القول الحسن فی عدد زوجات الامام الحسن علیه السلام

اشارة

البلداوی، وسام، 1974 -  م.

القول الحسن فی عدد زوجات الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه / تألیف وسام البلداوی. ______ کربلاء: العتبة الحسینیة المقدسة، 1429ق. _____ 2008م.

320 ص. _______ (قسم الشؤون الفکریة والثقافیة فی العتبة الحسینیة المقدسة؛ 24).

المصادر : ص. 295 ___ 312؛ وکذلک فی الحاشیة.

1. الحسن بن علی (ع)، الإمام الثانی، 3 – 50 ق.  – الزواج – أحادیث – شبهات وردود. 2. تعدد الزوجات –شبهات وردود. ألف. العنوان.

8 ب  9 ز / 609 / 40 BP

تمت الفهرسة فی مکتبة العتبة الحسینیة المقدسة قبل النشر

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 2

ص: 3

القول الحسن فی عدد زوجات الإمام الحسن علیه السلام

تألیف الشیخ وسام برهان البلداوی

إصدار قسم الشؤون الفکریة والثقافیة

فی العتبة الحسینیة المقدسة

شعبة الدراسات والبحوث الإسلامیة

ص: 4

جمیع الحقوق محفوظة

للعتبة الحسینیة المقدسة

الطبعة الأولی

1429ه_ __  2008م

العراق: کربلاء المقدسة - العتبة الحسینیة المقدسة

قسم الشؤون الفکریة والثقافیة - هاتف: 326499

Web: www.imamhussain-lib.com

E-mail: info@imamhussain-lib.com

ص: 5

الإهداء

إلی من اصطفاه الله بعلمه، واختاره لسره، وارتضاه حجة علی بریته، وجعله وأخاه سیدی شباب أهل الجنة، کریم أهل البیت، الإمام أبی محمد الحسن بن علی بن أبی طالب صلوات الله وسلامه علیهما، أهدی هذا الجهد المتواضع راجیاً القبول والغفران ولوالدی العفو والرضوان، ومرافقته فی أعلی مراتب الجنان یوم لا ینفع مال ولا بنون إلا من أتی الله بقلب سلیم... آمین رب العالمین.

ص: 6

مقدمة القسم

الحمد لله الذی منّ علینا بنعمه المعنویة وآلائه الروحیة والصلاة والسلام علی سید المرسلین ومعلّم الأولین والآخرین وعلی آله منابع العلم وترجمان القرآن وسلم تسلیماً کثیرا.

أما بعد: لقد منّ الله تعالی علینا اذ وفقنا للدفاع عن خلفائه بالحق علیهم السلام، وحبانا بقابلیة الرد علی من یرید النیل من مقامهم الرفیع ومنزلتهم العظیمة التی أنزلهم الله تعالی فیها، فرفدنا بأقلام شافیة، وقلوب واعیة، ونفوس موالیة لأهل بیت نبیه صلی الله علیه وآله وسلم، وتصدیقاً لقولنا هذا نضع بین یدی القارئ الکریم المحب للحق والمتجرد عن التعصب والباغض للافتراء کتابا یشفی الغلیل ویداوی العلیل، ویضع الباطل ویرفع الحق، ألا وهو الکتاب الموسوم ب_«القول الحسن فی عدد زوجات الإمام الحسن علیه السلام» هذا الکتاب الذی استغرق وقت مؤلفه __ فضیلة الشیخ وسام البلداوی __ واستنزف طاقته واستهلک جهده فکان المؤلف بحق فارسها وابن بجدتها.

فأظهر لنا سیفاً نذب به عن مقام العصمة وسلالة النبوة وهذا ما سأترکه للقارئ الکریم لیعطی رأیه العلمی بما سیطلع علیه.

الشیخ علی الفتلاوی

رئیس قسم الشؤون الفکریة والثقافیة

ص: 7

المقدمة

لا یخفی انَّ کل کتابٍ مهما کان حجمه أو محتواه إنما یکون ولیدَ فکرةٍ تخطر فی ذهن کاتبه، وهذا الکتاب الذی بین یدیک هو ولیدُ فکرة نشأتْ أثناء مروری علی بعض ساحات الحوار فی شبکة الانترنت، والتی تدار من جهات معروفة بتوجهاتها العدائیة ضد أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین حیث رأیت أن هناک توجهاً جدیداً من قبل الکتاب النواصب إلی استغلال مسألة کثرة زوجات الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه وتعددهن للوصول إلی غایات غیر شریفة ولا مبررة من الناحیة الشرعیة.

فعلی سبیل المثال حاول احدُ النواصب الوصول من خلال هذه الکذبة البغیضة إلی کون الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه ملعوناً عند الله ومبغوضاً من قبله والعیاذ بالله، فاستعرض فی البدایة أحادیث تذم وتلعن کل مطلاق مذواق من مصادر الفریقین، ثم انتقل إلی مرحلة ثانیة فأتی بروایات تتحدث عن کون الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه کان رجلا مطلاقا ومذواقا للنساء، ومن ثم طبق

ص: 8

تلک الأحادیث التی تلعن الرجل المطلاق والمذواق علی شخص الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه، وبدأ ینزل سیلاً من الکلمات الجارحة والألفاظ القادحة حول شخص الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه، فاستغل هذا الناصبی هذه الکذبة ذریعة لنفث سمه وإفراغ حقده علی الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه ولکن بلباس شرعی، وقد أیده وتبعه فی أسلوبه الأموی هذا جملة من الجهال ممن یکثر تواجدهم فی ساحات الحوار التی یرتادها النواصب من أعداء أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین.

ثم رأیتُ بعد مدة غیر بعیدة من الزمن إن هذه الکذبة أخذت بالانتشار أکثر وأکثر، وصارت طرقُ الاستفادةِ منها متنوعة، ففی حین کانت هذه الکذبة تستغل لتفریغ شحنات الغیض والبغض التی تمتلئ بها قلوب النواصب ضد أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین، وإذا بها تصیر سبباً وأداةً تستغل لهدم أرکان مذهب التشیع، المذهب الذی بذل أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین فی سبیل المحافظة علیه وإعلاء شانه کل غالی ونفیس، حتی کانت أرواحهم الطاهرة صلوات الله علیهم أجمعین ثمنا لإعلاء قدره وإرساء دعائمه.

 وعلی سبیل المثال لا الحصر لکل ما کتب حول هذه الکذبة الأمویة والعباسیة فقد کتب احد النواصب مقالا تحت عنوان (الإلزام القوی علی بطلان عصمة الحسن بن علی) جاء فیه: (لهدم عصمة الأئمة الإثنی عشر المزعومة لدی الإمامیة ما علینا إلا أن نهدم عصمة إمام واحد وحسب فتنهدم

ص: 9

علی إثرها عصمة غیره من الأئمة لأن الرافضة تعتقد أن جمیع الإثنی عشر إمام معصومون فإذا هُدمت عصمة احد الاثنی عشر صار واضحا بطلان معتقدهم فی ذلک وتضاده واختلافه... فلا یمکن فی عقیدة الرافضة أن یکون الحسن غیر معصوم دون باقی الأئمة... ومعلوم أن مطلاق علی وزن مِفعال صیغة مبالغة أی أن المطلاق هو الرجل الکثیر الطلاق ومعلوم أن کثرة الطلاق صفة سیئة قبیحة، ومذمة یبغضها الله وهدم للعصمة لأن المعصوم فی نظر الرافضة منزه عن کل سوء وذم وقباحة کیف لا تکون مذمة وقباحة وسوء وقد نهی الإمام علی عن تزویج الحسن بسبب هذه الصفة... .

وهذا یلزم منه أن صفة کثرة الطلاق التی فی الإمام الحسن مبغوضة من قبل الله خاصة وقد نهی الإمام علی عن تزویج ابنه الإمام الحسن بسبب هذه الصفة بل یلزم الرافضة بموجب هذه الروایة أن الإمام الحسن مبغوضٌ من الله والعیاذ بالله فهذا إشکال کبیر یهدم العصمة ویجتثها من جذورها...).

فتطورت الأمور کما لاحظت وتحولت المسألة من مجرد محاولة إفراغ الضغینة والحقد إلی ما هو ابعد فی الأثر، فمنها حاولوا الدخول إلی نفی العصمة، ومن نفی العصمة أرادوا أن یبطلوا أساس الإمامة ودعامتها الرئیسة، وبهدم الأساس تنهدم کل أجزاء البناء المذهبی الشیعی، فالقضیة کما تری ابعد من کونها مجرد شبهة تثار علی احد أفراد أئمة أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین، بل هی شبهة علی المذهب برمته وعلی الأئمة

ص: 10

باجمعهم، فلذلک کان لزاما علی کل من له حظ من العلم الوقوف بوجهها، وإفشال تلک الجهود التی کرست فی سبیل استغلالها والاستفادة منها بما یسیء إلی جهود الأئمة صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین وأصحابهم رضوان الله علیهم والعلماء الأعلام الذین بذلوا وسعهم فی الإبقاء علی هذا المذهب حیا طریا.

فمن هذا المنطلق جاءت فکرة هذا الکتاب الذی بین یدیک،وقد قسمناه کما ستری إلی فصول ثلاثة، الأول منه کرس لعرض مسالة تعدد الزوجات فی نظر الأدیان السابقة وفی نظر الدین الإسلامی الحنیف،ثم اتبعناه بذکر شواهد تاریخیة حیة تنص علی تعدد نساء النبی صلی الله علیه وآله وسلم وجملة من الصحابة والصحابیات، لیتضح من خلال ذلک جهلُ مَنْ قال ان الزواج إذا تعدد کان صاحبه مزواجاً ومبغوضاً من قبل الله سبحانه.

ثم اتبعنا فی هذا الفصل مسألة تعدد الزوجات بمسألة الطلاق من وجهة نظر التشریع الإسلامی وغیره، ومن خلاله سیتضح جهل النواصب بمسالة الطلاق وتفرعاتها، وغفلتهم عن ان الطلاق تجری علیه الأحکام الخمسة فبعضه مستحب، وبعضه مکروه والبعض الثالث محرم وواجب ومباح، وان الأمر لیس کما یدعیه النواصب جهلا أو تعمدا من ان مطلق الطلاق مکروه وصاحبه مبغوض من قبل الله تعالی.

أما فی الفصل الثانی فقد کرسنا الجهد فی استقصاء کل الروایات التی تحدثت عن مسالة الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه فی کتب أهل السنة ومناقشتها

ص: 11

مناقشة علمیة بما یدحضها ویکذبها ویفند صحتها، ومن خلال تفنیدها یثبت لدینا ان مسألة کثرة زیجات الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه ووصفه بالمطلاق لیست إلا کذبة عاریة عن کل ألوان الصدق والصحة، ثم ختمنا هذا الفصل بإثبات الزمن الدقیق الذی اختلقت فیه هذه الروایات.

وفی الفصل الثالث من هذا الکتاب حاولنا استقصاء کل الروایات التی تحدثت عن کثرة زیجات الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه فی الکتب الشیعیة ومناقشتها بما یفندها ویکذبها وینفیها.

 ومن ثم ختمنا هذا الفصل بفائدتین مهمتین الأولی خصصناها لمحاولة فهم الأسباب التی من اجلها اختلقت هذه الأکاذیب، إما الفائدة الثانیة فخصصت لتبیان الرأی الدقیق لعدد زوجات الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه.

وهذا الجهد الذی بین یدیک والمسمی ب_(القول الحسن فی عدد زوجات الإمام الحسن) وبحسب ما تتبعناه وما هو موجود بین أیدینا هو الکتاب الأول الذی تناول أکذوبة المطلاق والمزواج التی رمی بها الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه وبشکل مفصل ومستقل.

فکل المحاولات التی کرست من قبل بعض الباحثین لمعالجة هذه الفریة الأمویة والعباسیة، قد جاءت قصیرة ومقتضبة، ولا تسد کل ثغرات البحث، ولا تجیب عن کل الأسئلة التی تثار حول هذا الموضوع.

 بل قد وجدنا البعض یحاول أن لا یقحم نفسه فی خضم البحث،

ص: 12

فیضطر إلی الإقرار بتلک الفریة والکذبة، لیجد نفسه ملزما بعرض مبررات تصحح کثیرة زواج الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه وطلاقه ویستدل علی صحة فعله صلوات الله وسلامه علیه بحجج وأعذار لا یصعب علی الخصم دفعها وتفنیدها.

 غیر ان هذا الکتاب بفضل من الله سبحانه وإعانة من المعصومین صلوات الله وسلامه علیهم قد قطع دابر هذه الفریة وأغلق الباب بوجه کل من یحاول النیل من مقام الإمام الحسن صلوات الله علیه، وقطع الطریق علی کل من سولت له نفسه المریضة بالإساءة إلی المذهب الحق مذهب أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین.

الشیخ وسام برهان البلدوای

من حرم الإمام الحسین بن علی صلوات الله وسلامه علیهما

ص: 13

الفصل الأول: بحث تمهیدی

اشارة

تعدد الزوجات فی الأدیان السابقة

تعدد الزوجات فی نظر التشریع الإسلامی

تعدد الزوجات فی الإسلام تجری علیه الأحکام الخمسة

الفوائد الفردیة والاجتماعیة لتعدد الزوجات

تعدد زوجات النبی الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم

تعدد زوجات الصحابة

تعدد أزواج کثیر من الصحابیات وغیرهن

الطلاق ومبرراته الشرعیة والعقلائیة

الطلاق جائز بنص الکتاب والسنة

الطلاق مشمول بالأحکام الخمسة

ص: 14

ص: 15

تعدد الزوجات فی الأدیان السابقة

قدیما قیل ان توضیح الواضحات من أصعب المشکلات، والحدیث عن أصل الزواج وأهمیته وضرورته یعد مشمولا بهذه القاعدة، ویعد توضیحا لأوضح أمر عرفته البشریة، فالعقل والفطرة قبل الدین والشرع یشهدان بأهمیته.

والثابت الذی لا یقبل الشک وبحسب النصوص التاریخیة ان ظاهرة تعدد الزوجات کانت سنّة جاریة وموغلة فی القدم، والتاریخ وان لم یکن فیه تحدید دقیق لبدء نشوء هذه الظاهرة إلا أن تلک النصوص التاریخیة وکذلک الدینیة التی یعود زمن وجودها إلی نبی الله موسی ومن بعده عیسی صلوات الله وسلامه علیهما تحدثت وبشکل صریح عن ظاهرة تعدد الزوجات.

 والتوراة والإنجیل وان کانا لا یعدان نصا قطعی الصدور لتعرضهما إلی کثیر من التزویر والتحریف، الا انه یمکن ان نعدهما نصوصا تاریخیة توارثها من یعتقد بها، ومن خلالها یمکن استکشاف ملامح ذلک العصر الذی وجدتا فیه. 

ص: 16

وعلیه فحینما تتکلم التوراة أو الإنجیل کما سنری عن ظاهرة تعدد الزوجات فی تلک العصور نستکشف من خلال ذلک ان لهذه الظاهرة جذورا موغلة فی أعماق التاریخ، تعود أسبابها إلی ظروف قد تکون متغیرة من زمن إلی آخر إلا أن جمیعها یمکن أن تشترک وتدخل تحت عنوان (الحاجة)، التی قد تتغیر مصادیقها من زمن إلی آخر ومن شخص إلی آخر، فقد تکون ظاهرة تعدد الزوجات لحاجة اقتصادیة أو دینیة أو جسدیة أو غیر ذلک من أنواع الحاجة ومصادیقها.

وقد ذکرت تلک النصوص الدینیة بان الیهود قدیما لم یکونوا یقیدون أنفسهم بعدد معین من الزوجات، فقد تحدثت التوراة عن نبی الله سلیمان صلوات الله وسلامه علیه بقولها:«وکانت له سبع مئة من النساء السیدات وثلاثة مئة من السراری...»(1).

وعند کلامها عن جدعون النبی تقول: «وکان لجدعون سبعون ولدا خارجون من صلبه لأنه کانت له نساء کثیرات»(2).

وکذلک ذکرت التوراة ان نبی الله إبراهیم صلوات الله وسلامه علیه کانت له ثلاث زوجات هن کل من السیدة هاجر(3)، والسیدة سارة(4)، وزوجة ثالثة أسمتها


1- العهد القدیم سفر الملوک الأول الإصحاح الحادی عشر الفقرة الثالثة.
2- المصدر السابق سفر القضاة الإصحاح الثامن، الفقرة 30 __ 31.
3- ذکرت فی سفر التکوین الإصحاح 16، الفقرة 4.
4- ذکرت فی سفر التکوین الإصحاح 18، الفقرة 15.

ص: 17

التوراة باسم قطورة فجاء فی النص التوراتی هکذا: «وعاد إبراهیم فاخذ زوجة اسمها قطورة فولدت له زمران ویقشان ومدان ومدیان ویشباق وشوحا»(1).

وعند حدیثها عن نبی الله یعقوب فانها تذکر له أربع زوجات الأولی منهن اسمها راحیل(2)، والثانیة اسمها لیة(3).

والتوراة لم تبح الزواج من عدة نساء فحسب، بل وضعت توصیات خاصة تقنن وتنظم هذه الظاهرة فقالت: «إن اتخذ لنفسه أخری لا ینقص طعامها وکسوتها ومعاشرتها»(4).

اما ظاهرة تعدد الزوجات فی الدیانة المسیحیة فقد بقیت متطابقة مع ما هو موجود فی الشریعة الیهودیة ولقرون عدیدة،ولکن هذا التقلید قد تغیر بعد رفع السید المسیح صلوات الله وسلامه علیه بفترات متأخرة جدا، وفی هذا الصدد یقول المؤرخ وستر مارک: «إن تعدد الزوجات باعتراف الکنیسة بقی إلی القرن السابع عشر، وکان یتکرر کثیرا فی الحالات التی لا تُحصیها الکنیسة والدولة»(5).

والقدیس (کریستوم) یقول حول قصة زواج إبراهیم الخلیل صلوات الله وسلامه علیه من هاجر وسارة: «کانت هذه الأمور غیر محرمة» (6).


1- سفر التکوین الإصحاح الخامس والعشرون، الفقرة 1 __ 2.
2- سفر التکوین الإصحاح 39، الفقرة 18 __ 20.
3- المصدر السابق، الفقرة 23 __ 24.
4- العهد القدیم سفر الخروج الإصحاح الحادی والعشرون، الفقرة 10.
5- نقلا عن کتاب أخلاق أهل البیت للسید محمد مهدی الصدر ص422.
6- الکتاب المقدس تحت المجهر لعودة مهاوش الأردنی ص136 تجده فی مسألة الحجاب وکشف الرأس.

ص: 18

ویقول القدیس (اغوستین): «لقد کانت هنالک عادة غیر مذمومة فی أن یتزوج الرجل عدة نساء. وقد یکون ذلک من قبل الوظیفة والمسؤولیة فی ذلک الزمان»(1).

ویقول (غوستاف لوبون): «وکان مبدأ تعدد الزوجات شائعا کثیرا لدی بنی إسرائیل علی الدوام،وما کان القانون المدنی أو الشرعی لیعارضه»(2).

وبناءً علی ما تقدم تصبح ظاهرة التبتل التی تدعو إلیها التعالیم المسیحیة الحدیثة، أو الاکتفاء بزوجة واحدة وعدم جواز تعددها، هو لیس فی حقیقته من صلب تعالیم السید المسیح صلوات الله وسلامه علیه.

بل ان البحث التاریخی یدلنا یقینا علی ان فکرة الاکتفاء بزوجة واحدة أو التوقف عن الزواج من الأصل کانت مجرد أفکار خاصة لأحد تلامیذه صلوات الله وسلامه علیه واسمه بولس، وکشاهد علی هذه الحقیقة نقرأ فی رسالة بولس الأولی إلی أهل کورنثوس ما یلی:

(وأما من جهة الأمور التی کتبتم لی عنها فحسن للرجل أن لا یمس امرأة، ولکن لسبب الزنا لیکن لکل واحد امرأته ولیکن لکل واحدة رجلها... ولکن أقول هذا علی سبیل الإذن لا علی سبیل الأمر لأنی أرید أن یکون الجمیع کما أنا... ولکن أقول لغیر المتزوجین وللأرامل انه حسن لهم إذا لبثوا کما أنا ولکن إن لم یضبطوا أنفسهم فلیتزوجوا لان التزوج أصلح من التحرق)(3).


1- نفس المصدر السابق.
2- المقارنات والمقابلات ص 250 نقلا عن کتاب مقارنة الأدیان الیهودیة للدکتور أحمد الشلبی ص298.
3- العهد الجدید رسالة بولس الأولی إلی أهل کورنثوس الإصحاح السابع الفقرة 1 ___ 10.

ص: 19

وقال فی موضع أخر: (وأما العذاری فلیس عندی أمر من الرب فیهن ولکننی أعطی رأیا کمن رحمه الرب أن یکون أمینا فأظن أن هذا حسن لسبب الضیق الحاضر انه حسن للإنسان أن یکون هکذا أنت مرتبط بامرأة فلا تطلب الانفصال، أنت منفصل عن امرأة فلا تطلب امرأة لکنک وان تزوجت لم تخطئ وان تزوجت العذراء لم تخطئ...)(1).

فالمسألة إذاً مسألة رأی واستحسان من وجهة نظر بولس ولیس لنبی الله عیسی بن مریم صلوات الله وسلامه علیه فی ذلک دخل یذکر فبولس وبسبب ظرف خاص أو مزاج شخصی یرید من الناس أن یکونوا مثله.

أما نبی الله عیسی صلوات الله وسلامه علیه فقد کان یضرب للناس الأمثال بتعدد الزوجات لیصل عن طریق تلک الأمثال إلی إعطاء درس یساهم فی هدایة الناس وإرشادهم، فقد ورد فی العهد الجدید ما یلی: (حینئذ یشبه ملکوت السموات عشر عذاری أخذن مصابیحهن وخرجن للقاء العریس وکان خمس منهنّ حکیمات وخمس جاهلات.أما الجاهلات فأخذن مصابیحهن ولم یأخذن معهن زیتا، وأما الحکیمات فأخذن زیتا فی آنیتهن مع مصابیحهن وفیما أبطأ العریس نعسن جمیعهن ونمن. ففی نصف اللیل صار صراخ هو ذا العریس مقبل فاخرجن للقائه فقامت جمیع أولئک العذاری وأصلحن مصابیحهن، فقالت الجاهلات للحکیمات أعطیننا من زیتکن فان مصابیحنا


1- العهد الجدید رسالة بولس الأولی إلی أهل کورنثوس الإصحاح السابع الفقرة 25 ___ 28.

ص: 20

تنطفئ فأجابت الحکیمات قائلات لعله لا یکفی لنا ولکنّ اذهبن إلی الباعة وابتعن، لکنّ وفیما هنّ ذاهبات لیبتعن جاء العریس والمستعدات دخلن معه إلی العرس وأغلق الباب أخیرا فجاءت بقیة العذاری أیضا قائلات یا سید یا سید افتح لنا. فأجاب وقال: الحق أقول لکن إنی ما أعرفکن. فاسهروا إذن لأنکم لا تعرفون الیوم ولا الساعة التی یأتی فیها ابن الإنسان)(1).

ومحاولة نبی الله عیسی صلوات الله وسلامه علیه تصویر هذه الحکمة بهذه الصورة لیس هو إلا من باب تشبیه المجهول بالمعلوم المحسوس المتعارف علیه، فلابد حینئذ أن یکون زواج الرجل الواحد من عشر نساء معروفا فی تلک الأیام غیر مستهجن ولا مستغرب لیستطیع من خلال هذا المحسوس المألوف تشبیه ملکوت السموات وترقبه.

 ولو کان الأمر غیر ما قلناه وکان الزواج من عدة زوجات أمرا مستهجنا فی ذلک الوقت لما صح لنبی الله عیسی صلوات الله وسلامه علیه المعروف بحکمته وعصمته أن یستشهد به __ أی بتعدد الزوجات __ ولقبح منه صلوات الله وسلامه علیه أن یضرب به الأمثال.

وهذا الاستعراض السریع یضع أمامنا حقیقة مهمة وهی ان الزواج وتعدد الزوجات مما تعارفت علیه الأدیان والشعوب، وخاض تجربته الأنبیاء والرسل قبل غیرهم من بقیة الناس، وفی هذا الصدد یقول الشیخ مکارم


1- إنجیل متی الإصحاح 25 الفقرة 1 ___ 13.

ص: 21

الشیرازی: (إن دراسة البیئات المختلفة قبل الإسلام تکشف لنا أن تعدد الزوجات دونما عدد معین کان أمرا عادیا وشائعا، لدرجة أن بعض الوثنیین أسلموا وتحت الرجل منهم عشر زوجات أو أقل، من هنا لم تکن مسألة تعدد الزوجات مما أبدعه الإسلام، نعم إن ما فعله الإسلام هو وضع هذا الأمر فی إطار الحاجة والضرورة الحیویة الإنسانیة، وتقییده بطائفة من القیود والشروط الثقیلة...)(1).

تعدد الزوجات فی نظر التشریع الإسلامی

اشارة

لا یخفی أنَّ الإسلام له رأیٌ فی أصل الزواج والتزویج یمتاز به عما هو متداول حالیا بین معتنقی الدیانة المسیحیة والیهودیة، فالمسیحیة الیوم کما ذکرنا سابقا تؤمن بما جاء علی لسان بولس وتری استحسان عدم الزواج للذی لم یکن متزوجا، بل ویحسن فی نظرها للرجل أن لا یمس امرأة،واستثنوا من هذا الاستحسان، الإنسان الخائف علی نفسه من الزنا، فیمکن له حینئذ أن یتزوج، ولکن لا ینبغی أن یتزوج بأکثر من امرأة واحدة، وأما العذاری، فقد استحسن بولس أن یبقین هکذا کما هن علیه من دون زوج ولا زواج، وعلل استحسانه واجتهاده الشخصی بالظروف، فقال (أن هذا حسن لسبب الضیق الحاضر).


1- الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل للشیخ ناصر مکارم الشیرازی ج3 ص94 فی تعدد الأزواج ضرورة اجتماعیة.

ص: 22

أما الإسلام فیخالف هذه النظرة بالکلیة فهو قد ندب وحفز من لم یتزوج علی الإسراع فی الاقتران بزوجة،وجعله نصف الدین(1) وفی بعض الأخبار جعله ثلثی الدین(2)، وجعل عبادة المتزوج تعدل أضعافا کثیرة من عبادة غیر المتزوج(3)، وشجع علی تزویج البنات وجعل من سعادة الأب والأم والعائلة أن تتزوج ابنتهم فی سن مبکر(4)، وأمر أن لا یحول بینهم وبین


1- جاء فی کتاب الکافی للشیخ الکلینی ج 5 ص 329 (قال رسول الله صلی الله علیه وآله: من تزوج أحرز نصف دینه وفی حدیث آخر فلیتق الله فی النصف الآخر أو الباقی).
2- قال المیرزا النوری فی مستدرک الوسائل ج 14 ص 149: (قال رسول الله صلی الله علیه وآله: ما من شاب تزوج فی حداثة سنه إلا عج شیطانه: یا ویله عصم منی ثلثی دینه، فلیتق الله العبد فی الثلث الباقی).
3- فی الکافی للشیخ الکلینی ج 5 ص 329: (عن أبی عبد الله علیه السلام قال: جاء رجل إلی أبی عبد الله علیه السلام فقال له: هل لک من زوجة؟ فقال: لا، فقال أبی: وما أحب أن لی الدنیا وما فیها وإنی بت لیلة ولیست لی زوجة، ثم قال: الرکعتان یصلیهما رجل متزوج أفضل من رجل أعزب یقوم لیله ویصوم نهاره، ثم أعطاه أبی سبعة دنانیر ثم قال له: تزوج بهذه، ثم قال أبی: قال رسول الله صلی الله علیه وآله: اتخذوا الأهل فإنه أرزق لکم).
4- ورد فی کتاب الکافی للشیخ الکلینی ج 5 ص 336 __ 337 (عن أبی عبد الله علیه السلام قال: من سعادة المرء أن لا تطمث ابنته فی بیته. وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: إن الله عز وجل لم یترک شیئا مما یحتاج إلیه إلا علمه نبیه صلی الله علیه وآله فکان من تعلیمه إیاه أنه صعد المنبر ذات یوم فحمد الله وأثنی علیه، ثم قال أیها الناس إن جبرئیل أتانی عن اللطیف الخبیر فقال إن الأبکار بمنزلة الثمر علی الشجر إذا أدرک ثمره فلم یجتنی أفسدته الشمس ونثرته الریاح وکذلک الأبکار إذا أدرکن ما یدرک النساء فلیس لهن دواء إلا البعولة وإلا لم یؤمن علیهن الفساد لأنهن بشر).

ص: 23

الزواج عائق العوز والحاجة وأکد علی أن الزواج وسیلة من وسائل الغنی وتوسیع المعیشة قال تعالی:

((وَأَنْکِحُوا الْأَیَامَی مِنْکُمْ وَالصَّالِحِینَ مِنْ عِبَادِکُمْ وَإِمَائِکُمْ إِنْ یَکُونُوا فُقَرَاءَ یُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِیمٌ))(1).

وأوجب علی الرجل أو المرأة أن یتزوجا فی حالة خوفهما من الوقوع فی معصیة الزنا، بعکس حکم الإنجیل الذی یجعل من الزواج فی حالة الخوف من الوقوع فی الزنا مستحبا کما هو ظاهر کلام بولس الذی تقدم ذکره.

تعدد الزوجات فی الإسلام تجری علیه الأحکام الخمسة

کل ما بیناه سابقا کان فی أصل الزواج وأساسه، أما تعدده فالقاعدة العامة تنص علی انه جائز ومباح، ومعنی کونه مباحا، هو ان الشریعة الإسلامیة لم توجبه علی الرجل، وفی المقابل لم تحرمه علیه.

 وهذه الإباحة فی تعدد الزوجات تکون بالظروف الطبیعیة فحسب، وقد تلحق مسالة تعدد الزوجات أحکاما أخری تبعا لتغیر الظروف فیتغیر حکمها من الإباحة إلی حکم آخر من الأحکام الخمسة، فقد یستحب وقد یکره وقد یجب وقد یحرم تبعا لنوع المصلحة ومستواها أو المفسدة ومقدارها.


1- سورة النور الآیة 32.

ص: 24

الفوائد الفردیة والاجتماعیة لتعدد الزوجات

اشارة

والمهم الذی نرید ان نتناوله بشیء من التفصیل هو ان التعدد إذا کان له مبررات تبیحه وتجوزه تکون له نتائج طیبة تعود علی الإنسان نفسه، وعلی المجتمع بفوائد وعوائد جمة، وفیما یلی جملة من تلک العوائد والفوائد التی یمکن أن یحققها الزواج بأکثر من زوجة:

أولا: التعدد ینتج عنه کثرة النسل الذی به تعمر الأرض

والیه أشار صاحب کتاب فقه السنة حیث قال:

(أن للإسلام رسالة إنسانیة علیا کلف المسلمون أن ینهضوا بها،ویقوموا بتبلیغها للناس.

وهم لا یستطیعون النهوض بهذه الرسالة إلا إذا کانت لهم دولة قویة،قد توفر لها جمیع مقومات الدولة:من الجندیة، والعلم، والصناعة، والزراعة والتجارة، وغیر ذلک من العناصر التی یتوقف علیها وجود الدولة وبقاؤها مرهوبة الجانب نافذة الکلمة قویة السلطان.

 ولا یتم ذلک إلا بکثرة الأفراد، بحیث یوجد فی کل مجال من مجالات النشاط الإنسانی عدد وفیر من العاملین، ولهذا قیل:

"إنما العزة للکاثر" وسبیل هذه الکثرة إنما هو الزواج المبکر من جهة، والتعدد من جهة أخری)(1).


1- فقه السنة للشیخ سید سابق ج 2 ص 115 .

ص: 25

ثانیا: فی التعدد حل لظاهرة العنوسة

ان فی تعدد الزوجات حلاً مهماً لظاهرة العنوسة التی تئنُّ من لأوائها فئة لیست بالقلیلة من الفتیات اللاتی لم یحالفهن الحظ بالزواج فی سنین مبکرة من أعمارهن،والتی تبقی الواحدة منهن تعانی بعد أن تیأس من انتظار شریک حیاتها من مشکلات نفسیة وعاطفیة، والتی ینتج عنها أضرار وعواقب لا یعلمها إلا الله سبحانه، فمن هذه الأضرار ما تصیب نفس الفتاة کتمکین حالة الیأس فی نفسها، وقتل الأمل والرغبة فی مواصلة الحیاة فی قلبها،لیدفع هذا الشعور بالکثیر منهن إلی الانتحار فکم من حالة انتحار حصدت الکثیر من نفوس الفتیات کانت إحدی أقوی أسبابها هی المعاناة التی کانت تتعرض لها الفتاة جراء حالة العنوسة وبالخصوص بعد فقد الأب والأم وزواج بقیة الأخوة والأخوات.

أو المضار التی یعانیها المجتمع من وجود حالة العنوسة بین أفراده من جراء تعرض الکثیر من العوانس اللاتی یسهل استغلالهن والتأثیر علیهن للانحراف بسبب الضغوطات النفسیة أو الغریزیة التی صار المجال أمامها مفتوحا بسبب الانفتاح الإعلامی والمعلوماتی.

والحل الأمثل لکل تلک المشاکل یکون بتفعیل مبدأ تعدد الزوجات، ففیه استنقاذ لروح إنسانة لها کیان وعواطف وأحاسیس، ومنحها الأمل والسعادة التی لا تتأتی بغیر نظام تعدد الزوجات، وتمکینها من مواصلة حیاتها بصورة سلیمة عن طریق تمکینها من تأدیة وظیفتها کأم ومربیة وزوجة،

ص: 26

وتحصینها والمجتمع من مخاطر ضغط الحاجة الجنسیة والغریزیة التی إما أن تکبت وتکتم فتؤدی إلی البؤس والضیاع وإما أن تشبع بغیر الزواج الشرعی فتؤدی إلی خسران الفتاة نفسها وآخرتها، وخسران المجتمع فردا من أفراده وتحویله إلی عنصر ضار بنفسه وبالآخرین.

ثالثا: فی التعدد حلُّ لمشکلة الأرامل والأیتام

ان فی تعدد الزوجات حلاً لمشکلة الأرامل والأیتام والتی غالبا ما یبتلی بها المجتمع عقیب تعرضه لحالات الحرب أو القتل الجماعی الذی یقع نتیجة النزاعات الطائفیة أو العرقیة أو الاستعماریة، فینتج عن ذلک القتل وتلک الحروب مجموعة هائلة من الأرامل اللاتی یفقدن الزوج بوصفه المعیل و الحافظ لحقوق زوجته المادیة والجسدیة.

وکذلک ینتج عن ذلک القتل وتلک الحروب مجموعة هائلة من الأیتام الذین یفقدون بفقد آبائهم المربی والموجه والناصح والمعیل والحامی، ومن یمنحهم الحنان والدعم والتجربة، وغیر ذلک من الفوائد والمهام التی یمکن أن یؤدیها الوالد إلی أولاده.

ولا یخفی علی متدبر ما لفقد الأب والزوج من الآثار السلبیة علی الأسرة لا سیما إذا کان أفرادها صغارا فی مقتبل العمر، لیس لهم معیل ولا مربی یقوم مقام الأب الفقید، بل حتی لو وجد ذلک المعیل فان هنالک وظائفاً ومهاماً لا یقدر أن یقوم بأعبائها غیر الزوج والأب.

ص: 27

 فوجود المعیل لا یغنی الزوجة ولا یسد احتیاجاتها النفسیة والجسدیة، ووجود المعیل لا یسد الفراغ الذی سیترکه الأب فی حیاة أولاده، ولا یؤدی الدور الإرشادی والتوجیهی للأب والذی من لوازمه الحضور المستمر والمراقبة لإفراد الأسرة. ولکن جُّل هذه المشاکل تحل ویقطع دابرها بتعدد الزوجات فالأسرة التی فقدت أباها والزوجة التی فقدت زوجها لو قدر لها أن تسعد بزوج ثانٍ، فان کثیراً من المشاکل التی تعانی منها الزوجة کالاحتیاجات الجسدیة،والاستقرار النفسی، وتوفیر لوازم المعیشة، ستحل وتتوفر بهذا الزواج.

 أما من حیث الأیتام فسیعود هذا الزواج الثانی علیهم بفوائد وعوائد جمة، فدور المرشد والمربی والناصح والمعلم والمتکفل سیؤدیه ذلک الزوج الثانی،وحتی لو لم یکن أداء الزوج الثانی متکاملا، فانه سیکون أفضل بکثیر من ترکهم هملا من دون معیل ولا مربی.

رابعا: التعدد حل لمن لا یرید فراق زوجته لعلة

وقد أشار السید محمد مهدی الصدر فی کتابه (أخلاق أهل البیت) إلی ذلک بقوله: (قد تمرض الزوجة جسمیا أو عقلیا،وتعجز آنذاک عن أداء رسالتها الزوجیة، ولا تستطیع تلبیة رغبات الزوج، ورعایة الأسرة والأبناء، مما یفضی بهم إلی القلق والتسیب.

ولا ریب أنها أزمة خانقة تستدعی العلاج الحاسم الحکیم،وهو لا یخلو من فروض ثلاثة:

ص: 28

أ __ إما أن یترک الزوج هملا یعانی مرارة الحرمان من حقوقه الزوجیة، ویغدو عرضة للتردی فی مهاوی الرذیلة والإثم، وتترک الأسرة کذلک نهبا للفوضی والتبعثر. وهذا إجحاف بالزوج والأسرة،وإهدار لحقوقهما معا.

ب __ وإما أن یتخلص الزوج من زوجته المریضة بالطلاق، ویدعها تقاسی شدائد المرض ووحشة النبذ والانفراد، وهذا ما یأباه الوجدان لمنافاته مبادئ الإنسانیة وسجایا النبل والوفاء.

ج __ وإما أن یتسری الزوج علی زوجه المریضة،متخذا زوجة أخری تلبی رغباته، وتلم شعث الأسرة، وتحیط الأولی بحسن الرعایة واللطف، وهذا هو أفضل الحلول وأقربها إلی الرشد والصواب)(1).

خامسا: التعدد حل لمن لا یرید طلاق زوجته بسبب العقم

 وقال السید محمد مهدی الصدر أیضا: (وقد تکون الزوجة عقیمة محرومة من نعمة النسل والإنجاب،فماذا یصنع الزوج والحالة هذه، أیظل محروما من الأبناء یتحرق شوقا إلیهم، وتلهفا علیهم مستجیبا لغریزة الأبوة ووخزها الملح فی النفس. فان هو صبر علی ذلک الحرمان مؤثرا هوی زوجته علی هواه، فذلک نبل وتضحیة وإیثار. أو یتسری __ یتزوج __ علیها بأخری تنجب له أبناء یملؤن فراغه النفسی، ویکونون له قرة عین وسلوة فؤاد. وهذا هو منطق الفطرة والغریزة الذی لا یحید عنه إلا نفر قلیل من الناس)(2).


1- أخلاق أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین للسید محمد مهدی الصدر ص424.
2- نفس المصدر.

ص: 29

وقال صاحب کتاب فقه السنة: (وقد تکون الزوجة عقیما لا تلد، أو مریضة مرضا لا یرجی شفاؤها منه، وهی مع ذلک راغبة فی استمرار الحیاة الزوجیة، والزوج راغب فی إنجاب الأولاد، وفی الزوجة التی تدبر شؤون بیته.فهل من الخیر للزوج أن یرضی بهذا الواقع الألیم، فیصطحب هذه العقیم دون أن یولد له، وهذه المریضة دون أن یکون له من یدبر أمر منزله، فیحتمل هذا الغرم کله وحده؟!. أم الخیر فی أن یفارقها وهی راغبة فی المعاشرة فیؤذیها بالفراق؟! أم یوفق بین رغبتها ورغبته، فیتزوج بأخری ویبقی علیها فتلتقی مصلحته ومصلحتها معا؟! أعتقد أن الحل الأخیر هو أهدی الحلول وأحقها بالقبول، ولا یسع صاحب ضمیر حی وعاطفة نبیلة إلا أن یتقبله ویرضی به)(1).

سادسا: وللتعدد فائدة عظمی لقادة المجتمع ووجهائه

 وقد تختلف الأسباب باختلاف شخص الإنسان ومنزلته فقد تکون زیجات بعض الأنبیاء ورؤساء المجتمعات والقادة لأهداف لا یقدر علی فهمها الفرد العادی والی ذلک یشیر الشیخ مکارم الشیرازی فی کلامه عن تعدد زوجات النبی صلی الله علیه وآله وسلم حیث قال: (نقرأ فی بعض التواریخ أن النبی صلی الله علیه وآله وسلم تزوج بعدة زوجات،ولم یجر إلا مراسم العقد،ولم یباشرهن أبدا،بل إنه اکتفی فی بعض الموارد بخطبة بعض نساء القبائل فقط. وقد کان هؤلاء یفرحون ویسرون ویفتخرون بأن امرأة من قبیلتهم قد سمیت بزوجة


1- فقه السنة للشیخ سید سابق ج2 ص118.

ص: 30

النبی صلی الله علیه وآله وسلم فحصل لهم هذا الفخر،وبذلک فإن علاقتهم الاجتماعیة بالنبی کانت تشتد وتقوی ویصبحون أکثر تصمیما علی الدفاع عنه ومن جانب آخر،فمع أن النبی صلی الله علیه وآله وسلم لم یکن رجلا عقیما،إلا أنه لم یکن له من الأولاد إلا القلیل،فی حین أن هذا الزواج المتعدد لو کان بسبب جاذبیة هذه النسوة،وإثارتهن الجنسیة،فینبغی أن یکون له من الأولاد الکثیر)(1).

أقول ومن هنا أیضا نستطیع أن نوجه ونعلل سبب تزوج نبی الله سلیمان لعدة من النساء من قبائل وشعوب کثیرة. موآبیة وعمونیة وادومیة وصیدونیة وحیثیه ومصریة کما ذکرت التوراة(2).

هذه هی أهم فوائد ومبررات تعدد الزوجات وقد اکتفینا منها بالمهم، وترکنا الخوض فی کثیر منها خوف الإطالة، فیمکن لطالب المزید أن یراجعها فی مظانها. فینبغی للمنصف أن لا ینظر إلی تعدد الزوجات من حیث کونه یوفر مجالا أوسع لقضیة الغریزة الجنسیة، فتجعل هذه النظرة منه هدفا تافها ورخیصا یحقره الناظر ویسخر منه السامع، بل یجب علی الإنسان المنصف أن ینظر إلی ظاهرة تعدد الزوجات بموضوعیة وتجرد وان یأخذه من جمیع جوانبه ویلاحظه بحیثیاته کافة، لیستطیع بهذه النظرة الشمولیة أن یصل إلی نتیجة معقولة وصحیحة وکاملة.


1- الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل للشیخ ناصر مکارم الشیرازی: ج 13، ص 314، بحث جانب من حکمة تعدد زوجات النبیصلی الله علیه وآله وسلم.
2- سفر الملوک الأول الإصحاح 11 الفقرة 1 __ 8 وان کنا نشک فی العدد الذی ذکرته التوراة لزوجات نبی الله سلیمان علیه السلام الا ان الذی قدمناه یبقی تبریرا لتعدد زوجاته علیه السلام بغض النظر عن عددهن.

ص: 31

تعدد زوجات النبی الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم

اختلفت کلمات المؤرخین حول عدد زوجات النبی الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم ما بین تسعة زوجات وبین الثلاث والعشرین زوجة،ونحن هنا ننقل لک جملة من أقوالهم تارکین التحقیق فی هذه القضیة إلی بحوث أخری خصصت لهذا الأمر، فالشیخ الطوسی رحمه الله یقول فی کتابه المبسوط: (قال أبو عبیدة معمر بن المثنی: جملة من تزوج النبی صلی الله علیه وآله وسلم ثمانی عشرة امرأة سبع من قریش، وواحدة من حلفائهم، وتسع من سائر القبائل، وواحدة من بنی إسرائیل ابن هارون بن عمران، واتخذ من الإماء ثلاثا عجمیتین وعربیة،وأعتق العربیة واستولد إحدی العجمیتین)(1).

وعن الشیخ الصدوق رحمه الله عن جعفر بن محمد بن عمارة عن أبیه عن أبی عبد الله صلوات الله وسلامه علیه قال: (تزوج رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بخمس عشرة امرأة ودخل بثلاث عشرة منهن وقبض عن تسع)((2).

وقال الذهبی فی کتابه سیر أعلام النبلاء: (قال الزهری: تزوج نبی الله صلی الله علیه وآله وسلم ثنتی عشرة عربیة محصنات.

 وعن قتادة قال: تزوج خمس عشرة امرأة: ست من قریش. وواحدة من حلفاء قریش، وسبعة من نساء العرب.وواحدة من بنی إسرائیل.


1- المبسوط للشیخ الطوسی ج 4، ص 270، فی ذکر زوجات النبی.
2-  () الحدائق الناضرة للمحقق البحرانی ج23 ص95 الفائدة الثالثة عشر فی خصائص النبی صلی الله علیه وآله وسلم.

ص: 32

قال أبو عبید:ثبت أن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم تزوج ثمانی عشرة امرأة:سبع من قریش، وواحدة من حلفائهم. وتسع من سائر العرب. وواحدة من نساء بنی إسرائیل...)(1).

وعن ابن هشام فی سیرته قال: (وکن تسعا: عائشة بنت أبی بکر،وحفصة بنت عمر بن الخطاب، وأم حبیبة بنت أبی سفیان بن حرب،وأم سلمة بنت أبی أمیة بن المغیرة، وسودة بنت زمعة بن قیس،وزینب بنت جحش بن رئاب، ومیمونة بنت الحارث بن حزن، وجویریة بنت الحارث بن أبی ضرار، وصفیة بنت حیی بن أخطب، فیما حدثنی غیر واحد من أهل العلم. وکان جمیع من تزوج رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ثلاث عشرة:خدیجة بنت خویلد، وهی أول من تزوج، زوجه إیاها أبوها خویلد بن أسد، ویقال أخوها عمرو بن خویلد، وأصدقها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عشرین بکرة)(2).

وقال ابن کثیر فی السیرة النبویة: (قلت: وفی صحیح البخاری عن أنس أن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کان یطوف علی نسائه وهن إحدی عشرة امرأة. والمشهور أن أم شریک لم یدخل بها کما سیأتی بیانه، ولکن المراد بالإحدی عشرة اللاتی کان یطوف علیهن التسع المذکورات والجاریتان ماریة وریحانة...)(3).


1- سیر أعلام النبلاء للذهبی ج2 ص253 __254.
2- السیرة النبویة لابن هشام الحمیری: ج 4، ص 1057__ 1058، ذکر أزواجه صلی الله علیه وآله وسلم أمهات المؤمنین.
3- السیرة النبویة لابن کثیر: ج 4، ص 579.

ص: 33

وقال ابن کثیر أیضا: (فهؤلاء نساؤه وهن ثلاثة أصناف; صنف دخل بهن ومات عنهن، وهن التسع المبتدأ بذکرهن.

وهن حرام علی الناس بعد موته صلوات الله وسلامه علیه بالإجماع المحقق المعلوم من الدین ضرورة، وعدتهن بانقضاء أعمارهن. قال الله تعالی:

((وَمَا کَانَ لَکُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْکِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِکُمْ کَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِیمًا))(1).

وصنف دخل بهن وطلقهن فی حیاته، فهل یحل لأحد أن یتزوجهن بعد انقضاء عدتهن منه صلوات الله وسلامه علیه؟ فیه قولان للعلماء:

أحدهما؛ لا لعموم الآیة التی ذکرناها.

والثانی: نعم بدلیل آیة التخییر وهی قوله:

((یَا أَیُّهَا النَّبِیُّ قُلْ لِأَزْوَاجِکَ إِنْ کُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَیَاةَ الدُّنْیَا وَزِینَتَهَا فَتَعَالَیْنَ أُمَتِّعْکُنَّ وَأُسَرِّحْکُنَّ سَرَاحًا جَمِیلًا * وَإِنْ کُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْکُنَّ أَجْرًا عَظِیمًا))(2).

قالوا: فلولا أنها تحل لغیره أن یتزوجها بعد فراقه إیاها لم یکن فی تخییرها بین الدنیا والآخرة فائدة، إذ لو کان فراقه لها لا یبیحها لغیره لم یکن فیه فائدة لها. وهذا قوی والله تعالی أعلم.


1- سورة الأحزاب، الآیة: 33.
2- سورة الأحزاب، الآیتان: 28 و29.

ص: 34

وأما الصنف الثالث وهی من تزوجها وطلقها قبل أن یدخل بها، فهذه یحل لغیره أن یتزوجها، ولا أعلم فی هذا القسم نزاعا. وأما من خطبها ولم یعقد عقده علیها فأولی لها أن تتزوج وأولی)(1).

وقال الیعقوبی فی تاریخه: (وتزوج إحدی وعشرین امرأة، وقیل ثلاثا وعشرین. دخل ببعضهن وطلق بعضا ولم یدخل ببعض)(2).

ونحن هنا نرید أن نشیر إلی أمر هام وهو ان تعدد الزوجات سواء فی الفترة التی سبقت النبی الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم أو التی عاصرت سنی عمره الشریف کان أمرا معتادا علی حدوثه غیر مستهجن حصوله ولم یکن بالأمر المعیب مطلقا بدلیل ان جبابرة قریش وطغاتها لم یکونوا یألون جهدا عن نبز شخصیة النبی الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم وتصید کل صغیرة وکبیرة یمکن أن تکون عیبا یؤاخذ به أو عادة مستقبحة یشهر بها علیه، فی سبیل الحط من کرامته وعظیم شخصیته،ولکننا لم نسمع ولم ینقل بحسب ما تتبعناه ان شخصا من هؤلاء الطغاة الأجلاف قد عاب علی النبی صلی الله علیه وآله وسلم تعدد زوجاته وتنوع حلیلاته مما یدلنا دلالة واضحة علی ان التعدد لم یکن عندهم معیبا ولا مستهجنا مهما ترامت أطرافه وان الاعتراض والتشکیک والانتقاص من تعدد الزوجات قد جاء متأخرا عن زمن النبی الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم.


1- السیرة النبویة لابن کثیر ج 4 ص 598 __ 599.
2- تاریخ الیعقوبی للیعقوبی ج 2 ص 84.

ص: 35

تعدد زوجات الصحابة

اشارة

لیست حالة الاستهجان والانتقاص من التعدد فی الزوجات قد جاءت متأخرة عن زمن النبی الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم فحسب بل انها قد جاءت متأخرة عن زمن کل من أبی بکر وعمر وعثمان وعلی صلوات الله وسلامه علیه لأن هؤلاء الصحابة قد تزوجوا وطلقوا عددا کبیرا من الزوجات من دون أن یعیب بعضهم علی البعض الآخر هذا التعدد،مما یدل دلالة واضحة ان مسألة التعدد فی زمنهم کانت أمرا مهضوما ومستساغا وان الاستنقاص والاستهجان قد ولد فی زمن معین وأهداف معینة سنستعرضها فی حینها.

وسنستعرض فیما یلی جملة من الصحابة الذین تعددت زوجاتهم وتنوعت حلائلهم:

1. أبو بکر بن أبی قحافة

 تزوج أبو بکر بحسب ما روی أربع زوجات، قال الطبری فی تاریخه: (حدث علی بن محمد عمن حدثه ومن ذکرت من شیوخه قال تزوج أبو بکر فی الجاهلیة قتیلة ووافقه علی ذلک الواقدی والکلبی قالوا وهی قتیلة ابنة عبد العزی ابن عبد بن أسعد بن جابر بن مالک بن حسل بن عامر بن لؤی فولدت له عبد الله وأسماء.

وتزوج أیضا فی الجاهلیة أم رومان بنت عامر بن عمیرة بن ذهل ابن ذهمان بن الحارث بن غنم بن مالک بن کنانة... فولدت له عبد الرحمن وعائشة فکل هؤلاء الأربعة من أولاده ولدوا من زوجتیه اللتین سمیناهما فی الجاهلیة.

ص: 36

وتزوج فی الإسلام أسماء بنت عمیس وکانت قبله عند جعفر بن أبی طالب وهی أسماء بنت عمیس ابن معد بن تیم بن الحارث بن کعب بن مالک بن قحافة بن عامر بن ربیعة بن عامر بن مالک بن نسر بن وهب الله بن شهران بن عفرس بن حلف بن أفتل وهو خثعم فولدت له محمد بن أبی بکر.

 وتزوج أیضا فی الإسلام حبیبة بنت خارجة ابن زید بن أبی زهیر من بنی الحارث بن الخزرج وکانت نسأ حین توفی أبو بکر فولدت له بعد وفاته جاریة سمیت أم کلثوم)(1).

2. عمر بن الخطاب

تزوج عمر بن الخطاب تسع زوجات وخطب اثنتین فرفض من قبلهما، روی الطبری فی تاریخه قال: (تزوج عمر فی الجاهلیة زینب ابنة مظعون بن حبیب... فولدت له عبد الله وعبد الرحمن الأکبر وحفصة.

وتزوج ملیکة ابنة جرول الخزاعی فی الجاهلیة فولدت له عبید الله بن عمر ففارقها فی الهدنة فخلف علیها بعد عمر أبو الجهم بن حذیفة.

وأما محمد بن عمر فإنه زید الأصغر وعبید الله الذی قتل یوم صفین مع معاویة أمهما أم کلثوم بنت جرول بن مالک ابن المسیب بن ربیعة... وکان الإسلام فرق بینها وبین عمر.


1- تاریخ الطبری ج 2 ص 616 ذکر أسماء نساء أبی بکر.

ص: 37

وتزوج قریبة ابنة أبی أمیة المخزومی فی الجاهلیة ففارقها أیضا فی الهدنة فتزوجها بعده عبد الرحمن بن أبی بکر... وتزوج أم حکیم بنت الحارث بن هشام ابن المغیرة... فی الإسلام فولدت له فاطمة فطلقها قال المدائنی وقد قیل لم یطلقها.

وتزوج جمیلة أخت عاصم بن ثابت بن أبی الأقلح... فولدت له عاصما فطلقها.

وتزوج أم کلثوم بنت علی بن أبی طالب وأمها فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأصدقها فیما قیل أربعین ألفا فولدت له زیدا ورقیة(1).

 وتزوج لهیة امرأة من الیمن فولدت له عبد الرحمن قال المدائنی ولدت له عبد الرحمن الأصغر قال ویقال کانت أم ولد وقال الواقدی لهیة هذه أم ولد وقال أیضا ولدت له لهیة عبد الرحمن الأوسط وقال عبد الرحمن الأصغر أمه أم ولد.

 وکانت عنده فکیهة وهی أم ولد فولدت له زینب وقال الواقدی هی أصغر ولد عمر.

وتزوج عاتکة ابنة زید بن عمرو بن نفیل وکانت قبله عند عبد الله بن أبی بکر فلما مات عمر تزوجها الزبیر بن العوام.


1- نحن لا نتفق مع من یدعی ان أم کلثوم بنت أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه قد زوجت من عمر بن الخطاب لأسباب قد تناولها المحققون الذین اثبتوا وبضرس قاطع اختلاق هذه القصة لأهداف غیر خفیه، ولکننا أوردناها هنا لإلزام المخاصم بما ألزم به نفسه فتأمل.

ص: 38

قال المدائنی وخطب أم کلثوم بنت أبی بکر وهی صغیرة وأرسل فیها إلی عائشة فقالت الأمر إلیک فقالت أم کلثوم ولا حاجة لی فیه فقالت لها عائشة ترغبین عن أمیر المؤمنین قالت نعم إنه خشن العیش شدید علی النساء... .

قال المدائنی وخطب أم أبان بنت عتبة بن ربیعة فکرهته وقالت یغلق بابه ویمنع خیره ویدخل عابسا ویخرج عابسا)(1).

3. عثمان بن عفان

   تزوج ثمانی زوجات کما رواه الطبری فی تاریخه بقوله: (ذکر أولاده وأزواجه رقیة وأم کلثوم ابنتا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم(2) ولدت له رقیة عبد الله.

 وفاختة ابنة غزوان بن جابر... ولدت له ابنا فسماه عبد الله وهو عبد الله الأصغر هلک.

وأم عمرو بنت جندب بن عمرو... من الأزد ولدت له عمرا وخالدا وأبانا وعمر ومریم.

 وفاطمة ابنة الولید بن عبد شمس بن المغیرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ولدت له الولید وسعیدا.


1- تاریخ الطبری ج 3 ص 269 __ 270،الکامل فی التاریخ لابن الأثیر ج 3 ص 53 __ 55.
2- المحقق من قبل علماء الطائفة الحقة ان کل من رقیة وأم کلثوم لم تکونا من بنات رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بل کانتا ربیبتاه، وقد کتب أکثر من کتاب بهذا الخصوص فراجع.

ص: 39

وأم البنین بنت عیینة بن حصن بن حذیفة بن بدر الفزاری ولدت له عبد الملک بن عثمان هلک.

ورملة ابنة شیبة بن ربیعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصی ولدت له عائشة وأم أبان...

ونائلة ابنة الفرافصة بن الأحوص بن عمرو بن ثعلبة... ولدت له مریم ابنة عثمان.

 وقتل عثمان... وعنده رملة ابنة شیبة ونائلة وأم البنین بنت عیینة وفاختة ابنة غزوان غیر أنه فیما زعم علی بن محمد طلق أم البنین وهو محصور فهؤلاء أزواجه اللواتی کن له فی الجاهلیة والإسلام، وأولاده رجالهم ونساؤهم)(1).

4. عبد الرحمن بن عوف

روی ابن سعد فی طبقاته انه تزوج ست عشرة زوجة وکان له من کلهن أولادا ذکورا وإناثا، قال ابن سعد:

(کان لعبد الرحمن بن عوف من الولد سالم الأکبر مات قبل الإسلام وأمه أم کلثوم بنت عتبة بن ربیعة.


1- تاریخ الطبری: ج 3، ص 444 __ 445. الکامل فی التاریخ لابن الأثیر: ج 3، ص 185 __ 186.

ص: 40

وأم القاسم ولدت أیضا فی الجاهلیة وأمها بنت شیبة بن ربیعة بن عبد شمس.

ومحمد وبه کان یکنی وإبراهیم وحمید وإسماعیل وحمیدة وأمة الرحمن وأمهم أم کلثوم بنت عقبة بن أبی معیط بن أبی عمرو بن أمیة بن عبد شمس.

 ومعن وعمر وزید وأمة الرحمن الصغری وأمهم سهلة بنت عاصم بن عدی بن الجد بن العجلان من بلی من قضاعة وهم من الأنصار.

 وعروة الأکبر قتل یوم أفریقیة وأمه بحریة بنت هانئ بن قبیصة بن هانئ بن مسعود بن أبی ربیعة من بنی شیبان.

وسالم الأصغر قتل یوم فتح أفریقیة وأمه سهلة بنت سهیل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالک بن حسل بن عامر بن لؤی.

 وأبو بکر وأمه أم حکیم بنت قارض بن خالد بن عبید بن سوید حلیفهم.

و عبد الله بن عبد الرحمن قتل بأفریقیة یوم فتحت وأمه ابنة أبی الحیس بن رافع بن امرئ القیس بن زید بن عبد الأشهل من الأوس من الأنصار.

 وأبو سلمة وهو عبد الله الأصغر وأمه تماضر بنت الإصبع بن عمرو بن ثعلبة بن حصن بن ضمضم بن عدی بن جناب من کلب وهی أول کلبیة نکحها قرشی.

ص: 41

 وعبد الرحمن بن عبد الرحمن وأمه أسماء بنت سلامة بن مخربة بن جندل بن نهشل بن دارم.

 ومصعب وآمنة ومریم وأمهم أم حریث من سبی بهراء.

 وسهیل وهو أبو الأبیض وأمه مجبنت یزید بن سلامة ذی فائش الحمیریة.

وعثمان وأمه غزال بنت کسری أم ولد من سبی سعد بن أبی وقاص یوم المدائن.

وعروة درج ویحیی وبلال لأمهات أولاد درجوا.

وأم یحیی بنت عبد الرحمن وأمها زینب بنت الصباح بن ثعلبة بن عوف بن شبیب بن مازن بن سبی بهراء.

 أیضا وجویریة بنت عبد الرحمن وأمها بادیة بنت غیلان بن سلمة بن متعب الثقفی)(1).

ولو أردنا الاسترسال فی ذکر عدد من تزوج بأکثر من واحدة من الصحابة لما توقف الحال دون تسطیر عدد هائل منهم یخرج ببحثنا عن المقصود.

وفیما ذکرنا کفایة لمتفکر.


1- الطبقات الکبری لمحمد بن سعد ج 3 ص 127 ___ 128.

ص: 42

تعدد أزواج کثیر من الصحابیات وغیرهن

اشارة

قلنا ان التعدد فی الزوجات لم یکن بالأمر المستهجن ولا المعیب، لا فی أصل الشریعة المقدسة التی أباحت التعدد وأجازت الجمع بین أربع من النساء، ولا فی نظر المسلمین الذین قلما اکتفی واحد منهم بزوجة واحدة.

ونضیف هنا ان المجتمع لم یکن ینظر إلی المرأة التی تتزوج بأکثر من زوج بعین الانتقاص والازدراء بل ربما وجدنا کثیرا من النساء اللاتی کن وبمجرد أن تفارق إحداهن زوجها بطلاق أو موت یسارع إلی خطبتها أعیان الصحابة وخیرة المجتمع.

وهذا الأمر إن دل علی شیء فانه یدل علی أن المجتمع فی تلک الفترة الزمنیة کانت نظرته بالنسبة لمسألة تعدد الزوجات أو الأزواج نظرة الرضا والمقبولیة.

وان النظرة الاستهجانیة لهذه المسألة قد جاء فی عصور متأخرة وهو ما قد کررناه مرارا.

وفیما یلی جملة من النساء اللاتی تعدد أزواجهن:

1. أسماء بنت عمیس الخثعمیة

تزوجت ثلاثة من الرجال هم کل من جعفر بن أبی طالب، ثم أبا بکر بن أبی قحافة، ثم علی بن أبی طالب(1).


1- کتاب المحبر لمحمد بن حبیب البغدادی ص 442.

ص: 43

2. عائشة بنت طلحة بن عبید الله

تزوجت عبد الله بن عبد الرحمن بن أبی بکر بن أبی قحافة، ثم مصعب بن الزبیر بن العوام،ثم عمر بن عبید الله بن معمر بن عثمان التیمی(1).

3. أم عبد الله بنت عبد الرحمن بن زید بن الخطاب بن نفیل

تزوجت عبد ارحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبی بکر بن أبی قحافة، ثم عبد الله بن عمر بن الخطاب،ثم طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبی بکر بن أبی قحافة(2).

4. میمونة بنت عبد الرحمن بن عبد الله بن أبی بکر بن أبی قحافة

 تزوجت عبد العزیز بن الولید بن عبد الملک، ثم محمد بن الولید بن عبد الملک، ثم هشام بن عبد الملک(3).

5. أم فروة بنت أبی قحافة

تزوجت تمیم بن أوس الداری فطلقها،ثم أبا امامة بن عبد الله البجلی،ثم أمیم بن الحارث الأزدی من بنی الصقعب فولدت له جاریة، ثم الأشعث بن قیس، فولدت له محمدا وإسحاق وإسماعیل(4).


1- المصدر السابق ص442.
2- کتاب المحبر لمحمد بن حبیب البغدادی ص 442.
3- المصدر السابق ص445.
4- المصدر السابق ص452.

ص: 44

6. ماریة بنت الجعید بن صبرة بن الدیل بن شن بن أفصی بن عبد القیس

 تزوجت بعشرة من الرجال هم کل من قیس بن ثعلبة بن عکابة، ثم حنیفة ابن لجیم بن عامر بن حنیفة ثم سعد بن عجل بن لجیم بن ثعلبة،ثم ثعلبة بن غنم بن حبیب بن کعب بن یشکر بن بکر، ثم ملیک بن ضمرة بن بکر بن عبد مناة بن کنانة، وتزوجت ماریة هذه امرأ القیس بن بهثة بن سلیم. وتزوجها ثعلبة بن مالک بن مرنوس بن طریف بن النمر بن یقدم ابن عنزة.وتزوجها غالب بن عدی بن شمیس بن طرود بن قدامة بن جرم. وتزوجها امرؤ القیس بن زید مناة بن تمیم. وتزوجها عذرة بن سعد هذیم(1).

7. عاتکة بنت زید بن عمرو بن نفیل بن عبد العزی

 تزوجت عبیدة بن الحارث بن المطلب. ثم عبد الله بن أبی بکر. ثم عمر بن الخطاب. ثم الزبیر بن العوام. ثم محمد بن أبی بکر فقتل عنها بمصر. ثم عمرو بن العاص السهمی(2).

ولا ینبغی أن ننسی ان اغلب نساء النبی صلی الله علیه وآله وسلم کن قبل زواجهن من الرسول الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم متزوجات من غیره صلی الله علیه وآله وسلم فلم یمنع زواجهن ذاک من أن یصبحن أمهات للمؤمنین، ولو کان التعدد فی الزوجات أو الأزواج عیب لما أقدم علی فعله الرسول الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم وهو المعصوم من کل عیب والمنزه عن کل معصیة.


1- کتاب المحبر لمحمد بن حبیب البغدادی ص435.
2- المصدر السابق ص437.

ص: 45

الطلاق ومبرراته الشرعیة والعقلائیة

اشارة

الطلاق فی الشرع هو: (إزالة قید النکاح)(1)وحل لرابطة الزواج، وإنهاء للعلاقة الزوجیة، ولم یشرع إلا فی حالة الضرورة والعجز عن إقامة حیاة سعیدة وصالحة ومستقرة بین کل من الزوج والزوجة أما لتباین الأخلاق وتنافر الطباع، أو لضرر یترتب علی استبقاء الزوجة فی عصمته، بأن عَلِم الزوج أن المقام معها سبب فساد دینه ودنیاه، فتکون المصلحة منحصرة أو راجحة فی الطلاق، واستیفاء مقاصد النکاح من امرأة أخری.

وقد یکون الطلاق سببا مهما من أسباب تأدیب الزوجة، فیما لو استعصت علی الزوج وأخلت بحقوق الزوجیة، فیتعین حینئذ الطلاق علاجاً لها، فتطلق حینئذ طلاقا رجعیا لتذوق ألم الفرقة وصعوبة الانفصال، عسی أن ترجع عما هی علیه مقیمة من سوء العشرة والتقصیر فی حق زوجها ووظائفه الشرعیة والاجتماعیة، فان لم ینفع معها هذا العلاج وأصرت علی اللجاجة والتمادی وتضییع حق الزوج کان طلاقها من غیر رجعة أولی بحالها، وقد تکون للطلاق مبررات أخری تختلف باختلاف الزمان والمکان والبیئة المحیطة بالزوجین.

وبالجملة فإن الطلاق لا یصار إلیه إلا بعد إفراغ الجهد باستعمال جمیع الوسائل الممکنة فی رفع الشقاق وإزالة الموانع والأضرار، لأن النکاح نعمة جلیلة ینبغی أن یُحافَظ علیها ما أمکن.


1- راجع المهذب البارع لابن فهد الحلی ج 3 ص 440 کتاب الطلاق، وراجع أیضا شرح اللمعة الدمشقیة للشهید الثانی ج 6 ص11 کتاب الطلاق.

ص: 46

الطلاق جائز بنص الکتاب والسنة

والطلاق بإجماع المسلمین جائز مباح بنص القران والسنة المطهرة، وبجوازه أفتی جمیع علماء الإسلام علی اختلاف مذاهبهم، قال صاحب کتاب کشف القناع:(وأجمعوا علی جوازه لقوله تعالی:

((الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاکٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِیحٌ بِإِحْسَانٍ))(1).

وقوله:

((فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ))(2).

لأن الحال ربما فسد بین الزوجین،فیؤدی إلی ضرر عظیم فبقاؤه إذاً مفسدة محضة فشرع ما یزیل النکاح لتزول المفسدة الحاصلة منه)(3).

وقال عبد الرحمن بن قدامة: (وهو حل قید النکاح وهو مشروع والأصل فی مشروعیته الکتاب والسنة والإجماع.

أما الکتاب فقوله تعالی:

((الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاکٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِیحٌ بِإِحْسَانٍ)).

وقال سبحانه:

((یَا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ)).


1- سورة البقرة، الآیة: 229.
2- سورة الطلاق، الآیة: 1.
3- کشاف القناع للبهوتی ج 5 ص 266.

ص: 47

وأما السنة فروی ابن عمر أنه طلق امرأته وهی حائض فسأل عمر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن ذلک فقال له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم " مره فلیراجعها ثم لیترکها حتی تطهر ثم تحیض ثم تطهر ثم إن شاء أمسک بعد وان شاء طلق قبل أن یمس فتلک العدة التی أمر الله أن یطلق لها النساء "... وأجمع الناس علی جواز الطلاق والعبرة دالة علی جوازه فإنه ربما فسدت الحال بین الزوجین فیصیر بقاء النکاح مفسدة محضة وأضرارا مجردا بإلزام الزوج النفقة والسکنی وحبس المرأة مع سوء العشرة والخصومة الدائمة من غیر فائدة فاقتضی ذلک شرع ما یزیل النکاح لتزول المفسدة الحاصلة منه...)(1).

وقال محیی الدین النووی: (الطلاق ملک للأزواج علی زوجاتهم والأصل فیه الکتاب والسنة والإجماع.

أما الکتاب فقوله: ((یَا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ)) وقوله تعالی: ((الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاکٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِیحٌ بِإِحْسَانٍ)).

وأما السنة فروی أن النبی صلی الله علیه وآله وسلم طلق حفصة بنت عمر ثم راجعها. وروی عن ابن عمر أنه قال کان تحتی امرأة أحبها وکان أبی یکرهها فأمرنی أن أطلقها، فأتیت النبی صلی الله علیه وآله وسلم فأخبرته فأمرنی أن أطلقها. وأجمعت الأمة علی جواز الطلاق...)(2).


1- الشرح الکبیر لعبد الرحمن بن قدامة ج 8 ص 233 __ 234.
2- المجموع لمحیی الدین النووی ج 17 ص 61.

ص: 48

الطلاق مشمول بالأحکام الخمسة

والطلاق کالزواج ربما تغیر حکمه بتغیر ظرفه وأسبابه، فربما کان فی بعض موارده مکروها ولکن ربما یصبح فی موارد أخری مستحبا أو واجبا أو محرما تبعا للمصلحة أو المفسدة المترتبة علیه.

قال عبد الرحمن بن قدامة:

(الطلاق علی خمسة أضرب؛ واجب: وهو طلاق المولی بعد التربص إذا أبی الفئة وطلاق الحکمین فی الشقاق إذا رأیا ذلک.

والثانی مکروه(1): وهو الطلاق من غیر حاجة إلیه لأنه مزیل للنکاح المشتمل علی المصالح المندوب إلیها فیکون مکروها.

والثالث مباح: وهو عند الحاجة إلیه لسوء خلق المرأة وسوء عشرتها والتضرر منها من غیر حصول الغرض بها.

والرابع مندوب إلیه: وهو عند تفریط المرأة فی حقوق الله الواجبة علیها مثل الصلاة ونحوها ولا یمکنه إجبارها علیها أو یکون له امرأة غیر عفیفة.

قال أحمد لا ینبغی له إمساکها وذلک لأن فیه نقصا فی دینه ولا یأمن إفسادها فراشه وإلحاقها به ولدا من غیره... ومن المندوب إلیه الطلاق فی حال الشقاق وفی الحال التی تخرج المرأة إلی المخالعة لتزیل عنها الضرر.


1- ما زال الکلام لعبد الرحمن بن قدامة.

ص: 49

والخامس: المحظور وهو طلاق الحائض أو فی طهر أصابها فیه وقد أجمع العلماء فی جمیع الأمصار علی تحریمه ویسمی طلاق البدعة لأن المطلق خالف السنة وترک أمر الله ورسوله)(1).

وقال البهوتی فی کشف القناع: (ویباح الطلاق عند الحاجة إلیه لسوء خلق المرأة أو لسوء عشرتها،وکذا یباح للتضرر بها من غیر حصول الغرض بها. فیباح له دفع الضرر عن نفسه. ویکره الطلاق من غیر حاجة إلیه لحدیث ابن عمر: أبغض الحلال إلی الله تعالی الطلاق. ومنه أی الطلاق محرم کفی الحیض ونحوه کالنفاس وطهر وطئ فیه. ومنه أی الطلاق واجب کطلاق المولی بعد التربص أربعة أشهر من حلفه إذا لم یفئ. ویستحب الطلاق لتفریطها أی الزوجة فی حقوق الله الواجبة مثل الصلاة ونحوها، ولا یمکنه إجبارها علیها أی علی حقوق الله. ویستحب الطلاق أیضا فی الحال التی تحوج المرأة إلی المخالعة من شقاق وغیره، لیزیل الضرر وکونها غیر عفیفة.

ویستحب الطلاق أیضا لتضررها ببقاء النکاح لبغضه أو غیره. ویجب الطلاق لترکها عفة ولتفریطها فی حقوق الله تعالی. قال الشیخ: إذا کانت تزنی لم یکن له أن یمسکها علی تلک الحال بل یفارقها،وإلا کان دیوثا. وورد لعن الدیوث، واللعن من علامات الکبیرة علی ما یأتی. فلهذا وجب الفراق وحرمت العشرة)(2).


1- الشرح الکبیر لعبد الرحمن بن قدامه ج 8 ص 234 ___ 235.
2- کشاف القناع للبهوتی ج 5 ص 266 __ 267.

ص: 50

وقال المحقق البحرانی: (قد تکاثرت الأخبار وبه صرح جملة من علمائنا الأبرار، بکراهة الطلاق مع التئام الأخلاق. فروی فی الکافی عن سعد بن طریف عن أبی جعفر صلوات الله وسلامه علیهما قال:

"مر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم برجل فقال:

ما فعلت امرأتک؟.

فقال: طلقتها یا رسول الله.

قال: من غیر سوء؟.

قال: من غیر سوء.

ثم إن الرجل تزوج فمر به النبی صلی الله علیه وآله وسلم فقال: تزوجت؟.

فقال: نعم. ثم مر به فقال له بعد ذلک: ما فعلت امرأتک؟.

قال: طلقتها.قال: من غیر سوء؟ قال: من غیر سوء.

ثم إن الرجل تزوج فمر به النبی صلی الله علیه وآله وسلم فقال: تزوجت؟.

فقال: نعم، ثم قال له بعد ذلک: ما فعلت امرأتک؟.

قال: طلقتها، قال: من غیر سوء؟.

قال: من غیر سوء.

فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: إن الله عز وجل یبغض أو یلعن کل ذواق من الرجال، وکل ذواقة من النساء".

ص: 51

وعن أبی خدیجة عن أبی عبد الله صلوات الله وسلامه علیه " قال:

إن الله عز وجل یحب البیت الذی فیه العرس، وما من شیء أبغض إلی الله عز وجل من الطلاق" أقول(1): وإنما حملنا هذه الأخبار مع إطلاقها علی التئام الأخلاق، لورود أخبار أخر فی مقابلتها دالة علی الأمر بالطلاق مع عدم التئام الأخلاق.

ومنها ما رواه فی الکافی عن عثمان بن عیسی عن رجل عن أبی جعفر صلوات الله وسلامه علیه" أنه کانت عنده امرأة تعجبه، وکان لها محبا، فأصبح یوما وقد طلقها، واغتم لذلک، فقال له بعض موالیه: جعلت فداک لم طلقتها؟ فقال: إنی ذکرت علیا صلوات الله وسلامه علیه فتنقصته فکرهت أن ألصق جمرة من جمر جهنم بجلدی"...)(2).

 وعلیه یصبح ما عرف عن کراهیته أو مبغوضیته غیر عام، فربما کان إیقاعه فی بعض الحالات واجبا یعاقب الزوج ویؤثم علی عدم الامتثال والإسراع بإصداره، وربما کان مستحبا یثاب الزوج ویؤجر من قبل الله تعالی علیه لان هذا هو معنی الاستحباب، وعلیه تکون المبغوضیة والکراهة لا تشمل کل أفراد الطلاق ومصادیقه، فکثیر من موارده ومصادیقه بناءً علی ما تقدم تکون مبررة ومشروعة.


1- ما زال الکلام للمحقق البحرانی رحمه الله.
2- الحدائق الناضرة للمحقق البحرانی ج 25 ص 145 ___ 147.

ص: 52

خاتمة الفصل الأول

لابد للعاقل الباحث عن الحقیقة ان یستعین بعقله وبما منحه الله له من فهم سلیم لیحلل أحداث التاریخ وما یصدر عن لسان المؤرخین، فلو نقلت له مسألة طلاق النبی صلی الله علیه وآله وسلم لبعض زوجاته،أو لکلهن مثلا(1)، فان


1- نقل فی بعض النصوص التاریخیة ان النبی صلی الله علیه واله طلق بعض نسائه وخصوا بالذکر حفصة وعائشة فقد ورد فی کتاب المعجم الکبیر للطبرانی ج 23 ص 188: (حدثنا أحمد بن طاهر بن حرملة بن یحیی حدثنا بن وهب حدثنی عمرو بن صالح الحضرمی عن موسی بن علی بن رباح عن أبیه عن عقبة بن عامر الجهنی أن النبی صلی الله علیه وآله وسلم طلق حفصة فبلغ ذلک عمر بن الخطاب فوضع التراب علی رأسه فقال ما یعبأ الله بک یا بن الخطاب بعدها) وفی ج 23 ص 187 __ 188(حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثنی محمد بن عبد الله بن نمیر ثنا یونس بن بکیر ثنا الأعمش عن أبی صالح عن بن عمر قال دخل عمر علی حفصة وهی تبکی فقال ما یبکیک لعل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم طلقک إن النبی صلی الله علیه وآله وسلم طلقک وراجعک من أجلی والله أذا کان طلقک لا أکلمک کلمة أبدا). وفی بعض المصادر ورد انه صلی الله علیه واله قد طلق نساءه من دون ذکر لعدد اللاتی تم طلاقهن، فعن عمر بن الخطاب قال: (... فدخلت علی حفصة فقلت أتغاضب إحداکن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الیوم حتی اللیل فقالت نعم فقلت خابت وخسرت أفتأمن ان یغضب الله لغضب رسوله صلی الله علیه وآله وسلم فتهلکین لا تستکثری علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولا تراجعیه فی شیء ولا تهجریه... وکنا تحدثنا ان غسان تنعل النعال لغزونا فنزل صاحبی یوم نوبته فرجع عشاء فضرب بابی ضربا شدیدا وقال أنائم هو ففزعت فخرجت إلیه وقال حدث امر عظیم قلت ما هو أجاءت غسان قال لا بل أعظم منه وأطول طلق رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم نساءه قال قد خابت حفصة وخسرت کنت أظن أن هذا یوشک أن یکون فجمعت علی ثیابی فصلیت صلاة الفجر مع النبی صلی الله علیه وآله وسلم فدخل مشربة له فاعتزل فیها فدخلت علی حفصة فإذا هی تبکی قلت ما یبکیک أولم أکن حذرتک... ) راجع صحیح البخاری ج 3 ص 103___ 106 وغیره.

ص: 53

الواجب علی المسلم العاقل ان یحکم بعقله ویستعین بما جاء به الشرع المقدس من قواعد عامة لینظر بعین البصیرة لا بعین عاطفته أو هواه إلی ان هذا الفعل من النبی الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم تحت أی باب من أبواب الأحکام الخمسة یمکن أن یندرج، فهل یعقل أن یکون طلاقه صلی الله علیه وآله وسلم لنسائه من قسم المحرم أو المکروه والمبغوض عند الله سبحانه وتعالی.

أم انه وبالاعتماد علی العقل والقواعد الشرعیة نحکم وبضرس قاطع ومن دون السؤال عن الأسباب والمبررات بان طلاقه صلی الله علیه وآله وسلم لبعض نسائه أو کلهن هو من قسم الطلاق المبرر المباح إن لم نقل انه کان واجبا أو مستحبا.

والذی یلیق بمقام النبی الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم ویتناسب مع ما عرف عن عدالته ومجانبته للباطل وانسجام أفعاله مع کل ما هو حق هو ان یکون طلاقه صلی الله علیه وآله وسلم لکل نسائه أو لبعضهن مبررا مباحا لا مکروها ولا حراما، وان عدد مطلقاته صلی الله علیه وآله وسلم مهما بلغ لا یخرج الحق عن صف النبی الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم.

ویمکن الاستفادة من هذا الذی تقدم، لنحکم علی نحو القاعدة العامة، بان کل من ثبتت عصمته عقلا أو شرعا، أو یکون بمنزلة هی کمنزلة الرسول الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم من حیث مجانبته للباطل وانسجام أفعاله وأقواله مع الحق، أو یکون ممن شهد له النبی صلی الله علیه وآله وسلم بان له من الفضل مکانا لا

ص: 54

یتصور معه أن یکون فردا من أفراد الباطل، لا بأقواله ولا بأفعاله، فیکون مثل هذا الشخص مبرر الفعل فیما لو صدر عنه طلاق لبعض زوجاته أو کلهن، سواء قل عددهن أو کثر فلا یحمل طلاقه علی القسم المکروه أو المبغوض شرعا. حتی وان لم تتکشف لنا مبررات طلاقه.

فتکون رفعة منزلته وعلو مقامه وسمو شانه أمرا کافیا لتبریر أفعاله وکونه علی الحق وان الذنب واقع لا محالة علی من تم طلاقهن وان لم نعرف أشخاصهن أو سبب تطلیقهن.

وهذا ما ینطبق انطباقا لا یقبل الشک علی شخص الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه فهو ممن ثبتت طهارته من کل دنس ورجس وعیب.

بقوله تعالی:

((إِنَّمَا یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیرًا))(1).

وهو صلوات الله وسلامه علیه ممن لن یفترق عن الحق ولن یخالفه من حین ولادته إلی وقت وروده علی الحوض کما هو مروی عن أبی سعید قال: (قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إنی تارک فیکم الثقلین أحدهما أکبر من الآخر کتاب الله حبل ممدود من السماء إلی الأرض وعترتی أهل بیتی وانهما لن یفترقا حتی یردا علیّ الحوض)(2).


1- سورة الأحزاب الآیة 33.
2- مسند احمد بن حنبل ج 3 ص 14.

ص: 55

وهو صلوات الله وسلامه علیه ممن أمرنا النبی الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم بعدم تعلیمه لأنه وأهل بیته صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین اعلم الأمة فعن الطبرانی فی المعجم الکبیر عن زید بن أرقم قال: (نزل النبی صلی الله علیه وآله وسلم یوم الجحفة ثم أقبل علی الناس فحمد الله وأثنی علیه ثم قال إنی لا أجد لنبی إلا نصف عمر الذی قبله وإنی أوشک أن أدعی فأجیب فما أنتم قائلون قالوا نصحت... فانظروا کیف تخلفونی فی الثقلین فنادی مناد وما الثقلان یا رسول الله قال کتاب الله طرف بید الله عز وجل وطرف بأیدیکم فاستمسکوا به لا تضلوا والآخر عترتی وإن اللطیف الخبیر نبأنی أنهما لن یتفرقا حتی یردا علی الحوض وسألت ذلک لهما ربی فلا تقدموهما فتهلکوا ولا تقصروا عنهما فتهلکوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منکم ثم أخذ بید علی رضی الله عنه فقال من کنت أولی به من نفسی فعلی ولیه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)(1).

فرفعة مقام الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه وطهارته وعدم صدور أی فعل عنه یمکن أن یوصف بالخطأ یلزمنا بحمل کل أفعاله وتصرفاته علی الصحة حتی وان لم نعرف أسباب صدورها،شأنه فی ذلک شان النبی صلی الله علیه وآله وسلم الذی لا یسأل عن صحة أفعاله وأقواله بل یحکم علیها جمیعا بالصحة والموافقة مع الحق وعدم تصادمها مع القران والشریعة.


1- المعجم الکبیر للطبرانی ج 5 ص 166 __ 167، وأیضا فی کنز العمال للمتقی الهندی ج 1 ص188.

ص: 56

ص: 57

الفصل الثانی: زواج الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه فی مصادر أهل السنة

اشارة

ص: 58

ص: 59

مقدمة

کانت الفکرة الأساس عند الشروع هذا البحث هی انتقاء بعض الروایات التی تحدثت عن کثرة زیجات الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه وطلاقه فی کتب أهل السنة ومن ثم نکتفی بالرد علیها، ولکن وبعد إطالة فی النظر رأیت ان الاکتفاء بالرد علی بعض تلک الروایات لا یقطع الطریق أمام المتصیدین بالماء العکر من النواصب، لأنهم اعتادوا علی المراوغة والمداهنة، فإذا ما اثبت لهم ضعف روایة أو اثنتین، جاؤوا واستشهدوا بغیرهن، عناداً منهم للحق وأهله.

 فلکی یُقطعَ دابر فتنتهم ویُؤخذوا بکل حجة، ولا یترک لهم مجالاً للمراوغة والمماطلة، ارتأینا لزوم استقصاء کل الروایات التی وصفت الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه بالمطلاق، وکذلک التی ذکرت ان للإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه عدد من الزوجات یخرج عن الحد المعقول والمتعارف، وقد أحصینا هذه الروایات وبحسب المصادر الموجودة بین أیدینا خمسة عشر روایة مع حذف المتکرر منها وهی کما یلی:

ص: 60

الروایة الأولی

اشارة

 عن محمد بن عمر، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبی الموالی، قال: سمعت عبد الله بن حسن یقول:

(کان حسن بن علی قلما تفارقه أربع حرائر فکان صاحب ضرائر(1)، فکانت عنده ابنة منظور بن سیار الفزاری، وعنده امرأة من بنی أسد من آل خزیم.

فطلقهما وبعث إلی کل واحدة بعشرة آلاف درهم وزقاق من عسل متعة، وقال لرسوله یسار بن سعید بن یسار __ وهو مولاه __: أحفظ ما تقولان لک.

فقالت الفزاریة: بارک الله فیه وجزاه خیرا.

وقالت الأسدیة: متاع قلیل من حبیب مفارق، فرجع فأخبره، فراجع الأسدیة وترک الفزاریة)(2).

والجواب علی هذه الروایة یتم بعدة وجوه أهمها ما یلی:


1- إلی هنا تجدها فی تهذیب التهذیب لابن حجر ج2 ص259.
2- تاریخ مدینة دمشق لابن عساکر ج13 ص249 فی الحسن بن علی بن أبی طالب،وراجع تهذیب الکمال للمزی ج6 ص237 فی الحسن بن علی بن ابی طالب القرشی الهاشمی، وراجع ترجمة الإمام الحسن لابن عساکر ص152 الحدیث (255 __ 262 ) فی بیان موارد عدیدة من جوده،وراجع ترجمة الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه من طبقات ابن سعد ص 68، تحقیق السید عبد العزیز الطباطبائی.

ص: 61

الوجه الأول: هل یمکن الأخذ بما یرویه الواقدی؟

هذه الروایة مرویة عن محمد بن عمر وهو الواقدی الذی ضعفه أهل الحدیث ورموه بالکذب تارة وبالوضع تارة أخری وحکموا بعدم حجیة روایاته المسندة فضلا عن التی یرسلها أو یحدثها عن نفسه بلا إسناد، قال النووی: (الواقدی رحمه الله ضعیف عند أهل الحدیث وغیرهم لا یحتج بروایاته المتصلة فکیف بما یرسله أو یقوله عن نفسه)(1)،وقال أیضا:(محمد بن عمر الواقدی وهو ضعیف باتفاقهم)(2)،وقال فی مکان ثالث:(الواقدی وهو متکلم فیه،بل رماه بعضهم بالکذب)(3)،وقال فی مکان رابع: (الشافعی کان یکذب الواقدی)(4).

وقال العلامة الأمینی: (محمد بن عمر الواقدی روی 30000 مما لا أصل له)(5).

وقال الذهبی: (محمد بن عمر بن واقد الأسلمی... وهو الواقدی قاضی بغداد. قال أحمد بن حنبل: هو کذاب، یقلب الأحادیث، یلقی حدیث ابن أخی الزهری علی معمر ونحو ذا.


1- المجموع لمحیی الدین النووی ج 1 ص 114.
2- المصدر السابق ج 5 ص 129.
3- المصدر السابق ج 19 ص 297.
4- المصدر السابق ج 19 ص 357.
5- الغدیر للشیخ الأمینی ج 5 ص 290.

ص: 62

وقال ابن معین:لیس بثقة،وقال مرة:لا یکتب حدیثه وقال البخاری وأبو حاتم:متروک، وقال أبو حاتم أیضا والنسائی:یضع الحدیث، وقال الدارقطنی: فیه ضعف، وقال ابن عدی: أحادیثه غیر محفوظة والبلاء منه... وقال أبو غالب ابن بنت معاویة بن عمرو: سمعت ابن المدینی یقول. الواقدی یضع الحدیث)(1).

بالإضافة إلی ان محمد بن عمر الواقدی قد روی جملة کبیرة من أخباره وروایاته عن شیوخ اتفق علی ضعفهم وجهالتهم، وکذلک الحال بالنسبة لسیرته المعروفة بسیرة الواقدی فقد تم نقلها بواسطة عدة من الرجال الضعفاء المجهولی الحال والیک بعض الامثلة:

1. قال ابن حجر: (قران بن محمد الفزاری من شیوخ الواقدی مجهول)(2).

2. قال ابن حجر أیضا: (مودود بن المهلب مولی محمد بن علی عن مولاه حدث عنه الواقدی مجهول)(3)

3. وقال أیضا: (خیثمة بن محمد الأنصاری شیخ روی عنه الواقدی مجهول)(4).


1- میزان الاعتدال للذهبی ج 3 ص 662 __ 663.
2- لسان المیزان لابن حجر ج 4 ص 472.
3- المصدر السابق ج 6 ص 111.
4- المصدر السابق ج 2 ص 412.

ص: 63

4. وقال أیضا: (عبد الله بن عیسی عن عبد الله بن شعیب بن حبیب بن هانی مولی معاویة یکنی أبا موسی ویقال له کاتب أبی مصعب ویلقب فطار ذکره أبو سعید ابن یونس وقال قدم مصر وسکنها وحدث بمناکیر ومات بمصر فی صفر سنة اثنتین وثمانین ومائتین وکان یروی تاریخ الواقدی عن أبی محمد بن موسی التیمی عنه)(1).

وقد تولی محمد بن عمر الواقدی القضاء لبنی العباس ألد أعداء أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین قال عنه السید محسن الأمین: (قال ابن الندیم فی الفهرست: أبو عبد الله محمد بن عمر الواقدی مولی الأسلمیین من سهم بن أسلم کان من أهل المدینة انتقل إلی بغداد وولی القضاء بها للمأمون بعسکر المهدی.

وقال الخطیب: قدم الواقدی بغداد وولی قضاء الجانب الشرقی فیها. وقال ابن قتیبة توفی وهو قاض ببغداد فی الجانب الغربی، وروی الخطیب بسنده عن محمد بن سعد کاتب الواقدی أن الواقدی کان من أهل المدینة وقدم بغداد سنة 180 فی دین لحقه فلم یزل بها وخرج إلی الشام والرقة ثم رجع إلی بغداد فلم یزل بها إلی أن قدم المأمون من خراسان فولاه القضاء بعسکر المهدی فلم یزل قاضیا حتی مات ببغداد)(2).


1- المصدر السابق ج 3 ص 324.
2- أعیان الشیعة للسید محسن الأمین ج 10 ص 31 __ 32.

ص: 64

وقال عنه الیان سرکیس: (أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد قاضی بغداد... اتصل ببنی العباس فاستقضاه الرشید والمأمون زمنا طویلا)(1).

وبناء علی ما سبق لا یمکن لنا الاعتماد علی ما یرویه الواقدی، وبالخصوص تلک الأخبار التی یرویها ویکون فیها مساس وانتقاص لکرامة أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین، لأنه وبحسب منصبه القضائی وعمله مع بنی العباس ولسنین طویلة فانه یتکلم ویحکم علی الأحداث والأشخاص من وجهة نظر عباسیة وهی وجهة نظر منحازة وفیها ظلم دائم لأهل البیت علیهم السلام.

الوجه الثانی: الزواج بأربع لا یدل علی کون الإمام علیه السلام مزواجا

ربما أراد الرواة عن طریق هذه العبارة (کان حسن بن علی قلما تفارقه أربع حرائر فکان صاحب ضرائر) إیهام القارئ أو السامع والإیحاء له من طرف خفی بان الإمام الحسن علیه السلام کان کثیر الزواج غیر انه لا شیء فیها یدل علی مطلوبهم، لان کل من کثرت زوجاته یصح أن یقال عنه بأنه کانت له ضرائر، ولفظ الضرائر غایة ما یدل علیه هو ان له عدة زوجات وهذا أمر لا ننکره، وکذلک قولهم کان لا تفارقه أربع حرائر __ أی کان فی اغلب حالاته لا تقل زوجاته عن أربعة زوجات __ وهو أیضا لا یدل علی مطلوبهم لان جملة من الصحابة والتابعین کانوا فی اغلب حیاتهم لا تقل زوجاتهم عن الأربع، فهم مشترکون مع الإمام الحسن علیه السلام بهذه الصفة وکل ما یلحق الإمام الحسن علیه السلام فانه یلحقهم.


1- معجم المطبوعات العربیة لالیان سرکیس ج 2 ص 1907.

ص: 65

الوجه الثالث: من هو یسار بن سعید بن یسار؟

لم نجد علی ما تتبعناه أن للإمام الحسن مولی باسم یسار بن سعید بن یسار، بل ولم نعثر لیسار هذا علی ذکر لا فی کتب الرجال ولا التراجم ولا فی کتب الروایة والتفسیر ولم یرد له ذکر إلا فی هذه الروایة، مما یدل علی ان شخصیته من نسج خیال الواقدی وأکاذیبه.

ثم لو کان لیسار بن سعید وجود وشأنیة تؤهله لیکون رسولا للإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه إلی بعض طلیقاته لذکر ودونت ترجمته أو توثیقه فی کتب الرجال والروایة لاسیما فی کتب علماء الشیعة الامامیة.

 بالإضافة إلی ان بعض الروایات التی ذکرت القصة لم یرد فیها هذا الاسم بالمرة وهو یعنی انه قد أقحم فی بعضها إقحاما وإذا ورد احتمال التلاعب فی بعض فقراتها أو إدخال أشیاء لیست فیها ودسها فی الضمن بطل إمکان الاستدلال بها وبغیرها ممن تضمنت نفس المضامین لاحتمال التلاعب بغیرها وهو ما قطعنا به فی النقطة السابقة.

الوجه الرابع: ما علاقة سلیمان بن عبد الملک بهذه الروایة؟

فی أثناء بحثنا حول عبارة (متاع قلیل من حبیب مفارق) وجدنا أنها شطر من بیت شعر قاله سلیمان بن عبد الملک فی رثاء ولده أیوب وقد ذکر ذلک غیر واحد من المؤرخین منهم ابن عساکر فی تاریخ مدینة دمشق حیث قال: (لما حضرت أیوب بن سلیمان بن عبد الملک الوفاة وهو یومئذ ولی عهده دخل

ص: 66

سلیمان وهو یجود بنفسه ومعه عمر بن عبد العزیز ورجاء بن حیاة وسعد بن عقبة فجعل ینظر فی وجهه فخنقته العبر ثم نظر فقال إنه ما یملک العبد أن یسبق إلی قلبه الوجد عند المصیبة والناس فی ذلک أضراب فمنهم من یغلب صبره علی جزعه فذلک الجلد الحازم المحتسب ومنهم من یغلب جزعه علی صبره فذلک المغلوب الضعیف العقدة ولیست منکم حشمة فإنی أجد فی قلبی لوعة إن أنا لم أبردها بعبرة خفت أن یتصدع کبدی فقال له عمر بن عبد العزیز یا أمیر المؤمنین الصبر أولی بک فلا تحفظن قال ابن عقبة فنظر إلی وإلی رجاء بن حیاة نظر مستعتب یرجو أن یساعده علی ما أراد من البکاء فأما أنا فکرهت أمره وأنهاه وأما رجاء فقال یا أمیر المؤمنین فافعل فإنی لا أری بذلک بأسا ما لم تأت من ذلک المفرط وقد بلغنی أن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لما مات ابنه إبراهیم واشتد علیه وجده وجعلت عیناه تدمعان قال: تدمع العین ویحزن القلب ولا نقول ما یسخط الرب وإنا علیک یا إبراهیم لمحزونون قال فأرسل عینیه فبکی حتی ظننا أن نیاط قلبه قد انقطع قال فقال عمر بن عبد العزیز لرجاء یا رجاء ما صنعت بأمیر المؤمنین قال دعه یقض من بکائه وطرا فإنه إن لم یخرج من صدره ما تری خفت أن یأتی علی نفسه قال ثم رقأت عبرته فدعا بماء فغسل وجهه وأقبل علینا حتی قضی أیوب وأمر بجهازه وخرج یمشی أمام الجنازة فلما دفناه وحثا التراب علیه وقف قلیلا لینظر إلیه ثم قال:

وقوف علی قبر مقیم بقفرة       ***    متاع قلیل من حبیب مفارق

ص: 67

ثم قال السلام علیک یا أیوب وأنشأ یقول:

کنت لنا أنسا ففارقتنا    ***    فالعیش من بعدک مر المذاق

ثم قال أدن منی دابتی یا غلام فرکب ثم عطف رأس دابته إلی القبر وقال:

لئن صبرت فلم ألفظک من شبع         ***    وإن جزعت فعلق منفس ذهبا)((1)

وفی هذه القصة دلالة واضحة علی ان هذا القول الذی جاء ذکره فی روایة الواقدی قد قیل فی عصر متأخر عن زمان الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه مما یعنی ان هذه الروایة قد أوجدت بعد زمن سلیمان بن عبد الملک وان عبارة (متاع قلیل من حبیب مفارق) قد تم تلفیقها علی لسان زوجة الإمام صلوات الله وسلامه علیه.

الوجه الخامس: هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟!

الروایة تذکر ان سبب إعادة إحدی الزوجتین بعد طلاقها هو قولها (متاع قلیل من حبیب مفارق) وان سبب عدم عودة الزوجة الثانیة هو قولها (بارک الله فیه وجزاه خیرا) وبما ان قول الأولی کان فی نظر الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه أحلی وأجود ومفعم بالحب والحنان والعاطفة الجیاشة،والقول الثانی لیس فیه حب ولا عاطفة فلذلک راجع الأولی ورفض أن یراجع الثانیة.


1- (): تاریخ مدینة دمشق لابن عساکر ج 10 ص 108 عند ذکره لأیوب بن سلیمان بن عبد الملک بن مروان. وراجع أیضا کتاب الاعتبار لابن أبی الدنیا ص42. وکتاب الکامل فی اللغة والأدب لمحمد بن یزید المبرد ص 746 __747 طبعة جدیدة مصححة وملونة مطبعة دار إحیاء التراث العربی الطبعة الأولی سنة 1424 هجری 2003 میلادی.

ص: 68

فهل کان یا تری من خلق الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه أن یفضل شطرا من بیت شعر قاله رجل لیس من عصره، علی الدعاء له بالبرکة والخیر، وهو الذی کان خلقه القران والإسلام الذی أمر بان یقابل الإحسان بالإحسان والمقولة الصالحة الطاهرة بأحسن منها أو بمثلها علی اقل التقادیر، حاشاه عن هذه الافتراءات المخلة بعصمته ورفعة أخلاقه.

الوجه السادس: لو سلمنا بالروایة هل یثبت مدعاهم؟

ولو فرضنا جدلا ان الروایة التی رواها الواقدی صحیحة وغضضنا الطرف عن کل معائبها وتناقضاتها فغایة ما تثبته هذه الروایة هو ان للإمام الحسن زوجتین طلقهما وبعث إلیهما ببقیة مهرهما، ثم راجع واحدة منهما ولم یراجع الأخری، فأین الدلیل فی هذا علی کون الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه مزواجاً مکثراً أو مطلاقاً مفرطاً.

 ثم ان طلاق زوجتین أو أکثر فی وقت واحد هو مما کان متعارف الوقوع وارد الحدوث فی تلک الفترة وخیر دلیل علی ذلک ما تقدم ذکره فی خاتمة الفصل الأول من تطلیق الرسول الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم لکل زوجاته أو لبعضهن دفعة واحدة، ولکن مع ذلک لم یُسَمَّ أو لا یمکن أن یسمی النبی صلی الله علیه وآله وسلم بأنه مطلاق للنساء أو مذواق بحجة انه طلق أکثر من زوجة فی وقت واحد أو فی أوقات متقاربة.

ص: 69

الروایة الثانیة

اشارة

 عن علی بن محمد، عن عبد الله بن عبد الرحمن،عن عبد الله بن أبی بکر بن محمد بن عمرو بن حزام، قال:

(خطب الحسن بن علی امرأة من بنی همام بن شیبان، فقیل له:

إنها تری رأی الخوارج.

فقال: إنی أکره أن أضم إلی صدری جمرة من جهنم)(1).

ویرد علی هذه الروایة عدة وجوه منها:

الوجه الأول: هل یمکن أن تکون المخطوبة زوجة؟

تنص هذه الروایة علی ان الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه قد خطب هذه المرأة ومن ثم اخبر بانها من الخوارج فترکها وقال إنی اکره أن أضم إلی صدری جمرة من جهنم.

ومعنی خطبها هو ان أمره صلوات الله وسلامه علیه لم یتعد إلی الزواج، فلا یکون لهذه الروایة أی دخل لکون الإمام الحسن مطلاقا أو مزواجا لانه صلوات الله وسلامه علیه لم یتزوجها حتی یقال عنه مزواج، وإذا لم یتزوجها فکیف یطلقها حتی یقال عنه مطلاق.


1- ترجمة الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه من طبقات ابن سعد ص 70، تحقیق: السید عبد العزیز الطباطبائی.

ص: 70

الوجه الثانی: هل یعاب علی الإمام خطبة امرأة وترکها لسبب شرعی؟

ولا یمکن الانتقاص من شخصیة الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه لمجرد الخطبة، لان التاریخ قد نقل لنا کما ذکرنا فی الفصل الأول، ان النبی صلی الله علیه وآله وسلم قد خطب عدة من النساء ومن ثم لأسباب معینة اعرض عنهن وترکهن.

وکذلک فعل جملة من الصحابة فعمر بن الخطاب قد خطب امرأتین فرفضتاه، فإذا کان مجرد خطبة الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه ورفضه للاقتران بزوجة تری رأی الخوارج عیب وانتقاص لشخصیته صلوات الله وسلامه علیه، فان العیب أشد والانتقاص اکبر فی خطبة عمر بن الخطاب مرتین ورده من قبلهما.

 فان قالوا لا انتقاص یلحق شخصیة عمر ولا تأثیر لتلک الخطبتین علی کرامته لان عادة الناس قد جرت علی أن یتقدم الرجل لخطبة المرأة، ویبقی الخیار بید المرأة المخطوبة توافق أو ترفض، ورفضها وقبولها لیس فیه منقصة علی الخاطب فی نظر عقلاء المجتمع.

قلنا کذلک عادة العقلاء والناس قد جرت علی ان الرجل یخطب المرأة ومن ثم إذا اکتشف أمرا لم یکن منکشفا عنده، وکان یستحق منه العودة عن خطبته والرفض للاقتران بتلک المخطوبة فانه لا یلام ولا ینتقص من شخصیته فی نظر عقلاء المجتمع، بل یلام من قبل العقلاء ویعاب علیه فیما لو استمر بخطبته وأتم زواجه مع علمه بذلک الأمر الذی یستحق أن تترک به المرأة وتفسخ به خ_طبتها.

ص: 71

الوجه الثالث: طلاق الإمام علیه السلام للخارجیة کان واجبا أو مستحبا

ولو فرضنا جدلا ان معنی خطب فی الروایة هو تزوج کما یحلو للبعض ان یفترض، ثم اخبر بأنها تری رأی الخوارج فطلقها، فان طلاقها مع ذلک غیر مستهجن ولا معیب فی نظر الشرع المقدس، لما تبین فی الفصل الأول ان الطلاق تجری علیه الأحکام الخمسة فمنه ما هو مکروه ومنه ما هو مستحب ومنه محرم وواجب، وطلاق الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه لهذه الخارجیة لیس من قسم المکروه قطعا لان الطلاق المکروه إنما یکون مکروها حین یکون حال الزوجین علی وفاق ووئام،والوفاق والوئام مفقود مع هذه الزوجة المذکورة فی هذه الروایة، وإلا فأی وئام وانسجام یحصل ما بین الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه الذی یعتقد اعتقادا راسخا بإمامة أبیه أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب صلوات الله وسلامه علیه وانه ولی من أولیاء الله بل هو من أفضل أولیائه من بعد النبی المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم وما بین زوجته التی تری رأی الخوارج الذین یعلنون کفر الإمام علی صلوات الله وسلامه علیه، وحلیة قتاله وقتله، بل وکفر کل من لا یقول بکفره وحلیة قتاله.

وکذلک هو لیس من قسم الطلاق المحرم قطعا لان الطلاق المحرم هو الطلاق المخالف للسنة والذی یؤدی إلی ترک أمر الله ورسوله، والإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه اعلم الناس بسنة جده المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم فلا یمکن بأی بحال من الأحوال أن یصدر منه طلاق یکون مخالفا لشروط السنة النبویة الشریفة.

ص: 72

فینحصر الأمر بین أن یکون طلاقه صلوات الله وسلامه علیه لهذه الزوجة التی تری رأی الخوارج مستحبا أو واجبا، وفی کلتا الحالتین یثبت الفضل للإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه باعتبار انه قد امتثل لواجب وقدم حق الله وأمره علی حق نفسه وراحتها.

أو باعتباره أقدم علی ما هو مستحب فی نظر الشریعة فله من الله سبحانه الأجر والثواب علی إقدامه علی هذا المستحب شانه شان کل عامل لفعل مستحب.

الوجه الرابع: حول سند الروایة

فی سند الروایة عدة من الملاحظات منها انها مرویة عن علی بن محمد وهو (علی بن محمد بن عبد الله بن أبی سیف أبو الحسن المدائنی مولی عبد الرحمن بن سمرة) وقد اختلف فیه من حیث وثاقته ووثاقة ما یرویه، وسیأتی تفصیل حاله وکیفیة التعامل مع مرویاته فی نقاشنا للروایة السابعة من هذا الفصل.

وفیها أیضا عبد الله بن أبی بکر بن محمد بن عمرو بن حزام، وسنتکلم حوله فی خاتمة الفصل الثانی وسنثبت هناک انه من أعوان السلطة العباسیة التی کانت سببا رئیسا ومباشرا فی إخراج هذه الأکاذیب علی الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه فیکون متهما بنصرتهم وتنفیذ مآربهم عن طریق نشر هذه الروایة الکاذبة.

ص: 73

الروایة الثالثة

اشارة

قال: أخبرنا علی بن محمد، عن الهذلی، عن ابن سیرین، قال: (کانت هند بنت سهیل بن عمرو عند عبد الرحمن بن عتاب بن أسید وکان أبا عذرتها فطلقها، فتزوجها عبد الله بن عامر بن کریز ثم طلقها، فکتب معاویة إلی أبی هریرة أن یخطبها علی یزید بن معاویة، فلقیه الحسن بن علی فقال: أین ترید؟ قال: أخطب هند بنت سهیل بن عمرو علی یزید بن معاویة، قال: اذکرنی لها، فأتاها أبو هریرة فأخبرها الخبر، فقالت: خر لی، قال: أختار لک الحسن، فتزوجها، فقدم عبد الله بن عامر المدینة فقال للحسن: إن لی عندها ودیعة، فدخل إلیها والحسن معه وجلست بین [یدیه] فرق ابن عامر، فقال الحسن: ألا أنزل لک عنها؟ فلا أراک تجد محللا خیرا لکما منی، فقال: ودیعتی، فأخرجت سفطین فیهما جوهر ففتحهما فأخذ من واحد قبضة وترک الباقی، فکانت تقول: سیدهم جمیعا الحسن، وأسخاهم ابن عامر، وأحبهم إلی عبد الرحمن بن عتاب)(1).

ولا یمکن لنا الإقرار بمضمون هذه الروایة أیضا لوجود عدة إشکالات فی إسنادها ومضمونها نذکر فیما یلی جملة منها:


1- ترجمة الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه من طبقات ابن سعد ص 70 __ 71، تحقیق السید عبد العزیز الطباطبائی، وراجع شرح نهج البلاغة لابن ابی الحدید المعتزلی ج16 ص13 ترجمة الحسن بن علی وذکر بعض أخباره.

ص: 74

الإشکال الأول: الروایة ضعیفة بالهذلی

هذه الروایة التی یرویها المدائنی الهذلی وهو کذاب مطعون فی وثاقته. وفیما یلی وصف لحاله علی لسان أهل الجرح والتعدیل:

1: قال عنه الرازی:

(سلمی بن عبد الله بن سلمی أبو بکر الهذلی بصری وهو ابن بنت حمید بن عبد الرحمن الحمیری روی عن الحسن ومحمد بن سیرین وعکرمة... حدثنا عبد الرحمن نا أبی عن أبی مسهر نا مزاحم ابن زفر الکوفی قال سألت شعبة عن أبی بکر الهذلی فقال: دعنی لا أقئ.

 حدثنا عبد الرحمن نا محمد بن إبراهیم نا عمرو بن علی الصیرفی قال سمعت یحیی __ یعنی ابن سعید __ ذکر أبا بکر الهذلی فلم یرضه ولم اسمعه ولا عبد الرحمن یحدثان عنه بشیء قط.

قال وسمعت یزید بن زریع یقول: عدلت عن أبی بکر الهذلی عمدا.

حدثنا عبد الرحمن انا أبو بکر بن أبی خیثمة فیما کتب إلی نا یحیی بن معین قال کان غندر یقول کان أبو بکر الهذلی إمامنا وکان یکذب.

حدثنا عبد الرحمن انا أبو بکر بن أبی خیثمة فیما کتب إلی قال سمعت یحیی بن معین یقول: أبو بکر الهذلی لیس بشیء.

حدثنا عبد الرحمن سمعت أبی یقول: أبو بکر الهذلی لیس بقوی لین الحدیث یکتب حدیثه ولا یحتج به.

ص: 75

حدثنا عبد الرحمن قال سئل أبو زرعة عن أبی بکر الهذلی فقال: بصری ضعیف)(1).

2: وقال ابن حبان عنه: (أبو بکر الهذلی اسمه سلمی بن عبد الله بن سلمی من أهل الکوفة، یروی عن الحسن وعکرمة، روی عنه العراقیون، یروی عن الاثبات الأشیاء الموضوعات، سکن البصرة... سمعت محمد بن محمود یقول: سمعت الدارمی یقول: قلت لیحیی بن معین: سلمی أبو بکر تعرفه یروی عنه أبو أویس؟ فقال: أبو بکر الهذلی لیس بشیء)(2).

فمع وجود هذا الکذاب الذی کان یضع الأحادیث وینسبها للأثبات والذی قیمه أهل الجرح والتعدیل بلا شیء لا یمکن الأخذ بهذه الروایة فتسقط حینئذ عن الاعتبار.

الإشکال الثانی: هل وصف السید فی الروایة یقصد منه المدح أو الذم؟

وکلمة السید قد جاءت فی اللغة بمعنی الزوج(3)ومنه قوله تعالی:

((...وَأَلْفَیَا سَیِّدَهَا لَدَی الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِکَ سُوءًا إِلَّا أَنْ یُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِیمٌ))(4).


1- الجرح والتعدیل للرازی ج 4 ص 313 __ 314.
2- کتاب المجروحین لابن حبان ج 1 ص 35 __ 360 .
3- لسان العرب لابن منظور ج 3 ص 229.
4- سورة یوسف الآیة 25.

ص: 76

وأطلقت کذلک بمعنی الحلیم ومنه حدیث رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم (أنه قال للحسن بن علی رضی الله عنهما: إن ابنی هذا سید) قیل أراد به الحلیم(1).

وأطلق السید أیضا علی الرجل السخی المکثر من إعطاء المال ومنه کما یزعمون حدیث ابن عمر (ما رأیت بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أسود من معاویة، قیل: ولا عمر! قال: کان عمر خیرا منه، وکان هو أسود من عمر ) قیل أراد أسخی وأعطی للمال(2).

وقال أبو خیرة: سمی سیدا لأنه یسود سواد الناس أی عظمهم(3)، ولکن السید الحقیقی لا یصح أن یکون بخیلا شحیحا فقد روی عن النبی انه قال للأنصار: (من سیدکم؟ قالوا: الجد بن قیس، علی أنا نبخله. قال وأی داء أدوی من البخل)(4).

فهند بنت سهیل بن عمرو إن کانت ترید من کلمة السید الزوج فیصبح معنی کلامها هو: (ان زوجی من بین هؤلاء الثلاثة هو الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه، ولکن ابن عامر اسخی منه، والإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه وان کان زوجی لکن عبد الرحمن بن عتاب أحب إلی قلبی).


1- النهایة فی غریب الحدیث لابن الأثیر ج 2 ص 417.
2- النهایة فی غریب الحدیث لابن الأثیر ج 2 ص 418.
3- لسان العرب لابن منظور ج3 ص229 فصل السین المهملة.
4- الأدب المفرد للبخاری ص71 البخل.

ص: 77

وان کانت ترید من السید معنی الحلیم فیصبح معنی کلامها هو:(ان الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه احلم الثلاثة ولکن ابن عامر اسخی منه، وعبد الرحمن أحب لقلبی منه صلوات الله وسلامه علیه).

ولا یمکن أن ترید بمعنی السید هو السخی لأنها نفت عنه السخاء إذ جعلت ابن عامر اسخی منه ومن عبد الرحمن، وحتی لو فرضنا أنها أرادت من کلامها وصف الإمام صلوات الله وسلامه علیه بالسخاء فیکون ابن عامر اسخی منه.

وکذلک لا یمکن أن ترید من السید عظیم الناس وسیدهم لان من صفات سید الناس وعظیمهم أن یکون سخیا وهو ما قد نفته.

ومهما أردنا أن نحدد لکلمة السید من معنی فان ما بعدها، وهو قولها (وأسخاهم ابن عامر،وأحبهم إلی عبد الرحمن بن عتاب) یسیء إلیه ویخرجه عن کونه مدحا،ویکون بالقیاس إلی ما بعده مذمة ومنقصة لا یلیق بالإمام الحسن علیه السلام.

فکیف یمکن لغیور أن یقبل بتلفظ زوجته أمامه بمثل هذا القول الذی تفضل علیه غیره، وتعدُّه اقل من غیره سخاءً وکرما، بل وتعدّ غیره أحب إلیها واقرب إلی نفسها.

 ففی الروایة إساءتان لشخص الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه:

الأولی: هی تفضیل زوجته صلوات الله وسلامه علیه الآخرین علیه وانشغال قلبها بغیره وهی علی ذمته.

والثانیة: سکوته صلوات الله وسلامه علیه علی ما تلفظت به هذه الزوجة.

ص: 78

الإشکال الثالث: شخصیات وأهداف أمویة

اشارة

لا نتردد فی الحکم علی هذه الروایة بانها من الروایات الأمویة المنشأ مثلها مثل کثیر من الروایات السابقة واللاحقة التی صنعت فی الشام وتحت إشراف أل أبی سفیان وسوقت إلی المسلمین من دنانیر بیت مال المسلمین والهدف منها هو التشویه والحط العمدی من منزلة وقدر آل أبی طالب العدو اللدود لآل أبی سفیان بن حرب، وقد وضعت ورتبت بشکل دقیق جدا بحیث یصعب علی القارئ العادی الانتباه إلی ما وراء اسطرها من المقاصد والأغراض التی دعت واضع الروایة إلی روایتها،ولو دققنا النظر جیدا فی هذه الروایة لوجدنا اسمین قد ورد ذکرهما فی هذه الروایة وتم إقحامهما عنوة فی ضمنها، وهم کل من عبد الرحمن بن عتاب بن أسید، وعبد الله بن عامر بن کریز،ثم بمناسبة أو غیر مناسبة أقحم الراوی محاورة قصیرة ما بین الإمام الحسن علیه السلام وعامر بن کریز سرعان ما وصل من خلالها إلی النتیجة التی صیغت علی أساسها کل مفردات هذه الروایة،هذه النتیجة التی جاءت علی لسان هند بنت سهیل بن عمرو حین قالت بحسب ما یزعم الراوی: (سیدهم جمیعا الحسن، وأسخاهم ابن عامر، وأحبهم إلی عبد الرحمن بن عتاب).

لذلک نجد من المهم بمکان أن نتعرف علی هاتین الشخصیتین اللتین سعت الروایة جاهدة إلی تفضیلهما علی الإمام الحسن علیه السلام وذلک لان بمعرفتهما یتم فهم الروایة علی حقیقتها، وفهم الأهداف التی تقف أمام خلق هذه الأکاذیب المسیئة لأهل البیت علیهم السلام والرافعة لشأن أعدائهم الأمویین.

ص: 79

من هو عبد الرحمن بن عتاب بن أسید؟

 هو أموی الأصل والهوی یقول عنه ابن حجر فی الإصابة:(عبد الرحمن بن عتاب بن أسید بن أبی العیص بن أمیة الأموی)(1).

وأبوه عتاب بن أسید بن أبی العیص بقی علی کفره ولم یسلم إلا فی عام الفتح، وعبد الرحمن ابنه لیس بصحابی أی انه ولد بعد استشهاد النبی صلی الله علیه وآله وسلم فلم یدرکه ولم یره، قال عنه ابن أبی الحدید: (هو عبد الرحمن بن عتاب بن أسید بن أبی العیص بن أمیة بن عبد شمس لیس بصحابی ولکنه من التابعین وأبوه عتاب بن أسید بن أبی العیص بن أمیة بن عبد شمس من مسلمة الفتح)(2).

وکان من الناکثین الذین اشترکوا فی حرب الجمل ضد الإمام أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب صلوات الله وسلامه علیه قال ابن سعد: (ومضی طلحة والزبیر وعائشة ومعهم عبد الرحمن بن عتاب بن أسید ومروان بن الحکم ومن اتبعهم من قریش وغیرهم إلی البصرة فشهدوا وقعة الجمل...)(3)، وقد أوکلت إلیه قیادة میسرة جیش الناکثین یوم حرب الجمل، قال الطبری: (وإلی المیسرة عبد الرحمن بن عتاب بن أسید )(4).


1- الإصابة لابن حجر ج 5 ص 35.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید ج 11 ص 123.
3- الطبقات الکبری لمحمد بن سعد ج 5 ص 35، تاریخ مدینة دمشق لابن عساکر ج 21، ص117.
4- تاریخ الطبری ج 3 ص 518.

ص: 80

وقال الدینوری: (وولیا قریشا وکنانة عبد الرحمن بن عتاب بن أسید)(1).

وأوکلت إلیه کذلک الصلاة بالجیش إلی أن قتل وهلک قال الطبری: (فخرجت عائشة ومعها طلحة والزبیر وأمرت علی الصلاة عبد الرحمن بن عتاب بن أسید فکان یصلی بهم فی الطریق وبالبصرة حتی قتل)(2).

وقد قاتل یوم الجمل فی صف الخارجین علی امامة أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه قتالا شدیدا وکان فی یده سیفه الذی اسمه ولول فکان یرتجز بأبیات شعر فی مدح سیفه ویطلب النزال فنازله مالک الأشتر صاحب أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه فقتل مالک عبد الرحمن هذا والحقه بجهنم ناکثا ولولی الله محاربا وعن الحق زائغا،وعن مقتله تحدث ابن أبی الحدید بقوله:

(ثم تقدم عبد الرحمن بن عتاب بن أسید بن أبی العاص بن أمیة بن عبد شمس، وهو من أشراف قریش __ وکان اسم سیفه ولول __ فارتجز.

فقال:

أنا ابن عتاب وسیفی ولول        ***    والموت دون الجمل المجلل

فحمل علیه الأشتر فقتله)(3).


1- الأخبار الطوال للدینوری ص 146.
2- تاریخ الطبری ج 3 ص 472 ___ 473.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید ج 1 ص 264 ___ 265.

ص: 81

وبعد أن قتل غیر مأسوف علیه أخذ طائر یده بعد أن قطعت فی المعرکة وحملها من ارض المعرکة فی البصرة وألقاها فی مکة قال البهوتی: (وقال الشافعی: ألقی طائر یدا بمکة من وقعة الجمل عرفت بالخاتم. وکانت ید عبد الرحمن بن عتاب بن أسید)(1).

فلیس من العجیب بعد کل هذا أن نری الأمویین یعلون شانه ویرفعون مکانته ویجعلوا منه حبیب قلوب النساء حتی بعد مقتله، و یجعلون فی المقابل للإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه صورة مغایرة ومعاکسة لصورة ذلک الأموی المحارب لله ولأهل بیته صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین، کیف لا وهو علیه السلام ابن من قتل آباءهم وأجدادهم فی حروب الإسلام وساحات النزال بین الحق والباطل.

من هو عبد الله بن عامر بن کریز

 وحاله لیس بأحسن من صاحبه عبد الرحمن بن عتاب، فهو أموی أیضا وابن خالة عثمان بن عفان قال ابن عبد البر فی الاستیعاب:(عبد الله بن عامر بن کریز بن ربیعة بن حبیب بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصی القرشی العبشمی ابن خال عثمان بن عفان)(2).

وعامر الذی هو والد عبد الله هذا کان مشرکا وبقی علی شرکه إلی عام الفتح فدخل إلی الإسلام عنوة وتحت حد السیف شأنه شأن باقی مشرکی مکة


1- کشاف القناع للبهوتی ج 2 ص 146.
2- الاستیعاب لابن عبد البر ج 3 ص 931.

ص: 82

قال ابن عبد البر: (عامر بن کریز بن ربیعة بن حبیب بن عبد شمس أمه البیضاء بنت عبد المطلب أسلم یوم الفتح وبقی إلی خلافة عثمان هو والد عبد الله بن عامر ابن کریز)(1).

 وقد أعطاه عثمان ولایة البصرة وفارس کما روی ذلک ابن عبد البر وغیره: (قال صالح بن الوجیه وخلیفة بن خیاط وفی سنة تسع وعشرین عزل عثمان أبا موسی الأشعری عن البصرة وعثمان بن أبی العاص عن فارس وجمع ذلک کله لعبد الله بن عامر بن کریز)(2).

وکان عبد الله بن عامر بن کریز أیضا من الناقمین علی أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب صلوات الله وسلامه علیه ومن المحرضین علی قتاله ونکث بیعته ومن المجهزین لجیش الجمل جیش الغدر والنکث، وهو الذی اقنع عائشة بنت أبی بکر بالخروج إلی البصرة ودعا کل من طلحة والزبیر للخروج إلی مکة والالتحاق بجیش عائشة، قال ابن حبان:

(وبلغ أهل البصرة قتل عثمان فقام بن عامر فصعد المنبر وخطب وقال إن خلیفتکم قتل مظلوما وبیعته فی أعناقکم ونصرته میتا کنصرته حیا وقد بایع الناس علیا ونحن طالبون بدم عثمان فأعدوا للحرب عدتها فقال له حارثة بن قدامة یا بن عامر إنک لم تملکنا عنوة وقد قتل عثمان بحضرة المهاجرین والأنصار وبایع الناس علیا فان أقرک أطعناک وإن عزلک عصیناک فقال بن


1- المصدر السابق ج 2 ص 798.
2- المصدر السابق ج 3 ص 932

ص: 83

عامر موعدک الصبح فلما أمسی تهیأ للخروج وهیأ مراکبه وما یحتاج إلیه واتخذ اللیل جملا یرید المدینة واستخلف عبد الله بن عامر الحضرمی علی البصرة فأصبح الناس یتشاورون فی بن عامر وأخبروا بخروجه فلما قدم بن عامر المدینة أتی طلحة والزبیر فقالا له لا مرحبا بک ولا أهلا ترکت العراق والأموال وأتیت المدینة خوفا من علی وولیتها غیرک واتخذت اللیل جملا فهلا أقمت حتی یکون لک بالعراق فئة قال بن عامر فأما إذا قلتما هذا فلکما علی مائة ألف سیف وما أردتما من المال...

وکانت عائشة خرجت معتمرة فلما قضت عمرتها نزلت علی باب المسجد واجتمع إلیها الناس فقالت أیها الناس إن الغوغاء من أهل الأمصار وعبید أهل المدینة اجتمعوا علی هذا الرجل المقتول بالأمس ظلما واستحلوا البلد الحرام وسفکوا الدم الحرام فقال عبد الله بن عامر ها أنا ذا أول طالب بدمه فکان أول من انتدب لذلک ولما کثر الاختلاف بالمدینة استأذن طلحة والزبیر علیا فی العمرة، فقال لهما ما العمرة تریدان وقد قلت لکما قبل بیعتکما لی أیکما شاء بایعته فأبیتما إلا بیعتی وقد أذنت لکما فاذهبا راشدین فخرجا إلی مکة وتبعهما عبد الله بن عامر بن کریز فلما لحقهما قال لهما ارتحلا فقد بلغتما حاجتکما فاجتمعوا مع عائشة بمکة وبها جماعة من بنی أمیة ثم جمع معاویة أهل الشام علی محاربة علی والطلب بالقود من الدم عثمان..)(1).


1- الثقات لابن حبان ج 2 ص 274 ___ 278.

ص: 84

ثم ان ابن عامر لما نظر فی الساعات الأخیرة لحرب الجمل غلبة الإمام أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه وانهزام جیش النکث والغدر فر من البصرة وارتحل إلی الشام لائذا بکهف النفاق وحصن الکفر معاویة بن أبی سفیان بعد أن ترک فی ساحة الحرب ابنه مقتولا فی ضمن من قتلوا من أنصار عائشة وجملها المشؤوم، قال ابن سعد فی طبقاته: (فلحق ابن عامر بالشام حتی نزل دمشق وقد قتل ابنه عبد الرحمن یوم الجمل وبه کان یکنی)(1).

لم نجد له ذکر فی حرب صفین، وان کنا لا نستبعد مشارکة هکذا حاقد فی کل معرکة یکون أمیر المؤمنین طرفا فیها، غیر انه شارک یقینا فی قیادة احد جیوش الشام لحرب الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه قال الدینوری: (ولما بلغ معاویة قتل علی تجهز، وقدم أمامه عبد الله بن عامر بن کریز، فأخذ علی عین التمر، ونزل الأنبار یرید المدائن، وبلغ ذلک الحسن بن علی، وهو بالکوفة، فسار نحو المدائن لمحاربة عبد الله بن عامر بن کریز...)(2).

وبعد سیطرة معاویة علی البلاد ورقاب العباد طلب عبد الله بن عامر منه أن یولیه البصرة ففعل،قال ابن سعد: (ولم یزل عبد الله بن عامر مع معاویة بالشام ولم یسمع له بذکر فی صفین ولکن معاویة لما بایعه الحسن بن علی ولی بسر بن أبی أرطأة البصرة ثم عزله فقال له بن عامر إن لی بها ودائع عند قوم فإن لم تولنی البصرة ذهبت فولاه البصرة ثلاث سنین ومات بن عامر قبل


1- الطبقات الکبری لمحمد بن سعد ج 5 ص48.
2- الأخبار الطوال للدینوری ص 216.

ص: 85

معاویة بسنة)(1)، وقال صاحب کتاب الغارات: (فلما بایعه الحسن تفرغ معاویة لاستعمال العمال، فبعث المغیرة ابن شعبة علی الکوفة... فقام إلیه عبد الله بن عامر وقال: یا أمیر المؤمنین إن عثمان هلک وأنا عامل البصرة عزلنی علی فجعلت ما لی ودائع عند الناس،فإن أنت لم تولنی البصرة ذهب ما لی الذی فی أیدی الناس، فولاه عند ذلک البصرة، فخرج إلیها، وسرح معاویة [ معه ] بسر بن أبی أرطاة فی جیش فأقبل حتی دخل البصرة فصعد المنبر فقال: الحمد لله الذی أصلح أمر الأمة وجمع الکلمة وأدرک لنا بثأرنا، وکفانا مؤنة عدونا، ألا إن الناس آمنون، لیس فی صدورنا علی أحد ضغینة ولا نأخذ أحدا بأخیه...)(2).

ولو تقصینا کل مخازیه ومواقفه المشینة لطال بنا المقام وفیما ذکرناه کفایة لمنصف، وبها وبغیرها تعرف أهداف وضع هذه الروایة وأشباهها، فالحرب ما بین الحق والباطل وما بین الإسلام وأهله والکفر وأتباعه کانت وما تزال موجودة ونارها مستعرة،غایة ما فی الأمر ان أسلوب هذه المعرکة وطریقة إدارتها یتغیر من زمن إلی زمن، ومن عصر إلی آخر،فحرب الجمل وصفین کان سلاحها السیف وأهدافها إزهاق النفوس الطاهرة لأهل البیت علیهم السلام، ومن ثم تغیرت هذه الحرب لتصبح حرب الروایة والأحادیث المشوهة والمکذوبة وهدفها قتل أهل البیت علیهم السلام معنویا والحط من مراتبهم التی رتبهم الله فیها.


1- الطبقات الکبری لمحمد بن سعد ج 5 ص49.
2- الغارات لإبراهیم بن محمد الثقفی ج 2 ص 645 __ 646.

ص: 86

الإشکال الرابع: روایة أخری بنفس التفاصیل

اشارة

نفس هذه الروایة التی حیکت ضد الإمام الحسن نجدها قد رویت وبنفس التفاصیل ولکن کان الإمام الحسین صلوات الله وسلامه علیه هو محورها فقد اخرج الخوارزمی فی مقتل الحسین ما یلی: (أخبرنی الإمام الأجل مجد الدین قوام السنة أبو الفتوح محمد ابن أبی جعفر الطائی فیما کتب إلی من همدان،أخبرنا شیخ القضاة أبو علی إسماعیل بن أحمد البیهقی،سنة اثنتین وخمسمائة بباب المدینة بمرو فی الجامع،أخبرنا الإمام حقا وشیخ الإسلام صدقا أبو عثمان إسماعیل بن عبد الرحمن الصابونی،أخبرنا أبو بکر أحمد بن إبراهیم بن محمد بهرات،أخبرنا أبو علی أحمد ابن محمد بن علی،حدثنا علی بن خشرم،سمعت یحیی بن عبد الله بن بشیر الباهلی،حدثنا ابن المبارک أو غیره __ شک الباهلی __ قال:بلغنی أن معاویة قال لیزید:هل بقیت لذة من الدنیا لم تنلها؟قال:نعم،أم أبیها هند بنت سهیل بن عمرو خطبتها،وخطبها عبد الله بن عامر ابن کریز،فتزوجته وترکتنی. فأرسل معاویة إلی عبد الله بن عامر،وهو عامله علی البصرة،فلما قدم علیه قال:أنزل عن أم أبیها لولی عهد المسلمین یزید. قال:ما کنت لأفعل. قال:أقطعک البصرة، فإن لم تفعل عزلتک عنها. قال:وإن فلما خرج من عنده قال له مولاه: امرأة بامرأة، أتترک البصرة بطلاق امرأة، فرجع إلی معاویة فقال: هی طلاق، فرده إلی البصرة، فلما دخل تلقته أم أبیها فقال: استتری. فقالت: فعلها اللعین،واستترت.

ص: 87

قال: فعد معاویة الأیام حتی إذا انقضت العدة وجه أبا هریرة یخطبها لیزید، وقال له: أمهرها بألف ألف. فخرج أبو هریرة فقدم المدینة، فمر بالحسین بن علی فقال: ما أقدمک المدینة یا أبا هریرة قال: أرید البصرة أخطب أم أبیها لولی عهد المسلمین یزید. قال: فتری أن تذکرنی لها، قال: إن شئت. قال: قد شئت.

فقدم أبو هریرة البصرة، فقال لها: یا أم أبیها إن أمیر المؤمنین یخطبک لولی عهد المسلمین یزید، وقد بذل لک فی الصداق ألف ألف، ومررت بالحسین بن علی فذکرک. قالت: فما تری یا أبا هریرة قال: ذلک إلیک. قالت: فشفة قبلها رسول الله أحب إلی. قال: فتزوجت الحسین بن علی، ورجع أبو هریرة فأخبر معاویة، قال: فقال له: یا حمار لیس لهذا وجهناک.

قال: فلما کان بعد ذلک حج عبد الله بن عامر فمر بالمدینة فلقی الحسین بن علی فقال له: یا ابن رسول الله! تأذن لی فی کلام أم أبیها. فقال: إذا شئت.

فدخل معه البیت، واستأذن علی أم أبیها فأذنت له، ودخل معه الحسین،فقال لها عبد الله بن عامر: یا أم أبیها! ما فعلت الودیعة التی استودعتک قالت: عندی، یا جاریة هاتی سفط کذا،فجاءت به،ففتحته وإذا هو مملوء، لآلئ وجوهر یتلألأ، فبکی ابن عامر. فقال: ما یبکیک فقال: یا ابن رسول الله أتلومنی علی أن أبکی علی مثلها فی ورعها، وکمالها، ووفائها. قال: یا ابن عامر نعم المحلل کنت لکما،هی طلاق. فحج فلما رجع تزوج بها)(1).


1- مقتل الحسین للخوارزمی تحقیق الشیخ محمد السماوی ج1 ص 217 __ 219.

ص: 88

فکل من هذه الروایة وتلک الروایة التی تقدمت عن المدائنی هما روایتان متعارضتان،والروایتان المتعارضتان لهما حلان معروفان عند أهل الحدیث والروایة وغیرهم من الأصولیین:

الحل الأول

إما أن یوجد مرجح أو عدة مرجحات خارجیة تؤید صحة ما ورد فی واحدة منهما، فتقدم حینئذ هذه الروایة التی لها مرجحات خارجیة علی التی لا تملک من المرجحات شیئا.

الحل الثانی

إذا بقی التعارض قائما ما بین الروایتین ولم نستطع إیجاد مرجح لإحداهما علی الأخری فان الروایتین تتساقطان ولا یؤخذ بإحداهما ولا تقدم علی الأخری. وقد وجدنا ان الروایة الثانیة لها عدة من المرجحات نستطیع من خلالها أن نسقط الروایة الأولی عن الاعتبار ومن هذه المرجحات ما یلی:

المرجح الأول ان الروایة الثانیة تذکر قول معاویة (أقطعک البصرة، فإن لم تفعل عزلتک عنها. قال:وإن فلما خرج من عنده قال له مولاه:امرأة بامرأة،أتترک البصرة بطلاق امرأة!؟ فرجع إلی معاویة فقال:هی طلاق،فرده إلی البصرة) وهذا الأمر موافق لما تقدم ذکره من ان معاویة بن أبی سفیان قد ولی عبد الله بن عامر البصرة ثلاث سنین، فیکون صدق هذه القضیة خارجا ومن مصادر أخری محایدة قرینة خارجیة علی صدقها.

ص: 89

المرجح الثانی ان الروایة الثانیة تشیر إلی ان عبد الله بن عامر کان رجلا لا یعتنی کثیرا بالمبادئ وکل ما یهمه هو الفائدة المادیة وهذا أیضا موافق لسیرته العملیة التی بیناها سابقا فهو قد انقلب علی أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب صلوات الله وسلامه علیه لأنه عزله عن ولایة البصرة، وقد انقلب من صف عثمان بن عفان الذی ولاه البصرة فی حیاته إلی صف عائشة بنت أبی بکر وطلحة والزبیر اکبر المحرضین علی قتل عثمان بسبب ان مصالحهم جمیعا قد اجتمعت، ومن ثم انتقل إلی صف معاویة الذی أبطاء عن نصرة عثمان حتی قتل.

 وروایة المدائنی تؤید جشعه وطمعه فالإمام الحسن فی تلک الروایة قال له (ألا أنزل لک عنها؟فلا أراک تجد محللا خیرا لکما منی،فقال:ودیعتی ) وقوله ودیعتی یعنی انه لم یکن یفکر فی زوجته السابقة ولا فی غیرها والمهم بالنسبة إلیه هو الحصول علی ودیعته،فهذا أیضا مما یمکن أن یکون قرینة علی صدق الروایة الثانیة دون الأولی.

المرجح الثالث ان الروایة الأولی للمدائنی فیها انتقاص للإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه وهو مما یبعث فی النفس الشک، بعکس الروایة الثانیة التی تعکس نبل الإمام الحسین صلوات الله وسلامه علیه وعظیم بره وإحسانه حتی علی أعدائه فهو علیه السلام قد أنقذ هندا زوجة عبد الله بن عامر من أن تکون تحت تصرف رجل مثل یزید بن

ص: 90

معاویة علیه اللعنة،وحفظ له ماله من أن یضیع لان هندا لو کان قدر لها أن تتزوج یزید بن معاویة وکانت الودیعة معها لما خرج منها شیء ما دام قد دخل فی حصن یزید، لان من یقتل أبناء الأنبیاء ویقترف من المعاصی ما کان یقترفه یزید لیس بمستهجن منه أن یکون خائنا للأمانة،والإمام صلوات الله وسلامه علیه ارجع زوجة إلی زوجها وأعاد اُماً إلی بیتها وأبنائها،فهی منسجمة مع الخط العام للأخلاق والمثل التی کان یسمو بها أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین علی غیرهم بعکس الروایة الأولی ویمکن أن یکون هذا الانسجام دلیلاً آخراً علی صدق الروایة الثانیة دون الأولی.

أما إذا لم نعتبر هذه الأمور قرینة علی صحة الروایة الثانیة دون الأولی فان التعارض یبقی فتتساقط کلتا الروایتین ولا یمکن حینئذ الأخذ بواحدة منهما دون الأخری لأنه ترجیح بدون مرجح.

الإشکال الخامس: ماذا لو سلمنا بهذه الروایة؟

لو غضضنا الطرف عن کل ما تقدم من ملاحظات فان روایة المدائنی غایة ما تثبته هو ان للإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه زوجة اسمها هند بنت سهیل بن عمرو وان هندا هذه کانت متزوجة من رجلین احدهما عبد الرحمن بن عتاب بن أسید وکان أبا عذرتها فطلقها،فتزوجها عبد الله بن عامر بن کریز،ولیس فی هذا کله ما یثبت ان الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه کان مزواجا أو مطلاقا مذواقا.

ص: 91

الروایة الرابعة

اشارة

قال: أخبرنا علی بن محمد، عن ابن جعدبة، عن ابن أبی ملیکة، قال: (تزوج الحسن بن علی خولة بنت منظور، فبات لیلة علی سطح أجم، فشدت خمارها برجله والطرف الآخر بخلخالها.

فقام من اللیل فقال: ما هذا؟.

قالت: خفت أن تقوم من اللیل بوسنک فتسقط فأکون أشأم سخلة علی العرب، فأحبها فأقام عندها سبعة أیام.

فقال ابن عمر: لم نر أبا محمد منذ أیام، فانطلقوا بنا إلیه، فأتوه، فقالت له خولة: احتبسهم حتی نهیئ لهم غذاء.

قال: نعم.

قال ابن عمر: فابتدأ الحسن حدیثا ألهانا بالاستماع إعجابا به حتی جاءنا الطعام)(1).

والإشکال علی هذه الروایة یقع فی عدة أوجه، نشیر إلی أهمها فیما یلی:


1- تاریخ مدینة دمشق لابن عساکر ج 13 ص 249 فی الحسن بن علی بن أبی طالب علیهما السلام، تهذیب الکمال للمزی ج 6 ص 236 فی الحسن بن علی بن ابی طالب القرشی الهاشمی، ترجمة الإمام الحسن لابن عساکر ص 152، ترجمة الإمام الحسن من طبقات بن سعد ص71.

ص: 92

الوجه الأول: الروایة ضعیفة السند ساقطة عن الحجیة

لان فی طریق إسنادها ابن جعدبة وهو یزید بن عیاض(1) الذی أکثر أهل الجرح والتعدیل الکلام فیه وفی قدحه ونحن ننقل أقوال جملة منهم:

1: قال عنه ابن حزم: (ویزید بن عیاض __ هو ابن جعدبة __ مذکور بالکذب ووضع الأحادیث )(2).

2: قال الذهبی:

(یزید بن عیاض بن یزید بن جعدبة اللیثی... قال البخاری وغیره: منکر الحدیث. وقال یحیی: لیس بثقة. وقال علی ضعیف ورماه مالک بالکذب. وقال النسائی وغیره: متروک. وقال الدارقطنی:ضعیف. وروی عباس عن یحیی: لیس بشیء، ضعیف. وروی یزید بن الهیثم عن ابن معین: کان یکذب. وروی أحمد بن أبی مریم، عن ابن معین: لیس بشیء، لا یکتب حدیثه...)(3).

3: وقال الرازی:

(یزید بن عیاض بن جعدبة اللیثی من أنفسهم حجازی، یکنی أبا الحکم انتقل إلی البصرة ومات بها فی زمن المهدی... عن عبد الرحمن بن القاسم قال سألت مالکا عن ابن سمعان فقال: کذاب قلت یزید بن عیاض قال: أکذب


1- کما فی کتاب المحلی لابن حزم ج 7 ص 123وغیره.
2- المصدر السابق ج 8 ص 487،وأیضا ج 10 ص 61.
3- میزان الاعتدال الذهبی ج 4 ص 436 __ 437.

ص: 93

وأکذب. حدثنا عبد الرحمن قال قرئ علی العباس بن محمد الدوری قال سمعت یحیی بن معین یقول: یزید بن عیاض ضعیف لیس بشیء... نا عبد الرحمن قال سألت أبی عن یزید بن عیاض فقال:ضعیف الحدیث،منکر الحدیث. نا عبد الرحمن قال سئل أبو زرعة عن یزید بن عیاض فقال: ضعیف الحدیث وانتهی إلی حدیثه فیما کان یقرأ علینا فقال: اضربوا علی حدیثه ولم یقرأ علینا)(1).

4: وقال البخاری: (یزید بن عیاض بن یزید بن جعدبة اللیثی حجازی هو أخو انس بن عیاض،منکر الحدیث)(2)، وقال أیضا: (یزید بن عیاض بن جعدبة اللیثی المدنی منکر الحدیث حجازی)(3).

الوجه الثانی: هل یمکن أن یبیت الإمام صلوات الله وسلامه علیه علی سطح لا یستر عنه النظر؟!

الروایة تنص علی ان الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه نام مع زوجته علی سطح أجم،قال الراوی (فبات لیلة علی سطح أجم،فشدت خمارها برجله والطرف الآخر بخلخالها) والأجم کما عند أهل اللغة هو:

(کل بیت مربع مسطح)(4)ومعنی انه مسطح أی لا سیاج له ولا سور


1- الجرح والتعدیل للرازی ج 9 ص 282 __ 283.
2- التاریخ الکبیر للبخاری ج 8 ص 351 __ 352.
3- الضعفاء الصغیر للبخاری ص 126.
4- الصحاح للجوهری ج5 ص1858 باب المیم فصل الألف،لسان العرب لابن منظور ج12 ص8 حرف المیم فصل الهمزة،تاج العروس للزبیدی ج16 ص7 مادة أجم.

ص: 94

یحیط به یمنع الإنسان من السقوط عنه بدلیل انها خافت علی الإمام صلوات الله وسلامه علیه من السقوط کما یدعی الراوی فلو کان هنالک سور وسیاج یحیط بالسطح لما بقی مبرر لخوفها.

وعلیه فإذا ثبت أن لیس للسطح سیاج یمنع الإنسان من السقوط یثبت کذلک انه لم یکن هنالک ساتر یحول بین النظر وبین من کان علی السطح لان السطح لو کان یحیط به ساتر من أی نوع من أنواع الستر لکان کافیا فی تنبیه الإمام الحسن إذا قام من اللیل بوسنه(1)، لان الوسنان هو النائم الذی لیس بمستغرق فی نومه(2)، والذی لیس بمستغرق فی نومه ینتبه بأقل صوت أو ارتطامه بأدنی حاجز.

فإذا لم یکن للبیت سور ولا ستر فکیف یعقل أن یبیت المؤمن من عوام الناس علیه، وإذا کان المؤمن بل حتی غیر المؤمن ممن له أدنی مراتب الغیرة ینزه نفسه وأهله عن هذا الفعل فکیف یا تری یمکن أن تغیب هذه الحقیقة البدیهیة عن ذهن الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه وهو سید العفة وإمام الحیاء.

فالروایة إذن مع ضعفها تسئ لشخصیة الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه وتخدشه فی عفته وتحاول أن تقلل من غیرته علی أهله وزوجاته حاشاه.


1- الوسن هو النعاس راجع الصحاح للجواهری ج6 ص2214 فصل الواو،
2- النهایة فی غریب الحدیث لابن الأثیر ج5 ص186 فصل الواو مع السین.

ص: 95

الوجه الثالث: رأی الشرع فی النوم علی سطح لا سیاج له

 ان أصل النوم علی سطح لا ستر له ولا حاجز یمنع الإنسان من السقوط منهی عنه فی الشرع ووردت روایات کثیرة تنهی عنه منها:

ما روی عن الرسول الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم:

(من بات فوق بیت لیس له أجار فوقع فمات برئت منه الذمة ومن رکب البحر عند ارتجاجه فقد برئت منه الذمة)(1).

وعن ابن عمران الجونی قال کنا بفارس وعلینا أمیر یقال له زهیر بن عبد الله فقال حدثنی رجل ان نبی الله صلی الله علیه وآله وسلم قال:

(من بات فوق إجار أو فوق بیت لیس حوله شیء یرد رجله فقد برئت منه الذمة ومن رکب البحر بعد ما یرتج فقد برئت منه الذمة)(2).

قال الهیثمی معلقا علی الحدیثین السابقین: (رواه أحمد مرفوعا وموقوفا وکلاهما رجاله رجال الصحیح)(3).

ومن المستحیل بحال من الأحوال أن یبیت الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه علی سطح دار منهی عن المبیت علیه شرعا ومعاب علیه عرفا لانه اعلم بسنة جده من کل احد.


1- مجمع الزوائد للهیثمی ج 8 ص 99.
2- مجمع الزوائد للهیثمی ج 8 ص 99.
3- المصدر السابق

ص: 96

الوجه الرابع: لماذا أقحم ابن عمر فی هذه الروایة؟

اشارة

 الروایة المزعومة تذکر أن عبد الله بن عمر قال: (لم نر أبا محمد منذ أیام، فانطلقوا بنا إلیه، فأتوه، فقالت له خولة: احتبسهم حتی نهیئ لهم غذاء، قال: نعم، قال ابن عمر: فابتدأ الحسن حدیثا ألهانا بالاستماع إعجابا به حتی جاءنا الطعام) وهو یوحی بان العلاقة ما بین عبد الله بن عمر وبین الإمام الحسن علیه السلام کانت علاقة ود ومحبة بحیث یشتاق ابن عمر للإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه إذا ما غاب عنه أیاما فیحمله شوقه وحنینه للإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه أن یأخذ أصحابه وینطلق بهم لرؤیته والسؤال عنه.

وهذا نقیض ما عرف من سیرة عبد الله بن عمر بن الخطاب فانه وبحسب مواقفه الکثیرة لم یکن یضمر لأهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین عموما أدنی حب ومودة واحترام ولم یکن بالشخص الذی یشتاق لمجالسة أهل البیت صلوات الله وسلامه علیه وسماع حدیثهم بل المستفاد من سیرته العملیة والقولیة انه کان لا یطیق القرب من أهل البیت صلوات الله وسلامه علیه عموما، وله فی هذا المجال قصص وأخبار نذکر بعضا منها:

1: عبد الله بن عمر لم یبایع الإمام علی صلوات الله وسلامه علیه

لا شک فی ان المسلمین عامة بایعوا الإمام أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه قال الیعقوبی: (بایعه طلحة والزبیر والمهاجرون والأنصار، وکان أول من بایعه وصفق علی یده طلحة بن عبید الله... وقام الأشتر فقال: أبایعک یا أمیر المؤمنین علی أن

ص: 97

علی بیعة أهل الکوفة، ثم قام طلحة والزبیر فقالا:نبایعک یا أمیر المؤمنین علی أن علینا بیعة المهاجرین، ثم قام أبو الهیثم بن التیهان وعقبة بن عمرو وأبو أیوب، فقالوا: نبایعک علی أن علینا بیعة الأنصار، وسائر قریش. وبایع الناس)(1).

وعن البلاذری فی انساب الأشراف قال: (حدثنا أبو قلابة عبد الملک بن محمد الرقاشی حدثنی محمد بن عائشة، حدثنا معتمر بن سلیمان قال: قلت لأبی: إن الناس یقولون: إن بیعة علی لم تتم قال: یا بنی بایعه أهل الحرمین وإنما البیعة لأهل الحرمین)(2).

والأدلة علی بیعة عامة المهاجرین والأنصار للإمام أمیر المؤمنین کثیرة صحیحة دالة باجمعها علی ان الناس قد بایعوا أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه طائعین غیر مقهورین ولا مرهوبین.

 ولکن ابن عمر وجماعة معه أصروا علی مخالفة إجماع المسلمین ورفضوا الدخول فی بیعته صلوات الله وسلامه علیه والإقرار بولایته، واستمر إصرار بن عمر علی عدم بیعته إلی أن ارتحل أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه عن هذه الدنیا شهیدا، قال الطبری:

(وبایع الناس علیا بالمدینة وتربص سبعة نفر فلم یبایعوه منهم سعد بن أبی وقاص ومنهم ابن عمر.. ولم یتخلف أحد من الأنصار إلا بایع فیما نعلم)(3).


1- تاریخ الیعقوبی ج 2 ص 178.
2- انساب الأشراف للبلاذری ص 208.
3- تاریخ الطبری ج 3 ص 453 ___ 454.

ص: 98

وقال ابن کثیر:

(بایع الناس علیا بالمدینة، وتربص سبعة نفر لم یبایعوا، منهم ابن عمر ولم یتخلف أحد من الأنصار إلا بایع فیما نعلم)(1).

2: عبد الله بن عمر یبایع معاویة ویزید

  ومع ان عبد الله بن عمر قد ترک بیعة الإمام أمیر المؤمنین والصلاة والقتال معه نراه یسارع إلی بیعة الحجاج قال ابن حجر: (لم یذکر ابن عمر خلافة علی لأنه لم یبایعه لوقوع الاختلاف علیه کما هو مشهور فی صحیح الأخبار(2)، وکان رأی ابن عمر أنه لا یبایع لمن لم یجتمع علیه الناس(3)، ولهذا لم یبایع أیضا لابن الزبیر ولا لعبد الملک فی حال اختلافهما، وبایع لیزید بن معاویة ثم لعبد الملک بن مروان بعد قتل ابن الزبیر)(4).


1- البدایة والنهایة لابن کثیر ج 7 ص 253.
2- الثابت فی صحیح الأخبار عکس ما ادعاه ابن حجر، فقد تقدم فی المتن ان أمیر المؤمنین قد اجتمع علی بیعته کل الناس الأنصار منهم والمهاجرون ولم یمتنع عنه إلا شرذمة قلیلون من أهل الأهواء والمطامع وطالبوا الفتنة.
3- لو کان ابن حجر صادقا فیما یقول لوجب علی ابن عمر ان لا یبایع أبا بکر بن أبی قحافة لان خیرة المهاجرین والأنصار وقفوا دون تولیه للخلافة وعارضوا تقدمه علیهم وأهل البیت الذین اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهیرا کانوا فی مقدمتهم، وأیضا لو صدق ابن عمر فی توقیه للفتنة لما بایع عمر وعثمان لان الأمة کما هو مذکور فی الروایات التاریخیة لم تخلوا من معارض لخلافتهما.
4- فتح الباری لابن حجر ج5 ص18 باب ما کان من أصحاب النبیصلی الله علیه وآله وسلم یواسی بعضهم بعضا فی الزراعة والثمر.

ص: 99

وقال أیضا:

(ثم بایع لمعاویة لما اصطلح مع الحسن بن علی، واجتمع علیه الناس(1) وبایع لابنه یزید بعد موت معاویة لاجتماع الناس علیه(2))(3).

3: کراهیة ابن عمر لأمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه

وهذه الازدواجیة فی أفعال ابن عمر لا مبرر لها غیر کرهه لأهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین وهذا الکره هو الذی منع ابن عمر من رفض بیعة الإمام أمیر المؤمنین وبالعکس حبه لأعداء أهل البیت هو الذی دعاه للارتماء فی أحضانهم. وهذا الکره والحقد هو نفسه الذی حدی به أن لا یعتبر الإمام أمیر


1- کیف یمکن لمنصف ان یقول بان الأمة قد اجتمعت علی بیعة معاویة بن ابی سفیان علیه اللعنة واهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین لم یقبلوه واهل الکوفة لم یبایعوه إلا تحت حد السیف،وجملة من الصحابة لم یرضوا له بالإمرة منهم سعد بن أبی وقاص حیث روی انه دخل علی معاویة فقال له:(السلام علیک أیها الملک فقال له فهلا غیر ذلک؟ أنتم المؤمنون وأنا أمیرکم، فقال سعد:نعم إن کنا أمرناک وفی لفظ نحن المؤمنون ولم نؤمرک) فکیف جاز لابن عمر أن یبایع لمعاویة ویخرج عن قاعدته التی حکاها ابن حجر سابقا.
2- وأعجب العجب ادعاؤه اجتماع الناس علی بیعة یزید بن معاویة علیه اللعنة فأین ذهبت رفض أهل البیت. وفی مقدمتهم الإمام الحسین الشهید وأهل بیته وأصحابه الذین أراقوا دماءهم دون القبول بهذه البیعة، وأین ذهبت دماء المئات من الصحابة والتابعین الذین قتلوا فی واقعة الحرة التی جاءت علی اثر رفضهم لبیعة الفاسق الفاجر یزید بن معاویة. ولکنها العصبیة والهوی یصدان عن الحق ویردیان الإنسان فی مهالک ومهاوی الباطل.
3- فتح الباری لابن حجر ج13 ص168 باب کیف یبایع الإمام الناس.

ص: 100

المؤمنین من ضمن الخلفاء فقد اخرج ابن عساکر عن ابن عون عن محمد عن عقبة بن أوس عن عبد الله بن عمرو قال:

(أبو بکر الصدیق أصبتم اسمه عمر الفاروق قرن من حدید أصبتم اسمه ابن عفان ذو النورین قتل مظلوما یؤتی کفلین من الرحمة معاویة وابنه ملکا الأرض المقدسة والسفاح وسلام ومنصور وجابر والمهدی والأمین وأمیر العصب کلهم من بنی کعب بن لؤی کلهم صالح لا یوجد مثله)(1).

وعن مسند احمد عن ابن عمر قال: (خرج علینا رسول الله ذات غداة بعد طلوع الشمس فقال: رأیت قبیل الفجر کأنی أعطیت المقالید والموازین فأما المقالید فهذه المفاتیح، وأما الموازین فهی التی تزنون بها فوضعت فی کفة ووضعت أمتی فی کفة، فوزنت بهم فرجحت، ثم جئ بأبی بکر فوزن بهم فوزن، ثم جئ بعمر فوزن، ثم جئ بعثمان فوزن بهم، ثم رفعت)(2) قال الهیثمی معلقا علی سند هذا الحدیث فی مجمع الزوائد: (ورجاله ثقات)(3) فابن عمر کما تری فی کلا الحدیثین تجاهل إمامة أمیر المؤمنین وخلافته فلم یعدّه لا من الخلفاء ولا من الذین یرجح میزانهم علی جمیع الناس شانه فی ذلک شان کل من أبی بکر وعمر وعثمان مع أن النبی صلی الله علیه وآله وسلم لو کان عند ابن عمر أدنی إنصاف قد اعتبر ضربة من ضربات الإمام أمیر المؤمنین


1- تاریخ مدینة دمشق لابن عساکر ج 65 ص 409.
2- مسند احمد بن حنبل ج2 ص76 مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب.
3- مجمع الزوائد للهیثمی ج9 ص58.

ص: 101

صلی الله علیه وآله وسلم یوم الخندق تعدل عمل الثقلین إلی یوم القیامة، قال الإیجی فی المواقف: (وقتل أکابر الجاهلیة حتی قال صلی الله علیه وآله وسلم یوم الأحزاب لضربة علی خیر من عبادة الثقلین)(1) واخرج المتقی الهندی عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم انه قال: (لمبارزة علی لعمرو بن عبد ود أفضل من أعمال أمتی إلی یوم القیامة)(2)، ولکن حقد ابن عمر وبغضه لأمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه أعماه عن رؤیة الحق حقا وإتباعه.

4: رأی ابن عمر فی خروج الحسین صلوات الله وسلامه علیه علی یزید

  لم یکن رأی ابن عمر فی الحسین صلوات الله وسلامه علیه مغایرا لرأیه فی أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه، فمثلما کان ابن عمر ناقما معترضا علی خلافة أمیر المؤمنین مناهضا له بالقول قبل الفعل کذلک کان موقفه تجاه الإمام الحسین صلوات الله وسلامه علیه وخروجه ضد یزید الفاسق لعنه الله، فقد اخرج الطبری وغیره، أن عبد الله بن عمر التقی بالحسین وابن الزبیر فی الطریق فقال لهما: (اتقیا الله ولا تفرقا جماعة المسلمین)(3).

ولم یقف رأی بن عمر المعارض للخروج علی یزید عند الحسین صلوات الله وسلامه علیه فحسب بل کان معارضا لکل من یخرج علی یزید بن معاویة فی حرب أو قتال من سائر الناس ولا یتورع من ان یصف کل من یخرج علی


1- المواقف للإیجی ج3 ص628.
2- کنز العمال للمتقی الهندی ج11 ص623.
3- تاریخ الطبری ج4 ص254 خلافة یزید بن معاویة.

ص: 102

یزید بانه ناکث للذمة والبیعة کما فعل مع أهل الحرة الذین خرجوا علی یزید بن معاویة ورفضوا تولیته،فقد اخرج البخاری عن نافع قوله: (لما خلع أهل المدینة یزید بن معاویة جمع ابن عمر حشمه وولده فقال: إنی سمعت النبی صلی الله علیه وآله وسلم یقول: ینصب لکل غادر لواء یوم القیامة وإنا قد بایعنا هذا الرجل علی بیع الله ورسوله، وأنی لا أعلم غدرا أعظم من أن یبایع رجل علی بیع الله ورسوله ثم ینصب له القتال وأنی لا أعلم أحدا منکم خلعه ولا تابع فی هذا الأمر إلا کانت الفیصل بینی وبینه)(1).

وعن نافع أیضا قال:

(جاء عبد الله بن عمر إلی عبد الله بن مطیع حین کان من أمر الحرة ما کان، زمن یزید بن معاویة، فقال: اطرحوا لأبی عبد الرحمن وسادة فقال إنی لم آتک لأجلس أتیتک لأحدثک حدیثا سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم... یقول: من خلع یدا من طاعة لقی الله یوم القیامة لا حجة له، ومن مات ولیس فی عنقه بیعة مات میتة جاهلیة)(2).

فمثل هکذا دفاع مستمیت عن یزید وعن تولیته یؤکد لنا بشکل لا یقبل الشک أن هوی ابن عمر ومیوله أمویة صرفة وان ما یشاع عن ابن عمر بأنه رجل الزهد والحفاظ علی الدماء والتقوی والحفاظ علی لم الشمل کله خطل


1- صحیح البخاری ج8 ص99 کتاب الفتن.
2- صحیح مسلم ج6 ص22 باب حکم من فرق أمر المسلمین وهو مجتمع.

ص: 103

من القول وعدم فهم واعی لهذه الشخصیة التی کانت تعیش حالة الازدواجیة فی المعاییر فما دام الأمر یتعلق بنصرة أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین واثبات حقهم فانه یتبع أسلوب العزلة والحیاد والابتعاد عن الدخول فی أی موقف یمکن أن یکون لصالح علی بن أبی طالب وأولاده صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین، أما حینما یتعلق الأمر بآل أمیة وأمثالهم من المناوئین لعلی واهل بیته صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین نراه یستشیط غیظا وحرقة ویدعوا إلی عدم شق الوحدة والحفاظ علی البیعة وعدم السماح بأی شیء یمکن أن یعکر صفو أعداء علی ومناوئیه.

5: حقائق عن شخصیة ابن عمر لها صلة بالموضوع

  وبقی ان نشیر إلی تساؤلین مهمین نستطیع من خلالهما فهم الروایة الرابعة المتعلقة بزواج الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه والتی جاء اسم ابن عمر فیها:

التساؤل الأول: هل کان ابن عمر یکذب فی أحادیثه؟  وللإجابة علی هذا التساؤل نکتفی بنقل روایة صریحة وصحیحة لا تحتاج إلی شرح فیها إجابة واضحة علی هذا الأمر فقد اخرج البخاری عن علی بن عبد الله حدثنا سفیان قال عمرو قال ابن عمر والله ما وضعت لبنة علی لبنة ولا غرست نخلة منذ قبض النبی صلی الله وسلم قال سفیان فذکرته لبعض أهله قال والله لقد بنی)(1).


1- صحیح البخاری ج 7 ص 144.

ص: 104

التساؤل الثانی: ما هو مدی علاقة ابن عمر بالنساء؟ وهذا ما یجیبنا علیه الذهبی حیث یقول: (عن زید بن أسلم، عن مجاهد، قال:

قال ابن عمر: لقد أعطیت من الجماع شیئا ما أعلم أحدا أعطیه إلا أن یکون رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

أبو أسامة: حدثنا عمر بن حمزة: أخبرنی سالم، عن ابن عمر، قال: إنی لأظن قسم لی منه ما لم یقسم لأحد إلا للنبی صلی الله علیه وآله وسلم، وقیل: کان ابن عمر یفطر أول شیء علی الوطئ)(1).

وعن الطبرانی: (حدثنا الهیثم بن خلف الدوری ثنا مؤمل بن هشام ثنا یحیی بن حماد عن السری بن یحیی عن محمد بن سیرین قال ربما أفطر بن عمر علی الجماع)(2).

وعن الهیثمی قال: (محمد بن سیرین قال ربما أفطر ابن عمر علی الجماع. رواه الطبرانی فی الکبیر وأسناده حسن)(3).

فیمکن لنا وبملاحظة ما قد مر أن نصل إلی نتیجة مهمة وهی ان ابن عمر لم یکن لیتورع عن الکذب والتزویر وإخفاء الحقائق فی أحادیثه لاسیما التی تکون متعلقة بعلی وال علی صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین.


1- سیر أعلام النبلاء للذهبی ج 3 ص 223.
2- المعجم الکبیر للطبرانی ج 12 ص 208 __ 209.
3- مجمع الزوائد للهیثمی ج 3 ص 156.

ص: 105

وان مواقفه الداعمة للحکومة الأمویة والتی عرفنا بعضا منها قد شفعت له عندهم فوضعوا عنه ما اشتهر وما اختص به من شبق ومیل عظیمین للنساء، ونسبوها للإمام الحسن بن علی صلوات الله وسلامه علیه المناوئ لآل أمیة ولابن عمر،أو قد یکون مرادهم إظهار ابن عمر بصورة المحب لأهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین لیمرروا بذلک غایاتهم وسمومهم عن طریق أحادیثه، وبذلک یکون إقحام اسم ابن عمر فی الروایة الرابعة لیس له تبریر مقنع غیر ما ذکرنا.

وبقیت لنا ملاحظة مهمة

المشهور بین المؤرخین ان خولة بنت منظور الفزاریة التی ورد اسمها فی هذه الروایة قد کانت فعلا إحدی زوجات الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه قال الشیخ المفید رحمه الله: (أولاد الحسن بن علی صلوات الله وسلامه علیهما خمسة عشر ولدا ذکرا وأنثی... والحسن بن الحسن أمه خولة بنت منظور الفزاریة...)(1).

والی مثله ذهب الشیخ الطبرسی رحمه الله غیر انه ذکر بان أولاده صلوات الله وسلامه علیه ستة عشر ولدا ولیس خمسة عشر(2).

وقال ابن شهر آشوب: (وأولاده ثلاثة عشر ذکرا وابنة واحدة... والحسین الأثرم، والحسن أمهما خولة بنت منظور الفزاریة...)(3).


1- کتاب الإرشاد الشیخ المفید ج 2 ص 20.
2- إعلام الوری بأعلام الهدی للشیخ الطبرسی ج 1 ص 416.
3- مناقب آل أبی طالب ابن شهر آشوب ج 3 ص 192 __ 193.

ص: 106

فینبغی هاهنا التنبیه علی أن ردنا علی هذه الروایة الرابعة لیس إنکارا لوجود خولة بنت منظور ضمن زوجات الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه وکیف یمکن ذلک وقد وردت روایات وأخبار متعددة تنص علی کونها زوجته، فلا یکون حینئذ الرد علی الروایة الرابعة إنکارا لزوجیتها منه صلوات الله وسلامه علیه،بل لان المروجین لفریة کون الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه مزواجا ومطلاقا إنما یحتجون بهذه الروایة لإثبات ان الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه کان شدید الولع بالنساء حتی انه صلوات الله وسلامه علیه __ وحاشاه __ یبقی حبیس بیته لسبعة أیام لا یخرج إلی الناس لان زوجته شدت خمارها برجله، فلهذا عرضناها للتمحیص والرد.

الروایة الخامسة

اشارة

قال أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر، عن عبد الله بن حسن قال: (کان الحسن بن علی کثیر نکاح النساء،وکن قلما یحظین عنده،وکان قل امرأة تزوجها إلا أحبته وصبت(1)به)(2).

وفی هذه الروایة عدة من الإشکالات التی لا یمکن التسلیم بها اخترنا أهمها فیما یلی:


1- فی روایة ابن عساکر ضنت به بدل صبت به راجع ترجمة الإمام الحسن علیه السلام لابن عساکر ص209.
2- البدایة والنهایة لابن کثیر ج8 ص47 فی سنة تسع وأربعین ذکر من توفی فیها الحسن بن علی بن أبی طالب، وراجع أیضا تاریخ مدینة دمشق لابن عساکر ج13 ص283،وتهذیب الکمال للمزی ج6 ص252، وترجمة الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه من طبقات ابن سعد ص82 __ 83 تحقیق: السید عبد العزیز الطباطبائی.

ص: 107

الإشکال الأول: الروایة عن الواقدی وهو غیر ممدوح فی نقله

محمد بن عمر الذی وردت هذه الروایة عنه هو الواقدی وقد بینا حاله مفصلا فی الرد الأول علی الروایة الأولی وقلنا تبعا لقول من یحتج بکلامه ان محمد بن عمر الواقدی ضعیف عند أهل الحدیث وغیرهم لا یحتج بروایاته المتصلة فکیف بما یرسله أو یقوله عن نفسه، فتصبح الروایة ضعیفة وساقطة عن الحجیة والاعتبار.

الإشکال الثانی: مفهوم القلة والکثرة مفهوم نسبی

لم یحدد الراوی مقصوده ومراده من معنی الکثرة فی قوله (کان الحسن بن علی کثیر نکاح النساء) فالکثرة والقلة شیء نسبی(1) تابع إلی


1- ویقول أبو بکر الکاشانی فی بدائع الصنائع ج 1  ص 80 : (الکثرة والقلة من الأسماء الإضافیة لا یکون الشیء قلیلا إلا أن یکون بمقابلته کثیر وکذا لا یکون کثیرا الا وأن یکون بمقابلته قلیل). ویقول السید الخوئی رحمه الله فی کتاب الصلاة ج 7  شرح ص 11 __ 12: (أن الکثرة والقلة کالکبر والصغر لیست من الأمور الواقعیة التی لها تقرر فی حد ذاتها وإنما یتصف الشیء بهما عند ملاحظته مع شیء آخر ولدی المقایسة بینهما، فهی من الصفات الإضافیة کالفوقیة والتحتیة. فالجسم الواحد کبیر بالإضافة إلی ما هو أصغر منه حجما، وهو بنفسه صغیر بالنسبة إلی الأکبر منه، کما أن کمیة خاصة من المال مثلا کثیرة بالقیاس إلی ما دونها، وقلیلة بالإضافة إلی ما فوقها، ولا یصح توصیف شیء بالکثرة والقلة أو الکبر والصغر بقول مطلق من غیر ملاحظته مع شیء آخر) .

ص: 108

مقاییس ومعاییر کل شخص علی حدة، وهو یختلف من شخص إلی آخر فلرب أربع زوجات قلیل عند بعض الناس لکن نفس هذا العدد یعتبر کثیرا عند اغلب الناس، فثمانی زوجات فی ذلک الزمن کان عددا طبیعیا، فکان صاحب الثلاثة مقلا، أما الیوم فالحال قد تغیر وأصبح صاحب الثلاث زوجات مکثرا مزواجا، واشد منه أن یکون للرجل ثمانیة زوجات.

إذاً فمفهوم القلة والکثرة مفهوم نسبی یختلف الحکم علیه من زمن إلی آخر، ومن شخص لثانی، ولا یمکن الاکتفاء به لوحده فی الحکم علی الشیء الذی استکثره الطرف الثانی أو استقله، نعم یمکن تحدید کون الکثیر کثیرا فعلا فیما لو ذکر ذلک الإنسان المستکثر مصادیق خارجیة تؤید صحة استکثاره(1).

والراوی لم یذکر لنا مصادیق من زوجات الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه لا اسماً ولا قبیلةً ولا أولاداً لهؤلاء النسوة الکثیرات، وعلیه لا یمکن الاعتماد علی مجرد استکثار الراوی للحکم علی کون الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه مزواجا، إذ لعل الراوی استکثر ما لا ینبغی الاستکثار منه فی المعتاد.


1- کمن یرید أن یصف کثرة أکل زید للتفاح فیقول زید کثیر الأکل للتفاح حتی انه لیأکل فی الیوم خمسین تفاحة، فذکر عدد الخمسین یکون شاهدا خارجیا علی صدق استکثار أکل التفاح من قبل زید.

ص: 109

الإشکال الثالث: هل کانت زیجات الإمام الحسن علیه السلام قصیرة المدة؟

ذکر عدة من علماء ومؤرخی الفریقین ان الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه کان له أولاد من نساء شتی وقد ذکرت تلک النصوص التاریخیة أسماء أولاده وأمهاتهم، قال الشیخ المفید رحمه الله: (أولاد الحسن بن علی صلوات الله وسلامه علیهما خمسة عشر ولدا ذکرا وأنثی: زید بن الحسن وأختاه أم الحسن وأم الحسین أمهم أم بشیر بنت أبی مسعود عقبة بن عمرو بن ثعلبة الخزرجیة. والحسن بن الحسن أمه خولة بنت منظور الفزاریة. وعمرو بن الحسن وأخواه القاسم و عبد الله ابنا الحسن أمهم أم ولد. و عبد الرحمن بن الحسن أمه أم ولد. والحسین بن الحسن الملقب بالأثرم وأخوه طلحة بن الحسن وأختهما فاطمة بنت الحسن، أمهم أم إسحاق بنت طلحة بن عبید الله التیمی. وأم عبد الله وفاطمة وأم سلمة ورقیة بنات الحسن صلوات الله وسلامه علیه لأمهات أولاد شتی)(1).

ومثله قال الشیخ الطبرسی رحمه الله غیر انه ذکر ان أولاده صلوات الله وسلامه علیه ستة عشر ولدا ولیس خمسة عشر(2).

وقال ابن شهر آشوب: (وأولاده ثلاثة عشر ذکرا وابنة واحدة: عبد الله، وعمر، والقاسم، أمهم أم ولد، والحسین الأثرم، والحسن أمهما خولة بنت منظور الفزاریة، وعقیل، والحسن أمهما أم بشیر بنت أبی مسعود الخزرجیة، وزید، وعمر من الثقفیة، و عبد الرحمن من أم ولد،


1- کتاب الإرشاد الشیخ المفید ج 2 ص 20.
2- إعلام الوری بأعلام الهدی للشیخ الطبرسی ج 1 ص 416.

ص: 110

وطلحة، وأبو بکر أمهما أم إسحاق بنت طلحة التمیمی، وأحمد، وإسماعیل، والحسن الأصغر، ابنته أم الحسن فقط عند عبد الله، ویقال وأم الحسین وکانتا من أم بشیر الخزاعیة، وفاطمة من أم إسحاق بنت طلحة، وأم عبد الله، وأم سلمة، ورقیة لأمهات أولاد)(1).

 فزوجاته اللاتی اتفق المؤرخون علی وجودهن:

1: أم بشیر بنت أبی مسعود عقبة بن عمرو بن ثعلبة الخزرجیة.

2: خولة بنت منظور الفزاریة.

3: أم إسحاق بنت طلحة بن عبید الله التیمی.

وهذه النسوة ورد النص التاریخی بزواجه صلوات الله وسلامه علیه منهن ولا یوجد عندنا نص آخر یصرح بأنه صلوات الله وسلامه علیه قد طلقهن إلی أن مات، وهذا یعنی بان کل واحدة من هذه النسوة قد عاشت عمرا مدیدا معه صلوات الله وسلامه علیه، لان کل واحدة منهن قد أنجبت له عدة من الذکور والإناث وإنجابهن لهذا العدد یستلزم بقاءَهنَّ تحت عصمته صلوات الله وسلامه علیه لسنین طویلة، ومثل هذا البقاء یکذِّب قول الراوی وافتراءه علی الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه بقوله: (کان الحسن بن علی کثیر نکاح النساء،وکن قلما یحظین عنده).

والإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه لیست زیجاته طویلة الأمد فحسب وإنما هو صلوات الله وسلامه علیه متمسک بزوجاته حافظ لحرمتهن حتی بعد موته، فقد روی انه صلوات الله وسلامه علیه من شدة تمسکه بزوجاته وأمهات أولاده أوصی إلی


1- مناقب آل أبی طالب ابن شهر آشوب ج 3 ص 192 __ 193.

ص: 111

الإمام الحسین صلوات الله وسلامه علیه بان لا یخرج أم إسحاق بنت عبید الله التیمی من دور أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین، فلذلک تزوجها من بعده الإمام الحسین صلوات الله وسلامه علیه عملا بوصیة أخیه الحسن صلوات الله وسلامه علیه، فولدت له ابنته فاطمة بنت الحسین علیها السلام فقد روی ابن عساکر فی تاریخ مدینة دمشق عن عبد الله بن عبد الرحیم قال فی تسمیة ولد الحسین بن علی: ( فاطمة بنت الحسین وأمها أم إسحاق بنت طلحة بن عبید الله التیمی وکانت قبله عند الحسن بن علی فولدت له طلحة لا عقب له فلما حضرت حسنا الوفاة قال لأخیه حسین یا أخی لا تخرجن أم إسحاق من دورکم فخلف علی أم إسحاق الحسین بن علی بن أبی طالب)(1).

فهل یصح أن یوصف مثل هذا الرجل العظیم، الذی یحمل هم زوجاته حتی بعد رحیله إلی الله سبحانه، فیوصی بهن وبحفظهن، وان لا یترکن ولا یعرضن للإهمال بعد موته، بأنه قلما کان یحتفظ بزوجة وان سیرته مع النساء کانت تتمیز بقصر المدة وسرعة الضجر، فیعمد علی التخلص منهن بأسرع وقت لیتسنی له الإسراع بالزواج من امرأة ثانیة حاشاه ثم حاشاه من افتراء الوضاعین وکذب المغرضین الذین عز علیهم مثل هذا الموقف النبیل من الإمام صلوات الله وسلامه علیه تجاه زوجاته فعمدوا إلی رمیه بما یناقض هذا النبل ویغایر هذا الفیض من الحنان والحب لأهل بیته وزوجاته أمهات أولاده.


1- تاریخ مدینة دمشق لابن عساکر ج 70 ص 16 __ 17.

ص: 112

الروایة السادسة

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثنی علی بن عمر، عن أبیه، عن علی بن حسین، قال: کان الحسن بن علی مطلاقا للنساء،وکان لا یفارق امرأة إلا وهی تحبه)((1).

هذه الروایة هی عین الروایة الخامسة مع تلاعب الرواة الوضاعین ببعض مفرداتها لیخیل للسامع أن هذه غیر تلک، وإلا فان نفس المضامین فی کلتا الروایتین متکررة،غایة الأمر ان الهدف من اختلاق الروایة الخامسة غیر مصرح به فی متن الروایة، بعکس هذه الروایة التی لم یستطع واضعها التستر علی ما فی قلبه من مکر فصرح بقوله (کان الحسن بن علی مطلاقا للنساء) فالهدف إذن بیّنٌ، والقصد واضح لا یخفی علی متأمل.

والروایة ضعیفة لأنها مرویة عن محمد بن عمر الواقدی الأموی وهو کما عرفنا لا یوثق بنقله ولا یرکن إلی روایته وهو من المجروحین عند أهل الجرح والتعدیل.

ثم أین الدلیل علی قول الراوی (کان الحسن بن علی مطلاقا للنساء) فهلا قدم الراوی دلیلا علی قوله هذا، وهلا ذکر لنا أسماء وقبائل من طلقهن الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه بحیث صار بطلاقهن مطلاقا.


1- ()البدایة والنهایة لابن کثیر ج8 ص43، وترجمة الإمام الحسن من طبقات ابن سعد ص69 حدیث رقم 112.

ص: 113

ولماذا یتعمد فی کل الروایات التی صورت ان الإمام الحسن مزواجا أو مطلاقا إخفاء أسماء زوجاته أو مطلقاته؟

ولماذا احتفظ لنا التاریخ بأسماء أمهات أولاده ولم یحتفظ لنا التاریخ أسماء من طلقهن أو تزوج بهن ولم ینجبن له أولادا؟.

فهل السبب یعود إلی کثرتهن؟.

وإذا کان السبب یعود إلی کثرتهن فلماذا احتفظ لنا الرواة بعدد أزواج ماریة بنت الجعید بن صبرة والتی تزوجت عشرة من الرجال علی التوالی والتی تقدم ذکرها فی الفصل الأول(1).

فهل لأنها أهم من الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه أم أن ذاکرة الرواة نشطة فی مورد ماریة بنت الجعید بن صبرة ولکن حینما یصل الأمر إلی الإمام الحسن یصاب کل الرواة بالنسیان والهذیان ویفقدوا القدرة علی ضبط الأسماء.

أم ان السبب فی عدم ذکر أسماء مطلقات الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه یعود إلی عدم وجودهن إلا فی مخیلة هؤلاء الوضاعین، ولو ذکروا أسماء وهمیة من عند أنفسهم لانکشف کذبهم وبان افتراؤهم علی الإمام صلوات الله وسلامه علیه فلذلک کان من المستحسن فی نظرهم القاصر أن یترک الأمر هکذا مبهما وضبابیا.


1- کتاب المحبر لمحمد بن حبیب البغدادی ص435.

ص: 114

الروایة السابعة

اشارة

قال علی بن محمد: وقال قوم:

(وکان الحسن أحصن تسعین امرأة )(1).

وهذه الروایة باطلة أیضا وفیما یلی عدة أسباب تثبت کذبها:

السبب الأول: من هو علی بن محمد راوی هذه الروایة؟

اشارة

  هو علی بن محمد بن عبد الله بن أبی سیف أبو الحسن المدائنی مولی عبد الرحمن بن سمرة، وقد اختلف فیه من حیث وثاقته ووثاقة ما یرویه فکان فیه النقاد وأصحاب الجرح والتعدیل علی طرفی نقیض فمنهم من ضعف عامة مرویاته وحکم علی أغلبیتها بالإرسال وعدم توفر شروط الإسناد الصحیح فیها، ومن هؤلاء عبد الله بن عدی فی کتابه الکامل إذ قال:

(لیس بالقوی فی الحدیث وهو صاحب الأخبار... وأبو الحسن المدائنی هو صاحب أخبار معروف بالأخبار وأقل ما له من الروایات المسندة)(2).

وعلی نقیض عبد الله بن عدی ذهب البعض الآخر وصرح بقبول کل ما جاء عن علی بن محمد المدائنی حتی لو کان بلا إسناد متصل بحجة ان علیا بن محمد بنفسه إسناد فلا نحتاج معه إلی إسناد.


1- تهذیب الکمال للمزی ج6 ص237، ترجمة الإمام الحسن لابن عساکر ص152.
2- الکامل لعبد الله بن عدی ج 5 ص 213.

ص: 115

فعن أبی قلابة قال:

(حدثت أبا عاصم النبیل بحدیث فقال: عمن هذا فإنه حسن؟ قلت: لیس له إسناد ولکن حدثنیه أبو الحسن المدائنی فقال لی: سبحان الله أبو الحسن إسناد)(1).(2)

 وینبغی التحفظ وبشدة علی کلا الرأیین لان فیهما کما هو واضح إفراطاً وتفریطاً.

والمنهج الوسط هو المطلوب فی تقییم مرویات المدائنی، ونقصد بالمنهج الوسط هو أن ینظر سواسیة إلی المدائنی ومرویاته مع بقیة مرویات ومنقولات غیره من المحدثین وأصحاب السیر والتاریخ فیؤخذ منه ما صح إسناده ولم یکن فیه مخالفة للشرع والعقل والمسلمات الأخری شأنه شأن غیره، ویرد علیه ما یکون فیه موجبا للرد شأنه أیضا شأن غیره.


1- تاریخ بغداد للخطیب البغدادی ج 12 ص 54.
2- تصحیح أبی عاصم النبیل لکل ما یرویه المدائنی لمجرد کونه ثقة یجب التغاضی عن إسناده غیر صحیح ألبته وتبریره بان المدائنی بنفسه إسناد غیر مقبول قطعا. إذ لو صحت هذه النظریة لصح ما لا حصر له من الروایات المرسلة کمراسیل ابن عمر وابن عباس وغیرهم من الذین اجمع علماء العامة علی کونهم أفضل من المدائنی واجل قدرا، ولا یوجد قائل بهذا من أهل العلم وأرباب الجرح والتعدیل فیکون کلامه حینئذ مخالفا لما اجمع علیه المسلمون.

ص: 116

وهذه الحالة الوسطیة ما بین الإفراط والتفریط ستحقق لنا خدمة جلیلة، فمن جهة نحافظ علی الکم الهائل من الحقائق التی رواها المدائنی والتی لا ینبغی التفریط فیها والتغاضی عنها لارتباطها بمظالم أهل البیت(1) صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین والتی یمکن من خلالها تثبیت جملة من حقوق أهل البیت وشیعتهم، وبهذه الحالة الوسطیة أیضا یمکن ان نحافظ هائل من مرویات المدائنی التی تحکی وتبین ظلم أعداء أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین وجرائمهم بحق الإسلام وسادته المنتجبین صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین وشیعتهم المرضیین.

وفی المقابل سیحول إخضاع مرویات المدائنی علی التشدد السندی والعرض علی الحقائق المسلم بها ما بیننا وبین جملة من مرویاته الأخری التی یمکن أن تکون مدسوسة منه مباشرة أو علی لسانه والتی یکون فیها إساءة إلی شخصیات أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین(2) أو التی یکون فیها تزویر للحقائق التاریخیة لصالح جهة ما أو مذهب معین.


1- فالمدائنی روی عددا کبیرا من کتب الإمام أمیر المؤمنین إلی معاویة بن أبی سفیان وجواب معاویة لعنه الله إلی الإمام أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین، وکذلک نقل لنا جملة من أحداث واقعة کربلاء ومقتل الحسین صلوات الله وسلامه علیه، وجملة کبیرة من واقعة السقیفة وغصب حقوق أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین وجملة من أخبار حرب صفین والجمل والنهروان،وجرائم الحجاج الثقفی واعتداءات بنی أمیة الملعونین قاطبة.
2- کالروایة التی نحن بصدد نقاشها والتی فیها إساءة لمنزلة الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه وخدمة لأعدائه من العباسیین والأمویین.

ص: 117

وقفة مع بعض المتأخرین ورأیهم حول المدائنی

قال السید هاشم معروف الحسنی رحمه الله فی کتابه سیرة الأئمة الاثنی عشر فی رده علی شبهة تعدد زوجات الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه: (أما روایة السبعین والتسعین __ زوجة __ وغیرها من الروایات التی تصفه بأنه مطلاق... فلا مصدر لها إلا المدائنی وأمثاله من الکذبة کما یبدو من أسانیدها...)(1)، وقال فی موضع آخر: (وعلی ما یبدو ان الذین الصقوا بالحسن کثرة الزواج والطلاق هؤلاء الثلاثة المدائنی والشبلنجی وأبو طالب المکی فی قوت القلوب وعنهم اخذ المؤرخون والکتاب من السنة والشیعة والمستشرقین، أما علی بن عبد الله البصری المعروف بالمدائنی والمعاصر للعباسیین فهو من المتهمین بالکذب فی الحدیث وجاء فی میزان الاعتدال للذهبی ان مسلما فی صحیحه قد امتنع من الروایة عنه وان ابن عدی قد ضعفه وقال له الأصمعی والله لتترکن الإسلام وراء ظهرک وقد تبعه لثرائه ویروی عن عوانة بن الحکم المتوفی سنة 158 والمعروف بولائه لعثمان والأمویین... هذا بالإضافة إلی أن أکثر روایاته من نوع المراسیل...)(2).

فالسید الحسنی رحمه الله اضطر للرد علی روایات کثرة زواج وطلاق الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه إلی سد الباب من أصله عن طریق تکذیب المدائنی فی کل أو أکثر ما یرویه، غافلا رحمه الله عن ان مهمة الرد علی روایات المدائنی الناقلة


1- سیرة الأئمة الاثنی عشر ج1 ص554 زوجات الحسن.
2- سیرة الأئمة الاثنی عشر ج1 ص554 زوجات الحسن.

ص: 118

لکثرة زواج وطلاق الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه یمکن أن تتم من دون أن ینسف کل روایات المدائنی، ومن دون أن یرمیها وبلا استثناء بالکذب، وکان یکفیه رحمه الله فی الرد علی هذه الروایات ان یعرضها علی القران والسنة وقواعد الجرح والتعدیل لیری سرعة انهیارها وتهافتها، وبذلک نصل إلی النتیجتین معا فمن جهة ننزه مقام ومنزلة الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه، ومن جهة أخری لا نبخس حق المدائنی فیما یرویه من الروایات الصحیحة والمسندة والمؤیدة بالشواهد التاریخیة المتسالم علی صحتها.

والعجب منه رحمه الله تعریف المدائنی بقوله: (أما علی بن عبد الله البصری المعروف بالمدائنی والمعاصر للعباسیین فهو من المتهمین بالکذب فی الحدیث وجاء فی میزان الاعتدال للذهبی ان مسلما فی صحیحه قد امتنع عن الروایة عنه وان ابن عدی قد ضعفه وقال له الأصمعی والله لتترکن الإسلام وراء ظهرک) لان المدائنی الذی روی أخبار زواج الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه شخص آخر غیر الذی یتحدث عنه السید هاشم معروف الحسنی رحمه الله فی هذه السطور، فالراوی لروایات کثرة زواج وطلاق الإمام الحسن هو کما یقول الذهبی: (المدائنی: العلامة الحافظ الصادق أبو الحسن علی بن محمد بن عبد الله بن أبی سیف المدائنی الإخباری. نزل بغداد، وصنف التصانیف، وکان عجبا فی معرفة السیر والمغازی والأنساب وأیام العرب، مصدقا فیما ینقله، عالی الإسناد. ولد سنة اثنتین وثلاثین ومئة)(1).


1- سیر أعلام النبلاء للذهبی ج 10 ص 400 __ 401.

ص: 119

أما علی بن عبد الله الذی توهمه السید الحسنی رحمه الله فهو شخص آخر معروف بالمدنی ولیس المدائنی ولعل هذا التشابه هو الذی أوقع السید الحسنی بالتوهم وهو کثیر الوقوع حتی عند أهل الاختصاص وأصحاب الفن، وقد ذکره الذهبی بقوله: (علی بن عبد الله بن جعفر، أبو الحسن الحافظ. أحد الأعلام الأثبات، وحافظ العصر. ذکره العقیلی فی کتاب الضعفاء فبئس ما صنع... قال أبو حاتم: کان ابن المدینی علما فی الناس فی معرفة الحدیث والعلل، وکان أحمد لا یسمیه، إنما یکنیه تبجیلا له... وکذا امتنع مسلم من الروایة عنه فی صحیحه... الأثرم، سمعت الأصمعی یقول لابن المدینی: والله لتترکن الإسلام وراء ظهرک... وهذا أبو عبد الله البخاری(1) __ وناهیک به __ قد شحن صحیحه بحدیث علی بن المدینی، وقال: ما استصغرت نفسی بین یدی أحد إلا بین یدی علی بن المدینی، ولو ترکت حدیث علی، وصاحبه محمد، وشیخه عبد الرزاق، و... لغلقنا الباب، وانقطع الخطاب، ولماتت الآثار، واستولت الزنادقة، ولخرج الدجال. أفما لک عقل یا عقیلی)(2).

ولا یوجد أی ارتباط کما تری ما بین الذی ذکره السید الحسنی رحمه الله وما بین ذلک المدائنی الذی روی روایات زواج الإمام الحسن وطلاقه، وان کلا الشخصیتین ممدوح وموثق من قبل أهل الجرح والتعدیل ممن ینتسب لمذهب أهل السنة، وهو اشتباه ثانٍ من السید الحسنی رحمه الله، وجلالة قدره رحمه الله لا تدع غیر الاشتباه أو الخلط عذرا نقدمه للدفاع عما بدر منه.


1- صاحب کتاب صحیح البخاری.
2- میزان الاعتدال للذهبی ج 3 ص 138 __ 140.

ص: 120

السبب الثانی: الروایة ضعیفة لجهالة الراوی

سند روایة المدائنی یحکی لنا عن نفسه بنفسه لأنه کالتالی (قال علی بن محمد وقال قوم وکان الحسن أحصن تسعین امرأة) ونسبة هذه الروایة إلی القوم تعنی ان الراوی غیر مشخص الاسم ولا معلوم الحال، وإذا لم یعلم الراوی باسمه أو کنیته أو صفته صار مجهولا والمجهول لا یحتج به مطلقا،وفی هذا الصدد یقول العلامة الحلی: (ولا تقبل روایة المجهول حاله، خلافا لأبی حنیفة، لان عدم الفسق شرط فی الروایة، وهو مجهول، والجهل بالشرط یستلزم الجهل بالمشروط)(1)،وقال الذهبی: (فالمحدث إذا نظر فی سند حدیث ووجد فیه رجلا مجهولا: حکم بضعفه، لاحتمال ضعف ذلک المجهول، وربما حکم بوضعه، لغلبة الظن عنده بأن ذلک المجهول کذاب)(2)وقال محمد ناصر الألبانی: (ولا حجة فی روایة المجهول عند المحدثین)(3) وقال الرازی: (المسألة الثالثة قال الشافعی رضی الله عنه روایة المجهول غیر مقبولة بل لا بد فیه من خبرة ظاهرة والبحث عن سیرته وسریرته)(4)وقال أیضا: (الرابع إجماع الصحابة رضی الله عنهم علی رد روایة المجهول)(5).


1- مبادئ الوصول للعلامة الحلی ص 206 __ 207.
2- الکاشف فی معرفة من له روایة فی کتب الستة للذهبی ج 1 ص 26.
3- تمام المنة لمحمد ناصر الألبانی ص 271.
4- المحصول للرازی ج 4 ص 402.
5- المصدر السابق ص 405.

ص: 121

فإجماع الصحابة وسیرة العلماء ومنهج المحققین جار علی رفض کل روایة مجهولة الراوی، وعلیه فالروایة التی رواها المدائنی لا شک فی شمولها بهذا الرفض.        

السبب الثالث: لماذا فقد المدائنی ذاکرته هنا؟

عُرف عن المدائنی انه ذو حفظ واسع وذاکرة کبیرة حتی عد من الحفاظ کما وصفه الذهبی بقوله: (العلامة الحافظ الصادق... صنف التصانیف، وکان عجبا فی معرفة السیر والمغازی والأنساب وأیام العرب...)(1)وعد له ابن الندیم فی فهرسه أکثر من مئتین وخمسین کتابا فی مختلف الموضوعات ویعتمد کثیر منها علی حافظته الکبیرة لأسماء وکنی وقبائل العرب وغیرهم،ومن هذه الکتب (کتاب النواکح والنواشز. کتاب المقینات. کتاب من جمع بین أختین ومن تزوج ابنة امرأته ومن جمع أکثر من أربع ومن تزوج مجوسیة. کتاب من کره مناکحته. کتاب من نهیت عن تزویج رجل فتزوجته. کتاب من هجاها زوجها. کتاب من شکت زوجها أو شکاها. کتاب من تزوج فی ثقیف من قریش. کتاب الفاطمیات. کتاب من وصف امرأة فأحسن. کتاب مناکح الفرزدق. کتاب البکر. کتاب من نسب إلی أمه. کتاب من سُمی باسم أبیه من العرب. کتاب من نسب إلی أمه من. کتاب من تمثل بشعر فی مرضه. کتاب من وقف علی قبر فتمثل بشعر. کتاب من بلغه موت رجل فتمثل بشعر أو کلام.


1- سیر أعلام النبلاء للذهبی ج 10 ص 400 __ 402.

ص: 122

کتاب من تشبه بالرجال من النساء. کتاب من فضل الأعرابیات علی الحضریات. کتاب من قال شعرا فسمی به. کتاب من قال فی الحکومة من الشعراء...)(1).

وهذا الکم الکبیر من الکتب والتصانیف فی مثل هذه الموضوعات التی تقدمت لا یمکن أن یتم ویکتب به ما لم یکن لصاحبها باعٌ طویل فی معرفة الأنساب والبیوتات العربیة مع اطلاع واسع علی تراجم معاصریه ومن یقرب من عصره.

وبناءً علی حافظة المدائنی القویة وسعة باعه فی علم معرفة الأنساب وأخبار العرب، یکون لنا الحق فی أن نسال المدائنی عن أسماء وألقاب وانساب هذه النسوة اللاتی جعلهن زوجات الحسن صلوات الله وسلامه علیه والذی صرح بان عددهن قد وصل إلی التسعین زوجة، فهل له وهو الحافظ الذی کان عجبا فی معرفة انساب العرب کما وصفه الذهبی أن یخبرنا بأسمائهن ومن أی بیوت کن وما هی أسباب زواج الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه منهن وما أسباب طلاقهن، ولماذا لم یکن للحسن صلوات الله وسلامه علیه سوی ستة عشر ولدا علی أعلی التقادیر، فلیس ذکر تسعین امرأة لو کان لهن وجود بعسیر علی من کتب وأحصی أسماء من هجاها زوجها، وأسماء من شکت زوجها أو شکاها، وأسماء من تشبه بالرجال من النساء، فهل کان المدائنی حافظا فی کل


1- ذکر کتبه هذه مفصلة ابن الندیم فی الفهرست ص 116.

ص: 123

تلک الکتب ولکن ما ان وصل الأمر إلی الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه ضاع عنه حفظه وفقد ذاکرته؟ أم ان عدم ذکر الاسم ناتج عن عدم وجود تلکم النسوة؟ وهذا الاحتمال الأخیر هو الأقرب بل هو المتعین لکثرة القرائن الدالة علیه.

نعم قد نجد فی بعض المصادر ان المدائنی قد ذکر أسماء بعض زوجاته صلوات الله وسلامه علیه کما نقله ابن أبی الحدید فی شرح نهج البلاغة حیث قال: (قال أبو الحسن المدائنی: وکان الحسن کثیر التزوج تزوج خولة بنت منظور بن زبان الفزاریة،فولدت له الحسن بن الحسن. وتزوج أم إسحاق بنت طلحة بن عبید الله، فولدت له ابنا سماه طلحة، وتزوج أم بشر بنت أبی مسعود الأنصاری فولدت له زید بن الحسن، وتزوج جعدة بنت الأشعث بن قیس، وهی التی سقته السم، وتزوج هند ابنة [ سهیل بن عمرو، وحفصة ابنة عبد ] الرحمن بن أبی بکر، وتزوج امرأة من کلب، وتزوج امرأة من بنات عمرو بن أهتم المنقری، وامرأة من ثقیف، فولدت له عمرا، وتزوج امرأة من بنات علقمة ابن زرارة، وامرأة من بنی شیبان من آل همام بن مرة، فقیل له: إنها تری رأی الخوارج، فطلقها، وقال: إنی أکره أن أضم إلی نحری جمرة من جمر جهنم. وقال المدائنی: وخطب إلی رجل فزوجه...)(1) ومع کل ما بذله المدائنی من جهد لذکر وتذکر اکبر عدد ممکن من زوجاته صلوات الله وسلامه علیه یبقی


1- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید ج 16 ص 21.

ص: 124

العدد لا یزید عن اثنتی عشر زوجة فأین بقیة التسعین یا تری، ولو سلمنا جدلا بصحة أسماء کل من ذکرهن المدائنی مع التحفظ من قبلنا علی أکثرهن فان عددهن یبقی مقبولا وطبیعی بالقیاس إلی ذلک الزمن.

السبب الرابع: تناقض أخبار المدائنی عن عدد زوجاته

روی عن ابن أبی الحدید المعتزلی عن المدائنی قوله: (أحصی زوجات الحسن صلوات الله وسلامه علیه فکن سبعین امرأة)(1)، وهذا العدد یخالف ما جاء فی الروایة التی نحن بصدد مناقشتها، ومثل هذا الاختلاف فی الروایة إذا کان صادرا عن شخص واحد فهو دلیل واضح علی کذب الراوی واختلاق الروایتین لدلالة هذا الاختلاف علی الاضطراب الدال علی قلة ضبط الراوی.

السبب الخامس: هل کان الإمام الحسن یشهد علی زواجه وطلاقه؟

ان وجود شاهدین عدلین علی اقل التقادیر فی عقد الزواج أو الطلاق لا خلاف بین المسلمین علی أهمیته غایة الأمر انهم اختلفوا حول مدی هذه الأهمیة فقالت الإمامیة باستحباب إعلان عقد الزواج واستحباب الإشهاد علیه، أما فی عقد الطلاق فأوجبوا وجود شاهدین عدلین من أهل الإیمان وبفقدهما یبطل إیقاع الطلاق ألبته ولهم فی کلا الحکمین __ سواء ما یتعلق باستحباب الإشهاد علی عقد الزواج أو وجوبه عند الطلاق __ روایات وأدلة صحیحة لا یکون الخوض فیها إلا خروجا عن بحثنا الحالی.


1- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید ج16 ص22 ترجمة الحسن بن علی وذکر بعض أخباره.

ص: 125

أما بقیة المذاهب الإسلامیة فقد ذهبت تقریبا إلی عکس ما ذهبت إلیه الإمامیة، فقالوا بوجوب وجود شاهدین عدلین یحضران صیغة عقد الزواج ویشهدان علی رضا الزوجة بالزواج، أما عند الطلاق فلم یشترطوا وجود شاهدین عدلین یحضران ایقاع الطلاق وعلیه فلو طلق الرجل زوجته ولم یکن هنالک شاهدان صح طلاقه، ولهم أیضا أدلة دلتهم علی هذا الحکم.

وعلی کلا التقدیرین یعد وجود الشاهدین علی الأقل  أمرا ضروریا للغایة، سواء فی عقد الزواج أو الطلاق، نظراً لما لهما من أهمیة فی الحیاة الاجتماعیة، ولما یترتب علیهما من أثار کإنفاق الزوج علی زوجته، وثبوت نسب الولد لأبویه، ولما للشهادة من فوائد فی إثبات هذین الأمرین __ الزواج والطلاق __ إذا جحده أحد الطرفین __ الزوج أو الزوجة __ ولکی ینتفی الریب والشک والشبهة ولئلا یلتبس الأمر بین الزواج الشرعی والصلة غیر المشروعة بین الرجل والمرأة، فلهذه الفوائد وغیرها شرعت الشهادة.

فینبغی والحال هذه ان یکون هنالک ما لا یقل عن مئة وثمانین شاهدا قد شهدوا علی زواج الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه من هذه النسوة اللاتی زعم المدائنی بان عددهن قد وصل إلی التسعین زوجة،وعلیه إذا کان هنالک مثل هذا العدد الکبیر من الشهود فلماذا لم ینقل لنا التاریخ روایات یتناسب عددهن وهذا الکم الکبیر من الشهود یذکر فیها أسماء تلکم الزوجات وقبائلهن وسنی زواجهن وغیر ذلک من الأخبار التی تنتقل عادة من قبل الشهود فی مثل هذه المواضیع.

ص: 126

 ولماذا بقی الأمر مجرد دعوی من قبل بعض الرواة والمؤرخین الذین یکتفون عادة بقولهم کان الحسن بن علی صلوات الله وسلامه علیه کثیر الزواج والطلاق أو کان صلوات الله وسلامه علیه مزواجا مطلاقا، وحینما تسألهم عن الدلیل یسردون علیک روایات ضعیفة متضاربة ومبهمة وأکثر عدد یستطیعون ذکره لهؤلاء النسوة اثنا عشر زوجة أو مطلقة ثم یلجمون عن الاستمرار فی العد ویصیبهم الإعیاء والتعب،والسبب کما کررناه مرارا یعود بالتأکید إلی عدم واقعیة ما یدعونه، ولو کان لهذا العدد حقیقة واقعیة فی الخارج لبذل الأمویون والعباسیون وأمثالهم من النواصب کل غال ونفیس فی سبیل إظهاره وإعلان تفاصیله، وکفی بهذا دلیلا علی تکذیب کل الروایات السابقة واللاحقة والتی نحن بصدد ردها فتنبه.

الروایة الثامنة

اشارة

ابن سعد عن علی بن محمد یعنی المدائنی عن سحیم ابن حفص الأنصاری عن عیسی بن أبی هارون المری قال: (تزوج الحسن بن علی حفصة ابنة عبد الرحمن بن أبی بکر وکان المنذر بن الزبیر هویها فأبلغ الحسن عنها شیئا فطلقها الحسن فخطبها المنذر فأبت أن تتزوجه وقالت شهر بی.

 فخطبها عاصم بن عمر بن الخطاب فتزوجها فرقی إلیه المنذر أیضا شیئا فطلقها ثم خطبها المنذر فقیل لها تزوجیه فیعلم الناس أنه کان یعضهک فتزوجته فعلم الناس أنه کذب علیها.

ص: 127

فقال الحسن لعاصم بن عمر انطلق بنا حتی نستأذن المنذر فندخل علی حفصة فاستأذناه فشاور أخاه عبد الله بن الزبیر فقال دعهما یدخلان علیها فدخلا فکانت إلی عاصم أکثر نظرا منها إلی الحسن وکانت إلیه أبسط فی الحدیث.

فقال الحسن للمنذر خذ بیدها فأخذ بیدها وقام الحسن وعاصم فخرجا وکان الحسن یهواها وإنما طلقها لما رقی إلیه المنذر.

فقال الحسن یوما لابن أبی عتیق وهو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبی بکر وحفصة عمته: هل لک فی العقیق.

قال: نعم. فخرجا فمرا علی منزل حفصة فدخل إلیها الحسن فتحدثا طویلا ثم خرج.

ثم قال أیضا بعد ذلک بأیام لابن أبی عتیق: هل لک فی العقیق.

قال: نعم، فخرجا فمرا بمنزل حفصة فدخل الحسن فتحدثا طویلا ثم خرج.

ثم قال الحسن مرة أخری لابن أبی عتیق هل لک فی العقیق فقال یا ابن أم ألا تقول هل لک فی حفصة)(1).

وهذه الروایة أیضا مما لا یمکن لنا القبول بها ولعدة وجوه نذکر المهم منها:


1- تاریخ مدینة دمشق لابن عساکر ج60 ص292 فی المنذر بن الزبیر بن العوام.

ص: 128

الوجه الأول: هل للإمام الحسن زوجة باسم حفصة ابنة عبد الرحمن؟

لم نجد بحسب ما تتبعناه فی أمهات المصادر التاریخیة والروائیة والرجالیة وکتب التراجم ذکر لزواج الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه من حفصة ابنة عبد الرحمن بن أبی بکر غیر هذه الروایة، وکل من قال ان للحسن صلوات الله وسلامه علیه زوجة باسم حفصة اعتمد علی هذه الروایة(1) المتضاربة المدسوسة کما سنثبته لاحقا ان شاء الله. وکذلک لم نعثر علی وجود زوجة لعاصم بن عمر بن الخطاب باسم حفصة ابنة عبد الرحمن غیر هذه الروایة،وکل من قال بزواجها منه اعتمد علی هذه الروایة أیضا.

والموجود بل المشهور فی کتب التراجم والرجال والتاریخ ان حفصة هذه هی زوجة المنذر بن الزبیر بن العوام، وحینما یترجم لها لا یذکر لها زوجا غیره، قال عنها ابن حجر: (حفصة بنت عبد الرحمن بن أبی بکر الصدیق،زوجة المنذر بن الزبیر. روت عن أبیها وعمتها عائشة وأم سلمة.

وعنها عراک بن مالک وعبد الرحمن بن سابط ویوسف بن ماهک وعون بن عباس. قال العجلی: تابعیة ثقة وذکرها ابن حبان فی الثقات)(2).

وربما ذکرت بعض المصادر زوجا آخر لها غیر المنذر بن الزبیر لکنه قطعا


1- منهم ابن حجر فی کتابه تعجیل المنفعة ص411 حیث قال (ان المنذر فارقها وتزوجها الحسن بن علی رضی الله عنهما فاحتال المنذر علیه حتی طلقها فتزوجها عاصم بن عمر فاحتال علیه المنذر حتی طلقها فأعادها المنذر).
2- تهذیب التهذیب لابن حجر ج 12 ص 361.

ص: 129

لیس الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه ولا عاصم بن عمر بن الخطاب کما قال ابن سعد حینما ترجم لها بقوله: (حفصة بنت عبد الرحمن بن أبی بکر الصدیق بن أبی قحافة بن عامر بن عمرو بن کعب بن سعد بن تیم وأمها قرینة الصغری بنت أبی أمیة بن المغیرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم... فولدت له عبد الرحمن وإبراهیم وقرینة ثم خلف علیها بعد المنذر حسین بن علی بن أبی طالب)(1).

وقال ابن عساکر: (حفصة بنت عبد الرحمن ابن أبی بکر الصدیق کانت عائشة زوجتها المنذر بن الزبیر بن العوام فولدت له عبد الرحمن وإبراهیم وقریبة ثم خلف علیها بعد المنذر حسین بن علی بن أبی طالب)(2).

فالمشهور إذن هو عدم زواجها من غیر المنذر بن الزبیر والحسین بن علی صلوات الله وسلامه علیه ولا ذکر لکل من الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه وعاصم بن عمر بن الخطاب فی ضمن أزواجها، ولو کان لزواجهما منها حقیقة ومصداقیة لذکر وشاع واشتهر فلیس المنذر بن الزبیر بأعظم شأنا من الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه ولا هو أفضل من عاصم بن عمر بن الخطاب حتی یذکر ویتم إهمالهما عند ترجمة حفصة ابنة عبد الرحمن بن أبی بکر، ولان من عادة أهل الجرح والتعدیل والترجمة أن یذکروا کل صغیرة وکبیرة عن الشخص المراد ترجمته وزواجها من الإمام الحسن علیه السلام أو احد أبناء عمر بن الخطاب لیس بالشیء الصغیر ولا التافه الذی یمکن أن یتغاضی عنه لو کان موجودا فعلا.


1- الطبقات الکبری لمحمد بن سعد ج 8 ص 468 __ 469.
2- تاریخ مدینة دمشق لابن عساکر ج 60 ص 291.

ص: 130

الوجه الثانی: حفصة بنت عبد الرحمن ومستوی التزامها الشرعی

قال ابن سعد: (أخبرنا خالد بن مخلد حدثنا سلیمان بن بلال عن علقمة بن أبی علقمة عن أمه قالت رأیت حفصة بنت عبد الرحمن بن أبی بکر دخلت علی عائشة وعلیها خمار رقیق یشف عن جیبها فشقته عائشة علیها وقالت أما تعلمین ما أنزل الله فی سورة النور ثم دعت بخمار فکستها)(1).

وهذه الروایة تشیر وبشکل واضح إلی ان التزام حفصة بنت عبد الرحمن بإحکام الدین والشریعة لم یکن عالیا لاسیما فی مسألة الحجاب التی کانت أحکامها وشروطها وأهمیتها بدیهیة فی ذلک العصر القریب جدا من عصر النبی صلی الله علیه وآله وسلم فکیف یکون حالها فی المسائل الأخری الأکثر غموضا، هذا أولا.

وثانیا عدم مراعاتها للحجاب وشروطه لم یکن وبحسب المفهوم من روایة بن سعد بمعزل عن أنظار الأجانب وهو ما أثار حفیظة عائشة بنت أبی بکر، إذ لو کانت الرقة فی حجابها بین النساء ومن غیر أن یطلع علیه الرجال المحارم لما کان مستحسنا من عائشة أن تصب اللوم علیها ولکان بإمکان حفصة بنت عبد الرحمن أن تعتذر عن رقة حجابها بان لیس هنالک ناظر أجنبی ومع عدم وجود الناظر الأجنبی لا یجب علی المرأة أن تتحجب


1- الطبقات الکبری لمحمد بن سعد ج 8 ص 72.

ص: 131

أصلا فضلا عن لبسها للحجاب الرقیق، وإذا ما دققنا النظر فی قول عائشة: (أما تعلمین ما أنزل الله فی سورة النور) یصبح واضحا ما استنتجناه من ان حجابها الرقیق کان بمنظر من الرجال الأجانب لان سورة النور تحدثت عن حرمة إبداء الزینة وإظهار المفاتن أمام غیر المحارم من الرجال الأجانب.

وکدلیل آخر علی مدی التزام حفصة بقواعد الشرع وقیود الحیاء التی یجب علی المرأة المسلمة مراعاتها نعرض روایة أخری عن ابن سابط قال:(سألت حفصة بنت عبد الرحمن بن أبی بکر قلت لها إنی أرید أن أسألک عن شیء وأنا استحیی أن أسألک عنه قالت سل یا ابن أخی عما بدا لک قال أسألک عن إتیان النساء فی أدبارهن!!! فقالت حدثتنی أم سلمة قالت کانت الأنصار لا تجی وکانت المهاجرون تجی فتزوج رجل من المهاجرین امرأة من الأنصار فجباها فأبت الأنصاریة فاتت أم سلمة فذکرت لها فلما أن جاء النبی صلی الله علیه وآله وسلم استحیت الأنصاریة وخرجت فذکرت ذلک أم سلمة للنبی صلی الله علیه وآله وسلم فقال ادعوها لی فدعیت له فقال لها نساؤکم حرث لکم فاتوا حرثکم أنی شئتم صماما واحدا والصمام السبیل الواحد)(1).


1- مسند أبی یعلی الموصلی ج8 ص322 حدیث رقم 4926، جامع البیان لابن جریر الطبری ج2 ص539 نساؤکم حرث لکم،العجاب فی بیان الأسباب لابن حجر العسقلانی ج1 ص562 فی قوله تعالی نساؤکم حرث لکم فاتوا حرثکم أنی شئتم، الدر المنثور لجلال الدین السیوطی ج1 ص262 ذکر الأقوال فی تفسیر قوله تعالی نساؤکم حرث لکم القول الأول.

ص: 132

ونحن هنا لا نزید علی أکثر من تعلیق واحد وهو لماذا ترک السائل وجوه الأصحاب والتابعین من الرجال وفیهم الإمام الحسن والحسین وابن عباس وابن عمر وغیرهم وذهب لیسأل امرأة عن موضوع حساس لا یذکر عادة إلا فی محافل وأجواء خاصة، مع ملاحظة ان حفصة بنت عبد الرحمن لم تکن کما قد عرفنا قبل قلیل من ذوات الفقه والإحاطة بقواعده وأحکامه لانها وبسبب إهمالها لأبسط أمور الدین وهو الحجاب استحقت أن تنبه وتوبخ من قبل عمتها عائشة بنت أبی بکر،فهلا استحت من طرح هکذا سؤال علیها کما استحت تلک الأنصاریة فی زمن النبی صلی الله علیه وآله وسلم أو کما استحی السائل حین أراد سؤالها، وهلا نبهته علی ان من الواجب علی المرأة أن لا تخضع فی القول أمام الرجل الأجنبی حتی لا یطمع الذی فی قلبه مرض،وهلا نبهته علی ان هذا السؤال یجب أن یطرح علی الرجال من الصحابة لیجیبوه ولا ینبغی للنساء ان یجبنه علیه وعلی أمثاله لما فیه من خدش لحیائهن، إلی غیر ذلک من التساؤلات التی لا نجد لها جوابا غیر ان حفصة بنت عبد الرحمن هذه کانت ممن لا تهتم بمراعاة قیود الشریعة وأحکام الحجاب وضوابط الکلام مع الأشخاص الأجانب من غیر المحارم، وامرأة تکون بهذه المواصفات یستحیل أن یقدم علی خطبتها الإمام الحسن أو الحسین صلوات الله وسلامه علیهما (1).


1- لم نجد بحسب ما تتبعناه ذکر لحفصة بنت عبد الرحمن بن أبی بکر فی زوجات الإمام الحسین علیه السلام أیضا غیر ما تقدم عن ابن سعد وابن عساکر، فلم نعثر علی مصدر موثوق یذکرها وروایة کل من ابن سعد وابن عساکر مأخوذة من مصدر واحد فتکون غیر ناهضة بالمطلوب لمخالفتها للمشهور.

ص: 133

الوجه الثالث: هل صحیح ان المنذر بن الزبیر طلق حفصة ابنة عبد الرحمن

عرفنا فیما مر ان المشهور من الأخبار هو ان حفصة بنت عبد الرحمن بن أبی بکر کانت زوجة المنذر بن الزبیر وان زواجها من الإمام الحسن لا قائل به من أهل التاریخ والسیرة والتراجم وان کل من ذکرها زوجة للإمام الحسن اعتمد فی قوله علی هذه الروایة المطعون فی مضامینها، ونحن وأثناء بحثنا حول شخصیة حفصة وزواجها من المنذر بن الزبیر عثرنا علی نص مهم للصنعانی فی کتابه المصنف یمکن أن یکون فیه توضیح مهم لحقیقة طلاق المنذر بن الزبیر لزوجته حفصة، والنص یقول: (أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن جریج قال: أخبرنی عطاء أن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبی بکر کانت عند المنذر بن الزبیر، فکان بینهما شیء، فسألته عائشة أم المؤمنین أن یملکها أمرها، فعرضت ذلک عائشة علی حفصة، فأبت فراقه، فردته عائشة علی المنذر، فلم یحسب شیئا)(1).

فقصة طلاق حفصة من المنذر یکشف عنها الصنعانی ویوضح حقیقتها ویبین ان الطلاق بینهما لم یقع اصلا وان ما وقع هو عبارة عن سوء فهم قد وقع بین الزوجین فی فترة ما من حیاتهما الزوجیة، فتدخلت عائشة لحل هذا الخلاف عن طریق استحصال الإذن من قبل المنذر لتختار


1- المصنف لعبد الرزاق الصنعانی ج 6 ص 516.

ص: 134

حفصة وبحریة البقاء معه کزوجة أو اختیار الطلاق کحل للمشکلة القائمة بینهما، ولکن حفصة ومن بعد أن مُلکت زمام أمرها اختارت البقاء معه،وبذلک لم یحصل طلاق بین الزوجین.

فإذا لم یکن طلاق بین المنذر وزوجته حفصة، کیف یقولون بانها تزوجت من الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه ثم من عاصم بن عمر بن الخطاب.

الوجه الرابع: ما هو الهدف من إعلاء منزلة المنذر بن الزبیر؟

اشارة

  لقد عودتنا الروایات السابقة التی ناقشنا مضامینها والتی جاء فی ضمنها ذکر لأسماء بعض الرجال الذین تقرن أسماؤهم مع اسم الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه علی ان تلک الأسماء لم تقحم فی ضمن الروایة اعتباطا ومن غیر هدف، ولم یقرن ذکرها بذکر الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه صدفة ومن دون تخطیط، بل کان هنالک کما عرفنا سابقا وکما سنعرف لاحقا خطوات محسوبة وبدقة من قبل الوضاعین لهذه الروایات فهم فی الوقت الذی یحاولون الانتقاص من منزلة الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه وهیبته ومکانته من خلال هذه الروایات، یحاولون أیضا وفی المقابل إعلاء شان بعض الشخصیات التی عرفت بولائها للحکومات الأمویة والعباسیة المناهضة لأهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین، وذکر المنذر بن الزبیر فی هذه الروایة لیس بخارج عن هذا المخطط کما سنعرف فیما یلی:

ص: 135

1: علاقة المنذر بن الزبیر بمعاویة وابنه یزید

  للمنذر بن الزبیر علاقات وثیقة للغایة بالدولة الأمویة وبالخصوص بمعاویة بن أبی سفیان وعائلته وقد تحدث المؤرخون وأصحاب السیر عن هذه العلاقة الوثیقة بقولهم: (قدم علی معاویة قبل وفاته فأجازه بألف ألف درهم وأقطعه موضع داره بالبصرة بالکلاء التی یعرف بالزبیر وأقطعه موضع ماله بالبصرة الذی یعرف بمنذران فمات معاویة وهو عنده قبل أن یقبض جائزته وأوصی معاویة أن یدخل المنذر فی قبره فکان آخر من نزل فی قبر معاویة)(1).

وقال ابن عساکر عنه: (المنذر بن الزبیر بن العوام بن خویلد بن أسد بن عبد العزی ابن قصی بن کلاب أبو عثمان القرشی الأسدی وأمه أسماء بنت أبی بکر وفد علی معاویة وغزا القسطنطینیة مع یزید بن معاویة ووفد أیضا علی یزید بن معاویة قبل الحرة)(2).

وقال خیر الدین الزرکلی فی کتابه الأعلام: (المنذر بن الزبیر بن العوام الأسدی القرشی: من وجوه قریش وشجعانهم فی صدر الدولة الأمویة. وهو أخو عبد الله بن الزبیر... انقطع إلی معاویة بن أبی سفیان. وأوصی معاویة أن یحضر المنذر غسله عند موته... وانتقل المنذر إلی البصرة، وأمر له معاویة


1- تاریخ الإسلام للذهبی ج 5 ص 256 __ 257.
2- تاریخ مدینة دمشق لابن عساکر ج 60 ص 287 __ 291.

ص: 136

بمال، فدفعه إلیه عبید الله بن زیاد __ أمیر البصرة __ وأقطعه دارا بها...)(1). فالمنذر بن الزبیر بن العوام وفقا لما تقدم یعتبر أموی الهوی والمیول والنزعة ومن المقربین عندهم ولقربه منهم أوصی إلیه معاویة أن یتولی غسله ودفنه وتجهیزه وأمر له بالصلات والأعطیات قبل موته وبعده.

2: علاقة المنذر بن الزبیر بأخیه عبد الله بن الزبیر

عرف عبد الله بن الزبیر اخو المنذر أیام شبابه بولائه لبنی أمیة وأکثر من اهتم به منهم عثمان بن عفان فکان من خاصته حتی انه لما حصر عثمان کان عبد الله ممن کان برفقته فی داره هو ومروان بن الحکم، قال محمد بن سعد: (وقد کان عثمان أمر عبد الله بن الزبیر علی الدار)(2)، ولشدة ثقة عثمان بن عفان فیه أوصی فی ساعاته الأخیرة أصحابه بقوله: (من کانت لی علیه طاعة فلیطع عبد الله بن الزبیر)(3).

ولما قتل عثمان وتولی الخلافة أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب صلوات الله وسلامه علیه کان عبد الله بن الزبیر من اشد المحرضین علی قتاله ونکث بیعته، حتی ان بعض المحققین ذهب إلی ان عبد الله بن الزبیر هو من أشعل حرب الجمل وأقام قیامتها(4).


1- الأعلام لخیر الدین الزرکلی ج 7 ص 293
2- الطبقات الکبری لمحمد بن سعد ج 3 ص 70.
3- المصدر السابق.
4- أحادیث أم المؤمنین عائشة للسید مرتضی العسکری ج 1 ص 259 وما بعدها.

ص: 137

وکان یسب الإمام علی ویشتمه قال ابن أبی الحدید: (وکان عبد الله بن الزبیر یشتمه علی رؤوس الأشهاد، وخطب یوم البصرة فقال: قد أتاکم الوغد اللئیم علی بن أبی طالب)(1).

ولکن ولاء عبد الله بن الزبیر للأمویین قد تغیر فی آخر عمره وتبدل إلی عداء سافر بینه وبینهم حتی رفض بیعة یزید بن معاویة، وأقام له دولة وإمارة فی مکة، ولکنه ومع ذلک لم یتغیر موقفه العدائی من أهل البیت صلوات الله وسلامه علیه وأشیاعهم فقد أذاق أبناءهم وأتباعهم أنواع المصائب والشدائد أیام إمارته المشؤومة قال ابن أبی الحدید: (جمع عبد الله بن الزبیر محمد بن الحنفیة وعبد الله بن عباس فی سبعة عشر رجلا من بنی هاشم، منهم الحسن بن الحسن بن علی بن أبی طالب صلوات الله وسلامه علیه، وحصرهم فی شعب بمکة یعرف بشعب عارم، وقال: لا تمضی الجمعة حتی تبایعوا لی أو أضرب أعناقکم، أو أحرقکم بالنار، ثم نهض إلیهم قبل الجمعة یرید إحراقهم بالنار، فالتزمه ابن مسور بن مخرمة الزهری، وناشده الله أن یؤخرهم إلی یوم الجمعة، فلما کان یوم الجمعة دعا محمد بن الحنفیة بغسول وثیاب بیض، فاغتسل وتلبس وتحنط، لا یشک فی القتل، وقد بعث المختار بن أبی عبید من الکوفة أبا عبد الله الجدلی فی أربعة آلاف، فلما نزلوا ذات عرق، تعجل منهم سبعون علی رواحلهم حتی وافوا مکة صبیحة الجمعة ینادون: یا محمد، یا


1- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید المعتزلی ج1 ص22 القول فی نسب أمیر المؤمنین.

ص: 138

محمد! وقد شهروا السلاح حتی وافوا شعب عارم، فاستخلصوا محمد بن الحنفیة ومن کان معه )(1)،ومواقف عبد الله المخزیة تجاه أهل البیت وشیعتهم کثیرة یطول بذکرها المقام وفیما ذکرناه کفایة لمنصف.

ونحن إنما قدمنا هذه المقدمة لنبین ان المنذر بن الزبیر کان احد اذرع عبد الله بن الزبیر القویة واحد المدافعین عنه والمقاتلین دونه حتی انه قُتل دفاعا عن ذلک الضال قال محمد بن سعد: (بایع أهل مکة لعبد الله بن الزبیر فکان أسرع الناس إلی بیعته... فولی المدینة المنذر بن الزبیر...)(2) ونقل ابن عساکر فی تاریخه عن محمد بن الضحاک قال: (کان منذر بن الزبیر یقاتل مع أخیه عبد الله بن الزبیر جیش الحصین بن نمیر فی الحصار الأول... فقتل المنذر فما زاد عبد الله علی أن قال عطب أبو عثمان... قتل المنذر بن الزبیر وهو ابن أربعین سنة وبلغنی أن رجلا من أهل الشام دعا المنذر إلی المبارزة وکان کل واحد منهما علی بغلة فخرج إلیه المنذر فضرب کل واحد منهما صاحبه ضربة خر صاحبه لها میتا)(3).

3: هل کان المنذر بن الزبیر منافقا فی أفعاله

قال النووی فی شرح صحیح مسلم عن النفاق: (النفاق هو إظهار ما یبطن خلافه)(4)، وقال ابن جریج: (المنافق یخالف قوله فعله، وسره


1- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید ج 20 ص 123 __ 124.
2- الطبقات الکبری لمحمد بن سعد ج 5 ص 147.
3- تاریخ مدینة دمشق لابن عساکر ج 60 ص 293.
4- شرح مسلم النووی ج2 ص47، وراجع أیضا الدیباج علی مسلم لجلال الدین السیوطی ج1 ص79.

ص: 139

علانیته،ومدخله مخرجه، ومشهده مغیبه)(1)، وقال عبد الرحمن بن ناصر السعدی: (واعلم أن النفاق هو: إظهار الخیر وإبطان الشر ویدخل فی هذا التعریف النفاق الاعتقادی والنفاق العملی)(2).

ووفق هذه التعاریف للنفاق(3) نسأل هل کان المنذر بن الزبیر منافقا فی أفعاله وأقواله وتصرفاته؟ ونحن هنا نقدم للقارئ الکریم نصین تاریخیین یصرحان بحقیقة هذا الرجل ویعطیان الجواب المناسب للسؤال المتقدم.

النص الأول قال ابن الأثیر: (فعزل یزید الولید وولی عثمان بن محمد بن أبی سفیان... فبعث إلی یزید وفدا من أهل المدینة فیهم... والمنذر بن الزبیر ورجالا کثیرة من أشراف أهل المدینة فقدموا علی یزید فأکرمهم وأحسن إلیهم وأعظم جوائزهم... فلما رجعوا قدموا المدینة کلهم إلا المنذر بن الزبیر فإنه قدم العراق علی ابن زیاد وکان یزید قد أجازه بمائة ألف... وأما المنذر بن الزبیر فإنه قدم علی ابن زیاد فأکرمه وأحسن إلیه وکان صدیق زیاد فأتاه کتاب


1- تفسیر ابن کثیر لابن کثیر ج 1 ص 50.
2- تیسیر الکریم الرحمن فی کلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدی ص 42.
3-  تلک التعاریف السابقة وان کانت غیر دقیقة ولا  تمثل ما یذهب إلیه الإمامیة من تعریف للنفاق إذ لیس کل إظهار لخلاف الباطن هو نفاق، وشاهده فی القران قوله تعالی: ((وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ یَکْتُمُ إِیمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ یَقُولَ رَبِّیَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَکُمْ بِالْبَیِّنَاتِ مِنْ رَبِّکُمْ)) فتسمیة لقران له بالمؤمن یدل علی ان کتمان الإیمان وإظهار الکفر لیس نفاقا بل هو داخل فی باب التقیة، أما النفاق فهو کتمان الکفر وإظهار الإیمان، واحتجاجنا هنا بکلام مسلم وغیره داخل فی باب إلزام الخصم بما ألزم به نفسه.

ص: 140

یزید حیث بلغه أمر المدینة یأمره بحبس المنذر فکره ذلک لأنه ضیفه وصدیق أبیه فدعاه وأخبره بالکتاب فقال له إذا اجتمع الناس عندی فقم وقل ائذن لی لأنصرف إلی بلادی فإذا قلت بل تقم عندی فلک الکرامة والمواساة فقل إن لی ضیعة وشغلا ولا أجد بدا لی من الانصراف فتلحق بأهلک. فلما اجتمع الناس علی ابن زیاد فعل المنذر ذلک فأذن له فی الانصراف، فقدم المدینة، فکان ممن یحرض الناس علی یزید، وقال: إنه قد أجازنی بمائة ألف ولا یمنعنی ما صنع بی أن أخبرکم خبره وأصدقکم عنه والله إنه لیشرب الخمر والله إنه لیسکر حتی یدع الصلاة وعابه بمثل ما عابه به أصحابه وأشد...)(1).

والنص الثانی عن ابن عساکر: (وحدثنی محمد بن الضحاک الحزامی قال کان المنذر بن الزبیر وعثمان بن عبد الله بن حکیم بن حرام یقاتلان أهل الشام بالنهار ویطعمانهم باللیل)(2).

فاذا کان یزید بن معاویة جائرا ظالما مستحلا للحرمات غیر جائز له التصرف بأموال المسلمین ومقدراتهم کیف یقبل أن یأخذ منه المنذر جوائزه وعطایاه، ثم ان ابن الزبیر ما دام متنعما برضا یزید اللعین فانه یترک التحریض علیه وعلی خلع بیعته وبمجرد ان أحس بوجود خطر علیه من قبل یزید فر إلی المدینة مستصرخا نادبا محرضا ولعیوب یزید معددا فأی نفاق اکبر من هذا، ثم


1- الکامل فی التاریخ لابن الأثیر ج 4 ص 102 __ 104.
2- تاریخ مدینة دمشق لابن عساکر ج 60 ص 293.

ص: 141

أی نفاق وأی خدیعة اکبر من أن یطعم أهل الشام باللیل ویقتلهم ویسفک دماءهم فی النهار؟!.

ونستخلص من النقاط الثلاث السابقة ان الهدف من إعلاء مقام المنذر وتصویره بصورة الزوج المثالی المحب لزوجته والذی لا یمکن أن یتخلی عنها ویترکها ویفعل المستحیل فی سبیل إرجاعها إلی عصمته حتی لو تطلب الأمر أن یحتال علی الحسن بن علی صلوات الله وسلامه علیه وعلی غیره، وبالمقابل تصویر الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه بانه رجل والعیاذ بالله أشبه بالمغفلین یطلق زوجته بمجرد أن یسمع کلاما عنها من شخص غیر نزیه مثل المنذر بن الزبیر، ومن دون ان یطلب منه بینة ولا دلیلا، ومن ثم إذا ما طلقها بقی صلوات الله وسلامه علیه متعلق القلب بها لا یقدر علی نسیانها ولا یطیق فراقها فیذهب لیراها مرة بعد مرة، مرة مع زوجها الثالث عاصم بن عمر بن الخطاب ومرة مع عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبی بکر، وحینما یذهب فی المرة الأولی مع عاصم ویدخلان هو وعاصم علی حفصة تحاول الروایة أن تظهر عدم اکتراث حفصة بشأن الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه وعدم اهتمامها بأمره فتقول: (فدخلا فکانت إلی عاصم أکثر نظرا منها إلی الحسن وکانت إلیه أبسط فی الحدیث) بمعنی آخر انها تجاهلت وجوده صلوات الله وسلامه علیه وکان لحضور عاصم ولشخصیته وکلامه تاثیر أقوی علیها، وأیضا ترید الروایة أن تصل بالقارئ من حیث یعلم أو لا یعلم إلی أن

ص: 142

حفصة کانت تحب عاصما أکثر من حبها للإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه فلذلک کان اهتمامها به اکبر وإقبالها علیه اشد.

ثم تحاول الروایة أن تشدد الإساءة إلی الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه عن طریق سرد تفاصیل أکثر لإصرار الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه وحاشاه إلی الوصول إلی هذه المرأة علی الرغم من زواجها من غیره، ودون أن یکترث إلی عدم اهتمامها به فی المرة السابقة، فیأخذ عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن مرتین ویحاول فی هاتین المرتین أن یخفی صلوات الله وسلامه علیه وحاشاه ما فی نفسه من الرغبة فی رؤیة حفصة، ویتذرع لأخذ عبد الله إلی العقیق بالتمویه والمخادعة حاشاه فیقول له (هل لک فی العقیق) ولکنه صلوات الله وسلامه علیه حالما یصل إلی بیت حفصة لا یتمالک نفسه دون أن یدخل علیها ویتحدث معها طویلا ثم یخرج.

 ثم یکرر نفس هذا الفعل بعد أیام، وبنفس الطریقة الرخیصة،وفی المرة الثالثة حینما أراد أن یکرر ما فعله فی المرتین السابقتین یواجهه عبد الله بقوله (فقال یا ابن أم ألا تقول هل لک فی حفصة) فیکشف له عبد الله عن نیته ویخبره بما یحاول أن یخفیه ویتستر علیه.

 ولا نجد هدفا ومبررا لکل هذه الأکاذیب غیر الإساءة والانتقاص لشخص وهیبة وعظمة الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه وأنی لهم ذلک وقد رفع الله سبحانه له ذکره وطهره من کل دنس وعیب ونقص ووضعه فی بیتٍ أذن الله أن یرفع ویکرم ویبقی شامخا مجده علی رغم أنوف المدلسین والوضاعین.

ص: 143

الوجه الخامس: من هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبی بکر؟

  بالرغم من ان أهل الجرح والتعدیل من أصحاب المدرسة السنیة قد وثقوا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن واعتبروه مدنیاً تابعیاً ثقةً کما ذکره ابن حجر فی تهذیب التهذیب(1)، إلا أن سیرته وأخباره لم تکن تحکی عن التزام وإیمان فقد کان ماجناً کما وصفه ابن منظور بقوله:

(وأبو عتیق: کنیة، ومنه ابن أبی عتیق هذا الماجن المعروف)(2)، والمعروف بلقب ابن أبی عتیق هو عبد الله الذی نحن بصدد شرح حاله.

قال ابن حجر: (قال: البخاری ومسلم والنسائی وابن ماجة عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبی بکر الصدیق المعروف بابن أبی عتیق. روی عن عمة أبیه عائشة وعن ابن عمر)(3).

وقد رویت له قصص وأخبار تؤید ما وصفه به ابن منظور وتؤکد کونه ماجنا من أهل الفسوق والعصیان، اخرج الذهبی فی کتابه تاریخ الإسلام: (وحکی مصعب الزبیری قال: لقی ابن أبی عتیق عبد الله بن عمر فقال: إن إنسانا هجانی، فقال:

أذهبت مالک غیر مترک        ***    فی کل مومسة وفی الخمر

ذهب الإله بما تعیش به            ***    فبقیت وحدک غیر ذی وفر


1- تهذیب التهذیب لابن حجر ج6 ص10.
2- لسان العرب لابن منظور ج 10 ص 238.
3- تهذیب التهذیب لابن حجر ج6 ص10.

ص: 144

فقال له: أری أن تصفح، فقال: والله لأفعلن به لا یکنی فقال ابن عمر: سبحان الله لا تترک الهزل، وافترقا، ثم لقیه فقال: قد أولجت فیه. فأعظم ذلک ابن عمر وتألم فقال: امرأتی والله التی قالت البیتین)(1).

والروایة صریحة فی تبیان مستواه الأخلاقی الضحل بحیث هجته زوجته ووصفته بالذی مر ذکره.

وذکر محمد بن حبیب البغدادی فی کتابه المنمق ان مروان بن الحکم أیام إمارته قد حد جماعة وجلدهم بسبب شربهم للخمر ومنهم عبد الله بن عبد الرحمن بن أبی بکر فقال:

(وحد مروان أیضا سهیل بن عبد الرحمن بن عوف فی الخمر، وحد مروان أیضا ابن أبی عتیق واسمه عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبی بکر فی الخمر)(2).

وبعد ان عرفنا حال هذا الماجن یصبح غیر خاف علی القارئ الکریم سبب ذکر اسمه فی هذه الروایة فهم أخزاهم الله وخذلهم وعن طریق هذه الروایة أرادوا أن یثبتوا ان هنالک صحبة وصداقة بین الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه وبین هذا السکیر الماجن لیصلوا من خلال هذا إلی ان شبیه الشیء منجذب إلیه فإذا کان صدیق الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه ماجنا


1- تاریخ الإسلام للذهبی ج 7 ص 140.
2- کتاب المنمق لمحمد بن حبیب البغدادی ص 397 .

ص: 145

وسکیرا، فالإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه وحاشاه مثله، فتصل الدولة الأمویة والعباسیة إلی مبتغاها، ولیظهروا أیضا ان الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه کان یصاحب أهل الفسوق والعصیان وبهذا تبرر أفعال خلفائها ومصاحبتهم لکل فاسق وماجن وتقریبهم لکل خمار سکیر.

فالقضیة إذاً اکبر من مجرد إثبات کون الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه مطلاقاً أو مزواجاً، فهی فوق ذلک قضیة ضرب لنزاهة وعفة وقداسة الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه وتحطیم للصورة المشرقة التی رسمها له النبی صلی الله علیه وآله وسلم فی أذهان الصحابة والتی نقلوها للأجیال، فبیضت صفحات التاریخ وأشرقت به وبها شمس الحقیقة التی لن یطمسها إرجاف هؤلاء ولا تدلیساتهم ومغالطاتهم.

الوجه السادس: هل عادت حفصة إلی المنذر بن الزبیر بعد طلاقها؟

نصت هذه الروایة علی ان حفصة حینما طلقها عاصم بن عمر بن الخطاب خطبها المنذر وللمرة الثانیة قال الراوی (... فخطبها عاصم بن عمر بن الخطاب فتزوجها فرقی إلیه المنذر أیضا شیئا فطلقها ثم خطبها المنذر فقیل له تزوجیه فیعلم الناس أنه کان یعضهک فتزوجته فعلم الناس أنه کذب علیها...)، بینما نجد روایة أخری تصرح بان حفصة رفضت أن تتزوجه بعد أن طلقها عاصم بن عمر بن الخطاب فعن ابن أبی الحدید المعتزلی قال: (وروی أبو الحسن المدائنی، قال: تزوج الحسن حفصة بنت عبد الرحمن بن

ص: 146

أبی بکر،وکان المنذر بن الزبیر یهواها، فأبلغ الحسن عنها شیئا فطلقها، فخطبها المنذر، فأبت أن تتزوجه، وقالت:شهر بی، فخطبها عاصم بن عمر بن الخطاب، فتزوجها، فأبلغه المنذر عنها شیئا فطلقها، فخطبها المنذر، فقیل لها: تزوجیه، فقالت: لا والله ما أفعل، وقد فعل بی ما قد فعل مرتین، لا والله لا یرانی فی منزله أبدا)(1).

وهکذا تناقض لا یمکن التغاضی عنه إذ التناقض کاشف عن ضعف الروایة بل ووضعها، کما بینا ذلک فی غیر موضع من هذا الکتاب.

الوجه السابع: هل کان الإمام الحسن ابن أم عبد الله ابن أبی عتیق؟

فی المقطع الأخیر نسمع عبد الله بن أبی عتیق یخاطب الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه بقوله: (ثم قال الحسن مرة أخری لابن أبی عتیق هل لک فی العقیق فقال یا ابن أم ألا تقول هل لک فی حفصة) والسؤال المهم هنا هو ما هو مقصود ابن أبی عتیق من قوله للإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه یا بن أم فهل کان الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه ابن أمه فعلا؟ والجواب هو قطعا لا، لان أم عبد الله بن أبی عتیق کما یقول ابن سعد فی الطبقات الکبری هی: (رمیثة بنت الحارث بن حذیفة بن مالک بن ربیعة بن أعیا بن مالک بن علقمة بن فراس من بنی کنانة)(2)، والإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه هو ابن فاطمة بنت محمد بن


1- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید ج 16 ص 13.
2- الطبقات الکبری لمحمد بن سعد ج 5 ص 195.

ص: 147

عبد الله بن عبد المطلب والتی یمتد نسبها إلی هاشم، وبین کلا الوالدتین بون شاسع وفرق واسع فکیف صار له ابن أم،وکیف لم یعترض علیه الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه.

 فهذا اللفظ إما قد جاء سهوا علی لسان الراوی، وکما قیل فی المثل (لا حافظة لکذوب)، وإما أن أصل القصة حدثت مع احد أبناء أم هذا القائل ولکنها لفقت للإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه.

الروایة التاسعة

اشارة

عن محمد بن سیرین قال: (خطب الحسن بن علی صلوات الله وسلامه علیهما إلی منظور بن ریان ابنته خولة، فقال: والله إنی لأنکحک وإنی لأعلم أنک غلق طلق ملق غیر أنک أکرم العرب بیتا وأکرمهم نفسا، فولد منها الحسن بن الحسن).

هل کان الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه غلقا طلقا ملقا؟

إذا أردنا أن نعرف فداحة الإساءة التی توجهها هذه الروایة إلی شخصیة الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه علینا أولا أن نعرف معنی هذه الألفاظ الثلاثة التی ورد ذکرها فی الروایة.

فالغلق فی کتب أهل اللغة کما یعرفه لنا ابن منظور فی لسان العرب بقوله: (ورجل غلق: سیء الخلق)(1)، وقال أیضا: (والغلق الضیق الخلق


1- لسان العرب لابن منظور ج 10 ص 292.

ص: 148

العسر الرضا)(1)، وقال صاحب مجمع البحرین: (غ ل ق الغلق بالتحریک: ضیق الصدر. ورجل غلق: سیء الخلق)(2).

ثم ان الراوی أراد جهلا أن یستفید من کلمة طلق لیثبت ان الحسن صلوات الله وسلامه علیه کثیر الطلاق للنساء ولیجعل من کلمة طلق علی نفس وزن الکلمة التی سبقتها وهی غلق، وهو جهل منه لان الرجل الکثیر الطلاق لا یقال عنه طلق بل یقال عنه مطلاق أو مطلیق أو طلیق أو طلقة علی وزن همزة.

قال الجوهری فی الصحاح: (ورجل مطلاق، أی کثیر الطلاق للنساء. وکذلک رجل طلقة مثال همزة)(3)، وقال ابن منظور فی لسان العرب: (ورجل مطلاق ومطلیق وطلیق وطلقة، علی مثال همزة: کثیر التطلیق للنساء)(4).

أما کلمة طلق فقد استعملت فی معان لا تدل علی ما أراد الراوی إثباته، قال الجوهری: (رجل طلق الوجه وطلیق الوجه، ورجل طلق الیدین، أی سمح ورجل طلق اللسان ویوم طلق ولیلة طلق أیضا، إذا لم یکن فیهما قر ولا شیء یؤذی. والطلق: ضرب من الأدویة. والطلق: وجع الولادة.


1- المصدر السابق.
2- مجمع البحرین للشیخ الطریحی ج 3 ص 324.
3- الصحاح للجوهری ج 4 ص 1519.
4- لسان العرب لابن منظور ج 10 ص 226.

ص: 149

والطلق بالتحریک قید من جلود. والطلق بالکسر: الحلال. وقال: هو لک طلقا. وأنت طلق من هذا الأمر، أی خارج منه )(1)، ومثلما تری فلا شیء من معانی کلمة طلق یؤدی غرض الراوی وهذا یعنی ان الراوی لم یکن علی مستوی جید فی اختیار ألفاظ روایته الموضوعة.

وأما کلمة الملق فأوضحها الجوهری فی الصحاح بقوله: (ورجل ملق: یعطی بلسانه ما لیس فی قلبه)(2) وعن ابن منظور: (ورجل ملق: یعطی بلسانه ما لیس فی قلبه، وقیل: الملاق الذی لا یصدق وده. والملق أیضا: الذی یعدک ویخلفک فلا یفی ویتزین بما لیس عنده)(3).

فیصبح معنی الروایة بحسب ما تقدم هکذا: (أنه خطب الحسن بن علی صلوات الله وسلامه علیهما إلی منظور بن ریان ابنته خولة، فقال: والله إنی لأنکحک وإنی لأعلم أنک سیء الخلق ضیق الصدر عسیر الرضا، وانک کثیر الطلاق للنساء، وانک تعطی بلسانک ما لیس فی قلبک ولا یصدق ودک وتعد وتخلف ولا تفی بما وعدت غیر أنک أکرم العرب بیتا وأکرمهم نفسا).

عفوک اللهم وغفرانک فهل توجد إساءة أعظم واکبر من هذه الإساءة، التی أرادوا بها أن یخرجوا الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه من حظیرة الإیمان ویدخلوه فی سلک المنافقین حاشاه، لان النفاق کما قال النووی فی شرح


1- الصحاح للجوهری ج 4 ص 1517 __ 1518.
2- الصحاح للجوهری ج 4 ص 1556.
3- لسان العرب لابن منظور ج 10 ص 347.

ص: 150

صحیح مسلم عن النفاق: (النفاق هو إظهار ما یبطن خلافه)(1).

وکما یقول ابن جریج: (المنافق یخالف قوله فعله، وسره علانیته، ومدخله مخرجه، ومشهده مغیبه)(2)، وکل هذه الأوصاف یحویها لفظ الملق فلذلک جاء فی الحدیث (إیاک والملق فإن الملق لیس من خلائق الإیمان)(3) و(لیس الملق من خلق الأنبیاء)(4)، فالقوم غاضهم أن یکون أعداء الإمام الحسن من الأمویین والعباسیین من أهل النفاق والمکر وممن وردت الأحادیث الصریحة والکثیرة بلعنهم والحط من شأنهم، فحاولوا ولو بصور ملتویة أن ینزلوا الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه من علیائه لیضعوه فی مصاف هؤلاء المنافقین، وأنی لهم ذلک وقد شهد له القران بالطهارة من کل رجس ونزه قلبه عن کل نفاق فقال فی حقه وحق أبیه وأمه وأخیه صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین وجده المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم.

((إِنَّمَا یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیرًا))(5).

والقران کتاب الله الناطق بالحقائق وهو أولی بالتصدیق من أقوال وافتراءات هؤلاء الوضاعین.


1- شرح مسلم النووی ج2 ص47، وراجع أیضا الدیباج علی مسلم لجلال الدین السیوطی ج1 ص79.
2- تفسیر ابن کثیر لابن کثیر ج 1 ص 50.
3- میزان الحکمة لمحمد ری شهری: ج 4، ص 2918، التحذیر من الملق.
4- عیون الحکم والمواعض لعلی بن محمد اللیثی الواسطی: ص 409، الفصل الرابع بلفظ لیس.
5- سورة الأحزاب، الآیة: 33.

ص: 151

وأما کونه صلوات الله وسلامه علیه غلقا بمعنی سیء الخلق ضیق الصدر سریع الغضب فهو مما یضحک الثکلی، وکیف ذاک وهو الذی عرف بعظیم صبره وسعة حلمه وعفوه عن أعدائه قبل أحبائه، فهذا مروان بن الحکم ألعن الخلق وأکثرهم أذی لآل محمد صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین یصف حلم الإمام وعفوه وسعة صدره بانه کان أعظم من الجبل، قال جویریة: (لما مات الحسن بن علی بکی مروان فی جنازته فقال الحسین أتبکیه وقد کنت تجرعه ما تجرعه فقال إنی کنت أفعل ذلک إلی أحلم من هذا وأشار بیده إلی الجبل)(1)، وقال الحلبی فی سیرته: (وکان الحسن رضی الله عنه رجلا حلیما لم یسمع منه کلمة فحش)(2)، فکیف یصح أن یوصف من حلمه کالجبال بالغلق وضیق الصدر وسرعة الغضب، اللهم إلا أن یکون القائل مریضَ القلب مبغضاً لریحانة المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم.

وأما کونه صلوات الله وسلامه علیه مطلاقا فقد ثبت إلی الآن وسیثبت أکیدا فی صفحات البحث اللاحقة کذب هذه الفریة وان کل الروایات التی حیکت لإثبات هذا الوصف له صلوات الله وسلامه علیه ضعیفة مطعون بها وقد افتعلت لأهداف وأغراض سیاسیة دنیئة،لا تخدم غیر أعداء آل محمد صلی الله علیه وآله وسلم ومثل هکذا روایات لا یعول علیها وعلی مضامینها ولا یقبلها منصف عادل.


1- تهذیب التهذیب لابن حجر ج 2 ص 258 __ 259، وتهذیب الکمال للمزی ج6 ص235.
2- السیرة الحلبیة للحلبی ج 3 ص 360.

ص: 152

الروایة العاشرة

اشارة

أخبرنا أبو القاسم الشحامی أنا أبو بکر البیهقی أنا أبو الحسن علی بن الحسین بن علی البیهقی صاحب المدرسة بنیسابور أنا أبو حفص عمر بن أحمد بن محمد القرمیسینی نا(1) أبو عبد الله محمد بن إبراهیم بن زیاد الطیالسی نا محمد بن حمید الرازی نا سلمة بن الفضل نا عمرو بن أبی قیس عن إبراهیم بن عبد الأعلی عن سوید بن غفلة قال: (کانت الخثعمیة تحت الحسن بن علی فلما أن قتل علی وبویع الحسن بن علی دخل علیها الحسن بن علی فقالت له لیهنئک الخلافة فقال الحسن أظهرت الشماتة بقتل علی أنت طالق ثلاثا فتلفعت فی ثوبها وقالت والله ما أردت هذا فمکث حتی انقضت عدتها وتحولت فبعث إلیها الحسن بن علی ببقیة من صداقها وبمتعة عشرین ألف درهم فلما جاءها الرسول ورأت المال قالت متاع قلیل من حبیب مفارق. فأخبر الرسول الحسن بن علی فبکی وقال لولا أنی سمعت أبی یحدث عن جدی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم انه قال من طلق امرأته ثلاثا لم تحل له حتی تنکح زوجا غیره لراجعتها)(2).

وهذه الروایة ساقطة عن الاعتبار لعدة وجوه منها:


1- هکذا فی الاصل وهی اختصار لکلمة حدثنا.
2- السنن الکبری للبیهقی ج 7 ص 257 باب المتعة، تاریخ مدینة دمشق لابن عساکر ج13 ص250، سیر أعلام النبلاء للذهبی ج 3 ص 262، ترجمة الإمام الحسن لابن عساکر ص154.

ص: 153

الوجه الأول: سند الروایة ضعیف لا یحتج به

اشارة

فی سند هذه الروایة مجموعة من الضعفاء والمجاهیل اخترنا منهم علی سبیل المثال کل من:

1: أبو القاسم الشحامی

قال عنه الذهبی فی میزان الاعتدال: (زاهر بن طاهر. أبو القاسم الشحامی. مسند بنیسابور، صحیح السماع، لکنه یخل بالصلاة، فترک الروایة عنه غیر واحد من الحفاظ تورعا)(1).

وذکر ابن حجر فی لسان المیزان نفس ما ذکره الذهبی وزاد علیه ما یلی: (عن السمعانی انه کان یرحل إلی البلاد یسمع علیه کما یرحل الطالب لیسمع ولما أراد الرحیل إلی أصبهان قال لی أخوه قد کنت أمرته أن لا یخرج إلی أصبهان فإنه یفتضح عنه أهلها بإخلاله بالصلاة فأبی ووقع الأمر کما قال أخوه فشنعوا علیه وترک کثیر منهم الروایة عنه إلی أن قال ولعله تاب ورجع عن ذلک فی آخر عمره، مات سنة ثلاث وثلاثین وخمس مائة عن بضع وثمانین سنة)(2).

2: أبو عبد الله محمد بن إبراهیم بن زیاد الطیالسی

قال عنه البخاری: (محمد بن حمید أبو عبد الله الرازی سمع یعقوب القمی وجریرا، فیه نظر مات سنة ثمان وأربعین ومائتین )(3).


1- میزان الاعتدال للذهبی ج 2 ص 64.
2- لسان المیزان لابن حجر ج 2 ص 470.
3- التاریخ الکبیر للبخاری ج 1 ص 69.

ص: 154

وقال عنه الذهبی: (محمد بن إبراهیم بن زیاد الطیالسی الرازی المحدث الجوال... ضعفه أبو أحمد الحاکم... وقال الدارقطنی: متروک. قلت: عمر إلی سنة ثلاث عشرة ومائة سنة )(1).

وقال ابن حبان: (محمد بن حمید الرازی: کنیته أبو عبد الله. یروی عن ابن المبارک وجریر حدثنا عنه شیوخنا، مات سنة ثمان وأربعین ومائتین، کان ممن ینفرد عن الثقات بالأشیاء المقلوبات ولا سیما إذا حدث عن شیوخ بلده)(2).

3: سلمة بن الفضل

قال عنه البخاری:(سلمة بن الفضل أبو عبد الله الأبرش الرازی الأنصاری، سمع محمد بن إسحاق، روی عنه عبد الله بن محمد الجعفی، عنده مناکیر، یقال مولاهم، مات بعد التسعین، وهنه علی)(3).

وقال البخاری أیضا فی کتابه الضعفاء الصغیر:

(سلمة بن الفضل بن الأبرش قاضی الری سمع محمد بن إسحاق روی عنه عبد الله بن عمر بن أبان ومحمد بن حمید ولکن عنده مناکیر وفیه نظر)(4).


1- میزان الاعتدال للذهبی ج 3 ص 448.
2- کتاب المجروحین لابن حبان ج 2 ص 303.
3- التاریخ الکبیر للبخاری ج 4 ص 84.
4- الضعفاء الصغیر للبخاری ص 57.

ص: 155

وقال ابن حبان:

(سلمة بن الفضل الأبرش صاحب ابن إسحاق قال ابن عدی: ضعفه ابن راهویه وقال: فی حدیثه بعض المناکیر)(1).

وقال الذهبی: (وقال أبو حاتم: لا یحتج به. وقال أبو زرعة: کان أهل الری لا یرغبون فیه لسوء رأیه وظلم فیه)(2).

وسند فیه کل هؤلاء الضعفاء وأهل المناکیر والظلم لا یمکن أن یعتد به ویرکن إلیه، فالروایة هذه ساقطة عن الحجیة لضعف سندها.

الوجه الثانی: هل طلاق الثلاث من السنة أم البدعة؟

اجمع المسلمون علی إن طلاق الثلاث لم یکن فی زمن النبی صلی الله علیه وآله وسلم ولا فی عهد أبی بکر بن أبی قحافة ولا فی بدایة فترة حکومة عمر بن الخطاب، وإنما استحدث فی زمن متأخر من حکومة عمر، وکان ابن عباس یصرح بهذه الحقیقة ویقول کما رواه مسلم فی صحیحه وغیره: (کان الطلاق علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، وأبی بکر وسنتین من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: أن الناس قد استعجلوا فی أمر قد کان لهم فیه أناة، فلو أمضیناه علیهم فأمضاه علیهم)(3).


1- کتاب المجروحین لابن حبان ج 1 ص 337.
2- میزان الاعتدال للذهبی ج 2 ص 192.
3- صحیح مسلم ج4 ص183 باب طلاق الثلاثة،وراجع أیضا مسند احمد بن حنبل ج1 ص314 مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب رضی الله تعالی عنه.

ص: 156

وقد طلق بعض الصحابة فی زمن النبی الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم زوجته ثلاث مرات فی مجلس واحد إما نسیانا منه أو تعمدا للخلاف، فتصدی له النبی صلی الله علیه وآله وسلم بحزم وقوة واظهر سخطه وامتعاضه الشدید من هذه البدعة والمخالفة الصریحة للتوجیهات الشرعیة التی کانت ساریة فی المجتمع،فعن النسائی فی سننه قال اخبرنا سلیمان بن داود ن ابن وهب قال اخبرنی مخرمة عن أبیه قال سمعت محمود بن لبید قال اخبر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطلیقات جمیعا،فقام __ صلی الله علیه وآله وسلم __ غضبانا ثم قال أیلعب بکتاب الله وأنا بین أظهرکم حتی قام رجل وقال یا رسول الله ألا اقتله)(1).

وعن ابن عباس قال: (طلق رکانة بن عبد یزید اخو بنی مطلب امرأته ثلاثا فی مجلس واحد فحزن علیها حزنا شدیدا قال فسأله رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کیف طلقتها قال طلقتها ثلاثا قال فی مجلس واحد قال نعم قال فإنما تلک واحدة فأرجعها إن شئت قال فأرجعها)(2)،وقال احمد بن حنبل بعد هذا الحدیث مباشرة: (فکان ابن عباس یری إنما الطلاق عند کل طهر)(3) وهو عجیب منه ألا ینظر بأم عینیه أن النبی صلی الله علیه وآله وسلم هو الذی یری


1- سنن النسائی ج6 ص142 الطلاق لغیر العدة، وراجع الدر المنثور للسیوطی ج1 ص283 ذکر القول الرابع فی تفسیر قوله تعالی نساؤکم حرث لکم.
2- مسند احمد بن حنبل ج2 ص265 مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب رضی الله تعالی عنه.
3- المصدر السابق.

ص: 157

ذلک ولیس ابن عباس، ولکنه یرید أن یدلس علی القارئ ویصور له ان حقیقة تغییر عمر بن الخطاب لهذا الحکم لم تکن فیها مواجه لحکم النبی صلی الله علیه وآله وسلم ومخالفة صریحة لأوامره وإنما کانت مخالفة لرأی ابن عباس، ومخالفة ابن عباس لا ضرر فیها ولا محذور.

وبعد هذه الأحادیث وغیرها لا نجد صعوبة فی الحکم علی طلاق الثلاثة فی مجلس واحد بأنه طلاق بدعة وفقا لأقوال علماء العامة فی تعریف طلاق البدعة، فقد عرفه عبد الرحمن بن قدامة بقوله:

(الطلاق المحظور وهو طلاق الحائض أو فی طهر أصابها فیه وقد أجمع العلماء فی جمیع الأمصار علی تحریمه ویسمی طلاق البدعة لأن المطلق خالف السنة وترک أمر الله ورسوله)(1) ومن هذا الکلام نفهم ان کل طلاق فیه مخالفة للسنة النبویة فهو طلاق بدعة وکذلک یحکم بالبدعة علی کل طلاق فیه ترک لأمر الله ورسوله، وقد اتضح لنا سابقا ان طلاق الثلاث فی مجلس واحد فی طهر واحد هو مما یغضب النبی صلی الله علیه وآله وسلم، ومما حکم علیه الرسول الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم بأنه لعب بکتاب الله سبحانه وقد یخرج صاحبه عن ساحة الإیمان ویدخله فی ساحة الکفر والضلالة وهو ما فهمه ذلک الصحابی الذی قال للنبی صلی الله علیه وآله وسلم یا رسول الله ألا اقتله، فلا ریب حینئذ بشمول طلاق الثلاث بهذا العنوان.


1- الشرح الکبیر لعبد الرحمن بن قدامه ج 8 ص 234 ___ 235.

ص: 158

وقد حکم جملة من فقهاء العامة علی مثل هذا الطلاق بأنه طلاق بدعة ومعصیة قال السمرقندی فی تحفة الفقهاء:

(وأما طلاق البدعة فی العدد: فأن یطلقها ثلاثا، بکلمة واحدة)(1)، ویقول أبو بکر الکاشانی فی بدائع الصنائع: (وأما الألفاظ التی یقع بها طلاق البدعة فنحو أن یقول أنت طالق للبدعة أو أنت طالق طلاق البدعة أو طلاق الجور أو طلاق المعصیة أو طلاق الشیطان فان نوی ثلاثا فهو ثلاث لان إیقاع الثلاث فی طهر واحد لا جماع فیه والواحدة فی طهر جامعها فیه بدعة)(2).

ومع ان القوم قد حکموا علی هکذا طلاق الثلاث بالبدعة وجعلوه مرادفا لطلاق الشیطان وطلاق الجور وطلاق المعصیة إلا أنهم حکموا علیه بالصحة والوقوع والإلزام.

قال أبو بکر الکاشانی: (وأما حکم طلاق البدعة فهو انه واقع عند عامة العلماء وقال بعض الناس انه لا یقع وهو مذهب الشیعة أیضا)(3).

ومثل هکذا طلاق لا یمکن أن یصدر عن الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه لان فیه إغضابا لله سبحانه ولرسوله الکریم صلی الله علیه وآله وسلم ومخالفة قطعیة للقران الکریم.


1- تحفة الفقهاء للسمرقندی ج 2 ص 171.
2- بدائع الصنائع لأبی بکر الکاشانی ج 3 ص 96.
3- المصدر السابق.

ص: 159

وهذا ما لم یعهد من الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه تجاه الله سبحانه ورسوله صلوات الله وسلامه علیه وقرآنه، فلم ینقل لنا التاریخ ان الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه وخلال سنی تواجده مع النبی الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم قد تصرف تصرفا یغضب النبی صلی الله علیه وآله وسلم.

وکذلک حاله صلوات الله وسلامه علیه بعد وفاة جده صلی الله علیه وآله وسلم، وکذلک لم ینقل لنا التاریخ ان الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه قد ارتکب مخالفة صریحة للقران الکریم خلال فترة حیاته الملیئة بالمصاعب والأزمات، وکیف یخالف القران وهو عدله والذی وصفه النبی هو وأهل بیته بأنهم لن یفترقوا عن القرآن حتی یردوا الحوض.

الروایة الحادیة عشر

اشارة

عن ابن شهر آشوب فی مناقبه قال:

(أبو طالب المکی فی قوت القلوب انه صلوات الله وسلامه علیه تزوج مائتین وخمسین امرأة، وقیل ثلاثمائة، وکان علی یضجر من ذلک فکان یقول فی خطبته: ان الحسن مطلاق فلا تنکحوه. أبو عبد الله المحدث فی رامش اقزای: ان هذه النساء کلهن خرجن خلف جنازته حافیات)(1).

وهذه الروایة کسابقاتها لا یمکن لنا قبولها ولعدة أسباب منها:


1- مناقب آل أبی طالب لابن شهر آشوب ج 3 ص 192 __ 193.

ص: 160

أولا: أبو طالب المکی لیس بثقة لا فی کلامه ولا فی نقله

الروایة کما تری لیس لها سند یذکر مما اضطر ابن شهر آشوب أن یرمی بعهدتها علی أبی طالب المکی من حیث انه أخرجها فی کتابه قوت القلوب، وعدم وجود سند معلوم لهذه الروایة هو أول طعن یمکن أن یسقط الروایة عن الحجیة، ولکننا سنذهب ابعد من هذا لنبین للقارئ الکریم طبیعة الکتب التی نقلت أمثال هذه الروایات وکذلک طبیعة الأشخاص الذین کانوا یروجون هذه الأکاذیب علی الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه، ومنهم صاحب کتاب قوت القلوب.

والاسم الکامل للکتاب الذی نقل هذه الکذبة هو: (قوت القلوب فی معاملة المحبوب ووصف طریق المرید إلی مقام التوحید)(1) ومؤلفه هو (محمد بن علی بن عطیة، أبو طالب المکی، الزاهد الواعظ)(2).

قال عنه ابن حجر فی میزان الاعتدال: (محمد بن علی بن عطیة أبو طالب المکی الزاهد الواعظ صاحب قوت القلوب... قال الخطیب ذکر فی القوت أشیاء منکرة فی الصفات وکان من أهل الجبل ونشأ بمکة قال لی أبو طاهر العلاف ان أبا طالب وعظ ببغداد وخلط فی کلامه وحفظ عنه انه قال لیس علی المخلوقین أضر من الخالق فبدعوه وهجروه فبطل الوعظ...)(3).


1- معجم المطبوعات العربیة لالیان سرکیس ج 1 ص 321.
2- میزان الاعتدال للذهبی ج 3 ص 655.
3- لسان المیزان لابن حجر ج 5 ص 300، ومثله فی میزان الاعتدال للذهبی ج 3 ص 655.

ص: 161

وقال ابن خلکان فی وفیات الأعیان:

(أبو طالب المکی أبو طالب محمد بن علی بن عطیة الحارثی الواعظ المکی صاحب کتاب قوت القلوب کان رجلا صالحا مجتهدا فی العبادة ویتکلم فی الجامع وله مصنفات فی التوحید ولم یکن من أهل مکة وإنما کان من أهل الجبل وسکن مکة فنسب إلیها وکان یستعمل الریاضة کثیرا حتی قیل إنه هجر الطعام زمانا واقتصر علی أکل الحشائش المباحة فاخضر جلده من کثرة تناولها ولقی جماعة من المشایخ فی الحدیث وعلم الطریقة واخذ عنهم ودخل البصرة بعد وفاة أبی الحسن ابن سالم فانتمی إلی مقالته وقدم بغداد فوعظ الناس فخلط فی کلامه فترکوه وهجروه وقال محمد بن طاهر المقدسی فی کتاب الأنساب إن أبا طالب المکی المذکور لما دخل بغداد واجتمع الناس علیه فی مجلس الوعظ خلط فی کلامه وحفظ عنه أنه قال لیس علی المخلوقین أضر من الخالق فبدعه الناس وهجروه وامتنع من الکلام بعد ذلک وله کتب فی التوحید وتوفی لست خلون من جمادی الآخرة سنة ست وثمانین وثلاثمائة ببغداد ودفن بمقبرة المالکیة)(1).

وقال ابن الأثیر بعد ان ذکر خلطه وهجران الناس له: (وصنف کتابا سماه قوت القلوب، وذکر فیه أحادیث لا أصل لها... وقد کان أبو طالب هذا یبیح السماع(2)، فدعا علیه عبد الصمد بن علی ودخل علیه فعاتبه علی ذلک


1- وفیات الأعیان وأنباء أبناء الزمان لابن خلکان ج 4 ص 303 __ 304.
2- أی یبیح سماع الغناء.

ص: 162

فأنشد أبو طالب:

فیا لیل کم فیک من متغب      ***    ویا صبح لیتک لم تقرب

فخرج عبد الصمد مغضبا)(1).

فکتاب قوت القلوب ووفق شهادات من تقدم فیه أحادیث لا أصل لها، وأشیاء منکرة فی الصفات، أما کاتبه فهو رجل یخلط فی کلامه، وهو صاحب بدعة، وان إحدی أشهر البدع قوله والعیاذ بالله (لیس علی المخلوقین أضر من الخالق) وهو الکفر الصریح، والذی علی أساسه هجره الناس، وهو بالإضافة لذلک یبیح سماع الغناء،فشخص هذا شانه لا یقبل منه ولا من کتابه ما فیه إساءة إلی منزلة الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه، وما اتهامه للإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه إلا من قبیل اتهامه لذات الله سبحانه بالضرر علی المخلوقین، لان الذی یسیء إلی ربه لا یستبعد منه الإساءة إلی بقیة خلقه من الأولیاء والأئمة.

ثانیا: نطالب أبا طالب بأسماء هذه الزوجات

لنا الحق فی أن نسال أبا طالب المکی کما سألنا المدائنی من قبل عن أسماء وألقاب وانساب هذه النسوة اللاتی قال بأنهن زوجات الحسن صلوات الله وسلامه علیه واللاتی ضرب الرقم القیاسی فی عددهن فأوصله إلی الثلاثمائة زوجة، فهل له أن یخبرنا بأسماء مئة منهن لا بل لیخبرنا عن أسماء ثلاثین زوجة منهن والی أی بیت ینتسبن، وما هی أسباب زواج الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه منهن، وما


1- البدایة والنهایة لابن کثیر ج 11 ص 366.

ص: 163

سهی أسباب طلاقهن، ولماذا لم یکن للحسن صلوات الله وسلامه علیه سوی ستة عشر ولدا علی أعلی التقادیر من مجموع ثلاثمائة زوجه، فلیس ذکر ثلاثین امرأة من مجموع ثلاثمائة بعسیر لو کان لهن وجود أصلا.

وبما ان القوم لم یأتوا ولن یأتوا بأسماء ثلاثین زوجة فأکثر للإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه فهو یعنی ان هذا العدد مفتری، وذلک لان الأصل هو عدم وجودهن، فإذا شککنا فی وجودهن ولم یکن هنالک دلیل علی تحققهن فی الخارج تعین علینا استصحاب ذلک العدم.

ثالثا: لماذا خرجن هذه النسوة فی تشییع الحسن صلوات الله وسلامه علیه؟ ولماذا حافیات؟

ذکرت هذه الروایة علی أن النسوة الثلاثمائة کلهن قد خرجن خلف جنازة الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه حافیات، والسؤال الذی یطرح نفسه هو لماذا خرجن هذه النسوة إلی تشییع جنازته صلوات الله وسلامه علیه؟ وما الذی دعاهنَّ إلی مثل هذا الفعل؟ ولماذا خرجن حافیات غیر منتعلات؟.

فهل السبب فی خروجهن انهن کن فی یوم من الأیام زوجات له صلوات الله وسلامه علیه فطلقهن؟ ولکن المعروف عند کل نساء قدیما وحدیثا بان المرأة حینما تطلق من قبل زوجها لا تنظر بعد طلاقها إلی زوجها السابق بنظرة شفقة أو رحمة بل العکس هو الصحیح. وفی کثیر من الأحیان تجلس المطلقة لتتربص به ریب المنون حتی إذا ما أصابه مکروه فرحت به واستبشرت وأحست

ص: 164

بالشماتة تجاهه وتجاه ما یصیبه، فلماذا یا تری تغیرت طباع هذه النساء الثلاثمائة؟!.

ثم هل من المعقول أن تحضر المطلقات الثلاثمائة کلهن من دون أن تتغیب واحدة عن تشییعه صلوات الله وسلامه علیه ألم تکن ولو عشرة منهن یشعرن بالمرض أو کن علی سفر أو تعرضن للموت والرحیل عن هذا العالم قبل موت ورحیل الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه وهو احتمال وارد ومنطقی.

ثم ألم یکن قسم کبیر من هذه النسوة متزوجات بعد طلاقهن، فکیف یعقل أن یترکهن أزواجهن ویسمحوا لهن بالخروج لتشییع جنازة رجل کان فی یوم من الأیام حلیل زوجته، أفلا یدعو هذا الشیء إلی بث الغیرة فی نفوس بعض أولئک الرجال؟ فیمنعوا علی أساسه زوجاتهم من الخروج لتشییع الرجل الذی کان منافسا لهم فی یوم من الأیام.

ثم ألم یتسأل أزواج هذه المطلقات الثلاثمائة الذین خرجت زوجاتهم للتو إلی تشییع رجل طلقهن وأنهی علاقته بهن عن مدی إخلاص زوجاتهم تجاههم؟ لان فعل تلک النسوة یدلل علی أنهن غیر مخلصات لهم فی المحبة والود، وان قلوبهن ما زالت حتی بعد الزواج منهم متعلقة بالإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه.

والاهم من ذلک کله هو مدی صحة ما قاله الراوی من ان کل هذه النسوة الثلاثمائة قد خرجن حافیات فما هذا التواطؤ من قبلهن علی هذه الظاهرة فهل کن علی علم مسبق بموته صلوات الله وسلامه علیه فاتفقن علی هذا الأمر بحیث لم تخالف

ص: 165

ولا واحدة من هذه الثلاثمائة طلیقة هذه الظاهرة وذاک الاتفاق؟!

ثم کیف لم ینقل لنا التاریخ هذه الحادثة التی کان الداعی إلی نقلها متوفرا لغرابتها وندرتها، مع ان التاریخ قد نقل لنا بدقة وتحدث بتفصیل عن الأحداث ابتداءً من سقیه السم ومرورا بمرضه ووصیته وموته صلوات الله وسلامه علیه وانتهاء بتشییع جنازته صلوات الله وسلامه علیه والصلاة علیه ودفنه، فذکروا مثلا معارضة بنی أمیة ومنعهم وعائشة بنت أبی بکر لدفنه عند قبر جده الرسول الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم، وذکروا رمی جنازته بالسهام(1)، وذکروا وبالتفصیل ماذا قال بنو أمیة لبنی هاشم، وبماذا أجاب بنو هاشم، وذکروا غیر هذه الأشیاء الکثیر مما یکون من حیث الأهمیة اقل بکثیر من خروج ثلاثمائة زوجة ومطلقة للحسن صلوات الله وسلامه علیه حافیة ومشیعة، فلو کان لهذه الحادثة أصل معتبر وحقیقة ثابتة لنقلت لنا ومن أکثر من مصدر وراوی،وبما انها لم تنقل لنا ولا حتی فی مصدر واحد معتبر، فلا نجد حرجا فی رمیها بالوضع والاختلاق وانها لیست إلا من اختلاق القصاصین والمبتدعین.

وأما موضوع ضجر علی صلوات الله وسلامه علیه وخطبته وقوله: (ان الحسن مطلاق فلا تنکحوه) فسنؤجل الکلام حوله لأننا سنفرد له موضوعا مستقلا، فی الفصل الثالث من هذا الکتاب.


1- فلو کان لهذه النسوة الثلاثمائة وجود أثناء تشییع الإمام الحسن لصدر منهن أو من بعضهن علی اقل التقادیر رد فعل حول ضرب جنازة الحسن الذی ما خرجن إلا حبا به،ولصدر أیضا منهن أو من بعضهن رد فعل علی منع دفن الإمام الحسن علیه السلام قرب جده المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم، ولو کان قد صدر لنقل.

ص: 166

الروایة الثانیة عشر

اشارة

نقلا عن کتاب إحیاء علوم الدین للغزالی قال: (ودخل الحسن ذات یوم علی عبد الرحمن بن الحارث بن هشام __ فقیه المدینة ورئیسها __ ولم یکن له بالمدینة نظیر. وبه ضربت المثل عائشة رضی الله عنها حیث قالت لو لم أسر مسیری ذلک لکان أحب إلی من أن یکون لی ستة عشراً ذکراً من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم مثل عبد الرحمن بن الحارث بن هشام.

فدخل علیه الحسن فی بیته فعظمه عبد الرحمن وأجلسه فی مجلسه وقال: ألا أرسلت إلی فکنت أجیئک فقال: الحاجة لنا.

قال: وما هی قال جئتک خاطباً ابنتک.

فأطرق عبد الرحمن ثم رفع رأسه وقال: والله ما علی وجه الأرض أحد یمشی علیها أعز علی منک ولکنک تعلم أن ابنتی بضعة منی یسوءنی ما ساءها ویسرنی ما سرها وأنت مطلاق فأخاف أن تطلقها وإن فعلت خشیت أن یتغیر قلبی فی محبتک وأکره أن یتغیر قلبی علیک فأنت بضعة من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فإن شرطت أن لا تطلقها زوجتک. فسکت الحسن وقام وخرج.

وقال بعض أهل بیته:سمعته وهو یمشی ویقول: ما أراد عبد الرحمن إلا أن یجعل ابنته طوقاً فی عنقی)(1).

وهذه الروایة أیضا لا یمکن الرکون إلیها ولا قبولها لعدة وجوه منها:


1- إحیاء علوم الدین لأبی حامد الغزالی ج2 ص56 دار المعرفة بیروت.

ص: 167

الوجه الأول: نظرة مجملة حول کتاب إحیاء علوم الدین للغزالی

الغزالی قد عرفه الذهبی فی کتابه سیر أعلام النبلاء بقوله: (زین الدین أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسی، الشافعی، الغزالی)(1).

وقد روی ابن النجار بسنده أن والد أبی حامد (کان یغزل الصوف ویبیعه فی دکانه بطوس، فأوصی بولدیه محمد وأحمد إلی صدیق له صوفی صالح،فعلمهما الخط، وفُنِیَ ما خلف لهما أبوهما، وتعذر علیهما القوت،فقال:أری لکما أن تلجأ إلی المدرسة کأنکما طالبان للفقه عسی یحصل لکما قوت،ففعلا ذلک. قال أبو العباس أحمد الخطیبی: کنت فی حلقة الغزالی،فقال: مات أبی، وخلف لی ولأخی مقدارا یسیرا ففُنِیَ بحیث تعذر علینا القوت، فصرنا إلی مدرسة نطلب الفقه، لیس المراد سوی تحصیل القوت، فکان تعلمنا لذلک، لا لله... )(2).

والظاهر ان انتفاء نیة القربة لله سبحانه عند الغزالی فی بدایة رحلته العلمیة قد اثر تأثیرا بالغا علی مستقبله وإنتاجه العلمی، فاخرج نتیجة ذلک کتبا تحوی مواضیع لم یقره علیها علماء مذهبه(3) فضلا عن الباقین،ومن هذه


1- سیر أعلام النبلاء للذهبی ج 19 ص 322.
2- المصدر السابق ص335.
3- قال أبو عمرو بن الصلاح: (فصل لبیان أشیاء مهمة أنکرت علی أبی حامد ففی توالیفه أشیاء لم یرتضها أهل مذهبه من الشذوذ منها قوله فی المنطق:هو مقدمة العلوم کلها،ومن لا یحیط به،فلا ثقة له بمعلوم أصلا. قال:فهذا مردود، إذ کل صحیح الذهن منطقی بالطبع، وکم من إمام ما رفع بالمنطق رأسا ) راجع سیر أعلام النبلاء الذهبی ج 19 ص329.

ص: 168

الکتب التی کثر رد العلماء علیها کتاب إحیاء علوم الدین الحاوی علی الطامات العظام والمنکرات الجسام، ونحن هنا سنذکر للقارئ الکریم جملة من أقوال علماء المذاهب الأخری حول کتاب إحیاء علوم الدین لتکون به الحجة ابلغ والاستدلال أوکد.

قال أبو بکر الطرطوشی: (شحن أبو حامد "الإحیاء" بالکذب علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، فلا أعلم کتابا علی بسیط الأرض أکثر کذبا منه، ثم شبکه بمذاهب الفلاسفة، ومعانی رسائل إخوان الصفا، وهم قوم یرون النبوة مکتسبة، وزعموا أن المعجزات حیل ومخاریق)(1).

وقال محمد بن الولید فی رسالة له إلی ابن مظفر: (فأما ما ذکرت من أبی حامد، فقد رأیته، وکلمته، فرأیته جلیلا من أهل العلم، واجتمع فیه العقل والفهم، ومارس العلوم طول عمره، وکان علی ذلک معظم زمانه، ثم بدا له عن طریق العلماء، ودخل فی غمار العمال، ثم تصوف، وهجر العلوم وأهلها، ودخل فی علوم الخواطر، وأرباب القلوب، ووساوس الشیطان، ثم شابها بآراء الفلاسفة، ورموز الحلاج، وجعل یطعن علی الفقهاء والمتکلمین،ولقد کاد أن ینسلخ من الدین، فلما عمل " الإحیاء "، عمد یتکلم فی علوم الأحوال، ومرامز الصوفیة، وکان غیر أنیس بها، ولا خبیر بمعرفتها، فسقط علی أم رأسه، وشحن کتابه بالموضوعات)(2).


1- سیر أعلام النبلاء للذهبی ج19 ص334 فی الغزالی محمد بن محمد.
2- سیر أعلام النبلاء للذهبی ج19 ص334 فی الغزالی محمد بن محمد، وراجع أیضا تاریخ الإسلام للذهبی ج35 ص122.

ص: 169

وقال المازری: (وفی "الإحیاء" من الواهیات کثیر. قال: وعادة المتورعین أن لا یقولوا: قال مالک، وقال الشافعی، فیما لم یثبت عندهم. ثم قال: ویستحسن أشیاء مبناها علی ما لا حقیقة له، کقص الأظفار أن یبدأ بالسبابة، لان لها الفضل علی باقی الأصابع، لأنها المسبحة، ثم قص ما یلیها من الوسطی، لأنها ناحیة الیمین، ویختم بإبهام الیمنی، وروی فی ذلک أثرا.

قلت: هو أثر موضوع.

ثم قال: وقال: من مات بعد بلوغه ولم یعلم أن الباریة قدیم، مات مسلما إجماعا.

قال: فمن تساهل فی حکایة الإجماع فی مثل هذا الذی الأقرب أن یکون الإجماع فی خلافه، فحقیق أن لا یوثق بما روی)(1).

قال أبو الفرج ابن الجوزی:

(صنف أبو حامد "الإحیاء"، وملاه بالأحادیث الباطلة، ولم یعلم بطلانها، وتکلم علی الکشف، وخرج عن قانون الفقه)(2).

وقد جمع السبکی فی طبقاته الأحادیث الواقعة فی کتاب الإحیاء التی لم یجد لها إسنادا، وعدتها تسعمائة وثلاثة وأربعون حدیثا تقریبا(3).


1- سیر أعلام النبلاء للذهبی ج19 ص342 فی الغزالی محمد بن محمد.
2- المصدر السابق.
3- فی ج 6 ص 287 __ 388 نقلا عن کتاب سیر أعلام النبلاء للذهبی ج 19 هامش ص 339 .

ص: 170

فنستخلص مما سبق ان کتاب الإحیاء قد شحن بالکذب علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وسلم، ولیس علی بسیط الأرض أکثر کذبا منه(1)،کما قال أبو بکر الطرطوشی، وکذلک قد شحن بالموضوعات کما قال محمد بن الولید،وفیه من الواهیات الکثیر ویروی فیه أحادیث موضوعة ویحکی إجماع المسلمین علی عکس ما قد عرف عنهم ومن یکون حاله هکذا فحقیق أن لا یوثق بما روی کما قاله المارزری، وقد أحصی علیه السبکی تسعمائة وثلاثة وأربعین حدیثا تقریبا لم یجد لها إسنادا. وکتاب هذا شانه حری بان لا یستشهد بمرویاته التی ینفرد بها عن غیره،کالروایة التی نحن بصدد الرد علیها، فإنها من منقولاته التی هو أساسها،والتی نقلها فی کتابه الإحیاء کما ذکرناه من دون سند، وکل من نقلها غیره إنما نقلها عنه کابن شهر آشوب فی کتابه مناقب آل أبی طالب(2)، وکالمجلسی فی بحار الأنوار(3).


1- کتاب إحیاء علوم الدین للغزالی وان کان هو مورد بحثنا إلا أن ذلک لا یعنی ان بقیة کتب الغزالی مستثناة مما قیل فی کتاب الإحیاء، بل ذلک الذی قیل فی کتاب الإحیاء ینطبق بنفسه علی بقیة کتبه فعلی سبیل المثال لا الحصر نری الذهبی ینقل عن عبد الغافر قوله: (... وکانت خاتمة أمره إقباله علی طلب الحدیث... ولم یتفق له أن یروی... ومما کان یعترض به علیه وقوع خلل من جهة النحو فی أثناء کلامه، وروجع فیه، فأنصف، واعترف أنه ما مارسه،واکتفی بما کان یحتاج إلیه فی کلامه... ومما نقم علیه ما ذکر من الألفاظ المستبشعة بالفارسیة فی کتاب " کیمیاء السعادة والعلوم " وشرح بعض الصور والمسائل بحیث لا توافق مراسم الشرع وظواهر ما علیه قواعد الملة، وکان الأولی به __ والحق أحق ما یقال __ ترک ذلک التصنیف ).
2- مناقب آل أبی طالب لابن شهر آشوب ج3 ص199 باب امامة أبی محمد الحسن بن علی.
3- بحار الأنوار للمجلسی ج44 ص177 تحقیق فی عدد أولاده علیه السلام وأسمائهم وأمهات أولاده.

ص: 171

الوجه الثانی: هدف الغزالی من نقل هذه الروایة المکذوبة

لا نجد صعوبة فی الجواب علی هذا السؤال فیما لو تعرفنا أکثر علی توجهات الغزالی الفکریة وانتماءاته الطائفیة، ونحن سننقل للقارئ الکریم شاهدا واحدا یکشف وبشکل لا یقبل الشک ان الغزالی کان صاحب هوی أموی وهو مستمیت فی الدفاع عن کل ما یمس کرامتهم، وان ذکره لهذه الروایة وغیرها ما هی إلا خدمة یقدمها لهم کدلیل علی حسن ولائه.

وهذا الشاهد ننقله من نفس کتاب الإحیاء حیث یبین الغزالی رأیه بخصوص جواز لعن یزید علیه اللعنة بما نصه: (وعلی الجملة ففی لعن الأشخاص خطر فلیجتنب، ولا خطر فی السکوت عن لعن إبلیس مثلا فضلا عن غیره، فإن قیل: هل یجوز لعن یزید لأنه قاتل الحسین أو أمره به؟ قلنا: هذا لم یثبت أصلا، فلا یجوز أن یقال: إنه قتله، أو أمر به ما لم یثبت فضلا عن اللعنة، لأنه لا تجوز نسبة مسلم إلی کبیرة من غیر تحقیق... فإن قیل: فهل یجوز أن یقال: قاتل الحسین لعنه الله، أو الآمر بقتله لعنه الله؟ قلنا: الصواب أن یقال: قاتل الحسین إن مات قبل التوبة لعنه الله لأنه یحتمل أن یموت بعد التوبة، فإن وحشیا قاتل حمزة عم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قتله وهو کافر، ثم تاب عن الکفر والقتل جمیعا، ولا یجوز أن یلعن والقتل کبیرة، ولا تنتهی إلی رتبة الکفر، فإذا لم یقید بالتوبة وأطلق کان فیه خطر، ولیس فی السکوت خطر فهو أولی)(1).


1- إحیاء علوم الدین للغزالی ج3 ص125.

ص: 172

والعجیب ان الغزالی یدعی بان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قد اقره علی کتابه فقال: (فنظر فیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ورقة ورقة إلی آخره ثم قال:والله إن هذا شیء حسن، ثم ناوله أبا بکر رضی الله عنه فنظر فیه کذلک،ثم قال: نعم،والذی بعثک بالحق یا رسول الله! إنه لحسن. ثم ناوله عمر... فنظر فیه کذلک ثم قال کما قال أبو بکر...)(1).

فهل وقف یا تری رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأبو بکر وعمر حینما قرأوا کتاب الإحیاء ورقة ورقة علی دفاع الغزالی عن یزید اللعین وإنکاره لقتل الحسین صلوات الله وسلامه علیه علی یدیه؟! أم انه صلی الله علیه وآله وسلم قد قرأه واقر الغزالی علی مقولته فیکون صلی الله علیه وآله وسلم بذلک قد أرضی الغزالی وأنکر آلاف الشواهد التاریخیة والروایات الموثقة والمجمع علیها والتی تنص باجمعها علی صحة قتل یزید لعنه الله واخزاه للإمام الحسین صلوات الله وسلامه علیه وأهل بیته وأصحابه فی کربلاء،حاشا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من کل تعصب أموی یجری فی قلب الغزالی وروحه حتی أعماه عن رؤیة الحق.

الوجه الثالث: من هو عبد الرحمن بن الحارث بن هشام

ذکرنا مرارا ان الشخصیات التی یأتی ذکرها فی روایات زواج الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه وطلاقه یتم اختیارهم بشکل متعمد ومقصود،ومن ثم یقحمون فی تلک الروایات إقحاما ویوصفون فی ضمنها بأوصاف تعلی من


1- الغدیر للشیخ الامینی ج11 ص162 فی إحیاء علوم الدین للغزالی.

ص: 173

شأنهم وتعظم من مقامهم ومنزلتهم،وفی المقابل تقوم تلک الروایات بنسج أحداث وکلمات تصور الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه اقل شأنا منهم ودائما ما یتعرض للانتقاد والإحراج من قبلهم،فیکونوا علی الدوام بمنزلة المعلم والإمام صلوات الله وسلامه علیه بمنزلة المتعلم، ویکونوا بمنزلة المصیب الذی لا یخطئ والإمام صلوات الله وسلامه علیه هو الذی یخطئ ویصوب فعله ومنطقه من قبلهم، والإمام صلوات الله وسلامه علیه فی کل تلک الروایات لا یصور إلا محتاجا طالبا لمعونتهم، وهم فی کلها متفضلون علیه یملکون قبول التماساته أو رده من دون أن یصل إلی مطلوبه، وأفضل شاهد علی هذه الحقیقة هی ما قدمه الغزالی فی تعریف عبد الرحمن بن الحارث بن هشام حیث قال (عبد الرحمن بن الحارث بن هشام __ فقیه المدینة ورئیسها __ ولم یکن له بالمدینة نظیر وبه ضربت المثل عائشة رضی الله عنها حیث قالت لو لم أسر مسیری ذلک لکان أحب إلی من أن یکون لی ستة عشر ذکراً من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم مثل عبد الرحمن بن الحارث بن هشام) ومع ان هذه العبارة لا ربط لها بقصة زواج الامام الحسن صلوات الله وسلامه علیه وخطبته إلا أن الغزالی أقحمها إقحاما فی ضمنها لیعلو شأن عبد الرحمن وینزل من شأن الحسن صلوات الله وسلامه علیه وإلا ما معنی قوله فقیه المدینة ورئیسها ولم یکن له فی المدینة نظیر ألا یعنی انه أفضل من الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه جاها وفقها،لان الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه من أهل المدینة ومع ذلک لم یجعله الغزالی نظیرا لعبد الرحمن بن الحارث.

ص: 174

وکشاهد ثانٍ تأمل فی قوله (وقال: ألا أرسلت إلی فکنت أجیئک فقال: الحاجة لنا) فجعل الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه محتاجا وعلی العکس صور عبد الرحمن فجعله الکریم والوجیه الذی یقصده الإمام صلوات الله وسلامه علیه بحوائجه.

أما لماذا حاول القوم إعلاء شان عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فهذا ما یمکن معرفته من خلال معرفة شخصیته وانتماءاته ومیوله الفکریة والتی ستتضح من خلال التالی:

قال محمد بن سعد: (هو عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغیرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن یقظة بن مرة و أمه فاطمة بنت الولید بن المغیرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ویکنی عبد الرحمن أبا محمد وکان بن عشر سنین حین قبض النبی صلی الله علیه وآله وسلم. ومات أبوه الحارث بن هشام فی طاعون عمواس بالشام سنة ثمانی عشرة فخلف عمر بن الخطاب علی امرأته فاطمة بنت الولید بن المغیرة(1)وهی أم عبد الرحمن بن الحارث فکان عبد الرحمن فی حجر عمر وکان یقول ما رأیت ربیبا خیرا من عمر بن الخطاب... وتوفی عبد الرحمن بن الحارث فی خلافة معاویة بن أبی سفیان بالمدینة وکان رجلا شریفا سخیا مریا وکان قد شهد الجمل مع عائشة وکانت عائشة تقول لان أکون قعدت فی منزلی عن مسیری إلی البصرة أحب إلی من أن یکون لی من رسول الله عشرة من الولد کلهم مثل عبد الرحمن بن الحارث بن هشام)(2).


1- فعمر بن الخطاب زوج أم عبد الرحمن بن الحارث وهو الذی رباه بعد زواجه منها.
2- الطبقات الکبری لمحمد بن سعد ج 5 ص 5 __ 6.

ص: 175

وتزوج بنت عثمان بن عفان فولدت له کما یقول ابن سعد (زینب... ویقال بل اسمها مریم وأمها مریم ابنة عثمان بن عفان بن أبی العاص بن أمیة)(1).

وقد روی عبد الرحمن هذا أحادیث شنیعة تمس قدسیة النبی الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم منها حدیثه الذی یصرح فیه ان النبی صلی الله علیه وآله وسلم کان یصبح جنبا من جماع غیر احتلام ثم یصوم ذلک الیوم(2)، وهو أیضا احد رواة حدیث صیام یوم عاشوراء الذی ابتدعه بنو أمیة(3) بعد استشهاد الإمام الحسین


1- المصدر السابق ص7.
2- الاستذکار لابن عبد البر ج3 ص 292 __ 293.
3- روی الشیخ الکلینی فی الکافی ج 4 ص 147عن محمد بن سنان، عن أبان، عن عبد الملک قال: (سألت أبا عبد الله علیه السلام عن صوم تاسوعا وعاشوراء من شهر المحرم فقال تاسوعا یوم حوصر فیه الحسین علیه السلام وأصحابه رضی الله عنهم بکربلا واجتمع علیه خیل أهل الشام وأناخوا علیه وفرح ابن مرجانة وعمر بن سعد بتوافر الخیل وکثرتها واستضعفوا فیه الحسین صلوات الله علیه وأصحابه رضی الله عنهم وأیقنوا أن لا یأتی الحسین علیه السلام ناصر ولا یمده أهل العراق __ بأبی المستضعف الغریب __ ثم قال وأما یوم عاشورا فیوم أصیب فیه الحسین صریعا بین أصحابه وأصحابه صرعی حوله [عراة] أفصوم یکون فی ذلک الیوم؟! کلا ورب البیت الحرام ما هو یوم صوم وما هو إلا یوم حزن ومصیبة دخلت علی أهل السماء وأهل الأرض وجمیع المؤمنین ویوم فرح وسرور لابن مرجانة وآل زیاد وأهل الشام غضب الله علیهم وعلی ذریاتهم وذلک یوم بکت علیه جمیع بقاع الأرض خلا بقعة الشام،فمن صامه أو تبرک به حشره الله مع آل زیاد ممسوخ القلب مسخوط علیه ومن ادخر إلی منزله ذخیرة أعقبه الله تعالی نفاقا فی قلبه إلی یوم یلقاه وانتزع البرکة عنه وعن أهل بیته وولده وشارکه الشیطان فی جمیع ذلک).

ص: 176

صلوات الله وسلامه علیه، قال ابن عبد البر: (وذکر عبد الرزاق عن ابن جریج عن عبد الملک بن أبی بکر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أنه أخبره أن عمر بن الخطاب أرسل إلی عبد الرحمن بن الحارث لیلة عاشوراء أن تسحر لتصبح صائما فأصبح عبد الرحمن صائما هکذا قال أرسل إلی عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وهذا حدیث متصل وهو عندی أصح من بلاغ مالک)(1).

وهو الذی: (قال لمعاویة لما قتل حجر بن عدی وأصحابه أین عزب منک حلم أبی سفیان، ألا حبستهم فی السجون، وعرضتهم للطاعون)(2). ولا ادری ما الفرق بین أن یقتلهم معاویة علیه اللعنة بالسیف أو یعرضهم للطاعون لیمیتهم به، فاعتراضه بحسب الظاهر من کلامه هو لیس علی أصل قتلهم وانهم من الأولیاء وان حجر بن عدی کان من خیار الصحابة، وإنما علی الطریقة المکشوفة والعلنیة التی قتلوا بها صبرا، فعبد الرحمن کان یرید من معاویة أن یقتلهم بصورة مبطنة لا تترک وراءها أثرا.

فتحصل مما سبق ان عبد الرحمن بن الحارث هو من تربی فی بیت عمر بن الخطاب وترعرع تحت إشرافه، وهو زوج ابنة عثمان بن عفان، وهو احد


1- الاستذکار لابن عبد البر ج3 ص 328.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید ج 18 ص 301.

ص: 177

من روج بدع بنی أمیة وأشاع أضالیلهم وهو احد من شارک فی الإساءة إلی شخص النبی صلی الله علیه وآله وسلم وشوّه صورته.

فکیف لا یفضل مثل هذا علی الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه من قبل الأمویین والعباسیین، ولیس من الغریب أن یرمی الحسن صلوات الله وسلامه علیه بالمطلاق فی روایته المکذوبة بعد أن رمی النبی صلی الله علیه وآله وسلم بانه یصوم وهو مجنب والعیاذ بالله، ولیس غریب ان یفتری علی الإمام الحسن بعد أن حرض معاویة بن أبی سفیان علی قتل الصالحین أمثال حجر بن عدی وأصحابه.

الوجه الرابع: هل یسرقون فضائل فاطمة الزهراء علیها السلام أم ماذا؟

  نقلت الروایة قول عبد الرحمن بن الحارث التالی: (ولکنک تعلم أن ابنتی بضعة منی یسوءنی ما ساءها ویسرنی ما سرها).

ومن له أدنی إحاطة بطریقة کلام النبی صلی الله علیه وآله وسلم وأسلوبه فی الخطاب مع ابنته وقرة عینه السیدة فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه علیها یجد بأنه صلی الله علیه وآله وسلم قد أطلق هذه الکلمات بحقها صلوات الله وسلامه علیها فعن البخاری قال: (حدثنا أبو الولید حدثنا ابن عیینة عن عمر و ابن دینار عن ابن أبی ملیکة عن المسور بن مخرمة ان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال فاطمة بضعة منی فمن أغضبها أغضبنی)(1).


1- صحیح البخاری ج 4 ص210.

ص: 178

وعن مسلم قال: (عن المسور بن مخرمة قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إنما فاطمة بضعة منی یؤذینی ما آذاها)(1).

وعن الطبرانی قال: (حدثنا جعفر بن هارون النوفلی المدنی ثنا عبد العزیز بن عبد الله الأویسی قال ثنا عبد الله بن جعفر المخرمی عن أم بکر بنت المسور عن أبیها أن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال أن فاطمة شجنة منی ویغضبنی ما أغضبها ویبسطنی ما یبسطها)(2).

 وروی جلال الدین السیوطی: (فاطمة بضعة منی، یقبضنی ما یقبضها، ویبسطنی ما یبسطها، وإن الأنساب تنقطع یوم القیامة غیر نسبی وسببی وصهری)(3).

فهل ما قاله عبد الرحمن بن الحارث عن ابنته التی لم یذکر لنا التاریخ اسمها هو سرقة لأوصاف وفضائل السیدة فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه علیها، أم ان عبد الرحمن بن الحارث فی هذه الروایة یحاول أن یشبه نفسه بالنبی صلی الله علیه وآله وسلم ویتقمص شخصیته، ویسرق نفس ألفاظه، أم ان الأمر مجرد صدفة، وإذا کان الأمر صدفة فلماذا لم یختر ألفاظا أخری أو بمعنی أدق لماذا لم یختر له واضع الروایة ألفاظا أخری یستدل بها علی کبیر معزته وعظیم محبته لابنته.


1- صحیح مسلم ج 7 ص 141.
2- المعجم الکبیر للطبرانی ج 22 ص 405.
3- الجامع الصغیر لجلال الدین السیوطی ج 2 ص 208.

ص: 179

الروایة الثالثة عشر

اشارة

عن ابن عساکر فی تاریخ مدینة دمشق قال: (أنبأنا أبو القاسم علی بن إبراهیم وأبو الوحش سبیع بن المسلم وغیرهما عن أبی الحسن بن نظیف المقرئ أنا أبو الفتح إبراهیم بن علی بن إبراهیم بن سیبخت البغدادی نا أبو بکر محمد بن یحیی بن العباس الصولی حدثنی عون عن أبیه عن الهیثم نا ابن عیاش عن أبیه قال خطب الحسن والحسین صلوات الله وسلامه علیهما وعبد الله بن جعفر صلوات الله وسلامه علیهما إلی المسیب بن نجبه ابنته الحسان فقال لهم إن لی فیها أمیرا لن أعدو أمره فأتی علی بن أبی طالب فأخبره خبرهم واستشاره فقال له علی أما الحسن فإنه رجل مطلاق ولیس تحظین عنده وأما الحسین فإنما هی حاجة الرجل إلی أهله وأما عبد الله بن جعفر فقد رضیته لک فزوجه المسیب ابنته)(1).

ولا شک عندنا فی کذب هذه الروایة لعدة أسباب منها:

أولا: سند الروایة ضعیف وهی مما تفرد بها ابن عساکر

هذه الروایة شأنها شان أغلب الروایات التی نقلت لنا وصف الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه بأنه مطلاق أو مزواج مردودة وواهیة من حیث إسنادها ففیها:


1- تاریخ مدینة دمشق لابن عساکر ج27 ص262 فی عبد الله بن جعفر ذی الجناحین الطیار.

ص: 180

1: أبو الفتح إبراهیم بن علی بن إبراهیم بن سیبخت البغدادی قال عنه الخطیب البغدادی: (إبراهیم بن علی بن الحسین بن سیبخت، أبو الفتح: سکن مصر وحدث بها عن أبی القاسم البغوی... وکان ضعیفا سیئ الحال فی الروایة)(1).

وقال عنه الذهبی: (إبراهیم بن علی بن إبراهیم بن الحسین بن سیبخت، أبو الفتح البغدادی الکاتب، نزیل مصر... قال الخطیب: کان سیئ الحال فی الروایة، وقال مرة:ساقط الروایة. توفی بمصر فی جمادی الآخرة)(2).

2: وفیها أیضا أبو القاسم علی بن إبراهیم الذی کان ینتسب إلی الإمام الصادق صلوات الله وسلامه علیه ولکنه مع ذلک کان منحرفا عن مذهب أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین وسبب انحرافه هو أستاذه ومؤدبه أبو عمران الصقلی، قال الذهبی: (قال ابن عساکر: کان ثقة مکثرا، له أصول بخطوط الوراقین، وکان متسننا، وسبب تسننه مؤدبه أبو عمران الصقلی)(3).

وکان أبو القاسم هذا مبغضا للشیعة حیث أوصی قبل موته أن لا یحضر ولا یتولاه احد من الشیعة،قال الذهبی: (ثم قال: وکانت له جنازة عظیمة،وأوصی أن یصلی علیه جمال الإسلام أبو الحسن الفقیه، وأن یسنم


1- تاریخ بغداد للخطیب البغدادی ج 6 ص 131.
2- تاریخ الإسلام للذهبی ج 27 ص 300.
3- سیر أعلام النبلاء للذهبی ج 19 ص 360.

ص: 181

قبره، وأن لا یتولاه أحد من الشیعة، وحضرت دفنه، توفی فی الرابع والعشرین من ربیع الآخر سنة ثمان وخمس مئة، ودفن بالمقبرة الفخریة عند المصلی)(1).

ومثل هکذا شخص فی قلبه کل هذا الحقد لا یُؤَمن أن یصدر منه حتی الکذب فی سبیل الإساءة إلی الشیعة ورموزها.

3: وفیها کذلک أبو بکر محمد بن یحیی بن العباس الصولی الذی کان یکذب علی شیخه الغلابی قال ابن حجر فی لسان المیزان: (وذکر ابن السمعانی فی ترجمة یحیی بن عبد الوهاب بن مندة نزیل بغداد عن یحیی سمعت عمی أبا القاسم یقول سمعت أبا الحسین ابن فارس یقول سمعت أبا أحمد بن أبی العشار یقول أبو أحمد العسکری کذب علی الصولی مثل ما کان الصولی یکذب علی الغلابی مثل ما کان الغلابی یکذب علی سائر الناس)(2).

وکان الصولی مقربا من بنی العباس ومؤدبا لأولادهم، وراویة لإخبارهم قال خیر الدین الزرکلی فی کتابه الأعلام: (نادم ثلاثة من خلفاء بنی العباس، هم: الراضی والمکتفی والمقتدر. وله تصانیف، منها الأوراق فی أخبار آل العباس وأشعارهم، طبع منه أشعار أولاد الخلفاء وأخبار الراضی والمتقی)(3).


1- المصدر السابق.
2- لسان المیزان لابن حجر ج 5 ص 428.
3- الأعلام لخیر الدین الزرکلی ج 7 ص 136.

ص: 182

وشخص له مثل هذا القرب من بنی العباس لا یتوقع منه ان یروی عن الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه ما یعلی شانه ویرفع مکانته، لان السیاسة العباسیة ومن قبلها الأمویة شددت علی کل أتباعها ومحبیها ومؤیدیها أن لا یذکر لآل علی صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین فضل، ولا یعلو لهم ذکرٌ، وحری بالصولی وهو المقرب منهم والمنادم لطواغیتهم أن یجری مجری سادته من العباسیین.

فسند یجمع بین أبن سیبخت الضعیف والسیء الحال فی الروایة، وبین أبی القاسم علی بن إبراهیم الحاقد علی الشیعة، وبین الصولی الذی کان یکذب علی أستاذه، وأستاذه الذی کان یکذب علی الناس وهو فوق کونه کاذبا کان مقربا عند الظالمین ومربیا للجائرین ومنادما للفاسقین یروی أشعارهم ویقص أخبارهم، فسند هذا حاله حری ان لا یؤخذ به ولا یُطمَأن إلیه، ولا یرکن إلی محتواه.

والروایة مع کل هذا وذاک ینفرد ابن عساکر فی روایتها ولم نعثر علیها فی مصدر آخر علی الرغم من تتبعنا لها فی أکثر من أربعة آلاف مصدر(1).


1- صار الوصول إلی الکتاب فی الوقت الحاضر والبحث عن الروایة أو الواقعة التاریخیة سهل المنال بواسطة الوسائل الحدیثة، فالباحث صار یجد آلاف الکتب مودعة وموضوعة علی قرص مدمج CD)) فیحصل علی ما یرید من معلومات.

ص: 183

ثانیا: هل کان اسم ابنة المسیب بن نجبة الحسان؟

ذکرت الروایة ان الحسان هو اسم لابنة المسیب بن نجبة، وهو من الکذب الصریح حیث أجمعت أقوال المؤرخین واهل النسب علی ان من تزوجها جعفر بن أبی طالب هی جمانة بنت المسیب بن نجبة ولیست الحسان،وهی التی أنجبت له عون بن جعفر بن أبی طالب الذی استشهد مع عمه الحسین صلوات الله وسلامه علیه، قال الطبری: (وقتل عون بن عبد الله بن جعفر بن أبی طالب وأمه جمانة ابنة المسیب بن نجبة بن ربیعة بن ریاح من بنی فزارة قتله عبد الله بن قطبة الطائی ثم النبهانی)(1).وقال ابن حبان: (وکانت أم عون بن عبد الله بن جعفر بن أبی طالب جمانة بنت المسیب بن نجبة بن ربیعة)(2).

وجمانة هذه کانت زوجة حذیفة بن الیمان رضوان الله تعالی علیه،قال محمد بن سعد فی طبقاته: (جمانة بنت المسیب بن نجبة الفزاری تزوجها حذیفة بن الیمان وروت عنه أخبرنا خلاد بن یحیی حدثنا عمرو بن دینار قال أخبرنا حنظلة بن سبرة بن المسیب بن نجبة الفزاری أن عمته جمانة بنت المسیب کانت عند حذیفة بن الیمان وکان ینصرف من صلاة الفجر فی رمضان فدخل معها فی لحافها یولیها ظهره یستدفئ بقربها ولا یقبل علیها بوجهه)(3). فیظهر ان القوم لم یراجعوا التاریخ قبل أن یکذبوا علی الإمام الحسن والحسین علیهما السلام هذه الکذبة الشنیعة.


1- تاریخ الطبری ج 4 ص 359.
2- الثقات لابن حبان ج 2 ص 311.
3- الطبقات الکبری لمحمد بن سعد ج 8 ص 482.

ص: 184

ثالثا: فی الروایة أشیاء مبهمة یصعب فهمها

  اشتملت الروایة بالإضافة إلی ما مر علی أشیاء مبهمة لیس لها تفسیر واضح، نشیر إلی بعض منها فیما یلی من دون الخوض فی تفاصیلها.

1: منها قول الراوی (خطب الحسن والحسین صلوات الله وسلامه علیهما وعبد الله بن جعفر صلوات الله وسلامه علیهما إلی المسیب بن نجبه ابنته الحسان) والمبهم فی الأمر هو هذه المصادفة الغریبة أن یخطب فیها الثلاثة دفعة واحدة لامرأة واحدة، وکیف سمحت أخلاق سید الشهداء الحسین بن علی صلوات الله وسلامه علیهما وهو سید شباب أهل الجنة أن یخطب امرأة خطبها أخاه الحسن صلوات الله وسلامه علیه قبله(1)، ألیس فی هذا أذی للحسن صلوات الله وسلامه علیه؟

وبالتالی من یؤذیه یؤذی النبی صلی الله علیه وآله وسلم، فهل ترید هذه الروایة ان توصل القارئ من حیث لا یعلم إلی ان الحسین صلوات الله وسلامه علیه کان مؤذیا لأخیه الحسن صلوات الله وسلامه علیه فهو مؤذی لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم والمؤذی لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یؤذی الله سبحانه، فیستحق اللعن والطرد من الرحمة الإلهیة.

فهؤلاء الوضاعون أرادوا أن یسیئوا للحسین صلوات الله وسلامه علیه ولأخیه الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه بطریقة ملتویة.


1- ودلیل ان الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه قد خطبها قبل الکل هو تقدیمه فی الکلام حیث قالت الروایة (خطب الحسن والحسین علیهما السلام وعبد الله بن جعفر).

ص: 185

ثم کیف تناسی الخاطبون الثلاثة قول النبی صلی الله علیه وآله وسلم الذی نقله البخاری وغیره عن ابن عمر انه قال: (نهی النبی صلی الله علیه وآله وسلم أن یبیع بعضکم علی بیع بعض ولا یخطب الرجل علی خطبة أخیه حتی یترک الخاطب قبله أو یأذن له الخاطب)(1).

وعن أبی هریرة أیضا عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم انه قال: (قال إیاکم والظن فان الظن أکذب الحدیث ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تباغضوا وکونوا عباد الله إخوانا ولا یخطب الرجل علی خطبة أخیه حتی ینکح أو یترک)(2).

فان نسی عبد الله بن جعفر هذا الذی روی عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم فان الإمامین الحسن والحسین صلوات الله وسلامه علیهما لا یمکن أن نتصور نسیانهما وهما المعصومان المنزهان عن کل نسیان ومخالفة لأمر النبی صلی الله علیه وآله وسلم ونهیه.

2: ومنها قول الراوی: (فقال لهم إن لی فیها أمیرا لن أعدو أمره فأتی علی بن أبی طالب فأخبره خبرهم واستشاره) فهذا عجیب بالمرة لأننا لم نسمع من قبل ولا فی هذا الزمن أن یستشار أهل الخاطب من قبل أهل المخطوبة، والأعجب منه قدح أهل الخاطب بأولادهم أمام أهل المخطوبة، والأشد عجبا من ذلک کله هو تفضیل أبناء الآخرین علی أبنائهم، فالروایة کما تری ملیئة بالعجائب وکل ما فیها مخالف للمتعارف عند کل البشر.


1- صحیح البخاری ج 6 ص 136 فی کتاب النکاح.
2- صحیح البخاری ج 6 ص 136 __ 137 کتاب النکاح.

ص: 186

3: ومنها قول الراوی: (فقال له علی أما الحسن فإنه رجل مطلاق ولیس تحظین عنده) فهل کان المسیب بن نجبة یعلم ان الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه مطلاق أو لا یعلم؟ فان کان یعلم بذلک فتصبح نصیحة الإمام أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه ومشورته بلا فائدة لأنه یشیر ویوضح للمسیب أمرا هو یعلمه ولیس بالجدید علیه فیکون بذلک أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه وحاشاه کمفسر الماء بعد الجهد بالماء، وهو ما لا ینسجم مع حکمة الإمام أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه وبلاغته ورجحان عقله.

 وأن کان المسیب بن نجبة لا یعلم بکون الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه مطلاقا، فکیف یقولون ان الحسن صلوات الله وسلامه علیه کان معروفاً بکونه مطلاقا، حتی ان أباه صلوات الله وسلامه علیه اضطر إلی أن یصعد المنبر ویقول مشتکیا من ابنه صلوات الله وسلامه علیه: (ما زال الحسن بن علی یتزوج ویطلق حتی خشیت أن یکون یورثنا عداوة فی القبائل) أو(یا أهل الکوفة، لا تزوجوا الحسن بن علی فإنه رجل مطلاق) فکیف بقی المسیب بن نجبة غافلا لا یعلم مع کل هذه الخطب، مع ان المسیب بن نجبة کان یعتبر من أصحاب أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه  ومن المقربین إلیه.

4: ومنها قول الراوی:

(وأما الحسین فإنما هی حاجة الرجل إلی أهله) فلا نقدر علی إیجاد معنی محدد ومفهوم من هذا القول فهل ان الإمام أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه  أراد

ص: 187

من کلامه أن یفهم المسیب بن نجبة بان الإمام الحسین صلوات الله وسلامه علیه یمثل بمواصفاته کل ما یمکن أن تحتاجه الزوجة والأهل وعلیه یکون جامعا لکل مواصفات الزوج المثالی وهذا المعنی بعید لان الروایة فی معرض الانتقاص من شخصیة الإمام الحسین صلوات الله وسلامه علیه، ولو کان هذا هو المقصود لما تأخر المسیب عن تزویجه من بنته.

أم أن الإمام أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه أراد من کلامه أن یوضح للمسیب بن نجبة بان الحسین صلوات الله وسلامه علیه هو رجل تقتصر اهتماماته بأهله علی مقدار حاجته فإذا قضی من أهله حاجته تبدلت اهتماماته وتحولت عنهم إلی شیء آخر.

أو یکون المقصود هو ان الإمام الحسین صلوات الله وسلامه علیه لا تستطیع الزوجة الاستفادة منه ومن وجوده إلا بمقدار ما تسد به حاجتها، ولعل المقصود أمر آخر إلا أن المقطوع به هو ان هذه الروایة المفتراة هی فی صدد توجیه الانتقاص والمذمة إلی شخص الإمام الحسین صلوات الله وسلامه علیه حاشاه من کل ما أفترته هذه الروایة علیه وعلی أخیه وأبیه صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین.

5: ومنها قول الراوی: (وأما عبد الله بن جعفر فقد رضیته لک) ولا ندری لماذا لم یذکر لنا الراوی الأسباب التی أدت الی تفضیل عبد الله بن جعفر علی الحسن والحسین صلوات الله وسلامه علیهما ولماذا اکتفی المسیب بن نجبة بقول الإمام أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه (فقد رضیته لک) بینما فصل القول فی تعداد

ص: 188

الأمور التی تنتقص من شخصیة الإمامین المعصومین صلوات الله وسلامه علیهما،ومع کبیر فضل عبد الله بن جعفر بن أبی طالب وارتفاع منزلته إلا أننا لا نجد أمرا واحدا یمکن أن یکون سببا لتفضیله علی الإمامین صلوات الله وسلامه علیهما فأبوهما صلوات الله وسلامه علیه أفضل من أبیه بإجماع المسلمین وأمهما أفضل من أمه بل من جمیع نساء العالمین وجدهما أفضل من جده بلا خلاف وهما سیدا شباب أهل الجنة وهو احد أفراد أهلها،أما من حیث الکرم والشجاعة والنجدة والفصاحة وحتی الوسامة والجمال فلم ینقل لنا التاریخ بأنه أفضل منهما بل العکس هو ما قد نقل، وعلیه یبقی الأمر الذی رجح کفة عبد الله بن جعفر علی کفة سبطی النبی وریحانتیه مجهولا لا یهتدی إلیه، ولعل الراوی تعمد فی إبقائه مجهولا لعدم وجود ما یستدعی ذلک الترجیح.

الروایة الرابعة عشر والخامسة عشر

اشارة

قال محمد بن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنی حاتم بن إسماعیل، عن جعفر ابن محمد، عن أبیه، قال: قال علی:

(یا أهل الکوفة، لا تزوجوا الحسن بن علی فإنه رجل مطلاق.

فقال رجل من همدان: والله لنزوجنه، فما رضی أمسک وما کره طلق)(1).


1- ترجمة الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه من طبقات ابن سعد ص 69،تحقیق: السید عبد العزیز الطباطبائی.

ص: 189

وقال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا حاتم بن إسماعیل، عن جعفر ابن محمد، عن أبیه، قال: قال علی:

( ما زال الحسن بن علی یتزوج ویطلق حتی خشیت أن یکون یورثنا عداوة فی القبائل)(1).

ملاحظة هامة

سیأتی تفصیل الجواب عن متن هاتین الکذبتین عند ردنا علی روایات زواج الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه فی کتب الشیعة، فنحیل بذلک القارئ الکریم إلی هناک لمعرفة تفاصیل الرد.

خاتمة هذا الفصل: متی أُبتدعت هذه الروایات؟

اشارة

حاولنا فی هذا الفصل استقصاء کل الروایات التی تحدثت عن زوجات الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه ومطلقاته اللاتی جاء لهن ذکر فی کتب أهل السنة، وقد تبین بحمد الله سبحانه وعن طریق التمحیص السندی والدلالی ان کل هذه الروایات لا یمکن أن یعول علی صحتها بحال من الأحوال، وبقی لنا وقفة أخیرة مع تلکم الروایات المختلقة والموضوعة.

لنتبین من خلال التأمل والفحص الدقیق عن أعمار وأزمنة وجود رواة تلک الروایات الخمس عشرة المتقدمة، لنصل من خلال هذا التدقیق ومن


1- ترجمة الإمام الحسن علیه السلام من طبقات ابن سعد ص 69، تحقیق السید عبد العزیز الطباطبائی.

ص: 190

خلال أشیاء أخری إلی حقیقة مهمة للغایة، هذه الحقیقة التی ذکرناها مرات عدة فی ضمن ردنا علی تلک الروایات، وهی ان هذه الفریة والکذبة علی الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه قد اختلقت فی زمن بنی أمیة وبنی العباس.

 ولکننا وفیما تقدم لم نقدم الدلیل علی هذا القول، والآن حان وقت تقدیم ما نستدل به علی هذه الحقیقة.

وسنحاول أولا التحقیق فی سنی تواجد الرجال الذین نقلوا هذه الروایات، وما هی میولهم الفکریة والسیاسیة إن وجدنا لها ذکراً فی تراجمهم، لیتبین لنا من خلال ذلک کله الزمن الدقیق لنشوء هذه الأکاذیب والمفتریات.

متی رویت الروایة الأولی

  قد رویت الروایة الأولی التی تقدم فی هذا الفصل ذکرها ومناقشتها بالأصل عن (عبد الله بن حسن) وهو کما یقول ابن حبان:

(عبد الله بن حسن بن حسن بن علی بن أبی طالب الهاشمی أمه فاطمة بنت الحسین بن علی من سادات أهل المدینة وعباد أهلها وعلماء بنی هاشم)(1).

أما توجهاته الخاصة والتزاماته السیاسیة فهی کما أوضحها الخطیب البغدادی بقوله: (حدثنا أحمد بن الحارث الخزاز قال: قال محمد بن


1- مشاهیر علماء الأمصار لابن حبان ص 205.

ص: 191

سلام الجمحی: وأما عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علی بن أبی طالب، فکان یکنی أبا محمد، مات ببغداد، وکان ذا منزلة من عمر بن عبد العزیز فی خلافته، ثم أکرمه أبو العباس ووهب له ألف ألف درهم)(1).

أما وفاته فکانت فی زمن المنصور، قال الخطیب البغدادی: (أخبرنا الحسن بن أبی بکر، أخبرنا الحسن بن محمد بن یحیی العلوی، حدثنا جدی، حدثنا موسی بن عبد الله قال: توفی عبد الله بن الحسن فی حبس أبی جعفر وهو ابن خمس وسبعین سنة)(2).

فزمن هذه الروایة الأولی متردد بحسب ما تقدم ما بین سنة خمس وثمانین للهجرة تقریبا وما بین سنة مئة وسبعة وخمسین للهجرة وهی نهایة حکم المنصور، یزید علی ذلک سنون أو ینقص سنون لأن عبد الله بن الحسن کما عرفت قد توفی وعمره خمس وسبعون سنة.

فیکون بذلک زمن الروایة الأولی منحصرا ما بین ولایة عبد الملک بن مروان والحجاج بن یوسف الثقفی وما بین ولایة المنصور الدوانیقی، وبمعنی آخر یکون زمن وجود الروایة الأولی منحصرا ما بین أواخر عمر الدولة الأمویة وبدایة نشوء الدولة العباسیة.


1- تاریخ بغداد للخطیب البغدادی ج 9 ص 439 __ 440.
2- المصدر السابق.

ص: 192

متی رویت الروایة الثانیة؟

قد تقدم ان راوی هذه الروایة المکذوبة فی الأصل (هو عبد الله بن أبی بکر بن محمد بن حزام)، والصحیح کما راجعنا اسمه هو (ابن حزم) والذی یقول عنه ابن حزم: (عبد الله بن أبی بکر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاری أبو محمد ویقال أبو بکر المدنی... توفی سنة خمس وثلاثین ومائة ویقال سنة ثلاثین وهو ابن سبعین سنة ولیس له عقب)(1).

وقال جلال الدین السیوطی: (عبد الله بن أبی بکر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاری المدنی... مات سنة خمس وثلاثین ویقال سنة ثلاثین ومائة وهو بن سبعین سنة)(2).

فیکون بذلک زمن الروایة محصورا ما بین سنة سبعین أو خمسة وسبعین وما بین سنة مئة وثلاثین أو خمسة وثلاثین، وهو نفس زمن وجود الروایة الأولی.

أما توجهات عبد الله بن أبی بکر فیمکن استکشافها من الروایة التالیة التی تظهر قربه من الولید بن عبد الملک الأموی، فقد اخرج بن حزم فی تهذیب التهذیب (وذکر الزبیر بن بکار فی أول نسب قریش أن ابن صیاد یعنی عمارة،وابن حزم یعنی عبد الله ابن أبی بکر بن محمد بن عمرو بن حزم


1- تهذیب التهذیب لابن حجر ج 5 ص 144.
2- إسعاف المبطأ برجال الموطأ جلال الدین السیوطی ص 55 __ 56.

ص: 193

استبا(1) فقال ابن حزم لابن صیاد لستم منا، وقال ابن صیاد لابن حزم لستم من العرب، فبلغ الولید وهو خلیفة فکتب أن زعم ابن حزم أنهم من ولد إسماعیل فحد له ابن صیاد(2) وإن أنکر فلا، فانا لا نعرف عربیا إلا من ولد إسماعیل، فزعم ابن حزم من أنهم ولد إسماعیل، فحد له ابن صیاد(3)). وفی هذه الروایة أکثر من إشارة تدل علی قرب عبد الله بن أبی بکر من الولید،لان سرعة وصول مسألة التسابب ما بین ابن صیاد وابن حزم تدل علی ان کلا المتسابین أو احدهما قریب من الحاکم وله منزلة مهمة عنده، وإلا فما أکثر ما تقع الشجارات والکلام الغلیظ بین الناس ولکن واحدة منها لا تصل إلی مسامع الحاکم، فوصول هذه دون غیرها دلیل علی ما قدمناه.

وثانیا ان الموقف الحازم والمتشدد من الولید تجاه ابن صیاد یدلل علی ان المقرب من السلطة إنما هو عبد الله بن أبی بکر دون ابن صیاد، وإلا فلماذا لم یقم الحد علی عبد الله بن أبی بکر بسبب سبه لابن صیاد، لان الروایة تصرح بأنهما قد تسابا،أی ان فعل السب کان مشترکا بینهما، فلماذا أقیم الحد علی خصمه بینما نجا هو بفعلته؟!.

ثم هل کان ابن صیاد یستحق إقامة الحد علیه؟وبمعنی آخر هل عقوبة من یقول لشخص آخر انک لست عربیا هو إقامة الحد علیه؟! ولماذا اکتفت السلطة


1- یعنی سب احدهما الآخر.
2- أی إن کذب ابن صیاد فی اتهامه لابن حزم بأنه لیس من العرب فانه یقام علیه الحد.
3- أی فأقیم الحد علی ابن صیاد.

ص: 194

بمجرد زعم عبد الله بن أبی بکر وادعائه بأنه من ولد إسماعیل من دون ان تطلب منه إقامة البینة الشرعیة التی هی شاهدین عدلین علی صحة زعمه؟!.

ثم ان سرعة انتصار السلطة له یدل بوضوح علی قرب عبد الله بن أبی بکر من الحاکم وان کلامه عنده یعدل البینة الشرعیة وان کل من یتعرض له بالأذی یکون مصیره مصیر ابن صیاد وربما اشد.

زمن وجود الروایة الثالثة

رویت هذه الروایة عن ابن سیرین وهو کما یقول ابن حبان: (محمد بن سیرین الأنصاری أبو بکر... ومات بالبصرة فی شوال بعد الحسن بمائة یوم وقبره بإزاء قبر الحسن بالبصرة مشهور یزار وقد زرتهما غیر مرة)(1).

وعن ابن عساکر قال: (... حدثنا محمد بن علی عن محمد بن إسحاق قال سمعت أبا عمر الضریر یقول مات الحسن قبل ابن سیرین بمائة لیلة توفی الحسن البصری سنة عشر ومائة وتوفی ابن سیرین فیها)(2).

فتکون فترة وجوده متقاربة ومعاصرة لرواة الروایتین السابقتین.

أما ما یتعلق بتوجهاته السیاسیة فیکفی أن نشیر إلی انه کان مقربا من الحجاج بن یوسف الثقفی علیه لعائن الله تتری، ولشدة قربه منه صار مؤدبا لأولاده(3).


1- مشاهیر علماء الأمصار لابن حبان ص 143.
2- تاریخ مدینة دمشق لابن عساکر ج53 ص239.
3- مستدرکات علم رجال الحدیث للشیخ علی النمازی الشاهرودی ج 7 ص 132.

ص: 195

وکان لا یرضی ولا یجوز لعن الحجاج فعن ابن حبان قال: (قیل للحسن __ البصری __ إن بن سیرین لا یلعن الحجاج قال لکنی ألعنه لعنه الله لعنا کثیرا)(1).

وهذا النفس والهوی الأموی الذی کان غالبا علی ابن سیرین انعکس وبصورة جلیة علی روایته التی رواها بخصوص زواج الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه، لأننا وفی أثناء نقاش تلک الروایة أثبتنا محاولاته فی سبیل رفع بعض الشخصیات الأمویة علی حساب النیل من شخصیة الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه ومنزلته وکرامته.

زمن وجود الروایة الرابعة

 قد رویت بالأصل عن ابن أبی ملیکة وهو کما یقول ابن حبان:(بن أبی ملیکة اسمه عبد الله بن عبید الله بن عبد الله بن أبی ملیکة القرشی کنیته أبو بکر رأی ثمانین من أصحاب النبی صلی الله علیه وآله وسلم کان من الصالحین والفقهاء فی التابعین والحفاظ والمتقنین مات سنة سبع عشرة ومائة واسم أبی ملیکة زهیر)(2).

فیکون زمن وجوده متحداً مع زمن وجود من سبقه من الرواة.

أما توجهات ابن أبی ملکة هذا فقد تحدث عنها الرازی بقوله: (عبد الله بن عبید الله بن أبی ملیکة القرشی التیمی مکی وکان قاضیا علی عهد ابن الزبیر)(3).


1- الثقات لابن حبان ج 6 ص 241.
2- مشاهیر علماء الأمصار لابن حبان ص 135.
3- الجرح والتعدیل للرازی ج 5 ص 99.

ص: 196

وقد تبین لنا جلیا عند نقاشنا للروایة الثامنة وبالتحدید فی الوجه الثالث علاقة آل الزبیر بأهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین ومدی حقد ابن الزبیر علی آل علی صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین وکل من یوالیهم، ومن الطبیعی أن ینعکس هذا الحقد وهذه الکراهیة علی من یکون قاضیا عندهم.

زمن وجود الروایة الخامسة

والتی رویت عن عبد الله بن حسن الذی تقدم الکلام عنه قبل قلیل فی الروایة الأولی.

زمن وجود الروایة السادسة

  والتی قد رویت عن علی بن عمر وهو کما یقول ابن حجر: (علی بن عمر بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب الهاشمی مستور من الثامنة)(1).

وقال المزی: (علی بن عمر بن علی بن الحسین بن علی ابن أبی طالب القرشی الهاشمی المدنی، روی عن: النبی صلی الله علیه وآله وسلم مرسلا،وعن ابن عمه جعفر بن محمد بن علی، وأبیه عمر بن علی)(2).

وقال التفرشی: (علی بن عمر بن علی: ابن الحسین بن علی بن أبی طالب علیهم السلام المدنی، عن أصحاب الصادق صلوات الله وسلامه علیه)(3).


1- تقریب التهذیب لابن حجر ج 1 ص 700.
2- تهذیب الکمال للمزی ج 21 ص 78.
3- نقد الرجال للتفرشی ج 3 ص 288.

ص: 197

وأما أبوه المذکور فی سند الروایة فهو کما فی تهذیب التهذیب: (عمر بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب الهاشمی المدنی الأصغر. روی عن أبیه وابن أخیه جعفر بن محمد بن علی وسعید بن مرجانة)(1).

وقال التفرشی:

(عمر بن علی بن الحسین: ابن علی بن أبی طالب علیهم السلام، مدنی، تابعی، روی عن أبی امامة بن سهل بن حنیف، من أصحاب الصادق صلوات الله وسلامه علیه)(2).

وأما علی بن حسین الذی وردت الروایة بالأصل عنه فهو الإمام علی بن الحسین زین العابدینصلوات الله وسلامه علیه، فیکون زمن هذه الروایة أیضا متقارباً مع ما تقدم.

زمن وجود الروایة السابعة

فهی عن علی بن محمد المدائنی عن قوم وهی وان کانت مرسلة إلا أننا نستطیع تحدید وقتهما من زمن وجود المدائنی الذی حدده الخطیب البغدادی بقوله: (... وأنه کان قد قارب مائة سنة، فقیل له فی مرضه: ما تشتهی؟ فقال: أشتهی أن أعیش. وکان مولده ومنشؤه بالبصرة، ثم سار إلی المدائن بعد حین، ثم سار إلی بغداد، فلم یزل بها حتی توفی بها فی ذی القعدة سنة


1- تهذیب التهذیب لابن حجر ج 7 ص 426.
2- نقد الرجال للتفرشی ج 3 ص 360.

ص: 198

أربع وعشرین ومائتین)(1). فیکون مولودا فی سنة مائة وأربعة وعشرین، وهی الفترة التی یشترک فیها کل رواة الأخبار التی تحدثت عن کثرة زواج وطلاق الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه.

أما توجهاته ومیوله فنستطیع فهمها من کلام الذهبی قال: (أخبرنا التنوخی، أخبرنا عمر بن محمد بن سیف وحدثناه أحمد بن عبد الله الدوری الوراق عنه قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن العباس الیزیدی، حدثنی أحمد بن زهیر بن حرب قال: کان أبی، ویحیی بن معین، ومصعب الزبیری یجلسون بالعشیات علی باب مصعب، قال فمر عشیة من العشیات رجل علی حمار فاره، وبزة حسنة، فسلم وخص بمسائله یحیی بن معین، فقال له یحیی: إلی أین یا أبا الحسن؟ فقال: إلی هذه الکریم الذی یملأ کمی من أعلاه إلی أسفله دنانیر ودراهم.

فقال: ومن هو یا أبا الحسن؟ فقال: أبو محمد إسحاق بن إبراهیم الموصلی، قال فلما ولی قال یحیی بن معین: ثقة، ثقة، ثقة. قال: فسألت أبی فقلت من هذا الرجل؟ قال:المدائنی)(2).

فالمدائنی إذن یتحرک من منطلق الدنانیر وهمه الأکبر هو أن یملأ کمه بالدنانیر من أعلاه إلی أسفله.


1- تاریخ بغداد للخطیب البغدادی ج 12 ص 55.
2- سیر أعلام النبلاء للذهبی ج10 ص401.

ص: 199

وأبو محمد إسحاق بن إبراهیم الموصلی الذی ذکر فی هذه الروایة هو: (أبو محمد إسحاق بن إبراهیم الموصلی، کان حلو النادرة ملیح المحاضرة ظریفا فاضلا کتب الحدیث عن ابن عیینة وهشیم بن بشیر وأبی معاویة الضریر، وأخذ الأدب عن الأصمعی وأبی عبیدة وبرع فی علم الغناء فغلب علیه ونسب إلیه، وکان الخلفاء یکرمونه ویقربونه إلی أنفسهم، وهو الذی جمع الکتاب الکبیر وسماه الأغانی)(1).

فإسحاق الموصلی وبحسب ما مر یعدُّ من المقربین لخلفاء بنی العباس، وتردد المدائنی علیه یعتبر تردد علی مقربی الدولة ووجوهها.

وبقیة الروایات الخمس عشرة کلها قد أوجدت فی نفس هذه الفترة التی قلنا سابقا أنها تمتد ما بین السنین الأخیرة من عمر الدولة الأمویة وبدایة نشوء الدولة العباسیة.

وقد اعرضنا عن التحقیق فی بقیتها خوف الإطالة وفیما ذکرناه سابقا کفایة لمتدبر.

وعلیه یصبح واضحا ان کل الروایات قد صدرت فی فترة متقاربة جدا یمکن تحدیدها بما ذکرنا من أنها کانت محصورة ما بین نهایات الهیمنة الأمویة وبدایات الغطرسة العباسیة.


1- الأنساب للسمعانی ج 5 ص 407.

ص: 200

شاهد آخر: خطبة المنصور الدوانیقی أیام حکومته الجائرة

  روی المسعودی فی کتابه مروج الذهب ان المنصور لما اخذ أبناء الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه وعزم علی قتلهم قام خطیبا فی أهل خراسان وقال: (یا أهل خراسان أنتم شیعتنا وأنصارنا وأهل دعوتنا ولو بایعتم غیرنا لم تبایعوا خیرا منا، إن ولد ابن أبی طالب ترکناهم والذی لا إله إلا هو والخلافة لم تتعرض لهم بقلیل ولا بکثیر فقام فیها علی فما أفلح وحکم الحکمین فاختلفت الأمة علیه وافترقت الکلمة(1) ثم وثب علیه شیعته وأنصاره فقتلوه، ثم قام بعده الحسن بن علی فوالله ما کان برجل(2)، لقد عرضت علیه الأموال فقبلها ودس إلیه معاویة أنی جاعلک ولی عهدی فخلعه وانسلخ له مما کان فیه وسلمه إلیه،وأقبل علی النساء یتزوج الیوم واحدة ویطلق غدا أخری فلم یزل کذلک حتی مات علی فراشه... فلما استقرت الأمور فینا علی قرارها من


1- العجب من هذا المخذول کیف یصف علیا بعدم الفلاح وکیف یدعی بانه صلوات الله وسلامه علیه قد حکم الحکمین والتاریخ کله یشهد بان أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه کان من أکثر الناس رفضا لذلک التحکیم وکیف یصف علیا بانه سبب لاختلاف الأمة وافتراق الکلمة وحیاة أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه ملیئة بآلاف الشواهد التی تؤکد حرصه علی وحدة الأمة واجتماع الکلمة ویکفی ترکه حقه وتنازله عن منصبه الذی جعله الله سبحانه له، وضرب صفحا عن الخلافة والإمارة فی سبیل الحفاظ علی صف المسلمین ووحدة کلمتهم ولکن أنی للمخذول فهم هکذا حقائق.
2- کیف سولت له نفسه وصف الإمام الحسن بقوله فوالله ما کان برجل،فان لم یکن سید شباب أهل الجنة رجلا فمن الرجل فی نظر هذا المخذول،ولیس هذا القول بعجیب من قتلة الأوصیاء وأولاد الأنبیاء الذین اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهیرا.

ص: 201

فضل الله وحکمه العدل وثبوا علینا حسدا منهم لنا وبغیا علینا بما فضلنا الله به علیهم وأکرمنا من خلافته میراثنا من نبیه(1))(2).

ونحن لا نرید أن ندخل فی نقاش وجدال حول ما ذکره هذا الکذاب من افتراءات تنم عن حقد متأصل فی نفس هذا المخذول من الله سبحانه،ولکننا نرید أن نشیر إلی أن قوله: (وأقبل علی النساء یتزوج الیوم واحدة ویطلق غدا أخری فلم یزل کذلک حتی مات علی فراشه) قد جاء مذکورا ضمن عدة أکاذیب تقدمتها، ثم ألحقها بکذبات أخری، ومن المنطقی جدا أن نحکم علی الذی یکون محله ما بین عدة أکاذیب بأنه کذبة أیضا.

فهو علیه لعائن الله یرید بقوله: (وأقبل علی النساء یتزوج الیوم واحدة ویطلق غدا أخری فلم یزل کذلک حتی مات علی فراشه) أن یصور الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه رجلا دنیویا منصرفا إلی اللذات والتمتع بالزیجات لیس له هم غیر إشباع شهوته ونزواته حاشاه حتی مات علی فراشه ولا یخفی ما فی هذه الکلمة من سر فهو یرید أن ینفی سم الإمام صلوات الله وسلامه علیه واستشهاده علی ید معاویة بن أبی سفیان.


1- أین هی النصوص التی تثبت أن بنی العباس هم ورثة النبی فی خلافته وإمارته، ألیس هذا من العجب العجاب، وکما قیل إذا لم تستح فافعل ما شئت.
2- مروج الذهب للمسعودی ج3 ص189.

ص: 202

والملفت للنظر ان تلک الروایات الخمس عشرة تتناسب من حیث الزمن مع ولایة وحکومة أبی جعفر المخذول العباسی والذی ذکرنا سابقا ان ولایته ابتدأت سنة مئة وستة وثلاثین للهجرة وامتدت إلی سنة مئة وسبعة وخمسین للهجرة،مما یجعلنا متیقنین بانها إنما ولدت فی تلک الحقبة الزمنیة، وان له باع طویل فی تأصیل جذورها وترویجها.

شاهد أخیر: لماذا لم یذکر معاویة کثرة زوجات الإمام الحسن علیه السلام

منذ أن کان النبی صلی الله علیه وآله وسلم فی مکة ینشر دعوة التوحید ویصدح بشریعة الإسلام، کان أبو سفیان وأولاده وباقی بنی أمیة ومن هو علی شاکلتهم یتربصون به وبأهل بیته الدوائر ویتمنون لو ان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أو احد أهل بیته یرتکب من الأخطاء أصغرها لیطبلوا بها ویزمرون، فیعظموا هذا الخطأ ویشنعوا علیه وعلی أهل بیته صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین فی سبیل کسر شوکتهم وتحطیم هیبتهم فی أعین الناس ولیتخذوا من هذا الخطأ مهما کان صغیرا مبررا لحربهم ضد الرسول صلی الله علیه وآله وسلم ورسالته.

 ولان النبی صلی الله علیه وآله وسلم وأهل بیته صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین کانوا معصومین من الخطأ ومطهرین من الزلل ومنزهین عن أن یصدر منهم أی قبیح ینفر الطباع منهم ویصرف عن النفوس هیبتهم، لم یمنحهم هو ولا أهل بیته صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین هذه الفرصة، إلا أن قریشا ومنهم آل أمیة وعائلة أبی

ص: 203

سفیان مع کل تلک النزاهة والعصمة والطهارة رموا النبی صلی الله علیه وآله وسلم وأهل بیته بسیل من التهم والافتراءات، عسی أن یصدقها من لا یعرف محمدا صلی الله علیه وآله وسلم وأهل بیته حق معرفتهم، فوصفوه تارة بالکاهن وأخری بالساحر وثالثة بالمجنون.

 وحالة التربص وتصید الأخطاء والزلات علی النبی صلی الله علیه وآله وسلم وأهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین بقیت کحالة مرضیة مستعصیة لازمت آل أبی سفیان ومن هم علی شاکلتهم من جبابرة قریش حتی بعد هجرته صلی الله علیه وآله وسلم ورحیله من ارض مکة المکرمة، إلا أن أنظار جمیع هؤلاء المتصیدین للزلات کانت متوجهة نحو النبی صلی الله علیه وآله وسلم بصورة رئیسة ما دام النبی صلی الله علیه وآله وسلم علی قید الحیاة.

وما أن رحل النبی صلی الله علیه وآله وسلم عن هذه الدنیا الفانیة ولحق بالرفیق الأعلی مستشهدا فی سبیل الله سبحانه، حتی توجهت أنظار أولئک المتصیدین للعثرات نحو أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب صلوات الله وسلامه علیه فتابعوا وبدقة کل قول أو فعل وکل موقف وتصریح یصدر عنه صلوات الله وسلامه علیه عسی أن یفلت منه ما یمکن أن یتخذوه سببا ومبررا لعدائهم واستبعادهم إیاه صلوات الله وسلامه علیه وغصبهم لحقه وحق أهل بیته صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین.

 ولما لم یجدوا ما یتخذونه غرضا یحقق أهدافهم لجاؤوا إلی اختلاق الأکاذیب ضده، لیسقطوا هیبته من قلوب الجماهیر التی کانت تری فی علی

ص: 204

صلوات الله وسلامه علیه نموذجا حیا للرسول الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم وتجسیدا خارجیا للقران الکریم بکل جوانبه، وقد نقل لنا التاریخ عدة من تلک التخرصات والاتهامات الباطلة التی حاول البعض وبشکل متعمد إلصاقها به، منها إشاعتهم ان علیا یحسد قریشا علی الملک الذی صار بأیدیهم بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم(1)، أو انه صغیر السن لیس له تجربة شیوخ قریش وخبرتهم لذلک أخروه وقدموا غیره(2)، أو انه فیه دعابة(3)، وقد حاول معاویة بن أبی


1- اخرج الطبری ج3 ص289 فی من ندب عمر ورثاه، وابن الأثیر فی الکامل فی التاریخ ج3 ص63 فی ذکر بعض سیرته، کلاهما عن ابن عباس فی محاورته مع عمر بن الخطاب نذکر محل الشاهد منها. قال عمر بن الخطاب لابن عباس (یا ابن عباس أتدری ما منع قومکم منهم بعد محمد؟! __ قال ابن عباس __ فکرهت أن أجیبه فقلت إن لم أکن أدری فأمیر المؤمنین یدرینی فقال عمر:کرهوا أن یجمعوا لکم النبوة والخلافة فتبجحوا علی قومکم بجحا بجحا، فاختارت قریش لأنفسها فأصابت ووفقت... فقال عمر: هیهات أبت والله قلوبکم یا بنی هاشم إلا حسدا ما یحول وضغنا وغشا ما یزول، فقلت: مهلا یا أمیر المؤمنین لا تصف قلوب قوم أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهیرا بالحسد والغش فإن قلب رسولصلی الله علیه وآله وسلم من قلوب بنی هاشم، فقال عمر: إلیک عنی یا ابن عباس).
2- وفی محاورة لأبی عبیدة ابن الجراح مع أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه بعد موت النبی صلی الله علیه واله قد جرت بینهما لما اقتید أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه بالقوة للبیعة، فقال له أبو عبیدة: (یا أبا الحسن،إنک حدیث السن، وهؤلاء مشیخة قریش قومک، لیس لک مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأمور...) راجع شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید ج 6 ص 11__ 14، الإمامة والسیاسة لابن قتیبة الدینوری تحقیق الزینی ج1 ص18.
3- وعن ابن عباس أیضا قال ( إنی لجالس مع عمر بن الخطاب ذات یوم إذ تنفس تنفسا ظننت أن أضلاعه قد تفرجت، فقلت یا أمیر المؤمنین ما أخرج هذا منک إلا شر، قال: شر والله إنی لا أدری إلی من أجعل هذا الأمر بعدی،ثم التفت إلی فقال: لعلک تری صاحبک لها أهلا، فقلت: إنه لأهل ذلک فی سابقته وفضله، قال: إنه لکما قلت، ولکنه امرؤ فیه دعابة) راجع کنز العمال للمتقی الهندی ج 5 ص 737، شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید ج 12ص 51 __ 55، وراجع أیضا ج 6 ص 326، وتاریخ المدینة لابن شبة النمیری ج 3 ص 880.

ص: 205

سفیان الاستفادة من هذا الذی أسسه أصحاب هذه المقولات فی سبیل تهییج أهل الشام ضد علی صلوات الله وسلامه علیه فی حرب صفین،فنقراء فی إحدی رسائله التی أرسلها إلی الإمام أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه ما نصه: (من معاویة بن أبی سفیان إلی علی بن أبی طالب، أما بعد، فدع الحسد فإنک طالما لم تنتفع به... فاقرأ السورة التی یذکر فیها الفلق وتعوذ من نفسک فإنک الحاسد إذا حسد)(1).

واشتهر أیضا شکایة الإمام أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه من عمرو بن العاص الذی کان یشنع علی میر المؤمنین بأنه فیه دعابة وانه امرؤ تلعابة فقال: صلوات الله وسلامه علیه (زعم ابن النابغة __ عمرو بن العاص __ أنی تلعابة أعافس وأمارس، إنه یمنعنی من ذلک ذکر الموت والحساب... )(2).


1- کتاب وقعة صفین لابن مزاحم المنقری ص110 فی نصیحة علی لحجر بن عدی وعمرو بن الحمق، وذکره أیضا احمد بن اعثم الکوفی فی کتابه الفتوح ج2 ص535 فی ذکر ادعاء معاویة استحقاق الخلافة،وراجع أیضا بحار الأنوار للمجلسی ج33 ص79 الباب السادس عشر باب کتبه صلوات الله وسلامه علیه إلی معاویة واحتجاجاته علیه.
2- انساب الأشراف للبلاذری ص 145.

ص: 206

ومن کتاب لأمیر المؤمنین أرسله إلی معاویة یظهر فیه جلیا مقدار ما کان یبذل من الجهد من قبل معاویة وحزبه وشجرته الملعونة لتتبع عثرات أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین ومحاولة إیجاد اصغر الأشیاء وابسطها فی سبیل اتخاذها سببا وأداة ینال بها من کرامة أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین وینتقص بها من شانهم.

فقال صلوات الله وسلامه علیه فی کتابه هذا: (وقلت: إنی کنت أقاد کما یقاد الجمل المخشوش حتی أبایع، ولعمر الله لقد أردت أن تذم فمدحت،وأن تفضح فافتضحت وما علی المسلم من غضاضة فی أن یکون مظلوما ما لم یکن شاکا فی دینه)(1).

وبعد مضی الإمام أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب صلوات الله وسلامه علیه شهیدا مظلوما انتقلت أنظار المتصیدین لزلات أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین وعثراتهم نحو ابنه ووارث إمامته الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه،فکان معاویة وحزبه حزب الشیطان، یراقب کل صغیرة وکبیرة تصدر عن الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه عسی أن یقع فی أیدیهم ما یکون سببا لحط منزلته فی المجتمع،والنیل من کرامته، بل قد کان منهم أن وضعوا الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه باختبارات صعبة ومواقف محرجة عسی أن ینهار تحت


1- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید المعتزلی ج15 ص183 من کتاب له صلوات الله وسلامه علیه إلی معاویة جوابا وهو من محاسن الکتب.

ص: 207

ضغوطاتهم فیتکلم أو یتصرف بما لا یلیق فیشهر به ویشنع علیه، وعلی هذه الحقیقة توجد شواهد کثیرة منها ما أخرجه ابن سعد حیث قال: (لما بایع الحسن بن علی معاویة(1) قال له عمرو بن العاص وأبو الأعور السلمی عمرو بن سفیان: لو أمرت الحسن فصعد المنبر فتکلم عیی عن المنطق! فیزهد فیه الناس...)(2).

ومنها ما أخرجه أهل السیر: (لما سلم الحسن الأمر إلی معاویة اجتمع إلی معاویة رهط من شیعته وهم عمرو بن العاص والولید بن عقبة بن أبی معیط وعتبة بن أبی سفیان بن حرب والمغیرة بن شعبة وقد کان بلغهم عن الحسن بن علی قوارص وبلغه عنهم مثل ذلک فقالوا لمعاویة أن الحسن قد أحیا أباه وذکره قال فصدق وأمر فأطیع وخفقت له النعال وإن ذلک لرافعه إلی ما هو أعظم منه ولا یزال یبلغنا عنه ما یسؤنا فابعث إلیه فلیحضر لنسبه ونسب أباه ونعیره ونوبخه ونخبره أن أباه قتل عثمان ونقرره بذلک...)(3).


1- لم یبایع الإمام الحسن بن علی صلوات الله وسلامه علیه معاویة بن ابی سفیان بل هادنه کما هادن النبیصلی الله علیه وآله وسلم کفار قریش فی صلح الحدیبیة لکن ابن سعد یرید من هذا القول دس السم فی العسل.
2- تاریخ الإسلام للذهبی ج4 ص39، تاریخ مدینة دمشق لابن عساکر ج46 ص59 عند حدیثه عن عمرو بن سفیان، وراجع أیضا الوافی بالوفیات للصفدی ج12 ص69.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید ج6 ص285 مفاخرة بین الحسن بن علی ورجالات من قریش.

ص: 208

فمعاویة وحزبه کما تری کانوا یتتبعون زلات الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه وهفواته حاشاه منها، فلو کان صحیحا ما یقال عن کون الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه مزواجا ومطلاقا لما تردد معاویة وحزبه حزب الشیطان فی استغلال هذه الألقاب والتشنیع من خلالها علی أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین عامة وعلی الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه خاصة، فان التاریخ لم یحدثنا بأنهم ذکروا شیئا عن کونه مطلاقا أو مزواجا وعدم ذکرهم لهذا الأمر یدل علی أن هذا الوصف لم یکن معروفا أثناء حیاة الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه وطوال مدة معاویة بن أبی سفیان لعنه الله، وإنما أوجدت بعد زمن معاویة بن أبی سفیان.

ص: 209

الفصل الثالث: روایات زواج الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه من مصادر الشیعة

اشارة

ص: 210

ص: 211

قد حذونا فی هذا الفصل ما انتهجناه فی الفصل الثانی من محاولة استقصاء وجمع کل ما یمکن أن تطاله أیدینا من الروایات الموجودة فی کتب الشیعة الإمامیة، وقد وجدنا ان هذه الروایات تنحصر عددا بما یلی:

الروایة الأولی

اشارة

حمید بن زیاد، عن الحسن بن محمد بن سماعة، عن محمد بن زیاد بن عیسی، عن عبد الله بن سنان، عن أبی عبد الله صلوات الله وسلامه علیه قال: (إن علیا صلوات الله علیه قال وهو علی المنبر: لا تزوجوا الحسن فإنه رجل مطلاق، فقام رجل من همدان فقال: بلی والله لنزوجنه، وهو ابن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وابن أمیر المؤمنین فإن شاء أمسک وإن شاء طلق)(1).

وهذه الروایة مما لا یمکن قبولها لعدة أسباب منها:


1- الکافی للشیخ الکلینی ج6 ص56 باب ان الناس لا یستقیمون علی الطلاق إلا بالسیف.

ص: 212

السبب الأول: لانَّ فی سندها عدة من رجال الواقفة

اشارة

  فی الروایة عدة من الرجال نستعرضهم بالتفصیل ونبین من کان فیهم واقفیا:

1: حمید بن زیاد وهو (حمید بن زیاد بن حماد بن حماد بن زیاد هوار الدهقان أبو القاسم، کوفی سکن سورا، وانتقل إلی نینوی قریة علی العلقمی إلی جنب الحائر علی صاحبه السلام کان ثقة واقفا، وجها فیهم... ومات حمید سنة عشر وثلاثمائة)(1).

2: الحسن بن محمد بن سماعة فهو کما یقول النجاشی (الحسن بن محمد بن سماعة أبو محمد الکندی الصیرفی من شیوخ الواقفة کثیر الحدیث فقیه ثقة وکان یعاند فی الوقف ویتعصب)(2).

وکان الحسن بن محمد بن سماعة قد تعلم الوقف علی ید علی بن الحسن بن محمد الطائی الجرمی المعروف بالطاطری وکان أستاذه هذا من وجوه الواقفة وشیوخهم(3).

قال عنه السید بحر العلوم: (علی بن الحسن الطاطری الواقفی الشدید العناد لأصحابنا الإمامیة)(4).


1- رجال النجاشی ص 132.
2- رجال النجاشی ص 40 __ 42.
3- انظر رجال النجاشی ص 254 __ 255.
4- الفوائد الرجالیة للسید بحر العلوم ج 4 ص 148.

ص: 213

3: محمد بن زیاد وهو کما عرفه الشیخ النجاشی بقوله: (محمد بن أبی عمیر زیاد بن عیسی أبو أحمد الأزدی من موالی المهلب بن أبی صفرة وقیل مولی بنی أمیة. والأول أصح.

بغدادی الأصل والمقام، لقی أبا الحسن موسی صلوات الله وسلامه علیه وسمع منه أحادیث کناه فی بعضها فقال: یا أبا أحمد.

وروی عن الرضا صلوات الله وسلامه علیه، جلیل القدر عظیم المنزلة فینا وعند المخالفین... وکان حبس فی أیام الرشید فقیل: لیلی القضاء وقیل: إنه ولی بعد ذلک، وقیل: بل لیدل علی مواضع الشیعة وأصحاب موسی بن جعفر صلوات الله وسلامه علیه.

 وروی أنه ضرب أسواطا بلغت منه، فکاد أن یقر لعظم الألم، فسمع محمد بن یونس بن عبد الرحمن وهو یقول: اتق الله یا محمد بن أبی عمیر، فصبر ففرج الله.

وروی أنه حبسه المأمون حتی ولاه قضاء بعض البلاد، وقیل: إن أخته دفنت کتبه فی حال استتارها وکونه فی الحبس أربع سنین فهلکت الکتب... مات محمد بن أبی عمیر سنة سبع عشرة ومائتین)(1).

4: عبد الله بن سنان فهو کما یقول النجاشی (بن طریف مولی بنی هاشم، یقال مولی بنی أبی طالب، ویقال مولی بنی العباس. کان خازنا


1- رجال النجاشی ص 326 __ 327.

ص: 214

للمنصور والمهدی والهادی والرشید، کوفی، ثقة، من أصحابنا، جلیل، لا یطعن علیه فی شیء، روی عن أبی عبد الله صلوات الله وسلامه علیه)(1).

فالروایة وفقا لما تقدم فیها اثنین من الواقفة احدهما کان وجها من وجوههم، والثانی کان یتعصب ویعاند فی الوقف.

من هم الواقفة ومتی نشأ مبداء الوقف؟

قال الشیخ الصدوق فی کتابه من لا یحضره الفقیه: (الواقفة: هم الذین وقفوا علی موسی بن جعفر صلوات الله وسلامه علیه وقالوا بأنه لم یمت وهو القائم، والسبب فی ذلک أن أبا الحسن صلوات الله وسلامه علیه مات ولیس من قوامه أحد إلا عنده مال کثیر وکان ذلک سبب وقفهم وجحودهم لموته.

 وکان عند زیاد بن مروان القندی سبعون ألف دینار، وکان أحد القوام عثمان بن عیسی العامری الکلابی الرواسی وکان بمصر وعنده مال کثیر وست جوار، فبعث إلیه أبو الحسن علی ابن موسی صلوات الله وسلامه علیه فی المال وفیهن، فأجاب وکتب إلیه ان أباک لم یمت، فکتب صلوات الله وسلامه علیه إلیه ان أبی قد مات وقد اقتسمنا میراثه وقد صحت الأخبار بموته،فکتب إلیه إن لم یکن أبوک مات فلیس من ذلک شیء، وإن کان قد مات علی ما تحکی فلم یأمرنی بدفع شیء إلیک وقد أعتقت الجواری وتزوجتهن. وفی رجال الکشی عن الرضا صلوات الله وسلامه علیه إن الزیدیة والواقفة والنصاب بمنزلة واحدة )(2).


1- المصدر السابق ص 214.
2- من لا یحضره الفقیه للشیخ الصدوق ج 4 ص 543.

ص: 215

وقال الشیخ الطوسی: (محمد بن الحسن البراثی قال: حدثنی أبو علی الفارسی، قال حدثنی أبو القاسم الحسین بن محمد بن عمر بن یزید، عن عمه قال: کان بدؤ الواقفة أنه کان اجتمع ثلاثون ألف دینار عند الأشاعثة زکاة أموالهم وما کان یجب علیهم فیها، فحملوا إلی وکیلین لموسی صلوات الله وسلامه علیه بالکوفة أحدهما حیان السراج، والآخر کان معه، وکان موسی صلوات الله وسلامه علیه فی الحبس، فاتخذا بذلک دورا وعقدا العقود واشتریا الغلات.

فلما مات موسی صلوات الله وسلامه علیه وانتهی الخبر إلیهما أنکرا موته، وأذاعا فی الشیعة أنه لا یموت لأنه هو القائم فاعتمدت علیه طائفة من الشیعة وانتشر قولهما فی الناس، حتی کان عند موتهما أوصیا بدفع ذلک المال إلی ورثة موسی صلوات الله وسلامه علیه واستبان للشیعة أنهما قالا ذلک حرصا علی المال)(1).

وقد أطلق علی الواقفة لقب الکلاب الممطورة قال الشیخ الصدوقرحمه الله: (المراد بالممطورة: الواقفیة... والممطورة: الکلاب المبتلة بالمطر. وقال أبو محمد الحسن ابن موسی النوبختی فی کتابه" فرق الشیعة " وقد لقب الواقفة بعض مخالفیها ممن قال بإمامة علی بن موسی " الممطورة " وغلب علیها هذا الاسم وشاع لها. وکان سبب ذلک أن علی ابن إسماعیل المیثمی ویونس بن عبد الرحمن ناظرا بعضهم فقال له علی بن إسماعیل __ وقد اشتد الکلام بینهم __:


1- اختیار معرفة الرجال للشیخ الطوسی ج 2 ص 760.

ص: 216

ما أنتم إلا کلاب ممطورة. أراد أنکم أنتن من جیف لان الکلاب إذا أصابها المطر فهی أنتن من الجیف. فلزمهم هذا اللقب فهم یعرفون به الیوم،لأنه إذا قیل للرجل أنه ممطور فقد عرف أنه من الواقفة علی موسی بن جعفر صلوات الله وسلامه علیهما خاصة لان کل من مضی منهم فله واقفة قد وقفت علیه وهذا اللقب لأصحاب موسی خاصة)(1).

عشر أحادیث مما ورد فی الواقفة

وقد وردت فی ذم الواقفة أحادیث کثیرة تنص باجمعها علی الانتقاص منهم، بل ویوجد فی کثیر منها تصریح بکفرهم ونصبهم وردتهم عن المذهب الحق منها:

1: عن علی بن عبد الله الزبیری قال: (کتبت إلی أبی الحسن صلوات الله وسلامه علیه أساله عن الواقفة. فکتب: الواقف عاند عن الحق، ومقیم علی سیئة إن مات بها کانت جهنم مأواه وبئس المصیر)(2).

2: عن محمد بن عاصم، قال سمعت الرضا صلوات الله وسلامه علیه یقول: (یا محمد بن عاصم، بلغنی أنک تجالس الواقفة قلت: نعم جعلت فداک أجالسهم وأنا مخالف لهم، قال: لا تجالسهم فان الله عز وجل یقول:


1- من لا یحضره الفقیه للشیخ الصدوق ج 4 ص 543.
2- اختیار معرفة الرجال للشیخ الطوسی ج2 ص756 تفسیر قوله صلوات الله وسلامه علیه وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون.

ص: 217

((وَقَدْ نَزَّلَ عَلَیْکُمْ فِی الْکِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَیَاتِ اللَّهِ یُکْفَرُ بِهَا وَیُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّی یَخُوضُوا فِی حَدِیثٍ غَیْرِهِ إِنَّکُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِینَ وَالْکَافِرِینَ فِی جَهَنَّمَ جَمِیعًا)).

یعنی بالآیات الأوصیاء الذین کفروا بها الواقفة)(1).

3: عن ابن أبی عمیر عن رجل من أصحابنا قال: (قلت للرضا صلوات الله وسلامه علیه: جعلت فداک قوم قد وقفوا علی أبیک یزعمون أنه لم یمت، قال: کذبوا وهم کفار بما أنزل الله عز وجل علی محمد صلی الله علیه وآله وسلم، ولو کان الله یمد فی أجل أحد من بنی آدم لحاجة الخلق إلیه لمد الله فی أجل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم)(2).

4: عن الحکم بن عیص قال: (دخلت مع خالی سلیمان بن خالد علی أبی عبد الله صلوات الله وسلامه علیه فقال: یا سلیمان من هذا الغلام؟ فقال: ابن أختی، فقال: هل یعرف هذا الأمر؟ فقال: نعم، فقال: الحمد الله الذی لم یخلقه شیطانا. ثم قال: یا سلیمان عوذ بالله ولدک من فتنة شیعتنا فقلت: جعلت فداک وما تلک الفتنة؟ قال: إنکارهم الأئمة وغرضهم علی ابنی موسی صلوات الله وسلامه علیه قال: ینکرون موته ویزعمون أن لا إمام بعده أولئک شر الخلق)(3).


1- اختیار معرفة الرجال للشیخ الطوسی ج2 ص756 تفسیر قوله صلوات الله وسلامه علیه وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون.
2- بحار الأنوار للعلامة المجلسی ج48 ص265 فی رجوع جماعة من الواقفة وترجمتهم.
3- نفس المصدر السابق.

ص: 218

5: عن محمد بن الحسن البراثی قال:حدثنی أبو علی، قال:حکی منصور عن الصادق محمد بن علی الرضا صلوات الله وسلامه علیهما: (أن الزیدیة والواقفة والنصاب عنده بمنزلة واحدة)(1).

6: عن عمر بن فرات قال: (سألت أبا الحسن الرضا صلوات الله وسلامه علیه عن الواقفة؟ قال: یعیشون حیاری ویموتون زنادقة)(2).

7: عن یحیی بن المبارک قال:(کتبت إلی الرضا صلوات الله وسلامه علیه بمسائل فأجابنی وکنت ذکرت فی آخر الکتاب قول الله عز وجل:

((مُذَبْذَبِینَ بَیْنَ ذَلِکَ لَا إِلَی هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَی هَؤُلَاءِ)).

فقال: نزلت فی الواقفة. ووجدت الجواب کله بخطه: لیس هم من المؤمنین ولا من المسلمین هم من کذب بآیات الله، ونحن أشهر معلومات فلا جدال فینا ولا رفث ولا فسوق فینا، أنصب لهم من العداوة یا یحیی ما استطعت)(3).

8: عن یونس بن یعقوب قال: (قلت لأبی الحسن الرضا صلوات الله وسلامه علیه: أعطی هؤلاء الذین یزعمون أن أباک حی من الزکاة شیئا؟ قال: لا تعطهم فإنهم کفار مشرکون زنادقة)(4).


1- من لا یحضره الفقیه للشیخ الصدوق ج4 ص543 ما قال النبیصلی الله علیه وآله وسلم فی حق علی.
2- اختیار معرفة الرجال للشیخ الطوسی ج2 ص756 تفسیر قوله صلوات الله وسلامه علیه وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون.
3- مستدرک سفینة البحار للشیخ علی النمازی الشاهرودی ج6 ص89 تأویل الشهور بالأئمة المعصومین.
4- اختیار معرفة الرجال للشیخ الطوسی ج2 ص756 تفسیر قوله صلوات الله وسلامه علیه وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون.

ص: 219

9: عن سلیمان الجعفری قال: (کنت عند أبی الحسن علیه السلام بالمدینة، إذ دخل علیه رجل من أهل المدینة فسأله عن الواقفة؟ فقال أبو الحسن علیه السلام:ملعونین أینما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتیلا سنة الله فی الذین خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبدیلا، والله أن الله لا یبدلها حتی یقتلوا عن آخرهم)(1).

10: عن محمد بن الفضیل قال: (قلت للرضا علیه السلام: جعلت فداک ما حال قوم قد وقفوا علی أبیک موسی علیه السلام؟ فقال: لعنهم الله ما أشد کذبهم أما أنهم یزعمون أنی عقیم وینکرون من یلی هذا الأمر من ولدی)(2).

ماذا یستفاد من هذه الأحادیث؟

لا یحتاج الباحث إلی کثیر من التأمل لیستکشف ان هؤلاء الواقفة لهم عدة من الصفات بینتها الروایات السابقة وغیرها منها:

1: انهم معاندون للحق،منکرون لجملة من الأئمة صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین، وإنکارهم هذا أدی بهم إلی الکفر بما انزل الله سبحانه فعن ابن أبی یعفور عن أبی عبد الله الصادق صلوات الله وسلامه علیه انه قال: (ثلاثة لا یکلمهم الله یوم القیمة ولا یزکیهم ولهم عذاب الیم من ادعی امامة من الله لیست له ومن جحد إماما


1- بحار الأنوار للعلامة المجلسی ج48 ص265 فی رجوع جماعة من الواقفة وترجمتهم.
2- اختیار معرفة الرجال للشیخ الطوسی ج2 ص756 تفسیر قوله صلوات الله وسلامه علیه وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون.

ص: 220

إمامته من الله ومن زعم أن لهما فی الإسلام نصیبا)(1)، وبکفرهم هذا خرجوا عن کونهم من المؤمنین أو المسلمین.

2: انهم یعیشون حیاری لا یدرون إلی أین یتجهون بعد موت الإمام موسی بن جعفر صلوات الله وسلامه علیه قد ألزموا أنفسهم حجة باطلة هی عدم موت الإمام الکاظم صلوات الله وسلامه علیه فحرموا أنفسهم من نعمة امتداد الإمامة جیلا بعد جیل.

وحینما یموتون فانهم یموتون زنادقة لأنهم حینما ابتعدوا عن الإمامة اضطروا إلی اختراع قواعد جدیدة وأصول جدیدة ونظریات باطلة جدیدة یدافعوا بها عن متبنیاتهم الباطلة ویدفعوا بهذا الباطل امامة من تولی الإمامة بعد الإمام موسی بن جعفر صلوات الله وسلامه علیهما ولیست توجد زندقة اکبر من هذه.

3: ورد نص صریح بلعنهم وانه لو کانت للإمام دولة قائمة وید مبسوطة لعاملهم علی أساس قوله تعالی:

((مَلْعُونِینَ أَیْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِیلًا))(2).

4: انهم کانوا یکذبون، بل کانوا شدیدی الکذب کما فی الروایة العاشرة، ومن أکاذیبهم إنکار موت الإمام موسی بن جعفر صلوات الله وسلامه علیه، ومن أکاذیبهم ان الإمام الرضا صلوات الله وسلامه علیه عقیم، ومن أکاذیبهم ان الإمام الرضا لا إمام بعده.


1- الکافی للشیخ الکلینی ج1 ص373 باب من ادعی الإمامة ولیس لها بأهل الحدیث رقم 4.
2- سورة الأحزاب الآیة 61.

ص: 221

هل یمکن قبول روایات الواقفة؟

قال الشریف المرتضی رحمه الله: (أنه لا خلاف بین کل من ذهب إلی وجوب العمل بخبر الواحد فی الشریعة، أنه لا بد من کون مخبره عدلا. والعدالة عندنا یقتضی أن یکون معتقدا للحق فی الأصول والفروع، وغیر ذاهب إلی مذهب قد دلت الأدلة علی بطلانه، وأن یکون غیر متظاهر بشیء من المعاصی والقبائح. وهذه الجملة تقتضی تعذر العمل بشیء من الأخبار التی رواها الواقفیة علی موسی بن جعفر صلوات الله وسلامه علیهما الذاهبة إلی أنه المهدی عجل الله تعالی فرجه الشریف، وتکذیب کل من بعده من الأئمة صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین، وهذا کفر بغیر شبهة)(1).

قال الشیخ البهائی: (المستفاد من تصفح کتب علمائنا المؤلفة فی السیر والجرح والتعدیل أن أصحابنا الإمامیة رضی الله عنهم کان اجتنابهم عن مخالطة من کان من الشیعة علی الحق أولا ثم أنکر إمامة بعض الأئمة صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین فی أقصی المراتب وکانوا یحترزون عن مجالستهم والتکلم معهم فضلا عن أخذ الحدیث عنهم بل کان تظاهرهم لهم بالعداوة أشد من تظاهرهم بها للعامة فإنهم کانوا یلاقون العامة ویجالسونهم وینقلون عنهم ویظهرون لهم أنهم منهم خوفا من شوکتهم لأن حکام الضلال منهم وأما هؤلاء المخذولون فلم یکن لأصحابنا الإمامیة ضرورة داعیة إلی أن یسلکوا


1- رسائل المرتضی للشریف المرتضی ج 3 ص 310.

ص: 222

معهم علی ذلک المنوال وسیما الواقفیة فإن الإمامیة کانوا فی غایة الاجتناب لهم والتباعد منهم حتی أنهم کانوا یسمونهم بالممطورة أی الکلاب التی أصابها المطر وأئمتنا صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین لم یزالوا ینهون شیعتهم عن مخالطتهم ومجالستهم ویأمرونهم بالدعاء علیهم فی الصلاة ویقولون أنهم کفار مشرکون زنادقة وأنهم شر من النواصب وإن من خالطهم وجالسهم فهو منهم)(1).

أقول: لا یخفی علی من له درایة بعلم الدرایة والروایة ان الأخبار تنقسم إلی قسمین الأول هو الخبر المتواتر، والثانی هو خبر الآحاد، وقد نوقش فی محله ان الأخبار المتواترة توجب العلم وهی حجة حتی لو کان ضمن ناقلیها من هم لیسوا علی الحق ولا علی الهدی، لأن العلم بصحة ما رووه یبتنی علی أمور عقلیة تشهد بأن مثل تلک الجماعة لا یجوز علیها التواطؤ علی الکذب.

أما أخبار الآحاد فحجیة العمل بها مبنی علی توفر عدة صفات فی الراوی یجب مراعاتها وان هذه الصفات مأخوذة کشرط فی صحة الأخذ والعمل بالروایة، وإحدی أهم هذه الصفات التی یجب توفرها فی أخبار الآحاد هی صفة العدالة والإیمان.

 قال الشیخ أبو جعفر الطوسی فی عدته:(والذی أذهب إلیه، أن خبر الواحد لا یوجب العلم، وکان یجوز أن ترد العبادة بالعمل به عقلا، وقد ورد جواز العمل به فی الشرع، إلا أن ذلک موقوف علی طریق مخصوص، وهو ما


1- مشرق الشمسین للشیخ البهائی العاملی ص 273 __ 274.

ص: 223

یرویه من کان من الطائفة المحقة، ویختص بروایته، ویکون علی صفة یجوز معها قبول خبره من العدالة وغیرها)(1).

وعلیه فکون الراوی من الطائفة المحقة وموصوفا بالعدالة شرط فی قبول الخبر والواقف کما عرفنا فاقد لکلا الصفتین وعلیه فلا یمکن قبول خبره.

ومن جوز قبول أخبارهم فقد جوز ما هو علی خلاف القاعدة،أو یکون قد جوز لعلة أخری کالتی بینها الحر العاملی فی کتابه وسائل الشیعة حیث قال: (فإذا قبل علماؤنا __ وسیما المتأخرون منهم __ روایة رواها رجل من ثقات الإمامیة، عن أحد من هؤلاء وعولوا علیها وقالوا بصحتها، مع علمهم بحاله، فقبولهم لها وقولهم بصحتها، لابد من ابتنائه علی وجه صحیح، لا یتطرق به القدح إلیهم ولا إلی ذلک الرجل الثقة الراوی عن من هذا حاله. کأن یکون سماعه منه قبل عدوله عن الحق وقوله بالوقف. أو بعد توبته، ورجوعه إلی الحق. أو أن النقل إنما وقع من أصله الذی ألفه واشتهر عنه قبل الوقف. أو من کتابه الذی ألفه بعد الوقف، ولکنه أخذ ذلک الکتاب عن شیوخ أصحابنا الذین علیهم الاعتماد، ککتاب علی بن الحسن، الطاطری، فإنه وإن کان من أشد الواقفیة عنادا للإمامیة __ فإن الشیخ شهد له فی الفهرست __ بأنه روی کتبه عن الرجال الموثوق بهم وروایتهم. إلی غیر ذلک من المحامل الصحیحة)(2).


1- عدة الأصول للشیخ الطوسی ج1 ص290__291 فصل فی ذکر الخبر الواحد وجملة من القول فی أحکامه.
2- وسائل الشیعة (آل البیت) للحر العاملی ج 30 ص 204 __ 205.

ص: 224

ومن الأعلام من قید قبول روایاتهم بقید آخر کالعلامة الحلی فی خلاصة الأقوال، فعند تعرضه لحمید بن زیاد یصرح بقوله: (حمید بن زیاد،من أهل نینوی... کان ثقة واقفا وجها فیهم، مات سنة عشر وثلاثمائة،فالوجه عندی قبول روایته إذا خلت عن المعارض)(1) والمعارض کما لا یخفی قد یکون عقلیا وقد یکون شرعیا.

وقال ابن إدریس الحلی: (قال شیخنا أبو جعفر: والجواب الثانی أن ما یروونه إذا اختصوا بروایته لا یعمل به، وإنما یعمل به إذا انضاف إلی روایتهم روایة من هو علی الطریقة المستقیمة، والاعتقاد الصحیح، فحینئذ یجوز العمل به)(2).

فیتلخص مما سبق ان قبول روایة الواقفی متردد بین الرفض مطلقا کما هو مذهب السید المرتضی المنسجم مع القواعد العامة التی تسالمت علیها الطائفة من قبول روایة من هو سالم المذهب وموصوف بالإیمان،وبین أن تکون روایته مقبولة ولکن لیس مطلقا، بل تقبل إذا توفرت علی عدة شروط منها:

1: أن تخلو روایة الواقفی من المعارض الشرعی والعقلی.

2: قیام القرائن علی ان الخبر قد روی قبل اعتقاده بالوقف أو بعد رجوعه عنه وتوبته وغیر ذلک.


1- خلاصة الأقوال للعلامة الحلی ص129.
2- السرائر لابن إدریس الحلی ج 3 ص 291.

ص: 225

 3: أن تضم إلی روایتهم روایة من هو علی الطریقة المستقیمة، والاعتقاد الصحیح، فحینئذ یجوز العمل بها، أما ما اختصوا وانفردوا بروایته فلا یعمل به.

ووفقا لما مر ذکره فی الأحادیث العشر السابقة فی ذم من یعتقد بمذهب الواقفة یظهر ان التعامل مع أحادیثهم حتی الثقاة منهم یکون علی أساس مشابه للنواصب ومن هو لیس من أهل الإسلام والإیمان،فان رووا روایة متوافقة وقواعد المذهب الحق ولیس فیها دعوة أو نصرة لمذهبهم قبلناها لموافقتها لقواعد المذهب المتسالم علی صحتها، أما لو رووا روایة یشم منها رائحة النصرة والدفاع عن مذهبهم الفاسد وعقائدهم المنحرفة، أو یکون فیها خلاف مع القواعد المسلمة لمذهبنا مذهب الحق، أو یکون فیها طعن وإساءة لقواعد المذهب ورجاله وأئمته فحینئذ یضرب بها عرض الجدار لما عرفت من الأحادیث السابقة أنهم کثیرٌ ما کانوا یکذبون ویشتد کذبهم فی المسائل التی تتعلق بأحوال وأوضاع الأئمة صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین فقد کذبوا علی الإمام الرضا صلوات الله وسلامه علیه واتهموه بالعقم وأنکروا أن یکون من صلبه ولد، وأنکروا کذبا وعدوانا موت الإمام موسی بن جعفر صلوات الله وسلامه علیه، وغیر ذلک من الأکاذیب التی کانت تخرج منهم نصرة لمذهبهم الفاسد، وإثباتا لعقائدهم المنحرفة، وعلیه فتکون اخبارهم المتعلقة بشرح أحوال الأئمة صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین وخصوصیاتهم الحیاتیة موضوعة فی دائرة الاتهام دوما حتی تثبت صحتها من مصدر آخر موثوق به.

ص: 226

فیصبح حال الروایة التی نحن بصدد مناقشتها والرد علیها وفقا لکل ما تقدم معلوما معروفا، فعلی المنهج الرافض لروایة الواقفی جملة وتفصیلا تسقط الروایة التی نحن بصدد مناقشتها عن الاعتبار ولا یحتج بمؤداها.

 أما علی المنهج الثانی القاضی بالأخذ بروایات الواقفی ما لم یکن لها معارض عقلی أو شرعی فتسقط أیضا عن الحجیة لما سیثبت لاحقا من ان لهذه الروایة معارض عقلی ونقلی تمنع بمجموعها عن الأخذ بها واعتماد مؤداها.

 أما علی المنهج الذی بیناه فتکون هذه الروایة من ضمن الروایات التی رواها الواقفة والتی تتعلق بتبیان أحوال الأئمة وخصوصیاتهم صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین الحیاتیة، فیجب أن ترفض لإساءتها لأحد الأئمة علیه السلام، ولما عرفت من شدة کذبهم فی هذه القضایا فحری بالمنصف أن لا یأخذ عنهم شیئا یکون حاله الإساءة لشخصیة الأئمة الأطهار،فیکونوا ___ الواقفة _ بذلک کالنواصب حین یروون ما یسیء لأحد الأئمة صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین، فان الإجماع قائم علی تکذیبه ورده وعدم قبوله والأخذ به.

السبب الثانی: مخالفة هذه الروایة لآیة التطهیر

أجمعت کلمة المذاهب الإسلامیة علی أن الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه هو من ضمن الذین خوطبوا بآیة التطهیر وهو قوله تعالی:

((إِنَّمَا یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیرًا))(1).


1- سورة الأحزاب الآیة 33.

ص: 227

أما إجماع الشیعة فواضح لأنهم یقولون وقولهم حق وصدق ان هذه الآیة المبارکة قد نزلت واختص بها النبی صلی الله علیه وآله وسلم وعلی بن أبی طالب صلوات الله وسلامه علیه وفاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه علیها والحسن والحسین صلوات الله وسلامه علیهما ولقولهم هذا شواهد لا تحصی من أحادیث النبی صلی الله علیه وآله وسلم یرویها عنه السنة والشیعة ولیس نحن فی صدد عرضها فهی من الشهرة بمکان وقد کتبت حولها کتبا وأبحاثا کثیرة ومن أراد التفصیل فلیراجعها فی مظانها.

وأما أهل السنة فهم ما بین ذاهب إلی اختصاصها بکل من النبی صلی الله علیه وآله وسلم وابنته فاطمة صلوات الله وسلامه علیها وزوجها أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه والحسنان صلوات الله وسلامه علیهما، وما بین من أشرک معهم غیرهم(1)، وعلی کلا الوجهین یکون الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه مشمولا بآیة التطهیر.

وبإثبات الطهارة من الرجس للإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه یثبت ما یلی:


1- وفی هذا الصدد یقول الفخر الرازی: (واختلفت الأقوال فی أهل البیت، والأولی أن یقال هم أولاده وأزواجه والحسن والحسین منهم وعلی منهم لأنه کان من أهل بیته بسبب معاشرته ببنت النبی صلوات الله وسلامه علیه وملازمته للنبی) تفسیر الرازی ج 25 ص 209، وقال القرطبی: (والذی یظهر من الآیة أنها عامة فی جمیع أهل البیت من الأزواج وغیرهم. وإنما قال: "ویطهرکم" لان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وعلیا وحسنا وحسینا کان فیهم) تفسیر القرطبی ج14ص 18.

ص: 228

1: الرجس فی اللغة هو: (القذر، وقد یعبر به عن الحرام والفعل القبیح والعذاب واللعنة والکفر... وقال الفراء فی قوله تعالی: ویجعل الرجس علی الذین لا یعقلون، إنه العقاب والغضب... قال الزجاج: الرجس فی اللغة اسم لکل ما استقذر من عمل فبالغ الله تعالی فی ذم هذه الأشیاء وسماها رجسا)(1).

 وعلیه فکل حرام وفعل قبیح وعمل مستقذر وکفر ولعنة وعذاب، مطهر عنه الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه ومنزه عن فعله أو الوقوع به، شأنه فی ذلک شأن بقیة أفراد أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین.

قال الرازی:

(فی تفسیر هذا التطهیر أن یکون المراد منه طهارة القلب عن صفة التمرد عن طاعة الله تعالی، وذلک لأن الکفر والمعاصی نجاسة للأرواح، فإن النجاسة إنما کانت نجاسة لأنها شیء یراد نفیه وإزالته وتبعیده، والکفر المعاصی کذلک، فکانت نجاسات روحانیة، وکما أن إزالة النجاسات الجسمانیة تسمی طهارة فکذلک إزالة هذه العقائد الفاسدة والأخلاق الباطلة تسمی طهارة ... وقال:

((إِنَّمَا یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیرًا)).

فجعل براءتهم عن المعاصی طهارة لهم)(2).


1- لسان العرب لابن منظور ج 6 ص 94 __ 96.
2- تفسیر الرازی ج 11 ص 177.

ص: 229

وقال فی موضع آخر: (وتقریره أن الرجس قد یراد به العمل القبیح قال تعالی:

((إِنَّمَا یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیرًا)).

والمراد من الرجس ههنا العمل القبیح، سواء کان کفرا أو معصیة)(1).

2: بعد ان نص سبحانه وتعالی علی طهارة الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه عن کل عمل قبیح وحرام وفعل مستقذر، فالقائل بان الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه یمکن أن یدخل فی شیء من هذه الأشیاء، أو یصدر عنه فعل من هذه الأفعال التی یشملها عنوان الرجس یکون مکذب لله سبحانه ومن کذب الله سبحانه لا شک فی کفره عند کل فرق المسلمین.

3: والروایة التی نحن بصدد الرد علیها واثبات کذبها تصرح بان الإمام الحسن علیه السلام قد جاء بفعل مستقبح مشین وإلا لو لم یکن قبیحا لما اشتکی منه أمیر المؤمنین بزعمهم علی منبر الکوفة. فتکون هذه الروایة بناء علی ما تقدم معارضة لآیة التطهیر وکل ما عارض الکتاب الکریم أو إحدی آیاته یؤدی إلی تکذیب الله سبحانه ویدخل قائله فی باب من أبواب الکفر بإجماع المسلمین.

فبهذه المعارضة لآیة التطهیر تسقط الروایة التی نحن بصدد الکلام عنها وکذلک کل الروایات الأخری المشابهة لها عن الاعتبار ویضرب بها عرض الجدار لان ما خالف کتاب الله معروض عنه متروک التصدیق به ولا یشک بانه من زخرف القول ووضع الکذابین.


1- المصدر السابق ج 17 ص 168.

ص: 230

السبب الثالث: انها معارضة لحدیث عدم افتراق القران عن العترة

قد ورد بالأسانید الصحیحة ان النبی صلی الله علیه وآله وسلم صرح فی حجة الوداع وبالتحدید فی غدیر خم بان أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین لن یفترقوا عن القرآن طرفة عین أبدا حتی تقوم الساعة فیردا علی حوض الکوثر، وبهذا المعنی أخبار مستفیضة منها:

1: عن أبی سعید قال: (قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إنی تارک فیکم الثقلین أحدهما أکبر من الآخر کتاب الله حبل ممدود من السماء إلی الأرض وعترتی أهل بیتی وانهما لن یفترقا حتی یردا علی الحوض)(1).

2: وعن حذیفة بن أسید الغفاری ان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال: (یا أیها الناس إنی فرط لکم وإنکم واردون الحوض حوضی عرضه ما بین صنعاء وبصری وفیه عدد النجوم قدحان من ذهب وفضة وأنی سائلکم حین تردون علی عن الثقلین فانظروا کیف تخلفونی فیهما السبب الأکبر کتاب الله عز وجل سبب طرفه بید الله وطرفه بأیدیکم فاستمسکوا به ولا تضلوا ولا تبدلوا وعترتی أهل بیتی فإنه قد نبأنی العلیم الخبیر أنهما لن ینقضیا حتی یردا علی الحوض)(2).

3: عن زید بن ثابت قال: (قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: إنی تارک


1- مسند احمد بن حنبل ج 3 ص 14.
2- مجمع الزوائد للهیثمی ج 10 ص 363 .

ص: 231

فیکم الخلیفتین من بعدی کتاب الله وعترتی أهل بیتی وإنهما لن یتفرقا حتی یردا علی الحوض )(1).

ووجه التعارض بین هذه الأحادیث، وبین الروایة التی نحن بصدد ردها، هو ان کثرة طلاق الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه، واعتراض أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه علیه من علی المنبر، وأمره للناس بعدم تزویج الحسن صلوات الله وسلامه علیه، إما ان یکون معارضا للقران الکریم، أو هو غیر معارض، فان کان معارضا للقران یلزم منه والعیاذ بالله تکذیب النبی صلی الله علیه وآله وسلم بقوله ان أهل بیته الذین من ضمنهم الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه لسوف لن یفترقوا عن القران حتی یردا علیه الحوض، فلکی لا نکذب النبی صلی الله علیه وآله وسلم یجب أن نرفض الروایة. وان کان کثرة زواجه وطلاقه متوافقا مع القرآن فلا یبقی معنی لاعتراض أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین علیه، فیکون منع الناس من تزویجه ووصفه بالمطلاق علی رؤوس المنابر مثلبة علی أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه حاشاه لا یمکن قبولها بحال من الأحوال لأنه المعصوم بآیة التطهیر فلا یمکن ان یصدر عنه نهی عن عمل یتوافق مع القرآن الکریم.

فالروایة علی کلا الاحتمالین باطلة وغیر منسجمة مع أحادیث عدم افتراق العترة عن القران، وکذا یمکن ان نطبق هذه القاعدة علی جمیع الروایات الأخری المسیئة لمقام الإمام الحسن علیه السلام وبقیة أفراد أهل البیت علیهم السلام.


1- المصنف لابن أبی شیبة الکوفی ج 7 ص 418.

ص: 232

السبب الرابع: ان الروایة تؤدی إلی عدم الوثوق بأمر الإمام علیه السلام

لا یخفی ان أهم فائدة من فوائد بعثة الأنبیاء والرسل وتنصیب الأئمة والخلفاء والساسة هو الطاعة من قبل الناس لهم قال تعالی:

((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِیُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوکَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِیمًا))(1).

وهذه الطاعة لا تتحقق من دون أن یکون لذلک المطاع منزلة رفیعة فی قلوب المطیعین، لاسیما إذا کان ذلک المطاع هو إمام المسلمین علی وفق التصور الشیعی للإمام، أو هو الخلیفة علی وفق التصور السنی للخلیفة، فلابد حینئذ أن یکون لذلک الإمام أو الخلیفة قبول وهیبة ومنزلة رفیعة لیوثق بقوله ویقتدی بفعله من قبل الناس فیؤدی مهمته علی النحو الصحیح الذی أوکل له.

وهذه الثقة بأقواله وأفعاله إنما ترتکز فی نفوس العامة نتیجة نظرهم لنزاهة الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه وشدة تطبیق الحق والعدل والنصیحة علی نفسه أولا وبالأصل. فإذا رأت العامة تطبیق الحق علی نفسه وانقیاده للشریعة وانتهائه عن الباطل قبل الأمر به سکنت له النفوس واطمأنت له الطباع وانقادت له القلوب، فتتحقق حینئذ الغایة من تنصیبه کإمام من قبل الله سبحانه أو خلیفة للمسلمین یقیم ما اعوّج من أمورهم.


1- سورة النساء الآیة 64.

ص: 233

 ولکن حینما لا یکون من الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه وحاشاه انقیاد للحق ولا تطبیقا لإحکام الشرع، تنفر الطباع عنه ولا تسکن القلوب لأوامره ونواهیه ونصائحه، وبهذا تنخرم فائدة تنصیبه کإمام وخلیفة.

والروایة التی نحن بصدد الرد علیها یؤدی القبول بها إلی محذور عظیم وهو عدم تحقق الغرض من تنصیبه إماما وخلیفة للمسلمین، لان الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه لو قال للأمة من بعد هذه الخطبة وصیرورته إماما أو خلیفة ان الطلاق مکروه أو ان الله سبحانه یکره الرجل المطلاق أو المذواق لما قبل منه قوله هذا، ولجوبه من قبل جهال الناس قبل عقلائهم وعلمائهم بان الطلاق لو کان مکروها فلماذا طلقت هذا الکم الهائل من النساء ولو کان الرجل المذواق مبغوضا فیلزم منه ان تکون أنت من ضمنهم قبل الناس حاشاه، فتسقط بذلک هیبته فی القلوب ولا یستمع لأمره ولا نصحه فیسقط بذلک الغرض من تنصیبه.

فلکی لا یسقط الغرض من تنصیب الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه علی الناس إماما أو خلیفة مفترض الطاعة یجب تکذیب هذه الروایة وأشباهها.

ولعل الغرض الأساس من اختلاق أمثال هذه الروایات وأمثالها هو تشویه سمعة الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه وکسر هیبته فی نفوس الناس وبالتالی یصلوا من خلال ذلک إلی سحب الشرعیة عن کلماته وأفعاله التی کانت تهدد عروش الأمویین والعباسیین.

ص: 234

السبب الخامس: معارضة هذه الروایة لکون الأئمة علیهم السلام أمانا لأهل الأرض

قد وردت روایات کثیرة فی کتب الخاصة والعامة تصف أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین بأنهم أمان لأهل الأرض کما النجوم أمان لأهل السماء نختار منها ما یلی:

1:أخرج الحاکم من طریق ابن عباس مرفوعا: (النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بیتی أمان لأمتی من الاختلاف)(1).

2: عن إیاس بن سلمة عن أبیه عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم وسلم قال:(النجوم جعلت أمانا لأهل السماء وإن أهل بیتی أمان لأمتی)(2).

3: وقد عد ابن حجر فی الصواعق من الآیات النازلة فی أهل البیت قوله تعالی:

((وَمَا کَانَ اللَّهُ لِیُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِیهِمْ))(3).

فقال: (أشار صلی الله علیه وآله وسلم) إلی وجود ذلک المعنی فی أهل بیته، وأنهم أمان لأهل الأرض کما کان هو (صلی الله علیه وآله وسلم) أمانا لهم، وفی ذلک أحادیث کثیرة)(4).


1- المستدرک للحاکم النیسابوری ج3 ص149 فی النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق.
2- المعجم الکبیر للطبرانی ج 7 ص 22.
3- سورة الأنفال الآیة 33.
4- الصواعق المحرقة علی أهل الرفض والضلال والزندقة ج2 ص445.

ص: 235

4: وقال ابن حجر ایضا فی الصواعق المحرقة: (ویحتمل وهو الأظهر عندی أن، المراد بهم سائر أهل البیت، فإن الله لما خلق الدنیا بأسرها من أجل النبی صلی الله علیه وآله وسلم جعل دوامها بدوامه ودوام أهل بیته، لأنهم یساوونه فی أشیاء مر عن الرازی بعضها ولأنه قال فی حقهم: اللهم إنهم منی وأنا منهم، ولأنهم بضعة منه بواسطة أن فاطمة أمهم بضعته، فأقیموا مقامه فی الأمان)(1).

فهذه الأحادیث والأقوال تؤکد حقیقة کون أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین ومن ضمنهم الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه أمان لأهل الأرض، ومعنی کونهم أمان یشمل بالضرورة کل معانی الأمان سواء الأمان العلمی أو الاجتماعی أو الدینی.

 فالمعلومة التی یعطیها أهل البیت ویهبونها للناس لابد وان تکون أمینة غیر مزیفة ولا مغشوشة بهوی نفسانی أو مصلحة دنیویة. وارتباطاتهم الاجتماعیة أمینة ومشورتهم أمینة ونصیحتهم أمینة واللجوء إلیهم والوثوق بهم کل ذلک موصوف بالأمان.

وهذا الوصف بالأمان لا یتحدد لفئة دون فئة، فهم صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین أمان لعامة الناس وللمسلمین کافة بل أهل الأرض جمیعا لصریح قوله صلی الله علیه وآله وسلم (أمان لأهل الأرض) ولیس یستثنی من أهل الأرض احد فسیرتهم الأمینة عامة شاملة لکافة أهل الدنیا.


1- صواعق المحرقة لابن حجر، ص 87.

ص: 236

والروایة التی یحذر فیها الإمام علی صلوات الله وسلامه علیه الناس من تزویج الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه بقوله (لا تزوجوا الحسن فانه مطلاق) تعارض کون الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه أمانا لأهل الأرض شأنه شأن بقیة أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین لأنها تخوف الناس وتحذرهم من أن الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه لا أمان له فیما لو تزوج من بناتکم فلا یؤمن منه أن یطلقهن ومن دون سبب.

السبب السادس: الروایة تؤدی إلی إخراج الإمام الحسن علیه السلام عن الحق

روی بالأسانید الصحیحة وصف أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب صلوات الله وسلامه علیه بأنه مع الحق والحق مع علی لا یفترقان ولا یختلفان وقد وردت بهذا المعنی روایات کثیرة منها:

1: عن أبی سعید التمیمی عن أبی ثابت مولی أبی ذر قال: (دخلت علی أم سلمة فرأیتها تبکی وتذکر علیا. وقالت: سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول:علی مع الحق والحق مع علی، ولن یفترقا حتی یردا علی الحوض یوم القیامة )(1).

2: عن محمد بن أبی بکر عن عائشة أنها قالت: (سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول: علی مع الحق والحق مع علی لن یفترقا حتی یردا علی الحوض)((2).


1- تاریخ بغداد للخطیب البغدادی ج 14 ص 322.
2- (): الغدیر للشیخ الأمینی ج 3 ص 178 نقلا عن الحافظ ابن مرودیه فی کتاب المناقب والسمعانی فی کتاب فضائل الصحابة.

ص: 237

3: وأخرج ابن مردویه فی کتابه المناقب، والدیلمی فی کتابه الفردوس: (أنه لما عقر جمل عائشة ودخلت دارا بالبصرة أتی إلیها محمد بن أبی بکر فسلم علیها فلم تکلمه فقال لها: أنشدک الله أتذکرین یوم حدثتینی عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم إنه قال: الحق لن یزال مع علی وعلی مع الحق لن یختلفا ولن یفترقا؟ فقالت:نعم)(1).

وأحادیث علی مع الحق والحق مع علی کما قیل (کثیرة متواترة من طرق الخاصة والعامة. جملة من رواته من أعلام العامة فی الغدیر. وکذا فی البحار باب أنه مع الحق والحق معه)(2).

ووجه معارضة هذه الأحادیث المتواترة لتلک الروایة المکذوبة علی الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه هو ان نهی أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه للناس من علی منبر الکوفة ومنعهم تزویج الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه فیه دلالة واضحة علی ان أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه کان رافضا لتصرفات الإمام الحسن وغیر راض علی کثرة طلاقه وزواجه،فیلزم ان یکون تصرف الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه وفعله __ حاشاه __ موصوف بالباطل ومتناقضا مع الحق، لان فعل الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه لو کان حقا لما رفض من قبل أبیه الموصوف بأنه مع الحق یتوجه معه ویدور أینما دار.


1- نقلا عن کتاب الغدیر للشیخ الأمینی ج 3 ص 178.
2- مستدرک سفینة البحار للشیخ علی النمازی ج2 ص337 فی توسل الأنبیاء بمحمد وال محمد.

ص: 238

وهذا ما لا یمکن القبول به ولا الإقرار بلوازمه لمعارضته لصریح آیة التطهیر التی نفت عن أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین ومن ضمنهم الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه کل مخالفة للحق وکل دخول فی الباطل لان کل باطل هو رجس والرجس قد طهرهم الله جل وعلا منه.

وعلیه لا نتحرج من رفضنا لهذه الروایة ورمیها بالوضع للزومها إخراج الإمام الحسن علیه السلام من جهة الحق إلی الباطل، وهو محال بنص القرآن الکریم.

السبب السابع: الروایة تؤدی إلی تحقق الأذی للنبی صلی الله علیه وآله وسلم من قبل علی صلوات الله وسلامه علیه

وردت النصوص متضافرة عند الخاصة والعامة ان النبی صلی الله علیه وآله وسلم قد لعن کل من آذاه فی عترته واهل بیته صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین نختار من هذه النصوص علی عجالة ما یلی:

1: عن السیوطی فی الجامع الصغیر عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم انه قال: (اشتد غضب الله علی من آذانی فی عترتی)(1).

2: أبو نعیم، بإسناده عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم، أنه قال: (اشتد غضب الله علی الیهود [أن قالوا: عزیر بن الله] واشتد غضب الله علی النصاری [أن قالوا: المسیح ابن الله] واشتد غضب الله علی من آذانی فی عترتی من بعدی)(2).


1- الجامع الصغیر لجلال الدین السیوطی ج 1 ص 158.
2- شرح الأخبار للقاضی النعمان المغربی ج 2 ص 481 __ 482.

ص: 239

3: وقال المناوی فی کتابه فیض القدیر شرح الجامع الصغیر:

(اشتد غضب الله علی من) أی إنسان (آذانی فی عترتی) بوجه من وجوه الإیذاء کسب أو لعن أو طعن فی نسب أو تعرض لنقصهم أو جفاء لبعضهم. والعترة بکسر العین وسکون الفوقیة: نسل الرجل وأقاربه. وعشیرته الأدنون وأخرج المحب الطبری فی کتاب ذخائر العقبی من حدیث علی بن موسی الرضا عن علی کرم الله وجهه مرفوعا: اشتد غضب الله وغضب رسوله وغضب ملائکته علی من أهرق دم نبی أو آذاه فی عترته.

قال المحب: وفیه دلیل علی أن المیت یراعی منه ما یراعی من الحی)(1).

ولو صحت روایة خطبة الإمام علی صلوات الله وسلامه علیه وأمره للناس بعدم تزویج الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه ونعته بالمطلاق علی رؤوس الأشهاد لکان فی ذلک کله أذی واضح للإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه، لان کل إنسان سواء کان معصوما أو لا یتأذی لو عرض به وشنع علیه من علی رؤوس المنابر، فیکون الإمام أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه وحاشاه من ذلک قد آذی الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه ومؤذی الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه مؤذٍ للنبی صلی الله علیه وآله وسلم تحرم علیه الجنة لقوله صلی الله علیه وآله وسلم :

(حرمت الجنة علی من ظلم أهل بیتی وآذانی فی عترتی)(2).


1- فیض القدیر شرح الجامع الصغیر للمناوی ج 1 ص 659
2- تخریج الأحادیث والآثار للزیلعی ج 3 ص 336.

ص: 240

وهذا اللازم باطل لان الإمام علی بن أبی طالب صلوات الله وسلامه علیه هو احد الذین اجمع المسلمون علی شموله بآیة التطهیر وإذهاب الرجس فلا یمکن صدور فعل الأذی عنه لذات النبی الأقدس صلی الله علیه وآله وسلم لان أذی النبی من أوضح مصادیق الظلم والرجس الذی هو من الشیطان وقد ثبت نزاهته عنه وتطهیره منه.

وأیضا ثبت بالدلیل القطعی وبإجماع المسلمین ان علیا صلوات الله وسلامه علیه من أهل الجنة بل من ساداتها،وفی هذا دلیل علی ان علیا صلوات الله وسلامه علیه لم یصل منه أی أذی لذریة النبی وعترته فیکون ذلک شاهدا قطعیا علی کذب تلک الروایة المزعومة.

السبب الثامن: الروایة تؤدی إلی إیذاء الإمام الحسن علیه السلام للنبی صلی الله علیه وآله وسلم

قد وردت نصوص صریحة علی ان من آذی أمیر المؤمنین علیا بن أبی طالب صلوات الله وسلامه علیه فقد آذی النبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم نختار من تلک النصوص ما یلی:

1: روی احمد بن حنبل فی مسنده عن عمرو بن شاس الأسلمی قال وکان من أصحاب الحدیبیة قال:(خرجت مع علی إلی الیمن فجفانی فی سفری ذلک حتی وجدت فی نفسی علیه فلما قدمت أظهرت شکایته فی المسجد حتی بلغ ذلک رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فدخلت المسجد ذات غدوة ورسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی ناس من أصحابه فلما رآنی أبدنی عینیه یقول

ص: 241

حدد إلی النظر حتی إذا جلست قال یا عمرو والله لقد آذیتنی قلت أعوذ بالله أن أوذیک یا رسول الله قال بلی من آذی علیا فقد آذانی)(1).

قال الهیثمی فی مجمع الزوائد معلقا علی هذا الحدیث: (رواه أحمد والطبرانی باختصار والبزار أخصر منه ورجال أحمد ثقات)(2).

2: قال الهیثمی: وعن سعد بن أبی وقاص قال: (کنت جالسا فی المسجد أنا ورجلین معی فنلنا من علی فأقبل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم غضبان یعرف فی وجهه الغضب فتعوذت بالله من غضبه فقال مالکم ومالی من آذی علیا فقد آذانی)(3).

وقال الهیثمی بعد أن أورد هذا الخبر: (رواه أبو یعلی والبزار باختصار ورجال أبی یعلی رجال الصحیح غیر محمود بن خداش وقنان وهما ثقتان)(4).

3: وقال المناوی شارحا هذا الحدیث: (من آذی علیا ) بن أبی طالب (فقد آذانی) قال ذلک ثلاثا وقد کانت الصحابة یعرفون له ذلک، أخرج الدارقطنی عن عمر أنه سمع رجلا یقع فی علی فقال: ویحک أتعرف علیا هذا ابن عمه __ وأشار إلی قبر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم __ والله ما آذیت إلا هذا فی قبره. وروی الإمام أحمد فی زوائد المسند بلفظ إنک إن انتقصته فقد آذیت هذا فی قبره)(5).


1- مسند احمد بن حنبل ج3 ص484 حدیث عمرو بن شاس الأسلمی رضی الله تعالی عنه.
2- مجمع الزوائد للهیثمی ج 9 ص 129.
3- مجمع الزوائد للهیثمی ج9 ص129 باب منه جامع فیمن یحبه ومن یبغضه رضی الله عنه.
4- المصدر السابق.
5- فیض القدیر شرح الجامع الصغیر للمناوی ج 6 ص 24.

ص: 242

ووجه الاستدلال بهذه الأحادیث علی إبطال تلک الروایة المزعومة هو ان الإمام علی بن أبی طالب صلوات الله وسلامه علیه بزعمهم ما اشتکی من الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه وأنکر علیه فعلته من علی منبر الکوفة إلا بعد أن تأذی من کثرة طلاقه وزواجه فقد روی محمد بن عمر، عن علی انه قال:

( ما زال الحسن بن علی یتزوج ویطلق حتی خشیت أن یکون یورثنا عداوة فی القبائل)(1).

فیلزم من أذی الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه لأبیه وفقا للأحادیث المتقدمة أذی الرسول الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم وهو من أعظم المعاصی التی یستحق فاعلها السخط الإلهی والحرمان من الجنة.

وکل هذه اللوازم باطلة فأذی النبی صلی الله علیه وآله وسلم منفی عن الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه بآیة التطهیر لان المعصیة رجس من عمل الشیطان قد طهر منها قلب الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه وفعله، وحرمانه من الجنة منفی بما تواتر عند العامة والخاصة من أن الحسن والحسین سیدا شباب أهل الجنة، ومعنی انه من أهل الجنة هو انه لم یغضب النبی صلی الله علیه وآله وسلم فی علی صلوات الله وسلامه علیه طرفة عین أبدا، ومعنی کونه صلوات الله وسلامه علیه لم یغضب علیا ولم یؤذه هو تکذیب لکل روایة تحکی إیذاءه لأبیه ومنها هذه الروایة المکذوبة.


1- ترجمة الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه من طبقات ابن سعد ص 69، تحقیق السید عبد العزیز الطباطبائی.

ص: 243

السبب التاسع: یلزم من الروایة تقدیم المفضول علی الفاضل

قد اوجب کل من الشرع والعقل تقدیم الفاضل علی المفضول، وبالعکس فقد حکم کل من الشرع والعقل بقبح تقدیم المفضول علی الفاضل والی ذلک یشیر قوله تعالی:

((قُلِ اللَّهُ یَهْدِی لِلْحَقِّ أَفَمَنْ یَهْدِی إِلَی الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ یُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا یَهِدِّی إِلَّا أَنْ یُهْدَی فَمَا لَکُمْ کَیْفَ تَحْکُمُونَ))(1).

وهذه صیغة تعجب من الله تعالی دالة علی شدة الإنکار لامتناعه فی حقه تعالی(2).

أما العقل فقد صرح جملة من الأعلام علی أن قبح تقدیم المفضول علی الفاضل هو من القضایا البدیهیة الضروریة(3).

ولأجل هذا القبح الشرعی والعقلی حکم علماؤنا بضرورة أن یکون الإمام أفضل من رعیته وأکمل، وفی هذا الصدد یقول الشریف المرتضی: (وواجب أن یکون __ الإمام __ أفضل من رعیته وأعلم، لقبح تقدیم المفضول علی الفاضل فیما کان أفضل منه فیه فی العقول)(4).


1- سورة یونس الآیة 35.
2- تذکرة الفقهاء للعلامة الحلی ج9 ص397.
3- منهم العلامة الحلی فی کتابه تذکرة الفقهاء ج9 ص397.
4- رسائل المرتضی للشریف المرتضی ج 3 ص 20.

ص: 244

ویقول محمد طاهر القمی الشیرازی: (ان الأئمة الاثنی عشر صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین أفضل من کل من ادعی الإمامة فی أعصارهم، فثبت إمامتهم، لأن تقدیم المفضول علی الفاضل فیما هو فاضل قبیح عقلا وشرعا. اما عقلا،فلأنا نعلم قطعا بالضرورة بأن تقدیم تلمیذ الفقیه الماهر فی الفقه علی الفقیه،وتقدیم الجبان العاری من التدبیر علی الشجاع المدبر فی الحرب قبیح. وأما نقلا، فقد أشار الله تعالی بقوله:

((قُلِ اللَّهُ یَهْدِی لِلْحَقِّ أَفَمَنْ یَهْدِی إِلَی الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ یُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا یَهِدِّی إِلَّا أَنْ یُهْدَی فَمَا لَکُمْ کَیْفَ تَحْکُمُونَ))...)(1).

وروایة شکایة الإمام علی صلوات الله وسلامه علیه من ابنه الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه لو کانت صحیحة للزم منها تقدیم للمفضول علی الفاضل، لان کثیرا من الرعیة لم یکن موصوفا بالمطلاق ولا صدر فی حقه تقریع وتحذیر من علی منبر الکوفة وهو یعنی بان کثیر من الناس وعوامهم أفضل منه صلوات الله وسلامه علیه وإذا کانوا أفضل منه کیف جاز لعلی صلوات الله وسلامه علیه، ومن قبله النبی الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم، ومن قبلهما الله سبحانه وتعالی، کیف جاز لهم جمیعا أن یقدموا الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه لمنصب الإمامة والخلافة وفی الرعیة من هو أفضل منه ألیس هذا من الذی قد ثبت قبحه ومخالفته للحق والحکمة الإلهیة؟! تعالی الله ورسوله وأوصیائه عن ذلک علوا کبیرا.


1- کتاب الأربعین لمحمد طاهر القمی الشیرازی ص 413.

ص: 245

وکذلک لا یمکن صدور هذا التقدیم المفضول علی الفاضل من قبل النبی ووصیه صلوات الله وسلاه علیهما، لان فی تنصیب غیر الکامل ظلماً للرعیة والظلم منفی عنهما بآیة التطهیر لأنه رجس والرجس مرفوع عنهما،فینبغی وفقا لکل ذلک أن یکون الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه أفضل من کل الرعیة،ولا یکون أفضلهم ما لم نکذب هذه الروایة وأمثالها اللاتی یهدفن إلی الحط من منزلة الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه وجعل کل الأمة أفضل منه.

السبب العاشر: الروایة مخالفة لقول النبی لا تعلموهم فانهم اعلم منکم

قد وردت الأحادیث الکثیرة عن النبی الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم أمره الأمة من بعده أن لا یعلموا أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین لأنهم اعلم الأمة من بعده ومن هذه الأحادیث نختار ما یلی:

1: عن الطبرانی فی المعجم الکبیر عن زید بن أرقم قال: (نزل النبی صلی الله علیه وآله وسلم یوم الجحفة ثم أقبل علی الناس فحمد الله وأثنی علیه ثم قال إنی لا أجد لنبی إلا نصف عمر الذی قبله وإنی أوشک أن أدعی فأجیب فما أنتم قائلون قالوا نصحت... فانظروا کیف تخلفونی فی الثقلین فنادی مناد وما الثقلان یا رسول الله قال کتاب الله طرف بید الله عز وجل وطرف بأیدیکم فاستمسکوا به لا تضلوا والآخر عترتی وإن اللطیف الخبیر نبأنی أنهما لن

ص: 246

یتفرقا حتی یردا علی الحوض وسألت ذلک لهما ربی فلا تقدموهما فتهلکوا ولا تقصروا عنهما فتهلکوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منکم ثم أخذ بید علی رضی الله عنه فقال من کنت أولی به من نفسه فعلی ولیه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)(1).

2: عن جابر الجعفی عن أبی جعفر صلوات الله وسلامه علیه قال: (قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من سره أن یحیی حیاتی ویموت میتتی ویدخل جنة عدن قضیب غرسه ربی فلیتول علیا وأوصیائه من بعدی فإنهم لا یدخلونکم فی باب ضلال ولا یخرجونکم من باب هدی ولا تعلموهم فإنهم اعلم منکم وإنی سئلت ربی أن لا یفرق بینهم وبین الکتاب حتی یردا علی الحوض معی هکذا وضم بین إصبعیه وعرضه ما بین صنعاء إلی إبله فیه قدحان فضة وذهبا عدد النجوم)(2).

ولو صحت الروایة المزعومة التی ینهی فیها الإمام علی صلوات الله وسلامه علیه الناس من تزویج الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه للزم منها جواز تعلیم الغیر للإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه فمن حق أی إنسان من عوام الناس حینئذ أن یقف بوجه الإمام الحسن علیه السلام وینصحه بترک هذه الصفة التی من اجلها قام أمیر المؤمنین علیه السلام علی المنبر واشتکی منه وأمر الناس أن لا یعطوه رغبته.


1- المعجم الکبیر للطبرانی ج5 ص 166 __ 167، وأیضا فی کنز العمال للمتقی الهندی ج1 ص188 .
2- الکافی للشیخ الکلینی ج 1 ص209، بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار ص 69.

ص: 247

ونصیحته وتعلیمه منهی عنه ومنفی بالروایة السابقة لان الروایة تنص علی استحالة أن یصدر عن أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین ومن ضمنهم الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه أی فعل أو قول یستلزم تعلیمهم من قبل الغیر لأنهم اعلم الأمة والأعلم لا یعلم من قبل من هو أدنی منه مرتبة.

السبب الحادی عشر: الروایة مخالفة لسیرة الأئمة علیهم السلام

  أکدت سیرة أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین وکلماتهم علی أن الطریقة المثلی لتقدیم النصیحة والأمر بها هی أن تتم فی السر دون العلن وبهذا الصدد یقول أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه (النصح بین الملا تقریع)(1) وقال الإمام الحسن العسکری صلوات الله وسلامه علیه (من وعظ أخاه سرا فقد زانه، ومن وعظه علانیة فقد شانه)(2) وهذه الطریقة أثبتت نجاحا مبهرا فی میادین معالجة المشاکل الاجتماعیة والفردیة.

فقد أثبتت التجارب والسیرة العقلائیة ان النصح فی العلانیة لا یأتی علی الدوام إلا بنتائج سلبیة، فالمنصوح علانیة غالبا ما تأخذه العزة بالإثم ویصر علی ما هو علیه، بل ربما ازداد تمادیا بعد کل نصیحة تقدم له علنا، بینما النصیحة فی السر غالبا ما تؤدی وتؤتی نتائج طیبة، ویکون لها وقع اشد، وقبول اکبر فی نفس الشخص المنصوح.


1- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید ج20 ص341.
2- تحف العقول لابن شعبة الحرانی ص489.

ص: 248

وعلی هذا المسلک جرت سیرة النبی صلی الله علیه وآله وسلم والأئمة علیهم السلام فحینما کانوا یرون من فرد أو مجموعة خطأ یستحق ان یذکر علی الملا وینبه علیه علنا فانهم صلوات الله علیهم أجمعین یعمدون إلی التعمیة علی ذکر الشخص الفاعل أو القائل لذلک الخطأ.

ویکتفون بإسلوب الإشارة أو الکنایة أو الحکایة عنه، ومن راجع خطب النبی صلی الله علیه وآله وسلم أیام حیاته یتیقن بما قلنا.

فقد کان صلی الله علیه وآله وسلم یعبر بقوله ما بال قوم أو أقوام یقولون کذا أو یفعلون کذا فیعمی بذلک عن الشخصیة الحقیقیة لذلک القائل أو الفاعل للأمر الذی استحق أن یرد علیه علنا من علی المنبر.

وتلک الروایة المکذوبة علی أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه وابنه الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه تغایر هذا المنهج، لانها تدعی بان الإمام أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه قد واجه ابنه علنا بتلک الکلمات القاسیة، فتکون وبحسب تلک الأحادیث السابقة شین وتقریع وتوبیخ للإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه لانها قد صدرت علنا.

وهذا ما لا یمکن نسبته للإمام أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه لان فی توبیخ الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه أذاه الذی یستتبع أذی النبی صلی الله علیه وآله وسلم وهو ما قد اثبتا سابقا استحالة صدوره عن الإمام أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه الذی لا تخالف أقواله أفعاله وهو المعصوم عن کل ذنب والمطهر من کل رجس ودنس.

ص: 249

ثم لماذا لم ینصح الإمام أمیر المؤمنین فیما بینه وبین الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه مباشرة ویطلب منه بل یأمره بترک ما هو علیه من کثرة الطلاق لو کان لهذا الأمر حقیقة.

ولو ان الإمام أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه طلب ذلک من دون تشهیر وإعلان علی المنابر لاستحال أن یعصی الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه أمر أبیه، لأنه صلوات الله وسلامه علیه کان أطوع الناس لأبیه واعرفهم بحقه وحرمته ووجوب طاعته، والتاریخ لم یحدثنا بقضیة واحدة قد خالف فیها الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه أباه أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه وعصی أمره،فالأولی وفقا لهذا ان یطلب منه أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه مباشرة دون حاجة إلی ارتکاب لکل تلک المحاذیر التی ذکرناها.

بالإضافة إلی ان الواجب علی الإمام أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه لو کانت هذه الروایة صحیحة أن یراعی مراتب الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر وأول مراتبه فی مثل هذه الحالات هو أن یوجه الکلام إلی الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه مباشرة وبشکل سری عملا بمنهجهم العام فی إبداء النصح للآخرین.

فان لم ینته الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه __ وحاشاه من عدم الامتثال __ شدد علیه أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه أکثر بان یکلمه أمام مجموعة من أهل بیته وأقربائه.

ص: 250

فان لم ینته تدرج أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه فی النصح حتی یصل إلی المرتبة النهائیة وهی التشهیر به بتلک الصورة الفظیعة وبتلک الکلمات القاسیة، ومن غیر المعقول أن تغیب مراعاة هذه الأمور البدیهیة علی أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه وهو اعلم الأمة وأقضاها وافقهها.

وبما ان التاریخ لم ینقل لنا نصا واحدا علی إتباع أمیر المؤمنین لهذه المراتب مع ابنه الحسن صلوات الله وسلامه علیه فنستطیع أن نستدل بذلک علی کذب القضیة من الأساس لأنها لو کانت قد صدرت من الإمام لنقلت لنا بجمیع مراتبها لان الداعی إلی نقلها موجود والرواة الذین کانوا یتصیدون کل غلطة وزلة علی أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین موجودون یتربصون بأهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین کل زلة لیشیعوها للناس.

لان فی إشاعتهم لهذه الأخبار وأمثالها فائدة مادیة ومنزلة رفیعة عند الدولة الأمویة والعباسیة اللتین کانتا تغدق الأموال علی کل من یروی مثلبة ینتقص فیها من أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین حتی لو کانت مکذوبة ومفتعلة.

وختاما لا یخفی علی المتأمل ان کثیرا من الأسباب السابقة یمکن الاستفادة منها لرد هذه الروایة التی نحن بصدد الکلام عنها وغیرها من الروایات اللاحقة أو السابقة فنکتفی بإیرادها هنا تارکین للقارئ اللبیب تطبیقها علی بقیة تلک الروایات الأخری.

ص: 251

الروایة الثانیة

وعن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعیل بن بزیع، عن جعفر ابن بشیر، عن یحیی بن أبی العلا، عن أبی عبد الله صلوات الله وسلامه علیه قال:

(إن الحسن بن علی صلوات الله وسلامه علیهما طلق خمسین امرأة.

فقال علی صلوات الله وسلامه علیه بالکوفة فقال:

یا معشر أهل الکوفة لا تنکحوا الحسن فإنه رجل مطلاق.

فقام إلیه رجل فقال:

بلی والله لننکحنه إنه ابن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وابن فاطمة علیها السلام فان أعجبه أمسک وإن کره طلق)(1).

وهذه الروایة تشتمل علی مطلبین أولهما قوله:

(إن الحسن بن علی صلوات الله وسلامه علیهما طلق خمسین امرأة)، وهو ما قد أثبتنا کذبه فی الرد علی روایات أهل السنة فی الفصل الثانی فراجع.

والثانی:

هو خطبة أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه علی المنبر وقد تقدم عنها الکلام مفصلا فی الروایة المتقدمة.


1- الکافی للشیخ الکلینی ج6 ص55 باب تطلیق المرأة غیر الموافقة الحدیث رقم 5.

ص: 252

الروایة الثالثة

اشارة

عن القاضی النعمان المغربی قال: (وعن أبی جعفر محمد بن علی صلوات الله وسلامه علیه أنه اجتمع یوما مع أخیه زیدا فعدا ما تزوج الحسن بن علی صلوات الله وسلامه علیه فأثبتا ستا وخمسین وما استکملا آخرهن)(1).

أقول:هذه الروایة باطلة لاعتبارین:

الأول: سند هذه الروایة ضعیف

 لم نجد غیر القاضی النعمان المغربی رحمه الله قد روی هذه الروایة، وکل من رواها غیره إنما نقلها عنه، وهو رحمه اللهکما تری قد نقل هذه الروایة من دون إسناد یذکر،ومن دون الإسناد لا یمکن إثبات أی روایة کما هو بدیهی، لاسیما أمثال هذه الروایات المسیئة لکرامة وشخصیة إمام معصوم مثل الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه، وعلیه تسقط هذه الروایة عن الاعتبار من حیث الإسناد.

الثانی: هل کانت مسؤولیات الإمام الباقر علیه السلام تسمح بهذا الفعل؟

المسؤولیات الجسام والمهام العظام التی کانت ملقاة علی عاتق الإمام الباقر صلوات الله وسلامه علیه کانت تحول دون انشغاله بأمثال هذه الأمور السطحیة الساذجة، فبدلا من أن یجتمع الإمام الباقر صلوات الله وسلامه علیه مع زید بن علیرحمه الله ویشرعا فی تعداد أسماء زوجات الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه ویستغرق ذلک


1- دعائم الإسلام للقاضی النعمان المغربی ج 2 ص 192.

ص: 253

منهما وقت وجهد حتی انهما بعد کل ذلک الوقت والجهد لا یعدان سوی ستا وخمسین زوجة ثم یوقفهما التعب والإعیاء، فبدلا من ذلک کله ألیس من المهم بل الأهم أن یجتمعا لأمر أکثر خطورة واکبر أهمیة فالشیعة فی وقت الإمام الباقر صلوات الله وسلامه علیه عانت من إرهاب الدولة وقسوتها ما لا یحصیه علما إلا الله سبحانه فمئات منهم فی السجون مودعین، والآلاف منهم مشرد، والآلاف منهم یعانی من ضیاع المال بید الدولة الجائرة، ووطبقة واسعة من الشیعة جائعة محتاجة لا تجد ما یسد رمقها بسبب سیاسة الدولة الجائرة ضدهم، وجمیع الشیعة الموالین بحاجة إلی الإرشاد والتوجیه من قبل إمامهم المراقب والمشدد علیه فی کل حرکاته وسکناته، والکل بحاجة إلی حلول لمشاکلهم الدینیة والدنیویة، والکل مطارد أو مراقب من السلطة،والدولة الجائرة آنذاک تبذل الغالی والنفیس فی سبیل القضاء علی مذهب أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین، وعلی شخص الإمام الباقر صلوات الله وسلامه علیه وکل أتباعه، والإمام الباقر المسؤول عن حل کل هذه المشاکل العویصة معرض عن کل هذه الآلام والماسی وجالس فی بیته مع زید بن علی یعد ویحسب زوجات الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه غیر مکترث ولا مهتم بما یدور حوله، فسبحان الله ما قدروا الإمام الباقر حق قدره ولا أعطوه استحقاقه.

فالروایة إذاً فیها استخفاف بمنزلة إمامین معصومین لا نسمح ولا نقبل بالمساس بکرامتهما وقدسیتهما لمجرد ورود خبر لا سند له ولا أصل.

ص: 254

الروایة الرابعة

اشارة

عن القاضی النعمان المغربی فی کتابه دعائم الإسلام عن أبی جعفر محمد بن علی صلوات الله وسلامه علیهما أنه قال:

( تزوج الحسن بن علی صلوات الله وسلامه علیهما امرأة، فأرسل إلیها بمائة جاریة، مع کل جاریة ألف درهم)(1).

ویرد علی هذه الروایة عدة أمور تمنع من الأخذ بها منها:

أولا: سند الروایة مجهول

  هذه الروایة مرسلة ذکرها القاضی رحمه الله فی کتابه دعائم الإسلام عن الإمام الباقر صلوات الله وسلامه علیه من دون ذکر الواسطة التی نقلت هذه الروایة، ومع عدم ذکر الواسطة لا نستطیع الوثوق بمضمونها ومحتواها.

ثانیا: لیس فی الروایة ما یدل علی کون الحسن صلوات الله وسلامه علیه رجلاً مطلاقاً

هذه الروایة حتی لو ثبتت من حیث السند والمضمون لا یلزم منها کون الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه رجلاً مطلاق فلیس فی الروایة ما یشیر إلی ذلک من قریب ولا بعید.


1- دعائم الإسلام للقاضی النعمان المغربی: ج 2، ص 222، ذکر المهور.

ص: 255

ثالثا: الروایة دلیل براءة للإمام الحسن علیه السلام ولیس العکس

هذه الروایة حتی لو ثبتت فهی اقرب شیء إلی براءته من تهمة المزواج أو المطلاق أو المذواق، لان المذواق أو من کان همه النساء لا یعطی للزواج من امرأة واحدة مائة جاریة، بل العکس هو الصحیح فلو کان الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه مذواقا لجرب هذه الجواری وتمتع بهن کما یحلو له لأنهن فی ملکه وتحت تصرفه فمن غیر المعقول لرجل مذواق أو همه النساء أن یبدل مائة امرأة بامرأة واحدة، فحق لهذه الروایة لو ثبتت أن تکون دلیلا علی براءة الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه مما نسب إلیه من تهم باطلة ولیس العکس.

رابعا: لماذا لم یذکر لنا التاریخ اسم هذه الزوجة؟

  ان إعطاء هکذا مهر ضخم من قبل الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه دلیل علی أن تلک الزوجة لها أهمیة کبیرة ومنزلة اجتماعیة مرموقة، لان من عادة العرب أن تعطی المهر الجسیم الفخم لمن لها منزلة تتناسب والمهر المقدم لها.

وعلیه یمکن لنا ان نتسأل عن السبب الذی أدی إلی عدم نقل اسم هذه المرأة التی أمهرت بمثل هذا المال الجسیم، وکیف أمکن أن یغفل الرواة عن نقل اسمها ولا سیما أن الداعی إلی نقل الاسم موجود لان الروایة نقلت لبیان مقدار ما تم إنفاقه من قبل الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه کمهر عظیم لم یکن متعارفا أبدا فی ذلک العصر وإلا لو کان متعارفا أن ینفق الإنسان فی ذلک

ص: 256

العصر فی مهر الزوجة ما أنفقه الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه لم تکن ضرورة حینئذ لنقله والتعجب منه.

فلماذا ذکرت الروایة جمیع التفاصیل ابتداء من الشخص الذی أرسل المهر وهو الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه وبیان عدد الجواری وبیان کم کان من الدراهم مع کل جاریة ولکنها بعد کل هذه التفاصیل نسیت ذکر اسم الزوجة التی هی المحور الأساسی فی هذه الروایة،فلو کانت قصة هذا المهر حقیقیة لذکرت صاحبة المهر لان فی ذکرها امتیازا کما أن فی مهرها امتیازا.

ملاحظة أخیرة

وهذه الروایة فوق ذلک مرویة ومتوافقة مع روایات أهل السنة ونظرتهم الباطلة حول عدد زوجات الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه وهی مرویة بنفس هذا النص عن ابن سیرین کما نقله الهیثمی فی مجمع الزوائد قال: (وعن ابن سیرین قال تزوج الحسن بن علی امرأة قال فأرسل إلیها بمائة جاریة مع کل جاریة ألف درهم)(1).

وقد استدرکنا ذکرها هنا لمناسبة الشبه بین الروایتین وعلیه فکل ما یرد علی الروایة الشیعیة یرد علی روایة ابن سیرین ویضاف إلی ذلک هنا ان سیرة ابن سیرین وولائه للدولة الأمویة والذی مر توضیحه فی خاتمة الفصل الثانی مانع آخر یضاف إلی ما قد سبق من إشکالیات.


1- مجمع الزوائد للهیثمی ج 4 ص 284.

ص: 257

الروایة الخامسة

عن أبی عبد الله محمد بن علی بن الحسن بن عبد الرحمن العلوی الحسینی فی کتاب التعازی: بإسناده عن الحسن بن مجاشع، عن العامری، عن أبی سلمه، عن زید بن علی قال: تزوج الحسن بن علی صلوات الله وسلامه علیهما أربعمائة وثمان وأربعین زوجة، ما من امرأة إلا قد بذلت له من دنیاها ما أمکن، فما مد إلی ذلک یدا ولا عینا)(1).

والجواب عن نسبة هکذا عدد ضخم من الزوجات للإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه قد مر الجواب عنه عدة مرات فلا داع لإعادته هنا(2).

بالإضافة إلی ذلک فالروایة هذه ضعیفة لوجود جملة من الرواة المجاهیل الذین لم یرد لهم ذکر أصلا إلا فی هذه الروایة الموضوعة، أمثال الحسن بن مجاشع وغیره.

بالإضافة إلی ذلک فان صاحب کتاب التعازی انفرد بذکر هذه الروایة وحده فلم یذکرها احد غیره لا من العامة ولا الخاصة وانفراده دلیل علی کونها من روایات الآحاد النادرة وکل روایة آحاد لا تنسجم مع الثوابت القرآنیة ولا تحفظ کرامة وعزة أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین فهی مردودة ومضروب بها عرض الجدار.


1- مستدرک الوسائل للمیرزا النوری ج14 ص296.
2- راجع الوجه الثالث من وجوه الرد علی الروایة السابعة المذکورة فی الفصل الثانی، وأیضا السبب الثانی من أسباب عدم قبول الروایة الحادیة عشر فی نفس الفصل.

ص: 258

وبهذه المناقشة تم کل ما وقع بأیدینا من الروایات التی تحدثت عن موضوع کثرة زواج الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه وطلاقه والتی ورد ذکرها فی کتب ومصادر الشیعة الإمامیة، وقد تبین ولله الحمد ان هذه الروایات تشترک مع تلک الروایات التی مرت فی الفصل الثانی بانها جمیعا مکذوبة وباطلة ولا یمکن الوثوق بها ولا بمدلولاتها ولا تصمد أمام النقاش العلمی والموضوعی.

خاتمة هذا الفصل

اشارة

  بعد أن ختمنا الفصل السابق بمعرفة الزمن الدقیق لظهور فریة کون الإمام الحسن مطلاقا، وکان أواخر عمر الدولة الأمویة وبدایة ظهور الدولة العباسیة تاریخا لظهور هذه الأکاذیب علی الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه، وإکمالا للفائدة قررنا أن نختم هذا الفصل بفائدتین مهمتین:

الأولی حول أسباب ظهور هذه الأکاذیب والأهداف التی تقف وراء اختلاق هذه الإشاعات البغیضة.

والفائدة الثانیة تدور حول العدد الحقیقی لزوجات الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه، فمن بعد أن فندنا کل روایات الکثرة المفرطة التی تخرج موضوع زواج الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه عن الحد المعقول، لابد أن یکون لزوجاته حد یقبله الوجدان والتاریخ ولا یمجه الدین والعرف ولا تستقبحه الفطرة، وهذا ما سنعرفه فی أثناء تناولنا لتلک الفائدة الثانیة.

ص: 259

الفائدة الأولی: أسباب اختلاق هذه الأکاذیب علی الإمام الحسن علیه السلام

اشارة

  من تمعن فی تقییم رجال الدولة الأمویة والعباسیة الذین ظهرت هذه الأکاذیب علی أیدیهم وبإشراف منهم، ومن أطال النظر أیضا حول أسالیب هؤلاء ضد معارضیهم ومن لا یتفق معهم فی المبدأ والغایة،لا یجد صعوبة کبیرة فی تفسیر وکشف أسباب ما تم لصقه بالإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه من أکاذیب واتهامات، وفیما یلی بعض لهذه الأسباب التی کان لها مدخلیة کبیرة فی صدور هذه الإساءة بحق سید شباب أهل الجنة الإمام الحسن بن علی صلوات الله وسلامه علیه.

السبب الأول: تبریر الانحطاط الأخلاقی الأموی والعباسی

کانت بدایة الانحراف والانحطاط علی مستوی الحاکم أو نائبه __ إن أردنا أن نقول کلمة الحق علی رغم عدم رضا الکثیرین __ قد تزامنت مع بدایة رحیل النبی الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم ولیس هذا من التجنی علی احد من الخلق ولا هو من نسج الخیال إنما هو حقیقة تاریخیة فقد اخرج ابن أبی شیبة الکوفی فی کتابه المصنف: (حدثنا أبو بکر قال حدثنا ابن مسهر عن الشیبانی عن حسان بن مخارق قال: بلغنی أن عمر بن الخطاب سائر رجلا فی سفر وکان صائما، فلما أفطر أهوی إلی قربة لعمر معلقة فیها نبیذ قد خضخضها البعیر، فشرب منها فسکر، فضربه عمر الحد،فقال له: إنما شربت من قربتک، فقال له عمر: إنما جلدناک لسکرک)(1).


1- المصنف لابن شیبة الکوفی ج6 ص202 فی النبیذ من رأی فیه حدا، وراجع أیضا نصب الرایة للزیعلی ج4 ص162 فی بیان ان عمر أقام الحد علی إعرابی سکر من النبیذ.

ص: 260

وفی تفسیر الآلوسی: (عن عبد الله بن عوف قال: أتیت باب عمر رضی الله تعالی عنه فسمعته یغنی:

 فکیف ثوائی بالمدینة بعدما قضی وطرا منها جمیل بن معمر. أراد به جمیلا الجمحی وکان خاصا به فلما استأذنت علیه قال لی:أسمعت ما قلت؟ قلت: نعم، قال: أنا إذا خلونا قلنا ما یقول الناس فی بیوتهم)(1).

ولا نرید أن نصل من خلال هاتین إلی أکثر من أن بدایة التغییر والتبدیل قد بدأت ولشدید الأسف مبکرا، ولکنه والحق یقال کان یمارس بشکل سری تقریبا،والیه تشیر الروایة الثانیة عند قول عمر بن الخطاب (أنا إذا خلونا قلنا ما یقول الناس فی بیوتهم) فظاهر الشریعة کان محفوظا فی کثیر من الأحیان.

ولکن هذا الالتزام الشدید بحفظ الظاهر مع مرور الأیام صار یفتر تدریجیا کلما ابتعد الزمان بالمسلمین حتی وصل إلی حد التجاهر شیئا فشیئا،وقضیة تجاهر الولید بن عقبة بشربه للخمر علنا فی زمن ولایة عثمان بن عفان وصلاته الصبح بالناس أربع رکعات(2) ولعب السحرة بین یدیه بالسحر والشعوذة أشهر من أن تذکر(3).


1- تفسیر الآلوسی ج21 ص71 عند تفسیره لقوله تعالی: )) وَمِنَ النَّاسِ مَن یَشْتَرِی لَهْوَ الْحَدِیثِ لِیُضِلَّ عَن سَبِیلِ اللَّهِ بِغَیْرِ عِلْمٍ وَیَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِکَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِینٌ (( سورة لقمان الآیة رقم6.
2- الاستیعاب لابن عبد البر ج4 ص 1554 ذکره تحت الرقم2721، المغنی لعبد الله بن قدامة ج2 ص24 امامة المبتدع والفاسق والسلطان.
3- المحلی لابن حزم ج11 ص396 دلیل من یقول یقتل الساحر، المصنف لعبد الرزاق الصنعانی ج10 ص182 باب قتل الساحر، المعجم الکبیر للطبرانی ج2 ص177 جندب بن کعب الأزدی.

ص: 261

وما أن وصلت السلطة إلی بنی أمیة حتی وصل التجاهر بالفسق والفجور حده الأقصی، فصار من یسمی نفسه بالخلیفة والذی من المفترض أن یرعی أمور المسلمین، ویحافظ علی عفافهم ومستواهم الدینی والأخلاقی الرفیع المنسجم مع القران وأحکام الدین، هو نفسه یشترک فی مجالس اللهو والطرب والغناء والفاحشة، بل أکثر من ذلک فقد کان خلیفة الشیطان هذا هو من یؤسس بیوت الطرب والخمور ویبذل الأموال الطائلة فی شراء الجواری المغنیات اللاتی یتمتعن بصفات وقدرات تؤهلهن ارتکاب الفجور والفاحشة، وما معاویة بن أبی سفیان بالذی یجهل أمره فی هذه المیادین فقد کان یطرب من الغناء والسکر حتی یفقد اتزانه فیضرب برجلیه الأرض(1)،وکان یقضی حوائج بعض الفجار مهما بلغت لا لشیء إلا لأنه مغنی نظیر سائب خاثر الذی کان مولی لبنی لیث والذی قال عنه الطبری کان فاجرا(2).

ولم یکن یزید یشکل فارقا عن أبیه کیف لا وهو من تربی فی وسط هذه الضحالة الفکریة والأخلاقیة، بل ان یزیدا زاد علی أبیه شذوذا وانحرافا وولعا بالجواری المغنیات والمخنثین من الأولاد وملاعبة القرود والفهود والکلاب، ولا نرید أن ندخل فی باب نکاحه للمحارم من الأخوات والعمات فالرجل


1- تاریخ الطبری ج4 ص249 ذکر نساء معاویة وولده وذکر بعض أخباره،والکامل فی التاریخ ج4 ص13 فی ذکر بعض سیرته وأخباره وقضاته وکتابه.
2- راجع تفصیل قصته فی تاریخ الطبری ج4 ص249 ذکر نساء معاویة وولده وذکر بعض أخباره.

ص: 262

غیر خاف أمره علی احد من المسلمین، وللإمام الحسین صلوات الله وسلامه علیه فی زمن معاویة وبعده أکثر من کلمة فی حق یزید منها مقولته صلوات الله وسلامه علیه لمعاویة بن أبی سفیان لما أراد أن یأخذ من الناس البیعة لابنه یزید:(... ترید أن توهم الناس فی یزید،کأنک تصف محجوباً، أو تنعت غائباً، أو تخبر عما کان مما احتویته بعلم خاص، وقد دل یزید من نفسه علی موقع رأیه، فخذ لیزید فیما أخذ فیه، من استقرائه الکلاب المهارشة عند التهارش، والحمام السبق لأترابهن، والقیان ذوات المعازف، وضرب الملاهی تجده باصراً، ودع عنک ما تحاول، فما أغناک أن تلقی الله من وزر هذا الخلق بأکثر مما أنت لاقیه)(1).

وکلما امتدت الأعوام امتدت غوایة رجال السلطة واشتد استهتارهم بالقیم والأخلاق والأحکام والرموز الدینیة،حتی ضرب القران علی أیدی بعضهم بالسهام ومزق،وحتی وصل أمر احدهم وهو الولید بن یزید بن عبد الملک أن اشتهر باللواط،قال الذهبی: (نعم اشتهر بالخمر والتلوط)(2) واشتهر أیضا بنکاحه للمحارم قال الطبری وغیره: (فثقل الولید علی الناس ورماه بنو هشام وبنو الولید بالکفر وغشیان أمهات أولاد أبیه)(3) فانظر بعین الاعتبار إلی


1- الإمامة والسیاسة لابن قتیبة الدینوری تحقیق الزینی ج1 ص161 قدوم معاویة المدینة، ونقله العلامة الامینی فی کتابه الغدیر ج10 ص162 فیما جاء عن الصحابة فی معاویة نقله عن جمهرة الرسائل ج2 ص67.
2- تاریخ الإسلام للذهبی ج8 ص294.
3- تاریخ الطبری ج5 ص539 فی ذکر الخبر عن إفساد بنی عمیه هشام والولید، الکامل فی التاریخ لابن الأثیر ج5 ص280 فی ذکر قتل الولید بن یزید بن عبد الملک.

ص: 263

هؤلاء الفسقة الفجرة کیف بدأ أمرهم مع المعاصی والانحطاط بالسر والخفاء وتطور بإقامتهم لمجالس الفاحشة والمعصیة وتحول حالهم فی نهایة المطاف بالاشتهار والشذوذ الأخلاقی والجنسی حیث لم تنجوا من جرأتهم حتی محارمهم والعیاذ بالله.

ولم یکن بنو العباس أفضل حالا من بنی أمیة، وأخبارهم المتعلقة بفساد أخلاقهم وعقائدهم وانحطاط مستواهم الدینی والاجتماعی أشهر من أن نحتاج إلی ذکره وتسوید صفحات هذا الکتاب بها، وقد کتب عنها وعنهم الکثیر فمن أراد استقصاء أحوالهم وانحطاط أخلاقهم فلیرجع إلی کتاب العقد الفرید أو کتاب الأغانی لأبی فرج الأصفهانی وغیر ذلک.

وعلی عکس ذلک کله فأهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین کانوا یمثلون بسلوکهم وأفکارهم وتصرفاتهم الطرف النقیض لکل ذلک الانحلال والانحراف والانجراف الذی کان بنو العباس وبنو أمیة غرقی فیه.

 ففی الوقت الذی کان أولئک الطغاة یعیشون حالة الغیبوبة عن الوعی نتیجة السکر والإسراف بتعاطی الخمور، کان أئمة أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین یغشی علیهم، ویغیبون عن الوعی، من شدة البکاء والخوف من الله سبحانه وتعالی.

وبینما کان أولئک الطغاة یجمعون الجواری والمخنثین والمطربین یحیون بهم لیالی المجون والإثم، کان أئمة أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین یجمعون

ص: 264

تحت أیدیهم طلبة العلم یلقون علیهم ما ورثوه عن جدهم النبی صلی الله علیه وآله وسلم من علوم جمة ومعارف لم تکن تخرج للإنسانیة لولاهم، وقد أجاد أبو فراس الحمدانی فی مقارنته بین بنی العباس وهو شامل لبنی أمیة أیضا لتشابه أفعالهم وتصرفاتهم، وبین أئمة أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین بقوله:

لیس الرشید کموسی فی القیاس ولا   ***    مأمونکم کالرضا إن أنصف الحکم

یا باعة الخمر کفوا عن مفاخرکم        ***    لمعشر بیعهم یوم الهیاج دم

خلوا الفخار لعلامین إن سئلوا  ***    یوم السؤال وعمالین إن عملوا

لا یغضبون لغیر الله إن غضبوا   ***    ولا یضیعون حکم الله إن حکموا

تنشی التلاوة فی أبیاتهم سحرا ***    وفی بیوتکم الأوتار والنغم

منکم علیة أم منهم؟ وکان لکم           ***    شیخ المغنین إبراهیم أم لهم

إذا تلوا سورة غنی إمامکم      ***    قف بالطلول التی لم یعفها القدم

ما فی بیوتهم للخمر معتصر      ***    ولا بیوتکم للسوء معتصم

ولا تبیت لهم خنثی تنادمهم    ***    ولا یری لهم قرد ولا حشم

الرکن والبیت والأستار منزلهم            ***    وزمزم والصفا والحجر والحرم

ولیس من قسم فی الذکر نعرفه            ***    إلا وهم غیر شک ذلک القسم(1).

ولم یکن هذا التباعد والتناقض ما بین أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین وخصمائهم یریح أفراد السلطة الغارقین إلی آذانهم فی الخطیئة والمنکر، فکانت کمالات أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین وعظمة عبادتهم وکثرة تهجدهم وشدة صلتهم بالقران تجعلهم یشعرون بحقارة وتفاهة شخصیاتهم الهزیلة من


1- نقل هذه القصیدة الشیخ الامینی فی کتابه الغدیر ج3 ص401 أبو فراس الحمدانی شعره وترجمته.

ص: 265

الناحیة الدینیة والأخلاقیة، وإحساس التناقض هذا والشعور بالحقارة أمام أئمة أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین من قبل سلاطین بنی أمیة والعباس هو الذی دعاهم إلی خلق کثیر من المثالب والمطاعن ونسبتها إلی أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین، ومنها اتهامهم للإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه بکثرة الزواج محاولة منهم لتبریر ولعهم بالنساء والجواری والزنا بالمحارم ولیصوروا للناس بان أئمة أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین لیسوا بأقل منهم ولعا بالنساء والجواری والتمتع بهن، بل ان حکام بنی العباس وأمیة معذورون فی إسرافهم وانحرافهم ما دام نفس سید شباب أهل الجنة مولعا بالنساء حاشاه.

السبب الثانی: الوقوف بوجه المد المتصاعد لحب أهل البیت علیهم السلام

  لقد ذاق الناس من ظلم آل أمیة وبنی العباس ألوان العذاب فمنذ أن حط معاویة قدمه علی دکة الحکم ومنصب رئاسة الدولة بدأت انهار الدم تجری فی أرجاء ارض المسلمین،وبدأت الحسابات التی کانت لمعاویة واهل بیته وقومه الذین قمعهم الإسلام، تدخل فی مرحلة التصفیة من المسلمین عامة واهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین خاصة، لان معاویة واهل بیته کانوا ینظرون إلی کل المسلمین بنظرة العداء والکراهیة والحقد الذی لا تخبو جذوته إلا بالانتقام، وذلک لأن معاویة کان یری فیهم قتلة جده وأخیه وخاله المقتولین یوم بدر بید سیف الإسلام الغالب الإمام علی بن أبی طالب صلوات الله وسلامه علیه لذلک حاول واهل بیته الانتقام لتلک الدماء الجاهلیة من المسلمین عامة، بل

ص: 266

ومن الإسلام نفسه الذی حرم معاویة واهل بیته من عبادة الأصنام والزنا وشرب الخمر ووأد البنات.

ولم یکن بنو العباس بأفضل حالا من الأمویین فظلمهم أشهر من أن تقام علیه الشواهد والدلائل،حتی اشتهر علی لسان الشعراء قول احدهم:

ما احسب الجور ینقضی           ***    وعلی الأمة وال من آل عباس

وهذا الجور والظلم والحیف وتضییع الحقوق وغصب الأموال وهتک الأعراض وسفک الدماء وغیر ذلک من التجاوزات کانت تخلق فی نفوس الناس موجة من الحنق والغیظ والغضب والکراهیة تجاه کل رمز من رموز السلطة، وفی نفس الوقت تحدث تلک المظالم فی نفوس الناس توجها وانشدادا نحو الطرف الآخر فی الساحة الإسلامیة وهو طرف أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین،لان الجمیع کان یعلم بانهم صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین کانوا یمثلون الطرف النقیض لکل من بنی العباس وبنی أمیه وعلیه فمن الطبیعی ان ینجذب الناس إلیهم صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین عند النفرة عن نقیضهم.

وهذا الانجذاب نحو أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین من قبل القواعد الشعبیة، وتلک النفرة والکراهیة لأفراد السلطتین العباسیة والأمویة کانت تؤرق کل من حکم باسم هاتین العائلتین، لان فی تنامی محبة أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین والتعاطف معهم خطراً کبیراً یهدد کیان الدولة وأساس بقائها، مما استدعی السلطتان إلی تکثیف الجهود وتضافرها وتکریس کل ما

ص: 267

یلزم من اجل إحداث نفرة فی نفوس الناس تجاه أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین وهذه النفرة لا یمکن أن تحصل ما لم تشوه صورة أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین فی أذهان العامة وهذا لا یحدث بالتالی من دون نسبة ما هو مشین ومعیب إلیهم صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین فلذلک اختلقت روایات کون الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه مطلاقا وانه شدید الولع بالنساء والجواری وأمثالها من الروایات الهادفة إلی إحداث تلک النفرة والبغض والکراهیة فی قلوب الناس، لأجل الوقوف بوجه طوفان المحبة والتعاطف مع أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین.

السبب الثالث: إظهار انَّ آل أمیة والعباس وحدة متوحدة بعکس آل علی علیهم السلام

بعد أن ساد بنو أمیة والعباس البلاد والعباد وصارت مقدرات المسلمین تحت تصرفهم یفعلون بها وبهم ما یحلو لهم ویطیب، عمدوا إلی تشکیل لجان شبیهة بلجان التبشیر فی عصرنا الحاضر مهمتها قلب الحقائق واستقصاء کل خبر وفضیلة ومنقبة لآل علی بن أبی طالب صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین وشیعته ومحبیه والتعامل معها علی مستویین:

المستوی الأول هو جمع کل الأحادیث التی تتحدث عن فضائل أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین، ومن ثم الإتیان بما یناقضها فی اللفظ والمعنی، فوضعوا بذلک مثلبة وفریة مقابل کل حسنة ومنقبة جاءت بحقهم صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین، وتکثیر أسانید وطرق تلک الروایة التی ذکرت فیها المثلبة والمنقصة بحیث تبقی

ص: 268

الروایة الصحیحة التی تحکی فضائل أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین ومحاسنهم وحیدة وغریبة أمام ذلک الکم الکبیر لروایة المثالب التی تم اختلاقها من قبل تلک اللجان.

لذلک صار متعارفا عند أهل الروایة إذا ما أرادوا أن یذکروا لأحد أفراد أهل البیت فضیلة أو منقبة فانهم یخلطونها بأمور تکره القارئ والسامع فی أهل البیت أکثر مما تحببه فیهم.

والشواهد علی هذا الأمر أکثر من أن تحصی، فکل کتب الفضائل التی کتبت بأقلام المخالفین لأهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین حینما ترید أن تترجم لحیاة احد شخصیات أئمة أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین فإنها تبدأ بذکر بعض محاسنهم التی تجلب وللوهلة الأولی المودة والتعاطف من قبل قراء تلک الفضائل وسامعیها.

 ومن ثم نراهم وفجأة ومن دون سابق إنذار یتغیر لحن قولهم ونمط کلامهم فیتبعون تلک الروایات الذاکرة لمحاسنهم وجمیل أفعالهم صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین بروایات وقصص أخری تحوی مجموعة کبیرة من المثالب والمساوئ تغطی تلک المحاسن وتحول نظر القارئ والسامع من الانشداد والمحبة والتعاطف مع أئمة أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین ورموزهم إلی حالة من الازدراء والنفرة والکراهة لأقوالهم وأفعالهم. والیک مثالان یوضحان هذا الذی ذکرناه:

ص: 269

المثال الأول: ماذا یقول ابن کثیر عن السید فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه علیها؟ روی بن کثیر فی کتابه البدایة والنهایة عن ابن عباس قوله: (خط رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی الأرض أربع خطوط فقال:أتدرون ما هذا؟ قالوا الله ورسوله أعلم فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: أفضل نساء أهل الجنة خدیجة بنت خویلد وفاطمة بنت محمد ومریم بنت عمران وآسیة بنت مزاحم امرأة فرعون)(1).

ثم أعقبه بحدیث آخر عن الشعبی، عن جابر بن عبد الله، قال: (قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:حسبک منهن أربع سیدات نساء العالمین فاطمة بنت محمد،وخدیجة بنت خویلد،وآسیة بنت مزاحم،ومریم بنت عمران)(2).

فهنا بین ابن کثیر من خلال هذین الحدیثین ان فاطمة صلوات الله وسلامه علیها أفضل نساء أهل الجنة اجمع لان الحدیث قد ذکرها أولا قبل غیرها من النساء، والتقدم فی الذکر یدل علی التقدم فی المرتبة والمنزلة وهذه صفة ومنقبة للزهراء صلوات الله وسلامه علیها لیس فوقها مرتبة وهی تشد قلوب المسلمین وتزرع فی قلوب السامعین لهذه الفضیلة المحبة والمودة تجاه الصدیقة فاطمة بنت محمد صلوات الله وسلامه علیها.

وفضیلة فیها کل هذه الکرامة والرفعة لم ترق لابن کثیر فاحتال لإخماد جذوتها وإذهاب بریقها بذکر أحادیث أخری تشتت ذهن السامع والقارئ عن المعنی السابق، فعمد وبطریقة ملتویة إلی إثبات ان مریم بنت عمران أفضل من


1- البدایة والنهایة لابن کثیر ج 2 ص 72.
2- البدایة والنهایة لابن کثیر ج 2 ص 72.

ص: 270

فاطمة صلوات الله وسلامه علیها فقال: (ثم یحتمل الاستثناء أن تکون مریم أفضل من فاطمة... عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: سیدة نساء أهل الجنة مریم بنت عمران ثم فاطمة ثم خدیجة ثم آسیة امرأة فرعون)(1).

ثم ینتقل ابن کثیر خطوة أخری فیذکر أحادیث لیس فیها ذکر لفاطمة صلوات الله وسلامه علیها من الأساس فیقول: (عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن مرة الهمدانی، عن أبی موسی الأشعری قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: کمل من الرجال کثیر ولم یکمل من النساء إلا آسیة امرأة فرعون ومریم بنت عمران وإن فضل عائشة علی النساء کفضل الثرید علی سائر الطعام. فإنه حدیث صحیح کما تری اتفق الشیخان علی إخراجه)(2).

فهو کما تری تدرج فی غیه إلی ان محا ذکر فاطمة صلوات الله وسلامه علیها من قائمة الأفضلیة ومن ثم شتت ذهن القارئ وحوله إلی موضوع جدید أجنبی عن المحل فأقحم ذکر عائشة إقحاما محاولة منه للوصول إلی نتیجة غیر تلک التی أرادها النبی صلی الله علیه وآله وسلم من تفضیل ابنته فاطمة صلوات الله وسلامه علیها علی سائر نساء العالمین، ثم لم یتمالک ابن کثیر نفسه حتی صرح بما یدور فی خاطره علنا ومن دون استحیاء فقال: (وأما عائشة فإنها کانت أحب أزواج رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلیه ولم یتزوج بکرا غیرها ولا یعرف فی سائر النساء فی هذه الأمة بل ولا فی غیرها أعلم منها، ولا أفهم، وقد غار الله لها حین قال لها أهل


1- المصدر السابق ص 72 __ 73.
2- البدایة والنهایة لابن کثیر ج 2 ص 72 __ 73.

ص: 271

الإفک ما قالوا فأنزل براءتها من فوق سبع سماوات وقد عمرت بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قریبا من خمسین سنة تبلغ عنه القرآن والسنة وتفتی المسلمین وتصلح بین المختلفین وهی أشرف أمهات المؤمنین حتی خدیجة بنت خویلد أم البنات والبنین فی قول طائفة من العلماء السابقین واللاحقین)(1).

فتحولت القضیة وانقلبت برمتها من فضیلة لفاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه علیها إلی فضیلة لعائشة، واستطاع ابن کثیر وبطریقة شیطانیة ملتویة أن یغیر تفکیر القارئ والسامع من التوجه والانشداد إلی أفضلیة السیدة فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه علیها وأمها السیدة خدیجة بنت خویلد صلوات الله وسلامه علیها إلی أفضلیة عائشة بنت أبی بکر علیهما بل علی سائر نساء العالمین لمجرد ورود حدیث هو للهزل اقرب منه إلی الجد،وهذا مذهب عرف به کل من شاطر ابن کثیر فی المذهب.

المثال الثانی: ماذا یقول الذهبی عن الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه  استعمل الذهبی فی کتابه سیر أعلام النبلاء طریقة جدیدة فی تعریف الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه للعالم فقد مدح الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه بکلمات تجذب إلیه قلوب الناس وتشوقهم إلی معرفة المزید عنه، ولکن شأنه شأن من ذکرناه سابقا لم یترک هذه الأوصاف الجمیلة والألقاب الرفیعة تمر من دون إخضاعها لسیاسة الإساءة وتغلیفها بإخبار الکراهیة والحقد لیغطی بها علی تلک الفضائل الرفیعة ولیفقدها معناها ویفرغها من محتواها.


1- البدایة والنهایة لابن کثیر ج 2 ص 73 __ 74.

ص: 272

فحاول الذهبی ان یتبع طریقة ممیزة للوصول إلی مبتغاه فذکر الألقاب الشریفة والمناقب الحمیدة للإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه محصورة بین بعض الألقاب والأوصاف والمناقب المکذوبة أو المشکوکة فی صحتها لیخلط الأوراق علی القارئ والسامع ولیضیع ما هو صحیح وثابت مع ما لم یصح ولم یثبت صدقه فقال: (قال قابوس بن أبی ظبیان: عن أبیه، عن ابن عباس أن النبی صلی الله علیه وآله وسلم فرج بین فخذی الحسن، وقبل زبیبه،وقد کان هذا الإمام سیدا، وسیما، جمیلا، عاقلا، رزینا، جوادا، ممدوحا، خیرا، دینا، ورعا، محتشما، کبیر الشأن. وکان منکحا، مطلاقا، تزوج نحوا من سبعین امرأة، وقلما کان یفارقه أربع ضرائر. عن جعفر الصادق، أن علیا قال: یا أهل الکوفة! لا تزوجوا الحسن، فإنه مطلاق، فقال رجل: والله لنزوجنه،فما رضی أمسک، وما کره طلق. قال ابن سیرین: تزوج الحسن امرأة، فأرسل إلیها بمئة جاریة، مع کل جاریة ألف درهم)(1).

ولا یظن ظان بان الذهبی قد عجز عن إیجاد فضیلة أخری للإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه غیر التی رواها بقوله (قال قابوس بن أبی ظبیان: عن أبیه، عن ابن عباس أن النبی صلی الله علیه وآله وسلم فرج بین فخذی الحسن، وقبل زبیبه) فان الرجل یعلم یقینا إن النبی صلی الله علیه وآله وسلم کان یفعل مع الإمام الحسن فی صغره مختلف وجوه الإکرام والإعزاز فلماذا یا تری اختار الذهبی هذا الوجه دون


1- سیر أعلام النبلاء للذهبی ج 3 ص 253.

ص: 273

غیره؟! ونحن لا نعتقد ان شخصا مثل الذهبی قد غابت عنه هذه الحقیقة،بل ما نعتقده یقینا هو ان الذهبی ما ذکر هذه الروایة إلا لیشتت بها ذکر القارئ والسامع عن الأوصاف التی ستذکر لاحقا.

 لان السامع للحدیث السابق یبقی ذهنه مشغولا یتصور الرسول الأعظم وهو یفرج عن رکبتی الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه إلی آخر الحدیث، وبینما یکون ذهنه مشغولا بهذه الصور لا یحصل له توجه تام لقول الذهبی (وقد کان هذا الإمام سیدا، وسیما، جمیلا، عاقلا، رزینا، جوادا، ممدوحا، خیرا، دینا، ورعا، محتشما، کبیر الشأن).

ثم وحینما یبدأ السامع أو القارئ یفوق من تصوراته السابقة وینسجم مع هذه الأوصاف الجدیدة الجمیلة وتتشکل فی قلبه جذبة محبة نحو تلک المناقب اللطیفة من وسامة وجمال وعقل ورزانة وورع وحشمة، یتبعه الذهبی بضربة أخری قاضیة تذهب من نفسه حالة الجذب والمحبة والود لصاحب هذه الصفات الحمیدة، فبینما هو یصف الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه بالرزانة والحشمة والعقل والورع، ینتقل مباشرة ومن دون مناسبة لیسرد أوصافا تتناقض وما ذکره سابقا فیقول (وکان منکحا، مطلاقا، تزوج نحوا من سبعین امرأة، وقلما کان یفارقه أربع ضرائر. عن جعفر الصادق، أن علیا قال: یا أهل الکوفة! لا تزوجوا الحسن، فإنه مطلاق، فقال رجل: والله لنزوجنه،فما رضی أمسک، وما کره طلق. قال ابن سیرین: تزوج الحسن

ص: 274

امرأة، فأرسل إلیها بمئة جاریة، مع کل جاریة ألف درهم) فأین الانسجام ما بین کونه صلوات الله وسلامه علیه محتشما وبین کونه منکحا مطلاقا؟! وأین الرزانة مع الزواج من سبعین امرأة فی سنین معدودة؟! وأین هو الورع والتقوی مع إغضابه لوالده حتی اشتکاه ومنع الناس أن یزوجوه؟! وأین العقل مع إعطاء مهر لامرأة واحدة ما یکفی لتزویج عشرات من الشباب المسلم؟!.

فزج مثل هذه الأوصاف المتناقضة الغیر منسجمة مع بعضها البعض عمل لیس بالساذج ولا البریء بل هو ضمن خطة مدروسة بدقة الهدف منها التغطیة والتعمیة علی الصحیح من فضائل أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین وتشتیت أنظار المسلمین عن الصورة المشرقة لأهل بیت الرحمة والرفعة صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین.

المستوی الثانی ومن مهام اللجنة التبشیریة التی شکلت من قبل الحکومتین الأمویة والعباسیة،سلب فضائل أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین وإعطائها لرجال الدولتین الأمویة والعباسیة،ولصق کل نقائص خصومهم ومعارضیهم فیهم، وروایتها أیضا بطرق وأسانید کثیرة توهم القارئ والسامع بان تلک الفضائل المسلوبة أو تلک النقائص والمساوئ المنسوبة لها حقیقة وواقعیة.

ومن ضمن من تلک الأکاذیب والافتراءات التی حاولوا ولقرون طویلة تثبیتها وترکیزها فی عقول الناس إن آل علی صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین یعیشون فیما

ص: 275

بینهم حالة الانقسام والفرقة وعدم الانسجام والرضا لأحدهم علی الآخر بعکس آل أمیة وبنی العباس الذین صورتهم الروایات الموضوعة کوحدة متوحدة منسجمة فی الأفعال والأقوال والآراء، والیک بعض الشواهد علی هذه الخطة الشیطانیة الخبیثة.

الشاهد الأول: الإمام الحسن علیه السلام یبکی ویجادل أباه علیه السلام وأبوه یوبخه روی الذهبی عن الواقدی الکذاب قال حدثنا ابن أبی سبرة، عن داود بن الحصین، عن عکرمة، عن ابن عباس، قال: (خرجنا إلی الجمل ست مئة، فأتینا الربذة، فقام الحسن، فبکی، فقال علی: تکلم ودع عنک أن تحن حنین الجاریة، قال: إنی کنت أشرت علیک بالمقام، وأنا أشیره الآن، إن للعرب جولة، ولو قد رجعت إلیها عوازب أحلامها، قد ضربوا إلیک آباط الإبل حتی یستخرجوک ولو کنت فی مثل جحر ضب. قال أترانی لا أبالک کنت منتظرا کما ینتظر الضبع أللدم)(1).

فهذه الروایة المکذوبة الموضوعة والمخالفة لعصمة کل من الإمام الحسن والإمام علی صلوات الله وسلامه علیهما ترید أن تثبت ان هنالک فرقة وخلاف ما بین الأب والابن صلوات الله وسلامه علیهما وان الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه رجل مهزوز الجنان خائف القلب لا یحب المواجهة والمقارعة ونزال الأبطال فی ساحات الوغی


1- سیر أعلام النبلاء للذهبی ج 3 ص 261، وقریب منه ما فی تاریخ الإسلام للذهبی ج3 ص487، ورواه أیضا ابن عساکر فی تاریخ مدینة دمشق ج42 ص465.

ص: 276

والحرب، وان الإمام أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه وهو الذی یدور معه الحق والعدل والقرآن حیثما دار، هو رجل سباب فحاش لا یتورع من سب ولده المعصوم بآیة التطهیر وتمثیله بالجواری،وتسفیه رأیه وتوبیخه أمام عموم الناس وصعالیکهم.

ولکن حینما یأتی الدور إلی بنی أمیة والعباس تری هؤلاء الرواة یعکسون الصورة بالکلیة لیصوروهم أفرادا تغمرهم الألفة والمحبة والرفق والاحترام والتبجیل فیما بینهم.

وکمثال علی هذه الحقیقة نذکر روایة علی بن محمد بن عبد الله ابن أبی سیف انه قال: (نظر أبو سفیان یوما إلی معاویة وهو غلام فقال لهند إن ابنی هذا لعظیم الرأس وإنه لخلیق أن یسود قومه فقالت هند قومه فقط ثکلته إن لم یسد العرب قاطبة وکانت هند تحمل معاویة وهو صغیر وتقول:

إن بنی معرق کریم       ***    محبب فی أهله حلیم

لیس بفحاش ولا لئیم   ***    ولا بطحرور ولا سؤوم

صخر بنی فهر به زعیم  ***    لا یخلف الظن ولا یخیم)(1)

فان أحببت فقارن وأعجب من تصویرهم لمعاملة الإمام علی صلوات الله وسلامه علیه لابنه الحسن صلوات الله وسلامه علیه الخشنة المهینة، وبین تصویرهم للمعاملة الرحیمة المهذبة من قبل هند آکلة أکباد الأولیاء لابنها


1- تاریخ مدینة دمشق لابن عساکر ج 59 ص 65 __ 66، وذکره ایضا ابن کثیر فی البدایة والنهایة ج8 ص126.

ص: 277

معاویة، وقارن بین کل من علی صلوات الله وسلامه علیه الذی سب ابنه وأهانه وجرح کرامته وبین وصفهم لمعاویة فی الشعر (لیس بفحاش ولا لئیم) وقارن بین تصویرهم لمنزلة الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه عند أبیه وأهله وبین قول هند لمعاویة (محبب فی أهله حلیم)،وقارن أیضا بین تلک الروایة التی تصور الإمام علی صلوات الله وسلامه علیه بالرجل الذی لا یصنع ولا یخلق الثقة فی نفس ابنه فتارة یشبهه بالجاریة یحن ویبکی وتارة ینتقص من نسبه ویقول له لا أبا لک، وبین فعل هند جدة الشجرة الملعونة کیف یصورونها توجد الثقة فی نفس ابنها الطلیق ابن الطلیق وترکز فیه روح القیادة والزعامة والتقدم علی کل احد.

الشاهد الثانی: الإمام الحسن علیه السلام یتمنی أن یحبس الإمام الحسین علیه السلام عن عبد الله بن جعفر قال: (والله إنی لجالس عند الحسن إذ أخذت لأقوم فجذب ثوبی، وقال: یا هناه، اجلس، فجلست، قال: إنی قد رأیت رأیا وإنی أحب أن تتابعنی علیه. قال: قلت: ما هو؟ قال: قد رأیت أن أعمد إلی المدینة فأنزلها، وأخلی بین معاویة وبین هذا الحدیث، فقد طالت الفتنة، وسفکت فیها الدماء وقطعت فیها الأرحام، وقطعت السبل، وعطلت الفروج __ یعنی الثغور __ فقال ابن جعفر: جزاک الله عن أمة محمد خیرا، فأنا معک، وعلی هذا الحدیث، فقال الحسن: ادع لی الحسین، فبعث إلی حسین فأتاه، فقال: أی أخی، إنی قد رأیت رأیا، وإنی أحب أن تتابعنی علیه، قال: ما

ص: 278

هو؟ فقص علیه الذی قال لابن جعفر، قال الحسین: أعیذک بالله أن تکذب علیا فی قبره وتصدق معاویة! فقال الحسن: والله ما أردت أمرا قط إلا خالفتنی إلی غیره، والله لقد هممت أن أقذفک، فی بیت فأطینه علیک حتی أقضی أمری، فلما رأی الحسین غضبه، قال: أنت أکبر ولد علی، وأنت خلیفته وأمرنا لأمرک تبع، فافعل ما بدا لک...)(1).

وفی هذه الروایة الأمویة البغیضة التی تعکس سوء علاقة الحسن والحسین صلوات الله وسلامه علیهما أکاذیب عدة لا یمکن قبولها بحال من الأحوال، فهی من الافتراء المحض المکذب لصریح القرآن وظاهره فکل من الحسن والحسین صلوات الله وسلامه علیهما قد ثبتت عصمته فیستحیل بعد شهادة آیة التطهیر لهما بالکمال وإذهاب الرجس عنهما أن یخالف الحسین أخاه الحسن صلوات الله وسلامه علیه لان الخلاف من الشیطان ورجسه وهو منفی کما قدمنا،وکذلک یستحیل أن یعمد الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه إلی سجن الإمام الحسین صلوات الله وسلامه علیه فیؤذی قلب الزهراء ویغضبها لان فی إغضابها غضب الرحمن وهو صلوات الله وسلامه علیه مطهر عن الوقوع بمثله.

فتلخص من هذه الشواهد ان حکام الجور فی الدولة الأمویة والعباسیة کانوا یکرسون الأموال الطائلة والجهود المتضافرة لبث واثبات


1- تاریخ مدینة دمشق لابن عساکر ج13 ص267، تهذیب الکمال للمزی ج6 ص248، تهذیب التهذیب لابن حجر ج2 ص260.

ص: 279

ان أئمة أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین کانوا یعیشون حالة الاضطراب والتفکک الأسری ولا وجود للاحترام والهیبة فی نمط تعاملهم الأسری، فتکون روایات زواج الإمام الحسن الکثیرة ووصفه بالمطلاق وتشهیر الإمام علی صلوات الله وسلامه علیه له علی منبر الکوفة وتحذیر الناس منه کل هذا وغیره داخلا فی ضمن هذه السیاسة الأمویة البغیضة وشبیها بما قدمناه من أمثلة موضوعة یقصد من جمیعها إهانة أهل البیت الذین رفعهم الله وطهرهم وتکریههم لقلوب الناس.

السبب الرابع: محاولة إثبات ان آل أمیة والعباس أحق بالملک من آل علی علیهم السلام

  کانت ولا زالت مسألة إثبات من هو الأولی بالزعامة والخلافة وإدارة شؤون الأمة بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم مشکلة المسلمین بجمیع طوائفهم ومذاهبهم فکل مذهب أو طائفة قامت أو رغبت بالقیام وتسلم کرسی الحکم بعد النبی صلی الله علیه وآله وسلم والی وقت الناس هذا، حاولت إظهار أحقیتها وجدارتها وأفضلیتها وتقدمها علی غیرها، إذ بثبات الأفضلیة تثبت الجدارة وبثبات الجدارة یثبت حسن تقدمها علی غیرها وقبح تقدم غیرها علیها.

فأهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین مثلا کانوا یؤکدون ویتمسکون فی إثبات أفضلیتهم وتقدمهم علی غیرهم بمسائل عدیدة من قبیل الآیات الکثیرة التی وردت فی حقهم وعلو منزلتهم عند ربهم إذ لولا وجود صفة القرب لما استحقوا نزول آیات القران الکریم فیهم.

ص: 280

واستشهدوا صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین کذلک بالأحادیث التی سمعها ووعاها کل المسلمین الذین عایشوا وعاصروا أیام النبی صلی الله علیه وآله وسلم وکانوا أیضا یستدلون بمواقف التضحیة والجهاد والدفاع عن حیاض الإسلام، ویستشهدون کذلک بالقرابة والنسب وغیرها.

واستشهد الأنصار فی مرات عدة باحتوائهم الإسلام ونصرته وحمایته وتقویته والوقوف بوجه کل من أراد النیل منه ومن رمزه الأعظم النبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم واستقبالهم للمهاجرین بعد أن لم یجدوا الأمان ولا الترحیب وسط أهلیهم وقبائلهم. واستشهد المهاجرون بسبق إسلامهم وفضل هجرتهم وخوض معارک الجهاد والدفاع عن الرسول والرسالة والبیعة تحت الشجرة وغیر ذلک من أمور تارة تکون فضیلة واقعیة وتارة یتصور المستشهد أنها فضیلة.

ولکن بماذا یمکن لآل أمیة أن یفخروا وما هو الفعل الذی یستحق ان یذکر عند تفاضلهم مع غیرهم، فهل یتقدمون علی غیرهم بوقوفهم بوجه النبی صلی الله علیه وآله وسلم ودعوته،أم یفخرون علی سائر المسلمین بحروبهم الطاحنة التی حصدت أرواح آلاف من المسلمین،أم یفخرون بقتلهم حمزة بن عبد المطلب سید الشهداء وشق بطنه وإخراج کبده واکله من قبل جدتهم هند، أم یفخرون بقتلهم سید شباب أهل الجنة الحسین بن علی صلوات الله وسلامه علیهما ومن هو أفضل من حمزة بن عبد المطلب صلوات الله وسلامه علیه، أم یفخرون بکونهم أوراق الشجرة الملعونة فی القرآن.

ص: 281

وکذا الحال بالنسبة لبنی العباس غیر أن بنی العباس کانوا یتفاخرون علی غیرهم بجدهم العباس بن عبد المطلب عم النبی صلی الله علیه وآله وسلم وإلا فاشتراکهم مع آل أمیة فی کثیر من الأشیاء التی لیس فیها فخر ولا منقبة.

ولما لم یکن لآل أمیة وبنی العباس ما یفتخروا به علی غیرهم وبالخصوص علی أهل البیت صلوات الله وسلامه علیه ولما لم یستطیعوا أن یرتفعوا بأفعالهم وإیمانهم لمستوی أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین قرروا أن ینزلوا أهل البیت صلوات الله وسلامه علیه إلی مستواهم بل إلی اقل من مستواهم لیستطیعوا بذلک تبریر تقدمهم علیهم.

وهذا الإنزال لأهل البیت عن مراتبهم التی رتبهم الله فیها لا یتأتی لأحد من العالمین إلا باختلاق الأکاذیب التی تعارض تلک المراتب التی یفتخر بها أهل البیت علی غیرهم، فلذلک اختلقوا مسألة شغف الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه بکثرة الزواج والطلاق وانشغاله عن کل شیء دونهما، لیصلوا بالتالی إلی ان آل أمیة وبنی العباس هم الأقدر علی إدارة الدولة وتمشیة شؤون العباد من أئمة أهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین ومن الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه بالذات لان الحسن صلوات الله وسلامه علیه کما صوروه مشغول عن العالم وعن الإسلام ومصالحه بنزواته ورغباته لا هم له غیر الزواج بالنساء وتطلیقهن.

وبهذه الأسباب الأربعة ننهی الفائدة الأولی وقد ترکنا أسبابا أخری خوفا للإطالة والخروج عن الغرض المقصود.

ص: 282

الفائدة الثانیة: القول الحسن فی حقیقة عدد زوجات الإمام الحسن علیه السلام

اشارة

  توصلنا إلی نتیجة عبر ما مر من صفحات هذا البحث إلی أن الدلیل التاریخی یعجز عن تحدید العدد الحقیقی لزوجات الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه علی النحو الدقیق أو القریب منه،لوجود التدخلات والأهواء والغایات غیر النزیهة التی تلاعبت بهذه المسألة حتی أخرجتها عن الحد المقبول والمألوف.

وفی مثل هذه الحالات وحینما یکون الدلیل التاریخی عاجز عن إیصال الباحث إلی الحقیقة، لابد علیه أن یسلک طرقا أخری سواء کانت منطقیة علمیة أو تحلیلیة تاریخیة للوصول من خلالها إلی الحقیقة، صحیح أن هذه الطرق سوف لن تکون بالضرورة مؤدیة للمقصد المنشود __ الحقیقة __ علی نحو تام وقطعی، إلا انها ستصل بالباحث إلی مرحلة قریبة جدا من الحقیقة وسیکون لها الرصید الوافر من الاطمئنان بنتائجها والرکون إلی لوازمها.

ولعل أوثق ما یمکن الاعتماد علیه فی مثل ما نحن فیه هو الاعتماد وبالدرجة الأساس علی قاعدة عقلیة فطریة فی نفس الوقت والقائلة ب_ (دلالة الأثر علی وجود المؤثر) أو کما یسمیه البعض الأخر ویعبر عنه بقاعدة ( دلالة المعلول علی وجود العلة).

ص: 283

وهذه القاعدة الفطریة جلیلة فی نتائجها عظیمة فی مؤداها اتفق علی صحتها والعمل بها کل العقلاء علی اختلاف أدیانهم وأجناسهم وأزمنة وجودهم، فلیس من إنسان عاقل علی وجه الأرض حینما یری الدخان یتصاعد من مکان بعید عنه، لا یحکم بوجود نار فی ذلک المکان هی التی سببت وجود ذلک الدخان.

وطریق الاستفادة من هذه القاعدة فی بحثنا هذا یتم من خلال تقیید أنفسنا وإلزامها بقبول کل زوجة لها اثر ثابت فی التاریخ عملا بقاعدة وجود الأثر یدل علی وجود المؤثر، أما اللاتی لم یکن لهن اثر یدل علی وجودهن فلا یمکن لنا قبول وجودهن حتی وان وجد لبعضهن اسم فی النصوص التاریخیة، إذ لعل إیراد أسماء کثیر منهن لیس المقصود منه إثبات زوجیتها للإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه، بل یکون ذکرها بداعی إیصال الإساءة إلیه عن طریقها وقد مرت شواهد عدة تدل علی هذه الحقیقة فی الفصل الثانی.

والأثر قد یکون ولدا ثبتت أو اشتهرت نسبته إلی الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه فیثبت لامه وجود وفقا لقاعدة وجود الأثر یدل علی وجود المؤثر، وقد یکون الأثر عبارة عن فعل عظیم قامت به امرأة اشتهر عنها أنها زوجة للإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه کما الحال بالنسبة إلی جعدة بنت الأشعث علیها لعائن الله تتری، وقد یکون الأثر غیر ذلک.

ص: 284

الأثر الأول: المشهور من أزواج الإمام الحسن علیه السلام واللاتی لهن أولاد

تراوح عدد أولاد الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه ما بین ثلاثة عشر وما بین ستة عشر ولدا بحسب ما وقع بأیدینا من مصادر تاریخیة وهو کالتالی:

1: أم بشیر بنت أبی مسعود(1)

زید بن الحسن

أم الحسن بنت الحسن

أم الحسین بنت الحسن

2:خولة بنت منظور الفزاریة                

الحسن بن الحسن المثنی

3: أم ولد لم یذکر اسمها:

عمرو بن الحسن وقیل عمر                  

القاسم بن الحسن شهید الطف

عبد الله بن الحسن شهید الطف

4: أم ولد لم یذکر اسمها:

عبد الرحمن بن الحسن

5: أم إسحاق بنت طلحة: 

الحسن بن الحسن الأثرم

طلحة بن الحسن

فاطمة بنت الحسن

أبو بکر بن الحسن(2)


1- ما سنذکره هنا من أسماء لزوجاته صلوات الله وسلامه علیه اعتمادا علی روایة الشیخ المفید فی الإرشاد ج 2 ص20، وکتاب إعلام الوری بأعلام الهدی للشیخ الطبرسی ج 1 ص 416.
2- جاء ذکر أبو بکر هذا فی روایة الشیخ الطبرسی فقط أما روایة الشیخ المفید فخالیة من ذکر اسمه.

ص: 285

6: أمهات أولاد شتی:

أم عبد الله بنت الحسن

فاطمة بنت الحسن

أم سلمة بنت الحسن

رقیة بنت الحسن

فیصبح عدد زوجاته اللاتی لهن ولد هو ثلاث من الحرائر، واثنتین من أمهات الولد وهما اللاتی ورد ذکرهن فی التسلسل الثالث والرابع، ومجموعة أخری من أمهات الولد اللاتی مجهول عددهن ومعروف عدد أولادهن وهن المذکورات فی التسلسل السادس، ولا یمکن أن یتعدی عدد أمهات الأولاد فی الفقرة السادسة إلی أکثر من ثلاث زوجات لان الستة أولاد فی العادة یحصل وجودهم من ثلاث زوجات، وإلا فمن الوارد والمعتاد فی الحیاة الطبیعیة للناس أن تکون زوجة واحدة کافیة لإنجاب هذا العدد.

وبناء علی هذا التحلیل یکون عدد زوجات الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه هو ثمانی علی ابعد التقادیر ثلاث حرائر وخمس من أمهات الولد، وهذه الزوجات الثمانیة یمکن الجمع بینهن فی زمن واحد لان أمهات الولد یجوز للمسلم الزواج منهن بالغ ما بلغ عددهن(1).


1- قال الشیخ المفید فی المقنعة ص 507 فی کتاب النکاح والطلاق الباب التاسع العقود علی الإماء ما یلی: (ولا بأس أن ینکح الحر المسلم بملک الیمین ما شاء من العدد علی أربع حرائر عنده).

ص: 286

رأی ابن شهر آشوب فی عدد أولاد الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه وأمهاتهم قال ابن شهر آشوب: (وأولاده ثلاثة عشر ذکرا وابنة واحدة)(1) وقد ذکر أسماء أمهاتهم کالتالی:

1: أم ولد:

عبد الله بن الحسن

عمر بن الحسن

القاسم بن الحسن

2: خولة بنت منظور:

الحسین الأثرم بن الحسن

الحسن بن الحسن

3: أم بشیر بنت أبی مسعود:

عقیل بن الحسن

الخزرجیة الحسن بن الحسن

4: الثقفیة:

زید بن الحسن

عمرو بن الحسن

5: أم ولد:

عبد الرحمن بن الحسن


1- مناقب آل أبی طالب لابن شهر آشوب ج 3 ص 192، ولکن ابن شهر آشوب کما سنری حینما یأتی ویسرد أسماء أولاده صلوات الله وسلامه علیه یذکر أکثر من ثلاثة عشر ابن وابنة، ولعله اختلطت علیه أسماء أولاد الإمام وما بین ألقابهم فلعله یذکر بعضهم باسمه ثم یذکره مرة ثانیة بکنیته أو لقبه، ولا یهمنا حالیا البحث فی أولاده بقدر ما یکونوا دلیلا علی وجود أمهاتهم وهو حاصل فی روایة ابن شهر آشوب هنا سواء کان عدد أولاده ثلاثة عشر أو أکثر.

ص: 287

6: أم إسحاق بنت طلحة:

طلحة بن الحسن

أبو بکر بن الحسن

7: أم بشیر الخزاعیة:

احمد بن الحسن

إسماعیل بن الحسن

الحسن الأصغر بن الحسن

أم الحسن بنت الحسن

أم الحسین بنت الحسن

8: أمهات أولاد شتی:

أم عبد الله بنت الحسن

أم سلمة بنت الحسن

رقیة بنت الحسن

فیصبح عدد زوجات الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه بحسب رأی ابن شهر آشوب مترددا ما بین الثمانی والعشر زوجات، وهو عدد یعتبر فی تلک الفترة من الزمن معتدلا جدا ومتعارفا علیه بل هو قلیل فیما لو قسناه بغیره، فقد تقدم فی الفصل الأول ان عمر بن الخطاب قد تزوج تسع من النساء، وعثمان بن عفان تزوج ثمانی نساء وأما عبد الرحمن بن عوف فقد تزوج ست عشرة زوجة، فالحسن صلوات الله وسلامه علیه مساوی تقریبا لکل من

ص: 288

عمر وعثمان ویعتبر أمره هینا بالنسبة لعبد الرحمن بن عوف، فان کان صلوات الله وسلامه علیه یوصف بالمطلاق أو المزواج لمجرد انه تزوج ثمانی أو عشرة نساء، فلابد أیضا أن یطلق هذا اللقب علی کل من عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، أما عبد الرحمن بن عوف فلابد أن نجد له اسما اکبر من المطلاق والمزواج لانه تزوج ضعف العدد.

رأی المدائنی فی عدد أولاد الإمام الحسن علیه السلام وأمهاتهم ذکر ابن أبی الحدید المعتزلی فی کتابه شرح نهج البلاغة ما یلی: (قال أبو الحسن المدائنی: وکان الحسن کثیر التزوج(1).

1: تزوج خولة بنت منظور بن زبان الفزاریة، وأمها ملیکة بنت خارجة بن سنان، فولدت له الحسن بن الحسن.

2: وتزوج أم إسحاق بنت طلحة بن عبید الله، فولدت له ابنا سماه طلحة.

3: وتزوج أم بشر بنت أبی مسعود الأنصاری __ واسم أبی مسعود عقبة بن عمر __ فولدت له زید بن الحسن.

4: وتزوج جعدة بنت الأشعث بن قیس، وهی التی سقته السم.


1- ذکرنا فیما سبق ان هذه العبارة من المدائنی لا تثبت کون الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه رجل مزواج أو مطلاق، لان عبارة کثیر التزوج لعلها ناظرة الی ما هو اقل منها فمن یکون صاحب عشرة زوجات أو ثمانیة یصح وصفه بانه کثیر التزویج بالنسبة لصاحب الواحدة أو الثنتین ولکن نفس هذا المتزوج من ثمانیة أو عشرة إذا قسناه بمن تزوج العشرین أو التسعة عشر زوجة فانه یکون قلیل وذاک هو المکثر، إذا فالقضیة تبقی قضیة نسبیة، فتأمل.

ص: 289

5: وتزوج هند ابنة سهیل بن عمرو.

6: وحفصة ابنة عبد الرحمن بن أبی بکر.

7: وتزوج امرأة من کلب.

8: وتزوج امرأة من بنات عمرو بن أهتم المنقری.

9: وامرأة من ثقیف، فولدت له عمرا.

10: وتزوج امرأة من بنات علقمة ابن زرارة.

11: وامرأة من بنی شیبان من آل همام بن مرة، فقیل له: إنها تری رأی الخوارج، فطلقها، وقال: إنی أکره أن أضم إلی نحری جمرة من جمر جهنم.

11: وخطب إلی رجل فزوجه، وقال له: إنی مزوجک، وأعلم أنک ملق طلق غلق، ولکنک خیر الناس نسبا، وأرفعهم جدا وأبا)(1).

فیکون کل ما قدر المدائنی علی إحصائه هو إحدی عشر زوجة لا غیر،وهذا العدد وان کان قریبا من الأرقام التی وصلنا إلیها سابقا وهو کذلک رقم مقبول وطبیعی جدا بالنسبة لتلک العصور، ولکننا مع ذلک لا نقر له بکل ما ذکر من الزوجات، لان بعض اللاتی ذکرهن قد أثبتنا سابقا کذب الروایات


1- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید ج 16 ص 21 ترجمة الحسن بن علی وذکر بعض أخباره، ولکنها مذکورة بلا ترقیم لأننا إنما رقمنا عدد زوجاته صلوات الله وسلامه علیه لأجل تسهیل الأمر علی القارئ الکریم.

ص: 290

التی نقلت أمر تزویجهن من قبل الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه، مثل هند ابنة سهیل بن عمرو(1)، وأیضا حفصة ابنة عبد الرحمن بن أبی بکر(2)، وکذلک تلک التی هی من آل شیبان(3).

 وأما التی قال أبوها للإمام صلوات الله وسلامه علیه (إنی مزوجک، وأعلم أنک ملق طلق غلق) فهی متحدة مع خولة بنت منظور قال محمد بن سیرین: (خطب الحسن بن علی صلوات الله وسلامه علیهما إلی منظور بن ریان ابنته خولة، فقال: والله إنی لأنکحک وإنی لأعلم أنک غلق طلق ملق غیر أنک أکرم العرب بیتا وأکرمهم نفسا، فولد منها الحسن بن الحسن)(4)، فیکون تکرار اسمها من قبل المدائنی غلط لا یؤخذ به.

فإذا حذفنا هذه الأربع نسوة من روایة المدائنی فلا یبقی إلا سبع منهن، وهو عدد مقبول أیضا ومتقارب لما ذکره الشیخ المفید والشیخ الطبرسی رحمهما الله تعالی.


1- ثبت فی الفصل الثانی عند مناقشتنا للروایة الثالثة کذب تزویجها من قبل الإمام الحسن علیه السلام.
2- ثبت أیضا فی الفصل الثانی عند الرد علی الروایة الثامنة کذب زواجها منه علیه السلام.
3- أثبتنا کذب زواج الإمام صلوات الله وسلامه علیه منها فی أثناء ردنا علی الروایة الثانیة فی الفصل الث_ان_ی.
4- مناقب آل أبی طالب لابن شهر آشوب ج3 ص199، وراجع أیضا المعجم الکبیر للطبرانی ج3 ص27 فی بقیة اخبار الحسن بن علی، وراجع أیضا تهذیب الکمال للمزی ج6 ص236 فی الحسن بن علی بن أبی طالب.

ص: 291

فتلخص من الروایات الثلاث المتقدمة ان عدد زوجات الإمام الحسن بن علی صلوات الله وسلامه علیهما اللاتی ثبت لهن الولد یتراوح ما بین السبع زوجات والعشر، وهو کما کررناه مرارا عدد طبیعی جدا بالقیاس إلی الزمن الذی عاش فیه الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه، وکذلک هو طبیعی جدا بالقیاس إلی غیره من الصحابة والتابعین الذین عاصرهم الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه، بل انه صلوات الله وسلامه علیه یعدُّ مقلا فیما لو قسناه بغیره.

الأثر الثانی: أزواجه اللاتی ثبت لهن فعل اشتهرن به تاریخیا

لم نجد فیمن ذکر لهن التاریخ فعلا یعتد به غیر اثنتین ممن یمکن أن تطبق علیهن قاعدة وجود الأثر یدل علی وجود المؤثر، وهاتان المرأتان هما کل من:

أولا: رملة (1) أم القاسم بن الحسن صلوات الله وسلامه علیه  وهی التی اشتهر عنها عدة من المواقف المشرفة والبطولیة أثناء حضورها الفاعل فی معرکة الطف ومسیرة السبایا نحو الشام.

فیکون فعلها هذا دلیلا علی وجودها، بالإضافة إلی أنها قد ذکرت أیضا فی زوجات الإمام صلوات الله وسلامه علیه اللاتی ثبت أن لهن ولد،فیکون وجودها قطعی ثابت بقرینتین وأثرین.


1- قیل فی اسم أم القاسم بن الحسن صلوات الله وسلامه علیهما عدة آراء، ورملة هو أشهرها علی لسان الخطباء وعامة الناس.

ص: 292

ثانیا: جعدة بنت الأشعث لعنهما الله تعالی قد اشتهر عند الخاصة والعامة أن جعدة بنت الأشعث لعنها الله قد نفذت مؤامرة قتل الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه بالسم، بتحریض من معاویة بن سفیان لعنه الله، وفی هذا الصدد یقول الشیخ المفید أعلی الله درجته: (ولما استقر الصلح بین الحسن صلوات الله علیه وبین معاویة علی ما ذکرناه، خرج الحسن صلوات الله وسلامه علیه إلی المدینة فأقام بها کاظما غیظه، لازما منزله، منتظرا لأمر ربه جل اسمه، إلی أن تم لمعاویة عشر سنین من إمارته وعزم علی البیعة لابنه یزید، فدس إلی جعدة بنت الأشعث بن قیس __ وکانت زوجة الحسن صلوات الله وسلامه علیه __ من حملها علی سمه، وضمن لها أن یزوجها بابنه یزید، وأرسل إلیها مائة ألف درهم، فسقته جعدة السم، فبقی صلوات الله وسلامه علیه مریضا أربعین یوما، ومضی صلوات الله وسلامه علیه لسبیله فی صفر سنة خمسین من الهجرة وله یومئذ ثمان وأربعون سنة، فکانت خلافته عشر سنین، وتولی أخوه ووصیه الحسین صلوات الله وسلامه علیه غسله وتکفینه ودفنه عند جدته فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف رحمة الله علیها بالبقیع)(1).

وقال ابن عبد البر فی الاستیعاب: (وقال قتادة وأبو بکر أحمد بن حفص سم الحسن بن علی سمته امرأته جعدة بنت الأشعث بن قیس الکندی وقالت طائفة کان ذلک منها بتدسیس معاویة إلیها)(2).


1- الإرشاد للشیخ المفید ج 2 ص 15 فی الهدنة بین الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه ومعاویة.
2- الاستیعاب لابن عبد البر ج 1 ص 389.

ص: 293

وقال ابن الأثیر: (وکان سبب موته ان زوجته جعدة بنت الأشعث بن قیس سقته السم فکان توضع تحته طست وترفع أخری نحو أربعین یوما فمات منه ولما اشتد مرضه قال لأخیه الحسین رضی الله عنهما یا أخی سقیت السم ثلاث مرات لم أسق مثل هذه إنی لأضع کبدی)(1).

فالإجماع حاصل من قبل المؤرخین علی ان لجعدة بنت الأشعث أخزاها الله مثل هذا الأثر السیئ، وهو فی مثل بحثنا کاف لإثبات زواجها من الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه فیصبح بذلک عدد زوجات الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه یتراوح إلی الآن ما بین الثمانیة والإحدی عشر زوجة.

هذا کل ما یمکن إثباته للإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه من الزوجات وکل من قال بأکثر من ذلک بغیر دلیل فهو مفتر علی الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه مکذب للحقائق لا یؤخذ بقوله ولا ادعائه.

وبهذا ینتهی هذا الکتاب الموسوم بالقول الحسن فی عدد زوجات الإمام الحسن علیه السلام والحمد لله أولا وآخرا، وصلی الله علی نبینا الکریم واله الطیبین الطاهرین ولا سیما قائمهم بقیة الله فی أرضه وحجته علی عباده، واللعنة الدائمة علی أعدائه وأعدائهم والناصبین لهم الحرب من الأولین والآخرین.

من داخل حرم مولانا الشهید الحسین بن علی صلوات الله وسلامه علیهما

الشیخ وسام برهان البلداوی


1- أسد الغابة لابن الأثیر ج 2 ص 15.

ص: 294

ص: 295

المصادر

القرآن الکریم، کتاب الله المنزل.

حرف الألف أعیان الشیعة المؤلف: السید محسن الأمین، الوفاة: 1371، تحقیق وتخریج: حسن الأمین، الناشر: دار التعارف للمطبوعات - بیروت – لبنان.

الأدب المفرد المؤلف: البخاری، الوفاة: 256، الطبعة: الأولی، سنة الطبع: 1406 __ 1986م، الناشر: مؤسسة الکتب الثقافیة - بیروت – لبنان.

الإصابة، المؤلف: ابن حجر، الوفاة: 852، تحقیق: الشیخ عادل أحمد عبد الموجود، الشیخ علی محمد معوض، الطبعة: الأولی، سنة الطبع: 1415، الناشر: دار الکتب العلمیة. بیروت.

الأخبار الطوال، المؤلف: الدینوری، الوفاة: 282، تحقیق: عبد المنعم عامر، مراجعة: الدکتور جمال الدین الشیال، الطبعة: الأولی، سنة الطبع: 1960، الناشر: دار إحیاء الکتب العربی - عیسی البابی الحلبی وشرکاه / منشورات شریف الرضی.

الاستیعاب، المؤلف: ابن عبد البر، الوفاة:،463، تحقیق: علی محمد البجاوی، الطبعة: الأولی، سنة الطبع: 1412،المطبعة: بیروت - دار الجیل، الناشر: دار الجیل.

ص: 296

انساب الأشراف، المؤلف: البلاذری، الوفاة: 279، تحقیق وتعلیق: الشیخ محمد باقر المحمودی، الطبعة: الأولی سنة الطبع: 1394 __ 1974م، الناشر: مؤسسة الأعلمی للمطبوعات - بیروت – لبنان.

الإرشاد، المؤلف: الشیخ المفید، الوفاة: 413،تحقیق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لتحقیق التراث، الطبعة: الثانیة، سنة الطبع: 1414 - 1993م، الناشر: دار المفید للطباعة والنشر والتوزیع - بیروت – لبنان، طبعت بموافقة اللجنة الخاصة المشرفة علی المؤتمر العالمی لألفیة الشیخ المفید.

إعلام الوری بأعلام الهدی، المؤلف: الشیخ الطبرسی، الوفاة: 548، تحقیق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث، الطبعة: الأولی، سنة الطبع: ربیع الأول 1417، المطبعة: ستارة – قم، الناشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث - قم المشرفة.

الأعلام، المؤلف: خیر الدین الزرکلی، الوفاة: 1410،الطبعة: الخامسة، سنة الطبع: أیار - مایو 1980،الناشر: دار العلم للملایین - بیروت – لبنان.

أحادیث أم المؤمنین عائشة، المؤلف: السید مرتضی العسکری، الوفاة: معاصر،الطبعة: الخامسة، سنة الطبع: 1414 - 1994 م، المطبعة: صدر، الناشر: التوحید للنشر.

الاستذکار، المؤلف: ابن عبد البر، الوفاة: 463،تحقیق: سالم محمد عطا-محمد علی معوض، الطبعة: الأولی، سنة الطبع: 2000م، المطبعة: بیروت - دار الکتب العلمیة، الناشر: دار الکتب العلمیة.

إسعاف المبطأ برجال الموطأ، المؤلف: جلال الدین السیوطی، الوفاة: 911، تحقیق: موفق فوزی جبر، الطبعة: الأولی، سنة الطبع: 1410، المطبعة: دار الهجرة للطباعة والنشر والتوزیع – بیروت، الناشر: دار الهجرة للطباعة والنشر والتوزیع – بیروت.

الأنساب، المؤلف: السمعانی، الوفاة: 562، تقدیم وتعلیق: عبد الله عمر

ص: 297

البارودی، الطبعة: الأولی، سنة الطبع: 1408 - 1988 م، الناشر: دار الجنان للطباعة والنشر والتوزیع - بیروت – لبنان.

الإمامة والسیاسة،المؤلف: ابن قتیبة الدینوری، الوفاة: 276، تحقیق: طه محمد الزینی، الناشر: مؤسسة الحلبی وشرکاه للنشر والتوزیع.

اختیار معرفة الرجال، المؤلف: الشیخ الطوسی، الوفاة: 460، تصحیح وتعلیق: میر داماد الأسترابادی تحقیق: السید مهدی الرجائی، سنة الطبع: 1404،المطبعة: بعثت – قم، الناشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث.

کتاب الأربعین، المؤلف: محمد طاهر القمی الشیرازی، الوفاة: 1098، تحقیق: السید مهدی الرجائی، الطبعة: الأولی، سنة الطبع: 1418، المطبعة: أمیر، الناشر: المحقق.

أسد الغابة، المؤلف: ابن الأثیر، الوفاة: 630، الناشر: دار الکتاب العربی - بیروت – لبنان.

حرف الباء البدایة والنهایة، المؤلف: ابن کثیر، الوفاة: 774،  تحقیق وتدقیق وتعلیق: علی شیری، الطبعة: الأولی، سنة الطبع: 1408 - 1988 م، الناشر: دار إحیاء التراث العربی - بیروت – لبنان.

بدائع الصنائع، المؤلف: أبو بکر الکاشانی، الوفاة: 587، الطبعة: الأولی، سنة الطبع: 1409 - 1989 م، الناشر: المکتبة الحبیبیة – باکستان.

بحار الأنوار، المؤلف: العلامة المجلسی، الوفاة: 1111، الطبعة: الثانیة المصححة، سنة الطبع: 1403 - 1983 م، الناشر: مؤسسة الوفاء - بیروت – لبنان.

ص: 298

حرف التاء تاریخ الیعقوبی، المؤلف: الیعقوبی، الوفاة: 284، الناشر: دار صادر - بیروت – لبنان.

تاریخ الطبری، المؤلف: الطبری، الوفاة: 310، تحقیق: مراجعة وتصحیح وضبط: نخبة من العلماء الأجلاء، الطبعة: الرابعة، سنة الطبع: 1403 - 1983 م، الناشر: مؤسسة الأعلمی للمطبوعات - بیروت – لبنان، ملاحظات: قوبلت هذه الطبعة علی النسخة المطبوعة بمطبعة "بریل" بمدینة لندن فی سنة 1879م.

تهذیب التهذیب، المؤلف: ابن حجر، الوفاة: 852، الطبعة: الأولی، سنة الطبع: 1404 - 1984 م، الناشر: دار الفکر للطباعة والنشر والتوزیع - بیروت – لبنان.

تاریخ مدینة دمشق، المؤلف: ابن عساکر، الوفاة: 571، تحقیق: علی شیری، سنة الطبع: 1415، المطبعة: دار الفکر للطباعة والنشر والتوزیع - بیروت – لبنان، الناشر: دار الفکر للطباعة والنشر والتوزیع - بیروت – لبنان.

تهذیب الکمال، المؤلف: المزی، الوفاة: 742، تحقیق: تحقیق وضبط وتعلیق: الدکتور بشار عواد معروف، الطبعة: الرابعة، سنة الطبع: 1406 - 1985 م، الناشر: مؤسسة الرسالة - بیروت – لبنان.

ترجمة الإمام الحسن (ع)، المؤلف: ابن عساکر، الوفاة: 571، تحقیق: الشیخ محمد باقر المحمودی، الطبعة: الأولی، سنة الطبع: 1400 - 1980 م، الناشر: مؤسسة المحمودی للطباعة والنشر - بیروت – لبنان.

ترجمة الإمام الحسن (ع)، المؤلف: من طبقات ابن سعد، الوفاة: 230، تحقیق: السید عبد العزیز الطباطبائی، الطبعة: الأولی، سنة الطبع: 1416، المطبعة: ستاره – قم، الناشر: مؤسسة آل البیت (ع) لإحیاء التراث – قم.

التاریخ الکبیر، المؤلف: البخاری، الوفاة: 256، الناشر: المکتبة الإسلامیة - دیار بکر – ترکیا.

ص: 299

تاج العروس، المؤلف: الزبیدی، الوفاة: 1205، تحقیق: علی شیری، سنة الطبع: 1414 - 1994م، المطبعة: دار الفکر – بیروت، الناشر: دار الفکر للطباعة والنشر والتوزیع – بیروت.

تمام المنة، المؤلف: محمد ناصر الألبانی، الطبعة: الثانیة، سنة الطبع: 1409،الناشر: دار الرایة للنشر والتوزیع - الریاض - السعودیة، المکتبة الإسلامیة - عمان – الأردن، ملاحظات: طبعة جدیدة منقحة ومزیدة / الطبعة الأولی 1373.

تعجیل المنفعة، المؤلف: ابن حجر، الوفاة: 852، الناشر: دار الکتاب العربی - بیروت – لبنان.

الکتاب: تفسیر ابن کثیر،المؤلف: ابن کثیر، الوفاة: 774، تحقیق: تقدیم: یوسف عبد الرحمن المرعشلی، سنة الطبع: 1412 - 1992 م، الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزیع - بیروت – لبنان، ملاحظات: تمتاز هذه الطبعة بالمراجعة والتنقیح والتنضید الجدید وقد قام بفهرسة الأحادیث النبویة مکتب التحقیق بدار المعرفة.

تیسیر الکریم الرحمن فی کلام المنان، المؤلف: عبد الرحمن بن ناصر السعدی، الوفاة: 1376، تحقیق: ابن عثیمین، سنة الطبع: 1421 - 2000م، المطبعة: بیروت - مؤسسة الرسالة، الناشر: مؤسسة الرسالة.

تحفة الفقهاء، المؤلف: السمرقندی، الوفاة: 539، الطبعة: الثانیة، سنة الطبع: 1414 - 1993 م، الناشر: دار الکتب العلمیة - بیروت – لبنان.

تاریخ الإسلام، المؤلف: الذهبی، الوفاة: 748، تحقیق: د. عمر عبد السلام تدمری، الطبعة: الأولی، سنة الطبع: 1407 - 1987م، المطبعة: لبنان/ بیروت - دار الکتاب العربی. الناشر: دار الکتاب العربی.

تاریخ بغداد، المؤلف: الخطیب البغدادی، الوفاة: 463، تحقیق: دراسة وتحقیق: مصطفی عبد القادر عطا، الطبعة: الأولی، سنة الطبع: 1417 - 1997 م،

ص: 300

الناشر:  دار الکتب العلمیة - بیروت – لبنان.

 الثقات، المؤلف: ابن حبان، الوفاة: 354، الطبعة: الأولی، سنة الطبع: 1393، المطبعة: مجلس دائرة المعارف العثمانیة . بحیدر آباد الدکن الهند، الناشر: مؤسسة الکتب الثقافیة.

تقریب التهذیب، المؤلف: ابن حجر،الوفاة: 852، تحقیق: دراسة وتحقیق: مصطفی عبد القادر عطا،الطبعة: الثانیة، سنة الطبع: 1415 - 1995 م، الناشر: دار الکتب العلمیة - بیروت – لبنان، ملاحظات: طبعة مقابلة علی نسخة بخط المؤلف وعلی تهذیب التهذیب وتهذیب الکمال.

تفسیر الرازی، المؤلف: الرازی، الوفاة: 606، الطبعة: الثالثة.

تفسیر القرطبی، المؤلف: القرطبی، الوفاة: 671، تصحیح: أحمد عبد العلیم البردونی، الناشر: دار إحیاء التراث العربی - بیروت – لبنان.

تخریج الأحادیث والآثار، المؤلف: الزیلعی، الوفاة: 762، تحقیق: عبد الله بن عبد الرحمن السعد، الطبعة: الأولی، سنة الطبع: 1414، المطبعة: الریاض - دار ابن خزیمة، الناشر: دار ابن خزیمة.

تذکرة الفقهاء (ط.ج)، المؤلف: العلامة الحلی، الوفاة: 726، تحقیق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث، الطبعة: الأولی، سنة الطبع: محرم 1414، المطبعة: مهر – قم، الناشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث – قم.

تحف العقول، المؤلف: ابن شعبة الحرانی، الوفاة: ق 4، تصحیح وتعلیق: علی أکبر الغفاری، الطبعة: الثانیة، سنة الطبع: 1404 - 1363 ش، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

تفسیر الآلوسی، المؤلف: الآلوسی، الوفاة: 1270.

ص: 301

حرف الثاء الثقات، المؤلف: ابن حبان، الوفاة: 354، المجموعة: أهم مصادر رجال الحدیث عند السنة، الطبعة: الأولی، سنة الطبع: 1393، المطبعة: مجلس دائرة المعارف العثمانیة . بحیدر آباد الدکن الهند، الناشر: مؤسسة الکتب الثقافیة.

حرف الجیم الجرح والتعدیل، المؤلف: الرازی، الوفاة: 327، الطبعة: الأولی، سنة الطبع: 1371 - 1952 م، المطبعة: مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانیة - بحیدر آباد الدکن – الهند، الناشر: دار إحیاء التراث العربی – بیروت.

ملاحظه: عن النسخة المحفوظة فی کوپریلی ( تحت رقم 278) وعن النسخة المحفوظة فی مکتبة مراد ملا ( تحت رقم 1427) وعن النسخة المحفوظة فی مکتبة دار الکتب المصریة (تحت رقم 892).

جامع البیان، المؤلف: إبن جریر الطبری، الوفاة: 310، تحقیق: تقدیم: الشیخ خلیل المیس / ضبط وتوثیق وتخریج: صدقی جمیل العطار، سنة الطبع: 1415 - 1995 م، الناشر: دار الفکر للطباعة والنشر والتوزیع - بیروت – لبنان.

الجامع الصغیر، المؤلف: جلال الدین السیوطی، الوفاة: 911، الطبعة: الأولی، سنة الطبع: 1401 - 1981 م، الناشر: دار الفکر للطباعة والنشر والتوزیع – بیروت.

حرف الحاء الحدائق الناضرة، المؤلف: المحقق البحرانی، الوفاة: 1186، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، قام بنشره: الشیخ علی الآخوندی.

ص: 302

حرف الخاء خلاصة الأقوال، المؤلف: العلامة الحلی، الوفاة: 726، تحقیق: الشیخ جواد القیومی، الطبعة: الأولی، سنة الطبع: عید الغدیر 1417، المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامی، الناشر: مؤسسة نشر الفقاهه.

حرف الدال الدر المنثور، المؤلف: جلال الدین السیوطی، الوفاة: 911، الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر - بیروت – لبنان.

الدیباج علی مسلم، المؤلف: جلال الدین السیوطی، الوفاة: 911، الطبعة: الأولی، سنة الطبع: 1416 - 1996 م، الناشر: دار ابن عفان للنشر والتوزیع - المملکة العربیة السعودیة.

دعائم الإسلام، المؤلف: القاضی النعمان المغربی، الوفاة: 363، تحقیق: آصف بن علی أصغر فیضی، سنة الطبع: 1383 - 1963 م، الناشر: دار المعارف – القاهرة.

حرف الراء رجال النجاشی، المؤلف: النجاشی، الوفاة: 450، الطبعة: الخامسة، سنة الطبع: 1416، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

رسائل المرتضی، المؤلف: الشریف المرتضی، الوفاة: 436، تقدیم: السید أحمد الحسینی / إعداد: السید مهدی الرجائی، سنة الطبع: 1405، المطبعة: مطبعة سید الشهداء – قم، الناشر: دار القرآن الکریم – قم.

ص: 303

حرف السین سیر أعلام النبلاء، المؤلف: الذهبی، الوفاة: 748، إشراف وتخریج: شعیب الأرنؤوط / تحقیق: حسین الأسد، الطبعة: التاسعة، سنة الطبع: 1413 - 1993 م، الناشر: مؤسسة الرسالة - بیروت – لبنان.

الکتاب: السیرة النبویة، المؤلف: ابن هشام الحمیری، الوفاة: 218، تحقیق وضبط وتعلیق: محمد محیی الدین عبد الحمید، سنة الطبع: 1383 - 1963 م، المطبعة: المدنی – القاهرة، الناشر: مکتبة محمد علی صبیح وأولاده – بمصر.

السیرة النبویة، المؤلف: ابن کثیر، الوفاة: 774، تحقیق: مصطفی عبد الواحد، سنة الطبع: 1396 - 1976 م، الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزیع - بیروت – لبنان.

السیرة الحلبیة، المؤلف: الحلبی، الوفاة: 1044، سنة الطبع: 1400، المطبعة: بیروت - دار المعرفة، الناشر: دار المعرفة.

السنن الکبری، المؤلف: البیهقی، الوفاة: 458، الناشر: دار الفکر.

سنن النسائی، المؤلف: النسائی، الوفاة: 303، الطبعة: الأولی، سنة الطبع: 1348 - 1930 م، الناشر: دار الفکر للطباعة والنشر والتوزیع - بیروت – لبنان.

السرائر، المؤلف: ابن إدریس الحلی، الوفاة: 598، تحقیق: لجنة التحقیق، الطبعة: الثانیة، سنة الطبع: 1410، المطبعة: مطبعة مؤسسة النشر الإسلامی، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

حرف الشین شرح اللمعة، المؤلف: الشهید الثانی، الوفاة: 966، تحقیق: السید محمد کلانتر، الطبعة: الأولی – الثانیة، سنة الطبع: 1386 – 1398، الناشر: منشورات جامعة النجف الدینیة.

ص: 304

الشرح الکبیر، المؤلف: عبد الرحمن بن قدامه، الوفاة: 682، الطبعة: جدیدة بالأوفست، الناشر: دار الکتاب العربی للنشر والتوزیع - بیروت – لبنان.

شرح نهج البلاغة، المؤلف: ابن أبی الحدید، الوفاة: 656، تحقیق: محمد أبو الفضل إبراهیم، الطبعة: الأولی، سنة الطبع: 1378 - 1959 م، الناشر: دار إحیاء الکتب العربیة - عیسی البابی الحلبی وشرکاه.

شرح مسلم، المؤلف: النووی، الوفاة: 676، سنة الطبع: 1407 - 1987 م، الناشر: دار الکتاب العربی - بیروت – لبنان.

شرح الأخبار، المؤلف: القاضی النعمان المغربی، الوفاة: 363، تحقیق: السید محمد الحسینی الجلالی، الطبعة: الثانیة، سنة الطبع: 1414، المطبعة: مطبعة مؤسسة النشر الإسلامی، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

حرف الصاد صحیح البخاری، المؤلف: البخاری، الوفاة: 256، سنة الطبع: 1401 - 1981 م، الناشر: دار الفکر للطباعة والنشر والتوزیع.

الصحاح، المؤلف: الجوهری، الوفاة: 393، تحقیق: أحمد عبد الغفور العطار، الطبعة: الرابعة، سنة الطبع: 1407 - 1987 م، الناشر: دار العلم للملایین - بیروت – لبنان.

صحیح مسلم، المؤلف: مسلم النیسابوری، الوفاة: 261، الناشر: دار الفکر - بیروت – لبنان، ملاحظات: طبعة مصححة ومقابلة علی عدة مخطوطات ونسخ معتمدة.

حرف الضاد الضعفاء الصغیر، المؤلف: البخاری، الوفاة: 256، تحقیق: محمود إبراهیم زاید، الطبعة: الأولی، سنة الطبع: 1406 – 1986م، الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزیع - بیروت – لبنان.

ص: 305

حرف الطاء الطبقات الکبری، المؤلف: محمد بن سعد، الجزء: 1، الوفاة: 230، المطبعة: دار صادر – بیروت، الناشر: دار صادر – بیروت.

حرف العین الکتاب المقدس (العهد القدیم)، المؤلف: الکنیسة، الوفاة: معاصر، سنة الطبع: 1980، الناشر: دار الکتاب المقدس.

الکتاب المقدس (العهد الجدید)، المؤلف: الکنیسة، الوفاة: معاصر، سنة الطبع: 1980، الناشر: دار الکتاب المقدس.

العجاب فی بیان الأسباب، المؤلف: ابن حجر العسقلانی، الوفاة: 852، تحقیق: عبد الحکیم محمد الأنیس، الطبعة: الأولی، سنة الطبع: 1418 - 1997م، المطبعة: السعودیة - دار ابن الجوزی، الناشر: دار ابن الجوزی.

عیون الحکم والمواعظ، المؤلف: علی بن محمد اللیثی الواسطی، الوفاة: ق 6،  تحقیق: الشیخ حسین الحسینی البیرجندی، الطبعة: الأولی، المطبعة: دار الحدیث، الناشر: دار الحدیث.

عدة الأصول (ط.ج)، المؤلف: الشیخ الطوسی، الوفاة: 460، تحقیق: محمد رضا الأنصاری القمی، الطبعة: الأولی، سنة الطبع: ذی الحجة 1417 - 1376 ش، المطبعة: ستارة – قم.

عدة الأصول (ط.ق)، المؤلف: الشیخ الطوسی،  الوفاة: 460، تحقیق: محمد مهدی نجف، المطبعة: مؤسسة آل البیت ( ع ) للطباعة والنشر، الناشر: مؤسسة آل البیت ( ع ) للطباعة والنشر، وبذیله الحاشیة الخلیلیة للشیخ خلیل بن الغازی القزوینی 1001 - 1089 ه.

ص: 306

حرف الغین الغدیر، المؤلف: الشیخ الأمینی، الوفاة: 1392، الطبعة: الرابعة، سنة الطبع: 1397 - 1977 م، الناشر: دار الکتاب العربی - بیروت – لبنان، عنی بنشره الحاج حسن ایرانی صاحب دار الکتاب العربی - بیروت – لبنان.

الغارات، المؤلف: إبراهیم بن محمد الثقفی، الوفاة: 283،  تحقیق: السید جلال الدین الحسینی الأرموی المحدث، ملاحظات: طبع علی طریقة أوفست فی مطابع بهمن.

حرف الفاء فقه السنة، المؤلف: الشیخ سید سابق، الوفاة: معاصر، الناشر: دار الکتاب العربی - بیروت – لبنان.

فتح الباری، المؤلف: ابن حجر، الوفاة: 852، مطبعة: دار المعرفة للطباعة والنشر بیروت – لبنان، الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر بیروت – لبنان.

الفوائد الرجالیة، المؤلف: السید بحر العلوم، الوفاة: 1212، تحقیق: تحقیق وتعلیق: محمد صادق بحر العلوم، حسین بحر العلوم، الطبعة: الأولی، سنة الطبع: 1363 ش، المطبعة: آفتاب، الناشر: مکتبة الصادق – طهران.

فیض القدیر شرح الجامع الصغیر، المؤلف: المناوی، الوفاة: 1031، تحقیق: تصحیح أحمد عبد السلام، الطبعة: الأولی، سنة الطبع: 1415 - 1994 م، الناشر: دار الکتب العلمیة – بیروت.

حرف الکاف الکتاب المقدس تحت المجهر، المؤلف: عودة مهاوش الأردنی، الوفاة: معاصر، الطبعة: الأولی، سنة الطبع: 1412، المطبعة: الصدر – قم، الناشر: مؤسسة أنصاریان - قم المقدسة – إیران.

ص: 307

الکافی، المؤلف: الشیخ الکلینی، الوفاة: 329، تصحیح وتعلیق: علی أکبر الغفاری، الطبعة: الخامسة، سنة الطبع: 1363 ش، المطبعة: حیدری، الناشر: دار الکتب الإسلامیة – طهران.

الکامل فی التاریخ، المؤلف: ابن الأثیر، الوفاة: 630، سنة الطبع: 1386 - 1966م، المطبعة: دار صادر - دار بیروت، الناشر: دار صادر للطباعة والنشر.

کشاف القناع، المؤلف: البهوتی، الوفاة: 1051، تقدیم: کمال عبد العظیم العنانی / تحقیق: أبو عبد الله محمد حسن محمد حسن إسماعیل الشافعی، الطبعة: الأولی، سنة الطبع: 1418 - 1997 م، الناشر: منشورات محمد علی بیضون.

کنز العمال، المؤلف: المتقی الهندی، الوفاة: 975، تحقیق: ضبط وتفسیر: الشیخ بکری حیانی / تصحیح وفهرسة: الشیخ صفوة السقا، سنة الطبع: 1409 - 1989 م، الناشر: مؤسسة الرسالة - بیروت – لبنان.

کتاب الصلاة، المؤلف: السید الخوئی، الوفاة: 1411، الطبعة: الثالثة، سنة الطبع: ذی الحجة 1410، المطبعة: صدر – قم، الناشر: دار الهادی للمطبوعات – قم.

الکامل، المؤلف: عبد الله بن عدی،  الوفاة: 365، قراءة وتدقیق: یحیی مختار غزاوی، الطبعة: الثالثة، سنة الطبع: محرم 1409 - 1988 م، الناشر: دار الفکر للطباعة والنشر والتوزیع - بیروت – لبنان.

الکاشف فی معرفة من له روایة فی کتب الستة، المؤلف: الذهبی، الوفاة: 748، قابلها بأصل مؤلفیهما وقدم لهما وعلق علیهما: محمد عوامة (دار القبلة للثقافة الاسلامیة - جدة) وخرج نصوصهما: أحمد محمد نمر الخطیب (مؤسسة علوم القرآن - جدة)، الطبعة: الأولی، سنة الطبع: 1413 - 1992 م، الناشر: دار القبلة للثقافة الاسلامیة - جدة / مؤسسة علوم القرآن – جدة.

ص: 308

حرف اللام لسان المیزان، المؤلف: ابن حجر،  الوفاة: 852، الطبعة: الثانیة، سنة الطبع: 1390 - 1971 م، الناشر: مؤسسة الأعلمی للمطبوعات - بیروت – لبنان.

لسان العرب، المؤلف: ابن منظور، الوفاة: 711، سنة الطبع: محرم 1405، الناشر: نشر أدب الحوزة - قم – ایران.

حرف المیم مستدرک الوسائل، المؤلف: المیرزا النوری، الوفاة: 1320، تحقیق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث، الطبعة: الأولی المحققة، سنة الطبع: 1408 - 1987 م، الناشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث - بیروت – لبنان.

المبسوط، المؤلف: الشیخ الطوسی، الوفاة: 460، تصحیح وتعلیق: السید محمد تقی الکشفی، سنة الطبع: 1387، المطبعة: المطبعة الحیدریة – طهران، الناشر: المکتبة المرتضویة لإحیاء آثار الجعفری.

کتاب المحبر، المؤلف: محمد بن حبیب البغدادی، الوفاة: 245، سنة الطبع: ذی القعدة 1361، المطبعة: مطبعة الدائرة.

المهذب البارع، المؤلف: ابن فهد الحلی، الوفاة: 841، تحقیق: الشیخ مجتبی العراقی، سنة الطبع: غرة رجب المرجب 1407، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

المجموع، المؤلف: محیی الدین النووی، الجزء: 1، الوفاة: 676، الناشر: دار الفکر.

المعجم الکبیر، المؤلف: الطبرانی، الوفاة: 360، تحقیق وتخریج: حمدی عبد المجید السلفی، الطبعة: الثانیة، مزیدة ومنقحة، الناشر: دار إحیاء التراث العربی.

ص: 309

مسند احمد، المؤلف: احمد بن حنبل، الوفاة: 241، الناشر: دار صادر - بیروت – لبنان.

میزان الاعتدال، المؤلف: الذهبی، الوفاة: 748، تحقیق: علی محمد البجاوی، الطبعة: الأولی، سنة الطبع: 1382 - 1963 م، الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر - بیروت – لبنان.

معجم المطبوعات العربیة، المؤلف: الیان سرکیس، الوفاة: 1351، سنة الطبع: 1410، المطبعة: بهمن – قم، الناشر: مکتبة آیة الله المرعشی النجفی - قم المقدسة.

الاعتبار، المؤلف: ابن أبی الدنیا، الوفاة: 281، تحقیق: د . نجم عبد الرحمن خلف، الطبعة: الأولی، سنة الطبع: 1413 - 1993 م، الناشر: دار البشیر – عمان.

کتاب المجروحین، المؤلف: ابن حبان، الوفاة: 354، تحقیق: محمود إبراهیم زاید، ملاحظات: توزیع: دار الباز للنشر والتوزیع - عباس أحمد الباز - مکة المکرمة.

المحلی، المؤلف: ابن حزم، الوفاة: 456، الناشر: دار الفکر، ملاحظات: طبعة مصححة ومقابلة علی عدة مخطوطات ونسخ معتمدة کما قوبلت علی النسخة التی حققها الأستاذ الشیخ أحمد محمد شاکر.

مجمع الزوائد، المؤلف: الهیثمی، الوفاة: 807، سنة الطبع: 1408 - 1988 م، الناشر: دار الکتب العلمیة - بیروت – لبنان.

المواقف، المؤلف: الإیجی، الوفاة: 756، تحقیق: عبد الرحمن عمیرة، الطبعة: الأولی، سنة الطبع: 1417 - 1997م، المطبعة: لبنان - بیروت - دار الجیل، الناشر: دار الجیل.

مناقب آل أبی طالب، المؤلف: ابن شهر آشوب، الوفاة: 588، تصحیح وشرح ومقابلة: لجنة من أساتذة النجف الأشرف، سنة الطبع: 1376 - 1956 م،

ص: 310

المطبعة: الحیدریة - النجف الأشرف، الناشر: المکتبة الحیدریة - النجف الأشرف.

مبادئ الوصول، المؤلف: العلامة الحلی، الوفاة: 726، إخراج وتعلیق وتحقیق: عبد الحسین محمد علی البقال، الطبعة: الثالثة، سنة الطبع: رمضان 1404، المطبعة: مطبعة مکتب الإعلام الإسلامی، الناشر: مرکز النشر - مکتب الإعلام الإسلامی.

المحصول، المؤلف: الرازی، الوفاة: 606، تحقیق: دکتور طه جابر فیاض العلوانی، الطبعة: الثانیة، سنة الطبع: 1412، المطبعة: مؤسسة الرسالة – بیروت، الناشر: مؤسسة الرسالة – بیروت.

مسند أبی یعلی، المؤلف: أبو یعلی الموصلی، الجزء: 1، الوفاة: 307، تحقیق: حسین سلیم أسد، الناشر: دار المأمون للتراث.

المصنف، المؤلف: عبد الرزاق الصنعانی، الوفاة: 211، تحقیق: عنی بتحقیق نصوصه وتخریج أحادیثه والتعلیق علیه الشیخ المحدث حبیب الرحمن، الأعظمی.

کتاب المنمق، المؤلف: محمد بن حبیب البغدادی، الوفاة: 245، صححه وعلق علیه خورشید أحمد فاروق، المطبعة: نسخة مخطوطة.

مجمع البحرین، المؤلف: الشیخ الطریحی، الوفاة: 1085، تحقیق: السید أحمد الحسینی، الطبعة: الثانیة، سنة الطبع: 1408 - 1367 ش، الناشر: مکتب النشر الثقافة الإسلامیة.

میزان الحکمة، المؤلف: محمد الریشهری، الوفاة: معاصر، تحقیق: دار الحدیث، الطبعة: الأولی، المطبعة: دار الحدیث، الناشر: دار الحدیث، ملاحظات: التنقیح الثانی: 1416.

مشاهیر علماء الأمصار، المؤلف: ابن حبان، الوفاة: 354، تحقیق: مرزوق علی إبراهیم، الطبعة: الأولی، سنة الطبع: 1411، المطبعة: دار الوفاء للطباعة والنشر

ص: 311

والتوزیع – المنصورة، الناشر: دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزیع – المنصورة.

مستدرکات علم رجال الحدیث، المؤلف: الشیخ علی النمازی الشاهرودی، الجزء: 1، الوفاة: 1405، المجموعة: أهم مصادر رجال الحدیث عند الشیعة، الطبعة: الأولی، سنة الطبع: ربیع الآخر 1412، المطبعة: شفق – طهران، الناشر: ابن المؤلف.

من لا یحضره الفقیه، المؤلف: الشیخ الصدوق، الوفاة: 381، تحقیق: تصحیح وتعلیق: علی أکبر الغفاری، الطبعة: الثانیة، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

مستدرک سفینة البحار، المؤلف: الشیخ علی النمازی الشاهرودی، الوفاة: 1405، تحقیق وتصحیح: الشیخ حسن بن علی النمازی، سنة الطبع: 1418، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

مشرق الشمسین، المؤلف: البهائی العاملی، الوفاة: 1031، الناشر: منشورات مکتبة بصیرتی – قم.

المصنف، المؤلف: ابن أبی شیبة الکوفی، الوفاة: 235، تحقیق وتعلیق: سعید اللحام، الطبعة: الأولی، سنة الطبع: جماد الآخرة 1409 - 1989 م، الناشر: دار الفکر للطباعة والنشر والتوزیع - بیروت – لبنان.

المستدرک، المؤلف: الحاکم النیسابوری، الوفاة: 405، تحقیق: إشراف: یوسف عبد الرحمن المرعشلی، ملاحظات: طبعة مزیدة بفهرس الأحادیث الشریفة.

المقنعة، المؤلف: الشیخ المفید، الوفاة: 413، تحقیق: مؤسسة النشر الإسلامی، الطبعة: الثانیة، سنة الطبع: 1410، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

ص: 312

حرف النون النهایة فی غریب الحدیث، المؤلف: ابن الأثیر، الوفاة: 606، تحقیق: طاهر أحمد الزاوی، محمود محمد الطناحی، الطبعة: الرابعة، سنة الطبع: 1364 ش، الناشر: مؤسسة إسماعیلیان للطباعة والنشر والتوزیع - قم – إیران.

نقد الرجال، المؤلف: التفرشی، الوفاة: ق 11، تحقیق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث، الطبعة: الأولی، سنة الطبع: شوال 1418، المطبعة: ستارة – قم، الناشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث – قم.

نصب الرایة، المؤلف: الزیلعی، الوفاة: 762، اعتنی بهما: أیمن صالح شعبان، الطبعة: الأولی، سنة الطبع: 1415 - 1995 م، المطبعة: مطابع الوفاء – المنصورة، الناشر: دار الحدیث – القاهرة.

حرف الواو وفیات الأعیان وأنباء أبناء الزمان، المؤلف: ابن خلکان، الوفاة: 681، تحقیق: إحسان عباس، المطبعة: لبنان - دار الثقافة، الناشر: دار الثقافة.

الوافی بالوفیات، المؤلف: الصفدی، الوفاة: 764، تحقیق: أحمد الأرناؤوط وترکی مصطفی، سنة الطبع: 1420 - 2000م، المطبعة: بیروت - دار إحیاء التراث، الناشر: دار إحیاء التراث.

وسائل الشیعة (آل البیت)، المؤلف: الحر العاملی، الوفاة: 1104، تحقیق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث، الطبعة: الثانیة، سنة الطبع: 1414، المطبعة: مهر – قم، الناشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث بقم المشرفة.

ص: 313

المحتویات

الإهداء

مقدمة القسم

المقدمة

الفصل الأول: بحث تمهیدی

تعدد الزوجات فی الأدیان السابقة

تعدد الزوجات فی نظر التشریع الإسلامی

تعدد الزوجات فی الإسلام تجری علیه الأحکام الخمسة

الفوائد الفردیة والاجتماعیة لتعدد الزوجات

أولا: التعدد ینتج عنه کثرة النسل الذی به تعمر الأرض

ثانیا: فی التعدد حل لظاهرة العنوسة

ثالثا: فی التعدد حلُّ لمشکلة الأرامل والأیتام

ص: 314

رابعا: التعدد حل لمن لا یرید فراق زوجته لعلة

خامسا: التعدد حل لمن لا یرید طلاق زوجته بسبب العقم

سادسا: وللتعدد فائدة عظمی لقادة المجتمع ووجهائه

تعدد زوجات النبی الأعظم

تعدد زوجات الصحابة

١. أبو بکر بن أبی قحافة

٢. عمر بن الخطاب

٣.عثمان بن عفان

٤. عبد الرحمن بن عوف

تعدد أزواج کثیر من الصحابیات وغیرهن

١. أسماء بنت عمیس الخثعمیة

٢. عائشة بنت طلحة بن عبید الله

٣. أم عبد الله بنت عبد الرحمن بن زید بن الخطاب بن نفیل

٤. میمونة بنت عبد الرحمن بن عبد الله بن أبی بکر بن أبی قحافة

٥. أم فروة بنت أبی قحافة

٦. ماریة بنت الجعید بن صبرة بن الدیل بن شن بن أفصی بن عبد القیس

٧. عاتکة بنت زید بن عمرو بن نفیل بن عبد العزی

الطلاق ومبرراته الشرعیة والعقلائیة

الطلاق جائز بنص الکتاب والسنة

الطلاق مشمول بالأحکام الخمسة

خاتمة الفصل الأول

ص: 315

الفصل الثانی: زواج الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه فی مصادر أهل السنة

مقدمة

الروایة الأولی

الوجه الأول: هل یمکن الأخذ بما یرویه الواقدی؟

الوجه الثانی: الزواج بأربع لا یدل علی کون الإمام علیه السلام مزواجا

الوجه الثالث: من هو یسار بن سعید بن یسار؟

الوجه الرابع: ما علاقة سلیمان بن عبد الملک بهذه الروایة؟

الوجه الخامس: هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟!

الوجه السادس: لو سلمنا بالروایة هل یثبت مدعاهم؟

الروایة الثانیة

الوجه الأول: هل یمکن أن تکون المخطوبة زوجة؟

الوجه الثانی: هل یعاب علی الإمام خطبة امرأة وترکها لسبب شرعی؟

الوجه الثالث: طلاق الإمام علیه السلام للخارجیة کان واجبا أو مستحبا

الوجه الرابع: حول سند الروایة

الروایة الثالثة

الإشکال الأول: الروایة ضعیفة بالهذلی

الإشکال الثانی: هل وصف السید فی الروایة یقصد منه المدح أو الذم؟

الإشکال الثالث: شخصیات وأهداف أمویة

من هو عبد الرحمن بن عتاب بن أسید؟

من هو عبد الله بن عامر بن کریز

الإشکال الرابع: روایة أخری بنفس التفاصیل

ص: 316

الحل الأول

الحل الثانی

الإشکال الخامس: ماذا لو سلمنا بهذه الروایة؟

الروایة الرابعة

الوجه الأول: الروایة ضعیفة السند ساقطة عن الحجیة

الوجه الثانی: هل یمکن أن یبیت الإمام علیه السلام علی سطح لا یستر عنه النظر؟!

الوجه الثالث: رأی الشرع فی النوم علی سطح لا سیاج له

الوجه الرابع: لماذا أقحم ابن عمر فی هذه الروایة؟

١: عبد الله بن عمر لم یبایع الإمام علی صلوات الله و سلامه علیه

٢: عبد الله بن عمر یبایع معاویة ویزید

٣: کراهیة ابن عمر لأمیر المؤمنین صلوات الله و سلامه علیه

٤: رأی ابن عمر فی خروج الحسین صلوات الله و سلامه علیه علی یزید

٥: حقائق عن شخصیة ابن عمر لها صلة بالموضوع

وبقیت لنا ملاحظة مهمة

الروایة الخامسة

الإشکال الأول: الروایة عن الواقدی وهو غیر ممدوح فی نقله

الإشکال الثانی: مفهوم القلة والکثرة مفهوم نسبی

الإشکال الثالث: هل کانت زیجات الإمام الحسن علیه السلام قصیرة المدة؟

الروایة السادسة

الروایة السابعة

السبب الأول: من هو علی بن محمد راوی هذه الروایة؟

وقفة مع بعض المتأخرین ورأیهم حول المدائنی

السبب الثانی: الروایة ضعیفة لجهالة الراوی

السبب الثالث: لماذا فقد المدائنی ذاکرته هنا؟

السبب الثالث: لماذا فقد المدائنی ذاکرته هنا؟

ص: 317

السبب الرابع: تناقض أخبار المدائنی عن عدد زوجاته

السبب الخامس: هل کان الإمام الحسن یشهد علی زواجه وطلاقه؟

الروایة الثامنة

الوجه الأول: هل للإمام الحسن زوجة باسم حفصة ابنة عبد الرحمن؟

الوجه الثانی: حفصة بنت عبد الرحمن ومستوی التزامها الشرعی

الوجه الثالث: هل صحیح ان المنذر بن الزبیر طلق حفصة ابنة عبد الرحمن

الوجه الرابع: ما هو الهدف من إعلاء منزلة المنذر بن الزبیر؟

1: علاقة المنذر بن الزبیر بمعاویة وابنه یزید

2: علاقة المنذر بن الزبیر بأخیه عبد الله بن الزبیر

3: هل کان المنذر بن الزبیر منافقا فی أفعاله

الوجه الخامس: من هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبی بکر؟

الوجه السادس: هل عادت حفصة إلی المنذر بن الزبیر بعد طلاقها؟

الوجه السابع: هل کان الإمام الحسن ابن أم عبد الله ابن أبی عتیق؟

الروایة التاسعة

هل کان الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه غلقا طلقا ملقا؟

الروایة العاشرة

الوجه الأول: سند الروایة ضعیف لا یحتج به

1: أبو القاسم الشحامی

2: أبو عبد الله محمد بن إبراهیم بن زیاد الطیالسی

3: سلمة بن الفضل

الوجه الثانی: هل طلاق الثلاث من السنة أم البدعة؟

الروایة الحادیة عشر

أولا: أبو طالب المکی لیس بثقة لا فی کلامه ولا فی نقله

ثانیا: نطالب أبا طالب بأسماء هذه الزوجات

ص: 318

ثالثا: لماذا خرجن هذه النسوة فی تشییع الحسن صلوات الله وسلامه علیه؟ ولماذا حافیات؟

الروایة الثانیة عشر

الوجه الأول: نظرة مجملة حول کتاب إحیاء علوم الدین للغزالی

الوجه الثانی: هدف الغزالی من نقل هذه الروایة المکذوبة

الوجه الثالث: من هو عبد الرحمن بن الحارث بن هشام

الوجه الرابع: هل یسرقون فضائل فاطمة الزهراء علیها السلام أم ماذا؟

الروایة الثالثة عشر

أولا: سند الروایة ضعیف وهی مما تفرد بها ابن عساکر

ثانیا: هل کان اسم ابنة المسیب بن نجبة الحسان؟

ثالثا: فی الروایة أشیاء مبهمة یصعب فهمها

الروایة الرابعة عشر والخامسة عشر

ملاحظة هامة

خاتمة هذا الفصل: متی أُبتدعت هذه الروایات؟

متی رویت الروایة الأولی

متی رویت الروایة الثانیة؟

زمن وجود الروایة الثالثة

زمن وجود الروایة الرابعة

زمن وجود الروایة الخامسة

زمن وجود الروایة السادسة

زمن وجود الروایة السابعة

شاهد آخر: خطبة المنصور الدوانیقی

ص: 319

الفصل الثالث: روایات زواج الإمام الحسن صلوات الله وسلامه علیه من مصادر الشیعة

الروایة الأولی

السبب الأول: لانَّ فی سندها عدة من رجال الواقفة

من هم الواقفة ومتی نشأ مبداء الوقف؟

عشر أحادیث مما ورد فی الواقفة

ماذا یستفاد من هذه الأحادیث؟

هل یمکن قبول روایات الواقفة؟

السبب الثانی: مخالفة هذه الروایة لآیة التطهیر

السبب الثالث: انها معارضة لحدیث عدم افتراق القران عن العترة

السبب الرابع: ان الروایة تؤدی إلی عدم الوثوق بأمر الإمام علیه السلام

السبب الخامس: معارضة هذه الروایة لکون الأئمة علیهم السلام أمانا لأهل الأرض

السبب السادس: الروایة تؤدی إلی إخراج الإمام الحسن علیه السلام عن الحق

السبب السابع: الروایة تؤدی إلی تحقق الأذی للنبی صلی الله علیه وآله وسلم من قبل علی صلوات الله وسلامه علیه

السبب الثامن: الروایة تؤدی إلی إیذاء الإمام الحسن علیه السلام للنبی صلی الله علیه وآله وسلم

السبب التاسع: یلزم من الروایة تقدیم المفضول علی الفاضل

السبب العاشر: الروایة مخالفة لقول النبی لا تعلموهم فانهم اعلم منکم

السبب الحادی عشر: الروایة مخالفة لسیرة الأئمة علیهم السلام

الروایة الثانیة

الروایة الثالثة

الأول: سند هذه الروایة ضعیف

الثانی: هل کانت مسؤولیات الإمام الباقر علیه السلام تسمح بهذا الفعل؟

ص: 320

الروایة الرابعة

أولا: سند الروایة مجهول

ثانیا: لیس فی الروایة ما یدل علی کون الحسن صلوات الله وسلامه علیه رجلاً مطلاقاً

ثالثا: الروایة دلیل براءة للإمام الحسن علیه السلام ولیس العکس

رابعا: لماذا لم یذکر لنا التاریخ اسم هذه الزوجة؟

ملاحظة أخیرة

الروایة الخامسة

خاتمة هذا الفصل

الفائدة الأولی: أسباب اختلاق هذه الأکاذیب علی الإمام الحسن علیه السلام

السبب الأول: تبریر الانحطاط الأخلاقی الأموی والعباسی

السبب الثانی: الوقوف بوجه المد المتصاعد لحب أهل البیت علیهم السلام

السبب الثالث: إظهار انَّ آل أمیة والعباس وحدة متوحدة بعکس آل علی علیهم السلام

السبب الرابع: محاولة إثبات ان آل أمیة والعباس أحق بالملک من آل علی علیهم السلام

الفائدة الثانیة: القول الحسن فی حقیقة عدد زوجات الإمام الحسن علیه السلام

الأثر الأول: المشهور من أزواج الإمام الحسن علیه السلام واللاتی لهن أولاد

الأثر الثانی: أزواجه اللاتی ثبت لهن فعل اشتهرن به تاریخیا

المصادر

المحتویات

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.