الامام علی خلیفة الله

اشارة

اسم الكتاب: الإمام عليّ خليفة اللّه

المؤلف: السيّد عليّ الرضويّ

الناشر: دار الولاية للنشر

الطبعة: الأولي ١٣٩٤ ش ( ١٤٣٦ ق)

المطبعه:موسّ سة العتبة الرضويّة المقدّسة للطباعة و النشر

الكميّة: ١٠٠٠ نسخة

الشابك: ٤ ٨١ ٦١٧٢ ٩٦٤ ٩٧٨

مراكزالتوزيع: ايران مشهد منشورات الولاية هاتف ٠٠٩٨٩١٥١٥٧٦٠٠٣

قم شارع الصفايية مجتمع الامام المهدي(عج) الطابق الارضي رقم ١١٦

هاتف: ٠٠٩٨٢٥٣٧٨٣٣٦٢٤

العراق النجف الاشرف نهاية شارع الرسول قرب مدرسة النضال

نقال: ٠٨٨٠٢٤٥٠٢٣٠ ارضي: ٣٣٤٠٧

-------------------

سرشناسه : رضوی، سیدعلی، 1356 -

عنوان و نام پديدآور : الامام علی خلیفة الله/ السید علی الرضوی.

مشخصات نشر : مشهد : انتشارات ولایت، 1394.

مشخصات ظاهری : 272 ص.

شابک : 180000 ریال 978-964-6172-81-4 :

وضعیت فهرست نویسی : فیپا

يادداشت : عربی.

یادداشت : کتابنامه .

موضوع : علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق. -- خلافت

موضوع : علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق. -- فضایل

رده بندی کنگره : BP37/35/ر637الف8 1394

رده بندی دیویی : 297/951

شماره کتابشناسی ملی : 3963888

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

بسم اللّه الرحمن الرحيم

(اُدعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَال_مَوعِظَةِ ال_حَسَنَة)

يُعدّ العلم والمعرفة أفضل وأكبر النِّعم الإلهيّة المهداة لعباد اللّه الصالحين لأنّه بالعلم يُعينهم اللّه على عبوديّته وبه يخضعون له، كما يُعدّ ذلك من اكبر النّعم التي بها يفتخرون في حياتهم الدنيا.

والعلماء الربانيّون والعرفاء الإلهيّون هم من يستضيئون بهدى الانبياء والأئمّة: ولا يشعرون بالتَّعب أو الملل أبداً في سلوك هذا الطريق. طريق العلم والعمل، ويتجنّبون الطُرُق الأُخرى التي لا تنتهي بهم إلى نيل معارف الأئمّة:.

تهدف هذه المؤسّسة _ التي تأسّست بدافع إحياء آثار هذه الثلَّة المخلصة التي تحملت على عاتقها مهمّة الدفاع عن المعارف الوحيانيّة والعلوم الإلهيّة الأصيلة _ إلى نشر هذا الفكر عبر الوسائل العصريّة المتاحة ومن اللّه التوفيق.

ص: 6

ص: 7

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

الحمد للّه ربّ العالمين وصلّى اللّه وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطّاهرين، سيّما بقيّة اللّه في الأرضين الكهف الحصين الحجّة بن الحسن فداه أرواح العالمين.

إنّ موضوع الخلافة موضوع ذو شُعَب، لا يتأطّر في كرسيٍّ نالَ منه الطامحون والطامعون. إنّه يعني فيما يعني كلّ السمات السامية السامقة، وكلّ معاني الحق الأبهج الأوهج.

والسرّ في ذلك أن معنى (الخلافة) يتّسع باتساع المعنى المضاف إليه. فخليفة الطبيب يعود إلى مفهوم علم الطب فتكون الخلافة في طبّه، وخليفة النجّار في النجارة، و الفلّاح في الفلاحة...

وبناءاً على هذا، فما معنى خليفة رسول اللّه؟ إنّ معناه خلافته في كلّ أمور الرسالة وشؤونها وقضاياها _ من التذكير باللّه تعالى وآلائه والتعليم والتزكية والرئاسة وإقامة الحدود و القيادة الإلهيّة _ إلّا ما خرج بالدليل كالنبوّة. وخليفة رسول اللّه هو خليفة اللّه، وبذلك تتسع معنى الخلافة باتساع ولاية اللّه إلّا ما استثني.

ص: 8

فلأنّه خليفته، فله الأمر والنهي، كما أنّ للّه الأمر والنهي، وله الطاعة المطلقة كما أنّ للّه الطاعة المطلقة. ولأجل ذلك، لا تصلح الخلافة أبداً إلّا لمن أصلحه اللّه لها، ولا تليق إلّا بمن جعل اللّه فيه الأهليّة لذلك.

وإنّنا لو تحرّينا أمر الخلافة، فيمن كان أحق وأولى بها، فلا محيص عن النظر في الأدلّة العقليّة والنقليّة. أمّا النقليّة فقد أُشبعت لطالبها وُكفينا أيرادها. وأمّا العقليّة والمتمثّلة في النظر في السمات والصفات والكمالات الخَلقيّة والخُلقيّة فذلك ما نرنوا إليه من هذه الأوراق، فمَن ذا بلغ من مراتب العلم أعلاها، ومن منازل العصمة أسناها، وحيث استقرّت تلك الأوصاف والكمالات، استقرّت الخلافة معها.

وبيد أنّ الإطناب في هذا المضمار أمر تطول مدّته ويعمق غوره، لذاك فإنّنا نكتفي بأهمّ الأمور، وباختصار غير مخلّ، إن شاء اللّه.

ثم إنّ خليفة رسول اللّه 9 يعني تشخّص الفضائل بأسرها، ويعني المثُل العليا جميعاً، و القيم و المبادئ الحقّة قاطبة.

وهو عندنا الإمام المرتضى7، الذي ذلّت له حاميات الوطيس وسوح النزال ومحتدم الوغى .(1)


1- قال الإمام عليّ7 في كتاب له: واللّه لو تظاهرت العرب على قتالي لما ولّيت عنها ولو أمكنت الفرص من رقابها لسارعت إليها. بحارالأنوار 33: 474.

ص: 9

إنّه أبو الحسنين، الوتر في العلم، الأوّل في العمل، الأشدّ في الجهاد، الأقضى في الحكم، الأشفق على الرعية .(1)

إنّه حيدرة، الذي طحن جماجم الشرك وعساكر الكفر، وذراهم


1- وفي هذا المضمار قال حُريث: كان7 غيث لمن رغب وغياث لمن ذهب مآل الآمل وثمال الأرامل يتعطف على رعيته ويتصرف على مشيته ويكفه بحجته ويكفيه بمهجته ونظر علي7 إلى امرأة على كتفها قربة ماء فأخذ منها القربة فحملها إلى موضعها، وسألها عن حالها، فقالت: بعث عليّ بن أبي طالب صاحبي إلى بعض الثغور فقتل وترك عليَّ صبياناً يتامى وليس عندي شيء فقد ألجأتني الضرورة إلى خدمة الناس. فانصرف7 وبات ليلته قلقاً. فلمّا أصبح حمل زنبيلاً فيه طعام فقال بعضهم: أعطني أحمله عنك، فقال: مَن يحمل وزري عنّي يوم القيامة؟ فأتى وقرع الباب فقالت: من هذا؟ قال: أنا ذلك العبد الذي حمل معك القربة فافتحي فإنّ معي شيئاً للصبيان. فقالت: رضي اللّه عنك وحكم بيني وبين عليّ بن أبي طالب. فدخل وقال: إنّي أحببت اكتساب الثواب فاختاري بين أن تعجنين وتخبزين وبين أن تعلِّلين الصبيان لأخبز أنا. فقالت: أنا بالخبز أبصر وعليه أقدر ولكن شأنك والصبيان فعلِّلهم حتى أفرغ من الخبز. قال: فعَمَدَت إلى الدقيق فعجنته وعمد علي7 إلى اللّحم فطبخه وجعل يلقم الصبيان من اللّحم والتمر وغيره فكلّما ناول الصبيان من ذلك شيئاً قال له: يا بني اجعل علي بن أبي طالب في حلّ ممّا أمر في أمرك. فلما اختمر العجين قالت: يا عبد اللّه اسجر التنور فبادرَ لسجره فلما أشعله ولفح في وجهه جعل يقول: ذق يا علي، هذا جزاء من ضيّع الأرامل واليتامى. فرأته امرأة تعرفه فقالت: ويحكِ هذا أميرالمؤمنين! قال فبادرت المرأة وهي تقول: واحيائي منك يا أميرالمؤمنين. فقال: بل واحيائي منك يا أمة اللّه فيما قصرت في أمرك. بحارالأنوار 41: 51.

ص: 10

ذرو الريح الهشيم و داس على صماخ الكفر حتى خمد لهيبه.

إنّه صاحب الهجرتين، ووارث المشعرين وأبو السبطين الحسن والحسين8.

إنّه الكرّار، الذي نزلت فيه أروع المناقب، وأجمل الفضائل، ونادى فيه المنادي بين السماء والأرض: «لافتى إلّا عليّ، ولاسيف إلّا ذو الفقار».

إنّه علي، الذي اشتق اللّه من اسمِه اسمَه.

إنّه يعسوب الدين وإمام المتقين، ذاك مولاي أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه أبد الآبدين ودهر الداهرين.

و لسنا بصدد الإلمام بما انشعب من أغصان تلك السجايا والمفاخر، وإلّا طال السُرى وما بلغنا معشار عُشر المسير.

وهذا هو رسول اللّه 9 ليس يصدح بفضله فحسب، بل يعلن أمام الأشهاد أنّ قراءة فضله فضيلة، وسماع فضله فضيلة، وتدوين فضله فضيلة وإحياء أمره فضيلة، فهو محور الفضائل وقطبها وأصلها ومعدنها ومأواها ومنتهاها.

عن الصادق جعفر بن محمّد8قال:

قال رسول اللّه 9: إن اللّه تعالى جعل لأخي علي بن أبي طالب7 فضائل لا تحصى كثرة، فمن قرأ فضيلة مِن فضائله مقرّاً بها غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر. ومَن كتب فضيلة من فضائله لم تزل الملائكة

ص: 11

يستغفرون له ما بقي لتلك الكتابة رسم. ومَن استمع إلى فضيلة من فضائله غفر اللّه له الذنوب التي اكتسبها بالسمع. ومن نظر إلى كتابة من فضائله غفر اللّه له الذنوب التي اكتسبها بالنظر.

ثم قال9: النظر إلى علي بن أبي طالب7 عبادة، ولا يقبل اللّه إيمان عبد إلّا بولايته والبراءة من أعدائه .(1)

وعن أبي ذر الغفاري (رضي اللّه عنه) قال: بينما ذات يوم من الأيام بين يدي رسول اللّه 9 إذ قام و ركع و سجد شكراً للّه تعالى ثمّ قال:

يا جندب، مَن أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، و إلى نوح في فهمه، وإلى إبراهيم في خُلّته، وإلى موسى في مناجاته، وإلى عيسى في سياحته، وإلى أيّوب في صبره وبلائه، فلينظر إلى هذا الرجل المقابل (المقبل؛ خ ل) الذي هو كالشمس والقمر الساري والكوكب الدريّ، أشجع الناس قلباً، وأسخى الناس كفّاً، فعلى مبغضه لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين.

قال فالتفت الناس ينظرون مَن هذا المقبل فإذا هو علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام .(2)

ثمّ إنّ ما يقرّ به كلّ لبّ أنّ من كان أصلح للخلافة، لا يجوز أن يتدانى لمن هو دون مرتبته. فإنّ من السخافة أن يكون الأفضل مفضولاً على المفضول بل لا معنىً له، لأنّه لو كان الخليفة لكي


1- . بحارالأنوار 26: 229 ح10، كشف الغمة 1: 112 باختلاف يسير.
2- . بحارالأنوار 39: 38 ح9.

ص: 12

يهدي، فما معنى أن يُهدى بمن هو مهديٌّ به؟ وقد قال اللّه عزّ ذكره:

(أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمْ مَن لَا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) .(1)

وقال سبحانه:

(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) .(2)

إذن، ما دلّ على أفضليّة الإمام في الصفات دلّ بالإلتزام على أولويّته بالخلافة، ولذا نرى أنّ الرسول الأكرم وأهل بيته: قد أكدوا تأكيداً شديداً على تناقل فضائل الإمام علي7 إذ الأفضل هو الأكفأ لتحمّل أعباء الخلافة وهو الذي سيختاره اللّه تعالى لها، إذ اللّه حكيم ولا يفعل إلّا الفعل الحكيم. و هذا البرهان لا يقلّ أهمّيّة لأولي النُهى عن الأدلّة السمعيّة الواردة في أنّه الخليفة المعيّن المنصوب والمنصوص عليه.

وضيح ذلك: إنّ اللّه جعل لولاة أمره سمات يمتازون بها كي يُعرفوا ويستدلّ عليهم، وأنا أسأل وأتحدّى أن يؤتى بمثل الإمام عليّ7 غير أخيه رسول الله9، فلقد علم مَن علم أنّ الدّهر عقم بمثله، فهل


1- يونس: 35.
2- الزمر: 9.

ص: 13

ماثله أحد في حلّه للمعضلات المعجزة؟! و تحدّيه البرايا بقوله «سلوني»، وفصله للخطاب، وفي قلعه باب الحصن بخيبر، وانبهار المسلمين واليهود بذلك، وفي مواقفه الشامخة في لهوات الحروب والتي أضحت محوراً تنتفل به الشعراء ويتنافس في إخطارها الأدباء ومضرب الأمثال لفرسان الهيجاء، ومن مثله في شدّة تنمّره في ذات اللّه، وفي عباداته و مناجاته وضراعاته التي شهدت وتشهد على شدّة معرفته و نهاية خضوعه للّه تعالى .(1)


1- . لاحظ ما روي في بحارالأنوار 41: 11. عن مغيرة عن سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير قال كنا جلوساً في مجلس في مسجد رسول اللّه9 فتذاكرنا أعمال أهل بدر وبيعة الرضوان فقال أبوالدرداء: يا قوم ألا أخبركم بأقلّ القوم مالاً وأكثرهم ورعاً وأشدّهم اجتهاداً في العبادة؟ قالوا: من. قال: أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب7. قال: فو اللّه إن كان في جماعة أهل المجلس إلّا معرض عنه بوجهه ثمّ انتدب له رجل من الأنصار فقال له: يا عويمر لقد تكلّمت بكلمة ما وافقك عليها أحد منذ أتيت بها. فقال أبو الدرداء: يا قوم إنّي قائل ما رأيت وليقل كلّ قوم منكم ما رأوا، شهدت عليّ بن أبي طالب بشويحطات النجار وقد اعتزل عن مواليه واختفى ممّن يليه واستتر بمغيلات النخل فافتقدته وبَعُدَ عَلَيَّ مكانه فقلت لحق بمنزله، فإذا أنا بصوت حزين ونغمة شجي وهو يقول: إلهي كم من موبقة حلمت عن مقابلتها بنقمتك وكم من جريرة تكرمت عن كشفها بكرمك إلهي إن طال في عصيانك عمري وعظم في الصحف ذنبي فما أنا مؤمِّل غير غفرانك ولا أنا براج غير رضوانك. فشغلني الصوت واقتفيت الأثر فإذا هو علي بن أبي طالب7 بعينه فاستترت له وأخملت الحركة فركع ركعات في جوف الليل الغابر ثمّ فرغ إلى الدعاء والبكاء والبث والشكوى فكان ممّا به اللّه ناجاه أن قال إلهي أفكر في عفوك فتهون علي خطيئتي ثمّ أذكر العظيم من أخذك فتعظم عليّ بليتي ثمّ قال آه إن أنا قرأت في الصحف سيئة أنا ناسيها وأنت محصيها فتقول خذوه فيا له من مأخوذ لا تنجيه عشيرته ولا تنفعه قبيلته يرحمه الملأ إذا أذن فيه بالنداء ثمّ قال: آه من نار تنضج الأكباد والكلى، آه من نار نزاعة للشوى، آه من غمرة من ملهبات لظى. قال: ثمّ أنعم في البكاء فلم أسمع له حسّاً ولا حركة. فقلت: غلب عليه النوم لطول السهر أوقظه لصلاة الفجر. قال أبو الدرداء: فأتيته فإذا هو كالخشبة الملقاة فحرّكته فلم يتحرّك و زويته فلم ينزو فقلت «إِنَّا للّه وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ» مات واللّه علي بن أبي طالب. قال فأتيت منزله مبادراً أنعاه إليهم فقالت فاطمة3: يا أبا الدرداء ما كان من شأنه ومن قصته فأخبرتها الخبر فقالت: هي واللّه يا أبا الدرداء الغشية التي تأخذه من خشية اللّه ثمّ أتوه بماء فنضحوه على وجهه فأفاق ونظر إليّ وأنا أبكي فقال: ممّا بكاؤك يا أبا الدرداء. فقلت: ممّا أراه تنزله بنفسك. فقال: يا أبا الدرداء فكيف ولو رأيتني ودعي بي إلى الحساب وأيقن أهل الجرائم بالعذاب واحتوشتني ملائكة غلاظ وزبانية فظاظ فوقفت بين يدي الملك الجبار قد أسلمني الأحبّاء ورحمني أهل الدنيا لكنت أشد رحمة لي بين يدي من لا تخفى عليه خافية. فقال أبو الدرداء: فو اللّه ما رأيت ذلك لأحد من أصحاب رسول اللّه 9.

ص: 14

ومن هنا صار كما قال رسول اللّه 9: «حبّ عليٍّ إيمان»، إذ أنّ

ص: 15

حبّه7 يعني حبّ مواقفه وصفاته وتبتلاته وشؤونه، والإذعان بها جميعاً.

قال رسول اللّه 9:

اللّهمّ إنّك أمرتني بحبّ علي فأحبّ من يحبّه وأبغض من أبغضه .(1)

وعن ابن عباس قال: قال لي النبي9:

رأيتُ فيما يرى النائم عمّي حمزة بن عبد المطلب وأخي جعفر بن أبي طالب، وبين أيديهما طبق من نبق، فأكلا ساعة فتحوّل العنب لهما رطباً، فأكلا ساعة. فدنوتُ منهما وقلت: بأبي أنتما أيّ الأعمال وجدتما أفضل؟

قالا: فديناك بالآباء و الأمّهات، وجدنا أفضل الأعمال: الصلاة عليك وسقي الماء وحبّ علي بن أبي طالب7 .(2)

وقال رسول اللّه 9:

... فبعثني رسولاً ونبيّاً ودليلاً، وأوحى إليّ أن أتّخذ عليّاً أخاً ووليّاً ووصيّاً وخليفة في أمّتي بعدي، ألا وإنّه وليّ كلّ مؤمن بعدي، مَن والاه والاه اللّه، ومن عاداه عاداه اللّه، ومن أحبّه أحبّه اللّه، ومن أبغضه أبغضه اللّه، لا يحبّه إلّا مؤمن، ولا يبغضه إلّا كافر... .(3)

عن الصّادق7 أنّه قال رسول اللّه 9:

إنّ حبّ عليٍّ قُذِفَ في قلوب المؤمنين، فلا يحبّه إلّا مؤمن ولا يبغضه


1- موسوعة الإمام علي 11: 193.
2- بحارالأنوار 22: 283.
3- بحارالأنوار 25: 311.

ص: 16

إلّا منافق. وإنّ حبّ الحسن والحسين قُذف في قلوب المؤمنين والمنافقين والكافرين فلا ترى لهم ذاماً .(1)

وقال النبيّ9 لعليّ7:

أرضيتني رضي اللّه عنك. يا عليُّ، أنت هادي أمّتي. ألا إنّ السعيد كلّ السعيد من أحبّك وأخذ بطريقتك. ألا إنّ الشقي كلّ الشقي من خالفك ورغب عن طريقك إلى يوم القيامة .(2)

وقال رسول اللّه 9 في خيبر:

لأعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ اللّه ورسوله ويحبّه اللّه ورسوله كرّاراً غير فرّار لا يرجع حتى يفتح اللّه على يديه ثمّ أعطاها ايّاه _ أي إلى عليّ7_ .(3)

وقال رسول اللّه 9 _ في حديث الإسراء _:

... ثمّ قال لي الجليل جلّ جلاله: يا محمّد، من تحبّ من خلقي؟ قلت: أحبّ الذي تحبّه أنت يا ربي.

فقال لي جلّ جلاله: فَأَحِبَّ عليّاً فإني أحبّه وأَحِبَّ من يُحِبُّه وأحِبَّ من أحَبَّ من يحبّه. فخررت للّه ساجداً مسبّحاً شاكراً لربّي تبارك وتعالى. فقال لي: يا محمّد، عليٌ وليي وخيرتي بعدك من خلقي. اخترته لك أخاً ووصيّاً ووزيراً وصفيّاً وخليفة وناصراً لك على أعدائي.


1- بحارالأنوار 43: 281.
2- بحارالأنوار 39: 38.
3- بحارالأنوار 36: 32.

ص: 17

يا محمّد وعزّتي و جلالي لا يناوي عليّاً جبار إلّا قصمته، ولا يقاتل علياً عدوّ من أعدائي إلّا هزمته وأبدته. يا محمّد إنّي اطّلعت على قلوب عبادي فوجدت عليّاً أنصح خلقي لك وأطوعهم لك، فاتخذه أخاً وخليفة ووصيّاً وزوجة ابنتك، فإنّي سأهب لهما غلامين طيّبين طاهرين تقيّين نقيّين. فبي حلفت وعلى نفسي حتمت أنّه لا يتولينّ عليّاً وزوجته وذريّتهما أحد من خلقي إلّا رفعت لواءه إلى قائمة عرشي وجنّتي وبحبوحة كرامتي وسقيته من حظيرة قدسي ولا يعاديهم أحد أو يعدل عن ولايتهم يا محمّد، إلّا سلبته ودّي وباعدته من قربي وضاعفت عليهم عذابي ولعنتي.

يا محمّد إنّك رسولي إلى جميع خلقي وإنّ عليّاً وليّي وأميرالمؤمنين. وعلى ذلك أخذت ميثاق ملائكتي وأنبيائي وجميع خلقي وهم أرواح من قبل أن أخلق خلقاً في سمائي وأرضي، محبّةً منّي لك يا محمّد ولعليٍّ ولولدكما ولمن أحبّكما وكان من شيعتكما ولذلك خلقته من طينتكما.

فقلت: إلهي وسيدي فاجمع الأمّة فأبى علَيّ وقال: يا محمّد إنّه المبتلى والمبتلى به وإنّي جعلتكم محنة لخلقي أمتحن بكم جميع عبادي وخلقي في سمائي وأرضي وما فيهن لأكمل الثواب .

وقال رسول اللّه 9 في حديث الطائر المشوي:

ص: 18

اللّهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك و إليّ، فجاء عليٌّ فأكل معه .(1)

وهذا كلّه في الغاية والمآل، أي أنّ للإمام تلك المقامات العليا التي دونها سائر المقامات، ولكن السؤال: بأيّ صفات وصل الإمام إلى تلك المراتب؟ وبماذا صار وليّ كل مؤمن ومؤمنة؟ وعِدلَ القرآن؟ ويعسوب الدين؟ وإمام الأتقياء؟ والنبأ العظيم؟ دعنا نسبر بعض الأغوار في الفصل الأوّل واللّه المستعان.(2)

علي الرضوي

مشهد المقدّسة

رجب المرجّب 1428

الفصل الأوّل

اشارة


1- بحارالأنوار 18: 397.
2- . بحارالأنوار 40: 69.

ص: 19

في بيان صفات خليفة رسول اللّه

كما لمّحنا سابقاً، فإنّ خليفة رسول اللّه لابدّ أن توجد فيه سمات الرسول9 نفسه، لأنّ الجلوس على مسنده ينبي عن تمثيله والنطق عنه وتبيين تفاصيل الأحكام التي نزلت عليه، ولا يتقوّم ذلك إلّا لمن كان عالماً بأمره، جارياً مجراه، متّبعاً إيّاه إتّباع الفصيل إثر أمّه، وحاذٍ حذوه، القذّة بالقذّة.

ومن أهمّ تلك الصفات، بل أهمّها _ لما سنوضّح _ كونه عالماً بتعليم اللّه تعالى وعارفاً بالكتاب الذي هو تبيان كلّ شيء ومفتاح عالمي الملك والملكوت.

فهو أعلم الناس بخفايا الأمور وظواهرها، وأعرفهم باللّه تعالى وبخلقه، وبشرايع الإسلام وبمواقع رضى الربّ وسخطه.

عن أبي بصير، عن أبي جعفر7، قال: سُئل الإمام عليّ7 عن

ص: 20

علم النبيّ9، فقال:

علم النبيّ علم جميع النبيّين وعلم ما كان وعلم ما هو كائن إلى قيام الساعة. ثمّ قال: والذي نفسي بيده إنّي لأعلم علم النبي9 وعلم ما كان وعلم ما هو كائن فيما بيني وبين قيام الساعة .(1)

وإنّ من صفاته: القدرة التي منحه اللّه تعالى فوق قدرة المخلوقين.

ومآل جميع الكمالات إلى العلم والقدرة، وهما سبب الإصطفاء.

ومن صفاته أيضاً كونه منزّهاً ومعصوماً عن الخطايا بل وعن

عموم الأخطاء.

ولنلقِ أوّلاً النظر في خصوص علم أميرالمؤمنين7، وما دلّ على تحمّله لعلم الرسول9 ونقارنه بغيره ثم ندع التحكيم لضمير القارئ.

السمة الأولى: العلم

اشارة


1- بحارالأنوار 27: 119.

ص: 21

أخذ رسول اللّه 9 العلم عن ربّه، فكان علمه لدنّياً كما قال تعالى (وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً)(1) . وآتاه علم مَن مضى ومن يأتي، فكان أدب النبي بتأديب اللّه مباشرة وعلمه من علمه. وقد ورد: «إنّ اللّه تعالى أدّب نبيّه فأحسن تأديبه ثمّ فوّض إليه أمر دينه»(2) فقال تعالى: (مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) .(3)

وعندما لم يجد المشركون ما يرمون النبي9 به، قالوا: (إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ


1- . الكهف: 65.
2- . إسحاق النحوي قال: سمعت أباعبداللّه 7 يقول: إنّ اللّه تبارك وتعالى أدّب نبيّه على محبّته فقال: «إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» وقال «وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» وقال «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللّه» وإنّ رسول اللّه 9 فوّض إلى عليّ7 وائتمنه فسلمتم وجحد الناس فو اللّه لنحبكم أن تقولوا إذا قلنا و تصمتوا إذا صمتنا و نحن فيما بينكم وبين اللّه. بحارالأنوار 2: 95.
3- الحشر: 7.

ص: 22

بَشَرٌ)(1) مع يقينهم أنّه لم يختلف إلى أيّ عالم ولم يدرس كتاباً عند أحد قطّ.

ولذا نرى الإمام يُرجع الضمير في قوله تعالى (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِن مِثْلِهِ)(2) إلى النّبيّ، أي فأتوا بسورة من مثل محمّد9، لم يدرس عند أحد من الناس .(3)

هذا، وإنّ من ركائز العقل أنّ الأعلم يتقدّم على غيره، فهب أنّ زمام أمر النبوّة والإمامة كان بيد الناس، فكان لزاماً عليهم أن ينصبوا الأعلم ولا غير.

أورد الحافظ أبوالعبّاس بن عقدة حديثاً عن الإمام المجتبى7، جاء فيه:


1- النحل: 103
2- البقرة: 103.
3- قال الإمام العسكري7 في تفسير قوله تعالى «فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ»: يا معشر العرب الفصحاء البلغاء ذوي الألسن «فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ» من مثل محمّد9 من مثل رجل منكم لا يقرأ ولا يكتب ولم يدرس كتاباً ولا اختلف إلى عالم ولا تعلّم من أحد وأنتم تعرفونه في أسفاره وفي حضره، بقي كذلك أربعين سنة ثمّ أوتي جوامع العلم حتى علم علم الأولين والآخرين فإن كنتم في ريب من هذه الآيات فأتوا من مثل هذا الرجل بمثل هذا الكلام ليبيّن أنّه كاذب، لأنّ كل ما كان من عند غير اللّه فسيوجد له نظير في سائر خلق اللّه. بحارالأنوار 9: 175.

ص: 23

إنّ الحسن بن علي8 لمّا أجمع على صلح معاوية قام خطيباً وحمد اللّه وأثنى عليه _ إلى أن قال7 _: «وقد سمعت هذه الأمّة جدّي9 يقول: ما ولّت أُمّة رجلاً وفيهم من هو أعلم منه إلّا لم يزل أمرهم سفالاً حتى يرجعوا إلى ما تركوه» .(1)

ولا معنى لأن يكون الإمام جاهلاً بالحقائق، غير بصير بها، إذ لا فائدة حينئذ منه. وعلى حدّ تعبير أميرالمؤمنين7 حيث قال: «كيف يفرض اللّه على عباده طاعة من يحجب عنه ملكوت السماوات والأرض» .(2)

ثمّ إنّ الذي لم يختلف فيه إثنان، وأُرسل لدى الأنصار والمهاجرين والمؤرخين إرسال المسلّمات أنّ الإمام عليّ7 كان أعلم الأمّة بعد نبيّها. فحتى من ناواه ووقف ضدّه لم يدّع أعلميّته عليه، ولو أخذنا بعين الإعتبار أنّ من حادّ عنه تمسّك بكل ما استطاع لكي يبرر تخاذله عنه وعدم الركون إلى ظلّه، ومع ذلك لم يدّع أنّه أعلم منه، بل دعا بعضهم مراراً لأن لا يبقيه اللّه لمعضلة ليس فيها أبو الحسن ، وبهذا يكون ما نبتغيه جلياً واضحاً.(3)


1- ينابيع المودّة 3: 369،باب 90، عنه الغدير 1: 398.
2- بحارالأنوار 25: 172.
3- المناقب للخوارزمي: 96 _ 97 ح97 _ 98، الصواعق المحرقة: 127، الإصابة 4: 467، أنساب الأشراف 2: 100 ح29 و30.

ص: 24

ولطال بنا المقام إن أردنا استقصاء الأدلّة والوقوف على جميعها، في مثل ما ورد من كونه باب علم الرسول وباب فقه الرسول وباب حكمة الرسول(1)وأنّ الرسول علّمه ألف باب من العلم يفتح له من كلّ علم ألف باب، و أنّه7 الأُذن الواعية التي أثنى عليها اللّه في كتابه فقال: (وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ)(2) ، وأنّه أعلم الأمّة وأقضى الأمّة وأحكم الأمّة وأفقه الأمّة وأنّه مع الحقّ والحقّ معه، يدور معه حيثما دار(3) ، وأنّه مع القرآن والقرآن معه .(4)

وما يلي نزر يسير من الأخبار الدالّة على ما نحن فيه.

الطائفة الأولى: ما دلّ على سعة علمه7

قال رسول اللّه 9: قسّمت الحكمة عشرة أجزاء فأُعطي عليّ تسعة


1- المستدرك على الصحيحين 3: 126 _ 127، وقد صحّح الحديث، تاريخ الخلفاء للسيوطي: 170، سنن الترمذي باب فضائل الإمام علي7 ما يشبهه، الحديث 3732.
2- الحاقّة: 12.
3- سنن الترمذي، باب مناقب الإمام علي7، الحديث 3723، المستدرك على الصحيحين 3: 124، تاريخ الإسلام للذهبي 2: 198.
4- صحيح مسلم باب فضائل الإمام علي7، وسنن الترمذي باب مناقب أهل بيت النبي9 الحديث 3788، مستدرك الحاكم 3: 109، مسند أحمد 3: 17، 5: 182، مجموعة الفتاوى لابن تيمية 28: 269.

ص: 25

أجزاء والناس جزءاً واحداً .(1)

إنّ المراد من الحكمة هو العلم المحكم أو الذي يرفع صاحبه عن فعل القبيح(2) وعلى الأوّل يكون المراد من إعطاء الحكمة لعلي7 اعطائه العلم المحكم الغير المتشابه، و على التالي العصمة. والظاهر أنّ وجه التعبير عن العلم بالحكمة هو أنّ العلم بما أنّه يكشف الأُمور كشفاً يستطيع العالم أن يسير في ظلّ كشف العلم بحكمة وتعقّل.

وقال9: عليّ خير البشر فمن أبى فقد كفر .(3)

والخبر يدلّ على أعلميّته بالملازمة حيث إنّ الفضل بالعلم والمعرفة فمن كان أعلم يكون أفضل.

وقال9: علي باب علمي ومبيّن لأمتّي ما أُرسلت به من بعدي .(4)

قال علي7: كنت إذا سألت رسول اللّه 9 أعطاني وإذا سكت ابتدأني وبين الجوانح منّي علم جمّ ونحن أهل البيت لا نقاس بأحد .(5)

خطب أميرالمؤمنين7 فقال: سلوني قبل أن تفقدوني فأنا عيبة


1- حلية الاولياء 1: 65 ؛ وأسنى المطالب للحافظ الجزري: 14.
2- . مجمع البحرين، مادة: حَكَم.
3- كنز العمّال 6: 159.
4- كنز العمّال 6: 156.
5- بحارالأنوار 26: 152.

ص: 26

رسول اللّه 9، سلوني فأنا فقأت عين الفتنة بباطنها وظاهرها، سلوا من عنده علم البلايا والمنايا والوصايا وفصل الخطاب، سلوني فأنا يعسوب المؤمنين حقّاً وما من فئة تهدي مائة أو تضلّ مائة إلّا وقد أتيت بقائدها وسائقها. والذي نفسي بيده لو طوي لي الوسادة فأجلس عليها لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم ولأهل الإنجيل بإنجيلهم ولأهل الزبور بزبورهم ولأهل الفرقان بفرقانهم.

قال الراوي: فقام ابن الكواء إلى أميرالمؤمنين وهو يخطب الناس فقال: يا أميرالمؤمنين أخبرني عن نفسك.

فقال7: ويلك أتريد أن أزكّي نفسي وقد نهى اللّه عن ذلك مع أنّي كنت إذا سألت رسول اللّه 9 أعطاني وإذا سكت ابتدأني، وبين الجوانح منّي علم جمّ ونحن أهل البيت لا نقاس بأحد .(1)

هذا التحدّي _ الذي سيكون لنا معه وقفة لاحقاً _ دليله معه حيث إنّه لم يدّع أحد قبله7 معرفة جواب كلّ مسألة. فالتحدّي بما هو _ حيث لم يُسبق بذلك _ إعجاز. ومن اللّطيف أنّ معارضيه ليس فقط لم يتمكّنوا من إدعاء العلم _ ناهيك عن الأعلمية _ بل أقرّوا وأظهروا الجهل، فشتّان بين ذلك الإقرار وبين إقرار أميرالمؤمنين حيث قال: «واللّه ما نزلت آية إلّا وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت، أبليل نزلت أم


1- بحارالأنوار 26: 152.

ص: 27

بنهار نزلت، في سهل أو جبل. إنّ ربي وهب لي قلباً عقولاً ولساناً سئولاً» .(1)

وأخرج الحافظ محمّد بن جرير الطبري بإسناده عن زيد بن أرقم عن الرسول الأكرم9 في خطبة الرسول في الغدير إلى أن قال:

فما من علم إلّا وقد أحصاه اللّه فيّ ونقلته إليه _ أي إلى علي _ فلا تضلّوا عنه... .(2)

وعن كنز العمّال أنّ الرسول الأكرم9 قال لفاطمة3: أما ترضين أنّي زوّجتك أوّل المسلمين إسلاماً وأعلمهم علماً .(3)

وقال9 لها: زوّجتك خير أُمّتي أعلمهم علماً، وأفضلهم حلماً وأوّلهم سلماً .(4)

وقال9: أعلم أُمّتي من بعدي عليّ بن أبي طالب .(5)

وقال9: عليّ خازن علمي .(6)


1- بحارالأنوار 40: 157.
2- الغدير 1: 425.
3- المصدر عن كنزالعمّال 11: 605 ح32925.
4- المصدر عن كنزالعمّال 11: 614 ح32926.
5- المصدر عن كنزالعمّال 11: 605 ح32977.
6- . المصدر عن شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2: 488.

ص: 28

وقال9: عليّ عيبة علمي .(1)

وقال9 في خطبة الغدير: معاشر الناس هذا أخي ووصيّي وواعي علمي وخليفتي على من آمن بي وعلى تفسير كتاب ربّي .(2)

وقال9: من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في فهمه وإلى إبراهيم في حلمه وإلى موسى في بطشه، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب .(3)

وفي المناقب لإبن مردويه الخوارزمي عن الرسول الأكرم9: أنا مدينة العلم وعليّ بابها فمن أراد الدار فليأتها من قبل بابها .

وعنه عن الرسول الأكرم9: أنا دار الحكمة و عليّ بابها .(4)(5)

وفي بحارالأنوار لمّا أخبر الإمام7 بأخبار الترك وأمور أخرى، قال له بعض أصحابه: لقد أعطيت يا أميرالمؤمنين علم الغيب؟

فضحك7 وقال للرجل _ وكان كلبياً _: يا أخا كلب ليس هو بعلم غيب، و إنّما هو تعلُّم من ذي علم. و إنّما علم الغيب علم الساعة وما عدده اللّه سبحانه بقوله (إِنَّ اللّه عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ)(6) الآية، فيعلم سبحانه ما


1- . المصدر عن شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2: 488.
2- المصدر: 29
3- المصدر: 349.
4- لمناقب: 86.
5- المناقب: 86.
6- قمان: 34.

ص: 29

في الأرحام من ذكر أو أنثى أو قبيح أو جميل أو سخي أو بخيل أو شقي أو سعيد ومن يكون في النار حطباً أو في الجنان للنبيين مرافقاً. فهذا علم الغيب الذي لا يعلمه أحد إلّا اللّه. وما سوى ذلك فعلمٌ علّمه اللّه نبيه فعلّمنيه ودعا لي بأن يعيه صدري وتضطم عليه جوانحي .(1)

هذا الخبر من عيون الأخبار المشتملة على مسألة حيطة علم الإمام، والتي تصرح أنّ الإمام7 تحمّل العلم بتعليم الرسول الأكرم9، كما أنّ الرسول تحمّل العلم بتعليم اللّه تعالى.

ويظهر منه أنّ علم الغيب قد يطلق على العلم المكفوف _ في مقابل العلم المبذول الذي حمّله اللّه تعالى الأئمة(2): _ فإحدى اطلاقات علم الغيب هو العلم الذي لم يثبت في وعاء المشيّة والإرادة. وهذا أحد الوجوه المهمّة التي يمكن بها الجمع بين الأخبار الدالّة على معرفتهم بالغيب وبين الأخبار الدالّة على عدم معرفتهم للغيب واللّه العالم .(3)


1- بحارالأنوار 26: 103، واضطمت على الضلوع أي اشتملت.
2- عن ضريس عن أبي جعفر7 قال سمعته يقول: إنّ للّه علمين علم مبذول وعلم مكفوف، فأمّا المبذول فإنّه ليس من شيء يعلمه الملائكة والرسل إلّا ونحن نعلمه وأمّا المكفوف فهو الذي عنده في أمّ الكتاب إذا خرج نفذ. بحار الأنوار 26: 163.
3- . لمزيد من الاطلاع راجع كتاب علم الغيب للعلامة النمازي الشاهرودي.

ص: 30

روي أنّه استلّ عليّ7 من تحت ثيابه (أي ثياب رسول اللّه 9) وقال: عظّم اللّه أجوركم في نبيّكم. فقيل له: ما الذي ناجاك به رسول اللّه 9 تحت ثيابه؟

فقال: علّمني ألف باب من العلم فتح لي كلّ باب ألفَ باب وأوصاني بما أنا به قائم إن شاء اللّه .(1)

عن أبي الحسن الرضا7 في قوله تعالى (الرَّحْمنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ)(2) قال: اللّه علّم القرآن قلت فقوله: (خَلَقَ الْإِنْسانَ * عَلَّمَهُ الْبَيانَ)(3) قال: ذلك أميرالمؤمنين علّمه اللّه تعالى بيان كل شيء يحتاج إليه الناس .(4)

عن رسول اللّه 9 أنّه قال: أنا مدينة الحكمة وعليّ بن أبي طالب بابها ولن تؤتى المدينة إلّا من قبل الباب .(5)

وقال9: أنا مدينة العلم و علي بابها فمن أراد الحكمة فليأتها من بابها. وأنتم جميعاً مصطرخون فيما أشكل عليكم من أمور دينكم إليه وهو مستغن عن كلّ أحد منكم إلى ما له من السوابق التي ليست


1- بحارالأنوار 22: 522.
2- الرحمن: 1 _ 2.
3- الرحمن: 3 _ 4.
4- بحارالأنوار 36: 164.
5- وسائل الشيعة 7: 77.

ص: 31

لأفضلكم عند نفسه. فما بالكم تحيدون عنه و تغيّرون على حقّه وتؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً)(1) أعطوه ما جعله اللّه له ولا تتولّوا عنه مدبرين ولا ترتدّوا على أعقابكم (فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ) . (2)(3)

ومن البيّن أنّ الإرتشاف من نمير مدينة العلم والفقه والحكمة والإقتطاف من ثمارها، يستحيل دون الدخول فيها كما أنّ دخولها غير ممكن إلّا من الباب الموضع لها، وأمّا من غير الباب فذلك يسمّى سرقة لا دخولاً، وكثيرٌ ما هم السرّاق.

ثمّ إنّ استغناء الإمام عن كلّ أحد في كلّ شيء في كل وقت، يثبت ما نحن فيه.

لأنّنا نسأل: ما هي الحكمة وراء وجود الإمامة في الأرض؟ لأنّ الناس بغير ذلك يضلّون. ومَن كان لا يحتاج إلى إمام _ بمعنى أنّه مهديٌّ من قبل اللّه _ يكون هو الحجّة على غيره.

قال الرسول الأكرم9: معاشر الناس من سرّه أن يتوالى ولاية اللّه فليقتد بعليّ بن أبي طالب فإنّه خزانة علمي .(4)


1- الكهف: 50.
2- آل عمران: 149.
3- بحارالأنوار 28: 198.
4- ارشاد القلوب 2: 293.

ص: 32

قال9: لتهنك الحكمة ليهنك العلم يا أبا الحسن فأنت وارث علمي والمبيّن لأمّتي .(1)

وقال النبي9 لسلمان: يا سلمان سألتني مَن وصيي مِن أمّتي. فهل تدري مَن كان أوصى إليه موسى؟

قلت: اللّه و رسوله أعلم.

قال: أوصى إلى يوشع، لأنّه كان أعلم أمّته. ووصيي وأعلم أمّتي بعدي علي بن أبي طالب .(2)

وهذا الحديث واضح الدلالة فيما نرنوا إليه من أنّ العلم من شروط الخلافة، وهو _ من الجهة الاخرى _ أحد أدلّتها. فلو أغمضنا الطرف عن الأدلّة التي تنصب علياً7 للخلافة، وركّزنا فقط على العلم لكفى لذلك دليلاً وبرهاناً على خلافته7.

لمّا نزلت هذه الآية على رسول اللّه 9: (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ)(3) قام أبو بكر و عمر من مجلسهما فقالا: يا رسول اللّه هو التوراة؟

قال: لا.

قالا: فهو الإنجيل؟


1- بحارالأنوار 67: 20.
2- . بحارالأنوار 38: 1.
3- يس: 12.

ص: 33

قال: لا.

قالا: فهو القرآن؟

قال: لا.

فأقبل أميرالمؤمنين7 فقال رسول اللّه 9: هو هذا. إنّه الإمام الذي أحصى اللّه تبارك و تعالى فيه علم كل شيء .(1)

قال أميرالمؤمنين7 في وصف الإمام في رواية طارق: علم الأنبياء في علمهم وسرّ الأوصياء في سرّهم وعزّ الأولياء في عزّهم كالقطرة في البحر والذرّة في القفر، والسماوات والأرض عند الإمام كيده من راحته، يعرف ظاهرها من باطنها و يعلم بَرّها من فاجرها ورطبها و يابسها لأن اللّه علّم نبيّه علم ما كان وما يكون، وورث ذلك السرّ المصون الأوصياء المنتجبون ومن أنكر ذلك فهو شقي ملعون، يلعنه اللّه ويلعنه اللاّعنون وكيف يفرض اللّه على عباده طاعة من يحجب عنه ملكوت السماوات والأرض .(2)

عن أبي عبداللّه 7 قال: يا مفضّل إنّ اللّه تبارك و تعالى جعل للنبي9 خمسة أرواح، روح الحياة فيه دَبَّ ودرج، و روح القوّة فيه نهض و جاهد، وروح الشهوة فيه أكل وشرب وأتى النساء من الحلال، و روح الإيمان فيه أمر و عدل، وروح القدس فيه حمل النبوّة، فإذا قبض


1- بحارالأنوار 35: 427.
2- بحارالأنوار 25: 172.

ص: 34

النبي9 انتقل روح القدس فصار في الإمام، وروح القدس لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يسهو والأربعة الأرواح تنام وتلهو وتغفل وتسهو، وروح القدس ثابت يرى به ما في شرق الأرض وغربها وبرها وبحرها.

قلت: جعلت فداك يتناول الإمام ما ببغداد بيده؟

قال: نعم وما دون العرش .(1)

وفي حديث آخر: أنّ الإمام مؤيد بروح القدس وبينه وبين اللّه عزّوجلّ عمود من نور يرى فيه أعمال العباد وكلّ ما احتاج إليه لدلالة اطلع عليه ويبسط له فيعلم ويقبض عنه فلا يعلم .(2)

قال بعض الأعاظم إنّه يظهر من الأخبار تعدّد اطلاقات روح القدس فإنّه قد يطلق على جبرائيل7 وقد يطلق على نور العلم الذي يؤيّد الرسول والإمام ومن هنا ورد أنّ الإمام7 يرى به ما بين الشرق والمغرب .(3)

قال أميرالمؤمنين7: يا كميل ما من علم إلّا وأنا أفتحه وما من سرّ إلّا والقائم7 يختمه يا كميل: (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ) .(4)(5)

* الخلفاء يستنصرون


1- بحارالأنوار 25: 172.
2- بحارالأنوار 17: 106.
3- لمزيد من الاطلاع راجع كتاب مناهج البيان في تفسير القرآن 30: 47 _ 87.
4- آل عمران: 34.
5- بحارالأنوار 74: 268.

ص: 35

هذا ونرى من الجهة الثانية اعتراف الشيخين بأولويّة الإمام عليهم من ناحية العلم والمعرفة. فقد أوردت مصادر الفريقين قول أبي بكر: «أقيلوني أقيلوني فلست بخيركم وعليّ فيكم»(1) . وقوله أيضاً: «إنّ لي شيطاناً يعتريني فإن استقمت فأعينوني و إن زغت فأقيموني»(2) وهذا الإقرار دالّ بجلاء على أنّ علياً7 خير منه في كلّ شؤونه.

ومن جهته اعترف عمر أكثر من غيره بأفضليّة الإمام عليه، حتى كرّر مقولته المشهورة «لولا عليّ لهلك عمر»(3) أو «لا أبقاني اللّه لمعضلة ليس فيها أبوالحسن»(4) عشرات المرات، وأحصاها الكاتبون ونساها هو.

بل إنّه ذهب بها عريضة حتى اعترف وأقرّ _ وإقرار العقلاء على أنفسهم نافذ _ أن: «كلّ الناس أفقه من عمر» .(5)

وقال: كلّ الناس أفقه من عمر حتى المخدّرات في البيوت .(6)


1- . لسان الميزان للذهبي 1: 500.
2- تاريخ الطبري 3: 211.
3- أربعين للفخر الرازي: 466 ؛ تذكرة الخواص لابن جوزي: 147.
4- أنساب الأشراف للبلاذري 2: 99.
5- الغدير 6: 136.
6- المصدر.

ص: 36

وقال: كلّ الناس أعلم من عمر .

وقال: كلّ الناس أفقه منّي .(1)

وليت شعري إذا كان الفقه بمعنى الفهم _ كما في اللّغة _ فمن الّذي أراد عمر أن يهدي بالخلافة؟! مع أنّ عبارة «كلّ» تفيد العموم، وكذا الجمع المحلّى في «الناس»!

يا لها من رزية مضحكة مبكية! فهذا الكلام وذاك العمل، يجلس لخلافة الرسالة الخالدة، كي يفد الناس إليه من كلّ حدب وصوب ليسألوه عمّا أشكل عليهم مع أنّه باعترافه أجهلهم!

لماذا وبأيّ شريعة جلس من أقرّ لنفسه بالجهل على مسند العلم ومسند الخلافة، و يذيد من هو أحقّ به منه؟ ولعمري قد كان جديرا أن يتنازل إلى بعض مخدّرات الحجال إذ كانوا يفهمون شيئاً ما على الأقل!

وأمّا علي بن أبي طالب8، فهو المؤخر مع أنّه المقدّم، وهو المسلوب حقّه مع أنّه المنصوص عليه، وما خِلتُ أنّ الدهر هذه عادته وإنّا للّه وإنّا إليه راجعون.

الطائفة الثانية: ما دلّ على علمه بالكتاب وتفسيره


1- المصدر.

ص: 37

إنّ التفسير يعني كشف الغطاء، وهو يشمل بيان المجمل والتأويل والمتشابه والبطن وتفريق الناسخ من المنسوخ والعام من الخاص والمطلق من المقيد. والتفاسير الموجودة؛ فالصحيحة منها إنمّا هي محاولات للإستفادة من القرآن عبر تذكيرات حملة القرآن أعني الرسول وآله: فإنّ فهم الكتاب و الاستفادة منه غير ميسّر إلّا لمن نزل القرآن في بيوتهم ومن آتاهم اللّه علم القرآن، وأمّا الّذين لا يقتبسون من نور أئمّة الهدى: في تفسير القرآن فإنّما يتخبّطون العشواء ويفسّرون القرآن بآرائهم الكاسدة ومن فسّر القرآن برأيه فليتبوّء مقعده من النّار.

عن رسول اللّه 9 أنّه قال في خطبة الغدير: افهموا محكم القرآن ولا تتّبعوا متشابهه، ولن يفسّر لكم إلّا من أنا آخذ بيده _ وكانت يده بيد عليّ _ وشائل بعضده ومعلّمكم أنّ من كنت مولاه فهذا _ فعليّ _ مولاه و موالاته من اللّه عزّوجلّ أنزلها عليّ... وخليفتي على من آمن بي وعلى تفسير كتاب ربّي... .(1)

ومن الواضح أنّ «لن» تفيد التأبيد، فلا يستطيع تفسير القرآن إلّا أميرالمؤمنين7 بدلالة هذا النصّ الوارد في كتبهم.


1- المصدر: 28.

ص: 38

إذن ليس لغير «الراسخين في العلم» و«أهل الذكر» و«مَن عنده علم الكتاب» إمكانية تفسير القرآن وكشف حقائقه. نعم، بهم تستطاع معرفة حقائق كلمات اللّه، وفي غير تلك الصورة فمستحيل.

قال اللّه: (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) .(1)

وقال سبحانه: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) .(2)

وقال: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا) .(3)

هذا كلّه في الكلام عمّن يليق بأن يأتي على سدة الحكم ليعمل بمقتضى كتاب اللّه وبأوامره سبحانه، و من البيّن أنّ أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب8 هو الشخص الوحيد المتعيّن لهذه المهمّة وأمّا غيره فلا دليل على أهليّته لتصدّي مثل ذلك بل الدليل على عدمها أبين.

الثعلبي وأبونعيم بسنديهما عن زاذان عن محمّد بن الحنفيّة قال: «من عنده علم الكتاب: عليّ بن أبي طالب» .(4)

عن عطيّة العوفي عن أبي سعيد الخدري قال سألت رسول اللّه 9 عن


1- العنكبوت: 49.
2- النحل: 44.
3- فاطر: 32.
4- شواهد التنزيل 1: 401 ح423 و424.

ص: 39

هذه الآية: (الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ)(1) . قال9: ذاك وزير أخي سليمان بن داود8. وسألته عن قوله اللّه عزّوجلّ: (قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) قال: ذاك عليّ بن أبي طالب .(2)

وبهذا الحديث يُعلم أنّ علم الإمام كان له شأن عظيم حيث صار الامام به شاهداً على نبوّة رسول اللّه 9، ذلك أنّ شخصيّة فذّة كتلك ولها الحظّ الأوفر من علم الكتاب تنقاد للرسالة المحمديّة، لشهادة كبيرة على صدق الرسالة والرسول9.

عن بريد بن معاوية قال: قلت لأبي جعفر7 (قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ)(3) ؟ قال: إيّانا عنَى، وعليّ أوّلنا وأفضلنا وخيرنا بعد النبيّ .

وقال9 في خطبة الغدير كما في مصادر العامّة:... معاشر الناس هذا أخي ووصيّي وواعي علمي وخليفتي على من آمن بي، وعلى تفسير كتاب ربّي؛ الخبر .


1- النمل: 40.
2- شواهد التنزيل 1: 400 ح422.
3- الرعد: 43.

ص: 40

عن عيسى بن عبداللّه عن أبيه عن جدّه عن علي7 قال: لأنا أعلم بالتوراة من أهل التوراة وأعلم بالإنجيل من أهل الإنجيل .(1)

عن الأصبغ بن نباتة قال: لمّا جلس علي7 في الخلافة وبايعه النّاس خرج إلى المسجد متعمّماً بعمامة رسول اللّه 9، لابساً بردة رسول اللّه، متنعلاً نعل رسول اللّه، متقلداً سيف رسول اللّه، فصعد المنبر فجلس عليه متمكّناً ثمّ شبك بين أصابعه فوضعها أسفل بطنه ثم قال: يا معاشر الناس سلوني قبل أن تفقدوني، هذا سفط العلم (2)، هذا لعاب رسول اللّه 9، هذا ما زقّني رسول اللّه 9 زقّاً زقّاً، سلوني فإنّ عندي علم الأوّلين والآخرين، أما واللّه لو ثنّيت لي وسادة فجلست عليها لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم حتى تنطق التوراة فتقول صدق عليّ ما كذب لقد أفتاكم بما أنزل اللّه فيّ، وأفتيت أهل الإنجيل بإنجيلهم حتى ينطق الإنجيل فيقول صدق عليّ ما كذب لقد أفتاكم بما أنزل اللّه فيّ، وأفتيت أهل القرآن بقرآنهم حتى ينطق القرآن فيقول صدق عليّ ما كذب لقد أفتاكم بما أنزل اللّه فيّ، وأنتم تتلون القرآن ليلاً ونهاراً فهل فيكم أحد يعلم ما نزل فيه؟ ولولا آية في كتاب اللّه عزّوجلّ لأخبرتكم بما كان وما يكون وبما هو كائن إلى يوم القيامة وهي هذه الآية (يَمْحُوا اللّه ما يَشاءُ


1- بحارالأنوار 40: 137.
2- سفط العلم يعني وعاء العلم ووكره.

ص: 41

وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) .(1)

ثم قال7: سلوني قبل أن تفقدوني فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو سألتموني عن أية آية في ليل أنزلت أو في نهار أنزلت مكيّها ومدنيّها، سفريها وحضريها، ناسخها ومنسوخها، ومحكمها ومتشابهها، وتأويلها وتنزيلها لأخبرتكم.

فقام إليه رجل يقال له ذعلب وكان ذرب اللّسان بليغاً في الخطب شجاع القلب فقال: لقد ارتقى ابن أبي طالب مرقاة صعبة لأخجلّنه اليوم لكم في مسألتي إيّاه فقال، يا أميرالمؤمنين هل رأيت ربّك؟

فقال: ويلك يا ذعلب لم أكن بالذي أعبد ربّا لم أره.

قال: فكيف رأيته صفه لنا؟

قال7: ويلك لم تره العيون بمشاهدة الأبصار ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان، ويلك يا ذعلب إن ربّي لا يوصف بالبعد ولا بالحركة ولا بالسكون ولا بقيام قيام انتصاب ولا بجيئة ولا بذهاب، لطيف اللّطافة لا يوصف باللّطف، عظيم العظمة لا يوصف بالعظم، كبير الكبرياء لا يوصف بالكبر، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ .(2)

إنّ رجلاً يعلم بتربّص أعدائه الدوائر ويرى الزمرة المنافقة


1- . الرعد: 39.
2- بحارالأنوار 10: 117.

ص: 42

المستظلة تحت فيئه والتي تريد أخذه بكلّ صغير وكبير، ثمّ يرتقي منبر رسول اللّه 9 ويتمكّن منه، ويقول أنّ عنده علم الأوّلين والآخرين وأنّ صدره سفط العلم، ويتحدى ويقف ويجيب ويُبهِر، هذا لعمري من أعظم آيات علمه.

وأمّا وثوقه7 من استطاعة الإجابة على جميع الأسئلة فلكونه حاملاً لعلم اللّه تعالى الذي حمّله.

وأمّا قوله7: «لولا آية في كتاب اللّه...» فلأنّ الأُمور و إن كانت لا تقع إلّا بمشيّة وإرادة وقدر وقضاء وكان المعصوم وكراً لمشيّته تعالى وموطناً لإرادته إلّا أنّ للّه تعالى أن يمضي ما شاءه وأراده وقدّره وقضاه أو إرجائه أو تبديله بالكليّة لأنّه على كلّ شيء قدير وله الرأي والبداء (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ) .(1)(2)

وأمّا قوله7: «لم أكن لأعبد ربّاً لم أره» فلأنّ العبادة تتفرّع على المعرفة ولولا المعرفة لما صحّت العبادة.

قوله7: «لم تره العيون بمشاهدة الأبصار...»(3) أي إنّ العيون بمشاهدة الأبصار الجارحية أو بصر العقل، لا تتمكّن من رؤيته لعلوّه


1- المائده: 64.
2- لمزيد الاطلاع راجع كتاب (البداء آية عظمة اللّه).
3- الأنعام: 103.

ص: 43

وقدسه وسبوحيّته كما يشير إليه الخبر الوارد في ذيل قوله تعالى (لاَتُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ) من أنّ أبصار القلوب أدقّ من أبصار العيون وهي لا تستطيع إبصاره إلّا أنّ اللّه تعالى عرّف نفسه للعباد وأراهم صنعه فعرفوه به معرفة متعالية عن المفهوميّة والمعقوليّة، كما ورد في الدعاء المروي عن أمير المؤمنين7: «يا من دلّ على ذاته بذاته وتنزّه عن مجانسة مخلوقاته» فحقائق الإيمان هي الإيمان الحقيقيّ المستند إلى تعريفه تعالى نفسه للعباد.

وسرّ ذلك أنّ اللّه محيط بكلّ شيء، ولا شيء يحيط به وإلّا كان سبحانه محدوداً، فلذا لا تستطيع العيون أن تحيط به ولا القلوب. والمعرفة التي فطر اللّه الناس عليها هي معرفة أنّ اللّه محيط بكلّ شيء وأنّه لا يمكن أن يكون محاطاً .(1)

قوله7: «لطيف اللّطافة لا يوصف باللّطف...»(2) أي إنّه تعالى لطيف و لكن ليس للطفه كيفيّة فلا يوصف باللّطف.

ومن راجع كتب الحديث يرى أنّها مملوّة بتفسيره7 للقرآن وكشفه للمتشابهات. والتفسير إنما هو كما أسلفنا كشف للغطاء، ولا


1- لمزيد الاطلاع راجع كتاب (معرفة اللّه).
2- بحارالأنوار 83: 282 ح45.

ص: 44

يتمكّن من ذلك إلّا من آتاه اللّه علماً من لدنه، وهذا كما ترى دليل آخر على سعة علمه7.

الطائفة الثالثة: ما دلّ على معرفته باللّه تعالى

أشرف المعارف وأعلاها وأنفعها هي معرفة اللّه، بل الجاهل به سبحانه جاهل بما للكلمة من معنى. ولذا ورد في الدعاء «الحمد للّه الذي عرّفني نفسه ولم يتركني عميان القلب» فمعرفة اللّه سبحانه نور للقلب من العمى وماء الحياة الذي به تحيى الروح وتعيش. فمن عرف اللّه تعالى بتعريفه تعالى نفسه حقّ المعرفة فقد عرف الحقّ وحاز على خير الدارين.

وقد ورد في الأخبار أنّ أمير المؤمنين7 هو أعرف الناس باللّه تعالى وأنّه أوّل من أقر للّه بالعبودية بعد رسول اللّه في عالم الذرّ، إذ قال تعالى: ألست بربكم، فقال: بلى، فاستحق أن يكون سيّد الأوصياء وخليفة رسول رب العالمين.

وأمّا النصوص على معرفته باللّه فإليك بعض منها..

عن رسول اللّه 9 أنّه قال: ياعلي ما عرف اللّه إلّا أنا و أنت. وما عرفني إلّا اللّه وأنت. وما عرفك إلّا اللّه و أنا .(1)


1- . تأويل الآيات الظاهرة: 145.

ص: 45

وعن المناقب لابن مردويه الإصفهاني عن الرسول الأكرم9: عليّ أعلم الناس باللّه، وأشدّ الناس حبّاً وتعظيما لأهل لا إله إلّا اللّه محمّد رسول اللّه .(1)

وممّا يدلّ على شدّة معرفة الإمام7 ما ورد من تسبيحاته وتقديساته وثناءه على اللّه التي لا يستطيع أن يتذكّر بها إلّا من كان قلبه وكراً لنور المعرفة.

فعن الإمام الصادق جعفر بن محمّد8 أنّه قال: خطب أميرالمؤمنين علي7 بهذه الخطبة على منبر الكوفة وذلك أنّ رجلا أتاه فقال: يا أميرالمؤمنين صف لنا ربّنا لنزداد له حبّا وبه معرفة. فغضب7 ونادى: الصلاة جامعة. فاجتمع الناس عليه حتّى غصّ المسجد بأهله فصعد المنبر وهو مغضب متغيّر اللّون فحمد اللّه سبحانه وصلّى على النبيّ9 ثمّ قال:

الحمد للّه الذي لا يفرُه المنع ولا يكديه الإعطاء والجود، إذ كلّ معط منتقص سواه وكلّ مانع مذموم ما خلاه وهو المنّان بفوائد النّعم وعوائد المزيد والقسم. عياله الخلائق ضَمِنَ أرزاقهم و قدَّر أقواتهم ونهج سبيل الراغبين إليه والطّالبين ما لديه. وليس بما سئل بأجود منه بما لم يسأل. الأوّل الّذي لم يكن له قبل


1- المناقب: 87.

ص: 46

فيكون شيء قبله والآخر الّذي ليس له بعد فيكون شيء بعده. والرادع أناسيَّ الأبصار عن أن تناله أو تدركه، ما اختلف عليه دهر فتختلف منه الحال ولا كان في مكان فيجوز عليه الانتقال ولو وهب ما تنفست عنه معادن الجبال وضحكت عنه أصداف البحار من فِلِزِّ اللُّجين والعقيان ونثارة الدرّ وحصيد المرجان، ما أثّر ذلك في جوده ولا أنفد سعة ما عنده ولكان عنده من ذخائر الإنعام ما لا تنفده مطالب الأنام لأنّه الجواد الّذي لا يغيضه سؤال السّائلين ولا يبخله إلحاح الملحين. فانظر _ أيّها السائل _ فما دلّك القرآن عليه من صفته فأتمَّ به واستضئ بنور هدايته وما كلّفك الشيطان علمه مما ليس في الكتاب عليك فرضه ولا في سنة النبي9 وأئمة الهدى أثره فكِلْ علمه إلى اللّه سبحانه فإنّ ذلك منتهى حقّ اللّه عليك. و اعلم أنّ الراسخين في العلم هم الذين أغناهم عن اقتحام السدد المضروبة دون الغيوب الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب، فمدح اللّه تعالى اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما و سمّى تركهم التعمّق فيما لم يكلّفهم البحث عن كنهه، رسوخا. فاقتصر على ذلك فلا تقدّر عظمة اللّه سبحانه على قدر عقلك فتكون من الهالكين. هو القادر الذي إذا ارتمت الأوهام لتدرك منقطع قدرته و حاول الفكر المبرّأ من خطر الوساوس أن يقع عليه من عميقات غيوب ملكوته و تولّهت القلوب إليه لتجري في كيفيّة صفاته وغمضت مداخل العقول في حيث لا تبلغه الصفات لتنال علم ذاته، ردعها وهي تجوب مهاوي سدف الغيوب متخلّصة إليه سبحانه

ص: 47

و تعالى فرجعت إذ جبهت معترفة بأنّه لا ينال بجور الاعتساف كنه معرفته و لا تخطر ببال أولي الرويّات خاطرة من تقدير جلال عزته. الذي ابتدع الخلق على غير مثال امتثله و لا مقدار احتذى عليه مِن خالق معبود كان قبله وأرانا من ملكوت قدرته و عجائب ما نطقت به آثار حكمته و اعتراف الحاجة من الخلق إلى أن يقيمها بمساك قوَّته، ما دلّنا باضطرار قيام الحجة على معرفته و ظهرت في البدائع التي أحدثها آثار صنعته و أعلام حكمته، فصار كلّ ما خلق حجّة له و دليلا عليه و إن كان خلقا صامتا فحجّته بالتدبير ناطقة و دلالته على المبدع قائمة، فأشهد أنّ من شبّهك بتباين أعضاء خلقك و تلاحم حقاق مفاصلهم المحتجبة لتدبير حكمتك، لم يعقد غيب ضميره على معرفتك و لم يباشر قلبه اليقين بأنّه لا ندّ لك، و كأنّه لم يسمع تبرؤ التابعين من المتبوعين إذ يقولون (تَاللّه إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ)(1) كذب العادلون بك إذ شبهوك بأصنامهم، ونحلوك حلية المخلوقين بأوهامهم، وجزّءوك تجزئة المجسّمات بخواطرهم وقدّروك على الخلقة المختلفة القوى بقرائح عقولهم، فأشهد أنّ من ساواك بشيء من خلقك فقد عدل بك والعادل بك كافر بما تنزّلت به محكمات آياتك، ونطقت به عنه شواهد حجج بيناتك وأنّك أنت اللّه الذي لم يتناه في العقول فيكون في مهبّ فكرها مكيّفاً، ولا في رويّات خواطرها محدوداً مصرّفاً ومنها قدر ما خلق فأحكم


1- الشعراء: 97 _ 98.

ص: 48

تقديره، ودبّره فألطف تدبيره، ووجّهه لوجهته فلم يتعد حدود منزلته، فلم يقصر دون الإنتهاء إلى غايته، ولم يستصعب إذ أمر بالمضيّ على إرادته، وكيف وإنّما صدرت الأمور عن مشيّته، المنشئ أصناف الأشياء بلا رويّة فكر آل إليها، ولا قريحة غريزة أضمر عليها، ولا تجربة أفادها من حوادث الدهور، ولا شريك أعانه على ابتداع عجائب الأمور، فتمّ خلقه وأذعن لطاعته وأجاب إلى دعوته ولم يعترض دونه ريث المبطئ ولا أناة المتلكئ، فأقام من الأشياء أودها ونهج حدودها، ولاءم بقدرته بين متضادّها ووصل أسباب قرائنها وفرّقها أجناساً مختلفات في الحدود والأقدار والغرائز والهيئات، بدايا خلائق أحكم صنعها وفطرها على ما أراد و ابتدعها منها في صفة السماء ونظم بلا تعليق رهوات فُرَجَها ولاحم صدوع انفراجها وشجّ بينها وبين أزواجها وذلّل للهابطين بأمره والصاعدين بأعمال خلقه حزونة معراجها، وناداها بعد إذ هي دخان فالتحمت عرى أشراجها وفتق بعد الارتتاق صوامت أبوابها وأقام رصداً من الشهب الثواقب على نقابها وأمسكها من أن تمور في خرق الهواء بائدة رائدة، وأمرها أن تقف مستسلمة لأمره وجعل شمسها آية مبصرة لنهارها وقمرها آية ممحوة من ليلها وأجراهما في مناقل مجراهما وقدر مسيرهما في مدارج درجهما، ليميز بين الليل والنهار بهما، وليعلم عدد السنين والحساب بمقاديرها، ثم علّق في جوّها فلكها وناط بها زينتها من خفيات دراريها ومصابيح كواكبها ورمى مسترقي السمع بثواقب شهبها

ص: 49

وأجراها على إذلال تسخيرها، من ثبات ثابتها ومسير سائرها وهبوطها وصعودها ونحوسها وسعودها، منها في صفة الملائكة. ثمّ خلق سبحانه لإسكان سماواته وعمارة الصفيح الأعلى من ملكوته خلقاً بديعاً من ملائكته، ملأ بهم فروج فجاجها وحشا بهم فتوق أجوائها، وبين فجوات تلك الفروج زجل المسبّحين منهم في حظائر القدس وسترات الحجب وسرادقات المجد ووراء ذلك الرجيج الذي تستك منه الأسماع سبحات نور تردع الأبصار عن بلوغها فتقف خاسئة على حدودها .(1)

الظاهر أنّ الرجل عنى من الوصف توصيف اللّه تعالى بصفة المخلوق ولذا غضب الإمام7 وانبرى لبيان سبوحيّته وقدسه وعلوّه عن صفات المخلوقين فليس جوده كجودهم ولا ذاته كذواتهم تعالى اللّه عن ذلك علوّاً كبيراً.

قوله7: «وليس بما سأل بأجود منه بما لم يسئل» أي إنّه تعالى يعطي من دون سؤال أكثر ممّا يعطي إجابة للدعاء، فكم من أمر لم نسأله وقد أعطاه اللّه تعالى إيّانا من غير سؤال واللّه العالم.

قوله7: «الأوّل الذي لم يكن له قبل...» حيث إنّه تعالى لا يجري عليه الزمان ولا يحويه المكان وكيف يجري عليه ما هو أجراه وخلقه؟! فإنّه تعالى الأزلي الأبدي فلا يكون له قبل ولا بعد إذ القبل


1- بحارالأنوار 54: 106.

ص: 50

والبعد ممّا يعرض على المخلوق دون الخالق.

قوله7: «فانظر أيها السائل فما دلّك القرآن عليه من صفته فَأْتَمَّ به» هذا باب من العلم يفتح منه ألف باب وهو من أُصول الأخبار فإنّ الإمام7 بيّن بأنّ القرآن الحكيم هو المرجع في التذكّر بمعرفة اللّه تعالى فإذا عرضت علينا مسألة لم يكن في الكتاب لها عين ولا أثر، فلابدّ من ايكال علم ذلك إلى اللّه تعالى وإلى أوليائه.

قوله7: «واعلم أنّ الراسخين في العلم هم الذين أغناهم عن اقتحام السدد المضروبة...» فليس الرسوخ في العلم هو الاقتحام والتعمّق في كلّ شيء فإنّه إذا كان الكلام في معرفة اللّه تعالى فإنّ الرسوخ في العلم يكون بالكفّ عن التكلّف والكفّ عن التكلّم في ذاته فإنّ التكلّم والنظر في ذاته لا يزيد ناظره إلّا تيهاً، حيث إنّ اللّه تعالى لا يُعرَف بجور الاعتساف والتكلّف وإنّما يُعرَف اللّه تعالى به وليس اللّه عَرَفَ من عَرَفَ بالتشبيه ذاته، فالتفكّر في ذاته والتعمّق في كمالاته تنزيل له عن مقام القدس والسبوحيّة.

فلابدّ لمن أراد أن يعرف ربّه تعالى أن يعرفه به تعالى، والطريق إلى تلك المعرفة هو أن يضع الإنسان نفسه في مهبّ تيّار الرحمة الإلهيّة فيصلّي له ويقنت قنوت الخاشعين ويتوجّه إليه تعالى بأوليائه الّذين من عرفهم عرف اللّه ومن جهلهم جهل اللّه تعالى.

ص: 51

قوله7: «فلا تقدّر عظمة اللّه سبحانه على قدر عقلك فتكون من الهالكين» فإنّه لا طريق للعقل في معرفة الربّ إلّا بنحو الإقرار بالغيب.

قوله7: «وحاول الفكر المبرّأ من خطر الوساوس أن يقع عليه من عميقات غيوب ملكوته» إبطال لما عن البعض من كون النهي الوارد في الأخبار عن التفكّر في ذات اللّه تعالى إنّما متوجّه للعقول الناقصة لا عقول الكمّلين فالإمام7 يشير إلى أنّ جميع العقول وجميع الأفكار وجميع الأوهام عاجزة عن الوصول إلى معرفة ذاته تعالى لأنّه سبّوح قدّوس ومعنى سبوحيّته هو تعاليه عن العقول مهما كانت ثاقبة وقويّة.

ومن الواضح أنّ ذلك ليس تنقيصاً في شأن العقل فإنّ العقل له شأنه في معرفة اللّه تعالى وهو معرفة الربّ المتعال بالمعرفة الغيبيّة أعني إنّ الإنسان العاقل إذا نظر بنور عقله إلى الكائنات وما يجري حوله لَعَلِمَ أنّ لها صانعاً قادراً حكيماً هو قيّومها وهي قائمة به وإذا تعمّق في ذات المخلوق وجد ضعفه وعجزه وافتقاره إلى الغير، فلا بدّ له من الإقرار بصانع لها متعالى عن صفاتها سبّوح عمّا يجري عليها، فالعقل يكشف _ إذن _ أنّ ثمة صانعاً صنع الخلق وهو لا يشبه الخلق في شيء، وهذا هو المعبّر عنه في لسان الأحاديث ب_ «حدّ التعطيل وحدّ التشبيه»(1) وهو كما ترى ليس معرفة بكنهه عزّ وجلّ.


1- الكافي 1: 82.

ص: 52

قوله7: «فرجعت إذ جبهت معترفة بأنه لا ينال بجور الاعتساف كنه معرفته» وهذا من كمال كشف العقل فإنّه يكشف لنا أنّ اللّه تعالى لا يُعرَف بالعقول فإنّ العقل يكشف المخلوقات وهو عاجز عن كشف الخالق، فاعتراف واجد العقل بالعجز عن معرفته تعالى من كمال عقله كما أنّ كشف العقل لتلك الحقيقة كمال في حدّ ذاته. فإنّ من العلم انّك تعلم بأنّ الاحاطة بحقيقة ذاته تعالى مستحيل.

قوله7: «أرانا من ملكوت قدرته وعجائب ما نطقت به آثار حكمته واعتراف الحاجة» حيث إنّه هو الذي خلق الخليقة وهو الذي وهب للإنسان نور العقل الذي يستطيع أن ينظر به إلى الآيات ويعرف بأنّ لها خالقاً مدبّراً فإنّه تعالى «هو الدالّ بالدليل عليه والمؤدّي بالمعرفة إليه» .(1)

قوله7: «فأشهد أنّ من شبّهك بتباين أعضاء خلقك» فإنّ العمدة في معرفة اللّه تعالى هو إخراجه عن جهة التشبيه فالمشبِّه للّه تعالى بخلقه بكونه تعالى ذا يد كأيدي الخلائق وذا عين كعيونهم وذا أُذن كآذانهم أو بأنّه يمكن تصوّره وتعقّله ونيله بالعقول أو إنّه تطوّر وتجلّى بصورة المخلوق، لم يعقد قلبه على معرفة الحق المتعال. فإنّ اللّه تعالى منزّه عن جميع هذه الصفات.

قوله7: «ونحلوك حلية المخلوقين بأوهامهم» إذ العقل يعترف


1- بحارالأنوار 4: 253.

ص: 53

بالعجز عن الإحاطة بالربّ المتعال فمن نحله حلية المخلوقين إنّما فعل ذلك بوهمه الباطل.

عن سلمان الفارسي2 في حديث طويل يذكر فيه قدوم الجاثليق المدينة مع مائة من النصارى وما سأل عنه أبابكر فلم يجبه، ثمّ أرشد إلى أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب7 فسأله عن مسائل فأجابه عنها، وكان فيما سأله أن قال له أخبرني عرفت اللّه بمحمد أم عرفت محمّداً باللّه؟

فقال علي بن أبي طالب7: ما عرفت اللّه عزّوجلّ بمحمّد9 ولكن عرفت محمّداً باللّه عزّوجلّ حين خلقه وأحدث فيه الحدود من طول وعرض فعرفت أنّه مدبّر مصنوع باستدلال وإلهام منه وإرادة، كما ألهم الملائكة طاعته وعرّفهم نفسه بلا شبه ولا كيف... .(1)

والظاهر أنّ مراده7 من قوله: «إلهام منه» هو تعريفه تعالى نفسه للعبد ويشهد على ذلك تنظيره7 الإلهام بإلهام الملائكة وتعريفه تعالى نفسه إيّاهم كما أنّ قوله7: «وإرادة كما ألهم...» يدلّ على مشيّته وعمده في تعريف نفسه للعباد، فليس تعريفه نفسه للعباد من دون إرادة وليس كالتجلّي الذي يدّعيه العرفاء، فإنّ التجلّي على


1- بحارالأنوار 3: 272.

ص: 54

مبناهم لا يتلائم مع الإرادة والعمد فلاحظ.

روي أنّ بعض أحبار اليهود جاء إلى أبي بكر فقال له: أنت خليفة رسول اللّه على الأمة؟

فقال نعم.

فقال: إنّا نجد في التوراة أن خلفاء الأنبياء أعلم أممهم فخبرني عن اللّه أين هو في السماء هو أم في الأرض؟

فقال له أبو بكر: في السماء على العرش.

قال اليهودي: فأرى الأرض خالية منه فأراه على هذا القول في مكان دون مكان!

فقال له أبوبكر: هذا كلام الزنادقة اعزب عني و إلّا قتلتك، فولّى الرجل متعجّباً يستهزئ بالإسلام، فاستقبله أميرالمؤمنين7 فقال له: يا يهودي، قد عرفت ما سألت عنه وما أُجِبتَ به وإنّا نقول: إنّ اللّه عزّ وجلّ أيّن الأين فلا أين له، و جلّ من أن يحويه مكان، وهو في كلّ مكان بغير مماسة ولا مجاورة، يحيط علماً بما فيها ولا يخلو شيء من تدبيره تعالى وإنّي مخبرك بما جاء في كتاب من كتبكم يصدق بما ذكرته لك فإن عرفته أتؤمن به؟

قال اليهودي نعم.

قال: ألستم تجدون في بعض كتبكم أن موسى بن عمران كان ذات يوم

ص: 55

جالساً إذ جاءه ملك من المشرق فقال له: من أين جئت؟

قال: من عند اللّه عزّوجلّ، ثم جاءه ملك من المغرب فقال له:

من أين جئت؟

قال: من عند اللّه عزّوجلّ، ثم جاءه ملك آخر فقال له: من أين جئت؟

قال: قد جئتك من السماء السابعة من عند اللّه عزّوجلّ، و جاءه ملك آخر فقال: من أين جئت؟

قال: قد جئتك من الأرض السابعة السفلى من عند اللّه عزّوجلّ،

فقال موسى7: سبحان من لا يخلو منه مكان و لا يكون إلى مكان

أقرب من مكان.

فقال اليهودي: أشهد أنّ هذا هو الحقّ المبين وأنّك أحقّ بمقام نبيّك ممّن استولى عليه .(1)

إنّ جهل أبي بكر بكون اللّه تعالى أجلّ وأعلى من أن يحويه مكان لدليل على عدم معرفته باللّه تعالى لأنّه حدّده بقوله إنّه في السماء، مضافاً إلى أنّه يستلزم أن يكون المكان معه أزلياً وقائماً بالذات، وفساد ذلك واضح وأنّ معرفة هذه الحقيقة من أهمّ شروط الخلافة، وجهل أبي بكر لها، أدلّ دليل على عدم أهليّته بالأمر.

وأمّا قوله7: «أيّن الأين فلا أين له» لأنّ اللّه تعالى خلق الخلق


1- . بحارالأنوار 3: 309.

ص: 56

وبخلقه الخلق بدء الزمان، فإنّه تعالى منزّه عن الزمان فلا يجري عليه شيء منه. وإنّه خلق المكان فلا معنى لكونه مقيّداً به، ولو أنّ الزمان كان معه، إذن لزم كون شيئين أزليّين وذلك باطل عقلاً.

وأمّا قوله7: «وهو في كل مكان بغير مماسة و لا مجاورة يحيط علما بما فيها» فهو من نفائس أقواله7 وكلّ أقواله نفيسة، حيث إنّه يبيّن معنى كونه تعالى في كلّ مكان فليس معناه إحاطة كلّ مكان به، فإنّ ذلك نقصاً يجب تنزيهه تعالى عنه؛ بل بمعنى أنّه تعالى محيط بكل مكان علماً ولا يخرج مكان عن علمه، فلو ناجاه عبده في قعر البحر في بطن الحوت في ظلم الدجى لسمع وأجاب، كما سمع ذا النون في الظلمات، وكما لو دعاه عبده في السماء السابعة لسمعه.

قال أمير المؤمنين7: ولمّا لم يكن إلى إثبات صانع العالم طريق إلّا بالعقل لأنّه لا يحس فيدركه العيان أو شيء من الحواس فلو كان غير واحد بل اثنين أو أكثر لأوجب العقل عدّة صنّاع كما أوجب إثبات الصانع الواحد، ولو كان صانع العالم اثنين لم يجرِ تدبيرهما على نظام ولم ينسق أحوالهما على إحكام ولا تمام، لأنّه معقول من الاثنين الإختلاف في دواعيهما وأفعالهما، ولا يجوز أن يقال إنّهما متّفقان ولا يختلفان، لأنّ كلّ من جاز عليه الاتفاق جاز عليه الإختلاف؛ ألا ترى أنّ المتفقين لا يخلو أن يقدر كلّ منهما على ذلك أو لا يقدر كلّ منهما على

ص: 57

ذلك فإن قدرا كانا جميعاً عاجزين وإن لم يقدرا كانا جاهلين والعاجز والجاهل لا يكون إلهاً ولا قديماً .(1)

قوله7: «فإن قدرا كانا جميعاً عاجزين» لإنّ ذلك هو معنى قدرتهم جميعاً فإنّ قدرة كلّ واحد منهما على الآخر يوجب كون كلّ واحد منهما عاجزاً.

روي أنّ الحجاج بن يوسف كتب إلى الحسن البصري وإلى عمرو بن عبيد وإلى واصل بن عطا وإلى عامر الشعبي أن يذكروا ما عندهم وما وصل إليهم في القضاء والقدر.

فكتب إليه الحسن البصري: إنّ أحسن ما انتهى إليَّ ما سمعت أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب7 أنّه قال: أتظنّ أنّ الذي نهاك دهاك وإنّما دهاك أسفلك وأعلاك واللّه بريء من ذاك.

وكتب إليه عمرو بن عبيد: أحسن ما سمعت في القضاء والقدر قول أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب7: لو كان الزور في الأصل محتوماً كان المزور في القصاص مظلوماً.

وكتب إليه واصل بن عطا: أحسن ما سمعت في القضاء والقدر

قول أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب7: أيدلّك على الطريق ويأخذ


1- بحارالأنوار 90: 91.

ص: 58

عليك المضيق؟!

وكتب إليه الشعبي: أحسن ما سمعت في القضاء والقدر قول أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب7: كلَّ ما استغفرت اللّه منه فهو منك وكلّ ما حمدت اللّه عليه فهو منه.

فلمّا وصلت كتبهم إلى الحجاج ووقف عليها قال: لقد أخذوها من عين صافية .(1)

قوله7: «أتظنّ الذي نهاك دهاك» أي أتظنّ أنّ اللّه الذي نهاك عن ارتكاب المحارم دهاك في إجبارك على ارتكابها، كلّا لأنّ ذلك لا يصدر من ربّ حكيم. وإنّما دهاك أسفلك وأعلاك فبعد منحه القدرة إيّاك تستند أفعالك إليك فلا يصيبه شيء من أفعالك القبيحة فإنّه منزّه عنها.

قوله7: «لو كان الزور في الأصل محتوماً» أي لو كان الزور على الأفعال ممّا حتمه اللّه تعالى وكان اللّه تعالى أجبر عباده على المعاصي لكان المزور والمجبَر في القصاص والعقاب مظلوماً، حيث إنّه لم يفعل القبائح بإرادته بل فعلها جبراً وبما أنّ عقاب اللّه لا يكون إلّا عدلاً فلا بدّ أن يكون العبد قادراً مختاراً.

قوله7: «أيدلّك على الطريق» أي أيدلّك على الحقّ والباطل


1- بحارالأنوار 5: 58.

ص: 59

ويريك الطاعة والمعصية ببعث الرسل وبإيقاظ العقل من سباته بتذكيراتهم، ثمّ يضيّق عليك الطريق ويجبرك على الأفعال؟! حاشا وكلّا.

وأمّا قوله7: «كلّ ما استغفرت اللّه منه...» فيدلّ على أنّ الأفعال القبيحة هي ما تستند إلى العبد وهي التي يستغفر المرء ربّه منها، كما أنّ ما يحمد الإنسان الربّ عليه فهو مستند إليه تعالى.

قال الرضا7 في روايته عن آبائه عن الحسين بن علي7: دخل رجل من أهل العراق على أميرالمؤمنين7 فقال: أخبرنا عن خروجنا إلى أهل الشام أبقضاء من اللّه وقدر؟

فقال له أمير المؤمنين7: أجل يا شيخ، فو اللّه ما علوتم تلعة ولا هبطتم بطن واد إلّا بقضاء من اللّه و قدر.

فقال الشيخ: عند اللّه أحتسب عنائي يا أميرالمؤمنين.

فقال: مهلاً يا شيخ، لعلّك تظن قضاء حتماً وقدرا لازماً، لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والأمر والنهي والزجر ولسقط معنى الوعد والوعيد ولم تكن على مسيء لائمة ولا لمحسن محمدة ولكان المحسن أولى باللائمة من المذنب والمذنب أولى بالإحسان من المحسن، تلك مقالة عَبَدَة الأوثان وخصماء الرحمن وقدريّة هذه الأمّة ومجوسها، يا شيخ إنّ اللّه عزّوجلّ كلّف تخييرا ونهى تحذيرا وأعطى على القليل كثيرا و لم يعص مغلوبا ولم يُطَع مكرها ولم يخلق السماوات (وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما

ص: 60

باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ)(1) قال فنهض الشيخ وهو يقول:

أنت الإمام الذي نرجو بطاعته

يوم النجاة من الرحمن غفرانا

إلى آخر الأبيات .(2)

قوله7: «فو اللّه ما علوتم تلعة ولا هبطتم بطن واد إلا بقضاء من اللّه وقدر» يدلّ على كون الأُمور كلّها بيد اللّه تعالى وفي قبضته، فإنّه لا يقع شيء في الأرض ولا في السماء إلّا بسبع، إلّا أنّ ذلك لا يوجب الجبر بل من قضاءه وقدره أن يكون العبد شائيّاً مختاراً وأن يفعل ما يريد بالقدرة التي وهبها اللّه تعالى إيّاه.

قوله7: «لعلّك تظن قضاء حتماً وقدراً لازماً...» أي لعلّك ظننت أنّ ذلك بجبر منه فإنّه لو كان كذلك لما بقي معنى للثواب والعقاب والوعد والوعيد والجنّة والنار، لأنّها مبتنية على اختيار العبد وقدرته على الفعل والترك.

قوله7: «لكان المحسن أولى باللائمة من المذنب والمذنب أولى بالإحسان من المحسن» لعلّ المراد أنّ المسمّى ربما أراد الإحسان ولكن بما أنّه مجبور لا يمكن له الإتيان به فهو أولى بالإحسان من


1- ص: 27.
2- بحارالأنوار 5: 14.

ص: 61

المحسن وفي المقابل المحسن أولى بالإساءة من المسيء لأنّه ربما أراد أن يفعل القبيح ولكنه لم يستطع لكونه مجبوراً.

وأمّا قوله7: «إنّ اللّه عزّوجل كلّف تخييراً ونهى تحذيراً» فإنّه يعني أنّ أمر اللّه تعالى ليس بالإلجاء، بل إنّه أعطى العبد القدرة على الفعل والترك وأراه الطريق ثم أمره بإتيان الواجبات، كما أنّه نهى بالتحذير لا بالجبر فليس نهيه نهي تكويني بل نهيه تحذيري.

وأمّا قوله7: «ولم يعص مغلوباً ولم يطع مكرهاً» فيشير إلى قدرة الباري تعالى على سلب القدرة من العبد لكي لا يعصيه فإنّه قادر على قبض روح شمر ويزيد ومعاوية قبل أن يكيدوا لأولياء اللّه: إلّا أنّه لم يفعل ذلك ليقع الإمتحان وليصبر أوليائه على الأذى فتعلو درجاتهم إلى أعالي الدرجات وليميز الخبيث من الطيّب كما أنّه قادر على أن يكره العبد على الطاعات ولكن لو فعل ذلك لما استحق العباد الثواب ولا العقاب.

أخبر أميرالمؤمنين صلوات اللّه عليه عباية بن ربعي الأسدي حين سأله عن الاستطاعة التي بها يقوم ويقعد ويفعل.

فقال له أميرالمؤمنين: سألت عن الإستطاعة تملكها من دون اللّه أو مع اللّه؟

ص: 62

فسكت عباية.

فقال له أمير المؤمنين: قل يا عباية.

قال: وما أقول؟

قال7: إن قلت إنّك تملكها مع اللّه قتلتك وإن قلت تملكها

دون اللّه قتلتك.

قال عباية: فما أقول يا أمير المؤمنين؟

قال7: تقول إنّك تملكها باللّه الذي يملكها من دونك فإن يملّكها إياك كان ذلك من عطائه وإن يسلبكها كان ذلك من بلائه هو المالك لما ملّكك والقادر على ما عليه أقدرك أما سمعت الناس يسألون الحول والقوّة حين يقولون لا حول ولا قوة إلّا باللّه.

قال عباية: وما تأويلها يا أمير المؤمنين؟

قال7: لا حول عن معاصي اللّه إلّا بعصمة اللّه ولا قوّة لنا على طاعة اللّه إلّا بعون اللّه. قال: فوثب عباية فقبّل يديه ورجليه .(1)

قوله7: «إنّك تملكها باللّه الذي يملكها من دونك» يدلّ على أنّ الإستطاعة من اللّه تعالى وبتمليكه فلو أراد أن يسلبها عن العبد لفعل فلا حول على طاعته إلّا بالإستطاعة التي هي تملّك به تعالى وهو


1- . بحارالأنوار 5: 75.

ص: 63

أملك بها من العبد إذ له أن يسلبها كما أنّه لا حول عن معصيته إلّا بعصمته فإنّه لولا عصمته لارتكب العبد جميع القبائح.

فهذه جملة من الأخبار المرويّة عنه7 الدالّة على مدى تنزيهيه وتسبيحه للّه السبوح، وعلى أنّ العباد هم المسئولون عن أفعالهم بصدورها عنهم بقدرة واختيار كاملين .(1)

هذا وفي المقابل نجد الخليفة الأوّل يروي عنه الرواة أنّه كان يسند أفعال العباد بما فيها من القبائح إلى اللّه سبحانه وتعالى.

فعن عبد اللّه بن عمر أنّه قال جاء رجل إلى أبي بكر فقال: أرأيت الزنا بقدر؟

قال: نعم.

قال: فإنّ اللّه قدّره عليّ ثمّ يعذّبني؟

قال: نعم.

قال: يابن اللخناء! أما واللّه لو كان عندي انسان أمرت أن يجأ أنفك .(2)

الطائفة الرابعة: ما دلّ على علمه بالغيب بإذن اللّه تعالى

إنّ اللّه تعالى عالم بالغيب وعالم بما كان وما يكون بل وما لا


1- لمزيد من الاطلاع راجع كتاب (سدّ المفر على القائل بالقدر).
2- تاريخ الخلفاء للسيوطي: 65 ص89.

ص: 64

يكون. وهذا من ضروريّات جميع الأديان السماويّة ودلّت عليه آي كثيرة وأحاديث أكثر. وممّا لا إبهام فيه أنّ اللّه تعالى قادر على أن يحمّل خلقه ذلك العلم إذا شاء. فإنّ عموم قدرته على كلّ شيء يقتضي ذلك ولا استحالة فيه عقلاً، إذ أنّ تحمّل المخلوق العاجز الضعيف لعلم الغيب لا يخرجه عن احتياجه إلى القيّوم المفيض عليه ذلك العلم.

لأنّ علم اللّه ذاته، وأما علم المخلوق فباللّه، ومتوقّف على الإرادة الربّانية. ولذا يمكن أن يفقد علمه في أيّ لحظة إذا لم يشأ اللّه له أن يعلم. وعليه، إذا دلّ دليل على إفاضته تعالى علم الغيب على أحد، فلابدّ من قبول ذلك والتسليم لأمر اللّه تعالى.

عن عمر بن فرج الرضجي قال: قلت لأبي جعفر7 إنّ شيعتك تدّعي أنّك تعلم كلّ ماء في دجلة ووزنه وكنّا على شاطيء دجلة.

فقال7 لي: يقدر اللّه تعالى أن يفوّض علم ذلك إلى بعوضة من خلقه أم لا؟

قلت: نعم يقدر.

فقال7: أنا أكرم على اللّه تعالى من بعوضة ومن أكثر خلقه .(1)


1- بحارالأنوار 50: 100.

ص: 65

وهنا يبيّن الإمام7 إمكان تحمّل علم الغيب بإذن اللّه تعالى.

وأمّا النصوص على علم الإمام...

عن أبي عبد اللّه الجدلي قال دخلت على أميرالمؤمنين7 و الحسين إلى جنبه فضرب بيده على كتف الحسين ثم قال: إنّ هذا يقتل ولا ينصره أحد.

قال: قلت يا أميرالمؤمنين واللّه إنّ تلك لحياة سوء.

قال: إنّ ذلك لكائن .(1)

قال أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام: سيقتل رجل من ولدي بأرض خراسان بالسمّ ظلماً اسمه اسمي واسم أبيه اسم ابن عمران موسى7 ألا فمن زاره في غربته غفر اللّه له ذنوبه ما تقدّم منها وما تأخّر ولو كانت مثل عدد النجوم وقطر الأمطار وورق الأشجار .(2)

وقال7: يا حسن أتفرح كيف بك إذا رأيت أباك قتيلا أم كيف بك إذا ولي هذا الأمر بنو أمية و أميرها، الرحب البلعوم، الواسع الأعفاج، يأكل ولا يشبع، يموت وليس له في السماء ناصر ولا في الأرض عاذر ثمّ يستولي على غربها وشرقها، تدين له العباد ويطول ملكه يستنّ بسنن البدع والضلال ويميت الحق وسنّة رسول اللّه 9، يقسم المال في أهل


1- بحارالأنوار 44: 261.
2- بحارالأنوار 49: 286.

ص: 66

ولايته ويمنعه من هو أحق به، ويذل في ملكه المؤمن ويقوى في سلطانه الفاسق، ويجعل المال بين أنصاره دولاً ويتّخذ عباد اللّه خولاً، و يدرس في سلطانه الحقّ و يظهر الباطل، ويلعن الصالحون ويقتل من ناواه على الحقّ ويدين من والاه على الباطل .(1)

قال7: إنّي أُعطيت علم المنايا والبلايا وفصل الخطاب واستودعت علم القرآن و ما هو كائن إلى يوم القيامة .(2)

والظاهر أنّ المراد من علم المنايا هو علم مدّة عمر كلّ ذي حياة وكيفيّة موته كما أنّ المراد من علم البلايا ما يقع على الناس من فتن و امتحان. ويظهر من بعض الأخبار أنّه7 علّم بعض خاصّته _ كميثم التمّار وحبيب بن مظاهر _ بعض ذلك العلم(3) كما أنّ الظاهر من استودعه علم ما كان إلى يوم القيامة هو أنّه عالم بتعليم اللّه ورسوله جميع المقدّرات إلى يوم القيامة، إلّا أنّه كما في الخبر المارّ آنفاً يمكن أن يقع فيها التغيير لثبوت البداء للّه تعالى كما قال تعالى: (يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) .(4)(5)

الطائفة الخامسة: ما دلّ على تقدّمه في القضاء


1- بحارالأنوار 44: 20.
2- بحارالأنوار 26: 5.
3- بحارالأنوار 45: 92.
4- لرعد: 39.
5- لمزيد من الاطلاع راجع كتاب (البداء آية عظمة اللّه).

ص: 67

الإمامة تعني العصمة، والعصمة تعني عدم ارتكاب المآثم، وعدم ارتكاب المآثم يعني عدم الإكتراث ببهارج الدنيا، وعدم الإكتراث ببهارج الدنيا يوجب التوجّه إلى الحقّ.

والإمامة أيضاً تعني العلم، والعلم _ بوجهته الدينيّة _ يعني العمل، والعمل يعني القيام بالحقّ والقضاء به عدلاً وقسطاً، على الظالم للمظلوم، سواء على القريب أو البعيد، على الأسود أو الأبيض، الحرّ أو المملوك، والرجل أو المرأة.

هذا قانون، أما تطبيقه، فنجده في الإمام أميرالمؤمنين علي7 القائل:

وأيمُ اللّه لأبقرنّ الباطل حتّى يخرج الحقّ من خاصرته(1) .. والقائل أيضاً: الذّليل عندي عزيز حتّى آخذ الحقّ له، والقويّ عندي ضعيف حتّى آخذ الحقّ منه .(2)

ثمّ إنّنا نجد مصداق الحديث النبوي: (أقضى أمّتي علي) في عهد الخلفاء ناهيك عن عهده، فعندما كانت المعضلات تكشف جهل الحكّام وتراهم يغصّون بأنفاسهم، كان الإمام يظهر العلم فيشعّ من


1- بحارالأنوار 32: 113.
2- بحارالأنوار 29: 351.

ص: 68

ينبوعه النور من قلبه الزخّار وصدره المملو حكمة.

عن عاصم بن حمزة السّلوليّ قال: سمعت غلاماً بالمدينة وهو يقول: يا أحكم الحاكمين اُحكم بيني وبين أمّي.

فقال له عمر بن الخطّاب: يا غلام لم تدعو على أمّك؟

فقال: يا أميرالمؤمنين إنّها حملتني في بطنها تسعة أشهر وأرضعتني حولين فلمّا ترعرعت وعرفت الخير من الشرّ ويميني عن شمالي طردتني وانتفت منّي وزعمت أنّها لا تعرفني.

فقال عمر: أين تكون الوالدة؟

قال: في سقيفة بني فلان.

فقال عمر: عليّ بأمّ الغلام.

قال: فأتوا بها مع أربعة إخوة لها وأربعين قسّامة يشهدون لها أنّها لا تعرف الصّبيّ وأنّ هذا الغلام غلام مدّع ظلوم غشوم يريد أن يفضحها في عشيرتها وأنّ هذه جارية من قريش لم تتزوّج قطّ وأنّها بخاتم ربّها.

ص: 69

فقال عمر: يا غلام ما تقول؟

فقال: يا أميرالمؤمنين هذه واللّه أمّي حملتني في بطنها تسعة أشهر وأرضعتني حولين فلمّا ترعرعت وعرفت الخير من الشّرّ ويميني من شمالي طردتني وانتفت منّي وزعمت أنّها لا تعرفني.

فقال عمر: يا هذه ما يقول الغلام؟

فقالت: يا أميرالمؤمنين والّذي احتجب بالنور فلا عين تراه وحقّ محمّد وما ولد، ما أعرفه ولا أدري من أيّ الناس هو، وإنّه غلام مدّع يريد أن يفضحني في عشيرتي وإنّي جارية من قريش لم أتزوّج قطّ وإنّي بخاتم ربّي.

فقال عمر: ألك شهود؟

فقالت: نعم هؤلاء. فتقدّم الأربعون القسّامة فشهدوا عند عمر أنّ الغلام مدّع يريد أن يفضحها في عشيرتها وأنّ هذه جارية من قريش لم تتزوّج قطّ وأنّها بخاتم ربّها.

فقال عمر: خذوا هذا الغلام وانطلقوا به إلى السّجن حتّى نسأل عن الشّهود فإن عدّلت شهادتهم جلدته حدّ المفتري.

فأخذوا الغلام ينطلق به إلى السّجن فتلقّاهم أميرالمؤمنين7 في بعض الطّريق فنادى الغلام: يا ابن عمّ رسول اللّه 9 إنّني غلام مظلوم وأعاد عليه الكلام الّذي كلّم به عمر، ثمّ قال: وهذا عمر قد أمر بي إلى الحبس.

فقال عليّ7: ردّوه إلى عمر، فلمّا ردّوه قال لهم عمر أمرت به إلى السّجن فرددتموه إليّ.

فقالوا: يا أميرالمؤمنين أمرنا عليّ بن أبي طالب7 أن نردّه إليك

ص: 70

وسمعناك وأنت تقول: لا تعصوا لعليّ7 أمراً.

فبينا هم كذلك إذ أقبل عليّ7 فقال: عليّ بأمّ الغلام، فأتوا بها فقال عليّ7: يا غلام ما تقول؟

فأعاد الكلام، فقال عليّ7 لعمر: أتأذن لي أن أقضي بينهم؟

فقال عمر سبحان اللّه وكيف لا وقد سمعت رسول اللّه 9 يقول: أعلمكم عليّ بن أبي طالب.

ثمَّ قال للمرأة: يا هذه ألك شهود؟

قالت: نعم. فتقدَّم الأربعون قسّامة فشهدوا بالشَّهادة الأولى.

فقال عليٌّ7: لأقضينّ اليوم بقضيّة بينكما هي مرضاة الربّ من فوق عرشه علَّمنيها حبيبي رسول اللّه 9، ثمَّ قال لها: ألك وليٌّ؟

قالت: نعم هؤلاء إخوتي.

فقال لإخوتها: أمري فيكم و في أختكم جائز.

فقالوا: نعم يا ابن عمّ محمّد9 أمرك فينا وفي أختنا جائز.

فقال عليٌّ7: أشهد اللّه وأشهد من حضر من المسلمين أنّي قد زوَّجت هذا الغلام من هذه الجارية بأربعمائة درهم والنَّقد من مالي، يا قنبر عليَّ بالدَّراهم. فأتاه قنبر بها فصبَّها في يد الغلام قال: خذها فصبَّها في حجر امرأتك ولا تأتنا إلّا وبك أثر العرس يعني الغسل.

ص: 71

فقام الغلام فصبَّ الدَّراهم في حجر المرأة ثمَّ تلبَّبها، فقال لها: قومي. فنادت المرأة النَّار النَّار يا ابن عمّ محمّد، تريد أن تزوّجني من ولدي، هذا و اللّه ولدي، زوَّجني إخوتي هجينا فولدت منه هذا الغلام فلمَّا ترعرع و شبَّ، أمروني أن أنتفي منه وأطرده وهذا واللّه ولدي وفؤادي يتقلَّى أسفا على ولدي. قال: ثمَّ أخذت بيد الغلام وانطلقت ونادى عمر: واعمراه لولا عليٌّ لهلك عمر .(1)

لو كان الناس يَدَعون الخلافة تستقر في مراسيها وتنقاد لأهلها، لأضحوا على المحجّة البيضاء، ولأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ولفتح اللّه عليهم بركات من السماء والأرض ولكنّهم أمّروا غير من أمّره اللّه، فذاقوا وبال أمرهم.

تُرى، من كان يقوى على حلّ مثل هذه القضية السالفة غير الإمام، وهل كان لأحد أن يهتدي إلى الغاية التي انتهى7 إليها بعد مجيء أربعين قسّامة كلّهم يقسمون بنفي الولد عن أُمّه؟!

إنّه من المرّ أن نجد تلقّي مثل هذه المصيبة _ أعني مصيبة إعطاء دكّة القضاء لغير الإمام _ لكثير من الناس أمراً هامشيّاً لا يجدر حتّى بالتأمل.

وليت عمر كان يتنحّى ذلك اليوم ويدع الحقّ يأخذ مجراه، أو كان


1- الكافي 7: 423.

ص: 72

على الأقل يتوقّف عن إصدار الأحكام حتى يأمره الإمام بذلك.

روي أنّ امرأتين تنازعتا على عهد عمر في طفل ادّعته كل واحدة منهما ولداً لها بغير بيّنة، ولم ينازعهما فيه غيرهما، فالتبس الحكم في ذلك على عمر وفزع فيه إلى أميرالمؤمنين7 فاستدعى المرأتين ووعظهما وخوّفهما فأقامتا على التنازع والإختلاف فقال7 عند تماديهما في النزاع ائتوني بمنشار.

فقالت المرأتان: وما تصنع؟

فقال: أقدّه نصفين لكل واحدة منكما نصفه.

فسكتت إحداهما وقالت الأخرى: اللّه اللّه يا أبا الحسن إن كان لابدّ من ذلك فقد سمحت به لها.

فقال: اللّه أكبر هذا ابنك دونها ولو كان ابنها لرقّت عليه وأشفقت فاعترفت المرأة الأخرى أن الحقّ مع صاحبتها والولد لها دونها، فَسُرِّي عن عمر ودعا لأميرالمؤمنين7 بما فرّج عنه في القضاء .(1)

إنّ للأئمة نوعان من التحرك: تارة بالمعجزة، وأخرى بالأسباب. أمّا الأولى فقصص المعاجز اليوم تُقرأ و لا ترى أو تحسّ و لكن يجب الامتناع عن ردّها سيّما إذا نقلها صادق عن صادق و ثقة عن ثقة.


1- بحارالأنوار 40: 252.

ص: 73

ولكن بالنسبة إلى الشقّ الآخر، فقد كانوا: يستندون فيه إلى مسائل العلم المبرهنة لدى الجميع، فهي تُقرأ ويجد القارئ حقيتها وعظمتها حتى بعد تمادي القرون.

وفي مثل هذا الذي سبق، نجد أنّ جميع الناس يقبلون ويقرّون بأنّ تلك الطريقة التي اتّخذها الإمام كانت بعلم وسداد بالغين، لأنّ الإمام استفاد من حنان الأم الطبيعي لولدها لكشف إفك الأخرى.

ثمّ إنّ الخبر يقول أنّ عمر دعا للإمام، ولكن كان من الأجدر أن يتنازل له، لأنّ القضاء محلّ لا يتولاّه إلّا أهله بالضرورة.

عن الأصبغ بن نباتة رفعه قال: أتي عمر بخمسة نفر أخذوا في الزّنى فأمر أن يقام على كلّ واحد منهم الحدُّ وكان أميرالمؤمنين7 حاضراً فقال: يا عمر ليس هذا حكمهم.

قال: فأقم أنت عليهم الحكم. فقدَّم واحداً منهم فضرب عنقه، وقدَّم الثَّاني فرجمه، وقدَّم الثّالث فضربه الحدَّ، وقدَّم الرَّابع فضربه نصف الحدّ، و قدَّم الخامس فعزَّره. فتحيَّر عمر وتعجَّب النَّاس من فعله. فقال عمر: يا أبا الحسن خمسة نفر في قضيَّة واحدة أقمت عليهم خمس حدود ليس شيء منها يشبه الآخر؟!

فقال أميرالمؤمنين7: أمَّا الأوّل فكان ذمّيّاً خرج عن ذمَّته لم يكن له حكم إلّا السَّيف، وأمَّا الثَّاني فرجل محصن كان حدُّه الرَّجم، وأمَّا الثّالث

ص: 74

فغير محصن جلد الحدَّ، وأمَّا الرّابع فعبد ضربناه نصف الحدّ، وأمَّا الخامس فمجنون مغلوب على عقله .(1)

إنّ الأحكام تتبع موضوعاتها، فحكم الحدّ في الذمّي الزاني يختلف بالبداهة عن المسلم المحصن وكذا حكمهما يختلف عن غير المحصن، و الحكم بالنسبة للحرّ يختلف عن الحكم بالنسبة للعبد، كما أنّ الحكم بالنسبة للعاقل يختلف منه إلى المجنون ولا يعرف تفاصيل أحكام اللّه تعالى إلّا الذي تحمّل علم الكتاب و علم رسول اللّه 9.

عن أبي جعفر7 في حديث: إنّ شابّا قال لأميرالمؤمنين7 إنَّ هؤلاء النّفر خرجوا بأبي معهم في السَّفر فرجعوا ولم يرجع أبي فسألتهم عنه فقالوا مات فسألتهم عن ماله فقالوا ما ترك مالاً فقدَّمتهم إلى شريح فاستحلفهم وقد علمت أنَّ أبي خرج ومعه مال كثير.

فقال أميرالمؤمنين7: واللّه لأحكمنّ بينهم بحكمٍ ما حكم به خلق قبلي إلّا داود النَّبيّ7، يا قنبر ادع لي شرطة الخميس، فدعاهم فوكَّل بكلّ رجل منهم رجلاً من الشَّرطة ثمَّ نظر إلى وجوههم فقال ماذا تقولون؟

أتقولون إنّي لا أعلم ما صنعتم بأبِ هذا الفتى إنّي إذاً لجاهل.

ثمَّ قال: فرّقوهم وغطُّوا رءوسهم. قال: ففرّق بينهم وأقيم كلُّ رجل منهم


1- الكافي 7: 256.

ص: 75

إلى أسطوانة من أساطين المسجد ورؤوسهم مغطّاة بثيابهم، ثمَّ دعا بعبيداللّه بن أبي رافع كاتبه فقال: هات صحيفة ودواة، وجلس أميرالمؤمنين7 في مجلس القضاء وجلس النَّاس إليه فقال لهم: إذا أنا كبَّرت فكبّروا، ثمَّ قال للنَّاس: اخرجوا، ثمَّ دعا بواحد منهم فأجلسه بين يديه وكشف عن وجهه ثمَّ قال لعبيد اللّه: اكتب إقراره وما يقول، ثمَّ أقبل عليه بالسُّؤال فقال له أمير المؤمنين7: في أيّ يوم خرجتم من منازلكم وأبو هذا الفتى معكم؟

فقال الرَّجل: في يوم كذا وكذا.

فقال: وفي أيّ شهر؟

فقال: في شهر كذا وكذا.

قال: في أيّ سنة؟

فقال: في سنة كذا وكذا.

فقال: وإلى أين بلغتم في سفركم حتَّى مات أبو هذا الفتى؟

قال: إلى موضع كذا وكذا.

قال: وفي منزل من مات؟

قال: في منزل فلان بن فلان.

قال: وما كان مرضه؟

قال: كذا و كذا.

ص: 76

قال: وكم يوماً مرض؟

قال: كذا وكذا.

قال: ففي أيّ يوم مات ومن غسَّله ومن كفَّنه وبما كفَّنتموه ومن صلَّى عليه ومن نزل قبره؟

فلمَّا سأله عن جميع ما يريد كبَّر أميرالمؤمنين7 وكبَّر النَّاس جميعاً فارتاب أولئك الباقون ولم يشكُّوا أنَّ صاحبهم قد أقرَّ عليهم وعلى نفسه فأمر أن يغطَّى رأسه وينطلق به إلى السّجن.

ثمَّ دعا بآخر فأجلسه بين يديه وكشف عن وجهه وقال كَلَّا زعمتم أنّي لا أعلم ما صنعتم.

فقال يا أميرالمؤمنين: ما أنا إلّا واحد من القوم ولقد كنت

كارهاً لقتله، فأقرَّ.

ثمَّ دعا بواحد بعد واحد كلُّهم يقرُّ بالقتل وأخذ المال ثمَّ ردَّ الَّذي كان أمر به إلى السّجن فأقرَّ أيضاً، فألزمهم المال والدَّم ثمَّ ذكر حكم داود7 بمثل ذلك إلى أن قال: ثمَّ إنَّ الفتى والقوم اختلفوا في مال أبي الفتى كم كان فأخذ عليٌّ7 خاتمه وجمع خواتيم من عنده قال أجيلوا هذه السّهام فأيّكم أخرج خاتمي فهو صادق في دعواه لأنّه سهم اللّه عزَّوجلَّ

وهو لا يخِيب .(1)


1- وسائل الشيعة 20: 279.

ص: 77

قوله7: «أتقولون إنّي لا أعلم ما صنعتم بأبِ هذا الفتى إنّي إذاً لجاهل» يومي إلى علمه بفعلهم بإذن اللّه تعالى، وإنّما فعل ما فعل ليعلم الجميع ويقضي بالظاهر المعلوم.

وأمّا حكمه بذلك الأسلوب فذاك لحكمته حيث لم يكذب ولم يدعهم يكذبوا وإنّه أخذ الإقرار منهم على أنفسهم بطريقة لبقة وذكيّة. وظنّي أنّه لو كان عمر هو القاضي لكان قد حدّ الشاب أو عزّره وترك القتلة في إفكهم يعمهون.

قال أبو جعفر7: توفّي رجل على عهد أمير المؤمنين7 وخلَّف ابناً وعبداً فادَّعى كلُّ واحد منهما أنَّه الابن وأنَّ الآخر عبد له، فأتيا أميرالمؤمنين7 فتحاكما إليه فأمر أميرالمؤمنين7 أن يثقب في حائط المسجد ثقبين، ثمَّ أمر كلَّ واحد منهما أن يدخل رأسه في ثقب ففعلا ثمَّ قال: يا قنبر جرّد السَّيف. وأسرَّ إليه: لا تفعل ما آمرك به. ثمَّ قال: اضرب عنق العبد.

قال: فنحَّى العبد رأسه فأخذه أميرالمؤمنين7 وقال للآخر: أنت الابن وقد أعتقت هذا وجعلته مولى لك .(1)

أو ليست هذه البراهين خير شواهد على أولويّته بخلافة رسول اللّه 9؟ أليست الروايات صارخة في أنّ صاحب الأمر والنهي


1- من لا يحضره الفقيه 3: 23.

ص: 78

ليس سوى أبي الحسن7؟ أو ليس التاريخ يجهر بأنّ الأُمّة لم تَر من يضاهي عليّاً7، لا في العلم ولا في أيّة صفة أُخرى. ولكنّه الدهر الخؤون الذي أنزل الإمام ثمّ أنزله، وهو الدهر الذي جعل من بايع عليّاً7 في غدير خم ينازعه الخلافة بعد سنين! هذا ما نشاهده من جهة، ومن الجهة الأُخرى نرى الخليفة الأوّل يعي عن إجابة اليهودي الذي سأله عن مكان اللّه سبحانه، علماً بأنّ مثل هذا سؤال يجب أن لا يخفى على من يدّعي منزلة كهذه أو جهله بقضية الإرث الواردة في محلها. كما وحدث نظير ذلك للخليفة الثاني في معنى قوله تعالى: (وَفَاكِهَةً وَأَبّا) .(1)(2)

وإليك رواية من أمثاله..

روى أبو سعيد الخدري قال: حججنا مع عمر أول حجّة حجّها في خلافته فلمّا دخل المسجد الحرام دنا من الحجر الأسود فقبّله واستلمه وقال: إنّي لأعلم أنّك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول اللّه 9 قبّلك واستلمك لما قبّلتك ولا استلمتك.

فقال له علي7: بلى يا أميرالمؤمنين إنّه ليضر وينفع ولو علمت


1- عبس: 31.
2- راجع حقّ اليقين للعلامة شبّر للإطّلاع على المزيد.

ص: 79

تأويل ذلك من كتاب اللّه لعلمت أنّ الذي أقول لك كما أقول قال اللّه تعالى (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى) ... .(1)(2)

السمة الثانية: القدرة والشجاعة

اشارة


1- لأعراف: 172.
2- شرح نهج البلاغة 12: 99.

ص: 80

ص: 81

لقد شاء اللّه أن يُرسي دعائم التوحيد في أرضه، ولا رادّ لأمره. وأراد لخلفاءه أن يقوموا بذلك الدور، أعني دور التبليغ لدينه، ولذا أعانهم وسدَّدهم وأهلك من ناواهم ومَن نصب لهم الشنئان والضغائن، وبذلك كان الأنبياء وأوصياؤهم أولي قوة من اللّه عظيمة، بل كانت لهم من رباطة جأش وقوّة قلب وشجاعة جنان ما لا يعلم سعته إلّا اللّه، فكانوا يتنمّرون في ذاته ولا يخافون فيه لومة لائم ولا يثنيهم عن عزيمتهم شيء.

لقد أيقنوا أنّ المقادير بيد اللّه ملك الملوك، وهو لا يريد لهم أن يهلكوا قبل تبليغ الرسالة، فكانوا لا يخافون إلّا إيّاه ولا يخشون إلّا هو.

قوّته في صغره

ورد أنّ أباطالب كان يجمع ولده وولد إخوته ثم يأمرهم بالصراع وذلك خُلق في العرب فكان علي7 يحسر عن ذراعيه وهو طفل ويصارع كبار إخوته وصغارهم وكبار بني عمّه و صغارهم فيصرعهم

ص: 82

فيقول أبوه: (ظَهَر علي) _ أي: غلب _، فسمّاه ظهيراً. فلمّا ترعرع7 كان يصارع الرجل الشديد فيصرعه ويعلق بالجبَّار بيده ويجذبه فيقتله وربما قبض على مَراقِّ بطنه ورفعه إلى الهواء وربما يلحق الحصان الجاري فيصدمه فيرده على عقبيه .(1)

عن أبي عبداللّه جعفر بن محمّد عن آبائه: قال: كان العباس بن عبدالمطلب ويزيد بن قعنب جالسين _ إلى أن قال _: فلمّا أن رجعت فاطمة بنت أسد رأت نوراً قد ارتفع من علي إلى أعنان السماء، قال: ثمّ شدّته وقمطته بقماط فبتر القماط قال: فأخذت فاطمة قماطاً جيّداً فشدّته به فبتر القماط ثمّ جعلته في قماطين فبترهما فجعلته ثلاثة فبترها فجعلته أربعة أقمطة من رقّ مصر لصلابته فبترها فجعلته خمسة أقمطة ديباج لصلابته فبترها كلّها فجعلته ستة من ديباج وواحد من الأدم فتمطى فيها فقطعها كلّها بإذن اللّه ثمّ قال بعد ذلك: يا أُمَّه لا تشدّي يدي فإنّي أحتاج أن أبصبص لربّي بإصبعي .(2)

وروى أنس عن عمر الخطاب أنّ علياً7 رأى حيّة تقصده وهو في مهده وقد شدّت يداه في حال صغره فحوّل نفسه فأخرج يده وأخذ


1- بحارالأنوار 41: 275. وهذه المنقبة الأخيرة تدلّ على سرعة سيره على قدميه، والتي قلّ ذكرها لدى ذكر المؤلّفين لفضائله ومناقبه.
2- بحارالأنوار 35: 38. وللحديث تتمة جديرة بالقراءة، أخذنا منه موضع الحاجة، فراجع.

ص: 83

بيمينه عنقها وغمزها غمزة حتّى أدخل أصابعه فيها وأمسكها حتّى ماتت فلمّا رأت ذلك أمّه نادت واستغاثت فاجتمع الحشم ثمّ قالت: كأنّك حيدرة .(1)

وبذلك يعلم أنّ قدرته7 من اللّه تعالى وهي آية إمامته.

سعة قدرته7

عن أبي جعفر7: إنّ اللّه أقدرنا على ما نريد ولو شئنا أن نسوق الأرض بأزمّتها لسقناها .(2)

وعن المفيد رفعه إلى سلمان الفارسي2 قال: قال أميرالمؤمنين7: يا سلمان الويل كلّ الويل لمن لا يعرفنا حقّ معرفتنا وأنكر فضلنا، يا سلمان أيّما أفضل محمّد9 أم سليمان بن داود؟

قال سلمان: بل محمّد9.

قال: يا سلمان فهذا آصف بن برخيا، قَ_دَرَ أن يحمل عرش بلقيس من فارس في طرفة عين وعنده علم من الكتاب ولا أفعل أضعاف ذلك وعندي علم ألف كتاب، أنزل اللّه على شيث بن آدم8 خمسين صحيفة، وعلى إدريس النبي ثلاثين صحيفة، وعلى إبراهيم الخليل7


1- بحارالأنوار 41: 274.
2- بحارالأنوار 46: 239.

ص: 84

عشرين صحيفة، والتوراة والإنجيل والزبور والفرقان.

فقلت: صدقت يا سيدي.

فقال7: اعلم يا سلمان أنّ الشاكّ في أمرنا وعلومنا كالممتري في معرفتنا وحقوقنا، وقد فرض ولايتنا في كتابه في غير موضع ويبيّن فيه ما وجب العمل به وهو غير مكشوف .(1)

ويقول أميرالمؤمنين7 في حديث له: ألا وإنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، يسدّ فورة جوعه بقرصيه، لا يطعم الفلذة في حوله إلّا في ستة أضحية، ولن تقدروا على ذلك، فأعينوني بورع واجتهاد. وكأنيّ بقائلكم يقول: إذا كان قوت ابن أبي طالب هذا، قعد به الضعف عن مبارزة الأقران ومنازعة الشجعان، واللّه ما قلعت باب خيبر بقوة جسدانيّة ولا بحركة غذائية، و لكني أُيّدت بقوة ملكيّة ونفس بنور بارئها مضيئة .(2)

وهذا يدلّ على مدى قدرته7 وشجاعته فبيانه لقدرته على رؤوس الأشهاد وعدم صدور أيّ اعتراض من أيّ أحد، لدليل على قدرته وشهادته.

وصريح هذا الخبر أنّه7 كان مسدّداً من قبل اللّه بشكل لا يكون لغير الإمام المعصوم. ويشهد على ذلك أنّ في واقعة خيبر سبق الشيخان إلى القلعة ولكنّهم لم يفلحوا في فتحها وعادوا مطأطئين


1- بحارالأنوار 27: 28.
2- بحارالأنوار 40: 318.

ص: 85

رؤوسهم خائبين، وأبى اللّه أن يفتح الباب إلّا بيد باب مدينة العلم (صلوات اللّه عليه).

فعن أبي إسحاق عن أبي عبداللّه الجدلي قال: سمعت أميرالمؤمنين7 يقول: لمّا عالجت باب خيبر جعلته مِجَنّاً لي فقاتلتهم به فلمّا أخزاهم اللّه وضعت الباب على حصنهم طريقاً ثمّ رميت به في خندقهم، فقال له رجل: لقد حملت منه ثقلا!

فقال: ما كان إلّا مثل جُنّتي التي في يدي في غير ذلك المقام .(1)

نعم هذا هو شأن الحجّة البالغة والآية الكبرى والنبأ العظيم فإنّ أصعب الأُمور على الناس هي أسهل ما تكون له بإذن اللّه سبحانه.

وعن أبي ذر رضي اللّه عنه قال: قال أميرالمؤمنين7: فهل فيكم أحد احتمل باب خيبر يوم فتحت حصنها ثمّ مشى به ساعة ثمّ ألقاه فعالجه بعد ذلك أربعون رجلاً فلم يقلوه من الأرض؟ قالوا: لا .(2)

شجاعته7


1- بحارالأنوار 21: 16. وذكر المجلسي في بحارالأنوار 21: 18 عن المناقب أنّ رسول اللّه 9 أركبه يوم خيبر وعمّمه بيده وألبسه ثيابه وأركبه بغلته، ثمّ قال: امضِ يا علي وجبرئيل عن يمينك وميكائيل عن يسارك وعزرائيل أمامك وإسرافيل وراءك ونصرُ اللّه فوقك ودُعائي خلفك، وخبّر النبيّ9 رميه باب خيبر أربعين ذراعاً، فقال9: والذي نفسي بيده لقد أعانه عليه أربعون ملكاً.
2- بحارالأنوار 21: 19.

ص: 86

الشجاعة لغةً بمعنى قوّة القلب عند النزال، شجاعة الإمام لم تكن موهبة حاز عليها اعتباطاً، وإنّما كانت وراءها عناية الربّ سبحانه، والتي تُرَفرِف على القائم الحقيقي لمقام النبي الطهر المطهّر، فنجد أنّ الإمام7 كان أشجع الناس لنفس السبب الذي جُعل الرسول9 أشجع الناس.

هيّا ألق نظرة إلى مواقفه ببدر وخندق وأُحد وخيبر وحنين وصفّين، تلك المواقف التي لم تهز الشجعان فحسب، بل كلّ ضمير وروح يقِضَتين، ورصّعت نواصي المسلمين في أقطار البلاد على تمادي القرون، ولعمري ما أحلى وصف سيّدة نساء العالمين فاطمة3 لبعلها في خطبتها الفدكيّة المعروفة «كلّما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها اللّه أو نجم قرن للشيطان وفغرت فاغرة من المشركين، قذف أخاه في لهواتها فلا ينكفئ حتّى يطأ صماخها بأخمصه ويخمد لهبها بسيفه»(1) فإنّه7 لم يكن ليكتفِ ببعث الرسول9 وإنّما كان لا يعود منها إلّا بأيدي ملئاً بالنصر والعزّة والشموخ.

وورد أنّه7 حمل فغاص في عسكر الجمل ثمّ رجع وقد انحنى


1- بحارالأنوار 29: 224.

ص: 87

سيفه فأقامه بركبته فقال له أصحابه وبنوه والأشتر وعمّار: نحن نكفيك يا أميرالمؤمنين. فلم يجب أحداً منهم ولا ردّ إليهم بصره، وظلّ ينحطّ ويزأر زئير الأسد حتّى فرق من حوله وتبادروه وإنّه لطامح ببصره نحو عسكر البصرة لا يبصر من حوله ولا يرد حواراً ثمّ دفع الراية إلى ابنه محمّد ثمّ حمل حملة ثانية وحده، فدخل وسطهم فضربهم بالسيف قدماً قدماً والرجال تفرّ من بين يديه وتنحاز عنه يمنة ويسرة، حتّى خضّب الأرض بدماء القتلى ثمّ رجع وقد انحنى سيفه فأقامه بركبته فاعصوصب به أصحابه و ناشدوه اللّه في نفسه وفي الإسلام وقالوا إنك إن تُصَب يذهب الدين فأمسك ونحن نكفيك. فقال: واللّه ما أريد بما ترون إلّا وجه اللّه والدار الآخرة ثمّ قال لمحمّد ابنه: هكذا تصنع يا ابن الحنفية فقال الناس من الذي يستطيع ما تستطيعه يا أميرالمؤمنين .(1)

ومن الواضح أنّ وراء هذه الشجاعة توكّل على اللّه تعالى فلا أحد يستطيع أن يغور في ميادين القتال كما غار أميرالمؤمنين7 إلّا من كانت له معرفةً كمعرفة الإمام باللّه تعالى، تلك المعرفة التي تجعل المؤمن يتّكل على اللّه تعالى ويحمل على القوم ليفرّقهم تفريقاً.

روي عن أبي واثلة شقيق بن سلمة قال كنت أماشي عمر بن الخطاب إذ سمعت منه همهمة فقلت له: مه يا عمر فقال: ويحك أما


1- شرح نهج البلاغة 1: 256.

ص: 88

ترى الهزبر القثم بن القثم والضارب بالبهم، الشديد على من طغا وبغى بالسيفين و الراية؟ فالتفتُ فإذا هو علي بن أبي طالب فقلتُ له: يا عمر هو علي بن أبي طالب؟ فقال: ادن مني أحدّثك عن شجاعته وبطولته. بايعنا النبي9 يوم أُحد على أن لا نفرّ ومَن فَرَّ منّا فهو ضالّ ومَن قُتل منّا فهو شهيد، والنبي9 زعيمه إذ حمل علينا مائة صنديد تحت كلّ صنديد مائة رجل أو يزيدون فأزعجونا عن طاحونتنا فرأيت عليّاً كالليث يتّقي الذر إذ قد حمل كفّاً من حصى فرمى به في وجوهنا ثمّ قال7: شاهت الوجوه وقطت وبطت ولطت إلى أين تفرّون إلى النار. فلم نرجع ثمّ كرّ علينا الثانية وبيده صفيحة يقطر منها الموت فقال7: بايعتم ثمّ نكستم فو اللّه لأنتم أولى بالقتل ممّن أقتل. فنظرت إلى عينيه كأنّهما سليطان يتوقّدان ناراً أو كالقدحين المملوين دماً فما ظننت إلّا ويأتي علينا كلّنا، فبادرت أنا إليه من بين أصحابي فقلت يا أبا الحسن اللّه اللّه فإنّ العرب تفرّ وتكرّ وإنّ الكرّة تنفي الفرّة فكأنّه استحيا فولّى بوجهه عنّي فما زلت أسكن روعة فؤادي فواللّه ما خرج ذلك الرعب من قلبي حتى الساعة ولم يبق مع رسول اللّه إلّا أبو دجانة سماك بن خرشة وأميرالمؤمنين7 وكلّما حملت طائفة على رسول اللّه 9 استقبلهم أميرالمؤمنين صلوات اللّه عليه فيدفعهم عن رسول

ص: 89

اللّه ويقتلهم حتّى انقطع سيفه... فلمّا انقطع سيف أميرالمؤمنين7 جاء إلى رسول اللّه 9 فقال: يا رسول اللّه إنّ الرجل يقاتل بالسلاح وقد انقطع سيفي، فدفع إليه رسول اللّه 9 سيفه ذا الفقار فقال: قاتل بهذا. ولم يكن يحمل على رسول اللّه 9 أحد إلّا استقبله أميرالمؤمنين7 فإذا رأوه رجعوا، فانحاز رسول اللّه 9 إلى ناحية أحد فوقف وكان القتال من وجه واحد وقد انهزم أصحابه فلم يزل أميرالمؤمنين7 يقاتلهم حتى أصابه في وجهه ورأسه وصدره وبطنه ويديه ورجليه تسعون جراحة، فتحاموه و سمعوا منادياً من السماء «لا سيف إلّا ذو الفقار ولا فتى إلّا علي» فنزل جبرئيل على رسول اللّه 9 فقال: يا محمّد هذه واللّه المواساة .(1)

عن أبي عبداللّه 7 قال: انهزم الناس يوم أحد عن رسول اللّه 9 فغضب غضباً شديداً قال: وكان إذا غضب انحدر عن جبينيه مثل اللؤلؤ من العرق، قال فنظر فإذا علي7 إلى جنبه فقال له: الحق ببني أبيك مع من انهزم عن رسول اللّه 9 فقال: يا رسول اللّه لي بك أسوة. قال: فاكفني هؤلاء. فحمل فضرب أوّل من لقي منهم، فقال جبرئيل7: إنّ هذه لهي المواساة يا محمد. فقال: إنّه منّي وأنا منه. فقال جبرئيل7: وأنا منكما يا محمّد. فقال أبوعبداللّه 7: فنظر رسول اللّه 9 إلى جبرئيل7


1- بحارالأنوار 20: 52.

ص: 90

على كرسيّ من ذهب بين السماء والأرض و هو يقول: لا سيف إلّا ذو الفقار و لا فتى إلّا علي .(1)

وعن جابر بن عبداللّه، قال: قال رسول اللّه 9: ما عصاني قوم من المشركين إلّا رميتهم بسهم اللّه قيل: وما سهم اللّه يا رسول اللّه؟ قال: عليّ بن أبي طالب، ما بعثته في سرية ولا أبرزته لمبارزة إلّا رأيت جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن يساره، وملك الموت أمامه وسحابة تظله حتّى يعطيه اللّه خير النصر والظفر .(2)

وعن سعد بن المسيب، قال: لقد أصابت علياً7 يوم أحد ستّ عشرة ضربة، وهو بين يدي رسول اللّه 9 يذبّ عنه. كلّ ضربة منها يسقط إلى الأرض، فإذا سقط رفعه جبرائيل7 .(3)

هذا غيض من فيض ممّا ورد في شجاعته وبسالته وقدرته وهو ينمّ عن القدرة الربّانيّة الموهوبة ومن كان كذلك لا يجوز _ عقلاً _ للأدون منه رتبة أن يتولّى قيادة جيش الإسلام.

إنّنا نلاحض أنّ عليّاً7 يلوذ بعريش رسول اللّه لما كان يشتد الحرب، فلا يكون أحد أقرب إلى العدو منه9، ذلك أنّ النبي كان


1- بحارالأنوار 20: 107.
2- بحارالأنوار 39: 101.
3- احقاق الحق 8: 366، أسد الغابة 3: 594.

ص: 91

أشجع الناس طرّاً وأقواهم قلباً وجَناناً، وهكذا يجب أن يكون خليفته ووصيه ووارثه، الأوّل في الحروب والأشدّ في النزال والأقوى على الأمر.

روي عن أبي جعفر7 قال: إنّ رسول اللّه 9 بعث سعد بن معاذ براية الأنصار إلى خيبر فرجع منهزماً ثمّ بعث عمر بن الخطاب براية المهاجرين فأتي بسعد جريحاً و جاء عمر يجبن أصحابه ويجبنونه فقال رسول اللّه 9 هكذا تفعل المهاجرون والأنصار حتّى قالها ثلاثاً ثمّ قال: لأعطينّ الراية رجلاً ليس بفرار يحبه اللّه ورسوله ويحب اللّه ورسوله... .(1)

ولقد أعطى رسول اللّه 9 الراية أخاه وابن عمّه عليّ بن أبي طالب8.

إيقاض:

إنّ المخلوق _ أيّاً كان _ لا يمكن أن يصل إلى مرتبة الربوبيّة، بل الخالق يباين خلقه، أي إنّ ما جاز على الخلق لا يجوز على المخلوق وبالعكس. وإنّ من صفات الربّ أنّه قادر بالذات وعالم بالذات، وأمّا غيره فعالم به وقادر به. ومن هنا فإنّ العلم والقدرة ليسا ذاتيين للمعصومين: فضلاً عن سائر الناس، كما يظهر ذلك بالنظر في حقيقة المخلوق الفاقد للكمالات، ونجد هذه الحقيقة واضحة وجلية في أدعيتهم ومناجاتهم:.


1- بحارالأنوار 21: 11.

ص: 92

قال سيّد الشهداء في دعاء عرفة: إلهي أنا الفقير في غناي فكيف لا أكون فقيراً في فقري، إلهي أنا الجاهل في علمي فكيف لا أكون جهولاً في جهلي .(1)

وورد: وأنت العالم وأنا الجاهل .(2)

وأيضاً في الخبر الذي أوردناه سابقاً من كلام أميرالمؤمنين بعد أن أخبر بما سيحدث فقال له السائل: لقد أعطيت يا أميرالمؤمنين علم الغيب!

فضحك _ إلى أن قال _ : ليس هو بعلم غيب وإنّما هو تعلّم من

ذي علم.. علمٌ علَّمه اللّه نبيّه فعلّمنيه ودعا لي بأن يعيه صدري

وتضطم عليه جوانحي .(3)

هذا، إلّا أنّه يجب إلّا نغفل أنّ خلقة النبي وأهل بيته الغرر: تختلف عن خلقة غيرهم فأرواحهم خلقت من صفو الصفو المعبّر عنه بأعلى عليّين وأمّا أبدانهم فمن عليّين، وأرواح شيعتهم إنّما خلقت من فاضل طينة أبدانهم. و إنّهم أُناس منّ اللّه تعالى عليهم بأن طهّرهم وزكّاهم وأودعهم علمه وحكمته. فإثبات مخلوقيّتهم: واحتياجهم المطلق إلى اللّه الواحد لا ينافي امتيازهم وطهارتهم من كلّ دنس


1- بحارالأنوار 95: 225.
2- بحارالأنوار 83: 332.
3- . بحارالأنوار 26: 103.

ص: 93

ورجس... وفي الأثر:

عن أبي جعفر7 قال: إنّ اللّه خلقنا من أعلى عليين وخلق قلوب شيعتنا مما خلقنا منه و خلق أبدانهم من دون ذلك، فقلوبهم تهوي إلينا و إنها خلقت مما خلقنا منه ثم تلا قوله: (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) .(1)(2)

وورد في الزيارة المعروفة بالجامعة: ذِكْرُكم في الذَّاكرين وأسماؤكم في الأسماء وأجسادكم في الأجساد وأرواحكم في الأرواح وأنفسكم في النُّفوس وآثاركم في الآثار وقبوركم في القبور فما أحلى أسماءكم وأكرم أنفسكم وأعظم شأنكم وأجلَّ خطركم .(3)

وعن أميرالمؤمنين7: والإمام يا طارق بَشَرٌ ملكي وجسد سماوي وأمر إلهي وروح قدسي ومقامٌ عَلِيٌّ ونور جَلِيٌّ وسرّ خفيٌّ فهو مَلَكُ الذات، إلهيُّ الصفات، زائد الحسنات، عالم بالمغيبات، خَصّاً من ربّ العالمين ونصّاً من الصادق الأمين .(4)

والحاصل إنّ المخلوق وإن حمل علم الربّ تعالى وحمّله اللّه


1- المطفّفين: 18 _ 21.
2- بحارالأنوار 5: 325.
3- من لا يحضره الفقيه 2: 615.
4- بحارالأنوار 25: 172.

ص: 94

القدرة وزكّاه وطهّره إلّا أنّه يبقى عبداً ويبقى الربّ واحداً لا شريك له ولا نظير. وهذه هي النمرقة الوسطى التي لا بدّ من تنزيلهم: فيها ولا نزيد، وقد قال أميرالمؤمنين7: «لا تتجاوزوا بنا العبوديّة ثمّ قولوا ما شئتم ولن تبلغوا» .(1)

وينبغي الإلتفات إلى أنّ العلم نور، والنور هو الظاهر بذاته المظهر لغيره، وذلك يعني استغناءه عمّا سواه في نورانيّته، وإلّا لما صحّ القول أنّه ظاهر بذاته، فإذا قلنا أنّ نورانيّة أهل البيت ذاتيّة لهم، فمعناه أنّهم مستغنون عن اللّه خالقهم وذلك محال وباطل، فتبصّر.

السمة الثالثة: العصمة

اشارة


1- . بحارالأنوار 25: 273.

ص: 95

من الواضح أنّ العصمة لا تعني الجبر على الطاعة لأنّنا نتحدّث عن فضيلة فضُّل المعصوم بها على من سواه، وإلّا كانت الجمادات أولى بصفة العصمة واستحقّت الثناء والإشادة.

العصمة نور يضعه اللّه فيمن أحبّ فيترك المعصوم الذنوب عن كامل إرادة وتمام اختيار. وإنّها تكون في ظلّ استنارته بنور العلم، فمن رأى قبح الخطئية وما تستلزم من البعد عن ساحة قدس اللّه تعالى وما توجب من العذاب الدنيوي والأخروي، تراه لا يقترفها بل ولا يحوم حولها مخافة الوقوع في الحمى.

وغير خفيّ أنّ الإمام المعيّن من قبل اللّه لا يجوز له عقلاً وشرعاً أن يكون معرّضاً لارتكاب الذنوب لأنّ المفروض أن يكون هو الأسوة والقدوة في طاعة اللّه وامتثال أوامره لا في الخطايا والمآثم.

ومن هنا نجد أنّ اللّه يصطفي من الناس أشخاصاً للقيام بمهمّة النبوّة والوصاية، ولا يدع الناس يختاروا لأنفسهم. والإصطفاء من

ص: 96

التصفية والصفاء، فهم مطهّرون منزّهون.

عن أبي عبداللّه 7 قال: يا مفضّل إنّ اللّه تبارك وتعالى جعل للنبي9 خمسة أرواح روح الحياة فيه دبَّ ودرج وروح القوّة فيه نهض وجاهد وروح الشهوة فيه أكل وشرب وأتى النساء من الحلال وروح الإيمان فيه أمر وعدل وروح القدس فيه حمل النبوّة فإذا قبض النبي9 انتقل روح القدس فصار في الإمام وروح القدس لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يسهو والأربعة الأرواح تنام وتلهو وتغفل وتسهو وروح القدس ثابت يرى به ما في شرق الأرض وغربها وبرّها وبحرها. قلت: جعلت فداك، يتناول الإمام ما ببغداد بيده. قال: نعم وما دون العرش .(1)

أقول: روح القدس هو العلم الذي حمّله اللّه تعالى أوليائه وبه يعلمون ما بين المغرب و المشرق وبه يرتدعون عن المعاصي والزلّات.

هذا مضافاً إلى التوفيقات والتأييدات الربّانيّة التي تسدّد المعصوم وتقتضي اختياره الأفضل والأولى.

وممّا يمكن أن يستدلّ به على عصمة الإمام أميرالمؤمنين7 أُمور:

الأمر الأوّل: الأمر بطاعته مطلقاً

إنّ اللّه تعالى أمر المؤمنين بإطاعة الأئمة فقال: (أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا


1- بحارالأنوار 17: 106.

ص: 97

الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ)(1) ولا يتشخّص «أولوا الأمر» إلّا في أميرالمؤمنين والأئمة المعصومين: من ولده، والنصوص الواردة في كتب الفريقين تأييداً لذلك كثيرة.

والأمر المطلق بإطاعة الإمام لا يتناسب إلّا مع العصمة لأنّ اللّه جعل في الأرض خلفاءه كي يرشدون الناس إلى طاعته بقولهم وفعلهم فيرتدعوا بذلك عن معصيته تعالى، وإنّ وجوب امتثال أمر الإمام غير المعصوم يشمل فيما كان يأمر بارتكاب ذنب، وذلك تناقض باطل.

إذن وجوب الطاعة مطلقاً لا ينفكّ عن كون المطاع معصوماً من الزلل.

عن أبي جعفر7 قال: قلت لأي شيء يحتاج إلى النّبي والإمام؟ فقال: لبقاء العالم على صلاحه، وذلك أنّ اللّه عزّوجلّ يرفع العذاب عن أهل الأرض إذا كان فيها نبي أو إمام، قال اللّه عزّوجلّ (وَمَا كَانَ اللّه ُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ)(2) وقال النبي9: النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض، فإذا ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما يكرهون، وإذا ذهب أهل بيتي أتى أهل الأرض ما يكرهون، يعني بأهل بيته الأئمة الذّين قَرَن اللّه عزّوجلّ طاعتهم بطاعته فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّه َ


1- . النساء: 59.
2- الأنفال: 33.

ص: 98

وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ)(1) وهم المعصومون المطهّرون الذين لا يذنبون ولا يعصون، وهم المؤيّدون الموفّقون المسدّدون، بهم يرزق اللّه عباده، و بهم يعمر بلاده، وبهم ينزل القطر من السماء، وبهم تخرج بركات الأرض، وبهم يمهل أهل المعاصي، ولا يجعل عليهم بالعقوبة و العذاب، لا يفارقهم روح القدس ولا يفارقونه، و لا يفارقون القرآن و لا يفارقهم، صلوات اللّه عليهم أجمعين .(2)

عن أبي اليسع قال: قلت لأبي عبداللّه 7: حدّثني عن دعائم الإسلام التي بني عليها ولا يسع أحداً من الناس تقصير في شيء منها، التي من قصر عن معرفة شيء منها كتب عليه ذنبه ولم يقبل منه عمله، ومن عرفها وعمل بها صلح دينه وقبل منه عمله ولم يضرّ به ما فيه بجهل شيء من الأمور جهله.

قال: فقال: شهادة أن لا إله إلا اللّه والإيمان برسول اللّه 9 والإقرار بما جاء به من عند اللّه. ثمّ قال: الزكاة والولاية شيء دون شيء فضل يعرف لمن أخذ به، قال رسول اللّه 9: من مات لا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، وقال اللّه عزّ وجلّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ)(3) وكان علي7 .(4)


1- . النساء: 59.
2- بحارالأنوار 23: 19.
3- النساء: 59.
4- بحارالأنوار 23: 89.

ص: 99

عن جابر الجعفي في تفسيره عن جابر الأنصاري قال: سألت النبي9 عن قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) عرفنا اللّه ورسوله فمن أولي الأمر؟

قال: هم خلفائي يا جابر وأئمة المسلمين بعدي، أوّلهم علي بن أبي طالب7، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ علي بن الحسين، ثمّ محمّد بن علي المعروف في التوراة بالباقر وستدركه يا جابر، فإذا لقيته فأقرئه مني السلام، ثمّ الصادق جعفر بن محمّد، ثمّ موسى بن جعفر، ثمّ علي بن موسى، ثمّ محمّد بن علي، ثمّ علي بن محمّد، ثمّ الحسن بن علي، ثمّ سميّي و كنيّي حجّة اللّه في أرضه، وبقيّته في عباده، ابن الحسن بن علي، الذي يفتح اللّه على يده مشارق الأرض ومغاربها، ذاك الذي يغيب عن شيعته غيبة لا يثبت على القول في إمامته إلّا من امتحن اللّه قلبه بالإيمان .(1)

عن أبان أنّه دخل على أبي الحسن الرضا7 قال: فسألته عن قول اللّه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ)؟

فقال: ذلك علي بن أبي طالب صلوات اللّه عليه، ثمّ سكت. فلمّا طال سكوته قلت: ثمّ من؟ قال: ثمّ الحسن7، ثمّ سكت. فلمّا طال سكوته قلت: ثمّ من؟ قال: الحسين. قلت: ثمّ من؟ قال: ثمّ علي بن الحسين، وسكت. فلم يزل يسكت عن كلّ واحد حتى أعيد المسألة،


1- بحارالأنوار 23: 289.

ص: 100

فيقول: حتّى سمّاهم إلى آخرهم صلوات اللّه عليه .(1)

قال رسول اللّه 9: يا علي، من برئ من ولايتك فقد برئ من ولايتي ومن برئ من ولايتي فقد برئ من ولاية اللّه. يا علي، طاعتك طاعتي وطاعتي طاعة اللّه، فمن أطاعك أطاعني ومن أطاعني فقد أطاع اللّه. والذي بعثني بالحق، لحبّنا أهل البيت أعزّ من الجوهر ومن الياقوت الأحمر ومن الزمرّد وقد أخذ اللّه ميثاق محبّينا أهل البيت في أمّ الكتاب لا يزيد فيهم رجل ولا ينقص منهم رجل إلى يوم القيامة، وهو قول اللّه تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) فهو علي بن أبي طالب7 .(2)

وأخرج العلامة البحراني عن ابن شهر آشوب _ من طريق العامة _ عن تفسير (مجاهد): إنّ هذه الآية نزلت في أميرالمؤمنين حين خلّفه رسول اللّه 9 بالمدينة، فقال: يا رسول اللّه أتخلّفني على النساء والصبيان؟

فقال9: «يا علي أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى حين قال (يعني: موسى بن عمران لأخيه هارون): (اخلفني في قومي واصلح). فقال اللّه: (وأُولى الأمر منكم)».

قال (يعني: مجاهد): (هو) علي بن أبي طالب ولاه اللّه أمر الأُمّة


1- بحارالأنوار 23: 292.
2- بحارالأنوار 36: 136

ص: 101

بعد محمّد وحين خلّفه رسول اللّه 9 بالمدينة، فأمر اللّه العباد بطاعته وترك خلافه .(1)

الأمر الثاني: الإمام الحجّة البالغة

إنّ الإمام حجّة اللّه على الخلق كما نتلو في زيارة أمين اللّه «السلام عليك يا أمين اللّه في أرضه وحجّته على عباده» والحجّة الإلهيّة لا يمكن أن يكون غير معصوم لأنّ كونه حجّة بشكل مطلق ينافي اقترافه للذنوب من حيث سقوطه عن الحجّية حين ارتكاب القبائح كما هو واضح. وإليك بعض الأدلّة النقليّة في هذا المضمار من مصادر الفريقين.

فعن أنس قال: كنت جالساً مع النبي9 إذ أقبل علي بن أبي طالب فقال النبي9: يا أنس من هذا؟

فقلت: هذا علي بن أبي طالب. فقال النبي9: يا أنس أنا وهذا حجة اللّه على خلقه .(2)

وعن أنس بن مالك: أنّ النبي9 قال لعلي بن أبي طالب: أنا وأنت حجّة اللّه تعالى على خلقه يوم القيامة .(3)


1- شواهد التنزيل 1: 190 ح203.
2- الكامل عبداللّه بن عدي 6: 397.
3- ذيل تاريخ بغداد ابن النجار البغدادي 4: 66.

ص: 102

وعن أنس بن مالك قال: كنت عند النبي9 فرأى عليّاً مقبلاً فقال: يا أنس. قلت لبّيك. قال: هذا المقبل حجّتي على أُمّتي يوم القيامة .(1)

عن سيد الشهداء الحسين بن علي7 عن أبيه قال: قال رسول اللّه 9: يا علي أنت أخي وأنا أخوك، أنا المصطفى للنبوّة وأنت المجتبى للإمامة، أنا وأنت أبوا هذه الأمة، وأنت وصيي ووارثي وأبوولدى، أتباعي، أتباعي، أولياؤك أوليائي، وأعداؤك أعدائي، وأنت صاحبي على الحوض، وصاحبي في المقام المحمود، وصاحب لوائي في الآخرة كما أنت صاحب لوائي في الدنيا، ولقد سعد من تولاك وشقي من عاداك، وإنّ الملائكة لتتقرّب إلى اللّه بمحبتك وولايتك، وإنّ أهل مودّتك في السماء أكثر من أهل الأرض، يا علي أنت حجة اللّه على الناس بعدي، قولك قولي، أمرك أمري، نهيك نهيي وطاعتك طاعتي، ومعصيتك معصيتي، وحزبك حزبي، حزب اللّه ثمّ قرأ (وَمَن يَتَوَلَّ اللّه َ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللّه ِ هُمُ الْغَالِبُونَ) .(2)(3)

عن علي الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن رسول اللّه 9 قال: يا علي أنت حجة اللّه، وأنت باب اللّه، وأنت الطريق إلى اللّه، وأنت النبأ


1- احقاق الحق 4: 220، مناقب أميرالمؤمنين للطبري: 159.
2- المائدة: 56.
3- ينابيع المودّة لذوي القربى القندوزي 1: 370 _ 372.

ص: 103

العظيم، وأنت الصراط المستقيم، وأنت المثل الأعلى، وأنت إمام المسلمين، وأميرالمؤمنين، وخير الوصيين، وسيّد الصدّيقين. يا علي أنت الفاروق الأعظم، وأنت الصديق الأكبر، وإنّ حزبك حزبي وحزبي حزب اللّه، وإنّ حزب أعدائك حزب الشيطان .(1)

عن سلمان المحمدي قال: دخلت على النبي9 وإذا الحسين على فخذه وهو يقبّل عينيه ويلثم فاه ويقول: أنت سيد ابن سيد أبو سادة، أنت إمام ابن إمام أبو أئمة، أنت حجّة ابن حجّة أبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم .(2)

علي بن الحسين7 في قوله تعالى (يَاحَسْرَتَي عَلَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ) قال: جنب اللّه علي وهو حجة اللّه على الخلق يوم القيامة، إذا كان يوم القيامة أمر اللّه خزّان جهنم أن يدفع مفاتيح جهنم إلى عليٍّ فيدخل من يريد وينجي من يريد، وذلك أنّ رسول اللّه 9 قال: من أحبّك فقد أحبّني ومن أبغضك فقد أبغضني، يا علي أنت أخي وأنا أخوك، يا علي إنّ لواء الحمد معك يوم القيامة تقدم به قدام أمتي والمؤذنون عن يمينك وعن شمالك .


1- ينابيع المودّة لذوي القربى القندوزي 3: 402.
2- غاية المرام السيّد هاشم البحراني 1: 102 _ 106.

ص: 104

عن عباية بن ربعي قال: قلت لعبداللّه بن عباس لم كنّى رسول اللّه 9 عليّاً أباتراب؟ قال: لأنّه صاحب الأرض وحجة اللّه على أهلها بعده وبه بقاؤها وإليه سكونها ولقد سمعت رسول اللّه 9 يقول: إنّه إذا كان يوم القيامة و رأى الكافر ما أعدَّ اللّه تبارك وتعالى لشيعة عليٍّ من الثواب والزلفى والكرامة يقول يا ليتني كنت ترابيا أي يا ليتني من شيعة عليٍّ و ذلك قول اللّه عزّوجلّ: (وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً) .(1)(2)

عن الإمام الرضا عن آبائه: قال: قال رسول اللّه 9 لعليٍّ7: يا عليّ أنت حجة اللّه وأنت باب اللّه وأنت الطريق إلى اللّه وأنت النبأ العظيم وأنت الصراط المستقيم وأنت المثل الأعلى؛ الخبر .(3)

عن أميرالمؤمنين7 أنّه جاء إليه رجل فقال له: يا أباالحسن إنّك تدعى أميرالمؤمنين فمن أمّرك عليهم؟ قال: اللّه عزّوجلّ أمّرني عليهم.

فجاء الرجل إلى رسول اللّه 9 فقال: يا رسول اللّه أيصدق عليٌّ فيما يقول إنّ اللّه أمّره على خلقه.

فغضب النبيّ9 ثمّ قال: إنّ عليّاً أميرالمؤمنين بولاية من اللّه عزّوجلّ عقدها له فوق عرشه، وأشهد على ذلك ملائكته، إنّ علياً خليفة اللّه


1- بحارالأنوار 39: 232.
2- النّبأ: 40.
3- بحارالأنوار 36: 4.

ص: 105

وحجة اللّه، وإنّه لإمام المسلمين، طاعته مقرونة بطاعة اللّه، ومعصيته مقرونة بمعصية اللّه، فمن جهله فقد جهلني، ومن عرفه فقد عرفني، ومن أنكر إمامته فقد أنكر نبوّتي، ومن جحد إمرته فقد جحد رسالتي، ومن دفع فضله فقد تنقصني، ومن قاتله فقد قاتلني، ومن سبّه فقد سبّني، لأنّه منّي، خلق من طينتي، وهو زوج فاطمة ابنتي، وأبو ولدي الحسن و الحسين. ثمّ قال الرسول9: أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين حجج اللّه على خلقه، أعداؤنا أعداء اللّه، وأولياؤنا أولياء اللّه .(1)

الأمر الثالث: نفي الإمامة عن الظالم

إنّ اللّه تعالى أبى أن يجعل الإمامة في الظالمين، فقال عزّ من قائل: (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)(2) فنفت الآية إمامة كلّ ظالم إلى يوم القيامة بأيِّ نوع من أنواع الظلم وبأيِّ مقدار. ومن الواضح أنّ المذنب ظالم لنفسه فلا يصلح أن يكون إماماً _ حتى وإن تاب بعدئذ _ .

ومن الجدير بالذكر الحديث النبوي الذي ورد في ذيل هذه الآية، فعن عبد اللّه بن مسعود، قال:

قال رسول اللّه 9: أنا دعوة أبي ابراهيم.


1- بحارالأنوار 36: 227.
2- البقرة: 124.

ص: 106

قلت: يا رسول اللّه وكيف صرت دعوه أبيك إبراهيم؟

قال9: أوحى اللّه عزّوجلّ إلى إبراهيم (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً) فاستخفّ إبراهيم الفرح قال: (وَمِنْ ذُرِّيَتِي) أئمّة مثلي؟

فأوحي اللّه عزّوجلّ: أن يا إبراهيم إنّي لا اُعطيك عهداً لا أفي لك به (قال) يا ربّ وما العهد الذي لاتفي لي به؟ (قال) لا اعطيك لظالم من ذريتك عهدا (قال) إبراهيم عندها: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثيراً مِنَ النَّاسِ) .(1)

فقال النبي9: فانتهت الدعوة إليّ وإلى عليّ، لم يسجد أحدنا لصنم قط، فاتخذني نبيّاً واتخذ عليّاً وصيّاً .(2)

الأمر الرابع: تحمّل الإمام للعلم الوهبيِّ الإلهيِّ

قد مرّ أنّ الإمام حامل لعلم اللّه تعالى وقد أفاض اللّه تعالى عليه القدرة بحيث يستطيع أن يفعل المعاجز بإذن اللّه متى وكيف ما شاء. وتحمّلُ العلم والقدرة الإلهيّة بنحو يجعله عين اللّه الناظرة في الخلق ووجهه الذي يتوجّه به الأولياء إلى اللّه تعالى ويده الباطشة، لا يتناسب إلّا مع عصمته؛ فهل يجوز عقلاً أن يتحمّل أحد كلّ ذلك


1- إبراهيم: 35 _ 36.
2- شواهد التنزيل 1: 412، مناقب الإمام عليّ بن أبي طالب لابن المغازلي: 240 ح322.

ص: 107

العلم ليكون عيبة علم اللّه تعالى ويكون قادراً على إتيان المعاجز ومع ذلك يرتكب المحرّمات حاشا وكلّا؟!

الأمر الخامس: آية التطهير

لقد طهّر اللّه نبيّه وأهل بيته: من كلّ ما يمتّ إلى الأرجاس والأنجاس، فقال: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) . وأطبق المفسّرون أنّها نزلت في النبي وأهل بيته: علي وفاطمة والحسن والحسين ولا غير.

عن أبي جعفر7 في قوله تعالى (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (1)قال: نزلت هذه الآية في رسول9 وعلي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين: وذلك في بيت أم سلمة زوجة النبي9 دعا رسول اللّه 9 عليّاً وفاطمة والحسن والحسين: ثمّ ألبسهم كساء له خيبرياً ودخل معهم فيه ثمّ قال: اللّهم هؤلاء أهل بيتي الذين وعدتني فيهم ما وعدتني، اللّهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. فنزلت هذه الآية فقالت أم سلمة: وأنا معهم يا رسول اللّه؟ قال: أبشري يا أم سلمة فإنك إلى خير .(2)


1- . الأحزاب: 33.
2- بحارالأنوار 35: 206.

ص: 108

قال أبوالجارود: وقال زيد بن علي بن الحسين: إنّ جهالاً من الناس يزعمون أن أراد اللّه بهذه الآية أزواج النبي9 وقد كذبوا وأثموا وأيم اللّه لو عنى بها أزواج النبي9 لقال ليذهب عنكن الرجس ويطهركن تطهيراً ولكان الكلام مؤنثاً كما قال (وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى في بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ)... (وَلَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ) .(1)

عن علي7 قال: كان رسول اللّه 9 يأتينا كلّ غداة فيقول: الصلاة رحمكم اللّه الصلاة (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) .(2)

عن هلال بن أيوب عن عطية قال: سألت أبا سعيد الخدري عن قوله تعالى (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) قال: نزلت في رسول اللّه 9 وعلي وفاطمة والحسن والحسين: .(3)

روى في مسند الإمام أحمد بن حنبل (بإسناده المذكور) إلى أمّ سلمة: أنّ رسول اللّه 9 كان في بيتها فأتته فاطمة ببرمة فيها خزيرة (4)


1- بحارالأنوار 35: 206.
2- بحارالأنوار 35: 207.
3- بحارالأنوار 35: 208.
4- البرمة _ بضمّ البا _ القدر من الحجر والخزيرة شبه عصيدة بلحم وبلا لحم عصيدة وقيل: مرقة من بلالة النخالة (أقرب الموارد).

ص: 109

قد خلت بها عليه فقال9: ادعي لي زوجك وابنيك. فجاء علي وحسن وحسين فدخلوا وجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة وهو وهم على مقام له على دكان تحته معه كساء خيبري.

قالت (أم سلمة): وأنا في الحجرة أصلّي فأنزل اللّه تعالى هذه الآية: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).

قالت: فأخذ فضل الكساء وكساهم به ثم أخرج يده فألوى بها

إلى السماء وقال9: اللّهم هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً. قالت: فأدخلت رأسي البيت وقلت: أنا معكم يا رسول اللّه؟

قال9: إنّك إلى خير إنّك إلى خير .(1)

الأمر السادس: ما دلّ على أنّه الفاروق بين الحقّ والباطل وأنّه هو مدار الحقّ

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في حديث رسول اللّه 9 في عليٍّ أنّه قال: هذا فاروق أُمّتي يفرق بين الحقّ والباطل .(2)

إنّه من الواضح أنّ من كان مداراً لمعرفة الحقّ و كان فاروقاً يفرق


1- مسند أحمد بن حنبل 6: 292.
2- منهاج السنّة 2: 179.

ص: 110

بينه وبين الباطل لا يعقل أن يكون غير معصوم فهذه الصفات لا تتلائم إلّا مع المعصوم الذي عصمه اللّه تعالى من الزلل وآمنه من الفتن.

هذا أميرالمؤمنين، وقد مرّت الإشارة إلى اعترافات الشيخين في زلّاتهم وقول الخليفة الأول: «إنّ لي شيطاناً يعتريني فإن استقمت فأعينوني وإن زغت فأقيموني»(1) هذا ويذكر أنّ منع تدوين الحديث كان لأجل ما ورد في الإمام من الفضائل على لسان النبي9 وكذا الشعار الذي رفع في «رزية الخميس» _ على حدّ تعبير ابن عباس _ وهو «حسبنا كتاب اللّه» ليس إلّا لمنع انتشار فضائل أمير المؤمنين وعلى رأسها أحقيته بالأمر.

الفصل الثاني

اشارة


1- تاريخ الطبريّ 3: 211.

ص: 111

الشبهات المطروحة حول خلافة أميرالمؤمنين7

بعد أن بيّنا ما كنّا بصدده من أولويّة أميرالمؤمنين7 بالخلافة واتّضح بحمد اللّه ومنّه أحقيّة مذهب أهل البيت من أنّ أميرالمؤمنين7 لابدّ وأن يكون الخليفة بلا فصل لرسول اللّه 9 لا لورود النصوص الكثيرة الفائقة حدّ التواتر _ كحديث المنزلة وحديث الغدير وكذا مثل حديث الطائر وحديث المدينة وحديث الباب وحديث السفينة وغيرها _ فحسب، بل لكونه7 الحامل لصفات الرسول ولكونه وارثه في العلم والقدرة والعصمة.

بعد ذلك لا بدّ من التعرّض لبعض الشبهات المطروحة والنظر فيها ليتبيّن أنّ أهمّ وأقوى شبهاتهم أضعفها، لأجل ما بان وتجلّى.

ص: 112

الشبهة الأولى:

ص: 113

لماذا لم تذكر قضيّة خلافة الإمام عليٍّ أو اسمه في القرآن

إذا كانت إمامة الإمام علي7 كما نقول _ وهي كما نقول _، فلماذا لم تذكر قضيّة الخلافة أو اسمه في القرآن كي تنحسم مادّة النزاع ويتّفق عليه الجميع بما لا يبقى معها أيّ شبهة وأدنى ريب؟

ولا يخفى على اللبيب أنّ هذا السؤال هو أشبه بالمغالطة منه إلى الشبهة لأننا أوّلاً: نردّ السؤال على السائل في سبب عدم ذكر اسم أبي بكر إذا كان هو الخليفة حقّاً؟ ألم يكن ذلك حاسماً للإختلاف؟

وإن قيل: أنّ أبابكر لم يعيَّن من قبل النبيّ وإنمّا عيّنه الناس بعد وفاة النبي9.

فهذا جوابه معه، إذ يكون بذلك خليفة للناس لا خليفة للنبيّ فكيف يدّعي خلافته؟!

على أنا نقول ثانياً: وهل المناط عدم الإختلاف حتّى يكون ذكر

ص: 114

الإمام عليّ7 في القرآن حلّاً له، أم المناط هو بيان الحقّ ثمّ امتحان الناس بما وصل إليهم من الحقّ.

لماذا كان الأنبياء: بشراً يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، ولم يكونوا ملائكة يضعف أولوا القوّة دون مقارعتهم؟ فبذلك كانت مادة النزاع تنحسم بلا منازع، ولما كان يشكل الأمر على أحد بعدهم!

نعم إنّ اللّه تعالى شاء أن يجعل دينه بشكل يمتحن الناس ويمحَّصوا، كي يميّز الخبيث من الطيّب والصادق من الكاذب وقد قال تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ) .(1)

ثالثاً: من هو الذي يعيّن ما ينزل في كتاب اللّه؟ اللّه أم الخلق؟ أتصوّر أنّ القرآن كان يتغيّر كلياً إذا كان اللّه ليأخذ آراء العباد في آياته.

رابعاً: لماذا لم يأت القرآن بكلّ ما يحتاج إليه الناس بأسلوب لا يحتاج الناس بعده إلى النبيّ؟ لماذا كانت هنالك آيات مجملة ومتشابهة، ولماذا كان التأويل الذي لا يفهمه إلّا اللّه والراسخون في العلم؟ لماذا هنالك بطون يبيّنها اللّه لبعض خاصّته دون غيرهم؟

لقد أبى اللّه إلّا أن يجعل نبيّه9 مبيّناً للقرآن، وبدونه تبقى كثير من آياته مجملة غير مبيّنة. فهكذا شاء اللّه في أمر كتبه، حيث كان مع كل كتاب أنزله نبيٌّ، ولم يكن مع


1- العنكبوت: 2.

ص: 115

كلّ نبيٍّ كتاب.

ومن هنا، فإذا ذكر اللّه تعالى دليلاً في القرآن يدلّ على خلافة الإمام علي7 بما لا يمكن حمله على أحد سواه، كآية المباهلة التي دلّت على أنّ الإمام عليٍّ نفس رسول اللّه وآية إعطاء الزكاة في الصلاة التي لا تنطبق إلّا على مورد واحد وهو الإمام علي7 بتصريح من علماء الفريقين، ثمّ بعد ذلك جاء النبي9 وصرّح باسم الشخص المراد من الآيات فيكون في ذلك كفاية عن ذكره بالاسم صريحاً في القرآن، إذ الهدف هو ايصال المعنى بما لا يعتريه الريب إلّا ممّن لا يريد قبول الحقّ.

خامساً: نحن نعلم أنّ الإمام عليّ7 كان يواجه معارضة أشدّ ما يمكن أن تكون، وكانت تحيطه أمرّ أنواع الضغوط، إلى درجة لم يكن معه في بادئ الأمر بعد وفاة رسول اللّه 9 _ وهو من عرف المسلمون من هو _ إلّا القليل من الناس، ولم ينصره أحد لدى معارضته لأصحاب السقيفة. وكان شيعته يُقتلون ويشرّدون عقوداً متتالية، وكان الإمام7 يُلعَن على مأة ألف منبر طيلة مأتي عام، كما كان يلعن على منبر رسول اللّه في مسجد رسول اللّه من قبل معاوية وكان يقول هذا الأخير عن شيعة الإمام: «خذوهم بالظنّة واقتلوهم بالتهمة»، كما

ص: 116

أشار إلى ذلك الإمام الحسين7 بقوله مخاطباً معاوية: «وليس اللّه تبارك وتعالى بناس أخذك بالظنّة وقتلك أوليائه بالتهمة ونفيك إيّاهم من دار الهجرة إلى الغربة والوحشة»(1) فمن يضمن أنّ الإمام لو كان يذكر اسمه في القرآن صريحاً مشفّعاً مع الآيات الناصّة على خلافته ما كان هؤلاء الذين جيّشوا الجيوش عليه وابتغوا قتله وقتل شيعته يَدَعون اسمه ولا يحرّفوا كتاب اللّه؟

ولايقال: أنّه لو كان يذكر اسمه لما كانوا يختلفون ولما وقع بينهم القتال حتى يصل إلى تلك المرحلة.

لأنّه يقال: ما كان ذلك ليثني أولي الشقاق والنفاق عن إبداء خبث سرائرهم شيء. فإنهّم كانوا يسيرون على النهج الذي رسموه مسبقاً، وبالتالي كانوا يطمسون اسم الإمام علي7 مع طمس القرآن كلّه معه.

قل لي أيّهما أهمّ: أن لا يذكر اسم الإمام صريحاً مع الآيات الناصّة عليه ويبقى القرآن سليماً عن المواجهة الصريحة، أو يذكر اسم الإمام ثم يحرّف القرآن ويحارب؟

تقول: أنّ ذلك محال، ولكن أما ابتغت أميّة ذلك؟ أما قتلوا الإمام الحسين الشهيد المظلوم سيّد شباب أهل الجنّة الذي لم يشكّ أحد


1- الإحتجاج 2: 297.

ص: 117

في عظمته وفضله وحرمة دمه الزكيّ الطاهر؟ وأرادوا محو الدين كما صرّح معاوية عندما سمع المؤذن ينادي باسم النبيّ على المأذنة: «لا واللّه إلّا دفناً دفناً» (1). ألم يجعلوها كسروية قيصرية عندما عيّن معاوية ابنه على الناس من بعده، وعيّن السيف لمن أبى؟!

إذن المهمّ هو بيان الحقّ بحيث لا يعتريه الريب لذوي الألباب وقد فعل اللّه تعالى، ولذا من قرأ القرآن الكريم قراءة تدبّر سيجد الآثار على أولويّة الإمام عليّ7 بالخلافة بل يجد الآيات الناصّة على ذلك وأمّا أن ينزل القرآن على الأهواء البشريّة ووفقاً لمبتغاهم، فهذا ممّا لا يكون وقد اقترح الكفّار من قبل ذلك على رسول اللّه الإتيان ببعض المعاجز فأوحى اللّه إليه: (قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) .(2)

سادساً: إنّ القرآن ذكر أميرالمؤمنين7 أمّا صفاته المتشخصة به فستأتي مفصّلاً، وأمّا خصوص اسمه فيظهر للمتأمل في مثل قوله تعالى: (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) (3)و «أمّ الكتاب» هي


1- بحارالأنوار 33: 169.
2- الإسراء: 93.
3- الزخرف: 4.

ص: 118

الفاتحة، وفيها يقول تعالى: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) (1)، فالصراط المستقيم هو أميرالمؤمنين7، ويعضد ذلك ما ورد من أنّ رسول اللّه 9 قال لعليّ: يا عليّ، أنت حجة اللّه _ إلى أن قال _: أنت الصراط المستقيم (2)، ولم يقل: أنت صراط مستقيم، بل: الصراط المستقيم الدالّ على الحصر.

نعم التفطّن إلى ذلك يحتاج إلى فهم ودقّة وليس صريحاً للسبب الذي ذكرناه في الجواب الخامس.

ومن الآيات التي ذكرته7 بالاسم هي الآية 50 من سورة مريم، حيث يقول تعالى: (وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً) وسنقف على رواية الحاكم الحسكاني في سبب نزول الآية تشهد على ما ذكرناه.

وعن يونس بن عبدالرحمن، قال: قلت لأبي الحسن الرضا7:

إنّ قوماً طالبوني باسم أميرالمؤمنين7 في كتاب اللّه عزّ وجلّ،

فقلت لهم: من قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً)(3) فقال7: صدقت، هو هكذا .

سابعاً _ وهو ما نريد الإسهاب فيه _ : الكناية _ كما عبّر أهل البيان _


1- الفاتحة: 6.
2- بحارالأنوار 38: 111، ورواه الصدوق في عيون أخبار الرضا7 2: 6.
3- بحارالأنوار 36: 57.

ص: 119

أفصح من التصريح، و الإمام علي7 ذكر في كتاب اللّه عبر الكنايات والصفات بشكل قطعي.

ولا شك أنّ الاسم هو ما دلّ على المسمّى، فليس للإسم موضوعيّة كما هو واضح إنّما هو سمة وإشارة و تذكير بالمسمّى. وفي القرآن ما يدلّ دلالة واضحة على أولويّته7 بالخلافة، وهذا كاف لمن كان له قلب أو ألقى السمع فهو شهيد.

بل إنّ ذكر أوصافه7 تدلّ على سماته العالية ومنصبه الرفيع في مثل: «أولي الأمر» من قوله تعالى (أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ)(1) إذ يدلّ على كون زمام الأمر بيده كما أنّ الثناء عليه بإعطاءه الزكاة في الصلاة يدلّ على كمال جوده و سخائه، قال تعالى (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّه ُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)(2) ومثل كونه7 الأُذُن الواعية في قوله تعالى (وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ)(3) والدالّ على استيعابه لتعاليم الرسول الأكرم9. ومن الواضح أنّ ذكر الوصف المعلوم اختصاصه به7 _ إمّا بالأخبار الواردة في كتب الفريقين و إمّا بتشخصها به _ أهمّ من ذكر اسمه، ذلك أنّ


1- النساء: 59.
2- المائدة: 55.
3- الحاقّة: 12.

ص: 120

الوصف يدلّ على المسمّى مع زيادة بيانِ فضلٍ من فضائله و كمالٍ من كمالاته فلاحظ.

نحن سوف نقف على بعض تلك الآيات التي ذكرته بأوصافه، ولا نحاول الإستقصاء وإنّما نكتفي بما يجدي للمرام.. وقبل ذلك يحسن الإلتفات إلى الأحاديث التالية:

قال الإمام علي7: نزل القرآن أرباعاً: فربع فينا وربع في عدونا وربع سير وأمثال وربع فرائض وأحكام ولنا كرائم القرآن .(1)

وروي عنه7 قال: نزل القرآن أرباعاً: فربع فينا وربع في عدونا وربع سير وأمثال و ربع فرائض وأحكام ولنا كرائم القرآن .(2)

قال النبي الاعظم9: اللّه اكبر، الحمد للّه الذي أنزل الآيات البينات في أبي الحسن والحسين .(3)

وقال رسول اللّه 9: إنّ القرآن أربعة أرباع، فربع فينا أهل البيت خاصة، وربع في أعدائنا، وربع حلال وحرام، وربع فرائض واحكام، وإنّ اللّه أنزل في علي كرائم القرآن .(4)


1- . بحارالأنوار 36: 114.
2- بحارالأنوار 36: 117.
3- شواهد التنزيل 1: 42 _ 43.
4- شواهد التنزيل 1: 42 _ 43.

ص: 121

أمّا الآيات، فهذه نبذة منها:

وقبل إيراده لابدّ من التنويه بأنّا نقلنا أكثر هذه الأخبار من كتب العامّة ليكون ذلك أثبت للحجّة ولا يخفى أنّ المتتبّع يستطيع العثور على كثير من مضامين الأخبار المنقولة في هذا الكتاب في كتب الخاصّة فإنّها مشحونة بالأدلّة الدالّة على تفسير الآيات القرآنيّة أو تأويلها بأميرالمؤمنين7 وأهل بيته: (فإنّنا لم ننقلها اختصاراً لهذا السفر)، بل فيها ما لا يتسنّى للباحث العثور عليه في كتب العامّة لحيلولة التعصّبات الجاهليّة أو الحسد دون تناقل ما روي في فضل آل رسول الله صلّى اللّه عليه وعليهم.

1. قوله تعالى: (بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) .(1)

روي الحافظ سليمان بن ابراهيم القندوزي (الحنفي) المتوفي (1294) هجرية في كتابه ينابيع المودة، قال:

وفي الدر المنظوم (لابن طلحة الحلبي الشافعي):

اعلم أن جميع أسرار الكتب السماوية في القرآن، وجميع ما في القرآن في الفاتحه، وجميع ما في الفاتحه في البسملة، وجميع ما في البسملة في باء البسملة، وجميع ما في باء البسملة في النقطة التي


1- لفاتحه: 1.

ص: 122

هي تحت الباء، ثمّ قال: قال الإمام علي كرَّم اللّه وجهه: «أنا النقطة التي تحت الباء» .(1)

أفاد شيخنا العلّامة محمّد باقر علم الهدى1 بأنّ بائيّة الباء وتجلِّيها إنمّا هو بالنقطة، فلولا النقطة لا يبقى فرق بين الباء والياء والنون والتاء والثاء، وكذا الأمر بالنسبة إلى أميرالمؤمنين7 الذي لولاه لما عرف الناس القرآن الذي يمثّل الحقّ ولاختلط الحقّ بالباطل.

2. قوله تعالى: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) .(2)

عن أبي عبداللّه 7 في قول اللّه عزّوجلّ: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) قال: هو أميرالمؤمنين7 ومعرفته والدليل على أنّه أميرالمؤمنين قوله عزّوجلّ: (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ)(3) وهو أميرالمؤمنين في أمّ الكتاب في قوله (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) .(4)

3. قوله تعالى: (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) .(5)

اخرج الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل، باسناده عن عبد


1- ينابيع المودّة: 69.
2- . الفاتحة: 6.
3- الزخرف: 4.
4- بحارالأنوار 35: 373.
5- الفاتحة: 7

ص: 123

الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه في قول اللّه تعالى: (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) قال: النبيّ ومن معه، وعليّ بن أبي طالب و شيعته .(1)

4. قوله تعالى: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ

التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) .(2)

عن عبداللّه بن عباس قال: سئل النبي9 عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربّه فتاب عليه؟

قال9: «سأله بحقّ محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين إلّا ما تبت عليّ فتاب عليه» .(3)

5. قوله تعالى: (أَوْفُوا بِعَهْدِى أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) .(4)

عن سماعة قال سألت أباعبداللّه 7 عن قول اللّه: (أَوْفُوا بِعَهْدِى

أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) قال: أوفوا بولاية علي بن أبي طالب7 فرضاً من اللّه،

أوف لكم بالجنة .(5)


1- شواهد التنزيل 1: 66.
2- البقرة: 37.
3- مناقب على بن أبي طالب: 63.
4- البقرة: 40.
5- بحارالأنوار 36: 97.

ص: 124

يحتمل قويّاً أن يكون المراد من العهد في الآية المباركة هو العهد والميثاق المأخوذ على ولايته7 في العوالم السابقة فإنّ الأخبار دلّت على ذلك دلالة واضحة فلاحظ الأخبار التالية.

عن أبي عبداللّه 7 في قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ)(1) إلى آخر الآية قال: أخرج اللّه من ظهر آدم ذريته إلى يوم القيامة فخرجوا كالذر فعرّفهم نفسه وأراهم نفسه ولولا ذلك لم يعرف أحد ربّه قال ألست بربّكم قالوا بلى، قال فإنّ محمداً9 عبدي ورسولي وإنّ عليّاً أمير المؤمنين خليفتي وأميني .(2)

قال الصادق7 في قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ) الآية: كان الميثاق مأخوذاً عليهم للّه بالربوبية ولرسوله بالنبوة ولأميرالمؤمنين والأئمة بالإمامة، فقال ألست بربّكم ومحمّد نبيّكم وعليّ إمامكم والأئمة الهادون أئمتكم؟ فقالوا: بلى، فقال اللّه: (أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أي لئلّا تقولوا يوم القيامة (إِنَّا كُنَّا عَنْ هذَا غَافِلِينَ) فأوّل ما أخذ اللّه عزّوجلّ الميثاق على الأنبياء بالربوبية وهو قوله: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّين مِيثَاقَهُمْ) فذكر جملة الأنبياء ثمّ أبرز أفضلهم بالأسامي فقال (وَمِنكَ) يا محمّد


1- الأعراف: 172.
2- بحارالأنوار 26: 249.

ص: 125

فقدّم رسول اللّه 9 لأنّه أفضلهم (وَمِن نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) فهؤلاء الخمسة أفضل الأنبياء ورسول اللّه أفضلهم ثمّ أخذ بعد ذلك ميثاق رسول اللّه 9 على الأنبياء له بالإيمان وعلى أن ينصروا أميرالمؤمنين فقال (وَإِذْ أَخَذَ اللّه ُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ)(1) يعني رسول اللّه 9 (لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ) يعني أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه تخبروا أممكم بخبره وخبر وليّه من الأئمة .(2)

قال رسول اللّه 9: ما قبض اللّه نبيّاً حتى أمره أن يوصي إلى عشيرته من عصبته وأمرني أن أوصي. فقلت: إلى مَن يا رب؟ فقال أوص يا محمّد إلى ابن عمك علي بن أبي طالب فإنّي قد أثبته في الكتب السالفة وكتب فيها أنّه وصيك وعلى ذلك أخذت ميثاق الخلائق ومواثيق أنبيائي ورسلي، أخذت مواثيقهم لي بالربوبية ولك يا محمّد بالنبوة ولعليٍّ بن أبي طالب بالولاية .(3)

عن أميرالمؤمنين7 أنّه قال: يا طارق، الإمام كلمة اللّه وحجة اللّه ووجه اللّه ونور اللّه وحجاب اللّه وآية اللّه يختاره اللّه ويجعل فيه ما يشاء


1- آل عمران: 81.
2- بحارالأنوار 26: 268.
3- بحارالأنوار 26: 271.

ص: 126

ويوجب له بذلك الطاعة والولاية على جميع خلقه فهو وليّه في سماواته وأرضه أخذ له بذلك العهد على جميع عباده فمن تقدّم عليه كفر باللّه من فوق عرشه .(1)

6. قوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الْصَّلاَةَ وَآتُوا الْزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الْرَّاكِعِينَ) .(2)

عن ابن عباس قال: قوله تعالى: (وَارْكَعُوا مَعَ الْرَّاكِعِينَ) نزلت في رسول اللّه 9 وفي علي بن أبي طالب خاصّة، وهما أوّل من صلّى وركع .(3)

7. قوله تعالى: (وَاسْتَعِينُوْا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا

عَلَى الْخَاشِعِينَ) .(4)

عن ابن عباس قال: الخاشع الذليل في صلاته، المقبل عليها يعني رسول اللّه 9 وعليّاً .(5)

8. قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) .(6)


1- بحارالأنوار 25: 169.
2- البقرة: 43.
3- مناقب على بن أبي طالب: 198.
4- البقرة: 45.
5- . شواهد التنزيل 1: 89.
6- البقرة: 207.

ص: 127

عن علي بن الحسين7 قال: أوّل من شرى نفسه للّه علي بن أبي طالب7 كان المشركون يطلبون رسول اللّه 9 فقام من فراشه وانطلق هو وأبوبكر واضطجع علي7 على فراش رسول اللّه9 فجاء المشركون فوجدوا علياً7 ولم يجدوا رسول اللّه 9 .(1)

قال رسول اللّه 9: أوحى اللّه إلى جبرئيل و ميكائيل أني آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر صاحبه فأيكما يؤثر أخاه؟

فكلاهما كرها الموت، فأوحى اللّه إليهما ألا كنتما مثل وليي علي بن أبي طالب آخيت بينه وبين محمّد نبيّي فآثره بالحياة على نفسه ثمّ ظل أو رقد على فراشه يقيه بمهجته اهبطا إلى الأرض جميعاً فاحفظاه من عدوّه، فهبط جبرئيل فجلس عند رأسه وميكائيل عند رجليه وجعل جبرئيل يقول: بخ بخ من مثلك يا ابن أبي طالب واللّه يباهي بك الملائكة، فأنزل اللّه (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللّهِ) .(2)

روي العلّامة الهندي عبيد اللّه بسمل في كتابه الكبير في مناقب أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عن محمّد الغزالي والثعلبي في تفسيره:

إنّ رسول اللّه 9 لمّا أراد الهجرة خلّف علي بن أبي طالب7 بمكة لقضاء ديونه وردّ الودائع التي كانت عنده وأمره ليلة الخروج إلى


1- بحارالأنوار 36: 43.
2- بحارالأنوار 36: 43.

ص: 128

الغار _ وقد أحاط المشركون بالدار _ أن ينام على فراشه، فقال9 له: يا عليّ اتشح بردي الحضرمي، ثمّ نم على فراشي فإنّه لا يخلص إليك منهم مكروه إن شاء اللّه عزّوجلّ.

وفعل ذلك (عليٌّ) فأوحى اللّه عزّوجلّ إلى جبرائيل وميكائيل8 أنّي آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟

فاختارا كلاهما الحياة، فأوحى اللّه عزّوجلّ إليهما: ألا كنتما مثل عليّ بن أبي طالب، آخيت بينه وبين محمّد، فنام على فراشه يفديه بنفسه، ويؤثره بالحياة، إهبطا إلى الأرض، فاحفظاه من عدوّه.

فنزلا فكان جبرائيل7 عند رأسه، وميكائيل عند رجله، فقال جبرائيل: بخ بخ من مثلك يا ابن أبي طالب؟ يباهي اللّه بك الملائكة، فأنزل اللّه تعالى على رسوله _ وهو متوجّه إلى المدينة _ في شأن عليّ بن أبي طالب (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللّهِ) .(1)

وأخرج الحاكم بسنده عن ابن عباس قال: شرى عليٌّ نفسه ولبس ثوب النبيّ9 .(2)


1- أرجح المطالب: 70.
2- المستدرك على الصحيحين 3: 4.

ص: 129

9. قوله تعالى: (فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّه ِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا) .(1)

قال الخوارزمي: انبأني مهذب الأئمة أبو المظفر عبد الملك بن علي بن محمّد الهمداني اجازه بإسناده عن عبدالرحمان بن أبي ليلى عن أبيه: قال: قال رسول اللّه 9 لعليّ بن أبي طالب: «أنت العروة الوثقى التي لا انفصام لها» .(2)

وأخرج أيضاً في «قتال أهل الشام» خطبة لعليّ بن أبي طالب جاء فيها: أنا مبيد الجبارين... والعروة الوثقى التي لا انفصام لها و اللّه سميع عليم .(3)

10. قوله تعالى: (وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) .(4)

أخرج الحافظ الحسكاني قال: أخبرنا أبونصر المفسر بقراءتي عليه من أصل نسخته (بالإسناد المذكور) عن سفيان، قال: الربيع بن خيثم (في قوله تعالى): (وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) يعني عليّاً .(5)

ويؤيّد ذلك ما ورد من أنّ الإمام عليّ7 باب مدينة حكمة الرسول9.


1- البقرة: 256.
2- المناقب للخوارزمى: 24.
3- المناقب للخوارزمى: 150.
4- البقرة: 269.
5- شواهد التنزيل 1: 106.

ص: 130

11. قوله تعالى: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) .(1)

روي المفسّر عثمان بن حسن بن احمد الخديوي في تفسيره المسمى ب_(درّه الناصحين) عند تفسير الآية المباركة عن الكلبي ومقاتل: «نزلت هذه الآية في شأن عليّ بن أبي طالب2 كانت له أربعة دراهم ولم يملك غيرها فلمّا نزل التحريض على الصدقة تصدّق بدرهم بالليل وبدرهم في النهار وبدرهم في السرّ وبدرهم في العلانية فنزلت» .(2)

12. قوله تعالى: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللّه ُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الأَلْبَابِ) .(3)

روى القاضي ابن حجر العسقلاني في اصابته بسنده عن الأخضر بن أبي الأخضر عن النبي9 قال: أنا أقاتل على تنزيل القرآن، وعليٌّ يقاتل على تأويله .(4)

أقول: من الواضح أنّ لازم هذا أن يكون عليٌّ7 عالماً بالتاويل كي


1- البقرة: 274.
2- درّة الناصحين 1: 22.
3- آل عمران: 7.
4- الإصابة في تمييز الصحابة 1: 22.

ص: 131

يقاتل عليه.

وأخرج علي المتقيّ الهنديّ في الكنز، عن أبي ذر قال: كنت مع رسول اللّه 9 وهو ببقيع الغرقد فقال9: والذي نفسي بيده انّ فيكم رجلاً يقاتل الناس من بعدي على تاويل القرآن، كما قاتلت المشركين على تنزيله وهم يشهدون أن لا اله إلّا اللّه فيكبر قتلهم على الناس حتى يطعنوا عليّاً وليّ اللّه، ويسخطوا عمله، كما سخط موسى أمر السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار، وكان خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار للّه رضى.

ثمّ أخرج في الكنز نفسه عن أبي سعيد الخدريّ: أنّه قيل لرسول اللّه 9: أبوبكر وعمر؟

قال9: لا، ولكنّه خاصف النعل يعني عليّاً .(1)

13. قوله تعالى: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِل فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) .(2)

قال الشيخ المفيد; في كتاب الفصول قال المأمون يوماً للرضا7 أخبرني بأكبر فضيلة لأميرالمؤمنين7 يدلّ عليها القرآن؟


1- كنزالعمّال 6: 390 _ 391.
2- . آل عمران: 61.

ص: 132

قال فقال الرضا7: فضيلة في المباهلة قال اللّه جل جلاله (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِل فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللّه ِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) فدعا رسول اللّه 9 الحسن والحسين8 فكانا ابنيه ودعا فاطمة3 فكانت في هذا الموضع نساؤه ودعا أميرالمؤمنين7 فكان نفسه، بحكم اللّه عزّوجلّ وقد ثبت أنّه ليس أحد من خلق اللّه تعالى أجلّ من رسول اللّه 9 وأفضل، فواجب أن لا يكون أحد أفضل من نفس رسول اللّه بحكم اللّه جلّ وعزّ.

أقول: يدلّ هذا الخبر الشريف على شامخ مقام أميرالمؤمنين7 ولكن لا يتأتّى معرفة ذلك إلّا لمن عرف مقام الرسول الأكرم9 الذي هو أشرف الكائنات بل له وبه ومن أجله خلقت، كما قال تعالى في الحديث القدسي: «يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك و لولا عليٌّ لما خلقتك و لولا فاطمة لما خلقتكما» .(1)

قال السيّد بن طاوس في الطرائف وقد ذكر النقاش في تفسيره شفاء الصدور ما هذا لفظه: قوله عزّ وجلّ: (فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ) قال أبوبكر: جاءت الأخبار بأنّ رسول اللّه 9 أخذ بيد الحسن وحمل


1- فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفى: 9.

ص: 133

الحسين8 على صدره و يقال بيده الأخرى وعليّ7 معه وفاطمة3 من ورائهم فحصلت هذه الفضيلة للحسن والحسين من بين جميع أبناء أهل بيت رسول اللّه وأبناء أمته وحصلت هذه الفضيلة لفاطمة بنت رسول اللّه من بين بنات النبي وبنات أهل بيته وبنات أمته وحصلت هذه الفضيلة لأميرالمؤمنين علي من بين أقارب رسول اللّه ومن أهل بيته وأمته بأن جعله رسول اللّه كنفسه يقول: (وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ) .(1)

روى أبوجعفر الطبري، في تفسيره قال: حدّثني محمّد بن سنان، (بالإسناد المذكور) عن علباء بن أحمر اليشكري قال: لمّا نزلت هذه الآية (فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ) الآية. ارسل رسول اللّه 9 إلى عليّ وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين، ودعا اليهود ليلاعنهم، فقال شاب من اليهود: ويلكم أليس عهدكم بالأمس اخوانكم الذين مسخوا قرده وخنازير، لا تلاعنوا فانتهوا .(2)

أخرج الشيخ المفسّر شهاب الدين السيويسي في تفسيره عند ذكر الآية: (فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا) أي: حسناً وحسيناً؛ (وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا) أي: فاطمة؛ (وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا) أي النبي وعلياً زوج فاطمة رضي اللّه


1- الطرائف 1: 43.
2- جامع البيان 3: 409.

ص: 134

عنها (وَأَنْفُسَكُمْ) يعني لنجتمع نحن وأنتم في موضع .(1)

ويروي (المفسر الشافعيّ) نظام الدين الحسن بن محمّد بن الحسين النيسابوري في تفسيره قال: وروي أنّه9 لمّا نزلت هذه الآية خرج وعليه9 مرط من شعر أسود، وكان9 قد احتضن الحسين، وأخذ بيد الحسن، وفاطمة تمشي خلفه9 وعليّ7 خلفاً و هو يقول (لهم): إذا دعوت فأمّنوا.

فقال أسقف نجران: يا معشر النصاري إنّي لأرى وجوهاً لو دعت اللّه أن يزيل جبالاً من مكانه لأزاله بها، فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصرانيّ إلى يوم القيامه .(2)

قال الشيخ أحمد مصطفى المراغي في تفسيره الكبير قال: وروي أنّ النبي اختار للمباهلة علياً و فاطمة وولديهما (عليهم الرضوان) وخرج بهم، وقال9: إنْ أنا دعوت فأمّنوا أنتم .(3)

المراد من كون أميرالمؤمنين7 نفس الرسول، هو أنَّ شؤون الولاية التي أعطاها اللّه لنبيّه9 أعطاها أيضاً لعلي7، والعلم والقدرة مندرجان تحت أمر الولاية التي منحها له. نعم هنالك خصائص


1- عيون التفاسير المعروف بتفسير الشيخ الصفحة الثانية الورقة 67.
2- تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان بهامش تفسير الطبرى 3: 213.
3- تفسير المراغي 3: 171.

ص: 135

للنبيّ يمتاز بها عن الإمام وعن سائر الأئمة مثل الوحي والنبوّة وما إلى ذلك، كما أنّ الإمام له خصائص يمتاز بها عن النبيّ ككونه زوج سيّدة نساء العالمين، إلّا أنّ ولايتهما واحدة، وهذا تفسير قولهم:: «أوّلنا وآخرنا في العلم سواء»(1) . فيثبت له كلّ ما ثبت للرسول من مقامات خطيرة وشؤون جليلة وكمالات سامية .(2)

14. قوله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّه ِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا) .(3)

قال عليُّ بن الحسين8: كان رسول اللّه9 ذات يوم جالساً في المسجد وأصحابه حوله فقال لهم: يطلع عليكم رجل من أهل الجنة يسأل عما يعنيه. قال: فطلع علينا رجل شبيه برجال مصر فتقدم وسلّم على رسول اللّه9 وجلس وقال: يا رسول اللّه إني سمعت اللّه يقول (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّه ِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا) فما هذا الحبل الذي أمرنا اللّه تعالى بالاعتصام به و أن لا نتفرق عنه؟

قال: فأطرق النبي9 ساعة ثمّ رفع رأسه وأشار إلى علي بن أبي طالب7 وقال: هذا حبل اللّه الذي من تمسك به عصم في دنياه ولم يضلّ في آخرته.


1- الكافي 7: 85.
2- لمزيد من الاطلاع راجع كتاب النبي وأهل بيته: كلّهم نور واحد.
3- آل عمران: 103.

ص: 136

قال: فوثب الرجل إلى علي بن أبي طالب7 واحتضنه من وراء ظهره و هو يقول اعتصمت بحبل اللّه و حبل رسوله ثم قال: فولّى وخرج فقام رجل من الناس فقال يا رسول اللّه ألحقه و أسأله أن يستغفر لي فقال رسول اللّه9 إذا تجده مرفقاً قال فلحقه الرجل وهو (عمر) و سأله أن يستغفر له فقال: هل فهمت ما قال لي رسول اللّه وما قلت له؟ قال الرجل: نعم فقال له: إن كنت متمسكاً بذلك الحبل فغفر اللّه لك وإلّا فلا غفر اللّه لك. وتركه .(1)

لعلّ المراد من كونه7 حبل اللّه تعالى أنّه الواسطة في وصول العلوم الإلهيّة والهدايات الربّانيّة ورحمته إلى الخلق. فهو باب اللّه سبحانه ومن أراد أن يصل إلى علمه وهدايته ورحمته لا بدّ له من التوجّه إلى بابه علي بن أبي طالب8.

ويضاف إليه أنّ اللّه سبحانه يجري أُموره على يد حجّته وخليفته وهو أميرالمؤمنين7 بعد رسول اللّه 9.

15. قوله تعالى: (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا

بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا) .(2)

عن أبي عبداللّه 7 في قوله: (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ


1- بحارالأنوار 36: 15.
2- آل عمران: 193.

ص: 137

آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا) قال: هو أميرالمؤمنين7 نودي من السماء أن آمن بالرسول وآمن به .(1)

16. قوله تعالى: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) .(2)

عن الصادق7: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) قال: الوالدان رسول اللّه9 وعلي7 .(3)

وعنه7: نزلت في رسول اللّه9 وفي عليٍّ7 .(4)

أقول: بما أنّهما صلوات اللّه عليهما وآلهما سبب لهداية الخلق وكمالهم يكونان الوالدين لهم. ويحتمل أيضاً أن يكون المراد من كونهما أبوي الخلق هو أنّ اللّه تعالى خلق كلّ شيء من أجلهم وبسببهم فهم واسطة الخلق وبيمنهم خلقوا ورزقوا، واللّه تعالى العالم.

17. قوله تعالى: (قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِن رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ

نُوراً مُبِيناً) .(5)

عن أبي جعفر7 قال: نزل جبرئيل على محمّد9 بهذه الآية: (يَا


1- بحارالأنوار 36: 97.
2- لنساء: 36.
3- بحارالأنوار 36: 11.
4- بحارالأنوار 36: 11.
5- لنساء: 174.

ص: 138

أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِن رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) في عليّ بن أبي طالب7 والبرهان رسول اللّه9 قوله (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّه ِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ) قال: بولاية عليّ بن أبي طالب7 .(1)

عن عبد اللّه بن سليمان قال قلت لأبي عبداللّه 7 قوله: (قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِن رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً)؟

قال: البرهان محمّد عليه وآله السلام والنّور علي7.

قال: قلت له (صِرَاطاً مُسْتَقِيماً)؟

قال: الصراط المستقيم علي7 .(2)

الظاهر أنّ الخبر الأوّل ناظر إلى الخبر الثاني فالمراد من كونه7 نوراً مبيناً هو أنّه حامل للنور المبين المنزل من قبل اللّه سبحانه. ولعلّ المراد منه بقرينة إنزاله من السماء هو القرآن بما فيه من نور وعلم وهداية.

وأمّا وجه كونه نوراً مبيناً فلما نرى من انحدار سيل المعارف عنه بأبي هو وأُمّي فإنّه الإمام الذي كان حاملاً لعلم القرآن والذي انطوى فيه علم كلّ شيء.

18. قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) .(3)


1- بحارالأنوار 36: 136.
2- بحارالأنوار 35: 363.
3- المائدة: 1.

ص: 139

عن أبي جعفر الثاني7 في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) قال: إنّ رسول اللّه9 عقد عليهم لعليّ صلوات اللّه عليه في الخلافة في عشرة مواطن ثمّ أنزل اللّه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) التي عقدت عليكم لأميرالمؤمنين7 .(1)

19. قوله تعالى: (...الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) .(2)

عن جعفر الصادق عن أبيه8 في قوله: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) قال: نزلت في عليّ بن أبي طالب7 خاصّة دون الناس .(3)

أخرج الخوارزمي في (مقتله) بسنده المذكور عن أبي سعيد الخدري قال: أنّ النبيّ9 يوم دعا الناس إلى عليّ في (غدير خم) أمر بما كانت تحت الشجرة من شوك فقمّ، وذلك يوم الخميس، ثمّ دعا الناس إلى عليّ فأخذ بضبعه ثمّ رفعه حتّى نظر الناس إلى بياض


1- بحارالأنوار 36: 93.
2- المائدة: 3.
3- بحارالأنوار 36: 129.

ص: 140

ابطيهما، ثمّ لم يتفرّقا حتى نزلت هذه الآية: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينا) فقال رسول اللّه 9: اللّه أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الربّ برسالتي والولاية لعليّ ثمّ قال: اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله .(1)

لعلّ المراد من إكمال الدين بولاية عليّ7 هو أنّ الدين يكتمل بتعاليمه وهداياته فإنّ الرسول9 قاتل على التنزيل ولكنّه لم تسنح له الفرصة لتعليم تأويل القرآن وباطنه لعامّة الناس إلّا أنّه علّم ذلك الإمام عليّ7 وأودعه علمه وحكمته فصار7 سفط علم الرسول وعيبة نوره وبرهانه فأدّى ما كان عليه من بيان تأويل القرآن وقاتل عليه وملأ العالم بنوره و برهانه.

20. قوله تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّه ُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) .(2)

عن عون بن عبيداللّه عن أبيه عن جده أبي رافع قال: دخلت على رسول اللّه 9 يوماً وهو نائم وحيّة في جانب البيت فكرهت أن أقتلها


1- مقتل الحسين7 للخوارزمي 1: 47 _ 48.
2- المائدة: 55.

ص: 141

فأوقظ النبي9 فظننت أنّه يوحى إليه فاضطجعت بينه وبين الحية فقلت: إن كان منها سوء كان إليّ دونه، فمكثت هنيئة فاستيقظ النبيّ9 و هو يقرأ (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّه ُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) حتّى أتى على آخر الآية، ثمّ قال: الحمد للّه الّذي أتمّ لعليّ نعمته وهنيئاً له بفضل اللّه الذي آتاه، ثمّ قال لي: ما لك هاهنا. فأخبرته بخبر الحيّة فقال لي: اقتلها، ففعلت. ثمّ قال: يا أبارافع كيف أنت وقوم يقاتلون عليّاً وهو على الحق وهم على الباطل جهادهم حقّ للّه عزّ اسمه، فمن لم يستطع فبقلبه وليس من ورائه شيء. فقلت: يا رسول اللّه ادع اللّه لي إن أدركتهم أن يقويني على قتالهم. قال: فدعا النبي9 وقال: إنّ لكلّ نبيّ أميناً وإنّ أميني أبورافع... .(1)

أخرج الشيخ شهاب الدين السيويسي في تفسيره عند ذكر هذه الآية قال: (وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) المفروضه أو الصدقه (وَهُمْ رَاكِعُونَ) أي: يفعلون الخيرات في حال ركوعهم، لأنّ عليّاً تصدّق بخاتمه وهو في الصلاة فنزلت الآية في شأنه .(2)

وذكر المفسّر الهنديّ في تفسيره المخلوط المهمل الكلمات بلا


1- بحارالأنوار 35: 185.
2- عيون التفاسير للفضلاء السماسير: الصفحة الأولى: الورقة : ص126.

ص: 142

نقطة قال: (وَهُمْ رَاكِعُونَ) موردها أسد اللّه الكرار حال ما سأله صعلوك واعطاه وطرح له ما معه وهو راكع مصل .(1)

وقال السيوطي في حاشية مخلوطه على تفسير البيضاوي، عند تفسير هذه الآية الكريمة: قوله: «نزلت في عليٍّ حين سأله سائل» الحديث.

قال: أخرجه ابن مردويه عن ابن عباس وعمار بن ياسر و ابن أبي حاتم عن سلمه بن سهل، والثلعبي عن أبي ذر، والحاكم علوم الحديث عن عليّ .(2)

وأخرج الموفق بن أحمد الخوارزمي في مناقبه بسنده المفصل عن محمّد بن السايب عن أبي صالح عن ابن عباس حديث نزول آية: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ) في شأن علي بن أبي طالب7 وخروج النبيّ9 إلى المسجد... إلى أن قال: «فكبّر النبي9 ثمّ قرأ: (وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) .(3)

وعن أبي جعفر7 في قول اللّه عزّوجلّ: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّه ُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) الآية قال: إنّ رهطاً من اليهود أسلموا منهم عبد اللّه بن سلام


1- . سواطع الالهام المخطوط : لا أرقام لصفحاته.
2- حاشية السيوطي على البيضاوي المخطوطة: لا رقم لصفحاتها.
3- بحارالأنوار 35: 183.

ص: 143

وأسد وثعلبة وابن يامين وابن صوريا فأتوا النبيّ9 فقالوا: يا نبي اللّه إنّ موسى أوصى إلى يوشع بن نون فمن وصيّك يا رسول اللّه ومن وليّنا بعدك؟

فنزلت هذه الآية: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّه ُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) ثمّ قال رسول اللّه9: قوموا، فقاموا فأتوا المسجد فإذا سائل خارج.

فقال: يا سائل أما أعطاك أحد شيئاً؟

قال: نعم هذا الخاتم.

قال: من أعطاكه؟

قال: أعطانيه ذلك الرّجل الذي يصلّي.

قال: على أي حالٍ أعطاك؟

قال: كان راكعاً.

فكبّر النبيّ9 وكبّر أهل المسجد فقال النبيّ9، عليّ بن أبي طالب وليّكم بعدي قالوا: رضينا باللّه ربّاً وبالإسلام ديناً وبمحمّد نبيّاً وبعليّ بن أبي طالب وليّاً، فأنزل اللّه عزّوجل (وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) .

أقول: لو كنّا وآية الزكاة دون ملاحضة القرائن، فمن الواضح أنّ

ص: 144

الإنفاق حال الركوع ليس أمراً معهوداً، لا في الصدر الأوّل من الإسلام ولا في هذا اليوم فإنّ الصلاة لا ربط لها به، وإعطاء الزكاة في حال الركوع لا يكون إلّا في قضيّة خاصّة. وبذلك لا يجوز تعميم الآية على جميع الذين آمنوا. ومن هنا يجب الرجوع إلى الأخبار والقرائن المنفصلة. وقد وردت الأخبار عن الفريقين تدلّ بصراحة على أنّ أميرالمؤمنين عليّاً7 هو السبب الذي نزلت من أجله الآية.

هذا من جهة و من جهة أُخرى نجد أنّ الآية تثبت الولاية للّه تعالى ولرسوله وللذين آمنوا، فولاية (الَّذِينَ آمَنُوا) هي عينها ولاية (الرسول) وولاية (اللّه) سبحانه، فكما أنّ اللّه تعالى أولى بالمؤمنين من أنفسهم فكذلك هي ولاية النبيِّ والإمام.

نعم، الفرق أنّ ولايته عزّوجلّ على الخلائق بما هو خالقهم وبما هم مخلوقون له ومقهورون لإرادته، ولكن ولاية الرسول والإمام (صلّى اللّه عليهما وآلهما) من ولاية اللّه.

وبعبارة أُخرى ولاية اللّه ذاتيّة حيث إنّه الخالق القاهر الرازق المولى ولكن ولايتهما (صلوات اللّه عليهما) لكونهما خليفتاه ووليّاه فهي ولاية باللّه ومن اللّه تعالى.

21. قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ وَإِن لَمْ تَفْعَلْ

ص: 145

فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّه ُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) .(1)

روى الحافظ الحسكاني (قال) أخبرنا أبو عبداللّه الدينوري (باسناده المذكور) عن أبي اسحاق الحميدي قال: نزلت هذه الآية في عليِّ بن أبي طالب: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ) .(2)

وروى أيضاً، قال: أخبرنا أبو بكر السكري (بإسناده المذكور) عن عبداللّه بن أبي أوفي، قال: سمعت رسول اللّه 9 يقول يوم غدير خم وتلا هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) ثمّ رفع يديه حتّى (صار) يرى بياض ابطيه ثم قال9: ألا من كنت مولاه فعلي مولاه، اللّهمّ وال من والاه، و عاد من عاداه، ثمّ قال9: اللّهمّ اشهد .(3)

وأخرج (ابن قتيبه) في (الإمامة والسياسة) قال: وذكروا أنَّ رجلاً من همدان يقال له (برد) قدم على معاويه فسمع عمروا يقع في عليٍّ فقال له: يا عمرو إنّ أشياخنا سمعوا رسول اللّه يقول: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه فحقّ ذلك أم باطل؟


1- المائدة: 67.
2- شواهد التنزيل 1: 188.
3- شواهد التنزيل 1: 190.

ص: 146

فقال عمرو: حقّ، وأنا أزيدك أنّه ليس لأحد من صحابة رسول اللّه مناقب مثل مناقب عليٍّ، ففزع الفتى؛ الخبر .(1)

وروى النيسابوري (نظام الدين) أبوبكر محمّد بن الحسن في تفسيره قال: عن أبي سعيد الخدري: أنّ هذه الآية (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ) الآية نزلت في فضل عليّ بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه يوم (غدير خم) فأخذ رسول اللّه 9 بيده وقال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي، ومولى كلّ مؤمن ومومنة .(2)

هذه الآية المباركة تدلّ بوضوح على محوريّة أمر الإمامة المتمثلة في الإمام وأنّ محلّها من الإسلام محلّ القطب من الرحى، حيث نزلت بلسان الأُلوهيّة لبيان عظم الأمر وكبر شأنه إلى درجة يقول اللّه لحبيبه أنّ أمر الرسالة مرتهن بتبليغ ولاية علي7، فإذا لم تكن الإمامة فلا رسالة أيضاً (فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ).

22. قوله تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِن رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُم مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن


1- الإمامة والسياسة تحقيق الزيني 1: 97.
2- تفسير النيسابورى غرائب القرآن وغالب الفرقان هامش تفسير الطبري 6: 194 _ 195.

ص: 147

رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً) .(1)

عن أبي جعفر7 في قول اللّه تبارك وتعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِن رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرا مِنْهُم مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً) قال: هي ولاية أميرالمؤمنين7 .(2)

23. قوله تعالى: (أَوَمَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي

بِهِ فِي النَّاسِ) .(3)

عن بريد العجلي قال: سألت أباجعفر7 عن قول اللّه: (أَوَمَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) قال: الميّت الذي لا يعرف هذا الشأن يعني هذا الأمر (وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً) إماماً يأتمّ به يعني عليّ بن أبي طالب7. قلت فقوله: (كَمَن مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا) فقال: بيده هكذا هذا الخلق الذي لا يعرفون شيئاً .(4)

24. قوله تعالى: (وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ


1- المائدة: 68.
2- بحارالأنوار 36: 95.
3- الأنعام: 122.
4- بحارالأنوار 35: 404.

ص: 148

خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) .(1)

روى الحافظ الهيثمي في كتابه مجمع الزوائد قال: و عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت النبي9 يقول: وإنّما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطه في بني إسرائيل من دخله غفر له .(2)

وفي كنز العمال أخرج المتقي الهندي عن أبي سعيد الخدري عن النبي9 (قال): «عليّ بن أبي طالب باب حطّة، من دخل منه كان مؤمناً و من خرج منه كان كافراً» .(3)

25. قوله تعالى: (وَإِن يُرِيدُوا أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّه ُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) .

روى العلامة الهندي عبيداللّه بسمل في كتابه الكبير في فضائل أميرالمؤمنين7 عن أبي نعيم والسمعاني والسيوطي بأسانيدهم عن أبي هريرة قال في قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ):

قال رسول اللّه 9: مكتوب على العرش أنا اللّه لا إله إلّا أنا وحدي لا


1- الأعراف: 161.
2- مجمع الزوائد 9: 168.
3- كنز العمّال 6: 153.

ص: 149

شريك لي، ومحمّد عبدي و رسولي أيّدته بعليِّ بن أبي طالب .(1)

26. قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) .(2)

عن جعفر بن محمّد عن أبيه8 في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّه ُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) قال: نزلت في عليٍّ7 .(3)

وممّا أخرجه العز المحدّث الحنبليّ قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّه ُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) قال: هو عليّ بن أبي طالب، وهو رأس المؤمنين .(4)

27. قوله تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا مِن بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنكُمْ وأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) .(5)

روى الحافظ سليمان القندوزيّ (الحنفيّ) عن الحافظ أبي بكر بن مردويه في كتاب المناقل أنّه قال في قوله تعالى: (وأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ


1- أرجح المطالب: 73.
2- . الأنفال: 64.
3- بحارالأنوار 36: 52.
4- كشف الغمة 1: 318، بحارالأنوار 36: 51 ح3.
5- الأنفال: 75.

ص: 150

أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ) من المؤمنين والمهاجرين، انّه قيل: ذلك عليٌّ، لأنّه كان مؤمناً مهاجراً ذا رحم .(1)

28. قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) .(2)

عن أبي سعيد قال: قال رسول اللّه9: لمّا نزلت الآية: (اتَّقُوا اللّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) التفت النبيّ إلى أصحابه فقال: أتدرون فيمن نزلت هذه الآية؟

قالوا: لا واللّه يا رسول اللّه ما ندري.

فقال أبو دجانة: يا رسول اللّه كلّنا من الصادقين قد آمنّا بك وصدقناك.

قال: لا يا أبا دجانة هذه نزلت في ابن عمي أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب خاصّة دون الناس و هو من الصادقين .(3)

وعن أبي جعفر7 في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) قال: مع علي بن أبي طالب7 .(4)

ولعمري هذه فضيلة ما أعظمها للإمام حيث قال تعالى في عبارة


1- مناقب عليّ بن أبي طالب لابن مردويه: 250 ح365.
2- لتوبة: 119.
3- . بحارالأنوار 35: 411.
4- بحارالأنوار 35: 411.

ص: 151

وجيزة في ألفاظها وغزيرة في معانيها ومضامينها أن الإمام:

أوّلاً: هو الصادق في شؤونه جميعاً، لأنّ (الصدق) يستقي معناه من متعلّقه، فتارة صدق العين وأخرى صدق اللسان وثالثة صدق سائر الجوارح، ثمّ صدق الجوانح، ولو وردت بإطلاقها فتفيدها جميعاً _ سيّما مع القرائن المنفصلة _، فهو الصادق في كل أموره.

ثانياً: وممّا سبق يتّضح أنّ الآية تدل على العصمة أيضاً لأنّ مرتكب الذنوب كاذب مع نفسه، كاذب مع ربّه كاذب مع الناس.

ثالثاً: وجوب انقياد الناس تحت لواءه لَدليل على إمامته وقدوته.

رابعاً: أنّه7 ميزان الأعمال، لأنّ وجوب الكون معه يعني كونه الحقّ الذي يجب أن تقاس به الأمور كي تتبيّن وتتجلّى.

29. قوله تعالى: (أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) .(1)

روى الحافظ الحاكم الحسكاني قال: أخبرنا عقيل (بإسناده المذكور) عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه 9: إنّ من العباد عباداً يغبطهم الأنبياء، تحابوا بروح اللّه على غير مال ولا عرض من الدنيا، وجوههم نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزنوا، أتدرون من هم؟

قلنا: لا يا رسول اللّه 9.


1- يونس: 62.

ص: 152

قال: (هم)عليُّ بن ابي طالب، وحمزة بن عبدالمطلب، وجعفر، وعقيل.

ثم قرأ رسول اللّه 9، قوله تعالى: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) .(1)

30. قوله تعالى: (أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ) .(2)

قال أميرالمؤمنين7: ما من رجل من قريش إلا وقد أنزلت فيه آية أو آيتان من كتاب اللّه. فقال رجل من القوم: فما أنزل فيك يا أميرالمؤمنين؟ فقال: أما تقرأ الآية التي في هود (أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ) محمّد9 على بينة من ربّه و أنا الشاهد .(3)

أقول: يدلّ هذا الخبر الشريف على نزول آية أو آيتان في كلّ من قريش ولكن لا يدلّ على كون الآيات النازلة تمدح قريش بل قد تنزل آية تذمّهم بما فعلوا فتدبّر جيّداً.

31. قوله تعالى: (إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) .(4)

أخرج المفسر الكواشي موفق الدين احمد بن يوسف الموصلي في


1- شواهد التنزيل 1: 270.
2- هود: 17.
3- بحارالأنوار 35: 388.
4- الرعد: 7.

ص: 153

تفسيره المخطوط في سورة الرعد ذكر هذه الآية الشريفة: او المنذر محمّد والهادي عليّ احتجاجاً بقوله9 قول اللّه، لئن يهدي اللّه بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعيم .(1)

عن عبداللّه بن عطاء قال: سمعت أباجعفر7 يقول في هذه الآية: (إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) قال: رسول اللّه المنذر و بعليٍّ

يهتدي المهتدون .(2)

عن نجم قال سمعت أباجعفر7 يقول: (إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) قال: المنذر رسول اللّه9 والهادي عليٌّ7 .(3)

قال عليٌّ7: ما نزلت من القرآن آية إلّا وقد علمت أين نزلت وفيمن نزلت وفي أيّ شيء نزلت وفي سهل نزلت أم في جبل نزلت. قيل: فما نزل فيك؟ فقال: لولا أنّكم سألتموني ما أخبرتكم نزلت فيّ الآية: (إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) فرسول اللّه المنذر و أنا الهادي إلى ما جاء به .(4)

32. قوله تعالى: (قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ


1- التلخيص في التفسير : ص2 : ورقه 89.
2- بحارالأنوار 35: 402.
3- بحارالأنوار 35: 402.
4- بحارالأنوار 35: 396.

ص: 154

عِلْمُ الْكِتَابِ) .(1)

روى العلّامة البحرانيّ، عن أبي نعيم الاصفهانيّ باسناده عن ابن الحنفية في قوله عزّوجلّ: (قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) قال: (هو) عليُّ بن أبي طالب. قال أبونعيم: والرواية منسوبة إلى (ابن عمر) إلى (جابر) إلى (أبي هريرة) إلى (عائشة) .(2)

عن أبي سعيد الخدري قال: سألت رسول اللّه 9 عن قول اللّه جلّ ثناؤه قال: (الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ)(3) قال: ذاك وصيّ أخي سليمان بن داود فقلت له: يا رسول اللّه فقول اللّه عزّ وجلّ: (قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) قال: ذاك أخي عليُّ بن أبي طالب .(4)

عن أبي عبداللّه 7قال: «الذي عنده علم الكتاب» هو أميرالمؤمنين7 وسئل عن الذي عنده علم من الكتاب أعلم أم الذي «عنده علم الكتاب»؟ فقال: ما كان علم «الذي عنده علم من الكتاب» عند «الذي عنده علم الكتاب» إلّا بقدر ما يأخذ بعوضة بجناحها من ماء البحر .(5)


1- الرعد: 43.
2- غاية المرام: 357.
3- النمل: 40.
4- بحارالأنوار 35: 429.
5- بحارالأنوار 35: 429.

ص: 155

قال أبوعبداللّه 7: ما يقول الناس في أولي العزم وصاحبكم أميرالمؤمنين؟ قال: قلت: ما يقدمون على أولي العزم أحداً. قال: فقال أبوعبداللّه 7: إنّ اللّه تبارك وتعالى قال لموسى7: (وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً)(1) ولم يقل كل شيء موعظة، وقال لعيسى7: (وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ)(2) ولم يقل كل شيء، وقال لصاحبكم أميرالمؤمنين7: (قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) وقال اللّه عزّوجلّ: (وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)(3) وعلم هذا الكتاب عنده .(4)

قال أبو جعفر7 في قوله تعالى: (وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) قال: هو عليُّ بن أبي طالب7 .(5)

33. قوله تعالى: (قَالَ هَذا صِرَاطٌ عَلَيّ مُسْتَقِيمٌ) .(6)

روى الحاكم الحسكاني قال: حدّثني ابوبكر النجار (باسناده


1- الأعراف: 145.
2- الزخرف: 63.
3- الأنعام: 59.
4- بحارالأنوار 35: 430.
5- بحارالأنوار 35: 430.
6- الحجر: 41.

ص: 156

المذكور) عن سلام بن المستنير الجعفي، قال: دخلت على أبي جعفر _ يعني الباقر _ فقلت: جعلني اللّه فداك إنّي اكره أن اشقّ عليك فإن أذنت لي أن أسالك؟

فقال: سلني عما شئت.

فقلت: أسالك عن القرآن؟

قال: نعم.

قلت: قول اللّه في كتابه: (قَالَ هَذا صِرَاطٌ عَلَيّ مُسْتَقِيمٌ)؟

قال: صراط عليِّ بن أبي طالب.

فقلت: صراط عليّ بن أبي طالب؟

فقال: صراط عليّ بن أبي طالب .(1)

34. قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُم لاَ تَعْلَمُونَ) .(2)

أخرج ابن جرير الطبري في تفسيره الكبير بسنده عن جابر الجعفي قال: لما نزلت (فَسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُم لاَ تَعْلَمُونَ) قال عليٌّ2: نحن أهل الذكر .(3)


1- شواهد التنزيل 1: 60.
2- النحل: 43.
3- . جامع البيان 17: 5.

ص: 157

عن جابر الجعفي في قوله تعالى (فَسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) قال: قال عليٌّ7: نحن أهل الذكر .(1)

يحتمل أن يكون المراد من الذكر القرآن فيكون المعنى فاسألوا أهل القرآن الذين حملوا علمه و أحكموا آياته و عملوا بما فيه.

35. قوله تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاَهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لاَ يَأْتِ بِخَيرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) .(2)

ابن مردويه، عن عطاء، عن أبي جعفر قال: عليّ بن أبي طالب يأمر بالعدل، وهو على صراط مستقيم .(3)

36. قوله تعالى: (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً) .(4)

روى الحافظ الحاكم الحسكاني (الحنفي) قال: أخبرنا محمّد بن عبداللّه بن أحمد (بإسناده المذكور) عن عكرمة في قوله (تعالى)


1- بحارالأنوار 36: 177.
2- النحل: 76.
3- مناقب عليّ بن أبي طالب لابن مردويه: 273 ح424.
4- . الإسراء: 57.

ص: 158

(أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ) قال (عكرمة): هم النبيّ، وعليّ وفاطمة والحسن والحسين .(1)

37. قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً) .(2)

روى الحافظ الحاكم الحسكاني (الحنفي) قال: أخبرنا عبدالرحمن بن عليّ بن محمّد بن موسى البزاز (بإسناده المذكور) عن عليّ بن أبي طالب قال: قال رسول اللّه9: ليلة عرج بي إلى السماء حملني جبرئيل على جناحه الأيمن فقيل لي: من استخلفته على أهل الارض؟

فقلت: خير أهلها لها أهلاً، عليّ بن أبي طالب أخي ووصيّي وصهري (يعني ابن عمي).

فقيل لي: يا محمّد أتحبّه؟

فقلت: نعم يا رب العالمين.

فقال لي: أحبّه ومر أُمّتك بحبّه فانّي أنا العليّ الأعلى اشتققت له من أسمائي إسماً فسمّيته عليّاً فهبط جبرئيل فقال: إنّ اللّه يقرأ عليك السلام ويقول لك اقرأ. قلت: وما أقرأ؟ قال: (وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً) .(3)


1- شواهد التنزيل 1: 343.
2- مريم: 50.
3- شواهد التنزيل 1: 358.

ص: 159

عن يونس بن عبد الرحمن قال: قلت لأبي الحسن الرضا7: إنّ قوماً طالبوني باسم أميرالمؤمنين7 في كتاب اللّه عزوجل فقلت لهم من قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً) فقال: صدقت هو هكذا، قال مؤلفه ومعنى قوله: (لِسَانَ صِدْقٍ) أي: جعلنا لهم ولداً ذا لسان أي قول صدق وكلّ ذي قول صدق فهو صادق، والصادق معصوم وهو عليُّ بن أبي طالب7 .(1)

عن الصادق7: (وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً) يعني عليّاً أميرالمؤمنين7 .(2)

38. قوله تعالى: (وَاجْعَل لِي وَزِيرا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) .(3)

أخرج الحافظ الخطيب ابن المغازلي في مناقبه (بإسناده المذكور) عن ابن عباس قال: أخذ رسول اللّه 9 بيد عليٍّ فصلى أربع ركعات ثمّ رفع يده إلى السماء فقال: اللّهم سألك موسى بن عمران وأنا محمّد أسألك أن تشرح لي صدري وتيسّر لي أمري وتحلّل عقده من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيراً من أهلي عليّاً اشدد به أزري وأشركه في أمري.


1- بحارالأنوار 36: 57.
2- . بحارالأنوار 36: 59.
3- طه: 29 _ 32.

ص: 160

فقال ابن عباس: فسمعت منادياً ينادي: يا أحمد قد أُوتيت ما سألت.

فقال النبي9: ارفع يدك إلى السماء وادع ربّك واسأله يعطك، فرفع يده إلى السماء وهو يقول: اللّهم اجعل لي عندك عهداً واجعل لي عندك ودّاً.

فأنزل اللّه على نبيه: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ

الرَّحْمنُ وُدّاً).

فتلاها النبي9 على أصحابه فعجبوا من ذلك عجباً شديداً.

فقال النبي9: ممّ تعجبون؟ إنّ القرآن أربعة أرباع، فربع فينا أهل البيت خاصة وربع حلال وحرام وربع فرائض وأحكام واللّه أنزل في عليٍّ كرائم القرآن .(1)

39. قوله تعالى:


1- مناقب عليّ بن أبي طالب: الحديث 378 ؛ بحارالأنوار 35: 359.

ص: 161

(وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحا ثُمَّ اهْتَدَى) .(1)

قال ابن حجر في (الصواعق) ما لفظه: الآية الثامنة قوله تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) قال: قال ثابت البناني: اهتدى إلى ولاية عليٍّ وأهل بيته .(2)

(وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) أبو نعيم بإسناده إلى عون بن أبي جحيفة عن أبيه عن عليّ بن أبي طالب7: قال: إلى ولايتنا .(3)

ويؤيّد هذا التفسير ما يظهر من الآية المباركة من أنّه ليس الإستغفار والتوبة والعمل الصالح كافٍ في قبول التوبة مع أنّ المرتكز في الأذهان كفاية ذلك، بل يجب أيضاً الإهتداء إلى ولاية أهل البيت: فإنّه شرط أساسي في ذلك فلحن الآية يشير إلى أنّ في الإهتداء حكمة بالغة، ثمّ جاء الحديث وفسّر معناها.

40. قوله تعالى: (فَسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) .(4)

روى أحمد بن محمّد النيسابوري المعروف ب_(الثعلبي) صاحب التفسير الكبير في تفسيره عند قوله تعالى: (فَسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ) قال: جابر الجعفي: لمّا نزلت هذه الآية قال عليّ: نحن أهل الذكر .(5)

41. قوله تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ


1- طه: 82.
2- . دلائل الصدق 2: 218.
3- بحارالأنوار 36: 166.
4- الأنبياء: 7.
5- تفسير الثعلبي 6: 270.

ص: 162

الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ) .(1)

روى الحافظ الحسكاني (قال) حدثني أبوالحسن الصيدلاني وأبوالقاسم بن أبي الوفاء العدناني (بإسنادهما المذكور) عن أنس بن مالك و عن بريده (قالا):

قرأ رسول اللّه 9 هذه الآية: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ _ إلى قوله _ وَالأَبْصَارُ) فقام إليه رجل فقال: يا رسول اللّه أيّ بيوت هذه؟

قال: بيوت الأنبياء.

فقام إليه أبوبكر فقال: يا رسول اللّه هذا البيت منها _ لبيت عليٍّ وفاطمة _ قال9: نعم من أفاضلها .(2)

هذه الآيات من سورة النور تدلّ دلالة صريحة بضميمة الأخبار أنّ الرسول و أهل بيته: هم حملة علم اللّه فإنّ المشكاة هو صدر النبيّ محمّد9 والزجاجة هي علي7 إلى آخر ما ورد في تأويلها فإنّ من حمل نور الربّ يصير سبباً لهداية الخلائق. و هذا النور إنّما هو (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) وكان دأب أصحاب هذا البيت


1- النور: 36 _ 37.
2- شواهد التنزيل 1: 410.

ص: 163

التسبيح والتنزيه والتهليل للّه المتعال، فلا بيع يلهيهم عن ذكره سبحانه ولا لهو يمنعهم من التبتل إليه، بل تمحضّوا في تنزيهه عن كلّ ما لا يليق بجلاله وقدسه وعلوّه فشرف البيوت بشرف أصحابه الذين يعبدونه لا يشركون به شيئاً.

42. قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً) .(1)

قال رسول اللّه 9: خلق اللّه عزوجل نطفة بيضاء مكنونة فنقلها من صلب إلى صلب حتى نُقلت النطفة إلى صلب عبدالمطلب فجُعل نصفين فصار نصفها في عبد اللّه ونصفها في أبي طالب فأنا من عبداللّه وعليٌّ من أبي طالب وذلك قول اللّه عزّوجلّ (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً) الآية .(2)

أخرج العلّامة (الشافعي) الشبلنجي في نور الابصار عن محمّد بن سيرين في قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً) إنّها نزلت في النبيّ9 وعليّ بن أبي طالب _ كرَّم اللّه وجهه _ هو ابن عمّ النبي9 وزوج فاطمة رضي اللّه عنها فكان نسباً و صهراً .(3)


1- لفرقان: 54.
2- بحارالأنوار 35: 362.
3- نورالأبصار: 102.

ص: 164

43. قوله تعالى: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُم مِن فَزَعٍ

يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ

إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) .(1)

روى العلامة البحراني عن ابراهيم بن محمّد الحمويني الشافعي في كتاب فرائد السمطين (في فضائل المرتضى والبتول والسبطين) عن أبي عبداللّه الجدلي قال: دخلت على عليّ بن أبي طالب فقال: يا أبا عبداللّه ألا أُنبّئك بالحسنة التي من جاء بها أدخله اللّه الجنة والسيّئة التي من جاء بها أكبّه اللّه في النار ولم يقبل معها عملاً؟

قلت: بلى.

قال: الحسنة حبّنا والسيئة بغضنا.

(فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا) أي من هذه الحسنة خير منها يوم القيامة وهو الثواب والأمن.

قال ابن العباس (فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا) أي فمنها يصل إليه الخير.

وعن ابن العباس أيضاً (فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا) يعني: الثواب لأنّ الطاعة فعل العبد والثواب فعل اللّه .(2)


1- النمل: 89 _ 90.
2- غاية المرام: 329.

ص: 165

قال أميرالمؤمنين7 في قوله: «من جاء بالحسنة فله خير منها

ومن جاء بالسَّيّئة فلا يجزى إلّا مثلها»: يا أبا عبداللّه، الحسنة حبّنا والسيئة بغضنا .(1)

44. قوله تعالى: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَاكَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ) .(2)

روى العلّامة البحرانيّ1 عن الحافظ محمّد بن مؤمن الشيرازي وهو من مشايخ أهل السنة _ في تفسيره المستخرج من التفاسير الاثني عشر في تفسير قوله تعالى: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) يرفعه إلى أنس بن مالك قال: سألت رسول اللّه 9 عن هذه الآية فقال: إنّ اللّه خلق (آدم) من الطين كيف يشاء ويختار وإنّ اللّه تعالى اختارني و أهل بيتي على جميع الخلق فانتجبنا فجعلني الرسول و جعل عليّ بن ابي طالب الوصيّ ثمّ قال (تعالى): (مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) يعني: ما جعلت للعباد أن يختاروا ولكن أختار من أشاء فأنا وأهل بيتي صفوته وخيرته من خلقه.

ثمّ قال (تعالى): (سُبْحَانَ اللَّهِ) يعني: تنزها للّه (عَمَّا يُشْرِكُونَ) به كفار


1- بحارالأنوار 36: 102.
2- القصص: 68_ 69.

ص: 166

مكة، ثمّ قال (تعالى): (وَرَبُّكَ) يعني: يا محمّد (يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ) من بغض النافقين لك و لأهل بيتك (وَمَا يُعْلِنُونَ) في الظاهر من الحبّ لك و لأهل بيتك .(1)

وأخرج عالم (الحنفيه) المتقي الهندي في كنز العمال عن رسول اللّه 9 أنّه قال لفاطمة: يا فاطمة، إنّ اللّه تعالى اطّلع إلى الأرض اطلاعةً فاختار منها أباك فبعثه نبياً ثمّ اطلع إليها الثانية فاختار منها بعلك... .(2)

45. قوله تعالى: (كُلُّ شَىْ ءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) .(3)

عن أبي عبداللّه 7 في قوله عزّوجلّ: (كُلُّ شَىْ ءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) قال: كلّ شيء هالك إلّا ما أريد به وجه اللّه و وجه اللّه عليّ7 .(4)

الوجه هو ما يتوجّه به الإنسان، فبما أنّ الإمام عليّ7 واسطة الربّ المتعال في هداية الخلائق وبما أنّ اللّه تعالى شاء أن يجعل الإيمان به منوطاً بالإيمان بولايته، وأن يجري أموره على يده يكون الإمام، وجه اللّه الذي به يتوجّه الأولياء إلى اللّه تعالى.


1- غاية المرام: 331.
2- كنزالعمّال 6: 153.
3- القصص: 88.
4- بحارالأنوار 36: 151.

ص: 167

كما يظهر ذلك ممّا رواه أبوالصلت الهروي عن الإمام أبي الحسن الرضا7 قال: يا أبا الصلت، مَن وصف اللّه بوجه كالوجوه فقد كفر، ولكنّ وجه اللّه أنبياؤه ورُسلُه وحججه صلوات اللّه عليهم، هم الذين بهم يُتوجّه إلى اللّه عزّوجلّ وإلى دينه ومعرفته، وقال اللّه عزّوجلّ: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ) ... .(1)(2)

46. قوله تعالى: (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) .(3)

عن الرضا عن أبيه عن جدّه: في قوله تعالى: (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) قال: هو التوحيد و محمّد9 رسول اللّه وعليٌّ7 أميرالمؤمنين، إلى هاهنا التوحيد .(4)

الظاهر أنّ الفطرة من (الفطر) بمعنى الاختراع والابتداع ولعلّ المراد منها _ على حسب الوزن الصرفي _ بمعنى نوع خاصّ من الخلق والإبداع فإنّه تعالى خلق الناس في ابتداء خلقهم في العوالم السابقة ثمّ عرّفهم نفسه كما أنّه عرّفهم نبيّه ووليّه صلوات اللّه عليهما وآلهما .(5)


1- . الرحمن: 26 و 27.
2- بحارالأنوار 4: 3.
3- . الروم: 30.
4- بحارالأنوار 36: 103.
5- لمزيد من الإطلاع راجع كتاب سدّ المفر على منكر عالم الذرّ.

ص: 168

ومن هنا أصبحت معرفة اللّه تعالى وكذا معرفة أوليائه فطريّة ولذا نرى أنّ حبّ أوليائه الصالحين: فطريّ للمؤمنين، فلا يرضون بتركه وإن قطّعوا إرباً ونشروا بالمناشير. وهذا مشهود لمن تتبّع تاريخ أصحاب الأئمة: فإنّهم ضحّوا بأنفسهم في سبيل أوليائهم وقد تجلّت هذه التضحية في شهداء الطف الذين بذلوا مهجهم دون الحسين7 هذا.

وأمّا قوله7: «إلى هاهنا التوحيد» فلعلّ المراد أنّه لمّا كانت معرفة الرسول ووصيّه صلوات اللّه عليهما وآلهما بتعريف اللّه تعالى وكان اتّباعهما وآلهما بأمره تعالى، يكون توحيد اللّه سبحانه ينتهي إليهم حيث إنّهم خلفاء اللّه والحُجُب بينه وبين عباده، فطاعتهم طاعة اللّه ومعصيتهم معصية اللّه.

وبعبارة أخرى: إنّ اللّه لمّا كان قد أمر بطاعتهم وتولّيهم يكون عصيانهم نقض لأمر اللّه تعالى وكفرٌ بحكمه وحكمته، وذلك خروج عن حدّ التوحيد ودخول في حدّ الشرك والكفر؛ فمن التوحيد أن يعتقد الإنسان بأنّ الذي له حقّ الآمرية والناهوية والنصب والعزل والإختيار هو اللّه تعالى فإذا نقض أحد أمره فإنّه لا محالة سيفقد ركناً أصيلاً من أركان التوحيد.

ص: 169

47. قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا

بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) .(1)

روى الحافظ الحسكاني قال: أخبرنا عقيل (بإسناده المذكور) عن ابن عباس في قوله اللّه تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا) (قال): جعل اللّه لبني إسرائيل بعد موت هارون وموسى من ولد هارون سبعة من الأئمة، كذلك جعل من ولد عليٍّ ستة من الأئمة فيكونون مع عليٍّ سبعة خلفاء لرسول اللّه 9، ثمّ اختار بعد السبعة من ولد هارون خمسة فجعلهم تمام الاثني عشر نقيباً، اختار بعد السبعة من خلفاء رسول اللّه9 خمسة فجعلهم تمام الاثني عشر .(2)

48. قوله تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا


1- السجدة: 24.
2- شواهد التنزيل 1: 455.

ص: 170

تَبْدِيلاً) .(1)

روى ابن حجر الشافعي في الصواعق المحرقة أنه سُئل عليٌّ (كرّم اللّه وجهه) وهو على منبر الكوفة عن قوله تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) فقال كرَّم اللّه وجهه: اللّهمّ غفرا، هذه الآية نزلت فيّ وفي عمّي حمزة وفي ابن عمي عبيدة بن الحارث بن عبدالمطلب، فأمّا عبيدة فقضى نحبه شهيداً يوم بدر وأمّا عمّي حمزة فقضى نحبه شهيداً يوم أُحد وأمّا أنا فأنتظر أشقاها يخضب هذه من هذه _ وأشار إلى لحيته ورأسه _ عهد عهده إليَّ حبيبي أبوالقاسم9 .(2)

عن أبي جعفر7: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ) قال: عليٌّ وحمزة و جعفر (فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ) قال: عهده وهو حمزة وجعفر (وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ) قال: عليٌّ بن أبي طالب7 .(3)

عن أبي جعفر7 في قوله: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ) لا يغيّروا أبداً (فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ) أي: أجله وهو حمزة وجعفر بن أبي طالب (وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ) أجله يعني عليّاً7 يقول: (وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً * لِّيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ) الآية .(4)

49. قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلَّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) .(5)


1- الأحزاب: 23.
2- . الصواعق المحرقة: 80 ؛ ومثله في كشف الغمة 1: 190.
3- بحارالأنوار 35: 408.
4- بحارالأنوار 35: 409.
5- الأحزاب: 56.

ص: 171

عن أبي هاشم قال: كنت مع جعفر بن محمّد7 في المسجد الحرام فصعد الوالي يخطب يوم الجمعة فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلَّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) فقال جعفر7: يا أبا هاشم لقد قال ما لا يعرف تفسيره، قال: وسلّموا الولاية لعليّ تسليماً .(1)

50. قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً) .(2)

أخرج الواحدي في أسباب النزول قال _ في نزول هذه الآية الكريمة _ قال مقاتل: نزلت في عليّ بن أبي طالب و ذلك أنّ أناساً من المنافقين كانوا يؤذونه... .(3)

يظهر من ذلك أنّ إيذاء الإمام يناقض مفهوم الإيمان، فمن آذاه كائناً من كان جرت هذه الآية عليه وخرج عن حدّ الإيمان باللّه سبحانه.

51. قوله تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّماوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) .(4)


1- بحارالأنوار 36: 143.
2- الأحزاب: 58.
3- أسباب النزول: 273.
4- الأحزاب: 72.

ص: 172

روى الحافظ سليمان القندوزي عن أبي بكر بن مؤمن الشيرازي في كتاب (نزول القرآن في عليٍّ) بإسناده عن محمّد بن الحنيفة عن أميرالمومنين7 في قوله تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّماوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) أنّ المراد من الأمانة ولايته .(1)

عن أبي عبداللّه 7 في قوله: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ) الآية قال: يعني ولاية أميرالمؤمنين7 .(2)

يظهر من هذه الآية بضميمة ما روي في ذيلها من الأخبار أنّ السماوات والأرض والجبال أشفقن من حمل ولاية الإمام عليٍّ7 ولكنّ الإنسان حملها فيكون المراد من حمل الإنسان لها هو حملها من غير حقّ (إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) وهذا هو السرّ في إشفاق السماوت والأرضين والجبال من حملها فحمل ولايته وغصبها، لهو خطب عظيم. فمن نصب نفسه إماماً على الناس بغير أمر من اللّه يستحقّ أشدّ أنواع العذاب لأنّه يُضلّ ليس نفسه فحسب، بل أُمَماً من الخلق بإسم اللّه واسم دينه، واللّه منه بريء وعلى عمله ساخط.


1- ينابيع المودّة: 239.
2- بحارالأنوار 36: 150.

ص: 173

52. قوله تعالى: (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) .(1)

روى الحافظ سليمان القندوزي الحنفيّ بإسناده عن الحسين بن عليّ قال: لمّا نزلت هذه الآية قالوا: يا رسول اللّه هو التوراة أو الإنجيل أو القرآن؟ قال9: لا، فأقبل إليه أبي فقال9: «هذا هو الإمام الذي أحصى اللّه فيه علم كلّ شي» .(2)

وأخرج الحافظ القندوزي أيضاً عن عمّار بن ياسر قال: كنت مع أميرالمومنين سائراً فمررنا بواد مملوة نملاً فقلت: يا أميرالمومنين ترى أحداً من خلق اللّه يعلم عدد هذا النمل؟ قال: نعم يا عمار أنا أعرف رجلاً يعلم عدده وكم فيه ذكر و كم فيه أنثى. فقلت: من ذلك الرجل؟ فقال: يا عمار أقرأت في سورة يس (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ)؟

فقلت: بلى يا مولاي.

فقال: أنا ذلك الإمام المبين .(3)

عن أميرالمؤمنين7 أنّه قال: أنا واللّه الإمام المبين، أُبيّن الحقّ من الباطل ورثته من رسول اللّه9 .(4)


1- يس: 12.
2- ينابيع المودّة: 77.
3- ينابيع المودّة: 77.
4- بحارالأنوار 35: 427.

ص: 174

عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر عن أبيه عن جدّه7 قال: لمّا نزلت هذه الآية على رسول اللّه9 (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) قام أبوبكر و عمر من مجلسهما فقالا: يا رسول اللّه هو التوراة؟

قال: لا.

قالا: فهو الإنجيل؟

قال: لا.

قالا: فهو القرآن؟

قال: لا.

قال: فأقبل أميرالمؤمنين7 فقال رسول اللّه9: هو هذا إنّه الإمام الذي أحصى اللّه تبارك و تعالى فيه علم كلّ شيء .(1)

الظاهر أنّ المراد من الإحصاء هو الإثبات في قلبه المقدّس، فإنّ اللّه تعالى أحصى علم كلّ شيء وكتبه في صدر عليّ7 ولذا لا يعوزه التعلّم عند أحد سوى رسول اللّه9 فإنّه صلوات اللّه عليه يحمل علم كلّ شيء بنصّ هذه الآية الكريمة.

53. قوله تعالى: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْؤُولُونَ) .(2)


1- بحارالأنوار 35: 428.
2- الصافات: 24.

ص: 175

عن أبي سعيد الخدري أنّ النبي9 قال: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْؤُولُونَ) عن ولاية علي7 .(1)

روى الحافظ الحسكاني قال: حدثني أبوالحسن الفارسي (بإسناده) عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه 9: إذا كان يوم القيامة اقف أنا وعليٌّ على الصراط فما يمرّ بنا أحد إلّا سألناه عن ولاية عليٍّ فمن كانت معه وإلا ألقيناه في النار وذلك قوله (تعالى): (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْؤُولُونَ) .(2)

عن النبي9 في قول اللّه عزّوجلّ: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْؤُولُونَ) قال:

عن ولاية عليٍّ7 ما صنعوا في أمره وقد أعلمهم اللّه عزّوجلّ

أنّه الخليفة بعد رسوله .(3)

عن الرضا عن آبائه: قال: قال رسول اللّه7 في قول اللّه عزّوجلّ: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْؤُولُونَ) قال: عن ولاية عليٍّ7 .(4)

عن الحسين بن علي8 قال: قال رسول اللّه9: إنّ أبابكر مني لَبِمَنزلة السمع وإن عمر مني لبمنزلة البصر وإن عثمان مني لبمنزلة الفؤاد فلما كان من الغد دخلت إليه وعنده أميرالمؤمنين7 وأبوبكر وعمر


1- بحارالأنوار 36: 78.
2- شواهد التنزيل 2: 107.
3- بحارالأنوار 36: 76.
4- بحارالأنوار 36: 77.

ص: 176

وعثمان فقلت له يا أبة سمعتك تقول في أصحابك هؤلاء قولاً فما هو؟ فقال9: نعم ثم أشار إليهم فقال هم السمع والبصر والفؤاد وسيسألون عن وصيي هذا وأشار إلى علي7 ثمّ قال: إنّ اللّه عزّوجلّ يقول: (إِنَّ الْسَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُوْلئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً)(1)ثمّ قال: وعزّة ربي إنّ جميع أمتي لموقوفون يوم القيامة ومسئولون عن ولايته وذلك قول اللّه عزّوجلّ (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْؤُولُونَ) .(2)

54. قوله تعالى: (وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ) .(3)

عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن جابر الجعفي أنه سأل جعفر بن محمّد7 عن تفسير قوله تعالى (وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ) فقال7: إنّ اللّه سبحانه لمّا خلق إبراهيم كشف له بصره فنظر فرأى نوراً إلى جنب العرش فقال: إلهي ما هذا النور؟ فقال: هذا نور محمّد صفوتي من خلقي ورأى نوراً من جنبه فقال: إلهي ما هذا النور؟ فقال: نور عليّ بن أبي طالب7 ناصر ديني. ورأى إلى جنبهما ثلاثة أنوار فقال: إلهي ما هذه الأنوار؟ فقيل له: هذا نور فاطمة فطمت محبيها من النار ونور ولديها الحسن والحسين. قال: إلهي وأرى تسعة أنوار قد أحدقوا بهم قيل: يا إبراهيم هؤلاء الأئمة من ولد عليّ وفاطمة. فقال إبراهيم: إلهي بحق هؤلاء الخمسة إلّا عرفتني مَن التسعة قيل: يا إبراهيم أوّلهم عليّ بن الحسين وابنه محمّد وابنه جعفر وابنه موسى وابنه علي وابنه محمّد وابنه علي وابنه الحسن والحجة القائم ابنه. فقال إبراهيم: إلهي وسيدي أرى أنواراً قد أحدقوا بهم لا يحصي عددهم إلّا أنت. فقيل: يا


1- الأسراء: 36.
2- بحارالأنوار 36: 77.
3- الصافات: 83.

ص: 177

إبراهيم هؤلاء شيعتهم، شيعة أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب7 فقال إبراهيم: وبما تُعرَف شيعته؟ قال: بصلاة إحدى وخمسين والجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم والقنوت قبل الركوع والتختم في اليمين. فعند ذلك قال إبراهيم: اللّهم اجعلني من شيعة أميرالمؤمنين قال: فأخبر اللّه تعالى في كتابه فقال: (وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ) .(1)

55. قوله تعالى: (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ * أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ) .(2)

روى الحافظ الحسكاني عن فرات بن إبراهيم الكوفي بإسناده عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر _ في حديث _ قال: كان عليّ بن أبي طالب يقول لأصحابه: أنا واللّه النبأ العظيم، واللّه ما للّه نبأ أعظم منّي ولا للّه آية أعظم مني .(3)


1- بحارالأنوار 36: 151.
2- سورة ص: 67 _ 68.
3- شواهد التنزيل 2: 317.

ص: 178

56. قوله تعالى: (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُم مَا يَشَاؤُنَ عِندَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ) .(1)

عن علماء أهل البيت الباقر والصادق والكاظم والرضا: وعن زيد بن علي في قوله تعالى: (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) قالوا: هو عليّ7 .(2)

روى جلال الدين السيوطي الشافعي عن ابن مردويه عن أبي هريرة في قول اللّه (تعالى): (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ) قال (أبوهريرة): هو رسول اللّه 9 (وَصَدَّقَ بِهِ) قال: هو عليّ بن أبي طالب .(3)

57. قوله تعالى: (أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتى عَلَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) .(4)

روى العلّامة البحرانيّ عن صاحب المناقب الفاخرة في العترة الطاهرة قال: يروى عن أبي بكر قال: قال رسول اللّه 9 لعليّ بن أبي طالب: خلقت أنا وأنت يا عليّ من جنب اللّه تعالى.


1- الزمر: 33 _ 34.
2- بحارالأنوار 35: 407.
3- الدرّ المنثور 5: 328.
4- الزمر: 56.

ص: 179

فقال: يا رسول اللّه ما جنب اللّه تعالى؟

قال9: سرّ مكنون وعلم مخزون لم يخلق اللّه منه سوانا، فمن أحبّنا وفى بعهد اللّه، ومن أبغضنا فانّه يقول في آخر نفس: (يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ) .(1)

عن أبي جعفر7 في قوله تعالى (يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ) قال: قال عليّ7: أنا جنب اللّه وأنا حسرة الناس يوم القيامة .(2)

الظاهر أنّ المراد من كونه7 جنب اللّه هو بيان قربه المعنوي من اللّه تعالى _ حيث إنّه وعاء نوره _ فكأنّه جنبه.

وفي الحديث عن الإمام محمّد الباقر7 قال: معنى جنب اللّه أنّه ليس شيء أقرب إلى اللّه من رسوله، ولا أقرب إلى رسوله من وصيّه، فهو في القُرب كالجنب... .(3)

58. قوله تعالى: (ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً) .(4)


1- غاية المرام: 341.
2- بحارالأنوار 36: 150.
3- بحارالأنوار 4: 9.
4- الشورى: 23.

ص: 180

عن ابن عباس قال: لمّا نزل قول اللّه تعالى: (قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) قالوا: يا رسول اللّه من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم؟

قال9: عليّ وفاطمة وابناهم .(1)

عن ابن عباس قال: لمّا نزلت (قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) قالوا يا رسول اللّه من هؤلاء الذين يأمرنا اللّه بمودتهم؟

قال: عليّ و فاطمة و أولادهما .(2)

عن الباقر7: الحسنة ولاية عليّ7 وحبّه. والسيئة عداوته وبغضه ولا يرفع معها عمل وقال7 (وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً) قال: المودة لعليّ بن أبي طالب7 .(3)

روى الحافظ الحسكاني قال: أخبرنا محمّد بن علي بن محمّد بن الحسن الجرجاني بإسناده عن ابن عباس في قوله تعالى: (وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً) قال: المودّة لأهل بيت النبي9 .(4)


1- تفسير النسفي بهامش تفسير الخازن 4: 94.
2- . بحارالأنوار 36: 166.
3- . بحارالأنوار 36: 103.
4- شواهد التنزيل 2: 149 _ 150.

ص: 181

تشير هذه الآية إلى شأن قربى الرسول الأكرم9 حيث إنّها جعلت أجر الرسالة وما قدّمه الرسول من جهد وجهاد وتضحية وهجرة وفقدان للأحبّة والأقربين، جعلت أجر ذلك العناء والتعب مودّة قرباه9. وحيث أنّ شكر كلّ نعمة بحسبها (فشكر نعمة العين هي الغض عن المحارم وشكر نعمة الأذن عدم استماع المحرمات، واللسان هجران الغيبة والبهتان..) فشكر نعمة الهداية هي مودة أهل بيت رسول اللّه 9.

59. قوله تعالى: (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَ يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ) .

روى (المحدث الشافعي) الشبلنجي في نور الابصار، عن أنس بن مالك في قوله تعالى: (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ) قال: عليّ وفاطمة (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ)(1) قال: الحسن والحسين .(2)

وأخرج هذا المعني كثير من أعلام المذاهب الأربعه وغيرهم. منهم فقيه الشافعية جلال الدين بن أبي بكر السيوطي في تفسيره .(3)


1- الرحمن: 19 _ 22.
2- نورالابصار: 115.
3- الدر المنثور 6: 142.

ص: 182

60. قوله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي

جَنَّاتِ النَّعِيمِ) .(1)

عن الرضا عن آبائه عن علي: قال: (السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) نزلت فيّ .(2)

61. قوله تعالى: (وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) .

روى السدي في تفسيره، عن أبي صالح، عن ابن عباس في قوله تعالى: (وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ).(3)

قال: انزل اللّه آدم، ومعه من الجنّة سيف ذي الفقار، خلق من ورق آس الجنة. ثمّ قال تعالى: (فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) فكان يحارب به آدم7 أعدائه، من الجنّ، والشياطين، وكان عليه مكتوب: لا يزال أنبيائي يحاربون به، نبي بعد نبي، وصديق بعد صديق، حتى يرثه أميرالمؤمنين، فيحارب به مع النبي الأمّي (وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ) أي: محمّد وعليّ (إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) أي: منيع بالنقمة من الكفّار لعلي بن أبي طالب .(4)


1- الواقعة: 12 _ 10.
2- بحارالأنوار 35: 335.
3- الحديد: 25.
4- . حواشي احقاق الحقّ: المجلد الثالث ص439، غاية المرام 4: 267.

ص: 183

وهذا التفسير يلائم ظاهر الآية حيث إنّ الحديد لا ينزل من السماء إنّما يستنقذ من باطن الأرض فإنزال الحديد خير شاهد على خصوصيّة في الحديد المُنزَل، وقد بيّنت الأخبار تلك الخصوصيّة وهو أنّ الحديد هو سيف ذي الفقار الذي وهبه اللّه لأميرالمؤمنين7.

62. قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ

يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ

وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) .(1)

روى الحاكم الحسكاني عن فرات بن إبراهيم الكوفي باسناده المذكور عن ابن عباس _ في قول اللّه تعالى _: (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَحْمَتِهِ) قال: الحسن والحسين (وَيَجْعَل لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ) قال:

عليّ بن أبي طالب .(2)

63. قوله تعالى: (إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) .(3)

روى جلال الدين السيوطي في تفسيره قال: وأخرج ابن مردويه عن أسماء بنت عميس: سمعت رسول اللّه 9 يقول (في قوله تعالى): (وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) قال9: عليّ بن أبي طالب .(4)

وروى أيضاً عن ابن عساكر، عن ابن عباس في قوله تعالى:


1- الحديد: 28.
2- شواهد التنزيل 2: 227.
3- التحريم: 4.
4- لدرّ المنثور 6: 244.

ص: 184

(وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) قال: هو عليّ بن أبي طالب .(1)

سمعت أباجعفر7 يقول: (إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا) إلى قوله (صَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) قال: صالح المؤمنين عليّ7 .(2)

عن أبي عبداللّه 7 قال: إنّ رسول اللّه9 عَرَّف أصحابه أميرالمؤمنين7 مرّتين وذلك أنّه قال لهم: أتدرون من وليكم بعدي؟ قالوا: اللّه ورسوله أعلم. قال: فإن اللّه تبارك وتعالى قد قال: (فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) يعني أميرالمؤمنين وهو وليّكم بعدي. والمرّة الثانية في غدير خمّ حين قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه .(3)

64. قوله تعالى: (وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ) .(4)

عن عليّ7 قال: قال النبيّ9 في قوله عزّوجلّ: (وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ) قال: دعوتُ اللّه عزّوجلّ لي أن يجعلها أذنك يا عليّ .


1- لدرّ المنثور 6: 244.
2- بحارالأنوار 36: 27.
3- بحارالأنوار 36: 29.
4- الحاقة: 12.

ص: 185

عن أبي عبداللّه 7 في قوله تعالى: (وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ) قال: وعت أذن أميرالمؤمنين ما كان وما يكون .(1)

عن أبي جعفر7 في قوله تعالى: (وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ) أذن عليّ .

وعنه7: قال النبيّ9 لما نزلت هذه الآية: واللّه أذنيك يا عليّ .(2)

روى المورخ الشهير البلاذري قال: حدثني مظفر بن مرجا (بإسناده المذكور) عن علي بن حوشب قال: سمعت مكحولا يقول: قرأ رسول اللّه 9: (وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ) فقال: يا عليّ سألت اللّه يجعلها أذنك.

قال عليّ: فما نسيت حديثاً أو شيئاً سمعته من رسول اللّه9 .(3)

65. قوله تعالى: (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ) .(4)

روى الفقيه (الحنفي) مفتي بغداد (محمود الآلوسي) في تفسيره عن تفسير قوله تعالى: (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ) قال: وقيل هو الحرث بن النعمان الفهري،


1- بحارالأنوار 35: 326
2- بحارالأنوار 35: 326.
3- أنساب الأشراف 2: 121.
4- . المعارج: 1 _ 3.

ص: 186

وذلك أنه لمّا بلغه قول رسول اللّه 9 في عليّ رضي اللّه عنه: من كنت مولاه فعليّ مولاه قال: اللّهمّ ان كان ما يقول محمّد حقاً، فامطر علينا حجارة من السماء، فما لبث حتّى رماه اللّه فوقع على دماغه، فهلك من ساعته .(1)

66. قوله تعالى: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) .(2)

عن مسلمة بن خالد عن الصادق جعفر بن محمّد عن أبيه: في قوله عزّوجلّ (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) قالا: مرض الحسن و الحسين8 وهما صبيّان صغيران فعادهما رسول اللّه9 ومعه رجلان فقال أحدهما: يا أبا الحسن لو نذرت في ابنيك نذراً إن اللّه عافاهما فقال: أصوم ثلاثة أيام شكرا للّه عزوجل وكذلك قالت فاطمة3 وقال الصبيّان: ونحن أيضا نصوم ثلاثة أيام وكذلك قالت جاريتهم فِضّة.

فألبسهما اللّه عافيته فأصبحوا صياماً وليس عندهم طعام فانطلق عليّ7 إلى جار له من اليهود يقال له شمعون يعالج الصوف فقال: هل لك أن تعطيني جزة من صوف تغزلها لك ابنة محمّد9 بثلاثة أصوع من شعير. قال: نعم. فأعطاه، فجاء بالصوف و الشعير وأخبر فاطمة3 فقبلت وأطاعت ثمّ عمدت فغزلت ثلث الصوف ثمّ أخذت صاعاً من


1- روح المعانى 15: 62.
2- . الانسان: 7.

ص: 187

الشعير فطحنته وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص لكل واحد قرصاً وصلّى عليّ7 مع النبيّ9 المغرب ثم أتى منزله فوضع الخوان وجلسوا خمستهم فأوّل لقمة كسرها عليّ7 إذا مسكين قد وقف بالباب فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمّد أنا مسكين من مساكين المسلمين أطعموني مما تأكلون أطعمكم اللّه على موائد الجنة فوضع اللقمة من يده ثمّ قال:

فاطم ذات المجد و اليقين

يا بنت خير الناس أجمعين

أما ترين البائس المسكين

جاء إلى الباب له حنين

يشكو إلى اللّه و يستكين

يشكو إلينا جائعا حزين

كل امرئ بكسبه رهين

من يفعل الخير يقف سمين

موعده في جنة دهين

حرمها اللّه على الضنين

و صاحب البخل يقف حزين

تهوي به النار إلى سجين

شرابه الحميم و الغسلين

فأقبلت فاطمة3 تقول:

أمرك سمع يا ابن عم و طاعة

ما بي من لؤم و لا رضاعة

غديت باللب و بالبراعة

أرجو إذا أشبعت من مجاعة

أن ألحق الأخيار و الجماعة

و أدخل الجنة في شفاعة

وعمدت إلى ما كان على الخوان فدفعته إلى المسكين و باتوا جياعاً وأصبحوا صياماً لم يذوقوا إلّا الماء القراح ثمّ عمدت إلى الثلث الثاني

ص: 188

من الصوف فغزلته ثمّ أخذت صاعاً من الشعير وطحنته وعجنته وخبزت منه خمسة أقرصة لكلّ واحد قرصاً وصلّى عليّ7 المغرب مع النبي9 ثمّ أتى منزله فلمّا وضع الخوان بين يديه وجلسوا خمستهم فأوّل لقمة كسرها عليّ7 إذا يتيم من يتامى المسلمين قد وقف بالباب فقال: السلام عليكم أهل بيت محمّد أنا يتيم من يتامى المسلمين أطعموني ممّا تأكلون أطعمكم اللّه على موائد الجنة فوضع عليّ7 اللقمة من يده ثمّ قال:

فاطم بنت السيد الكريم

بنت نبي ليس بالزنيم

قد جاءنا اللّه بذا اليتيم

من يرحم اليوم هو الرحيم

موعده في جنة النعيم

حرمها اللّه على اللئيم

وصاحب البخل يقف ذميم

تهوي به النار إلى الجحيم

شرابه الصديد و الحميم

فأقبلت فاطمة3 وهي تقول:

فسوف أعطيه ولا أبالي

وأؤثر اللّه على عيالي

أمسوا جياعاً وهم أشبالي

أصغرهم يقتل في القتال

بكربلاء يقتل باغتيال

لقاتليه الويل مع وبال

يهوي به النار إلى سفال

كبوله زادت على الأكبال

ثمّ عمدت فأعطته3 جميع ما على الخوان وباتوا جياعاً لم يذوقوا إلّا الماء القراح وأصبحوا صياماً وعمدت فاطمة3 فغزلت الثلث الباقي من الصوف وطحنت الصاع الباقي وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص

ص: 189

لكل واحد قرصاً وصلّى عليّ7 المغرب مع النبيّ9 ثمّ أتى منزله فقرب إليه الخوان وجلسوا خمستهم فأول لقمة كسرها عليّ7 إذا أسير من أسراء المشركين قد وقف بالباب فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمّد تأسروننا وتشدوننا ولا تطعموننا فوضع عليّ7 اللقمة من يده ثم قال:

فاطم يا بنت النبي أحمد

بنت نبي سيد مسوَّد

قد جاءك الأسير ليس يهتدي

مكبلا في غلّه مقيد

يشكو إلينا الجوع قد تقدد

من يطعم اليوم يجده في غد

عند العليّ الواحد الموحد

ما يزرع الزارع سوف يحصد

فأعطيه لا تجعليه ينكد

فأقبلت فاطمة3 وهي تقول:

لم يبق مما كان غير صاع

قد دبرت كفي مع الذراع

شبلاي واللّه هما جياع

يا رب لا تتركهما ضياع

أبوهما للخير ذو اصطناع

عبل الذراعين طويل الباع

وما على رأسي من قناع

إلّا عبا نسجتها بصاع

وعمدوا إلى ما كان على الخوان فأعطوه وباتوا جياعاً وأصبحوا مفطرين وليس عندهم شيء.

قال شعيب في حديثه وأقبل عليّ بالحسن والحسين: نحو رسول اللّه 9 وهما يرتعشان كالفرخ من شدة الجوع فلمّا بصر بهم النبي9

ص: 190

قال: يا أبا الحسن شد ما يسوؤني ما أرى بكم انطلق إلى ابنتي فاطمة فانطلقوا إليها وهي في محرابها قد لصق بطنها بظهرها من شدّة الجوع وغارت عيناها فلما رآها رسول اللّه 9 ضمّها إليه وقال: واغوثاه باللّه أنتم منذ ثلاث فيما أرى!

فهبط جبرئيل فقال: يا محمّد خذ ما هُيّأ اللّه لك في أهل بيتك قال: وما آخذ يا جبرئيل؟ قال: (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) حتى إذا بلغ (إِنَّ هذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَشْكُوراً) .(1)

67. قوله تعالى: (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ

فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) .(2)

روى الحاكم الحسكاني قال: أخبرنا عقيل بن الحسين (بإسناده المذكور) عن عبد خير، عن عليّ بن أبي طالب قال: اقبل صخر بن حرب حتى جلس إلى رسول اللّه فقال: الأمر بعدك لمن؟ قال9: لمن هو مني بمنزلة هارون من موسى.

فأنزل اللّه: (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ) يعني: يسألك أهل مكه عن خلافة عليّ (عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) فمنهم المصدق و منهم المكذب بولايته (كَلّا سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلّا سَيَعْلَمُونَ) وهو ردّ عليهم


1- بحارالأنوار 35: 237.
2- . النبأ: 1 _ 3.

ص: 191

سيعرفون خلافته أنّها حقّ إذ يُسألون عنها في قبورهم، فلا يبقى ميت في شرق ولاغرب ولا بَرّ ولا بحر إلّا ومنكر ونكير يسألانه، يقولون للميت: مَن ربّك؟ وما دينك؟ ومَن نبيك؟ ومَن إمامك .(1)

عن أبي الحسن الرضا7 في قوله تعالى: (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) قال: قال أميرالمؤمنين صلوات اللّه عليه: ما للّه نبأ أعظم مني وما للّه آية أكبر مني، وقد عرض فضلي على الأمم الماضية على اختلاف ألسنتها فلم تقر بفضلي .(2)

عن أبي جعفر7 قال: قلت جعلت فداك إنّ الشيعة يسألونك عن تفسير هذه الآية: (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) قال فقال: ذلك إليّ إن شئت أخبرهم قال: فقال: لكني أخبرك بتفسيرها قال: فقلت: (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ) قال: كان أميرالمؤمنين7 يقول: ما للّه آية أكبر مني ولا للّه من نبإ عظيم أعظم مني ولقد عُرضَتْ ولايتي على الأمم الماضية فأبت أن تقبلها. قال: قلت له: (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ * أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ)(3) قال: هو واللّه أميرالمؤمنين7 .(4)


1- شواهد التنزيل 2: 318.
2- بحارالأنوار 36: 1.
3- سورة ص: 67 _ 68.
4- بحارالأنوار 36: 2.

ص: 192

عن أبان بن تغلب قال: سألت أبا جعفر7 عن هذه الآية فقال: هو عليّ7 لأنّ رسول اللّه 9 ليس فيه خلاف .(1)

روى أحمد بإسناده إلى علقمة أنّه قال: خرج يوم صفين رجل من عسكر الشام وعليه سلاح وفوقه مصحف وهو يقرأ (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) فأردت البراز إليه فقال علي7: مكانك. وخرج بنفسه فقال له: أتعرف النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون؟ قال: لا. فقال7: أنا واللّه النبأ العظيم الذي فيه اختلفتم وعلى ولايتي تنازعتم وعن ولايتي رجعتم بعد ما قبلتم وببغيكم هلكتم بعد ما بسيفي نجوتم ويوم الغدير قد علمتم ويوم القيامة تعلمون ما عملتم ثمّ علا بسيفه فرمى برأسه ويده .(2)

روى الأصبغ بن نباتة أنّ علياً7 قال: واللّه أنا النبأ العظيم (الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ * كَلّا سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلّا سَيَعْلَمُونَ) حين أقف بين الجنة و النار و أقول: هذا لي و هذا لك .(3)

واضح أنّ كون الإمام7 النبأ العظيم هو لأنّ شأن الإمام7 شأن عظيم فيكون نبأه عظيما فمن كان قسيماً للجنّة والنار وكانت ولايته شرط في قبول الأعمال وكانت الشفاعة له يوم القيامة يكون النبأ العظيم.


1- بحارالأنوار 36: 2.
2- بحارالأنوار 36: 3.
3- بحارالأنوار 36: 3.

ص: 193

68. قوله تعالى: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) .(1)

اخرج الحافظ القندوزي عن الحافظ أبي نعيم بسنده عن ابن عباس عن النبي9 في هذه الآية، قال9: عن ولاية عليّ بن أبي طالب .(2)

هذه الآيات في حقّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب7، وإنّنا نسأل: أين التي نزلت في مناوئيه ومخالفيه؟! إنّ من أراد الحقيقة وطلبها حقاً وصدقاً ليكفيه ما ورد، وأما المتعنتون الآفكون، فلو أنّ كل آية ذكرت اسم الإمام وفضله ومكانته من الإسلام لما كفاهم بل لطلبوا دليلاً آخر، أقول ذلك لأنّك تراهم في وضح الضحى يدّعون غياب الشمس، وأعمى القلب لا يصلحه شيء إلّا أن يهديه اللّه.

ف__إن أن_ك_رت ال_صب__اح و ض__وؤه

فحظّك قد أنكرت لا الصبح ضاحيا

وليس لمن يردّ هذه الحقائق إلّا الحسرة يوم الحسرة والخيبة والندم، ولات حين مَندم.

عن جابر بن عبداللّه الأنصاري _ في حديث طويل قال: يا رسول اللّه ومن وصيك؟


1- التكاثر: 8.
2- ينابيع المودّة: 111 _ 112.

ص: 194

فقال9: هو الذي يقول اللّه فيه: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً) قال9: وصيي السبيل إلى من بعدي (علي بن أبي طالب) .(1)

عن جعفر بن محمّد8 في قوله تعالى (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) يعني الأمن والصحة وولاية عليّ7 .(2)

هذه جملة من الآيات الواضحة الدلالة بضميمة الأخبار على المدّعى، وقد جئنا ببعض ما ورد في مصادر العامّة كي تكون الحجّة أتم وأبلغ. ومن أراد المزيد فليراجع الكتب التفصيلية كبحارالأنوار للعلّامة المجلسي وغاية المرام للعلّامة البحراني وغيرهما.

الشبهة الثانية: لماذا رضي الإمام علي7 بالخلافة


1- غاية المرام: 443.
2- بحارالأنوار 35: 426.

ص: 195

إحدى الأمور التي ظلّ البعض يلهج بها هي سكوت الإمام عند نهب القوم لتراثه، وعدم أخذه الحقّ منهم بالسيف. فلو كانت الخلافة حقَّه لكان _ على هذا الفرض _ القيامُ لزاماً عليه.

ولكنّا لا نسلّم قبول الإمام7 بخلافة الخلفاء، وسرّ الأمر أنّ بقاء دين اللّه كان منوطاً بعدم تجريد الامام لسيفه. وثانياً إنّ قبوله7 لخلافة الخلفاء يعني قبوله لغير ما أنزل اللّه، وقبول الباطل باطل والإقرار بحكمهم إقرار بغير حكم اللّه، وأميرالمؤمنين علي7 منزّه عن ذلك لأنّه معصوم لا يعصي ولا يخطأ، إضافة إلى كلّ ذلك دعنا ننظر في كلماته صلوات اللّه عليه في ذات الموضوع...

قال المعتزلي في شرح نهج البلاغة: روى كثير من المحدثين أنّه عقيب يوم السقيفة تألم7 وتظلم واستنجد واستصرخ حيث ساموه الحضور والبيعة وأنه قال وهو يشير إلى القبر _ قبر رسول اللّه 9 _ : يا (ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي)(1) . وأنّه قال: وا جعفراه ولا


1- الأعراف: 150.

ص: 196

جعفر لي اليوم وا حمزتاه ولا حمزة لي اليوم .(1)

نهج من كلامه7: وا عجباه أتكون الخلافة بالصحابة ولا تكون بالصحابة والقرابة .(2)

وقال7: إذا احتججت لاستحقاقه الأمر بصحبته إياه في المواطن كلّها فهلّا سلمت الأمر إلى من قد شركه في ذلك وزاد عليه بالقرابة .(3)

وقال7: فو اللّه ما زلت مدفوعاً عن حقّي مستأثراً عليّ، منذ قبض رسول اللّه 9 إلى يوم الناس هذا .(4)

وقال7: أنشدكم اللّه أفيكم أحد آخى رسول اللّه 9 بينه وبين نفسه حيث آخى بين بعض المسلمين وبعض غيري؟

فقالوا: لا.

فقال: أفيكم أحد قال له رسول اللّه 9 من كنت مولاه فهذا مولاه غيري؟

فقالوا: لا.

فقال: أفيكم أحد قال له رسول اللّه 9 أنت مني بمنزلة هارون من


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 11: 109.
2- بحارالأنوار 29: 609.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 19: 6.
4- بحارالأنوار 29: 610.

ص: 197

موسى إلّا أنه لا نبي بعدي غيري؟

قالوا: لا.

قال: أفيكم من اؤتمن على سورة براءة وقال له رسول اللّه 9 إنّه لا يؤدي عنّي إلّا أنا أو رجل مني غيري؟

قالوا: لا.

قال: ألا تعلمون أن أصحاب رسول اللّه 9 فرّوا عنه في ماقط الحرب في غير موطن وما فررت قط؟

قالوا: بلى.

قال: ألا تعلمون أنّي أول الناس إسلاماً؟

قالوا: بلى.

قال: فأينا أقرب إلى رسول اللّه 9 نسباً؟

قالوا: أنت.

فقطع عليه عبدالرحمن بن عوف كلامه وقال: يا عليّ قد أبى الناس إلّا على عثمان فلا تجعلنّ على نفسك سبيلاً.

ثمّ قال: يا أباطلحة ما الذي أمرك به عمر؟

قال: أن أقتل من شق عصا الجماعة فقال عبد الرحمن لعليّ بايع اذن وإلّا كنت متبعاً غير سبيل المؤمنين وأنفذنا فيك ما أمرنا به فقال:

ص: 198

لقد علمتم أني أحق بها من غيري واللّه لأسلمن .(1)

عن أبي الطفيل، قال كنت على الباب يوم الشورى فارتفعت الأصوات بينهم، فسمعت عليّاً7 يقول: بايع الناس أبابكر وأنا واللّه أولى بالأمر منه وأحقّ به منه، فسمعت وأطعت مخافة أن يرجع القوم كفّاراً يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف، ثم بايع أبابكر لعمر وأنا أولى بالأمر منه، فسمعت وأطعت مخافة أن يرجع القوم كفّاراً، ثمّ أنتم تريدون أن تبايعوا عثمان إذن لا أسمع و لا أطيع .(2)

ما كتب7 في كتاب له إلى معاوية: وكتاب اللّه يجمع لنا ما شذّ عنّا وهو قوله سبحانه: (وأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّه) وقوله تعالى: (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللّه ُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ)(3) فنحن مرّة أولى بالقرابة وتارة بالطاعة، و لمّا احتجّ المهاجرون على الأنصار يوم السقيفة برسول اللّه 9 (4)فلجوا عليهم، فإن يكن الفلج به فالحقّ لنا دونكم، و إن يكن بغيره فالأنصار على دعواهم. وقلت إنّي كنت أقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتّى أبايع، ولعمر اللّه لقد أردت أن تذمّ فمدحت، وأن تفضح فافتضحت، وما على المسلم من غضاضة


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 6: 167.
2- بحارالأنوار 29: 634.
3- آل عمران: 68.
4- ال رسول اللّه 9: «مثل الإمام مثل الكعبة إذ تؤتى ولا تأتي». بحارالأنوار 36: 353.

ص: 199

في أن يكون مظلوماً ما لم يكن شاكّاً في دينه و لا مرتاباً بيقينه .(1)

قال عليّ7: قبض النبي9 وأنا أولى بمجلسه مني بقميصي ولكني أشفقت أن يرجع الناس كفاراً .(2)

ومن كتاب له7 إلى أهل مصر مع مالك الأشتر لمّا ولاه إمارتها: أمّا بعد فإن اللّه سبحانه بعث محمداً9 نذيراً للعالمين ومهيمناً على المرسلين فلمّا مضى7 تنازع المسلمون الأمر من بعده فو اللّه ما كان يلقى في روعي و لا يخطر على بالي أن العرب تزعج هذا الأمر من بعده9 عن أهل بيته ولا أنّهم منحوه عنّي من بعده فما راعني إلّا انثيال الناس على فلان يبايعونه فأمسكت بيدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى مَحْقِ دين محمّد9 فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم التي إنّما هي متاع أيّام قلائل يزول منها ما كان كما يزول السراب أو كما يتقشع السحاب، فنهضت في تلك الأحداث حتّى زاح الباطل وزهق واطمأن الدين وتنهنه.

ومنه: أني واللّه لو لقيتهم واحداً وهم طلاع الأرض كلها ما باليت ولا استوحشت وإني من ضلالهم الذي هم فيه والهدى الذي أنا عليه لعلى بصيرة من نفسي ويقين من ربّي، وإني إلى لقاء اللّه لمشتاق ولحسن ثوابه


1- بحارالأنوار 29: 620.
2- بحارالأنوار 49: 192.

ص: 200

لمنتظر راج، ولكني آسى أن يلي هذه الأمة سفهاؤها وفجارها فيتخذوا مال اللّه دولاً و عباده خولاً والصالحين حرباً والفاسقين حزباً، فإنّ منهم الذي شرب فيكم الحرام وجلد حداً في الإسلام وإنّ منهم من لم يسلم حتى رضخت له على الإسلام الرضائخ، فلو لا ذلك ما أكثرت تأليبكم وجمعكم وتحريضكم ولتركتكم إذ أبيتم وونيتم، ألا ترون إلى أطرافكم قد انتقضت وإلى أمصاركم قد افتتحت وإلى ممالككم تزوى وإلى بلادكم تغزى، انفروا رحمكم اللّه إلى قتال عدوكم ولا تثاقلوا إلى الأرض فتقروا بالخسف وتبوءوا بالذل ويكون نصيبكم الأخس إنّ أخا الحرب الأرق ومن نام لم ينم عنه، والسلام .(1)

هذه تصريحات بيّنة في أن الإمام7 لم يرض بحكومة القوم. و أمّا سبب عدم أخذه حقّه منهم فذلك معلول علل كثيرة ذكرنا بعضاً منها، وإليك بعضاً آخر.

أوّلاً: إنّ أولى شروط قيام الإمام هو تحصيل الأنصار، وقد صرّح7 أكثر من مرّة أنه لو كان معه عمّه حمزة وأخوه جعفر لما جلس حلس بيته. أو أنّه لو وقف معه أربعون رجلاً ينصروه لقام ونهض.

ثمّ نقول _ ثانياً _: أنّه كان على الأمّة أن يقفوا إلى جانب الإمام وينصروه، لا أنّ الإمام كان يتوجّب عليه القيام، ذلك أنّه7 يبقى مع


1- بحارالأنوار 33: 596.

ص: 201

الحقّ والحقّ يبقى معه سواء نصره الناس أم خذلوه، ويبقى كالكعبة _ كما عبّر رسول اللّه _، يزار ويؤتى إليه لا العكس، فأمير المؤمنين7 يبقى أميراً للمؤمنين وعليّ هو عليّ روحي فداه.

وثالثاً: من المقرّر أن تجري الأيام بعد النبي9 على قاعدة إمهال الناس وامتحانهم ولذلك لا يستعين الإمام بجنود السماء ولا بالمعاجز، فلو افترض أنّ الأئمة يستفيدون من المعاجز في كل مكان وزمان لبطل إذن الإمتحان وفسد لأجله الثواب والعقاب. ولذلك تجد نهاية حياة الإمام تكسى بالقتل وتخضب شيبته من دمه الطاهر وتجري سنة الشهادة في جميع الأئمة الطاهرين.

قال أميرالمؤمنين7: فنظرت فإذاً ليس لي معين إلّا أهل بيتي فضننت بهم عن الموت فأغضيت على القذى وشربت على الشجا وصبرت على أخذ الكظم وعلى أمرّ من طعم العلقم .(1)

ورابعاً: إنّ الإمام7 كان مأموراً بالصبر لبعض الحِكَمِ والمصالح التي قد تخفى علينا فلاحظ الرواية التالية.

عن الإمام موسى بن جعفر عن أبيه8 قال: جمع رسول اللّه 9 أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين وأغلق عليه


1- نهج البلاغة: 68 الخطبة 26.

ص: 202

وعليهم الباب وقال: يا أهلي وأهل اللّه إنّ اللّه عزّ وجلّ يقرأ عليكم السّلام وهذا جبرئيل معكم في البيت يقول إنّي قد جعلت عدوّكم لكم فتنة فما تقولون؟ قالوا: نصبر يا رسول اللّه لأمر اللّه وما نزل من قضائه حتى نقدم على اللّه عزّ وجلّ ونستكمل جزيل ثوابه فقد سمعناه يعد الصابرين الخير كلّه، فبكى رسول اللّه 9 حتّى سمع نحيبه من خارج البيت فنزلت هذه الآية (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً)(1) أنّهم سيصبرون أي سيصبرون كما قالوا صلوات اللّه عليهم .(2)

وخامساً: إنّ من تلك الحِكَم أنّ الإمام صبر لخروج الودائع المؤمنة من الأصلاب الكافرة فلولا صبره لما ولد الطيبّون الذي كانوا في أصلاب الأشقياء.

عن الكرخي قال: قال رجل لأبي عبداللّه 7 ألم يكن عليّ قويّاً في بدنه قويّاً في أمر اللّه؟ فقال له أبو عبداللّه 7: بلى. قال فما منعه أن يدفع أو يمتنع؟ قال: قد سألت فافهم الجواب. منع عليّاً من ذلك آية من كتاب اللّه.

فقال: وأيّ آية؟

قال: فقرأ (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوْا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً) إنّه كان للّه


1- الفرقان: 20.
2- بحارالأنوار 24: 219.

ص: 203

ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين ومنافقين، فلم يكن عليّ صلوات اللّه عليه ليقتل الآباء حتّى يخرج الودائع، فلما خرجت ظهر على من ظهر وقتله، وكذلك قائمنا أهل البيت لن يظهر أبداً حتّى يخرج ودائع اللّه فإذا خرجت يظهر على من يظهر فيقتله .(1)

سادساً: إنّ خلافة الإمام _ كما بينّا سابقاً _ لم تعن الحكومة والرئاسة الظاهرة، فلو انتفت انتفنت الخلافة. فالإمام هو الخليفة المعيّن من قبل اللّه ربّ العالمين، سواء أخذ بزمام الحكومة أم لا، ولذلك كان الإمام صلوات اللّه عليه زاهداً في الإمارة مائلاً ومعرضاً بوجهه الكريم عنها. وقد عبّر7 بأنّ الحكومة لهي أهون عنده من عفطة عنز أو شسع نعل إلّا أن يقيم حقّاً أو يدحض باطلاً. فهل إذا انجر طلبها إلى إماتة الحقّ ومقتل أهله كما قال: «فإذاً ليس لي معين إلا أهل بيتي فضننت بهم عن الموت» هل تراه بعد ذلك يقوم؟

هذا، علماً أنّ ثمة أسباباً أخرى أعرض لأجلها الإمام عن طلب حقّه، وما ذكرناه كافٍ في المقام.


1- بحارالأنوار 29: 428.

ص: 204

الشبهة الثالثة: إذا كان عليّ7 مختار اللّه تعالى وأبوبكر مختار الناس فإرادة الناس غلبت إرادة الربّ تعالى وهذا مستحيل

ص: 205

وملخصها أنّه على القول بأنّ اللّه أراد لأميرالمؤمنين عليّ7 أن يكون الخليفة، إذن تكون إرادة الناس قد غلبت إرادة اللّه، لأنه لو كان من المفروض أن يقوم الإمام علي7 بإمرة المؤمنين فكيف استطاع شرذمة في سقيفة بني ساعدة أن يغيروا المعادلة ليقوم شيخهم مقام المنصوب من قبل اللّه؟

والجواب أوّلاً في معنى الإرادة، فمع إقرارنا بأن اللّه أراد للإمام أن يكون هو الخليفة الحاكم بعد نبيّه ولم يتحصل ذلك، نقول: أنّ الإرادة هي إرادة تشريع من جهة وإرادة تكوين من جهة أخرى، ويجب عدم الخلط بينهما.

وتوضيحه: أمّا كون الإمام أميراً على المؤمنين فتلك بالإرادة الربانيّة التكوينيّة التي لم ولا يغيّرها شيء. فإنّه وكما أسلفنا يبقى

ص: 206

الإمام أميراً للمؤمنين ويبقى أولى بالناس من أنفسهم، سواء أجمع أهل الأرض على خلافه وأطبق الثقلان على عداوته. وهذه الإرادة هي على نحو قوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) .(1)

وأمّا المنصب الرئاسي الذي كان ينبغي أن يتولاّه، فتلك بالإرادة التشريعيّة، فإجرائها رهين أفعالهم. وذلك مثل قوله سبحانه في الماء: (لِيُطَهِّرَكُم بِهِ)(2) . أو قولنا إنّ اللّه يريد للناس أن يكونوا مؤمنين، فإذا تخلّف عن هذه الإرادة أحدهم فلا يعني أنّه استطاع خرق إرداة اللّه.

وبعد هذا التوضيح، لا يكون أبو بكر أميراً للمؤمنين وإن أمر ونهى لأنّ ذلك منصب إلهي يكون بجعل منه سبحانه لا بالتربّع على كرسي الحكم.

قد يقال: لِمَ لَم تكن الإرادة التكوينية في جعل الإمام حاكماً، حتى لا يستطيع أحد أن ينازعه فيه؟

وقد مرّ جواب ذلك سابقاً وهو أنّ اللّه أراد الإمتحان والفتنة للعباد كما أنّه تعالى أراد منهم الإيمان والقيام بالواجبات و ترك المعاصي عن إرادة واختيار ولم يرد ذلك منهم جبرا كما قال تعالى: (وَلَوْ شاءَ


1- الأحزاب: 33.
2- الأنفال: 11.

ص: 207

رَبُّكَ لَآمَن مَنْ في الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَميعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النّاس حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِين)(1) . وهكذا أراد اللّه تعالى منهم الإيمان بإمرة الإمام7 عن إرادة وإختيار، ليمتاز أصحاب اليمين عن أصحاب الشمال.

فإذن لا تلازم بين اختيار اللّه تعالى الإمام عليّ7 خليفة لرسوله وبين قبول الناس والأُمّة ذلك.

ثمّ إنّا لا نسلّم إجماع الأُمّة على خلافة أبي بكر. فهل كانت الأُمّة بأجمعها حاضرة في السقيفة لينصبوه؟!

لقد كانت باعتراف من نفس الشيخين فلتة، أي لم يكن أحد يتوقع أن تحدث، وأيّ إجماع بعد هذا التصريح الخطير؟ وبديهي أن لو كان الإجماع لمّا سميت فلتة.

عن ابن أبي الحديد المعتزلى أنّه نقل أنّ أبابكر قال: إنّ بيعتي كانت فلتة وقى اللّه شرّها .(2)

وعنه أيضاً قال عمر: إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى اللّه شرّها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه .(3)

قد يقال: إجماع أهل الحلّ والعقد كاف في ذلك.


1- . يونس: 99.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2: 50.
3- شرح نهج البلاغة 2: 240.

ص: 208

ونجيب: أنّ إجماع أهل الحلّ والعقد غير كاشف عن إجماع الأُمّة كما هو واضح.

ثمّ من هم أهل الحلّ والعقد؟ أهم غير الإمام علي7 وحواريه؟ إنّ ممّا لا يمكن الخدش فيه أنّ أميرالمؤمنين وأهل بيته: أهمّ أركانه، وكذا سلمان وأبوذر ومقداد وعمّار الذي ملأ إيماناً من قرنه إلى قدمه. فعدم إمضائهم لقرار أصحاب السقيفة خير شاهد على عدم حصول إجماع أهل الحلّ والعقد.

ونضيف إلى ذلك، أنّ رأي أهل البيت: مقدّم على كلّ رأي، وموقفهم خير المواقف، وإلّا لما صحب الرسول الأكرم عليّاً وفاطمة والحسن والحسين: وحسب، واستغنى عن الأُمّة بأسرها لدى المباهلة مع نصارى نجران في تلك القضية المهمة التي أشرنا إليها سلفاً. فهل يا ترى يتحقّق إجماع من دون هؤلاء؟!

وهل للإجماع من دونهم أية قيمة؟

وثالثاً: إنّ المخلوق الضعيف العاجز الفاقد بالذات للذات والقائم بالغير لا يحقّ له أن يفعل شيئاً إلّا بإذن اللّه مولاه، فلا بدّ له من إحراز رضاه في كلّ حركة و سكون _ كما أشار الإمام أميرالمؤمنين7 إلى هذه الحقيقة في كلامه لصاحب سرّه كميل بقوله «ما من حركة إلّا

ص: 209

وأنت محتاج فيها إلى معرفة»(1) _ فهل يجوز له أن يختار لنفسه إماماً دون النظر في أمر مولاه، سيّما في تلك المسألة، أعني مسألة ممثّل اللّه وخليفته والناطق بإسمه والقائد إليه؟!

قال اللّه تعالى: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) .(2)

وقال تعالى: (إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) .(3)

فلا يحقّ للعباد أن يختاروا لأنفسهم إماماً، لأنّه تشريع واضح في أساس الدين ومخالفة صريحة لأمر اللّه و تدخّل صارخ في شؤون الربوبيّة و هو محرّم عقلاً وشرعاً .(4)


1- بحارالأنوار 74: 268.
2- القصص: 68.
3- الأحزاب: 36.
4- . إليك هذا الحديث من بحارالأنوار 25: 121 ذكرناه بطوله وتمامه لأهميّته وفائدته: عن عبد العزيز بن مسلم قال كنّا في أيام علي بن موسى الرضا7 بمرو فاجتمعنا في مسجد جامعها في يوم جمعة في بدء مقدمنا فأدار الناس أمر الإمامة وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها فدخلت على سيدي ومولاي الرضا7 فأعلمته ما خاض الناس فيه فتبسم، ثمّ قال: يا عبد العزيز جهل القوم وخدعوا عن أديانهم إنّ اللّه تبارك وتعالى لم يقبض نبيّه9 حتى أكمل له الدين وأنزل عليه القرآن فيه تفصيل كلّ شيء، بيّن فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام وجميع ما يحتاج إليه الناس كملاً فقال عزّ و جلّ: «ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ» وأنزل في حجة الوداع وهي آخر عمره9: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلاَمَ دِيناً» فأمر الإمامة من تمام الدين ولم يمض7 حتّى بيّن لأمته معالم دينه وأوضح لهم سبله وتركهم على قصد الحق و أقام لهم عليّاً7 علماً وإماماً وما ترك شيئاً تحتاج إليه الأمة إلّا بيّنه فمن زعم أنّ اللّه عزّ و جلّ لم يكمل دينه فقد ردّ كتاب اللّه عزّ و جلّ ومن ردّ كتاب اللّه فهو كافر، هل يعرفون قدر الإمامة ومحلّها من الأمّة فيجوز فيها اختيارهم، أنّ الإمامة أجلّ قدراً وأعظم شأناً وأعلى مكاناً وأمنع جانباً وأبعد غوراً من أن يبلغها بعقولهم أو ينالوها بآرائهم أو يقيموا إماماً باختيارهم إنّ الإمامة خصّ اللّه عزّ وجلّ بها إبراهيم الخليل7 بعد النبوة والخلّة مرتبة ثالثة وفضيلة شرّفه بها وأشاد بها ذكره فقال عزّ و جلّ «إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً» فقال الخليل7 سروراً بها «وَمِنْ ذُرِّيَّتِي» قال اللّه عزّ وجلّ: «لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ» فأبطلت هذه الآية إمامة كلّ ظالم إلى يوم القيامة وصارت في الصفوة ثمّ أكرمه اللّه بأن جعلها في ذريته أهل الصفوة والطهارة فقال عزّ وجلّ: «وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ» فلم تزل في ذريّته يرثها بعض عن بعض قرناً فقرناً حتى ورثها النبي9 فقال اللّه جلّ جلاله: «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللّه ُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ» فكانت له خاصة فقلّدها9 عليّاً7 بأمر اللّه عزّ وجلّ على رسم ما فرضها اللّه فصارت في ذريّته الأصفياء الذين آتاهم اللّه العلم و الإيمان بقوله عزّ وجلّ: «وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ» فهي في ولد علي7 خاصة إلى يوم القيامة إذ لا نبيّ بعد محمّد9 فمن أين يختار هؤلاء الجهال أنّ الإمامة هي منزلة الأنبياء وإرث الأوصياء إنّ الإمامة خلافة اللّه عزّ وجلّ وخلافة الرسول ومقام أميرالمؤمنين وميراث الحسن والحسين8 إنّ الإمامة زمام الدين ونظام المسلمين وصلاح الدنيا وعزّ المؤمنين إنّ الإمامة أسّ الإسلام النامي وفرعه السامي بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وتوفير الفيء والصدقات وإمضاء الحدود والأحكام ومنع الثغور والأطراف والإمام يحلّل حلال اللّه ويحرّم حرام اللّه ويقيم حدود اللّه ويذبّ عن دين اللّه ويدعو إلى سبيل ربّه بالحكمة و والموعظة الحسنة والحجّة البالغة، الإمام كالشمس الطالعة للعالم وهي في الأفق بحيث لا تناله الأيدي والأبصار، الإمام البدر المنير والسراج الزاهر والنور الساطع والنجم الهادي في غياهب الدجى والبلد القفار ولجج البحار، الإمام الماء العذب على الظمإ والدال على الهدى والمنجي من الردى، الإمام النار على اليفاع الحار لمن اصطلى به والدليل في المهالك من فارقه فهالك، الإمام السحاب الماطر والغيث الهاطل والشمس المضيئة والسماء الظليلة والأرض البسيطة والعين الغزيرة والغدير والروضة، الإمام الأمين الرفيق والأخ الشفيق ومفزع العباد في الداهية، الإمام أمين اللّه في أرضه وحجته على عباده وخليفته في بلاده الداعي إلى اللّه والذابّ عن حرم اللّه، الإمام المطهّر من الذنوب المبرأ من العيوب مخصوص بالعلم موسوم بالحلم نظام الدين وعزّ المسلمين وغيظ المنافقين وبوار الكافرين، الإمام واحد دهره لا يدانيه أحد ولا يعادله عالم ولا يوجد منه بدل ولا له مثل ولا نظير مخصوص بالفضل كلّه من غير طلب منه له ولا اكتساب بل اختصاص من المفضل الوهاب فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام ويمكنه اختياره، هيهات هيهات ضلّت العقول وتاهت الحلوم وحارت الألباب وحسرت العيون وتصاغرت العظماء وتحيّرت الحكماء وتقاصرت الحلماء وحصرت الخطباء وجهلت الألباء وكلّت الشعراء وعجزت الأدباء وعييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه أو فضيلة من فضائله فأقرّت بالعجز والتقصير وكيف يوصف أو ينعت بكنهه أو يفهم شيء من أمره أو يوجد من يقوم مقامه ويغني غناءه لا كيف وأنّى وهو بحيث النجم من أيدي المتناولين ووصف الواصفين فأين الاختيار من هذا وأين العقول عن هذا أو أين يوجد مثل هذا، ظنّوا أنّ ذلك يوجد في غير آل الرسول صلّى اللّه عليهم كذبتهم واللّه أنفسهم ومنتهم الباطل فارتقوا مرتقى صعباً دحضاً تزلّ عنه إلى الحضيض أقدامهم راموا إقامة الإمامة بعقول حائرة بائرة ناقصة وآراء مضلّة فلم يزدادوا منه إلّا بعداً «قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ» لقد راموا صعباً و قالوا إفكاً وضلُّوا ضلالاً بعيداً ووقعوا في الحيرة إذ تركوا الإمام عن بصيرة وزيّن لهم الشيطان أعمالهم فصدّهم عن السبيل وكانوا مستبصرين. رغبوا عن اختيار اللّه واختيار رسوله إلى اختيارهم والقرآن يناديهم «وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللّهِ وَتَعَالى عَمَّا يُشْرِكُونَ» وقال عزّ وجلّ: «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللّهُ وَرَسُولَهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ» وقال عزّ وجلّ «مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ» وقال عزّوجلّ: «أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا» أم طبع اللّه على قلوبهم فهم لا يفقهون أم قالوا سمعنا وهم لا يسمعون «إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمِ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا بَلْ هُوَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ» فكيف لهم باختيار الإمام والإمام عالم لا يجهل داعي لا ينكل معدن القدس والطهارة والنسك والزهادة والعلم والعبادة مخصوص بدعوة الرسول9 وهو نسل المطهرة البتول لا مغمز فيه في نسب ولا يدانيه ذو حسب في البيت من قريش والذروة من هاشم والعترة من آل الرسول و الرضا من اللّه شرف الأشراف والفرع من عبد مناف نامي العلم كامل الحلم مضطلع بالإمامة عالم بالسياسة مفروض الطاعة قائم بأمر اللّه ناصح لعباد اللّه حافظ لدين اللّه. إنّ الأنبياء والأئمة يوفّقهم اللّه ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمه ما لا يؤتيه غيرهم فيكون علمهم فوق كلّ علم أهل زمانهم في قوله تبارك و تعالى «أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَ يَهِدِّي إِلّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ» وقوله عزّ وجلّ «وَمَنْ يُؤْتِ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً» وقوله عزّ وجلّ في طالوت «إِنَّ اللّه َ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ» وقال عزّ وجلّ لنبيه9 «وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً» وقال عزّ وجلّ في الأئمّة من أهل بيته وعترته وذريته: «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً» وإنّ العبد إذا اختاره اللّه عزّ وجلّ لأمور عباده شرح صدره لذلك وأودع قلبه ينابيع الحكمة وألهمه العلم إلهاماً فلم يعي بعده بجواب ولا يحير فيه عن الصواب وهو معصوم مؤيّد موفّق مسدّد قد أمن الخطايا والزلل والعثار يخصه اللّه عزّ وجلّ بذلك ليكون حجّته على عباده وشاهده على خلقه «وَذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ» فهل يقدرون على مثل هذا فيختاروه أو يكون مختارهم بهذه الصفة فيقدموه تعدوا وبيت اللّه الحق ونبذوا كتاب اللّه وراء ظهورهم كأنّهم لا يعلمون وفي كتاب اللّه الهدى والشفاء فنبذوه واتبعوا أهواءهم فذمّهم اللّه ومقتهم وأتعسهم فقال عزّ وجلّ «وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» وقال عزّ وجلّ «فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ» وقال عزّ وجلّ «كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ».

ص: 210

ص: 211

ص: 212

ص: 213

ص: 214

أضف إلى ذلك أنّ الاختيار لابدّ وأن يقع على الأصلح، وأنّى للمخلوق أن يعرف الأصلح حقيقة فإنّ الناس لا يعرفون إلّا الظاهر.

ففي الحديث الوارد عن الإمام الحجّة المنتظر عجّل اللّه فرجه الشريف في جواب مسائل سعد بن عبداللّه القمّي قال: هذا موسى كليم اللّه مع وفور عقله وكمال علمه ونزول الوحي عليه إختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربّه سبعين رجلاً ممّن لا يشك في إيمانهم وإخلاصهم فوقعت خيرته على المنافقين _ إلى أن قال7 _: فلمّا وجدنا اختيار من قد اصطفاه اللّه للنبوّة واقعاً على الأفسد دون الأصلح وهو يظنّ أنّه الأصلح دون الأفسد علمنا أن لا اختيار إلّا لمن يعلم ما تخفي الصدور وتكنّ الضمائر ويتصرّف عليه السرائر وأن لا خطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على الفساد لمّا أرادوا أهل الصلاح .(1)


1- بحارالأنوار 52: 84.

ص: 215

ولو سلّمنا أنّه يحقّ للمخلوق الإختيار و سلّمنا معرفته للأصلح فإنّ الغالب يقع على غير ذلك لأنّنا نجد أن الناس مع تمييزهم الحقّ من الباطل، ومعرفتهم لكثير من الواجبات والمحرمات تراهم لا يتورّعون ولا يمتثلون أمر اللّه لمكان هواهم وشهواتهم، ولذاك فإنهم يختارون الأقرب لأهوائهم والأنسب إلى مصالحهم وإن كان رجلاً لا خير فيه. وهذه هي العلّة في وقوف الطغاة وجها لوجه في قبال دعوة الأنبياء مع أنّ صدق دعوتهم كانت أوضح من الشمس وأبين من الأمس. فإنّهم يعلمون أن لو قام سوف يقيم فيهم دعائم الإسلام وأركان الدين، والدين بريء من الأهواء بريء من اللهو، بريء من الشهوات المحرمة، وبذلك سوف يُحرَمون من كثير من أفعالهم المنكرة.

ص: 216

الشبهة الرابعة: حسبنا كتاب اللّه

ص: 217

أنّ اللّه تعالى أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ وأمره بتبليغ الدين الحنيف وأنزل عليه الكتاب الذي فيه تبيان كلّ شيء _ وليس وراء القرآن من فاقة _ فلا وجه في تعيين أحد بعد النبيّ إذ المرجع يكون القرآن الكريم.

أقول: هذا هو الشعار المعروف ب_(حسبنا كتاب اللّه) الذي صدر من الخليفة الثاني في الرزية التي كان ابن عباس يبكي عند ذكرها، وهو الشعار الذي اتّبعه فيه أتباعه وكلّ من لا معرفة له بحقيقة القرآن وحقيقة أحاديث الرسول وأهل بيته:.

ويرد عليه أوّلاً: أنّه إذا كان ذلك حقّاً فلماذا إذن عيّنوا أبابكر بعد النبي؟ ولماذا عيّن هو عمر من بعده، وعيّن عمر أصحاب الشورى دون غيرهم؟

وثانياً: إنّ القرآن نزل بصورة التعويل على البيان المنفصل وإنّ له مخاطبوه وهم الرسول وآل بيته صلوات اللّه عليه وعليهم، فهم المبيّنون لحقائقه والمفسّرون لآياته.

توضيح ذلك: إنّ القرآن نزل على رسول اللّه 9 فكان هو

ص: 218

المخاطب به، كما في قوله تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً)(1) وقوله تعالى: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيما فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى)(2) وقوله تعالى: (أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ) وقوله تعالى (طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) وغيرها من الموراد الكثيرة.

ثمّ لا شكّ أنّ القرآن هو الكتاب الفصل والنور المبين والبرهان النيّر والشفاء لما في الصدور وفيه تفصيل كلّ شيء، إلّا أنّ من الواضح أنّ له محكماً ومتشابهاً ومجملاً ومبيّناً وخاصّاً وعامّاً ومطلقاً ومقيّداً وناسخاً ومنسوخاً وله باطن وظاهر وله تخوم ولتخومه تخوم، فهذا القرآن الذي أثبت اللّه تعالى فيه علم كلّ شيء لا بدّ من تعلّم آياته وعرفان محكماته من متشابهاته وعامّه من خاصّه، عبر من خوطب به أي الرسول9 الذي نزل عليه القرآن وأهل بيته:.

قال اللّه تعالى: (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) .(3)


1- الأحزاب: 45.
2- الضحى: 6 _ 7.
3- النحل: 64.

ص: 219

وقال تعالى: (أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) .(1)

وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ) .(2)

وقال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً) .(3)

والقرآن يصرّح بلزوم المبيّن.

وقال تعالى: (أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) .(4)

وقال تعالى: (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) .(5)

وقال تعالى: (مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ...) .(6)

وقال تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا) .(7)


1- العنكبوت: 51.
2- الجمعة: 2.
3- النساء: 105.
4- النحل: 44.
5- العنكبوت: 49.
6- النحل: 64.
7- فاطر: 32.

ص: 220

وقال تعالى: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) .(1)

وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) .(2)

فليس القرآن كتاباً كغيره من الكتب المتداولة، وإنّما هو كلام الخالق تعالى الذي هو فوق كلام المخلوق وينحصر طريق معرفة حقائقه في التعلّم من الرسول الأكرم ومن علّمه الرسول علم القرآن وهو أميرالمؤمنين عليّ وأهل بيته:.

ففي الحديث: «كان رسول اللّه هو المفسّر لها والمعلّم للأمة

كيف يؤدونها» .(3)

وفي حديث الإمام الصادق7 مع أبي حنيفة لما سأله الإمام بماذا يفتي الناس فأجاب بالقرآن... إلى أن قال7: ويلك ما جعل اللّه ذلك إلّا عند أهل الكتاب الذين أنزل عليهم، ويلك وما هو إلّا عند الخاص من ذريّة نبيّنا9... .(4)


1- . إبراهيم: 1.
2- الحديد: 9.
3- بحارالأنوار 90: 77.
4- بحارالأنوار 2: 292.

ص: 221

وفي تفسير القمي، قال الإمام في حديث مفصل: والقرآن ضرب فيه الأمثال للناس وخاطب اللّه نبيّه ونحن، فليس يعلمه غيرنا .(1)

وعن رسول اللّه 9 أنّه قال في خطبة الغدير: افهموا محكم القرآن و لا تتّبعوا متشابهه، و لن يفسّر لكم إلّا من أنا آخذٌ بيده وشائل بعضده ومعلمكم أنّ من كنت مولاه فهذا _ فعليّ _ مولاه و موالاته من اللّه عزّوجلّ أنزلها عليّ... وخليفتي على من آمن بي وعلى تفسير كتاب ربّي .(2)

ومن الواضح أنّ «لن» تدلّ على نفي الأبد فإنّه لا يستطيع أن يفسّر القرآن إلّا من كان عالماً به وكان مصداقاً لقوله تعالى: (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) وهو أميرالمؤمنين7 الذي كان مستودع علم رسول اللّه 9.

عن أبي عبداللّه 7 في رسالة: وأمّا ما سألت من القرآن فذلك أيضاً من خطراتك المتفاوتة المختلفة لأنّ القرآن ليس على ما ذكرت وكلّ ما سمعت فمعناه غير ما ذهبت إليه وإنّما القرآن أمثال لقوم يعلمون دون غيرهم ولقوم يتلونه حقَّ تلاوته وهم الذين يؤمنون به ويعرفونه فأمّا غيرهم فما أشدّ إشكاله عليهم وأبعده من مذاهب قلوبهم، ولذلك قال رسول اللّه 9: إنّه ليس شيء بأبعد من قلوب الرجال من تفسير القرآن وفي ذلك تحيّر الخلائق أجمعون إلّا ما شاء اللّه وإنّما أراد اللّه بتَعمِيَته في


1- تفسير القمي 2: 425.
2- الغدير 1: 425.

ص: 222

ذلك أن ينتهوا إلى بابه وصراطه وأن يعبدوه وينتهوا في قوله إلى طاعة القُوّام بكتابه والناطقين عن أمره وأن يستنبطوا ما احتاجوا إليه من ذلك عنهم لا عن أنفسهم ثمّ قال7: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)(1) فأمّا غيرهم فليس يعلم ذلك أبداً ولا يوجد، وقد علمت أنّه لا يستقيم أن يكون الخلق كلّهم ولاة الأمر إذا لا يجدون من يأتمرون عليه ولا من يبلغونه أمر اللّه ونهيه، فجعل اللّه الولاة خواصّ ليقتدي بهم من لم يخصصهم بذلك فافهم ذلك إن شاء اللّه. وإيّاك وتلاوة القرآن برأيك فإنّ الناس غير مشتركين في علمه كاشتراكهم فيما سواه من الأمور ولا قادرين عليه ولا على تأويله إلّا من حدّه وبابه الذي جعله اللّه له فافهم إن شاء اللّه واطلب الأمر من مكانه تجده إن شاء اللّه .(2)

يظهر من هذا الخبر أنّه كانت للّه تعالى العناية العمديّة في تعمية أفهام الناس عن درك حقائق كتابه، و السبب في ذلك هو أن يتوجّه الناس إلى ولاة أمره: ويأخذوا العلوم عنهم ولا يتفردوا في الإستنباط من كتابه، فإنّه ليس شيء أبعد من عقول الرجال من القرآن، فمهما بلغت أفهام البشر فإنّها لا تبلغ حدّ الإستقلال في فهم القرآن لعلوّه وشرف مكانته.


1- . النساء: 83.
2- بحارالأنوار 89: 100.

ص: 223

و عن الإمام الجواد7: أرأيت أن بعيثه ليس نذيره كما أن رسول اللّه 9 في بعثته من اللّه تعالى نذير؟

فقال الراوي: بلى.

قال: فكذلك لم يمت محمّد9 إلّا وله بعيثٌ نذير، فإن قلت: لا، فقد ضيّع رسول اللّه 9 مَن في أصلاب الرجال من أمته.

فقال السائل: أو لم يكفهم القرآن؟

قال: بلى.

إن وجدوا له مفسّراً.

قال: أو ما فسّره رسول اللّه 9؟

قال: بلى.

ولكن فسّره لرجل واحد وفسّر للأمة شأن ذلك الرجل وهو

علي بن أبي طالب7 .(1)

وعن أبي عبداللّه 7: ليس أبعد من عقول الرجال من القرآن .(2)

وعن أميرالمؤمنين7 قال: إيّاك أن تفسّر القرآن برأيك حتى تفقهه عن العلماء فإنّه رُبّ تنزيل يشبه بكلام البشر وهو كلام اللّه وتأويله لا يشبه كلام البشر، كما ليس شيء من خلقه يشبهه كذلك لا يشبه فعله تعالى


1- بحارالأنوار 25: 71.
2- بحارالأنوار 89: 111.

ص: 224

شيئاً من أفعال البشر ولا يشبه شيء من كلامه بكلام البشر، فكلام اللّه تبارك وتعالى صفته وكلام البشر أفعالهم فلا تُشَبِّه كلام اللّه بكلام البشر فتهلك وتضل .(1)

وقال رسول اللّه 9: قال اللّه جلّ جلاله ما آمن بي من فسَّر برأيه كلامي وما عرفني من شبّهني بخلقي وما على ديني من استعمل القياس في ديني .(2)

قال أبوجعفر الباقر7 لقتادة في حديث مفصل جرى بينهما: ويحك يا قتادة إن كنت إنّما فسرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت وإن كنت قد أخذته من الرجال فقد هلكت وأهلكت.. ويحك يا قتادة إنّما يعرف القرآن من خوطب به .(3)

وفي الخبر المروي عن الأئمة الهداة عن إسرافيل عن اللّه جل جلاله أنّه قال: أنا اللّه لا إله إلّا أنا خلقت الخلق بقدرتي فاخترت منهم من شئت من أنبيائي واخترت من جميعهم محمّداً حبيباً وخليلاً وصفياً فبعثته رسولاً إلى خلقي واصطفيت له عليّاً فجعلته له أخاً ووصياً ووزيراً ومؤدياً عنه بعده إلى خلقي وخليفتي على عبادي، ليبيّن لهم كتابي ويسير


1- بحارالأنوار 89: 107.
2- بحارالأنوار 89: 107.
3- بحارالأنوار 24: 237.

ص: 225

فيهم بحكمي وجعلته العلم الهادي من الضلالة وبابي الذي أوتى منه وبيتي الذي من دخله كان آمناً من ناري .(1)

وفي رواية أنّ سيد الشهداء الإمام الحسين7 صعد المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ صلّى على النبي9 فسمع رجلاً يقول: من هذا الذي يخطب؟

فقال الإمام الحسين7: نحن حزب اللّه الغالبون وعترة رسول اللّه الأقربون وأهل بيته الطيّبون وأحد الثقلين الذين جعلنا رسول اللّه ثاني كتاب اللّه تبارك وتعالى الذي فيه تفصيل كلّ شيء (لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ)(2) والمعوّل علينا في تفسيره ولا يبطئنا تأويله بل نتّبع حقائقه .(3)

وعن أبي عبداللّه 7 قال: سمعته يقول إنّ من علم ما أوتينا تفسير القرآن وحكاية علم تغيير الزمان وحدثانه .(4)

وفي حديث آخر: علم الكتاب و اللّه كلُّه عندنا، علم الكتاب و اللّه كلّه عندنا .(5)


1- بحارالأنوار 38: 98.
2- فصّلت: 42.
3- بحارالأنوار 44: 205.
4- بحارالأنوار 23: 194.
5- بحارالأنوار 26: 197.

ص: 226

وعن الفضيل بن يسار قال: سألت أباجعفر7 عن هذه الرواية «ما من آية إلا ولها ظهر وبطن وما فيه حرف إلّا وله حدّ يطلع» ما يعني بقوله لها ظهر وبطن؟ قال: ظهر وبطن هو تأويلها، منه ما قد مضى ومنه ما لم يجيء يجري كما تجري الشمس والقمر كلّما جاء فيه تأويل شيء منه يكون على الأموات كما يكون على الأحياء كما قال اللّه تعالى (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللّه ُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)(1) ونحن نعلمه .(2)

وعن أميرالمؤمنين7: فجائهم نبيّه9 بنسخة ما في الصحف الأولى و تصديق الذي بين يديه وتفصيل الحلال من ريب الحرام ذلك القرآن فاستنطقوه ولن ينطق لكم، أخبركم عنه أنّ فيه علم ما مضى وعلم ما يأتي؛ الخبر .(3)

لا يقال: إنّ القرآن نور وبيان وفيه علم الأوّلين والآخرين فلا يحتاج إلى مفسّر.

لأنّه يقال: إنّ الحاجة إلى المفسر لا لأجل عدم كونه نوراً، بل لأجل الحجاب الذي بين الناس وبين كلام ربّهم، وهو ما عبر عنه الإمام الجواد في الحديث الذي سبق ذكره عندما سأله السائل: ألم


1- آل عمران: 7.
2- بصائر الدّرجات: 10.
3- بحارالأنوار 89: 100.

ص: 227

يكفهم القرآن، فأجاب7: بلى إن وجدوا له مفسّراً.

ثمّ إنّ القرآن نور وبيان وهداية بعد أن تتبيّن مقاصده وتتضح معانيه بتفسير مِن حَمَلته وحَفَظته.

وثالثاً: من لاحظ القرآن وعرف أنّ فيه محكم ومتشابه وعام وخاص وما شابه، يعرف أنّه لا بدّ لهذا القرآن من مبيّن ومفسّر وإلّا لاستدلّت به كلّ فرقة على مذهبها ولاختلط الحقّ بالباطل لعدم وجود الميزان لصدق كل إستدلال، فالجبري يستدلّ به على مسلكه والقدري يبرهن به قضيّته، والمشبّه للّه تعالى بخلقه يلتمس الدليل منه. فلا بدّ له من مفسّر ليبيّن متشابهاته وخاصّه ومقيّده كي يتبيّن معناه فيصير رافعاً للخلاف لا مثيراً له بسبب تحميل الآراء الباطلة عليه.

فعن منصور بن حازم قال قلت لأبي عبداللّه 7: إنَّ اللّه أجلُّ وأكرم من أن يعرف بخلقه بل الخلق يعرفون باللّه.

قال: صدقت.

قلت: إنَّ من عرف أنَّ له ربّاً فينبغي له أن يعرف أنَّ لذلك الرَّبّ رضاً وسخطاً وأنَّه لا يعرف رضاه وسخطه إلّا بوحي أو رسول فمن لم يأته الوحي فقد ينبغي له أن يطلب الرُّسل فإذا لقيهم عرف أنَّهم الحجَّة وأنَّ لهم الطَّاعة المفترضة، وقلت للنَّاس تعلمون أنَّ

ص: 228

رسول اللّه 9 كان هو الحجَّة من اللّه على خلقه قالوا بلى قلت فحين مضى رسول اللّه 9 من كان الحجَّة على خلقه فقالوا القرآن فنظرت في القرآن فإذا هو يخاصم به المرجئ و القدريُّ والزّنديق الَّذي لا يؤمن به حتَّى يغلب الرّجال بخصومته فعرفت أنَّ القرآن لا يكون حجَّة إلّا بقيّم فما قال فيه من شيء كان حقّاً. فقلت لهم: مَن قيّم القرآن؟ فقالوا ابن مسعود قد كان يعلم وعمر يعلم وحذيفة يعلم. قلت: كلَّه؟ قالوا: لا فلم أجد أحداً يقال إنَّه يعرف ذلك كلَّه إلّا عليّاً7 وإذا كان الشَّيء بين القوم فقال هذا لا أدري وقال هذا لا أدري وقال هذا لا أدري وقال هذا أنا أدري، فأشهد أنَّ عليّاً7 كان قيّم القرآن وكانت طاعته مفترضة وكان الحجَّة على النَّاس بعد رسول اللّه 9وأنَّ ما قال في القرآن فهو حقٌّ.

فقال: رحمك اللّه .(1)

عن يونس بن يعقوب قال: كنت عند أبي عبداللّه 7 فورد عليه رجل من أهل الشَّام فقال: إنّي رجل صاحب كلام وفقه وفرائض وقد جئت لمناظرة أصحابك. فقال أبو عبداللّه 7: كلامك من كلام رسول اللّه 9 أو من عندك؟


1- الكافي 1: 168.

ص: 229

فقال: من كلام رسول اللّه 9 ومن عندي.

فقال أبو عبداللّه 7: فأنت إذاً شريك رسول اللّه. قال: لا.

قال: فسمعت الوحي عن اللّه عزَّوجلَّ يخبرك؟ قال: لا.

قال: فتجب طاعتك كما تجب طاعة رسول اللّه 9؟ قال: لا.

فالتفت أبو عبداللّه 7 إليَّ فقال: يا يونس بن يعقوب هذا قد خصم نفسه قبل أن يتكلَّم، ثمَّ قال: يا يونس لو كنت تحسن الكلام كلَّمته.

قال يونس: فيا لها من حسرة، فقلت: جعلت فداك إنّي سمعتك تنهى عن الكلام وتقول: ويل لأصحاب الكلام يقولون هذا ينقاد وهذا لا ينقاد وهذا ينساق وهذا لا ينساق وهذا نعقله وهذا لا نعقله.

فقال أبوعبداللّه 7: إنَّما قلت فويل لهم إن تركوا ما أقول وذهبوا إلى ما يريدون ثمَّ قال لي: اخرج إلى الباب فانظر من ترى من المتكلّمين فأدخله قال: فأدخلت حمران بن أعين وكان يحسن الكلام وأدخلت الأحول وكان يحسن الكلام وأدخلت هشام بن سالم وكان يحسن الكلام وأدخلت قيس بن الماصر وكان عندي أحسنهم كلاماً وكان قد تعلَّم الكلام من عليّ بن الحسين7. فلمَّا استقرَّ بنا المجلس وكان أبو عبداللّه 7 قبل الحجّ يستقرُّ أيَّاماً في جبل في طرف الحرم في فازة له مضروبة قال فأخرج أبوعبداللّه 7 رأسه من فازته فإذا هو ببعير يخبُّ، فقال: هشام و ربّ الكعبة. قال فظننَّا أنَّ هشاماً رجل من ولد

ص: 230

عقيل كان شديد المحبَّة له قال فورد هشام بن الحكم وهو أوَّل ما اختطَّت لحيته وليس فينا إلّا من هو أكبر سنّاً منه. قال: فوسَّع له أبوعبداللّه 7 وقال: ناصرُنا بقلبه ولسانه ويده ثمَّ قال: يا حمران كلّم الرَّجل فكلَّمه فظهر عليه حمران، ثمَّ قال: يا طاقيُّ كلّمه فكلَّمه فظهر عليه الْأحْول، ثمَّ قال: يا هشام بن سالم كلّمه فتعارفا، ثمَّ قال أبوعبداللّه 7 لقيس الماصر: كلّمه فكلَّمه فأقبل أبوعبداللّه 7 يضحك من كلامهما ممَّا قد أصاب الشَّاميَّ. فقال للشَّاميّ: كلّم هذا الغلام يعني هشام بن الحكم فقال نعم فقال لهشام يا غلام سلني في إمامة هذا. فغضب هشام حتَّى ارتعد ثمَّ قال للشَّاميّ: يا هذا أربُّك أنظر لخلقه أم خلقه لأنفسِهِم؟

فقال الشَّاميُّ: بل ربّي أنظر لخلقه.

قال: ففعل بنظره لهم ماذا؟

قال: أقام لهم حجَّة ودليلاً كيلا يتشتَّتوا أو يختلفوا يتألَّفهم ويقيم أوَدَهم ويخبرهم بفرض ربّهم.

قال: فمن هو؟

قال: رسول اللّه 9.

قال هشام: فبعد رسول اللّه 9؟

قال: الكتاب والسُّنَّة.

ص: 231

قال هشام: فهل نفعنا اليوم الكتاب والسُّنَّة في رفع الاختلاف عنَّا؟

قال الشَّاميُّ: نعم.

قال: فلم اختلفنا أنا وأنت وصرت إلينا من الشَّام في مخالفتنا إيَّاك؟

قال: فسكت الشَّاميُّ. فقال أبوعبداللّه 7 للشَّاميّ: ما لك لا تتكلَّم؟

قال الشَّاميُّ: إن قلت لم نختلف كذبت وإن قلت إنَّ الكتاب والسُّنَّة يرفعان عنَّا الاختلاف أبطلت لأنَّهما يحتملان الوجوه وإِن قلت قد اختلفنا وكلُّ واحد منَّا يدَّعي الحقَّ فلم ينفعنا إذن الكتاب والسُّنَّة إلّا أنَّ لي عليه هذه الحجَّة.

فقال أبوعبداللّه 7: سله تجده مليّاً. فقال الشَّاميُّ: يا هذا من أنظر للخلق أربُّهم أو أنفسهم؟

فقال هشام: ربُّهم أنظر لهم منهم لأنفسهم.

فقال الشَّاميُّ: فهل أقام لهم من يجمع لهم كلمتهم ويقيم أودَهم ويخبرهم بحقّهم من باطلهم؟

قال هشام: في وقت رسول اللّه 9 أو السَّاعة؟

قال الشَّاميُّ: في وقت رسول اللّه رسول اللّه 9 والسَّاعة من؟

فقال هشام: هذا القاعد الذي تشدُّ إليه الرحال ويخبرنا بأخبار السماء والأرض وراثة عن أب عن جدّ.

ص: 232

قال الشَّاميُّ: فكيف لي أن أعلم ذلك؟

قال هشام: سله عمَّا بدا لك.

قال الشَّاميُّ: قطعت عذري فعليَّ السؤال.

فقال أبو عبداللّه 7: يا شاميُّ أخبرك كيف كان سفرك وكيف كان طريقك كان كذا وكذا فأقبل الشاميُّ يقول صدقت أسلمت للّه الساعة.

فقال أبو عبداللّه 7: بل آمنت باللّه السَّاعة إنَّ الإسلام قبل الإيمان وعليه يتوارثون ويتناكحون والإيمان عليه يثابون.

فقال الشَّاميُّ: صدقت فأنا الساعة أشهد أن لا إله إلّا اللّه وأنَّ محمَّدا رسول اللّه 9 وأنَّك وصيُّ الأوصياء.

ثمَّ التفت أبو عبداللّه 7 إلى حمران فقال: تجري الكلام على الأثر فتصيب والتفت إلى هشام بن سالم فقال: تريد الأثر ولا تعرفه، ثمَّ التفت إلى الأحول فقال: قيَّاس روَّاغ تكسر باطلاً بباطل إلّا أنَّ باطلك أظهر ثمَّ التفت إلى قيس الماصر فقال: تتكلَّم وأقرب ما تكون من الخبر عن رسول اللّه 9 أبعد ما تكون منه تمزج الحقَّ مع الباطل وقليل الحقّ يكفي عن كثير الباطل أنت و الأحول قفَّازان حاذقان. قال يونس فظننت واللّه أنَّه يقول لهشام قريباً ممَّا قال لهما ثمَّ قال: يا هشام لا تكاد تقع تلوي رجليك إذا هممت بالأرض طِرتَ. مثلُك فليكلّم النَّاس، فاتَّق الزّلّة

ص: 233

والشَّفاعة من ورائها إن شاء اللّه .(1)

فظهر من هذا الخبر المبارك أنّ القرآن الكريم يهدي إلى الحقّ وإلى الصواب وفيه الشفاء إذا بيّنت مقاصده واستقي علومه من حامليه الذين أورثهم اللّه تعالى علم القرآن كابراً عن كابر وإماماً بعد إمام وهم أهل بيت الوحي والنبوّة. فالقرآن من دون مفسّر لا يجدي في رفع الخلاف ولا يمكن للبشر التعرّف على جميع مقاصده، والشاهد على ذلك ما وقع من الإختلاف بين الأئمة: وبين سائر الفرق من المسلمين وكلّ ذلك بسبب تفرّقهم عن الحقّ المتمثّل بآل محمد:، فلو أنّهم جاءوا إلى دار علي7 لارتووا من عذب ماءه وقادهم إلى المحجّة البيضاء وإلى الصراط المستقيم وجنّة الخلد.

وفي الختام نتيمّن بحديث عن الإمام جعفر الصادق7 يبيّن مدى عظمة ولاية أمير المؤمنين7 وانحصار قبول الأعمال بها، فعن ميسر بيّاع الزُطّي قال:

دخلت على أبي عبداللّه 7 فقلت له: جعلت فداك إنّ لي جاراً لست أنتبه إلّا بصوته إمّا تالياً كتابه يكرره ويبكي ويتضرع وإمّا داعياً فسألت عنه في السرّ والعلانية فقيل لي إنّه مجتنب لجميع المحارم.


1- الكافي 1: 172.

ص: 234

قال: فقال7: يا ميسر يعرف شيئاً ممّا أنت عليه؟

قال قلت: اللّه أعلم.

قال: فحججت من قابل فسألت عن الرجل فوجدته لا يعرف شيئاً من هذا الأمر، فدخلت على أبي عبداللّه 7 فأخبرته بخبر الرجل فقال لي مثل ما قال في العام الماضي: يعرف شيئاً ممّا أنت عليه؟

قلت: لا.

قال: يا ميسر أيّ البقاع أعظم حرمة؟

قال قلت: اللّه ورسوله وابن رسوله أعلم.

قال: يا ميسّر ما بين الركن والمقام روضة من رياض الجنة وما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة ولو أن عبداً عمّره اللّه فيما بين الركن والمقام وفيما بين القبر والمنبر يعبده ألف عام ثم ذبح على فراشه مظلوماً كما يذبح الكبش الأملح ثمّ لقي اللّه عزّوجلّ بغير ولايتنا لكان حقيقاً على اللّه عزّوجلّ أن يكبّه على منخريه في نار جهنم .(1)

والحمد للّه الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا اللّه

والصّلاة والسّلام على محمّد وآله الطاهرين

أربعون حديثاً حول الإمام علي7 على لسانه


1- بحارالأنوار 27: 179.

ص: 235

١. إني ولدت على الفطرة

من كلام لأمير المؤمنين7: «... فإنّي ولدت على الفطرة، وسبقت إلى الايمان والهجرة...» .(1)

٢. أوّل من عبد اللّه من أمّة محمّد

عن حبة العرني قال: رأيت علياً7 يوماً ضحك ضحكاً لم أره ضحك ضحكاً أشدّ منه، حتى أبدى ناجذه ثمّ قال: «اللّهمّ لا أعرف أن عبداً من هذه الأمة عبدك قبلي غير نبيّها» .(2)


1- نهج البلاغة (صبحي الصالح): 92 الخطبة ٥٧، أمالي الطوسي: ٣٦٤ الرقم ٧٦٥، مناقب آل أبي طالب ٢: ١٠٧، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٤: ١١٤، بحار.
2- تاريخ دمشق: ج ١ الرقم ٨٦ و ٨٧، مسند أحمد بن حنبل ١: ٩٩، كشف الغمة ١: ٨١، فرائد السمطين ١: ٢٤٦ الرقم ١٩١، مجمع الزوائد ٩: ١٠٢، اللآلي المصنوعة ١: ٣٢٢، كنز العمال ١٣: ١٢٢ الرقم ٣٦٣٩١، بحار الأنوار ٣٨: ٢٠٣.

ص: 236

٣. الصدّيق

من كلام له7 للحارث الهمداني: «ألا إنّي عبد اللّه، وأخو رسوله، وصدّيقه الأول، صدّقته وآدم بين الروح والجسد، ثمّ إنّي صدّيقه الأول في أمّتكم حقّاً...» .(1)

٤. إنّ اللّه يحب عليّاً

من خطبة له7 يوم الشورى: «فأنشدكم اللّه، هل تعلمون أنّ جبرئيل نزل على النبيّ9 فقال: يا محمّد، إنّ اللّه يأمرك أن تحبّ عليّاً، وتحبّ من يحبّه، فإنّ اللّه تعالى يحبّ عليّاً، ويحبّ من يحبّ عليّاً؟». قالوا: اللّهم نعم .(2)

٥. تهديده لمعاوية

فيما كتب إلى معاوية: «أنا عليّ بن أبي طالب، وأنا أبو الحسن والحسين، قاتل جدّك وعمّك، وخالك وأبيك، وأنا الذي أفنيت قومك في يوم بدر ويوم فتح ويوم أحد، وذلك السيف بيدي، يحمله ساعدي


1- الأمالي للمفيد: المجلس الأول، الرقم ٣، الأمالي للطوسي: ٦٢٦ الرقم ١٢٩٢، كشف الغمة ١: ٤١٢، بحار الأنوار ٣٩: ٢٤٠.
2- مناقب الخوارزمي: ٢١٣ الرقم ١٨، غاية المرام: 118 الباب ٢٠ الرقم ٦٩، بحارالأنوار ١٨: ٣٩٩.

ص: 237

بجرأة قلبي كما خلّفه النبي9 بكفّ الوصي، لم استبدل باللّه ربّاً، وبمحمد9 نبيّاً، وبالسيف بدلاً، والسلام على من اتبع الهدى» .(1)

٦. أقي رسول اللّه بنفسي

قال أميرالمؤمنين7: «... وقد علمتم أنّي لم أخالف رسول اللّه9 قطّ، ولم أعصه في أمر قطّ، أقيه بنفسي في المواطن التي ينكص فيها الأبطال، وترعد فيها الفرائص، نجدة أكرمني اللّه بها، فله الحمد...» .(2)

٧. أنا بين حسنتين النصر أو الشهادة

قال ابن عباس: سمعت عمر يقول: جاء عمرو بن عبد ود، فجعل يجول على فرسه حتى جاز الخندق، وجعل يقول: هل من مبارز؟ وسكت أصحاب محمد9!!! ثمّ قال رسول اللّه9:«هل يبارزه أحد؟» فقام عليّ7 فقال: «أنا يا رسول اللّه» فقال رسول اللّه9: «اجلس».

فقال رسول اللّه9: هل يبارزه أحد؟

فقام عليّ7 فقال: «دعني يا رسول اللّه، فإنّما أنا بين حسنتين: إمّا أن أقتله فيدخل النار، وإمّا أن يقتلني فأدخل الجنة».


1- الإختصاص للمفيد: ١٣٨.
2- كتاب صفين: ٢٢٤، الأمالي للمفيد: المجلس ٢٧ الرقم ٥، الأمالي للطوسي: ١١ الرقم ١٣، بحار الأنوار ٣٤: ١٤٧ الرقم ٩٥٩.

ص: 238

فقال رسول اللّه9: «اخرج يا عليّ فخرج...» .(1)

٨. واللّه ما قلعت باب خيبر بقوة جسديّة

قال أمير المؤمنين7: «واللّه ما قلعت باب خيبر ورميت به خلف ظهري أربعين ذراعاً بقوة جسديّة، ولا حركة غذائيّة، لكنّي أيدت بقوّة ملكوتية، ونفس بنور ربها مضيئة، وأنا من أحمد كالضوء من الضوء. واللّه لو تظاهرت العرب على قتالي لما ولّيت ولو مكّنتني الفرصة من رقابها لما بقيت، ومن لم يبال متى حتفه عليه ساقط فجنانه في الملمات رابط» .(2)

٩. إنّ رسول اللّه9 أدّبه اللّه وهو أدّبني

قال أمير المؤمنين7 في وصيّته لكميل بن زياد: «يا كميل، إنّ رسول اللّه9 أدّبه اللّه، وهو7 أدّبني، وأنا أؤدِّب المؤمنين، وأورث الآداب المكرمين» .(3)

١٠. حتى أجمع القرآن

... أقبل «عمر» في جمع كثير إلى منزل عليّ بن أبي طالب7 فطالبه بالخروج فأبى، فدعا عمر بحطب ونار، وقال: والذي نفس عمر


1- تاريخ دمشق لابن عساكر: ج ١ الرقم ٢١٦، كنز العمال ١٠: ٤٥٦ الرقم ٣٠١٠٦.
2- أمالي الصدوق: المجلس ٧٧ ح ١٠.
3- تحف العقول: ١٢١، بشارة المصطفي: ٢٥.

ص: 239

بيده ليخرجنّ أو لأحرقنّه على ما فيه. فقيل له: إنّ فيه فاطمة3 بنت رسول اللّه، وفيه الحسن والحسين ولدي رسول اللّه وآثار رسول اللّه9 فيه، وأنكر الناس ذلك من قوله.

فلما عرف إنكارهم قال: ما بالكم أتروني فعلت ذلك؟ إنما أردت التهويل، فراسلهم علي7 أن: «ليس إلى خروجي حيلة لأنّي في جمع كتاب اللّه عزّوجلّ الذي قد نبذتموه وألهَتْكُمُ الدنيا عنه، وقد حلفت أن لا أخرج من بيتي ولا أضع ردائي على عاتقي حتّى أجمع القرآن» .(1)

١١. إنّ في صدري هذا لعلماً جمّاً عَلَّمنيه رسول اللّه

عن أبي إسحاق السبيعي قال: سمعت بعض أصحاب أمير المؤمنين7 ممّن يثق به قال: سمعت علياً7 يقول: «إنّ في صدري هذا لعلماً جمّاً علّمنيه رسول اللّه9 ولو أجد له حفظة يرعونه حقّ رعايته، ويروونه عنّي كما يسمعونه منّي إذاً لأودعتهم بعضه، فعلم به كثيراً من العلم، إنّ العلم مفتاح كلّ باب وكلّ باب يفتح ألف باب» .(2)


1- الاحتجاج للطبرسي١: ٢٠٢،الإمامة والسياسة١: ٣٠، بحارالأنوار٢٨: ٢٠٤ ح٣.
2- بصائر الدرجات: الجزء ٦ الباب ١٦ الرقم ١٢، الخصال للصدوق ٢: ٦٤٥ الرقم ٢٩، الإختصاص للمفيد: ٢٨٣، بحار الأنوار ٤٠: ١٢٩ الرقم ٣.

ص: 240

١٢. علّمني تأويلها وتفسيرها ومحكمها ومتشابهها

ومن كلام له7 في علمه بتأويل القرآن وتفسيره: عن سليم بن قيس، عن أميرالمؤمنين7 قال: «كنت إذا سألت رسول اللّه9 أجابني، وإن فنيت مسائلي ابتدأني، فما نزلت عليه آية في ليل ولا نهار، ولا سماء ولا أرض، ولا دنيا ولا آخرة، ولا جنّة ولا نار، ولا سهل ولا جبل، ولا ضياء ولا ظلمة، إلّا أقرأنيها وأملاها عليّ، وكتبتها بيدي، وعلّمني تأويلها وتفسيرها، ومحكمها ومتشابهها، وخاصّها وعامّها، وكيف نزلت، وأين نزلت، وفيمن أنزلت إلى يوم القيامة، دعا اللّه لي أن يعطيني فهماً وحفظاً، فما نسيت آية من كتاب اللّه ولا على ما أنزلت إلا أملاه عليّ» .(1)

١٣. لقد قبض رسول اللّه9 وإنّ رأسه لعلى صدري

قال أميرالمؤمنين7: «ولقد قبض رسول اللّه9 وإنّ رأسه لعلى صدري، ولقد سالت نفسه في كفي، فأمررتها على وجهي، ولقد وليت غسله9 والملائكة أعواني، فضجّت الدار والأفنية، ملأ يهبط وملأ يعرج، وما فارقت سمعي هينمة منهم، يصلّون عليه حتّى واريناه في ضريحه. فمن ذا أحقّ به منّي حيّاً وميّتاً؟ فانفذوا على بصائركم ولتصدق نيّاتكم في جهاد عدوّكم. فوالذي لا إله إلّا هو إنّي لعلى جادّة الحق،


1- بصائر الدرجات: الجزء ٤ الباب ٨ الرقم ٣، تفسير العياشي ١: ١٤، تفسير البرهان ١: ١٦، بحار الأنوار ٤٠: ١٣٩ الرقم ٣٣.

ص: 241

وإنّهم لعلى مزلّة الباطل. أقول ما تسمعون واستغفر اللّه لي ولكم» .(1)

١٤. إنّي أحق الناس بالخلافة

من خطبة أمير المؤمنين7 لمّا عزموا على بيعة عثمان: «لقد علمتم أنّي أحقّ الناس بها من غيري، وواللّه لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن فيها جور إلّا عليّ خاصّة، إلتماساً لأجر ذلك وفضله، وزهداً فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجه» .(2)

١٥. مَحَلّي منها محل القطب من الرحا

من خطبة أمير المؤمنين7 المعروفة بالشقشقيّة: «أما واللّه لقد تقمّصها فلان وإنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرحا. ينحدر عنّي السيل ولا يرقى إليّ الطير...» .(3)


1- نهج البلاغة: 311 الخطبة ١٩٧، الأمالي للمفيد: المجلس ٢٧ الرقم ٥، الأمالي للطوسي: ١١ الرقم ١٣، بحار الأنوار ٣٤: ١٠٩ الرقم ٩٤٨ و ٩٥٩.
2- نهج البلاغة: 102 الخطبة ٧٤، بحار الأنوار ٢٩: ٦١٢ الرقم ٢٧.
3- هج البلاغة (صبحي الصالح): 48 الخطبة ٣، معاني الأخبار للصدوق: ٣٦٠، علل الشرايع للصدوق ١: 181 الباب ١٢٢ الحديث ١٢، الأمالي للطوسي: 372 المجلس ١٣ الحديث ٥٤، تذكرة الخواص لابن الجوزي: ١١٧، الإحتجاج للطبرسي ١: ٤٥١، بحارالأنوار ٢٩: ٤٩٧ الرقم ١.

ص: 242

١٦. لا علمت أن رسول اللّه9 ترك يوم غدير خم لأحد حجّة

بعد احتجاج أمير المؤمنين7 في المسجد ودعوته المهاجرين والأنصار لقبول عهد رسول اللّه9، فقال بشير بن سعد الأنصاري الذي وطأ الأمر لأبي بكر وقالت جماعة من الأنصار: يا أبا الحسن لو كان هذا الكلام سمعته منك الأنصار قبل بيعتها لأبي بكر ما اختلف فيك اثنان.

فقال علي7: «يا هؤلاء! أكنت أدع رسول الله مسجى لا أواريه وأخرج أنازع في سلطانه؟ والله ما خفت أحدا يسموا له وينازعنا أهل البيت فيه ويستحل ما استحللتموه ولا علمت أن رسول اللّه9 ترك يوم غدير خم لأحد حُجّة ولا لقائل مقالا، فأنشد الله رجلا سمع النبي9 يوم غدير خم يقول: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله، أن يشهد الآن بما سمع».

قال زيد بن أرقم: فشهد اثنا عشر رجلاً بدريّاً بذلك وكنت ممّن سمع القول من رسول اللّه9 فكتمت الشهادة يومئذ فدعا علي7 فذهب بصري .(1)

١٧. اللّه جلّ جلاله أَمَّرني على المؤمنين

عن علي بن الحسين عن أبيه8 عن أمير المؤمنين7 أنّه جاء


1- الإحتجاج للطبرسي ١: ١٨٤، الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري: ٢٩ – ٣٠.

ص: 243

إليه رجل فقال له: يا أبا الحسن إنك تدعي أمير المؤمنين فمن أَمَّرك عليهم؟ قال: «اللّه جلّ جلاله أَمَّرني عليهم».

فجاء الرجل إلى رسول اللّه9 فقال: يا رسول اللّه أيصدق عليّ فيما يقول إنّ اللّه أَمَّره على خلقه؟ فغضب النبي9 ثم قال: «إنّ علياً أمير المؤمنين بولاية من اللّه عزّ وجلّ عقدها له فوق عرشه وأشهد على ذلك ملائكته أنّ علياً خليفة اللّه وحجة اللّه وانّه لإمام المسلمين، طاعته مقرونة بطاعة اللّه، ومعصيته مقرونة بمعصية اللّه، فمن جهله فقد جهلني، ومن عرفه فقد عرفني، ومن أنكر إمامته فقد أنكر نبوّتي، ومن جحد إمرته فقد جحد رسالتي، ومن دفع فضله فقد تنقصني، ومن قاتله فقد قاتلني، ومن سبّه فقد سبّني لأنّه منّي، خُلِقَ من طينتي وهو زوج فاطمة ابنتي وأبو ولدي الحسن والحسين».

ثمّ قال9: «أنا وعليّ وفاطمة والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين حجج اللّه على خلقه، أعداؤنا أعداء اللّه وأولياؤنا أولياء اللّه» .(1)

١٨. إنّ لي بستة من الأنبياء أسوة

احتجّوا في مسجد الكوفة فقالوا: ما بال أميرالمؤمنين7 لم ينازع الثلاثة كما نازع طلحة والزبير وعائشة ومعاوية؟ فبلغ ذلك علياً7،


1- الأمالي للصدوق: 194 المجلس ٢٧ الرقم ٨، بحار الأنوار ٣٦: ٢٢٧ الرقم ٥.

ص: 244

فأمر أن ينادي بالصلاة جامعة، فلما اجتمعوا صعد المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال: «معاشر الناس، إنّه بلغني عنكم كذا وكذا». قالوا: صدق أمير المؤمنين قد قلنا ذلك.

قال7: «فإنّ لي بستة من الأنبياء أسوة فيما فعلت، قال اللّه عزّ وجلّ في كتابه: (لَقَدْ كانَ لَكُمْ في رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) ».(1)

قالوا: ومن هم يا أمير المؤمنين؟

قال7: «أوّلهم إبراهيم7 إذ قال لقومه: (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ)(2) فإن قلتم إنّ إبراهيم اعتزل قومه لغير مكروه أصابه منهم فقد كفرتم، وإن قلتم اعتزلهم لمكروه رآه منهم فالوصي أعذر.

ولي بابن خالته لوط أسوة إذ قال لقومه: (لَوْ أَنَّ لي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوي إِلى رُكْنٍ شَديدٍ)(3) ، فإن قلتم إنّ لوطاً كانت له بهم قوّة فقد كفرتم، وإن قلتم لم يكن له قوة فالوصي أعذر.

ولي بيوسف7 أسوة إذ قال: (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَني إِلَيْهِ)(4) فإن قلتم إنّ يوسف دعا ربّه وسأله السجن لسخط ربّه فقد كفرتم، وإن


1- الأحزاب: 21.
2- مريم: 48.
3- هود: 80.
4- يوسف: 33.

ص: 245

قلتم إنّه أراد بذلك لئلّا يسخط ربّه عليه فاختار السجن فالوصي أعذر.

ولي بموسى7 أسوة إذ قال: (فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ) (1)فإن قلتم إنّ موسى فرّ من قومه بلا خوف كان له منهم فقد كفرتم، وإن قلتم إنّ موسى خاف منهم فالوصي أعذر.

ولي بأخي هارون7 أسوة إذ قال لأخيه: يا (ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُوني وَكادُوا يَقْتُلُونَني)(2) فإن قلتم لم يستضعفوه ولم يشرفوا على قتله فقد كفرتم، وإن قلتم استضعفوه وأشرفوا على قتله فلذلك سكت عنهم فالوصي أعذر.

ولي بمحمد9 أسوة حين فرّ من قومه وبالغار من خوفهم وأنامني على فراشه، فإن قلتم فرّ من قومه لغير خوف منهم فقد كفرتم، وإن قلتم خافهم وأنامني على فراشه ولحق هو بالغار من خوفهم فالوصي أعذر» .(3)

١٩. اللّهم إنّه لابدّ لك من حجج في أرضك

إنّ أميرالمؤمنين7 تكلّم بهذا الكلام وحفظ عنه وخطب به على منبر الكوفة: «اللّهم إنّه لابدّ لك من حجج في أرضك، حجّة بعد حجّة على خلقك، يهدونهم إلى دينك، ويعلّمونهم علمك كيلا يتفرّق أتباع


1- الشعراء: 21.
2- الأعراف: 150.
3- علل الشرايع للصدوق: 178 الباب ١٢٢ ح٧، اثبات الوصية للمسعودي: ١٤٦، الإحتجاج للطبرسي١: ٤٤٦،بحار الأنوار٢٨: ٣٠٨،و٢٩: ٤١٧ ح١، و٤٣٨ ح٢٩.

ص: 246

أوليائك، ظاهر غير مطاع، أو مكتتم يترقب، إن غاب عن الناس شخصهم في حال هدنتهم فلم يغب عنهم قديم مبثوث علمهم، وآدابهم في قلوب المؤمنين مثبتة، فهم بها عاملون».

ويقول7 في ه__ذه الخطب_ة ف_ي موضع آخر: «فيم_ن ه_ذا؟ ولهذا يأرز العلم إذا لم يوجد له حمل__ة يحفظونه ويروونه،

كما سمعوه من العلماء ويصدقون عليهم فيه، اللهم فإنّي لأعلم

أن العلم لا يأرز كله ولا ينقطع مواده، وإنك لا تخلي أرضك

من حُجّة لك على خلقك، ظاهر ليس بالمطاع، أو خائف مغمور

كيلا تبطل حجتك ولا يضل أولياؤك بعد إذ هديتهم، بل أين هم؟

وكم هم؟ أولئك الأقلّون عدداً، الأعظمون عند اللّه قدراً» .(1)

٢٠. «وما يعلم تأويله إلّا اللّه والراسخون في العلم»(2)

من كلام أميرالمؤمنين7: «... وسلوني عن القرآن، فإنّ في القرآن بيان كلّ شيء، فيه علم الأولين والآخرين، وإنّ القرآن لم يدع لقائل مقالاً، (وَما يَعْلَمُ تَأْويلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) ، ليس بواحد، رسول اللّه9 منهم علّمه اللّه إيّاه، فعلّمنيه رسول اللّه9 ثمّ لا تزال في عقبنا إلى يوم القيامة».


1- الكافي ١: ٣٣٩ الرقم ١٣، كمال الدين للصدوق: 302 الباب ٢٦ الرقم ١١، الغيبة للنعماني: 136 الباب ٨ الرقم ٢، بحار الأنوار ٢٣: ٤٩ الرقم ٩٤
2- آل عمران: 7.

ص: 247

ثم قرأ أميرالمؤمنين7: «(وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ) (1)

وأنا من رسول اللّه9 بمنزلة هارون من موسى، والعلم في عقبنا إلى

أن تقوم الساعة» . (2)

٢١. عترة نبيكم! وهم أزمّة الحق، وأعلام الدين، وألسنة الصدق! فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن، وردوهم ورود الهيم العطاش

«أيها الناس، خذوها عن خاتم النبيين9: إنّه يموت من مات منّا وليس بميّت، ويبلى من بلى منّا وليس ببال، فلا تقولوا بما لا تعرفون، فإنّ أكثر الحق فيما تنكرون، وأعذروا من لا حُجّة لكم عليه وهو أنا، ألم أعمل فيكم بالثقل الأكبر، وأترك فيكم الثقل الأصغر؟ قد ركزت فيكم راية الإيمان، ووقفتكم على حدود الحلال والحرام، وألبستكم العافية من عدلي، وفرشتكم المعروف من قولي وفعلي، وأريتكم كرائم الأخلاق من نفسي، فلا تستعملوا الرأي فيما لا يدرك قعره البصر، ولا تتغلغل إليه الفكر» .(3)


1- البقرة: 248.
2- . تفسير فرات الكوفي: ٦٨ الرقم ٣٨، كتاب سليم بن قيس: 942 الحديث ٧٨، مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ١: ٢٨٥، تفسير البرهان ٤: ١٣٩ الرقم ٥، تفسير البرهان ٤: ١٤٩ الرقم ٥، بحار الأنوار ٢٣: ١٨٤ الرقم ٤٩، ج ٢٤.
3- . نهج البلاغة (صبحي الصالح): 119 الخطبة ٨٧.

ص: 248

٢٢. هم كنوز الرحمن وفيهم كرائم القرآن

من خطبة أمير المؤمنين7 يذكر فيها فضائل أهل البيت: «... نحن الشعار والأصحاب، والخزنة والأبواب، ولا تؤتى البيوت إلّا من أبوابها، فمن أتاها من غير أبوابها سمي سارقاً.

فيهم كرائم القرآن، وهم كنوز الرحمن، إن نطقوا صدقوا، وإن صمتوا لم يسبقوا. فليصدق رائد أهله، وليحضر عقله، وليكن من أبناء الآخرة، فإنه منها قدم، وإليها ينقلب» .(1)

٢٣. نحن معدن الكرامة

من كلام أمير المؤمنين7 لما نزل بذي قار وأخذ البيعة على من حضره، ثمّ تكلم فأكثر من الحمد للّه والثناء عليه والصلاة على رسول اللّه9، ثمّ قال: «... نحن أهل بيت النبوة وأحقّ الخلق بسلطان الرسالة، ومعدن الكرامة التي ابتدأ اللّه بها هذه الأمة، وهذا طلحة والزبير ليسا من أهل النبوة ولا من ذرية الرسول...» .(2)

٢٤. أمان الارض

من كلام أمير المؤمنين7 يوم الشورى: «الحمد للّه الذي اتّخذ


1- نهج البلاغة (صبحي الصالح): 215 الخطبة ١٥٤، شواهد التنزيل ١: ٥٧.
2- الارشاد للمفيد ١: ٢٤٩.

ص: 249

محمّداً9 منّا نبيّاً، وابتعثه إلينا رسولاً، فنحن بيت النبوة ومعدن الحكمة، أمان لأهل الأرض، ونجاة لمن طلب، لنا حق إن نعطه نأخذه وان نمنعه نركب أعجاز الإبل وإن طال السرى...» .(1)

٢٥. من استبدل بنا هلك

قال أمير المؤمنين7: «... واعلموا أنّ اللّه تبارك وتعالى يبغض من عباده المُتَلَوِّن، فلا تزولوا عن الحق وولاية أهل الحق، فإنّه من استبدل بنا هلك ومن اتبع أمرنا لحق ومن سلك غير طريقنا غرق، فإنّ لمحبينا أفواج من رحمة اللّه وإنّ لمبغضينا أفواج من عذاب اللّه.

طريقنا القصد وفي أمرنا الرشد، أهل الجنة ينظرون إلى منازل شيعتنا كما يرى الكوكب الدري في السماء.

لا يضلّ من اتبعنا، ولا يهتدي من أنكرنا، ولا ينجو من أعان علينا، ولا يعان من أسلمنا، فلا تخلفوا عنّا لطمع دنيا وحطام زائل عنكم وتزولون عنه، فإنّه من آثر الدنيا عظمت حسرته غداً، وكذلك قال اللّه تعالى: (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ في جَنْبِ اللَّهِ) .(2)

سراج المؤمن معرفة حقّنا، وأشدّ العمى من عمى فضلنا، وناصبنا


1- تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي ٣: ١٠٩ الرقم ١١٣٩، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١: ١٩٥.
2- الزمر: 56.

ص: 250

العداوة بلا ذنب، إلا أنا دعوناه إلى الحق ودعاه غيرنا إلى الفتنة فآثرها علينا.

لنا راية الحق من استظل بها كنته، ومن سبق إليها فاز بعلمه» .(1)

٢٦. سلّمتك أيّتها الصديقة إلى من هو أولى بك مني

كلام أمير المؤمنين7 بعد إدراج فاطمة3 في الثرى: روى أبو عبد اللّه الصادق7 عن آبائه: أنّ أمير المؤمنين7 لمّا وضع فاطمة بنت رسول اللّه9 في القبر قال: «بسم اللّه الرحمن الرحيم، بسم اللّه وباللّه وعلى ملة رسول اللّه محمّد بن عبد اللّه، سلّمتك أيّتها الصديقة إلى من هو أولى بك مني» .(2)

٢٧. لو أنّ الأمّة اتبعوني

من كلام أمير المؤمنين7 قاله لطلحة: «... إنّ رسول اللّه9 أسرّ إليّ في مرضه مفتاح ألف باب من العلم، يفتح كلّ باب ألف باب.

ولو أنّ الأمة منذ قبض اللّه نبيّه9 اتّبعوني وأطاعوني لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم رغداً إلى يوم القيامة...» .(3)


1- فسير فرات الكوفي: ٣٦7 الرقم ٤٩٩، بحارالأنوار 65: 61 ح113.
2- بحار الأنوار ٨٢: ٢٧ الرقم ١٣ نقله عن مصباح الأنوار.
3- كتاب سليم بن قيس: 658 الحديث ١١، الإحتجاج للطبرسي ١: ٣٥٧، بحار الأنوار ٢٦: ٦٥ الرقم ١٤٧.

ص: 251

٢٨. ما برأ اللّه من بريّة أفضل من محمّد9 ومنّي ومن

أهل بيتي

قال أمير المؤمنين7: «واللّه ما برأ اللّه من بريّة أفضل من محمّد9 ومنّي ومن أهل بيتي، وإنّ الملائكة لتضع أجنحتها لطلبة العلم من شيعتنا» .(1)

٢٩. هم عيش العلم وموت الجهل

من خطبة أمير المؤمنين7 في تحريض الناس إلى الرجوع إلى أهل البيت والاستفادة من علمهم: «... واعلموا أنّ_كم لن تعرفوا الرشد حتى تعرفوا الذي تركه، ولن تأخذوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي نقضه، ولن تمسكوا به حتى تعرفوا الذي نبذه، فالتمسوا ذلك من عند أهله، فإنّهم عيش العلم، وموت الجهل. هم الذين يخبركم حكمهم عن علمهم، وصمتهم عن منطقهم، وظاهرهم عن باطنهم، لا يخالفون الدين ولا يختلفون فيه، فهو بينهم شاهد صادق، وصامت ناطق» .(2)

٣٠. العلم في عقبنا إلى أن تقوم الساعة

قال أميرالمؤمنين7: «... وإنّ القرآن لم يدع لقائل مقالاً، (وَما يَعْلَمُ


1- الإختصاص للمفيد: ٢٣٤، بحار الأنوار ١: ١٨١ الرقم ٦٩.
2- نهج البلاغة (صبحي الصالح): ٢٠٥ _ ٢٠٦ الخطبة ١٤٧.

ص: 252

تَأْويلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)(1) ، ليس بواحد، رسول اللّه9 منهم علّمه اللّه إيّاه، فعلّمنيه رسول اللّه، ثمّ لا تزال في عقبنا إلى يوم القيامة.

ثمّ قرأ أميرالمؤمنين7: (وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ) (2)

وأنا من رسول اللّه9 بمنزلة هارون من موسى، والعلم في عقبنا إلى أن تقوم الساعة» .(3)

٣١. نحن أهل البيت أعلم بما قال اللّه ورسوله

قال المصفح العامري: قال لي عليّ7: «يا أخا بني عامر سلني عمّا قال اللّه ورسوله، فإنّا نحن أهل البيت أعلم بما قال اللّه ورسوله» .(4)

٣٢. طهّرنا اللّه من الفواحش

قال عليّ بن أبي طالب7: «إنّ اللّه عزّ وجلّ فضّلنا أهل البيت، وكيف لا يكون كذلك واللّه عزّ وجلّ يقول في كتابه: (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ


1- آل عمران: 7.
2- البقرة: 248.
3- تفسير فرات الكوفي: ٦٨ الرقم ٣٨، كتاب سليم بن قيس: 942 الحديث ٧٨، بحارالأنوار ٢٤: ١٧٩ الرقم ١١.
4- الطبقات الكبرى لابن سعد ٦: ٢٥٥ الرقم ٢٢٩٧.

ص: 253

لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً)(1) فقد طهّرنا اللّه من الفواحش ما ظهر منها وما بطن، فنحن على منهاج الحق» .(2)

٣٣. لا يدخل الجنة إلّا من عرفهم وعرفوه

من كلام أميرالمؤمنين7 في معرفة أئمّة الدين: «... وإنّما الأئمّة قوام اللّه على خلقه، وعرفاؤه على عباده، ولا يدخل الجنّة إلّا من عرفهم وعرفوه، ولا يدخل النار إلّا من أنكرهم وأنكروه» .(3)

٣٤. رجل على يقين من ولايتنا أهل البيت خير ممّن له عبادة ألف سنة

روي عن الصادق7، عن أبيه، عن جده:، قال: مرّ أمير المؤمنين7 في مسجد الكوفة وقنبر معه، فرأى رجلاً قائماً يصلّي، فقال: يا أمير المؤمنين ما رأيت رجلاً أحسن صلاة من هذا، فقال أمير المؤمنين7: مه يا قنبر، فواللّه لرجل على يقين من ولايتنا أهل البيت خير ممّن له عبادة ألف سنة، ولو أنّ عبداً عبد اللّه ألف سنة لا يقبل اللّه منه


1- الأحزاب: 33.
2- تأويل الآيات الظاهرة: ٤٥٠، بحار الأنوار ٢٥: ٢١٣ الرقم ٤.
3- نهج البلاغة (صبحي الصالح): 212 الخطبة ١٥٢، بصائر الدرجات: ٥١٧.

ص: 254

حتى يعرف ولايتنا أهل البيت، ولو أنّ عبداً عبد اللّه ألف سنة وجاء بعمل اثنين وسبعين نبيّاً ما يقبل اللّه حتى يعرف ولايتنا أهل البيت، وإلّا أكبّه اللّه على منخريه في نار جهنم» .(1)

٣٥. أفيكم مُطَهّر غيري، إذ سدّ رسول اللّه9 أبوابكم

وفتح بابي؟

من كلام له7 قاله على سبيل الاحتجاج لأهل الشورى: «أنشدكم باللّه، أفيكم مطهّر غيري، إذ سدّ رسول اللّه9 أبوابكم وفتح بابي؟ وكنت معه في مساكنه ومسجده، فقام إليه عمّه فقال: يا رسول اللّه، غلقت أبوابنا وفتحت باب عليّ؟! قال: نعم، أمر اللّه بفتح بابه وسد أبوابكم؟

قالوا: اللهم لا» .(2)


1- . مستدرك الوسائل ١: ١٦٨ ح٢٧٣ نقله عن جامع الاخبار: ٢٠٧ الفصل ١٤١، بحارالأنوار ٢٧: ١٩٦ ح٥٧.
2- تاريخ دمشق ٣: ١١٦ الرقم ١١٤٠ و٣: ١١٩ الرقم ١١٤٢، كتاب سليم بن قيس: ٧٤، الخصال للصدوق ٢: ٥٥٩ ح٣١، الأمالي للطوسي: ٥٤٨ الرقم ١١٦٨ و٥٥٥ الرقم ١١٦٩، مناقب ابن المغازلي: ١١٧ الرقم ١٥٥، مناقب الخوارزمي: ٢١٤ و٢٢٣، فرائد السمطين ١: ٣٢٢ الرقم ٢٥١، كشف اليقين: ٤٢٥، غاية المرام: 642 الباب ٩٩.

ص: 255

٣٦. لقد كنت أنظر إلى فاطمة فتنكشف عني الهموم والأحزان

قال أمير المؤمنين7: «فواللّه ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها اللّه عزّ وجلّ إليه، ولا أغضبتني، ولا عصت لي أمراً، ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عنّي الهموم والأحزان» .(1)

٣٧. واللّه لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا اللّه

قال ابن عباس: إنّ عليّاً7 كان يقول في حياة رسول اللّه9: «إنّ اللّه عزّ وجلّ يقول: (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) (2)واللّه لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا اللّه.

واللّه لئن مات أو قتل لأقاتلنّ على ما قاتل عليه حتى أموت، واللّه إنّي لأخوه، ووليّه، وابن عمه، ووارثه، فمن أحقّ به منّي؟» (3)

٣٨. لمثل هذا ولدتني أمّي

عن مصعب بن سعد، عن أبيه قال: قال لي معاوية: أتحبّ عليّاً؟

قال: فقلت: وكيف لا أحبّه، وقد سمعت رسول اللّه يقول: أنت منّي


1- كشف الغمة ١: ٣٦٣، بحارالأنوار ٤٣: ١٣٤.
2- آل عمران: 144.
3- خصائص النسائي: ٨٥، المعجم الكبير للطبراني ١: ٦٤ الرقم ١٧٦، الرياض النضرة ٣: ٢٠٦، مجمع الزوائد ٩: ١٣٤، تفسير البرهان ١: ٣١٩، مستدرك الحاكم ٣: ١٢٦، بحار الأنوار ٣٨: ٣٤٣.

ص: 256

بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي. ولقد رأيته بارزاً يوم بدر وهو يحمحم كما يحمحم الفرس ويقول:

بازل عامين حديث سني

سنحنح الليل كأني جني

لمثل هذا ولدتني أمي

فما رجع حتى خضب سيفه دماً .(1)

٣٩. لا سيف إلّا ذو الفقار

قال أمير المؤمنين7 في حديث المناشدة: «نشدتكم باللّه

هل فيكم أحدٌ نادى له مناد من السماء: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى

إلّا علي غيري؟

قالوا: اللهم لا» .(2)

٤٠. عهد إليّ النبي الأمي أن يخضب هذا من دم هذه

قال عليّ7: «عهد إليّ النبيّ الأميّ9 أن يخضب هذا من

دم هذه» .(3)

المصادر


1- المناقب لابن المغازلي الشافعي: ٣١ الرقم ٤٨، كنز العمال ١٠: ٤١١ الرقم ٢٩٩٨٩.
2- الخصال للصدوق ٢: ٥٥٧ الرقم ٣١، المسترشد: ٥٩، الأمالي للطوسي: ٥٤٧ الرقم ١١٦٨، مناقب ابن المغازلي: ١١٦ الرقم ١٥٥، مناقب الخوارزمي: ٢١٣ و٢٢٣، الإحتجاج للطبرسي ١: ٣٢٤، كشف اليقين: ٤٢٤.
3- تاريخ دمشق ٣: ٣٣٤ الرقم ١٣٧٩، مناقب ابن المغازلي: ٢٠٥ الرقم ٢٤٢.

ص: 257

1. اثبات الوصية لإمام عليّ بن أبي طالب. المسعودي، عليّ بن الحسين (ت346ق). قم: منشورات انصاريان. الطبعة الثانية: 1426ق.

2. الإحتجاج. الطبرسيّ، أحمد بن عليّ (ت 588ق). تحقيق: محمّد باقر الخرسان. مشهد: نشر المرتضي. الطبعة الأولي: 1403 ق.

3. الإختصاص للمفيد. العكبري البغدادي، محمد بن النعمان (ت413ق). بيروت: دار المفيد. الطبعة الثانية: 1414ق.

4. أربعين في أصول الدين. الرازي، فخر الدين (ت606ق). قاهره: مكتبة الكليّات الأزهريّة. الطبعة الأولى: 1986م.

5. أرجح المطالب في سيرة أميرالمؤمنين. أمرتسري، عبيداللّه. لاهور باكستان: حق برادرز. الطبعة الأولى: 1994م.

6. ارشاد القلوب إلى الصواب. الديلمي، حسن بن محمّد (ت841ق). قم: منشورات الشريف الرضي. الطبعة الأولى: 1420ق.

7. الارشاد. المفيد، محمّد بن محمد (ت413ق). التحقيق:

ص: 258

مؤسسة آل البيت لاحياء التراث. قم: الموتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد. الطبعة الأولي: 1413 ق.

8. أسباب النزول. الواحدي النيشابوري، عليّ بن أحمد (ت486ق). القاهرة: مؤسسة الحلبي. الطبعة: 1388ق.

9. أسنى المطالب في مناقب سيّدنا عليّ بن أبي طالب. الجزريّ الشافعيّ، شمس الدين محمّد بن محمّد بن محمّد (ت833ق). أصفهان: مكتبة الإمام أميرالمؤمنين7.

10. الإصابة في تمييز الصحابة. العسقلاني، أحمد بن عليّ بن حجر (ت852ق). بيروت دار الكتب العلمية. الطبعة الأولى: 1415ق.

11. أقرب الموارد في فصح العربية والشوارد. خوري شرتوني لبناني، سعيد. طهران. الطبعة الثانية: 1385ش.

12. الأمالي للشيخ الصدوق. ابن بابويه، محمّد بن عليّ (ت381ق). النجف الأشرف: المكتبة الحيدرية. الطبعة: 1369ق.

13. الأمالي للشيخ الطوسي. الطوسي، محمّد بن الحسن (460ق). قم: دار الثقافة. الطبعة الأولى: 1414ق.

14. الأمالي للشيخ المفيد. العكبري البغدادي، محمّد بن النعمان (ت413ق). بيروت: دار المفيد. الطبعة الثانية: 1414ق.

ص: 259

15. الإمام علي من حبّه عنوان الصحيفة. الرحماني الهمدانيّ، أحمد (ت1424ق). طهران: المنير للطباعة والنشر. الطبعة الأولى: 1417ق.

16. الإمامة والسياسة المعروف بتاريخ الخلفا. الدينوري، ابن قتيبة (ت276ق). قم: الشريف الرضي. الطبعة الأولى: 1413ق.

17. أنساب الأشراف. البلاذري، أحمد بن يحيى (ت279ق). بيروت: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات. الطبعة الأولى: 1394ق.

18. بحارالأنوار. المجلسيّ، محمّد باقر (ت 1110ق). بيروت: منشورات دار إحياء التراث العربيّ. الطبعة الثانية: 1403ق.

19. بشارة المصطفي لشيعة المرتضى. الطبري، عماد الدين محمّد بن أبي القاسم (ت 525ق). قم: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين. الطبعة الأولى: 1420ق.

20. بصائر الدّرجات. الصفّار، محمّد بن حسن (ت 290ق). تحقيق: محسن بن عباسعلي كوچه باغى. قم: مكتبة آية الله المرعشيّ النجفيّ. الطبعة الثانية: 1404ق.

21. تاريخ الإسلام. الذهبي، أبو عبد اللّه محمّد بن أحمد بن عثمان (ت748ق). لبنان: دار الكتاب العربي. الطبعة الأولى: 1407ق.

22. تاريخ الخلفاء. السيوطي، جلال الدين (ت911ق). بيروت:

ص: 260

مطابع معتوق الاخوان.

23. تاريخ الطبريّ. الطبريّ، أبي جعفر محمّد بن جرير (ت310ق). لبنان: مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات. الطبعة الرابعة: 1403ق.

24. تاريخ بغداد. الخطيب البغدادي، أحمد بن علي (ت463ق). بيروت: دار الكتب العلميّة. الطبعة الأولى: 1417ق.

25. تاريخ دمشق. ابن عساكر الشافعي، بن الحسين بن هبة اللّه بن عبد اللّه (ت571ق). بيروت: دار الفكر. الطبعة: 1415ق.

26. تأويل الآيات الظاهرة. الحسيني الأسترآبادي النجفي، السيّد شرف الدين عليّ (ت965ق). قم: مدرسة الإمام المهدي. الطبعة الأولى: 1407.

27. تحف العقول. الحرانيّ، حسن بن شعبه (القرن الرابع). قم: موسسة النشر الاسلامي. الطبعة: 1404ق.

28. تذكرة الخواص. سبط ابن الجوزي (ت654ق). قم: منشورات الشريف الرضي. الطبعة الأولى: 1418ق.

29. تفسير البرهان. البحراني، السيّد هاشم (ت1107ق). قم: دار التفسير. الطبعة الأولى: 1417ق.

30. تفسير الثعلبي. الثعلبي النيسابوري، أبو إسحاق أحمد بن

ص: 261

محمّد بن إبراهيم (ت427ق). بيروت: دار إحياء التراث العربي. الطبعة الأولى: 1422ق.

31. تفسير العيّاشيّ. العيّاشيّ، محمّد بن مسعود (ت 320ق). تحقيق: السيّد هاشم الرسوليّ المحلاتيّ. طهران: منشورات المطبعة العلميّة. الطبعة الأولي: 1380ش.

32. تفسير المراغي. المراغي، أحمد مصطفى. مصر: شركة مصطفى البابا الحلبي وأولاده. الطبعة الثالثة: 1385ق.

33. تفسير النسفي بهامش تفسير الخازن. النسفي، إبراهيم بن معقل (ت295ق). مصر. الطبعة: 1317ق.

34. تفسير النيسابورى غرائب القرآن وغالب الفرقان هامش تفسير الطبري. الشافعي، أبي بكر محمّد بن الحسن (ت406ق). مصر. الطبعة: 1321ق.

35. تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان. النيشابوري، نظام الدين حسن بن محمّد (ت بعد728ق). التحقيق: الشيخ زكريات عميرات. بيروت: دار الكتب العلمية. الطبعة الأولى: 1416ق.

36. تفسير فرات الكوفي. الكوفيّ، فرات بن إبراهيم (ت352ق). طهران: مؤسسة الطباعة والنشر وزارة الثقافة والإرشاد

ص: 262

الاسلاميّ. الطبعة الأولي: 1410ق.

37. التلخيص في تفسير القرآن العظيم. العزاوي، سعد بن حسين علي محمود (ت القرن7). بغداد: ديوان الوقف السني: 1433ق.

38. جامع الأخبار. الشعيري، محمّد بن محمّد (القرن السادس). نجف: مطبعة الحيدريّة. الطبعة الأولى.

39. جامع البيان عن تأويل آي القرآن. الطبري، محمّد بن جرير (ت310ق). بيروت: دار الفكر. الطبعة: 1415ق.

40. جواهرالمطالب في مناقب الإمام عليّ7. الدمشقي الباعوني الشافعيّ، محمّد بن أحمد (ت871ق). قم: مجمع إحياء الثقافة الإسلاميّة. الطبعة الأولى: 1415ق.

41. حاشية السيوطي على البيضاوي (نواهد الابكار وشوارد الأفكار). السيوطي، جلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكر (ت911ق). المخطوط.

42. حقّ اليقين في معرفة أصول الدين. الشبّر، السيّد عبداللّه (ت1242ق). بيروت: مؤسسة الأعلمي. الطبعة الأولى: 1997م.

43. حلية الاولياء وطبقة الأصفياء. الاصبهاني، أبي نعيم أحمد بن عبد اللّه (ت430ق). بيروت: دار الكتاب العربي. الطبعة 1387ق.

ص: 263

44. إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل. المرعشي، القاضي نور اللّه (ت1019ق). قم: مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي. الطبعة

الأولى: 1409ق.

45. الخصال. ابن بابويه، محمّد بن عليّ (ت 381ق). قم: جماعة المدرسين في الحوزة العلميّة. الطبعة: 1403ق.

46. خصائص أميرالمؤمنين. النسائي الشافعيّ، أحمد بن شعيب (ت303ق). طهران: مكتبة نينوى الحديثة.

47. الدرّ المنثور. السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت911ق). بيروت: دار المعرفة.

48. درّة الناصحين في وعظ الإرشاد. خويري، عثمان بن حسن (القرن13). أرومية: 1384ش.

49. دلائل الصدق لنهج الحق. المظفر النجفيّ، محمّد حسن (ت1334ش). قم: مؤسسة آل البيت:. الطبعة الأولى: 1422ق.

50. روح المعانى في تفسير القرآن العظيم. الآلوسي، سيّد محمود (القرن 13). بيروت: دار الكتب العلميّة. الطبعة الأولى: 1415ق.

51. الرياض النضرة في مناقب العشرة. المحبّ الطبريّ، أبي جعفر أحمد (ت224ق). بيروت: دار الكتب العلميّة.

ص: 264

52. سواطع الإلهام في تفسير كلام الملك العلّام. فيضي، أبو الفيض بن مبارك (ت1004ق). المخطوط.

53. شرح نهج البلاغة. ابن ابي الحديد، عبد الحميد بن هبة الله (ت 656ق). التحقيق: محمد ابوالفضل ابراهيم. قم: مكتبة آيت الله المرعشي النجفي. الطبعة الأولي: 1404ق.

54. شواهد التنزيل. الحاكم الحسكاني، عبيد اللّه بن أحمد (القرن5). طهران: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة. الطبعة الأولى: 1411ق.

55. سنن الترمذي. الترمذي، محمّد بن عيسى بن سعدة (ت279ق). بيروت: دار الفكر. الطبعة الثانية: 1403ق.

56. صحيح مسلم. القشيري النيشابوري، مسلم بن الحجاج بن مسلم (ت261ق). بيروت: دار الفكر.

57. الصواعق المحرقة. الهيثمي الشافعي، ابن حجر (ت993ق). مصر. الطبعة: 1308ق.

58. الطبقات الكبرى. محمّد بن سعد(ت230ق). بيروت: دار صادر.

59. الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف. ابن طاووس الحلّي، عليّ بن موسى (ت664ق). قم: الخيام. الطبعة الأولى: 1399ق.

ص: 265

60. علل الشرايع. ابن بابويه، محمّد بن عليّ (ت 381ق). قم: منشورات مكتبة الداوريّ. الطبعة الأولي: 1385 ق.

61. على في القرآن. الشيرازيّ، السيّد صادق. بيروت: دار الصادق. الطبعة الأولى: 1400ق.

62. عيون أخبار الرضا7. ابن بابويه، محمّد بن عليّ (ت 381ق). التحقيق: مهدي اللاجورديّ. طهران: منشورات جهان. الطبعة الأولي: 1378 ق.

63. عيون التفاسير للفضلاء السماسير (المعروف بتفسير الشيخ). السيواسي، أحمد بن محمود. المخطوط.

64. عيون التفاسير للفضلاء السماسير. السيواسي، أحمد بن محمود. بيروت: دار الصادر، استنبول: مكتبة الإرشاد. الطبعة الأولى: 1427ق.

65. غاية المرام. البحراني، السيّد هاشم (ت1107ق). التحقيق: عليّ عاشور.

66. كتاب الغيبة. النعماني، محمّد بن إبراهيم بن جعفر (ت360ق). قم: أنوار الهدى. الطبعة الأولى: 1422ق.

67. فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفى. الرحماني الهمداني، أحمد. تهران: النشر المرضية. الطبعة: 1373ش.

ص: 266

68. فرائد السمطين. الحمويني الشافعي، ابراهيم بن محمّد (ت712ق).

69. الكافي. الكلينيّ، محمّد بن يعقوب (ت 329ق). التحقيق: علي أكبر الغفاريّ. طهران: منشورات دارالكتب الاسلاميّة. الطبعة الرابعة: 1407ق.

70. الكامل. الجرجاني، عبداللّه بن عدي (ت365ق). بيروت: دار الفكر. الطبعة الثالثة: 1409ق.

71. كتاب سليم بن قيس. الهلاليّ، سليم بن قيس (ت76ق). التحقيق: محمّد باقر الأنصاريّ الزنجانيّ.

72. وقعة صفين. المنقري، نصر بن مزاحم (ت212ق). القاهرة: المؤسسة العربية الحديثة. الطبعة الثانية: 1382ق.

73. كشف الغمة. الإربليّ، أبي الحسن عليّ بن عيسى (ت693ق). بيروت: دار الأضواء. الطبعة الثانية: 1405ق.

74. كشف اليقين في فضائل أميرالمؤمنين. الحلّي، الحسن بن يوسف بن مطهّر (ت726ق). طهران. الطبعة الأولى: 1411ق.

75. كمال الدين. ابن بابويه، محمد بن علي (ت 381ق). طهران: منشورات الإسلامية. الطبعة الثانية: 1395ق.

ص: 267

76. كنز العمّال. المتّقيّ الهنديّ، عليّ (ت 975ق) بيروت: مؤسّسة الرسالة.

77. اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة. السيوطي،

جلال الدين عبد الرحمن (ت911ق). بيروت: دار الكتب العلميّة. الطبعة: 1417ق.

78. لسان الميزان. العسقلاني، أحمد بن عليّ بن حجر (ت852ق). بيروت: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات. الطبعة الثانية: 1390.

79. مجمع البحرين. الطريحي، فخر الدين (ت1085ق). قم: مكتب النشر الثقافة الإسلاميّة. الطبعة الثانية: 1408ق.

80. مجمع الزوائد. الهيثمي، نور الدين عليّ بن أبي بكر (ت807ق). بيروت: دار الكتب العلميّة. الطبعة: 1408ق.

81. مجموعة الفتاوى. ابن تيمية الحرّاني، تقي الدين أبي العباس أحمد بن عبد الحليم (ت728ق). المملكة العربية السعودية: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف. الطبعة: 1416ق.

82. مستدرك الوسائل. النّوري، ميرزا حسين (ت1320ق). قم: مؤسّسة آل البيت: لإحياء التراث. الطبعة الأولى: 1408ق.

83. المستدرك على الصحيحين. الحاكم النيسابوريّ، أبي عبد

ص: 268

اللّه (ت405ق). بيروت: دار المعرفة.

84. المسترشد في إمامة أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب. الطبري الإماميّ، محمّد بن جرير بن رستم (القرن4). قم: مؤسسة الثقافة الإسلاميّة لكوشانبور. الطبعة الأولى: 1415ق.

85. مسند أحمد. احمد بن حنبل (ت241ق). بيروت: دار الصادر.

86. مصباح الأنوار في فضائل إمام الأبرار وابن عمّ محمّد المختار. الهائم بن محمد (ت القرن6). التحقيق: الدراسات الإسلاميّة مؤسّسة البعثة. قم: مؤسّسة البعثة، مركز الطباعة والنشر. الطبعة: 1428ق.

87. معاني الأخبار للصدوق. ابن بابويه، محمّد بن عليّ (ت381ق). قم: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين. الطبعة: 1379ق.

88. المعجم الكبير. الطبرانيّ، أبي القاسم سليمان بن أحمد (ت360ق). بيروت: دار إحياء التراث العربي. الطبعة الثانية.

89. مقتل الحسين7. الخوارزمي، أبي المؤيّد الموفق بن أحمد المكي (أخطب خوارزم) (ت568ق). التحقيق: الشيخ محمّد السماوي. قم: مؤسسة أنوار الهدى. الطبعة الأولى: 1423ق.

ص: 269

90. من لا يحضره الفقيه. ابن بابويه، محمّد بن عليّ (ت381ق). قم: موسسه النشر الاسلامي. الطبعة: 1413ق.

91. مناقب آل أبي طالب. ابن شهرآشوب، محمد بن علي (ت588ق). النجف الأشرف: المكتبة الحيدرية. الطبعة: 1376ق.

92. المناقب. الخوارزمي، الموفّق أحمد بن محمّد (ت568ق). قم: مؤسسة النشر الإسلامي. الطبعة الثانية: 1414ق.

93. مناقب على بن أبي طالب. الحنفيّ، أخطب خطباء خوارزم (ت568ق). النجف. الطبعة: 1367ق.

94. مناقب عليّ بن أبي طالب. الجلّابي الشافعي، عليّ بن محمّد بن محمّد المعروف بابن المغازلي (ت483ق). طهران: مكتبة الإسلاميّة. الطبعة: 1394ق.

95. مناقب عليّ بن أبي طالب وما نزل من القرآن في علي7. أبي بكر أحمد بن موسى ابن مردويه الأصفهاني (ت41ق). قم: دار الحديث. الطبعة الثانية: 1424ق. 95. منهاج السنّة شرح منهاج الكرامة في تفسير الإمامة. الحسينيّ الميلانيّ، عليّ. سنندج: علي الحسيني. الطبعة: 1419ق.

96. موسوعة الإمام علي. الريشهري، محمّد. قم: دار الحديث.

ص: 270

الطبعة الثانية: 1425ق.

97. نهج البلاغة. شريف الرضي، محمّد بن الحسين (ت406ق). التحقيق: صبحي صالح. قم: منشورات الهجرة. الطبعة الأولى: 1414ق.

98. نورالأبصار في مناقب آل النبيّ المختار. الشبلنجي الشافعي، السيّد مؤمن. بيروت: المكتبة الشعبية.

99. وسائل الشيعة. الحرّ العامليّ، محمّد بن حسن (ت 1104ق). قم: مؤسسة آل البيت: لإحياء التراث. الطبعة الأولي: 1409ق.

100. ينابيع المودّة لذوي القربى. القندوزيّ الحنفيّ، سليمان بن إبراهيم (ت1294ق). قم: دار الأسوة. الطبعة الأولى: 1416ق.

ص: 271

ص: 272

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.