دلاله الصوره الحسیه فی الشعر الحسینی

اشارة

رقم الإیداع فی دار الکتب والوثائق ببغداد لسنة 2012: 2337

الرقم الدولی: 9789933489182

عنوز صباح عباس،  -    م.

دلالة الصورة الحسیة فی الشعر الحسینی / تألیف صباح عباس عنوز ؛ [تقدیم محمد علی الحلو]. - کربلاء: العتبة الحسینیة المقدسة، قسم الشؤون الفکریة والثقافیة 1433ق. = 2012م.

ص152. - (قسم الشؤون الفکریة والثقافیة؛92)

المصادر: ص 139 - 146؛ وکذلک فی الحاشیة.

1 . الحسین بن علی (ع)، الإمام الثالث، 4 – 61ق. – شعر الصورة الحسیة – تاریخ ونقد . 2. واقعة کربلاء، 61ق. – شعر رثاء. 3. الشعر المذهبی العربی. ألف. الحلو، محمد علی، 1957 -   م.، مقدم . ب . العنوان.

8 د  94 ن / 4882 PJA

تمت الفهرسة قبل النشر فی مکتبة العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 2

ص: 3

دلالة الصورة الحسیة

فی الشعر الحسینی

الأستاذ الدکتور

صباح عباس عنوز

إصدار

 وحدة الدراسات التخصیصة فی الامام الحسین صلوات الله وسلامه علیه

 فی قسم الشؤون الفکریة والثقافیة

 فی العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 4

جمیع الحقوق محفوظة

للعتبة الحسینیة المقدسة

الطبعة الأولی

1433ه_ - 2012م

العراق: کربلاء المقدسة - العتبة الحسینیة المقدسة

قسم الشؤون الفکریة والثقافیة - هاتف: 326499

www.imamhussain-lib.com

البرید الالکترونی:  info@imamhussain-lib.com

ص: 5

بسم الله الرحمن الرحیم

إِنَّمَا یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیرًا

 (الأحزاب:33)

ص: 6

الإهداء

إلی:

کلمة الیقین الإنسانیة التی ظلتّ مضیئةً فی خبایا الأزمنة، وصوت القیم الذی توضأ بعزم الشهادة المقدسة

إلی: مَن ظلّ نابضاً بدفقة قلب الزمان

موقفاً ونبلاً وخلوداً

إمامی الحسین (علیه السلام)

أضع هذا الجهد بین أنظاره کی أتسلق مئذنة الروح

وأتنفس همس البوح

صباح عنوز

ص: 7

مقدمة اللجنة العلمیة

لم تُعد القصیدة الشعریة لوناً من ألوان الترفیه النفسی، أو غرضاً من أغراض الترف الوجدانی، أو توجهاً من توجهات الفن الاجتماعی الذی تستذوقه المنتدیات الأدبیة فی سهراتها المعروفة أو ضمن فعالیاتها العامة، أو هو استمتاعٌ بقدرة الشاعر علی مشاهداته الغزلیة أو وصفیاته الخمریة، بل عادت القصیدةُ الشعریة تستهدف الوجدان وتستثیر النزعات الانسانیة فی الشعور المخبوء تحت وطأة الواقعة، أو تفزع الحس لتستنهضه من رکامات الجمود والرتابة الی فاعلیةٍ تستدرُ فیها دواعی القوة، أو نوازع الثأر، أو تستفز الذاکرة یوم تستیقظ مفزوعة من صوت الناعی وهو یتهادی بین هذه الصورة وتلک الحادثة فتستمع الی «صور» المأساة یوم ادخرتها لوحةٌ تمتدُ بامتدادات الزمن المثقل بهذه المشاعر المحفّزة الی استنفار کل القوی لمتابعة الحدث ومن ثم الصورة، ولعل واقعة الطف بألوانها الحمراء القانیة تسهم فی ابتکار هذا الابداع الشعری الذی لم تألفه أغراض القصیدة العربیة آنذاک والتی کانت تقدّم صورة الأطلال المندرسة بذکریاتها الألیمة، أو تستعرض  صور المغازی بهمجیاتها الدمویة، أو تستجلب عواطف امرأة فی الغزل مرة أو التشبیب مرة أخری، وهکذا تتراوح القصیدة  الشعریة قبل واقعة الطف بین هذه الأغراض غیر المنتجة، فی حین تتصاعد إمکانیات الابداع فی القصیدة الحسینیة مع تصاعد الأَعداد النفسی للشاعر وهو یستعرض ما وقع علی شخوص واقعة الطف بین جسدٍ مرضوض، أو رأسٍ علی القنا مرفوع، أو خیامٍ تلتهب بنیران محترفی القتل والتنکیل، ولعل الصورة المبدعة تحضر فی خضم القصیدة الحسینیة وهی تستعرض هذه المأساة.

ص: 8

لکن المثیر فی هذا المجال أن القصیدة العربیة بعنفوانها الابداعی لم تستطع أن تحیط بکل جوانب المأساة الکربلائیة لکنها فی الوقت نفسه تُسهم فی اقتناص المشاعر الجیاشة التی تُرافق نظم القصیدة، وتدفعُ بإحساسات الشاعر أن تتداعی الی صورٍ حسّیةٍ تتوالی صورة بعد أخری متراکمةً لتقدّم الغرض الذی یرید أن یقدمه الشاعر، وبمعنی آخر فان أغراض القصیدة الحسینیة لا متناهیة بقدر أحاسیس الشاعر وعواطفه اللامتناهیة، "فالعاطفة الشعریة" غیر متناهیة تتولد من هواجس الشاعر الذی "ینزفُ" عاطفةً لا تکاد تتوقف وهی مع هذا "التکثر العاطفی"تتصاعد أخیلة عنده لتنحدر الی صور حسیة ترتسمها المخیلة الخلّاقة بقدراتها اللامحدودة، من هنا یستشعر الشاعر الحسینی خیالاته مترجمةً الی صورٍ متعاقبة متزاحمةٍ فی عالم الخیال الواسع، وتسترفد بأحاسیس النبرة العاطفیة التی تُحفّز الشاعر إلی ارتسام الصور الحسیة المتطابقة مع وجدانیاته الکربلائیة، ولعل هذا اللون من الإبداع یُعدّ وقفاً علی القصیدة الحسینیة وحدها من دون منازع ... من هنا تأتی جهود الاستاذ الدکتور صباح عنوز فی دراسته الموسومة «دلالة الصورة الحسینیة فی الشعر الحسینی» مستنهضاً فیها ذاکرته الشعریة یوم یستمع الی الخطاب الوجدانی فی القصیدة الحسینیة لیستشعر الصور الحسّیة فی مقاطع الکربلائیین من أهل القافیة المتوشحة بسربال الحزن والحداد، لیحتفر فی ذاکرة "الزمن الشعری"  تلک الصورة المنتخبة من مشاعر الشاعر الحسینی والتی أولدتها أحاسیسه الفطریة .. لذا جاءت دراسته ضمن الإطار الابداعی الذی عالجه الباحث لیؤرخ للقصیدة الحسینیة ذات الإبداعات اللامتناهیة لمشاعر کربلائیة لکنها.. لا متناهیة.

عن اللجنة العلمیة

السید محمد علی الحلو

النجف الأشرف

ص: 9

إضاءة

کثُرت الکتابات حول الصورة الفنیة وأنواعها، وتابع الدارسون فروعها، ومثلوا لها، وقد استوقفتنی فکرة الصورة الحسیة وهیمنتها فی الشعر الحسینی وقادنی هذا الأمر إلی تتبع سمات الشعر الحسینی، فوجدته قد تشبّع بالأنفعال الوجدانی، وتلّون بعبق الاحاسیس الروحیة، وربما أضفت هاتان الخصلتان صبغة الحیاة للقصیدة الحسینیة فظلت خالدة فی کلِّ الأزمنة؛ لأن الوجدان الإنسانی هو واحد منذ خلق الله سبحانه وتعالی آدم، فکانت الصورة الحسیة الحسینیة غائرة فی القدم منذ استشهاد الامام الحسین (علیه السلام)، وتفجّع الضمیر الإنسانی، ونموالندب الروحی الذی حل بعد ذلک الی یومنا هذا.

ورأیتُ الانفعال الوجدانی یتنامی فی هذ النوع من الشعر الحسینی، ویکبرُ معه الخیال الحسی کلما لامست القصیدة اجواء واقعةالطف، وهذه مفارقة عجیبة یفقهها الشعراء والنقاد، فکلما أوغلت القصیدة الحسینیة فی الوجدان الإنسانی یعنی ذلک انها أکتسبت بحسیّتها فنیة عالیة، تأخذ ذهن المتلقی إلی واقعٍ انفعالی تسهم الاضاءات الروحیة فی تمویله، وتُجبره علی الانصات إلیه. ووجدتُ الشعر لسان التاریخ هنا، وأداته التصویریة، وصوت الصحو الإنسانی المتدفق عبر الوعی الجمعی، إذ لا تصده حدود الزمن ولا تعاقب المحن، فبقیت الصورة الحسیة دالةً وعلامة وسیمیاء واحدة لعصور متکررة.

ص: 10

فالصورة الحسیة الحسینیة لبست ثوب الشعریة، وعبّرت بفم الحقیقیة عن قضیة الحسین (علیه السلام) ومعانیها السامیة، فکان تاثیرها یخترق الاعماق الإنسانیة عبر الأزمنة فیمس الوجدان المنصف، وکانت دلالاتها محسوسة ومعبرة، فانجذب المتلقی إلیها وتفاعل معها، لانها الصوت المرئی والمحسوس المنبثق من وجع الضمیر المتفرع الی صحو الوعی الجمعی, ولانها الاداة التصویریة الاقرب الی الاحساس التی ظلت خالدة فی الیقین المعرفی, لذا رأیت من الواجب العلمی ان اسلط الضوء النقدی علی الصورة الحسیة, مبیّنا أثرها فی السامع, راصدا أنواعها فی الاداء, منقبا عن اسباب صیرورتها, منبّها عن تحولاتها الدلالیة, ومراعاتها مقتضی حال المخاطب والحدث التاریخی معا، وقد جعلت بعضا من قصائد الشعراء میدانا للتطبیق، بغض النظر عن طبقاتهم وعصورهم لأننی لا استیطع أن أغطی کل الاسماء، ولکن مایهمنی هو إثبات هیمنة الصورة الحسیة فی الشعر الحسینی، واظهار ملامحها الخاصة بها، فسلطت الضوء علی نشأتها، وممیزاتها، وبواعث انبثاقها، ثم درست وظائفها الابلاغیة، واومأت بعد ذلک الی منهج دراستها وانواعها، وکان التطبیق الاجرائی مصاحبا لفکرة المباحث، ولاهمیته افردت له المبحث الاخیر من الدراسة حتی تتحقق القناعة لدی المتلقی بناء علی ما ذهبت الیه الدراسة. والحمد لله رب العالمین.

أ.د.صباح عباس عنوز

18/صفر /1433ه_

ص: 11

الفصل الأول: الصورة الحسیة فی الشعر الحسینی بین النشأة والمنهج

اشارة

-المبحث الأول: نشأة الصورة الحسیة

-المبحث الثانی: نشأة الشعر الحسینی

ص: 12

ص: 13

المبحث الأول: نشأة الصورة الحسّیة

التصقت الصورة الحسیة بحیاة الإنسان فطریاً، ورسمها فی کهفه شعیرةً سحریة، فقدّسها؛ لأن الانفعال الإنسانی کان بدائیاً فهو بحاجة إلی الإیمان بالشکل الحسی قبل الجوهر. إذ لم یتطور العقل إلی مستوی النضج قبل القرآن الکریم، ومن هنا فأن المعاجز التی سبقت القرآن الکریم کانت کلها معاجز حسیة، بسبب عدم نمو العقل الإنسانی إلی مستوی التدبر والتفکر الکبیرین عند الناس, إلا المرسلین الذین حباهم الله سبحانه بالخصیصتین السابقتین، فکان الانسان فی بدایاته یعوّل کثیرا علی الحسیة.

لهذا کانت لعبادة الاصنام صلة وثیقة بتقدیس الصورة الحسیة, وقد تطورت العلاقة تدریجیاً(1)، فرسموا موتاهم للذکری، وبدأوا ینظرون الی الصورة نظرة اخری فیها یکمن الاحترام، حتی تطور الأمر إلی التقدیس، فأخذت رؤیتهم الی الصورة تنمو لدیهم، وتسلقت مراحل من التطور والاهتمام, حتی جاء دور الصورة المرئیة, فکانت عبادة الاصنام والاوثان تلبی حاجاتهم الحسیة، اذ عُبدت الشمس والقمر والنجوم،


1- ظ: المفصل فی تاریخ العرب قبل الاسلام: 9/250.

ص: 14

وتطور الأمر إلی عبادة الصورة المتخیلة کالجن والملائکة(1)، فأعطوا کل رمز لما یقابله, ظناً منهم أن هذه الرموز تمثل المفاهیم التی ارتضوها تعبیراً حسیاً لهم، فتغلغلت الصورة الحسیة بنسیج تصورهم، وهذا یفسر کون المعاجز الإلهیة الموجهة إلیهم وقتیة حسیة، ای مراعاة لمقتضی حالهم، ثم شاعت فکرة الرمز فی صور المعبودات, فعبدوا الشجرة وکانت رمزاً لتقدیس الحیاة، وعبدوا هبل وهو رمز لتقدیس الشمس، وعبدوا ود وهو رمز لتقدیس الرجل، وعبدوا سواع وهو رمز لتقدیس المرأة(2)، ثم تخیلوا الزهرة حسناء تنزل الی الأرض لغوایة هاروت وماروت(3)، وتصوروا الثریا بقرة أثیریة، ورأوا مناة والعزی إنسیات لأب اله(4).

وهکذا کانت الصورة شیئاً ملتصقاً بمعتقداتهم وفطرتهم, اذ انبثقت من وجدانهم وکانت انطلاقتها حسیة، لبت حاجة الاقناع لانفسهم التواقة الی فهم الاشیاء حسیا،فکانت مرامیهم لا تتعدی الاشیاء الحسیة لانها اقرب الی فهمهم، فلذلک ولأهمیة الصورة انتبه الشعراء إلی السماء ورموزها فصوروها(5).

فالصورة أخذت مأخذاً فی تفکیر الإنسان منذ القدم بسبب الانفعال الوجدانی المنبثق من أعماق البشر، وتطورت علی وفق تطور الرؤیا الحسیة والعقلیة لدیه، ومما یؤکد ذلک ان المسلمین حینما دخلوا الکعبة بعد الفتح وجدوا صور ابراهیم واسماعیل (علیهما السلام) وبعدهما الازلام، فقال الرسول الکریم (صلی الله علیه وآله وسلم):


1- ظ: المستطرف فی کل شیء مستظرف /324.
2- ظ: التمثیل والمحاضرة/13؛ظ: کتاب الاصنام/27.
3- ظ: بدائع الزهور فی وقائع الدهور/43.
4- ظ: فی طریق المثولوجیا عند العرب /96.
5- ظ: الصورة الفنیة معیارا نقدیا/16.

ص: 15

"قاتلهم الله، والله لقد علموا انهما لم یستقیما بهما فأمر بطلس الصور(1)".

ولما کان الشعر العربی یقدّم الأغراض مصورة بهدف التأثیر فی المتلقی، فقد التفت العرب القدامی قبل الاسلام وفی أثنائه إلی جمال الشعر من خلال الصورة, ولاسیما الحسیة التی کانت تتناسب مع رؤاهم المستقاة من البیئة، مع أن نفراً من المسلمین تحرج من قبول تلک النظرة لرؤیتهم ارتباط الشعر بالرائی من جهة الجن(2)، لکننا نجد اهتماماً واضحاً بالصورة، إذ أصبحت مقیاساً لنقدهم کما هی الحال فی حکومة أم جندب الطائیة بین زوجها امرئ القیس وعلقمة بن الفحل، حینما رأی کل منهما نفسه أشعر من صاحبه، فاحتکما إلیها، فطلبت منهما وصف فرسیهما لحظة رکوبهما.

قال امرؤ القیس(3):

فللزجر إلهوبُ وللساق درة ***     وللسوط منه وقع أخرج مهذبِ

قال علقمة (4):

فأدْرکهن ثانیاً من عنانه      ***     یمرُّ کمر الرائح المتحلب

فحکمت لعلقمة وفضلّته؛ لأنه ادرک فرسه ثانیاً من عنانه ولم یضرب بسوط ولم یزجر ولم یحرک ساقیه، (فالصورة الحرکیة کانت مقیاس حکمها).

فضلاً عن ذلک نجد حکومة النابغة الذبیانی فی تفضیل الخنساء علی حسان بن ثابت(5) حین قال:


1- ظ: النهایة فی غریب الحدیث والأثر: 3/132.
2- ظ: تاریخ اداب العرب:3/58.
3- دیوان امرئ القیس /143.
4- دیوان علقمة الفحل /35.
5- ظ: الموشح، المرزبانی /82، والشعر والشعراء، ابن قتیبة: 1/344.

ص: 16

لنا الجفنات الغر یلمعن بالضحی      ***     وأسیافنا یقطرن من نجدة دما

وقالت الخنساء:

قذی بعینک أم بالعین عوار            ***     أم أقفرت مذ خلت من أهلها الدار

إلی قولها:

وأن صخراً لتأتم الهداة به   ***     کأنه علم فی رأسه نار

أو قول حسان بن ثابت فی رده علی کلام ابنه عبد الرحمن: (لسعنی طائر ملتف ببردتین). فقال حسان: قال ابنی الشعر ورب الکعبة.

ثم التفت القرآن الکریم إلی اهمیة الصورة وقدسیتها فی النفس, فدعی الناس إلی التفکیر فی أمر السماء والتأمل فی ذلک(1). وکانت المشاهد التی رسمتها الصورة البیانیة حول الترغیب والترهیب واضحة فی القرآن الکریم، لما لها من أهمیة فی النفس ووظیفة ارشادیة واقناعیة فی تشجیع المتلقی علی فعل الخیر، أو ردعه عن فعل الشر لاسیما الصور الحسیة.لان الخطاب القرآنی یراعی مقتضی حال السامع فتتکون وظیفة نفعیة لدی المتلقی ترتقی به الی مستوی المشاهدة، وهذا ما یتوخی من استعمال الاداء البیانی فهو یقرب الصورة من ذهن المتلقی محسوسة مرئیة مسموعة(2)، لذلک عد سید قطب التصویر أهم أسلوب تأثیری فی القرآن الکریم(3)، وما کان ذلک لو لم یُشغف العرب بالتصویر البیانی الذی اخذ حیزا مهما فی ادراکهم لِکنه الأشیاء، وقد وردت کلمة (صورة) أو مشتقاتها ست عشرة مرة فی القرآن الکریم (4)، فضلاً عن ذلک فقد


1- ظ: الصورة الفنیة معیاراً نقدیاً، عبد الاله الصائغ /16.
2- الاداء البیانی فی لغة القرآن الکریم بین النظریة والتطبیق د- صباح عباس عنوز 20-21
3- ظ: التصویر الفنی فی القرآن /156.
4- وردت فی السور الآتیة: آل عمران /6، الانعام/73، الاعراف / 11، الحشر / 24، غافر / 64، التغابن / 3، الانفطار /8.

ص: 17

کان حضور الصورة الحسیة کبیراً فیه, لاسیما تلک التی وردت مبینة أحوال الامم السالفة، آخذة بنظر الاعتبار ذهنیة الانسان التی عولت علی رؤیة البراهین حسیاً، وربما کانت علاقة بین هذه الحال والمعاجز التی کانت کلها وقتیة حسیة انذاک، الا معجزة القرآن الکریم فقد کانت عقلیة دائمیة؛ لأن العقل بدأ یتطور ویبتعد شیئاً فشیئاً عن التعویل علی الحس المطلق فی رؤیة الأشیاء. وبدأ یبحث فی علاقة النص القرآنی بالتطور العلمی, فتنبه الدارسون إلی الاعجاز العلمی والاعجاز العددی والاعجاز التشریعی والاعجاز الغیبی والاعجاز البیانی، وغیرها مما تستوجب من العقل التأمل والتدبر والتفکر لاستنتاجها, وما یهمنا هنا الصورة البیانیة فی القرآن الکریم التی أخذت مأخذاً مهماً فی الدلالة. وظل الاهتمام یعنی بالصورة البیانیة فی العصرین الاسلامی والاموی ولاسیما الصورة الحسیة، حتی إذا وصلنا إلی العصر العباسی کثر التنظیر حول الصورة البیانیة، وکان أبو تمام رائد جمال الصورة وکان لقوله الشعری:(1)

لا تسقنی ماء الملام فإننی   ***     صبٌّ قد استعذبتُ ماء بکائی

وقعاً فی النفوس فی تکوینه صوراً ابداعیة جدیدة علی وفق ادائه الخاص.

وقد دافع عنه الصولی (336 ه_) حینما نقدوه، وأرجعهم إلی قوله تعالی:

)وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا کَمَا رَبَّیَانِی صَغِیرًا((2).

فکان نقد الادباء لأبی تمام فی عصره قد ترکز فی نقد صوره التی عولت کثیرا علی الخیال الجامح، واعتماده علی تراسل الحواس فی بناء صوره الفنیة، لذا جاء الرد النقدی من الصولی وهو یستشهد بالصورة البیانیة التی جاءت فی النص القرآنی أنفا، ولا ریب فی ذلک فأن القدرة علی تکوین الصور سواء کانت ذهنیة او حسیة هی


1- دیوان إبی تمام / 63.
2- الاسراء: 24.

ص: 18

عملیة صوریة وخیالیة فی ان واحد(1),  ولقد وردت الصورة فی الموروث النقدی للقدامی ولعل أقدمهم الجاحظ (ت:255ه_) حین عرّف الصورة بأنها: "ضرب من النسج، وجنس من التصویر(2)" وتبعه قدامة بن جعفر (ت:337ه_)، وأبو هلال العسکری (ت:395ه_)، وعبد القاهر الجرجانی (ت:471ه_)، وابن الأثیر (ت:637ه_) وآخرون، وجاء المحدثون من العرب والأجانب وأعطوها تعابیر لا تفترق عما سبقهم. فحینما نقارن نصا للإمام علی (علیه السلام) فی حدیثه عن البلیغ: "ما رأیتُ بلیغاً قط إلا وله فی القولِ ایجاز وفی المعانی إطالة(3)" بتعریف الناقد العالمی (فان) للصورة لوجدنا الرؤیة واحدة، اذ یقول (van) عن الصورة: "کلام مشحون شحناً قویاً یتألف عادة من عناصر محسوسة، خطوط ألوان حرکة ظلال، تحمل فی تضاعیفها فکرة أو عاطفة أی أنها توحی بأکثر من المعنی الظاهر وأکثر من انعکاس الواقع الخارجی، وتؤلف فی مجموعها کلاً منسجماً(4) فالبلاغة غرضها الافهام والصورة تحمل هذا الافهام باسالیب بیانیة فی اثناء بث قصدیة المتحدث إلی السامع، لذلک یؤکد المبدع أولویة الفهم والافهام ویحرص علی رفع اللبس عن عمله الادبی، لذا ینتقی الصورة المقنعة. فالصورة نتاج المکونات البلاغیة، والبلاغة وسیلة من وسائل الایحاء بالحقیقة عن طریق الخیال. وما الخیال إلا المهاد الذی تتأسس علیه الصورة، فالصورة الحسیة هی جمع للحس والخیال معاً فی عملیة ابداعیة یعول علیها الشاعر لإیصال غایته التعبیریة مصورة مرئیة محسوسة لدی المتلقی؛ لأن التخیل احلال المعانی فی الاذهان


1- قصة الفلسفة، ول دیورانت ترجمة د- فتح الله محمد المشعشع 581.
2- الحیوان، الجاحظ: 3/131.
3- کتاب الصناعتین، ابو هلال العسکری /180.
4- تمهید فی النقد الحدیث، روز غریب /192ومابعدها.

ص: 19

محل الصور والهیئات، أی ما یترتب فی المدرکات البصریة بسبب مدرکات السمع(1). ولم تختلف نظرة الباحثین المحدثین الی الصورة عن السابقین، -کما ذکرنا سابقا- فهم یلتقون فی اطارها العام، وفی العصر الحدیث نظر الباحثون الی الصورة من جوانب شتی فمنهم من رأها "ترسم مشهدا او موقفاً نفسیا او وصفا مباشرا(2)".

 ومنهم من رأها "تخطف فی حدس الشاعر المبدع فی خلال لحظة فائقة تنیر معالم نفسیته جمیعها(3)" وغیر ذلک من التعریفات التی توطنت تنظیراتهم النقدیة, فقد کثرت تعریفات الصورة عندهم وکلها تصب فی فحوی واحد، ولسنا فی صدد التنظیر للصورة، ولکن مهمتنا تنحصر فی الصورة الحسیة فی الشعر الحسینی، فأذا لملمت آلیات نقدک، وتوجهت صوب الشعر الحسینی الممتد من عصر التوّابین أی من (شعر المخبآت) إلی یومنا هذا فأنک تلحظ الصورة البیانیة سمة بارزة فی الشعر الحسینی، أما المهیمنة علی تلک الصورة فهی الصورة الحسیة، اذ (تستأثر الحواس بالنصیب الاوفی من الصورة الفنیة)(4).

 ومهما یکن من أمر فان الصورة الحسیة ذات امتدادات زمنیة عمیقة، غائرةٍ فی أطواء الزمن، وهی تحمل فی تضاعیفها غایةً واحدة تترکز فی تقدیم الأفکار مصورةً عبر الحس بما یتوافق مع باعث القول ومقتضی حال المخاطب، فکانت الصورة الحسیة قریبة من الذائقة الوجدانیة للإنسان فی کل عصر ومکان.

ولسنا فی سیاق الحدیث عنها تأریخیاً ولکن سنتوقف عند الصورة الحسیة الحسینیة التی هی موضوع بحثنا.


1- ظ: منهاج البلغاء /249_250.
2- فن الوصف وتطوره فی الشعر العربی:16.
3- التفسیر النفسی للادب د- عز الدین اسماعیل 89.
4- الصورة الشعریة، دی لویس/ 4.

ص: 20

المبحث الثانی: نشأة الشعر الحسینی

 قال الدکتور أحمد أمین: "ثورة الحسین مادة خصبة استطاع أدباء الشیعة أن یستغلوها فی فنّهم استغلالاً واسعاً أمدّ الأدب الشیعی بثروةٍ ضخمة من القصائد(1)"، ولا غبار علی هذا القول إذا ما دققنا فی شکل ومضمون القصیدة الحسینیة، فهی أضافت إلی الشعر العربی عامة والوجدانی خاصة رؤیة جدیدة فی الشکل والمضمون، إذ إن وشیجةً تربط هذه القصیدة منذ بدایاتها وحتی یومنا هذا، تلک الوشیجة هی الوجدان الیقینی، فقد أخذت القصیدة الحسینیة مهمة اصلاحیة نابعة من وجدان الشعر، تمثلت برصد الوظیفة الکبری لثورة الإمام الحسین (علیه السلام)، وهی الاستنفار لقیم الله سبحانه بنصرة الحق ودفع الباطل مهما کان الثمن، اذ التفت الیها الشعراء ففقهوها وغدوا مقتنعین بها فجعلوها فی صف التقی والصلاح ومعانی الخیر للبشریة، فیما یأخذ أعداؤه فی قصائدهم جانباً مظلماً لا تتحرک فیه إلا عیون الشیطان، ولا تدب فیه إلا حرکة الخبث والجهل وسحب الباطل، وهذه السمة ولّدت بذرةً وجدانیة ظلت متوقدة


1- ضحی الاسلام، د.أحمد امین:3/304.

ص: 21

منذ الفاجعة الی یومنا هذا، اذ نمت روحیا بتجدد الزمان، فاخضرت یقیناً فی وجدان المخلصین، إذ إن المتتبع لمسار التاریخ یجد المآتم وقد نمت نبتتها لحظة رجوع ثلة من الکوفیین من ساحة الحرب یندبون أنفسهم، ویلومون بعضهم، ویصارعون لوم الضمیر، إذ لم تکن لدیهم الشجاعة للاصطفاف مع سبط الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم), فکانوا أداةً بید الخوف تسیّرهم أنی شاءت، وبدأ الندب الحسینی ینمو فی کل ذهن رجع إلی صوابه، فاتسعت دائرته وکثرة حلقاته وبدا الوعی الجمعی عطشاً لنصرة آل البیت (علیهم السلام)، فأمتد الأمر إلی کل ضمیر إنسانی وخزته الفاجعة بآلامها. فنبّعت فی المشاعر واستطالت من الوجدان شجرة حب للحسین (علیه السلام)، وسقتها عواطف الانتماء الانسانی.

لذلک ظل هذا الأمر قائماً حتی تکوّن جیش التوابین الذی انطلق للأخذ بثأر الحسین (علیه السلام)، فهذا الجیش لم یکن بحسب الدلیل العقلی ما لم یهیئ له وعی جمعی نتیجةً لتراکم لوم الضمیر، وبالفعل فأنهم حینما جهزوا جیشاً قوامه أربعة ألاف فارس وقصدوا رأس النظام فی الشام مرّوا بالإمام الحسین (علیه السلام)، فانفجر بوحهم هناک، حتی وصلتنا صرخته الإنسانیة، فباح التوابون بالذی خافوا منه بالأمس فکانت صرختهم صوت الضمیر المتوجع من التأنیب، وکانت قصائدهم نتاج اللوعة والتأسی وذم الباطل والتیه من جانب، ومن جانب آخر أکبرت القصائد فعل الحسین واله (علیهم السلام) وصحبه الابرار ورأته موقف الحق وعنفوان الشجاعة، فافتخرت بالرسول (صلی الله علیه وآله وسلم) وآل بیته الأطهار.

 إذن مَنِ الذی حفر بئر الوجدان القدسی فی عروق القصیدة الحسینیة؟ لو وقفنا علی أقوالٍ للإمام الحسین (علیه السلام) نستشف منها أن الأمام الحسین (علیه السلام)

ص: 22

کان یعرف مصیره؛ لأنه قال أقوالاً لم یقلها أنسٌ أمام طاغوت جاهل متحکم فاسق خالٍ من کل مزایا الإنسانیة.

الأول: قوله للولید بن عتبة بن أبی سفیان والی المدینة حینما طالبه بالبیعة لیزید: فرد الحسین (علیه السلام) علیه:

"إنّا أهلُ بیتِ النبوة، ومعدن الرسالة، بنا فتح الله وبنا ختم، ویزید رجلٌ شاربُ الخمر، قاتلُ النفسَ المحترمةَ معلنٌ بالفسق والفجور، ومثلی لا یبایع مثله(1)".

والثانی: قوله لمروان بن الحکم وهو یطلب البیعة أیضاً لیزید، قال الإمام الحسین (علیه السلام) له بعد أن أدرک أن هذا الرجل لا یفقه خط الحسین (علیه السلام):

"إنا لله وإنا إلیه راجعون، وعلی الإسلام السلام، إذ قد بُلیت الأمة براعٍ مثل یزید ولقد سمعتُ جدی رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) یقول: إن الخلافةَ محرّمةٌ علی آل أبی سفیان(2)".

والثالث: قوله لأخیه محمد بن الحنفیة:

"لو لم یَکُنَّ فی الدنیا ملجأ ولا مأوی، لما بایْعت یزید بن معاویة(3)".

فهذه الأقوال تؤکد أن فاجعةً ستحدث، وأن الحق سیتکلم علی قلة أهله؛ لأن الحسین (علیه السلام) لم ولن ولا یبایع بحسب مکونات شخصیته التی نهلت من فیض النبوة، فضلاً عن ذلک فقد أظهرت هذه الأقوال یزیداً متمثلاً بالفسق، وهو فی منظور الامام الحسین (علیه السلام) لا یصلح لقیادة الامة الإسلامیة، وأن بیعة مثل بیعة الحسین


1- اللهوف، ابن طاووس/10.
2- المصدر السابق /11.
3- مقتل الحسین، بحر العلوم /169.

ص: 23

(علیه السلام) له ستهبه حصانة للتمادی والعبث بقیم الاسلام، لهذا کان الموقفُ الشعری راصداً بقوّة هذه الخصیصة وهذا الالق الروحی، والشموخ الهاشمی، والأنفة المحمدیة، یوم رفض الرسول الکریم (صلی الله علیه وآله وسلم) الدنیا وما فیها من اجل اعلاء رایة الاسلام، فجاء الحسین (علیه السلام) لیرفض الحیاة فی الذل، فکانت مقولته التی عبرت الفضاءات إلی أرجاع المعمورة «هیهات منا الذلة» جبال الکبریاء للرافضین الذل والخنوع. ومن اجل ان یحیی الاسلام وهب العزیز والنفیس له، فقال:

«ان لم یستقم دین محمد الا بقتلی فیا سیوف خذینی».

وبذلک کان الشعور الحی ینفلت من افواه القوافی معلناً صدق الیقین النابض بالحیویة تجاه هذا الموقف السامی، فرصدت القصائد العنف الجاهلی الانتقامی ومظاهر الحقد والتشفی بأهل البیت (علیهم السلام) فی واقعة الطف الرهیبة، وأظهرت شموخ أهل البیت وسجایاهم الکریمة ومظلومیتهم، فأثّر ذلک فی عواطف المجتمع الإسلامی والإنسانی تأثیراً عمیقاً، وظلت معالم الأسی مقرونة بالثورة وهی تفوح من کلام الشعراء فی کل عصر لتخترق الضمیر الإنسانی، وتهز الوجدان أینما سمع ذلک الکلام. وأصبحت هذه القصائد محرک الأمل والخلاص فی کل عصر یحتدم به الظلم، وینشر الطاغوت عباءة الخوف علی رؤوس الناس، فحققت القصیدة الحسینیة وظیفتها تجاه وحدة الصراع، وأصبحت خیر ناقد لمساوئ حکّام العصر، او الظواهر غیر السامیة فی المجتمع. ولأجل ان نسایر المنهج فی سیاق القصیدة الحسیة الحسینة التی هی موضوع بحثنا، نقف عند أولیات انبثاق شلالاتها، التی فاضت بحراً من الشعر رکبه کل ضمیر تحسس هول فاجعة الطف وآلامها الانسانیة، أو دفعته الأزمنة بمواقفها للدفاع عن حقه. لقد ذکر المسعودی أن أول من رثی الإمام الحسین (علیه السلام) التیمی تیم مرّه وکان

ص: 24

هذا الرجل متقطعاً لبنی هاشم إذ یقول(1):

مَرَرتُ علی أبیاتِ آلِ مُحمّدٍ           ***     فَلَمْ أرَها أمثالها یومَ حُ_لَّتِ

فلا یُبْعِدُ اللهُ الدیار وأهْلَها    ***     وإن أصبحت من أهْلهِا قد تَخَلّتِ

وإنَّ قتیلَ الطفِ من آل هاشم         ***     أذلَّ رقابَ المسلمین فَذَلّ_تِ

فهنا تفجع وتوجع لخلو الدیار من أهل البیت (علیه السلام)، وأغلب الظن أن هذا الشعر هو أول شعر رُثی به الإمام الحسین (علیه السلام)(2)، ونستشف من کلامهِ سخط المسلمین علی فعل یزید، وقد أورد سبط بن الجوزی أن عُقبة بن عمرو السهمی أول من رثی الإمام الحسین (علیه السلام)، وروی ذلک الشیخ المفید (ت:413ه_) فی (المجالس) بسنده عن إبراهیم بن داحة(3) انه قال:

إذا العینُ قَرّتْ فی الحیاةِ وأنتمُ        ***     تَخافونَ فی الدنیا.. فأظلم نُورُها

مررتُ علی قبر الحسین بکربلا        ***     ففاض علیها من دموعی غَزیرُها

وما زِلتُ أبکیه وأرثی لشجوهِ         ***     ویُسْعِدُ عینی دَمعُ_ها وزفیرُها

ونادیتُ من حول الحسین عصائباً    ***     أطافَت به من جانبیهِ قبورها

سلامٌ علی أهل القبور بکربلا          ***     وقلَّ لها منّی سلامٌ ی_زورها

فالقصیدة من البحر الطویل أظهرت نبرة الحداد من خلال انسجام حرف اللین والراء والهاء وألف الاطلاق، وکذلک تشعرک بالأسی والشجن وهما یصاحبان النص. ویقال إن أول من رثاه سلیمان بن قَتَّة العدوی التمیمی، وقد مرّ علی القبور بعد ثلاث فنظر إلی المصارع وبکی بکاءً کثیراً وذکر القصیدة الانفة الذکر(4). وبعد ذلک رثاه شاعر التوابین


1- ظ: مروج الذهب: 3/64.
2- ظ: الامام الحسین (علیه السلام)، عملاق الفکر الثوری، د. محمد حسین الصغیر /358.
3- ظ: أعیان الشیعة، الامین العاملی: 4/371.
4- ظ: م.ن:4/971.

ص: 25

عبد الله بن عوف الاحمر الأزْدی واعتقد أن هذه القصیدة من (المخبآت) یقول(1):

صحوتُ وودعتُ الصِبا والغوانیا      ***     وقُلتُ لاصحابی أجیبوا المنادیا

لِیَبْکِ (حسیْناً) کلما ذرَّ شارقٌ         ***     وعِندَ عسوف اللیل من کان باکیا

فأضحی حسینٌ للرماح ردیئةً           ***     وغودرَ مسلوباً لدی الطفِ ثاویا

سقی الله قبراً ضَمَّنَ المجد والتقی     ***     بغربیة الطفِ الغَمام الغوادیا

وتشعر أیضاً بالقافیة المنتهیة بالف الاطلاق التی تمنح الصوت بعداً موسیقیاً حزیناً لاسیما اختیار الیاء التی هیأت لاظهار نبرة الالم من عمق الاحساس عند الشاعر، وبالندم لعدم وجوده مع الحسین (علیه السلام) فی ذلک الیوم فیقول:

فیا لیتنی إذْ کان کنتُ نهدته            ***     فضاربت عنه الشائنین الاعادیا

ودافعت عنه ما استطعت مجاهدا     ***     وأعملت سیفی فیهم وسنانیا

وعدَّ الدکتور یوسف خلیف هذه القصیدة صورة صادقة لثورة التوابین(2) اذ عبرت عن صدق انتمائهم لقضیة الحسین علیه السلام.

ویعد عوف بن عبد الله بن الأحمر شاعر الثورة، فحین فارق التوابون قبر الحسین (علیه السلام) وساروا یتقدمهم رؤساؤهم نحو الشام(3)، فقد کان هذا الشاعر یرجز(4):

حَزَجْنَ یَلْمَعّن بنا إرسالا     ***     عَوابِساً یَحْملننا أبطالا

نُرید أن نلقی بها الأقیالا      ***     القاسطین الغُدُر الضُلالا

وقد رفَضْنا الأهل والاموالا  ***     والخفرات البیض والحِجالا

نُرضی بها ذا النِعَم المفضالا


1- ظ: معجم الشعراء، المرزبانی/126، وظ مروج الذهب، المسعودی:3/93.
2- ظ: حیاة الشعر فی الکوفة، د.یوسف خلیف /383.
3- ظ:الامام الحسین عملاق الفکر الثوری، د.محمد حسین الصغیر/289.
4- مروج الذهب، المسعودی:3/93.

ص: 26

ونستقرأ من النص أن التوابین قد انقادوا لصحوةِ ضمیر کبری، جعلتهم یرفضون الدنیا وما فیها من أجل رضا الله سبحانه وتعالی؛ لأنهم ربطوا رضا الله سبحانه بالثأر لآل المصطفی (علیهم السلام) وهذا ما یتکلم النص به اجتماعیاً، وما یفصحه وَعْیُهم الجمعی..

وکان هذا الأمر مدعاة لیس لظهور التوابین، وانما لثورات أخری معارضة للنظام الاموی مثل، ثورة المدینة المنورة، وثورة المختار ضد عبید الله بن زیاد، وثورة مطرف بن المغیرة وهو من رجال الحکم الأموی وقد ثار ضد الحکم أنذاک، وکان حینها والیاً علی المدائن، وکذلک ثورة عبد الرحمن بن محمد بن الاشعث وکانت ضد الحجاج وبنی امیة، وثورة زید بن علی (علیه السلام)، فکانت قضیة الحسین (علیه السلام) قد أسقطت حکم بنی أمیة. ورسمت طریقاً جریئاً للرافضین لحکمهم مهما کانت الدوافع والغایات التی انبثقت منها الثورات، فضلا عن ذلک فقد ظل مسار ضیائها متصلا عبر الازمنة وبقیت اشعته تومض حین تدلهم حیاة الناس، وتلبد سماءهم غیوم الظلم، فمن سلک اثارها حطم قیود البؤس والطغاة، لذلک استشهد بها رجال من العالم علی اختلاف مللهم وعقائدهم وأجناسهم مثل غاندی، وماوسیتونج وأضرابهم، فضلا عن شعراء عالمیین تُیّموا بقضیة الحسین (علیه السلام) مثل جوته الالمانی او بوشکین الروسی او غیرهم.

وعودا علی بدء فقد کثر الشعر الحسینی فی الحقب الزمنیة المتتالیة منذ استشهاد الامام الحسین(علیه السلام) حتی وقتنا الحالی، وأخذ یظهر شاعر حسینی ممیز فی هذا المجال فی کل عصر، وقد جاءت تجارب شعریة کبیرة امتداداً لهذا النمط من الشعر العربی الذی اصبح أکثر خلوداً فی النفس، لتعاون الوجدان الیقینی المصدّق لاحقیة

ص: 27

ثورة الحسین (علیه السلام) مع الشعور بالاسی لما مرّ به آل المصطفی (صلوات الله وسلامه علیهم). فکانت ثنائیة حق اهل البیت (علیه السلام) وحزن الشاعر علی ما مر بهم هی التی ترسم خطین متوازیین فی قصدیّة النص الشعری الحسینی، فجاء الکمیت بن زید الأسدی الکوفی (ت:126ه_) قمة شعریة عالیة فی هذا الجانب، ویحق لتاریخ العرب الادبی أن یفخر به کونه واحداً من صناع المجد الشعری العربی، وممن امتازوا بصدق الموقف وانتصاره للحق، فأخذت قضیة الحسین (علیه السلام) جزءاً مهماً من شعره.

ففی دیوانه (الهاشمیات)(1) جاءت قصیدته اللّامیة مثالاً حیاً علی ذلک.

کأن (حسیناً) والبهالیلُ حولَه           ***     لأسیافهم ما یَختَلی المتبتلُ

ولم أرَ موتورین أهلَ بصیرةٍ           ***     وحقَّ لهم أیدٍ صحاحُ وأرجلُ

کشیعتِهِ والحربُ قد ثَغِیَتْ بهم        ***     أمامهم قِدْرٌ تجیشُ ومِرْجَلُ

وهنا إشارة إلی ما لحق بأتباع آل البیت (علیهم السلام) بعد واقعة الطف، فالشعر خیر من ینقل لنا ذلک تاریخاً ویصور وقائعه، فهو صوت آخر للتاریخ. ثم جاءت سلسلة من الشعراء الحسینیین حتی یومنا هذا، رسموا الصورة الشعریة الحسینیة بوجدانهم، ووهبوها إلی المتلقی بحسیتهم، وأثروا بناءها بفنیتهم، فازدهر الشعر وأثمر، وکان اضافة جدیدة وجیدة للادب العربی. امتازت قصیدته بالبناء الشعری الخاص وعمق العاطفة والتفنن فی ایصال الدلالة الی السامع، فضلاً عن رهافة الحس وصدق الیقین والوظیفة الجمالیة والاجتماعیة،فقد صوّر الشعراء مصرع الإمام الحسین (علیه السلام) وآل البیت (علیهم السلام)، فأوغلوا فی الصورة، واهتموا بالدلالة, وتألقوا فی الأسلوب, وکانوا حریصین علی تقدیم المشهد الصوری مرئیاً محسوماً إلی المتلقی


1- ظ: هاشمیات الکمیت /70_71.

ص: 28

لیتفاعل وجدانیاً معه. ویری الدکتور الصغیر " ان الهیکل الفنی للقصیدة الحسینیة أخذ طابعه التکاملی فی عصر سیدنا ومولانا الإمام جعفر الصادق (علیه السلام) (83 – 148ه_) حیث کان یقوم فی توجیه ذلک جماعیاً بل ویدعو إلیه دلالیاً وإیحائیاً(1) "، والحق أن توجیهاً واضحاً للإمام الصادق (علیه السلام) تجاه الشعر والشعراء أسهم فی حرکیة الشعر الحسینی وزاده نمواً کما نتلتمس ذلک فی قوله (علیه السلام) لجعفر بن عفان أحد شعراء عصره حینما دخل علیه وقال له الإمام (علیه السلام): "بلغنی أنک تقول الشعر فی الحسین (علیه السلام) وتُجید، فقال الشاعر: نعم جعلتُ فداک فأنشد، فقال (علیه السلام): ما من أحد قال فی الحسین (علیه السلام) شعراً فبکی وأبکی به إلا أوجب الله له الجنة، وغفر له (2)". فأنشد الشاعر جعفر بن عفّان:

لَیِبْکِ علی الإسلام من کان باکیا    ***     فقد ضُیّعَتْ أحکامُه وآسْتُحِلّتِ

غداة (حسینٌ) للرماح دریئة            ***     وقد نهلت منه السیوفُ وعلَّتِ

وغُودِرَ فی الصحراء لحماً مبددا       ***     علیه عُناقُ الطیرِ باتَتْ وظَلّتِ

فما نَصَرَتْهُ أُمّةُ السوءِ إذ دَعَا            ***     لقد طاشت الاحلامُ فیها وضَلّتِ

ألا بَلْ محوا أنوارهم بأکفهم           ***     فلا سلمتْ تلک الأکُفُّ وشُلّتِ

فبکی الإمام الصادق (علیه السلام)، وبکی من حوله وقال:

"والله لقد شهدت ملائکة الله المقربون، ههنا یسمعون قولک فی الحسین (علیه السلام) ولقد بکوا کما بکینا أکثر(3) ".

وقد رثی الحسین (علیه السلام) رهط کبیر من الشعراء العباسیین، إذ ظلت مسألة


1- ظ: الإمام الحسین علیه السلام عملاق الفکر الثوری، د. محمد حسین علی الصغیر/355.
2- وسائل الشیعة، الحر العاملی:10/464.
3- ظ: الدر النضید، الامین العاملی /58-59.

ص: 29

استشهاده تدمّع فی اطواء الشاعر العربی بوصفه مرهف الحس، فهو لا یمر علی مصیبة کربلاء إلا ونزّت عواطفه وأضرم أوارها حسرةً علی الحسین وآل بیته (علیهم السلام)، فقد رثاه ابن الهباریة محمد بن محمد بن صالح الهاشمی العباسی البغدادی، حینما اجتاز کربلاء فمرّ علی قبر الإمام الحسین (علیه السلام) فبکی وقال مرتجلاً(1):

أحسینُ والمبعوثِ جدِّک بالهدی   ***     قَسَماً یکونُ الحقُّ عنه مُسائِلی

لو کنتُ شاهد کربلا لبذلتُ فی       ***     تنفیس کربک جُهْدَ بذلِ الباذلِ

فقال قصیدة طویلة تمنی لو کان مع الإمام الحسین (علیه السلام)، ثم نام فی مکة فرأی رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فی المنام فقال له: جزاک الله عنی خیراً، أبشر فأن الله قد کتبک ممن جاهد بین یدی الحسین (علیه السلام)(2). ویقول الدکتور الصغیر "ولا شک أن شعراً کثیراً لم یصل إلینا قد قیل فی العصر الأموی، وقد اختفی حذر بنی أمیة، إلاّ أن شعراً رائعاً وصل إلینا بحدود فی اوائل العصر العباسی(3)" وکتب منصور النمیری فی زمن هارون الرشید قصائد کثیرة فی الحسین (علیه السلام) ومنها قوله(4):

ألم یُبْلغکَ والانباءُ تنمی    ***     مصُالُ الدهرِ فی وُلْدِ البتولِ

بتربة کربلاء لهم دیارٌ         ***     نِیامُ الأهلِ، دارسة الطُلولِ

تحیات ومغفرة وروح        ***     علی تلک المحلة والحلولِ

فالشاعر یخاطب السامع بخطاب یسکنه العتب، وکأن الآخر لم یسمع بمصاب ولد البتول، فهو یذکره بالمصاب، ویلفت نظره إلی الطلول، ثم یسلم علی محلتهم،


1- ظ: الکنی والالقاب، عباس القمی:1/439.
2- ظ: المصدر نفسه: 10/439.
3- الامام الحسین عملاق الفکر الثوری، د.محمد حسین علی الصغیر /357.
4- الدر النضید، الامین العاملی / 259_260.

ص: 30

وأخذ الشاعر یتمنی فی قصیدته أن یکون قد أدرک یوم الحسین (علیه السلام)، وهذه خصیصة رددها الشعراء حتی یومنا هذا، إذ إنهم تمنوا حضور واقعة الطف مع الحسین (علیه السلام) فهو یقول(1):

ألا یا لیتنی وُصلت یمینی    ***     هناک بقائم السیف الصقیل

فَجِدْتُ علی السیوف بحرّ وجهی    ***     ولم أخذل بنیک مع الخذول

واستمر الشعراء یبکون الحسین (علیه السلام) بقصائدهم، وکانت دموعها صورهم الحسیة المعبرة. التی تجذب السامع إلیها وتأخذه إلی فناء الواقعة. من خلال مشاهدها الحسیة المختلفة, ویعد السید الحمیری اسماعیل بن محمد من أعلام الشعراء السابقین فی رثاء الإمام الحسین (علیه السلام) فی أوائل العصر العباسی، ومما قاله(2):

أمْرِرْ علی جدثِ الحسینِ    ***     وقُلْ لأعظمِهِ الزکیّهْ

یا أعظماً لا زل_تِ من         ***     وطفاءَ ساکبةٍ رویّهْ

ما لذّ عیش بعد رضک      ***     بالجیاد الأعوجیّهْ

قبرٌ تضمن طیب_اً     ***     آباؤه خیرُ البریّهْ

یا عینُ فابکی ما حییتِ      ***     علی ذوی الذممِ الوفیّهْ

وکان دعبل بن علی الخزاعی "یمثل دور الریادة فی الرثاء الفنی لسید الشهداء الإمام الحسین (علیه السلام) ویستوعب فی ذلک الغرض من وجوه عدة، فهو یبکی ویستبکی، ویندب ویطلب الندبة، ویصور فیحسن التصویر، ویتظلم فیجید غرض الظلامه بما یمکن أن تعده فی هذا مؤسساً لأصول الرثاء الحسینی(3)". والحق ان القصیدة الرثائیة الحسینیة قد أخذت طابعا خاصا بها علی یدیه شمل الشکل والمضمون


1- الدر النضید / 259_260.
2- المصدر نفسه /352.
3- الإمام الحسین علیه السلام عملاق الفکر الثوری، د. محمد حسین علی الصغیر/358.

ص: 31

معا، لقد هنأ الکمیت (رحمه الله) الإمام علی بن موسی الرضا (علیه السلام) بولایة عهد المأمون سنة 200ه_، فقال تائیة جاء فیها(1):

أفاطمُ لو خلتِ الحسین مجدّلاً        ***     وقد مات عطشاناً بشطِ فراتِ

إذن للطمتِ الخدَّ فاطمُ عنده          ***     وأجریت دمع العین فی الوجناتِ

أفاطم قومی یا ابنة الخیر واندبی      ***     نج_وم سماوات بأرض فلاةِ

دیار رسول الله أصبحن بلقعاً           ***     وآل زیاد تسک_ن الحج_رات

وآل رسول الله تسبی حریمهم         ***     وآل زیادٍ أمنوا السرب_اتِ

ثم تتالی الشعراء مثل الشریف الرضی، والسید المرتضی، ومهیار الدیلمی، والحسین بن الحجاج، وأبی فراس الحمدانی، وأبی تمام، وکشاجم، وسبط بن التعاویذی، وأبی دهبل الجمحی، والقاسم بن یوسف الکاتب، وبدیع الزمان الهمدانی، وابن الهباریة، وابن أبی الحدید، وأضرابهم، ممن کان لکلماتهم وقع حزین فی أذن السامع وقدرة إقناعیة فی إیصال مظلومیة أهل البیت (علیهم السلام)، فکانت مشاعرهم الصادقة تتحرک فی أمواج النص الشعری، موضحة ومعلنة شغفهم بحب الحسین بن علی (علیه السلام).

وجاءوا عشرات بعدهم، وقد ختموا بناعیة الطف السید حیدر الحلی.

ثم جاء القرن العشرین، فکان الشعراء من العراقیین والعرب والعالم قد کتبوا عن واقعة الطف، وقد برعوا هؤلاء فی تجسید الصورة الحسیة للثورة الحسینیة بما قالوه من شعر اتسم بالدقة فی التعبیر والجودة فی السبک، وهم یرسمون لنا الوقائع التی ظلت خالدة مدی الدهور، بما امتلکوه من ملکة فنیة استطاعت أن تکون إضاءة حیة فی قصائدهم.


1- الدر النضید / 259.

ص: 32

ص: 33

الفصل الثانی: ممیزات الصورة الحسیة فی الشعر الحسینی من السبب إلی الوظیفة

اشارة

-المبحث الأول: ممیزات الصورة الحسیة فی الشعر الحسینی

-المبحث الثانی: بواعث انبثاق الصورة الحسیة فی الشعر الحسینی

ص: 34

ص: 35

المبحث الأول: ممیزات الصورة الحسیة فی الشعر الحسینی

اشارة

لدی تتبعی بناء القصیدة الحسینیة وتأملی فی شکلها ومضمونها، ومعیانة الصورة البیانیة فیها، وجدت _ کما قلت سابقا _ هیمنة الصورة الحسیة فی الشعر الحسینی، وعند استقرائی لها تکوینا ونوعا ألفتها متمیزة بما یأتی:

أولا: الانتقال الصوری

غلب علی القصیدة الحسینیة تنوع الانتقال الصوری، مسایرة لانفعالات الشاعر وهو یتجه صوب تجسید الحدث الحسینی تجسیدا حسیا، مراعیا فی ذلک حال المخاطب، وخصوصیة المشهد الحسینی الذی قرر الشاعر رسمه شعریا، فضلا عن الهدف الاساس من انبثاق نصه الشعری، أی الباعث ا لکامن وراء قوله، بمعنی ان خصائص شکل الصورة الحسیة المتکونة تنهض مرسومةً بسبب باعث وجدانی هیأ لانبثاقها من جهة، ومن جهة اخری وجهها وعی الشاعر مراعیا التأثیر فی المتلقی، لان هدف الصورة الحسیة الحسینیة اکتشاف وحضور واقناع وتأثیر، فضلا عن کونها معادلاموضوعیا بالنسبة للشاعر، ومن اجل الوصول الی سبب حسیتها فی الشعر الحسینی، فلابد من ایضاح لممیزات تحولاتها فی هذا الشعر:

ص: 36

أ. کثرة الانتقال من المحسوس إلی المحسوس حین یکون انفعال الشاعر عالیا، لا یسمح له برکوب الاستعارات والمجازات والکنایات الا ما ندر، اذ یحضر التشخیص والتجسیم متناغما مع هذا الانتقال، ویکثر هنا التشبیه لانه منتج بارع للصورة الحسیة، وبوصفه اداء محتویا للعملیة الابداعیة الشعریة، فانه اطار حسی تنضوی فیه تفاصیل تلک الصورة، وهذا الامر جعل الشعراء یهرعون الیه حین یحتدم انفعالهم، ویرومون ایصال قصدیتهم الشعریة سریعا. یقول الشاعرعبد المنعم الفرطوسی(1)

ضمدت فی قلب المقدس قلبه         ***     فهو الجریح وفیض نحرک بلسم

بطل العقیدة والجهاد تحیة  ***     لک من دماک وهی نار تضرم

رسم الشاعر بصورة حسیة لوحة معبرة حین جعل قلب الحسین (علیه السلام) یضمد قلب الاسلام، لا ان الاخیر اضحی جریحا لهول مامر بالحسین واله (علیه السلام) فی کربلاء، بینما کان قلب الحسین (علیه السلام) بلسما داوی جرح قلب الاسلام بعدما جرحه من خرج علیه، ثم اصبحت تلک الدماء نارا شب أوارها فاحرقت الظالمین.

فأدی التشبیه قدرة هائلة فی رسم الصور الحسیةالتی أدت دلالاتها بشکل جید، قال الشاعر(2):

تراقصت صافنات الشهب من طرب ***     لموکب بأباة الضیم مزدحم

ورفرت عذبات الحق خافقة            ***     علی جبین بنور الحق متسم

أهوی ابن حیدر فالابصار شاخصة   ***     ترنو الی علم ملقی الی علم

فلقد عول الشاعر کثیرا فی انتقالاته الصوریة من المحسوس الی المحسوس غایة منه فی ایصال مشهد صوری مرئی جمع بین اضواء الشهب التی ابتهجت بموکب اباة


1- من لایحضره الخطیب: 259.
2- دیوان الفرطوسی 1: 72.

ص: 37

الضیم والموکب نفسه، فالصورتان حسیتان، ثم رفرفت رایات الحق علی جبین النور، وبعد ذلک جاءت الصورة الحرکیة المتکونة من هبوط العباس (علیه السلام) الی الارض من صهوة جواده فرافقه علمه، فهو الاخر هوی معه، فکانت الصورة الحسیة قد تم الانتقال فیها من محسوس الی محسوس عبر صور جزئیة ترکبت منها الصورة الحسیة الکلیة.

ب . الانتقال من المجرد إلی المحسوس.

إذ یتم تطویع المجرد إلی المحسوس وتختلف الانتقالات بحسب انتقال الشاعر، فتارة یکون الانتقال حسیاً حین ینفعل الشاعر ویعمل علی لیّ رقبة النص والإتیان به نحو المحسوس، وهذا الامر علی العکس من الصورة الذهنیة التی یتم الانتقال فیها من المحسوس إلی المجرد؛ او من المجرد الی المجرد لأن الشاعر فی وقت الرخاء یعول علی الصورة الذهنیة بسبب هدوء العقل وزیادة التأمل.

فضلاً عن ذلک فأن هذا الانتقال من المجرد الی المحسوس المقصود کان ذا هدف واضح، هو الارتقاء بالصورة الحسیة إلی مستوی الاقناع بالنسبة للمتلقی.اذ یکون لاختیار الکلمة علی وفق الرؤیة اعلاه قوة صوریة, لان الکلمة لها فعل مؤسس فی بناء الصورة، فهی تسهم فی محاکاة المشهد المرئی بدور مهم(1). یقول الشاعر(2):

مولای یومک لایزال کما  ***     خلدت فی اثوابه القشب

یفتر میمسه اذا اشتبکت      ***     هذی البنود بافقه الرحب

اعلام مملکة سعیت لها      ***     بالمجد.. بالاتعاب بالنصب

حتی اذا اسست دولتها        ***     وزهت بتاج ملیکها العربی


1- فن الشعر، هوراس، ترجمة د- لویس عوض 24
2- الدیوان مصطفی جمال الدین 2/164

ص: 38

وفدت الیک جنودها زمرا  ***     بیض الوجوه تلوح کالشهب

استطاع الشاعر ان یوظف بذکاءٍ المعقولَ الی المحسوس، فمنح الصورة رؤیة ادراکیة وبصریة وحرکیة فی ان واحد، فالشاعر یؤکد بقاء یوم الحسین (علیه السلام) بأثوابه النقیة، ویؤکد بقاء دولة الحسین الروحیة فی کل قلب مؤمن نقی السریرة لا تدنسه ملذات الحیاة، وبذلک صنعت صوره الحسیة بیتا جمیلا للفکرة؛ لان " حاجة النص الی سیاق تظهرها خصوصیة الشاعر حین تظهر اول بؤرة بیانیة یرتضیها صورة تعادل لدیه صورة الواقع(1) "، وبذلک حقق الشاعر معادلا موضوعیا لفکرة انبثقت فی مخیلته، فأسس علاقة بین تلک الفکرة والسیاق الناهض باخراجهامن جانب، والصورة الحسیة التی کانت قالبا لحمل هذه الفکرة والمعتمدة علی حسیة الاشیاء من جانب اخر، فکان الخطاب الشعری قد اعتورته عملیتا المعنی والتأویل، اذ اعتمد التأویل علی الصورة البیانیة وکانت حسیة، فیما کانت اللغة بسیاقاتها هی مادة المعنی، وهکذا حققت الصورة الحسیة غایتها عبر انتقالاتها من المجرد الی المحسوس فوظفت الاشیاء المجردة فی بناء صور حسیة استطاعت ان تؤدی وظیفة فکریة باحساس وجدانی.

ثانیا: حرص الشاعر الحسینی علی صنع علاقات التفاعل بین النفس والوجود والقضیة

فأعطی التشخیص والتجسیم دوراً فاعلاً فی انتاج الصورة الحسیة، أخْذاً بالمتلقی إلی مستوی المشاهدة المرئیة أو الصورة المرسومة بالحواس، حتی یحصل التفاعل بین المنشئ ومتلقیه.

فکان الترکیز علی إظهار وظیفة النص الاجتماعیة والوقوف علی مفهومی الخیر والشر، ومن ثم الانتصار لمفهوم الخیر، فضلا عن ذلک فان هاجس الخوف او نقد


1- اثر البواعث فی تکوین الدلالة البیانیة د. صباح عباس عنوز/128

ص: 39

الواقع او عدم الرضا الناتج من وحدة الصراع __ حیث یعیش الشاعر __ یحتم علیه سحب الواقع الی قصیدته، لتکون مرأة عاکسة لمزایا ذلک المجتمع ولاسیما السلبیة منها؛ لان الشاعر" لایکاد یطیق اهون التعب، بل یضجر من أقل مس اصابته به ظروف الطقس او ظروف المکان(1)", وبذلک کانت القصیدة الحسیة الحسینیة انعکاسا موضحا للواقع المعیش، هذا الامر حقق تلاحما بین ذات الشاعر والنص من جهة والمقارنة بین واقعه والقیم الحسینیة النبیلة التی ثار من اجلها الحسین (علیه السلام) من جهة اخری، فرصدت القصائد الواقع معریة ایاه بسبب الظلم والباطل والشر بانواعه واتجاهاته فی کل زمان ومکان, فأضحت الصورة علی اشکال تحمل سمات معینة، وتؤدی بطرق متمایزة الاثر بحسب رغبة القائل، فینهض بوساتطها الخطاب فی تعبیره، وهو یؤدی رسم الافکار والمشاعر بالمعانی التی جعلتها الصورة ضمن اطارها، اذ تتجلی حقیقة الصورة من خلال طرفیها الاطار والمادة(2).

فتصبح الصورة الحسیة حینئذ صوتا ومرأة للمسکوت عنه فی ذلک الواقع، وقد وجدنا شعرا حسینیا کثیرا عج بهذه الرؤیا: قال الشاعر(3)

آه یازینب: الحوادث بعدی            ***     همک الهم والتوجس أخفی

حسبنا الله: اننا نتساوی        ***     فی هواه الحتمی، قتلا...وعسفا

فی غد تشهدین رأسی فی الرمح     ***     یباریک فی الضعائن.. عطفا

قد تمادت امارة الزیف فی الناس     ***     وهیهات ان نهادن زیفا

واستدار الظلام والنحر یعدو            ***     فی ذراه ویمتطی البرق سیفا


1- ثقافة الناقد الادبی، د.محمد النویهی/ 74
2- الصورة الفنیة فی المثل القرانی د. محمد حسین علی الصغیر: /37.
3- دیوان جمیل حیدر، المکتبة الادبیة المختصة: 254

ص: 40

نجد الشاعر رسم بالصورة الحسیة البصریة واقعا مزریا لا امان فیه، یحیطه الظلام، اذ ان للبصر استئثاراً اکثر من الحواس الاخری بالصورة الفنیة(1).

وهکذا ینفذ الشعراء الی واقعهم متخذین من قضیة الحسین (علیه السلام) متکأ یعینهم علی توجیه النقد لذلک الواقع، ویبث فیهم روح الشجاعة لیتخطوا أسوار خوفهم، ولأن قضیة الحسین (علیه السلام) تأخذ مدی روحیا عند الشاعر، فانها تزید من همة النشاط الوجدانی لدیه، وتسحب الفکرة الی الرفض ان کان الواقع مزریا. وتعد وحدة الصراع من الوحدات المهمة التی یعول علیها المنشیء البشری بصحبة الوحدة الحیویة أی (الشعوریة) ووحدة التداعی او ما یسمی (بالتلوین الشعوری)؛ لان لهذه الوحدات دورا فاعلا فی اظهار العملیة الابداعیة البشریة، ورسم ملامح الرفض او الاستجابة لمعطیات العصر, ولذلک تبوأت الصور الحسیة أعلاه مکانا عالیا فی الانفعال، إذ إن الشعر الوجدانی یقوی ویتجدد ویدهش بالصورة البیانیة، وللاخیرة مکانة خاصة یلونها الخیال بانفعال الشاعر الصادق، فتکون الکلمات والعبارات مضیئة(2), وینعکس ذلک علی الصور البیانیة، فتصبح هذه الصور دلالة مقنعة ومؤیدة ومعضدة لرؤی الشاعر.

ثالثا: هناک علاقة بین الصورة الحسیة فی الشعر الحسینی والصوت

 لقد رکزالشعراء الحسینیون علی الجانب الصوتی _ فکثرت البحور التی تساعد علی مد الصوت أو الحداء، فتقدم الرمل لیناسب حرکة الجسم، ثم بحر الکامل ثم البحر الطویل فالبسیط فالوافر فالسریع، لتسهم هذه البحور فی اعطاء النغم الحزین


1- الصورة الشعریة س د ی لویس، ترجمة احمد نصیف الجنابی: 44.
2- ایماءة الهمس دراسات نقدیة تطبیقة، د. صباح عباس عنوز: 93

ص: 41

وهکذاتاتی البحور الاخری لتقدم الصورة الحسیة والصوت المؤثر معا، لاسیما البحرالمنتهی بروی یسبقه لین کما فی قول الشاعر من الکامل(1):

صمتاً ندبتک والشعور رسولُ          ***     هذی المواجع ألسِنٌ ونصولُ

عباسها نهر العطاشی جاریا  ***     قیمَ المواقفِ ما تجددّ جیلُ

ذرنی یخضبنی هواک تعفّفاً            ***     ذَرْنی أبیح مواجعی وأقولُ

بدأت الصورة الحسیة مرکزة علی الصمت ولکنه أی صمت؟ انه الصمت الناطق الذی یجری مجری الصخب فی کیان الشاعر، فثمة علاقة بین صمته الذی بدأ به نصه والقول الذی ختم به نصه، لقد تغلغل الایقاع مع الصورة وأصبح الصدی نغمة ذات تأثیر فی المتلقی، وکانت صورتها الحسیة کامنة فیها؛ لان "الکلمة تحاکی فی ایقاعها معناها کما یحاکی الهدیل صوت الحمامة والخریر صوت الماء(2)" لیساعد ذلک علی إضفاء وقع موسیقی خاص للنص، ومن ثم جذب انتباه المتلقی, فحصلت مواءمة بین البحر الذی رکبه الشاعر والمضمون، فنتج عن ذلک وقع موسیقی حملته الصورة الحسیة السمعیة؛ لان الصورة السمعیة تعتمد علی ادراک الاصوات وتصورها وما تفعله فی النفس فضلا عن الایقاع(3)، وقد ادی المنبر الحسینی دورا مهمافی ذلک من خلال الاستهلال عند تقدیم المراثی الحسینیة، فأصبح الشاعر یعول کثیرا علی البحور التی تمنح النفس إطالةً فی مد الصوت مع استیعاب ظاهرة الشجن، فهناک علاقة خفیة بین الصوت والمعنی(4)؛ لان الصوت صدی للمعنی(5).


1- دیوان عندما تتمتم عیون المغفرة: 4 4.
2- فن الشعر، هوراس: 24
3- ظ: مبادیء النقد الادبی، ریتشاردز: 17.
4- ظ:دور الکلمة فی اللغة:81.
5- ظ:نظریة البنائیة:393.

ص: 42

وفی السلم الابداعی للقصیدة الحسینیة اصبح التناسب بین الایقاع والمعنی معیارا للحکم علی رقی تجربة الشاعر، فکلما وازن الشاعر بین الایقاع والمعنی فذلک الامر دلیل الموهبة فی هذا الفن لأن للایقاع المنبثق من الروح سطوة الثاثیر فی المتلقی، مثلما للمعنی الجمیل تلک القوة التاثیریة، فهناک تناسب بین مواقع المعانی فی النفوس والابانة عن انماط الاوزان والاشارة الی کیفیات مبانی الکلام وما یلیق بکل وزن من الاعتراض وکیفیة بناء الکلام علی القوافی(1)، فثمة علاقة وطیدة بین اختیار الشکل والمضمون الذی یرتضیه الشاعر طریقا موصلا لدلالته، وما الشکل الا الصورة؛ لان "الکلام الفنی ولاسیما الشعری کلام مصوغ علی اساس صوتی، ولایکتسب تأثیره الا بتنوع صور الاداء، ومن هذه الصور الاستعمال الامثل للایقاع، ذلک یعنی استغلال قیم الالفاظ الصوتیة مضافا الیها حسن التصرف فی بناء الجمل فضلا عن بنائها العروضی(2)، "فعملیة اختیار الاداء البیانی الذی هو المهاد الذی تتأسس علیه الصورة والتنسیق بأختیار البحر یسهمان فی تکوین دفقة شعوریة تلجیء الشاعر الی التحکم فی التنغیم(3)".

وعلی وفق ذلک تکون العلاقة وطیدة بین الایقاع المنتخب والصورة الحسیة الحاملة له، لان کلیهما ینبعان من الوجدان الیقینی ویؤسسان لوحدة متکاملة بین اختیار الایقاع واختیار الصورة الحسیة وصولا الی منح قصدیة النص الشعری هویته، وقد کان للمنبر الحسینی دوره الفاعل فی مد جسور العلاقة بین الصورة الحسیة والصوت، فالخطیب من جهة یعول علی انتقاء الصور الحسیة التی تتناغم مع عواطف السامع


1- ظ: منهاج البلغاء وسراج الادباء 263
2- اثر البواعث فی تکوین الدلالة البیانیة، د- صباح عباس عنوز: 220.
3- المصدر نفسه: 225

ص: 43

لایصالها الیه والتفاعل معها، ومن جهة اخری فانه یختار بحرا شعریا قادرا علی ایصال لواعجه هو الاخر الی المتلقی، کی یؤثر فیه فیکون الاختیار مقصودا,لذلک تظهر العلاقة وطیدة بین الصورة المنتقاة والصوت الذی یمده الخطیب سیما اذا کان الامر یتعلق بالاوزان التی تختار لاستیعاب الحزن؛ لان " من اتبع اعاریض کلام الشعراء فی جمیع الاعاریض وجد الکلام الواقع فیها تختلف انماطه بحسب اختلاف مجاریها من الاوزان(1) "، فهناک علاقة وطیدة بین الباعث الصوتی والصورة الحسیة الحسینیة؛ فاذا کانت هناک " مطابقة خفیة بین الصوت والمعنی(2) "، فان القصیدة الحسینیة مثلما تؤثر فی اثارة حواس السامع بالصورة الحسیة، فانها تشده الیها علی وفق اختیار شاعرها للتنغیم لحزین الذی یفرض هیمنة الصوت الممتلئ بظاهرة الشجن فی هذا النوع من الشعر، فتتقوی بذلک دلالة الکلام تأملْ قول الشاعر(3):

مهج بنیران الفراق تذوب   ***     فیجود فیها للجفون سحاب

أی والصبابة انها هی مهجة  ***     ذابت عشیة ودع الاحباب

ووقفت فی الاطلال وقفة ناشد        ***     ذاب الجماد لها وشاب غراب

دِمَنٌ کستها الذاریات ملابسا           ***     ولهنَّ من حلل البلا جلباب

قد اخرستها النائبات فما لها ***     الا بألسنةِ الرماح خطاب

اعتمد الشاعر علی الکامل المقطوع فهیأ له ذلک مد الصوت؛ لان للقافیة دورا مهما فی ایصال الاثر الایقاعی الی السامع، فضلا عن ان علاقتها تکون متوافقة بین حال المنشئ النفسیة والموضوع، واصبحت مقیاسا للاهتمام بالشعر، اذ تسهم فی اظهار الدفقة


1- منهاج البلغاء، 268.
2- دور الکلمة فی اللغة، 81.
3- دیوان السید موسی الطالقانی، 48.

ص: 44

الشعوریة وهی تتکئ علی الصورة الحاملة لمعناها، وبذلک تصبح العلاقة وطیدة بین القافیة والصورة لأن القافیة تظهر بموسیقاها التعبیریة اثار الانفعال لدی السامع، فتتعاون الصورة الحسیة مع ایقاع البیت کاملا ومنه وقع القافیة فی نفس السامع علی ایصال فحوی النص الشعری، وفی الابیات التی سبقت استعمل الشاعر البحر الکامل المقطوع المنتهی ب_(متفاعلْ)، وقد توطن تفعیلاته زحاف الاضمار (متْفاعلن)، فضلا عن علة القطع سابقا ولهذه الامور العروضیة علاقة بانفعال النفس الذی ینعکس علی المضمون والشکل معا، فکانت الصور الحسیة باصطحاب هذا الایقاع الذی خلفه الروی بقافیة المتدارک (بوo/0)مدعاة الی جذب المتلقی وغزو شعوره من جانبین:

الاول: الصور الحسیة التی عکست حزن الشاعر حیث کانت دموعه مُنهَمَر السحاب الوجدانی، وذوبان المهجة بسبب وقفته علی اطلال ال البیت (علیهم السلام)، التی ذهب الشاعر الیها عبر زمنه النفسی وهو یغوص فی التاریخ متذکرا ال البیت علیهم السلام فی تلک الواقعة، فجاءت الصور الحسیة (ذاب الجماد لها وشاب غراب) وهی لونیة معبرة عن عمق حزن الشاعر، ثم أردفها بصورة حسیة اخری بصریة (کستها الذاریات ملابسا) و(لهن من حلل البلی جلباب)، ومن ثم کانت الصورة الحسیة السمعیة (بالسنة الرماح خطاب) حاملةً للدلالة الایحائیة التی رامها الشاعر.

اما الثانی: فکان الصوت هو مستودع الحزن والاسی، اذ ساعدت العلل والزحافات التی اعترته علی منحه وحدة ایقاع صوتیة، فهناک ارتباط وثیق بین الصورة الحسیة بوصفهاالة المعنی وبین المعنی والصوت من جهة اخری، وما الاخیر الا نتاج المعنی؛لان المعنی هو الذی یرسل نغمة الصوت الی المتلقی، وهو مضمون الصورة فی ان واحد.

ص: 45

رابعاً: حسیتها تقود إلی التأویل عن طریق التداعی والتذکر وربط الاسباب بالمسببات

وبسبب نمو الوجدان الیقینی فی اثناء کتابة النص وحضور الوعی بقوة، فأن الوظیفة الشعریة تصل إلی أعلی طاقتها فی الصورة الحسیة الحسینیة، ومن جانب آخر تشعر باختفاء الشعراء وراء نصوصهم خوفاً من السلطات المتعاقبة التی منعت ذکر الحسین (علیه السلام). فأصبح الرمز والتأویل طریقین موصلین إلی قصدیة الشاعر اذ یقول(1):

جئت واللیل مطبق، تحمل الصحو   ***     وفی کل خطوة قندیل

تلتقی بالحسین فی اول الشوط        ***     وتمضی ومن هداه الدلیل

وبما یستفیض تشحذ فکرا  ***     ینجلی الشک حوله ویزول

ان شر الخطوب ان یُفقَدُ الداعی      ***     ومِلءُ البلاد شعب جهول

کانت الصورة الحسیة آخذة بأنفعال الشاعر المستتر خلف الکلمات، لکن الصورة الحسیة اللونیة اخذت بالذهن الی مسارب التأویل لتسهم فی ایضاح واقع الشاعر ورفض الاخیر له من خلال التأویل الذی یستشفه المتأمل؛ لان "الصورة شکل الاحساس لدی المبدع وهی مشبعة بوجدانه وانفعاله، وفی الوقت نفسه هی اشارة واضحة فی العمل الابداعی لا یمکن للنقد تجاوزها(2)" فحقق التشبیه الضمنی __ وهو ما یستشفه المتلقی بکد الذهن هنا __ غرض الشاعر، لان التشبیه یجمع إلی (جنب البیان المبالغة والایجاز)(3).


1- دیوانی، صالح الظالمی: 199- 200.
2- الصورة الفنیة بین حسیتها وایقاع المعنی /15.
3- اصول البیان العربی / 79.

ص: 46

فالشاعر تذکر واقعة الطف وقارن ذلک التخاذل الذی اودی بحیاة الحسین واله (علیهم السلام)، غیر انه عمل مقارنة بین واقع مظلم أراده الجهلة الطغاة وبین واقع نقی منیرٍ اراده الحسین (علیه السلام) فکان مضاء فی کل خطوة بقندیل، وظلت الصورة الحسیة ترسم ذلک التأویل والتداعی لدی الشاعر الذی ظهر بنتیجة مفادها ان شر الخطوب فقدان الامة للداعی المصلح، وفوق ذلک یعیش شعبا جهول لا یعبأ لحاضره، وهی مقارنة جمیلة هیأتها الصورة الحسیة نفذ الشاعر من خلالها الی نقد واقعه بمرارة، فالصورة الحسیة رسمتها الکنایة بوصفها اداء بیانیا؛لان الاخیر " هو مُسْتَوْعَبُ المعنی المرسل الی المتلقی ولکن هذا المُسْتَوْعَب تختلف سماته وقوة تأثیره فی السامع بأختلاف ثقافة المنشئ وقوة ابداعه ودربة فکره ومران ممارسته(1)"، ولهذا فان الشاعر الذی یمتاز بهذه الخصیصة هو الذی امتلک ثقافة وقدرة علی ربط دلالات القول ولا سیما دلالتی التضمن والالتزام، لیومیء ویعرض ویلوح عن غایة فی ازاء قضیة ما، لا یرید التصریح عنها، وهذا ما وجدناه فی القصائد الحسینیة التی قیلت فی عصر الطواغیت.

خامسا: کثرة الانزیاح السیاقی وتخلف الانزیاح السکونی

وهذه الأمور قادتهم إلی الابداع؛ لأن الانزیاح السیاقی رهن بقدرة الابداع الخاص بالاعتماد علی الاسالیب البیانیة والبلاغیة، لذا کثر التحول والانتقال الدلالی داخل الصورة المرکزیة وهو مصطلح نعنی به: " المقاطع المستقلة الدالة علی وحدة معنویة بغض النظر عن عدد الصور البلاغیة والرمزیة الموجودة فیها(2)

 وهنا تأتی الصورة الحسیة مبینةً علی وفق أداء خاص بالشاعر، تُسهم ثقافته وموهبته معاً فی انتاجها.


1- الاداء البیانی بین التأویل وتفسیر النص القرآنی: 90.
2- البنیات الدالة فی شعر امل دنقل /360.

ص: 47

بینما تخلّف الانزیاح السکونی الذی یوحی إلی اعتماد الشاعر علی صور تعارف علیها الوعی الجمعی، فالصورة الحسیة فی الشعر الحسینی اعطت الشعراء مناخا کافیا للابداع تباروا فی فضاءاته ووسموا تجاربهم الشعریه بقدراتهم اللغویة والفنیة اذ انفردوا بصیاغات اسلوبیة ادت فی نهایة الامر الی ولادة صور حسیة خاصة بهم، لان حاجة النص الی السیاق تظهرها خصوصیة الشاعر, حین تقدح اول بؤرة بیانیة یرتضیها صورة حاملة لافکاره، ومنطویة فی سیاق ترکیبی ذی کلمات استوعبت احاسیسه فنجد مثلا قول الشاعر وهو یعتمد الصورة الحسیة علی وفق الانزیاح السکونی فی قوله(1):

حنانیک سیدتی زینب       ***     حنانیک فالجرح مستعذب

حنانیک ان الطریق طویل   ***     الیک ومسلکه أصعب

قطعنا الظلام فما اشرقت      ***     بافاقنا نجمة، کوکب

فالشاعر اعتمد صورا حسیة کان العدول فیها مألوفا، فاستعذاب الجرح وطول الطریق والمسلک الصعب لکنّه قطع الظلام، وصرّح بعدم اشراقة النجمة او الکوکب، کل هذه الصور الحسیة مألوفة وکان الانزیاح فیها سیاقیا، نهل الشاعر من نهر الوعی الجمعی، فضمن نصه تلک الصور التی تحدثت بأسلوب الکنایة عبر التعریض عن حال الشاعر، وهو یرجو حنان سیدتنا زینب (علیها السلام)، لتکون شفیعة له عند الله سبحانه کی یتخلص من ذلک التعب وتلک الهموم التی صرح بها فی نهایة الامر، ومنها صعوبة المسلک للوصول الیها لانه یقول:

حنانیک ان الطریق طویل   ***     إلیک ومسلکه أصعب

ولکنه یعول علی زیارته الیها قائلا:

ولکن رأیت الرحیل کریما ***     إلیک وذلک ما ارغب


1- دیوان جابر الجابری: 28.

ص: 48

وواضحا هنا ان انفعال الشاعر قد ارتفع الی اعلی طاقاته فبدأ یمیل الی المباشرة بعد الحسیة التی رسمت صوره، وهذا هو دیدن الانزیاح السکونی عند الشعراء، فهو نتاج الانفعال ومن ثم التعویل علی صور الموروث الجمعی التی توافقت علیها الناس فی توضیح احوال الکلام، فالشعراء یتجهون الی العدول المتعارف علیه عند الناس متی اشتد الانفعال، وکانوا میالین الی ایصال أغرضهم مباشرة.

لکننا نجد الشاعر نفسه فی کثیر من الاحیان یعتمد الانزیاح السیاقی هذا الانزیاح الذی یعتمد علی اداء ابداعی ورؤیة مبتکرة وصور حسیة تکون خاصة بالشاعر کما فی قوله(1):

أفض فی یدی من کل قافیةٍ بحرا    ***     لعل بحور الشعر تلهمنی شعرا

ورد الی عینی رؤاها فأنها    ***     بحبک لازالت مغیبة سکرا

وفک یدی من اسرها فیک ساعة    ***     فما رغبت الا علی یدک الاسری

ولم تر انذا منک للحب منبتا           ***     ولم تلق وجدا من ضرامه أضری

لانک ملء الروح تهتز کالرؤی      ***     اذا جنحت یوما تعود بها دهرا

(امیر بیوت الوحی) لست مغالیا       ***     ولاناطقا صحوا ولا قائلا هجرا

حملت بکف (ذو الفقار) مجلیا       ***     بها کربا محمومة الملتقی نکرا

وفی یدیک الاخری بلاغا ومصحفا ***     به شارحا من کل ذی عنت صدرا

لقد کان الابداع الخاص واضحا اظهرته الصور الحسیة التی ارتقت الی مستوی المشاهدة تارة والحرکة تارة اخری، فظهرت العلاقة بین اختیار الصورة الحسیة وفکرة الشاعر من جانب، وبین نسق الصورة ورغبة الشاعر فی تقدیم الاشیاء محسوسة شعرا من جانب آخر، لتوفیر وظیفة اقناعیة للمتلقی، فکان ترابط


1- دیوان جابر الجابری: 247_249.

ص: 49

النص وحفاظ الشاعر علی وحدة الشعور اللونی قد أفضییا الی عمل جمالی محسوس أوضح انتماء الشاعر الی قضیة الامام (علیه السلام)، متخذا من صوره الحسیة حجة وایضاحا لما یعتمل فی أطوائه؛ لان الصورة " اعادة انتاج عقلیة لذکری تجربة عاطفیة او ادراکیة(1) ".

وهکذا حقق الشاعر انزیاحا سیاقیا مقصودا ینسب الیه فی صوره الحسیة المقصودة مثل (افض فی یدی من کل قافیة بحرا) و(لانک ملء الروح تهتز کالرؤی) و(لم تر اندی منک للحب منبتا)، فضلا عن الصور الحسیة الاخری التی انبثت فی قصیدته، اذ کان العدول المبتکر او الانزیاح السیاقی هو الذی رسم الصور الحسیة، وهذه خصیصة نجدها فی الشعر الحسینی، فقد تجتمع الحسیة الی جانب العمل الابداعی او الانزیاح السیاقی، فتأتی الصور الحسیة مبتکرة علی الرغم من کونها ولیدة انفعال وجدانی کان المفروض ان یمیل الشاعر بموجبه الی الحسیة المباشرة، لکننا نجد المفارقة هنا، فثمة انفعال وجدانی عال وصور حسیة متناسلة داخل المدی البیانی وانزیاح سیاقی او عدول مبتکر.

تأمل اقوال الشعراء(2):

ناجیت ذکراک حتی عطرت کلمی ***     کأن ذکراک قرآن جری بفمی

وهزنی لک من ارض الحمی وتر    ***     جس العواطف فی ضرب من النغم

قد ارقص القلب حتی خلته حببا       ***     علی کؤوس الولا یطفو من الضرم

فرحت ألثم مثوی فیه قد عکفت     ***     روح البطولة والاقدام والشمم

قبلته بفمی حتی اسلت به     ***     قلبی فضر جته من ادمعی ودمی


1- نظریة الادب، أوستن وارین، رینیه ویلک: 240.
2- دیوان الفرطوسی: 1 / 70.

ص: 50

فنشاهد الابتکارات للصورة الحسیة التی تدل علی ابداع الشاعر وانتاجه عدولا خاصا به لم نالفه عند غیره من الشعراء، والامرنفسه نجده فی قول الشاعر(1):

صلت علی جسم الحسین سیوفهم    ***     فغدا لساجدة الظبا محرابا

ظمأن ذاب فؤادة من غلة    ***     لو مست الصخر الاصم لذابا

فهنا عدول خاص بالشاعر اسس لصورتین حسیتین متحرکة وبصریة بینت قساوة الاعداء وهمجیتهم بما تعرض له الامام الحسین (علیه السلام)، وتتکرر الرؤیة نفسها فی قول الشاعر(2):

فیا ایها الوِتْر فی الخالدین   ***     فذّا الی الان لم یُشفع

ویا عظةَ الطامحین العظام    ***     للاّهین من غدهم قُنّع

تعالیْتَ من مُفْزِعٍ للحتوف  ***     فبورک قبرک من مفزع

تلوذ الدهور فمن سُجّدٍ      ***     علی جانبیه ومِنْ رُکّعِ

فقد اعتمد الشاعر اللغة والمفارقة، فالحسین (علیه السلام) وتر لم یشفع وهو عظة العظام الباحثین عن القناعة والمجد، فکان مرقده (علیه السلام) مفزعا، وبصورة حسیة حرکیة إبداعیة إختزل الشاعر معنی الخلود الابدی فی بیته

تلوذ الدهور فمن سُجّدٍ      ***     علی جانبیه ومنُ رکَّعِ

وهکذا یعمد الشعراء الی صنع صور حسیة خاصة بهم، غیر معتمدین علی دلالات الانزیاح السکونی الذی تعارف علیه الوعی الجمعی، ومن هنا تتیبن قدرة الشاعر الابداعیة وهو یؤسس لصور شعریة جدیدة کما فی قول الشاعر التی مطلعها(3):


1- دیوان السید رضا الهندی:43.
2- دیوان الجواهری: 3/231.
3- دیوان اهل البیت، د.محمد حسین علی الصغیر / 182.

ص: 51

قف فی ربی الطف وانشد رسم من با نوا      ***     فأنها فی جبین الدهر عنوان

فقد جاء بصور حسیة ابداعیة تبین مکانة اهل البیت علیهم السلام فهم الویة واعلام فی النهار، واحبار ورهبان فی اللیل وذلک دلیل علی عبادتهم وتقواهم، او هم الاوتاد المقدسة فی الارض وهم نجوم السماء وعنوان الخلود، کما فی هذین البیتین:

ان لاح صبح.. فأبرار وألویة            ***     او جن لیل..فأحبار ورهبان

کانوا علی الارض اوتادا مقدسة      ***     فهل سألت سماء الخلد ما کانوا

ویتالق السید حیدر الحلی حین یکتب عن الحسین علیه السلام، اذ امتازت صوره الحسیة بعدول خاص به لم یسبقه الیه شاعر، فهو یصور المشهد الحسینی بانزیاحات دلالیة تحرص علی اعطاء الصورة والصوت مکانة مصحوبة بالشجن فضلاعن التاثیر فی المتلقی.

کما فی قوله(1):

کم لکم من صبیة ما أبدلت            ***     ثم َمن حاضنةٍ الا رمالا

سل بحجر الحرب ماذا وضعت       ***     فثدیّ الحرب قد کُن نصالا

رضعت من دمها الموت فیا ***     لرضاع عاد بالرغم فصالا

فالصور الحسیة هنا اصبحت لسان الغرض الشعری، فاومأت ودلت علی هول تلک الحرب ومصائبها، فانتقل الشاعر الی التشخیص کی یتعرف السامع من الحرب نفسها کم کانت عنیفة، فجواب ذلک ان ثدی ّ الحرب قد کن النّصال، اما الراضع فکانت حصته من الدم الموت، ثم ان هذه الرضاعة اصبحت فصالا بالقوة، وهنا المفارقة، ففی وجود الرضاع یتحقق الموت، فابدع الشاعر فی ذلک.


1- دیوان سید حیدر الحلی:1/103.

ص: 52

سادسا: قدرة الشاعر الحسینی علی  إیقاف التلوین الشعوری

أی التداعی، والاکتفاء من الصور الحسیة بما یسهم فی تعزیز المعنی ولا یدع الحبل علی غاربه للمدی البیانی الذی هو "عمق البیان واتساعه فی بنیة النص بما یحمله من دلالات متحققة عبر اسالیب البیان المختلفة وایحاء الصورة (1)"، ولا یسمح له ان یستمر بانتاج الصور الحسیة داخل نسیج النص.وبذلک قد أسهمت الصورة الحسیة إلی حد ما فی لمّ الوحدة الموضوعیة للنص الحسینی، فکانت ظاهرة تناسل الصورالحسیة متحققةً بسبب انفعال الشاعر الوجدانی، وتدفق الوجدان الیقینی حین یمرّ الشاعر علی مشاهد واقعة الطف فکریا، ویطوف خیاله فی أروقتها وجدانیا. تأمل قول الشاعر(2):

کیف العزاء وجثمان الحسین علی ال_           ***     _رمضاء عارٍ جریح بالثری تربُ

فقد رکز الشاعر علی جسد الحسین الشریف وهو ملقی علی الرمضاء، فکانت هذه الصورة الحسیة الأولی، ثم ذهب به التداعی أو ما یسمی بالتلوین الشعوری إلی الرأس وهو معلق بید میالٍ یطوف به فیقول:

والرأس فی رأس میالٍ یطاف به      ***     ویقرع السن شامت طربُ

فانتقلت الصورة الثالثة الی ذهن الشاعر مبینة الشامت الطرب وهو ینکث ثنایا الحسین (علیه السلام) بالمسطرة، واستمر التداعی بحسب استذکار الشاعر للمواقف:

ف_لیت ع_ین رس_ول الله ن_اظرة        ***     ماذا جری بعده فی معشر نکبوا

کم بعده من خطوب بعدها خطب  ***     لو کان شاهدها لم تکثر الخطب

وعند التامل فی التداعی الذی یحصل عند الشعراء حول قضیة الحسین (علیه السلام), نجد الشاعر الحسینی مثلما یلم بشتات الماضی, فانه قادر علی جمع تلک


1- أثر البواعث فی تکوین الدلالة، د.صباح عنوز/34.
2- دیوان السید محمد مهدی بحر العلوم: 52

ص: 53

الصور الحسیة فی وحدة موضوع تمتاز بالاستهلال الذی یحرص علیه الشاعر الحسینی فی ان یجذب انتباه السامع، وهذه خصیصة افاد منها خطباء المنبر الحسینی کما اشرنا الیها فی هذا البحث سابقا, والخصیصة الاخری هی علاقة الاستهلال بنهایة النص، فقلل ذلک من شدة التلوین الشعوری الذی یصاحب الشعراء الحسینیین بسبب شدة الانفعال وطواف خیالاتهم علی مشاهد واقعة کربلاء، فأصبحت وحدة الموضوع من المسائل التی یحرص علیها الشاعر الحسینی، فتتناسل لدیه التداعیات فی نصه لکنه یجعل المفتتح ذا علاقة بخاتمة البیت، کما یقول الشاعر(1):

کیف السلُوُّ ونار القلب تلتهبُ         ***     والعینُ خلف قذاها دمعها سربُ

وقال فی ختام النص:

ف_لیت ع_ین رس_ول الله ن_اظرة        ***     ماذا جری بعده فی معشر نکبوا

کم بعده من خطوب بعدها خطب  ***     لو کان شاهدها لم تکثر الخطب

ولذلک نجد من ممیزات النص الحسینی أنّ التداعی فی صوره یأتی خادماً وحدة النص, وموضحاً مضمونه بصور حسیة یغلب علی ترتیبها التتالی المنطقی, أی التسلسلی لأحداث مشاهد واقعة الطف، وهذه تسجل نقطة ابداعٍ للشعراء الحسینیین المبدعین. فهم یتمیزون بکبح جماح التداعی ولیّ عنقهِ، وایقاف تسلسل الصور الحسیة، فضلاً عن قدرتهم فی شدّ ولمِّ الوحدة الموضوعیة للقصیدة. ولنرصد الجدول التوضیحی للصور الحسیة وتلونها الشعوری فی النص اعلاه:

موقع البیت

الصورة الحسیة الاولی

التلوین الشعوری (التداعی)

نوع الصورة

الاستهلال

کیف السلُوُّ ونار القلب تلتهبُ

الترکیز علی ما یعتملُ فی وجدان الشاعر من حرقةٍ بسبب ما مرَّ بالحسین (علیه السلام)

حسیة وجدانیة


1- المصدر نفسه: 51

ص: 54

الاستهلال

والعینُ خلف قذاها دمعها سربُ

الترکیز علی کثرة الدمع النازل

حسیة حرکیة

الغرض

وجثمان الحسین علی الرمضاء عارٍ

الترکیز والتذکر للجسد الشریف بهذه الهیأة

حسیة بصریة

الغرض

جسد الحسین جریحٌ بالثری تربُ

الترکیز والتذکر للجسد الشریف بهذه الهیأة

حسیة بصریة

الغرض

راس الحسین یطاف به

انتقل التداعی الی راس الحسین بهذه الصورة

حسیة بصریة حرکیة

الغرض

ویقرع السن شامت طربُ

انتقل التداعی الی مجلس یزید ونکثه ثنایا الحسین

حسیة بصریة حرکیة

الغرض

ف_لیت ع_ین رس_ول الله ن_اظرة

انتقل التداعی بالتمنی الی نظرة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم لسبایا اهل بیته

حسیة بصریة

الخاتمة

کم بعده من خطوب بعدها خطب، لو کان شاهدها لم تکثر الخطب

انتقل التداعی الی ما المَّ بالامة من المصائب ولو کان الرسول صلی الله علیه وآله وسلم حاضراً لم یحصل ذلک.

حسیة وجدانیة

سابعا: للصورة الحسیة الحسینیة وظائف فنیة وإبلاغیة

فهی تحقق تواصلاً عبر خصیصتی التوقع والاحتمال، إذ إن القصیدة التی ینشدها الشاعر علی المنبر الحسینی رفعت من هاتین الخصیصتین، لانشداد المتلقی ذهنیاً ووجدانیاً ومتابعة دلالة الکلمات، فأنک تستطیع أن تتوقع وتحتمل اللفظ والدلالة معاً، فیحقق الشاعر لک ذلک بما یصنع معک تواصلاً لاسیما عبر جلوس القافیة فی محلها الدلالی. تأمل قول الشاعر(1):

وقف الخلود بباب مجدک طالبا     ***     فوهبته نحراً، تفرّد واهبا


1- عندما تتمتم عیون المغفرة، د. صباح عباس عنوز: 25.

ص: 55

وتزاحمت قیم الفداء سواغبا           ***     من کف غیثک یحتسین مشاربا

وسعی الیک الخلد نورا راجلا         ***     یرجو الشروق، وظل غیرک غائبا

ان العلاقة وطیدة بین صور الایقاع المختلفة والصورة الحسیة والقافیة فتناغم المستوی الصوتی مع الفکرة امر مهم بالنسبة للشاعر، وتأتی القافیة لبنةً مهمةً فی بناء الایقاع الخارجی، لان القافیة لها دور مهم فی اقامة الوزن واختیار المعنی المقصود؛ إذْ إن من " المعانی ما تتمکن فی نظمه فی قافیة ولا تتمکن منه فی اخری (1) ", ومن هنا فأن اختیار القافیة فی کلمة (طالبا) ودلالة کلمة(وهبته) التی هی اس فی المضمون الشعری لهذا القول قد توافقا، والأمر نفسه بین (سواغبا ومشاربا) وبین (الشروق) و(غائبا) کل ذلک اسهم فی عملیة التوقع والاحتمال لدی المتلقی.

المفردة

التوقع والاحتمال

الدلالة

وقف

فی الباب

الطلب

طالبا

الرد واهبا

الکرم والعطاء

سواغبا

مشاربا

الارواء وازالة العطش

سعی الخلد

راجلا

الاحترام والتوقیر لذکر الحسین (علیه السلام)

یرجو الشروق

ظل غیرک غائباً

بقاء ذکرک لانه الحق

وبذلک تأتی الوظیفة الابلاغیة معنویة تومیء وتدلی علی معان سامیة خلفتها معرکة الطف، وربما کانت الوظیفة للصورة الحسیة تنحی منحی اخر غیر الوظیفة الدلالیة، مثل الوظیفة السیمیائیة المصحوبة بالحوار، والتی تأخذ بالمتلقی الی مصاف التصور والعیش فی اطار القضیة الحسینیة فکرا واحساسا وتصورا کما هی الحال فی نص الشاعر(2):


1- طبقات فحولة الشعراء، ابن سلام الجمحی: 1/104.
2- دیوان الکعبی: 104.

ص: 56

فظل وحیدا واحد العصر فی الوغی  ***     نصیراه فیها سمهریٌّ ومِنْصَلُ

وشد علی قلب الکتیبة مهره            ***     فراحت ثُباً مثل المها تتجفل

تحییّ القنا رَحْباً وقد ضاقتْ الفضا    ***     وتُوسِعُها ریّاً وقلبُکَ مَشْعَلُ

وما زال یفری النحر والثغر سیفه      ***     فیعقل ضرغاما واخر یُرسِلُ

الی ان اتاه فی الحشی سهمُ مارقٍ     ***     فخرَّ فَقَلَّ فی یَذْبُلٍ قَلَّ یذبل

وادبر ینحو المحصنات حصانة        ***     یحن ومن عظم البلیة یعْوِلُ

فاقبَلْنَ رباتُ الحجالِ وللاسی          ***     تفاصیل لایحصی لهن مُفَصِلّ

فواحدة تحنو علیه تضمّه    ***     واخری تُفدّیِه وأخْری تُقبّلُ

واخری دهاها فادح الخطب بغتةً      ***     فأذهلها والخَطْبُ یُدْهی ویُذهِلُ

فکانت هذه الصور الحسیة المرسومة بوجدان عاطفی صادق الیقین قد اسست لحوار تالٍ، فالصور الحسیة کانت صوراً جزئیة التحمت کلها فی صورة کلیة مرکبة کما یأتی:

الصورة الاولی

الصورة الثانیة

الصورة الثالثة

الوظیفة

مشهد وقوف الحسین (علیه السلام) وحیدا واحد العصر

حَمْلَتُه علی قلب الکتیبة بمهر مثل المها تتجفل

صورة الحسین وهو یحیّی القنا اذ ضاقت الفضا وقلب الحسین مشعل غیر انه روی الارض وهذه توریة صنعت بالمفارقة بین الرواء والعطش

فنیة ابلاغیة تخبر عن حال الحسین بمشهد صوری حسی حرکی

وهذه الصورة الجزئیة الحسیة الاولی ادت الی صورة حسیة جزئیة ثانیة بینت حال الحسین (علیه السلام) وهو یعقل فارسا ویرسل اخر، حتی انبأت الصورة الحسیة الحرکیة البصریة عن مجیء سهم مارق فکأنه جبل یذبل خر علی الارض، وهذه الصورة الحسیة الجزئیة ایضا هیأت لصورة جزئیة ثالثة تبین رجوع المهر نحو المخیم وهو یحن، فکانت هذه الصورة الحسیة السمعیة معوضا عن حال الاخبار بقضیة الحسین

ص: 57

وموقفه فی المعرکة، ثم بدأت صورة حسیة أسست لمشهد صوری حرکی یبین اقبال بنات رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) الی مصرع الامام الحسین (علیه السلام) وقد اعطی الشاعر الصفة الحرکیة لکل واحدة منهن فی الآتی:

فواحدة تحنو علیه تضّمه    ***     وأخری علیه بالرداء تظلّلُ

واخری بفیض النحر تصبغ وجهها    ***     واخری لما قد نالها لیس تَعْقِلُ

واخری علی خوف تلوذ بجنبه        ***     واخری تفدیه واخری تقبّلُ

واخری دهاها فادح الخطب بغتة      ***     فأذهلها والخطب یدهی ویذهلُ

تَکِفّ الدِما عَنْهُ وتُهْمِلُ مثلَهُ            ***     دموعاً فما زالت تکِفُّ وتُهْمِلُ

هذه الصور الحسیة الحرکیة بعد ان قامت بوظیفة فنیة وسیمائیة اعتمدت علی البصر والحرکة واللون فی انتاج قوامها، هیأت الی ظهور الوظیفة الحواریة للصورة الحسیة، اذ تنقلت المشاهد بین الصور الحسیة المتدرجة من البصر الی الحرکة ثم الی اللون، وانتهت الی وظیفة الصور الحسیة الحواریة، اذ اصبحت للنص وحدة موضوعیة أسهمت فی شد الصور الحسیة ترابطا ودلالة، وقوّت اواصرها فانتهت الی الحوار الآتی:

وجاءت لشمرٍ زینبُ ابنةُ فاطمٍ         ***     تُؤنِّبُهُ عن أمره وتُعَذِّلُ

تدافِعُهُ بالکفّ طوْرا وتارةً  ***     الیه بطه جدِّها تَتَوسّلُ

تقول له یاشمرُ هذا ابن أحمَد          ***     وشبلُ علیِّ المرتضی المُتَفَضِّلُ

ایا شمر مهما کُنْتَ فی الناس جاهلا ***     فَمِثْلَ حسین لَسْتَ یا شمرُ تجهلُ

وبعد ان انتهی الحوار وکان عقیما مع ذلک المتعنت الفض الجاهل الکافر، اذ غابت عنه الانسانیة, انتقلت الصور الحسیة لتؤدی وظیفة دلالیة بینت شیئین هما قساوة ذلک المتجبر الطاغیة من جهة، وحرکة السماء والارض وما عم فی الکون بعد مقتل الحسین علیه السلام من جهة اخری، اذ مطرت السماء دما کما تذکر الروایات فی کل

ص: 58

انحاء العالم، فقد ذکرت بعض المصادر ان السماء مطرت دما فی یوم مقتل الحسین علیه السلام، اذ ذُکِرَ ذلک فی کتاب (الأنکلوساکسون کرو نکل) the anglo saxon chronice والذی کتبه فی سنة 1954، وهو یحتوی علی الاحداث التاریخیة التی مرت بها بریطانیا منذ عهد المسیح علیه السلام وفیه یذکر المؤلف احداث کل سنة، وقد ذکر احداث سنة 685 میلادیة التی تقابل سنة 61 هجریة وهی سنة شهادة الامام الحسین (علیه السلام)، فیذکر المؤلف ان فی هذه السنة مطرت السماء دما...واصبح الناس فی بریطانیا فوجدوا الحلیب والزبد تحولا الی دم(1)، وعودا للقصیدة فقد کان المشهد الاخیر للصور الحسیة قد جمع بین ذبح الحسین وزلزلة الارض وارتجاف السماء، کما فی قول الشاعر:-

فَمَرَّ یحزُّ النحرَ غیرَ مراقبٍ  ***     من الله لایخشی ولا یتوجَّلُ

فَزُلْزِلتِ الارضون وارتجت السما     ***     وکادت له افلاکُها تَتَعَطَّلُ

وهذا ما الفناه فی القصیدة الحسینیة لاسیما الحسیة منها بأنها تتمیز بوظائف ابلاغیة قائمة علی الفنیة والقدرة الاقناعیة للمتلقی، اذ یعتمد الاخیر علی الحس والادراک والتأویل فی ربط الصورة الحسیة بغایاتها.

ثامنا: ظاهرة الشجن وإنسانیة النص الحسینی

إن سمة النواح سمة جلیلة فی النفس الإنسانیة، وهی معبر قوی عن ارتباط الإنسان بقضیته عن طریق صدق الیقین الذی یمنح الشاعر والمتلقی معاً لذة الوجع الشفیف المؤدی إلی ثورة الاحاسیس، ومنذ مقتل الحسین (علیه السلام) (60ه_) توجع الضمیر الإنسانی، وانساب الشجن فی عروق الزمن وظل مهیمنا علی الوعی الجمعی حتی یومنا هذا.


1- the anglo saxon chronice p 28.

ص: 59

ولمّا کان الإنسان هو الإنسان فی کل مکان بوصفه مستقر الاحاسیس والعواطف، وهو ذو موقف من کل ما یخدش أو یُعَکُّر صفو الإنسانیة، فأن قضیة الحسین (علیه السلام) تناغمت مع الوعی الجمعی الإنسانی، وأصبح النص الحسینی محافظاً علی الوحدة الحیویة أو(وحدة الشعور) حتی وان تُرجِمَ نص لشاعر أجنبی کتب عن قضیة الحسین (علیه السلام)، فالعجیب أن تأثیر النص وجدانیاً فی المتلقی لا یفقد قدرته أو رونق احساسه حتی بالترجمة، وهذا دلیل علی إنسانیة النص الحسینی وعالمیته فی آن واحد. وهذا ما أکده الشعراء المسیح.

فلنتأمل ظاهرة الشجن التی ظلت عابرة الازمنة الی قصائد الشعراء فی کل مکان وزمان، فمثلا یقول الشاعر(1):

أنعاه للغارة الشعواء قد فجعت         ***     بمن یعزُّ علی الغارات منعاهُ

ابکیه للّیلةِ الضلماء یَقْطَعُها   ***     تَهَجُّدا وهو باکٍ فی مُصَلاّهُ

فالشاعر اتکأ علی الف الاطلاق والهاء لتکون منفذا ومتنفسا لآهاته وهو یتذکر مصاب الامام (علیه السلام)، فکان الشجن یفوح من فم الابیات وکانت الصور الحسیة اللونیة والسمعیة عبر مفردتی (الظلماء) و(باک) ترسم لنا حالة الامام (علیه السلام)، وتومیء الی الزهد والتقاة وانقطاعه لله سبحانه وتعالی، فکیف یقتل؟ هذا ما تساءله الشاعر، ونجد ظاهرة الشجن عند آخر فهو یقول(2):

یاغریب الدیار قلبی علی الغربة        ***     جاث جنب الضریح مقیم

کلما طاف موکب انا یاجد            ***     مع الحشد نادب مکلوم

فوق وجهی وقائع الطف تبدو         ***     واضحات، وفی عیونی تغیم


1- دیوان الفرطوسی: 68.
2- تراتیل فی احباب الله: عبد الهادی الحکیم:2/ 227

ص: 60

فالصورة الحسیة اسهمت فی اظهار ظاهرة الشجن وهی تبین بحرکیتها جثی ذلک الرجل الذی اعترته الغربة جنب القبر الشریف، ثم بحرکة حسیة حرکیة اخری تبین طواف ذلک الغریب المجروح روحیا مع الموکب فی حشد وهو یتذکر واقعة الطف وما یبثه من آهات، وما تمطره عیونه من غیوم الحزن التی ظللته، کل تلک الصور الحسیة اسهمت فی انسیاب ظاهرة الشجن عند الشاعر، واظهار لواعجه الانسانیة وهی غیر محدودة فی شخص من دون اخر، لان العواطف الانسانیة هی هی لکل انسان وفی کل زمان؛ ولان " الاستجابة الوجدانیة لدی الفنان مرهونة بما یتأثر به فی محیطه، فیکون حصیلة ذلک ما یتم من توافق بین العناصر الذاتیة الداخلیة التی یشعر بها مع ما اکتسبه من عوامل اخری خارجیة موصوفة، یدخل علیها کثیرا من السمات والخصائص الفنیة(1) ".

وبذلک تکون الصورة الحسیة انعکاسا لاشتباک الداخل مع الخارج تحت اطار وحدة الصراع أی الموقف من الوجود، وعلی وفق ذلک فان ظاهرة الشجن هی امتداد نقی لمشاعر صادقة یمارس الشاعر من خلالها تطهیر نفسه، لان التطهیر یکون بسبب «إثارة الرحمة والخوف» والانسان فی حاجة الی معاناة المشاعر القویة الناتجة من الخوف والرحمة والحماسة التی تثیر المأساة عند الانسان فَتعدّل الانفعالات من دون ان تُمحی، وبها یکسب المرء دِرْبةً وصلابةً واعتدالاً ویتزود بها للحیاة الواقعیة ویقوم عواطفه وینزع منها ما هو ضار(2).

وبذلک یحقق الشاعر الحسینی تفاعلا مع النص من خلال استنفارقواه العاطفیة بسبب وحدة الصرا ع أی الموقف من الوجود.


1- الاتجاه النفسی فی نقد الشعر العربی: 124
2- ظ: النقد الادبی الحدیث 82-83.

ص: 61

المبحث الثانی: بواعث انبثاق الصورة الحسیة فی الشعر الحسینی

اشارة

الباعث هو المصدر الذی یتأسّس عایه قیام الفعل الابداعی، وهو السبب المحرک لانطلاق عملیاته، وهو جذوة الاضاءة الوجدانیة التی تبنی علیها الصورة الحسیة، وتتنوع هذه البواعث بحسب الاسباب التی جعلت الصورة الحسیة مهیمنةً فی الشعر الحسینی، وهی کثیرة ومنها:

1_ الیقین المعرفی

 أی قدرة الشاعر علی تقدیم جوهر الحقیقة تقدیماً منبثقاً انبثاقا روحیا صادراً من خوالجه، وهنا یتحتم علیه أن یکون ذا قدرة واسعة الاطلاع ومعرفة شاملة بتاریخه الثقافی أی المنشئ نفسه، کی یکون ابداعه نتاج معرفة وانساقا لمُدرک یمکن أن یوظفه مجازیاً أو اسطوریاً ویحوله إلی لغة شعریة جدیدة، فالثقافة معلم من معالم الیقین المعرفی، فهی تسهم فی ربط المعرفة التاریخیة بالفهم الادراکی لدی المبدع، وقد کان ذلک عبءً علی بعضهم، فحاول بعضهم الانفلات من الرقابة التاریخیة فاستسلم إلیها عاطفیاً علی حساب عمله الفنی فأدت به إلی المباشرة فی القول،

ص: 62

وآخرون وهم الأغلب تجاوزوا ذلک وحققوا هذه السمة بتفاضل, وقد تأتی ثقافة الشاعر مهمة فی ایضاح دلالات نصه، سواء کانت هذه الایضاحات لغویة او تأریخیة او شاملة لعلوم المعرفة الاخری، قال الشاعر(1):

بنو غالب ثوروا عجالا بنهضةٍ          ***     تطیر بقلبِ الدهر مِن لَجب ذُعْرا

بحیث نری الدنیا بآل محمد           ***     وقد ملئت عدلا کما مُلِئتْ جورا

ونبصر آل الله بالنصرِ ترتدی           ***     وآلَ بنی سفیان صرعی علی الغبرا

فما ترکت بالطف أعبُد فتحکم       ***     لکم حرةً الا أُضیمت ولا حرا

وکم قَدْ عَلَتْ صدرا وکم وَطَأَتْ ظهرا         ***     وکم قد فَرَتْ نحرا وکم نَکَثَتْ ثغرا

وکم غادَرتْ فی الطف من حرّة حسری      ***     من مهجة حرّی ومن مقلةٍ عبْری

لقد طَلبَتْ فی ثأر اشیاخها کُفرا       ***     من السبط فی بدر وقد أدْرَکت بَدْرا

فاخفت جبیناً یبهر الشمسَ نورُه       ***     وأرَدَتْ عمادا یرفُعُ المجد والفخرا

وأرْدَت حسینا فی صواعق بغیها       ***     صریعا لدی البوغاء یفترش العَفْرا

فنجد الشاعر اغترف من معین ثقافته، فتأسست الصورة الحسیة معتمدة علی قضیة التاریخ حین تبدأ المقارنة بین آل البیت (علیهم السلام) وبین آل بنی سفیان، فاستحضر الشاعر تلک الجفوة بینهم تاریخیا لاختلاف توجهات الطرفین، فلا یغرب عن الذهن بأن آل سفیان مثلوا الکفر بنفسه ووقفوا موقف المارق تجاه الدعوة المحمدیة، فانتهت الصور الحسیة الی حقیقة تاریخیة وهی الثأر من آل البیت بسبب موقعة بدر، فانتهی المقطع الی صور حسیة حرکیة ملونة کانت جوابا لذلک الیقین المعرفی الذی اخذه الشاعر اداة وبرهانا اقناعیا للمتلقی کما فی البیتین:

فأخفَت جبینا یبهر الشمس نورُه       ***     وأردتْ عمادا یرفع المجد والفخرا

وأدمت ضمیر الحق فی شرِّ طعنة     ***     مسددةٍ من کف مَن سنن الکفرا


1- دیوان الفرطوسی: 78.

ص: 63

ونجد هذه القضیة التی یستند علیها الشعراء فی قتل الحسین (علیه السلام) __ کما صرح بها یزید __ تأخذ حیزا مهما فی شعرهم کما فی قول الشاعر(1):

وغداة بدر وهی ام وقائع    ***     کبرت وما زالت لهن ولودا

قابلتهن فلم تدع لعقودها    ***     نظما ولا لنظامهن عقیدا

فالتاج عتبة ثاویا بیمین مَنْ  ***     یُمناه أردت شیبة وولیدا

سجدت رؤسهم لدیک وانما          ***     کان الذی ضُربتْ علیه سجودا

تالله لاأنس ابن فاطم والعدا            ***     ابدت الیه ضغائنا وحقودا

فالشاعر بعد ان یمدح الامام علی (علیه السلام) یرثی الحسین (علیه السلام) وهو ایضا یؤکد قضیة بدر وکان الامام علی (علیه السلام) حامل رایة رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وکان عمره 27 سنة.

فالصورة الحسیة نمت هنا علی ادیم الیقین المعرفی، أی ما اختزنه الشاعرمن معرفة لتکون ممولا للمعنی الذی ارتضاه هدفا عبر الصور الحسیة المنتقاة، فالصورة الحسیة حملت مفارقة مرة اخری هنا فی هذا البیت:

سجدت رؤسهم لدیک وانما          ***     کان الذی ضربت علیه سجودا

فاعطت معانیها الایحائیة بدلالات تبین جانبین:

احدهما فعل الامام علی (علیه السلام) فی الحرب، وان فعله کان خالصا لله سبحانه وتعالی.

وثانیهما: أنبأت الصورة الحسیة عن قدرة الشاعر الفنیة من خلال توظیف التراث وأحداث التاریخ فی نصه، فکانت الصورة الحسیة الوعاء الذی تضمن ذلک الیقین المعرفی الذی اقتنع به الشاعر فصدّقه احساسه أولا، ومن ثم أودَعَه نصّه ثانیا.


1- دیوان الکعبی: 125.

ص: 64

2_ وحدة الصراع

أی موقف الشاعر من الوجود، فقد امتاز الشاعر الحسینی من سواه بأنه غیر مداهن للواقع بسبب أن قضیة الحسین (علیه السلام) لاتقبل الا الحقیقة، وهی مرتبطة بالوجدان، فهو لا یراهن علی الاشیاء الخیالیة البحته فی الشعر، وعملیة الابداع لدیه نتاج موقف نفسی مبنی علی انفعال عمیق یستدعی التعجب، إذ تؤشر القیمة الفنیة لشعره کلما کانت القصیدة نتاج تفاعل الخارج مع النفس، وبهذا امتاز زمنه النفسی باللاّ استقرار فتارة یجوب الماضی السحیق، وتارة یتحول بسرعة البرق إلی زمنه الحاضر، وتارة یحلق فی اجواء المستقبل، وهذه خصیصة تستحق التوقف عند الشعر الحسینی، هذا الامر جعل الشاعر الحسینی رافضاً للواقع دائماً ومتمرداً علیه، وتکاد سمة الرفض أن تکون مهیمنة علی الصورة الحسیة فی الشعر الحسینی؛ لأن الشاعر الحسینی لا یری الوجود فی قضیة الحسین الا صراعاً بین الخیر والشر، وهو یسیر دوماً إلی جانب الخیر. یقول الشاعر الشریف الرضی(1):

کربلا لا زلت کرباً وبلا      ***     ما لقی عندک آل المصطفی

کم علی تربک لمّا صرعوا ***     من دم سال ومن دمع جری

لم یذوقوا الماء حتی اجتمعوا          ***     بحدا السیف علی ورد الردی

ووجوهاً کالمصابیح فمن   ***     قمر غاب ونجم قد هوی

فبدا الشاعر من استهلال قصیدته رافضا للواقع غیر معترف به, وکان سئما منه، فکانت الصور الحسیة التی رافقها الانفعال مرئیة وحرکیة وملونة فی ان واحد، لیسهم ذلک فی تنفیس کرب الشاعر، وازاحة همومه وهو ینتقل من صورة الی اخری تحت اطار وحدة الصراع أی الموقف من الوجود,وتعد هذه الوحدة اساس الباعث الذی


1- من لایحضره الخطیب، /187.

ص: 65

تقام علیه القصیدة عند الشاعر الحسینی، لذلک فان وحدة الصراع لها حضور کبیر عند الشعراء الحسینیین؛ لانهم یتخذون من النص الحسینی طریقا موصلا الی غایاتهم النقدیة لواقعهم، فالشعر هو اکثر قدرة علی إظهار ما یعتمل فی النفس، وهو فی حقیقته صدی الانفعلات الانسانیة وایماءاتها وما الکلمات الا وسائط ووثبات نفسیة یرسلها المبدع إلی المتلقی معبأة بدلالات احساسه(1), تأمل قول الشاعرمخاطبا الامام علی (علیه السلام)(2):

أقبلت نحوک محمولا علی ضرمی ***     أجرُّ خلفی أعواماً من الندم

خلفی المتاهات قد القی الضیاع بها  ***     مجاهلا فغدت کونا من الظلم

خلفی ذنوب یکاد العمر یحملها      ***     وشما تلون من کفی ومن قدمی

نعم انا مذنب کلٌ شهودٌ علی          ***     أمسی یقیمون فی صوتی ومل ء فمی

فالصور الحسیة هنا وشت عن حال الشاعر وما یعتلیه من الهم ووخز الضمیر، وبذلک کان موقفه واضحا، فالصور الحسیة (اقبلت محمولا) والحسیة الحرکیة (اجر خلفی اعواما من الندم) و(کونه المظلم) و(لوشم الملون) الذی بقی شارة تدل علی ذنوبه اکدها الشاعرفی قوله:

نعم انا مذنب کلٌ شهودٌ علی          ***     امسی یقیمون فی صوتی ومل ء فمی

فاعطتنا الصور الحسیة الصوتیة غایة الشاعر ومراده وهو یحاکم واقعا رافضا له بکل احساسه، فکان للصور الحسیة اثر فی رسم ملامح موقف الشاعر من الوجود، وقد جعلها فوانیس فی سیاق نصّه، فأهداها إلی المتلقی حسیا. أما نافذته التی أطل من خلالها لنقد واقعه وتمردّه علیه فهی مخاطبته للامام (علیه السلام).


1- ظ: مقدمة دیوان خذنی کما شئت، د.صباح عباس عنوز /4.
2- دیوان خذینی کما شئت، محمد حسین غیبی: 140.

ص: 66

3_ الوجدان المعرفی

وهذه النقطة لها علاقة بالتی قبلها، فعلاقة الشاعر الحسینی بغیره من الناس ولاسیما العامة منهم، وما یحیط به وثیقة جداً، فالوجدان المعرفی مصدر معرفة الشاعر، وإن معیاره الأساس فیما یکتسبه الشاعر من تجربته الیومیة مع الآخرین وما یحرزه من انطباعات وأفکار(1)، فیساعد ذلک علی نمو تصوراته الأمر الذی ینعکس علی فنه، لذلک فثمة علاقة وطیدة بین الشاعر الحسینی ومعاناة الناس، ومن هنا کان حضور الحسیة فی مشهده الشعری قویاً.

ولما کان الوعی الجمعی یقدس قضیة الحسین (علیه السلام)، فالشاعر الحسینی لم ینکفئ عن العامة، وإنما ارتبط معهم وارتبطوا به عبر نصه الذی صار فماً ناطقاً لوعیهم الجمعی. فحضر الوجدان المعرفی بشدة فی النص الحسینی. یقول الشاعرعبد المهدی مطر(2):

لا تسلمن الی الدنیّة راحة    ***     ما کان أسلمها لذلّ حیدرُ

وابعث حیاة الناهضین جدیدةً         ***     فیها الأباء مؤید ومظفّرُ

وارسم لسیر الفاتحین مناهجاً           ***     فیها عروش الطائشین تدمر

ان لم تُلَبّک ساعةٌ محمومةٌ ***     ذٌمت فقد لبّتْ نداءک أعصُرُ

شکتِ الشریعةُ من حدود بُدّلتْ      ***     فیها واحکام هناک تغیّروا

ان الشاعر نظر باهتمام الی ما یعترض حیاة العامة من صراعات فترجمها ترجمة فنیة، وجاء بانطباعات وافکار تحفز المحیطین به من الناس علی الهاب تجاربهم وبث روح التحرر فی انفسهم، فهو عبر الصور الحسیة لا یرید من محیطه ان یسلم راحته الی


1- ظ: الاتجاه النفسی، عبد القادر فیدوح /120.
2- ظ: من لا یحضره الخطیب: 233.

ص: 67

الدنیة، لان الامام علی (علیه السلام) لم یسلمها لذل، وأراد بصورة حسیة من المحیطین به من قادة أی یبعثوا الهمم للناهضین وقصد التحرر، وان یرسموا مسارا وطریقا للفاتحین، فهنا تُدمّر العروش وتتساقط، فاذا تکاسل المرء عن حقه فان هناک من لبی نداء الحق مثل الحسین (علیه السلام)، فختم حجته الاقناعیة التی استهل بها قصیدته بصورة حسیة:

قُم وارمق البیت الحرام ونظرة          ***     اخری لقبرک فهو حج أکْبَرُ

أصبحت مفخرة الحیاة وحق لو       ***     فخرت به قدم الشهادة مفخرُ

قُدّست ما أعلی مقامک رفعة          ***     أخفیه خوف الظالمین فَیَظْهَرُ

فالشاعرأوضح علاقته بمحیطه وأولی تلک العلاقة أهمیة، فأحب لهم الحیاة السعیدة الرغیدة بالعز والاحترام، فکانت الصور الحسیة خیر معبر عن وجدانه المعرفی، رابطا بینه وبین محیطه عبر ما یتمناه للناس من امور ذکرناها, فکانت الصورالحسیة مرتبطة بالمضمون، فخلف ذلک وعیا جمالیا بمدالیله الرمزیة المرتبطة باحساس الشاعر، فأسهمت الصورالحسیة فی اضاءة ذهن المتلقی عبر انسجامها مع الصور الحسیة کما هی الحال فی (البیت الحرام) (قبرک) (مقامک)، وحققت الصور الحسیة مفارقة جمیلة فی بیته:

قدست ما أعلی مقامک رفعة          ***     أخفیه خوف الظالمین فیظهر

وبذلک کان الوجدان المعرفی حاضرا بقوة فی بناء الصور الحسیة، واکتنازها بالدلالات الثقافیة معرفیا، وعلاقتها بالواقع المعیش اجتماعیا.

4_ البعد المعرفی عند الشاعر الحسینی

ویتجلّی من غوص الشاعر فی قراءة الأشیاء قراءة معرفیّةً متعمقة قائمة علی إلمامه المعرفی بصغائر الأمور وتوظیفها من أجل خدمة نصه الحسینی، إذیمتد تاریخ بعید فی

ص: 68

نسیج أی قصیدة حسینیة، فالشاعر الحسینی مثقف ولا یقبل لنفسه إلا أن یکون علی مستوی ثقافی عال وهو یطالب نفسه أولاً بذلک، ولا یسمح للآخرین بمطالبته فی أن تضعف لدیه المعرفتان الأفقیة والعمودیة، ولا یرضی لأحدهما من دون سواهما، هذه الخصیصة جعلت من الشعراء الحسینیین أصحاب تجارب فنیة عالیة، وکلما تقدم بهم الزمن کلما تعمقت نقطة التقاء المعرفتین عندهم، فهو لا یکتب للشعر من اجل الهوس والترف وإنما بسبب بعد معرفی حمل معه وظیفة ابلاغیة جعلته میالاً إلی الحسیة، فأثر ذلک فی انتاج الصورة ووسمها بهذه السمة, فالشعراء الحسینیون یعتمدون علی قراءة التاریخ وربط ذلک بقصائدهم، وهذا ما نجده مهیمنا فی عموم قصائدهم، فهم یحسنون رکوب البحر واختیار القافیة ومراعاة مقتضی الحال فی خطاباتهم الحسینیة، فضلا عن ذلک فان لدیهم المقدرة فی سبر أغوار التاریخ والاتیان بما یریدونه دالة علی عمق تجربتهم الشعریة، لأن التجربة الشعریة هی"الصورة الکاملة النفسیة أو الکونیة التی یصورها الشاعر حین یفکر فی أمر من الامور تفکیرا ینم عن عمیق شعوره واحساسه، وفیها یرجع الشاعر الی اقتناع ذاتی واخلاص فنی لا الی مجرد مهارته فی صیاغة القول(1)" فمثلا نجد اتکاء الشاعر علی قدرته المعرفیة لغة وتاریخا وبیانا وبدیعا وفلسفة کما فی قوله(2):

فداء لمثواک من مضجع    ***     تنور بالأبلج الاروع

بأعبق من نفحات الجنا       ***     ن روحا ومن مسکها أضوع

فیا ابن البتول وحسبی بها    ***     ضمانا علی کل ما أدعی

ویابن التی لم یضع مثلها     ***     کمثلک حملا ولم یرضع

ویابن البطین بلا بطنة         ***     ویابن الفتی الحاسر الأنزع

ویا غصن هاشم لم ینفتح    ***     بأزهر منک ولم یفرع


1- النقد الادبی الحدیث: 283.
2- دیوان الجواهری:3/231.

ص: 69

فنشاهد هنا ثقافة النص بائنةً فیه وهی ثمرة من ثمرات البعد المعرفی للشاعر، فانک تشعر بقدرته علی صیاغة الصور الحسیة مستعینا بمعرفته الافقیة، ونعنی بها المامه بکل الموضوعات التی تسهم فی بناء القصیدة فکرا ومعنی وتاریخا, فضلا عن استعانته بالمعرفة العمودیة، وهی قدرته الذاتیة فی الغوص الی أعماق الموضوع الذی یکتب فیه والالمام بکل دقائقه، فکانت صوره الحسیة المتنوعة هنا تشرح التاریخ وتتحدث بلغة البیان، وتنیر ذهن السامع بحججها الاقناعیة التی درت بهامعرفته العمودیة، فالشاعر لدیه معرفة بصیاغة الصورة الحسیة ویأتی بها فی حینها حین یتطلب الموقف منه ذلک کما فی قوله(1):

عفرت خدی بحیث استراح            ***     خد تفری ولم یضرع

وحیث سنابک خیل الطغاة ***     جالت علیه ولم یخشع

وخلت وقد طارت الذکریات         ***     بروحی الی عالم أرفع

وطفت بقبرک طوف الخیال          ***     بصومعة الملهم المبدع

کأن یدا من وراء الضریح   ***     حمراء مبتورة الاصبع

تمد الی عالم بالخنوع        ***     والضیم ذی شرق مترع

لتبدل منه جدیب الضمیر    ***     بآخر معشوشب ممرع

فالشاعر اعتمد علی ما یمتلکه من معارف فی صیاغة هذه الصور الحسیة التی کانت ناطقة عن کل معنی استوطن فیها، وأبانت عن مقدرة الشاعر فی اختیار الصورة الحسیة التی تتناسب مع البعد المعرفی لمعنی البیت، ومن ثم القصیدة بأکملها، فالصور الحسیة بأنواعها التی بنی علیها النص کانت تومئ الی معرفة ثقافیة قصوی لدی الشاعر، جمعت بین علمه بالتأریخ ومعرفته البیانیة، وقدرته علی تقدیم


1- دیوان الجواهری:3/231.

ص: 70

ذلک مصورا بمشاهد حسیة کانت موفقة علی اقناع المتلقی بحجج الشاعر التی أفصحت عن ثقافته من جانب، ومن جانب أخر فأن اختیار الشاعر لقافیة العین یدل علی توجعه بسبب تذکره مأساة الحسین (علیه السلام)، وما یؤید ذلک رکوبه بحر المتقارب المحذوف، (أی ما کان ضربه محذوفا فعولن فعولن فعولن فعو)، وما الحذف إلاّ نتاج انفعال نفسی لدی الشاعر، فضلا عن ذلک فان وجودعلة الخرم (اسقاط أول الوتد من فعولن فتصبح (عولن) دلیل اخر علی انقباض الشاعر النفسی کما فی قوله:

عفرت خدی بحیث استراح            ***     خد تفری ولم یضرع

5_ البیئة النجفیة والمورث الاجتماعی

لقد اختلفت النجف من سواها بأنها بیئة متواصلةفی انتاج الشعر، فلم تحد الازمات التی مرت بهامن هذه الظاهرة، فهی ربیع الشعر ولایمکن لاحد أن یمنع فصل الربیع من الاخضرار، ولم تشوه وجهها الشعری المرسوم فی الوعی الجمعی، فتعاونت عناصر مهمة فی صیاغة المشهد الثقافی منها البیئة الطبیعیة، والموقع الجغرافی، والاتجاه الفلسفی الصلب المبنی علی أسس قویة للثقافة الاسلامیة والاجتماعیة فی الکوفة ومن ثم النجف الاشرف، ووجود ضریح الامام علی(علیه السلام)الذی غذت أقواله الذاکرة الاسلامیة والانسانیة برحیق المعانی، فضلا عن قضیة الحسین (علیه السلام)التی ألهبت احاسیس الشعراء، فاصبحت هذه العوامل محرکة للابداع، ومنحت رؤیة الشعراء فنیة وحسیة، وسأرکز فی تطبیقی هنا علی إسهام البیئة والموروث فی تکوین الصورة الحسیة الحسنیة؛ لأن کتباً کثیرة لا تلتفت إلی ذلک.

اذ امتد تأثیرهما فی التکوین الشعری لهذه الصورة الحسیة علی مدی انبثاق القصیدة

ص: 71

الحسینیة، أی منذ قصیدة عبد الله بن عوف الازدی وهی من المخبآت(1) التی یقول فیها:

صحوت وودعت الصبا والغوانیا      ***     وقُلتُ لاصحابی أجیبوا المنادیا

لبیک (حسیناً) کلما ذرّ شارقٌ         ***     وعند عسوف اللیل من کان باکیا

فاضحی حسینٌ للرماح دریئةٌ           ***     وغودر مسلوباً لدی الطف ثاویا

وقد عدّ یوسف خلیف(2) هذه القصیدة صورة صادقة لثورة التوابین، واستمرّ تأثیر البئبة فی الانبثاق الشعری الحسینی لاسیما فی جانبه الحسی، مروراً بشعر الاجیال المتتالیة إلی الشعر فی الوقت الحاضر.

فان الصورة الحسیة هیمنت علی الشعر الحسینی؛ لأنها اصبحت وسیلة للایحاء والاقناع، وقدأخذت حسیتها من الامتداد البیئی والتراثی والانفعال المخزون فی الوعی الجمعی، لذلک قال الاستاذ محمد کامل عجلان " شعر الشیعة فی کل عصر ومصر تکاد تجمعه نغمة واحدة ویضمه غرض واحد وهدف لا یتعدد یمتاز بالقوة والشدة والصرامة علی من أرهقوا آل البیت (علیهم السلام) وشنؤوهم(3)".

وعلی وفق ذلک تنوعت الصورة الحسیة فی الشعر النجفی بین حرکیتها وسمعیتها ولمسیتها ولونیتها، "ومن أهم العوامل التی جعلت النجف بیئة شعریة هی الماتم الحسینیة التی یُنشد فیها أرق الشعر.. ما اصبح مضرب المثل فی التشبیه والتصویر والجناس وسائر فنون البدیع(4)", فالبیئة الشعریة النجفیة تزهو بنموها کلما تحسن المناخ وأخلص الضمیر، وقد مرت بمراحل کثیرة وکانت طبقات الشعر فیها تترواح بین التقلید والاعتماد علی


1- ظ: معجم الشعر، المرزبانی /126، ومروج الذهب، المسعودی: 3/ 93.
2- ظ: حیاة الشعر فی الکوفة /383.
3- مجلة الرضوان الهندیة، العدد 8، 9، للسنة الثالثة /27.
4- النجف بیئة شعریة، جعفر الخلیلی /16.

ص: 72

اللغة بوصفها وسیلة لاستکناه الدلالة او المزج بین اتجاهین القدیم والحدیث(1)", فمسألة التصویر الحسی منغرسة فی فکر الشاعر النجفی وهی جزء من النمو الحسی لدیه، وقد کان للانفعال الذی استقاه الشعراء النجفیون من البیئه أثر فی تکوین الصور الحسیة لدیهم، وربما کان باعث الصورة الحسیة عندهم هو الالم والحزن الذی جری فی وعی العقل الجمعی، بسبب قضیة الحسین (علیه السلام) الممتدة اثارها فی عروق الزمن حتی یومنا هذا، فکلما ذکرت قضیة الحسین زاد تدفق نبض الحزن، فالبیئة النجفیة غیمة شعریة حزینة عائمة فی فضاء الاحساس الانسانی، ولعلاقتها الوطیدة بقضیة الحسین (علیه السلام) فانه کلما طرق الشاعر باب الرثاء الحسینی کلما تلونت کلماته بالوان الوجدان الروحی المختلفة، فأدی ذلک الی انبثاق صور وجدانیة حسیة حزینة، وهذه مهیمنة فی الشعر النجفی الحسینی، تأمل قول الشاعر(2):

هذا بقاؤک بالخلود مرصع ***     فی کل منعطف اباؤک یصدع

یا سید الشهداء هذه صرختی           ***     ضاقت اسی ولفیض عفوک تطمع

ما کدت أکتب فی شغاف همسة    ***     الا ذوت وبجمر قلبی تهجع

فالشاعر ینتمی الی بیئة نجفیة کانت الصورة عنده مشبعة بفیض الوجدان، وتتحدث عن ثقل الحزن الذی یحمله,فثمة علاقة بین البیئة واحساس الشاعر، فقد نما نصه برفقة وحدة حیویة، أی شعور تغلغل بانسجام راسما صورا حسیة، بان منها النداء الحزین والمعاناة والشکوی، وکانت تلک بدایة لعلاقات دلالیة إذ أصبح الصوت مملوءاً بالشجن، فالصورة الحسیة انتقلت من المشهد الحسی المرسوم بالصورة البصریة الی صورة حسیة صوتیة، أسست لصورة حرکیة لونیة بان منها لون النار والرماد معا، ذلک


1- قراءة فی الشعر النجفی المعاصر: مدرسة النجف الاشرف ودورها فی اثراء المعارف الاسلامیة: 200 وما بعدها.
2- عندما تتمتم عیون المغفرة: 58

ص: 73

دلیلٌ علی عمق تأسی الشاعر ورفضه لواقع یعیشه، فتحققت الصورة الحسیة عبر التشبیه والاستعارة والکنایة وهذه الصور معبر الشاعر الی المتلقی؛ لانها " تومیء الی مهارة الشاعر وتنبیء عن قدراته االفنیة، حین یجعل الدلالات التی یبعثها مرسومة مرئیة لدی المتلقی، معادلة له عالمه الخیالی بعالمه المعیش (1)".

6_ عالمیة الفعل الحسینی وأثره فی الآخر

 أثر الفعل الحسینی فی الآخر عالمیاً واصبحت قضیته فیصلاً بین الظلم والعدل، فکانت الصورة الحسیة الحسینیة وساطة لنقل هذا الفعل الخالد، فامتدت الصورة الحسیة فی الشعر الحسینی الی الشعراء العالمیین ولاسیما المسیحیین، وهذا ما جسده لنا یوسف عبد المسیح ثروت فی مقالته (المأساة والاصداء) " ولکن الکلمة...تظل فی وجدان الحسین معنی المعانی؛ لأنها تعنی الشرف والرجولة والمروءة والنبل،.. فالکلمة زلزلت الظالم وحصّنت الحریة وأسبغت علی الإنسان إنسانیته، وتصبح مقبرةً لمثل هذه الإنسانیة إذا ما دست فی ثنایا التراب بفعل الظلم، ومن ثم فالحسین وقف الموقف العظیم الوحید؛ لأنه لا یمکن أن یقف موقفاً غیره وقد عرف شرف الکلمة وادرک قدسیتها وارتضی لنفسه طائعاً مختاراً الدفاع عن وجودها تاریخیاً(2)".

لقد أکسبت ثورة الحسین (علیه السلام) الأدب رفعة، ونستشف عظمتها عند الآخر وهو یجعلها قندیل مسارللباحثین عن القیم الفضیلة، ومن هنا تأتی الصورة الحسیة عند الشعراء من غیر المسلمین معبأة بمضامینها وموقفها النبیل عبر طریقة صنعها القائمة علی التذکرلموقف الصمودالحسینی، واستحضار الماضی بسیاق تداعی الافکار، التی تثیر المشاعر عبر الصور المتلاحقة عن طریق وساطة من ذاکرة اللاوعی الجمعی.


1- الصورة الفنیة بین حسیتها وایقاع المعنی:64.
2- ظ: مجلة الرابطة الادبیة، مقالة المأساة والاصداء، العدد الثالث، السنة الاولی، 1974، 24.

ص: 74

وقد ذکرنا أن قضیة الحسین (علیه السلام) قضیة الإنسان وهی مرآة الصراع بین الظالم والمظلوم، "وظاهرة ثورة الحسین ظاهرة طبیعیة لانها استنهاض علی الجور وانتقاض علیه..وهی فریدة فی بابها...وهذا برهان علی بعد نظر أصیل... وهذا مافعله الحسین، فایمانه بحق الامة فی حکم نفسها ظل القاعدة الامینة التی استند الیها فی مقارعة أعداء الامة...ومامن شک فی ان المشاهد التی انتفضت من المدینة لتواکب الحسین حتی مصرعة فی کربلاء مشاهد تنتظم عقدا عجیبا من الفواجع التی لم تعرف حدودا(1)"، ومن هنا کانت قضیة الحسین (علیه السلام) تغذی الوجدان الانسانی عاطفیا، فحاورتها قرائح الشعراء، وانعکس ذلک علی مرایا وجدانهم احاسیس مصورة، لیبعثوه ومضا وجدانیا الی السامع، فالصورة الحسیة تغدو هنا رسماً لانفعال الشاعر، وإذ یلتحمُ الشاعرُ بالوجود فی إزاء موقف ما فأنه یشعر بالتوتر الذی تفرضه علیه وقائع الظواهر الخارجیة، فتتحرک القدرات الکامنة فی أطوائه، ثم تتحقق وثبات نفسیة من ذاکرة الوعی الجمعی توحّد الصور بمساعدة الشعور، لذلک لم تقف الصورة الحسینیة عند حدّ الشعراء العراقیین، فامتدت إلی شعراء العرب والعالم الاسلامی، ثم أشرقت فی نفوس المنصفین من شعراء العالم وکتابه، فیقول أحدهم: " ومن هذا المشهد الغریب، وطریق اللاعودة...یبدأ الموکب الفاجع، موکب الشهداء، فی السیر نحو الحتوف ببطولة خارقة، وشجاعة تمرغ جباه الجبابرة(2) ".

اذن فالموقف الحسینی هو صوت الحق الذی امتد الی الوجدان العالمی، فلنتأمل الشاعر العربی خلیل الخوری فی قصیدته (إنّ الحسین أبی) یصرُّ علی الحضور الابدی للامام الحسین (علیه السلام) وما عداه فکل حضور زائل، وعبر التشبیه البلیغ یؤکد ذلک


1- عبد المسیح ثروت الاصداء والمأساة، مجلة الرابطة الأدبیة العدد الثالث، 1974/20.
2- المصدر نفسه /30.

ص: 75

فی قوله(1):

وکلُّ حضورٍ إلی صمت وزائله       ***     وأنت أنت حضور النور لم یغبِ

بأیِّ وجهیک تعتزُّ السماءُ إذنْ         ***     وجهِ ابنِ أکرَمهِم؟ أم وجهِک التربِ؟

وجْهِ الشهید الذی لاقی شهادته        ***     لقاءَ محرورةِ الصحراءِ بالسُحبِ

ویلون الشاعر الخوری صوره بالدم لیُظهر تأسیه وحزنه علی أبی عبد الله (علیه السلام)، ویعکس عبر مرآة شعره التوحد مع قضیة الحسین (علیه السلام)، لقد أدت الصور الحسیة دلالاتها المطلوبة بکل اتقان، فتطالعنا الان صورة حسیة حرکیة غذتها دلالة مفردة(عثرت)، ثم لونیة اکتسبت الحمرة من(دم الورید)و(دمی)(2):

عُذراً أبا الشهداء الصید ان عثرت    ***     بی القوافی فلم أسهب ولم أصب

وکانَ حقُّکَ عندی الیوم ملحمةً     ***     دمُ الوریدِ لها أو خفقةُ العَصب

لکنّنی ودمی یقتاتُ من تعبی          ***     جمیعُ عمری أنا یقتاتُ من تعبی

أحبُّکم أنتمُ أهلی، وهمکمُ ***     همیّ الکبیر، ألسنا نبعة العربِ

فالصورة الحسیة لها جذورها فی عالم اللاشعور، فلا یمکن أن نظنَّ هذه الصورة التی أظهرها الشاعر بأنها قضیة طارئة؛ لأن الشاعر یحبُّ الفکرة ویهیم بها أولاً، ومن ثم یطلق مشاعره صوبها کی یملأ کلماته بأحاسیسه، وحین یتمثل الشاعرُ الموقف ویحسّ به، تخرج الصورة مشعّة بصدقها الفنی، وتکشف لنا الصورة الأدبیة الحسینیة تأثیر الموقف الحسینی فی شاعر مسیحی إنسانی آخر هو الشاعر بولس سلامة من خلال ملحمته التی کتبها عام 1946م، وأثنی علیه العلامة الجلیل الحجة السید عبد الحسین شرف الدین وهو من کبار فقهاء لبنان، إذ یقول الأستاذ بولس "ولربّ معترضٍ یقول: ما


1- مجلة الرابطة، العدد الرابع، السنة الثالثة، النجف الأشرف، 1977م، /119.
2- م.ن، 119.

ص: 76

بال هذا المسیحی یتصدی لملحمةٍ إسلامیة بحتة ! أجل أننی مسیحی ولکن التاریخ مشاع للعالمین".

لنتأمل نصه فی الحسین (علیه السلام) (1):

أتأسی بابن البتول فیولینی   ***     عزاءً وبَلْسَماً مَعْنویّا

بجراح الحسین فی کُلِّ جرحٍ          ***     یجدُ الصَّبْرُ کهفَهُ الأزلیّا

إنما الشاعرُ المحلِّقُ رَوْضٌ  ***     یَنْزُعُ الأفقَ بالشذا العَنْبَریّا

فالصورة الحسیة حضرت مرئیة وحرکیة وشمیة فی آن واحد، أوضح الشاعرشدة تأسیه عبر صوره الحسیة، فانتقل من المعقول الی المحسوس ومن المحسوس الی المحسوس رغبة فی اظهار ألمه، ثم أکد ولاءه للحسین (علیه السلام) عبر ما یکنه لأبیه علی بن أبی طالب (علیه السلام)، إذ یقول:

سفرُ خیرِ الانامِ من بعدِ طه  ***     ما رأی الکونُ مثلَهُ آدَمیّا

یا سماءُ اشهدی ویا أرضُ قرّی       ***     وأخشعی إنّنی ذکرتُ علیّا

فهو عبر الصورة الحسیة أثبت تفرد الامام علی (علیه السلام) بخصال لم یجدها عند الآخرین، ثم شخص السماء بالشهادة والأرض بالإقرار فتحولتا إلی مخاطبتین لدیه، لأنه وجد فیهما اقرب الاصحاب لسماع خبایاه التی باح بهاالیهما، فإذا عمقنا النظر فی کلمات هذه القصیدة نجدُ الدلالة والأسلوب اللغوی الفخم المرصّع بالصور الحسیة المختلفة هویة له فهو یقول:

حمَلَ المجدُ خافقاً فی لوائِهِ            ***     بطلٌ ظلّ مفرداً فی سمائه

هاشمیٌّ صافی الفرند براهُ    ***     اللهُ نصراً لمصطفی أنبیائهِ

کُلّما أخلقَ الزمانُ جدیداً    ***     أذهل الناظرین وهجُ سنائهِ


1- ملحمة الغدیر:بولس سلامة:199

ص: 77

إن اعتماد الشاعر علی الضربة الشعریة المقنعة عبر الصورة الحسیة کما فی (ظلّ مفرداً فی سمائه)، و(أذهل الناظرین وهجُ سنائه) تؤکد قدرة الشاعر علی المزاوجة بین الأسلوب اللغوی والصورة البیانیة معاً، وبالصورة الحسیة أخرج لنا المفارقة الکبیرة فکلما قَدِم الزمان یذهل الناظرین وهج السنا الممتد من الحسین (علیه السلام)، فهناک تقادم فی الزمان وتصاعد فی الذکر، ثم أنه یراه رمزاً لکلّ الناظرین المتأملین فی قصته (علیه السلام)، وهذا ما یؤکده قوله:

من ضواحی لبنان خُذها دُمُوعاً       ***     من أمالیدِ أُرزه وعلائِه

هالهُ مصرعُ الحسینِ شهیداً  ***     فأتاک الجریح من شعرائه

وفی هذا البیت زاوج بین الضربة الشعریة والصورة البیانیة ثم تألق أکثر فی هذه المزواجة، لیأتی بصورة حسیة حسینیة رائعة تؤکد انتماء الشاعر لفعل الحسین (علیه السلام)، وأنه موطن للآسی فهو فی لبنان وفؤاده فی کربلاء تأمل قوله:

شاعرٌ صدرهُ حمیمُ مقیمٌ     ***     وفؤاد یموت فی کربلائه

لقد أثر الفعل الحسینی فی قلب الإنسانیة أینما حلّت زماناً ومکاناً، وهذا دلیل علی انتصار ثورة الحسین (علیه السلام) وعالمیتها، واتخاذها مثلاً ونبراساً للزاحفین إلی شواطئ الکرامة والفضیلة من أی جنس کانوا، أو إلی أی انتماء تبعوا، لاسیما إذا أدرکوا کُنْه الثورة الحسینیة. تظل قضیة الحسین (علیه السلام) انسانیة عالمیة غیر محصورة بالمسلمین، لنتأمل نص الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد، فقد اهتم بالصور الحسیة من الوهلة الاولی اذ یقول(1):

قدمت وعفوک عن مقدمی           ***     حسیرا اسیرا کسیرا ظمی

فمذ کنت طفلا رأیت الحسین        ***     منارا الی ضوئه انتمی


1- البابلیات/208_210

ص: 78

ومذ کنت طفلا وجدت الحسین     ***     ملاذا باسواره أحتمی

ومذ کنت طفلا عرفت الحسین       ***     رضاعا وللان لم أفطم

سلاما علیک فانت السلام   ***     وان کنت مختضبا بالدم

لقد بدا الشاعر استهلاله بصورة حسیة حرکیة بصریة؛ لان الاستهلال یمثل رغبة الکاتب باخراج مایعتمل فی اطوئه من شعور، ولان الاستهلال له علاقة وطیدة بالزمان والمکان معا، فضلا عن ذلک فان علاقة اخری بین الایقاع الداخلی وبین ایحاء الالفاظ تظهرها الصورة الحسیة (حسیرا أسیرا کسیرا ظمی)، مبینة ولع الشاعر وحبه للحسین، فأکده بصورة حسیة بینت عالمیة قضیة الحسین (علیه السلام) فی قوله:

فمذ کنت طفلا رایت الحسین         ***     منارا الی ضوئه انتمی

فهو ینتمی الیه لانه للانسانیة جمیعا، فلم یکن الحسین (علیه السلام) لأمة من دون اخری، فالشاعر أکد هذا المضمون بصورة حسیة ذوقیة (عرفت الحسین رضاعا) وهو لم یفطم من حبه، فبیّن ذلک الأمر التعلق الروحی بین الناس والحسین (علیه السلام)، ثم ختم صوره الحسیة باللون الاحمر، فاعطت الصور الحسیة مدلولات ایحائیة عبرت عن عالم وجدانی صادق مخبوء فی أعماق الشاعر، التحم الوجدان الیقینی لدیه بانفعاله فخلف صورا حسیة تکلمت بفم الحقیقة عن تاثیر الحسین فی الآخر.

ص: 79

المبحث الثالث: وظائف الصورة الحسیة فی الشعر الحسینی

لقد هیمنت الصورة الحسیة علی الشعر الحسینی بشکل عام، فکان لوجودها میزة خاصة استحوذت علی مساحة کبیرة من الدلالات المقبرة، فأضافت وظائف ابلاغیة وافهامیة واقناعیة فی آن واحد، وأضحت الصورة الحسیة الحسینیة آلةً بیانیة تلیق بالمضمون، فتحولت إلی شبکة منتجة للمعنی، وکانت دالة ودلالة فی وقت واحد، أی اصبحت وحدة دلالیة تفید شیئین:

أولهما: افادةٌ من خلال (القراءة الاسترجاعیة) التی تقوم أساساً علی التأویل بالطریقة التی نادی بها (میکایل ریفاتیر)(1)، وهذه خصیصة الشعر الحسینی تتجلّی فی أن الحسیة تقود إلی التأویل بوصف هذه الحسیة علامة تاریخیة، أی دال تاریخی یضم رموزا تضیء النص بعملیة الاسترجاع لاحداث واقعة الطف واستحضار مشاهدها، فضلا عن ذلک فان فهم النص الشعری الحسینی بصورته الحسیة قائم أصلاً علی مستوی (العلاقة السیمیائیة) والادبیة معاً.


1- البنیات الدالة لشعر امل دنقل /18.

ص: 80

مثال ذلک ما قاله عبد المنعم الفرطوسی(1):

أهوی ابن حیدر فالابصار شاخصة   ***     ترنو إلی علم ملقی علی علم

فالصورة الحسیة الحرکیة بدأت تتعانق مع الصورة البصریة لتحقیق الرؤیا بوساطة (أهوی، شاخصة، ترنو، ملقی) فعبارة (ملقی علی علم) تفید فی استنتاج رؤیة أخری تأویلاً عبر ایماء الصورة الحسیة، فالرایة او العلم دلالة علی الارتفاع والسمو وجاءت کلمة (علم) توریة والمقصود بها العباس (علیه السلام) فهو ایضا علامة للسمو والارتفاع فی الموقف النبیل فتساوت الدلالتان فی الایماءة المعنویّة.

أو ما قاله الجواهری (2):

کأن یداً من وراء الضریح   ***     حمراءَ مبتورةَ الأصبعِ

یُمَدُّ إلی عالم بالخنوع       ***     والضیم ذی شرقٍ مُترعِ

فثمة علاقة بین قضیة الحسین علیه السلام واللون الاحمر، وربما کانت أکثرالصور الحسیة تواجدا فی المشهد الحسینی هی ما ُصبغت بالحمرة، وعودة الی البیتین السابقین نجد الدلالة الایحائیة التی أظهرها اللون الاحمر جلیة، فالشاعر حرص علی أن یقدم صورته الحسیة ملونة من خلال دلالة الاصبع المبتور المصبوغ بالدم، لیومیء الی عالم الخنوع شارحا قصة الشهادة التی یقدم من أجلها النفیس، کی یتعلم العالم من درسها، وفی الوقت نفسه یظل الفعل الحسینی شارة تدلی العابرین غبار الخنوع، المتطلعین الی اشراقة الحریة وصحوها.

فأدّت دلالات الصورة الحسیة ایحائیتها عبر عملیة الاسترجاع التی اشرنا الیها سابقا لتضع السامع تاریخیا علی مشهد الطف موضع الرائی الحاکم علی عنجهیة جیش


1- دیوان الفرطوسی:72.
2- دیوان الجواهری:3/231.

ص: 81

یزید، فحضر التأویل عبر القراءة الاسترجاعیة فی عبارات (مبتورة الأصبع) و(یمدّ إلی عالمٍ بالخنوع ... مترع)، والأمر نفسه نجده فی قول حیدر الحلی:

سلْ بحِجْرِ الحرب ماذا وضعت       ***     فثدِیَّ الحرب قد کن نصالا

لقد أعطی النص وظیفة شعریة تستشف من تأویل النص والوقوف علی هول الحرب، وما ترکته من أثار حتی علی الطفل الرضیع وقام ذلک التأویل علی استنطاق دلالات الصورة الحسیة (حجر الحرب)، و(ثدی الحرب) و(قدکن نصالا).

ثانیهما: هیأت __ الصورة الحسیة __ للشعر الحسینی جمهوراً لا تهیؤه أی قصیدة فی العالم؛ لأنها تناغمت مع الوعی الجمعی، ولو قمنا بالتحقیق فی ذلک لوجدنا أن بعضاً من القصائد الشعریة الحسینیة تغلغلت فی الوعی الجمعی فتجاوزت بعض ما خلّفه بنتاؤور المصری أو طاغور الهندی او جوته الالمانی أو ما یکوفسبکی الروسی اوالمتنبی واضرابهم.

فالقاعدة عریضة بسبب التذوق الشعری والاکتشاف والارتیاح للصورة الحسیة الحسینیة ودلالالتها فی النفس وما تحمله من صدق الموضوع ومثال علی ذلک القصیدة المیمیة للفرزدق والتائیة لدعبل والبائیة للهندی واللامیة للحلی والعینیة للجواهری وهکذا فقد سکنت مثل هذه القصائد ذائقة المتلقی اکثر من شعر اصحابها، وکأنهم کتبوا هذه القصائد فحسب.

وثمة فائدة أخری للصورة فوظیفتها التمثیل الحسی للموقف، وترتبط هذه الوظیفة حتماً بالشعور المسیطر علی الشاعر(1)، وکلما کانت الصورة أکثر ارتباطاً بذلک الشعور کلما کانت أقوی صدقاً وأعلی فنا(2)، وإذا لم یستطع الشاعر ربط العمل الحسی


1- ظ: النقد الأدبی الحدیث، محمد غنیمی هلال /444.
2- ظ: المصدر نفسه /444.

ص: 82

الذی یراه بجوهر شعوره فأن موقفه فی أزاء الفکرة یضعف (1)، بمعنی أنه لا یمکن أن یمثلها، لذا یحرص الشاعر علی نقل شعوره صادقاً إلینا، حین یتعایش بقوة مع الحدث، فکیف إذا کان هذا التعایش عقائدی کالایمان بقضیة الحسین (علیه السلام)، من هذا الباب تکون القصائد الحسینیة المعبّرة عن الدلالة، عمیقة الصورة.

یقول الشاعر ضرغام البرقعاوی، فی صورة حسیّة ملونة رسمتها المجازات العقلیة والاستعارات:

کیف ترتاعُ فی الدما الکبریاء         ***     ولقد ضجّ فی العروق الوفاءُ

یا صلاة الطفوف یا لغة الله  ***     لها فی فم الزم_ان دعاءُ

وبالصورة الحسیة یجعل الشاعر قضیة الحسین (علیه السلام) لغة الله سبحانه وتعالی التی تظل خالدة؛ لأنها تحکی الشمم والکبریاء والموقف الإنسانی الخالد، لذا أراد الشاعر مرة أخری من هذه الحال أن یخاطب المتلقی لتُلهمه هذه الصور الحسیة فضاء التحرر کی یعبر الصعوبات، وبان الشاعر رافضاً واقعه المعیش، إذ إن من وظائف الصورة الحسیة تحفیز مفاهیم الرفض أو التمرد أو القبول بالنسبة للشاعر تجاه الوجود، وهنا تظهر وحدة الصراع جلیةً، فهو یقول عبر الاستعارات:

إلهمینا فالهول جاثٍ           ***     ورؤانا مع الزمان هباءُ

وارینا حلم الحسین بفجرٍ    ***     رعفت بانبثاقه کربلاءُ

وخذینا إلی الحتوف حتوفاً ***     تشهد الأرض زحفنا والسماءُ

حققت الصورة الحسیة وظیفةً مرئیة اشترک بها الحس والذهن معاً عبر عبارتی (الهول جاثٍ) و(رؤانا هباءُ) فأخذ المحسوس بید المعقول لإیصال وظیفة الصورة الحسیة التی تحولت فیما بعد إلی صورة حسیة حرکیة کما فی قوله:


1- ظ: المصدر نفسه /445.

ص: 83

(وخذینا إلی الحتوف حتوفاً           ***     تشهد الأرض زحفنا والسماءُ)

لقد دأب الشعراء الحسینیون إلی التجسیم فضلاً عن التشبیه الذی یحرص دائماً علی طبع وجدان السامع بأشکال وألوان محسوسة؛ لأن الصورة التجسیمیة " لا تقف عند حدِّ التجسیمات لمجرد الجمع بین صفات حسیة وإنما تعنی بتقدیم الصور الجزئیة التجسیمیة لإظهار شعور أو فکرة فلسفیة فی الصورة الکلیة(1)".

تأمل قول الشاعر الوائلی فی مستهل قصیدته:

هل من سبیلٍ للرُّقاد النائی   ***     لیداعب الأجفانَ بالإغفاء

بدأ الشاعر بالحکمة، فالرقاد البعید الذی أراده لیداعب أجفانه بالأغفاء لکی لا یتذکر وجع الطف المؤلم حقق له وظیفةً لولوج القصیدة بصور حسیة أسهم فی رسمها التشبیه بقوله(2):

فانقض مثل الصقر شام فریسةً          ***     وجلا الصفوف وجال فی الإرجاءِ

حتی إذا دفع العدی عن شبله          ***     آوی إلیه بلوعةٍ وبکاءِ

ألفاهُ معفرَّ الجبین تمازجت ***     حُمرُ الدماءِ بوجنةٍ بیضاءِ

ورأی شفار المرهفات تلاعبتْ        ***     بجمال تلک القامة الهیفاءِ

فجثا واقنع للسماءِ بشیبةٍ      ***     مغمورةٍ بمدامعٍ ودماءِ

فنجد هنا وظیفة الصورة الحسیة قد تجلت فی جمع الصور الجزئیة تحت مظلة صورةٍ کلیة، إذ تآلفت الصور العضویة فیما بینها عبر انتقال الصور الجزئیة انتقالاتٍ نفسیةٍ مفاجئةٍ، حققت الادراک لوحدة الصورة التی تمثلت فی هذا المشهد الشعری الحزین، فکانت الصورة الحرکیة تتعاضد مع أخواتها من الصور الحرکیة فی (فأنقض


1- ظ: النقد الأدبی الحدیث، محمد غنیمة هلال /446.
2- دیوان الوائلی، شرح وتدقیق: سمیر شیخ الأرض، 129.

ص: 84

مثل الصقر) و(جلا الصفوف) و(جال فی الإرجاءِ) و(دفع العدی عن شبله) و(رأی شفار المرهفات تلاعبت) و(فجثا واقنع للسماءِ بشیبةٍ). الأمر الذی اضفی صورة حسیة کلیة هیأت للصورة المرئیة الملونة فی قوله:(ألفاهُ متعفر الجبین تمازجت حُمرُ الدماءِ بوجنةٍ بیضاءِ) و(مغمورةٍ بمدامعٍ ودماءِ)، وبذلک بانت وظیفة الصورة الحسیة فی کونها لها القدرة علی ضم الصور الجزئیة بعضاً إلی بعض حتی آبت صورة کلیة ملونة ومقنعة لدی المتلقی، فاخبرت هنا تاریخیا وصوریا عن حال الحسین(علیه السلام) وحرکاته حین وجد ابنه وقد استشهد، بعدما قدم نفسه قربانا لقضیته، فلقی ربه ضمأنا معفرا بالدماء، ومن الوظائف المهمة للصورة الحسیة أنها تسهم فی إثارة النفس وجذب المتلقی عبر قدرتها الاقناعیة فی طبع تلک الصور الحسیة فی ذهن السامع، تأمل قول الشاعر مصطفی جمال الدین (1):

ذکراکَ، تنطفئُ السنینُ وتغربُ        ***   ولها علی کفِّ الخلودُ تَلَهّبُ

لا الظلم یلوی من طماح ضرامها      ***   أبداً، ولا حقد الضمائر یحجبُ

فحققت الصورة الحسیة عبر تراسل المدرکات والحواس صوراً مقصودة، وکان التراسل مقصوداً فی ((انطفاءة السنین وغروبها)) وفی ((التلهب علی کف الخلود)) وفی ((لیّ الظلم من طماح الضرام)) و((حجب الضمائر))، الأمر الذی أسهم فی منح الصورة الحسیة إضاءة وجدانیة تحققت عبر الانطفاء والتلهب واللیّ والحجب، وهذه الوظیفة للصورة الحسیة أنتجت وظیفة شعریة جمعت بین الفکرة والشعور، وواءمت بین الصیغ البیانیة من جهةٍ وتراسل الحواس من جهةٍ أخری، وتلک خصیصة شائعة فی الشعر الحسینی، یقول الدکتور محمد حسین علی الصغیر(2):


1- الدیوان، مصطفی جمال الدین /411.
2- دیوان أهل البیت (علیهم السلام)، د.محمد حسین الصغیر /174.

ص: 85

سما عظماً تاریخُکَ الأنجمَ الزهرا   ***     وفاض بهاءً تستضیءُ به الذکری

وفاض جهاداً.. ضمَّخ الأفق فجرهُ     ***     دماءً بها الاسلام قد أدرک الثأرا

لقد کانت الصورة التعبیریة هنا ایحائیة، وقد اسهم الرمز فی تقویتها فنیاً فضلاً عن الصورة الحسیة التی کانت مرسومة ببناءٍ فنی بان فیه تماسک اللغة وهدف الموضوع فمن سمو التاریخ الذی حرص علیه الشاعر فی تطاوله (الأنجمُ الزهرا) إلی (استضاءة الذکری به) حین فاض البهاء وفاض الجهاد، وحین صُبغ فجر الافق بدماءٍ أبقت الطریق الاسلامی سالکاً خالیاً من شوائب العبثیة والرذیلة، وموشحاً بقیم الفضیلة، فتجلت وظیفة الصورة الحسیة فی کونها قادرة علی ضم اللغة بشکل یخدم الصورة؛ لأن الکلمات خادمة طیعة للمتحدث ولها نوع من الاشعاع الخاص بها(1). فالصورة الحسیة لها وظیفةٌ تعبیریةٌ ولها القدرة علی ضم الشکل والمضمون معاً، باختیار سیاق لغوی یهیؤ لعملیة تراسل الحواس التی هی نتاج مهم للصورة الحسیة، وبذلک تنوعت وظائف الصورة الحسیة عند الشعراء علی وفق الدوال التاریخیة التی اخذوها من احداث واقعة الطف، فصّوروا المشاهد وغمسوها بوجدانهم وغذّوها بالحب الخالص لال البیت علیهم السلام فکانت هذه الصور الحسیة منبثقة من الوجدان الیقینی للمنشیء ومخاطبة الوجدان الیقینی للمتلقی فاستقرت القصائد الحاملة لها فی صفحة الزمن اصواتا انسانیة شع بها الضمیر فاستحقت الخلود.


1- ظ: النقد الادبی الحدیث، محمد غنیمی هلال /451.

ص: 86

ص: 87

الفصل الثالث: المنهج والتطبیق الاجرائی للصورة الحسیة وأنواعها فی الشعر الحسینی

اشارة

-المبحث الأول: منهج دراسة الصورة الحسیة فی الشعر الحسینی

-المبحث الثانی: التطبیق الاجرائی للصورة الحسیة فی الشعر الحسینی

ص: 88

ص: 89

المبحث الأول: منهج دراسة الصورة الحسیة فی الشعر الحسینی

المنهج هو الطریق الذی یسلکها الباحث وصولاً إلی غایته، وقد تنوعت مناهج دراسة الصورة الشعریة تبعاً لمصادر المعرفة، فهناک تناول تقلیدی یعمل علی تتبع الأوجه البلاغیة فی النصوص عن طریق ترکیبها وتصنیفها.

وهناک الدراسة الاسلوبیة التی تلح علی حضور المکونات البلاغیة فی السیاق الترکیبی(1)، ومن ثم مراقبة مستوی الکثافة الشعریة الناتجة عن التحام الشکل بالمضمون.

وهناک من یری ضرورة التفاعل مع سلسلة الصور التی تنظم العمل الشعری وهو ما تبناه (جاستون باشلار)، ومنهجه ان تتسع الصورة الواحدة فی العمل الشعری، أو مجموعة أعمال کما هی الحال عنده فی کتابه (جمالیات المکان).

وهناک نظریة الأنماط، ای تغلیب مبدأ النوع بحسب انتمائه إلی الابعاد الصوریة الثلاثة:

الصورة الحسیة، والصورة الذهنیة، والصورة الرمزیة(2).


1- ظ: البنیات الدالة فی شعر امل دنقل /61.
2- ظ: المصدر نفسه.

ص: 90

 أما الذی تبناه البحث هو تتبع الصورة الحسیة فی المنجز الشعری الحسینی بعد استقراء الدواوین والقصائد التی کتبت عن واقعة الطف فی ازمان واماکن مختلفة، وصولا لاثبات مشکل البحث المتمثل بهیمنة الصورة الحسیة فی هذا المنجز الشعری، الذی اضاف الی الشعر العربی والشعر الانسانی لمسة ابداعیة واضحة لا یمکن للناقد المنصف ان یتخطاها.

وقبل أن ندخل بناء الصورة الحسیة، لابد لی من أن أقف عند مفاهیم لصورٍ تسهم فی رفد الإدراک بالتصور ومن هذه الصور الرمزیة والذهنیة، لکی یکون القاریء علی درایة علمیة فیما یخص الصورة الحسیة، ولنبدأ بالصورة الرمزیة.

تحفل الصورة الرمزیة بحظ أوفر هی الأخری فی الشعر بسبب کثرة الرموز التی یهرع إلیها الشعراء، ولها القدرة علی اضاءة ذهن المتلقی عبر فتح فضاءات التأویل والربط بین الأشیاء، فربما کانت الصورة الرمزیة ذات صلة بالاحساس باعتمادها علی الاسطورة أو بالرموز المعجمیة، فالصورة الرمزیة تمر بمرحلتین: تتمثل الأولی فی الادراک المباشر اعتماداً علی الوجه البلاغی الموظف ثم الانتقال إلی الادراک الایحائی الذی یفجر الرمز(1)، فربما أصبحت الصورة رمزاً(2)، وبذلک تضع الملزوم بلا تعریض؛ لأن الصورة الشعریة "جوهر فن الشعور وهی التی تحرر الطاقة الشعریة الکامنة(3)".

وبذلک فأن هذه الصور الرمزیة أقرب إلی الصورة الحسیة، وربما کانت الصورة الحسیة فی کثیر من الاحیان رمزیة حسیة؛ لأنها تعنی بالحسیّ المشاهَد وتمنح المتلقی تصوراً کبیراً للفکرة، فضلاً عن دورها الصریح بما تؤسسه من حسیة فی ازاء المشاهد الملونة أو


1- ظ: البنیات الدالة فی شعر امل دنقل /123.
2- ظ: نظریة الادب، ربینه دیلک، اوستن وارین، ترجمة محی الدین صبحی (م.س) /197.
3- نظریة البنائیة فی النقد الادبی، د.صلاح فضل /356.

ص: 91

استعمال الاداء البیانی المعیّن من دون سواه، فهناک سبب مثلاً فی اختیار الاداء التشبیهی لدلالة معینة، أو الاستعارة لدلالة أخری، وکل ذلک ینضوی تحت الرمز الذی یزود ذهن المتلقی بطاقة حسیة لها مضامینها ومدلولاتها، یستنتجها المتلقی ویقف عند أسبابها.

وتتخذ الصورة الرمزیة منحی دلالیاً؛ لأن الصورة الفنیة أداة تعرض المعانی مقترنة بالألفاظ(1)، ویُظهر الاسلوب البیانی علاقة مهمة فی تغییر الحقل الدلالی، ونلمح ذلک واضحاً عند السید حیدر الحلی الذی یعتمد الصورة الحسیة بکل أنواعها لیرتفع بالمتلقی إلی مستوی المشاهدة إذ یقول(2):

عثرَ الدهرُ ویرجو أنْ یُقالا  ***     تربَت کفُّکَ من راجٍ محالا

أیّ عُذرٍ لک فی عاصفةٍ    ***     نسفتَ مَنْ لک قد کانوا الجبالا

بطرادٍ تلْطُم الطف به           ***     للأُولی منکمْ قضوا فیه قتالا

وطعانٍ یُمطرُ السُمْرَ دماً      ***     فوقها حیثُ دمُ الأشرافِ سالا

سَلْ بِحِجرِ الحرب ماذا وضعت       ***     فَثِدِیُّ الحرب قد کُنّ نصالا

هنا أظهرت الصورة المرئیة وحدة الصراع المتمثلة فی موقف الشاعر من الواقع، فتراجعت ذاکرته لتخترق الأزمان وتقف فی یوم الطف عبر الزمن النفسی، فکان الدهر رمزا مثلما کانت الرموز الاخری (الدم، الحرب، النصال، الاشراف، السمر)، متواجدةً ومن خلال ربط الأسباب بالمسببات أعلن الشاعر عثرة الدهر، فحقق بالمجاز العقلی صورة حسیة مرکبة؛ لأن الدهر لا یعثر وإنما بسبب ما احتواه من متناقضات، فأبانت القصیدة احتجاج الزمن، واحتجاج الحقیقة، واحتجاج المنطق علی فعل المارقین، فأسّهم التجسیم والتشخیص فی اظهار الدلالات التی تنصهر تحت هیمنة وحدة الشعور،


1- ظ نظریة النقد العربی رؤیة قرانیة معاصرة د. محمد حسین علی الصغیر/ 10.
2- من لا یحضره الخطیب / 154-157.

ص: 92

التی یسیطر علیها وجدان الشاعر، فیطوع کل ما یقفز إلی الذهن ضمن وحدة التداعی اللونی، والمهم هنا لیس الاحساس نفسه، ولا استیعابه السلبی بل ردة الفعل الداخلیة عند المنشیء، فتأتی الوثبات النفسیة فی الصورة الحسیة الحسینیة متحررة علی هیأة صو ر رمزیة ناتجة عن علاقة بین الواقع واستیعاب الشاعر، وتکون الصورة هنا طرفاً مهماً للربط بین القوی الادراکیة وبین مجری التداعی، وهذا الأمر ما میّز الصور الحسیة الحسینیة. لنتأمل الشاعر المرحوم محمد حسن الطلقانی فهو یقول(1):

سائل التاریخ عن ملحمة     ***     علّمت من ینشدون الکبریاءا

ولیوثٌ للوغی قد وثبوا      ***     وببذل الروح کانوا کرماءا

رَخصتْ أنفسهم إذ أنهم     ***     لم یطیقوا للطواغیت انحناءا

ثأورا لکنهم لم یملکوا       ***     غیر ایمان یدکُّ الحقراءا

فئة مؤمنةٌ قد سجّلت          ***     للهدی نصراً وللحق علاءا

وثقت من خطوها لما مشت            ***     تحسب الموت حیاة وبقاءا

فالشاعر افتتح قصیدته بالفعل (سائِل) معتمداً التجسیم والتشخیص رغبةً منه فی الوصول إلی الجمع بین المعطیات الذهنیة والتوظیف الایحائی، فکانت الرموز(التاریخ، ملحمة، لیوث الوغی، الطواغیت، فئة مؤمنة، الهدی، الحق) سدی قامت علی اسسه الصورة الحسیة هنا، فأصبحت هذه الرموز فوانیس أنارت دلالاتها فحوی النص، ومن ثم قدمت خدمة للدلالة تمثلت بالصورة البصریة، فکانت الصورة الحسیة نابعة من اعتقاد الشاعر الخالص بقضیة الحسین (علیه السلام)، لذلک جعل صورته متنقلة بین مساءلة التاریخ وبین القوة الایمانیة لاصحاب الحسین (علیهم السلام) وثباتهم علی الحق، مستعیناً بالتجسیم حیناً لاظهار فکرته وبالصورة المرئیة التی تعکس موقفه


1- ظ ترجمة السید محمد حسن الطالقانی، بقلمه مستلة من کتابه شعراء رثوا امهاتهم ومستدرک شعراء الغری 2001م، 1422ه_ / 10-11.

ص: 93

الوجدانی حینا اخر. ویقول الشاعر المرحوم عبد الرزاق الامیری(1):

تبرعَمتْ لغةٌ حبلی علی شفتی         ***     وصحوةُ الظمأ الرملی أقفارُ

وَقَفْتُ فی عتبات الموت أنطقه        ***     ماذا وألف صدی فی الصوت ینهارُ

تضوّعت غایة یمشی بها ألق           ***     وبینها وارتماء الطرف أغوارُ

أتنتهی فی دمی الدنیا مسافرةً           ***     وخلفها الارق المنحوت أسوارُ

ونتلمس هنا شکل الصورة وجمالها المتدفق عبر انثیالات شاعر رقیق قوّی بتشخیصاته وتجسیماته التی توضح دلالة نصه، بحسب وحدة التمرکز اللونی لدیه، فأومأ واختزل ببیانه محنةً انسانیة کبری، عبر شد وحدة الشعور اللونی وتطویع التشخیص والتجسیم لخدمة الدلالة. فالصور الحسیة کانت خلیطا من الحرکیة والسمعیة والشمیة والبصریة، وهنا بانت قدرة الشاعر علی الافادة من الرموز الحسیة لتکوین صوره، فعبر عن حاله وما یعتریه من حزن والم تجاه الواقع.

وتجد الأمر نفسه عند الشاعر الشیخ علی الصغیر وهو یشخص ویجسم فی آن واحد فیحفل الاسلوب بالانفعالات النفسیة، ونجد علاقة بین اسلوب المبدع وبین غایته التعبیریة، وهی اظهار فاجعة کربلاء من خلال رموزها الحسیة التی ارتضاها الشاعر لایصال غایة نصه، فما القصیدة الا نتاج خلیط من الدلالات، اذ تسهم الکلمة الشعریة فی تکاثف العلاقات السیاقیة مع الاداء البیانی من أجل وضوح الدلالة، یقول الشاعر الشیخ علی الصغیر:(2)

قدّستُ ذکراک أن یسمو بها الادبُ            ***     عفواً فما لی إلی نیل السما سببُ

فرحتُ استوهبُ الذکری، أشعَّتها    ***     فأشرقت فی سمائی هذه الشهبُ


1- الصورة الفنیة معیارا نقدیا/406.
2- الرابطة الادبیة، العدد3:59.

ص: 94

کأنَّ افق خیالی وهی مشرقةٌ            ***     بحرٌ علی لجة الانوار تضطربُ

ترسو علیه سفین الحب ماثلةً           ***     أمام میناء قدسٍ افقهُ طَرِبُ

میناؤها المصطفی الهادی وعترتُه     ***     سفینةٌ للهدی طوبی لمن رکبوا

فالشاعر اعتمد علی الحواس لانها وسائل مهمة فی استیعاب المتلقی للفکرة، ولها القدرة علی تمییز الافکار والاخذ بذهن المتلقی الی القناعة او عدمها،

فکان الشاعر قادرا علی تسجیل شعوره بطریقة ابداعیة وابلاغیة، وقد تنوعت الصور الحسیة فی نصه، فمن صورة حسیة بصریة(فاشرقت...الشهب)، الی اخری حرکیة(بحر علی لجة الانوار تضطرب)، ومن ثم بصریة(ترسو علیه سفین) و(سفینة)، ثم اخری حرکیة (رکبوا)، کل هذه الصور الحسیة أسهمت فی اعطاء صورة رمزیة حسیة اشارت الی تعلق الشاعر باهل البیت (علیهم الاسلام)، منطلقا من الروایة الشهیرة التی تؤکد أن ال البیت (علیهم السلام) هم سفینة النجاة، ولنتوقف عند الصورالملونة باللون الابیض والمتحرکة، عبر تراسل الحواس، اذ تنازلت المفردات عن معناها اللغوی إلی معنی آخر حتی تساعد أکثر فی إعطاء الدلالة والحرکة، فیختلط التشخیص والتجسیم اللذان یتوطنان هذه الصورة المتحرکة الملونة عند الشاعرعبد الامیر جمال الدین بقوله(1):

الدهر عبدک والخلود حواری        ***     فاهنأ بنصرک یا ابا الأحرار

واذا الحسین وصحبه من حوله        ***     عزم یصم مصارع الاعصار

سبعون بدرا ما رأیت نضیرهم         ***     إلاّ ببدر من أسود الغار

خرّو علی وجه الثری فکأنما           ***     شاهدت فیهم مصرع الاقمار

فالشاعر انتقل من التجسیم والتشخیص الی صورة حسیة ملونة، عبر فیها عن عزم الحسین واله(علیه السلام) وصحبه فی مقارعةالظلم، فکانت للصورالحسیة (سبعون بدرا) و(اسودالغار) و(خروا علی وجه الثری) دلالات تضمنت معانی العزم والشجاعة


1- مهرجان الطف الشعری الثانی: 38.

ص: 95

والاباء، التی وسمت بها ثورة الحسین (علیه السلام).

و وتظهر دائماً الصورة الحسیة بخصوصیة صیاغة الشاعر واستنباطه للمعنی، وما یعانیه من وجد فیمیل مرةً إلی الصورة الحسیة اللونیة لیقنع المشاهد، تأمل قول الشاعرعبد الحسن زلزلة الذی یمزج بین الحرکة واللون فی صورته الحسینیة(1):

هذی دماک علی فمی تتکلمُ         ***     ماذا یقول الشعرُ إن نطق الدمُ

هتفتْ وللاصفاد فی الید رنّة            ***     والسوطُ فی ظهرالضعیف یُحَکّمُ

فالشاعر اعطی دلالة نصه حین اعتمد التشخیص(دماک تتکلم)، ومن ثم الصورة الحسیة الصوتیة دلت علیها (رنة)، ومن ثم الصورة اللمسیة(والسوط فی ظهر الضعیف یُحَکّمُ)، وبذلک حقق وحدة دلالیة لنصه، اذ لاصمت أمام الظلم، وتجلت بذلک وحدة الصراع أی الموقف من الوجود، فقد اثبت الشاعر حقیقة ثورة الحسین(علیه السلام) وهی تقارع واقعاً فاسدا عبر الکثافة الشعریة فی نصه.

ونجد الشاعر عبد نور داوود یعتمد الصور الحسیة بأعلی طاقاتها وهو یقرب المشهد الصوری من المتلقی(2):

أو انت؟!! حاشا یاحسینک تخذل   ***     هم یاعراق، دعوهُ ثم تکربلوا

أقبلْ إلینا یابن بنت نبینا      ***     واذا السیوف هی التی تستقبلُ

أقبلْ إلینا حان وقت حصادنا           ***     وإذا همو بید الدراهم من_جلُ

لقد کان الشاعر میالا الی جعل الصورة الحسیة قائمة بوظیفة اجتماعیة، فقد عرّت صوره اولائک الذین خذلوا الحسین (علیه السلام)، وباعوا دینهم بدنیاهم، فالشاعر عبر عن ذلک بقوله(اقبل الینا...واذاالسیوف هی التی تستقبل)، فالصور حسیة حرکیة أفضت


1- القصائد الخالدات فی حب أهل البیت.:116
2- مستدرک شعراء الغری:165

ص: 96

الی ان هؤلاء اصبحواعبیدا للدرهم، ثم یعود الشاعر لیؤکد ان الحسین لم یقتل وإنما هو الذی قتلهم فیقول:

قتلو الحسین...فحزهم بدمائه           ***     وبقیت فی دمه ودمعه تُقْتَلُ

ورموا القمیص مبللا بدمائه ***     واذا به بدم الع_راق مبلل

فقد توحد الشاعر مع القضیة ومع العراق، وانتهی الی ان الدماء التی ضرج بها الامام الحسین (علیه السلام)، انما ضرج بها العراق باکمله، فکانت الصور الحسیة خیر معبر بدلالاتها عن نقل واقع حوّله الشاعر خیالیا فجعله شیئامن وحدة الوجود، اذ بان موقف الشاعر الرافض لذلک الواقع الذی اتصف بالریاء، فلذلک لون الشاعر بصوره الحسیة العراق باللون الاحمر، لانه کان المکان الذی جمع بین وقفة الخیر والصلاح المتمثّلة بالحسین واله وصحبه (علیهم السلام)، وبین لمة الکفر اعوان الطاغیة، وبذلک حقق الشاعر نموا فکریا لصور اضاءت مضمون نصه.

وتمثل وحدة الصراع عند الشعراء الحسینین موضوعا مهما لانهم ینفذون من خلالها الی محاکمة الواقع فی زمانه ومکانه فرفضوه لانهم وجدوا فیه استفحال الباطل، وقلة اهل الحق، یقول الشاعر صادق القاموسی(1):

ابا الضحایا یا رسولا حوی  ***     شتی الرسالات فوفی الاداء

ما هالنی انک خضت الوغی           ***     للدین تفدیه بأسمی فداء

وانما عانیته من بلاء           ***     ضاق به الصبر وضج القضاء

یامالکا بالدم عرش الاباء    ***     وظامنا بالموت طول البق_اء

ان المفارقة التی یجمع علیها الشعراء فی استشهاد الحسین (علیه السلام) تتمثل فی ثنائیة الموت والحیاة، فقد استمر ذکر الحسین علیه السلام ودبت الیه الحیاة لیبقی شامخا بعد الموت، فکأنما الموت هنا یعلن بدء الحیاة، فقد بانت وحدة الصراع هنامن


1- دیوان صادق القاموسی:100

ص: 97

خلال رؤیة الشاعر التی رأی فیها الحسین (علیه السلام) جامعا لکل الرسالات، لانه داعیة الی الله سبحانه، وبصورة حسیة یبین الشاعر حال الزمان والمکان انذاک، فکان الواقع قاتما لضیاع الحق فیه، لذلک تأوه الشاعرمن جراء ماعاناه الامام الحسین (علیه السلام) واله وصحبه (رضوان الله علیهم)، فکانت الصور الحسیة هی المعبرة بدلالاتها التی ختمها بالحسیة اللونیة، فکان اللون الاحمرمهیمنا، شأن الشاعرفی ذلک شأن الشعراء الحسینیین، اذ یعولون کثیرا علی هذا اللون. اما الصورة الذهنیة فهی أکثر ما تکون تجریبیة تعتمد علی ایحاءاتها المعنویة والتصویریة أکثر مما تعتمد علی وخز الاحساس مباشرة، ونقل السامع إلی صور محسوسة، فالصورة الذهنیة تعول فی موقف الحقیقة علی " تصور ذهنی معین لدلالته وقیمته الشعوریة(1)"

وربما تضعف الصورة إذا کانت " برهانیة عقلیة؛ لأن الاحتجاج أقرب إلی التجرید من التصویر الحسی الذی هو من طبیعة البشر(2) ".

ولما کانت الصور الشعریة بشکل عام وبحسب الادوات التوصیلیة هی صور ذهنیة إذ تترتب دلالتها بالبلاغة والانزیاح(3)، الذی له الأثر فی تکوین الصور حسیة کانت أم عقلیة، فالصورة الذهنیة تتواشج مع الصورة الحسیة فی نقاط مختلفة، إذ إن الصورة الذهنیة هی التی تنشأ بسبب تغیر دلالاتها والانزیاحات التی تحدث داخل الصور المرکزیة التی هی "المقاطع المستقلة الدالة علی وحدة معنویة بغض النظر عن عدد الصور البلاغیة والرمزیة الموجودة فیها(4) ".


1- الشعر العربی المعاصر، عز الدین اسماعیل /132.
2- النقد الادبی الحدیث /442.
3- ظ:البنیات الدالة فی شعر امل دنقل /107.
4- المصدر نفسه /136.

ص: 98

فالصورة الذهنیة وسیلة فنیة تختص بتصویر الاشیاء خیالاً، انطلاقاً من قصدیة المعنی القائم علی الباعث لتکوین هذا النوع من الصور ومما یلفت النظر ان الصورة الذهنیة الحسیة تمیّزت بمخالطة للصورة الحسیة فاتشحت بجلبابها، وتمثلت بما هیتها وهنا المفارقة وکأن الصورة الحسیة الحسینیة ذهنیة والأخیرة حسیة تأمل قور الشاعر حیدر الحلی(1):

إنْ لم أقفْ حیث جیش الموت یزدحم  ***          فلا مَشَتْ بی فی طرقِ العُلا قدمُ

لأحلبنَ ثدیّ الحربِ وهی قنا               ***          لبانُها من صدور الشوس وهو دم

جفّت عزائم فهر أم تُری تردت            ***          منها الحمیّة أم قدماتت الشیم

إذن لکلِّ نوع من هذه الصور غایاته وضروفه التی تحتم علی المنشئ اختیارها، فثمة علاقة بین نوع الصورة والانفعال النفسی، وتظهر تلک العلاقة فی بناء الصورة؛ لأن "الصورة إعادة انتاج عقلیة لذکری تجربة عاطفیة أو ادراکیة(2)".

فعملیة ترابط النص بحسب اداء یعنیه الشاعر یظهر "شکل العمل وجماله متدفقاً عن عاطفة کشفتها الحرکات واستندت علی عنصری التشخیص والتجسیم، إذ یدفع ذلک العقل إلی التحکم بالتداعی أو التمرکز اللونی(3)"، ومن هنا تأتی الصورة الحسیة نتاجا للتعبیر "عن العوالم الشعوریة المجردة بطریقة تجعله یستثمر مدرکات العالم واشیاءه الحسیة للقیام بمهمة الاداء(4)".

فضلاً عن ذلک فأن العلاقة وطیدة بین الصورة الحسیة والانفعال وتکون لها القوة والتأثیر فی المتلقی، فهی تؤکد وتدل علی الغایة، لأنها تعتمد الحواس ولهذا کان امرا "محمودا ً أن یمثل الصورة _ حسیاً _ فکرة أو عاطفة(5) "، فکانت الصورة الذهنیة متعانقة مع الصورة الحسیة وسیأتی المبحث الثانی لنتناول التطبیق الاجرائی الذی یبین ذلک.


1- من لایحضره الخطیب، 158.
2- الأسس النفسیة للابداع الفنی (فی الشعر خاصة)، د.مصطفی سویف /294.
3- النص الادبی من التکوین الشعری إلی انماط الصورة البیانیة، د.صباح عباس عنوز /77.
4- البنیات الدالة فی شعر امل دنقل /92.
5- ظ: النقد الادبی الحدیث، محمد غنیمی هلال /451.

ص: 99

المبحث الثانی: التطبیق الاجرائی للصورة الحسیة فی الشعر الحسینی

ظل الشعر الحسینی قیثارة الوجد النابضة بقدسیة الموقف النبیل وموال المشاعر المتدفقة فی شرایین التاریخ المنصف، ینز حنینه کلما مست کف الظلم والجبروت ظهر الإنسانیة، أو لوی العنت عنق الحقیقة إذ لما یزل الحسین (علیه السلام) رمزاً قدسیاً تجثو عند قدمیه عناءات الإنسانیة وتستریح فی ظله أوجاع المحرومین الناجین من اخطبوط القهر، وبقی هذا الرمز المقدس یختزل مساحات البوح ویضیء فضاءات التاریخ بالعبرة والصلابة، مرتکزاً بموقفه علی صفاء الیقین وانبلاج سطوعه، ولهذا زاحم هذا الرمز الشمس الأزلیة فی سطوعها منذ أن قال الحسین (علیه السلام) قولته الصادقة المعبرة عن حبه لله سبحانه، "إنی لم أخرج أشرا ولا بطرا ومفسدا ولا ظالما انما خرجت لطلب الاصلاح فی أمة جدی محمد صلی الله علیه واله وسلم"(1)، ویقیناً


1- المناقب 4/88.

ص: 100

ان الله تعالی قد أحبه فجعل ذکراه مقدسة فی النفوس الصافیة وقاهرة لمن لا یرید للحقیقة ان تبزغ من سماء مکانتها السامیة، لانه مثّل موقف الحق اذ یقول "فانی لا اری الموت الاسعادة، والحیاة مع الظالمین الا برما"(1)، ولهذا انتصر الشعر للحقیقة فامتدت القصیدة الحسینیة امتداداً طویلاً فی نسیج الزمن وکأنها أرادت ان تبقی أزلیة هی الأخری، منذ عصر (المخبآت) حین أودع محبو الحسین (علیه السلام) قصائدهم فی حنایا الزمن فحافظ علیها من الضیاع، یوم شعر التوابون بفداحة أمر استشهاد الإمام الحسین (علیه السلام) وآل بیته الأطهار وصحبه الأبرار، حین ألْجِمَت أفواه القصائد بالسکوت ورعب الخوف الأموی – أقول – بقیت هذه القصائد تسری فی عروق الزمن وتتفرع فی دروبه وتزهر فی محطاته، فکانت تنساب إلینا حزناً شفیفاً کأنه خیط متصل یلم حلقات الازمان المتعاقبة، وکلما لامست تلک القصیدة بیئة خالیة من عیون الشیطان، ومن سوط الظلم والغرور السلطوی، کلما نمت وأورقت فأزهرت ثمار الإبداع، وهذا دیدنها فی کل عصر ومصر.

لذلک أعد القصیدة الحسینیة عمراً مکتنزاً بالخبرة والدربة الفنیة والمران اللغوی، وعمق البناء الفنی واتساع التجربة، والغریب ان فنیة هذه القصیدة تتسامی نمواً وتزاد تجدیداً عند کلّ جیل یلحق بأخیه السابق، فأصبحت ملامح هذه الصورة الحسینیة ذات سمة خاصة بها لا تغادر بناءها المعماری، ولاسیما فی انساقها المختلفة، ومن تلک الصور الصورة الحسیة الحسینیة التی تمیزت بالنضوج والتنوع علی وفق صیرورة التجارب الشعریة ومسایرتها للإبداع الشعری.

والمتأمل فی الشعر العربی الذی قیل فی الإمام الحسین (علیه السلام) وآل بیته الکرام، یراه یتسم بطاقة ایحائیة تمکّن المتلقی من الانشداد مع الفکرة، وتثیر فیه لحظة


1- حلیة الاولیاء 2/39.

ص: 101

زمنیة تنتقل خلالها الفکرة والعاطفة بقوّة فائقة وقادرة علی اشعار المتلقی بالاستمتاع والارتیاح من جانب فنیة الصورة، ومن الجانب الفکری فأنها تجرّ المتلقی إلیها من خلال التفاعل والانفعال مع ما مرّ بآل البیت (علیهم السلام) من غصص، فأخذت القصیدة الحسینیة مدی واسعاً " فالشعراء الذین وقفوا علی مصرع الحسین (علیه السلام)، والشعراء الذین ندبوه وثاروا من أجله، والشعراء الذین وقفوا بین یدی الأئمة (علیهم السلام) کان لهم جمیعاً فضل السبق فی وضع اللبنات الفنیة لقصیدة الرثاء الحسینی المعاصر(1) ".

وسیقوم التطبیق الاجرائی برصد الصورة الحسیة بأنواعها وهی تدخل نسیج الشعر الحسینی وتفضی إلی دلالات توخاها الشعراء، وارتضوا هذه الصور الحسیة سبیلاً لإیصال مبتغاهم، ولم نفرد لکلِّ نوع دراسة وانما ستکون الأنواع متداخلة؛ لأن من میزات الصورة الحسیة الحسینیة هی أن تتداخل الأنواع فیما بینها وربما کانت فی الصورة الجزئیة الواحدة أو الصورة العضویة أو المرکبةصور حسیة کثیرة، ولنتأمل الصورة الرمزیة الحسیة فی الشعر الحسینی وهی تجمع بین أنواع الصور الحسیة وبین ما یتجه الیه الشعر الحدیث الحرّوقصیدة النثر فی بناء النص، سنجد إتجاهاً آخر فی الشعر الحسینی فهو یقف مرّةً بین الصورة المباشرة الواضحة المعلنةِ من موقف الشاعرتجاه الوجود، ومرة بین الصورة التی تحتاج إلی تأویل، ففی هذه الصورة الرمزیة الحسیة التی یحاول الشاعر أن یقف خلفها ناقداً من خلالها الواقع، تصبح القصیدة مقطوعةً تدور حول فکرة واحدة إذ یصبح الرأس والأرض والشمعة رموزاً تعکس رفض الشاعر لواقع أحیط بالحسین وآله الکرام (علیهم السلام) فنبذ مَنْ لم ینصر الإمام (علیه السلام) وآل بیته (علیه السلام).


1- الإمام الحسین علیه السلام عملاق الفکر الثوری، د. محمد حسین الصغیر/360.

ص: 102

یقول عبد المنعم القریشی فی قصیدة (الرأس یبحث عن جسد الطفل)(1)

سلامٌ علیک، سلامٌ علیک.

سلامٌ علی الأرض إذ تخجلُ الآن من مقلتیک

سلامٌ علی کلِّ دربٍ یؤدی إلیک

سلامٌ علی شمعةٍ تذرفُ الدمع وقت الغروب

وتبکی (محمداً) وتبکی سماءً طواها الشحوب.

کان السلامُ مفتاحاً لحالة الشاعر الانفعالیة، ونجد استجابة مرتکزة علی دور الانفعال المتبادل بین مشاعر الذات وقواه المتدفقة عبر معانی الکلمات، فی محاولة الشاعر لجذب انفعال المتلقی إلیه ومشارکته له.

فیرتمی الشاعر فی أحضان الانفعال المتبادل، فتأتی الصورة الاولی عبر التشخیص (سلام علی الأرض إذ تخجل الآن من مقلتیک)، وبذا جعل الشاعر الأرض أکثر احساساً من أولئک الذین امتطوا الرذیلة، وأداروا الظهر عن قیم الفضیلة، وبمثل ذلک شخّص الشاعرُ الأرض والشمعة وجعل لهما الاحساس (سلام علی شمعة تذرفُ الدمع وقت الغروب)، فما بال أولئک الذین لا یهزُّهم واعزُ ضمیر، فیؤکد الشاعر باستعارةٍ رفضه لأولئک والتخلی عن مخاطبتهم؛ لأنهم لا یملکون الهاجس الانسانی، فیعمد إلی مخاطبة الجمادات، فهی أکثر مروءة من اخوان الشیطان علی رأیه بحسب الدلالة الایحائیة للنص، إذ یقول:

سلامٌ علی غصن زیتونةٍ راعفة، بأیامها النازفة

بصیحة طفل حزین، بأحلامها والجبین

سلامٌ علی عیشةٍ تستفیق

تفتش فی السرِّ عن قاتلی


1- مهرجان الطف الشعری الثانی: 19

ص: 103

ثم یصل الاستذکار بالشاعر، حین یصل الافق الوجدانی إلی أعلی مراحله حیث یحصل الجمع بین انفعال الحسرة علی الماضی وروح التهکم علی تلک النفس المملوءة بالدنس، یوم لم تعر شیئاً لحرمة آل البیت (علیهم السلام) فیقول الشاعر مختتماً نصه بعد أن أحاط به الانفعال فقطع علیه التعبیر...

سلامٌ.. ودعنی لشأنی

فختام الشاعر ینبئ عن سخطه ولومه للواقع، فاراد ان یکون منعزلا عنه. ونجد الصورة الرمزیة تتألق بحسیتها فی نص شاعر اخر اذ یقول(1):

سلام علیک

علی دمع تعثر فی وجنتیک

علی تمتمة بلا أجنحة رفرفت فی شفتیک

علی نظرة حیری تبسمت فی مقلتیک

فالصورة الحسیة اعتمدت الرمز فتنقلت من حسیة حرکیة (تعثر, رفرفت) الی صورة حسیة بصریة (تبسمت فی مقلتیک)، ثم بقی الشاعر یرکز علی حرکیة الصورة الحسیة الملونة بالحمرة، انسجاماً مع ما تعرض له الامام الحسین (علیه السلام) کما فی النص الاتی:

سلام علیک

علی سر تجذر فی السنین

علی دمع ینبع فی الیقین

علی صوت تورد بالحسین

ثم تاتی الصور الحسیة اللاحقة عاجةً بالتشخیص والتجسیم لتتناسب مع هول الحدث الذی مرَّ به الحسین وآلِ بیته (علیهم السلام)، کما فی النص الآتی:


1- عندما تتمتم عیون المغفرة: 34

ص: 104

سلام علیک

علی وجع فی کل آنٍ یورق بالأنین

سلام علیک

علی الخلود استطال علواً فی ساحتیک

علی جسد تعاورته الضبا والذئاب

علی لحظة غرقی بثوب الضباب

علی العیون الجائعة، علی الدموع الذابلة یکبلها سوط الاغتراب

 علی الغیرة تهش أرتال الذئاب

ونجد الصور الحسیة قد اکتسبت صفتها تناسباً مع انفعال الشاعر ومراعاة لمقتضی حال واقعة الطف، فکانت الرموز (الذئاب، الطفل، الصلاة، الفلاة، الطغاة) تحمل معها دلالات ایقاعیة، فضلا عن معانیها التی أنارت فضاء النص کما فی قوله:

سلام علیک

علی طفل تبسم للرماة

مدت عباءتها علیه الصلاة

سلام علیک

علی شمل تشظی فی الفلاة

فاستدارت علیه غیوم الطغاة

وراح یرنو الیک

ویبقی الإیقاع محافظا علی علاقته بالصورة الحسیة، فهو یتنوع معها طبقا للدلالة وحرکیة النص، واعتمادا علی هیمنة الرمز فی الصورة الحسیة، فاصبح الایقاع ونوع الصورة الحسیة ودلالة الرمز وطاقته الایحائیة فی النص کلها عوامل مساعدة فی تقدیم صور حسیة اکثر تماسا مع وجدان المتلقی، کما فی الرموز(شمل التقی، نسل الهدی، الربی، المدی، أنیاب الدجی، رقیة، غول، تلول، مقلتیک، منکبیک، معصمیک، راحتیک،

ص: 105

الخلود،التاریخ)، وأنهی الشاعر هذه العلاقات الدلالیة بان الخلود یطأطأ رأسه للحسین(علیه السلام) لفعله الانسانی المجید, وقد ساعدت الصورة الرمزیة مقرونة بحسیتها علی ذلک کما فی قوله:

سلام علیک

علی نظر یتابع خطوک مشدوداً الیک

سلام علیک

سلام علی شمل التقی. علی نسل الهدی تناثر فی الربی

علی رقیة هامت فی المدی

تعقبها الخوف وأنیاب الدجی

سلام علیک..علیها

وقد لاحق خطوها فزع وغول

أوجاعها، کرب، تلول

فظلت تحوم،تدور،تدور وترنو إلیک

فتهوی نجمة عطشی تقبل مرفقیک

وفی الملکوت صوت یضج..یصیح

سلام علیک

علی سیف تمدد حاسراً فی معصمیک

علی فرات تبلل من مقلتیک

علی عطش تفجر نهراً من منکبیک

علی تمتمة ضائعة فی شفتیک

سلام علیک

علی یوم توضأ من راحتیک

إلیک.....إلیک

کل الخلود یطأطأ رأساً إلیک

ص: 106

وذا التاریخ متکسراً ترجل فی ساحتیک

یجثو، یقبل خاشعاً

طف الأسی، قدمیک

سلام علیک......سلام علیک.....

 فکان هذا السیل من الصور الحسیة بشتی انواعها عاملا مساعدا علی ایجاد علاقة بین النص والمتلقی وکل صورة حسیة هنا اصبحت رمزا ودالا تاریخیا فی آن واحد، فانعکس ذلک علی تصویر مشاهد مختلفة من واقعة الطف، یستشفها القارئ او السامع بنفسه وهی لا تحتاج الی تعلیق، تأمل الشاعر عبد الحسین الاعسم، وهو یصور بأسالیب البیان صوره الحسیة الحسینیة حین یقف فی رحاب الذکری للإمام الحسین (علیه السلام) فیقول(1):

قد أوهنت جَلَدی الدیار الخالیه       ***     من أهلها ما للدیار وما لیه

ومتی سألت الدار عن أربابها           ***     یُعد الصدی منها سؤالی ثانیه

ولقد دعوه للعنا فأجابهم     ***     ودعاهمو لهدیً فردّوا داعیه

ما ذاق طعم فراتهم حتی قضی        ***     عطشاً فغسل بالدماء القانیه

یا ابن النبی المصطفی ووصیه          ***     وأخا الزکی ابن البتول الزاکیه

تبکیک عینی لا لأجل مثوبة           ***     لکنما عینی لأجلک باکیه

فالصور الحسیة هنا امتلکت الاضاءة الفکریة والمعاینة الروحیة معا، إذ طوع الشاعر صوره الحسیة معتمداً أسالیب بیانیة (أوهنت جَلَدی الدیار الخالیه)، و(سألت الدار عن أربابها)، والمتأمل هنا یجد الشاعر یستعمل المجاز فی هذا البیت، ثم تأتی الکنایة مکملة للصورة الکلیة، فأصبحت أسالیب البیان صوراً جزئیة تلتحم مع بعضها لتکوّن صورة مجازیة کلیة، وبذلک أصبحت هذه الظاهرة متوافرة فی النص الحسینی، فبجمع الادائین


1- من لا یحضره الخطیب /210.

ص: 107

البیانین تلتئم الدلالة الفکریة، ویضیء فحوی الدلالة، وعبرّ هذا النص عن إیضاح دوال تاریخیة تمثلت بوقوفه علی الدیار الخالیة، وفی دعوة الذین تنصلوا عن دعوتهم فردوا مسلما (علیه السلام) فقتلوه، وفی موقف العطش الذی مرّ به هو وآله وصحبه، وختم صوره الحسیة بدال تاریخی هو ترکهم لابن بنت رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) مضرجا بدمائه، وانتهت الصور الحسیة بفکرة فلسفیة مفادها ان الشاعر لم یبک من اجل المثوبة وانما تبکی عیناه بسبب ما مر به الحسین (علیه السلام) فی فاجعة الطف، ولنقف عند صور حسیة اخری، اذ یقول السید محمد سعید الحبوبی فی عاطفة جیاشة(1):

نزعتک من یدها (قریش) صقیلاً    ***     وطوتک فذاً بل طوتک قبیلا

فکأن جسمک جسمه لکنه ***     کان العفیر، وکنت أنت غسیلا

وکأن رأسک رأسه لو لم یکن       ***     عن منکبیه ممیزاً مفصولا

وحُملت أنت مُشَرِفاً ایدی الوری     ***     وثوی بنعش لم یکن محمولا

لقد أتکأ الشاعر علی الصورة الحسیة لایصال غایة قوله فختمها بمفارقة، أسهمت الصورة الحسیة فی انتاجها، فعملیة المقارنة حققت دلالة ایحائیة أجاد الشاعر إیصالها إلی المتلقی وهذه قدرة فنیة یتمیّز بها الشعراء المبدعون، إذ إن هذه السمة وضحت فی النص أعلاه وهی، هی من نتاج الصورة الحسیة التی وسمت مشاهد النص المذکور فالنجف مدینة الشعر ومنبت الثقافة، وصورهم ملونة بدماء کربلاء، معبأة بدموع الولاء، تفننت قابلیاتهم فی صنع الصورة، وأکدت انتماءهم إلی مدرسة النجف المدرسة الشعریة العربیة التی زخرت بالکبار، وغدّت العربیة بالانتماء الأدبی، فکان حرفها صافیاً سلیماً نابعاً من صحو الضمیر المتوقد بحب الرسول الکریم (صلی الله علیه وآله وسلم) وآل البیت (علیهم السلام).


1- دیوان محمد سعید الحبوبی /423_425.

ص: 108

 فالصورة الحسینیة أخذت طابعاً ممیزاً، ولعل التمیّز متأتٍ من تمثّل الشاعر للموقف، وعودة الذاکرة إلی أطواء التأریخ عَبْرَ الزمن النفسی.

فالشاعرُ أیُّ شاعرٍ یهمهُ أن یقتنع أولاً بعمله، وقناعتُه تعنی صدقه الفنی، فیختار المفردة الدالة، وینتقی مسالک التعبیر لتتحقق عنده وحدة موضوعیة، فالوحدة تمتد تحت اطار المشهد الصوری، وعبر هذا المشهد یقدّم الشاعر مادتَه، غرضَه، دلالتهُ، لنتأمل لشعر الدکتور محمد حسین علی الصغیر وهو یخاطب المتلقی معارضاً قصیدة (أحمد شوقی) فی بنی أمیّة فیقول(1):

قِفْ فی رُبی الطفِّ وأنْشُدْ رسْمَ من بانوا       ***     فأنها فی جبینِ الدهرِ عنوانُ

ویرکز علی الصورة الحسیّة الملونة فیقول:

وآسْتَلهِمِ التربةَ الحمراءَ ناطقةً          ***     بها الدماءُ الزواکی فهی تبیانُ

ثم تتألّقُ قابلیته التعبیریةُ وتجود الذاکرة، عبر شبکات قائمة علی مبدأ الاحتمال والتوّقع حتی فی الصورة، أی سحب المتلقی للمشارکة فی الکلام، تأمل قوله فی نزول آل البیت (علیهم السلام) إلی أرض کربلاء(2):

حتی إذا نزلوا فی (کربلاء) سرت    ***     للحرب فیهم مغاویرٌ وفرسانُ

تذرعوا الصبرَ، فالأبدانُ أُضْحِیَةٌ       ***     واستشعروا الموت، فالأرواح قربانُ

ویعمد إلی الاستعارة المجردة، وصولاً إلی رسم صورته الحسیة حین یرید أن یصف أفعال آل البیت العظیمة وشمائلهم الکریمة، فیقول(3):

بیضُ الوجوهِ، فما انحازوا ولا انتکسوا          ***     شُمُّ العرانینِ، ما هانوا وما لانوا


1- دیوان أهل البیت، د.محمد حسین الصغیر/187.
2- دیوان أهل البیت/187.
3- المصدر نفسه /187.

ص: 109

یستشرفون سیوفَ الهندِ لاهبةً         ***     ویمتطون العوالی وهی مُرّانُ

لقد کثرت الصور الحسیة بانواعها فی هذا النص وان کثرة لصور الحسیة فی الشعر دلیل علی احتدام الانفعال الوجدانی لدی الشاعر فکان المجاز والتشخیص فی (وانشد رسم من بانوا)، قد حقق والصورة البصریة التی ابدع الشاعر، فیها حین اضاف المحسوس الی المعقول (جبین الدهر عنوان)، وتألق التشخیص عنده مرة اخری حین جعل الدماء ناطقة مفصحة عن یوم الطف فکانت الصورة الحسیة حاضرة عبر (ناطقة بها الدماء)، ثم جاءت الصور الحسیة الحرکیة والبصریة متساوقة مع انفعال الشاعر (نزلوا فی کربلاء) و(مغاویر وفرسان) (فالابدان اضحیة)، ثم یتفاعل الشاعرُ کثیراً مع نمو الصورة فیمنحها الحسیة عبر الحرکة، لینقل لنا مشهداً صوریاً تلتقطهُ ذاکرتُه المتوحدّة مع الحدث فی ساحة الطف، فیقول فی صورته الوصفیة(1):

البیدُ بالخیلِ.. والبطحاءُ حافلةٌ          ***     بالمشرفیةِ..والأفاق حُسبْانُ

والأرضُ ترمّلُ بالأبطال زاحفةً         ***     إلی المنایا.. ووادی الطفِّ میدانُ

فالصورة سمة ظاهرةٌ تمیزالأسلوب، وللأسلوب خصائص تتعلق بمفردات الشاعر، فلنشاهد صورتین حسیتین للشاعر، وقد تحدثتا تاریخیاً عبر حسیتهما، فانکمش مجال التعدد للمعنی، ولا یقبل التأویل الصوری هنا، إذ یقول(2):

لولا الحسینُ لقامَ الأفقُ واندلعتْ      ***     شرارةٌ.. وطغی للغیِّ طوفانُ

والناسُ عادتْ إلیهم جاهلیتهُم         ***     وقُدِّسَّتْ بَعْدُ أصنامٌ وأوثانُ

والدینُ عادَ غریباً بعدَ حدّتهِ            ***     والحقُ عاثَ به بغیٌ ونکرانُ

ما کان غیرُ أبی الأحرار منقذها       ***     بصرخةٍ هی للتغییر عنوانُ


1- المصدر نفسه /187.
2- دیو.ان أهل البیت، 183

ص: 110

لقد تعاونت کل أسالیب البیان مع تثویر اللغة فی السیاقات الترکیبیة، لإظهار هذا المشهد الصوری الحسی المقنع بالحجة، فکان المقطع الصوری حسیّاً منسوجاً بدقةٍ، مبینا هنا فضل ثورة الحسین (علیه السلام) علی الإسلام والمسلمین.

أما فی الصورة الحسیة الثانیة فیؤکد الشاعر بقاء وشموخ القباب، وبالاستعارة، والمجاز، والکنایة، یتحقق هذا المشهد الصوری الحسی المزجج بلون القباب الذهبیة، وتحمد للشاعر قدرته التعبیریة الرائعة فی إظهار هذا المشهد فیقول(1):

هذی (القبابُ) سراجٌ لا انطفاءَ له     ***     وکیف یُطفئُ نورَ اللهِ طغیانُ

تهدی السماءَ نجوماً من أشعتها       ***     ویستضیءُ بها فی اللیل حیرانُ

وتُحْشدُ الأرضُ فیها الشهب سابحةً  ***     وتستطیلُ إلیها وهی أکوانُ

ما زال فیها نشیدُ الحقِّ مُنطلقاً           ***     یصحو به الدهرُ حیثُ الدهرُ سکرانُ

فالشاعر بصوره الحسیة عبر عن مکنونات فکرته وما یعتقده مؤکدا علاقة القباب بالایمان فکانت الکنایة بالتعریض تنفی انطفاء سراج هذه القباب، لانه (وکیف یطفیء نور الله طغیان)، ثم انها معلم للهدایة ریثما تعثر الدهر او سکر فهی لما تزل (نشید الحق منطلقا)، إذْ إنّ قضیة الإمام الحسین (علیه السلام) مثلما تخطت حدود الزمان والمکان، فأنها تخطت حدود التقیید، فاصبحت مثالاً للإنسانیة، وقد حرص الشاعرالحسینی علی تلوین صوره الحسیة الحسینیة باللون الأحمر، کما هی الحال عند الشیخ عبد المنعم الفرطوسی الذی یقول((2):

بنی مضرالحمراء فاتکم الوتر          ***     فضاع لکم فی کل ارض دم حر


1- المصدر نفسه، 187.
2- ().دیوان الفرطوسی، 85

ص: 111

أو قول الجواهری (1):

کأن یداً من وراء الضریح   ***     حمراء (مبتورة الأصبع)

أو قول الشیخ أحمد الوائلی (2):

فأکبرت فیک الدّمَ أسرجَ شعلةً       ***     بقلب ظلام اللیل حتی تبددا

فالشاعر الحسینی یحرص دوماً علی إعطاء الصورة الحسیة الحرکیة المشاهدة لکی یقتنع المتلقی بالفکرة، تأمل قول السید محمود الحبوبی یرسم بلوحته التاریخ والواقعة معاً عبر صورالحسیة، فتؤکد الصور مضامین کثیرة، فهو یقول (3):

ودعتْک کوفانٌ ومذ وافیتها            ***     وافاک جیشٌ کالجبالِ لهامُ

وهذه صورة أخری متحرکة مرسومة بالاستعارة عبر التجسید یقول فیها(4):

تمشی الحتوفُ أمامه ووراءهُ          ***     وبه تغصُّ البیدُ والأکمامُ

الأرضُ تملؤها الفوارسُ کالدُبی      ***     والجوُّ تلطمُ وجههُ الأعلامُ

فوقفْتَ تذکرهم ذِمامهم الذی        ***     أعطوا، وهل للخائنین ذمامُ

فهذه الصور الحسیة متکئة علی صورة ذهنیة (تمش الحتوف) وهی ناطقة عن مشهد تاریخی جمع بین دعوة الحسین بالقدوم الی العراق وبین رسم مشاهد الجیش الذی اعترض الحسین واله وصحبه (علیهم السلام)، فکانت المشاهد الحسیة البصریة والمتحرکة والصوتیة کلها شاهد عیان علی نقل دال تاریخی لا یحتاج السامع الی شاشة عرض کی یراه، وانما کانت هذه الصور کفیلة بنقل الواقعة بأدق جزئیاتها الیه، فالصور


1- دیوان الجواهری:3/231.
2- دیوان الوائلی، الوائلی /113.
3- مجلة الرابطة /89_91.
4- مجلة الرابطة /89_91.

ص: 112

الحسیة الحرکیة فی الشعر الحسینی اتخذت مساراً ابداعیاً فنیاً، ینبئ عن حرفة ودربة متلازمتین عند الشعراء ومنهم عبد الاله جعفر فمثلما تمکن الشعراء من براعة النسج لصورهم الحسیة الحرکیة، وقدرتهم فی التقاط دلالاتها, فان الشاعر عبد الاله قد عرف الخصیصة، فاذا کان نمو الانفعالات یرافقه هبوط فی فنیة النص والأخذ بها الی المباشرة فقد وجدت الشاعر جعفر، قد انفلت من هذا التقیید، وطوعه لصالح منجزه الشعری, فکلما زاد انفعاله کلما خاض غمار البناء الفنی الدقیق للصور الحسیة التی أرتقت درجات فی اظهار قدرته علی صیاغة الواقع صیاغة تقنع المتلقی، وتجر شعوره نحو مشاعر الشاعر, أیاً کان موضوع النص.

فتأخذ الصورة الحسیة الحرکیة حیزاً مهماً فی هذا التکوین البنائی للصورة الفنیة الحسینیة نفسها، ولدلالاتها عنده الشاعر، اذ تتضافر بنیات الشکل مع أفکار المضمون... یقول فی قصیدته لأبی الفضل (علیه السلام) (1):

بعزمک هذا الم_دی مفع_م            ***     وحب الحسین لک المغنم

وصبر الکرام ومجد العظام  ***     یتوقان خطوک یا ضیغ_م

لقد کبرت تجربة الشاعر وتنامی المضمون فی صوره الحسیة بشکل لا تستطیع القافیة الواحدة ان تضم الی دفتیها نوازعه المضمونیة, فجاء الشاعر بمیزة حسیة حین وازن بین المضمون والقافیة, وبقی هذا التوازن یسیر علی وفق ملاءمة المضمون للشکل فی کل فکرة تتوطن بناء القصیدة, فثمة موضوع جزئی وثمة بناء لوحدة موضوع کلیة, وهنا بدأ الانطلاق الابداعی یؤشر نحو ملامح جدیدة فی بناء الصورة الحسیة فی تجربته, تأمل قوله(2):


1- الطف /19.
2- دیوان الطف مجموعة شعریة /18_19.

ص: 113

یا ابا الفضل أی طرف اجیل           ***     ولأی الجراح من_ک امی_ل

أی بأس هذا الذی قد تفری           ***     بین جنبیک واصطفته النص_ول

أی شهم تناوشته المنایا      ***     فغدا حوله یم_وج الصلی_ل

لقد اختار الشاعر للفن الشعری المختوم قفلاً یتماشی مع تلوینه الشعوری الذی بدأ مهیمناً علی مواضیعه المطروقة فی جسد القصیدة الواحدة, لذلک مال الی الربط بین بناء الصورة الحسیة الحرکیة وبین ذلک القفل او الخاتمة التی فرضها علی ذاکرته الشعریة (الوعی الجمعی) أی رکونه الی (الردات الحسینیة) کما فی قوله(1):

هتفَ الناعی فضجّت کل أفلاک السماء      ***     قد هوی سبط النبیّن خضیباً بالدماء

فکان التطعیم ینم عن قدرةٍ ابداعیة جیدة وسعی الی رسم ملامح الصورة الحسیة علی وفق تجربة خاصة به, هذا من جانب, ومن جانب آخر وجدت الشاعر له القدرة علی رسم الصورة الحرکیة التی لها القابلیة القصوی فی بث الایحاءات عند المتلقی والاسهام فی تفعیل روافد التلقی, ولعل هذه الخصیصة تنبئ عن قلق مزمن ولا استقرار مرضٍ عند الشاعر, فاستطاع ان یطوع الصورة الحسیة الحرکیة مع تموج مشاعره فیحمد له امساکه بناصیة البناء الفنی أیضاً وهذه تسجل له لا علیه, تأمل قوله فی یوم الطف(2):

طرق الکرامة فی رحابک تمرعُ      ***     وضحی الفداء بهدی نهجک یُرفعُ

یا ملهمُ الثوار لحناً مبدعاً    ***     للعنفوان ولیس مثلک مُبدعُ

غذّتک احضانُ الرسالة بوحها         ***     حتی سموت فأنت فینا الأروعُ

فالصورة الحسیة الکبری کانت مزیجاً من صور حسیة جزئیة ضمّها التلوین الشعوری الذی کان سمة بارزة فی قصائد الشاعر، وتبقی صورته الفنیة الحسینیة ینبوع


1- الطف مجموعة شرعیة، 18.
2- صلاة فی حضرة المجد، عبد الاله جعفر/37.

ص: 114

محبة وولاء یتدفق فی الوجدان القدسی وینبئ عن عمیق حب الشاعر للحسین وآله (علیهم السلام) وصحبه الابرار (رضی الله عنهم)، وتتحدث عن صفاء ولائه, وحقیقة طاعته, وصحیح انتمائه لقضیة الحسین (علیه السلام) التی هی قضیة الضمیر الانسانی ما مر وقت أو تلاحقت أجیال اوتبدلت أماکن.

ولنقف عند الشاعر العراقی عبد الباقی العمری الموصلی، إذ لم تکن الصورة الحسیة الحسینیة لدیه الا وجداً ملتهباً بحب آل البیت (علیهم السلام).

فهو لا ینقل الشعور الصادق فحسب بصوره، وإنما یحثها علی أن تکتسی بالحسیة عبر الحرکة واللون، فتصبح الصور الحسینیة عنده لیس بحسب شکلها المقنع، وإنما بما یُمَلُّکها من دلالات فنیة تفوق تأمل هذه الصورة الحسیة الملونة بالحمرة والانفعال الصادق، فقد رسمتها أسالیب البیان کافة متعاونةً مع الدلالة اللغویة بأسلوبها الفخم، اذ یقول(1):

نَدْبٌ له الدنیا أقامَتْ مأتماً  ***     حتی به الدینُ علیه نَدَبا

سیدُ شبانِ الجنانِ طالما      ***     تشریَفُه أهلُ الجنانِ ارتقبا

کان أبوه سیّداً کجّدِه        ***     للانبیا والأوصیا قد نُصبا

فانتخبته الشُهدا حتی غدا    ***     للشهداء سیداً مُنتخ_با

لقد أسهمت الصورة الحسیة فی اظهار استنکار الشاعر لما حدث للحسین (علیه السلام)، ومن ثم فأن الصورة الحسیة اتصفت بالحزن وتأکید مکانة الحسین (علیه السلام) عند المسلمین، انطلاقاً من الحدیث الشریف بحق الحسن والحسین (علیهما السلام) " الحسن والحسین سیدا شباب اهل الجنة" (2)


1- دیوان الباقیات الصالحات، 15.
2- المصدر نفسه: 15 __ 16.

ص: 115

ونلحظ هذا الشاعر المسلم وهو ینتفض علی أولئک الذین لم یضعوا حرمةً لآل البیت (علیهم السلام)، فیصف لنا مشهداً تاریخیاً استنکره الشاعر، یقول بالصورة الحسیة الملونة:

ذَبْحٌ عظیمٌ أبْعَدَ الرحمنُ عن           ***     رحمته الذی به تقرَّبا

تَبّتْ یَدا مَنْ فضَّ خَیْزوره   ***     ثَغْرٌ أعارَ الدین ثغراً أشنبا

ثغرٌ شریفٌ طالما قبّلَهُ         ***     أبو المیامین النبی المجتبی

قد عزلوا عن الوجودِ رأسَ مَنْ       ***     لا یرتضی سوی المعالی منصبا

ویستنکر الشاعر مشهداً تاریخیاً آخرعبرت عنه صوره الحسیة حین تُعلق الرؤوس ویُسار بها من الشرق إلی الغرب.. لاحظ هذه الصورة الحسیة المتحرکة المرسومة بالکنایة والاستعارة إذْ حقق التشخیص فیها دلالة کبری:

ورأسُهُ الشریفُ شمسُها التی            ***     تخیّرَتْ من کربلاءَ مَغْربا

للشرقِ منْ غَرْبٍ قد آرتدّوا به        ***     فقیلَ وعْدُ ذی الجلال اقتربا

تبکی السما والأرضُ والأمْلاکُ      ***     والجنّةُ والإنسُ علیه سُحُبا

فیلتحم الشاعر انفعالیاً مع تلک المشاهد فیضعف امام حبّه للحسین (علیه السلام). فیقول ان حزنه یجول فی حنایاه، لا ینتفی، تأمل هذه الصورة الحسیة الحرکیة:

لو أنَّ دَمْعی کان مُسْتَمَدَّه   ***     من کلِّ بحرٍ کلُّ بحرٍ نَضَبا

حُزنی علیه دَوْرُهُ مُسَلْسَلٌ    ***     مَهْما انتهی إلی النفاذِ انقلبا

فأن ذکرتُ بالطفوف ما جری         ***     علی السَّحابِ ذیلُ دمعی انسحبا

بماء عینی ونبار لوعتی       ***     أکادُ أن أغْرَقَ أو ألتهِبا

إنّ اعتناء الشاعر بالصورة الحسیة التجسمیة، لیس لتبیان الحسیة فحسب، وإنما لإظهار الشعور الذی تحمله أفکاره ورؤاه المنبعثة من أعماقه، لان الصور الحسیة تسهم

ص: 116

فی إظهار الفکرة العامة؛ ولأن الفکرة تتواجد عند کل الناس، ولکن الأهم کیف تُقَدّم وبأی إناء، بإناء تعبیری مذهّب، أم بإناء فضی أم بإناء عادی، هنا تظهر براعة الشاعر فی طریقة التقدیم وما یختزنه من ثراء لغوی وفنی؛ لأن الشاعر حین یتحدث عن قضیة حسینیة فهی معروفة، ولکن المهم کیف یتعامل مع الفکرة وکیف یُقدّمها بطرق مختلفة، لابد أن یأنس المتلقی لواحدة من دون سواها، وهنا جاء تأثیر الشاعر فی المتلقی وهو یرصدُ شعریاً حال الفواطم الحزینة وعظم الموقف الذی مررت به، تأمل الصور الحسیة للشاعر عبد الباقی العمری وهو یتحدث عن یوم الطفوف:

یومٌ به ضَرْعُ فواطِمِ الهُدی  ***     منه سوی دُرِّ الأسی ما حلبا

ثم یصف غضب الشمس کما تذکر الروایات لحظة احتضان الحسین (علیه السلام) الأرض حین هوی من فرسه، فیعبّر الشاعر بصوره الحسینیة المرئیة الحسیة عن الانفعال الصادق الذی انبثق من وجانه فیقول:

ومادَتِ الأرضُ ومادَتِ السما          ***     وانهالتِ الاطوادُ فیه کُثبَا

والشمسُ قد أودی بها کَسُوفُها       ***     تحکی بکفِّ ابن النبی الیَلَبا

ومُذْ رداء الأفقِ من أطرافه  ***     بحُمْرَةٍ من دمهِ تَلهّبا

دمٌ کسا خدّ الطفوفِ رونقاً ***     یلوحُ فی تَوْریدِه مُشربّا

یومٌ به الاسلامُ تُلَّ عرشُهُ     ***     وانهدّ منه رُکنُه وأنثلبا

ثم یصور العلاقة الاخویة الروحیة بین الحسین وزینب (علیهما السلام) بصورة حسیة کنائیة، یُظهر فیها غباء الاعداء حینما توهموا أنهم منعوا الحسین (علیه السلام) من الماء.. لنری الشاعر عبر التوقع والاحتمال کیف یرد علی ذلک.. تأمل هذه الصور الحسیة التی رسمتها الکنایة مع المجاز العقلی:

للحربِ ناراً اوقدوها فاغتدوا           ***     ویلٌ لهم لنارِ ربّی حطبا

ص: 117

لا بکتِ السماءُ أجداث الأُولی        ***     أبکوا علی فَقْدِ الحسین زینبا

صدّوه عن ماءِ الفراتِ ضامیا           ***     فاختار من حوضِ أبیه مشربا

ویختم الشاعر صوره الحسیة أیضا بانتصار الحسین علیه السلام، فمثلما رأی الشعراء السابقون بدء خلود الحسین (علیه السلام) وبدء الحیاة باستشهاده، فانه یراه قد ارتوی من حوض ابیه عند استشهاده.

ویحقق الشیخ ضیاء الدین الخاقانی عبر صوره الحسیة انتصار الکلمة علی السیف فهو یقول (1):

یا زهوة الفتح تسمو فیه طائفة          ***     لها الفخار إذا جد العلی وثبوا

لله نهجک والاخلاق منبثقٌ ***     من ناظریک سماء ملؤها شهبُ

یا ملهم النفس معناها فکان لها        ***     بما وهبت إلی اوج العلی سببُ

علمتها کیف تسمو فی حقیقتها        ***     فلا تذل ولا یوهی بها النصبُ

فصوره الحسیة دلت علی سمو معانی ثورة الامام الحسین (علیه السلام)، وعلمت الباحثین عن وجه الشمس کیف یتخطون الصعاب بوهب اعز شیء من اجل ان تبقی الحقیقة ظاهرة سامیة لا تذل ولا تضعف، ویقول الشاعرمحمود الحبوبی(2):

فقضیتَ تحت البیض أسمی مَنْ نضا            ***     سیفاً وأحمی من علاه قت_امُ

وترکته یوماً یمر بقدس_هِ     ***     فتخر ساجدة له الأی_امُ

لقد بینت صوره الحسیة البصریة (فقضیت تحت البیض) والحرکیة (فتخر ساجدة له الأیام)، المکانة الرفیعة للمستشهد وهو الإمام الحسین (علیه السلام)، فکان عالیاً فی موته، ولأجل هذه المکانة الرفیعة تنحنی، وتسجد له الأیام فی کل زمان


1- مجلة الرابطة، السلسلة الأولی، 52.
2- المصدر نفسه /92.

ص: 118

احتراماً لفدائیته من أجل الاسلام.

وتأتی قصائد الشیخ عبد المنعم الفرطوسی معبأة بالبلاغة ودلالاتها الفنیة، ومشحونة بالاحساس الفیاض ومما یحمد له أنه یلجم التداعی ویسمح بتمدد المدی البیانی تحت قبضة الوحدة الموضوعیة، وتظهر قدرته علی کبح جماح التداعی واخضاعه إلی المدی البیانی الذی نعنی به تناسل الصور داخل سدی النص عبر صور حسیة تمثلت بالسمعیة والشمیة والحرکیة والبصریة واللونیة التی اکتسبت الصبغة الحمراء، فکان النص وحدة عضویة جسدتة الصورة الحسیة بأنواعها معاً فهو یقول(1):

یا مصرع الشمس حدّثنا فأنت فم     ***     یجید تمثیل فصلِ الحزن والالم

یا منقذ الدین حقاً وابن منقذه         ***     وباعث الروح روح الحق فی الرمم

تضوّع المجد من علیاک فی شیمٍ   ***     عبّاقة بأریج المجد والشیم

وکُرّم الحق إذ توجّت مفرقَةُ           ***     من الجهادِ باکلیل الدماِ السجم

فالشاعر جمع اللغة الی البیان فی موهبة فریدة فاستطاع أن یُکوّن صورا حسیة اشترک فیها اسلوب النداء من جانب والتشخیص من جانب اخرکما فی قوله:

(یا مصرع الشمس حدّثنا فأنت فم   ***     یجید تمثیل فصلِ الحزن والالم)

فصوره الحسیة بینت ان الامام (علیه السلام) هو الذی بث روح الدین فی الرمم الذی تکون نتیجة افعال بنی امیة، وأفصحت صوره الحسیة الشمیّة ان رائحة المجد وعبقه انما جاء من موقف الحسین النبیل، وبصورة حسیة اخری جعل اکلیل الشهادة الحسینیة تاجا لمفرق الجهاد، وهکذا تدلی الصور الحسیة علی مضامین یختزنها الشاعر ثم یبوح بها مبنیة بصور محسومة، ویتألق الشیخ محمد الهجری فی صور حسیة متناسلة ضمن حدود مدی بیانی یمسکها السیاق المنتظم الحامل للمدلول، مقویاً رغبة المتلقی


1- دیوان الفرطوسی /70.

ص: 119

فی الانصات إلی بوحه إذ یقول(1):

اخطری یا بید فالوحی علی ***     خدک الاسمر یشدو ویشیعُ

لأذیب الشمسَ فی قافیةٍ      ***     فاح من أعطافها الحب الرفیعُ

رکدت فیها الأمانی فمتی    ***     زأرُ الدهر اجابته الدموعُ

کانت الصورة الحسیة متمثلة باللونیة والبصریة والشمیة وختمت بالصوتیة، فقدعبّرت عن انفعال الشاعر العمیق وتعلقه بقضیة الحسین (علیه السلام)؛ لأن الصورة الحسیة مقیاس ما یطبع فی المخیلة من تصورات یأنس لها القائل.

 وتؤکد الصورة الحسیة الحسینیة أن للحسین (علیه السلام) حضوراً ابدیاً، إذ إن الکلمات تصغر فی حضرته؛ لأنه سطوع دائم فاعتمد الشاعر الاستعارة المکنیة فی رسم صورته الحسیة مجسداً ومشخصاً وملوناً ایاها بنقاء الوجدان، ومثل ذلک یقول الشاعر محمود الحبوبی(2):

تمضی العصور وتنطوی الاعوام      ***     ولمجد یومک تنحی الایامُ

فَخُر الزمان به وتاه، وأنه     ***     أبداً علی صدر الزمان وسامُ

هُدَّتْ صروح الظالمین ودُکدُکَتْ   ***     أُثارهم فی الارض فهی حط_امُ

وأتَتْ علی تاریخهم حتی انتهت      ***     دنیاهم وکأنها اوه_ام

فالصورة الوجدانیة التی حاول الشاعر أن یضعها مشاهدة مرئیة لیجعل المتلقی متوحداً مع نصه، مثلما توحد هو مع قضیة آل البیت (علیهم السلام) فجعل الخلود موقوفا علی الحسین (علیه السلام)، لانه المجد الذی تنحنی له الایام دوما ولانه وسام الزمان وفخره، ولانه الوحید الذی ظل واقفا علی هامة التاریخ أمّا هم فهدت صروحهم


1- مجلة الرابطة، السنة الأولی، مطبعة منتدی الغری الحدیثة، 1375ه_، 1956م/76.
2- مجلة الرابطة السنة الأولی /89 _91.

ص: 120

ودکدکت اثارهم واضحت حطاما للرائی، وبذلک تالق الشاعر فی نقل افکاره عبر صوره الحسیة التی استوعبت التشخیص والتجسیم والانتقال من المعقول الی المحسوس، فضلا عن اسالیب البیان الاخری.

وهذه الحال وصلت إلی درجة متقدمة من البناء الفنی الذی ظهرت فیه الوظائف الاسلوبیة والبلاغیة والفنیة متحدة عند الشعراء الحسینیین، فکانت العلاقة فی شعرهم متمخضة عن ترکیب خاص لا یمکن لغیرهم ان ینظم الکلمات ویرتبها بموازاة مع الحال النفسیة، فقد قدمت الصورة خدمةً للدلالة التی أرادها الشاعرالحسینی، ومن أجلها أنشئت القصیدة فهذا الجواهری عملاق الشعر العربی الذی له القابلیة فی أن یَدُوفَ طینة الدلالة بهندسة معماریة قلّ أن نجد لها نظیراً فی الادب العربی إلا عند قلةٍ مبدعة، فهو یحقق الوحدة الموضوعیة والوحدة العضویة ووحدة الشعور ووحدة الصراع علی الرغم من قابلیته فی تمدید الصور البیانیة فی النص. وعلی الرغم من ذهابه الی أعماق الماضی والعودة إلی الحاضر والتطلع إلی المستقبل إلا، أن ذلک کلَّهُ لا یؤثّرُ فی نسیج نصهِ. یقول الجواهری(1):

ورعیاً لیومک یوم الطفوفِ            ***     وسقیاً لأرضک من مصرعِ

فیا أیها الوتر فی الخالدین   ***     فذّاً إلی الآن لم یشفعِ

تعالیت من مفزعٍ للحتوف  ***     وبورک قبرُک من مفزعِ

تلوذُ الدهور فمن سُجّدٍ      ***     علی جانبیه ومن رُکّعِ

فإذا تأملنا هذه الصور المرئیة الملیئة بالدلالة والوجدان والمعبرة عن شعورٍ فیاض مصحوب بانفراجة روحیة، نجد الشاعر وقده استطاع أن ینقل السامع معه عبر تناسل الصور المبدعة والحاضنة للدلالة ووحدة الموضوع فیقول:


1- دیوان الجواهری:3/231.

ص: 121

شممتُ ثراک فهبّ النسیمُ ***     نسیمُ الکرامة من بلقعِ

وعفرت خدی بحیث استراح          ***     خدٌّ تفری ولم یضرعِ

وحیث سنابک خیل الطغاة ***     جالت علیه ولم یخشعِ

وطفت بقبرک طوف الخیال          ***     بصومعة الملهم المبدعِ

وخلت وقد طارت الذکریات         ***     بروحی إلی عالم أرفعِ

کأنّ یداً من وراء الضریح   ***     حمراء مبتورة الأصبعِ

تمدُّ إلی عالم بالخنوع       ***     والضیم ذی شرقٍ مترعِ

کانت الصورة الحسیة قطعة من مشهد منسوج بوجدان شاعر هام فی حب الحسین (علیه السلام)، وکانت الحرکات مصورة لوثبات نفسیة، وقد آبت لوناً أحمر یظلل ادیم هذه الصور، الأمر الذی جعل الشاعر یمد نسیج صوره لیصل الی نقطة أراحته وأوقفته علی شاطئ الایمان لیستریح من عناءاته، إذ أصبحت قضیة الحسین (علیه السلام) حقیقة لأولی الالباب حین یتدبرون کنهها، فیقول:

أریدُ الحقیقة فی ذاتها         ***     بغیر الطبیعة لم تطبعِ

وماذا أروع من أن یکون   ***     لحمک وقفاً علی المبضعِ

وأن تطعم الموت خیر البنین           ***     من الأکهلین إلی الرضعِ

وخیر بنی الام من هاشم     ***     وخیر بنی الأب من تبعِ

وخیر الصحاب بخیر الصدور          ***     کانوا وقاءک والاذرعِ

فیطفح الوجدان القدسی عند الشاعر لتصرح صوره الفنیة الحسیة بما یجیش فی صدره من صدق تجاه الحسین (علیه السلام)، الذی اصبح مذبحه دلیلاً لأیمان الشاعر، یقول:

وقدّستُ ذکراک ولم انتحل           ***     ثیاب التقاة ولم أدعِ

تقحّمت صدری وریب الشکوک   ***     یضج بجدارنه الأربعِ

فنورت ما أظلم من فکرتی ***     وقوّمت ما اعوجّ من اضلعی

ص: 122

وامنتُ ایمان من لا یُری     ***     سوی العقل فی الشک من مرجعِ

بأن الاباء ووحی السماء      ***     وفیض النبوة من منبعِ

تجمعّ فی جوهرٍ خالص     ***     تنزّه عن عرض المطمعِ

ان الصور الحسیة التی عجت بها هذه القصیدة کانت دلیلا علی ان الشاعر قد کتبها مقتنعا ولم یقل الشعر هنا رغبة او رهبة، وانما کان ایمانه بقضیة الحسین قد دفعه للقول، فهو أکْبَر فعل الحسین (علیه السلام) وهذا ما أنبأت به صوره الحسیة البصریة:

(وماذا أروع من أن یکون  ***     لحمک وقفاً علی المبضعِ)

او قوله:

(وأن تطعم الموت خیر البنین         ***     من الأکهلین إلی الرضعِ)

او قوله وهو یری الحسین قد قدم للشهادة وللموقف النبیل خیر الصحاب الذین کانوا وقاءه واذرعه، فالجواهری جمع بین الموقف العظیم للامام الحسین (علیه السلام) وبین مدحه وبین مخاطبة الواقع، فکان موقفه واضحا من وحدة الوجود، فاصبح الحسین طریق هدایة ونبراسا دل الشاعر علی حقیقة ذلک الوجود:

(تقحّمت صدری وریب الشکوک  ***     یضج بجدارنه الأربعِ

فنورت ما أظلم من فکرتی ***     وقوّمت ما اعوجّ من اضلعی

وامنتُ ایمان من لا یُری     ***     سوی العقل فی الشک من مرجعِ)

فصوره حسیة حرکیة جمعت وحدة الصراع ووحدة الشعور ووحدة التداعی، وهیأها للربط التاریخی، فکانت قافیته متعاونة مع الصور الحسیة فی اظهار الدفقة الشعوریة، وهذا ما هیأ الاثارة الانفعالیة، وبقدرته الشعریة جمع الیهما الخیال الامر الذی جعل النص ینفتح علی لغة شعریة مکثفة، جمعت الصور الحسیة بانواعها وافادت اغراضا متنوعة فی النص، فهو ینتقل بدقة من غرض الی غرض ورابطه فی ذلک الصورة

ص: 123

الحسیة فانتهی غرضه الی ان الاباء ووحی السماء وفیض النبوة من منبع واحد تجمع فی جوهر تنزه عن مطامع الحیاة، وهذا الأمر کشف خبایا الشاعر الجواهری الذی انتهی به المطاف الی الایمان بقضیة الحسین (علیه السلام).

ویتألق الشاعر رضا الهندی کثیراً فی أعطاء الصورة المرئیة الحسیة لینقل لنا بانفعال صادق وشعور جیاش حال الحسین (علیه السلام) وسط کم من العتاة وفاقدی المشاعر، ویرسم بالاستعارة والکنایة لنا هذا المشهد الصوری الذی ادت فیه الصورة الحسیة وظیفة تاریخیة کشفت عن حقد المارقین، اذ یقول((1):

ومضی لهیفاً لم یجد غیر القنا          ***     ظلّاً ولا غیر النجیع شرابا

فبالصورة الحسیة هذه عبر الشاعر تاریخیا عما تعرض له الحسین (علیه السلام) فی یوم عاشوراء، ثم یعمد إلی الصورة المرئیة الحمراء أیضاً شأنه شأن شعراء الصورة الحسینیة، بغیة ایصال المتلقی الی مشهد حسی مرسوم، ولکی یتم التفاعل بین نص الشاعر واحاسیس المتلقی، او ربما یعمد الشاعر الی ذلک کی یبیح ما یجیش فی اعماقه من افکار مصورا لها تصویرا حسیا، فیقول:

لهفی لجسمک فی الصعید مجرّداً    ***     عریان تکسوه الدماءُ ثیابا

تَرِبُ الجبین وعَیْنُ کل موحدٍ         ***     ودّت لجسمک لو تکون ترابا

وهنا أعطی الشاعر عالمیة قضیة الحسین (علیه السلام) فی قوله (وعَیْنُ کل موحدٍ)، فافادت الصورة وظیفة اجتماعیة کنایة عن میل الانسانیة للفعل النبیل الذی أداه الحسین (علیه السلام) فی سبیل الحق.

ثم یصف بصورة حسیة رأس الحسین (علیه السلام) وهو یتلو الکتاب، اذ حقق تلک الصورة الحسیة عبر الکنایة فیقول:


1-  () دیوان السید رضا الموسوی الهندی /42_43.

ص: 124

لهفی لرأسک فوق مسلوب القنا      ***     یکسوه من أنواره جلبابا

یتلو الکتاب علی السنان وإنما         ***     رفعوا به فوق السنان کتابا

وبذلک حقق الشاعر صورة أدت وظیفتها الدینیة والاجتماعیة والتاریخیة، وهو یومئ إلی تعلق الحسین (علیه السلام) بالقرآن العظیم وعلاقتهما ببعضهما.

ویأتی الشیخ محمد علی الیعقوبی لیرسم صورته الشعریة الحسینیة بدفء الوجدان مؤکداً بقاء الموقف الحسینی النبیل، ویوم فجیعته، حیث أصیب الاسلام بفقده وآل بیته (علیهم السلام)، فهو یرسم صور معتمداً اللغة والاسلوب للنهوض بها، وکانت الکنایة أقرب الاسالیب البیانیة لدیه، یقول(1):

بکیت علی ربعکم قاحلا    ***     فأخصب من ادمعی ممرعا

غداة ابو الفضل لف الصفوف         ***     وفل الظبی والقنا شرعًا

أذا رکع السیف فی کفًه      ***     هوتْ هامهم سجدا رکعا

فالصورة الحسیة تنقلت بین الحرکة البطیئة (الخصب الممرع) إلی الصورة الحسیة الحرکیة السریعة التی تصور شجاعة العباس (علیه السلام) فبین رکوع السیف وسقوط الهام کانت الحرکة عبر الصورة الحسیة معبرة، فالصورة الحسیة رسالة المنشیء المعبرة عما تختلجه من احاسیس وعواطف وافکار، وقد اکد الشاعر هنا هذه الفکرة حین جعل الصورة الحسیة تنطق عما یدور بخلده فاستطاع ایصالها الی السامع.

فکانت مناجاته حزینة ضمنها مفارقة اعتمد اللغة فیها لبیان الطاقة الایحائیة القصوی لدلالات صوره الحسیة، وکان التضاد حاضرا (قاحلا، ممرعا)، والجناس متواجدا (لف، فل)، وهیأ ذلک الی ظهور صورة حسیة حرکیة أبان الشاعر فیها بصورة حرکیة شجاعة الامام العباس (علیه السلام)، فإذا مارکع سیفه هوت هامات الاعداء رکعا، فالعلاقة تتناسب


1- الذخائر، محمد علی الیعقوبی، تحقیق موسی الیعقوبی، 69 __ 70.

ص: 125

طردیا فی حرکتها من حیث حرکة السیف وحرکة الهامات المتساقطة، والعلاقة عکسیة فی ان واحد، فأذا رکع سیف الامام وزادت ضرباته کان حتفهم ونقصانا فی حیاتهم، ومثلما حضرت اللغة، واستثمر الشاعر المکونات البلاغیة فی انتاج صوره الحسیة، فقد استثمر الحوار الذاتی بأسلوب الخطاب الاستفهامی لانتاج صورته الحسیة فهو یقول:

أبدر العشیرة من هاشم       ***     أفلت وهیهات أن تطلعا

لقد هجعت أعین الشامتین  ***     وأخری لفقدک لن تهجعا

فکانت عواطفه تنساب مع دلالات الصورة الحسیة، معبرة عن تضامن الشاعر مع المشهد الحسی، بوصفه واصفا وراسما لمشهد الوفاء الذی مثله العباس(علیه السلام).

ویأتی الشاعر السید محمد بحر العلوم لیمثل شعره انفجاراً وجدانیا، وانبثاقا عاطفیا تلتحم فیه قوة الانتماء للحسین (علیه السلام) مع شلال عواطفه التی جاءت معبأة فی صور حسیة تواجدت فیها وحدة الصراع، أی موقف الشاعر من الوجود، فالشاعر قد عاش مغتربا فانعکس ذلک علی شعره لیلون صوره الحسینیة الحسیة بالوان الحزن والتأسی علی واقعه الذی ظل محمولا فی ذاکرته، وکلما مست أنامل الشعر ذلک الواقع، کلما دمعت قصائده ألما لنتأمل نصه وهو یخاطب الحسین (علیه السلام) قائلا:(1)

تذوی الدهور وذکر یومک یکبر   ***     وحدیث مجدک للقیامة ینشر

ویعیش فی ظمأ العیون وشوقها       ***     للقاک حبا فی الولایة معشر

ویمر تلفحه المآسی جذوة  ***     حمراء من مهج الکرامة تسعر

أأبا البطولة، والحدیث مسهَد          ***     والجرح ینزف، والمآسی تنخر

بدأ الشاعر نصه بالاستهلال المقصود، والاخیر له دور فی جذب انتباه السامع، لانه منطلق رسالة التلقی، ومکنون مایرید ان یبثه المنشیء الی السامع، فکانت الصورة


1- حصاد الغربة / 107.

ص: 126

الحسیة حاضرة فی الاستهلال عبر التجسیم، ومن ثم عول الشاعر علی خلط المحسوس بالذهنی (تذوی الدهور، ظمأ العیون، مهج الکرامة)، وهکذا تنبثق الحیاة ویکبر الذکر وینتشر حدیث المجد فی استهلال الشاعر، غیر ان مسار الصور الحسیة یتغیر، وتبدأ وحدة الصراع مبینة موقف الشاعر من الواقع فیقول:

هذا العراق یغص فی مر الضنی       ***     تقسو علیه الحادثات وتسخر

فعلی ضریحک الف اهة مثقل         ***     بالهم من ضنک الفجیعة یزفر

ونجد القصیدة الحسینیة دائما منفذا سالکا یدخل منه الشعراء لنقد الواقع، وقد أدت الصورة الحسیةالحسینیة وظائفها تجاه رسم مشاهدالواقع وتلوینه، فیقول الشاعر:

وعلی ربی النجف المضرج بالدما    ***     شهقات محزون العقیدة تنفر

ثم یعود الشاعربعد ان یاخذ التلوین الشعوری أی التداعی مأخذا فی انتاج صوره الحسیة، الی الختام لیعبرعن قوة الانتماء الروحی للحسین (علیه السلام) فیقول:

حسب المحبة للحسین هویة            ***     ترد الخلودبها ومنها تصدر

وبذلک استطاع الشاعر أن یحقق بفعله الابداعی صورا حسیة حملت وظائف اجتماعیة، بینت قوة انتمائه الی القضیة الحسینیة، وحددت موقفه من واقعه المعیش، فرصد وأومأ، ودلی وأرشد، فضلا عن الوظائف الابلاغیة والوظائف الفنیة التی نهدت بها هذه الصور الحسیة الحسینیة فکانت خیر معبر عما یختلج فی اطواء الشاعر ومما ساعد علی ایصال الدلالات انتقال الصور من الذهنی الی الحسّی ومن الحسّی الی الحسّی لتخرج مرئیة ملونة مسموعة کما فی (النجف المضرج بالدما) و(شهقات محزون)، فأضحت الصور الحسیة عنده لسان الفکرة والوثبات النفسیة التی رافقت بناء نصه الشعری، وهذا ما تؤدیه الصورة الحسیة الحسینیة من وظائف دلالیة تسهم فی اقناع المتلقی وجذبه الی النص.

ص: 127

              

الخاتمة

وبعد انتهاء هذه الرحلة من الکتاب نومئ إلی ما یأتی:

1 . إن الصورة الحسیة الحسینیة قدیمة نشأت بعد واقعة الطف مباشرة بسبب انبثاق الوجع الانسانی، بعدما تعرض المنکفئون عن نصرة الحسین (علیه السلام) لوخز الضمیر واللوم النفسی، فکانت القصائد قد أخذت طابع الانفعال الوجدانی، الأمر الذی ألبسها وشاح الحسیة، فکانت (المخبآت) خیر معبر عن ذلک.

2 . حرص الشاعر الحسینی علی تقدیم مشاهد واقعة الطف مصورة الی المتلقی، وهذا الامر هیّأ الی ان یهرع الشعراء لرسم لوحاتهم الشعریة مراعین فیها الاثر النفسی فی المتلقی، والواقعة التاریخیة، فضلا عن ما یختلج فی وجدانهم من احاسیس وانفعالات بسبب تعایشهم مع الواقعة فادی ذلک الی اختیارهم الصور الحسیة بانواعها، فاصبحت الاخیرة مهیمنة علی هذا النوع من الشعر.

3 . إن القصیدة الحسینیة علی طوال دیمومتها، تمیزت بظاهرة الشجن والانفعال

ص: 128

الوجدانی العالی، فهیأ ذلک الی الانتقال الصوری من المحسوس إلی المحسوس، أو من المجرد إلی المحسوس الامر الذی منحها صبغة الحسیة والوحدة الحیویة أی الوحدة الشعوریة معا.

4 . حرص الشاعر الحسینی علی أن تکتسب قصیدته علاقات تفاعلیة بین النفس المنشئة والقضیة الحسینیة وواقع الشاعر المعیش عبر صور محسوسة أسهمت فی ایضاح ذلک الواقع، وأدت وظائف ابلاغیة وفنیة فی آن واحد، فکانت القصیدة الحسینیة مدخلا لنقد واقع الشاعر.

5 . کان الشعر الحسینی إضافة جدیدة وجیدة للادب العربی. امتازت قصیدته بالبناء الشعری الخاص، وعمق العاطفة، والتفنن فی ایصال الدلالة الی السامع، فضلاً عن رهافة الحس وصدق الیقین والوظیفتین الجمالیة والاجتماعیة.

6 . تمیزت القصیدة الحسیة الحسینیة بإنسانیة النص الحسینی وعالمیته، فهی معبر قوی عن ارتباط الإنسان بقضیته عن طریق صدق الیقین، الذی یمنح الشاعر والمتلقی معاً لذة الوجع الشفیف المؤدی إلی ثورة الاحاسیس. وهذا ما أدی إلی خلود القصیدة التی تمیزت بالمواصفات أعلاه، وأصبحت صالحة لکلِّ زمان ومکان، علی الرغم من اختلافات ثقافات الاجیال؛ لأن أعمدة البناء فیها قائمة علی القیم الانسانیة والعواطف، ذلک الامر فمنحها العالمیة أیضا.

7 . عند تتبعنا للشعر الحسینی بصوره الحسیة وجدنا النجف الأشرف قد أخذت حیزاً کبیراً منه، لوجود عوامل مهمة أثرت فی نشأة الشعر الحسینی أشرنا إلیها فی الکتاب، فضلاً عن اصرار الشعراء علی صیاغة المشهدالشعری الحسینی صیاغة حسیة مصورة لتقریبه سمیائیاً من المتلقی.

ص: 129

8 . لم یقف الشعر الحسینی عند حد الشعراء المسلمین، وإنما تعدّی ذلک الأمر إلی الشعراء المسیح وغیرهم من الدیانات الاخری، وهذا ما یؤکد إنسانیة النص الشعری الحسینی وعالمیته التی اشرنا الیها سابقا.

 9 . ثمة علاقة بین الصورة الحسیة والایقاع المنتخب، فتکون الغلبة للایقاع الخارجی أولاً ثم الایقاع الداخلی. وتمیز الشعراء فی السلم الابداعی کلما وازنوا بین الاثنین وهذا دلیل الموهبة، وقد کان للمنبر الحسینی دورٌ ممیزٌ فی تقویة هذه الظاهرة، اذ مال الخطباء الی انتخاب القصیدة ذات النغم الحزین المصحوب بالصور الحسیة المؤثرة، فانعکس ذلک علی الفعل الابداعی الشعری، فجنح الشعراء الی البحور التی تهیؤ لهم هذه الخصیصة.

والحمد لله ربّ العالمین

ص: 130

ص: 131

فهرست الشعراء

القدامی والمحدثین فی الصورة الحسیة فی الشعر الحسینی

اسم الشاعر

ترجمته

ابن الهباریة محمد بن محمد بن صالح الهاشمی

من الشعراء الذین عاشوا فی عصر العصر العباسی فی بغداد فلقب بالبغدادی.

بولس سلامه

شاعر مسیحی من شعراء القرن العشرین له مؤلفه الموسوم (ملحمة عید الغدیر) قال فیه قصائد مفتخراً بالإمام علی بن أبی طالب (علیه السلام)، وله قصائد فی رثاء الإمام الحسین (علیه السلام).

تیم مرّة

شاعر فی أوائل القرن الأول وکان متقطعاً لبنی هاشم ومن محبیهم (علیه السلام).

جابر الجابری

ولد فی النجف 1958م ودرس فی مدارسها فتخرج من اعدادیة النجف الاشرف ثم التحق بالجامعة فحصل علی بکالوریوس وغادر العراق لینظم الی صفوف المعارضة ضد النظام السابق فاشتغل فی الصحافة، ثم عاد الی العراق بعد سقوط النظام، یشغل حالیا الوکیل الاقدم لوزارة الثقافة العراقیة له دیوان شعر.

جعفر بن عفان

أحد شعراء الإمام جعفر الصادق (علیه السلام) ومن الذین رثوا الإمام الحسین (علیه السلام).

جمیل حیدر

ولد 1935م فی سوق الشیوخ وتعلم فی مدارسها الابتدائیة، انتقل الی النجف الاشرف 1945م فتلقی علوم اللغة والفقه والاصول فی الحوزة العلمیة، عضو جمعیة الرابطة الادبیة، له اثار ادبیة فی النثر والشعر والمسرح الشعری توفی فی سوق الشیوخ 1999م.

ص: 132

الحاج هاشم الکعبی

شاعر من قبیلة کعب التی تسکن الاحواز ونواحیها له دیوان حققه سماحة العلامة المحقق الشیخ عبد الزهراء الخطیب، وقد توفی الشاعر 1221ه_.

خلیل الخوری

شاعر سوری ومن شعراء القرن العشرین، وتمیز بقصائده فی رثاء الإمام الحسین (علیه السلام).

دعبل بن علی الخزاعی

ولد سنة (148ه_) واستشهد ظلماً وعدواناً فی القرن الثالث الهجری سنة (246ه_) وهو شیخ کبیر عاش سبعاً وتسعین سنة، وکان مداحاً لأهل البیت (علیهم السلام)، ومرافقاً للإمام الرضا (علیه السلام).

الدکتور صالح الظالمی

شاعر واستاذ اکادیمی ولد فی النجف الاشرف 1929م، اکمل دراسته الحوزیة، وتخرج من کلیة الفقه 1962م، نال الماجستیر من جامعة القاهرة 1967م، وحصل علی الدکتوراه من جامعة الکوفة، له کتب مطبوعة، توفی 2008م.

الدکتور صباح عباس عنوز

شاعر وناقد ولد سنة 1378ه_ فی النجف الأشرف، حصل علی الماجستیر والدکتوراه فی البلاغة العربیة والنقد وله مؤلفات فی البلاغة القرانیة والنقد الادبی ومجامیع شعریة.

الدکتور محمد حسین علی الصغیر

عالم جلیل وادیب کبیر وشاعر مجید ولد فی النجف الاشرف سنة 1358ه_، 1939م ونشأ علی والده العلامة الجلیل الشیخ علی الصغیر، وقد برع فی الکتابة والتالیف حتی اثمر ذلک عن الموسوعة القرانیة، وحیاة اهل البیت علیهم السلام والکتابة فی النقد والبلاغة، فتخرج علی یدیه مئات الدارسین من طلبة الماجستیر والدکتوراه، وقد نال جوائز تقدیریة کثیرة محلیة وعربیة وعالمیة، والقابا أکادیمیة علیا.

سلیمان بن قتّة العدوی التمیمی

من شعراء التوابین الذین رثوا الإمام الحسین (علیه السلام).

السید اسماعیل بن محمد الحمیری

من شعراء القرن الثانی الهجری المتوفی (173ه_) وکان شاعراً متقدماً مطبوعاً، عاش فی أوائل العصر العباسی.

السید الدکتور

ص: 133

مصطفی جمال الدین

ولد فی قریة ام المؤمنین بسوق الشیوخ سنة 1927م، اکمل دراسته فی النجف الاشرف، تخرج من کلیة الفقه 1962م، حصل علی الماجستیر فی الشریعة الاسلامیة 1972م ثم الدکتوراه 1979م، تراس جمعیة الرابطة الادبیة فی النجف 1975م حتی خروجه من العراق 1980م، له مؤلفات فی الفقه والادب ومجامیع شعریة، توفی سنة 1996م فی دمشق ودفن هناک.

 السید الشریف الرضی

من شعراء القرن الخامس الهجری المولود فی سنة (359ه_) والمتوفی (406ه_) یرجع نسبه إلی الإمام موسی الکاظم (علیه السلام)، ویعد مفخرة من مفاخر العترة الطاهرة، وإمام من أئمة الحدیث والأدب والعلم، وبطل من أبطال الدین والعلم والمذهب، أشتهر بقصائده عن أهل البیت (علیهم السلام) فی مدحهم ورثائهم.

السید حیدر الحلی

ولد فی الحلة 1246ه_ وتوفی عام 1304ه_ وسمی ناعیة الطف لانه متخصص فی رثاء سید الشهداء بحولیاته المعروفة، وهو ابن شاعر، وابن اخ شاعر، وحفید شاعر، وابا لشاعر، وعما لشاعر.

السید رضا الهندی

شاعر عراقی مبدع وعالم جلیل وادیب شهیر ولد سنة 1290ه_ وتوفی سنة 1362ه_، عرفت قصائده بحزنها العمیق لما مر بال البیت علیهم السلام، ورددها الخطباء فی المحافل.

السید محمد حسن الطالقانی

عالم جلیل وادیب کبیر وشاعر مجید ولد فی النجف الاشرف 1350ه_ ونشأ علی والده نشأة عالیة فی التربیة والتدرج فی طلب المعرفة، خاض میدان الصحافة فاصدر مجلة المعارف 1958م، له مؤلفات متعددة، وحقق کتبا کثیرة.

السید محمد مهدی بحر العلوم

عالم وفقیه وادیب وشاعر ولد فی النجف الاشرف 1347ه_، ونشأ فیها وتخرج من کلیة الفقه وحصل علی الدکتوراه من القاهرة، اصبح رئیسا لمجلس الحکم بعد سقوط النظام 2003م، له مؤلفات کثیرة فی الشریعة والعلوم الاسلامیة والادب، وله شعر مطبوع، ومنه دیوان حصاد الغربة

السید موسی الطالقانی

شاعر وادیب وعالم فقیه ولد فی النجف الاشرف 1230ه_ نشأ فی حجر العلم والشرف ربّاه والده الحجة السید جعفر الطالقانی وتتلمذ

ص: 135

علی یدیه وعلی الشیخ مرتضی الانصاری والحجة السید رضا الطالقانی والشیخ مولی علی الخلیلی له اثار فی التفسیر والفقه وغیر ذلک له دیوان حققه السید محمد حسن الطالقانی، توفی 1298ه_.

الشیخ الدکتور أحمد الوائلی

خطیب حسینی یعد ذا منهج متفرد فی الخطابة الحسینیة، فهو لسان التشیع وزعیم مدرسة المنبر الحسینی ولد سنة 1347ه_ وتوفی 1425ه، وقد تخرج من کلیة الفقه سنة 1962م ونال درجة الماستر من جامعة بغداد، ونال الدکتوراه من جامعة القاهرة فی الشریعة والعلوم الاسلامیة، له مؤلفات ودواوین مطبوعة.

الشیخ عبد الحسین الاعسم الزبیدی

ولد سنة 1177ه_ وتوفی سنة1247ه_ بالطاعون فی النجف الاشرف، وهو فقیه، وادیب، وشاعر، من اساتذته السید مهدی بحر العلوم، والشیخ جعفر صاحب کاشف الغطاء، وله مؤلفات فی الفقه، وله اروع المراثی فی سید الشهداء.

الشیخ علی الصغیر

عالم وفقیه وشاعر ولد فی النجف الاشرف 1333ه_ وتوفی 1395ه_ اشهر اساتذته الشیخ مهدی الظالمی والسید باقر الشخص والسید محمد علی الخرسان والسید ابو القاسم الخوئی والسید محسن الحکیم والسید حسین الحمامی والشیخ عبد الرسول الجواهری والشیخ خضر الدجیلی شغل منصب سکرتیر الرابطة الادبیة فی النجف له دیوان شعر کبیر، وکتب منها حدیث رمضان وعلی فی القران ومسرحیة شعریة بعنوان (مارجریت).

صادق القاموسی

ولد فی النجف الاشرف عام 1922م، انتخب عضوا اداریا فی منتدی النشر، اشترک فی مهرجانات محلیة، ودولیة مثل مهرجان المربد الثانی 1972م، ثم انتقل الی بغداد 1956م ورد اسمه فی عدد من المصادر التی عنیت بتاریخ الحرکات الاسلامیة فی النجف، له دیوان مطبوع عنوانه دیوان صادق القاموسی توفی 1988م.

ضرغام البرقعاوی

شاعر ولد فی النجف سنة 1380ه_ نشأ علی والده الادیب الشیخ الشاعر عبد الصاحب البرقعاوی نظم الشعر مبکرا، صار رئیسا

ص: 135

للمنتدی الادبی للشباب 1983م ورئیسا لرابطة الشعراء الشباب 1992م وله مجامیع شعریة.

ضیاء الدین الخاقانی

شاعر ولد فی المحمرة سنة 1352ه_ ونشأ علی والده العالم الجلیل عبد المحسن الخاقانی، تخرج من کلیة الفقه سنة 1964م، صار استاذا للادب العربی فی ثانویة الانتفاضة فی المحمرة، حصل علی شهادة الماجستیر من کلیة دار العلوم فی الادب العربی له مؤلفات شعریة منها، ثورة الربیع وحوض الکوثر فی مدح اهل البیت علیهم السلام.

عبد الآله جعفر

شاعر وادیب ولد فی النجف الاشرف 1940م، واکمل دراسته فیها وتخرج من کلیة الفقه، اشتغل فی التدریس، وترأس رئاسة الاتحاد العام الادباء، له شعر منشور ودیوان شعر (صلاة فی حضرة المجد).

عبد الأمیر جمال الدین

شاعر ولد فی النجف الاشرف سنة 1363ه_، له مجموعة شعریة بعنوان (دموع الوفاء) و(ینبوع الوفاء) وهو عضو فی اغلب الجمعیات والندوات الادبیة.

عبد الباقی العمری الموصلی

شاعر عراقی ولد فی الموصل 1204ه_ من اسرة شهیرة بالفضل نشأ نشأة صالحة فی کنف والده الجلیل سلیمان افندی زار النجف الاشرف ثلاث مرات، اشترک مع ادبائها وطارحهم واشترک فی (الندوة البلاغیة)، له اثار شعریة منها التریاق الفاروقی والباقیات الصالحات واهلة الافکار فی معانی الابتکاروکتاب نزهة الدهر فی تراجم فضلاء العصر توفی سنة 1278ه_.

عبد الحسن زلزله

شاعر وادیب عراقی استوزر فی خمسینات هذا القرن واصبح الامین العام المساعد للجامعة العربیة، وسفیر العراق لعدة دول عربیة له اثار شعریة.

عبد الرزاق الأمیری

شاعر ولد فی النجف 1366ه_ وتخرج من کلیة الفقه 1477ه_، له مجموعة شعریة بعنوان (قربان العشرین) صدرت عام1969م، وهو احد اعضاء ندوة الادب المعاصر، کتب الشعر العمودی والحر بشقیه، توفی سنة 1430ه_.

ص: 136

عبد الرزاق عبد الواحد

شاعر عراقی من شعراء القرن العشرین ولد فی مدینة العمارة وکتب شعراً فی الإمام علی والإمام الحسین (علیهما السلام).

عبد الله بن عوف الأحمر الأزدی

من شعراء التوابین الذین رثوا الإمام الحسین (علیه السلام).

عبد المنعم الفرطوسی

شاعر اهل البیت ولد 1325ه_ فی قریة الرقاصة من ناحیة المجر الکبیر فی محافظة میسان وتوفی 1404ه_ فی الامارات العربیة المتحدة ونقل جثمانه الی النجف الاشرف له دیوان بمجلدین وملحمة اهل البیت فی خمسین الف بیت بوزن وقافیة واحدة.

عبد المنعم القریشی

شاعر وادیب ولد فی النجف الاشرف 1948م اکمل دراسته فیها وتخرج من کلیة الفقه کان عضوا لجمعیات ادبیة، ومن الاوائل الذین کتبوا القصیدة الحدیثة فی النجف الاشرف، له اثار ادبیة مثل فارس الحق (واخری مخطوطة)

عبد الهادی الحکیم

شاعر ولد فی النجف 1366ه_ ونشأ علی والده الحجة السید محمد تقی الحکیم، حصل علی البکلوریوس من کلیة الفقه، شارک فی تحریر مجلات البذرة، النجف، الرابطة فضلا عن تالیفه لکتب فقهیة ادبیة وغیرها.

عبد نور داوود

ولد فی النجف الاشرف 1381ه_، ونال شهادة الماجستیر والدکتوراه من کلیة الاداب جامعة الکوفة، له قصائد حسینیة کثیرة، یعمل تدریسیا فی جامعة کربلاء.

عقبة بن عمرو السهمی

من شعراء التوابین ویقال من أوائل من رثی الإمام الحسین (علیه السلام).

الکمیت بن زید الأسدی

من شعراء القرن الثانی ولد فی سنة (60ه_) واستشهد فی سنة (126ه_) وکان شاعراً مقدّماً بلغات العرب، وخبیراً بأیامها، وکان فی أیام بنی أمیة ولم یدرک الدولة العباسیة ومات قبلها، وکان أیضاً معروفاً بالتشیع لبنی هاشم مشهوراً بذلک، وهو أول من ناظر فی التشیع.

محمد الهجری

شاعر وادیب عرفته النجف الاشرف فی مجالسها ومنتدیاتها

ص: 137

محمد حسین غیبی

ادیب وشاعر ولد فی النجف الاشرف 1367ه_ ونشأ بها، حصل علی بکلوریوس من کلیة الاداب 1970م، درس فی العراق وفی الوطن العربی، وهو عضو اتحاد الادباء والکتاب فی العراق.

محمد سعید الحبوبی

عالم وفقیه وشاعر ولد فی النجف الاشرف 1266ه_ -1849م، هاجر مع ابیه الی حائل 1280ه_ فشغف بالصحراء وانعکس ذلک علی شعره، ثم عاد الی النجف 1248ه_، ویعد مجددا فی الشعر العراقی عبر موشحاته وقد انصرف عن الشعر الی الفقه والاصول فتتلمذ علی جملة من الفقهاء والمدرسین وقد زامل ایام الدراسة السید جمال الدین الافغانی الذی مکث فی النجف اربع سنین واعلن الحبوبی 1914م عن دعوته للجهاد ومحاربته للانجلیز والغزاة وبعد هذه الرحلة التی جاهد فیها وافته المنیة سنة 1915م

محمد علی الیعقوبی

شاعر مجید، اشتهر بلقب شیخ الخطباء وکان عمید جمعیة الرابطة الادبیة فی النجف الاشرف، ولد سنة 1313ه_ وتوفی 1385ه_ من مؤلفاته البابلیات والذخائر شعر لاهل البیت فضلا عن دیوانه (دیوان الیعقوبی).

محمد مهدی الجواهری

شاعر العرب الاکبر، والمجدد فی بناء القصیدة العربیة االحدیثة، ولد 1900او 1899 م فی النجف الاشرف، وتوفی فی مقبرة الغرباء فی سوریة سنة، وهو ینتمی الی اسرة ال صاحب الجواهر التی اشتهرت بکتاب جواهر الکلام وقد عمل معلما وصحفیا، وفی البلاط الملکی، ونال جوائز دولیة منها جائزة اللوتس من اتحاد ادباء الاتحاد السوفیتی.

محمود الحبوبی

شاعر وادیب عرفته النجف الاشرف فی مجالسها ومنتدیاتها ولد 1323ه_ کتب الشعر فی الخامسة عشر من عمره درس النحو والصرف والبلاغة علی افاضل عصره له دیوان مطبوع وقد برز فی رباعیاته.

منصور النمیری

رثی الإمام الحسین فی زمن هارون الرشید فی العصر العباسی.

ص: 138

ص: 139

فهرست المصادر والمراجع

1. خیر ما نبتدئ به القرآن الکریم.

الألف

2. ایماءة الهمس، دراسات نقدیة تطبیقیة، د.صباح عباس عنوز، التمیمی للنشر، النجف الأشرف، 1433ه_ _ 2011م.

3. الامام الحسین (علیه السلام) عملاق الفکر الثوری، د.محمد حسین علی الصغیر، مؤسسة المعارف للمطبوعات، بیروت، (د.ت).

4. اعیان الشیعة، محسن الامین الحسینی العاملی، مطبعة الانصاف، بیروت، 1367ه_ _1948م.

5. اصول البیان العربی فی ضوء القران الکریم، الدکتور محمد حسین علی الصغیر، دار المؤرخ العربی – بیروت / 1420ه_ – 1999م

6. الاسس النفسیة للابداع الفنی (فی الشعر الخاصة)، دار المعارف، مصر، الطبعة الثالثة، 1969م.

7. الأداء البیانی فی لغة القرآن الکریم، د.صباح عباس عنوز، التمیمی للنشر، النجف الأشرف، 1433ه_ _2011 م.

8. الأداء البیانی بین التأویل وتفسیر النص القرآنی، د.صباح عباس عنوز، التمیمی للنشر، النجف الأشرف، 1433ه_ _2011 م.

9. اثر البواعث فی تکوین الدلالة البیانیة، د.صباح عباس عنوز، مطبعة الضیاء، النجف الأشرف، 1428ه_ _2007م.

ص: 140

10. الاتجاه النفسی فی نقد الشعر العربی، د.عبد القادر فیدوح، اتحاد الکتاب العرب، سوریا _ دمشق، 1992م.

الباء

11. البابلیات، الشیخ محمد علی الیعقوبی، مطبعة الزهراء –النجف الاشرف، 1951م-1955م.

12. بدائع الزهور فی وقائع الدهور، الحنفی، مطبعة بغداد، منشورات المکتبة العربیة، (د.ت).

13. البنیات الدالة فی شعر امل دنقل، عبد السلام المساوی، منشورات اتحاد الکتاب العرب، دمشق، 1994م.

التاء

14. تاریخ اداب العرب، مصطفی صادق الرافعی، دار الکتاب العربی، بیروت، الطبعة الرابعة، 1974م.

15. تراتیل فی احباب الله (شعر)، عبد الهادی الحکیم، دار الکوکب للنشر والتوزیع، الطبعة الثانیة، 1430ه_ _2009م.

16.  التصویر الفنی فی القرآن، سید قطب، دار المعارف، مصر، 1959م.

الثاء

17. ثقافة الناقد الادبی، د.محمد النویهی، مکتبة دار الفکر، الطبعة الثانیة، بیروت، 1969م.

الحاء

18. حصاد الغربة (شعر)، د.محمد بحر العلوم، لندن، 1424ه_ _2003م.

19. حلیة الاولیاء وطبقات الاصفیاء، ابو نعیم احمد بن عبد الله الاصفهانی، مطبعة السعادة _ القاهرة، 1933م.

20. حیاة الشعر فی الکوفة، د.یوسف خلیف، دار الکتاب العربی، القاهرة، 1968م.

ص: 141

الخاء

21. خذینی کما شئت (شعر)، محمد حسین غیبی، مطبعة الولایة، النجف الأشرف، 2010م.

الدال

22. الدر النضید فی مراثی السبط الشهید، الأمین الحسینی العاملی، مؤسسة الاعلمی للمطبوعات، کربلاء، (د.ت).

23. دور الکلمة فی اللغة، ستیفن أولمان، ترجمة: د.جمال محمد شبر، القاهرة، 1975م.

24. دیوان الباقیات الصالحات، عبد الباقی العمری، ط1، مطبعة أمیر قم، 1412ه_.

25. الدیوان، مصطفی جمال الدین، دار المؤرخ العربی، الجزء الثانی، بیروت، 1429ه_ _2008م.

26. دیوان الحماسة، أبو تمام، تحقیق: عبد المنعم أحمد صالح، منشورات دار الرشید، بغداد، (سلسلة کتب التراث).

27. دیوان السید محمد مهدی بحر العلوم، جمعه: محمد صادق بحر العلوم، تحقیق: محمد جواد فخر الدین وحیدر شاکر الجد، ط1، المکتبة الادبیة المختصة، النجف الأشرف، 1427ه- 2006م.

28. دیوان السید موسی الطالقانی، جمعه وحققه: السید محمد حسن الطالقانی، الطبعة الأولی، مطبعة الغری الحدیثة، 1376ه_ _ 1957م.

29. دیوان الفرطوسی، الشیخ عبد المنعم الفرطوسی، الجزء الأول، مطبعة الغری الحدیثة، النجف الأشرف، 1386ه_ _1966م.

30. دیوان الکعبی، الحاج هاشم الکعبی، تقدیم وتعلیق وتصحیح: فضیلة السید محمد حسن الطالقانی، منشورات الشریف الرضی، الطبعة الاولی، 1420ه_ _1999م.

31. دیوان الوائلی، د.أحمد الوائلی، شرح وتدقیق: سمیر شیخ الأرض، مطبعة المکتبة الحیدریة، (د.ت).

32. دیوان امرئ القیس، تحقیق: محمد أبو الفضل ابراهیم، مطبعة دار المعارف، سلسلة (ذخائر العرب)، مصر، 1969م.

ص: 142

33. دیوان أهل البیت (علیهم السلام)، د.محمد حسین علی الصغیر، مؤسسة البلاغ، للطباعة والنشر والتوزیع، الطبعة الاولی، بیروت، 1430ه_ _2009م.

34. دیوان جابر الجابری، نشر مؤسسة افاق للدراسات والابحاث العراقیة، الطبعة الاولی، 2010م.

35. دیوان جمیل حیدر، المکتبة الادبیة المختصة.

36. دیوان سید رضا الهندی، جمعه: السید موسی الموسوی، راجعه: عبد الصاحب الموسوی، منشورات الشریف الرضی، الطبعة الاولی، 1362ه_.

37. دیوان صادق القاموسی، المکتبة العصریة، الطبعة الأولی، شارع المتنبی، بغداد، 1425ه_ _ 2004م.

38. دیوان علقمة الفحل، تحقیق: لطفی الصقال، ودریة الخطیب، مطبعة الاصیل، الطبعة الاولی، حلب، 1969م.

39. دیوان محمد سعید الحبوبی، تصحیح وشرح وترتیب: عبد الغفار الحبوبی، مطابع دار الرسالة، الکویت، 1980م.

40. دیوانی، صالح الظالمی، المکتبة الادبیة المتخصصة، النجف الأشرف، 1438ه_ _2007م.

الذال

41. الذخائر، محمد علی الیعقوبی، تحقیق، موسی الیعقوبی، طبع فی المطبعة الحیدریة فی النجف الأشرف، 1374ه_ __ 1955م.

الشین

42. الشعر العربی المعاصر قضایاه وظواهره الفنیة والمعنویة، عز الدین اسماعیل، دار العودة، بیروت، 1978م.

43. الشعر والتجربة، ارشیبال مکلیش، ترجمة: سلمی الخضراء الجیوسی، مطبوعات دار الیقضة العربیة، بیروت، 1963م.

ص: 143

44. الشعر والشعراء، ابن قتیبة، مطبوعات دار الثقافة، الطبعة الثانیة، بیروت، 1969م.

45. الشمعة الثائرة (مجموعة شعریة)، ضرغام البرقعاوی، منشورات المکتبة الادبیة المختصة، النجف الاشرف، 2006م.

الصاد

46. الصورة الادبیة، د.مصطفی ناصف، دار الاندلس للطباعة والنشر، الطبعة الثالثة، لبنان، 1983م.

47. الصورة الشعریة، سی دی لویس، ترجمة: أحمد نصیف الجنابی، ومالک میری سلمان، وسلمان حسن ابراهیم، مطبعة المؤسسة الخلیجیة، الکویت، دار الرشید، بغداد، (سلسلة الکتب المترجمة)، 1982م.

48. الصورة الفنیة بین حسیتها وایقاع المعنی، د.صباح عباس عنوز، الطبعة الأولی، دار السلام، بیروت، 1431ه_ _ 2010م.

49. الصورة الفنیة فی المثل القرانی، الدکتور محمد حسین علی الصغیر، شرکة المطابع النموذجیة، منشورات دار الرشید – بغداد /1981م.

50. الصورة الفنیة معیاراً نقدیاً، الدکتور عبد الاله الصائغ، دار الشؤون الثقافیة، العامة، بغداد، 1987م.

الضاد

51. ضحی الاسلام، د.أحمد أمین، مطبعة الاعتماد، القاهرة، 1933م.

الطاء

52. الطف (مجموعة شعریة)، عبد الاله جعفر، العراق، النجف الأشرف، 2008م.

العین

53. عندما تتمتم عیون المغفرة، د.صباح عباس عنوز، التمیمی للطباعة والنشر، النجف الأشرف، 1433ه_ _2011م.

ص: 144

54. العوامل التی جعلت من النجف بیئة شعریة، جعفر الخلیلی، مهرجان النجف الشعری الأول، جمعیة الرابطة الادبیة، 1390ه_ _ 1970م.

الفاء

55. الفجر الصادق (شعر)، صادق محمد علی الیعقوبی، الطبعة الأولی، النجف الأشرف، 1430ه_ _ 2009م.

56. فن الشعر، هوراس، ترجمة: د.لویس عوض، الطبعة الثانیة، المطبعة الثقافیة، القاهرة، 1970م.

57. فی طریق المثیولوجیا عند العرب، محمد سلیم الحوت، مطبعة مؤسسة خلیفة، بیروت، 1979م.

القاف

58. القصائد الخالدات فی حب اهل البیت، محمد عباس الدراجی، نشروتوزیع مکتبة الامة، بغداد، 1989م.

الکاف

59. کتاب الأصنام، ابن الکلبی، مطبعة دار القومیة، القاهرة، 1965م.

60. کتاب الحیوان، أبو عمرو الجاحظ، تحقیق: فوزی عطوی، الطبعة الاولی، 1968م.

61. کتاب المؤتمر العلمی الأول (مدرسة النجف الأشرف ودورها فی اثراء المعارف الاسلامیة)، کلیة الفقه، مطبعة دار الضیاء، النجف الأشرف، 2006م.

62. الکنی والالقاب، عباس محمد رضا القمی، المطبعة الحیدریة، النجف الأشرف، 1956م.

اللام

63. اللهوف إلی قتلی الطفوف، ابن طاووس، المطبعة الحیدریة، النجف الأشرف، 1386ه_.

ص: 145

المیم

64. مبادئ النقد الادبی، ریتشاردز، ترجمة: مصطفی بدوی، المؤسسة المصریة العامة للتألیف والنشر، القاهرة، 1963م.

65. مجلة الرابطة الادبیة، جمعیة الرابطة الادبیة، العدد الثالث، السنة الاولی، النجف الأشرف، 1974م.

66. مجلة الرضوان الهندیة، العددان الثامن والتاسع، السنة الثالثة.

67. مروج الذهب ومعادن الجوهر، المسعودی، دار الاندلس، بیروت، 1965م.

68. المستطرف فی کل شیء مستضرف، شهاب الدین بن محمد الابشیهی، تحقیق: عبد الله انیس الطباع، دار القلم، بیروت، 1981م.

69. معجم الشعراء، المرزبانی، تحقیق: عبد الستار أحمد فراج، دار احیاء الکتب العربیة، القاهرة، 1960م.

70. المفصل فی تاریخ العرب قبل الاسلام، د.جواد علی، الطبعة الأولی، دار العلم للملایین، بیروت، 1971م.

71. مقتل الحسین، محمد تقی آل بحر العلوم، تحقیق: السید حسن بحر العلوم، مطبعة الزهراء، بغداد، 1978م.

72. ملحمة عید الغدیر، بولس سلامه، مطبعة الیسر، بیروت، 1949م

73. من لا یحضره الخطیب، داخل السید حسن، الجزء الأول، نشر المکتبة الحیدریة، 1410ه_.

74. مناقب ال ابی طالب، ابن شهر اشوب، محمد بن علی السروی (ت588ه)، المطبعة العلمیة، قم، د.ت.

75. منهاج البلغاء، القرطاجنی، تحقیق: محمد بن الحبیب بن الخوجة، مطبعة دار الکتب، تونس، 1966م.

76. مهرجان الطف الشعری السنوی الثانی 1426ه_ _2005م، اصدار مرکز دراسات الکوفة، مطبعة الضیاء، النجف الأشرف، 1426ه_ _ 2005م.

ص: 146

النون

77. النجف بیئة شعریة، جعفر الخلیلی، جمعیة الرابطة الادبیة، 1390ه_ _ 1970م.

78. النص الأدبی بین التکوین الشعری والتکوین الشعوری، د.صباح عباس عنوز، دار الضیاء، النجف الأشرف، 2007م.

79. نظریة الأدب، اوستن وارین وربینه ویلک، ترجمة: محی الدین صبحی، مراجعة: د.حسام الخطیب، مطبعة الطرابیشی، 1392 ه_ _1972م.

80. نظریة البنائیة فی النقد الادبی، د.صلاح فضل، دار الشؤون الثقافیة، بغداد، 1987م.

81. نظریة النقد العربی، رؤیة قرانیة معاصرة، الدکتور محمد حسین علی الصغیر، دار المؤرخ العربی –بیروت، ط1، 1420ه -1990م.

82. النقد الادبی الحدیث، محمد غنمی هلال، دار العودة، بیروت، 1973ه_.

83. النهایة فی غریب الحدیث والاثر، ابن الاثیر، أبو السعادات الجزیری، تحقیق: طاهر أحمد الزاوی ومحمود محمد الطناحی، الطبعة الثانیة، منشورات دار الفکر، 1979م.

الهاء

84. الهاشمیات، الکمیت، شرح: محمد محمود الرافعی، القاهرة، 1912م.

الواو

85. وسائل الشیعة إلی تحقیق مسائل الشریعة، الحر العاملی، دار احیاء التراث العربی، بیروت، (د.ت).

86. وقد الجوی (شعر)، عبد الحسین حمد، الجزء الأول، إصدارات مرکز دراسات الکوفة، دار الضیاء، النجف الأشرف، (د.ت).

المصادر الانجلیزیة 87. The anglo Saxon chronic .

ص: 147

فهرست المحتویات

الإهداء. 6

مقدمة اللجنة العلمیة. 7

إضاءة. 9

الفصل الأول

الصورة الحسیة فی الشعر الحسینی بین النشأة والمنهج

المبحث الأول: نشأة الصورة الحسّیة. 13

المبحث الثانی: نشأة الشعر الحسینی.. 20

الفصل الثانی

ممیزات الصورة الحسیة فی الشعر الحسینی من السبب إلی الوظیفة

المبحث الأول: ممیزات الصورة الحسیة فی الشعر الحسینی.. 35

أولا: الانتقال الصوری.. 35

ثانیا: حرص الشاعر الحسینی علی صنع علاقات التفاعل بین النفس والوجود والقضیة. 38

ثالثا: هناک علاقة بین الصورة الحسیة فی الشعر الحسینی والصوت... 40

ص: 148

رابعاً: حسیتها تقود إلی التأویل عن طریق التداعی والتذکر وربط الاسباب بالمسببات... 45

خامسا: کثرة الانزیاح السیاقی وتخلف الانزیاح السکونی.. 46

سادسا: قدرة الشاعر الحسینی علی  إیقاف التلوین الشعوری.. 52

سابعا: للصورة الحسیة الحسینیة وظائف فنیة وإبلاغیة. 54

ثامنا: ظاهرة الشجن وإنسانیة النص الحسینی.. 58

المبحث الثانی: بواعث انبثاق الصورة الحسیة فی الشعر الحسینی.. 61

1_ الیقین المعرفی.. 61

2_ وحدة الصراع. 64

3_ الوجدان المعرفی.. 66

4_ البعد المعرفی عند الشاعر الحسینی.. 67

5_ البیئة النجفیة والمورث الاجتماعی.. 70

6_ عالمیة الفعل الحسینی وأثره فی الآخر. 73

المبحث الثالث: وظائف الصورة الحسیة فی الشعر الحسینی.. 79

الفصل الثالث

المنهج والتطبیق الاجرائی للصورة الحسیة وأنواعها فی الشعر الحسینی

المبحث الأول: منهج دراسة الصورة الحسیة فی الشعر الحسینی.. 89

المبحث الثانی: التطبیق الاجرائی للصورة الحسیة فی الشعر الحسینی.. 99

الخاتمة. 127

فهرست الشعراء. 131

فهرست المصادر والمراجع. 139

ص: 149

إصدارات قسم الشؤون الفکریة والثقافیة فی العتبة الحسینیة المقدسة

تألیف

اسم الکتاب

ت

السید محمد مهدی الخرسان

السجود علی التربة الحسینیة

1

زیارة الإمام الحسین علیه السلام باللغة الانکلیزیة

2

زیارة الإمام الحسین علیه السلام باللغة الأردو

3

الشیخ علی الفتلاوی

النوران ___ الزهراء والحوراء علیهما السلام __ الطبعة الأولی

4

الشیخ علی الفتلاوی

هذه عقیدتی __ الطبعة الأولی

5

الشیخ علی الفتلاوی

الإمام الحسین علیه السلام فی وجدان الفرد العراقی

6

الشیخ وسام البلداوی

منقذ الإخوان من فتن وأخطار آخر الزمان

7

السید نبیل الحسنی

الجمال فی عاشوراء

8

الشیخ وسام البلداوی

ابکِ فإنک علی حق

9

الشیخ وسام البلداوی

المجاب بردّ السلام

10

السید نبیل الحسنی

ثقافة العیدیة

11

السید عبد الله شبر

الأخلاق (تحقیق: شعبة التحقیق) جزآن

12

الشیخ جمیل الربیعی

الزیارة تعهد والتزام ودعاء فی مشاهد المطهرین

13

لبیب السعدی

من هو؟

14

السید نبیل الحسنی

الیحموم، أهو من خیل رسول الله أم خیل جبرائیل؟

15

الشیخ علی الفتلاوی

المرأة فی حیاة الإمام الحسین علیه السلام

16

ص: 150

السید نبیل الحسنی

أبو طالب علیه السلام ثالث من أسلم

17

السید محمدحسین الطباطبائی

حیاة ما بعد الموت (مراجعة وتعلیق شعبة التحقیق)

18

السید یاسین الموسوی

الحیرة فی عصر الغیبة الصغری

19

السید یاسین الموسوی

الحیرة فی عصر الغیبة الکبری

20

الشیخ باقر شریف القرشی

حیاة الإمام الحسین بن علی (علیهما السلام) ___ ثلاثة أجزاء

21 __ 23

الشیخ وسام البلداوی

القول الحسن فی عدد زوجات الإمام الحسن علیه السلام

24

السید محمد علی الحلو

الولایتان التکوینیة والتشریعیة عند الشیعة وأهل السنة

25

الشیخ حسن الشمری

قبس من نور الإمام الحسین علیه السلام

26

السید نبیل الحسنی

حقیقة الأثر الغیبی فی التربة الحسینیة

27

السید نبیل الحسنی

موجز علم السیرة النبویة

28

الشیخ علی الفتلاوی

رسالة فی فن الإلقاء والحوار والمناظرة

29

علاء محمدجواد الأعسم

التعریف بمهنة الفهرسة والتصنیف وفق النظام العالمی (LC)

30

السید نبیل الحسنی

الأنثروبولوجیا الاجتماعیة الثقافیة لمجتمع الکوفة عند الإمام الحسین علیه السلام

31

السید نبیل الحسنی

الشیعة والسیرة النبویة بین التدوین والاضطهاد (دراسة)

32

الدکتور عبدالکاظم الیاسری

الخطاب الحسینی فی معرکة الطف ___ دراسة لغویة وتحلیل

33

الشیخ وسام البلداوی

رسالتان فی الإمام المهدی

34

الشیخ وسام البلداوی

السفارة فی الغیبة الکبری

35

السید نبیل الحسنی

حرکة التاریخ وسننه عند علی وفاطمة علیهما السلام (دراسة)

36

السید نبیل الحسنی

دعاء الإمام الحسین علیه السلام فی یوم عاشوراء __ بین النظریة العلمیة والأثر الغیبی (دراسة) من جزءین

37

الشیخ علی الفتلاوی

النوران الزهراء والحوراء علیهما السلام ___ الطبعة الثانیة

38

شعبة التحقیق

زهیر بن القین

39

السید محمد علی الحلو

تفسیر الإمام الحسین علیه السلام

40

الأستاذ عباس الشیبانی

منهل الظمآن فی أحکام تلاوة القرآن

41

السید عبد الرضا الشهرستانی

السجود علی التربة الحسینیة

42

السید علی القصیر

حیاة حبیب بن مظاهر الأسدی

43

ص: 151

الشیخ علی الکورانی العاملی

الإمام الکاظم سید بغداد وحامیها وشفیعها

44

جمع وتحقیق: باسم الساعدی

السقیفة وفدک، تصنیف: أبی بکر الجوهری

45

نظم وشرح:  حسین النصار

موسوعة الألوف فی نظم تاریخ الطفوف __ ثلاثة أجزاء

46

السید محمد علی الحلو

الظاهرة الحسینیة

47

السید عبدالکریم القزوینی

الوثائق الرسمیة لثورة الإمام الحسین علیه السلام

48

السید محمدعلی الحلو

الأصول التمهیدیة فی المعارف المهدویة

49

الباحثة الاجتماعیة کفاح الحداد

نساء الطفوف

50

الشیخ محمد السند

الشعائر الحسینیة بین الأصالة والتجدید

51

السید نبیل الحسنی

خدیجة بنت خویلد أُمّة جُمعت فی امرأة – 4 مجلد

52

الشیخ علی الفتلاوی

السبط الشهید – البُعد العقائدی والأخلاقی فی خطب الإمام الحسین علیه السلام

53

السید عبدالستار الجابری

تاریخ الشیعة السیاسی

54

السید مصطفی الخاتمی

إذا شئت النجاة فزر حسیناً

55

عبدالسادة محمد حداد

مقالات فی الإمام الحسین علیه السلام

56

الدکتور عدی علی الحجّار

الأسس المنهجیة فی تفسیر النص القرآنی

57

الشیخ وسام البلداوی

فضائل أهل البیت علیهم السلام بین تحریف المدونین وتناقض مناهج المحدثین

58

حسن المظفر

نصرة المظلوم

59

السید نبیل الحسنی

موجز السیرة النبویة – طبعة ثانیة، مزیدة ومنقحة

60

الشیخ وسام البلداوی

ابکِ فانک علی حق – طبعة ثانیة

61

السید نبیل الحسنی

أبو طالب ثالث من أسلم – طبعة ثانیة، منقحة

62

السید نبیل الحسنی

ثقافة العید والعیدیة – طبعة ثالثة

63

الشیخ یاسرالصالحی

نفحات الهدایة – مستبصرون ببرکة الإمام الحسین علیه السلام

64

السید نبیل الحسنی

تکسیر الأصنام – بین تصریح النبی صلی الله علیه و آله و سلم وتعتیم البخاری

65

الشیخ علی الفتلاوی

رسالة فی فن الإلقاء – طبعة ثانیة

66

محمد جواد مالک

شیعة العراق وبناء الوطن

67

حسین النصراوی

الملائکة فی التراث الإسلامی

68

ص: 152

السید عبد الوهاب الأسترآبادی

شرح الفصول النصیریة – تحقیق: شعبة التحقیق

69

الشیخ محمد التنکابنی

صلاة الجمعة– تحقیق: الشیخ محمد الباقری

70

د. علی کاظم مصلاوی

الطفیات – المقولة والإجراء النقدی

71

الشیخ محمد حسین الیوسفی

أسرار فضائل فاطمة الزهراء علیها السلام

72

السید نبیل الحسنی

الجمال فی عاشوراء – طبعة ثانیة

73

السید نبیل الحسنی

سبایا آل محمد صلی الله علیه وآله وسلم

74

السید نبیل الحسنی

الیحموم، -طبعة ثانیة، منقحة

75

السید نبیل الحسنی

المولود فی بیت الله الحرام: علی بن أبی طالب علیه السلام أم حکیم بن حزام؟

76

السید نبیل الحسنی

حقیقة الأثر الغیبی فی التربة الحسینیة – طبعة ثانیة

77

السید نبیل الحسنی

ما أخفاه الرواة من لیلة المبیت علی فراش النبی صلی الله علیه و آله و سلم

78

صباح عباس حسن الساعدی

علم الإمام بین الإطلاقیة والإشائیة علی ضوء الکتاب والسنة

79

الدکتور مهدی حسین التمیمی

الإمام الحسین بن علی علیهما السلام أنموذج الصبر وشارة الفداء

80

ظافر عبیس الجیاشی

شهید باخمری

81

الشیخ محمد البغدادی

العباس بن علی علیهما السلام

82

الشیخ علی الفتلاوی

خادم الامام الحسین علیه السلام شریک الملائکة

83

الشیخ محمد البغدادی

مسلم بن عقیل علیه السلام

84

السید محمدحسین الطباطبائی

حیاة ما بعد الموت (مراجعة وتعلیق شعبة التحقیق) – الطبعة الثانیة

85

الشیخ وسام البلداوی

منقذ الإخوان من فتن وأخطار آخر الزمان – طبعة ثانیة

86

الشیخ وسام البلداوی

المجاب برد السلام – طبعة ثانیة

87

ابن قولویه

کامل الزیارات باللغة الانکلیزیة (Kamiluz Ziyaraat)

88

السید مصطفی القزوینی

Islam Inquiries About Shi‘a

89

السید مصطفی القزوینی

When Power and Piety Collide

90

السید مصطفی القزوینی

Discovering Islam

91

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.