شرح دعاء ابي حمزه الثمالي

اشارة

عنوان و نام پديدآور : شرح دعاء ابي حمزه الثمالي/ علي الاحمدي الميانجي ؛ تحقيق مهدي هوشمند

مشخصات نشر : قم: دار الحديث، 1388ش=1430ق

مشخصات ظاهري : 464 ص

فروست : مركز بحوث دارالحديث ؛199

وضعيت فهرست نويسي : در انتظار فهرستنويسي (اطلاعات ثبت)

يادداشت : چاپ اول

شماره كتابشناسي ملي : 2638695

ص: 1

تمهيد

ص: 2

تمهيدٌإنّ الحديث الشريف باعتباره رواية لسنّة المعصومين عليهم السلام ، فقد غطّى مجالات واسعة ، بحيث يمكن تشبيهه ببحر ضمّ جميع المواضيع الّتي يحتاجها البشر من معارف ومتطلّبات . إنّ الحديث الشريف وبما يتمتّع به من مكانة عاليّة ورفيعة بين المسلمين ، كان نقله ونشره أمرين مهمّين ، ولذا يجب الوقوف على ما يحتويه من بلاغة إلى جانب المحتوى الغني الذي يتمتّع به . وبما أنّ أحاديث أهل البيت عليهم السلام تنبع من مصدر واحد ، فغالبا ما نلمس نوعا من المطابقة والتوافق ما بينها ، نعم ، يوجد تفاوت من جهة البيان والاُسلوب والشكل الظاهري فيما بينها . فتارةً نشاهد الحديث الشريف يصاغ على شكل سؤال وجواب علمي ، أو بيان أخلاقي ، أو ما يناسب مقام صدور الحكم الشرعي ، أو ما يناسب مقام المناجات مع ربّ العالمين ، فكلّ هذه الأشكال والأساليب تهدف إلى بيان المعارف الّتي يحتاجها البشر في الوصول إلى أهداف عاليّة من المعرفة الإلهيّة والاتّصال بالمبدأ المتعالي. لقد خاض الكثير من علماء الحديث والمحدّثين _ وباستخدام الأساليب والقواعد العلمية _ في وشرح وبيان الجوانب العقائديّة أو الفقهيّة أو الأخلاقيّة في الأحاديث الشريفة ، ولذا نجد أنّ هذا النوع من الروايات كان محلّاً لاهتمامهم . ولكن ينبغي عدم إغفال الدور المؤثّر للدعاء _ في الأحاديث الشريفة _ على الحياة البشرية وما توجد من حاجة ماسّة إليه ، حيث إنّ دوره الفعال كان نتيجة أمرين : الأوّل : تأثير الدعاء في الحياة المعنويّة للإنسان وكونه حاجة وضرورة ، والأمر الآخر : المكانة التاريخيّة لبعض الأئمّة الذين كانوا سبّاقين لغيرهم في الإقدام على استخدام هذا الاُسلوب في بيان معارف الدين الحنيف . نشهد هذا الوصف جليا ومطابقا لأئمّة أهل البيت عليهم السلام ، وأنّهم كانوا كثيرا ما يدعون اللّه عزّوجلّ ، ويؤيّد ذلك تلك الأخبار الّتي نقلت عن أحوالهم ، والكمّ الكبير من الأدعية الّتي نُقلت عنهم عليهم السلام . ولكن في هذا المجال فإنّ دور الإمام السجّاد عليه السلام يبرز جليا ؛ وذلك لأنّه كان كثير الدعاء ، ولأنّه نُقل عنه الكثير من الأدعية ؛ بحيث يحتاج كلّ واحد من هذه الأدعية إلى بيانٍ خاصّ وشرحٍ وبسط كبيرين . كما أخذ تلامذته البارزين دورا مهمّا في نقل هذه الآثار وحفظها من النسيان ، ومن جملة تلامذته عليه السلام يبرز اسم أبي حمزة الثمالي واضحا ، بما كان يتمتّع به من دقّة واشتياق ، ولما له من دور في بقاء وخلود هذه الأدعية الشريفة . ويمكن القول : إنّ من أكبر الأدعية المرويّة عن الإمام السجّاد عليه السلام وبنقل أبي حمزة الثمالي ، هو ذلك الدعاء المعروف باسم راويه ؛ أي دعاء أبي حمزة الثمالي . وقد ورد الدعاء في جملة أدعية أسحار شهر رمضان المبارك ، حيث يحتوي على مفاهيم كثيرة ومهمّة في التوبة والإنابة وشحذ الهمم لإصلاح النفس ، ولذا حضى هذا الدعاء بأهميّة ومكانة عاليتين . وبسبب عشق وعلاقة العالم الأخلاقي المعاصر سماحة آية اللّه الحاج الشيخ علي الأحمدي الميانجي رحمه الله بهذا الدعاء الشريف ، فقد بدأ بخطوة كبيرة في مجال شرحه وتوضيحه ، ولكنّه _ للأسف _ لم يتمّ هذا العمل . نعم ، إنّ الفقرات المتبقية من شرح هذا الدعاء كانت بحجم معتنى به بحيث شكّلت الكتاب الذي بين أيدينا ، ولا يخفى أنّه أحد مؤلّفاته رحمه الله العديدةً . إنّ مركز أبحاث علوم ومعارف الحديث ، وبالالتفات إلى هذا البعد المهمّ من الأحاديث الذي بيّن على شكل دعاء ، ولإجل تكريم جهود هذا العالم الجليل المتخلّق بالأخلاق الإنسانية والذاكر للآخرة ، أقدم على تحقيق ونشر هذا الأثر . ولذا نجد لزاما على أنفسنا أن نقف إكراما لهذا العالم ، سائلين اللّه تعالى له علوّ الدرجات . كما ونتقدّم بالشكر لجهود نجله سماحة حجّة الإسلام والمسلمين الحاج الشيخ مهدي الأحمدي الميانجي ، الذي زوّدنا بالنسخة المخطوطة للمؤلّف ، ونتقدّم أيضا بالشكر الجزيل للمحقّق جناب الشيخ مهدي هوشمند ، الذي أخذ على عاتقه التحقيق العلمي لهذا الكتاب . مركز أبحاث علوم ومعارف الحديث

ص: 3

المقدّمة

الفصل الأوّل : التعريف بشخصية أبي حمزة الثمالي

اسمه وكنيته ولقبه

المقدّمةُمن أهمّ الطرق التي استفاد منها الأئمّة الأطهار عليهم السلام لنشر التعاليم الإسلامية، هو تعليم الدعاء ، خصوصاً في الفترة التي عاش بها الأئمّة من إمامة الحسن إلى إمامة السجّاد عليهماالسلام ، حيث اقتضت الظروف الاستفادة من الدعاء كوسيلة لتوجيه قلوب الناس نحو اللّه تعالى والدين الإسلامي الحنيف ، وتهذيب النفوس وتربيتها بما يكفل هدايتها نحو الطريق القويم . ويعتبر الدعاء المشهور بدعاء أبي حمزة الثُّمالي أحد أدعية الإمام السجّاد المهمّة المؤثّرة في تربية النفوس وإيجاد دوافع الابتهال والتضرّع بحضرة الباري تعالى . وهذا الكتاب الذين بين يديك عزيزنا القارئ ، هو شرح غير كامل لهذا الدعاء ، سطّرته يراع المرحوم آية اللّه الشيخ علي الأحمدي الميانجي رحمه الله ، نقدّمه لأهل العرفان والمتعلّقين بهذا التراث التربوي الخالد . نتطرّق في مقدّمة الكتاب إلى ذكر عدّة فصول تمهيدية . الفصل الأوّل : التعريف بشخصية أبي حمزة الثمالي . الفصل الثاني : التعريف بالدعاء . الفصل الثالث : نبذة من سيرة شارح الدعاء . الفصل الرابع : التعريف بخصوصيات الكتاب . آملين من اللّه تعالى أن يفيد به بما يكفل النجاة في الدارين ، إنّه وليّ المؤمنين .

الفصل الأوّل : التعريف بشخصية أبي حمزة الثمالياسمه وكنيته ولقبهأبو حمزة ثابت بن دينار ، الثمالي ، 1 الأزدي الكوفي. ذكر ذلك جمع من الأعلام ، كالكشّي ، (1) والشيخ الطوسي ، (2) وابن داوود الحلّي ، (3) والعلّامة الحلّي . (4) وقيل : اسم أبيه «سعيد» ، نقل ذلك ابن حجر ، (5) والمزّي ، (6) والداوودي . (7) يكنّى ب«أبي حمزة» ، وهي الكنية التي غلبت على اسمه واشتهر بها ، وقد وردت في أسانيد غالب الروايات من كتب الفريقين. و«حمزة» أكبر أبنائه ، استُشهد هو وأخواه : نوح ومنصور مع زيد بن علي عليهماالسلامفي ثورته. (8) ويكنّى ب«ابن أبي صفية» ، وردت هذه الكنية في كتب الحديث والرجال مقرونة باسمه «ثابت بن أبي صفية» ، وهكذا عنونه محدّثو السنّة في كتب الرجال والترجمة. (9) عنون بذلك أحمد بن حنبل ، (10) وإبراهيم بن يعقوب الجوزجاني ، (11) والنسائي ، والعقيلي (12) ، (13) وابن أبي حاتم ، (14) وابن حبّان ، (15) وابن عدي ، (16) والدارقطني ، (17) وابن حجر ، (18) والمزّي ، (19) والذهبي . (20)

.


1- . اختيار معرفة الرجال: ج 2 ص 455.
2- . الفهرست للطوسي: الترجمة 136 ص 71.
3- . رجال ابن داوود: الترجمة 277 ص 59.
4- . رجال العلّامة الحلّي: الترجمة 5 ص 29.
5- . تهذيب التهذيب: ج 2 ص 7.
6- . تهذيب الكمال: ج 4 الترجمة 819.
7- . طبقات المفسّرين: ج 1 ص 126.
8- . رجال النجاشي: ج 1 الترجمة 294 ص 289.
9- . انظر : الكامل في ضعفاء الرجال: ج 5 ص 1831.
10- . الجامع في العلل ومعرفة الرجال: ج 2 الترجمة 1022 ص 118.
11- . أحوال الرجال: الترجمة 82 ص 70.
12- . الضعفاء الكبير: ج 1 الترجمة 214 ص 172.
13- . الضعفاء والمتروكين: الترجمة 95 ص 69.
14- . الجرح والتعديل: ج 1 الترجمة 1813 ص 450.
15- . كتاب المجروحين: ج 1 ص 208.
16- . الكامل في ضعفاء الرجال: ج 2 ص 520.
17- . الضعفاء والمتروكين: الترجمة 139 ص 71.
18- . تهذيب التهذيب: ج 2 ص 7.
19- . تهذيب الكمال: ج 4 الترجمة 819 ص 357.
20- . ميزان الاعتدال: ج 1 الترجمة 1358 ص 363.

ص: 4

. .

ص: 5

ولادته وعمره

ولادته وعمرهلا يوجد في النصوص التاريخية ذكرا لتاريخ ولادة أبي حمزة ، أو ما أرشدنا إلى طول عمره ، ولكن يمكن تحديد عمره بتقريب أنّ أبا حمزة أدرك طيلة إمامة علي بن الحسين عليهماالسلاموالتي ابتدأت بشهادة أبيه الإمام الحسين عليه السلام عام 61 ه ؛ لما حدّث أبو حمزة عن قصة أوّل لقائه ومعرفته بالإمام زين العابدين عليه السلام عند قدومه العراق لزيارة أبيه الإمام الحسين عليه السلام والصلاة في مسجد الكوفة ، وكان ذلك بعد فترة قصيرة من واقعة كربلاء ، والذي يظهر منها أنّ أبا حمزة كان راشدا في حينها (1) . ويمكن القول إنّ أبا حمزة أدرك أيضا طيلة إمامة الصادق عليه السلام والتي امتدّت حتّى عام 148 ه ؛ للخبر الذي تلقّى فيه نبأ وفاة الصادق عليه السلام . لازم ذلك أن يكون عمره رحمه الله ما يزيد بخمس عشرة سنة _ على الأقل _ على مجموعة إمامة كلّ من الإمام زين العابدين عليه السلام وقد دامت 34 سنة ، والباقر عليه السلام وهي 17 سنة ، والصادق عليه السلام وهي 36 سنة ، أي أنّ عمره رحمه الله قد تجاوز المئة عام ، وهو القدر المتيقّن في ذلك. ولو أخذنا بنظر الاعتبار ما يظهر منه رحمه الله روايته عن المغيرة بن شعبة (ت 50 ه) وزياد بن أبيه (ت 53 ه) . (2) واختلف المحدّثون وعلماء الرجال والترجمة في سنة وفاة أبي حمزة ، فذكر الصدوق (3) والنجاشي (4) والشيخ الطوسي (5) وابن داوود ، (6) أنّها كانت سنة 150 ه. وقال العقيلي (7) وابن حبّان ، (8) بسنديهما عن يحيى بن معين والذهبي (9) والصفدي (10) (ت 764 ه) ، أنّه توفّي سنة 148 ه . وهناك أقوال أُخر منشأها وقوع التحريف في الكتب. لكن الحقّ أنّ أبا حمزة قد توفّي في نفس العام الذي توفّي فيه الصادق عليه السلام وهو عام 148 ه ، والذي أجمع أرباب التواريخ أنّ الإمام الصادق عليه السلام توفّي فيه.

.


1- . فرحة الغري : ص 58 .
2- . لاحظ المسند : كتاب الإيمان والكفر ، باب زيارة الإخوان.
3- . كتاب من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 444.
4- . رجال النجاشي: ج 1 الترجمة 294.
5- . رجال الطوسي : أصحاب الصادق ص 160.
6- . رجال ابن داوود : الترجمة 277 ص 59.
7- . الضعفاء الكبير: ج 1 الترجمة 214.
8- . كتاب المجروحين: ج 1 ص 208.
9- . تاريخ الإسلام : ص 84 .
10- . الوافي بالوفيات: ج 10 ص 461.

ص: 6

أحواله في رواية الحديث

مؤلّفاته

مكانته ومنزلته

أحواله في رواية الحديثافترق علماء الشيعة وأهل السنّة عند تعرّضهم لأبي حمزة الثمالي ، فوثّقه الشيعة وأجلّوه ، وضعّفه أهل السنّة وتركوه.

مؤلّفاته1. كتاب النوادر . 2. كتاب الزهد . 3. كتاب . (1) 4. صحيفة الحقوق . 5. تفسير القرآن .

مكانته ومنزلتهيُعدّ أبو حمزة الثمالي أحد الأوائل الذين تربّوا في كنف أئمّة أهل البيت عليهم السلام وأخذوا الحديث عنهم ونهلوا من علومهم. وقد أصبحت له بذلك منزلة سامية منهم عليهماالسلامومكانة بارزة بين أصحابهم ، وقد تجلّى ذلك بأمور : الأوّل : مدح الأئمّة عليهم السلام أبا حمزة وتعظيمهم له وإظهارهم قوّة إيمانه وثبات عقيدته. الثاني : إنّ أبا حمزة كان معتمد الأئمّة في مناظرة المخالفين والاحتجاج على الخصوم ، فقد عاصر أبو حمزة الثمالي الفترة التي استحكمت في المجتمع الاسلامي بعض الجماعات والفرق المنحرفة ، كالمرجئة والخوارج والقدرية ، فنصبوا منابر لآرائهم ، وعقدوا حلقات جدل بينهم. ومن المعضلات التي واجهت الأئمّة عليهم السلام وصحبهم أنّ فكرة الإرجاء قد استمالت عددا من علماء الأُمّة وأئمّة المذاهب بدرجة أو بأُخرى من الذين آثروا الدعة وحبّ السلامة ، فلجؤوا إلى موادعة الحكم الأموي ، والذي وجد هو بدوره فيهم ضالّته حيث أغمضوا عن موبقاته وجرائمه وعبّدوا له طريق اغتصابه الخلافة من أهلها حينما أوجدوا لها مستساغا شرعيا. ومن الطبيعي والحال هذه أن نرى تصدّي أصحاب أئمّة أهل البيت عليهم السلام وفي طليعتهم أبي حمزة الثمالي لتلك الجماعات والدخول معها في نزاعات واحتجاجات ، لتفنيد آرائها والوقوف أمام انتشار عقائدها ، ومن ورائه في ذلك كلّه أئمّة أهل البيت عليهم السلام يمدّونه بمعين أفكارهم ويلقّنونه بتأويل ما اشتبه على تلك الفرق من معاني الآيات وأُصول الاعتقادات. فعند أحد تلك المواقف لأبي حمزة مع المرجئة يسخر الإمام الباقر عليه السلام من هذه الفرقة الضالّة التي زيّنت لها أهواؤها التمسّك بظواهر بعض الآيات فأشادت عليها عقائدها وبنت أفكارها. الثالث : إنّ أبا حمزة كان من ثقاتهم لدى الناس وقت الأزمات وعند تعرّض آل البيت للاظطهاد والتنكيل : فقد شهد أبو حمزة دعوة زيد بن علي عليهماالسلام بالكوفة وعاش أحداثها وخذلان من بايعه وغرّه. الرابع : إنّ الأئمّة عليهماالسلام كانوا يؤثرونه على سواه بعلومهم وأسرارهم ووصاياهم : وقد يظهر ذلك بسؤال وطلب من أبي حمزة ، أو بمبادرة منهم ، بخطابٍ له باسمه أو كنيته أو لقبه وتكرار ذلك أثناء حديثهم إيّاه ؛ مبالغةً في إكرامه ، وقد يقسمون له أثناء ذلك.

.


1- . اختلف العلماء في معنى الكتاب والأصل، وذكروا فروقا عديدة بينهما ، إلّا أنّهم اتّفقوا أنّ الكتاب أعمّ من الأصل، فكلّ أصل كتاب، وليس كلّ كتاب أصل.

ص: 7

طلبه العلم

طلبه العلمشغف أبو حمزة الثمالي بالعلم واهتمّ بوصايا الأئمّة عليهم السلام وإرشاداتهم وحثّهم له على طلبه. قال أبو حمزة الثمالي : «قال لي أبو عبداللّه عليه السلام : اغدُ عالما أو متعلِّما أو احبب أهل العلم ولا تكن رابعا فتهلك ببغضهم» . (1) وتنقل لنا بعض الأخبار مدى التزامه رحمه الله بتعاليم الأئمّة عليهم السلام ، وجدّه في طلب العلم ودأبه على تدوينه وضبطه. قال أبو حمزة : «قرأت صحيفة فيها كلام زهد من كلام علي بن الحسين عليهماالسلام ، فكتبت ما فيها وأتيته بها ، فعرضته عليه فعرفه وصحّحه ، وكان فيها : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، كفانا اللّه وإيّاكم ...» . (2) وقد ورد أنّ أبا حمزة كان مواظبا على السفر كلّ عام من بلدته الكوفة لأداء فريضة الحجّ ، والالتقاء بأئمّة أهل البيت والوقوف على آرائهم في المسائل ، والتزوّد من علومهم . قال أبو حمزة : «كنت أزور عليّ بن الحسين عليهماالسلام في كلّ سنة مرّة في وقت الحجّ» . (3) . وقال رحمه الله : «خرجت إلى مكّة ، فدخلت على أبي جعفر محمّد الباقر عليه السلام وقلت أسأله مسائل وأكتب ما يجيبني عنها» . (4) وكان يغتنم كلّ لقاء بهم عليهم السلام ولم يدع أيّ فرصة تجمعه معهم. قال أبو حمزة : «دخلت على محمّد بن على عليهماالسلام وقلت : يابن رسول اللّه ، حدّثني بحديثٍ ينفعني ، قال : كلٌّ يدخل الجنّة إلّا من أبى ...» . (5) فكان من ثمرة سعيه واجتهاده في طلب العلم أن تكون له مجموعة كتب ، وتراثا حديثيا ضخما. فله كتاب الزهد ، وكتاب النوادر ، وتفسير القرآن ، ورسالة الحقوق ، وكتاب. وفي مجال نشر العلم وتعليمه ، فقد كانت له رحمه الله حلقة من فقهاء الكوفة يروي لهم ويلقي إليهم علومه ، وكأنّه قد آلى على نفسه الالتزام بما رواه هو عنهم عليهم السلام من أن العلم يأرز إذا لم يوجد له حمَلَة يحفظونه ويروونه كما سمعوه من العلماء ويصدقون عليهم فيه . (6) قال داوود بن كثير الرقي : «وفد من خراسان وافد يكنّى أبو جعفر ، فورد الكوفة وزار أمير المؤمنين ، ورأى في ناحية رجلاً وحوله جماعة ، فلمّا فرغ من زيارته قصدهم فوجدهم شيعة فقهاء ويسمعون من الشيخ، فسألهم عنه فقالوا : هو أبو حمزة الثمالي» . (7) وقد عدَّه اليعقوبي من الفقهاء الذين عاصروا أبا العبّاس السفاح وأبا جعفر المنصور . (8)

.


1- . المحاسن: باب الحثّ على طلب العلم ح 155 ص 227.
2- . الأمالي للمفيد: المجلس الثالث والعشرون ح 33 ص 199.
3- . فرحة الغري: ص 115.
4- . طبّ الأئمّة: ص 111.
5- . تفسير فرات : ص 434 .
6- . لاحظ المسند : كتاب الحجّة، باب أنّ الأرض لا تخلو من حجّة.
7- . الخرائج والجرائح: ج 1 ص 328 ح 22.
8- . تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 363 و 391 .

ص: 8

. .

ص: 9

أبو حمزة الثمالي وإمامة أهل البيت عليهم السلام

أبو حمزة الثمالي وإمامة أهل البيت عليهم السلامالإمامة هي الامتداد الطبيعي للنبوّة والجزء المتمّم لاستمرار الرسالة. هكذا فهمها الشيعة قديما وحديثا ، واعتقدوا بها ركنا من أركان الدين ، واستدلّوا بالدليل تلو الدليل من الكتاب والسُنّة والعقل. قال النبي صلى الله عليه و آله : «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتّة جاهلية». وانبرى أئمّة أهل البيت بوصاياهم ، فأكّدوا وجوب الاعتقاد بالإمامة ووجوب معرفة الإمام ، والردّ إليه في شؤون الدين والدنيا. وهكذا كان الأئمّة عليهم السلام في وصاياهم لأبي حمزة. قال رحمه الله : «قال لي أبو جعفر الباقر عليه السلام : إنّما يعبد اللّه من يعرف اللّه ، فأمّا من لا يعرف اللّه فانّما يعبده هكذا ضلالاً ، قلت : جُعلت فداك، فما معرفة اللّه ؟ قال : تصديق اللّه عزّ وجلّ، وتصديق رسوله صلى الله عليه و آله ، وموالاة عليّ عليه السلام ، والائتمام به وبأئمّة الهدى عليهم السلام ، والبراءة إلى اللّه عزّ وجلّ من عدوّهم ، هكذا يُعرف اللّه عزّ وجلّ» . (1) وقال أبو حمزة : «قال لي أبو جعفر الباقر عليه السلام : يا أبا حمزة، يخرج أحدكم فراسخ فيطلب لنفسه دليلاً، وأنت بطرق السماء أجهل منك بطرق الأرض، فاطلب لنفسك دليلاً» . (2) أي اتّخذ لنفسك مرجعا لدينك ، وابحث عمّن اختارتهم السماء ونصّ على إمامتهم نبيّك صلى الله عليه و آله . وعن أصحاب هذا الحقّ الشرعي وعددهم يقول أبو حمزة : «سمعت علي بن الحسين عليهماالسلام يقول : إنّ اللّه خلق محمّدا وعليّا وأحد عشر من ولده من نور عظمته ، فأقامهم أشباحا في ضياء نوره يعبدونه قبل خلق الخلق، يسبّحون اللّه ويقدّسونه، وهم الأئمّة من ولد رسول اللّه » . (3) وفي بيان شؤون هذه الإمامة يقول أبو حمزة : «دخلت على أبي جعفر عليه السلام وهو جالس على الباب الذي إلى المسجد وهو ينظر إلى الناس يطوفون، فقال : يا أبا حمزة، بما أُمروا هؤلاء؟ قال : فلم أدرِ ما أردّ عليه. قال : إنّما أُمروا أن يطوفوا بهذه الأحجار ثمّ يأتوننا فيُعلِمونا ولايتهم» . (4) وعن حقّ الإمام على رعيته وحقّهم عليه يقول رحمه الله : «سألت أبا جعفر عليه السلام : ما حقّ الإمام على الناس؟ قال : حقّه عليهم أن يسمعوا له ويطيعوا ، قلت : فما حقّهم عليه؟ قال : يقسم بينهم بالسويّة، ويعدل في الرعيّة ، فإذا كان ذلك في الناس فلا يبالي من أخذ ها هنا وها هنا» . (5)

.


1- . الكافي: ج 1 ص 180 ح 1.
2- . الكافي: ج 1 ص 184 ح 10.
3- . الأُصول الستّة عشر: أصل أبي سعيد الصفري ص 15.
4- . علل الشرائع: ج 2 باب علّة وجوب الحجّ ح 8 ص 406.
5- . الكافي: ج 1 ص 405 ح 1.

ص: 10

لقاؤه بعليّ بن الحسين عليهماالسلام

لقاؤه بعليّ بن الحسين عليهماالسلامقال أبو حمزة : «إنّ أوّل ما عرفتُ عليَّ بن الحسين عليهماالسلام أنّي رأيت رجلاً دخل من باب الفيل (1) فصلّى أربع ركعات، فتبعته حتّى أتى بئر الزكاة، وهي عند دار صالح بن علي، وإذا بناقتين معقولتين ومعهما غلام أسود، فقلت له : من هذا؟ فقال : هذا عليّ بن الحسين عليهماالسلام، فدنوت إليه، فسلّمت عليه وقلت له : ما أقدمك بلادا قُتل فيها أبوك وجدّك؟ قال : زرت أبي وصلّيت في هذا المسجد . ثمّ قال : هاهو ذا وجهي صلّى اللّه عليه» . (2) فقد تعلّق أبو حمزة بالإمام عليه السلام من أوّل لمحة حظي بها لشخصه وقبل أن يعرفه ، فكم من داخل دخل مسجد الكوفة وصلّى فيه؟ لكنّه علم أنّ الرجل ليس كالرجال، ومصلٍّ ليس كالمصلّين. إذ كان عليه السلام إذا مشى لا تجاوز يده فخذه، ولا يخطر بيده، وكان إذا قام إلى الصلاة أخذته رعدة . (3) فأحبّه حبّا لأهل الصلاح، وتعلّق به رغبةً في الفضيلة، وتبعه حتّى لا تفوته الفرصة. ولم يتأنّ في إظهار ولائه وحرصه عليه لمّا علم أنّه إمامه. أمّا الإمام فلم يُفاجأ بأبي حمزة، فاسمه مكتوب عندهم عليهم السلام في ديوان شيعتهم، وأنّه من الناجين المسجّلين في صحفهم. فقد ورد أنّ علي بن أبي حمزة [الثمالي] وأبا بصير قالا : كان لنا موعد على أبي جعفر عليه السلام ، فدخلنا عليه أنا وأبو ليلى، فقال : يا سكينة، هلُمّي بالمصباح! فأتت بالمصباح، ثمّ قال : هلُمّي بالسَّفَط الذي في موضع كذا وكذا . قال : فأتته بسَفَطٍ هندي أو سندي، ففضّ خاتمه ، ثمّ أخرج منه صحيفة صفراء . فقال علي : فأخذ يدرجها من أعلاها وينشرها من أسفلها، حتّى إذا بلغ ثلثها أو ربعها نظر إليّ، فارتعدت فرائصي حتّى خفت على نفسي ، فلمّا نظر إليّ في تلك الحال وضع يده على صدري فقال : أبَرَأت أنت؟ قلت : نعم جُعلت فداك ، قال : ليس عليك بأس . ثمّ قال : ادنُ ، فدنوت ، فقال لي : ما ترى؟ قلت : اسمي واسم أبي وأسماء أولادي أعرفهم ، فقال : يا عليّ، لولا أنّ لك ما عندي ما ليس لغيرك ما أطلعتك على هذا ، أما إنّهم سيزدادون على عدد ما هاهنا. قال علي بن أبي حمزة : فمكثت واللّه بعد ذلك عشرين سنة ثمّ ولد لي الأولاد بعدد ما رأيت في تلك الصحيفة» . (4) وتتكرّر زيارة الإمام عليه السلام للكوفة ، ويتكرّر اللقاء بأبي حمزة في مسجدها ، فقد عرف شمائل الإمام وهديه ، ولنرى كيف يصف لنا أبو حمزة الإمام زين العابدين ولقاءه به. قال أبو حمزة : «بينا أنا قاعد يوما في المسجد عند [الاسطوانة] السابعة ، إذا برجلٍ ممّا يلي أبواب كندة وقد دخل ، فنظرت إلى أحسن الناس وجها وأطيبهم ريحا وأنظفهم ثوبا ، معمّم بلا طيلسان ولا إزار ، عليه قميص ودُّرّاعة، وفي رجليه نعلان عربيان ، فخلع نعليه ، ثمّ قام عند السابعة ورفع مسبحته حتّى بلغتا شحمتي أُذنيه، ثمّ أرسلهما بالتكبير، فلم يبق في بدني شعرة إلّا قامت. ثمّ صلّى أربع ركعات، أحسَنَ ركوعهنّ وسجودهن، وقال : إلهي، إن كنت قد عصيتك فقد أطعتك في أحبّ الأشياء إليك الإيمان بك، منّا منك به عليَّ، لا منّا به عليك، لم أتّخذ لك ولدا، ولم أدع لك شريكا، وقد عصيتك على غير وجه المكابرة، ولا الخروج عن عبوديتك، ولا الجحود لربوبيتك ، ولكن اتّبعت هواي وأزلّني الشيطان بعد الحجّة عليّ والبيان، فإن تعذّبني فبذنوبي غير ظالمٍ لي، وإن تعفُ عنّي فبجودك وكرمك يا كريم. ثم خرّ ساجدا يقولها حتّى انقطع نفسه. وقال في سجوده : يا من يقدر على قضاء حوائج السائلين ، يا من يعلم ضمير الصامتين ، يا من لا يحتاج إلى تفسير ، يا من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، يا من أنزل العذاب على قوم يونس وهو يريد أن يعذّبهم فدعوه وتضرّعوا إليه فكشف عنهم العذاب ومتّعهم إلى حين، قد ترى مكاني وتسمع كلامي وتعلم حاجتي، فاكفني ما أهمّني من أمر ديني ودنياي وآخرتي، يا سيّدي يا سيّدي... سبعين مرّة. ثمّ رفع رأسه فتأمّلته، فإذا هو مولاي زين العابدين عليّ بن الحسين عليهماالسلام ، فانكببت على يديه أُقبّلهما، فنزع يده منّي وأومأ إليّ بالسكوت. فقلت : مولاي، أنا من عرفته في ولائكم، فما الذي أقدمك إلى ها هنا؟ فقال : هو لما رأيت» . (5)

.


1- . باب الفيل : هي أحد أبواب مسجد الكوفة، كانت تُسمّى باب الثعبان. وقصّتها مشهورة.
2- . الكافي: ج 8 ص 255 ح 363.
3- . المنتظم: ج 6 ترجمة عليّ بن الحسين ص 328.
4- . المناقب لابن شهرآشوب: ج 4 إمامة الباقر فصل في آياته ص 193.
5- . المزار الكبير : ص 169 .

ص: 11

. .

ص: 12

مراقبته الإمام علي بن الحسين عليهماالسلام

مراقبته الإمام علي بن الحسين عليهماالسلامدأب أبو حمزة الثمالي على مراقبة الإمام زين العابدين عليهماالسلام في مواقف عبادته والانتباه إلى حركاته وتقلّبه في محرابه ، وحفظ ما يصدر عنه من أدعية ومناجات. وقد يسأل أبو حمزة الإمام بعد فراغه ويستفسر عن ذلك ؛ بغية الاقتداء والتأسيّ به وحرصا منه على تصحيح وتقويم عبادته ، ثمّ رواية ذلك لخواصّه وشيعته؛ لاعتقاده بأنّ المعصوم لا يصدر منه إلّا المعصوم، وسنّته هي سنّة جدّه النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله ، وهذا الذي دعاه إلى رصد الإمام ومراقبته والانتباه لتلك المواقف. قال أبو حمزة : «رأيت عليّ بن الحسين عليهماالسلام يصلّي، فسقط رداؤه عن منكبيه ، قال : فلم يسوّه حتّى فرغ من صلاته. قال : فسألته عن ذلك ، فقال : ويحك! أتدري بين يدي مَنْ كنت؟ إنّ العبد لا تُقبل منه صلاة إلّا ما أقبل منها ، فقلت : جُعلت فداك هلكنا ، فقال : كلّا، إنّ اللّه تعالى يتمّم ذلك بالنوافل» . (1) وفي موقفٍ آخر قال أبو حمزة : «رأيت عليّ بن الحسين عليهماالسلام في فناء الكعبة في الليل وهو يصلّي ، فأطال القيام حتّى جعل مرّة يتوكّأ على رجله اليمنى ومرّةً على رجله اليسرى. ثمّ سمعته يقول بصوتٍ كأنّه باك : يا سيّدي، تعذّبني وحبّك في قلبي؟ أما وعزّتك لئن فعلت لتجمعنّ بيني وبين قومٍ طالما عاديتهم فيك» . (2) وقال أبو حمزة : «كان عليّ بن الحسين عليهماالسلام يقول في آخر وتره وهو قائم : ربِّ أسأتُ وظلمتُ نفسي، وبئس ما صنعت، وهذهِ يداي جزاءً بما صنعتا. قال : ثمّ يبسط يديه جميعا قُدّام وجهه ويقول : وهذه رقبتي خاضعة لك لما أتت. قال : ثمّ يطأطأ رأسه ويخضع برقبته ثمّ يقول : وها أنا ذا بين يديك، فخذ لنفسك الرضا من نفسي حتّى ترضى، لك العتبى، لا أعود لا أعود، لا أعود. قال : وكان واللّه إذا قال : لا أعود، لم يعد» . (3) وقال أبو حمزة : «كان عليّ بن الحسين عليهماالسلام إذا سافر صلّى ركعتين ثمّ ركب راحلته وبقي مواليه يتنفّلون، فيقف ينتظرهم ، فقيل له : ألا تنهاهم؟ فقال : إنّي أكره أن أنهى عبدا إذا صلّى، والسنّة أحبّ إليّ» . (4) ولم تكن مراقبة أبي حمزة للإمام عليّ بن الحسين عليهماالسلام مقصورة على مجال عبادته، بل امتدّت لتشمل كلّ ما تعلّق بسيرته وفي جميع مرافق حياته. وقد علم الإمام أنّ أبا حمزة لم يكن ليصحبه إلّا لينهل من علمه وللتأدّب بأدبه والتخلّق بأخلاقه ، فلم يبخل عليه بإرشادٍ أو توصيةٍ أو إفاضة علمٍ. فترى الإمام حينا يبتدئه بحديثه، وترى أبا حمزة حينا آخر يبتدره بسؤاله. قال أبو حمزة : «صلّيت مع عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليه الفجر بالمدينة في يوم الجمعة، فدعا مولاة له يقال لها وشيكة، وقال لها : لا يقفنّ على بابي اليوم سائل إلّا أعطيتموه ، فإنّ اليوم الجمعة. فقلت له : ليس كلّ من يسأل محقّ جُعلت فداك؟ فقال : يا ثابت، أخاف أن يكون بعض من يسألنا محقّا فلا نطعمه ونردّه فينزل بنا أهل البيت ما نزل بيعقوب وآله ، أطعموهم أطعموهم ...» . (5) وقال أبو حمزة : «كان عليّ بن الحسين يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل فيتصدّق به ويقول : إنّ صدقة السرّ تطفئ غضب الربّ عزّ وجلّ». (6) وقال أيضا : «كان عليّ بن الحسين عليهماالسلام ليخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب فيه الصرر من الدنانير والدراهم، حتّى يأتي بابا بابا فيقرعه، ثمّ يناول من يخرج إليه. فلمّا مات عليّ بن الحسين عليهماالسلام فقدوا ذلك ، فعلموا أنّ عليّ بن الحسين عليهماالسلام الذي كان يفعل ذلك». (7)

.


1- . تهذيب الأحكام: ج 2 ص 1415 ح 341.
2- . الكافي: ج 2 ص 579 ح 10.
3- . كتاب من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 1410 ح 491.
4- . المحاسن: ح 138 ص 223.
5- . تفسير العيّاشي: ج 2 ص 167.
6- . حلية الأولياء: ج 3 ص 136.
7- . علل الشرائع: ج 1 ص 231.

ص: 13

. .

ص: 14

آخر المطاف

آخر المطافقال أبو حمزة : «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : جُعلت فداك، قد كبر سنّي ودقّ عظمي واقترب أجلي ، وقد خفت أن يدركني قبل هذا الأمر الموت . قال : فقال لي : يا أبا حمزة، أو ما ترى الشهيد إلّا من قتل؟ قلت : نعم جُعلت فداك، فقال لي : يا أبا حمزة، مَنْ آمن بنا وصدّق حديثنا ، وانتظر أمرنا ، كان كمن قُتل تحت راية القائم ، بل واللّه تحت راية رسول اللّه صلى الله عليه و آله ». (1) ذلك هو أبو حمزة، عاش حياته انتظارا لبزوغ فجر العدل وظهور دولة آل محمّد صلى الله عليه و آله ، ولم يخشَ إلّا تبدّد أمله وعدم إدراكه لبسط سلطانهم وإعلاء كلمتهم. أمّا الموت ودنوّ أجله فلم يخشه، وقد تأهّب له بصالح العمل وخالص الولاء. وهل ترك الإمام عليه السلام أبا حمزة وخوفه؟ كلّا! بل حباه بالبشارة وأطلعه على حقيقة أنّ من آمن بهم وصدّق حديثهم وانتظر أمرهم كان كشهداء بدر وأُحُد، أو كشهيدٍ تحت راية القائم عليه السلام . وقد كان أبو حمزة من طليعة المؤمنين بهم عليهم السلام ومصدّقي حديثهم ، وقد شهد الأئمّة له بذلك، وأثنوا عليه ومدحوه بكلماتهم في كلّ مناسبة سنحت لهم. ولم يأت قوله : «قد خفت أن يدركني قبل هذا الأمر الموت» إلّا اعتقادا وتصديقا منه لما قد حدّثوه هم عليهم السلام من قبل بظهور أمرهم. ومع اقتراب أجله وإحساسه به، أرسل إليه الإمام الصادق عليه السلام من يوصيه بوصاياه وينبئه باليوم والساعة التي سيرحل بها إلى بارئه. قال أبو بصير : «دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام فقال : ما فعل أبو حمزة الثمالي؟ قلت : خلّفته عليلاً ، قال : إذا رجعت إليه فاقرأه منّي السلام واعلمه أنّه يموت في شهر كذا في يوم كذا. قال أبو بصير : جُعلت فداك، واللّه لقد كان فيه أُنس وكان لكم شيعة ، قال : صدقت، ما عندنا خير لكم من شيعتكم معكم ، قال : إن هو خاف اللّه وراقب نبيّه وتوقّى الذنوب ، فإذا هو فعل كان معنا في درجاتنا. قال علي : فرجعنا تلك السنة فما لبث أبو حمزة إلّا يسيرا حتّى توفّي». (2) فالإمام الصادق عليه السلام وإن صدّق أبا بصير في اعتقاده بتشيّع أبي حمزة وما وصل إليه في دنياه من قربهم ، لكنّه أوصاه ألّا يتّكل على ذلك ، بل يمضي بالتزام إرشاداتهم ووصاياهم من خوف اللّه عزّ وجلّ وتوقّي الذنوب، ما بقي من عمره وحتّى آخر يوم وآخر ساعة من حياته؛ لأنّ الآخرة لا تُرجى إلّا بالعمل والأُمور بعواقبها، ولكلّ امرءٍ عاقبة. ولم يوصِ الصادق عليه السلام أبا حمزة إلّا ما أوصى آباؤه شيعتهم، ولم يقل إلّا ما قالوه لهم. فعن أبيه الباقر عليه السلام قال : «لا تذهب بكم المذاهب، فوَاللّه ما شيعتنا إلّا من أطاع اللّه عزّ وجلّ». التقوى! تلك هي في الدنيا وصيّتهم وشرطهم للانتماء إليهم، وبها في الآخرة بشارتهم واللحوق بهم في منازلهم. على أنّ الأئمّة عليهم السلام علموا ما يؤول إليه أمر كلّ أحد من شيعتهم ، فما تركوا أبا حمزة ومصيره ، بل أحاطوه علما بنجاته وفوزه في آخرته، وبشّروه بحضور جدّهم النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله وأمير المؤمنين عليه السلام عند كلّ أحد من شيعتهم ساعة نزعه واحتضاره؛ لتأمين روعته والأخذ بيده. قال أبو حمزة : «قلت لأبي جعفر عليه السلام : ما يُصنع بأحدٍ عند الموت؟ قال : أما واللّه يا أبا حمزة، ما بين أحدكم وبين أن يرى مكانه من اللّه ومكانه منّا يقرّ به عينه، إلّا أن يبلغ نفسه ها هنا _ ثمّ أهوى بيده إلى نحره _ ألا أُبشّرك يا أبا حمزة؟ فقلت : بلى جُعلت فداك ، فقال : إذا كان ذلك أتاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعليّ عليه السلام معه ، قعد عند رأسه فقال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أما تعرفني؟ أنا رسول اللّه ، هلمَّ إلينا، فما أمامك خيرٌ لك ممّا خلّفت، أمّا ما كنت تخاف فقد أمنته ، وأمّا ما كنت ترجو فقد هجمت عليه. أيّتها الروح اُخرجي إلى روح اللّه ورضوانه ، ويقول له عليّ عليه السلام مثل قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله . ثمّ قال : يا أبا حمزة، ألا أُخبرك بذلك من كتاب اللّه ؟ قوله : «الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ كَانُواْ يَتَّقُونَ » ». (3) فهنيئا لك يا أبا حمزة هذه الخاتمة والمنزلة، ورحمك اللّه أيّها العبد الصالح، وسلام عليك يوم ولدت ويوم متّ ويوم تُبعث حيّا.

.


1- . تأويل الآيات الظاهرة: ج 2 ص 665 ح 21 .
2- . اختيار معرفة الرجال: ج 2 ص 458.
3- . تفسير العيّاشي: ج 2 ص 126.

ص: 15

. .

ص: 16

الفصل الثاني : التعريف بالدعاء

مع الدعاء

الفصل الثاني : التعريف بالدعاءمع الدعاءحثَّ الأئمّة عليهم السلام على الدعاء ، وبيّنوا آدابه وشروط إجابته ، وبذلوه لمن ينتفع به من أهل الإيمان باللّه والتصديق برسوله، وأمسكوه عن أهل الشكّ والارتياب ومن أخذه على غير تصديق ، وآثروا البعض ممّن كملت عقيدتهم ورسخ إيمانهم بما استأثروا به من أدعية وأذكار. وكان أبو حمزة في طليعة هؤلاء الذين حباهم الأئمّة بتلك الأدعية. ففي بيان أحد مقدّمات الدعاء وآدابه وتمهيدا لقبوله، يجيب الإمام عليّ بن الحسين عليهماالسلامأبا حمزة عن كيفية تمجيد اللّه عزّ وجلّ . (1) ومن الأدعية التي خصّ بها كلّ من الإمام السجّاد والباقر والصادق عليهم السلام أبا حمزة الثمالي: الدعاء عند الخروج من المنزل . (2) ومن الدعاء لقضاء الحاجات . (3) ومن أدعية العلل والأسقام . (4) ومن أدعية الشدائد . (5) ومن الأدعية التي خصّ أبو حمزة بها الدعاء عند السحر لشهر رمضان : قال أبو حمزة : «كان عليّ بن الحسين سيّد العابدين صلوات اللّه عليهما يصلّي عامّة الليل في شهر رمضان، فإذا كان السحر دعا بهذا الدعاء : إلهي، لا تؤدّبني بعقوبتك، ولا تمكر بي في حيلتك ...» . (6) وبلاغة الدعاء وما يحمله من مضامين شاهد على فضله رحمه الله وجلالته وسموّ منزلته. وقد أورد ابن طاووس رحمه الله في الإقبال فصلاً مختصرا وتعرض لدعاء أبي حمزة وقال : فصل فيما نذكره من أدعية تتكرّر [متكرّرة] كلّ ليلة منه وقت السحر . اعلم إنّنا روينا في عمل اليوم واللّيلة من كتاب المهمّات والتتمّات فيما اخترناه من الروايات بأنّ سحر كلّ ليلة ينادي منادٍ عن مالك قضاء الحاجات بما معناه: هل مِن سائلٍ؟ هل من طالبٍ هل من مستغفرٍ؟ يا طالب الخير أقبِل، ويا طالب الشرّ أقصر. وقد قدّمنا في فصلٍ من هذا الكتاب أنّ المنادي ينادي عن اللّه جلّ جلاله في شهر رمضان من أوّل اللّيل إلى آخره، وإيّاك ثمّ إيّاك أن تعرض عن منادِ اللّه جلّ جلاله، وهو يسألك أن تطلب منه ما تقدر عليه من ذخائره ، وأنت محتاج إلى دون ما دعاك إليه، فاغتنم فتح الأبواب ونداء المنادي عن مالك الأسباب، وإن لم تسمع أُذناك فقد سمع العقل والقلب إن كنت مسلما مصدّقا بمولاك ومالك دنياك، وأُخراك، فمن الدعاء في سحر كلّ ليلة من شهر رمضان ما رويناه بإسنادنا إلى أبي محمّد هارون بن موسى التلّعُكبري رضي اللّه تعالى عنه، بإسناده إلى الحسن بن محبوب الزرّاد عن أبي حمزة الثمالي، أنّه قال: كان عليّ بن الحسين سيّد العابدين صلوات اللّه عليه، يصلّي عامّة ليله في شهر رمضان، فإذا كان في السحر دعا بهذا الدعاء. أحد تعاليم الأديان هو طرحها لمفهومٍ اسمه «الذنب»، فهذا المفهوم لا وجود له في المدارس والمذاهب غير الدينية. والذنب معنىً متعدّد، والجحود. ومن جهةٍ يعني إيذاء الذات والإضرار بالنفس وجه الروح ، ويعني من جهةٍ أُخرى استحقاق العذاب. ومجموع هذه المعاني يخلق مفهوما يُسمّى في الشرائع «ذنبا». ويختلف نوع الذنب تبعا لاختلاف الفرد ومرتبته وسيره في مدارج المعنى والسلوك. فحينما يعصي أحد أمر اللّه ، ويجفو محبوبه ، ولا يعمل وفقا لمقتضيات المحبّة والمودّة الإلهيّة ، أو لا يشكر المنعم بما هو أهل له من الشكر ، أو يُسيء إلى نفسه ويؤدّي إلى تعكير صفو باطنه وظلمة نفسه ، ففي كلّ هذه الحالات يُعتبر الشخص مذنبا وآثِما. ومن أهمّ خواصّ الدعاء أنّه يذيق الإنسان في كلّ هذه الموارد طعم المغفرة ؛ أي أنّه يخلق لديه نوعا من الشعور الباطني بالنجاة من الظلمة ، ويحسّ على أثر ذلك بزوال ذلك الظلام الباطني وتبدّد الكدورة التي أكمّت بالقلب ، وأنّ علاقته باللّه التي انتابها شيء من الخلل واعتراها الاضطراب قد استعادت قوّتها ورجعت على ما كانت عليه. وهذا الأمر كما ذكرنا سابقا لا يختصّ بشريعة معيّنة. ومن ذلك على سبيل المثال أنّ المفكّرين المسيحيّين قالوا أيضا بأنّ الشخص يشعر أحيانا أثناء الدعاء وكأنّه يُقال له إنّك قد غُفِر لك. وسماع هذا النداء وبلوغ هذا الإيحاء إلى أعماق الباطن يُعدُّ من ألذّ الأحوال التي ينالها الداعي التقيّ والعابد الورع. الشيء الآخر الذي نتعلّمه من هذه الأدعية ، معرفة اللّه . فالأدعية بشكلٍ عامّ تبدأ عادةً بذكر اللّه وتسبيحه وحمده وبيان أوصافه. وأدعية الصحيفة السجّادية مبيّنة على أفضل وجه لهذا النحو من علاقة المكاشفة بين العبد وربّه. ففي مستهلّ كلّ دعاء تأتي عبارات كثيرة في تسبيح اللّه والثناء عليه ، والتحية والتسليم على أئمّة الدين ، ومن بعدها اعتراف بما اقترف من الذنوب والمعاصي ، ثمّ الاستغفار منها ، والإدلاء بما يريده العبد من ربّه وما يطلبه منه. دعاء أبي حمزة يتضمّن التضرّع بين يدي الباري تعالى ، والتعبير عن العبودية واستذكار الموت وما يليه من العوالم. وفي بعض فقراته إلماحات فلسفية وعرفانية رفيعة. وأمّا المطالب التي تُطرح في هذا الدعاء في مطاليب معنوية تارةً ، وتارةً أُخرى مادّية وتتعلّق بشؤون الحياة والأُمور المعاشية. ولو قارنّا هذه الأدعية بالأدعية التي تُقرأ في الأسحار في شهر رمضان المبارك ، كالدعاء الذي نقله الإمام الرضا عليه السلام عن الإمام الباقر عليه السلام ، لوجدنا ما بينهما من فارق. ففي تلك الأدعية التي تُذكر فيها أسماء الباري تعالى ، جاءت مضامين عرفانية خالصة، ولا يمكن إدراك معانيها إلّا بشرح ما استغمض منها. في حين إنّ دعاء أبي حمزة أبسط في هذا الجانب وأيسر فهما.

.


1- . الخصال: باب الخمسة ح 72 ص 299.
2- . الكافي: ج 2 ص 541 ح 2.
3- . الكافي: ج 2 ص 556 ح 1.
4- . الكافي: ج 2 ص 568.
5- . منهج الدعوات: ص 165.
6- . مصباح المتهجّد: ص 524.

ص: 17

. .

ص: 18

الفصل الثالث : نبذة من سيرة شارح الدعاء

ولادته

اُسرته

الفصل الثالث : نبذة من سيرة شارح الدعاءولادتهولد سماحة آية اللّه الميرزا عليّ الأحمدي في الرابع من شهر محرم الحرام ، عام 1345 ه ، المصادف للثالث والعشرين من شهر تير لعام 1305 ه . ش . في قرية بور سخلو ، على مسافة أربعة فراسخ من مدينة ميانه.

اُسرتهنشأ المُتَرجم لهُ في اُسرة علميّة ، وكان والده حجّة الإسلام الملّا حسين عليّ ، من علماء الدين في تلك المنطقة ، وكان قد تربّى هو الآخر في اُسرة علمائيّة. وكان يمارس مهمّة التبليغ وإرشاد الناس ، ويعتاش على عمله في الزِّراعة . (1)

.


1- . سيماى ميانه (معالم ميانه) ، ص 208.

ص: 19

دراسته

تدريسه

دراستهبعد انقضاء عهد طفولته ، تعلّم الميرزا عليّ الأحمدي الميانجي القراءة والكتابة على يد والده ، ودرس على يده أيضا كتبا . وفي عام 1358 ه توجّه من قريته إلى ميانه ، وحضر درس الشيخ أبي مُحمَّد حجّتي ، ودرس على يده الأدب العربي. (1) ودرس عنده أيضا حاشية الملّا عبداللّه ، ومعالم الاُصول ، وشرح اللُّمعة ، وأجزاء من القوانين على يد الميرزا أبي محمّد حجّتي. ودرس أيضا على يد الشيخ لطف عليّ الشريفي الزنوزي ، والحاج الميرزا مهدي جديدي. وكان للميرزا لطف عليّ الزنوزي أثر كبير في حياته ، وبلورة شخصيته ، ودراسته ومسيرته. هاجر مدّة من الزمن إلى تبريز ، ومكث فيها عدّة أشهر ، وبعدها توجّه في شهر ذي القعدة من عام 1363 ه (1323 ه ش.) إلى قم ، وحضر درس آيه اللّه السيد حسين قاضي الطباطبائي ، وآيه اللّه أحمد كافي الملك ، وآيه اللّه المرعشي النَّجفي . ثم شارك في دروس مرحلة البحث الخارج في الفقه والاُصول والتفسير ، لسماحة آيه اللّه العظمى البروجردي ، وآيه اللّه مُحقِّق الداماد ، وآيه اللّه الگلپايگاني ، وآيه اللّه الميرزا هاشم الآملي ، والعلّامة الطباطبائي. وكان يبحث ما يتعلّمه من الدروس مع آيه اللّه عبدالكريم الموسوي الأردبيلي ، وآيه اللّه السيد إسماعيل الموسوي الزنجاني .

تدريسهكان لآية اللّه الأحمدي الميانجي رحمه الله حضور في الحوزة العلمية في قم المقدّسة ، على مدى ستّين سنة. وإلى جانب الدراسة ، كان في تلك السنوات يدرّس الفقه ، والاُصول ، والأخلاق ، ويسعى جاهدا في نشر علوم أهل البيت عليهم السلام . كانت لديه مهارة يندر مثيلها في تربية تلاميذه، وكان تدريسه في المراحل العليا _ خاصة تدريسه لمكاسب الشيخ الأنصاري _ لذيذا ومحبَّبا إلى القلوب. وكانت دروسه الأخلاقية في المدارس العلمية ، وفي الأوساط الثقافية والجامعية ، وفي مسجده في شارع إرَم في قم ، تثير الشَّغف لدى مستمعيه ، وكثيرا ما تؤثِّرُ فيهم وتجعلهم يذرفون الدُّموع ، إذ كانت الموضوعات التي يختارها لمحاضراته جذّابة جدّا ، ونذكر من بينها: شرح خطبة همّام ، وشرح دعاء مكارم الأخلاق ، وشرح دعاء أبي حمزة الثَّمالي . كان فقيها ومجتهدا بلا ادّعاء ، واقتصر حتى آخر عمره على تدريس المستويات العليا من دروس الكفاية والمكاسب. وكان يقول في ردِّ طلبات تلاميذه ومحبيه الذين كانوا يحثّونه على تدريس مرحلة الخارج ، وكتابة رسالة عملية: توجد رسائل عملية ودروس بحث خارج بالقدر الكافي _ والحمد للّه _ وليس هناك حاجة لتدريسي للبحث الخارج ، ولا لرسالتي العملية، يمكنكم الرجوع إلى شخص آخر من آيات اللّه .

.


1- . صحيفه جمهوري اسلامي ، 26 / 6 / 1379 ه ش .

ص: 20

بحوثه ومؤلّفاته

بحوثه ومؤلّفاتهإلى جانب انشغال آيه اللّه الأحمدي بتدريس الدروس الحوزوية ، كان يهتمّ أيضا بالبحث والتأليف. وأكثر مؤلفاته مبتكرة وجديدة في موضوعها ، وقد سدّت فراغا واضحا بين كتب الشيعة ، نذكر المطبوعة منها: 1 . مكاتيب الرّسول صلى الله عليه و آله : وهو كتابه النفيس ، الذي قال في مقدمته: «هذا الكتاب حصيلة عمري». قامت مؤسسة دارالحديث الثقافية بإعادة النظر في هذا الكتاب ، وتنقيحه وطباعته في أربعة مجلّدات عام 1377 ه ش . 2 . مواقف الشيعة: ويتضمن مناظرات وبحوثا أجراها علماء شيعة بارزون ، مع علماء من أهل السنّة ، ونشر من قبل مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين في الحوزة العلمية بقم المقدّسة . 3 . مالكيت خصوصى در اسلام (= الملكية الخاصّة في الإسلام) في مجلّدين . 4 . السُّجود على الارض . 5 . التبرّك. 6 . الأسير في الإسلام. 7 . مكاتيب الإمام الرِّضا عليه السلام . 8 . ظلامة الزهراء؛ إزاحة الارتياب عن حديث الباب . 9 . تحقيق كتاب «معادن الحكمة» لعلم الهدى . 10 . كتاب «عقيل بن أبيطالب رحمه الله» . 11 . مكاتيب الأئمّة عليهم السلام . 12 . شرح دعاء أبي حمزة الثمالي : _ وهو هذا الكتاب الذي بين يديك ، وله أيضا عدّة كتب ورسائل لم تطبع إلى الآن . واضافة إلى هذه الكتب ، نشر المرحوم الميانجي أيضا مقالاتٍ في مختلف المجلّات في البلاد .

.

ص: 21

تفسيره للقرآن

صفاته

تفسيره للقرآنكان آية اللّه الميانجي وجماعة من كبار رجال الحوزة العلمية يعقدون مجالس للتباحث في تفسير القرآن. واستمرت هذه المجالس التي كانت تعقد اُسبوعيا ، أكثر من خمسين سنة. وكان يحضرها كلٌّ من آية اللّه السيد موسى الصدر ، وآية اللّه السيد موسى الشُّبيري الزنجاني ، والمرحوم آية اللّه السيد مهدي الرَّوحاني ، وآية اللّه السيد أبو الفضل مير محمّدي ، وقد قال آية اللّه الأحمدي الميانجي عن تلك المجالس: كان من خصائص بحثنا التفسيري أنَّه لم يكن عن كتاب معيّن ، وإنّما كان كلُّ واحد منّا يطالع مصادر شتّى في داره ، ويأتي إلى المجالس ليقرأ على مسامع الآخرين خلاصة ما طالعه. وكلّ من يقرأ بحثه كان يتعرّض لموجة من الإشكالات التي يثيرها ضدَّه الآخرون. وكان يردُّ عليها ، أو ربّما يعجز عن الردّ. وكنتُ أنا أُلخّص حصيلة ما استفدناه منها ، وأقول: «من فوائد مجلسنا التفسيري هذا ، أنَّ آيات اللّه المحكمة تغدو فيه متشابهة!» وكان كلامي هذا يحمل طابع المزاح ؛ فقد كان السادَّة الحاضرون يعرضون إشكالات وتدقيقا إلى الحدّ الّذي يؤدِّي بالشخص إلى التخلّي عن الرأي والاحتمال الذي تكوّن لديه أثناء المطالعة .

صفاته1 . الإخلاص: كان عطر الإخلاص يفوح من جميع حركاته وسكناته ، وكان باستطاعة الجميع استنشاق ذلك العطر . فقد كان سماحته يضع اللّه نصب عينيه في كُلِّ عمل ، متحرزا عن الأهواء والهواجس الشَّيطانية. وكان يتجنّب بشدّة جميع صور الرِّياء والتظاهر في ميدان العلم ، وفي ميدان مكارم الأخلاق ، على حدّ سواء. 2 . التّقوى: ما كان يعتبر الانطوائية والعزلة من التَّقوى في شيء. بل كان يرفض الانطوائية ، ويجسِّد التَّقوى بمعناها الإيجابي ، الذي يعني العيش بين الناس وفي الوسط الاجتماعي ، وخدمة الناس والدِّين. 3 . الإيمان بولاية الفقيه: كان شديد الاعتقاد بولاية الفقيه المطلقة ، والامتثال لها وللأحكام الحكوميّة. وكان يرى وجوب الالتزام حتّى بالقوانين والتعليمات العادية ، ويقول: إذا خالف أحد التعليمات المرورية ، ولم يكن هناك شرطيٌّ يفرض عليه غرامة ، يجب أن يبادر هو من تلقاء نفسه إلى دفع الغرامة المقرّرة الى خزينة الدولة. 4 . العبادة: كان ينهض من النوم قبل ساعتين من أذان الفجر ، للتهجّد والدُّعاء والتضرّع إلى اللّه . ولكنَّه كان يقوم بهدوء؛ لكي لا يزعج أفراد اُسرته ويوقظهم من النوم. وكان يُعرّف الرياضة بأنّها: أداء الواجبات وترك المحرّمات. ويوصي بالاعتدال في كلّ الاُمور ، حتّى في العبادة وفي زيارة قبور الأئمّة. 5 . خدمة الناس: كانت لديه رغبة عميقة في تقديم ما يمكن من خدمة للناس ، ولم يكن يشعر بالكلل والملل من كثرة المراجعين ، بل بالعكس كان يستقبلهم بكلّ ودّ ، ويعمل جهد استطاعته لحلِّ مشاكلهم ، وحتى إذا رنَّ جرس الهاتف أثناء تناوله الطّعام أو أثناء نومه ، ما كان يتوانى عن الجواب. 6 . قطع الرجاء من الآخرين: لم يكن يرتجي شيئا من أحد ، ولا حتّى من أولاده ، وأصهاره ، وزوجات أبنائه ، وإنَّما كان يقول لهم: لاتستشيروني في اُموركم ، واعلموا أنّ زمانكم يختلف عن زماننا؛ فإذا أشرت عليكم بما يصعب عليكم عمله ، أو يتعارض مع رغباتكم ، فاعملوا حسب مشيئتكم. وأنا لا أرتجي منكم ما هو أكثر من ذلك. 7 . الحضور في جبهات الحرب: لم يكتف آيه اللّه الأحمدي في حياته بارتياد المدرسة والمسجد واعتلاء المنبر ، بل كان _ أثناء الحرب الدفاعية التي خاضتها الجمهورية الاسلامية الإيرانية ضدّ الهجوم العراقي _ يتوجّه إلى جبهات الحرب مرّتين في كلِّ سنة ، و يتفقّد الخطوط الأمامية لجند الإسلام ، ويحثُّهم على الجهاد في سبيل اللّه وطاعة الولي الفقيه .

.

ص: 22

. .

ص: 23

عطاؤه الاجتماعي ، والثقافي ، والسياسي

وفاته

عطاؤه الإجتماعي ، والثقافي ، والسّياسيللمرحوم الأحمدي عطاء وافر نشير منه إلى أعماله التالية: تأسيس جمعية الدين والعلم في مدينة ميانه ، وتربية مئات الشباب فيها ، وإقامة دورات للمعارف الإسلامية في تلك المدينة ، إضافة إلى إيجاد صندوق «مهدية» للقرض الحسن ، وإنشاء مؤسسة نسوية لحياكة السجّاد في تلك المدينة. وفي عام 1370 ه . ش . أسس بالتّعاون مع جماعة من علماء الدين الحريصين ، جمعية في مدينة قم اسمها: الجمعية الإسلامية للناصحين. وأخذت هذه الجمعية ، التي انضوى تحت لوائها ثلاثة آلاف شخص ، تمارس مهام النُّصح والإرشاد والأمر بالمعروف ، والنَّهي عن المنكر ، بالكلام الطيّب. وسماحة الشيخ الميانجي _ رحمه اللّه _ أحد الأعضاء المؤسسين لصندوق علوي للقرض الحسن في قم المقدّسة ، وينشط هذا الصندوق في مجال تلبية الاحتياجات الماديَّة للفقراء والمحرومين. تأسست جمعية الزهراء الخيرية عام 1369 ه . ش ، باقتراح ومشاورة عدد من أساتذة الحوزة العلمية في قم ، وعدد من المحسنين ، وكان منهم المرحوم سماحة آيه اللّه الأحمدي الميانجي ، والمرحوم آيه اللّه السيّد مهدي الرَّوحاني . ومنذ انطلاق النهضة الإسلامية ، واكب المرحوم بنشاطه خطوات الإمام الخميني والشَّعب الثوري. وفي أعقاب انتصار الثورة ، لم يبتعد لحظة واحدة عن وقائع البلاد المهمَّة ، وكان يحرص على العمل بواجبه الإسلامي . كان لحضوره في جبهات الحرب على مدى ثمان سنوات من الدفاع المقدّس ، تأثير في تأجيج الرُّوح القتاليَّة في نفوس جنود الإسلام ، وقدّم ولده الشهيد جعفر الأحمدي ، في سبيل الدِّفاع عن حياض الإسلام.

وفاتهوأخيرا حلَّقت روحه النبيلة نحو عالم الخلود ، يوم الإثنين 21 / 6 / 1379 ه . ش ، بعد «75» سنة قضاها في التَّقوى والسّعي لتحقيق الأهداف السامية للرسول وأهل بيته. ودفن جثمانه الطاهر في حرم السيّدة المعصومة ، في مدينة قم المقدّسة.

.

ص: 24

الفصل الرابع : التعريف بخصوصيات الكتاب

حول الكتاب

أمّا عملنا في هذا الشرح

الفصل الرابع : التعريف بخصوصيات الكتاب .حول الكتابهذا الكتاب الذي بين يديك شرح مفصّل مزجيّ على دعاء أبي حمزة الثمالي المنسوب إلى الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام ، محتوٍ على المباحث الأخلاقية والاعتقادية والكلاميّة والأدبية واللغويّة. وهذا الدعاء من الأدعية الشريفة الذي يشتمل على العبارات الشافية والكلمات الوافية والمضامين العاليّة ونظم غريب وأُسلوب عجيب ، وفيه بحر عميق وكلام دقيق صدر من مصدر التحقيق ، وهذه العبارات أدلّ دليل وأعدل شاهد على صدوره من ذلك المصدر الأعلى ، الذي يربط بين العبد وربّه ، ويرفع بنفسه إلى المراتب العالية ، وهو محاولة صادقة جادّة على طريق إزالة الإبهام والغموض بشرح الألفاظ والاستناد بالآيات الكريمة والأحاديث الشريفة وكتب المعاجم .

أمّا عملنا في هذا الشرحاعتمدنا على النسخة الموجودة بخطّ المؤلّف رحمه الله ، وقمنا أوّلاً بمراجعة المتن في كتب الأدعية والمصادر التي أشار إليها المؤلّف رحمه الله في فترات الشرح ، وتصحيحه من بعض الأخطاء الإملائية والنحوية أحيانا. وثانيا : راجعنا وقارنّا نصّ الأدعية الشريفة الّتي اعتمدها الشارح مع نسخة الدعاء الموجود في كتب الأدعية والمراجع الحديثية. وثالثا : تمّ استخراج الآيات والروايات والأشعار والألفاظ الغريبة من مصادرها وتصحيح بعضها حسب المصدر. ورابعا : تمّ استخراج الفهارس العامّة المفيدة للباحث والمحقّق إليها من الآيات والأحاديث والأعلام و... . هذا ما وفّقنا إليه وأجرنا عليه الإمام عليه السلام إن شاء اللّه تعالى ، ونستغفر اللّه على كلّ زلّة وهفوة صدرت منّا من غير قصدٍ وعمد. مهدي هوشمند

.

ص: 25

بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد للّه ربّ العالمين ، وصلّى اللّه على رسوله محمّد وآله الطاهرين ، واللّعن على أعدائهم أجمعين ، اللّهمّ صلّ على وليّ أمرك القائم المؤمّل والعدل المنتظر ، وحفّه بملائكتك ، وأيّده بنصرك ، وأعزّه بجندك ، وحيّ به ما أماته الظالمون من معالم دينك . اللّهمّ أعزّه وأعزز به ، وانصره وانتصر به ، وانصره نصرا عزيزا ، وافتح له فتحا يسيرا ، واجعلنا من شيعته وأعوانه وأنصاره ، والذابّين عنه. وبعد ، فهذه الوجيزة كتبتها حول الدعاء الشريف المعروف ب «دعاء أبي حمزة الثمالي» رحمة اللّه عليه. روى الشيخ الأعظم محمّد بن الحسن الطوسي في المصباح ، قال : روى أبو حمزة الثمالي ، قال : كان عليّ بن الحسين سيّد العابدين _ صلوات اللّه عليهما _ يصلّي عامّة اللّيل في رمضان ، فإذا كان السحر (في السحر) دعا بهذا الدعاء. (1) 1420 ه . ق / 1379 ه . ش

.


1- . مصباح المتهجّد : ص 582 ؛ رواه السّيد في الإقبال : ج 1 ص 156 ، وقال : «من ذلك ما رويناه بإسنادنا إلى أبي محمّد هارون بن موسى التلعّكبري بإسناده عن الحسن بن محبوب ، عن أبي حمزة الثمالي ، أنّه قال : ...» ، وفي بحار الأنوار : ج 98 ص 82 عن الإقبال .

ص: 26

إلهي لا تُؤَدِّبني بِعُقوبَتِكَ «1 » ولا تَمكُر بي في حيلَتِكَ «2 »

«الإله» جعلوه اسما لكلّ معبودٍ لهم ، فهو علم جنس لكلّ معبود ، لا بمعنى الوصف أي المعبود ، أصله من ألَهَ بمعنى عبد . وقيل : هو من اَلَه ؛ أي تحيّر ، (1) وتسميته بذلك إشارة إلى ما قال أمير المؤمنين علي _ صلوات اللّه عليه _ : «كلَّ دون صفاته تحبير اللّغات ، وضلّ هناك تصاريف الصفات » . (2) ذلك أنّ العبد إذا تفكّر في صفاته تحيّر فيها . وقيل : أصله ولاه ، فأُبدل من الواو همزة ، تسميته بذلك لكلّ مخلوق والها نحوه . وقيل : أصله من لاه يلوه لياها ، أي احتجب . (3) «إلهي» أي يا اللّه . «لا تؤدّبْني» أدّبته أدبا _ من باب ضرب _ : علّمته رياض النفس ومحاسن الأخلاق ، قال أبو زيد : «الأدب يقع في كلّ رياضة محمودة يتخرّج بها الإنسان في فضيلة من الفضائل» . (4) «بعقوبتك» العقوبة والمعاقبة والعقاب يختصّ بالعذاب ، وعاقب فلانا بذنبه وعلى ذنبه معاقبةً وعقابا : أخذه به ، أي لا تعلّمني إصلاح نفسي بالعقوبة ؛ لأنّ ما يصيب الإنسان في الدنيا فهو تأديب : «وَ مَآ أَصَ_بَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ » ، (5) سأل اللّه تعالى أن يؤدّبه [ أدبا ] لا عقوبة فيه ؛ لأنّ أسباب الإصلاح منه تعالى لا تنحصر في العقوبة ، بل يتوب اللّه تعالى على عبده فيتوب العبد ، كما قال عزّ شأنه : «ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ » ، (6) ويهديه ويسدّده ويوفّقه ويكمّل عقله ويشرح صدره ويشفي قلبه من الأمراض الروحية ، وفي الدعاء : «وأمات قلبي عظيم جنايتي ، فأحيه بتوبةٍ منك». (7) وفيه إشعار إلى طلب التأديب بألّا يتركه وهواه ، بل يراقبه ويواظبه ويهديه ويرشده ، وهو من ولاية اللّه سبحانه على عباده. «ولا تمكر بي» المكر : صرف الغير عمّا يقصده بحيلة ، وذلك ضربان : مكر محمود ، وذلك أن يتحرّى لك فعل جميل ، وعلى ذلك قال : «وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَ_كِرِينَ » ، (8) ومذموم ، وهو أن يتحرّى به فعل قبيح ، قال تعالى : «وَ لَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَا بِأَهْلِهِ » . (9) والحيلة : ما ويتوصّل به إلى حالةٍ مّا في خفيةٍ ، وأكثر استعمالها فيما تعاطيه خبث ، وقد تُستعمل فيما فيه حكمة ، ولهذا قيل في وصف اللّه عزّ وجلّ : «وَ هُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ » ، (10) أي الوصول خفيةً من الناس إلى ما فيه حكمة ، وعلى هذا النحو وُصِف بالمكر والكيد ، لا على الوجه المذموم ، تعالى اللّه عن القبيح ، وفي الدعاء من الصحيفة السجّادية : «اللّهمّ وامكر لنا ولا تمكر بنا» ، (11) وفي الدعاء : «ولا تمكر بي فيمن تمكر ب». (12) قال السيّد رحمه الله في شرح الدعاء الخامس : «كد لنا ولا تكد علينا ، وامكر لنا ولا تمكر بنا» (13) : قال بعض العلماء : «الكيد إرادة مضرّة الغير خفيّة ، وهو من الخلق الحيلة السيّئة ، ومن اللّه المتدبّر بالحقّ بمجازاة أعمال الخلق . والمكر من جانب العبد إيصال المكروه إلى الإنسان من حيث لا يشعر ، ومن جانب الحقّ هو إرداف النعم مع المخالفة ، وإبقاء الحال مع سوء الأدب ، وإظهار الكرامات من غير جهد» . (14) وراجع الشرح أيضا في شرح الدعاء السابع والأربعين في شرح قوله عليه السلام «ولا تمكر بي فيمن تمكر به» ، (15) وراجع روضة المتّقين (16) ومرآة العقول (17) في معنى مكر اللّه تعالى. وبالجملة ، مكر اللّه تعالى _ كما أشار إليه _ هو إمهال اللّه تعالى عبده وتمكينه من إعراض الدنيا ، وإرداف النعم مع المخالفة ، ولعلّه لذلك قال أمير المؤمنين عليه السلام : «من وُسِّع له دنياه ولم يعلم أنّه مُكِرَ به ، فهو مخدوع عن عقله». (18) فالمراد حينئذٍ ألّا يؤدّبه بالعقوبة ولا يتركه وهواه أن يصبّ عليهم النعم مردفا مع العصيان ، ويحتمل أن يكون المراد طلب الخاصّة حتّى لا يزيغ في المداحض الخفية والمزالّ الّتي يصعب دركها والاحتراز عنها. وقال ابن الأثير : «مكر اللّه إيقاع بلائه بأعدائه دون أوليائه . وقيل : هو استدراج العبد بالطاعات ، فيتوهّم أنّها مقبولة وهي مردودة». (19) قال الطبرسي رحمه الله بعد تفسير قوله تعالى : «أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ » (20) بعذابه سبحانه العبد : «وقيل : إنّ مكر اللّه استدراجه إيّاهم بالصحّة والسلامة وطول العمر وتظاهر النعمة». (21) قال الزمخشري : «ومكر اللّه استعارة لأخذه العبد من حيث لا يشعر ولاستدراجه» . (22) وقال العلّامة المجلسي رحمه الله في الروضة : «والمراد من المكر العذاب في الآخرة ، أو مع عذاب الدنيا ، أو الاستدراج بالنعم ، كلّما عمل العبد المعاصي ليستوجب بذلك كمال عذابه ، أو المجموع ، كما قال صلى الله عليه و آله : لا يأمن البيات من عمل السيّئات ، ويجب على العبد أن يكون خائفا من عذابه تعالى راجيا من رحمته». (23) وبالجملة ، مكره تعالى عبده ، أخذه من حيث لا يشعر بأنواع الأخذ في الدنيا والآخرة ، والأمن من مكر اللّه تعالى عن المعاصي الكبيرة ، كما أنّ اليأس من روح اللّه أيضا من المعاصي الكبيرة ، والأوّل عبارة عن الأمن من عذابه ، أو أخذه عنه نعمه ، أو يستدرجه إمّا بإنكار قدرة اللّه على ذلك ، أو بإنكار علله بجعل نفسه من أولياء اللّه وأحبّائه ، أو الاعتقاد بأنّه لم يرتكب عملاً يسخط اللّه سبحانه ، كما قال تعالى : «وَ لَئِنْ أَذَقْنَ_هُ رَحْمَةً... قَآئِمَةً وَ لَئِن رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّى إِنَّ لِى عِندَهُ لَلْحُسْنَى » . (24) واليأس من روح اللّه عبارة عن اليأس من رحمته وغفرانه ، أو عدم اعتقاده بقدرته تعالى على كشف ضرّه ، قال سبحانه : «وَ لَئِنْ أَذَقْنَا الْاءِنسَ_نَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَ_هَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئوسٌ كَفُورٌ » ، (25) و «إِنَّهُ لَا يَاْيْئسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَا الْقَوْمُ الْكَ_فِرُونَ » . (26)

.


1- . اُنظر : لسان العرب : ج 13 ص 467 .
2- . الكافي : ج 1 ص 134 ، التوحيد : ص 41 ، مفردات ألفاظ القرآن : ص 21 ، جواهر المطالب : ج 1 ص 346 ، بحار الأنوار : ج 4 ص 187 .
3- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 21 .
4- . اُنظر : البحر الرائق : ج 6 ص 428 .
5- . الشورى : 30 .
6- . التوبة : 118.
7- . المناجاة الخمسة عشر : المناجاة الاُولى ، بحار الأنوار : ج 94 ص 142 ح 21 .
8- . آل عمران : 54 .
9- . فاطر : 43 .
10- . الرعد : 13 .
11- . الصحيفة السجّادية : ص 44 الدعاء 5 .
12- . الصحيفة السجّادية : ص 272 الدعاء 47 .
13- . الصحيفة السجّادية : ص 272 الدعاء 5 .
14- . رياض السالكين : ج 2 ص 152 .
15- . رياض السالكين : ج 7 ص 119 .
16- . روضة المتّقين : ج 9 ص 256 .
17- . مرآة العقول : ج 10 ص 14 .
18- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 61 و 471 «بلى» و «مكر» .
19- . النهاية : ج 4 ص 349 .
20- . الأعراف : 99 .
21- . مجمع البيان : ج 4 ص 315 ، عنه في بحار الأنوار : ج 67 ص 334 .
22- . لم أعثر على قوله .
23- . روضة المتّقين : ج 9 ص 256 .
24- . فصّلت : 50 .
25- . هود : 9 .
26- . يوسف: 87 ، اُنظر: وسائل الشيعة : ج 11 ص 252 حديث عبد العظيم الحسني ، و254 حديث ابن سنان ، و255 حديث مسعدة ، و ص 261 حديث محض الإسلام ، و 262 حديث الأعمش ، والوافي : ج 5 ص 1049 ، ومرآة العقول: ج10 ص14 ، و ج1 ص66 في تفسير جنود العقل ، و جامع أحاديث الشيعة : ج 13 ص 351 _ 360 .

ص: 27

. .

ص: 28

. .

ص: 29

مِن أينَ لِيَ الخَيرُ يا رَبِّ«3 » ولا يوجَدُ إلّا مِن عِندِكَ «4 » ومِن أينَ لِيَ النَّجاةُ ولا تُستَطاعُ إلّا بِكَ «5 »

الخير : ما يرغب فيه الكلّ ، كالعقل _ مثلاً _ والعدل والفضل والشيء النافع ، وضدّه الشرّ . والخير ضربان : مطلق ، وهو أن يكون مرغوبا فيه لكلّ أحد على كلّ حال ، ومقيّد ، وهو أن يكون خيرا لواحدٍ وشرّا لآخر. عن أمير المؤمنين عليه السلام _ حين سُئل عن الخير ما هو؟ _ فقال : «ليس الخير أن يكثر مالك وولدك ، ولكنّ الخير أن يكثر علمك وعملك ويعظم حلمك» . (1) الربّ : قال الراغب : «الربّ في الأصل الربية ، وهو إنشاء الشيء حالاً فحالاً إلى حدّ التمام ، فالربّ مصدر مستعار للفاعل ، ولا يقال الربّ مطلقا إلّا للّه المتكفّل بمصلحة الموجودات» . (2) انتهى . وقد استُعمل بمعنى السّيد والمالك والمدبّر. (3) «ولا يوجد إلّا من عندك» وذلك لأنّه لا حول عن معصية اللّه ولا قوّة على طاعته سبحانه إلّا باللّه ، قال تعالى : «مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ » ، (4) فمن أراد الفوز والفلاح والعافية في الدارين وخير الدارين ، فليطلبه من اللّه تعالى ، وليتمسّك بحبله ، وليعمل بما أمر ونهى ورغب فيه ، أو رغّب عنه ، ولينقطع إليه صادقا ، وليقل : اللّهمّ هب لي كمال الانقطاع إليك في الدنيا والآخرة ، علما بأنّ الأسباب وسببيّتها له تعالى ، فلا تؤثّر إلّا بإذنه. وفي الحديث : «إنّ اللّه تبارك وتعالى يقول : وعزّتي وجلالي ومجدي وارتفاعي على عرشي ، لأقطعنّ أمل كلّ مؤمّل [من النّاس] غيري باليأس ، ولأكسونّه ثوب المذلّة عند الناس ، ولأنحينّه من قربي ، ولأبعدنّه من فضلي» . الحديث. (5) وفيه أيضا : «إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال لجبرئيل : وما التوكّل على اللّه عز وجلّ؟ فقال : العلم بأنّ المخلوق لا يضرّ ولا ينفع ، ولا يعطي ولا يمنع ، واستعمال اليأس من الخلق ، فإذا كان العبد كذلك لم يعتمد إلى أحدٍ سوى اللّه ، ولم يرج ولم يخف سوى اللّه ، ولم يطمع في أحدٍ سوى اللّه ، فهذا هو التوكّل» . 6 «ومن أين لي النجاة ولا تستطاع إلّا بك» من أراد الخلاص من العذاب الأُخروي والهلكة في الدارين أيضا ، فليطلب من اللّه عزّ وجلّ ، وليسلك الصراط المستقيم ، صراط اللّه العزيز الحميد الذي سلكه أنبياء اللّه تعالى ورسله ، من الّذين أنعم اللّه سبحانه عليهم ، وأمرنا بسلوك هذا الطريق بقوله عزّ شأنه : «إِنَّ هَ_ذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَ حِدَةً وَ أَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ » ، (6) «وَ إِنَّ هَ_ذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَ حِدَةً وَ أَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ » ، (7) مشيرا إلى المذكورين من الأنبياء عليهم السلام في الآيات السابقة . ومن المعلوم أن ليس المراد إنكار الأسباب والعلل المادّية ، بل المراد عدم الاتّكال إليها ، والعلم بأنّها أسباب ومؤدّاة ، وإنّما الأسباب كلّها وسببيّتها وتأثيرها للّه تعالى وبإذنه ، وهو مسبّب الأسباب ، فلا يغترّ الإنسان بالأسباب الظاهرية ، وينقطع إليها ويأمن فوات مطلوبه أو ييأس عن النجاح والفوز عند انعدام الأسباب الظاهرية ، وليس التوكّل على اللّه سبحانه إيكال الأمر إليه بمعنى ترك الأسباب الظاهرية ، بل هو العمل بما أمر اللّه تعالى من الاستفادة من الأسباب والاستعانة منه تعالى في الوصول إلى مراده ، ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه .

.


1- . نهج البلاغة : حكمة 94 ، بحار الأنوار : ج 1 ص 183 ح 80 ، و ج 6 ص 38 ح 62 ، و ج 66 ص 409 ح 121 ، و ج 72 ص 140 ح 5 .
2- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 184 .
3- . اُنظر : مجمع البيان : ج 1 ص 55 ، الكشّاف : ج 1 ص 10 ، لسان العرب : ج 1 ص 400 ، مجمع البحرين : ج 2 ص 126 .
4- . النساء : 79 .
5- . الكافي : ج 2 ص 66 ، بحار الأنوار : ج 71 ص 130 و 143 ، سفينة البحار : ج 2 ص 683 ، المحجّة البيضاء : ج 7 ص 380 .
6- . الأنبياء : 92.
7- . المؤمنون : 52 .

ص: 30

. .

ص: 31

لَا الَّذي أحسَنَ استَغنى عَن عَونِكَ ورَحمَتِكَ«6 »ولَا الَّذي أساءَ وَاجتَرَأَ عَلَيكَ«7 » ولَم يُرضِكَ خَرَجَ عَن قُدرَتِكَ «8 » يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ «9 »_ حَتّى يَنقَطِعَ النَّفَسُ _

هذه الفقرة بيان بأنّ من عمل الصالحات وأحسن في نيّته وعمله لم يستغن عن عون اللّه سبحانه وفضله ورحمته وتوفيقه ، ولعلّ ذلك من أجل أنّ اللّه تعالى إذا حاسب الإنسان حسابا دقيقا وعامله بعدله وأخذه بالصغيرة والكبيرة الجوارحيّة والجوانحية ، لم يخلص من عذابه ، ولم ينل الثواب والجزاء ، وفي الحديث «من حُوسب عُذّب» . (1) وعن الصّادق عليه السلام في تفسير قوله تعالى : «وَ يَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ » (2) : أي الاستقصاء والمداقّة ، وقال : «تُحسب عليهم السيّئات ولا تُحسب لهم الحسنات». (3) ويمكن أن يقال : إنّ المراد عدم الاستغناء عن عونه تعالى ؛ لأنّ الإنسان يعمل الصالحات ويتجنّب السيّئات بحوله وقوّته وتوفيقه وهدايته ، كذلك يحتاج إليه في حفظها من الحبط والبطلان وموانع القبول. كما أنّ من أساء واجترأ على اللّه تعالى لم يخرج عن حيطة قدرته وسلطنته ، بل يأخذ حينما أراد أخذ عزيزٍ مقتدر ، فمن أحسن لا يمكن أن يغترّ ويترك الاستعانه منه تعالى ، والذي عصى لا ييأس من رحمته ، بل يجب عليه أن يتوب إلى اللّه تعالى ويستغفره. أو أنّ الإنسان في كلّ حال يحتاج إلى توفيقٍ من اللّه سبحانه وتعالى في إدامة حسن العمل والإيمان ، فلو أحسن يوما لا يكفي ذلك أن يستعين اللّه في الاستدامة وعدم الانحراف عن الحقّ . ولعلّه لأجل ذلك أمرنا أن نقول كلّ يوم في كلّ صلاة مرّات : «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَ طَ الْمُسْتَقِيمَ » ؛ لكيلا نزيغ عن الحقّ يمينا وشمالاً ، ومن لم يجعل له نورا فما له من نور. «أحسن» أي أتى بالفعل الحسن ، وهو كما قال الراغب : «كلّ مبهج مرغوب فيه ... والحسنة عبارة عن كلّ ما يسرّ من نعمةٍ تنال الإنسان في نفسه وبدنه وأحواله ، والسيّئة تضادّها» ، (4) والمراد هنا الأعمال الّتي رغب فيها الإسلام ، ويُثاب على فعلها الإنسان ، ويستحسنها العقل دون الهوى. والاستغناء : الاكتفاء ، أي اكتفى بعمله بحيث لا يحتاج إلى عون اللّه تعالى. «أساء» : أي أتى بالسّيئات ، يعني من أتى بالأعمال السيّئة لم يخرج عن قدرتك بأن تأخذه وتعاقبه. «واجترأ» من اجترأ على القول بالهمز ، أي أسرع بالهجوم عليه من غير تروّ ، والاسم الجرأة كغرفة ، والجريء على فعيل ، وفي الدعاء : «لا تبتلينّي بجرأةٍ على معاصيك». (5) «يا ربّ يا ربّ يا ربّ حتّى ينقطع النفس» الربّ تقدّم تفسيره ، ولعلّ النداء بلفظ الربّ وتكراره ، وكذا ما يحكيه عزّ وجلّ في القرآن عن الأنبياء عليهم السلام والمؤمنين في دعواتهم ومناجاتهم بهذه الكلمة ، لما اشتمل عليه من التوحيد في الخلق والتدبير والأمر والنهى ؛ لأنّ المشركين لم يكن شركهم في الخلق ؛ لأنّهم إذا سُئلوا من خلق السماوات والأرض؟ ليقولنّ اللّه ، بل كان شركهم في الربوبية والتدبير والإعطاء والمنع ، فالدعاء بكلمة الربّ نفي للأرباب والتدابير والضرّ والنفع دون اللّه تعالى ، فالدعاء باسم الربّ نفي للشرك بجميع معانيه ، ولعلّه لذلك تكرّر كلمة الربّ ومشتقّاتها في القرآن 865 مرّة تقريبا. وفي الحديث عن أبي جعفر عليه السلام قال : «كان أبي يلحّ في الدعاء ، يقول : يا ربّ يا ربّ حتّى ينقطع النفس ، ثمّ يعود». (6) وعن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إنّ العبد إذا قال : أي ربّ ثلاثا ، صيح من فوقه : لبّيك لبّيك ، سل حاجتك». (7) وعن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «من قال عشر مرّات : يا ربّ يا ربّ ، قيل له : لبّيك سل حاجتك». (8) وعن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «من قال : يا ربّ يا ربّ حتّى ينقطع النفس ، قيل له : لبّيك ما حاجتك؟». (9)

.


1- . مسند ابن حنبل : ج 6 ص 108 و 127 ، صحيح البخاري : ج 1 ص 34 ، سنن أبي داوود : ج 2 ص 56 ، سنن الترمذي : ج 5 ص 106 ، السنّة لأبي عاصم : ص 416 ، صحيح ابن حبّان : ج 16 ص 369 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 7 ص 263 ح 17 .
2- . الرعد : 21.
3- . اُنظر : مجمع البيان : ج 5 ص 289 ، تفسير العيّاشي : ج 2 ص 210 ، تفسير نور الثقلين : ج 2 ص 496 ، بحار الأنوار : ج 7 ، ص 266 .
4- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 118 .
5- . مجمع البحرين : ج 1 ص 357 .
6- . مشكاة الأنوار : ص 216 ، بحار الأنوار : ج 93 ص 235 ، واُنظر : مستدرك سفينة البحار : ج 4 في «ربب» .
7- . بحار الأنوار : ج 90 ص 233 .
8- . المصدر السابق : ج 92 ص 165 .
9- . المصدر السابق : ج 90 ص 233.

ص: 32

. .

ص: 33

. .

ص: 34

[بِكَ] (1) عَرَفتُكَ«10 » وأنتَ دَلَلتَني عَلَيكَ«11 »ودَعَوتَني إلَيكَ «12 »ولَولا أنتَ لَم أدرِ ما أنتَ «13 »

المعرفة والعرفان : إدراك الشيء بتفكّر وتدبّر لأثره ، وهو أخصّ من العلم ، ويضادّه الإنكار ، ويقال : فلان يعرف اللّه ، ولا يقال يعلم اللّه ، متعديّا إلى مفعولٍ واحد ، لما كان معرفة البشر للّه هي بتدبّر آثاره دون إدراك ذاته ، ويقال : اللّه يعلم كذا ، ولا يقال : يعرف كذا ، لما كانت المعرفة تستعمل في العلم القاصر المتوصّل به بتفكّر . (2) وقد أطال الكلام في معنى المعرفة ومعنى معرفة اللّه في مجمع البحرين ، وقال : «قال سلطان المحقّقين : إنّ مراتب المعرفة مثل مراتب النار مثلاً ، وإنّ أدناها من سمع أنّ في الوجود شيئا يعدم كلّ شيء يلاقيه ، ويظهر أثره في كلّ شيء يحاذيه ، ويسمّى ذلك الموجود نارا ، ونظير هذه المرتبة في معرفة اللّه تعالى معرفة المقلّدين الّذين صدقوا بالدين من غير وقوف على الحجّة ، وأعلى منها مرتبة من وصل إليه دخّان النار وعلم أنّه لا بدّ من مؤثّر ، فحكم بذات لها أثر هو الدخّان ، ونظير هذه المرتبة في معرفة اللّه معرفة أهل النظر والاستدلال الذين حكموا بالبراهين القاطعة على وجود الصانع ، وأعلى منها مرتبة من أحسّ بحرارة النار بسبب مجاورتها ، وشاهد الموجودات بنورها وانتفع بذلك الأثر ، ونظير هذه المرتبة في معرفة اللّه معرفة المؤمنين المخلصين الذين اطمأنّت قلوبهم باللّه وتيقّنوا أنّ اللّه نور السماوات والأرض كما وصف به نفسه ، وأعلى منها مرتبة من احترق بالنار بكلّيته وتلاش فيها بجملته ، ونظير هذه المرتبة في معرفة اللّه معرفة أهل الشهود والفناء في اللّه ، وهي الدرجة العليا ، والمرتبة القصوى رزقنا اللّه الوصول إليها والوقوف عليها بكرمه ومنّه» . (3) «بك» الباء للسببية ، أي بسببك عرفتك ، ويفسّره قوله عليه السلام : «وأنت الذي دللتني عليك» ، ومعرفة اللّه تعالى باللّه يحتمل فيها وجوه ذكرها العلّامة المجلسي رحمه الله في البحار في شرح قوله : «اعرفوا اللّه باللّه » 4 : 1. اعرفوا اللّه باللّه ، اعرفوه بأنّه اللّه مسلوبا عنه جميع ما يُعرف به الخلق من الجواهر والأعراض ومشابهة شيء منها. 2. اعرفوا اللّه باللّه ، أي بما يناسب أُلوهيّته من التنزيه والتقديس ، بمعنى اعرفوا بعقولكم بمحض أنّه خالق إله ، أو اعرفوا اللّه بما وصف لكم في كتابه وعلى لسان نبيّه صلى الله عليه و آله . 3. اعرفوا اللّه باللّه ، أي باستعانته من قوى النفس العاقلة ، أي اعرفوا اللّه بنور اللّه المشرق على القلوب بالتوسّل إليه والتقرّب به ، فإنّ العقول لا تهتدي إليه إلّا بأنوار فيضه تعالى. (4) 4. اعرفوا اللّه باللّه ، أي بما تتأتّى معرفته لكم بالتفكّر فيما أظهر لكم من آثار صنعه وقدرته وحكمته بتوفيقه وهدايته ، لا بما أُرسل به الرسول من الآيات والمعجزات ، فإنّ معرفتها إنّما تحصل بعد معرفته تعالى (انتهى ملخّصا). (5) قال السيّد في شرح الصحيفة في شرح دعاء عرفة ، في شرح قوله عليه السلام : «وعرفت الهداية من عندك» في أنواع الهداية ، ومنها : الهداية الخاصّة ، وهي كشف الأسرار عن ربّ المهديّين بالوحي والإلهام ، وإليها الإشارة بقوله تعالى : «أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ » (6) . (7) إنّ اللّه عزّ وجلّ جعل في فطرتنا المعرفة بإلهام أنّ لكلّ علّة معلولاً ، ولكلّ حادث محدِثا ، وأنّ العالم بما له من وجود لا بدّ له من موجد ، وبما فيه من النظم الباهر والحكمة اللطيفة ، لا بدّ وأن يكون الموجد عالما وحكيما وقادرا ولطيفا ، وهذا الطريق هو الذي هدانا إليه القرآن الكريم في معرفته تعالى وأمرنا بالتدبّر في آياته وبيّناته في خلقه من السماء والأرض. وإن شئت فقل : ألهمنا اللّه عزّ وجلّ التدبّر في أنفسنا ، وفي هذا العالم من السماء والأرض وأنّا مصنوعون ومقهورون ومدبّرون ، فلا بدّ لنا من مدبّر وصانع ، وأنّ فيها النظم الباهر فهو حكيم قادر لطيف. ويمكن أن يقال : إنّ اللّه سبحانه فطر الإنسان على معرفته ، فهو يعرف أنّ له ربّا وخالقا ، كما يعرف أنّه جائع وأنّه شبعان ، ولأجل ذلك نرى الإنسان لا يشكّ أنّ له خالقا وصانعا ، قال سبحانه وتعالى : «أَفِى اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ » ، (8) وقال سبحانه : «وَ لَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ » ، (9) وإنّما كان شركهم في الربوبية ، ولأجل ذلك نجد في تاريخ حياة الإنسان على ما وصل إليه معرفة المحقّقين معبدا ومذبحا . (10) الحديث هنا يبيّن معنىً لطيفا (نقلناه بالمعنى) ، وهو أنّ الطفل إذا بكى يدعو اللّه تعالى ، بل في الحديث أنّ الحيوان البهم البالغ في البهمة يعرف أنّ له خالقا، (11) وإلى هذا المعنى يشير بأنّ: «كلّ مولود يولد على الفطرة ثمّ أبواه يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه» ، (12) ولعلّه المراد من قوله تعالى : «أَعْطَى كُلَّ شَىْ ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى » . (13) وقد يحجبنا عن المعرفة الفطرية ما نرتكب من المعاصي ونتّبع من الأهواء ، قال تعالى : «... وَ جَآءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَ ظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَ_ذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّ_كِرِينَ * فَلَمَّآ أَنجَ_اهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِى الْأَرْضِ » ، (14) وقال : «فَإِذَا رَكِبُواْ فِى الْفُلْكِ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّ_اهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ » . (15) «وأنت دللتني عليك» الدلالة ما يُتوصّل به إلى معرفة الشيء ، والدالّ من حصل منه ذلك ، في الحديث : «إنّ اللّه قد دلّ للناس على ربوبيّته بالأدلّة» ، يعني بعد أن خلق العقل فيهم دلّهم على أنّ لهم مدبّرا على لسان نبيّه بالأدلّة. (16) «ودعوتني إليك» دعوة اللّه عباده إليه إمّا تكويني بما جبّله من معرفته ، لاسيّما عند البلاء ، فإذا غشيه أمر يعرف أنّ له ربّا يدبّره وينجيه ، وإذا مرض فهو يشفيه ، وإذا لجأ إليه نجا ، وإذا استعانه أعانه ، فهذا دعوة اللّه تعالى عباده إليه . وإمّا تشريعيّ ، دعاهم بلسان أنبيائه ورسله الداعين إليه قائلاً : «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِى وَخُفْيَةً وَلْيُؤْمِنُواْ بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ » ، (17) وقال تعالى : «ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ » ، (18) وقال سبحانه : «قُلْ مَا يَعْبَؤُاْ بِكُمْ رَبِّى لَوْلَا دُعَآؤُكُمْ » ، (19) وقال تعالى : «وَ قَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ » . (20) أمر سبحانه بالدعاء وأوعد الدخول في النار من يستكبر عن عبادته ، ووعد الإجابة قائلاً : «فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ» . قال العلّامة الأُستاذ الطباطبائي قدس سره (ما ملخصّه) (21) : «إنّ قوله تعالى : «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ... » كما يشتمل على الحكم _ أعني إجابة الدعاء _ كذلك يشتمل على علله ، فكون الداعين عباد اللّه هو موجب لقربه منهم ، وقربه منهم هو الموجب لإجابته المطلقه لهم ، وإطلاق الإجابة يستلزم إطلاق الدعاء ، فكلّ دعاء دُعي به فإنّه مجيبه ، إلّا أنّ هنا أمرا ، وهو أنّه تعالى قيّد قوله : «أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ » بقوله : «إِذَا دَعَانِ » ، وهذا القيد الغير الزائد عن نفس المقيّد بشيء يدلّ على اشتراط الحقيقة دون التجوّز والشبه. فإن قلنا : أصغ إلى قول الناصح إذا نصحك ، أو أكرم العالم إذا كان عالما ، يدلّ على لزوم اتّصافه بما يقتضيه حقيقة ... فقوله تعالى : «إِذَا دَعَانِ » ، إلخ ، يدلّ على أنّ وعد الإجابة المطلقة إنّما إذا كان الداعي داعيا بحسب الحقيقة ، مريدا بحسب العلم الفطري والغريزي ، مواطئا لسانه قلبه ، فإنّ حقيقة الدعاء والسؤال هو الذي يحمله القلب ويدعو به لسان الفطرة... فهم فيما لا يحصونها من النعم داعون سائلون ولم يسألوها بلسانهم الظاهر ، بل بلسان فقرهم واستحقاقهم لسانا فطريّا وجوديا ... فالسؤال الفطري من اللّه سبحانه لا يتخطّى الإجابة ، فما لا يستجاب من الدعاء ولا يصادف الإجابة فقد فقدَ أحد الأمرين : وهما اللّذان ذكرهما بقوله : «دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ » . فإمّا أن يكون لم يتحقّق هناك دعاء وإنّما التبس الأمر على الداعي التباسا ، كأن يدعو الإنسان فيسأل ما لا يكون وهو جاهل بذلك ، أو يسأل ما لا يريده لو انكشفت عليه حقيقة الأمر ، مثل أن يدعو ويسأل شفاء المريض لا إحياء الميّت... . وإمّا أنّ السؤال متحقّق لكن لا من اللّه وحده ، كمن يسأل حاجة من حوائجه وقلبه متعلّق بالأسباب المادّية ، أو بأُمور وهمية ، توهّمها كافية في أمره مؤثّرة في شأنه ، فلم يخلص الدعاء من اللّه سبحانه ، فلم يسأل اللّه بالحقيقة . إلى أن قال _ بعد ذكر الآيات _ : وهي تشتمل على أركان الدعاء وآداب الداعي ، وعمدتها الإخلاص في دعائه تعالى ، وهو مواطاة القلب اللسان ، والانقطاع عن كلّ سبب دون اللّه ، والتعلّق به تعالى ، ويلحق به الخوف والطمع والرغبة والرهبة والخشوع والتضرّع والإصرار والذكر وصالح العمل والإيمان وأدب الحضور ، وغير ذلك ممّا تشتمل عليه الروايات» . (22) أقول : ملخص كلام الأُستاذ : إنّ الدعاء الذي وعد اللّه سبحانه إجابته ، لها شروط مستفادة من نفس الآية الكريمة : 1. أن يكون الداعي عبد اللّه تعالى ؛ لكون الإضافة في قوله «عبادي» تشريفي لكون الداعي عبدا للّه تعالى حقيقةً ، كلمة تستلزم تحقّق أُمور كثيرة من الإيمان واليقين والتقوى والورع والتسليم والإخلاص ، إلخ ... . 2. أن يكون الداعي منقطعا إليه تعالى من الأسباب والعلل المادّية ، بأن يرى الأسباب وسببيّتها وتأثير كلّها للّه تعالى حقيقة ، وهو المراد من قوله عليه السلام في دعاء شعبان : «إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك» ، و«اللّهمّ إنّي أخلصت بانقطاعي إليك» (23) ؛ ولعلّه المراد من الإخلاص في الآيات الكريمة : «دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ » ، (24) وذلك قد يحصل لهم بعد انقطاع الأسباب المادّية كما في مورد هذه الآيات ، قال سبحانه : «فَإِذَا رَكِبُواْ فِى الْفُلْكِ » ، (25) و «وَ ظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ » ، (26) و «وَ إِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّ_لَلِ » . (27) 3. أن يكون المطلوب والمسؤول مطلوب الداعي ومسؤوله حقيقة ، بحيث لو اطّلع العبد على حقيقة لسأله وطلبه ويتطابق اللّسان مع الواقع. 4. هذا كلّه إذا توقّف صدق الإجابة على إعطاء اللّه تعالى حاجة العبد المطلوبة المعيّنة ، أمّا إذا كان المراد من الإجابة هو أن يسمع سبحانه دعاءه ويجيبه بإعطاء حاجته أو أحسن وأكمل وأصلح منها ، فهي حاصلة ألبتّة في كلّ دعاء ، ولا يخلو عنه دعاء الداعي ، فإنّ الدعاء عبادة ، بل هي مخّ العبادة ، واللّه سبحانه يثيب عليها ، ويعطي الداعي مكان حاجته أحسن وأغلى وأعلى منها. (28)

.


1- . لفظة «بك» ليست في المصدر وأثبتناها من المصادر الأُخرى .
2- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 331 ، رياض السالكين : ج 1 ص 48 في شرح الدعاء الأوّل في شرح قوله عليه السلام : «الحمد للّه على ما عرّفنا من نفسه» .
3- . مجمع البحرين : ص 162 _ 163 .
4- . أي قول أمير المؤمنين عليه السلام . رواه الكليني عن على بن محمّد ، عمّن ذكره ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن عمران ، عن الفضل بن السكن ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام ... (الكافي : ج 1 ، ص 85 ؛ التوحيد : ص 285) .
5- . بحار الأنوار : ج 3 ص 274 _ 275 .
6- . الأنعام : 90 .
7- . رياض السالكين : ج 6 ص 325 .
8- . إبراهيم : 10 .
9- . لقمان : 25 ، والزمر : 38 ، والزخرف : 9 .
10- . اُنظر : التوحيد : ص 331 ح 10 ، الكافي : ج 6 ص 52 ح 5 .
11- . اُنظر : الكافي : ج 6 ص 539 ح 11 .
12- . اُنظر : الكافي: ج 6 ص 14 ، التوحيد : ص 330 ، شرح الأخبار : ج 1 ص 190 ، الاحتجاج : ج 2 ص 176 ، بحار الأنوار : ج 58 ص 187 .
13- . طه : 50.
14- . يونس : 22 _ 23 .
15- . العنكبوت : 65 .
16- . مجمع البحرين : ج 2 ص 51 ، في «دلل» .
17- . البقرة : 186 .
18- . الأعراف : 55 .
19- . الفرقان : 77 .
20- . غافر : 60 .
21- . اُنظر : الميزان في تفسير القرآن : ج 2 ص 31 ، فإنّا اختصرنا كلامه رضوان اللّه عليه .
22- . الميزان في تفسير القرآن : ج 2 ص 34 _ 35 .
23- . الصحيفة السجادية : الدعاء 28 ، بحار الأنوار : ج 94 ص 99 ح 13 .
24- . يونس : 22 .
25- . العنكبوت : 65 .
26- . يونس : 22 .
27- . لقمان : 32 .
28- . والأحاديث في الترغيب في الدعاء وشرائطه ، وأنّ ما لا يستجاب منها فيها ما لا يدركه الداعي من الآثار كثيرة ، أوردها العلّامة الطباطبائي رحمه الله في الميزان في تفسير القرآن : ج 2 ص 33 _ 42 ؛ والعلّامة المجلسي رحمه الله في بحار الأنوار : ج 93 ص 286 ، وما بعدها وج 94 ، ص 1 وما بعدها ؛ واُنظر : سفينة البحار ومستدركها في «دعا» ، جامع أحاديث الشيعة : ج 15 ص 184 وما بعدها .

ص: 35

. .

ص: 36

. .

ص: 37

. .

ص: 38

. .

ص: 39

. .

ص: 40

الحَمدُ للّه ِِ الَّذي أدعوهُ فَيُجيبُني«14 »وإن كُنتُ بَطيئاً حينَ يَدعوني «15 »وَالحَمدُ للّه ِِ الَّذي أسأَلُهُ فَيُعطيني«16 »وإن كُنتُ بَخيلاً حينَ يَستَقرِضُني «17 »

«الحمد للّه » الثناء عليه بالفضيلة ، وهو أخصّ من المدح وأعمّ من الشكر ، فإنّ المدح يقال فيما يكون من الإنسان باختياره ، وممّا يقال منه وفيه بالتسخير ، فقد يُمدح الإنسان بطول قامته وصباحة وجهه ، كما يُمدح ببذل ماله وسخائه وعلمه ، والحمد يكون في الثاني دون الأوّل ، والشكر لا يقال إلّا في مقابل نعمة ، فكلّ شكر حمد ، وليس كلّ حمد شكرا ، وكلّ حمد مدح وليس كلّ مدح حمدا. (1) واللاّم للجنس ، ومعناه الإشارة إلى الحقيقة ، من حيث هي حاضرة في ذهن السامع ، والجارّة : للاختصاص فتختصّ حقيقة الحمد به ، فيكون جميع أفرادها مختصّة به سبحانه ؛ لأنّ النعوت الكمالية كلّها ترجع إليه ؛ لأنّه فاعلها وغايتها كما حُقّق في مقامه ؛ ولأنّه الموجود الحقيقي ، كما يعرفه العارفون ، وثبوت الصفة فرع ثبوت الموصوف ؛ وذلك أنّهم يرون كلّ قدرة مستغرقة في القدرة بالذات ، وكلّ علم مستغرق في العلم بالذات ، وهكذا في كلّ صفة كمالية». (2) وبالجملة ، إنّ اللّه سبحانه هو الذي خلق العالم وقدّر ونظم فأبدع ، وجعل كلّه مشتملاً على علل ومعلولات وأسباب ومسبّبات في تدبيرٍ متّصل مرتبط كموجَدٍ واحد ، يحكم عليه قانون واحد وإرادة واحدة ، فكان جميع العوالم موجود واحد يدبّره تدبير واحد ، والإنسان جزء من هذا الواحد ، وواقع في سلسلة العلل والمعلولات والأسباب والمسبّبات ، و«أبى اللّه أن يجري الأشياء إلّا بأسبابها» ، (3) فكلّ حسنة تصل إليه بتدبيره تعالى وأمره بها ، وكلّ ما أصابته من سيّئة فهو اختياره ونهيه تعالى عنها ؛ لأنّ اللّه تعالى أراد أن يكون الإنسان مختارا وأفعاله اختيارية بتمامه في خيرها وشرّها ، وهو المعاقب والمثاب ، وأمرهم بما فيه صلاحهم معادا ومعاشا ، فكلّما يرتكبه ويفعله من الحسنات فهو بأمره ورضاه وحوله وقوّته ، ويُنسب إليه كما يُنسب إلى الإنسان ؛ لأنّه صدر عن أمره وإرادته التشريعيّة والتكوينيّة ورضاه ، وما يرتكبه من القبائح لا يُنسب إليه تعالى ؛ لأنّه لم يكن عن أمره ورضاه ، بل هو لفاعله وإن كان ذلك بحوله وقوّته ، وهو القادر على ما أقدرهم عليه والمالك لما ملّكهم ، فكلّ حسنة منه تعالى والحمد له ، وكلّ قبيح ليس منه ؛ لأنّه لا يرضاه بل ينهى عنه ، قال تعالى : «مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ » . (4) «الذي أدعوه فيجيبني» تقدّم الكلام في أمره تعالى عباده بالدعاء ودعاء العبد إيّاه سبحانه وإجابته تعالى إيّاهم ، والمراد من هذه الجملة تحقّق وعده تعالى بالإجابة. «وإن كنت بطيئا حين يدعوني» البُط ءُ بالضّم تأخّر الانبعاث في السير... فبط ءُ إذا تخصّص بالبطؤ وتباطأ : تحرّى وتكلّف ذلك ، (5) ومنه الخبر : «من بطأ به عمله لم ينفعه نسبه» ، أي من أخّره عمله السيّئ وتفريطه في العمل الصالح لم ينفعه في الآخرة شرف النسب ، قاله الجوهري. (6) الإنسان بحسب طبعه وغرائزه وشهواته يميل إلى خلاف ما أمر اللّه تعالى ، وهواه يمنعه عن المبادرة إلى الطاعة ، قال تعالى : «وَ أَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِىَ الْمَأْوَى » . (7) والإنسان مجبول على غرائزه ، كما أنّه مجبول على معرفته تعالى كما تقدّم ، ولكنّ الهوى يغلب عليه ويمنعه عن الطاعة ؛ لأنّ طاعته تعالى ورضاه فيما يخالف هواه ، فبالنتيجة يكون إجابة العبدٍ ربّه يحصل عن بط ء ، يأمره بالإنفاق وحبّ المال يمنعه ، ويأمره بالعبادة وحبّ الراحة يمنعه ، وكذا الجهاد وترك المعاصي ؛ لأنّ كلّها خلاف ما يهواه ويميل إليه وزيّنه الشيطان ، فالعبدٍ يبطئ إذا دعاه ، بل يعصي ويخالف ويتبع هواه. فطوبى لعبدٍ قدّم هوى مولاه على هواه ، ورضاه على رضاه ، بل كان هواه في طاعة مولاه ، وعبادته مناجاته ، يلتذّ بالطاعة ولا يهوى إلّا ما يهوى مولاه ، ولا يحبّ إلّا ما يحبّه «وهل الدين إلّا الحبّ» . (8) والمعنى المراد : إنّ الحمد للّه الذى ، أدعوه فيجيبني بلا بط ء ، مع أنّي بطيء في طاعته ، كسلان يأمر وينهى ويحبّ ويبغض. «والحمد للّه الذي أسأله فيعطيني» السؤال استدعاء معرفة أو ما يؤدّي إلى المعرفة ، استدعاء مال أو ما يؤدّي إلى المال ، والسؤال للمعرفة قد يكون للمعرفة أو للتبكيت ، وسؤال العبد عن اللّه تعالى إمّا استدعاء للمال أو المعنويات ، والغرض الحمد والثناء للّه تعالى بإعطائه إيّاه بعد السؤال من دون أيّ بط ءٍ منه تعالى . «وإن كنت بطيئا حين يستقرضني» أي وإن كنت بطيئا حين يطلب منّي مالاً ، والقرض بمعنى القطع ، وأطلق على أن يقطع إنسان من ماله شيئا فيتصدّق به ، أو يقرضه شخصا على أن يؤدّيه عند المطالبة أو عند اليسار ، ويقال : القراض ، وهي المضاربة من الضرب في الأرض ، و سُمّيت المضاربة قراضا ، وهو أن يدفع الإنسان إلى غيره مالاً ليعمل به بحصّته من ربحه ، لكون المال مقطوعا يسافر به للتجارة ، فسار مضاربة لضربه في الأرض. استقرض اللّه سبحانه عن عباده في قوله عزّ شأنه : «مَّن ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَ_عِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُ_طُ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ » (9) ؛ «مَّن ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَ_عِفَهُ لَهُ وَ لَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ » (10) ؛ «وَ أَقِيمُواْ الصَّلَوةَ وَ ءَاتُواْ الزَّكَوةَ وَ أَقْرِضُواْ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَ مَا تُقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَ أَعْظَمَ أَجْرًا » (11) ؛ «إِن تُقْرِضُواْ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَ_عِفْهُ لَكُمْ » (12) ؛ «إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَ الْمُصَّدِّقَ_تِ وَ أَقْرَضُواْ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَ_عَفُ لَهُمْ وَ لَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ » (13) ؛ «وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَ_قَ بَنِى إِسْرَ ءِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَىْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّى مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَوةَ وَءَاتَيْتُمُ الزَّكَوةَ وَءَامَنتُم بِرُسُلِى وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّ_تٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَ_رُ » . (14) لمّا حثّ اللّه سبحانه عباده على الجهاد وبذل النفس والمال ، وعقّبه بالتلطّف في الاستدعاء إلى أعمال البرّ والإنفاق في سبيل الخير ، فقال : «مَّن ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللَّهَ » ، أي ينفق في سبيل اللّه وطاعته ، والمراد به الأمر ، وليس هذا بقرض حاجة» ، «سمّى اللّه تعالى الإنفاق قرضا تلطّفا للدعاء إلى فعله ، وتأكيدا للجزاء عليه ، فإنّ القرض يوجب الجزاء قرضا حسنا ، والقرض الحسن أن ينفق من حلال ولا يفسده بمنٍّ ولا أذىً ... طيّب النفس ...». (15) وعد اللّه عزّ وجلّ في استقراضه للمطيعين : أن يردّ ما أنفقوا في سبيل اللّه عليهم أضعافا كثيرة ، وأن يكفّر عنهم سيّئاتهم ، وأن يدخلهم جنّات النعيم ، وأن يعطيهم أجرا كريما.

.


1- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 131 .
2- . رياض السالكين : ج 1 ص 230 .
3- . اُنظر : بصائر الدرجات : ص 26 ، الكافي : ج 1 ص 183 ح 7 ، بحار الأنوار : ج 2 ص 90 .
4- . النساء : 79 .
5- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 52 .
6- . النهاية لابن الأثير : ج 1 ص 134 ، لسان العرب : ج 1 ص 34 ، مجمع البحرين : ج 1 ص 209 .
7- . النازعات : 40 _ 41 .
8- . اُنظر : الخصال : ص 21 ، روضة الواعظين : ص 416 ، مشكاة الأنوار : ص 217 ، بحار الأنوار : ج 66 ص 237 .
9- . البقرة : 245 .
10- . الحديد : 7 .
11- . المزمل : 20.
12- . التغابن : 17 .
13- . الحديد : 18.
14- . المائدة : 12.
15- . مجمع البيان : ج 2 ص 136 .

ص: 41

. .

ص: 42

. .

ص: 43

. .

ص: 44

وَالحَمدُ للّه ِِ الَّذي اُناديهِ كُلَّما شِئتُ لِحاجَتي [بحاجتي]«18 »وأخلو بِهِ حَيثُ شِئتُ لِسِرّي بِغَيرِ شَفيعٍ فَيَقضي لي حاجَتي «19 »

النداء : رفع الصوت وظهوره ، وقد يُقال للصوت المجرّد دون المعنى ، كما في قوله سبحانه : «كَمَثَلِ الَّذِى يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَا دُعَآءً وَ نِدَآءً » ، (1) أي لا يعرف إلّا مجرد الصوت دون المعنى ، وذلك يناسب لدعاء البعيد للبعيد ، ولعلّ استعمال هذه الكلمة فيما بين اللّه تعالى وبين عبده من أجل البعد الرتبي بين الخالق والمخلوق ، والواجب والممكن ، والغنيّ بالذات والفقير بالذات ، وبين القادر والعاجز ، لاسيّما إذا رأى العبد نفسه عاصيا ومقصّرا ، وعادما للفضائل والكمالات ، وفي الدعاء : «وكن لدعائي مجيبا ومن ندائي» ، (2) أي سريع الإجابة ؛ لأنّ القرب ليس المراد منه القرب المحسوس ، بل هو المعنوي برحمته ورأفته وكرمه. والغرض من هذه الجملة بيان إذنه تعالى لعبده في الدعاء كلّما شاء وحيثما أراد ، تحنّنا وكرما منه تعالى ، بل أمره له بالدعاء ؛ فلو لم يأذن لم يكن له الدعاء والنداء ، قال عليه السلام : «يا من ذكره شرف للذاكرين» ، (3) أي ذكره تعالى باللّسان أو القلب شرف لذاكره وفائدته عائدة إليه ، وفي الدعاء «فأمرتنا بذكرك ووعدتنا عليه أن تذكرنا ، تشريفا لنا وإكراما وتفخيما وإعظاما» (4) و«لولا الواجب من قبول أمرك لنزّهتك من ذكري إيّاك» . (5) «وأخلوا به» الخلاء : المكان الذي لا سائر فيه من بناء وساكن ، وخلى فلان بفلان ؛ صار معه في خلاء. إشارة إلى قربه تعالى من عبده برحمته وكرمه ، حتّى قال عزّ شأنه : «وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ » ، (6) وقال عزّ وجلّ : «أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ » ، (7) فمن جهته هو سبحانه قريب من عبده وعالم بجميع أُموره ومحيط به ، يعلم ما في صدره ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، فيخلو العبد به ويناجيه ويبثّ إليه أسراره ، ولكنّه بعيد منه بإمكانه وفقره وجهله فيناديه ، ومع ذلك أذن له أن يناديه ويناجيه ويطلب منه ما يريد ، ولا يحتاج إلى شفيع ؛ لأنّ شفيعه ذلّه وعجزه وفقره مع كرم مولاه ورحمته وعفوه فيبثّ إليه من أسراره ما هو أعلم به منه. الشفع : ضمّ الشيء إلى الشيء ، ويقال للمشفوع شفع ، والشفاعة : الانضمام إلى آخر ناصرا له وسائلاً عنه ، وأكثرما يستعمل في انضمام من هو أعلى حرمة ومرتبة إلى من أدنى ، ومنه الشفاعة في القيامة ، وللبحث عنها مجال آخر. فالحمد للّه تعالى على إذنه لعبده أن يناديه ويناجيه كلّما شاء وأراد لحوائجه من احتياجٍ إلى شفيع يشفع له في قضاء حوائجه.

.


1- . البقرة : 171.
2- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 13 .
3- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 11 .
4- . الصحيفة السجّادية ( مناجاة الذاكرين ) : ص 419 .
5- . الصحيفة السجّادية ( مناجاة الذاكرين ) : ص 418 .
6- . ق : 16.
7- . الأنفال : 24 .

ص: 45

. .

ص: 46

الحَمدُ للّه ِِ الَّذي لا أدعو (1) غَيرَهُ «20 »ولَو دَعَوتُ غَيرَهُ لَم يَستَجِب لي دُعائي «21 »

أي أحمد اللّه تعالى ألّا أدعو غيره ، إذ ذلك إفضال منه عزّ شأنه ؛ لأنّ دعاءنا إيّاه متفرّع على معرفته تعالى ، وأنّه لا ملجأ سواه ولا مفزع دونه ، وأنّ غيره محتاجون وفقراء إليه ، ومعرفة أنّه مخلوق محتاج فقير لا يملك شيئا ، ومعرفة أنّ طلب المحتاج إلى المحتاج سفه من رأيه وزلّة من عقله ، وليس كلّ ذلك إلّا بهدايته ولطفه سبحانه ، فدعاؤنا إيّاه تعالى دون غيره نعمة منه وتفضّل يستلزم حمدا . ولعمري ، إنّ معرفة اللّه سبحانه ومعرفة ألّا ملجأ دونه ولا مفزع سواه ، والانقطاع إليه كمال الانقطاع ، نعمة منه تعالى ، بل من أعظمها وأعلاها كما في الشعبانيّة : «إلهي ، هب لي كمال الانقطاع إليك ، وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك» ، (2) مع أنّه لو دعا غيره لم يستجب دعاءه ، سواء كان غيره من الأوثان والأصنام ، أم إنسان آخر. فيحمد اللّه سبحانه على أن عرّفه نفسه وأعطاه الانقطاع إليه وأعطاه حاجته بذلك ، وأنجحه في حصول مطلوبه ، وأعزّه من ذلّ الرجوع إلى غيره ؛ وذلك لأنّ الإنسان حسب طبعه وأُنسه بالأسباب المادّية والعلل والعوامل الظاهريّة ، تحصل له الغفلة عن الحقّ سبحانه ، ويتّكل على الأسباب وينقطع إليها ، ولا يتنبّه عن غفلته ولا يفيق عن سنته ، ولا يرجع إلى كهفه ومعتمده ، ولا يلتفت إلى ما هو فيه من الغفلة والجهل إلّا بتوفيق من اللّه تعالى بقطع الأسباب المادّية ، ويأُنسه عمّا أنس به ، أو بهداية خاصّة معنوية ، كما في الدعاء : «اللّهمّ ولي إليك حاجة قد قصر عنها جهدى ، وتقطّعت دونها حيلي ، وسوّلت لي نفسي رفعها إلى من يرفع حوائجه إليك ، ولا يستغني في طلباته عنك ، وهي زلّة من زلل الخاطئين ، وعثرة من عثرات المذنبين ، ثمّ انتبهت بتذكيرك لي من غفلتي ، ونهضت بتوفيقك من زلّتي ، ونكصت بتسديدك عن عثرتي ، وقلت : سبحانك ربّي كيف يسأل محتاج محتاجا؟ وأنّى يرغب معدم إلى معدم ...» ، (3) وقال تعالى : «مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَ إِنَّ أَوْهَنَ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ » . (4)

.


1- . في الإقبال والمصباح للكفعمي والبلد الأمين : «أدعوه ولا أدعو غيره» .
2- . الإقبال : ج 3 ص 299 ، بحار الأنوار : ج 91 ص 99 .
3- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 13.
4- . العنكبوت : 41 .

ص: 47

. .

ص: 48

وَالحَمدُ للّه ِِ الَّذي لا أرجو (1) غَيرَهُ «22 » ولَو رَجَوتُ غَيرَهُ لَأَخلَفَ رَجائي«23 »

الرجاء : الأمل والتوقّع ، وقوله : «مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا » ، (2) أي لا تخافون... وذلك أنّ الرجاء للشيء معه الخوف من ألّا يكون ، فلذلك سُمّي الخوف رجاء. (3) وقال الراغب: «الرجاء : ظنٌّ يقتضي حصول ما فيه مسرّة، وأنّ الرجاء والخوف متلازمان». (4) والرجاء قسمان كالخوف ، فإنّ الرجاء والتوقّع إن حصل أكثر أسبابه صدق اسم الرجاء ، كتوقّع الحصاد ممّن ألقى بذرا جيّدا في أرضٍ صالحة يصلها الماء ، فإن شكّ فهو التمنّي ، كما إذا صلحت الأرض ولا ماء ، وفي الحديث : «الاتّكال على الأمانيّ بضائع النوكى». (5) يخفى . وعلى كلّ حال ، وردت أحاديث في مدح اليأس عمّا في أيدي الناس ، وذمّ الطمع فيما في أيدي الناس . روي في الكافي بإسناده عن الحسين بن علوان ، قال : «كنّا في مجلسٍ نطلب فيه العلم ، وقد نفدت : نفقتي في بعض الأسفار ، فقال لي بعض أصحابنا : من تؤمّل لما قد نزل بك؟ فقلت : فلانا ، فقال : إذا واللّه لا تُسعف حاجتك ، ولا يبلغك أملك ، ولا تنجح طلبتك ، قلت : وما علمك رحمك اللّه ؟ قال : إنّ أبا عبداللّه عليه السلام حدّثني أنّه قرأ في بعض الكتب : إنّ اللّه تبارك وتعالى يقول : وعزّتي وجلالي ومجدي وارتفاعي على عرشي ، لأقطعنّ أمل كلّ مؤمّل من الناس غيري باليأس ، ولأكسونّه ثوب المذلّة عند الناس ، ولأنحينّه من قربي ، ولأبعدنّه من فضلي ، أيؤمّل غيري في الشدائد والشدائد بيدي ؟ ويرجو غيري ويقرع بالفكر باب غيري وبيدي مفاتيح الأبواب وهي مغلقة ، وبابي مفتوح لمن دعاني ؟ فمن الذي أمّلني لنوائبه فقطعته دونها؟ ومن ذا الذي رجاني لعظيمة فقطعت رجاه منّي؟ وجعلت آمال عبادي عندي محفوظة ، فلم يرضوا بحفظي ، وملأت سماواتي ممّن لا يملّ من تسبيحي ، وأمرتهم ألّا يغلقوا الأبواب بيني وبين عبادي ، فلم يثقّوا بقولي . ألم يعلم من طرقته نائبة من نوائبي أنّه لا يملك كشفها أحد غيري إلّا من بعد إذني ؟ فمالي أراه لاهيا عنّي ؟ أعطيته بجودي ما لم يسألني ، ثمّ أنزعته عنه فلم يسألني ردّه وسأل غيري. أفيراني أبدأ بالعطايا قبل المسألة ، ثمّ أسأل فلا أُجيب سائلي؟ أبخيل أنا فيبخّلني عبدي ؟ أو ليس الجود والكرم لي؟ أو ليس العفو والرحمة بيدي؟ أو ليس أنا محلّ الآمال؟ فمن يقطعها دوني؟ أفلا يخشى المؤمّلون أن يؤمّلوا غيري؟ فلو أنّ أهل سماواتي وأهل أرضي أمّلوا جميعا ، ثمّ أعطيت كلّ واحد منهم مثل ما أمّل الجميع ، ما انتقص من ملكي مثل عضو ذرّة ، وكيف ينقص ملك أنا قيّمه ؟ فيابؤسا للقانطين من رحمتي ، ويابؤسا لمن عصاني ولم يراقبني». 6 وعن أبي عبداللّه : «إذا أراد أحدكم ألّا يسأل اللّه شيئا إلّا أعطاه ، فلييأس من الناس كلّهم ، ولا يكون له رجاء إلّا من عند اللّه عزّ وجلّ ، فإن علم اللّه ذلك من قلبه لم يسأل اللّه شيئا إلّا أعطاه» . (6) الحديث . وعلى كلّ حال ، عدم رجاء غير اللّه تعالى يتوقّف على معرفته ، وأنّه بيده كلّ شيء ، يعطي من يشاء ويمنع من يشاء ، وأنّ غيره تعالى فقير بالذات ، ليس له ومنه شيء ، وذلك كلّه من نعم اللّه وفضله وإنعامه ، فيلحمد العبد مولاه بذلك. ورجاء العبد ربّه يحثّه على العمل والاعتماد على النفس واليأس عمّا في أيدي الناس وهو العزّ الحاضر ، ويزيل عنه الطمع الذي منشأ المساوئ والمهالك والذلّ الحاضر ، وفي الدعاء : «اللّهمّ وصن وجهي باليسار ، ولا تبتذل جاهي بالاقتار فأسترزق أهل رزقك ، وأستعطي شرار خلقك ، فأفتتن بحمد من أعطاني ، وأُبتلى بذمّ من منعني ، وأنت من دونهم وليّ الإعطاء والمنع». (7)

.


1- . في الإقبال والمصباح للكفعمي والبلد الأمين : «أرجوه ولا أرجو غيره» .
2- . نوح : 13.
3- . مجمع البيان : ج 2 ص 76 .
4- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 191 .
5- . أي الحمقى ، اُنظر : مجمع البحرين : ج 4 ص 394 ، مستدرك سفينة البحار : ج 10 ص 190 ، وفي سفينة البحار : عن المحقّق الكاشاني ، والرجاء غير الطمع كما لا
6- . الكافي : ج 8 ص 143 ح 108 ، الأمالي للمفيد : ص 274 ، الأمالي الطوسي : ص 36 ح 38 ، وانظر : بحار الأنوار : ج 73 ص 107 .
7- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 20 ، وقريب منه ما في نهج البلاغة : الخطبة 223 ، بحار الأنوار : ج 91 ص 230 ح5 .

ص: 49

. .

ص: 50

. .

ص: 51

وَالحَمدُ للّه ِِ الَّذي وَكَلَني إلَيهِ فَأَكرَمَني«24 »ولَم يَكِلني إلَى النّاسِ فَيُهينوني «25 »

وكل إليه : فوّضه إليه . أُفوّض أمري إلى اللّه ؛ أي أردّه إليه ، ومنه الدعاء : «فوّضت أمري إليك» ، أي رددته إليك وجعلتك الحاكم فيه. وذلك بأن هيّأ له أسباب الحياة فجعله صحيحا سويّا قادرا على العمل ، وهداه إلى طريق العمل ، ويسّر له تحصيل ما يحتاج إليه فيما كان باختياره ، وجعل تحت يده الأرض والماء ، وعلّمه الحرث والسقي ، وسخّر له ما لم يكن تحت قدرته كالمطر وسائر الأسباب الكونية ، وبعد ذلك أمره بتحصيل المعاش : «فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَوةُ فَانتَشِرُواْ فِى الْأَرْضِ وَ ابْتَغُواْ مِن فَضْلِ اللَّهِ » . (1) وأمره بعد ذلك كلّه بالدعاء وطلب الرزق ، قال صلوات اللّه عليه : «جعل لكلّ روحٍ منهم قوتا معلوما مقسوما من رزقه ، لا ينقص من زاده ناقص ، ولا يزيد من نقص منهم زائد». (2) قال تعالى : «نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ رَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَ_تٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًَا سُخْرِيًّا وَ رَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ » ، وقال : «وَسْئلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ » . (3) والأحاديث والأدعية في طلب الرزق وسعته كثيرة ، وفي الدعاء : «واجعل أوسع رزقك عليّ إذا كبرت ، وأقوى قوّتك فيّ إذا نصبت» ، (4) «وتوّجني بالكفاية ... ولا تفتنّي بالسعة ، وامنحني حسن الدعة ، ولا تجعل عيشي كدّا كدّا ...». (5) يحمد اللّه تعالى على أن وكله إليه فأكرمه من ذلّ السؤال والحقارة وضيق المعاش والهوان عند الناس ، ولم يكله إلى الناس فيهينونه ويستخفّونه ، عدا هوان السؤال وذلّه .

.


1- . الجمعة : 10 .
2- . الصحيفة السجّادية : ص 23 ، من دعائه عليه السلام له إذا ابتدأ بالدعاء .
3- . النساء : 32 .
4- . الصحيفة السجّادية : ص 104 الدعاء 20 .
5- . الصحيفة السجّادية : ص 109 الدعاء 20 .

ص: 52

وَالحَمدُ للّه ِِ الَّذي تَحَبَّبَ إلَيَ وهُوَ غَنِيٌّ عَنّي «26 »وَالحَمدُ للّه ِِ الَّذي يَحلُمُ عَنّي حَتّى كَأَنّي لاذَنبَ لي«27 »فَرَبّي أحمَدُ شَيءٍ عِندي وأحَقُّ بِحَمدي«28 »

المحبّة : إرادة ما تراه أو تظنّه خيرا ، إمّا للذّة كمحبّة الرجل المرأة ، ومحبّة للنفع كمحبّة شيء ينتفع به ، ومحبّة للفضل كمحبّة أهل العلم بعضهم بعضا. (1) قيل : محبّة اللّه للعباد إنعامه عليهم وأن يوفّقهم لطاعته ويهديهم لدينه الذي ارتضاه ، وحبّ العباد للّه أن يطيعوه ولا يعصوه . وقيل : محبّة اللّه صفة من صفات فعله ، فهي إحسان مخصوص يليق بالعبد ، وأمّا محبّة العبد للّه تعالى فحالة يجدها في قلبه يحصل منها التعظيم له وإيثار رضاه. (2) «تحبّب» من التفعّل ، هو إظهار المحبّة بالإنعام والإكرام وتواتر النعم الجسام والتفضّل بالنعماء والآلاء من غير استحقاق ، بل مع استحقاق قطع النعم أو العقاب ؛ لأنّ التفعّل فيه إشعار بالكلفة . «وهو غنيّ عنّي» قال الراغب : «الغنيّ يقال على ضروب ، أحدها عدم الحاجات ، وليس ذلك إلّا للّه تعالى ، وهو المذكور في قوله : «وَ إِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِىُّ الْحَمِيدُ » (3) وهو تعالى غنيّ عن العالمين «وخلق الخلق غنيّا عن طاعتهم آمنا من معصيتهم» . (4) «وَالحَمدُ للّه ِِ الَّذي يَحلُمُ عَنّي حَتّى كَأَنّي لاذَنبَ لي» الحلم : ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب ، وجمعه أحلام ، (5) والحليم من أسمائه تعالى ؛ وهو الذي لا يستفزّه الغضب . (6) وحلم عنه ، أي صفح وستر ، ووصف بحلمه سبحانه عنه بقوله عليه السلام ؛ «كأنّي لا ذنب لي» في إفاضته المنعم عليه وإكرامه . هاتان الصفتان من الصفات الحسنة المحمودة في الإنسان أيضا ، فللمؤمن أن يحصّل هاتين الصفتين حتّى يكون متحبّبا إلى عباد اللّه مع غناه عنهم ، كما مرّ الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام ، وفي النبويّ صلى الله عليه و آله : «رأس العقل بعد الإيمان باللّه التحبّب إلى الناس» ، (7) إلّا فيما خالف أمر اللّه ونهيه ، وأن يحلم عن الناس ، كما عن الرضا عليه السلام : إذا كان دوني من بُليتُ بجهلأبيتُ لنفسي أن تقابل بالجهلِ وإن كان مثلي في محلّي من النُّهىأخذتُ بحلمي كي أُجَلَّ عن المِثلِ وإن كنت أدنى منه في الفضل والحِجَىعرفتُ له حقَّ التقدّمِ والفضلِ. (8) فللمؤمن أن يحلم عن الناس إلّا فيما رضى اللّه تعالى . «فربّي أحمد شيء عندي وأحقّ بحمدي» تقدّم الكلام في معنى الربّ . أحمد شيء ، حَمِدَ حَمدا ؛ أثنى عليه ، والفرق بين الحمد والشكر ، أنّ الشكر لا يكون إلّا ثناء ليد ، والحمد قد يكون شكرا للصنيعة ويكون ابتداءً للثناء . والمعنى : فبعد هذه الصفات والإنعامات ، ربّي أولى بالثناء أو الشكر عندي ، وأحقّ بحمدي . الحقيق : الخليق والجدير ، يقال : هو حقيق به وحقيق أن يفعل ، أي جدير ، فهو أحقّ بحمدي أي أجدر وأخلق بحمدي ، ويمكن أحقّ بمعنى أوجب من حقّ عليك ويحقّ عليك وحقّ لك ، أي وجب عليك ، وقال الإمام العلّامة الزمخشري : «تقول : أنا حقيق على قول الحقّ ، أي واجب عليّ قول الحقّ » . (9)

.


1- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 105 ، «حبب» .
2- . اُنظر : مجمع البحرين : ج 1 ص 440 ، في «حبب» ، فإنّ فيه فوائد جسيمة ، بحار الأنوار : ج 70 ص 13 .
3- . . الحجّ : 64 ، مفردات ألفاظ القرآن : ص 366 .
4- . نهج البلاغة : خطبة 193 .
5- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 129 .
6- . اُنظر : مجمع البحرين : ج 1 ص 565 ، ومفردات ألفاظ القرآن : وسوف يأتي الكلام حول هذه الصفة الحسنة إن شاء اللّه تعالى في النهاية والمجمع .
7- . الخصال : ص 15 ح 55 ، روضة الواعظين : ص 2 ، مشكاة الأنوار : ص 437 ، واُنظر : مستدرك سفينة البحار : في «حلم» .
8- . عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج 1 ص 187 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج 3 ص 480 ، واُنظر : بحار الأنوار : ج 71 ص 420 ، و ج 78 : ص 352 ، و ج 49 : ص 107 عن عيون أخبار الرضا عليه السلام ، واُنظر : مستدرك سفينة البحار : ج 2 ص381 ، وسوف يأتي الكلام فيه فانتظر .
9- . الكشاف : ج 2 ص 101 ، مجمع البيان : ج 4 ص 322 في تفسير سورة الأعراف الآية 105 .

ص: 53

. .

ص: 54

. .

ص: 55

اللّهُمَّ إنّي أجِدُ سُبُلَ المَطالِبِ إلَيكَ مُشرَعَةً «29 » ومَناهِلَ الرَّجاءِ إلَيكَ مُترَعَةً (1) «30 » وَالِاستِعانَةَ بِفَضلِكَ لِمَن أمَّلَكَ مُباحَةً «31 »وأبوابَ الدُّعاءِ إلَيكَ لِلصّارِخينَ مَفتوحَةً «32 »

«اللّهمّ» قيل معناه يا اللّه ، فأُبدل من الياء في أوّله الميمان في آخره ، وخُصّ بدعاء اللّه . وقيل : تقديره يا اللّه أمّنا بخير ، مركّب تركيب حيّهلاً . (2) السبيل : الطريق الذي فيه سهولة ، ويقال لسالكه سابل ، ويُستعمل السبيل لكلّ ما يُتوصّل إلى شيء خيرا كان أو شرّا ، كما أنّ الطريق هو السبيل الذي يُطرق بالأرجل ، أي يُضرب . كما أنّ السراط بالسين : الطريق المستسهل ، أصله من سرطت الطعام أي ابتلعته ، وبالصاد : الطريق المستقيم . في المفردات ، وفي مجمع البيان : السراط ؛ أي الطريق المستوي عن الاعوجاج ، والسراط لغةً في الصراط ، (3) وأتي جمعا باعتبار تعدّد المطالب. «مشرعة» بضمّ الميم وسكون الشين المعجمة وفتح الراء ؛ أي مفتوحة ، والمعنى ، يا اللّه ، كلّما أريد الوصول إلى بابك لحاجةٍ أجد سبل المطالب _ المطالب جمع مطلب يكون مصدرا أو اسم مكان ، أي موضع الطلب ، والظاهر هنا الأوّل _ أي طريق الطلب إلى بابك مفتوحة ، وذلك بسعة رحمته وكرمه لا يغلق بابه ولا يخيّب آمله ولا يردّ سائله ، كما في زيارة أمين اللّه : «وسبل الراغبين إليك شارعة ، وأعلام القاصدين إليك واضحة». (4) «ومناهل الرجاء» المنهل بالفتح : المورد ، وهو عين ماء ترده الإبل في المراعي ، وتسمّى المنازل الّتي في المفاوز على طريق السفّار مناهل ؛ لأنّ فيها ماء ، وما كان على غير الطريق لا يُسمّى منهلاً. (5) «ومناهل الرجاء إليك» (6) أي رجاء العبد السائر إليك له مناهل بعد منهل منك يرد عليها عطشانا ، ويصدر عنها ريّانا ، أو شبّه آمال الداعين الراحلين إليه تعالى بالمسافر في طريق سيره إليه سبحانه ، يرد على منهل حسب حوائجهم وآمالهم ، ويصدرون بالنيل إلى مقاصدهم ، والمناهل مترعة مملوءةً لا تنقص بشرب الواردين. يعني : إنّي أجد مناهل الرجاء إليك مملوءة ، فمن عمل عمل الراجي من التوبة عن السيّئات وإتيان الصالحات ، لنال ما أراد ولشمله فضلك ورحمتك الواسعة . «مترعة» أي مملوّة ، مِن أترع الإناء ملأ ، وأترعت الحوض إذا ملأته . «والاستعانة بفضلك لمن أمّلك مباحة» أي أجد الاستعانة بفضلك . «لمن أمّلك» ، أي رجاك من التفعيل ، لعلّ ذلك إشارة إلى رجائه وأنّه تعالى أباح الاستعانة بفضله . الأمل _ بالتحريك _ : الرجاء وهو ضدّ اليأس ، وطول الأمل مذموم كما يأتي في محلّه. «وأبواب الدّعاء إليك» الباب يقال لمدخل الشيء ، وأصل ذلك مداخل الأمكنه ، كباب المدينة والدار ، وجمعه أبواب ، ويُطلق على كلّ شيء يتوصّل به إلى غيره ، ومنه الحديث : «أنا مدينة العلم وعليّ بابها» ، (7) الإرشاد : ج 1 ص 33 ، الاختصاص : ص 238 ، الفصول المختارة : ص 135 ، الأمالي للطوسي : ص 559 ، الثاقب في المناقب : ص 120 ، الخرائج والجرائح : ج 2 ص 545 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج 1 ص 314 ، الصراط المستقيم : ج 1 ص 100 ، بحار الأنوار : ج 10 ص 145 . وأتى جمعا ؛ لتعدّده حسب الحوائج أو حسب الأسباب والوسائل لحاجةٍ واحدة . «للصارخين مفتوحة» الاستصراخ : الصياح باستعانة وجدّ وشدّة ، والصراخ : الصوت الشديد والاستغاثة ، والصارخ : المغيث ، والمستغيث ضدّ ، والمراد هنا الثاني ، يعني : وجدت أبواب الدعاء للصارخين مفتوحة.

.


1- . المناهل : جمع المنهل ؛ وهو المشرَب ، والموضع الذي فيه المشرَب . ومُترَعة من التَّرَع : الامتلاء (القاموس المحيط : ج 4 ص 61 ، و ج 3 ص 9) .
2- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 22 ، الإتقان في علوم القرآن : ج 1 ص 445 ، مجمع البيان : ج 2 ص 427 في تفسير قوله تعالى : «قُلِ اللَّهُمَّ مَ__لِكَ الْمُلْكِ» ، وكذا الكشّاف : وسائر التفاسير ، واُنظر : رياض السالكين : ج 1 ص 454 شرح الدعاء الأوّل .
3- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص230 مجمع البيان : ج1 ص 65 ، الكشّاف : ج 1 ص 67 في تفسير سورة الحمد .
4- . اُنظر : المصباح للكفعمي : ص 481.
5- . اُنظر : مجمع البحرين : ج 4 ص 381.
6- . في نسخة «لديك» .
7- . حديث مشهور ، اُنظر : الأمالي للصدوق : ص 425 ، تحف العقول : ص 430 ، الغارات : ج 1 ص 34 ، المناقب للكوفي : ج 2 ص 558 ، شرح الأخبار : ج 1 ص 89 ،

ص: 56

. .

ص: 57

وأعلَمُ أنَّكَ لِلرّاجينَ (1) بِمَوضِعِ إجابَةٍ«33 »ولِلمَلهوفينَ بِمَرصَدِ إغاثَةٍ «34 »وأنَّ فِي اللَّهفِ إلى جودِكَ وَالرِّضا بِقَضائِكَ عِوَضا مِن مَنعِ الباخِلينَ«35 »ومَندوحَةً (2) عَمّا في أيدِي المُستَأثِرينَ «36 »

«وأعلم أنّك للراجين» أي ، وأعلم أنّك لمن يرجوك ويأمل فضلك بموضع إجابة ، والباء للظرفيّة والرجاء يحثّ على العمل ، في الحديث عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «قلت : قوم يعملون بالمعاصي ويقولون نرجو ، فلا يزالون كذلك حتّى يأتيهم الموت ، فقال عليه السلام : هؤلاء قوم يترجّحون في الأمانيّ ، كذبوا ليسوا براجين ، إنّ من رجا شيئا طلبه ، ومن خاف من شيء هرب منه» . (3) وعن أمير المؤمنين عليه السلام : «يدّعي بزعمه أنّه يرجو اللّه ، كذب والعظيم ، ما باله لا يتبيّن رجاؤه في عمله؟ فكلّ من رجا عرف رجاؤه في عمل ، وكلّ رجاء إلّا رجاء اللّه تعالى فإنّه مدخول ، وكلّ خوف محقّق إلّا خوف اللّه فإنّه معلول يرجو اللّه في الكبير ، ويرجو العباد في الصغير ، فيعطي العبد ما لا يعطي الربّ» ، (4) وفي الكتاب الكريم : «إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَ_هَدُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ » ، (5) وقال عزّ وجلّ : «فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَ__لِحًا وَ لَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَا » . (6) «وللملهوفين بمرصد إغاثة» اللهف : الحزن والتحسّر ، والملهوف : الحزين ذهب له مال أو فُجع بحميم ، والمظلوم ينادي ويستغيث واللّاهف واللهفان يستغيث ويتحسّر ، والباء للظرفية. الرصد : الاستعداد للترقّب ، «إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ» تنبيها أنّه لا ملجأ ولا مهرب ، يعني أنّه عزّ شأنه مترصّد ومترقّب لإغاثة الملهوفين ، أي المظلومين أو المفجوعين ، لا يفوته شيء ، يسمع ويرى جميع أحوالهم وأفعالهم . أي اعلم أنّك في مرصد إغاثة للملهوفين. «وإنّ في اللّهف إلى جودك» يعني اعلم إنّ في اللّهف والاستغاثة إلى جودك ، «والرضا بقضائك ، عوضا من منع الباخلين» كأنّ الداعي مردّد بين أن يتضرّع إلى اللّه تعالى ويستغيث ، وبين أن يطلب من الباخلين المانعين ، ومن البديهي عند العقل أنّ الأوّل متعيّن . وعِوض _ كعِنب _ : البدل ، والبخل : إمساك المقتنيات عمّا لا يحلّ حبسها عنه ، يقابله الجود ، والبخل ضربان : بخل بقُنيات نفسه ، وبخل بقُنيات غيره. (7) في اللّهف إلى جوده والطلب منه مع الرضا بقضائه سبحانه ، وهو القنوع ، عزّ وجاه ، قال عليه السلام : «كفى بالقناعة ملكا وبحسن الخلق نعيما» ، (8) وسُئل عن قوله تعالى : «فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَوةً طَيِّبَةً » (9) فقال : «هي القناع» ، (10) وفي الدعاء : «فصلّ على محمّد وآله ، وسهلّ عليّ رزقي ، وأن تقنعني بتقديرك لي ، وأن ترضيني بحصّتي» ، (11) وفي آخر : «اللّهمّ إنّي أعوذ بك ... وقلّة القناعة» ، (12) وفي آخر «وأعذني من سوء الرغبة وهلع أهل الحرص ، وصوّر في قلبي مثال ما ادّخرت لي من ثوابك ... واجعل ذلك سببا لقناعتي بما قضيته وثقتي بما تخيّرت». (13) «ومندوحة عمّا في أيدي المستأثرين» المندوحة : السعة ، الاستئثار التفرّد بشيء من دون غيره ، يعني إنّ في اللّهف إلى اللّه تعالى والرضا بقضائه سعة عن طلب ما في أيدي الجامعين المدّخرين للأموال والحرص عليها.

.


1- . في المصدر : «للراجي» ، وما أثبتناه من المصادر الاُخرى ، إذ هو المناسب للسياق .
2- . مندوحة : أي سعةً وفسحةً (النهاية : ج 5 ص 35) .
3- . الكافي : ج 2 ص 68 ح 5 ، مشكاة الأنوار : ص 212 ، بحار الأنوار : ج 67 ص 357 .
4- . نهج البلاغة : الخطبة 160 ، مكارم الأخلاق : ص 8 ، بحار الأنوار : ج 67 ص 358 .
5- . البقرة : 218 .
6- . الكهف : 110.
7- . قُنيات : المدّخرات ، وقُنيات نفسه ، أي ما ادّخره لنفسه من قنا المال ، جمعه وكسبه واتّخذه منه لا للتجارة. اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 38 .
8- . نهج البلاغة : الحكمة 229 ، بحار الأنوار : ج 68 ص 345 .
9- . النحل : 97 .
10- . بحار الأنوار : ج 68 ص 345 .
11- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 3 .
12- . المصدر السابق : الدعاء 8 .
13- . المصدر السابق : الدعاء 14 .

ص: 58

. .

ص: 59

وإنَّ الرّاحِلَ إلَيكَ قَريبُ المَسافَةِ «37 »وأنَّكَ لا تَحتَجِبُ عَن خَلقِكَ إلّا أن تَحجِبَهُمُ الأَعمالُ (1) دونَكَ «38 »

الرّحل : ما يوضع على البعير المركوب ، ثمّ يعبّر به تارةً عن البعير ، وتارةً عمّا يُجلس عليه في المنزل ، وجمعه رحال ، والراحلة الناقة الّتي تصلح لئن ترحل ، رحل عن البلد : تركه ، رحل إلى موضعٍ : انتقل إليه. يعني من يسير إليك قريب المسافة لا يحتاج إلى قطع الطريق والسير في البراري والبحار ، فمن يريد الرحلة إليه يدعوه ويناجيه ، قال سبحانه : «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ » ، (2) وقال عزّ وجلّ : «وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ » ، (3) وقال تعالى : «أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ » ، (4) وقال سبحانه : «وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَ لَ_كِن لَا تُبْصِرُونَ » . (5) قال الاُستاذ العلّامة في الميزان : «الحيلولة ، هي التخلّل وسطا ، والقلب العضو المعروف ، ويُستعمل كثيرا في القرآن الكريم في الأمر الذي يدرك به الإنسان ، ويظهر به أحكام عواطفه الباطنة ، كالحبّ والبغض ، والخوف والرجاء ، والتمنّي والقلق ، ونحو ذلك ... والإنسان كسائر ما أبدعه اللّه من الأنواع الّتي هي أبعاض عالم الخلقة مركّب من أجزاءٍ شتّى ، مجهّز بقوى وأدوات تابعة لوجوده ، يملكها ويستخدمها في مقاصد وجوده ، والجميع مربوطة به ربطا يجعل شتات الأجزاء والأبعاض على كثرتها وتفاريق القوى والأدوات على تعدّدها ، واحدا تامّا يفعل ويترك ، ويتحرّك ويسكن بوحدته وفردانيّته. غير أنّ اللّه سبحانه لمّا كان هو المبدع للإنسان وهو الموجد لكلّ واحد واحد من أجزاء وجوده وتفاريق قواه وأدواته ، كان الذي يحيط به وبكلّ واحدٍ من أجزاء وجوده وتوابعه ، ويملك كلّاً منها بحقيقة معنى الملك ، يتصرّف فيه كيف يشاء ، ويملّك الإنسان ما شاء منها كيف شاء ، فهو المتوسّط الحائل بين الإنسان وبين كلّ جزء من أجزاء وجوده ، وكلّ تابع من توابع شخصه ؛ بينه وبين قلبه ، بينه وبين سمعه ، بينه وبين بصره ، بينه وبين بدنه ، بينه وبين نفسه ، يتصرّف فيها بإيجادها ، ويتصرّف فيها بتمليك الإنسان ما شاء منها كيف شاء ، وإعطائه ما أعطى ، وحرمانه ما حرم ...». (6) فإذا كان العبد عاصيا وطاغيا فتاب وأصلح صار قريبا ، وكلّ ما كان أتقى وأعرف زاد قربه. «وأنّك لا تحتجب عن خلقك» كما يحتجب الملوك والأُمراء ، والحَجْب والحجاب : المنع من الوصول (وبينهما حجاب) ليس يعني به ما يحجب البصر ، وإنّما يعني ما يمنع الوصول لذّة أهل الجنّة إلى أهل النار. (7) «إلّا أن تحجبهم الأعمال دونك» إذ ممّا لا ريب فيه أنّ للأعمال آثارا إن خيرا فخيرٌ وإن شرّا فشرٌّ ، (8) ينطق بذلك القرآن الكريم والأحاديث الكثيرة ، قال سبحانه وتعالى : «ثُمَّ كَانَ عَ_قِبَةَ الَّذِينَ أَسَ_ئواْ السُّوأَى أَن كَذَّبُواْ بِئايَ_تِ اللَّهِ وَ كَانُواْ بِهَا يَسْتَهْزِءُونَ » ، (9) وقال : «فَلَمَّا زَاغُواْ أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ » ، (10) وقال تعالى : «كَلَا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ » (11) والزيغ : الميل عن الاستقامة ، والرّين : صدأ يعلو الشيء الجلي ، وفي الحديث عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «كان أبي يقول : ما من شيء أفسد للقلب من خطيئة ، إنّ القلب ليوقع الخطيئة فما تزال به حتّى يغلب عليه فيصير أعلاه أسفله» ، (12) وعنه عليه السلام «إذا أذنب الرجل خرج في قلبه نكتة سوداء ، فإن تاب انمحت ، وإن زاد زادت حتّى تغلب على قلبه ، فلا يفلح بعده أبدا» ، (13) وعن أبي جعفر عليه السلام : «إنّ العبد يسأل اللّه الحاجة ، فيكون من شأنه قضاؤها إلى أجلٍ قريب أو إلى وقتٍ بطيء ، فيذنب العبد ذنبا ، فيقول اللّه تبارك وتعالى للملك : لا تقض ِ حاجته واحرمه إيّاها ، فإنّه تعرّض لسخطي واستوجب الحرمان منّي». (14)

.


1- . في الإقبال : «الأعمال السيئة» .
2- . البقرة : 18.
3- . ق : 16.
4- . الأنفال : 24 .
5- . الواقعة : 85 .
6- . الميزان في تفسير القرآن : ج 9 ص 46 _ 47.
7- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 108.
8- . اُنظر : الميزان في تفسير القرآن : ج 2 ، ص 180 ، بحار الأنوار : ج 3 ص 15 وما بعدها .
9- . الروم : 10.
10- . الصفّ : 5 .
11- . المطفّفين : 14 .
12- . الكافي : ج 2 ص 268 ، الأمالي للصدوق : ص 481 ، روضة الواعظين : ص 414 ، الأمالي للطوسي : ص 438 ، مشكاة الأنوار : ص 445 .
13- . الكافي : ج 2 ص 271 ، عنه بحار الأنوار : ج 73 ص 327 .
14- . الكافي : ج 2 ص 275 ، بحار الأنوار : ج 73 ص 329.

ص: 60

. .

ص: 61

وقَد قَصَدتُ إلَيكَ بِطَلِبَتي«39 »وتَوَجَّهتُ إلَيكَ بِحاجَتي «40 »وجَعَلتُ بِكَ استِغاثَتي«41 »وبِدُعائِكَ تَوَسُّلي«42 » مِن غَيرِ استِحقاقٍ لِاستِماعِكَ مِنّي«43 »ولَا استيجابٍ لِعَفوِكَ عَنّي «44 » بَل لِثِقَتي بِكَرَمِكَ«45 »وسُكوني إلى صِدقِ وَعدِكَ«46 »ولَجَئي إلَى الإِيمانِ بِتَوحيدِكَ «47 »ويَقيني (1) بِمَعرِفَتِكَ مِنّي ألّا رَبَّ لي غَيرُكَ «48 » ولا إلهَ إلّا أنتَ وَحدَكَ لا شَريكَ لَكَ«49 »

قصد له وإليه : اعتزم عليه وتوجّه إليه ، وقصد إليه : اعتمده ، والطَلِبة بفتحٍ فكسر : ما يُطلب ، ما طلبته من شيء ، وبكسر الطاء : النوع والاسم من المطالبة وما يطلب . والمعنى توجّهت إليك بما أطلبه وأسأله ، والباء للسببيّة أو المعيّة. «وتوجّهت إليك بحاجتي» أصل الوجه الجارحة ، استُعمل في مستقبل كلّ شيء ، وفي أشرفه ومبدئه ، يقال : واجهت فلانا ؛ جعلت وجهي تلقاء وجهه . يعني : أقبلت إليك بحاجتي أبغي قضاءها ونجاحها. «وجعلت بك استغاثتي» أي قصّرت استغاثتي بك ، وجعلت استغاثتي مصاحبا أو ملاصقا وملازما بك لا بغيرك ، كأن يقول : واغوثاه ، يريد به الاستغاثة منه تعالى ، أو يصرّح ويقول : واغوثاه يا اللّه . «وبدعائك توسّلي» أي جعلت وسيلتي إليك دعاءك ، ليس لي وسيلة إليك غير الدعاء ، الوسيلة : التوصّل إلى الشيء برغبة ، وهي أخصّ من الوصيلة ؛ لتضمّنها معنى الرغبة ، قال تعالى : «وَابْتَغُواْ إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ » ، (2) أي ما يُتقرّب به إليه ، فاستعيرت لما يتوسّل به إلى اللّه تعالى من فعل الطاعات وترك المعاصي ، (3) والوسيلة القربة. «من غير استحقاقٍ لاستماعك منّي» الاستحقاق : الاستيجاب . الاستماع : الإصغاء ، ويعبّر تارةً بالسمع عن الفهم ، وتارةً بالطاعة ، تقول : اسمع ما أقول لك ولم تسمع ما قلت . يعني أدعوك وأجعل دعاءك وسيلة للقبول مع عدم استحقاقٍ لقبولك منّي ، بل تفضّلاً منك. «ولا استيجابٍ لعفوك عنّي» الوجوب : الثبوت واللزوم ، وأوجبه اللّه واستوجبه : استحقّه . «بل لثقتي بكرمك» وثق به يثق ثقةً : ائتمنه ، وثق الأمر ؛ أي أحكمه . أي قصدتك بحاجتي وتوجّهت إليك وقصّرت استغاثتي بك ، وجعلت دعائي إيّاك وسيلةً لثقتي واطمئناني بكرمك . قال الراغب : «الكرم إذا وُصِف اللّه تعالى به فهو اسم لإحسانه وإنعامه المتظاهر ، وإذا وُصِف به الإنسان فهو اسم للأخلاق والأفعال المحمودة الّتي تظهر منه» . (4) وفي الحديث عن الحسن بن علي عليهماالسلام في جواب السائل : ما الكرم؟ قال : «الابتداء بالعطية قبل المسألة ، وإطعام الطعام في المحلّ» . (5) «وسكوني إلى صدق وعدك» السكون : قال الراغب : «ثبوت شيء بعد تحرّك» . (6) أي ولسكون قلبي واطمئناني إلى صدق وعدك _ من دون اضطراب وتزلزل _ بقبول الدعاء بقوله تعالى : «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ » . (7) «ولجأي إلى الإيمان بتوحيدك» قال في المصباح : «لجأ إلى الحصن وغيره لجأً ، مهموز ، من بابي نفع وتعب ، والتجأ إليه : اعتصم به» ، قال تعالى : «لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئا » ، (8) قال الطبرسي رحمه الله : «والملجأ : الموضع الذي يتحصّن فيه ، ومثله المعقل ، والموئل ، والمعتصم ، والمعتمد» . (9) أي إنّ قصدي إيّاك لثقتي بكرمك وسكوني إلى صدق وعدك ، وللجأي إلى الإيمان _ يعني إيماني _ بتوحيدك واعتقادي بأن لا إله إلّا أنت ، فتحصّنت بالإيمان بالتوحيد ، وفي حديث سلسلة الذهب : «كلمة لا إله إلّا اللّه حصني ، فمن دخل حصني أمن من عذابي» ، (10) وفي الدعاء : «ووسيلتي إليك التوحيد ، وذريعتي أنّي لم أشرك بك شيئا ولم أتّخذ معك إلها» . (11) «وثقتي بمعرفتك منّي ألّا ربّ لي غيرك ، ولا إله إلّا أنت وحدك لا شريك» ؛ أي ولثقتي بمعرفتك منّي أنّي أعتقد و أُومن أن لا ربّ (12) لي غيرك ، ولا إله إلّا أنت وحدك لا شريك لك. أقول : وكأنّ هذه الجملات إشارة إلى شرائط قبول الدعاء : الانقطاع إلى اللّه تعالى ، وحسن الظنّ به سبحانه ، والمعرفة بعيوب النفس ، والاعتراف بالتقصير . ولا بأس أن نشير هنا إلى بعض ما ينبغي حصوله في الداعي والدعاء . 1 _ أن يكون الداعي متضرّعا متخشّعا ، قال تعالى : «ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً » ، (13) أي متذلّلاً وفي خفية سرّا ؛ ليكون أقرب إلى الإخلاص. 2 _ أن يكون الداعي بين الرجاء والخوف ، قال سبحانه : «وَاذْكُر رَّبَّكَ فِى نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً » ، (14) أي متذلّلاً خائفا. 3 _ ألّا يكون الداعي ساهيا ، بل يكون مقبلاً إليه عزّ وجلّ بقلبه ، إنّ اللّه لا يستجيب دعاءً بظهر قلب ساه. 4 _ أن يكون الداعي باكيا أو متباكيا ، إنّ اللّه لا يستجيب دعاءً بظهر قلبٍ قاس . 5 _ أن يكون الداعي عالما بأنّ اللّه تعالى هو الذي يضرّ وينفع. 6 _ إذا دعوت فظنّ حاجتك بالباب ، ثقةً بكرمه وصدق وعده. 7 _ أن يكون خائفا مشفقا وجلاً معفّرا وجهه في التراب وساجدا بمكارم بدنه. 8 _ أن يبدأ بالصلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله ويختم بها . 9 _ أن يختم بذكر «ما شاء اللّه لا قوّة الّا باللّه ». 10 _ أن يبتدأ في الدعاء بمدح اللّه تعالى وثنائه. 11 _ أن يرفع يديه إلى السماء كما يستطعم المسكين. 12 _ لا يُردّ دعاء أوّله : بسم اللّه الرحمن الرحيم. 13 _ أن يكون آيسا عمّا في أيدي الناس ، ولا يكون له رجاء إلّا من عند اللّه تعالى. 14 _ أن ينظّف بطنه من الحرام. 15 _ أن يُسمّي حاجته . 16 _ أن يعمّ بالدعاء ويقدّم الإخوان. 17 _ وأن يصوم للّه تعالى. إلى غير ذلك ممّا جمعها العلّامة المحقّق المجلسي رحمه الله في بحار الأنوار . (15)

.


1- . في المصدر : «ثقتي» ، وما أثبتناه فهو من المصادر الأُخرى .
2- . المائدة : 35 .
3- . الكشّاف : ج 1 ص 610 .
4- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 428 .
5- . تحف العقول : ص 225 ، بحار الأنوار : ج 75 ص 102 .
6- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 236.
7- . البقرة : 168 ، وقد تقدّم الكلام فيه فراجع .
8- . التوبة : 57 .
9- . مجمع البيان : ج 5 ص 71.
10- . ذكرنا مصادره في مكاتيب الرضا عليه السلام ، راجع : بحار الأنوار : ج 3 ص 6 ح 7 _ 15.
11- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 49 .
12- . تقدّم معنى الرّبّ : ص 5 .
13- . الأعراف : 55.
14- . الأعراف : 205.
15- . اُنظر : بحار الأنوار : ج 93 ، ص 305.

ص: 62

. .

ص: 63

. .

ص: 64

. .

ص: 65

اللّهُمَّ أنتَ القائِلُ وقَولُكَ حَقٌّ ووَعدُكَ صِدقٌ«50 » «وَسْئلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ » ، (1) «إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (2) » ، (3) ولَيسَ مِن صِفاتِكَ يا سَيِّدي أن تَأمُرَ بِالسُّؤالِ وتَمنَعَ العَطِيَّةَ «52 » وأنتَ المَنّانُ بِالعَطِيّاتِ عَلى أهلِ مَملَكَتِكَ«53 »وَالعائِدُ عَلَيهِم بِتَحَنُّنِ رَأفَتِكَ «54 »

«اللّهمّ» يا اللّه ، «أنت القائل» في القرآن المجيد ، «وقولك حقّ» حيث تأمر بالسؤال عنك وتنهى عن تمنّي ما فضّلت بعضا بقوله سبحانه : «وَلَا تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَىْ ءٍ عَلِيمًا » . (4) أي لا تتمنّوا ما فضّل اللّه به بعضكم من النعم الدنيوية كالمال والأولاد والجاه ، فلعلّ عدمه خير لكم ، كما قال عزّ شأنه : «عَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ » . (5) وقيل : المراد نصيب الميراث وتفضيل الورثة بعضهم على بعض ، وهو خلاف ظاهر الآية ، «والمقتضي للمنع كونه ذريعه إلى التحاسد والتعادي معربة عن عدم الرضا بما قسم اللّه له ، وأنّه تشهٍّ لحصول الشيء له من غير طلب ، وهو مذموم ؛ لأنّ تمنّي ما لم يُقدّر له معارضة لحكم القدر ، وتمنّي ما قُدّر له بكسب بطالة وتضييع حظّ ، وتمنّي ما قُدّر له بغير كسب ضائع ومحال» ، «لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ » ، (6) فاطلبوا الفضل من اللّه تعالى بالعمل لا بالتحاسد والتمنّي . «واسألوا اللّه من فضله» أي لا تتمنّوا ما للناس ، بل اسألوا اللّه من فضله من خزائنه الّتي لاتنفذ ، وهو يدلّ على أنّ المنهيّ هو الحسد أو الطمع فيما في أيدي الناس . (7) وقال الأُستاذ العلّامة الطباطبائي قدس سرهم : و«ظاهر الآية أنّها مسوقة للنهي عن تمنّي فضل وزيادة موجودة ثابتة بين الناس ، وأنّه ناشىٍ عن تلبّس بعض طائفتي الرجال والنساء بهذا الفضل ، وأنّه ينبغي الإعراض عن التعلّق بمن له الفضل والتعلّق باللّه بالسؤال من الفضل الذي عنده تعالى . وبهذا يتعيّن أنّ المراد بالفضل هو المزيّة الّتي رزقها اللّه تعالى كلّاً من طائفتي الرجال والنساء بتشريع الأحكام الّتي شرّعت في خصوص ما يتعلّق بالطائفتين كلتيهما ، كمزيّة الرجال على النساء في عدد الزوجات وزيادة السهم في الميراث ، ومزيّة النساء على الرجال في وجوب جعل المهر لهنّ ووجوب نفقتهنّ على الرجال ...» . (8) وقد أبهم الفضل الذي يجب أن يسأل منه بدخول لفظة «من» عليه . وفيه من الفائدة : أوّلاً : التعليم بأدب الدعاء ، والمسألة من جنابه تعالى ، فإنّ الأليق بالإنسان المبنيّ على الجهل بما ينفعه ويضرّه _ بحسب الواقع _ إذا سأل ربّه العالم بحقيقة ما ينفع خلقه وما يضرّهم القادر على كلّ شيء وأن يسأله الخير فيما تتوق نفسه إليه ، ولا يطنب في تشخيص ما يسأله منه ، وتعيين الطريق إلى وصوله ، فكثيرا ما رأينا من كانت تتوق نفسه إلى حاجةٍ من الحوائج الخاصّة ، كمالٍ أو ولدٍ أوجاهٍ ومنزلةٍ أو صحّةٍ وعافية ، وكان يلحّ في الدعاء والمسألة لأجلها لايريد سواها ، ثمّ لمّا استجيب دعاؤه وأُعطي مسألته ، كان في ذلك هلاكه وخيبة سعيه في الحياة. وثانيا : الإشارة إلى أن يكون المسؤول ، ما لايبطل به الحكمة الإلهيّة في هذا الفضل الذي قرّره اللّه تعالى بتشريعٍ أو تكوين ... (9) . «وليس من صفاتك» قال الراغب : «الوصف ذكر الشيء بحلّيته ونعته ، والصفة الحالة الّتي عليها الشيء من حلّيته ونعته» ، (10) قال في المجمع : « النعت لايقال في القبيح ، والوصف يقال في الحسن والقبيح» ، (11) وقال : «الصفة كالعلم والسواد ... ويقال : الصفة إنّما هي الحال المنتقلة ، والنعت ما كان في خُلق أوخَلق». (12) «يا سيّدي أن تأمر بالسؤال» أي طلب الحوائج منه تعالى . «وتمنع العطية» العطو : التناول ، والمعاطاة المناولة ، والإعطاء الإنالة ، واختصّ العطاء والعطية بالصلة . (13) وذلك لأنّ الأمر به إيحاء إلى الوعد بالإجابة والإعطاء ، واللّه سبحانه يستحيل أن يخالف وعده ، لاسيّما بعد أمره بالسؤال. «وأنت المنّان بالعطيّات» الجملة حالية للتأكيد على امتناع ردّه سبحانه سؤال عبده ، والمنّان من أسمائه تعالى. قال الراغب : «والمنّة : النعمة الثقيلة ، ويقال ذلك على وجهين : أحدهما : أن يكون ذلك بالفعل ، فيقال منّ فلان على فلان إذا أثقله بالنعمة ، وعلى ذلك قوله : «لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ » ، (14) وذلك على الحقيقه لايكون إلّا للّه تعالى . والثاني : أن يكون ذلك بالقول ، وذلك مستقبح فيما بين الناس ، إلّا عند كفران النعمة...» (15) وقال سبحانه : «لَا تُبْطِ_لُواْ صَدَقَ_تِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَى » . (16) وفي الحديث : «سُئل علي عليه السلام عن الحنّان والمنّان ، فقال : الحنّان هو الذي يقبل على من أعرض عن ، والمنّان هو الذي يبدأ بالنوافل قبل السؤال» . (17) والمراد كونه تعالى كثير العطاء ابتداءً ، من منّ عليه منّا أي أنعم عليه من غير تعب ولانصب ، وعن الكلّيات : «المنّ ما يمنّ اللّه به ممّا لاتعب فيه ولانصب ، فهو المنّ ، فاللّه سبحانه هو المبتدئ بالنعم على عباده وأهل مملكته ، فكيف يمكن أن يمنع العطيّة بعد السؤال ويخلف الرجاء بعد الوعد ؟» . (18) «على أهل مملكتك» أهل الرجل من يجمعه وإيّاهم النسب أوالدين أو ما يجري مجراهما ، من صناعة وبيت وبلد وضيعة ، فأهل الرجل في الأصل من يجمعه وإيّاهم مسكن واحد ، ثمّ تجوّز به فقيل : أهل بيت الرجل لمن يجمعه وإيّاهم نسب ، وأهل الإسلام من يجمعهم . (19) المملكة : سلطان الملك وبقاعه الّتي يتملّكها . «والعائد عليهم» أي المتفضّل عليهم ، وفي الدعاء : «عدت عليهم برحمتك» ، (20) و«عد على سيّئاتي بعفوك» ، (21) و«عد عليّ بعائدة رحمتك» ، (22) قال السيّد : «وعاد علينا بمعروفه يعود عودا ، من باب قال : تفضّل وتعطّف ، والاسم العائدة ، تقول : ما أكثر عائدة فلان على قومه ، وأنّه لكثير العوائد عليهم ؛ أي كثير الإفضال والتعطّف» . (23) انتهى . «بتحنّن رأفتك» التحنّن : الترحيم ، وتحنّن عليهم ترحّم وتعطّف ، العرب تقول : حنانيك يا ربّ ، أي ارحمني رحمة بعد رحمة ، وهو كلبّيك ، «وَ حَنَانًا مِّن لَّدُنَّا » ، (24) أي رحمة ، والحنّان مشدّدا من أسمائه تعالى ، أي ذو الرحمة ، وحنان بالتخفيف الرحمة . الرأفة : من رأف اللّه بك رأفة ، أي رحم أشدّ الرحمة ، وقال الراغب : «الرأفة : الرحمة» ، (25) وقال ابن الأثير : «الرّأفة : أرقّ من الرحمة ، ولاتكاد تقع في الكراهة ، والرحمة قد تقع في الكراهة للمصلحة» . (26) تذكرة : إنّ قوله عليه السلام «واسألوا اللّه من فضله ، إنّ اللّه كان بكم رحيما» ، الظاهر أنّ هذه الجملة اشتباه من الناسخ ؛ لأنّ الجملة الأُولى من الآية 32 وذيلها : «إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَىْ ءٍ عَلِيمًا » ، والجملة الثانية من الآية 29 ، ويحتمل أن يكون من فعل الإمام عليه السلام . جمع بينهما لإفادة مهمّين ، أحدهما : أمره تعالى بالسؤال ، وثانيهما : تأكيده بأنّه رحيم على عباده.

.


1- . النساء : 32.
2- . إشارة إلى قوله تعالى : « وَسْئلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَىْ ءٍ عَلِيمًا » (النساء : 32) .
3- . النساء : 29.
4- . النساء : 32.
5- . البقرة : 216.
6- . النساء : 32.
7- . ذكره في المجمع ، وذكر في تطبيق الآية الكريمة وجوها ، اُنظر : تفسير البيضاوي : ج 2 ، ص 180 ، اُنظر : الكشّاف و الميزان في تفسير القرآن فإنّه قدس سره جمع بين القوسين .
8- . أسقطنا كلاما طويلاً مع اشتماله على الفوائد ؛ خوف الإطالة .
9- . اُنظر : الميزان في تفسير القرآن : ج 4 ص 357 _ 360.
10- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 525 .
11- . اُنظر : مجمع البحرين : ج 4 ص 333 ، النهاية : ج 5 ص 79 .
12- . مجمع البحرين : ج 4 ص 508 .
13- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 338 .
14- . آل عمران : 164.
15- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 474 .
16- . البقرة : 264.
17- . أحكام القرآن لابن عربي : ج 4 ص 110 ، تفسير القرطبي : ج 16 ص 94 ، تاريخ بغداد : ج 11 ص 33 ، ميزان الاعتدال : ج 2 ص 626 ، لسان الميزان : ج 4 ص 27 ، البداية والنهاية : ج 12 ص 46 .
18- . اُنظر : مجمع البحرين في «حنن» و«منن» ؛ أقرب الموارد ، بحار الأنوار : ج 4 ص 203 ، مجمع البيان : ج 2 ص 531 . وفي العين والنهاية : هو الإحسان إلى من لا يستثيبه ، واُنظر : رياض السالكين : ج 2 ص 296 في شرح الدعاء السادس .
19- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 29 ؛ بحار الأنوار ، ج 70 ص 66 .
20- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 48.
21- . المصدر السابق : الدعاء 31 .
22- . المصدر السابق : الدعاء 32.
23- . رياض السالكين : ج 4 ص 457.
24- . مريم : 13 .
25- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 208 .
26- . النهاية : ج 2 ص 176 ، مجمع البحرين : ج 2 ص 113 .

ص: 66

. .

ص: 67

. .

ص: 68

. .

ص: 69

إلهي رَبَّيتَني في نِعَمِكَ وإحسانِكَ صَغيرا«55 » ونَوَّهتَ بِاسمي كَبيرا «56 »فَيا مَن رَبّاني فِي الدُّنيا بِإِحسانِهِ وتَفَضُّلِهِ ونِعَمِهِ «57 »وأشارَ لي فِي الآخِرَةِ إلى عَفوِهِ وكَرَمِهِ «58 » مَعرِفَتي يا مَولايَ دَلَّتني (دَليلي) عَلَيكَ «59 »وحُبّي لَكَ شَفيعي إلَيكَ «60 »

«إلهي ربّيتني» مرّ الكلام في معنى الإله ، ومرّ الكلام في معنى الربّ ، واللّه سبحانه وتعالى يربّي مخلوقاته حتّى يوصله إلى كماله ، قال سبحانه : «قَالَ رَبُّنَا الَّذِى أَعْطَى كُلَّ شَىْ ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى » ، (1) يربّيه شيئا فشيئا حالاً فحالاً إلى حدّ التمام ، فهو سبحانه يربّي الإنسان ، كما قال الحسين عليه السلام : «اللّهمّ إنّي أرغب إليك ، وأشهد بالرّبوبية لك ، مقرّا بأنّك ربّي ، وأنّ إليك مردّي ، ابتدأتني بنعمتك قبل أن أكون شيئا مذكورا ، وخلقتني من التراب ، ثمّ أسكنتني الأصلاب ، آمنا الريب المنون...» . (2) «ونوّهت باسمي كبيرا» نوّه فلان بفلان ؛ إذا رفعه وطيّر به وقوّاه ، نوّه به تنويها : دعاه برفع الصوت ، ونوّه به : رفع ذكره ومدحه وعظّمه ، أي رفعت ذكر اسمي في كبري وشهّرته وعظّمته عند الناس. الإنسان يحتاج في صغره مع ضعفه وعدم الحيلة له إلى تربيته وتغذيته ، كما ذكره الحسين عليه السلام في دعاء عرفة... «فابتدعت خلقي من منيٍّ يُمنى ، وأسكنتني في ظلماتٍ ثلاث... ثمّ أخرجتني للّذي سبق لي من الهدى إلى الدنيا تامّا سويّا ، وحفظتني في المهد طفلاً صبيّا ، ورزقتني من الغذاء لبنا مرّيا ، وعطفت عليّ قلوب الحواضن ، وكفّلتني الأُمّهات الرّواحم ، وكلأتني من طوارق الجانّ ، وسلّمتني من الزيادة والنقصان...» . فاللّه سبحانه هيّأ له حال كونه ذرّةً غير مرئيةٍ ودما ونطفةً وعلقةً ومضغةً وجنينا ووليدا ورضيعا ويافعا ، كلّ ما يحتاج إليه في رحم أُمّه وأيّام رضاعه ، أكمله وهداه ، وألهمه في فطرته جوعه وعطشه ، وإظهارهما بالبكاء والأنين ، وأخذ الثدي ومصّه ، وإخراج اللّبن وازدراده ، وجلب النفع ودفع الضرّ ، ثمّ هداه بعقله إلى الحسن والقبيح ، ومعرفة الخالق ووجوب شكره ، وما ينبغي وما لاينبغي. ثمّ رفع ذكره بعد كبره ، وعظّم جاهه وأكرمه ، كما قال أميرالمؤمنين صلوات اللّه عليه : «وكم من ثناءٍ جميلٍ لست أهلاً له نشرت» . (3) ومن نعمه تعالى على عبده : حسن الذكر بين الناس ، كما قال لنبيّه صلى الله عليه و آله : «وَ رَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ » ، (4) وقال إبراهيم عليه السلام : «وَ اجْعَل لِّى لِسَانَ صِدْقٍ فِى الْأَخِرِينَ » ، (5) وقال تعالى : «وَ تَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى الْأَخِرِينَ » ، (6) وفي الحديث : «ألا وإنّ اللّسان الصالح يجعله اللّه للمرء في الناس ، خيرله من المال يورثه من لايحمده» ، (7) و«ولسان الصدق للمرء يجعله اللّه في الناس ، خيرا من المال يأكله ويرثه» . (8) فهل هذا الربّ المنّان الكريم المبتدئ بالنعم في صغر عبده وكبره يقطع عنه نعمه وآلائه ويخيّب آماله ورجاءه؟ كلّا حاشاه من ذلك ، ما هكذا الظنّ به ولا المعروف من فضله. استشفع الإمام عليه السلام إليه سبحانه بما سبق منه تعالى من فضله وإنعامه ، فيقول : «فيا من ربّاني في الدنيا بإحسانه وفضل (تفضّله) ونعمه ، وأشار لي في الآخرة إلى عفوه وكرمه» ، تفضّل علّي في دوام إحسانك وفضلك ونعمك . «معرفتي» بفضلك وكرمك «دلّتني عليك ، و حبّي لك شفيعي إليك» أي الذي يشفع لي عندك هو أنّي أُحبّك. اعلم ، إنّ من الفرائض القلبيّة والواجبات الجوانحيّة حبّ اللّه تعالى ، قال عزّ شأنه : «وَ مِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ » ، (9) و «قُلْ إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَ نُكُمْ وَأَزْوَ جُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَ لٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَ_رَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَ_كِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِى سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِىَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الْفَ_سِقِينَ » . (10) وكذلك حبّ أولياء اللّه وبغض أعدائه ، وفي الحديث : «أوثق عرى الإيمان الحبّ في اللّه والبغض في اللّه » ، (11) و«أربع من كنّ فيه استكمل الإيمان : من أعطى للّه ، ومنع في اللّه ، وأحبّ في اللّه ، وأبغض فيه» ، (12) و«لايؤمن عبد حتّى أكون أحبّ إليه من نفسه ، ويكون عترته أحبّ إليه من عترتي ، ويكون أهلي أحبّ إليه من أهله ، ويكون ذاتي أحبّ إليه من ذاته» ، (13) و«المرء مع من أحبّ» . (14) والأحاديث في حبّ اللّه تعالى وحبّ أنبيائه وأوليائه لاسيّما في حبّ أميرالمؤمنين عليه السلام أنّ حبّه إيمان وبغضه كفر ونفاق ، كثيرة . (15) ومن الناس كلّهم». ولكنّ الكلام في أنّ الحبّ يتعلّق به تعالى أو بطاعته وأوليائه عليهم السلام ؟ قال الأُستاذ العلّامة الطباطبائي (رضوان اللّه تعالى) في الميزان : «وفي الآية : «وَ مِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا » دليل على أنّ الحبّ يتعلّق باللّه تعالي حقيقةً ، خلافا لمن قال : إنّ الحبّ وهو وصف شهواني يتعلّق بالأجسام والجسمانيات ، ولايتعلّق به سبحانه حقيقة ، وأنّ معنى ماورد من الحبّ له الإطاعة بالائتمار بالأمر والانتهاء عن النهي تجوّزا ، كقوله تعالى : «قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ » ، (16) والآية حجّة عليهم ، فإنّ قوله تعالى : «أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ » يدلّ على أنّ حبّه تعالى يقبل الاشتداد ، وهو في المؤمنين أشدّ منه في المتّخذين للّه أندادا ، ولو كان المراد بالحبّ هو الإطاعة مجازا كان المعنى : والّذين آمنوا أطوع للّه ، ولم يستقم معنى التفضيل ؛ لأنّ طاعة غيرهم ليست بطاعة عند اللّه سبحانه ، فالمراد بالحبّ معناه الحقيقي. ويدلّ عليه أيضا قوله تعالى : «قُلْ إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَ نُكُمْ وَأَزْوَ جُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَ لٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَ_رَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَ_كِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ » (17) فإنّه ظاهر في أنّ الحبّ المتعلّق باللّه ، والحبّ المتعلّق برسوله ، والحبّ المتعلق بالآباء والأبناء والأموال ، وغيرها جميعا من سنخ واحد ؛ لمكان قوله : أحبّ إليكم ، وأفعل التفضيل يقتضي اشتراك المفضّل والمفضّل عليه في أصل المعنى واختلافهما من حيث الزيادة والنقصان» . (18) ويمكن أن يقال : إنّ الإنسان يتعلّق حبّه بنفسه ، وبما ينفعه ويلتذّ منه ، كزوجته لشهوته ، ويحبّ الغذاء لرفع حاجته الغذائية ، ويحبّ كلّ ما يتعلّق به كماله وجاهه ووطنه وعشيرته وآبائه وأبنائه ، ويحبّ مايراه كمالاً لنفسه ، ولكنّه يحبّ أشياء ليست بمادّية وليست له ، بل يحبّه ويتمنّاه لنفسه ، كالشجاعة والسخاوة والعلم وكلّ الصفات العليا ، واللّه سبحانه كلّ الكمال وكلّ الجمال وله الأسماء الحسنى ، فلا إشكال في أن يحبّ اللّه سبحانه ، ويكون حبّه له تعالى أشدّ الحبّ ، بحيث يفدي في قربه والوصول إليه كلّ شيء حتّى نفسه. نعم ، لهذا أمارات وردت في الأحاديث لا بدّ من الإشارة إليها : 1 _ كذب من زعم أنّه يحبّني فإذا جنّه اللّيل نام. (19) 2 _ ما أحبّ اللّه من عصاه. (20) 3 _ ارغب فيما عند اللّه عزّوجلّ يحبّك اللّه . (21) 4 _ من أحبّ أن يعلم ما له عند اللّه فليعلم ما للّه عنده. (22) 5 _ من أراد منكم أن يعلم كيف منزلته عند اللّه ، فلينظر منزلة اللّه منه عند الذنوب ، كذلك منزلته تكون عند اللّه . (23) 6 _ أوحى اللّه إلى بعض الصدّيقين : إنّ لي عبادا من عبيدي يحبّوني وأُحبّهم ، ويشتاقون إليّ وأشتاق إليهم ، ويذكروني وأذكرهم ، فإن أخذت طريقهم أحببتك ، وإن عدلت عنهم مقتّك . فقال : ياربّ وما علامتهم؟ قال : يراعون الظلال بالنهار ، كما يراعي الشفيق غنمه ، ويحنّون إلى غروب الشمس ، كما تحنّ الطير إلى أوكارها عندالغروب ، فإذا جنّهم اللّيل ، واختلط الظلام ، وفُرِشت الفرش ، ونُصِبت الأسرّة ، وخلا كلّ حبيب بحبيبه ، نصبوا إليّ أقدامهم ، وافترشوا ليّ وجوههم ، وناجوني بكلامي ، وتملّقوا بإنعامي ، ما بين صارخٍ باك ، وما بين متأوّهٍ وشاكّ ، وبين قائمٍ وقاعد ، وبين راكعٍ وساجد ، بعيني ما يتحمّلون من أجلي ، وبسمعي مايشكّون من حبّي ...» . الحديث . (24) الخوف منه تعالى ورجاه وحبّه عزّوجلّ فرع المعرفة ، وللمحقّق العارف المحدّث الفيض الكاشاني _ رحمة اللّه تعالى عليه _ في المحجّة البيضاء كلام طويل في هذا المقام ، تركنا ذكره مخافة الإطالة ، ولابأس بنقل نبذ منها ، قال : «فإنّ المحبّة للّه عزّوجل هي الغاية القصوى من المقامات ، والذروة العليا من الدرجات ، فما بعد إدراك المحبّة مقام... فأمّا محبّة اللّه عزّوجلّ فقد عزّ الإيمان حتّى أنكر بعض العلماء إمكانها ، وقال : لامعنى لها إلّا المواظبة على طاعة اللّه عزّوجلّ . وأمّا حقيقة المحبّة فمحال إلّا مع الجنس والمثال... . اعلم ، إنّ الأُمّة مجتمعة على أنّ الحبّ للّه عزّوجلّ ولرسوله فرض ، ولن يفترض مالا وجود له... فمن شواهد الشرع قوله : «يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ » ، (25) وقوله تعالى : «وَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ » (26) ... قال أبو رزين العقيلي : يا رسول اللّه ، ما الإيمان؟ قال : أن يكون اللّه ورسوله أحبّ إليك ممّا سواهما ... (27) . لايُتصوّر محبّة إلّا بعد معرفة... ومعنى كون الشيء محبوبا أنّ في الطبع ميلاً إليه... فالحبّ عبارة عن ميل الطبع إلى الشيء... أنّ الحبّ لمّا كان تابعا للمعرفة والإدراك انقسم _ لامحاله _ بحسب انقسام المدركات والحواسّ ، فلكلّ حاسّة إدراك ، ولكلّ مدرك لذّة وإلى كلّ منها ميل للطبع... . إنّ الإنسان يحبّ نفسه ويحبّ غيره لأجله ، فهل يتصوّر أن يحبّ الإنسان غيره لذاته لا لأجل نفسه؟ هذا ممّا قد يشكل على الضعفاء حتّى يظنّون أنّه لايتصوّر أن يحبّ الإنسان شيئا لذاته لا لأجل نفسه ، والحقّ أنّ ذلك متصوّر وموجود ، فلنبيّن أقسام المحبّة وأسبابها . أسباب المحبّة كثيرة : الأوّل : إنّ المحبوب الأوّل عند كلّ حيّ نفسه وذاته ، ومعنى ذلك أنّ طبعه ميال إلى دوام وجوده وتنفّره عن عدمه وهلاكه. الثاني : الإنسان عبد الإحسان ، وقد جبلت القلوب على من أحسن إليها ، وبغض من أساء إليها. الثالث : أن يحبّ الشيء لذاته ، لاحظّ يناله منه وراء ذاته ، بل يكون ذاته عين حظّه ، وهذا هو الحبّ الحقيقي البالغ الذي يوثق بدوامه ، وذلك كحبّ الجمال والحسن ، فإنّ كلّ جمال فهو محبوب عند مدرك الجمال ، وذلك لعين الجمال ؛ لأنّ إدراك الجمال فيه عين اللذّة ، واللذّة محبوبة ، ولاتظنّن أنّ حبّ الصور الجميلة لايتصوّر إلّا لأجل قضاء الشهوة ، فإنّ قضاء الشهوة لذّة أُخرى . الرابع : اعلم إنّ المحبوس في مضيق الخيالات والمحسوسات ربّما يظنّ أن لا معنى للحسن والجمال إلّا تناسب الخلقة والشكل وحسن اللون و... وهذا خطأ ظاهر ، فإنّ الحسن ليس مقصورا على المدركات كالخطّ الحسن وصوت حسن وثوب حسن وإناء حسن... وخلق حسن وعلم حسن وسيرة حسنة وأخلاق جميلة... الناس يحبّون الأنبياء ورؤساء المذاهب إلى حدّ العشق حتّى ينفق في سبيله ماله ونفسه ، وإنّما يحبّه لصفاته الباطنة ، من الدين والتقوى وغزارة العلم... وهذه أُمور جميلة لايُدرك جمالها إلّا بنور البصيرة ، وتلك الصفات ترجع جملتها إلى العلم والقدرة ، إذا علم حقائق الأُمور وقدر على حمل نفسه عليها بقهر شهواته. الخامس : المناسبة الخفيّة بين المحبّ والمحبوت ، إذ ربّ شخصين يتأكّد المحبّة بينهما لابسبب جمال أوحظّ ، ولكن بمجرّد تناسب الأرواح ، كما قال صلى الله عليه و آله : الأرواح جنود مجنّدة ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف . (28) فإذا رجع أسباب الحبّ إلى خمسة : حبّ الإنسان نفسه ، وحبّ من أحسن إليه ، وحبّه من كان محسنا في نفسه وإن لم يكن محسنا إليه ، وحبّه لكلّ ما هو جميل سواء كان من الصور الظاهرة أو الباطنة ، وحبّه لمن كان بينه وبينه مناسبة خفيّة ؛ فلو اجتمعت هذه الأسباب كلّها في شخصٍ واحد ، تضاعف الحبّ لامحالة ، ولايجتمع ذلك كلّه إلّا في اللّه سبحانه» . (29)

.


1- . طه : 50.
2- . دعاؤه عليه السلام في عرفة ، من أراد التفصيل فليراجع الدعاء في الإقبال : ج 2 ص 74.
3- . في دعاء كميل.
4- . الانشراح : 4 .
5- . الشعراء : 84 .
6- . الصافات : 108 ، 119 ، 129 .
7- . نهج البلاغة : الخطبة 118 .
8- . الكافي : ج 2 ص 154 ، بحار الأنوار : ج 71 ص 104 .
9- . البقرة : 165 .
10- . التوبة : 24 .
11- . المحاسن : ج 1 ص 165 ، الكافي : ج 2 ص 126 ، معاني الأخبار : ص 398 . واُنظر : بحار الأنوار : ج 17 ص 16 ، ج 69 ص 253 ، ج 177 ص 53 .
12- . اُنظر : بحار الأنوار : ج 78 ص 81 .
13- . المناقب للكوفي : ج 2 ص 134 ، بحار الأنوار : ج 17 ص 13 ، ج 27 ص 76 .
14- . الكافي : ج 2 ص 127 ، الأمالي للصدوق : ص 252 ، الأمالي للمفيد : ص 152 ، الأمالي للطوسي : ص 621 .
15- . في بحار الأنوار : ج 70 ، ص 25 عن الحسين بن سيف الصادق عليه السلام : «لايمحض رجل الإيمان باللّه حتّى يكون اللّه أحبّ إليه من نفسه وأبيه وأُمّه وولده وأهله وماله
16- . آل عمران : 31 .
17- . التوبة : 24 .
18- . الميزان في تفسير القرآن : ج 1 ص 406.
19- . الأمالي للصدوق : ص 438 ، روضة الواعظين : ص 329 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 13 ص 361 .
20- . الأمالي للصدوق : ص 578 ، روضة الواعظين : ص 420 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 67 ص 15 ، قال تعالى : «إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ... » آل عمران : 31 .
21- . الخصال : ص 61 ، تهذيب الأحكام : ج 6 ص 277 ، مشكاة الأنوار : ص 207 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 67 ص 15 .
22- . المحاسن : ج 1 ص 252 ، معاني الأخبار : ص 237 ، مشكاة الأنوار : ص 42 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 67 ص 18.
23- . الخصال : ص 617 ، تحف العقول : ص 107 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 10 ص 95 .
24- . مسكّن الفؤاد : ص 28 ، الجواهر السنية : ص 358 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 67 ص 26.
25- . المائدة : 59 .
26- . البقرة : 160.
27- . مسند ابن حنبل : ج 4 ص 11 .
28- . صحيح مسلم : ج 8 ص 41 .
29- . اُنظر : المحجّة البيضاء : ج 8 ص 3 _ 15 .

ص: 70

. .

ص: 71

. .

ص: 72

. .

ص: 73

. .

ص: 74

. .

ص: 75

. .

ص: 76

وأنَا واثِقٌ مِن دَليلي بِدَلالَتِكَ«61 » وساكِنٌ مِن شَفيعي إلى شَفاعَتِكَ «62 »أدعوكَ يا سَيِّدي بِلِسانٍ قَد أخرَسَهُ ذَنبُهُ «63 »رَبِّ اُناجيكَ بِقَلبٍ قَد أوبَقَهُ جُرمُهُ «64 »

الدليل : ما يُستدلّ به ، من دلّ يُدّل . والدليل : الدالّ ، والجمع أدلّة وأدلّاء ، والاسم الدلالة بالفتح والكسر. يعني: معرفتي يامولاي دلّتني عليك، ولكن دلالتك وإرشادك أوثق وأحسن وأشدّ وأصوب. والساكن : من سكن سكونا ، أي قرّ ، ضدّ الحركة ، والمراد هنا الطمأنينة ، والقرار ضدّ الهلع والجزع. يعني : حبّي لك شفيعي إليك لتعفو عنّي وتتفضّل عليّ ، ولكن شفاعتك أسكن لقلبي وأسدّ وأحسن في رفع الاضطراب عنّي من شفيعي . وفي الدعاء : «وشفعته برجائك» ، (1) و «شفّع في خطاياي كرمك... ولا شفيع لي إليك فليشفع لي فضلك» ، (2) و«اشفع لي أوائل مننك بأواخرها». (3) المراد أنّ أسماءه الحسنى كعفوه عن عبده ، فكرمه وعفوه وفضله ومننه يشفعان في حوائج عبده ، فيعفو لأنّه عفوّ ، ويعطي لأنّه كريم وجواد ، ويزيد لأنّ له الفضل . و«أدعوك بلسانٍ قد أخرسه ذنبه» (4) و«كلّ ذلك حياء منك لسوء عملي ، ولذلك خمد صوتي عن الجأر إليك ، وكلّ لساني عن مناجاتك». (5) قال السيّد في شرح الصحيفة ، في شرح قوله عليه السلام : «وشفّع في خطاياي كرمك» : «ولفظ شفّع في الدعاء استعارة تبعية ، قدّر تشبيه اقتضاء كرمه تعالى للتجاوز عن الخطايا بشفاعة الشافع في استدعاء التجاوز والعفو ، ثمّ أدخل اقتضاء الكرم لذلك في جنس الشفاعة بالتأويل المذكور ، فاستعار له لفظ الشفاعة ، ثمّ اشتقّ منه الفعل ، فتكون الاستعارة في المصدر أصليّة وفي الفعل تبعية» . (6) «أُناجيك بقلب قد أوبقه جرمه» تدلّ على أثر الأعمال السيّئة في القلب ، كما يدلّ القرآن الكريم من : «كَذلِكَ يَطْبَعُ اللّه ُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبّارٍ » (7) و «كَذلِكَ يَطْبَعُ اللّه ُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ » (8) و «كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ » (9) و «ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ » (10) و «أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ » (11) و «فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً » (12) و «فَلَمّا زاغُوا أَزاغَ اللّه ُ قُلُوبَهُمْ » (13) و «رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا » . (14) وفي الحديث : «قول اللّه عزّ وجلّ : «وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى » ، (15) قال : يعني أعمى البصر في الآخرة ، أعمى القلب في الدنيا عن ولاية أمير المؤمنين عليه السلام » . (16) و«من قلّ ورعه مات قلبه» . (17) و«لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب» . (18) و«أربع يمتن القلب : ... الذنب على الذنب» . (19) و«أربع يفسدن القلب : ... استماع اللهو والبذاء» . (20) و«ما من شيء أفسد للقلب من الخطيئة» . (21) وبالجملة، آثار المعاصي على القلوب أخطر وأشدّ، ومنشأ كلّ الشقاء الأُخروي ، كما لا يخفى.

.


1- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 47 .
2- . المصدر السابق : الدعاء 80 .
3- . المصدر السابق : الدعاء 47 .
4- . المصدر السابق : الدعاء 116 .
5- . المصدر السابق : الدعاء 16 .
6- . رياض السالكين : ج 4 ص 457 .
7- . غافر : 35 .
8- . الأعراف : 101 .
9- . يونس : 74 .
10- . البقرة : 74 .
11- . البقرة : 93 .
12- . المائدة : 13.
13- . الصف : 5 .
14- . آل عمران : 8 .
15- . طه : 124 .
16- . الكافي : ج 1 ص 435 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج 2 ص 293 ، بحار الأنوار : ج 24 ص 348.
17- . نهج البلاغة : الحكمة 349 ، تحف العقول : ص 89 ، روضة الواعظين : ص 469 ، بحار الأنوار : ج 67 ص 286 .
18- . روضة الواعظين : ص 457 ، مكارم الأخلاق : ص 150 ، مشكاة الأنوار : ص 162 ، بحار الأنوار : ج 63 ص 331.
19- . الخصال : ص 228 ، روضة الواعظين : ص 414 ، مشكاة الأنوار : ص 446 ، بحار الأنوار : ج 2 ص 128 .
20- . الخصال : ص 227 ، روضة الواعظين : ص 414 ، مشكاة الأنوار : ص 446 ، بحار الأنوار : ج 62 ص 282 .
21- . الكافي : ج 2 ص 268 ، الأمالي للصدوق : ص 481 ، الأمالي للطوسي : ص 438 ، روضة الواعظين : ص 414 ، بحار الأنوار : ج 67 ص 54 .

ص: 77

. .

ص: 78

أدعوكَ يا رَبِّ راهِبا راغِبا راجِيا خائِفا «65 » إذا رَأَيتُ مَولايَ ذُنوبي فَزِعتُ «66 »وإذا رَأَيتُ كَرَمَكَ طَمِعتُ «67 » فَإِن عَفَوتَ فَخَيرُ راحِمٍ «68 »وإن عَذَّبتَ فَغَيرُ ظالِمٍ «69 »

«أدعوك راغبا» ، للعلم بأن لا ملجأ إلّا إليك ، ولا مهرب منك ، «راهبا» من المعاصي التي ارتكبت ، «راجيا» نوالك وعطاياك ، «خائفا» من طردك إيّاي عن بابك ، وأخذي بما تعلم منّي من الآثام ، ويفسّر ذلك قوله عليه السلام : «إذا رأيتُ مولاي ذنوبي فزعتُ ، وإذا رأيت كرمك طمعتُ». رغب كسمع رغبا : أراده ، فإذا قيل رغب فيه وإليه يقتضي الحرص عليه ، قال تعالى : «وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً » ، (1) وقال «إِنّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ » ، (2) وقال : «إِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ » . (3) قال الراغب : «الرهبة والرهب : مخافة مع تحرّز واضطراب ، قال تعالى : «لأََنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً » ، (4) وقال : «جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ » » . (5)

.


1- . الأنبياء : 90 .
2- . التوبة : 59 .
3- . الشرح : 8 ، مفردات ألفاظ القرآن : ص 198.
4- . الحشر : 13.
5- . القصص : 3 ، مفردات ألفاظ القرآن : ص 204 .

ص: 79

حُجَّتي يا أللّه ُ في جُرأَتي عَلى مَسأَلَتِكَ مَعَ إتياني ما تَكرَهُ : جودُكَ وكَرَمُكَ «70 »وعُدَّتي في شِدَّتي مَعَ قِلَّةِ حَيائي : رَأفَتُكَ ورَحمَتُكَ «71 »وقَد رَجَوتُ ألّا تُخَيِّبَ بَينَ ذَينِ وذَينِ مُنيَتي «72 »فَحَقِّق رَجائي (1) وَاسمَع دُعائي (2) يا خَيرَ مَن دَعاهُ داعٍ وأفضَلَ مَن رَجاهُ راجٍ «73 »

قال السيّد في شرح الدعاء الثلاثين : «الجواد : الكثير الإحسان والإنعام ، والفرق بينه وبين الكريم ، أنّ الجواد الذي يعطي مع السؤال ، والكريم يعطي من غير سؤال ، وقيل : بالعكس ، والحقّ الأوّل» . (3) قال في المفردات : «الكريم قد يُطلق على الجواد الكثير النفع ، وقد يُطلق من كلّ شيء على أحسنه ، والكريم من يوصل النفع بلا عوض». (4) الكريم : الصفوح. الحجّة _ بالضمّ _ : البرهان. المنية _ بالضمّ وبكسر _ : البغية ، والمراد ما يتمنّى ، جمع منى. العدّة _ بالضمّ _ : ما أعددته وهيّأته لحوادث الدهر من المال والسلاح ، والعدّة الاستعداد ، يقال : كونوا على عدّة ؛ أي استعداد. والمراد ظاهرا أنّ حجّتي ودليلي على مسألتك _ مع أنّي أتيت ما تكره أي ما لا تحبّ _ حراما أو مكروها _ أنّك جواد كثير الإحسان والإنعام ، وأنّك كريم تعطي من غير سؤال ، فكيف بمن أتاك وسألك؟ أو أنّك حسن العطاء والجود ، وحسنه أن تعطي من غير استحقاق ولا سؤال ولا منّة ولا عوض ، أو أنّك كريم ، أي صفوح عن ذنوب عبادك. «وعدّتي» واستعدادي بتهيئة ما يفيدني في حوادث الدهر وشدائد الدنيا والآخرة . «مع قلّة حيائي» منك _ الحياء الموجبة بأن لا ألجأ إليك ولا أعتمد عليك _ لكثرة ذنوبي وإصراري على المعاصي ، أنّك رؤوف بعبادك ورحيم لمن لجأ إليك. «وقد رجوت ألّا تخيّب» حجّتي وعدّتي ، «ذين وذين» منيتي وآمالي . «فصلّ على محمّد وآل محمّد» (5) يقع الكلام هنا في معنى الصلاة وكيفيته وأهمّيته وتأثيره. الصلاة : الدعاء والرحمة والاستغفار ، وحسن الثناء من اللّه على الرسول ، وقيل : الصلاة من اللّه الرحمة ، ومن الملائكة الاستغفار ، ومن المؤمنين الدعاء ، ولكنّ الصلاة اختصّ بالخير دون الدعاء ، فإنّه يكون في الخير والشرّ. والأحاديث الواردة في كيفية الصلاة كثيرة ، بل متواترة ومصرّحة بذكر الآل ، وأنّ عدم ذكرهم يصيّرها بتراء . (6)

.


1- . في الإقبال : «فصلّ على محمّد وآل محمّد وحقّق رجائي ...» .
2- . في الإقبال : «ندائي» .
3- . رياض السالكين : ج 4 ص 373 .
4- . لم أعثر عليه في مفردات ألفاظ القرآن .
5- . . كما في الإقبال .
6- . وكذلك الأحاديث في الاهتمام بها وأثارها كثيرة ومتواترة أيضا ، اُنظر : الدرّ المنثور : ج 5 : ص 215 و 315 ، في تفسير قوله تعالى : «إِنَّ اللَّهَ وَ مَلَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىِّ يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَ سَلِّمُواْ تَسْلِيمًا » ، مجمع البيان : ج 8 ص 369 ، تفسير القرطبي : ج 14 ص 233 _ 236 ، الميزان في تفسير القرآن : ج 16 ص 365 و 366 ، تفسير الطبري : ج 22 ص 31 ، نور الثقلين : ج 4 ص 300 ، صحيح البخاري : ج 8 ص 95 .

ص: 80

. .

ص: 81

عَظُمَ يا سَيِّدي أمَلي وساءَ عَمَلي «74 »فَأَعطِني مِن عَفوِكَ بِمِقدارِ أمَلي«75 »ولا تُؤاخِذني بِأَسوَءِ عَمَلي «76 »فَإِنَّ كَرَمَكَ يَجِلُّ عَن مُجازاةِ المُذنِبينَ «77 »وحِلمَكَ يَكبُرُ عَن مُكافاةِ المُقَصِّرينَ «78 »وأنَا يا سَيِّدي عائِذٌ بِفَضلِكَ هارِبٌ مِنكَ إلَيكَ «79 »مُنتَجِزٌ (مُتَنَجِّزٌ) ما وَعَدتَ مِنَ الصَّفحِ عَمَّن أحسَنَ بِكَ ظَنّاً «80 »

الآمال : هي ما يتمنّى الإنسان من الوصول إلى مطالبه المادّية والمعنويّة ، ويحتاج الوصول إلى الأهداف لا يكون إلّا بتهيئة الأسباب ، فمن أراد الوصول إلى المقامات الدنيوية ، فلا بدّ من الحركة إلى تسبيب الأسباب وإيجاد المقدّمات ، كلّ هدف له أسباب خاصّة ، وكذا الآمال والأهداف المعنوية ، كالنيل إلى الدرجات العالية من معرفة اللّه تعالى وأنبيائه ، والإيمان والصدق والإخلاص ، والمعارف بعد الموت ، وتزكية النفس من الرذائل ، وتحليتها بالفضائل ، والدخول في جنّات عدن عند مليكٍ مقتدر ؛ لابدّ من الحركة إليها بارتكاب الحسنات والتجنّب الشديد عن السيّئات والتزكية بالمجاهدات. وطول الأمل في المطالب الدنيوية مكروه ، والروايات في ذلك كثيرة ، والآيات الكريمة بذلك ناطقة . (1) «الأمل رحمة لأُمّتي ، ولولا الأمل ما رضعت والدة ولدها ، ولا غارس غرس شجرا» ، و«أصل الأمل خير ، وعدمه شرّ ، وطوله أيضا شرّ» ، و«إنّ أخوف ما أخاف عليكم اثنان : اتّباع الهوى ، وطول الأمل» ، و«طول الأمل يُنسي الآخرة» ، و«الأمل من اللّه يوجب قلّة العمل ، والأمل من الناس ينسين العمل ويقسي القلب» ، قوله : «يُلْهِهِمُ الأَْمَلُ » . (2) وأمّا الأمل في الأُمور المعنوية فمطلوب جدّا ، يحثّ الإنسان على العمل وتزكية النفس ، ولكنّ الأمل بلا عمل فهو مذموم جدّا ، قال عليه السلام : «الأماني بضائع النوكى» ، وقال عليه السلام : «العاقل يعتمد على عمله والجاهل يعتمد على أمله» ، (3) وقال : «فمن عمل في أيّام أمله قبل حضور أجله فقد نفعه عمله» . (4) وفي الدعاء : «عظم يا سيّدي أملي» ، يعني في الآمال المعنوية ، كما يظهر من ذيل الكلام ، وساء عملي يعني ليس القصور أو التقصير في العمل فقط ؛ بل أساء العمل وأتى بما يضادّ الأمل ، فمن كان أمله الجنّة والفوز بقرب الحقّ سبحانه ومجاورة النبي صلى الله عليه و آله والأنبياء والأئمّة عليهم السلام في دار خلده ، لا بدّ وأن يسلك سبيلهم ويعمل عملهم ويؤمن بما آمنوا به ويترك ما تركوه ويلازم صراط اللّه تعالى وهو صراط أنبيائه ، ويترك سبيل الغي التي سلكها أعداؤهم ، فمن ترك العمل بما عملوا به وسلك سبيلاً يضادّ سبيلهم ، فهو في الحقيقة يسلك إلى سوء الدار وعذاب النار. ولذلك يعتذر عليه السلام بقوله : «عظم أملي» ، حيث أمله اللحوق بالنبيّ الأعظم صلى الله عليه و آله وآبائه الكرام المعصومين . «وساء عملي ، فاعطني من عفوك بمقدار أملي ، ولا تؤاخذني بأسوء عملي» ، «فإنّ كرمك يا ربّ يجّل عن مجازاة المذنبين» ، فلا تعاقبني بأسوء عملي ؛ لأنّ كرمك يجلّ عن ذلك ، و«يكبر عن مكافأة المقصّرين» ، يعني كرمك أكبر من أن تكافئ المقصّرين بتقصيرهم ، فيستشفع إلى اللّه تعالى بكرمه ، وأنّ كرمه يقتضي العفو وإنجاح آماله العظيمة. «وأنا يا سيّدي عائذ بفضلك» ، فهو عليه السلام يعدّ نفسه الكريمة بأنّ ألجأ إلى ملجأ ، واستعاذ إلى معاذ ، وهو فضله تعالى ، وإعطاؤه وكرمه ، وكأنّه عليه السلام يشبّه نفسه الكريمة بعبدٍ أساء واستجار من المولى إلى معقلٍ حصين ، وكهفٍ مشيّد ، بأن هرب من المولى ودخل إلى ما جعله المولى مأمنا ومضيفا ، وهو فضله العميم طالبا أن يفي المولى بما وعده من صفحه عمّن أحسن به الظنّ.

.


1- . اُنظر : سفينة البحار : ج 1 ص 30 ، مستدرك سفينة البحار : ج 1 ص 149 ، ميزان الحكمة : ج 1 ص 140 ، بحار الأنوار : ج 73 ص 398 ، وج 77 ص 31 .
2- . الحجر : 3 .
3- . اُنظر : مستدرك سفينة البحار : ج 10 ص 190 ، غرر الحكم : ح 49 .
4- . نهج البلاغة : الخطبة 28 ، الغارات : ج 2 ص 634 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 74 ص 333.

ص: 82

. .

ص: 83

وما أنَا يا رَبِّ وما خَطَري «81 »هَبني بِفَضلِكَ وتَصَدَّق عَلَيَّ بِعَفوِكَ «82 »أي رَبِّ جَلِّلني بِسِترِكَ وَاعفُ عَن تَوبيخي بِكَرَمِ وَجهِكَ «83 »، فَلَوِ اطَّلَعَ اليَومَ عَلى ذَنبي غَيرُكَ ما فَعَلتُهُ «84 » ولَو خِفتُ تَعجيلَ العُقوبَةِ لَاجتَنَبتُهُ «85 »لا لِأَنَّكَ أهوَنُ النّاظِرينَ إلَيَ وأخَفُّ المُطَّلِعينَ عَلَيَ «86 » بَلِ لِأَنَّكَ يا رَبِّ خَيرُ السّاتِرينَ وأحكَمُ الحاكِمينَ وأكرَمُ الأَكرَمينَ «87 »سَتّارُ العُيوبِ غَفّارُ الذُّنوبِ عَلّامُ الغُيوبِ «88 »

يستشفع إلى اللّه تعالى ويسترحمه بذكر ضعفه وحقارته ومسكنته في مقابل الحقّ سبحانه وتعالى ، بقوله : «وما أنا يا ربّ» وأنّه ممكن الوجود ، لا حول له ولا قوّة ولا قدرة إلّا باللّه تعالى ، إنّه مسكين مستكين ، وأنّه قليل وصغير وحقير في مقابل خلق السماوات والأرض . «وما خطري» الخطر _ محرّكة _ : الإشراف على الهلكة ، والشرف وارتفاع القدر ، وقدره ومنزلته ، أي وما قدري ومنزلتي حتّى أُؤاخذ على قولي وفعلي ومخالفتي وعصياني ؛ لأنّ العظيم لا يقابل من لا قَدَر له لسوء عمله ولا يعتني به. فإن كان كذلك «هبني بفضلك» من وهب يهب له مالاً ، وجوّز الفقهاء ، وهبتك مالاً و قد يحيل له وجه ، وهو أن يضمّن . وهب معنى جعل ، فيتعدّى بنفسه إلى مفعولين ، وهبني اللّه فداك ؛ أي جعلني ، قيل : ولم يسمع في كلام فصيح ، وإن حُكي عن أعرابي . والمعنى : أعطني نفسي بفضلك ، أي اعتقني من النار ، يستشفع عن فضله في نجاح طلبته ، وهو الغفران. «وتصدّق عليّ بعفوك» من تصدّق على الفقير بكذا أعطاه إيّاه صدقة ، أي تصدّق عليّ عفوك ، أي اجعل العفو صدقة عليّ تعطيني إيّاه ، أو تصدّق عليّ بسبب عفوك بالغفران ، فاستشفع عليه السلام من صفة العفو في نجاح طلبته . والعفو : ترك العقوبة. «أي ربّ جلّلني بسترك» من جلّله أي غطّاه ، أي استرني بسترك على خطاياي فلا تفضحني ، وهو شيء آخر غير العفو ، وهو ألّا يظهر خطاياه على الناس. «واعف عن توبيخي بكرم وجهك» من عفا عنه وعن ذنبه ، يعفو عفوا ، صفح عنه وترك عقوبته وهو يستحّقها ، وأعرض مؤاخذته ، وعفا اللّه عن فلان في ذنوبه ، ومن كلام أبي البقاء : «العفو إسقاط العذاب ، والمغفرة ستر الجرم صونا عن عذاب التخجيل والفضيحة» . «واعف عن توبيخي» أي لا توبّخني بكرم وجهك ، فالمطلوب ثلاثة : العفو عن الذنب بترك عقوبته ، والستر عليه مخافة الفضيحة ، والعفو عن التوبيخ حذرا عن اللّوم. ثمّ يستدلّ على طلباته بأنّي ارتكبت عملاً لو اطّلع عليّ غيرك ما فعلته ، ولو خفت المؤاخذة عاجلاً لاجتنبته ، لا لأنّك أهون الناظرين وأخفّ المطّلعين ، بل لأنّك خير الساترين ، تستر عليّ ذنوبي ، فلا تفضحني ولا تشهرني ، وأكرم الأكرمين ، فلا تعاجلني بالعقوبة ، ولا توبخني ولا تعاقبني ؛ لأنّك ستّار العيوب (مبالغة في الستر شدّةً وكثرةً) ، تستر جميع العيوب على كثرتها ، وتصون وجه العبد عن الفضيحة على صلافتها ، وتغفر الذنوب.

.

ص: 84

. .

ص: 85

تَستُرُ الذَّنبَ بِكَرَمِكَ وتُؤَخِّرُ العُقوبَةَ بِحِلمِكَ «89 » فَلَكَ الحَمدُ عَلى حِلمِكَ بَعدَ عِلمِكَ وعَلى عَفوِكَ بَعدَ قُدرَتِكَ «90 »ويَحمِلُني ويُجَرِّئُني عَلى مَعصِيَتِكَ حِلمُكَ عَنّي «91 »ويَدعوني إلى قِلَّةِ الحَياءِ سَترُكَ عَلَيَ «92 »ويُسرِعُني إلَى التَّوَثُّبِ عَلى مَحارِمِكَ مَعرِفَتي بِسَعَةِ رَحمَتِكَ وعَظيمِ عَفوِكَ «93 »

إنّ اللّه سبحانه يستر عيوب عباده ، ومن أسمائه الحسنى «ستّار العيوب» ، ولا يفضحهم بالمبادرة ولا يعجل في مؤاخذتهم بالخطيئة ؛ لأنّه كريم ، والكريم هو السخي المعطاء ، وقيل : هو من يوصل النفع بلا عوض ، فالكرم هو إفادة ما ينبغي لا بعوض . «وتؤخّر العقوبة بحلمك» ، والحلم _ بالكسر _ : الأناة ، وضدّ الطيش ، والعقل ، والحليم من له الأناة يتحمّل ويصبر ، قال تعالى : «وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّه ُ لِلنّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ » (1) و «لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ » ، (2) أمر اللّه سبحانه بالحلم والعفو بعد المقدرة ، ولهما أثر خاصّ في هداية الإنسان وتربيته وسوقه إلى الكمال ، وإن كان قد يتجرّأ الإنسان على حليمٍ لحلمه أو على الكريم لكرمه. وهذان الوصفان من الصفات العالية الكاملة ، ومن أسماء اللّه تعالى الكريم الحليم ، وإن كانا سببا لتجرّي العباد وارتكابهم ما لا يرضى ، إلّا أنّ لهما أثرا حسنا في تربية العباد وتحلّيهم بالمكارم وتأدّبهم من أحسن طريق ، فلا يؤاخذهم إلّا بعد الأناة وإتمام الحجّة ، ولذلك ورد في الحديث في وصف العلم : «علم معه حلم» ، (3) ثمّ حمد تعالى على حلمه بعد علمه ، وأثنى عليه سبحانه بأن حلم عنه وتأنّى ولم يعاجله بالعقوبة ، وعلى عفوه بعد قدرته بقبول التوبة. نعم ، قد يكون التأخير إملاءً واستدراجا ، قال سبحانه : «إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَْبْصارُ » (4) وقال تعالى : «وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ » ، (5) وقال تعالى : «فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ » ، (6) وقال تعالى : «فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ » (7) وقال تعالى : «وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها » (8) وقال : «وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ » ، (9) إلى غير ذلك من الآيات الكريمة.

.


1- . يونس : 11 .
2- . الكهف : 58 .
3- . اُنظر : بحار الأنوار : ج 44 ص 196.
4- . إبراهيم : 41.
5- . الأعراف : 182 .
6- . القلم : 44.
7- . الحجّ : 44 .
8- . الحجر : 46 .
9- . الأعراف : 183 ، القلم : 45 .

ص: 86

. .

ص: 87

يا حَليمُ يا كَريمُ «94 » يا حَيُ يا قَيّومُ «95 » يا غافِرَ الذَّنبِ ، يا قابِلَ التَّوبِ «96 » يا عَظيمَ المَنِّ ، يا قَديمَ الإِحسانِ «97 »أينَ سِترُكَ الجَميلُ؟«98 » أينَ عَفوُكَ الجَليلُ؟«99 »أينَ فَرَجُكَ القَريبُ؟«100 »أينَ غِياثُكَ السَّريعُ؟ «101 »أينَ رَحمَتُكَ الواسِعَةُ؟«102 » أينَ عَطاياكَ الفاضِلَةُ؟ «103 » أينَ مَواهِبُكَ الهَنيئَةُ؟ «104 » أينَ صَنائِعُكَ السَّنِيَّةُ؟ «105 »أينَ فَضلُكَ العَظيمُ؟ «106 » أينَ مَنُّكَ الجَسيمُ؟ «107 » أينَ إحسانُكَ القَديمُ (1) ؟ «108 »أينَ كَرَمُكَ يا كَريمُ؟ «109 »

الحليم _ من الحلم بالكسر _ : الأناة ، وضدّه الطيش ، قال الراغب : «الحلم : ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب» ، (2) وقيل : الحلم الأناة والتثبّت في الأُمور ، وهو يحصل من الاعتدال في القوّة الغضبية ، ويمنع النفس من الانفعال عن الواردات المكروهة المؤذية ، ومن آثاره عدم جزع النفس عند الأُمور الهائلة ، وعدم طيشها في المؤاخذة ، وعدم صدور حركات غير منتظمة منها . (3) من أسمائه الحسنى «الحليم» ، أي حليم عمّن عصاه لا يعجل بالعقوبة . (4) و«الحلم عطاء ساتر» ، (5) قال الصادق عليه السلام للمنصور : «عليك بالحلم فإنّه ركن العلم ، وأملك نفسك عن أسباب القدرة» ، (6) النبويّ : «ما جُمع شيء إلى شيء أفضل من حلمٍ إلى علم» ، (7) وقال الرضا عليه السلام : «لا يكون الرجل عابدا حتّى يكون حليما ،» ، (8) «الحلم لباس العالم ، فلا تعرينّ منه» ، (9) «لن يثمر العلم حتّى يقارنه الحلم» ، (10) «المؤمن له قوّة في دين... وعلم في حلم» ، (11) «ما اُضيف شيء إلى شيء أفضل من حلمٍ إلى علم» . (12) «من حلم ساد» (13) «من حلم لم يفرط في الأُمور ، وعاش في الناس حميدا» ، (14) «الحلم زينة» ، (15) «لا عزّ أنفع من الحلم» ، (16) «السلم ثمرة الحلم» ، (17) «الحلم فدام السفيه» ، (18) «الحلم حجاب من الآفات» ، (19) «يظفر من يحلم» ، (20) «الحلم رأس الرئاسة» ، (21) «الحلم يطفيء نار الغضب» ، (22) «الحلم عشيرة» ، (23) «الحلم نظام أمر المؤمن» ، (24) «إنّ أوّل عوض الحليم من خصلته أنّ الناس أعوانه على الجاهل» ، (25) «فأمّا الحلم : فمنه ركوب الجميل وصحبة الأبرار ، ورفع من الضعة ، ورفع من الخساسة ، وتشهّي الخير ، ويقرّب صاحبه من معالي الدرجات ، والعفو والمهل ، والمعروف والصمت ؛ فهذا ما يتشعّب للعاقل بحلمه» ، (26) «إن لم تكن حليما فتحلّم ، فإنّه قلّ من تشبّه بقوم إلّا أوشك أن يكون منهم» ، (27) «من لم يتحلّم لم يحلم» ، (28) «خير الحلم التحلّم» ، (29) قال الحسين عليه السلام في جواب ما الحلم؟ : «كظم الغيظ ، وملك النفس» ، (30) سئل الإمام علي عليه السلام عن أحلم الناس؟ فقال : «الذي لا يغضب» . (31) الكريم : قال الراغب : «الكرم إذا وُصِف اللّه تعالى به فهو اسم لإحسانه وإنعامه المتظاهر ، وإذا وُصِف به الإنسان فهو اسم للأخلاق والأفعال المحمودة التي تظهر منه ، ولا يقال هو كريم حتّى يظهر ذلك منه ، قال بعض العلماء : الكرم كالحرّية ، إلّا أنّ الحرّية قد تقال في المحاسن الصغيرة والكبيرة ، والكرم لا يقال إلّا في المحاسن الكبيرة ، كمن ينفق مالاً في تجهيز جيش في سبيل اللّه وتحمّل حمالة ترقئ دماء قوم. وقوله : «إنّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّه ِ أَتْقاكُمْ » (32) فإنّما كان كذلك ؛ لأنّ أكرم الأفعال المحمودة وأكرمها وأشرفها ما يقصد به وجه اللّه تعالى... وكلّ شيء شرف في بابه فإنّه يوصف بالكرم... «مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ » (33) «وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ » (34) «إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ » (35) » ... انتهى ملخّصا . (36) نهاية في أسماء اللّه تعالى : الكريم هو الجواد ، بمعنى الذي لا ينفذ عطاؤه ، وهو الكريم المطلق والكريم الجامع لأنواع الخير والشرف والفضائل. الكريم معناه العزيز ، يقال : فلان أكرم عليّ من فلان ، أي أعزّ منه... الجواد المفضل. «كرم الرجل دينه» (37) «وسئل الحسن عليه السلام ما الكرم؟ قال : الابتداء بالعطية قبل المسألة ، وإطعام الطعام في المحلّ» ، (38) «أمّا الكرم فالتبرّع بالمعروف والإعطاء قبل السؤال» ، (39) «ثلاثة تدلّ على كرم المرء : حسن الخلق ، وكظم الغيظ ، وغضّ الطرف» ، (40) «يستدلّ على كرم الرجل بحسن بشره ، وبذل برّه» ، (41) «الكرم احتمال الجريرة» ، (42) «الكرم حسن الاصطبار» ، (43) «الكرم بذل الجود وانجاز الموجود» ، (44) «الكرم ملك اللّسان وبذل الإحسان» ، (45) «إنّما الكرم التنزّه عن المساوئ» ، (46) «الكرم حسن السجيّة واجتناب الدنيّة» ، (47) «أملك عليك هواك وشحّ بنفسك عمّا لا يحلّ لك فإنّ الشّح بالنفس حقيقة الكرم» ، (48) «من كرمت عليه نفسه هانت عليه شهوته» ، (49) «من كرمت عليه نفسه صغرت الدنيا في عين» ، (50) «من الكرم لين الشيم» ، (51) «من الكرم الوفاء بالذمم» ، (52) «الكريم يبهج بفضله واللئيم يفتخر بملكه» ، (53) «الكريم يزدجر عمّا يفتخر به اللّئيم» ، (54) «الكريم يلين إذا استعطف واللّئيم يقسو إذا ألطف» ، (55) «الكريم إذا قدر صفح وإذا ملك سمح وإذا سئل أنجح» ، (56) «الكريم يجفو إذا عنف ويلين إذا استعطف» ، (57) «الكريم أبلج واللّئيم ملهوج» ، (58) «الكريم يأبى العار ويكرم الجار» ، (59) «الكريم من بدأ بإحسانه» ، (60) «الكريم من سبق نواله سؤاله» ، (61) «الكريم من جاء بالموجود» ، (62) «الكريم يشكر القليل ، واللّئيم يكفر الجزيل» ، (63) «الكريم من تجنّب المحارم ونزّه عن العيوب» ، (64) «الكريم من جازى الإساءة بالإحسان» ، (65) «الكريم يرضى نفسه في كلّ ما أسداه عن حسن المجازاة» ، (66) «الكريم يرى مكارم أفعاله دينا عليه يقضيه واللّئيم يرى سوالف إحسانه دينا له يقتضيه» ، (67) «الكريم إذا احتاج إليك أعفاك ، وإذا احتجت إليه كفاك. اللّئيم إذا احتاج إليك أجفاك ، وإذا احتجت إليه أغناك» ، (68) «الكريم من يعفو مع القدرة، ويعدل مع الإمرة، ويكفّ إساءته ويبذل إحسانه». (69) «يا حيّ» الحيّ : الذي يصحّ أن يعلم ويقدر ، وكلّ ما يصحّ له فهو واجب لا يزول من صفاته تعالى ، «الحيّ» ، تدلّ الآيات على انحصار الحيّ فيه سبحانه وتعالى ، قال : «اللّه ُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ » ، (70) وقال : «وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ » ، (71) وقال : «هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ » ، (72) قال العلّامة الأُستاذ ما ملخّصه : «وأمّا اسم الحيّ فمعناه ذو الحياة الثابتة على وزان سائر الصفات المشبّهة في دلالتها على الدوام والثبات. فالناس في مبادئ مطالعتهم لحال الموجودات وجدوها على قسمين : قسم منها لا يختلف حاله عند الحسّ مادام وجوده ثابتا ، كالأحجار وسائر الجمادات ، وقسم منها ربّما تغيّرت حاله وتعطّلت قواه وأفعاله مع بقاء وجودها... وبذلك أذعن الإنسان بأنّ هناك وراء الحسّ أمرا آخر هو المبدأ للإحساسات والإدراكات العلمية والأفعال المبتنية على العلم والإرادة ، وهو المسمّى بالحياة. وقد ذكر اللّه سبحانه هذا الحياة في كلامه ، كقوله تعالى : «أَنَّ اللّه َ يُحْيِ الأَْرْضَ بَعْدَ مَوْتِها » (73) «وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ » (74) ... فهذه حياة للإنسان والحيوان والنبات ، وكذلك القول في أقسام الحياة الدنيوية والبرزخية والأُخرويّة. واللّه سبحانه مع ما يقرّر هذه الحياة الدنيا ، يعدّها في مواضع كثيرة من كلامه شيئا رديا هينا لا يعبأ بشأنه ، كقوله تعالى : «وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الآْخِرَةِ إِلاّ مَتاعٌ » (75) «وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ » (76) «وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ مَتاعُ الْغُرُورِ » (77) «وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدّارَ الآْخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ » . (78) فالحياة الأُخروية هي الحياة بحسب الحقيقة ؛ لعدم إمكان طروّ الموت عليها ، بخلاف الحياة الدنيا ، والحياة الحقيقية يجب أن يكون بحيث يستحيل طروّ الموت عليها ، ولا يعتريها نقص وتنقص، واللّه أفاد في آيات أُخر كثيرة أنّه تعالى هو المفيض للحياة الحقيقية الأُخروية ، وبيده تعالى أزمّة الأُمور ، فأفاد ذلك أنّ الحياة الأُخروية مملوكة لا مالكة ، ومسخّرة لا مطلقة ، أعني أنّها ملكت خاصّتها المذكورة باللّه لا بنفسها. فالحياة الحقيقية يجب أن يكون بحيث يستحيل طروّ الموت عليها لذاتها ، ولا يتصوّر ذلك إلّا بكون الحياة عين ذات الحيّ غير عارضة لها ولا طارئة عليها بتمليك الغير وإفاضته ، قال تعالى : «وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ » . (79) وعلى هذا فالحياة الحقيقية الحياة الواجبة ، وهي كون وجوده بحيث يعلم ويقدّر بالذات» . (80) «يا قيّوم» قيّوم مبالغة ، أي الدائم القيام بتدبير الخلق وحفظه ، فيعول من قام بالأمر ، قال الأُستاذ : «وأمّا اسم القيّوم فهو على ما قيل : فيعول كالقيام ، فيعال من القيام ؛ وصف يدلّ على المبالغة ، والقيام هو حفظ الشيء وفعله وتدبيره وتربيته والمراقبة عليه والقدرة عليه ، كلّ ذلك مأخوذ من القيام بمعنى الانتصاب ؛ للملازمة العادية بين الانتصاب وبين كلّ منها. وقد أثبت اللّه تعالى أصل القيام بأُمور خلقه لنفسه في كلامه ، حيث قال تعالى : «أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ » ، (81) وقال تعالى _ وهو أشمل من الآية السابقة _ : «شَهِدَ اللّه ُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » ، (82) فأفاد أنّه قائم على الموجودات بالعدل ، فلا يعطي ولا يمنع شيئا في الوجود _ وليس الوجود إلّا الإعطاء والمنع _ إلاّ بالعدل ، بإعطاء كلّ شيء ما تستحقّه ، ثمّ بيّن أنّ هذا القيام بالعدل مقتضٍ اسميه الكريمين : (العزيز الحكيم) ، فبعزّته يقوم على كلّ شيء ، وبحكمته يعدل فيه. وبالجملة ، لمّا كان تعالى هو المبدأ الذي يبتدئ منه وجود كلّ شيء وأوصافه وآثاره لا مبدأ سواه إلّا وهو ينتهي إليه ، فهو القائم على كلّ شيء من كلّ جهة بحقيقة القيام الذي لا يشوبه فتور وخلل ، وليس ذلك لغيره قطّ إلّا بإذنه بوجه ، فليس له تعالى إلّا القيام من غير ضعف وفتور ، وليس لغيره إلّا أن يقوم به ، فهناك حصران : حصر القيام عليه ، وحصره على القيام ، وأوّل الحصرين هو الذي يدلّ عليه ، كون القيّوم في الآية خبرا بعد خبر للّه (اللّه القيّوم) ، والحصر هو الذي تدلّ عليه الجملة التالية ، أعني قوله : «لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ» . وقد ظهر من هذا البيان أنّ اسم القيّوم أُمّ الأسماء الإضافية الثابتة له تعالى جميعا ، وهي الأسماء الّتي تدلّ على معانٍ خارجة عن الذات بوجه ، كالخالق والرازق ، والمُبدئ والمعيد ، والمحيي والمميت ، والغفور والرحيم والودود ، وغيرها» . (83) «يا غافر الذنب» الغفر هو الستر ، فكأنّه بعد أن دعا اللّه سبحانه بأسمائه المباركة (الحليم والكريم والحيّ والقيّوم) ، استشفع لديه بهذه الأوصاف الجميلة المقتضية لعطائه وإنجاح طلبة العبد ، حلمه يطلب عدم الاستعجال في العقوبة ، وكرمه يطلب الإعطاء المستمرّ الدائم قبل المسألة وبعدها ، وحيائه الواقعية الذاتية تبيّن قدرته وعلمه المحيطان بما سواه ، وقيموميته تطلب نصبه تعالى نفسه الكريمة للتدبّر والتربية والمراقبة والقدرة والإحاطة العلمية ، فهو يعلم ضعف عبده ومسكنته وحاجته. فلا يبقى مانع من عطائه تعالى وإنجاحه مطلوب عبده وإعطائه طلبته ، إلّا أعمال عبده الوازعة عن شمول فيضه تعالى إيّاه ، واستجابة دعوته وذنوب الداعي الحجر الأساسي والسبب الأصلي للمنع ، كما في الدعاء : «إلهي ألبستني الخطايا ثوب مذلّتي ، وجلّلني التباعد منك لباس مسكنتي» ، (84) وكما في كلام أمير المؤمنين عليه السلام «لا يرجونّ أحدٌ منكم إلّا ربّه ولا يخافنّ إلّا ذنبه» . (85) الأعمال القبيحة من العبد هي الّتي تمنعه عن درك عيوبه ونقائصه ونواقصه وأمراضه المعنوية ، وعن الوقوف على حوائجه المعنوية ، وعن الاطّلاع على ضعفه ومسكنته ، كما منعته عن معرفة الربّ وجلاله وجماله ومعرفة أوليائه ، وهي الّتي تمنعه عن الندم على ما فرّط والتوبة عمّا ارتكب ، والخلاص عمّا وقع فيه ، والوقوف على الصراط المستقيم ، إلخ ... . فلمّا تبيّن عموم الرحمة الإلهيّة من الحلم والكرم والحياة والقيومية ، شرع في رفع الموانع والحجب ، فقال : «يا غافر الذنب». غفران الذنب من دون توبة ، كما في قوله تعالى : «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ » ، (86) وفي الزيارة الجامعة : «واجعل صلاتنا عليكم وما خصّنا به في ولايتكم ، طيبا لخلقنا ، وطهارةً لأنفسنا ، وتزكيةً لنا ، وكفّارةً لذنوبنا». الذنب : قال الراغب : «ذنب الدابّة وغيرها معروف ، ويعبّر عن المتأخّر والرذل ، يقال : هم أذناب القوم... والذنب في الأصل : الأخذ بذنب الشيء ، يقال ذنبته ؛ أصبت ذنبه ، ويستعمل في كلّ فعل يستوخم عقباه اعتبارا بذنب الشيء... قال تعالى : «فَأَخَذَهُمُ اللّه ُ بِذُنُوبِهِمْ » ، (87) وقال : «فَكُلاًّ أَخَذْنا بِذَنْبِهِ » ، (88) فقال : «وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّه ُ » (89) ». (90) ولعلّ ذلك هو المراد من قوله تعالى : «إِنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللّه ُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ » ، (91) أي ليغفر بالفتح المبين لك ما تقدّم من أعمالك الّتي لها عواقب وخيمة عند الناس. الغفر : إلباس ما يصونه عن الدنس... والمغفرة من اللّه هو أن يصون العبد من أن يمسّه العذاب... والمَغفَر بيضة الحديد ، والغفارة : خرقة تستر الخمار أن يمسّه دهن الرأس ، غفرانك ربّنا، ومغفرة من ربّكم، ومن يغفر الذنوب إلاّ اللّه . وقد يقال : غفر له إذا تجافى عنه. (92) الذنوب لها آثار كثيرة معنوية ومادّية ، وتسمّى الآثار الوضعيّة حتّى تحلّ الإنسان معاصيه إلى حدّ الختم والطبع والكفر ، وتحلّ به النعم المادّية كفّارةً لذنوبه (إن كان مؤمنا) . وقد بُحث حول هذه الآثار في الميزان . (93) وتدلّ على آثار المعاصي الآيات والأخبار الكثيرة ، فإن جعلنا الذنوب قسمين : الجوارحية والجوانحية لتشمل الإيمان والكفر والصفات الرذيلة النفسانية ، لا بعد فيه. والاستغفار : طلب الغفر من اللّه تعالى ، والآيات والأحاديث في الاستغفار وكونه واجبا ومستحبّا وفي آثاره وعواقبه ، كثيرة جدّا ، ولا بأس بنقل نبذ منها : «الاستغفار يزيد في الرزق» ، (94) «من أكثر الاستغفار جعل اللّه له من كلّ همّ فرجا ، ومن كلّ ضيق مخرجا ، ويرزقه من حيث لا يحتسب» ، (95) «إنّ من أجمع الدعاء الاستغفار» ، (96) «الاستغفار يمحو الأوزار» ، (97) «إدفعوا أبواب البلايا بالاستغفار» ، (98) «تعطّروا بالاستغفار ؛ لا تفضحكم روائح الذنوب» ، (99) «أفضل التوسّل الاستغفار» ، (100) «من كثرت همومه فعليه بالاستغفار» ، (101) «ألا إنّ داءكم الذنوب ودواؤكم الاستغفار» ، (102) «كان في الأرض أمانان من عذاب اللّه ، وقد رُفع أحدهما فدونكم الآخر فتمسّكوا به ، أمّا الأمان الذي رُفع فهو رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأمّا الأمان الباقي فالاستغفار ، قال اللّه تعالى : «وَما كانَ اللّه ُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللّه ُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ » . (103) «يا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ » . (104) «فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفّاراً * يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً » . (105) «كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ » (106) «سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ » ، (107) الاستغفار طلب الغفران منه تعالى ، وهو توبة أو طلب بعد التوبة. «قابل التوب» قال سبحانه : «غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ » . (108) «إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّه ِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللّه ُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللّه ُ عَلِيماً حَكِيماً* وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الآْنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً » . (109) «وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ » . (110) «ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ » . (111) استُعمل الجهالة في القرآن الكريم في موارد متعدّدة بمعنى السعة ، كقوله تعالى : «هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ » . (112) «وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً » (113) «أَعُوذُ بِاللّه ِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ » . (114) «وَلَوْ شاءَ اللّه ُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ » (115) «إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ » . (116) «يا عظيم المنّ» أي يا عظيم الإحسان ، قال تعالى : «لَقَدْ مَنَّ اللّه ُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ » (117) «وَلَقَدْ مَنَنّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى » (118) «هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ » (119) «يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللّه ُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ » (120) «لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَْذى » . (121) هو سبحانه عظيم إحسانه الماديّ والمعنويّ ، وإن كان الإنسان لا يلتفت إلى نعمه وآلائه تعالى ، بل لو فكر أيضا قد لا يدرك ولا يعقل ، ولو أحصاها لا يقدر ، لا سيّما في النعم المعنوية من معرفة الحقّ تعالى وأوليائه عليهم السلام وهدايته وحفظه... . «يا قديم الإحسان» حين لم يكن الإنسان شيئا مذكورا ولا موجودا ترابيّا ، لم يكن يقدر على شيء ، فاللّه سبحانه أحسن إليه ، حتّى صار شيئا مذكورا منيّا يُمنى ، ثمّ علقة ومضغة وجنينا وحيّا ، حتّى خرج إلى الدنيا ضعيفا عاجزا مهينا ، فعطف اللّه سبحانه عليه قلوب الحواضن والأُمّهات الرواحم ، فحفظوه و ربّوه وغذوه... ، ثمّ هداه وعلّمه وفهّمه... . يستشفع إلى اللّه بعظيم منّه وقديم إحسانه ، ثمّ قال : «أين سترك الجميل ؟» إنّ اللّه سبحانه يحيط بأعمال عباده ، وهو أقرب إلى عبده من حبل الوريد ، بل يحول بين المرء وقلبه ، ولا يخفى عليه مثقال ذرّة في السماوات والأرض ، وهو يرى ويشاهد فضائح أعمالهم و نيّاتهم ، ويستر عليهم ولا يفضحهم سترا جميلاً ، ولعلّ المراد بالستر الجميل الستر بالعفو ، كما في قوله عليه السلام : «سترتني بعفوك» ، (122) أو ستر العافية ، كما في قوله عليه السلام «استرني بستر عافيتك» . (123) «أين عفوك الجليل ؟» يصف عفوه سبحانه بالجليل ؛ لأنّ عفوه يشمل الخطايا الجليلة ، كما في الصحيفة : «عالم بأنّ العفو عن الذنب العظيم لا يتعاظمك ، وأنّ التجاوز عن الإثم الجليل لا يتصعّبك» . (124) «أين فرجك القريب ؟» الفرج _ بفتحتين _ : اسم من فرّج اللّه الغمّ بتشديد كشفه ، وفي الصحيفة : «وإغاثتك قريبة من المستغيثين» ، (125) ولعلّ القرب من أجل أنّه عالم بما حلّ على عبده وقادر على رفعه ، وبيده أزمّة الأُمور ، وبإرادته تنكشف الشدائد ، فلا يحتاج الفرج إلى مدّة و زمان ، «إِنَّ رَحْمَتَ اللّه ِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ » . (126) «أين غياثك السريع ؟» الغوث : الإعانة والنصرة ، والغياث : ما أغاثك اللّه به ، والغوث يقال في النصرة ، والغيث في المطر : «أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّه ِ قَرِيبٌ » ، (127) وفي الدعاء : «وإغاثتك قريب من المستغيثين» . (128) «أين رحمتك الواسعة ؟» قال سبحانه : «وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ » (129) و «رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا » (130) ومن أسمائه سبحانه «الواسع» : «إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ » . (131) «أين عطاياك الفاضلة ؟ أين مواهبك الهنيئة ؟ أين صنائعك السنية ؟ » ، الفاضلة : الزائدة . الهنيء : أي ما كان بغير مشقّة . الصنائع : الإحسان ، والواحد صنيعة . والسنية : الرفيعة. «أين فضلك العظيم ؟ أين منّك الجسيم ؟ أين إحسانك القديم ؟ أين كرمك يا كريم ؟» فلأنّه _ صلوات اللّه عليه وعلى آبائه وأبنائه _ يستعجل في إجابة دعائه في الستر الجميل بعفوه وعافيته ، والعفو عن الجرائم العظيمة بعفوه الجليل ، وفي التفريج عنه همومه وغمومه _ المادّي والمعنوي _ بفرجه القريب ، وفي إغاثته فيما أصابته من الملمّات والشدائد ، و في أن يرحمه برحمته الواسعة ، ويعطيه العطايا الفاضلة الجليلة ، ويتفضّل عليه بفضله العظيم ويحسن إليه بمنّه الجسيم.

.


1- . ليس في الإقبال «أين صنائعك» إلى «إحسانك القديم» .
2- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 129 .
3- . مستدرك سفينة البحار : ج 2 ص 266.
4- . اُنظر : بحار الأنوار : ج 4 ص 193 .
5- . نهج البلاغة : الحكمة 424 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 1 ص 95 .
6- . الأمالي للصدوق : ص 711 ، بحار الأنوار : ج 10 ص 218 .
7- . الخصال : ص 4 ، روضة الواعظين : ص 5 ، مشكاة الأنوار : 382 ، انظر : بحار الأنوار : ج 2 ص 46 .
8- . الكافي : ج 2 ص 111 ، مشكاة الأنوار : ص 379 ، واُنظر : بحار الأنوار : ج 2 ص 46 .
9- . الكافي : ج 8 ص 55 ، بحار الأنوار : ج 75 ص 312 .
10- . عيون الحكم والمواعظ : ص 407 .
11- . الكافي : ج 2 ص 231 ، بحار الأنوار : ج 64 ص 271 .
12- . كنز العمّال : ج 3 ص 132 ح 5829 .
13- . تحف العقول : ص 80 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 74 ص 208 .
14- . نهج البلاغة : الحكمة 331 ، عيون الحكم والمواعظ : ص 434 .
15- . عيون الحكم والمواعظ : ص 51 ، بحار الأنوار : ج 75 ص 122 ، كنز العمّال : ج 16 ص 269 ح 44400 .
16- . تحف العقول : ص 93 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 68 ص 428 .
17- . عيون الحكم والمواعظ : ص 428 .
18- . ميزان الحكمة : ج 1 ص 686 .
19- . عيون الحكم والمواعظ : ص 24 .
20- . الكافي : ج 1 ص 36 ، تحف العقول : 356 ، بحار الأنوار : ج 75 ص 269 .
21- . عيون الحكم والمواعظ : ص 24 .
22- . غرر الحكم : ح 2086 .
23- . نهج البلاغة : الحكمة 418 .
24- . ميزان الحكمة : ج 1 ص 686 .
25- . جامع الأخبار : ص 319 ح 896 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 68 ص 425 .
26- . تحف العقول : ص 16 .
27- . نهج البلاغة : الحكمة 207 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 68 ص 405 .
28- . عيون الحكم والمواعظ : ص 444 .
29- . المصدر السابق : ص 239 .
30- . غرر الحكم : ج 3 ص 74 ، مشكاة الأنوار : ص 379 ، اُنظر : بحار الأنوار : ح 2 .
31- . الأمالي للصدوق : ص 237 ، بحار الأنوار : ج 68 ص 420 ، وج 70 ص 263 .
32- . الحجرات : 13.
33- . الشعراء : 7 .
34- . الشعراء : 58 .
35- . الواقعة : 77 .
36- . مفردات الفاظ القرآن : ص 428 .
37- . مسند ابن حنبل : ج 2 ص 365 ، نزهة الناظر : ص 18 و 26 .
38- . تحف العقول : ص 225 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 75 ص 102 .
39- . الخرائج والجرائح : ج 1 ص 238 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 44 ص 89 .
40- . تحف العقول : ص 319 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 75 ص 232 .
41- . غرر الحكم : ح 477 ، 1695 ، 2071 ، 2615 ، 6044 ، 6224 ، 10993 .
42- . عيون الحكم والمواعظ : ص 31 .
43- . عيون الحكم والمواعظ : ص 44 .
44- . غرر الحكم : ح 1297 ، 1761 ، 1450 .
45- . المصدر السابق .
46- . عيون الحكم والمواعظ : ص 178 .
47- . المصدر السابق : ص 50 .
48- . المصدر السابق ص 84 .
49- . نهج البلاغة : الحكمة 449 ، عيون الحكم والمواعظ : 427 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 67 ص 78 .
50- . غرر الحكم : ح 9100.
51- . تحف العقول : ص 80 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 74 ص 208 .
52- . تحف العقول : ص 81 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 74 208 .
53- . الدرّة الباهرة : ص 30 ، نزهة الناظر : ص 93 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 75 ص 142 .
54- . عيون الحكم والمواعظ : ص 22 .
55- . تحف العقول : 204 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 75 ص 41 .
56- . عيون الحكم والمواعظ : ص 55 .
57- . غرر الحكم : ح 1823 .
58- . المصدر السابق : ج 1 ص 14 ح 19. الأبلج : الواضح . الملهوج : غير محكم .
59- . غرر الحكم : ح 1996 .
60- . عيون الحكم والمواعظ : ص 18 .
61- . غرر الحكم : ح 1389 .
62- . المصدر السابق : ج 2 ص 404 ح 1568 .
63- . المصدر السابق : ج 1 ص 321 ح 1225 .
64- . المصدر السابق : ج 1 ص 60 ح 1601 .
65- . عيون الحكم والمواعظ : ص 26.
66- . غرر الحكم : ح 2033 .
67- . المصدر السابق: ج 2 ص 115 ح 2031 و2032.
68- . المصدر السابق : ج 2 ص 125 ح 2068 و 2069 .
69- . غرر الحكم : ح 2071 .
70- . آل عمران : 2 .
71- . الفرقان : 58 .
72- . غافر : 65.
73- . الحديد : 17 .
74- . الأنبياء : 30 .
75- . الرعد : 26.
76- . الأنعام : 32 .
77- . الحديد : 20.
78- . العنكبوت : 64.
79- . الفرقان : 58 .
80- . اُنظر : الميزان في تفسير القرآن : ج 2 ص 330 _ 331 .
81- . الرعد : 33 .
82- . آل عمران : 18 .
83- . الميزان في تفسير القرآن : ج 2 ص 331.
84- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 182 .
85- . نهج البلاغة : الحكمة 82 .
86- . النساء : 31 .
87- . آل عمران: 11 .
88- . العنكبوت : 40.
89- . آل عمران : 135.
90- . مفردات الفاظ القرآن : ص 181.
91- . الفتح : 1 و 2 .
92- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 362 .
93- . اُنظر : الميزان في تفسير القرآن : ج 4 ص 52 .
94- . الخصال : ص 505 ، روضة الواعظين : ص 455 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 73 314 .
95- . عدّة الداعي : ص 249 .
96- . بحار الأنوار : ج 90 283 .
97- . غرر الحكم : ح 342 .
98- . مستدرك الوسائل : ج 5 ص 318 ح 5980 .
99- . أمالي الطوسي : ص 372 ح 809 ، انظر : بحار الأنوار : ج 6 ص 22 .
100- . غرر الحكم : ح 2887 .
101- . الكافي : ج 8 ص 93 ح 65 .
102- . الترغيب والترهيب : ج 2 ص 468 ح 4 ، كنز العمّال : ج 1 ص 479 ح 2092.
103- . الأنفال : 33 ، اُنظر : نهج البلاغة : الحكمة 88 .
104- . هود : 3 .
105- . نوح : 10 _ 12 .
106- . الذاريات : 17 _ 18 .
107- . يوسف : 98 .
108- . غافر : 3 .
109- . النساء : 17 و 18 .
110- . الأنعام : 54 .
111- . النحل : 119 .
112- . يوسف : 89 .
113- . الفرقان : 63 .
114- . البقرة : 67 .
115- . الأنعام : 35 .
116- . هود : 46.
117- . آل عمران : 164.
118- . طه : 37.
119- . ص : 39 .
120- . الحجرات : 17 .
121- . البقرة : 264 .
122- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 32 .
123- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 31 .
124- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 12.
125- . المصدر السابق : الدعاء 46 .
126- . البقرة : 186 .
127- . البقرة : 214.
128- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 46 .
129- . الأعراف : 156 .
130- . غافر : 7 .
131- . النجم : 32.

ص: 88

. .

ص: 89

. .

ص: 90

. .

ص: 91

. .

ص: 92

. .

ص: 93

. .

ص: 94

. .

ص: 95

. .

ص: 96

. .

ص: 97

. .

ص: 98

. .

ص: 99

بِهِ (1) فَاستَنقِذني وبِرَحمَتِكَ فَخَلِّصني «110 »يا مُحسِنُ يا مُجمِلُ «111 » يا مُنعِمُ يا مُفضِلُ «112 » لَسنا نَتَّكِلُ (2) فِي النَّجاةِ مِن عِقابِكَ عَلى أعمالِنا «113 »بَل بِفَضلِكَ عَلَينا لِأَنَّكَ أهلُ التَّقوى وأهلُ المَغفِرَةِ «114 »

أي أُقسم عليك بك ، كما في دعاء كميل : «أسألك بحقّك وقدسك وأعظم صفاتك وأسمائك» ، أو يكون الباء للسببيّة ، أي بسببك وشفاعتك وبسبب محمّد وآل محمّد وشفاعتهم . «فاستنقذني» من أنقذ الغريق ؛ أي نجّاه وخلّصه ، والمتعلّق محذوف ، والقرائن تشهد على المراد ، يعني من الذنوب والآثام والهوى وسائر ما يبتلى به الإنسان من الميول والغرائز ، ولا يخفى أنّ ذلك كسائر المقام في اعترافهم بالمعاصي والآثام ، وتضرّعهم وابتهالهم في النجاة من الهلكة من ترك الأولى ممّا يعدّ إثما لهم وعصيانا ، و حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين . «وبه وبهم وبرحمتك فخلّصني» أي أُقسم عليك بمحمّد وآله (صلّى اللّه عليه وعليهم) وأُقسم عليك برحمتك ، أو استشفاعا به وبهم وبرحمتك فخلّصني. المحسن : هو فاعل الحسن ، ومنه الإحسان إلى عبيده ، وقد استُعمل في القرآن الكريم بهذا المعنى ، قال سبحانه : «بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للّه ِِ وَهُوَ مُحْسِنٌ » . (3) المجمل : هو فاعل الجميل ، ومنه العفو والمغفرة ، من أجمل الصنيعة أي حسّنها وكرّها. المنعم : من أنعم ، أي أفضل وزاد. المفضل من أفضل عليه ، أي تطوّل وأحسن وأناله من فضله المتفضّل ، أو شطرا أو معنوّيا . «لسنا نتّكل في النجاة من عقابك على أعمالنا» ، وفي الحديث : «من حوسب فقد عُذّب» ، (4) العقاب هو الناشئ عن المعاصي بارتكاب المنهيّات أو ترك الواجبات ، والنجاة منه بالأعمال الصالحات ، لا يمكن أن يتّكل عليها ؛ لنقص الأعمال أوّلاً ، ومقارنتها بالموانع _ كارتكاب المعاصي أو الرياء والسمعة أو المنّ _ ثانيا ، وعدم المساواة بين المعاصي والصالحات ؛ لأنّ الصالحات تحقّقت بتوفيقه تعالى وحوله وقوّته وعدم حصول نفع منه له تعالى ، فلا يقابل بما ارتكب من الجرم ، فمع ذلك كلّه كيف يتّكل العبد العارف بأعماله في النجاة إلّا بفضله تعالى ؛ لأنّه تعالى أهل لئن يُتّقى منه تعالى ، وهو أهل لئن يَغفر ، وهاتان الجهتان توجبان الخوف والرجاء.

.


1- . في نسخة : «به وبمحمّد وآل محمّد» .
2- . في المصدر : «لست أتّكل» ، وما في المتن أثبتناه من بعض النسخ الخطّية للمصدر ، وكذلك في الإقبال .
3- . البقرة : 112 ، النساء : 125 ، لقمان : 22 .
4- . مسند ابن حنبل : ج 6 ص 108 ، صحيح البخاري : ج 1 ص 34 ، سنن الترمذي : ج 5 ص 106 ، بحار الأنوار : ج 7 ص 263 .

ص: 100

. .

ص: 101

تُبدِئُ بِالإِحسانِ نِعَما وتَعفو عَنِ الذَّنبِ كَرَما «115 »فَما نَدري ما نَشكُرُ «116 » أجَميلَ ما تَنشُرُ أم قَبيحَ ما تَستُرُ؟«117 »أم عظيم ما أبليت وأوليت ؟ أم كثير ما منه نجيّت وعافيت ؟«118 »

أي تبدأ بالإحسان والإنعام قبل المسألة ، إذ هو سبحانه خلقنا ولم نكُ شيئا مذكورا ، وقرّرنا في الأرحام في حُجبٍ ثلاث ، وغذّانا فيها من الدم الموجود والمتكوّن في الأُم حتّى تمّ خلقنا ، وأخرجنا إلى الدنيا وصيّر الدم لبنا مريّا ، وعطف علينا قلوب الحواضن والأُمّهات الرواحم ، وعلّمهنّ كيف يغذين ، وكيف يحفظن ، وكيف ينظّفن ، وعلّمنا كيف نجهر بحاجتنا ، ثمّ كيف نمصّ اللبن ونزدرد ، ثمّ علّمنا طريق جذب المنافع ودفع المضارّ ... كلّ ذلك كان قبل المسألة ، والآن أيضا يعطينا ، ويحسن إلينا نعما مع غفلتنا عنها وغفلتنا عن حاجتنا إليها ، نعما لا تُحصى ولا تعدّ ، ولا نلتفت إليها إلّا بعد فقدانها. وتعفو عن الذنب بكرمك _ بأيّ معنى الكرم أردنا _ مع القدرة على العقوبة ، فما ندري أيّ شيء نشكر ، هل نشكر جميل ما تستر ، إنّ اللّه سبحانه ينشر من المؤمن فضائله ، وفواضله وكلّ جميل ، وإن هو أراد الإخفاء فيما كان من أفعاله حفظا للإخلاص ، فهذا التاريخ والتراجم والحديث مملوءة من الثناء الجميل على الكرماء والمحسنين ، حتّى ما فعلوه في خلواتهم في دياجي الظلم ، من أفعالهم وعباداتهم. قال أمير المؤمنين عليه السلام في دعاء كميل : «وكم من ثناءٍ جميل لست أهلاً له نشرت» ، ينشر عنه ما لا يرى نفسه أهلاً لذلك ، وهذا أيضا من إحسانه تعالى إلى الإيمان أن يوقفه على عيوب نفسه وأعماله حتّى لا يُبتلى بالعُجب المهلك ، وهؤلاء أنبياء اللّه سبحانه وأولياؤه المعصومون يبكون ويضجّون إليه ويصرخون ويستغفرون لما يرون في أنفسهم من العيوب وفي أعمالهم من الآثام ، نعم حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين . قال الحسين عليه السلام : «ابتدأتني بنعمتك قبل أن أكون شيئا مذكورا ، خلقتني من التراب ، ثمّ اسكنتني الأصلاب ، آمنا لريب المنون ، واختلاف الدهور والسنين ، فلم أزل طاعنا من صلبٍ إلى رحم ، في تقادم الأيّام الماضية والقرون الخالية ، لم تخرجني لرأفتك بي ولطفك لي وإحسانك في دولة أيّام الكفرة...» . (1) «أبليت» من البلاء أي الامتحان والاختبار ، قال القُتيبي : «يقال من الخير : أبليته أبليه إبلاء ، ومن الشرّ : بلوته أبلوه بلاءً ، والمعروف أنّ الابتلاء يكون في الخير والشرّ معا من غير فرق بين فعليهما ، ومنه قوله تعالى : «وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً » (2) ...» . (3) الإبلاء : الإنعام والإحسان ، يقال : بلوت الرجل وأبليت عنده بلاءً حسنا ، (4) وفي الدعاء التاسع والأربعين : «وأُبليت الجميل فعصيت ،» أي أعطيت وأنعمت بالجميل ، من أبلاه الخير إذا أعطاه ، ومنه قوله تعالى : «وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً » ، (5) قال المفسّرون : «أي ليعطيهم من عنده عطاءً حسنا غير مشوب بالمكاره والشدائد» . (6) «وأوليت» كمن أولى معروفا أي صنعه ، وفي الدعاء : «ولا تجعلني ناسيا لذكرك فيما أوليتني ، ولا غافلاً لإحسانك فيما أبليتني» ، (7) أوليتني : أي أعطيتني ، الإبلاء : الإنعام . «أم كثير ما منه نجيّت» أي الشدائد والفتن المادّية والمعنوية ، «وعافيت» أي سلّمت وخلّصت.

.


1- . الإقبال : ج 2 ص 74 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 57 ص 372 .
2- . الأنبياء : 35 .
3- . اُنظر : بحار الأنوار : ج 69 ص 331 .
4- . اُنظر : النهاية : ج 1 ص 153 .
5- . الأنفال : 17.
6- . اُنظر : تفسير غرائب القرآن ، رغائب الفرقان : ج 2 ص 432 .
7- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 41 .

ص: 102

. .

ص: 103

يا حَبيبَ مَن تَحَبَّبَ إلَيكَ «120 » ويا قُرَّةَ عَينِ مَن لاذّ بِكَ وَانقَطَعَ إلَيكَ «121 »أنتَ المُحسِنُ ونَحنُ المُسيؤونَ «122 »فَتَجاوَز يا رَبِّ عَن قَبيحِ ما عِندَنا بِجَميلِ ما عِندَكَ «123 »وأيُ جَهلٍ يا رَبِّ لا يَسَعُهُ جودُكَ «124 »أو أيُ زَمانٍ أطوَلُ مِن أناتِكَ «125 » وما قَدرُ أعمالِنا في جَنبِ نِعَمِكَ «126 »وكَيفَ نستكثره أعمالاً نُقابِلُ بِها كَرَمَكَ «127 »بَل كَيفَ يَضيقُ عَلَى المُذنِبينَ ما وَسِعَهُم مِن رَحَمَتِكَ «128 »

«تحبّب» مضى الكلام في محبّة اللّه تعالى وما قيل أو يقال ، ولكنّ الكلام هنا في كيفية حبّ الإنسان المادّي للّه ، وكيفية حبّ اللّه عبده ، وأنّ الإسلام لم يمنع عن الحبّ ، حتّى حبّ المادّيات ، بل جعل من الواجبات القلبية حبّ اللّه تعالى وحبّ من يحبّه ويطيعه ، وحبّ كلّ شيء لأجله. تقدّم أنّ حبّ العبد للّه تعالى كما ذكره الفيض رضى الله عنه أمر ممكن ، بل من أعلى مراتب العرفان والتوحيد ، كما في دعاء كميل : «يا غاية آمال العارفين ويا حبيب قلوب الصادقين ، لئن تركتني ناطقا لأضجنّ إليك بين أهلها ضجيج الآملين ، ولأصرخنّ إليك صراخ المستصرخين ، ولأبكينّ عليك بكاء الفاقدين ، ولأُنادينك أين كنت يا وليّ المؤمنين» ، وفي دعاء عرفة لل حسين عليه السلام : «وأنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أحبّائك حتّى لم يحبّوا سواك ، ولم يلجؤوا إلى غيرك» ، وقال : «وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبّك نصيبا» ، وفي المناجاة : «إلهي من ذا الذي ذاق حلاوة محبّتك فرام منك بدلاً» ، وفي الشعبانية : «وإن أدخلتني النار أعلمت أهلها أنّي أُحبّك» ، وفي الصحيفة السجّادية : «وفرّغ قلبي لمحبّتك» . (1) وقال سبحانه : «فَسَوْفَ يَأْتِي اللّه ُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ » ، (2) وقال : «يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّه ِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للّه ِ » . (3) كما أنّ اللّه سبحانه يحبّ الذين ذكرهم في القرآن : «إِنَّ اللّه َ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ » (4) «وَاللّه ُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ » (5) «إِنَّ اللّه َ يُحِبُّ التَّوّابِينَ » (6) «فَإِنَّ اللّه َ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ » (7) «وَاللّه ُ يُحِبُّ الصّابِرِينَ » (8) «إِنَّ اللّه َ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ » (9) «إِنَّ اللّه َ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ » (10) «وَاللّه ُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ » (11) «إِنَّ اللّه َ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ » (12) «إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّه َ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّه ُ » . (13) ولا يحبّ اللّه أقواما ذكرهم في القرآن : «إِنَّ اللّه َ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ » (14) «وَاللّه ُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ » (15) «وَاللّه ُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفّارٍ أَثِيمٍ » (16) «فَإِنَّ اللّه َ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ » (17) «وَاللّه ُ لا يُحِبُّ الظّالِمِينَ » (18) «لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً » (19) «إِنَّ اللّه َ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوّاناً أَثِيماً » (20) «وَاللّه ُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ » (21) «إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ » (22) «إِنَّ اللّه َ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ » (23) «إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ » (24) «إِنَّ اللّه َ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوّانٍ كَفُورٍ » (25) «إِنَّ اللّه َ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ » (26) «إِنَّ اللّه َ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ » . (27) قال المجلسي رضى الله عنه في معنى حبّه تعالى لعبده : «فلأنّ حبّ اللّه تعالى ليس إلّا كثرة الثواب والتوفيق و الهداية المترتّبة على كثرة الطاعة والاتّصاف بالصفات الحسنة ، كما بُرهن في محلّه أنّه تعالى منزّه عن الانفعالات والتغيّرات ، وإنّما اتّصافه بالحبّ والبغض وأمثالهما باعتبار المقامات... فظهر أنّ حبّه تعالى يترتّب على متابعة الرسول ، فثبت أنّه صلى الله عليه و آله أفضل من جميع الخلق» . (28) أقول : كلّ صفة تنسب إليه تعالى تؤخذ بما لها من المفهوم ، مع تنزيهه تعالى عمّا يلزم هذه الصفة من النواقص ، ويترتّب عليها آثارها كما ذكره قدس سره . ومن الوظائف القلبية حبّ أولياء اللّه تعالى وبغض أعدائه ، والحبّ في اللّه والبغض في اللّه ، وفي الحديث : «إنّ من أوثق عرى الإيمان : أن تحبّ في اللّه وتبغض في اللّه ، وتعطي في اللّه ، وتمنع في اللّه » ، (29) وفيه : «من أحبّ كافرا فقد أبغض اللّه » ، (30) وفيه : «إذا أردت أن تعلم أنّ فيك خيرا ، فانظر إلى قلبك ، فإن كان يحبّ أهل طاعة اللّه عزّ وجلّ ويبغض أهل معصيته ، ففيك خير واللّه يحبّك ، وإذا كان يبغض أهل طاعة اللّه ويحبّ أهل معصيته ، ليس فيك خير واللّه يبغضك ، والمرء مع من أحبّ» ، (31) وفيه : «لا يؤمن عبد حتّى أكون أحبّ إليه من نفسه ، ويكون عترتي أحبّ إليه من عترته ، ويكون أهلي أحبّ إليه من أهله ، وذاتي أحبّ إليه من ذاته» . (32) قال العلّامة المجلسي رحمه الله : «إنّ محبّة المقرّبين لأولادهم وأقربائهم وأحبّائهم ليس من جهة الدواعي النفسانية والشهوات البشرية ، بل تجرّدوا عن ذلك وأخلصوا حبّهم للّه » . (33) فاللّه سبحانه يحبّ : المحسنين ، والتوّابين ، والمتطهّرين ، والمتّقين ، والصابرين ، والمتوكّلين ، والمقسطين ، والمطهرّين ، والمقاتلين في سبيله صفّا كأنّهم بنيان مرصوص ، والذين يتّبعون رسول اللّه صلى الله عليه و آله . ولا يحبّ : المعتدين ، وكلّ كفّارٍ أثيم ، والكافرين ، والظالمين ، ومن كان مختالاً فخورا ، ومن كان خوّانا أثيما ، والمفسدين ، والمسرفين ، والخائنين ، والمستكبرين ، وكلّ خوّان كفور ، والفرحين. فالمتحبّب إلى اللّه هم الذين يتّصفون بالصفات الممدوحة ، ويتركون الصفات المذمومة. فاللّه سبحانه حبيب لمن تحبّب إليه ، ومن كان محبّا للّه تعالى يظهر ذلك في نيّاته وأعماله وأقواله ، يحبّ أولياء اللّه تعالى ويميل إليهم ، ويبغض أعداء اللّه ويتنفّر عنهم ، يعمل للّه ، ويحبّ اللّه ويبغض للّه ، ويحبّ العبادة ويلتذّ منها ، ويسهر بها ليله ويصبح ويمسي شائقا إليها ، فيذوق حلاوة العبادة وحلاوة المحبّة. «ويا قرّة عين من لاذ بك وانقطع إليك» ، يعني من انقطع إليه من الأسباب المادّية وعلم أن لا مؤثّر إلّا هو ، وغيره أسباب تتسبّب بلطفه ، كما في الدعاء : «يا من تسبّبت بلطفه الأسباب» ، وفي الدعاء أيضا : «اللّهمّ هب لي كمال الانقطاع إليك ، وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك» ، وقال : «اللّهمّ صن وجهي باليسار ، و لا تبتذل جاهي بالاقتار ، فأسترزق أهل رزقك وأستعطي شرار خلقك ، فأفتتن به حمد من أعطاني ، وأبتلي بذمّ من منعني ، وأنت من دونهم وليّ الإعطاء والمنع» ، فأحسّ بالاطمئنان والاستغناء عن الناس والعزّ بعزّته تعالى ، وانقطع عنه الهموم والغموم وتخلّى عن الشكاية إلى الناس ، صار اللّه سبحانه عنده ومعه ، ورأى نفسه في حصنه ، ولا يبقى له همّ إلّا همّ واحد ، وتخلّى من الهموم إلّا همّ واحدا تفرّد به . «أنت المحسن» في جميع أفعالك وإرادتك ، و«نحن المسيؤون» في ارتكاب المعاصي والغفلة عنك ، والإقبال إلى غيرك ، وحبّ ما لا تحبّه ، والإقبال إلى ما يسخطك ، وعدم الرغبة فيما رغبت فيه ، وعدم الشوق إلى ما شوّقت إليه ، وكفى معصية وإساءة في العبد أن يحبّ ما لا يحبّه مولاه ، ويرغب إلى خلاف مرضاته ، أو كفى في بعده ألّا يحبّ لقاءه ، وألّا يحبّ عبادته ومناجاته. «فتجاوز _ يا ربّ _ عن قبيح ما عندنا» من الأعمال والأقوال والنيّات والصفات الرذيلة ، «بجميل ما عندك» من العفو والصفح والإحسان. «وأيّ جهل لا يسعه جودك» يحتمل أن يكون الجهل هنا في مقابل العقل ، أي جهالة لا يسعه العفو عنه جودك ، يعني أنّ جودك أعظم من أن يمنعه جهلي في ارتكاب القبائح والأفعال السيّئة ، ويحتمل أيضا أن يكون المراد الجهل بمعنى عدم العلم ، أي أيّأعمال وقبائح نشأت عن جهلي وعدم معرفتي ومبلغ علمي يمنع جودك في الشمول بالنسبة إليّ؟ «وأيّ زمان أطول من أناتك» الأناة : الحلم والوقار ، أي لا يمنع عفوك وجودك طول زمان عصياني وطغياني وإساءتي ، أي قد يمنع الجواد من الجود عظم جهل الجاهل وسفهه وارتكابه السيّئات ، فجودك أعظم وأوسع من ذلك ، وقد يمنعه طول زمان الإساءة والتمادي في الطغيان ، فأناتك وحلمك أطول من ذلك. ولو أردت موازنة نعمك ومقابلتها مع أعمالنا الحسنة «وما قدر أعمالنا في جنب نعمك» حقّ يليق بالمعاوضة ، وتكون نعمك بقدر أعمالنا ، فلو فعلت ذلك لكنّا محرومين من كلّ نعمائك أو جلّها ، حاشا ثمّ حاشا ، ما هكذا الظنّ بك. «وكيف تستكثر» أي نعدّها ونراها كثيرا ، «أعمالاً نقابل بها كرمك» ، وهذا ممّا لا يكون ، «بل كيف يضيق على المذنبين ما وسعهم من رحمتك» ؛ لأنّ رحمة اللّه سبحانه سبقت غضبه «رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ » (34) و «كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ » ، (35) وقال تعالى : «وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضّالُّونَ » ، (36) وقال سبحانه : «قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّه ِ » ، (37) وقال تعالى : «رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً » ، (38) وقال تعالى : «وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) ، (39) وقال تعالى : «وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللّه ِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي » . (40) فإذا كان كذلك فكيف يضيق رحمته على المذنبين بألّا تُقبل توبتهم ويعذّبهم بعد التوبة.

.


1- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 21 .
2- . المائدة : 54 .
3- . البقرة : 165.
4- . البقرة : 95.
5- . آل عمران : 134 و 148 ، المائدة : 13.
6- . البقرة : 222.
7- . آل عمران : 76 ، التوبة : 4 .
8- . آل عمران : 146 .
9- . آل عمران : 156 .
10- . المائدة : 42 ، الحجرات : 9 ، الممتحنة : 8 .
11- . التوبة : 108 .
12- . الصف: 4 .
13- . آل عمران : 31.
14- . البقرة : 190 ، المائدة : 87 ، الأعراف : 55 .
15- . البقرة : 205.
16- . البقرة : 276.
17- . آل عمران : 32 ، الروم : 45.
18- . آل عمران: 57 و 140 ، الشورى: 40.
19- . النساء : 36 .
20- . النساء : 107.
21- . المائدة : 64 ، القصص : 77 .
22- . الأنعام : 141 ، الأعراف : 31.
23- . الأنفال : 58 .
24- . النحل : 22 .
25- . الحج : 38 .
26- . القصص : 76 .
27- . لقمان : 18 ، الحديد : 23 .
28- . بحار الأنوار : ج 38 ص 359 .
29- . الكافي : ج 2 ص 125 ، الأمالي للصدوق : ص 674 ، تحف العقول : ص 362 ، روضة الواعظين : ص 417 ، الأمالي للمفيد : ص 151 ، بحار الأنوار : ج 66 ص 236 .
30- . الأمالي للصدوق : ص 702 ، روضة الواعظين : ص 417 ، بحار الأنوار : ج 66 ص 237 .
31- . الكافي : ج 2 ص 127 ، علل الشرائع : ج 1 ص 117 ، مشكاة الأنوار : ص 217 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 66 ص 247 .
32- . الأمالي للصدوق : ص 414 ، روضة الواعظين : ص 271 ، المناقب للكوفي : ج 2 ص 134 ، مشكاة الأنوار : ص 153 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 17 ص 13 .
33- . بحار الأنوار : ج 12 ص 325 .
34- . الأنعام : 147 .
35- . الأنعام : 54 .
36- . الحجر : 56 .
37- . الزمر : 53 .
38- . غافر : 7 .
39- . الأعراف : 156 .
40- . العنكبوت : 23 .

ص: 104

. .

ص: 105

. .

ص: 106

. .

ص: 107

. .

ص: 108

يا واسِعَ المَغفِرَةِ «129 »يا باسِطَ اليَدَينِ بِالرَّحمَةِ «130 »فَوَعِزَّتِكَ يا سَيِّدي لَو نَهَرتَني ما بَرِحتُ مِن بابِكَ ولا كَفَفتُ عَن تَمَلُّقِكَ لِمَا انتَهى إلَيَ مِنَ المَعرِفَةِ بِجودِكَ وكَرَمِكَ «131 »وأنتَ الفاعِلُ لِما تَشاءُ «132 »تُعَذِّبُ مَن تَشاءُ بِما تَشاءُ كَيفَ تَشاءُ «133 »وتَرحَمُ مَن تَشاءُ بِما تَشاءُ كيفَ تَشاءُ «134 »لا تُسأَلُ عَن فِعلِكَ «135 » ولا تُنازَعُ في مُلكِكَ «136 »

«يا واسع المغفرة» الغفر : هو الصفح ، وأصله الستر كما في المصباح ، (1) والمغفرة اسم منه ، قال تعالى : «إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ » ، (2) وقال تعالى : «وَاللّه ُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ » ، (3) وقال تعالى : «وَاللّه ُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللّه ُ واسِعٌ عَلِيمٌ » ، (4) وقال تعالى : «وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ » (5) «وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ » . (6) فاللّه سبحانه على ما وصف نفسه الكريم هو غفور رحيم ، وهو واسع المغفرة ، أي الصفح والستر ، فهو يستر ذنوب العبد ولا يفضحه ، وفي الدعاء : «فكم من عائبة سترتها عليّ فلم تفضحني» (7) و«فكلنّا قد اقترف ... وارتكب الفاحشة فلم تفضحه» ، (8) و«لا تفضحنا لديك» ، (9) و«لا تفضحنا في حاضري القيامة» ، (10) و«تستر على من لو شئت فضحته» ، (11) و«وإذ لم تقمني مقام فضيحة في دنياك ، فلا تقمني مثله في آخرتك» . (12) وهو يسع مغفرته الناس ، فأيّ ذنب لا يسعه مغفرته إلّا من لجّ يوم القيامة وأنكر فيها وقال : «وَاللّه ِ رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ » ، (13) فحينئذٍ يختم اللّه على أفواههم وتكلّم أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ، (14) «حَتّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ » . (15) فنحن نستشفع إليه ، وأنّه واسع الصفح والستر في الدنيا والآخرة ، ونطلب منه الغفران وعدم الفضيحة في الدنيا والآخرة. «يا باسط اليدين بالرحمة» لعلّه إشارة إلى قوله تعالى : «بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ » ، (16) اليد مؤنّثة ، وهي من المنكب إلى أطراف الأصابع ، واليد : النعمة والإحسان ، ويد اللّه كناية عن الحفظ والدفاع (يد اللّه على الجماعة) ، اليد العليا خير من اليد السفلى ، أي المُعطية ، والسفلى السائلة ، وهذه يدي لك ؛ أي استسلمت . «وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّه ِ مَغْلُولَةٌ » ، (17) أي هو ممسك يقتر بالرزق أو فقير ، وغلّ اليد وبسطها مجاز عن البخل والجود : «غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا » ، دعاء عليهم بالبخل والنكد ، أو بالفقر والمسكنة ، أو بغلّ الأيدي حقيقة «بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ » ، ثنيّ اليد مبالغة في الردّ ونفي البخل عنه تعالى وإثباتا لغاية الجود ، فإنّ غاية ما يبذله أن يعطي بيديه ، فاستشفع عليه السلام بهذا الوصف إلى غاية جوده تعالى في الغفران والإعطاء. «فوعزّتك يا سيّدي لو نهرتني ما برحت عن بابك» نهره أي زَجَره ، قال سبحانه : «وَأَمَّا السّائِلَ فَلا تَنْهَرْ » ، (18) أي لا تزجره . أي لو دفعتني وطردتني عن بابك ما برحت ، أي مازلت من مكان ، من برح يبرح ، أي زال من مكانه. «ولا كففت عن تملّقك» أي لم أترك التملّق أي التودّد ، وفي النهاية : «ليس من خلق المؤمن الملق» ، هو بالتحريك أي الزيادة في التودّد . (19) من كلمات مولانا الباقر عليه السلام : «ليس من أخلاق المؤمن الملق والحسد إلّا في طلب العلم» (20) وعن النبي صلى الله عليه و آله : «ليس من أخلاق المؤمن الملق إلّا في طلب العلم» . (21) «إيّاك والملق ؛ فإنّ الملق ليس من خلائق الإيمان» ، (22) «إنّما يحبّك من لا يتملّقك ، ويثني عليك من لا يسمعك» ، (23) «ليس الملق من خلق الأنبياء» ، (24) «من كثر ملقه لم يعرف بشره» ، (25) «الثناء بأكثر من الاستحقاق ملق» . (26) «صاحب الاستطالة و الختل فذو خبّ وملق ، يستطيل على مثله في أشباهه ، ويتواضع للأغنياء من دونهم ، فهو لحلوانهم هاضم ، ولدينه حاطم ، فأعمى اللّه من هذا بصره ، وقطع من آثار العلماء أثره» . (27) قال العلّامة المجلسي رحمه الله : «الملق بالتحريك المداهنة والملاينة باللّسان والإعطاء باللسان ما ليس في القلب» . (28) وعلى كلّ حال ، التملّق خلق سيّئ إلّا في طلب العلم ، أو مع اللّه تعالى وللّه تعالى «وهو يظهر لي بشاشة الملق» (29) قال في العين : الملق ؛ الودّ واللطف الشديد ، قال : إيّاك أدعو فتقبّل ملقي ؛ أي دعائي وتضرّعي. (30) «لِمَا انتهى إليّ من المعرفة بجودك وكرمك» تعليل لعدم البراح من بابه وعدم الكفّ عن التملّق ، وليس المراد من الملق ما ذكره المجلسي رحمه الله من الإعطاء باللّسان ما ليس في القلب ؛ لأنّه نفاق ، وليس المراد من الملق نفي طلب العلم ذلك أيضا ، بل المراد التودّد والثناء الكثير بالحقّ والزيادة في الثناء بالحقّ. «وأنت الفاعل لما تشاء ، تعذّب من تشاء بما تشاء كيف تشاء» وأنت الفاعل لما تشاء ؛ لأنّه سبحانه عزيز لا يردّ إرادته شيء ، وعالم الخلق ملك له تعالى ، تعذّب من تشاء ؛ لأنّ من حوسب فقد عُذِّب إلّا من عصمه اللّه تعالى ، وكلّ مقصّر في حقّه تعالى : «كَلاّ لَمّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ » ، (31) أو تعذّب من تشاء ، كما في قوله تعالى : «أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً » . (32) «ترحم من تشاء بما تشاء كيف تشاء» أي أنّ الأمر إليك ، والقلوب بيدك ، والأسباب وآثارها لك وأنت مسبّبٍ الأسباب ، فأنت ترحم من تشاء برحمتك الواسعة ، وتهيّئ له أسباب الهداية ، بأيّ سبب شئت كيف شئت. «لا تُسأل عن فعلك ولا تُنازع في ملكك» قال سبحانه : «لا يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ » ، (33) ولعلّ المراد من عدم السؤال عدم المؤاخذة والعقاب ، هاتان الجملتان بيان لسهولة ما يطلبه من اللّه تعالى على اللّه تعالى ، وأنّه لا يكفّ عن التملّق ، بل إنّه تعالى قادر لما يطلبه وجواد وكريم. فعقّب ذلك بقوله تتميما : «ولا تشارك في أمرك، ولا تضادّ في حكمك، ولا يعترض عليك أحد في تدبيرك، لك الخلق والأمر، تبارك اللّه ربّ العالمين». يعني إنّك تفعل ما تشاء ، تعذّب من تشاء... وترحم من تشاء ، ولا يسئل عن فعلك ، فيقال : لِمَ وبِمَ ، «ولا تنازع في ملكك» ؛ لأنّه ليس له شريك ينازعه في تصرّفه في ملكه فيمنعه عن فعله ، «ولا تشارك في أمرك» أي يكون شريكا في أوامرك ونواهيك ، ويحتمل أن يكون المراد من الأمر الفعل ، أي ليس لك شريك فيما تفعله ، فتريد العقل ويمتنع هو. «ولا تضادّ في حكمك» أي ليس أحد يصدر أمرا دون أمرك ، ويفعل عملاً دون عملك ، فيفعل ضدّ ما فعلت ويأمر ضدّ ما أمرت. «ولا يعترض عليك أحد في تدبيرك» فيعترض عليك في تعذيبك وهدايتك. «ولك الخلق» تخلق كيف تشاء «ولك الأمر» ، قال سبحانه : «للّه ِِ الأَْمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ » (34) «إِنَّ الأَْمْرَ كُلَّهُ للّه ِِ » (35) و «أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَْمْرُ » (36) و «بَلْ للّه ِِ الأَْمْرُ جَمِيعاً » . (37) «تبارك اللّه ربّ العالمين» في القرآن : «أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَْمْرُ تَبارَكَ اللّه ُ رَبُّ الْعالَمِينَ » ، (38) وقال أيضا : «فَتَبارَكَ اللّه ُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ » ، (39) أي تعاظم اللّه وكثر خيره ، وكلّما فعل فقال خير كلّه.

.


1- . المصباح المنير : ص 118.
2- . النجم : 32.
3- . البقرة : 221.
4- . البقرة : 268.
5- . آل عمران: 133.
6- . الرعد : 6.
7- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 34 .
8- . المصدر السابق : الدعاء 16 .
9- . المصدر السابق : الدعاء 5 .
10- . المصدر السابق : الدعاء 42 .
11- . المصدر السابق : الدعاء 45 .
12- . المصدر السابق : الدعاء 47 .
13- . الأنعام : 23 .
14- . إشارة إلى الآية 65 من سورة يس.
15- . فصّلت : 20 .
16- . المائدة : 64 .
17- . المائدة : 64.
18- . الضحى : 10.
19- . النهاية : ج 4 ص 358 .
20- . دعائم الإسلام : ج 1 ص 83 ، تحف العقول : ص 297 ، انظر : بحار الأنوار : ج 75 ص 177 .
21- . عدّة الداعي : ص 71 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 2 ص 45 ، ميزان الاعتدال : ج 1 ص 488 .
22- . غرر الحكم : ح 2696 .
23- . المصدر السابق : ج 3 ص 78 ح 3875 .
24- . المصدر السابق : ج 5 ص 73 ح 7453 .
25- . المصدر السابق : ص 199 ح 7963 .
26- . نهج البلاغة : الحكمة 347 .
27- . مرآة العقول : ج 1 ص 161 .
28- . المصدر السابق .
29- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 46 .
30- . العين : ج 5 ص 174 .
31- . عبس : 23.
32- . الإسراء : 16 .
33- . الأنبياء : 23.
34- . الروم : 4.
35- . آل عمران : 154.
36- . الأعراف : 54 .
37- . الرعد : 31 .
38- . الأعراف : 54 .
39- . المؤمنون : 15 .

ص: 109

. .

ص: 110

. .

ص: 111

. .

ص: 112

يا رَبِّ ، هذا مَقامُ مَن لاذَ بِكَ ، وَاستَجارَ بِكَرَمِكَ ، وألِفَ إحسانَكَ ونِعَمَكَ «142 »وأنتَ الجَوادُ الَّذي لا يَضيقُ عَفوُكَ ، ولا يَنقُصُ فَضلُكَ ، ولا تَقِلُّ رَحمَتُكَ «143 »وقَد تَوَثَّقنا مِنكَ بِالصَّفحِ القَديمِ ، وَالفَضلِ العَظيمِ ، وَالرَّحمَةِ الواسِعَةِ «144 »

«يا ربّ» أي يا سيّدي ومدبّر أُموري (كما مرّ سابقا). «هذا» إشارة إلى ما هو عليه السلام عليه من حال الابتهال والتضرّع والمسألة ، «مقام» اسم مكان ، «من لاذ بك» من لاذ يلوذ لوذا ، أي التجأ ، قال الخليل : «اللوذ مصدر لاذ يلوذ لوذا ، واللياذ مصدر الملاوذة ، وهو أن يستتر بشيء مخافة أن تراه وتأخذه... والملاذ : الملجأ ، (1) من لجأ إلى الحصن وغيره... لاذ إليه واعتصم به وتلجّأ إلى فلان ، أي استند إليه والتجأ إليه التجاءً : لاذ واعتصم به. «واستجار بكرمك» أي طلب الجوار ، والاسم الجواد بالضمّ ، استجار من فلان استجارةً : سأله أن يجيره منه ويعيذه ، ومنه القرآن الكريم : «وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ » ، (2) وقال تعالى : «وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ » ، (3) وقال سبحانه : «وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ » ، (4) وقال عزّ شأنه : «قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللّه ِ أَحَدٌ » ، (5) والمراد : استعاذ وطلب الجوار والإغاثة والأمان ، «بكرمك» استشفاع بصفة الكرم منه تعالى ، أي استجار به لأنّه كريم . «وألف إحسانك ونعمك» ألفه ألفا : أنس به ، والاسم الأُلفة ، وألف المكان : تعوّده واستأنس به . أي هذا مقام من تعوّد إحسانك ونعمك واستأنس به ، أي مازلتُ محفوفا بنعمك ومأنوسا بها. «وأنت الجواد الذي لا يضيق عفوك» الجواد : المتكرّم السخي ، أي بالغت في الجود ، «حتّى لا يضيق عليك العفو» ، وفي الدعاء : «امتلأت بفيض جودك أوعية الطلبات» ، (6) و«سبحانك من... جواد ما أوسعك» ، و«أنت الجواد الكريم» ، (7) والمراد هنا إنّك جواد لا حدّ لجودك للسائلين. «ولا ينقص فضلك» الفضل : الإحسان والابتداء به من دون علّة ، يعني أنّ جودك وإعطاءك في جواب المسألة ، لا ينقص إحسانك المبتدئ والإنعام. «ولا تقلّ رحمتك» أي لا تنتهي رحمتك على عبادك بسبب العطاء والإنعام ، وبسبب كثرة المراجعين ، وإلحاح الملحّين وإصرار العاصين. «وقد توثّقنا منك بالفتح القديم» من توثّق من الشيء ، أي أخذ منه بالوثاقة ، أي أخذنا منك بالوثاقة وهو الصفح القديم ، أي بسبب الصفح القديم كأنّنا أخذنا العهد منك على الصفح والعفو ، والصفح : الإعراض ، وهنا المراد الإعراض عن المؤاخذة والعقاب ، «والفضل العظيم والرحمة الواسعة». هذا كلّه إذا كان عن حقيقة وصدق لالقلقة لسان ، إذ اللواذ باللّه عن صدق هو التوحيد الصحيح ، فلا يلائم مع العقائد الباطلة ، والاطمئنان بالوسائل والأسباب والانقطاع إليها ، كما لا يلائم مع الرذائل والمعاصي ، إذ من لاذ بأحد لا يخالفه ولا يضادّه ، لا يرتكب خلاف إرادته وميله.

.


1- . العين : ج 8 ص 199 .
2- . التوبة : 6 .
3- . الأحقاف : 31 .
4- . المؤمنون : 88 .
5- . الجن : 21 .
6- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 46 .
7- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 3 .

ص: 113

. .

ص: 114

أفَتُراكَ يا رَبِّ تُخلِفُ ظُنونَنا أو تُخَيِّبُ آمالَنا؟«145 »كَلّا يا كَريمُ ، لَيسَ هذا ظَنُّنا بِكَ ، ولا هذا فيكَ طَمَعُنا يا رَبِّ «146 »إنَّ لَنا فيكَ أمَلاً طَويلاً كَثيرا «147 » إنَّ لَنا فيكَ رَجاءً عَظيما «148 » عَصَيناكَ ونَحنُ نَرجو أن تَستُرَ عَلَينا«149 »ودَعَوناكَ ونَحنُ نَرجو أن تَستَجيبَ لَنا «150 »فَحَقِّق رَجاءَنا مَولانا فَقَد عَلِمنا ما نَستَوجِبُ بِأَعمالِنا «151 »، ولكِنَّ عِلمَكَ فينا وعِلمَنا بِأَنَّكَ لا تَصرِفُنا عَنكَ«152 »[حَثَّنا عَلَى الرَّغبَةِ إلَيكَ ] (1) «153 » وإن كُنّا غَيرَ مُستَوجِبينَ لِرَحمَتِكَ

«أفتراك» الهمزة للاستفهام الإنكاري ، والكاف حرف خطاب أكّد به الضمير ، والمعنى : أخبرني كقولهم أرأيتك أرأيتكما أرأيتكم للاستخبار والتعجّب ، أي هل ترى نفسك تخلف ظنوننا ، قال سبحانه : «أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ » ، (2) أي أخبرني عن الذي كرّمت تعجبّا وإنكارا لأمره بالسجود لآدم. «يا ربّ تخلف ظنوننا» الظنّ : الاعتقاد ، قد يُستعمل الظنّ بمعنى الشكّ ، كقوله صلى الله عليه و آله : «إيّاكم والظنّ ؛ فإنّ الظنّ أكذب الحديث» ، (3) والظنين : المتّهم ، وقد كثر استعمال الظنّ والظنّة بمعنى الشكّ والتهمة ، ويُستعمل أيضا بمعنى الاعتقاد ، كقوله تعالى : «وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها » ، (4) وقوله سبحانه : «وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا » ، (5) وكقوله تعالى : «فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ » ، (6) وقوله عزّ وجلّ : «إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ » . (7) ولكن لا يبعد أن يكون المراد من الظنّ الاحتمال الراجح ذا التشكيك إلى قرب العلم واليقين ، وعبّر عن اعتقادهم بالظنّ في هذه الموارد إشعارا بضعف الاعتقاد لما يرى في الإنسان من العمل بخلافه ، فالظنّ هو الاحتمال الراجح حتّى يصل إلى حدّ العلم واليقين (راجع المفردات ؛ فإنّ له تحقيقا في ذلك) . (8) «تُخلّف ظنوننا» أي تعمل خلاف ظنوننا ، كقوله تعالى : «فَلا تَحْسَبَنَّ اللّه َ مُخْلِفَ وَعْدِهِ » ، (9) وقاله تعالى : «فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي » ، (10) وقوله سبحانه : «أَخْلَفُوا اللّه َ ما وَعَدُوهُ » . (11) «أو تخيّب آمالنا» خاب يخيب من باب ضرب ، أي لم يظفر بالطلب ، وخاب أي انقطع أمله يعني هل تخلف ظنوننا بكرمك وجودك وفضلك ورحمتك؟ أو هل تخيّب آمالنا في أن يشملنا كرمك وجودك وفضلك؟ «فليس هذا ظنّنا بك ، ولا هذا فيك طمعنا يا ربّ ، إنّ لنا فيك أملاً طويلاً». تذكرة نافعة هنا روايات تدلّ على أنّ الأمل من نعم اللّه تعالى على عباده نحو : 1 _ «الأمل رحمة لأُمّتي ، ولولا الأمل ما رضعت والدة ولدها ، ولا غارس غرس شجرا» ، (12) ولولا الأمل لبطلت الإرادات والحرامات نحو العمل المادّي والمعنوي ، «الأمل رفيق مؤنس» . (13) 2 _ الروايات الكثيرة في ذمّ الأمل، وذكر مضارّه وثمراته الفاسدة نحو : «إنّ الأمل يُذهب العقل ، ويُكذّب الوعد ، ويحثّ على الغفلة ، ويورث الحسرة» . (14) «من أمّل إنسانا فقد هاب» . (15) «اتّقوا خداع الآمال». (16) «الأمل خادع غارّ ضارٌّ» . (17) «الأمل سلطان الشياطين» . (18) «إنّ الأمل يُسهي القلب ويُكِّذب الوعد ويُكثِر الغفلة ويورث الحسرة» . (19) 3 _ ذمّ طول الأمل ، نحو : «طول الأمل يصرف هممكم إلى الدنيا». (20) «الآمال لا تنتهي» . (21) «الزهادة قصر الأمل». (22) «من أطال أمله ساء عمل» . (23) «أربع خصال من الشقاء... بعد الأمل» . (24) «ما أطال عبده الأمل إلّا أساء العمل» . (25) «من أطال الأمل أساء العمل» . (26) «لا تطول في الدنيا أملك فيقسو قلبك» . (27) «يهرم ابن آدم وتشبّ منه اثنتان : الحرص والأمل» . (28) 4 _ الآمال الباطلة ، نحو : «من يرغب في الدنيا فطال فيها أمل أعمى اللّه قلبه» . (29) «لا تطول في الدنيا أملك فيقسو قلبك» . (30) «من زهد في الدنيا قصر أمل» . (31) «من أظلم نور فكره بطول أمله ...» . (32) «الأمل أبدا في تكذيب» . (33) «اتّقوا خداع الآمال» . (34) «اتّقوا باطل الأمل» . (35) 5 _ ذمّ من أمّل غير اللّه تعالى : «لأقطعنّ أمل كلّ مؤمّل غيري باليأس ، ولأكسونّه ثوب المذلّة في الناس ولأنحينّه من قربي ، ولأبعدنّه من فضلي ، ولأقطعنّه من وصلي» . (36) هذا كلّه في الأُمور المادّية الدنيويّة ، فأصل الأمل مطلوب مرغوب فيه ، ولكن طول الأمل مذموم جدّا ، ومن المذموم الآمال من دون عمل ، «الأماني بضائع النَّوكَى» ، «العاقل يعتمد على عمله» ، والجاهل يعتمد على أمله ، له آثار مذمومة اُشير إليها في الأحاديث : 1 _ خداع . 2 _ غار . 3 _ في تكذيب . 4 _ يسهي القلب . 5 _ يكذب الوعد . 6 _ يكثر الغفلة . 7 _ يورث الحسرة . 8 _ يذهب العقل . 9 _ يسيء العمل . 10 _ يقسي القلب . 11 _ يظلم نور الفكرة . هذا في الآمال الصحيحة ، قصيره مطلوب وطويله مذموم ، وأمّا الآمال الباطلة فلا يخفي ما فيه ، والآمال القصيرة أيضا إذا كان عن غير اللّه تعالى فهو مذموم ، وإن كان عن اللّه تعالى فهو صحيح ومرغوب فيه. كما أنّ الأمل إذا كان صحيحا فلا بدّ من الحركة إلى المأمول ، وتهيئة الأسباب المشروعة الّتي هي بعيد الآمال ، وإلّا كان كالمستهزئ ، قال علي عليه السلام : «العاقل يعتمد على عمله ، والجاهل يعتمد على أمله» . (37) والأمل الطويل الكثير هو ما يأمل الإنسان من اللّه تعالى في الدنيا من إجابة دعائه في العاجل والآجل ، وفي الآخرة من الروح والريحان وجنّة الخلد ونعيمها ، وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين مع الذين أنعم اللّه عليهم من النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أُولئك رفيقا ، وفيها ما لا عين رأت ولا أُذن سمعت. «إنّ لنا فيك رجاءً عظيما» ففصّل عليه السلام وفسّر الرجاء العظيم بقوله عليه السلام : «عصيناك ونحن نرجو أن تستر علينا» في الدنيا والآخرة ، ولا تفضحنا بين الأولياء والأعداء من الملائكة والجنّ والإنس ، وإذ لم تقمنا مقام فضيحة في الدنيا ، ونحن أحوج إلى التستّر في الآخرة يوم تُبلى السرائر . وقد ذكر ستر اللّه تعالى المعاصي والقبائح في الدعوات المروية عن أهل البيت عليهم السلام هذه الصحيفة : «تغمّدني بسترك» و«وتسترني بسترك» ، و«فلولا سترك لكنت من المفضوحين» ، و«إنّي أعتذر إليك... من عيب مؤمن ظهر لي فلم أستره» ، و«ألبسني زينة المتّقين في... ستر العائبة» ، و«تولّني في جيراني وموالي... وكتمان أسرارهم ، وستر عوراتهم» . وقال الحسين عليه السلام : «يا من سترني من الآباء والأُمّهات أن يزجروني ، ومن العشائر أن يعيّروني ، ومن السلاطين أن يعاقبوني ، ولو اطّلعوا يا مولاي على ما اطّلعت عليه منّي إذا ما أنظروني ولرفضوني وقطعوني» . (38) والرجاء تستدعي العمل ، قال سبحانه : «فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً » (39) و «لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّه ِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللّه َ وَالْيَوْمَ الآْخِرَ » (40) و «لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللّه َ وَالْيَوْمَ الآْخِرَ » (41) و «إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللّه ِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ » (42) و «يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّه َ وَارْجُوا الْيَوْمَ الآْخِرَ » . (43) فكما أنّ الأمل من دون عمل حمق وقلّة عقل ويُسمّى أُمنيّته كذبا ، فكذا الرجاء من دون عمل. قال علي عليه السلام : «ولا تكن ممّن يرجو لنفسه أكثر من عمله» ، (44) «ولا تكن ممّن يرجو الآخرة بغير عمل» ، (45) «يدّعي بزعمه أنّه يرجو اللّه ، كذب والعظيم» . (46) «أترجو أن يعطيك اللّه أجر المتواضعين» . (47) فحينئذٍ لا بدّ لمن يرجو ستر اللّه ألّا يتظاهر بالمعاصي ولا يصرّ على العصيان ، بل يبادر إلى التوبة والاستغفار والإصلاح ، ويأمل من اللّه تعالى أن يجاهد في العمل بالصالحات. «ودعوناك ونحن نرجو أن تستجيب لنا» فعلى ما ذُكر من رجاء استجابة اللّه دعاءه ، لا بدّ أن يصرّ في الدعاء ، ويهتمّ في اجتماع شرائطها ورفع موانعها . «فحقّق رجاءنا» أي أثبت رجاءنا وافعل ما رجونا ، «يا مولانا» . أي يا من يلي أُمورنا ويدبّرها . «فقد علمنا ما نستوجب بأعمالنا» أي نستحقّ ، مِن استوجب ؛ أي استحقّ ، من الخيبة والخسران والعذاب والطرد عن بابك . «لكن علمك فينا وعلمنا بأنّك لا تصرفنا عنك وإن كنّا غير مستوجبين لرحمتك» أي علمك بأعمالنا السيّئة وبضعفنا ومسكنتنا ورجائنا وأملنا وإيماننا بأنّك لا إله إلّا أنت ولا ربّ سواك ولا ملجأ ولا منجي منك إلّا إليك ، وعلمنا بأنّك لا تصرفنا عنك وإن كنّا غير مستحقّين لذلك.

.


1- . ما بين المعقوفين أثبتناه من المصادر الأُخرى .
2- . الإسراء : 62 .
3- . صحيح مسلم : ج 8 ص 10 ، سنن أبي داوود : ج 2 ص 460 ، مسند ابن حنبل : ج 2 ص 245 ، صحيح البخاري : ج 2 ص 188 ، سنن الترمذي : ج 2 ص 240.
4- . يونس : 24 .
5- . يوسف : 42 .
6- . الأنبياء : 87 .
7- . الحاقة : 20 .
8- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 317 .
9- . إبراهيم : 47 .
10- . طه : 86 .
11- . التوبة : 77 .
12- . اُنظر : بحار الأنوار : ج 74 ص 173 ، نزهة الناظر : ص 21 ، كنز العمّال : ج 2 ص 491 ح 7560 .
13- . غرر الحكم : ح 1042 .
14- . تحف العقول : ص 152 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 74 ص 392 .
15- . الإرشاد : ج 1 ص 301 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 74 ص 420 .
16- . غرر الحكم : ح 2563 .
17- . المصدر السابق : ج 1 ص 299 ح 1145 .
18- . المصدر السابق : ج 2 ص 58 ح 1828 .
19- . الغارات : ج 2 ص 634 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 74 ص 293 .
20- . بحار الأنوار : ج 74 ص 188 .
21- . غرر الحكم : ح 639 .
22- . نهج البلاغة : الحكمة 81 ، روضة الواعظين : ص 434 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 67 ص 320 .
23- . الخصال : ص 15 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 70 ص 164 .
24- . الخصال : ص 243 ، تحف العقول : ص 12 ، مكارم الأخلاق : ص 437 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 70 ص 164 .
25- . الكافي : ج 2 ص 259 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 70 ص 166 .
26- . نهج البلاغة : قصار 36 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 70 ص 166 .
27- . الكافي : ج 2 ص 229 ، عدّة الداعي : ص 155 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 70 ص 398 .
28- . تحف العقول : ص 56 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 74 ص 160 .
29- . اُنظر : بحار الأنوار : ج 74 ص 162 .
30- . الكافي : ج 2 ص 329 ، تحف العقول : ص 490 ، عدّة الداعي : ص 155 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 70 ص 398 .
31- . مكارم الأخلاق : ص 447 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 74 ص 92 .
32- . تحف العقول : ص 286 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 1 ص 137 .
33- . غرر الحكم : ح 2017 .
34- . المصدر السابق : ح 2563 .
35- . المصدر السابق : ح 2572 .
36- . الكافي : ج 2 ص 66 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 68 ص 130 .
37- . غرر الحكم : ح 1240 .
38- . الإقبال : ج 2 ص 82 .
39- . الكهف : 110 .
40- . الأحزاب : 21 .
41- . الممتحنة : 6 .
42- . فاطر : 29 .
43- . العنكبوت : 36 .
44- . عيون الحكم والمواعظ : ص 551 ، شرح نهج البلاغة : ج 18 ص 359 .
45- . تحف العقول : ص 157 ، الأمالي للمفيد : ص 230 ، الأمالي للطوسي : ص 111 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 6 ص 37 .
46- . نهج البلاغة : الكتاب 21 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 3 ص 490 .
47- . نهج البلاغة : خطبة 160 ، مكارم الأخلاق : ص 8 ، واُنظر : بحار الأنوار : ج 69 ص 246 .

ص: 115

تذكرة نافعة

.

.

ص: 116

. .

ص: 117

. .

ص: 118

. .

ص: 119

. .

ص: 120

فَأَنتَ أهلٌ أن تَجودَ عَلَينا وعَلَى المُذنِبينَ بِفَضلِ سَعَتِكَ «154 » فَامنُن عَلَينا بِما أنتَ أهلُهُ«155 » وجُد عَلَينا فَإِنّا مُحتاجونَ إلى نَيلِكَ «156 » يا غَفّارُ بِنورِكَ اهتَدَينا «157 » وبِفَضلِكَ استَغنَينا «158 » وبِنِعمَتِكَ أصبَحنا وأمسَينا «159 »ذُنوبُنا بَينَ يَدَيكَ«160 »نَستَغفِرُكَ اللّهُمَّ مِنها ونَتوبُ إلَيكَ «161 »

«فأنت أهل أن تجود علينا» أي أنت بما ذكرنا من الأسماء الحسنى والصفات العليا _ أهل أن تجود علينا _ «وعلى المذنبين _ أجمع _ بفضل سعتك» ، الواسع من أسمائه تعالى هو الذي وسع غناه كلّ فقير ورحمته كلّ شيء ، فهو بما عنده من سعة غناه ورحمته أهل أن يجود على المذنبين أجمع. «فامنن علينا بما أنت أهله» المنّ من منّ عليه بالعتق ؛ أي أنعم عليه به ، ومننت عليه منّا أيضا ؛ أي عددت له ما فعلت له من الصنايع ، مثل أن تقول : أعطيتك وفعلت لك ، وهو تكدير وتغيير تنكسر منه القلوب ، فلهذا أنهى الشارع عنه بقوله : «لَا تُبْطِ_لُواْ صَدَقَ_تِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَى» ، وفي الدعاء : «اللّهمّ... أجر للناس على يدي الخير ولا تمحقه بالمنّ» . (1) وقد جاء كثيرا في الكتاب والسنّة بالمعنى الأوّل ، والمنّان من أسمائه تعالى ، أي كثير الإحسان ، وهو المنعم المعطي. وقد جاء في الكتاب والسنّة بالمعنى الثاني ، ونهى عنه ، قال تعالى : «لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَْذى » (2) و «الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّه ِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً » (3) «لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ » (4) و «إِنَّ لَكَ لأََجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ » . (5) فمن أعطى في سبيل اللّه إنسانا أو أنفق في سبيله الخير ، ثمّ منّ على من أنفق عليه أو على من أنفق لأجله ، صار باطلاً ، قال تعالى : «يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللّه ُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ » . (6) «بما أنت أهله» هو سبحانه أهل التقوى ؛ أي يُتّقى منه ، وأهل المغفرة ؛ أي أهل مغفرة من اتّقاه ، وهو أهل الكبرياء والعظمة وأهل التقوى والمغفرة وأهل الجود والجبروت . أي بما أنت أهل له ، وهو الجود والكرم ، وهو أهل الغنى ، أو المراد بما أنت أهله من كمال الجود والكرم والعطاء والفضل. «وجد علينا فإنّا محتاجون إلى نيلك» النيل مصدر ، وما يُنال ، يقال : أصاب منه نيلاً . أي نحن محتاجون لاغنىً لنا عن نيلك. «يا غفّار» الذي تستر المعاصي والعيوب وتعفو عن الذنب. «بنورك اهتدينا» «وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللّه ُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ » ، (7) ولعلّ المراد هنا أنّا محتاجون إلى نيلك المعنوي ، وهو نورك ، إذ به اهتدينا ، ومحتاجون إلى نيلك المادّي ، إذ «وبفضلك استغنينا» عن الناس ، قال اللّه عزّ وجلّ : «رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى » ، (8) وقال : «إِنّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمّا شاكِراً وَإِمّا كَفُوراً » ، (9) وقال : «وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ » ، (10) وقال عزّ وجلّ : «يا أَيُّهَا النّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللّه ِ وَاللّه ُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ » ، (11) وقال سبحانه : «وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللّه ُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ » . (12) «وبنعمتك أصبحنا وأمسينا» أي بنعمة الحياة والحول والقوّة ، «ذنوبنا بين يديك نستغفرك اللّهمّ منها ونتوب إليك».

.


1- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 20 .
2- . البقرة : 264 .
3- . البقرة : 262 .
4- . فصّلت : 8 .
5- . القلم : 3 .
6- . الحجرات : 17 .
7- . النور : 40.
8- . طه : 50 .
9- . الإنسان : 3 .
10- . البلد : 10 .
11- . فاطر: 15 .
12- . محمّد : 38 .

ص: 121

. .

ص: 122

تَتَحَبَّبُ إلَينا بِالنِّعَمِ ونُعارِضُكَ بِالذُّنوبِ «162 »خَيرُكَ إلَينا نازِلٌ وشَرُّنا إلَيكَ صاعِدٌ «162 »ولَم يَزَل ولا يَزالُ مَلَكٌ كَريمٌ يَأتيكَ عَنّا بِعَمَلٍ قَبيحٍ ، فَلا يَمنَعُكَ ذلِكَ أن تَحوطَنا بِنِعَمِكَ ، وتَتَفَضَّلَ عَلَينا بِآلائِكَ «163 »فَسُبحانَكَ ما أحلَمَكَ وأعظَمَك وأكرَمَكَ مُبدِئا ومُعيدا «164 »

«تتحبّب» تحبّب إليه ؛ أي أظهر له المودّة والمحبّة ، فاللّه سبحانه يعطينا النعم كي نحبّه ؛ لأنّ النفس مجبولة بحبّ من أحسن إليها ، فتوالي نعمه تعالى ، تحبّب منه تعالى إلى عباده. «ونعارضك» أي نقابلك ، من عارض أي أتى بمثل صنيعه وفعل مثل فعله ، وأتى إليه بمثل ما أتى ، يعني نحن نقابلك بدل إحسانك وإنعامك بالذنوب والعصيان. «خيرك إلينا نازل وشرّنا إليك صاعد» خيره تعالى أنواع نعمه وفضائله وعطاياه المادّية والمعنوية ، وشرّنا أنواع سيّئاتنا ومعاصينا ، قال سبحانه : «ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ » ، (1) والشّر نقيض الخير ؛ وهو اسم جامع لكلّ الرذائل والخطايا ، والجمع شرور. فسّر صعود الشرّ إليه بقوله : «ولم يزل ولا يزال ملك كريم» ، الكريم ؛ أي سخيّ معطاء ، جمع كرام ، وقيل الكريم من يوصل النفع بلا عوض ، فالكرم هو إفادة ما ينبغي لا لعوض ، والكريم : الصفوح ، قال الراغب : «إذا وصف به الإنسان فهو اسم للأخلاق والأفعال المحمودة الّتي تظهر منه ، ولا يقال كريم حتّى يظهر ذلك منه» ، (2) وقد مرّ الكلام في معنى الكرم والكريم. «يأتيك عنّا بعمل قبيح» وهو ما يستقبحه العقل وما يذمّ في الدنيا ويعاقب في الآخرة ، ويمكن أن يكون حسنات العبد وأعماله الصالحة بزعمه قبائح في الواقع ، كما يقال : «حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين» ، وفي الدعاء : «إلهي من كانت محاسنه مساوئ ، فكيف لا تكون مساوئه مساوئ ، ومن كانت حقائقه دعاوي ، فكيف لا يكون دعاويه دعاوي» . (3) «فلا يمنعك ذلك من أن تحوطنا بنعمك» فلا يمنعك الشرور الصاعدة والقبائح الصادرة في مقابل خيرك النازل من أن تحوطنا ، أي تعاهدنا وتحفظنا بنعمك ، أو تحدقنا بنعمك ، قال تعالى : «ذلِكَ بِأَنَّ اللّه َ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ » ، (4) وقال تعالى : «ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ » . (5) «وتتفضّل علينا بآلائك» جمع ، ومفرده الألى ، مقصور وتُفتح الهمزة وتكسر : النعمة ، كأفعال ، مثل سبب وأسباب ، لكن أُبدلت الهمزة الّتي هي فاء ألفا ؛ استثقالاً لاجتماع همزتين ، وفي مجمع البحرين : «إنّ الآلاء النعم الظاهرة ، والنعماء هي النعم الباطنة» ، (6) و في الفروق اللغوية : «الآلاء النعمة الّتي تتلو غيرها ، من قولك : وليه يليه إذا قرب منه ، وقال بعضهم : هو اسم النعمة العظيمة» . (7) «فسبحانك ما أحلمك وأعظمك وأكرمك» فسبحانك من كلّ نقص ، سبحان اللّه ، إي أُبرئ اللّه من السوء براءةً ، يقال : سبحان من كذا ، تعجّب منه ، ما أحلمك في التأنّي والصفح والعفو عن سيّئات أعمالنا . وأعظمك ؛ أي ما أعظمك في الستر علينا وقبائح أعمالنا ، وفي التفضّل بالنعم الجسام ، وأكرمك ؛ أي ما أكرمك في الإعطاء قبل السؤال ، وتعطي من لا يسألك ولا يعرفك ، «مبدئا ومعيدا» ، أي في ابتداء الإنعام وإعادته.

.


1- . الروم : 41 .
2- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 428 .
3- . اُنظر : بحار الأنوار : ج 95 ص 225 .
4- . الأنفال : 53 .
5- . الروم : 41 .
6- . مجمع البحرين : ج 1 ص 97 .
7- . الفروق اللغوية : ص 6 .

ص: 123

. .

ص: 124

تَقَدَّسَت أسماؤُكَ ، وجَلَّ ثَناؤُكَ ، وكَرُمَ صَنائِعُكَ وفِعالُكَ «165 »أنتَ إلهي أوسَعُ فَضلاً وأعظَمُ حِلما مِن أن تُقايِسَني بِفِعلي وخَطيئَتي «166 »فَالعَفوَ العَفوَ سَيِّدي سَيِّدي سَيِّدي «167 » اللّهُمَّ اشغَلنا بِذِكرِكَ «168 » وأعِذنا مِن سَخَطِكَ وأجِرنا مِن عَذابِكَ «169 »وَارزُقنا مِن مَواهِبِكَ «170 »

«تقدّست أسماؤك» قال السيّد في رياض السالكين في شرح الدعاء الأوّل : «أي تطهّرت ونُزّهت أسماؤه عن العيوب والنقائص ، فما ظنّك بذاته العليا ، أو تنزّهت عن الإلحاد فيها بالتأويلات الرائعة ، وعن إطلاقها على غيره بوجه يشعر بتشاركهما فيه ، أو هي مفحمة ، كما في قوله تعالى : «تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِْكْرامِ » ، (1) وفائدة هذا التوسيط سلوك سبيل الكناية ، كما يقال : ساحة فلان بريئة عن المثالب» . (2) «وجلّ ثناؤك» الثناء : المدح ، أي جلّ مدحك عن مدحنا وثنائنا ؛ لأنّ إدراكنا لا يصل إلى معرفتك ومعرفة أوصافك ومدائحك. «وكرم صنائعك» الصنائع جمع الصنيعة ؛ أي الإحسان ، يقال : ما أحسن صنيع اللّه عندك ؛ أي إحسانه ، وهو صنيعي ؛ أي الذي اصطنعته وربّيته وخرجته ، كرم صنائعك ؛ أي نفس وعزّ إحسانك «وفعالك». «أنت إلهي أوسع فضلاً وأعظم حلما من أن تقايسني بفعلي وخطيئتي» تقايسني : أي تقدّرني ، من قايس الشيء بغيره ، وعلى غيره يقيسه قيسا : قدّره على مثاله . يعني أنت في فضلك الواسع وحلمك العظيم لا تقدّرني على مثال فعالي وخطاياي . «فالعفو» أي أسأل منك العفو ، أو قسني بالعفو ، فيكون منصوبا بنزع الخافض ، وفي الدعاء السابع والأربعين من الصحيفة : «ولا تقايسني بعظيمات الجرائر» ، بعد ذكره معنى قاس يقيس ، قال : أي لاتجعل عقوبتي بمقدار عظيمات الجرائر. «اللّهمّ اشغلنا بذكرك» من قراءة القرآن والأذكار من التهليل والتحميد والدعاء والثناء ، حتّى نشتغل بها بدل الملاهي وذكر الدنيا والمعاصي والمشتهيات وما يُنسي الآخرة ونذكر الدنيا ، أو المراد ذكر اللّه تعالى عند المعاصي والشهوات والغضب ، قال سبحانه : «إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا » . (3) «وأعذنا من سخطك» السخط ضدّ الرضا ، قيل : هو لا يكون إلّا من الكبرياء والعظماء دون الأكفّاء والنظراء ، والغضب يُستعمل في الفريقين ، قال الراغب : «السخط : الغضب الشديد المقتضي للعقوبة ، قال سبحانه «وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ » » . (4) «وأجرنا من عذابك» الجوار بالكسر : العهد والأمان ، وأن تعطي رجلاً ذمّة فيكون بها جارك فتجره ، تقول العرب : هو في جواري ؛ أي في عهدي وأماني ، قال الراغب : «ولمّا استعظم حقّ الجارّ عقلاً وشرعا ، عبّر عن كلّ من يعظّم حقّه أو يستعظم حقّ غيره بالجار ، قال تعالى : «وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ » (5) يقال : استجرته فأجارني ، وعلى هذا قوله تعالى : «وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ » ، (6) وقال عزّ وجلّ : «وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ » (7) » . (8) «وارزقنا من مواهبك» الموهبة بفتح الهاء : العطية ، وربّما أطلقوها على الموهوب ، والجمع مواهب ، وبكسرها اسم من وهب له مالاً ، فالمال موهوب والمُوهِب والموهبة اسم ، وفي الدعاء السابع والأربعين : «وأجزل لي قسم المواهب من نوالك... وسق كرائم مواهبك إليّ».

.


1- . الرحمن : 78 .
2- . رياض السالكين : ج 1 ص 299 .
3- . الأعراف : 201 .
4- . التوبة : 58 .
5- . النساء : 36 .
6- . الأنفال : 48 .
7- . المؤمنون : 88 .
8- . مفردات ألفاظ القرآن : 103 .

ص: 125

. .

ص: 126

وأنعِم عَلَينا مِن فَضلِكَ «171 »وَارزُقنا حَجَّ بَيتِكَ وزِيارَةَ قَبرِ نَبِيِّكَ صَلَواتُكَ ورَحمَتُكَ ومَغفِرَتُكَ ورِضوانُكَ عَلَيهِ وعَلى أهلِ بَيتِهِ «172 » إنَّكَ قَريبٌ مُجيبٌ «173 »، وَارزُقنا عَمَلاً بِطاعَتِكَ «174 » وتَوَفَّنا عَلى مِلَّتِكَ وسُنَّةِ نَبِيِّكَ صلى الله عليه و آله صَلَّى اللّه ُ عَلَيهِ وآلِهِ «175 »اللّهُمَّ اغفِر (1) لي ولِوالِدَيَّ وَارحَمهُما كَما رَبَّياني صَغيرا «176 »اِجزِهِما بِالإِحسانِ إحسانا وبِالسَّيِّئاتِ غُفرانا «177 »اللّهُمَّ اغفِر لِلمُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ ، الأَحياءِ مِنهُم وَالأَمواتِ «178 »وتابِ_ع بَينَنا وبَينَهُم فِي الخَيراتِ «179 »

«أنعم علينا» من أنعم اللّه النعمة عليه ، وأنعمه بالنعمة ؛ أي أحسن وأوصلها إليه ، قال الراغب : «ولا يقال إلّا إذا كان الموصل إليه من الناطقين ، فلا يقال أنعم فلان على فرسه ، قال تعالى : «أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ » (2) «وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللّه ُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ » ». (3) «من فضلك» الفضل الزيادة عن الاقتصاد ، محمود كفضل العلم والحلم ، ومذموم كفضل الغضب على ما يجب أن يكون عليه ، والفضل في المحمود أكثر استعمالاً ، والفضول في المذموم... إلخ ، يعني من دون استحقاق. «وارزقنا حجّ بيتك» الرزق يقال للعطاء الجاري تارةً _ دنيويّا كان أم أُخرويّا _ ، وللنصيب تارةً ، ولما يصل إلى الجوف ويتغذّى به تارةً ، يقال : أعطى السلطان رزق الجند ، ورُزقت علما. سأل اللّه سبحانه رزقا معنويا وهو حجّ البيت الحرام ، وأصل الحجّ القصد للزيارة ، خصّ في تعارف الشرع بقصد بيت اللّه إقامة للنسك. «وزيارة قبر نبيّك» الزور أعلى الصدر ، وزرت فلانا تلقيّته بزوري ، وزاره يزوره زيارةً ، أي قصده من باب آخر. «صلواتك» الصلاة : قال كثير من أهل اللغة : هي الدعاء والتبريك والتمجيد ، يقال : صلّيت عليه ؛ أي دعوت عليه وزكّيته ، قال سبحانه وتعالى : «وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ » ، (4) وقال تعالى «إِنَّ اللّه َ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ » ، (5) وصلوات الرسول وصلاة اللّه للمسلمين هو في التحقيق تزكيته إيّاهم وتطهيره لهم ، بحيث يصير الإنسان في الدنيا يستحقّ الأوصاف المحمودة ، وفي الآخرة الأجر والمثوبة ، وهو أنّه يتحرّى الإنسان ما فيه تطهيره ، وذلك يُنسب تارةً إلى العبد لكونه مكتسبا لذلك ، نحو «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّاها » ، (6) وتارةً يُنسب إلى اللّه تعالى لكونه فاعلاً لذلك في الحقيقة ، نحو : «اللّه ُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ » ، (7) أي صلواتك «ورحمتك ومغفرتك ورضوانك عليه وعلى أهل بيته». وقد وردت روايات كثيرة من طرق الفريقين في الصلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله وكيفية الصلاة عليه ، والنهي عن الصلاة البتراء ، وفوائدها وآثارها. «ورحمتك» الرحمة : رقّة تقتضي الإحسان إلى المرحوم ، وقد تُستعمل تارةً في الرقّة المجرّدة ، وتارةً في الإحسان المجرّد عن الرقّة ، نحو رحم اللّه فلانا ، وإذا وصف به الباري ، فليس يُراد به إلّا الإحسان المجرّد دون الرقّة ، وعلى هذا روي أنّ الرحمة من اللّه إنعام وإفضال ومن الآدميّين رقّة وتعطّف. «ومغفرتك» الغفر : إلباس ما يصونه عن الدنس ، ومنه قيل : اغفر ثوبك في الوعاء واصبغ ثوبك ، فإنّه أغفر للوسخ ، والغفران والمغفرة من اللّه هو أن يصون العبد من أن يمسّه العذاب. «ورضوانك» الرضوان : الرضا الكثير ، ولمّا كان أعظم الرضا رضا اللّه تعالى ، خُصّ لفظ الرضوان في القرآن بما كان من اللّه تعالى. «عليه وعلى أهل بيته» ولعلّ المراد من أهل البيت المعصومون عليهم السلام ، كما أوجب اللّه تعالى في الصلاة الصلاة عليهم . «إنّك قريب مجيب» كما قال تعالى : «وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ » . (8) «وارزقنا عملاً بطاعتك» أي وفّقنا للعمل بما هو طاعة لك. «وتوفّنا على ملّتك» الوافي الذي بلغ التمام ، يقال : درهم واف وكيل واف ، قال تعالى : «وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ » ، (9) وقد عبّر عن الموت والنوم بالتوفّي ، قال تعالى : «اللّه ُ يَتَوَفَّى الأَْنْفُسَ حِينَ مَوْتِها » ، (10) و «وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفّاكُمْ بِاللَّيْلِ » . (11) «ملّتك» الملّة كالدين ، وهو اسم لما شرع اللّه تعالى لعباده على لسان الأنبياء ليتوصّلوا به إلى جوار اللّه ، والفرق بينها وبين الدين أنّ الملّة لاتضاف إلّا إلى النبي صلى الله عليه و آله الذي تستند إليه نحو : «اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ » ، ولا تكاد توجد مضافة إلى اللّه ولا إلى آحاد أُمه النبيّ صلى الله عليه و آله (هكذا في المفردات) . (12) «وسنّة نبيّك» أي توفّني على ما شرعت وسنّة نبيّك صلى الله عليه و آله ، قال سبحانه : «ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا » ، (13) وقال : «وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى » . (14) «اللّهمّ اغفرلي ولوالديّ» أي الأب والأُمّ اللذين ولّداه . «ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً» قال سبحانه وتعالى : «وَقَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً » (15) . (16) أي ارحمهما رحمةً باقيةً كما رحماني وربّاني قاصدان بقائي ، ولعلّ في ذكر ربّياني مكان رحماني إشارة إلى الأعمال الشاقّة الّتي تحمّل الوالدان ذلك في تربيتهما. «اجزهما بالاحسان» أي أعمالهما الصالحة الحسنة، أو إحسانهما إليّ «إحسانا، وبالسيّئات» أي أعمالهما السيّئة أو إساءتهما إليّ غفرانا ، كما في الدعاء : «وما تعدّيا عليّ فيه من قولٍ ، أو أسرفا عليّ فيه من فعلٍ ، أو ضيّعاه لي من حقٍّ ، أو قصّرا بي عنه من واجبٍ ، فقد وهبته لهما ...» (17) . «اللّهمّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات» دعا عليه السلام للمؤمنين دون المسلمين ، والفرق بينهما واضح ، قال سبحانه : «قالَتِ الأَْعْرابُ آمَنّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمّا يَدْخُلِ الإِْيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ » . (18) «الأحياء منهم والأموات» دعا عليه السلام لحيّهم وميّتهم. «وتابع بيننا وبينهم بالخيرات» تابع بين الأعمال وإليّ ، قال ابن الأثير : «وفي حديث الدعاء : تابع بيننا وبينهم على الخيرات ، أي اجعلنا نتبعهم على ما هم عليه» .

.


1- . في الإقبال : «اللّهُمَّ صلّ على محمّد وآله واغفر ...» .
2- . الفاتحة : 7 .
3- . الأحزاب : 37 ، مفردات ألفاظ القرآن : ص 499 .
4- . التوبة : 103 .
5- . الأحزاب : 56 .
6- . الشمس : 9 .
7- . النساء : 49 .
8- . البقرة : 186 .
9- . الإسراء : 35 .
10- . الزمر : 42 .
11- . الأنعام : 60.
12- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 471 .
13- . الحشر : 7.
14- . النجم : 3 و 4 .
15- . الإسراء : 23 و 24 .
16- . ونِعم الدعاء لهما في الصحيفة : الدعاء 24 .
17- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 24 .
18- . الحجرات : 14.

ص: 127

. .

ص: 128

. .

ص: 129

. .

ص: 130

اللّهُمَّ اغفِر لِحَيِّنا ومَيِّتِنا «180 » شاهِدِنا وغائِبِنا «181 »ذَكَرِنا واُنثانا «182 »صَغيرِنا وكَبيرِنا «183 » حُرِّنا ومَملوكِنا «184 »كَذِبَ العادِلونَ (1) بِاللّه ِ وضَلّوا ضَلالاً بَعيدا وخَسِروا خُسرانا مُبينا «185 »اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ «186 » وَاختِم لي بِخَيرٍ «189 »وَاكفِني ما أهَمَّني مِن أمرِ دُنيايَ وآخِرَتي «187 »ولا تُسَلِّط عَلَيَ مَن لا يَرحَمُني «188 »وَاجعَل عَلَيَ مِنكَ واقِيَةً باقِيَةً «189 » ولا تَسلُبني صالِحَ ما أنعَمتَ بِهِ عَلَيَ «190 »وَارزُقني مِن فَضلِكَ رِزقا واسِعا حَلالاً طَيِّبا «191 »

«اللّهمّ اغفر» اللّهمّ ، قال الراغب : «قيل معناه يااللّه ، فأُبدل من الياء في أوّله الميمان في آخره ، وخُصّ بدعاء اللّه ، وقيل : تقديره يااللّه أمنّا بخير ، مركّب تركيب حيهلا» . (2) قال في الأقرب : «اللّهمّ يستعمل أوّلاً للنداء ، وأصله يااللّه ، سقط حرف النداء وعُوّض عنه ميم مشدّدة ، نحو : اللّهمّ ارحمني ، وثانيا لتمكين الجواب في نفس السامع ، كقولك : اللّهمّ نعم» . (3) أي اللّهمّ اجعل لنا ما يصوننا من الدنس والعصيان لحيّنا وميّتنا ، وشاهدنا وغائبنا ، ذكرنا وأُنثانا ، صغيرنا وكبيرنا ، حرّنا وعبدنا ، دعا عليه السلام لجميع المؤمنين حيّا وميّتا ، وشاهدا وغائبا ، ذكرا وأُنثى ، والصغير والكبير ، والحرّ والعبد. «كذب العادلون باللّه وضلّوا ضلالاً بعيدا» العادل : اسم فاعل ، جمع عدول ، كشاهد ونهود ، والعدل ضدّ الجور ، والمثل والنظير ، عدل فلان بربّه : أشرك . أي كذب الذين يجعلون للّه تعالى مثلاً ونظيرا ، وضلّوا عن الحقّ ضلالاً بعيدا عن الحقّ ، وخسروا في عملهم هذا خسرانا مبينا ، قال ابن الأثير : «تكرّر ذكر العدل بالكسر والفتح في الحديث... ومنه حديث علي : كذب العادلون بك إذ شبّهوك أصنامهم » . (4) قال سبحانه : «وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللّه ِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً » ، (5) وقال : «وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللّه ِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً » (6) «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّه ِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً » ، (7) وقال «وَمَنْ يَعْصِ اللّه َ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً » . (8) «اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد واختم لي بخير» وفي الدعاء : «اللّهمّ اختم بعفوك أجلي» ، (9) وفي الدعاء : «واختم لنا بالتي هي أحمد عاقبة» (10) يطلب من اللّه تعالى أن يختم عمره بخير ، وهو العفوّ ، أو كما في القرآن الكريم حاكيا عن يوسف _ على نبيّنا وآله وعليه السلام _ : «تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ » ، (11) وقال تعالى : «الَّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ » ، (12) ولعلّ الكلّ يرجع إلى أمرٍ واحد. «واكفني ما أهمّني من أمر دنياي وآخرتي» الهمّ : الحزن الذي يذيب الإنسان ، وأهمّني كذا ، أي حمّلني على أنّ أهمّ به. يطلب عليه السلام من اللّه تعالى أن يكفيه ما أهمّه بتسبيب الأسباب والهداية إلى وجوه الفلاح وتوفيق العمل بما يرفعه أو يدفعه. «ولا تسلّط عليّ من لا يرحمني» السلاطة : التمكّن من القهر ، يطلب عليه السلام ألّا يسلّط عليه من لا يرحمه ، لا عدم السلطة مطلقا ، ولعلّ ذلك من لزوم وجود سلطان لقيام النظم وعدم الهرج ، كما عن علي عليه السلام : «لابدّ للناس من أمير برّ أو فاجر» . (13) «واجعل عليّ منك جُنّة واقية باقية» الوقاية : حفظ الشيء ، والواقية ما يكون وقاية يحفظه ، كما في الدعاء : «اللّهمّ... ألبسهم جننا واقية» ، (14) يطلب عليه السلام من اللّه تعالى واقية تحفظه باقية لا تزول في مقابل الحوادث والبلايا أو مقابل السلطان الذي لا يرحم. «ولا تسلبني صالح ما أنعمت به عليّ» ، أي لا تسلبني ما أنعمت به عليّ من نعمائك وآلائك المادّية كالحياة والصحّة والعافية والسعة والدعة والراحة الولد الصالح والجاه والعزّ ... ، والمعنوية كزيارة بيت اللّه الحرام ، وزيارة قبر نبيّه والأئمّة عليهم السلام ، والإقبال إلى العبادة والزيارة ، والفضائل النفسانية ، ومكارم الأخلاق ... إلخ . والتقييد بقوله عليه السلام : «صالح ما أنعمت» لعلّه لإخراج ما أنعم اللّه تعالى ليكفّر الذنوب أو لغيره من العاهات والأمراض والفقر. «وارزقني من فضلك رزقا واسعا حلالاً طيّبا» سأل (صلوات اللّه عليه) الرزق الواسع ، كما في الدعاء : «أغنني وأوسع عليّ في رزقك» و «واجعلني... من... الموسّع عليهم الرزق الحلال» و«واجعل أوسع رزقك عليّ إذا كبرت» و«ولا تبتذل جاهي بالإقتار فاسترزق أهل رزقك وأستعطي شرار خلقك» . (15) هذا عدا الغنى والثروة . والمراد ألّا يقع في ضيق وشدّة ، فهو لعلّه ينطبق على الكفاف أو أوسع من ذلك حتّى إلى الغنى والثروة. «حلالاً» واقعا لما في الحرام الواقعي من الآثار الوضعية السيّئة جسما وروحا ، وإن كان حلالاً ظاهرا لا يعاقب عليه ، كما في الدعاء : «وأجر من أسباب الحلال أرزاقي» ، (16) أو المراد الحلال بحسب حكم الشارع به ظاهرا ، وذلك تعليمهم للناس كي لا يقعوا في ضنك العيش ، والحلال الواقعي قليل جدّا كما في الحديث. «طيّبا» قال سبحانه : «كُلُوا مِمّا فِي الأَْرْضِ حَلالاً طَيِّباً » ، (17) وقال عزّ شأنه : «وَكُلُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللّه ُ حَلالاً طَيِّباً » ، (18) وقال سبحانه : «فَكُلُوا مِمّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللّه َ » ، (19) وقال سبحانه : «فَكُلُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللّه ُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللّه ِ » . (20) قال الراغب : «وأصل الطيّب ما تستلذّه الحواسّ وما تستلذّه النفس ، والطعام الطيّب في الشرع ما كان متناولاً من حيث ما يجوز ، وبقدر ما يجوز ، ومن المكان الذي يجوز ، فإنّه متى كان كذلك كان طيّبا عاجلاً وآجلاً لا يستوخم ، وإلّا فإنّه وإن كان طيّبا عاجلاً لم يطب آجلاً . (21)

.


1- . عدلوا باللّه : أشركوا به وجعلوا له مِثلاً (مجمع البحرين : ج 2 ص 1176) .
2- . مفردات ألفاظ القرآن : 22.
3- . أقرب الموارد : ج 1 ص 66 .
4- . النهاية : ج 3 ص 191 .
5- . النساء : 116.
6- . النساء : 136.
7- . النساء : 167.
8- . الأحزاب : 36 .
9- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 20.
10- . المصدر السابق : الدعاء 32.
11- . يوسف : 101.
12- . النحل : 32.
13- . نهج البلاغة: الحكمة 40، الغارات: ج 2 ص 924.
14- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 17 .
15- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 20 .
16- . المصدر السابق : الدعاء 30 .
17- . البقرة : 168 .
18- . المائدة : 88 .
19- . الأنفال : 69 .
20- . النحل : 114 .
21- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 308 .

ص: 131

. .

ص: 132

. .

ص: 133

اللّهُمَّ احرُسني بِحَراسَتِكَ«192 » وَاحفَظني بِحِفظِكَ«193 »وَاكلَأني بِكِلاءَتِكَ (1) «194 » وَارزُقني حَجَّ بَيتِكَ الحَرامِ ، في عامِنا هذا وفي كُلِّ عامٍ «195 » وزِيارَةِ قَبرِ نَبِيِّكَ (2) «196 » ولا تُخلِني يا رَبِّ مِن تِلكَ المَشاهِدِ الشَّريفَةِ وَالمَواقِفِ الكَريمَةِ «197 »اللّهُمَّ تُب عَلَيَ حَتّى لا أعصِيَكَ «198 »وألهِمنِي الخَيرَ وَالعَمَلَ بِهِ «199 »وخَشيَتَكَ بِاللَّيلِ وَالنَّهارِ ما أبقَيتَني يا رَبَّ العالَمينَ «200 »

«اللّهمّ احرسني» قال الراغب : «الحرَسَ وَالحرّاس جمع حارس ، وهو حافظ المكان ، والحرز والحرس يتقاربان معنى تقاربهما لفظا ، لكنّ الحرز يُستعمل في الناس والأمتعة أكثر ، والحرس يُستعمل في الأمكنة أكثر» . (3) هذا وقال غيره : الحرس : الحفظ ، كما في المصباح وأقرب الموارد والعين للخليل ، (4) ولكنّ الحقّ أنّ الحراسة هي المراقبة للحفظ ، فالحراسة مقدّمة للحفظ ، كما أنّ الكلأ تبقية الشيء . فالمعنى راقبني للحفظ ، وإذا قاربت الخطر فاحفظني ، وإذا حفظتني فأبقني وأطل الحفظ. «وارزقني حجّ بيتك» تقدّم معنى الرزق والحجّ ، والبيت الحرام هو الكعبة ، كما في قوله تعالى : «جَعَلَ اللّه ُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ » ، (5) أو هو المسجد ، كما قال تعالى : «فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ » ، (6) هذا ولكنّ البلدة أيضا حرام ، قال تعالى : «إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها » ، (7) وكذا الحرم حول البلدة ؛ لأنّ اللّه حرّمها وجعلها أمنا ، سواء العاكف فيه والباد . يسأل اللّه تعالى زيارة بيت اللّه الحرام في العامّ وفي كلّ عامّ بالمعنى الحقيقي ، لا السفر إلى مكّة لشغل دنيوي ، أو تنزّه ، بل يتجرّد عن العلائق سوى اللّه تعالى ويقصده قائلاً : لبيك اللّهمّ لبيّك ، إجابة لدعوة إبراهيم عليه السلام : «وَأَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ » ، (8) ويقول : اللّهمّ إنّ هذا الحرم حرمك والبيت بيتك وأنا ضيفك وجارك. «وزيارة قبر نبيّك والأئمّة عليهم السلام » وقد وردت روايات كثيرة في زيارة رسول اللّه صلى الله عليه و آله والأئمّة عليهم السلام ، وقد وردت متواترةً بين الفريقين عنه صلى الله عليه و آله . (9) «من سلّم عليَّ عند قبري سمعت ، ومن سلّم عليَ من بعيد يبلغني» ، (10) وكذا زيارة الأئمّة عليهم السلام من البعيد. «ولا تخلني ياربّ من تلك المشاهد الشريفة والمواقف الكريمة». «لا تخلني» أي لا تجعلني خاليا . «من تلك المشاهد» أي الأماكن الّتي يجتمعون فيها ، من المشهد بمعنى مجتمع الناس ، «الشريفة» أي ذو الشرف من الشرف ، بمعنى العلوّ والمجد ، «المواقف» جمع الموقف ، أي محلّ الوقوف ، «الكريمة» أي ذات الكرامة ، والكرم : الجود الكثير النفع ، وقد يُطلق من كلّ شيء على أحسنه ، كما قيل : الكريم صفة ما يرضى ويحمد ، في بابه رزق كريم أي كثير. «اللّهمّ تب عليَّ حتّى لا أعصيك» قال سبحانه : «تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا » ، (11) أي رجع عليهم بفضله ، والمراد أن يرجع اللّه سبحانه عليهم بالتوفيق والتسديد والهداية حتّى لا يعصى اللّه تعالى ، والجملة الآتية كالبيان لتوبة اللّه عليه ، قال : «وألهمني الخير والعمل به وخشيتك باللّيل» الإلهام : إلقاء الشيء في الروع ، ويختصّ ذلك بما كان من جهة اللّه تعالى وجهة الملأ الأعلى ، قال تعالى : «فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها » ، (12) وذلك نحو ما عبّر عنه بلمّة الملك (هذا بيان لتوبة اللّه عليه في الهداية إلى الخير) . «والعمل به» أي ألهمني العمل بعد ذكر الخير ، كما في دعاء كميل : «قوّ على خدمتك جوارحي ، واشدد علي العزيمة جوانحي» . أي ألهم إرادة الخير بعد إلهام ذكر الخير . «وخشيتك باللّيل والنهار» حتّى ينزجر عن المعاصي وترك الشهوات والهوى والميول النفسانية ، قال الإمام الحسين عليه السلام : «اللّهمّ اجعلني أخشاك حتّى كأنّي أراك ، وأسعدني بتقواك ، ولا تشقني بمعصيتك» (13) هذه المراتب الثلاثة في توبة اللّه تعالى على عبده . «ما أبقيتني ياربّ العالمين» أي أدم توبتك عليّ مادام حياتي حتّى لا أعصي فيما بقي من عمري.

.


1- . كَلَأه : حفظه ، وكلاءتك : أي حفظك وحراستك (مجمع البحرين : ج 3 ص 1584) .
2- . زاد في المصباح للكفعمي والبلد الأمين : «والأئمّة عليهم السلام » .
3- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 113 .
4- . المصباح المنير : ص 159 ، أقرب الموارد : ج 1 ص 624 ، العين : ج 3 ص 137 .
5- . المائدة : 97 .
6- . البقرة : 144.
7- . النمل : 91 .
8- . الحج : 27 .
9- . اُنظر : بحار الأنوار : ج 13 ، وسائل الشيعة : ج 5 ص 254 ؛ والنسائي ، البداية والنهاية : ج 5 ، ص 276 ؛ ابن أبي شيبة : ج 2 ، ص375 ، وج 11 ، ص 474 ؛ تهذيب تاريخ دمشق : ج 3 ، ص 158 ؛ وسنن البيهقي : ج 5 ، ص 245 ؛ تاريخ إصبهان : ج 2 ، ص 205 .
10- . الفصول المختارة : ص 130 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 10 ص 441 .
11- . التوبة : 118 .
12- . الشمس : 8 .
13- . اُنظر : الكافي : ج 2 ص 577 ، الإقبال : ج 2 ص 78 ، بحار الأنوار : ج 86 ص 296 .

ص: 134

. .

ص: 135

. .

ص: 136

اللّهُمَّ إنّي (1) كُلَّما قُلتُ : قَد تَهَيَّأتُ وتَعَبَّأتُ وقُمتُ لِلصَّلاةِ بَينَ يَدَيكَ وناجَيتُكَ «201 »ألقَيتَ عَلَيَ نُعاسا إذا أنَا صَلَّيتُ «202 »وسَلَبتَني مُناجاتَكَ إذا أنَا ناجَيتُ «203 » ما لي كُلَّما قُلتُ : قَد صَلَحَت سَريرَتي وقَرُبَ مِن مَجالِسِ التَّوابينَ مَجلِسي «204 »عَرَضَت لي بَلِيَّةٌ أزالَت قَدَمي وحالَت بَيني وبَينَ خِدمَتِكَ «205 »

«اللّهمّ» يستعمل أوّلاً للنداء ، وأصله يااللّه ، سقط حرف النداء وعوّض عنه ميم مشدّدة ، نحو : اللّهمّ ارحمني . وثانيا لتمكين الجواب في نفس السائل ، كقولك : اللّهمّ نعم ، لمن قال لك : أيوسف قائم ؟ (2) وخُصّ بدعاء اللّه ، وقيل : تقديره يااللّه أمنّا بخير ، مركّب تركيب حيّهلا، (3) فحيّ هلا أي ابدأ به وأعجل به، وهما كلمتان جُعلتا كلمة واحدة، وهلا: حثّ واستعجال. «تهيّأت» أي استعدتُ ، من تهيّأ للأمر تهيّوءا ؛ استعدّ وأخذ له أهبّته وتفرّغ له . «تعبّأت» أي تهيّأت ، من عبّأ المتاع هيّأه. «للصلاة» قال الراغب : «والصلاة الّتي هي العبادة المخصوصة أصلها الدعاء ، وسُمّيت هذه العبادة بها كتسمية الشيء باسم بعض ما يتضمّنه ، (4) كما في الحديث : «الدعاء مخّ العبادة» ، (5) والصلاة من العبادات الّتي لم تنفكّ شريعة منها ، وإن اختلفت صورها بحسب شرع فشرع ، ولذلك قال : «إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً » . (6) وقال بعضهم : أصل الصلاة من الصلاء ، قال : ومعنى صلّى الرجل ، أي أنّه أزال عن نفسه بهذه العبادة الصلاة الذي هو نار اللّه الموقدة ، وبناء صلّى كبناء مرض لإزالة المرض . (7) «ناجيتك» قال الراغب : «أصل النجاة الانفصال من الشيء ، ومنه نجا فلان من فلان ، وأنجيته ونجيّته ، قال : «وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا... » » ، (8) وناجيته أي أسررته . وأصله أن تخلو به في نجوة من الأرض ، وقيل : أصله من النجاة ، وهو أن تعاونه بما فيه خلاصه. «نعاسا» النعاس : النوم القليل. «إذا أنا صلّيت» أي اشتغلت بالصلاة. ومحصّل الجملة : إنّي استعددت وتفرّغت للصلاة ، وتركت ما سواها من الأشغال والأفكار ، وأخذت هيئةً وشكلاً وحالةً حسنة وسكونا وصلاحا ، وعبّأت أي رتّبت أُموري وجهّزت نفسي للعبادة ، وقمت للصلاة والدعاء والاستغفار والتضرّع والتوبة والإنابة ، وساررتك وذكرت لك ما في خفايا قلبي من المعونات الحسنة والسيّئة ، والأعمال الباطنية والظاهرية ، والحوائج الّتي أطلبها منك ، فإذا ألقيت عليّ نعاسا ، يعني نوما قليلاً ، وسلبتني أمل ما أعددت ورتّبت من هيئة العبادة والمناجاة. «مالي» أي ما العلّة فيَّ ، وأيّ شيء في نفسي وعملي ونيّاتي حتّى منعتني عن العبادة والمناجاة وسلبتني التوفيق ؟ «كلّما قلت قد صلحت سريرتي» السريرة : السرّ الذي يُكتم ، جمع سرائر ، أي صلحت باطني وتهذّبت نفسي من الرذائل ودرن الخطايا والأرجاس حتّى وفقت وقرب من مجالس التوّابين مجلسي ، وهذه الجملة بيان لعظمة التوّابين ومجالسهم ، كما في النهج : «فلو مثّلتهم لعقلك في مقاومهم المحمودة ، ومجالسهم المشهودة ، وقد نشروا دواوين أعمالهم ، وفرغوا لمحاسبة أنفسهم عن كلّ صغيرة وكبيرة أُمروا بها فقصروا عنها ، أو نهوا عنها ففرّطوا فيها ، وحمّلوا ثقل أوزارهم ظهورهم ، فضعفوا عن الاستقلال بها ، فنشجوا نشيجا ، وتجاوبوا نحيبا ، يعجّون إلى ربّهم من مقاوم ندم واعتراف ، لرأيت أعلام هدى ، ومصابيح دُجى ، قد حفّت بهم الملائكة ، وتنزّلت عليهم السكينة ...» . (9) وقال الإمام علي بن الحسين عليه السلام : «إلهي ألبستني الخطايا ثوب مذلّتي ، وجلّلني التباعد منك لباس مسكنتني ، وأمات قلبي عظيم جنايتي ، فأحيه بتوبةٍ منك ياأملي وبغيتي» . (10) «عرضت لي بلية أزالت قدمي» البليّة : البلوى ، أي الامتحان والاختبار والمصيبة ، جمع بلايا ، أي عرضت لي مصيبة أو أمر عرض امتحانا واختبارا من اللّه تعالى ، وصار سببا للزلّة وحالت بينه وبين الربّ تبارك وتعالى. ولعلّ المراد من البليّة العمل الذي سلبه حال العبادة وقطع عنه توفيق المناجاة ؛ لأنّ كلّ صفة من الإنسان علّة لشيء ، كما أنّ أعماله تؤثّر في أوصافه ، فالصفات الرذيلة أو الحسنة تصير سببا لأعمال حسنة أو قبيحة ، كما أنّ عملاً حسنا أو سيّئا يؤثّر في نفس الإنسان صفة أو حالة حسنة أو سيّئة. فشرع صلوات اللّه عليه في ذكر الأعمال الّتي يمكن أن تكون سببا لذلك.

.


1- . في الإقبال : «إلهي ما لي» بدل «اللّهُمَّ إنّي» .
2- . أقرب الموارد : ج 1 ص 17 .
3- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 22 .
4- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 285 .
5- . عدّة الداعي : ص 24 ، بحار الأنوار : ج 90 ص 300 .
6- . النساء : 103.
7- . اُنظر : فقه القرآن للراوندي : ج 1 ص 80 ، مفردات ألفاظ القرآن : ص 28 .
8- . النمل: 53 ، مفردات ألفاظ القرآن : ص 483 .
9- . نهج البلاغة : الخطبة 222.
10- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 182 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 91 ص 142.

ص: 137

. .

ص: 138

. .

ص: 139

سيّدي لَعَلَّكَ عَن بابِكَ طَرَدتَني«206 »وعَن خِدمَتِكَ نَحَّيتَني «207 »أو لَعَلَّكَ رَأَيتَني مُستَخِفّا بِحَقِّكَ فَأَقصَيتَني «208 » أو لَعَلَّكَ رَأَيتَني مُعرِضا عَنكَ فَقَلَيتَني «209 »أو لَعَلَّكَ وَجَدتَني في مَقامِ الكاذِبينَ فَرَفَضتَني «210 »أو لَعَلَّكَ رَأَيتَني غَيرَ شاكِرٍ لِنَعمائِكَ فَحَرَمتَني «211 » أو لَعَلَّكَ فَقَدتَني مِن مَجالِسِ العُلَماءِ فَخَذَلتَني «212 »أو لَعَلَّكَ رَأَيتَني فِي الغافِلينَ«213 »فَمِن رَحمَتِكَ آيَستَني «214 »أو لَعَلَّكَ رَأَيتَني آلِفَ مَجالِسِ البَطّالينَ فَبَيني وبَينَهُم خَلَّيتَني «215 » أو لَعَلَّكَ لَم تُحِبَّ أن تَسمَعَ دُعائي فَباعَدتَني «216 »أو لَعَلَّكَ بِجُرمي وجَريرَتي كافَيتَني «217 » أو لَعَلَّكَ بِقِلَّةِ حَيائي مِنكَ جازَيتَني «218 »

«لعلّك عن بابك طردتني» شرع _ صلوات اللّه عليه _ في بيان علل المحرومية ، وأوّلها أن يطرده اللّه تعالى عن بابه وتنحيته عن خدمته ، ويقطع عنه رحمته ويتركه ، ويحبس عنه نوره «وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللّه ُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ » (1) و «مَنْ يَهْدِ اللّه ُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ » (2) «إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللّه َ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ » ، (3) يعني أنّ هذه البليّة لعلّها نشأت من مشيئة اللّه تعالى بأن يطرده عن بابه ويقطع عنه فيضه ويأخذ منه فضله ونعمته ، ومن قطع اللّه تعالى عنه هدايته فهو في ضلال ، كما إذا أخذ عن إنسان نعمه المادّية كالصحّة والعافية والغنى والجاه والبصر والسمع و... . نعم ، وعد اللّه سبحانه عباده بألّا يغيّر نعمة أنعمها على قومٍ حتّى يغيّروا ما بأنفسهم ، ولا يسلب عنهم هدايته ونوره وفضله إلّا أن يكفروا أو يزيغوا وينقضوا عهد اللّه تعالى ، قال تعالى : «ذلِكَ بِأَنَّ اللّه َ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ » ، (4) وقال سبحانه : «إِنَّ اللّه َ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ » ، (5) وقال تعالى : «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأََزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ » ، (6) وقال عزّ شأنه : «فَلَمّا زاغُوا أَزاغَ اللّه ُ قُلُوبَهُمْ » ، (7) وقال تعالى : «بَلْ طَبَعَ اللّه ُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاّ قَلِيلاً » ، (8) وقال : «كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ » ، (9) و «كَذلِكَ يَطْبَعُ اللّه ُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبّارٍ » ، (10) و «كَذلِكَ يَطْبَعُ اللّه ُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ » ، (11) أي يصرّون على جهلهم باللّه وآياته ، والزيغ هو الميل عن الاستقامة قلبا أو عملاً. ولا ينافي وعد اللّه سبحانه وتعالى أن يسأله تعالى ويستعيذ به في ألّا يقطع عنه الهداية والنعمة ؛ لأنّ اللّه سبحانه «مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ » ، (12) وليست يد اللّه مغلولة ، بل يداه مبسوطتان. فقوله عليه السلام : «ولعلّك عن بابك طردتني» اعتراف بقدرة اللّه تعالى وبسط يده ، وأنّه ليس لعطائه مانع ، ولا لقضائه دافع ، كما قال سبحانه في أهل الجنّة مع وعده لهم بالخلود فيها بقوله تعالى : هم فيها خالدون أبدا (في آيات كثيرة) : «وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالأَْرْضُ إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ » . (13) «أو لعلّك رأيتني مستخفّا بحقّك فأقصيتني» الاستخفاف بحقّ اللّه تعالى يوجب استحقاق الإقصاء ، والاستخفاف من استخفّ الرجل بحقّي ؛ أي استهان به ، فالاستخفاف بحقّ اللّه تعالى ؛ أي عدّه مهيّنا وغير عظيم ، إمّا بالعصيان في الواجبات بالتهاون بها كمّا وكيفا واهتماما بوقتها وأجزائها وشرائطها وموانعها ، أو في المحرّمات فكذلك ، ولعلّ ذلك في أداء المستحبّات والمكروهات ، وسيأتي في هذا الدعاء : «إلهي لم أعصك حين عصيتك وأنا بربوبيّتك جاحد ، ولا بأمرك مستخفّ ، ولا لعقوبتك متعرّض ، ولا لوعيدك متهاون ، لكن خطيئة عرضت وسوّلت لي نفسي ، وغلبني هواي ، وأعانني عليها شقوتي». فالعصيان على وجهين : إمّا تقع مع عدّه شيئا وأنّ عصيانه تعالى ليس بشيء ، كمن ترك النوافل متهاونا وترك الجماعة متهاونا . وإمّا تقع مع عدّه عظيما وثقيلاً بسبب غلبة شهوة أو عروض غفلة ، فالأوّل استخفاف دون الثاني . ويحتمل أن يكون المراد مطلق العصيان ، فإنّ من اهتمّ بشيء وعظّم شيئا لا يسهو ولا يغفل ولا ينسى تحفّظا واحتياطا ، بل لا ينام على حسب مراتب الاهتمام بأوامر اللّه ونواهيه وعلى حسب معرفته باللّه تعالى . ويحتمل أن يكون المراد المعنى الجامع ، ويتفاوت ذلك حسب الأشخاص و مراتب المعرفة . وعلى كلّ حالّ ، فمن استهان بحقّ اللّه تعالى يستحقّ الإقصاء ، فلو تفضّل بكرمه فلم يطرده ولم يقصه ، بل تاب عليه فتاب فقرّبه وأدناه ، فهو المرجوّ منه تعالى ، كما في قصّة آدم عليه السلام : «فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ » . (14) ويؤيّد الاحتمال الأوّل حديث مسعدة ، قال : «سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام وسُئل : ما بال الزاني لا تُسميّه كافرا ، وتارك الصلاة قد سمّيته كافرا؟ وما الحجّة في ذلك؟ فقال : لأنّ الزاني وما أشبهه إنّما يفعل ذلك لمكان الشهوة فإنّها تغلبه ، وتارك الصلاة لا يتركها إلاّ استخفافا بها ، وذلك لأنّك لا تجد الزاني يأتي المرأة إلّا وهو مستلذّ لإتيانه إيّاها قاصدا إليها ، وكلّ من ترك الصلاة قاصدا إليها فليس يكون قصده ، لتركها اللذّة ، فإذا نفيت اللذة وقع الاستخفاف ، وإذا وقع الاستخفاف وقع الكفر» . (15) قال : وسئل أبو عبد اللّه عليه السلام وقيل له : «ما الفرق بين من نظر إلى امرأة فزنى بها أو خمر فشربها ، وبين من ترك الصلاة حتّى لا يكون الزاني وشارب الخمر مستخفّا ، كما يستخفّ تارك الصلاة ؟ وما الحجّة في ذلك؟ وما العلّة الّتي تفرُق بينهما؟ قال : الحجّة أنّ كلّ ما أدخلت أنت نفسك فيه لم يدعك إليه داع ولم يغلبك غالب شهوة ، مثل الزنا وشرب الخمر ، وأنت دعوت نفسك إلى ترك الصلاة وليس ثمّ شهوة ، فهو الاستخفاف بعينه ، وهذا فرق ما بينهما» . (16) «أو لعلّك رأيتني معرضا عنك فقليتني» أعرض أي ولّى يقال : أعرض عنّي ؛ فمعناه ولّى مبديا عرضه ؛ أي جانبه ، فإذا قيل : أعرض لي كذا ؛ أي بدا عرضه فأمكن تناوله ، وإذا قيل أعرَضَ عنّي ؛ فمعناه ولّى مبديا عرضه ، قال تعالى : «وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى * قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى » . (17) «قلى» أي كرهه وأبغضه غاية الكراهة والبغض. الإعراض عن اللّه تعالى ، كما في القرآن الكريم : «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها » ، (18) وقال : «مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ _ أي الذكر وهو القرآن _ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً » ، (19) عبارة عن أن يسمع كلام اللّه ، ثم يولّى كأن لم يسمعها ، وقد استعمل في القرآن الكريم كلمتي «أعرض» ومشتقّاتها وولّى ومشتقّاتها كثيرا ، والمراد ظاهرا عدم القبول وعدم الإيمان أو عدم الإصغاء والائتمار كما لا يخفى. قال الراغب في «ولّى» : وإذا عدي بعن لفظا أو تقديرا اقتضى معنى الإعراض وترك قربه... والتولّي قد يكون بالجسم وقد يكون بترك الإصغاء والائتمار ، قال اللّه عزّ وجلّ : «وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ » ، (20) أي لا تفعلوا ما فعل الموصوفون بقوله : «وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً » (21) . (22) ولعلّ هذا أشدّ من الاستخفاف ، ولذلك استحقّ القلا دون الإقصاء ، ويحتمل العكس ، قال الأُستاذ العلّامة في تفسيره القيم الميزان في تفسير الآية : «وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي » (23) ما ملخّصه : «إنّ العيش : الحياة المختصّة بالحيوان ، وهو أخصّ من الحياة ؛ لأنّ الحياة يقال في الحيوان وفي الباري تعالى وفي الملك ، ويشتقّ منه المعيشة لما يتعيّش منه ، وقال تعالى : «نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا » ، (24) الضنك : هو الضيق من كلّ شيء : وقوله : «وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي » (25) يقابل قوله في الآية السابقة : «فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ » ، (26) وكان مقتضى المقابلة أن يقال : ومن لم يتبع هداي ، وإنّما عدل عنه إلى ذكر الإعراض عن الذكر ، يسير إلى علّة الحكم ؛ لأنّ نسيانه تعالى والإعراض عن ذكره هو السبب لضنك العيش والعمى يوم القيامة . والمراد من الذكر إمّا المعنى المصدري أو القرآن أو الكتب السماوية ، وذلك أنّ من نسي ربّه وانقطع عن ذكره لم يبق له إلاّ التعلّق بالدنيا ويجعلها المطلوب الوحيد الذي يهتمّ به ، والمعيشة الّتي أوتيها لا تسعه ، فهو دائما في ضيق وحنق ، ولو أنّه عرف ربّه وذكره وعلم أنّ له حياة دائمة بعد ذلك في تمام العزّ والفرح ، قنعت نفسه بما قدر له» . (27) «أو لعلّك وجدتني في مقام الكاذبين فرفضتني» قال الراغب : «الصدق والكذب أصلهما في القول ماضيا كان أو مستقبلاً ، وعدا كان أو غيره ، ولا يكونان بالقصد الأوّل إلّا في القول ، ولا يكونان في القول إلّا في الخبر دون غيره من أصناف الكلام» . (28) والذي أظنّ أنّ الأوّل في كلامه غلط ، والمراد أنّ الصدق والكذب حسب قصد القائل لا يكون إلاّ في القول ، ولا يكون في القول إلّا في الخبر ، وقد يكون بالعرض في غيره من أنواع الكلام كالاستفهام والأمر والدعاء ، وذلك نحو قول القائل : أزيدٌ في الدار؟ فإنّ في ضمنه إخبارا بكونه جاهلاً بحال زيد... . «وجدتني في مقام الكاذبين» أي في إسناد شيء إليه تعالى ، كمن أسند إليه شريكا أو ولدا أو كذبوا في ادّعاء الإيمان أو المحبّة أو الطاعة أو الإخلاص ، وقد كثر تكرار هذه الكلمة في القرآن الكريم في كذب الكفّار والمنافقين على اللّه تعالى ، فالكذب والصدق يكونان في القول والفعل كما في القرآن الكريم. في شرح الصحيفة : «الصدق في اللغة : مطابقة الحكم للواقع ، وقد يراد به مطلق الجودة ، والصدق في اصطلاح أهل الحقيقة : قول الحقّ في مواطن الهلاك» . (29) «فرفضتني» من رفضه رفضا أي تركه ورماه وجانبه فهو رافض . قال : وجدتني في مقام الكاذبين ولم يقل وجدتني من الكاذبين ، والمقام يكون مصدرا واسم مكان القيام وزمانه ، نحو : «انَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي » ، (30) «ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ » ، (31) «وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ » (32) ، (33) و«هذا مقام من تداولته أيدي الذنوب» ، (34) «هذا مقام العائذ بك» ، (35) «هذا مقام من استحيا» ، (36) «لم تقم مقام فضيحة في دنياك» . (37) قال عليه السلام : «وجدتني في مقام الكاذبين» ولم يقل : وجدتني كاذبا. «أو رأيتني غير شاكرٍ لنعمائك فحرمتني» ترك الشكر يوجب الحرمان قال سبحانه وتعالى : «وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأََزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ » ، (38) «اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ » ، (39) «إِنّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمّا شاكِراً وَإِمّا كَفُوراً » . (40) قال الراغب : «الشكر : تصوّر النعمة وإظهارها ، قيل : وهو مقلوب عن الكشر ، أي الكشف ، ويضادّه الكفر ، وهو نسيان النعمة وسترها... والشكر ثلاثة أضرب : شكر القلب وهو تصوّر النعمة ، وشكر اللّسان وهو الثناء على المنعم ، وشكر سائر الجوارح وهو مكافأة النعمة بقدر استحقاقه» . (41) وعد سبحانه وتعالى للشاكر أن يزيده نعمة ، وأوعد الكافر بقوله : «إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ » ، (42) وقال تعالى : «ذلِكَ بِأَنَّ اللّه َ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ » ، (43) وقال عزّ شأنه : «إِنَّ اللّه َ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ » (44) أوعدهم على تغيّر النعمة أو سلبها . «لنعمائك» جمع النعمة ، وهي الحالة الحسنة ، وبناء النعمة بناء الحالة الّتي يكون عليها الإنسان ، والنعمة الضيّقة والمنة وما أنعم به عليك من رزق ومال . عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهماالسلام يقول : «التحدّث بنعم اللّه شكر ، وترك ذلك كفر ، فارتبطوا نعم ربكّم بالشكر» . (45) ونعم اللّه تعالى لا تحصى ، قال تعالى : «وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللّه ِ لا تُحْصُوها » . (46) وكان من دعائه عليه السلام : «بل أقول : مقال العبد الذليل الظالم لنفسه المستخفّ بحرمة ربّه» . 47 استخفّ بحقّه ، واستهان به كأنّه عدّه خفيفا فلم يعبأ به. الحرمة بالضمّ : ما وجب القيام به وحرم التفريط فيه ، ولم تحلّ انتهاكه ، وجميع التكاليف وأحكام اللّه تعالى بهذه الصفة ، والاستخفاف بها عدم مراعاتها والقيام بها وترك العمل بموجبها . (47) وفي الدعاء : «قد أوقفت نفسي موقف المستخفّين بوعدك» ، (48) «ليس منّي من استخفّ بصلات» . (49) ونعمه تعالى ظاهرة باطنة ، قال تعالى : «وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً » ، (50) عن أبي هاشم الجعفري قال : «أصابني ضيقة شديدة ، فصرت إلى أبي الحسن علي بن محمّد عليهماالسلام فأذن لي ، فلمّا جلست قال : يا أبا هاشم ، أيّ نعم اللّه عزّ وجلّ عليك تريد أن تؤدّي شكرها؟ قال أبو هاشم : فوجمت (51) فلم أدر ما أقول له ، فابتدأ عليه السلام فقال : رزقك الإيمان فحرم به بدنك على النار ، ورزقك العافية فأعانتك على الطاعة ، ورزقك القنوع فصانك عن التبذّل ، ياأبا هاشم ، إنّما ابتدأتك بهذا لأنيّ ظننت أنّك تريد أن تشكو إليّ من فعل بك هذا ، وقد أمرت لك بمئة دينار فخذها». (52) ونحوه عن الصادق عليه السلام ... «خبّرني ، لو أُعطيت بالبراءة منّا مئة دينار ، كنت تأخذ؟ قال : لا ، إلى أن ذكر عليه السلام ألوف دنانير ، والرجل يحلف أنّه لا يفعل ، فقال عليه السلام : من معه سلعة يُعطي بها هذا المال لا يبيعها هو فقيرٌ» . (53) ومن لم يشكر نعماء اللّه تعالى لعلّ يحرم النعماء المعنوية ، كالإقبال إلى العبادة وحلاوتها ولذائذها. أسرع الذنوب عقوبةً كفران النعمة ، عن الرضا عليه السلام ، عن آبائه عليهم السلام ، عن أمير المؤمنين عليه السلام ، عن النبي صلى الله عليه و آله : «يُؤتى بعبد يوم القيامة فيُوقف بين يدي اللّه عزّ وجلّ فيُأمر به إلى النار ، فيقول : أي ربّ ، أمرت بي إلى النار وقد قرأت القرآن! فيقول اللّه : أي عبدي إنّي أنعمت عليك ولم تشكر نعمتي ، فيقول : أي ربّ ، أنعمت عليّ بكذا فشكرتك بكذا ، وأنعمت عليّ بكذا فشكرتك بكذا ، فلا يزال يحصى النعم ويعدّد الشكر ، فيقول اللّه تعالى : صدقت عبدي ، إلّا أنّك لم تشكر من أجريت لك نعمتي على يديه ، وأنّي قد آليت على نفسي ألّا أقبل شكر عبد لنعمة أنعمتها عليه حتّى يشكر من ساقها من خلقي إليه» . (54) «أو لعلّك فقدتني من مجالس العلماء فخذلتني». فيه إشارة إلى أهمّية العلم وعظمة العلماء ، وأهمّية الحضور في مجالسهم ، فكأنّ من ترك الحضور فقد ارتكب عملاً يستحقّ الخذلان ، والخذلان ترك من يظنّ به أن ينصر نصرته. وهل ذلك كناية عن ترك تعلّم الدين من التوحيد والنبوّة والإمامة والمعارف والأحكام من الواجبات والمحرّمات والحقوق والأخلاق ، فمن ترك تعلّمها استوجب الخذلان من اللّه تعالى ؛ لوجوب التعلّم وجوبا طريقيا غيريا أو وجوبا نفسيا؟ أوليست كناية ، بل ترك حضور العلماء يوجب ذلك . وبناءً على هذا ، فهل المراد من العلماء الأئمّة عليهم السلام ، كما في الحديث «نحن العلماء» ؛ أو الأعمّ منهم عليهم السلام ومن فقهاء شيعتهم (رضوان اللّه عليهم)؟ وعلى الأوّل ، فهل المراد من الحضور هو المودّة الواجبة ، وتركها هو ترك المودّة ؟ أو الأعمّ من ذلك ؟ وهل الخذلان أثر وضعي لعدم الحضور في مجالس العلماء ، يترتّب عليه ، سواء كان عن عمد أم نسيان وسهو ، أم عقوبة مترتّبة على ترك الواجب اختيارا؟ ولا يخفى على المتدبّر ما في مجالسة العلماء والصلحاء من المنافع والفوائد ، رزقنا اللّه ذلك أبدا ، وقد تحصل تلك الآثار بالرجوع إلى تزاحمهم ومعرفة أحوالهم ؛ لأنّ العلماء هم ورثة الأنبياء عليهم السلام وهم دعاة اللّه تعالى في أرضه ، وهم المثل العالي للإنسان الكامل. في الحديث : «مجالسة أهل الدين شرف الدنيا والآخرة» (55) و«من جلس مجلسا يحيى فيه أمرنا ، لم يمت قلبه يوم تموت القلوب» (56) و«طوبى لمن... جالس أهل الفقه والرحمة» (57) و «فأمّا مروءة الحضر فقراءة القرآن ، ومجالسة العلماء ، والنظر في الفقه ، والمحافظة على الصلوات في الجماعات» (58) و«الفقهاء قادة ، والجلوس إليهم عبادة» (59) و«الفقهاء سادة ، ومجالستهم زيادة» (60) و«يا أبا ذرّ ، الجلوس ساعة عند مذاكرة العلم ، أحبّ إلى اللّه من قيام ألف ليلة يصلّي في كلّ ليلة ألف ركعة...» (61) «جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك ، فإنّ اللّه عزّ وجلّ يحيي القلوب بنور الحكمة ، كما يحيي الأرض بوابل السماء» (62) «جالس العلماء يزدد علمك ويحسن أدبك وتزكو نفسك» (63) و«جالس العلماء يكمل عقلك وتشرف نفسك وينتف عنك جهلك» (64) و«لا تجلسوا إلّا عند كلّ عالم يدعوكم من خمس إلى خمس ، من الشكّ إلى اليقين ، ومن الرياء إلى الإخلاص ، ومن الرغبة إلى الرهبة ، ومن الكبر إلى التواضع ، ومن الغشّ إلى النصيحة» . (65) «أو لعلّك رأيتني آلف مجالس البطّالين فبيني وبينهم خلّيّتني» . «آلف» من ألف يألف ألفا : أنس به وأحبّه ، والاسم الأُلفة ، آلفه مؤالفة : أنسه وعاشره. «البطّالين» من بطل يبطل بطولاً وبطلانا : فسد أو سقط حكمه وذهب ضياعا وخسرا ، وفي حديثه بطالة أي هزل ، والبطّال : المتعطّل وشرّ الفتيان. «خلّيتني» من خلّى الشيء أي جعله فريدا وحيدا ، أي تركتني معهم ولم تجعل من أُلفتي معهم مانعا ورادعا. هو أيضا سبب _ لما يعرض العابد من النعاس والكسل عن العبادة _ أن يألف الإنسان الإنسان البطّال فيعدو إليه البطالة أو يؤاخذه اللّه تعالى بهذه المؤالفة ، في الحديث : «خير الإخوان أقلّهم مصانعة في النصيحة» (66) و«خير إخوانكم من أهدى إليكم عيوبكم» (67) «اصحب من تتزيّن به ولا تصحب من يتزيّن بك» ، (68) «اصحب من إذا صحبته زانك ، وإذا خدمته صانك ، وإذا أردت منه معونة أعانك ، وإذا قلت صدق قولك ، وإذا صُلت شدّ صولك ، وإن مددت يدك تفضل مدّها ، وإذا بدت عنك ثلمة سدّها ، وإن رأى منك حسنة عدّها ، وإن سألته أعطاك ، وإن سكّت عنه ابتدأك ، وإن نزلت بك أحدى الملمّات به ساءك» ، (69) «خير إخوانك من دلّك على هدى ، وأكسبك تقى ، وصدّك عن اتّباع الهوى» . (70) «أو لعلّك لم تحبّ أن تسمع دعائي فباعدتني ، أو لعلّك بجرمي وجريرتي كافيتني» أصل الجرم قطع الثمرة عن الشجر ، والجرامة رديء التمر المجروم ، أجرم صار ذا جرم ، واستُعير ذلك لكلّ اكتساب مكروه ، وقد استُعمل في القرآن الكريم : «لا تُسْئَلُونَ عَمّا أَجْرَمْنا » (71) و «سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا » ، (72) والجُرم بالضمّ : الذنب ، وجَرم زيد : أذنب. الجريرة : الذنب والجناية . «كافيتني» أي جازيتني ، من كافاه على ما كان منه مكافأة ، وكفاء جازاه ، وكافى فلانا : ماثله وساواه وصار نظيرا له . أي لعلّك جازيتني في سلب التوفيق وإلقاء النعاس بجرمي وجريرتي. «أو لعلّك بقلّة حياتي جازيتني».

.


1- . النور : 40 .
2- . الأعراف : 178 .
3- . القصص : 56 .
4- . الأنفال : 53 .
5- . الرعد : 11 .
6- . إبراهيم : 7 .
7- . الصف : 5 .
8- . النساء : 155 .
9- . يونس : 74 .
10- . غافر : 35 .
11- . الروم : 59 .
12- . آل عمران : 26 .
13- . هود : 108 .
14- . البقرة : 38.
15- . الكافي : ج 2 ص 286 ، قرب الإسناد : ص 47 ح 154 ، علل الشرائع : ج 2 ص 339 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 66 ص 66 .
16- . الكافي : ج 2 ص 386 ، قرب الإسناد : ص 47 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 66 ص 66 ، اُنظر : وسائل الشيعة : ج 3 ص 15 باب الاستخفاف بالصلاة : «لا تنال شفاعتنا من استخف بالصلاة» «ليس منّي من استخفّ بصلاته» ، و ج 8 ص 588 «من استخفّ بفقير مسلم فقد استخفّ بحقّ اللّه » «ومن استخفّ بمؤمنٍ فينا استخفّ وضيّع حرمة اللّه » وص 468 «من استخفّ بمؤمنٍ ذي شيبة» وج 11 ص 261 (في عداد الكبائر) ، الاستخفاف بالحجّ ، وبحار الأنوار : ج 72 ص 226 باب الاستخفاف بالدين .
17- . طه : 124 _ 126 .
18- . الكهف : 57 .
19- . طه : 100 .
20- . الأنفال : 20 .
21- . نوح : 7 .
22- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 534 .
23- . طه : 124 .
24- . الزخرف : 32 .
25- . طه : 124 .
26- . طه : 124 .
27- . الميزان في تفسير القرآن : ج 14 ص 224 _ 225 .
28- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 277 .
29- . رياض السالكين : ج 3 ص 406 .
30- . يونس : 71 .
31- . إبراهيم : 14 .
32- . الرحمن : 46 .
33- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 417 .
34- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 31.
35- . انظر : الإقبال : ج 1 ص 178 .
36- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 32 .
37- . المصدر السابق : الدعاء 47 .
38- . إبراهيم : 7 .
39- . سبأ : 13 .
40- . الإنسان : 3 .
41- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 265 .
42- . إبراهيم : 7 .
43- . الأنفال : 53 .
44- . الرعد : 11 .
45- . بحار الأنوار : ج 48 ص 150 .
46- . إبراهيم : 34.
47- . رياض السالكين : ج 2 ص 486.
48- . اُنظر : الصحيفة السجّادية : الدعاء 53 .
49- . كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 1 ص 206 ح 617 .
50- . لقمان : 20 .
51- . وجم : أطرق وسكت عن الكلام .
52- . الأمالي للصدوق : ص 498 ح 682 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 50 ص 129 .
53- . الأمالي للصدوق : ص 298 ح 584 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 64 ص 147 .
54- . الأمالي للصدوق : ص 450 ح 1005 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 7 ص 223 .
55- . الكافي : ج 1 ص 39 ، الأمالي للصدوق : ص 116 ح 100 ، تحف العقول : ص 298 ، روضة الواعظين : ص 5 ، مشكاة الأنوار : ص 194 ، بحار الأنوار : ج 1 ص 155 .
56- . عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج 1 ص 294 ح 48 .
57- . تفسير القمّي : ج 2 ص 70 .
58- . الخصال : ص 54 ح 71 ، انظر : بحار الأنوار : ج 1 ص 200 .
59- . الأمالي للصدوق : ص 225 ح 392 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 1 ص 201 .
60- . الأمالي للصدوق : ص 472 ح 1032 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 1 ص 201 .
61- . جامع الأخبار : ص 109 ح 195 ، انظر : بحار الأنوار : ج 1 ص 202 .
62- . روضة الواعظين : ص 11 ، مشكاة الأنوار : ص 447 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 1 ص 204 .
63- . غرر الحكم : ح 4786 .
64- . غرر الحكم : ح 4787 .
65- . جامع الأخبار : ص 110 ح 195 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 74 ص 188 .
66- . غرر الحكم : ح 4978 .
67- . تنبيه الخوطر : ج 2 ص 123 .
68- . كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 2 ص 278 ، مكارم الأخلاق : ص 251 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 73 ص 267 .
69- . كفاية الأثر : ص 228 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 44 ص 129 .
70- . غرر الحكم : ح 5029 .
71- . سبأ : 25 .
72- . الأنعام : 124 .

ص: 140

. .

ص: 141

. .

ص: 142

. .

ص: 143

. .

ص: 144

. .

ص: 145

. .

ص: 146

. .

ص: 147

. .

ص: 148

. .

ص: 149

. .

ص: 150

فَإِن عَفَوتَ يا رَبِّ فَطالَما عَفَوتَ عَنِ المُذنِبينَ قَبلي «219 » لِأَنَّ كَرَمَكَ أي رَبِّ يَجِلُّ عَن (مُجازاةِ المُذنِبينَ «220 »وحِلمَكَ يَكبُرُ عَن ) (1) مُكافاةِ المُقَصِّرينَ «221 »وأنَا عائِذٌ بِفَضلِكَ ، هارِبٌ مِنكَ إلَيكَ «222 »مُنتَجِزٌ (مُتَنَجِّزٌ) ما وَعَدتَ مِنَ الصَّفحِ عَمَّن أحسَنَ بِكَ ظَنّاً «223 » إلهي أنتَ أوسَعُ فَضلاً وأعظَمُ حِلما مِن أن تُقايِسَني بِعَمَلي «224 »أو أن تَستَزِلَّني بِخَطيئَتي «225 »وما أنَا يا سَيِّدي وما خَطَري؟!«226 »هَبني بِفَضلِكَ سَيِّدي «227 »وتَصَدَّق عَلَيَ بِعَفوِكَ«228 »وجَلِّلني بِسِترِكَ «229 »وَاعفُ عَن تَوبيخي بِكَرَمِ وَجهِكَ «230 »

«فإن عفوت ياربّ» العفو : القصد لتناول الشيء ، عفوت عنه : قصدت إزالة ذنبه صارفا عنه ، فالمفعول في الحقيقة متروك ، عفا اللّه عن فلان : محا ذنبه ، وعفا عن الحقّ : أسقطه ، كأنّه محاه. أي إن أزلت عنّي ما صدر عنّي من هذه الأعمال الموجبة للخذلان وسلب التوفيق ياربّ ، فطالما عفوت عن المذنبين قبلي ، وأزلت عنهم حتّى كأنّهم لم يرتكبوا شيئا ، حتّى عادوا إلى حالتهم الأُولى من حبّك وكرامتك ، وزالت عنهم الآثار الوضعية والتكليفية . توسّل (صلوات اللّه عليه) بالاسم المبارك وهو الربّ ، وقد تكرّر في القرآن الكريم كثيرا ، سيّما في دعوات الأنبياء عليهم السلام ؛ لأنّه مشتمل على نفي الشرك وأنّه سبحانه هو المدبّر والضارّ والنافع ، وهو الكافل والمغيث والمعين والمفرّج والكاشف ... وهذا الاسم هو الشافع عند اللّه سبحانه في رفع هذه البلية وغيرها ، نسأله رفع الكرب ؛ لأنّه هو المدبّر والسيّد والوليّ دون غيره. «لأنّ كرمك أي ربّ يجلّ عن مكأفأة المقصّرين» علّل (صلوات اللّه عليه) عفوه عن المذنبين قبله وعنه بأنّه تعالى كريم ، وقد مرّ الكلام حول الكرم والكريم ، وهو الجواد الذي لا ينفد عطاؤه إلى آخر ما مرّ. استدلّ بعفو اللّه تعالى بأنّ كرمك أجلّ وأعظم من مكأفاة المقصّرين ، ومقابلة إساءتهم بالإساءة ، بل الكريم يقابل الإساءة بالإحسان والفضل والإنعام ... إلخ . «وأنا عائذ بفضلك هارب منك إليك» عاذ به من كذا : لجأ إليه واعتصم ، تقول : أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم ؛ أي ألتجئ إلى اللّه وأعتصم من الشيطان ، والعوذ : الالتجاء إلى الغير والتعلّق به ، أي أنا التجأت إليك ، وأعتصم بك وبفضلك ، وفي الحقيقة أنا ألتجئ من سخطك وعذابك ومكافأتك إيّاي بجرمي وجريرتي إلى فضلك ، وهارب منك أي من سخطك إليك أي إلى فضلك ، والفضل هو الإحسان والابتداء به بلا علّة ، والفضل الزيادة عن الاقتصاد . «متنجّز» من تنجّز حاجته : استنجحها وطلب قضاءها ممّن وعده إيّاها ، «ما وعدت من الصّفح» وعده سبحانه لمن أحسن الظنّ ، قال سبحانه : «الظّانِّينَ بِاللّه ِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ » (2) و «ذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ » ، (3) وقال سبحانه : «اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ » (4) و «لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّه ِ » (5) «إِنَّ اللّه َ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً » . (6) قال عليه السلام في الصحيفة : «اللّهمّ إنّه يحجبني عن مسألتك خِلالٌ ثلاث ، وتحدوني عليها خلّة واحدة ، يحجبني أمرٌ أمرت به فأبطأت عنه ، ونهيٌ نهيتني عنه فأسرعت إليه ، ونعمة ، أنعمت بها عليّ فقصّرت في شكرها ، ويحدوني على مسألتك تفضّلك ، على من أقبل بوجهه إليك ، ووفد بحسن ظنّه إليك ، إذ جميع إحسانك تفضّل وإذ كلّ نعمتك ابتداء» . (7) فالمراد هو كون العبد راجيا قبول التوبة ، إن كان عاصيا فيتوب إليه وراجيا إجابة دعائه وكشف ضرّه إن كان داعيا يطلب الحاجة. عن الكافي عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : «وجدنا في كتاب علي عليه السلام : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال _ وهو على منبره _ : والذي لا إله إلّا هو ، ما أُعطي مؤمن قطّ خير الدنيا والآخرة إلّا بحسن ظنّه باللّه تعالى ، ورجائه له ، وحسن خلقه ، والكفّ عن اغتياب المؤمنين ، والذي لا إله إلّا هو لا يعذبّ اللّه مؤمنا بعد التوبة والاستغفار إلّا بسوء ظنّه باللّه ، وتقصيره من رجائه ، وسوء خلقه ، واغتيابه المؤمنين ، والذي لا إله إلّا هو لا يحسن ظنّ عبد مؤمن باللّه إلّا كان اللّه عند ظنّ عبده المؤمن ؛ لأنّ اللّه كريم بيده الخيرات ، يستحيي أن يكون عبده المؤمن قد أحسن به الظنّ ثمّ يخلف ظنّه ورجاءه ، فأحسنوا باللّه الظنّ وارغبوا إليه» . (8) وعن الرضا عليه السلام قال : «أحسن الظنّ باللّه ، فإنّ اللّه (عزّ وجلّ) يقول : أنا عند حسن ظنّ عبدي المؤمن بي ، إن خيرا فخير ، وإن شرّا فشرّ» . (9) وعن أبي عبد اللّه عليه السلام يقول : «حسن الظنّ باللّه ، ألّا ترجو إلّا اللّه ولا تخاف إلّا ذنبك» . (10) يعني إنّي أطلب تنجّز وعدك في قبول توبة من رجاك ، وأقبل إليك تائبا معتقدا أنّك تقبل التوبة وتعفو عمّن أذنب ، ثمّ تاب ، وهذا الوعد يُستفاد من القرآن الكريم والأحاديث الكثيرة . وفي هاتين إيحاء إلى أنّ العبد المؤمن يحسن له أن يكون متفضّلاً على من عاذ به وهرب إليه وأحسن به الظنّ ، فيعفو عمّن أساء إليه ورجا عفوه ، وأن يتفضّل بحسن القبول وإجابة الملهوف وإنجاز حاجته. «إلهي» الإله من أله فلان يأله : أي عبد ، فالإله هذا هو المعبود ، وقيل هو من أله ؛ أي تحيّر ، وتسميته بذلك إشارة إلى ما قال أمير المؤمنين عليه السلام : «كلّ دون صفاته تحبير اللغات ، وضلّ هناك تصاريف الصفات» ، (11) وقيل : أصله ولاه ، فأُبدل من الواو همزة ، وتسميته بذلك لكون مخلوق والها نحوه ، إمّا بالتسخير فقط كالجمادات والحيوانات ، وإمّا بالتسخير والإرادة معا كبعض الناس ، ومن هذا الوجه قال بعض الحكماء : اللّه محبوب الأشياء كلّها ، وعليه دلّ قوله تعالى : «وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ » . (12) وقيل أصله من لاه يلوه لياها ، أي احتجب ، قالوا : وذلك إشارة إلى ما قال تعالى : «لا تُدْرِكُهُ الأَْبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَْبْصارَ » ، (13) وإله حقّه ألّا يجمع ؛ إذ لا معبود سواه ، لكنّ العرب لاعتقادهم أنّ هاهنا معبودات جمعه فقالوا : الآلهة . (14) أقول : لكنّ الظاهر أنّ اللّه علم للذات الواجب تعالى ، والإله اسم لكلّ معبود. «أنت أوسع فضلاً وأعظم حلما من أن تقايسني بعملي» فإن خيرا فخير ، وإن شرّا فشرّ ، وإن كان العدل يقتضي ذلك أو وإن كان بعض مراتب الفضل لا ينافيه لعظم جرمي وخطيئتي ، ولكنّ فضلك أعظم من كلّ جرم وحلمك أعظم من كلّ خطيئة ، بل فضلك الجسيم وحلمك العظيم يقتضي العفو أو يقتضي تبديل السيّئات بالحسنات . «أو أن تستزلّني بخطيئتي» استزلّه إذا تحرّى زلّته ، وقوله : «إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ » (15) أي استجرّهم حتّى زلّوا ، فإنّ الخطيئة الصغيرة إذا ترخّص الإنسان فيها تصير مسهلة لسبيل الشيطان على نفسه. أي أنت أوسع فضلاً وأعظم حلما من أن تطلب زلّتي لارتكابي المعصية ، فكأنّه عليه السلام يطلب من اللّه تعالى أن يحفظه من الوقوع في المعاصي الذي هو من آثار المعصية الّتي ارتكبها ، فهو عليه السلام يسأل اللّه تعالى أن يعفو عن الذنب بعدم العقاب وبعدم الأثر الوضعي للمعصية ، بأن يحفظه عن الأثر الموضعي للمعصية من سلب التوفيق وقطع الهداية ، أو الختم والطبع الذي قد ينتهي إليه المعاصي ، قال سبحانه : «فَلَمّا زاغُوا أَزاغَ اللّه ُ قُلُوبَهُمْ » ، (16) وقال : «ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللّه ِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ » ، (17) وقال : «فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللّه َ ما وَعَدُوهُ » . (18) «وما أنا ياسيّدي وما خطري» يطلب العفو من ناحية أُخرى ، فإنّ المولى قد يعفو لسعة فضله وعظم حلمه ، وقد يعفو لأنّ المجرم لا يُعتنى به لعدم الاعتناء بقدره وشخصيته ؛ لأنّه لا خطر له ، أي لا شرف ولا رفعة قدر ومنزلة. يعني أيّ شيء ياسيّدي أنا (ويقال ذلك لبيان التصغير والتحقير لنفسه) حتّى يُعتنى بعملي وإساءتي ، وما خطري ؛ أي قدري ومنزلتي ؟ وفي الصحيفة : «فارحمني اللّهمّ ؛ فإنّي امروٌ حقير ، وخطري يسير ، وليس عذابي ممّا يزيد في ملكك مثقال ذرّة ، ولو أنّ عذابي ممّا يزيد في ملكك لسألتك الصبر عليه ، وأحببت أن يكون ذلك لك» . (19) وفيها : «وسألتك مسألة الحقير الذليل البائس الفقير الخائف المستجير... وأنا بعد أقلّ الأقلّين ، وأذلّ الأذلّين ، ومثل الذّرة أو دونها» . (20) «هبني بفضلك» من وهب يهب ، ولا يتعدّى إلى المفعول الأوّل بنفسه ، فلا يقال : وهبتك مالاً ، ويقال وهبت لك مالاً ، والتقدير هنا وهب لي نفسي مثلاً كذا . قيل : والفقهاء يعدّونه وقد يُجعل له وجه ، وهو أن يضمّن وهب معنى جعل ، فيتعدّى بنفسه إلى مفعولين . وعلى كلّ حال ، أحد المفعولين هنا محذوف ويُقدّر مع اللّام كما قلنا . «وتصدّق علي بعفوك» أي اجعل عفوك عنّي صدقة تتصدّق به عليّ ، من تصدّق على الفقير بكذا أعطاه إيّاه صدقة. «جلّلني بسترك» من جلّل الشيء ؛ أي غطّاه ، ومنه جلّل المطر الأرض إذا عمّها وطبقها فلم يدع شيئا إلّا غطّى عليه . والمعنى غطّني واسترني بسترك ، والستر واحد الستور والأستار ، وهو ما يستر به كائنا ما كان ، (وردت أحاديث كثيرة في ذمّ تتبّع عيوب الناس وكشف عوراتهم) . (21) «واعف عن توبيخي بكرم وجهك» من وبّخه توبيخا ؛ أي لامه وعذله وأنّبه وهدّده وعيّره. في هذه البنود تلويح إلى الصفات الحميدة الإلهيّة الّتي ينبغي أن يتّصف بها الإنسان من الفضل الوسيع والحلم العظيم وقطع الكرم لأجل إساءة الشخص ، والستر على عيوب الناس والغضّ عن التوبيخ والعذل.

.


1- . ما بين القوسين أثبتناه من الإقبال .
2- . الفتح : 6 .
3- . فصّلت : 23.
4- . الحجرات : 12 .
5- . زمر : 53 .
6- . الزمر : 53 .
7- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 12 .
8- . الكافي : ج 2 ص 72 ، الاختصاص : ص 227 ، عدّة الداعي : ص 135 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 6 ص 28 .
9- . عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج 1 ص 22 .
10- . الكافي : ج 2 ص 72.
11- . الكافي : ج 1 ص 134 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 4 ص 269 .
12- . الإسراء : 44.
13- . الأنعام : 103.
14- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 21 .
15- . آل عمران : 155 .
16- . الصف : 5 .
17- . الروم : 9 .
18- . التوبة : 77 .
19- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 50 .
20- . المصدر السابق : الدعاء 47 .
21- . اُنظر : سفينة البحار : ج 6. «عيب».

ص: 151

. .

ص: 152

. .

ص: 153

. .

ص: 154

. .

ص: 155

أنَا الصَّغيرُ الَّذي رَبَّيتَهُ «231 »وأنَا الجاهِلُ الَّذي عَلَّمتَهُ «232 »وأنَا الضّالُّ الَّذي هَدَيتَهُ «233 » و(أنَا) الوَضيعُ الَّذي رَفَعتَهُ «234 » وأنَا الخائِفُ الَّذي آمَنتَهُ «235 » وَالجائِعُ الَّذي أشبَعتَهُ «236 »وَالعَطشانُ الَّذي أروَيتَهُ «237 »وَالعارِي الَّذي كَسَوتَهُ«238 »وَالفَقيرُ الَّذي أغنَيتَهُ «239 »وَالضَّعيفُ الَّذي قَوَّيتَهُ «240 » وَالذَّليلُ الَّذي أعزَزتَهُ «241 »وَالسَّقيمُ الَّذي شَفَيتَهُ «242 »وَالسّائِل ُ الَّذي أعطَيتَهُ «243 »وَالمُذنِب ُ الَّذي سَتَرتَهُ«244 »والخاطِئُ الَّذي أقَلتَهُ «245 »وأنَا القَليلُ الَّذي كَثَّرتَهُ «246 »وَالمُستَضعَفُ الَّذي نَصَرتَهُ «247 »وأنَا الطَّريدُ (1) الَّذي آوَيتَهُ (2) «248 »

«أنا الصغير الذي ربيّته» شرع (صلوات اللّه عليه وعلى آبائه وأبنائه) في ذكر منن اللّه سبحانه ونعمائه وآلائه المادّية والمعنوية ، وابتدأ فيما عنى سبحانه في تربيته عليه السلام من صغره إلى كبره فقال : وأنا الصغير الذي ربيّته من حال كونه جنينا ورضيعا وفطيما وشابّا وكهلاً وشيخا وهرما ، كما قال الحسين عليه السلام : «ثمّ أسكنتني الأصلاب آمنا لريب المنون... ثمّ أخرجتني للذي سبق لي من الهدى إلى الدنيا تامّا سويّا ، وحفظتني في المهد طفلاً صبيّا... حتّى إذا استهللت ناطقا بالكلام أتممت علي سوابغ الأنعام ، وربيّتني زائدا في كلّ عام ، حتّى إذا اكتملت فطرتي واعتدلت سريرتي ، أوجبت عليّ حجّتك بأن ألهمتني معرفتك وروّعتني بعجائب حكمتك ، وأيقظتني لما ذرأت في سمائك وأرضك من بدائع خلقك... ونبّهتني لشكرك وذكرك ، وأوجبت عليّ طاعتك وعبادتك ، وفهّمتني ما جاءت به رسلك ، ويسّرت لي تقبّل مرضاتك...» . (3) «وأنا الجاهل الذي علّمته» هو بيان لنعمة أُخرى ممّا أنعم اللّه سبحانه على الإنسان ؛ لأنّه تعالى علّم الإنسان بفطرته أُمورا تُسمّى الأحكام الفطرية أو العقلية ، كما قال تعالى : «وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ » (4) و «هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمّا شاكِراً وَإِمّا كَفُوراً » (5) و «رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى » (6) و «فأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللّه ِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها » ، (7) وقال الحسين عليه السلام : «حتّى إذا اكتملت فطرتي واعتدلت سريرتي ، أوجبت علي حجّتك بأن ألهمتني معرفتك ، وروّعتني بعجائب حكمتك» . (8) هذه علوم تتكامل بالتدبّر والتفكّر في آيات اللّه تعالى وبراهينه ، وهنا علوم أُخرى تحصل بالتعلّم والدرس في الأُصول والمعارف والفروع ، إذ ليس في كثير من المسائل الدينية إلّا التعبّد بعد معرفة اللّه والرسول بالعقل. «وأنا الضالّ الذي هديته» الضالّ من الضلال ؛ وهو العدول عن الطريق المستقيم ، ويضادّه الهداية ، ويقال : الضلال لكلّ عدول عن المنهج عمدا كان أو سهوا ، يسيرا كان أو كثيرا ، فإنّ الطريق المستقيم الذي هو المرتضى صعب جدّا ، قال النبيّ صلى الله عليه و آله :«استقيموا ولن تحصوا» . (9) قال بعض الحكماء : كوننا مصيبين من وجه وكوننا ضالّين من وجوه كثيرة ، فإنّ الاستقامة والصواب يجري مجرى المقرطس من المرمى ، وما عداه من الجوانب كلّها ضلال ، ولمّا قلنا روى عن بعض الصالحين أنّه رأى النبيّ صلى الله عليه و آله في منامه فقال : يارسول اللّه يروي لنا أنّك قلت شيّبتني سورة هود وأخواتها ، فما الذي شيّبك منها؟ فقال : قوله : «فَاسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ» . (10) قوله «وأنا الضالّ» أي الضالّ لولا هدايته تعالى ، كقوله تعالى : «وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى » ، (11) وكلّ إنسان لولا هدايته تعالى ضالّ : «وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللّه ُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ » . (12) «وأنا الوضيع الذي رفعته» قال الراغب : «رجل وضيع بيّن الضعة ، (13) ورجل وضيع كقتيل : الرجل الدنيء المحطوط القدر ، أي كنت وضيعا فرفعتني ، من نعم اللّه تعالى على عبده كسائر النعم ، أو كنت وضيعا لولا رفعك وعلى كلّ حال الرفعة. «وأنا الخائف الذي آمنته» أي أعطيتني الأمن ونجّيتني من المخاوف ، والأمن من نعم اللّه تعالى ، و «مَن دَخَلَهُ كَانَ ءَامِنًا» ، (14) وفي الدعاء : «وأبدلني من مرارة خوف الظالمين حلاوة الأمنة» . (15) والظاهر أنّ المراد المخاوف الدنيوية لا الخوف من اللّه تعالى ، ويحتمل بعيدا أن يكون المراد جعل نفسه بحيث يحسّ بالأمن في حال الخوف ، وهو كما قال سبحانه : «ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً » ، (16) وقال : «إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ » ، (17) حالة نفسانية في مقابل القلق والجزع والجبن. «والجائع الذي أشبعته» قال سبحانه : «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ » ، (18) وقال : «فَأَذاقَهَا اللّه ُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ » ، (19) فالجوع من البلايا والمحن قد يعتري الإنسان لحكمة إلهيّة كالمرض والخوف ، نعوذ باللّه منها ، والشبع أيضا له آداب وسنن ومحمود ومذموم ، كما في الأحاديث. ولكنّ أنبياء اللّه تعالى وأولياءه يجوّعون أنفسهم ، كما روي أنّ يوسف _ على نبيّنا وآله وعليه السلام _ لا يشبع من الطعام في الأيّام المجدبة ، فقيل له : تجوع وبيدك خزائن الأرض؟ فقال : أخاف أن أشبع فأنسى الجياع . (20) وقال عليه السلام : «أم أبيت مبطانا وحولي بطون غرثي وأكباد حرّى» ، (21) وقال تعالى حاكيا عن موسى عليه السلام : «رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ » ، (22) إنّه قال ذلك وهو محتاج إلى شقّ تمرة ، وعن عيسى عليه السلام : «أصبحت فيكم وإدامي الجوع» ، (23) وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «ياربّ ، أشبع يوما فأحمدك ، وأجوع يوما فأسألك» ، (24) وعن الصادق عليه السلام : «ما أعجب رسول اللّه صلى الله عليه و آله شيء من الدنيا إلّا أن يكون فيها جائعا خائفا» . (25) فوائد الجوع كثيرة ، وفي حديثٍ قال : «ياربّ ما ميراث الجوع؟ قال : الحكمة ، وحفظ القلب ، والتقرّب إليّ ، والحزن الدائم ، وخفّة المؤونة بين الناس ، وقول الحقّ ، ولا يبالي عاش بيسر أو بعسر ، يا أحمد ، هل تدري بأيّ وقت يتقرّب العبد إلى اللّه ؟ قال : لا يا ربّ ، قال : إذا كان جائعا أو ساجدا» . (26) وفي حديثٍ : «لمّا أُسري بالنبيّ صلى الله عليه و آله قيل له : إنّ اللّه مختبرك في ثلاث لينظر كيف صبرك ، قال : أُسلّم لأمرك ياربّ ولا قوّة لي على الصبر إلاّ بك ، فما هنّ؟ قيل : أولهنّ الجوع ، والأُثرة على نفسك وعلى أهلك لأهل الحاجة...» الحديث . (27) «والعطشان الذي أرويته» من روى من الماء واللبن يروي ريّا ؛ أي شرب وشبع ، أي أنعمت علينا بأن خلقت الماء وأرويتنا منه ، أي أروى كلّ إنسان بماء أو أروي الإمام عليه السلام بما هيّأ له من الأسباب. «والعاري الذي كسوته» خلق اللّه سبحانه للإنسان ما يصونه من الحرّ والبرد وما يتجمّل بين الناس وما يدفع به عضّ السلاح ، قال سبحانه : «قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ » (28) و «جَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ » . (29) وقد وردت أحاديث في آداب اللباس وأنواعه ومستحبّه ومكروهه وحرامه وواجبه ، (30) والغرض بيان نعم اللّه تعالى الحافّة للإنسان. «والفقير الذي أغنيته» قال اللّه سبحانه : «يا أَيُّهَا النّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللّه ِ وَاللّه ُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ » ، (31) لعلّ المراد هنا الفقر المالي أو الأعمّ منه ومن غيره. «والضعيف الذي قوّيته» كان طفلاً وصبيّا لا قوّة له لحمل شيء ولا تحمّل الشديد جسميا ، ولا تحمّل المكاره والمصائب والمصاعب روحيّا ، فقوّاه اللّه تعالى لكلّ ذلك. «والذليل الذي أعززته» الذلّ بالّضم ما كان عن قهر ، والذلّ بالكسر : ما كان بعد تصعّب وشماس من غير قهر ، قوله تعالى : «وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ » ، (32) أي كن كالمقهور لهما ، والذلّ متى كان من جهة الإنسان نفسه لنفسه فمحمود ؛ نحو قوله تعالى : «أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ » (33) أي لإيمانهم ، والذلّة للوالدين والذلّة للأُستاذ والذلّة بين يدي اللّه تعالى. وفي الدعاء : «ذللتني بين يديك وأعزّني عند خلقك» ، (34) أي كنت مقهورا عند الجبابرة والظلمة أو عند الناس فأعززتني ، إذلال الإنسان نفسه له أحكام بحسب الموارد والموضوعات. «السقيم الذي شفيته» قال تعالى حاكيا عن إبراهيم عليه السلام : «الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ » . (35) «والسائل الذي أعطيته» أي كم مرّة سألتك الحوائج فأعطيتني ، فكأنّي صار ذلك عادة لي ، فعادتك الإحسان والإعطاء. «والمذنب الذي سترته» أي أنا الذي أُحسن إليه بالستر بدل العقوبة ، والذنب يُستعمل في كلّ فعل يُستوخم عقباه ، اعتبارا بذنب الشيء ، ولهذا يُسمّى الذنب تبعة اعتبارا لما يحصل من عاقبته. «والخاطي الذي أقلته» الخطأ : العدول عن الجهة ، كأن يريد غير ما تحسن إرادته فيفعله ، وهذا هو الخطأ التامّ المأخوذ به الإنسان ، أو يريد ما يحسن فعله ، ولكن يقع منه خلافه ، ومنه «رفع عن أُمّتي الخطأ» ، (36) أو «من قتل مؤمنا خطأ» (37) ، أو يريد ما لا يحسن فعله ويتّفق منه خلافه ، فهذا مخطئ في الإرادة ومصيب في الفعل . وجملة الأمر أنّ من أراد شيئا فاتّفق منه غيره يقال أخطأ ، وإن وقع منه ما أراده يقال أصاب ، والخطيئة والسيّئة متقاربان ، لكنّ الخطيئة أكثر ما تقال فيما لا يكون مقصودا إليه في نفسه ، بل يكون القصد سببا يتولّد ذلك الفعل منه. أقلته : من قيل ، يأتي يقال أقال في البيع أي فسخ. «وأنا القليل الذي كثّرته» قال سبحانه : «وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ » ، (38) ثمّ اللّه سبحانه يكثره بالأولاد والأحفاد والأتباع والأحبّاء والأولياء. «والمستضعف الذي نصرته» من استضعفته وجدته ضعيفا واستضعفه رآه ضعيفا ، وظلمه وحرمه من حقّه ، والمستضعف إمّا في العقل أو الدين ، وإمّا في العيش والحياة ، قال سبحانه : «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ » ، (39) وقال عزّ اسمه : «إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً » ، (40) والمراد هنا الثاني أو الثالث ، أي كنّا نعدّ ضعيفا فيتعدّى علينا فنصرتنا. «الطريد الذي آويته» الطرد : الإزعاج والإبعاد على سبيل الاستخفاف ، يقال : أطرده السلطان وطرده إذا أخرجه من بلده ، وأمر أن يطرد من مكان حلّه. هذه كلّها بيان لنعم اللّه تعالى ، والغرض من ذكر النعم : الاسترحام وطلب العفو والرحمة ببيان سوابق نعمه تعالى ، أي إذا كنت أنا ممّن أنعمت عليه بكذا وكذا ، فحقّ أن ترحمني بالعفو والغفران وفكّ الرقبة من النار ، وإن شئت فقل تسبيح للّه تعالى وتحميده وذكر ثنائه سبحانه. وفي الحقيقة تنبيه للإنسان على ما أنعم اللّه عليه من النعم قبل أن يسأله ، بل قبل أن يكون شيئا مذكورا ، بل حفّه بالإكرام والإنعام والفضل من أوّل انعقاد النطفة أو قبلها. ثمّ شرّع في توصيف .

.


1- . في المصباح للكفعمي : «الشريد» .
2- . زاد في الإقبال هنا : «فلك الحمد» .
3- . اُنظر : الإقبال : ج 2 ص 75 .
4- . البلد : 10.
5- . الإنسان : 3.
6- . طه : 50 .
7- . الروم : 30 .
8- . اُنظر : الإقبال : ج 2 ص 75 .
9- . مسند ابن حنبل : ج 5 ص 277 ، سنن الدارمي : ج 1 ص 168 ، سنن ابن ماجة : ج 1 ص 101 ، المستدرك على الصحيحين : ج 1 ص 120 ، المعجم الكبير : ج 2 ص 101 .
10- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 297 .
11- . الضحى : 7 .
12- . النور : 40 .
13- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 526 .
14- . آل عمران : 97 .
15- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 20 .
16- . آل عمران : 154 .
17- . الأنفال : 11 .
18- . البقرة : 155 .
19- . النحل : 112 .
20- . مجمع البيان : ج 5 ص 421 ، تفسير الثعلبي : ج 5 ص 234 .
21- . نهج البلاغة : الحكمة 45 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 33 ص 474 .
22- . القصص : 24 .
23- . معاني الأخبار : ص 252 ، مشكاة الأنوار : ص 227 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 14 ص 321 .
24- . عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج1 ص33 ، الزهد للكوفي :ص52 ، الأمالي للمفيد : ص 124 ، مكارم الأخلاق : ص 24 .
25- . الكافي : ج 2 ص 129 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 16 ص 266 .
26- . بحار الأنوار : ج 74 ص 22 .
27- . كامل الزيارات : ص 548 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 28 ص 62 .
28- . الأعراف : 26 .
29- . النحل : 81 .
30- . فليراجع كتب الحديث لاسيّما مرآة الكمال : ج 1 ص 71 وما بعدها .
31- . فاطر : 15 .
32- . الإسراء : 24.
33- . المائدة : 54 .
34- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 147 .
35- . الشعراء : 79 _ 83 .
36- . اُنظر : الكافي : ج 2 ص 462 ، التوحيد : ص 353 ، تحف العقول : ص 50 ، بحار الأنوار : ج 2 ص 280 .
37- . اُنظر : الكافي : ج 7 ص 277 ، دعائم الإسلام : ج 2 ص 412 ، الخصال : ص 534 ، تهذيب الأحكام : ج 4 ص 295 ، بحار الأنوار : ج 93 ص 260 .
38- . الأنعام : 94 .
39- . القصص : 5 .
40- . النساء : 98 .

ص: 156

. .

ص: 157

. .

ص: 158

. .

ص: 159

. .

ص: 160

. .

ص: 161

أنَا يا رَبِّ الَّذي لَم أستَحيِكَ فِي الخَلاءِ«249 » ولَم اُراقِبكَ فِي المَلاءِ «250 »أنَا صاحِبُ الدَّواهِي العُظمى «251 » أنَا الَّذي عَلى سَيِّدِهِ اجتَرى «252 » أنَا الَّذي عَصَيتُ جَبّارَ السَّماءِ «253 » أنَا الَّذي أعطَيتُ على مَعاصِي الجَليلِ الرُّشا «254 »أنَا الَّذي حينَ بُشِّرتُ بِها خَرَجتُ إلَيها أسعى «255 » أنَا الَّذي أمهَلتَني فَمَا ارعَوَيتُ «256 » وسَتَرتَ عَلَيَ فَمَا استَحيَيتُ «257 »وعَمِلتُ بِالمَعاصي فَتَعَدَّيتُ «258 » وأسقَطتَني مِن عَينِكَ فَما بالَيتُ «259 »

«لم استحيك في الخلاء» من استحياه واستحيا منه ، واستحى منه انقبض عنه وامتنع منه ، واستحيا : خجل ، والحياء : انقباض النفس عن القبائح وتركه لذلك ، قال سبحانه : «وَاللّه ُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ » ، (1) وروي : «إنّ اللّه تعالى يستحيي من ذي الشيبة المسلم أن يعذّب» ، (2) فليس يُراد به انقباض النفس ، إذ هو تعالى منزّه عن الوصف بذلك ، وإنّما المراد ترك تعذيبه . (3) الخلاء : المكان الذي لا ساتر فيه ، والخلوّ يستعمل في الزمان والمكان ، لكن لمّا تصوّر في الزمان المضي فسّر أهل اللغة خلأ الزمان بقولهم مضى الزمان ، وخلا الإنسان صار خاليا ، وخلا المكان فرغ ورحل ساكنوه. أي لم أخجل منك إذا خلا مكاني من إنسان أو ذي شعور ، وارتكبت القبائح والمعاصي ، وفي الحقيقة يصف نفسه بالجهل باللّه تعالى وعدم الحياء منه تعالى. «ولم أُراقبك في الملأ» من راقبه أي حرسه ، وراقب اللّه في أمره أي خافه ؛ لأنّ الخائف يرقب العقاب ويتوقّعه ، يقال : فلان لا يراقب اللّه في أُموره. الملأ : الجماعة ، مهموز أصله ، مل ء مقابل الخلاء ، أي ارتكبت المعاصي في الخلاء فلم استحي منك ، وارتكبتها في الجماعة فلم أخفك في ذلك ، أي لم أخف عقوبتك ، هذا المعنى هو الظاهر ، وإن كان للملأ معان أُخرى ، كالخلق والعشرة والمشاورة ، وإذا كان ناقصا يكون بمعنى الإمهال والإملاء. «أنا صاحب الدواهي العظمى» الدواهي جمع الداهية ، أي الأمر العظيم والأمر المنكر ، (ناقص يائي) . «أنا الذي على سيّده اجترى» السيّد : من ساد الرجل يسود أي مجد وجلّ وشرف ، وأصله سيود أُعلّ بقلب الواو ياءً ، ثُمّ أُدغمت ، وسيّد القوم رئيسهم ، والسيّد : المولى ؛ لشرفه على الخدم . اجترى : أي اجترأ ، مِن جرأ عليه ، أي أقدم عليه ، وهجم عليه فهو جريء أي مقدام. «أنا الذي عصيت جبّار السماء» الجبّار من صفات اللّه تعالى ، ومنه : ويل لجبّار الأرض من جبّار السماء . والجبّار في صفة الإنسان يقال لمن يجبر نقيصته بادّعاء منزلة من التعالي لا يستحقّها ، وهذا لا يقال إلّا على طريق الذمّ ، كقوله تعالى : «وَخابَ كُلُّ جَبّارٍ عَنِيدٍ » ، (4) وأمّا في وصفه تعالى نحو : «العزيز الجبّار المتكبّر » ، فقد قيل : سُمّي بذلك من قولهم جبرت العقير ؛ لأنّه هو الذي يجبر الناس بفائض نعمه ، وقيل : لأنّه يجبر الناس ، أي يقهرهم على ما يريده . (5) «أنا الذي أعطيت على معاصي الجليل الرشا» المعاصي جمع المعصية مصدر ، وقد تُطلق على الزلّة مجازا ، والعصيان خلاف الطاعة وترك الانقياد (يائي) . الجليل من جلّ يجلّ ؛ أي عظم قدره ، والجليل بمعنى العظيم ، والجلال : العظمة . الرشا بالكسر والضمّ جمع الرشوة بالكسر ما يعطيه الإنسانُ الحاكمَ ليحكم له أو يحمله على ما يريد . أي أنا الذي أعطيت على معاصي اللّه الجليل الرشا ، وفي نسخة «أنا الذي أعطيت على المعاصي جليل الرشا» ، والمعنى واضح ، أي أنا الذي أعطيت على المعاصي الرشا العظيم. «أنا الذي حين بُشّرت بها خرجت إليها أسعى» أي أنا الذي حين بُشّرت بهذه المعاصي خرجت مستقبلاً إليها أسعى ، يعني أمشي سريعا ، والسعي المشي السريع دون العدو ، ويُستعمل للجدّ في الأمر خيرا كان أو شرّا ، وأكثر ما يُستعمل في الأفعال المحمودة . «أنا الذي أمهلتني فما ارعويت» المهل : التؤدَة والسكون ، وأمهلته رفقت به وأنظرته وأخّرت طلبه ، فما ارعويت : فما نزعت عن الجهل ، من رعا يرعو (واوي) ، نزع عن الجهل وحسن رجوعه عنه ، وارعوى الرجل عن القبيح والجهل ارعواء كفّ عنه ورجع. «وسترت عليّ فما استحييت» وهذا أيضا قسم من الإمهال ، فإنّه إمّا بترك العقاب أو بترك الإفشاء والإذاعة. «وعملت بالمعاصي فتعدّيت» ، أي أصررت على المعاصي وتركت التوبة والاستغفار عن المعاصي ، فكلّ صغيرة مع الإصرار تصير كبيرة ، والإصرار ينتج ما يلي من قوله عليه السلام : «وأسقطتني من عينك فما باليت» ، وفي الصحيفة : «ولا ترم بي رمي من سقط من عين رعايتك» ، (6) وقال سبحانه : «وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ » ، (7) وقال : «وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَِنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ » ، (8) وقال عزّ شأنه : «فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ » ، (9) راجع الآيات في الإملاء. عن الرضا عليه السلام في حديث : «واللّه ما عذّب اللّه بشيء أشدّ من الإملاء» . (10) قال أمير المؤمنين عليه السلام : «يابن آدم ، إذا رأيت ربّك سبحانه يتابع عليك نعمه وأنت تعصيه فاحذره» ، (11) وقال : «أيّها الناس ، ليراكم اللّه من النعمة وجلين ، كما يراكم من النقمة فرقين ، إنّه من وسّع عليه في ذات يده فلم يرَ ذلك استدراجا ، فقد أمن مَخُوفا ، ومن ضُيّق عليه في ذات يده فلم ير ذلك اختبارا ، فقد ضيّع مأمولاً» . (12) عن الصادق عليه السلام : «إذا أراد اللّه (عزّ وجلّ) بعبدٍ خيرا فأذنب ذنبا ، تبعه بنقمة ويذكّره الاستغفار ، وإذا أراد اللّه بعبدٍ شرّا فأذنب ذنبا ، تبعه بنعمة لينسيه الاستغفار ، ويتمادى به ، وهو قول اللّه تعالى : «سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ » (13) بالنّعم عند المعاصي» . (14) عن سنان بن طريف ، قال : «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : خشيت أن أكون مستدرجا ، قال : ولم؟ قلت : لأنّي دعوت اللّه تعالى أن يرزقني دارا فرزقني ، ودعوت اللّه تعالى أن يرزقي ألف درهم فرزقني ، ودعوته أن يرزقني خادما فرزقني خادما ، قال : فأيّ شيء تقول؟ قال : أقول الحمد للّه ، قال : فما أُعطيتَ أفضلُ ممّا أُعطِيتَ» . (15)

.


1- . الأحزاب : 53 .
2- . انظر : الفتح السماوي : ج 1 ص 151 ، تفسير البيضاوي : ج 1 ص 255 ، تفسير أبي السعود : ج 1 ص 71 ، مجمع الزوائد : ج 10 ص 149 ، المعجم الأوسط : ج 5 ص 270 .
3- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 140 .
4- . إبراهيم : 15 .
5- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 86 .
6- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 47 .
7- . الأعراف : 182 و 183 .
8- . آل عمران : 178 .
9- . القلم : 44.
10- . اُنظر : بحار الأنوار : ج 5 ص 216 .
11- . نهج البلاغة : الحكمة 25 .
12- . نهج البلاغة : الحكمة 358 .
13- . . الأعراف : 182 ، القلم : 44.
14- . الكافي : ج 2 ص 452 ، علل الشرائع : ج 2 ص 561 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 5 ص 217.
15- . مشكاة الأنوار : ص 66 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 90 ص 213 .

ص: 162

. .

ص: 163

. .

ص: 164

. .

ص: 165

فَبِحِلمِكَ أمهَلتَني«260 »وبِسِترِكَ سَتَرتَني حَتّى كَأَنَّكَ أغفَلتَني «261 » ومِن عُقوباتِ المَعاصي جَنَّبتَني حَتّى كَأَنَّكَ استَحيَيتَني «262 »إلهي لَم أعصِكَ حينَ عَصَيتُكَ وأنَا بِرُبوبِيَّتِكَ جاحِدٌ «263 » ولا بِأَمرِكَ مُستَخِفٌّ «264 »ولا لِعُقوبَتِكَ مُتَعَرِّضٌ «265 » ولا لِوَعيدِكَ مُتَهاوِنٌ «266 »لكِن خَطيئَةٌ عَرَضَت وسَوَّلَت لي نَفسي وغَلَبَني هَوايَ وأعانَتني عَلَيها شِقوَتي«267 »وغَرَّني سِترُكَ المُرخى عَلَيَ «268 »

«فبحلمك أمهلتني» الحلم تقدّم الكلام فيه وفي آثاره ، اللّه سبحانه يمهل عبده ولا يعاجل بالعقوبة في الدنيا ؛ كي يرجع العبد عن ضلاله ، وقد يكون ذلك استدراجا. «وبسترك سترت عليّ» أي لا يفضحه بين الناس ، وقد مرّ الكلام فيه وفي آثاره. «حتّى كأنّك أغفلتني» أغفل الشيء ، بمعنى غفل عنه ؛ أي تركه وسها عنه إهمالاً من غير نسيان. «ومن عقوبات المعاصي جنّبتني» ، العقوبة : الجزاء ، وقيل : العقوبة ما يلحق الإنسان من المحنة بعد الذنب في الدنيا ، وقد تخصّ العقوبة بتعزير الذمّي ، والجمع عقوبات ، وجنّبه أي أبعده. بيان لحال عبدٍ أذنب ذنوبا كثيرة ، فأمهله اللّه تعالى وتركه وحلم عنه ولم يعاقبه ولم يفضحه ولم يؤدّبه ، وذلك منه تعالى حلما وكرما ؛ لكي يرجع العبد إليه ويتوب ، فلم يفعل ، كأنّه قال ذلك حمدا له تعالى وشكرا لحلمه وكرمه. «إلهي لم أعصك وأنا بربوبيّتك جاحد» الجحود ، من جحده حقّه وبحّقه جحدا وجحودا : أنكره مع علمه به ، وجحده : كفره ، أي لم أعصك وأنا منكر لربوبيّتك جاحد. «ولا لأمرك مستخفّ» أي لم يصدر منّي العصيان استخفافا بأمرك ومتهاونا به. «ولا لعقوبتك متعرّض» أي لم يصدر منّي العصيان متعرّضا لعقوبتك. «ولا لوعيدك متهاون» بيّن أنّ صدور المعصية قد يقع من هذه المناشئ الإلحاديّة _ والعياذ باللّه تعالى _ الموجبة لغضب الحقّ تعالى وانقطاع فضله ورحمته واستحقاق أشدّ العقوبات ، ولكن يقول إنّه لم يصدر منّي العصيان من هذه المناشئ المنافية للإيمان والعبودية ، بل صدر من مناشئ لا ينافي الإيمان والعبودية. «ولكن خطيئة عرضت» الخطيئة : الذنب ، وقيل : المتعمّد منه ، والخطيئة أعمّ من الإثم ؛ لأنّه قد تكون من غير تعمّد ، والإثم لا يكون إلّا بالتعمّد ، وقال الراغب : «الخطيئة والسيّئة يتقاربان ، لكنّ الخطيئة أكثر ما تقال فيما لا يكون مقصودا إليه في نفسه ، بل يكون القصد سببا لتولّد ذلك الفعل منه ، كمن يرمي صيدا فأصاب إنسانا ، أو شرب مسكرا فجنى جناية في سكره . والسبب سببان : سبب محظور فعله كشرب المسكر وما يتولّد منه غير متجافٍ عنه ، وسبب غير محظور كرمي الصيد » ، قال تعالى : «وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ » ، (1) وقال صلى الله عليه و آله : «رُفع عن أُمّتي الخطأ» ، «وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً » (2) فالخطيئة هنا هي الّتي لا تكون عن قصد إلى فعله ، وقال تعالى : «وَلا تَزِدِ الظّالِمِينَ إِلاّ ضَلالاً * مِمّا خَطِيئاتِهِمْ » (3) «إِنّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا » ، (4) فهي المقصود إليها ، (5) ولكن خطيئة عرضت ، أي بجميع أقسامها. «وسوّلت لي نفسي» سوّل والتسويل : تزيين النفس لما تحرص عليه ، هذا منشأ آخر. «وغلبني هواي» أي غلب هواه على عقله. «وأعانني عليها شقوتي» أي أعانني على الخطيئة شقوتي ، والشقاوة خلاف السعادة ، قال سبحانه : «فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى » ، (6) وقال : «غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا » . (7) «وغرّني سترك المرخى عليّ» ، لعلّه يريد بذلك أنّ العصيان صدر عنه من دون إنكار وجحود واستخفاف للأمر ، وتعرّض للعقوبة وإهانة للوعيد ، فمن أجل ذلك لعلّه يشمله الرحمة الواسعة والعفو الإلهي. إن قلت : الغرور بستر اللّه تعالى لا ينافي التعرّض للعقوبة ؛ لأنّ ستره تعالى أمان من الفضيحة دون العقاب. قلت : إذا ستر اللّه عبده رحمة منه يرجي منه العفو أيضا.

.


1- . الأحزاب : 5 .
2- . النساء : 112.
3- . نوح : 24 _ 25 .
4- . الشعراء : 49 .
5- . مفردات ألفاظ القرآن : 151 .
6- . طه : 12 .
7- . المؤمنون : 106 .

ص: 166

. .

ص: 167

فَقَد عَصَيتُكَ وخالَفتُكَ بِجَهدي «269 »فَالآنَ مِن عَذابِكَ مَن يَستَنقِذُني؟«270 » ومِن أيدِي الخُصَماءِ غَدا مَن يُخَلِّصُني؟«271 »وبِحَبلِ مَن أتَّصِلُ إن أنتَ قَطَعتَ حَبلَكَ عَنّي؟«272 » فَوا سَوأَتا عَلى ما أحصى كِتابُكَ مِن عَمَلِيَ ، الَّذي لَولا ما أرجو مِن كَرَمِكَ وسَعَةِ رَحمَتِكَ «273 »ونَهيِكَ إيّايَ عَنِ القُنوطِ ، لَقَنَطتُ عِندَما أتَذَكَّرُها «274 » يا خَيرَ مَن دَعاهُ داعٍ«275 »وأفضَلَ مَن رَجاهُ راجٍ «276 »

«فقد عصيتك وخالفتك بجهدي» إقرار بالعصيان عن المناشئ المتقدّمة ، والجَهد والجُهد : الطاقة والمشقّة ، والجهد الواسع ، يقال : جهدت رأيي وأجهدته : أتعبته بالفكر والجهاد _ أي عصيت بما عندي من الاستطاعة والوسع. «فالآن من عذابك» إقرار بالوحدانيّة وأن لا ملجأ ولا ملاذ دون اللّه تعالى ، وأن ليس له نصير ولا مدافع يدفع عنه عذاب اللّه تعالى ، أو يخلّصه من أيدي الخصماء الّذين يطلبون منه حقوقهم ومظالمهم ، فإنّ حقوق الناس لا بدّ وأن تؤدّي يوم القيامة. في حديثٍ طويل عن عليّ عليه السلام ، عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «للمسلم على أخيه ثلاثون حقّا لا براءة منها إلاّ بالأداء أو العفو :... إنّ أحدكم لَيَدعُ من حقوق أخيه شيئا فيطالبه به يوم القيامة فيُقضى له وعليه» . (1) وفي حديثٍ : «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن حقّ المؤمن؟ فقال : سبعون حقّا ، لا أُخبرك إلّا بسبعة ؛ فإنّي عليك مشفقٌ أخشى ألّا تحتمل . فقلت : بلى إن شاء اللّه تعالى ، فقال : لا تشبع ويجوع ، ولا تكتسي ويعرى ، وتكون دليله وقميصه الذي يلبسه ، ولسانه الذي يتكلّم به ، وتحبّ له ما تحبّ لنفسك ، وإن كانت لك جارية بعثتها تمهّد فراشه ، وتسعى في حوائجه باللّيل والنهار ، فإذا فعلت ذلك وصلت ولايته بولايتنا ، و ولايتنا بولاية اللّه عزّ وجلّ» . (2) الّذين يخاصمون الإنسان يوم القيامة إمّا أن يكون الّذين ظلمهم هذا الشخص في نفسه أو ماله أو عرضه ، وإمّا الّذين ترك حقوقهم من أهل الولاية ، ولاخلاص حينئذٍ إلّا بأن يؤدّي أو يؤدّى عنه أو يُعفى. «وبحبل من أتّصل إن أنت قطعت حبلك عنّي» ، لعلّه إشارة إلى قوله تعالى : «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّه ِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا » (3) و «ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلاّ بِحَبْلٍ مِنَ اللّه ِ وَحَبْلٍ مِنَ النّاسِ » . (4) ولعلّ المراد من الحبل هو الولاية ؛ أي اعتصموا بولاية اللّه ، وضُربت عليهم الذلّة إلّا بولاية اللّه ، وولاية من أمر بولايتهم . (5) «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّه ِ» : قال عليّ بن أبي طالب عليه السلام : «حبل اللّه المتين» ، (6) وفي حديثٍ آخر : «آل محمّد هم حبل اللّه الذي أُمر بالاعتصام ب» ، (7) وفي حديثٍ : «نحن الحبل» (8) وفي آخر : «وحبل اللّه هو القرآن ، لا يفترقان إلى يوم القيامة ، والإمام يهدي إلى القرآن ، والقرآن يهدي إلى الإمام» . (9)

.


1- . كنز الفوائد : ص 141 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 71 ص 236 .
2- . الكافي : ج 2 ص 174 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 71 ص 255 .
3- . آل عمران : 103 .
4- . آل عمران : 112.
5- . اُنظر : تفسير نور الثقلين : ج 1 ص 372 .
6- . اُنظر : التوحيد : ص 165 ، الغيبة للنعماني : ص 51 .
7- . تفسير العياشي : ج 1 ص 194 ، بحار الأنوار : ج 24 ص 85 .
8- . الأمالي للطوسي : ص 272 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج 2 ص 273 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 24 ص 52 .
9- . معاني الأخبار : ص 132 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 25 ص 194 .

ص: 168

. .

ص: 169

اللّهُمَّ بِذِمَّةِ الإِسلامِ أتَوَسَّلُ إلَيكَ «277 »وبِحُرمَةِ القُرآنِ أعتَمِدُ عَلَيكَ «278 »وبِحُبِّ النَّبِيِ الاُمِّيِ القُرَشِيِ الهاشِمِيِ العَرَبِيِ التَّهامِيِ المَكِّيِ المَدَنِيِ أرجُو الزُّلفَةَ لَدَيكَ «279 »فَلا توحِشِ استيناسَ إيماني «280 » ولا تَجعَل ثَوابي ثَوابَ مَن عَبَدَ سِواكَ «281 » فَإِنَّ قَوما آمَنوا بِأَلسِنَتِهِم لِيَحقِنوا بِهِ دِماءَهُم فَأَدرَكوا ما أمَّلوا «282 »وإنّا آمَنّا بِكَ بِأَلسِنَتِنا وقُلوبِنا لِتَعفُوَ عَنّا فَأَدرِكنا ما أمَّلنا «283 » وثَبِّت رَجاءَكَ في صُدورِنا «284 »ولا تُزِغ قُلوبَنا بَعدَ إذ هَدَيتَنا«285 »وهَب لَنا مِن لَدُنكَ رَحمَةً ، إنَّكَ أنتَ الوَهّابُ «286 »

«اللّهمّ بذمّة الإسلام أتوسّل إليك» الذمّة والذمام : وهما بمعنى العهد والأمان والضمان والحرمة والحقّ ، أي بعهد الإسلام و بما أنّي مسلم أتوسّل إليك ، فيكون إسلامي وسيلة إليك حتّى تعفو عنّي ، فإنّ المسلم محقون ومحترم ، وفي الحديث : «من قال لا إله إلّا اللّه مخلصا دخل الجنّة» ، (1) «وكلمة لا إله إلّا اللّه حصني ، فمن دخل حصني أمن من عذابي» (2) «من شهد ألّا إله إلّا اللّه وجبت له الجنّة» . (3) «وبحرمة القرآن أعتمد إليك» حرمة القرآن أي تحريمه ، وقيل : الحرمة الحقّ ؛ أي بالحقّ المانع من تحليله ، لعلّ المراد أي باحترام القرآن حيث إنّي حامله وقارئه والعامل به وأعتقد أنّه من عندك ، أعتمد إليك أن تعفو عنّي ، من عمد إليه أي قصده أي أتوسّل إليك بالقرآن . (4) في حديثٍ : «فإذا التبست عليكم الفتن كقطع اللّيل المظلم ، فعليكم بالقرآن ؛ فإنّه شافعٌ مشفّعٌ وماحلٌ مصدّقٌ ، من جعله أمامه قاده إلى الجنّة ، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار ، وهو الدليل يدلّ على خير سبيل ، وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل ، وهو الفصل ليس بالهزل ، وله ظهر وبطن ، فظاهره حكمة وباطنه علم ، ظاهره أنيق وباطنه عميق ، له تخوم وعلى تخومه تخوم ، لا تُحصى عجائبه ، ولا تبلى غرائبه ، فيه مصابيح الهدى ومنار الحكمة ، ودليل على المعروف لمن عرفه» . (5) (والأحاديث في القرآن وقراءته كثيرة). «وبحبّ النبيّ الأُمّي» أي المنسوب إلى أُمّ القرى ، أو المنسوب إلى أُمةٍ أُمّي لا يقرأ ولا يكتب ، أو المنسوب إلى أُمّة ليسوا من أهل الكتاب ، يعني الأُمّي يُطلق على من ليس من أهل الكتاب. «القرشيّ» : أي المنسوب إلى قريش. «الهاشمي» : أي من بني هاشم. «العربيّ» : أي المنسوب إلى العرب . «التهاميّ» : منسوب إلى تهامة بالكسر ، مكّة وبلاد شمالي الحجاز . (6) أي بحبيّ لرسول اللّه صلى الله عليه و آله أرجوا الزلفة لديك . الأخبار في حبّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأهل بيته كثيرة ، ولا بأس بنقل قليل عن كثير : «من أوثق عرى الإيمان أن تحبّ في اللّه ، وتبغض في اللّه ، وتعطي في اللّه ، وتمنع في اللّه » . (7) للمفيد : ص 151 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 66 ص 236 . «والذي نفسي بيده ، لا يؤمننّ عبد حتّى أكون أحبّ إليه من نفسه وأبويه وأهله وولده والناس أجمعين» . (8) «من مات على حبّ آل محمّد صلى الله عليه و آله مات شهيدا ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مغفورا له ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات تائبا ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مؤمنا مستكمل الإيمان ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد بشّره ملك الموت بالجنّة ، ثمّ منكر ونكير ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد يُزفّ إلى الجنّة ، كما تُزفّ العروس إلى بيت زوجها ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد فُتح له في قبره بابان إلى الجنّة ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد جعل اللّه قبره مزار ملائكة الرحمة ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات على السنّة والجماعة ، ألا ومن مات على بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه : آيس من رحمة اللّه ، ألا ومن مات على بغض آل محمّد لم يشمّ رائحة الجنّة» . (9) عن الرضا عليه السلام : «كن محبّا لآل محمّد صلى الله عليه و آله وإن كنت فاسقا ، ومحبّا لمحبّيهم وإن كانوا فاسقين» . (10) قال سبحانه : «لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ » . (11) قال سبحانه : «قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللّه ِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتّى يَأْتِيَ اللّه ُ بِأَمْرِهِ وَاللّه ُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ » . (12) «أرجو الزلفة لديك» الزلفة والزلفى : القربة ، وأزلفه : قرّبه . يعني أنّي بحبيّ لرسولك أرجو القربة لديك. «فلا توحش استئناس إيماني» لعلّ المراد لا تبدّل الأُنس الحاصل من الإيمان بالوحشة ، فإنّ الإيمان توجب الاطمئنان ورفع التزلزل والاضطراب ، قال سبحانه : «أَلا بِذِكْرِ اللّه ِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ » ، (13) فإذا قطع اللّه ولايته وحبله عنه عاد التزلزل والاضطراب إليه. والأُنس هو ما بين العبد وبين ربّه ، من أنس العبد به وبكتابه ، يناجي ربّه ويعبده ويعرض عليه حوائجه ، وفي الصحيفة السجّادية : «يا اُنس كلّ مستوحش غريب» ، (14) و«هب لي الأُنس بك» ، (15) بل اجعل سكون قلبي وأُنس نفسي واستغنائي وكفايتي بك وبخيار خلقك ، وفي الدعاء : «واجعل القرآن لنا في ظلم اللّيالي مؤنسا» . (16) فالمراد أنّه بغفران ذنوبي وإعطائك الزلفة لديك يبقى أُنسي بك ، وبعدم الغفران وعدم إعطاء الزلفة يذهب الأ?س ويتبدّل بالاستيحاش والعياذ باللّه . «ولا تجعل ثوابي ثواب من عبد سواك» من حبط أعماله وكونها : «كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً » (17) «وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِْيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ » (18) و «لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ » . (19) «فإنّ قوما آمنوا بألسنتهم» بيان لحال المنافقين الذين آمنوا بألسنتهم لحقن دمائهم أو طمعا في الرئاسة أو في المغانم فأدركوا ما أمّلوا. «وأنّا آمنّا بك بألسنتنا وقلوبنا» لا لغرض دنيويّ ، بل آمنّا بقلوبنا وصدّقنا بألسنتنا لتعفو عنّا فأدركنا أملنا من عفوك . «وثبّت رجاءك في صدورنا» بعفوك عنّا وإعطائك ما أمّلنا . «ولا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا» الزيغ : الميل عن الاستقامة ، وفيه وجوه : أوّلها : أن يكون المراد بالآية ربّنا لا تشدد علينا المحنة في التكليف ولا تشقّ علينا ، فيقضي بنا إلى زيغ قلوبنا بعد الهداية . وثانيها : إنّ ذلك دعاء بالتثبيت على الهداية وإمدادهم بالألطاف الّتي معها يستمرّون على الإيمان ، فكأنّهم قالوا : لا تخل بيننا وبين نفوسنا وتمنعنا ألطافك فنزيغ ونضلّ . وثالثها : ما ذكر الجبّاني وهو أنّ المعنى لا تزغ قلوبنا عن ثوابك ورحمتك . ورابعها : لا تبتلنا بما لا نحتمله من الفقر والمرض و... حتّى نزيغ . خامسها : أي لا تزغ قلوبنا بارتكاب أعمال تورث الزيغ ، قال سبحانه : «فَلَمّا زاغُوا أَزاغَ اللّه ُ قُلُوبَهُمْ » (20) . (21) «وهب لنا من لدنك رحمة إنّك أنت الوهاب» .

.


1- . التوحيد : ص 27 ، مكارم الأخلاق : ص 310 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 8 ص 259 .
2- . الأمالي للصدوق : ص 306 ، روضة الواعظين : 42 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 65 ص 95 .
3- . الكافي : ج 2 ص 520 ، المحاسن : ج 1 ص 33 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 65 ص 95 .
4- . اُنظر : سفينة البحار «في القرآن وفضله» .
5- . الكافي : ج 2 ص 599 ، النوادر للراوندي : ص 144 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 74 ص 134 .
6- . اُنظر : معجم البلدان : ج 1 في المقدمة ، وج 2 : في «تهامة».
7- . الكافي : ج 2 ص 125 ، المحاسن : ج 1 ص 263 ، الأمالي للصدوق : ص 674 ، تحف العقول : ص 362 ، روضة الواعظين : ص 417 ، الزهد للكوفي : ص 17 ، الأمالي
8- . مجمع البيان : ج 3 ص 72 ، بحار الأنوار : ج 22 ص 88 .
9- . تفسير الكشّاف : ج 3 ص 82 ، عنه العمدة : ص 54 ، المناقب لابن المغازلي : ص 136 _ 137 ، ذخائر العقبى : ص 18 ، وينابيع المودّة : ص 192 ، نقل عنهم الطرئف : ص 159 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 23 ص 233 .
10- . الدعوات : ص 28 ، بحار الأنوار : ج 66 ص 253 .
11- . الحجر : 72 .
12- . التوبة : 24 .
13- . الرعد : 28 .
14- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 16.
15- . المصدر السابق : الدعاء 21 .
16- . المصدر السابق : الدعاء 42 .
17- . النور : 31 .
18- . المائدة: 5 .
19- . الزمر : 65 .
20- . الصف : 5 .
21- . اُنظر : الأمالي للسيد المرتضى : ص 114 و 115 ، بحار الأنوار : ج 5 ص 193 .

ص: 170

. .

ص: 171

. .

ص: 172

. .

ص: 173

فَوَعِزَّتِكَ لَوِ انتَهَرتَني ما بَرِحتُ مِن بابِكَ ، ولا كَفَفتُ عَن تَمَلُّقِكَ«287 »لِما أُلهِمَ قَلبي (1) مِنَ المَعرِفَةِ بِكَرَمِكَ وسَعَةِ رَحمَتِكَ «288 » إلى مَن يَذهَبُ العَبدُ إلّا إلى مَولاهُ «289 »وإلى مَن يَلتَجِئُ المَخلوقُ إلّا إلى خالِقِهِ ؟ «290 »إلهي لَو قَرَنتَني بِالأَصفادِ «291 »ومَنَعتَني سَيبَكَ (2) مِن بَينِ الأَشهادِ «292 »ودَلَلتَ عَلى فَضائِحي عُيونَ العِبادِ «293 »وأمَرتَ بي إلَى النّارِ«294 »وحُلتَ بَيني وبَينَ الأَبرارِ «295 » ما قَطَعتُ رَجائي مِنكَ«296 »وما صَرَفتُ تَأميلي لِلعَفوِ عَنكَ «297 » ولا خَرَجَ حُبُّكَ مِن قَلبي «298 » أنَا لا أنسى أيادِيَكَ عِندي وسِترَكَ عَلَيَ في دارِ الدُّنيا «299 »

«فوعزّتك لو انتهرتني» العزّة بالكسر اسم بمعنى الغلبة في المعازّة ، قيل : العزّة غير الكبر ، فالعزّة معرفة الإنسان بحقيقة نفسه وإكرامها ووضعها في منزلتها ، كما أنّ الكبر جهل الإنسان بنفسه وإنزالها فوق منزلتها ، وربّما استعيرت العزّة للحميّة والأنفة المذمومة ، ومنه قوله تعالى : «وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّه َ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِْثْمِ » (3) . (4) قال الراغب : «العزّة حالة مانعة للإنسان من أن يغلب... قال : «أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ للّه ِِ جَمِيعاً » ، (5) قال : «وَللّه ِِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ » ، (6) «سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمّا يَصِفُونَ » ، (7) فقد يُمدح بالعزّة تارةً كما ترى ، ويُذمّ بها تارةً كعزّة الكفّار ، قال : «بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ » ، (8) ووجه ذلك أنّ العزّة الّتي للّه ولرسوله وللمؤمنين هي الدائمة الباقية الّتي هي العزّة الحقيقية ، والعزّة الّتي للكفّار هي التعزّز ، وهو في الحقيقة ذلّ» . (9) «لو انتهرتني» ، من نهرته نهرا من باب نفع ، وانتهرته زجرته. «ما برحت من بابك» برح يبرح ، من باب تعب براحا زال من مكانه ، ومنه قيل للّيلة الماضية البارحة. أي اُقسم بعزّتك الّتي بها أعززت رسولك والمؤمنين ولا عزّة إلاّ عزّتك ومنك لو زجرتني وطردتني من بابك ما برحت وما زلت عن بابك. «ولا كففت عن تملّقك» الملق من ملقت له ، أي تودّدته من باب تعب ، والودّ واللّطف الشديد ، أي أصرّ إصرارا متواليا متواصلاً متودّدا ، وفي النهاية : «أصل الإملاق الإنفاق ، يقال : ملق ما معه إملاقا وملقه ملقا ، إذا أخرجه من يده ولم يحبسه ، والفقر تابع لذلك ، فاستعملوا لفظ السبب في موضع المسبّب حتّى صار به أشهر ...» (10) ، وفيه : «ليس من خلق المؤمن الملق» ، هو بالتحريك الزيادة في التودّد والدعاء والتضرّع فوق ما ينبغي. السؤال من الناس مذموم ، والملق أيضا مذموم ، والسؤال من اللّه تعالى مندوب ، والملق أيضا كذلك ، كما أنّ السؤال عن العلم مطلوب والملق في طلب رضا الوالدين. قال رجل للنبيّ صلى الله عليه و آله : علّمني عملاً لا يحال بينه وبين الجنّة ، قال : «تغضب ولا تسأل ، وارض للناس ما ترضى لنفسك» . (11) عن الرضا عليه السلام ، عن جدّه صلى الله عليه و آله ، قال : «اتّخذ اللّه عزّ وجلّ إبراهيم عليه السلام خليلاً ؛ لأنّه لم يردّ أحدا ولم يسأل أحدا غير اللّه عزّ وجلّ» . (12) «من سأل من غير فقر فإنّما يأكل الجمر» . (13) «لا تسألوهم فتكلّفونا قضاء حوائجهم يوم القيامة» . (14) «ما من عبد يسأل من غير حاجة فيموت حتّى يحوجه اللّه إليها ويثبّت اللّه له بها النار» . (15) «من سأل الناس وعنده قوت ثلاثة أيّامٍ ، لقي اللّه يوم يلقاه وليس في وجهه لحم» . (16) هذا كلّه في السؤال عن الخلق ، وأمّا من اللّه تعالى أو السؤال عن العلم في الدنيا ، وكذلك طلب مرضاة الوالدين ، فهذا كلّه مطلوب عن اللّه تعالى. عن الباقر عليه السلام : «ليس من أخلاق المؤمن الملق والحسد إلاّ في طلب العلم» . (17) عن النبي صلى الله عليه و آله : «ليس من أخلاق المؤمن الملق إلّا في طلب العلم» . (18) «لما ألهم قلبي من المعرفة بكرمك» الإلهام : الإلقاء في الروع ، ويختصّ ذلك بما كان من جهة اللّه تعالى وجهة الملأ الأعلى ، وألهمه اللّه ؛ أي لقّنه إيّاه ، قال سبحانه : «فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها » . (19) أي ألقى في قلبي من المعرفة بكرمك ، ولأجل ذلك لا أكفّ عن تملّقك ، وهذا الإلقاء قد يكون من جهة الشعور العقلي ، كما هو الظاهر في الآية الكريمة ، وقد يكون من جهة الملك ويسمّى الحدث ، وقد يكون من جهة أُخرى من جهته تعالى ، كما في الحديث : «أُلقي في روعي» . (20) ومن للتبعيض ، أي ألهم قلبي بعض من معرفتك ، إشارة إلى أنّ معرفته بكرمه تعالى معرفة قليلة لا كاملة . هذا الدليل الأوّل لعدم الكفّ . «إلى من يذهب العبد إلّا إلى مولاه» يعني الثانية من علّة عدم الكفّ أنّ العبد لا يذهب ولا يراجع إلاّ إلى مولاه ، والعبودية إظهار التذلّل ، ولعلّ المراد هنا الإشارة إلى المعهود المتعارف من معنى العبدالذي يشتري وأنّه وما بيده هو لمولاه، ولا يجوز له المخالفة لمولاه، بل له أن يطيعه في كلّ ما يأمره وينهاه، وإذا خالفه يجب عليه الرجوع إليه طلب قبوله وعفوه. «إلى من يلتجئ المخلوق إلّا إلى خالقه ؟» هذا الثالث من دليل عدم الكفّ عن التملّق ، يعني أُريد الترقّي في وجه الرجوع إليه والإصرار في طلب العفو . استدل أوّلاً : بأنّه تعالى كريم يعطي ويعطي ، ويعطي مع السؤال ولا يردّ السائل ، بل يعطي من لم يسأله ومن لم يعرفه تحنّنا منه ورحمة . وثانيا : بأنّه عبد خالف مولاه وعصاه ، يجب عليه الرجوع إليه فقط ولا غافر له سواه . وثالثا : إنّه مخلوقه تعالى ، وإنّ وجوده منه ، ولا حول ولا قوّة له إلّا به ، ولا يرجع ولا يلتجئ المخلوق إلّا إلى خالقه ، وهذه الجملة استفهام تقريري ، أي أنّ رجوع المخلوق إلّا إلى خالقه أمر واضح لا سترة عليه ولا ريب فيه. «إلهي لو قرنتني بالأصفاد» قرنه : أي شدّه ، من قرن الشيء بالشيء شدّه ، والصفد : الوثاق ، قال سبحانه : «وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الأَْصْفادِ » ، (21) وقال عزّ وجلّ : «وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَْصْفادِ » . (22) يعني ياإلهي لو قرنتني بالوثاق كالمجرمين أو معهم . «ومنعتني سيبك من بين الأشهاد» السيب : العطاء والأشهاد جمع شاهد ، يقول سبحانه : «وَيَقُولُ الأَْشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ » ، (23) أي منعتني عطاءك من بين الأشهاد أي الحاضرين ، لعلّ المراد هو أن يعطي كلّ الحاضرين ويمنعه . «دللت على فضائحي عيون العباد» أي رفعت الستر الذي سترت بها سيّئاتي وذنوبي في الدنيا، ودللت العيون على مشاهدة عيوبي، وهذا بعد رفع الستر ، أي وجّهت عيون الناس لمشاهدة عيوبي حتّى لم يبق أحد غافلاً ولا ذاهلاً عن النظر، و عرّفت كلّهم بما ارتكبت وجنيت. «وأمرت بي إلى النار» بعد أن قرنتني بالأصفاد ، ومنعتني سيبك ، ثمّ فضحتني بين العباد البرّ والفاجر والقريب والبعيد الّذين كنت أكتم عنهم عيوبي ، ثمّ أمرتني إلى النار. «وحلت بيني وبين الأبرار» الأبرار : جمع البرّ ، من برّ والده ، أي أحسن الطاعة ورفق به وتحرّى محابّه ، وتوقّى مكارهه ، ولعلّ الترتيب الذكري تدلّ على الترتيب في الشدّة والصعوبة ، وآخرها مفارقة الأبرار ، كما في دعاء كميل : «فلئن صيّرتني للعقوبات مع أعدائك ، وجمعت بيني وبين أهل بلائك ، وفرّقت بيني وبين أحبّائك وأوليائك ، فهبني يا إلهي وسيّدي ومولاي وربّي صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك...» ، هذا بيان لأنواع العقوبات المرتّبة على المعاصي يوم القيامة وجعلها خمسة أنواع. «ما قطعت رجائي منك وما صرفت تأميلي للعفو عنك» بيان لأُمور يلزم العبد المنعم عليه حينئذٍ بعد معرفته للّه تعالى : الأوّل : عدم قطع الرجاء عنه سبحانه ، فإنّه بعدما عرفه تعالى بأوصافه الجميلة يرجو أيضا كرمه وعفوه وصفحه . الثاني : لا يقطع ولا يصرف أمله عنه تعالى ، فإنّه سبحانه موضع آمال عبده مع قدرته وكرمه . الثالث : «ولا خرج حبّك من قلبي» يعني لا يسلب هذه العقوبات حبّه عن قلبه ، وفي دعاء عرفة من الصحيفة : «ولا تمنحني بما لا طاقة لي به ، فتبهطنيممّا تحمّلينه من فضل محبّتك» ، ولعلّ ذلك يعرف من حبّ الأُمّ لولدها ، حيث لا يخرج حبّه عن قلبها بما يصدر منه من سوء العشرة معها ، أو من حبّ شخص لمن يعشقه ، حيث لا يسلب عنه الحبّ بسوء ما يفعله المعشوق ، وعلى كلّ يشير إلى علّة عدم خروج حبّه تعالى من قلبه بقوله : «أنا لا أنسى أياديك عندي» والأيادي جمع اليد ، وأكثر استعمال الأيادي في يد النعمة ، أي لا أنسى نعمتك وفضلك عندي ، وهذا صار سببا لعدم قطع الرجاء وعدم صرف التأميل عنه وعدم خروج حبّه من قلبه. «وسترك عليّ في دار الدنيا» ، وعدم تفضيحه فيها.

.


1- . زاد في الإقبال هنا : «يا سيّدي» .
2- . السَّيب : العطاء (القاموس المحيط : ج 1 ص 84) .
3- . البقرة : 206 .
4- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 333 .
5- . النساء : 139 .
6- . المنافقون : 8 .
7- . الصافات : 180 .
8- . ص : 2 .
9- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 332 .
10- . النهاية : ج 4 ص 357 .
11- . الأمالي للطوسي : ص 508 ، بحار الأنوار : ج 70 ص 264 .
12- . علل الشرائع : ج 1 ص 34 ، بحار الأنوار : ج 12 ص 4 .
13- . عدّة الداعي : ص 89 ، مسند ابن حنبل : ج 4 ص 165 ، صحيح ابن خزيمة : ج 4 ص 100 ، المعجم الكبير : ج 4 ص 15 ، كنز العمّال : ج 6 ص 503 ح 16729 .
14- . علل الشرائع : ج 2 ص 564 ، بحار الأنوار : ج 8 ص 55 .
15- . الكافي : ج 4 ص 19 ، ثواب الأعمال : ص 276 ، بحار الأنوار : ج 93 ص 154 .
16- . ثواب الأعمال : ص 276 ، بحار الأنوار : ج 7 ص 222 .
17- . دعائم الإسلام : ج 1 ص 83 ، تحف العقول : ص 297 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 75 ص 177 .
18- . عدّة الداعي : ص 71 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 2 ص 45 .
19- . الشمس : 8 .
20- . اُنظر : الإرشاد : ج 2 ص 230 ، المحاسن : ج 2 ص 502 ، روضة الواعظين : ص 215 .
21- . إبراهيم : 49 .
22- . ص : 38 .
23- . هود : 18 .

ص: 174

. .

ص: 175

. .

ص: 176

. .

ص: 177

. .

ص: 178

سَيِّدي (1) أخرِج حُبَّ الدُّنيا مِن قَلبي «300 » و اِجمَع بَيني وبَينَ المُصطَفى وآلِهِ خِيَرَتِكَ مِن خَلقِكَ وخاتَمِ النَّبِيِّينَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله «301 »وَانقُلني إلى دَرَجَةِ التَّوبَةِ إلَيكَ «302 » وأعِنّي بِالبُكاءِ عَلى نَفسي«303 » فَقَد أفنَيتُ بِالتَّسويفِ وَالآمالِ عُمُري «304 »وقَد نَزَلتُ مَنزِلَةَ الآيِسينَ مِن خَيري «305 »فَمَن يَكونُ أسوَأَ حالاً مِنّي«306 » إن أنَا نُقِلتُ عَلى مِثلِ حالي إلى قَبري (2) «307 »لَم اُمَهِّدهُ لِرَقدَتي«308 » ولَم أفرُشهُ بِالعَمَلِ الصّالِحِ لِضَجعَتي ؟ «309 »

«سيّدي» سيّد القوم رئيسهم ، أصله سيود ، أُعلّ بقلب الواو ياء ثمّ أُدغمت ، والمولى لشرفه على الخدم . «أخرج حبّ الدنيا من قلبي» يطلب من اللّه تعالى أن يخرج حبّ الدنيا من قلبه ، وهو رأس كلّ رذيلة وخطيئة ، كما في الحديث : «رأس كلّ خطيئة حبّ الدنيا» ، (3) وفي حديثٍ عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «من أصبح وأمسى والدنيا أكبر همّه ، جعل اللّه الفقر بين عينيه ، وشتّت أمره ، ولم ينل من الدنيا إلّا ما قُسِّم له . ومن أصبح وأمسى والآخرة أكبر همّه ، جعل اللّه الغنى في قلبه وجمع له أمره» ، (4) وفي آخر : «من كثر اشتباكه بالدنيا ، كان أشدّ لحسرته عند فراقها» ، (5) وفي آخر : «سُئل عليّ بن الحسين عليه السلام : أيّ الأعمال أفضل عند اللّه ؟ قال : ما من عمل بعد معرفة اللّه ورسوله أفضل من بغض الدنيا» . (6) وقال سبحانه : «زُيِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ » ، (7) وفي الآخر : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «لا يجد الرجل حلاوة الإيمان في قلبه حتّى لا يبالي من أكل الدنيا» . (8) قال سبحانه : «أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الأَْمْوالِ وَالأَْوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الآْخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللّه ِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ مَتاعُ الْغُرُورِ » (9) «وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدّارُ الآْخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ » (10) «وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدّارَ الآْخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ » (11) «إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ » . (12) الدنيا المذمومة والممدوحة : الدنيا الحالات الّتي قبل الموت ، والآخرة هي الّتي بعده ، لكنّ العبادة وما لا بدّ منه فيها معدود من الآخرة ؛ لأنّها لها . وبعبارةٍ كلّ ما كان من الدنيا مأمورا به ومقدّمة للآخرة فهو الآخرة ، وما كان اشتغالاً بها لها فهو الدنيا المذمومة ، فالدنيا والآخرة ضرّتان مضادّتان ؛ فكلّما يوجب رضا اللّه تعالى وقربه من الآخرة وإن كان بحسب الظاهر من أعمال الدنيا _ كالتجارات والزراعات والصناعات _ تكون المقصود منها المعيشة للعيال وصرفها في الوجوه الّتي أمر اللّه بها ، وما كان المقصود منه غير ذلك فهو الدنيا وإن كان ظاهرا مع الترهّب ، كالرياضات الباطلة ، والعبادات للرياء ، والزهد رياءً والاشتغال بالملاهي والشهوات ، فربّ مترهّب متقشّف يعتزل الناس ويعبد اللّه ليلاً ونهارا وهو أحبّ الناس للدنيا ، وإنّما يفعل ذلك ليخدع الناس وليُدَّعى زاهدا عابدا ، وليُحترم وليجذب قلوب الناس إليه . والمعيار الحبّ ، فإن كان محبّا للآخرة ويعمل لذلك فهو الآخرة ، وإن كان محبّا للدنيا ويعمل لذلك فهو الدنيا ، وإن كان عبادة حسب الظاهر. «واجمع بيني وبين المصطفى وآله» كأنّ بين حبّ الدنيا ومفارقة الرسول صلى الله عليه و آله ملازمة ، وبين حبّ الآخرة وملازمة الرسول صلى الله عليه و آله ملازمة. «خيرتك من خلقك» وردت أخبار كثيرة في أنّ اللّه سبحانه وتعالى اختاره صلى الله عليه و آله من بين جميع البشر ، ولم يزل خيارا من خيار ، فهو أفضل البشر وأشرف الأنبياء عليهم السلام . (13) «وخاتم النبيّين محمّد صلى الله عليه و آله » ، قال تعالى : «مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَ لَ_كِن رَّسُولَ اللَّهِ وَ خَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَ كَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَىْ ءٍ عَلِيمًا » (14) ، والخاتم آخر القوم ، أقصى كلّ شيء. «وانقلني إلى درجة التوبة إليك» التوبة هي من تاب إلى اللّه من ذنبه يتوب ؛ أي رجع ، قال سبحانه وتعالى : «ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللّه َ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ » ، (15) جعل توبة اللّه عليهم مقدّمة لتوبتهم ، يعني تاب عليهم بالتوفيق ليتوبوا ، أو أنزل قبول توبتهم (أي الثلاثة الذين خلّفوا) ليعدوا من جملة التوّابين ، والأوّل هو الظاهر ، يطلب من اللّه سبحانه أن يلهمه التوبة ويوفّقه لها . وفي الدعاء : «إلهي ألبستني الخطايا ثوب مذلّتي ، وجلّلني التباعد منك لباس مسكنتي ، وأمات قلبي عظيم جنايتي ، فأحيه بتوبةٍ منك» ، (16) فالمراد أنّ اللّه تعالى إذا أراد بعبدٍ خيرا تاب عليه بالفضل والرحمة ، فيوجّهه إلى قبح المعصية وخطراتها ، وعظمة اللّه سبحانه وشدّة عقوبته وسوء عاقبة العاصي وفناء الدنيا وزوالها والموت و... حتّى يندم على عمله ، ويعزم على ترك المعصية ، فيتوب ثمّ يقبلها منه . عن الصادق عليه السلام : «إذا تاب العبد المؤمن توبةً نصوحا ، أحبّه اللّه فستر عليه في الدنيا والآخرة» (17) . وفي الحديث : «ليس شيء أحبّ إلى اللّه تعالى من مؤمنٍ تائب أو مؤمنةٍ تائبة» . (18) وعنه صلى الله عليه و آله : «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» . (19) وعن أبي جعفر عليه السلام : «التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، والمقيم على الذنب وهو مستغفر منه كالمستهزئ» . (20) وفي نهج البلاغة ، قال عليه السلام لقائلٍ بحضرته : أستغفر اللّه ! «ثكلتك أُمّك ؛ أتدري ما الاستغفار؟ إنّ الاستغفار درجة العلّيّين ، وهو اسم واقع على ستّة معان ، أوّلها : الندم على ما مضى ، والثاني : العزم على ترك العود إليه أبدا ، والثالث : أن تؤدّي إلى المخلوقين حقوقهم حتّى تلقى اللّه أملس ليس عليك تبعة ، والرابع : أن تعمد إلى كلّ فريضة عليك ضيّعتها فتؤدّي حقّها ، والخامس : أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان حتّى تلتصق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد ، والسادس : أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية ، فعند ذلك تقول : أستغفر اللّه » . (21) وعن المتكلّمين : إنّ ما عدا الأوّلان بيان لكمال التوبة ، والظاهر أنّ ما عداهما هو الإصلاح الذي ذكره اللّه تعالى في القرآن الكريم بقوله : «فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ » (22) و «إِلاّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً » ، (23) «وَإِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً » ، (24) «إِلاّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللّه ُ سَيِّئاتِهِمْ » . (25) ويمكن أن يقال : إنّ من ندم على سوء فعله يتداركه ، وإلاّ يكشف عن عدم الندم حقيقة ، إلاّ أن يكون غير قادر على تداركه ، وفيه تأمّل. «وأعنّي بالبكاء على نفسي» الإنسان إذا ارتكب معصية ثمّ التفت إلى سوء فعله وعظمة الباري تعالى وقدرته ووعيده على من خالفه وعصاه وما أعدّ اللّه تعالى للعاصين ، يحصل له حالة البكاء على نفسه لما جنى عليها وعرّضها للهلكة وعذاب اللّه والبعد عنه وفراقه وفراق الصالحين. البكاء : ينشأ من حالة رقّة في القلب ، وعللها كثيرة ، إمّا لمصيبة وشدّة ، وإمّا لشوق ما يسرّ ويفرح ، فالإنسان يبكي على الخوف والجوع وفقدان الآباء والأولاد والأحبّة والمال ومرض وضرر على بدنه ... إلخ . وإذا كان ذا معرفة وعارفا بالأمراض والمصائب الروحية وما تثمر من العواقب السيّئة من بعده عن اللّه تعالى وانحطاط قدره عنده والعذاب الأليم الذي أعدّه اللّه تعالى لمن عصاه ، لكان بكاؤه وحزنه وتفجّعه أكثر ممّا كان على المصائب الدنيوية وأشدّ . وفي الحديث عن الصادق عليه السلام : «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أتى شابا من الأنصار فقال : «إنّي أُريد أن أقرأ عليكم ، فمن بكى فله الجنّة ، فقرأ آخر الزمر : «وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً » (26) ... إلى آخر السورة فبكى القوم جميعا إلّا شابّ ، فقال : يارسول اللّه قد تباكيت فما قطرت عيني! قال : إنّي معيد عليكم فمن تباكى فله الجنّة ، قال : فأعادها عليهم فبكى القوم وتباكى الفتى ، فدخلوا الجنّة جميعا» ، (27) وفيه : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «من علامات الشقاء . جمود العين ، وقسوة القلب ، وشدّة الحرص في طلب الرزق ، والإصرار على الذنب» . (28) والتباكي : تكلّف البكاء. وقد روت آيات كثيرة في فضل البكاء من خشية اللّه ، قال سبحانه وتعالى : «فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ » ، (29) وقال تعالى : «وَيَخِرُّونَ لِلأَْذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً » ، (30) وقال سبحانه : «أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ » . (31) «وقد أفنيت بالتسويف والآمال عمري» كأنّه يشير إلى علل البكاء ، منها فناء العمر بالتسويف ، وفيه : «من سوّف الحجّ حتّى يموت ، بعثه اللّه يوم القيامة يهوديّا ، ذاك الذي يسوّف الحجّ يعني حجّة الإسلام» ، (32) وفيه : «لا تكن ممّن... يقدّم المعصية ويسوّف التوبة» ، (33) وفيه : «إيّاكم وتسويف العمل» ، (34) من سوّف فلانا : مطله وقال له مرّة بعد مرّة : سوف أفعل ، والمراد ظاهرا تأخير التوبة والإصلاح وأداء الفرائض ، وذلك لا يكون إلاّ بأملٍ طويل ، يأمل البقاء وطول العمر وينسى الأجل. عن أمير المؤمنين عليه السلام : «ألا إنّ أخوف ما أخاف عليكم خصلتان : اتّباع الهوى وطول الأمل ، أمّا اتّباع الهوى فيصدّ عن الحقّ ، وأمّا طول الأمل فيُنسي الآخرة» ، (35) وقال عليه السلام : «من أطال أمله ساء عمله» . (36) فالمؤمن إذا التفت إلى فناء عمره يلتفت إلى خسرانه فيما تلف من عمره الذي كان وسيلة لسعادته وكسب الجنّة والتهيئة للموت والآخرة ، ينبغي أن يبكي عليه أكثر وأشدّ ممّا يبكي على الخسارة في ماله. «وقد نزلت منزلة الآيسين من خيري» إظهار لشدّة توجّعه من عدم إصلاح نفسه ، وذلك يحتاج إلى المراقبة الشديدة والمحاسبة الدقيقة للنفس ، وعللها في تألمها وتأثّرها وحبّها وبغضها وإقبالها وإدبارها وحرصها وزهدها ، وأن يكون ضنينا على نفسها في ذلك كلّه ، حتّى إقبالها إلى العبادة والتنسّك والتعبّد ، فمن راقبها ولاحظها وحاسبها ، يعلم عدم صلاحها ومكرها وتظاهرها بالإخلاص والزهد. وعن الكافي ، عن أبي الحسن عليه السلام : «إنّ رجلاً في بني إسرائيل عَبَدَ اللّه أربعين سنةً ، ثمّ قرّب قربانا فلم يُقبل منه ، فقال لنفسه : وما أوتيتُ إلّا منكِ وما الذنب إلاّ لك ، فأوحى اللّه إليه : ذمّك لنفسك أفضل من عبادتك أربعين سنةً» ، (37) و«إنّ على العاقل أن يحصي على نفس مساويها في الدين والرأي والأخلاق والأدب ، فجميع ذلك في صدره أو في كتاب ، ويعمل في إزالتها» ، (38) و«إنّ من حاسب نفسه ربح ، ومن غفل عنها خسر» ، (39) و«إنّه على العاقل أن يكون له ساعة يحاسب فيها نفسه» . (40) «فمن يكون أسوأ حالاً منّي إن أنا نُقلت على مثل حالي إلى قبري» أي إن حُملت على هذه الحالة _ من عدم صلاح نفسه وعدم تزكيته _ إلى القبر يكون في أسوأ حال ، فإذا هو في حالة سيّئة شديدة ، فحينئذٍ يستفهم ويقول : من يكون أسوأ حالاً منّي إن أنا نُقلت على مثل حالي من المعاصي والسيّئات والجرائم إلى القبر ؟ وكانت القبور هي المأوى إلى ميقات يوم التلاق. القبر روضة من رياض الجنّة ، أو حفرة من حفر النيران ، قال أمير المؤمنين عليه السلام في كتابه إلى محمّد بن أبي بكر : «يا عباد اللّه ، ما بعد الموت لمن لا يُغفر له أشدّ من الموت القبرُ ، فاحذروا ضيقه وضنكه وغربته... والقبر روضة من رياض الجنّة ، أو حفرة من حفر النار ، إنّ العبد المؤمن إذا دُفن قالت له الأرض : مرحبا وأهلاً ، قد كنت ممّن أحبّ أن تمشي على ظهري ، فإذا وليّتك فستعلم كيف صنيعي بك ، فيتّسع له مدّ البصر ، وإنّ الكافر إذا دُفن قالت له الأرض : لا مرحبا بك ولا أهلاً... فتضمّه حتّى تلتقي أضلاعه ، وإنّ المعيشة الضنك الّتي حذّر اللّه منها عدوّه عذاب القبر ، إنّه يسلّط على الكافر في قبره تسعة وتسعين تنّينا ، فينهش لحمه ويكسر عظمه... فإن استطعتم أن تجزعوا لأجسادكم وأنفسكم بما لا طاقة لكم به ولا صبر لكم عليه فاعملوا بما أحبّ اللّه واتركوا ما كره اللّه » . (41) القبر فيه ضغطة : «ضغطة القبر للمؤمن كفّارة لما كان منه من تضييع النعم» . (42) وقال عليه السلام : «وما أصنع بفدك وغير فدك؟ والنفس مظانّها في غدٍ جدث ، تنقطع في ظلمته آثارها ، وتغيب أخبارها ، وحفرة لو زيد في فسحتها وأوسعت يدا حافرها ، لأضغطها الحجر والمدر ، وسدّ فرجها التراب المتراكم» . (43) «اللّهمّ صلّ على محمّد وآله ، وبارك لنا في حلول دار البلى وطول المقامة بين إطباق الثرى ، واجعل القبور بعد فراق الدنيا خير منازلنا ، وافسح لنا رحمتك في ضيق ملاحدنا ، ولا تفضحنا في حاضري القيامة بموبقات آثامنا» ، (44) وفيه سؤال وفيه عذاب . «لم أُمهّده لرقدتي» مهّد الفراش : بسطه ، ومهّد الأمر : وطّأه وسهّله وأصلحه ، والرقدة : النومة ، من رقد الرجل أي نام ، أي بالعمل الصالح. « ولم أُفرشه بالعمل الصالح لضجعتي» الضجعة : الرقدة ، من ضجع ضجوعا : وضع جنبه على الأرض.

.


1- . زاد في الإقبال هنا : «صلّ على محمّد وآل محمّد» .
2- . في الإقبال والمصباح للكفعمي : «إلى قبر» .
3- . الكافي : ج 2 ص 315 ، الأمالي للطوسي : ص 662 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 70 ص 127 .
4- . الكافي : ج 2 ص 319 ، تحف العقول : ص 48 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 70 ص 17 .
5- . الكافي : ج 2 ص 319 ، عدّة الداعي : ص 105 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 69 ص 54 .
6- . الكافي : ج 2 ص 130 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 70 ص 19 .
7- . آل عمران : 14 .
8- . الكافي : ج 2 ص 128 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 70 ص 49 .
9- . الحديد : 20 .
10- . الأنعام : 32.
11- . العنكبوت : 64 .
12- . محمّد : 36 .
13- . اُنظر : بحار الأنوار : ج21 ص26 ، وج 16 ص 402 ح 15 ، السيرة الحلبية : ج1 ص31 و32 ، والسنن الكبرى للبيهقي : ج 7 ص 134 ، وصحيح مسلم : ج 4 ص 1782 ، وينابيع المودّة : ص 11 ، وما بعدها و190 و243 و190 ، والصواعق المحرقة : ص 188 و189 ، والكامل لابن عدي : ج 5 ص 1885 ، ومجمع الزوائد : ج8 ص215 و216 ، ومكاتيب الرسول في كتابة الحديث.
14- . الأحزاب : 40 .
15- . التوبة : 118 .
16- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 182 .
17- . الكافي : ج 2 ص 430 ، ثواب الأعمال : ص 171 ، مشكاة الأنوار : ص 202 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 6 ص 28 .
18- . عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج 1 ص 33 ، روضة الواعظين : ص 293 ، مشكاة الأنوار : ص 149 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 6 ص 21 .
19- . الكافي : ج 2 ص 435 ، عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج 1 ص 79 ، مكارم الأخلاق : ص 313 ، مشكاة الأنوار : ص 201 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 6 ص 21 .
20- . الكافي : ج 2 ص 435.
21- . نهج البلاغة : الحكمة 417 .
22- . المائدة : 39 .
23- . مريم : 60 .
24- . طه : 82 .
25- . الفرقان : 70 .
26- . الزمر : 71.
27- . الأمالي للصدوق : ص 638 ، بحار الأنوار : ج 90 ص 328 .
28- . الكافي : ج 2 ص 290 ، الخصال : ص 243 ، روضة الواعظين : ص 414 ، مشكاة الأنوار : ص 447 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 67 ص 52 .
29- . التوبة: 83 .
30- . الإسراء : 109 .
31- . النجم : 60 .
32- . تفسير العيّاشي : ج 2 ص 305 ، بحار الأنوار : ج 96 ص 12 .
33- . عيون الحكم والمواعظ : ص 527 .
34- . الخصال : ص 632 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 10 ص 111 .
35- . نهج البلاغة : الحكمة 42 ، الخصال : ص 51 .
36- . الخصال : ص 15 ، بحار الأنوار : ج 70 ص 163 .
37- . الكافي : ج 2 ص 73 ، مشكاة الأنوار : ص 430 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 14 ص 500 .
38- . مطالب السؤول : ص 49 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 75 ص 7 .
39- . نهج البلاغة : الحكمة 208 ، بحار الأنوار : ج 67 ص 73 .
40- . معاني الأخبار : ص 334 ، روضة الواعظين : ص 4 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 68 ص 323 .
41- . الأمالي للمفيد : ص 365 .
42- . الأمالي للصدوق : ص 632 ، بحار الأنوار : ج 6 ص 221.
43- . نهج البلاغة : الكتاب 45 .
44- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 42 .

ص: 179

. .

ص: 180

. .

ص: 181

. .

ص: 182

. .

ص: 183

. .

ص: 184

. .

ص: 185

. .

ص: 186

وما لي لا أبكي«310 » وما أدري إلى ما يَكونُ مَصيري «311 »وأرى نَفسي تُخادِعُني«312 » وأيّامي تُخاتِلُني؟ (1) «313 »وقَد خَفَقَت عِندَ رَأسي أجنِحَةُ المَوتِ «314 » فَما لي لا أبكي؟!«315 » أبكي لِخُروجِ نَفسي «316 »أبكي لِظُلمَةِ قَبري «317 »أبكي لِضيقِ لَحدي «318 »أبكي لِسُؤالِ مُنكَرٍ ونَكيرٍ إيّايَ «319 »أبكي لِخُروجي مِن قَبري عُريانا ذَليلاً حامِلاً ثِقلي عَلى ظَهري «320 » أنظُرُ مَرَّةً عَن يَميني واُخرى عَن شِمالي «321 »إذِ الخَلائِقُ في شَأنٍ غَيرِ شَأني «322 » «لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ * تَرْهَقُها قَتَرَةٌ » وذلّة

شرع _ صلوات عليه _ في موجبات البكاء ، ويعلّمنا المصائب والمتاعب والمهالك الّتي تأتي في عالم البرزخ الناشئة من أعمالنا وغفلاتنا في الدنيا ، ويجب علينا علاج هذه كلّها في الدنيا ، قال : «مالي لا أبكي» أي لأيّ علّةٍ لا أبكي ؟ وما هذه القسوة والغفلة ؟ وما السبب في ذلك؟ ولا بدّ أنّه يرجع إلى نفس المكلّف من أعماله القبيحة الفاسدة الّتي أثّرت في الشخص حتّى جعله قسيّا شقيّا ، قال تعالى : «فَطالَ عَلَيْهِمُ الأَْمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ » ، (2) في الحديث : «فإنّ الّذين يكثرون الكلام في غير ذكر اللّه ، قاسية قلوبهم ولكن لا يعلمون» ، (3) وفيه : «إنّ أكل العدس يرقّ القلب ويُكثر الدمعة» ، (4) وفيه : «من أحبّ أن يرقّ قلبه فليدمن أكل البلس ، يعني التين» . (5) «وما أدري إلى ما يكون مصيري» من الهداية أو الضلالة ، ومن التقوى أو الفجور ، ومن الجنّة أو الجحيم ، وعلائق النفس بالدنيا وزخارفها وزبارجها وتزيّن الدنيا لها ، «زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَ تِ مِنَ النِّسَآءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَ_طِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَ_مِ وَالْحَرْثِ» ، في حديثٍ : «من أحسن فيما بقي من عمره لم يؤاخذ بما مضى من ذنبه ، ومن أساء فيما بقي من عمره أُخذ بالأوّل والآخر» ، (6) وفيه : «لا يزال المؤمن خائفا من سوء العاقبة لا يتيقّن الوصول إلى رضوان اللّه ، حتّى يكون وقت نزع روحه وظهور ملك الموت له» ، (7) وفي الدعاء : «واختم لنا بالّتي هي أحمد عاقبة ، وأكرم مصيرا» ، (8) وفي الدعاء : «فاقض بخيرها عاقبة ونجّني من مضلّات الفتن» ، (9) قال اللّه سبحانه : «وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ » ، (10) وليعتبر باليهود ، قطنوا بالمدينة رجاء الإيمان برسول اللّه صلى الله عليه و آله «وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ » ، (11) وأصحاب رسول اللّه ارتدّوا بعده ... إلخ . «وأرى نفسي تخادعني وأيّامي تخاتلني» قال الراغب : «الخداع : إنزال الغير عمّا هو بصدده بأمرٍ يبديه على خلاف ما يخفيه ، قال تعالى : «يُخادِعُونَ اللّه َ » ، (12) أي يخادعون رسوله : أي إنّ نفسي تظهر لي أمرا على خلاف ما يخفيه ، فيمنعني عمّا أنا بصدده» . (13) والمخاتلة : هي المخادعة عن غفلة ، من ختل الذئب الصيد : تخفّى له ، أي الأيّام تتخفّى حتّى يصيدني ليلة ، كناية عن مرورها والإنسان في غفلةٍ عن مرورها ، فيرى الإنسان نفسه قد تكهّل ، ثمّ شاخ وهرم ، ثمّ يجيء الموت كأنّه عاش يوما أو بعض ، قال سبحانه : «كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَْرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ » . (14) «وقد خفقت عند رأسي أجنحة الموت» خفقه خفقا : ضربه بشيء عريض ، وخفق النعل : صوّتت ، شبّه الموت بطائر يطير ويسمع صوت أجنحته ، والجناح ما يطير به الطائر ، والغرض بيان قرب الموت بحيث يتوقّع نزوله عليه في كلّ آن وحين. «فمالي لا أبكي ؟ أبكي لخروج نفسي» أي أبكي لفراق روحي عن البدن ، وهو الموت ، وهو مع ما فيه من الشدائد والسكرات ، « جَآءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَ لِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ» ، وخروج النفس حسب الآيات الكريمة إنّما هو بواسطة ملك الموت وأعوانه ، أمّا المؤمن فبإرفاقٍ ورحمة ورأفة فروحٍ وريحان وجنّة نعيم ، وأمّا الكافر فنزلٍ من حميم وتصلية جحيم ، يضربون وجوههم وأدبارهم أن أخرجوا أنفسكم ، نعوذ باللّه تعالى ، قال أمير المؤمنين (صلوات اللّه عليه) : «نزل بهم ما كانوا يجهلون ، وجاءهم من فراق الدنيا ما كانوا يأمنون ، وقدموا من الآخرة على ما كانوا يُوعدون ، فغير موصوف ما نزل بهم ، اجتمعت عليهم سكرة الموت وحسرة الفوت ، ففترت لها أطرافهم ، وتغيّرت لها ألوانهم ، ثمّ ازداد الموت فيهم ولوجا ، فحيل بين أحدهم وبين منطقه ، وإنّه لبين أهله ينظر ببصره ويسمع بأُذنه ، على صحّةٍ من عقله ، وبقاءٍ من لبّه ، يفكّر فيم أفنى عمره ، وفيم أذهب دهره ، ويتذكّر أموالاً جمعها أغمض في مطالبها» . (15) «أبكي لظلمة قبري» الّتي تنقطع فيها آثارها وتغيب أخبارها . «أبكي لضيق لحدي» عن موسى بن جعفر عليهماالسلامقال عند قبرٍ : «إنّ شيئا هذا آخره لحقيق أن يُزهده في أوّل ، وإنّ شيئا هذا أوّله لحقيق أن يُخاف آخره» ، (16) وعن الصادق عليه السلام هذا الدعاء : «اللّهمّ بارك لي في الموت ، اللّهمّ أعنّي على سكرات الموت ، اللّهمّ أعنّي على غمّ القبر ، اللّهمّ أعنّي على ضيق القبر ، اللّهمّ أعنّي على ظلمة القبر ، اللّهمّ أعنّي على وحشة القبر ، اللّهمّ زوّجني من الحور العين» ، (17) وفي الحديث : «استبدلوا بظهر الأرض بطنا ، وبالسعة ضيقا ، وبالأهل غربة» . (18) «أبكي لسؤال منكر ونكير إيّاي» قال علي عليه السلام : «حتّى إذا انصرف المشيّع ورجع المتفجّع ، أُقعد في حفرته نجيّا لِبَهتِةِ السؤال وعثرة الامتحان ، وأعظم ما هنالك بلية نزول الحميم وتصلية الجحيم ، وفورات السعير ، وسورات الزفير ، لا قترة مريحة ولا دَعَة مزيحة ، ولا قوّة حاجزة ، ولا موتة ناجزة» . (19) ويستفاد من بعض الآيات السؤال عند قبض روح الإنسان ، وفي الصحيفة : «ورسلك من الملائكة إلى أهل الأرض بمكروه ما ينزل من البلاء ومحبوب الرخاء ، والسفرة الكرام البررة، والحفظة الكرام الكاتبين ، وملك الموت وأعوانه ، ومنكر ونكير وردمان فتّان القبور» . (20) «أبكي لخروجي من قبري عريانا» : يعني من الموارد الّتي يُبكى عليها الخروج من القبر ، وهو الحشر والنشر المذكوران في القرآن الكريم ، وفي الدعاء : «واكسنا به حلل الأمان يوم الفزع الأكبر في نشورنا» ، (21) وفي الدعاء أيضا : «وارحمني في حشري ونشري» ، (22) وفي الحديث في تكفين فاطمة بنت أسد ، (23) وفيه : «يُحشرون يوم القيامة حفاة عراة عزلاً» . (24) «حاملاً ثقلي على ظهري» الثِقل : الذنب ، جمع الأثقال ، قال سبحانه : «وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ » ، (25) والثقل بالتحريك : زاد المسافر ، شبّه الآثام على ما يحمله الإنسان على ظهره من المتاع ، وفي الدعاء : «وهذا ظهري قد أثقلته الخطايا» ، (26) وفيه : «وظهر مثقل من الخطايا» ، (27) وفي النهج : «وحمّلوا ثقل أوزارهم على ظهورهم فضعفوا عن الاستقلال بها» . (28) أي أبكي لخروجي من قبري وعليّ أوزار ثقيلة . وقد يُطلق على الإثم الوزر ، قال تعالى : «لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ » . (29) «أنظر مرّة عن يميني وأُخرى عن شمالي» كأنّه يطلب من يحمل عنه أوزاره أو يعينه وينجيه ، قال سبحانه : «يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ » . (30) «إذ الخلائق في شأن غير شأني» الخلق : الناس ، وجمعه الخلائق ، الشأن : الحال والأمر الذي يتفّق ويصلح ، ولا يقال إلّا فيما يعظم من الأحوال والأُمور (كذا قال الراغب) . (31) «لكلّ امرئ منهم شأن يغنيه» أي كلّ امرئ مشغول بحاله وشأنه ، يغنيه : أي يكفيه في الاهتمام به. «وجوه يومئذ مسفرة» أي مضيئة ، من إسفار الصبح . «ضاحكة مستبشرة» لما يرى من الفلاح والنجاح والروح والريحان وجنة نعيم . «ووجوه يومئذٍ عليها غبرة» أي غبار وكدورة . «ترهقها» أي يغشاها «قترة» وذلّة أي سواد وذلّة ، وقال سبحانه : «يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ » ، (32) وقال تعالى : «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ * إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ * تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ » ، (33) وقال : «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ * عامِلَةٌ ناصِبَةٌ * تَصْلى ناراً حامِيَةً * تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ * لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلاّ مِنْ ضَرِيعٍ * لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ * لِسَعْيِها راضِيَةٌ » . (34)

.


1- . أي تخادعني عن غفلة.
2- . الحديد : 16.
3- . الكافي : ج 2 ص 114 ، الأمالي للمفيد : ص 209 اُنظر : بحار الأنوار : ج 14 ص 325 .
4- . الكافي : ج 6 ص 343 ، المحاسن : ج 2 ص 504 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 59 ص 283 .
5- . مكارم الأخلاق : ص 173 ، بحار الأنوار : ج 63 ص 186 .
6- . الأمالي للصدوق : ص 111 ، كفاية الأثر : ص 190 ، روضة الواعظين : ص 475 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 36 ص 350 .
7- . المحتضر : ص 52 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 6 ص 176 .
8- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 33 .
9- . المصدر السابق : الدعاء 54 .
10- . الأعراف : 175 .
11- . البقرة : 175 .
12- . البقرة : 9 .
13- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 143 .
14- . المؤمنون : 112 .
15- . نهج البلاغة : الخطبة 109.
16- . معاني الأخبار : ص 343 ، تحف العقول : ص 408 ، بحار الأنوار : ج 70 ص 103 .
17- . تهذيب الأحكام : ج 3 ص 93 ، الإقبال : ج 1 ، ص 331 ، المصباح للكفعمي : ص 575 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 95 ص 135 .
18- . نهج البلاغة : الخطبة 111 ، تحف العقول : ص 183 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 70 ص 98.
19- . نهج البلاغة : الخطبة 83 .
20- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 3 .
21- . المصدر السابق : الدعاء 42 .
22- . المصدر السابق : الدعاء 53 .
23- . اُنظر : بحار الأنوار : ج 6 ص 241 .
24- . اُنظر : بحار الأنوار : ج 7 ص 12. الغرل بالغين المضمومة والراء ، جمع أغرل : من لم يختن .
25- . العنكبوت : 13.
26- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 49 .
27- . المصدر السابق : الدعاء 88 .
28- . نهج البلاغة : الحكمة 222 .
29- . النحل : 25 .
30- . عبس : 34 _ 37 .
31- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 371 .
32- . آل عمران : 106 .
33- . القيامة : 22 _ 24 .
34- . الغاشية : 2 _ 8 .

ص: 187

. .

ص: 188

. .

ص: 189

. .

ص: 190

. .

ص: 191

سَيِّدي عَلَيكَ مُعَوَّلي ومُعتَمَدي ورَجائي وتَوَكُّلي «327 »وبِرَحمَتِكَ تَعَلُّقي «328 »تُصيبُ بِرَحمَتِكَ مَن تَشاءُ وتَهدي بِكَرامَتِكَ مَن تُحِبُّ «329 »فَلَكَ (1) الحَمدُ عَلى ما نَقَّيتَ مِنَ الشِّركِ قَلبي «330 »ولَكَ الحَمدُ عَلى بَسطِ لِساني «331 »أفَبِلِساني هذا الكالِّ أشكُرُكَ؟«332 »أم بِغايَةِ جَهدي في عَمَلي اُرضيكَ؟«333 »وما قَدرُ لِساني يا رَبِّ في جَنبِ شُكرِكَ«334 » وما قَدرُ عَمَلي في جَنبِ نِعَمِكَ وإحسانِكَ إلَيَ «335 »

«سيّدي عليك معوّلي» سيّد القوم رئيسهم والمولى ، أصله سيود ، أُعلّ بقلب الواو ياءً ، ثمّ أُدغمت ، والإضافة حقيقي أو إضافي تشريفا، والأقوى الأوّل . المعوّل من عوّل عليه ، أي اقتصر عليه ولم يختر عليه ، وعوّلت عليه استعنت به ، ومعناه صيّرت أمري إليه ، كذا قال الخليل في العين (2) وفي القاموس : «وعوّل عليه معوّلاً اتّكل واعتمد». (3) أي ياربّ ، أنت سيّدي ورئيسي ، عليك اتّكالي واستعانتي ، أو صيّرت أمري إليك في مشاكلي المادّية والمعنوية ، أو عليك معوّلي أي أحوالي وبكائي وتضرّعي ، من العول ، أي الصياح والبكاء مع الصوت. «ومعتمدي ورجائي وتوكّلي» معتمدي : من اعتمد على الحائط ، اتّكأ واعتمد على فلان : اتّكل عليه . أي عليك اتّكالي واستسلامي واعتمادي ورجائي ، أي أنت موضع أملي وتوكّلي ، أي استسلامي واعتمادي ووثوقي . قيل : التوكّل هو الثقة بما عند اللّه واليأس عمّا في أيدي الناس ، وفي مجمع البحرين : «الأصل في التوكّل إظهار العجز والإعياء ، والاسم التكلان ، والتوكّل على اللّه : انقطاع العبد إليه في جميع ما يأمله من المخلوقين ، وقيل : هو ترك السعي فيما لا يسعه قدرة البشر» . (4) وقال الراغب : «التوكيل أن تعتمد على غيرك وتجعله نائبا عنك... والتوكّل يقال على وجهين : يقال : توكّلت لفلان ؛ بمعنى تولّيت له ، ويقال : وكّلته فتوكّل لي وتوكّلت عليه ؛ بمعنى اعتمدته» . (5) «وبرحمتك تعلّقي» أي تمسّكي ، شبّه نفسه بمن تعلّق بحبلٍ وتمسّك به للنجاة من الهلكة ، أي أنا آخذ برحمتك ومتعلّق بها ؛ وذلك لأنّك «تصيب برحمتك من تشاء» والباء للإلصاق ، أي تنزل رحمتك على من تشاء ، قال سبحانه : «نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ » ، (6) أي تعلّق رجائي في الخلاص من الهلكة في الدارين أن تصيبني برحمتك ، قال الراغب : «الصوب الإصابة ، يقال : صابه وأصابه ، وجعل الصوب نزول المطر... قال بعضهم : الإصابة في الخير اعتبارا بالصوب أي بالمطر ، وفي الشرّ اعتبارا بإصابة السهم ، وكلاهما يرجعان إلى أصل» ، (7) ويمكن أن تكون الباء للسببية ، أي تصيب بسبب رحمتك الخير من تشاء ، فيكون المفعول مقدّرا. «وتهدي بكرامتك من تحبّ» قال الراغب : «الكرم إذا وُصِف اللّه تعالى به فهو اسم لإحسانه وإنعامه المتظاهر ، نحو قوله : إنّ ربّي غني كريم ، وإذا وُصِف به الإنسان فهو اسم للأخلاق والأفعال المحمودة الّتي تظهر منه ، ولا يقال هو كريم حتّى يظهر ذلك منه ، قال بعض العلماء : الكرم كالحرّية ، إلّا أنّ الحريّة قد تقال في المحاسن الصغيرة والكبيرة ، والكرم لا يقال إلّا في المحاسن الكبيرة» (8) ؛ يعني تهدي من تحبّ بكرمك وفعلك الجميل الكريم. والهداية كما قال الراغب : «دلالة بلطف ، ومنه الهدية... وهداية اللّه تعالى على أربعة أوجه : الأوّل : الهداية الّتي عمّ بجنسها كلّ مكلّف ، من العقل والفطنة والمعارف الضروريّة الّتي أعمّ منها كلّ شيء بقدر فيه على حسب احتماله ، كما قال : «رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى » . (9) الثاني : الهداية الّتي جعل للناس بدعائه إيّاهم على ألسنة الأنبياء وإنزال القرآن ونحو ذلك ، وهو المقصود بقوله تعالى : «وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا » . (10) الثالث : التوفيق الذي يختصّ به ممن اهتدى ، وهو المعني بقوله تعالى : «وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً » . (11) الرابع : الهداية في الآخرة إلى الجنّة المعني بقوله : «سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ » . (12) وهذه الهدايات الأربع مترتّبة ، فإنّ من لم تحصل له الأُولى لا تحصل له الثانية ، بل لا يصحّ تكليفه ، ومن لم تحصل الثانية لا تحصل له الثالثة والرابعة ... إلخ» ، (13) كلّ هذه الهدايات تحصل بكرامة اللّه تعالى. «فلك الحمد على ما نقّيت من الشرك قلبي» نقّاه تنقيةً وأنقاه إنقاءً : نظّفه واختاره وأخصله ، ذكر عليه السلام بعدما مرّ النعمة الكبيرة وهي التوحيد ، وأنّ اللّه سبحانه عرّفه نفسه ، وأنّه واحد لا شريك له ، وهي أعظم النعم وأعلاها وأغلاها ، وفي الحديث : «إنّ أفضل الفرائض وأوجبها على الإنسان معرفة الربّ والإقرار له بالعبودية ، وحدّ المعرفة أن يعرف ألّا إله غيره» ، (14) وعن أبي الحسن الرضا عليه السلام «لا إله إلّا اللّه حصني ، فمن دخل حصني أمن من عذابي» ، (15) وعن الفتح بن يزيد الجرجاني ، عن أبي الحسن عليه السلام ، قال : «سألته عن أدنى المعرفة ؟ قال : الإقرار بأنّه لا إله غيره ولا شبه له ولا نظير» ، (16) الحديث . وعن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «خرج الحسين بن علي عليهماالسلام على أصحابه فقال _ بعد الحمد للّه جلّ وعزّ والصلاة على محمّد رسول اللّه صلى الله عليه و آله _ : ياأيّها الناس ، إنّ اللّه جلّ ذكره ما خلق العباد إلّا ليعرفوه ، فإذا عرفوه عبدوه ، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه ، فقال له رجل : بأبي أنت وأُمّي يا ابن رسول اللّه ، ما معرفة اللّه ؟ قال : معرفة أهل كلّ زمان إمامهم الذي يجب عليهم طاعته» . (17) وفي الحديث : «إنّ اللّه تبارك وتعالى حرّم أجساد الموحّدين على النار» ، وفيه : «إنّ اللّه تبارك وتعالى أقسم بعزّته وجلاله ألّا يعذّب أهل توحيده بالنار أبدا» ، (18) إلى غير ذلك من الأحاديث ، (19) وهو من أعظم نعم اللّه تعالى على عبدٍ ، وهو مفتاح كلّ خير ومغلاق كلّ شرّ. «ولك الحمد على بسط لساني» أي لك الحمد على قدرة لساني على التكلّم على أيّ نحو وفي أيّ شيء أُريد ، من بسط الثوب والفراش بسطا نشره . ثمّ بيّن عجزه عن الشكر ، قال : «أفبلساني هذا الكالّ أشكرك ؟» الكالّ من كلّ الرجل وغيره من المشي وغيره : تعب وأعيا ، فهو كالّ ، أي أفبلساني الذي بسطته وأقدرته على الكلام الكالّ عن عدّ نعمائك وآلائك أشكرك ؟ في الحديث قال أبو عبد اللّه عليه السلام : «أوحى اللّه تعالى إلى موسى عليه السلام : ياموسى ، اشكرني حقّ شكري ، فقال : ياربّ كيف أشكرك حقّ شكرك وليس من شكر أشكرك به إلاّ وأنت أنعمت به عليّ؟ فقال له : ياموسى ، شكرتني حقّ شكري حين علمت أنّ ذلك منّي» ، (20) وفيه : «أوحى اللّه إلى داوود عليه السلام : اشكرني حقّ شكري ، قال : إلهي أشكرك حقّ شكرك وشكري إيّاك نعمة منك ، فقال : الآن شكرتني ، وقال داوود عليه السلام : ياربّ وكيف كان آدم يشكرك حقّ شكرك وقد جعلته أب أنبيائك وصفوتك ، وأسجدت له ملائكتك؟ فقال : إنّه عرف أنّ ذلك من عندي ، فكان اعترافه بذلك حقّ شكري» . (21) هذا ، والشكر إمّا بالقلب كما تقدّم ، وإمّا باللّسان كما عرفت ، وإمّا بالعمل وهو صرف النعم فيما أمر اللّه تعالى ، وقد ورد بذلك أحاديث كثيرة . (22) وإليه يشير بقوله عليه السلام : «أم بغاية جهدي في عملي أرضيك ؟» الجهد بالضمّ : الطاقة ، وقيل : المشقّة ، كالجهد بالفتح ، أي أبغاية طاقتي في العمل أرضيك وأشكرك في العمل؟ «وما قدر لساني ياربّ في جنب شكرك؟ وما قدر عملي في جنب نعمك وإحسانك؟» والقَدر : مبلغ الشيء ، والجَنبُ بالفتح : الناحية وشقّ الإنسان وغيره ، قال سبحانه : «يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّه ِ » ، (23) أي في جانبه.

.


1- . في الإقبال والمصباح للكفعمي : «اللّهُمَّ فلك ...» .
2- . العين : ج 2 ص 248 .
3- . القاموس المحيط : ج 4 ص 22 .
4- . مجمع البحرين : ج 4 ص 546 .
5- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 531 .
6- . يوسف: 57 .
7- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 288 .
8- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 428 .
9- . طه : 50 .
10- . الأنبياء : 73 .
11- . محمّد : 17 .
12- . محمّد : 5 .
13- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 538 .
14- . كفاية الأثر : ص 262 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 4 ص 55 .
15- . عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج 1 .
16- . الكافي : ج 1 ص 86 ، التوحيد : ص 283 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 3 ص 267 .
17- . علل الشرائع : ج 1 ص 9 ، كنز الفوائد : ص 151 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 5 ص 312 .
18- . التوحيد : ص 20 ، بحار الأنوار : ج 3 ص 4 .
19- . انظر : سفينة البحار في «عرف» و «وحد» .
20- . بحار الأنوار : ج 13 ص 351 .
21- . المصدر السابق : ج 14 ص 40 .
22- . اُنظر : سفينة البحار : في «شكر» .
23- . الزمر : 56 .

ص: 192

. .

ص: 193

. .

ص: 194

. .

ص: 195

إلهي (1) إنَّ جودَكَ بَسَطَ أمَلي «336 »وشُكرَكَ قَبِلَ عَمَلي «337 »سَيِّدي إلَيكَ رَغبَتي وإلَيكَ رَهبَتي وإلَيكَ تَأميلي «338 »قَد ساقَني إلَيكَ أمَلي«339 »وعَلَيكَ يا واحِدي عَلِقَت هِمَّتي (2) «340 »وفيما عِندَكَ انبَسَطَت رَغبَتي «341 »ولَكَ خالِصُ رَجائي وخَوفي «342 » وبِكَ أنِسَت مَحَبَّتي«343 »وإلَيكَ ألقَيتُ بِيَدي «344 »وبِحَبلِ طاعَتِكَ مَدَدتُ رَهبَتي «345 »مَولايَ بِذِكرِكَ عاشَ قَلبي «346 »وبِمُناجاتِكَ بَرَّدتَ ألَمَ الخَوفِ عَنّي «347 »

الأمَل : الرجاء ، وهو بنفسه حسن قبال اليأس ، والمذموم هو طوله الناشئ من حبّ الدنيا وشدّة العلاقة بها ، والمراد هنا ما يرجو العبد من اللّه تعالى من إفضاله وإنعامه ، يعني أنّي مع عصياني ومخالفتي اللذين يوجبان اليأس عن إجابة سُئلي ، عرضت عليك حوائجي وبسطت آمالي ؛ لعلمي بجودك ، وكلّما رأيت ذنوبي فزعت ، وإذا رأيت كرمك و : «شكرك قبل عملي» الشكر : تصوّر النعمة وإظهارها ، وقيل : هو مقلوب عن الكشر ، أي الكشف ، ويضادّه الكفر وهو نسيان النعمة وسترها... وهو ثلاثة أضرب : شكر القلب وهو تصوّر النعمة ، وشكر اللّسان وهو الثناء على المنعم ، وشكر سائر الجوارح وهو مكافأة النعمة بقدر استحقاقه . (3) والمراد هنا شكر اللّه تعالى لعباده ، قال تعالى : «وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللّه َ غَفُورٌ شَكُورٌ » ، (4) وقال تعالى : «لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ » ، (5) وقال سبحانه : «الْحَمْدُ للّه ِِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ » ، (6) وقال سبحانه : «إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً » ، (7) وقال تعالى : «وَمَنْ أَرادَ الآْخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً » . (8) قال الأُستاذ العلّامة (رضوان اللّه تعالى عليه) في تفسير قوله تعالى : «وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللّه َ شاكِرٌ عَلِيمٌ » (9) ما لفظه : «الشاكر والعليم اسمان من أسماء اللّه الحسنى ، والشكر هو مقابلة من أحسن إليه إحسان المحسن بإظهاره لسانا أو عملاً ، كمن ينعم إليه المنعم بالمال فيجازيه بالثناء الجميل الدالّ على نعمته ، أو باستعمال المال فيما يرتضيه ويكشف عن إنعامه ، واللّه سبحانه وإن كان محسنا قديم الإحسان ومنه كلّ الإحسان لا يد لأحد عنده حتّى يستوجبه الشكر ، إلّا أنّه جلّ ثناؤه عدّ الأعمال الصالحة الّتي هي في الحقيقة إحسانه إلى عباده إحسانا من العبد إليه ، فجازاه بالشكر والإحسان ، وهو إحسان على إحسان» . (10) إنّ اللّه سبحانه يشكر عبده بالثناء والتزكية والجزاء في الدنيا والآخرة ، ويزيد أضعافا مضاعفة ، ومنه أنّه يقبل أعمال عباده وإن كان غير لائق بشأن جلاله تعالى. «سيّدي إليك رغبتي وإليك رهبتي» أصل الرغبة السعة في الشيء ، والرغبة والرغب والرغبي : السعة في الإرادة ، فإذا قيل : رغب إليه وفيه ، يقتضي الحرص عليه ، وإذا قيل : رغب عنه ، اقتضى صرف الرغبة عنه . والرهبة والرهب : مخافة مع تحرّز واضطراب ، قال سبحانه : «يَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً » . (11) والمراد _ ظاهرا_ أنّ التجائي إليك في الرغبة والحرص إلى شيء ، وفي الخوف والشدّة من شيء. «وإليك تأميلي» بعني إليك رجائي لا أرجو غيرك ، قال أمير المؤمنين عليه السلام : «لا يرجونّ أحد منكم إلّا ربّه» ، (12) وهو أيضا من كمال المعرفة والتوحيد. «وقد ساقني إليك أملي» أي آمالي فيك ساقني إليك فجئتك لتؤتيني ما أمّلت فيك. «وعليك يا واحدي عكفت همّتي» قال الراغب : «العكوف : الإقبال على الشيء وملازمته على سبيل التعظيم له ، قال سبحانه : «يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ » ، (13) وقال تعالى : «وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ » (14) ، (15) وعكفه على كذا عكفا ؛ أي حبسه عليه ، وعكف عليه عكفا وعكوفا ؛ أقبل عليه مواظبا له ولزمه ، عكفت همّتي عليك ؛ أي أقبلت ولزمت . والهمّة بالكسر ويفتح : ما همّ به من أمر ليفعل ، وقد يُطلق على العزم القويّ ، يقال : له همّة عالية وبعيد الهمّة ، وفي التعريفات : الهمّة ، توجّه القلب وقصده بجميع قواه الروحانية إلى جانب الحقّ لحصول الكمال له ، (16) والمعنى أنّ توجّه قلبي وعزمي عكفت ببابك ياواحدي وليس لي سواك. «وفيما عندك انبسطت رغبتي» وفيما عندك : أي في قدرتك وبيدك وفي خزائنك من حوائجي المادّية والمعنوية ، فيكون المراد من «فيما عندك» أي في قدرتك وبيدك ، احترازا عمّا في أيدي الناس ، ويمكن أنّ المراد منه ما عند اللّه من نعم الآخرة أو النعم المعنوية ، كما في الدعاء : «واقطع من الدنيا حاجتي ، واجعل فيما عندك رغبتي شوقا إلى لقائك» ، (17) أي لا أرى الدنيا حاجة . فالمراد انبسطت رغبتي فيما عندك أن تعطيني من عندك ولا تكلني إلى غيرك ، أو انبسطت رغبتي في أُمور الآخرة والمعنويات دون الدنيا ؛ لأنّ الرغبة فيها مذمومة وبغضها مطلوب ، وفي الحديث : «إنّ أفضل الأعمال بعد معرفة اللّه تعالى ورسوله صلى الله عليه و آله وأوصيائه بغض الدنيا» . (18) «ولك خالص رجائي وخوفي» ويمكن أن يستفاد من تقديم الجار والمجرور وكذا الظروف الحصر والاختصاص ، فقوله : «إليك رغبتي وإليك رهبتي وإليك تأميلي ... وعليك ياواحدي ... وفيما عندك» يفيد الحصر ، أي هذه كلّها منحصرة فيك . و«خالص رجائي وخوفي» ؛ أي رجاء وخوف لا يشوبهما شيء. وقد وردت أحاديث كثيرة في الإخلاص ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «أوحى اللّه تعالى إلى داوود عليه السلام : ما اعتصم بي عبد من عبادي دون أحد من خلقي عرفت ذلك من نيّته ، ثم تكيده السماوات والأرض ومن فيهنّ ، إلّا جعلت له المخرج من بينهنّ» ، (19) وفي الخطبة الشعبانية : «فادعوا اللّه بنيّاتٍ صادقة» ، (20) وفي آخر : «الرجل الذي دعا اللّه أن يرزقه ولدا ثلاث وثلاثين فلم يستجب له ؛ لأنّه يدعو اللّه بلسان بذيّ ، وقلب علق غير نقيّ ، وبنيّة غير صادقة» ، (21) وفي آخر : «أوحى اللّه إلى داوود عليه السلام : من انقطع إليّ كفيت ، ومن سألني أعطيته ، ومن دعاني أجبته» . (22) أقول : هذه الجملات إذا قالها المعصوم عليه السلام فقد صدرت عن إخلاص وصدق حقيقة لا شكّ فيه ، وأمّا إذا قالها غيرهم فهي قد تكون كذبا صريحا وادّعاءً محضا ، وقد تكون صدقا ذات تشكيك حسب مراتب المعرفة ، وفي آخر دعاء عرفة المرويّ عن الحسين عليه السلام : «إلهي من كانت محاسنه مساوئ فكيف لا تكون مساؤه مساوئ؟ ومن كانت حقائقه دعاوي فكيف لا تكون دعاويه دعاوي؟» ، فليجتهد الداعي أن يكون صدقا أو قريبا منه ، ونسأل اللّه تعالى الهداية والتوفيق ، ونستعين منه سبحانه وهو الرحيم الرؤف بعباده» . «وبك أنست محبّتي» أنس أهل الدنيا بالدنيا وجها والعارفون باللّه وبذكره وبحبّه ، قال أمير المؤمنين (صلوات اللّه عليه) فيهم : «واستلانوا مااستوعره المترفون ، وآنسوا بما استوحش منه الجاهلون» ، (23) وقال في المتوكّلين : «اللّهمّ إنّك آنس الآنسين لأوليائك... إن أوحشتهم الغربة آنسهم ذكرك» . (24) أنس به وإليه ؛ أي ألفه وسكن قلبه به ولم ينفر منه ، وقد تقدّم الكلام في معنى حبّ اللّه تعالى ، والمعنى : محبّتي أنست بك وألفت بك ، أي أحبّك وأحبّ من يحبّك وأحبّ لأجلك ، ويستوحش حبّي من غيرك ولا يألفه. وعن الحسين عليه السلام : «وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبّك نصيبا... وأنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أوليائك فلم يحبّوا سواك» . (25) «وإليك ألقيت بيدي» اللقاء مقابلة الشيء ومصادفته معا... ويقال ذلك في الإدراك بالحسّ بالبصر والبصيرة... والإلقاء : طرح الشيء حيث تلقاه أي تراه ، ثمّ صار في التعارف اسما لكلّ طرح ، قال : «فَكَذلِكَ أَلْقَى السّامِرِيُّ* قالُوا يا مُوسى إِمّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ » (26) ... ويقال ألقيت إليك قولاً وسلاما وكلاما ومودّةً ، وألقيت عليك محبّةً منّي . (27) والظاهر أنّ المراد هو التسليم للّه فيما يريد ويأمر وينهى ، ويؤيّد ذلك الجملة التالية : «وبحبل طاعتك مددت رهبتي» قال الراغب : «الحبل معروف ، وقال عزّ وجلّ : «فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ » ، (28) ... واستُعير للوصل ولكلّ ما يتوصّل به إلى شيء ، قال عزّ وجلّ : «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّه ِ جَمِيعاً » ، (29) فحبله هو الذي معه التوصّل به إليه من القرآن والعقل... ويقال للعهد حبل» . (30) أقول : ويقال للقرآن ، وهو حبل اللّه المتين ، أي بحبل (الرسن. العهد. الرباط) طاعتك اعتصمت وأخذت ومددت ، (بسطت من مدّ به مدّا : بسط) . رهبتي (مضى معنى الرهبة) ؛ أي عالجت خوفي وخشيتي بطاعتك حتّى أتخلّص ممّا أرهب. «يامولاي بذكرك عاش قلبي» المولى والولي بمعنىً واحد ، وحقيقته تولّى الأمر ، يقال في معنى الفاعل أي الموالي ، وفي معنى المفعول أي الموالى ، يقال للمؤمن هو وليّ اللّه عزّ وجلّ ولم يرد مولاه ، فمن الأوّل : «اللّه ُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا » (31) و «إِنَّ وَلِيِّيَ اللّه ُ » (32) و «اللّه ُ الْمُؤْمِنِينَ » ، (33) ومن الثاني : «إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ للّه ِِ مِنْ دُونِ النّاسِ » (34) . (35) والعيش : الحياة المختصّة بالحيوان ، وهو أخصّ من الحياة ؛ لأنّ الحياة تقال في الحيوان والباري تعالى وفي الملك . والمراد أنّ حياة قلبي ومعيشته إنّما هو بذكرك ، دون ذكر سواك ، ودون ما يتعيّش به الإنسان من المادّيات. «وبمناجاتك برّدت ألم الخوف عنّي» المناجاة مفاعلة من النجا ناجيته ؛ أي ساررته ، وأصله أن تخلو به في نجوة من الأرض ، وقيل : أصله من النجاة ، وهو أن تعاونه على ما فيه خلاصه ، أو أن تنجو بسرّك مع أن يطّلع عليك . (36) برّدت : من البرد خلاف الحرّ ، كأنّ للهموم والخوف والمصائب حرارة ، يقال : أسخن اللّه عينه وبعينه ، أي أنزل به ما يبكيه ؛ لأنّ دموع الحزن تكون سخنة ، وعكسه قولهم أقرّ اللّه عينه ، فيكون المعنى أنّ الخوف وألمه أوجد حرارة تبكيه ، وبمناجاته عزّ وجلّ يذهب هذه الحرارة ويبرّده. أقول : طوبى لمن أعطاه اللّه تعالى المعرفة والحبّ له وأذاقه حلاوة عبادته ولذّة مناجاته ، عن الحسين عليه السلام : «أنت الذي أشرقت الأنوار في قلوب أوليائك حتّى عرفوك ووحّدوك ، وأنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أحبّائك حتّى لم يحبّوا سواك ، ولم يلجؤوا إلى غيرك ، أنت المؤنس لهم حيث أوحشتهم العوالم ، وأنت الذي هديتهم حيث استبانت لهم المعالم ، ماذا وجد من فقدك ، وما الذي فقد من وجدك ، لقد خاب من رضي دونك بدلاً ، وقد خسر من بغي عنك متحوّلاً... يامن أذاق أحبّاءه حلاوة المؤانسة فقاموا بين يديه متملّقين ، ويامن ألبس أولياءه ملابس هيبته فقاموا بين يديه مستغفرين ...» . (37)

.


1- . في الإقبال والمصباح للكفعمي والبلد الأمين : «إلّا» بدل «إلهي» .
2- . في بعض نسخ المصدر الخطيّة والمصادر الأُخرى : «عكفت» بدل «علقت» .
3- . اُنظر : الراغب وما تقدّم آنفا .
4- . الشورى : 23 .
5- . فاطر : 30 .
6- . فاطر : 34.
7- . الإنسان : 22 .
8- . الإسراء : 19.
9- . البقرة : 158 .
10- . الميزان في تفسير القرآن : ج 1 ص 386 .
11- . الأنبياء : 90 .
12- . نهج البلاغة : الحكمة 82 .
13- . الأعراف : 138.
14- . البقرة : 187 .
15- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 342.
16- . التعريفات : ص 257 .
17- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 54 .
18- . اُنظر : سفينة البحار في «كبر» .
19- . الكافي : ج 2 ص 63 ، مشكاة الأنوار : ص 50 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 14 ص 41 .
20- . لم نجد في أيّ مصدر لفظ : «فادعوا» ، بل الموجود لفظ : «فاسئلوا» ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 93 ص 356 .
21- . بحار الأنوار : ج 14 ص 490 .
22- . الجواهر السنية : ص 87 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 14 ص 42 .
23- . نهج البلاغة : الحكمة 147 .
24- . المصدر السابق : الحكمة 227 .
25- . الإقبال : ج 1 ص 502 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 95 ص 236 .
26- . الأعراف : 115 .
27- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 454 .
28- . المسد : 5 .
29- . آل عمران : 103 .
30- . مفردات ألفاظ القرآن : 107 .
31- . البقرة : 257 .
32- . الأعراف : 196 .
33- . آل عمران : 68 .
34- . الجمعة : 6 .
35- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 533 .
36- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 484.
37- . اُنظر : بحار الأنوار : ج 95 ص 226.

ص: 196

. .

ص: 197

. .

ص: 198

. .

ص: 199

. .

ص: 200

. .

ص: 201

فَيا مَولايَ ويا مُؤَمَّلي ويا مُنتَهى سُؤلي «348 »فَرِّق بَيني وبَينَ ذَنبِيَ المانِعِ لي مِن لُزومِ طاعَتِكَ «349 » فَإِنَّما أسأَلُكَ لِقَديمِ الرَّجاءِ فيكَ وعَظيمِ الطَّمَعِ مِنكَ «350 » الَّذي أوجَبتَهُ عَلى نَفسِكَ مِنَ الرَّأفَةِ وَالرَّحمَةِ «351 »فَالأَمرُ لَكَ وَحدَكَ «352 »وَالخَلقُ كُلُّهُم عِيالُكَ (1) وفي قَبضَتِكَ «353 »وكُلُّ شَيءٍ خاضِعٌ لَكَ«354 »تَبارَكتَ يا رَبَّ العالَمينَ «355 »

مولى ، مرّ معناه آنفا. مؤمّل : من الأمل بمعنى الرجاء ، فالمؤمّل : المرجوّ ، والمراد يا من أرجوه لحوائجي ولا أرجو غيره. «ويامنتهى سؤلي» المنتهى بمعنى النهاية ، يعني غاية الشيء وآخره وأقصى ما يمكن أن يبلغه السؤل ، والسؤال _ مضموما بالهمز وعدمه _ : الحاجة وما سألته ، يقال : قضى سؤله ، أي حاجته ، والمراد : يامن هو غاية ما أسأل وأقصى حاجتي ؛ لأنّه تعالى غاية مراد المريدين ومنتهى طلب الطالبين ، وفي الدعاء : «يا أملي وبغيتي وياسؤلي ومنيتي» ، (2) «ياغاية آمال قلوب الصادقين» . (3) قال السيّد رحمه الله في شرح الدعاء الثالث في شرح قوله عليه السلام : «اللّهمّ يامنتهى مطلب الحاجات» ما ملخّصه : «وكونه تعالى منتهى طلب الحاجات يمكن تقريره على وجوه : الأوّل : ما تقرّر عند أرباب العقول من أنّ كلّ موجود سوى اللّه عزّ وجلّ فهو ناقص من وجه ، وفيه قوة كما أنّ له كمالاً وفعلية ، إذ كلّ ممكن فهو زوج تركيبي ، فكلّ موجود فهو لأجل شعوره بالوجود الناقص طالب للموجود المطلق الكامل... فكلّ موجود فهو طالب لما فوقه ، فإذا وصل إليه طلب ما هو أعلى منه وهكذا إلى أن يصل إلى مطلوبه الحقيقي الذي لا أكمل منه وهو اللّه سبحانه ، وعند ذلك يطمئنّ ويسكن شوقه... فكان سبحانه منتهى مطلب الحاجات . الثاني : ما تقرّر عند أرباب العرفان من كونه تعالى منتهى مقامات العارفين وغاية أطوار السالكين وأفكار المتفكّرين ، فإنّهم لا يزالون يترقّون من مقامٍ إلى مقام ومن رتبةٍ إلى رتبة ، حتّى ينتهوا إلى تلك الحضرة بفنائهم واندكاك حبال هويّاتهم ، فيتلو لسان حالهم : «أَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى » . الثالث : إنّه المنتهى إليه في طلب الحاجات عند اليأس من كلّ مطلوب إليه سواه . الرابع : إنّ كلّ مطلوب إليه حاجة سواه فلا بدّ أن يكون له حاجة يطلبها من غيره إلى أن ينتهى الطلب إليه تعالى ، وهو الذي يطلب منه الكلّ ويفتقر إليه وهو الغنيّ الحميد ، وعن أمير المؤمنين عليه السلام : إنّ كلّ مترئّس في هذه الدنيا ومتعظّم فيها وإن عظم غناه وطغيانه وكثرت حوائج من دونه إليه ، فإنّهم سيحتاجون حوائج لا يقدر عليها هذا المتعاظم ، وكذلك هذا المتعاظم يحتاج حوائج لا يقدر عليها ، فينقطع إلى اللّه عند ضرورته وفاقته» ، انتهى . (4) «فرّق بيني وبين ذنبي المانع من لزوم طاعتك» الفرق يقارب الفلق ، لكنّ الفلق يقال اعتبارا بالانشقاق ، والفرق يقال اعتبارا بالانفصال ، والمراد إمّا الفصل بينه وبين الذنب بالغفران ومحو آثاره التكليفية والوضعيّة ، أو الفصل بينه وبينه بتوفيقه تركه ، يعني باعد بيني وبين الذنوب الّتي أثرها المنع عن لزوم الطاعة ، وامنعني عن ارتكابها. وفي الحديث عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «إنّ الرجل يذنب الذنب فيُحرم صلاة اللّيل ، وإنّ العمل السيّئ أسرع في صاحبه من السكّين في اللّحم» . (5) وعن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «كان أبي يقول : ما من شيء أفسد للقلب من خطيئة ، إنّ القلب ليواقع الخطيئة ، فلا تزال به حتّى تغلب عليه فيصير أعلاه أسفله» . (6) وعن أبي بصير قال : «سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : إذا أذنب الرجل خرج من قلبه نكتة سوداء ، فإن تاب انمحت ، وإن زاد زادت حتّى تغلب على قلبه ، فلا يفلح بعدها أبدا» . (7) وعن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : «ما من عبدٍ إلّا وفي قلبه نكتة بيضاء ، فإذا أذنب ذنبا خرج في النكتة نكتة سوداء ، فإن تاب ذهب ذلك السواد ، وإن تمادى في الذنوب زاد تلك السواد حتّى يغطّي البياض ، فإذا غطّى البياض لم يرجع صاحبه إلى خيرٍ أبدا ، وهو قول اللّه عزّ وجلّ : «كَلاّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ » (8) ، وقال سبحانه : «ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللّه ِ » (9) » (10) ومن المسلّم أثر الذنوب وضعا على الإنسان جسمه وروحه ومن أسوأ الآثار ، هو ما ذكر في الكتاب والسنّة. «فإنّما أسألك لقديم الرجاء فيك وعظيم الطمع منك» كلمة «إنّما» للحصر ، يعني بالنظر إلى الذنوب والآثام الصادرة عن الداعي ، لا يبقى له موضع أمل ورجاء في سؤاله إلّا قديم الرجاء فيه تعالى ، إذا ذكر ما اعتاده من فضله تعالى وكرمه ، يطمع في إنعامه وإفضاله سبحانه ، فكأنّه يتكلّم ويسأل على ما عوّده تعالى بالفضل العميم والكرم الجسيم. «الذي أوجبته على نفسك من الرأفة والرحمة» الرأفة من رأف اللّه بك : رحم أشدّ الرحمة ، قال ابن الأثير : «الرأفة أرقّ من الرحمة ، ولا تكاد تقع في الكراهة ، والرحمة تقع في الكراهة للمصلحة» . (11) والرؤوف من أسمائه الحسنى عزّ وجلّ ، ذُكر في القرآن الكريم مع الرحيم بقوله تعالى : «رَؤُفٌ رَحِيمٌ » ، (12) ولعلّ المراد من إيجاب الرأفة إخباره تعالى بقوله : «وَاللّه ُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ » ، (13) و «إِنَّ اللّه َ بِالنّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ » ، (14) و «إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ » (15) و «أَنَّ اللّه َ رَؤُفٌ رَحِيمٌ » . (16) أي أوجبت على نفسك الرحمة والرأفة وسبقت رحمتك فصار سببا لفضلك ورحمتك ، فأوجد الرجاء والطمع العظيم في العبد فسألك ورجاك مع ذنوبه الكثيرة. «فالأمر لك وحدك لا شريك لك» الأمر هنا أي الأمر بالإعطاء والمنع ، «للّه ِِ الأَْمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ » ، (17) لا أمر لأحد من المخلوقين ، أو لا أمر لأحد ممّن يسمّونه إلها ، وحدك لا شريك لك في الملك والتدبير والإعطاء والمنع والأمر والنهي. «والخلق كلّهم عيالك وفي قبضتك» الخلق : أي المخلوق ، والعيال واويّة يائيّة للمذكّر والمؤنّث ، جمع والمفرد عيّل ، وربّما ، أُطلق على الجمع كما يُطلق العيال على المفرد ، والمعنى عيّل الرجل أهل بيته الّذين يتكفّل بهم ويموّنهم . أي الخلق كلّهم عيالك تموّنهم وتتكفّل رزقهم وهم في قبضتك ، أي في حوزتك ، حيث لا تمليك لأحد ، والقبضة بالفتح أيضا و القبضة بالضمّ وهو أكثر ما قبضت عليه من شيء أو مل ء الكفّ ، يقال : أعطاه قبضة من تمر أو سويق ؛ أي كفّا . «وكلّ شيء خاضع لك تباركت ياربّ العالمين» الخضوع : الخشوع والتذلّل والتطامن ، والخشوع : الضراعة وأكثر ما يوجد على الجوارح ، والضراعة أكثر ما يوجد في القلب ، وروي : «إذا ضرع القلب خشعت الجوارح» ، (18) وخضع له : انقاد ، وكلّ شيء خاضع لك ؛ أي منقاد لك. «تباركت» من البركة بمعنى النماء والزيادة ، بارك اللّه : جعل فيه البركة ، قال الراغب : «البركة ثبوت الخير الإلهي في الشيء ، والمبارك ما فيه ذلك الخير ، ولمّا كان الخير الإلهي يصدر من حيث لا يحسّ وعلى وجه لا يُحصر ولا يُحصى ، قيل لكلّ ما يُشاهد منه زيادة غير محسوسة : هو مبارك وفيه بركة ، فتبارك اللّه أحسن الخالقين تنبيه على اختصاصه بالخيرات المذكورة» (انتهى باختصار منّي) . (19) وقال الراغب في «علا» : «فَتَعالَى اللّه ُ عَمّا يُشْرِكُونَ » (20) وتخصيص لفظ التفاعل لمبالغة ذلك منه لا على سبيل التكلّف ، كما يكون من البشر» انتهى ، (21) فعلى هذا يكون المعنى كثرة الخيرات منك كثرة عظيمة. «ياربّ العالمين» العالم بفتح اللّام : الخلق كلّه ، وقيل : اسم للفلك وما يحويه من الجواهر والأعراض ، وهو في الأصل اسم لما يعلم به كالطابع والخاتم لما يختم به ، وأمّا جمعه فلأنّ من كلّ نوع من هذه يُسمّى عالما فيقال : عالم الإنسان ، وعالم الماء ، وعالم النار ، وأمّا جمعه جمع السلامة فلكون الناس في جملتهم والإنسان إذا شارك غيره في اللفظ غلب حكمه ، وقال جعفر بن محمّد عليه السلام : «عنى به الناس ، وجعل كلّ واحد منهم عالما» ، وقال : «العالم عالمان ، الكبير هو الفلك بما فيه ، والصغير وهو الإنسان ؛ لأنّه مخلوق على هيئة العالم ، وقد أوجد اللّه تعالى فيه كلّ ما هو موجود في الكبير» . (22)

.


1- . في الإقبال : «عبادك» بدل «عيالك» .
2- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 182.
3- . الإقبال : ج 3 ص 335.
4- . رياض السالكين : ج 3 ص 12 .
5- . الكافي : ج 2 ص 272 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 70 ص 330.
6- . الكافي : ج 2 ص 368 ، الأمالي للصدوق : ص 481 ، الأمالي للطوسي : ص 438 ، روضة الواعظين : ص 414 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 67 ص 54 .
7- . الكافي : ج 2 ص 371 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 70 ص 327.
8- . المطفّفين : 14 .
9- . الروم : 10.
10- . الكافي : ج 2 ص 273 ، بحار الأنوار : ج 70 ص 332.
11- . النهاية : ج 2 ص 176.
12- . التوبة : 117 و 128 ، النور : 20 ، الحشر : 10.
13- . البقرة : 207 ، آل عمران : 30 .
14- . البقرة : 143 ، الحج : 65 .
15- . النحل : 7 .
16- . النور : 20 .
17- . الروم : 4 .
18- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 148 .
19- . المصدر السابق : ص 44.
20- . الأعراف : 190 ، النمل : 63 ، القصص : 68.
21- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 345.
22- . انظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 344 و 345 .

ص: 202

. .

ص: 203

. .

ص: 204

. .

ص: 205

. .

ص: 206

إلهِي ارحَمني إذَا انقَطَعَت حُجَّتي «356 » وكَلَّ عَن جَوابِكَ لِساني«357 »وطاشَ عِندَ سُؤالِكَ إيّايَ لُبّي «358 » فَيا عَظيمَ رَجائي لا تُخَيِّبني إذَا اشتَدَّت فاقَتي «359 »ولا تَرُدَّني لِجَهلي «360 » ولا تَمنَعني لِقِلَّةِ صَبري «361 »أعطِني لِفَقري وَارحَمني لِضَعفي «362 »

«إلهي» الإله : جعلوه اسما لكلّ معبود لهم ، وأله فلان يأله : عبد ، وقيل : تألّه فآله على هذا هو المعبود ، وقيل : هو من أله أي تحيّر ، وتسميته بذلك إشارة إلى ما قال أمير المؤمنين عليه السلام : «كَلَّ دون صفاته تحبير الصفات ، وضلّ هناك تصاريف اللّغات» . (1) أي يا إلهي بمعنى يامعبودي ، أو المراد يا اللّه ؛ لأنّه اسم لكلّ معبود ، واللّه علم للذات المستجمع لجميع صفات الكمال الخالق الرازق المدبّر. «ارحمني إذا انقطعت حجّتي» في مقام المحاسبة وذلك يوم القيامة في موقف الحساب ، والحجّة بالضمّ : البرهان والدلالة المبيّنة للحجّة ، أي المقصد المستقيم ، والذي يقتضي صحّة أحد النقيضين ، قال اللّه تعالى : «قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ » ، (2) فإذا أُقيم الإنسان يوم القيامة للحساب ، وسُئل عمّا اعتقد ونوى أو أحبّ وأبغض ، كما قال تعالى : «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ » ، (3) وقال سبحانه : «وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ » ، (4) وقال سبحانه : «وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّه ُ » ، (5) وقال تعالى : «اقْتَرَبَ لِلنّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ » ، (6) وقال جلّ شأنه : «وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّه ُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ » ، (7) إلى غير ذلك من الآيات الكريمة . أو عمّا عمل من الأعمال الحسنة أو السيّئة ، كما قال جلّ وعزّ : «فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ » ، (8) وقال تعالى : «فَوَرَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ » ، (9) وقال سبحانه : «وَلَتُسْئَلُنَّ عَمّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ » ، (10) وقال تعالى : «ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ » ، (11) إلى غير ذلك من الآيات الكريمة. فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ، ومن خفّت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنّم خالدين ، قانقطعت الحجّة فيما اعتقدوا و نووا ، أو أحبّوا وأبغضوا ، أو عملوا من الصالحات وكسبوا من السيّئات. وفي الحديث عن أبي جعفر عليه السلام قال : «إنّما يداقّ اللّه العباد في الحساب يوم القيامة على قدر ما آتاهم من العقول في الدنيا» . (12) وفيه عن الصادق عليه السلام : «ويخافون سوء الحساب ، أي الاستقصاء والمداقّة» ، (13) وفيه عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «إنّ اللّه عزّ وجلّ يحاسب كلّ خلق إلّا من أشرك باللّه عزّ وجلّ ، فإنّه لا يُحاسب ويُؤمر به إلى النار». (14) وفيه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، فإنّ في القيامة خمسين موقفا ، كلّ موقف مثل ألف سنة ممّا تعدّون ، ثمّ تلا هذه الآية : «فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ » (15) . (16) فحينئذٍ يحتاج الإنسان إلى رحمة اللّه تعالى . «كلّ عن جوابك لساني» وفي الحديث عن ابن عيينة قال : «سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام : ما من عبدٍ إلّا وللّه عليه حجّة ، إمّا في ذنب اقترفه ، وإمّا في نعمةٍ قصّر عن شكرها» . (17) وفيه عن أبي جعفر عليه السلام قال : «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : كلّ محاسب معذّب ، فقال له قائل : يارسول اللّه ، فأين قول اللّه عزّ وجلّ : «فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً » ؟ (18) قال : ذلك العرض ، يعني التصفّح» . (19) وفيه عن أمير المؤمنين عليه السلام ، قال : «يوقف العبد بين يدي اللّه فيقول : قيسوا بين نعمي عليه وبين عمله ، فاستغرق النعم العمل ، فيقولون ، قد استغرق النعم العمل ، فيقول : هبوا له نعمي ، وقيسوا بين الخير والشرّ منه» . (20) الكَلّ : التعب والإعياء ، كَلّ السيف : لم يقطع ، ويقال : كَلّ لسانه وبصره ؛ إذا نبا ولم يحقّق المنطوق والمنظور ، وعند ذلك يقول : «فياعظيم رجائي لا تخيّبني إذا اشتدّت فاقتي» أي عظيم من أرجوه ، أو يامن عظم رجائي فيه ، سُمّي المرجوّ رجاءً للمبالغة ، من باب زيد عدل . جعل هذه الجملة مكان يااللّه للمبالغة أيضا ؛ ليكون أليق في نجاح مطلوبه . الخيبة : فوت الطلب ، قال تعالى : «وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى » ، (21) وقال سبحانه : «وَخابَ كُلُّ جَبّارٍ عَنِيدٍ » ، (22) أي لا تجعلني خائبا غير ظافر بمطلوبي ، وخاسرا في آمالي إذا اشتدّت فاقتي ، والفاقة : الفقر والحاجة ، ولا فعل لها ، يقال : افتاق إذا افتقر ، ولا يقال : فاق . «ولا تردّني لجهلي» ردّه عن وجهه : صرفه ، وردّ عليه : لم يقبله ، وردّ زيدا : خطّأه . والمعنى لا تصرفني عن بابك ردّ حرمان وخيبة لجهلي . والجهل على ثلاثة أضرب : الأوّل : وهو خلوّ النفس عن العلم ، وهذا هو الأصل . والثاني : اعتقاد الشيء بخلاف ما هو عليه . والثالث : فعل الشيء بخلاف ما هو حقّه أن يفعل ، سواء اعتقد فيه اعتقادا صحيحا أو فاسدا ، كمن يترك الصلاة متعمّدا . وبعبارةٍ ، قد يُستعمل الجهل في مقابل العلم ، ومعناه عدم العلم ، وتارةً يُستعمل في مقابل العقل ، ويعبّر عنه بالفارسية «ناداني» ، يرتكب عملاً سيّئا عالما وعامدا ، كقوله تعالى : «أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللّه ِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ » ، (23) وقوله سبحانه : «إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ » ، (24) وقوله تعالى : «لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ » ، (25) والّظاهر أنّ المراد هنا هذا المعنى. «ولا تمنعني لقلّة صبري» المنع يقال في ضدّ العطيّة ، والصبر : الإمساك في ضيق ، يقال : صبرت الدابّة : حبستها ، والصبر : حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع ، أو عمّا يقتضيان حبسها عنه ، وربّما خولف بين أسمائه بحسب اختلاف مواقعه ، فإن كان حبس النفس لمصيبة سُمّي صبرا لا غير ، ويضادّه الجزع ، وإن كان في محاربةٍ سُمّي شجاعة ، ويضادّه الجبن ، وإن كان في نائبةٍ مضجرة سُمّي رحب الصدر ، ويضادّه الضجر ، وإن كان في إمساك الكلام سُمّي كتمانا ، ويضادّه المذل ، وقد سمّى اللّه تعالى كلّه صبرا ، ونبّه عليه بقوله : «وَالصّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرّاءِ » ، (26) «وَالصّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ » (27) . (28) وفي الحديث عن علي بن الحسين عليه السلام ، قال : «الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ، ولا إيمان لمن لا صبر له» ، (29) وفيه عن علي عليه السلام قال : «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : الصبر ثلاثة : صبر عند المصيبة ، وصبر عند الطاعة ، وصبر عن المعصية ، فمن صبر على المصيبة حتى يردّها بحسن عزائها ، كتب اللّه له ثلاثمئة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء والأرض ، ومن صبر على الطاعة ، كتب اللّه له ستمئة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش ، ومن صبر عن المعصية ، كتب اللّه له تسعمئة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش» . (30) «أعطني لفقري وارحمني لضعفي» علّل طلب الإعطاء بالفقر ، قال الراغب _ ما ملخّصه _ : الفقر يُستعمل على أربعة أوجه : الأوّل : وجود الحاجة الضرورية ، وذلك عامّ للإنسان مادام في دار الدنيا ، بل عامّ للموجودات كلّها ، وعلى هذا قوله : «يا أَيُّهَا النّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللّه ِ » . (31) والثاني : عدم المقتنيات ، وهو المذكور في قوله : «لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا » ، (32) وقوله : «إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ » . (33) الثالث : فقر النفس ، وهو الشره المعني بقوله عليه الصلاة والسلام : «كاد الفقر أن يكون كفرا» ، (34) المقابل لقوله : «الغني غني النفس» . (35) الرابع : الفقر إلى اللّه المشار إليه بقوله صلى الله عليه و آله : «اللّهمّ أغنني بالافتقار إليك ، ولا تفقرني بالاستغناء عنك» (36) (انتهى) . (37) وعلى كلّ حال ، الاستعطاء بالفقر بأيّ معنىً أُريد لا بأس به ، وهو حقّ كما قال تعالى : «يا أَيُّهَا النّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللّه ِ وَاللّه ُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ » . (38) ثمّ علّل استرحامه بضعفه ، والضعف خلاف القوّة ، وهو قد يكون في النفس وقد يكون في البدن والحال ، والضَعف بالفتح والضُعف بالضمّ لغتان ، وعن الخليل : «إنّ الأوّل في العقل والرأي ، والثاني في البدن» . (39) والضِعف بالكسر المثل من ضعف الشيء أي مثله ؛ قال تعالى : «خُلِقَ الإِْنْسانُ ضَعِيفاً » ؛ (40) وذلك لكثرة حاجاته وعدم قوّته في مقابل حوائجه الشهوية والبدنية.

.


1- . الكافي : ج 1 ص 134 ، التوحيد : ص 42 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 4 ص 369.
2- . الأنعام : 149.
3- . الصافات : 24.
4- . العاديات : 10.
5- . البقرة : 284.
6- . الأنبياء : 1.
7- . آل عمران : 154.
8- . الأعراف: 6.
9- . الحجر : 92.
10- . النحل : 56 .
11- . التكاثر: 8 .
12- . الكافي : ج 1 ص 11 ، المحاسن : ج 1 ص 195 ، بحار الأنوار : ج 1 ص 106 .
13- . تفسير العيّاشي : ج 2 ص 210 ، بحار الأنوار : ج 7 ص 266 .
14- . عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج 1 ص 37 ، بحار الأنوار : ج 7 ص 260.
15- . المعارج : 4.
16- . الأمالي للمفيد : ص 274 ، الأمالي للطوسي : ص 36 ، بحار الأنوار : ج 7 ص 126 .
17- . الأمالي للطوسي : ص 211 ، بحار الأنوار : ج 7 ص 262 .
18- . الانشقاق : 8 .
19- . معاني الأخبار : ص 262 ، بحار الأنوار : ج 7 ص 263.
20- . الأمالي للطوسي : ص 212 ، كنز الفوائد : ص 100 ، بحار الأنوار : ج 5 ص 334 .
21- . طه : 61.
22- . إبراهيم : 15.
23- . البقرة : 67.
24- . هود : 46.
25- . النساء : 17 .
26- . البقرة : 177.
27- . الحجّ : 35.
28- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 273.
29- . الكافي : ج 2 ص 89 ، الخصال : ص 315 ، قرب الإسناد : ص 156 ، تحف العقول : ص 281 .
30- . الكافي : ج 2 ص 91 ، مسكن الفؤاد : ص 51 ، بحار الأنوار : ج 79 ص 139 .
31- . فاطر: 15 .
32- . البقرة : 273.
33- . التوبة : 60 .
34- . الكافي : ج 2 ص 30 ، الأمالي للصدوق : ص 371 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 27 247 .
35- . تحف العقول : ص 57 ، روضة الواعظين : ص 456 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 74 ص 160 .
36- . تفسير الآلوسي : ج 30 ص 162 .
37- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 383.
38- . فاطر : 15.
39- . العين : ج 1 ص 281.
40- . النساء : 28.

ص: 207

. .

ص: 208

. .

ص: 209

. .

ص: 210

. .

ص: 211

سَيِّدي عَلَيكَ مُعتَمَدي ومُعَوَّلي ، ورَجائي وتَوَكُّلي «363 » وبِرَحمَتِكَ تَعَلُّقي ، وبِفَنائِكَ أحُطُّ رَحلي «364 »وبِجودِكَ أقصُدُ (1) طَلِبَتي «365 »وبِكَرَمِكَ أي رَبِّ أستَفتِحُ دُعائي «366 »ولَدَيكَ أرجو غِنى (2) فاقَتي «367 »وبِغِناكَ أجبُرُ عَيلَتي «368 »وتَحتَ ظِلِّ عَفوِكِ قِيامي «369 » وإلى جودِكَ وكَرَمِكَ أرفَعُ بَصَري «370 » وإلى مَعروفِكَ اُديمُ نَظَري «371 »

«سيّدي» سيّد القوم رئيسهم ، أصله سيود أُعلّ بقلب الواو ياءً ، ثمّ أُدغمت. «عليك معتمدي» من اعتمد على الحائط اتّكأ ، واعتمد فلانا وعلى فلان في كذا ؛ اتّكل عليه ، والعمد : قصد الشيء والاستناد إليه ، والعماد ، ما يعتمد . يعني يامولاي اتّكائي اتّكالي واعتمادي . «ومعوّلي» أي عليك معوّلي ، وقد مرّ تفسيره آنفا . «ورجائي» أي عليك رجائي. قال الراغب : «الرجاء ظنّ يقتضي حصول ما فيه مسرّة » ، (3) والرجاء ضدّ اليأس ، والمعنى عليك تعلّق رجائي ، ولعلّ في تقديم عليك إفادة الحصر. «وتوكّلي» أيعليك توكّلي أي استسلامي ووثوقيواعتمادي . «وبرحمتك تعلّقي» أي تمسّكي. «وبفنائك أحطّ رحلي» الفناء : بكسر الفاء الوحيد وهو ساحة أمام البيت ، وقيل : هو ما امتدّ من جوانبه ، والحطّ من حطّ الشيء ؛ أي وضعه وتركه وإنزال الشيء من علوّ ، وحطّ الرحل : أنزله ، والرحل ما يوضع على البعير المركوب ، ثمّ يعبّر به عن البعير ، وتارةً عمّا يجلس عليه في المنزل ، وجمعه رحال ، والجملة بمعنى وفدت عليك بغير زاد. «وبجودك أقصد طلبتي» الباء للسببيّة أو الاستعانة ، والجود : بذل المقتنيات مالاً كان أو علما أو نفسا . أقصد طلبتي : أي أعتزم عليها . والمعنى بسبب جودك أو بالاستعانة منه أعتزم على سؤال طلبتي (والطلبة بفتح فكسر : ما طلبته من شيء) مع كثرة ذنوبي وعصياني واستحقاق الخيبة والحرمان. «وبكرمك أي ربّ استفتح دعائي» الكرم إذا وُصِف اللّه تعالى به فهو اسم لإحسانه وإنعامه المتظاهر ، نحو قوله : إنّه غنيّ كريم. وإذا وُصِف به الإنسان فهو اسم للأخلاق والأفعال المحمودة الّتي تظهر منه ، ولا يقال هو كريم حتّى يظهر ذلك منه ، قال بعض العلماء : الكرم كالحرّية ، إلّا أنّ الحرّية قد تقال في المحاسن الصغيرة والكبيرة ، والكرم لا يقال إلّا في المحاسن الكبيرة ، كمن ينفق مالاً في تجهيز جيش ، وقد تقدّم الكلام فيه والإشارة إلى الأحاديث الواردة فيه. «أستفتح» أي بسبب كرمك أطلب أن يكون دعائي ظافرا ناجحا ، أو بكرمك أفتح دعائي ، ولولا كرمك لم أجسر أن أدعوك وأطلب منك. «ولديك أرجو فاقتي» لديك ولدن ظرف مكاني وزماني كعند ، إلّا أنّه أقرب مكانا من عند وأخصّ منه ، ولا يستعمل إلّا في الحاضر بخلاف عند ، أي من عندك أرجو جبر فاقتي وحاجتي. «وبغناك أجبر عيلتي» قال اللّه تعالى : «يا أَيُّهَا النّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللّه ِ وَاللّه ُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ » ، (4) أي بسبب غناك أو بالاستعانة من غناك وأنت الغنيّ بالذات ، أجبر : أي أصلح ، يقال جبر العظم : أصلحه من كسر ، وجبر العظم وبنفسه : صلح بعد الكسر ، والجبّار من صفات اللّه تعالى ، ومعناه الذي يقهر العباد على ما أراد من أمر ونهي ، والذي يجبر حالهم ويصلحه ، وفعّال من أبنية المبالغة ، وقيل : الجبّار العظيم الشأن في الملك والسلطان ، ولا يطلق هذا الوصف على غيره تعالى إلّا على وجه الذّم ، وللراغب فيه تحقيق فراجع . (5) فالمعنى : وبالاستعانة من غناك بالذات أجبر وأصلح عيلتي أي فقري. «وتحت ظلّ عفوك قيامي» والظلّ ضدّ الفتح ، وهو أعمّ من الفيء ، فإنّه يقال : ظلّ اللّيل وظلّ الجنّة ، ويقال لكلّ موضع لم تصل إليه الشمس ظلّ ، ولا يقال فيء إلّا لما زالت عنه الشمس . ويعبّر بالظلّ عن العزّ والمنعة وعن الرفاهة ، قال تعالى : «إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ » ، (6) أي في عزّ ومنعة ، أي وتحت عزّ عفوك ومنعته قيامي. «وإلى جودك وكرمك» مرّ معناهما . «أرفع بصري» البصر يطلق على الجارحة الناظرة ، نحو قوله تعالى : «كَلَمْحِ الْبَصَرِ » ، (7) «وَإِذْ زاغَتِ الأَْبْصارُ » ، (8) وللقوّة الّتي فيها ، ويقال : لقوّة القلب المدركة بصيرة وبصر ، نحو قوله تعالى : «فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ » ، (9) وجمع البصر أبصار ، وجمع البصيرة بصائر ، (10) أي أنظر إلى جودك وكرمك كجائع ينظر إلى طعام سخيّ كريم ، وكفقير ينظر إلى عطايا الباذل الجواد ، وكعطشان ينظر إلى المار في يد كريم رحيم نظره نظر سؤال وتضرّع وابتهال ويقبح من المالك ردّه. «وإلى معروفك أديم نظري» والمعروف : الإحسان ، قال ابن الأثير : «تكرّر ذكر المعروف في الحديث ، وهو اسم جامع لكلّ ما عُرف من طاعة اللّه والتقرّب إليه والإحسان إلى الناس ، وكلّ ما ندب إليه الشرع ، ونهى عنه من المحسنات والمقبّحات ، وهو من الصفات الغالبة ، أي أمر معروف بين الناس إذا رأوه لا ينكرونه» . (11) وقال الراغب : «المعروف اسم لكلّ فعل يُعرف بالعقل والشرع حسنه ، والمنكر ما ينكر بهما» . (12) وفي المصباح : «هو الخير والرفق والإحسان» ، (13) ويشهد لذلك موارد الاستعمال ، كقوله تعالى : «وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً » ، (14) وفي الدعاء : «يا معروفا بالمعروف» ، (15) وفي الحديث : «من أتى إليه معروف فليكافئ...» . (16) يعني : إلى إحسانك إلى المخلوقين أديم نظري ؛ كي يشملني معروفك وإحسانك ، كما تقدّم من لوازم النظر وإدامته. هذه كلّها استشفاع وتوسّل بكرامة اللّه تعالى في الذين يديمون النظر إلى معروفه ويرفعون أبصارهم إلى جوده وكرمه ، ويقومون تحت ظلّ عفوه ، ويرون لديه جبر فاقتهم وعيلتهم ، وبكرامته يستفتحون دعاءهم ، وبجوده يقصدون حصول طلبتهم ، وبفنائه يحطّون رحلهم ، وعليه معتمدهم ومعوّلهم ، فإنّه تعالى يجلّ عن ردّ هؤلاء وخيبتهم إذا صدقوا ، بل وإن ادّعوا ؛ لأنّه تعالى سبقت رحمته غضبه ، وكذلك في الجملات الآتية.

.


1- . أقصر «خ».
2- . ليس في المصباح للكفعمي والبلد الأمين : «غنى» ، وفي الإقبال : «سدّ فاقتي» .
3- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 190.
4- . فاطر : 15.
5- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 86 .
6- . المرسلات : 41 .
7- . القمر : 50 .
8- . الأحزاب : 10.
9- . ق : 22.
10- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 49.
11- . النهاية : ج 3 ص 216.
12- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 331 .
13- . المصباح المنير : ج 2 ص 62.
14- . لقمان: 15 .
15- . المصباح للكفعمي : ص 295 ، بحار الأنوار : ج 91 ص 283.
16- . الكافي : ج 4 ص 33 ، دعائم الإسلام : ص 321 ، الأمالي للطوسي : ص 233 .

ص: 212

. .

ص: 213

. .

ص: 214

فَلا تُحرِقني بِالنّارِ وأنتَ مَوضِعُ أمَلي «372 » ولا تُسكِنِّي الهاوِيَةَ فَإِنَّكَ قُرَّةُ عَيني «373 » يا سَيِّدي لا تُكَذِّب ظَنّي بِإِحسانِكَ ومَعروفِكَ فَإِنَّكَ ثِقَتي (1) «374 » ولا تَحرِمني ثَوابَكَ فَإِنَّكَ العارِفُ بِفَقري «375 »إلهي إن كانَ قَد دَنا أجَلي ولَم يُقَرِّبني مِنكَ عَمَلي ، فَقَد جَعَلتُ الِاعترافَ إلَيكَ بِذَنبي وَسائِلَ عِلَلي (2) «376 »إلهي إن عَفَوتَ فَمَن أولى مِنكَ (3) وإن عَذَّبتَ فَمَن أعدَلُ مِنكَ فِي الحُكمِ «377 »

«فلا تحرقني بالنار» قال سبحانه : «ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ » ، (4) أوعد اللّه عزّ وجلّ عباده العصاة الطغاة بعذاب الحريق يوم القيامة ، والمستفاد من الآيات أنّ عذاب الحريق يقع قبل يوم القيامة في البرزخ أيضا ، قال سبحانه : «النّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ » ، (5) بل حين قبض روح الكفّار ، قال عزّ وجلّ : «وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ » ، (6) و «فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ » ، (7) و «إِنَّ الَّذِينَ تَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَْرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّه ِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً » ، (8) و «الَّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللّه َ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ » . (9) هذه كلّها ظاهرة في أنّ السؤال والجواب وضرب الوجوه والأدبار في حال التوفّي (والعياذ باللّه ) ، وكذا الآيات المباركة في آخر سورة الواقعة. يسأل اللّه سبحانه ألّا يحرقه بالنار في حين التوفّي وفي البرزخ ويوم القيامة ، وقد أنذر اللّه سبحانه عباده بالنار في القرآن الكريم وكرّره قريبا من مئة وخمسين مرّة ، اللّهمّ إنّا نعوذ بك من النار ومن مجاورة الكفّار. «وأنت موضع أملي» كلّ آمالي عندك وبيدك فلا تخيّب أملي . «ولا تسكنّي الهاوية» السكون : ثبوت الشيء بعد تحرّك ، ويستعمل في الاستيطان ، واسم المكان مسكن والجمع مساكن. ومن الثاني يقال : أسكنته ، نحو قوله تعالى : «رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي » . (10) والمعنى لا تجعل محلّ سكوني وموطني الهاوية وهي النار ، قال عزّ وجلّ : «وَأَمّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ * فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ * وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ * نارٌ حامِيَةٌ » (11) القارعة. «فإنّك قرّة عيني» قرّت عينه تقرّ : سرّت ، وقيل لمن يسرّ به : قرّة عين ، قيل : أصله من القرّ أي البرد ، فقرّت عينه قيل معناه بردت فصحّت ، قيل : بل لأنّ للسرور دمعة باردة قارّة وللحزن دمعة حارّة ، ولذلك يُقال لمن يُدعى عليه أسخن اللّه عينه ، وقيل : هو من القرار . والمعنى أعطاه اللّه ما تسكن به عينه فلا يطمح إلى غيره ، (12) أو أنامها اللازم للسكون ، أي لا تسكنّي الهاوية حال كوني محبّا لك وأنت ما تسرّ به نفسي وتقرّ به عيني. «لا تكذّب ظنّي بإحسانك» الظنّ اسم لما يحصل عن أمارة ، ومتى قوّيت أدّت إلى العلم ، ومتى ضعفت جدّا لم يتجاوز حدّ التوهّم ، ونعبّر عنه بالفارسية «گمان» ، واستعمل في موارد مكان الاعتقاد أو العلم بالقرينة ، قال الراغب : «ومتى قوي أو تصوّر تصوّر القوي استُعمل معه أنّ المشدّدة وأن المخفّفة منها ، ومتى ضعف استُعمل أنّ وأن المختصّة بالمعدومين» (13) والمراد هنا العلم بإحسانه تعالى لعباده ، كما في دعاء كميل : «أم كيف يرجو فضلك في عتقه منها فتتركه فيها ، هيهات ما ذلك الّظنّ بك» ، أو الظنّ بشمول إحسانه له. «ومعروفك» تقدّم معناه آنفا . «فإنّك ثقتي» تعليل لقوله عليه السلام : «لا تكذّب ظنّي» أي لا تكذب ؛ لأنّك ثقتي ، من وثقت به أثق ثقةً ؛ سكنت إليه واعتمدت عليه ، مصدر بمعنى المفعول أي الموثوق به ، يستوي فيه الواحد والمثنّى والجمع ، وقد يجمع في الذكور والإناث فيقال ثقات. «ولا تحرمني ثوابك» أي لا تمنعني ثوابك ، والثواب ما يرجع إلى الإنسان من جزاء أعماله ، فيسمّى الجزاء ثوابا تصوّرا أنّه هو ، ألم تر كيف جعل اللّه تعالى الجزاء نفس الفعل في قوله : «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ » ، (14) ولم يقل جزاءه ، والثواب : يقال في الخير والشرّ ، لكنّ الأكثر المتعارف في الخير ، والمراد هنا الخير والإحسان ، كما هو واضح ، والإضافة لبيان الثواب الذي يعطيه اللّه لعباده على أعمالهم ، ولعلّ فيها إشارة إلى كثرة الثواب تفضّلاً ، كما قال تعالى : «فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ » ، (15) «مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها » ، (16) وقال تعالى : «مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّه ِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللّه ُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ » . (17) وقد ذُكر لبعض الأعمال الحسنة ثواب كثيره جدّا ، سيّما في قضاء حوائج الإخوان وزيارتهم وزيارة الأئمّة عليهم السلام ، قال بعض المحقّقين : إنّ الأعمال الّتي ذُكر لها ثواب عظيم فقد تفحّصنا فعثرنا أنّها على الأعمال الّتي توجب الوحدة أو تؤكّدها ، لاسيّما في ولاية أهل البيت عليهم السلام وحفظها وتأكيدها ، والأعمال الّتي ذُكر لها عذاب عظيم أليم هي الأعمال الّتي توجب الفرقة أو تضادّ ولاية أهل البيت عليهم السلام أو توهنها أو تنافيها ، كما أنّ الثواب على الحسنات كلّها تفضّل من اللّه تعالى ، وسُمّيت جزاءً وثوابا تفضّلاً ؛ لأنّ العبد نفسه ملك للّه تعالى ، والحسنات الصادرة منه صدرت بحوله تعالى وقوّته وتوفيقه ، فلا يعقل الجزاء من المولى لعبده . نعم اللّه عزّ وجلّ قرّر أنّ الأعمال الحسنة هي للعبد وهو مالك يبيعه ، واللّه سبحانه يشتريه منه ويجزيه بأعماله ، «إِنَّ اللّه َ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ » ، (18) وتفضّل آخر وهو أنّ العبد عمل لنفسه ونفعه عائد إليه ، فإنّ اللّه تعالى لا يضرّه معصية من عصاه ولا ينفعه طاعة من أطاعه ، واللّه سبحانه غنيّ عن ذلك كلّه ، ومع ذلك أنّه يشتري منه ويثيبه ويجزيه بعمله ، فهو فضل على فضل. يسأل اللّه سبحانه أن يثيبه ويعطيه ثوابه قائلاً : «فإنّك العارف بفقري» قال الراغب : «المعرفة والعرفان إدراك للشيء بتفكّر وتدبّر لأثره ؛ وهو أخصّ من العلم ، ويضادّه الإنكار ، ويقال : فلان يعرف اللّه ، ولا يقال : يعلم اللّه ، متعدّيا إلى مفعولٍ واحد ؛ لما كان معرفة البشر للّه هي بتدبّر آثاره دون إدراك ذاته ، ويقال : اللّه يعلم كذا ، ولا يقال : يعرف كذا ؛ لما كانت المعرفة تستعمل في العلم القاصر المتوصّل به بتفكّر» . (19) أقول : هذا كلام غير صحيح ؛ لأنّ ذلك لا شاهد له ، وفي هذا الدعاء أطلق العارف على اللّه تعالى ، وفي الصحيفة : «سبحانه من... حكيم ما أعرفك» ، (20) في أقرب الموارد : «المعرفة _ بكسر الراء _ : إدراك الشيء على ما هو عليه ، وهي مسبوقة بنسيان حاصل بعد العلم ، ولذلك يُسمّى الحقُّ بالعالم دون العارف ، وفي الكلّيات : والعلم يقال : لإدراك الكلّي أو المركّب ، والمعرفة تقال لإدراك الجزئي أو البسيط ، ولذلك يقال عرفت اللّه دون علمته» . (21) وفي المجمع ذكر ما في الأقرب ، (22) أي لا تحرمني ثوابك لأنّي فقير وإنّك عارف بفقري. «إلهي إن كان قد دنا أجلي» الأجل : مدّة الشيء ووقته الذي يحّل فيه ، يقال ضربت له أجلاً أي إن كان قد دنى المدّة المضروبة لي أن أعيش في الدنيا ، أي مدّة حياتي ، قال سبحانه : «وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّه ِ كِتاباً مُؤَجَّلاً » ، (23) وقال : «وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاّ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللّه ِ يَسِيرٌ » ، (24) وقال عزّ وجلّ : «وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللّه ُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها » ، (25) إلى غير ذلك من الآيات الشريفة. وهنا بحث حول قوله تعالى : «ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ » (26) . (27) «ولم يقرّبني منك عملي» ، القرب والبعد متقابلان ، ويكون في المكان والزمان والنسبة والخطوة والرعاية والقدرة ، فمن الأوّل : «وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ » ، (28) ومن الثاني : «اقْتَرَبَ لِلنّاسِ حِسابُهُمْ » ، (29) ومن الثالث : «وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى » ، (30) ومن الرابع : «والْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ » ، (31) و «فَأَمّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ » (32) (وهو المكان والمنزلة) ، ومن الخامس : «إِنَّ رَحْمَتَ اللّه ِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ » ، (33) و «فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ » ، (34) ومن السادس : «وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ » (35) (راجع الراغب) . (36) والمراد هنا الرابع ، أي وإن كان قد دنا ارتحالي من الدنيا إلى الآخرة ، ولم يقرّبني منك عملي حتّى يكون لي عندك مكانة ومنزلة ويصير موتي كما قال سبحانه : «فَأَمّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ » (37) روحا وريحانا وجنّة نعيم ورجوعا إلى الربّ تعالى راضيةً مرضيّة ودخولاً في عباده وجنّته كما قال تعالى : «يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي » . (38) «فقد جعلت الاعتراف إليك بذنبي» من اعترف إليه أي أخبره باسمه وشأنه ، واعترف إليه بذنبه أي أخبره وعرّفه بما صنع وارتكب ، أي مع عدم قربي منك فقد جعلت الاعتراف إليك بذنبي. «وسائل عللي» الوسائل جمع الوسيلة وهو ما يُتقرّب به إلى الغير ، والعلل جمع العلّة وهي الحدث يشغل صاحبه عن وجهه ، كأنّ تلك العلّة صارت شغلاً ثانيا منعه عن شغله الأوّل ، أي يكون هذه وسيلة متقرّبة رافعة عوارض العلل المانعة عن القرب . «إلهي إن عفوت» وصفحت وتركت العقوبة مع استحقاقي وأعرضت عن مؤاخذتي ؛ قال الراغب : «عفوت عنه : قصدت إزالة ذنبه صارفا عنه» . (39) «فمن أولى منك» بالعفو والصفح؟ «وإن عذّبت» فذاك عدل ، «فمن أعدل منك في الحكم؟»

.


1- . زاد في الإقبال هنا : «ورجائي» .
2- . في البلد الأمين : «عملي» .
3- . زاد في المصباح للكفعمي هنا : «بالعفو» .
4- . الأنفال : 50 ، الحج : 22.
5- . المؤمن : 47 .
6- . الأنفال : 50 .
7- . محمّد صلى الله عليه و آله : 28 .
8- . النساء : 97 .
9- . النحل : 28 _ 29 .
10- . إبراهيم : 37.
11- . القارعة : 8 _ 11 .
12- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 398 .
13- . المصدر السابق : ص 317.
14- . الزلزلة : 7.
15- . سبأ : 37.
16- . الأنعام : 160.
17- . البقرة : 261.
18- . التوبة : 111.
19- . مفردات ألفاظ القرآن : 331.
20- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 47.
21- . أقرب الموارد : ج 3 ص 526 .
22- . اُنظر : مجمع البحرين : ج 3 ص 162 .
23- . آل عمران : 145.
24- . فاطر : 11.
25- . المنافقون : 11.
26- . الأنعام : 2 .
27- . اُنظر : مجمع البحرين : ج 5 ص 136 وما بعدها ، وج 4 ص 92 ، والميزان في تفسير القرآن : ج 7 ص 5 وما بعدها .
28- . البقرة : 35.
29- . الأنبياء : 1.
30- . النساء : 8 .
31- . النساء : 172 .
32- . الواقعة : 88 .
33- . الأعراف : 56 .
34- . البقرة : 186 .
35- . ق : 16 .
36- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 398 _ 399.
37- . الواقعة : 88 _ 89 .
38- . الفجر : 27 _ 30 .
39- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 339 .

ص: 215

. .

ص: 216

. .

ص: 217

. .

ص: 218

. .

ص: 219

اِرحَم (1) في هذِهِ الدُّنيا غُربَتي «378 » وعِندَ المَوتِ كُربَتي «379 » وفِي القَبرِ وَحدَتي «380 »وفِي اللَّحدِ وَحشَتي«381 »وإذا نُشِرتُ لِلحِسابِ بَينَ يَدَيكَ ذُلَّ مَوقِفي «382 »وَاغفِر لي ما خَفِيَ عَلَى الآدَمِيِّينَ مِن عَمَلي «383 » وأدِم لي ما بِهِ سَتَرتَني «384 »

«ارحم في هذه الحياة الدنيا غربتي» أي الحياة القريبة «غربتي» ، الغربة : البعد عن الوطن ، وقيل : لكلّ متباعد غريب ولكلّ شيء فيما بين جنسه عديم النظير غريب ، وعلى هذا قوله عليه السلام «بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ» ، (2) وقيل : العلماء غرباء لقلّتهم بين الجهّال ، ولعلّ نظره عليه السلام في ذلك إلى بعد المجتمع الإسلامي عن أهل البيت عليهم السلام ، لا يعرفهم المسلمون ولا يأخذوا عنهم ولا يوادّونهم ، بل يعادونهم ولا يُراعى حقوقهم وأصبحوا مقتولين ومطرودين ومشرّدين ، ويمكن أن تكون هذه الجملة صحيحة إذا قالها شيعتهم وأحبّاؤهم أيضا ، ولا يخفى ذلك على من له أدنى إلمام بالتاريخ. «وعند الموت كربتي» والموت على ما تفيده الآيات والأحاديث الإسلامية عبارة عن فراق الروح الإنساني هذا الجسم المادّي بأيدي الملائكة الكرام ، قال عزّ شأنّه : «حَتّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّه ِ » ، (3) و «إِنَّ الَّذِينَ تَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ » ، (4) و «حَتّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ » ، (5) و «قُلْ يَتَوَفّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ » ، (6) إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث في ذلك كثرة ، وعُبّر عن الموت في القرآن الكريم والأحاديث بلقاء اللّه ، قال عزّ وجلّ : «مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللّه ِ فَإِنَّ أَجَلَ اللّه ِ لآَتٍ » ، (7) وقال سبحانه : «إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها » . (8) وفي الحديث عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : «قلت أصلحك اللّه : مَن أحبّ لقاء اللّه أحبّ اللّه لقاءه ، ومَن أبغض لقاء اللّه أبغض اللّه لقاءه؟ قال : نعم ، قلت : فواللّه إنّا لنكره الموت ، فقال : ليس ذاك حيث تذهب ، إنّما ذلك عند المعاينة إذا رأى ما يحبّ ، فليس شيء أحبّ إليه من أن يتقدّم ، واللّه يحبّ لقاءه وهو يحبّ لقاء اللّه حينئذٍ ، وإذا رأى ما يكره فليس شيء أبغض إليه من لقاء اللّه عزّ وجلّ ، واللّه عزّ وجلّ يبغض لقاءه» . (9) وظاهر بعض الآيات أنّ لقاء اللّه هو يوم البعث ، قال جلّ شأنه : «قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللّه ِ حَتّى إِذا جاءَتْهُمُ السّاعَةُ بَغْتَةً » ، (10) وقال عزّ من قائل : «وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاّ ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللّه ِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ » ، (11) وقال سبحانه : «يُفَصِّلُ الآْياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ » ، (12) وقال تعالى : «فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً » . (13) قال العلّامة الطباطبائي رضى الله عنه في تفسير قوله تعالى : «مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللّه ِ فَإِنَّ أَجَلَ اللّه ِ لآَتٍ » (14) : «والمراد بلقاء اللّه وقوف العبد موقفا لا حجاب بينه وبين ربّه ، كما هو الشأن يوم القيامة» . (15) أقول : ليس المراد اللّقاء الحسّي قطعا ، ولكن يصير الإنسان بعد بطلان الوسائل المادّية في مرتبة من الإيمان والإيقان كأنّ الإنسان يرى ربّه ويشافهه ، كما قال علي عليه السلام : «لم أعبد ربّا لم أره» ، (16) ويمكن أن يكون المراد وقوف الإنسان في مقام عيّن للحساب والجزاء بعد بطلان ما يتوهّمه الإنسان من الأسباب والوسائل ، وهذا اللقاء يمكن أن يحصل حين الموت بعد القطع بحصوله يوم القيامة ، واللّه سبحانه هو المالك ذاك اليوم وهو مالك يوم الدين وهو الذي يرجع إليه الإنسان في يومٍ عصيب يفرّ المرء من أخيه وأُمّه وأبيه وفصيلته الّتي تؤويه. والمعنى : ارحم عند الموت كربتي ، الكرب : الغمّ الشديد ، وأصل ذلك من كرب الأرض وهو قلبها بالحفر ، فالغمّ يثير النفس إثارة ذلك ، وكرب الموت هو سكراته ، ومنه : «وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ » ، (17) أي حالة تعرض الإنسان (تحول بين المرء وعقله) من شدّة المصيبة ، ومنها ما تقدّم من سؤال الملائكة الفجّار «فيم كنتم» ، ومنها ضربهم وجوههم وأدبارهم ، ومنها ما يشاهدون كما قال تعالى : «وَأَمّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ » ، (18) ومنها ما قاله أمير المؤمنين عليه السلام : «وجاءهم من فراق الدنيا ما كانوا يأمنون ، وقدموا من الآخرة على ما كانوا يوعدون ، فغير موصوف ما نزل بهم ، اجتمعت عليهم سكرة الموت وحسرة الفوت ، ففترت لها أطرافهم ، وتغيرّت لها ألوانهم ، ثمّ ازداد الموت فيهم ولوجا ، فحيل بين أحدهم وبين منطقه ، وإنّه لبين أهله ينظر ببصره ويسمع بأُذنه ، على صحّةٍ من عقله ، وبقاءٍ من لبّه ، ويفكّر فيم أفنى عمره ، و فيم أذهب دهره ، و يتذكّر أموالاً جمعها أغمض في مطالبها ، و أخذها من مصرّحاتها ومشتبهاتها ، قد لزمته تبعات جمعها ، وأشرف على فراقها ، تبقى لمن وراءه ينعمون فيها ويتمتّعون بها ، فيكون المهنأ لغيره ، والعب ء على ظهره ، والمرء قد غَلقت رهونه بها ، يعضّ يده ندامةً على ما أصحرله عند الموت من أمره ، ويزهد فيما كان يرغب فيه أيّام عمره ، ويتمنّى أنّ الذي كان يغبطه بها ويحسده عليها قد حازها دونه ، فلم يزل الموت يبالغ في جسده حتّى خالط لسانه سمعه ، فصار بين أهله لا ينطق بلسانه ، ولا يسمع بسمعه ، ويردّد طرفه بالنظر إلى وجوههم ، يرى حركات ألسنتهم ولا يسمع رجع كلامهم ...» . (19) ومن المعلوم أنّه كلّما كان حبّ الدنيا وعلائقها شديدا ، كان الألم شديدا والفراق صعبا ، اللّهمّ إنّا نعوذ بك من سكرات الموت ، اللّهمّ حبّب إليّ لقاءك ، أحبّ لقائي ، واجعل لي في لقائك الراحة والفرج والكرامة ، وتوفّني مسلما ، وألحقني بالصالحين محمّد وآله الطاهرين ، والعن أعداءهم أجمعين ، آمين آمين ربّ العالمين. اللّهمّ صلّ على محمّد وآله ، هوّن بالقرآن عند الموت على أنفسنا كرب السياق ، وجهد الأنين ، وترادف الحشارج إذا بلغت النفوس التراقي ، وقيل من راق ، وتجلّى ملك الموت لقبضها من حجب الغيوب ، ورماها عن قوس المنايا بأسهم وحشة الفراق ، وداف لها من ذعاف الموت كأسا مسمومة المذاق ، ودنا منّا إلى الآخرة رحيل وانطلاق ، وصارت الأعمال قلائد في الأعناق ، وكانت القبور هي المأوى إلى ميقات يوم التلاق ، اللّهمّ صلّ على محمّد وآله ، وبارك لنا في حلول دار البلاء ، وطول المقامة بين أطباق الثرى . (20) نعم ، هذا كلّه في الكفّار والفجّار والعصاة ، وأمّا المؤمنون فهم يبشّرون بالجنّة : «فَأَمّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ * وَأَمّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ * فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ » ، (21) «الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الآْخِرَةِ » . (22) «وفي القبر وحدتي» القبر : مقرّ الميّت ، وهو كرامة للإنسان حيث يُدفن دون سائر الحيوانات ، قال سبحانه : «فَبَعَثَ اللّه ُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الأَْرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النّادِمِينَ » ، (23) وفيما كتب أمير المؤمنين عليه السلام إلى محمّد بن أبي بكر : «ياعباد اللّه ، ما بعد الموت لمن لا يغفر له أشدّ من الموت ، القبر فاحذروا ضيقه وضنكه وظلمته وغربته ، إنّ القبر يقول كلّ يوم : أنا بيت الغربة ، أنا بيت التراب ، أنا بيت الوحشة ، أنا بيت الدود والهوام ، والقبر ، روضة من رياض الجنّة ، أو حفرة من حفر النار» ، الحديث . (24) أقول : قال العلّامة المجلسي رحمه الله : «فالمراد بالقبر في أكثر الأخبار ما يكون الروح فيه في عالم البرزخ» . (25) «وفي اللّحد وحشتي» ، واللّحد حفرة مائلة عن الوسط ، وفي المجمع هو الشقّ في جانب القبر ، (26) وفي الدعاء : «وافسح لنا برحمتك في ضيق ملاحدنا» ،» (27) وفي النهج : «وظلمة اللّحد وخيفة الوعد» ، (28) والوحشة : الخوف الحاصل من الوحدة ، والمراد هنا الحالة الحاصلة بعد الدفن ورجوع المشيّعين ، فياله من بيت وحدة ومنزل وحشة ومفرد غربة ، وفي الحديث : «من أتمّ ركوعه لم يدخله وحشة القبر» . (29) «وإذا نشرت للحساب بين يديك ذلّ موقفي» النشر من نشر الثوب : بسطه ، خلاف طواه ، نشر اللّه الموتى نشرا ونشورا : أحياهم ، فكأنّهم خرجوا ونُشروا بعدما طُووا ، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه و آله قال : «إنّ اللّه عزّ وجلّ يُحاسب كلّ خلق إلّا من أشرك باللّه (عزّ وجلّ) ، فإنّه لا يحاسب ويُؤمر به إلى النار» ، (30) وفيه عن أبي جعفر عليه السلام قال : «إنّما يداقّ اللّه العباد في الحساب يوم القيامة ، على قدر ما آتاهم من العقول في الدنيا» . (31) والآيات في حساب يوم القيامة وأنّ اللّه تعالى سريع الحساب ، وأنّ الحساب يشمل الأعمال والنيّات والعقائد والحبّ والبغص كثيرة ، قال تعالى : «وَاللّه ُ سَرِيعُ الْحِسابِ » ، (32) وقال عزّ من قائل : «قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّه ُ » ، (33) وقال تعالى : «وَلِيَبْتَلِيَ اللّه ُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ » ، (34) وقال سبحانه : «وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ » ، (35) وقال تعالى : «وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّه ُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللّه ُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » ، (36) إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث. «واغفر لي ما خفي على الآدميّين من عملي» الغفر : إلباس ما يصونه من الدنس (37) ، يعني : اغفرلي واصفح عنّي سيّئاتي الّتي خفيت على الآدميّين من الآباء والأُمّهات والأولاد والقريب والبعيد ، ولاتشهرني ولا تفضحني بين العباد ، وفي الدعاء : «ولا تفضحني بين يدي أوليائك» ، (38) وفي آخر : «ولا تفضحنا في حاضري القيامة بموبقات آثامنا». (39) «وأدم لي ما به سترتني» من عيوبي وذنوبي ممّا أخفيته عن أحبّائي وأصدقائي وقراباتي ، وسترته عليّ بستر عافيتك تفضّلاً وترحّما ، فأدم عليّ الستر آجلاً ، كما سترته عاجلاً.

.


1- . في المصباح للكفعمي : «اللّهمّ ارحم» .
2- . الملاحم والفتن : ص 369 ، صحيح مسلم : ج 1 ص 89 ، المعجم الأوسط : ج 7 ص 206 ، شرح نهج البلاغة : ج10 ص98 .
3- . الأعراف : 37 .
4- . النساء : 97.
5- . الأنعام : 61.
6- . السجدة : 11.
7- . العنكبوت : 29.
8- . يونس : 7.
9- . الكافي : ج 3 ص 134 ، معاني الأخبار : ص 236 ، بحار الأنوار : ج 6 ص 129 .
10- . الأنعام : 31.
11- . يونس : 45.
12- . الرعد : 2.
13- . الكهف : 110.
14- . العنكبوت : 5 .
15- . الميزان في تفسير القرآن : ج 16 ص 102.
16- . روضة الواعظين : ص 32 ، بحار الأنوار : ج 4 ص 22 ، مع اختلافٍ يسير.
17- . ق : 19.
18- . الواقعة : 92 _ 94 .
19- . نهج البلاغة : الخطبة 109.
20- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 42.
21- . الواقعة : 88 _ 91.
22- . يونس : 63 _ 64.
23- . المائدة : 31 .
24- . الأمالي للطوسي : ص 28 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 6 ص 218 و ص 267 و 258 و 266.
25- . بحار الأنوار : ج 6 ص 271.
26- . مجمع البحرين : ج 4 ص 112.
27- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 42.
28- . نهج البلاغة : الخطبة 190.
29- . الكافي : ج 3 ص 321 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 6 ص 244 ، و ج 79 ص 64 .
30- . عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج 1 ص 37 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 7 ص 111 .
31- . الكافي : ج 1 ص 11 ، المحاسن : ج 1 ص 195 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 1 ص 106 .
32- . البقرة : 202 ، النور : 39 .
33- . آل عمران : 29.
34- . آل عمران : 154.
35- . العاديات : 10 .
36- . البقرة : 284.
37- . انظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 312.
38- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 47.
39- . المصدر السابق : الدعاء 47.

ص: 220

. .

ص: 221

. .

ص: 222

. .

ص: 223

. .

ص: 224

. .

ص: 225

وَارحَمني صَريعا عَلَى الفِراشِ تُقَلِّبُني أيدي أحِبَّتي «385 »وتَفَضَّل عَلَيَ مَمدودا عَلَى المُغتَسَلِ يُقَلِّبُني (1) صالِحُ جيرَتي «386 »وتَحَنَّن عَلَيَ مَحمولاً قَد تَناوَلَ الأَقرِباءُ أطرافَ جِنازَتي «387 »وجُد عَلَيَ مَنقولاً قَد نَزَلتُ بِكَ وَحيدا في حُفرَتي «388 »وَارحَم في ذلِكَ البَيتِ الجَديدِ غُربَتي حَتّى لا أستَأنِسَ بِغَيرِكَ «389 »

«وارحمني صريعا على الفراش» أي مطروحا على الأرض أو على الفراش ، والمراد هنا كونه مريضا شديدا على الفراش لا يقدر على التقلّب في الفراش. «تقلّبني أيدي أحبّتي» وذلك بيان لحال موت الإنسان طبيعة في الغالب هذه الحالة ممّا يوجب الرحمة ويدعو بذلك أهل الرحمة والجنان. «وتفضّل عليّ» أي أحسن وتطوّل وأنعم عليّ حال كوني «ممدودا على المغتسل» بيان لما بعد الموت من تجهيزه للدفن حيث يضعونه ممدودا على المغتسل ، أي مكان معدّ لغسل الأموات. «يقلّبني صالح جيرتي» الجيرة جمع الجار أي المجاور في المسكن ، وخصّ صلحاءهم لأنّهم الّذين يقومون بذلك ، ومن سعادة المؤمن أن يتكفّل أموره الصلحاء ويستغفرون له ويشهدون عند اللّه تعالى بصلاحه ، وخَصّ الجيران دون الأقرباء للتقليب فقط ؛ لأنّ الأولى للغسل أرحامه والجيران يعينونهم بالتقليب ، أو لأنّ الجيران يخصّون أنفسهم بالغسل والتجهيز احتراما للميّت وأرحامه. «وتحنّن علي» الحنين الاشتياق ، وحنّ عليه : عطف ، وقال سبحانه : «وَحَناناً مِنْ لَدُنّا » (2) أي رحمة وعطفا ، أي ارحمني وأشفق عليّ . «محمولاً قد تناول» أي أخذ «الأقرباء أطراف جنازتي» الطرف محرّكة حرف الشيء ونهايته ، وجنّز الميّت : جعله على الجنازة ، أي السرير ، والجنازة بالكسر ، والفتح : الميّت ، وقيل : الجنازة بالكسر الميت وبالفتح السرير ، وقيل العكس ، وقيل : الجنازة بالكسر السرير مع الميّت وكلّ من يشيّعه ، والمراد هنا هو السرير مع الميّت. «وجد عليّ منقولاً» جُد أمر من جاد يجود؛ أي تكرّم ، والجواد : السخيّ للمذكّر والمؤنّث ، وهو بذل المقتنيات مالاً كان أو علما ، أو اعمل الجود عليّ حال كوني منقولاً على الجنازة. «قد نزلت بك وحيدا» نزلت بك : أي حللت بك وحيدا ، كقتيل ، الوحيد : المتفرّد بنفسه عن الأصحاب والأولاد والأهل ، مباينا لهم كما قال عزّ من قائل : «وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ » ، (3) وفي الحديث عن أبي بصير عن الصادق عليه السلام : «اذكر تقطّع أوصالك في قبرك ورجوع أحبّائك عنك إذا دفنوك» . (4) «في حفرتي» وهي ما يُدفن فيه بدن الميّت وما حُفر من الأرض . «وارحم في ذلك البيت الجديد» وهو القبر «غربتي» والغربة : البعد عن الوطن ، وقد مرّ تفسيره . «حتّى لا أستأنس بغيرك» الأُنس خلاف النفور ، وفي الدعاء : «يا أُنس كلّ مستوحش غريب» ، (5) وفي آخر : «وهب لي الأُنس بك... واجعل سكون قلبي وأُنس نفسي... بك» ، (6) وفي النهج : «اللّهمّ إنّك آنس الآنسين لأوليائك» . (7) والظاهر هنا الأُنس باللّه في الدنيا بذكره وعبادته ومناجاته والتوكّل عليه وإيثار هواه على هوى نفسه وطاعته على عصيانه ومخالفته ، وفي القبر الأُنس باللّه تعالى ، لعلّ المراد الأُنس بالصالحات من أعماله ، وقد روى عن أحدهما عليهماالسلامقال : «إذا مات العبد المؤمن دخل معه في قبره ستّة صور ، فيهنّ صورة أحسنهنّ وجها ، وأبهاهنّ هيئةً ، وأطيبيهنّ ريحا ، وأنظفهنّ صورةً ، قال : فيقف صورة عن يمينه ، وأُخرى عن يساره ، وأُخرى بين يديه ، وأُخرى خلفه ، وأُخرى عند رجليه ، وتقف الّتي هي أحسنهنّ فوق رأسه ، فإن أتى عن يمينه منعته الّتي عن يمينه ، ثمّ كذلك إلى أن يُؤتى من الجهات الستّ ، قال : فتقول أحسنهنّ صورة : ومن أنتم جزاكم اللّه عنّي خيرا؟ فتقول الّتي عن يمين العبد : أنا الصلاة ، وتقول الّتي عن يساره : أنا الزكاة ، وتقول الّتي بين يديه : أنا الّصيام ، وتقول الّتي خلفه : أنا الحجّ والعمرة ، وتقول الّتي عند رجليه : أنا برّ من وصلت من إخوانك ، ثمّ يقلن : من أنت؟ فأنت أحسننا وجها وأطيبنا ريحا وأبهانا هيئةً ، فتقول : أنا الولاية لآل محمّد صلوات اللّه عليهم أجمعين» . (8) وفي الحديث عن محمّد بن مسلم قال : «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : الموتى نزورهم؟ فقال : نعم (إلى أن قال) قلت : فأيّ شيء نقول إذا أتيناهم؟ قال : قل : اللّهمّ جاف الأرض عن جنوبهم ، وصاعد إليك أرواحهم ، ولقّهم منك رضوانا ، وأسكن إليهم من رحمتك ما تصل به وحدتهم ، وتؤنس به وحشتهم ، إنّك على كلّ شيء قدير» . (9)

.


1- . في الإقبال والمصباح للكفعمي والبلد الأمين : «يغسّلني» بدل «يقلّبني» .
2- . مريم : 13.
3- . الأنعام : 94.
4- . الكافي : ج 3 ص 255 .
5- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 16.
6- . المصدر السابق : الدعاء 21.
7- . نهج البلاغة : الخطبة 227 .
8- . المحاسن : ج 1 ص 288 ، شرح الأخبار : ج 3 ص 458 ، بحار الأنوار : ج 6 ص 234 .
9- . كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 1 ص 181 ، واُنظر : وسائل الشيعة : ج 3 ص 228 ، وبحار الأنوار : ج 6 ص 265 و 230 .

ص: 226

. .

ص: 227

. .

ص: 228

يا سَيِّدي إن وَكَلتَني إلى نَفسي هَلَكتُ «390 »سَيِّدي فَبِمَن أستَغيثُ إن لَم تُقِلني عَثرَتي؟«391 » فَإِلى مَن أفزَعُ إن فَقَدتُ عِنايَتَكَ في ضَجعَتي؟«392 »وإلى مَن ألتَجِئُ إن لَم تُنَفِّس كُربَتي؟«393 »سَيِّدي مَن لي ومَن يَرحَمُني إن لَم تَرحَمني؟«394 »وفَضلَ مَن اُؤَمِّلُ إن عَدِمتُ فَضلَكَ يَومَ فاقَتي؟«395 » وإلى مَنِ الفِرارُ مِنَ الذُّنوبِ إذَا انقَضى أجَلي؟«396 »

«ياسيّدي» ، سيّد القوم رئيسهم كما مرّ «إن وكلتني إلى نفسي» التوكيل : أن تعتمد على غيرك وتجعله نائبا عنك ، ووكله إلى نفسه ؛ أي فوّض أمره إلى نفسه : فهو الذي يدبّر أمر نفسه ويراعي صلاحه وسعادته . «هلكت» من هلك الرجل أي مات ، ولا يكون إلّا في ميتة السوء ، ولهذا لا يُستعمل للأنبياء العظام ، وهلك في يده إذا كان بغير صنعته ، وهلك على يده إذا استهلكه ، وبنوتميم يستعملون هلك متعدّيا . قال الراغب : «الهلاك على ثلاثة أوجه : افتقاد الشيء عنك وهو عند غيرك موجود ، كقوله تعالى : «هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ » ، (1) وهلاك الشيء باستحالة وفساد كقوله : «وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ » ، (2) ويقال : هلك الطعام ، والثالث الموت ، كقوله : «إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ » . (3) ولم يذكر اللّه الموت بلفظ الهلاك ، حيث لم يقصد الذمّ إلّا في هذا الموضع ، والرابع بطلان الشيء من العالم وعدمه رأسا ، وذلك المسمّى فناء ، المشار إليه بقوله : «كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ » ، (4) ويقال للعذاب والخوف والفقر الهلاك» ، انتهى . (5) وفي الصحيفة : «ولا تهلكني مع من تهلك من المتعرّضين لمقتك» ، (6) و«فإنّك إن تكافني بالحقّ تهلكني» . (7) والمراد هنا الوقوف في العذاب الإلهي والبعد عن اللّه تعالى ؛ وذلك لأنّ اللّه تعالى إذا وكّل الإنسان إلى نفسه وقطع عنه هدايته أهلكته نفسه وهواها ، قال سبحانه : «إِنَّ النَّفْسَ لأََمّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاّ ما رَحِمَ رَبِّي » ، (8) وفي الصحيفة : «فإنّ نفسي هالكة أو تعصمها» . (9) «سيّدي فبمن أستغيث» أي استنصر؟ والغوث : النصرة والعون . «إن لم تقلني» أي تصفح عنّي «عثرتي» أي الزلّة والكبوة ، من أقال البيع أي فسخه ، وأقال اللّه عثرتك ؛ أي صفح عنك ، يائيّ . «فإلى من أفزع؟» تفريع على قوله : «إن وكلتني إلى نفسي» فهلكت ولا ملجأ إليك ومنجى إلاّ أنت ، فإذا بمن استغيث ولا مغيث سواك؟ وإلى من أفزع؟ ويقال : فزع إليه إذا استغاث به عند الفزع ، والفزع : انقباض ونفار يعتري الإنسان من الشيء المخيف ، وهو من جنس الجزع . (10) «إن فقدت عنايتك» أي عدمت حفظك ، من عنى اللّه به عناية حفظه ؛ لأنّ من عنى بشيء حفظه ، وأعنيت بالأمر أي اهتممت ، ومنه عنيت بحاجتك أي اهتممت بها واشتغلت ، وفي الدعاء : «ومن يعنيني أمره» أي ومن يهمّني أمره . «في ضجعتي» بالفتح الرقدة ، وفي الحديث : «عجّلوا موتاكم إلى مضاجعهم» (11) أي إلى قبورهم ومراقدهم . والمراد أنّ من أهلكته نفسه بالخطايا والمعاصي فهو معذّب في قبره وعالم البرزخ ولا ملجأ ولا مفزع فيه إلّا اللّه سبحانه وتعالى. «وإلى من ألتجئ ؟» أي ألوذ وأعتصم به ، من لجأ إلى الحصن وغيره لاذ إليه واعتصم به . «إن لم تنفّس» أي إن لم تفرّج ، والنفس : الريح الداخل والخارج في البدن من الفم والمنخر ، وهو كالغذاء للنفس وبانقطاعه بطلانها ، ويقال للفرج نفس ، (12) ويقال : اللّهمّ نفّس عنّي ؛ أي فرّج عنّي ، ونفّس عنه كربته تنفيسا ، أي فرّجها . «كُربتي» بالضمّ الغمّ الشديد ، وأصل ذلك من كرب الأرض وهو قلبها بالحفر ، فالغمّ يثير النفس إثارة ذلك ، ويصحّ أن يكون الكرب من كربت الشمس إذا دنت للمغيب ، أو من الكرب وهو عقد غليظ في رشا الدلو ، (13) وقيل : إنّه الغمّ الذي يأخذ بالنفس ، وذلك أيضا بيان لشدّة عوالم القبر والبرزخ والقيامة أعاذنا اللّه تعالى منها. «سيّدي من لي؟» أي من هو كائن لي . «ومن يرحمني إن لم ترحمني؟» والرحمة رقّة تقتضي الإحسان إلى المرحوم ، وقد تُستعمل تارةً في الرقّة المجرّدة ، وتارةً في الإحسان المجرّد عن الرقّة ، نحو : رحم اللّه فلانا ، وإذا وُصِف به الباري فليس يُراد به إلّا الإحسان المجرّد دون الرقّة ، وعلى هذا روي : «إنّ الرحمة من اللّه إنعام وإفضال ، ومن الآدميّين رقّة وتعطّف» . (14) «وفضل من أؤمّل» أي أرجو «إن عدمت فضلك؟» كلّ عطيّة لا تلزم من يعطى يقال لها فضل ، نحو قوله : «وَسْئَلُوا اللّه َ مِنْ فَضْلِهِ » ، (15) والفضل : الإحسان والابتداء به من غير علّة له . «يوم فاقتي» الفاقة : الفقر والحاجة ، ولا فعل لها ، يقال : افتاق إذا افتقر ، ولا يقال : فاق ، ويوم الفاقة يعمّ الدنيا والآخرة ، والأنسب هنا الثاني. «وإلى من الفرار من الذنوب؟» الّتي ارتكبها الإنسان ، والذنب في الأصل الأخذ بذنب الشيء ، يقال : ذنبته : أصبت ذنبه ، ويُستعمل في كلّ فعلٍ يُستوخم عقباه اعتبارا بذنب الشيء ، ولهذا يُسمّى الذنب تبعة ؛ اعتبارا لما يحصل من عاقبته ، (16) عمل الإنسان أعمالاً لها عواقب سيّئة بعد الموت ، فإلى من يفرّ الإنسان منها وإلى من يلتجئ في النجاة من عواقبها إن لم يكن فضل من اللّه تعالى؟ «إذا انقضى» أي انتهى «أجلي» أي المدّة المعيّنة له في بقائه في الدنيا ، يقال : انقضى الشيء انقضاءً فنى وانصرم ، وقد مرّ الكلام في الأجل آنفا.

.


1- . الحاقة : 29 .
2- . البقرة : 205.
3- . النساء : 176.
4- . القصص : 88 .
5- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 544 .
6- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 47 .
7- . المصدر السابق : الدعاء 39 .
8- . يوسف : 53 .
9- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 20 .
10- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 379.
11- . اُنظر : الكافي : ج 3 ص 137 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 1 ص 140 ، تهذيب الأحكام : ج 1 ص 428 ، وسائل الشيعة : ج 2 ص 472.
12- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 501 .
13- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 428 .
14- . اُنظر : المصدر السابق : ص 191.
15- . النساء : 32.
16- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 181 .

ص: 229

. .

ص: 230

. .

ص: 231

سَيِّدي لا تُعَذِّبني وأنَا أرجوكَ «397 » إلهي حَقِّق رَجائي وآمِن خَوفي ، فَإِنَّ كَثرَةَ ذُنوبي لا أرجو فيها إلّا عَفوَكَ «398 »سَيِّدي أنَا أسأَلُكَ ما لا أستَحِقُّ وأنتَ أهلُ التَّقوى وأهلُ المَغفِرَةِ ، فَاغفِر لي «399 »وألبِسني مِن نَظَرِكَ ثَوبا يُغَطّي عَلَيَ التَّبِعاتِ وتَغفِرُها لي ولا اُطالَبُ بِها «400 »إنَّكَ ذو مَنٍّ قَديمٍ وصَفحٍ عَظيمٍ وتَجاوُزٍ كَريمٍ «401 »

«سيّدي لا تعذّبني» والعذاب كلّ ما شقّ على الإنسان ومنعه عن مراده ، والجمع أعذبة ، وفي الكلّيات : «كلّ عذاب في القرآن فهو التعذيب (أي إيقاع العذاب به) إلّا «وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ » ، (1) فإنّ المراد الضرب» ، (2) قال الراغب : «عذب الرجل ، إذا ترك المأكل والنوم ، فهو عاذب وعذوب ، فالتعذيب في الأصل هو حمل الإنسان أن يُعذّب ؛ أي يجوّع ويسهّر ، وقيل : أصله من العذب فعذبته ، أي أزلت عذب حياته على بناء مرضته وقذيته ، وقيل : أصل التعذيب إكثار الضرب بعذبة السوط أي طرفها ، وقال بعض أهل اللّغة : التعذيب هو الضرب» ، (3) وفي المجمع : «وأصله في كلام العرب الضرب ، ثمّ استُعمل في كلّ عقوبة مؤلمة» . (4) «وأنا أرجوك» أي أرجو عفوك وصفحك ، (اللّهمّ) «إلهي حقّق» أي أوجب ، من حقّق الشيء أوجده وأكّده وأثبته . «رجائي» أي ما رجوته وأمّلته من الصفح والعفو أو الإنعام والإعطاء. «وآمن خوفي» بدّل خوفي أمنا ، آمنه إيمانا أمّنه ، والخوف توقّع مكروه عن أمارة مظنونة أو مكروهة ، كما أنّ الرجاء والطمع توقّع محبوب عن أمارة مظنونة أو معلومة ، ويضادّ الخوف الأمن ، (5) فالمراد : اجعل خوفي أمنا . «فإنّ كثرة ذنوبي» من جهة كثرتها الموجبة للبعد عن العفو «لا أرجو فيها إلّا عفوك» وكرما عظيما لا يتعاظمه شيء ، وليس إلّا عفوك وصفحك وتركك عقوبتي مع استحقاقي ، ولا يوصف بالعفو إلّا من يقدر على ضدّه كما قيل. «سيّدي أنا أسألك ما لا أستحقّ» اعتراف بأنّ مطلوبه هو ما لا يستحقّه ولا يستوجبه ، والاعتراف يهوّن الجرم ويسهّل العفو مع الإيمان والإقرار بأنّه تعالى أهل لذلك بقوله : «وأنت أهل التقوى» أي أنت أهل أي مستأهل وحقيق بالتقوى ، أي بأن يُتّقى منه ؛ لأنّك الخالق المالك المنعم المفضل والعزيز الجبّار ، لا حول ولا قوّة إلّا بك ، وأنت المنتقم القادر لا يفوتك شيء ولا يمكن الخروج عن ملكك . «وأهل المغفرة» أي متسأهل وحقيق أن تغفر. وعن أبي البقاء : «العفو : إسقاط العقاب ، والمغفرة : ستر الجرم صونا عن عذاب التخجيل والفضيحة ، ولا يوصف إلّا القادر على ضدّه» . (6) يعني يا سيّدي ، أنت أهل لئن يُتّقى منك ومن لم يتّق ، بل تجرّأ وعصى ، فإنّك أهل أن تغفر وتستر ولا تعذّب عبدك بالفضيحة بين عبادك ، «تستر على من شئت فضحته» و«إنّك بأن تستر أقرب عنك إلى أن تشهر» ، و«فاستغفرت فأقلت وعدت فسترت». «فاغفر لي وألبسني» من ألبسه غطّاه ، وألبسه الثوب : جعله يلبسه . «من نظرك» نظر اللّه تعالى إلى عباده هو إحسانه إليهم وإفاضة نعمه عليهم ، قال : «وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللّه ُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ » ، (7) وعلى ذلك قوله : «كَلاّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ » (8) (الراغب) . (9) «ثوبا» الثوب : اللباس ، والمراد هنا ما يكون ساترا لعيوبه وذنوبه ، ويقال : فلان دنس الثياب وطاهر الثياب ، أي خبيث النفس وطاهر النفس ، كما في الدعاء : «ألبسني زينة المتّقين» (10) «وألبسني عافيتك» (11) أي ألبسني ما «يغطّي عليّ» أي يستر ، والغطاء ما يُجعل فوق الشيء من طبق ونحوه ، كما أنّ الغشاء ما يُجعل فوق الشيء من لباس ونحوه . (12) والغطاء : الستر ، غطاه تغطيةً بمعنى غطاء ، شدّد للمبالغة . «التبعات» : التبعة والتباعة : ما أتبعت به من صاحبك من ظلامة ونحوه ، يقال : لي قِبَل فلان تبعة وتباعة ؛ أي ظلامة ، (13) وما يترتّب على الفعل من الخير والشرّ ، إلّا أنّ استعماله في الشرّ ، يقال : لهذا الفعل تبعة ؛ أي خوف شرّ وضرر ، والمراد هنا ، إلباس ثوب العفو والصفح من كرمه تعالى ، حتّى لا يرى له عمل له تبعة خوفا من الفضيحة ، وهذا أمر وراء العفو ، وهو معلوم ، ولذلك قال بعده : «وتغفرها لي» أي التبعات بعد سترها. «ولا أُطالب بها» ، أي لا أؤ اخذ بها ولا أُعاقب ، يقال : طالبه مطالبةً ؛ طلبه بحقّ له عليه ، وعلّل ذلك كلّه بقوله : «إنّك ذو منّ» أي ذو إحسان ، والمنّة : النعمة الثقيلة ، ويقال ذلك على وجهين : أحدهما : أن يكون ذلك بالفعل ، فيقال : منّ فلان على فلان ؛ إذا أثقله بالنعمة ، وعلى ذلك قوله : «لَقَدْ مَنَّ اللّه ُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ » ، (14) «كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللّه ُ عَلَيْكُمْ » ، (15) وذلك على الحقيقة لا يكون إلّا للّه تعالى . والثاني : أن يكون ذلك بالقول ، وذلك مستقبح فيما بين الناس... وقوله : «يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ » ، (16) فالمنّة منهم بالقول ، ومنّة عليهم بالفعل ، وهو هدايته إيّاهم . (17) منّ عليه : أنعم عليه من غير تعب ولا نصب واصطنع عنده صنيعة وإحسانا ، ومنّ عليه عدّله ما فعله من الصنائع . والمراد هنا إحسانه تعالى على العباد وأنّ إحسانه عزّ شأنه «قديم» سابق بحيث كأنّه سنّة وعادة له تعالى عوّد عباده بذلك ، كأنّه يستدلّ على طلب ذلك بذلك ، كما في الدعاء : «واشفع لي أوائل مننك بأواخرها» . (18) «وصفح عظيم» ، الصفح : ترك اللّوم والتعيير ، وهو أبلغ من العفو ، ولذلك قال : «فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتّى يَأْتِيَ اللّه ُ بِأَمْرِهِ » ، (19) وقد يعفو الإنسان ولا يصفح ، وصفه بالعظيم ؛ لعظم ما يصفح عنه. «وتجاوز كريم» أي صفح كريم جامع لأنواع الخير والشرف والفضائل.

.


1- . النور : 2.
2- . اُنظر : أقرب الموارد : ج 3 ص 499.
3- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 327 .
4- . مجمع البيان : ج 3 ص 141.
5- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 161.
6- . الكلّيات لأبي البقاء : ص 632.
7- . آل عمران : 77.
8- . المطفّفين : 15 .
9- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 498.
10- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 20 .
11- . المصدر السابق : الدعاء 23.
12- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 362.
13- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 327 .
14- . آل عمران : 164.
15- . النساء : 94.
16- . الحجرات : 17.
17- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 474.
18- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 47.
19- . البقرة : 109.

ص: 232

. .

ص: 233

. .

ص: 234

إلهي أنتَ الَّذي تُفيضُ سَيبَكَ عَلى مَن لا يَسأَلُكَ وعَلَى الجاحِدينَ بِرُبوبِيَّتِكَ «402 » فَكَيفَ سَيِّدي بِمَن سَأَلَكَ وأيقَنَ أنَّ الخَلقَ لَكَ وَالأَمرَ إلَيكَ؟«403 » تَبارَكتَ وتَعالَيتَ يا رَبَّ العالَمينَ «404 » سَيِّدي عَبدُكَ بِبابِكَ أقامَتهُ الخَصاصَةُ (1) بَينَ يَدَيكَ «405 »يَقرَعُ بابَ إحسانِكَ بِدُعائِهِ«406 »ويَستَعطِفُ جَميلَ نَظَرِكَ بِمَكنونِ رَجائِهِ«407 »فَلا تُعرِض بِوَجهِكَ الكَريمِ عَنّي«408 »وَاقبَل مِنّي ما أقولُ «410 »

«إلهي أنت الذي تفيض» الإله المعبود مطلقا حقّا أو باطلاً (كما نعبّر بالفارسيّة خدا وخدايان) ، واللّه علم للذات المستجمع لجميع صفات الكمال ، وإن شئت فقل : إله علم جنس ، واللّه علم شخص ، والفيض من فاض الماء : إذا سال منصبّا ، وأفاض الماء على جسده : أفرغه ، وأفاض الإناء : ملأه حتّى فاض ، أي أنت الذي تصبّ. «سيبك» عطاؤك ، من ساب الماء ، جرى وذهب كلّ مذهب ، وساب في منطقه ؛ أفاض فيه بغير روّية ، فهو العطاء الكثير الوافر بغير حساب ، أي تفيض عطاءك الكثير المتدافق . «على من لا يسألك» كما في الدعاء : «يامن يعطي القليل بالكثير ، ويا من يعطي من لم يسأله ولم يعرفه ؛ تحنّنا منه ورحمةً» . (2) «وعلى الجاحدين بربوبيّتك» الجحد : نفي ما في القلب إثباته ، وإثبات ما في القلب نفيه ، قال تعالى : «وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ » ، (3) وجحده جحدا أنكره مع علمه به ، والربوبية والربابة : اسم من الربّ ، وهو من أسمائه تعالى ، والمالك والسيّد والمطاع والمصلح. قال الراغب : «الربّ في الأصل التربية ، وهو إنشاء الشيء حالاً فحالاً إلى حدّ التمام... فالربّ مصدر مستعار للفاعل ، ولا يقال الربّ مطلقا إلّا للّه تعالى المتكفّل بمصلحة الموجودات ، نحو قوله : «بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ » (4) ... ويقال : ربّ الدار وربّ الفرس لصاحبها ، وعلى ذلك قول اللّه تعالى : «اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ » (5) » ، (6) فاللّه تعالى يعطي الكافرين ويفيض عليهم من سيبه ، كيف وقد قال تعالى : «وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ * وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالآْخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ » . (7) «فكيف سيّدي بمن سألك» وليس بكافر ولا جاحد بل «وأيقن» اليقين : من صفة العلم فوق المعرفة والدراية وأخواتها ، يقال : علم يقين ولا يقال : معرفة يقين ، وهو سكون الفهم مع ثبات الحكم ، يقال : يقن الأمر ؛ أي ثبت ووضح فهو يقين ، ويقال : علم اليقين وعين اليقين وحقّ اليقين . (8) أي كيف يكون سيبك وفيضك بمن سألك مع اليقين «بأنّ الخلق لك» ولا إله سواك. «والأمر إليك» المراد من الأمر هو ما في قوله تعالى : «وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَْمْرُ كُلُّهُ » ، (9) و «إِنَّ الأَْمْرَ كُلَّهُ للّه ِِ » ، (10) وهو الشأن أو الشيء ، أو المراد الطلب ، وجمعه الأوامر ، أي كلّ ما يحدث لا يكون إلاّ بأمره تعالى ، فسيبك عليهم أولى وأجدر. «تباركت» تقدّست وتنزّهت ، كقوله تعالى : «فَتَبارَكَ اللّه ُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ » ، (11) و «تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ » ، (12) ويمكن أن يكون المراد كثرة الخير منه تعالى ، أي كثر خيرك ، فيكون التفاعل هنا للمبالغة لا بمعنى فاعل. «وتعاليت» تعالى : أي ذهب صعدا ، فيه مبالغة ، إذ التفاعل بين الاثنين ، فإذا أُسند إلى واحد فإمّا أن يكون بمعنى المجرّد كما قيل ، أو للمبالغة كما قاله الراغب ، قال : «قوله : إنّه هو العليّ الكبير ، (13) «إِنَّ اللّه َ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً » ، (14) فمعناه يعلو أن يحيط به وصف الواصفين ، بل علم العارفين ، وعلى ذلك يقال تعالى ، نحو : «تَعالَى اللّه ُ عَمّا يُشْرِكُونَ » ، (15) وتخصيص لفظ التفاعل لمبالغة ذلك منه لا على سبيل التكلّف ، كما يكون من البشر...» . (16) «يا ربّ العالمين» وقد تقدّم الكلام في الربّ ، وهو السيّد المطاع والرئيس والمدبّر ، وكذا تقدّم الكلام في العالمين أيضا ، قال الراغب : «وقال جعفر بن محمّد : عنى به الناس وجعل كلّ واحد منهم عالما ، وقال : العالم عالمان : الكبير وهو الفلك بما فيه ، والصغير هو الإنسان ؛ لأنّه مخلوق على هيئة العالم ، وقد أوجد اللّه تعالى فيه كلّ ما هو موجود في العالم الكبير» . (17) «سيّدي عبدك ببابك» ، شبّه نفسه كسائل وقف باب إنسان غنيّ يطلب منه الحاجة ، وفي الصحيفة : «فهأنذا يا إلهي واقف بباب عزّك» ، (18) و«بابك مفتوح للراغبين» ، (19) والباب يقال لمدخل الشيء ، وأصل ذلك مداخل الأمكنة ، كباب المدينة والدار والبيت ، وجمعه أبواب... ومنه يقال في العلم باب كذا ، (20) ووصف نفسه بالعبودية وهي إظهار التذلّل ، والعبد يقال على أربعة أضرب : الأوّل : عبد بحكم الشرع ، وهو الإنسان الذي يصحّ بيعه . الثاني : عبد بالإيجاد ، وذلك ليس إلّا للّه ، وإيّاه قصد بقوله : «إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأَْرْضِ إِلاّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً » . (21) الثالث : عبد بالعبادة والخدمة ، والناس في هذا ضربان : عبد للّه مخلصا وهو المقصود في القرآن [بالنسبة إلى الأنبياء عليهم السلام ] ، كقوله تعالى : «وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ » ، (22) و... وعبد للدنيا وأعراضها ... . (23) «أقامته الخصاصة» عبّر عن الفقر الذي لم يسدّ بالخصاصة ، كما عبّر عنه بالخلّة ، قال تعالى : «وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ » ، (24) وهو من خَصّ يخصُّ ، من باب علم يعلم ؛ أي افتقر ، وإذا كان من نصر ينصر يكون بمعنى التخصيص والتفضيل ، خصّه بالشيء أي فضّله به ، وخصّه بالودّ أي أحبّه دون غيره ، ضدّ عمّمه. «بين يديك يقرع باب إحسانك» ، الإحسان يقال على وجهين : أحدهما : الإنعام على الغير ، يقال أحسن إلى فلان ، والثاني : إحسان في فعله ، وذلك إذا علم علما حسنا أو عمل عملاً حسنا ، وعلى هذا قول أمير المؤمنين عليه السلام : «الناس أبناء ما يحسنون» ، (25) أي منسوبون إلى ما يعلمون وما يعملونه من الأفعال الحسنة ، قوله تعالى : «الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ » ، (26) والإحسان أعمّ من الإنعام... فالإحسان فوق العدل ، وذاك أنّ العدل هو أن يعطي ما عليه ويأخذ ما له ، والإحسان أن يعطي أكثر ممّا عليه ويأخذ أقلّ ممّا له . (27) «بدعائه» الدعاء كالنداء ، ويقال : ودعوته ؛ إذا سألته وإذا استغثته ، ادع ربّك ؛ أي سله ، ودعاه يدعوه دعاءً : رغب إليه واستعانه ، فالدعاء هو النداء ، ولكنّ الغرض مختلف ، فقد يكون للرغبة فيه والشوق إليه ، وقد يكون لسؤال شيء ، وقد يكون للاستعانة. «فلا تعرض» أعرض عنه : أضرب وصدّ ، وحقيقته جعل الهمزة للصيرورة ، أي أخذت عرضا ، أي جانبا غير الجانب الذي هو فيه ، (28) فإذا قيل أعرَضَ عنّي ؛ فمعناه ولّى مبديا عرضه ، قال : فأعرض عنهم ثمّ أعرض عنها... وربّما حُذفت عنه استغناءً عنه ، نحو «فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ » . (29) «بوجهك الكريم عنّي» أصل الوجه الجارحة ، ولمّا كان الوجه أوّل ما يستقبلك وأشرف ما في ظاهر البدن ، استُعمل في مستقبل كلّ شيء وفي أشرفه ومبدئه ، فقيل : وجه كذا ووجه النهار ، وربّما عبّر عن الذات في قول اللّه : «وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِْكْرامِ » ، (30) وقيل : أراد بالوجه هنا التوجّه إلى اللّه تعالى بالأعمال الصالحة... أو الوجه الذي يُؤتى منه وما أُريد به اللّه تعالى . (31) والمراد هنا الجارحة ، والوجه الكريم : المرضي في حسنه وجماله ، والكريم صفة لكلّ ما يُرضى ويُحمد . «وأقبل منّي ما أقول» لك .

.


1- . الخَصاصة : الفقر والحاجة إلى الشيء (النهاية : ج 2 ص 37) .
2- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 251 .
3- . النمل: 14.
4- . سبأ : 15.
5- . يوسف : 42.
6- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 184.
7- . الزخرف : 34 _ 36 .
8- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 552 .
9- . هود : 123.
10- . آل عمران : 154 .
11- . المؤمنون : 14.
12- . الفرقان : 1 .
13- . الاستئناس بالآية 62 من سورة الحجّ.
14- . النساء : 34.
15- . النحل : 3.
16- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 345.
17- . المصدر السابق : ص 345.
18- . الصحيفة السجّادية: الدعاء 12.
19- . المصدر السابق : الدعاء 46.
20- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 64.
21- . مريم: 93.
22- . ص : 17.
23- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 319.
24- . الحشر : 9.
25- . الكافي : ج 1 ص 51 ، تحف العقول : ص 208 ، الاختصاص : ص 2 ، كنز الفوائد : ص 147.
26- . السجدة : 7.
27- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 119.
28- . اُنظر: المصباح المنير: ص 55 .
29- . سبأ : 16.
30- . الرحمن : 27.
31- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 514 .

ص: 235

. .

ص: 236

. .

ص: 237

. .

ص: 238

فَقَد دَعَوتُكَ بِهذَا الدُّعاءِ وأنَا أرجو ألّا تَرُدَّني مَعرِفَةً مِنّي بِرَأفَتِكَ ورَحمَتِكَ «411 » إلهي أنتَ الَّذي لايُحفيكَ سائِلٌ«412 »ولا يَنقُصُكَ نائِلٌ«413 »أنتَ كَما تَقولُ وفَوقَ ما نَقولُ«414 »اللّهُمَّ إنّي أسأَلُكَ صَبرا جَميلاً وفَرَجا قَريبا وقَولاً صادِقا وأجرا عَظيما «415 »

«فقد دعوتك» ، أي دعوتك ورغبت إليك أو ابتهلت إليك أو استغثت واستعنت بك «بهذا الدعاء» ، مصدر دعا يدعو دعاء ، وهذا إشارة إلى الجملات المتقدّمة المشتملة على الابتهال والاستغاثة والتضرّع وعرض الحوائج. «وأنا أرجو ألّا تردّني» أي أُومّل ألّا تصرفني غير مقضيّ الحاجة ، من ردّه أي صرفه ولم يقبله. «معرفة منّي» والمعرفة _ بكسر الراء _ : إدراك الشيء على ما هو عليه ، وهي مسبوقة بنسيان حاصل بعد العلم ، وعن الكلّيات لأبي البقاء : «العلم يُقال لإدراك الكلّي أو المركّب ، والمعرفة تُقال لإدراك الجزئي أو البسيط ، لهذا يُقال : عرفت اللّه دون علمته» . (1) وقال الراغب : «المعرفة والعرفان إدراك الشيء بتفكّر وتدبّر لأثره ، وهو أخصّ من العلم ، ويضادّه الإنكار ، ويقال : فلان يعرف اللّه ، ولا يقال : يعلم اللّه ، متعدّيا إلى مفعولٍ واحد ؛ لما كان معرفة البشر للّه هي بتدبّر آثاره دون إدراك ذاته ، ويقال : اللّه يعلم كذا ولا يقال : يعرف كذا ؛ لما كانت المعرفة تُستعمل في العلم القاصر المتوصّل به بتفكّر ، وأصله من عرفت ، أي أصبت عَرْفَه أي رائحته ، أو من أصبت عرفه أي خدّه» . (2) يعني أملي ورجائي ناشئ عن معرفتي «برأفتك» ، والرأفة : أشدّ الرحمة «ورحمتك» ، وهي رقّة القلب وانعطاف يقتضي التفضّل والإحسان والمغفرة ، قال في المجمع في الفرق بينهما : «الرأفة أرقّ من الرحمة ، ولاتكاد تقع في الكراهة ، والرحمة تقع في الكراهة للمصلحة» ، (3) وكذا في النهاية لابن الأثير . (4) «إلهي أنت الذي لا يحفيك سائل» الإحفاء في السؤال : التنزّع في الإلحاح في المطالبة أو فيالبحث عن تعرّف الحال ، وعلى الأوّل يقال : أحفيت السؤال وأحفيت فلانا في السؤال ، قال اللّه تعالى : «إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا » ، (5) وفي الحديث : «أمر أن تُحفى الشوارب وتعفى اللّحى» ، (6) أي يبالغ في أخذها وتترك اللّحى ، وفي المجمع : «وفي الدعاء لا يحفيه سائل ، قيل : معناه أي يمنعه» . (7) وفي الفائق : «الحفو : المنع ، يقال : حفاه من الخير أي منعتنا (أي من عطس فوق ثلاث) أن نشمتك بعد الثلاث» . (8) أي لا يمنعك السائل إجابة مطلوبه ، ولكن الذي يخطر بالبال أنّ سؤال السائل لا يحفى جودك وكرمك وخزائنك ؛ لأنّك كلّما أعطيت وتفضّلت لا ينفد ما عندك ولا يقلّ كرمك وجودك ، ولك خزائن السماوات والأرض ، ولا يزيدك الإعطاء إلّا جودا وكرما ، قال سبحانه : «إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ » . (9) وعلى هذا يكون قوله : «ولا ينقصك نائل» بيانا لما تقدّم ، وفي الصحيفة : «يا من لا يحفيه سائل ، ولا ينقصه نائل» ، (10) وفسّره السيّد : أي لا يبرح بك ، يعنى لا يغضبك إحفاء السائل فيمنعك عن العطاء ، فيكون في المعنى كقوله : «ولا يبرمه الحاح الملحّين» . (11) «أنت كما تقول» في أوصافك في القرآن الكريم والسنّة النبويّة صلى الله عليه و آله مثلاً ، كقوله تعالى : «للّه ِِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالأَْرْضِ » ، (12) و «ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللّه ِ باقٍ » ، (13) «للّه ِِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالأَْرْضِ » ، (14) و «يا أَيُّهَا النّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللّه ِ وَاللّه ُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ » ، (15) و «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ » (16) و... . «وفوق ما نقول» أي فوق ما يتصوّره البشر ويعتقده فيه سبحانه لولا هداية اللّه تعالى ، كما قال تعالى : «سُبْحانَ اللّه ِ عَمّا يَصِفُونَ » ، (17) و «فَسُبْحانَ اللّه ِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمّا يَصِفُونَ » ، (18) و «سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً » . (19) «اللّهمّ» يااللّه أُبدل من الياء في أوّله الميمان في آخره ، وخصّ بدعاء اللّه ، وقيل : تقديره يااللّه أمتنا بخير ، مركّب تركيب حيّهلا ، (20) مخفّف بالحذف ؛ لكثرة الدوران على الألسن . (21) «إنّي أسألك صبرا جميلاً» الصبر : الإمساك في ضيق وحبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع ، وقد مرّ الكلام فيه ، وقد أمر بالصبر في الشرع ، قال أبو عبد اللّه عليه السلام : «يا حفص ، من صبر صبر قليلاً ، وإنّ من جزع جزع قليلاً ، ثمّ قال : عليك بالصبر في جميع أُمورك ، فإنّ اللّه عزّ وجلّ بعث محمّدا صلى الله عليه و آله فأمره بالصبر والرفق ، فقال : «وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ » (22) الآية ، وقال : «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ » (23) الآية ، فصبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتّى نالوه بالعظائم ورموه بها ، فضاق صدره ، فأنزل اللّه تعالى : «وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السّاجِدِينَ » ، (24) ثمّ كذّبوه ورموه فحزن لذلك ، فأنزل اللّه (عزّ وجلّ) : «قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ » (25) الآية ، فألزم النبيّ صلى الله عليه و آله نفسه الصبر ، فتعدّوا فذكروا اللّه تعالى وكذّبوه فقال : قد صبرت في نفسي وأهلي وعرضي ولا صبر لي على ذكر إلهي ، فأنزل اللّه تعالى : «وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالأَْرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ * فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ » ، (26) فصبر النبي في جميع أحواله ثمّ بشّر في عترته بالأئمّة عليهم السلام ووصفوا بالصبر ، فقال جلّ ثناؤه : «وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ » ، (27) فعند ذلك قال صلى الله عليه و آله : الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد ، فشكر اللّه (عزّ وجلّ) ذلك له ، فأنزل اللّه (عزّ وجلّ) : «وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا » (28) الآية ، فقال صلى الله عليه و آله : إنّه بشرى وانتقام ، فأباح اللّه (عزّ وجلّ) له قتال المشركين ، فأنزل اللّه : «فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ » (29) الآية ، فقتلهم اللّه على يدي رسول اللّه وأحبّائه ، وجعل له ثواب صبره مع ما ادّخر له في الآخرة ، فمن صبر واحتسب لم يخرج من الدنيا حتّى يقرّ اللّه عينه في أعدائه ، مع ما يدّخر له في الآخرة» . (30) هذا ، والأحاديث في فضل الصبر كثيرة جدّا ، وفي الصحيفة : «وأيّدني منك بنيّة صادقة وصبر دائم» ، (31) و«اللّهمّ إنّي أعوذ بك من... ضعف الّصبر» ، (32) بل لا يمكن الوصول إلى المقاصد الدنيوية والأخروية إلّا بالصبر على المكاره وما لا تهوي الأنفس ، قال اللّه تعالى : «وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ » ، (33) و «اصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلاّ بِاللّه ِ » ، (34) و «اصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُْمُورِ » ، (35) وإذا أردنا سعادة الدنيا والآخرة فلا بدّ من أن نسأل اللّه سبحانه الصبر على المكاره والصبر على الطاعات والصبر على المعاصي . والمراد من طلب الصبر هو الصبر إذا ابتلي الانسان بما يكره ، لا طلب البلاء والاستعداد لها ؛ لأنّ أحسن الدعاء هو طلب العافية ، وقد ورد في الحديث عن معاذ بن كثير قال : «كنت مع النبي صلى الله عليه و آله فمرّ برجل يدعو هو يقول : أسألك اللّهمّ الصبر ، فقال له النبيّ صلى الله عليه و آله : سألت البلاء فاسأل اللّه العافية» . (36) فنسأل اللّه العافية في الدارين والصبر إذا ابتلينا صبرا جميلاً ، وفي الحديث عن جابر قال : «قلت لأبي جعفر عليه السلام : يرحمك اللّه ، ما الصبر الجميل؟ قال : ذلك صبر ليس فيه شكوى إلى الناس» ، (37) وعن أبي الحسن الثالث عليه السلام ، عن آبائه عليهم السلام ، قال : «قال الصادق عليه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ في قول يعقوب : «فَصَبْرٌ جَمِيلٌ » (38) قال : بلا شكوى» . (39) «وفرجا قريبا» الفَرَج انكشاف الغمّ ، يقال : فرّج اللّه عنك. «وقولاً صادقا» الصدق والكذب أصلهما في القول ماضيا كان أو مستقبلاً ، وعدا كان أو غيره ، ولا يكونان بالقصد الأوّل إلاّ في القول ، ولا يكونان في القول إلّا في الخبر دون غيره من أصناف الكلام ، ولذلك قال : «وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّه ِ قِيلاً » ، (40) «وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّه ِ حَدِيثاً » ، (41) «إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ » ، (42) وقد يكونان بالعرض في غيره من أنواع الكلام... والصدق : مطابقة القول : الضمير والمخبر عنه معا ، ومتى انجزم شرط من ذلك لم يكن صادقا تامّا... . (43) فإن طابق الواقع دون الضمير فهو صدق الخبر ، وإن كان مطابقا للضمير دون الواقع فهو صدق المخبر ، يسأل اللّه الصدق في القول ، أي قوله : «لا إله إلّا اللّه ومحمّد رسول اللّه وعليّ واللّه » كما في الدعاء : «اقبض على الصدق نفسي» ، (44) أو سائر أقواله في وعده وإخباره من أقسام القول ، فإن أُريد من القول هو اللّفظ المركّب من الحروف فهو ، وإن أُريد أعمّ من اللفظ بأن يقال للمتصوّر منه في النفس قبل الإبراز باللفظ ، أو أعمّ منه ومن الاعتقاد و... يشمل الصدق في جميع أنواع الصدق حتّى في الطلب والدعاء ، وفي الحديث : «فاسألوا اللّه ربّكم بنيّاتٍ صادقة» ، (45) وفي الحديث عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «إنّ اللّه (عزّ وجلّ) لم يبعث نبيّا إلّا بصدق الحديث وأداء الأمانة للبرّ والفاجر» ، (46) وعنه عليه السلام : «من صدق لسانه زكا عمله» ، (47) وعن أبي جعفر عليه السلام : «تعلّموا الصدق قبل الحديث» ، (48) وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «زينة الحديث الصدق» . (49) «وأجرا عظيما» في الدعاء أو في الصبر وتحمّل المصائب والمتاعب والمشاقّ.

.


1- . الكليّات لأبي البقاء : ص 611 .
2- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 331.
3- . مجمع البحرين : ج 2 ص 113.
4- . اُنظر : النهاية : ج 2 ص 176 .
5- . محمّد : 37 ، اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 125.
6- . اُنظر :الأمالي للسيد المرتضى :ج4ص105، الفائق في غريب الحديث:ج1 ص257 ،الرواشح السماوية :ص233.
7- . مجمع البحرين : ج 1 ص 542 .
8- . الفائق في غريب الحديث : ج 1 ص 257.
9- . ص : 54 .
10- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 48 وقع هذه الجملة في الدعوات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 90 ص 44 ، «إنّك اللّه الماجد ، لا يحفيك سائل ، ولا ينقصك نائل ، ولا يزيدك كثرة الدعاء إلّا جودا وكرما» ؛ وج 94 ، ص 107 : «واسألك يامولاي فإنّ سؤالي لا يحفيك» ؛ وج 97 ص 148 : «لا يبلغ مدحتك قول قائل ، ولا ينقصك نائل ولا يحفيك سائل».
11- . اُنظر : رياض السالكين : ج 6 ص 208 ، وج 7 ص 270.
12- . آل عمران : 189 .
13- . النحل : 96 .
14- . المنافقون : 7.
15- . فاطر : 15.
16- . الشورى : 11.
17- . المؤمنون: 91، و الصافّات : 159 .
18- . الأنبياء : 22.
19- . الإسراء : 43.
20- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 22.
21- . مجمع البحرين : ج 1 ص 95.
22- . المزمّل : 10.
23- . المؤمنون : 96.
24- . الحجر : 97 و 98 .
25- . الأنعام : 33.
26- . ق : 38 _ 39.
27- . السجدة : 24.
28- . الأعراف : 137.
29- . التوبة : 5 .
30- . الكافي : ج 2 ص 89 ، مشكاة الأنوار : ص 57 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 9 ص 202 .
31- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 14.
32- . المصدر السابق : الدعاء 8 .
33- . البقرة : 45 .
34- . النحل : 127 .
35- . لقمان : 17.
36- . معاني الأخبار : ص 23 ، بحار الأنوار : ج 81 ص 172.
37- . الكافي : ج 2 ، بحار الأنوار : ج 71 ص 83 .
38- . يوسف : 18.
39- . الأمالي للطوسي : ص 294 ، بحار الأنوار : ج 71 ص 87 .
40- . النساء : 122.
41- . النساء: 87 .
42- . مريم : 54 .
43- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 277 .
44- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 54 .
45- . الأمالي للصدوق : ص 154 ، روضة الواعظين : ص 345 ، الإقبال : ج 1 ص 36 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 93 ص 356 .
46- . الكافي : ج 2 ص 104 ، مشكاة الأنوار : ص 96 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 11 ص 67 .
47- . الكافى : ج 2 ص 104 ، الخصال : ص 88 ، تحف العقول : ص 295 ، الأمالي للطوسي : ص 245 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 1 ص 140 .
48- . الكافي : ج 2 ص 104 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 68 ص 3 .
49- . الأمالي للصدوق : ص 576 ، بحار الأنوار : ج 68 ص 9 .

ص: 239

. .

ص: 240

. .

ص: 241

. .

ص: 242

. .

ص: 243

أسأَلُكَ يا رَبِّ مِنَ الخَيرِ كُلِّهِ ما عَلِمتُ مِنهُ وما لَم أعلَم «416 »أسأَلُكَ اللّهُمَّ مِن خَيرِ ما سَأَلَكَ مِنهُ عِبادُكَ الصّالِحونَ «417 »يا خَيرَ مَن سُئِلَ وأجوَدَ مَن أعطى «418 »أعطِني سُؤلي في نَفسي وأهلي ووالِدَيَ ووَلَدي وأهلِ حُزانَتي (1) وإخواني فيكَ «419 »وأرغِد عَيشي«420 » وأظهِر مُرُوَّتي«421 »وأصلِح جَميعَ أحوالي «422 »وَاجعَلني مِمَّن أطَلتَ عُمُرَهُ وحَسَّنتَ عَمَلَهُ «423 »وأتمَمتَ عَلَيهِ نِعمَتَكَ ورَضيتَ عَنهُ «424 »وأحيَيتَهُ حَياةً طَيِّبَةً في أدوَمِ السُّرورِ وأسبَغِ الكَرامَةِ وأتَمِّ العَيشِ «425 » إنَّكَ تَفعَلُ ما تَشاءُ ولا يَفعَلُ ما يَشاءُ غَيرُكَ «426 »

«أسألك» السؤال : استدعاء معرفة أو ما يؤدّي إلى المعرفة ، واستدعاء مال أو ما يؤدّي إلى المال ، والمعنى أطلبك وأستدعي ، والسؤال للمعرفة يكون تارةً للاستعلام ، وتارةً للتبكيت ، كقوله تعالى : «وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ » ، (2) ولتعرف المسؤول ، والسؤال إذا كان للتعريف تعدّى إلى المفعول الثاني ، تارةً بنفسه وتارةً بالجارّ ، تقول : سألته كذا وسألته عن كذا وبكذا ، و ب «عن» أكثر... وإذا كان السؤال لاستدعاء مال فإنّه يتعدّى بنفسه أو ب «من» نحو : «وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ » ، (3) «وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ » ، (4) «وَسْئَلُوا اللّه َ مِنْ فَضْلِهِ » . (5) «ياربّ من الخير كلّه» الربّ الرئيس والمدبّر كما تقدّم ، والخير ما يرغب فيه الكلّ ، كالعقل والعدل والفضل والشيء النافع ، وضدّه الشرّ ، هذا في الخير المطلق ، وقد يطلق على الخير الإضافي ، كالمال يكون خيرا لزيد وشرّا لعمرو مثلاً ، ويطلق للأعمال الصالحة. «ما علمت منه وما لم أعلم» فإنّ الإنسان إدراكاته محدودة ، ولأجل ذلك معرفة الخير والشرّ قليلة ، فعسى أن يحبّ شيئا وهو شرّ له أو يكره شيئا وهو خير له ، ولذلك عمّم طلب الخير لما علم ولما لم يعلم. «أسألك اللّهمّ من خير ما سألك منه عبادك الصالحون» قال الراغب : «الخير والشرّ يقالان على وجهين : أحدهما : أن يكونا اسمين كما تقدّم (6) ، وهو قوله : «وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ » . (7) والثاني : أن يكونا وصفين وتقديرهما تقدير أفعل منه ، نحو : هذا خير من ذاك وأفضل ، وقوله : «نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها » ، (8) وقوله : «وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ » ، (9) فخيرها هنا يصحّ أن يكون اسما وأن يكون بمعنى أفعل...» . (10) فالمراد هنا هو معنى أفعل منه ، يعني أسألك أفضل ما سألك منه عبادك الصالحون. «ياخير من سُئل» والخير هنا أيضا بمعنى أفعل منه ؛ لأجل أنّه منتهى مطلب الحاجات وعنده نيل الطلبات ، ولا يبيع نعمه بالأثمان ، ولا يكدّر عطاياه بالامتنان ، ولا يغلق بابه ولا تأخذه سنة ولا نوم ، إلى آخر ما تقدّم من أسمائه الحسنى وصفاته العليا تبارك وتعالى. «وأجود من أعطى» والجود : بذل المقتنيات مالاً كان أو علما ، وعن أحمد بن سليمان قال : «سأل رجل أبا الحسن عليه السلام وهو في الطواف ، فقال له : أخبرني عن الجواد ، فقال : إنّ لكلامك وجهين : فإن كنت تسأل عن المخلوق ، فإنّ الجواد الذي يؤدّي ما افترض اللّه (عزّ وجلّ) عليه ، والبخيل من بخل بما افترض اللّه عليه ، وإن كنت تعني الخالق فهو الجواد إن أعطى ، وهو الجواد إن منع ؛ لأنّه إن أعطى عبدا أعطاه ما ليس له وإن منع منع ما ليس له» . (11) والمراد هنا أنّه تعالى أكثر بذلاً ، وفي الصحيفة «تجود على من لو شئت منعته» ، (12) و«سبحانك من جواد ما أوسعك» ، (13) و«امتلأت بفيض جودك أوعية الطلبات» ، (14) وأنّه يعطي من سأله ويعطي من لم يسأله ولم يعرفه ، بل يعطي الجاحدين لربوبيّته كما تقدّم. «أعطني سؤلي» أي سؤالي ، وسؤلي وسولي بالضمّ مهموزا وعدمه : الحاجة ، وما سألته «في نفسي وأهلي» الأهل : العشيرة وذوو القربى ، وأهل الرجل : زوجته ، وأهل كلّ نبيّ أُمّه ، وأهل البلد والبيت سكّانه ، وأهل الأمر ولاته . (15) والمراد هنا حسب السياق العشيرة أو الزوجة. «ووالديّ» الأب والأُمّ ، «وولدي» بضمّ الواو وسكون اللّام كلّ من ولّده ، والجمع الأولاد ، ويُطلق على الواحد والجمع والصغير والكبير والمذكّر والمؤنّث . «وأهل حزانتي» الحزانة كثمامة : عيال الرجل الّذين يتحزّن بأمرهم . «وإخواني فيك» ، الأخ من جَمَعك وإيّاه صلب أو بطن ، والجمع آخاء وإخوة وأخون وإخوان ، وقيل : الإخوة جمع الأخ من النسب ، والإخوان جمع الأخ من الصداقة ، والأخ كلّ مشارك لغيره في القبيلة أو في الدين أو في الصنعة أو في المعاملة ، وإخواني فيك ؛ أي الأخ في اللّه تعالى ، قال سبحانه : «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ » . (16) والأحاديث في اختيار الأخ في اللّه تعالى وحقوق الإخوان كثيرة ، (17) وكذا الأحاديث في الدعاء للإخوان بظهر الغيب ، (18) وعن الصادق عليه السلام : «إنّ دعاء المؤمن لأخيه بظهر الغيب مستجاب ، ويدرّ الرزق ، ويدفع المكروه» ، (19) وعن عبد اللّه بن سنان ، قال : «مررت بعبد اللّه بن جندب فرأيته قائما على الصفا وكان شيخا كبيرا ، فرأيته يدعو ويقول في دعائه : اللّهمّ فلان بن فلان ، اللّهمّ فلان بن فلان ، اللّهمّ فلان بن فلان ، ما لم أحصهم كثرةً ، فلمّا سلّم قلت له : يا عبد اللّه ، لم أرَ موقفا قطّ أحسن من موقفك ، إلّا أنّي نقمت عليك خلّة واحدة ، فقال لي : وما الذي نقمت عليّ؟ فقلت له : تدعو للكثير من إخوانك ولم أسمعك تدعو لنفسك شيئا ، فقال لي : ياعبد اللّه ، سمعت مولانا الصادق عليه السلام يقول : من دعا لأخيه المؤمن بظهر الغيب نودي من أعنان السماء : لك ياهذا مثل ما سألت في أخيك ، ولك مئة ألف ضعف مثله ، فلم اُحبّ أن أترك مئة ألف ضعف مضمونة بواحدة لا أدري يُستجاب أم لا» . (20) «وأرغد» رغد عيشه : طاب واتّسع ، قال تعالى : «وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما » ، (21) و «فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً » . (22) «عيشي» العيش : الحياة المختصّة بالحيوان ، وهو أخصّ من الحياة ؛ لأنّ الحياة تقال في الحيوان وفي الباري تعالى وفي الملك ، ويشتقّ منه المعيشة لما يتعيّش منه . (23) «وأظهر مروّتي» ، المروءة كسهولة : مصدر مروء ، والنخوة وكمال الرجولية ، وفي المصباح : «المروءة آداب نفسانية تحمل مراعاتها الإنسان على الوقوف عند محاسن الأخلاق وجميل العادات ، وقد تُقلب الهمزة واوا وتُدغم فيقال : مروءة» . (24) عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «المروءة مروءتان : مروءة الحضر ومروءة السفر ، فأمّا مروّة الحضر فتلاوة القرآن ، وحضور المساجد ، وصحبة أهل الخير ، والنظر في الفقه ، وأمّا مروءة السفر فبذل الزاد في غير ما يسخط اللّه ، وقلّة الخلاف على من صحبك ، وترك الرواية عليهم إذا فارقوك» . (25) قال أمير المؤمنين عليه السلام : «لا تتمّ مروءة الرجل حتّى يتفقّه في دين ، ويقتصد في معيشته ، ويصبر على النائبة إذا نزلت به ، ويستعذب مرارة إخوانه» . (26) قال الشهيد رحمه الله : «المروءة تنزيه النفس عن الدناءة الّتي لا تليق بأمثاله كالسخرية ، وكشف العورة الّتي يتأكّد استحباب ستر في الصلاة ، والأكل في الأسواق غالبا» . (27) وروي أنّ الباقر عليه السلام قال يوما لمن حضره : «ما المروّة ؟ فتكلّموا : فقال عليه السلام : المروّة ألّا تطمع فتذلّ ، ولا تسأل فتقلّ ، ولا تبخل فتشتم ، ولا تجهل فتُخصم . فقيل : ومن يقدر على ذلك؟ فقال عليه السلام : من أحبّ أن يكون كالناظر في الحدقة ، والمسك في الطيب ، كالخليفة في يومكم هذا في القَدْر» . (28) يطلب من اللّه سبحانه إظهار مروءته ، ولعلّ المراد توفيق العمل بأوصاف هي المروءة ، كما مرّ في الحديث ، أو أراد أن يكون له لسان صدق في الآخرين. «وأصلح جميع أحوالي» الصلاح ضدّ الفساد ، وهما مختصّان في أكثر الاستعمال بالأفعال ، وقوبل في القرآن تارةً بالفساد ، وتارة بالسيّئة ، قال : «خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً » ، (29) «وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَْرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها » (30) ... وإصلاح اللّه تعالى الإنسان يكون تارةً بخلقه إيّاه صالحا ، وتارةً بإزالة ما فيه من فساد بعد وجوده ، وتارةً يكون بالحكم له بالصلاح . (31) أي أزل الفساد عنها ، أو حسّن جميع أحوالي ، والحال تُستعمل في اللّغة للصفة التي عليها الموصوف ، وفي تعارف أهل المنطق لكيفية سريعة الزوال نحو حرارة وبرودة . (32) والمعنى : أزل الفساد عن جميع أوصافي وحالاتي. «واجعلني ممّن أطلت عمره» أي جعلت عمره طويلاً . «وحسّنت عمله» حسّنه : أي جعله حسنا وزيّنه ، والمراد هنا طلب طول العمر مع العمل بالأعمال الصالحة ومحاسن الأعمال نقيض مساوئها ، يعني أن يطوّل اللّه عمره ويهديه ويوفّقه على الصالحات. وفي الصحيفة : «وعمّرني ما كان عمري بذلة في طاعتك ، فإذا كان عمري مرتعا للشيطان ، فاقبضني إليك قبل أن يسبق مقتك إليّ أو يستحكم غضبك عليّ» . (33) وفي أمالي الشيخ رحمه الله عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إنّ اللّه تعالى لم يجعل للمؤمنين أجلاً في الموت ، يبقيه ما أحبّ البقاء ، فإذا علم منه أنّه سيأتي بما فيه بوار دينه ، (34) قبضه إليه مكرما» . (35) وعن الصادق ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم السلام ، قال : «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : طوبى لمن طال عمره ، وحسن عمله فحسن منقلبه إذ رضي عنه ربّه ، وويل لمن طال عمره وساء عمله ، فساء منقلبه إذ سخط عليه ربّه عزّ وجلّ» ، (36) وفيه : «يا عليّ ، طوبى لمن طال عمره وحسن عمل» . (37) «وأتممت عليه نعمتك» تمام الشيء انتهاؤه إلى حدّ لا يحتاج إلى شيء خارج عنه والناقص ، قال عزّ وجلّ : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي » ، (38) والنعمة نعمتان : مادّي ممّا يدرك بالحواسّ ، ومعنويّ يُدرك بالعقول ، «وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللّه ِ لا تُحْصُوها » ، (39) فمن أتمّ اللّه عليه نعمه في الحياة الدنيا يجمع له النعم المادّية مع المعنويّة ، ولعلّ المراد في قوله تعالى : «وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي » هو ذلك. وفي الحديث : «من أصبح وأمسى وعنده ثلاث ، فقد تمّت عليه النعمة في الدنيا : من أصبح وأمسى معافىً في بدنه ، آمنا في سربه ، عنده قوت يومه ، فإن كانت عنده الرابعة فقد تمّت عليه الّنعمة في الدنيا والآخرة ، وهو الإيمان» . (40) «ورضيت عنه» رضا اللّه سبحانه عن عبده هو الفوز العظيم ، قال تعالى : «رَضِيَ اللّه ُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ » ، (41) و «رَضِيَ اللّه ُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللّه ِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللّه ِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ » ، (42) و «رَضِيَ اللّه ُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ » ، (43) ورضا اللّه تعالى عن العبد هو أن يراه مؤتمرا لأمره ومنتهيا عن نهيه. وفي الصحيفة : «بلغني مبالغ من عنيت به وأنعمت على ورضيت عنه» ، (44) «ولا أبلغ رضاك... إلّا بطاعتك» . (45) وفي الحديث : «إنّ موسى عليه السلام قال : ياربّ دلّني على عمل إذا أنا عملته نلت به رضاك ، فأوحى اللّه إليه : يا بن عمران ، أنّ رضائي في كرهك ، ولن تطيق ذلك ، فخرّ موسى ساجدا باكيا ، فقال : ياربّ خصصتني بالكلام ولم تكلّم بشرا قبلي ، ولم تدلّني على عمل أنال به رضاك ، فأوحى اللّه إليه أنّ رضاي في رضاك بقضائي» . (46) ومن وصايا أمير المؤمنين عليه السلام : «ثلاث يبلغن بالعبد رضوان اللّه : كثرة الاستغفار ، وخفض الجانب ، وكثرة الصدقة ». (47) وفيه : «إنّ موسى عليه السلام قال : ياربّ أخبرني عن آية رضاك عن عبدك ، فأوحى اللّه إليه : إذا رأيتني اُهيئ عبدي لطاعتي ، وأصرفه عن معصيتي ، فذلك آية رضاي» . (48) «وأحييته حياةً طيّبة» أصل الطيّب ما تستلذّه الحواسّ وما تستلذّه النفس ، والطعام الطيّب في الشرع ما كان متناولاً من حيث ما يجوز ، وبقدر ما يجوز ، (49) قال تعالى : «مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً » . (50) وفي الصحيفة : «فأحيني حياةً طيّبةً تنتظم بما أُريد ، وتبلغ ما أُحبّ من حيث لا آتي ما تكره ، ولا أرتكب ما نهيت عنه» (51) جمع في هذا الدعاء الحياة الطيّبة من جميع أنحائها في الدنيا ، وفسّرت الآية الشريفة بالحياة الأُخروية أو البرزخيّة أو الدنيويّة ، ولا وجه للتخصيص ، بل يستفاد من الآية الكريمة قاعدة كلّية للحياة الطيّبة ، وهي أنّ من كان مؤمنا وعمل صالحا ، أي من كان يجعل اللّه تعالى حياته طيّبة ، فإنّه بإيمانه يعرف الحقّ والباطل فيترك الباطل ويتعلّق قلبه بربّه ، فلا يريد ولا يحبّ إلّا اللّه وقربه ، ولا يخاف إلّا سخطه وبعده ، ويرضى برضاه ، ويجد في نفسه من البهاء والكمال والقوّة والعزّة واللذّة والسرور ما لا يقدّر بقدر ، وليت هذه الحياة الجديدة المختصّة بمنفصلة عن الحياة القديمة المشتركة ، وإن كانت غيرها فإنّما الاختلاف بالمراتب لا العدد . (52) «في أدوم السرور» السرور ما ينكتم من الفرح ، قال تعالى : «وَلَقّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً » ، (53) والسرور بالضمّ : لذّة في القلب عند حصول النفع ، أو توقّعه ، أو اندفاع ضرّ ، وهو والفرح ، والحبور : أُمور متقاربة ، ولكنّ السرور هو الخالص المنكتم ، والحبور ما يُرى أثره في ظاهر البشرة ، هما تستعملان في المحمود ، وأمّا الفرح فهو ما يورث أشرا أو بطرا ، ولذلك يُذمُّ ، فالسرور والحبور يكونان عن القوّة الفكرية ، والفرح يكون عن القوّة الشهوية . (54) يسأل اللّه سبحانه وتعالى الحياة الطيّبة في أدم السرور ، بألّا يعترض ما يشوّشها من السيّئات والمكاره ، والدنيا دار بالبلاء محفوفة ، فهو في الحقيقة يسأل العافية والاستلذاذ من الحياة الطيّبة. «وأسبغ الكرامة» سبغ الشيء سبوغا : تمّ فطال في الأرض ، وسبغ النعمة والمعاش : اتّسعا ، وأسبغ اللّه عليه النعمة : أتمّها ، وأسبغ فلان الوضوء : أبلغه مواضعه ، والكرامة : من كَرُم يكرُم كرامة نفس وعزّ ، وكلّ شيء شرف في بابه ، فإنّه يوصف بالكرم ، والتكريم أن يوصل إلى الإنسان إكرام ، أي نفع لا يلحقه فيه غضاضة ، أو أن يجعل ما يوصل إليه شيئا كريما. «وأتمّ العيش» قد مرّ الكلام في العيش ، يطلب إتمامه بألّا يكون فيه نقص فيما يعيش. «إنّك تفعل ما تشاء ولا يفعل ما يشاء غيرك» أي لك القدرة الكاملة الغير المحدودة ، قال سبحانه : «قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّه ِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ » ، (55) و «يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللّه ُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ » ، (56) و «إِنَّ الأَْرْضَ للّه ِِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ » ، (57) إلى غير ذلك من الآيات الشريفة.

.


1- . الحزانة : عِيال الرجل الّذي يتحزن لهم (مجمع البحرين : ج 1 ص 398) .
2- . التكوير : 8 .
3- . الأحزاب : 53 .
4- . الممتحنة : 10 .
5- . النساء : 32 ، اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 250 .
6- . إشارة إلى ما قدّمه من معنى الخير كما ذكرناه، وقال: إنّ الخير يطلق على المال وعلى المال الكثير .
7- . آل عمران : 104.
8- . البقرة : 106.
9- . البقرة : 184.
10- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 160.
11- . الكافي : ج 4 ص 38 ، التوحيد : ص 373 ، تحف العقول : ص 408 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 4 ص 172 ، و ج 10 ص 246 ، و ج 54 ص 116 .
12- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 45 .
13- . المصدر السابق : الدعاء ، 47 .
14- . المصدر السابق : الدعاء 46 .
15- . اُنظر : مجمع البحرين : ج 1 ص 128 ، العين : ج 4 ص 89 .
16- . الحجرات : 10 .
17- . اُنظر : بحار الأنوار : ج 74 ، و سفينة البحار ومستدركها .
18- . اُنظر : بحار الأنوار : ج 93 ص 382 .
19- . الكافي : ج 2 ص 507 ، قرب الإسناد : ص 6 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 90 ص 383 .
20- . فلاح السائل : ص 43 ، بحار الأنوار : ج 90 ص 290 .
21- . البقرة : 35 .
22- . البقرة : 58 .
23- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 353 .
24- . المصباح المنير : ص 267 .
25- . الأمالي للمفيد: ص44، دعائم الإسلام: ج1 ص346، تحف العقول: ص 374، اُنظر: بحار الأنوار: ج 73 ص313.
26- . تحف العقول : ص 223 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 75 ص 63.
27- . الدروس الشرعيّة : ج 2 ص 125.
28- . تحف العقول : ص 293 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 75 ص 172.
29- . التوبة : 102.
30- . الأعراف : 56 .
31- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 284.
32- . اُنظر : المصدر السابق : ص 138 .
33- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 20.
34- . أي هلاك دينه .
35- . الأمالي للطوسي : ص 305 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 5 ص 140.
36- . الأمالي للصدوق : ص 111 ، روضة الواعظين : ص 475 ، بحار الأنوار : ج 77 ص 113 ، وج 71 ص 172 و 173 ، و ج 69 ص 400 .
37- . بحار الأنوار : ج 77، ص 48 .
38- . المائدة : 3 .
39- . إبراهيم : 34 .
40- . الكافي : ج 8 ص 148 ، تحف العقول : ص 36 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 79 ص 139 _ 140 .
41- . المائدة : 119.
42- . المجادلة : 22.
43- . البيّنة : 8 .
44- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 47.
45- . المصدر السابق : الدعاء 47.
46- . الدعوات : ص 164 ، بحار الأنوار : ج 13 ص 358.
47- . كشف الغمّة : ج 3 ص 41 ، بحار الأنوار : ج 75 ص 81 .
48- . أعلام الدين : ص 283 ، بحار الأنوار : ج 67 ص 26.
49- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 308.
50- . النحل : 97.
51- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 147.
52- . خلاصة من كلام الأُستاذ العلّامة في الميزان في تفسير القرآن : ج 12 ص 366 _ 367 في تفسير الآية الكريمة.
53- . الإنسان : 11 ، اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 228.
54- . أقرب الموارد : ج 2 ص 656.
55- . آل عمران: 73 .
56- . آل عمران : 74 .
57- . الأعراف : 128 .

ص: 244

. .

ص: 245

. .

ص: 246

. .

ص: 247

. .

ص: 248

. .

ص: 249

. .

ص: 250

. .

ص: 251

اللّهُمَّ خُصَّني مِنكَ بِخاصَّةِ ذِكرِكَ «427 » ولا تَجعَل شَيئا مِمّا أتَقَرَّبُ بِهِ في آناءِ اللَّيلِ وأطرافِ النَّهارِ رِياءً ولا سُمعَةً ولا أشَرا ولا بَطَرا«428 »وَاجعَلني لَكَ مِنَ الخاشِعينَ «429 »اللّهُمَّ أعطِنِي السَّعَةَ فِي الرِّزقِ «430 »وَالأَمنَ فِي الوَطَنِ «431 »وقُرَّةَ العَينِ فِي الأَهلِ وَالمالِ وَالوَلَدِ وَالمُقامَ في نِعَمِكَ عِندي «432 » وَالصِّحَّةَ فِي الجِسمِ ، وَالقُوَّةَ فِي البَدَنِ ، وَالسَّلامَةَ فِي الدّينِ «433 »

«اللّهمّ» يااللّه مرّ الكلام فيه . «خصّني منك» التخصيص والاختصاص والخصوصية والتخصّص : تفرّد بعض الشيء بما لا يشاركه فيه الجملة ، وذلك خلاف العموم ، (1) خصّ بالشيء يخصّه : فضّله به وأفرده ، واختصّه بالشيء بمعنى خصّه . أي فضّلني من قبلك «بخاصّة ذكرك» الخاصّة : الذي تخصّه لنفسك ، ويُحتمل في المراد من هذه الجملة : الأوّل : علّمني ذكرا لفظيا خاصّا من بين الأذكار ؛ لأنّ لبعضها أثر خاصّ ليس في غيره ، كما ورد في الأحاديث . الثاني : وفّقني لئن أذكرك ولا أنساك ولا يأخذني غفلة ذكرا خاصّة بجلال وجهك ، كما في الحديث : «يا عليّ ، ثلاث لا تطيقها هذه الأُمّة : المؤاساة للأخ في ماله ، وإنصاف الناس عن نفسه ، وذكر اللّه على كلّ حال ، وليس هو : سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر ، ولكن إذا ورد على ما يحرم عليه خاف اللّه عزّ وجلّ عنده وتركه» . (2) وفيه عن الأصبغ بن نباتة ، : قال : «قال أمير المؤمنين عليه السلام : الذكر ذكران : ذكر اللّه (عزّ وجلّ) عند المصيبة ، وأفضل من ذلك ذكر اللّه عند ما حرّم اللّه عليك ، فيكون حاجزا» ، (3) والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ، (4) ولعلّ هذا المعنى هو المراد من الذكر في القرآن الكريم ، كقوله تعالى : «وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي » (5) و «لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا » . (6) الثالث : أن يكون المراد ذكر اللّه عبده ، أي اذكرني بعناية خاصّة تذكرها بها أنبياءك ورسلك ، قال سبحانه : «فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ » ، (7) و «لَذِكْرُ اللّه ِ أَكْبَرُ » ، (8) أي لذكر اللّه عبده _ وهو يذكّر اللّه بصلاته _ أكبر ، كما فسّره الراغب ، وروي ذلك عن ابن عبّاس ، وروي عن أهل البيت عليهم السلام ، قال الراغب : «الذكر تارةً يقال ويراد به هيئة للنفس بها يمكن للإنسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة ، وهو كالحفظ ، إلّا أنّ الحفظ يقال اعتبارا بإحرازه ، والذكر يقال اعتبارا باستحضاره ، وتارةً يقال لحضور الشيء القلب أو القول ، ولذلك قيل : الذكر ذكران : ذكر بالقلب وذكر باللّسان ، وكلّ واحد منهما ضربان ، ذكر عن نسيان وذكر لا عن نسيان...» . (9) أقول : يمكن أنّه كما أنّ توبة العبد محفوفة بتوبتين من اللّه تعالى ، قال عزّ وجلّ : «ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا » ، (10) فكذلك ذكر العبد ربّه محفوف بذكرين من الربّ ، يذكر اللّه عبده فيوفّق للذكر ، ثمّ اللّه يذكره كما قال : «فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ » . (11) «ولا تجعل شيئا ممّا أتقرّب به رياءً ...» الرياء : فعل الخير لإراءة الغير ، فإن كان العمل عباديّا يتقرّب به إلى اللّه فعمله الإنسان ليراه الغير ، يصير باطلاً ، قال سبحانه : «الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ * وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ » ، (12) وفي الحديث عن الصادق عليه السلام قال لعبّاد بن كثير البصري في المسجد : «ويلك ياعبّاد ! إيّاك والرياء ؛ فإنّه من عمل لغير اللّه وكله اللّه إلى من عمل له» ، (13) وفيه قال أبو عبد اللّه عليه السلام : «كلّ رياء شرك ، إنّه من عمل للناس كان ثواب على الناس ، ومن عمل للّه كان ثوابه على اللّه » . (14) والأحاديث في حرمة الرياء وأنّه شرك وأنّه يبطل العمل كثيرة . (15) وأمّا غير الرياء ممّا ينافي الإخلاص ، نحو قصد الحمية في الصوم والتبرّد في الوضوء والتفرّج والتوحّش عن الأهل والتجارة في الحجّ والخلاص عن المؤونة وسوء الخلق في العتق ، إلى غير ذلك ممّا يخرج العمل عن كونه خالصا للّه تعالى ، فهو أيضا مبطل للعمل الذي يشترط فيها القربة والإخلاص . (16) يطلب من اللّه تعالى ألّا يجعل أعماله رياءً ، أي يوفّقه للإخلاص ولتهذيبه عن هذه الأرجاس القلبيّة ، ويطهّره عن الرذائل الخلقيّة. «ولا سمعة» ، السمعة _ بالضمّ _ : ما يسمع من صيت أو ذكر أو غيره ، وفعله رياء ، وسمعة ؛ أي ليراه الناس ويسمعوه ، قيل : السمعة ما يُذكر من القول الجميل والوعظ ، وما يُقرأ من القرآن وغيره لإراءة الناس وإسماعهم. وفي معاني الأخبار عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى : «فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى » (17) قال : «هو قول الإنسان : صلّيت البارحة وصمت أمس ونحو هذا . ثمّ قال عليه السلام : إنّ قوما كانوا يصبحون فيقولون صليّنا البارحة وصمنا أمس ، فقال علي عليه السلام : لكنّي أنام اللّيل والنهار ولو أجد بينهما شيئا لنمته» . (18) وفيه عن محمّد بن عرفة ، قال : «قال لي الرضا عليه السلام : يا بن عرفة ، اعملوا لغير رياء ولا سمعة ؛ فإنّه من عمل لغير اللّه وكّله اللّه إلى من عمل» . (19) وفيه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «قال أمير المؤمنين عليه السلام : اخشوا اللّه خشيةً ليست بتعذير ، واعملوا للّه في غير رياء ولا سمعة ؛ فإنّ من عمل لغير اللّه وكّله اللّه إلى عمله» . (20) «ولا أشِرا» أشِر من باب علم ؛ أي بطر وفرح ، أو شدّة البطر ، والبطر وهو دهش يعتري الإنسان من سوء احتمال النعمة وقلّة القيام بحقّها وصرفها إلى غير وجهها ، (21) وفي المجمع : «وهو _ كما قيل _ سوء احتمال الغنى والطغيان عند النعمة ، ويقال : هو التجبّر وشدّة النشاط» . (22) «ولا بطرا» البطر من باب نصرَ ينصرُ وضرب يضربُ ، مرّ معناه آنفا . «واجعلني لك من الخاشعين» الخشوع : الضراعة (التذلّل) ، وأكثر ما يُستعمل الخشوع فيما يوجد على الجوارح ، والضراعة أكثر ما تُستعمل فيما يوجد في القلب ، ولذلك قيل فيما روي : إذا ضرع القلب خشعت الجوارح . (23) «اللّهمّ» يااللّه كما تقدّم . «أعطني السعة في الرزق» الرزق : ما ينتفع به ، قال الراغب : «الرزق يقال للعطاء الجاري تارةً دنيويّا كان أم أُخرويّا ، وللنصيب تارةً ، ولما يصل إلى الجوف ويُتغذّى به تارةً» ، (24) قال اللّه عزّ وجلّ : «وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ » ، (25) و «إِنَّ اللّه َ هُوَ الرَّزّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ » ، (26) و «وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيّاهُمْ » ، (27) و «وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيّاكُمْ » ، (28) و «وَمَنْ يَتَّقِ اللّه َ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ » ، (29) إلى غير ذلك من الآيات الدالّة على أنّ الرزق بيد اللّه ، و «قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ » ، (30) و «لَوْ بَسَطَ اللّه ُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَْرْضِ » ، (31) و «أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللّه َ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ » ، (32) وأنّ اللّه هو يبسط ويقدّر للحكمة الّتي ذكرها اللّه تعالى : والإمام عليه السلام يطلب من اللّه تعالى السعة في الرزق . والأحاديث في أنّ الرزق بيد اللّه ، وأنّه مقسوم ، وفي الإجمال في طلب الرزق ، وفيما يزيد في الرزق من الأذكار وغيرها [ كثيرة ] ، ومنها الدعاء وطلب الرزق والسعة من اللّه تعالى. «والأمن في الوطن» أصل الأمن طمأنينة النفس وزوال الخوف ، ويُجعل الأمان تارةً اسما للحالة التي يكون عليها الإنسان في الأمن ، وتارةً اسما لما يؤمن عليه الإنسان ، (33) والوطن _ محرّكة _ : منزل إقامة الإنسان ومقرّه ولد به أو لم يولد ، وفي الحديث : «حبّ الوطن من الإيمان» ، (34) والأمن من نعم اللّه تعالى التي لو لم تكن للإنسان لم يهنأ عيشه. وقد ورد بذلك أحاديث كثيرة ، في حديث : «... وخمس من لم يكنّ فيه لم يتهنّأ العيش : الصحّة والأمن والغنى والقناعة والأنيس الموافق» ، (35) وفيه : «خمس من لم يكنّ له فيه لم يتهنّأ بالعيش : الصحّة ، والأمن ، والغناء ، والقناعة ، والأنيس الموافق »، (36) وفيه : «ثلاثة أشياء يحتاج الناس طرّا إليها : الأمن ، والعدل ، والخصب» ، (37) وفيه : «نعمتان مكفورتان : الأمن والعافية» ، (38) وفيه : «النعيم في الدنيا : الأمن ، وصحّة الجسم» ، (39) وفيه : «في قوله تعالى : «ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ » (40) يعني الأمن ، والصحّة ، وولاية عليّ عليه السلام » . (41) يطلب من اللّه تعالى هذه النعمة العظيمة ، وفي الصحيفة : «وامنن عليّ بالصحّة والأمن» . (42) «وقرّة العين» أي ما تقرّ به العين ، قرّت عينه من باب علم وضرب ؛ أي بردت سرورا وانقطع بكاؤها وجفّ دمعها ، أو رأت ما كانت متشوّقة إليه ، كلّها كناية عن السرور . يطلبٍ من اللّه تعالى ما يسرّ به في الأهل ، مرّ معناه آنفا ، بأن يكون متورّعا متّقيا عالما صالحا مطيعا موافقا وأنيسا وكريما. «والمال والولد» بأن يكون المال حلالاً طيّبا واسعا ، وأن يكون الولد سويّا صالحا تقيّا بارّا فقيها ، قال اللّه تعالى حاكيا عن المؤمنين : «رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً » ، (43) يسألون اللّه تعالى في ذرّياتهم وأزواجهم أن يهب لهم قرّة أعين منهم ، وقد جمع ذلك كلّه الإمام علي بن الحسين عليهماالسلامفي دعائه لولده ، ولا بأس بذكر نبذ يسيرة منه : «اللّهمّ ومُنّ عليّ ببقاء ولدي ، وبإصلاحهم لي ، وبإمتاعي بهم ، اللّهمّ امدد لي في أعمارهم ، وزد في آجالهم ، وربّ لي صغيرهم ، وقوّ لي ضعيفهم ، وأصحّ لي أبدانهم وأديانهم وأخلاقهم ، وعافهم في أنفسهم ، وفي جوارحهم وفي كلّ ما عنيت به من أمرهم ، وأدرر لي وعلى يديّ أرزاقهم ...» (44) إلخ ، ودعا إبراهيم عليه السلام في ذرّيته وزكريّا عليه السلام . «والمقام في نعمك عندي» المقام _ بالفتح أو الضمّ _ : الإقامة وموضعها وزمانها ، يطلب من اللّه سبحانه إقامة نعمه عنده ، يعني المطلوب هو الدوام والبقاء في النعم ، فالنعم مطلوب ، وبقاء النعم ودوامها مطلوب آخر ، لعلّ المراد أن يدوم النعم (من المال والأولاد والجاه والعزّ والشرف والكرامة والهدى والاستقامة والولاية) مادام الإنسان حيّا . وقال بعض : إنّ المراد هو الإقامة في النعم ، أي أداء حقّها بصرفها في مواقعها ؛ لأنّ إقامة كلّ شيء حفظ حدودها ، وإقامة الصلاة إتيانها بحدودها من شرائطها ومواقيتها ودفع موانع قبولها. «والصحّة في الجسم» من نعم اللّه تعالى العظيمة صحّة البدن ، وفي الصحيفة : «وامنن عليّ بالصحّة» ، (45) و«واجمع لي الغنى... والصحّة» ، (46) و«وارزقني صحّة في عبادة» . (47) وفي الحديث «الصحّة أهنأ اللّذتين» ، (48) و«الصحّة أفضل النّعم» ، (49) و«بالصحّة تستكمل اللذة» ، (50) وقد اهتمّ بها حتّى روي عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه قال : «العلم علمان : علم الأديان ، وعلم الأبدان» ، (51) والجسم جماعة البدن ، والجسم ما له عرض وطول وعمق ، قال اللّه تعالى : «وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ » ، (52) «وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ » ، (53) تنبيها على أن لا وراء الأشباح معنىً معتدٍ به . (54) والجسد كالجسم ، لكنّه أخصّ ، قال الخليل رحمه الله : «لا يقال الجسد لغير الإنسان من خلق الأرض ونحوه» . (55) وأيضا فإنّ الجسد ما له لون ، والجسم يقال لما لا يبيّن له من لون . (56) وإن قالوا الجسد يقال لبدن الحيوان ، والجسم أعمّ ، كان أقرب إلى الحقّ ، قال اللّه تعالى : «عِجْلاً جَسَداً » ، (57) كما قال الطبرسي في المجمع ، (58) وكلام الخليل فيه تهافت ، كما لا يخفى على من راجع كتابه. «والقوّة في البدن» قال أمير المؤمنين (صلوات اللّه عليه) في دعاء كميل : «قوّ على خدمتك جوارحي» ، وفي الصحيفة : «وهب لي قوّة أحتمل بها جميع مرضاتك» ، (59) و«امنن عليّ بالصحّة... والقوّة على ما أمرتني به» ، (60) قال الراغب : «القوّة تُستعمل تارةً في معنى القدرة نحو «خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ » ، (61) وتارةً للّتهيّؤ الموجود في الشيء... ويُستعمل ذلك في البدن تارةً وفي القلب أُخرى» ، (62) إلخ . يسأل اللّه تعالى القوّة في البدن ؛ لخدمته تعالى ، ولقضاء حوائجه حتّى لا يحتاج إلى أحد. «والسلامة في الدين» وذلك هو منتهى المطلب وغاية الحوائج إلى اللّه تعالى السلم والسلامة ، التعرّي من الآفات الظاهرة والباطنة ، والسلامة في الدين هي التعرّي من الآفات فيه أُصولاً وفروعا ، انحرافا عن الحقّ اعتقادا أو عملاً. وفي الحديث عن أبي جعفر عليه السلام : «سلامة الدين وصحّة البدن خير من المال ، والمال زينة من زينة الدنيا حسنة» ، (63) وفيه : «عن يونس بن يعقوب ، عن بعض أصحابه ، قال : كان رجل يدخل على أبي عبد اللّه عليه السلام من أصحابه ، فصبر زمانا لا يحجّ ، فدخل عليه بعض معارفه ، فقال له : فلان ما فعل؟ قال : فجعل يضجع الكلام ، فظّن أنّه إنّما يعني الميسرة والدنيا ، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : كيف دينه؟ فقال : كما تحبّ ، فقال : هو واللّه الغنيّ» ، (64) وفيه : «في وصيّة أمير المؤمنين عليه السلام : فإذا حضرت بليّة فاجعلوا أموالكم دون أنفسكم ، وإذا نزلت نازلة فاجعلوا أنفسكم دون دينكم ، فاعلموا أنّ الهالك من هلك دينه» . (65) كانت الشيعة يعرضون دينهم على الإمام عليه السلام تحرّزا على الانحراف ، ولمّا أخبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليّا عليه السلام بما سوف يبتلي به ، قال أمير المؤمنين عليه السلام : «فقلت : يا رسول اللّه ، وذلك في سلامة من ديني؟ فقال : في سلامة من دينك» ، (66) وفيه : «عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : إنّ لأهل الدّين علامات يُعرفون بها : صدق الحديث ، وأداء الأمانة ، والوفاء بالعهد ، وصلة الأرحام ، ورحمة الضعفاء ، وقلّة المراقبة للنساء _ أو قال قلّة المؤاتاة للنساء _ وبذل المعروف ، وحسن الخلق ، وسعة الخلق ، واتّباع العلم ، وما يقرّب إلى اللّه زلفى ، طوبى لهم وحسن مآب» . (67)

.


1- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 149.
2- . الخصال : ص 125 ، مكارم الأخلاق : ص 436 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 71 ص 395.
3- . الكافي : ج 2 ص 90 ، الاختصاص : ص 218 ، مشكاة الأنوار : ص 112 ، انظر : بحار الأنوار : ج 90 ص 164 .
4- . اُنظر : بحار الأنوار : ج 93 ص 148 وما بعدها .
5- . طه : 42 .
6- . الكهف : 28.
7- . البقرة: 152.
8- . العنكبوت : 45.
9- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 179.
10- . التوبة : 118 .
11- . البقرة : 152.
12- . الماعون : 6 و 7.
13- . الكافي : ج 2 ص 293 ، بحار الأنوار : ج 69 ص 365 .
14- . الكافي : ج 2 ص 293.
15- . اُنظر : بحار الأنوار : ج 72 ص 265 _ 305 ، وسائل الشيعة : ج 1 ص 47 وما بعدها ، وجامع أحاديث الشيعة : ج 1 ص 356 وما بعدها .
16- . اُنظر : سفينة البحار : ج 3 ص 265 ما نقله عن الفيض رحمه الله ، وقد تعرّض الفقهاء العظام الكرام لبيان حقيقة الرياء وما يتحقّق به وما يتفرّع عليه في الكتب الفقهية في باب نية الوضوء.
17- . النجم : 32 .
18- . معاني الأخبار : ص 243 ، الزهد للكوفي : ص 66 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 72 ، ص 243 .
19- . الكافي : ج 2 ص 294 ، بحار الأنوار : ج 72 ص 284 .
20- . الكافي : ج 5 ص 57 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 72 ص 293 .
21- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 50 .
22- . مجمع البحرين : ج 1 ص 211 .
23- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 148 .
24- . المصدر السابق : ص 194 .
25- . الذاريات : 22.
26- . الذاريات : 58 .
27- . الأنعام : 151 .
28- . الإسراء : 31 .
29- . الطلاق : 2 _ 3.
30- . سبأ : 39.
31- . الشورى : 27 .
32- . الزمر : 52 .
33- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 25 .
34- . سفينة البحار : ج 8 ص 525 .
35- . المحاسن : ج1 ص9 ، الأمالي للصدوق : ص291 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج1 ص83 .
36- . الأمالى الصدوق : ص 367 ، مشكاة الأنوار : ص 360 .
37- . تحف العقول : ص 320 ، بحار الأنوار : ج 78 ص 234 .
38- . الخصال : ص 34 ، بحار الأنوار : ج 81 ص 170 .
39- . معاني الأخبار : ص 408 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 78 ص 172 .
40- . التكاثر : 8 .
41- . المناقب لابن شهر آشوب : ج 2 ص 4 ، بحار الأنوار : ج 35 ص 426 .
42- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 23.
43- . الفرقان : 74.
44- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 25 .
45- . المصدر السابق : الدعاء 22 .
46- . المصدر السابق : الدعاء 47 .
47- . المصدر السابق : الدعاء 20 .
48- . غرر الحكم : ح 1660 .
49- . المصدر السابق : ح 1050 .
50- . المصدر السابق : ح 4228 .
51- . كنز الفوائد : ص 239 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 1 ص 220 .
52- . البقرة : 247.
53- . المنافقون : 4.
54- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 94 .
55- . العين : ج 6 ص 47 .
56- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 93 .
57- . الأعراف : 148 .
58- . مجمع البحرين : ج 4 ص 479 .
59- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 21 .
60- . المصدر السابق : الدعاء 23 .
61- . البقرة : 63 .
62- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 419 .
63- . الكافي : ج 2 ص 216 ، بحار الأنوار : ج 65 ص 213 ، سفينة البحار : ج 3 ص 164 .
64- . الكافي : ج 2 ص 216 ، بحار الأنوار : ج 65 ص 214 .
65- . الكافي : ج 2 ص 216 ، تحف العقول : ص 216 ، سفينة البحار : ج3 ص164 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 75 ص 55 .
66- . اُنظر : الأمالي للصدوق : ص 155 ، الإقبال : ج 1 ص 27 ، بحار الأنوار : ج 28 ص 66 ، ج 42 ص 19 .
67- . الكافي : ج 2 ص 239 ، التمحيص : ص 68 ، الأمالي للصدوق : ص 290 ، تحف العقول : ص 211 ، روضة الواعظين : ص 422 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 64 ص 289 .

ص: 252

. .

ص: 253

. .

ص: 254

. .

ص: 255

. .

ص: 256

. .

ص: 257

. .

ص: 258

. .

ص: 259

وَاستَعمِلني بِطاعَتِكَ وطاعَةِ رَسولِكَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللّه ُ عَلَيهِ وآلِهِ أبَدا مَا استَعمَرتَني «434 »وَاجعَلني مِن أوفَرِ عِبادِكَ عِندَكَ نَصيبا في كُلِّ خَيرٍ أنزَلتَهُ وتُنزِلُهُ ، في شَهرِ رَمَضانَ في لَيلَةِ القَدرِ ، وما أنتَ مُنزِلُهُ في كُلِّ سَنَةٍ «435 » مِن رَحمَةٍ تَنشُرُها ، وعافِيَةٍ تُلبِسُها ، وبَلِيَّةٍ تَدفَعُها ، وحَسَناتٍ تَتَقَبَّلُها ، وسَيِّئاتٍ تَتَجاوَزُ عَنها «436 »وَارزُقني حَجَّ بَيتِكَ الحَرامِ في عامي هذا وفي كُلِّ عامٍ «437 »وَارزُقني رِزقا واسِعا مِن فَضلِكَ الواسِعِ «438 »

«واستعملني» استعمله ؛ أي جعله عاملاً ، سأله أن يعمل والعمل كلّ فعل يكون من الحيوان بقصد ، فهو أخصّ من الفعل ؛ لأنّ الفعل قد يُنسب إلى الحيوانات الّتي يقع منها فعل بغير قصد ، وقد ينسب إلى الجمادات . (1) «بطاعتك» أي وفّقني العمل فيما تريد منّي ، وفي الصحيفة : «واستعمل بدني فيما تقبله منّي» ، (2) و«واستعملني بما تستعمل به خالصتك» ، (3) و«اللّهمّ... واستعملني بالطاعة» ، (4) و«واستعملني بما تسألني غدا عن» . (5) هذه كلّها حوائج مختلفة ، فإنّ العمل بالطاعة له شؤون مختلفة من كونه مقبولاً ، أو كونه بحيث يصدر من المخلصين ، أو كونه ممّا يُسأل عنه غدا. «وطاعة رسولك محمّد صلى الله عليه و آله » فيما يأمر به النبيّ صلى الله عليه و آله وينهى عنه ، أو فيما يريده ، سواء كان أمر به أم لا ، ولعلّ المراد بطاعة اللّه فيما أمر به أو نهى عنه ، والمراد بطاعة الرسول هو فيما يأمر به وينهى عنه في غير الواجب والحرام الإلهيّ ، كما قيل في : «أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَْمْرِ مِنْكُمْ » ، (6) وإن كان يرجع كلّ ذلك إلى أمر اللّه تعالى ونهيه بقوله عزّ وجلّ : «وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا » ، (7) وقوله سبحانه : «وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى » ، (8) وقوله تعالى : «وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللّه ُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ » ، (9) وقوله تعالى : «وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاّ لِيُطاعَ » ، (10) إلى غير ذلك من الآيات المباركات. «أبدا ما استعمرتني» استعمره في المكان : جعله يعمره ، قال سبحانه : «هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَْرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها » (11) أي طلب منكم العمارة ، أو عمّركم فيها واستبقاكم من العمر . يعني واجعلني في طاعتك وطاعة رسولك ما استبقيتني واستحييتني. «واجعلني من أوفر عبادك» من وفر المال من باب ضرب ؛ أي كثر واتّسع وتمّ وكمل ، أي اجعلني من أكثر وأوسع عبادك. «نصيبا» النصيب : الحظّ والحصّة . «في كلّ خير» الخير : ما يرغب فيه الكلّ ، والخير ضربان : خير مطلق وهو أن يكون مرغوبا فيه بكلّ حال وعند كلّ أحد ، كما وصف عليه السلام به الجنّة فقال : «لا (12) خير بخير بعده النار ، ولا شرّ بشرّ بعده الجنّة» ، (13) وخير وشرّ مقيّدان ، وهو أن يكون خير الواحد شرّا لآخر . (14) «أنزلته وتنزله» قال الراغب : «النزول في الأصل هو انحطاط من علوّ ، يقال : نزل عن دابّته ونزل في مكان كذا ؛ حطّ رحله فيه ، وأنزله غيره ... وإنزال اللّه تعالى نعمه ونقمه على الخلق إعطاؤهم إيّاها... والفرق بين الإنزال والتنزيل في وصف القرآن والملائكة ، أنّ التنزيل يختصّ بالموضع الذي يشير إليه إنزاله مفرّقا ومرّة بعد أُخرى ، والإنزال عامّ . (15) «في شهر رمضان» الشهر : مدّة مشهورة بإهلال الهلال ، أو باعتبار جزء من اثني عشر جزءا من دوران الشمس من نقطة إلى تلك النقطة ، قال سبحانه : «إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللّه ِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللّه ِ » ، (16) سُمّي به لأنّه يشهر بالقمر . رمضان : هو من الرمض ، أي شدّة وقع الشمس ، يقال : أرمضته فرمض ؛ أي أحرقته الرمضاء ، (17) قيل : سمّي بذلك لأنّ وضعه وافق الرمض بالتحريك ، وهو شدّة وقع الشمس على الرمل . وفي المجمع : «قال بعض العلماء : يُكره أن يقال : جاء رمضان وشبهه إذا أُريد به الشهر وليس معه قرينة تدلّ عليه ، وإنّما يقال : جاء شهر رمضان ، واستدلّ بحديث : لا تقولوا رمضان ؛ فإنّ رمضان اسم من أسماء اللّه تعالى ، ولكن قولوا شهر رمضان ، (18) قال : وهذا الحديث ضعّفه البيهقي ، وضعفه ظاهر ؛ لأنّه لم ينقل عن أحد من العلماء أنّ رمضان من أسماء اللّه ... وهو مرغوب عنه فإنّ كثير من أحاديث أهل الحقّ النهي عن التلفّظ برمضان من دون إضافة الشهر تعليلاً بأنّه اسم من أسمائه تعالى» . (19) أقول : الخيرات النازلة في شهر رمضان كثيرة ، إذا أردت الوقوف على ذلك فعليك بالخطبة الّتي ألقاها رسول اللّه صلى الله عليه و آله في آخر جمعة من شعبان ، والأحاديث الواردة في فضل شهر رمضان ودعاؤه عليه السلام في الصحيفة في دخول شهر رمضان وفي وداعه . (20) «في ليلة القدر» خصّ ليلة القدر بالذكر وإن كان الخير في كلّ أيّام شهر رمضان ولياليه كثيرة كما لا يخفى على من راجع الأحاديث ؛ لما فيها من الخيرات متوافرة متظافرة . قال سبحانه وتعالى : «إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ » . (21) وقال : «شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ » . (22) فيستفاد أنّ ليلة القدر هي في شهر رمضان ، وليلة القدر عظيمة لا يعرف الإنسان عظمتها ، وهي خير من ألف شهر ، فيها تنزّل الملائكة والروح بإذن ربّهم من كلّ أمر ، وهي سلام حتّى مطلع الفجر ، وهي نزلت فيها القرآن ، وهي ليلة مباركة ، كما قال تعالى : «إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنّا كُنّا مُنْذِرِينَ * فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ » ، (23) وفيها نزلت التوراة ، وفيها نزل الإنجيل وفيها نزل الزبور ، (24) وفيها يفرق كلّ أمر حكيم. روى منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «الليلة الّتي يفرق فيها كلّ أمر حكيم ، ينزل فيها ما يكون في السنة إلى مثلها من خير أو شرّ أو رزق أو أمر أو موت أو حياة ، ويكتب فيها وفد مكّة ، فمن كان في تلك السنة مكتوبا لم يستطع أن يحبس وإن كان فقيرا مريضا ، ومن لم يكن فيها مكتوبا لم يستطع أن يحجّ وإن كان غنيّا صحيحا» . (25) وروى عبد اللّه بن سنان قال : «قال أبو عبد اللّه عليه السلام : إذا كان ليلة تسع عشرة من شهر رمضان أُنزلت صِكّاك الحاجّ ، وكُتبت الآجال والأرزاق ، وأطلع اللّه على خلقه ، فيغفر لكلّ مؤمن ما خلا شارب مسكر أو صارم رحم ماسّة مؤمنة . (26) «وما أنت منزله في كلّ سنة» في كلّ السنة أيّامها ولياليها ومواقفها الخاصّة ، هذه الجملة تفيد معنىً استمراريّا ، أي ما من شأنك إنزاله . «من رحمة» بالفتح والسكون ويحرّك : رقّة القلب وانعطاف يقتضي التفضّل ، والإحسان والمغفرة ، والمراد هنا ما يتحقّق به الإحسان والتفضّل كإنزال المطر والرزق والنعم المادّية والمعنوية. «تنشرها» النشر : البسط ، خلاف الطيّ . «وعافية تلبسها» ، العافية : السلامة والصحّة التامّة ، مصدر عافا أو اسم منه وُضع موضع المصدر. قال ابن الأثير : «والعافية أن تسلم من الأسقام والبلايا ، وهي الصحّة وضدّ المرض ، ونظيرها : الثاغية والراغية بمعنى الثغاء والرغاء . (27) وتلبسها من لبس الثوب ؛ أي استتر به ، وأصل اللّبس الستر ، شبّه بلباس يلبسه الإنسان ويستر بدنه به ، فكأنّ العافية والسلامة أحاطت به وسترته وهو فعل اللّه تعالى بعبده أن يلبسه لباس العافية ، كما في الدعاء : «وعافية ألبستها» ، (28) و«ألبسني عافيتك» ، (29) و«سربلني بسربال عافيتك» ، (30) و«جلّلني بعافيتك ، وحصّني بعافيتك ، وأكرمني بعافيتك ، وأغنني بعافيتك» . (31) وفي الحديث عن الصادق عليه السلام قال : «العافية نعمة خفيّة إذا وُجدت نسيت ، وإذا فُقدت ذُكرت» ، (32) وقال : «العافية نعمة يعجز الشكر عنها» . (33) روي أنّ النبي صلى الله عليه و آله دخل على مريض فقال : «ما شأنك ؟ قال : صلّيت بنا صلاة الغداة فقرأت القارعة ، فقلت : اللّهمّ إن كان لي عندك ذنب تريد أن تعذّبني به في الآخرة فعجّل ذلك في الدنيا ، فصرت كماترى ، فقال صلى الله عليه و آله : بئسما قلت ، ألا قلت : «رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الآْخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النّارِ » . (34) فدعا له حتّى أفاق . وقال النبي صلى الله عليه و آله : الحسنة في الدنيا الصحّة والعافية ، وفي الآخرة المغفرة والرحمة» . (35) وفي قرب الإسناد عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه عليهماالسلام : «إنّ للّه تبارك وتعالى ضنائن (36) من خلقه ، يغذوهم بنعمته ، ويحبوهم بعافيته ، ويدخلهم الجنّة برحمته ، تمرّ بهم البلايا والفتن مثل الرياح ما تضرّهم شيئا» . (37) أقول : وأقول كما قال الإمام علي بن الحسين (صلوات اللّه عليهما) : «اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، وألبسني عافيتك ، وجلّلني عافيتك ، وحصّني بعافيتك وأكرمني بعافيتك ، وأغنني بعافيتك ، وهب لي عافيتك ، وأفرشني عافيتك ، وتصدّق عليّ بعافيتك ، وأصلح لي عافيتك ، ولا تفرّق بيني وبين عافيتك في الدنيا والآخرة» . (38) «وبليّة تدفعها» البليّة من بلاه يبلوه من باب نصر : جرّبه واختبره ، وابتلاه أي اختبره ، والبلاء : الغمّ والاختبار ، والبليّة : البلوى والاختبار. «وحسنات تتقبّلها» الحسنة يعبّر بها عن كلّ ما يسرّ من نعمة تنال الإنسان في نفسه وبدنه وأحواله ، والمراد هنا الأعمال الحسنة التي تصدر من الإنسان ، قال سبحانه : «مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها » ، (39) و «مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها » ، (40) والحسنة اسم للأعلى في الحسن ودخول الهاء للمبالغة ، قال علي بن عيسى : دخول الهاء يدل على أنّها طاعة ، إمّا واجب أو ندب وليس كلّ حسن كذلك . (41) ويمكن أن تكون حسنة صفة لمقدّر وهو الطاعة أو الفعلة أو الخصلة ، أي طاعات حسنة تتقبّلها ، والقبول إنّما هو بعد استجماع العمل شرائط الصحّة ، إذ يمكن أن يكون العمل صحيحا ومسقطا للأمر ، ولكنّه لا يُقبل ؛ لعدم شرط القبول ، أو لوجود المانع ، قال سبحانه وتعالى : «إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللّه ُ مِنَ الْمُتَّقِينَ » ، (42) قال الأُستاذ : «وفي الكلام بيان لحقيقة الأمر في تقبّل العبادات والقرابين ، وموعظة وبلاغ في أمر القتل والظلم والحسد ، وثبوت المجازات الإلهّية ، وأنّ ذلك من لوازم ربوبيّة ربّ العالمين ، فإنّ الربوبيّة لا تتمّ إلّا بنظام متقّن بين أجزاء العالم يؤدّي إلى تقدير الأعمال بميزان العدل» . (43) قال السيّد رحمه الله في العروة : «بعد ذكر الأذان والإقامة ينبغي للمصلّي بعد إحراز شرائط صحّة الصلاة ورفع موانعها السعي في تحصيل شرائط قبولها ورفع موانعه ، فإنّ الصحّة والإجزاء غير القبول ، فقد يكون العمل صحيحا ولا يعدّ فاعله تاركا بحيث يستحقّ العقاب على الترك ، لكن لا يكون مقبولاً للمولى . وعمدة شرائط القبول (ثمّ ذكر شرائط القبول) إقبال القلب وحضوره والخشوع والخضوع ، وأن يصلّي صلاة مودّع ، وأن يجدّد التوبة والاستغفار . وذكر في موانع القبول حبس الزكاة وسائر الحقوق الواجبة والحسد والكبر والغيبة وأكل الحرام وشرب المسكر والنشوز والإباق . ثمّ قال : بل مقتضى قوله تعالى : «إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللّه ُ مِنَ الْمُتَّقِينَ » (44) عدم قبول الصلاة وغيرها من كلّ عاص وفاسق ، جمعها السيّد رحمه الله من الأحاديث الواردة في المعاصي ، وفي نيّة الصلاة» . (45) أقول : هنا روايات تدلّ على المطلب : «وكن بالعمل بالتقوى أشدّ اهتماما منك بالعمل بغيره ؛ فإنّه لا يقلّ عمل بالتقوى ، وكيف يقلّ عمل يُتقبل ؛ لقول اللّه عزّ وجلّ : «إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللّه ُ مِنَ الْمُتَّقِينَ » » ، (46) «ليجيئنّ أقوام يوم القيامة لهم من الحسنات كجبال تهامة ، فيؤمر بهم إلى النار ! فقيل : يانبيّ اللّه أمصلّون؟ قال : كانوا يصلّون ويصومون ويأخذون وهنا من اللّيل ، لكنّهم إذا لاح لهم شيء من الدنيا وثبوا عليه» . (47) «كم من صائم ليس له من صيامه إلّا الظمأ ، وكم من قائم ليس له من قيامه إلّا السهر والعناء ، حبّذا نوم الأكياس وإفطارهم» ، (48) «لا يقلّ مع التقوى عمل ، وكيف يقلّ ما يُتقبّل» ، (49) وفي دعاء كميل : «أن تجعل أوقاتي من اللّيل والنهار بذكرك معمورة وبخدمتك موصولة ، وأعمالي عندك مقبولة». «وسيّئات تتجاوز عنها» السوء : كلّ ما يغمّ الإنسان من الأُمور الدنيوية والأُخروية ، ومن الأحوال النفسية والبدنية ، والخارجة من فوات مال أو جاه وفقد حميم... والسيّئة الفعلة القبيحة وهي ضدّ الحسنة... والحسنة والسيّئة ضربان : أحدهما بحسب اعتبار العقل والشرع ، نحو المذكور في قوله : «مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاّ مِثْلَها » ، (50) وحسنة وسيّئة بحسب اعتبار الطبع ، وذلك ما يستخفّه الطبع وما يستثقله قوله : «فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّمَا طَئِرُهُمْ عِندَ اللَّهِ وَلَ_كِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ » . (51) أي أفعال قبيحة عقلاً أو شرعا تتجاوز عنها ، قال تعالى : «وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ » ، (52) وقال سبحانه : «إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللّه ُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ » ، (53) و «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ » ، (54) و «لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّه َ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ » ، (55) و «إِنْ تَتَّقُوا اللّه َ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّه ُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ » ، (56) و «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللّه ِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ » . (57) تكفير السيّئات بالتوبة لاريب فيه ، وقد دلّ عليه الآيات والروايات وضرورة الدين ، ولكن ظاهر بعض الآيات كون الصدقات الخفيّة واجتناب الكبائر وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والإيمان بالرسل والقرض الحسن مكفّرا للسيّئات ، كما قال سبحانه : «إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ » . (58) ومحصّل الكلام : إنّ التحابط والتباطل باطل سوى الإسلام والارتدادات والتوبة ، وأمّا تأثير الحسنات والسيّئات بعضها في بعض ، فقد دلّت عليه الآيات والروايات ، ويمكن أن يكون المراد من التجاوز عنها هنا عدم أخذهم بها في الدنيا ، أي لا يعاجل بالعقوبة ، قال سبحانه : «وَلَوْ يُؤاخِذُ اللّه ُ النّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى » ، (59) وقال سبحانه : «وَلَوْ يُؤاخِذُ اللّه ُ النّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى » ، (60) وقال تعالى : «لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً » ، (61) فاللّه سبحانه يتجاوز عنها ولا يؤاخذ بها في الدنيا ولا يهلكهم ولا يقطع عنهم رحمته وبركاته. «وارزقني حجّ بيتك الحرام» تقدّم الكلام في معنى الرزق ، ولعلّ المعنى الجامع لجميع موارد الاستعمال هو النصيب ، يطلب من اللّه سبحانه وتعالى أن يجعل نصيبه حجّ بيته _ وهو الكعبة _ والحجّ أصله القصد للزيارة ، وخُصّ في تعارف الشرع بقصد بيت اللّه إقامةً للنسك ، (62) قال تعالى : «وَللّه ِِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ » ، (63) ووصف البيت بالحرام ، كما في قوله تعالى : «جَعَلَ اللّه ُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ » ، (64) وقال سبحانه : «فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ » ، (65) وقال : «إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها » ، (66) جعل اللّه تعالى البيت والبلدة حراما ، أي حرما أمنا ، قال سبحانه : «أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ » ، (67) وقال تعالى : «أَوَلَمْ يَرَوْا أَنّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ » . (68) «في عامي هذا وفي كلّ عام» يسأل اللّه سبحانه الحجّ في كلّ عام ؛ اهتماما به وأنّه من أفضل الأعمال وأجزل العبادات ، كما يظهر من الروايات : عن الصادق عليه السلام قال : «لو كان لأحدكم مثل أبي قُبيس ذهب ينفق في سبيل اللّه ما عدل الحجّ ، ولدرهم ينفقه الحاجّ يعدل ألفي ألف درهم في سبيل اللّه » . (69) عن حديرة قال : «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : جُعلت فداك ، أيّما أفضل ، الحجّ أو الصدقة؟ قال : هذه مسألة فيها مسألتان ، قال : كم المالُ يكون ما يحملُ صاحِبَهُ إلى الحجّ؟ قال : قلت : لا ، قال : إذا كان مالاً يحمل إلى الحجّ فالصدقة لا تعدل الحجّ ، الحجّ أفضل ، وإن كانت لا تكون إلّا القليل فالصدقة ، قلت : فالجهاد؟ قال : الجهاد أفضل الأشياء بعد الفرائض في وقت الجهاد ، ولا جهاد إلّا مع الإمام» . (70) والأخبار في ذلك كثيرة ، منها : «وروى إبراهيم بن ميمون ، قال : كنت جالسا عند أبي حنيفة ، فجاءه رجل فسأله فقال : ما ترى في رجل قد حجّ حجّة الإسلام ، الحجّ أفضل ، أم يعتق رقبة؟ فقال : لا ، بل عتق رقبة . فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : كذب واللّه وأثم ، لحجّة أفضل من عتق رقبة ورقبة ورقبة حتّى عدّ عشرا . ثمّ قال : ويحه ! في أيّ رقبة طواف بالبيت وسعي بين الصفا والمروة والوقوف بعرفة وحلق الرأس ورمي الجمار ، ولو كان كما قال لعطّل الناس الحجّ ، ولو فعلوا كان ينبغي للإمام أن يجبرهم على الحجّ إن شاؤوا وإن أبوا ، فإنّ هذا البيت إنّما وضع للحجّ» . (71) وعن سعيد السمّان قال : «كنت أحجّ في كلّ سنة ، فلمّا كان في سنة شديدة أصاب الناس فيها جهد ، فقال لي أصحابي : لو نظرت إلى ما تريد أن تحجّ العام به فتصدّقت به كان أفضل ، قال : فقلت لهم : وترون ذلك؟ قالوا : نعم ، فتصدّقت تلك السنة بما أُريد أن أحجّ به وأقمت . قال : فرأيت رؤيا ليلة عرفة وقلت : واللّه لا أعود ولا أدع الحجّ . قال : فلمّا كان من قابل حججت ، فلمّا أتيت منى رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام وعنده الناس مجتمعون ، فأتيته فقلت له : أخبرني عن الرجل ، وقصصت عليه قصّتي وقلت : أيّهما أفضل ، الحجّ أو الصدقة؟ فقال : ما أحسن الصدقة ، ثلاث مرّات ، قال : فقلت : أجل فأيّهما أفضل؟ قال : ما يمنع أحدكم من أن يحجّ ويتصدّق ، قال : قلت : ما يبلغ ماله ذلك ولا يتّسع ، قال : إذا أراد أن ينفق عشرة دراهم في شيء من سبب الحجّ أنفق خمسة وتصدّق بخمسة أو قصّر في شيء من نفقته في الحجّ ، فيجعل ما يحبس في الصدقة ، فإنّ له في ذلك أجرا . قال : قلت : هذا لو فعلناه استقام؟ قال : ثمّ قال : وأنّى له مثل الحجّ ؟ فقالها ثلاث مرّات» ، الحديث . (72) العام : السنة ، أصله عوم ، الجمع أعوام وتصغيره عويم ، والنسبة إليه عاميّ على لفظه والقياس عومي. «وارزقني رزقا واسعا من فضلك الواسع» يطلب من اللّه سبحانه السعة في الرزق من فضله الواسع.

.


1- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 348 .
2- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 21 .
3- . المصدر السابق : الدعاء 47 .
4- . المصدر السابق : الدعاء 16 .
5- . المصدر السابق : الدعاء 47 .
6- . النساء : 59 .
7- . الحشر : 7 .
8- . النجم : 3 _ 4 .
9- . الأحزاب : 36 .
10- . النساء : 94 .
11- . هود : 61 .
12- . في المصادر : «ما» بدل «لا» ، بخلاف مفردات ألفاظ القرآن .
13- . نهج البلاغة : الحكمة 387 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 4 ص 392 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 8 ص 199 .
14- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 160 .
15- . المصدر السابق : ص 488 _ 489 .
16- . التوبة : 36 ، اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 269 .
17- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 203.
18- . اُنظر : السنن الكبرى للبيهقي : ج 4 ص 201 ، تفسير ابن أبي حاتم : ج 1 ص 310 ، تفسير ابن كثير : ج 1 ص222 ، الكامل في الضعفاء الرجال : ج 7 ص 53 .
19- . مجمع البحرين : ج 2 ص 223 ، اُنظر : سفينة البحار : ج 3 ص 407 .
20- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 44 _ 45 .
21- . سورة القدر.
22- . البقرة : 185.
23- . الدخان : 3 و 4.
24- . اُنظر : الكافي : ج 4 ص 157 و158 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 2 ص 159 ، تهذيب الأحكام : ج4 ص 194 ، بحار الأنوار : ج 11 ص 59 .
25- . الإقبال : ج 1 ص 341 .
26- . المصدر السابق : ج 1 ص 343 .
27- . النهاية : ج 3 ص 265 .
28- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 49 .
29- . المصدر السابق : الدعاء 23 .
30- . المصدر السابق : الدعاء 47 .
31- . المصدر السابق : الدعاء 23 .
32- . الأمالي للصدوق : ص 299 ، روضة الواعظين : ص 472 ، مكارم الأخلاق : ص 327 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 78 ، ص 172.
33- . الأمالي للصدوق : ص 300 ، بحار الأنوار : ج 78 ص 172 .
34- . البقرة : 201 .
35- . بحار الأنوار : ج 78 ص 174.
36- . الضنائن : جمع ضن ، وهو المخصوص بالمحبّة.
37- . قرب الإسناد : ص 25 ح 82 ، الكافي : ج 2 ص 462 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 78 ص 182 .
38- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 23 .
39- . الأنعام : 160.
40- . القصص : 84 .
41- . اُنظر : مجمع البيان : ج 4 ص 204.
42- . المائدة : 27.
43- . الميزان في تفسير القرآن : ج 5 ص 301 .
44- . المائدة : 27 .
45- . العروة الوثقى : ج 2 ص 422 ، كتاب الصلاة بين الأذان والنيّة .
46- . المائدة : 27 اُنظر : مكارم الأخلاق : ص 468 ، عدّة الداعي : ص 284 ، بحار الأنوار : ج 67 ص 286.
47- . عدّة الداعي : ص 295 ، التحصين : ص 29 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 67 ص 286 .
48- . نهج البلاغة : الحكمة 145 ، بحار الأنوار : ج 67 ص 283 .
49- . نهج البلاغة : القصار 95 ، الكافي : ج 2 ص 75 ، تحف العقول : 278 ، الأمالي للمفيد : ص 29 ، الأمالي للطوسي : 561 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 6 ص 38 .
50- . الأنعام : 160.
51- . الأعراف : 131 ، اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 253 .
52- . الشورى : 25 .
53- . البقرة : 271 .
54- . النساء : 31 .
55- . المائدة : 12 .
56- . الأنفال : 12 .
57- . التحريم : 8 .
58- . هود : 114 ، واُنظر : بحار الأنوار : ج 5 ص 331 ، وج 70 ص 197 في تفصيل الإحباط والتكفير : وقد أطال الأُستاذ العلّامة في ذلك في الميزان في تفسير القرآن : ج 2 ص 175 وما بعدها .
59- . النحل : 61.
60- . فاطر : 45.
61- . الكهف : 58 ، اُنظر في معنى الآيات كتب التفسير ولاحظ الأقوال.
62- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 107.
63- . آل عمران : 97 .
64- . المائدة : 97 .
65- . البقرة : 144 .
66- . النمل : 91 .
67- . القصص : 57 .
68- . العنكبوت : 67 .
69- . المحاسن : ج 1 ص 64 ، بحار الأنوار : ج 96 ص 8 .
70- . كامل الزيارات : ص 552 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 96 ص 10 .
71- . الكافي : ج 4 ص 259 ، بحار الأنوار : ج 47 ص 371.
72- . الكافي : ج 4 ص 257 .

ص: 260

. .

ص: 261

. .

ص: 262

. .

ص: 263

. .

ص: 264

. .

ص: 265

. .

ص: 266

. .

ص: 267

. .

ص: 268

. .

ص: 269

. .

ص: 270

وَاصرِف عَنّي يا سَيِّدِي الأَسواءَ «439 »وَاقضِ عَنِّي الدَّينَ وَالظُّلاماتِ ، حَتّى لا أتَأَذّى بِشَيءٍ مِنهُ «440 » وخُذ عَنّي بِأَسماعِ وأبصارِ أعدائي وحُسّادي وَالباغينَ عَلَيَ ، وَانصُرني عَلَيهِم «441 » وأقِرَّ عَيني وفَرِّح قَلبي «442 »وَاجعَل لي مِن هَمّي وكَربي فَرَجا ومَخرَجا «443 »وَاجعَل مَن أرادَني بِسوءٍ مِن جَميعِ خَلقِكَ تَحتَ قَدَمَيَ «444 »وَاكفِني شَرَّ الشَّيطانِ وشَرَّ السُّلطانِ وسَيِّئاتِ عَمَلي «445 »

«واصرف عنّي» صرف من باب ضرب : ردّه عن وجهه ، أي ردّ عنّي «ياسيّدي الأسواء» ، السوء : اسم من ساءه ، والجمع الأسواء ومساوئ على غير قياس. «واقضِ عنّي» من قضى الغريم دينه ؛ أي أدّاه ، وقضى الحجّ والصلاة : أدّاهما ، وقضى عنه ؛ أي قضى شخص عن غيره دينه . يطلب من اللّه تعالى أن يقضي عنه دينه. «والظلامات» بالضمّ جمع ظلامة ، وهي ما تظلّمه ، أي أحال الظلم على نفسه ، وتظلّم فلانا حقّه ظلمه إيّاه ، يعني أن يؤدّي عنه ديونه أو حقوق الغير التي ظلمهم بها . «حتّى لا أتأذّي بشيء منه» ؛ لأنّ الإنسان يتأذّى في أدائها ، كما أنّه يتأذّى بتذكّرها وتصوّرها ، فإذا أدّاها بتوفيق اللّه وتسديده استراح منه. ويحتمل أن يكون المراد التخلّص منها في الآخرة ، وفي الحديث : قال الصادق عليه السلام «مات رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعليه دين» ، (1) وفيه : «مات الحسن عليه السلام وعليه دين وقتل الحسين عليه السلام وعليه دين ،» ، (2) «وإنّ الحسين عليه السلام قُتل وعليه دين ، وإنّ عليّ بن الحسين عليهماالسلام باع ضيعة له بثلاثمئة ألف درهم ليقضي دين الحسين عليه السلام وعداة كانت عليه» ، (3) وفيه : «كلّ ذنب يكفّره القتل في سبيل اللّه إلّا الدين ، فإنّه لا كفّارة له إلّا أداؤه ، أو يقضي صاحبه ، أو يعفو الذي له الحقّ» ، (4) وفيه : عن أبي سعيد الخدري قال : «سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : أعوذ باللّه من الكفر والدين ، قيل : يارسول اللّه أيعدل الدين بالكفر؟ فقال : نعم» . (5) الأحاديث في الاهتمام بأداء الدين كثيرة ؛ منها : ما ورد بإسنادٍ صحيح عن معاوية بن وهب ، قال : «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام :إنّه ذُكر لنا أنّ رجلاً من الأنصار مات وعليه ديناران دينا فلم يصلّ عليه الّنبي صلى الله عليه و آله ، وقال صلّوا على صاحبكم ، حتّى ضمنها عنه بعض قرابته . فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : ذلك الحقّ ، ثمّ قال : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله إنّما فعل ذلك ليتّعظوا [ليتعاطوا] وليردّ بعضهم على بعض ولئلّا يستخفّوا بالّدين ، وقد مات رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعليه دين ، وقُتل أمير المؤمنين عليه السلام وعليه دين ، ومات الحسن عليه السلام وعليه دين ، وقُتل الحسين عليه السلام وعليه دين» . (6) يطلب من اللّه تعالى أداء الظلامات وهو معصوم كاستغفاره عليه السلام عن المعاصي ، ليس دليلاً على تحقّق المعصية والظلامة منه ، بل من باب حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين ، والغاية المذكورة للأداء هي عدم تأذّيه بشيء منه ، وظاهره التأذّي لا العذاب الأُخرويّ ، كما لا يخفى. «وخذ عنّي بأسماع وأبصار أعدائي» قال تعالى : «قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللّه ُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ » ، (7) أي أصمّكم وأعماكم . الأخذ : حوز الشيء وتحصيله ، وذلك تارةً بالتناول ، وتارةً بالقهر ، (8) وقد يُكنّى به عن الهلاك والعقاب كقوله تعالى : «فَأَخَذَهُ اللّه ُ نَكالَ الآْخِرَةِ وَالأُْولى » ، (9) و «فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرّاءِ » ، (10) والمراد هنا من الأخذ بأسماعهم وأبصارهم عنه هو ألّا يسمعوا ولا يبصروا منه أمرا يضرّونه به. الأسماع واحده السمع وهو حسّ الأُذن ، والأُذن وفعله ، ويعبّر تارةً بالسمع عن الأُذن نحو «خَتَمَ اللّه ُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ » ، (11) وتارةً عن فعله كالسماع نحو : «إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ » ، (12) وتارةً عن الفهم ، وتارةً عن الطاعة ، تقول : اسمع ما أقول لك ولم تسمع ما قلت (إلى آخر ما في المفردات) . (13) الأبصار : واحده البصر ؛ حاسّة الرؤية والعلم ، وجاء في القرآن الكريم الأبصار بصيغة الجمع دون السمع ، وقيل في ذلك كما في المجمع : «وقوله : «عَلَى سَمْعِهِمْ» ، يريد على أسماعهم ، والسمع مصدر ، تقول : يعجبني ضربكم ؛ أي ضروبكم ، فيوحّد ؛ لأنّه مصدر ، ويجوز أن يريد على مواضع سمعهم ، فحُذفت مواضع ودلّ السمع عليها ، كما يقال : أصحابك عدل أو ذوو عدل ، ويجوز أن يكون لمّا أضاف السمع إليهم دلّ على معنى أسماعهم...» . (14) «أعدائي» : العدوّ ضدّ الوليّ والصديق ، للواحد والجمع والذكر والأُنثى . «وحسّادي» الحسد تمنّي زوال نعمة من يستحقّها ، وربّما كان مع ذلك سعي في إزالتها ، وهو حاسد والجمع حُسّد وحُسّاد وحَسَدة ، قال تعالى : «أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللّه ُ مِنْ فَضْلِهِ » . (15) والغبطة : أن يتمنّى أن يكون له مثلها . والحسد من الصفات المذمومة التي تنشأ منها آثار سيّئة وجرائم كبيرة وجنايات عظيمة ، والأحاديث في ذمّها كثيرة ، منها : «إنّ الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب» ، (16) و«المؤمن يغبط ولا يحسد ، والمنافق يحسد ولا يغبط» ، (17) و«لا يؤمن رجل فيه الشحّ والحسد والجبن» ، (18) و«قال لقمان لابنه : للحاسد ثلاث علامات : يغتاب إذا غاب ، ويتملّق إذا شهد ، ويشمت بالمصيبة» ، (19) إلى غير ذلك من الأحاديث . (20) «والباغين عليّ» بغى عليه ؛ أي جنى عليه ، من باب نصر ينصر ، وبغى فلان : عدى عن الحقّ واستطال ، وبغي على فلان : استطال عليه وظلمه ، من باب ضرب يضرب . يطلب منه تعالى أن يأخذ عنه بأسماع وأبصار أعدائه وحسّاده والظالمين له ، فلا يسمعون ولا يبصرون عنه ما يضرّه أو ينفعهم . ويقول : «وانصرني عليهم وأقرّ عيني» النصر والنصرة : العون ، وقيل : النصر أخصّ ؛ لكونه مخصوصا بنصر المظلوم . والقرّ بالضمّ : البرد ، وقيل : برد الشتاء ، وقرّت عينه : بردت سرورا وانقطع بكاؤها وجفّ دمعها ، وقيل : أي برد دمعها كناية عن السرور ؛ لأنّ دمع الفرح بارد ودمع الحزن سخن ، وقيل : أقرّ اللّه عينه وبعينه أعطاه حتّى تقرّ فلا تطمح إلى من هو فوقه . أي أقِرّ عيني بنصرك إيّاي على عدوّي وعدوّك. «وحقّق» أي أثبت وأوجب ظنّي ، أي ما كنت أظنّ من النصرة ، وتأتي الظنّ للدلالة على الرجحان ، كقولك : ظننت زيدا صاحبك ، ويُستعمل في الاعتقاد والاستيقان ، قال تعالى : «ظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللّه ِ إِلاّ إِلَيْهِ » ، (21) و «جاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ » ، (22) وذلك لقوله تعالى : «إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا » ، (23) وقال عزّ شأنه : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللّه َ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ » . (24) «وفرّح قلبي» فرح الرجل بالشيء فرحا : انشرح صدره بلذّة عاجلة ، والفرح : السرور ، ويُستعمل في الأشر والبطر ، وعليه : «إِنَّ اللّه َ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ » ، (25) والرضى وعليه : «كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ » ، (26) والقلب هو الفؤاد ، وقيل : أخّص منه ، وهو عضو صنوبريّ الشكل مودّع في الجانب الأيسر من الصدر في باطنه تجويف فيه دم أسود ، وقد يُطلق على العقل ، ومنه : «إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ » (27) أي عقل ، (28) وقال الراغب : «وقلب الإنسان ، قيل : سُمّي به لكثرة تقلّبه ، ويعبّر بالقلب عن المعاني التي تختصّ به من الروح والعلم والشجاعة وغير ذلك ، وقوله : «وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ » (29) أي الأرواح...» (30) وذلك لغلبة أولياء اللّه عزّ شأنه على أعدائه ؛ لأنّ أعداءهم هم أعداء اللّه تعالى. «واجعل لي من همّي» الهمّ الحزن الذي يذيب الإنسان ، وما همّ به الرجل في نفسه أو ما يجيل لفعله وإيقاعه فكره ، والمراد هنا الأوّل ، بقرينة السياق ، وفي الدعاء : «وامتلأت بحمل ما حدث عليّ همّا» ، (31) و«واكسر عنّي سلطان الهمّ بحولك» . (32) «وكربي» الكرب : الغمّ الشديد ، كربه الأمر كربا : شقّ عليه ، وكربه الغمّ : اشتدّ عليه ، والكرب : الحزن والغمّ يأخذ بالنفس ، والجمع كروب ، قال في المجمع : «وفي الدعاء : أعوذ بك من الهمّ والحزن والعجز والكسل . (33) قيل : هذا الدعاء من جوامع الكلم ، لما قالوا : أنواع الرذائل ثلاثة : نفسانية وبدنية وخارجية ، والأوّل بحسب القوى التي للإنسان العقلية والغضبية والشهوية ثلاثة أيضا ، والهمّ والحزن يتعلّق بالعقلية ، والجبن بالغضبية ، والبخل بالشهوية ، والعجز والكسل بالبدنية ، والطمع والغلبة بالخارجية ، والدعاء يشتمل على الكلّ. وفي دعاءٍ آخر : أعوذ بك من الهمّ والغمّ والحزن ، (34) قيل : الفرق بين الثلاثة هو أنّ الهمّ قبل نزول الأمر ويطرد النوم ، والغمّ بعد نزول الأمر ويجلب النوم ، والحزن : الأسف على ما فات وخشونة في النفس لما يحصل فيها من الغمّ» . (35) «فرجا ومخرجا» الفرج محرّكة مصدر واسم من التفريج للراحة من كرب وانكشاف الغمّ ، يقال : فرّج اللّه عنك . والمخرج اسم لمكان الخروج ، قال سبحانه تعالى : «مَنْ يَتَّقِ اللّه َ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً » ، (36) وعد اللّه سبحانه للمتّقين بأن يجعل لهم مخرجا من المضايق المادّية والمعنويّة ، وفي نهج البلاغة : «واعلموا أنّ من يتّق اللّه يجعل له مخرجا من الفتن ونورا من الظلم» ، (37) و«ولو أنّ السماوات والأرض كانتا على عبدٍ رتقا ثمّ اتّقى اللّه ، لجعل اللّه له منهما مخرجا» . (38) «واجعل من أرادني بسوء من خلقك تحت قدمي» أي اجعله مغلوبا ومنكوبا ، كونهم تحت قدمه كناية عن الفناء والانعدام والتذليل والتعذيب ، قال تعالى : «رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاّنا مِنَ الْجِنِّ وَالإِْنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الأَْسْفَلِينَ » (39) ، أي ندوسهما وننتقم منهما. «واكفني شرّ الشيطان» النون في شيطان أصلية من شطن أي تباعد ، قال أبو عبيدة : «الشيطان اسم لكلّ عارم من الجنّ والإنس والحيوانات ، قال تعالى : «شَياطِينَ الإِْنْسِ وَالْجِنِّ » ، (40) و «وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنّا مَعَكُمْ » » . (41) قال العلّامة المجلسي رحمه الله : «لا خلاف بين الإمامية بل بين المسلين في أنّ الجنّ والشياطين أجسام لطيفة يرون في بعض الأحيان ولا يرون في بعضها ، ولهم حركات سريعة ، وقدرة على أعمال قويّة ، ويجرون في أجساد بني آدم مجرى الدم ...» ، (42) ويحتمل أن يكون المراد المعنى الأوّل وهو كلّ عارم من الجنّ والإنس. «وشرّ السلطان» السلطان : الحجّة ، قال سبحانه : «ما نَزَّلَ اللّه ُ بِها مِنْ سُلْطانٍ » ، (43) وبهذا المعنى استُعمل في القرآن الكريم كثيرا ، والسلطان : التسلّط والملك ، وهو المراد هنا ظاهرا ، والشرّ هو الذي يرغب عنه الكلّ ، كما أنّ الخير هو الذي يرغب فيه الكلّ ، (44) وهو اسم جامع لكلّ الرذائل والخطايا. «وسيّئات عملي» أي اكفني جزاء سيّئات عملي بحذف المضاف ، أو تسمية الجزاء باسمها ، كما قال تعالى : «فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا » . (45)

.


1- . الكافي : ج 5 ص 93 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 3 ص 182 ، تهذيب الأحكام : ج 6 ص 184 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 16 ص 257 .
2- . الكافي : ج 5 ص 92 ، المحاسن : ج 2 ص 219 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 3 ص 182 ، تهذيب الأحكام : ج 6 ص 184 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 43 ص 321 .
3- . اُنظر : وسائل الشيعة : ج 18 ص 322 .
4- . الكافي : ج5 ص94 ، الخصال : ص12 ، تهذيب الأحكام : ج6 ص184 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج97 ص 10.
5- . الخصال : ص 44 ، بحار الأنوار : ج 100 ص 141 .
6- . الكافي : ج5 ص93 ، تهذيب الأحكام : ج6 ص184 ، اُنظر : وسائل الشيعة : ج18 ص319 .
7- . الأنعام : 46 .
8- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 12.
9- . النازعات: 25 .
10- . الأنعام : 42 .
11- . البقرة : 7 .
12- . البقرة : 7 .
13- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 242.
14- . اُنظر : مجمع البيان : ج 1 ص 95.
15- . النساء : 54 .
16- . نهج البلاغة : الخطبة 86 ، الكافي : ج 2 ص 306 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 2 ص 108 ، تحف العقول : ص 151 ، روضة الواعظين : ص 424 ، مشكاة الأنوار : ص 534 ، عدّة الداعي : ص 294 ، انظر : بحار الأنوار : ج 70 ص 237 .
17- . الكافي : ج 2 ص 307 ، بحار الأنوار : ج 70 ص 250 .
18- . الخصال : ص 83 ، روضة الواعظين : ص 402 ، مشكاة الأنوار : ص 534 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 64 ص 364 .
19- . الخصال : ص 121 ، اُنظر : بحار الأنوار ، ج 1 ص 128.
20- . اُنظر : وسائل الشيعة : كتاب الجهاد ، ج 11 ص 251 وما بعدها ، و جامع أحاديث الشيعة : ج 13 ص 347 وما بعدها.
21- . التوبة : 118 .
22- . يونس : 22 .
23- . غافر : 54 .
24- . محمّد : 7.
25- . القصص : 76 .
26- . الروم : 33 .
27- . ق : 37 .
28- . أقرب الموارد : ج 4 ص 394 .
29- . الأحزاب : 10 .
30- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 411 .
31- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 7 .
32- . المصدر السابق : الدعاء 7 .
33- . المصدر السابق : الدعاء 138 ، اُنظر : مجمع البحرين : ج 4 ص 437.
34- . اُنظر : المصباح للكفعمي : ص 77 .
35- . مجمع البحرين : ج 4 ص 437.
36- . الطلاق : 37.
37- . اُنظر : نهج البلاغة الخطبة 183 .
38- . اُنظر : نهج البلاغة الخطبة 130 .
39- . فصّلت : 29 .
40- . الأنعام : 112 .
41- . البقرة : 14 ، اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 361 .
42- . بحار الأنوار : ج 60 ص 283 .
43- . الأعراف : 71 .
44- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 257 .
45- . النحل : 34.

ص: 271

. .

ص: 272

. .

ص: 273

. .

ص: 274

. .

ص: 275

. .

ص: 276

وطَهِّرني مِنَ الذُّنوبِ كُلِّها «446 » وأجِرني مِنَ النّارِ بِعَفوِكَ«447 »وأدخِلنِي الجَنَّةَ بِرَحمَتِكَ«448 »وزَوِّجني مِنَ الحورِ العينِ بِفَضلِكَ «449 »وألحِقني بِأَولِيائِكَ الصّالِحينَ مُحَمَّدٍ وآلِهِ الأَبرارِ الطَّيِّبينَ الطّاهِرينَ الأَخيارِ صَلَواتُكَ عَلَيهِم وعَلى أجسادِهِم وأرواحِهِم ورَحمَةُ اللّه ِ وبَرَكاتُهُ«450 »

«طهّرني» الطهارة ضربان : طهارة جسم وطهارة نفس ، وحمل عليها عامّة الآيات ، قال : «وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ » ، (1) أي التاركين للذنب والعاملين للصلاح ، وقال : «لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ » ، (2) أي لا يبلغ حقائق معرفته إلّا من طهّر نفسه وتنقّي من درن الفساد. يطلب من اللّه سبحانه أن يطهّره من الذنوب بأن يوفّقه لترك الذنوب أو للتوبة عن الذنوب أو للإصلاح بعد التوبة ، وفي الصحيفة : «وأن نتقرّب إليك فيه _ أي في شهر رمضان _ من الأعمال الزاكية بما تطهّرنا به من الذنوب ، وتعصمنا فيه ممّا نستأنف من العيوب» ، (3) و«واحطط بالقرآن عنّا ثقل الأوزار... حتّى تطهّرنا من كلّ دنس بتطهيره...» ، (4) و«وطهّرني من دنس ما أسلفت» ، (5) و«طهرّني بالتوبة» ، (6) في هذه الجملات ذكر التطهير بالتوبة حتّى يتخلّص عن العذاب الأُخروي والتطهير عن دنس المعاصي العارضة بارتكابها ، ويعبّر عنها بالآثار الوضعية التي تعرّض المرتكب في جسمه ونفسه ، وكما تعرّض لتحقيقه العلّامة الطباطبائي في الميزان ، (7) والتطهير بالعصمة عن ارتكابها ، ولأجل الطهارة عن هذه الأدناس والأرجاس قيّدت التوبة في كثير من الآيات المباركات بذكر الأعمال الصالحة ، قال سبحانه : «فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ » ، (8) و «أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ » ، (9) وفي الحديث : «وقال عليه السلام _ لقائلٍ بحضرته أستغفر اللّه _ : ثكلتك أُمّك . أتدري ما الاستغفار؟ الاستغفار درجة العليّين ، وهو اسم واقع على ستّة معان : أوّلها : الندم على ما مضى ، والثاني : العزم على ترك العود إليه أبدا ، والثالث : أن تؤدّي إلى المخلوقين حقوقهم حتّى تلقى اللّه أملس ليس عليك تبعة ، والرابع : أن تعمد إلى كلّ فريضة عليك ضيّعتها فتؤدّي حقّها ، والخامس : أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السُّحت فتذُيبه بالأحزان حتّى تلصق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد ، والسادس : أن تذيق الجسم ألم الطاعة ، كما أذقته حلاوة المعصية ، فعند ذلك تقول : أستغفر اللّه » . (10) «من الذنوب» قال الراغب : «والذنب في الأصل الأخذ بذنب الشيء ، يقال : ذنبته ؛ أصبت ذنبه ، ويستعمل في كلّ فعل يستوخم عقباه اعتبارا بذنب الشيء ، ولهذا يسمّى الذنب تبعة اعتبارا لما يحصل من عاقبته» . (11) «كلّها» أي صغيرها وكبيرها . «وأجرني» الجار من يقرب مسكنه منك ، ولمّا استعظم حقّ الجار عقلاً وشرعا عبّر عن كلّ من يعظم حقّه أو يستعظم حقّ غيره بالجار ، يقال : استجرته فأجارني ، وعلى هذا قوله تعالى : «وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ » ، (12) وأجاره اللّه من العذاب إجارةً : أنقذه ، وأجار فلانا : أعاذه وأغاثه . فالمعنى : أنقذني وأجرني. «من النار بعفوك» أي نجّني بسبب عفوك عن ذنوبي من نار الجحيم التي أُعدّت للعاصين. «وأدخلّني الجنّة» وهي كلّ بستان ذي شجر يستر بأشجاره الأرض ، وسُمّيت الجنّة إمّا تشبيها بالجنّة في الأرض وإن كان بينهما بون ، وإمّا لستره نعمها عنّا المشار إليها بقوله تعالى : «فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ » ، (13) قال ابن عبّاس رضى الله عنه : إنّما قال جنّات بلفظ الجمع ؛ لكون الجنان سبعا : جنّة الفردوس ، وعدن ، وجنّة النعيم ، ودار الخلد ، وجنّة المأوى ، ودار السلام ، وعلّيّين . (14) «برحمتك» أي سبب دخول الجنّة هو رحمة اللّه تعالى لا الأعمال ؛ لأنّ كلّ ذلك فضل منه تعالى كما تقدّم. «وزوّجني من الحور العين» من نعم الجنّة هو الأزواج المطهّرة ، قال سبحانه : «وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ » (15) من الأقذار والأرجاس ، وعن أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه : «لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ » ، قال : «لا يحضن ولا يحدثن» ، (16) وعن جميل بن درّاج ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : «إنّ أهل الجنّة ما يتلذّذون بشيء في الجنّة أشهى عندهم من النكاح ، لا طعام ولا شراب» ، (17) ومقتضى إطلاق الآية كونها مطهّرات من القذرات المادّية والمعنوية ، وقال تعالى : «كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ » ، (18) و «مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ » ، (19) و «حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ » ، (20) و «وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ » . (21) وفي الخصال عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : «أربعة أوتوا سمع الخلائق : النبيّ صلى الله عليه و آله ، والحور العين ، والجنّة والنار ، فما من عبد يصلّي على النبي صلى الله عليه و آله ويسلّم عليه إلّا بلغه ذلك وسمعه ، وما من أحد قال: اللّهمّ زوّجني من الحور العين إلّا سمعنه وقلن : ياربّنا ، إنّ فلانا خطبني إليك فزوّجنا منه» ، الحديث . (22) وحوّرت العين : اشتدّ بياض بياضها وسواد سوادها ، والحور العين : الحور جمع حوراء بالفتح والمدّ ، وهي شديدة بياض العين في شدّة سوادها. «بفضلك» ؛ لأنّ الأجر للأعمال الصالحة كلّها فضل من اللّه تعالى من دون استحقاق للعبد ، وقد تقدّم بيان ذلك. «وألحقني بأوليائك الصالحين» الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، قال سبحانه _ حاكيا عن نبيّه الصدّيق يوسف على نبيّنا وآله وعليه السلام _ : «تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ » ، (23) وقال تعالى _ حاكيا عن نبيّه إبراهيم على نبيّنا وآله وعليه السلام _ : «رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ » ، (24) سأل سلام اللّه عليه الدخول في زمرة أوليائه في الآخرة ، كما سأله تعالى وإبراهيم عليهماالسلاماللحوق بالصالحين ، قال عزّ شأنه : «وَمَنْ يُطِعِ اللّه َ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّه ُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً * ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّه ِ وَكَفى بِاللّه ِ عَلِيماً » ، (25) فاللّحوق بهم يتحقّق مع طاعة اللّه ورسوله. «محمّد وآله» بيان للأولياء الصالحين ، أي ألحقني بمحمّد وآله ، ولعلّ المراد من الإلحاق هو توفيقهم بالصالحات والمجاهدات حتّى يبلغوا إلى درجتهم ، ويحتمل أن يكون المراد من الإلحاق هو التفضّل من اللّه تعالى بأن يبلغهم إلى درجة هؤلاء وإن قصرت أعمالهم ، كما قال سبحانه : «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ » . (26) قال الأُستاذ في تفسير الآية : «قيل : الفرق بين الاتّباع واللحوق مع اعتبار التقدّم والتأخّر فيهما جميعا ، أنّه يعتبر في الاتّباع اشتراك بين التابع والمتبوع في مورد الاتّباع ، بخلاف اللحوق ، فاللّاحق لا يشارك الملحوق فيما لحق به فيه... وظاهر الآية ، أنّها في مقام الامتنان ، فهو سبحانه يمتن على الذين آمنوا أنّه سيلحق بهم ذرّيتهم الذين اتّبعوهم بإيمان ، فتقرّ بذلك أعينهم ، وهذا هو القرينة على أنّ التنوين في (إيمان) للتنكير دون التعظيم ، والمعنى : اتّبعوهم بنوعٍ من الإيمان ، وإن قصر عن درجة إيمان آبائهم ، إذ لا امتنان لو كان إيمانهم أكمل من إيمان آبائهم أو مساويا له... يمتن تعالى فيه على الذين آمنوا بأنّه سيلحق بهم أولادهم الذين اتّبعوهم بنوعٍ من الإيمان ، وإن كان قاصرا عن درجة إيمانهم ؛ لتقرّ به أعينهم ، ولا ينقص مع ذلك من ثواب أعمال الآباء بالإلحاق شيء ، بل يؤتيهم مثل ما آتاهم أو بنحو لا تزاحم فيه على ما هو أعلم به...» . (27) وفي الكافي بإسناده عن أبي بكر ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ : «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ » (28) قال : فقال «قصرت الأبناء عن عمل الآباء فألحقوا الأبناء بالآباء لتقرّ بذلك أعينهم» ، (29) ورواه في التوحيد بإسناده عن أبي بكر الحضرمي . (30) أقول : وليس ذلك شفاعة ، بل تكريم من اللّه للمؤمن ؛ ليكمل له العيش الطيّب الذي وعده اللّه للمؤمن ، وكذلك الإلحاق بمحمّد وآله صلى الله عليه و آله يجمع اللّه بذلك شمل رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأهل بيته عليهم السلام . وعن أبي جعفر عليه السلام في حديث : «... واللّه لو أحبّنا حجر حشره اللّه معنا ، وهل الدّين إلّا الحبّ» . (31) الآل : قيل : مقلوب من الأهل ، ويصغّر على أُهيل ، وعن بعض أهل الكمال أنّ آل النبيّ صلى الله عليه و آله كلّ من يؤول إليه ، وهم قسمان : الأوّل : من يؤول إليه مآلاً صوريّا جسمانيّا كأولاده صلى الله عليه و آله ومن يحذو حذوهم من أقاربه الصوريين الّذين يحرم عليهم الصدقة في الشريعة المحمّدية . والثاني : من يؤول إليه صلى الله عليه و آله معنويّا روحيّا ، وهم أولاده الروحانيّون من العلماء الراسخين والأولياء الكاملين... . أقول : وإلى ذلك يشير ما رواه الراغب في المفردات عن الصادق عليه السلام ، قال : «وقيل لجعفر الصادق رضى الله عنه : الناس يقولون : المسلمون كلّهم آل النبيّ عليه الصلاة والسلام ، فقال : كذبوا وصدقوا ، فقيل له : ما معنى ذلك؟ فقال : كذبوا في أنّ الأُمّة كافّتهم آله وصدقوا في أنّهم إذا قاموا بشرائط شريعته آله» ، (32) ولعلّه إلى ذلك يشير قوله تعالى _ حاكيا عن إبراهيم على نبيّنا وآله وعليه السلام _ : «فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي » . (33) وفي الحديث عن أبي عبيدة ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : «من أحبّنا فهو منّا أهل البيت ، فقلت : جعلت فداك ، منكم؟ قال : منّا واللّه ، أما سمعت قول اللّه وهو قول إبراهيم عليه السلام : «فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي » ؟» . (34) وعن محمّد الحلبي ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : «من اتّقى اللّه منكم وأصلح فهو منّا أهل البيت ، قال : منكم أهل البيت؟ قال : منّا أهل البيت ، قال فيها إبراهيم : «فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي » ، قال عمر بن يزيد : قلت له : من آل محمّد؟ قال : اِي واللّه من آل محمّد ، اِي واللّه من أنفسهم ، أما تسمع قول اللّه تعالى : «إِنَّ أَوْلَى النّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ » ، (35) وقول إبراهيم : «فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي » ؟» . فيه : عن عمّار بن موسى قال : «كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام فقال رجل : اللّهمّ صلّ على محمّد وأهل بيت محمّد ، فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام : يا هذا قد ضيّقت علينا ، أما علمت أنّ أهل البيت خمس أصحاب الكساء؟ فقال الرجل : كيف أقول؟ قال : قل : اللّهمّ صلّ على محمّد ، وآل محمّد فنكون نحن وشيعتنا قد دخلنا فيه» . (36) «الأبرار» جمع البرّ ، من بَرَّ أي ؛ أحسن الطاعة ، وبرّ والده من باب نصر وضرب ؛ أي أحسن الطاعة إليه ، ورفق به وتحرّى محابّه ، وتوقّي مكارهه ؛ فهو برّ به وبارّ ، قال الراغب : «البرّ خلاف البحر ، وتصوّر منه التوسّع فاشتقّ منه البرّ ، أي التوسّع في فعل الخير ، وينسب ذلك إلى اللّه تعالى تارةً نحو : «إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ » ، (37) وإلى العبد تارةً ، فيقال : برّ العبد ربّه ؛ أي توسّع في طاعته ، فمن اللّه تعالى الثواب ومن العبد الطاعة ، وذلك ضربان : ضرب في الاعتقاد وضرب في الأعمال ...» (38) . «الطيّبين» أصل الطيّب ما تستلذّه الحواسّ وما تستلذّه النفس ، والطيّب من الإنسان من تعرّى من نجاسة الجهل والفسق وقبائح الأعمال وتحلّي بالعلم والإيمان ومحاسن الأعمال ، (39) وإيّاهم قصد بقوله : «الَّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ » ، (40) وقال : «طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ » . (41) «الطاهرين» الطهارة ضربان : طهارة جسم ، وطهارة نفس ، وحمل عليها عامّة الآيات : «وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ » ، (42) أي التاركين للذنب ، و «لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ » ، (43) أي إنّه لا يبلغ حقائق معرفته إلّا من طهّر نفسه وتنقّى من درن الفساد . (44) هم الطيّبون لا المتطيّبون ، وهم الطاهرون لا المتطهّرون ؛ لأنّهم طهّرهم اللّه تعالى من الأرجاس والأنجاس والأقذار ، ولأجل ذلك جاء الفعل في «لَا يَمَسُّهُ إِلَا الْمُطَهَّرُونَ» مجهولاً ، أي طهّرهم اللّه تعالى ، وحذف الفاعل تعظيما ، والمطهّرون _ اسم مفعول من التطهير _ هم الذين طهّر اللّه تعالى نفوسهم من أرجاس المعاصي وقذارات الذنوب ، أو ممّا هو أعظم من ذلك وأدقّ ، وهو تطهير قلوبهم من التعلّق بغيره تعالى ، وهذا المعنى من التطهير هو المناسب للمسّ الذي هو العلم دون الطهارة من الخبث أو الحدث ، كما هو ظاهر ، فالمطهّرون هم الذين أكرمهم اللّه تعالى بتطهير نفوسهم كالملائكة الكرام والذين طهّرهم اللّه من البشر ، قال تعالى : «إِنَّما يُرِيدُ اللّه ُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً » . (45) فالمراد أن يلحقهم اللّه تعالى بآله المطهّرين المعصومين عليهم السلام الأخيار ، وجدان كلّ شيء على كمالاته اللّائقة ، وقيل : حصول الشيء لما من شأنه أن يكون حاصلاً له ، أي يناسبه ويليق به ، والجمع الأخيار ، قال الراغب : «الخير ما يرغب فيه الكلّ ، كالعقل مثلاً والعدل والفضل والشيء النافع ، وضدّه الشرّ ، قيل : والخير ضربان : خير مطلق وهو أن يكون مرغوبا فيه بكلّ حال وعند كلّ أحد كما وصف عليه السلام به الجنّة ، وخير وشرّ مقيّدان وهو أن يكون خيرا لواحد شرّا لآخر كالمال ...» (46) إلخ ، والأخيار خلاف الأشرار. «صلواتك عليهم» قال الراغب : «والصلاة ، قال كثير من أهل اللّغة : هي الدعاء والتبريك والتمجيد ، يقال : صلّيت عليه ؛ أي دعوت له... وصلوات الرسول وصلاة اللّه للمسلمين هو في التحقيق تزكيته إيّاهم . وقال : «أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ » ، (47) ومن الملائكة هي الدعاء والاستغفار كما هي من الناس» ، (48) قال عزّ شأنه : «هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً » ، (49) قال الأُستاذ : «المعنى الجامع للصلاة على ما يستفاد من موارد استعمالها هو الانعطاف ، فيختلف باختلاف ما نسب إليه ، ولذلك قيل : إنّ الصلاة من اللّه الرحمة ومن الملائكة الاستغفار ومن الناس الدعاء ، لكنّ الذي نسب من الصلاة إلى اللّه سبحانه في القرآن هو الصلاة بمعنى الرحمة الخاصّة بالمؤمنين ، وهي الّتي تترتّب عليها سعادة العقبى والفلاح المؤبّد ، ولذلك علّل تصلية عليهم بقوله : «ليُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً » ،» (50) إلى آخر ما ذكره قدس سرّه . «وعلى أجسادهم وأرواحهم» تأكيد تفصيل وتأكيد للجملة الأُولى ، وصلاة اللّه على أجسادهم هي العافية فيها ، كما في الدعاء : «وعاف فيها جسدي» ، (51) وهي دفع البلايا والعاهات والانتقام عنها أو صرفها عن ارتكاب الجرائم والمعاصي ، وفي الحديث : «إنّ للّه تبارك وتعالى ضنائن (52) من خلقه ، يغذوهم بنعمته ويحبوهم بعافيته ، ويدخلهم الجنّة برحمته ، تمرّ بهم البلايا والفتن مثل الرياح ما تضرّهم شيئا» ، (53) كما أنّ صلاة اللّه تعالى على أرواحهم حفظها عن الأمراض الروحيّة والخصائص المذمومة والأرجاس والأنجاس والوساوس والشكوك والشبهات. «ورحمة اللّه وبركاته» أي رحمة اللّه عليهم ، وهي من اللّه تعالى إنعام وإفضال ، ومن الآدميّين رقّة وتعطّف . وبركاته ؛ أي بركات اللّه عليهم ، وهي ثبوت الخير الإلهي في الشيء... ولمّا كان الخير الإلهي يصدر من حيث لا يحسّ وعلى وجهٍ لا يُحصر ولا يُحصى قيل لكلّ ما يشاهد منه زيادة غير محسوسة هو مبارك وفيه بركة ، (54) قال سبحانه : «وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالأَْرْضِ » ، (55) وقال تعالى : «رَحْمَتُ اللّه ِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ » ، (56) والبركة : النماء والزيادة ، وقال ابن الأثير في حديث الصلاة على النبي صلى الله عليه و آله : «وبارك على محمّد وعلى آل محمّد ؛ أي أثبت وأدم ما أعطيته من التشريف والكرامة» . (57)

.


1- . البقرة : 222.
2- . الواقعة : 79 .
3- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 44 .
4- . المصدر السابق : الدعاء 42 .
5- . المصدر السابق : الدعاء 15 .
6- . المصدر السابق : الدعاء 16 .
7- . اُنظر : الميزان في تفسير القرآن : ج 5 ص 329 وما بعدها .
8- . المائدة : 39 .
9- . الأنعام : 54 .
10- . نهج البلاغة : الحكمة 417 ، روضة الواعظين : ص 479 ، مكارم الأخلاق : ص 314 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 6 ص 36 .
11- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 181 .
12- . الأنفال : 48 .
13- . السجدة : 17 .
14- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 98.
15- . اُنظر البقرة : 25 ، وآل عمران : 15 ، والنساء : 57 .
16- . اُنظر : كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 1 ص 89 ، تفسير العيّاشي : ج 1 ص 165 ، بحار الأنوار : ج 8 ص 139 .
17- . الكافي : ج 5 ص 321 ، تفسير العيّاشي : ج 1 ص 164 ، بحار الأنوار : ج 8 ص 139 .
18- . الدخان : 54 .
19- . الطور: 20 .
20- . الرحمن : 72 .
21- . الواقعة : 22 _ 23 ، وللمزيد من الاطّلاع ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 14 ص 46 ، وج 10 ص 187 ، وج 86 ص 37 ، وج 60 ص 257 ، وج 8 ص 121 _ 134 و198 ، وج 77 ، ص 82 ، كما في مستدرك السفينة : ج 2 في «حور» ، و نور الثقلين : ج 4 ص 631 في تفسير سورة الدخان .
22- . الخصال : ص 202 ، بحار الأنوار : ج 83 ص 34 ، نور الثقلين : ج 4 ص 632 .
23- . يوسف : 101.
24- . الشعراء : 83 .
25- . النساء : 69 _ 70 .
26- . الطور : 21 .
27- . الميزان في تفسير القرآن : ج 19 ص 12 و 13 .
28- . الطور: 22 .
29- . الكافي : ج 3 ص 249 ، كتاب من لا يحضره الفقيه ، ج 3 ص 490 ، الفصول المهمة في اُصول الأئمة : ج 1 ص280 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 5 ص 292 .
30- . اُنظر : التوحيد : ص 394 ، فيه : «قصرت الأبناء عن عمل الآباء ، فألحق اللّه عزّ وجلّ الأبناء بالآباء ليقرّ بذلك أعينهم».
31- . بحار الأنوار : ج 27 ص 95 ، مستدرك الوسائل : ج 12 ص 219 .
32- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 31 .
33- . إبراهيم : 36 .
34- . تفسير العيّاشي : ج 2 ص 231 .
35- . آل عمران : 68.
36- . ثواب الأعمال : ص 158 ، بحار الأنوار : ج 91 ص 59 .
37- . الطور : 28.
38- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 40.
39- . اُنظر : بحار الأنوار : ج 71 ص 343.
40- . النحل : 32.
41- . الزمر : 72.
42- . البقرة : 222.
43- . الواقعة : 79.
44- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 308.
45- . الأحزاب : 33 ، اُنظر : الميزان في تفسير القرآن : ج 19 ص 127.
46- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 160.
47- . البقرة : 157.
48- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 285.
49- . الأحزاب : 43.
50- . الميزان في تفسير القرآن : ج 16 ص 329 .
51- . الصحيفة السجادية : الدعاء 54.
52- . الضنائن : جمع ضن وهو المخصوص بالمحبّة ، «النهاية : ج 3 ص 104».
53- . الكافي : ج 2 ص 462 ، قرب الإسناد : ص 25 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 78 ص 182 .
54- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 44.
55- . الأعراف : 96.
56- . هود : 73 .
57- . النهاية : ج 1 ص 120 .

ص: 277

. .

ص: 278

. .

ص: 279

. .

ص: 280

. .

ص: 281

. .

ص: 282

. .

ص: 283

. .

ص: 284

. .

ص: 285

إلهي وسَيِّدي ، وعِزَّتِكَ وجَلالِكَ لَئِن طالَبتَني بِذُنوبي لَاُطالِبَنَّكَ بِعَفوِكَ «451 »ولَئِن طالَبتَني بِلُؤمي لَاُطالِبَنَّكَ بِكَرَمِكَ «452 » ولَئِن أدخَلتَنِي النّارَ لَاُخبِرَنَّ أهلَ النّارِ بِحُبّي لَكَ «453 »إلهي وسَيِّدي إن كُنتَ لا تَغفِرُ إلّا لِأَولِيائِكَ وأهلِ طاعَتِكَ فَإِلى مَن يَفزَعُ المُذنِبونَ؟«454 »وإن كُنتَ لاتُكرِمُ إلّا أهلَ الوَفاءِ بِكَ فَبِمَن يَستَغيثُ المُسيؤونَ؟«455 »

«إلهي وسيّدي» تقدّم معنى الإله والسيّد ، والإضافة بمعنى اللّام إضافة حقيقية ؛ لأنّه تعالى معبود كلّ مخلوق بأيّ معنى اعتُبر للعبادة _ أي الطاعة أو كمال الخضوع أو خضوع من اعتقاد أنّ المعبود له الخلق والأمر وبيده الرزق والشفاء من المرض و... _ وإذا كان القائل عارفا باللّه تعالى يكون في قوله صادقا ومخلصا ومفتخرا مباهيا ، كما روي عن أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه : «كفى بي عزّا أن أكون لك عبدا ، وكفى بي فخرا أن تكون لي ربّا ، أنت كما أُحبّ فاجعلني كما تحبّ» ، (1) وكذا الإضافة في سيّدي. «وعزّتك» أي أُقسم بعزّتك ، والعزّة بالكسر مصدر واسم بمعنى الغلبة في المعازّة ، قيل : العزّة غير الكبر ، فالعزّة معرفة الإنسان بحقيقة نفسه وإكرامها ووضعها في منزلتها ، كما أنّ الكبر جهل الإنسان بنفسه وإنزالها فوق منزلتها ، والعزيز من أسمائه تعالى وهو الذي لا يعاد له شيء ، أو الغالب الذي لا يغلب ، قال سبحانه : «مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً » ، (2) و «أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ للّه ِِ جَمِيعاً » ، (3) و «وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ للّه ِِ جَمِيعاً » ، (4) والعزّة من فروع الملك ، والملك للّه الواحد القهّار ، قال سبحانه : «قُلِ اللّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ » . (5) «وجلالك» أي أُقسم بجلالك ، والجلالة : العظمة وعظم القدر ، والجلال بغير الهاء : التناهي في ذلك ، وخُصّ بوصف اللّه تعالى ، فقيل : «ذو الجلال والإكرام» ولم يُستعمل في غيره ، والجليل : العظيم القدر ، ووصفه تعالى بذلك إمّا لخلقه الأشياء العظيمة المستدلّ بها عليه ، أو لأنّه يجلّ عن الإحاطة به ، أو لأنّه يجلّ أن يُدرك بالحواسّ ، (6) وجلال اللّه : عظمته ، ومنه الدعاء «أسألك بجلالك» ، ولعلّ القسم بالاسمين المباركين من أجل المناسبة بين العزّة والعفو والجلال والكرم. «لئن طالبتني بذنوبي» طالبه ؛ أي طلبه بحقّ له عليه ، طالبه بذنوبه ؛ أي أخذه بها. «لأطالبنّك بعفوك» أي أطلب عفوك ، كأنّ العفو عنّي حقّ لي على اللّه تعالى ؛ لأنّك العزيز الغالب الذي لا يعادله شيء ، وأنت المالك تؤتي من تشاء ، فلا يتعاظمك العفو عن الذنب ، وأنت ذو الجلال والعظمة ينبغي لكرمك أن تعفو عن عبدك الجاهل. «ولئن طالبتني بلؤمي» واللؤم ضدّ الكرم ، ولؤم الرجل كان دنيء الأصل شحيح النفس مهينا ، أي طالبتني وأخذتني بصفة اللؤم فيّ ، أو بأعمالي الناشئة من اللؤم . «لأطالبنّك بكرمك» وتوسّلت إليك بكرمك ، كما قال سبحانه : «يا أَيُّهَا الإِْنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ » ، (7) وقد تقدّم الكلام في معنى الكرم والأحاديث الواردة فيه وآثاره وعلاماته. «ولئن أدخلتني النار لأخبرنّ أهل النار بحبّي لك» قد تقدّم الكلام في معنى حبّ اللّه تعالى ، والغرض هنا بيان أنّه لو أدخله اللّه النار بأعماله القبيحة وسيّئاته وأذن له في الكلام لأخبر أهلها بحبّه اللّه سبحانه وتعالى ، وفي دعاء كميل «... أتراك معذّبي بنارك بعد توحيدك ، وبعدما انطوى عليه قلبي من معرفتك ، ولهج به لساني من ذكرك ، واعتقده ضميري من حبّك ؟». «إلهي وسيّدي» تكرّر ذكر هاتين الكلمتين في هذا الدعاء ، ومرّ تفسيرهما في محالّه ، وعن أبي الحسن موسى عليه السلام قال : «سُئل عن معنى اللّه عزّ وجلّ ، فقال : استولى على ما دقّ وجلّ» ، (8) وعن أبي محمّد عليه السلام قال : «اللّه هو الذي يتألّه إليه عند الحوائج والشدائد كلّ مخلوق عند انقطاع الرجاء من كلّ من هو دونه ، وتقطّع الأسباب من جميع من سواه» ، (9) وقال أمير المؤمنين عليه السلام : «اللّه معناه المعبود الذي يأله إليه الخلق ويؤله إليه ، واللّه هو المستور عن درك الأبصار المحجوب عن الأوهام والخطرات» ، (10) قال الباقر عليه السلام : «اللّه المعبود الذي أله المخلوق عن درك ماهيّته والإحاطة بكيفيّته» . (11) قال العلّامة المجلسي رحمه الله : «واختُلف في لفظ الجلالة ، فالمشهور أنّه عربيّ مشتقّ إمّا من أله بمعنى عبد ، أو من أله إذا تحيّر ؛ إذ العقول تحير في معرفته ، أو من ألهت إلى فلان أي سكنت إليه ؛ لأنّ القلوب تطمئنّ بذكره ، والأرواح تسكن إلى معرفته ، أو من أله إذا فزع من أمر نزل عليه ، وألهه غيره أجاره ، إذ العابد يفزع إليه وهو يجيره ، أو من أله الفصيل إذا ولع بأُمّه ، إذ العباد يولعون بالتضرّع إليه في الشدائد ، أو من وله إذا تحيّر وتحبّط عقله ، وكان أصله ولاه فقلبت الواو همزة ؛ لاستثقال الكسرة عليها ، أو من لاه مصدر لاه يليه لها ولاها إذا احتجب وارتفع ؛ لأنّه تعالى محجوب عن إدراك الأبصار ، ومرتفع على كلّ شيء وعمّا لا يليق به ، وقيل : إنّه غير مشتقّ وهو علم للذات المخصوصة وضع لها ابتداءً ، وقيل : أصله لاها بالسريانيّة فعرّب بحذف الألف الأخيرة وإدخال اللّام عليه» . (12) فمعناه : ياإلهي يامعبودي الذي أتألّه إليه ، يامعبودي الذي هو مستور عن درك الأبصار ومحجوب عن الأوهام ، يامعبودي الذي أله الخلق عن درك ماهيّته وتحيّروا في معرفته وبذكره تطمئنّ القلوب الذي يجير ولا يجار عليه و... . وقال في موضعٍ آخر : «اللّه والإله المستحقّ للعبادة ولا تحقّ العبادة إلّا له» . (13) والسيّد معناه : الملك ، ويقال لملك القوم وعظيمهم سيّد ، وقد سادهم يسودهم ، وقيل لقيس بن عاصم : بم سدت قومك؟ قال : ببذل الندى وكفّ الأذى ونصر المولى ، وقال النبي صلى الله عليه و آله : «عليّ سيّد العرب ، فقالت عائشة : يا رسول اللّه ألست سيّد العرب؟ قال : أنا سيّد ولد آدم ، وعليّ سيّد العرب ، فقالت عائشة : يارسول اللّه : وما السيّد؟ قال : من افترضت طاعته كما افترضت طاعتي» ، فعلى معنى هذا الحديث السيّد هو الملك الواجب الطاعة . (14) «إن كنت لا تغفر» الغفر إلباس ما يصونه من الدنس ، والغفران من اللّه تعالى هو أن يصون العبد من أن يمسّه العذاب. «إلّا لأوليائك» ، الولي كغني : المحبّ والصديق والنصير ، والجمع أولياء ، والوليّ فعيل بمعنى فاعل من وليه إذا قام به ، ومنه : «اللّه ُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا » ، (15) والجمع أولياء ، ويكون الوليّ بمعنى مفعول في حقّ المطيع ، فيقال : المؤمن وليّ اللّه . أقول : هذا هو المعنى الحقيقي للوليّ ، ففي كلام معاوية للحجونية : (16) «لمن أحببت عليّا وأبغضتني وواليت عليّا وعاديتني؟» (17) وفي الزيارة الجامعة : «فثبتني اللّه أبدا ما حييت على موالاتك ومحبّتك» ، وإنّما المحبّة والنصرة من لوازم الولالية ، فيصحّ أن يقال : أحببت زوجتي أو نصرت ابني ، ولا يقال : واليت زوجتي وواليت ابني . «وأهل طاعتك» تفسير للأولياء وأهل الطاعة ، كما يقال أهل القرآن ، ويقال لأهل مكّة أهل اللّه ؛ أي المختصّون به ، أي إن كنت إلّا لأوليائك والمختصّون بالطاعة ، كأنّ الطاعة إنسان أو بيت أو بلدة لها أهل ومختصّون. «فإلى من يفزع المذنبون» فزع إليه : استغاثه وأغاثه ، وفزع إليهم استغاثهم ، والمذنب من ارتكب ذنبا وهو الجرم وكلّ فعل يستوخم عقباه من ذنب الدابة. «وإن كنت لا تكرم» والتكريم أن يوصل إلى الإنسان إكرام ، أي نفع لا يلحقه فيه غضاضة ، أو أن يجعل ما يوصل إليه شيئا كريما أي شريفا. «إلّا أهل الوفاء بك» الوفاء : ضدّ الغدر ، وفى بالوعد والعهد من باب ضرب أتمّه وحافظ عليه . أي إلّا أهل الوفاء بعهدك ، قال تعالى : «بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللّه َ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ » ، (18) و «أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيّايَ فَارْهَبُونِ » ، (19) و «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللّه َ عَلَيْهِ » ، (20) و «مَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللّه َ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً » ، (21) فمن عمل بما عاهد اللّه تعالى وصدق فيما عاهد اللّه عزّ شأنه فهو يؤتي أجرا عظيما ، فاللّه يحبّه ويفي له بما وعده. «فبمن يستغيث المسيؤون» أي لو لم يعمّ رحمتك المسيؤون والمذنبون ، فإلى من يفزع المذنبون ويستغيث المسيؤون؟ يستغيث عليه السلام ويستغفر بهذا البيان اللّطيف ويتذكّر بأنّه لا غافر ولا مغيث إلّا اللّه تعالى.

.


1- . الخصال : ص 420 ، روضة الواعظين : ص 109 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 74 ص 400 .
2- . فاطر : 10 .
3- . النساء : 139 .
4- . يونس : 65 .
5- . آل عمران : 26.
6- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 94 .
7- . الانفطار : 6.
8- . الكافي : ج 1 ص 115 ، التوحيد : ص 330 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 4 ص 181.
9- . التوحيد : ص 330 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 4 ص 182 ، وج 92 ص 232 و 240 .
10- . التوحيد : ص 89 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 3 ص 222 .
11- . التوحيد : ص 89 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 3 ص 222 _ 224 .
12- . بحار الأنوار : ج 3 ص 226 ، و ج 4 ص 187.
13- . اُنظر : بحار الأنوار : ج 4 ص 187 .
14- . اُنظر : بحار الأنوار : ج 4 ص 198 .
15- . البقرة : 257 .
16- . ذلك في قصة دارميّة الحجونيّة مع معاوية ، أنّ معاوية قال لها : أتدرين لم بعثت إليك؟ قالت : لا يعلم الغيب إلّا اللّه ، قال : بعثت إليك لأسألك علام أحببتِ عليّا وأبغضتني؟ وواليته وعاديتني؟
17- . اُنظر : الطرائف : ص 27 .
18- . آل عمران : 76.
19- . البقرة : 40.
20- . الأحزاب : 23.
21- . الفتح : 10 .

ص: 286

. .

ص: 287

. .

ص: 288

. .

ص: 289

. .

ص: 290

إلهي ، إن أدخَلتَنِي النّارَ فَفي ذلِكَ سُرورُ عَدُوِّكَ «456 » وإن أدخَلتَنِي الجَنَّةَ فَفي ذلِكَ سُرورُ نَبِيِّكَ «457 »وأنَا وَاللّه ِ أعلَمُ أنَّ سُرورَ نَبِيِّكَ أحَبُّ إلَيكَ مِن سُرورِ عَدُوِّكَ «458 »اللّهُمَّ إنّي أسأَلُكَ أن تَملَأَ قَلبي حُبّا لَكَ وخَشيَةً مِنكَ وتَصديقا لَكَ وإيمانا بِكَ وفَرَقا مِنكَ وشَوقا إلَيكَ ، يا ذَا الجَلالِ وَالإِكرامِ «459 » حَبِّب إلَيَ لِقاءَكَ وأحبِب لِقائي «460 » وَاجعَل لي في لِقائِكَ الرّاحَةَ وَالفَرَجَ وَالكَرامَةَ «461 »

«إن أدخلتنيالنار» بآثامي وجرائمي «ففي ذلك سرور» السرور ما ينكتم من الفرح ، قال تعالى : «وَلَقّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً » . (1) «عدوّك» وهو الشيطان الغاوي للإنسان الذي قال : «أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لأََقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَاتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ » . (2) «وإن أدخلتني الجنّة ففي ذلك سرور نبيّك» ، كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله حريصا على المؤمنين ومسرورا بهدايتهم ، قال عزّ شأنه : «لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ » ، (3) وقال تعالى : «فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللّه ِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ » ، (4) وقال سبحانه : «لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً » ، (5) وقال عزّ وجلّ : «وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمّا يَمْكُرُونَ » . (6) «وأنا واللّه أعلم أن سرور نبيّك أحبّ إليك من سرور عدوّك» ، وليس المراد هنا من كلمة «أحبّ» التفضيل ؛ لأنّ سرور إبليس ليس محبوبا حتّى يكون سرور النبي صلى الله عليه و آله أحبّ منه ، كما في الحديث : «أفطرُ يوما من شهر رمضان أحبّ إليّ من أن يُضرب عنقي» ، (7) أو «إفطاري يوما وقضاؤه أيسر من أن يضرب عنقي» ، (8) وقال تعالى : «قُلْ ما عِنْدَ اللّه ِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ » ، (9) وهذا في الاستعمالات كثير. «اللّهمّ إنّي أسألك أن تملأ» من ملأه يملأه ؛ أي شحنه. «قلبي» القلب : الفؤاد ، وقيل : أخصّ منه ، وهو عضو صنوبريّ الشكل مودع في الجانب الأيسر من الصدر (غالبا) ، في باطنه تجويف فيه دم أسود ، وقد يُطلق على العقل ، منه : «إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ » (10) أي عقل جمع قلوب . (11) قال الراغب : «ويعبّر به عن المعاني الّتي تختصّ به من الروح والعلم والشجاعة وغير ذلك ، وقوله : «وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ » (12) أي الأرواح ، وقال : «إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ » (13) أي علم وفهم ...» . (14) أقول : نسب في القرآن الكريم الأوصاف الحسنة أو السيّئة إلى القلب : السلامة والغلظة والطبع والإنابة والإثم والاطمئنان والغفلة والمرض والختم والهداية والرعب والفقه والزيغ والتقوى والتعقّل والعمى والتقلّب والاشمئزاز والقفل والسكينة والرأفة والرحمة والوجف والقسوة والألفة والإيمان والكفر والحبّ والبغض والربط والنيّات (الخير والشرّ) والعمد والطهارة والغلف والغلّ والأكنّة والتشابه والحسرة والوجل والغيظ والريب والنفاق والتقطّع والصرف والإنكار واللّهو والخبت والغمرة والفزع واللّين والحميّة والخشوع ... إلخ . وقد أطال الفكر في المقام العلّامة الأُستاذ الطباطبائي في الميزان ، ولا بأس بنقل كلامه باختصار ، قال (رضوان اللّه عليه) في تفسير قوله تعالى : «لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ » (15) : «وهذا من الشواهد على أنّ المراد بالقلب هو الإنسان بمعنى النفس والروح ، فإنّ التعقّل والتفكّر والحبّ والبغض والخوف وأمثال ذلك ، وإن أمكن أن ينسبه أحد إلى القلب باعتقاد أنّه العضو المدرك في البدن على ما ربّما يعتقده العامّة ، كما يُنسب السمع إلى الأُذن والإبصار إلى العين والذوق إلى اللّسان ، لكنّ الكسب والاكتساب ممّا لا يُنسب إلّا إلى الإنسان ألبتة ، ونظير هذه الآية قوله تعالى : «فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ » ، (16) وقوله تعالى : «وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ » . (17) والظاهر أنّ الإنسان لمّا شاهد نفسه وسائر أصناف الحيوان وتأمّل فيها ، ورأى أنّ الشعور والإدراك قد تبطل ، والحياة باقية بحركة القلب دون العكس ، قطع بأنّ مبدأ الحياة هو القلب ، أي أنّ الروح التي يعتقدها في الحيوان أوّل تعلّقها بالقلب ، وأنّ الآثار والخواصّ الروحية مثل الشعور والإدراك والإرادة والحبّ والبغض والرجاء والخوف وأمثال ذلك للقلب بعناية أنّه أوّل متعلّق الروح ، وهذا لا ينافي كون كلّ عضو من الأعضاء مبدأ لفعله الذي يختصّ به ، كالدماغ للفكر والعين للإبصار. وربّما يؤيّده التجارب العلمية أنّ الطيور لا تموت بفقد الدماغ ، ويؤيّده أيضا أنّ الأبحاث الطبيعية لم توفّق حتّى اليوم لتشخيص المصدر الذي يصدر عنه الإحكام البدنية... فهذا _ على ما يظهر _ هو السبب في إسنادهم الإدراك والشعور وما لا يخلو عن شوب إدراك مثل الحبّ والبغض والرجاء والخوف والقصد والحسد والعفّة والشجاعة والجرأة ونحو ذلك إلى القلب ، ومرادهم به الروح المتعلّقة بالبدن أو السارية فيه بواسطته ، فينسبونها إلى الروح... . وفي القرآن شيء كثير من هذا الباب ، قال تعالى : «يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِْسْلامِ » ، (18) وقال تعالى : «أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ » ، (19) وقال تعالى : «وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ » ، (20) وهو كناية عن ضيق الصدر ، وقال تعالى : «إِنَّ اللّه َ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ » ، (21) وليس من البعيد أن تكون هذه الإطلاقات في كتابه تعالى إشارة إلى تحقيق هذا النظر وإن لم يتّضح كلّ الاتّضاح بعد ، وقد رجّح الشيخ أبو عليّ بن سينا كون الإدراك للقلب بمعنى أنّ دخالة الدماغ فيه دخالة الآلة ، فللقلب الإدراك وللدماغ الوساطة» ، انتهى بتلخيص منّا . (22) أقول : ظاهر كلام الشيخ أبو علي أنّ للقلب الرئاسة ، بمعنى أنّه المصدر الذي يصدر منه الأحكام ، لا بمعنى أنّه أوّل متعلّق الروح كما تقدّم عن الأُستاذ قدس سره ، ويؤيّد كلام الشيخ أبو علي ظواهر الآيات الكريمة من الاستناد الحقيقي وتأكيده بقوله تعالى : «وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ » ، (23) وأنّه سبحانه كما أنّه ينسب هذه الأوصاف إلى القلب ينسبها إلى الصدور بقوله : «عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ » ، (24) وقوله : «شِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ » ، (25) إلى غير ذلك من الآيات الكريمة . ويومأ إليه ما في الأحاديث الشريفة : «في الإنسان مضغة إذا هي سلمت وصحّت سلم بها سائر الجسد» ، (26) «وأعجب ما في الإنسان قلب ، وله موادّ من الحكمة» ، (27) و«لقد علق بنياط هذا الإنسان بضعة وهي أعجب ، ما فيها وذلك القلب ، وله موادّ من الحكمة أضدادها» . (28) نعم لم توفّق الأبحاث العلمية على كيفية الأمر إلى الآن ، ولعلّ اللّه يحدث بعد ذلك أمرا ، وقد تكلّم في ذلك العلّامة المجلسي رحمه اللهفي البحار ، (29) قال : «اعلم إنّ معرفة القلب وحقيقته وصفاته ممّا خفي على أكثر الخلق ، ولم يبيّن أئمّتنا ذلك إلّا بكنايات وإشارات ، والأحوط لنا أن نكتفي من ذلك بما بيّنوه لنا من صلاحه وفساده ، وآفاته ودرجاته ، ونسعي في تكميل هذه الخلقة العجيبة واللّطيفة الرّبانيّة ، وتهذيبها عن الصفات الذميمة الشيطانيّة ، وتحليتها بالأخلاق الملكية الروحانيّة ؛ لنستعدّ بذلك للعروج إلى أعلى مدارج الكمال ، وإفاضة المعارف من حضرة ذي الجلال ، ولا يتوقّف ذلك على معرفة حقيقة القلب ابتداءً ، فإنّه لو كان متوقّفا على ذلك لأوضح موالينا وأئمّتنا لنا ذلك بأوضح البيان ...» . (30) «حبّا لك» أي لا يبقى مجال لحبّ غيرك . وقد تقدّم الكلام في حبّ اللّه تعالى ، فإذا امتلأ قلب الإنسان بحبّه تعالى فيحبّ للّه ويبغض للّه تعالى ، وفي الحديث عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «إنّ من أوثق عرى الإيمان أن تحبّ في اللّه وتبغض في اللّه وتعطي في اللّه وتمنع في اللّه عزّ وجلّ» ، (31) بحار الأنوار : ج 66 ص 236 . وفيه عنه عليه السلام قال : «وهل الإيمان إلّا الحبّ والبغض؟ ثمّ تلا هذه الآية : «حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِْيمانَ » (32) » الآية ، (33) وفيه عن أبي جعفر عليه السلام : «إذا أردت أن تعلم أنّ فيك خيرا فانظر إلى قلبك ، فإن كان يحبّ أهل طاعة اللّه (عزّ وجلّ) ويبغض أهل معصيته ، ففيك خير واللّه يحبّك ، وإذا كان يبغض أهل طاعة اللّه ويحبّ أهل معصيته ، ليس فيك خير واللّه يبغضك ، والمرء مع من أحبّ» . (34) «وخشية منك» الخشية : خوف يشوبه تعظيم ، وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه ، ولذلك خصّ العلماء بها في قوله : «إِنَّما يَخْشَى اللّه َ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ » ، (35) وعن الكلّيات : «الخشية أشدّ من الخوف ؛ لأنّها مأخوذة من قولهم : شجرة خاشية أي يابسة ، وهو فوات بالكلّية ، والخوف : النقص ، من قولهم ناقة خوفاء ؛ أي بها داء ليس بفوات ، والخشية تكون من عظم المخشي ، والخوف يكون من ضعف الخائف» . (36) أي أسألك أن تملأ قلبي خشيةً منك حتّى لا أتجرّأ على نيّة المعصية وإرادة المخالفة ، وحتّى لا أخشى غيرك. «وتصديقا بكتابك» من صدّقت فلانا ؛ أي نسبته إلى الصدق ، ضدّ كذبت ، أي تملأ قلبي تصديقا بكتابك لا تدع مجالاً للشكّ والارتياب ولوساوس الشيطان الرجيم ، اعتقادا وعملاً. «وإيمانا بك» الإيمان : التصديق مطلقا ، ونقيض الكفر ، وهو إذعان النفس للحقّ على سبيل التصديق ، وذلك باجتماع ثلاثة أشياء : تحقيق بالقلب ، وإقرار باللّسان ، و عمل بحسب ذلك بالجوارح ، وقد يقال لكلّ واحد من الاعتقاد والقول الصدق والعمل الصالح إيمان . (37) وقال السيّد رحمه الله في شرح قوله عليه السلام «وبلّغ بإيماني أكمل الإيمان» (38) : «الإيمان إفعال من الأمن الذي هو خلاف الخوف ، ثمّ استُعمل بمعنى التصديق ، فالهمزة فيه إمّا للصيرورة ، كأنّ المصدّق صار ذا أمن من أن يكون مكذّبا ، أو للتّعدية ، كأنّه جعل المصدّق آمنا من التكذيب والمخالفة ، ويعدّي بالباء لاعتبار معنى الإقرار والاعتراف ، نحو «يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ » ، (39) وباللّام لاعتبار معنى الإذعان ، نحو : «وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا » ، (40) هذا معناه اللّغوي ، (ثمّ أشار إلى معناه في الشرع) » ، (41) منها ما نقلناه عن الراغب وورد به الأخبار الكثيرة المركّب من عمل القلب واللّسان وسائر الجوارح . والمراد : املأ قلبي إيمانا بك حتّى لا يبقى مجال للشكوك والشبهات الشيطانيّة والأقوال الانحرافيّة والأعمال الطالحة والمعاصي والآثام. «وفرقا منك» الفرق من فَرِق يفرق من باب علم يعلم : فزع ، قال الراغب : «والفرق تفرّق القلب من الخوف ، واستعمال الفرق فيه كاستعمال الصدع والشقّ فيه ، قال : «وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ » » . (42) أي إملأ قلبي خوفا شديدا منك حتّى لا أجترأ على العصيان والتجرّم. «وشوقا إليك» شاقني الحبّ إليك أي هاجني ، والشوق : نزوع النفس وحركة الهوى ، الجمع أشواق أي أشتاق إلى طاعتك والإتيان بما تحبّ ، وأشتاق إلى لقائك ، وفي الدعاء : «واجعل فيما عندك رغبتي شوقا إلى لقائك» ، (43) و«حتّى أعمل الحسنات شوقا» ، (44) يعني إنّي أسألك أن تملأ قلبي إليك. «ياذا الجلال والإكرام» مرّ معنى الجلال ، والمراد : ياذا العظمة والإكرام والإنعام والإفضال على أوليائه من الأنبياء والرسل وتابعيهم ، يعني ياذا العظمة ، ويامن هو ذو إكرام على أوليائه أكرمني بإعطاء ما سألتك . (45) «حبّب إليّ» اجعله محبوبا «لقاءك» قال في المجمع : «وفي الحديث : من أحبّ لقاء اللّه احبّ اللّه لقاء ، ومن كره لقاء اللّه كره اللّه لقاءه ، (46) قيل : المراد بلقاء اللّه المصير إلى دار الآخرة وطلب ما عند اللّه ، وليس الغرض الموت ؛ لأنّ كلّاً يكرهه ، فمن ترك الدنيا وأبغضها أحبّ لقاء اللّه ، ومن آثرها وركن إليها كره لقاء اللّه » (47) ، انتهى . كثر ذكر لقاء اللّه في القرآن الكريم ، وظاهر كلام العلّامة المجلسي أنّ المراد هو الموت ، (48) وروى حديثا يدلّ على أنّ المراد البعث . (49) وفي مستدرك سفينة البحار كلام لا بأس به في معنى لقاء اللّه تعالى فنورده هنا ، قال بعد نقله أحاديث منها ما في الأدعية الشعبانيّة : «هب لي كمال الانقطاع إليك ، وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك ، حتّى تخرق أبصار القلوب حجب النور ، فتصل إلى معدن العظمة وتصير أرواحنا معلّقة بعزّ قدسك» . (50) أقول : وذاك الوصال عين لقاء اللّه تعالى به وزيارته سبحانه ورؤيته بالقلوب بحقيقة الإيمان لا بأبصار الظاهر ولا بأبصار القلوب ، رؤيةً ولقاءً وزيارةً ووصالاً منزّها عن المعلوقيّة والمعقوليّة والمدركيّة ؛ لأنّ كلّ ذلك باللّه تعالى لا بالحواسّ الظاهرة ولا بالحواسّ الباطنة ولا بالقوى البشرية ولا بالعقول والأفهام والعلوم ، وهو الحضور عند اللّه والانقطاع عن الخلق والتوجّه به إليه تعالى ، ورفع الحجب عن العبد مع حفظ العبودية ... . (51) ولا ينافي ذلك أنّه قد يطلق على الموت وعلى البعث ؛ لأنّ هذه المراحل كلّها مراحل تجلّي اللّه تعالى على عباده على اختلاف العباد والتجلّي في مراتبه. «وأحبب لقائي» أحبب بمعنى حبّ ، وأحبّه بمعنى حبّه ، غير أنّه أفشى استعمالاً وإذا أحبّ اللّه لقاء إنسان هيّأ له النزل والنعم والأسباب ورغّبه في اللقاء والموت وزهّده في الدنيا وسهّل له الموت ودفع عنه السكرات ، وفي الروايات : إنّ اللّه لا يقبض المؤمن ، بل يريه المقام المعدّ له في جواره ، فيميل قلب المؤمن إلى الارتحال إليه فيقبضه ملك الموت. في الحديث عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «قلت له : أصلحك اللّه ، من أحبّ لقاء اللّه أحبّ اللّه لقاءه ، ومن أبغض لقاء اللّه أبغض اللّه لقاءه؟ قال : نعم ، قلت : فواللّه إنّا لنكره الموت ، فقال : ليس ذاك حيث تذهب ، إنّما ذلك عند المعاينة إذا رأى ما يحبّ فليس شيء أحبّ إليه من أن يتقدّم ، واللّه يحبّ لقاءه وهو يحبّ لقاء اللّه حينئذٍ ، وإذا ما يكره فليس شيء أبغض إليه من لقاء اللّه عزّ وجلّ ، واللّه عزّ وجلّ يبغض لقاءه» . (52) وفيه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «قال علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام : قال اللّه عزّ وجلّ : ما من شيء أتردّد عنه تردّدي عن قبض روح المؤمن ؛ يكره الموت وأنا أكره مساءته ، فإذا أحضره أجله الذي لا يؤخّر فيه بعثت إليه ريحانيتين من الجنّة تُسمّى أحداهما المسخية والأُخرى المنسيّة ، فأمّا المسخية فتسخيه عن ماله ، وأمّا المنسيّة فتنسيه أمر الدنيا» . (53) هذا ، وأمّا أولياء اللّه فهم مأنوسون بالموت ، قال علي عليه السلام : «واللّه لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي اُمّه» ، (54) وقال عليه السلام : «ولولا الآجال التي كتب اللّه عليهم لم تستقرّ أرواحهم في أبدانهم شوقا إلى الثواب وخوفا من العقاب» . (55) ولا يكون ذلك إلّا باليقين والإيمان الكامل والزهد في الدنيا والعمل للآخرة ، واللّه هو الموفّق والمعين وهو الهادي إلى سواء السبيل. «واجعل لي في لقائك الراحة» في الحديث عن أبي جعفر عليه السلام قال : «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : الناس اثنان : واحد أراح وآخر استراح ، فأمّا الذي استراح فالمؤمن إذا مات استراح من الدنيا وبلائها ، وأمّا الذي أراح فالكافر إذا مات أراح الشجر والدوابّ وكثيرا من الناس» . (56) والظاهر هنا الراحة بعد الموت عن ضغطة القبر وعذابه ، وفي ذلك روايات كثيرة في فضل اللّه تعالى على شيعة أهل البيت عليهم السلام ومحبّيهم. «والفرج » من الهموم والغموم والضيق والعذاب. «والكرامة» إكرام اللّه تعالى للمؤمنين ، كما قال سبحانه : «فَأَمّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ * وَأَمّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ » ، (57) وقال : «يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي » . (58) يسأل اللّه سبحانه وتعالى أن يحبّب إليه لقاءه ، ويحبّ لقاءه ويجعل في لقائه الراحة و الفرج والكرامة.

.


1- . الإنسان : 11 ، اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 228 .
2- . الأعراف : 14 _ 17 .
3- . التوبة : 128 .
4- . آل عمران : 159 .
5- . الكهف : 6 .
6- . النمل : 70 .
7- . الكافي : ج 4 ص 83 ، بحار الأنوار : ج 47 ص 210 .
8- . الكافي : ج 4 ص 83 ، بحار الأنوار : ج 47 ص 210.
9- . الجمعة : 11 .
10- . ق : 37.
11- . اُنظر : أقرب الموارد : ج 4 ص 394 .
12- . الأحزاب : 10.
13- . ق : 37.
14- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 411 .
15- . البقرة : 225 .
16- . البقرة : 283 .
17- . ق : 33 .
18- . الأنعام : 125.
19- . الحجر : 97 .
20- . الأحزاب : 10 .
21- . المائدة : 7 .
22- . الميزان في تفسير القرآن : ج 2 ص 224 _ 225.
23- . الحج : 46 .
24- . آل عمران : 119 ، و 154 ، و المائدة : 7 ، و الأنفال : 42 ، و هود : 5 ، و لقمان : 23 ، و فاطر : 38 ، و الزمر : 19 ، و الشورى : 24 ، و الحديد : 6 ، و التغابن : 4 ، و الملك : 13 .
25- . يونس : 57 .
26- . الخصال : ص 31 ، روضة الواعظين : ص 413 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 67 ص 50 .
27- . نهج البلاغة : الحكمة 108 ، الكافي : ج 8 ص 21 ، تحف العقول : ص 95 ، الإرشاد : ج 1 ص 301 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 5 ص 56 .
28- . نهج البلاغة : الحكمة 108 ، بحار الأنوار : ج 67 ص 90 .
29- . اُنظر : بحار الأنوار : ج 67 ص 34.
30- . و بعد ذلك نقل الأقوال وكلمات المحققين ممّا لابدّ من مراجعته ، وفي ج 61 و 62 : «إنّ القلب يطلق في لسان الشرع في الآيات والأخبار على النفس الناطقة».
31- . الكافي : ج 2 ص 125 ، المحاسن : ج 1 ص 263 ، الأمالي للصدوق : ص 674 ، الأمالي للمفيد : ص 151 ، تحف العقول : ص 362 ، روضة الواعظين : ص 417 ، انظر :
32- . الحجرات : 7 .
33- . الكافي : ج 2 ص 125 ، المحاسن : ج 1 ص 262 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 64 ص 52 .
34- . الكافي : ج 2 ص 126 ، علل الشرائع : ج 1 ص 117 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 66 ص 247.
35- . فاطر : 28 ، اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 149 .
36- . الكليّات : ص 428 .
37- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 26.
38- . المصدر السابق : الدعاء 20 .
39- . البقرة : 3 .
40- . يوسف : 17 .
41- . رياض المسائل : ج 3 ص 266 و 267 ، وما بعدها نقل السيّد الأقوال والأخبار.
42- . التوبة : 56 ، اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 378.
43- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 54 .
44- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 22 .
45- . للعلّامة الاُستاذ قدس سره كلام ، اُنظر : الميزان في تفسير القرآن : ج 19 ص 114 و 115 .
46- . الكافي : ج 3 ص 134 .
47- . مجمع البحرين : ج 4 ص 136 .
48- . انظر : بحار الأنوار : ج 6 ص 124 و ما بعدها .
49- . اُنظر : بحار الأنوار : ج 93 ص 104 و 115 و 139 .
50- . اُنظر : الإقبال : ج 3 ص 299 .
51- . مستدرك سفينة البحار : ج 10 ص 329 .
52- . الكافي : ج 3 ص 134 ، معاني الأخبار : ص 236 ، الزهد للكوفي : ص 83 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 6 ص 129.
53- . الأمالي للطوسي : ص 414 ، بحار الأنوار : ج 6 ص 152 .
54- . نهج البلاغة : الخطبة 5 .
55- . نهج البلاغة : الخطبة 193 .
56- . الخصال : ص 39 ، بحار الأنوار : ج 6 ص 151 .
57- . الواقعة : 88 _ 91 .
58- . الفجر : 27 _ 30 .

ص: 291

. .

ص: 292

. .

ص: 293

. .

ص: 294

. .

ص: 295

. .

ص: 296

. .

ص: 297

. .

ص: 298

. .

ص: 299

اللّهُمَّ ألحِقني بِصالِحِ مَن مَضى«462 »وَاجعَلني مِن صالِحِ مَن بَقِيَ «463 »وخُذ بي سَبيلَ الصّالِحينَ«464 »وأعِنّي عَلى نَفسي بِما تُعينُ بِهِ الصّالِحينَ عَلى أنفُسِهِم «465 »وَاختِم عَمَلي بِأَحسَنِهِ«466 »وَاجعَل ثَوابي مِنهُ الجَنَّةَ بِرَحمَتِكَ «467 » وأعِنّي عَلى صالِحِ ما أعطَيتَني «468 » وثَبِّتني يا رَبِّ ولا تَرُدَّني في سوءٍ اِستَنقَذتَني مِنهُ يا رَبَّ العالَمينَ «469 »

«اللّهمّ ألحقني بصالح من مضى» الإلحاق : الإدراك ، ألحقه به : أتبعه إيّاه وجعله يلحقه ، أي اجعلني تابع صالح من مضى حتّى أدركهم وألزمهم ، وصالح من مضى هو كلّ إنسان مؤمن قد عمل الصالحات واجتنب المحرّمات على ما يظهر من السياق ، والمراد من اللحوق بهم هو العمل بالصالحات والتجنّب عن السيّئات كما عملوا ، كما يصرّح به قوله عليه السلام : «واجعلني من صالح من بقي» . «وخذ بي سبيل الصالحين» وأخذه ؛ أي تناوله ، والاسم الأخذ ، والأمر منه خذ ، وخذ بي ؛ أي تناولني ، وهو كناية عن هدايته إلى سبيل الصالحين ، كما في الصحيفة : «اللّهمّ خذ لنفسك من نفسي ما يخلّصها» ، (1) و«صلّ على محمّد وآله... وخذ بنا منهاجه» . (2) ويحتمل أن يكون المراد من صالح من مضى آباؤه الطاهرين المعصومين ، أي ألحقني بآبائي الكرام الطاهرين ، كما أنّ من المحتمل أن يكون المراد من اللحوق ما قاله سبحانه وتعالى : «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ » ، (3) فمن آمن وعمل الصالحات أُلحق بآبائه وإن قصر عن درجة إيمانهم ؛ لكي تقرّ به أعينهم ، وهذا إكرام للآباء . (4) قيل : الفرق بين الاتّباع واللحوق مع اعتبار التقدّم والتأخّر فيهما جميعا ، أنّه يعتبر في الاتّباع اشتراك بين التابع والمتبوع في مورد الاتّباع ، بخلاف اللحوق ، فاللّاحق لا يشارك الملحوق فيما لحق به فيه . (5) الاتّباع هو عمل الإنسان ، والإلحاق فعل اللّه تعالى وإكرامه للمؤمن ، وفي الحديث : «قصرت الأبناء عن عمل الآباء ، فألحقوا الأبناء ؛ بالآباء لتقرّ بذلك أعينهم» . (6) وعن أمالي الشيخ بإسناده إلى محمّد بن مسلم قال : «سمعت أبا جعفر وجعفر بن محمّد عليهماالسلام يقولان : إنّ اللّه تعالى عوّض الحسين من قتله أن جعل الإمامة في ذرّيت ، والشفاء في تربته ، وإجابة الدعاء عند قبره ، ولا تعدّ إيّام زائريه جائيا وراجعا من عمره . قال محمّد بن مسلم : فقلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : هذه الجلال تنال بالحسين ، فما له من نفسه؟ قال : إنّ اللّه تعالى ألحقه بالنبيّ صلى الله عليه و آله فكان معه في درجته ومنزلته . ثمّ تلى أبو عبد اللّه عليه السلام : «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ » . (7) «وأعنّي على نفسي» أي أعنّي على مخالفة نفسي فيما تهوى ، قال تعالى : «وَأَمّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى » ، (8) وقد كثر كلام المتكلّمين والعلماء والمحدّثين في حقيقة النفس ، وقد أطال الكلام فيه في البحار ونقل الأقوال ، (9) والمراد هنا وأمثاله النفس الحيواني الآمر بالمشتهيات والمعاصي ، قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه : «إنّ من أحبّ عباد اللّه إليه عبدا أعانه اللّه على نفسه». (10) وقد كثر الحديث في ذمّ اتّباع الهوى ، ونطق به القرآن الكريم ، قال تعالى : «وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً » ، (11) وقال سبحانه : «فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا » ، (12) إلى غير ذلك من الآيات . وورد به الأحاديث ، قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إنّ أخوف ما أخاف على أُمّتي الهوى وطول الأمل ، أمّا الهوى فإنّه يصدّ عن الحقّ ، وأمّا طول الأمل فينسي الآخرة» ، (13) وقال أمير المؤمنين عليه السلام : «أشجع الناس من غلب هواه» . (14) وكذلك كثر الحديث في مدح مخالفة النفس ، بل سُمّي الجهاد الأكبر ، قال سبحانه : «وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا » ، (15) أي جاهدوا الكفّار ابتغاء مرضاتنا وجاهدوا أنفسهم في هواها ، لنهدينّهم سبلنا ، وقال : «وَجاهِدُوا فِي اللّه ِ حَقَّ جِهادِهِ » . (16) وعن أبي جعفر الباقر عليه السلام : «إنّ اللّه عزّ وجلّ يقول : بجلالي وجمالي وبهائي وعلائي وارتفاعي ، لا يُؤثر عبد هواي على هواه ، إلّا جعلت غناه في نفسه ، وهمّه في آخرته ، وكففت عنه ضيعته ، وضمّنت السماوات والأرض رزقه ، وكنت له من وراء تجارة كلّ تاجر» . (17) عن الباقر عليه السلام قال : «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يقول اللّه عزّ وجلّ : وعزّتي وجلالي وعظمتي وكبريائي ونوري وعلوّي وارتفاع مكاني ، لا يُؤثر عبد هواه على هواي ، إلّا شتّت عليه أمره ، ولبّست عليه دنياه ، وشغلت قلبه بها ، ولم أؤته منها إلّا ما قدّرت له . وعزّتي وجلالي وعظمتي وكبريائي ونوري وعلوّي وارتفاع مكاني ، لا يُؤثر عبد هواي على هواه ، إلّا استحفظته ملائكتي ، وكفّلت السماوات والأرض رزقه ، وكنت له من وراء تجارة كلّ تاجر ، وأتته الدنيا وهي راغمة» . (18) وفي النهج من الحكم : «من كرمت عليه نفسه هانت عليه شهوته» ، (19) وفيه في حديث : «حُفّت الجنّة بالمكاره ، وحُفّت النار بالشهوات» . (20) يطلب من اللّه سبحانه أن يعينه على مخالفة نفسه «بما تعين به الصالحين على أنفسهم» ، أي يطلب من اللّه تعالى أن يعينه في ذلك بوسائل وأسباب وطرق يعين اللّه به الصالحين من أنواع هداياته وإرشاداته ، وهداية اللّه تعالى قد يكون بإعطاء عبده الصحّة والأمان والعافية وتكثير المال والأولاد وإطالة العمر ، وقد يكون بالمرض والخوف والابتلاء والتضييق والتقتير و... اللّهمّ نسأل العافية وتوفير النعم مع هداياتك يا ربّ. «واختم عملي بأحسنه» يسأل اللّه سبحانه الختم بالخير، قال الرضا عليه السلام : «قيل لرسول اللّه صلى الله عليه و آله : يا رسول اللّه ، هلك فلان ؛ يعمل من الذنوب كيت وكيت ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : بل قد نجا ، ولا يختم اللّه تعالى عمله إلّا بالحسنى ، وسيمحو اللّه عنه السيّئات ويبدّلها له حسنات ، إنّه كان يمرّ مرّة في طريق عرض له مؤمن قد انكشف عورته وهو لا يشعر ، فسترها عليه ولم يخبره بها مخافة أن يخجل ، ثمّ إنّ ذلك المؤمن عرفه في مهواه (21) فقال له : أجزل اللّه لك الثواب ، وأكرم لك المآب ، ولا ناقشك في الحساب ، فاستجاب اللّه له فيه ، فهذا العبد لا يختم له إلّا بخير بدعاء ذلك المؤمن... فوجّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله في أثرهم (أي الفارّين على أطراف المدينة) جماعة ذلك الرجل أحدهم فاستشهد فيهم» . (22) كتب الصادق عليه السلام إلى بعض الناس : «إن أردت أن يختم بخير عملك حتّى تقبض وأنت في أفضل الأعمال ، فعظّم للّه حقّه ألّا تبذل نعماءه في معاصيه ، وأن تغترّ بحلمه عنك ، وأكرم كلّ من وجدته يذكرنا أو ينتحل مودّتنا ، ثمّ ليس عليك صادقا كان أو كاذبا ، إنّما لك نيّتك وعليه كذبه» . (23) وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال : «الدنيا كلّها جهل إلّا مواضع العلم ، والعلم كلّه حجّة إلّا ما عُمل به ، والعمل كلّه رياء إلّا ما كان مخلصا ، والإخلاص على خطر حتّى ينظر العبد بما يُختم له». (24) وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله في حديث : «لا يكون المؤمن عاقلاً حتّى تجتمع فيه عشر خصال :... والعاشرة لا يرى أحدا إلّا قال هو خير منّي وأتقى... وإذا لقى الذي هو شرّ منه وأدنى قال : عسى خير هذا باطن وشرّه ظاهر ، وعسى أن يختم له بخير» (25) الحديث. قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «خير الأُمور خيرها عاقبة» ، (26) وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «لا يزال المؤمن خائفا من سوء العاقبة لا يتيقّن الوصول إلى رضوان اللّه ، حتّى يكون وقت نزع روحه وظهور ملك الموت له» . (27) «واجعل ثوابي منه الجنّة» أي اجعل ثوابي من عملي الجنّة دون نعم الدنيا ، أي اجعله صحيحا مقبولاً خالصا حتّى أستحقّ به الجزاء ، واجعل الجزاء هو دخول الجنّة لا الوصول إلى نعم الدنيا. «برحمتك» جعل الختم بالخير ودخول الجنّة من آثار رحمة اللّه تعالى وتفضّله ، لا استحقاقا منه لذلك. «وأعنّي على صالح ما أعطيتني» يسأل اللّه سبحانه أن يعينه في أداء شكر ما أعطاه حتّى يعمل فيه بما أوجب اللّه عليه أو ندبه عليه ، فإنّ من شكر النعم صرفها فيما يريده اللّه تعالى ، قال الصادق عليه السلام : «من أنعم اللّه عليه نعمة فعرفها بقلبه وعلم أنّ المنعم عليه اللّه تعالى ، فقد أدّى شكرها وإن لم يحرّك لسانه . وقرأ : «إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ » » . (28) والكاظمي عليه السلام : «كلّ نعمة عجزت عن شكرها بمنزلة سيّئة تؤاخذ بها» ، (29) وعن الجواد عليه السلام : «نعمة لا تُشكر كسيّئة لا تُغفر» ، (30) وعن أبي عبد اللّه عليه السلام : «شكر النعمة اجتناب المحارم ، وتمام الشكر قول الرجل الحمد للّه ربّ العالمين» ، (31) وعن أمير المؤمنين عليه السلام : «شكر كلّ نعمة الورع عمّا حرّم اللّه » . (32) قال المحقّق الطوسي قدس سره : «الشكر أشرف الأعمال وأفضلها ، واعلم إنّ الشكر مقابلة النعمة بالقول والفعل والنيّة وله أركان ثلاثة : الأوّل : معرفة المنعم وصفاته اللّائقة به ، ومعرفة النعمة من حيث إنّها نعمة ، ولا تتمّ تلك المعرفة إلّا بأن يعرف أنّ النعم كلّها جليّها وخفيّها من اللّه سبحانه ، وأنّه المنعم الحقيقي ، وأنّ الأوساط كلّها منقادون لحكمه مسخّرون لأمره . الثاني : الحال التي هي ثمرة تلك المعرفة ، وهي الخضوع والتواضع والسرور بالنعم ، من حيث إنّها هدية دالّة على عناية المنعم بك ، وعلامة ذلك ألّا تفرح من الدنيا إلّا بما يوجب القرب منه . الثالث : العمل الذي هو ثمرة تلك الحال ، فإنّ تلك الحال إذا حصلت في القلب حصل فيه نشاط للعمل الموجب للقرب منه ، وهذا العمل يتعلّق بالقلب واللّسان والجوارح ، أمّا عمل القلب فالقصد إلى تعظيمه وتحميده وتمجيده والتفكّر في صنائعه وأفعاله وآثار لطفه ، والعزم على إيصال الخير والإحسان إلى كافّة خلقه ، وأمّا عمل اللّسان فإظهار ذلك المقصود بالتحميد والتمجيد والتسبيح والتهليل ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إلى غير ذلك ، وأمّا عمل الجوارح فاستعمال نعمه الظاهرة والباطنة في طاعته وعبادته ، والتوقّي من الاستعانة بها في معصيته» . (33) فنستعين اللّه تعالى في أداء شكر ما أعطانا من نعمه الظاهرة والباطنة في جميع مراتبه ، قال سبحانه : «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأََزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ » ، (34) وقال تعالى : «إِنَّ اللّه َ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ » ، (35) وقال سبحانه : «ذلِكَ بِأَنَّ اللّه َ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ » . (36) «وثبّتني يا ربّ» سأل اللّه تعالى الثبات على صالح ما أعطاه اللّه تعالى ، وقد ورد هذا في الدعاء : «اللّهمّ وثبّت في طاعتك نيّتي ، واحكم في عبادتك بصيرتي» ، (37) و«فتقبّلها _ أي التوبة _ منّا وارض عنّا وثبّتنا عليها» ، (38) قال تعالى : «يُثَبِّتُ اللّه ُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الآْخِرَةِ » . (39) ظاهر العبارة يفيد أنّ المراد هو الثبوت على صالح ما أعطاه اللّه في الدنيا وعدم ارتكاب المعاصي ، حيث يقول : «ولا تردّني في سوءٍ استنقذتني منه» ، وهو الثبوت على التوبة عن المعاصي ، وهذا عدا تثبيت المؤمن بالإيمان عند الموت وفي قبره ، كما ورد في تفسير الآية الكريمة ، وفي الدعاء : «واجعل توبتي هذه توبة لا احتاج بعدها إلى توبة» . (40) السوء : الاسم من ساءه ، قال الخليل في العين : «السوء نعت لكلّ شيء رديء... والسوء اسم جامع للآفات والداء... والسيّئ والسيئة : عملان قبيحان ، يصير السيّئ نعتا للذكر من الأعمال ، والسيّئة للأُنثى ، والسيّئة اسم كالخطيئة» . (41) الاستنقاذ : استفعال من نقذه منه خلّصه ونجّاه ، واستنقذه خلّصه ونجّاه ، فسمّي قطع الهداية من اللّه تعالى ردّا منه تعالى العبد إلى السوء ، كما سمّي هدايته عبده استنقاذا ، فاللّه سبحانه ينجّي عبده عن السوء بالتوبة والتوفيق والهداية ، فإذا قطع عنه هدايته ارتكب في السيّئات ، «وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللّه ُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ » . (42) «يا ربّ العالمين» الربّ : السيّد والمدبّر ، وقد تقدّم الكلام فيه ، والعالم اسم للفلك وما يحويه من الجواهر والأعراض ، وهو في الأصل اسم لما يعلم به ، كالطابع والخاتم لما يطبع به ويختم به وجعل بناؤه على هذه الصيغة لكونه كالآلة ، والعالم آلة في الدلالة على صانعه... وقال جعفر بن محمّد : «عنى به الناس وجعل كلّ واحد منهم عالما» . (43)

.


1- . المصدر السابق : الدعاء 22 .
2- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 47 .
3- . الطور : 21 .
4- . وقال يوسف الصديق عليه السلام : «أَنتَ وَلِىِّ فِى الدُّنْيَا وَ الْأَخِرَةِ تَوَفَّنِى مُسْلِمًا وَ أَلْحِقْنِى بِالصَّ__لِحِينَ »يوسف : 101 ، وقال إبراهيم عليه السلام : «رَبِّ هَبْ لِى حُكْمًا وَ أَلْحِقْنِى بِالصَّ__لِحِينَ » الشعراء : 83 .
5- . اُنظر : الميزان في تفسير القرآن : ج 19 ص 12 .
6- . الكافي : ج 3 ص 249 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 3 ص 490 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 5 ص 292.
7- . الطور : 21 ، الأمالي للطوسي : ص 317 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 221.
8- . النازعات : 40 _ 41 .
9- . اُنظر : بحار الأنوار : ج 61.
10- . اُنظر : بحار الأنوار : ج 61.
11- . النساء: 77 .
12- . مريم : 59 .
13- . الخصال : ص 51 ، بحار الأنوار : ج 67 ص 75 .
14- . الأمالي للصدوق : ص 73 ، كنز الفوائد : اُنظر : بحار الأنوار : ج 67 ص 76 .
15- . العنكبوت : 69.
16- . الحجّ : 78 .
17- . الكافي : ج 2 ص 137 ، الخصال : ص 3 ، المحاسن : ج 1 ص 28 ، روضة الواعظين : ص 432 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 67 ص 75 .
18- . الكافي : ج 2 ص 335 ، مشكاة الأنوار : ص 50 ، عدّة الداعي : ص 287 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 67 ص 78 .
19- . نهج البلاغة : الحكمة 449 ، تحف العقول : ص 278 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 67 ص 78 .
20- . المجازات النبوية : ص 387 ، روضة الواعظين : ص 421 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 67 ص 78 .
21- . أي في مسيره ، المهواة : المطمئن من الأرض ما بين الجبلين .
22- . عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج 1 ص 181 ، بحار الأنوار : ج 5 ص 155 .
23- . عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج 1 ص 7 ، بحار الأنوار : ج 70 ص 351 .
24- . التوحيد : ص 371 ، مشكاة الأنوار : ص 536 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 2 ص 28 ، و ج 67 ص 242 .
25- . الخصال : ص 433 ، روضة الواعظين : ص 7 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 1 ص 108 .
26- . الأمالي للصدوق : ص 576 ، بحار الأنوار : ج 68 ص 363.
27- . المحتضر : ص 52 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 6 ص 176 .
28- . البقرة : 284 ، اُنظر : تحف العقول : ص 369.
29- . تحف العقول : ص 394 و 502 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 1 ص 148 ، و ج 75 ص 309 .
30- . أعلام الدين : ص 309 ، الدرّة الباهرة : ص 40 ، نزهة الناظر : ص 137 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 68 ص 53 .
31- . الكافي : ج 2 ص 95 ، بحار الأنوار : ج 68 ص 40 .
32- . معاني الأخبار : ص 251 ، مشكاة الأنوار : ص 75 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 67 ص 307 .
33- . اُنظر : بحار الأنوار : ج 68 ص 22 _ 23 .
34- . إبراهيم : 7 .
35- . الرعد : 11 .
36- . الأنفال : 53 .
37- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 31 .
38- . المصدر السابق : الدعاء 45 .
39- . إبراهيم : 27.
40- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 31 .
41- . العين : ج 7 ص 327.
42- . النور : 40.
43- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 345.

ص: 300

. .

ص: 301

. .

ص: 302

. .

ص: 303

. .

ص: 304

. .

ص: 305

. .

ص: 306

اللّهُمَّ إنّي أسأَلُكَ إيمانا لا أجَلَ لَهُ دونَ لِقائِكَ «470 » أحيِني ما أحيَيتَني عَلَيهِ«471 » وتَوَفَّني إذا تَوَفَّيتَني عَلَيهِ «472 »وَابعَثني إذا بَعَثتَني عَلَيهِ«473 »وأبرِئ قَلبي مِنَ الرِّياءِ وَالشَّكِّ وَالسُّمعَةِ في دينِكَ حَتّى يَكونَ عَمَلي خالِصا لَكَ «474 » اللّهُمَّ أعطِني بَصيرَةً في دينِكَ«475 »وفَهما في حُكمِكَ«476 »وفِقها في عِلمِكَ «477 »وكِفلَينِ مِن رَحمَتِكَ«478 »ووَرَعا يَحجُزُني عَن مَعاصيكَ«479 »وبَيِّض وَجهي بِنورِكَ«480 »وَاجعَل رَغبَتي فيما عِندَكَ «481 » وتَوَفَّني في سَبيلِكَ وعَلى مِلَّةِ رَسولِكَ صَلَّى اللّه ُ عَلَيهِ وآلِهِ «482 »

«اللّهمّ إنّي أسألك إيمانا» أصل الأمن طمأنينة النفس وزوال الخوف ، قال الراغب : «الإيمان يُستعمل تارةً اسما للشريعة الّتي جاء بها محمّد صلى الله عليه و آله ، وعلى ذلك : «الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا » ، (1) وتارةً يُستعمل على سبيل المدح ويُراد به إذعان النفس للحقّ على سبيل التصديق ، وذلك باجتماع ثلاثة أشياء : تحقيق بالقلب ، وإقرار باللسان ، وعمل بحسب ذلك بالجوارح» . (2) الإسلام هو إظهار الشهادتين ، والإيمان هو عقد بالقلب وهو أمر قلبي ، ولكن في الأحاديث الكثيرة ، كما قال الراغب : «تصديق بالقلب وإقرار باللّسان وعمل بالأركان ، فلا ينفكّ الإيمان عن العمل» (3) وللبحث عن الإيمان ومراتبه محلّ آخر . (4) وعلى كلّ حال نسأل اللّه تعالى إيمانا «لا أجل له دون لقائك» لا يزول عنّا في حال من الحالات ، ولقاء اللّه تعالى «وهو الرجوع إلى اللّه بالبعث يوم القيامة» ، (5) قال الاُستاذ العلّامة الطباطبائي قدس سره _ في الميزان عند البحث عن الرؤية في سورة الأعراف _ : «فبهذه الوجوه يظهر أنّه تعالى يثبت في كلامه قسما من الرؤية والمشاهدة وراء الرؤية البصرية الحسّية ، وهي نوع من شعور في الإنسان يشعر بالشيء بنفسه من غير استعمال آلة حسّية أو فكريّة ، وأنّ للإنسان شعورا بربّه غير ما يعتقد بوجوده من طريق الفكر واستخدام الدليل ، بل يجده وجدانا من غير أن يحجبه عنه حاجب ، ولا يجرّه إلى الغفلة عنه إلّا اشتغاله بنفسه وبمعاصيه التي اكتسبها ، وهي مع ذلك غفلة عن أمرٍ موجود مشهود لا زوال علم بالكلّية ومن أصله ، فليس فكلامه تعالى ما يشعر بذلك ألبتّة ، بل عبّر عن هذا الجهل بالغفلة ، وهي زوال العلم بالعلم لا زوال أصل العلم ، فهذا ما يبيّنه كلامه سبحانه ويؤيّده العقل بساطع براهينه ، وكذا ما ورد من الأخبار عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام . والذي ينجلي من كلامه تعالى أنّ هذا العلم المُسمّى بالرؤية واللقاء يتمّ للصالحين من عباد اللّه يوم القيامة ، كما يدلّ عليه ظاهر قوله تعالى : «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ * إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ » ، (6) فهناك موطن التشرّف بهذا التشريف ، وأمّا في هذه الدنيا والإنسان مشتغل ببدنه ومنغمر في غمرات حوائجه الطبيعية ، وهو سالك لطريق اللقاء والعلم الضروري بآيات ربّه ، كادح إلى ربّه كدحا ليلاقيه ، فهو بعد في طريق هذا العلم لن يتمّ له حتّى يلاقي ربّه ، قال تعالى : «يا أَيُّهَا الإِْنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ » .» (7) هذا ، وقال بعض : «إنّ لقاء اللّه هو لقاء ما وعده للمؤمن من الكرامات من الجنّة ونعيمها ، ولقاء ما أوعده اللّه الكفّار والفسّاق من ضغطة القبر وعذابه أو البعث والحشر والحساب والجحيم . وحكي عن الشهيد رحمه اللهفي الذكرى : من أنّ حبّ لقاء اللّه غير مقيّد بوقت ، فيحمل على حال الاحتضار ومعاينة ما يحبّ ، وأشار إلى حديث عبد الصمد بن بشير عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : قلت له : أصلحك اللّه من أحبّ لقاء اللّه أحبّ اللّه لقاءه ومن أبغض لقاء اللّه أبغض اللّه لقاءه؟ قال : نعم ، قلت : فواللّه أنا لنكره الموت ، فقال : ليس ذلك حيث تذهب ، إنّما ذلك عند المعاينة إذا رأى ما يحبّ فليس شيء أحبّ إليه من أن يتقدّم ، واللّه يحبّ لقاءه وهو يحبّ لقاء اللّه الحديث» . (8) وقال الطبرسي رحمه الله في المجمع : « «قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللّه ِ » ، (9) يعني بلقاء ما وعد اللّه به من الثواب والعقاب ، وجعل لقاءهم لذلك لقاء له تعالى مجازا ، عن ابن عبّاس والحسن . وقيل : المراد بلقاء اللّه : جزاء اللّه ، كما يقال للميّت : لقي فلان عمله أي لقي جزاء عمله ، (10) وقال : «لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ » ؛ (11) معناه : لكي يؤمنوا بجزاء ربّهم ، فُسمّي الجزاء لقاء اللّه ؛ تفخيما لشأنه ...» . (12) «أحيني ما أحييتني عليه» أي اجعل حياتي مع الإيمان ، وأحيني ؛ أي اجعلني حيّا على الإيمان. «وتوفّني إذا توفيّتني عليه» أي أمتني واجعل موتي على الإيمان ، وقد عبّر عن الموت والنوم بالتوفّي ، قال تعالى : «اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا » ، (13) وفي المصباح : «الوفاة الموت» . (14) «وابعثني إذا بعثتني عليه» أصل البعث إثارة الشيء وتوجيهه ، والموتى يبعثهم اللّه أي يخرجهم ويسيّرهم إلى القيامة ، (15) فهذا يوم البعث أي يوم الحشر ، أي اجعل حياتي مادمت حيّا ، وموتي إذا قبضت روحي ، وبعثي وحشري إذا بعثتني يوم القيامة عليه. «وابرئ قلبي من الرياء» من فعل ذلك رئاء الناس أي مراءةً وتشيّعا ، والرياء : إظهار العمل للناس ليروه ويظنّوا به خيرا ، فالعمل لغير اللّه نعوذ باللّه منه . (16) سُئل رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن تفسير هذه الآية : «وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً » ، (17) فقال : «من صلّى مراءاةً الناس فهو مشرك ، ومن صام مراءاةً الناس فهو مشرك ، ومن حجّ مراءاةً الناس فهو مشرك ، ومن عمل عملاً ممّا أمره اللّه عزّ وجلّ مراءاةً الناس فهو مشرك» . (18) عن الكافي في تفسير الآية : «الرجل يعمل شيئا من الثواب لا يطلب به وجه اللّه إنّما يطلب تزكية الناس يشتهي أن يسمع به الناس ، فهذا الذي أشرك بعبادة ربّه . ثمّ قال : ما من عبد أسرّ خيرا فذهبت الأيّام أبدا حتّى يظهر اللّه له خيرا ، وما من عبد يسرّ شرّا فذهبت الأيّام أبدا حتّى يظهر اللّه له شرّا» . (19) وبالجملة ، الآيات والأخبار في الرياء وذمّه كثيرة لا حاجة إلى الإطالة في نقلها ، (20) وأصله طلب المنزلة في قلوب الناس ، والمشهور من الرياء المذمومة ما كان في العبادات التي يجب الإخلاص ، فيبطل العمل بذلك ، وقد تكلّم فيه الفقهاء رضوان اللّه عليهم في كتب الفقه ، راجع الجواهر والمصباح في نيّة الوضوء من كتاب الطهارة. والرياء خمسة أقسام : الأوّل : الرياء قد تكون بالبدن ، وذلك بإظهار النحول والصفار ؛ ليظهر بذلك شدّة الاجتهاد والحزن في الدين و خوف الآخرة... هذا في أهل الدين ، وأمّا أهل الدنيا فيرؤون بإظهار السمن ، وصفاء اللّون ، واعتدال القامة ، وحسن الوجه ، ونظافة البدن. الثاني : ما يكون بالهيئة ، كتشعّت الرأس ، وحلق الشارب ، وإطراق الرأس في المشي ، والهدوء في الحركة ، وإبقاء أثر السجود على الوجه ، وغلظ الثياب ، ولبس الصوف وتشميرها إلى قريب من نصف الساق ، وتقصير الأكمام ، وترك تنظيف الثوب وتركه مخرقا . هذا في أهل الدين ، وأمّا أهل الدنيا ، فبلبس الثياب النفيسة ، والمراكب الرفيعة ، وأنواع التجمّل. الثالث : الرياء بالقول بالوعظ والتذكير والنطق بالحكمة وحفظ الأخبار والآثار ، وتحريك الشفتين بالذكر في محضر الناس ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمشهد الخلق ، وإظهار الغضب للمنكرات ، وإظهار الأسف على مقارفة الناس بالمعاصي ، وتضعيف الصوت بالكلام . هذا في أهل الدين ، وأمّا أهل الدنيا فبحفظ الأشعار والأمثال ، والتفاصح في العبارات. الرابع : الرياء في العمل ، كمراءات المصلّي بطول القيام وتطويل الركوع والسجود . هذا في أهل الّدين ، وأمّا أهل الدنيا فبالتبختر والاختيال ، وتحريك اليدين ، وتقريب الخطا . الخامس : الرياء بالأصحاب والزائرين والمخالطين ، كالذي يتكلّف أن يزور عالما أو عابدا ؛ ليقال إنّ فلانا قد زار فلان ، أو كالذي يذكر الشيوخ ليرى أنّه لقي شيوخا كثيرة . (21) «والشكّ» يطلب من اللّه سبحانه أن يُبرئ قلبه من الشكّ ، وفي الصحيفة : «ومتّعني بهدي صالح لا أستبدل ب ، وطريقة حقّ لا أزيغ عنها ، ونيّة رشد لا أشكّ فيها» ، (22) و«وأزل عنّي كلّ شكّ وشبهة» ، (23) «وجنّبنا الإلحاد في توحيدك ، والتقصير في تمجيدك ،والّشكّ في دينك ، والعمى عن سبيلك» . (24) وقد فُسّر مرض القلب في القرآن الكريم بالشكّ ، قال العلّامة الأُستاذ في الميزان _ عند الكلام في مرض القلب _ : «فالظاهر أنّ مرض القلب في عرف القرآن هو الشكّ والريب المستولي على إدراك الإنسان فيما يتعلّق باللّه وآياته ، وعدم تمكّن القلب من العقد على عقيدة دينيّة ، فالذين في قلوبهم مرض بحسب طبع المعنى هم ضعفاء الإيمان ، الذين يصغون إلى كلّ ناعق ، ويميلون مع كلّ ريح ، دون المنافقين الذين أظهروا الإيمان واستبطنوا الكفر _ إلى أن قال _ : وقد ذكر اللّه سبحانه أنّ مرض القلب على حدّ الأمراض الجسمانية ، ربّما أخذ في الزيادة حتّى أزمن وانجرّ الأمر إلى الهلاك ، وذلك إمداده بما يضرّ طبع المريض في مرضه ، وليس إلّا المعصية ، قال تعالى : «فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللّه ُ مَرَضاً » ، (25) «وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ » ، (26) «ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللّه ِ » ، (27) ثمّ ذكر تعالى في علاجه الإيمان به ، قال تعالى _ وهو بيان عامّ _ : «يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ » ، (28) فعلى مريض القلب _ إن أراد مداواة مرضه _ أن يتوب إلى اللّه وهو الإيمان به ، وأن يتذكّر بصالح الفكر وصالح العمل» . (29) أقول : الذي يثير الشكّ أُمور : الأوّل : حبّ الدنيا وعلائقها ، فإنّ ذلك كثيرا ما يوجب التشكيك في الدين لنيلها أوعدم فراقها. الثاني : الأصحاب والرفاق الضالّين ومخالطتهم ومطالعة كتب الضلال. الثالث : المعاصي والشهوات ، فإنّ ارتكابها يورث ذلك ، كما تقدّم من الآيات. والذي يزيله ويورث الإيمان واليقين أُمور أيضا : الأوّل : الزهد في الدنيا وقطع علائقها بالتفكّر والتدبّر ، ومعرفة الدنيا وزوالها وإقبال الآخرة ودوامها. الثاني : مصاحبة المؤمنين والعلماء باللّه ، ومطالعة أحوالهم ، ومطالعة الكتب المعدّة لبيان أُصول الدين والمعارف. الثالث : التقوى ومخالفة الهوى. الرابع : الدعاء والتوسّل ، وذكر اللّه تعالى لاسيّما قول : «لا إله إلّا اللّه محمّد رسول اللّه عليّ وليّ اللّه » ، و«لا حول ولا قوّة إلّا باللّه ». «والسمعة»، يقال : فعله رياءً وسُمعةً ؛ أي يراه الناس ويسمعه ، قيل : السمعة ما يذكر من القول الجميل والوعظ وما يقرأ من القرآن وغيره لإراءة الناس وإسماعهم . والفرق بين الرياء والسمعة أنّ الرياء يُستعمل كثيراً في الأعمال ، والسمعة في الأقوال. أقول : ويمكن أن يُفرّق بينهما بأنّ الرياء هو التظاهر بما يخالف الباطن ، والسمعة هي إظهار ما يوافق الباطن بقصد الشهرة . (30) عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى : «فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى » ، (31) قال : «هو قول الإنسان : صلّيت البارحة ، وصمت أمس ونحو هذا . ثمّ قال : إنّ قوما كانوا يصبحون فيقولون : صلّينا البارحة ، وصمنا أمس ، فقال عليّ عليه السلام : لكنّي أنام اللّيل والنهار ولو أجد شيئا بينهما لنمته» . (32) عن الصادق عليه السلام : «من عمل حسنةً سرّا كُتبت له سرّا ، فإذا أقرّ بها مُحيت وكُتبت جهرا ، فإذا أقرّ بها ثانيا مُحيت وكتبت رياء» . (33) الظاهر أنّ السمعة إذا كان بعد تمام العمل ، يوجب عدم الثواب على الأعمال ولا يبطل العمل ، وذكره السيّد رحمه الله فى العروة بعنوان الرياء المتأخّر ، وقال : «لا يوجب البطلان» . (34) وفي الصحيفة في الدعاء لأهل الثغور : «واعزل عنه الرياء ، وخلّصه من السمعة» ، (35) وفي دعائه لدخول شهر رمضان : «ثمّ خلّص ذلك كلّه من رياء المرائين وسمعة السامعين» . (36) وفي الحديث : «من سمَّع الناس بعمله سَمَّع اللّه به سامع خلقه» ، (37) الظاهر من عمل عملاً ليسمعه الناس أسمعه اللّه الناس ليكون ذلك ثوابه. يطلب من اللّه سبحانه أن يُبرئ قلبه من الرياء والسمعة قبل العمل ؛ حتّى لا يكون العمل باطلاً ، وعن الرياء والسمعة لاحقا ؛ حتّى لا يبطل ثوابه ، ولذلك قال : «حتّى يكون عملي خالصا لك» والخالص في اللغة كلّ ما صفى وتخلّص ولم يمتزج بغيره ، والعمل الخالص في العرف ما تجرّد قصد التقرّب فيه عن جميع الشوائب . (38) وفي الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : «الدنيا كلّها جهل إلّا مواضع العلم ، والعلم كلّه حجّة إلّا ما عُمل به ، والعمل كلّه رياء إلّا ما كان مخلصا ، والإخلاص على خطر حتّى ينظر العبد بما يُختم له» . (39) وهذا هو المقصود بقوله تعالى : «إِيّاكَ نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ » . وللإخلاص درجات ومراتب : 1 _ أن يكون العمل خوفا عن عذابه . 2 _ أو شوقا إلى ثوابه . وهاتان نيّتان صحيحتان إلاّ ما ادّعاه العلّامة بأنّ هاتين النيّتين لا ثواب فيهما ، ولهما أيضا مراتب حسب اختلاف أحوال الناس . 3 _ أن يعبد اللّه شكرا لنعمائه . 4 _ أن يعبد اللّه حياءً منه . 5 _ أن يعبد اللّه تقرّبا إليه تعالى تشبيها للقرب المعنوي بالقرب المكاني . 6 _ أن يعبد اللّه لكونه أهلاً للعبادة . 7 _ أن يعبد اللّه حبّا له تعالى . (40) عن الصادق عليه السلام : «إنّ الناس يعبدون اللّه عزّ وجلّ على ثلاثة أوجه : فطبقة يعبدونه رغبةً في ثوابه ، فتلك عبادة الحرصاء وهو الطمع ، وآخرون يعبدونه فرقا من النار ، فتلك عبادة العبيد وهي رهبة ، ولكنّي أعبده حبّا له عزّ وجلّ ، فتلك عبادة الكرام وهو الأمن» . (41) «اللّهمّ أعطني بصيرة في دينك» البصر : يقال للجارحة الناظرة ، والباصرة أيضا عبارة عن الجارحة الناظرة ، «أَدْعُوا إِلَى اللّه ِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي » (42) أي على معرفة وتحقّق (43) والبصير في أسمائه تعالى هو الذي يشاهد الأشياء كلّها ظاهرها وخافيها من غير جارحة. والبصيرة : اسم لما اعتُقد في القلب من الدين وحقيق الأمر ، والهاء دخل للمبالغة ، كما في علّامة ونسّابة ، (44) واستُعملت هذه الكلمة في الحديث كثيرا ، كقوله : «العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق» ، (45) و«العامل على غير بصيرة كالسائر على السراب» ، (46) و«عقد عليه قلبه على بصيرة فيه» . (47) يطلب من اللّه تعالى البصيرة في الدين ، أي معرفة مع حجّة واضحة غير عمياء ، بحيث لا تزول بالوساوس والتشكيكات والتسويلات والشدائد ، قال أمير المؤمنين عليه السلام في طلبة العلم : «أو منقادا لحملة الحقّ (48) لا بصيرة له في أحنائه ، ينقدح الشكّ في قلبه لأوّل عارض من شبهة» . (49) «وفهما في حكمك» الفهم كما قال الراغب : «هيئة للإنسان بها يتحقّق معاني ما يحسن ، يقال : فهمت كذا ، وقوله : «فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ » ، (50) وذلك إمّا بأن جعل اللّه له من فضل قوّة الفهم ما أدرك به ذلك ، وإمّا بأن ألقى ذلك في روعه ، أو بأن أوحي إليه وخصّه به» ، (51) والفهم ضدّ الغباوة. ويحتمل أن يكون المراد من فهم الحكم ، أن يفهم حكم اللّه سبحانه في القضايا كما فهم سليمان عليه السلام ، أو فهم أحكامه تعالى من الكتاب والسنّة ، أو فهم أحكامه التكوينيّة فيما يجري على الإنسان والاجتماع من قضائه وقدره وتفريقه بين الحقّ والباطل. «وفقها» قال الراغب : «الفقه : هو التوصّل إلى علم غائب بعلم شاهد ، فهو أخصّ من العلم... والفقه : العلم بأحكام الشريعة ، يقال : فقّه الرجل فقاهةً ؛ إذا صار فقيها ، (52) قال تعالى : «فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ » . (53) «في علمك» لعلّ المراد هو علم الدين من الكتاب والسنّة ، فيكون الغرض من الدعاء محصّل ما في الآية ، أي يطلب من اللّه سبحانه التفقّه في الدين ، قال الشيخ العارف العظيم البهائي في أربعينه _ في ذيل شرح الحديث المعروف _ : «من حفظ على أُمّتي أربعين حديثا ممّا يحتاجون إلى في أمر دينهم ، بعثه اللّه عزّ وجلّ يوم القيامة فقيها عالما» (54) : وفي كلام بعض الأعلام : «إنّ اسم الفقه في العصر الأوّل إنّما كان يُطلق على علم الآخرة ، ومعرفة دقائق آفات النفوس ومفسدة الأعمال ، وقوّة الإحاطة بحقارة الدنيا ، وشدّة التطلّع إلى نعيم الآخرة ، واستيلاء الخوف على القلب ؛ ويدلّ عليه قوله تعالى : «فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ » ، فقد جعل العلّة الغائية من الفقه الإنذار والتخويف ، ومعلوم أنّ ذلك لا يترتّب إلّا على هذه المعارف ، لا معرفة فروع الطلاق والمساقاة والسلم وأمثال ذلك» . (55) «وكفلين من رحمتك» الكفل : الكفيل ، وهو الحظّ الذي فيه الكفاية ، كأنّه تكفّل بأمره ، «يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ » (56) أي كفلين من نعمته في الدنيا والآخرة ، (57) وقيل : لم يعن بقوله «كفلين» أي نعمتين اثنتين ، بل أراد النعمة المتوالية المتكفّلة بكفايته. ولعلّ المراد من طلب الكفلين إشارة إلى ما في الآية الشريفة : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّه َ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّه ُ غَفُورٌ رَحِيمٌ » (58) أي إنّ اللّه تعالى يؤتي المؤمنين المتّقين الذين يؤمنون برسول اللّه صلى الله عليه و آله أجرين ، كما يؤتي أهل الكتاب إذا آمنوا برسول اللّه صلى الله عليه و آله . قال العلّامة الأُستاذ في الميزان : «أمر الذين آمنوا بالتقوى والإيمان بالرسول ، مع أنّ الذين استجابوا للدعوة فآمنوا باللّه آمنوا برسوله أيضا ، دليل على أنّ المراد بالإيمان بالرسول الاتّباع التامّ والطاعة الكاملة لرسوله فيما يأمر به وينهى عنه ، سواء كان ما يأمر به أو ينهى عنه حكما من الأحكام الشرعيّة أو صادرا عنه بما له من ولاية أُمور الأُمّة ، كما قال تعالى : «فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً » ، (59) فهذا إيمان بعد إيمان ، ومرتبة فوق مرتبة الإيمان الذي يتخلّف عنه أثره فلا يترتّب عليه لضعفه ، وبهذا يناسب قوله : «يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ » » . (60) وفي المجمع : « «يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ» ، أي اعترفوا بتوحيد اللّه وصدّقوا بموسى وعيسى ، اتّقوا اللّه وآمنوا برسوله محمّد صلى الله عليه و آله يؤتكم كفلين ، أي يؤتكم نصيبين من رحمته ، نصيبا لإيمانكم بمن تقدّم من الأنبياء ، ونصيبا لإيمانكم بمحمّد صلى الله عليه و آله » . (61) ويحتمل أن يكون المراد الكفلين لإيمانه بالرسول وإيمانه بمن تقدّم من الأنبياء عليهم السلام ، قال تعالى : «قُولُوا آمَنّا بِاللّه ِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَْسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ » . (62) يطلب من اللّه تعالى سهمين من رحمته على الاحتمالين : إمّا في الدنيا والآخرة ، كما في قوله تعالى : «آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الآْخِرَةِ حَسَنَةً » (63) سهما في الّدنيا وسهما في الآخرة ، أو سهمين في الدنيا وسهمين في الآخرة. «وورعا يحجزني عن معاصيك» الوَرَع _ بفتحتين _ : الكثير الكفّ عن المحارم ، قال الخليل : «الورع : شدّة التحرّج ، ورجل ورع : متورّع إذا كان متحرّجا ، وسُمّي الجبان ورعا ، وراجع أيضا النهاية» . (64) قال في مجمع البحرين : «قال بعض شرّاح الحديث : وهو أقسام : فمنه ما يخرج المكلّف عن الفسق ، وهو الموجب لقبول الشهادة ، ويُسمّى ورع التائبين ، ومنه ما يخرج به عن الشبهات ، فإنّ من رتع حول الحمى يوشك أن يدخل فيه ، ويسمّى ورع الصالحين ، ومنه ترك الحلال الذي يتخوّف انجراره إلى المحرّم ، ويُسمّى ورع المتّقين ، وعليه حمل قوله صلى الله عليه و آله : «لا يكون الرجل من المتّقين حتّى يدع ما لا بأس به مخافة أن يكون فيه بأس» ، ومثل : بترك الكلام عن الغير مخافة الوقوع في الغيبة ، ومنه الإعراض عن غير اللّه خوفا من ضياع ساعة من العمر فيها لا فائدة فيه ، ويُسمّى ورع الصدّيقين» . (65) الحجز : المنع بين الشيئين بفاصل بينهما ، والحاجز : الحائل بين الشيئين ، والمحاجزة : الممانعة ، والحجزة _ بضمّ الحاء المهملة وإسكان الجيم والزاي _ : معقد الإزار ، ثمّ قيل للإزار حجزة ، ثمّ استُعير الأخذ بالحجزة للتمسّك والاعتصام. أي اللّهمّ أعطني وَرَعا _ وهو حالة نفسانية كالتقوى _ يمنعني عن معاصيك ، والمعاصي جمع المعصية مصدر ، وقد تُطلق على الزلّة ، وعصى عصيانا : إذا خرج عن الطاعة . «وبيّض وجهي بنورك» البياض : لون معروف ، ولعلّ المراد الإشارة إلى قوله تعالى : «يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللّه ِ هُمْ فِيها خالِدُونَ » ، (66) وبياض الوجه وسواده كنايتان عن ظهور بهجة السرور وكآبة الخوف فيه ، وقيل : يوسم أهل الحقّ ببياض الوجه والصحيفة السجّادية وإشراق البشرة وسطي النور بين يديه ويمينه ، وأهل الباطل بأضداد ذلك . (67) وقوله عليه السلام «بنورك» يؤيّد المعنى الأوّل ، ولعلّ ذلك هو المراد من قوله تعالى : «تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ » ، (68) و «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ * إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ » ، (69) و «لَقّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً » ، (70) والنضرة : الحسن ، والناضرة : المشرقة من بريق النعم ، ويحتمل أن يكون المراد ما في الأحاديث المتظافرة أنّ صلاة اللّيل تحسّن الوجه . (71) «واجعل رغبتي فيما عندك» أصل الرغبة السعة في الشيء والرغبة والرغب والرغبي : السعة في الإرادة ، وإذا قيل : رغبت فيه وإليه ، يقتضي الحرص عليه ، وإذا قيل : رغب عنه ، اقتضى الصرف عنه والزهد فيه . (72) أي اجعل حرصي واشتياقي فيما عندك ، أي بعد الدنيا ، وقد أطلق ما عند اللّه بما أعدّ لعباده من الجنّات والحور والقصور ، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام في النهج : «سبحانك خالقا ومعبودا بحسن بلائك عند خلقك ، خلقت دارا وجعلت فيها مأدبة (73) : مشربا ومطعما وأزواجا وخدما وقصورا وأنهارا وزروعا وثمارا ، ثمّ أرسلت داعيا يدعو إليها ، فلا الداعي أجابوا ، ولا فيما رغبت رغبوا ، ولا إلى ما شوّقت إليه اشتاقوا ، أقبلوا على جيفةٍ قد افتضحوا بأكلها ، واصطلحوا على حبّها ، ومن عشق شيئا أعشى بصره (74) وأمرض قلبه» . (75) وفي الصحيفة : «اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد واقبض على الّصدق نفسي واقطع من الدنيا حاجتي ، واجعل فيما عندك رغبتي شوقا إلى لقائك» . (76) قال اللّه تعالى : «وَما عِنْدَ اللّه ِ خَيْرٌ لِلأَْبْرارِ » ، (77) و «لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَْنْهارُ » ، (78) و «لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ » ، (79) و «بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ » ، (80) إلى غير ذلك من الآيات الكريمة. «وتوفّني في سبيلك» وقد عبّر عن الموت والنوم بالتوفّي ، قال تعالى : «اللّه ُ يَتَوَفَّى الأَْنْفُسَ حِينَ مَوْتِها » ، (81) وقال سبحانه : «وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفّاكُمْ بِاللَّيْلِ » ، (82) أي أمتني في سبيلك. السبيل : الطريق ، وسبيل اللّه هو سبيل طاعته ، وفي الدعاء : «وأن تجعل ما ذهب من جسمي وعمري في سبيل طاعتك» ، (83) وفي الدعاء : «فرّغ قلبي لمحبّتك... وأجر به في أحبّ السبل إليك» ، (84) وفي الدعاء : «وأحينا على سنّته ، وتوفّنا على ملّته ، وخذ بنا منهاجه ، واسلك بنا سبيله ، واجعلنا من أهل طاعته» ، (85) وفي الحديث : «إنّ الميّت منكم على هذا الأمر شهيد» ، (86) ولعلّ التعبير بالتوفّي دون «قتلاً في سبيلك» إشارة إلى هذا التعميم. «وعلى ملّة رسولك» الملّة كالدين : اسم لما شرع اللّه تعالى لعباده على لسان الأنبياء ليتوصّلوا به إلى جوار اللّه ، والفرق بينها وبين الدين ، أنّ الملّة لا تُضاف إلّا إلى النبيّ صلى الله عليه و آله الذي تستند إليه ، نحو : «فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ » . (87) إلى اللّه ولا إلى آحاد أُمة النبيّ ، بل يقال : أُمّته صلى الله عليه و آله ، ثمّ إنّها اتّسعت واستُعملت في الملل الباطلة... إلخ .

.


1- . المائدة : 69 .
2- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 26 .
3- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 26 .
4- . اُنظر : الميزان في تفسير القرآن : ج 18 ص 281 ، وج 15 ص 4 .
5- . الميزان في تفسير القرآن : ج 10 ص 11 .
6- . القيامة : 22 _ 23 .
7- . الانشقاق : 6 ، اُنظر : الميزان في تفسير القرآن : ج 8 ص 241 .
8- . اُنظر : بحار الأنوار : ج 6 ص 129 ، وج 78 ص 267.
9- . الأنعام : 31 .
10- . مجمع البيان : ج 4 ص 39 ، واُنظر أيضا ، التبيان في تفسير القرآن : ج 4 ص 114 في تفسير الآية.
11- . الأنعام : 154 .
12- . مجمع البيان : ج 4 ص 197 ، واُنظر أيضا : التبيان في تفسير القرآن : ج 4 ص 322 في تفسير الآية .
13- . الزمر : 42 .
14- . المصباح المنير : ص 389.
15- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 52 .
16- . اُنظر : المصباح المنير : ص 299 .
17- . الكهف : 110 .
18- . تفسير القمّي : ج 2 ص 47 ، بحار الأنوار : ج 69 ص 297 ، و ج 81 ص 348.
19- . الكافي : ج 2 ص 294 ، بحار الأنوار : ج 69 ص 281 .
20- . انظر : بحار الأنوار : ج 72 ص 265 و ما بعدها .
21- . اُنظر : بحار الأنوار : ج 69 ص 265 وما بعدها فإنّه قدس سره أطال وأفاد .
22- . الصحيفة السّجادية : الدعاء 20 .
23- . المصدر السابق : الدعاء 47.
24- . المصدر السابق : الدعاء 44 .
25- . البقرة : 10.
26- . التوبة : 126.
27- . الروم : 10.
28- . يونس : 9 .
29- . الميزان في تفسير القرآن : ج 5 ص 379 .
30- . اُنظر : أقرب الموارد : ج 2 ص 716.
31- . النجم : 32 .
32- . معاني الأخبار : ص 243 ، الزهد للكوفي : ص 66 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 69 ص 323 .
33- . عدّة الداعي : ص 221 ، بحار الأنوار : ص 224 .
34- . اُنظر : العروة الوثقى : ج 1 ص 424 ، باب النية في الصلاة .
35- . الصحيفة السّجادية : الدعاء 27 .
36- . المصدر السابق : الدعاء 44 .
37- . مسند ابن حنبل : ج 2 ص 162 ، المعجم الأوسط : ج 5 ص 173 .
38- . اُنظر : بحار الأنوار : ج 67 ص 234 .
39- . التوحيد : ص 371 ، مشكاة الأنوار : ص 536 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 2 ص 29 .
40- . اُنظر : بحار الأنوار : ج 67 ص 196 .
41- . الأمالي للصدوق : ص 91 ، مشكاة الأنوار : ص 220 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 67 ص 205 .
42- . يوسف : 108 .
43- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن و النهاية والكشّاف : أي ادعو إلى دينه مع حجة واضحة غير عمياء و قريب منه ما في مجمع البيان .
44- . اُنظر : مجمع البيان : ج 1 ص 206 .
45- . الكافي : ج 1 ص 43 ، الأمالي للصدوق : ص 507 ، تحف العقول : ص 364 ، روضة الواعظين : ص 10 ، بحار الأنوار : ج 1 ص 260 .
46- . الأمالي للمفيد : ص 42 ، بحار الأنوار : ج 1 ص 208 .
47- . مختصر بصائر الدرجات : ص 82 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 24 ص 290 .
48- . المنقاد لحاملي الحقّ هو المقلّد في القول والعمل ، ولا بصيرة له في دقائق الحقّ وخفاياه.
49- . نهج البلاغة : الحكمة 147.
50- . الأنبياء : 79 .
51- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 386 .
52- . المصدر السابق : ص 384 .
53- . التوبة : 122 .
54- . اُنظر : الأربعون الصغرى للبيهقي : ص 13 ، اُنظر : الخصال : ص 541 ، بحار الأنوار : ج 2 ص 153 .
55- . الأربعون حديثا للشيخ البهائي رحمه الله : ص 72 .
56- . الحديد : 28 .
57- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 436 .
58- . الحديد : 28 .
59- . النساء : 65 .
60- . الحديد : 28 ، اُنظر : الميزان في تفسير القرآن : ج 19 ص 174 .
61- . مجمع البيان : ج 9 ص 405 .
62- . البقرة : 136 .
63- . البقرة : 201 .
64- . العين : ج 2 ص 242 ، النهاية : ج 5 ص 174 .
65- . مجمع البحرين : ج 4 ص 490 ، ورد في الحثّ على الورع أحاديث كثيرة ، اُنظر : السفينة ومستدركها ، واُنظر : بحار الأنوار : ج 67 ص 296 وما بعدها ، كقوله عليه السلام : «أوصيك بتقوى اللّه والورع والاجتهاد ، واعلم إنّه لا ينفع اجتهاد لا ورع فيه» ، و«اتّقوا اللّه وصونوا دينكم بالورع» ، و«لا ينفع اجتهاد لا ورع فيه» ، و«إنّ أشدّ العبادة الورع» ، و«ليس منّا ولا كرامة من كان في مصر فيه مئة ألف أو يزيدون وكان في ذلك المصر أحد أورع منه» ، و«أنا لا نعدّ الرجل مؤمنا حتّى يكون لجميع أمرنا متّبعا ومريدا ، ألا وأنّ من اتّباع أمرنا وإرادته الورع ، فتزيّنوا به يرحمكم اللّه ، وكيدوا أعداءنا به ينعشكم اللّه » ، وفي الصحيفة السجّادية : الدعاء 20 : «وورعا في أجمال» أي في رفق اقتصاد ، غير خارج إلى حدّ الإفراط والوسواس (اُنظر : رياض السالكين : ج 3 ص 428) .
66- . آل عمران : 106 _ 107 .
67- . قاله البيضاوي في تفسيره : ج 2 ص 77 ، بحار الأنوار : ج 7 ص 140 .
68- . المطفّفين : 24 .
69- . القيامة : 22 و 23 .
70- . الإنسان : 11 .
71- . اُنظر : بحار الأنوار : ج 84 ، ص 148 و 153 و 159 .
72- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 198 ، مجمع البحرين : ج 4 ص 559 .
73- . المأدبة : بفتح الدال وضمها ، ما يصنع من الطعام للمدعوّين في عرس ونحوه ، والمراد منها نعيم الجنّة.
74- . أي أعماه.
75- . نهج البلاغة : الخطبة 109 .
76- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 54 .
77- . آل عمران : 198 .
78- . آل عمران : 15 .
79- . الأنعام : 127 .
80- . آل عمران : 169 .
81- . الزمر : 42 .
82- . الأنعام : 60 .
83- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 32 .
84- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 21 .
85- . المصدر السابق : الدعاء 42 .
86- . المصدر السابق : الدعاء 42 .
87- . آل عمران : 95 ، اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 471 ، و مجمع البحرين : ج 4 ص 232 ، قال : ويستعمل في جملة الشرائع دون آحادها ، ولا تكاد توجد مضافة

ص: 307

. .

ص: 308

. .

ص: 309

. .

ص: 310

. .

ص: 311

. .

ص: 312

. .

ص: 313

. .

ص: 314

. .

ص: 315

. .

ص: 316

. .

ص: 317

. .

ص: 318

. .

ص: 319

. .

ص: 320

اللّهُمَّ إنّي أعوذُ بِكَ مِنَ الكَسَلِ وَالفَشَلِ ، وَالهَمِّ وَالجُبنِ ، وَالبُخلِ وَالغَفلَةِ ، وَالقَسوَةِ وَالذِّلَّةِ ، وَالمَسكَنَةِ وَالفَقرِ وَالفاقَةِ ، وكُلِّ بَلِيَّةٍ «483 »وَالفَواحِشِ ما ظَهَرَ مِنها وما بَطَنَ «484 »وأعوذُ بِكَ مِن نَفسٍ لا تَقنَعُ ، وبَطنٍ لا يَشبَعُ ، وقَلبٍ لا يَخشَعُ ، ودُعاءٍ لا يُسمَعُ ، وعَمَلٍ لايَنفَعُ«485 » وصَلاةَ لا ترفع

شرع _ صلوات اللّه عليه _ في هذا الفصل في الاستعاذة عن الصفات القبيحة والمكاره ممّا قد يعرض الإنسان لعارض مزاجي أو لعارض آخر من ضعف الإيمان أو من ذنب ونحوه ، فقال : «اللّهمّ إنّي أعوذ». اللّهمّ : تقدّم الكلام فيه ، والعوذ : الالتجاء إلى الغير والتعلّق به ، (1) أعوذ بك ؛ أي ألتجأ بك ، كقوله تعالى : «أَعُوذُ بِاللّه ِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ » . (2) «من الكسل» والكَسَل : التثاقل عمّا لا ينبغي التثاقل عنه ، ولأجل ذلك صار مذموما ، (3) وهو حالة مذمومة عقلاً وشرعا ، وفي الحديث قال أمير المؤمنين عليه السلام : «إيّاكم والكسل ؛ فإنّه من كسل لم يؤدّ حقّ اللّه عزّ وجلّ» ، (4) وعن الباقر عليه السلام : «الكسل يضرّ بالدين والدنيا» ، (5) وفيه : «للكسلان ثلاث علامات : يتواني حتّى يُفرّط ، ويُفرّط حتّى يُضيّع ، ويضيّع حتّى يأثم» . (6) وعلى أيّ حال لها مناشيء كثيرة ، منها النفاق ، نسأل اللّه سبحانه أن يزيلها عنّا ، وقد يكون لعارض مزاجي أيضا. «والفشل» ضعف مع جبن ، قال تعالى : «حَتّى إِذا فَشِلْتُمْ » ، (7) وفي النهاية : «الجزع والجبن والضعف» (8) قال تعالى : «وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ » . (9) هذا أيضا حالة مذمومة تؤثّر في العزم على الأُمور المهمّة والجهاد والقتال ، وذلك واضح ، قال علي عليه السلام : «أميتوا الأصوات فإنّه أطرد للفشل» ، (10) وقال عليه السلام : «وأيّ امرئ منكم... رأى من أحد إخوانه فشلاً فليذّب (11) عن أخيه بفضل نجدته» ، (12) تزول بالعلاج والدعاء . «والهمّ» قال الراغب : «الهمّ الحزن الذي يذيب الإنسان» ، (13) وفي المجمع : «وفي الدعاء : أعوذ بك من الهمّ والحزن والعجز والكسل ... قيل : هذا الدعاء من جوامع الكلم _ إلى أن قال _ : قيل الفرق بين الثلاثة هو أنّ الهمّ قبل نزول الأمر ويطرد النوم ، والغمّ بعد نزول الأمر ويجلب النوم ، والحزن والأسف على ما فات خشونة في النفس لما يحصل فيها من الغمّ» ، انتهى . (14) وفي الصحيفة : «يا فارج الهمّ وكاشف الغمّ» . (15) وقال العلّامة المجلسي رحمه الله : «قد يفرّق بين الهمّ والغمّ بأنّ الهمّ ما يقدر الإنسان على إزالته كالإفلاس ، والغمّ ما لا يقدر كالموت ، أو بأنّ الهمّ قبل نزول المكروه والغمّ بعده ، أو أنّ الهمّ لم يعلم سببه والغمّ ما يعلم» . (16) أقول : ما في دعاء الصحيفة من قوله عليه السلام : «يا فارج الهمّ وكاشف الغمّ» إيماء إلى ما ذكره المجمع من الفرق ، إذ الفرج هو الشقّ والكشف هو من كشف الثوب يناسب أن يكون ممّا قد نزل وغطّا المغموم . (17) وفي الحديث : «الهمّ نصف الهرم» ، (18) وأيضا «من كثر همّه سقم بدنه» ، (19) وعلى كلّ حال هو استعاذ _ صلوات اللّه عليه _ منه ، وقد يكون حالة نفسانية للإنسان الذي قلّ توكّله على اللّه تعالى . وفي الحديث : «من قصر في العمل ابتلي بالهمّ» . (20) وهو كفّارة لذنوب المؤمنين ، كما في الأحاديث ، (21) وقد يكون لعارض مزاجي أيضا نعوذ باللّه تعالى منه. «والجُبْن» ضعف القلب عمّا يحقّ أن يقوى عليه ، (22) وفي الحديث : «لا يؤمن رجل فيه الشحّ والحسد والجبن ، ولا يكون المؤمن جبانا ولا حريصا ولا شحيحا» ، (23) وفيه : «ثلاث إذا كنّ في الرجل فلا تحرج أن تقول : إنّه في جهنّم : الجفاء ، والجبن ، والبخل» الحديث ، (24) وقال أمير المؤمنين عليه السلام : «يا مالك... فإنّ البخل والجبن والحرص غرائز شتّى يجمعها سوء الظنّ باللّه » . (25) الجبن صفة مذمومة في الرجل له أثر بيّن في الجهاد وفي الإقدام على مهامّ الأُمور ، ولذلك نهى علي عليه السلام الأشتر عن مشاورة الجبان . وله منشأ مزاجي عصبي أيضا يرتفع بالعلاج وبتقوية الإيمان والثقة باللّه تعالى ، ونعوذ باللّه منه ومن كلّ صفة مذمومة. «والبخل» البخل : الشحّ ، والبخيل خلاف الجواد ، قال في المجمع : «وفي الشرع هو منع الواجب ، وعند العرب منع السائل ممّا يفضل عنده» ، (26) وأصله المنع والإمساك ، قال الأُستاذ المشكيني _ دام ظلّه _ : «البخل : إمساك المال وحفظه في موردٍ لا ينبغي إمساكه ، ويقابله الجود ، والمراد به : الحالة الباطنية والصفة العارضة على النفس... والشحّ أيضا هو البخل مع الحرص ، فيحفظ الموجود ويطلب غير الموجود ، وهذه الصفة من أقبح صفات النفس وأخبثها ، لها مراتب مختلفة في قبحها الخلقي وحرمتها التكليفية ، فإنّه إمّا يبخل عن بذل النفس أو عن بذل المال ، وأيضا إمّا أن يبخل عن حقوق اللّه أو حقوق الناس ... إلخ» . (27) على أيّ حال ، الأخبار في ذمّه كثيرة ، نسأل اللّه تعالى أن يحفظنا من ذلك وأضرابه . (28) «والغفلة» مصدر واسم ، قال الراغب : «الغفلة : سهو يعتري الإنسان من قلّة التحفّظ والتيقّظ ، يقال : غفل فهو غافل ، قال تعالى : «لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ » »، (29) وفي الدعاء : «اللّهمّ إنّي أعوذ بك من سِنَة الغفلة» ، (30) «اللّهمّ... أيقظنا من سِنَة الغفلة» ، (31) _ إلى غير ذلك من موارد الاستعمال _ وفي العلوي : «ومن غفل غرّته الأماني وأخذت الحسرة إذا انكشف الغطاء وبدا له من اللّه ما لم يكن يحتسب» (32) و«إن كان الشيطان عدوّا فالغفلة لماذا ؟» ، (33) قال سبحانه : «وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَْمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ » . (34) أسباب التنبّه والتيقّظ كثيرة ولكنّ الاعتبار قليل ، ما أكثر العبر وأقلّ الاعتبار. هذه أيضا مذمومة ، سواء كان في أُمور الدنيا أو الدين ، كتب أمير المؤمنين عليه السلام لمالك : «ثمّ انظر في حال كتابك... ولا تقصر به الغفلة عن إيراد مكاتباتك عمّا لك عليك» . (35) نعوذ باللّه تعالى من الغفلة في أُمور يرتبط بأمر الدين وأداء الحقوق والعمل بالوظائف . و«لها مراتب مختلفة يلازم بعضها الكفر والطغيان وبعضها الفسق والعصيان وبعضها النقص والحرمان ، فالغفلة عن اُصول الإيمان بمعنى عدم التوجّه إلى لزومها وإلى قبولها كفر... والغفلة عن أداء الواجب وترك الحرام مع التقصير فسق ، والغفلة عن الإقبال والتوجّه إلى آيات اللّه تعالى الآفاقية والأنفسية وعن الاهتداء بذلك... نقص... وهل ترى أهل الدنيا اليوم إلّا غافلين عن الحقّ لاهين...» . (36) ولا مناص ولا خلاص عنها إلّا بالاستعاذة الخالصة بنيّة صادقة إلى اللّه عزّ شأنه ، نعم قد يكون التغافل في الأُمور الدنيوية مطلوبا ، قال الجاحظ : «قد جمع محمّد بن علي بن الحسين عليه السلام صلاح حال الدنيا بحذافيرها في كلمتين ، فقال عليه السلام : صلاح جميع المعايش والتعاشر مل ء مكيال ، ثلثان فطنة وثلث تغافل» . (37) «والقسوة» قسى قلبه قسوةً وقساوةً : صلب وغلظ (واويّ) ، والقسوة : غلظة القلب ، وأصله من حجرٍ قاس ، قال تعالى : «فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللّه ِ » ، (38) تحصل القسوة من المعصية ، قال تعالى : «فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً » ، (39) ومن عدم ذكر اللّه ، وطول الإمهال ، قال تعالى : «أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّه ِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الأَْمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ » . (40) وكذا يحصل بطول الآمال ونسيان الموت ومجالسة الفاسقين والغافلين. قال الأُستاذ : «القسوة غلظ القلب وصلابته وعدم تأثّره بالمواعظ والعبر ، في مقابل رقّة القلب ورحمته وتأثّره بالعظات واتّعاظه بالعبر ، وهي من حالات القلب وصفاته المذمومة السيّئة ، وهي قد تكون ذاتية مودعة في القلب بالفطرة ، وقد تكون كسبيّة حاصلة من الممارسة على المعاصي والمآثم . وعلى كلّ حال ، فهي قابلة للزوال بالكلّية أو للتخفيف والتضعيف ، ويمكن أيضا المراقبة الشديدة على النفس حتّى لا يظهر لها أثر على الجوارح والأركان» . (41) وفي الحديث عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «قال أمير المؤمنين عليه السلام : لمتّان : لمّة من الشيطان ولمّة من الملك ، فلمّة الملك الرقّة والفهم ، ولمّة الشيطان السهو والغفلة» ، (42) وفيما ناجى اللّه عزّوجلّ به موسى صلوات اللّه عليه : «يا موسى ، لا تطوّل في الدنيا أملك فيقسو قلبك ، والقاسي القلب منّي بعيد» . (43) «والذلّة» قال في المصباح : «ذلّ ذلّا من باب ضرب ، والاسم الذُلّ بالضمّ والذلّة بالكسر» ، (44) استعاذ عليه السلام أن تحصل له الذلّة في حوادث الدنيا ، من الذلّ بالضمّ وهو ضدّ العزّ ، لا من الذلّ بالكسر وهو ضدّ الصعوبة وهو اللّين ؛ لأنّ المقام هو الاستعاذة من الصفات أو الحوادث السيّئة ، أو استعاذ عليه السلام أن تحصل له هذه الصفة النفسانية القبيحة ، وقد ورد في الأحاديث : إنّ الطمع فيما بأيدي الناس أو كشف الضرّ للناس ذلّ ، وإنّ اليأس عمّا في أيدي الناس والاستغناء عن الناس عزّ ، في الحديث : «ما أقبح بالمؤمن أن تكون له رغبة تذلّه» ، (45) وفيه : «رأيت الخير كلّه قد اجتمع في قطع الطمع عمّا في أيدي الناس» ، (46) وفيه : «أزرى نفسه من استشعر الّطمع ورضي بالذلّ من كشف عن ضرّه» . (47) وظاهره الثاني ؛ لأنّه عليه السلام في مقام ذكر الصفات النفسانيّة. «والمسكنة» اسم من المسكين بمعنى الفقر والذلّ والضعف ، والمسكين : من لا شيء له ، وقيل : من له ما يكفيه ، وقيل : من أسكنه الفقر أي قلّل حركته أو لسكونه إلى الناس ، وقيل : هو أحسن حالاً من الفقير ، وكان يونس يقول : هو أشدّ حالاً من الفقير _ إلى آخر ما في الأقرب (48) _ وتكلّم المفسّرون والفقهاء في الفرق بينهما في تفسير قوله تعالى : «إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ » . (49) وعلى أيّ حال ، يمكن أن يكون المراد الاستعاذة عن حصول المسكنة والفقر ، وفي الدعاء : «اللّهمّ صن وجهي باليسار ، ولا تبتذل جاهي بالإقتار ، فأسترزقُ أهل رزقك ، وأستعطي شرار خلقك فأفتتن بحمد من أعطاني ، وأُبتلى بذمّ من منعني ، وأنت من دونهم وليّ الإعطاء والمنع» . (50) «والفقر» الفقر يُستعمل على أربعة أوجه : الأوّل : وجود الحاجة الضرورية ، وذلك عامّ للإنسان مادام في دار الدنيا ، بل عامّ للموجودات ، وعلى هذا قوله تعالى : «يا أَيُّهَا النّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللّه ِ » . (51) والثاني : عدم المقتنيات ، وهو المذكور في قوله : «لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا » . (52) والثالث : فقر النفس وهو الشره المعني بقوله عليه السلام : «كاد الفقر أن يكون كفرا» ، (53) وهو المقابل بقوله : «الغنى غنى النفس» . (54) الرابع : الفقر إلى اللّه المشار إليه بقوله عليه الصلاة والسلام : «اللّهمّ أغنني بالافتقار إليك ولا تفقرني بالاستغناء عنك» ، وإيّاه عني بقوله تعالى : «رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ » (55) ... وأصل الفقير هو المكسور الفقار... . (56) نعوذ باللّه تعالى من الفقر على الوجوه إلّا الرابع ، والأحاديث في مدح الفقر وذمّه كثيرة ، والجمع بين الطائفتين يحصل بملاحظة هذه الوجوه . (57) قال العلّامة المجلسي رحمه الله : «أقول : مقتضى الجمع بين أخبارنا أنّ الفقر والغنى كلّ منهما نعمة من نعم اللّه تعالى يعطي كلّاً منهما من شاء من عباده بحسب ما يعلم من مصالحه الكاملة ، وعلى العبد أن يصبر على الفقر بل يشكره ، ويشكر الغنى إن أعطاه ويعمل بمقتضاه ، فمع عمل كلّ منهما بما يقتضيه حاله ، فالغالب أنّ الفقير الصابر أكثر ثوابا من الغني الشاكر ، لكنّ مراتب أحوالهما مختلفة غاية الاختلاف ، ولا يمكن الحكم الكلّي من أحد الطرفين ، والظاهر أنّ الكفاف أسلم وأقلّ خطرا من الجانبين ، ولذا ورد في أكثر الأدعية طلبه ، وسأله النبي صلى الله عليه و آله لآله وعترته» . (58) «والفاقة» الفقر والحاجة ، ولا فعل لها ، يقال : افتاق إذا افتقر ، ولا يقال : فاق ، (59) وفي المجمع : «الفاقة والخصاصة والإملاق والمسكنة والمتربة واحد ، نقلاً عن الهمداني» ، انتهى ، (60) وفي الصحيفة : «وزدني إليك فاقةً وفقرا» ، (61) وقد تكلّم في ذلك السيّد رحمه اللهفي رياض السالكين ، وخلاصته : «إنّ الإنسان كلّما ازداد فقرا إلى اللّه تعالى ازداد انقطاعا إليه ، وكلّما طلبه من اللّه تعالى فأعطاه ازداد حبّا له ، فتكمل بذلك عرفانه وإيمانه ويتمّ بذلك عند الناس عزّه وشرفه» . (62) «وكلّ بليّة» البليّة : البلوى ، وهو الامتحان والاختبار والمصيبة ، والأنسب هو الأخير بحسب السياق ، والتعميم أيضا جائز ، وفي الصحيفة : «فأنا الأسير ببليّتي» ، (63) و«وأنا المرتهن ببليّتي» ، (64) وكلّ ما يُمتحن به الإنسان من ضرّ أو نفع من مصيبة أو نعمة تسمّى بلاء ، قال سبحانه : «فَأَمَّا الإِْنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ » ، (65) وقال سبحانه : «وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ » . (66) في الحديث : «إنّ أشدّ الناس بلاءً الأنبياء ثمّ الّذين يلونهم ، الأمثل فالأمثل» ، (67) وقال أبو جعفر الباقر عليه السلام : «إنّما يُبتلي المؤمن في الدنيا على قدر دين ، أو قال : على حسب دينه» ، (68) و«إنّه ليكون للعبد منزلة عند اللّه فما ينالها إلّا بإحدى خصلتين : إمّا بذهاب ماله ، أو ببليةٍ في جسده» . (69) والمصائب في الدنيا للمؤمن قد تكون لتكفير السيّئات أو ترفيع الدرجات ، قال تعالى : «وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ » ، (70) و «ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَْرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتابٍ » . (71) «والفواحش» الفحش والفحشاء والفاحشة : ما عظم قبحه من الأفعال والأقوال ، (72) في الحديث : «إنّ من شرار عباد اللّه من تكره مجالسته لفحشه» ، (73) و«إنّ اللّه حرّم الجنّة على كلّ فحّاش بذيّ قليل الحياء ، لا يبالي ما قال ولا ما قيل له ، فإنّك إن فتّشته لم تجده إلّا لغيّة أو شرك شيطان» ، (74) و«سلاح اللئام قبيح الكلام» ، (75) وفي الكتاب العزيز : «الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ » ، (76) و «لا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ » ، (77) و «قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ » . (78) قال العلّامة المجلسي رحمه الله في البحار : «الفاحشة : كلّما نهى اللّه عزّ وجلّ عنه ، وربمّا يخصّ بما يشتدّ قبحه» ، (79) قال ابن الأثير : «تكرّر ذكر الفحش والفاحشة والفواحش في الحديث ، وهو كلّ ما يشتدّ قبحه من الذنوب والمعاصي... وكلّ خصلة قبيحة فهي فاحشة من الأقوال والأفعال» انتهى . (80) «ما ظهر منها وما بطن» لعلّها إشارة إلى الآية الكريمة _ كما تقدّم (81) _ وفي مجمع البيان : «وقيل : إنّهم كانوا لا يرون بالزنا في السرّ بأسا ، ويمنعون منه علانيةً ، فنهى اللّه سبحانه عنه في الحالتين ، عن ابن عبّاس . وقريب منه ما روي عن أبي جعفر عليه السلام : إنّ ما ظهر هو الزنا ، وما بطن هو المخالفة . وقيل : إنّ ما ظهر أفعال الجوارح ، وما بطن أفعال القلوب ، فالمراد ترك المعاصي كلّها» ، انتهى . (82) «وأعوذ بك من نفس لا تقنع» النفس : الروح ، نفس الشيء : عينه يؤكّد به ، يقال : جاءني نفسه وبنفسه ، (83) قال في المصباح : «النفس أُنثى إن أُريد بها الروح ، قال تعالى : «خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ » ، (84) وإن أُريد الشخص فمذكّر . (85) استعاذ _ صلوات اللّه عليه _ باللّه عزّ شأنه من عدم قنوع نفسه وكونه حريصا . والقناعة : الاجتزاء باليسير من الأعراض المحتاج إليها (86) والرضا بالقسم ، والقانع هو الذي يقنع بالقليل ولا يسخط ولا يكلح ولا يربد شدقه غيظا ، (87) وهو ضدّ الطمع والحرص ، وقد ورد في الدعاء كثيرا طلب القناعة ، «القناعة مال لا ينفد» ، (88) و«كفى بالقناعة ملكا» ، (89) وسُئل [ الإمام عليّ عليه السلام ]عن قوله تعالى : «فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً » (90) فقال : هي القناعة ، (91) و«من قنع بالمقسوم استراح من الهمّ والكدّ والتعب ، وكلّما نقص من القناعة زاد في الرغبة والّطمع ، والرغبة في الدنيا أصلان لكلّ شرّ» . (92) «وبطن لا يشبع» استعاذته عليه السلام من بطن لا يشبع ، يحتمل أن يكون المراد الاستعاذة عن كثرة الأكل التي قد يبتلي بها بعض الناس ، (93) وقد نقل في التاريخ عن بعضٍ هذا المرض كمعاوية _ لعنه اللّه تعالى _ وأضرابه ، أو عن شهوة البطن ، بحيث يشتهي أنواع المطعوم ولو من حرام ولا يقنع بلون واحد ، ولعلّ ذلك هو المراد من الأحاديث الكثيرة الواردة في عفّة البطن ، في الحديث عن أبي جعفر عليه السلام «ما عُبد اللّه بشيء أفضل من عفّة بطن وفرج» ، (94) وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «أكثر ما تلج به أُمّتي النار الأجوفان : البطن ، والفرج» ، (95) وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «ثلاث أخافهنّ على أُمّتي من بعدي : الضلالة بعد المعرفة ، ومضلّات الفتن ، وشهوة البطن والفرج» . (96) والمراد أنّ الإنسان يُبتلى بارتكاب الحرام من أجلهما ، وعلاج ذلك العفّة والقنوع. «وقلب لا يخشع» القلب ورد في القرآن الكريم ، ونُسب إليه أُمور كثيرة من الحسنات والسيّئات ، قال العلّامة المجلسي رحمه الله في البحار : «اعلم ، إنّ معرفة القلب وحقيقته وصفاته ممّا خفي على أكثر الخلق ، ولم يبيّن أئمّتنا عليهم السلام ذلك إلّا بكنايات وإشارات ، والأحوط لنا أن نكتفي من ذلك بما بيّنوه لنا من صلاحه وفساده وآفاته ودرجاته... ولا يتوقّف ذلك على معرفة حقيقة القلب» . ثمّ أطال الكلام في التحقيق والإفادة ، ثمّ قال : «فاعلم إنّ النفس والروح والقلب والعقل ألفاظ متقاربة المعاني ، فالقلب يُطلق لمعنيين ، أحدهما اللحم الصنوبري الشكل المودّع في الجانب الأيسر من الصدر ، وهو لحم مخصوص وفي باطنه تجويف ، وفي ذلك التجويف دم أسود وهو منبع الروح ومعدنه ، وهذا القلب موجود للبهائم ، بل موجود للميّت ، والمعنى الثاني هو لطيفة ربّانية روحانيّة ، لها بهذا القلب الجسماني تعلّق ، وقد تحيّرت عقول أكثر الخلق في إدراك وجه علاقته...» . (97) أقول : استعاذ _ صلوات اللّه عليه _ من قلبٍ لا يخشع ، والخشوع : الضراعة ، وأكثر ما يُستعمل الخشوع فيما يوجد على الجوارح ، والضراعة أكثر ما تُستعمل فيما يوجد في القلب ، ولذلك قيل فيما روي : إذا ضرع القلب خشعت الجوارح ، (98) وورد استعمال لفظ الخشوع في القلب وغيره ، (99) كثيرا في الجوارح دون القلب ، والخشوع ينسب إلى القلب وغيره منه رحمه الله . وفي الكّشاف : «الخشوع في الصلاة خشية القلب ، وإلزام البصر موضع السجود» ، (100) وفي الحديث : «أما إنّه لو خشع قلبه لخشعت جوارحه» ، (101) وعن عليّ عليه السلام : «ليخشع الرجل في صلاته ؛ فإنّه من خشع قلبه للّه عزّ وجلّ خشعت جوارحه فلا يعبث بشيء» ، (102) و«فإذا خشع قلبه للّه فرّ منه الشيطان» . (103) قال الطبرسي رحمه الله : «وفي هذا «الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ » (104) دلالة على أنّ الخشوع في الصلاة يكون بالقلب والجوارح ، فأمّا بالقلب فهو أن يفرغ قلبه بجمع الهمّة لها ، والإعراض عمّا سواها ، فلا يكون فيه غير العبادة والمعبود ، وأمّا بالجوارح فهو غضّ البصر والإقبال عليها وترك الالتفات والعبث» ، (105) وعن علي عليه السلام : «هو _ يعني الخشوع _ ألّا يلتفت يمينا ولا شمالاً ، ولا يعرف مَن على يمينه وشماله» . (106) أقول : ظاهر السياق أنّ المراد هو خشوع القلب للّه تعالى في جميع حالات الإنسان ، لا الصلاة فقط ، (107) مختصّ بالجوارح والخشوع بالقلب ، وفي ج 15 ص 3 : الخشوع تأثّر خاصّ من المقهور قبال القاهر بحيث ينقطع عن غيره بالتوجّه إليه ، والظاهر أنّه من صفات القلب ، ثمّ ينسب إلى الجوارح وغيرها بنوع من العناية (واُنظر : ج 19 ص 184) . كما في قوله : «أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّه ِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الأَْمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ » . (108) قال الطبرسي : «الخشوع : لين القلب للحقّ والانقياد له... أي تلين قلوبهم لذكر اللّه ، أي لما يذكّرهم اللّه به من مواعظه وما نزل من الحقّ يعني القرآن...» ، انتهى . (109) «ودعاءٍ لا يسمع»استعاذ _ صلوات اللّه عليه _ من دعاءٍ لا يُسمع ، أي لا يُستجاب «سمع اللّه لمن حمده» أجاب اللّه حمد من حمده وتقبّله ؛ لأنّ غرض السائل الإجابة ، ومنه الدعاء : «أعوذ بك من دعاء لا يُسمع» أي لا يُستجاب ولا يُعتدّ به ، يقال : دعوت اللّه حتّى خفت ألّا يكون اللّه ليسمع ما أقول أي لا يجيب ما أدعو به...» . (110) «وعمل لا ينفع» إمّا لكونه باطلاً لعدم الشرط أو لوجود الخلل فيه ، وإمّا لعدم كونه مقبولاً لموانع القبول ، فإنّ الصحة والإجزاء غير القبول ، فقد يكون العمل صحيحا ولا يعدّ فاعله تاركا ، بحيث يستحقّ العقاب على الترك ، لكن لا يكون مقبولاً للمولى ، وعمدة شرائط القبول إقبال القلب على العمل ، فإنّه روحه ، ومنها العجب وحبس الزكاة والحقوق والحسد والكبر والغيبة وأكل الحرام وشرب المسكر والنشوز والإباق . (111)

.


1- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 352 .
2- . البقرة : 67 .
3- . انظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 431 .
4- . الخصال : ص 62 ، تحف العقول : ص 110 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 70 ص 159 .
5- . تحف العقول : ص 300 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 75 ص 108 .
6- . قرب الإسناد : ص 28 ، الخصال : ص 121 ، تحف العقول : ص 10 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 70 ص 159 .
7- . آل عمران : 152 ، اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 38 .
8- . . النهاية : ج 3 ص 449 .
9- . الأنفال : 43 .
10- . نهج البلاغة : الخطبة 123 .
11- . أي فليدفع .
12- . نهج البلاغة : الخطبة 123 .
13- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 545 .
14- . مجمع البحرين : ج 4 ص 427 .
15- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 54 .
16- . بحار الأنوار : ج 83 ص 232 ، والسفينة : ج 7 في «همم» .
17- . اُنظر : مجمع البيان : ج 4 ص 437 .
18- . نهج البلاغة : القصار 143 ، الخصال : ص 620 ، تحف العقول : ص 111 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 10 ص 99 .
19- . الأمالي للصدوق : ص 636 ، الأمالي للطوسي : ص 512 ، تحف العقول : ص 58 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 14 ص 318 .
20- . نهج البلاغة : الحكمة 127 ، بحار الأنوار : ج 78 ص 191 .
21- . اُنظر : السفينة ومستدركها : في «همم» .
22- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 87 .
23- . الخصال : ص 83 ، روضة الواعظين : ص 424 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 64 ص 364 .
24- . الخصال : ص 159 ، اُنظر : بحار الأنوار ، ج 70 ص 301 ، وج 72 ص 193 .
25- . نهج البلاغة : الكتاب 53 ، تحف العقول : ص 129 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 74 ص 243 .
26- . مجمع البحرين : ج 1 ص 16 .
27- . اُنظر : دروس في الأخلاق : ص 251 .
28- . اُنظر : بحار الأنوار : ج 70 ص 299 _ 308 واُنظر : السفينة ومستدركها في «البخل» .
29- . ق : 22 ، اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 262 .
30- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 8 .
31- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 17 .
32- . الخصال : ص 232 ، بحار الأنوار : ج 69 ص 89 .
33- . الأمالي للصدوق : ص 56 ، روضة الواعظين : ص 442 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 3 ص 157 .
34- . مريم : 39 .
35- . نهج البلاغة : الكتاب 53 .
36- . اُنظر : دروس في الأخلاق : ص 225 .
37- . اُنظر : البيان والتبيين : ج 1 ص 84 ، وبحار الأنوار : ج 46 ص 289 .
38- . الزمر : 22 ، اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 404 .
39- . المائدة : 13 .
40- . الحديد : 17 .
41- . دروس في الأخلاق : ص 273 .
42- . الكافي : ج 2 330 ، بحار الأنوار : ج 7 ص 397 .
43- . الكافي : ج 2 ص 329 ، تحف العقول : ص 490 ، بحار الأنوار : ج 13 ص 332 .
44- . المصباح المنير : ص 254 .
45- . الكافي : ج 2 ص 320 ، صفات الشيعة : ص 32 ، تحف العقول : ص 489 ، انظر : بحار الأنوار : ج 70 ص 170 .
46- . الكافي : ج 2 ص 148 ، مشكاة الأنوار : ص 226 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 70 ص 171.
47- . نهج البلاغة : الحكم 2 ، تحف العقول : ص 201 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 70 ص 169 .
48- . أقرب الموارد : ج 2 ص 692 ، اُنظر أيضا : مفردات ألفاظ القرآن : هو الذي لا شيء له وهو أبلغ من الفقير ، وقوله تعالى : «أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَ_كِينَ » الكهف : 79 ، فإنّه جعله مساكين بعد ذهاب السفينة ، أو لأنّ سفينتهم غير معتدّ بها في جنب ما كان لهم من المسكنة .
49- . التوبة : 60 .
50- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 20 .
51- . فاطر : 15 .
52- . البقرة: 273 .
53- . الكافي : ج 2 ص 307 ، الأمالي للصدوق : ص 371 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 27 ص 247 .
54- . الأمالي للصدوق : ص 576 ، تحف العقول : ص 57 ، مشكاة الأنوار : ص 230 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 67 ص 82 .
55- . القصص : 24 .
56- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 383 ، هذه الوجوه تجري في المسكنة أيضا ، ويحتمل أن يكون المراد من قوله صلى الله عليه و آله : كاد الفقر أن يكون كفرا هو الفقر في الدين وضعف الإيمان واليقين . نعوذ باللّه من ذلك .
57- . اُنظر ، بحار الأنوار : ج 68 ص 29 .
58- . اُنظر : بحار الأنوار : ج 69 ص 34 ، السفينة : ج 7 ص 132 .
59- . أقرب الموارد : ج 4 ص 216 .
60- . مجمع البحرين : ج 3 ص 439 ، واُنظر : رياض السالكين : ج 7 فى شرح دعاء عرفة في شرح الجملة الآتية .
61- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 47 .
62- . رياض السالكين : ج 7 ص 102 .
63- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 53 .
64- . المصدر السابق : الدعاء 53 .
65- . الفجر : 15 و 16 .
66- . الأعراف : 168 .
67- . الكافي : ج 2 ص 252 ، التمحيص : ص 35 ، الأمالي للطوسي : ص 659 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 11 ص 69 .
68- . الكافي : ج 2 ص 253 ، مشكاة الأنوار : ص 515 ، راجع : بحار الأنوار : ج 64 ص 210 .
69- . الكافي : ج 2 ص 257 ، جامع الأخبار : ص 312 ، مشكاة الأنوار : ص 507 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 64 ص 216 .
70- . الشورى : 30 .
71- . الحديد : 22 .
72- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 373 .
73- . الكافي : ج 2 ص 325 ، تحف العقول : ص 395 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 22 ص 131 .
74- . الكافي : ج 2 ص 323 ، الزهد للكوفي : ص 8 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 60 ص 206 .
75- . رفعه المجلسي رحمه الله عن الباقر عليه السلام ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 75 ص 185 .
76- . البقرة : 268 .
77- . الأنعام : 151 .
78- . الأعراف : 33 .
79- . بحار الأنوار : ج 70 ص 384 .
80- . النهاية : ج 3 ص 415 .
81- . اُنظر : الأنعام : 151 .
82- . مجمع البيان : ج 4 ص 191 ، واُنظر : نور الثقلين : ج 1 ص 643 .
83- . اُنظر : أقرب الموارد : ج 5 ص 456 .
84- . النحل : 97 .
85- . المصباح المنير : ص 326 .
86- . اُنظر: مفردات ألفاظ القرآن : ص 413 .
87- . اُنظر : مجمع البحرين : ج 3 ، ص 552 .
88- . اُنظر : نهج البلاغة : الحكمة 57 و 475 ، تحف العقول : ص 89 ، روضة الواعظين : ص 454 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 68 ص 344 .
89- . نهج البلاغة : الحكمة 229 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 68 ص 345 .
90- . النحل : 97 .
91- . نهج البلاغة ، الحكمة 229 ، بحار الأنوار : ج 68 ص 345 .
92- . اُنظر : بحار الأنوار : ج 68 ص 168 .
93- . ويحتمل أن يكون كناية عن كثرة الأكل والامتلاء من الطعام والشراب المذموم شرعا وعقلاً في مقابل قلّة الأكل الممدوح شرعا وعقلاً ، منه رحمه الله .
94- . الكافي : ج 2 ص 79 ، بحار الأنوار : ج 68 ص 268 .
95- . الكافي : ج 2 ص 79 ، بحار الأنوار : ج 68 ص 269 .
96- . الكافي : ج 2 ص 79 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 4 ص 407 ح 5881 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 10 ص 368 .
97- . اُنظر : بحار الأنوار : ج 67 ص 35 و 36 .
98- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 148 ، و مجمع البيان : ج 1 ص 99 في تفسير الآية 45 من سورة البقرة ، وج 7 ص 99 الآية 3 من سورة المؤمنون ، والكشاف : ج 3 ص 175.
99- . قال في مجمع البحرين : والفرق بين الخشوع والخضوع هو أنّ الخشوع في البدن والبصر والصوت ، والخضوع في البدن ، أقول : لعلّ الفرق هو أنّ الخضوع يستعمل
100- . الكشاف : ج 3 ص 25 .
101- . دعائم الإسلام : ج 1 ص 174 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 81 ص 228 .
102- . الخصال : ص 628 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 10 ص 106 .
103- . اُنظر : بحار الأنوار : ج 82 ص 43 ، عن مصباح الشريعة .
104- . المؤمنون : 2 .
105- . اُنظر : مجمع البيان : ج 7 ص 176 .
106- . اُنظر : مجمع البيان : ج 1 ص 650 ، مستدرك سفينة البحار : ج 3 ص 61 .
107- . اُنظر : مجمع البحرين في خشع ، وفي الميزان في تفسير القرآن : ج 1 ص 153 : والفرق بين الخشوع والخضوع مع أنّ في كليهما معنى التذلل والانكسار : أنّ الخضوع
108- . الحديد : 16 .
109- . مجمع البيان : ج 9 ص 394 .
110- . اُنظر : النهاية : ج 2 ص 402 ، ومجمع البحرين : ج 2 ص 419 .
111- . اُنظر : العروة الوثقى في كتاب الصلاة .

ص: 321

. .

ص: 322

. .

ص: 323

. .

ص: 324

. .

ص: 325

. .

ص: 326

. .

ص: 327

. .

ص: 328

. .

ص: 329

. .

ص: 330

. .

ص: 331

. .

ص: 332

. .

ص: 333

وأعوذُ بِكَ يا رَبِّ عَلى نَفسي وديني ومالي وعَلى جَميعِ ما رَزَقتَني مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ «486 »إنَّكَ أنتَ السَّميعُ العَليمُ «487 » اللّهُمَّ إنَّهُ لا يُجيرُني مِنكَ أحَدٌ «488 »ولا أجِدُ مِن دونِكَ مُلتَحَدا «489 »فَلا تَجعَل نَفسي في شَيءٍ مِن عَذابِكَ «490 »ولا تَرُدَّني بِهَلَكَةٍ «491 » ولا تَرُدَّني بِعَذابٍ أليمٍ «492 »

«أعوذ بك يا ربّ» تقدّم : الكلام في معنى الاستعاذة ، وكذا في معنى الربّ . استعاذ _ صلوات اللّه عليه _ فقال : «أعوذ بك يا ربّ على نفسي ، وديني ومالي و... من الشيطان الرجيم» أي أعوذ بك مخافةً على نفسي من نزعات الشيطان ، كما في الصحيفة : «نعوذ بك من نزعات الشيطان وكيده ومكائده ، ومن الثقة بأمانيه ومواعيده وغروره ومصائده ، وأن يطمع نفسه في إضلالنا عن طاعتك وامتهاننا بمعصيتك ، أو أن يحسن عندنا ما حسّن لنا ، أو أن يثقل علينا ما كرّه إلينا» (1) إلى آخر الدعاء وأنواع وساوسه وتسويلاته. وأعوذ بك مخافةً على ديني من تشكيكاته ووساوسه ، بأنواع حيله ومكائده في أُصول الدين كالتوحيد والنبوّة والإمامة ، وفروعه في الأحكام والأخلاق ، والحقوق في دركها والمعرفة بها والوصول إليها والتسليم لها والإيمان بها ، أو في العمل بها والتقوى فيها. وأعوذ بك مخافةً على مالي في كسبه من الحلال وادّخاره وإنفاقه في سبيل اللّه تعالى ومرضاته ، وأداء حقوقه الواجبة والمندوبة ، والاحتراز عن صرفه فيما لا يُرضي اللّه سبحانه ، فإنّ الشيطان يسعى في ضلالنا في عقائدنا وضلالنا في فهم الأحكام والحقوق والأخلاق حتّى نرى الضلال هداية والغيّ رشدا ، كما أنّه يسعى في ضلالنا بالعمل بأحكام اللّه تعالى واجباته ومحرّماته ومكروهاته ومستحبّاته ، واكتسابنا الأموال من الحرام وصرفها في الحرام. «وعلى جميع ما رزقتني» الرزق يقال للعطاء الجاري تارةً ، دنيويا كان أم أُخرويا ، وللنصيب تارةً ، ولما يصل إلى الجوف ويتغذّى به تارةً ، (2) وممّا رزقناهم ينفقون ، أي من الأموال والجاه ممّا أعطاهم اللّه جلّ شأنه. استعاذ _ صلوات اللّه تعالى عليه _ باللّه من الشيطان الرجيم في نفسه ودينه وماله وجميع ما رزقه اللّه تعالى أنْ يكون الشيطان يضلّه ويهلكه بالمعاصي ، أو يغويه في دينه فيصير ملحدا كافرا ، أو يكون للشيطان شرك في ماله ورزقه ، قال تعالى للشيطان : «وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الأَْمْوالِ وَالأَْوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاّ غُرُوراً » ، (3) وشركه في أموالهم بحملهم على كسبها من الحرام وادّخارها ، والبخل في أداء حقوقها الواجبة والمندوبة ، وصرفها في الحرام وفيما لا يُرضي اللّه سبحانه ، وشركه في أولادهم بالحثّ على التوصّل إلى الولد بالسبب المحرّم كالزنا ، أو كالغشيان في حال الحيض وغيرهما من المحرّمات ، أو يؤدّبهم بغير أدب اللّه فيجعل للشيطان سهما ولنفسه سهما . (4) الشيطان : فيعال من شطن (والنون فيه أصليّة) أي تباعد ، وقيل : النون فيه زائدة من شاط يشيط : احترق غضبا ، (5) شطن صاحبه : خالفه عن نيّته ووجهه ، وشطن أي بعد عن الحقّ أو عن رحمة اللّه ، وكلّ عاتٍ ومتمرّدٍ من الجنّ والإنس شيطان ، وقوله تعالى : «وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ » (6) أي مردتهم . وعلى أيّ حال ، خلقه اللّه تعالى من النار كما قال عزّ شأنه : «خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ » ، (7) وهو من الجنّ كما قال سبحانه : «كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ » ، (8) تمرّد فلم يسجد لآدم عليه السلام وتكبّر ، واستدلّ بأنّه خير من آدم لكونه من نار ، (9) فأبعده اللّه تعالى وقال : «فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ » ، (10) و «قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ » ، (11) و «قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَْرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ » ، (12) و «هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ * إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلاّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ * وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ » . (13) وقال سبحانه مخاطبا لآدم (وبني آدم) عليه السلام : «أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ » ، (14) و «أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلاً » ، (15) و «يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ » . (16) هذا ، إذا أردت التحقيق فعليك بمراجعة بحار الأنوار ، (17) فإنّ الأُستاذ _ رضوان اللّه عليه _ بعد تحقيق عميق قال : «فملخّص البحث : إنّ ابليس _ لعنه اللّه _ موجود مخلوق ذو شعور وإرادة ، يدعو إلى الشرّ ويسوق إلى المعصية ، كان في مرتبة مشتركة مع الملائكة غير متميّز منهم إلّا بعد خلق الإنسان ، وحينئذٍ تميّز منهم ووقع في جانب الشرّ والفساد ، وإليه يستند نوعا من الاستناد وانحراف الإنسان عن الصراط المستقيم وميله إلى جانب الشقاء والضلال ، ووقوعه في المعصية والباطل . كما أنّ الملك موجود مخلوق ذو إدراك وإرادة يستند إليه نوعا من الاستناد واهتداء الإنسان إلى غاية السعادة ومنزل الكمال والقرب . وأنّ لإبليس أعوانا من الجنّ والإنس وذرّية مختلفي الأنواع يجرون بأمره إيّاهم أن يتصرّفوا في جميع ما يرتبط به الإنسان من الدنيا وما فيها بإظهار الباطل في صورة الحقّ ، وتزيّن القبيح في صورة الحسن الجميل ، وهم يتصرّفون في قلب الإنسان وبدنه وفي سائر شؤون الحياة الدنيويّة ، من أموالٍ وبنينٍ وغير ذلك بتصرّفاتٍ مختلفة اجتماعا وانفرادا وسرعةً وبطؤا وبلا واسطة ومع الواسطة ، والواسطة ربّما كانت خيرا أو شرّا طاعةً أو معصيةً ، ولا يشعر الإنسان في شيء من ذلك بهم ولا أعمالهم ، بل لا يشعر إلّا بنفسه ، ولا يقع بصره إلّا بعمله ، فلا أفعالهم مزاحمة لأعمال الإنسان ، ولا ذواتهم وأعيانهم في عرض وجود الإنسان ، غير أنّ اللّه سبحانه أخبرنا أنّ إبليس من الجنّ وأنّهم مخلوقون من النار ، وكأنّ أوّل وجوده وآخره مختلفان» . (18) على أيّ حال ، هذا بيان جامع لخّصه الأُستاذ _ رضوان اللّه تعالى عليه _ من الآيات والأحاديث ، أعاذنا اللّه من الشيطان الرجيم وذرّيته وأعوانه وكيده ومكائده. «إنّك أنت السميع العليم» إنّ المكسورة المشدّدة للتأكيد ، وقد تكون للتعليل ، ويحتمل المعنيان هنا ، فيكون المراد : إنّك أنت السميع العليم حقّا ، أو لأنّك أنت السميع العليم ، وهما وصفان للّه تعالى ، وقد تكرّرا في القرآن الكريم والأحاديث كثيرا ، (19) وقال العلّامة المجلسي رحمه الله : «السميع معناه : إذا وجد المسموع كان له سامعا ، ومعنىً ثانٍ : إنّه سميع الدعاء ؛ أي مجيب الدعاء» ، (20) والعليم معناه : إنّه عليم بنفسه عالم بالسرائر مطّلع على الضمائر لا تخفى عليه خافية ولا يعزب عنه مثقال... إلخ . (21) والواجب علينا أن ننزّهه تعالى عمّا فينا وما في كلّ الممكنات من نقائص ، كما قال تعالى : «قُلْ هُوَ اللّه ُ أَحَدٌ * اللّه ُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ » ، فهو سميع عليم لا بالأدوات والجوارح «وهو تعالى منزّه عن كلّ حاجة ونقيصة ؛ لأنّه الذي يرجع إليه كلّ شيء في رفع حاجته ونقيصته ، فله المك _ بكسر الميم وضمّها _ على الإطلاق ، فهو سبحانه يملك ما وجدناه في الوجود من صفة كمال كالحياة والقدرة والعلم والسمع والبصر والرزق والرحمة والعزّة وغير ذلك ، فهو سبحانه حيّ قادر عليم سميع بصير ؛ لأنّ في نفيها إثبات النقص ولا سبيل للنقص إليه ، ورازق ورحيم... نعني بها نفي كلّ نعت عدمي وكلّ صفة نقص عنه» . (22) فهو السميع لدعائنا جهرا وإخفاءً ، عليم بحوائجنا وضعفنا وذات صدورنا ، وعليم بما يخطر ببالنا وما يوسوس في قلبنا الخنّاس الوسواس من شياطين الإنس والجنّ. «اللّهمّ إنّه لا يجيرني منك أحد» اللّهمّ : مضى الكلام فيه ، الإجارة : من الجار ، وهو من يقرب مسكنه منك... ولمّا استعظم حقّ الجار عقلاً وشرعا عبّر عن كلّ من يعظم حقّه أو يستعظم حقّ غيره بالجار... ويقال : استجرته فأجارني ، وعلى هذا قال عزّ وجلّ : «وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ » ، (23) فالجار الذي يجير غيره ، أي يؤمّنه ممّا يخاف. وفي الحديث : «ويجير عليهم أدناهم» (24) أي إذا جار واحد من المسلمين حرّا أو عبدا أو إمرة جماعة أو واحدا من الكفّار وأمّنهم ، جاز ذلك على جميع المسلمين ، أي لا يؤمنني من عذابك وعقابك أحد. «ولا أجد من دونك ملتحدا» التحد إلى كذا ؛ أي مال إليه ، قال تعالى : «وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً » (25) أي التجاء أو موضع التجاءٍ ، أي لا أجد من دونك (أي أمامك أو في مقابلك) ملجأً نميل إليه ، والملتحد : الحرز الذي يلجأ إليه اللّاجئ ، قال سبحانه : «قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللّه ِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً » . (26) «فلا تجعل نفسي في شيء من عذابك» أي لا تجعلها في أيّ نوع من العذاب الدنيوي والأُخروي الجسمي والروحي ، ولقد كرّر كلمة العذاب في القرآن الكريم 294 مرّة ، ووصفه بأوصافٍ يبهرالعقول ، كالأليم ، والشديد ، والمهين ، والكبير ، والعظيم ، والأكبر ، وعذاب النار ، وعذاب السعير ، وعذاب الحريق ، وعذاب جهنّم ، وعذاب الجحيم ، وعذاب السعير ، وعذاب السموم ، وعذاب رجز أليم ، والعذاب المقيم ، والعذاب الغليظ ، وعذاب الهون ، وعذاب يوم عظيم ، وعذاب الخزي ، وقال : «لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الآْخِرَةِ أَشَقُّ » . (27) ولعلّ المراد : لا تعذّبني بأيّ عذاب في الدنيا والآخرة ، أو لا تقطع عن نفسي هدايتك وألطافك ، ولا ترسلني من يدك إرسال من لا خير فيه ، و«اللّهمّ خذ لنفسك من نفسي ما يخلّصها ، وابق لنفسي من نفسي ما يصلحها ، فإنّ نفسي هالكة أو تعصمها» ، (28) كما قال : «ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا» ، (29) فإنّها هالكة أو تعصمها لكيلا تبتلي بالعذاب. العذاب هو : الإيجاع الشديد ، وقد عذّبه تعذيبا أكثر ؛ حبسه في العذاب... واختُلف في أصله ، فقال بعضهم : هو من قولهم عذّب الرجل إذا ترك المأكل والنوم ، فهو عاذب وعذوب ، فالتعذيب في الأصل هو حمل الإنسان أن يعذّب ، أي يجوع ويسهر ، وقيل : أصله من العذب ، فعذّبته أي أنزلت عذب حياته على بناء مرضته وقذّيته ، وقيل : أصل التعذيب إكثار الضرب بعذبة السوط أي طرفها ، وقد قال بعض أهل اللّغة : التعذيب هو الضرب... ، (30) قال في المجمع : «أصله في كلام العرب الضرب ، ثمّ استُعمل في كلّ عقوبة مؤلمة واستُعير للأُمور الشاقّة» . (31) «ولا تردّني بهلكة» أي لا تردّني مع هلاكي ؛ لأنّه تعالى إذا ردّ السائل ولا ملجأ غيره يكون فيه هلاكه ، كقوله عليه السلام : «ولا تردّني بعذاب أليم» أو لا تردّني بإهلاكي وتعذيبي ، والباء بمعنى مع أو للمصاحبة.

.


1- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 17 .
2- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 194 .
3- . الإسراء : 64.
4- . اُنظر : في تفسير الآية : البيضاوي والميزان في تفسير القرآن : ج 13 ص 146 و155 و159 ، والكشاف : ج 2 ص 678 .
5- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 261.
6- . البقرة : 14 .
7- . اُنظر : الحجر : 33 ، واُنظر : الأعراف : 12 ، و ص : 76.
8- . الكهف : 50 .
9- . الحجر : 33 ، والأعراف : 13 .
10- . الحجر : 34 و 35 ، الأعراف : 13 ، و الإسراء : 63 ، و ص 77 و 78 .
11- . الحجر : 36 _ 38 ، الأعراف : 14 _ 15 ، و ص : 79 _ 81 .
12- . الحجر : 39 _ 40 ، و الأعراف : 16 و 17 ، و الإسراء : 62 ، و ص 82 و 83 .
13- . الحجر : 41 _ 43 ، الأعراف : 18 ، و الإسراء : 64 و 65 .
14- . يس : 60 .
15- . الكهف : 50 ، و طه : 117 .
16- . الأعراف : 27 .
17- . اُنظر : بحار الأنوار : ج 60 ، ص 131 وما بعدها ، الميزان في تفسير القرآن : ج 8 ص 22 و ما بعدها .
18- . الميزان في تفسير القرآن : ج 8 ص 43 و 44 .
19- . اُنظر : بحار الأنوار : ج 4 ص 193 .
20- . اُنظر : بحار الأنوار : ج 4 ص 189 .
21- . وقد تكلّم الاُستاذ العلّامة في الميزان في تفسير القرآن : ج 8 ص 365 وما بعدها في الأسماء الحسنى له تعالى والاسم الأعظم فراجع (منه رحمه اللّه ) .
22- . اُنظر : الميزان في تفسير القرآن : ج 8 ص 350 .
23- . المؤمنون : 88 ، اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 103 ، و اُنظر : مجمع البحرين : ج 6 ص 464 .
24- . اُنظر : البداية و النهاية : ج 4 ص 320 .
25- . الكهف : 27 .
26- . الجن : 22 .
27- . الرعد : 34 .
28- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 20 .
29- . المصدر السابق : الدعاء 121 .
30- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 327 ، و اُنظر : العين والقاموس .
31- . مجمع البحرين : ج 3 ص 141 .

ص: 334

. .

ص: 335

. .

ص: 336

. .

ص: 337

. .

ص: 338

. .

ص: 339

اللّهُمَّ تَقَبَّل مِنّي«493 » وأعلِ ذِكري«494 » وَارفَع دَرَجَتي«495 »وحُطَّ وِزري«495 » ولا تُذَكِّرني بِخَطيئَتي «496 »وَاجعَل ثَوابَ مَجلسي وثَوابَ مَنطِقي وثَوابَ دُعائي رِضاكَ وَالجَنَّةَ «497 » أعطِني يا رَبِّ جَميعَ ما سَأَلتُكَ«498 »وزِدني مِن فَضلِكَ «490 » إنّي إلَيكَ راغِبٌ يا رَبَّ العالَمينَ «491 »

«اللّهمّ تقبّل مني» أي يا اللّه تقبّل منّي أعمالي ودعائي ، والتقبّل : قبول الشيء على وجه يقتضي ثوابا كالهداية ونحوها ، (1) قال سبحانه : «فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ » ، (2) فرضي بها في النذر ، وقال : «إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللّه ُ مِنَ الْمُتَّقِينَ » . (3) للأعمال الصالحة واجبا أو ندبا ، شرائط لصحّتها كما هو واضح مسطور في الفقه ، وشرائط للقبول كما أشرنا إليه سابقا. سأل عليه السلام من اللّه تعالى القبول بوجهٍ حسن يقتضي ثوابا ؛ لأنّ التفعّل للمطاوعة مع زيادة ، كما ذكره الراغب ، وقال السيّد رحمه الله في رياض السالكين : «وتقبّل شفاعته» (4) أي اقبلها ، (5) وإنّما عدل إلى صيغة التفعّل ؛ لكونها مشعرة بحسب أصل الوضع بالتكلّف ، وكون الفعل على خلاف طبع الفاعل ، فكان المراد بها في حقّه تعالى ما يترتّب عليه من كمال قوّة الفعل وكثرته ، كما سأل إبراهيم عليه السلام فقال : «رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ » ، (6) أي تقبّل أعمالي أو تقبّل دعائي. «وأعلِ ذكري» العلوّ : الارتفاع ، أي ارفع ذكري ، كما قال سبحانه لنبيّه صلى الله عليه و آله : «وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ » ، (7) قال الطبرسي : أي قرنّا ذكرك بذكرنا ، حتّى لا أُذكَر إلّا وتُذكر معي ، يعني في الأذان والإقامة ، والتشهّد والخطبة على المنابر ، عن الحسن وغيره ، ثمّ نقل عن قتادة نظيره ، (8) وزاد الزمخشري : «وفي غير موضع من القرآن : «وَاللّه ُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ » ، (9) «وَمَنْ يُطِعِ اللّه َ وَرَسُولَهُ » ، (10) «وَأَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ » ، (11) وفي تسميته رسول اللّه ونبيّ اللّه ؛ ومنه ذكره في كتب الأوّلين ، والأخذ على الأنبياء وأُممهم أن يؤمنوا به» . (12) والمراد هنا طلب علوّ الذكر منه تعالى أن يُذكر اسمه في الآخرين بخير ، كما قال إبراهيم على نبيّنا وآله وعليه السلام : «وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الآْخِرِينَ » (13) أي جاها وحسن صيت في الدنيا يبقي أثره ، وقال الطبرسي رحمه الله : «أي ثناءً حسنا في آخر الأُمم ، وذكرا جميلاً ، وقبولاً عاما في الذين يأتون بعدي إلى يوم القيامة... والعرب تضع اللسان موضع القول على الاستعارة ؛ لأنّ القول يكون بها... وقيل : إنّ معناه واجعل لي ولد صدق في آخر الأُمم ، يدعو إلى اللّه ويقوم بالحقّ» انتهى ، (14) وفي الدعاء من الصحيفة لأولاده : «أحي بهم ذكري» . (15) ويحتمل أن يكون المراد علوّ الذكر في الآخرة ، كما نطلب لهم عليهم السلام في الزيارة الجامعة : «فبلغ اللّه بكم أشرف محلّ المكرّمين ، وأعلى منازل المقرّبين وأرفع درجات المسلمين ، حيث لا يلحق لاحق...» ، أو المراد الأعمّ من الدنيا والآخرة. «وارفع درجتي» الدرجة نحو المنزلة ، لكن يقال للمنزلة درجة إذا اعتبرت بالصعود دون الامتداد على البسيطة ، كدرجة السطح والسلّم ، ويعبّر بها عن المنزلة الرفيعة قوله تعالى : «لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ » ، (16) وقال : «هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللّه ِ » ، (17) أي هم ذو درجات عند اللّه في الفضيلة ، وقال : «وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمّا عَمِلُوا » . (18) قال الطبرسي : «هم درجات» أي هم ذو درجات عند اللّه ، فالمؤمنون ذوو درجة رفيعة ، والكافرون ذوو درجة خسيسة ، وقيل : في معناه قولان : أحدهما : إنّ المراد اختلاف مرتبتي أهل الثواب والعقاب بما لهؤلاء من النعيم والكرامة ، ولأُولئك من العقاب والمهانة ، وعبّر عن ذلك بدرجات مجازا وتوسّعا . والثاني : إنّ المراد اختلاف مراتب كلّ من الفريقين ، فإنّ الجنّة طبقات بعضها أعلى من بعض ، كما جاء في الخبر : إنّ أهل الجنّة ليرون أهل علّيّين كما يُرى النجم في أُفق السماء ، والنار دركات بعضها أسفل من بعض» . (19) عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنّه ذكر قول اللّه : «هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللّه ِ » ، قال : «الدرجة ما بين الّسماء والأرض» ، (20) وعن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال : «بتمام الإيمان دخل المؤمنون الجنّة ، وبالزيادة في الإيمان تفاضل المؤمنون بالدرجات عند اللّه ، وبالنقصان دخل المفرطون النار» . (21) ويحتمل أن يكون رفع الدرجة في الدارين وإن كان الظاهر ما ذكرنا. «وحطّ وزري» الحطّ : إنزال الشيء عن علوّه ، «قُولُوا حِطَّةٌ » (22) أي حطّ عنّا أوزارنا ، والوزر : الثقل ، تشبيها بوزر الجبل ، ويعبّر بذلك عن الإثم ، كما يعبّر عنه بالثقل ، قال تعالى : «لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ » ، (23) كقوله : «وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ » ، (24) وفي الدعاء : «واحطط بالقرآن عنّا ثقل الأوزار» . (25) فالمراد هنا طلب العفو من اللّه تعالى ، وقال السيّد رحمه الله في شرح الجملة : «والثقل بالكسر : الحمل الثقيل... والأوزار جمع وزر بالكسر وهو : الإثم ، شبّه الأوزار بالحمل الثقيل ثمّ قدّم المشبّه به على المشبّه وأضافه إليه ، كما في الجين الماء ، أي ماء كاللجين . (26) ولعلّ التعبير بالوزر ما للمعاصي من الآثار السيّئات في الدنيا والآخرة ، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام _ في بيان أحوال أولياء اللّه _ : «فلو مثّلتهم لعقلك في مقاومهم المحمودة ، ومجالسهم المشهودة وقد نشروا دواوين أعمالهم ، وفرغوا لمحاسبة أنفسهم عن كلّ صغيرة وكبيرة أُمروا فقصّروا عنها ، أو نُهوا عنها ففرّطوا فيها ، وحمّلوا ثقل أوزارهم ظهورهم ، فضعفوا عن الاستقلال بها ، فنشجوا نشيجا وتجادلوا نحيبا ، يعجّوا إلى ربّهم من مقاوم ندم واعتراف» . (27) «ولا تذكرني بخطيئتي» الخطيئة والسيّئة يتقاربان ، لكنّ الخطيئة أكثر ما يقال فيما لا يكون مقصودا إليه في نفسه ، بل يكون القصد سببا لتولّد ذلك الفعل منه ، كمن يرمي صيدا فأصاب إنسانا ، والخطأ : العدول عن الجهة ، وذلك أضرب : أحدها : أن تريد غير ما تحسن إرادته فتفعله ، وهذا هو الخطأ التامّ المأخوذ به الإنسان . الثاني : أن يريد ما يحسن فعله ولكن يقع منه خلاف ما يريد ، وهذا قد أصاب في الإرادة وأخطأ في الفعل . الثالث : أن يريد ما لا يحسن فعله ويتّفق منه غيره ، فهذا مخطئ في الإرادة ومصيب في الفعل . (28) والمستعمل في القرآن الكريم والأدعية هو بمعنى السيّئة والإثم ، كما لا يخفى على من تتبّع موارد الاستعمال ، ولعلّ المراد هنا عفو اللّه سبحانه قبل أن يذكره ويعاقبه ؛ لأنّ ذكر المعصية فيه من الانفعال ، بل الفضيحة ما لا يطاق ولا يمكن وصفه ، وإن عفا عنه بعد الذكر ، وفي الدعاء : «ولا تعلنّ على عيون الملأ خبري ، اخفِ عنهم ما يكون نشره عليّ عارا» ، (29) وفي الدعاء في طلب العفو : «اللّهمّ وأيّما عبدٍ نال منّي ما خطرت على ، وانتهك منّي ما حجرت عليه ، فمضى بظلامتي ميّتا ، أو حصلت لي قبله حيا ، فاغفر له ما ألمّ به منّي ، واعف له عمّا أدبر به عنّي ، ولا تُقِفْه على ما ارتكب فيّ ، ولا تكشفه عمّا اكتسب بيّ» ، (30) وفي الدعاء : «ولا تفضحني بين يدي أوليائك» . (31) «واجعل ثواب مجلسي وثواب دعائي رضاك والجنّة» الثواب : ما يرجع إلى الإنسان من جزاء أعماله ، فيسمّى الجزاء ثوابا تصوّرا أنّه هو هو ، ألا ترى كيف جعل اللّه تعالى الجزاء نفس العمل في قوله : «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ » ، (32) ولم يقل جزاءه ، والثواب يقال في الخير والشرّ ، لكنّ الأكثر المتعارف في الخير . (33) أي اجعل جزاء مجلسي وجزاء دعائي رضاك والجنّة، والمراد مجلس الذكر والدعاء، أو الأعمّ منه ومن كلّ مجلس يكون للّه تعالى. عن أعلام الدين للديلمي : «روي أنّ موسى عليه السلام قال : يا ربّ أخبرني عن آية رضاك عن عبدك ، فأوحى اللّه تعالى إليه : إذا رأيتني أُهيّى ء عبدي لطاعتي وأصرفه عن معصيتي ، فذلك آية رضاي» . (34) وفي روايةٍ أُخرى : «إذا رأيت نفسك تحبّ المساكين وتبغض الجبّارين ، فذلك آية رضاي» ، (35) وفي الحديث : «ثلاثة يبلغن بالعبد رضوان اللّه : كثرة الاستغفار ، وخفض الجانب ، وكثرة الصدقة» ، (36) وفيه أيضا : «علامة رضا اللّه عن خلقه رخص أسعارهم وعدل سلطانهم ، وعلامة غضب اللّه على خلقه جور سلطانهم وغلاء أسعارهم» . (37) وفي الآيات الكثيرة أنّ رضا اللّه تعالى من أعظم نعم اللّه تعالى ومننه ، كما قال سبحانه : «وَرِضْوانٌ مِنَ اللّه ِ أَكْبَرُ » ، (38) وهو غاية آمال العارفين كما قال تعالى : «وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّه ِ » ، (39) والجنّة هي الّتي وعدها اللّه لعباده بعد الحياة الدنيا ووصفها بما يحار فيه العقل ويعجز عن دركه اللبّ. «وأعطني يا ربّ جميع ما سألتك» ؛ لأنّه سبحانه قادر ، رحيم ، سخيّ ، كريم ، عزيز ، لا يعجزه شيء ، وسميع عليم بحاجاتنا وفقرنا ومسكنتنا. «وزدني من فضلك» يطلب من اللّه سبحانه زيادة على ما سأله من فضله ، والفضل : هو الزيادة عن الاقتصاد ، وذلك ضربان : محمود كفضل العلم والحلم ، ومذموم كفضل الغضب على ما يحبّ أن يكون عليه ، والفضل في المحمود أكثر استعمالاً ، والفضول في المذموم ، (40) واللّه ذو الفضل العظيم المبين الكبير ، كما قال تعالى : «لِيَجْزِيَهُمُ اللّه ُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ » ، (41) وقال سبحانه : «لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ » ، (42) وقال : «وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ » ، (43) فنسأل اللّه عزّ وجلّ من فضله كما قال : «وَسْئَلُوا اللّه َ مِنْ فَضْلِهِ » ، (44) ونسأله المزيد من فضله كما حثّنا إليه وأشار إليه. «إنّي إليك راغب» إنّ هنا للتأكيد أو للتعليل ، فكأنّه قال : إنّي راغب إليك حقّا ، أو لأنّي راغب إليك ، إذا قيل رغب فيه وإليه يقتضي الحرص عليه ، ورغب إليه أي سأله ، فأكّد طلب الزيادة ، أو علّله برغبته إليه وحرصه عليه وحبّه إيّاه وابتهاله إليه . (45) «يا ربّ العالمين» الربّ : مصدر مستعار للفاعل ، ولا يقال الربّ مطلقا إلّا للّه تعالى المتكفّل بمصلحة الموجودات ، نحو : «بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ » ، (46) الربّ يُطلق على اللّه تبارك وتعالى معرّفا بالألف واللّام ومضافا ، ويُطلق على مالك الشيء الذي لا يعقل مضافا إليه ، فيقال : ربّ الدين وربّ المال ، وقد استُعمل بمعنى السيّد مضافا إلى العاقل أيضا ، وأصله التربية. العالمين : جمع العالم ، والعالم : اسم للفلك وما يحويه من الجواهر والأعراض ، وهو في الأصل اسم لما يعلم به كالطابع والخاتم لما يطبع به ويختم به ، وجُعل بناؤه على هذه الصيغة ؛ لكونه كالآلة ، والعالم آلة في الدلالة على صانعه... وقال جعفر بن محمّد : عنى به الناس وجعل كلّ أحد منهم عالما ، وقال : العالم عالمان : الكبير وهو الفلك بما فيه ، والصغير وهو الإنسان ؛ لأنّه مخلوق على هيئة العالم ، وقد أوجد اللّه تعالى فيه كلّ ما هو موجود في العالم الكبير . (47)

.


1- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 391 .
2- . آل عمران : 37 .
3- . المائدة : 27 .
4- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 42 .
5- . رياض السالكين : ج 5 ص 488 .
6- . البقرة : 127 .
7- . الشرح : 4 .
8- . مجمع البحرين : ج 10 ص 389 .
9- . التوبة : 62 .
10- . النساء : 13 ، النور : 52 ، الأحزاب : 7 ، الفتح : 17 .
11- . النساء : 59 ، النور : 54 ، محمّد : 33.
12- . تفسير الكشاف : ج 4 ص 77.
13- . الشعراء : 84 .
14- . مجمع البيان : ج 7 ص 337 .
15- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 25 .
16- . الأنفال : 4 .
17- . آل عمران : 163 .
18- . الأنعام : 133.
19- . مجمع البيان : ج 2 ص 434 .
20- . تفسير العيّاشي : ج 1 ص 205 ، بحار الأنوار : ج 66 ص 171 .
21- . الكافي : ج 2 ص 37 ، دعائم الإسلام : ج 1 ص 9 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 66 ص 28 .
22- . البقرة : 58 .
23- . النحل : 25 .
24- . العنكبوت : 13 ، اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 521 .
25- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 42 .
26- . رياض السالكين : ج 5 ص 454 .
27- . نهج البلاغة : الخطبة 222 .
28- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 151 .
29- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 108 .
30- . المصدر السابق : الدعاء 39.
31- . المصدر السابق : الدعاء 147 .
32- . الزلزلة : 7 .
33- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 83 .
34- . أعلام الدين : ص 90 ، بحار الأنوار : ج 67 ص 26.
35- . المصدر السابق .
36- . كشف الغمّة : ج 2 ص 378 ، حلية الأبرار : ج 4 ص 600 ، الفصول المهمّة : ص 274 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 75 ص 81 .
37- . الأصول الستة عشر : ص 2 ، الكافي : ج 5 ص 162 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 3 ص 269 ، تهذيب الأحكام : ج7 ص158 .
38- . التوبة : 72 .
39- . البقرة : 207 .
40- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 381 .
41- . النور : 38 .
42- . فاطر : 30 .
43- . الشورى : 26 .
44- . النساء : 21.
45- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 198.
46- . سبأ : 15 ، اُنظر : المصدر السابق : ص 184 .
47- . اُنظر : المصدر السابق : ص 345.

ص: 340

. .

ص: 341

. .

ص: 342

. .

ص: 343

. .

ص: 344

. .

ص: 345

اللّهُمَّ إنَّكَ أنزَلتَ في كِتابِكَ أن نَعفُوَ عَمَّن ظَلَمَنا «492 » وقَد ظَلَمنا أنفُسَنا«493 » فَاعفُ عَنّا فَإِنَّكَ أولى بِذلِكَ مِنّا «494 »وأمَرتَنا ألّا نَرُدَّ سائِلاً عَن أبوابِنا«495 » وقَد جِئتُكَ سائِلاً فَلا تَرُدَّني إلّا بِقَضاءِ حاجَتي «496 »وأمَرتَنا بِالإِحسانِ إلى ما مَلَكَت أيمانُنا«497 » ونَحنُ أرِقّاؤُكَ فَأَعتِق رِقابَنا مِنَ النّارِ «498 »

«اللّهمّ» مرّ بيانه . «إنّك أنزلت» النزول في الأصل هو انحطاط من علوّ ، ونزل بكذا وأنزله بمعنى ، وإنزال اللّه تعالى نعمه ونقمه على الخلق وإعطاؤهم إيّاه ، وذلك إمّا بإنزال الشيء نفسه كإنزال القرآن ، وإمّا بانزال أسبابه والهداية إليه كإنزال الحديد واللباس ، قال سبحانه : «أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ » ، (1) وقال تعالى : «وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ » ، (2) و «أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً » ، (3) و «إِنّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ » ، (4) والفرق بين الإنزال والتنزيل في وصف القرآن والملائكة : إنّ التنزيل يختصّ بالموضع الذي يشير إليه إنزاله مفرّقا ومرّةً بعد أُخرى ، والإنزال عامّ . (5) «في كتابك أن نعفو عمّن ظلمنا» قال سبحانه : «وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللّه ُ لَكُمْ » ، (6) وقال تعالى شأنه : «وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النّاسِ وَاللّه ُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ » ، (7) وفي الحديث : قال الصادق عليه السلام : «العفو عند القدرة من سنن المرسلين والمتّقين» . (8) العفو : القصد لتناول الشيء ، وعفوت عنه ؛ أي قصدت إزالة ذنبه صارفا عنه ، فالمفعول في الحقيقة متروك ، وعن متعلّق بمضمر ، (9) أسألك العفو ؛ أي ترك العقوبة والسلامة ، عفى عنه وله ذنبه وعن ذنبه صفح عنه وترك عقوبته وهو يستحقّها ، وأعرض عن مؤاخذته ، وعفى اللّه عن فلان ؛ محا ذنوبه ، وعفا عن الحقّ ؛ أي استحقّه كأنّه محاه عن الذي عليه ، (10) وعفى المنزل أي درس. أي أنزلت في القرآن الكريم وأمرتنا أن نعفو عمّن ظلمنا ، أي نتجاوز عنه وترك عقوبته. والظلم : أصله وضع الشيء في غير موضعه المختصّ به ، إمّا بنقصان أو زيادة ، وإمّا بعدول عن وقته أو مكانه ، والظلم يقال في مجاوزة الحقّ الذي يجري مجري نقطة الدائرة ، ويقال فيما يكثر وفيما يقلّ من التجاوز ، ولهذا يستعمل في الذنب الكبير وفي الذنب الصغير . (11) «وقد ظلمنا أنفسنا» بارتكاب المعاصي . وقيل : الظلم ثلاثة : الأوّل : ظلم بين الإنسان وبين اللّه تعالى ، وأعظمه الكفر والشرك والنفاق ، ولذلك قال : «إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ » . (12) والثاني : ظلم بينه وبين الناس . والثالث : ظلم بينه وبين نفسه ، وكلّ هذه الثلاثة في الحقيقة ظلم للنفس ؛ فإنّ الإنسان في أوّل ما يهمّ بالظلم فقد ظلم نفسه ، كما أنّ كلّ معصية ظلم بينه وبين اللّه تعالى . (13) وفي الحديث عن أبي جعفر الباقر عليه السلام ، قال : «الظلم ثلاثة : ظلم يغفره اللّه ، وظلم لا يدعه اللّه ، وظلم لا يغفره اللّه ، فأمّا الظلم الذي لا يغفره اللّه (عزّ وجلّ) فالشرك باللّه ، وأمّا الظلم الذي يغفره اللّه فظلم الرجل نفسه فيما بينه وبين اللّه (عزّ وجلّ) ، وأمّا الظلم الذي لا يدعه اللّه (عزّ وجلّ) فالمداينة بين العباد» . (14) الأحاديث في الظلم وأنواعه وآثاره الدنيوية والأُخروية كثيرة . (15) «فاعف عنّا» أي اغفر لنا وامح عنّا هذه المعاصي وآثاره الدنيوية والأُخروية. «فإنّك أولى بذلك منّا» أي أنت أولى بعفو ظلمنا أنفسنا ؛ لأنّك الوليّ وأنت بأن تعفو أولى ، كأنّه فرض ظلم الإنسان لنفسه كمداينة العباد ، فهنا ظالم وهو الإنسان العاصي ، ومظلوم وهو نفسه ، فإذا شاء أن يعفو المظلوم الظالم ، فالأولى أن يعفو وليّه وهو اللّه عزّ وجلّ. «وأمرت ألّا نرّد سائلاً» أي أمرت في كتابك ألّا نردّ سائلاً ، فقلت : «وَأَمَّا السّائِلَ فَلا تَنْهَرْ » ، (16) و «فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسّائِلِ وَالْمَحْرُومِ » . (17) وفي الحديث : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «للسائل حقّ وإن جاء على فرس» ، (18) وقال : «لا تردّوا السائل ولو بظلف مخرق» ، (19) وقال صلى الله عليه و آله : «لا تردّوا السائل ولو بشقّ تمرة» . (20) «عن أبوابنا» الباب يقال لمدخل الشيء ، وأصل ذلك مداخل الأمكنة ، كباب المدينة والدار والبيت ، والجمع أبواب ، ومنه يقال في العلم باب كذا... وقال : «أنا مدينة العلم وعليّ بابها» ، (21) وأتوا البيوت من أبوابها ، قيل : معناه باشر الأُمور من وجوهها الّتي يجب أن تباشر عليها. «فلا تردّني إلّا بقضاء حاجتي» ردّه عن وجهه : صرفه ، وردّ فلانا : خطّأه ، أي لا تصرفني عن بابك إلّا بقضاء حاجتي ؛ أي أدائها ، من قضى وطره ؛ أي أتمّ حاجته وبلغها ونالها ، وقضى الغريم دينه ؛ أي أدّاه . «وأمرتنا الإحسان إلى ما ملكت إيماننا» في الحديث : «مازال جبرئيل يوصيني بالمماليك حتّى ظننت أنّه سيجعل لهم وقتا فإذا بلغوا ذلك الوقت أُعتقوا» ، (22) وعن أبي جعفر عليه السلام في حديث : «أربع من كنّ فيه من المؤمنين أسكنه اللّه في أعلى علّيّين في غرفٍ فوق غرف... ومن لم يخرق بمملوكه ، وأعانه على ما يكلّفه ، ولم يستسعه فيما لم يطق» ، (23) وفي حديثٍ عن أبي ذر : «سمعت النبي صلى الله عليه و آله يقول : أطعموهم ممّا تأكلون وألبسوهم ممّا تلبسون» ، (24) إلى غير ذلك من الأحاديث . « ونحن أرقّاؤك» الرقّ ملك العبيد ، والرقيق المملوك منهم وجمعه أرقّاء ، (25) ويطلق على الذكر والأُنثى ، قال في المصباح : «الرقّ : العبودية» . (26) «فاعتق رقابنا من النار» العتق : الخروج عن الرقّ ، فهو عتيق أي أعتق اللّهمّ رقابنا ، والرقبة اسم للعضو المعروف ، ثمّ يعبّر بها عن الجملة وجعل في التعارف اسما للمماليك ، (27) من النار : أي أعتقنا من النار بالصفح عن سيّئاتنا وخطايانا.

.


1- . الكهف : 1.
2- . الحديد : 25.
3- . الأعراف : 26.
4- . العنكبوت : 34.
5- . مفردات ألفاظ القرآن : ص 489.
6- . النور : 22.
7- . آل عمران : 134.
8- . مصباح الشريعة : ص 158 ، بحار الأنوار : ج 68 ص 423.
9- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 329.
10- . انظر : أقرب الموارد : ج 3 ص 592 .
11- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 315.
12- . لقمان : 13.
13- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 316.
14- . الكافي : ج 2 ص 331 ، الأمالي للصدوق : ص 325 ، روضة الواعظين : ص 466 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 72 ص 311.
15- . اُنظر : بحار الأنوار : ج 75 ص 305 وما بعدها والسفينة ومستدركها.
16- . الضحى : 10 .
17- . المعارج : 25 ، والذاريات : 19.
18- . سنن أبي داوود : ج 2 ص 375 ، مسند ابن حنبل : ج 1 ص 201 ، السنن الكبرى للبيهقي : ج 7 ص 23.
19- . الكافي : ج 4 ص 15 ، مسند ابن المبارك : ص 186 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 93 ص 170.
20- . رواه في بحار الأنوار : عن أمير المؤمنين عليه السلام اُنظر : بحار الأنوار : ج 93 ص 25 .
21- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 64 .
22- . الأمالي للصدوق : ص 514 ، مكارم الأخلاق : ص 429 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 71 ص 139 .
23- . الأمالي للمفيد : ص 167 ، بحار الأنوار : ج 66 ص 387 .
24- . الأمالي للطوسي : ص 403 ، روضة الواعظين : ص 108 ، الغارات : ج 1 ص 106 ، مشكاة الأنوار : ص 312 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 71 ص 140 .
25- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 200.
26- . المصباح المنير : ص 286 .
27- . انظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 201 .

ص: 346

. .

ص: 347

. .

ص: 348

. .

ص: 349

يا مَفزَعي عِندَ كُربَتي «499 »ويا غَوثي عِندَ شِدَّتي «500 » إلَيكَ فَزَعتُ وبِكَ استَغَثتُ ولُذتُ «501 »لا ألوذُ بِسِواكَ ولا أطلُبُ الفَرَجَ إلّا مِنكَ «502 »فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ «503 » فَأَغِثني وفَرِّج عَنّي «504 » يا مَن يَقبَلُ اليَسيرَ «505 »ويَعفو عَنِ الكَثيرِ «506 » اِقبَل مِنِّي اليَسيرَ «507 »وَاعفُ عَنِّي الكَثيرَ «508 »إنَّكَ أنتَ الرَّحيمُ الغَفورُ «509 »

«يا مفزعي عند كربتي» المفزع من فزع ، وهو انقباض ونفار يعتري الإنسان من الشيء المخيف ، وهو من جنس الجزع ، (1) فزع فزعا : خاف وذعر ، وفزع إليه : استغاث وأغاث ضدّ ، والمفزع : الملجأ ، فلان مفزع للناس ؛ أي إذا دهمهم أمر فزعوا إليه ولجؤوا . الكربة : بالضمّ الحزن يأخذ بالنفس ، والجمع كُرَب ، وكَرَبَ الأمر : شقّ عليه ، وكرب الغمّ : اشتدّ عليه ، والكَرب : الغمّ الشديد . والمعنى : يا ملجئي عند اشتداد الغمّ والحزن عليّ بحيث يصعب عليّ التنفّس. «ويا غوثتي» الغوث يقال في النصرة والإعانة ، والغيث في المطر ، واستغثته : طلبت الغوث أو الغيث ، فأغاثني من الغوث وغاثني من الغيث . (2) أي يا نصرتي ، والغوث : اسم من غوّث الرجل ، أي قال : واغوثاه . «عند شدّتي» الشدّة للنوع ، واسم من الاشتداد ، نقيض اللين وخلاف الرخاء ، والشدّة أيضا من مكاره الدهر ، جمعها شدائد. «إليك فزعت» أي إليك استغثت وطلبت النصرة . «لا ألوذ بسواك» أي لا ألجأ بسواك ، من لاوذ القوم ملاوذة ولواذا ؛ أي لاذ بعضهم ببعض واستتر به ، أي لجأ إليه وعاذ به ، قال تعالى : «قَدْ يَعْلَمُ اللّه ُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً » (3) أي يستترون فيلتجؤون بغيرهم فيمضون واحدا بعد واحد. «ولا أطلب الفرج إلّا منك» الفَرَج بفتحتين : انكشاف الغمّ ، يقال : فرّج اللّه عنك الغمّ _ بالتشديد _ تفريجا : كشفه ، والاسم الفرج . «فأغثني وفرّج عنّي» أي أعنّي وانصرني واكشف عنّي . «يا من يفكّ الأسير» الفكّ من فكّ الشيء فكّا ؛ أي فصله وأبان بعضه من بعض ، وفكّ العقدة : حلّها ، وفكّ الأسير : خلّصه ، قال الراغب : «الفَكك : التفريج ، وفكّ الرهن تخليصه ، وفكّ الرقبة عتقها ، وقوله : «فَكُّ رَقَبَةٍ » (4) قيل : هو عتق المملوك ، وقيل : بل هو عتق الإنسان نفسه من عذاب اللّه بالكلم الطيّب والعمل الصالح ، وفكّ غيره بما يفيده من ذلك» . (5) والأسير الأسر : الشدّ بالقيد ، من قولهم : أسرت القتب ، وسُمّي الأسير بذلك ، ثمّ قيل لكلّ مأخوذ ومقيّد وإن لم يكن مشدودا ، (6) والإسار بالكسر : القِدّ (بالقاف والدال المشدّدة) السير يقدّ من جلد غير مدبوغ ويقيّد به الأسير . «يا من يقبل اليسير» أي يقبل اليسير من الأعمال ، وفي الدعاء : «يا من يجتبي صغير ما يتحف ب ، ويشكر يسير ما يعمل له ، ويا من يشكر على القليل ويجازي بالجليل» ، (7) وفي الدعاء : «ويا من يرضى من فعلهم باليسير ، ويا من كافى قليلهم بالكثير» ، (8) وفي الحديث : «إنّ اللّه إذا أحبّ عبدا يدخله الجنّة ورضي عنه باليسير» ، (9) وفيه أيضا : «إنّ اللّه إذا أحبّ عبدا نعّمه عملاً قليلاً جزاه بالقليل الكثير» . (10) «ويعفو عن الكثير» مرّ الكلام في معنى العفو ، واللّه سبحانه يعفو عن كثير من السيّئات ، قال تعالى : «وَلَوْ يُؤاخِذُ اللّه ُ النّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى » ، (11) وقال سبحانه : «وَلَوْ يُؤاخِذُ اللّه ُ النّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى » ، (12) وقال سبحانه : «لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ » ، (13) وفي الحديث : «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» ، (14) والآيات في عفو اللّه تعالى كثيرة ، قال تعالى : «وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ » . (15) «اقبل منّي اليسير واعف عنّي الكثير» . «إنّك أنت الغفور الرحيم» الظاهر أنّه تعليل لمّا تقدّم من مطالبه وحوائجه عليه السلام بأنّه سبحانه هو الغفور الرحيم ، وإتيان ضمير الفصل تدلّ على الانحصار ، أي لأنّك الغفور ولا غفور سواك ، والغفور مبالغة من الغفر ، وهو إلباس ما يصونه من الدنس ، والغفران والمغفرة من اللّه أن يصون العبد من أن يمسّه العذاب ، وأنّه تعالى رحيم ، أي كثير الرحمة أو دائم الرحمة ، لا يرجى الغفران والرحمة إلّا منه تعالى.

.


1- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 379 .
2- . اُنظر : المصدر السابق : ص 357 .
3- . النور : 63 .
4- . البلد : 13.
5- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 384.
6- . اُنظر المصدر السابق : ص 17 .
7- . الصحيفة السجّادية : الدعاء 146 .
8- . . المصدر السابق : الدعاء 34 .
9- . وسائل الشيعة : ج 1 ص 108 ح 266 .
10- . الكافي : ج 2 ص 86 ، بحار الأنوار : ج 68 ص 213 .
11- . النحل : 61 .
12- . فاطر : 45 .
13- . الكهف : 58 .
14- . الكافي : ج 2 ص 435 ، مكارم الأخلاق : ص 313 ، مشكاة الأنوار : ص 201 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 6 ص 21 و ج 90 ص 281.
15- . الشورى : 30 و 34 ، المائدة : 15 ، اُنظر : نور الثقلين : ج 4 ص 580 _ 583 .

ص: 350

. .

ص: 351

. .

ص: 352

اللّهُمَّ إنّي أسأَلُكَ إيمانا تُباشِرُ بِهِ قَلبي«510 »ويَقينا حَتّى أعلَمَ أنَّهُ لَن يُصيبَني إلّا ما كَتَبتَ لي «511 »ورَضِّني مِنَ العَيشِ بِما قَسَمتَ لي يا أرحَمَ الرّاحِمينَ (1) «512 »

«اللّهمّ» يا اللّه وقد مرّ الكلام فيها. «إنّي أسألك» قال الراغب : «السؤال : استدعاء معرفة أو ما يؤدّي إلى المعرفة ، واستدعاء مال أو ما يؤدّي إلى المال ، فاستدعاء المعرفة جوابه على اللسان واليد خليفة له بالكتابة أو الإشارة ، واستدعاء المال جوابه على اليد واللسان خليفة لها إمّا بوعد أو بردّ... والسؤال للمعرفة يكون تارةً للاستعلام وتارةً للتبكيت ، وتعدّى إلى المفعول الثاني تارةً بنفسه وتارةً بالجار... وإذا كان السؤال لاستدعاء مال فإنّه يتعدّى بنفسه أو بمن . (2) «إيمانا» الإيمان : إذعان النفس للحقّ على سبيل التصديق ، وذلك باجتماع ثلاثة أشياء : تحقيق بالقلب ، وإقرار باللّسان ، وعمل بحسب ذلك بالجوارح ، ويقال لكلّ واحد من الاعتقاد والقول الصدق والعمل الصالح إيمان ، (3) والأخبار في تفسير الإيمان بما ذكرنا كثيرة . (4) «تباشر به قلبي» (5) باشر الرجل الأمر ؛ أي خالطه ولامسه ، وباشر الأمر : تولّاه بنفسه ، وباشره النعيم : فاض عليه كأنّه مسّ بشرته . لعلّ المراد من هذه الجملة : إنّه عليه السلام سأل اللّه أن يعطيه إيمانا ، يتولّى اللّه تعالى بهذا الإيمان أي بسببه حفظ قلبه عن الشرك والكفر والإلحاد والعزم على المعاصي والخروج عن طاعة اللّه تعالى وبغض أوليائه وحبّ أعدائه ، إلى غير ذلك من تقلّبات القلب وأحواله. وللعلّامة المجلسي رحمه الله كلام في معنى الحديث لا بأس بإيراده وإن طال ، قال رحمه الله : «فهذه الفقرة تحتمل وجوها : الأوّل : أن يكون المعنى تجده في قلبي ، ولا يكون إيمانا ظاهريّا بمحض اللسان ، وهذا ما فهم أكثر مشايخنا ، ولعلّ وجه الدلالة أنّ من طلب شيئا من موضع ووجده فيه أو في محلّ لا يكون غالبا إلّا بأن يدخل الموضع أو يباشر الشيء الذي قام ذلك الشيء به بكفّه ، فعبّر عن كون الإيمان في القلب بمباشرة اللّه القلب بسببه ، أي إيمانا تباشر بسبب ذلك الإيمان وتفحّصه والعلم به قلبي. والثاني : أن يكون عبارة عن استقرار الإيمان وثباته وعدم كونه مستودعا ، فالمراد إمّا مباشرته به ووجدانه فيه دائما ، أو إشارة إلى أنّ الإيمان القلبي لا يزول والمستودع لا يكون قلبيا. الثالث : أن يكون المعنى أسألك إيمانا كاملاً تكون بسبب ذلك الإيمان مباشرا لقلبي مستقرّا فيه ، أي يكون محلّاً لمعرفتك وحبّك ، كما ورد في الخبر : قلب المؤمن عرش الرحمن . الرابع : أن يكون المعنى أسألك إيمانا ثابتا تجده في قلبي يوم لقائك ، أي عند الموت أو في القيامة. الخامس : أن يكون المعنى أسألك إيمانا كاملاً تكون بسببه مالكا لأزّمة نفسي مدبّرا لأُمور قلبي ، كما ورد : قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلّبه كيف يشاء ، وخاطب سبحانه مقرّبي جنابه بقوله : «وَما تَشاؤُنَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللّه ُ » . (6) السادس : أن يكون المعنى أسألك إيمانا كاملاً يقينيّا يباشر قلبي ، ويراك على سبيل القلب ، كما ورد : اعبد اللّه كأنّك تراه ، وقال أمير المؤمنين عليه السلام : لم أكن أعبد ربّا لم أره ، وقال : لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا . السابع : ما قيل : أي تلي بإثباته قلبي بنفسك ، يقال : باشر للأمر إذا وليه بنفسه. الثامن : أن تكون الباء للتعدية ، أي تجعله مباشرا لقلبي مستقرّا فيه ، وأكثر هذه الوجوه ممّا خطر بالبال ، واللّه أعلم بأسرار تلك الفقرة» . (7) «ويقينا حتّى أعلم أنّه لا يصيبني إلاّ ما كتبت لي» أي أسألك يقينا ، واليقين من صفة العلم فوق المعرفة والدراية وأخواتها ، يقال : علم يقين ، ولا يقال : معرفة يقين ، وهو سكون الفهم مع ثبات الحكم ، وقال : «علم اليقين» و«عين اليقين» و«حقّ اليقين» وبينها فروق . (8) جعل بعض المحقّقين لليقين ثلاث درجات : الأُولى : علم اليقين ، وهو العلم الذي حصل بالدليل ، كمن علم وجود النار برؤية الدخّان . والثانية : عين اليقين وهو إذا حصل إلى حدّ المشاهدة ، كمن رأى النار . والثالثة : حقّ اليقين ، وهو كمن دخل النار واتّصف بصفاتها . (9) في الكافي عن الوشّاء ، عن أبي الحسن عليه السلام ، قال سمعته يقول : «الإيمان فوق الإسلام بدرجة ، والتقوى فوق الإيمان بدرجة ، واليقين فوق التقوى بدرجة ، وما قسّم في الناس شيء أقلّ من اليقين» ، (10) والأخبار في اليقين والإيمان ودرجاتهما كثيرة. (11) «حتّى أعلم أنّه لا يصيبني إلّا ما كتبت لي» بيان لغاية درجات اليقين ، وفي الحديث عن الرضا عليه السلام قال يونس : «قلت : فأيّ شيء اليقين؟ قال : التوكّل على اللّه والتسليم للّه والرضا بقضاء اللّه والتفويض إلى اللّه » ، (12) وفي حديثٍ آخر عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «من صحّة يقين المرء المسلم ألّا يُرضي الناس بسخط اللّه ، ولا يلومهم على ما لم يؤته اللّه ، فإنّ الرزق لا يسوقه حرص حريص ولا يردّه كراهيّة كاره ، ولو أنّ أحدكم فرّ من رزقه كما يفرّ المرء من الموت لأدركه رزقه ، كما يدركه الموت ، ثمّ قال : إنّ اللّه بعدله وقسطه جعل الروح والراحة في اليقين والرضا ، وجعل الهمّ والحزن في الشكّ والسخط». (13) كتبت لي : أي قدّرته لي ، وقال العلّامة المجلسي رحمه الله : «ويقينا أي بالقضاء والقدر ، وقد مرّ في باب اليقين أنّه يطلق غالبا على الإيمان الكامل بذلك ، ولذا قال : حتّى أعلم أنّه لا يصيبني إلّا ما كتبت لي ، وهو إشارة إلى قوله تعالى : «قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلاّ ما كَتَبَ اللّه ُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللّه ِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ » ، (14) وقيل : حتّى أعلم ، أي أعمل بمقتضى علمي ، وهو التوكّل ، كما قال تعالى _ بعد قوله قل لن يصيبنا _ : «وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ » ، وقد يطلق اليقين على الإيمان الكامل بجميع العقائد الإيمانية ، بحيث يظهر على الجوارح آثاره ، وقال المحقّق الطوسي رحمه الله في أوصاف الأشراف : «اليقين هو العلم بالحقّ مع العلم بأنّه لا يكون غيره ، فهو مركّب من علمين ، إلّا ما كتبت لي أي في اللّوح ، أو هو كناية عن القضاء والقدر وهو لا ينافي مدخليّة العبد واختياره في بعضها ، أو هو في غير التكاليف ، وقدّ مرّ تحقيقه في أبواب العدل» . (15) «ورضّني من العيش بما قسمت لي» أي أعطني الرضا بما قسمت لي في تقديرك ، وفي الحديث عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «إنّ أعلم الناس باللّه أرضا هم بقضاء اللّه (عزّ وجلّ)». (16) وعن أمير المؤمنين عليه السلام : «الإيمان أربعة أركان : الرضا بقضاء اللّه ، والتوكّل على اللّه ، وتفويض الأمر إلى اللّه ، والتسليم لأمر اللّه » ، (17) وعن أبي عبد اللّه عليه السلام : «رأس طاعة اللّه الصبر والرضا عن اللّه فيما أحبّ أو كره ، ولا يرضى عبد عن اللّه فيما أحبّ أو كره إلّا كان خيرا له فيما أحبّ أو كره» . (18) هذا آخر ما أردنا إيراده في شرح هذا الدعاء ، والحمد للّه أوّلاً وآخرا ، وظاهرا وباطنا ، ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه . وكان الفراغ من تسويد هذه الأوراق في الثالث عشر من ذي القعدة الحرام من العام العشرين وأربعمئة بعد الألف من الهجرة النبويّة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام ، وعلى آله الطاهرين ، الموافق الثلاثون من بهمن 1378 الشمسية ، وأنا العبد الحقير الآثم علي بن حسين علي بن أحمد بن عليّ ، وأسأله تعالى أن يجعله خالصا لوجهه الكريم . اللّهمّ اغفر لي ولوالديّ ولآبائي وأُمّهاتي وأعمامي وعمّاتي وأخوالي وخالاتي ، ولمن له حقّ عليّ ولجميع المؤمنين والمؤمنات ، آمين ربّ العالمين بحقّ محمّد وآله الطاهرين .

.


1- . مصباح المتهجّد : ص 582 ح 691 ، الإقبال : ج 1 ص 157 ، المصباح للكفعمي : ص 781 ، البلد الأمين : ص205 ، بحار الأنوار : ج 98 ص 82 ح 2 .
2- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 250 .
3- . اُنظر : المصدر السابق : ص 26 .
4- . اُنظر : بحار الأنوار : ج 66 ص 18 _ 146 .
5- . وفي الدعاء نفس هذه الجملة ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 83 ص 289 ، عن الكافي ، وفيمرآة العقول : ج 12 ص230 ، وفي بحار الأنوار : ج 87 ص 67 ، وج 95 ص 154 «وأن تهب لي يقينا تباشر به قلبي » .
6- . الإنسان : 30.
7- . مرآة العقول : ج 12 ص 230 _ 231.
8- . اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص 552 .
9- . اُنظر : بحار الأنوار : ج 67 ص 135 .
10- . الكافي : ج 2 ص 51 ، بحار الأنوار : ج 67 ص 136 .
11- . اُنظر : بحار الأنوار : ج 67 ص 130 _ 184 .
12- . الكافي : ج 2 ص 52 ، التمحيص : ص 62 ، مشكاة الأنوار : ص 44 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 67 ص 138.
13- . الكافي : ج 2 ص 57 ، التمحيص : ص 52 ، تحف العقول : ص 377 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 75 ص 263.
14- . التوبة : 51 .
15- . أوصاف الأشراف : ص 77 .
16- . الكافي : ج 2 ص 60 ، التمحيص : ص 60 ، مشكاة الأنوار : ص 73 ، مسكّن الفؤاد : ص 82 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 68 ص 158 .
17- . الكافي : ج 2 ص 56 ، تحف العقول : ص 445 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 68 ص 135 .
18- . الكافي : ج 2 ص 60 ، مشكاة الأنوار : ص 73 ، مسكّن الفؤاد : ص 82 ، اُنظر : بحار الأنوار : ج 68 ص 158.

ص: 353

. .

ص: 354

. .

ص: 355

. .

ص: 356

. .

ص: 357

. .

ص: 358

. .

ص: 359

. .

ص: 360

. .

ص: 361

. .

ص: 362

. .

ص: 363

. .

ص: 364

. .

ص: 365

. .

ص: 366

. .

ص: 367

. .

ص: 368

. .

ص: 369

. .

ص: 370

. .

ص: 371

. .

ص: 372

. .

ص: 373

. .

ص: 374

. .

ص: 375

. .

ص: 376

. .

ص: 377

. .

ص: 378

. .

ص: 379

. .

ص: 380

. .

ص: 381

. .

ص: 382

. .

ص: 383

. .

ص: 384

. .

ص: 385

. .

ص: 386

. .

ص: 387

. .

ص: 388

. .

ص: 389

. .

ص: 390

. .

ص: 391

. .

ص: 392

. .

ص: 393

. .

ص: 394

. .

ص: 395

. .

ص: 396

. .

ص: 397

. .

ص: 398

. .

ص: 399

. .

ص: 400

. .

ص: 401

. .

ص: 402

. .

ص: 403

. .

ص: 404

. .

ص: 405

. .

ص: 406

. .

ص: 407

. .

ص: 408

. .

ص: 409

. .

ص: 410

. .

ص: 411

. .

ص: 412

. .

ص: 413

. .

ص: 414

. .

ص: 415

. .

ص: 416

. .

ص: 417

. .

ص: 418

. .

ص: 419

. .

ص: 420

. .

ص: 421

. .

ص: 422

. .

ص: 423

. .

ص: 424

. .

ص: 425

. .

ص: 426

. .

ص: 427

. .

ص: 428

. .

ص: 429

. .

ص: 430

. .

ص: 431

. .

ص: 432

. .

ص: 433

. .

ص: 434

. .

ص: 435

. .

ص: 436

. .

ص: 437

. .

ص: 438

. .

ص: 439

. .

ص: 440

. .

ص: 441

. .

ص: 442

. .

ص: 443

. .

ص: 444

. .

ص: 445

. .

ص: 446

. .

ص: 447

. .

ص: 448

. .

ص: 449

. .

ص: 450

. .

ص: 451

فهرس المنابع والمآخذ

فهرس المنابع و المآخذ* . القرآن الكريم . 1 . الإتقان في علوم القرآن، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911 ه )، بيروت: المكتبة الثقافية، 1973 م. 2 . الاحتجاج على أهل اللجاج ، أحمد بن علي الطَبَرسي (ت 620 ه ) ، تحقيق : إبراهيم البهادري ومحمّد هادي به ، طهران : دار الاُسوة ، 1413 ه . 3 . أحكام القرآن، أبو بكر محمّد بن عبد اللّه المعروف بابن العربي ( ت 543 ه )، تحقيق: محمّد عبد القادر عطا، بيروت: دار الكتب العلمية. 4 . الاختصاص ، المنسوب إلى محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي (الشيخ المفيد) (ت 413 ه ) ، تحقيق : علي أكبر الغفّاري ، قمّ : مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الرابعة ، 1414 ه . 5 . الأربعون حديثا ، الشيخ محمّد بن الحسين بن عبد الصمد العاملي ، المعروف بالشيخ البهائي ( ت 1031 ه ) ، قمّ : منشورات جماعة المدرّسين . 6 . الأربعون الصغرى، أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ( ت 458 ه )، بيروت: دار الكتاب العربي، 1408 ه. 7 . الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد ، محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي (الشيخ المفيد) (ت 413 ه ) ، تحقيق : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام ، قمّ ، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام ، الطبعة الاُولى ، 1413 ه . 8 . الأُصول الستّة عشر ، عدّة من الرواة ، قمّ : دار الشبستري ، الطبعة الثانية ، 1405 ه . 9 . أعلام الدين في صفات المؤمنين ، الحسن بن محمّد الديلمي (ت 711 ه ) ، تحقيق : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام ، قمّ : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام . 10 . الإقبال بالأعمال الحسنة في ما يُعمل مرّة في السنة : علي بن موسى الحلّي (السيّد ابن طاووس) (ت 664 ه ) ، تحقيق : جواد القيّومي ، قمّ : مكتب الإعلام الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 1414 ه . 11 . أقرب الموارد في فصح العربية والشوارد ، سعيد الخوري الشرتوني ، قمّ: دار الأُسوة ، 1994 م. 12 . الأمالي ، محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه ) ، تحقيق : مؤسّسة البعثة ، قمّ : دار الثقافة ، الطبعة الاُولى ، 1414 ه . 13 . الأمالي ، محمّد بن علي بن بابويه القمّي (الشيخ الصدوق) (ت 381 ه ) ، تحقيق : مؤسّسة البعثة ، قمّ : مؤسّسة البعثة ، الطبعة الاُولى ، 1407 ه . 14 . الأمالي ، محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي (الشيخ المفيد) (ت 413 ه ) ، تحقيق : حسين اُستاد ولى وعلي أكبر الغفّاري ، قمّ : مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الثانية ، 1404 ه . 15 . الأمالي (غرر الفرائد و درر القلائد) ، علي بن الحسين الموسوي (السيّد المرتضى) (ت 426 ه ) ، تحقيق : محمّد أبو الفضل إبراهيم ، بيروت : دار إحياء الكتب العربيّة . 16 . أوصاف الأشراف، خواجه نصيرالدين طوسي ( ت 672 ه )، تحقيق: سيّد مهدي شمس الدين، طهران: وزارة فرهنگ وإرشاد إسلامي، 1369 ش. 17 . بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار عليهم السلام ، محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي (العلّامة المجلسي) (ت 1111 ه ) ، بيروت : مؤسّسة الوفاء ، الطبعة الثانية ، 1403 ه . 18 . البحر الرائق، أبو البركات أحمد بن عبد اللّه النسفي ( ت 710 ه )، تصحيح: زكريا عميرات، بيروت: دار الكتب العلمية، 1413 ه . 19 . بصائر الدرجات ، محمّد بن الحسن الصفّار القمّي (ابن فرّوخ) (ت 290 ه ) ، قمّ : مكتبة آية اللّه المرعشي ، الطبعة الاُولى ، 1404 ه . 20 . البيان والتبيين ، عمرو بن بحر الكناني (الجاحظ) (ت 255 ه ) ، تحقيق : عبد السلام محمّد هارون ، القاهرة : مكتبة الخانجي ، الطبعة الخامسة ، 1405 ه . 21 . تاريخ أصبهان ، أحمد بن عبد اللّه الأصفهاني (أبو نعيم) (ت 430 ه ) ، تحقيق : سيّد كسروي حسن ، بيروت : دار الكتب العلميّة . 22 . تاريخ بغداد أو مدينة السلام ، أحمد بن علي الخطيب البغدادي (ت 463 ه ) ، المدينة : المكتبة السلفيّة . 23 . التبيان في تفسير القرآن ، محمّد بن الحسن الطوسي (الشيخ الطوسي) ( ت 460 ه) ، النجف : مكتبة الأمين ، 1381 ه . 24 . تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه و آله ، الحسن بن علي الحرّاني (ابن شعبة) (ت 381 ه ) ، تحقيق : علي أكبر الغفّاري ، قمّ : مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الثانية ، 1404 ه . 25 . الترغيب والترهيب من الحديث الشريف ، زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري (ت 656 ه ) ، ضبط أحاديثه وعلّق عليه مصطفى محمّد عمارة ، بيروت : دار الفكر ، 1408 ه . . التشريف بالمنن في التعريف بالفتن = الملاحم والفتن . 26 . التعريفات . علي بن محمّد الجرجاني (ت 816 ه ) ، بيروت : دار الكتب العلمية ، 1416 ه. . تفسير ابن أبي حاتم = تفسير القرآن العظيم مسندا عن الرسول . 27 . تفسير ابن كثير (تفسير القرآن العظيم) ، إسماعيل بن عمر البصروي الدمشقي (ت 774 ه ) ، تحقيق : عبد العزيز غنيم ومحمّد أحمد عاشور ومحمّد إبراهيم البنّا ، القاهرة : دار الشعب . 28 . تفسير أبي السعود، أبو السعود محمّد بن محمّد العمادي ( ت 951 ه )، بيروت: دار إحياء التراث العربي. 29 . تفسير البيضاوي، أبو سعيد عبد اللّه بن عمر بن محمّد البيضاوي ( ت 685 ه )، بيروت: مؤسّسة الأعلمي، 1410 ه. . تفسير الثعلبي = الكشف والبيان. . تفسير الطبري = جامع البيان عن تأويل آي القرآن . 30 . تفسير العيّاشي ، محمّد بن مسعود السلمي السمرقندي (العيّاشي) (ت 320 ه ) ، تحقيق : هاشم الرسولي المحلّاتي ، طهران : المكتبة العلميّة ، الطبعة الاُولى ، 1380 ه . 31 . تفسير غرائب القرآن . الشيخ فخر الدين الطريحي (ت 1085 ه) ، تحقيق : محمّد كاظم الطريحي ، النجف : محمّد كاظم الطريحي ، 1372 ه. . تفسير القرآن العظيم = تفسير ابن كثير . 32 . تفسير القرآن العظيم مسندا عن الرسول (تفسير ابن أبي حاتم) ، عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي (ت 327 ه ) ، تحقيق : أحمد عبد اللّه عمّار زهراني ، المدينة : مكتبة الدار ، الطبعة الاُولى ، 1408 ه . . تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن . 33 . تفسير القمّي ، علي بن إبراهيم القمّي (ت 307 ه ) ، تحقيق : السيّد الطيّب الموسوي الجزائري ، مطبعة النجف الأشرف . . تفسير مجمع البيان = مجمع البيان فيتفسير القرآن . . تفسير نور الثقلين = نور الثقلين . 34 . التمحيص ، محمّد بن همام الإسكافي (ت 336 ه ) ، تحقيق : مدرسة الإمام المهدي(عج) ، قمّ : مدرسة الإمام المهدي(عج) . 35 . تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورّام) ، ورّام بن أبي فراس الحمدان (ت 605 ه ) ، بيروت : دار التعارف ودار صعب . 36 . التوحيد ، محمّد بن علي بن بابويه القمّي (الشيخ الصدوق) (ت 381 ه ) ، تحقيق : هاشم الحسيني الطهراني ، قمّ : مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 1398 ه . 37 . تهذيب الأحكام في شرح المقنعة ، محمّد بن الحسن الطوسي (الشيخ الطوسي) (ت 460 ه ) ، بيروت : دار التعارف ، الطبعة الاُولى ، 1401 ه . 38 . تهذيب تاريخ دمشق الكبير، أبو القاسم علي بن الحسن بن العساكر الشافعي ( ت 571 ه )، هذّبه ورتّبه: عبد القادر بدران، بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1407 ه. 39 . الثاقب في المناقب ، محمّد بن علي الطوسي (ت 560 ه ) ، تحقيق : رضا علوان ، قمّ : مؤسّسة أنصاريان ، الطبعة الثانية ، 1412 ه . 40 . ثواب الأعمال وعقاب الأعمال ، محمّد بن علي بن بابويه القمّي (الشيخ الصدوق) (ت 381 ه ) ، تحقيق : علي أكبر الغفّاري ، طهران : مكتبة الصدوق . 41 . جامع أحاديث الشيعة، حسين الطباطبائي البروجردي، تصحيح: إسماعيل المعزي الملايري، قمّ: إسماعيل المعزي الملايري. 42 . جامع الأخبار أو معارج اليقين في أُصول الدين ، محمّد بن محمّد الشعيري السبزواري (ق 7 ه) ، تحقيق : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام ، قمّ : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام ، الطبعة الاُولى ، 1414 ه . 43 . جامع البيان عن تأويل آي القرآن (تفسير الطبري) ، محمّد بن جرير الطبري ( ت 310 ه ) ، بيروت : دار الفكر ، الطبعة الاُولى ، 1408 ه . 44 . الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي) ، محمّد بن أحمد الأنصاري القرطبي (ت 671 ه ) ، تحقيق : محمّد عبد الرحمن المرعشلي ، بيروت : دار إحياء التراث العربي ، الطبعة الثانية ، 1405 ه . 45 . الجواهر السنيّة، محمّد بن الحسن بن علي بن الحسين الحرّ العاملي ( ت 1104 ه)، قمّ: نشر يس، 1402 ه . 46 . جواهر المطالب في مناقب الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (المناقب لابن الدمشقي) ، محمّد بن أحمد الباعوني (ت 871 ه ) ، تحقيق : محمّد باقر المحمودي ، قمّ : مجمع إحياء الثقافة الإسلاميّة ، الطبعة الاُولى ، 1415 ه . 47 . حلية الأبرار في أحوال محمّد وآله الأطهار عليهم السلام ، السيّد هاشم بن سليمان البحراني (ت 1107 ه ) تحقيق : غلام رضا مولانا البروجردي ، قمّ : مؤسّسة المعارف الإسلاميّة ، الطبعة الاُولى ، 1413 ه . 48 . الخراج ، يعقوب بن إبراهيم (ت 182 ه ) ، بيروت : دار المعرفة ، 1339 ه . 49 . الخرائج والجرائح ، سعيد بن عبد اللّه الراوندي (قطب الدين الراوندي) (ت 573 ه ) ، تحقيق : مؤسّسة الإمام المهدي(عج) ، قمّ : مؤسّسة الإمام المهدي(عج) ، الطبعة الاُولى ، 1409 ه . 50 . الخصال ، محمّد بن علي بن بابويه القمّي (الشيخ الصدوق) (ت 381 ه ) ، قمّ : مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الرابعة ، 1414 ه . 51 . الدرّة الباهرة من الأصداف الطاهرة ، محمّد بن مكّي العاملي (الشهيد الأوّل)، مشهد : مؤسّسة الطبع والنشر التابعة للحضرة الرضوية المقدّسة ، 1365 ش . 52 . الدرّ المنثور في التفسير المأثور ، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911 ه ) ، بيروت : دار الفكر ، الطبعة الاُولى ، 1414 ه . 53 . الدروس الشرعيّة في فقه الإماميّة ، محمّد بن مكّي العاملي (الشهيد الأوّل) (ت 786 ه ) ، تحقيق : مؤسّسة النشر الإسلامي ، قمّ : مؤسّسة النشر الإسلامي . 54 . دعائم الإسلام وذكر الحلال والحرام والقضايا والأحكام ، النعمان بن محمّد التميمي المغربي (ت 363 ه ) ، تحقيق : آصف بن علي أصغر فيضي ، مصر : دار المعارف ، الطبعة الثالثة ، 1389 ه . 55 . الدعوات ، سعيد بن عبد اللّه الراوندي (قطب الدين الراوندي) (ت 573 ه ) ، تحقيق : مؤسّسة الإمام المهدي (عج) ، قمّ : مؤسّسة الإمام المهدي(عج) ، الطبعة الاُولى ، 1407 ه . 56 . ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى ، أحمد بن عبد اللّه الطبري (ت 693 ه ) ، تحقيق : أكرم البوشي ، جدّة : مكتبة الصحابة ، الطبعة الاُولى ، 1415 ه . 57 . الرواشح السماوية في شرح الأحاديث الإماميّة ، مير محمّد باقر الحسيني المرعشى الداماد (ميرداماد) (ت 1041 ه ) ، قمّ : مكتبة آية اللّه المرعشي ، الطبعة الاُولى ، 1405 ه . 58 . روضة المتّقين في شرح أخبار الأئمّة المعصومين ، العلّامة محمّد تقي المجلسي ، والد صاحب البحار ( ت 1070 ه ) ، تحقيق السيّد حسين الموسوي الكرماني والشيخ علي پناه الإشتهاردي ، قمّ : بنياد فرهنگ اسلامي حاج محمّد حسين كوشانپور ، 1393 _ 1399 ه . 59 . روضة الواعظين ، محمّد بن الحسن الفتّال النيسابوري (ت 508 ه ) ، تحقيق : حسين الأعلمي ، بيروت : مؤسّسة الأعلمي ، الطبعة الاُولى ، 1406 ه . 60 . رياض السالكين في شرح صحيفة سيّد الساجدين . سيّد علي صدر الدين ابن معصوم ، المعروف بالسيّد علي خان مدني ( ت 1120 ه ) ، قمّ : مؤسسة چاپ وانتشارات اسلامي ، 1413 ه . 61 . رياض المسائل في بيان الأحكام بالدلائل ، علي الطباطبائي (ت 1192 ه ) ، قمّ : مؤسّسة آل البيت. 62 . الزهد ، حسين بن سعيد الكوفي الأهوازي (ق 3 ه ) ، قمّ : المطبعة العلمية . 63 . سفينة البحار ومدينة الحِكَم والآثار ، الشيخ عبّاس القمّي بن محمّد رضا ( ت 1359 ه ) ، مشهد: مجمع البحوث الإسلاميّة. 64 . سنن ابن ماجة ، محمّد بن يزيد القزويني (ابن ماجة) (ت 275 ه ) ، تحقيق : محمّد فؤاد عبد الباقي ، بيروت : دار إحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 1395 ه . 65 . سنن أبي داوود ، سليمان بن أشعث السجستاني الأزدي (ت 275 ه ) ، تحقيق : محمّد محيى الدين عبد الحميد ، بيروت : دار إحياء السنّة النبويّة . 66 . سنن الترمذي (الجامع الصحيح) ، محمّد بن عيسى الترمذي (ت 297 ه ) ، تحقيق : أحمد محمّد شاكر ، بيروت : دار إحياء التراث . 67 . سنن الدارمي ، عبد اللّه بن عبد الرحمن الدارمي (ت 255 ه ) ، تحقيق : مصطفى ديب البغا ، بيروت : دار القلم ، الطبعة الاُولى ، 1412 ه . 68 . السنن الكبرى ، أحمد بن الحسين البيهقي (ت 458 ه ) ، تحقيق : محمّد عبد القادر عطا ، بيروت : دار الكتب العلميّة ، الطبعة الاُولى ، 1414 ه . 69 . السنّة . لأبي بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الشيباني (ت 278 ه ) ، بيروت : المكتب الإسلامي ، الطبعة الثالثة 1413 ه . 70 . شرح الأخبار في فضائل الأئمّة الأطهار ، النعمان بن محمّد المصري (القاضي أبو حنيفة) ( ت 363 ه ) ، تحقيق: السيّد محمّد الحسيني الجلالي ، قمّ: مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 1412 ه . 71 . شرح نهج البلاغة ، عبد الحميد بن محمّد المعتزلي (ابن أبي الحديد) (ت 656 ه ) ، تحقيق : محمّد أبو الفضل إبراهيم ، بيروت : دار إحياء التراث ، الطبعة الثانية ، 1387 ه . 72 . صحيح ابن حبّان بترتيب ابن بلبان ، علي بن بلبان الفارسي (ت 739 ه ) ، تحقيق : شعيب الأرناؤوط ، بيروت : مؤسّسة الرسالة ، الطبعة الثانية ، 1414 ه . 73 . صحيح ابن خزيمة ، محمّد بن إسحاق السلمي النيسابوري (ابن خزيمة) (ت 311 ه ) ، تحقيق : محمّد مصطفى الأعظمي ، بيروت : المكتب الإسلامي ، الطبعة الثالثة ، 1412 ه . 74 . صحيح البخاري ، محمّد بن إسماعيل البخاري (ت 256 ه ) ، تحقيق : مصطفى ديب البغا ، بيروت : دار ابن كثير ، الطبعة الرابعة ، 1410 ه . 75 . صحيح مسلم ، مسلم بن الحجّاج القشيري النيسابوري (ت 261 ه ) ، تحقيق : محمّد فؤاد عبد الباقي ، القاهرة : دار الحديث ، الطبعة الاُولى ، 1412 ه . 76 . الصحيفة السجّادية ، المنسوب إلى الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام ، تصحيح : علي أنصاريان ، دمشق : المستشارية الثقافية للجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة ، 1405 ه . 77 . الصراط المستقيم إلى مستحقّي التقديم ، علي بن يونس النباطي البياضي (ت 877 ه ) ، تحقيق : محمّد باقر البهبودي ، طهران : المكتبة المرتضويّة ، الطبعة الاُولى ، 1384 ه . 78 . صفات الشيعة ، محمّد بن علي بن بابويه القمّي (الشيخ الصدوق) (ت 381 ه ) ، تحقيق : مؤسّسة الإمام المهدي(عج) ، قمّ : مؤسّسة الإمام المهدي(عج) . 79 . الصواعق المحرقة في الردّ على أهل البدع والزندقة ، أحمد بن حجر الهيثمي الكوفي (ت 974 ه ) ، تحقيق : عبد الوهّاب عبد اللطيف ، مصر : مكتبة القاهرة ، الطبعة الثانية ، 1385 ه . 80 . الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف ، علي بن موسى الحلّي (ابن طاووس) (ت 664 ه ) ، قمّ : مطبعة الخيّام ، الطبعة الاُولى ، 1400 ه . 81 . عدّة الداعي ونجاح الساعي ، أحمد بن محمّد الحلّي الأسدي (ت 841 ه ) ، تحقيق : أحمد الموحّدي ، طهران : مكتبة وجداني . 82 . العروة الوثقى ، السيد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي (ت 1337 ه ) ، بيروت : مؤسّسة الأعلمي ، الطبعة الثانية، 1409 ه . 83 . علل الشرائع ، محمّد بن علي بن بابويه القمّي (الشيخ الصدوق) (ت 381 ه ) ، بيروت : دار إحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 1408 ه . 84 . العين ، خليل بن أحمد الفراهيدي (ت 175 ه ) ، تحقيق : مهديالمخزومي ، قمّ : دار الهجرة ، الطبعة الاُولى ، 1409 ه . 85 . عيون أخبار الرضا عليه السلام ، محمّد بن علي بن بابويه القمّي (الشيخ الصدوق) (ت 381 ه ) ، تحقيق : السيّد مهدي الحسيني اللاجوردي ، طهران : منشورات جهان . 86 . عيون الحكم والمواعظ ، علي بن محمّد الليثي الواسطي (ق 6 ه ) ، تحقيق : حسين الحسني البيرجندي ، قمّ : دار الحديث ، الطبعة الاُولى ، 1376 ش . 87 . الغارات ، إبراهيم بن محمّد (ابن هلال الثقفي) (ت 283 ه ) ، تحقيق : مير جلال الدين المحدّث الأُرموي ، طهران : انجمن آثار ملّى ، الطبعة الاُولى ، 1395 ه . 88 . غرر الحكم ودرر الكلم ، عبد الواحد الآمدي التميمي (ت 550 ه ) ، تحقيق : مير جلال الدين محدّث أُرمَوي ، طهران : جامعة طهران ، الطبعة الثالثة ، 1360 ش . 89 . الغيبة ، محمّد بن إبراهيم الكاتب النعماني (ت 350 ه ) ، تحقيق : علي أكبر الغفّاري ، طهران : مكتبة الصدوق . 90 . الفائق في غريب الحديث ، محمود بن عمر الزمخشري (ت 583 ه ) ، تحقيق : علي محمّد البجاوي ، بيروت : دار الفكر ، 1414 ه . 91 . الفتح السماوي، عبد الرؤوف بن علي المناوي ( ت 1031 ه )، تحقيق: أحمد مجتبي السلفي، الرياض: دار العاصمة، 1409 ه . 92 . الفروق اللغوية ، الحسن بن عبد اللّه (أبو هلال) العسكري ( ت 400 ه ) ، تحقيق: حسام الدين القدسي ، بيروت: دار الكتب العلمية . 93 . الفصول المختارة من العيون والمحاسن ، علي بن الحسين الموسوي (الشريف المرتضى) (ت 436 ه ) ، قمّ : المؤتمر العالمي بمناسبة ذكري ألفيّة الشيخ المفيد ، الطبعة الاُولى ، 1413 ه . 94 . فقه القرآن ، سعيد بن عبد اللّه الراوندي (قطب الدين الراوندي) (ت 573 ه ) ، تحقيق : أحمد الحسيني ، قمّ : مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي ، الطبعة الاُولى ، 1397 ه . 95 . فلاح السائل ، علي بن موسى الحلّي (السيّد ابن طاووس) (ت 664 ه ) ، تحقيق : غلامحسين مجيدي ، قمّ : مكتب الإعلام الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 1419 ه . 96 . القاموس المحيط ، محمّد بن يعقوب الفيروز آبادي (ت 817 ه ) ، بيروت : دار الفكر . 97 . قرب الإسناد ، عبد اللّه بن جعفر الحِمْيري القمّي (ت بعد 304 ه ) ، تحقيق : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام ، قمّ : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام ، الطبعة الاُولى ، 1413 ه . 98 . قصار الجمل، علي المشكيني الأردبيلي ( ت 1386 ش)، قمّ. 99 . الكافي ، محمّد بن يعقوب الكليني الرازي (ت 329 ه ) ، تحقيق : علي أكبر الغفّاري ، بيروت : دار صعب ودار التعارف ، الطبعة الرابعة ، 1401 ه . 100 . الكامل ، محمّد بن يزيد الأزدي (المبرَّد) (ت 285 ه ) ، تحقيق : محمّد أحمد الدالي ، بيروت : مؤسّسة الرسالة ، 1413 ه . 101 . كامل الزيارات ، جعفر بن محمّد بن قولويه (ابن قولويه) (ت 367 ه ) ، تحقيق : جواد القيّومي ، قمّ : نشر الفقاهة ، الطبعة الاُولى ، 1417 ه . 102 . الكامل في ضعفاء الرجال ، عبد اللّه بن عدي الجرجاني (ت 365 ه )، تحقيق : عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمّد معوّض ، بيروت : دار الكتب العلمية ، الطبعة الاُولى ، 1418 ه . 103 . كتاب من لا يحضره الفقيه ، محمّد بن علي بن بابويه القمّي (الشيخ الصدوق) (ت 381 ه ) ، تحقيق : علي أكبر الغفّاري ، قمّ : مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الثانية . 104 . الكشّاف ، محمود بن عمر الزمخشري (ت 538 ه ) ، بيروت : دار المعرفة . 105 . كشف الغمّة في معرفة الأئمّة ، علي بن عيسى الإربلي (ت 687 ه ) ، تصحيح : السيّد هاشم الرسولي المحلّاتي ، بيروت : دار الكتاب ، الطبعة الاُولى ، 1401 ه . 106 . كشف المحجّة لثمرة المُهجة ، علي بن موسى الحلّي (ابن طاووس) (ت 664 ه ) ، تحقيق : محمّد الحسّون ، قمّ : مكتب الإعلام الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 1412 ه . 107 . الكشف والبيان (تفسير الثعلبي) ، أبو إسحاق أحمد بن محمّد المعروف بالثعلبي (ت 427 ه ) تحقيق : أبو محمّد بن عاشور ، بيروت: دار إحياء التراث العربي ، 1422 ه . 108 . كفاية الأثر في النصّ على الأئمّة الاثني عشر ، علي بن محمّد الخزّاز القمّي (ق 4 ه ) ، تحقيق : السيّد عبد اللطيف الحسيني الكوه كمري ، قمّ : بيدار ، 1401 ه . 109 . الكلّيات (معجم في المصطلحات والفروق اللغوية)، أبو البقاء أيّوب بن موسى الحسيني الكفوي ( ت 1095 ه)، بيروت: مؤسّسة الرسالة، 1413 ه . 110 . كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال ، علي المتّقي بن حسام الدين الهندي (ت 975 ه ) ، تصحيح : صفوة السقّا ، بيروت : مكتبة التراث الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 1397 ه . 111 . كنز الفوائد ، محمّد بن علي الكراجكي الطرابلسي (ت 449 ه ) ، تحقيق : عبد اللّه نعمة ، قمّ : دار الذخائر ، الطبعة الاُولى ، 1410 ه . 112 . لسان العرب ، محمّد بن مكرم المصري الأنصاري (ابن منظور) (ت 711 ه ) ، بيروت : دار صادر ، الطبعة الاُولى ، 1410 ه . 113 . المجازات النبويّة ، محمّد بن الحسين الموسوي (الشريف الرضي) (ت 406 ه ) ، تحقيق وشرح : طه محمّد الزيني ، قمّ : مكتبة بصيرتي . 114 . مجمع البحرين ، فخر الدين الطريحي (ت 1085 ه ) ، تحقيق : السيّد أحمد الحسيني ، طهران : مكتبة نشر الثقافة الإسلاميّة ، الطبعة الثانية ، 1408 ه . 115 . مجمع البيان في تفسير القرآن (تفسير مجمع البيان) ، الفضل بن الحسن الطبرسي (أمين الإسلام) (ت 548 ه ) ، تحقيق : السيّد هاشم الرسولي المحلّاتي والسيّد فضل اللّه اليزدي الطباطبائي ، بيروت : دار المعرفة ، الطبعة الثانية ، 1408 ه . 116 . مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ، علي بن أبي بكر الهيثمي (ت 807 ه ) ، تحقيق : عبد اللّه محمّد درويش ، بيروت : دار الفكر ، الطبعة الاُولى ، 1412 ه . . مجموعة ورّام = نزهة النواظر وتنبيه الخواطر . 117 . المحاسن ، أحمد بن محمّد البرقي (ت 280 ه ) ، تحقيق : السيّد مهدي الرجائي ، قمّ : المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام ، الطبعة الاُولى ، 1413 ه . 118 . المحتضر، أبو محمّد الحسن بن سليمان بن محمّد الحلّي (القرن الثامن)، تحقيق: سيّد علي أشرف، النجف: المطبعة الحيدرية، 1424 ه. 119 . المحجّة البيضاء في تهذيب الأحياء ، محمّد محسن بن شاه مرتضى الفيض الكاشاني (ت 1091 ه ) ، تحقيق : علي أكبر الغفّاري ، قمّ : جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ، 1383 ه . 120 . مختصر بصائر الدرجات ، حسن بن سليمان الحلّي (ق 8 ه ) ، قمّ : انتشارات الرسول المصطفى . 121 . مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول ، محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي (العلّامة المجلسي) (ت 1111 ه ) ، تحقيق : السيّد هاشم الرسولي المحلاتي ، طهران : دار الكتب الإسلاميّة ، الطبعة الثالثة ، 1370 ش . 122 . مستدرك سفينة البحار ، الشيخ علي النمازي الشاهرودي (ت 1363 ه ) ، طهران - مؤسّسة البعثة ، 1409 ه . 123 . المستدرك على الصحيحين ، محمّد بن عبد اللّه الحاكم النيسابوري (ت 405 ه ) ، تحقيق : مصطفى عبد القادر عطا ، بيروت : دار الكتب العلميّة ، الطبعة الاُولى ، 1411 ه . 124 . مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل ، حسين النوري الطبرسي (ت 1320 ه ) ، قمّ : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام ، الطبعة الاُولى ، 1407 ه . 125 . مسكّن الفؤاد ، زين الدين بن عليّ الجبعي العاملي (الشهيد الثاني) ( ت 965 ه ) ، تحقيق: مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، قمّ: مؤسّسة آل البيت ، الطبعة الثانية ، 1412 ه . 126 . المسند ، أحمد بن محمّد الشيباني (ابن حنبل) (ت 241 ه ) ، تحقيق : عبد اللّه محمّد الدرويش ، بيروت : دار الفكر ، الطبعة الثانية ، 1414 ه . 127 . مسند عبد اللّه بن مبارك، تحقيق: مصطفى عثمان محمّد، بيروت: دار الكتب العلمية، 1411 ه. 128 . مشكاة الأنوار في غرر الأخبار ، علي بن الحسن الطبرسي (ق 7 ه) ، تحقيق : مهدي هوشمند ، قمّ : دار الحديث ، الطبعة الاُولى ، 1418 ه . 129 . مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة ، المنسوب إلى الإمام الصادق عليه السلام ، شرح : عبد الرزّاق گيلاني ، طهران : نشر صدوق ، الطبعة الثالثة ، 1407 ه . 130 . المصباح في الأدعية والصلوات والزيارات ، إبراهيم بن علي العاملي الكفعمي (ت 900 ه ) ، قمّ : منشورات الشريف الرضي . 131 . مصباح المتهجّد ، محمّد بن الحسن الطوسي (الشيخ الطوسي) (ت 460 ه ) ، تحقيق : علي أصغر مرواريد ، بيروت : مؤسّسة فقه الشيعة ، الطبعة الاُولى ، 141 ه . 132 . المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي ، أحمد بن محمّد الفيّومي (ت 770 ه ) ، قمّ : مؤسّسة دار الهجرة ، الطبعة الثانية ، 1414 ه . 133 . المصنَّف في الأحاديث والآثار ، عبد اللّه بن محمّد العبسي الكوفي (ابن أبي شيبة) (ت 235 ه ) ، تحقيق : سعيد محمّد اللحّام ، بيروت : دار الفكر . 134 . مطالب السؤول في مناقب آل الرسول ، محمّد بن طلحة الشافعي (ت 654 ه ) ، قمّ : النسخة المخطوطة في مكتبة آية اللّه المرعشي . 135 . معاني الأخبار ، محمّد بن علي بن بابويه القمّي (الشيخ الصدوق) (ت 381 ه ) ، تحقيق : علي أكبر الغفّاري ، قمّ : مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 1361 ش . 136 . المعجم الأوسط ، سليمان بن أحمد اللخمي الطبراني (ت 360 ه ) ، تحقيق : طارق بن عوض اللّه وعبد الحسن بن إبراهيم الحسيني ، القاهره : دار الحرمين ، 1415 ه . 137 . معجم البلدان ، ياقوت بن عبد اللّه الحَمَوي الرومي (ت 626 ه ) ، بيروت : دار إحياء التراث العربي ، الطبعة الاُولى ، 1399 ه . 138 . المعجم الكبير ، سليمان بن أحمد اللخمي الطبراني (ت 360 ه ) ، تحقيق : حمدي عبد المجيد السلفي ، بيروت : دار إحياءالتراث العربي ، الطبعة الثانية ، 1404 ه . 139 . مفردات ألفاظ القرآن ، حسين بن محمّد الراغب الإصفهاني (ت 425 ه ) ، تحقيق : صفوان عدنان داوودي ، بيروت : دار القلم ، الطبعة الاُولى ، 1412 ه . 140 . مكاتيب الرسول ، عليّ بن حسين علي الأحمديّ الميانجيّ (معاصر) ، بيروت : دار صعب. 141 . مكارم الأخلاق ، الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548 ه ) ، تحقيق : علاء آل جعفر ، قمّ : مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 1414 ه . 142 . الملاحم والفتن (التشريف بالمنن في التعريف بالفتن) ، علي بن موسى الحلّي (ابن طاووس) (ت 664 ه ) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة صاحب الأمر ، الطبعة الاُولى ، 1416 ه . 143 . مناقب آل أبي طالب (المناقب لابن شهر آشوب) ، محمّد بن علي المازندراني (ابن شهرآشوب) (ت 588 ه ) ، قمّ : المطبعة العلميّة . 144 . مناقب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام (المناقب للكوفي) ، محمّد بن سليمان الكوفي القاضي (ت 300 ه ) ، تحقيق : محمّد باقر المحمودي ، قمّ : مجمع إحياء الثقافة الإسلاميّة ، الطبعة الاُولى ، 1412 ه . 145 . مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام (المناقب لابن المغازلي) ، علي بن محمّد الواسطي الشافعي (ابن المغازلي) (ت 483 ه ) ، تحقيق : محمّد باقر البهبودي ، طهران : المكتبة الإسلاميّة ، الطبعة الثانية ، 1402 ه . . من لا يحضره الفقيه = كتاب من لا يحضره الفقيه . 146 . ميزان الاعتدال في نقد الرجال ، محمّد بن أحمد الذهبي (ت 748 ه ) ، تحقيق : علي محمّد البجاوي ، بيروت : دار الفكر . 147 . ميزان الحكمة (الترجمة الفارسية) ، محمّد محمّدي ري شهري ، ترجمة : حميد رضا شيخي ، قمّ : دار الحديث ، 1377 ش . 148 . الميزان في تفسير القرآن ، السيّد محمّد حسين الطباطبائي (ت 1402 ه ) ، قمّ : إسماعيليان ، الطبعة الثالثة ، 1394 ه . 149 . نزهة الناظر وتنبيه الخواطر ، الحسين بن محمّد الحلواني (ق 5 ه ) تحقيق : مؤسّسة الإمام المهدي(عج) ، قمّ : مؤسّسة الإمام المهدي(عج) ،الطبعة الاُولى ، 1408 ه . 150 . نور الثقلين ، عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي (ت 1112 ه ) ، تحقيق : السيّد هاشم الرسولي المحلّاتي ، قمّ : مؤسّسة إسماعيليان ، الطبعة الرابعة ، 1412 ه . 151 . النوادر ، فضل اللّه بن علي الحسني الراوندي (ت 571 ه ) ، تحقيق : سعيد رضا علي عسكري ، قمّ : دار الحديث ، الطبعة الاُولى ، 1377 ش . 152 . النهاية في غريب الحديث والأثر ، مبارك بن مبارك الجَزَري (ابن الأثير) (ت 606 ه ) ، تحقيق : طاهر أحمد الزاوي ، قمّ : مؤسّسة إسماعيليان ، الطبعة الرابعة ، 1367 ش . 153 . الوافي ، محمّدمحسن بن شاه مرتضى (الفيض الكاشاني) (ت 1091 ه) ، تحقيق : ضياء الدين حسين إصفهاني ، إصفهان : مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، 1406 ه . 154 . وسائل الشيعة ، محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (ت 1104 ه ) ، تحقيق : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام ، قمّ : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام ، الطبعة الاُولى ، 1409 ه . 155 . ينابيع المودّة لذوي القربى ، سليمان بن إبراهيم القُندوزي الحنفي (ت 1294 ه ) ، تحقيق : علي جمال أشرف الحسيني ، طهران : دار الاُسوة ، الطبعة الاُولى ، 1416 ه .

.

ص: 452

. .

ص: 453

. .

ص: 454

. .

ص: 455

. .

ص: 456

. .

ص: 457

. .

ص: 458

. .

ص: 459

. .

ص: 460

. .

ص: 461

. .

ص: 462

. .

ص: 463

الفهرس التفصيلي

الفهرس التّفصيلي

.

ص: 464

. .

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.