر المجهول في عبارة العقد شرطا فيكون تابعا»(1). أو إلى الوجه الرابع فتأمل.

ص: 305


1- إرشاد الطالب 5/200-197.

السادس: «قد يُذكر للتابع وجه آخر، وهو كون المجهول مذكورا في عبارة العقد بعد ذكر المعلوم أوّلاً، وعلى ذلك تحمل الروايات الواردة في ضم المعلوم إلى المجهول.

ولكن لا يخفى فساده؛ لأنه لا يفهم فرق في مدلول الكلام بين أن يذكر المعلوم أوّلاً، بأن يقول: «بعت ما في الاسكرجة من اللبن وما في الضرع بكذا»، أو يقال: «بعت ما

في الضرع وفي الاسكرجة بكذا».

أضف إلى ذلك ما ورد في بيع العبد الآبق من ذكر المجهول أوّلاً، وفي صحيحة رفاعة النحاس قال: «سألت أباالحسن موسى عليه السلام قلت له: أيصلح أن أشتري مع القوم الجارية الآبقة، واُعطيهم الثمن وأطلبها أنا؟ قال: لا يصلح شراؤها، إلاّ أن تشتري منهم معها ثوبا أو متاعا، فنقول لهم: أشتري منكم جاريتكم فلانة، وهذا المتاع بكذا وكذا درهما، فإن ذلك جائز»(1).

وظاهرها جواز جعل المجهول متبوعا في عبارة العقد»(2).

التبعية عند الشيخ الأعظم
اشارة

ذكر الشيخ الأعظم(3) «عدم الفرق في بطلان البيع بضم المجهول من غير فرق بين كون الضم بنحو الجزئية أو الشرطية للغرر الحاصل بالجهالة. نعم، إذا كان المجهول تابعا عرفيا للمعلوم بنحو ما تقدم من إضافة البيع إلى المعلوم عرفا بحيث لا يعد المجهول أمرا آخر منضما إلى المبيع، بل من فروعاته، فإن أتى الفرع بصورة جزء المبيع في عقد البيع بطل للجهالة، وإذا أتى بطور الشرط فلا يكون داخلاً في الغرر كما لا يكون داخلاً في معقد الإجماع على كون المبيع معلوما. هذا في التابع الّذي لا يدخل في ملك المشتري من غير جعله شرطا أو جزءا، وأما التابع الّذي يدخل في المبيع وينتقل إلى المشتري ولو كان مغفولاً عنه حين البيع ولم يذكر فيه بجزء أو شرطٍ فالظاهر عدم كون جهالته مضرة بصحة

ص: 306


1- وسائل الشيعة 17/353، ح1، الباب 11 من أبواب عقد البيع وشروطه.
2- إرشاد الطالب 5/200.
3- راجع المكاسب 4/315 وما بعدها.

البيع، إلاّ إذا أوجب جهالة ذلك التابع جهالة المتبوع، وهذا خارج عن محل الكلام في الضميمة؛ لأن الكلام فيها أن جهالة المجموع من الشيء والضميمة توجب بطلان البيع أو أن معلومية الضميمة كافية في صحته، وأما إذا كان المتبوع الّذي جرى عليه البيع مجهولاً بجهالة سارية إليه من التابع فليس من موارد الكلام في المقام»(1).

احتمالات معنى التبعية في الميزان

«الوجه الأوّل: - وهو التفصيل بين ما إذا كان المجهول شرطا أو جزءا - لا يصح في النصوص الواردة في الضميمة، فإن ظاهرها جواز جعل المجهول جزءا ولكنها لا تعم ما إذا كان المجهول من قبيل المكيل أو الموزون أو المعدود، ولو كان المجهول منها فلابدّ من التفصيل بين جعل المجهول شرطا أو جزءا فيصح على الأوّل ويبطل البيع بالإضافة إلى المجهول على الثاني. وصحته على الأوّل مبني على ما هو الأظهر من أن الغرر في البيع موجب لبطلانه وأما الشرط فلا يبطل بالغرر، كما أن الشرط المزبور لخروجه عن البيع، حيث إنه تمليك الشيء بالعوض، لا يوجب الغرر فيه.

وبتعبير آخر: ولو يكون الشرط من العقد فيعمه أيضا وجوب الوفاء بالعقد، إلاّ أنه لا يدخل في البيع ومجرد كونه غرريا لا يوجب الغرر في البيع، فما ذكر الشيخ الأعظم(2) رحمه الله من عدم الفرق بين جعل المجهول جزءا أو شرطا ضعيف غايته، بل لو قلنا بأن الغرر في الشرط يوجب بطلانه فالباطل هو الشرط فقط، ولا يسري إلى البيع؛ لما يأتيفي محله من أن بطلان الشرط لا يوجب بطلان أصل البيع. وهذا فيما إذا كان الشرط بمعنى المشروط أمرا آخر لا يرجع إلى خصوصية المبيع أو الثمن، كما هو الفرض في مسألة الضميمة.

وإذا كان الشرط بمعنى المشروط أمرا راجعا إلى خصوصية في أحدهما فالشرط على تقدير كونه غرريا يبطل ويوجب بطلان أصل البيع أيضا، كما إذا باع المتاع بثمن

ص: 307


1- إرشاد الطالب 5/200.
2- المكاسب 4/320.

واشترط أنه لا يسلمه إليه إلاّ في زمان شائه، فبطلان البيع في الفرض باعتبار كونه غرريا كما لا يخفى.

[الوجه الثاني]: فقد تحصل أن التابع العرفي الّذي لا يندرج في المبيع من غير أخذه جزءا أو شرطا لابد من إحرازه من أخذه في المبيع جزءا، ولا تضر الجهالة به فيما إذا أخذ شرطا فإنه يزيد عن الشرط غير التابع، وأما التابع الّذي يدخل في المبيع من غير

حاجة إلى ذكره في العقد جزءا أو شرطا أم لا، كمفتاح الدار وبيض الدجاجة، فجهالته لا توجب صدق الغرر في البيع أصلاً.

[الوجه الثالث]: وأما كون الميزان في التابع الغرض النوعي من المتعاقدين بالمعنى المذكور في المختلف(1) من شراء المجموع بثمن يساوي الضميمة المعلومة

فيحكم بصحته لعدم الغرر وشرائه بثمن يزيد عنه بمقدار يعتنى به فيحكم ببطلانه للغرر.

فلا يمكن المساعدة عليه؛ لأن الغرر يصدق على البيع في الفرض الأوّل أيضا ولو بالإضافة إلى البائع.

[الوجه الرابع]: وكذا الحال على احتمال الغرض الشخصي، فإن كون غرض المشتري تملك الضميمة فقط بإزاء الثمن لا يخرج البيع عن كونه غرريا عرفا، حيث إن الصدق عندهم لا يكون بملاك الغرض الشخصي من المتبايعين.

نعم، لو كانت القيمة السوقية للشيء لاتختلف، سواءً أُحرزت جميع خصوصيات الشيء أو لم تحرز، كخصوصية باطن الثوب، فلا يضرّ الجهل به مع إحراز عنوان المبيع؛ ولذا يشترى الثوب ولا يدرى أن بطانته قطن مصنوعي أو زراعي ويشترى الثوب ولا يدرى أن مادته من النايلون أو القطن... إلى غير ذلك مما يتعارف الشراء في السوق من غير إحراز بعض الخصوصيات. ولا يدخل البيع بالجهل المزبور في عنوان الغرر ولو فيما فرض أن المشتري على تقدير علمه بواقع تلك الخصوصية لم يقدم على شرائه، وهذا أمر

ص: 308


1- المختلف 5/248 و 251.

آخر لا يرتبط بمسألة الضميمة»(1).

أقول: أمّا الوجه الأوّل: فما ذكره شيخنا الأستاذ قدس سره من عدم تماميته مع نصوص المسألة صحيحٌ وأمّا استدراكه بقوله: «ولكنها لا تعم ما إذا كان المجهول...»(2). فلا يتم عندي لأنّ كثير ما ورد من النصوص لا يخرج من المكيل أو المعدود أو الموزون. فالتفصيل بين هذه الثلاثة وغيرها بما ذكره شيخنا الأستاذ غير تام.

أمّا الوجه الثاني: وهو التابع العرفي: النصوص يعارضه لأنّ لايصدِّقُ أحدٌ أنّ سمك الأجمة تابع لشيءٍ من السمك أو كفٍ منه عرفا، وكذا لا يصدق أنّ ما في ضروع الغنم أو البقر تابع اللبن الّذي في السكرجة عرفا وكذا غيرهما، فنصوص المسألة ينفي هذا

الوجه.

وأمّا الوجه الثالث: وهو الغرض النوعي في معنى التبعية: ردّ شيخنا الأستاذ قدس سره ما ورد في كلام العلاّمة رحمه الله في المختلف في هذا المجال، وأمّا بمعنى جعل المعلوم بما هو الغرض النوعي إلى بيعه وجعل المجهول تابع له، فرّده نصوص المسألة لعدم ورود هذه التبعية فيها.

وأمّا الوجه الرابع: وهو الغرض الشخصي في معنى التبعية: فيردّها نصوص المسألة، كيف يوجد الغرض الشخصي في شيءٍ من السمك أو كفا منه أو اللبن الّذي في السكرجة وغيرها؟!

وأمّا الوجه الخامس: وهو الغرض العقدي دون الغرض الأصلي الباطني في معنى التبعية: فيردّها أيضا إطلاق نصوص المسألة من عدم وجود الفارق بينهما فيها.

مضافا إلى رجوع هذا الوجه إلى الوجه الأوّل أو الوجه الرابع وقد مرّ عدم تماميتها.

وأمّا الوجه السادس: فقد مرّ عدم تماميته في كلام شيخنا الأستاذ قدس سره وأُضيف إلى كلامه أنّ نصوص المسألة أيضا يردّها كموثقة معاوية بن عمار عن أبي عبداللّه عليه السلام: «لا

ص: 309


1- إرشاد الطالب 5/203-201.
2- إرشاد الطالب 5/201.

بأس بأن يشترى الآجام إذا كان فيها قصب»(1). من تقديم سمك الآجام المجهولة على قصبها المعلومة بناءً على أنّ المراد بالآجام سمكها لا نفسها كما مرّ(2).

وبالجملة: ما دلّ عليه النصوص هو القول الثاني في المسألة - قول شيخ الطائفة ومن تبعه - من جواز بيع المجهول إذا ضمّ إليه الضميمة المعلومة واللّه سبحانه هو العالم.

ص: 310


1- وسائل الشيعة 17/355، ح1.
2- راجع صفحة 300 من هذا المجلد.

مسألة: جواز الإندار لظروف المبيع

تبيين الإندار

الإندار هو الإسقاط والإحطاط كما إذا وزن الزيت مع ظرفه فكان عشرة كيلوات وأسقط البائع كيلوا للظرف مع الجهل بكون وزنه كيلوا بالدقة فيحتمل كونه أزيد منه أو أقلّ فعلى تقدير الزيادة يتضرّر المشتري وعلى تقدير النقيصة يتضرّر البائع.(1)

قال فخرالمحقّقين: «نص الأصحاب على أنّه يجوز الإندار للظروف بما يحتمل الزيادة أو النقيصة، فقد استثنى من المبيع أمرٌ مجهول واستثناء المجهول يبطل البيع إلاّ في هذه الصورة فإنّه لا يبطل إجماعا»(2).

وقال السيّد العاملي: «وظاهره دعوى الإجماع»(3).

فجواز الإندار يعني: «إسقاط مقدارٍ معينٍ للظرف الّذي فيه المظروف وهو الدّهن أو الدبّس أو العسل أو شيءٌ آخر.

هذا النوع من المبيع يعامل على انحاءٍ:

تارةً يعامل على الظرف والمظروف معا وهذه المسألة وصورها سيأتي الكلام فيها فيما بعدُ.

وأُخرى: يعامل على المظروف دون الظرف ولكن يندر لظرفه واسقاطه عن مقدار

ص: 311


1- راجع هدى الطالب 8/567.
2- شرح الإرشاد / مخطوط، نقل عنه في مفتاح الكرامة 13/229.
3- مفتاح الكرامة 13/229.

المبيع وهذا، هو محلّ الكلام كما يوزن العطر والسّمن مع ظرفهما واسقاطُ وزن الظرف عن وزن الكلِّ.

لا إشكال في صحّة هذا النوع من المعاملة ويصّح الإندارُ أيضا ووَرَدَتْ به الروايات واطبقت النّص والفتوى هنا.

ولكن مقتضى القاعدة المذكورة سابقا، عدم صحّة هذه المعاملة ولتصحيح هذه المعاملة، يجب ان يوزن، وزن الظرف قبلاً ووزن المجموعِ من الظرف والمظروف واسقاط الوزن الحقيقيّ للظرف عن وزن المجموعِ.

وذلك لما قلنا: انّ القاعدة الأوليّة المُستفادة من العمومات والاطلاقات، بطلان معاملة المجهول وعدم صحّة معاملةِ المَكيل والموزون من دون كيلٍ ولا وزنٍ وفيما نحن فيه أيضا لم يعلم وزن الظرف واسقاط وزن المجهولِ عن وزن المجموع المعلوم يوجب كون المبيع مجهولاً.

فتجويز الاندار، يُوجَبُ ان جوّرنا بيع المبيع الّذي استثنى منه وزنُ المجهولِ فصار المبيع مجهولاً فهو تخصيصٌ في أدلّة مانعيّة الجهالة وهو تخصيصٌ في أدلّة اعتبار الوزن والكيل في الموزون والمَكيل.

ومن هنا: صرّح فخر المحقّقين أعلى اللّه مقامه [كما مرّ] أنّ مرجع هذه المعاملة إلى استثناء المجهول فيلزمه ان يكون الباقي وهو المبيع أيضا مجهولاً وزنا وكيلاً فهو تخصيصٌ في الدَّليلَيْنِ:

دليل اعتبار الكيل والوزنِ.

ودليلُ اعتبار العلم والنّهي عن الغررِ.

ومعاملة المجهول باطلٌ إلاّ في هذا المورد اجماعا.

وذلك، يستفاد من كلمات صاحب الجواهر(1) رحمه الله: انّ الإندار في ضمن العقد، لا

ص: 312


1- قال صاحب الجواهر 23/719 22/449: «... فإنّه وإن كان غررا وجهالةً إلاّ أنّه قد هوّنه - بعد جريان العادة به - قلّة التضرّر به؛ لكونه يسيرا كتفاوت المكاييل والموازين ونحوها ممّا وقعت المسامحة به في العادة على وجهٍ ينتفي الغرر معه عرفا».

يصدق عليه الغرر وذلك: انّ المفروض: انّ العادة جرت في ذلك والعادة، مبنيٌّ على الغالب فبناءً عليه، هذه المعاملة عند العرف، متعارفٌ وغير غرريٍّ.

وهذا فيما إذا قلنا انّ الاندار، حصل عند المعاملة وامّا إذا لم يكن الاندار ملحوظا حين المعاملة بل بعد المعاملة فيمكن صدق الغرر عليه»(1).

الأقوال في المسألة

الأوّل: جواز الإندار بشرطين:

1- تعارف الإندار بهذار المقدار في هذه المعاملات.

2- عدم العلم بزيادة ما يندره.

وهو مختار الشيخ في النهاية(2) وابني حمزة(3) وإدريس(4) والعلاّمة في نهايته(5).

الثاني: هو القول الأوّل بانضمام عدم العلم بالنقيصة أيضا واختاره العلاّمة في التحرير(6).

الثالث: اعتبار الشرط الأوّل في القول الأوّل فقط وهو تعارف الإندار بهذا المقدار حِتى مع العلم بالزيادة أو النقيصة وهو خيرة الشهيد في ظاهر اللمعة(7) وثانيه في الروضة(8).الرابع: التفصيل بين ما يحتمل الزيادة والنقيصة فيجوز مطلقا وما علم زيادته فجوازه بشرط التراضي وهو خيرة المحقّق في الشرائع قال: «يجوز أن يُنْدَرَ للظروف ما

ص: 313


1- تحقيق وتقريرات في باب البيع والخيارات 5/410.
2- النهاية /401.
3- الوسيلة /246.
4- السرائر 2/324.
5- نهاية الإحكام 2/536.
6- تحرير الأحكام الشرعية 2/348.
7- اللمعة الدمشقية /114.
8- الروضة البهية 3/284.

يحتملُ الزيادةَ والنقيصةَ ولا يجوز وضع ما يزيد إلاّ بالمراضاة»(1).

وتبعه العلاّمة في هذا التفصيل في القواعد(2) وتبعهما السبزواري في الكفاية(3).

الخامس: هو القول الرابع بانضمام العلم بالنقيصة إلى العلم بالزيادة يعني لو احتمل الزيادة والنقيصة جاز أمّا لو علم بالزيادة أو النقيصة لم يصح البيع إلاّ بالتراضي وهو خيرة المحقّق الكركي في جامع المقاصد(4) وتبعه أصحاب المسالك(5) ومجمع الفائدة والبرهان(6) ومستند الشيعة(7).

السادس: مناط جواز الإندار عدم الغرر ومناط المنع هو الغرر وهذا مختار جدي الشيخ الأكبر كاشف الغطاء قدس سره في شرح القواعد(8) وتبعه في ظاهر الجواهر(9) كما مرّ(10).

هذه هي الأقوال الستة التي ذكرها الشيخ الأعظم(11).

فلابدّ من بعدها ملاحظة الروايات الواردة في جواز الإندار حتّى نرى أنّها تؤيد أيَّالقول من الأقوال في المسألة فنقول:

ص: 314


1- الشرائع 2/13.
2- قواعد الأحكام 2/26.
3- الكفاية 1/461.
4- جامع المقاصد 4/115.
5- المسالك 3/182.
6- مجمع الفائدة والبرهان 8/190.
7- مستند الشيعة 14/359.
8- شرح القواعد 2/286.
9- الجواهر 23/719 22/449.
10- راجع صفحة 312 من هذا المجلد.
11- المكاسب 4/321 و 322.
الروايات الواردة في جواز الإندار

عدّة من الروايات تدلّ على جواز الإندار:

منها: موثقة حَنّان بن سَدير قال: كنت جالسا عند أبي عبداللّه عليه السلام فقال له معمر الزيات: إنا نشتري الزيت في زِفاقه ويحسب لنا فيه نقصان لمكان الزقاق؟ فقال: إن كان يزيد وينقص فلا بأس، وإن كان يزيد ولا ينقص فلا تقربه.(1)

زقاق جمع زِقّ بمعنى القِرْبَة وبالفارسية: مَشْك، خيگ.

ولكن في الكافي(2) «فيحسب» بدل «يحسب» وكذا في التهذيب(3).

تقريب دلالتها على جواز الإندار: سال معمّر الزيات «عن حكم شراء الزيت في زقاقه، وأنّ البائع يحطّ شيئا من الوزن لأجل الزقّ، وربما لا يكون المقدار المندَر مطابقا

لوزن الظرف واقعا، فأجاب عليه السلام بالتفصيل بين صورتين:

إحداهما: أن يزيد تارةً وينقص أُخرى، ولا مانع منه.

ثانيتهما: أن يزيد المندَر دائما على وزن الظرف، فلا يجوز.

وجملة: «فيحسب لنا النقصان» ظاهرة في ترتّب الإندار على الشراء، فتدلّ بالالتزام على صحّة البيع، وأنّ الإسقاط يكون في مقام الوفاء وأداء الحقّ، وهذا هو التقريب الّذي استظهره الشيخ الأعظم قدس سره وفاقا للمشهور من جعل الإندار مترتّبا على بيع المظروف المجهول، بشرط حطّ شيءٍ للظرف»(4).

تقريب آخر: لكن احتمل المحقّق الإصفهاني تقريبا آخرَ وقال: «وظاهر قوله «فيحسب لنا» ترتب حساب النقصان على الاشتراء، فهو من الاندار بعد البيع، فيكون مورد السؤال هو الاندار بعد البيع؛ فيكون دالاً بالالتزام على صحة المعاملة، ويحتمل أنْتجعل الفاء تفسيرية فيكون بيانا لكيفية الاشتراء فيوافق الصورة الثانية من الاندار؛

ص: 315


1- وسائل الشيعة 17/367، ح4.
2- الكافي 10/116، ح4 5/183.
3- التهذيب 7/40، ح256.
4- هدى الطالب 8/595.

فتكون المعاملة المشتملة على الاندار صحيحة، ولا ظهور للفاء في ترتيب أمر خارجي على مثله، بل يعم مثل ترتب المفصل على المجمل كما في نظائره في المقام وغيره، فتدبر»(1).

ويرى المحقّق الإيرواني أنّ «الظاهر من موثّقة حنان هو أنّ ذلك لأجل تصحيح العقد مقدّمةً له وأنّ العقد بدونه باطل، كما هو قضيّة قوله عليه السلام: «فلا تقرّبه» وهذا صريح رواية قرب الإسناد(2)»(3) الآتية.

أقول: إنّ الإندار عملٌ عاديّ في المعاملات لعلم المشتري والبائع به، وجرت عليه العادة وهو المتعارف في بعض المعاملات وحيث يكون كذلك فيصير كالشرط الضمني الإرتكازي للعقد فهو وإن كان مقارنا للعقد ولكن حيث يكون متعارفا وعاديّا وارتكازيا في المعاملات ولو لم يذكر في العقد يجري حكمه بعد العقد كما لا بأس بذكره قبل العقد والتوافق عليه، فالإنذار يجوز قبل العقد بالتوافق عليه وحينه وبعده في الموارد التي تعارف الإندار ويكون عاديّا.

هذا كلّه بالنسبة إلى أصل الإندار ولكن الموثقة يفصل بين إذا كان ما يُندر ربّما يزيد وينقص من وزن الظرف فلا بأس به وإذا ما يُندر دائما يزيد على وزن الظرف ولا ينقص منه أبدا فلا يجوز بعقد البيع.

نعم، يمكن القول بجوازه بالتراضي في الصورة الأخيرة أيضا ولكنه خروج عن مورد الموثقة.

ومنها: خبر علي بن أبي حمزة البطائني قال: سمعت معمر الزيات يسأل أبا عبداللّه عليه السلام فقال: جعلت فداك إني رجل أبيع الزيت - إلى أن قال - : فإنه يطرح لظروف السمن والزيت لكلِّ ظرف كذا وكذا رطلاً، فربما زاد وربما نقص؟ فقال: إذا كان ذلك عن

ص: 316


1- حاشية المكاسب 3/397.
2- وسائل الشيعة 17/367، ح3.
3- حاشية المكاسب 3/626.

تراض منكم فلا بأس.(1)

هذه الرواية ضعيفة من حيث السند بالبطائني واشترط التراضي في الصورة التي حكم في الرواية السابقة بصحتها ولم يذكر فيها التراضي، فهل النسبة بينهما من قبيل المطلق والمقيد ولابدّ من تقييد الموثقة بخبر البطائني كما عليه صاحبا الحدائق(2) والجواهر(3)؟!

والشيخ الأعظم قدس سره منع إطلاق الموثقة ردّا عليهما ويراها مقيدا بالتراضي لوجهين:

«الوجه الأوّل: «المفروض في السؤال هو التّراضي، لأنّ الحاسب هو البائع أو وكيله وهما مختاران والمحسوب له هو المشتري»(4).

حاصل هذه الوجه أنّ الاندار، بنفع الآخذ والمشتري فيتحقّق الرّضا قطعا.

وفيه: انّه ليس الاندار، بنفع المشتري على كلّ حال بل يكون على ضرره على احتمالٍ لأنّه ورد في الموثقة: «وإن كان يزيد وينقصُ»(5) يعني إن كان يزيد بنفع المشتري وربما كان ينقص للمشتري يعنى على احتمالِ يكون الاندار على نفع المشتري وعلى احتمالٍ آخر على ضرره فبناءً عليه، ليس الاندار على نفع المشتري دائما حتّى يقال: انّ المشتري لم ترضَ على نفعه فعليه ينبغي أنْ يقال: المحسوب له والمحسوب عليه هو المشتري ولا يجوز ان يقال: انّ المشتري، يكون هو المحسوب له دائما.

والوجه الثاني: «التّحقيق: أنّ مورد السّؤال صحّةُ الاندار مع ابقاء الزّقاق للمشتري بلا ثمنٍ، أو ثمنٍ مغايرٍ للمظروف أو مع ردّها إلى البائع من دون وزنٍ لها فإنّ السّؤال عن صحّة جميع ذلك بعد الفراغ عن تراضي المتبايعين عليه، فلا إطلاق فيه يعمّ صورة عدم

ص: 317


1- وسائل الشيعة 17/366، ح1.
2- الحدائق 18/494.
3- الجواهر 23/719 22/448.
4- المكاسب 4/327.
5- وسائل الشيعة 17/367، ح4.

التّراضي»(1).

وحاصل هذا الوجه أنّ الرواية السّابقة، اشتراءٌ ولا يخلو الشّراء عن التّراضي عادةً.

يرد عليه أوّلاً: انّه لِمَ [ذكر] اِشتراطَ التّراضي في خبر على بن أبي حمزة؟ حيث

ورد فيها: «إذا كان ذلك عن تراضٍ منكم فلا بأسَ»(2).

ومن المعلوم: أنّ الشّرط، له مفهومٌ فيحتمل بمقتضى المفهوم انّه يمكن انْ لا يكون عن التّراضي منكم وهكذا ورد في رواية عليّ بن جعفر: «فلا بأس إذا تراضيا»(3) ومفهومه: انّه إذا لم يتراضيا، ففيه بأسٌ»(4).

وثانيا: سؤال معمّر الزيات عن حكم فعلٍ وقع في الخارج ولا يدلّ على كيفية وقوعه من حيث التراضي وعدمه، فحمل الموثقة على صورة التراضي بواسطة الشراء لا يتم.

ثالثا: قد مرّ منّا في بحث الفضولي صحة البيع لا يحتاج إلى الرضا الكامل الواقعي في صقع نفس المتبايعين بل يحتاج إلى استناد البيع إليهما فلو لم يتراضيا في أنفسهما ولكنّهما أقدما على البيع والشراء فيكون صحيحا عند الكل.

فلا يمكن حمل الموثقة على صورة التراضي ومنع إطلاقها بهذين الوجهين المذكورين في كلام الشيخ الأعظم.

كما لايمكن القول باتحاد الروايتين كما ذهب إليه الفقيه الشريعتمداري رحمه الله بقرينة أنّ السائل فيهما واحدٌ وهو معمّر الزيات ومورد السؤال أيضا واحد وهو الإندار و «لأنّ الزيات إذا سأل عن حكم المسألة في مرتبة فالسؤال عن حكمها مرّة ثانية بعيدٌ جدّا»(5).لأنّ هذه القرائن لا يكفي في الحكم باتحاد الروايتين ولا يبعد السؤال عن حكمٍ

ص: 318


1- المكاسب 4/327.
2- وسائل الشيعة 17/336، ح1.
3- وسائل الشيعة 17/367، ح3.
4- تحقيق وتقريرات في باب البيع والخيارات 5/417.
5- تحقيق وتقريرات في باب البيع والخيارات 5/418.

مرّتين لا سيّما فرض الزيادة والنقصان في خبر علي بن أبي حمزة في كلام السائل، وفي موثقة حنّان في كلام الإمام عليه السلام، مضافا إلى أنّ جواب الإمام عليه السلام في الروايتين يختلف تماما حرفا بحرف، فالحكم باتحادهما لا يتم.

وبالجملة: إلى هنا لا يمكن تقييد إطلاق الموثقة بخبر علي بن أبي حمزة البطائني لعدم تمامية سندها ودلالتها لإمكان حملها على التراضي على أصل البيع لا على الإندار فقط.

ومنها: خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل يشتري المتاع وزنا في الناسية والجوالق فيقول: ادفع للناسية رطلاً أو أقلّ أو أكثر من ذلك أيحل ذلك البيع؟ قال: إذا لم يعلم وزن الناسية والجوالق فلا باس إذا تراضيا.(1)

إذا ذهبنا إلى اعتبار عبداللّه بن الحسن لأنّه من المعاريف ولم يرد فيه قدح فالرواية من حيث السند تكون حسنةً وإلاّ ضيعفة.

والناسية: ظرف تمر أي الگيشة وفي بعض النسخ «البأسنة» وهي الجوالق الغليظ.

والجوالق: وعاء من الأوعية معروف وهو معرب جوال ومعناه بالفارسية: ظرفي كه از پشم بافته مى شود و اشياء را در آن مى گذارند.

دلالتها: هذه الرواية كخبر على بن أبي حمزة تدلّ على اشتراط التراضي في الإندار وعلى فرض اعتبار سندها يمكن تقييد موثقة حنّان بها.

ولكن قال المحقّق الإصفهاني: «وظاهر صدرها من حيث ترتيب «فيقول ادفع... الخ» على اشتراء المتاع كون الاندار بعد البيع، وظاهر ذيلها حيث قال: «يحل ذلك البيع» أنّ الاندار في البيع؛ ولذا سأل عن حلّية البيع ونفوذه بسبب الإندار، إذ من الواضح أنّ الاندار بعد البيع أجنبي عن حلّية البيع به وعدمها، فإمّا أنْ يجعل قوله: «فيقول ادفع... الخ»

بيانا لكيفية الاشتراء فيوافق الذيل، أو يجعل قوله (يحل ذلك البيع) بمعنى يحل البيع بلازمه، حيث إنّ الاندار من توابع البيع المتعلق بما له ظرف فيوافق صدرها، ويوافق ظاهر

ص: 319


1- وسائل الشيعة 17/367، ح3.

موثقة حنان أيضا.

وحيث إنّ المتعارف من الاندار كما عليه المشهور أيضا هو الاندار بعد البيع والسؤال أيضا بحسب العادة عن حكم ما هو المتعارف فيكون المتبع ظاهر موثقة حنان، وعليه ينزّل هذه الرواية فضلاً عن رواية علي بن حمزة، ومنه يعلم أنّه لا وجه لا بقاء كلّ

من الروايتين على ظاهرها؛ بدعوى صحة كلّ من صورتين مع كونها مسوقة لافادة حكم ما هو المتعارف من الاندار»(1).

يُستفاد من الروايات أمورٌ

الأوّل: هل يستفاد منها أنّ الإندار شرط لصحة البيع كما عليه المحقّقان الإيرواني(2) والمؤسس الحائري(3) أو أنّ الإندار يكون في مقام الأداء وتعيين حقّ البائع وجهان بل قولان.

ولكن الظاهر عدم تماميتهما والإندار واقع في البيع وليس شرطا للصحة ولا يكون في مقام الأداء وتعيين حق البائع، بل وقع في البيع من دون أن يكون شرطا لصحته، فالإندار بنظري القاصر جزء للبيع ولا يتم البيع بدونه ولكنه يصح البيع من دون الإندار إذا

لم يرض البائع به والشاهد عليه ظاهر الروايات الماضية.

الثاني: هل يعتبر التراضي في الإندار؟

حيث أنّ الإندار تخمينيٌّ وليس بتحقيقيٍّ ويمكن أن يزيد أو ينقص فيحتاج إلى تراضي المتبايعان إلاّ إذا كان متعارفا فيصير كالشرط الضمني في البيع ولابدّ أن يقبله البائع ولو لم يذكر في عقد البيع.

نعم، إذا شرط من الأوّل أنّه لم يندر شيئا فلا بأس به عملاً بالشرط المذكور في العقد وتقديمه على الشرط الضمني.

ص: 320


1- حاشية المكاسب 3/398.
2- حاشية المكاسب 2/626.
3- كتاب البيع 2/325 تأليف شيخنا آيه اللّه الشيخ محمّدعلي الأراكي قدس سره.

الثالث: الإندار لابدّ أن يكون قبل البيع أو حينه أو بعده؟

لعلّ المشهور ذهبوا إلى أنّه بعد البيع وفي مقام الإداء ولكن حيث جعلناه جزءً للبيع فيمكن أن يكون قبل عقد البيع عن نحو الاشتراط أو حينه أو بعده بلا فرق بين ذلك كلّه.

الرابع: ما ورد في جواب الإمام عليه السلام في موثقة حنّان(1): «إن كان يزيد وينقص فلا بأس» فعلية الزيادة والنقصان في الموارد المتعددة لا احتمالهما كما عليه المؤسس الحائري(2) قدس سره فحينئذ فلا بأس بالإندار وأمّا قوله عليه السلام: «وإن كان يزيد ولا ينقص فلا تقربه» فأيضا فعلية زيادة الإندار دائما على وزن ظرف المبيع فنهى الإمام عليه السلام عن هذا الإندار والبيع، فيكون البيع باطلاً حينئذ لحصول الغرر على البائع دواما وعدم رضايته بهذا الغرر الدائمي، لا سيّما أنّ الذين يتصدون للمحاسبة وأخذ الثمن أو التوزين والتوكيل يكون غير المالك أو وكيله غالبا خلافا للشيخ الأعظم(3) لأنّ المتعارف المباشر في الأمرين الدلال أو وكيله وليسا المالك أو وكيله بحيث يكفى رضايتهما فلذا نهى الإمام عليه السلام عن هذا الإندار الزائد الدائمي في البيع فلا يحمل النهي الوارد في كلامه عليه السلام:

«فلا تقربه» على التعبد كما قيل.

الخامس: هل يقتصر على الظروف المذكورات في الروايات؟

أو يمكن التعدي منها إلى غيرها من الظروف؟ الظاهر جواز التعدي إلى جميع الظروف بلا إشكال وحمل ما ورد في الروايات على سبيل المثال والابتلاء بها في ذاك الزمان.

السادس: هل يجوز الإندار لوسخ أو تراب أو حجر؟هل يجوز الإندار لوسخٍ أو ترابٍ أو حجرٍ أو شيءٍ دخيل في المبيع وليس منه يعبر

ص: 321


1- وسائل الشيعة 17/367، ح4.
2- كتاب البيع 2/327 تأليف شيخنا آيه اللّه الشيخ محمّدعلي الأراكي.
3- راجع المكاسب 4/327.

عنه ب- «عدم الخلوص» في المبيع أم لا؟

ذهب صاحب الجواهر رحمه الله إلى جوازه «ولكن بشرط جريان العادة به وإلاّ لم يجز ذلك للغرر والجهالة»(1).

أقول: أو بشرط رضاية البائع ولو لم تجري العادة به واللّه العالم.

حكم ظهور الخلاف في تقدير الإندار

«إذا ظهر الخلاف وانكشف أنّ التقدير في الزقّ والاندار كان مخالفا للواقع، فحينئذ إذا كان الاندار في مقام تصحيح البيع والمعاملة لا في مقام الأداء بعد إيقاع المعاملة فهو نظير المسألة المتقدّمة في بيع الصبرة على أنّها كذا مقدارا من الوزن ثمّ ظهر أنّها أقلّ أو أزيد عن المقدار الّذي وقع عليه البيع بعينه لأنّه في المقام قد اشترى دهنا على أنّ كلّ رطل منه بكذا وأنّه كذا أرطال ثمّ ظهرت الزيادة أو النقيصة فيه فراجع.

وأمّا إذا كان الاندار في مقام الأداء دون البيع ثمّ ظهر التخلّف في المقدار المندر، فإن كان الاندار في المقدار بالتراضي من البائع والمشتري فلا خيار لأحدهما ولا شيء آخر، والمعاملة صحيحة بلا رجوع أحدهما إلى الآخر، إذ المفروض أنّ كلّ واحد من المتبايعين راضٍ بالمقدار الخارج، فإن كان المقدار المندر أزيد من المقدار الواقعي فالبائع وهب تلك الزيادة من المبيع للمشتري، وإن كان ا لمندر أنقص فالمشتري وهب مقدارا من الثمن إلى البائع فلا يرجع أحدهما إلى الآخر بوجه.

وأمّا إذا كان المقدار المندر غير مبنيّ على المراضاة بل من جهة جريان العادة على إندار ذلك المقدار المندر في مثله مع علم المتبايعين بالعادة فكذلك لا يرجع أحدهما إلى الآخر ولا خيار في البين، لأنّ إندار المقدار مشروط بالشرط الضمني الحاصل ببناء العرف والعقلاء والمفروض أنّهما أقدما على الاندار والمعاملة مع العلم بالحال، فهما راضيان بالاندار المفروض لا محالة فلا رجوع في البين.

وإذا فرضنا أنّهما غير راضيين بالمقدار المندر ولا العادة جرت على إنداره وإنّما

ص: 322


1- الجواهر 23/720 22/449.

حكمنا على المشتري بوجوب دفع المقدار المتيقّن لأصالة عدم وجوب دفع الزائد على المقدار المقطوع ثمّ انكشف الخلاف وظهر أنّ وزن الظرف في الواقع أزيد أو أنقص من ذلك المقدار المندر بالأصل فلا خيار في البين أيضا، بل إن كان المندر أزيد من المقدار الواقعي كان المشتري ضامنا للزيادة للبائع، كما أنّه إذا كان أنقص فالبائع يضمن المقدار الناقص للمشتري مع أنّ المعاملة صحيحة ولا خيار في البين. فتحصّل أنّ الخيار إنّما يثبت بظهور التخلّف فيما إذا كان الاندار في مقام البيع دون مقام الأداء كما لا يخفى، هذا تمام الكلام في بيع المظروف من دون ظرفه»(1).

ص: 323


1- التنقيح في شرح المكاسب 2/485.

مسألة: بيع المظروف مع ظرفه

اشارة

هل يجوز بيع المظروف مع ظرفه الموزون معه وإن لم يعلم إلاّ وزن المجموع من غير إندار؟ «بمعنى أنّه يجعل مجموع الظرف والمظروف مبيعا واحدا بوزنٍ واحد لحصول معرفة الجملة الرافعة للجهالة، ولا يقدح الجهل بمقدار كلّ منهما منفردا ولا كون الظرف غير موزون، لأنّ المبيع هو الجملة لا كلّ فرد بخصوصه، فيحصل العلم بالمجموع ولا يحتاج إلى العلم بكلّ جزء من المركّب بعد العلم بالكلّ كما في سائر ما يباع منضما»(1).

الإجماع في المسألة

المشهور(2) هو الجواز ذهب إليه المحقّق في الشرائع(3)، والعلاّمة في التذكرة(4) والشهيد في الدروس(5) واللمعة(6)، والشهيد الثاني في الروضة(7) والمسالك(8)

ص: 324


1- مفتاح الكرامة 13/234.
2- كما في المكاسب 4/333.
3- الشرائع 2/13.
4- تذكرة الفقهاء 10/90، مسألة 49.
5- الدروس الشرعية 3/199.
6- اللمعة الدمشقية /114.
7- الروضة البهية 3/284.
8- المسالك 3/182.

والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان(1)، والسبزواري في الكفاية(2) والفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع(3).

«منع منه بعض الشافعية وبعض الحنابلة لأنّ وزن الظرف يزيد وينقص ولا يعلم كم بدرهمٍ منهما فيدخل على غرر(4).

والباقون جوّزوه - كما اخترناه - لصحّة بيع كلِّ منهما منفردا، فصحّ مجتمعا. ولأنّه رضي أن يشتري الظرف كلّ رطل منه بدرهم ويشتري السمن كذلك(5)»(6).

وفي الروضة: «قيل: لا يصح حتّى يعلم مقدار كلّ منهما لأنّهما في قوة مبيعين وهو ضعيف»(7).

قال في المفتاح: «لم أظفر بالقائل»(8).

أقول: الظاهر أنّه قدس سره أشار إليه خلاف بعض الشافية وبعض الحنابلة، لا إلى خلاف فقهائنا، والمسألة عندنا اجماعيةٍ كما يظهر من العلامة في التذكرة حيث يقول: «لو باع الدهن بظرفه وقد شاهده أو وصف له وصفا يرفع الجهالة صحّ إذا عرف المقدارعندنا...»(9).

ظاهر كلمة «عندنا» هو الإجماع عند أصحابنا الإمامية كما عليه السيّد العاملي.(10)

ص: 325


1- مجمع الفائدة والبرهان 8/191.
2- الكفاية 1/461.
3- مفاتيح الشرائع 3/53.
4- حلية العلماء 4/110؛ والمهذّب للشيرازي 1/272؛ المجموع 9/319؛ المغني 4/252؛ الشرح الكبير 4/42.
5- حلية العلماء 1104؛ المغني 4/251 و 252؛ الشرح الكبير 4/42.
6- تذكرة الفقهاء 10/90، مسألة 49.
7- الروضة البهية 3/284.
8- مفتاح الكرامة 13/234.
9- تذكرة الفقهاء 10/90، مسألة 49.
10- مفتاح الكرامة 13/235 حيث يقول: «فظاهره الاجماع».

وبالجملة: لم يظهر القائل بالخلاف من الخاصة كما عليه الشيخ الأعظم.(1)

ثمّ تظهر قيمة هذا الإجماع بعد ما وجدنا أنّ الحكم غير منصوص.(2)

مقالة الشيخ الأعظم في المسألة
اشارة

ذكر الشيخ تفصيلاً بين الصورتين:

«إحداهما: ما يجوز بيع المظروف بإندار مقدارٍ للظرف، وفي مثله يصحّ بيعهما معا بالعلم بوزن المجموع، والجهل بمقدار المظروف غير قادحٍ على ما تقدّم في المسألة السابقة. ولا يمنع ضمّ الظرف إليه وبيعهما معا، إذ المفروض اعتياد بيع المظروف منفردا ومع الظرف، لوجود الشرط وهو العلم بمقدار المبيع، وفقد الجهالة المانعة، ومن المعلوم أنّ

الجواز لا ينقلب إلى المنع بضمّ الظرف المجهول وزنه إليه.

ثانيتهما: مالا يكون موضوعا لمسألة الإندار، كما إذا كان متاعان موزونان يضمّ أحدهما إلى الآخر في البيع من دون أن تكون النسبة بينهما نسبة الظرف والمظروف»(3).

ثمّ فصّل الصورة الثانية وبيّن حكمها في الفروض الثلاثة:

«الأوّل: بيعهما معا، وعدم جواز بيع أحدهما بمجرّد العلم بوزن المجموع. وحَكَمَ فيه بالقطع بالمنع، لأجل الغرر الشخصي، بعد عدم كون هذا الفرض صغرى لمسألة الإندار، حيث يقتصر في الصحّة على العلم بوزن المجموع.

ومثّل له ببيع سبيكة(4) من ذهب مردّدةٍ بين مائة مثقال وألف، وضمّ قطعة من الرصاص - مجهولة الوزن أيضا - إليها، ولكن بلغ وزن المجموع ألفي مثقال، فمقدار الذهب مردّد بين المائة والألف، ومقدار الرصاص مردّد أيضا بين الألف والألف وتسعمائة مثقال، ولا ريب في كونه بيعا خطريّا.

ص: 326


1- المكاسب 4/333 حيث يقول: «بل لم يوجد قائل بخلافه من الخاصة».
2- كما اعترف به السيّد العاملي في مفتاح الكرامة 13/234.
3- هدى الطالب 9/7.
4- السبيكه: بالفارسية شمش.

الثاني: انتفاء الغرر الشخصي، وانحصار المانع في التعبّد، من جهة النصوص المعتبِرة للعلم بوزن الموزونات وكيل المكيلات وعدّ المعدودات. وكذا الإجماع على بطلان بيع المجهول كيلاً أو وزنا. كما إذا كان المبيع مقدارا من الرصاص والصُفْر، وعُلِمَ وزن المجموع مع الجهل بوزن كلَّ منهما، وفرضنا تساويهما في القيمة السوقية، فإنّ العلم بوزن المجموع كافٍ، ولا يلزم العلمُ تفصيلاً بوزن كلِّ واحدٍ منهما، نظير بيع مقدار معلومٍ من الأرز والعدس المتساويين قيمةً مع جهالة قدر كلٍّ بخصوصيه.

الثالث: ما يجوز فيه بيع أحد الموزونين منفردا لأجل الإندار بعد معرفة وزن المجموع، دون الموزون الآخر، مثّل له للبيع الفضّة المحشوّة بالشمع المعلومة الوزن، بناءً

على تسامح العقلاء في مقدار الشمع التابع للفضّة وأنّه مثقال أو أزيد أو أقلّ، وعدم تسامحهم في قدر الشمع لو ضمّ إلى غيره في البيع وعُلم وزن المجموع، لكنّه جُهل وزن كلٍّ واحدٍ من المنضمّين. فيقال هنا في مورد التسامح بصحّة البيع، وعدم لزوم معرفة مقدار

كلٍّ منهما منفردا»(1).

التعليق على كلام الشيخ الأعظم

«والّذي ينبغي أن يقال: [1] إنّ الظرف إذا لم يكن من الموزون فلا يمكن القول بجواز البيع للاكتفاء بالعلم بوزن المجموع من المظروف الموزون وظرفه غير الموزون كما إذا كان المظروف سمنا وظرفه من الخزف والسفال، بل لابدّ في صحّة بيع المظروف من العلم بمقداره ولو بالاندار لظرفه بمقدار المعتاد أو المطمأن بكونه كذا مقدار، وذلك لوضوح أنّ المكيل والموزون لابدّ من العلم بوزنه، ولا فائدة في العلم بوزن المجموع منه وممّا هو من المعدود أو غيره ممّا هو خارج عن الموزون كما إذا علمنا بوزن مقدار من الأُرز وكتاب الرسائل فإنّه لا يكفي في صحّة بيع المجموع بوجه، فلا محيص في مثله من الاندار للظرف ثمّ بيعهما معا فيما إذا أراد بيع كلّ واحد من الظرف والمظروف.

وبيع المجموع منهما كما ذكره شيخنا الأنصاري يتصوّر على وجهين:

ص: 327


1- هدى الطالب 9/8 و 9.

[1/أ] فتارة يندر للظرف كذا مقدار فبعد تعيين المظروف بذلك وأنّه خمسة أمنان مثلاً يبيع المجموع من المظروف والظرف معا بعشرة دنانير على أن يكون كلّ منّ من المظروف بدينار ونصف، وحينئذ فيصير مجموع قيمة المظروف سبعة دنانير ونصف لأنّه خمسة أمنان ويكون قيمة الظرف دينارين ونصف دينار.

[1/ب] وأُخرى بعد الاندار يبيع المجموع بعشرة دنانير من غير تعيين لقيمة المظروف.

وهاتان الصورتان وإن كانتا مشتركتين في الحكم بالصحّة مع الاندار والفساد بدونه إلاّ أنّ الفرق بينهما يظهر فيما إذا ظهر الظرف مستحقّا للغير، فإنّه على الأوّل يرجع

المشتري إلى البائع بدينارين ونصف دينار لأنّه قيمة الظرف على المفروض، وأمّا على الثاني فلا تعيين لقيمة كلّ واحد من المظروف وظرفه بل لابدّ من أن يقوّم كلّ واحد منهما بحسب القيمة المتعارفة ثمّ يجمع بين القيمتين ويعلم أنّ المجموع كذا مقدارا ثمّ تلاحظ نسبة قيمة الظرف إلى مجموع القيمتين فيؤخذ من الثمن المسمّى بتلك النسبة كما هو الحال في غيره من موارد الجهل بالقيمة.

فالمتحصّل أنّ بيع المجموع فيما إذا كان الظرف خارجا عن الموزون باطل إلاّ فيما أُندر للظرف مقدار يطمأن به بحسب العادة.

[2] وأمّا إذا كان الظرف أيضا من الموزون كالمظروف فالظاهر أنّ العلم بمقدار المجموع منهما يكفي في صحّة المعاملة مطلقا ولا نتصوّر في ذلك موردا يستلزم الغرر في المعاملة، وذلك لأنّ المراد بالغرر على تقدير اعتبار عدمه إنّما هو الجهل بذات المبيع من أنّه موجودا ومعدوم والجهل بأوصافه التي لها دخل في قيمته كالأوصاف النوعية من الإنسانية والحيوانية، ولابدّ في المعاملة من العلم بأنّ المبيع موجود أو معدوم وأنّه عبد أو شاة وهذا هو معنى الغرر كما ذكرناه سابقا، وأمّا العلم بأنّ قيمة المبيع مطابقة للقيمة السوقية أو أقلّ منها فلا يعتبر في صحّة المعاملة بوجه، مثلاً إذا اشترى الذهب بقيمة أنقص من قيمة الذهب في السوق فلا يحتمل أن تكون المعاملة غررية وباطلة غاية الأمر أنّ البائع له الخيار فيما إذا لم يسقطاه في المعاملة ولا نظنّ فقيها يلتزم بالبطلان في المثال،

ص: 328

وعليه فإذا فرضنا سبيكة ذهب مجهولة المقدار في ظرف من فضّة لا نعلم بمقدارها أيضا ولكن نعلم أنّ مجموعهما أربعون مثقالاً فبعناهما على أنّ كلّ مثقال من المجموع بدرهم فلا يمكن الخدشة في صحّة المعاملة حينئذ ولو مع كون قيمة الذهب أكثر منه في السوق، وقد أشرنا في بيع الصبرة إلى أنّ بيع الصبرة المجهولة المقدار على أنّ كلّ صاع منها بكذا صحيح، لأنّ المفروض أنّه يكيلها ويوزنها، نعم لا يعلم المشتري أنّها أيّ مقدار وصاع ولكنّه سيعرفه بعد وزنها، ومن الظاهر أنّ الذهب إذا كان منفردا في كيس ولم نعلم بوزنه أيضا ولكن بعنا مجموع ما في الكيس على أنّ كلّ مثقال منه بدرهم لم يكن مانع عن صحّته للعلم بذات المبيع ووصفه، وكون الثمن مطابقا للقيمة السوقية غير لازم فالمعاملة صحيحة.

وكذا فيما إذا كانت الفضّة منفردة صحّ بيعها على أنّ كلّ مثقال منها بكذا مع الجهل بمقدار مجموع الفضّة في الكيس، وعليه فلا يحتمل أن يكون بيع كلّ واحد من الذهب والفضّة معا غير صحيح بعد فرض صحّة البيع في كلّ واحد منهما.

فالمتحصّل: أنّه إذا باع السبيكة الذهبية في ظرف من الفضّة المجهول مقدار كلّ واحد من الذهب والفضّة والمعلوم وزن المجموع منهما على أنّ كلّ مثقال منهما بكذا لا يلزم فيه غرر بوجه، وعليه فلا وجه لتفصيل شيخنا الأنصاري قدس سره في المقام بين استلزام البيع الغرر وعدمه، إذ لا نجد موردا يكون البيع فيه غرريا»(1).

فذلكة القول في المقام

«صور المسألة - وهي بيع الظرف والمظروف أو كلّ شيئين منضمّين مجموعا لا كلّ منهما مستقلاًّ وأُريد بيع مجموعهما - ثلاثة:

الأوُلى: ان يكون الظرف والمظروف بحيث يجوز بيع كلّ منهما منفردا بأن يباع أحدهما ولا يباع الآخر معه كما إذا كان الإندار طريقا عرفيّا لكشف مقدار المظروف ففي هذا القسم لا بأس ببيعهما معا وينحلّ البيع إلى بيعين بيع معدود وبيع موزون لعدم الغرر

ص: 329


1- التنقيح في شرح المكاسب 2/490-487.

في كلّ منهما.

الثانية: ان يكون كلاهما من الموزون ولكن لا يصحّ بيع كلّ منهما منفردا لعدم معرفة وزنه بالخصوص وهذا أيضا على قسمين لأنّه [أ] إمّا أن لا يلزم من بيع المجموع معا غرر نوعي كما لو فرض أنهما مساويان في القيمة كأن يكون مقدار من الحنطة في نحاس فلا إشكال في صحّة بيعهما معا لعدم الغرر في البيع ولا يكون من بيع المجازفة أيضا للعلم بوزن مجموع المبيع وإن لم يصحّ بيع كلّ منهما منفردا لعدم المعرفة بوزنه.

[ب] وإن لزم الغرر من ذلك لاختلافهما في القيمة فقد ادّعي الإجماع على الجواز في مورد الإندار.

[ولكن الصحيح] إذا بيع المجموع الموزون على حساب كلّ مثقال بكذا متحقّق شرط البيع بواسطة صيرورة المجموع موزونا فلا يكون البيع من البيع الجزافي ولا يلزم الغرر أيضا لأنّه بيع كلّ منهما بقيمته المعيّنة كلّ مثقال بكذا وفي مقام أداء الثمن يوزن كلّ منهما منفردا ليعلم مقدار الثمن.

نعم لو بيع المجموع بمجموع الثمن المعيّن وكانا غير متساويين في القيمة لا يصحّ البيع للزوم الغرر واختاره الشيخ الأعظم والّذي يقتضيه النظر صحّة هذا البيع أيضا فإنّ المعتبر في صحّة بيع الموزونات تعيّن وزن مجموع المبيع لا وزن خصوص كلّ جزء من المجموع والغرر المنفي هو الغرر الحاصل من الجهل بأصل المبيع أو أوصافه الدخيلة في الماليّة وهذا منتف فيما نحن فيه وإنّما المجهول القيمة السوقيّة للمجموع من جهة الجهل بوزن كلّ منهما منفردا وهذا غير مضرّ قطعا إذ يصحّ شراء شيء لا يعلم قيمته السوقيّة أصلاً وعليه فلو وزن قطعة من الذهب والفضّة وبيع المجموع بقيمة معيّنة يصحّ ذلك لوجود شرائط الصحّة فيه.

وأمّا الصورة الثالثة: فهو ما إذا كان بيع أحدهما المعلوم وزن مجموعها منفردا صحيحا دون الآخر كما إذا كان أحدهما من المعدود وكان عدده معلوما فيصحّ البيع فيه دون الآخر الموزون لعدم معرفة مقداره فيكون بيعه من الجزاف.

ثمّ إنّه في مورد صحّة بيع المجموع لو ظهر أحدهما مستحقّا للغير فيقوّم كلّ منهما

ص: 330

منفردا ويؤخذ من الثمن بحسابه وهذا جار في جميع صور الصحّة وفي صورة بيع المجموع بثمن واحد يثبت خيار التبعّض للمشتري أيضا»(1).

ص: 331


1- تعليقات آيه اللّه الشهيد الشيخ عليأصغر الأحمدي الشاهرودي رحمه الله على كتاب محاضرات في الفقه الجعفري 3/420-417.

مسألة: دفع المال للصرف في قبيلٍ

اشارة

دفع المال إلى الغير للصرف في قبيلٍ خاصٍ أو محلّه «فإن كان ذلك بعنوان ولاية المدفوع إليه على المال كما في اعطاء الوجوهات إلى الإمام أو إلى نائبه وهو المجتهد أو إلى نائبه كوكلاء المراجع للتقليد، فلا ينبغي الإشكال في أنّه يجوز للمدفوع إليه التصرّف في المال لأنّه خرج عن تحت سلطنة المالك بالفرض، ولذا لا يمكنه الرجوع وأخذ ما دفعه إلى الإمام عليه السلام أو نائبه، فولاية التصرف في المال إلى المدفوع إليه وله أن يتصرف فيه أو يدفعه إلى غيره حسب الموازين المقرّرة عليه.

وأمّا إذا لم يكن إعطاء المال إليه بعنوان الولاية بل كان دفعه إلى الحاكم بعنوان الوكالة في صرفه إلى أهله كما إذا جهل الحاكم ولم يعرف أنّ المدفوع إليه حاكم شرعي فدفعه إليه وكالة من قبله في صرف الوجوهات في محلّها، فهل يجوز للمدفوع إليه أن يتصرف فيها بنفسه لأنّه أيضا من أحد المصاديق والأفراد التي يصرف المال إليهم، أو أنّه لا يجوز التصرف فيها بأخذ مقدار منها لنفسه؟

فإن كانت هناك قرينة على رضا المالك في صرف المدفوع إليه من المال أيضا كما إذا صرّح بذلك أو كان كلامه ظاهرا في ذلك بوجه من الوجوه فلا إشكال في جواز أخذ مقدار منه لنفسه، كما أنّه إذا كانت هناك قرينة على عدم رضا المالك بصرفه لنفسه كما إذا

عيّن له مقدارا قبل دفع المال إليه ثمّ دفعه إليه وقال اصرفه في محلّه ولك كذا، فلا كلام في عدم جواز تصرّف المدفوع إليه في المال.

وإذا فرضنا أنّ المالك عيّن أشخاصا مختلفة المراتب في الحصّة في المال كما إذا

ص: 332

قال اصرفه في العلماء للمبتدئين منهم كذا وللمتوسّطين كذا وللمنتهين كذا وللمجتهدين كذا، أو أنّ للمجرّد منهم كذا وللمعيل والمتأهّل كذا، وقد اعتقد المالك أنّ المدفوع إليه من المتوسطين ولكنّه كان من المجتهدين بحسب الواقع، أو اعتقد أنّه مجتهد وكان من المبتدئين، أو اعتقد أنّه مجرد وكان متأهّلاً، أو أنّ المالك عيّن أشخاصا حسبهم مجتهدين وكانوا غير متّصفين بذلك بحسب الواقع.

فإن كان تعيين ذلك على نحو القضايا الحقيقية المعبّر عنها بالموضوعية في كلام شيخنا الأنصاري(1) قدس سره بأن كان الحكم معلّقا على العنوان فلا محالة يتبع في ذلك اعتقاد المدفوع إليه بحسب الواقع دون اعتقاد المالك، إذ المفروض أنّ المال لابدّ وأن يصرف في عنوان المجتهد أو المحصّل، وزيد الخارجي غير متّصف بعنوان الاجتهاد بحسب الواقع فلا يدفع إليه.

وإن كان على نحو القضايا الخارجية التي عبّر عنها شيخنا الأنصاري بالداعي بأن أراد المالك دفعه إلى زيد وعمرو وبداعي اعتقاد الاجتهاد فيهما، فحينئذ لابدّ من اتّباع اعتقاد المالك وصرف المال فيهما وإن لم يكونا بتلك الصفة واقعا، إذ الداعي يتبع الاعتقاد لا الواقع، وهذا كلّه واضح»(2).

وأمّا إذا لم تكن هناك قرينة على إرادة المدفوع إليه وعدمها، فهل يجوز للمدفوع إليه أن يتصرف فيه أم لا؟

مقتضى القاعدة الأوّلية

القاعدة الأوّلية يقتضي عدم جواز التصرف في مال الغير من دون إذنه، لكن بعد توكيل المدفوع إليه في الصرف فهل تنقلب هذه القاعدة إلى الجواز كما مال إليه الفقيه الشريعتمداري(3) رحمه الله وحمل روايات الباب على القاعدة الحديثة أو باق على عدم الجواز

ص: 333


1- المكاسب 4/358.
2- التنقيح في شرح المكاسب 2/504-502.
3- تحقيق وتقريرات في باب البيع والخيارات 5/459.

كما عليه غيره، والثاني أظهر.

وقد اختلف كلمات الفقهاء بل فقيه واحد في هذا الفرع الأخير [إذا لم تكن هناك قرينة] ذهب إلى تحريم الأخذ مطلقا في «وكالة المبسوط(1) وزكاة السرائر(2) ومكاسب النافع(3) وكشف الرموز(4) والمختلف(5) والتذكرة(6) وجامع المقاصد(7) وإيضاح النافع ووصايا [القواعد(8)] وجامع المقاصد(9) ووكالة المبسوط(10) والتحرير(11) وجامع المقاصد(12) في آخر كلامه.وفي النهاية(13) والسرائر(14) في باب المكاسب والشرائع(15) والتحرير(16)

ص: 334


1- المبسوط: في الوكالة 2/403.
2- السرائر: في مستحقّي الزكاة 1/463.
3- المختصر النافع: فيما يكتسسب به /118.
4- كشف الرموز: فيما يكتسب به 1/444.
5- مختلف الشيعة: في وجوه الاكتساب 5/23.
6- تذكرة الفقهاء: في المكاسب المحرّمة 12/148.
7- جامع المقاصد: في أقسام المتأجر 4/43.
8- قواعد الأحكام: في الوصية بالولاية 2/568.
9- جامع المقاصد: في الوصية بالولاية 11/303.
10- قال محقّق الكتاب العلاّمة الشيخ محمّدباقر الخالصي رحمه الله: الظاهر أنّ في المقام وقع تصحيف في الكتاب، ولعلّه كان المذكور بالرمز هو التذكرة فصحّف بالمبسوط كما تدلّ عليه قرينة ذكر التحرير، فراجع التذكرة: في الوكالة [من الطبعة الحجرية]. أقول: ولكن ورد في وكالة التذكرة 15/60 تذنيب مسألة 685: «والمعتمد: الجواز في ذلك كلّه».
11- تحرير الأحكام: في الوكالة 1/267.
12- لم نعثر عليه في جامع المقاصد.
13- النهاية: في المكاسب المحظورة /366.
14- السرائر: في المكاسب المباحة و... 2/223.
15- شرائع الإسلام: فيما يكتسب به 2/12.
16- تحرير الأحكام في المكاسب المكروهة 2/267.

والإرشاد(1) والمسالك(2) والكفاية(3) والمنتهى(4) فيما حكي عنه(5) أنّه يجوز له أخذه منه إن أطلق من دون أن يزيد على غيره. وفي المسالك هكذا شرطه كلّ من يسوّغ له الأخذ(6). وإليه مال المولى الأردبيلي، ونسب عدم جواز أخذه الزيادة إلى ظاهر المجوّزين(7). وقيل: إنّه أي القول بالجواز ظاهر الكليني(8). وفي الدروس نسبته إلى الأكثر(9). وفي الحدائق أنّه المشهور(10)، فتأمّل.

واقتصر على نقل القولين في نهاية الإحكام(11) والدروس(12) والتنقيح(13) والمهذّب البارع(14) والمقتصر(15).ونقل في المهذّب البارع أنّ منهم من فصّل فجوّز له الأخذ إن كانت الصيغة «ضعه فيهم» أو ما أدّى معناه ومنه كان بلفظ «ادفعه»، ويدفعه أنّه في المختلف عنون المسألة في

ص: 335


1- إرشاد الأذهان: في أقسام المتأجر 1/358.
2- مسالك الأفهام: فيما يكتسب به 3/128.
3- كفاية الأحكام: فيما يحرم التكسّب به 88/، س16.
4- منتهى المطلب 15/435.
5- حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة: فيما يكره التكسّب به 18/237.
6- مسالك الأفهام: فيما يكتسب به 3/138.
7- مجمع الفائدة والبرهان: في أقسام التجاة وأحكامها 8/110 و 115.
8- رياض المسائل: في المكاسب المكروهة 8/101.
9- الدروس الشرعية: في مناهي البيع 3/171.
10- الحدائق الناضرة: فيما يكره التكسّب به 18/237.
11- نهاية الإحكام: في المعقود عليه 2/526.
12- الدروس الشرعية: في مناهي البيع 3/171.
13- التنقيح الرائع: فيما يكتسب به 2/20.
14- المهذّب البارع: فيما يكتسب به 2/354.
15- المقتصر: في التجارة /165.

الوضع(1)، مضافا إلى اشتراك الجميع عرفا.

ونقل في التنقيح(2) عن بعض الفضلاء أنّه إن قال هو للفقراء جاز وإن قال اعطه للفقراء، فإن علم فقره لم يجز، إذ لو أراده لخصّه وإن لم يعلم جاز، وهو كماترى إذ لعلّه احترمه وأجلّه عن ذلك»(3).

فلذا لابدّ من ملاحظة روايات المسألة حتّى تبيّن الحكم لنا:

الروايات

وردت عدّه من الروايات في هذا الفرع:

منها: صحيحة سعيد بن يسار قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: الرجل يُعطى الزكاة فيقسمها في أصحابه أيأخذ منها شيئا؟ قال: نعم.(4)

الصحيحة يدلّ على جواز الأخ بتقريب: «إنّ في هذه الرواية، تصريحٌ بجواز أخذ المُقسِم من المال لنفسه مع عدم تصريح صاحب المال بالاذن وعدمه مع انّ العنوان في هذه الرواية، لا يصدق على نفس الآخذ لانّ أصحاب الشّخص، غير الشّخص نفسه سواءٍ كان «أصحابه» باعتبار التّشيّع أو باعتبار خصوصيّاتٍ موجودةٍ في الأفراد ولكن، «أصحابه» يشمل المُقسِمَ والمدفوع إليه بالغرض والدّاعي لانّ المراد من الأصحاب، ان كان هو الشّيعة فهو أيضا منهم وان كان المراد من الأصحاب، المنسوبين لصاحب المال فهو أوْلى منهم.

بالجملة، انّ الكلام الوارد في الرواية، بظاهره لا يشمل الآخذ ولكن يشمله بالغرض والدّاعي فكان منشأ السّؤال في الرواية والشّبهة انّ في موردٍ، لا يُفيد ظاهرَالكلامِ، الإجازةَ وأمّا القرائن الحاليّة فتدلّ على كون الآخذ أيضا مشمولاً لقوله: «في

ص: 336


1- مختلف الشيعة: في وجوه الاكتساب 5/23.
2- التنقيح الرائع: فيما يكتسب به 2/21.
3- مفتاح الكرامة 12/365-363.
4- وسائل الشيعة 17/277، ح1، الباب 84 من أبواب ما يكتسب به. ووسائل الشيعة 9/287، ح1، الباب 40 من أبواب المستحقين للزكاة.

أصحابه» هل يأخذ بالغرض واللّب أو يأخذ لظاهر الكلمة واللّفظ يعني: هل المدار على ظاهر الكلام كما قلنا في باب العقود والايقاعات حيثُ قرّرنا انّه لا يكفى رضا نفس المالك وانّما المعتبر، انشاءُ الإجازة.

أو يقال: انّ التّصرف في ملك المالك، غير العقود والايقاعات حيث يكفي في التّصرفات، طيبُ نفس المالك ولو لم يعلم من طريق الألفاظ.

المُستفادُ من ظاهر الرواية انّ العمل بالغرض والدّاعي، يكفى ولو لم يشمله ظاهر لفظ «الأصحاب» ومثل هذا ليس بعادمِ النّظير كما في شهادة الحال وإذن الفحوى، الداّلانّ على جواز التّصرف والاخذ»(1).

ومنها: صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج عن أبي عبداللّه عليه السلام في رجل أعطاه رجل مالا ليقسمه في المساكين وله عيال محتاجون أيعطيهم منه من غير أن يستأذن صاحبه؟ قال: نعم.(2)

دلالتها على الجواز واضحة.

ومنها: صحيحة الحسين بن عثمان، عن أبي إبراهيم عليه السلام في رجل أُعطي مالاً يفرّقه في من يحلّ له، أله أن يأخذ منه شيئا لنفسه وإن لم يسمّ له؟ قال: يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطي غيره.(3)

دلالتها على الجواز واضحة ولكن قيّده ب- «مثل ما يُعطي غيرَه» ولابدّ من الأخذ بهذا القيد وتقييد الروايات المطلقة به فلا يجوز الآخذ أكثر ممّا يعطي غيره ويجوز مثله.

ومنها: صحيحة أخرى لعبدالرحمن بن الحجاج قال: سألته عن رجل أعطاه رجل مالاً ليقسمه في محاويج أو في مساكين، وهو محتاج، أيأخذ منه لنفسه ولا يعلمه؟ قال: لا يأخذ منه شيئا حتّى يأذن له صاحبه»(4).

ص: 337


1- تحقيق وتقريرات في باب البيع والخيارات 5/461.
2- وسائل الشيعة 17/277، ح2.
3- وسائل الشيعة 9/288، ح2، الباب 40 من أبواب المستحقين للزكاة.
4- وسائل الشيعة 17/277، ح3.

هذه الصحيحة ظاهرها عدم الجواز لورود النهي إلاّ بإذن صاحب المال.

الرواية مضمرة ولكن ورد التصريح بالإمام الصادق عليه السلام في تحرير العلاّمة.(1)

وجوه الجمع بين روايتي عبدالرحمن

الدالة إحداهما على الجواز والثانية على عدمه.

اختلف كلماتهم في الجمع بينهما بوجوه:

الأوّل: تقييد الروايات المجوزة بالرواية المانعة على نحو تقييد المطلقات فيكون المراد من اطلاق قوله عليه السلام «نعم»(2) في الروايات المجوزة، «نعم إذا إستاذن المالك».

وفيه: لا يمكن هذا الحمل في صحيحة عبدالرحمن المجوزة لأنّه ورد فيها: «من غير أن يستأذن صاحبه»(3).

الثاني: حمل الشيخ(4) الروايات المانعة على الكراهة وعلى أخذ أكثر ممّا يعطي غيره.

وفيه: إنّه جمع تبرعي بين الروايات.

الثالث: يرى الفقيه الشريعتمداري رحمه الله أنّ الروايتين واحدة بقرينة الراوي والمروي عنه - على قول العلاّمة في التحرير - والسؤال واحد فلا يمكن أن يروي راوي واحد الجواز والمنع معا «فبناءً عليه يمكن أن يقال: انّ الرّاوي، سأل عن سؤالٍ كان له شِقّان قال

الأمام عليه السلام في أحد الشِّقَيْنِ بقوله: نعم في صورة الإعلام وفي الشِّق الآخر بقوله: لا، إذا لم يعلمه.

وبالجملة: حاصل هذا الجمع، انّه في كلّ موردٍ كانت القرينة، موجودةً على الجوازمنّ الفحوى أو شاهد الحال، يجوز الأخذ وفي كلّ موردٍ ليس كذلك ولا يريد الآخذ أن

ص: 338


1- تحرير الأحكام الشرعية 2/267، مسألة 3042: «وفي رواية عبدالرحمن بن الحجاج عن الصادق عليه السلام المنع».
2- وسائل الشيعة 17/277، ح1 و 2.
3- وسائل الشيعة 17/277، ح2.
4- التهذيب 6/352؛ الاستبصار 3/54.

يعلم صاحب المال، لا يجوز الأخذ»(1).

وفيه: حمل الرواية المجوزة على فرض وجود الفحوى أو شاهد حال خروج عن فرض المسألة وإدخاله في الصورة الأولى وبقي للصورة الثالثة المنع، وهذا ليس جمعا بين الروايتين بل هو أخذ بالرواية المانعة في محل البحث وهي الصورة الثالثة أي إذا لم

تكن هناك قرينة على إرادة المدفوع إليه وعدمها فهل يجوز له أن يتصرف أم لا؟

الرابع: حمل الرواية المجوزة على الزكاة وحمل الرواية المانعة على غيرها من الإنفاقات والصدقات والتقسيمات المستحبة، بقريند قوله عليه السلام: «وهو ممّن تحل له الصدقة»(2).

ويرى الفقيه الشريعتمداري(3) قدس سره إمكان القول بهذا الجمع ولا يبعد الذهاب إليه.

وفيه: هذا ليس جمعا بل خرق للإجماع المركب لأنّ الإصحاب لا يفرقون بين الزكاة وغيرها في هذا الحكم.

الخامس: بين روايتي عبدالرحمن شاهد جمع لابدّ من الأخذ به وهي صحيحة ثالثة له قال: سألت أباالحسن عليه السلام عن الرجل يعطي الرجل الدراهم يقسّمها ويضعها في مواضعها وهو ممّن تحلّ له الصدقة؟ قال: لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يُعطي غيره، قال: ولا

يجوز له أن يأخذ إذا أمره أن يضعها في مواضع مسمّاة إلاّ بإذنه.(4)

ورد فيها لسانان الجواز والمنع فلابدّ من الأخذ بهما والحكم بالجواز إذا كان المُقَسِّم والمدفوع إليه يدخل في أفراد قبيل التقسيم يجوز له الأخذ لنفسه كما يُعطي غيره، وإذا لم يدخل فيهم ولم يكن من المواضع المسماة للتقسيم فلا يجوز له الأخذ إلاّ بإذن من المالك.هذا هو الجمع المختار في المقام والحمدللّه العالم.

ص: 339


1- تحقيق وتقريرات في باب البيع والخيارات 5/463.
2- وسائل الشيعة 9/288، ح3.
3- تحقيق وتقريرات في باب البيع والخيارات 5/465.
4- وسائل الشيعة 9/288، ح3.

مسألة: تَلَقّي الركبان

موضوعه

قال العلاّمة: تَلَقّي الركبان: «وهو الخروج إلى الركب القاصد إلى بلدٍ للشراء منهم، من غير شعور منهم بسعر البلد»(1).

وقال ابن الأثير في معنى التلقي: «هو أن يستقبل الحضريُّ البدويَّ قبل وصوله إلى البلد، ويخبره بكساد ما معه كذبا؛ ليشتري منه سلعته بالوكس، وأقلَّ من ثمن المثل»(2).

الأقوال في حكمه

1- ذهب إلى حرمة تلّقي الركبان ابن الجنيد الإسكافي(3) والشيخ في كتابيه المبسوط(4) والخلاف(5)، وتقيالدين الحلبي والقاضي ابن البراج كما حكى عنهما العلاّمة في المختلف(6)، وابن إدريس في السرائر(7) ويحيى بن سعيد الحلي في الجامع للشرائع(8)

ص: 340


1- القواعد 2/10.
2- النهاية 4/266، مادة «لقا».
3- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة 5/44 ونقل عنده أنّه رحمه الله ذهب إلى بطلان البيع مضافا إلى الحرمة.
4- المبسوط 2/160.
5- الخلاف 3/172.
6- مختلف الشيعة 5/42.
7- السرائر 2/238.
8- الجامع للشرائع /257.

والعلاّمة في المنتهى(1) والشهيد في الدروس(2) والمحقّق الثاني في حواشيه الثلاثة على

الإرشاد والشرائع والمختصر النافع على ما حكى عنه في المفتاح(3)، وصاحب الحدائق(4) ورأها سيّد الرياض(5) أظهر.

والقول بالحرمة موافق للعامّة(6) أو لإجماعهم(7).

2- ذهب إلى الكراهة «أكثر علمائنا»(8) وأنّه «ليس حراما إجماعا»(9).

منهم: المفيد في المقنعة(10) وسالار في المراسم(11) والشيخ في النهاية(12) وابن حمزة في الوسيلة(13)، والمحقّق في الشرائع(14) والنافع(15)، والعلاّمة في التذكرة(16)والمختلف(17)

ص: 341


1- منتهى المطلب 15/326.
2- الدروس الشرعية 3/179.
3- مفتاح الكرامة 12/336.
4- الحدائق 18/55.
5- رياض المسائل 8/279.
6- راجع المجموع 13/23؛ والمغني 4/281؛ وروضة الطالبين 3/80؛ والسراج الوهاج /182.
7- كما يظهر من صاحب مفتاح الكرامة 12/334.
8- نهاية الإحكام 2/517.
9- نهاية الإحكام 2/517.
10- المقنعة /616.
11- المراسم /182.
12- النهاية /375.
13- الوسيلة /260.
14- شرائع الإسلام 2/14.
15- المختصر النافع /120.
16- تذكرة الفقهاء 12/170، مسألة 674.
17- مختلف الشيعة 5/43.

والتحرير(1) والإرشاد(2) والفخر في شرح الإرشاد(3) وإيضاح الفوائد(4)، والشهيد في اللمعة(5) والفاضل المقداد في التنقيح(6)، علي بن عبدالصمد الميسي في الميسية(7)، والشهيد الثاني في الروضة(8) والمسالك(9)، والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان(10).

والحاصل: «عند أكثرنا أو عندنا ليس حراما»(11).

3- القول بالجواز: حكاه السيّد الخوئي

قدس سره في تقريراته الثلاثة(12) واختاره، وهو غير مذكور في الكتب المشهورة.

ودليل الأقوال ليس إلاّ الروايات فلابدّ من ملاحظتها واستفادة الحكم منها.

روايات المسألة
اشارة

وردت عدّة من الروايات في حكمها:

منها: ما رواها العامة عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه قال: لا تَتَلَقّوا الركبان للبيع.(13)

ص: 342


1- تحرير الأحكام الشرعية 2/254.
2- إرشاد الأذهان 1/359.
3- شرح إرشاد الأذهان، مخطوط، نقل عنه في مفتاح الكرامة 12/333.
4- إيضاح الفوائد 1/408.
5- اللمعة الدمشقية /116.
6- التنقيح الرائع 2/39.
7- الميسية، مخطوط، نقل عنه في مفتاح الكرامة 12/333.
8- الروضة البهية 3/297.
9- مسالك الأفهام 3/189.
10- مجمع الفائدة والبرهان 8/134.
11- مفتاح الكرامة 12/334.
12- مصباح الفقاهة 5/481؛ محاضرات في الفقه الجعفري 3/425؛ التنقيح في شرح المكاسب 2/497.
13- مسند أحمد 3/294، ح10138؛ سنن البيهقي 5/348.

بتقريب: نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن التلّقي والنهي ظاهر في الحرمة.

واعترض العلاّمة على دلالتها وقال: «وصورته [أي صورة التلّقي] أن تردّ طائفة إلى بلد بقماش ليبيعوا فيه، فيخرج الإنسان يتلقّاهم فيشتريه منهم قبل قدوم البلد ومعرفة سعره. فإن اشترى منهم من غير معرفة منهم بسعر البلد، صحّ البيع؛ لأنّ في الحديث «فإن تلقّاه متلقّ فاشتراه فصاحبه بالخيار إذا قدم السوق» فأثبت البيع مع ذلك.

إذا ثبت هذا، فإنّه لا خيار لهم قبل أن يقدموا البلد ويعرفوا السعر، وبعده يثبت لهم الخيار مع الغبن، سواء أخبر كاذبا أو لم يخبر. ولو انتفى الغبن، فلا خيار»(1).

منها: خبر منهال القصاب قال: قال أبو عبداللّه عليه السلام: لا تلق، فإن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم نهى عن التلقّي، قال: وما حد التلقّي؟ قال: ما دون غدوة أو روحة، قلت: وكم الغدوة والروحة؟ قال: أربعة فراسخ.(2)

السند ضعيف بمنهال لأنّه مجهول وليس له في الكتب الأربعة إلاّ إثنى عشر رواية، أغلبها في هذا الباب، ودلالتها على الحرمة واضحة.

ومنها: خبر آخر لمنهال القصاب، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: قال: لا تلق ولا تشتر ما تلقى ولا تأكل منه.(3)

السند ضعيف بمنهال كما مرّ ودلالته على الحرمة بل بطلان البيع واضحة لأنّ النهى عن الشراء وعدم الأكل منه يدلّ على بطلان البيع وهذا هو فتوى العامة وتبعهم «ابن الجنيد الّذي لا يزال موافقا للعامة غالبا»(4).

ومنها: خبر ثالث لمنهال القصاب أنه سأل أباعبداللّه عليه السلام عن تلقّي الغنم؟ فقال: لا تلق ولا تشتر ما تلّقى، ولا تأكل من لحم ما تلّقى.(5)

ص: 343


1- تذكرة الفقهاء 12/170.
2- وسائل الشيعة 17/442، ح1، الباب 36 من أبواب آداب التجارة.
3- وسائل الشيعة 17/443، ح2.
4- مفتاح الكرامة 12/334.
5- وسائل الشيعة 17/443، ح3.

سند الصدوق إلى منهال صحيح ولكنّه مجهول والكلام في هذه الرواية كالكلام في الرواية السابقة.

ومنها: خبر رابع عن منهال القصاب قال: قلت له: ما حد التلقي؟ قال: روحة.(1)

السند صحيح إلى منهال ولكنّه مجهول والرواية مضمرة، والنهي عن التلقي مفروض في هذه الرواية وإنّما يسأل منهال عن حدّه وأجيبَ.

أقول: الظاهر أنّ هذه الروايات الأربعة عن منهال القصاب تعدّ رواية واحدة لوحدة الراوي والمروى عنه - وهو الإمام الصادق عليه السلام - ومورد السؤال وهو حكم التلقي و حدّه، فهذه كلّها صارت رواية واحدة(2) إلى هنا.

ومنها: خبر عروة بن عبداللّه عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم: لا يتلقّى أحدكم تجارةً خارجا من المصر، ولا يبيع حاضرٌ لبادٍ، والمسلمون يرزق اللّه بعضهم من بعضٍ.(3)

السند ضعيف ودلالتها على الحرمة واضحة.

واستشكل صاحب الجواهر في دلالة الروايات على الحرمة بقوله: «لقصورها سندا عن إفادة التحريم، خصوصا بعد مخالفتها للمشهور وموافقتها للعامّة.

بل ودلالةً بناءً على فهم ذلك من هذا النهي في هذا المقام، ولو لقوله: «ولا تأكل» المعلوم إرادة الكراهة منه بعد فرض إرادة الإثمّ من النهي عن التلقّي، لا فساد العقد. كمعلوميّة كون المنشأ في ذلك ما أومأ إليه عليه السلام في النهي عن وكالة الحاضر للباد، من إرادة ارتزاق المسلمين بعضهم من بعض»(4).

وتبعه الشيخ الأعظم وقال: «وظاهر النهي عن الأكل كونه لفساد المعاملة، فيكون

ص: 344


1- وسائل الشيعة 17/443، ح4.
2- كما عليه الفقيه الشريعتمداري رحمه الله في تقريراته 5/444.
3- الكافي 10/67، ح1 5/168، ونقل عنه مختصرا في وسائل الشيعة 17/443، ح5 و 17/444، ح1، الباب 37 من أبواب آداب التجارة.
4- الجواهر 23/754 22/471.

أكلاً بالباطل، ولم يقل به إلاّ الإسكافي(1).

وعن ظاهر المنتهى: الاتّفاق على خلافه(2)، فتكون الرواية - مع ضعفها - مخالفة لعمل الأصحاب، فتقصر عن إفادة الحرمة والفساد.

نعم لا بأس بحملها على الكراهة لو وجود القول بكراهة الأكل ممّا يُشترى من المتلقّي، ولا بأس به حسما لمادّة التلقّي.

وممّا ذكرنا يعلم: أنّ النهي في سائر الأخبار أيضا محمولٌ على الكراهة، الموافقة للأصل مع ضعف الخبر ومخالفته للمشهور»(3).

ولكن يمكن أن يجاب: «أنّ كون النهي في فقرة واحدة من الرواية - وهي لا تأكل - محمولة على الكراهة لقرينة خارجيّة لا يصلح أن يكون قرينة على إرادة الكراهة من سائر الفقرات أيضا بقرينة وحدة السياق حيث إنّ النواهي متعدّدة ومستقلّة، نعم لو كان ذلك مستفادا من قرينة داخليّة أو كان النهي واحدا كان للدعوى المذكورة مجال»(4).

والحاصل: لم يبق لنا إلاّ روايتان ضعيفتان تدلان على الحرمة وكثير من الأصحاب أعرضوا عن هذه الدلالة وحملوهما على الكراهة ولم يتم عندنا وجه إعراضهما ولا الحمل على الكراهة، ولكن اثبات الحرمة أو الكراهة بهما مشكل جدّا فيبقى لنا الإطلاقات والعمومات الدالة على جواز البيع وصحته، فنذهب إلى جواز تلّقي الركبان كما عليه المحقّق السيّد الخوئي قدس سره كما مرّ واللّه العالم.

وحيث ذهب إلى جواز التلقّي فالبحث عن حده وشرطه لا يفيدنا فلذا تركناهما،

ص: 345


1- لا يوجد لدينا كتابه، نعم حكاه عنه العلاّمة في المختلف 5/44؛ والشهيد في الدروس 3/179، وغيرهما.
2- حكاه المحدّث البحراني في الحدائق 18/58؛ وراجع المنتهى 2/1005 [من الطبعة الحجرية]؛ وفيه: فالبيع صحيح في قول عامّة العلماء.
3- المكاسب 4/351.
4- تعليقة آيه اللّه الشهيد الشيخ عليأصغر الأحمدي الشاهرودي على كتاب محاضرات في الفقه الجعفري 3/426.

نعم، هنا فرعان لابدّ من التنبيه عليهما:

الفرع الأوّل: ثبوت الخيار

قال المحقّق: «ولا يثبت للبائع الخيار إلاّ أن يثبت الغبن الفاحش، والخيار فيه على الفور مع القدرة، وقيل: لا يسقط إلاّ بالإسقاط وهو الأشبه»(1).

وقد مرّ(2) كلام العلاّمة في التذكرة في «ثبوت الخيار مع الغبن»(3).

قد يقال: بثبوت الخيار للركب إذا دخلوا السوق لقوله صلى الله عليه و آله وسلم: فإذا أتى السوق فهو بالخيار.(4)

ولكن نقول: «الظاهر أنّ المراد بذلك ما إذا ظهر غبن الركب وعرفوا أنّ القيمة السوقية أكثر ممّا أخذوه من المتلقّي وحينئذ فيثبت لهم خيار الغبن من دون حاجة إلى هذه الروايات، وأمّا مع عدم ظهور الغبن فلا وجه للخيار إذ لا موضوعية لدخولهم السوق، لأنّ ظاهر قوله عليه السلام «فإذا أتى السوق فهو بالخيار» أنّه إذا أتى السوق ورأى غبنه بحسب القيمة السوقية فهو بالخيار ولا ظهور فيه في الاطلاق»(5).

وبالجملة: «الأقرب صحة البيع مع ثبوت الخيار مع الغبن»(6).

الفرع الثاني: حكم تلقّي الركبان عام

قال المحقّق الكركي: «إنّ الحكم يعمّ البيع عليهم والشراء منهم كما سنذكره، وهل يعمّ التقلي الصلح وغير ذلك من العقود المملِّكة؟ لا أعلم فيه تصريحا لأحدٍ بشيء،والتعليل يقتضي التحريم»(7).

ص: 346


1- الشرائع 2/14.
2- راجع صفحة 343 من هذا المجلد.
3- تذكرة الفقهاء 12/171.
4- السنن الكبرى للبيهقي 5/348.
5- التنقيح في شرح المكاسب 2/502.
6- مختلف الشيعة 5/45.
7- جامع المقاصد 4/38.

أقول: الظاهر أنّ الحكم أعم من الشراء والبيع وغيرهما من المعاوضات «لإطلاق التجارة الواقعة في بعض الأخبار والروايات(1) وعدم اختصاصها بشيء، وعليه يشمل الحكم لما إذا تلقّى الركب ليبيع منهم شيئا، وكذا تشمل الصلح وغيره من المعاوضات، والظاهر أنّ فعل الخدمة في زماننا هذا وتلقّي الزوّار لأجل الإيجار أيضا من هذا القبيل فيحكم بكراهته أو بحرمته لو قلنا بها في تلقّي الركبان هذا»(2).

ص: 347


1- نحو خبر عروة بن عبداللّه الماضي آنفا، [وسائل الشيعة 17/443، ح5].
2- التنقيح في شرح المكاسب 2/501.

مسألة: بيع الحاضر للباد

المراد من بيع الحاضر للباد هو أن يتولّي الحاضر بيع أموال الباد لمنفعة ذلك الباد وليس المراد منه بيع الحاضر متاعه له وإلاّ فلا إشكال في صحته ولا مانع من أن يبيع الحاضر متاعه ممّن جاء من خارج البلد.

والحاضر إذا باشر بيع متاع الباد حيث «أنّه أعرف بقيمة السوق فيبيعه بالقيمة الزائدة بل لابدّ من أن يكون البادي هو المباشر لبيع أمتعته وربما يبيعها بأرخص ممّا يبيعها الحاضر فينتفع به المشتري منه وهو أيضا يبيعها للمشترين بهذه القيمة الرخيصة فتنتفع بذلك جماعة»(1).

قال العلاّمة: «وصورته: أن يحمل البدوي أو القروي متاعه إلى البلد ويريد بيعه بسعر اليوم ليرجع إلى موضعه، ولا يلزمه مؤنة الاقامة، فيأتيه البلدي ويقوله له: ضع متاعك عندي وارجع لا بيعه لك على التدريج بأغلى من هذا السعر.

وقيل: أن يخرج الحضري إلى البدوي وقد جلب السلعة فيعرفه السعر ويقول: أنا أبيع لك وأكون سمسارا»(2).

والدليل على ذلك: خبر عروة بن عبداللّه الماضي آنفا.(3)

وخبر جابر قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم: لا يبيع حاضر لباد، دعوا النّاس يرزق اللّه

ص: 348


1- التنقيح في شرح المكاسب 2/501.
2- نهاية الإحكام 2/516.
3- وسائل الشيعة 17/444، ح1، الباب 37 من أبواب آداب التجارة.

بعضهم من بعض»(1).

ومفسرة ومصححة يونس قال: تفسير قول النبي صلى الله عليه و آله وسلم: «لا يبيعن حاضر لباد»: أنّ الفواكه وجميع أصناف الغلاب إذا حملت من القرى إلى السوق فلا يجوز أن يبيع أهل السوق لهم من النّاس ينبغي أن يبيعه حاملوه من القرى والسواد، فأمّا من يحمل من مدينة إلى مدينة فإنّه يجوز، ويجري مجرى التجارة»(2).

الأوّلان ضعيفان سندا والثالث مصححة لتوثيق إسماعيل بن مرّار بما ذكره الوحيد(3) من أنّه يروى كتب يونس بن عبدالرحمن، وابن الوليد لم يستثنى منها إلاّ ما ينفرد به محمّدبن عيسى عن يونس ويظهر من هذه العبارة الوثوق به.

ولكنها مضمرة لم ينقل من المعصوم شيئا.

فلا يمكن القول بحرمة بيع الحاضر للباد ولا كراهته لضعف رواياته، فهذا البيع باق على أصله وهو الجواز والصحة واللّه العالم.

ص: 349


1- وسائل الشيعة 17/445، ح3.
2- وسائل الشيعة 17/445، ح2.
3- تعليقة الوحيد البهبهاني على منهج المقال 2/363، رقم 260.

مسألة: التفقه في مسائل التجارات

اشارة

قال المفيد قدس سره : «فينبغي للعبد أن يعرف البيع المخالف للرّبا، ليعلم بذلك ما أحلّ اللّه تعالى، وحرّم من الأعمال في المتأجر والاكتساب»(1).

وقال الطوسي: «ينبغي للإنسان إذا أراد التّجارة أن يبتدأ أوّلاً، فَيَتَفَقَّهَ في دينه، ليعرف كيفيّة الاكتساب، ويميّز بين العقود الصّحيحة والفاسدة. ويَسْلَمَ من الرّبا الموبق

ولا يرتكب المأثمّ من حيثُ لا يعلم به»(2).

وقال المحقّق: «وأمّا الآداب: فيُسْتَحَبُّ أن يتفقه فيما يتولاّه»(3).

وقال العلاّمة: «يستحبّ لطالب التجارة أن يتفقَّه أوّلاً...»(4).

«والّذي ينبغي أن يقال: إنّ تحصيل العلم بالأحكام.

[1] تارة يكون واجبا من جهة حفظ الأحكام عن الاندراس ولأجله يجب تحصيل العلم بالمسائل التي لا يبتلى بها ذلك العالِم المحصّل لها، مثلاً يجب عليه تحصيل العلم بمسائل الحجّ مع القطع أو الاطمئنان بعدم حصول الاستطاعة له أو تحصيل الأحكام المتعلّقة بالنساء مع أنّه لا يبتلى بها، وهكذا في غيرها من الأحكام لأجل التحفّظ عن الاندراس. والوجوب في هذا المقام كفائي فيجب معرفة الأحكام على كلّ واحد من

ص: 350


1- المقنعة /591.
2- النهاية /371.
3- الشرائع 2/14.
4- القواعد 2/13.

النّاس على نحو الكفائي، فلو قام به مَن به الكفاية في معرفة الأحكام بل تدريسها وتعليمها فضلاً عن تعلّمها لسقط عن غيره لا محالة.

والدليل على وجوب التعليم والتعلّم في الأحكام قوله تعالى: «فَلَوْ لاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ»(1)، فإنّها أوجبت التفقّه في الدين على بعضهم دون جميعهم، هذا. ثمّ إنّ الامتثال لهذا الواجب الكفائي لا يمكن إلاّ بالاجتهاد لأنّه الّذي يمنع عن اندراس الأحكام ولا يكفي فيه التقليد بوجه بل يجب الاجتهاد في جميع الأحكام الشرعية وتعليمها على نحو الواجب الكفائي.

[2] وأُخرى يجب معرفة الأحكام ووسائل الحلال والحرام من جهة عمل نفسه ووظيفته لا من جهة حفظها عن الاندراس، وعليه فيجب عليه تحصيل العلم بالأحكام والمسائل التي يحتمل ابتلاءه بها عادة، لتنجّز الأحكام بالعلم الاجمالي بوجودها، وعليه فلو قصّر في تحصيل العلم بالأحكام وارتكب وصادف المحرّم الواقعي يعاقب عليه لا محالة ولو كان حين الارتكاب غافلاً لتقصيره في المقدّمات.

نعم، هناك كلام في أنّ العقاب هل هو على مخالفة الحكم الواقعي المجهول أو على مخالفة الأمر بالتعلّم وترك تحصيل المعرفة بالأحكام، وقد ذهب الأردبيلي(2) [وتلميذه

صاحب المدارك(3) ومال إليه صاحب الكفاية(4) قدس سره في آخر كلامه]. إلى الثاني والمشهور إلى الأوّل، وقد تعرّضنا للخلاف وبيّنا الصحيح منهما [هو الأوّل كما بيّناه] في الأصول(5) فلا نعيد.

وكيف كان، فالوجوب في هذا المقام عيني، ولكنّه إنّما يجب في المسائل التييحتمل ابتلاءه بها عادة لا في جميع الأحكام ولو لم تكن راجعة إليه كمسائل الحجّ مع

ص: 351


1- سورة التوبة /122.
2- مجمع الفائدة 2/110.
3- مدارك الأحكام 3/219.
4- كفاية الاصول /377.
5- مصباح الأصول 2/573، الموسوعة 47.

القطع بعدم حصول الاستطاعة له أو مسائل الزكاة على البقّالين مع اطمئنانهم بعدم حصول النصاب في الزكاة عندهم، وكذا مسائل النساء للرجال أو العكس فإنّ تعليمها وتعلّمها ليس واجبا على من يطمئن بعدم الابتلاء بها.

ثمّ إنّ تحصيل العلم والمعرفة بالأحكام أعمّ من معرفتها على نحو الاجتهاد والتقليد، فالمتعيّن عليه هو المعرفة وأمّا الاجتهاد فلا كما هو أوضح من أن يخفى.

فالمتحصّل أنّ المقصّر في تحصيل المعرفة في الأحكام الشرعية معاقب على تقدير مصادفته الحرام واقعا، ويجب عليه تحصيل العلم والمعرفة قبل ذلك بمجرد احتمال الابتلاء بها بحسب العادة. ثمّ إنّ هذا الوجوب حكم عقلي من جهة دفع الضرر والعقاب المحتمل، هذا كلّه في كبرى المسألة.

وأمّا في خصوص المقام ففيه مزية خاصّة على غيره من المقامات فإنّه في سائر المحرّمات إذا قصّر في تحصيل المعرفة فلا يترتّب عليه إلاّ العقاب على تقدير ارتكابه الحرام واقعا، وأمّا في المقام فمضافا إلى ترتّب العقاب في المحرّمات التكليفية من المعاملات يترتّب عليه أي على عدم معرفة الأحكام عدم جواز التصرف في شيء من المثمن أو الثمن، لاستصحاب عدم انتقال المثمن من ملك مالكه إلى المشتري، وكذا الثمن بالنسبة للبائع فلا يجوز اللمشتري التصرف في المثمن لاحتمال عدم الانتقال إليه ولا في الثمن لاحتمال صحّة المعاملة بحسب الواقع وانتقاله إلى البائع ولا يجري استصحاب عدم انتقاله إلى البائع لكون الشبهة حكمية قبل الفحص وإنّما كان يجرى استصحاب عدم انتقال المثمن إليه لكونه موافقا للاحتياط فيجري قبل الفحص، وعليه فالنهي في صورة الجهل في المعاملات عقلي من جهة دفع احتمال العقاب وشرعي من جهة الاستصحاب، وهذا بخلاف سائر المقامات فإنّ النهي فيها عقلي فقط، هذا كلّه في هذه الصورة.

[3] وثالثة تكون معرفة الأحكام مستحبّة شرعا لا واجبا كفائيا ولا عينيا، وهذا كما في الموارد التي يطمئن بعدم ابتلائه بها ولكنّه يحتمل الابتلاء بعيدا كالعراقي الّذي لا شغل له بخارج العراق كبلاد أُروبا إلاّ أنّه يحتمل المسافرة إليها بعيدا فيتعلّم أحكام القبلة

في تلك البلاد وأنّها إذا اشتبهت ماذا يصنع المكلّف بالصلاة، أو أنّ المياه الموجودة في

ص: 352

الأنابيب غير المعلوم اتّصالها بالكرّ طاهرة أو محكومة بالنجاسة وعليه فتكون معرفة تلك الأحكام مستحبّة لاطلاق روايات الاحتياط مثل «أخوك دينك فاحتط لدينك»(1) فالمتحصّل أنّ معرفة الأحكام تجب بالوجوب الكفائي تارةً وبالوجوب العيني أُخرى وتتّصف بالاستحباب ثالثة، هذا»(2).

بعض الروايات الواردة في المقام

قد وردت عدّه من الروايات في لزوم التفقه في مسائل التجارات:

منها: معتبرة طلحة بن زيد: عن أبي عبداللّه

عليه السلام ، قال: قال أميرالمؤمنين - صلوات اللّه عليه - : مَنِ اتَّجر بغير علمٍ، ارتطم في الرِّبا، ثمّ ارتطم.

قال: وكان أميرالمؤمنين عليه السلام يقول: لا يقعدنَّ في السّوق إلاّ مَنْ يعقل الشّراء والبيع.(3)

ارتطم فيه: وقع فيه وارتبك ونَشِبَ ولم يتخلّص.(4)

وقال العلاّمة: «ومعنى ارتطم: ارتبك فيه. يقال: رطمته في الوحل فارتطم: أي ارتبك فيه وارتطم عليه أمره، إذا لم يقدر على الخروج منه»(5).

ومنها: خبر الأصبغ بن نباتة، قال: سمعت أميرالمؤمنين عليه السلام يقول على المنبر: يا معشر التّجّار، الفقه ثمّ المتجر، الفقه ثمّ المتجر، الفقه ثمّ المتجر، واللّه للرِّبا في هذه الأُمّة أخفى من دبيب النَّمل على الصّفا، شوبوا أيمانكم بالصِّدق، التّاجر فاجرّ، والفاجر فيالنّار، إلاّ من أخذ الحقّ، وأعطى الحقّ.(6)

ص: 353


1- وسائل الشيعة 27/167، ح46، الباب 12 من أبواب صفات القاضي.
2- التنقيح في شرح المكاسب 2/493-490.
3- الكافي 10/30، ح23 5/154 ونقل عنه في وسائل الشيعة 17/382، ح2، الباب 1 من أبواب آداب التجارة.
4- النهاية 2/191 و 233 لابن الأثير.
5- منتهى المطلب 15/287.
6- الكافي 10/15، ح1 5/150، ونقل عنه في وسائل الشيعة 17/381، ح1، الباب 2 من أبواب آداب التجارة.

والسند ضعيف بأبي الجارود وكذا رواه الصدوق في الفقيه(1) عن الأصبغ ولكن سنده إليه أيضا ضعيف.

ومنها: صحيحة جابر: عن أبي جعفر عليه السلام، قال: كان أميرالمؤمنين عليه السلام بالكوفة عندكم يغتدي كلّ يومٍ بكرةً من القصر، فيطوف في أسواق الكوفة سوقا سوقا، ومعه الدِّرَّةُ على عاتقه، وكان لها طرفان، وكانت تسمّى السّبيبة، فيقف على أهل كلّ سوقٍ، فينادي: يا معشر التّجّار، اتّقوا اللّه - عزّوجلّ - ، فإذا سمعوا صوته عليه السلام ألقوا ما بأيديهم، وأرعوا إليه بقلوبهم، وسمعوا بآذانهم، فيقول عليه السلام: قدّموا الاستخارة، وتبرّكوا بالسّهولة، واقتربوا من المبتاعين، وتزيّنوا بالحلم، وتناهوا عن اليمين، وجانبوا الكذب، وتجافوا عن الظّلم، وأنصفوا المظلومين، ولا تقربوا الرِّبا، وأوفوا الكيل والميزان، ولا تبخسوا النّاس أشياءهم، ولا تعثوا في الأرض مفسدين، فيطوف عليه السلام في جميع أسواق الكوفة، ثمّ يرجع، فيقعد النّاس»(2).

ورواها الشيخ الصدوق بسنده الصحيح في أماليه(3) والشيخ الطوسي بسند صحيح في التهذيب(4).

ومنها: معتبرة السكوني: عن أبي عبداللّه

عليه السلام، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم: من باع واشترى، فليحفظ خمس خصالٍ، وإلاّ فلا يَشْتَرِيَنَّ ولا يَبِيعَنَّ: الرّبا، والحلف، وكتمان

العيب، والحمد إذا باع، والذّمّ إذا اشترى.(5)

ومنها: حسنة الحسين بن زيد الهاشمي: عن أبي عبداللّه صلى الله عليه و آله وسلم، قال: جاءت زينب العطّارة الحولاء إلى نساء النّبيّ صلى الله عليه و آله وسلم، فجاء النّبيّ

صلى الله عليه و آله وسلم فإذا هي عندهنَّ، فقال

ص: 354


1- الفقيه 3/194، ح3731.
2- الكافي 10/16، ح3 5/151 ونقل عنه في وسائل الشيعة 17/382، ح1.
3- أمالى الصدوق، المجلس الخامس والسبعون، ح 6/587، رقم 809.
4- التهذيب 7/6، ح17.
5- الكافي 10/16، ح2 5/150 ونقل عنه في وسائل الشيعة 17/383، ح2.

النّبيّ صلى الله عليه و آله وسلم: إذا أتيتنا طابت بيوتنا، فقالت: بيوتك بريحك أطيب يا رسول اللّه، فقال لها رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم: إذا بعت فأحسني ولا تغشّي؛ فإنّه أتقى للّه، وأبقى للمال.(1)

ومنها: معتبرة أُخرى للسكوني: عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم: السّماحة من الرّباح. قال: ذلك لرجلٍ يوصيه ومعه سلعةٌ يبيعها.(2)

ومنها: معتبرة ثالثة له عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: مرّ أميرالمؤمنين عليه السلام على جاريةٍ قد اشترت لحما من قصّابٍ، وهي تقول: زدني، فقال له أميرالمؤمنين - صلوات اللّه عليه - :

زدها؛ فإنّه أعظم للبركة.(3)

ومنها: خبر أبي عُمارة الطيار قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: إنّه قد ذهب مالي، وتفرّق ما في يدي وعيالي كثيرٌ.

فقال له أبو عبداللّه عليه السلام: إذا قدمت الكوفة فافتح باب حانوتك، وابسط بساطك، وضع ميزانك، وتعرّض لرزق ربّك.(4)

ومنها: مرسلة الصدوق: وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم: يا معشر التجّار ارفعوا رؤوسكم فقد وضح لكم الطريق، تُبعثون يوم القيامة فجّارا إلاّ من صدق حديثه.(5)

ومنها: مرسلة أُخرى له: وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم: التاجر فاجر والفاجر في النّار إلاّ من أخذ الحقَّ وأعطى الحقَّ.(6)

ص: 355


1- الكافي 10/19، ح5 5/151 ونقل عنه في وسائل الشيعة 17/387، ح1، الباب 4 من أبواب آداب التجارة.
2- الكافي 10/20، ح7 5/152 ونقل عنه في وسائل الشيعة 17/388، ح2.
3- الكافي 10/20، ح8 5/152 ونقل عنه في وسائل الشيعة 17/392، ح1، الباب 7 من أبواب آداب التجارة.
4- الكافي 10/511، ح3 5/304 ونقل عنه في وسائل الشيعة 17/55، ح3، الباب 15 من أبواب مقدمات التجارة.
5- الفقيه 3/194، ح3728 ونقل عنه في وسائل الشيعة 17/384، ح4.
6- الفقيه 3/194، ح3729؛ ونقل عنه في وسائل الشيعة 17/384، ح5.
هل يلزم الاكتساب لأهل العلم؟
اشارة

ذكر هذا البحث صاحب الحدائق رحمه الله في الفائدة الأولى من المقدمة الأولى في أوّل كتاب التجارة وقال: «أعلم أنّه كما استفاضت الأخبار بالأمر بطلب الرزق وذم تاركه، حتّى ورد لعن مَنْ ألقى كَلِّهِ على النّاس، كما تقدّم(1) وورد الترغيب فيه كما تقدم، حتّى ورد أيضا ان العبادة سبعون جزا، افضلها طلب الحلال، كما قد استفاضت الأخبار بطلب العلم ووجوب التفقه في الدين وانه فريضة على كلِّ مسلمٍ كما في الكافي(2) والتهذيب وغيره من الأخبار المتكاثرة بذلك.

وجملة من عاصرناه من علمائنا الأعلام ومشايخنا الكرام ومن سمعنا به قبل هذه الأيام كلّهم كانوا على العمل بهذه الأخبار، فانهم كانوا مشغولين بالدرس والتدريس ونشر أحكام الشريعة والتصنيف والتأليف من غير اشتغال بطلب حتّى ورد لعنه، الدال على مزيد الغضب.

وحينئذ فلابدّ من الجمع بين أخبار الطرفين على وجه يندفع به التنافي من البين، وذلك بأحد وجهين:

الأوّل: - ولعلّه الأظهر، كما هو بين علمائنا أشهر - تخصيص الأخبار الدالة على وجوب طلب الرزق بهذه الأخبار الدالة على وجوب طلب العلم، بان يقال بوجوب ذلك على غير طالب العلم المشتغل بتحصيله واستفادته أو تعليمه وإفادته.

وبهذا الوجه صرح شيخنا الشهيد الثاني في كتاب «منية المريد في آداب المفيد والمستفيد» حيث قال في جملة شرايط تحصيل العلم ما لفظه:

«وأنْ يتوَكَّلَ عليه ويُفَوِّضَ أمرَه إليه، ولا يعتمدَ على الأسباب فَيُوكَل إليها وتكون وبالاً عليه، ولا على أحد من خلق اللّه تعالى، بل يُلْقي مَقالِيدَ أمره إلى اللّه تعالى في أمره ورزقه وغيرهما، يظهر عليه حينئذ من نَفَحاتِ قُدْسِه، ولَحَظاتِ أُنسِهِ ما يقُوم به أوَده(3)،

ص: 356


1- راجع الكافي 5/72.
2- راجع الكافي 1/30 فما بعد.
3- فيه أوَدٌ، أي عِوَجٌ. أساس البلاغة /12، أود.

ويَحْصُلُ مَطْلَبُه، ويَصْلُحُ به أمره.

وقد ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم: أنّ اللّه تعالى قد تكَفَّلَ لطالب العلم برزقه خاصَّةً عمَّا ضَمِنَه لغيره.(1)

بمعنى أنّ غيرَه يحتاج إلى السعي على الرزق حتّى يَحْصُلَ غالبا وطالب العلم لا يُكَلِّفُه بذلك بل بالطلب، وكفاه مؤونةَ الرزقِ إنْ أحسن النيَّة، وأخْلَصَ العَزِيمةَ.

وعندي في ذلك من الوقائعِ والدقائقِ ما لو جمعتُه بَلَغَ ما يعلمه اللّه من حسن صُنع اللّه تعالى بي وجميل معونته منذُ اشتغلت بالعلم، وهو مبادئ عَشر الثلاثين وتسع مائة إلى

يومي هذا، وهو مُنْتَصفُ شهرِ رمضان سنة ثلاث وخمسين وتسع مائة. وبالجملة فليس الخبر كالعيان.

وروى شيخنا المتقدِّمُ محمّدُ بنُ يعقوبَ الكليني - قدّس اللّه روحه - بإسناده إلى الحسين بن عُلْوان قال: كنّا في مجلسٍ نطلب فهى العلم، وقد نَفِدَتْ نَفَقَتي في بعض الأسْفار، فقال لي بعض أصحابنا: من تُوَمِّلُ لما قد نزل بك؟ فقلت: فلانا. فقال: إذَنْ واللّه لا تُسْعَف حاجتُك، ولا يبلغك أملُكَ، ولا تنجح طلبتك. قلت: وما علمك رحمك اللّه؟ إنّ أباعبداللّه عليه السلام حدّثني أنّه قرأ في بعض الكتب:

أن اللّه تبارك وتعالى يقول: وعزّتي وجلالي ومجدي وارتفاعي على عرشي لاُقطّعن أمل كلّ مؤمِّلٍ غيري باليأس، ولأكسونّه ثوب المذلّة عند النّاس، ولانحينّه من قربي، ولَأُبَعِّدَنَّهُ من وصلي، أيؤمِّلُ غيري في الشّدائد، والشّدائدُ بِيدي، ويرجو غيري ويقرع بالفكر باب غيري؟! وبِيدي مفاتيح الأبواب وهي مغْلقةٌ، وبابي مفتوحٌ لمن دعاني، فمن الّذي أمَّلني لنوائبه فقطَّعته دونها؟! ومن الّذي رجاني لعظيمةٍ فقطعت رجاءه منّي؟ جعلت آمال عبادي عندي محفوظةٌ، فلم يرضوا بحفظي، ومَلَأْتُ سماواتي ممّن لا يملُ من تسبيحي، وأمرتهم أنْ لا يغلقوا الأبواب بيني وبين عبادي، فلم يثقوا بقولي، ألم يعلم

ص: 357


1- الجامع الصغير 2/175، حرف الميم؛ كنزالعمال 10/139، ح28701، وفيهما: «من طلب العلمَ تكفَّلَ اللّه برزقه»؛ وفي إحياء علوم الدين 1/6؛ وتعليم المتعلّم /20: «من نفقَّه في دين اللّه كفاه اللّه تعالى ما أهمّه ورَزَقَه من حيث لا يحتسب».

من طرقته نائبةٌ من نوائبي أنّه لا يملكُ كشفها أحدٌ غيري، إلاّ من بعد إذْني، فمالي أراه لاهيا عنّي؟! أعطيته بجودي ما لم يسألْني، ثمّ انْتزعته عنه، فلم يسألْني ردّه، وسأل غيري! أفَيَراني أبدأ بالعطاء قبل المسألة، ثمّ أُسأَلُ فلا أُجيبُ سائلي؟! أبخيلٌ أنا فَيُبَخِّلُني عَبْدي؟! أوَلَيْسَ الجود والكرم لي؟ أوَلَيْسَ العفو والرّحمةُ بِيدي؟ أوَلَيْسَ أنا محلّ الآمال؟ فمن يقطعها دوني؟ أفلا يخشى المؤمِّلون أنْ يؤَمِّلوا غيري؟ فلو أنّ أهل سماواتي وأهل أرضي أمَّلوا جميعا، ثمّ أعطيت كلّ واحدٍ منهم مثل ما أمّل الجميع ما انتقص من ملكي مثل عضو ذرّةٍ، وكيف ينقص ملكٌ أنا قيّمه؟ فيابؤسا للقانطين من رحمتي، ويابؤسا لمن عصاني ولم يراقبني.(1)

ورواه الشيخ المبرور(2) - رحمة اللّه عليه - بسندٍ آخرَ عن سعيد بن عبدالرحمن، وفي آخره:

فقلت يا ابن رسول اللّه أمْل عليَّ. فأمْلاه عليَّ، فقلت: لا واللّه ما أسأله حاجةً بعدها.(3)

أقول: ناهِيكَ بهذا الكلام الجليل الساطع نورُه من مطالع النُبُوَّةِ على أُفق الإمامةِ من الجانب القدسيِّ حاثّا على التّوكُّل على اللّه تعالى، وتفويض الأمر إليه والاعتماد في جميع المهمّات عليه، فما عليه مزيدٌ من جوامع الكلام في هذا المقام»(4).

انتهى كلام شيخنا المشار إليه، أفاض اللّه شئآبيب قدسه عليه.

أقول: ويدلّ على ذلك أيضا بأصرح دلالة ما رواه شيخنا ثقه الإسلام في الكافي أيضا بإسناده، إلى أبي إسحق السبيعي عمّن حدثه قال: سمعت أميرالمؤمنين عليه السلام يقول: «أيها النّاس اعلموا ان كمال الدين طلب العلم والعمل به، ألا وأنّ طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال، أنّ المال مقسوم مضمون لكم قد قسّمه عادل بينكم وضمنه،

ص: 358


1- الكافي 2/67-66، ح7، كتاب الإيمان والكفر، باب التفويض إلى اللّه والتوكّل عليه.
2- يعنى الشيخ الكليني قدس سره.
3- الكافي 2/67، ح8، كتاب الإيمان والكفر، باب التفويض إلى اللّه والتوكّلِ عليه.
4- منية المريد /160 و 161 من طبعة المختاري.

وسيفي لكم والعلم مخزون عند أهله، وقد أمرتم بطلبه من أهله فاطلبوه.

ولا يخفى ما في هذا الخبر من الصراحة في المدعى.

أمّا الأمر بطلب العلم دون طلب المال، لأنّ الرزق كما ذكره عليه السلام مقسوم مضمون وهو اشارة إلى قوله تعالى: «نحن قسَّمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا»(1) وقوله تعالى: «وما من دابّة في الأرض إلاّ على اللّه رزقها»(2).

ويؤكده ما رواه شيخنا المذكور في كتابه المشار إليه، بسنده عن أبي جعفر عليه السلام

قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: «يقول اللّه - عزّوجلّ - وعزّتي وجلالي وعظمتي وكبريائي ونوري وعلوي وارتفاع مكاني لا يؤثر عبد هواه على هواي إلاّ شتّتُ أمره ولبستُ عليه دنياه وشغلتُ قلبه بها ولم أُوته منها إلاّ ما قدرت له. وعزّتي وجلالي وعظمتي ونوري وعلوي وارتفاع مكاني، لا يؤثر عبد هواي على هواه إلاّ استحفظته ملائكتي وكفلت السموات والأرضين رزقه وكنت له من وراء تجارة كلِّ تاجرٍ وأتته الدنيا وهي راغمة.(3)

وقد حكى لي والدي العلاّمة عن جمع من فضلاء بلادنا «البحرين» الذين بلغوا من الفضل علما وعملاً وتقوىً ونُبْلاً ما هو أشهر من أن ينقل:

منهم :العلاّمة الفقيه الشيخ سليمان بن علي الشاخوري(4) وهو أستاد شيخنا الشيخ سليمان بن عبداللّه البحراني.

ومنهم: العلاّمة المحقّق المدقّق الشيخ محمّد بن يوسف المعابي البحراني(5).

ص: 359


1- سورة الزخرف /32.
2- سورة هود /6.
3- الكافي 2/335، ح2.
4- المتوفى سنة 1101ق، راجع ترجمته في لؤلؤة البحرين /13؛ الأمل الآمل 2/129؛ رياض العلماء 2/451؛ خاتمة مستدرك الوسائل 2/67؛ طبقات أعلام الشيعة، القرن الثانيعشر /320.
5- المتوفى سنة 1103ق، راجع ترجمته في لؤلؤة البحرين /39، رقم 9؛ خاتمة مستدرك الوسائل 2/69.

ومنهم الشيخ الفقيه الّذي رجعت إليه رياسة البلاد في زمانه أمرا ونهيا وفتوىً، الشيخ محمّد بن سليمان البحراني(1).

فانهم كانوا في مبدء الاشتغال على غاية من الفقر والحاجة، حتّى أنّ الشيخ سليمان بن علي المذكور، كان يحضر الدرس في حلقة الشيخ العلاّمة الشيخ علي بن سليمان البحراني وهو أحد تلامذة شيخنا البهائي وهو أوّل من نشر علم الحديث بالبحرين وكان الشيخ سليمان المذكور يحضر حلقة درسه حتّى إذا صار قريب الظهر ودخل الشيخ على البيت لأجل الغذاء، وتفرّق المجلس، مضى الشيخ المزبور للصحراء في وقت الربيع وأكل من حشايش التراب ما يسدّ جوعه، ثمّ بعد خروج الشيخ يعود للحضور.

ومن هذا القبيل حكايات الباقين ممّا يطول بنقله الكلام. وحيث أنّهم - رضوان اللّه عليهم - طلقوا الدنيا وقصروا على الرغبة في الأُخرى، ارتقوا من الدنيا أعلى مراتبها وانقادت لهم بأزمّتها وتراقيها حتّى صار كلّ منهم نابغة زمانه ونادرة أوانه، وهو وفق الحديث القدسي المتقدم.

لكن ينبغي أنْ يعلم أنّ هذه المرتبة ليست سهلة التناول لكلِّ طالبٍ، ولا ميسرة إلاّ بإخلاص النيّة له في طلب العلم، فإنّ مدار الأعمال على النيّات، وبسببها يكون العلم تارة

خزفة لا قيمة لها، وتارة جوهرة فاخرة لا يعلم قيمتها، لعظم قدرها، وتارة يكون وبالاً على صاحبه مكتوبا في ديوان السيئات، وان كان ما أتى به بصورة الواجبات.

فيجب على الطالب أن يقصد بطلبه الإخلاص لوجه اللّه تعالى وامتثال أمره، وإصلاح نفسه وإرشاد عباده إلى معالم دينه، ولا يقصد بذلك شيئا من الأعمال الدنيوية من تحصيل مال، وجاه، ورفعة وشهرة بين النّاس، أو المباهاة والمفاخرة للأقران، والترفع على الإخوان ونحو ذلك ممّا يوجب البعد منه سبحانه وتعالى، والخذلان، مضافا إلى ذلك التوكل عليه سبحانه في جميع الأُمور، والقيام بأوامره ونواهيه في الورود والصدور كمّا

ص: 360


1- راجع ترجمته في لؤلؤة البحرين /86، رقم 33.

تقدّم في كلام شيخنا المذكور.

الثاني: التفصيل في ذلك ويتوقف على بيان كلام في المقام:

وهو أنّه ينبغي أنْ يعلم أوّلاً: أنّ العلم منه ما هو واجب وما هو مستحب، والأوّل منه ما هو واجب عينا ومنه ما هو واجب كفاية. فأمّا الواجب عينا فهو العلم باللّه سبحانه وصفاته وما يجوز عليه ويمتنع، حسبما ورد في الكتاب العزيز والسنة النبوية على الصادع بها وآله أشرف صلاةٍ وتحية، وما جاء به النبي صلى الله عليه و آله وسلم من أحوال المبدء والمعاد ممّا عُلِمَ تواتره من دينه صلى الله عليه و آله ولو تقليدا تسكن إليه النفس ويطمئن به القلب وما يحصل به الإذعان والتصديق، وفاقا لجمع من متأخري أصحابنا - رضوان اللّه عليهم - وما زاد على ذلك من الأدلة التي قرّرها المتكلمون والخوض في دقايق علم الكلام فهو فرض كفاية على المشهور صيانة للدين عن شبه المعاندين والملحدين.

ومن الواجب العيني أيضا تحصيل العلم بواجبات الصلاة حيث يكلّف بها ولو تقليدا وواجبات الصيام كذلك، والزكوة ممّن يخاطب بها، والحج كذلك أيضا وهكذا من كلِّ ما يجب على المكلّف بوجود أسبابه، ومازاد من تحصيل العلوم في هذه الحال على ما ذكرناه فهو مستحب.

ومن الواجب العيني أيضا ما يحصل به تطهر القلب من الملكات الرديّة المهلكة، كالرياء والحسد والعُجب والكبر ونحوها كما حقّق في محلِّ مفردٍ، وهو من أجَلّ العلوم قدرا وأعلاها ذكرا بل هو الأصل الأصيل للعلوم الرسمية، وان كان الآن قد اندرست معالمه بالكلية وانطمست مراسمه العليّة، فلا يُرى له أثر ولا يسمع له خبر.

وأمّا الواجب كفاية فهو مافوق هذه المرتبة فيما تقدم ذكره حتّى يبلغ درجة العلم بالأحكام الشرعية عن أدلتها التفصيلية، وهو المعبر عنه في ألسنة الفقهاء بالإجتهاد.

هذا إذا لم يوجد مَنْ يتصف به ويقوم به في ذلك القطر، وإلاّ كان ذلك مستحبا لأنّ الواجب الكفائي مع وجود مَنّ يقوم به يسقط وجوبه عن الباقين، فيكون مستحبا ويكون هذا من القسم الثاني في التقسيم الأوّل. وما يتوقف عليه الوصول إلى مرتبة الاجتهاد من

العلوم الآتية وغيرها تابع له في الوجوب والاستحباب.

ص: 361

ثمّ أعلم أيضا أنّ تحصيل الرزق منه ما يكون واجبا وهو ما يحصل به البلغة والكفاف لنفسه وعياله الواجبي النفقة عليه بحيث يخرج عن أنْ يكون مضيقا. ومنه ما يكون مستحبا، وهو طلب مازاد على ذلك للتوسعة على نفسه وعياله، وهو الصرف في وجوه البرِّ والخيرات. ومنه ما يكون مكروها وهو ما يقصد به الزيادة في جمع المال وادخاره والمكاثره والمباهاة به والحرص عليه. ومنه ما يكون محرما وهي ما يقصد بتحصيله الصرف في اللهو واللعب والمعاصي ونحو ذلك.

إذا عرفت ذلك فاعلم: انَّ وجه ما أشرنا إليه آنفا من التفصيل، هو أنّ هيهنا صورا:

احديها: تعارض الواجب العيني من طلب العلم مع الواجب من طلب الرزق، والظاهر ان الواجب هنا تقديم طلب الرزق ان انسدت عليه وجوه التحصيل ممّا سواه لأنَّ في تركه حينئذ القاء باليدالي التهلكة. والمعلوم من الشارع في جملة من الأحكام تقديم مراعاة الأبدان على الأديان، ولهذا أوجب الإفطار على المريض المتضرر بالصوم وإنْ أطاقه. والتيمم على المتضرر بالماء وإنْ لم يبلغ المشقة، والقعود في الصلاة على المتضرر بالقيام. وأباح الميتة لمن اضطر إليها، ونحو ذلك ممّا يقف عليه المتتبع. أمّا لو حصل له من وجه الزكاة أو نحوها ممّا يمؤنه وجب تقديم العلم البتة.

وثانيها: تعارض الواجب العيني من العلم، مع المستحب من طلب الرزق ولا ريب في تقديم طلب العلم.

وثالثها: تعارض الواجب من طلب الرزق، مع الواجب الكفائي من طلب العلم، ولا ريب أيضا في تقديم طلب الرزق لما ذكر في الصورة الأولى.

هذا إذا لم يمكن الجمع بين الأمرين، وإلاّ وجب الجمع بقدر الإمكان في الواجبين. وباقي الصور يعرف بالمقايسة»(1).

المناقشة في كلام صاحب الحدائق

يمكن أن يناقش على الجمع الأوّل لصاحب الحدائق رحمه الله من تخصيص أدلة

ص: 362


1- الحدائق 18/16-9.

الاكتساب بالأدلة الدالة على طلب العلم وأنّ مادلّ على طلب الاكتساب مختصّ بغير طالب العلم، لا وجه له بحسب مقامي الثبوت والاثبات.

«أمّا بحسب مقام الثبوت، فلأنّ طالب علم إذا لم يزاحمه الاشتغال بالاكتساب كما إذا كان حَسن الخط جدّا بحيث يباع كلّ سطر منه بدينار في السوق من دون أن يكون كتابة سطر واحد مزاحما لتحصيله في كلّ يوم فلا مانع من أن يكتسب بذلك الكسب الحلال ويكتب سطرا في كلّ يوم ويتعيّش به ويشتغل بتحصيل العلوم والكمالات أيضا فإنّه أحسن من طلب العلم من دون اكتساب لأنَّه عليه يجمع بين كلّ واحد من الفضيلتين، فلا يحتمل في مثله أن يقال إنّ طلب الاكتساب غير مستحبّ في حقّه، هذا في مقام الثبوت.

وكذلك الحال في مقام الاثبات، إذ لم يرد دليل على تخصيص أدلّة الاكتساب بمادلّ على طلب العلم فلا وجه له بوجه ولا شاهد عليه أصلاً، هذا.

ثمّ إنّه ذكر الأخبار الدالّة على أنّ اللّه تكفّل لطالب العلم برزقه ولا يجوز له الاتّكال على الأسباب الظاهرية بل عليه أن يتوكّل على اللّه ثمّ استشهد عليه بكلام الشهيد الثاني قدس سره في آداب تحصيل العلم وأيّده بروايات أُخرى وردت في عدم جواز الاتّكال على غيره تبارك وتعالى.

ولكن الصحيح كما أفاده شيخنا الأنصاري(1) قدس سره أنّ هذه الأخبار وكلام الشهيد كلّها أجنبية عن المراد ولا يكون ذلك قرينة على تخصيص أدلّة الاكتساب بما دلّ على طلب العلم، لأنّ التوكّل على اللّه وعدم الاتّكال على غيره لازم على جميع النّاس ولا يختصّ به طالب العلم وإن كان مراعاته في حقّه أولى من غيره، والاكتساب لا ينافي التوكّل على اللّه ولذا كان أميرالمؤمنين عليه السلام والباقر عليه السلام وغيرهما - سلام اللّه عليهم - يكتسبون بالأُجرة والعمل لليهودي أو بالزراعة ونحوهما مع أنّهم كانوا متوكّلين عليه تعالى»(2).

ص: 363


1- المكاسب 4/345-342.
2- التنقيح في شرح المكاسب 2/493.
القول المختار في المقام

يمكن أن يقال: «إذا فرضنا كلّ واحد من الاكتساب وتحصيل العلم مستحبّا كما إذا كان عنده مقدار الواجب من النفقة لنفسه وعياله الواجب النفقة عليه وأراد الاكتساب للتوسعة عليهم أو لأجل الصرف في الوجوه الخيرية كالزيارة والإحسان ونحوهما، وفرضنا أيضا أنّه عالم بمسائل نفسه وهناك من يقوم بحفظ الأحكام عن الإندراس وإنّما أراد تحصيل العلم ليصل إلى مرتبة الاجتهاد ويعلّم النّاس فإنّه أمر محبوب كما أنّ الاكتساب للتوسعة محبوب، فيدخلان في باب المزاحمة لعدم قدرته على الجمع بينهما نظير غيرهما من المستحبّات المتزاحمة كزيارة الأمير عليه السلام والصلاة المبتدأة أو قضاء حوائج المؤمنين فلا يكونان متعارضين، وبما أنّ كلّ واحد من المستحبّات مرخّص في تركه فلا يلزم من الأمر بجميعها محذور، فيكون كلّ واحد منهما مستحبّا وباقيا على محبوبيته، فينبغي حينئذ ملاحظة الأهم منهما وأنّ أيّهما أنفع له من المستحبّين فربما يكون طلب العلم راجحا في حقّه لأنّه لو اشتغل بتحصيل العلم يمكن أن يخدم الدين بتأليفاته وترويجه ولكنّه لو اشتغل بالكسب لا يتمكّن من المبرّات إلاّ الإحسان لفقير واحد، فحينئذ ينبغي الأخذ بطلب العلم، وأُخرى يكون الاكتساب أرجح من طلب العلم كما إذا فرضنا أنّه لا يترتّب أثر مهم على طلب علمه لقلّة فهمه وعدم استعداده، وأمّا لو اشتغل بالكسب يتكفّل لحاجات أكثر المشتغلين ويدفع الضرورة عن المحتاجين ويروّج الدين بتعمير المساجد وتأسيس المدارس ونحوهما فالأولى في حقّه هو الأخذ بالاكتساب، وثالثة يتساويان فيتخيّر بينهما، وكيف كان فحالهما حال سائر المتزاحمين غاية الأمر أنّه لا يستحقّ العقاب بتركهما أو ترك الأهم منهما وإنّما يلزم ترك الأولى.

كما أنّه إذا فرضنا كلّ واحد من الاكتساب والتحصيل واجبا كفائيا لوجود من يقوم بنفقة عائلته ونفقة نفسه لو اشتغل بطلب العلم ووجود من يحفظ الأحكام عن الاندراس لو اشتغل بالكسب، فهما من الواجبين المتزاحمين فلابدّ من ملاحظة أنّ أيّهما أهمّ ومع عدم الترجيح يتخيّر بينهما.

وكذا فيما إذا فرضناهما واجبين عينيين كما إذا لم يكن هناك من يتكفّل نفقة نفسه

ص: 364

وعائلته ولم يكن هناك مجتهد يحفظ الأحكام عن الاندراس نعوذ باللّه فإنّ الأهم منهما مقدّم على المهم، فإذا فرضنا أنّه بحيث لو لم يشتغل بالعلم لاندرست الأحكام واضمحلّ الدين فنوجب عليه التحصيل ولو كان ذلك موجبا لهلاكة من تجب عليه نفقته، وأمّا إذا كان اكتسابه موجبا لئلاّ يكون هناك مجتهد في البين ولكن لا تندرس به الأحكام لقيام آخرين بذلك عن قريب فيتعيّن عليه الاكتساب لئلاّ تموت عائلته. وبالجملة أنّ حالهما حال سائر المتزاحمين والفرض أنّهما خارجان عن التعارض، هذا أحد المقامين اللذين ينبغي التكلّم فيهما في المقام».

فرعٌ

«هل يصحّ الاشتغال بالعلم وترك الاكتساب مع صرف الوجوهات في نفقته أو لا؟

وهو ممّا لابدّ من التعرّض له حتّى يكون موعظة لطلاّب العلم والمشتغلين فنقول: إن كان الاشتغال بالعلم مستحبّا في حقّه وفرضناه مواظبا لأعماله بحيث كان الغرض من تحصيلاته خدمة الدين وترويج شريعة سيّد المرسلين - عليه وعلى أولاده صلوات اللّه ربّ العالمين - ولم يكن متساهلاً فيما يقول وغير مبال بما يعمله ويفعله وكان ممّن يرضى الإمام - صلوات اللّه عليه - بتصرّفه في ماله عليه السلام فلا مانع من أن يصرف من سهم الإمام عليه السلام ويشتغل بطلب العلم والتحصيل وإن كان قادرا على الاكتساب بالتجارة أو الخياطة أو الكتابة وغيرها من الأفعال والمكاسب، لأنّ الإمام عليه السلام لا يختصّ بالفقير العاجز عن الاكتساب بل يصرف فيما رضي به الإمام عليه السلام.

وأمّا إذا كان الغرض من تحصيلاته الخدمة لنفسه بل المقصود التعيّش والاكتساب بالاشتغال بالعلم، أو لم يكن له نفع عائد إلى الإمام عليه السلام بمقدار ما يصرفه من ماله، أو كان متساهلاً في أفعاله وغير مبال بوظائفه فلا يجوز له صرف السهم بوجه، لأنّ ذلك نظير الدوائر الحكومية بلا تشبيه فلابدّ من أن ينفع بمقدار ما يصرفه من مال الحكومة لا محالة، وهذا أمر تشخيصه بيده لأنّ الإنسان أعرف بنفسه، والإمام عليه السلام أعرف به منه، فلا يمكن التصرف في ماله بأنحاء الحيلة والخدعة والمكر وهو ممّن نرجو شفاعته، فلا ينبغي أن نجعل شفيعنا خصمنا ونتصرّف في ماله على ضرره ونصرفه بالاشتغال بما يضرّه ولا ينفعه

ص: 365

- عصمنا اللّه وإيّاكم من مخادع الشيطان وتسويلات النفس الأمّارة بالسوء - هذا كلّه في سهم الإمام عليه السلام.

وكذا لا مانع من أن يصرف الأموال الموقوفة والمبذولة والإحسان. وأمّا الزكاة والخمس الّذي هو سهم الفقراء من الهاشميين فلا يجوز صرف شيء منهما بالاشتغال بالعلم مع التمكّن والقدرة على الاكتساب لاشتراط الفقر فيهما، وقد فسّر الفقر في الروايات بما يرجع حاصله إلى عدم القدرة على مؤونته فعلاً أو قوّة والمفروض أنّ المشتغل بالعلم قادر على الاكتساب فلا يجوز له صرف الخمس والزكاة، لأنّ الاشتغال بالعلم نظير الاشتغال بغيره من المستحبّات كالاشتغال بالصلوات الابتدائية من أوّل الصبح إلى المغرب فإنّه بذلك لا يجوز أن يصرف الزكاة أو سهم السادات لقدرته على الكسب بترك الاشتغال بالمستحبّ وذلك ظاهر.

نعم، لا مانع من إعطاء الزكاة من سهم سبيل اللّه للمشتغل بالعلم فيما إذا كان تحصيله نافعا للدين، كما يجوز صرفها من ذلك السهم في من يروّج الدين بالوعظ في القرى والبوادي ولو مع استغنائه وتمكّنه، وأمّا من سهم الفقراء فلا لأنّه ليس بفقير، كما لا يجوز إعطاء سهم السادات للمشتغل بالعلم القادر على الاكتساب لاشتراط الفقر فيه كالزكاة، نعم لو كان الاشتغال واجبا عليه عينا فلا مانع من أن يصرف الزكاة والخمس لعجزه عن الاكتساب شرعا، هذا تمام الكلام في المقام»(1).

ص: 366


1- التنقيح في شرح المكاسب 2/497-494.

النَّجَْشُ

قد بحثنا عن حكم النجش وتعريفه وفروعه في المكاسب المحرمة.(1)

ص: 367


1- راجع الآراء الفقهية 3/136-124.

الاحتكار

قد بحثنا عنه مفصلاً في المكاسب المحرمة.(1)

ص: 368


1- راجع الآراء الفقهية 1/ 255-234.

خاتمة: الإجمال في طلب الرزق والاقتصاد فيه

قد وردت عدّه من الروايات في ذلك أذكر لك بعضها ليكون خاتمة كتابي المسك:

منها: صحيحة أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: أَلاَ إِنَّ الرُّوحَ الْأَمِينَ نَفَثَ فِي رُوعِي(1) أَنَّهُ لاَ تَمُوتُ نَفْسٌ حَتّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا، فَاتَّقُوا اللّهَ - عَزَّوَجَلَّ - ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلاَ يَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاءُ شَيْءٍ مِنَ الرِّزْقِ أَنْ تَطْلُبُوهُ بِشَيْءٍ مِنْ مَعْصِيَةِ اللّهِ؛ فَإِنَّ اللّهَ - تَبَارَكَ وَتَعَالى - قَسَمَ الْأَرْزَاقَ بَيْنَ خَلْقِهِ حَلاَلاً، وَلَمْ يَقْسِمْهَا حَرَاما، فَمَنِ اتَّقَى اللّهَ - عَزَّوَجَلَّ - وَصَبَرَ، أَتَاهُ اللّهُ بِرِزْقِهِ مِنْ حِلِّهِ، وَمَنْ هَتَكَ(2) حِجَابَ السِّتْرِ وَعَجَّلَ، فَأَخَذَهُ مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ، قُصَّ بِهِ مِنْ رِزْقِهِ الْحَلاَلِ، وَحُوسِبَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.(3)

ومنها: حسنة يحيى ابن أَبِي سليمان الكوفي أَبِي الْبِلاَدِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام، قَالَ: لَيْسَ مِنْ نَفْسٍ إِلاَّ وَقَدْ فَرَضَ اللّهُ - عَزَّوَجَلَّ - لَهَا رِزْقَهَا حَلاَلاً يَأْتِيهَا فِي عَافِيَةٍ، وَعَرَضَ لَهَا بِالْحَرَامِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، فَإِنْ هِيَ تَنَاوَلَتْ شَيْئا مِنَ الْحَرَامِ، قَاصَّهَا بِهِ مِنَ الْحَلاَلِ الَّذِي فَرَضَ

ص: 369


1- النَّفْثُ: شبيه بالنفخ. والروع - بالضمّ - : القلب، والعقل، والخَلَد، والبال. والمراد أنّه ألقى في قلبي وأوقع بالي. راجع: الصحاح 1/295 نفث؛ النهاية 2/277 (روع).
2- الهَتْك: خَرقُ الستر عمّا وراءه. الصحاح 4/1616 هتك.
3- الكافي 9/546، ح1 5/80، ونقل عنه في وسائل الشيعة 17/44، ح1، الباب 12 من أبواب مقدمات التجارة.

لَهَا، وَعِنْدَ اللّهِ سِوَاهُمَا فَضْلٌ كَثِيرٌ، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَزَّوَجَلَّ -: «وَسْئَلُوا اللّهَ مِنْ فَضْلِهِ»(1).(2)

ومنها: حسنة ثانية له عَنْ أَحَدِهِمَا عليهماالسلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وسلم: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ قَدْ نَفَثَ فِي رُوعِي رُوحُ الْقُدُسِ أَنَّهُ لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَلَيْهَا، فَاتَّقُوا اللّهَ - عَزَّوَجَلَّ -، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلاَ يَحْمِلَنَّكُمْ اسْتِبْطَاءُ شَيْءٍ مِمَّا عِنْدَ اللّه - عَزَّوَجَلَّ - أَنْ تُصيِبُوهُ بِمَعْصِيَةِ اللّهِ، فَإِنَّ اللّهَ - عَزَّوَجَلَّ - لاَ يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلاَّ بِالطَّاعَةِ.(3)

ومنها: صحيحة أَبِي خَدِيجَةَ سالم بن مكرم قَالَ: قَالَ أَبُوعَبْدِاللّهِ عليه السلام: لَوْ كَانَ الْعَبْدُ فِي حَجَرٍ لَأَتَاهُ اللّهُ بِرِزْقِهِ، فَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ.(4)

ومنها: حسنة إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللّهِ عليه السلام، قَالَ: إِنَّ اللّهَ - عَزَّوَجَلَّ - خَلَقَ الْخَلْقَ، وَخَلَقَ مَعَهُمْ أَرْزَاقَهُمْ حَلاَلاً طَيِّبا، فَمَنْ تَنَاوَلَ شَيْئا مِنْهَا حَرَاما، قُصَّ بِهِ مِنْ ذلِكَ الْحَلاَلِ.(5)

ومنها: صحيحة مرازم بن حكيم الأزدي عن أبي عبداللّه، عن آبائه عليهم السلام عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم أنّه قال: إنّ الروح الأمين جبرئيل أخبرني عن ربّي أنّه لن تموت نفس حتّى تستكمل رزقها، فاتقوا اللّه وأجملوا في الطلب، وأعلموا أنّ الرزق رزقان: فرزق تطلبونه، ورزق يطلبكم، فاطلبوا أرزاقكم من حلال، فإنّكم إن طلبتموها من وجوهها أكلتموها حلالاً، وإن طلبتموها من غير وجوهها أكلتموها حراما، وهي أرزاقكم لابدّ لكم من أكلها.(6)

ومنها: مرفوعة جُمْهُورٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللّهِ عليه السلام قَالَ: كَانَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام كَثِيرا مَايَقُولُ: اعْلَمُوا عِلْما يَقِينا أَنَّ اللّهَ - عَزَّوَجَلَّ - لَمْ يَجْعَلْ لِلْعَبْدِ - وَإِنِ اشْتَدَّ جَهْدُهُ، وَعَظُمَتْ

ص: 370


1- سورة النساء /23.
2- الكافي 9/548، ح2 5/80، ونقل عنه في وسائل الشيعة 17/45، ح3.
3- الكافي 9/548، ح3 5/80، ونقل عنه في وسائل الشيعة 17/45، ح4.
4- الكافي 9/548، ح4 5/81، ونقل عنه في وسائل الشيعة 17/46، ح5.
5- الكافي 9/549، ح5 5/81، ونقل عنه في وسائل الشيعة 17/46، ح6.
6- وسائل الشيعة 17/47، ح8.

حِيلَتُهُ، وَكَثُرَتْ مُكَابَدَتُهُ(1) - أَنْ يَسْبِقَ مَا سُمِّيَ لَهُ فِي الذِّكْرِ الْحَكِيمِ، وَلَمْ يَحُلْ مِنَ الْعَبْدِ فِي ضَعْفِهِ، وَقِلَّةِ حِيلَتِهِ أَنْ يَبْلُغَ مَا سُمِّيَ لَهُ فِي الذِّكْرِ الْحَكِيمِ.

أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّهُ لَنْ يَزْدَادَ امْرُؤٌ نَقِيرا(2) بِحِذْقِهِ(3)، وَلَمْ يَنْتَقِصِ امْرُؤٌ نَقِيرا لِحُمْقِهِ، فَالْعَالِمُ لِهذَا، الْعَامِلُ بِهِ، أَعْظَمُ النَّاسِ رَاحَةً فِي مَنْفَعَتِهِ، وَالْعَالِمُ لِهذَا، التَّارِكُ لَهُ، أَعْظَمُ النَّاسِ شُغُلاً فِي مَضَرَّتِهِ، وَرُبَّ مُنْعَمٍ عَلَيْهِ مُسْتَدْرَجٍ بِالاْءِحْسَانِ إِلَيْهِ، وَرُبَّ مَغْرُورٍ(4) فِي النَّاسِ مَصْنُوعٍ لَهُ؛ فَأَبِقْ(5) أَيُّهَا السَّاعِي مِنْ سَعْيِكَ، وَقَصِّرْ مِنْ عَجَلَتِكَ، وَانْتَبِهْ مِنْ سِنَةِ غَفْلَتِكَ، وَتَفَكَّرْ فِيمَا جَاءَ عَنِ اللّهِ - عَزَّوَجَلَّ - عَلى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله وسلم(6)، وَاحْتَفِظُوا بِهذِهِ الْحُرُوفِ السَّبْعَةِ؛ فَإِنَّهَا مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْحِجى(7)، وَمِنْ عَزَائِمِ اللّهِ(8) فِي الذِّكْرِ الْحَكِيمِ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَلْقَى اللّهَ - عَزَّوَجَلَّ - بِخَلَّةٍ(9) مِنْ هذِهِ الْخِلاَلِ: [1] الشِّرْكِ بِاللّهِ فِيمَا افْتَرَضَ عَلَيْهِ، [2]

أوْ إِشْفَاءِ غَيْظٍ بِهَلاَكِ نَفْسِهِ(10)، [3] أَوْ إِقْرَارٍ بِأَمْرٍ يَفْعَلُ غَيْرُهُ(11)، [4] أَوْ يَسْتَنْجِحَ(12) إَلى

ص: 371


1- والمكابدة للشيء: تحمّل المشاقّ في فعله. المصباح المنير /523 كبد.
2- النَّقير: النُّكْتَةُ التي في ظهر النَّواة. القاموس المحيط 1/674 نقر.
3- والحِذْق والحَذاقَةُ: المَهارة في كلّ عمل، ومعرفة غوامضها وقائقها. المصباح المنير /126 حذق.
4- في التهذيب: «معذور». وفي الوافي: «المغرور: المجذوع». وفي المرآة: «قوله عليه السلام : وربّ مغرور، أي غافل يعدّه النّاس غافلاً عمّا يصلحه وصنع اللّه له، وربّما يقرأ بالعين المهملة، أي المبتلى».
5- قال في روضة المتّقين 7/33: «فأبق، من الإبقاء، من سعيك للدنيا شيئا للآخرة والسعي فيها.
6- في المرآة: «قوله عليه السلام : على لسان نبيّه صلى الله عليه و آله وسلم ، أي في ذمّ الدنيا والزهد فيها».
7- الحِجى والحِجا: العقل أو الفطنة. راجع: لسان العرب 14/139 حجو.
8- في المرآة: «قوله عليه السلام : من عزائم اللّه، أي الأُمور الواجبة اللازمة التي أوجبها في القرآن أو في اللوح».
9- الخَلَّةُ: الخَصْلَةُ. وجمعها: خِلال. راجع: الصحاج 4/1687 خلل.
10- في المرآة: «قوله عليه السلام : أو إشفاء غيظه، أي يتدارك غيظه من النّاس بأن يقتل نفسه، أو ينتقم من النّاس بما يصير سببا لقتله أيضا، كأن يقتل أحدا فيقتل قصاصا. والأظهر أنّ المراد بالهلاك الهلاك المعنويّ، أي ينتقم من النّاس بما يكون سبب هلاكه في الآخرة».
11- في المرآة: «أي يعامل النّاس معاملة لا يعمل بمقتضاها، أو يعدّهم عدّة لا يفي بها، أو يقرّ بدين ولا يعمل لشرائعه».
12- في الوافي: «الاستنجاح: تنجّز الحاجة والظفر بها». وفي المرآة: «أي يطلب نجح حاجته إلى مخلوق بسبب إظهار بدعة في دينه». وراجع: لسان العرب 2/612 نجح.

مَخْلُوقٍ بِإِظْهَارِ بِدْعَةٍ فِي دِينِهِ، [5] أَوْ يَسُرَّهُ أَنْ يَحْمَدَهُ النَّاسُ بِمَا لَمْ يَفْعَلْ، [6]

وَالْمُتَجَبِّرِ(1) الْمُخْتَالِ(2)، [7] وَصَاحِبِ الْأُبَّهَةِ(3) وَالزَّهْوِ(4).

أَيُّهَا النَّاسُ إِنّ السِّبَاعَ هِمَّتُهَا التَّعَدِّي، وَإِنَّ الْبَهَائِمَ هِمَّتُهَا بُطُونُهَا، وَإِنَّ النِّسَاءَ هِمَّتُهُنَّ الرِّجَالُ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ مُشْفِقُونَ خَائِفُونَ وَجِلُونَ(5)؛ جَعَلَنَا اللّهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْهُمْ.(6)

ومنها: موثق ابْنِ فَضَّالٍ عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي عَبْدِاللّهِ عليه السلام قَالَ: لِيَكُنْ طَلَبُكَ لِلْمَعِيشَةِ فَوْقَ كَسْبِ الْمُضَيِّعِ، وَدُونَ طَلَبِ الْحَرِيصِ الرَّاضِي بِدُنْيَاهُ، الْمُطْمَئِنِّ إِلَيْهَا، وَلكِنْ أَنْزِلْ نَفْسَكَ مِنْ ذلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمُنْصِفِ الْمُتَعَفِّفِ، تَرْفَعُ نَفْسَكَ عَنْ مَنْزِلَةِ الْوَاهِنِ الضَّعِيفِ، وَتَكْتَسِبُ مَا لاَبُدَّ لِلْمُؤْمِنِ مِنْهُ، إِنَّ الَّذِينَ أُعْطُوا الْمَالَ، ثُمَّ لَمْ يَشْكُرُوا، لاَ مَالَ لَهُمْ.(7)

صار السند مرسلاً ب- «عمّن ذكره».

ومنها: خبر عَبْدِاللّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِاللّهِ عليه السلام يَقُولُ: إِنَّ اللّهَ تَعَالىوَسَّعَ فِي أَرْزَاقِ الْحَمْقى لِيَعْتَبِرَ الْعُقَلاَءُ، وَيَعْلَمُوا أَنَّ الدُّنْيَا لَيْسَ يُنَالُ مَا فِيهَا بِعَمَلٍ وَلاَ

ص: 372


1- في المرآة: «قوله عليه السلام : والمتجبّر، أي فعله، وكذا ما بعده».
2- «الُمختال»: المتكبّر. لسان العرب 11/228 خيل.
3- الاُبَّهَةُ والاُبُهَّةُ: العظمة، والكبر، والبهاء. راجع: لسان العرب 13/466 أبه.
4- «الزَّهُو»: العظمة، والكبر، والباطل، والكذب، والظلم، والاستخفاف. راجع: لسان العرب 14/360 زهو.
5- والوَجِل - بكسر الجيم - : الخائف. راجع: لسان العرب 11/722 وجل.
6- الكافي 9/551، ح9 5/81، ونقل عنه في وسائل الشيعة 17/49، ح4، الباب 13 من أبواب مقدمات التجارة.
7- الكافي 9/550، ح8 5/81، ونقل عنه في وسائل الشيعة 17/48، ح3.

حِيلِةٍ.(1)

ومنها: مرفوعة سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام أنّه قَالَ: كَمْ مِنْ مُتْعِبٍ نَفْسَهُ مُقْتَرٍ عَلَيْهِ، وَمُقْتَصِدٍ فِي الطَّلَبِ قَدْ سَاعَدَتْهُ الْمَقَادِيرُ.(2)

ومنها: في وصية أميرالمؤمنين عليه السلام لمحمّد ابن الحنفية قال: يا بني الرزق رزقان رزق تطلبه، ورزق يطلبك، فإن لم تأته أتاك فلا تحمل همّ سنتك على همّ يومك، وكفاك كل يوم ما هو فيه، فإن تكن السنة من عمرك، فإنّ اللّه - عزّوجلّ - سيأتيك في كلّ غد بجديد ما قسم لك، وإن لم تكن السنة من عمرك، فما تصنع بهم وغم ما ليس لك.

واعلم أنّه لن يسبقك إلى رزقك طالب، ولن يغلبك عليه غالب، ولن يحتجب عنك ما قدّر لك، فكم رأيت من طالب متعب نفسه، مقترّ عليه رزقه، ومقتصد في الطلب قد ساعدته المقادير، وكلّ مقرون به الفناء.(3)

رجال سند الصدوق إلى وصية الأمير عليه السلام لولده محمّد ثقات إلاّ أنّ في آخره حماد بن عيسى عمّن ذكره عن أبي عبداللّه عليه السلام ففيه ارسال.(4)

ومنها: خبر علي بن عبدالعزيز المزني الحنّاط الكوفي قال: قال أبوعبداللّه عليه السلام: ما فعل عمر بن مسلم؟ قلت: جعلت فداك أقبل على العبادة، وترك التجارة، فقال: ويحه أما علم أنّ تارك الطلب لا يستجاب له، إنّ قوما من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم لمّا نزلت «وَمَن يَتَّقِ اللّه يَجَعَلْ لَهُ مَخْرَجا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحتَسِبُ»(5) أغلقوا الأبواب، وأقبلوا على العبادة، وقالوا قد كفينا، فبلغ ذلك النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم فأرسل إليهم فقال: ما حملكم على ما صنعتم؟ فقالوا: يا رسول اللّه تكفّل [اللّه] لنا بأرزاقنا، فأقبلنا على العبادة، فقال: إنّه من فعل

ص: 373


1- الكافي 9/554، ح10 5/82، ونقل عنه في وسائل الشيعة 17/48، ح1.
2- الكافي 9/549، ح6 5/81، ونقل عنه في وسائل الشيعة 17/48، ح2.
3- وسائل الشيعة 17/50، ح5.
4- راجع الفقيه 4/513.
5- سورة الطلاق /3-2.

ذلك لم يستجب له، عليكم بالطلب.(1)

ذكرتُ لك اثنتى عشرة رواية نصفها معتبرة الإسناد والباقي في سندها ضعف أو رفع أو إرسال.

وإلى هنا تمّ بحث البيع على ترتيب مكاسب شيخنا الأعظم الأنصاري قدس سره وبه تمّ الجزء التاسع من كتابي الآراء الفقهية في ليلة سافر صباحها عن يوم السبت الرابع عشر من جمادي الأُخرى 1439 وقد ابتدأت بحث البيع في شوال المكرم 1427 وقد فرغتُ من كتابته وتدريسه بعد مضى إثناعشر عاما في بلدتنا إصفهان على يد مؤلِّفه العبد هادي النجفي كان اللّه له وجعل مستقبل أمره خيرا من ماضيه.

والحمدللّه أوّلاً وآخرا وظاهرا وباطنا وصلّى اللّه على محمّد وآله الطّبين الطاهرين المعصومين.

ص: 374


1- وسائل الشيعة 17/27، ح7، الباب 5 من أبواب مقدمات التجارة.

أهم مصادر الكتاب

1 - ابتغاء الفضيلة في شرح الوسيلة، للشيخ مرتضى الحائري اليزدي، جماعة المدرسين بقم.

2 - اثنى عشر رسالة، للمحقّق الداماد، نشرها السيّد جمال الدين الميرداماري رحمه الله، طهران.

3 - الإجتهاد والتقليد، للشيخ مرتضى الأنصاري.

4 - الإجتهاد والتقيد والإحتياط، تقرير دروس السيّد علي السيستاني للسيّد محمّدعلي الرباني.

5 - أجوبة المسائل المهنائية، للعلاّمة الحلّي، قم، خيام، 1401ق.

6 - أجود البيان في تفسير القرآن، للشيخ هادي النجفي (المؤلف).

7 - أجود التقريرات، دروس المحقّق النائيني للسيّد أبوالقاسم الخوئي.

8 - الإحتجاج على أهل اللجاج، لأبي منصور الطبرسي، تحقيق: السيّد محمّدباقر الخرسان، النجف، النعمان، 1386ق.

9 - الأحكام السلطانية، لأبي يعلى الحنبلي، قم المقدسة، 1406 مصوراً من طبع مصر، 1386.

ص: 375

10 - إحياء العلوم، لأبي حامد الغزالي، نشر دارالكتب العلمية، بيروت.

11 - الأخبار الداخلية، للمحقّق التستري، إعداد: عليأكبر الغفّاري، الطبعة الثانية، طهران، مكتبة الصدوق.

12 - الاختصاص، للشيخ المفيد، تحقيق: عليأكبر الغفاري، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1362ش.

13 - الإختيار لتعليل المختار، لعبداللّه بن محمود بن مودود الموصلي، بيروت، دار الكتب العلمية.

14 - إختيار معرفة الرجال، للشيخ الطوسي، إعداد: حسن المصطفوي، مشهد، جامعة مشهد، 1348ش.

15 - الأرائك في أصول الفقه، للشيخ مهدي النجفي الإصفهاني، الطبعة الحجرية.

16 - الأراضي، للشيخ محمّدإسحاق الفياض، النجف الأشرف.

17 - الأربعون حديثاً، للشيخ البهائي، الطبعة الثانية، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1422ق.

18 - الأربعون حديثاً في من يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، للشيخ هادي النجفي - قم المقدسة 1411ق.

19 - الأربعون حديثاً، للمحقّق الخواجوئي، تحقيق: السيّد مهدي الرجائي، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1412ق.

20 - الأربعين الهاشمية، للعلوية الحاجة نصرت أمين (1308 - 1403)، الطبعة الثانية، 1379ق.

21 - إرشاد الأذهان، للعلاّمة الحلّي، تحقيق: فارس الحسّون، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1410ق.

22 - الإرشاد إلى ولاية الفقيه، للسيّد يوسف المدني التبريزي، قم، بصيرتى، 1406ق.

23 - إرشاد الطالب، لآيه اللّه الشيخ جواد التبريزي، قم، إسماعليان، 1412ق.

24 - الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد، للشيخ المفيد، قم، آل البيت عليهم السلام، 1413ق.

ص: 376

25 - أساس البلاغة، للزمخشري، تحقيق: عبدالرحيم محمود، بيروت، دار المعرفة، 1399ق.

26 - الإستبصار فيما اختلف من الأخبار، للشيخ الطوسي، تحقيق السيّد حسن موسوي الخرسان، طهران، 1363ش.

27 - الإستصحاب، للسيّد روح اللّه الموسوي الخميني، المطبوع ضمن الرسائل له.

28 - الإستيعاب في معرفة الأصحاب، لابن عبدالبر، بيروت.

29 - أسد الغابة في معرفة الصحابة، لابن أثير الجزري.

30 - أسس القضاء والشهادة، لآيه اللّه الشيخ جواد التبريزي، قم، 1415ق.

31 - الإسلام يقود الحياة، للشهيد السيّد محمّدباقر الصدر، طهران، وزارة الإرشاد الإسلامي.

32 - إشارات الأصول، للحاجي محمّدإبراهيم الكلباسي، الطبعة الرصاصية.

33 - الإشراف على نكت مسائل الخلاف، للقاضي عبدالوهاب البغدادي المالكي، تحقيق: الحبيب بن طاهر، دار ابن حزم، 1420ق.

34 - الإصابة في تميز الصحابة، لابن حجر العسقلاني.

35 - اصباح الشيعة بمصباح الشريعة، لقطب الدين الكيدري، تحقيق: إبراهيم البهادري، قم، مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام، 1416ق.

36 - أصل زيد النرسي، المطبوع ضمن الأصول الستة عشر قم، الطبعة السابقة.

37 - الأصول في علم الأصول، للميرزا علي الإيرواني، قم، دفتر تبليغات إسلامي.

38 - الإعتقادات، للشيخ الصدوق، قم، مؤسسة الإمام الهادي عليه السلام.

39 - الاعتقادية، للشيخ البهائي، الطبعة السابقة، والطبعة الحديثة بتحقيق: جويا جهانبخش، المطبوعة ضمن نصوص ورسائل.

40 - أعلام الدين في صفات المؤمنين، للديلمي، تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام، الطبعة الأولى 1408ق.

41 - إعلام الورى بأعلام الهدى، للطبرسي، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام.

ص: 377

42 - الأعمال المانعة من الجنّة لجعفر بن أحمد القمي، تحقيق السيّد محمّد الحسيني النيسابوري المطبوع مع جامع الأحاديث للمؤلف، مشهد، 1413ق.

43 - أعيان الشيعة، للسيّد محسن الأمين العاملي.

44 - الاقتصاد فيما يتعلّق بالاعتقاد، للشيخ الطوسي، الطبعة الأولى، قم المقدسة، 1400ق، الطبعة الأولى.

45 - إقتصادنا، للشهيد السيّد محمّدباقر الصدر، بيروت، دار التعارف، 1402ق.

46 - أقرب الموارد، لسعيد بن عبداللّه شرتوني، قم، مكتبة آيه اللّه المرعشي، 1403ق.

47 - ألف حديث في المؤمن، للشيخ هادي النجفي، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1416ق.

48 - الأم، لمحمّد إدريس الشافعي، بيروت، دار المعرفة.

49 - أمالي الشريف المرتضى، للسيّد المرتضى.

50 - أمالي الصدوق، للشيخ الصدوق، قم، مؤسسة البعثة، 1418ق.

51 - أمالي الطوسي، للشيخ الطوسي، قم، مؤسسة البعثة، 1414ق.

52 - أمالي المفيد، للشيخ المفيد، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1417ق.

53 - الأمر بين الأمرين، تقرير دروس السيّد أبوالقاسم الخوئي للشيخ محمّدتقي الجعفري، المطبوع في مجلّد التاسع والأربعين من موسوعة الإمام الخوئي.

54 - أمل الآمل، للشيخ حرّ العاملي، تحقيق: السيّد أحمد الحسيني، بغداد، نشر اندلس، 1385ق.

55 - الأموال، لأبي عبيد القاسم بن سلام، بيروت، دار الفكر، 1408ق.

56 - الإنتصار، للسيّد المرتضى، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1415ق.

57 - الأنموذج في منهج الحكومة الإسلامية، للشيخ محمّدإسحاق الفياض.

58 - الأنوار الإلهية في المسائل العقائدية، للشيخ جواد التبريزي، قم، دار الصديقة الشهيدة، 1383ش.

59 - أنوار التنزيل وأسرار التأويل، للبيضاوي، الطبعة الحجري.

ص: 378

60 - أنوار الفقاهة، للشيخ حسن بن جعفر كاشف الغطاء، طهران، المركز العالي للعلوم الثقافة الإسلامية، 1436ق.

61 - أنوار الفقاهة، للشيخ ناصر مكارم الشيرازي، قم.

62 - أنوار الملكوت في شرح الياقوت، للعلاّمة الحلّي، قم المقدسة.

63 - أهل البيت في المكتبة العربية، للسيّد عبدالعزيز الطباطبائي، قم.

64 - أوائل المقالات، للشيخ المفيد، الطبعة السابقة.

65 - إيضاح ترددات الشرائع، للمحقّق الحلّي، مكتبة آيه اللّه المرعشى العامة، قم، 1408ق.

66 - إيضاح الفوائد في شرح اشكالات القواعد، لفخر المحقّقين الحلّي، قم، اسماعليان، 1363ش.

67 - بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، للعلاّمة محمّدباقر المجلسي، بيروت، دار احياء التراث العربي.

68 - بدائع الصنايع في ترتيب الشرائع، لأبيبكر الكاشاني الحنفي، بيروت، دار الكتاب العربي، 1394ق.

69 - بداية المجتهد، لابن حزم الآندلسي.

70 - البداية والنهاية، لابن كثير إسماعيل بن عمر القرشي البصري، بيروت، دارإحياء التراث العربي، 1408ق.

71 - البدر الزاهر في صلاة الجمعة والمسافر، تقرير دروس السيّد حسين الطباطبائي البروجردي للشيخ حسين علي المنتظري، قم، 1416ق.

72 - برهان الفقه، للسيّد علي آل بحرالعلوم، الطبعة الحجرية.

73 - البرهان في تفسير القرآن، للسيّد هاشم البحراني، قم، مؤسسة البعثة، 1416ق.

74 - بشارة المصطفى لشيعة المرتضى، للطبرسي من أعلام القرن السادس، الطبعة السابقة، النجف الأشرف.

75 - بشرى الفقاهة، للشيخ محمّدأمين المامقاني، النجف الأشرف.

ص: 379

76 - بصائر الدرجات، لمحمّد بن الحسن بن فروخ الصفار، تحقيق: مؤسسة الإمام المهدي عليه السلام، قم.

77 - بغية الطالب في شرح المكاسب، للسيّد أبوالقاسم الإشكوري.

78 - بلغة الفقيه، للسيّد محمّد بحرالعلوم، الطبع الجديد في أربع مجلدات، 1403ق.

79 - البناية في شرح الهداية، لأبي محمّد بن أحمد العيني.

80 - بهجة الخاطر ونزهة الناظر، للشيخ يحيى بن حسين بن عشيرة البحراني، طبع الآستانة المقدسة الرضوية، مشهد المقدس.

81 - البيان، للشهيد الأوّل، إعداد محمّد الحسّون، طهران، 1412ق.

82 - البيع، تقرير الإمام الخميني للشيخ محمّدحسن القديري.

83 - البيع، تقرير دروس السيّد محمّد الحجة الكوهكمري للشيخ أبوطالب التجليل.

84 - التاج الجامع للأصول، للشيخ منصور علي ناسف، خمس مجلدات، بيروت.

85 - تاريخ بغداد، فتح بن علي بنداري.

86 - تاريخ الخلفاء، للسيوطي، مصر، مطبعة السعادة، 1371ق.

87 - تاريخ الطبري، لمحمّد بن جرير الطبري.

88 - تاريخ مدينة دمشق، لابن عساكر، دمشق، دارالفكر، 1361ق.

89 - تأويل المختلف الحديث، لابن قتيبة، بيروت، دار الكتب العلمية.

90 - تبصرة الفقهاء، للشيخ محمّدتقي الرازي النجفي الإصفهاني، تحقيق: السيّد صادق الحسيني الإشكوري، قم، 1427ق.

91 - تبصرة المتعلمين، للعلاّمة الحلّي.

92 - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، للزيلعي، مصر، المطبعة الأميرية، 1314ق.

93 - التبيان، للشيخ الطوسي، تحقيق حبيب القصير العاملي، بيروت، دار إحياء التراث العربي.

94 - تجريد الاعتقاد، للمحقق نصيرالدين الطوسي، تحقيق: محمّدجواد الحسيني الجلالي، قم، مكتب الإعلام الإسلامي 1407ق.

ص: 380

95 - تحرير الأحكام الشرعية، للعلاّمة الحلّي، تحقيق: إبراهيم البهادري، قم، مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام، 1420ق.

96 - تحف العقول عن أخبار آل الرسول، لابن شعبة الحرّاني، تحقيق: عليأكبر الغفاري، الطبعة الثانية، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1404ق.

97 - تحقيق الأصول، للسيّد علي الحسيني الميلاني، قم.

98 - تحقيق در يك مسألة فقهي، للشيخ رضا الأستادي، المطبوع ضمن «ده رساله»، له جماعة المدرسين، قم المقدسة، 1380ش.

99 - تحقيق في القواعد الفقهية، للسيّد علي الفرحي، جماعة المدرسين بقم.

100 - تحقيق وتقريرات في باب البيع والخيارات، تقرير دروس السيّد كاظم الشريعتمداري للشيخ حسين الحقاني الزنجاني، قم، تولا، 1388ش.

101 - تذكرة الحفاظ، للحافظ الذهبي، بيروت، دارالكتب، 1428ق.

102 - تذكرة الفقهاء، للعلاّمة الحلّي، قم، آل البيت عليهم السلام، 1414ق.

103 - ترتيب جمهرة اللغة، لابن دريد، مشهد، الآستانة المقدسة الرضويّة.

104 - ترتيب خلاصة الأقوال، للعلاّمة الحلّي، مشهد، مكتبة الروضة الرضوية

105 - تصحيح الاعتقاد «شرح عقائد الصدوق»، للشيخ المفيد، قم المقدسة.

106 - ترتيب كتاب العين، للخليل بن أحمد الفراهيدي، بيروت.

107 - ترجمة الإمام علي بن أبيطالب عليه السلام من تاريخ دمشق، ابن عساكر، تحقيق: شيخ محمّدباقر المحمودي، بيروت.

108 - ترجمه وتفسير نهج البلاغة، للشيخ محمّدتقي الجعفري، طهران.

109 - التعريفات، لعلي بن محمّد الجرجاني، بيروت.

110 - التعليقة على العروة الوثقى، لآيه اللّه الشيخ حسين علي المنتظري، الطبعة الأولى، قم.

111 - التعليقة على كتاب محاضرات في الفقه الجعفري، للشهيد الشيخ عليأصغر الأحمدي الشاهرودي، طبعت مع الكتاب.

ص: 381

112 - تعليقة الوافي، للشيخ أبي الحسن الشعراني.

113 - تفسير الأصفى، للفيض الكاشاني.

114 - تفسير الصافي، للفيض الكاشاني، الطبعة الحجرية.

115 - تفسير الطبري المعروف جامع البيان عن تأويل القرآن، لمحمّد بن جرير الطبري، بيروت، دار إحياء التراث العربي.

116 - تفسير العياشي، لمحمّد بن مسعود العياشي، مؤسسة البعثة، الطبعة الحديثة.

117 - تفسير القرطبي، للقرطبي.

118 - تفسير القمّي، لعليّ بن إبراهيم القمّي، إعداد: السيّد طيب الموسوي الجزائري، الطبعة الثالثة، قم، دارالكتاب، 1404ق.

119 - التفسير الكبير، لفخر الدين الرازي، بيروت، دار الفكر.

120 - تفسير الكوفي، لفرات بن إبراهيم الكوفي، تحقيق: محمّد الكاظم، طهران، وزارة الإرشاد الإسلامي، 1410ق.

121 - تفسير مقاتل بن سليمان، بيروت، 1424ق.

122 - تفسير نور الثقلين، للشيخ عبدالعلي بن جمعة العروسي الحويزي، تحقيق: السيّد علي عاشور، بيروت، مؤسسة التاريخ العربي، 1422ق.

123 - تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، لآيه اللّه الشيخ محمّد فاضل اللنكراني.

124 - تقريب التهذيب، لابن حجر العسقلاني.

125 - تكملة أمل الآمل، لأبي محمّدحسن الصدر الكاظمي، بيروت، دارالمورخ العربي، 1429ق.

126 - تكملة المجموع شرح المهذب الشيرازي، لمحمّد نجيب المطيعي، دار عالم الكتب، رياض، 1427ق.

127 - التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، لابن حجر العسقلاني، بيروت، دار الكتب العلمية، 1419ق.

128 - تلخيص المرام، للعلاّمة الحلّي، تحقيق: هادي القبيسي، قم، 1421ق.

ص: 382

129 - تمهيد القواعد، للشهيد الثاني، طبع دفتر تبليغات إسلامي قم.

130 - تنبيه الأمّة وتنزيه الملّت، للشيخ محمّدحسين النائيني، شرحها: السيّد محمود الطالقاني، طهران، شركة سهامي انتشار، 1360ش.

131 - تنبيه الخواطر ونزهة النواظر، لورام بن أبي فراس، طبع قم المقدسة.

132 - التنبيه في الفقه الشافعي، لأبي إسحاق الفيروزآبادي، عالم الكتب، 1403ق.

133 - التنقيح الرائع لمختصر النافع، للفاضل المقداد، تحقيق: عبداللطيف الحسيني، قم، مكتبة السيّد المرعشي، 1404ق.

134 - التنقيح في شرح المكاسب، تقرير دروس السيّد أبوالقاسم الخوئي للشهيد الشيخ ميرزا علي الغروي، موسوعة الإمام الخوئي، قم، 1430ق.

135 - تنقيح المقال في علم الرجال، للشيخ عبداللّه المامقاني، الطبعة الحجرية.

136 - تهذيب الأحكام، للشيخ الطوسي، تحقيق السيّد حسن موسوي الخرسان، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1405ق.

137 - تهذيب الأصول، تقرير دروس الإمام الخميني للشيخ جعفر السبحاني، جماعة المدرسين بقم.

138 - تهذيب التهذيب، لابن حجر العسقلاني.

139 - التهذيب في الفقه الإمام الشافعي، لأبي محمّد البغوي، تحقيق: عادل أحمد عبدالموجود وعلي محمّد معوض، بيروت، دارالكتب العلمية، 1418ق.

140 - تهذيب الوصول إلى علم الأصول، للعلاّمة الحلّي، تحقيق: محمّدباقر الناصري، قم، ذوي القربى، 2005م.

141 - التوحيد، للشيخ الصدوق، تحقيق السيّد هاشم الحسيني الطهراني، قم، مؤسسة النشر الإسلامي.

142 - الثاقب في المناقب، لابن حمزة الطوسي، قم، مؤسسة انصاريان، 1412ق.

143 - ثواب الأعمال، للشيخ الصدوق، تحقيق عليأكبر الغفّاري.

144 - جامع أحاديث الشيعة، ألّف تحت اشراف آيه اللّه البروجردي، قم، الطبعة الحديثة.

ص: 383

145 - جامع الأخبار، للشيخ محمّد السبزواري، تحقيق: علاء آل جعفر، قم، آل البيت عليهم السلام، 1414ق.

146 - جامع الأصول من أحاديث الرسول، لابن الاثير الجزري، بيروت 1404ق.

147 - جامع الخلاف والوفاق، للسبزواري، تحقيق: الحسيني البيرجندي، قم، 1379ش.

148 - جامع الرواة، لمحمّد بن علي الأردبيلي، مكتبة آيه اللّه المرعشي، 1403ق.

149 - جامع الشتات، للميرزا أبوالقاسم القمي، طبع مؤسسة كيهان.

150 - جامع الصغير، للسيوطي.

151 - جامع عباسي، للشيخ البهائي، الطبعة الحجرية، وطبعة جماعة المدرسين عام 1386ش.

152 - الجامع لأحكام القرآن، لمحمّد بن أحمد الأنصاري القرطبي، دار الكاتب العربي للطباعة والنشر، 1387ق.

153 - الجامع للشرائع، ليحيى بن سعيد الحلّي، قم، مؤسسة سيّد الشهداء، 1405ق.

154 - جامع المقاصد، للمحقّق الكركي، مؤسسة آل البيت عليهم السلام، قم المقدسة.

155 - الجعفريات، لمحمّد بن محمّد الاشعث، الطبعة الحجرية.

156 - جوابات المسائل الرسية الأولى، للشريف المرتضى، المطبوعة في ضمن رسائل الشريف المرتضى.

157 - جوابات المسائل الشامية الأولى، لابن فهد الحلّي، المطبوعة في ضمن الرسائل العشر.

158 - جوامع الجامع، لأبي علي الطبرسي، تحقيق: الدكتور كرجي، طبعة جامعة طهران.

159 - الجوامع الفقهية، تأليف عدّة من أصحابنا الإمامية، قم، مكتبة آيه اللّه المرعشي، 1404ق.

160 - جواهر العقود ومعين القضاة والموقعين والشهود، لمحمّد بن أحمد المنهاجي الأسيوطي، بيروت، دار الكتب العلمية، 1417ق.

ص: 384

161 - جواهر الفقه، لابن البراج، جماعة المدرسين بقم، 1411ق.

162 - جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، للشيخ محمّدحسن النجفي، طبع دار الكتب الإسلامية، طهران.

163 - جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، للشيخ محمّدحسن النجفي، تحقيق: الشيخ حيدر الدبّاغ، جماعة المدرسين بقم، 1417ق.

164 - حاشية الإرشاد، للشهيد الثاني، تحقيق رضا المختاري، قم، مركز الإعلام الإسلامي، 1428ق.

165 - حاشية الإرشاد، للمحقق الكركي، طهران، احتجاج، 1381ق.

166 - حاشية إعانة الطالبين، للدمياطي، دارالكتب العلمية، بيروت، 1415ق.

167 - حاشية الروضة البهية، لآقا جمال الدين بن الحسين الخوانساري، الطبعة الحجرية.

168 - حاشية الشرائع، للمحقّق الكركي، طهران، احتجاج، 1381ش.

169 - الحاشية على أصول الكافي، للمولى رفيع الدين محمّد بن حيدر النائيني، قم، دار الحديث، 1382ش.

170 - حاشية مجمع الفوائد والبرهان، للوحيد البهبهاني، قم، مؤسسة وحيد البهبهاني، 1417ق.

171 - حاشية مختصر النافع، للشهيد الثاني، قم، مركز الإعلام الإسلامي.

172 - حاشية المكاسب، للشيخ محمّدحسين الإصفهاني، تحقيق: الشيخ عباس محمّد آل سباع القطيفي، قم المقدسة.

173 - حاشية المكاسب، للميرزا علي الإيرواني الغروي، تحقيق: باقر الفخار الإصفهاني، منشورات ذوي القربى، قم، 1421ق.

174 - حاشية المكاسب، للمحقّق الآخوند الخراساني.

175 - حاشية المكاسب، للميرزا محمّدتقي الشيرازي، الطبعة الحجرية.

176 - حاشية المكاسب، للسيّد محمّدكاظم الطباطبائي اليزدي، تحقيق: الشيخ عباس

ص: 385

محمّد آل سباع القطيفي - قم - 1423ق.

177 - حاشية المكاسب، للميرزا أبوالفضل النجم آبادي، مؤسسة آيه اللّه البروجردي قم، 1421ق.

178 - حاشية المكاسب، للفقيه رضا بن محمّدهادي الهمداني، نشر ستاره، قم، 1420ق.

179 - حاشية النجارية، للشهيد الأوّل، طبع موسوعة الشهيد الأوّل.

180 - الحاكمية في الإسلام، للسيّد محمّدمهدي الموسوي الخلخالي، جماعة المدرسين بقم.

181 - حاوي الأقوال في معرفة الرجال، لعبدالنبي الجزائري، قم، مؤسسة الهداية لإحياء التراث، 1418ق.

182 - الحاوي الكبير في شرح مختصر المزني، للماوردي، تحقيق: على معوض وعادل عبدالموجود، بيروت، دارالكتب العلمية، 1414ق.

183 - الحبل المتين، للشيخ البهائي، تحقيق السيّد بلاسم الموسوي، الآستانة الرضوية، 1424ق.

184 - حدائق الحقائق في شرح نهج البلاغة، لقطب الدين الكيدري، تحقيق: الشيخ عزيزاللّه العطاردي، قم، 1416ق.

185 - الحدائق الناضرة، للمحدّث البحراني، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1363ش.

186 - الحديقة الهلالية، للشيخ البهائي، تحقيق: السيّد علي الموسوي الخراساني، قم مؤسسة آل البيت عليهم السلام، 1410.

187 - حقائق الأصول، للسيّد محسن الحكيم، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام، 1372ق.

188 - حكومت از نظر اسلام، للسيّد محمود الطالقاني، طهران، شركة سهامي انتشار، 1360ش.

189 - حكومت اسلامى، دروس السيّد روح اللّه الموسوي الخميني.

190 - حلية الأولياء، لأبي نعيم الإصفهاني، تحقيق: سعيد بن سعدالدين خليل

ص: 386

إسكندراني، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1421ق.

191 - حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء، للشاشي، بيروت، مؤسسة الرسالة،

1980م.

192 - حياة المحقّق الكركي وآثاره، للمحقّق الثاني، تحقيق: محمّد الحسّون، طهران، احتجاج، 1381ش.

193 - الخراج، للقاضي أبي يوسف، بيروت، 1399ق.

194 - الخراجيات، (تأليف عدّة من أصحابنا الإمامية)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1413ق.

195 - الخصال، للشيخ الصدوق، تحقيق: عليأكبر الغفّاري، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1403ق.

196 - خصائص الوحي المبين في مناقب أميرالمؤمنين، لابن بطريق، جماعة المدرسين بقم.

197 - خلاصة الأقوال، للعلاّمة الحلّي، دار الذخائر، قم، 1411ق.

198 - الخلاف، للشيخ الطوسي، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1407 ق.

199 - دراسات في المكاسب المحرمة، لآيه اللّه الشيخ حسين علي المنتظري، قم، تفكّر، 1415ق.

200 - دراسات في ولاية الفقيه، لآيه اللّه الشيخ حسين علي المنتظري، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1408ق.

201 - الدرّة الباهرة من الأصداف الطاهرة، للشهيد الأوّل، الآستانة الرضوية المقدسة، 1365ش.

202 - الدرجات الرفيعة، للسيّد عليخان المدني الشيرازي.

203 - الدر المنثور في التفسير المأثور، للسيوطي، طبع طهران.

204 - الدرة النجفية، للسيّد مهدي بحرالعلوم، قم، المحلاتي، 1414ق.

205 - درر الفوائد، للشيخ عبدالكريم الحائري اليزدي، طبع جماعة المدرسين.

ص: 387

206 - الدروس الشرعية للشهيد الأوّل، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1412ق.

207 - دروس في مسائل علم الأصول، لشيخنا الأستاذ آيه اللّه الشيخ جواد التبريزي، قم.

208 - دعائم الإسلام، للقاضي نعمان المصري، تحقيق آصف بن علي أصغر الفيضي، مصر، دار المعارف، 1389ق.

209 - دلائل الإمامة، لأبي جعفر محمّد بن جرير الطبري الإمامي، مؤسسة البعثة، قم،

1413ق.

210 - دلائل الصدق لنهج الحقّ، للشيخ محمّدحسن المظفر، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام، 1423ق.

211 - دلائل النبوة، للبيهقي، تحقيق: عبدالرحمن محمّد عثمان، بيروت، دارالفكر، 1418ق.

212 - الدلالة إلى من له الولاية، للشيخ علي الصافي الگلپايگاني، قم، مكتبة المعارف الاسلامية، 1417ق.

213 - ده رساله فارسي، للشيخ رضا الأستادي، طبع جماعة المدرسين، قم المقدسة.

214 - الذريعة إلى أصول الشريعة، للشريف المرتضى، جامعة طهران، 1363ش.

215 - الذريعة إلى تصانيف الشيعة، للشيخ آغابزرك الطهراني.

216 - ذكرى الشيعة، للشهيد الأوّل، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام، 1418ق.

217 - الرجال، للشيخ الطائفة الطوسي.

218 - الرجال، لإبن غضائري، تحقيق: السيّد محمّدرضا الجلالي، قم، دار الحديث، 1422ق.

219 - رجال ابن داود، لابن داود الحلّي، طبع طهران.

220 - رجال النجاشي، لأحمد بن علي النجاشي، تحقيق آيه اللّه السيّد موسى الشبيري الزنجاني، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1407ق.

221 - الرسائل، للشهيد الثاني.

222 - الرسائل التسع، للمحقّق الحلّي، تحقيق: رضا الأستادي، مكتبة آيه اللّه المرعشي،

ص: 388

1413ق.

223 - الرسائل الرجالية، للسيّد حجة الإسلام الشفتي، تحقيق السيّد مهدي الرجائي، اصفهان، مكتبة مسجد السيّد، 1417ق.

224 - رسائل الشريف المرتضى، للسيّد المرتضى، تحقيق الإشكوري والرجائي، قم، دار القرآن الكريم، 1405ق.

225 - رسائل فقهية، للشيخ مرتضى الأنصاري، مؤتمر الشيخ الأنصاري.

226 - رسائل في ولاية الفقيه، تحقيق: محمّدكاظم الرحمان ستايش ومهدي المهريزي، قم، بوستان كتاب، 1384ش.

227 - رسائل المحقّق الكركي، للمحقّق الثاني، تحقيق: السيّد محمّد الحسّون، قم، مكتبة السيّد المرعشي، 1409ق.

228 - الرسالة الجعفرية، للمحقّق الكركي، تحقيق: الشيخ محمّد الحسّون، قم، مكتبة آيه اللّه المرعشي، 1409ق.

229 - رساله صلاتية، للشيخ محمّدتقي رازي النجفي الإصفهاني، تحقيق: مهدي الباقري السياني، قم، ذوي القربى، 1383ش.

230 - رسالة في الأرض المندرسة، للمحقّق الكركي، تحقيق: الشيخ محمّد الحسّون، قم، مكتبة آيه اللّه المرعشي، 1409ق.

231 - رسالة في تعاقب الأيدي، للشيخ ضياءالدين العراقي، المطبوعة في ضمن كتاب القضاء له.

232 - رسالة في حرمة حلق اللحية، للشيخ محمّدجواد البلاغي، تحقيق: رضا الأستادي، المطبوعة ضمن الرسائل الأربعة عشر، جماعة المدرسين، قم المقدسة.

233 - رسالة في الخراج، للفاضل الشيباني، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1413ق.

234 - رسالة في ولايت الفقيه، للسيّد عبدالحسين الموسوي اللاري، المطبوعة في ضمن المجلّد الثالث من رسائل سيّد لارى.

ص: 389

235 - رسالتان في الخراج، للشيخ أحمد المقدس الأردبيلي، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1413ق.

236 - الرواشح السماوية، للسيّد الداماد، تحقيق: الجليلي وقيصريه ها، قم، دار الحديث، 1422ق.

237 - روح المعاني، للآلوسي، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1420ق.

238 - روض الجنان، للشهيد الثاني، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1422ق.

239 - روضات الجنات، للسيّد محمّدباقر الخوانساري، تحقيق: أسداللّه اسماعيليان، قم، اسماعيليان، 1390ق.

240 - الروضة البهية، للشهيد الثاني، إعداد السيّد محمّد الكلانتر، الطبعة الثانية، بيروت، دار احياء التراث العربي، 1403ق.

241 - الروضة البهية في الإجازة الشفيعية، للسيّد محمّدشفيع الجابلقي البروجردي، تحقيق: السيّد جعفر الحسيني الإشكوري، قم، مؤسسة تراث الشيعة، 1434ق.

242 - روضة الطالبين وعمدة المفتين، للنووي، بيروت، المكتب الإسلامي، 1412ق.

243 - روضة القضاة وطريق النجاة، لعلي بن محمّدالرحبي السمناني، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1404ق.

244 - روضة المتقين، للمولى محمّدتقي المجلسي، طهران، بنياد كوشانپور.

245 - رياض العلماء، للأفندي الإصفهاني، إعداد: السيّد أحمد الحسيني، قم، مكتبة آيه اللّه المرعشي، 1401ق.

246 - رياض المسائل، للسيّد علي الطباطبائي، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام، 1418ق.

247 - زبدة البيان، للمحقّق الأردبيلي، إعداد: الأستادي وزمانينژاد، الطبعة الثانية، مؤمنين، قم، 1421ق.

248 - زبدة المقال في خمس الرسول والآل، للسيّد عباس أبوترابي، قم.

249 - زندگانى و شخصيت شيخ انصارى، للشيخ مرتضى الأنصاري، خواجه، 1369ش.

ص: 390

250 - زين الفتى في تفسير سورة هل أتى، للحافظ العاصمي.

251 - السرائر لإبن إدريس الحلّي، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الثانية، 1410ق.

252 - السراج الوهاج، للفاضل القطيفي، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1413ق.

253 - سمطا اللئال في مسألتي الوضع والاستعمال، للشيخ محمّدرضا النجفي الإصفهاني، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام، 1413ق.

254 - السنن، لابن ماجه القزويني، تحقيق: محمّدفؤاد عبدالباقي، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1395ق.

255 - السنن، لأبي داود، تحقيق: محمّد محيالدين عبدالحميد، دار الفكر.

256 - السنن، للبيهقي، تحقيق: محمّد عبدالقادر عطا، بيروت، دار الكتب العلمية، 1414ق.

257 - السنن، لمحمّد بن عيسى الترمذي، بيروت دار الفكر، 1403ق.

258 - السنن، للدارقطني.

259 - السنن، لسعيد بن منصور.

260 - السنن الكبرى، لأحمد بن شعيب النسائي، بيروت، دار الكتب العلمية، 1411ق.

261 - سه مقاله در اصل امامت، للشيخ هادي النجفي، قم، دارالتفسير، 1430ق.

262 - السيف الصنيع لرقاب منكري علم البديع، للشيخ محمّدرضا النجفي الإصفهاني، تحقيق: مجيد هاديزاده، قم، 1427ق.

263 - شارع النجاة، للمحقّق الداماد، إعداد: السيّد جمال الدين الميردامادي، طهران.

264 - شرائع الإسلام، للمحقّق الحلّي، تحقيق: عبدالحسين محمّدعلي البقال، الطبعة الثانية، قم، إسماعيليان، 1408ق.

265 - الشجرة المباركة في أنساب الطالبية، للفخر الرازي، تحقيق: السيّد مهدي الرجائي،مكتبة آيه اللّه المرعشي، قم، 1409ق.

266 - شرح أصول الكافي، للمولى صالح المازندراني، بيروت، دار إحياء التراث

ص: 391

العربي، 1429ق.

267 - شرح التجريد الاعتقاد، للفاضل القوشجي، الطبعة الحجرية.

268 - شرح جمل العلم والعمل للقاضي ابن برّاج، إعداد: كاظم مدير شانه چى، مشهد، جامعة مشهد، 1352ش.

269 - شرح الخرشي على مختصر سيّدي خليل، لمحمّد بن عبداللّه بن علي الخرشي المالكي المكتبة العصرية، بيروت، 1427ق.

270 - شرح فتح القدير على الهداية شرح بداية المبتدي، لإبن همام السيواسي السكندري، تحقيق: عبدالرزاق غالب المهدي، بيروت، دارالكتب العلمية، 1424ق.

271 - شرح القواعد، للشيخ جعفر كاشف الغطاء، تحقيق: محمّدحسين الرضوي الكشميري.

272 - شرح النظّام، للحسن بن محمّد النيسابوري.

273 - شرح نهج البلاغة، لإبن أبي الحديد المعتزلي، طبع مصر.

274 - شرح هداية المسترشدين، للشيخ محمّدباقر النجفي الإصفهاني، تحقيق: مهدي الباقري السياني، قم، عطر عترت، 1427ق.

275 - الشفاء، للشيخ الرئيس أبي علي سينا، مكتبة آيه اللّه المرعشي، قم، 1405ق.

276 - شواهد التنزيل لقواعد التفضيل، للحاكم الحسكاني، تحقيق: الشيخ محمّدباقر المحمودي، بيروت، 1393ق.

277 - الصحاح اللغة، للجوهري، تحقيق: أحمد عبدالغفور عطّار، بيروت، دار العلم للملايين، 1404ق.

278 - الصحيح، للبخاري، طبع بيروت في أربعة مجلدات.

279 - الصحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، لمحمّد بن حبّان التميمي البستي،بيروت، مؤسسة الرسالة، 1414ق.

280 - الصحيح لمسلم، تحقيق محمّدفؤاد عبدالباقي، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1374ق.

ص: 392

281 - الصحيفة السجادية، الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام.

282 - الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم، للشيخ زين الدين أبي محمّدعلي بن يونس العاملي النباطي البياضي، طهران، مكتبة المرتضويه، 1384ش.

283 - الصواعق المحرقة، لابن حجر الهيتمي.

284 - صيغ العقود والايقاعات، للملاّ علي القزويني، طهران، كتابفروشى علميه اسلاميه.

285 - ضوابط الرضاع، للسيّد محمّدباقر الداماد، المطبوع في ضمن كلمات المحقّقين.

286 - طب النبيّ، للمستغفري، قم، 1404ق.

287 - الطبقات الكبرى، لابن سعد، طبع بيروت.

288 - الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف، للسيّد علي بن موسى ابن طاووس الحسيني، قم.

289 - طريق الوصول إلى أخبار آل الرسول عليهم السلام (المشيخة - الإجازات)، للشيخ هادي النجفي، قم، دار التفسير، 1394ش.

290 - الطليعة من شعراء الشيعة، للشيخ محمّد السماوي، بيروت، دار المورخ العربي، 1422ق.

291 - الطهارة، للشيخ مرتضى الأنصاري، مؤتمر الشيخ الأنصاري.

292 - عدة الأصول، للشيخ الطوسي، تحقيق: الشيخ محمّدرضا الأنصاري القمي، قم.

293 - العروة الوثقى، للسيّد محمّدكاظم الطباطبائي اليزدي، مع 15 حاشية، طبع جماعة المدرسين، بقم المقدسة.

294 - العروة الوثقى، للسيّد محمّدكاظم الطباطبائي اليزدي، مع تعليقة آيه اللّه السيّدعلي السيستاني.

295 - عقاب الأعمال، للشيخ الصدوق، تحقيق: عليأكبر الغفّاري، طهران، مكتبة الصدوق، 1391ق.

296 - العقد النضيد تقرير الأبحاث المسجد الأعظم في فقه العقود والمعاملات، للشيخ

ص: 393

محمّدرضا الأنصاري القمي، قم، دارالتفسير، 1429ق.

297 - عقود المفصّلة، للشيخ جواد البلاغي، ضمن المجلّد السابع من موسوعة العلاّمة البلاغي.

298 - علل الشرائع، للشيخ الصدوق، مكتبة الحيدرية، النجف الأشرف.

299 - عمدة المطالب، لآيه اللّه الحاج آقا تقي القمّي، منشورات محلاتي، قم المقدسة.

300 - عناوين الأصول، للسيّد فتاح المراغي، جماعة المدرسين بقم.

301 - عوائد الأيّام، للفاضل النراقي، طبع مكتبة بصيرتي، قم.

302 - عوالم العلوم، للشيخ عبداللّه البحراني الإصفهاني، قم، مدرسة الإمام المهدي.

303 - عوالي اللآلي، لابن أبي جمهور الأحسائي، تحقيق: الشيخ مجتبى العراقي، قم، 1403ق.

304 - عيون أخبار الرضا عليه السلام، للشيخ الصدوق، تحقيق: السيّد مهدي اللاجوردي.

305 - عيون المجالس، لعبدالوهاب بن علي نصر البغدادي المالكي القاضي، الرياض، مكتبة الرشيد، 1421ق.

306 - الغارات، لإبراهيم بن محمّد الثقفي، تحقيق: المحدث الارموي، طهران، 1395ق.

307 - غاية الآمال، للشيخ محمّدحسن المامقاني، تحقيق وإخراج: الشيخ محمّدأمين المامقاني، المعارف، بغداد، 1998م.

308 - غاية المراد في شرح نكت الإرشاد، للشهيد الأوّل، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1414ق.

309 - غاية المرام، للسيّد هاشم البحراني، طهران، مؤسسة البعثة.

310 - غاية المرام في شرح شرائع الإسلام، للشيخ مفلح الصيمري البحراني، تحقيق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي، دار الهادي، بيروت، 1420ق.

311 - الغدير، للعلاّمة الشيخ عبدالحسين الأميني، الطبعة الثانية، طهران.

312 - غرر الحكم، للآمدي، مع شرح الخوانساري، جامعة طهران، 1360ش.

313 - غرقاب في تراجم العلماء القرن الحاديعشر وما بعده إلى عام 1319ق، للسيّد

ص: 394

محمّدمهدي الشفتي، تحقيق: مهدي الباقري السياني ومحمود النعمتي، اصفهان، كانون پژوهش، 1388ش.

314 - غنائم الأيام، للمحقّق القمّي، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1417ق.

315 - غنية الطالب، للشيخ مرتضى الاردكاني، المطبعة العلمية، قم، 1385ق.

316 - غنية النزوع، لإبن زهَرة الحلبي، تحقيق إبراهيم البهادري، قم، مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام، 1417ق.

317 - الغيبة، للشيخ الطوسي، طبع النجف الأشرف.

318 - الفائق في غريب الحديث، للزمخشري، بيروت، 1414ق.

319 - الفتاوى، للشيخ محمّدحسين النائيني، شرحها حفيده الشيخ جعفر النائيني، قم، دارالهدى، 1426ق.

320 - الفتاوى الهندية، لجماعة من علماء الهند، بيروت، دار إحياء التراث العربي.

321 - فتح الباري بشرح صحيح البخاري، لشهاب الدين ابن حجر العسقلاني، مصر، 1348ق.

322 - فتح العزيز شرح الوجيز، للرافعي.

323 - فرائد الأصول، للشيخ الأنصاري، الطبعة الخامسة، قم، مجمع دارالفكر الإسلامي، 1424ق.

324 - فرج الهموم، للسيّد بن طاوس، قم، منشورات الرضى، 1363ش.

325 - فروق اللغات، للسيّد نورالدين بن نعمه اللّه الجزائري، طبع بيروت.

326 - فصل القضاء في عدم حجية فقه الرضا عليه السلام، للسيّد حسن الصدر الكاظمي، إعداد: الشيخ رضا الأستادي والسيّد محمّدرضا الجلالي، مجلة علوم الحديث العربية.

327 - الفصول الغروية، للشيخ محمّدحسين الإصفهاني الحائري، الطبعة الحجرية.

328 - فضائل الأشهر الثلاثة، للشيخ الصدوق، تحقيق: للشيخ غلامرضا عرفانيان، قم، طوباى محبت، 1396ق.

329 - فضائل الصحابة، لأحمد بن حنبل، بيروت، دارالكتب العلمية.

ص: 395

330 - الفقه على المذاهب الأربعة، في خمس مجلدات، بيروت.

331 - فقه القرآن، للسعيد بن هبه اللّه الراوندي، تحقيق: السيّد أحمد الحسيني، الطبعة الثانية، قم، مكتبة السيّد المرعشي 1405ق.

332 - الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام، تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام.

333 - الفقه النافع، للسمرقندي بيروت، شركة العبيكان للنشر.

334 - الفقه الولاية والحكومة الإسلامية، تقرير دروس الشيخ حسين المظاهري للشيخ مجيد هاديزاده، قم.

335 - الفهرست، للشيخ الطوسي، تحقيق: السيّد عبدالعزيز الطباطبائي، قم، مكتبة المحقّق الطباطبائي، 1420ق.

336 - فوائد الأصول، للشيخ محمّدكاظم الآخوند الخراساني.

337 - فوائد الأصول، للشيخ محمّدعلي الكاظميني، طبع جماعة المدرسين.

338 - الفوائد الرضوية في أحوال علماء المذهب الجعفرية، للشيخ عباس القمي، قم، بوستان كتاب، 1385ش.

339 - فوائد الشرائع، للمحقق الكركي، تحقيق: محمّد الحسّون، طهران، احتجاج، 1381ش.

340 - الفوائد الطوسية، للشيخ الحرّ العاملي، قم، المحلاتي، 1423ق.

341 - فوائد القواعد، للشهيد الثاني، تحقيق: السيّد أبوالحسن المطلّبي، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1419ق.

342 - الفوائد المدنية، لمحمّدأمين الأسترآبادي، طبع جماعة المدرسين، قم المقدسة.

343 - الفوائد الملية، الشهيد الثاني، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1420ق.

344 - فيض القدير، شرح الجامع الصغير، للمناوي، تحقيق: أحمد عبدالسلام، بيروت، دارالكتب العلمية، 1427ق.

345 - قاطعة اللجاج في تحقيق حلّ الخراج، للمحقّق الثاني، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1412ق.

ص: 396

346 - قاطعة اللجاج في تحقيق حلّ الخراج، للمحقّق الثاني، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1413ق، المطبوعة ضمن الخراجيات.

347 - قاعدة لا ضرر، لشيخ الشريعة الإصفهاني، جماعة المدرسين بقم.

348 - قاعدة لا ضرر، تقرير أبحاث المحقّق النائيني للشيخ موسى الخوانساري، جماعة المدرسين بقم في ضمن منية الطالب.

349 - قاموس الرجال، للمحقّق التستري، الطبعة الثانية، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1424ق.

350 - قاموس اللغة العربية، لمحمّد بن أبيبكر الرازي، مصر، مطبعة الحسينية المصرية، 1343ق.

351 - قاموس المحيط، لمحمّد بن يعقوب الفيروزآبادي، بيروت، دار الجيل، وكذا نقلت من الطبعة الحجرية.

352 - قرب الإسناد، الحميري، قم، مؤسسة آل البيت، 1413ق.

353 - قصص الأنبياء، للقطب الراوندي، تحقيق عرفانيان، مؤسسة المفيد، بيروت، 1409ق.

354 - قواعد الأحكام، للعلاّمة الحلّي، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1413ق.

355 - القواعد الفقهية، للسيّد محمّدحسن البجنوردي.

356 - القواعد الفقهية، للشيخ الأستاذ آيه اللّه محمّد الفاضل اللنكراني.

357 - قواعد المرام في الكلام، لميثم بن علي البحراني، قم، مكتبة آيه اللّه المرعشي، 1406ق.

358 - قوانين الأصول، للمحقق القمّي، طهران، مكتبة العلمية الإسلامية، 1378ق، الطبعة الحجرية.

359 - الكافي، لثقه الإسلام الكليني، تحقيق: عليأكبر الغفّاري، الطبعة الخامسة، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1375ش.

360 - الكافي، لثقه الإسلام الكليني، قم، دار الحديث، 1430ق.

ص: 397

361 - الكافي في الفقه، لأبي الصلاح الحلبي، تحقيق: رضا الأستادي، اصفهان، مكتبة أميرالمؤمنين عليه السلام، 1403ق.

362 - الكافي في فقه الإمام أحمد، لابن قدامة المقدسي، بيروت دارالكتب العلمية، 1414ق.

363 - الكافي في فقه أهل المدينة، لأبي عمر يوسف بن عبداللّه بن محمّد بن عبدالبر النمري القرطبي، الرياض، مكتبة الرياض الحديثة، 1398ق.

364 - كامل الزيارات، لابن قولويه القمّي، تصحيح الشيخ عبدالحسين الأميني، الطبع الحجري.

365 - الكامل في التأريخ، لابن أثير الجزري، بيروت، دار الصادر، 1385ق.

366 - كتاب الإجارة، للمحقّق الرشتي، طبعة الحجرية.

367 - كتاب البيع، للشيخ محمّدعلي الأراكي.

368 - كتاب البيع، للسيّد روح اللّه الموسوي الخميني، نشر مجموعة آثار الإمام الخميني.

369 - كتاب جعفر بن محمّد بن شريح، المطبوع ضمن الاصول الستة عشر، قم، 1405ق.

370 - كتاب عاصم بن حميد، المطبوع ضمن الأصول الستة عشر، قم، 1405ق.

371 - كتاب الغصب، للمحقّق الرشتي، طبع الحجري.

372 - كتاب القضاء، للشيخ محمّدكاظم الآخوند الخراساني، جماعة المدرسين بقم.

373 - كتاب القضاء، دروس الشيخ محمّدكاظم الآخوند الخراساني للسيّد محمّدحسن آقا النجفي القوچاني، المطبوع في ضمن مجموعة الرسائل الفقهية له، طهران، 1386ش.

374 - كتاب القضاء، للسيّد عبداللّه الشيرازي، مشهد، كوثر، 1425ق.

375 - كتاب القضاء، للشيخ ضياءالدين العراقي، جماعة المدرسين بقم.

376 - كتاب المغازي للواقدي، بيروت، 1409ق.

ص: 398

377 - الكرام البررة، للشيخ آغابزرك الطهراني.

378 - الكشاف، لجاراللّه الزمخشري، قم، نشر ادب حوزة.

379 - كشف الرمز للفاضل الآبي، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1408ق.

380 - كشف الريبة عن أحكام الغيبة، للشهيد الثاني، تحقيق: غلامحسين القيصري، قم، مركز الإعلام الإسلامي، 1422ق.

381 - كشف الظلام في شرح شرائع الإسلام، للشيخ محسن الأعسم، مخطوط.

382 - كشف الغطاء، للشيخ جعفر كاشف الغطاء، مشهد، مكتب الإعلام الإسلامي، 1422ق.

383 - كشف الغمة في معرفة الأئمة، لعلي بن عيسى الإربلي، قم، المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام ، 1426ق.

384 - كشف اللثام، للفاضل الهندي، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1416ق.

385 - كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، للعلاّمة الحلّي.

386 - الكشف والبيان (تفسير الثعلبي)، للثعلبي بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1422ق.

387 - الكشكول، للشيخ محمّد بهاءالدين العاملي.

388 - كفاية الأثر في النصّ على الأئمة الإثنى عشر، للخزاز القمي، تحقيق: محمّدكاظم الموسوي وعقيل الربيعي، قم، دليل ما، 1430ق.

389 - كفاية الأحكام، للمحقّق السبزواري، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1423ق.

390 - كفاية الأصول، للشيخ الآخوند محمّدكاظم الخراساني، جماعة المدرسين بقم المقدسة، 1427ق.

391 - كفاية الطالب، لمحمّد بن يوسف الشافعي، نجف، مكتبة الحيدرية.

392 - كمال الدين وتمام النعمة، للشيخ الصدوق، تحقيق: عليأكبر الغفّاري، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1405ق.

393 - كنز الدقائق، للميرزا محمّد المشهدي، تحقيق: الشيخ مجتبى العراقي، قم،

ص: 399

مؤسسة النشر الإسلامي، 1407ق.

394 - كنز العرفان في فقه القرآن، للفاضل المقداد، طبع طهران.

395 - كنز العمال، للمتقي الهندي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1405ق.

396 - كنز الفوائد، للكراجكي، تحقيق عبداللّه النعمة، قم، دار الذخائر، 1410ق.

397 - كنز الفوائد في حل مشكلات القواعد، للسيّد عميدالدين عبدالمطلب بن محمّد الأعرجي، جماعة المدرسين بقم، 1416ق.

398 - الكنى والألقاب، للشيخ عباس القمي، جماعة المدرسين بقم.

399 - اللباب في الفقه الشافعي، لأبي الحسن المحاملي، تحقيق: عبدالكريم بن صنيتان العمري، المدينة المنورة، دار البخاري، 1416ق.

400 - لسان العرب، لابن منظور المصري، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1408ق.

401 - اللمعة الدمشقية، للشهيد الأوّل.

402 - لؤلؤة البحرين في الإجازة لقرتي العين، للشيخ يوسف البحراني، تحقيق: السيّد محمّدصادق بحرالعلوم، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام.

403 - لوامع صاحبقراني، للمولى محمّدتقي المجلسي، الطبعة الثانية، قم اسماعيليان، 1414ق.

404 - ماضي النجف وحاضرها، للشيخ جعفر بن باقر آل محبوبة، بيروت، دار الأضواء، 1406ق.

405 - ما نزل من القرآن في عليٍ عليه السلام، لابن مردويه الإصفهاني، قم، دارالحديث.

406 - ما نزل من القرآن في عليٍ عليه السلام، للحافظ أبونعيم الإصفهاني.

407 - المال المثلي والمال القيمي في الفقه الإسلامي، للشيخ الدكتور عباس كاشف الغطاء، قم، بوستان كتاب، 1430ق.

408 - مباني تكملة المنهاج، للسيّد الخوئي، الطبعة الأولى، النجف الأشرف.

409 - المبانى في شرح العروة الوثقى، تقرير دروس السيّد أبوالقاسم الخوئي، موسوعة الإمام الخوئي.

ص: 400

410 - المبسوط، لشمس الدين محمّد بن أحمد السرخسي، مصر.

411 - المبسوط في فقه الإماميّة، للشيخ الطوسي، طهران، مكتبة المرتضوية.

412 - مجد البيان في تفسير القرآن، للشيخ محمّدحسين النجفي الإصفهاني، قم، مؤسسة البعثة، 1408ق.

413 - مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر، لمحمّد بن سليمان شيخيزاده المعروف بداماد أفندي، بيروت، دار إحياء التراث العربي.

414 - مجمع البحرين، للطريحي، تحقيق: السيّد أحمد الحسيني، وكذا نقلت من الطبعة الحجرية.

415 - مجمع البيان، للشيخ أبي علي الطبرسي، طبعة مصر، الأولى.

416 - مجمع الزوائد، لعلي بن أبيبكر الهيثمي، بيروت، دار الكتب العلمية، 1408ق.

417 - مجمع الرجال، للقهپائي، إعداد: السيّد ضياءالدين العلاّمة، إصفهان، الطبعة الأولى.

418 - مجمع الفائدة والبرهان، للمحقّق الأردبيلي، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1402ق.

419 - مجمع المسائل، للشيخ يوسف الصانعي، قم المقدسة، طبع مكتبه.

420 - مجمع المسائل، للسيّد محمّدكاظم الطباطبائي اليزدي، الطبعة الحجرية.

421 - مجمل اللغة، لابن فارس، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1406ق.

422 - المجموع، للرافعي.

423 - المجموع شرح المهذّب، للنووي، بيروت، دار الفكر.

424 - مجموعة رسائل غناء وموسيقى، إعداد: رضا المختاري ومحسن الصادقي، قم، مدرسة ولي عصر (عج)، 1418ق.

425 - المحاسن، للبرقي السيّد مهدي الرجائي، قم المقدسة.

426 - المحاضرات في أصول الفقه، تقرير دروس السيّد أبوالقاسم الخوئي للشيخ محمّدإسحاق الفياض، النجف الأشرف.

ص: 401

427 - محاضرات في الفقه الجعفري، تقرير دروس السيّد أبوالقاسم الخوئي للسيّد علي الشاهرودي، مؤسسة دائرة المعارف الفقهية، قم.

428 - المحاضرات مباحث في أصول الفقه، تقرير دروس السيّد محمّد الداماد اليزدي، للسيّد جلال الدين الطاهري الإصفهاني

429 - المحجة البيضاء، للفيض الكاشاني، تحقيق: عليأكبر الغفّاري، قم، مؤسسة النشر الإسلامي.

430 - المحّلى، لابن حزم.

431 - مختصر القدوري في الفقه الحنفي، لأحمد بن محمّدالقدوري، بيروت، دار الكتاب العلمية، 1418ق.

432 - المختصر المزني في فروع الشافعية، للمزني، تحقيق: محمّد عبدالقادر شاهين، بيروت، دارالكتاب العلمية، 1419ق.

433 - المختصر النافع، للمحقّق الحلّي، مصر.

434 - مختلف الشيعة، للعلاّمة الحلّي، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1412ق.

435 - مدارك الأحكام، للسيّد محمّد العاملي، مؤسسة آل البيت عليهم السلام، قم المقدسة.

436 - المدونة الكبرى، لمالك بن أنس، السعودية، وزارة الأوقاف، 1424ق.

437 - مرآة العقول في شرح أخبار الرسول، للعلاّمة محمّدباقر المجلسي، الطبعة الثانية، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1404ق.

438 - المراجعات، للسيّد عبدالحسين شرف الدين، بيروت.

439 - المراسم، لسلاّر الديلمي، قم، منشورات الحرمين، 1404ق.

440 - مراسيل مع الأسانيد، لأبي داود.

441 - المرتقى إلى الفقه الأرقى، كتاب الخمس، تقرير دروس السيّد محمّد الروحاني للشهيد السيّد عبدالصاحب الحكيم، قم، مولود الكعبة، 1422ق.

442 - مسالك الأفهام، للشهيد الثاني، الطبعة الثانية، قم، مؤسسة المعارف الإسلامية، 1421ق.

ص: 402

443 - المسائل الطبرية، للمحقّق الحلّي، المطبوعة ضمن الرسائل التسع.

444 - مسائل علي بن جعفر، لعلي بن جعفر العريضي، مشهد، المؤتمر العالمي للإمام الرضا عليه السلام، 1409ق.

445 - المسائل المستحدثة، للسيّد محمّدصادق الروحاني، قم، 1414ق.

446 - المسائل المستحدثة، للشيخ محمّدإسحاق الفياض، منشورات العزيزي.

447 - مستدرك الصحيحين، للحاكم النيسابوري.

448 - مستدرك الوسائل، للمحدّث النوري، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام، 1407ق.

449 - مستمسك العروة الوثقى، للسيّد محسن الحكيم، الطبعة الثانية، النجف الأشرف.

450 - مستند الشيعة في أحكام الشريعة، للمولى أحمد النراقي، مشهد، مؤسسة آل البيت عليهم السلام، 1415ق.

451 - مستند العروة الوثقى، للسيّد أبيالقاسم الخوئي، الطبعة الأولى.

452 - المسند، لأبي يعلى، بيروت، دار المأمون للتراث.

453 - المسند، لأحمد بن حنبل، بيروت، دار صادر.

454 - المسند، للشافعي، بيروت، دارالكتب العلمية.

455 - مشكاة الأنوار، لأبي الفضل الطبرسي، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام، 1423ق.

456 - مصابيح الأحكام، للسيّد محمّدمهدي بحرالعلوم، قم، فقه الثقلين، 1387ش.

457 - مصابيح الظلام، للوحيد البهبهاني، قم، مؤسسة الوحيد البهبهاني.

458 - مصباح الأصول، تقرير أبحاث آيه اللّه الخوئي، تأليف السيّد محمّد سرور البهسودي، الطبعة الأولى.

459 - مصباح الزائر، للسيّد علي بن طاووس الحسيني، مؤسسة آل البيت عليهم السلام.

460 - مصباح الشريعة، بيروت، مؤسسة الاعلمي، 1400ق.

461 - مصباح الفقاهة، تقرير أبحاث آيه اللّه السيّد أبوالقاسم الخوئي، للشيخ محمّدعلي التوحيدي، الطبعة الأولى، النجف الأشرف وقم المقدسة، الطبعة الأولى.

462 - مصباح الفقيه، للحاج آقا رضا الهمداني، الطبعة الحديثة، قم.

ص: 403

463 - مصباح المنهاج، للسيّد محمّدسعيد الحكيم، قم.

464 - المصباح المنير، للفيومي، قم، دار الهجرة، 1405ق.

465 - مصفى المقال في مصنفي علم الرجال، للشيح آغابزرك الطهراني، طهران، چاپخانه دولتى ايران، 1337ش.

466 - المصنف، لعبدالرزاق بن همام الصنعاني، المجلس العلمي، 1403ق.

467 - المصنف في الأحاديث والآثار، لابن أبي شيبة، بيروت، دار الفكر، 1409ق.

468 - المصنفات الأربعة، للشهيد الثاني، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1422ق.

469 - مطالب السؤل في مناقب آل الرسول، لابن طلحة الشافعي.

470 - معارج الأصول، للمحقّق الحلّي قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام، 1403ق.

471 - معارف الرجال في تراجم العلماء والادباء، للشيخ محمّد حرزالدين، قم، مطبعة الولاية، 1405ق.

472 - معاصي كبيرة، للشيخ محمّدعلي النجفي الأصفهاني المعروف بثقة الإسلام (ت 1318)، الطبعة الحجرية.

473 - معالم أنساب الطالبين، للدكتور عبدالجواد الكليدار آل طعمة، مكتبة آيه اللّه المرعشي، قم، 1422ق.

474 - معالم الدين، للشيخ حسن ابن الشهيد الثاني، جماعة المقدسين بقم.

475 - معالم الدين في فقه آل ياسين، لشمس الدين محمّد بن شجاع القطان الحلّي، تحقيق: الشيخ إبراهيم البهادري، مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام، قم، 1424.

476 - معاني الأخبار، للشيخ الصدوق، تحقيق: عليأكبر الغفّاري، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1379ق.

477 - المعتبر في شرح المختصر، للمحقّق الحلّي، الطبعة الحديثة، قم.

478 - معجم الأدباء، لياقوت الحموي، بيروت، دارالكتب العلمية.

479 - المعجم الأوسط، للطبراني.

480 - معجم البلدان، للشيخ شهاب الدين الحموي البغدادي، دار إحياء التراث العربي،

ص: 404

بيروت، 1399ق.

481 - معجم رجال الحديث، لآيه اللّه السيّد أبيالقاسم الخوئي، الطبعة الخامسة، قم، آثار الشيعة، 1413ق.

482 - معجم رجال الفكر والأدب في النجف خلال ألف عام، للشيخ محمّدهادي الأميني، قم، 1413ق.

483 - المعجم الكبير، للطبراني.

484 - معجم المؤلفين، لعمر رضا كحالة، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1414ق.

485 - معجم مفردات الالفاظ القرآن، للراغب الاصفهاني، افست، قم المقدسة.

486 - معجم مقاييس اللغة، لأحمد بن فارس، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1404ق.

487 - معرفة السنن والآثار، لأبيبكر أحمد بن حسين البيهقي، تحقيق: السيّد حسن الكسروي، بيروت، دار الكتب العلمية.

488 - المعين على معجم رجال الحديث، مشهد، الآستانة المقدسة الرضويّة.

489 - المُغرِب في ترتيب المُعرِب، للمطرزي، إعداد: الشيخ خليل الميس، بيروت، دار الكتاب العربي.

490 - مغني المحتاج، لابن قدامة، بيروت، دار الفكر، 1404ق.

491 - مفاتيح الشرائع، للفيض الكاشاني، إعداد السيّد مهدي الرجائي، قم، مجمع الذخائر الإسلامية، 1413ق.

492 - مفتاح الأصول، للسيّد المجاهد، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام.

493 - مفتاح الكرامة، للسيّد جواد العاملي، تحقيق الشيخ محمّدباقر الخالصي، قم، مؤسسة النشر الإسلامي 1419ق وربما نقلت من الطبعة السابقة.

494 - المفردات، للراغب الإصفهاني، تحقيق نديم مرعشلي، افست، قم.

495 - مقابس الأنوار، للشيخ أسداللّه التستري، طبع الحجري.

496 - المقتصر من شرح المختصر، لابن فهد الحلّي، إعداد السيّد مهدي الرجائي، مشهد، مكتبة الروضة الرضوية، 1420ق.

ص: 405

497 - المقنع، للشيخ الصدوق، قم، مؤسسة الإمام الهادي عليهم السلام، 1415ق.

498 - المقنعة، للشيخ المفيد، الطبعة الرابعة، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1417ق.

499 - مكارم الآثار، للشيخ محمّدعلي المعلم الحبيب آبادي، اصفهان، كمال، 1362ش.

500 - مكارم الأخلاق، لأبي نصر الطبرسي، الطبعة السابقة المروفية.

501 - المكاسب، للشيخ مرتضى الانصاري، الطبعة الحديثة، وربما نقلت من الطبعة تبريز بخط طاهر خوشنويس.

502 - المكاسب المحرمة، لآيه اللّه الشيخ محمّدعلي الأراكي، قم المقدسة.

503 - المكاسب المحرمة، للإمام السيّد روح اللّه الموسوي الخميني، طبعة اسماعيليان، قم المقدسة.

504 - المكاسب والبيع، تقرير أبحاث المحقّق النائيني بقلم العلاّمة الشيخ محمّدتقي الآملي.

505 - مكالمات مقيم ومسافر، للشهيد آيه اللّه الحاج آقا نوراللّه النجفي الإصفهاني، طهران، مؤسسة مطالعات تاريخ معاصر ايران، 1384ش.

506 - ملاذ الأخبار في شرح تهذيب الأخبار، للعلاّمة محمّدباقر المجلسي، مكتبة آيه اللّه المرعشي، قم.

507 - المناقب، للخوارزمي، إعداد: الشيخ مالك المحمودي، جماعة المدرسين بقم، 1411ق.

508 - المناقب، لابن شهر آشوب المازندراني، طبع قم المقدسة.

509 - مناقب الإمام أميرالمؤمنين على بن أبيطالب عليه السلام، لمحمّد بن سليمان الكوفي، تحقيق: الشيخ محمّدباقر المحمودي، قم، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية.

510 - المناهج السوية في شرح الروضة البهية، للفاضل الإصفهاني، مخطوط.

511 - المناهل، للسيّد محمّد المجاهد، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام.

512 - منتقى الأصول، تقرير أبحاث السيّد محمّد الروحاني للشهيد السيّد عبدالصاحب الحكيم.

ص: 406

513 - المنتقى شرح موطأ مالك، لأبي الوليد سليمان بن خلف الباجي، القاهرة، مككتبة الثقافية الدينية، 2004م.

514 - المنتقى النفيس من درر القواميس، للفاضل الدربندي، اختيار السيّد محمّدرضا الجلالي، المطبوع في مجلة تراثنا العدد 24.

515 - منتهى المطالب، للعلاّمة الحلّي، مشهد، مكتبة الروضة الرضوية، 1412ق وربما نقلت من الطبعة الحجرية.

516 - منتهى المقال في أحوال الرجال، لأبي علي الحائري، مؤسسة آل البيت عليهم السلام، قم، 1374ش.

517 - المنجد، للأب لويس معلوف اليسوعي، طبع بيروت.

518 - منطقة الفراق في التشريع الإسلامي، للسيّد علي الأكبر الحائري، مقالة طبعت في رسالة التقريب، العدد 11.

519 - منهاج الصالحين، للشيخ جواد التبريزي.

520 - منهاج الصالحين، للشيخ حسين الوحيد الخراساني.

521 - منهاج الصالحين، للسيّد أبوالقاسم الخوئي، الطبعة الثامنة والعشرون، 1410.

522 - منهاج الصالحين، للسيّد علي السيستاني.

523 - منهاج الصلاح في إختصار المصباح، للعلاّمة الحلّي، قم، مكتبة العلاّمة المجلسي، 1388ش.

524 - منهاج الطالبين وعمده المتقين، للنووي، دار الفكر، 1425ق.

525 - منهج المقال في تحقيق أحوال الرجال، للميرزا محمّد بن علي الأسترآبادي، قم، المؤسسة آل البيت عليهم السلام، 1422ق.

526 - من لايحضره الفقيه، للشيخ الصدوق، تحقيق: عليأكبر الغفّاري، طبع جماعة المدرسين قم.

527 - منية الطالب، للشيخ موسى الخوانساري، تقريرات المحقّق النائيني، طبع جماعة المدرسين، قم.

ص: 407

528 - المنية في تحقيق حكم الشارب واللحية، للشيخ محمّدرضا الطبسي النجفي، قم المقدسة.

529 - منية المريد، للشهيد الثاني، تحقيق: رضا المختاري، الطبعة الرابعة، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1418ق.

530 - المهذب، للقاضي ابن البرّاج، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1406ق.

531 - المهذب، لأبي إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآبادي الشيرازي، تحقيق: محمّدالزحيلي.

532 - مهذب الأحكام، للسيّد عبدالأعلى السبزواري، بيروت، مؤسسة المنار.

533 - المهذب البارع، لابن فهد الحلّي، تحقيق: الشيخ مجتبى العراقي، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1407ق.

534 - المواقف، للقاضي الإيجي.

535 - موسوعة أحاديث أهل البيت عليهم السلام، للشيخ هادي النجفي، بيروت دار إحياء التراث العربي، 1423ق.

536 - موسوعة الرجالية الميسّرة، للشيخ عليأكبر الترابي، الطبعة الثانية، قم، مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام، 1424ق.

537 - موطأ الإمام مالك، لمالك بن أنس، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1406ق.

538 - ميزان الإعتدال في نقد الرجال، لمحمّد بن أحمد الذهبي.

539 - الميزان في تفسير القرآن، للعلاّمة السيّد محمّدحسن الطباطبائي، قم، مؤسسة النشر الإسلامي.

540 - الميزان الكبرى، لعبدالوهاب بن أحمد الشعراني، بيروت، دار الكتب العلمية.

541 - الميسية، للشيخ على الميسي، مخطوط.

542 - الناصريات، للسيّد المرتضى، مركز البحوث والدراسات العلمية، طهران، 1417ق.

543 - نتائج التنقيح، للشيخ عبداللّه المامقاني، المطبوع في أوّل تنقيح المقال من الطبعة

ص: 408

الحجرية.

544 - نجعة المرتاد، للشيخ محمّدرضا النجفي الأصفهاني، تحقيق: رحيم القاسمي، المطبوع ضمن المجلد الأوّل ميراث حوزة اصفهان.

545 - نجوم السماء في تراجم العلماء، للكشميري، تهران، سازمان تبليغات اسلامى، 1424ق.

546 - نصب الراية، للزيعلي.

547 - نصوص ورسائل، إعداد وتحقيق: مجيد هاديزاده، قم، هستي نما، 1428ق.

548 - نضد القواعد الفقهية، للفاضل المقداد، تحقيق: السيّد عبداللطيف الكوهكمري، قم، 1403ق.

549 - نظام الحكم في الإسلام، لآيه اللّه الشيخ حسينعلي المنتظري، طهران، سراي، 1380ش.

550 - النظر الثاقب، للشيخ محمّد الحسين والشيخ أحمد كاشف الغطاء، طهران.

551 - نظم الدرر السمطين، للزرندي الحنفي، نجف، مطبعة القضاء.

552 - النهاية، للشيخ الطوسي، قم، قدس.

553 - نهاية الإحكام، للعلاّمة الحلّي، تحقيق: السيّد مهدي الرجائي، الطبعة الثانية، قم، إسماعيليان، 1410ق.

554 - نهاية الأصول، تقرير دروس آيه اللّه السيّد حسين البروجردي للشيخ حسين علي المنتظري.

555 - نهاية الأفكار، تقرير دروس الشيخ ضياءالدين العراقي للشيخ محمّدتقي البروجردي، جماعة المدرسين بقم.

556 - النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن أثير الجزري، الطبعة الرابعة، قم، اسماعيليان، 1363ش.

557 - نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، لمحمّد بن أبي العباس أحمد بن حمزه، شركة مكتبة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، 1386ق.

ص: 409

558 - نهاية المرام في شرح مختصر شرائع الإسلام، للسيّد محمّد العاملي صاحب المدارك، جماعة المدرسين بقم، 1413ق.

559 - نهاية المطلب في دراية المذهب، لعبدالملك الجويني الملقب بإمام الحرمين، قطر، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 1428ق.

560 - نهاية النهاية في شرح الكفاية، للميرزا علي الإيرواني، قم، دفتر تبليغات.

561 - نهج البلاغة، للشريف الرضي، طبعة صبحي صالح.

562 - نهج الحقّ وكشف الصدق، للعلاّمة الحلّي.

563 - نهج الفصاحة، لأبي القاسم پاينده، طهران.

564 - نهج الفقاهة، للسيّد محسن الحكيم، تحقيق جواد القيومي، قم، 1421ق.

565 - النوادر، للسيّد فضل اللّه الراوندي، تحقيق: سعيد رضا علي عسكري، دار الحديث، قم.

566 - نور الأبصار في مناقب آل بيت النبي المختار، للسيّد مؤمن بن حسن الشبلنجي المدني، مصر، 1346ق.

567 - النور الساطع في الفقه النافع، للشيخ علي كاشف الغطاء، قم، طليعة النور، 1430ق.

568 - نيل الاوطار، للشوكاني، بيروت 1403 في أربع مجلدات.

569 - الهداية، للشيخ الصدوق، قم، مؤسسة الإمام الهادي عليه السلام، 1418ق.

570 - الهداية إلى من له الولاية، دروس السيّد محمّدرضا الموسوي الگلپايگاني للشيخ أحمد الصابري الهمداني، المطبوعة في ضمن رسائل في ولاية الفقيه، قم، بوستان كتاب، 1384ش.

571 - هداية الأمة، للشيخ حر العاملي، طبع الآستانة الرضوية، مشهد المقدس.

572 - هداية الطالب إلى أسرار المكاسب، للشيخ الميرزا فتاح الشهيدي التبريزي.

573 - الهداية في شرح بداية المبتدي، للمرغيناني، بيروت، دار إحياء التراث العربي.

574 - هداية المسترشدين، للشيخ محمّدتقي الرازي النجفي الإصفهاني، قم، مؤسسة

ص: 410

النشر الإسلامي، 1420ق.

575 - هدى الطالب، للسيّد محمّدجعفر الجزائري المروج، قم.

576 - هدية الأحباب في ذكر المعروفين بالكنى والألقاب والأنساب، للشيخ عباس القمي، نسيم كوثر، 1383ش.

577 - الوافي، للفيض الكاشاني، إصفهان، مكتبة أميرالمؤمنين عليه السلام العامّة، 1412ق.

578 - الوجيز في فقه الإمام الشافعي، لأبي حامد الغزالي، بيروت، دار الأرقم بن أبي الأرقم، 1418ق.

579 - الوجيزة، للعلاّمة محمّدباقر المجلسي، تحقيق: محمّدكاظم رحمان ستايش، طهران، 1378ش.

580 - وسائل الشيعة، للشيخ حر العاملي، طبعة مؤسسة آل البيت عليهم السلام، قم.

581 - الوسيط في المذهب، لأبي حامد الغزالي، القاهرة، دارالسلام، 1417ق.

582 - الوسيلة إلى نيل الفضيلة، لابن حمزة الطوسي، تحقيق: شيخ محمّد الحسّون، قم، مكتبة آيه اللّه المرعشي، 1408ق.

583 - وسيلة النجاة، للسيّد أبوالحسن الإصفهاني، افست على الطبعة الحجرية - مكتبة الصدر - ، طهران.

584 - وسيلة النجاة، للشيخ محمّدحسين النائيني، تحقيق: الشيخ جعفر النائيني، قم، دارالتفسير، 1439ق.

585 - وقاية الأذهان، للشيخ محمّدرضا النجفي الإصفهاني، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام، 1413ق.

586 - وقعة الصفين، لنصر بن مزاحم، تحقيق: عبدالسلام محمّد هارون - مكتبة آيه اللّه المرعشي، قم، 1403ق.

587 - ولاية الأولياء، للشيخ الميرزا محمّدتقي المجلسي الإصفهاني.

588 - ولايت وإمامت، للشيخ هادي النجفي، قم، 1370ش.

589 - الياقوت في علم الكلام، لابن إسحاق إبراهيم بن نوبخت، تحقيق: علي

ص: 411

أكبرالضيائي، مكتبة آيه اللّه المرعشي، قم 1403ق.

590 - ينابيع المودة، للشيخ سليمان القندوزي الحنفي، تحقيق: السيّد علي جمال أشرف الحسيني، طهران، اسوه، 1416ق.

591 - يوم الطف، للشيخ هادي النجفي، قم، مهر، 1413ق.

ص: 412

الفهرس

إجازة الإجتهاد للمؤلف··· 3

تاريخُ إكمال آخر أجزاء كتاب (البيع) من نظم العلاّمة الحجّة السيّد عبدالسّتار الحسني··· 4

وصل: تتمة شرائط العوضين/5

4- القدرة على التسليم··· 7

تنقيح موضوع البحث··· 7

أدلة اشتراط القدرة على التسليم··· 11

1- نهي النبي صلى الله عليه و آله عن بيع الغرر··· 11

2- قوله صلى الله عليه و آله : لا تبع ما ليس عندك··· 16

3- استحالة التكليف بالممتنع··· 25

4- الغرض من البيع هو الانتفاع والتسليم مقدمة له··· 30

5- بذل الثمن على غير المقدور سفهٌ··· 31

ثمّ إنّ هاهنا تنبيهات لابدّ أن نذكرها··· 32

التنبيه الأوّل: القدرة على التسليم هل هي شرطٌ في صحة البيع أو العجز··· 32

التنبيه الثاني: زمان اعتبار القدرة على التسليم··· 41

التنبيه الثالث: المستثنى من اشتراط القدرة على التسليم··· 43

ص: 413

التنبيه الرابع: إذا كان المشتري قادرا على التسلّم··· 48

التنبيه الخامس: إذا علمنا بحصول النتيجة··· 49

التنبيه السادس: إذا لم يكونا قادرا على التسليم والتسلّم··· 49

التنبيه السابع: الشرط هل هي القدرة المعلومة أو الواقعية؟··· 52

التنبيه الثامن: إذا وقع البيع من غير المالك··· 56

«مسألة: لا يجوز بيع الآبق منفردا»··· 60

أدلة بطلان بيع الآبق منفردا··· 60

أ: الإجماع··· 60

ب: بيع الآبق غررٌ··· 62

ج: بيع الآبق سفهٌ··· 63

د: الأخبار··· 63

الصلح وغيره هل يلحق بالبيع في اشتراط القدرة على التسليم··· 70

مسألة: حكم بيع الضالّ والمجحود والمغصوب والمنهوب... ··· 74

الأقوال في المسألة··· 74

المختار من الأقوال··· 77

ثمّ إنّ هاهنا فروع في الضميمة لابدّ من البحث حولها··· 78

الأوّل: «هل يعتبر في الضميمة أن تكون قابلة للبيع أو لا؟··· 78

الثاني: هل المستفاد من الروايتين وقوع تمام الثمن بإزاء الضميمة... ··· 78

الثالث: لو تلفت الضميمة قبل القبض··· 79

الرابع: أنّ الضميمة إذا كانت ملكا لغير مالك العبد الآبق... ··· 80

الخامس: أنّ المشتري لو وجود عيبا سابقا في الآبق... ··· 81

5- العلم بقدر الثمن··· 82

أدلة اشتراط العلم بقدر الثمن في البيع··· 83

أ: الإجماع··· 83

ص: 414

ب: حديث نفي الغرر··· 83

ج: التعليل الوارد في خبر حمّاد بن مُيَسَّر··· 83

د: معتبرة السكوني··· 84

ه- :رواية دعائم الإسلام··· 85

صحيحة النخاس وتأويلاتها··· 85

المختار في صحيحة النَّخَّاس··· 91

6- العلم بقدر المثمن··· 96

الأقوال··· 96

أدلة العلم بقدر المثمن··· 98

أ: الإجماع··· 98

ب: حديث نهى النبي صلى الله عليه و آله عن بيع الغرر··· 99

ج: صحيحة الحلبي··· 99

خَمْس ايرادات على دلالة صحيحة الحلبي··· 100

الجواب عن الايرادات الخمسة··· 101

د: الاستدلال بروايات اُخَرَ··· 102

تنبيهٌ: العلم بمقدار المثمن هل له موضوعيّة أم أنّه معتبرٌ لأجل رفع الغرر؟··· 106

تتميمٌ: الكيل والوزن والعدّ طريق إلى عدم تحقق المجازفة··· 107

فرعٌ: حكم المعاملة اعتمادا على تعيين المقدار توسط البائع··· 109

تكميلٌ: لو أخبر البائع بالمثمن واعتمد عليه المشتري··· 114

فرع: التقدير بغير ما يتعارف··· 116

مسألة: حكم بيع المشاهَد··· 136

مسألة: بيع بعض أجزاء الشيء··· 143

تصوير الاشاعة··· 147

التعريف المختار في معنى الإشاعة··· 152

ص: 415

ما معنى القسمة في المال المشاع؟··· 155

مسألة: بيع الكلّي في المعين··· 157

نقل الأقوال··· 157

الجهة الأولى: حقيقة المراد من الكلّي في المعين··· 163

الجهة الثانية: الإشكال في صحة بيع الكلّي في··· 174

الجهة الثالثة: بيع الكلّي في المعين في مقام الإثبات··· 178

مسألة: لو باع صاعا من صبرة··· 182

ثمرات البحث··· 184

الثمرة الأولى: تعيين المبيع بيد البائع··· 185

الثمرة الثانية: تلف بعض المعين لا يحسب على المشتري··· 186

الثمرة الثالثة: اختصاص النماءات والمنافع بالبائع··· 186

الثمرة الرابعة: فرعٌ ذكره الشيخ الأعظم··· 186

مسألة: لو باع ثمرة بستانا واستثنى منها أرطالاً معلومة··· 195

نقل الأقوال··· 195

وقد ذكروا في وجه الفرق وجوها··· 200

1- منها: أنّ الفارق بين البيع والاستثناء... ··· 200

2- منها: أنّ الفارق بين المسألتين هو الإجماع... ··· 201

3- ومنها: أنّ الوجه في الفرق بين المسألتين لزوم القبض في البيع... ··· 201

4- ومنها: أنّ الأثمار لمّا كانت تحت يد البائع... ··· 202

5- ومنها: أنّ مقايسة الأرطال في المقام بالصاع في بيع صاع من الصبرة...··· 203

6- الأوّل: «تُحملُ في مورد الاستثناء... ··· 204

7- الثاني: ومبناه «الترديد في نقل حمل الفقهاءِ... ··· 205

8- محاولة المحقّق الإيرواني لحلّ العويصة··· 207

9- إجابة المحقّق النائيني··· 209

ص: 416

10- جواب المحقّق الإصفهاني··· 211

11- جواب المحقّق الشيخ ضياءالدين العراقي قدس سره··· 217

12- محاولة السيّد الخوئي··· 223

بحثُ حول حقيقة الارتكاز والارتكازيّات··· 227

مسألة: أقسام بيع الصبرة··· 230

الصورة الأولى: إذا كان مقدار الصبرة معلوم··· 230

وأمّا الصورة الثانية: إذا كان مقدار الصبرة مجهول··· 232

فرعٌ··· 233

مسألة: بيع العين المشاهدة سابقا··· 236

المسألة في كلام الفقهاء··· 236

المقام الأوّل: في صحة البيع وعدمه··· 239

المقام الثاني: حكم ظهور التغيّر بعد البيع··· 250

فرعان··· 259

الأوّل: الاختلاف في التغيير··· 259

الثاني: الاختلاف في تقدّم التغيّر على البيع أو تأخره عنه··· 268

مسألة: اختبار أوصاف المبيع··· 280

الفرع الأوّل: بيع ما لايفسده الاختبار··· 280

الفرع الثاني: بيع ما يفسده الاختبار··· 281

مسألة: بيع المسك في الفارة··· 290

اللغة··· 290

الأقوال··· 290

أدلة عدم جواز بيعه··· 294

أدلة جواز بيعه··· 295

مسألة: بيع المجهول إذا انضمّ إليه معلوم··· 297

ص: 417

الأقوال في المسألة··· 297

أدلة الأقوال··· 298

مناقشات الشيخ الأعظم على الاستدلال بالروايات··· 300

الجواب عن هذه المناقشات··· 301

التبعية عند الشيخ الأعظم··· 306

احتمالات معنى التبعية في الميزان··· 307

مسألة: جواز الإندار لظروف المبيع··· 311

تبيين الإندار··· 311

الأقوال في المسألة··· 313

الروايات الواردة في جواز الإندار··· 315

حكم ظهور الخلاف في تقدير الإندار··· 322

مسألة: بيع المظروف مع ظرفه··· 324

الإجماع في المسألة··· 324

مقالة الشيخ الأعظم في المسألة··· 326

التعليق على كلام الشيخ الأعظم··· 327

فذلكة القول في المقام··· 329

مسألة: دفع المال للصرف في قبيلٍ··· 332

مقتضى القاعدة الأوّلية··· 333

الروايات··· 336

مسألة: تَلَقّي الركبان··· 340

موضوعه··· 340

الأقوال في حكمه··· 340

روايات المسألة··· 342

الفرع الأوّل: ثبوت الخيار··· 346

ص: 418

الفرع الثاني: حكم تلقّي الركبان عام··· 346

مسألة: بيع الحاضر للباد··· 348

مسألة: التفقه في مسائل التجارات··· 350

بعض الروايات الواردة في المقام··· 353

هل يلزم الاكتساب لأهل العلم؟··· 356

القول المختار في المقام··· 364

[فرعٌ]··· 365

النَّجَْشُ··· 367

الاحتكار··· 368

خاتمة: الإجمال في طلب الرزق والاقتصاد فيه··· 369

أهم مصادر الكتاب··· 375

الفهرس··· 413

ص: 419

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.