الامامه عهد الهي،بحوث قرآنيه في الامامه

اشارة

عنوان و نام پديدآور : الامامه عهد الهي،بحوث قرآنيه في الامامه/علي جبوري.

مشخصات نشر : قم: زائر، 1389.

مشخصات ظاهري : 250ص.

شماره كتابشناسي ملي : 2835022

پژوهشكده علوم و معارف قرآني علامه طباطبائي

.- جبوري، علي، ١٣٢٩

٩٧٨-٩٦٤-١٨٠-١١٤- ٢٥٠ ص. ٦

٢٥٠ ؛ همچنين بصورت زيرنويس. كتابنامه ص ٢٤٥

٢٣ قبل از هجرت -١. امامت – جنبه هاى قرآني . ٢. علي بن ابي طالب

٤٠ ق. اثبات خلافت. ٣. خلافت.

BP٢٢٣/ الف. عنوان. ٨الف ٢ج/ ٥

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

ص: 6

ص: 7

ص: 8

ص: 9

ص: 10

ص: 11

ص: 12

ص: 13

كلمة دار التحقيق

﴿إنَّ هٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾.

القرآن الكريم كتاب الإنسانية، وأعظم معجزة خالدة، إن حارت عقول نوع البشر تجاه المعجزات الفعلية كشق القمر و تسبيح الحصي و شفاء المرضي و إحياء الموتي، ويقرّون بعجزهم ويعترفون بعدم قدرتهم، فاكابر المتفكّرين و العلماء المتضلّعين يعكفون علي عتبة القرآن الذي هو معجزة قوليّة لخاتم الأنبياء  ويعبدون ويخضعون لإلٰه القرآن و يسجدون له: و عبرات الأشواق جارية من قلوبهم وضمائرهم أمام عظمة القرآن، و يترنّمون بقولهم: «الخواص للقولية والعوام للفعلية أطوع».

وجه اعجاز القرآن وإن كان بالنسبة الي الفصاحة والبلاغة ظاهراً، إلّا ان أهمّ وجهة نظر اعجاز القرآن ليس اعجازه العلمي و... البحت، بل القرآن خالق الانسانية، والتربية القرآنيه ربّت شخصية كالام اميرالمومنين الذي هو فخر الكائنات و قطب أولياء الله ورئيسهم، لابدّ وان نفحص اعجاز القرآن في معارفه السّامية، و في معرفة الله و معرفة أسمائه و صفاته تعالي.

ص: 14

ولا يصل كتاب ولن يصل، قطّ في معرفة التوحيد - التي هي الغاية القصوي لآمال اولياء الله - الي مرتبة القرآن، هؤلاء الفلاسفة والمتكلّمون والعرفاء مدي التاريخ جاؤا وكلّهم تغذّوا ويتغذون من فتات مائدة القرآن، وكلّهم خاضعون تجاه القرآن الكريم ويضعون جبهة التواضع والخضوع علي تراب عتبته المقدّسة.

لهذا الغرض دار تحقيق العلّامة الطباطبائي  للعلوم والمعارف القرآنيه – بفضل الله وعنايته وبالإستعانة من حضرة وليّ العصر  وعلي ضوء كرامات السيّدة فاطمة المعصومة  - يهدف مطالبة المحققين والمؤلفين والمترجمين وأصحاب الآراء والنظريّات حول مختلف العلوم والمعارف القرآنية، لأجل الاستفادة من إمكانيّات وقدرات الثورة الجبّارة للجمهورية الاسلامية - يهدف التحقيق والتنقيب في العلوم القرآنية، وإشاعة وتبيين المعارف العالية للقرآن الكريم، وتأليف الكتب والبحث والتنقيب العلمي والتحقيق، وتربية المحقّقين والمدرّسين في الحوزات المختلفة للعلوم القرآنية، بوساطة الروضة المقدّسة للسيّدة فاطمة المعصومة  أسّست في سنة 1388ه_ ش، و جعل التنقيبات والتحقيقات العصرية وجهة النظر وموضع اهتمام كبير.

تأسيس هذه الدار كان من اهداف حضرة آية الله المسعودي الخميني المتولّي المعظّم للرّوضة المقدسة منذ زمن بعيد، وبسعيه وعنايته وجدّه المستمر تمّ انجاز هذا الدار ونحن الآن نغمز بحفاوة وحرارة أيدي المحقّقين الأعزاء للمساهمة في هذا المجال.

من الواجب علينا هنا ان نقدّم من صميم القلب شكرنا الجزيل المتواصل الي مؤلّف هذا الأثر الحاضر الذي سعي في انجازه سعياً بليغاً.

احمد العابدي

ص: 15

المقدّمة

الحمد لله الذي أمرنا بالتحدّث بآلائه وأجاز لنا الشكر لنعمائه، والصلاة والسلام على خير خلقه سيّد أنبيائه ورسله المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله البررة الميامين أئمة المسلمين وهداة البريّة أجمعين.

أمّا بعد، فالإمامة بحر زاخر بالعطاء والنعم، ومهما خاض الباحثون غمار هذا البحر العظيم لم يدركوا أسراره ولم يكتشفوا درر أعماقه، بل تبقى الحاجة إلى تبيان دور الإمامة والأئمة  في إحياء معالم الدين وطمس معالم الزيغ والفتن.

فلولا وجود الأئمة الأطهار ، لاندثر الدين وانتهت الشريعة ولذهبت أتعاب الأنبياء من آدم إلى خاتم الأنبياء أدراج الرياح، فهم الشموس الطالعة والأقمار المنيرة والأنجم الزاهرة التي تُنير الطريق وتجلى الظلمة عن الأمة.

فهم عدل القرآن وحملة السنّة النبوية الشريفة بكلّ تفاصيلها، فأهل البيت امتداد للرسالة النبوية فهم أئمة الهدى وأعلام التقى والعروة الوثقى المبلّغون عن رسول الله  وولاة الأمر من بعده.

ص: 16

فكما قُدَّر لهذه الرسالة الخاتمة أن تستمرّ وتبقى فلابدّ أن يبقى أهل البيت حقيقة قائمة ومؤثرة في المجتمع الاسلامي، وهذا الموقع لا يمكن لأي باحث نكرانه مهما تمادى في مكابرته وهرب من الحقيقة والواقع.

فلابدّ الإقرار بأنَّ بحوث الإمامة من أهمّ البحوث والأطروحات الإسلامية ذات الابعاد العقائدية والفكريّة والتاريخية والاجتماعية، فلابدّ للباحث في هذا المجال من الإلمام من العلوم القرآنية والتفسير وعلم الحديث والكلام والتاريخ الإسلامي، مع تسديد من الله سبحانه، واستمداد العون من أنفاس أئمة الهدى .

وأين من مثلي والخوض في هذا البحر العميق، لكن القول المعروف (ما لا يدرك كلّه لا يترك جلّه) شجعني كثيرة ومنحني الجرأة على الإقدام لتقديم شيء بسيطٍ في هذا المجال.

وقد تزامن البدء في هذا البحث مع العيد السعيد عيد إكمال الدين وإتمام النعمة عيد تتويج الإمام علي  من قبل رسول الله  وبأمرٍ من الله سبحانه لإمامة المسلمين وقيادتهم في 18 ذي الحجّة في السنة العاشرة للهجرة.

وقد استطعنا بعون الله سبحانه من إثبات بطلان قول القائلين بعدم الحاجة الى الإمامة والإمام وأثبتنا بالأدلّة النقلية والعقليّة الحاجة إلى الإمامة والإمام، وكذلك أثبتنا أنّ الإمامة غير النبوة والإمام غير النبي.

وكذلك أثبتنا إمامة الإمام علي  والأئمة المعصومين بالأدلّة التي هي مورد انفاق الفريقين وردّ بعض الشبهات التي تطرح من قبل بعض المغرضين مثل شبهة أنّ الإمامة والنبوة لا تجتمعان في أهل بيتٍ واحد وغيرها من الشبهات، ويشمل هذا البحث مقدّمة وثلاثة أبواب وخاتمة، وهي:

الباب الأوّل: بحوث عامة في الإمامة، ويشتمل على فصلين:

ص: 17

الفصل الأوّل: الإمامة تعريفها ومعانيها.

الفصل الثاني: معرفة الإمام وصفاته والحاجة إليه.

الباب الثاني: إثبات الإمامة بالأدلّة النقلية والعقلية، ويشمل على:

الفصل الأوّل: إثبات الإمامة الأئمة الاثني عشر على الأمة من قبل الله

ورسوله.

الفصل الثاني: مكانة الإمام علي عند مذهب أهل السنّة.

الفصل الثالث: طرق انتخاب الخليفة بعد رسول الله.

الفصل الرابع: بعض فضائل الإمام علي وأهل بيته.

الباب الثالث: المناظرات والشبهات

ويحتوي على فصلين:

الفصل الأوّل: المناظرات بين كبار علماء السنّة والشيعة

الفصل الثاني: الشبهات التي وردت على التشيع وردّها

وفي الختام اُؤكد مرّة اُخرى أنّ هذه هي المحاولة والتجربة الاُولى وبداية الطريق وتقترن عادة بكثير من الأخطاء والزلات العيوب. أسأل الله تعالى أن يتجاوز عنّا ذلك، كما أسأله تعالى القبول والتوفيق، وأن يكون مورد رضا وقبول سيّدنا ومولانا صاحب الأمر وإمام العصر الحجّة بن الحسن ، كما أرجو من الاُخوة القرّاء الأعزاء والباحثين الأفاضل الكرام أن يغضوا النظر عن هذه الأخطاء بإهدائها إليّ وإبداء ملاحظاتهم القيّمة والمفيدة لتحقيق هذا الهدف السامي.

كما لا يفوتني أن أتقدّم بجزيل الشكر والامتنان إلى أستاذنا العزيز سماحة حجّة الاسلام والمسلمين الدكتور عابدي لدوره المتميّز في تشجيع طلبة الحوزة العلمية للبحث والتحقيق والتأليف، ولدوره في الإشراف وطبع هذا البحث وأجره على الله سبحانه. ﴿رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى

ص: 18

الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾(1).

والله ولي التوفيق والسداد والقبول

علي الجبوري


1- البقرة: 286.

ص: 19

الباب الأوّل: بحوث عامّة في الإمامة

اشارة

ويشمل على:

الفصل الأوّل: الإمامة تعريفها ومعانيها

الفصل الثاني: معرفة الإمام وصفاته والحاجة إليه

ص: 20

ص: 21

الفصل الأوّل: الإمامة تعريفها ومعانيها

تعريف الإمامة

الإمامة منصب إلهي مجعول من قبل الله سبحانه وتعالى وعهد معهود منه،

فكما أنّ النبوة منصب إلهي مجعول من قبل الله سبحانه وتعالى، فكذلك الخلافة عنها لا محالة، ولا معنى للخلافة عن النبي  بجعلٍ من الناس، فكما أنَّ النبوة ليست مجعولة من الناس كذلك الخلافة عن النبي  لا تكون مجعولة من قبلهم.

والآية الكريمة: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾(1).

تؤكد معنى الإمامة، فهي أمر إلهي ومنصب ربّانيّ، كما هو الحال بالنسبة للنبوة.

فالإمامة: ولاية مسانخة لولاية الله وولاية رسوله ، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾(2).


1- البقرة: 124.
2- المائدة: 55.

ص: 22

معاني الإمامة والإمام

هناك معانٍ ومترادفات لكلمة الإمامة، والامام منها:

المعنى اللغوي: لكلمة الإمام معانٍ عديدة في اللغة، منها: المقتدى، فإمام الجماعة: هو الذي يقتدي به المصلّون ويتابعوه في أفعال الصلاة.

والأئمة الاربعة: هم فقهاء اجتهدوا في استنباط المسائل الدينية والأحكام من القرآن الكريم والسنّة الشريفة أو القياس والاستحسان العقليّة، لذا نرى آراءهم مختلفة كثيراً وأهل كلّ مذهب من مذاهب أهل السنّة يقتدون بأحدهم وقد يوجد مثلهم في كلّ مذهب. سيّما مذهب الشيعة وهم الفقهاء والمجتهدون الذين يقلّدهم المؤمنون ويلقّبون بمراجع الدين؛ لأنّ كلّ منهم عندما يفتي بقول هذا ما توصل إليه رأيي فلا يدعي الوصول إلى حقيقة حكم الله سبحانه وكشف واقع الشرع المقدّس.

ومن معاني الإمام: بمعنى الهادي للأمة بعد رسول الله، كما قال سبحانه: ﴿إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾(1).

والإمام: هو الحجّة في الأرض بعد رسول الله : ﴿وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى﴾(2).

والإمام: هو الذي عنده عِلمُ النبي  الذي أوحى إليه ويقوم مقام النبي  في إلقاء تفاصيل أحكام الشريعة والمعارف الإلهية، كما يدلّ عليه قوله تعالى: ﴿أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى﴾(3).


1- الرعد: 7.
2- طه: 134.
3- يس: 35.

ص: 23

الإمامة رئاسة عامّة في أمور الدين والدنيا

اشارة

هناك من يدعي بأنّ الإمامة رئاسة في أمور الدين والدنيا، وهذا الموضوع يتضمّن: مباحث، وهي:

المبحث الأوّل

الإمامة رئاسة عامة في اُمور الدين والدنيا لشخصٍ من الأشخاص نيابةً عن النبي. وهي واجبة عقلاً؛ لأنّ الإمامة لطف، فإنّا نعلم قطعاً أنّ الناس إن كان لهم رئيس مرشد ومطاع ينتصف للمظلوم من الظالم، ويردع الظالم عن ظلمه كانوا إلى الصلاح أقرب ومن الفساد أبعد، وقد تقدّم أنّ اللطف واجب.

فكما أنّها واجبة في الدين، كذلك في الدنيا وكونها لشخصٍ إنسانيٍ.

المبحث الثاني

وفيه إشارة إلى أمرين:

الأمر اللأوّل: إنّ مستحقّها يكون شخصاً معيناً معهوداً من الله سبحانه وتعالى ورسوله لا أي شخصٍ اتفق.

الأمر الثاني: إنّه لا يجوز أن يكون مستحقّها اكثر من واحدٍ في عصرٍ واحدٍ وزاد بعض في فضاء التعريف: بحقّ الأصالة. وقال في تعريف الإمامة: رئاسة عامة في اُمور الدين والدنيا لشخص إنساني بحقّ الأصالة «واحترز لهذا عن نائب يفوض إليه الإمام عموم الولاية، فإنّ رئاسته عامة، لكن ليست بالأصالة»(1).

فإن الناس إن كان لهم رئيس مرشد فيما بينهم يردع الظالم عن ظلمه، والباغي عن بغيه، وينتصف للمظلوم على ظالمه، وهو مع ذلك يحملهم على القواعد العقليّة


1- من كتاب ليالي سلطان الواعظين السيد محمد الموسوي الشيرازي بيشاور فصل الإمامة رئاسة عامة.

ص: 24

والوظائف الدينية ويردعهم عن المفاسد الموجبة لاختلال النظام في اُمور معاشهم، وعن القبائح الموجبة للوبال في اُمور معادهم، بحيث يخاف كلٌ مؤاخذته على ذلك كانوا إلى الصلاح أقرب وإلى الفساد أبعد، ولا نعني باللطف إلاّ ذلك فتكون الإمامة لطفاً إلهيّاً.

وإن كلّ ما يدلّ على وجوب النبوة يدلّ على وجوب الإمامة.

إذاً فالإمامة خلافة عن النبي  والإمامة قائمة مقام النبوة إلاّ في تلقي الوحي بلا واسطة.

فكما أنّ النبوة واجبة على الله بالحكمة فإنّ الإمامة كذلك.

وأمّا الذين قالوا بوجوبها على الخلق فقالوا: يجب عليهم نصب الرئيس لدفع الضرر عن أنفسهم ودفع الضرر واجب فهي واجبة، ولربّ سائل يسأل:

لانزاع في كون الإمامة واجبة؛ لأنّها دافعه للضرر، وإنّما النزاع في تفويض ذلك إلى الخلق لما في ذلك من الاختلاف الواقع في تعيين الأئمة فيؤدّي ذلك الاختلاف إلى الضرر المطلوب زواله، وأيضاً اشتراط العصمة ووجوب النصّ يدفع ذلك النزاع.

الجواب: يجب أن يكون الإمام معصوماً، وإلاّ تسلسل؛ لأنّ الحاجة الداعية إلى الإمام هي: ردع الظالم عن ظلمة ولانصاف المظلوم منه، فلو جاز أن يكون غير معصوم لاحتاج إلى إمام آخر، وهذا يحتاج إلى إمام آخر، ويتسلسل وهو محال.

وإنّه لو فعل المعصية فإنّ وجب الإنكار عليه سقط محله من القلوب وانتقت فائدة نصيه، وإن لم يجب عليه الإنكار سقط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو محال؛ ولأنّه حافظ للشريعة فلابدّ من عصمته ليؤمن الزيادة والنقصان وقوله تعالى: ﴿لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾(1) يؤيّد ذلك.


1- البقرة: 124.

ص: 25

الإمامة غير النبوة والإمام غير النبي

بعد أن تعرّفنا على معاني الإمامة والإمام يتّضح جلّياً أنَّ المراد بالإمامة والإمام هو غير النبوة والنبي .

وما أثاره بعضُ المفسّرين من أنَّ الإمامة هي نفس النبوة، والمراد من الإمام هنا النبي؛ فلكونه نبياً فواجب على أمته اتباعه وإطاعته ويستدلّون على ذلك بالآية الكريمة: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ﴾(1) .

(لكن هذا التفسير في منتهى السقوط وبعيدٌ كلّ البعد عن الحقيقة وتلاعب بالألفاظ والمعاني القرآنية)(2) فهناك كلمات وألفاظ لكثرة تداولها بين الناس أصبحت بدون أهمّية تذكر ولا يعتبرون لها معنىً خاصّاً، كلفظة الإمامة والإمام، فأينما وجدوها وبشكل مطلق فسروها بمعنى النبوة، أو التقدّم، أو الإطاعة، والبعض فسرها بمعنى الخلافة، والوصاية، أو الرئاسة في اُمور الدين والدنيا.

لكن جميع هذه التفاسير بعيدةٌ عن المعنى الحقيقي للإمامة؛ وذلك لعدّة اُمور:

أوّلاً: لأنّ النبوة تعني أنَّ شخصاً يتلقّى أخباراً من الله سبحانه وتعالى ومعنى الرسالة: تحَمّل مسؤولية تبليغ هذه الأخبار والأوامر الإلهية.

أمّا التقدم والإطاعة: لا تعني الإمامة: وذلك لأن إطاعة الشخص تعني: إطاعة أوامره ونظرياته وهذه الاُمور من لوازم النبوة والرسالة.

أمّا تفسيرها: بالخلافة والوصاية: تعني النيابة وما ربط الإمامة هنا بالنيابة؟

وأمّا معناها بالرئاسة في اُمور الدين والدنيا، يعني: تفسيرها بنفس معنى الإطاعة؛ لأنّ الرئاسة تعني أنّ الشخص مصدر للحكم والتشريع ولا بُدَّ من إطاعته، لذا أصبح واضحاً بأنَّ الإمامة لا تنطبق على أي واحدة من هذه المعاني.


1- النساء: 64.
2- تفسير الميزان العلامة الطباطبائي: ج ٢، ص ٩٠ ١١٧ (ط فارسي).

ص:26

ثانياً: لأنّ كلمة إمام في الآية الكريمة مفعولُ به ثانٍ لعامله كلمة (جاعلك)، وكلمة جاعل لو كانت تعني الماضي لما أخذت معفولاً به؛ لأنّها لا تكون عاملة أمّا إذا أريد منها الحال أو المستقبل تكون عاملةً وتحتاج إلى مفعولٍ به.

وطبق هذه القاعدة فجملة: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا...﴾ التي وعد الله بها نبيه إبراهيم  أنّه في المستقبل سوف يكون إماماً، وعن طريق الوحي أبلغ نبيه بهذا الوعد.

إذاً صار معلوماً قبل ابلاغه بالإمامة كان إبراهيم  نبيّاً.

ثالثاً: كانت قصّة إبراهيم  في أواخر عمره الشريف بعد أنْ بشره الله بإسحاق وإسماعيل عن طريق الملائكة وكان وقتها نبيّاً مرسلاً.

فالإمام: يعني الذي يقتدي به ويتبعهُ الأخرون وعليهم متابعة قوله وعمله.

فإذا كان معنى الإمامة هو النبوة فما معنى أن يخاطبه سبحانه وتعالى ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا...﴾ وهو بالأصل نبي واجب الطاعة والرئاسة، حتّى يمكنه تبليغ الرسالة ويجعله رئيساً على الناس حتّى يمكنه أن يأمر وينهي في الدين، أو يجعله خليفة في الأرض حتّى يحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه؟

فلا مناسب بعد هذا أن يخاطبه: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا...﴾ كي يتبعوك أو رئيساً أو حاكماً أو خليفة في الأرض والتي كلّها من لوازم النبوة والرسالة.

إذاً لفظة إمامة لا تنطبق على أحد هذه المعاني التي مرَّ ذكرها؛ لأنّه ليس من الصحيح أن يجعله نبياً ومن لوازم نبوته الطاعة له من قبل الناس، ثمّ يقول: سأجعل الناس يطيعوك (حسب تفسير الإمامة بوجوب الإطاعة والاتباع).

لذا فالتلاعب بالألفاظ لا يحلُّ مشكلة.

إنْ قلتَ: آية المباهلة تجعل نفس الإمام علي  نفس النبي : ﴿فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ

ص: 27

وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾. (1)

الجواب: تقول: إنّ المقصود من قوله: ﴿أَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ﴾ هو اتّحاد النبي  والوصي  في مقام الباطن وعالم الملكوت.

وأمّا في هذا العالم المادي فالنبي  غير الإمام ، كما أنّ النبوة غير الإمامة:

أوّلاً: المراد بأنفسنا في الآية الكريمة هو علي بن أبي طالب  لما ثبت بالنقل الصحيح، ولا شكّ أنّه ليس المراد به: أنَّ نفسه هي نفسه لبطلان الاتحاد، فيكون المراد أنّه مثله ومساويه، كما يُقال: زيد الأسد أي مثل الأسد في الشجاعة، وإذا كان مثله ومساويه كان هو الأفضل وهو المطلوب.

ثانياً: إنّ النبي  احتاج إليه في المباهلة في دعائه دون غيره من الصحابة والانساب، والمحتاج إليه يكون هو الأفضل.

ثالثاً: إنّ الإمام يجب أن يكون معصوماً ولا أحدٌ غير علي  وأولاده اختصَّ بهذه الصفة، إذاً لا أحد غيره وأولاده إمام.

رابعاً: إنّه اعلم الناس بعد رسول الله ، فيكون هو الإمام، فالمواهب الإلهية ليست حفنة من الألفاظ والمفاهيم، وإنّما عنوان من العناوين وحقيقة من هذه الحقائق ومعرفة من هذه المعارف.

وفي كتاب الخصال للشيخ الصدوق:

عن المفضل بن عمر عن الصادق ، قال: سألته عن قوله تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ﴾(2) ما هذه الكلمات؟ قال التي تلقاها آدم من ربّه فتاب عليه، حيث قال آدم: يا ربّ أسألك بحقّ محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين  إلاّ تبت عليّ فتاب عليه إنّه هو التواب الرحيم. قلتُ: يا بن رسول الله فما معنى قوله


1- آل عمران: ٦١.
2- البقرة: 124.

ص:28

فأتمهنَّ؟ قال: أتمهُنّ إلى القائم اثني عشر اماماً من ولد الحسين .

وفي مجمع البيان:

روى عن الصادق : (إنّه ابتلاه في نومه من ذبح ولده اسماعيل أبو العرب فأتمها إبراهيم  وعزم عليها وسلَّم لأمر الله، ثُمّ أنزل الله عليه الحنفية كقوله تعالى: ﴿يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ﴾(1) ، وهي عشرة أشياء، خمسة منها في البدن، فأمّا التي في الرأس: فهي أخذ الشارب وإعفاء اللحى، طمّ الشعر، المسواك، الخلال. وأمّا التي في البدن فهي: حلق الشعر من البدن، والختان، تقليم الأظافر، والغسل من الجنابة، والطهر بالماء، فهذه الحنفية الطاهرة التي جاء بها إبراهيم .

الإمامة مرتبة فوق مرتبة النبوة دون مرتبة الخاتمية

تمثل الإمامة مرتبة فوق مرتبة النبوة، دون مرتبة خاتم النبيين  بدرجة، ولما كان علي  واصلاً إلى مرتبة النبي  اتّحدت نفسه  مع نفس النبي  حتّى صارا كنفسٍ واحدة فمنحه الله تعالى مرتبة الإمامة وجعله أفضل من الأنبياء السابقين.

في أصول الكافي:

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن أبي يحيى الواسطي، عن هشام بن سالم ودرست ابن ابي منصور: قال: قال أبو عبد الله : كان إبراهيم  نبياً وليس بإمام حتّى قال الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾ قال ﴿لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾

عن محمّد بن الحسن ذكره، عن محمّد بن خالد، عن محمّد بن سنان، عن زيد الشحام، قال: سمعتُ أبا عبد الله يقول: إنَّ الله تبارك وتعالى اتّخذَ إبراهيم عبداً قبل أن يتّخذه نبياً، وأنّ الله اتّخذه نبيّاً قبل أن


1- الصافات: 106.

ص: 29

يتّخذه رسولاً، وأنّ الله اتّخذه رسولاً قبل أن يتخذه خليلاً، وأنَّ الله إتّخذه خليلاً قبل أن يجعله إماماً، فلما جمع له الأشياء كُلها قال: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا...﴾ قال: ﴿وَمِن ذُرِّيَّتِي﴾. قال: ﴿لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾. قال لا يكون السفيه إمام التقي أبداً.

في عيون الأخبار:

بإسناده عن الرضا  في حديث طويل جاء فيه أنَّ الله خصَّ إبراهيم  بالإمامة بعد النبوة، والخلة مرتبة ثالثة وفضله وشرفه بها وشارَ ذكره (يعني رفعه بالثناء عليه).

فقال: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا...﴾ فأبطلت هذه إمامة كلّ ظالمٍ إلى يوم القيامة، ولا بأس بالإشارة العابرة إلى معنى الظلم وأنواعه:

فالظلم مرادفه الجور: وهو مقابل العدل والانصاف: يعني تجاوز حدود الله سبحانه وتعالى:

والمراد هنا من الظلم في الآية الكريمة: هو الشرك وسمّاه سبحانه وتعالى ظلماً بقوله: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ (1)

أنواع الظلم

الأوّل: ظلم بحقّ الله، كما ذكره سبحانه وتعالى بقوله: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾. فمن أشرك فقد ارتكب ظلماً بحقّ الله سبحانه وتعالى.

الثاني: ظلم الإنسان نفسه، كما جاء في قوله تعالى ﴿ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾(2) . وقوله تعالى ﴿وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُوْلَ_ئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾(3).


1- لقمان: 12.
2- الطلاق: 1.
3- البقرة: 229.

ص: 30

الثالث: ظلم الآخرين، فقوله تعالى ﴿وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾(1)

يعني من ارتكب ظلماً بحقّ الآخرين كغصب حقّ الآخرين أو التجاوز على حريمهم وما أعظم الظلم الذي اُرتكب بحقّ أمير المؤمنين  بعد رسول الله ، وهو غصب حقّه في الخلافة.

أمّا أنواع الظلم، كما جاء في كلام أمير المؤمنين ، فقد قسّم الإمام علي  الظلم إلى ثلاث أقسام قائلاً:

فظلم لا يغفر، وظلم لا يُترك، وظلم مغفور ولا يُطلب.

وأنّ الظلم الذي لا يغفر هو الشرك بالله تعالى، كما قال عزّ وجلّ: ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ﴾(2).

وأمّا الظلم الذي لا يُترك فظلمُ العباد بعضُهم بعضاً.

وأمّا الظلم الذي يغفر ولا يُطلب، فظلم العبد نفسه عند بعض الهنّات(3).

ومن كلام له .

للظالم من الرجال ثلاث علامات، وهي:

يظلم من فوقه بالمعصيّة، من دونه بالغلبة(4).

ويُظاهر(5) القوم الظلمة(6).

عن أمير المؤمنين  في حديث طويل يقول فيه:

قد أحضر الله على من مسه الكفر تقلّد ما فوضه إلى أنبيائه وأوليائه، فقال لإبراهيم


1- البقرة: 254.
2- النساء: 48.
3- الهنّات: جمع هنةّ محركة: الشيء اليسير والعمل الحقير، والمراد به صغار الذنوب.
4- الغلبة: القهر.
5- يُظاهر: أي يُعاون.
6- الظلمة: جمع ظالم.

ص:31

: ﴿لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾.

يعني عهد الله تبارك اسمه لا ينال عبدة الأصنام، لذا قال إبراهيم : ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ﴾(1).

هداية النبي وهداية الإمام

من الاُمور التي يُستدلّ بها على أنّ الإمامة غير النبوة والإمام غير النبي هي أنّ هداية الإمام  غير هداية النبي  ولتوضيح ذلك أكثر نقول: لابدَّ من الاعتراف بأنَّ القرآن الكريم كلما ذكر لفظة الإمامة قرنها بلفظة الهداية، ومنها في قصة إبراهيم  قال سبحانه وتعالى: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾ (2)

وقوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ (3)

فمن هاتين الآيتين عَرَّف الله لنا بأنَّ الإمامة لهداية البشر من جهة، ومن جهة اُخرى هذه الهداية مقيدة بأمر الله سبحانه: ﴿يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾.

فمن هذا القيد (أمر الله) نفهم بأنَّ الإمامة بشكل مطلق ليست هداية عادية، بل الهداية المقيدة التي تتمّ بأمر الله سبحانه وإرادته.

وأمر الله عرّفه سبحانه وتعالى بقوله: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾(4) .

وكذلك قوله سبحانه وتعالى: ﴿فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ


1- إبراهيم: 35.
2- الانبياء: 73.
3- السجدة: 24.
4- يس: 82.

ص: 32

تُرْجَعُونَ﴾(1).

وقوله تعالى: ﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾(2).

إذاً أمر الله يسمى أيضاً بالملكوت، أو الوجه الآخر من الخلقة.

فالأئمة  يذلل الأمر يواجهون الله سبحانه وتعالى بخلقةٍ طاهرين مطهّرَين من قيود الزمان والمكان لا فيها تغيير ولا تبديل، والأمر هو ذلك الشيء المراد من كلمة (كن) وذلك عين وجود الأشياء، وباختصار الإمام يهدي بالأمر الإلهي الملكوتي الذي أودعه الله عنده، كذلك للإمام نوع من الولاية على باطن أعمال الناس، وهدايته ليست كهداية الأنبياء والمرسلين والمؤمنين.

فإنّ هدايتهم إراءة الطريق بالنصيحة والموعظة الحسنة والتذكير بالآخرة، أمّا هداية الأئمّة هي: الأخذ بيد الخلق وإيصالهم إلى الطريق المطلوب. وبعبارة اُخرى: هداية الانبياء والمرسلين فقط إراءة طريق السعادة والشقاء، كقوله تعالى ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء﴾(3).

والقرآن يذكر أنَّ هداية الإمام بأمر الله، يعني إيجاد الهداية العلّمية فهو من جهة له ولاية من الداخل على قلوب وإعمال الناس والأوامر التي تصدر عن القلوب إلى الجوارح، لذا فهو شخص تحضر عنده باطن القلوب والأعمال ولا تغيب عنه، والأعمال والقلوب كسائر الموجودات لها ناحيتان: الباطن والظاهر، ولما كان باطن القلوب والأعمال حاضر عند الإمام  خيرها وشرّها، لهذا فهو مطلع على سبيل السعادة وسبيل الشقاء، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾(4) المراد هنا بالآية الكريمة إمام الحقّ، فإنّه يوم تظهر البواطن يقود الناس إلى الله سبحانه.


1- يس: 83.
2- القمر: 50.
3- إبراهيم: 4.
4- الاسراء: 71.

ص: 33

من جهة اُخرى: يتّضح أنّ الإمامة ليست منصباً قياديّاً تنتهي بعصر من العصور البشرية، بل هي في جميع العصور والأزمنة.

فلابدّ من وجود إمام غائباً أو حاضراً، ولما كانت الإمامة تحظى بهكذا مقام وعظمة، لذا لا ينالها إلاّ من كان في ذاته سعيداً طاهراً، كما في قوله تعالى: ﴿أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى﴾(1).

في هذه الآية الكريمة قارن سبحانه وتعالى بين من هو يهدي إلى الحقّ وبين مَن لا يجدُ طريق الهداية إلاّ بعد هدايته من الآخرين، وهذه المقارنة تقتضي:

أوّلاً: أنَّ الهادي إلى الحقّ بذاته وبدون هداية الآخرين أحق بالاتباع.

ثانياً: إنّ الثاني يعني الذي يحتاج إلى هداية الآخرين ليس لديه صفات الأوّل يعني الهادي إلى الحقّ بنفسه (بدون هداية الآخرين) من ذلك نحصل على نتيجتين اثنين وهما:

الاُولى: يجب أن يكون الإمام معصوماً من كلّ ضلالة وذنب وإلاّ لا يكون مهتدياً بنفسه، بل يحتاج إلى هداية الآخرين.

الثانية: الآية الكريمة بينت أنّ الإمام لا يحتاج إلى هداية غيره، بل الغير محتاج إلى هدايته فهو معصوم.

إشكال وجواب

والحال إذا كانت هداية الإمام  بأمر الله يعني هدايته إلى الطريق الحقّ تلازم هذه الهداية اهتداءه الذاتي، كما في قوله تعالى: ﴿أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى﴾(2) . تستفيد من ذلك أنّ جميع الأنبياء أئمة كذلك، لأنّ نبوة كلّ نبيّ لا تكون إلاّ بالاهتداء من جانب الله سبحانه وتعالى، وبدون أخذ وتعليم من


1- يونس: ٣٥.
2- يونس: ٣٥.

ص: 34

أي شخص، وإنّما بالاهتداء الذاتي، لذا فموهبة النبوة تستلزم فموهبة الإمامة.

يحصل الإشكال الثاني: وهو أنّ إبراهيم  ولسنين طويلة عنده مقام النبوة والإمامة كذلك، فما معنى أن يُعرَّض للاختيارات الإلهية وبعد نجاحه يقول له الآن أنت إمام؟

الجواب: كما جاء في الآية الكريمة: أنّ الهداية إلى الحقّ فقط تخصّ الإمام، وهذا يستلزم الاهتداء إلى الحقّ بينما هداية الأنبياء ثابتة لا تتغير.

وإذا عكسنا الامر، وهو كلّ شخص عند الاهتداء إلى الحقّ يجب أن يكون له القابلية إلى هداية الآخرين، لذا يجب أن يكون النبي  إماماً كذلك ويؤيّده قوله تعالى:

﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ * وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * أُوْلَ_ئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَ_ؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ * أُوْلَ_ئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾(1).

هنا جاء الاهتداء إلى الحقّ دون ملازمة الهداية إلى الحقّ، والآيات أعلاه أثبتت اهتداء كثير من الأنبياء إلى الحقّ دون إثبات هداية الآخرين.

وتستدلّ من الآية الكريمة: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾(2).


1- الانعام: 84-90.
2- الانبياء: 73.

ص: 35

كذلك أنّ هداية الإمام بنفسه، ففعل الخيرات التي ذكرتها الآية الكريمة قد اهتدى إليه الإمام بنفسه مع التأييد الإلهي والتسديد الربّاني.

والدليل عليه قوله: ﴿فِعْلَ الْخَيْرَاتِ﴾ بناءً على أنّ المصدر المضاف يدلّ على الوقوع، ففرقٌ بين مثل قولنا: وأوحينا إليهم أن افعلوا الخيرات. لا يدلّ على التحقّق والوقوع بخلاف قوله تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ﴾ فهو يدلّ على أنّ ما فعلوه من الخيرات هو بوحيٍ باطني وبتأييد سماوي.

الأمر الثاني عكس الأمر الأوّل

وهو أنّ من ليس بمعصومٍ فلا يكون إماماً هاديّاً إلى الحقّ أبداً، من هذا صار واضحاً المراد من كلمة (ظالمين) في الآية الكريمة أنّ الإمامة عَهدٌ، وهذا العهد لا يناله مَن ارتكب ظلماً مطلقاً سواء أكان ظلماً صغيراً أم ارتكب ظلم الشرك أم معصية طول عمره أو أوّل عمره أو آخره.

أمّا الاستدلال بالآية الكريمة: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَيَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾(1).

وربّما سائل يسأل، كيف نستدلّ من هذه الآية على عصمة الإمام 

الجواب:

بحكم العقل يُقسم الناس إلى أربعة أقسام ولا يخرج أحدٌ عن هذه الأقسام الأربعة، وهي:

الأوّل: تمام عمره ظالم وغير صالح.

الثاني: تمام عمره صالح وغير ظالم.

الثالث: في أوّل عمره ظالم وآخره تاب.


1- البقرة: 124.

ص: 36

الرابع: في أوّل عمره صالح وآخره صار ظالماً.

وإبراهيم  أجلٌ شاناً أن يطلب الإمامة للقسم الأوّل والرابع من ذرّيته، لذا نقطع أنّ دعاء ابراهيم  لا يشمل القسم الأوّل والرابع.

يبقى القسمان الثاني والثالث: يعني الشخص الذي كان صالحاً وغير ظالم طول عمره، وكذلك الشخص الذي كان أوّل عمره ظالماً، ثُمّ تاب وصار صالحاً. وهذا القسم أيضاً لا تشمله الآية الكريمة؛ لأنّ كما قلنا سابقاً بأنّ وعد الله إبراهيم  بالإمامة لا يشمل من ارتكب ظلماً ولو كان صغيراً جدّاً.

يبقى قسم واحد، وهو كلّ إنسان في تمام عمره صالح ولم يرتكب أي ظلمٍ أو معصيةٍ.

وهداية الأنبياء في الآيات أعلاه لا تتغير، وهذه لن ترتفع بعد رسول الله  عن أمته، بل عن ذرّية إبراهيم  منهم خاصّة لديهم هذه الهداية كما جاء في الآية الكريمة: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾(1).

هذه الهداية بأمر الله سبحانه وتعالى: وهداية الحقّ، وليس الهداية التي تعني إراءة الطريق عند رفضه عبادة الأصنام وتبرأ من أبيه وقومه؛ لأنّهم يعبدون الأصنام.

إذاً الهداية التي أخبر الله سبحانه وتعالى سيعطيها إلى نبيه عن قريب هي هداية اُخرى غير التي عند الأنبياء.

ما هي الهداية الاُخرى

أخبر الله سبحانه وتعالى بأنّ هذه الهداية التي بمعنى: (الكلمة) كما جاءت في الآية الكريمة: ﴿وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا﴾(2).


1- الزخرف: 28.
2- الفتح: 26.

ص: 37

ستبقى في ذرّيته من بعده، وهذا أحد الموارد التي أطلق فيها القرآن الكريم لفظة (كلمة) على حقيقة خارجية لا على لفظة (كلمة) التي بمعنى الحديث أو اللفظ، وهذا هو المورد الثاني الذي أطلق سبحانه لفظة (كلمة) على حقيقة خارجية.

يتّضح ممّا سبق: سوف تكون الإمامة في ذرّية إبراهيم  عندما سأل إبراهيم  ربّه أن تكون الإمامة في بعض ذرّيته، وجاء الجواب: ﴿لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ يعني إبراهيم  طلب الإمامة في بعض ذرّيته لا للجميع.

كان جوابه سبحانه وتعالى بنفيها عن الظالمين من ولده، ولما لم يكن جميع ولده ظالمين بالضرورة حتّى يكون نفيها عن الظالمين نفياً لها عن الجميع، ففيه إجابة لما سأله مع بيان أنّ الإمامة عهد، وعهده تعالى لا ينال الظالمين.

قوله تعالى: ﴿لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ في التعبير إشارة واضحة إلى غاية بعد الظالمين عن ساحة العهد الإلهي، فهي من الاستعارة بالكناية، وكما جاء في الرواية كون المراد بالكلمة الإمامة، كما فسرت بها في قوله تعالى: ﴿فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾ فيكون معنى الآية: وإذا ابتلى إبراهيم ربّهُ بكلمات، هنّ إمامته، وإمامة إسحاق وذرّيته، واتمهُنّ بإمامة محمّد والأئمة من أهل بيته من ولد إسماعيل.

بعدما بينا الفرق بين هداية الأنبياء والمرسلين وهداية الأئمة لا يقول قائل، لماذا الأمر في الآيتين (الأنبياء 73، السجدة، 24) بمعنى إراءة الطريق، كما هي وظيفة الأنبياء والمرسلين.

الجواب: لأنّ إبراهيم  طيلة عمره الشريف لديه هذه الهداية.

المطلب الآخر: أنّ الموهبة التي منحها الله سبحانه وتعالى للأئمة  كانت بسبب الصبر واليقين الذي يتحلون به كقوله تعالى: ﴿لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾(1).


1- السجدة: 24.

ص: 38

كما قال الإمام علي  «لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً»(1).

فالملاك في الوصول إلى مرتبة الإمامة هو الصبر في طريق الله سبحانه واليقين.

فاللائقين لمقام الإمامة في جميع الأحوال والاختبارات الإلهية التي تعرضوا إليها حتّى مقام العبودية كانوا في منتهى مراتب الصبر واليقين

خلاصة الأمر

أن يكون الإمام ذا يقين كامل، وإنسان مطلع على عالم الملكوت، وقد زُوِد بكلماتٍ من الله سبحانه.

خلاصة ما مضى

أوّلاً: إنّ الإمامة منصب ومقام يجب أن يكون مجعول ومعين من قبل الله سبحانه.

ثانياً: مادام الإنسان موجوداً على الأرض، لذا لا تخلو الأرض من الإمام والحجّة غائباً كان أم حاضراً.

ثالثاً: يجب أن يكون الإمام معصوماً بالعصمة الإلهية.

رابعاً: يجب أن يكون الإمام مؤيداً من قبل الله سبحانه وتعالى.

خامساً: تُعرض أعمال العباد على الإمام ولا تخفى عنه، وفي أي وقت وزمانٍ ومكانٍ الإمام مطلع على أعمال العباد.

سادساً: يجب أن يكون للإمام اطّلاع وعلم بجميع احتياجات الناس سواء في اُمور دنياهم وأحوال معاشهم، أو في اُمور معادهم ودينهم.

سابعاً: يستحيل مع وجود الإمام وجود إنسان أفضل من الناحية النفسية من الإمام.


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج ٧، ٢٥٣.

ص: 39

الفصل الثاني: معرفة الإمام وصفاته والحاجة إليه

صفات الإمام وعلاماته

اشارة

في كتاب المفردات(1) نقرأ أنّ الإمام بمعنى القدوة، والذي نتبعه يسمّى إماماً سواء كان إمام حقّ أم كان إمام باطل وجمعه أئمة وهذا خطأ كبير نتيجة للتفسير الظاهري للآية الكريمة: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾(2).

فهنا فسر بعضهم كلمة الإمامة بشكل مطلق: «يعني إمام الحقّ والهدى وإمام الكفر والضلال» وبما أنّ الإمامة والإمام من الاُمور المهمّة جدّاً والخطيرة التي تمسّ في صميم عقيدتنا فأردنا خلال البحث التوصّل إلى النتيجة الصحيحة والمرضية لمعرفة الإمامة والإمام بالاستدلالات النقلية والعقلية، حتّى يتّضح للقارئ الكريم حقيقة أئمة الحقّ والهدى فيتبعهم ويتبرأ من أئمة الكفر والضلال كي تبرأ ذمّته ولا يموت على جهالة وضلال، كما جاء في الحديث الشريف: «من مات ولم يعرف إمام زمانه


1- مفردات غريب القرآن للراغب: ص ٢٤.
2- الاسراء: 71.

ص: 40

مات ميتةً جاهلية»(1).

وهنا لابُدَّ مِنَ التعرّف على بعض الآيات والأحاديث المتواترة في هذا الموضوع "الإمامة والقيادة" حيث إنّ هداية الاُمة من المسائل الأساسية والمهمّة في الحياة والاُمة، معرضة للانحراف في كلّ وقت نتيجة للحيل والتبليغات المسمومة، لذا كلّ من القرآن والنبي  عرّف العلامات والصفات التي يجب أن تتوفر في الإمام لقول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾(2). هذه الآية تعرَّف كلّ من تنطبق عليه هذه الصفات فهو لائق للإمامة وإن كانت خاصّة بالإمام علي .

أوّلاً: الشخص الذي أعطى السائل خاتمه، وهو في حال الركوع ولم يجبه أحدٌ من المصلين، وهو اللائق للإمامة والقيادة بعد رسول الله .

مثلاً، كان الرسول  يقول لعمّارٍ: تقتلك الفئة الظالمة والباطلة فعندما قُتِل عمّار من قبل جيش معاوية تذكر كثير من الناس قول رسول الله  وعرفوا جبهة الحقّ مع علي وجبهة الباطل مع معاوية، فرجعوا من جبهة الباطل إلى جبهة الحقّ.

وكثير من الأحيان يتوجّه الناس إلى القائد والإمام من خلال التشبيهات مثلاً قول رسول الله : «مَثلُ أهل بيتي كمثل سفينة نوح ومن ركبها نجا...»(3). أو جملة «أنا مدينة العلم وعليّ بابُها»(4).

ولا ننس عند احتضار الرسول  طلب قرطاساً ودواةً ليكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده، أراد أن يعرَّف لهم خليفته بعده فرفض القوم.


1- الغدير للأميني: ج ١٠ ، ص ٣٥٩ ؛ شرح المقاصد: ج ٢، ص ٢٧٥.
2- المائدة: 55.
3- الغدير: ج ٢، ص ٣٠١.
4- تفسير البرهان: ج ١، ص 191.

ص: 41

وقالوا: "إنَّ الرجل ليهجُر".

في الوقت الذي يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾(1) أنّ الرسول  كثيراً ما سعى حتّى آخر لحظات عمره الشريف لتثبيت مسألة الإمامة والخلافة من بعده، لكن للأسف الشديد لم يمتثلوا لرسول الله ، بل استحوذ القوم على الخلافة دون حقّ وظهرت الفتنة وكاد الإسلام أن ينتهي لولا العناية الإلهية وحلم الإمام علي  وببركة الدماء التي سالت من أجل تثبيت الدين وإرواء شجرته.

بالإضافة إلى تعريف القرآن والرسول  للشخص اللائق للإمامة والخلافة بعد رسول الله  هناك موارد واُمور في نهج البلاغة بينت من هو أهل للخلافة بعد رسول الله :

مثلاً في جواب من قال للإمام علي  كم تحرص على الخلافة؟ قال : «إِنَّمَا طَلَبْتُ حَقّاً لِي»(2).

وفي مكانٍ آخر من نهج البلاغة قال : «أَرَى تُرَاثِي نَهْباً»(3).

وفي مكانٍ آخر قال : «لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَحَقُّ النَّاسِ بِهَا مِنْ غَيْرِي»(4).

وكذلك قال: «أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى»(5).

هذه كلّها صفات الإمام اللائق للإمامة والخلافة.


1- النجم: 4.
2- نهج البلاغة لفيض الإسلام: ص 545.
3- نهج البلاغة: الخطبة ٣.
4- نهج البلاغة: الخطبة 74.
5- نهج البلاغة: الخطبة 3.

ص: 42

ثانياً: بالنسبة للعصمة

يجب أن يكون الإمام معصوماً: يعني ليس فقط لم يرتكب الذنب صغيرة وكبيرة، بل لا يخطر على فكره وباله الذنب.

كذلك لابدَّ للإمام أن يكون واسع الصدر: «آلَةُ الرِّيَاسَةِ سَعَةُ الصَّدْرِ»(1) .

لذا ترى موسى  أول ما طلب من ربّه زمان نبوته وتبليغه الرسالة سعة الصدر قال: ﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي﴾(2).

ثالثاً: بالنسبة للعدالة

من يريد أن يكون نموذجاً للعدالة فعليه أن ينظر إلى عدالة علي  ويتعلم العدالة منه:

1. في زمان حكومته  كتب إلى واليه على البصرة وكور الأهواز رسالة: «وإنّي اقسم بالله قسماً صادقاً لئن بلغني أنّكَ خنت من فيء المسلمين شيئاً صغيراً أو كبيراً لأشدَّن عليك شدَّة تدَعُكَ قليل الوَفِر»(3).

2. كتب إلى مالك الاشتر «فَإِنَّ لِلْأَقْصَى مِنْهُمْ مِثْلَ الَّذِي لِلْأَدْنَى»(4).

3. بالنسبة إلى ابن ملجم قال «لَا تَقْتُلُنَّ بِي إِلَّا قَاتِلِي»(5).

4. وكتب رسالة إلى واليه يقول فيها: «لَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ»(6). وخلاصة الأمر إنّ علي


1- نهج البلاغة: الحكمة ١٧٦.
2- طه: 25.
3- نهج البلاغة: الرسالة 20.
4- نهج البلاغة: الرسالة 53.
5- نهج البلاغة: الرسالة 47.
6- نهج البلاغة سيد جعفر الحسيني، ص ٤٥٢ ، رسالة إلى واليه على مصر.

ص: 43

بن أبي طالب صوت العدالة الإنسانية، كما وصفه الشاعر جورج جرداق ولو طبّق العالم عدالة عليّ  لما بقي ظالمٌ ولا مظلوم، عندما ضرب خادمه قنبر شخصاً ثلاثة أسواط أكثر من المقرر عليه قام علي  بضرب قنبر ثلاثة أسواط ولم يلحظ خدمته ولا علاقة قنبر منه.(1)

كان علي  يقسم بالله لو أعطوه الأقاليم السبعة بما فيها على أن يظلم نملة في جُلب شعير ما فعل.

«وَاللهِ لَوْ أُعْطِيتُ الْأَقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلَاكِهَا عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللهَ فِي نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا جُلْبَ شَعِيرَةٍ مَا فَعَلْتُهُ»(2) .

لابدّ للإمام أن يسيطر على هواه كما ذكر  في الرسالة (45):

«هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ» ونقل الإمام الصادق  «من شروط الإمامة ألاّ يلهوه شيء من أمر الدنيا»(3) .

كذلك من صفات الإمام أن يكون شجاعاً، وعلي في هذا المجال اشهد له الأعداء قبل الأصدقاء، وقال «وما أُهدَدُ بالحرب»(4) .

وقد كتب إلى معاوية رسالة جاء فيها: «مَتَى كُنْتُمْ يَا مُعَاوِيَةُ سَاسَةَ الرَّعِيَّةِ وَوُلَاةَ أَمْرِ الْأُمَّةِ بِغَيْرِ قَدَمٍ سَابِقٍ ولَا شَرَفٍ بَاسِقٍ»(5) .

إضافة إلى ما تقدّم فإنّ للإمام صفات اُخرى نذكر منها:


1- . ١. قصار الجمل: ج ٢، ص ٢١.
2- نهج البلاغة من كلام له  يتبرأ فيه من الظلم: ص43 _ 224. جُلب الشعيرة بضم الجيم قشرتها، وأصلَ الجُلب غطاء الرحل فتجوّز إطلاقه على غطاء الحبة.
3- بحار الأنوار: ج25، ص164.
4- بحار الأنوار: ج25، 172.
5- نهج البلاغة، ورد في وقعة صفين للمنقري والبحار للمجلسي (جلد قديم): ج8، ص504 ومنهاج البراعة للخوئي: ج8، ص21.

ص: 44

إنّ الإمام يجب أن يحكم طبق كتاب الله سبحانه قال : «لعمري ما الإمام إلاّ الحاكم بالكتاب...»(1) .

يجب أن يكون معتقداً بدين الحقّ ويسيطر على نفسه أمام الأوهام والوساوس، كما قال «الدائن بدين الحقّ الحابس نفسه على ذات الله»(2).

قال الرضا  حول صفات الإمام «اشفق عليهم من آبائهم واُمهاتهم»(3) . أن يكون عالماً بالسياسة (عالماً بالسياسة)(4) (قائماً بالرئاسة)(5).

عارفاً بجميع اللغات والألسن: «يحكم الناس بكلّ لسان ولغة»(6) .

من الصفات المهمّة للإمام أن يكون زاهداً في الدنيا قال  «وَاللهِ لَقَدْ رَقَّعْتُ مِدْرَعَتِي هَذِهِ حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَاقِعِهَا»(7) .

وفي مكان آخر يقسم: «وَاللهِ مَا كَانَتْ لِي فِي الْخِلَافَةِ رَغْبَةٌ»(8) .

في الزهد والبساطة والتعاون مع الطبقات المحرومة قال: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى فَرَضَ عَلَى أَئِمَّةِ الْعَدْلِ أَنْ يُقَدِّرُوا أَنْفُسَهُمْ بِضَعَفَةِ النَّاسِ»(9) .

قال  «مَا شَكَكْتُ فِي الْحَقِّ مُذْ أُرِيتُهُ»(10) .


1- إرشاد المفيد: ج2، ص39.
2- إرشاد المفيد: ج2، ص39.
3- بحار الأنوار: ج25، ص117.
4- المصدر السابق: ج25، ص126، 172.
5- بحار الأنوار: ج25، 172.
6- المصدر السابق: ج25، ص141.
7- نهج البلاغة: الخطبة 159.
8- نهج البلاغة صبحي الصالح: الخطبة 196.
9- نهج البلاغة: الخطبة 200.
10- نهج البلاغة: الحكمة 157.

ص: 45

وكذلك قال «وَلَا ضَلَلْتُ ولَا ضُلَّ بِي»(1) .

وقال: «وَإِنِّي لَمِنْ قَوْمٍ لَا تَأْخُذُهُمْ فِي اللهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ»(2) .

وفي مكان آخر: «مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً فَلْيَبْدَأْ بِتَعْلِيمِ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِهِ، ولْيَكُنْ تَأْدِيبُهُ بِسِيرَتِهِ قَبْلَ تَأْدِيبِهِ بِلِسَانِهِ»(3) .

كان  يداري الناس لكن لابداهن.

ومن الصفات المهمّة للإمام كما قال سبحانه وتعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾.(4)

يجب أن يكون حراً وغير أسير للاُمور الغير الإلهية كالقبلية والقومية والطبقية ومحيط الحياة والعوامل المؤثرة فيه، كما جاء في الرسالة الخامسة في نهج البلاغة كتبها إلى متصرف آذربيجان: «إِنَّ عَمَلَكَ لَيْسَ لَكَ بِطُعْمَةٍ ولَكِنَّهُ فِي عُنُقِكَ أَمَانَةٌ»(5) .

من الصفات المهمّة للإمام

أن يكون أقوى الناس وأكثرهم لياقة للمنصب كما قال: «إِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِهَذَا الْأَمْرِ أَقْوَاهُمْ عَلَيْهِ وأَعْلَمُهُمْ بِأَمْرِ اللهِ»(6) .

من صفات الإمام مداراة الناس. قال النبي  «بُعثتُ بمداراة الناس»(7) .

وكذلك قال : «إنّ الله أمرني بمداراة الناس، كما أمرني بإقامة الفرائض»(8) .


1- نهج البلاغة: الحكمة 176.
2- نهج البلاغة لفيض الإسلام: ص817.
3- المصدر السابق: ص1117.
4- السجدة: 24.
5- نهج البلاغة: الرسالة 5.
6- المصدر السابق: الخطبة 172.
7- نهج الفصاحة: ص1094.
8- المصدر السابق: ص766.

ص: 46

كان الإمام علي  يهتم بمظالم الناس وينظر في شكاياتهم ودعواهم، فكان يُحضر المدعى عليه ويحقّق معه بنفسه وعدّة مرّات كان يُرسل وراء ممثليه ويحاسبهم ويطلب منهم تقديم موجودهم وحسابهم المالي يقول: «فَارْفَعْ إِلَيَّ حِسَابَكَ»(1) .

لم يكن هدف الإمام  من الحكومة الرفاه والمنافع الشخصية حتّى اضطر في يوم من الأيّام بيع سيفه لتأمين ضروريات المعيشة: «والله لو كان عندي ثمن إزار ما بعته»(2) .

وفي مكانٍ آخر يقول: «وَلَا يَحْمِلُ هَذَا الْعَلَمَ إِلَّا أَهْلُ الْبَصَرِ والصَّبْرِ وَالْعِلْمِ بِمَوَاضِعِ الْحَقِّ»(3) .

ومن صفاته المساواة في الحقوق والواجبات فكان ، يقول:

«إنّما أنا رجلٌ منكم لي ما لكم وعليّ ما عليكم»(4) .

كان  يتنازل عن حقّه الشخصي ويتحمّل الظلم الذي يقع عليه حفاظاً على المصلحة العليا وهي الإسلام ووحدة الصف ونبذ التفرقة: «لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَحَقُّ النَّاسِ بِهَا مِنْ غَيْرِي وَاللهِ لَأُسْلِمَنَّ مَا سَلِمَتْ أُمُورُ الْمُسْلِمِينَ ولَمْ يَكُنْ فِيهَا جَوْرٌ إِلَّا عَلَيَّ خَاصَّةً»(5) .

الإمام علي  يقول عندما تسلم الحكم «دخلتُ بلادكم بناقتي هذه وراحلتي فإن أنا خرجت بغير ما دخلتُ فإنّي من الخائنين»(6) .


1- نهج البلاغة: الرسالة 40.
2- بحار الأنوار: ج40.
3- نهج البلاغة لفيض الإسلام: الخطبة 172.
4- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج7، ص36.
5- سلسلة نهج البلاغة: ص182.
6- بحار الأنوار العلامة المجلسي: ج9، ص500.

ص: 47

وفي مكانٍ آخر يقول : «لَوْ لَا حُضُورُ الْحَاضِرِ وقِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ ومَا أَخَذَ اللهُ عَلَى الْعُلَمَاءِ أَلَّا يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ ولَا سَغَبِ مَظْلُومٍ لَأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا ولَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِهَا ولَأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ»(1) .

جزاء من مات ولم يعرف إمام زمانه 

عن سليم بن قيس الهلالي: إنّه سمع من سلمان ومن أبي ذرّ ومن المقداد حديثاً عن رسول الله  إنّه قال: «من مات وليس له إمام، ماتَ ميتةً جاهلية».

ثُمّ عرضه على جابر وابن عبّاس.

فقالوا: صدقوا وبرّوا.

فقد شهدنا ذلك وسمعناه من رسول الله .

وأنّ سلمان قال: يا رسول الله إنّك قلت: من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية. من هذا الإمام؟

قال : من أوصيائي يا سلمان؟

فمن ماتَ مِن اُمتي _ وليس له إمام منهم يعرفه _ فهي ميتةً جاهلية، فإن جهله وعاداه فهو مشرك.

وإن جهله ولم يعاده ولم يوالِ له عدواً _ فهو جاهل وليس بمشرك(2).


1- نهج البلاغة: الخطبة3.
2- كمال الدين: ص413 _ 414. قال الشيخ الصدوق  الإسلام: «هو إقرار بالشهادتين. وهو الذي به تُحقن الدماء والأموال والثواب على الإيمان». وقال النبي : «من شهد لا اله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله  فقد حقن ماله ودمه إلاّ بحقهما، وحسابه على الله عزّ وجلّ»، كمال الدين: ص410.

ص: 48

عن أبان بن تغلب، قال: قُلتُ لأبي عبد الله : من عرف الأئمة ولم يعرف الإمام الذي في زمانه _ أمؤمن هو؟!(1)

قال: لا

قلت: مسلم (هو)؟

قال : نعم (2)(3).

عن عيسى بن الري، قال: قلتُ لأبي عبد الله : حدّثني عمّا بُنيت عليه دعائم الإسلام؟! إذا أنا أخذتُ بها زكى عملي ولم يَضرُ بي جهلُ ما جهلتُ بعده.

فقال: شهادة أنْ لا اله إلاّ الله وأنَّ محمّد رسول الله  والإقرار بما جاء به من عند الله، وحقّ في الأموال من الزكاة، والولاية التي أمر الله _ عزّ وجلّ _ بها ولاية آل محمّد .

قال عزّ وجلّ: ﴿أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾(4) .

فكان علي  ثُمّ صار من بعده الحسن، ثُمّ من بعده الحسين، ثُمّ من بعده علي بن الحسين، ثُمّ من بعده محمّد بن علي: ثُمّ هكذا يكون الأمر.

إنَّ الأرض لا تصلح إلاّ بإمام.

وأحوج ما يكون أحدكم إلى معرفته: إذا بلغت نفسه _ ها هنا.

قال: _ وأهوى بيده  إلى صدره، يقول حينئذ لقد كنت على امرٍ حسن.

عن سليم بن قيس الهلالي، عن أمير المؤمنين ، قال: قُلتُ له :

ما أدنى ما يكون به الرجلُ ضالاً؟!


1- في الإمامة والتبصرة الشيخ الصدوق، ص90، هكذا قال: مسلم.
2- كمال الدين الشيخ الصدوق: ص410، الإمامة والتبصرة: ص90.
3- الكافي الشيخ الكليني: ج2، ص21.
4- الأنعام: 55.

ص: 49

قال : ألاّ يعرف من أمر الله بطاعته وفرض ولايته وجعله حجّته في أرضه، وشاهده على خلقه.

قُلتُ: فمن هم، يا أمير المؤمنين؟!

فقال : الذين قرنهم سبحانه وتعالى بنفسه وبنبيّه .

فقال عزّ وجلّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ .

قال: قَبّلتُ رأسه وقُلتُ: أوضحتَ ليَّ وفرّجتَ عنّي وذهبّ كلّ شكّ كان في قلبي(1) .

عن محمّد بن مسلم الثقفي(2) ، قال: سمعتُ أبا جعفر (محمد بن علي الباقر )(3).

يقول: كل من دان الله بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله (تعالى)(4).

فسعيه غير مقبول، وهو ضال متحير. والله شانئ لأعماله، ومثله كمثل من الأنعام(5) .

ضلت عن راعيها أو قطيعها. فتاهت ذاهبة وجائية، (وحارت)(6) يومها. فلما جنّها الليل.


1- معاني الأخبار: ص394.
2- (ما بين القوسين) لم يذكر في الكافي.
3- (ما بين القوسين) لم يذكر في الكافي.
4- (ما بين القوسين) لم يذكر في الكافي.
5- (ما بين القوسين) لم يذكر في الكافي.
6- في الكافي.

ص: 50

بصرت بقطيع غنم _ مع راعيها _ فحنّت إليها واغترّت بها فباتت معها في مربضها(1) . فلما (أصبحت)(2) وساق(3) الراعي قطيعه، أنكرت راعيها وقطيعها. فهجمت(4) ، متحيرة تطلب راعيها وقطيعها، فبصرت(5) يسرح غنم آخر مع راعيها، فحنت إليها واغترّت بها فصاح بها(6) راعي القطيع: (ايتها الشاة الضالة المتحيرة)(7). إلحقي براعيك وقطيعك، فإنّك(8) تائهة متحيرة (ضللت)(9) عن راعيك وقطيعك، فهجمت ذعرة. متحيرة. تائهة لا راعي لها يرشدها إلى مرعاها أو يردّها (إلى مربضها)(10) ، فبينما هي كذلك، اذا اغتنم الذئب ضيعتها. فأكلها الذئب. وهكذا(11) _ والله _ يا بن مسلم من أصبح من هذه الاُمة لا إمام له من الله عزّ وجلّ. (ظاهر عادل)(12) أصبح(13) تائهاً متحيراً ضالاً. إنْ(14) ماتَ على هذه الحالة(15) مات ميتة كفر ونفاق.


1- في الغيبة في ربضتها _ الربض: محركة _ مأوى الغنم.
2- (ما بين القوسين) لم يذكر في الكافي.
3- في الكافي هكذا: فلما ان ساق الراعي.
4- هجم عليه هجوماً: انتهى إليه بغتةً. أو دخل بلا روية ولا اذن.
5- في الكافي هكذا: فبصرت بغنم مع راعيها.
6- في الكافي: فصاح بها الراعي.
7- (ما بين القوسين) لم يذكر في الكافي.
8- في الكافي: فأنت.
9- (ما بين القوسين) لم يذكر في الكافي.
10- (ما بين القوسين) لم يذكر في الكافي.
11- هكذا في الكافي: وكذلك _ والله يا محمد...
12- (ما بين القوسين) لم يذكر في الغيبة.
13- في الكافي هكذا: اصبح ضالاً تائهاً.
14- (ما بين القوسين) لم يذكر في الغيبة.
15- في الغيبة: عن هذه الحال.

ص: 51

واعلم يا محمّد (إنّ أئمة الحقّ وأتباعهم هم الذين على دين الله)(1).

(وَ)(2) ان أئمة الجور (وأتباعهم)(3) لمعزولون عن دين الله (وعن الحقّ)(4) فقد(5) ضَلّوا وأضلوا، فأعمالهم التي يعملونها كرماد اشتدّت به الريح في يوم عاصف، لا يقدرون مما كسبوا على شيء. وذلك هو الضلال البعيد(6) .

عن فضيل بن يسار، قال: سمعتُ أبا جعفر ، يقول: «من مات وليس له إمام فميتهُ ميتةً جاهلية. ومن مات وهو عارف لإمامه. لم يضرّه تقدم هذا الامر أو تأخره، ومن مات وهو عارف لإمامه، كان كمن هو مع القائم  في فسطاطه»(7) . نعم، فالإمام علي  وأهل البيت  هم أصحاب الخلافة والإمامة والولاية الحقيقيين، لكن من أزاحهم وعزلهم عن استحقاقهم بعد رسول الله  بمختلف الطرق وشتّى الأساليب وتحت عناوين مختلفة فقد خالف الله ورسوله ، لقد نصّ القرآن الكريم في قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾(8).

دعا الله والرسول  المسلمين إلى ما فيه حياتهم وصلاحهم وسعادتهم في الدارين الدنيا والآخرة، وهو التمسّك بولاية أهل البيت  لأنّها هي الطريقة المثلى والأفضل لقيادة الاُمة والمجتمع إلى شاطئ الأمان وإنقاذهم من التيه والضلال، فهم


1- (ما بين القوسين) لم يذكر في الكافي.
2- (ما بين القوسين) لم يذكر في الكافي.
3- (ما بين القوسين) لم يذكر في الكافي.
4- (ما بين القوسين) لم يذكر في الكافي.
5- في الكافي: قد.
6- الكافي: ج1، ص375؛ والغيبة للشيخ النعماني: ص129.
7- الكافي الشيخ الكليني: ج1، ص371 _ 372.
8- الانفال: 24.

ص: 52

أمان لأهل الأرض، كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء، فها هو رسول الله  يقول: «من أنكر إمامة علي بعدي كمن أنكر نبوتي في حياتي، ومن أنكر نبوتي كمن أنكر ربوبية ربّي عزّ وجلّ»(1) .

وقول أمير المؤمنين : «إنّا أهل البيت شجرة النبوة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، وبيت الرحمة، ومعدن العلم»(2) .

لكن للأسف الشديد لقد أنكر مَن غرّته الدنيا وباع حظّه بالثمن الأبخس إمامة وولاية علي وأهل البيت ، وحرّم الاُمة والمجتمع من التمتّع بوجودهم المبارك.

لله درّك، يا أبا الحسن لقد عشت مظلوماً في مجتمعٍ جاهلٍ جهل منزلتك الذي قال فيك رسول الله  «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى...»(3) .

وجهل قدركم أهل البيت  الذي قال فيكم رسول الله  «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي...»(4) وقد قال المسيحي جورج جرداق في كتابه «عليٌّ صوت العدالة الإنسانية».

وعدلك منشور في قم حقوق الإنسان في الاُمم المتحدة، حيث عبارتك: «فالناس صنفان أما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق» .

وجهلوا دورك في الدفاع عن الإسلام ومقاتلة أعداء الله وأعداء الدين، حتّى قال رسول الله : «ضربة عليّ لعمروٍ بن ود تعادل عبادة الثقلين».

وأنت الذي قال فيك رسول الله : «يا أبا الحسن لو وضع إيمان الخلائق


1- الامالي، الشيخ الصدوق، ص754؛ بحار الأنوار: ج38، ص109؛ إثبات الهداة: ج2، ص71.
2- اسد الغابة، ابن الأثير، ج3، ص193.
3- ينابيع المودة الشيخ القندوزي، الباب 6، ص50.
4- عيون أخبار الرضا: ج2، ص62؛ الغدير للأميني: ج1، ص30.

ص: 53

وأعمالهم في كفة ميزان، ووضع عملك يوم اُحد في الكفة الاُخرى لرجح عملك على جميع عمل الخلائق»(1)(2).

لقد غُصب حقّك وأزحت جانباً وحرمتُ الاُمة من الانتفاع بك زمناً طويلاً في حياتك المباركة لكنّك صبرت وأنت الصابر حفاظاً على أصل الإسلام.

واستشهدت ورحلت إلى ربّك مظلوماً محتسباً على يد أرذل خلق الله وأشقى الأشقياء، فجزاك الله عن الإسلام أفضل وأكمل الجزاء، وستبقى أنت وأهل بيتك  ونهجك عنواناً للمجد والعزّ ومصباحاً لهداية الأجيال ومتبعوك مبيضة وجوههم وهم الفائزون.

قال أمير المؤمنين  ضمن حديثٍ...: أدنى ما يكونُ به الصبر ضالاً ألاّ يعرف حجة الله تبارك وتعالى وشاهده على عباده الذي أمر الله عز وجل بطاعته وفرض ولايته... الذين قرنهم الله عزّ وجلّ بنفسه ونبيّه فقال ﴿﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾(3) .

عن بُريد قال: سمعت أبا جعفر  يقول في قوله تبارك وتعالى ﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ﴾(4).

فقال: ميت، لا يعرف شيئاً، ونوراً يمشي به في الناس، إماماً يؤتمُ به.

﴿كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا﴾.(5)

قال : الذي لا يعرف الإمام.(6)


1- نهج البلاغة: السيد جعفر الحسيني: رسالة إلى واليه على مصر، ص452.
2- غاية المرام لسيد هاشم البحراني: ج5، ص191.
3- النساء: 59.
4- الانعام: 122.
5- الانعام: 122.
6- الكافي: ج1، ص185.

ص: 54

الحاجة إلى الإمام

يمكن إثبات الحاجة إلى الإمام بنفس دليل الحاجة إلى الرسول ، فمن ادّعى عدم احتياجه للإمام ينفي احتياجه للنبي أيضاً، والقرآن يثبت ضرورة وجود النبي  للبشر.

وباعتبار القرآن كتاب يجمع جميع الفرق والمذاهب الإسلامية، ويمكن للجميع الأخذ منه والاستدلال به وتفسيره، حسب المنافع الخاصّة لكلّ فرقة أو مذهب.

لذا نقول: كيف للقرآن إراءة الطريق الصحيح المناسب لجميع الفرق والمذاهب الإسلامية بدون إمام؛ لتفسير الاُمور على واقعها الحقيقي وقيادة الاُمة إلى طريق السعادة والرخاء؟ هل يمكن لكتاب الطب وبدون تفسيره وفهمه من قبل الطبيب شفاء المريض؟

هل يمكن الاكتفاء بوجود قانون بدون وجود حاكم ومبين وضامن؛ لتطبيق واجراء القانون من قبل خبير القانون؟

فالإمام في الاُمة أمان لأهل الأرض، كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء، ولولا وجود الإمام  لساخت الأرض بأهلها.

فالحاجة إلى الإمام من قبل الامة كحاجتهم للشمس، سواء كانت طالعة أو محجوبة بالغيوم، فالإمام سواء كان حاضراً أو غائباً فهو رحمة من الله للناس.

فكما أنّ الهدف والضرورة من بعثة الأنبياء هداية البشر إلى الطريق الصحيح والذي فيه سعادتهم كذلك الإمام فهو صمام الأمان من انحراف المجتمع وسقوطه في مستنقع المعاصي والرذائل. فهو حصن الاُمة، كما أن لا إله إلاّ الله حصن الاُمة وأمان لها، كما قال الإمام الرضا  عندما خرج من مدينة نيشابور إلى مدينة مشهد: «كلمة لا إله إلاّ الله حصني فمن دخل حصني أمَنَ من عذابي بشروطها(1) وأنا من شروطها» . وفي


1- بحار الأنوار: ج3، 7.

ص: 55

كتاب تفسير الثقلين وسفينة البحار جاء: «ولاية علي بن أبي طالب حصني، فمن دخل حصني أمن من عذابي»(1) .

هل من المعقول أنّ الله يرسلُ رسولاً للناس وتسيل الدماء الكثيرة والتضحيات الجسمية من أجل نشر الرسالة الإسلامية الإلهية، ثُمّ بعد رحيل النبي من الدنيا يترك الاُمة بدون قائد وإمام هل هذا عملٌ حكيم؟

هل يُعقل أن يترك الرسول بعد رحيله الاُمة بدون راعٍ، مع ما نَعرفه من حرصه واهتمامه الكبير بالاُمة، والأذى الذي تعرض له طيلة مدّة تبليغ الرسالة حتّى قال : «ما اُوذي نبي مثلما اُوذيت»(2) .

والدين الإسلامي أمّا أن يتفاعل ويتماشى مع القوانين الداخلية والحوادث الخارجية، يعني: يواكب التطوّر والرقي الحضاري.

وأمّا يجمد على القوانين الموجودة في طيّات الكتاب ولا يواكب تطوّر الزمان، لذا لابدَّ من وجود إمام دين بالشروط الخاصّة التي تؤهله لمواكبة التطوّر والتقدّم الحضاري، وإلاّ جمد على القوانين القديمة والمتحجرة، فيكون ضرره أكثر من نفعه للإسلام والمسلمين، وكما يقول الإمام الرضا: «إنّ الإمامة قيادة في الدين ونظام المسلمين». يعني بوجود قائد وإمام حق سوف يحصل التطوّر والرقي للمجتمع، وإلاّ لأمكن قبول الهدف من خلق الإنسان العبادة والسير في الخطّ الإلهي من دون عارف وخبير بهذا الخطّ الإلهي. هل سمعتَ ورأيت لحد الآن بأنّ هناك اُمة ومجتمع لا يحتاج أهله قائداً ولا يقبلون قائداً لهم؟

حتّى الحيوانات التي تعيش مجتمعة مثل حشرة النحل لها قائد، وهو الملكة وبصورة غريزية تتبعها وتقبلها قائدة لها. فالمجتع بدون إمام هرج ومرج، وأي عقل ووجدان يقبل ذلك؟


1- نور الثقلين الشيخ الحويزي: ج9، ص42.
2- الصحيح من سيرة النبي الأعظم للعاملي: ج3، ص33.

ص: 56

الإمام علي  يقول: «لابُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَمِيرٍ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ»(1) . إذاً الحاجة إلى الإمام من اوضح الواضحات وكالشمس الطالعة. والخلاصة: أنّ الحياة الاجتماعية بدون قائد وإمام لا دوام لها، لذا لأجل تمشية وإجراء القوانين الإلهية وحفظ أحكام الله يلزم وجود قدرة وحكومة. والقدرة والحكومة تحتاج إلى إمام لائق، وعندما لا تصل أيدينا إلى الرسول، ولا ترديد بخاتمية الأنبياء بنبيّنا محمّد .

نفهم من خلال كلام الإمام  أنّ الإسلام بدون إمام لا رشد ولا تطوّر ولا نمو له وسوف يتلاشى وينتهي.

وهنا نذكر مثلاً: هل أنّ حوض السباحة لا يحتاج إلى مدرب ومنجي من الغرق؟ وهل البحر لا يحتاج إلى سفينة إنقاذ ونجاة من الأمواج المتلاطمة؟ فالدنيا وحسب تعبير الإمام (بحر عميق) ومتلاطم، لكن أهل البيت والأئمة المعصومين  سفن نجاة ذلك البحر.

وبعد هذه الأمثلة والاستدلالات هل يقبل أحد عاقل أن يترك رسول الله  هذه الاُمة في هذا البحر المتلاطم، دون سفينة نجاة وربّان ماهر ينقذها من الغرق وتلاطم الأمواج؟

ودائماً يؤكد الرسول أنّ أهل بيته مثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تركها غرق وهوى.

والسؤال هنا: كيف يخلق الله سبحانه وتعالى الإنسان ويعطيه السمع والبصر لتشخيص الخطأ والانحراف، وفي المقابل لا يعين له إماماً في المجتمع لرفع الحيرة والضلال والمساعدة في حل الاختلافات؟

هذا بحكم العقل مرفوض لذا لابدَّ وأن يُعيّن إمامٌ بالمواصفات المطلوبة لقيادة الاُمة إلى شاطئ الأمان والنجاة.


1- نهج البلاغة: الخطبة (40) من كلام له  في الخوارج لما سمع قولهم لا حكم الاّ الله: ص67.

ص: 57

تأثير الإمام في الاُمة ومهمّته

إنَّ الهدف من خلق الموجودات هو لانتفاع ورفاه الإنسان، فالإنسان يُعتبر المرتبة الأعلى في سلسلة وسُلِمُ هذا العالم، وأمّا الهدف من خلق الإنسان هو القيادة والحركة نحو الله وجعل عمله إلهيّاً، لذا كلّ حركة مادية كانت أو معنوية لابدّ لها من اُمور، وهي:

1. الطريق.

2. الوسيلة.

3. الهدف.

4. القائد والقدوة.

فمهمّة القائد أهمّ الاُمور الثلاثة، وهي:

الطريق والهدف والوسيلة

فلولا وجود الإمام لفشل الطريق وأخطأ الهدف، وتكون الوسيلة بلا فائدة وبدون هدف، لذا فجميع الموجودات خُلقت لأجل البشر، ونحن خلقنا للعبادة والحركة إلى الله، وهذه الحركة تحتاج إلى مرشد وموجه وهو الإمام.

فلابدّ لكلّ إنسان من قدوة ومَثل في حركته لكي يعرف موقعه وحركته، يعني مثل مَن يتحرك، ومثل مَن هو الآن، ومثل مَن لابدَّ أن يصل.

فالإمام ذلك الإنسان الذي لابدَّ لكلّ إنسان أن يتّخذه قدوة ومثلاً يتحرّك بموجبه ويحذو حذوه، وإلاّ فكلّ إنسان بدون قدوة يبقى يتخبط في الظلال والتيه. إذا لم نتخذ هؤلاء العظماء قدوة لنا في حركتنا وسكناتنا سوف تستحوذ على قلوبنا، وبمساعدة التبليغات العدائية والمغرضة لأعداء الإسلام أسماء الآخرين وأفكارهم

ص: 58

ونتخذهم قدوة. فالإمام ليس موجهاً ومرشداً فقط وليس رئيساً وقائداً فقط، بل هو قدوة في العمل والعبادة والأكل والشرب والحرب والسلم. ونداؤه قدوة ودرس لنا، فالإسلام ينظر إلى الإمام ليس طرحاً وأفكاراً ذهنية وخيالية، بل هو حقيقة خارجية، وليس اسماً بل مسمّى بكلّ تلك الصفات والأفكار والأعمال إمام، وفي كلّ وقت وزمان إمام، مثلاً إبراهيم  لنا الآن إمام كما كان في زمانه، وسيبقى لنا في المستقبل إماماً.

ما أثر الإمام يوم القيامة؟

كما بيّن لنا القرآن الكريم: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾(1) . يعني: يوم القيامة كلّ مجموعة من البشر تُحشر مع إمامها، ويتّضح بشكل جليّ تأثير الإمام على أتباعه.

فالقرآن خاطب نساء النبي  بأنَّ كلّ واحدة منهنّ ترتكب خطأً سوف يضاعف لها العذاب ضعفي باقي النساء؛ وذلك لأنّ نساء النبي قدوة ومثل أعلى لبقية النساء في العمل وفي القيادة وتوجيه الآخرين. نقرأ في الحديث الشريف: «يُغفر للجاهل سبعين ذنباً قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد»(2) لأنّ العالم إذا فسد فسدت الرعية، وإذا صَلُح صَلُحت. ونذكر حديثاً ممتعاً جدّاً:

سألوا من الإمام الهادي  لماذا الإمام علي  في معركة الجمل لا يقتل الأسرى، بل يتركهم يذهبون، أمّا في معركة صفّين كان يجهز عليهم ويقتلهم؟ أجاب  عن ذلك، فقال: في معركة صفّين كان قائد المخالفين حيّاً لم يُقتل فالجرحى الفارين نحوه يعالجون ويرجعون يلتفون حوله فيقوّون جبهة العدو، لذا كان الإمام علي  يتحاشى هذا الأمر فيقتل الجرحى. أمّا في معركة الجمل فقُتل قائدهم طلحة


1- الإسراء: 71.
2- الكافي الشيخ محمد بن يعقوب الكليني: ج1، ص47، الحديث 1.

ص: 59

والزبير وسقطت عائشة من الجمل فلم يبق للجرحى الفارين قائد يلتفون حوله إذا رجعوا، لذا لم يعقب الإمام علي  الجرحى الفارين من جبهته.

نفهم من هذا التصرّف مهمّة القائد في جبهة الباطل وردود فعل جبهة الحقّ.

من معنى كلمة إمام تعرف أنّه تعبير جميل وجذّاب ومقام سامي وألفاظ جميلة تشتمل عليها كلمة الإمام، ولا يمكن لأية لغات اخرى مثل معلم مرشد، هادي، مبلّغ، واعظ، ان تؤدي معناها؛ لأنَّ كلّها تدلّ على التعليم والارشاد.

أمّا الإمام يعني: الشخص الذي بنفسه يعمل والآخرين يتبعوه نذكر مثلاً: الإمام علي في أحد الحروب منع عمر من الذهاب بنفسه إلى مقدّمة الجيش، وقال له لا تذهب إلى مقدّمة الجيش إمام العدو؛ لأنّ العدو سوف يستغل هذا الأمر ويدعى أنّ المسلمين ضعفوا وليس لديهم قدرة ولا احتياط للحرب وجلبوا للحرب كلما عندهم حتّى خليفتهم، وهذا الأمر موجب تضعيف جبهة الإسلام وتقوية جبهة العدو.

في يوم القيامة يقول المستضعفون لقادتهم: ﴿لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ﴾.(1)

وفي سورة التوبة: جاء الأمر الإلهي للمسلمين أن يقاتلوا أئمة الكفر بقوله تعالى: ﴿فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ...﴾(2).

وقال الإمام علي : «الناس باُمرائهم أشبه منهم بآبائهم»(3) .

وقال رسول الله  «صنفان من اُمتي إذا صلحا صَلُحت اُمتي وإذا فسد اُفسدت اُمتي الفقهاء والامراء»(4) .


1- سبأ: 31.
2- التوبة: 12.
3- بحار الانوار العلامة المجلسي: ج78، ص46.
4- تحف العقول الحسين بن شعبه الحرّاني: ص50.

ص: 60

تأثير الإمام في الأمة

في اُصول الكافي: قال الإمام الباقر  قال الله تبارك وتعالى: «لاعذبنَّ كلّ رعية في الإسلام دانت بولاية كلّ إمام جائر ليس من الله، وإن كانت الرعية في أعمالها برّة وتقية ولاعفونّ عن رعية في الإسلام دانت بولاية كلّ إمام عادل من الله وإن كانت الرعية في نفسها ظالمة مسيئة» .(1)

مثال آخر على تأثير القائد في الاُمة

إذا كان سائق السيارة عاقلاً ولديه تجربة وصحيح البدن وصلت السيارة إلى المقصد بسلام، وإن كان بعض المسافرين يرمون قشور البرتقال وبقايا السجاير في السيارة أو كانوا يرتدون ملابساً رثةً ووسخة.

وبالمقابل إذا كان سائق السيارة شخصاً مجنوناً أو سكراناً أو أعمى، لم يصل أحدٌ من المسافرين إلى مقصده وإن كانوا يرتدون أحسن الملابس والأحذية.

نعم، المؤثر في الحركة القائد والخط لا القيافة والمظهر والأعمال الجزئية.(2)

قال تعالى: ﴿مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللهِ﴾(3).

وفي حديث آخر: تقرأ: «إنّ شخصاً بذل جهداً كبيراً في العبادة لكن لا قائد حقّ له في الحقيقة ضال والله عدو عباداته وأعماله»(4) .

كلّ من دان الله بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله فسعيه غير مقبول وهو ضال متحير والله شانئ لأعماله(5) .


1- الكافي الشيخ الكليني: ج1، ص376، الحديث 4.
2- هذا المثال من السيّد آية الله خامنئي نقلته من كتاب دروس القرآن الكريم، الشيخ قراءتي.
3- القصص: 50.
4- الكافي الشيخ الكليني: ج1، ص357.
5- الكافي الشيخ الكليني: ج1، ص357.

ص: 61

الباب الثاني: إثبات الإمامة بالأدلّة النقلية والعقلية

اشارة

ويشمل على:

الفصل الأوّل: إثبات إمامة الأئمة الإثني عشر على الأمة من قبل الله

ورسول الله

الفصل الثاني: مكانة الإمام علي عند مذهب أهل السنّة

الفصل الثالث: طرق انتخاب الخليفة بعد رسول الله

الفصل الرابع: بعض فضائل الإمام علي وأهل بيته

ص: 62

ص: 63

الفصل الأوّل: إثبات إمامة الأئمة الإثنى عشر على الاُمة من قبل الله ورسوله

اشارة

بعدما تعرّفنا على معاني الإمام والإمامة، وقلنا: بأن الإمامة منصب إلهيٌ وعهدٌ مجعول من الله سبحانه وتعالى.

وتعرّفنا كذلك على أهمّ صفات وعلامات الإمام الواجب اتباعه، وكذلك الحاجة إلى الإمام في الاُمة وتأثيره فيها، والآن نبحث موضوعاً في غاية الأهمّية وأساسي وممتع وهو إثبات إمامة الأئمة الاثني عشر وولايتهم على الاُمة بعد رسول الله  مستعينين بالله ومستمدين العون والتوفيق من الأنفاس القدسية لأئمتنا الأطهار  شارعين بالاستدلال بالآيات القرآنية التي تثبت ويشكل صريح لا ليس فيه إمامة وولاية علي بن أبي طالب  والأئمة من ولده ، وأوّل هذه الآيات ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾.(1)


1- المائدة: 55.

ص: 64

وهذه الآية من الآيات المتفق عليها من قبل الفريقين بأنّها نزلت في علي ، ومن المسلّم في كتب أهل السنّة أنّها نزلت في علي، وأنّ المراد من المعطوف على الله ورسوله في هذه الآية الحاصرة للولاية في الله ورسوله هو علي ، وهذه الولاية خاصّة وليست من سنخ ولاية بعض المؤمنين لبعض، كما في قوله تعالى ﴿الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ﴾(1). وإلاّ لم تخصّ بمن كان مؤتياً للزكاة في حال الركوع، وقبل الاستدلال بهذه الآية على إمامة وولاية علي لابدّ من توضيح بعض المفردات في الآية الشريفة معنى الركوع هنا (وهم راجعون): هو ركوع الصلاة لا بمعنى الخضوع والخشوع، وكذلك معنى (وليّ) في الآية الكريمة يعني الرئاسة والقيادة والتصرّف في الاُمور المادية والمعنوية خصوصاً جاءت كلمة ولي مرادفة لولاية الله والرسول  وحصرت هذا المعنى في الثلاثة بأداة الحصر (إنّما)، فالمعنى الإجمالي للآية: تقول الآية بصراحة أنّ الولاية عليكم فقط لله ورسوله والذين آمنوا، وفسرت هؤلاء المؤمنين بأنّهم في حالة ركوع وقد أعطى خاتمة الشخص المقصود إلى السائل الذي دخل المسجد حال الركوع.

شهادة كثير من المحدثين والمفسّرين والمؤرخين بخصوص نزول هذه الآية، ففي كتب كثيرة لأهل السنّة وروايات متعددة بأنّ هذه الآية نزلت بشأن علي .

نُقل روايات عن ابن عبّاس، وعمّار، وعبد الله بن سلام، وسلمة ابن كهيل، وأنس بن مالك، وعنبه بن حكيم، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن غالب، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأبي ذر الغفاري.

وتنقل هذه الرواية على لسان أبي ذر، عندما كان ابن عبّاس جالساً بالقرب من بئر زمزم في مكّة جاء رجلٌ يرتدي عمامة مخفي وجهه، ونقل أحاديث عن النبي ، فأقسم عليه ابن عبّاس إلاّ أن يكشف عن وجهه ويُعرَّف نفسه للناس، وفعلاً كشف


1- التوبة: 71.

ص: 65

أبو ذرّ عن وجهه وعرَّف نفسه للناس قائلاً: أنا أبو ذرّ الغفاري بهاتين اُذيني سمعتُ وبهاتين عينيَّ رأيتُ وإن كنتُ كاذباً عُميتْ عينايَّ وصُمّت اُذناني أنّ رسول الله  قال: «عليَّ قائدُ البررة قاتل الكفرة منصور من نصره ومخذول من خذله».

ثُمّ أضاف أبو ذرّ أيُّها الناس في يوم كنتُ مع رسول الله في المسجد نصلي وقد دخل سائل إلى المسجد يطلب مساعدة ولم يعطه أحدٌ شيئاً فرفع يدهُ إلى السماء، وقال:

(إلهي أنت شاهدٌ دخلت مسجد رسول الله  لطلب المساعدة فلم يُعطني أحدٌ شيئاً) في تلك الأثناء كان عليُّ في حال الركوع، فأشار إليه بأصبع يده اليمنى الصغير، فاقترب منه السائل وأخذ خاتمه من إصبعه وانصرف.

وكان الرسول  في ذلك الوقت مشغولاً بالصلاة، لكن اطّلع على المشهد وبعدما فرغ من الصلاة رفع رأسه إلى السماء، وقال :

«إلهي طلبَ منك أخي موسى أن تشرح له صدره فأعطيته وتيسر له أمره وتحل عقدة من لسانه ليفقه الناس قوله وطلب كذلك أن تجعل أخاه هارون وزيراً له لتشدد به أزره ويشركه في أمره».

وأضاف  «إلهي أنا محمّد  خاتم أنبيائك» لم ينته الرسول  من مناجاته مع الله سبحانه حتّى نزل جبرئيل ، وقال: اقرأ. قال: «ما اقرأ»، قال: اقرأ ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ...﴾(1).

نعم، في شأن نزول هذه الآية أحاديث وروايات كثيرة كيف يمكن لأحدٍ أن ينكرها؟ في حين أنّ شأن نزول بعض الآيات يقتنع برواية أو روايتين.


1- . تجاوز عدد الكتب التي نقلت هذه الأحاديث والروايات الثلاثين كتاباً جميعها من أصل كتب السنّة من ضمنها: جامع الاُصول: ج9، ص478؛ أسباب النزول للواحدي: 145 تفسير الطبري: ص165، مفاتيح الغيب الرازي، ج3، ص431؛ كنز العمال: ج6، ص391؛ صحيح النسائي، وكتاب الجمع بين الصحاح الستة ولمزيد من الاطلاع راجع إحقاق الحق: ج2، والغدير العلامة الأميني: ج2، والمراجعات الشيخ شرف الدين.

ص: 66

وإذا لم يقتنع البعض بتفسير هذه الآية والروايات الواردة في شأن نزولها لا يمكن أن يقبل بأية رواية لتفسير آيات القرآن الكريم.

اشتراط العصمة في الإمام

في الآية الكريمة التي خاطب الله سبحانه فيها ابراهيم  بقوله: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾(1) . فهي صريحة في أنَّ من شرط الإمامة العصمة، لقوله تعالى: ﴿وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾(2) . وقد بينا فيما سبق أنّ المقصود من الظلم هو الشرك.

فانحصرت الإمامة بعد رسول الله  في الأئمة الاثني عشر  للإجماع في عدم عصمة غيرهم ودلالة آية التطهير على عصمة الإمام علي  وفاطمة والحسن والحسين  ودلالة النصوص المأثورة عن رسول الله  على عصمة جميع الأئمة الاثني عشر.

قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾(3) وكيفية الاستدلال بهذه الآية على عصمة أهل البيت كما يلي:

إنّ الآية صريحة في تعلّق إرادته تعالى بتطهير أهل البيت فيثبت تحققه لاستحالة تخلف إرادته عزّ اسمه عن مراده، كما قال سبحانه: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾(4) .

فعصمة أهل البيت إرادته سبحانه وتعالى، وهذه الإرادة هي الإرادة التكوينية


1- البقرة: 124.
2- الطلاق: 1.
3- الأحزاب: 33.
4- يس: 82.

ص: 67

لامحالة، لأنّ التشريعية لا تتعلّق إلاّ بفعل المكلّف وهي مساوقة للأمر به، وقد تعلّق الأمر في الآية الكريمة بفعله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ...﴾

مضافاً إلى أنّ إرادته تعالى التشريعية للطهارة لا تختصّ بأهل البيت فقط، بل تعمُ جميع المكلّفين.

ثُمّ إنّ من البديهي أيضاً إنّه ليس المراد من الرجس، الرجس البدني الظاهري، بل المراد منه الباطني من الشرك والكفر والشكّ ودنس الذنب ومعصية الله سبحانه وكلّ ما يُعَدُّ رجساً.

فإذا قال قائل: يحتمل أنَّ المراد من التطهير أنّه تعالى غفر ذنوبهم، قلنا: إنّ المغفرة لا تطهّر الدنس الحادث في نفس العاصي، بل توجب رفع العقوبة عنه، ضرورة أنّ مغفرة المعصية لا توجب انقلابها عمّا وقعت عليها، مضافاً إلى أنّ مغفرة الذنب لا تكون إلاّ بعد تحقّقه فالمذنب عند صدور الذنب منه غير مطهّر؛ لعدم إمكان مغفرة الذنب عند الارتكاب به وإلاّ يخرج عن كونه ذنباً ولم يصدق عليه عنوانه.

والآية الكريمة دالّة على عصمتهم  من الأرجاس بجميع أنواعها بالتأكيدات العديدة من ذكر لفظة (إنَّما) التي هي للتأكيد وادخال اللام في الخبر واختصاص الخطاب، والتكرير في كلمة (التطهير) وإيراد المفعول المطلق بعده، وتنكيره الدالّ على الاهتمام والتعظيم، وتقديم ماحقّة التأخير.

(تقديم عنكم على الرجس).

نصّ رسول الله  على عصمة الأئمة الاثني عشر

نصّ رسول الله  على عصمة الأئمة الاثني عشر عدّة مرّات، وقد روي عن جماعة من أصحابه، كعبد الله بن عبّاس، وزيد بن الأرقم، وأنس بن مالك، وواثلة بن الأصفع، وسعيد بن مالك، وأبي أيوب الأنصاري، وعمران بن الحصين، وأبي سعيد الخدري، وعمّار، وعلي بن أبي طالب، وأبي ذرّ، واُم سلمة، وجابر بن عبد الله الأنصاري راجع: براهين المعارف الإلهية.

بعض التخرصات والشبهات التي تطرح في هذا المجال

هنا بعض التخرصات والشبهات التي تطرح لإضلال الناس وإبعاد الحقّ عن أهله، وهذا للأسف الشديد خلط الحابل بالنابل وجعل بعض الناس خصوصاً

ص: 68

سطحي التفكير، بالإضافة إلى إبعادهم عن طلب الحقيقة، ويعيشون المغالطة والمعاندة والتشكيك ليُضلوا غيرهم بما ضلوا به أنفسهم، لكن (الشمس لا يخفيها الغربال) كما هو المثل الدارج فمن هذه الشبهات التي طُرحت في هذا المجال: المقصود في آية التطهير هم نساء النبي ، لكن هذا عين المغالطة والتشويش والتضليل؛ لأنّ المراد الحقيقي من أهل البيت في الآية الكريمة هم: علي وفاطمة والحسن والحسين ، دون نساء النبي للاعتبارات التالية:

أوّلاً: تذكير الضمير الذي خوطب به أهل البيت  (عنكم) ولم يقل (عنكنَّ) لو أراد النساء لاسيّما كون الآية الكريمة في سياق الآيات التي خوطب بها نساء النبي، والخطاب في كلها تأنيث الضمير إلاّ في هذه الآية فالضمير مذكر (عنكم) وهذا صريح بعدم كون المراد من أهل البيت  في هذه الآية هو المخاطب في تلك الآيات بقوله تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾(1).

فلا يبقى لبسٌ ولا شبهة أنّها تخصّ أهل البيت الذين خصّهم الله سبحانه وتعالى بالعصمة دون نساء النبي، جدير بالذكر أنّ الآية خاطبت نساء النبي بضمير التأنيث، ثُمّ خاطبت أهل البيت بضمير التذكير، ثُمّ عادت إلى خطاب النساء بضمير التأنيث.

ثانياً: هناك أكثر من طريق يقول: بأنَّ الآية نزلت في بيت اُم سلمة، فقالت يا رسول الله: وأنا منهم؟

قال: إنَّكِ إلى خير، أي ليست منهم ولكنّك إلى خير، ثُمّ ورد بأنَّ الآية تعمّ الأئمة الاثني عشر المعصومين من ذرّيته بأجمعهم، فاختصاصها بعليَّ وفاطمة والحسن


1- الأحزاب: 33.

ص: 69

والحسين  من بين الموجودين يوم نزول الآية، وقد أمر الله بطاعتهم وقرن طاعتهم بطاعته وطاعة رسوله، فقال سبحانه: ﴿أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ﴾(1) .

وقال المفسّر المعروف من أهل السنّة فخر الدين الرازي في تفسيره ج10 في ذيل الآية: إنّ الله تعالى أمر بطاعة اُولي الأمر على سبيل الجزم من هذه الآية، ومن أمر الله بطاعته على سبيل الجزم والقطع لابدَّ وأن يكون معصوماً من الخطأ، إذ لو لم يكن معصوماً من الخطأ، كان بتقدير إقدامه على الخطأ ويكون قد أمر الله بمتابعته، فثبت قطعاً أنّ اُولي الأمر المذكور في الآية لابدّ وأن يكون معصوماً.

آية الطاعة

اشارة

قال سبحانه وتعالى ﴿أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾(2).

هذه آية اُخرى للاستدلال بها على ولاية وإمامة الإمام علي ، وقد استشهدنا بها في الاستدلال على عصمة أهل البيت .

هذه الآية الكريمة فيها مباحث عديدة واستدلالات كثيرة على إمامة وولاية الإمام علي .


1- النساء: 59.
2- النساء: 59.

ص: 70

أوّلاً: مَن هم اُولو الأمر الذين أمرنا الله سبحانه بطاعتهم بالآية الكريمة؟

هذه الآية وآيات عديدة اُخرى تبحث في أهمّ المسائل الإسلامية يعني في مسألة القيادة والخلافة والتعريف في الشخصيات الإسلامية الحقيقية التي تصلح كمراجع في مسائل مختلفة دينية واجتماعية، ابتدأت هذه الآية بأمر المسلمين بإطاعة الله ورسوله وبديهي جميع الطاعات تنتهي إلى طاعة الخالق وكلّ قائد وخليفة لابدَّ وأن يتسمدّ العون والتوفيق من ذات الله سبحانه وتعالى، لأنّه هو المالك والحاكم الحقيقي والتكويني لهذا الكون وكلّ حاكمية ومالكية بأمره تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾.

من علماء السنّة نقل أحاديث كثيرة بهذا المعنى، منهم:

1. الحافظ أبو نعيم الإصفهاني في كتاب ما نزل من القرآن في علي.

2. الواحدي النيسابوري في أسباب النزول: ص150.

3. أبو سعيد في كتاب الولاية.

4. ابن عساكر الشافعي بناءً على نقل الدر المنثور: ج2، ص298.

5. الفخر الرازي في تفسيره: ج3، ص636.

6. تفسير الآية في ج 3، تفسير نمونه.

جميع مفسري الشيعة متفقون في هذا الموضوع على أنّ المراد من اُولي الأمر هم الأئمة المعصومون، فهم قادة وأئمة الاُمة الماديين المعنويين المنصوبين من قبل الله ورسوله، فهم واجبو الطاعة، وكذلك المنصوب من قبلهم المتصدون للولاية بالشروط الخاصّة.

لذا إطلاق وجوب الطاعة المستفاد من الآية الكريمة كامل وصحيح؛ لأنّهم هداة مهديّون معصومون عن أي زلل أو اشتباه أو نسيان أو خطأ أو ذنب.

فأوامرهم أوامر رسول الله  وطاعتهم طاعة رسول الله  حتّى بدون

ص: 71

تكرار أمر (اطيعوا) عطف على الرسول إذاً ولايتهم استمرار لولاية رسول الله وطاعتهم طاعة رسول الله  لا يجوز التخلف عنها.

في المرحلة اللاحقة أمرت الآية الكريمة بإطاعة الرسول ؛ لأنّه معصوم ومطهر من الخيالات والوسوسة: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾(1) فهو خليفة الله والناطق عن الله ومبلّغ أوامر الله للناس، وهذا المنصب والموقع وهَبَه له سبحانه وتعالى.

لذا أوجب على الاُمة طاعته ولا يحقّ لأحد مخالفته وعدم طاعته بعد معرفة هاتين المرحلتين وهما وجوب طاعة الله باعتباره الحاكم والخالق والمالك لهذا الكون فطاعته واجبة بالذات: ﴿أَطِيعُوا اللهَ﴾.

وكذلك إطاعة الرسول  باعتباره خليفة الله في أرضه المبعوث من قبل الله للناس فطاعته واجبة بالغير: ﴿وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾.

أمّا المرحلة الثالثة: وهي إطاعة اُولي الأمر الذين هم من نفس الاُمة والمجتمع والحافظين دين الناس ودنياهم وإيصالهم إلى طريق السعادة والهداية.

بعد الاستدلال بآيتي الولاية والطاعة اللتين عرّفتا لنا ولاة الأمر الذين أوجب الله على الناس طاعتهم ومولاتهم، باعتبارهم معصومون مطهرون عن الذنوب والمعاصي كبيرها وصغيرها وهداة مهديّون.

جاء الأمر إلى رسول الله  وبلهجة شديدة بإعلان ولاية علي بن أبي طالب  وقرن سبحانه وتعالى عدم تبليغ هذا الأمر والإعلان عنه بعدم تبليغ الرسالة الإسلامية من قبل الرسول ، وهذا أمر خطيرٌ جدّاً يشير إلى حادثة وواقعة ليس لها نظير في تاريخ الإسلام وهي واقعة الغدير فنزلت آية التبليغ مخاطبة رسول الله :


1- النجم، الآيتان 3 _ 4.

ص: 72

﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾.(1)

هذه الآية الكريمة نزلت بعد رجوع الرسول  من حجّة الوداع سنة «10» للهجرة في 18 ذي الحجّة، ويمكن القول بأنّها الآية الاُولى الذي خاطب فيها الله سبحانه رسوله  بهذه اللهجة الشديدة التي يأمره فيها سبحانه إعلان ولاية علي بن أبي طالب أمام الملأ وفي ذلك المؤتمر العظيم.

وللاستدلال بهذه الآية على ولاية وخلافة علي  بعد رسول الله:

أوّلاً: لابدّ من التدقيق في الآيات التي قبلها أو بعدها هل لها ارتباط بها وتريد أن تبين مطلباً خاصّاً أم لا؟

والجواب: لا ارتباط بين هذه الآية والآيات التي قبلها أو بعدها حتّى تقول إنّ هناك مطلباً يرتبط بتلك الآيات تريد أن تبيّنه الآية.

ثانياً: بدأت هذه الآية ب_(يا أيّها الرسول) وأكدت بصراحة قطعية الأمر الإلهي بوجوب تبليغ ما اُنزل إلى الرسول :﴿بلّغ ما اُنزل إليك﴾.

ثالثاً: ثُمّ جاء التأكيد والإنذار الخطير: ﴿وإن لم تفعل فما بلغت رسالته﴾ يعني إذا لم تبلغ الأمر الذي أراد بأن الله تبليغه للناس تكون كأن لم تفعل شيئاً من تبليغ الرسالة.

رابعاً: جاء الخطاب: في تأدية وتبليغ رسالتك بأن لا تتردد لأنّ الله سوف يحميك وينصرك في تأدية مهمّتك الخطيرة هذه ﴿والله يعصمك من الناس﴾.

خامساً: في نهاية الآية هناك تهديد ووعيد من قبل الله سبحانه وتعالى لمن أنكر هذه الرسالة المخصوصة عناداً ولجاجةً: ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾.

وبالنتيجة: أقسام هذه الآية الكريمة واللحن الخاصّ والتأكيدات المتتابعة والشروع ب_ : ﴿يا أيّها الرسول﴾ الذي جاء في موضعين فقط في القرآن، وتهديد


1- المائدة: 67.

ص: 73

الرسول بعدم تبليغ أصل الرسالة إذا لم يبلغ ما اُنزل إليه هذا مؤشر على أنّ هناك حادثة مهمّة جدّاً بالموضوع الذي عدم تبليغه للناس يساوي عدم تبليغ الرسالة.

بالإضافة إلى ذلك أنّ هذا الأمر رُبما يدفع المخالفين لإيجاد مشاكل للإسلام والمسلمين، لذا كان الرسول  قلقاً من هذا الأمر والله طمأنه بعدم الداعي إلى القلق، والجدير بالذكر أنّ الرسول  لم يكن قلقه على نفسه بعد نزول هذه الآية، بل قلقه من احتمال تعرض المسلمين إلى الأذى والضرر من قبل المخالفين والمخربين والمنافقين، لذا طمأنه سبحانه وتعالى بأنّه هو الذي سوف يحمي الإسلام والمسلمين من الأذى المحتمل.

شأن نزول هذه الآية

في عدّة كتب لأهل السنّة أنّ هذه الآية نزلت في حجّة الوداع في غدير خم لتعريف علي  بصفة خليفة وإمام المسلمين، ومن هذه الروايات التي نقلها عدد كثير من الصحابة من جملتهم:

زيد بن الأرقم، أبو سعيد الخدري، ابن عبّاس، وجابر بن عبد الله الأنصاري، أبو هريرة، براء بن عازب، حذيفة، ابن مسعود. قالوا: إنّ الآية نزلت في يوم الغدير في علي  لتعريف خليفة النبي.

إضافة إلى ذلك رواه أهل السنّة، أورده في كتاب الغدير: ج1، ص214_ 223، وعن ثلاثين كتاباً من كتبهم.

إنّ النبي الأكرم  ولمدّة ثلاث وعشرين سنة وإذا حسبناها بالأيّام باعتبار السنة (365) يوماً تكون (8395) ثمانية آلاف وثلاثمئة وخمس وتسعون يوماً كان مشغولاً بتبليغ الرسالة وبعد هذه المدّة أمره الله سبحانه وتعالى بتبليغ أمرٍ في غاية الأهمّية والخطورة، ثُمّ نزول آية اُخرى على الرسول  وهي آية إكمال الدين سوف نوضح كيفية الاستدلال بها على ولاية علي .

ص: 74

آية إكمال الدين

قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾(1).

نزلت هذه الآية الكريمة يوم غدير خم بعد تبليغ الرسول  ولاية علي  وقد رواه أهل السنة، اُورده في كتاب الغدير: ج1، ص230.

عن ستّة عشر كتاباً من كتبهم. أمّا الاستدلال بهذه الآية على ولاية أمير المؤمنين، في بداية الآية الكريمة:

1. ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ﴾.

2. ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾.

3. ﴿وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾.

4. ﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾.

الخطاب إلى الرسول  طيلة فترة تحمل أعباء الرسالة التي تقدر بحوالي ثمانية آلاف يوماً وأنت تبحث عن شخص تنطبق عليه علامات ومواصفات الإمامة لتعريفه للناس، من المسلم أنّ ذلك يوم غير عادٍ، بل يوم حساس ومهمّ، والأيّام الحساسة والمهمّة نسميها بأيّام البعثة، لنرى آية إكمال الدين على أي الأيّام قابلة للتطبيق:

1. هل يقصد من ذلك اليوم يوم الأوّل من البعثة؟ مسلماً لا؛ لأنّ اليوم الأوّل للبعثة لا الدين اكتمل فيه ولا الكفّار يئسوا ولا....

2. يقصد من ذلك اليوم يوم الجهر والتبليغ العلني للدعوة الإسلامية بعد ما كانت بصورة مخفية ولمدة ثلاث سنوات، ثُمّ أمره الله بالجهر بها وإظهار الدعوة؟ كلا؛ لأنّ


1- المائدة: 3.

ص: 75

ذلك اليوم أوّل الطريق وبداية العمل ولم يتقدّم العمل بشكل ملحوظ.

3. هل ذلك اليوم يوم الهجرة، أو يوم ولادة الزهراء ، أو يوم الفتح في معركة بدر أو يوم فتح مكّة؟ والجواب: كلا؛ لأنّ ذلك اليوم ليس يوم إكمال الدين.

4. هل المراد من ذلك اليوم هو اليوم الذي ذكر الله له أربعة أوصاف يوم فتح مكّة سنة 8 للهجرة، أو يوم تصفية المشركين في مكّة في 9 للهجرة و...؟

كلا؛ لأنّ يوم فتح مكّة فقط يئس الكفّار فيه دون اكمال الدين، وكذلك السنتان من 8 للهجرة إلى سنة 10 للهجرة كثير من الآيات نزلت على الرسول  وفيها أوامر إلهية للرسول ، لذا سنة 8 للهجرة ليست سنة إكمال الدين واتمام النعمة.

5. هل يمكن أن يكون ذلك اليوم يوم عرفة والرسول مشغول مع الناس بالحجّ؟ كلا؛ لأنّ مراسم الحجّ جزء من الدين لاتمام الدين، والقرآن يقول: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾.

والجواب الصحيح لكلّ تلك التساؤلات هو يوم 18 من ذي الحجّة لسنة 10 للهجرة بعد أداء مراسم الحجّ وتنصيب علي من قبل رسول الله  وبأمر من الله سبحانه للخلافة والإمامة، فنزلت الآية: ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾(1).

وفعلاً بايع المسلمون الإمام علي  على الخلافة والإمامة إضافة إلى ما مرَّ ومن أوّل يوم المبعث الشريف كان الرسول  يُعرَّف ولعدة مرّات الإمام علي  لخلافة المسلمين بعده باعتباره أهلاً لها فقد عقد جلسة في بيت الأرقم بعد نزول الآية الكريمة: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾.(2)


1- المائدة: 3.
2- الشعراء: 214.

ص: 76

ودعا عشيرته وأقام لهم وليمة، وقال مَن يؤمن بي وبرسالتي سوف يكون عليّاً خليفتي من بعدي، ولا ننسى أنّ النبيّ عندما استثنى عليّاً من الذهاب إلى معركة تبوك وخلّفه على المدينة مكانه صار شيء في نفس علي ؛ لأنّه دائماً السبّاق إلى الحرب والقتال. فأجابه رسول الله : «أنت خليفتي وأنت منّي يمنزلة هارون من موسى»(1).

والناس عندما كانوا يرون الزهراء  تدافع عن علي  وتؤيده يعرفون أنّ الحقّ مع علي ؛ لأنّ تأييدها لشخص هو علامة أحقية ذلك الشخص الذي تؤيده.

وكذلك بالنسبة للأصحاب أمثال: أبو ذرّ وعمّار... من يؤيدونه ويدافعون عنه يكون مورد تأييد وقبول الناس والمجتمع في مسألة الولاية والإمامة.

أمّا آية المباهلة

قوله تعالى ﴿فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾(2) .

هنا المراد من الأبناء في قوله تعالى: ﴿ابناءنا﴾ الحسن والحسين  ﴿ونساءنا﴾ فاطمة  ﴿وأنفسنا﴾ الرسول  وعلي  حيث إنّ علياً  نفس رسول الله .

في تفسير علي بن إبراهيم، حدّثني أبي عن النصر بن سويد، عن ابن سنان، عن أبي عبد الله : إنّ رسول الله  دعا نصارى نجران إلى شهادة لا إله إلاّ الله وإنّه محمّد رسول الله  فامتنعوا، فطلب منهم أن يباهلوه وحسب أمر الله سبحانه


1- ينابيع المودة الشيخ القندوزي: الباب 6، ص50.
2- آل عمران: 61.

ص: 77

وتعالى: ﴿فَقُلْ تَعَالَوْاْ...﴾ فقال لهم رسول الله: فباهلوني فإن كنتُ صادقاً نزلت اللعنة عليكم، وإن كنتُ كاذباً نزلت عليَّ فقالوا: انصفتَ فتواعدوا للمباهلة فلما رجعوا إلى منازلهم.

قال رؤساؤهم السيد والعاقب والاهتم: إنْ باهلنا بقومه باهلناه فإنَّه ليس بنبي، وإن باهلنا بأهل ييته خاصّة فلا نباهله فإنّه لا يقدم على أهل بيته الاّ وهو صادق، فلما أصبحوا جاؤوا إلى الرسول  وكان معه أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين (صلوات الله عليهم).

فقال النصارى: مَن هؤلاء؟

فقيل لهم: هذا ابن عمّه ووصيه علي بن أبي طالب، وهذه ابنته فاطمة ، وهذان ولداه الحسن والحسين  ففرقوا (يعني خافوا وفزعوا).

وقالوا لرسول الله : نُعطيك الرضا فاعفنا عن المباهلة.

فصالحهم رسول الله؛ على الجزية وانصرفوا.

هذه القضية وإن أثبتت معجزة الرسول  ونبوته، لكن في نفس الوقت دلت وبشكل واضح أنَّ عليّاً خليفة رسول الله  من بعده؛ لأنّ قوله تعالى في الآية الكريمة ﴿أنفسنا وأنفسكم﴾ يعني نفس الرسول ونفس علي، وبما أنّ نفس علي هي مساوية لنفس الرسول ، إذاً هو افضل شخص بعد رسول الله لتسلم الخلافة والولاية بعد الرسول ، وأنّ أهل البيت  أهل لهذا الأمر.

الاستدلال بالأحاديث

بعد الانتهاء من الاستدلال ببعض الآيات القرآنية على إمامة وولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب . نذكر بعض الأحاديث التي هي مورد توافق الطرفين في هذا الموضوع:

ص: 78

حديث الغدير

اشارة

قال رسول الله  يوم غدير خم: «أيّها الناس إنَّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين، وإنّي أولى بهم من أنفسهم، فمن كنتُ مولاه فهذا عليُّ مولاه، اللّهمّ وال من والاه وعادِ من عاداه».

قبل ذكر أسانيد الاستدلال بهذا الحديث الشريف نذكر المعنى اللغوي لكلمة المولى:

المولى والولي وصفان من الولاية، وحقيقتها الجارية في جميع مشتقاتها "القيام بأمر والتقلّد له، كما يستفاد من كتب اللغة.

قال في الصحاح: وُليَّ الوالي البلد، ووليَّ الرجل البيع ولاية وأوليته معروفاً، ويُقال في التعجب ما أولاه للمعروف، ونقول: فلان وليُّ وولّى عليه: وولاّه الأمير عمل كذا وولاّه بيع الشيء، وتولى العمل: تقلَده(1) .

وقال في النهاية: والولاية تشعر بالتدبير والقدرة والفعل، _ إلى أن قال: وكلّ من ولّى أمراً فهو مولاه ووليه _ إلى أن قال: وقولُ عمر لعليّ: أصبحت مولى كلّ مؤمن أي وليّ كل مؤمنٍ(2) .

وقال في القاموس: ولى الشيء وعليه ولاية، وولاية أو هي المصدر _ وبالكسر _ : الخطة والإمارة والسلطان، وأوليته الأمر: وليّتهُ ايّاه، إلى أنْ قال: _ تولى الأمر تقلّده، وأولى على اليتيم أوصى، واستولى على الأمر، أي: بلغ الغاية(3) .

وقال في لسان العرب: قال سيبويه: الولاية _ بالكسر _ الاسم مثل الإمارة والنقابة؛ لأنّه اسم لما توليته وقمت به، وإذا أرادو المصدر فتحوا يعني (ولاية). إلى أن قال:


1- الصحاح: ج6، ص2529 مادة "ولي".
2- النهاية لابن الاثير: ج5، ص227 _ 228 مادة "ولي".
3- القاموس المحيط: ج4، ص402 مادة "ولي".

ص: 79

الولي ولي اليتيم الذي يلي أمره ويقوم بكفايته، وولىّ المرأة الذي يلي عقد النكاح عليها ولاية عنها يستبد بعقد النكاح دونه، وفي الحديث: أيّما امرأة نُكحت بغير إذن موليها فنكاحها باطل، وفي رواية اُخرى وليّها أي متولى أمرها (انتهى)(1) .

فحقيقة كلمة المولى من يلي أمراً ويقوم به ويتقلّده، وما عدوه من المعاني له، فانّما هي مصاديق حقيقتها، وقد اُطلقت عليها من باب اللفظ الموضوع لحقيقة على مصاديقها كإطلاق كلمة الرجل على زيد وعمر وبكر، فيطلق لفظ المولى على الربّ؛ لأنّه القائم بأمر المربوبين، وعلى السيّد، لأنّه القائم بأمر العبد، وعلى العبد؛ لأنّ قائم بحاجة السيّد، وعلى الجار وابن العم والحليف والعقيد والصهر؛ لأنّهم يقومون بنصرة أصحابهم فيما يحتاجون إلى نصرتهم، وهكذا فاللفظ مشترك معنوي فقوله : من كنتُ مولاه فعليّ مولاه، من كنت متقلداً لأمره وقائماً به فعليّ متقلد أمره وقائم به، وهذا صريح في زعامة الاُمة وإمامتها وولايتها، فإنّ رسول الله  زعيم الاُمة ووليّهم وسلطانهم والقائم بأمرهم، فثبت لعليَّ ما ثبت له من الولاية العامة والزعامة التامّة. وهذا ما يقتضي التأمّل به في كلام أئمة اللغة وأن أبيتَ إلاّ عن تعدد معاني الولي، فإنّه مشترك لفظي، فمن جملة معانيها لا محالة الاُولى، قال الكليني المتوفّى سنة 146ه_ في معنى قوله ﴿هِيَ مَوْلَاكُمْ﴾ يعني أولى بكم. وهو قول الزجاج والفرّاء وابي عبيدة، كما نقله في تفسير الرازي: ج 29، ص 227.

وقال عبيدة معمر بن المثنى المتوفّى سنة 210ه_ ، وهو مقدّم في علم العربية في غريب القرآن في تفسير: ﴿هِيَ مَوْلَاكُمْ﴾ يريد جلّ اسمه هي أولى بكم، واستشهد بقول اللبيد:

ففدت كلا الفرجين تحسبُ أنّهُمولى المخ_اف_ة خلف_ها وأمامها


1- لسان العرب: ج15، ص407 مادة "ولى".

ص: 80

نقله في عمدة ابن بطريق: ص112، وقال في ص113: وقد حكي عن أبي العبّاس المبرد، الولي: هو الأولى والأحق، ومثله المولى.

وقال الأخفش النحوي المتوفّى سنة 215ﻫ، واستشهد ببيت لبيد، نقله عنه الرازي في نهاية العقول.

وقال البخاري المتوفّى سنة 6_253ﻫ في صحيحه: ج7، ص240.

وقال الأنباري اللغوي النحوي المتوفّى سنة 322ﻫ في تفسير المشكل في القرآن: المولى: الولي والأولى بالشيء، واستشهد بالآية وبيت لبيد.

وقد أورد في الغدير: ج1، ص 344 _ 348 كلمات اثنين وأربعين من أهل العربيّة من المفسرين والمحدثين، قرناً بعد قرن، من القرن الأوّل إلى القرن الرابع عشر، صرّحوا جميعاً بأنّ معنى كلمة مولى في قوله ﴿النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ﴾ الأولى، أو هو أحد معانيها.

ولا يخفى أنّ اختصاص كلمة "المولى" في الاستعمال بالاضافة إلى كلمة "اولى" باقترانها بكلمة الحرف من لا ينافي تراد فهما في المعنى، فإنّ ترادف كلمتين في المعنى لا ينافي اختلاف كيفيّة استعمالها. وقال في الغدير: ج1، ص353: وأنت تجد هذا الاختلاف في جلّ الألفاظ المترادفة التي جمعها الزماني المتوفّى سنة 383ﻫ في تأليف مفرد، ص 45 ط مصر). أما تعيّن معنى "الأولى" في حديث الغدير دون غيره من معاني المولى فقد قال: الحلبي: من أنّ المولى حقيقة في الأولى لاستعمالها بنفسها، ورجوع سائر الأقسام في الاشتقاق إليها، بعد الانتهاء من تفسير معنى الاُولى اللغوي. نرجع إلى حديث الغدير. ونصب رسول الله  عليّاً بالولاية والإمامة وإبلاغها إلى جماعة من المسلمين بقوله "مَن كنت مولاه فعليّ مولاه".

وتفصيل واقعة الغدير مُلخصاً، كما رواها ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(1) .


1- تاريخ دمشق لابن أبي عساكر: ج2، ص45.

ص: 81

أخبرنا أبو بكر محمّد بن الحسين بن المرزقي، أنبأنا أبو الحسين محمّد بن علي بن المهتدي، انبأنا أبو الحسن علي بن عمر بن محمّد بن الحسن، أنبأنا العبّاس بن أحمد البرقي (ظ)، أنبأنا نصر ابن عبد الرحمن ابو سليمان الوشاء، انبأنا زيد بن الحسن والأنماطي، انبأنا معروف بن خربوذ المكّي، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن حذيفة بن أسيد، قال: لما قفل رسول الله  عن حجّة الوداع نهى أصحابه عن شجرات بالبطحاء متقاربات أن ينزلوا حولهنّ، ثُمّ بعث إليهنّ فصلّى تحتهنّ، ثُمّ قال: أيّها الناس قد نبأني اللطيف الخبير، أنّه لم يعمَّر نبيّ إلاّ مثل نصف عمر الذي يليه من قبله، وإنّي لأظنُّ أن يوشك أن اُدعى فأُجيب، وإنّي مسؤول وأنتم مسؤولون فماذا أنتم قائلون؟

قالوا: نشهد أنَّكَ قد بلغت ونصحت وجهدت، فجزاك الله خيراً.

قال: ألستم تشهدون أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّ جنته حقّ وناره حقّ، وأنّ الموت حقّ، وأنّ البعث بعد الموت حقّ، وأنّ الساعة آتية لاريب فيها، وأنَّ الله يبعثُ مَن في القبور؟ قالوا: بلى، نشهد بذلك. قال: اللّهمّ أشهد.

ثُمّ قال: أيّها الناس، أنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين، وإنّي أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا عليُّ مولاه، اللّهمّ وال مَن والاه وعادِ من عاداه.

ثُمّ قال: أيُّها الناس [فرطكم] وإنّكم واردون عليّ الحوض، حوضي أعرض ممّا بين بُصرى وصنعاء فيه (آنية عدد النجوم) قدحان من ذهب وقدحان من فضة، وإنّي سائلكم حين تردون علي عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيها، الثقل) الأكبر كتاب الله سببٌ طرفه بيد الله عزّ وجلّ، وطرفه بأيديكم فاستمسكوا به ولا تضلوا ولا تبدلوا، وعترتي أهل بيتي فإنّه قد نبأني اللطيف الخبير أنّهما لن يتفرقا حتّى يردا عليَّ الحوض.

تصريح أهل السنّة بتواتر حديث الغدير

منهم الكوفي في نفحات اللاّهوت: ص28.

ص: 82

وروايته (أي حديث الغدير) في عدّة من مصنّفات أهل السنّة يبلغ الدرجة المتواترة ويُفيد اليقين.

ومنهم: السيوطي كما في البيان والتعريف: ج2، ص230، ط حلب وقال السيوطي: حديث الغدير حديث متواتر، كما في أرجح المطالب ط¬لاهور قال: أخرجه السيوطي في الفوائد المتكاثرة في الأخبار المتواترة، وفي الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة، وكما في قطيف الأزهار، ونقل عنه المنادي في التيسير، وكما في نظم المتناثر في الحديث المتواتر: ص124، ط حلب.

ومنهم: الحاكم أبو سعيد، قال: حديث الموالاة وغدير خم قد رواه جماعة عن الصحابة، بحيث تكاثر نقله إلى أن بلغ حدّ التواتر، كما في منهج الوصول: ص92، ط شاهجهاني، ومنهم عطاء الله بن فضل النيسابوري في الأربعين.

قال: هذا الحديث (أي حديث الغدير) متواتر عن النبي رواه جمع كثير وجمّ غفير من الصحابة.

ومنهم: علي بن أحمد بن نور الدين العزيزي في السراج المنير نقل عنه في التيسير، ومنهم ميرزا مخدوم بن عبد الباقي في نواقض الروافض، قال: فإن تسألني عن حديث الغدير المتواتر اذكر لك الحجج. وكثير وكثير من الرواة الذين ينقلون متواترهِ.

التهنئة في واقعة الغدير

روى المؤرّخ الكبير محمّد بن جرير الطبري من أعلام أهل السنّة عن زيد بن الأرقم _ كما في "الغدير" ج1، ص270 _ في واقعة الغدير بعد تبليغ الرسول  فعند ذلك بادر الناس بقولهم: نعم، سمعنا وأطعنا على أمر الله ورسوله بقلوبنا، وكان أوّل من صافق النبي  وعليّاً ، أبو بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير، وباقي المهاجرين والأنصار، وباقي الناس إلى أن صلى الظهرين في وقتٍ واحد، وامتدّ ذلك إلى أن صلّى العشاءين في وقت واحد وأوصلوا البيعة والمصافقة ثلاثاً.

ص: 83

وتهنئة عمر بن الخطاب، كما رواه أهل السنّة في كتبهم، وأوردوها في الغدير: ص272، 383 عن ستّين كتاباً من كتبهم.

المنظومات والقصائد حول واقعة الغدير

أورد في موسوعة الغدير جملة من المنظومات والقصائد المنظومة حول واقعة الغدير، وشعراء تلك الواقعة ألهامه قرناً بعد قرن، من القرن الأوّل إلى القرن الثاني عشر، ومن أراد فليراجع الموسوعة.

حديث المنزلة

هذا الحديث متواتر ومورد توافق الفريقين.

«أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيَّ بعدي».

فكما أنّ موسى  قال لهارون اخلفني في قومي، فكذلك قال نبينا  لعليٍّ  في حديث المنزلة، فأثبت لعليًّ الخلافة عن نفسه، وكل منزلة كانت لهارون بالنسبة لموسى إلاّ النبوة، وبيّن أنّ عدم كونه نبيّاً، كما كان هارون، لأجل أنَّه لا نبي بعده وأنّه خاتم النبين.

حديث الثقلين من طرق أهل السنّة

متن الحديث كما رواه الحافظ الترمذي في صحيحه: ج13، ص200، ط مصر بسنده عن زيد بن الأرقم وبسند آخر عن ابن سعيد: "قال رسول الله  إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرّقا حتّى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما"(1).


1- الغدير للأميني: ج1، ص30.

ص: 84

وقد شهد بكثرة طرفه جماعة من أهل السنّة.

فمنهم الحافظ بن حجر في الصواعق، روى حديث الثقلين ثلاثين صحابياً، وأنّ كثيراً من طرقه صحيح وحسن.

ومنهم الحضرمي في القول الفصل: ج1، ص49.

قد روي حديث الثقلين عن بضعة وعشرين صحابيّاً وورد من طرق صحيحة ومقبولة وهو من الأحاديث المتواترة أجمع الحفاظ على القبول بصحّته.

وقال: سلطان العلماء في السيف الماسح: ص143: إنّ النبي  قال متواتراً بالمعنى: إنّي تارك فيكم الثقلين: إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض.

أقول: المستفاد من تضاعيف أحاديث الباب أنّ حديث الثقلين قد صدر من رسول الله  في أربعة مواضع.

1. يوم عرفة على ناقته القصوى.

2. في مسجد خيَف.

3. في خطبة الغدير في رجوعه من حجّة الوداع.

4. يوم قبض صلوات الله عليه وآله في خطبته على المنبر.

بعض الأحاديث بحقّ الإمام علي 

قال رسول الله : علي مع الحقّ والحقّ مع علي(1) .

قال رسول الله : عليُ مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض(2) .


1- جامع الأخبار: ص15، أنوار الهداية: ص134، بشارة المصطفى: ص20.
2- منتخب الاحاديث سيد مجيد عادلي: ص39.

ص: 85

قال رسول الله : إذا جمع الله الأوّلين والآخرين يوم القيامة نُصبَ الصراط على جهنم لم يجزعنها أحدٌ إلاّ من كانت معه براءة بولاية علي بن أبي طالب(1) .

قال رسول الله : مَن سرّهُ أن يحيا حياتي ويموت ميتتي ويدخل الجنّة التي وعدينيها ربّي فاليتولى علي بن أبي طالب  والأوصياء من بعده(2).

قال رسول الله : «معرفة آل محمّد  براءة من النار، وحُبُّ آل محمّد  جواز على الصراط، والولاية لآل محمّد  أمانٌ من العذاب»(3) .

قال رسول الله : «يا عليّ، لو أنّ عبداً عبد الله عزّ وجلّ مثلما قام نوح في قومه وكان له مثل جبل أحدٌ ذهباً فانفقه في سبيل الله، ومُدَّ في عمره حتّى حجّ ألف عام على قدميه، ثُمّ قُتل بين الصفا والمروة مظلوماً ولم يوالك يا علي لم يشم رائحة الجنّة ولم يدخلها»(4) .

عن عبد الله بن عبّاس، قال: قال رسول الله : «ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء بعدي أفضل من علي بن أبي طالب  وإنّه إمام اُمتي وأميرها، وإنّه وصيّي وخليفتي عليها من اقتدى به بعدي اهتدى، ومن اهتدى بغيره ضلَّ وغوى، إنّي أنا النبي المصطفى  ما انطق بفضل علي بن أبي طالب عن الهوى إنْ هو إلاّ وحيٌّ يوحى...»(5) .

عن الصادق  عن ابيه عن آبائه  قال: «قال رسول الله  يوم غدير خم أفضل أعياد اُمتي، وهو اليوم الذي أمرني الله تعالى ذكره فيه بنصب علي بن أبي طالب علماً لأُمّتي يهتدون به من بعدي.


1- المصدر السابق: ص105.
2- المصدر السابق: ص60.
3- منتخب الأحاديث: ص17.
4- المصدر السابق: ص46.
5- كنز الفوائد: ص208، نقلته من كتاب الحكمة الزاهرة عليرضا صابري يزدي، الحكمة 369، ص158.

ص: 86

وهو اليوم الذي أكمل الله به الدين وأتمّ على اُمتي فيه النعمة، ورضيّ لهم الإسلام ديناً»(1) .

ومن كلام لعلي  في أهل البيت  يقول:

«نَحْنُ شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ ومَحَطُّ الرِّسَالَةِ وَمُخْتَلَفُ الْمَلَائِكَةِ(2) ، وَمَعَادِنُ الْعِلْمِ وَيَنَابِيعُ الْحُكْمِ نَاصِرُنَا وَمُحِبُّنَا يَنْتَظِرُ الرَّحْمَةَ وَعَدُوُّنَا ومُبْغِضُنَا يَنْتَظِرُ السَّطْوَةَ»(3) .

نختم هذا الموجز من الأدلّة على إمامة الأئمة الاثني عشر (مركز المصطفى الوجيز في الإمامة للوحيد الخراساني).

في خطبة للإمام الصادق  يصف فيها مقام العصمة والإمامة السامي رواها شيخ المحدثين محمّد بن يعقوب الكليني في الكافي: ج1، 203

عن محمّد بن يحيى الذي يقول في حقّه النجاشي: شيخ أصحابنا في زمانه ثقة، عين روى نحو ستة آلاف رواية.

عند أحمد بن محمّد بن عيسى: شيخ القمّيين ووجههم وفقيههم غير مدافع ومن أصحاب الرضا والجواد والهادي .

عن الحسن بن محبوب: «أحد أربعة أركان زمانهم، ومن فقهاء الإجماع الذين اجتمعت الطائفة على صحّة ما يُروى عنهم بسند صحيح، ومن أصحاب الإمام الكاظم والإمام الرضا ».

عن اسحاق بن غالب: الذي يضاف إلى توثيقه الخاصّ رواية أمثال يحيى بن صفوان عنه، عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق  في خطبة له يذكر فيها حال


1- إثبات الهداة: ص526، نقلته من كتاب الحكمة الزاهرة عليرضا صابري يزدي، الحكمة 370، ص158.
2- مختلف الملائكة _ بضم اللام _ محل اختلافهم أي ورود واحد منهم بعد الآخر، فيكون الثاني كأنّه خلف.نهج البلاغة: الخطبة 109، كلامه 4 في اهل البيت.
3- اسد الغابة، ابن الأثير، ج3، ص193.

ص: 87

الأئمة  وصفاتهم: إنّ الله عزّ وجلّ أوضح بأئمة الهدى من أهل بيت نبينا عن دينه وأبلج بهم عن سبيل منهاجه ونهج بهم عن باطن ينابيع علمه فمن عرف من اُمة محمّد  واجب حقّ إمامه، وجد طعم حلاوة إيمانه وعَلِمَ فضل لحلاوة إسلامه؛ لأنّ الله تبارك وتعالى نصب الإمام علماً لخلقه، وجعله حجّة على أهل مواده وعالمه، وألبسه الله تاج الوقار، وغشّاه نور الجبار، يمدُّ بسبب إلى السماء ولا ينقطع عنه مواده، ولا ينال ما عند الله إلاّ بجهة أسبابه ولا يقبل الله أعمال العباد إلاّ بمعرفته فهو عالم بما يزد عليه من ملتبسات الدجى ومعمّيات السنن(1) . ومشتبهات الفتن، فلم يزل الله تبارك وتعالى يختارهم لخلقه من ولد الحسين  من عقب كلّ إمام، يصطفيهم لذلك ويجتبيهم ويرضى بهم لخلقه ويرتضيهم، كلّ ما مضى منهم إمام نصب لخلقه من عقبه إماماً.

علماً بيّناً وهاديّاً ينير الطريق، وإماماً قيّماً، وحجّة عالماً وانتدبه لعظيم أمره.

أئمة من الله، يهدون بالحقّ وبه يعدلون، حجج الله ودعاته ورعاته على خلقه. يدين بهديهم العباد، وتستهل بنورهم البلاد وينمو ببركتهم البلاد، جعلهم الله حياة للأنام، ومصابيح للظلام، ومفاتيح للكلام، ودعائم للإسلام، جرت بذلك فيهم مقادير الله على محتومها فالإمام هو المنتجب، واصطنعه على عينه في الذر حين ذرأه وفي البرّ به حين يرأه، ظلّاً قبل خلقه نسمه عن يمين عرشه، محبو بالحكمة في عام الغيب عنده، اختراه بعلمه وانتجبه لطهره بقية من آدم ، وخيره من ذرّية نوع ومصطفى من آل ابراهيم  وسلالة من إسماعيل، وصفوة من عترة محمّد .

لم يزل مرعياً بعين الله، يحفظه ويكلؤه بستره، مطروداً عنه حبائل إبليس وحذوه، مدفوعاً عنه وقوب الغواسق ونفوث كلّ فاسق مصروفاً قوارق السوء، مبرئ من العاهات محجوباً عن الآفات معصوماً من الزلات مصوناً من الفواحش كلّها معروفاً


1- الغيبة لشيخ النعماني: ص231.

ص: 88

بالحلم والبرّ في بقاعه، منسوباً إلى العفاف والعلم والفضل عند انتهائه، مسنداً إليه أمر والده صامتاً عن المنطق في حياته.

فإذا انقضت مدّة والده، إلى أن انتهت به مقادير الله إلى مشيئته، وجاءت الإرادة من الله فيه إلى محبّته، وبلغ منتهى مدّة والده فمضى وصار أمر الله إليه من بعده، وقلّده دينه، وجعله الحجّة على عباده وقيّمه في بلاده، وأيّده بروحه وآثاه علمه، وأنبأه فصل بيانه واستودعه سره، وانتدبه لعظيم أمره. وأنبأه فضل بيان علمه، ونصبه علماً لخلقه وجعله حجّة على أهل عالمه. وضياءه لأهل دينه والقيّم على عباده أرضى الله به إماماً لهم، استودعه سرّه واستخلفه علمه واستحياه حكمته، وأحيا به مناهيج سبيله وفرائضه وحدوده، فقام بالعدل عند تحيّر أهل الجهل، وتحيير أهل الجدل، بالنور الساطع والشفاء النافع، بالحقّ الأبلج، والبيان اللائح من كلّ مخرج، على طريق المنهج الذي مضى عليه الصادقون من آبائه فليس يجهل حقّ هذا العالم إلاّ شقيّ ولا يجحده إلاّ غويّ ولا يصدّ عنه إلاّ جريّ على الله جل وعلا.

إنّ كلّ جملة من هذه الخطبة الشريفة تحتاج إلى شرحٍ مفصلٍ ونكتفي في هذا الموجز ببيان بعض النقاط منها.

معنى الهداية وإمام الهدى

جعل الإمام الصادق  موضوع خطبته أئمة الهدى؛ لأنّ وجود الإمام لكلّ فئة من الناس أمر واضح ينصّ عليه قوله تعالى: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾(1) ؛ ولأنّ الإمام لابدَّ أن يكون إمام هدى يهدي الاُمة: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾(2) ، وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾(3) ، وليس إمام ضلالة يضل الامة


1- الإسراء: 71.
2- السجدة: 24.
3- الرعد: 7.

ص: 89

ويدعوها إلى النار: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ﴾(1) .

ومعرفة الإمام يتوقّف على معرفة الهدى، ومعرفة الهداية وحدودها متوقّف على التدبّر في آياتها، التي تبلغ نحو ثلاثمئة آية والاطّلاع على أحاديثها التي هي أكثر من ذلك.

والهداية أمر عظيم؛ لأنّها الكمال المقصود من خلقة الإنسان.

وقوله تعالى: ﴿رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾(2) .

وقوله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىْ﴾(3) .

وهداية كلّ مخلوق تتناسب مع خلقته، والإنسان مخلوق في أحسن تقويم، فهدايته أعلى مراتب كمال الممكنات.

ولذا كانت الهداية أكبر نعمة خصّ الله بها أشرف المخلوقات  فقال له: ﴿وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا﴾(4) .

وقد بيّن الإمام  عظمة مقام الإمامة، حيث وصف الأئمة بأئمة الهدى، وهي صفة تكفي لأهل التعمق لمعرفة خصائص الإمام وما يلزم للموصوف بها من صفات، ثمّ شرع  بعد الإجمال بالتفصيل نبيّن موقع الإمام من الدين الإلهي.

وأنّ الإمام هو المبيّن الشرعي لاُصول الدين وفروعه، لأنّ الله سبحانه وتعالى لم يوكل تفسير دينه إلى آراء الخلق المعرضة للخطأ والاختلاف؛ لأنّ الخطأ والاختلاف في الدين آفتان تتقضان الغرض من تنزيله وتُدخلان الاُمة بعد هدايتها في ظلمات التيه والضلال، ولهذا لم يترك الله سبحانه وتعالى نقطة غموض ولا إبهام كانت أو تكون على اُصول دينه وفروعه إلاّ أوضحها بالأئمة الأطهار .


1- الرعد: 7.
2- طه: 50.
3- الأعلى: 2 _ 3.
4- الفتح: 2.

ص: 90

كما قال الإمام الصادق  «إنّ الله عزّ وجلّ أوضح بأئمة الهدى من أهل بيت نبينا عن دينه»(1) .

الإمامة بنظر أهل السنّة

بحث الإمامة عند الفرق الإسلامية المختلفة بحث واسع وعميق ويتضمّن فصول ومواضيع مختلفة:

بعد رحيل النبي  تفرقت الاُمة الإسلامية إلى فرقٍ مختلفةٍ، كما كان يقول الرسول سوف تتفرق اُمتي من بعدي إلى 72 فرقة.

وسبب وجذور هذه الاختلافات مربوط بالموقف والنظرة من المسألة الحياتية المهمّة للإمامة، وليس المهمّ أن نبحث جميع النظريات حول الإمامة، ولكن المهم معرفة أنّ أصل جميع هذه الاختلافات يرجع إلى هوى النفس وحبّ الرئاسة، والسؤال هنا لماذا عيّن النبي  للاُمة مسؤولاً وخليفة بعده، وكان كثيراً ما يذكر اسم هذا الخليفة في مناسبات عديدة؟

وهنا لابدَّ من التحقيق في نظرية أهل السنّة بالنسبة للإمامة والردّ عليها ولصاحب الأمر والزمان  نظرٌ في هذا الموضوع.

أمّا نظرية أهل السنّة في الإمامة، فهي:

تعريف الإمامة عند أهل السنّة نفس تعريفها عند الشيعة

أمّا السنّة يقولون: الإمامة هي الخلافة بعد رسول الله  على الناس في اُمور الدين والدنيا.

لكن ذلك محل إشكال واختلاف؛ لأنّه عند السنّة كلّ شخص يستطيع إحراز هذا المقام، لذا الإمامة عندهم ليست من اُصول الدين، بخلاف الشيعة الذين يعتقدون أنّ


1- كتاب الغيبة لشيخ النعماني: ص231.

ص: 91

الإمامة منصب إلهي وعهد معهود من الله سبحانه وتعالى ولابدَّ من توليه شخص يتمّ تعينه من قبل الله سبحانه وتعالى بواسطة رسول الله ، وفي الأبحاث السابقة قد تمّ الاستدلال بالقرآن والسنة النبوية والعقل على نظرية الشيعة في الإمامة.

أمّا أهل السنّة: لاثبات نظريتهم في الإمامة يقولون كلّ شخص يصل إلى درجة الاجتهاد يستطيع أن يتولى منصب الإمامة، بدون أن يُقدّموا، أي دليل عقليٍ أو نقليٍ على ادعائهم هذا.

أمّا الرد على الأمر نقول:

استدلال أهل السنّة على أنّ الإمام يتمّ تعينه من قبل الاُمة هكذا. عدّة من الأصحاب بعد رحلة النبي اجتمعوا وانتخبوا الخليفة الأوّل لقيادة الاُمة بعد رسول الله، وهكذا الخليفة الثاني، وهكذا الخليفة الثالث... .

والجواب على هذا نقول:

أوّلاً: لم يحصل الإجماع حتّى نقول: إنّ الاُمة انتخبت الخليفة بعد الرسول، بل إذا رجعنا إلى التاريخ نجد أنّ الخليفة الأوّل تمّ تعيينه من قبل نفرين وبعد ذلك بطريقة الترهيب والترغيب، وثمَّ أخذ البيعة له.

ثانياً: إنّ إجماع واتقان نظر الاُمة معتبر إذا طابق القرآن والسنة الشريفة، أمّا إذا اتفقت الاُمة على أمرخلاف القرآن والسنّة وأمر الرسول  فهذا باطل؛ لأنّ الاُمة لا تعرف مصلحة وصلاح هذا الأمر، فإذا اتفقت على انتخاب نبي أو اتفقت على ردّه فهكذا انتخاب أو ردّ ليس له أي اعتبار ولا يؤخذ به. نكتفي بهذا القدر لأنّنا بحثنا دلائل انتخاب الإمام سابقاً.

لذا كلامهم في هذا الموضوع مضطرب ولا أساس له من الصحّة في الوقت الذي أثبت الشيعة أنّ الإمامة منصب وعهد إلهي في مصاف التوحيد والنبوة، فكما يجب الاعتقاد بالتوحيد والنبوة، كذلك يجب الاعتقاد بالإمامة.

ص: 92

أقوى نظريات أهل السنّة في الإمامة، هي:

انتخاب الإمام من قبل الناس، وهذا ما حصل بعد رحلة رسول الله ، لذا عندهم الإمامة من فروع الدين لا اُصوله

وبهذه النظرية المغلوطة لا يشترطون في خليفة وقائد المسلمين الإحاطة العلمية والعصمة والقدرة الإعجازية.

والسؤال هنا هل أنَّ الإنسان العاقل من أجل تبرير اشتباه الآخرين والماضين لابدَّ من الاعتقاد المغلوط؟!

هل يقبل أي عقل سالم اليوم أن نعتقد باعتقاد وحركة مغلوطة حصلت نتيجة هوى النفس وطلب القدرة. نعم، لا العقل ولا النقل يؤيّد هكذا نظرية.

ص: 93

الفصل الثاني: مكانة الإمام علي  عند مذهب أهل السنّة

اشارة

1. أخبرنا محمّد بن بشار بن بندر البصري، قال: حدّثنا محمّد بن جعفر، قال: حدّثنا عوف، عن ميمون أبي عبد الله، عن زيد بن الأرقم، قال: كان لفقراء من أصحاب رسول الله  أبواب شارعة في المسجد، فقال رسول الله  سدوا هذه الأبواب إلاّ باب علي  فحمد الله وأثنى عليه، ثُمّ قال: أمّا بعد، فإنّي اُمرت بسد هذه الأبواب غير باب فقال فيه قائلكم، والله ما سددته ولا فتحته، ولكنّي أمرت بشيء فتبعته(1) .

2. أخبرنا أحمد بن سليمان: قال حدّثنا يحيى بن آدم، قال حدّثنا، إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الحارث بن مضرب، عن علي رضي الله عنه، قال: بعثني رسول الله  إلى اليمن، فقلتُ، إنّك تبعثني إلى قوم هم أسّن منّي لأقضي بينهم، فقال: إنّ الله سيهدي قلبكَ ويُثبت لسانك(2) .


1- خصائص أمير المؤمنين للنسائي: ص97.
2- المصدر السابق.

ص: 94

3. أبو جعفر محمّد بن عبد الله بن المبارك المضرة، قال: حدّثنا الأسود بن عامر، قال: أخبرنا شريك، عن منصور، عن ربعي (بن حراش).

عن علي قال: جاء النبي  اُناس من قريش، فقالوا: يا محمّد، إنّا جيرانك وخلفاؤك، وإنّ اُناساً من عبيدنا قد اُتوك ليس بهم رغبة في الدين الدني، ولا رغبة في الفقه (و) انّما فرّوا من ضياعنا وأموالنا فاردهم إلينا.

فقال (النبي) لأبي بكر: ما تقول؟ فقال: صدقوا إنّهم لجيرانك وخلفائك فتغيّر وجه النبي ، ثُمّ قال لعمر ما تقول؟ قال: صدقوا إنّهم لجيرانك وخلفائك فتغير وجه النبي ، ثُمّ قال: يا معشر قريش، والله ليبعثن الله عليكم رجلاً منكم امتحن الله قلبه للإيمان ليضربكم على الدين ويضرب بعضكم.

قال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: لا. قال عمر: أنا هو يا رسول الله ؟ قال : لا ولكن الذي يخصف النعل (قال): وقد كان أعطى عليّاً نعلاً يخصفها(1)(2) .

4. أخبرنا هلال بن بشر البصري حدّثنا محمّد بن خالد، قال: حدّثني موسى بن يعقوب، قال: حدّثنا مهاجر بن مسمار بن سلمة، عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص، قالت: سمعتُ أبي يقول: سمعتُ رسول الله يوم الجحفه وأخذ بيد علي فخطب بعد أن حمد الله وأثنى عليه، ثُمّ قال: أيّها الناس، إنّي وليكم؟

قالوا: صدقت يا رسول الله ، أنت ولينا، ثُمّ أخذ بيد علي فرفعها فقال هذا وليَّ ويؤدّي عنّي ديني أنا موالي من والاه ومعادي من عاداه.

5. أخبرنا علي بن المنذر الكوفي، قال: أخبرنا محمّد بن فضيل، قال: أخبرنا الأجلح عن عبد الله ابن أبي الهديل الفنري أبو المغيرة الكوفي، عن علي (رض) قال: ما أعرفُ أحداً من هذه الاُمة عبد الله بعد نبينا غيري عبدت الله قبل أن يعبده أحدٌ من هذه الاُمة


1- تاريخ تحليل إسلام سيد جواد موسوي زاده: ج2، ص451.
2- المصدر السابق.

ص: 95

سبع سنين(1).

6. أحمد بن شعيب حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيم (الاُوذي) قال حدّثنا أبو نعيم، قال: حدّثنا حسن وهو ابن صالح، عن موسى الجهني، عن فاطمة بنت علي، عن اسماء بنت عميس أنّ رسول الله  قال لعلي: يا علي إنّك منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ إنّه لا نبي بعدي.

7. أخبرنا أحمد بن يحيى الكوفي، قال: حدّثنا علي وهو ابن قادم، قال: حدّثنا إسرائيل عن عبد الله بن شريك، عن الحارث بن مالك، قال:

قال سعد بن مالك أنّ رسول الله  غزا على ناقته الحمراء وخلّف عليّاً، فجاء عليٌ، فقال: يا رسول الله  زعمت قريش إنّك إنّما خلفتني إنّك استقلتني وكرهت صحبتي.

فنادى رسول الله  في الناس (وقال أيّها الناس) ما منكم أحدٌ إلاّ وله حامة يا بن أبي طالب أمّا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي. قال علي (رض):

رضيتُ عن الله عزّ وجلّ وعن رسول الله (2) .

8. أخبرنا ابن يحيى، قال: حدّثنا الحسن بن حمّاد أخبرنا مسهر بن عبد الملك، عن عيسى بن عمر، عن (إسماعيل بن عبد الرحمن الأسدي) عن أنس بن مالك: إنّ النبي  كان عنده طائر، فقال: اللّهمّ ائتني أحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير. فجاء ابو بكر فلم يقبل له الرسول  بالدخول، ثُمّ جاء عمر فلم يؤذن له بالدخول، ثُمّ جاء علي فأذن له(3) .


1- خصائص أمير المؤمنين للنسائي: ص40.
2- خصائص أمير المؤمنين للنسائي: ص128.
3- المصدر السابق: ص1 _ 3 و69 _ 70.

ص: 96

3. وهناك جملة اُخرى من النصوص المأثورة عن رسول الله  في كتب أصحابنا في عدد الأئمة ونسبهم وأوصافهم، وهي (ستّة عشر نصّاً).

4. النصوص المتضمّنة لأسماء الأئمة الاثني عشر وتعيينهم بأشخاصهم المأثورة عنهم .

وهي مضافاً إلى تعيين كلّ لاحق منهم بواسطة السابق عليه بالخصوص، كثيرة روي عن الحسين بن علي  والباقر  والصادق والكاظم  والرضا والجواد  والهادي .

تعيين كلّ إمام بواسطة الإمام السابق عليه والمعجزات الصادرة عنهم.

والنصوص الواردة في إمامة كلّ إمام بخصوصه من الإمام السابق عليه متواترة يغنينا مراجعة موسوعة "اثبات الهداة والمعجزات" فقد ألّفه لإثبات نبوة نبينا  وإمامة الأئمة الاثني عشر المعصومين بالنصوص والمعجزات المتواترة، وعقد لكلّ إمام بابين مشتملين على فصول عديدة، باب في النصوص الواردة في إمامته من الإمام السابق عليه، وباب في معجزاته الصادرة عنه، وذكر في مقدّمة الكتاب: إنّ أحاديث هذه الأبواب كلّها من المتواترات، انتهى.

أمّا بخصوص الإمام المهدي  نذكر الحديث المتواتر عن النبي والآية القرآنية بخصوصه للتبرّك فقط:

ومنهم المهدي  الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، كما تواترت النصوص عن النبي  عليه.

وقوله سبحانه وتعالى ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾(1) .


1- القصص: 5.

ص: 97

أحياناً يكون استدلال الشيعة صحيح وكامل، ولماذا الاُخوة أهل السنّة خصوصاً العلماء لا يقبلون الحقيقة؟

في جواب هذا السؤال نقول: أحياناً بين معرفة الحقّ وقبوله فاصلة وفجوة كبيرة، وهناك عوامل كثيرة لها دخل في قبول الحقّ والحقيقة.

والسؤال الذي يطرح هنا هل تقبل الحقائق فوراً التي يطرحها لك صديقك وتخالف نظرك؟

لكن رغم هذا الأمر هناك كثير من علماء أهل السنّة بعد معرفة الحقّ قبلوا به.

النصوص الواردة عن رسول الله  في الأئمة الاثني عشر المعصومين في كتب أهل السنّة

1. نصّ رسول الله  على عدد الأئمة الاثني عشر.

روى نصّ رسول الله  على عدد الأئمة الاثني عشر في كتب أهل السنّة عن جماعة من الصحابة، فهم: عبد الله بن عبّاس، وأبو هريرة، وسلمان، وعبد الله بن عمر، وأبو جحيفة، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن مسعود، وجابر بن عبد الله، وعبّاس عمّ النبي  وعلي بن أبي طالب  والحسن، والحسين  وعمر بن الخطاب، وعائشة بنت أبي بكر، جابر بن سمرة.

وقد روى نصّ رسول الله  على عدد الأئمة الاثني عشر عن جابر بن سمرة في كتب أهل السنّة بأسانيد كثيرة تبلغ خمسين سنداً.

2. النصوص الواردة عن رسول الله  في أوصاف الأئمة الاثني عشر عن جابر بن سمرة  في كتب أهل السنّة وهي كثيرة جدّاً.

3. النصوص الواردة عن رسول الله  في الأئمة الاثني عشر أوّلهم علي وأحد عشر من ولده في كتب أهل السنّة وهي كثيرة أيضاً.

ص: 98

4. النصوص الواردة عن رسول الله  في التصريح بأسماء الأئمة الاثني عشر وتعيينهم بأشخاصهم في أحاديث أهل السنّة وهي كثيرة، فراجع النصوص الواردة عن رسول الله  في الأئمة  الاثني عشر في كتب الشيعة.

1. نصَّ رسول الله  على عدد الأئمة الاثني عشر في كتب الشيعة فالنصوص الواردة عن رسول الله  المتضمنة لعدد الأئمة الاثني عشر في كتب أصحابنا كثيرة والمجموع منها في كفاية الاثر فقط مئة وثلاثة وثلاثون حديثاً مسنداً بأسانيد تنتهي إلى رسول الله  بواسطة سبعة وعشرين من أصحابه:

وقد نقل في إثبات الهداة: ج1، ص435 _ 675 جملة من الأحاديث المصرّحة بعدد الأئمة الاثني عشر من (85) كتاباً، والمنقول من مجموعها مسلسلاً (927) حديثاً، وإن كان مشتملاً على التكرار كثيراً.

2. النصوص المأثورة عن رسول الله  المصرحة بأسماء الأئمة الاثني عشر في كتب أصحابنا. ذكُر منها ثلاثة وثلاثين نصّاً.

مكاتبة بين العلاّمة السيّد شرف الدين وشيخ سليم رئيس جامعةالأزهر

حول الإمامة باسم "المراجعات" يتكون من (112) رسالة رد وبدل بين الاثنين وعدّة مرّات يعترف شيخ الأزهر بصحّة استدلال المرحوم العلاّمة شرف الدين.

1. من استدلال عالم الشيعة على صحّة مذهب التشيّع، هكذا كتب شيخ سليم رئيس جامعة الأزهر لا تستطيع محاكم العدالة إضلال المتمسكين بمذهب أهل البيت، والعمل بمذهب أهل البيت مبرئ لذمّة المكلّفين، كما هو العمل بأحد المذاهب الأربعة (مذاهب أهل السنة) بل ذهب إلى أكثر من ذلك أنَّ الائمة الاثني عشر الذين تتبعونهم أفضل؛ لأنّهم تابعين لمذهب واحد خلاف أئمة أهل السنّة يتبعون إلى أربعة مذاهب.

من كتاب وسائل الشيعة: ج1، ح39، وفي كتاب المستدرك 17 حديث قام الإسلام وارتفع عَلَمَهُ على عدّة اُمور أهمّها مسألة الولاية والقيادة.

ص: 99

أ_ الإمام الباقر  قال: بُني الإسلام على الصلاة والزكاة والحجّ والصوم والولاية: سأل زرارة من الإمام  أي الاُمور التي بُني عليها الإسلام أهمّ؟

أجاب الإمام الباقر  قائلاً: الولاية أهمّ من الجميع؛ لأنّها مفتاحُهنَّ، والوالي هو الدليل عليهُنَّ، يعني: الهادي إليهنّ.

المراد بالولاية: إطاعة الإمام المعصوم؛ لأنّ كلّ واحدة من الصلاة والصوم والحجّ والزكاة في حالة عدم وجود الإمكانات المادية والبدنية قابل للتغيير.

وأمّا مسألة قبول القائد وإمام الحقّ يجب أن يكون ثابتاً دائماً كذلك، إنّ النبي الأكرم  في بيان موضوع الصلاة والصوم والحجّ والزكاة لم يجمع الناس ولم ينادِ بأعلي صوته في القوم.

أمّا بالنسبة لتعريف الناس بالإمام ونصبه كان دائماً ينتظر مدّة طويلة يتجمع الناس في مكان واحد ليُبيّن مسألة قيادة المعصوم.

1. رسالة (29) كتاب المراجعات وكذلك قيادة الإمام علي .

ص: 100

ص: 101

الفصل الثالث: طرق انتخاب الخليفة بعد رسول الله 

اشارة

هناك طرق عديدة توصل إلى تسلّم السلطة والقيادة، وهي:

أوّلاً: الانتخابات

اشارة

وهي عبارة عن: أخذ رأي كلّ فرد في الاُمة يبلغ مرحلة معينة من العمر تمكنه من الاختبار والتشخيص.

والانتخاب، طريق حلٍ لا طريق حقّ دائماً، حيث هذه الطريقة لا تغير الواقعيات أبداً يعني بهذه الطريقة لا يصير الحقّ باطلاً ولا الباطل يصير حقّاً.

ولا الدليل العقلي ولا العلمي قائل بأنَّ نسبة الإحدى والخمسين التي حصلت بالانتخاب هي أفضل من نسبة التسعة والأربعين التي حصلت أيضاً بالانتخاب.

نعم، في مقام العمل يؤخذ بهذه الطريقة يعني يؤخذ برأي الأكثرية.

لكن هذا لا يدلّ على الأحقية والاستحقاق الواقعي؛ لأنّها لا تستند إلى الجعل الإلهي؛ ولا يمكن لهذه الحكومة سواء جاءت بأكثرية أو بأقليّة أن تساوي بين الناس وترضيهم، وكذلك أنّ الله سبحانه وتعالى قد ذمَّ الأكثرية في أكثر من ثمانين مورد في

ص: 102

القرآن ففي الآية الكريمة يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ﴾(1) .

كذلك رأي الاكثرية لم يتطوّر ولم ينمو، لذا لا يعتنى به وقوله تعالى ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾(2).

وكذلك الإمام علي  ذمّ رأي الأكثرية مستشهداً بقول الله تبارك وتعالى: ﴿وأكثرهم للحقّ كارهون﴾(3) .

محاسن هذه الطريقة: إنّها طريق حلٍ لا طريق حقّ وتعتبر أقل عيوباً من طرق الثورات والانقلابات واستعمال القوة أو البرلمانات الشخصية، التي تفرض القائد فرضاً، كما يقول المثل: «إن بعض الشرّ أهون».

أمّا مساوئ الانتخابات

أوّلاً: في كثير من الأحيان له عواقب ونتائج سيئة لا يمكن الإغماض عنها، ومنها كلّ مجموعة تنتخب شخصاً هو مورد ثقتها واطمئنانها الذي ليس مورد ثقة واطمئنان المجموعة المقابلة لها، فيحصل التضاد والاختلاف في الآراء بين المنتخبين ممّا يجرّ إلى الهرج والمرج.

ثانياً: هناك اُمور تلعب دوراً في جر الإنسان ليل نهار إلى خلاف الحقيقة مثل الشكّ والخطأ والغريزة والعاطفة، فالانتخابات تتأثر أيضاً بتلك الاُمور في انتخاب القائد ممّا يؤدي إلى الانحراف عن مسير الحقّ.

ثالثاً: ليس هناك ضمان وحصانة للمنتَخَبين.


1- الانعام: 115.
2- يوسف: 103.
3- المؤمنون: 70.

ص: 103

هل أكثر الناس ينظر إلى حقّه وحقّ الآخرين يعين واحدة؟!

ولتوضيح هذا الأمر اكثر، ننقل كلام الإمام السجاد  في بحار الأنوار «إذا رأيتم الرجل قد حسّن سمعته وهديه وتماوت في منطقه وتخاضع في حركاته فرويداً لا يغرّكم».

ثُمّ بيّن الإمام  العبارة أعلاه بقوله: «فما أكثر من يعجزه تناول الدنيا وركوب الحرام؛ لضعف بنيته ومهابته وجُبن قلبه فنصب الدين مكانها فهو لا يزال يحتلّ الناس بظاهره، فإن تمكن من الحرام اقتحمه».

ثُمّ تابع الإمام  كلامه: «إذا وجدتموه يقف عن الحرام فرويداً لا يغرّكم فإنّ شهوات الخلق مختلفة فما أكثر مَن ينبوا عن المال الحرام وإن كَثُرَ ويحمل نفسه على شوهاء قبيحة فيأتي منها محرماً».

وقال  «اذا وجدتموه يعفو عن ذلك فرويداً لا يفرّكم حتّى تنظروا ما عقده عقله، فما أكثر من ترك ذلك أجمع لا يرجع إلى عقل متين فيكون ما يفسده بجهله أكثر ممّا يُصلحه بعقله».

ثُمّ أضاف: «إذا وجدتم عقله متيناً فرويداً لا يفرّكم حتّى تنظروا مع هواه يكون على عقله أم مع عقله على هواه، فكيف حجّته للرئاسات الباطلة وزهده فيها، فإنّ من الناس من خسر الدنيا والآخرة بتركه الدنيا للدنيا»(1) .

وفي حديث آخر للإمام الصادق : «إذا كان لك صديق فولي ولاية فأصبته على العشر ممّا كان لك عليه قبل ولايته، فليس بصديق سوء»(2) .

يعني أكثر الناس قبل الرئاسة والمنصب ذو علاقة وتضحية مع صديقه، لكن بعد أن يصل إلى المنصب والرئاسة ينسى صديقه وتتلاشى علاقته وتضحيته لصديقه


1- بحار الأنوار العلامة المجلسي: ج74، ص184.
2- المصدر السابق: ج74، ص157.

ص: 104

فالإمام  يقول: «إذا بقيت بعد تسلّمه الرئاسة عُشر صداقته وتضحيته لك فهذا صديق لا بأس به وليس بصديق سوء».

فالقيادة والرئاسة لابدَّ وأن تكون من الله سبحانه وتعالى؛ لأنّه أعلم حيث يجعل رسالته «الله أعلم حيث يجعل رسالته»(1) .

أمّا حديث الإمام الباقر  لجابر: «واعلم إنّك لا تكون لنا وليّاً حتّى لو اجتمع عليك أهل مصرك فقالوا لك: إنَّك رجل سوء لم يحزنك، ولو قالوا: إنَّك رجل صالح لم يسرّك ذلك، لكن اعرض نفسك على كتاب الله»(2).

تجارب مرة في التاريخ

من التجارب المرة في التاريخ نذكر منها:

عندما اختار موسى  سبعين رجلاً من بني اسرائيل لملاقاة ربّه طلبوا منه طلباً أحمق، وهو رؤية الله جهرة فقالوا: ﴿أَرِنَا اللهِ جَهْرَةً﴾(3).

فكانوا مورد غضب الله تعالى فجاءت النتيجة معكوسة.

من هذه التجربة لابدّ إعطاء مسألة الانتخابات بعهدة شخص أعلم بحقائق وأسرار المستقبل.

ما يمنع فيه الانتخابات

يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾(4).


1- الكافي الشيخ الكليني: ج8، ص349.
2- تحف العقول الشيخ حسين ابن شعبه الحرّاني: 284.
3- النساء: 153.
4- الأحزاب: 36.

ص: 105

وفي موضع آخر: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾(1).

وعودٍ على بدء نقول: بما أنّ الإمامة منصب إلهي مجعول من الله سبحانه وتنصيب من الرسول  فلابدّ وأن يكون الإمام أهلاً لهذه المهمّة العظيمة ولا يؤثّر منافعه الشخصية والخاصّة _ كما أشرنا في صفات الإمام اللائق لهذا المنصب الإلهي _ أثناء حكمه.

ولابدّ للإمام من التحلّي بأعلى الصفات الإنسانية. نعم، فالطريق الأمثل والحقّ الذي بينه القرآن الكريم لتعيين الإمام، فالإمامة كالنبوة والإمام كالنبي في حاجة الاُمة إليهما، ودليل الحاجة إلى النبي هو نفسه دليل الحاجة إلى الإمام.

فوظيفة وعمل الإمام كوظيفة وعمل النبي  التي هي هداية وتطوير وبيان طرق السعادة الواقعية للمجتمع الإنساني، لذا نفس الآية الكريمة التي تبيّن الحاجة إلى النبي  تبيّن الحاجة إلى الإمام  ﴿إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى﴾.(2)

كلام أبي علي سينا

أبو علي سينا في موضوع الإمام يقول: يجب أن يكون الإمام معصوماً ويتمتّع بأعلى الصفات، وعالماً بالاُمور الغيبية ومطلع على طريق السعادة الواقعي.

وفعلاً تمّ تنصيب الإمام علي  لإمامة وخلافة المسلمين بعد رسول الله  بعد الرجوع من حجّة الوداع بأمر من الله سبحانه، ومن قبل الرسول  في مؤتمر عالمي عظيم شهده كبار المسلمين آنذاك وأخذ لعليّ البيعة منهم، وتمّ تهنئته من قبل الحاضرين، ولم يكن هذا الأمر مجرد صدفة، بل كان بأمر الله وحكمته لما يتمتّع به الإمام عليمن زهد وشجاعة وأدب وأخلاق وعبادة وعرفان وتقوى وإخلاص.


1- القصص: 68.
2- الليل: 12.

ص: 106

فلم يستطع عدوه تسجيل ولو نقطة ضعف واحدة عليه وكفاه فخراً إنّه لم يسجد لصنمٍ أبداً.

مسألة الشورى

اشارة

قوله تعالى ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾.(1)

معنى الشورى: قال الراغب: التشاور والمشاورة والمشورة، يعني: استخراج الرأي بمراجعة البعض إلى البعض من قولهم: شِرتُ العسل إذا أخذته من موضعه واستخراجه منه، قال تعالى ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَفَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ﴾.

والشورى: الأمر الذي يتشاور فيه، أمّا لمعنى: الأمر الذي يعزمون عليه شورى بينهم يتشاورون فيه. ويظهر من بعضهم إنّه مصدر، والمعنى وشأنهم المشاورة بينهم.

وكيف كان فيه إشارة إلى أنّهم أهلُ الرشد وإصابة الواقع، فالآية الكريمة ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾(2) . تشير إلى هذا المعنى، وفي المجمع في قوله تعالى ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ وضروري عن النبي  إنّه قال: «ما من رجلٍ شاور احداً إلاّ هدي إلى الرشد»(3) .

فمسألة الشورى في الإسلام لا ترتبط بوضع القانون ولا تعيين القائد، وإنّما ترتبط بكيفية إجراء الأحكام الاجتماعية.

علاوة على دلالة الآيات القرآنية على عدم اعتبار رأي الأكثرية، بقوله: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ...﴾.

فمن كلمة شورى نفهم أنّ الشورى، تعني: استخراج أفضل وأحسن النظريات لا


1- الشورى: 38.
2- الزمر: 18.
3- تفسير نور الثقلين الشيخ الحويزي، ج4، ص584؛ تفسير مجمع البيان، ج5، ص57.

ص: 107

أكثرها، فكلمة (شوَرَ) تعني: التعرّف على نظريات الآخرين وانتخاب أفضلها.

فهناك مثلث طرحه القرآن الكريم في مسألة الشورى والمشاورة أحد أضلاعه التعرّف على نظريات الآخرين والمشاورة فيها، والضلع الثاني يَضمّ تصميم نفس الإنسان، أمّا الضلع الثالث: فهو التوكّل على الله، وقوله تعالى ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَفَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ﴾(1).

محاسن الشورى

فمسألة الشورى جيّدة وطريقه الى الرشد والكمال.

مساوئ الشورى

للأسف الشديد لم تتمّ بالطريقة التي قال عنها الله سبحانه وتعالى ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾. بل أشبه بالسيطرة والاستحواذ على السلطة بالقوة والتهديد.

شورى أم دكتاتورية!!

ذكر المؤرخون كلّهم: بأنّ عمر لما يئس من الحياة قال: ادعو لي أبا طلحة الأنصاري، فدعوه له، فقال له: يا أبا طلحة، إنّي رأيت أن أجعل امر الخلافة بعدي بالشورى بين ستّة نفر من قريش يختاروا واحداً منهم، وهم: علي وعثمان وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقّاص وعبد الرحمن بن عوف، فإذا عُدتم من حفرني، فكن في خمسين رجلاً من الأنصار حاملي سيوفكم خذ هؤلاء النفر بإمضاء الأمر وتعجيله فاجمعهم في بيتٍ وانتظر بأصحابك على باب البيت ليتشاوروا ويختاروا واحداً منهم، فإن اتّفق خمسة وأبى واحد فاضرب عنقه، وإن اتّفق أربعة وأبى اثنان فانظر الثلاثة


1- آل عمران: 159.

ص: 108

التي فيها عبد الرحمن فارجع إلى ما اتّفقت عليه واضرب أعناق الثلاثة المخالفين لعبد الرحمن بن عوف.

فإن مضت ثلاثة أيّام ولم يتفقوا على أمرٍ فاضرب أعناق الستّة ودع المسلمين يختاروا أنفسهم!!

أيّها الناس أيّها العقلاء إذا لم نسمِ هذا الحكم والرأي وهذا الأسلوب بالدكتاتورية والهمجية فما يسمّى؟!

ولقد اخرج الحاكم في المستدرك، وأبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء والطبراني في الأوسط، وابن عساكر في تاريخه، والعلاّمة الكنجي في كفاية الطالب، والحمويني شيخ الإسلام في فرائد السمطين، وابن أبي الحديد في شرح النهج، وجلال الدين السيوطي في الدرّ المنثور، وغيرهم. إنّ أكابر الصحابة كانوا يرجعون إليه في الوقائع التي تعرض لهم ويأخذون بقوله  ويرجعون عن اجتهاداتهم وذلك بيّن من كتب التواريخ والسيَر.

أمّا كلام الإمام علي  في مسألة الشورى:

«لن يُسرع أحدٌ قبلي الى دعوة حقٍ، وصِلة رحم، وعائدة كرم. فاسمعوا قولي، وَعُوا منطقي، عسى أن تروا هذا الامر من بعد هذا اليوم تُنتضى(1) فيه السيوف، وتُخانُ فيه العهود، حتى يكون بعضكم أئمة لأهل الضلالة وشيعة لأهل الجهالة»(2) .

ثُمّ لنا أن نعترض على حكم عمر وتفويضه الأمر النهائي إلى عبد الرحمن بن عوف ونتساءل: بأيّ حلال وعلى أيّ استنادٍ شرعي وعرفي وعقلي ونظري يكون رأي بن عوف مقدّماً على رأي الآخرين؟

ولِمَ يكون رأي الثلاثة الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف نافذاً ومقدّماً على رأي


1- تنتضى: تُسل.
2- نهج البلاغة: الخطبة 139.

ص: 109

الآخرين؟! والآخرون إذا لم يوافقوه فمصيرهم القتل؟!

من نظرنا أنّ عمر بن الخطاب كان يعرف أن عبد الرحمن بن عوف يميلُ إلى عثمان وأنَّ سعد بن أبي وقاص حاقد على علي  وحاسد له فلا يميل له أبداً، فضمن عمر خلافة عثمان وبهذه الخطّة الخبيثة والغريبة سمّاها شورى وأيّ شورى!!

ممّا يزيدنا استغراباً من تقديم رأي عبد الرحمن بن عوف على رأي الإمام علي  في مثل هذا الأمر وروايتهم حديث الرسول : «علي مع الحقّ والحقّ مع علي». وقوله : علي فاروق هذه الاُمة، يُفرق بين الحقّ والباطل.

أمّا طريقة الوصول للسلطة والمقام في دنيا اليوم: فهو عن طريق القدرة والقوة والانقلابات وخنق حرية الآخرين والفقر على أكتاف الناس وظلمهم، أو عن طريق الأقلية والبرلمانات الشخصية التي تعيّنهم.

أو عن طريق الاستفتاء وأخذ رأي الناس صوريّاً وبالإكراه مساوئ هذه الطريقة: هو فقدان الحرية في التعبير عن الرأي، وعدم إمكان الاعتراض على الرئيس أو القائد مهما كان ظلمه وطغيانه، بعبارة اُخرى: حكم دكتاتوري متجبر لا ينظر إلى القيم والمعايير بالنظرة المطلوبة، بل مصالحه ومنافعه فوق الكل.

بعدما عرفنا جميع الطرق والأساليب للوصول إلى السلطة والرئاسة لا تجدي نفعاً وبعيدة عن إرادة الإسلام وأمر الله سبحانه وتعالى تبقى الطريقة الأفضل والأصلح للاُمة والمجتمع التعيين؛ لأنّ الإمامة من أهمّ المسائل الاعتقادية وعوامل هداية وتطوّر المجتمع وحسب الروايات لا تقبل عبادة شخص مهما أجهد نفسه ليل نهار بدون إمام.

«والله لو كان رجلٌ صام النهار وقام الليل، ثُمّ لقى الله بغير ولايتنا لفيه وهو غير راضٍ عنه وساخط عليه»(1) .


1- بحار الأنوار العلامة المجلسي: ج26، ص90.

ص: 110

تعيين الإمام

يعني تعيين وتنصيب الإمام والخليفة بعد رسول الله  لابدَّ وأن يكون فقط من قبل الله سبحانه وتعالى.

فنبي الله إبراهيم  بعد تعرّضه للامتحانات والابتلاءات العديدة من الله سبحانه وتعالى خرج منها بنجاح وأهلية كاملة لهذا المنصب العظيم، من قبيل ترك المال والنفس والزوج والولد، ثُمّ اختاره الله سبحانه وتعالى وجعله إماماً ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا...﴾(1)

فالإمام: لابدَّ وأن يكون على اطّلاعٍ كاملٍ ومعرفة تامّة بجميع القوانين الحاكمة على الإنسان والوجود، وكذلك لابدَّ وأن يكون مطلعاً على نتيجة الطريق الذي انتهجه.

يجب أن يكون الإمام منصوصاً عليه

والإمام يجب أن يكون منصوصاً ومعيناً من الله؛ لأنّ العصمة من الاُمور الباطنية التي لا يعلمها إلاّ الله تعالى فلابدّ من نصٍ من يعلم عظمته عليه أو ظهور معجزة على يده تدلّ على صدقه.

هذه إشارة إلى طريق تعيين الإمام، وقد حصل الإجماع على التنصيص من الله ورسوله وإمام سابقٍ بسبب مستقل في تعيين الإمام ، وإنّما الخلاف في هل يحصل تعيينه بسبب غير النصّ أم لا؟

فمنع أصحابنا الإمامية من ذلك مطلقاً، وقالوا: لا طريق إلاّ النصّ؛ لأنّنا قد بيّنا أنّ العصمة شرط في الإمامة، والعصمة أمرٌ خفي لا اطّلاع عليه إلاّ الله سبحانه.


1- البقرة: 124.

ص: 111

فلا يحصل حينئذٍ العلم بها في أي شخص إلاّ علاّم الغيوب وإعلامه بها وذلك يحصل بأمرين:

الأمر الأوّل: إعلامه بمعصوم كالنبي  فيخبرنا بعصمة الإمام  وتعيينه.

الأمر الثاني: إظهار المعجزة على يده الدالّة على صدقه في ادعائه الإمامة.

اختلاف الناس في تعيين الإمام والخليفة بعد الرسول 

بعد التعرّف على شرائط الإمامة وكونها عهد إلهيّ ومنصب ربّاني، شرعنا في أمر تعيين الإمام بعد رسول الله ، وهنا اختلف الناس في ذلك فقال قومٌ: إنّ الإمامة بعد رسول الله  للعبّاس بن عبد المطلب لمكان إرثه.

وقال جمهور المسلمين: هو أبو بكر بن أبي قحافة باختيار الناس له.

وقالت الشيعة: ما نقلته نقلاً متواتراً بحيث إفاد العلم يقيناً، من قول النبي  في حقّ أمير المؤمنين في إمرة المؤمنين: «وأنت الخليفة بعدي» و«أنت ولي كلّ مؤمن ومؤمنة بعدي».

وقال أهل السنّة: إذا بايعت الامة شخصاً غلب عندهم استعداده لها واستولى بشوكته على خطط الإسلام صار إماماً.

وقالت الزيدية: كلّ فاطمي عالمٍ زاهدٍ خرج بالسيف وادّعى الإمامة فهو إمام.

والحقّ خلاف ذلك من وجهين:

الوجه الأوّل: إنَّ الإمامة خلافة من الله ورسوله ولا تحصل إلاّ بقولهما.

الوجه الثاني: ان اثبات الإمامة بالبيعة والدعوى يقضي إلى الفتنة؛ لاحتمال أن يبايع كلّ فرقةٍ شخصاً أو يدعى كلّ فاطمي عالم الإمامة فيقع التجاذب والتحارب.

في وجوب أفضلية الإمام على الرعية مطلقاً

الإمام يجب أن يكون أفضل الرعية مطلقاً لما تقدّم في النبي  حيث إنّه أفضل

ص: 112

أهل زمانه؛ لأنّه مقدم على كلّهم، فلو كان فيهم من هو أفضل منه لزم تقديم المفضول على الأفضل، وهو ممتنع وقبيح عقلاً وسمعاً.

خلاصة ذلك كلّه نقول:

إنّ خلافة الرسول  ليست رئاسة جمهورية ليكون تحققها بآراء الناس، كما ادّعى بعد النبي  بالنسبة لأبي بكر، بل لابدّ أن تكون منصوصة ومنصوبة ومعهودة من الله سبحانه وتعالى وعلى لسان رسوله  بأمر الله.

وهذا ما حصل فعلاً في بيعة الغدير، حيث أمر الله سبحانه وتعالى أن ينصب عليّاً إماماً ويأخذ له البيعة من جميع المسلمين لما يمتاز به  من مواصفات ومزايا تؤهله لهذا المنصب الخطير، والله أعلم حيث يجعل رسالته.

في إمامة علي وأولاده :

إنّ الإمام والخليفة بعد رسول الله  هو الإمام علي  قال: الإمام بعد رسول الله  علي بن أبي طالب  للنصّ المتواتر من النبي ؛ ولأنّه أفضل أهل زمانه لقوله تعالى ﴿وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ﴾(1) . ومساوي الأفضل أفضل ولاحتياج النبي  إليه في المباهلة؛ ولأنّ الإمام يجب أن يكون معصوماً ولا أحد في هذه الصفة غيره وأولاده .

فمن ادّعى له الإمامة ومعصوم فهو إمام؛ ولأنّه أعلم لرجوع الصحابة إليه في وقائعهم، ولم يرجع هو إلى أحدٍ منهم ولقوله  «أفضلكم علي».

والقضاء يستدعي العلم؛ ولأنّه أزهد من غيره حتّى طلّق الدنيا ثلاثاً.

وأنّ أرباب الفتون في العلوم كلّها يرجعون إليه، فإنّ أصحاب التفسير يأخذون بقول ابن عبّاس وهو كان أحد تلامذة الإمام علي  حتّى قال: إنّه شرح لي في باء


1- آل عمران: 61.

ص: 113

﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾.

من أوّل الليل إلى آخره كذلك كان أرباب الكلام يرجعون إليه.

وأمّا المعتزلة: فيرجعون إلى ابن الحبائي، وهذا يرجع في العلم إلى أبي هاشم وهذا يرجع إلى محمّد بن الحنفية، وهو يرجع إلى أبيه علي بن أبي طالب . وأمّا الإمامية فرجوعهم إليه ظاهر، ولو لم يكن إلاّ كلامه في نهج البلاغة الذي قرر المباحث الإلهيّة في التوحيد، والقواعد الخطابية، وقوانين الفصاحة والبلاغة، وغير ذلك في العدل والقضاء والقدر وكيفية السلوك ومراتب المعارف الإلهية وغيرها من الفنون والعلوم كان فيه غنية للمعتبر وعبرة للمتفكّر.

وأمّا أرباب الفقه فرجوع رؤساهم المجتهدون من الفرق إلى تلامذته فمشهور وفتواه العجيبة في الفقه فمذكورة في مواضعها.

وقول النبي : «أقضاكم علي » ومعلوم أنّ القضاء يحتاج إلى العلوم الكثيرة فيكون محيطاً ومتبحراً فيها.

وقوله : «لو ثنيت لي الوسادة فجلست عليها لحكمت لأهل الإنجيل بإنجيلهم، ولأهل التوراة بتوراتهم، وبين أهل الزبور بزبورهم، وبين أهل الفرقان بفرقانهم، والله ما من آية نزلت في ليل أو نهار أو سهل أو جبل إلاّ وأنا أعلم فيمن نزلت وفي أي شيء نزلت». ثُمّ إنّه  كان أفضل الناس بعد رسول الله  فيكون هو الإمام لقبح تقديم المفضول على الأفضل.

وإنّه أفضل لوجهين:

الأوّل: إنّه مساوٍ للنبي  والنبي  أفضل، فهكذا مساويه وإلاّ لم يكن مساوياً له.

وأمّا إنّه مساوٍ له: قول تعالى ﴿وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ﴾.(1)


1- آل عمران: 61.

ص: 114

الثاني: كونه  معصوماً، والمعصوم هو الكامل الذي لا يصدر منه اشتباه ولا خطأ، لذا فالمعصوم هو الأفضل وهو المقدم، فعلي  أفضل؛ لأنّه مساوٍ لرسول الله  حسب قوله تعالى ﴿وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ﴾ ثُمّ إنّه معصوم وقد أذهب عنه الرجس وطهره تطهيراً.

لذا فهو الإمام وهو الخليفة بعد رسول الله .

أكثر الصحابة نقضوا العهد

على أي تقديرٍ حتّى لو تنازلنا لرأيكم وقلنا بأنّ النبي  في يوم الغدير طالب المسلمين لمحبّة الإمام علي  ونصره وأخذ منهم العهد على ذلك.

فلاشكّ بأنّهم خالفوا مراد النبي  ولم يطيعوه، حيث خذلوا عليّاً في أمر الخلافة ولم ينصروه وأعظم من ذلك، هجومهم على داره وإشعال النار ببابه وتهديدهم بحرق الدار ومن فيها وترويعهم أهل البيت الشريف ، وإيذاؤهم فاطمة  بنت محمّد  وأبنائها وإخراجهم عليّاً  من البيت حاسر الرأس، وقد وضعوا عمامته في رقبته يسحبونه إلى المسجد ويهددونه بالقتل إن لم يبايع أبا بكر بالخلافة وتجاسرهم على زوجته فاطمة الزهراء حبيبة رسول الله  وبضعته وضربوها حتّى أسقطت جنينها المحسن .

أفهل هذه الاُمور الشنيعة والأعمال الفجيعة والمظالم الفظيعة التي ارتكبوها بعد النبي  في حقّ أهله وعترته وفي حقّ علي بن أبي طالب  وزوجته فاطمة بنت محمّد  وفي حقّ ولديه الحسن والحسين  كان وفاء منهم لما عاهدوا عليه نبيهم  يوم الغدير؟ أم نقضوا عهدهم معه وخانوه في أهله وعترته وأخيه علي بن أبي طالب  الذي كان العهد المعهود في يوم الغدير له خاصّة، ولأهل بيت النبوة عامة بأمر الله العزيز الحكيم؟!

ص: 115

أفهل معاملة أهل السقيفة مع فاطمة سيّدة نساء العالمين ومهجة قلب الرسول وزوجة علي بن أبي طالب ، هي المحبّة والنصرة التي أرادها رسول الله من أصحابه في غدير خم بقوله مَن كنت مولاه فعليٌ مولاه؟!

أم هذه المواجهات الوحشيّة مع آل محمّد  وعترته  تعني المودة التي فرضها الله سبحانه وتعالى على جميع المسلمين في كتابه المبين بقوله العزيز: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىْ﴾(1) . ومن أقرب إلى النبي  من ابنته الزهراء البتول وبعلها وبنيها ؟

ولقد أمر  أصحابه وجميع المسلمين بصلتهم وعدم مقاطعتهم، كما في الرواية التي أخرجها أبو نعيم في حلية الأولياء، وشيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين.

عن عكرمة عن ابن عبّاس ونقله عنهما الحافظ سليمان القندوزي في يَنابيع المودة الباب الثالث والأربعين ونقله ابن أبي الحديد عن حلية الأولياء في شرح نهج البلاغة ج 9/170 الخبر الثاني عشر قال: قال رسول الله : «مَن سرّه أن يحيا حياتي ويموت مماتي، ويسكن جنة عدنٍ التي غرسها ربّي، فليوال عليّاً من بعدي وليوال وليه وليقتد بالأئمة من بعده فأنّهم عترتي، خُلقوا من طينتي ورزقوا فهماً وعلماً، فويلٌ للمكذبين من اُمتي القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي».

والصحابة كلّهم عاهدوا الله ورسوله على مودّة أهل بيت الرسول، لكن أكثرهم نقضوا العهد كأنّهم لم يسمعوا ولم يقرؤوا قول الله سبحانه وتعالى: ﴿الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾(2).

وأي فسادٍ أكبر ممّا ارتكبوا في حقّ أهل البيت  وعترة النبي  الهادية .


1- الشورى: 23.
2- الرعد: 25.

ص: 116

(المستشكل) الحافظ: لا نسمح بهذا الكلام والتجاسر على الصحابة المؤمنين المجاهدين في سبيل الله، بل هذا التجاسر منكم على صحابة رسول الله  يقتضي عند أهل السنّة تكفيركم والحكم عليكم بالضلال والتضليل.

الجواب (قلت): لو كان هذا يقتضي عندكم تكفيرنا فالصحابة كلّهم كافرون! لأنّنا نتجاسر عليهم بالألفاظ وهم تجاسروا بعضهم على بعض بخوض القتال والمعارك بينهم.

ما حصل بعد رحيل الرسول 

بعدما تعرّفنا على طرق انتخاب الإمام والخليفة ومحاسن كلّ طريقة، ومساوئها وأثبتنا أفضلها وهي التعيين والتنصيب؛ لأنّها من الله سبحانه وتعالى وتعيين الإمام علي  في غدير خم يوم 18 ذي الحجّة عام 10 للهجرة من قبل رسول الله  وبأمرٍ من الله.

والآن لنرى ماذا جرى بعد رحيل رسول الله بالنسبة لقضية الإمامة والخلافة.

جاء في تاريخ الطبري، قال إبراهيم: عندما رحل رسول الله  من هذه الدنيا كان أبو بكر غائباً وبعد ثلاثة أيّام جاء ولم يجرأ أحدٌ قبله على كشف وجه رسول الله  حتّى تغير جلد بطنه. فرفع أبو بكر الغطاء عن وجه رسول الله  وقبّله بين عينيه، قائلاً: فداك أبي واُمي لقد كنت طاهراً في الدنيا والآخرة. وحمد الله وأثنى عليه. وفي تلك الأثناء نزلت الآية الكريمة قوله تعالى ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ﴾(1) .


1- آل عمران: 144.

ص: 117

كان عمر يقول: إنّ رسول الله  لم يمت ويهدد بالقتل من يشيع خبر موت الرسول ، وفي ذلك الوقت اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة وبايعوا سعد بن عبادة ونصبوه لخلافة المسلمين.

ولما سمع أبو بكر بذلك اصطحب عمر وأبو عبيدة الجراح وأسرعوا إلى السقيفة.

قال أبو بكر: ماذا تريدون.

قال الأنصار: منّا أمير ومنكم أمير.

قال أبو بكر: منّا أميران ومنكم وزيران.

قال زياد بن كليب ذهب عمر إلى بيت علي  وكان طلحة والزبير عنده في البيت فهددهم عمر إذا لم يحضروا للبيعة سوف يحرقُ البيت.

أخرج الزبير سيفه وتقدّم باتجاهه فعثر وسقط من يده السيف فقبض عليه الحاضرون.

حميد بن عبد الرحمن الحميري: يقول عندما رحل النبي  كان أبو بكر في المدينة، ثُمّ جاء فكشف عن وجه النبي  وقبّله، وقال: فداك أبي واُمي لقد كنت طاهراً في الدنيا وطاهراً في الآخرة.

وأقسم بربّ الكعبة أنّ محمداً قد مات، ثُمّ ارتقى أبو بكر المنبر ليخطب في الحاضرين: وكان عمر في ذلك الوقت واقفاً ويهدد الناس ويقول النبي حيّ لا ميّت. والذي يشيع موت النبي  سوف يضرب عنقه.

وشرع أبو بكر بالحديث فطلب منه عمر السكوت، لكن لم يسكت قال أبو بكر: إنّ الله خاطب رسوله : ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ﴾(1) .


1- الزمر: 31.

ص: 118

أتى جماعة من أصحاب الرسول  وأقسموا بالله أنّهم لا يعلمون بنزول هاتين الآيتين. فعندما قرأ أبو بكر الآيتين، جاء أحدهم، وقال: الأنصار مجتمعون في سقيفة بني ساعدة وبايعوا أحداً منهم، وقالوا: أمير من عندنا وأمير من قريش.

آنذاك قال: ابو بكر نَقبل أحد الاثنين: عمر أو أبا عبيدة الجراح مدعيّاً أنّ قوماً جاؤوا إلى الرسول  وقالوا: ابعث لنا رجلاً أميناً فبعث  أبا عبيدة إليهم.

وفي هذه الاثناء نهض عمر من مكانه وبايع أبو بكر وبايعه الناس، واعترض بعض الأنصار، وقالوا: لا نبايع غير علي ، لكن لم يتغير شيء واستحوذوا عليها بهذه الطريقة، فسكت أبو الحسن أمير المؤمنين وفي عينه قذى وفي حلقه شجى كما هو يوصف نفسه، لكن الصبر الذي تحلّى به فلم يشهر سيفاً ولم يرق دماً، فتقمصها الأوّل، ثُمّ بعده الثاني، ثُمّ بعده الثالث، وهكذا جرى القدر على ما لا تحمد عقباه.

فحُرِمت الاُمة من الخليفة اللائق والإمام الإلهي المنصوب من قبله سبحانه وتعالى فهاهي مظلومية أبي الحسن  تبقى ولا تمحى إلى أن يظهر صاحب الأمر فيرجع كلّ حقٍّ إلى صاحبه الشرعي.

المظالم التي تعرض لها الإمام علي 

لقد تعرّضت الإمامة وخط الإمامة والتابعين الحقيقيين لأبشع أنواع الظلم والاضطهاد.

لا يدري الإنسان من أين يبدأ وأين ينتهي، لكن نكتفي باختصار شديد ونذكر بعض الظلامات:

1. سلب الإمام علي  قدرته المالية والاقتصادية بأخذ فدك منه، حيث كانت فدك مورداً مالياً كبيراً.

2. تعرّض الإمام علي  لأنواع التهم وتحريف الحقائق حتّى وصل الوضع إلى

ص: 119

حدّ أنّ أهل الشام عندما سمعوا باستشهاد الإمام علي  في مسجد الكوفة، قالوا: ماذا يفعل علي  في المسجد وقُتِل يعني هل هو من أهل الصلاة حتّى يذهب إلى المسجد ويستشهد!!

3. كانوا يُضعّفون الإمام علي  بايجاد المنافسين وتقويتهم واحترامهم.

4. برفع شعار (حسبنا كتاب الله) وقفوا بطريق أحاديث النبي  وكلمات المعصوم وحرموا الناس من الاستفادة من منبع العلم الأصلي.

5. حذف سهم ذي القربى وأهل البيت من نظام الماليات الإسلامي.

6. وضعوا أحاديث جعليّة ومُلفقة على لسان أبي هريرة في مدح بني اُمية وتضعيف بني هاشم، فاختلط الحقّ بالباطل وصَعُب على الناس تشخيص الحقّ من الباطل.

7. حرَّفوا البيانات الصريحة والأحاديث الواضحة حول مسألة القيادة والإمامة.

8. كانت مسألة قيادة المعصوم عهد إلهي إلى أن وصل أمثال يزيد للحكم سقطت هذه القيادة الإلهية.

9. كلّ المعايير والقيم الإلهية تغيّرت وكلّ شخص بأية وسيلة وقدرة تخدمه يطرح نفسه للقيادة ويقول (سلوني) ولم يتبعوا القيادة التي لها اطّلاع، وأعلم باُمور المسلمين والإسلام، بل اتّبعوا مَن لا اطّلاع ولا علم له بالمسائل المتنوعة ويكون متحيّراً ويستمدّ العون من علي  ودائماً يقول لو لا علي  لهلك فلان.

10. بادّعاء أنّ عليّاً  شاب واتهامه بكثرة المرح والتواضع ووجود أحقاد بدرية وخيبرية وحنينية في قلوب المسلمين؛ لأنّه قتل الكثير من آباء المسلمين حينما كانوا كفّاراً قبل إسلامهم، لذا هذه الأحقاد والحجج أدّت إلى اعتزال الإمام وجلوسه في المنزل مدّة طويلة حتّى ذكر بأنّه أوّل مظلوم: «أنا من أوّل يوم كنتُ مظلوماً»(1) .


1- بحار الأنوار العلامة المجلسي: ج27، ص209.

ص: 120

في حين أي صحابي من أصحاب النبي ليس لديه مثل فضائل علي، لكن للأسف جاؤوا به وعزلوا علياً جانباً.

هل أنّ المرح والتواضع يمنع اللياقة؟ هل أنّ النبي  لم ينصبّ شاباً عمره ثمانية عشر سنة لقيادة جيش المسلمين وهو أُسامة بن زيد وجعل تحت إمرته كبار الصحابة حتّى قال الرسول  «ملعون من تخلف عن جيش اُسامة»؟ هل أنّ الشيخوخة وكبر السنّ شرط للقيادة؟

ألم يُشترط في القيادة وحسب معايير القرآن الكريم: العلم، التقوى، الجهاد، والهجرة، والسبق إلى الإسلام، والإخلاص، والإيمان؟ لماذا تركنا الملاكات الإلهية وطرحنا الملاكات الجانبية؟

11. الأهمّ من كلّ ذلك يتهمون الإمام  بأنَّه كان قانعاً بالقيادة العلمية والمعنوية (الدينية)، أمّا القيادة السياسية والعسكرية حولها إلى الآخرين!

ألم يمتلأ نهج البلاغة بدعوة الناس إلى الإمام والسؤال منه حول جميع المسائل؟! هل مسألة السؤال تحتاج إلى البيعة أم لا؟

عشرات المرّات والإمام يتألم لتضييع حقّه السياسي وليس لعدم حضور الناس ليسألوا منه مسائل علميّة، بل كان الناس دائماً يأتون ويسألون منه المسائل العلمية.

12. الإنسان يحترق قلبه كيف جميع الناس يقعون في الخطأ ويتركون الإمام ويذهبون وراء الآخرين؟

منهم يقول: لابدَّ من وجود مصلحة في ترك الناس الإمام ويتبعوا شخصاً آخر، للجواب على هذا الكلام:

أوّلاً: لم يترك جميع الناس عليّاً.

ثانياً: هل أنّ الأكثرية دائماً دليل الاحقيّة؟

هل إذا كانت المعايير القرآنية الواضحة التي ذكرناها هي المعيار، هل يحق ترك تلك المعايير وننظر عمل الناس؟

ص: 121

هل تُركُ رسول الله  وهو يقرأ خطبه الجمعة عندما دخلت قافلة تجارية وانشغل الناس بالشراء وتركوا الرسول  إلاّ كَم نفر كما صرحت به آخر آية في سورة الجمعة فيه صلاح؟ كقوله تعالى ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا﴾(1).

انواع المظالم

كان الإمام علي  في معرض الظلم منذ أن طلب الرسول  الكتف والدواة ليكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده أبداً.

فقابلوا ذلك بالسخرية والتوهين وقال أحدهم: «إنّ الرجل ليهجر».

واستمرّت مظلومية الإمام وضياع حقّه إلى آخر عمره حتّى عندما ضربه الملعون ابن ملجم، وقال «فزتُ وربَ الكعبة» وبعد شهادته بقت مظلوميته إلى وقتنا الحاضر، وقد طرح قسماً من مظلوميته في كتاب نهج البلاغة.

لكن الإمام علي  على الرغم من المظلومية التي تعرّض لها كان حريصاً على وحدة الصف من أجل الدولة الإسلامية. وقد صبر الإمام على الظلم التي تعرّض له، كما ذكر في خطبته المشهورة بالشقشقية، «صبرتُ وفي العين قذى، وفي الحلق شجى...»(2).

لم ينحصر الظلم الذي لحق الإمام علي والأئمة على الظلم عن طريق القلب أو اللسان أو القلم بل تعرض الإمام علي والأئمة المعصومون إلى أنواع الظلم يطول المقام بذكرها، فمثلاً كانوا يُوَهنون ويسبّون الإمام علي  على منابر الخطب وأمام الناس وباسم الإسلام ويتقرّبون بذلك إلى الله، حتّى في الصلاة


1- الجمعة: 11.
2- خطبة الشقشقية.

ص: 122

والقنوت كانوا يتعرّضون له، فالظلم الذي لحق بالأئمة المعصومين ليس فقط من أعدائهم وإنّما كذلك من أصدقائهم الحمقى الخائنين أو الذين ليسوا أهلاً لاتباعهم للائمة ، وكذلك الجهلاء والبسطاء منهم، والمنافقون.

المظالم الثقافية

كلنا نعلم بعض الشخصيّات المشهورة من أهل السنّة الذين عاصروا الإمام الكاظم  لم ينقلوا حتّى حديثاً واحداً عن ذلك الإمام المظلوم ألم يستحقّ الإمام الكاظم  أن ينقلوا عنه بعض الأحاديث في حين ينقلون عن راوي عادي كثيراً من الأحاديث؟ لا ندري لماذا في صحيح البخاري المهمّ جدّاً تنقل عن مجموعة من الخوارج حديثاً وقالوا مئة نفر مجهول الحال يقبلون كلامهم ويعتبرونه، أمّا عن الإمام الصادق  والأئمة من بعده لم ينقلوا حتّى حديثاً واحداً؟

المظالم والتهم التي تعرض لها الشيعة والرد عليها

هناك تهم تلصق بالشيعة ولا ندري لماذا لا يرفعون أيديهم عن أنواع التهم للشيعة، منها:

أوّلاً: إنَّ الشيعة يقولون بوجود قرآن غير هذا القرآن المحرّف.

ثانياً: إنّ الشيعة يغالون في حبّ أئمتهم إلى الحد الذي يتخذونهم ربّاً.

ثالثاً: إنّ الشيعة قائلون بوجوب العمل بالكتب الأربعة وهي اُصول الكافي، كتاب من لا يحضره الفقيه، التهذيب، والاستبصار.

رابعاً: إنّ الشيعة يعتبرون جميع أصحاب رسول الله مرتدين.

خامساً: ينسبون البهائية والبابية إلى مذهب الشيعة، وغيرها من التهم والافتراءات على الشيعة.

ص: 123

والجواب على هذه التهم والافتراءات وبحسب قول الشيخ قراءتي، وقد ذكر الإجابة عن هذه التهم عن طريق تلفاز الجمهورية الإسلامية:

الجواب عن السؤال الأوّل

لا يقول الشيعة بوجود قرآن محرّف، بل هو القرآن الذي أنزله سبحانه وتعالى على رسول الله  وضمن سبحانه وتعالى حفظه من التحريف بقوله ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾(1) .

الجواب عن السؤال الثاني

لا يتّخذ الشيعة أئمتهم ربّاً، بل يعتقدون بكون الأئمة وسيلة تقرّبهم إلى الله ويتوسلون بهم، والله سبحانه وتعالى قال: ﴿وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ﴾(2) .

الجواب عن السؤال الثالث

البهائيون والبابيون ليسوا من الشيعة.

الجواب عن السؤال الرابع

لا يقول الشيعة العمل بالكتب الأربعة (الكافي، كتاب من لا يحضره الفقيه، التهذيب، الاستبصار) واجب، بل هي من أفضل الكتب التي يمكن للشيعي الرجوع إليها.

ولا يقول الشيعة كلما في هذه الكتب الأربعة ليس قابل للانتقاد.


1- الحجر: 9.
2- المائدة: 35.

ص: 124

الجواب عن السؤال الخامس

لا يعتبر الشيعة جميع أصحاب رسول الله  مرتدين أبداً، لكن تقول: في زمن رسول الله  كان هناك مؤمنون واقعيون ومنافقون. وبعد رحلة رسول الله  أيضاً هناك المؤمن الواقعي والعادل وكذلك المنافق(1) .

وإلاّ أين ذهب المنافقون الذين كانوا في حياة النبي  بعد رحلته؟

أيصحّ أن نقول أنّ أكثر الناس تركوا الحقّ؟

المطلع على القرآن الكريم يعلم أنَّ في زمن موسى  ترك الناس هارون الذي هو أخوه وتجمعوا حول العجل.

لذا المهمّ والمطلوب هو نتيجة الأعمال وعاقبتها، كما قال عيسى  بنظري أساس العمل الأجر الأخير لا الأجر الأوّل.

نعم، مازال هناك غرائز وشيطان وهوى نفس ووساوس فالخطر محتمل وقائم.

مع كلّ الماضي الجهادي والعبادي كيف ينحرف الإنسان؟

إنّ الله سبحانه وتعالى لا يُريدُ عبادةً، بل يريدُ عبوديةً. وخير مثال على ذلك: إنّ إبليس عبد الله آلاف السنين، لكن عندما وصل الأمر إلى العبودية تراجع وكأنّ شيئاً لم يكن. وهناك أمثلة في القرآن كثيرة: على إحباط الأعمال وعدم قبولها فمثلاً بلعم بن باعور وصل إلى درجة عالية من الإيمان والعلم، ولكن نتيجتة طُرد من لطف ورحمة الله سبحانه وتعالى، بل صار مورد غضب الله.

المسألة المهمّة هي خطر سوء العاقبة فهو كبير وجدّي يهدد الإنسان. ذكرنا في المثالين أعلاه (إبليس وبلعم) كيف كان سوء عاقبتهما؟


1- اُنظر: دروس من القرآن الكريم لقراءتي: ج5، ص65.

ص: 125

والآن نذكر مثالاً على حسن العاقبة يوسف  كيف رماه أخوته في البئر، وكذلك وُضع في السجن سنين طويلة واتّخذوه عبداً، لكن نَرى عاقبته كانت حسنةً وعندما وصل إلى أعلى المناصب والمراتب كان دائماً يدعو ربّه أن يحفظه من الانزلاق والانحراف ويتوفاه مسلماً ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾(1) .

الشيعة وأهل السنّة

لو تطالع كثيراً من كتب أهل السنّة والشيعة تجد تقريباً جميع فضائل الإمام علي  التي مذكورة في كتب الشيعة مذكورة أيضاً في كتب أهل السنّة.

وإذا وجدنا انتقاداً من قبل الشيعة لبعض أصحاب رسول الله  نفس تلك الانتقادات تجدها في كتب أهل السنّة.

ومن يسافر إلى إيران وكذلك العراق يجد أنّ الشيعي يعيش جنب أخيه السنّي وبينهم تزاوج ومعاملات، والشيعة يحضرون تشييع جنائز أهل السنّة وبالعكس، ولم يكن حبّ وولاء الشيعة للإمام علي  في الوقت الحاضر وإنّما منذ زمن رسول الله ، ونفس رسول الله  أطلق لقب الشيعة على أتباع الإمام علي  وهي حركة من عمق الإسلام والقرآن وهدفها رضا الله تعالى.(2)


1- يوسف: 101.
2- الغدير العلامة الأميني: ج2، ص57.

ص: 126

ص: 127

الفصل الرابع: بعض فضائل الإمام علي  وأهل بيته 

نزول سورة الدهر بحقّ علي  وأهل البيت

إنّ أهل البيت وفي مقدّمتهم الإمام علي  هم بحر معطاء بالفضائل والمناقب ولا يمكن لأحد إحصائها بهذه العُجالة، وفي هذا البحث المتواضع لابدّ من تخصيص بحوث وبحوث للكتابة فيها حيث شهد لهم الأعداء قبل الأصدقاء والفضل ما شهدت به الأعداء. ولا بأس بذكر بعض فضائله.

ولادته

أوّل هاشمي ولد من هاشميين

لقد ولد أمير المؤمنين  الشخصية الاُولى بعد الرسول ، الذي تربى في حجر الوحي وارتضع من لبان النبوة، ومن أبوين قرشيين هاشميين، وهما: أبو طالب، شيخ الأبطح... وفاطمة بنت أسد، بن هاشم بن عبد مناف.

وقال الكليني وغيره: وهو أوّل هاشمي وليد من هاشم مرّتين، وقريب منه غيره .(1)


1- الكافي: ج1، ص376، ونسب قريش لمصعب الزبيدي، ص17، التهذيب: ج6، ص19، بحار الأنوار: ج35، ص5؛ اُسد الغابة: ج4، ص16، وج 5، ص517.

ص: 128

وعلَّق المجلسي  بأنّ اُخوته طالباً، وعقيلاً، وجعفراً قد ولدوا قبله من هذين الهاشميين، وقول التهذيب وغيره "في الإسلام" لا يصحّ ذلك!

إذ لو كان مرادهم أنّه ولد بعد البعثة فهو لا يصحّ للاتفاق بأنّه ولد قبل البعثة.

ولو كان المراد: أنّه الوحيد الذي وُلد بعد ولادة الرسول  فهو كذلك لا يصحّ؛ لأنَّ أكثر أخوته ولدوا بعد ولادة النبي  مع أنّ هذا اصطلاح غريب غير معهود.(1)

والصحيح أن يُقال _ كما قال المعتزلي والشهيد وغيرهما _ واُمه أوّل هاشمية ولدت هاشمياً".(2)

الفضيلة الاُولى: ولادة أمير المؤمنين  في الكعبة

لقد ورد أنّه  ولد في جوف الكعبة أعزّها الله، وأنّ هذه فضيلة اختصّه الله بها، ولم تكن لأحدٍ قبله، ولا بعده وقد صرّح بذلك عدد كبير من العلماء، ورواة الأثر، وهو مستفيض عند شيعة أهل البيت ، كما أنّه كذلك في كتب غيرهم، حتّى لقد قال الحاكم وغيره:

(تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد، ولدت أمير المؤمنين علي بن ابي طالب في جوف الكعبة...).(3)

وصرّح عدد من العلماء والمؤرخين بأنّه لم يولد فيها أحدٌ سواه... .(4)


1- اُنظر: بحار الأنوار العلامة المجلسي: ج35، ص6.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج1، ص13، وج15، ص278، بحار الأنوار: ج35، ص6، البدء والتاريخ: ج5، ص71، نسب قريش: ص40.
3- المستدرك الحاكم النيسابوري: ج3، ص483.
4- اُنظر: المستدرك للحاكم: ج3، ص483 وتلخيصه للذهبي هامش نفس الصفحة، نور الأبصار: ص76، والفصول المهمّة لأبي الصباغ: ص12، ومناقب أمير المؤمنين لابن المغازلي: ص7.

ص: 129

قال السيّد الحميري _ المتوفّى في سنة 173ﻫ :

ول_دت_ه في ح_رم الال_ه وآمنهوالبيت حيث فناؤه والمسجد

وقال عبد الباقي العمري:

أن__ت ال_ع_لي ال__ذي ف___وق ع___لا رُفعا ببطن مكّة وسط البيت إذ وضعا

وهل يوجد أعظم من هذه الكرامة؟!

الفضيلة الثانية: أوّل من أسلم

اشارة

إنّ أوّل من أسلم، واتبع وصدّق وآزر وناصر، هو أمير المؤمنين وإمام المتقين علي بن أبي طالب .

وقد أورد العلاّمة الأميني في كتابه القيّم الغدير ج 3، ص 224 وص 236.

أقوال العشرات من كبار الصحابة والتابعين وغيرهم من الأعلام، وعن العشرات من المصادر غير الشيعية، تؤيّد وتؤكّد على أنّ أمير المؤمنين هو أوّل الاُمّة إسلاماً: ونذكر منهم:

1. عليٌّ نفسه 2. الإمام الحسن  3. الإمام الباقر  4. عمر بن الخطاب 5.سلمان الفارسي 6. أنس بن مالك 7. ابن عبّاس 8. أبو ذرّ 9. المقداد 10. الخباب بن الأرت 11. جابر بن عبد الله الانصاري 12. أبو سعيد الخدري 13. حذيفة بن اليمان 14. عبد الله بن مسعود 15. أبو أيوب الانصاري 16. خزيمة بن ثابت 17. عمرو بن العاص 18. سعد بن أبي وقاص 19. زيد بن الأرقم 20. محمّد بن أبي بكر 21.جرير بن عبد الله البجلي 22. بريرة الأسلمي 23. عفيف الكندي 24. أبو رافع 25. أبو حزام 26. هاشم المرقال 27. عبد الله بن حجل 28. أبو عمرة 29. عبد الله بن خبال بن الأرث 30 عبد الله بن بريرة 31. مالك الأشتر 32. عدي بن حاتم 33.محمّد بن الحنفية 34. مالك بن عبادة 35. عبد الله بن حاتم المرقال 36. عمر بن

ص: 130

الحمق 37. سعيد بن قيس الهمداني 38. عبد الله بن أبي سفيان 39. كعب بن زهير 40. ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب 41. الفضل بن أبي لهب وغيرهم.

بعض ما جاء في سبق علي  إلى الإسلام

هذا كلّه... بالإضافة إلى الكثير من الروايات الواردة عن النبي الاعظم، وكذلك كلمات أمير المؤمنين  نفسه، وكلمات الصحابة والتابعين وأشعارهم، بل ادّعى البعض الإجماع عليه(1) ، ولعلّ حصر ذلك متعذر على أي باحث ومتتبع، لذا فلا محيص لنا عن الاكتفاء بأمثلة قصيرة لتكون عنواناً وإشارة لغيرها من الكثير الطيّب الذي لم نذكره ونحيل القارئ الكريم إلى ما كتبه العلاّمة الأميني في الغدير: ج3، ص220 _ 243، وج 10، ص 158 _ 162.

وممّا ورد عن النبي  بسند صحيح قوله:

«أولكم وروداً عليّ الحوض، أولكم إسلاماً علي بن أبي طالب »(2) .

وعنه : «إنّه أوّل أصحابي إسلاماً، وأقدم اُمتي إسلاماً»(3) .


1- انظر: الصواعق المحرقة لأبي حجر العسقلاني، الفصل الاول، الباب التاسع، كتاب: المعرفة للحاكم، ص22.
2- مستدرك الحاكم: ج3، ص136 وصحيحه؛ وتاريخ بغداد للخطيب: ج2، ص81؛ والاستيعاب، هامش الاصابة: ج3، ص28 وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، والسيرة الحلبية، والسيرة النبوية لدحلان ومناقب الخوارزمي والغدير وغيرها.
3- الغدير: ج3، ص95 _ 96؛ عن مسند احمد، ج5 _ 26؛ والاستيعاب، ج3، ص36؛ والرياض النضرة؛ مجمع الزوائد والمرقاة، كنز العمال؛ والسيرة النبوية، لدحلان؛ والسيرة الحلبية، راجع أيضاً: مستدرك الحاكم، ج3، ص111؛ والمنمق؛ وجمع الجوامع؛ ومجمع الزوائد، ج9، ص102... وغيره. عن الطبراني عن ابن إسحاق، وقال: هو مرسل صحيح الإسناد وأخرجه الطبراني وأحمد قال الهيثمي: ج9، ص101 إلخ.

ص: 131

وعنه أنّه أخذ بيد علي  فقال: «هذا أوّل من آمن بي، وهذا أوّل من صافحني يوم القيامة، وهذا الصدّيق الأكبر»(1) .

تصريحات أمير المؤمنين  حول سبق إسلامه

وعليّ  نفسه يُصَّرح في كثير من المناسبات بذلك، فيقول عن نفسه:

إنّه لم يسبقه أحدٌ في الصلاة مع رسول الله ، وإنّه أوّل من أسلم مع رسول الله ، وإنّه لا يعرف أحداً في هذه الاُمة عبد الله قبله غير النبي ، وإنّه صلى قبل أن يصلّي الناس وعمره سبع سنين.(2)

لعلّ المراد التعبد مع النبي  قبل البعثة بثلاث سنين _ حيث بدأت إرهاصات النبوة، ثُمّ يضمّ إليه ثلاث أو خمس سنين فترة الدعوة السريّة بعد البعثة، أو لعلّه عبده حقّاً مع رسول الله  قبل البعثة سبع سنين إلاّ أنّ الصحيح يكون في الرواية هو ما ذكره ابن بطريق: صلّت الملائكة عليّ وعلى عليّ سبع سنين.

كما أنّه  قد كتب هو نفسه بهذا الأمر إلى معاوية، وردده في كلماته الكثيرة المتضافرة.(3)


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج13، ص220.
2- كشف الغمة للاربلي: ج1، ص342.
3- راجع الغدير العلامة الأميني: ج3، ص213 _ 221 _ 222، ح10، ص158، 164 وج 2، ص25، 30، 314؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج1، ص503، 404، 83، ج2، ص102؛ وأبي داود باسناد وتاريخ بغداد للخطيب: ج4، ص224؛ ومجمع الزوائد: ج9، ص102؛ وفرائد السمطين: باب 48؛ وقعة صفين، لنصر بن مزاحم؛ جمهرة الخطب: ج8، ص178، 542، 428؛ وجمهرة الرسائل: ج1، ص542، ومروج الذهب: ج2، ص259؛ وتذكرة السبط ابن الجوزي: ص115؛ والمحاسن والمساوئ وغيرها.

ص: 132

دليل آخر

إنّ احتجاجه  واحتجاج أصحابه من الصحابة والتابعين بهذه الكثرة عل خصومهم، في صفّين وغيرها واهتمامهم الواضح بهذا الأمر ليدلّ على ذلك دلالة واضحة، ولم نجد أحداً من أعدائه  حاول إنكار ذلك والتشكيك فيه أو طرح اسم آخر على أنّه هو صاحب هذه الفضيلة دونه، رغم توفر الدواعي لذلك. ورغم كون الطرف المقابل لا يتورع حتّى عن اختلاق الكذب على الرسول الأعظم ، بل على الله سبحانه وتعالى. فلو أنّهم عرفوا أنّ كذبتهم تجوز على أحد لكانوا لها من المبادرين، ولكن كلّ ذلك يدلّ أنّ ذلك كان أمراً مسلماً ومجمعاً عليه ولا يمكن إنكاره من احد.

وكشاهد على هذا التسالم نذكر هنا حادثة واحدة فقط ونترك ما سواها وهو كثيرٌ جدّاً _ جرت لسعد بن أبي وقاص الذي كان منحرفاً عن علي ، حيث سمع رجلاً يشتمُ عليّاً، فوقف عليه وقرره بقوله: يا هذا، عَلامَ تشتم علي بن أبي طالب؟ ألم يكن أوّل من أسلم؟ ألم يكن أوّل من صلى مع رسول الله ؟ ألم يكن أعلم الناس؟(1) كما أنّ المقداد كان يتعجب من قريش لرفضها هذا الأمر يعني أنّه أوّل المؤمنين إسلاماً عليّ ابن أبي طالب .(2)

نقل حادثة

كان عليٌّ  قد مرَّ من أمام شيبة والعبّاس بن عبد المطلب، فقال شيبة: أنا سادن المسجد الحرام وبيدي مفاتيح البيت وأقوم بتعمير المسجد الحرام.


1- مستدرك الحاكم: ج3، ص500 وصححه هو والذهبي في تلخيصه هامش نفس الصفحة؛ حياة الصحابة: ج2، ص514، 515.
2- الغدير: ج9، ص115؛ عن اليعقوبي، ج2، ص140.

ص: 133

وقال العبّاس بن عبد المطلب: أنا ساقي الحاجّ الماء بيدي، وكان كلّ منهما يتفاخر بعمله، وأمّا عليّ  فقال:

وأنا بهذا السن الصغير لديَّ افتخار ليس لديكما، وهو أنا بسيفي وجهادي أنتما آمنتما بالله وبرسوله.

هذا الأمر شقّ عليهما كثيراً ولم يتحملاه باعتبارهما سادات قريش كبارهم، فشكا العبّاس إلى رسول الله  وأخبره بما جرى فدعا رسول الله عليّاً  قائلاً له: لماذا تتحدّث بهكذا مع عمّك العبّاس؟

فأجاب علي : هجومي عليهما لم يكن باطلاً وفي هذه الأثناء نزل جبرئيل بالآية الكريمة: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ﴾ .(1)

الفضيلة الثالثة: مبيت علي  وهجرة النبي 

اشارة

اجتمع أشراف قريش في دار الندوة، ولم يتخلف منهم أحدٌ من بني عبد شمس، ونوفل، وعبد الدار، وجمح، وسهم، وأسد، ومخزوم وغيرهم، وشرطوان ألاّ يدخل معهم تُهامي؛ لأنّ هواهم كان مع محمّدٍ .(2)

كما أنّهم قد حرصوا على ألاّ يكون عليهم من الهاشميين، أو من يتصل بهم عين أو رقيب.(3)

وتذكر الروايات: إنّ إبليس قد دخل معهم بصفة شيخ نجدي، وتشاوروا فيما


1- التوبة: 19؛ تفسير الأمثل: ج7، ص312.
2- تاريخ الخميس: ج1، ص321؛ السيرة الحلبية: ج2، ص25؛ راجع: الأبصار، ص10.
3- المصدر السابق.

ص: 134

بينهم ما يصنعون بمحمّد، وذكروا الحبس في الحديد، فرأوا أنَّ من الممكن أن يتصل بأنصاره، ويطلقوا سراحه، وذكروا النفي إلى بعض البلاد فرأوا أنّ ذلك يمكّن الرسول  من نشر دينه، فاستقرَّ رأيهم أخيراً على اقتراح أبي جهل أو إبليس، بأن يأخذوا من كلّ قبيلة شاباً جلداً قوياً، حسيباً في قومه، نسيباً وسطاً، ويعطى كلّ منهم سيفاً صارماً، ويدخلوا على محمّد  بأسيافهم فيضربونه ضربة رجلٍ واحد، فيقتلوه ويتفرق دمه في القبائل؛ لأنّ بني عبد مناف لا يقدرون على حرب القبائل جميعاً فيضطرون إلى القبول بالدية فيعطونهم إيّاها، وينتهي الأمر.

وواضح أنّ الشروط التي اعتبروها في العشرة، إنّما هي من أجل لا تُفكّر قبيلة بتسليم صاحبها الأمر الذي سوف يجعل الهاشميين أكثر قدرة على ضرب قريش، مهما كانت الضربة محدودة، كما أنّ ذلك يجعل الذي يقدمون على اقتراف تلك الجريمة أكثر ثقة وإقداماً على هذا الأمر الخطير، الذي لا يجوز التردد والضعف والوهن فيه.

وعلى كل حال، فقد أخبر الله سبحانه وتعالى نبيه بهذه المؤآمرة عن طريق الوحي، ونزل قوله تعالى ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾(1) . والمكر: هو التدبير السري لإفشال عمل يعزم عليه الغير.

ويقول المؤرّخون: إنّ أولئك القوم الذين انتدبتهم قريش، اجتمعوا على باب النبي، أي باب عبد المطلب على ما في الروايات .(2)

ويرصدونه، يُريدون بياته، وفيهم: الحكم بن أبي العاص، وعقبة بن أبي معيط، والنضر بن الحارث، واُمية بن خلف، وزمعة بن الأسود، وأبو لهب وأبو جهل، وأبو الغيطلة، وطعمة بن عدي، واُبَي بن خلف، وخالد بن الوليد وعتبة، وشيبة وحكيم بن


1- الانفال: 30.
2- بحار الأنوار: ج19، ص73 عن الخرائج والجرائح.

ص: 135

حزام، ونبيه، ومنبه ابنا الحجاج .(1)

نعم، لقد اختارت قريش من قبائلها العشرة، أو الخمسة عشر رجلاً، بل أكثر على اختلاف النقل؛ ليقتلوا النبي الأعظم  بضربة واحدة بسيوفهم.

بل قيل: إنّهم كانوا مئة رجل .(2)

ونحن نستبعد ذلك، لمخالفته لسائر الروايات الاُخرى.

لقد اجتمعوا فأخبر الله نبيّه بمكرهم، فأمر النبي  علياً بالمبيت في فراشه، بعد أن أخبره بمكر قريش فقال علي : أوتسلم بمبيتي هناك يا نبي الله؟ قال: نعم، فتبسم عليّ ضاحكاً وأهوى إلى الأرض ساجداً، شكراً لله، فنام في فراش النبي ، واشتمل ببرده الحضرمي، ثُمّ خرج النبي  في فحمة العشاء، والرصد من قريش قد أطاقوا بداره ينتظرون، فخرج وهو يقرأ هذه الآية الكريمة ﴿وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ﴾.(3)

وكان بيده  قبضة من تراب، فرمى بها في رؤوسهم، ومرَّ من بينهم، فما شعروا به وأخذ طريقه إلى غار ثور.

فجاء أبو بكر وأمير المؤمنين؛ نائم، فقال: با نبي الله _ وأبو بكر يحسبه النبي  _ فقال له علي : إنّ نبي الله قد انطلق نحو بئر ميمونة فأدركه، فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار .(4)


1- السيرة الحلبية: ج2، ص28؛ ونور الأبصار: ص15.
2- راجع: الأمالي للطوسي: ج2، ص80 _ 81.
3- يس: 9. راجع: الأمالي للطوسي: ج2، ص86.
4- راجع: مناقب الخوارزمي الحنفي: ص73؛ ومستدرك الحاكم: ج3، ص133 وتلخيصه للذهبي بهامشه وصححاه، ومسند أحمد: ج1، ص331؛ وتذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي: ص34؛ وشواهد التنزيل: ج1، ص207، والفصول المهمة لأبي الصبّاغ المالكي: ص30؛ وخصائص أمير المؤمنين للنسائي: ص63.

ص: 136

جديرٌ بالذكر أنّ النبي  قد أوصى علياً بوصايا منها:

أوّلاً: إرجاع الأمانات إلى أهلها؛ لأنّ قرشياً كانت تودع أموالها بعنوان أمانة عند النبي ، لأنّه الصادق الأمين.

ثانياً: شراء رواحل (جمع راحلة) لجلب الفواطم إلى المدينة، وكذلك شراء رواحل لكلّ من يريد الهجرة إلى المدينة.

قال أبو عبيدة: قلتُ لعبيد الله (يعني ابن أبي رافع): أو كان رسول الله يجدُ ما ينفعه هكذا؟

فقال: إنّي سألتُ أبي عمّا سألتني عنه، وكان يحدّثُ لي هذا الحديث، فقال: وأين يذهبُ بِكَ عن مال خديجة ؟ قال: إنّ رسول الله  قال: ما نفعني مالُ قط مثلما نفعني مال خديجة!

وكان رسول الله  يفُك من مال خديجة الغارم والعاني، يَحمِلُ الكل، ويُعطي في النائبة، ويَرفد فقراء أصحابه إذ كان بمكّة ويحمل من أراد منهم الهجرة وبَعد أن أقام رسول الله  في الغار ثلاثاً، انطلق يؤم المدينة .(1)

وقال أمير المؤمنين  بذكر مبيته في الفراش ومقام رسول الله :

وَقيتُ بنفس_ي م_ن واط__ئ الحصاومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر

مح_مّ_د لم_ا خ__اف أن ي_م_ك_روا ب_هف_وق_اه ربّي ذو الج_لال م_ن الم_ك_ر

وب_تُ اُراع_يه_م مت_ى ينشرون_نيوقد وطّنتُ نفسي على القتل والأسر

وباتَ رس_ول الله في الغ_ار آم_ن_اًهن_اك وفي ح_ف_ظ الإل_ه وفي س__ترِ

أقام ثلاثاً ثُمّ زمت قلائص قلائصي_ف_ري__نَّ الح_ص_ا أيَّ__ما ت_ف___ري

هكذا ذكر المؤرّخون حيث قالوا:

وجعل المشركون يرمون عليّاً بالحجارة، كما كانوا يرمون رسول الله وهو


1- الأمالي للطوسي: ج2، ص81، 82؛ بحار الأنوار: ج19، ص61، 72.

ص: 137

يتضور (يتلوى ويتقلب)، وقلد لف رأسه في الثوب لا يخرجه حتّى اُصبح فهجموا عليه، فلما أبصرهم عليّ  قد انتضوا السيوف، وأقبلوا عليه، يقدمهم خالد بن الوليد، وثب به عليّ  فختله وهمز يده فجعل خالدُ يقمص قماص البكر، ويرغو رغاء الجمل، وأخذ منه السيف وشدَّ عليهم بسيف خالد، فأجفلوا أمامه إجفال النعم إلى خارج الدار، ويبصرونه فإذا علي ، قالوا: وإنَّك لعليّ؟ قال: أنا عليّ. قالوا: فإنّا لم نُردْك، فما فعل صاحُبكّ؟ قال: لا علم لي به.(1)

بعد ذلك وكما أمره رسول الله  صاح عليّ في الناس من كان له أمانة عند رسول الله  فليأت فليأخذ أمانته، وفعلاً أدّى الأمانات إلى أهلها واصطحب الفواطم خلف رسول الله  إلى المدينة.

المثل الأعلى للتضحية

يقول العلاّمة السيّد هاشم معروف الحسني: (وهنا تبدأ قصّته من أروع ما عرفه تاريخ الفداء والتضحية، فالشجعان والأبطال يثبتون في المعارك في وجه أعدائهم ويدافعون بما لديهم من سلاح وعتاد مع أنصارهم وأعوانهم، وقد تضطرهم المعارك أن يثبتوا في مقابل العدو، لا منفردين أما أن يخرج الإنسان إلى الموت طائعاً مطمئناً بدون سلاح ولا عتاد، وكان يخرج ليعانق غادة حسناء، فينام في فراش تحف به المخاطر والأهوال، أعزل من كلّ شيء سوى الإيمان وثقته بربّه، وحرصه على الإسلام وسلامة قائده، كما حدث لعليُ  حينما عرض عليه ابن عمّه محمّد  أمر المبيت في فراشه، ليتمكّن هو من الفرار والتخلّص من مؤامرة قريش، فهذا مالم يحدث في تاريخ البطولات، وما لم يُعرف من أحدٍ في تاريخ المغامرات في سبيل المبدأ والعقيدة.


1- الأمالي للطوسي: ج2، ص82 و83.

ص: 138

بعد ذلك نزل جبرئيل على الرسول  بالآية الكريمة بحق عليّ:

﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾(1) .

ولم يكن مبيت علي  ليلة هجرة الرسول  هي المرّة الاُولى، فلقد كان أبو طالب في أيّام الحصار في الشعب يُنِمَ عليّاً في فراش النبي حتّى إذا حصلت حادثة اغتيال، كان عليّ دون النبي  ولم يكن ليُمانع في ذلك أبداً، بل كان يقدم عليه برضا نفس وطيبة خاطر.(2)

المبيت والخلافة

والغريب هنا: أن نجد أحداً مَن عُرِف بنصبه وبالعداء لشيعة عليّ ومحبيه  يضطر لئن يعترف بأنّ قضية مبيته  في فراش النبي  ليلة الهجرة من الإشارات الواضحة إلى خلافته، فيقول:

(هذا الذي كان من علي  في ليلة الهجرة، إذا نظر إليه من مجرى الناظر إمارات واضحة وإشارات دالّة على أنّ هذا التدبير الذي كان في تلك الليلة لم يكن أمراً عارضاً بالإضافة إلى عليّ ، بل هو عن حكمة لها آثارها في معقباتها) فلنا أن نسأل:

أكان لإلباس الرسول  شخصيتهِ لعليّ تلك الليلة ما يوحى بأنّ هناك جامعة تجمع بين الرسول  وبين عليّ  أكثر من جامعة القرابة القريبة التي بينهما؟ وهل لنا أنْ نستشف من ذلك أنّه إذا غاب شخص الرسول كان عليٌّ (كذا).

هو الشخصية المهيأة لئن تخلق وتمثل شخصه وتقوم مقامه؟

وأحسَبُ أنَّ أحداً قبلنا لم ينظر إلى هذا الحدث نظرتنا هذه إليه، ولم يقف وقفتنا تلك حتّى شيعة علي (3).


1- البقرة: 207.
2- راجع: سيرة المصطفى: ص250 و252.
3- سيرة المصطفى: ص107 و108.

ص: 139

قريش والمبيت

يقول البعض أيضاً: (إنَّ هذا الذي كان من عليٍّ ليلة الهجرة في تحديه لقريش هذا التحدي السافر؛ واستخفافه بهم وقيامه بينها ثلاثة أيّام يغدو ويروح، أنّ ذلك لا تنساه قريش لعليٍّ أبداً ولولا أنّها وجدت في قتله يومئذٍ إثارة فتنة وتمرقْ وحدتها وتشتت شملها دون أن يكون في ذلك ما يبلغ في محمّد  لولا ذلك لقتلته، وشفت ما يصدرها منه، ولكنّها تركته وانتظرت الأيّام لتسوي حسابها معه(1) .

مقايسة غير صحيحة

وأنّ مبيت أمير المؤمنين هذا، قد ضيّع الفرصة على قريش، وأفشل ما كانت دبّرته في النبي  كما أنّه قد كان سبباً لتمكين الدين، وأعلى كلمة الحقّ.

وأمّا أن يقاس ذلك بقضية ذبح إسماعيل . فلا يصحّ ذلك؛ لأنّ إسماعيل قد استسلم لوالدٍ شفيق رحيم، وعلي  استسلم لعدوه الذي لا يرحمه ومَن لا يشفي غليله إلاّ بسفك دمه، وصَبّ أقسى أنواع العذاب والتنكيل عليه، مع شماتة قاتله.

الفضيلة الرابعة: نزول آيات قرآنية بحقّهم

اشارة

من الفضائل الاُخرى للإمام علي  وأهل البيت  نزول قسم كبير من القرآن الكريم بحقّهم اما ضمن العام أو بخصوصهم ، ومنها:

نزول سورة الدهر أو الإنسان

هناك آيات كثيرة في هذه السورة نزلت بحقّ علي وفاطمة والحسن والحسين ، ومن هذه الآيات:


1- علي بن أبي طالب لعبد الكريم الخطيب: ص106.

ص: 140

﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا﴾.(1)

وكذلك قوله تعالى ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا﴾(2) ﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا﴾(3) ﴿ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا﴾(4) .

وقضية نزول هذه الآيات معروفة في المجالس عن الإمام الباقر  يقول على شهوتهم للطعام وإيثارهم له مسكيناً من مساكين المسلمين ويتيماً من يتامى المسلمين وأسيراً من أسارى المشركين.

كما قال سبحانه في موضع ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾.(5)

وفي المجمع قد روي الخاص والعام أنّ الآيات من هذه السورة قوله ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا * وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا * قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا * وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ


1- الدهر: 8 _ 9.
2- الدهر: 5.
3- الدهر: 6.
4- الدهر: 7.
5- الحشر: 9.

ص: 141

مِزَاجُهَا زَنجَبِيلًا * عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا * عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا * إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا﴾.

نزلت في علي  وفاطمة والحسن والحسين  وجارية لهم اسمها فضة.

والقصة طويلة إجمالها أنّه مرض الحسن والحسين  فعادهما جدّهما ووجوه العرب، وقالوا: يا أبا الحسن، لو نذرت على ولديك نذراً فنذر صوم ثلاثة أيّام أن شفاهما الله سبحانه وتعالى، ونذرت فاطمة  وكذلك نذرت فضة ذلك فَبرآ وليس عندهم شيء فاستقرض عليّ  ثلاثة صوع شعير من يهودي، وروي إنّه أخذها ليغزل له صوفاً وجاء به إلى فاطمة  فطحنت منها صاعاً فأخبزته وصلى عليّ  المغرب وقربته إليهم فآتاهم مسكيناً يدعو لهم وسألهم فاعطوه ولم يذوقوا شيئاً الاّ الماء، فلما كان اليوم الثاني أخذت صاعاً فطحنته واختبزته وقدمته إلى علي ، فإذا بيتيم على الباب يستطعم فاعطوه ولم يذوقوا إلاّ الماء، فلما كان اليوم الثالث عمدت إلى الباقي فطحنته واختبزته وقدمته إلى عليّ ، فإذا بأسيرٍ على الباب يستطعم فأعطوه ولم يذوقوا الاّ الماء، فلما كان اليوم الرابع وقد فضوا نذورهم أتى عليّ  ومعه الحسن والحسين  إلى النبي  وبهما ضعف، فبكى رسول الله ونزل جبرئيل بسورة هل آتى.

وفي رواية أنّ عليّاً آجر نفسه ليسقي نخلاً بشيءٍ من شعير ليلةً حتّى أصبح فلما قبض الشعير طحن ثلثه فجعلوا منه شيئاً ليأكلوه ويقالُ له: (الحريرة)(1) فلما تمَّ انضاجه أتى مسكين فأخرجوا إليه الطعام، ثُمّ عملوا الثلث الثاني فلما تمَّ انضاجه أتى يتيم فسأل فأطعموه، ثُمّ عملوا الثلث الثالث فلما أتى انضاجه طرق الباب أسيرٌ من


1- الحريرة: دقيق يطبخ بلبن أو بدسم.

ص: 142

المشركين فسألهم فاطعموه (وطوو)(1) يومهم ذلك.

والقمّي عن الصادق  كان عند فاطمة  شعيراً فجعلوه (عصيدة)(2) فلما انضجوها ووضعوها بين أيديهم جاء مسكين، فقال: رحمكم الله اطعمونا ممّا رزقكم الله، فقام علي  فأعطاه ثُلثها.

فلم يلبث أن جاء يتيم، فقال: رحمكم، فأعطاه عليٌّ  الثلث الثاني فأنزل الله سبحانه وتعالى آيات فيهم من سورة الدهر.

قوله تعالى ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا﴾(3)

وفي المجالس عن الصادق عن أبيه  ما يقرب ممّا ذكره في المجمع بالرواية الاُولى ببسط من الكلام مع زيادات مع حكاية أفعالهم وأقوالهم  وذكر فيه.

وقال الصبيان: ونحن أيضاً نصوم ثلاثة أيّام فالبسهما الله عافية فأصبحوا صياماً وفي آخره فهبط جبرئيل، فقال يا محمّد، خُذ ما هنّاه الله لك في أهل بيتك.

قال النبي : وما آخذ يا جبرئيل. قال: هل أتى إلى قوله تعالى وكان سيعكم مشكوراً.

وفي المناقب عن أكثر من عشرين من المفسرين وبرواية أهل البيت عن الباقر  ما يقرب ممّا ذكره في المجالس إلاّ أنّه ليس فيه ذكر صيام الصبيان وفي آخره فرآهم النبي  جياعاً فنزل جبرئيل ومعه صفحة من الذهب والفضة مرصعة بالدرّ والياقوت مملوءة من الثريد وعراق يفوح منها رائحة المسك والكافور، فجلسوا واكلوا حتّى شبعوا، ولم ينقص منها لقمة، وخرج الحسين  ومعه قطعة عراق


1- طوى فلان: جاع ولم يأكل شيئاً.
2- العصيدة: دقيق يلتّ بالدهن ويطبخ.
3- الدهر: 7 _ 9.

ص: 143

فنادته يهودية يا أهل البيت، الجوع. من اين لكم هذه؟ اطعمنيها، فمدّ يده الحسين  ليطعمها، فهبط جبرئيل وأخذها من يده ورفع الصفحة إلى السماء، فقال: لولا ما أراد الحسين  من إطعام الجارية تلك القطعة والاّ لتركتُ تلك الصفحة في أهل البيت يأكلون منها إلى يوم القيامة: ونزل قوله تعالى ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ﴾(1) .

وكانت الصدقة في ليلة خمس وعشرين من ذي الحجّة ونزلت سورة الدهر في اليوم الخامس والعشرين منه.

وفي كتاب المناقب:

لابن شهر آشوب وروى أبو صالح، ومجاهد، والحسن، وعطا وقتادة ومقاتل والليث وابن عبّاس وابن مسعود وابن جبير وعمر وابن شعيب والحسن بن مهران والنقاش والقشري والثعلبي والواحدي في تفسيرهم وصاحب أسباب النزول والخطيب المكّي في الأربعين وأبو بكر الشيرازي في نزول القرآن في أمير المؤمنين ، والأشفهي في اعتقاد أهل السنة وأبو بكر محمّد بن أحمد بن الفضل النحوي في العروس في الزهد وروى أهل البيت  عن الأصبغ بن نباتة وغيرهم عن الباقر  واللفظ له في قوله تعالى ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ﴾(2) .

إنّه مَرِض الحسن والحسين  فعادهما رسول الله  في جمع أصحابه وقال لعليّ: يا أبا الحسن لو نذرت في ابنيك نذراً عافاهما الله تعالى، فقال عليّ : أصوم ثلاثة أيّام، وكذلك قالت فاطمة  والحسن والحسين  وجاريتهم فضة فبرآ فاصبحوا صباحاً وليس عندهم طعام.

فانطلق عليّ  إلى جارٍ له من اليهود يُقال له: فنحاص بن الحارا وفي رواية شمعون بن ماريا يستقرضه كان يعالج الصوف(3)، فأعطاه جزّة من صوف وثلاثة


1- الإنسان: 7.
2- الإنسان: 1.
3- تفسير الصافي فيض الكاشاني: ج5، تفسير سورة الدهر.

ص: 144

أصوعٍ من شعير، وقال: تغزلها ابنة محمّدٍ فجاء بذلك فغزلت فاطمة ثلث الصوف، ثُمّ طبخت صاعاً من الشعير وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص، فلما جلسوا خمستهم فأوّل لقمة كسرها علي  فإذا مسكين على الباب يقول: السلام عليكم يا أهل بيت محمّد أنا مسكين من مساكين المسلمين اطعموني ممّا تأكلون أطعمكم الله من موائد الجنة، فوضع علي  اللقمة من يده، وقال:

فاط_م ذات المجد واليقينيا بنت خير الناس أجمعين

أما تري_ن البائس المسكينق_د ق_ام بالباب له حنين

يشكو إلينا جائع حزينكلّ امرئ يكس_به ره_ين

فقالت فاطمة :

أمرك سمعاً يا بن عم وطاعةم__ا فيَّ م_ن ل__ؤمٍ وض_اعة

أط_عم_هُ ولا اُب_الي الس_اع_ةأرجو إذا أشبع_تُ ذا مج_اعة

إنّ الح_قّ الأخي_ار الج_ماع_ةوادخل الخ_ل_د ولي شف_اع_ة

ودفعت ما كان على الخوان إليه وباتوا جياعاً وأصبحوا ولم يذوقوا إلاّ الماء القراح، فلما أصبحوا غزلت الثلث الثاني وطحنت صاعاً من الشعير وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص، فلما جلسوا خمستهم وكسر علي  لقمة إذا يتيم على الباب يقول: السلام عليكم أهل بيت محمّد، أنا يتيم من يتامى المسلمين اطعموني ممّا تأكلون أطعمكم الله من موائد الجنة.

فوضع عليّ  اللقمة من يده، وقال:

ف_اطم بنت السيّد الكريمب_نت نبي ليس الذم_ي_م

وقد ج_اء الله ندا الي_ت_يممَن يرحم اليوم فه_و رحيم

م_وعده في جنة النع_يمحرّم_ه_ا الله على اللئيم

ص: 145

فقالت فاطمة :

إنّي اُع_ط__ي__ه ولا اُب_اليواُوث__ر الله ع_لى ع_ي_الي

امسو جياعاً وهم أشبالي

نعم هذه الكرامات وهذه الفضائل اختصّ بها أهل البيت  وما قدمناه من فضائلهم قليل من كثير فهم عدل القرآن وتربية القرآن وتلامذة نبي الإسلام  وفي بيوتهم نزل القرآن.

(فجعلهم الله سبحانه وتعالى أهل بَيتِ النبوة وموضع الرسالة ومهبط الوحي ومختلف الملائكة ومحيط الوحي ومعدن الرحمة) .(1)

حقوق الإمام وحقوق الاُمة

هناك حقوق متقابلة للإمام والاُمة ففي كتاب بحار الأنوار الجزء (27) هناك روايات وأحاديث ننتخب للقارئ الكريم منها بعض الأحاديث بعنوان حقّ الإمام على الاُمة وحقّ الناس على الإمام.

قال الإمام علي :

لكلٍّ منّا (الإمام والناس) حقّ على الآخر.

أمّا حقّي عليكم:

1. الوفاء بالبيعة.

2. النصيحة في المشهد والمغيب.

3. الإجابة حين أدعوكم... .(2)


1- زيارة الجامعة الكبيرة، كليات مفاتيح الجنان: ص1060.
2- بحار الأنوار العلامة المجلسي: ج27، ص251.

ص: 146

أمّا حقّكم عليّ:

1. حُب الخير لكم.

2. تأمين الخزينة لكم.

3. التعليم والتأديب.

وفي حديث آخر عنه  قال: (ولكم عليّ من الحقّ مثل الذي لي عليكم) .(1)

يذكر السجاد  في رسالته الحقوقية حقوق الإمام والامة قائلاً: (وواجبها عليك حق أئمتك).

أمّا الإمام علي  يقول: لا تتحدثوا معنا كما تتحدثون مع الطواغيت والمتجبرين ولا تداهنون ولا تفكرّوا ملاحظاتكم ثقيلة علينا، كلما رأيتم قول الحقّ والمشاورة لنا مفيد فذكّرونا ولولا حفظ الله لنا لم تكن مصانين من الخطأ.(2)

لقد اعتنى الإسلام كثيراً ودقَقَ في صفات وشروط الإمام، لكن بعد تعيين ومعرفة الإمام تكون إطاعته من الواجبات المسلّمة على كلّ فرد في الاُمة .(3)

جاء في الحديث على الناس تجاه إمامهم ثلاثة واجبات:

1. معرفة الإمام بصفاته الممتازة التي تؤهله أن يكون قائداً معصوماً.

2. التسليم مقابل أوامر هؤلاء العظام ويتقبلون أقوالهم بقلوبهم.

3. الرجوع إلى هؤلاء العظام في حلِّ الاختلافات والقبول بهم كحكام لحلّ هذه الاختلافات.§ُصول الكافي محمد يعقوب الكليني: ج2، باب التسليم.


1- بحار الأنوار: ج27، ص251.
2- بحار الأنوار: ج27، ص253.
3- موضع الإمامة في الكافي: ج2، ص168.

ص: 147

والوفاء بتعهدات الطرفين (الإمام والاُمة) لها آثار إيجابية يذكرها الإمام علي :

1. (نظاماً لالفتهم).

2. (وعزّاً لدينهم).

3. (وإقامة مناهج الدين).

4. (وعزّ الحقّ).

5. (اعتدلت معالم العدل).

6. (جرت على إذلالها).

7. (طَمُع في بقاء الدولة ويئست مطامع الأعداء)(1) .

وجاء في الحديث (كَذِبَ من زعَم إنّه شيعتنا وهو مستمسك بعروة غيرنا).

كيف يضعف الأئمة المعصومين

حديثُ عن الإمام الصادق  قائلاً:

لو لم يجد بني اُمية من لم يكتب لهم ويجمع لهم الغنائم ويحارب معهم لما أكلوا حقّنا.

نعم تضعيف الإمام بسبب تسليم أصحاب العلاقة بنا الذين ليس لهم إرادة .(2)

هناك كثير من الأشخاص قلوبهم مع الإمام المعصوم، لكن بسبب الخوف أو الطمع يكونون مرتزقة للأجانب وهذه المشكلة يعاني منها الأئمة  في زمانهم ويعاني منها أتباعهم في زماننا الحاضر. وبالله المستعان.

حقّ أهل البيت في القرآن

لأهل البيت  حقّ ثابت على الاُمة فهناك آيات كثيرة في القرآن لإثبات هذا


1- بحار الأنوار: ج27، ص251.
2- بحار الأنوار: ج47، ص383.

ص:148

الحقّ نذكر منها الآية الكريمة: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىْ﴾.(1)

المراد هنا: مودة قرابة النبي  وهم عترته ومن أهل بيته  وقد وردت روايات من طرق أهل السنّة متكاثرة الأخبار وكذلك من طرق الشيعة في تفسير الآية بمودتهم وموالاتهم، ويؤيّده الأخبار المتواترة من طرق الفريقين على وجوب موالاة أهل البيت  ومحبّتهم.

ثُمّ التأمّل الكافي(2) في الروايات المتواترة الواردة من طرق الفريقين عن النبي ؛ لإرجاع الناس في فهم الكتاب بما فيه من اُصول معارف الدين وفروعها وبيان حقائقه إلى أهل البيت  كحديث الثقلين وحديث السفينة وغيرهما لا يدع ريباً في إيجاب مودتهم وجعلها أجراً للرسالة إنّما كان ذريعة؛ لإرجاع الناس إليهم فيما كان لهم من المرجعية العلميّة.

فالمودة المفروضة على كونها أجراً للرسالة لم تكن أمراً وراء الدعوة الدينية من حيث بقائها ودوامها، فالآية مؤداها لا يغاير مؤدّى الآيات النافية لسؤال الأجر.

ويؤل معناها إلى أنّي لا أسألكم عليه أجراً إلاّ أنّ الله لما أوجب عليكم مودة عامة المؤمنين ومن جملتهم قرابتي فإنّي احتسب مودتكم لقرابتي وأعدّها أجراً لرسالتي، قال تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ مَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾(3) وقال تعالى ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ﴾.(4)

وبذلك يظهر فساد ما أورد على هذا الوجه أنّه لا يناسب شأن النبوة لما فيه من التهمة بأنَّ اكثر طلبة الدنيا يفعلون شيئاً ويسألون عليه ما يكون فيه نفع أولادهم وقرباتهم.


1- الشورى: 23.
2- الكافي: ج1، ص168، كتاب الحجة.
3- مريم: 96.
4- التوبة: 71.

ص: 149

وأيضاً فيه منافاة لقوله تعالى ﴿مَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾.(1)

وجه الفساد أنَّ إطلاق الأجر عليها وتسميتها به إنّما هو بحسب الدعوى، وأمّا بحسب الحقيقة فلا يزيد مدلول الآية على ما يدلّ عليه الآيات الاخر النافية لسؤال الاجر كما عرفت ما في ذلك من نفع عائد إليهم فلا مورد للتهمة.

على أنّ هذه الآية مدنيّة خُوطب بها المسلمون وليس لهم أنْ يتهموا نبيّهم المصون بعصمة إلهية _ تعد الإيمان به وتصديق عصمته _ فيما يأتيهم به من ربّهم ولو جاز اتهامهم له في ذلك، وكان ذلك غير مناسب لشأن النبوة لا يصلح لئن يخاطب به لاطرّد مثل ذلك في خطابات قرآنية كثيرة كالآيات الدالّة على فرض طاعته المطلقة والدالة على كون الأنفال والغنائم لله ورسوله، والدالّة على خمس ذوي القربى، وما اُبيح له في أمر النساء وغير ذلك على أنّه تعالى تعرض لهذه التهمة ودفعها في قوله ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا فَإِن يَشَأِ اللهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ﴾(2) وهب أنّا صرفنا الآية عن هذا المعنى بحملها على غيره دفعاً لما ذُكر من التهمة فما هو الدافع لها عن الأخبار التي لا تحصى كثرةً الواردة من طرق الفريقين في إيجاب مودة أهل البيت عنه .

وأمّا منافاة هذا الوجه لقوله تعالى ﴿وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾.(3)

فقد اتّضح بطلانه بما ذكرناه، والآية بقياس مدلولها إلى الآيات النافية لسؤال الأجر نظير قوله تعالى ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا﴾.(4)

قال في الكشاف بعد اختياره هذا الوجه: فإن قلت: هلا قيل: إلاّ مودّة القربى أو إلاّ المودّة للقربى، وما معنى قوله: إلاّ المودّة في القربى؟ قلتُ: جعلوا مكاناً للمودّة


1- يوسف: 104.
2- الشورى: 24.
3- يوسف: 104.
4- الفرقان: 55.

ص: 150

ومقرّاً لها كقولك: لي في آل فلان مودّة ولي فيهم هوى وحبّ شديد، تريد أحبَّهم وهم مكان حبّي ومحلّه، قال: وليست بصلة للمودّة كاللام إذا قلتَ: إلاّ المودّة للقربى إنّما هي متعلقة بمحذوف تعلق الظرف به في قولك: المال في الكيس، وتقديره إلاّ المودّة ثابتة في القربى ومتمكثة فيها.

وقوله تعالى ﴿وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾ .(1)

الاقتراف: من الاكتساب، والحسنة الفعلة التي يرتضيها الله سبحانه وتعالى ويثيب عليها، وحسن العمل وملاءمته لسعادة الإنسان والغاية التي يقصدها، كما أنّ مساوئه وقبحه خلاف ذلك، وزيادة حسنها إتمام ما نقص من جهاتها وإكماله ومن ذلك الزيادة من ثوابها، كما قال سبحانه وتعالى ما ما جاء في تفسير الصافي ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ (2).


1- الشورى: 23.
2- الشورى: 23.

ص: 151

كذا في المجمع عن السجاد ، قال لما رجع رسول الله  من حجّة الوداع وقدم المدينة أتته الأنصار، فقالوا: يا رسول الله، إنّ الله تعالى قد أحسن إلينا وشرّفنا بك وبنزولك بين ظهرانينا، فقد فرّح الله صديقنا وكبت عدونا، وقد تأتيك وفود فلا تجد ما تعطيهم، فيشمت بك العدو فنحبّ أن نُعطيك ثلث أموالنا حتّى إذا قدم عليك وفد مكّة وجدت ما تعطيهم، فلم يرد رسول الله  عليهم شيئاً حتّى ينتظر ما يأتيه من ربّه، فنزل عليه جبرئيل، وقال: ﴿قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى﴾ ولم يقبل أموالهم، فقال المنافقون: ما أنزل الله هذا على محمّد وما يريد إلاّ أن يرفع بضبع ابن عمّه ويحمل علينا أهل بيته ويقول أمس: من كنت مولاه فعليّ مولاه، واليوم: قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى.

في الإسناد قريب عنه عن آبائه  لما نزلت هذه على رسول الله قام رسول الله  فقال: ايُّها الناس إنَّ الله تبارك وتعالى قد فرض لي عليكم فرضاً فهل أنتم مؤدّوه قال فلم يجبه أحدٌ منهم فانصرف فلمّا كان من الغد قام، فقال: مثل ذلك، ثُمّ قام فيهم، فقال: مثل ذلك في اليوم الثالث فلم يتكلّم أحدٌ، فقال: أيّها الناس أنّه ليس من ذهب ولا فضة ولا مطعم ولا مشرب، قالوا: فالقه إذاً قال: إنّ الله تبارك وتعالى أنزل عليّ: ﴿قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى﴾ فقالوا: أمّا هذه فنعم.

قال الصادق : فوالله ما وَفي بها إلاّ سبعة نفر: سلمان، وأبو ذر، وعمّار والمقداد بن الأسود الكندي، وجابر بن عبد الله الأنصاري، ومولى لرسول الله ، يقال له: الثبيت وزيد بن الأرقم.

وفي عيون الأخبار عن الرضا  ما يقرب منه مع بسط وبيان، وفي الجوامع روي إنّ المشركين قالوا فيما بينهم أترون أنّ محمّداً  يسأل على ما يتعاطاه أجراً فنزلت هذه الآية ويأتي أخبار آخر في هذه الآية، فقال هي والله فريضة من الله على العباد لمحمّد  في أهل بيته.

وفي الكافي عن الصادق  أنّه قال: ما يقول أهل البصرة في هذه الآية: ﴿لا أسألكم عليه أجراً﴾. قيل: إنّهم يقولون إنّها لأقارب رسول الله  قال: كذبوا إنّما نزلت فينا خاصة اهل البيت في علي وفاطمة والحسن والحسين  أصحاب الكساء: ﴿وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾(1) . وقوله تعالى ﴿لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ﴾(2) .

والمعنى ومن يكتسب حسنة نزد له في تلك الحسنة حسناً يرفع نقائصها وزيادة أجرها، إنّ الله غفور يمحو السيئات شكور يظهر محاسن العمل من عامله.


1- العنكبوت: 7.
2- النور: 38.

ص: 152

وقيل: المراد بالحسنة مودة قربى النبي  ويؤيّده ما في روايات أئمة أهل البيت  إنّ قوله: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى...﴾ إلى بعض ما تفوّه المنافقون تثاقلاً عن قبوله وفي المؤمنين سمّاعون لهم بقوله: ﴿هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ﴾ إلى آخر الآيتين الراجعين منهم وقبولها وفي قوله: ﴿إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾ التفات من التكلم إلى الغيبة، والوجه فيه الإشارة إلى علّة الاتصاف بالمغفرة والشكر، فإنّ المعنى: إنّ الله غفور شكور، لأنّه الله عزّ وجلّ الذي يقبل التوبة ويغفر الذنب والمشكور على آلائه ونعمه.

وفي المجمع روى زادان عن علي ، قال: فينا في آل حم آية إلاّ كل مؤمن: ثُمّ قرأ: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾.

قال الطبرسي: وإلى هذا اشار الكميت في قوله:

وجدنا لكم في آل ح_متأولها منّا تقي ومعربٌ

وفيه وصحّ عن الحسن بن علي  أنّه خطب الناس، فقال في خطبته: أنا من أهل البيت الذين افترض الله مودتهم على كلّ مسلم، فقال: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾.(1)

ففي الكافي بإسناده عن عبد الله بن عجلان، عن أبي جعفر  في قوله تعالى: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾(2) . قال: هم الأئمة.

أقول والأخبار في هذا المعنى من طرق الشيعة عن أهل البيت  كثيرة جدّاً مروية عنهم.

وفي المجمع عن ابن عبّاس، قال: لما نزلت هذه الآية ﴿قل لا أسألكم...﴾ الآية، قالوا يا رسول الله ، مَن هؤلاء الذين أمرنا الله سبحانه بموالاتهم قال: علي وفاطمة وولدهما .


1- الشورى: 23.
2- الشورى: 23.

ص: 153

وعن علي  قال: فينا في آل حم آية لا يحفظ مودّتنا إلاّ كل مؤمن وقرأ الآية: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ...﴾.

وعن النبي : إنّ الله خلق الأنبياء من أشجار شتّى وخُلقتُ أنا وعلي من شجرة واحدة فأنا أصلها، وعليٌّ فرعها، وفاطمة لقاحها، والحسن والحسين  ثمارها، وأشياعنا أوراقها، فمن تعلق بغصن من أغصانها نجا، ومن زاغ هوى، ولو أنّ عبداً عبد الله بين الصفا والمروة ألف عام، ثُمّ ألف عام، ثُمّ ألف عام حتّى يصير كالشنّ البالي، ثُمّ لم يدرك حجّتنا أكبّه الله على منخريه في النار، ثُمّ تلا الآية الكريمة: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إلاّ المودّة في القربى﴾(1) .

في الكافي عن الباقر  أنّه سُئل عنها فقال: هم الأئمة  وفي الخصال عن علي  قال: قال: رسول الله  «من لم يحبّ عترتي فهو لإحدى ثلاث: أمّا منافق، وأمّا لزينة وأما حملت به اُمه في غير طهر»(2) .

﴿وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾(3) .

في المجمع عن الإمام الصادق  قال: إنّها نزلت فينا أهل البيت أصحاب الكساء، وعن الحسن المجتبى  أنّه قال: _ في خطبة _ أنا من أهل بيتٍ الذين افترض الله مودّتهم على كلّ مسلم، فقال: ﴿قل لا أسألكم عليه أجراً﴾ قال: افتراف الحسنة مودّتنا أهل البيت.

وفي الكافي عن الباقر  في هذه الآية قال من توالى الأوصياء من آل محمّد  واتبع آثارهم فذاك نزيده ولاية من مضى من النبيين والمؤمنين الأولين حتّى يصل ولايتهم إلى آدم .


1- الشورى: 23.
2- الخصال للشيخ الصدوق: ص110.
3- الشورى: 23

ص: 154

قال رسول الله : إنّ يوم القيامة لم تزل قدماً عبدٍ حتّى يُسأل عن أربع: عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن حبّنا أهل البيت.

وقد وصفهم الشاعر بقوله:

من مع_ش_ر حبّ_هم دي_ن وبغض_ه_مك_ف_ر وقربه__م من_ج_ي ومعت_ص_م

إن عُ_دّ أهل التقى كان_وا أئ_متهمأو قيل من خير أهل الأرض قيل هم

وكم لهم من أياد وحقوق على المسلمين، ينوء القلم بشرحها وتعددها، لكن اذكر بعضها بشكل فهرس:

1. معرفتهم.

2. موالاتهم.

3. طاعتهم.

4. أداء حقّهم من الخمس.

5. الإحسان إلى ذريّتهم.

6. مدحهم ونشر فضائلهم.

7. زيارة مشاهدهم.

ص: 155

الباب الثالث: وفيه فصلان

اشارة

ص: 156

ص: 157

الفصل الأوّل: المناظرات

اشارة

مناظرات في الإمامة بين علماء أهل السنّة والشيعة جمعت من كتاب البدر الأزهر في مناظرات ليالي بيشاور، تأليف العلاّمة سلطان الواعظين السيّد محمّد الموسوي الشيرازي _ طاب ثراه _ تعريب وتحقيق: السيّد حسين الموسوي (الفالي)، بالإضافة على الرد على الشبهات التي طرحت في موضوع الإمامة، وكذلك الشبهات التي نسبت إلى الشيعة والتشيّع والجواب عليها.

آل محمّد هم الوسيلة

هناك شبهة تُطرح بأنَّ الشيعة يألّهون الأئمة الاثني عشر ويطلبون منهم حاجاتهم.

الردّ على هذه الشبهة:

نحن الشيعة نعتقد بأنَّ الله سبحانه وتعالى هو القاضي للحاجات وآل محمّد  لا يحلّون مشكلة ولا يقضون حاجة لأحدٍ الاّ بأذن الله تعالى وارادته وأنّهم: ﴿عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾.(1)


1- لأنبياء: 26 _ 27.

ص: 158

وقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ﴾(1).

فهم واسطة القبض والقبّاض هو الله سبحانه ربّ العالمين.

وهم الوسيلة التي أمرنا الله أن نتوسل بهم إليه فقال: ﴿وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ﴾.

المستشكل (الحافظ: من أين تقولون: بأنّ المراد من الوسيلة في الآية الكريمة هم آل محمّد ؟

(الجواب) قُلتُ: روى ذلك كبار علمائكم منهم: الحافظ أبو نعيم في «نزول القرآن في علي » والإمام الثقلين في تفسيره للآية الكريمة، والحافظ أبو بكر الشيرازي في كتاب «ما نزل من القرآن في علي » وآخرون من اعلامكم.

رووا عن النبي  بأنّ المراد من الوسيلة في الآية الكريمة هم عترة الرسول  وأهل بيته الطيّبون .

ونقل ابن أبي الحديد، وهو من اعلامكم، في شرح نهج البلاغة تحت عنوان

ذكر ماورد من السيير والأخبار في أمر فدك(الفصل الأوّل من خطبة الزهراء.

قالت: واحمدوا الله الذي لعظمته ونوره يبغي من في السماوات والأرض إليه الوسيلة ونحن وسيلته في خلقه... إلخ).

ردّ الشبهة القائلة بأنّ الشيعة أتباع عبد الله بن سبأ اليهودي

بداية تسمية الشيعة: كتاب ليالي بيشاور ص 60

تعلمون بأنَّ كلمة «الشيعة» تعني الأتباع والانصار، كما في القاموس في كلمة (شاع) قال شيعة الرجل: أتباعه وأنصاره وقد غلب هذا الاسم على كلّ مَن يتولى عليّاً وأهل بيته  حتّى صار اسماً خاصّاً لهم هذا هو معنى كلمة «الشيعة» فارجعوا ولا تشتبهوا بعد الآن.


1- المائدة: 35.

ص: 159

والاشتباه الآخر الذي صدر منكم عمداً أو سهواً قولكم: بأنّ الشيعة ظهرت في عهد عثمان وابتدعه ابن سبأ اليهودي. والحال أنّ كلمة «الشيعة» اصطلاح يطلق على اتّباع الإمام علي  منذ عهد النبي .

وأنّ واضع هذه الكلمة والذي جعلها علماً على أنصار الإمام علي  هو رسول الله  الذي قال فيه عزّ وجلّ: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾.(1)

فقال : إنَّ الشيعة هم الفائزون. رواه علماؤكم في كتبهم ومسانيدهم.

المستشكل (الحافظ): لم أجد هذا الحديث وما شابهه في كتبنا، فاذكر لنا مصدره رجاءً.

الجواب (قُلتُ): روى الحافظ أبو نعيم، وقد قال فيه ابن خلّكان، في «وفيات الأعيان»: إنّه من أكبر الحفّاظ الثقات وأعلم المحدثين في كتابه حلية الأولياء من احسن الكتب روى في كتابه هذا بسنده عن ابن عبّاس قال: لما نزلت الآية: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾(2) .

خاطب النبي  عليّاً  وقال ياعلي، هم أنت وشيعتك، تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين، رواه أبو مؤيد موفق بن أحمد الخوارزمي أيضاً في الفصل 17 من كتابه المناقب وسيط بن الجوزي في تذكرة خواص الأمة: ص 56.

وروى الحاكم الحسكاني وهو من أعلامكم في كتابه شواهد التنزيل سَمعتُ عليّاً  يقول: حدّثني رسول الله  وانا مسنّده إلى صدري، فقال: أي علي ألم تسمع قول الله سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾.

هم أنت وشيعتك، وموعدي وموعدكم الحوض، إذا جثت الامم للحساب تُدعون غرّاً محجلينَ.


1- النجم: 3 _ 4.
2- البينة: 7.

ص: 160

رواه أيضاً الحافظ محمّد بن يوسف الكنجي في كفاية الطالب: الباب 62، وروى الخطيب الخوارزمي في كتابه المناقب، الفصل التاسع، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: كنّا عند رسول الله  فأقبل علي بن أبي طالب، فقال: قد أتاكم أخي _ ثُمّ التفت إلى الكعبة فضربها بيده _ ثُمّ قال: والذي نفسي بيده، إنّ هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة، ثُمّ إنّه أولكم إيماناً وأوفاكم بعهد الله، وأقومكم بأمر الله، وأعدلكم في الرعية، وأقسمكم بالسوية، وأعظمكم عند الله مزيّة.

قال: ونزلت: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾.

قال: وكان أصحاب محمّد  إذا أقبل  قالوا: قد جاء خيرُ البريّة.

رواه العلاّمة الكنجي بنفس السند في كفاية الطالب الباب 62.

وقال: هكذا رواه محدّث الشام في كتابه بطرق شتّى.

رواه جلال الدين السيوطي، بنفس السند في تفسيره الدرّ المنثور، أنّه قال: لما نزلت الآية المذكورة، قال النبي  لعلي  تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين.

رواه ابن الصبّاغ المالكي في كتابه الفصول المهمّة في معرفة الأئمة: ص122 وزاد في آخره: ويأتي أعداؤك غضاباً مقمحين.

ورواه ابن حجر في الصواعق، باب 11، عن الحافظ جمال الدين الزرندي المدني وزاد فيه، فقال: على مَن عدوي؟ فقال : من تبرأ منك وسبَّك!

رواه السمهودي أيضاً في كتابه جواهر العقدين.

وأخرج الهمداني الشافعي وهو من أعلامكم، في كتابه مودة القربى عن اُم سلمة اُم المؤمنين قالت: قال رسول الله  لعلي : يا علي، أنت وأصحابك في الجنة، أنت وشيعتك في الجنّة.

رواه عنها أيضاً ابن حجر في الصواعق.

ص: 161

وروى الحافظ ابن المغازلي الشافعي في كتابه مناقب علي بن أبي طالب بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال:

لما قَدِم علي بن أبي طالب  لفتح خيبر، قال له النبي : «يا علي لولا أن نقول طائفة من اُمتي فيك ما قالت النصارى في عيسى ابن مريم، لقُلتُ فيك مقالاً لا تمر بجمع من المسلمين إلاّ أخذوا التراب من تحت رجليك وفضل طهورك يستشفون بهما.

ولكن حسبك أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبي بعدي، وأنت تُبرئ ذمّتي، وتستر عورتي، وتُقاتل على سنّتي، وأنت غداً في الآخرة أقرب الخلق منّي على الحوض خليفتي.

وأنّ شيعتك على منابر من نور مبيضة وجوههم حولي، أشفع لهم ويكونون جيراني في الجنّة، وأنّ حربك حربي وسلمك سلمي». رواه العلاّمة الكنجي في كفاية الطالب باب 62. ارتفع صوت المؤذن لوقت العشاء _ قطعنا الحديث _ وقام الإخوان العامة تهيؤوا للصلاة وذهب السيّد عبد الحيّ ليؤم المسلمين في المسجد، فلما رجع جاء بتفسير الدرّ المنثور للسيوطي، ومودة القربى للسيّد علي الهمداني الشافعي، ومسند الإمام أحمد، ومناقب الخوارزمي. وقال: ذهبت بعد أداء الصلاة إلى البيت وجئت بهذه الكتب لتراجعها حين اللزوم فتناولت منه الكتب وشكرته وبقيت عندنا إلى آخر ليالي الحوار، ثُمّ أخرجتُ الأحاديث التي نقلتها من تلك الكتب وقرأتها عليهم، فرأيتُ المشايخ وقد تغيّرت وجوههم خجلاً وكأنّهم حسّوا بالتصاغر أمام أتباعهم.

وأخرجت من كتاب مودة القربى، إضافة إلى ما نقلته حديثاً آخر بالمناسبة قرأته بصوت عالٍ، وهو:

روى رسول الله  قال: يا علي، ستقدم على الله أنت وشيعتك راضين مرضيين، ويقدم عليه عدوك غضاباً مقمحين.

ثُمّ قُلتُ: هذه بعض دلائلنا المحكمة المؤيّدة بكلام الله العزيز والأخبار المعتبرة عندكم، فارجعوا ولا تقولوا بعد هذا بأنَّ الشيعة أتباع ابن سبأ اليهودي!

ص: 162

فان هذا الاتهام اندفع، والإبهام ارتفع بالقرآن الحكيم وحديث النبي ، وعرفتم بأنّ الشيعة محمديون وليسوا بيهود.

فقد جاء في كتابه الزينة لأبي حاتم الرازي وهو من أعلامكم، قال: إنّ أوّل اسم وضع في الإسلام علماً لجماعة في عهد الرسول  اسم «الشيعة»، وقد اشتهر أربعة من أصحابه بهذا الاسم في حياة النبي  وهم أبو ذرّ الغفاري، سلمان الفارسي، المقداد بن الأسود الكندي، وعمّار بن ياسر.

أيّها الحاضرون فكّروا وانصفوا كيف يمكن أن يشتهر أربعة من حواري النبي  وأصحابه المقربين، باسم «الشيعة» بمرأى ومسمع منه  ولا يمنعهم من تلك البدعة على حدّ زعمكم؟!

لكن تعرف من مجموع الأخبار التي نقلناها من مصادركم وكتبكم المعتبرة لديكم: بأنَّ هؤلاء الصفوة من أصحاب المصطفى  سمعوه يقول شيعة علي هم خير البريّة وهم الفائزون، وأنّهم راضون مرضيون في الجنّة معه... إلخ.

لذلك افتخروا أن يكونوا منهم، وأن يُعرفوا بهذا الاسم، عند النبي ، والآن يكفي تعرف مقام هؤلاء الأربعة عند الله تعالى، انقل لكم بعض الأخبار المروية عن طريقم بحقّهم.

روى الحافظ أبو نعيم في المجلّد الأوّل حلية الأولياء: ص172 وابن حجر المكّي في الصواعق المحرقة الحديث الخامس من الأحاديث الأربعين في فضل الإمام علي  قال: عن الترمذي والحاكم، عن بريدة: إنّ رسول الله  قال: إنّ الله أخبرني بحبّ أربعة وأخبرني بأنّه يحبّهم، فقيل: من هم؟ قال : علي بن أبي طالب، وأبو ذرّ، والمقداد، وسلمان.

وأخرجه ابن المغازلي في المناقب حديث رقم 331، وأخرجه الإمام أحمد في المسند ج 5/351، وأخرجه أيضاً في ج 5/356 بسند آخر الحافظ البخاري في تاريخه قسم

ص: 163

الكنى ص 37، وأخرجه الحاكم في المستدرك 3/130، وأخرجه الحافظ القزويني في سيرة المصطفى 1/52 طبع محمّد فؤاد.

لماذا لم تعتقدوا بهؤلاء الأربعة الذين هم خواص أصحاب النبي ، وقد احبهم الله ورسوله ، وهم الذين قالوا: ربّنا الله، ثُمّ استقاموا فخالفتموهم واتبعتم الذين دبّروا الفتنة في السقيفة فبايعتم خليفة المتآمرين وتركتم حجّة ربّ العالمين، وبهذا العمل حرّفتم حديث النبي .

أصحابي كالنجوم... فكأنّه قال بعض أصحابي كالنجوم!!

بعض مصادر حديث الثقلين المقبولة والمعتبرة عند السنّة:

1. صحيح مسلم: ج 7/122.

2. سنن الترمذي: ج 2/207.

3. النسائي: صاحب الصحيح في كتابه خصائص الإمام علي : ص30.

4. الإمام أحمد في مسنده: ج 4/26، 59 وج 5/182، 189.

5. مستدرك الحاكم: ج 3/109 و48.

6. الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء، ج 1/355.

7. تذكرة سبط بن الجوزي: ص 182.

8. اُسد الغابة في معرفة الصحابة: ج 2/12 وج 3/147.

9. نور الأبصار للشلبنجي: ص 59.

10. الفصول المهمّة، لنور الدين الصبّاغ المالكي: ص 25.

11. طبقات بن سعد: ج 4/8.

12. الفخر الرازي في تفسيره: ج 3، ضمن تفسير آية الاعتصام.

13. ابن كثير في تفسيره: ج 4/113 ضمن تفسيره آية المودة.

14. العقد الفريد: ج 2/158، 246 وغيرهم.

ص: 164

حديث السقيفة

وأنّ من أدلّتنا المحكمة في التوسل بأنَّ النبي  قال: «مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى» وهذا حديث صحيح ونقله أكثر من مئة محدث وعالم من أهل السنّة اخرجوا هذا الحديث وأثبتوه في مسانيدهم وهم:

1. الإمام أحمد في المسند: ج 3/14، 17، 16.

2. حلية الأولياء: ج 4/306.

3. تاريخ بغداد: ج 12/91.

4. مطالب السؤول في مناقب آل الرسول.

5. ابن الأثير الجرزي في النهاية مادة «زخ».

6. نور الأبصار للشلبنجي: ص 105.

7. الفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكي: ص 8.

8. تذكرة خواص الاُمة: ص 323.

9. مستدرك الحاكم: ج 3/150 وج 2/343.

10. العلامة الكنجي الشافعي إمام الحرمين في كفاية الطالب، الباب 100.

11. ابن حجر في الصواعق: ص 234.

12. العلاّمة الهمداني في كتاب مودّة القربى المودة الثانية والثالثة عشرة.

13. الحافظ سليمان القندوزي في نيابيع المودة، الباب 4، 56.

14. الفخر الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب آية المودة.

15. جلال الدين السيوطي في تفسيره الدرّ المنثور في دليل الآية:

﴿وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَ_ذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ﴾(1)


1- البقرة: 58.

ص: 165

وهنا يستشكل الحافظ أبو نعيم:

1. قولكم: إنّ عليّاً (كرم الله وجهه) قد وصل إلى مرتبة النبوة

2. قولكم: إنّ عليّاً، اتحدت نفسه مع نفس النبي  حتّى صارا كنفس واحدة.

3. قولكم: إنّ عليّاً أفضل من الأنبياء غير خاتم النبيين ، وهذه الكلمات غريبة جدّاً ولابدّ من إثباتها بالأدلّة والبراهين.

الجواب (قُلتُ):

إنَّ دليلنا على وصول الإمام علي  إلى مرتبة النبوة وهو أهل لها هو حديث المنزلة المروي في كتب السنة المعتبرة عن رسول الله ، قال لعلي :

«أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي».

وتارة يخاطب المسلمين قائلاً: «علي منّي بمنزلة هارون من موسى... إلخ».

الحافظ: لم يثبت عندنا صحّة هذا الحديث وعلى فرض صحّته فهو خيرٌ واحد لا يعتمد عليه: الجواب هذا الحديث الشريف رواه كبار علمائكم حتّى أصحاب الصحاح كالبخاري ومسلم الذين هما عند السنّة واحد كألف.

بعض إسناد حديث المنزلة

1. صحيح البخاري: ج 3 من كتاب المغازي باب غروة تبوك.

2. ومنه في كتاب بدأ الخلق باب مناقب علي بن ابي طالب .

3. صحيح مسلم: ج 2/236، 237 ط مصر سنة 290.

4. ومنه: في كتاب فضل الصحابة باب فضائل علي بن أبي طالب

5. مسند الإمام أحمد: ج1/صفحات 98، 118، 119 في وجه تسمية الحسنين

ص: 166

وأما جواب كونه خبراً واحداً

أقول لقد صرّح بعض المحقّقين من علمائكم بتواتر حديث المنزلة منهم العلاّمة جلال الدين السيوطي في كتابه «الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة».

وكتاب إزالة الخفاء وكتاب قوة العينين.

شبهة وجواب، وهي:

عدم تصريح النبي  بخلافة علي 

(المستشكل) النوّاب:

أكان علي  هو المعيّن من الله سبحانه وتعالى لخلافة المسلمين بعد النبي ، كما تقولون فلماذا لم يكن بالصراحة. أيّها المسلمون هذا علي بن أبي طالب خليفتي فيكم، والحاكم عليكم من بعدي فلم يكن حينئذٍ للاُمة عذر وحجّة في تركه ومبايعة غيره؟

الجواب (قلتُ):

أوّلاً: المشهور بين الأديان الفصحاء بأنَّ: «الكناية أبلغُ من التصريح» فتوجد في الكناية نكات دقيقة وألطاف رقيقة لا توجد في التصريح أبداً.

منها المعاني الجمّة التي تستخرج من كلمة «المنزلة» فيما نحن فيه من البحث حول حديث المنزلة، يكون أعمّ وأشمل من كلمة «الخليفة»؛ لأنّ الخلافة جزء من منزلة هارون من موسى.

ثانياً: مَن قال بأنَّ النبي  لم يصرّح بخلافة الإمام علي .

المستشكل النوّاب:

علماؤنا يقولون: لايوجد حديث صريح من النبي  في تعيين علي  للخلافة. يقولون: بأنَّ الشيعة اُوّلو بعض الأحاديث النبويّة حتّى يثبتوا ذلك.

ص: 167

الجواب (قُلتُ):

الذين يقولون هذا الكلام هم جاهلون في لباس أهل العلم أو أنَّهم علماء ولكن يتجاهلون؛ لأنّ الأحاديث النبوية في تعيين الإمام علي  للخلافة كثيرة جدّاً، وقد ذكرها علماؤكم ومحدثوكم أيضاً في كتبهم المعتبرة.

بعض الأحاديث الصريحة في خلافة علي 

1. الإمام أحمد روى في مسنده العلاّمة الهمداني الشافعي في كتابه مودة القربى.

في آخر المودة الرابعة، عن النبي  قال: ياعلي!

أنت تبرئ ذمّتي وأنت خليفتي على اُمتي.

2. روى الإمام أحمد في المسند بطرق شتّى، وابن المغازلي في المناقب والثقلين في تفسيره عن النبي : أنّه قال لعليّ : «أنت أخي ووصيّ وخليفتي...».

3. العلامة الراغب الإصفهاني في كتابه محاضرات الاُدباء: ج 2/231 ط/المطبعة الشرقيّة سنة 1326 هجرية. عن أنس بن مالك عن النبي  أنّه قال: إنّ خليلي ووزيري وخليفتي وخير مَن تُرك بعدي، يقضي ديني، وينجز موعدي، علي بن أبي طالب .

4. العلاّمة الفقيه الهمداني الشافعي في كتابه مودة القربى في أوائل المودة السادسة.

روى عن عمر بن الخطاب، قال: إنّ رسول الله  لما آخى بين أصحابه قال: هذا علي أخي في الدنيا والآخرة وخليفتي في أهلي ووصيّ في اُمتي، نفعه نفعي وضره ضري، من أحبّه فقد أحبّني ومن أبغضه فقد أبغضني.

5. العلامة الكنجي الشافعي، إمام الحرمين في كتابه كفاية الطالب في الباب الرابع والأربعين، روى بسنده عن ابن عبّاس، قال: ستكون فتنة فمن أدركها منكم فعليه بخصلة من كتاب الله تعالى وعلي بن أبي طالب  فإنّي سمعتُ رسول الله 

ص: 168

يقول وهو يشيرُ إليه: هذا أوّل مَن آمن، وأوّل من يصافحني، وهو فاروق هذه الاُمة يفرق بين الحقّ والباطل.

وهو يعسوب الدين والمؤمنين، والمال يعسوب الظلمة، وهو الصدّيق الأكبر، وهو بابي الذي أوتى منه وهو خليفتي من بعدي... .

قال العلاّمة الكنجي:

هكذا أخرجه محدّث الشام في فضائل علي  في الجزء التاسع والأربعين بعد الثلاثمئة من كتابه بطرقٍ شتّى!

6. عن العلامة البيهقي والخطيب الخوارزمي وابن المغازلي في المناقب رووا عن النبي  أنّه قال لعلي: لا ينبغي أن أذهب إلاّ وأنت خليفتي، وأنت أولى بالمؤمنين بعدي.

7. الإمام النسائي: وهو أحد أئمة الحديث وأصحاب الصحاح عندكم. أخرج في كتابه (خصائص الإمام علي)، ج23، عن ابن عبّاس، أنّه سمع النبي  يقول لعلي: أنت خليفتي في كلّ مؤمنٍ بعدي.

يؤكّد النبي  في هذا الحديث: إنّ عليّاً خليفته من بعده، أي مباشرة فلا اعتبار لادعاء أي صدع للخلافة من الذين نازعوه حقّه وغصبوا مقامه، فعلي خليفة النبي  بلا فصلٍ لوجود من  في الحديث، فهي أمّا أن تكون بيانية أو ابتدائية وعلى كلّ التقديرين يتعيّن علي  بعد النبي  بأنّه خليفته المباشر.

8. العلاّمة الفقيه الهمداني، أخرج في كتابه مودة القربى في المودة السادسة بسنده عن أنس بن مالك، رفعه عن النبي  قال: إنّ الله اصطفاني على الأنبياء واختار لي وصيّاً واخترتُ ابن عمّي يشدُّ عضدي، كما يشدّ عضد موسى بأخيه هارون وهو خليفتي ووزيري ولو كان بعدي نبياً، لكان علي نبيّاً لكن لا نبوة بعدي.

ص: 169

9. أخرج الطبري في كتابه «الولاية» خطبة الغدير عن النبي  يقول فيها قد أمرني جبرئيل عن ربّي، أن أقوم في هذا المشهد واُعلم كلّ أبيض وأسود: إنّ عليَّ بن أبي طالب  أخي ووصيّ وخليفتي والإمام بعدي... ثُمّ قال  معاشر الناس، فإنّ الله قد نصبه لكم وليّاً وإماماً وفرض طاعته على كلّ أحد، ماضٍ حكمه، جائز قوله، ملعون مَن خالفه، مرحوم من صدّقه.

10. أخرج أبو المؤيد الموفّق بن أحمد الخوارزمي في كتابه خصائص الإمام أمير المؤمنين ، الفصل التاسع عشر بإسناده عن النبي ، قال: لما وصلت في المعراج إلى سدرة المنتهى، خاطبني الجليل قائلاً: يا محمّد، أي خلقٍ وجدته أطوع إليك؟ فقلتُ: يا رب، علي أطوع خلقك إليّ.

قال عزّ وجلّ: صَدَقتَ يا محمّد. ثُمّ قال سبحانه وتعالى: فهل اتّخذت لنفسك خليفة يؤدّي عنك ويُعلّم عبادي من كتابي ما لا يعلمون؟

قال  قلتُ: يا ربّ إختر لي، فإنّ خيرتك خيرتي.

قال سبحانه وتعالى: اخترتُ لك عليّاً  فاتخذه لنفسك خليفة ووصيّاً ونحلته علمي وحلمي وهو أمير المؤمنين حقّاً لم ينلها أحدٌ قبله وليست لا حدٍ بعده.

اعلموا إنّ الأخبار في هذا المضمار كثيرة جدّاً وأكثرها مروية من كتبكم المعتبرة، وقد نقلنا لكم بعض اليسير الذي رواها علماء ومحدّثو أهل السنّة، ولا نقول إلاّ الحقّ ولا نعتقد إلاّ بالحقيقة.

كفاءة الإمام علي  للخلافة

اشارة

الجدير بالذكر أنّ بعض علماء أهل السنّة المنصفين اعترفوا بخلافة علي بالنصّ كما نعتقد نحن ومنهم:

إبراهيم بن سيّار بن هاني البصري الملقّب بالنظّام فإنّه قال: نصَّ النبي بأنّ الإمام هو علي  وعيّنه وعَرفت الصحابة ذلك، لكن عمر كتمه لأجل أبي بكر.

ص: 170

أما نحن حيث لم ندرك عصر النبي  ولم نشهد الأحداث الجارية في الخلافة يجب أن نراجع القرآن الكريم والأحاديث النبوية المقبولة عند الفريقين في تعريف الأفضل والأعلم والأرجح عند الله ورسوله والأحبّ إليهما بين المسلمين، فهو أولى وأحق من غيره بخلافة النبي .

ولا يخفى على أي عالمٍ منصف بأنّ الأخبار الصريحة في وصاية علي  وخلافته وولايته وإمامته كذلك الروايات الصحيحة الواردة في أفضليته وأعلميته من جميع المسلمين كثيرة جدّاً وهي مروية من طرق أهل السنّة وبأسانيدهم المعتبرة ومطبوعة في كتب علمائهم الأعلام وهي كثيرة، بحيث لم يرد مقدارها بحق أي واحد من الصحابة الكرام.

وهنا ننقل جملة من الأحاديث النبوية في فضائل علي  أخرج الخطيب الخوارزمي موفق بن أحمد في كتابه المناقب ص18، والعلاّمة محمّد بن يوسف الكنجي إمام الحرمين في كتابه كفاية الطالب الباب 26 في تخصيص علي بن أبي طالب  بمئة منقبة دون سائر الصحابة روى بسنده عن أبي عبّاس، قال: قال رسول الله : لو أنّ الفيّاض أقلام، والبحر مداد، والجن حسّاب، والإنس كتّاب ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب .

وأخرج العلاّمة السيّد علي الهمداني الشافعي في كتابه مودة القربى بسنده عن عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله :

لو أنّ البحر مداد، والرياض أقلام، والاُنس كتّاب، والجن حساب ما أحصوا فضائلك يا أبا الحسن.

وأخرجه العلّامة ابن الصبّاغ المالكي في كتابه الفصول المهمّة بسنده عن أبي عبّاس. وأخرجه سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص. فمع هذه الأخبار وأمثالها في كتبهم وما تقرأه عن سيرته الفذّة ونوادره العظيمة الخاصة به، كما في التاريخ، جزمنا واعتقدنا بأنّ

ص: 171

أفضل الناس بعد رسول الله  يكون أحق من غيره بالخلافة لقوله: ﴿أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى﴾(1) .

نحن لا ننكر فضائل ومناقب سيّدنا علي (كرم الله وجهه)

لكن انحصار الفضائل فيه أمر غير معقول، فالخلفاء الراشدون (رض) كلّهم في الفضل والرتبة متساوون، لكنكم تنحازون لجانب علي بن أبي طالب  وتنسبون كلّ الفضائل والمناقب إليه دون غيره، ولا تذكرون في أحاديثكم فضائل سائر الصحابة ومناقبهم، وهذا تعصب وإجحاف!، والآن لكي ينكشف الواقع ولا يلتبس الأمر على الناس اذكر شيئاً من فضائل ومناقب الخلفاء الراشدين (رض).

1. جاء في تاريخ الخلفاء للسيوطي، 1/65 عن الإمام أحمد قال: ما ورد من الفضائل لأحد من أصحاب رسول الله  مثل ما ورد لعليٍّ .

وأخرج أبو عبد البر في الاستيعاب، ج 2/479 صدر آباد، 9/13ﻫ..ق.

قال أحمد بن حنبل وإسماعيل بن إسحاق القاضي: لم يروَ في فضائل أحد الصحابة بالأسانيد كان مثل ما روى في فضائل علي بن أبي طالب. وأخرجه الثعلبي في تفسيره بذلك الآية الكرية: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ...﴾ وأخرجه الخطيب الخوارزمي الحنفي في كتابه «المناقب»، ص 20.

وأخرجه الذهبي في كتابه تلخيص المستدرك المطبوع بهامش المستدرك المترجم: ج 2، ص 107.

أمّا جواب الإشكال

نحن نتبع العقل والعام ونقبل الحديث بالدليل والبرهان.

نحن لا نحصر الفضائل في إمامنا علي ، لكن نمخضه بالفضائل ونجلَّه عن


1- يونس: 35.

ص: 172

الرذائل، وذلك لنزول آية التطهير في شأنه.

وأمّا انحيازنا لجانبه ؛ فلأنّ الله سبحانه وتعالى ورسوله  انحاز لجانبه، كما نجد الآيات القرآنية في حقّه والأحاديث النبوية في فضله، وأمّا نسبة التعصب والإجحاف إلينا، فهو افتراء وبهتان بالتعصب معناه الاعتقاد والالتزام بشيءٍ من غير دليل وبرهان، اما الإجحاف فيعني ترك الحقّ.

وإنّا لم نعتقد بشيءٍ من اُمور ديننا بدون دليل ولا تحدثنا بغير العقل والمنطق، أمّا حديثكم في مناقب الخلفاء الراشدين امقبول بشرط أن تروون الأخبار الصحيحة عن الفريقين فنتبرك بها، لأنّنا لا ننكر فضائل الصحابة الطيبين، ولاشك أنّ أكثرهم أصحاب فضائل ومناقب، ولكن البحث والنقاش عن أفضلهم وأكثرهم منقبة عند الفريقين، السنّة والشيعة، فالحديث يدور نحو الأفضل لا الفاضل؛ لأنّ الفضلاء كثيرون، والأفضل واحد منهم يحكم العقل والنقل، وهو الذي يجب عقلاً أن يُتبع ويُطاع.

اعتراض

إنّكم تغالطون في الموضوع؛ لأنّ كتب الشيعة لا تحتوي على أي خبر وحديث في فضل الخلفاء الراشدين غير سيّدنا علي (كرم الله وجهه)، فمن أين نأتي بأخبار وأحاديث مقبولة لديكم؟!

ردّ هذا الاعتراض

هذا ما وافقنا عليه جميعاً، فإنّ الحافظ محمد رشيد في بداية الحوار أوّل ليلة قال: الاستدلال والاحتجاج يكون بحسب القرآن الكريم والأحاديث المقبولة لدى الفريقين، وأنا قبلتُ وعملت به طول المحاورة فكلكم تعلمون بأنني كلما احتججتُ به إنّما هو من القرآن والأحاديث المعتبرة لديكم، ومع ذلك كلّه فإني أتساهل وأتنازل

ص: 173

وأقبل الروايات المنقولة في كتبكم دون كتبنا شريطة ألاّ تكون موضوعة وإلاّ يأباها العقل، ثُمّ نقضي فيها بالعدل والانصاف لنرى هل الأخبار التي ترووها تفضل أحد على علي في العلم والجهاد والمنزلة عند الله ورسوله .

الإمام علي جامع فضائل الأنبياء 

لاشك أنّ الأنبياء  كانوا يتخلّفون بأجمل الأخلاق وكانوا أفضل أهل زمانهم وقد امتاز كلّ واحد منهم بفضيلة اشتهر بها، وأنّ الإمام علي  قد جمع فضائلهم وامتاز بمجموعها، كما شهد له ذلك خاتم الأنبياء وسيّدهم محمّد ، حيث قال بألفاظ مراراً وكراراً: من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى يحيى في زهده، وإلى موسى في بطشه، فلينظر إلى علي بن أبي طالب .

أخرجه الخوارزمي في كتاب المناقب: ص 49، 245، ومحي الدين الطبري في كتاب الرياض النظرة: ج /217، وفي ذخائر العقبى: ص93، وغيرهم من الأعلام.

وأخرج الحافظ سليمان القندوزي في كتاب ينابيع المودة الباب الأربعون قال: أخرج الإمام أحمد في المسند والبيهقي في صحيحه، عن ابن الحمراء قال: قال رسول الله  من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في عزمه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في هيبته، وإلى عيسى في زهده، فلينظر إلى علي بن ابي طالب .

قال القندوزي: وذكره صاحب شرح المواقف، وصاحب الطريقة المحمّدية، وابن الصبّاغ المالكي في كتاب الفصول المهمة: ص121.

ونقله مع اختلاف لفظي الإمام الفخر الرازي في تفسيره آية المباهلة، ونقله محي الدين بن العربي في كتابه التوقيت والجواهر: المبحث 32.

ونقله العلاّمة الكنجي الشافعي في كتاب كفاية الطالب أفرد له باب 23، روى بسنده عن أبي عبّاس قال: بينما رسول الله  جالس في جماعة من أصحابه إذ أقبل

ص: 174

علي  فلما بصر به رسول الله ، وقال في تشبيهه لعلي بآدم في علمه؛ لأنّ الله علّم آدم صفة كل شيءٍ، كما قال عزّ وجلّ: ﴿وعلم آدم الاسماء كلها﴾(1) .

فما من شيءٍ ولا حادثة ولا واقعة إلاّ وعند علي  علم فيها وله في استنباط معناها فهم.

وشبهه بنوح في حكمته وفي رواية في حكمه، وكأنّه أصحّ؛ لأنّ عليّاً كان شديداً على الكافرين رؤوفاً بالمؤمنين، كما وصفه الله سبحانه في القرآن الكريم: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ والَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ﴾(2) .

وأخبر الله عزّ وجلّ عن شدّة نوح  على الكفّار بقوله: ﴿رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّارا﴾(3).

وشبهه بالحلم بإبراهيم ، كما وصفه سبحانه وتعالى بقوله: ﴿إِنَّ إِبْراهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾(4) فكان  متخلقاً بأخلاق الأنبياء متصفاً بصفات الأصفياء.

آيات مباركة نزلت في شأن علي 

لقد ألّف بعض علماء أهل السنّة الأعلام كُتباً مستقلة في الموضوع منهم: الحافظ: أبو نعيم وكتابه ما نزل من القرآن في علي  والحافظ أبو بكر الشيرازي وكتابه نزول القرآن في علي ، والحسكاني في كتابه شواهد التنزيل وكذلك أشهر مفسري أهل السنّة مثل: الإمام الثعلبي، والطبري، والفخر الرازي، والزمخشري، وجلال الدين السيوطي، وكذلك كبار علمائهم ومحدثيهم: ابن كثير، ومسلم بن حجاج،


1- البقرة: 31.
2- الفتح: 29.
3- نوح: 26.
4- التوبة: 114.

ص: 175

والحاكم، والنيسابوري، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وابن داود، وأحمد بن حنبل، وابن حجر الطبراني، والكنجي، والقندوزي، وغيرهم.

الذين ذكروا في كتبهم ومسانيدهم وصحاحهم عشرات الآيات القرآنية التي نزلت في شأن علي  وفي مدحه وفضله يقول الشاعر:

م_ن ي_نك_ر فض_لك ي_اح_ي_در؟!هل ضوء الشمس أضحى يُنكر؟!

في ف_ض_لك ق_د ن__زل ال__ق__رآنوم___ادحُ___ك الله الأك___ب____ر

روى الحسكاني في شواهد التنزيل، والخطيب البغددي في تاريخه، وابن حجر في الصواعق: ص 76، والطبراني في الجامع الكبير، وابن عساكر في كفاية الطالب أوائل باب 62 في تخصيص علي  بمئة منقبة دون سائر الصحابة.

هؤلاء وغيرهم من الأعلام رووا بإسنادهم عن ابن عبّاس حبر الاُمة، قال: قال رسول الله ، ما أنزل الله تعالى آية فيها: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ إلاّ وكان علي  على رأسها وأميرها.

روى بسنده أيضاً عن ابن عبّاس في نفس الباب أنّه قال: ولقد عاتب الله عزّ وجلّ أصحاب محمّد  في غير آية من القرآن وما ذكر علياً  إلاّ بخير.

فمع هذه الأخبار المتضافرة والروايات المعتبرة هناك رواية رواها علماؤكم ومحدّثوكم، ولسنا نحن الشيعة بحاجة لوضع الأحاديث وجعل الأخبار في شأن علي  وإثبات فضله وجلالة قدره ولباقته للخلافة.

فإنّ فضائله بلغت درجة حتّى قال الإمام محمّد بن إدريس الشافعي وأحمد بن حنبل لما سُئل عن فضائل علي  ومناقبه.

قال: ما أقول في رجلٍ أعداؤه أخفوا فضائله بغضاً وحسداً ومحبّوه أخفوا مناقبه خوفاً وفزعاً، وهو بين ذين وذين، قد ملأت فضائله ومناقبه الخافقين وعليه قال الشاعر:

ص: 176

لقد كتموا آثار آل محمّد محبّوهم خوفاً وأعداؤهم بغضاً

فابرز من بين الفريق_ين نب_ذةبها ملأ الله السماوات والأرضا

وأمّا تطبيق الآية الكريمة: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ والَّذِينَ مَعَهُ... إلخ﴾(1) على سيّدنا ومولانا علي بن أبي طالب  هو ليس قولنا فحسب، بل العلاّمة محمّد بن يوسف الكنجي الشافعي القرشي، قال به أيضاً، في كفاية الطالب باب 23 بعد روايته الحديث النبوي الشريف الذي يشبّه علي بن أبي طالب بالأنبياء.

يقول في شرحه للحديث... وشبّه عليّاً  بنوح في حكمته، وفي رواية في حكمه وكأنّه أصلح؛ لأنّ عليّاً كان شديداً على الكافرين رؤوفاً بالمؤمنين، كما وصفه الله سبحانه وتعالى بشدة نوح على الكافرين بقوله: ﴿رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّارا﴾(2) .

وأمّا قول الشيخ عبد السلام (والذين معه) إشارة إلى أبي بكر؛ لأنّه رافق النبي  في الهجرة وصاحبه في السفر إلى المدينة المنوّرة.

(الجواب) أقول: لقد أجبتُ أوّلاً نقلاً عن الطبري وابن الصبّاغ بأنّ صحبته وقعت عن صدفه، ولو سلّمنا بأنّ النبي  أخذه معه، فهل صحبته أيّام ومرافقته سفره واحدة أو أكثر تساوي صحبة العمر كلّه؟ وقد أجمع المؤرخون والمحدّثون أنّ عليّاً  رافق رسول الله  من صباه وتربى في حجره وتحت إشرافه بغير واسطة وتعلم عند النبي ، وتأدب بآدابه وتربى على يده وتحت إشرافه.

فلو أنصفتم لقلتم: إنّ عليّاً  أخصّ من أبي بكر في هذه الصفة أيضاً؛ لأنّ رسول الله  أخذه من أبيه أبي طالب إلى بيته ليعلّمه ويؤدبه قبل نبوته، ولما بُعث كان علياًَ أوّل من آمن به في حين كان أبو بكر وعمر وعثمان في صف أبي جهل وأبي


1- الفتح: 29.
2- نوح: 26.

ص: 177

سفيان يسجدون للأصنام ويعبدون الأوثان وعلي  لم يسجد لصنم قط بإجماع المسلمين.

أخذ البيعة لعلي يوم الغدير

اشارة

لقد اتّفق جمهور علماء الإسلام على أنّ النبي  في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة في العام العاشر للهجرة النبوية الشريفة عند رجوعه من حجّة الوداع إلى المدينة المنوّرة نزل بجنب غدير ماء في أرض تسمّى «خم» أمر أن يرجع مَن تقدّم وانتظار التحاق من تأخّر حتّى اجتمع كلّ من كان معه  وكان عددهم يقارب المئة ألف، ففي تفسير الثعلبي، وتذكرة سبط بن الجوزي وغيرهما: كان عددهم مئة وعشرين ألفاً وكلّهم تجمعوا عند غدير خم.

فصعد رسول الله  منبراً صنعوه من أحراج الإبل فخطب فيهم خطبة عظيمة ذكرها أكثر محدّثي أهل السنّة في مسانيدهم وكتبهم الجامعة، فتطرق النبي  فيها إلى بيان مناقب وصيّه وأخيه الإمام علي ، وذكر بعض الآيات القرآنية التي نزلت في شأنه وفضله وفي بيان مقامه الرفيع على الاُمة، وقال  معاشر الناس، ألستُ أولى بكم من أنفسكم؟! فقالوا: بلى، فأخذ بيد علي  وقال: «من كنت مولاه فهذا عليَّ مولاه» ثُمّ رفع يده إلى السماء وقال: «اللّهمّ والي مَن والاه وعادِ من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله».

ثُمّ أمر  فنصبوا خيمة وأجلس عليّاً فيها، وأمر جميع الحاضرين أن يسلّموا عليه بإمرة المؤمنين ويبايعوه بالولاية بعد النبي .

وقال: لقد أمرني ربّي بذلك وآمركم بالبيعة لعلي ، وقد بايع فيمن بايع ومنهم:

أبو بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير، وغيرهم من كبار الصحابة، فأقاموا ثلاثة أيّام في المكان حتى تمّت البيعة للإمام علي  من الرجال والنساء.

ص: 178

المستشكل (الحافظ) كيف يحدث مثل هذا الأمر العظيم في حياة النبي ويسكت عن ذكره المحدّثون والمؤرخون، فلا يثبتوه في كتبهم؟!

الجواب

قلتُ: ما ظننت أنّك تجهل أو تتجاهل حديث الغدير، وهو أشهر من ضوء الشمس في رابعة النهار ومن المسلّمات عند ذوي الأبصار، والآن ذكر لكم قائمة من بعض رواته المعتمدين عندكم والمعتبرين لديكم اتماماً للحجّة عليكم منهم:

1. الفخر الرازي في تفسير الدرّ المنثور.

2. الثعلبي في تفسيره كشف البيان.

3. جلال الدين السيوطي في تفسيره.

4. الواحدي في أسباب النزول.

5. الطبري في تفسيره.

6. الحافظ أبو نعيم في ما أنزل من القرآن في علي .

7. نظام الدين النيسابوري في تفسير غرائب القرآن.

فنزل الأمين جبرئيل على النبي  بالآية الكريمة: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ورَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً﴾.(1)

فصاح  الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الربّ برسالتي ولاية علي بن أبي طالب  بعدي.

ولو أردتم أن تعرفوا تفصيل الواقعة وشأن نزول الآية راجعوا مسند الإمام أحمد، وشواهد التنزيل للحافظ الحسكاني، فقد شرحا الموضوع أبسط من غيرهما.


1- المائدة: 3.

ص: 179

فلو أمعنتم النظر ودققتم في الخبر، اذعنتم وأيقنتم بأنّ النبي  لم يقصد من كلمة المولى، إلاّ المتصرّف في شؤون المسلمين والاُمور العامة للإمامة والخلافة، وذلك بالقرائن التي ذكرناها وبقرينة كلمة (بعدي) في العبارة.

وأمّا قولكم بأنّ النبي  قصد النصرة والمحبة لعلي  فغير صحيح، لأنّهما لا تختصّان به وإنّما فرضهما الله سبحانه على المؤمنين والمؤمنات بعضهم لبعض بقوله سبحانه: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ والْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ﴾(1) فالله سبحانه وتعالى ألزم المؤمنين والمؤمنات أن يتحابّوا ويتناصروا لله وفي الله.

أمّا بالنسبة للإمام علي  فقد أكّد النبي  مراراً وكراراً للمسلمين بأنَّ حبّ علي  إيمان وبعضه بغض ونفاق. وأمرهم بنصرته وملازمته، فأيّ حاجة وضرورة لتحمّل تلك المشاق والصعوبات في غدير خم وفي تلك الظروف الصعبة الحرجة الزمكانية حتّى يبيّن ما كان بيّنه، ويوضّح ما كان واضحاً من قبل؟!

فنزول الآية الكريمة: ﴿يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾.(2) وآية إكمال الدين وإتمام النعمة، في ذلك اليوم المبارك وعند غدير خم مع تلك التشريفات التي بيّناها كلّها قرائن دالّة عند العقلاء والعلماء بأنّ هذا الأمر الذي بلّغه خاتم الأنبياء  في الغدير وأخذ عليه العهد من المسلمين هو أهمّ من أمر النصرة والمحبّة، أي يلزم أن يساوي في الأهمّية أمر الرسالة والنبوة، بحيث إذا لم يبلغه النبي  لامته في تلك الساعة، فكأنّه لم يبلّغ شيئاً من رسالته لقوله تعالى: ﴿وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ﴾.(3)


1- التوبة: 71.
2- المائدة: 67.
3- المائدة: 67.

ص: 180

فالأمر الذي بلّغه النبي  لامته في الغدير، نزل إليه من السماء بقوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾.(1)

فهذا الأمر النازل من عند الله تعالى لم يكن إلاّ إمامة الاُمة وتعيين خليفة رسول الله  في الملأ العام والمؤتمر الذي جمع شخصيّات المسلمين وزعماءهم من كلّ أقطار البلاد الاسلامية في حجّة الوداع مع النبي .

روى بإسناده عن مشايخه: إنَّ النبي  أخذ بيد علي بن أبي طالب  وقال: مَن كنتُ مولاه (وليّه) وأولى به من نفسه فعليٌّ وليه، ومنهم: العلاّمة كمال الدين محمّد بن طلحة العدوي القرشي، في كتابه مطالب السؤول في مناقب آل الرسول ، الباب الأوّل أواسط الفصل الخامس بعد نقله حديثاً «من كنتُ مولاه فهذا عليٌّ مولاه» قال: أثبت رسول الله  لنفسي علي  ما هو ثابت لنفسه  على المؤمنين عموماً، فإنّه  أولى بالمؤمنين وناصر المؤمنين وسيّد المؤمنين فقد جعله لعليّ ، وهو مرتبة سامية ودرجة عالية خصصه بها دون غيره، فصار ذلك اليوم عيداً أو موسم سرور لأوليائه.

(المستشكل) الحافظ: لاشكّ في أنّ للمولى معانٍ متعددة، فلماذا المراد بها هنا الأولوية؟

الجواب (قلتُ): لقد اتفق علماء الاُصول، بأنَّ الكلمة التي يُفهم منها أكثر من معنى، وكان واحداً حقيقياً والمعاني الاُخرى مجازية.

فالمعنى الحقيقي مقدم على المجازي:

إلاّ أن يتّضح بالقرائن أنّ المراد من الكلمة معناها المجازي، ولو كان لها معانٍ مجازية شتّى فيتعيّن المراد بالقرينة.


1- المائدة: 67.

ص: 181

هناك أمر الله سبحانه وتعالى رسوله الكريم محمّد  أن يُنصّب خليفته للمسلمين ويأخذ منهم العهد والبيعة له ليعرفوه فيطيعوه ولا يخالفوه، إتماماً للحجة: ﴿فَلِلّٰهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ﴾(1) .

فلا يقولوا: ﴿إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ﴾(2) .

ولا يقولوا: ارتحل نبينا ولم يخلف خليفة، وتركنا بغير والٍ ولا راعٍ فاختلفنا وتفرقنا وتنازعنا في الأمر من بعده فيكون  هو المسؤول عن ذلك كلّه، واعلم أيّها الحافظ (المستشكل) أنّ علماءكم ومشاهير مفسّريكم فسّروا كلمة (المولى). في حديث الغدير مثل ما فسّرنا، فقالوا: المولى: هو الأولى بالتصرّف، منهم:

سبط بن الجوزي في كتابه تذكرة خواص الاُمة، الباب الثاني ذكر فيها لكلمة المولى عشرة معانٍ وبعدها، قال: لا يطابق أي واحدٍ منها، كلام رسول الله ، والمراد من الحديث الطاعة المحضة المخصوصة فتعيّن الوجه العاشر هو الاولى ومعناه:

من كنتُ أولى به من نفسه فعليٌّ أولى به...، ودلَّ عليه أيضاً قوله : ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟

وهذا نصّ صريح في إثبات إمامته وقبول طعاعته (انتهى كلام السبط).

ومنهم: أبو الفرج الأصبهاني، ويحيى بن سعيد الثقفي في كتابه مرج البحرين.

ولاشكّ أنّ المعنى الحقيقي للمولى والولي: هو الأولى بالتصرّف والمعاني الاُخرى تكون مجازية، فمعنى ولي النكاح: الأولى في أمر النكاح، وولي المرأة زوجها يعني الأولى بشؤونها واُمورها. وولي الطفل أبوه يعني الأولى بالتصرّف في شؤونه واُموره الخاصّة، وولي العهد يعني الاُولى بالتصرّف في شؤون الدولة بعد رئيسها أو في غيابه.


1- الأنعام: 149.
2- الأعراف: 172.

ص: 182

فأكثر استعمال كلمة الولي والمولى جاء بمعنى الاُولى في اللغة العربية، لذا قلنا المراد من كلمة النبي  في خطبته يوم الغدير: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه» أي مَن كنتُ أولى به فعلي أولى به لقوله تعالى: ﴿النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾.(1)

وللقرائن التي ذكرناها، أمّا حمل الكلمة على معناها المجازي، كما تزعمون: بأنّ مراد النبي  من كلمة المولى يعني المحب والناصر، خلاف للظاهر ومخالف لقواعد اللغة العربية وللاُصول التي وضعها ذوو العقول.

وإضافة إلى كلّ ما ذكرناه، ورد عن النبي  في تفسير الآية: ﴿يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ أي في ولاية علي بن أبي طالب وإمامته؟ ذكره جماعة من أعلامكم منهم:

العلامة جلال الدين السيوطي في تفسيره الدرّ المنثور في تفسير القرآن المأثور، نقل في تفسير الآية روايات كثيرة بهذا المعنى.

ردّ شبهة أثارها عمر بن الخطاب

بأنّه سمع النبي  أنّ النبوة والحكم لا يجتمعان في أهل بيتٍ واحد.

والجواب (قلتُ): إنّ بطلان هذا القول وزيفه واضح بدليل قوله تعالى: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ والْحِكْمَةَ وآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً﴾ (2).

فالكلام لو نُسب إلى عمر فهو دليل على جهله بكتاب الله سبحانه وتعالى!

وإن كان عمر بنسبه إلى النبي  فهو كذب وافتراء على النبي ، لأنّه خلاف ما اُنزل الله سبحانه.


1- الأحزاب: 6.
2- النساء: 54.

ص: 183

ثُمّ لا يخفى بأنّ الخلافة تالية للنبوة فلو يكون الحكم ملازماً للنبوة، فكلام عمر باطل، ولو لم يكن الحكم ملازماً للنبوة فكلامه باطل أيضاً. وإن لم يكن ملازماً للنبوة، فلا يكون ملازماً للخلافة بالأولوية.

فكلام عمر ليس في محله، ولقد جمع الله النبوة والخلافة في بيت عمران بقوله تعالى: ﴿وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وأَصْلِحْ ولا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾(1) .

فإن كان عندكم يحق لنبي إسرائيل: نفي خلافة هارون وعزله عن مقامه، يحق أيضاً لأهل السقيفة نفي خلافة الإمام علي  وعزله، لكنّكم تخطئون بني إسرائيل في موقفهم السلبي تجاه هارون ولا تخطئون عمل أهل السقيفة!! فكما أنّ النبوة والخلافة اجتمعتا في أهل بيت عمران  والد موسى وهارون، كذلك اجتمعتا في النبي  وعلي  وهما من بيت واحد.

ويكفي في تنظيرهما حديث المنزلة الذي مرّ ذكره وذكرت مصادره، فليس الحقّ كما قال عمر: بأنّ النبوة والحكومة لا تجتمعان في أهل بيتٍ واحدٍ، بل تجتمعان في رجلٍ واحدٍ، كما بالنسبة لنبي الله داوود  قال الله العزيز: ﴿وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ والْحِكْمَةَ وعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ﴾(2) وقوله تعالى ﴿يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ﴾(3) .

ثُمّ إنّ عمر لما جعل عليّاً  أحد الستّة الذين عينهم ورشحهم للخلافة من بعده، فقد نقض كلامه بعمله، وكذلك تناقض اعتقادكم بحديث عمر، حيث اعتقدتم بخلافة علي  في المرتبة الرابعة، وهذا تناقض بيّن ومغالطات واضحة.


1- الأعراف: 142.
2- البقرة: 251.
3- ص: 26.

ص: 184

فالنبي بريء من هذا القول ولا يُعقل أنّ النبي  يخالف حكم الله الصريح في اجتماع النبوة والحكم، كما بيناه أعلاه بالنسبة لموسى وهارون وداوود .

لماذا نتبع عليّاً وبنيه 

نحن نتّبع عليّاً وبنيه  لقول النبي : «أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها» ذكرت بعض المصادر من كتبكم، أنّنا دخلنا الباب الذي فتحه رسول الله  وأمر اُمته أن يأخذوا أحكام دينهم من هذا المنهل العذب، ويصلوا إلى حقيقة شرعه من هذا الطريق فقط.

ولكنّكم تحتجون علينا وعلى جميع المسلمين ودخولكم من أبواب الأئمة الأربعة، وليس لكم دليل على رأيكم، أمّا نحن فنستند على القرآن والسنّة والعقل على وجوب متابعة الإمام علي  وأبنائه الأئمة الأطهار ، وقد ذكرنا سابقاً أدلّتنا القرآنية والنبوية والعقليّة كحديث الثقلين، وحديث السفينة، وباب حطة _ ولو تتصفونا وتتركوا العناد والتعصب _ اكتفيتم بكلّ واحد من تلك الأحاديث الشريفة في معرفة الحقّ وقبول مذهبنا، أمّا أنتم تمسكتم برجالٍ لم يصدر عن رسول الله  حتّى حديث واحد بأمر اُمته  بمتابعة الأشعري أو ابن عطاء المتعزلي في مسائل اُصول الدين.

أو أنّه  يأمر بالتقليد في فروع الدين وأحكامه من الأئمة الأربعة بأسمائهم!

الجواب: لا يوجد! فمن أين إذاً جاءكم هذا التعصب للمذاهب الأربعة، ولماذا لا تتعصبون لمذهب أهل البيت .

وقد أمركم النبي  بمتابعتهم ونهاكم عن مخالفتهم وصرّح بأنّ الحقّ فيهم ومعهم.

ص: 185

(إشكال) حول الإمام علي نفس رسول الله وقضية المباهلة

المستشكل الحافظ: اتّحاد نفسين بالمعنى الحقيقي محالاً عقلاً وقولاً.

الجواب (قلتُ): اتّحاد نفسي رسول الله  والإمام علي  مجازي وبيان ذلك: أنّ المحبّة بين شخصين تارة تصل إلى أعلاها، بحيث تكون رغباتهما واحدة وجميع الاُمور المتعلّقة بالنفس والصادرة عنها تصير متشابهة ومتماثلة، حينئذٍ يُعبر عن النفس بالنفس الواحدة مجازاً، ولقد جاء هذا المعنى في كلمات بعض الأولياء وفي أشعار بعض الفصحاء مجازاً، ولقد جاء في الديوان المنسوب إلى الإمام علي .

هموم الرجال في الاُم_ور كث_يرةوهمّي في الدن_يا صديق مساعدٌ

ي_ك_ون ك_روحٍ بين ج_س_م_ينفجسمهما جسمان والروح واحدٌ

فاتّحاد نفس النبي  والإمام علي  من هذا الباب، والمراد رغباتهما واحدة وكانا متماثلين في الفضائل النفسيّة والكمالات الروحيّة إلاّ الخصائص المنصوصة.

المستشكل (الحافظ): إذاً تقولون بأنّ محمّد  وعلي (كرم الله وجهه) كانا نبيين يوحى إليهما !

الجواب (قلت): هذه مغالطة بيّنه منكم، نحن لا نعتقد بهذا، بل نعتقد بأنّ النبي  والإمام علي  متحدان في النفس مجازاً، أي متماثلان في الكمالات الروحية ومتشابهان في الفضائل والخصال النفسيّة، إلاّ الخصائص المنصوصة كالنبوة الخاصّة وشرائطها التي منها نزول الوحي، فالوحي النبوي خاص بمحمّدٍ .

وليس للإمام علي  نصيب منه، كما بينا ذلك بالتفصيل، فقد قلنا ضمن تفسيرنا لحديث المنزلة: إنّ الإمام علي  كان في مقام النبوة، ولم يبعث نبيّاً، بل كان تابعاً لشريعة سيّد المرسلين محمّداً  ومطيعاً له.

المستشكل (الحافظ): لمّا تعتقدون بأنّ عليّاً يساوي رسول الله  في جميع الفضائل والكمالات، فالنبوة والوحي من تلك الكمالات.

ص: 186

الجواب (قلتُ): ربَّما يتصوّر الإنسان ذلك من معنى المساواة، لكن لو فكّرتم بدقّة في التوضيح الذي بيّناه سابقاً عرفتم اعتقادنا.

بأنّنا استندنا إلى قول ربّنا عزّ وجلّ: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾(1) .

ولاشكّ أنّ أفضلهم هو أكملهم وخاتمهم الذي قال عنه سبحانه وتعالى: ﴿مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾(2) .

فالكمال الخاص بنبوة محمّد  كان سبباً في أنّ الله تعالى ختم به النبوة ورسالة السماء، وهذا الكمال خاصّ به  لا يساويه فيه أحدٌ قط. أما سائر الكمالات والفضائل التي اختصّ بها فهي قابلة للمشاركة والمماثلة، وعلي شاركه وماثله فيها.

السيد عبد الحيّ. هل لكم دليل على هذا الاعتقاد من القرآن الكريم تبينوه لنا بخصوص الموضوع؟

الجواب (قلتُ): دليلنا في ذلك من كتاب الله العزيز قوله تعالى:

﴿فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾(3) .

أجمع المفسّرون من الفريقين على أنّ هذه الآية الكريمة نزلت يوم المباهلة.

(النوّاب): أرجو من سماحتكم أن تبيّنوا لنا حديث المباهلة، فإنّنا لم نسمع من علمائنا شيئاً عن المباهلة.

الجوال (قلتُ): لقد ذكر المحدّثون والمفسّرون في تفسير الآية الكريمة، ففيه مباهلة النبي  بالتفصيل والإجمال، وهي:


1- البقرة: 253.
2- الأحزاب: 40.
3- آل عمران: 61.

ص: 187

إنّ النبي  دعا نصارى نجران للإسلام، فأقبل علماؤهم وأعيانهم وكان عددهم يربو على السبعين: فالتقوا برسول الله  وناظروه كراراً، وسمعوا دلائله وما يدعو إليه: من التوحيد والمعاد والصلاة والصيام والحجّ والزكاة، ودلائله في سائر الأحكام الإسلامية، فلم يؤمنوا فلما رأى النبي  لجاجهم وعنادهم، دعاهم إلى المباهلة والتحاكم إلى الله سبحانه؛ ليفضح الكاذب ويعذّبه فقبلوا بذلك وحضروا في الميعاد، وهم زهاء سبعين من علمائهم وساداتهم، فنظروا فإذا رسول الله  أقبل إلى المباهلة بأحبّ أهل بيته وأعزّهم عليه وهم علي وفاطمة والحسن والحسين ، قال كبيرهم: انظروا إلى محمّد  لقد جاء بصفوة أهله وأعزّهم عليه ليباهلنا بهم، وهذا دليل على يقينه بنبوته واطمئنانه من نفسه. فليس من صالحنا أن نباهله، بل نصالحه على ما يريد من الأموال ولولا خوفنا من قومنا ومن قيصر الروم، لآمنا بمحمّد ودينه فوافقوا بأنّهم لا يباهلوه، بل يصالحوه، فرضي رسول الله  بالمصالحة وأمر عليّاً  فكتب كتاب الصلح بإمضاء النبي .

فصالحهم على ألفي حلة فاخرة ثمن الواحدة أربعين درهماً، وعلى ألف مثقال ذهب وجزية سنوية وبنوداً اُخرى، ووقّع الطرفان عليها.

ولما اعترض النصارى على الأسقف الأعظم في بنود الصلح، قال لهم: والله ما باهل نبي وأهل ملةٍ إلاّ نزل عليهم العذاب وماتوا عن آخرهم، وإنّي نظرت إلى وجوه محمّدٍ وأهل بيته  فوجدتهم لودعوا الله عزّ وجلّ باقتلاع الجبال وزوالها لانقلعت وزالت.

المستشكل (الحافظ): هذا الخبر صحيح ولا منكر له بين علمائنا، لكن ما هو ارتباطه بسؤالنا عن دليلكم في اتّحاد نفس النبي  وعلي .

الجواب (قلتُ): ارتباط الخبر بالدليل «كلمة أنفسنا» في الآية الكريمة:

أوّلاً: الآية الكريمة تدلّ على أنّ عليّاً وفاطمة والحسن والحسين  أفضل الخلق وأشرفهم بعد النبي  عند الله تبارك وتعالى، فيجيب دعاءهم إذا دعوه.

ص: 188

هذا ما وصل إليه كثير من علمائكم الأعلام وصرّحوا به في تفاسيرهم، ومنهم: الزمخشري في تفسيره لآية المباهلة، فقد ذكر شرحاً وافياً عن الخمسة الطيبين وكشف حقائق ودقائق مفيدة، عن فضلهم ومقامهم عند الله سبحانه، حتّى قال: هذه الآية أجلى دليل وأقوى برهان على أنّ اصحاب الكساء أفضل من غيرهم عند الله تعالى.

ورأي البيضاوي والفخر الرازي في تفسير الآية، قريب من رأي الزمخشري.

ثانياً: نستنبط من الآية الكريمة: إنّ مولانا علي بن أبي طالب  هو أفضل الخلق بعد النبي ؛ لأن الله سبحانه وتعالى جعله بمقام النبي  فإنّ كلمة «أنفسنا» في الآية المباركة لا تعني رسول الله ؛ لأنّ الدعوة منه لا تصحّ لنفسه  وإنّما الدعوة من الإنسان تتحقّق لغيره، فالمقصود من كلمة «أنفسنا» في الآية هو الإمام علي، ولذا دعاه النبي  إلى المباهلة، وأخذه إلى الميعاد وذلك بأمر الله سبحانه وتعالى.

هذا جوابكم من كتاب الله العزيز، إذ عبّر عن علي  بنفس النبي ، فاتّحادهما مجازي واعتباري لا حقيقي.

المستشكل (الحافظ): نحن نقول بأنّ التعبير يكون مجازيّاً، وادعاؤكم بالاتّحاد النفسي ليس بأقوى من قولنا.

الجواب (قلتُ): إنّ العلماء والاُدباء اتفقوا على أنّ الاخذ بالمجاز الشائع أقوى وأجلى من الأخذ بالمجاز الغير الشائع والمجاز الذي نقوله هو المعنى الشائع عند العرب والعجم _ وكم من نظير له، وقد ذكرنا ذلك في حديثنا سابقاً لكم، فكم من قائلٍ لصاحبه أنت روحي وأنت كنفسي.

الأخبار المروية والأحاديث النبوية في المعنى المجازي الذي تقوله كثير

1. قال: «علي منّي وأنا منه، من أحبّه فقد أحبّني ومن أحبّني فقد أحبّ الله».

ص: 189

أخرجه الإمام أحمد في المسند وابن المغازي في المناقب والموفق بن أحمد الخوارزمي وفي المناقب وغيرهم.

2. قال  علي منّي وأنا من علي لا يؤدي عنّي إلاّ أنا وعلي _ أخرجه جماعة منهم ابن ماجة في السنن: ج 1/92، والترمذي في صحيحه، وابن حجر في الحديث السادس من الأربعين حديثاً في مناقب الإمام علي  في كتابه الصواعق المحرقة، وقال: رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة.

3. قال  لاُم سلمة (رض): علي منّي وأنا من علي، لحمه من لحمي، ودمه من دمي، وهو منّي بمنزلة هارون من موسى، يا اُمَّ سلمة، اسمعي واشهدي هذا علي سيّد المسلمين. أخرجه الحافظ سليمان القندوزي في كتابه ينابيع المودّة، الباب السابع بسنده عن عبد الله بن أحمد بن حنبل مسنداً عن ابن عبّاس.

4. قال  «علي منّي وأنا منه، وعلي بمنزلة الرأس من البدن، من أطاعه فقد أطاعني، ومن أطاعني فقد أطاع الله». أخرجه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، والحميري في كتاب الجمع بين الصحيحين.

5. قال : إنّ الله تبارك وتعالى أيّد الدين بعليّ وإنّه منّي وأنا منه، وفيه نزل قوله تعالى: ﴿أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ﴾.(1)

6. خصص الحافظ سليمان القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودة باباً بعنوان: الباب السابع. بيّن فيه أنّ علياً كنفس رسول الله ، وحديث علي منّي وأنا منه مذكور فيه.

ذكر حديث يبيّن سبب اتباعنا علي بن أبي طالب

والآن نذكر حديثاً نبوياً نقله كثير من علمائكم فأرويه عنهم لتعرفوا بأنّنا لم نتبع عليّاً


1- هود: 17.

ص: 190

ونبيه  عن تعصب أعمى أو متابعة للهوى، بل بأمر من الله ورسوله  ولتعلموا أنَّ ليس للحقّ سبيل غير مذهب أهل بيت النبوة .

روى الشيخ سليمان الحنفي القندوزي في كتاب ينابيع المودة، الباب الرابع عن فرائد السمطين الشيخ الإسلام الحمويني بسنده عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس (رض)، قال: قال رسول الله  يا علي، أنا مدينة العلم وأنت بابها، ولن يؤتى المدينة إلاّ من قبل الباب.

وكذب من زعم أنّه يحبّني ويبغضك؛ لأنّك منّي وأنا منك لحمك لحمي، ودَمُكَ دمي، وروحك روحي، وسريرتك من سريرتي، وعلانيتك من علانيتي، سعد من أطاعك وشقي من عصاك، وربح من تولاك وخسر من عاداك، فاز من لزمك وهلك من فارقك، مثلك ومثل الأئمة من ولدك بعدي مثل سفينة نوح  من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق. مثلهم كمثل النجوم كلما غاب نجم طلع نجم إلى يوم القيامة.

ويصرّح في حديث الثقلين بأنّ أهل بيته عدل القرآن ويحث المسلمين على التمسك بهما؛ لأنّهما لن يتفرقا حتّى يردا على رسول الله الحوض.

وكذلك ما أن تمسّك بهما المسلمون لن يضلوا بعد رسول الله أبداً.

بالإضافة إلى أخبار وأحاديث كثيرة بعضها بالتصريح، والاُخرى بالتلويح على إمامة علي بن أبي طالب وأهل بيته  ولا أحدٌ أحقّ منهم بالإمامة والخلافة بعد رسول الله ، لكن لا يسع المجال ويطول المقام لذكرها.

فالاُمة عندما تتخلف عن قول الله ورسوله ولم ترعَ العهود والمواثيق التي أخذها عليها رسول الله  في بيعة الغدير وغيرها سوف تتعرّض إلى نكبات ونكسات، وهذا أمر طبيعي في جميع الاُمم وفي كلّ الأديان والسنن الإلهية: ﴿سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا﴾(1) .


1- الأحزاب: 62.

ص: 191

في بيان بعض الأدلّة على إمامة علي بن أبي طالب 

قال المصنّف هناك أدلّة لا تحصى كثرة على إمامته 

أقول: إنّ الدلائل على إمامة علي بن أبي طالب  أكثر من أن تحصى حتّى أنّ المصنّف وضع كتاباً سمّاه كتاب الألفين، وذكر فيه ألفي دليل على إمامته، وصنّف في هذا ألفي جماعته من العلماء مصنفات كثيرة لا يمكن حصرها، ولنذكر جملة منها تشرّفاً وتيمّناً بذكر فضائله وهو من وجوه:

الوجه الأوّل: قوله تعالى: ﴿إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ ورَسُولُهُ والَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ويُؤْتُونَ الزَّكاةَ وهُمْ راكِعُونَ﴾.(1)

وهذا يتوقّف على مقدّمات:

المقدّمة الاُولى: إنّما تفيد الحصر بالنقل عن أهل اللغة، والشاعر يؤيّد ذلك

أنا الذائ_د الحامي الذمار وإنّمايدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي

فلو لم يكن إنّما للحصر لم يتمّ افتخاره.

المقدّمة الثانية: إنّ المراد بالولي أمّا الأولى بالتصرّف أو الناصر أو غير ذلك من معانيه غير صالح هنا قطعاً، لكن الثاني باطل قطعاً، لعدم اختصاص النصرة بالمذكور، فتعيّن الأوّل وهو الأولى بالتصرّف.

المقدّمة الثالثة: إنّ الخطاب للمؤمنين؛ لأنّ قبله بلا فصل فقوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ﴾(2) ثم قال ﴿إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ ورَسُولُهُ﴾(3).

فيكون الضمير عائداً للمؤمنين حقيقة.


1- المائدة: 55.
2- المائدة: 54.
3- المائدة: 55.

ص: 192

المقدّمة الرابعة: إنّ المراد بالذين آمنوا في الآية الكريمة بعض المؤمنين لعدّة وجوه:

الأوّل: لولا ذلك لكان كلّ واحد وليّاً لنفسه بالمعنى المذكور وهو باطل.

الوجه الثاني: إنّه وصفهم بوصف غير حاصل لكلّهم، وهو إيتاء الزكاة حال الركوع إذاً الجملة هنا حالية.

المقدّمة الخامسة: إنّ المراد بذلك البعض: علي بن أبي طالب  للنقل الصحيح واتفاق أكثر المفسّرين على أنّه كان يصلّي فسأله سائل فأعطاه خاتمه راكعاً، وإذا كان أولى بالتصرّف فينا كان هو الإمام، لأنّنا لا نعني بالإمام إلاّ ذلك.

الوجه الثالث: إنّه نُقل نقلاً متواتراً أنّ النبي  لما رجع من حجّة الوداع أمرنا بالنزول بغدير خم وقت الظهر ووضعت له الأحمال شبه المنبر وخطب في الناس واستدعى عليّاً  ورفع يده، وقال  «أيّها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم قالوا: بلى يا رسول الله . قال: فمن كنتُ مولاه فهذا علي مولاه، اللّهمّ وال من والاه وعادِ من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذل، وأدر الحقّ معه كيفما دار». وكرر ذلك عليهم ثلاثاً والمراد بالمولى هو الأوّل؛ لأنّ أوّل الخبر يدلّ على ذلك وهو قوله: (ألست أولى بكم) ولقوله تعالى: ﴿مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ﴾(1) . أي أولى بكم.

بعض المعضلات التي قضى فيها سيّدنا علي  والمشكلات التي حلّها. هنا قضية مفصلة رواها جمع من علمائكم منهم:

ابن الجوزي في كتابه الأذكياء، ص18، وفي كتاب الظرّاف، ص 19 ومحبّ الدين الطبري في كتابه الرياض النضرة: ج/197، وأيضاً ذخائر العقبى، ص80 والموفق الخوارزمي المكّي في المناقب: ص 60. وسبط بن الجوزي في تذكرة خواص الاُمة:


1- الحديد: 15.

ص: 193

ص87، وغيرهم رووا عن حنش بن المعتمر: إنّ رجلين آتيا امرأة من قريش فأودعاها مئة دينار وقالا: لا تدفعيها لأحد منّا دون صاحبه حتّى نجتمع فلبثا حولاً، ثُمّ جاء أحدهما إليها، وقال: إنّ صاحبي قد مات، فادفعي إليَّ الوديعة (المئة دينار) فأبت ذلك فثقّل عليها بأهلها، فلم يزالوا بها حتّى دفعتها إليه، ثُمّ لبث حولاً آخر، فجاء الثاني وطالبها الوديعة.

فقالت: له لقد جاء صاحبك وزعم أنَّك قد مُتَّ فدفعتها إليه فاختصّها إلى عمر، فأراد أن يقضي عليها، وقال: ما أراك إلاّ ضامنة. فقالت: أنشدك الله، ألاّ تقضي بيننا وارفعنا إلى علي بن أبي طالب  فرفعها إلى علي ، وعرفَ أنهما قد مكرا بها، فقال: أليس قلتما لا تدفعيها لواحدٍ منّا دون الآخر؟

قال: بلى. فقال : إنّ مالك عندنا، اذهب فجيء بصاحبك حتّى تدفعه إليكما فتحيّر الرجل.

فبلغ ذلك عمر، فقال: لا أبقاني الله بعد ابن أبي طالب.

ومن جملة المسائل المتشابهة المشكلة التي تحيّر فيها عمر بن الخطاب وحلّها علي بن أبي طالب  مسألة كانت بين عمر وحذيفة بن اليمان.

روها جمع من علمائكم ونحن ننقلها من كتاب كفاية الطالب، باب 57 تأليف العلاّمة محمّد بن يوسف الكنجي الشافعي بإسناده عن حذيفة بن اليمان، إنّه لقي عمر بن الخطاب، فقال له عمر: كيف أصبحت يا حذيقة؟

فقال حذيقة: كيف تريد أن أصبح؟! أصبحت والله أكره الحقّ وأحبّ الفتنة، وأشهد بما لم أره وأحفظ غير المخلوق، واُصلي على غير وضوء، ولي في الأرض ما ليس لله في السماء!

فغضب عمر وانصرف من فوره وقد اعجله أمرٌ، وعزم على أذى حذيفة لقوله ذلك.

ص: 194

فبينا هو في الطريق إذ مرَّ بعلي بن أبي طالب ، فرى الغضب ظاهر في وجه عمر.

فقال له : ما أغضبك ياعمر؟! فقال: لقيت حذيفة بن اليمان فسألته كيف أصبحت؟ فقال: أصبحت أكره الحقّ! فقال : صدق لأنّه يكره الموت وهو الحقّ.

فقال عمر: يقول وأحبُّ الفتنة! قال : صدق فإنّه يحبّ المال والولد وقال سبحانه وتعالى: ﴿أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾(1) .

فقال: ياعلي! يقول اشهد بما لم أره! فقال : صدق يشهد، لله بالوحدانية ويشهد بالموت والبعث والقيامة والجنّة والنار والصراط وهو لم يرّ ذلك كلّه.

فقال: ياعلي، وقد قال: إنّني أحفظ غير المخلوق! قال : صدق إنّه يحفظ كتاب الله تعالى (القرآن) وهو غير مخلوق.

قال عمر: ويقول أنّه يصلّي على غير وضوء. فقال : صدق يصلّي على ابن عمّي رسول الله  على غير وضوء.

فقال: يا أبا الحسن، قد قال: أكبر من ذلك! فقال : ما هو؟

قال عمر: قال إنّ لي في الأرض ما ليس لله في السماء! قال : صدق له زوجة وتعالى الله عن الزوجة والولد.

فقال عمر: كاد يهلك ابن الخطّاب لولا علي .

قال العلاّمة الكنجي بعد نقله للخبر، هذا ثابت عند أهل النقل ذكره غير واحدٍ من أهل السِيَر.

فهذا عمر في المجال العلمي عاجز جاهل، وعليٌ يقنع ذوي العقول ويرد شبهات الفضول.


1- الأنفال: 28.

ص: 195

فقد كان علماء اليهود والنصارى وسائر الأديان يأتون إلى المدينة المنوّرة عاصمة الإسلام ويسألون الخلفاء مسائل معضلة ويلقون عليهم شبهات مفصلة، ولم يكن لهم بُدٌ من أن يراجعوا عليّاً ، إذ هو باب علم النبي  فكان  يرد شبهاتهم ويجيب عن مسائلهم وقد أسلم كثير من أولئك بفضل إجاباته المقنعة لهم وحل مشاكلهم، والجدير بالذكر أنّ الخلفاء الثلاثة الذين سبقوه كلّهم اعترفوا وأقرّوا له بتفوقه العلمي واعترفوا بعجزهم وجهلهم أمام علماء الأديان، وقد ذكر بعض المحقّقين من أعلامكم عن أبي بكر، حيث قال:

اقيلوني فلستُ بخيركم وعليٌّ فيكم!

وأمّا عمر: فقد قال في أكثر من سبعين مورداً لولا علي لهلك عمرٌ.

وقال لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن وذلك لجوابه  للشبهات والمشكلات الواردة وحكمه  في القضايا المُعضلة، وقد ذكر علماؤكم جملة منها في كتبهم المنتشرة ومسانيدهم المعتبرة لا مجال لذكرها.

مصادر كلام عمر بن الخطّاب

1. ابن حجر العسقلاني في تهذيب: ص 373، ط صدر آباد الدّكن.

2. ابن حجر أيضاً في كتابه الإصابة: ج 2/9 – 5، ط مصر.

3. ابن قتيبة المتوفّى سنة 276 في كتابه تأويل مختلف الحديث: ص 201.

4. ابن حجر المكّي في الصواعق المحرقة: ص 78، ص اليمنية بمصر.

5. أحمد أفندي في كتابه هداية المرتاب: ص 146 و152.

6. ابن الأثير الجرزي في كتاب اسد الغابة: ج 4/22.

7. جلال الدين السيوطي في تاريخ الخلفاء: ص 66.

8. ابن عبد البرّ في الاستيعاب: ج2، ص474.

ص: 196

9. عبد المؤمن الشيلنجي في نور الأبصار: ص 73.

10. شهاب الدين العجيل في ذخيرة المآل.

11. الشيخ محمّد الصبّاغ في إسعاف الراغبين: ص 152.

12. ابن الصباغ المكّي في الفصول المهمّة: ص 18.

13. نور الدين السمهودي في جواهر العقدين.

14. ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج 1/18.

15. العلاّمة القوشجي في شرح التجريد: ص 407.

16. الموفّق ابن أحمد الخوارزمي في المناقب: ص 48، 60.

17. محمّد بن طلحة القرشي في مطالب السؤول، الفصل السادس.

18. الإمام أحمد في المسند وفي الفضائل.

19. سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص: ص 85، 87.

20. الإمام الثعلبي في تفسيره كشف البيان.

21. ابن القيّم في كتابه الطرق الحكمية في نقله بعض قضاياه: ص41، 53.

22. العلاّمة الكنجي في كفاية الطالب: باب 57.

23. ابن ماجة القزويني في سننه.

24. ابن المغازلي في كتابه مناقب الإمام علي.

25. شيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين.

26. الحكيم الترمذي في شرح الفتح المبين.

27. الديلمي في فردوس الأخبار.

28. الحافظ القندوزي في ينابيع المودة: باب 14.

29. الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء وأيضاً في «ما نزل من القرآن في علي».

30. الفضل بن روزبهان في أبطال الباطل.

ص: 197

هؤلاء وغيرهم من علمائكم رووا قضايا وردت على الخليفة فعجز عنها وحلّها علي.

فقال عمر: أعوذ بالله من معضلةٍ ليس لها أبو الحسن!

وقال: كاد يهلك ابن الخطاب لولا علي بن أبي طالب  أو قال لولا علي لهلك عمر.

أو لا بقيت لمعضله ليس لها أبو الحسن وغيرها من العبارات المتقاربة المعنى بهذه العبارات.

علي  أوّل من آمن

لقد صرّح بهذا أكثر علمائكم وأشهر أعلامكم، منهم، ابن الصباغ المالكي في كتابه الفصول المهمّة، فإنّه بعد نقله رواية مجاهد، كما في تاريخ الطبري وشرح النهج لابن أبي الحديد كما نقلناها.

قال: فلم يزل علي  مع رسول الله  حتّى بعث الله عزّ وجلّ محمّداً نبيّاً فاتبعه علي  وآمن به وصدقه، وكان آنذاك في الثالثة عشرة من عمره لم يبلغ الحلم، وأنّه أوّل من أسلم وآمن برسول الله  من الذكور، ثُمّ نقل الإمام الثعلبي في تفسيره للآية الكريمة: ﴿السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ والْأَنْصارِ﴾.(1)

إنّه روي عن ابن عبّاس وجابر بن عبد الله الأنصاري وزيد بن الأرقم ومحمّد بن المنكور وخديجة هو علي بن أبي طالب .

وقد صرّح بهذا الموضوع أيضاً، الشيخان البخاري ومسلم في الصحيح، والإمام النسائي في خصائص الإمام علي  وسبط بن الجوزي في تذكرة الخواص: ص63


1- التوبة: 100.

ص: 198

والحافظ سليمان القندوزي في ينابيع المودة: باب 12 نقلاً عن مسلم والترمذي وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة .(1)

إيراد شبهة في الموضوع وجوابها

إشكال الحافظ نحن نعتقد أيضاً بأنَّ عليّاًَ (كرم الله وجهه) أوّل من آمن ولكنّه كان صبيّاً لم يبلغ الحلم، بينما الشيخان وعثمان ولو آمنوا بعد سيّدنا علي (كرم الله وجهه) إلاّ أنّهم كانوا في كمال العقل والارادة، ولذا يكون إيمانهم عند كلّ ذي عقل وبصيرة، أفضل من إيمان الطفل؛ لأنّ إيمان علي  وهو صبيّ كان تقليداً وإيمان الشيخين وعثمان كان تحقيقاً وعن فكر وبصيرة.

الجواب (قلتُ): إنّ هذا الكلام أوهن من بيت العنكبوت!

إنّنا نسألكم هل آمن علي  بدعوة من النبي  أم آمن من عند نفسه؟

الحافظ (المستشكل): من الواضح أنّه آمن بدعوة من النبي  لا من نفسه.

الجواب (قلتُ): هل النبي  حينما دعاه إلى الإيمان كان يعلم أنّه لا تكليف على ابن عمّه علي بن أبي طالب ؛ لأنّه طفل لم يبلغ الحلم أم لا؟!

أن نقل: ما كان يعلم فقد نسبت إلى الرسول  الجهل!

وذلك لا يجوز وإن قلت: إنّه  كان يعلم أنّه لا تكليف على الطفل ومع ذلك دعاه إلى الإيمان وكان صبيّاً فقد نسبت إلى النبي  اللغو والباطل، وهذا في حد الكفر؛ لأنّ النبي  مؤيّد بالعصمة ومسدد بالحكمة الإلهية وهو بريء من الباطل واللغو وقوله سبحانه: ﴿وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى﴾(2) فإذا لم يكن نطقه ودعوته عن الهوى، فيكون عن تفكّر وحكمة وتكليف.


1- شرح نهج البلاغة: ج113 ص224.
2- النجم: 3.

ص: 199

إيمان علي  في صباه أكمل إيمان

لقد ثبت أنّ النبي  دعا عليّاً إلى الإيمان فاستجاب له وآمن به، والنبي هو سيّد العقلاء والحكماء ولا يصدر منه لغواً بتاتاً.

إذاً لابدّ أنّه وجد عليّاً  كفواً وأهلاً فدعاه إلى الايمان صبيّاً، وهذه الدعوة إنّما تدلّ على قابلية علي  وفضله وكماله ووقار عقله وصغر السن لا ينافي كمال العقل ولم يكن بلوغ الحلم وحده سبباً للتكليف الإلهي، فكم من بالغ الحكم غير مكلّف لقصر عقله، وكم من صبيٍ لم يبلغ الحلم وقد كلفه الله سبحانه بأعظم التكاليف وحمّله رسالته إلى الخلائق، قال عزّ وجلّ في شأن يحيى بن زكريا: ﴿وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾(1) قال سبحانه عن عيسى بن مريم  ﴿قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وجَعَلَنِي نَبِيًّا﴾.(2)

فالحكم المأتي ليحيى إنّما كان تكليفاً من الله سبحانه وتعالى إليه، والنبوة كذلك تكليف من الله سبحانه لعيسى ، وهذا التكليف لهذين الصبيين دليل على عظمة شأنهما وكفايتهما وفضلهما وكمالهما.

وإيمان علي  بدعوة رسول الله  كذلك هو تكليف موجّه من هذا القبيل وهو على فضله وكماله أكبر دليل وبرهان، ولقد أشار سيّد الشعراء إسماعيل الحميري إلى هذه الفضيلة قائلاً:

وص_يّ مح_م__د وأب_و ب_ن_ي_هووارث_ه وف_ارس__ه ال_وف_يّ_ا

وقد اُوتي الهدى والحكم طفلاًكيح_يى ي_وم اُوت_يه ص_ب_يّ_ا

ثُمّ لو كان إيمان علي  يومئذٍ لا يعد فضيلة كما تزعمون، فلماذا كان النبي  ينوّه به ويشير إليه؟ وقد كان يريدُ أن يسجل لعليّ فضيلة اُخرى تضاف إلى فضائله


1- مريم: 12.
2- مريم: 30.

ص: 200

الجمّة.

نقل الحافظ سليمان الحنفي في كتابه ينابيع المودة، باب 56 من كتاب ذخائر العقبى للعلاّمة الطبري المكّي، روى بسنده عن عمر بن الخطاب، قال: كنت أنا وأبو بكر وعبيدة وجماعة عند النبي ، فضرب النبي  كتف علي ، وقال: يا علي، أنت أوّل المسلمين إيماناً وأوّلهم إسلاماً، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى، ورواه أحمد في المسند عن ابن عبّاس، عن عمر وزاد في آخره: كذّب من زعم أنّه يحبّني ويبغضك.

وأخرجه المتقي في كتاب كنز العمّال: ج 6/295 ورواه ابن الصبّاغ المالكي عن طريق ابن عبّاس أيضاً، في كتابه الفصول المهمّة: ص 125.

وأخرجه الإمام النسائي في كتابه خصائص الإمام علي .

ولقد روى الطبري في تاريخه عن محمد بن سعد بن أبي وقاص، قال: سألتُ أبي هل أنّ أبا بكر أوّل من آمن بالنبي ؟ قال: لا، بل ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين رجلاً ولكنّه كان أفضل منّا، وذكر الطبري في تاريخه أيضاً فقال: ولقد أسلم قبل عمر بن الخطاب خمسة وأربعون رجلاً وإحدى وعشرون امرأة.

ولكن أسبق الناس إسلاماً وإيماناً فهو علي بن أبي طالب  قال رسول الله : إنّ الله تبارك وتعالى اصطفاني واختارني وجعلني رسولاً: وأنزل عليَّ سيّد الكتب، فقلت إلهي وسيّدي إنّكَ أرسلت موسى  إلى فرعون فسألك أن تجعل معه أخاه هارون وزيراً، يشدّ به عضده ويصدّق به قوله، وإنّي أسألك ياسيّدي وإلهي أن تجعل لي من أهلي وزيراً تشدّ به عضدي، فاجعل لي عليّاً وزيراً وأخاً واجعل الشجاعة في قلبه والبسه الهيبة على عدوّه، وهو أوّل من آمن بي وصدّقني وأوّل من وحّد الله معي.

وإنّي سألت ذلك ربّي عزّ وجلّ فأعطانيه، فهو سيّد الأوصياء اللحوق به سعادة،

ص: 201

والموت معه في طاعته شهادة، واسمه في التوراة مقرون إلى اسمي، وزوجته الصدّيقة ابنتي وابناه سيّدا شباب أهل الجنّة أبنائي، وهما والأئمة بعدهما حجج الله على خلقه بعد النبيين.

وهم أبواب العلم في اُمتي من تبعهم نجا من النار، ومن اقتدى بهم هُدي إلى الصراط المستقيم لم يهب الله محبّتهم لعبد إلاّ ادخله الجنّة.

هذا قليل من كثير وبعض ما نقله حملة الأخبار من علماء السنّة الكبار، وقد ثبت بها أن علي بن أبي طالب  أولى وأجلى مصداق للآية الكريمة: ﴿وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾.

الذي صاحب النبي  طول أيّام عمره الشريف لا الذي صاحبه  بعض أيّام عمره الشريف.

وشيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين، والعلاّمة الهمداني في مودة القربى، والترمذي في الجامع، ج 2/214 وابن حجر في الصواعق، ومحمّد بن طلحة في مطالب السؤول وغيرهم من كبار علمائكم ومحدّثيكم، ذكروا: بأنّ النبي  بُعث يوم الإثنين وآمن به علي  في يوم الثلاثاء، وفي بعض الروايات: وصلّى علي  يوم الثلاثاء. وقال: محمّد بن طلحة العدوي في كتابه مطالب السؤول، الفصل الأوّل ولما نزل الوحي على رسول الله  وشرّفه الله سبحانه بالنبوة كان عليّاً يومئذٍ صبياً لم يبلغ الحلم وعمره آنذاك في الثالثة عشرة من عمره.

وقيل: أقلٌّ من ذلك وقيل أكثر منه، وأكثر الأقوال وأشهرها: إنّه لم يكن بالغاً فإنّه أوّل من أسلم وآمن برسول الله  من الذكور، وقد ذكر  ذلك وأشار إليه في أبيات نقلها عنه الثقات ورواها النقلة الاثبات.

محمّ_د النبي أخ_ي وصنويوحمزة سيّد الش_هداء ع_مّي

وجعفر الذي يضحي ويمسييطير مع الم_لائ_ك_ة اب_ن اخي

ص: 202

وبنت محمّد سكني وعرسيمن_وط لح_مها بدمي ولح_مي

وسب_ط_ا أحم_د ول_داي من_هافأيّ_كم له س_ه_م كس_همي

سبق_تكم إلى الاسلام ط_رّاًغلاماً ما بلغتُ أوان حلمي

وأوجب لي ولايته ع_ل_ي_ك_مرس_ول الله ي_وم غ_دي_ر خم

ف_وي_لٌ ثُ__مّ وي__لٌ ثُ_مّ وي__لٌلمن يلقي الإله غ_داً بظ_لمي

ونقل الطبري في تاريخيه: ج 2/241 والترمذي في الجامع: ج 2/215، والإمام أحمد في المسند: ج 4/368 وابن الأثير في تاريخ الكامل: ج 2، ص 22، والحاكم في المستدرك: ج 4/336 ومحمّد بن يوسف الكنجي القرشي في كتابه كفاية الطالب باب 25، وغيرهم من علمائكم الأعلام رووا بإسنادهم عند ابن عبّاس.

قال: أوّل مَن صلى علي بن أبي طالب وأخرج الحسكاني «في شواهد التنزيل» بذيل الآية: ﴿السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ﴾ بسنده عن عبد الرحمن بن عوف قال: إنّ عشرة من قريش آمنوا وكان أوّلهم علي بن أبي طالب ، وقد روى كثير من علمائكم ومشايخكم ذلك منهم:

الإمام أحمد في المسند، والخطيب الخوارزمي في المناقب، والحافظ سليمان القندوزي في ينابيع المودّة، باب 12، وغيرهم من الأعلام رووا بإسنادهم عن أنس بن مالك: إنّ النبي ، قال: صلت الملائكة عليَّ وعلى علي سبع سنين، وذلك لم ترفع شهادة لا إله إلاّ الله إلى السماء إلاّ منّي ومن علي ، وذكر العلاّمة ابن أبي الحديد في روايات كثيرة: «في سبق علي  إلى الإسلام والمخالف في ذلك شاذ والشاذ لا يعتدُ به» (1).

وهذا الإمام أحمد بن شعيب النسائي صاحب أحد الصحاح الستّة عندكم له كتاب خصائص الإمام علي ، فإنّه روى أوّل حديث في هذا الكتاب بإسناده عن زيد بن


1- شرح نهج البلاغة: ج2، ص125.

ص: 203

الأرقم، قال: أوّل من صلّى مع رسول الله  علي .

فضيلة مبيت علي بن ابي طالب  في فراش النبي  وفضيلة مرافقه أبي بكر للنبي .

أقول: لقد هاجر النبي  بأمر عاجل من الله سبحانه وتعالى وترك مهاماً يجب أن يقوم بها هو أو رجل كنفسه يعتمد عليه ويثق به، فكانت عنده ودائع الناس لأنّهم كانوا يودعونه أموالهم ويأمنونه عليها.

وترك ابنته وعزيزته فاطمة الزهراء  وهي وديعة الله سبحانه، وكذلك وديعة خديجة اُم المؤمنين  عنده.

فلابدّ من أحد يلتزم بأداء الأمانات إلى أهلها ويكون قادراً على تنفيذ التزاماته ولم يكن ذلك غير الإمام علي  فخلّفه رسول الله  في مكّة، وأمره بالمبيت في فراشه والالتحاف بكسائه، حتّى يلتبس أمر هجرته على أعدائه الذين تآمروا لمهاجمته وقتله في نومه وعلى فراشه، فمضى النبي  وهاجر إلى المدينة المنوّرة ونفّذ علي أوامره، وقام بكلّ مهمّة خوّلها إيّاه، ويعد أن ردّ ودائع الناس والأمانات إلى أهلها وحمل معه وديعة الله عزيزة النبي  وحبيبته فاطمة الزهراء . وقد عزّ فراغها على أبيها رسول الله.

وحمل معه أيضاً اُمه فاطمة بنت أسد وابنة عمّه فاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب. وكذلك أخذ معه بعض المؤمنات الاُخريات، المتبقيات في مكّة وكُنَّ في خطر إيذاء وممارسة المشركين فأوصلهن إلى المدينة المنوّرة، ونجا بهُنَّ في سلامة وأمان.

ثُمّ اعلموا إنّ فضيلة كلّ واحدة من هذه المهام المحولة من النبي  إلى علي  في هجرته المباركة ترجح على فضيلة مرافقه أبي بكر لرسول الله في هجرته؛ لأنّ

ص: 204

المرافقة فضيلة بالتبع وتنفيذ هذه المهام كلّ واحدة منها فضيلة راجحة بالاستقلال، سيّما فضيلة المبيت على فراش النبي  فإذا كانت آية الغار في نظركم تبيّن فضيلة لأبي بكر «بتعبير ثاني اثنين اذهما في الغار».

فقد جعلته تابعاً لرسول الله  غير مستقل فكسب تلك الفضيلة، بينما الإمام علي  حين بات في فراش النبي  سجّل الله العزيز له فضيلة مستقلة وهي قوله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ واللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ﴾(1) .

فلنفكّر في الآيتين آية الغار والمبيت وننصف أيّهما أفضل، مرافقة النبي في سفر الهجرة من مكّة إلى المدينة أم المبيت في فراش النبي واقتحام خطر الموت ليلبس الأمر على الأعداء، فيسلم من كيدهم رسول الله، ومباهاة الله سبحانه ملائكته الكرام، جبرئيل وميكائيل بتضحية علي وإيثاره لننصف أيّهما أفضل؟

لقد أجاب على هذا السؤال قديماً الشيخ الإسكافي اُستاذ ابن أبي الحديد، وهو نقله في شرحه لنهج البلاغة.

قال: قال علماء المسلمين: إنّ فضيلة علي  تلك الليلة لا نعلم أحدٌ من البشر نال مثلها، وبعد كلام طويل مدعوم بالدليل والبرهان، وكلّه مفيد يستحقّ النقل، ولكن لا نرى مجالاً لنقله.

قال: قد بينا فضيلة المبيت على الفراش على فضيلة الصحبة في الغار بما هو واضح لكلّ منصف، ونريد هنا تأييداً بما لم يذكر فيما تقدّم، فنقول: إنّ فضيلة المبيت على الفراش على الصحبة لوجهين:

أحدهما: إنّ علياً  قد كان آنس بالنبي  وحصل له بمصاحبته قديماً أُنس عظيم وألف شديد، فلما فارقه عُدمَ ذلك الاُنس وحصل به أبو بكر، فكان ما يجده علي


1- البقرة: 207.

ص: 205

 من الوحشة وألم الفرقة موجباً زيادة ثوابه.

ثانيهما: إنّ أبا بكر كان يؤثر الخروج من مكّة، وقد خرج من قبل فرداً فازدادت كراهيته للمقام، فلما خرج مع الرسول  وافق ذلك هوى نفسه ومحبوب قلبه، فلم يكن له من الفضيلة ما يوازي فضيلة من احتمل المشقة العظيمة وعرض نفسه لوقع السيوف ورأسه لرضيخ الحجارة؛ لأنّه على قدر سهولة العبادة يكون نقصان الثواب.

ويقول ابن سبع المغزي وهو من علمائكم في كتابه شفاء الصدور: إنّ علماء العرب اجمعوا على أنّ مبيت علي  على فراش رسول الله  أفضل من خروجه مع النبي؛ وذلك لأنّه وطن نفسه على مفاداته لرسول الله وآثر حياته، وأظهر شجاعته بين أقرانه.

نكتفي بهذا القدر عن الحديث في جملة (والذين معه) وما يتعلّق لها، وأمّا الحديث عن جملة: «أشداء على الكفّار».

فقد قال الشيخ: المراد منها هو الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، ولكي تعرف حقيقة الأمر فلابدَّ أن نطبق معنى الجملة على سيرة الخليفة والخلافة، فتصبح الجملة معناها كما يلي.

الشدّة تظهر في مجالين اثنين:

1. مجال المناظرات العلمية والبحوث الدينية مع الخصوم.

2. مجال الجهاد والقتال ومواجهة الأعداء.

أمّا في المجال العلمي فلم يذكر التاريخ مناظرة علمية ومحاورة دينية تطلب فيها عمر على الخصوم وأعداء الإسلام، واذا تعرفون له موقفاً في هذا المجال فبينوه لنا.

ولكن علياً  يعترف له جميع المؤرّخين والعلماء، بأنّه كان سدّاً منيعاً لرد تشكيكات أعداء الإسلام، وحل المعضلات العلمية والمشكلات الدينية سيّما في عصر الخلفاء الذين سبقوه بالخلافة.

ص: 206

ص: 207

الفصل الثاني: الشبهات

اشارة

هذه بعض بعض من الشبهات التي أثارها أحمد الكاتب حول إمامة أهل البيت  والرّد عليها (من كتاب شبهات وردود للسيّد سامي البدري).

نصّ الشبهة

اشارة

قال: تُشير روايات كثيرة يذكرها الصفّار في بصائر الدرجات والكليني في الكافي والحميري في قرب الإسناد والعيّاشي في (تفسيره) والمفيد في الإرشاد، والحر العاملي في إثبات الهداة وغيرهم إلى أنّ الأئمة أنفسهم لم يكونوا يعرفون بحكاية القائمة المسبقة المعدة منذ زمان رسول الله ، وعدم معرفتهم بإمامتهم أو بإمامة الإمام اللاحق من بعدهم إلاّ قرب وفاتهم، فضلاً عن الشيعة أو الإمامية أنفسهم الذين كانوا يقضون في حيرة واختلاف بعد وفاة كلّ إمام وكانوا يتوسلون بكلّ إمام أن يُعيّن اللاحق بعده ويُسميه بوضوح؛ لكي لا يموتوا وهم لا يعرفون الإمام الجديد.

يروي الصفّار في بصائر الدرجات: ص473 باب: «أنّ الأئمة يعلمون إلى من يوصون قبل وفاتهم ممّا يُعلمهم الله» حديثنا عن الإمام الصادق  يقول فيه: «ما

ص: 208

مات عالم حتّى يعلمه الله إلى من يوصي».

كما يروي الكليني في الكافي: ج 1، ص 277، ويروي أيضاً عنه : «لا يموت الإمام حتّى يعلم مَن بعده فيوصي إليه» وهو ما يدلّ على عدم معرفة الأئمة من قبل بأسماء خلفائهم. أو بوجود قائمة مسبقة بهم، وقد ذهب الصفّار والصدوق والكليني أبعد من ذلك فرووا عن أبي عبد الله  أنّه قال: «إنّ الإمام اللاحق يعرف إمامته وينتهي إليه الأمر في آخر دقيقة من حياة الأوّل». (البصائر: ص478 والإمامة والتبصرة من الحيرة باب 19 ص 84 والكافي: ج 1، ص 275)(1) .

الردّ على الشبهة

أقول: لقد أخطأ صاحب النشرة في فهم بعض الروايات التي ذكرها، حمل بعضها الآخر بسبب إجماله على ما يشتهي، وكان ينبغي أن يفهمه في ضوء مجموعة اُخرى من الأحاديث أوضح منه وأكثر صراحة.

أمّا الرواية التي أخطأ في فهمها خطأً فاحشاً في رواية صفوان الآتية: قال صفوان: قُلتُ للرضا  أخبرني عن الإمام متى يعلم أنّه إمام أحين يبلغه أنّ صاحبه قد مات أو حين يمضي مثل أبي الحسن قبض ببغداد وأنت هنا، قال: يعلم ذلك حين يمضي صاحبه، قُلت: بأيّ شيءٍ قال: يلهمه الله.(2)

فمن الواضح أنّ قول الرضا  يعلم حين يمضي صاحبه جواب لسؤال عن الإمام اللاحق كيف يعرف أنّ الأمر انتهى إليه ومراد السائل حالة التصدّي للإمامة من اللاحق باعتبار لا يكون إمامان إلاّ وأحدهما صامت وباعتبار أنّ الإمام السابق قد يموت في مكانٍ بعيد ويستغرق وصول خبر موته مدّة طويلة، كما في حالة موت الإمام


1- الشورى: العدد العاشر، ص11.
2- الكافي: ج1/381، ج4.

ص: 209

الكاظم  في السجن في بغداد وكان وصيّه الرضا  في المدينة، أو موت الرضا  في خراسان وكان وصيّه الجواد  في المدينة، وهكذا يتّضح أنّ الرواية تتحدّث عن جواب سؤال متى يتصدّى الإمام اللاحق للإمامة ويضطلع بمهمّاتها فعلاً؟ ولم تكن تتحدّث عن سؤال متى يعرف الإمام اللاحق أنّه قد جاءت النصوص فيه، والوصية عليه من الإمام السابق.

وبعبارة اُخرى توجد قضيتان:

الاُولى: قضية النصّ على الإمام اللاحق من الإمام السابق، وهذه قد تحصل في سن مبكر من عمر الإمام السابق، كما ستأتي الأمثلة على ذلك.

الثانية: قضية اضطلاع الوصي بمهمّات الإمامة فعلاً وتحصل في اللحظة التي يتوفّى فيها الإمام السابق وليس في اللحظة التي يصل فيها خبر موته مهما بعدت المسافات التي تفصل بينهما ويحصل علمه بموت الإمام السابق بإلهام من الله تعالى عبر الملائكة.

أما الرواية المجملة التي يجب عليه أن يفهمها في ضوء غيرها فهي قوله: «لا يموت الإمام حتّى يعلم مَن بعده فيوصي إليه» وهذه ونظائرها ينبغي أن يرجع في فهمها إلى الروايات التي أكثر وضوحاً وتفصيلاً وهي كثيرة منها رواية الكليني والصفّار، عن عمر بن مصعب وعمر بن الأشعث وأبي بصير وسدير ومعاوية بن عمّار: إنّ أبا عبد الله قال لهم ولغيرهم: «اترون أنّ الموصى منّا يوصي إلى مَن يريد لا والله، ولكنّه عهد معهود من رسول الله  إلى رجل فرجل حتّى انتهى إلى نفسه». وفي لفظ آخر إلى أن ينتهي إلى صاحب هذا الأمر .(1)

وفي ضوء ذلك يكون معنى الرواية المجملة: هو أنّ الإمام السابق لا يموت من دون وصية وتعريف بالإمام الذي يكون بعده.


1- الكافي: ج1، ص277، ح1 _ 4 وأيضاً بصائر الدرجات للصفّار: ص470، ح1 و10 _ 12.

ص: 210

أمّا قول صاحب النشرة: «إنّ الإمام السابق لا يعرف إمامة الإمام اللاحق من بعده إلاّ قرب وفاته».

فهو غير صحيح. وتكذبه رواية العهد من رسول الله  على رجلٍ الآنفة الذكر.

وتكذبه أيضاً روايات النصّ على أبي الحسن موسى  من أبيه الصادق، كما في رواية صفوان الجمّال، قال سألتُ أبا عبد الله  عن صاحب هذا الأمر، فقال: إنّ صاحب هذا الأمر لا يلهو ولا يلعب(1) .

وأقبل أبو الحسن موسى وهو صغير، ومعه عناق(2) مكيّة، وهو يقول لها: اسجدي لربّك. فأخذه أبو عبد الله  وضمه إليه، وقال:

بأبي وأمي من لا يلهو ولا يلعب، ورواية يعقوب السراج التي تشير إلى النصّ على الإمام الكاظم وهو في المهد(3) ، وقريب من معناها روايات أخر، وكذلك روايات النصّ على الرضا  وولده الجواد من الإمام الكاظم ، بعضها كان منه  وهو في الحبس، كما في رواية الحسين بن المختار(4) ، وبعضها قبل الحبس، كما في رواية محمّد بن سنان (ت 220ه_) قال: دخلت على أبي الحسن موسى  من قبل أن يقدم العراق بسنة وعلي ابنه جالس بين يديه فنظر إليَّ فقال يا محمّد أمّا أنّه سيكون في هذه السنة حركة فلا تجزع قال: قُلتُ: ما يكون جُعلتُ فداك، فقال أصير إلى الطاغية أما أنّه لا يبدأني منه سوء ولا من الذي يكون بعده (المراد بالطاغية المهدي العبّاسي والذي يكون بعده الهادي العبّاسي) ثُمّ أشار إلى ابنه علي ، وقال: من ظلم ابني هذا حقّه وجحد


1- الكافي: ج1، ص311، ح15.
2- العناق بفتح العين الاُنثى من المعز وخصصها بعضهم بما لم يتمّ له سنة (لسان العرب).
3- الكافي: ج1، ص310، ح11.
4- الكافي: ج1، ص313.

ص: 211

إمامته من بعدي كان كمن ظلم علي بن أبي طالب  حقّه وجحد إمامته بعد رسول الله ، قال ابن سنان فقالت: والله، لئن مدّ الله في العمر لأسلمت له حقّه ولأقِرَّنَّ له بإمامته، قال: صدقت يا محمّد يمدّ الله في عمرك وتسلم له حقّه وتقرَّ بإمامته وإمامة من يكون من بعده، قال: قُلتُ: ومن ذاك قال محمّد ابنه: قلت له الرضا والتسليم .(1)

فالإمام الكاظم  هنا لا ينصّ على الرضا  فقط، بل يخبر باسم الإمام بعد الرضا .

وكذلك روايات النصّ على الجواد من أبيه الرضا ، كما في رواية الحسن بن بشار قال: كتب ابن قياما إلى أبي الحسن  كتاباً يقول فيه: كيف تكون إماماً وليس لك ولد؟ فأجابه أبو الحسن الرضا: وما علمك أنه لا يكون لي ولد! والله لا تنقضي الأيّام والليالي حتّى يرزقني الله ولداً ذكراً يفرق بين الحقّ والباطل .(2)

وفي رواية أبي يحيى الصنعاني قال: كنتُ عند أبي الحسن الرضا  فجيء بابنه أبي جعفر  وهو صغير، فقال: هذا المولود الذي لم يولد مولود أعظم بركةً على شيعتنا منه .(3)

وفي رواية صفوان بن يحيى قال قلتُ للرضا : قد كنّا نسألك أن يهب الله لك أبا جعفر ، فكنت تقول: يهب الله لي غلاماً فقد وهبه الله لك فأقرّ عيوننا فلا أرانا إليه يومك فإن كان كون فإلى من؟ فأشار بيده إلى أبي جعفر فقلتُ: جعلتُ فداك هذا ابن ثلاث سنين! فقال: (وما يضره من ذلك فقد قام عيسى  بالحجّة وهو ابن ثلاث سنين) (وفي نسخة إرشاد المفيد وأعلام الورى ابن أقلّ من ثلاث سنين)(4) .


1- الكافي: ج1، ص319، ح16
2- الكافي: ج1، ص230، ح4.
3- الكافي: ج1، ص321، ح9.
4- الكافي: ج1، ص321، ح10.

ص: 212

الخلاصة

إنّ الذي ادعاه صاحب النشرة من: «إنّ الأئمة لم يكونوا يعلمون بأسماء أوصيائهم من بعدهم إلاّ قرب وفاتهم» قد بناهُ على فهم خاطئ الرواية صفوان الذي كان قد سأل الرضا  عن الإمام اللاحق متى يعلم أنّه قد اضطلع بالإمامة فعلاً، هل منذ اللحظة الاُولى لموت الإمام السابق أو حين يبلغه خبر موته؟ كما لو كان الإمام السابق في بلد والإمام اللاحق في بلدٍ آخر بعيد عنه، كما في حالة الإمامين الكاظم والرضا، أو الإمامين الرضا والجواد ، ولكن صاحب النشرة حمل الرواية على حالة الوصية والنصّ، هذا مضافاً إلى إغفاله أيضاً الروايات الكثيرة التي تنصّ على أنّ الإمام السابق يشير إلى الإمام اللاحق وينصّ عليه في سنّ مبكرة من حياته، كما في نصّ الصادق  على الكاظم  في طفولته، ونصّ الرضا  على الجواد وهو ابن ثلاث سنين.

شبهة اُخرى

نصّ الشبهة

قال: «ولم تكن النظرية الاثنا عشرية مستقرة في العقل الإمامي حتّى منتصف القرن الرابع الهجري... حيث أبدى الشيخ محمّد بن علي الصدوق شكه بتحديد الأئمة في اثني عشر إماماً فقط،وقال: (لسنا مستعبدين في ذلك إلاّ بالإقرار باثني عشر إماماً، واعتقاد كون ما يذكره الثاني عشر بعده) إكمال الدين: ص 77. (1)


1- الشورى: العدد العاشر، ص12.

ص: 213

الرّد على الشبهة

نقول:

أوّلاً: قوله: «ولم تكن النظرية الاثنا عشرية مستقرة في العقل الإمامي حتّى منتصف القرن الرابع الهجري...» مرّ الكلام في بيان خطأ ذلك في الفصل الأوّل.

ثانياً: إنَّه ما أسنده إلى الصدوق من شكّ في غير محلّه، بل افتراء عليه... .

إذ إنَّ كلامه يدلّ على عكس ما ذكره عنه، وإليك أيّها القارئ الكريم نصّ كلام الشيخ الصدوق.

قال: «قالت الزيدية لا يجوز أن يكون من قول الأنبياء أنّ الأئمة اثنا عشر؛ لأنّ الحجّة باقية على هذه الاُمة إلى يوم القيامة، والاثنى عشر بعد محمّد  قد مضى منهم أحد عشر، وقد زعمت الإمامية أنّ الأرض لا تخلو من حجّة.

فقال لهم: إنّ عدد الأئمة  اثنا عشر هو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، ثُمّ يكون بعده ما يذكره من كون إمام بعده أو قيام القيامة ولسنا مستعبدين في ذلك إلاّ بالإقرار باثني عشر إماماً واعتقاد كون ما يذكره الثاني عشر بعده.

ويقال للزيدية: أفيكذب رسول الله  في قوله «إنّ الأئمة اثنا عشر»؟

فإن قالوا: إنّ رسول الله  لم يقل هذا القول.

قيل لهم: إن جاز لكم دفع هذا الخبر مع شهرته واستفاضته وتلقي طبقات الإمامية أبان بالقبول ممّا أنكرتم ممّن يقول: إنّ قول رسول الله : «من كنت مولاه» ليس من قول رسول الله ؟ (1)

وقول الصدوق «لسنا مستعبدين في ذلك إلاّ بالإقرار باثني عشر إماماً واعتقاد كون ما يذكره الثاني عشر بعده» يؤكّد عقيدته باثني عشر إماماً من أهل البيت 


1- كمال الدين الشيخ الصدوق: ص77 _ 78.

ص: 214

أوّلهم علي  وثاني عشرهم المهدي ، واستتاب أمره هل سيعهد إلى إمام من بعده أو يكون يوم القيامة، ثُمّ يجيب عن ذلك: «إنّنا مستعبدون بالإقرار والتسليم لما يذكره الثاني عشر بعد ظهوره».

ومنشأ تردد الصدوق فيما يجري بعد ظهور المهدي  من أمر الإمامة هو الرواية التي أوردها الطوسي في كتابه الغيبة إنّه سيكون بعد الاثني عشر إماماً اثنا عشر مهديّاً، وهي رواية وحيدة وضعيفة السند، بل أمارات الوضع ظاهرة عليها، وهي معارضة من قبل الروايات التي تجعل من عهد ظهور المهدي  وظهور عيسى  آخر شوط من الحياة الإنسانية.

وتوجد أيضاً روايتان اُخريان في المهديين الاثني عشر:

الاُولى: رواها الشيخ الصدوق: عن الدقّاق، عن الأسدي عن النخعي، عن النوفلي، عن علي بن أبي حمزة، عن ابي بصير قال: قلت للصادق جعفر بن محمّد  يا بن رسول الله ، سمعتُ من أبيك أنّه قال يكون بعد القائم اثني عشر مهديّاً؟ قال: إنّما قال: اثنا عشر مهديّاً ولم يقل اثنا عشر إماماً، ولكنّهم قوم من شيعتنا يدعون الناس إلى موالاتنا ومعرفة حقنا(1) .

الثانية: رواها الشيخ الطوسي، عن محمّد الحميري، عن أبيه، عن محمّد بن عبد الحميد ومحمّد بن عيسى، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة، عن أبي عبد الله  في حديث طويل أنّه قال: يا أبا حمزة، إنّ منّا بعد القائم أحد عشر مهديّاً من ولد الحسين.(2)


1- إكمال الدين: ج2، ص27؛ البحار، 53\145.
2- غيبة الشيخ الطوسي: ص478.

ص: 215

قد أورد الشيخ الحر العاملي صاحب وسائل الشيعة الروايتين الآنفتي الذكر إضافة إلى ما رواه صاحب المصباح ومن دعاء الرضا  هذا مضافاً إلى الرواية التي اوردناها في صدر البحث، فيكون المجموع أربع روايات وقد علّق على الرواية الأخيرة بقوله: إنّها من طرق العامة، ثُمّ علق عليها جميعاً بقوله: وأمّا أحاديث الاثني عشر (أي بعد المهدي ) فلا يخفى أنّها غير موجبة للقطع أو اليقين لندورها وقلتها وكثرة معارضتها(1) ... وقد تواترت الأحاديث بأنَّ الأئمة اثنا عشر، وأنّ دولتهم محدودة إلى يوم القيامة، وأنّ الثاني عشر خاتم الأوصياء والأئمة والخلف، وأنّ الأئمة من ولد الحسين إلى يوم القيامة ونحو ذلك من العبارات فلو كان يجب علينا الإقرار بإمامة اثني عشر بعدهم لوصلت إلينا نصوص متواترة تقاوم تلك النصوص ينظر في الجمع بينهما(2)(3) .

الخلاصة

إنّ صاحب النشرة قد فهم من كلام الشيخ الصدوق ما لم يُرده الصدوق، ولا تساعده على فهمه الخاطئ، هذا ولو قرينه ضعيفة في أي كتاب من كتب الصدوق المطبوعة الكثيرة الميسرة لكلّ باحث، هذا مضافاً إلى أنّ الصدوق كان بصدد رد شبهة الزيدية على حديث الاثني عشر الذي كانوا يشكّكون في صدوره عن النبي .

نصّ شبهة اُخرى

اشارة

قال: «وعندما نشأت فكرة تحديد عدد الأئمة، بعد القول بوجود وغيبة الإمام


1- يريد رحمه الله الروايات التي تقول: إنّ المهدي  يموت قبل القيامة بأربعين يوماً.
2- الإيقاظ من الهجعة للحر العاملي: ص401.
3- وقد ذكر العلاّمة المجلسي في البحار وجهين في تأويل تلك الروايات، كما أورد الحر العاملي في كتابه ستّة تأويلات.

ص: 216

الثاني عشر  كان الشيعة الإمامية يختلفون فيما بينهم حول تحديد عددهم باثني عشر أو ثلاثة عشر، إذ برزت في ذلك الوقت روايات تقول: بأنَّ عدد الأئمة ثلاثة عشر، وقد نقلها الكليني في (الكافي) (ج 1، ص 534) ووجدت في الكتاب الذي ظهر في تلك الفترة ونسب إلى سليم بن قيس الهلالي، حيث تقول إحدى الروايات، أنّ هبة الله بن أحمد بن محمّد الكاتب، حفيد أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري الذي كان يتعاطى (الكلام)، لئن يؤلف كتاباً في الإمامة، يقول فيه، إنّ الأئمة ثلاثة عشر، ويضيف إلى القائمة المعروفة (زيد بن علي) كما يقول النجاشي في (رجاله).

الرد على الشبهة

أقول في كلامه عدّة مواضع للتعليق:

أوّلاً: قوله: «كان الشيعة الإمامية يختلفون فيما بينهم حول تحديد عددهم باثني عشر أو ثلاثة عشر».

دعوى منه كاذبة... .

إذ لم يقل أحد من الشيعةفي ضوء المصادر الشيعية، بأنّ الأئمة ثلاثة عشر إلاّ هبة الله بن أحمد حفيد العمري، وقد قال عنه النجاشي: كان يتعاطى الكلام وحضر مجلس ابن الحسين بن أبي شيبة العلوي الزيدي المذهب، فعمل له كتاباً وذكر أنّ الأئمة ثلاثة عشر مع زيد بن الحسين، واحتجّ بحديث في كتاب سليم بن قيس الهلالي أنّ الأئمة اثنا عشر من ولد أمير المؤمنين . وحفيد العمري هذا، كما قال عنه التستري (الظاهر أنّ الرجل إمامي غير ورع أراد استمالة جانب ابن أبي شيبة الزيدي بدرج زيد في الأئمة  لا أنّه زيدي وكيف يكون زيدياً، والزيدي لا يرى إمامة السجاد  ومن بعده لأنّهم يشترطون في الإمام الخروج بالسيف .(1)


1- قاموس الرجال العلامة التستري: ج9، ص300.

ص: 217

ثانياً: قوله: «إذ برزت في ذلك الوقت روايات تقول: بأنَّ الأئمة ثلاثة عشر، ونقلها الكليني في الكافي: ج1، ص534».

أقول: روايات الكافي التي يُفهم منها أنّ الأئمة بعد النبي  ثلاثة عشر هي خمس روايات نذكرها كما يلي:

الرواية الاُولى

رواها الكليني بسنده عن أبي سعيد العصفري، عن عمر بن ثابت، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر، قال: قال رسول الله : (إنّي واثنا عشر من ولدي وأنت يا علي زرّ الأرض يعني أوتادها وجبالها...).

الرواية الثانية

رواها عن أبي سعيد العصفري أيضاً مرفوعاً عن أبي جعفر  قال: قال رسول الله : «من ولدي اثنا عشر نقباء نجباء محدّثون مُفهّمون آخرهم القائم بالحق يملأها عدلاً كما مُلئت جوراً».

وأبو سعيد العصفري اسمه عبّاد له كتاب، كما قال الشيخ الطوسي في الفهرست والنجاشي في رجاله وكتابه ويقال له (أصل) موجود، كما قال صاحب الذريعة، ثُمّ وصل إلى الشيخ النوري، وقال عنه أنّ فيه تسعة عشر حديثاً.

وتوجد نسخة منه في المكتبة المركزية لجامعة طهران ضمن مجموعة باسم الاُصول الأربعمئة. وفي هذه النسخة كان لفظ الرواية الاُولى كالآتي: قال رسول الله : «إنّي وأحد عشر من ولدي وأنت يا علي زر الأرض...». وكان لفظ الرواية الثانية كالآتي: قال: قال رسول الله : «من ولدي احد عشر نقباء ونجباء محدّثون مفهّمون آخرهم القائم بالحقّ».

وفي ضوء ذلك اللفظ الموجود في رواية الكافي خطأ النساخ.

ص: 218

الرواية الثالثة

رواها الكليني عن ابي الجارود، عن ابن جعفر  عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: «دخلت على فاطمة  وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها فعددت اثني عشر آخرهم القائم».

وقد رواه الصدوق في إكمال الدين، وعيون أخبار الرضا، والخصال، بأسانيد ولا ينقلها عن الكافي، ثُمّ يجمع مع سند الكافي إلى جابر، ثُمّ يروي عنه أنّه قال: «دخلتُ على فاطمة  وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء فعددت اثني عشر آخرهم القائم...» بدون كلمة (من ولدها) فهي إذاً زيادة من النساخ.

الرواية الرابعة

رواها الكليني بسنده عن زرارة قال: «سمعتُ أبا جعفر  يقول: الاثنا عشر إماماً من آل محمّد  كلّهم محدث من ولد رسول الله  ومن ولد علي ، فرسول الله وعلي هما الوالدان».

ونقل هذه الرواية عن الكافي الشيخ المفيد في الإرشاد والطبرسي في أعلام الورى ولفظهما: (الاثنا عشر الأئمة من آل محمّد كلّهم محدث علي بن أبي طالب وأحد عشر من ولده، ورسول الله وعلي هما الوالدان).

وفي ضوء ذلك يتّضح أنّ عبارة: «علي بن أبي طالب وأحد عشر من ولده» وحرف العطف (الواو) بعدها قد سقط من رواية الكليني، ثُمَّ اُضيفت إلى ما بعد لفظة (رسول الله) الاُولى عبارة: (ومن ولد علي) وهو سهو النساخ أيضاً ومثله كثير.

الرواية الخامسة

رواها الكليني بسنده إلى أبي سعيد الخدري في قصّة سؤالات يهودي إلى أمير المؤمنين  قال: (إنّ لهذه الاُمة اثني عشر إمام هدى من ذرّية نبيها وهم منّي).

ص: 219

وقد روى مضمون هذا الخبر النعماني في كتابه الغيبة والصدوق في إكمال الدين.

إنّ أمير المؤمنين  قال: (إنَّ لهذه الاُمة اثنى عشر إماماً هدى وهم منّي) بدون (من ذرّية نبيها(1)فهي إضافة النساخ أيضاً.

قال العلامة العسكري:

ومع تسلسل الإسناد في جوامع الحديث بمدرسة أهل البيت  إلى رسول الله ، فإنَّ فقهاء مدرستهم لم يسمّوا أي جامع من جوامع الحديث لديهم بالصحيح، كما فعلته مدرسة الفقهاء، حيث سمّت بعض جوامع الحديث لديهم بالصحاح ولم يحجروا بذلك على العقول ولم يوصدوا باب البحث العلمي في عصر من العصور، وإنّما يعرضون كلّ حديث في جوامعهم على قواعد دراية الحديث؛ لأنّ رواة تلك الأحاديث غير معصومين عن الخطأ والنسيان اللذين يعرضان على كلّ بشر لم يعصمه الله سبحانه وفعلاً وقع الخطأ في أشهر كتب الحديث بمدرسة أهل البيت . وهو كتاب الكافي، مثل ما ورد في الأحاديث 7، 9، 14، 17، 18 من كتاب الحجّة في الكافي باب النصّ على الأئمة الاثني عشر)، ثُمّ فصل البحث فيها بما نقلناه عنه مختصراً آنفاً.

ثالثاً:

قول صاحب النشرة: (ووجدت روايات يُفهم منها أنّ الأئمة بعد النبي ثلاثة عشر في الكتاب الذي ظهر في تلك الفترة ونُسبت إلى سليم بن قيس الهلالي، منها أنّ النبي  قال لأمير المؤمنين : أنت واثنا عشر من ولدك أئمة الحقّ.

أقول: قد عدَّ ابن الغضائري وجود هذه الرواية في كتاب سليم بن قيس احدى العلامات على وصفه، وأجاب عنه العلامة التستري بقوله: «إنّه من سوء تعبير الرواة وإلاّ فمثله في الكافي أيضاً موجود» ثُمّ ساق الروايات الخمس التي أوردناها آنفاً مع


1- استفاد أصل البحث في الروايات الخمس من كتاب قاموس الرجال للعلاّمة التستري: ج4\452 _ 453، وكتاب معالم المدرستين العلاّمة العسكري: ج3\329 _ 333.

ص: 220

تحقيق الحال فيها.

وممّا يؤكّد أنّها من سوء تعبير الرواة أو خطأ النساخ سواء كانت في الكافي أو في كتاب سليم بن قيس مكرس لبيان العقيدة باثني عشر إماماً مع النصّ على أسمائهم، وكذلك كتاب الكافي ولو فرض أنّها لم تكن من خطأ النساخ، فهل يُعقل من الكليني وهو يريد أن يُثبت النصّ على الاثني عشر إماماً ويعقد باباً يُعنونه بذلك، ثُمّ يدرج تحته خمس روايات تنصّ على أنّ الأئمة ثلاثة عشر؟

الخلاصة

اتّضح من البحث أنّ أحداً من الشيعة لم يقل بأنَّ الأئمة ثلاثة عشر إلاّ هبة الله حفيد العمري، وكان قد قال ذلك طمعاً في دنيا ابن أبي شيبة الزيدي، وأراد بالثالث عشر من الأئمة زيد بن علي.

أمّا دعواه وجود روايات في الكافي وكتاب سليم تفيد أنّ الأئمة ثلاثة عشر وقد اتّضح من خلال البحث أنّها من أخطاء النساخ الاوائل، وقد بحثها المحقّقون من علماء الشيعة وأشاروا إلى مواضع الخطأ، وكان ينبغي على صاحب النشرة ان يشير إلى بحث هؤلاء المحقّقين، ويرد عليه أن كانت لديه أدلّة تساعده.

نصّ الشبهة

اشارة

قال صاحب النشرة: (ما دام في الأرض مسلمون ويحتاجون إلى دولة وإمام وكان محرماً عليهم اللجوء إلى الشورى والانتخاب، كما تقول النظرية الإمامية، وكان لابدَّ أن يُعيّن الله لهم إماماً معصوماً منصوصاً عليه، فلماذا إذاً يُحصر عدد الأئمة في اثني عشر واحد فقط .(1)


1- الشورى: العدد العاشر، ص19.

ص: 221

الردّ على الشبهة

أقول:

أوّلاً: إنّ المستشكل أراد بمصطلح الإمام معنى الحكم والرئاسة التنفيذية في المجتمع، كما هو واضح من كلامه هنا وفي موارد متعددة من النشرة.

ثانياً: إنَّ الإمامة التي حُصرت باثني عشر من أهل البيت ليست هي إمامة الحكم، بل هي الإمامة الدينية التي كانت لرسول الله  خاصّة بوصفه حجّة الله تعالى بقوله وفعله وتقريره(1) ، وكون حقّ الحكم خاصّاً به في زمانه لا يجوز لغيره أن يمارسه إلاّ بإذنه.

وكذلك الأمر في أوصيائه الاثني عشر فهم حجج تعالى على خلقه بعد نبيه الأكرم  بقولهم وفعلهم وتقريرهم وكون حقّ الحكم خاصّاً بهم في زمانهم لا يجوز لغيرهم أن يمارسه إلاّ بإذنهم، ومن هنا اشترطت فيهم العصمة والنصّ.

وفي ضوء ذلك فإنَّ إمامة أهل البيت الاثني عشر ، كما يعتقد بها الشيعة ليست هي الإمامة التي يعتقدها الزيدية أو المعتزلة أو السنّة، فهؤلاء يعتقدون بالإمامة على أنّها حكم وإجراء حدود وتولية اُمراء تطبيق أحكام الشريعة في المجتمع حسب.

ويفترق الزيدية عن غيرهم بقولهم: إنّ الذي له إجراء الحدود هم علي والحسن والحسين  ومن دعا إلى نفسه وحمل السيف من ذرّية الحسن والحسين  بعدهما.


1- ويترتب على هذه الإمامة أنّ الله لا يقبل عمل امرئ ما لم يكن موافقاً في التفاصيل مع قول الحجّة وفعله وتقريره ويترتّب عليها الشفاعة أيضاً، فشفاعة لا تنال إنساناً لا يقتدي بسنته، ويترتّب على ذلك أيضاً أنّ صاحب هذه المنزلة يؤيّده الله تعالى بخوارق العادات يجز بها على يديه حين يتوقّف فتح طريق الهداية عليها.

ص: 222

وأمّا أهل السنّة والمعتزلة فقد أنكروا أن تكون هناك نصوص تدلّ على حصر حقّ الحكم بأهل البيت  بالشكل الذي قال به الزيدية، فضلاً عمّا قال به الشيعة. وفي قبال الزيدية والمعتزلة والسنّة قالت الشيعة بإمامة أهل البيت لا بمعنى الحكم، بل بالمعنى الذي يجعل منزلتهم منزلة الأنبياء أي كونهم حججاً إلهيين تجب طاعتهم سواء بايعهم الناس على الحكم أو لم يبايعوهم، لا فرق بينهم وبين النبي  إلاّ في النبوة والأزواج .(1)

أمّا الحكم وإجراء الحدود فنسبته إليهم كنسبته إلى الرسول ، من حيث لا اختصاصه به وعدم جواز تصدّي الغير له مادام حاضراً .(2)

وهذا المعنى للإمام أي كونه حجّة الله سبحانه في دينه هو المأثور، عن هشام بن الحكم في مناظراته قال الشامي لهشام:

«يا غلام سلني في إمامة هذا (وأشار إلى الإمام الصادق ...) قال هشام للشامي: يا هذا، أربّك انظر لخلقه أم خلقه؟ فقال الشامي: بل ربّي انظر لخلقه، قال ففعل بنظره لهم ماذا؟

قال: أقام لهم حجّة ودليلاً، كيلا يتشتتوا، أو يختلفوا، يتآلفهم ويُقيم أودهم(3) ويخبرهم بغرض ربّهم.

قال: فمن هو؟


1- روي الكليني في ج1، ص270 عن محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد الله يقول الأئمة بمنزلة رسول الله إلاّ أنّهم ليسوا أنبياء ولا يحل لهم من النساء ما يحل للنبي فما خلا ذلك فهم فيه بمنزلة الرسول.
2- كتاب المغني القاضي عبد الجبار، الجزء المتمم للعشرين ص: 36، 39، 89، 99، حيث أشار إلى أنّ الشيعة ينظرون إلى أئمتهم كحجج الله تعالى، وانظر أيضاً: الشافعي في الإمامة للسيّد المرتضى: ج1، 309_310 والشيخ المفيد في كتابه الجمل نقلت من كتاب شبهات وردود، السيد سامي البدري: ج2، ص18. والعلاّمة الحلي في كتابه أنوار الملكوت في شرح ياقوت الكلام.
3- الأوَدُ: العِوَج (لسان العرب).

ص: 223

قال: رسول الله .

قال: هشام فبعد رسول الله .

قال: الكتاب والسنّة

قال هشام: فهل نفعنا اليوم الكتاب والسنّة في دفع الاختلاف عنّا؟(1)

قال: فسكت الشامي.

فقال أبو عبد الله  للشامي: مالك لا تتكلم؟

قال الشامي: إن قلتُ: لم يختلف كذبتُ، وإن قلت: إنّ الكتاب والسنّة يرفعان عنّا الاختلاف أبطلت؛ لأنّهما يحتملان الوجوه، وإن قلت: قد اختلفنا وكلّ واحد منّا يدعي الحقّ فلم ينفعنا إذاً الكتاب والسنّة، إلاّ أنّ لي عليه الحجّة. فقال أبو عبد الله : سله تجده مليّاً.

فقال الشامي: يا هذا، من انظر للخلق أربهم أم أنفسهم؟

فقال هشام: ربّهم انظر لهم منهم لأنفسهم.

فقال الشامي: فهل أقام لهم من يجمع لهم كلمتهم ويُقيم أودهم ويخبرهم بحقّهم من باطلهم؟

قال هشام: في وقت رسول الله  أو الساعة؟

قال الشامي: في وقت رسول الله  والساعة من؟

فقال هشام: هذا القاعد الذي نشدّ إليه الرحال ويخبرنا بأخبار السماء والأرض وراثة عن أب عن جد .(2)


1- ادعى صاحب النشرة أنّ هشام بن الحكم كان يناظر من أجل الإمامة بمعنى الحكم، بينما نصوص مناظراته، كما يرى لقارئ الكريم تدور حول من له مقام الرسول بكونه حجّة في قوله وفعله وتقريره، وكونه الفيصل في الاختلاف الفكري والفقهي.
2- يشير هشام  هذا إلى ما اشتهر عن الإمام الصادق أنّه كان يخبر بوقوع الملاحم استناداً كتب آبائه ومن ذلك ما اُخبر عنه مستقبل حركة الحسنين في زمانه وإنّه لا يملك أحد منهم وأنّ ذلك مذكور عنده في كتاب فاطمة اُصول الكافي: ج1، ص242، وبصائر الدرجات: 169 _ 170 وفي هذا الأخير عن معلى بن خنيس، قال كنت عند أبي عبد الله إذ أقبل محمّد بن عبد الله بن الحسن فسلم، ثُمّ ذهب ورقّ له أبو عبد الله ودمعت عينه، فقلتُ له: رأيتك صنعت به ما لم تكن تصنع، قال: أرفقت له لأنّه ينسب في أمر ليس له، لم أجده في كتاب علي من خلفاء هذه الاُمة ولا ملوكها، وفي مقاتل الطالبيين: ص206 قال الصادق لعبد الله بن الحسن أنّ هذا الأمر ليس إليك ولا إلى ولديك وإنّما هو لهذا _ يعني السفاح _ ثُمّ لهذا يعني المنصور ثم لولده من بعده لا يزال فيهم حتّى يؤمروا الصبيان ويشاوروا النساء، فقال عبد الله: والله يا جعفر ما أطلعك الله على غيبة، فقال الصادق: لا والله ما حسدت ابنك وأنّ هذا يعني أبا جعفر يقتله على أحجار الزيت، ثُمّ يقتل أخاه بعده بالطفوف وقوائم فرسه بالماء... إلخ.

ص: 224

قال الشامي: فكيف لي أن أعلم ذلك؟

قال هشام: سله عمّا بدا لك.

قال الشامي: قطعت عذري فعليَّ السؤال.

فقال أبو عبد الله : يا شامي، أخبرك كيف كان سفرك، وكيف كان طريقك، كان كذا وكذا.

فأقبل الشامي يقول: صدقت، أسلمت لله الساعة.

فقال أبو عبد الله : بل آمنت بالله الساعة، إن الإسلام قبل الإيمان وعليه يتوارثون ويتناكحون والإيمان عليه يثابون.

فقال الشامي: صدقت فأنا الساعة أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمد رسول الله وانّك وصيُّ الاوصياء»(1) .

وهذا المعنى للإمامة الذي ناظر من أجله هشام طفحت به أحاديث الأئمة.

روي الكليني عن داوود الرقي، عن العبد الصالح قال: «إنّ الحجّة لا تقوم لله على خلقه إلاّ بإمام حتّى يعرف»(2) .

روي أيضاً عن عبد الله بن سليمان العامري، عن أبي عبد الله، قال: «ما زالت الأرض إلاّ ولله فيها الحجّة يعرف الحلال والحرام ويدعو الناس إلى سبيل الله»(3) .


1- الكافي: ج1، ص171، ح4.
2- لكافي: ج1، ص177.
3- الكافي: ج1، ص178.

ص: 225

وروي أيضاً عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد الله  قال: «سمعته يقول: إنّ الأرض لا تخلو إلاّ وفيها إمام كي ما إن زاد المؤمنون شيئاً ردّهم، وإن نقضوا شيئاً اتمَّه لهم»(1) .

وروي أيضاً عن بشير العطار، قال سمعت أبا عبد الله  يقول: «نحن قوم فرض الله طاعتنا(2) وأنتم تأتمون بمن لا يعذر الناس بجهالته»(3) .

وروى الكليني أيضاً عن صفوان بن يحيى، قال قلت للرضا قد كنّا نسألك قبل أن يهب الله لك أبا جعفر  فكنت تقول: يهب الله لي غلاماً، فقد وهبه الله لك فأقرَّ عيوننا، فلا أرانا إليه يومك، فإن كان كون فإلى من؟

فأشار بيده إلى أبي جعفر  وهو قائم بين يديه.

فقلتُ: جعلتُ فداك، هذا ابن ثلاث سنين!

فقال: «وما يضرّه ومن ذلك فقد قام عيسى  بالحجّة وهو ابن ثلاث سنين».

والإمامة بهذا المعنى عرضها القرآن الكريم للأنبياء السابقين، قال تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ


1- الكافي: ج1، ص178.
2- روي الكليني في الكافي: ج1: 276 عن يزيد قال، قال أبو جعفر في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ النساء: 63 إيانا عنى خاصّة، أمر جميع المؤمنين إلى القيامة بطاعتنا. وفي تفسير فرات الكوفي، عن الحسين أنّه سأل جعفر بن محمّد عن قوله الله تعالى: ﴿أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ قال: اُولي الفقه والعلم قلنا: أخاص أم عام. قال بل خاص لنا، وفيه أيضاً عنه قال اُولي الأمر في هذه الآية هم آل محمّد ص108 تحقيق محمّد الكاظم في الشيخ المفيد، المقنعة: ص278، وفي الكافي: ج2، باب دعائم الإسلام: (أن الولاية التي أمر الله عزّ وجلّ بها بها ولاية آل محمّد ثُمّ ذكر: ﴿أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ...﴾ وهم الذين قال الله: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾.
3- الكافي: ج1، ص186.

ص: 226

لاَيَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾(1) .

وقوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾(2) .

فالإمام في كلا الآيتين هو الهادي إلى دين الله والحجّة على خلقه بقوله وفعله وتقريره.

وفي ضوء ذلك يتّضح: إنّ الذي ذكرته الأحاديث النبوية من حصر الإمامة بعد النبي  باثني عشر إنّما هو منزلة خاصّة لا يراد بها موقع الحكم وإجراء الحدود، بل اُريد بها موقع من هو بمقام الرسول  في كونه حجّة الله تعالى في القول والفعل والتقرير، وكون الحكم إجراء الحدود من خصائصه في زمانه، وقد اُلحقت أحاديث اُخرى الزهراء  بالأئمة، فهي حجّة في قولها وفعلها وتقريرها دون خصوصية الحكم.

وبواسطة هؤلاء الحجج حفظ الله شريعة نبيه من التحريف، وصارت ميسرة لكلّ من أرادها.

مشيئة الله تعالى في آل محمّد

وقد يقال لِمَ حُصِر الحجج بعد النبي باثني عشر ولِمَ حُصِر باُسرة النبي؟

الجواب: إنّ حصر حجج الله تعالى بعد نبيه الأكرم باُسرة النبي  وبعدد محدود منهم، وهم علي والزهراء والحسن والحسين وتسعة من ذرّية الحسين.

نظير حصر حجّة الله تعالى بعد نوح وإبراهيم ويعقوب وعمران في ذرّيتهم، كما في


1- البقرة: 124.
2- الانبياء: 73.

ص: 227

قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾(1) .

وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾(2) .

وقد شاءت حكمة الله تعالى أن يجعل في الحجج من بعد محمّد امرأة حجّة، وهي فاطمة بنت محمّد، كما جعل بعد موسى امرأة حجّة، وهي مريم بنت عمران.

وشاءت حكمة الله تعالى أيضاً أن يجعل من ذرّية فاطمة خاتم أوصياء محمّد، وهو الحجّة بن الحسن العسكري ، كما جعل من ذرّية مريم من قبل حجّته عيسى  خاتم أصفيائه من آل عمران وبني إسرائيل.

بل شاءت حكمته الله تعالى أن يجعل المهدي من آل محمّد نظيراً لعيسى من آل عمران من ناحية الاختلاف في ولادته والامتحان بغيبته، فقد اختلف بنو إسرائيل في ولادة المسيح بعد أن كانوا ينتظرونه جميعاً للنصوص الثابتة عن أنبيائهم وفي كتبهم(3) ، فآمنت طائفة لما ولد، وأنكرت طائفة ذلك إلى اليوم، واختلف بنو إسماعيل (اُمة محمّد في ولادة المهدي المنتظر من ولد فاطمة  بعد أن أخبر النبي  عنه


1- الحديد: 26.
2- آل عمران: 33 _ 34.
3- جاء في سفر إشعياء، وهو من أسفار الكتاب المقدّس عند اليهود والنصارى، الإصحاح التاسع، الفقرة 14 قوله: «ولكن الربّ نفسه يعطيكم آية. ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل» وعمانوئيل لفظة عبرية معناها (الربّ معنا) ومن الواضح أنّ النصّ يشير إلى مريم التي حملت من غير رجل وقد أيّدها الله تعالى لما ولدت عيسى بأن أنطقه في المهد ليكون آية لاُمه ولبني إسرائيل، ومع ذلك فقد كذبت طائفة كبيرة من اليهود ذلك، وأنكروا ولادة المسيح المنتظر من العذراء إلى اليوم.

ص: 228

وبشر به(1) ، فآمنت طائفة لما ولد 255ه_، وهي لا تزال مؤمنة به إلى اليوم، وأنكرت طائفة ذلك إلى اليوم أيضاً.

وامتُحن أنصار عيسى بغيبته، فمنهم من قال: قتل، ومنهم من: قال أنجاه الله من كيد الظالمين واتصل بخواص من تلاميذه لفترة يوجههم، ثُمّ غيّبه الله ليظهره آخر الزمان.

وكذلك امتُحن شيعة المهدي  بغيبته فمنهم (وهو قليل جدّاً في وقته) من قال: إنّه مات في الغيبة(2) . وقال الأغلب بحياته في غيبته الطويلة التي غاب فيها بعد غيبته(3) القصيرة، وهم ينتظرون ظهوره ليحقق الله تعالى به وعده لنبيه الخاتم.


1- روى أبو داوود في سننه عن أبي الطفيل عن علي قال: «لو لم يبق من الدهر الا يومٌ لبعث الله رجلاً من اهل بيتي يملأها عدلاً كما ملئت جوراً» وفيه أيضاً عن اُم سلمة قالت: سمعت رسول الله يقول: «المهدي من عترتي فهو ولد فاطمة» ج2\422.
2- قد مرَّ الكلام على هذا القول في الشبهة الاُولى وقد ذكر الشيخ المفيد في الإرشاد والشيخ الطوسي في الغيبة أقوالاً اُخرى.
3- قال الفضل بن الحسن الطبرسي  في كتابه أعلام الورى: إنّ أخبار الغيبة قد سبقت زمان الحجّة، بل زمان أبيه وجدّه وخلدها المحدّثون من الشيعة في اُصولهم المؤلّفة أيّام السيد بن الباقر والصادق  وآثروها عن النبي والأئمة واحداً بعد واحد... وليس يمكن لأحد دفع ذلك، ومن جملة ثقات المحدثين المصنّفين من الشيعة الحسن بن محبوب الزراد وقد صنف كتاب المشيخة الذي هو في اصول الشيعة أشهر من كتاب المزني وأمثاله قبل زمان الغيبة بأكثر من مئة سنة، ومن جملة ما رواه عن إبراهيم الخارقي عن أبي بصير، عن أبي عبد الله قال: قلت له كان أبو جعفر يقول لقائم آل محمّد غيبتان واحدة طويلة، والاُخرى صغيرة قال: فقال لي: «نعم يا أبا بصير، أحدهما أطول من الاُخرى، ثُمّ لا يكون ذلك (يعني ظهوره) حتّى يختلف ولد فلان ويظهر السفياني ويشتد البلاء»، ص416، وروي الشيخ الصدوق في إكمال الدين عن سعد بن عبد الله، عن عبد الله بن جعفر الحميري ومحمّد بن يحيى العطّار جميعاً، قالوا حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى وإبراهيم بن هاشم وأحمد بن أبي عبد الله البرقي ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب جميعاً، قالوا: حدّثنا أبو علي الحسن بن محبوب السراد، عن داود بن الحصين، عن أبي بصير، عن أبي جعفر بن محمّد عن آبائه قال: «قال رسول الله المهدي من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي أشبه الناس بي خلقاً وخلقاً تكون له غيبة وحيرة حتّى تضل الخلق عن أديانهم، فعند ذلك يقبل كالشهاب الثاقب فيملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً»، ص287، البحار: 51، ص72.

ص: 229

وشاءت حكمة الله أيضاً أن يجعل في آل محمّد حجّة الله في سن دون العاشرة من عمره الشريف، وهو أبو جعفر محمّد الجواد؛ ليكون نظيراً ليحيى من آل عمران آتاه الله الحكم صبيّاً.

وشاءت حكمته تعالى أن يجعل أوصياء محمّد  اثني عشر، وأن يجعل الثاني عشر منهم المهدي يحقّق الله تعالى على يده وعده لنبيه محمّد ويرث المؤمنون برسالته الأرض كلّها: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾(1) .

وأن يكون ذلك نظيراً لأوصياء موسى الاثني عشر وما جعله على يد الثاني عشر من أوصيائه وهو داوود من تحقّق للوعد الذي وعده لموسى وبني إسرائيل من وراثه أرض فلسطين وما حولها.

وشاءت حكمة الله أن يجعل أغلب أوصياء محمّد  من ذرّية أخيه ووزيره وأوّل أوصيائه علي بن أبي طالب ، وأن يكون ذلك نظيراً لما جعله الله تعالى من كون أغلب أوصياء موسى بعده في ذرّية أخيه ووزيره هارون(2) .

الخلاصة

وخلاصة الجواب: إنّ الأمر الذي حُصِر باثني عشر هو منزلة خاصّة لا يراد بها موقع الحكم وإجراء الحدود، بل اُريد بها منزلة الحجّة على الخلق في القول والفعل


1- لانبياء: 105.
2- قضية التناظر بين آل محمّد وآل عمران وآل هارون والحجج الإلهيين في الاُمم الماضية مسألة ملفتة للنظر جعلها الله تعالى من المعالم الهادية إلى حقانية حركة الأئمة الاثني عشر وبخاصّة بعد أن أصبحت حركتهم بما فيها غيبة المهدي واقعاً تاريخياً ناجزاً ثابتاً تسهل مقارنته مع الواقع التاريخي لحركة الحجج في الاُمم السابقة، كما ذكرها القرآن الكريم والنصوص الموافقة له من أسفار التوراة والإنجيل المتداولة، وقد ذكر محله.

ص: 230

والتقرير، والله تعالى أعلم حيث يجعل رسالته وحجّته، وفي أي اُسرة وبأي عدد، أمّا الحكم وإجراؤه فهو من اختصاص هؤلاء الحجج في زمانهم وحضورهم، ولا يجوز لأحدٍ أن يمارسه إلاّ بأذنهم، أمّا في عصر الغيبة فقد أذن الأئمة لفقهاء شيعتهم ورواة أحكامهم أنْ يمارسوه وأمروا شيعتهم بالرجوع إليهم للاحتكام إليهم والأخذ عنهم.

إمّا الشورى فقد تبيّن أنّ الذي رفضه الشيعة هو ما كان في قبال النصّ، وأمّا ما كان في طوله وامتداده فليس كذلك.

أمّا البيعة على الحكم فالذي يراه الشيعة هو عدم صحّتها مع من لا تصحّ معه شرعاً وأنّ الذي تصحّ معه، بل تجب هو النبي، ثُمّ الوصي، ثُمّ الفقيه العادل في عصر الغيبة.

وهذه شبهة أثارها الدكتور البغدادي، وهي:

قال البغدادي: «والأغرب من ذلك كلّه... أنّ الإمام علي  لم يحتجّ لنفسه _ فيما ثبت عنه _ بأي قول يشير إلى هذا التعيين».

الرد على الشبهة باختصار

أقول:

أوّلاً: لقد ثبت تاريخيّاً أنّ عليّاً  قد احتجّ بحديث الغدير في أكثر من مناسبة كان أشهرها في المصادر التاريخية والحديثية المتيسرة بين أيدينا هي مناشدته للناس في مسجد الكوفة بعد عودته من حرب الجمل.

قال عبد الحقّ الدهلوي البخاري(1) في كتابه اللمعات في شرح المشكاة في تعليقه على حديث الغدير: «وهذا حديث صحيح لا مرية فيه وقد أخرجه جماعة كالترمذي


1- عالم سني، اُنظر: ترجمته في كتاب سبحة البرهان: ص52.

ص: 231

والنسائي وأحمد وطرقه كثيرة جدّاً رواه ستّة عشر صحابيّاً» .

ثانياً: وفي ضوء حديث الثقلين وحديث الولاية كان علي  أيّام حكومته يوضّح للناس حقيقة منزلته ومنزلة أهل بيته.

فمن كلماته قوله : (لا يقاس بآل محمّد من هذه الاُمة أحد ولا يستوي بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً وهم أساس الدين وعماد اليقين إليهم يفيء الغالي وبهم يلحق التالي، ولهم خصائص الولاية وفيهم الوصية والوراثة الآن، إذ رجع الحقّ إلى أهله ونقل إلى منتقله) الخطبة رقم2.(1)

ثالثاً: وإذا أراد القارئ الكريم مزيد من التفصيل عن حديث الغدير، وما أُثير حوله من إشكالات سندية ودلالية وأجوبة علماء الشيعة على ذلك فعليه بكتاب الغدير، ج 1، للعلاّمة الأميني  وكتاب عتبات الأنوار: ج 6 _ 9 القريب، وتلخيص العلاّمة الميلاني، فإنّهما أوسع وأفضل ما كتب في هذا المجال.

نصّ الشبهة

اشارة

قوله: «ولا توجد أية آثار لنظرية النصّ في قصّة كربلاء سواء في رسائل شيعة الكوفة إلى الإمام الحسين  ودعوته للقدوم عليهم أو في رسائل الإمام الحسين  لهم».

الرد على الشبهة

أقول: إذا كان الاُستاذ الكاتب يريد أخبار قصّة كربلاء، كما رواها الطبري عن أبي


1- بل سمعه من النبي كلّ من كان معه في حجّة الوداع وهم ما بين سبعين ومئة ألف وقد أحصى العلاّمة الأميني في كتابه الغدير: ج1 مئة وعشرة من الصحابة في ضوء المصادر الحديثية والتاريخية التي تيسرت له.

ص: 232

مخنف صاحب كتاب مقتل الحسين، فإن أبا مخنُف كان من رجال العامّة ويرى الإمامة بالشورى ويُنكر النصّ، فكيف يترقّب منه أن يروي كلمات الحسين وأصحابه التي تشير إلى قول النبي  فيه وفي أخيه وأبيه من قبل؟

ومع ذلك كلّه فقد روى الطبري عن أبي مخنف عن رجاله، كتاب الحسين إلى أهل البصرة: «أمّا بعد، فإنّ الله اصطفى محمّداً  على خلقه، وأكرمه بنبوته واختاره لرسالته، ثمّ قبضه الله إليه وقد نصح لعباده، وبلغ ما أرسل به ، وكنّا أهله وأولياءه وأوصياءه وورثته وأحقّ الناس بمقامه في الناس، فاستأثر علينا قومنا بذلك، فرضينا وكرهنا الفرقة، وأحببنا العاقبة، ونحن نعلم إنّا أحقّ بذلك الحقّ المستحقّ علينا فمن تولاه، وقد أحسنوا وأصلحوا، وتحروا الحقّ، فرحمهم الله وغفر لنا ولهم. وقد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب.

وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه ، فإن السنّة قد اُميتت، وأنّ البدعة قد اُحييت، وأن تسمعوا قولي وتطيعوا أمري اهدكم سبيل الرشاد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته»(1) . وليس من شكّ أنّ قوله  «وكنّا أهله وأولياءه وأوصياءه وورثته، وأحق الناس بمقامه» وقوله (ونحن نعلم إنّا أحقُ بذلك الحقّ المستحقّ علينا فمن تولاه» يشير إلى النص والوصية وأولوية الاختصاص بحقّ الحكم، ولكن الرواة إضافة إلى ذلك عبارته  في الثناء على الخلفاء الثلاثة قوله: «فاستأثر علينا قومنا بذلك فرضينا وكرهنا الفرقة... وقد أحسنوا وأصلحوا وتحروا الحقّ فرحمهم الله» وهذا الكلام واضح التزوير، فإنّ علياً  لم يبايع من سبقه إلاّ كرهاً.

لقد أضاف الرواة هذا القول ليجعلوا الأولوية التي أشار إليها الحسين  بقوله: «وكنا أحقّ الناس بمقامه» أولوية تفضيل وقد مرّ الكلام على أنّ أولوية أهل البيت أولوية اختصاص في المورد الأوّل من الفصل الثاني.


1- تاريخ الطبري: ج4، ص266.

ص: 233

نصّ الشبهة

قوله: «ويتجلى إيمان الإمام علي  بالشورى دستوراً للمسلمين بصورة واضحة عن عملية خلافة الإمام الحسن ، حيث دخل عليه المسلمون، بعدما ضربه عبد الرحمن بن ملجم، وطلبوا منه أن يستخلف ابنه الحسن، فقال: لا، إنّا دخلنا على رسول الله  فقلنا: استخلف، فقال: لا، أخاف أن تفرقوا عنه، كما تفرقت بنو إسرائيل عن هارون، ولكن أن يعلم الله في قلوبكم خيراً يختر لكم».

الرد على الشبهة

أقول: إنّ الرواية التي أوردها ونسبها إلى السيّد المرتضى في كتابه الشافي رواية عامية رواها القاضي عبد الجبّار المعتزلي في كتابه المغني، وقد أورد القاضي المعتزلي رواية اُخرى رواها عن أبي وائل شقيق بن سلمة والحكم عن علي بن أبي طالب  أنّه قيل له: ألا توصي، قال: ما أوصى  فأوصي، ولكن إن أراد الله بالناس خيراً فسيجمعهم على خيرهم، كما جمعهم بعد نبيّهم على خيرهم» الشافي، ج3، ص91 نقلاً عن المغني، وقد أجاب عنهما السيّد المرتضى بقوله:

«إنّ الخير الذي رواه عن أمير المؤمنين، لما قيل له ألا توصي، فقال: «ما أوصى به رسول الله  فأوصي، ولكن أن أراد الله تعالى بالناس خيراً فسيجمعهم على خيرهم كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم»، فتضمّن لما يكاد يعلم بطلانه ضرورة، والظاهر من أقوال أمير المؤمنين، والمشهور من أقواله وأفعاله جملة وتفصيلاً يقتضي أنّه كان يقدم نفسه على أبي بكر وغيره من الصحابة، وأنّه كان لا يعترف لأحدهم بالتقدّم عليه، ومن تصفح الأخبار والسير، ولم تمل به العصبية والهوى، يعلم هذا من حاله على وجه ولا يدخل فيه شكّ.

ولا اعتبار بمن دفع هذا ممّن يفضّل عليه؛ لأنّه بين أمرين.

ص: 234

أمّا أن يكون عاميّاً أو مقلداً لم يتصفح الأخبار والسير وما روي عن أقواله وأفعاله ولم يختلط بأهل النقل، فلا يعلم ذلك.

أو يكون متأمّلاً متصفحاً إلاّ أنّ العصبية قد استولت عليه، والهوى قد ملكه واسترقه، فهو يدفع ذلك عناداً، وإلاّ فالشبهة مع الإنصاف زائلة في هذا الموضوع.

على أنّه لا يجوز أن يقول هذا من قال رسول الله  فيه باتفاق «اللّهمّ أئتني بأحبّ خلقك إليك ليأكل معي من هذا الطائر»(1) فجاء  من بين الجماعة فأكل معه.

ولا من يقول النبي  لابنته فاطمة : «إنّ الله عزّ وجلّ اطّلع على أهل الأرض اطلاعة، فاختار فيها رجلين جعل أحدهما أباك والآخر بعلك»(2) .

وقال  فيه: «علي سيد العرب»(3) و«خير من أخلف بعدي»(4) و«خير اُمتي»(5) . ولا يجوز أن يقول هذا من تظاهر الخبر عنه بقوله ، وقد جرى بينه وبين عثمان كلام فقال له: أبو بكر وعمر خير منك، فقال: «أنا خير منك ومنهما عبدت الله قبلهما وعبدته بعدهما»(6) .

ومن قال: «نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد»(7) .


1- حديث الطير رواه جماعة من العلماء كالترمذي: ج2، ص229 والنسائي في خصائصه: ص5، والحاكم في مستدركه: ص130، 131 وأبو نعيم في حليته: ج6، ص339، والخطيب في تاريخه: ج3، ص171 والمتقي في كنزه: ج6، ص406 والهيثمي في مجمعه: ج9، ص125 و126.
2- اُنظر كنز العمال: ج6، ص53؛ ومستدرك الحاكم: ج3، ص129، وفي مسند أحمد: ج5، ص26 (وأمّا ترضين زوجتك خير اُمتي).
3- مستدرك الحاكم: ج3، ص124_ حلية الأولياء: ج1، ص63 وج5، ص38 وفيهما (فقالت عائشة: ألست سيّد العرب؟ قال: أنا سيّد ولد آدم وعلي سيّد العرب).
4- كنز العمال: ج6، ص154.
5- مسند الإمام أحمد.
6- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: ج20، ص262.
7- كنز العمال: ج6، ص218.

ص: 235

وروى عن عائشة في قصّة الخوارج لما سألها مسروق، فقال لها: بالله يا أمه لا يمنعك ما بينك وبين علي أن تقولي ما سمعت من رسول الله  فيه وفيهم، قالت سمعت رسول الله  يقول: «هم شرّ الخلق والخليقة يقتلهم خير الخلق والخليقة».

إلى غير ذلك من أقواله  فيه التي لو ذكرناها أجمع لاحتجنا إلى كثير من الوقت، وكلّ هذه الأخبار التي ذكرناها مشهورة ومعروفة، قد رواها الخاصّة والعامّة بخلاف ما ادعاه ممّا يتفرد به بعض الاُمة ويدفعه باقيها.

وبعد، فبإزاء هذين الخبرين الشاذين اللذين رواهما في أنّ أمير المؤمنين لم يوص كما لم يوص رسول الله .

والأخبار التي ترويها الشيعة من جهات عدّة، طرق مختلفة المتضمّنة أنّه أوصى إلى الحسن ابنه، وأشار إليه واستخلفه، وأرشد إلى طاعته من بعده، وهي أكثر من أن نعدها ونوردها.

فمنها ما رواه أبو الجارود، عن أبي جعفر : إنّ أمير المؤمنين لما حضره، الذي حضره قال: لابنه الحسن : «ادن منّي حتّى أسرّ إليك ما أسر إليّ رسول الله، وائتمنك على ما ائتمنني عليه».

وروى حمّاد بن عيسى، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر  قال:

«أوصى أمير المؤمنين  إلى الحسن ، وأشهد على وصيته الحسين ومحمّد وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته، ثُمّ دفع إليه الكتب والسلاح». وأخبار وصيّة أمير المؤمنين  إلى ابنه الحسن  واستخلافه ظاهرة مشهورة بين الشيعة.

من الشبهات التي أثارها أعداء الشيعة واعتبروها وصمة من الشيعة نسبوا إليهم عبادة القبور والمغالاة في تعظيمها، وذهبوا إلى أنّ الشيعة يستبدلون الحجّ بالزيارة.

ولردّ هذه الشبهة: لنرى رأي الشيعة في زيارة قبور الأئمة أنّ من رجع إلى تاريخ

ص: 236

الاُمم على اختلاف عقائدها ونزعاتها، يعلم أنّها تقدس العظماء والقادة من أبنائها المصلحين، ولربّما تخرج بذلك عن المألوف، فترفعهم إلى حدود الإلهة، كما حدث لعظماء الهند والصين وغيرهما من عظماء العالم، فالذكريات تقام لهم مدى الأعوام والألقاب الفخمة تكال لهم بلا حساب اعترافاً لهم بالجميل، وتقديراً لجهودهم المبذولة في خدمة الإنسانية ولكي تتخذ الأجيال من حياتهم دروساً ينهلون من معنيها، ويجنون من ثمراتها أشهر ما لذ وطاب من المثل والتضحيات في سبيل خير الإنسان.

ولم يكن للشيعة منذ بزغ فجر التشيع إلى اليوم الذي نعيش فيه، عرف خاص ولا عادة تخالف المألوف عن الناس، وإنّما نهجوا في جميع حالاتهم نهج غيرهم من الاُمم والطوائف رأوا في علي وبنيه أفضل ما أنجبته الإنسانية بعد الأنبياء، وخير ما يقوم به العظماء والقادة من الاعمال، فكانوا معهم أحياءً وأمواتاً، كما ينبغي لاُمة تريد أن تفي لعظمائها وقادتها من قبل، عظموهم أحياء وقدسوهم أمواتاً؛ لأنّهم نهجوا نهج الرسول الأعظم وتمسّكوا بكتابه، لن يفترقا حتّى يردا على رسول الله، حاربوا الباطل وأهله، وخدموا الإنسانية خدمة تكفل لها النجاح والسعادة لو قُدَّر لها أن تسير على نهجهم القويم، وسبيلهم الواضح، أمعن حكام الجور في تعذيبهم وتشريدهم والدس عليهم وامعنوا في معارضتهم غير مسلمين ولا مهادنين، مهما بالغ الحكام في تعذيبهم والتنكيل بهم، لتتوفر للإنسان حريته وكرامته التي وهبها الله له وأكدها الإسلام، يستوحشون من الدنيا إذا لم تكن سبيلاً لإسعاد الإنسان، ويأنسون بالليل ووحشته مادام الله معهم وإيّاه يعبدون ويقدسون.

ولو أدرك ضرار آخرهم لوصفهم جميعاً بمثل ما وصف به عليّاً يوم قال له معاوية: صف لي علياً يا ضرار، فوصفه بتلك الصفات التي أبكت معاوية على جحوده وطغيانه، ولا حاجة الآن لذكر فضائلهم، فلقد دوّن لهم التاريخ ما لم يدون لغيرهم

ص: 237

من المزايا الطيبة والآثار الحميدة رغم الرقابة الشديدة التي وضعتها السلطات في زمانهم على الرواة وحفاظ السنن والأحاديث، ومازالت آثارهم أنفع ما يقدّمه التاريخ للأجيال مهما بلغ الإنسان وتطورت الحياة، والذي اُريده أن ما تقوم به الشيعة من الذكريات والزيارات، في كلّ عام لشهيد الإباء والعظمة، والأئمة الهداة علي وبنيه لا يزيد عمّا هو متعارف عند جميع الناس من الاحتفالات والذكريات، تكريماً لما كانوا يعملون لأجله، ويهدفون إليه من الجهاد المقدّس، والثورة على الظلم واغتصاب الحقوق والحريات، تكريماً للبطولة والتضحية واعتزازاً بالإباء والكرامة.

ولم تكن أهداف علي وبنيه لشيعتهم ومحبيهم فحسب، بل كانت للإنسانية جمعاء، كرسالة الأنبياء والمصلحين.

يحتفل الشيعي بذكرى الحسين  في العاشر من المحرم كلّ عام وفي أكثر أيّام السنة وستبقى ذكراه بما فيها من المآسي الفضائع ماثلة لكلّ متشيع لأهل البيت ولكلّ مسلم آمن بمحمّد ومبادئه وتعاليمه، ويقصد الشيعي زيارة علي والحسين  ويبذل في سبيل ذلك الأموال الطائلة بقلب خاشع، ونفس مطمئنة، لا ليقدس الأحجار التي بني فيها ذلك الصرح المقدّس ولا ليشاهد ذلك الذهب الوهاج، وإنّما يقصد من الزيارة والذكريات أن يعاهد الله في ذلك الحفل يجمع مئات الاُلوف من الناس على اختلاف أوطانهم ولغاتهم، وفي تلك البقعة المباركة التي اُريقت على تربتها تلك الدماء الزكية وتقطعت فوقها تلك الأعضاء الطاهرة، وفي سبيل الحقّ والعدل والحرية، أن يحيا ويموت على ما مات عليه علي والحسين وأبناؤهما الطيبون، ويتّخذ من سيرتهم درساً نافعاً وسبيلاً إلى ربّه الكريم.

وعندما يقف الزائر على قبور أولياء الله يقول: أشهد أنّكم أقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر، ونصحتم لله ولرسوله، إنّي سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم، محقّق لما حقّقتم ومبطل لما أبطلتم، فأسأل الله أن يجمعني

ص: 238

معكم على الحقّ والهدى، ويجعلني معكم في الدنيا والآخرة.

ويردد الزائر فضلهم في الزيارة، ويمجد بطولتهم ويعتزّ بإبائهم وكرامتهم ويتمنى لنفسه ولمن يحبّ أن ينهج على نهجهم ويحيا ويموت على ما عاشوا وماتوا عليه.

لقد قال الإمام الصادق  لبعض أصحابه: أتذكرون ما صنع بجدّي الحسين؟ لقد ذبح كما يذبح الكبش وقتل معه سبعة عشر شاباً من أهل بيته ما لهم على وجه الأرض من مثيل. ولم يقصد الإمام بذلك ان يستدر الدموع من العيون ولا أن يثير المشاعر والأحزان، وإنّما يريد بذلك أن يغرس في نفوس الناس عظمة الحقّ، والاستهانة بكلّ شيءٍ في سبيله، كما صنع جدّه الحسين  فضحى بكلّ ما لديه من مال وبنين، وأخيراً بنفسه الكريمة وهي نفس رسول الله  في سبيل العدل والحرية والمساواة وخير الناس أجمعين ويقول الإمام الرضا  وهو يحدث أصحابه عمّا جرى على الحسين بن علي  وصحبه الطيبين: فقل متى ذكرتهم، يا ليتني كنت معكم، فأفوز فوزاً عظيماً. يريد من أصحابه أن يكونوا مع أصحاب الحسين  بروحهم وعزيمتهم، وإيمانهم بمبادئ القرآن وسنن الأنبياء والمصلحين العاملين لخير الإنسان، يريد أن يقول الإمام: لكلّ زمان ظالم كزيد وجبار كعبيد الله بن زياد وابن مرجانة. فكونوا في زمانكم على الظالم الجبّار، كما كان أصحاب الحسين على يزيد وأصحاب يزيد، وهكذا يجب أن يقول كلّ إنسان في كلّ زمان: يا ليتني أكون مع أصحاب الحسين  لأفوز فوزاً عظيماً، ولقد خاطبهم الإمام الصادق بقوله: أشهد أنّكم أحياء عند ربّكم ترزقون، فهم الأحياء عند الله سبحانه وعند الناس.

وما زالت ثورتهم من أنفع الدروس للإنسانية وحينما نحيي الحسين  وأنصاره بقلوبنا وأرواحنا نحيي في الوقت ذاته كل ثائر على الظلم والطغيان على المستعمرين المستغلين، وبخاصّة اُولئك الذين اغتصبوا بلاد العرب والمسلمين وشردوا أهلها من ديارهم وأوطانهم وأقاموا دولة من شذاذ الآفاق في بلادهم لتكون قاعدة لهم لينطلقوا

ص: 239

منها للاستغلال والتسلط والقضاء على المثل التي جاء بها الإسلام وبقية الأديان.

وفي عقيدتي أنّ الحسين  الذي نتمرغ على أعتاب حرمه باعتزاز لو كان في عصرنا هذا لمثل مع إسرائيل وأعوانها نفس الدور الذي مثله في كربلاء ضد الظلم والطغيان والتسلط على حرية الإنسان وكرامته.

ولهذا تهدف الذكريات والزيارات، التي يقوم بها شيعة أهل البيت.

ولهذه الغاية أمر أئمتهم بها، وقد اتّخذ أعداء الشيعة من هذه الذكريات وصمة على الشيعة فنسبوا إليهم عبادة القبور والمغالاة في تعظيمها، وذهبوا إلى أنّ الشيعة يستبدلون الحجّ بالزيارة ولم يرجعوا إلى الشيعة أنفسهم ليعلموا أنّ الشيعة لا يرون الزيارة من الفرائض، وإنّما يرونها من الأعمال الراجحة يثاب فاعلها، ولا يأثم من تركها كما لا يضرّ تركها في التشيّع إذا لم يكن من استخفاف بعترة النبي .

وليس الأمر في الحجّ كذلك، فتركه مع الاستطاعة والقدرة على الإتيان به من الكبائر، والإنكار لوجوبه يؤدّي الخروج عن الإسلام؛ لأنّه يرجع إلى تكذيب القرآن الكريم والرسول الأعظم ، ولقد وردت الأحاديث عن النبي  وأوصيائه في فضل الكعبة. وقال الإمام الصادق : ما خلق الله بقعة في الأرض أحبّ إليه من الكعبة، ولا أكرم عليه منها.

وفي كثير من الأخبار من استطاع ولم يحجّ مات على غير الإسلام.

فالحجّ في دين الإسلام فريضة كالصلاة والصيام وغيرهما من الفرائض، ونصّ الكتاب الكريم على ذلك بقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾(1) .

وليس الأمر كذلك في زيارة قبور أهل البيت.


1- آل عمران: 97.

ص: 240

وإنَّ من أعظم حقوق الرسول  على اُمته تعظيم عترته، والتمسّك بولائها، وأخذ معالم الدين عنها، وحديث الثقلين، يأمرنا بالرجوع إليها، وإلى القرآن، ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً. وفي الحديث المتواتر: «مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى».

فهل يعاب على الشيعة بعد ذلك، لأنّهم اتبعوا سيرة الرسول ، وأحبّوا عترته ووفوا لنبيهم في ذرّيته، وقد جعل الله سبحانه أجر رسالته مودة قرباه: ﴿قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾(1) .


1- الشورى: 23.

ص: 241

الخاتمة

بعث الله سبحانه وتعالى الرسل لطفاً منه ورحمة بالمجتمع الإنساني وكانت الحضارات والقيم والأنظمة وكان هناك حقّ وباطل وبينهما صراع على مدى التاريخ.

وكان للرسل أوصياء اختارهم الله تعالى؛ كي يكونوا امتداداً طبيعيّاً لهم لإيصال مبادئهم ولإبقاء اللطف الإلهي في المجتمع الإنساني، وكما كان النقباء من بني إسرائيل أوصياء موسى، وكما كان الحواريون من بني إسرائيل أوصياء عيسى، ومن قبل أوصياء الأنبياء والمرسلين.

فما مَن نبي ولا رسول إلاّ وله وصي أو أوصياء؛ لأنّ الصلة بين الله تعالى وبين العباد هم الأنبياء والأوصياء، ولابدَّ أن يكون ذلك إلى اليوم المعلوم، اتماماً للنعمة ولأجل الاستمرار في تبليغ الرسالة الإلهية.

فجعل الله تعالى لنبيه وحبيبه محمّد  الأوصياء الاثني عشر امتداداً طبيعياً للنبوة؛ لإيصال ما جاء به من غير تحريف وتزوير وهكذا إلى آخر الأوصياء .

وقد ورد عن النبي: «لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم، حتّى يبعث فيه رجلاً من ولدي، يواطئ اسمه اسمي يملأ الأرض عدلاً كما قُلبت ظلماً

ص: 242

وجوراً»(1) .

كل ذلك أمرٌ ضروري؛ لأنّ ما يحدثه أعداء الأنبياء والمرسلين بعد رحيلهم زوراً وبهتاناً وظلماً وحسداً يحتاج إلى من يُفنّد ادعاءاتهم ويأتي بالصحيح بدل الذي زوّره الأعداء.

إنّ الأوصياء الذين نؤمن بهم وعيّنهم الله سبحانه وتعالى وأمَر النبي في ذلك هم غير الخلفاء الذين أتت بهم الاُمة.

هم الأوصياء الذين سمّاهم الله سبحانه وتعالى بأسمائهم وكناهم وبأسماء آبائهم واُمهاتهم بنصّ بعضهم على بعضٍ، وعداً من الله سبحانه لرسوله .

وقد رأينا من جاءت بهم الاُمة، وما أحدثوا من المآسي والانحرافات مازلنا نعيش آثارهم المؤلمة بعد هذه القرون الطويلة؛ لعدم عصمتهم وجهلهم باُمور الدين والدنيا وحاجتهم إلى الغير.

أمّا أوصياؤنا الذين يحتاجهم الناس ولا يحتاجون إلى الناس فهم علماء من غير تعليم ارتضاهم الله وجعلهم، حيث هم فيه وعهد إليهم عهده.

وقد قرن الله ولايتهم بالرسالة، وأمر نبيه الكريم أن يصدع بها:

﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾(2) .

وفعلاً بلّغَ الرسول  ما أراده الله منه منصبّاً على ابن أبي طالب  في التجمع والمؤتمر العظيم بعد الرجوع من حجّة الوداع وبايع القوم وكبار المسلمين ومنهم الخليفة الأوّل والثاني وهنأ الثاني أمير المؤمنين بقوله: بخ بخ لك أصبحت مولاي


1- روضة الواعظين الشيخ محمد بن الفتال النيسابوري: 261، صحيح الترمذي: ج4، ص505، ح2231، الحاوي للفتاوي: ج2، ص70 وكنز العمال: ج2، ص2.
2- المائدة: 67.

ص: 243

ومولى كلّ مؤمن لخلافة المسلمين بعد رسول الله .

فكان بولاية علي  إكمال الدين وإتمام النعمة، فنزلت الآية الكريمة قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾(1) .

لكن للأسف الشديد أنّ الاُمة تنكرت وانقلبت على أعقابها _ إلاّ قليلاً ممّن وفى للحقّ _ حسداً وبغضاً وتأراً ممّا خلّفته الجاهلية تاركة سيفَ علي وعلمَ علي وعدلَ علي ومقام علي من الله ورسوله .

ومن المؤسف له أنّ الأعم الأغلب من الاُمة المسلمة، حيث رحيل رسول الله  لم يدخل الإيمان في قلوبهم؛ لأنّ بعضهم آمن لما رأى من الآيات والبراهين والمعجزات وما أخبره به جبرئيل  بما خفي من الاُمور، وبعضهم كان قريب العهد بالجاهلية، وبعضهم كان يعيش الروح العشائرية والقبلية لهذه الاُمور وغيرها تنكرت الاُمة للبيعة؛ لأنّها لا تطيق أن تجتمع النبوة والإمامة في بني هاشم، وهكذا فهم يعترفون بالحقيقة بألسنتهم، ولكنّهم ينكرونها بأعمالهم: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾(2).

وهكذا كان عليٌّ  يلقي الحجج حتّى تيقّن أنّ القلوب ران عليها والنفوس اطمأنت على الخطأ، فتركهم في طغيانهم يعمهون حتّى لقي الله سبحانه وتعالى بعد صبرٍ مرير وجهادٍ طويل، وهو مخضب بدمه قرباناً لعقيدته.

ثمّ جاء بعده الإمام الحسن  الذي واصل طريق الجهاد حتّى لفظ كبده قطعة قطعة من السم الذي سقيه ومضى شهيداً مظلوماً.

وهكذا كان الإمام الحسين  هو وأهل بيته خاضوا معركة الشرف والكرامة حتّى لقوا الله مجزرين كالأضاحي على رمضاء كربلاء، مثبتة رؤوسهم على الرماح


1- المائدة: 2.
2- النمل: 14.

ص: 244

محمولة إلى يزيد في الشام، وهكذا كان الأئمة الهداة الميامين من آل البيت ما بين مسموم ومقتول، حتّى وصل الأمر إلى الإمام الثاني عشر ترصد له الأعداء من بني العبّاس وأرادوا القضاء عليه، لكن الله غالب على أمره وكان أمر الله بحفظه لئلاّ تخلو الأرض من الحجّة وكان أمر الله قدراً مقدوراً.

ص: 245

فهرس المصادر

1 .القرآن الكريم

2 .إثبات الهداة: ج1، ص435 _ 675

3 .الإرشاد، للشيخ المفيد، ج2، ص39

4 .الاستيعاب، لابن عبد البرّ: ج2، ص474، ج3، ص36

5 .اُسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير: ج3، ص193، ج4، ص16، ج5، ص517

6 .اسعاف الراغبين، للشيخ محمد الصبّاغ، ص152

7 .الأمالي، الشيخ الصدوق: ص754

8 .الإمامة والتبصرة، الشيخ الصدوق: ص90

9 .الإمامة، للسيد المرتضى: ج1، ص309 _ 310

10 .الايقاظ من الهجعة، للحر العاملي: ص401

11 .بحار الأنوار، للعلامة المجلسي، ج9، ص500، ج25، ص117، 126، 172، 141، ج26، ص40، ج40، ص324؛ ج78، ص46

12 .البراهين الساطعة على اعتقادات الإمامية أبو طالب التجليل: ص75 _ 95

13 .بزرگسالان: ج1، ص341

14 .تاريخ البخاري، لمحمد البخاري: ج1، ص325

15 .تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص66

ص: 246

16 .تاريخ الخميس: ج1، ص321

17 .تاريخ الصحابة: ج2، ص514 _ 515

18 .تاريخ الطبري: ج4، ص266

19 .التاريخ الكامل لابن الأثير: ج2، ص22

20 .تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي: ج212، ص91

21 .تاريخ تحليلي اسلام، سيد جواد موسوي زاده: ج2، ص451

22 .تاريخ دمشق لابن أبي عساكر: ج2، ص45

23 .تأويل مختلف الحديث، لابن قتيبة: ص201

24 .تحف العقول، للشيخ الحرّاني: ج5، ص191

25 .تذكرة الخواص سبط بن الجوزي: ص85 _ 87

26 .تذكرة خواص الاُمة: ص56، 323

27 .تفسير ابن كثير: ج2، ص501، ج4، ص13 في تفسير آية المودة

28 .تفسير الأمثل، آية الله مكارم الشيرازي: ج3 تفسير آية الطاعة، ج7، ص332

29 .تفسير البرهان: ج1، ص191، وج3، ص191

30 .تفسير الصافي، الفيض الكاشاني: ج5، ص470 _ 480

31 .تفسير الفخر الرازي: ج3، ص636، ج32، ص31 ذيل آية القدر

32 .تفسير الميزان، للعلامة الطباطبائي: ج3، ص90 _ 117 (ط فارسي)، ج18، ص43 _ 47 طبعة عربي

33 .تفسير مجمع البيان، للطبرسي: ج1، ص202

34 .تفسير نور الثقلين، للشيخ الحويزي: ج1، ص19، ج4، ص584، وج5، ص57

35 .تلخيص المستدرك، للذهبي المطبوع بهامش المستدرك المترجم: ج2، ص107

36 .التهذيب، لابن حجر العسقلاني: ج6، ص19، 373 ط صدرآباد الدّكن

37 .جامع الاُصول، لابن الأثير الشيباني: ج9، ص478

38 .جزاء أعداء المهدي  في دار الدنيا، السيد هاشم ناجي الموسوي الجزائري: العنوان الخامس ص139 _ 146

ص: 247

39 .جمهرة الخطب: ج8، ص178

40 .جمهرة الخطب: ج8، ص178، 542، 1438

41 .جمهرة الرسائل: ج1، ص542

42 .حديث الطير رواه جماعة من العلماء كالترمذي: ج2، ص229 والنسائي في خصائصه، ص5

43 .الحكم الزاهرة، علي رضا صابري يزدي: الحكمة 369، ص158

44 .حلية الاولياء، للحافظ أبو نعيم: ج1، ص355، ج4، ص306

45 .خصائص الإمام أمير المؤمنين، للنسائي: ص63

46 .خصائص الإمام أمير المؤمنين، لأبو المؤيد الموفّق بن أحمد الخوارزمي: الفصل التاسع عشر

47 .الخصال للشيخ الصدوق: ص110

48 .الدرّ المنثور، لجلال الدين السيوطي: ج2، ص298

49 .دروس من القرآن، للشيخ قراءتي: ج5، ص5 _ 65

50 .دور أهل البيت في بناء الجماعة الصالحة، للسيد محمد باقر الحكيم: ج1، ص23 _ 24

51 .ذخائر العقبى: ص90 _ 93

52 .الذنوب الكبيرة، للشيخ دست غيب (فارسي): ج2، ص45

53 .روضة الواعظين، النيسابوري: ص261

54 .الرياض النضرة، لمحبّ الدين الطبري: ج1، ص217

55 .سفينة البحار، لعباس القمّي: مادة «ولي»

56 .سلسلة نهج البلاغة: ص182

57 .سنن أبو داود السجستاني: ج2، ص422

58 .سنن الترمذي: ج2، ص207

59 .سنن بن ماجة: ج1، ص92

60 .السيرة الحلبية: ج2، ص28

61 .سيرة المصطفى: ص107، 108، 250، 252

ص: 248

62 .شبهات وردود في الإمامة، لسيد سامي البدري: ج2، ص18 _ 60

63 .شرح التجريد، للعلاّمة القوشجي: ص407

64 .شرح الفتح المبين، للحكيم الترمذي: نسب قريش: ص40

65 .شرح المقاصد: ج2، ص275

66 .شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: ج1، ص13، ج7، ص253، 360، ج11، ص220، ج15، ص278

67 .شواهد التنزيل، للحسكاني: ج1، ص207

68 .الصحاح الستّة، للعلاّمة العيداني: ج6، ص25 _ 29 مادة «ولي»

69 .الصحيح في كتابه الإمام علي، للنسائي: ج23

70 .صحيح مسلم: ج2، ص236 _ 237، ط مصر سنة 290

71 .الصحيح من سيرة النبي الأعظم، جعفر مرتضى العاملي: ج3، ص33

72 .الصواعق المحرقة، لابن حجر: الفصل الأول _ الباب التاسع _ كتاب المعرفة للحاكم ص

73 .طبقات بن سعد: ج4، ص8

74 .الطُرق الحكمية، لابن القيّم: ص41، 53

75 .عقائد إسلامية (فارسي)، جامعة مدرسين _ قم _ ج1، ص265 _ 270

76 .العقد الفريد، لابن عبد ربه: ج2، ص158، 246

77 .غاية المراد، للسيد هاشم البحراني: ج5، ص191

78 .الغدير، للعلاّمة الأميني: ج1، ص30، ج2، ص25، 30، 57، 301، ج3، ص23، 95، 96، 111، 221، 222، ج5، ص26

79 .غرائب القرآن، لنظام الدين النيسابوري: ص20

80 .غيبة، للشيخ الطوسي: ص478

81 .غيبة، للشيخ النعماني: ص129، 231

82 .فرائد السمطين، نصر بن مزاحم: باب 48 وقعة صفين

83 .الفصول المهمّة، لنور الدين الصبّاغ المالكي: ص18

84 .في أسباب النزول، للواحدي: ص145

ص: 249

85 .قاموس الرجال، للعلاّمة التستري: ج4، ص452

86 .قاموس المحيط: ج4، ص402 مادة «ولي»

87 .قصار الجمل: ج2، ص21

88 .القول الفصل، للحضرمي: ج1، ص49

89 .الكافي، للشيخ الكليني: ج1، ص185، 357، 371، 372، 375، 376 الحديث4، ج2، ص21

90 .كتاب الاصابة، لابن حجر: ج2، ص 5 _ 9، ط مصر

91 .كتاب البدر الأزهر في مناظرات ليالي بيشاور، للعلامة سلطان الواعظين الشيرازي

92 .كشف الغمة للأربلي: ج1، ص324

93 .كفاية الطالب للعلامة الكنجي الشافعي، إمام الحرمين: باب 44، 57، 100، وابن عساكر: أول باب 62

94 .كمال الدين، الشيخ الصدوق: ص410، 413، 414

95 .كنز العمال: ج2، ص2، ج6، ص53، 154، 218

96 .لسان العرب، العلامة بن منظور (ت 711 ﻫ .ق) دار احياء التراث العربي بيروت ط الثالثة 1413 ﻫ .ق

97 .ما أنزل من القرآن في علي، لحافظ أبو نعيم

98 .مائة مسألة في الإمامة، لسيد مهدي السويج

99 .مآلي الشيخ الطوسي: ج2، ص80، 81، 82، 83، 86

100 .مجمع الزوائد: ج9، ص102

101 .مجمع الهيثمي: ج9، ص125، 126

102 .محاضرات الأدباء، للعلاّمة الراغب الاصفهاني: ج2، ص29

103 .مسند الإمام أحمد: ج1، ص98، 118، 119 في وجه تسمية الحسنين 

104 .مطالب السؤول، لأحمد بن طلحة القرشي: الفصل السادس

105 .معالم المدرستين، للعلاّمة العسكري: ج3، ص329 _ 333

106 .معاني الأخبار: ص394

ص: 250

107 .المغني، للقاضي عبد الجبار: الجزء المتمم، ص36، 39، 89، 99

108 .مفاتيح الغيب، للرازي: ج3، ص431

109 .مفردات غريب القرآن، للراغب: ص24

110 .المقنعة، للشيخ المفيد: ص278

111 .مناقب الإمام علي، لابن المغازلي: ص7، حديث 331

112 .المناقب، للموفق بن أحمد الخوارزمي: ص48، 60

113 .منتخب الأحاديث، للسيد مجيد عادلي: ص39، 105

114 .منهاج البراعة، للخوئي: ج8، ص21

115 .مودّة القربى، للعلامة الهمداني: المودة الثانية والثالثة عشر

116 .موضع الإمامة في الكافي: ج2، ص168

117 .النهاية، لابن الأثير الجرزي: ج5، ص227 _ 228 مادة «ولي»

118 .نهج البلاغة، السيد جعفر الحسيني: الخطبة 3، 40، 67، 74، الرسالة: 30، 47، 53، 5

119 .نهج البلاغة، الشريف الرضي: الخطبة 139

120 .نهج البلاغة، صبحي الصالح: الخطبة 196، ص647

121 .نهج البلاغة، فيض الإسلام: الخطبة 59، ص503 والحكم، 157، 176، 817، 1168

122 .نهج الفصاحة: ص766، 1094

123 .نور الأبصار، للشبلنجي: ص10، 15، 59، 73

124 .هداية المرتاب، لأحمد افندي: ص146، 152

125 .ينابيع المودّة، للحافظ سليمان القندوزي: الباب 4، ص56، والباب 6، ص50

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.