البضاعةالمزجاة: شرح كتاب الروضه من الكافي

هویة الکتاب

سرشناسه : قارياغدي، محمدحسين، توشيحگر

عنوان قراردادي : الكافي. روضه. شرح

عنوان و نام پديدآور : البضاعةالمزجاة: شرح كتاب الروضه من الكافي/ محمدحسين قارياغدي ؛ تحقيق حميد الاحمدي الجلفائي.

مشخصات نشر : قم: موسسه دارالحديث العلميه والثقافيه، مركز للطباعه والنشر؛ تهران: كتابخانه٬ موزه و مركز اسناد مجلس شوراي اسلامي،1430ق.= 1388 -

مشخصات ظاهري : ج.

فروست : الشروح والحواشي علي الكافي؛ 14.

مركز بحوث دارالحديث؛ 156.

مجموعه آثار الموتمرالدولي الذكري ثقةالاسلام الكليني(ره)؛ 24 ، 25

شابك : دوره: 978-964-493-329-5 ؛ 70000 ريال: ج. 1 : 978-964-493-319-6

يادداشت : عربي.

يادداشت : كتاب حاضر شرحي بر كتاب "اصول الكافي" تاليف "محمدبن يعقوب كليني" است.

يادداشت : كتابنامه.

عنوان ديگر : شرح كتاب الروضه من الكافي.

موضوع : كليني، محمد بن يعقوب - 329ق. . الكافي. روضه -- نقد و تفسير

موضوع : احاديث شيعه -- قرن 4ق.

شناسه افزوده : احمدي جلفايي، حميد، 1357 -

شناسه افزوده : كليني، محمد بن يعقوب - 329ق. . الكافي. روضه. شرح

شناسه افزوده : ايران. مجلس شوراي اسلامي. كتابخانه، موزه و مركز اسناد

شناسه افزوده : دار الحديث. مركز چاپ و نشر

رده بندي كنگره : BP129/ك8ك240216 1388

رده بندي ديويي : 297/212

شماره كتابشناسي ملي : 1852989

ص: 1

المجلد 1

اشاره

مرکز البحوث

موسسة دارالحديث العلمیة الثقافیة

ص: 2

البضاعَةُ الْمُزْجَاةُ

(شرح کتاب الروضة من الكافي)

مُحَمَّدْ حُسَيْنُ بْنُ قَارُ يَا غَدِي

(م 1089 ق.)

المجلد الأول

تَحْقِيقُ

حَمِيدِ الْأَحْمَدِي الْجُلْفَائِيِّ

مجموعة آثار المؤتمر الدولي لذكرى الشيخ ثقة الإسلام الكليني - ٢٤

ص: 3

البضاعة المزجاة /

محمد حسين بن قارياغدي

تحقيق : حميد الأحمدي الجلفائي

الإخراج الفنى : محمد كريم صالحي ، مجيد بابكي

الناشر : دار الحديث للطباعة والنشر

الطبعة : الأولى ، ١٤٢٩ ق / ١٣٨٧ ش

المطبعة : دار الحديث

الكمية : ؟؟؟؟

الثمن : ؟؟؟؟

دار الحديث للطباعة والنشر

مؤسسة دار الحديث العلمية الثقافية

دارالحديث للطباعة والنشر : قم ، شارع معلّم ، قرب ساحة الشهداء ، الرقم ١٢٥

الهاتف : ٠٢١٧٧٤١٦٥٠ - ٠٢٥١٧٧٤٠٥٢٣ ص ب : ٤٤٦٨ / ٣٧١٨٥

hadith@hadith.net

http://www.hadith.net

ص: 4

تصدير

لا يزال الكافي يحتلّ الصدارة الاُولى من بين الكتب الحديثية عند الشيعة الإمامية ، وهو المصدر الأساس الذي لا تنضب مناهله ولا يملّ منه طالبه ، وهو المرجع الذي لا يستغني عنه الفقيه ، ولا العالم ، ولا المعلّم ، ولا المتعلّم ، ولا الخطيب ، ولا الأديب . فقد جمع بين دفّتيه جميع الفنون والعلوم الإلهيّة ، واحتوى على الاُصول والفروع . فمنذ أحد عشر قرنا وإلى الآن اتّكأ الفقه الشيعي الإمامي على هذا المصدر لما فيه من تراث أهل البيت عليهم السلام ، وهو أوّل كتاب جمعت فيه الأحاديث بهذه السعة والترتيب . وبعد ظهور الكافي اضمحلّت حاجة الشيعة إلى الاُصول الأربعمائة ، لوجود مادّتها مرتّبة ، مبوّبة في ذلك الكتاب . ولقد أثنى على ذلك الكتاب القيّم المنيف والسفر الشريف كبار علماء الشيعة ثناءً كثيرا ؛ قال الشيخ المفيد في حقّه : «هو أجلّ كتب الشيعة وأكثرها فائدة» وتابعه على ذلك من تأخّر عنه . ومن عناية الشيعة الإمامية بهذا الكتاب واهتمامهم به أنّهم شرحوه أكثر من عشرين مرّة ، وتركوا ثلاثين حاشية عليه ، ودرسوا بعض اُموره ، وترجموه إلى غير العربية ، ووضعوا لأحاديثه من الفهارس ما يزيد على عشرات الكتب ، وبلغت مخطوطاته في المكتبات ما يبلغ على ألف وخمسمائة نسخة خطيّة ، وطبعوه ما يزيد على العشرين طبعة . ومن المؤسف أنّ الكافي وشروحه وحواشيه لم تحقّق تحقيقا جامعا لائقا به ، مبتنيا على اُسلوب التحقيق الجديد ، على أنّ كثيرا من شروحه وحواشيه لم تطبع إلى الآن وبقيت مخطوطات على رفوف المكتبات العامّة والخاصّة ، بعيدة عن أيدي الباحثين والطالبين. هذا ، وقد تصدّى قسم إحياء التراث في مركز بحوث دار الحديث تحقيق كتاب الكافي ،

ص: 1

وأيضا تصدّى في جنبه تحقيق جميع شروحه وحواشيه _ وفي مقدّمها ما لم يطبع _ على نحو التسلسل. ومنها هذا الشرح الذي بين يديك ، وهو الذي لم تتناوله يد الطبع إلى يومنا هذا ، الّفه الفاضل الشيخ محمّد حسين بن قارياغدي ، وقد كان معاصرا لملّا صالح المازندراني والعلّامة المجلسي رحمهما الله ، وكان حيّا إلى سنة (1098 ق) حيث فرغ من تأليف هذا الشرح في هذه السنة ، ولم يعلم تاريخ وفاته . ولمّا كان كتاب الروضة من الكافي يشتمل على روايات متفرّقة في موضوعات شتّى ، ولم يضع الشيخ الكليني رحمه الله لهذا الكتاب تبويبا خاصّا، فلهذا أفرد المصنّف _ قبل شروعه بشرح أحاديث الكتاب _ فهرسا موضوعيّا لتلك الأحاديث ، ورتّبها في ثلاثين بابا ، وذكر أحاديث كلّ باب من الأبواب التي رتّبها مرقّمة _ بالعدد والحروف _ مطابقا للترقيم الموجود في الكافي المطبوع بتحقيق الغفّاري رحمه الله . وهذا يعدّ من إبداعاته وابتكاراته التي سهّلت الرجوع إلى روايات كلّ موضوع بسرعة فائقة ومن دون جهد وعناء . وقد بذل _ قدّس سرّه _ كلِّ ما بوسعه لشرح الأحاديث، فما مرّ بعبارة أو كلمة غير واضحة في متون الأحاديث إلاّ وتعرّض لها وبيّنها و شرحها موضحا الوجوه المحتملة والأقوال المختلفة فيها ، فجاء هذا الشرح شرحا مبسوطا موسّعا حتّى عدّ من أهمّ شروح كتاب الروضة من الكافي ، فللّه درّه و عليه أجره . وفي ختام المطاف نعرب عن جزيل الشكر والتقدير للمحقّق الفاضل الشيخ حميد الأحمدي الجلفائي ؛ لتبنّيه تحقيق هذا الأثر القيّم وتصحيحه ، ونسأل اللّه له المزيد من التوفيق ، واللّه وليّ التوفيق .

قسم إحياء التراث

مركز بحوث دار الحديث

محمّد حسين الدرايتي

ص: 2

مقدّمة التحقيق

اشارة

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه الواحد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ، ثمّ سلامه وصلواته الدائمة الوافرة على خاتم رسله محمّد الأمجد ، وآله الكرام البررة إلى الأبد. لا ريب أنّ كتاب الكافي (اُصولاً وفروعا وروضة) هو أهمّ الكتب الحديثيّة عند الفرقة الناجية وأدقّها وأجلّها وأضبطها ، وأوّل كتاب تقريباً جمعت فيه الأحاديث بهذه السعة والترتيب والتبويب، ولا زال منذ تأليفه إلى يومنا هذا مصدرا ومرجعا أساسيّا لعلماء الشيعة وغيرهم في مجالات مختلفة . ويؤيّد هذا كثرة الإرجاعات إليه، ووفور مخطوطاته، وشروحه وحواشيه، وتراجمه وطبعاته، أو البحث والتحقيق عنه وحوله ، ولا سيّما ميلان البعض إلى اعتبار جميع أحاديثه وطرقه، أو إلى ما يقربه . كان مؤلّفه ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكلينيّ الرازيّ السلسليّ البغداديّ أشهر وأوثق وأفضل علما وعملاً عند علماء الفريقين من أن نعرّفه في هذا المقام . (1)

كتاب الروضة من الكافي

واعلم أنّ كتاب الكافي _ الذي اشتهر فيه من كلام الصاحب عليه السلام أنّه كاف لشيعتنا - على ثلاثة أقسام كما هو المشهور:

ص: 3


1- .اُنظر في ترجمته : رجال النجاشي ، ص377 ؛ رجال الطوسي ، ص135 ؛ الفهرست للطوسي ، ص136 و496 ؛ رجال ابن داود ، ص178 ؛ كشف المحجّة ، ص 159 - 220 ؛ الفوائد الرجاليّة ، ج3 ، ص336 ؛ الخلاصة للحلّي ، ص145 ؛ معالم العلماء ، ص99 .

القسم الأوّل : قسم الاُصول .

وهو مشتمل على ثمانية كتب : كتاب العقل والجهل ، كتاب فضل العلم ، كتاب التوحيد ، كتاب الحجّة ، كتاب الإيمان والكفر ، كتاب الدعاء ، كتاب فضل القرآن ، وكتاب العشرة . القسم الثاني : قسم الفروع . وهو مشتمل على ستّة وعشرين كتابا بهذه العناوين: الطهارة ، الحيض ، الجنائز ، الصلاة ، الزكاة ، الصيام ، الحجّ ، الجهاد ، المعيشة ، النكاح ، العقيقة ، الطلاق ، العتق والتدبير والكتابة ، الصيد ، الذبائح ، الأطعمة ، الأشربة ، الزيّ والتجمّل والمروءة ، الدواجن ، الوصايا ، المواريث ، الحدود ، الديات ، الشهادات ، القضاء والأحكام ، والأيمان والنذور والكفّارات . القسم الثالث : كتاب الروضة . وفيه سبعة وتسعون وخمسمائة حديثا متفرّقة غير مبوّبة ، إلّا ما نرى فيه من بعض العناوين في أوائل بعض أحاديثه كعناوين الصحف والخطب والرسائل والقصص والوصايا والمواعظ ، والأحاديث الطوال . و«الروضة» في اللغة : البستان الذي فيه البَقل والعُشب والأشجار المُثمرة وغيرها ، أو مُستنقع الماء أيضا. (1) وعن الشارح الشهير المحقّق المازندراني رحمه الله : [وهي] مستعارة لهذه الكتاب بتشبيه ما فيه من المسائل الشريفة والخصائل العجيبة والفضائل الغريبة بهما في البهجة والصفاء والنضارة والبهاء ، أو في كونه سببا لحياة النفوس كالماء. (2) وقد أنكر بعض الشواذّ كون كتاب الروضة جزءا من الكافي، وذهب إلى كونه تصنيفا مستقلاًّ للكليني رحمه الله ، بل نُقل عن البعض نسبته إلى غير الكليني رحمه الله. وجعل البعض أيضاً ترتيبه بين كتاب العشرة وكتاب الطهارة؛ مستدلًا عليه بكتابة بعض الناسخين هكذا. وأوّل من نسب إليه هذا القول هو المولى خليل القزويني رحمه الله ، إلى صاحب الشرحين على

ص: 4


1- .راجع : النهاية لابن الأثير ، ج2 ، ص277 ؛ لسان العرب ، ج7 ، ص162 ؛ المصباح المنير ، ص245 (روض) .
2- .شرح المازندراني ، ج11 ، ص140 .

الكافي (أحدهما باللغة الفارسيّة والآخر بالعربيّة) المسمّين الصافي والشافي، حيث نَقل عنه صاحب الرياض في ترجمته هكذا:

إنّ [كتاب] الروضة ليس من تأليف الكليني ، بل هو من تأليف ابن إدريس. ثمّ قال :

وإن ساعده في الأخير بعض الأصحاب ، وربّما يشهد هذا القول الأخير إلى الشهيد الثاني ، ولكن لم يثبت. (1)

ونرى مثله في كتاب مستدرك الوسائل مع ذكر بعض من اعتنى به . (2)

ونقله المحقّق ابن المعالي رحمه الله أيضا في الرسائل الرجاليّة ، ثمّ علّله بتعليل نظنّ أنّه أيضا عن القزويني، وهو قوله : «لاشتمالها على منكرات» . (3)

ويردّ جميع هذه الأوهام _ مضافا على عدم ذكر دليل وبرهان خاصّ عن القائلين بها _ عدّة دلائل وقرائن واضحة ، وهي كالآتي:

الأوّل : يحتمل أنّ ما نقله صاحب الرياض عن القزويني ليس ممّا سمعه عنه، بل المظنون أنّه سمعه عن البعض ؛ لأنّ القزويني رحمه الله إن كانت عقيدته هكذا ، فلابدّ أن يذكره في أوّل شرحه على كتاب الروضة _ وهو المسمّى بالصافي في شرح الكافي _ والحال أنّا عثرنا على نسخة من شرحه في خزانة مكتبة الملك مع الرقم 1946، حيث ذكر في أوّله ما يدّل على أنّه _ رغم ما قيل _ يرى أنّ الروضة كانت قسما من كتاب الكافي مستشهدا بكلام النجاشي والشيخ رحمهما اللّه ، ولهذا قد شرحها في إدامة شرحه على القسمين السابقين (أعني الاُصول والفروع) ونصّ كلامه هكذا :

بعد ، چون فقير حقير خليل بن الغازى القزوينى مأمور شد به صافى (شرح كافىِ أبي جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق رازي كليني) به زبان فارسى، [و] به انجام رسيد شرح سى وسه كتاب ،[پس] شروع نمود در شرح كتاب الروضه كه شيخ ابو جعفر طوسى ونجاشى آن را آخر كتب كافى شمرده اند ، به تاريخ سه شنبه ... . (4)

نعم ، لو كان معتقدا يأنّها ليست من الكافي ، فأيّ محلّ كان أنسب وأليق بذكره والدفاع

ص: 5


1- .رياض العلماء ، ج2 ، ص261 .
2- .راجع : مستدرك الوسائل ، ج3 ، ص546 .
3- .راجع : الرسائل الرجاليّة ، ص634 .
4- .راجع : نسخة مكتبة الملك ، الرقم 1946 .

عنه من أوّل شرحه على هذا الكتاب الشريف؟ !

الثاني: وهو أحكم الدلائل في ردّه ، تصريح النجاشي والشيخ الطوسي _ رحمهما اللّه _ (وهما من أقدم الرجاليّين) ومحمّد بن شهر آشوب المازندراني (ت 588 ق) بكونها جزءا من كتاب الكافي .

قال النجاشي في رجاله في ترجمة محمّد بن يعقوب الكليني رحمه الله : صنّف الكتاب الكبير المعروف بالكليني يسمّى الكافي في عشرين سنة . شرحُ كتبه : كتاب العقل ، كتاب فضل العلم - إلى أن عدّ _ كتاب الوصايا ، كتاب الفرائض ، كتاب الروضة ... . (1)

وقال الشيخ الطوسي رحمه الله في الفهرست :

له كتب منها الكافي ، وهو مشتمل على ثلاثين كتابا ، أوّله : كتاب العقل _ إلى أن قال _ كتاب الحدود ، كتاب الديات ، كتاب الروضة من آخر كتاب الكافي ... . (2)

وقال محمّد بن شهر آشوب رحمه الله في كتابه معالم العلماء في ترجمة المصنّف رحمه الله : له الكافي يشتمل على ثلاثين كتابا منها : العقل ، فضل العلم ، التوحيد _ إلى أن عدّ _ الزيّ والتجمّل ، الروضة ... . (3) وقريب من قول الشيخ رحمه الله ما في نقد الرجال للمحققّ التفرشي رحمه الله ، ولعلّه نقله عنه من دون الإسناد إليه. (4) الثالث: انضمامها إلى سائر كتب الكافي في جلّ المخطوطات التي وصلنا إليها ، والنسّاخ قد نسخوها منضمّة إلى سائر كتب الكافي من دون أن يتردّدوا في كونها منه، بل من دون أن إشارة إلى النزاع في هذا المقام ، مع أنّ بعض الأعاظم من علماء الشيعة قد صحّحوا بعض هذه النسخ، أو قابلوها، وتوجد لبعضهم علامات للبلاغ ونحوه ، وهم لم يتردّدوا في كونها من الكافي ، أو لا أشاروا إلى النزاع أصلاً.

فلاحظ على سبيل المثال النسخة التي صحّحها الشهيد رحمه الله ، وقوبل كثير من النسخ معها من قبل بعض الأعاظم ، ولم يخبر أحد من النسّاخ بشيء في هذه النسخة يدلّ على النزاع.

ص: 6


1- .رجال النجاشي ، ص377 .
2- .الفهرست ، ص135 .
3- .معالم العلماء ، ص99 .
4- .راجع : نقد الرجال ، ج4 ، ص353 .

أو لاحظ النسخة المصحّحة بيد العلاّ مة المجلسي رحمه الله؛ أو النسخة المحرّرة بيد المولى حيدر عليّ بن محمّد حسن الشيرازي سبط المجلسيّ الأوّل ؛ أو نسخة أبيه التي قوبلت بيده مع النسخة المصحّحة بيد المجلسيّ؛ أو النسخة المحرّرة بيد المولى فتح اللّه بن شكر اللّه الشريف (مؤلّف تفسير منهج الصادقين) (ت 998 ق) ؛ أو النسخة التي حرّرها نور الدين محمّد بن رفيع الدين بن الميرزا رفيعا (شارح الكافي واُستاد العلّامة المجلسي رحمه الله) ؛ أو النسخة المصحّحة بيد الشيخ الحرّ العاملي رحمه الله، وغيرها .

وتوجد صور كلّ هذه النسخ التي أشرنا إليها في مؤسّسة دارالحديث بقم، قسم الإحياء للآثار والمتون . (1)

وأضف إلى هذا أنّه إذا بحث المتأخّرون المتأخّرين من فقهاء الشيعة وغيرهم عنها صرّحوا بكونها من الكافي بألفاظ مختلفة ، أشهرها : «روضة الكافي» . فراجع على سبيل المثال: قول المحقّق السبزواري (ت 1090 ق) في ذخيرة المعاد (ج1 ، ص278)؛ والمحقّق البحراني (ت 1186 ق) في الحدائق (ج1 ، ص39 ، وص114 )؛ والمحقّق النراقي (ت 1344 ق) في عواعد الأيّام (ص72) ؛ وصاحب الجواهر في كتابه (ج43 ، ص49) ونحوها.

الرابع : انضمامه أيضا في كلّ الشروح والحواشي والتراجم والتعاليق الموجودة للكافي التي كتبها أعاظم الشيعة، من دون بيان أيّ نزاع في المقام إلّا ما انسب إلى المولى القزويني رحمه الله، وقد تقدّم ما فيه .

وسنذكر جلّ هذه الشروح والحواشي وغيرها بُعيد هذا إن شاء اللّه تعالى .

الخامس : انتسابها إلى ابن إدريس رحمه الله أو أمثاله بعيد جدّا؛ لأنّه لا يخفى على اللاحظ أنّ جميع الشيوخ والرواة الذين ذُكروا في أوّل أسانيد كتاب الروضة يعدّون من الطبقة الثامنة أو التاسعة ، وأمّا ابن إدريس رحمه اللهفيعدّ من الطبقة الخامسة عشرة ، فكيف يمكن روايته عنهم؟!

وثقة الإسلام الكليني رحمه الله نفسه يعدّ من الطبقة التاسعة ، فلهذا يروي عن صغار الطبقة الثامنة، وهم يعدّون من مشايخه. ويروي أيضا عن الطبقة التاسعة الذين عامرهم .

السادس: إذا قسنا أسانيد كتاب الروضة وكيفيّة نسجها واتّصالها وارتفاعها والإضمارات

ص: 7


1- .وراجع أيضا : فرستگان نسخه هاى خطّى ، ج5 ، ص204 _ ص319 .

والتعليقات والتحويلات فيها على أسانيد قسمي الاُصول والفروع ، ولا سيّما الأسانيد التي تكررّت عينا في كلّ من الأقسام الثلاثة للكافي ، نستيقن بلا شكّ أنّ الروضة من الكافي كقسميه الاُصول والفروع . السابع: وهكذا إذا قسنا الأسانيد التي صدّرت ب «عدّة» في كتاب الروضة بالنسبة إلى القسمين السابقين ، نجد اتّحادا وتشابها يدّل على كونها من الكافي ، وأكثر هذه العدد والطرق ثلاثة : الأوّل _ عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي ... الثاني _ عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسي ... الثالث _ عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد الآدمي القمّي ... الثامن: صرّح المصنّف رحمه الله في موضعين من الكافي بأنّ الروضة كانت منه بالتعبيرين : أحدهما في آخر كتاب الأيمان والنذور والكفّارات (وهو خاتمة كتب قسم الفروع من الكافي) حيث قال : هذا آخر كتاب الأيمان والنذور والكفّارات ، وبه تمّ كتاب الفروع من الكافي تأليف أبي جعفر محمّد بن يعقوب الرازي الكليني رحمه الله، والحمد للّه ربّ العالمين ... ويتلوه كتاب الروضة من الكافي إن شاء اللّه ... (1) وثانيهما في خاتمة نفس كتاب الروضة حيث قال : تمّ كتاب الروضة من الكافي ، وهو آخره، والحمد للّه ربّ العالمين ، وصلّى اللّه على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين. (2) وهذان التعبيران (مع اختلاف يسير في بعض الألفاظ الغير دخيلة في المراد) توجدان في جلّ مخطوطات الكافي الموجودة في قسم الإحياء للتراث في مؤسسّة دارالحديث بقم ، وهي تقرب من عشر نسخ تقريبا .

ذكر الشروح والحواشي والتعليقات على كتاب الروضة من الكافي

1 . شرح المولى محمّد صالح بن أحمد بن شمس الدين السرويّ المازندراني (ت 1086 ق). وهو صهر المولى العلّامة محمّد تقيّ المجلسي (ت 1086 ق) . شرح جميع كتاب

ص: 8


1- .الكافي ، ج7 ، ص464 .
2- .الكافي ، ج8 ، ص396 .

الروضة مع قسم الاُصول من الكافي غير الفروع ، وطبع شرحه مرارا ، وقد أكمل شرحه ابنه المولى محمّد هادي بن محمّد صالح المازندراني بشرح قسم الفروع ، وهذا الشرح سيطبع عن قريب من قبل مؤسسّة دارالحديث بقم إن شاء اللّه تعالى . 2 . شرح الشيخ الجليل الملّا خليل بن الغازي القزويني (ت 1089 ق) . يسمّى شرحه الصافي في شرح الكافي ، ونسخة منه موجودة في مكتبة الملك بطهران مع الرقم 1946. (1) وقد رتّب تلميذه المولى محمّد مهدى بن أصغر القزويني (ت 1129 ق) في أوّل نسخة مكتبة الملك فهرسا على أحاديث كتاب الروضة ، ولهذا قد أخطأ بعض المفهرسين في نسبة هذا الشرح إلى تلميذه. 3 . شرح العلّامة المولى الشيخ محمّد حسين بن قارياغدي (ت 1098 ق). ويسمّى شرحه «البضاعة المزجاة»، وهو الشرح الذي بين يديك، وسيأتي ذكره بعيد هذا . (2) 4 . مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول ؛ للعلّامة المولى محمّد باقر بن المولى محمّد تقيّ بن مقصود عليّ المجلسي (ت 1110 ق) . وقد شرح جميع كتاب الكافي ؛ لكن فرغ من قسمي الاُصول والفروع في سنة (1102 ق)، ومن قسم الروضة في سنة (1076 ق) _ كما في نسخة الرضويّة التي ذكرها صاحب الذريعة (3) _ فيظهر منه أنّه رحمه الله بدأ بشرح الروضة قبل قسمي الاُصول والفروع . 5 . الحاشية على كتاب الروضة ؛ مؤلّفها مجهول ، ونسخة منها موجودة في مكتبة مدرسة الحجّتيّة بقم برقم الرقم 614 ، وهي باللغة العربيّة ، حرّرت في سنة 1302 ق . (4) 6 . الحاشية على الروضة من الكافي ؛ كتبها المولى محمّد حسين بن يحيى النوري . نسخة منها موجودة في مكتبة جامعة طهران برقم 8895 ، وشرح فيها اثنين وأربعين حديثا من أوّل الروضة .

ص: 9


1- .راجع : الفهرست للمكتبة ، ج3 ، ص515 ، الرقم 1946 .
2- .الذريعة ، ج14 ، ص27 .
3- .الذريعة ، ج20 ، ص279 ، الرقم 297 .
4- .راجع : الفهرست للمكتبة ، ص50 .

7 . نزهة الإخوان وتحفة الخلّان ؛ للسيّد نعمة اللّه بن عبد اللّه الجزائري (ت 1112 ق) . ذكره صاحب الذريعة، ثمّ أخبر أنّه رأى نسختين منه عند الشيخ محمّد رضا فرج اللّه بالنجف : إحداهما بخطّ محمّد عليّ بن الحسين المعروف بسيّد بزرگ إمام الجمعة (ت 1350 ق) ؛ والاُخرى بخطّ أحمد بن عبد الصمد . وقال أيضاً: قد فرغ من التدوين يوم الثلثاء المحرّم سنة (1112ق) ، فهو آخر تصانيفه ظاهرا . (1) وقال في موضع آخر: ذكره سبطه السيّد عبد اللطيف التستري في تحفة العالم ، ويظهر منه أنّ له عليه شرحين: كبير وصغير . (2) وسمعت أنّ نسخة منه موجودة في مكتبة مركز الإحياء للتراث الإسلامي بقم .

8 . شرح السيّد حسين بن ضياء الدين حسن بن أبي جعفر محمّد الموسوي الكركي العاملي المعروف بالمجتهد (ت 1001 ق) . ذكره صاحب الذريعة في كتابه، وإسماعيل باشا في هداية العارفين مع سائر تصانيفه . (3)

9 . الحاشية عليها وعلى قسيميها؛ للمولى أبي الحسن الشريف العاملي الفتوني النباطي الإصفهاني الغروي (ت 1138 ق)، صاحب كتاب الأنساب . ذكره صاحب الذريعة وقال : «فرغ من الكتابة في 1128 ، والحواشي بخطّ غيره، وإمضاؤها (أبوالحسن)» . (4)

10 . الحاشية عليها مع قسيميها ؛ للمولى حيدر عليّ بن الميرزا محمّد بن الحسن الشيرواني . (5)

11 . الحاشية عليها؛ للشيخ قاسم بن محمّد بن جواد الكاظمي الشهير بابن الوندي والفقيه الكاظمي (ت 1100 ق) . (6)

ص: 10


1- .الذريعة ، ج24 ، ص111 ، الرقم 577 .
2- .الذريعة ، ج13 ، ص297 ، الرقم 1085.
3- .راجع : الذريعة ، ج13 ، ص296 ، الرقم 1083 ؛ هداية العارفين ، ج1 ، ص320 .
4- .راجع : الذريعة ، ج6 ، ص180 ، الرقم 985 .
5- .راجع : الذريعة ، ج6 ، ص182 ، الرقم 993 .
6- .راجع : الذريعة ، ج6 ، ص183 ، الرقم 999.

ذكر بعض طبعات كتاب الروضة من الكافي

1 . لكنهو (عام 1302 ق) طبعة حجريّة .

2 . طهران (عام 1303 ق) طبعة حجريّة ؛ مع كتاب تحف العقول وكتاب منهاة النجاة (في 142 صفحة) .

3 . طهران (عام 1303 ق) طبعة حجريّة ؛ مع كتاب تحف العقول (في 321 صفحة) .

4 . طهران (عام 1307 ق) طبعة حجريّة .

5 . طهران (عام 1318 ق) طبعة حجريّة .

6 . طهران من ناحية دار الكتب الإسلاميّة (طبعة الآخوند) ، بتحقيق علي أكبر الغفّاري.

7 . النجف الأشرف ، من قبل مطبعة النجف، باهتمام الشيخ هاديّ الأسدي .

8 . بيروت ، من قبل مطبعة دار التعارف (اُوفست على طبعة الآخوند في دار الكتب الإسلاميّة) .

البضاعة المزجاة (في شرح كتاب الروضة من الكافي)

البضاعة المزجاة (في شرح كتاب الروضة من الكافي)وأمّا الشرح الذي بين يديك ، وهو المسمّى «البضاعة المزجاة» (1) ، فيعدّ من أهمّ الشروح الموجودة على كتاب الروضة من الكافي ، كتبه المولى الشيخ محمّد حسين بن قارياغدي (من علماء القرن الحادي عشر ). يمكن البحث في أهميّة هذا الأثر المتين من جهتين : الاُولى _ نظرا إلى الفهرس المبسوط الذي رتّبه المصنّف فى ابتداء شرحه على كلّ أحاديث كتاب الروضة . والتحقيق أنّه صُنع مفيد، وعملٌ لازم جدّا، يسهّل الرجوع إلى أحاديث هذا القسم من الكافي، ويتيسّر الأخذ منها إنصافا ، وقد بيّن غرضه من ترتيب هذا الفهرس هكذا: ولما كان نظم أحاديث الكتاب كالسلك الذي تناثرت لآليه، ويصعب وجدان أكثرها فى بابه على طالبيه، وضعت تسهيلاً لذلك أبواباً لترتيب الكتاب ... .

ص: 11


1- .ولعلّه اقتبس في تسمية شرحه من الآية الكريمة (88) من سورة يوسف (12): «فَلَمَّا دَخَلوُا عَلَيْهِ قَالوُا يأيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةِ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ» .

وهذا الفهرس مرتّب على ثلاثين بابا كلّيّا :

الباب الأوّل : في الخطب (وفيه أربع عشرة خطبة) .

الباب الثاني : في الرسائل (وفيه تسع رسائل) .

الباب الثالث : في النصائح والمواعظ وكلمات موجزات لرسول اللّه صلى الله عليه و آله (وفيه إحدى عشر موعظة) .

الباب الرابع : في القصص وحكايات السلف (وفيه إحدى وستّون قصّة) .

الباب الخامس : في القرائات وتفسير الآيات (وفيه آيات كثيرة قد رتّبها على ترتيب المصحف الشريف) .

الباب السادس : في فضل أهل البيت عليهم السلام وموالاتهم ومحبّتهم ... (وفيه خمسة وسبعون حديثا) .

الباب السابع: في النصيحة للمؤمن ورعاية حرمته (وفيه تسع نصائح) .

الباب الثامن : في الامتحان والاختبار (وفيه أربع أحاديث) .

الباب التاسع : في التواضع والنهي عن المُمارات (وفيه ثلاثة أحاديث) .

الباب العاشر : في التقليد من الشبهة (وفيه حديث واحد) .

الباب الحادي عشر : في ذكر جماعة من الممدوحين والمذمومين والمستضعفين (وفيه ذكر أربعة وعشرين رجلاً أو فرقة) .

الباب الثاني عشر : في الاحتجاج وحجج اللّه على عباده (وفيه تسعة احتجاجات) .

الباب الثالث عشر : في الحسب والنسب (وفيه عشرة أحاديث) .

الباب الرابع عشر : في المداراة والتقيّة والتستّر والمعاشرة والاُلفة مع الناس (وفيه ثلاثة وعشرون حديثا) .

الباب الخامس عشر : في الطيرة والعَدوى (وفيه ثلاثة أحاديث) .

الباب السادس عشر : في الاستخارة (وفيه حديث واحد) .

الباب السابع عشر : في السفر وما يتعلّق به، واختيار الأيّام والساعات له (وفيه خمسة عشر حديثا) .

الباب الثامن عشر : في النجوم (وفيه عشرة أحاديث) .

ص: 12

الباب التاسع عشر : في المطر وأسبابه (وفيه أربعة أحاديث) .

الباب العشرون : في الرياح وأصنافها (وفيه أربعة أحاديث) .

الباب الحادي والعشرون : في الزلزلة وسببها (وفيه حديثان) .

الباب الثاني والعشرون : في أصناف المخلوقات (وفيه سبعة عشر حديثا) .

الباب الثالث والعشرون : في النوم والأحلام وتعبير الرؤيا (وفيه عشرون حديثا) .

الباب الرابع والعشرون : في الطبّ والأمراض والمعالجات (وفيه ثلاثة وأربعون حديثا) .

الباب الخامس والعشرون : في الحرز والعوذة والأدعية (وفيه ثمانية أحاديث) .

الباب السادس والعشرون : في النوادر (وفيه اثنان وأربعون حديثا) .

الباب السابع والعشرون : في الإخبار عمّا هو آت (وفيه اثنا عشر حديثا) .

الباب الثامن والعشرون : في ظهور القائم عليه السلام وعلاماته (وفيه ثلاثة وعشرون حديثا) .

الباب التاسع والعشرون : في أحوال القيامة وأهوالها (وفيه أربعة أحاديث) .

الباب الثلاثون : في وصف الجنّة والنار (وفيه سبعة أحاديث) .

وقد أرجع أحاديث كلّ باب من الأبواب المذكورة مرقّمة - بالعدد والحروف - موافقا على الترقيم الموجود في تحقيق الغفّاري للكافي .

والثانية _ بملاحظة نفس الشرح وكيفيّة نقد الأحاديث وتحقيقها وتبيينها فيه ، وفي هذا المضمار أربعة نكات مهمّة :

الاُولى : قد أتى الشارح رحمه الله أوّلاً بمتن الحديث كاملاً ، ثمّ أتى بشرح أسانيد الأحاديث وتعيين درجة الحديث، ثمّ شرح المتن (بهذا الاُسلوب إلى آخره).

الثانية : ما مرّ الشارح رحمه الله بعبارة أو كلمة في متون الأحايث أو أسانيدها إلّا وتعرّض إليها، وبيّنها وشرحها مشيرا إلى الوجوه المحتملة والأقوال المختلفة فيها .

الثالثة: قد أخذ الشارح رحمه الله كثيرا مّا في شرح العبارات أو الكلمات الغامضة عن الشارح الشهير ملّا صالح المازندراني رحمه الله من دون إشارة إلى اسمه ، تارة من دون الإسناد أصلاً إلى أحد ، وتارة مع عبارات كبعض الأعلام ، أو بعض المحققّين ، أو بعض الفضلاء ، أو بعض الشارحين أو نحوها .

وأخذ بعضا عن العلّامة المجلسي رحمه الله، والمحقّق الفيض رحمه الله، والمحقّق الإسترآبادي

ص: 13

وغيرهم بأحد العناوين المذكورة . الرابعة: الظاهر أنّ الشارح رحمه الله قد رأى في شرح الأحاديث نسخا متعدّدة ؛ لأنّه أشار كثيرا مّا في شرح الكلمات والعبارات إلى الاختلافات الموجودة بين النسخ المختلفة.

الشارح رحمه الله في سطور

هو المولى الفاضل الشيخ محمّد حسين بن قارياغدي (كان حيّا سنة 1098 ق) ، معاصر لكلّ من الأفاضل :

الشارح الشهير ملّا صالح المازندراني رحمه الله ، والعلّامة المجلسي رحمه الله ، وملّا خليل القزويني رحمه الله.

ولا نعلم من شرح حاله إلّا أوّلاً: ما قال صاحب الذريعة رحمه الله في تعريف هذا الشرح (أعني البضاعة المزجاة) هكذا :

البضاعة المزجاة : شرح كبير مبسوط لروضة الكافي ، ذكر اسم مؤلّفه في ديباجته ، أوّله ... ووضع فهرسا مبسوطا لأحاديث الكتاب ، ورتّبه على ثلاثين بابا ، وفرغ من تأليفه في رابع عشر محرّم الحرام سنة 1098 ، وتاريخ كتابة النسخة 1100 ، وهي في تبريز مكتبة السيّد ميرزا باقر القاضي الطباطبائي التبريزي . (1)

ثمّ قال في موضع آخر في تعريف كتابا للشارح في علم الرجال :

رجال الشيخ محمّد حسين بن قارياغدي . مرّ بعنوان «بضاعة مزجاة» في (ج3 ، ص127)، وله «شرح روضة الكافي» المشحون بالفوائد الرجاليّة وتراجم الرجال ،نسخة منه كانت عند المولى حبيب اللّه الكاشاني المتوفّى (1340 ق) ، وقال : «إنّ مؤلّفه عالم ماهر في الدراية والرجال». (2)

وثانيا: قد عرّف في كتاب معجم المؤلّفين مستفادا من مصفّى المقال هكذا : محمّد حسين بن قارياغدي (كان حيّا 1098 ق) ، فاضل ، عارف الرجال ، من آثاره :

شرح روضة الكافي، وسمّاه «بضاعة مزجاة»، فرغ منه سنة 1098 . (3) و«قارياغدي» اسم أبيه، وهي عبارة تُركيّة مركّبة عن كلمتين : «قار» و«ياغدي» ، الاُولى

ص: 14


1- .الذريعة ، ج3 ، ص127 ، الرقم 425 .
2- .الذريعة ، ج10 ، ص113 . وراجع أيضا : مصفّى المقال ، ص150 و151 .
3- .معجم المؤلّفين ، ج9 ، ص249 .

بمعنى الثلج ، والثانية إخبار عن النزول ، أي «نَزَلَ الثلج» .

وسمعت في سبب تسمية شخص آخر بهذا الاسم يعيش في بلد من بلاد آذربيجان أنّه حين وُلدته اُمّه أقرباؤه يتشاورون في اسمه ، وفي هذا الأثناء دخل أحد أقربائه عليهم وأخبر بنزول الثلج ، فسمّوه بهذا الاسم تيمّنا بنزول رحمة اللّه تعالى عليهم ، ويحتمل أن تكون تسمية أبي الشارح رحمه الله أيضا من هذا الباب ، واللّه أعلم .

مخطوطات الكتاب ومنهج التحقيق

ذُكر في الفهارس لهذا الأثر نسختان مخطوطتان :

الاُولى _ نسخة في خزانة مكتبة آية اللّه المرعشي رحمه الله بقم ، تحت رقم 7692 ، وهي شاملة للمجلّد الأوّل من شرحه .

فرغ عنها 14 شهر محرّم الحرام من سنة 1098 ق، وكاتب النسخة مجهول ، والنسخة محشيّة، وأكثر حواشيه عن الملّا صالح المازندراني رحمه الله، ولا تُرى فائدة لأكثر حواشيه ؛ لأنّها تكرار مضمون ما نقل الشارح في المتن عنه من دون ذكر المأخذ غالبا .

والثانية _ نسخة في مكتبة السيّد محمّد عليّ القاضي الطباطبائي بتبريز ، كتبها محمّد طاهر بن علي أكبر زنگنه التبريزي في سنة 1100 ق ، ولا نعلم من أحوالها غير هذا. (1) واعتمدنا في تحقيق هذا الشرح على النسخة الاُولى المذكورة، وطابقناها في المواضع المخدوشة أو الغير المقروّة مع سائر الشروح الموجودة على كتاب الروضة كشرح المازندراني ، ومرآة العقول للعلّامة المجلسي ، والوافي للمحقّق الفيض وغيرها .

ثمّ تأكّدنا من سلامة المتن والحواشي بالرجوع إلى مخطوطات الكافي الموجودة بأيدينا في قسم الإحياء من مؤسّسة دار الحديث بقم، ومصادر المنقولات والمنصوصات ، وكتب اللغة والتراجم والرجال ، وقمنا بتخريج ما فيه من الآيات والروايات والمنقولات، وعلّقنا عليه أيضا تعاليق مفيدة في تكميل بيان الشارح أو في تيسير فهم بعض الكلمات الغامضة ونحوها .

وسنذكر في هذا المجال أيضا الفروق الموجودة في متون الأحاديث بين النسخة

ص: 15


1- .راجع : نشريّه نسخه هاى خطّى ، ج7 ، ص513 .

المعتمدة وبين الطبقين للكافي : إحداهما الطبعة القديمة _ أي المتداولة فعلاً ، والتي حققّها المرحوم علىّ أكبر الغفّاري _ والثانية الطبعة الجديدة ، التي ستتبنّاها مؤتستر دارالحديث بحقيق دقيق وهوامش كثيرة وفوائد عظيمة في قسم إحياء التراث التابع لتلك المؤسسة ، وسيطبع قريبا إن شاء اللّه تعالى .

خاتمه

وفي الختام نرى من الواجب علينا أن نقدّم جزيل الشكر والثناء إلى الإخوة المسؤولين في مؤسّسة دار الحديث بقم، لا سيّما المحقّق الفاضل الشيخ مهدي المهريزي (مسئول دار الحديث ورئيس مؤتمر الشيخ الكليني رحمه الله) والمحقّق العزيز الشيخ محمّد حسين الدرايتي (مسئول قسم الإحياء في دارالحديث والمؤتمر المذكور) وسائر مساعديهم الذين قد أتاحوا لنا الفرصة في تحقيق هذا الأثر الوزين، وهيّئوا لنا مصوّرة النسخة المعتمدة عليها ، آجرهم اللّه وإيّانا جميعا، ويوفّقنا لما يحبّ ويرضى، إنّه هو الموفّق المعين .

حميد الأحمدي الجلفائي

قم المقدّسة

ص: 16

«صورة الصفحة الاُولى من المخطوطة»

ص: 17

«صورة الصفحة الأخيرة من المخطوطة»

ص: 18

البضاعة المزجاة

اشاره

ص: 19

ص: 20

[مقدّمة الشارح رحمه الله]

بسم اللّه الرحمن الرحيم، وبه نستعين.

الحمد للّه الناشر في الخلق فضله، والباسط فيهم بالجود يَدَه، نحمده على ما كان، ونستعينه من أمرنا على ما يكون، (1) ونسأله المعافاة في الأديان، ونسأله المعافاة في الأبدان، ونشهد أن لا إله غيره، وأنّ محمّداً نبيّه ورسوله، أرسله بأمره صادعاً، وبذكره ناطقاً، فأدّى أميناً، ومضى رشيداً، وخلّف فينا رايةَ الحقّ، مَن تقدّمها مَرَقَ، ومن تخلّف عنها زَهَقَ، ومن لزمها لَحِقَ، دليلُها مَكيثُ الكلام، بطيء القيام، سريع إذا قام، (2) أعني آله الكرام المطهّرين، الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً؛ مُستقرّهم خير مستقرّ، ومَنبتهم أشرف مَنبت في معادن الكرامة، ومَماهد السلامة؛ قد صُرفت إليهم أفئدة الأبرار، وثُنيت نحوَهم أزمّةُ الأبصار، (3) كلامهم بيان، وصَمتهم لسان، صلّى اللّه عليه وعليهم ما لاح الجديدان و[ما ]حَدا الحاديان، (4) وسلّم تسليماً كثيراً.

أمّا بعد، فيقول أفقر المفتاقين إلى رحمة ربّه الغني محمّد حسين بن قارياغدي (عفى اللّه عنهما):

ص: 21


1- .النسخة غير مقروّة إلى هنا، فأثبتنا العبارات من كتاب الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ج3، ص127، الرقم425 حيث نقل ابتداء هذا الشرح من النسخة التي قد رآها.
2- .من قوله: «ونسأله المعافاة» إلى هنا غير مقروّة أيضاً، لكن يفهم من بعض كلماتها المقروّة أنّ العبارات مقتبسة من كلام أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة، ص145، الخطبة 100، فأثبتناها من كلامه عليه السلام .
3- .من قوله: «مستقرّهم» إلى هنا مقتبسة من كلام أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة، ص141، الخطبة 96.
4- .قوله:«ما لاح الجديدان، وما حدا الحاديان» مقتبس من الدعاء الذي ذكره الشيخ الطوسي رحمه الله في مصباح المتهجّد، ص76 والكفعمي فى كتابيه: مصباحه، ص36 والبلد الأمين، ص21 والسّيد رحمه الله فى فلاح السائل، ص206 (في تعقيب صلاة العصر). وقال الشيخ البهائي رحمه اللهفي مفتاح الفلاح، ص64: «ما لاح الجديدان؛ هما الليل والنهار ... وما حدا الحاديان؛ هما الليل والنهار، كأنّهما يحدوان بالناس ليسيروا إلى قبورهم، كالذي يحدو بالإبل».

هذه بضاعة مزجاة ممّا جاد به جواد فكري الفاتر، ونبذة من ملتقطات إفادات جماعة من المشايخ العظام والأفاضل الكرام فى أحاديث كتاب الروضة البهيّة من كتاب الكافي، تصنيف ثقة الإسلام وغُرّة (1) الأعلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني، وهو شيخ أصحابنا في وقته بالريّ ووجههم، وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم، وصنّف كتاب الكافي في عشرين سنة، شكر اللّه سعيه، ونوّر مرقده.

ص: 22


1- .كذا قرأناه.

[الفهرس الموضوعي لأحاديث كتاب الروضة]

اشارة

ولما كان نظم أحاديث الكتاب كالسلك الذي تناثرت لآليه، ويصعب وجدان أكثرها في بابه على طالبيه، وضعت تسهيلاً لذلك أبواباً لترتيب الكتاب، ورتّبته على ثلاثين باباً:

الباب الأوّل: في الخطب

1. خطبة رسول اللّه صلى الله عليه و آله في أنّ أوليائه منهم ليسوا (1) إلّا المتّقون ....في [الحديث] الخامس والمائتين (205)

2. خطبته صلى الله عليه و آله يوم فتح مكّة ...في [الحديث] الثاني والأربعين والثلاثمائة (342)

3. خطبة الحكمة أو الوسيلة لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام ...في [الحديث] الرابع (4)

4. الخطبة الطالوتيّة له عليه السلام ...في [الحديث] الخامس (5)

5. خطبة له عليه السلام في الفتن والبدع وتحريف السنّة ...في [الحديث] الحادي والعشرين (21)

6. خطبة له عليه السلام في المواعظ والإخبار عمّا سيأتي ...في [الحديث] الثاني والعشرين (22)

7. خطبة له عليه السلام لمّا بويع بعد قتل عثمان ...في [الحديث] الثالث والعشرين

8. خطبة له عليه السلام بصفّين ...في [الحديث] الخمسين والخمسمائة (550)

9. خطبة له عليه السلام في نفي الفضل بين الأ سود والأ حمر ...في [الحديث] السادس والعشرين (26)

10. خطبة له عليه السلام فيما لا يكون الفضل لأ حد إلّا بسابقة وتقوى ...في [الحديث] الرابع والمائتين (204)

11. خطبة له عليه السلام فيما أتاه جمع يطلبون منه التفضيل لهم (2)...في [الحديث] الحادي والخمسين والخمسمائة (551)

12. خطبة له عليه السلام في الزهد والتقوى ...في [الحديث] الثالث والتسعين والمائة (193)... وفي [الحديث] الرابع والتسعين والمائة (194)

ص: 23


1- .كذا قرأناه.
2- .كذا قرأناه.

13. خطبة له عليه السلام لمّا انقضّت القصّة بينه وبين الزبير وطلحة ...في [الحديث] الثامن والستّين وثلاثمائة (368)

14. خطبته عليه السلام بذي قارٍ ...في [الحديث] السادس والثمانين وخمسمائة (586)

الباب الثاني: في الرسائل

1. رسالة أمير المؤمنين عليه السلام إلى ابن عبّاس ...في [الحديث] السابع والعشرين وثلاثمائة (327)

2. رسالة منه عليه السلام إلى مولاه ...في [الحديث] الثامن والعشرين (28)

3. رسالة أبي جعفر عليه السلام إلى سعد الخير ...في [الحديث] السادس عشر (16)

4. رسالة منه عليه السلام إليه أيضاً ...في [الحديث] السابع عشر (17)

5. رسالة أبي عبد اللّه عليه السلام إلى أصحابه ...في [الحديث] الأوّل (1)

6. رسالة منه عليه السلام إلى رجل من أصحابه ...في [الحديث] التاسع (9)

7. رسالة منه عليه السلام إلى الشيعة ...في [الحديث] الثاني والخمسين ومائة (152)

8. رسالة أبي الحسن موسى عليه السلام إلى عليّ بن سويد ...في [الحديث] الخامس والتسعين (95)

9. حديث العلماء والفقهاء ومكاتبة بعضهم إلى بعض ...في [الحديث] السابع والسبعين وأربعمائة (477)

الباب الثالث: في النصائح والمواعظ وكلمات موجزات لرسول اللّه صلى الله عليه و آله

1. وصيّة النبي صلى الله عليه و آله أمير المؤمنين عليه السلام ...في [الحديث] الثالث والثلاثين (33)

2. موعظة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ...في [الحديث] التسعين والمائة (190)

3. وصيّة أمير المؤمنين عليه السلام بالتقوى والذكر ...في [الحديث] الثالث (3)

4. موعظة أبي عبد اللّه عليه السلام ...في [الحديث] الثامن والتسعين (98) ...وفي [الحديث] التاسع والثمانين والمائة (189) ...وفي [الحديث] السابع والثلاثين والثلاثمائة (337) ...وفي [الحديث] الثامن والثلاثين والثلاثمائة (338) ...وفي [الحديث] الحادي والثمانين والثلاثمائة (381)

5. موعظة أبي الحسن الرضا عليه السلام ...في [الحديث] السادس والأربعين والخمسمائة (546)

6. موعظة لقمان ووصاياه ...في [الحديث] السابع والأربعين والخمسمائة (547)

ص: 24

7. حديث محاسبة النفس ...في [الحديث] الثامن والمائة (108)

8. خير ما ورّث الآباء لأبنائهم الأدب ...في [الحديث] الثاني والثلاثين والمائة (132)

9. الحذر عن النكت ...في [الحديث] الثامن والثمانين والمائة (188)

10. حديث النبي صلى الله عليه و آله ...في [الحديث] التاسع والثلاثين (39)

11. حديثه صلى الله عليه و آله أيضاً ...في [الحديث] السابع والأ ربعين (47)

الباب الرابع: في القصص وحكايات السلف

1. حديث آدم عليه السلام مع الشجرة ...في [الحديث] الثاني والتسعين (92)

2. قصّة آدم وحوّاء حين هبط إلى الأرض ...في [الحديث] الثامن والثلاثمائة (308)

3. قصّة نوح صلّى اللّه [عليه] ...في [الحديث] الحادي والعشرين والأربعمائة (421) ...وفي [الحديث] الثاني والعشرين والأربعمائة (422) ...وفي [الحديث] الرابع والعشرين والأربعمائة (424) ...وفي [الحديث] الخامس والعشرين والأربعمائة (425) ...وفي [الحديث] السادس والعشرين والأربعمائة (426) ...وفي [الحديث] السابع والعشرين والأربعمائة (427) ...وفي [الحديث] الثامن والعشرين والأربعمائة (428) ...وفي [الحديث] التاسع والعشرين والأربعمائة (429) ...وفي [الحديث] الثلاثين والأربعمائة (430)

4. قصّة صالح عليه السلام وقومه ...في [الحديث] الثالث عشر والمائتين (213) ...وفي [الحديث] الرابع عشر والمائتين (214)

5. قصّة ولادة إبراهيم عليه السلام وأنّ آزر كان أباه لا عمّه ...في [الحديث] الثامن والخمسين والخمسمائة (558)

6. قصّته عليه السلام حين رأى ملكوت السماوات والأرض ...في [الحديث] الثالث والسبعين والأربعمائة (473)

7. قصّته عليه السلام مع نمرود وعمارة ملك سارة ...في [الحديث] التاسع والخمسين والخمسمائة (559) ...وفي [الحديث] الستّين والخمسمائة (560)

8. قصّته عليه السلام ...في [الحديث] الثامن والثمانين والخمسمائة (588)

ص: 25

...وفي [الحديث] التاسع والثمانين والخمسمائة (589) ...وفي [الحديث] التسعين والخمسمائة (590) ...وفي [الحديث] الحادي والتسعين والخمسمائة (591)

9. قصّة لوط عليه السلام وإهلاك قومه ...في [الحديث] الخامس والخمسمائة (505)

10. قصّة موسى عليه السلام ومواعظ اللّه تعالى له ...في [الحديث] الثامن (8)

11. قصّته عليه السلام مع عجوز بني إسرائيل ...في [الحديث] الرابع والأربعين والمائة (144)

12. قصّة سليمان بن داود عليهماالسلام ...في [الحديث] الرابع عشر والمائة (114) ...وفي [الحديث] الرابع والأربعين والثلاثمائة (344)

13. قصّة عيسى بن مريم عليه السلام ...في [الحديث] الثالث والمائة (103) ...وفي [الحديث] السادس عشر والخمسمائة (516) ...وفي [الحديث] الثاني والثلاثين والخمسمائة (532)

14. قصّة خالد بن سنان ...في [الحديث] الأربعين والخمسمائة (540)

15. قصّة ولادة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ...في [الحديث] التاسع والخمسين والأربعمائة (459) ...وفي [الحديث] الستّين والأربعمائة (460)

16. قصّته صلى الله عليه و آله مع قريش حين أرادوا قتله ...في [الحديث] الثامن عشر الأربعمائة (418)

17. قصّته صلى الله عليه و آله حين أسرى به ...في [الحديث] السادس والسبعين والثلاثمائة (376) ...وفي [الحديث] الخامس والخمسين والخمسمائة (555)

18. صفة البُراق الذي ركبه رسول اللّه صلى الله عليه و آله في ليلة الإسراء ...في [الحديث] السابع والستّين والخمسمائة (567)

19. قصّته صلى الله عليه و آله مع أبي بكر في الغار ...في [الحديث] السابع والسبعين والثلاثمائة (377)

20. قصّته صلى الله عليه و آله حين هاجر إلى المدينة ...في [الحديث] الثامن والسبعين والثلاثمائة (378)

21. قصّة غزوة بدر ...في [الحديث] التاسع عشر والأربعمائة (419) ...وفي [الحديث] الثالث والستّين والخمسمائة (563)

22. قصّة غزوة اُحد ...في [الحديث] الثاني والخمسمائة (502) ...وفي [الحديث] التسعين (90)

ص: 26

23. قصّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم حفر الخندق ...في [الحديث] الرابع والستّين والمائتين (264)

24. قصّة غزوة الأحزاب ...في [الحديث] العشرين والأربعمائة (420)

25. قصّة غزوة الحديبيّة ...في [الحديث] الثالث والخمسمائة (503)

26. قصّة غزوة الحنين ...في [الحديث] السادس والستّين والخمسمائة (566)

27. غزوة ذات الرقاع ...في [الحديث] السابع والتسعين (97)

28. قصّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله حين عَرضت عليه الخَيل ...في [الحديث] السابع والعشرين (27) (1)

29. قصّة ناقة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ...في [الحديث] الثامن والسبعين والمائة (178) ...وفي [الحديث] الثامن والسبعين والمائتين (278) ...وفي [الحديث] الخامس عشر والخمسمائة (515)

30. سيرة رسول اللّه صلى الله عليه و آله في المطاعم والمشارب وغيرها ...في [الحديث] التاسع والتسعين (99) ...وفي [الحديث] المائة (100) ...وفي [الحديث] الخمس والسبعين والمائة (175) ...وفي [الحديث] الثاني والمائة (102) ...وفي [الحديث] الحادي والمائة (101) ...وفي [الحديث] الحادي والسبعين والمائة (171) ...وفي [الحديث] الثالث والتسعين والثلاثمائة (393) ...وفي [الحديث] الرابع والتسعين والثلاثمائة (394) ...وفي [الحديث] الرابع والعشرين والمائة (124) ...وفي [الحديث] الرابع والأربعين والمائة (144)

31. حديث الذي أضاف رسول اللّه صلى الله عليه و آله [بالطائف] ...في [الحديث] الرابع والأربعين والمائة (144)

32. قصّة إسلام علي عليه السلام ...في [الحديث] السادس والثلاثين والخمسمائة (536)

33. قصّته عليه السلام يوم حنين ...في [الحديث] السادس والستّين والخمسمائة (566)

34. قصّته عليه السلام وسيرته وسيرة فاطمة عليهاالسلام ...في [الحديث] السادس والسبعين والمائة (176)

35. قصّته عليه السلام يوم الغدير ...في [الحديث] الثاني والأربعين والخمسمائة (542)

ص: 27


1- .في النسخة: «السابع والتسعين»، وهو سهو واضح.

36. قصّته عليه السلام حين اُخرج به (1) عليه السلام للبيعة ...في [الحديث] العشرين والثلاثمائة (320) ...وفي [الحديث] الحادي والعشرين والثلاثمائة (321)

37. قصّة مخاصمة الناس بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله في أمر الخلافة ومبايعتهم أبا بكر ...في [الحديث] الحادي والأربعين والخمسمائة (541)

38. مرثية فاطمة عليهاالسلام لأبيها عند سارية المسجد ...في [الحديث] الرابع والستّين والخمسمائة (564)

39. قصّة الحسنين عليهماالسلام ...في [الحديث] السابع والثلاثمائة (307)

40. إنّهما ابنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله حقيقة ...في [الحديث] الحادي والخمسمائة (501)

41. قصّة عليّ بن الحسين عليه السلام ...في [الحديث] الثالث عشر والثلاثمائة (313) ...وفي [الحديث] الثالث والستّين والثلاثمائة (363) ...وفي [الحديث] الثاني والسبعين والمائة (172)

42. قصّته عليه السلام حين ضمّن دين محمّد بن اُسامة عند موته ...في [الحديث] الرابع عشر والخمسمائة (514)

43. قصّة الباقر عليه السلام مع نصرانيّ الشام ...في [الحديث] الرابع والتسعين (94)

44. قصّته عليه السلام مع الشيخ ...في [الحديث] الثلاثين (30)

45. قصّته عليه السلام مع عبد اللّه بن عطاء ...في [الحديث] السابع عشر والأربعمائة (417)

46. قصّة أبي عبد اللّه عليه السلام مع بعض سُودان المدينة ...في [الحديث] السادس والثمانين والمائتين (286)

47. قصّته عليه السلام مع عبد اللّه بن الحسن ...في [الحديث] الثالث والخمسين والخمسمائة (553)

48. قصّته عليه السلام مع السالحين (2) ...في [الحديث] التاسع والأربعين (49)

49. قصّته عليه السلام مع غلامه ...في [الحديث] الخمسين (50)

50. قصّته عليه السلام حين تخلّل بساتين الكوفة ...في [الحديث] الحادي عشر والمائة (111)

51. قصّة أبي الحسن الرضا عليه السلام مع المأمون ...في [الحديث] الرابع والثلاثين والمائة (134)

52. قصّة سلمان مع نفر من قريش في المسجد ...في [الحديث] الثالث والمائتين (203)

53. قصّة أبي ذرّ رحمه الله ...في [الحديث] السابع والخمسين والأربعمائة (457) ...وفي [الحديث] السادس والتسعين (96)

ص: 28


1- .في النسخة: «بعليّ» بدل «به»، والصحيح ما أثبتناه.
2- .السالحون: موضع على أربعة فراسخ من بغداد إلى المغرب. المغرب، ص231 (سلح).

وفي [الحديث] الثامن والسبعين والأربعمائة (478) وفي [الحديث] الحادي والخمسين والمائتين (251)

54. قصّة جعفر بن أبي طالب في [الحديث] الخامس والستّين والخمسمائة (565) في [الحديث] السابع والخمسين والخمسمائة (552)

55. قصّة مقداد مع عثمان في [الحديث] الثالث عشر والخمسمائة (513)

56. قصّة آل ذريح وصفة البرهوت في [الحديث] الخامس والسبعين والثلاثمائة (375)

57. قصّة ثُمامَة بن اُثال في [الحديث] الثامن والخمسين والأربعمائة (458)

58. قصّة ذي النَّمِرَة في [الحديث] الحادي والثلاثين والخمسمائة (531)

59. قصّة ذي الفَقار في [الحديث] الحادي والتسعين والثلاثمائة (391)

60. قصّة درع رسول اللّه صلى الله عليه و آله والعِقال والأبرق الذي يشدّ عليه في [الحديث] الحادي عشر والخمسمائة (511) وفي [الحديث] الثاني عشر والخمسمائة (512)

61. قصّة امرأة من الأنصار مع عمر بن الخطّاب واُمّ سلمة في [الحديث] الخامس والأربعين والمائة (145)

الباب الخامس: [في] القرائات وتفسير الآيات

1. في قوله تعالى: «هذا كِتابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ» (1) في [الحديث] الحادي عشر (11)

2. في قوله تعالى: «وَالشَّمْسِ وَضُحاها» (2) في [الحديث] الثاني عشر (12)

3. في قوله تعالى: «هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةُ» (3) في [الحديث] الثالث عشر (13)

4. في قوله تعالى: «وَأَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ» (4) في [الحديث] الرابع عشر (14)

5. في قوله تعالى: «فَلَمّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ» (5) في [الحديث] الخامس عشر (15)

6. في قوله تعالى: «وَلَمّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ» (6)

ص: 29


1- .الجاثية(45): 29.
2- .الشمس(91): 1.
3- .الغاشية(88): 1.
4- .النحل(16): 38.
5- .الأ نبياء(21): 12.
6- .الزخرف(43): 57.

وفي قوله: «اللّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ» (1)

الآية وفي قوله: «سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ» (2)

وفي قوله: «وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبّارٍ عَنِيدٍ» (3) ...في [الحديث] الثامن عشر (18)

7. [في] قوله تعالى: «ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ» (4) ...في [الحديث] التاسع عشر (19)

8. في قوله تعالى: «كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً» (5) ...في [الحديث] العشرين (20)

9. في قوله تعالى: «وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ» (6) ...في [الحديث] الرابع والأربعين (44)

10. في قوله تعالى: «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى» (7) ...في [الحديث] السادس والستّين (66)

11. في قوله تعالى: «سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمّا يَصِفُونَ» (8) وفي قوله: (وَالسَّمَاءَ) (9) بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَها فَسَوّاها» (10) وفي قوله: «أَ وَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا» (11) الآية ...في [الحديث] السابع والستّين (67)

12. في قوله تعالى: «وَكَانَ عَرْشُهُ عَلىَ الْمَاءِ» (12) ...في [الحديث] الثامن والستّين (68)

13. في قوله تعالى: «يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً» (13) وفي قوله: «وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً» (14) وفي قوله: (غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ) (15) ...في [الحديث] التاسع والستّين (69)

14. في قوله تعالى: «أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللّهِ كُفْراً» (16) الآية

ص: 30


1- .الأ نفال(8): 32.
2- .المعارج(70): 1.
3- .إبراهيم(14): 15.
4- .الروم(30): 41.
5- .البقرة(2): 213.
6- .الفيل(105): 3.
7- .الشورى(42): 23.
8- .الصافّات(37): 180.
9- .كذا في النسخة. وفي المصحف الشريف: «أم السماء» بدل «والسماء».
10- .النازعات(79): 27 و28.
11- .الأ نبياء(21): 30.
12- .هود(11): 7.
13- .مريم(19): 85.
14- .الإ نسان(76): 21.
15- .كذا في النسخة. وفي المصحف الشريف، سورة الزمر(39): 20 هكذا: «غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ».
16- .إبراهيم(14): 28.

في [الحديث] السابع والسبعين (77)

15. في قوله تعالى: «فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ» (1) في [الحديث] الثامن والسبعين (78)

16. في قوله تعالى: «وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا [مِنْ قَبْلِكَ] مِنْ رُسُلِنا» (2) الآية وفي قوله: «أَ وَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا» (3) الآية وفي قوله: «يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ» (4) في [الحديث] الثالث والتسعين (93)

17. في قوله تعالى: «أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ» (5) الآية في [الحديث] الخامس عشر والمائة (115)

18. في قوله تعالى: «وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ» (6) الآية في [الحديث] السادس والأربعين والمائة (146)

19. في قوله تعالى: «فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ» (7) في [الحديث] السابع والأربعين والمائة (147)

20. في قوله تعالى: «فَلَمّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ» (8) الآية في [الحديث] الحادي والخمسين والمائة (151)

21. في قوله تعالى: «عامِلَةٌ ناصِبَةٌ» (9) في [الحديث] الثاني والستّين والمائة (162)

22. في قوله تعالى: «سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْافاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ» (10) في [الحديث] الحادي والثمانين والمائة (181) وفي [الحديث] الخامس والسبعين والمائة (175)

23. في قوله تعالى: «وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً» (11) في [الحديث] التاسع والتسعين والمائة (199)

24. في قوله تعالى: «وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ» (12) في [الحديث] المائتين (200)

25. في قوله تعالى: «وَمَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً» (13) وفي قوله: «هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ» (14) في [الحديث] الحادي والمائتين (201)

ص: 31


1- .الغاشية(88): 1.
2- .الأ نبياء(21): 30.
3- .الذاريات(51): 54.
4- .الزخرف(43): 45.
5- .إبراهيم(14): 48.
6- .هود(11): 5.
7- .آل عمران(3): 170.
8- .الرحمن(55): 70.
9- .الأ عراف(7): 165.
10- .الغاشية(88): 3.
11- .فصّلت(41): 53.
12- .الفرقان(25): 73.
13- .المرسلات(77): 36.
14- .الطلاق(65): 2.

26. في قوله تعالى: «ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاّ هُوَ رابِعُهُمْ» (1)

وفي قوله: «أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنّا مُبْرِمُونَ» (2)

في قوله: «وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا» (3)

وفي قوله: «وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى» (4) ...في [الحديث] الثاني والمائين (202)

27. في قوله تعالى: «وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النّارِ» (5) ...في [الحديث] الثامن والمائتين (208)

28. في قوله تعالى: «لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّونَ» (6) ...في [الحديث] التاسع والمائتين (209)

29. في قوله تعالى: «وَلَوْ أَنّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ» (7) ...في [الحديث] العاشر والمائتين (210)

30. في قوله تعالى: «أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ» (8) ...في [الحديث] الحادي عشر والمائتين (211)

31. في قوله تعالى: «أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ» (9) ...في [الحديث] الثاني عشر والمائتين (212)

32. في قوله تعالى: «كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ» (10) ...في [الحديث] الرابع عشر والمائتين (214)

33. في قوله تعالى: «أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ» (11) الآية ...في [الحديث] السابع والثلاثين والمائتين (237)

34. في قوله تعالى: «اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ» (12) ...في [الحديث] الثامن والثلاثين والمائتين (238)

35. في قوله تعالى: «وَحَسِبُوا أَلاّ تَكُونَ فِتْنَةٌ» (13) ...في [الحديث] التاسع والثلاثين والمائتين (239)

36. في قوله تعالى: «لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ» (14) ...في [الحديث] الأربعين والمائتين (240)

37. في قوله تعالى: «فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ» (15) الآية ...في [الحديث] الحادي والأربعين والمائتين (241)

ص: 32


1- .المجادلة(58): 7.
2- .الزخرف(43): 79.
3- .الحجرات(49): 9.
4- .النجم(53): 53.
5- .آل عمران(3): 103.
6- .آل عمران(3): 92.
7- .النساء(4): 66.
8- .النساء(4): 63.
9- .النساء(4): 59.
10- .القمر(54): 23.
11- .البقرة(2): 243.
12- .يوسف(12): 87.
13- .المائدة(5): 71.
14- .المائدة(5): 78.
15- .الأ نعام(6): 33.

38. في قوله تعالى: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللّهِ» (1) الآية ...في [الحديث] الثاني والأربعين والمائتين (242)

39. في قوله تعالى: «وَقاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ» (2) ...في [الحديث] الثالث والأربعين والمائتين (243)

40. في قوله تعالى: «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى» (3) ...في [الحديث] الرابع والأربعين والمائتين (244)

41. في قوله تعالى: «أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ» (4) الآية ...في [الحديث] الخامس والأربعين والمائتين (245)

42. في قوله تعالى: «وَإِذا مَسَّ الْاءِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ» (5) ...في [الحديث] السادس والأربعين والمائتين (246)

43. في قوله تعالى: «ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ» (6) ...في [الحديث] السابع والأربعين والمائتين (247)

44. في قوله تعالى: «لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ» (7) ...في [الحديث] الثامن والأربعين والمائتين (248)

45. في قوله تعالى: «وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً» (8) ...في [الحديث] التاسع والأربعين والمائتين (249)

46. في قوله تعالى: «وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ» (9) الآية ...في [الحديث] الخمسين والمائتين (250)

47. في قوله تعالى: «ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ» (10) ...في [الحديث] الثالث والثمانين والمائتين (283)

48. في قوله تعالى: «أَ فَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ» (11) الآية ...في [الحديث] الثمانين والمائتين (280)

ص: 33


1- .الأ نعام(6): 93.
2- .الأ نفال(8): 39.
3- .الأ نفال(8): 70.
4- .التوبة(9): 19.
5- .الزمر(39): 8.
6- .المائدة(5): 95 و106.
7- .المائدة(5): 101.
8- .الأ نعام(6): 115.
9- .الإ سراء(17): 4.
10- .الزمر(39): 29.
11- .الشعراء(26): 205.

49. في قوله تعالى: «فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ» (1) ...في [الحديث] الحادي والثمانين والمائتين (281)

50. في قوله تعالى: «وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ» (2) ...في [الحديث] الرابع والتسعين والمائتين (294)

51. في قوله تعالى: «بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ» (3) ...في [الحديث] الثالث والثلاثمائة (303)

52. في قوله تعالى: «بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ» (4) في قوله تعالى: «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ» (5) ...في [الحديث] الخامس والعشرين والثلاثمائة (325)

53. في قوله تعالى: «وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ» (6) ...في [الحديث] السادس (6) و...في [الحديث] الثاني والثلاثين (32) و...في [الحديث] الرابع والمائة (104)

54. في قوله تعالى: «بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ» (7) ...في [الحديث] الرابع والثلاثين والثلاثمائة (334)

55. في قوله تعالى: «وَما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ» (8) ...في [الحديث] الحادي والأربعين والثلاثمائة (341) ...وفي [الحديث] الثامن والتسعين والثلاثمائة (398)

56. في قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ» (9) وقوله: «وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاّ يَعْلَمُها» (10) وقوله: «سِيرُوا فِي الْأَ رْضِ» (11) وقوله: «إِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ» (12) ...في [الحديث] التاسع والأربعين والثلاثمائة (349) 57. في قوله تعالى: «يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا» (13) ...في [الحديث] السادس والأربعين والثلاثمائة (346)

ص: 34


1- .النور(24): 63.
2- .المؤمنون(23): 60.
3- .الأ نبياء(21): 26.
4- .القلم(68): 6.
5- .محمّد(47): 22.
6- .ص(38): 62.
7- .الأ نبياء(21): 18.
8- .آل عمران(3): 144.
9- .الأ نفال(8): 24.
10- .الأ نعام(6): 59.
11- .الروم(30): 42.
12- .الصافّات(37): 137.
13- .يس(36): 52.

58. في قوله تعالى: «وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ» (1) ...في [الحديث] الرابع والخمسين والثلاثمائة (354)

59. في قوله تعالى: «كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً» (2) ...في [الحديث] الخامس والخمسين والثلاثمائة (355)

60. في قوله تعالى: «وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً» (3) ...في [الحديث] الرابع والستّين والثلاثمائة (364)

61. في قوله تعالى: «وأَمّا (4) إِنْ كانَ مِنَ أصْحَابِ الْيَمِينِ» (5) ...في [الحديث] الثالث والسبعين والثلاثمائة (373)

62. في قوله تعالى: «وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ» (6) الآية ...في [الحديث] السابع والثمانين والثلاثمائة (387)

63. في قوله تعالى: «قُلِ اللّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ» (7) ...في [الحديث] التاسع والثمانين والثلاثمائة (389)

64. في قوله تعالى: «اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها» (8) ...في [الحديث] التسعين والثلاثمائة (390)

65. في قوله تعالى: «فَلَمّا رَأَوْهُ زُلْفَةً» (9) ...في [الحديث] الثاني والتسعين والثلاثمائة (392) و...في [الحديث] الرابع والثلاثين والأربعمائة (434)

66. في قوله تعالى: «الم غُلِبَتِ الرُّومُ» (10) ...في [الحديث] السابع والتسعين والثلاثمائة (397)

67. في قوله تعالى: «وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ» (11) ...في [الحديث] الثامن والتسعين والثلاثمائة (398)

68. في قوله تعالى: «ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ» (12) ...في [الحديث] السابع والعشرين والأربعمائة (427)

ص: 35


1- .الأ نبياء(21): 84.
2- .يونس(10): 27.
3- .الإ سراء(17): 33.
4- .هكذا في المصحف الشريف. وفي النسخة: «فأمّا».
5- .الواقعة(56): 90.
6- .الإ سراء(17): 46.
7- .آل عمران(3): 26.
8- .الحديد(57): 17.
9- .الملك(67): 27.
10- .الروم(30): 1 و2.
11- .البقرة(2): 253.
12- .الأ نعام(6): 143.

69. في قوله تعالى: «هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلاّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ» (1) ...في [الحديث] الحادي والثلاثين والأربعمائة (431)

70. في قوله تعالى: «قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ (2) وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ» (3) الآيات وقوله: «يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ» (4) وقوله: «رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ» (5) وقوله: «قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ» (6) ...في [الحديث] الثاني والثلاثين والأربعمائة (432)

71. في قوله تعالى: «فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ» (7) ...في [الحديث] الثالث والثلاثين والأ ربعمائة (433)

72. في قوله تعالى: «أَ فَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ» (8) وقوله: «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ» (9) ...في [الحديث] الرابع والثلاثين والأربعمائة (434)

73. في قوله تعالى: «أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ» (10) ...في [الحديث] الرابع والثلاثين والأ ربعمائة (434) ...وفي [الحديث] السادس والخمسمائة (506)

74. في قوله تعالى: «إِذا تَوَلّى سَعى فِي الْأَرْضِ» (11) الآية ...في [الحديث] الخامس والثلاثين والأ ربعمائة (435)

75. في قوله تعالى: «وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطّاغُوتُ» (12) ...في [الحديث] السادس والثلاثين والأربعمائة (436) ...وفي [الحديث] الثامن والثلاثين والأربعمائة (438)

76. في قراءة آية الكرسي ...في [الحديث] السابع والثلاثين والأربعمائة (437) ...في [الحديث] الثامن والثلاثين والأربعمائة (438)

ص: 36


1- .التوبة(9): 52.
2- .هكذا في المصحف الشريف. وفي النسخة: «أجراً» بدل «من أجر».
3- .ص(38): 86.
4- .المعارج(70): 26.
5- .الأنعام(6): 23.
6- .الإسراء(17): 81.
7- .النحل(16): 98.
8- .الملك(67): 22.
9- .النساء(4): 31.
10- .النساء(4): 77.
11- .البقرة(2): 205.
12- .البقرة(2): 257.

77. في قوله تعالى: «وَزُلْزِلُوا حَتّى يَقُولَ الرَّسُولُ» (1) ...في [الحديث] التاسع والثلاثين والأربعمائة (439)

78. في قوله تعالى: «وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ» (2) و قوله: «سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ» (3) ...في [الحديث] الأربعين والأربعمائة (440) 79. في قوله تعالى: «مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً» (4) ...في [الحديث] الحادي والستّين والأربعمائة (461)

80. في قوله تعالى: «يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ [وَيُؤْمِنُونَ بِهِ] وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا» (5) ...في [الحديث] السبعين والأربعمائة (470)

81. في قوله تعالى: «وَإِذا ذُكِرَ اللّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْاخِرَةِ» (6) ...في [الحديث] الحادي والسبعين والأربعمائة (471)

82. في قوله تعالى: «فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ» (7) ...في [الحديث] الثاني والسبعين والأربعمائة (472)

83. في قوله تعالى: «رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى» (8) ...في [الحديث] الثالث والسبعين والأربعمائة (473)

84. في قوله تعالى: «وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا» (9) ...في [الحديث] الحادي والثمانين والأربعمائة (481) ...في [الحديث] الثاني والثمانين والأربعمائة (482)

85. في قوله تعالى: «وَإِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً» (10) ...في [الحديث ]الثالث والثمانين والأربعمائة (483)

86. في قوله تعالى: «وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ» (11)

ص: 37


1- .البقرة(2): 214.
2- .البقرة(2): 102.
3- .البقرة(2): 211.
4- .الحديد(57): 11.
5- .غافر(40): 7.
6- .الزمر(39): 45.
7- .البقرة(2): 37.
8- .البقرة(2): 260.
9- .البقرة(2): 89.
10- .الشعراء(26): 4.
11- .سبأ(34): 18.

وقوله: «فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ» (1)

في [الحديث] الخامس والثمانين والأربعمائة (485)

87. في قوله تعالى: «إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ» (2) ...في [الحديث] السادس والثمانين والأربعمائة (486)

88. في قوله تعالى: «فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً» (3) ...في [الحديث] السابع والثمانين والأربعمائة (487)

89. في قوله تعالى: «إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً» (4) ...في [الحديث] الثامن والتسعين والأربعمائة (498)

90. في قوله تعالى: «إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التّابُوتُ» (5) ...في [الحديث] التاسع والتسعين والأربعمائة (499) ...في [الحديث] الخمسعمائة (500)

91. في قوله تعالى: «أَوْ جاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ» (6) ...في [الحديث] الرابع والخمسمائة (504)

92. في قوله تعالى: «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ» (7) ...في [الحديث] العاشر والخمسمائة (510)

93. في قوله تعالى: «رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاّنا» (8) ...في [الحديث] الثالث والعشرين والخمسمائة (523)

94. في قوله تعالى: «إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ» (9) ...في [الحديث] الخامس والعشرين والخمسمائة (525)

95. في قوله تعالى: «أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ» (10) ...في [الحديث] السادس عشر والخمسمائة (516)

96. في قوله تعالى: «وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِ لْحادٍ بِظُلْمٍ» (11) ...في [الحديث] الثالث والثلاثين والخمسمائة (533)

ص: 38


1- .النساء(4): 63.
2- .إبراهيم(14): 37.
3- .الفجر(89): 14.
4- .البقرة(2): 148.
5- .البقرة(2): 247.
6- .البقرة(2): 248.
7- .النساء(4): 90.
8- .النور(24): 36.
9- .فصّلت(41): 29.
10- .النساء(4): 108.
11- .الحجّ(22): 25.

97. في قوله تعالى: «الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ» (1) ...في [الحديث] الرابع والثلاثين والخمسمائة (534)

98. في قوله تعالى: «يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ» (2) ...في [الحديث] الخامس والثلاثين والخمسمائة (535)

99. في قوله تعالى: «وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ» (3) ...في [الحديث] الرابع والخمسين والخمسمائة (554)

100. في قوله تعالى: «وَما تُغْنِي الْاياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ» (4) ...في [الحديث] الخامس والخمسين والخمسمائة (555)

101. في قوله تعالى: «وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ» (5) ...في [الحديث] الثامن والستّين والخمسمائة (568)

102. في قوله تعالى: «التّائِبُونَ الْعابِدُونَ» (6) ...في [الحديث] التاسع والستّين والخمسمائة (569)

103. في قوله تعالى: «لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ» (7) ...في [الحديث] السبعين والخمسمائة (570)

104. في قوله تعالى: «فَأَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ» (8) ...في [الحديث] الحادي والسبعين والخمسمائة (571)

105. في قوله تعالى: «فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ» (9) ...في [الحديث] الثاني والسبعين والخمسمائة (572)

106. في قوله تعالى: «وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النّاسَ أُمَّةً واحِدَةً» (10) ...في [الحديث] الثالث والسبعين والخمسمائة (573)

107. في قوله تعالى: «وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً» (11)

وقوله: «مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها» (12)

وقوله: «قُلْ ما سَأَ لْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ» (13)

وقوله: «قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ» (14)

ص: 39


1- .الشورى(42): 23.
2- .ص(38): 86.
3- .الحجّ(22): 40.
4- .المائدة(5): 109.
5- .يونس(10): 2.
6- .يونس(10): 101.
7- .التوبة(9): 118.
8- .التوبة(9): 112.
9- .التوبة(9): 128.
10- .التوبة(9): 40.
11- .هود(11): 12.
12- .هود(11): 118.
13- .النحل(27): 89؛ القصص(28): 84.
14- .سبأ(34): 47.

وقوله: «أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ» (1)

وقوله: «وَيَمْحُ اللّهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ» (2)

وقوله: «وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا»(3)

وقوله: «وَالنَّجْمِ إِذا هَوى» (4)

وقوله: «قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ» (5)

وقوله: «جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً» (6)

وقوله: «وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ» (7)

وقوله: «ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ» (8)

وقوله: «وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا» (9)

وقوله: «اللّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» (10)

وقوله: «رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ» (11)

وقوله: «إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً» (12) الآية ...في [الحديث] الرابع والسبعين والخمسمائة (574)

108. في قوله تعالى: «رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا» (13) في [الحديث] السادس والستّين والخمسمائة (566)

109. في قوله تعالى: «ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النّاسُ» (14)...في [الحديث] التاسع والثلاثين والثلاثمائة (339)

الباب السادس: فضل أهل البيت وموالاتهم ومحبّتهم والذبّ عنهم ومدح شيعتهم

الباب السادس: فضل أهل البيت وموالاتهم ومحبّتهم والذبّ (15) عنهم ومدح شيعتهم

1.خرج النبي صلى الله عليه و آله ذات يوم وهو مستبشر في [الحديث] العاشر (10)

2. قول النبي صلى الله عليه و آله لعليّ عليه السلام : «إنّ فيك شَبَهاً من عيسى ابن مريم عليه السلام » في [الحديث] الثامن عشر (18)

ص: 40


1- .الشورى(42): 24.
2- .الشورى(42): 24.
3- .الأ نبياء(21): 3.
4- .النجم(53): 1.
5- .الأ نعام(6): 58.
6- .يونس(10): 5.
7- .يس(36): 37.
8- .البقرة(2): 17.
9- .هكذا في المصحف الشريف سورة الكهف(18): الآية 57. وفي النسخة: «لا يسمعوا» بدل «فلن يهتدوا».
10- .النور(24): 35.
11- .هود(11): 73.
12- .آل عمران(3): 33.
13- .سبأ(34): 19.
14- .البقرة(2): 199.
15- .«الذبّ»: الدفع والمنع والمدافعة والحماية. اُنظر: كتاب العين، ج8، ص178؛ لسان العرب، ج1، ص380 (ذبب).

3. حديث الشيخ مع الباقر عليه السلام ...في [الحديث] الثلاثين (30)

4. حديث بايع الزَّيت ...في [الحديث] الحادي والثلاثين (31)

5. حديث أبي جعفر عليه السلام ...في [الحديث] الخامس والثلاثين (35)

6. لا سيف إلّا ذو الفقار، ولا فتى إلّا علي ...في [الحديث] التسعين (90)

7. قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «ادْعُوا لي خليلي» وقول علي عليه السلام : «حدّثني رسول اللّه صلى الله عليه و آله بألف باب من العلم» ...في [الحديث] الثالث والعشرين والمائة (123)

8. طاعة عليّ ذُلّ، ومعصيته كفر ...في [الحديث] الثاني والثمانين والمائة (182)

9. إذا أخذ عليّ بن الحسين عليه السلام كتاب عليّ عليه السلام ، قال: «من يُطيق هذا؟» ...في [الحديث] الثاني والسبعين والمائة (172)

10. نحن بنو هاشم وشيعتنا العرب ...في [الحديث] الثالث والثمانين والمائة (183)

11. نحن قريش وشيعتنا العرب ...في [الحديث] الرابع والثمانين والمائة (184) (1)

12. إنشاد الكميت ...في [الحديث] الثاني والستّين والمائتين (262)

13. الناس ثلاثة ...في [الحديث] السابع والثمانين والمائتين (287)

14. نفي الربوبيّة عنهم عليهم السلام ...في [الحديث] الثالث والثلاثمائة (303) ...وفي [الحديث] السادس والثمانين والمائتين (286)

15. من قعد في مجلس يُسَبُّ فيه إمام ...في [الحديث] الخامس عشر والثلاثمائة (315)

16. قول أبي الحسن عليه السلام : «إلينا إياب هذا الخلق» ...في [الحديث] السابع والستّين والمائة (167)

17. شدّة ابتلاء الأئمّة عليهم السلام ...في [الحديث] الثاني والخمسين والثلاثمائة (352)

18. قول أبي عبد اللّه عليه السلام : «نحن أصل كلّ خير» ...في [الحديث] السادس والثلاثين والثلاثمائة (336)

19. حرب عليّ عليه السلام شرّ من حرب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ...في [الحديث] الثالث والخمسين والثلاثمائة (353)

20. عَرضُ الأعمال على النبي صلى الله عليه و آله ...في [الحديث] الحادي والستّين والثلاثمائة (361)

21. ما أحدٌ من هذه الاُمّة يَدينُ بدين إبراهيم عليه السلام إلّا الأئمّة عليهم السلام وشيعتهم ...في [الحديث] التاسع والخمسين والثلاثمائة (359)

22. عجبٌ للعرب كيف لا تَحملنا على رؤوسها؟! ...في [الحديث] الثامن والثمانين والثلاثمائة (388)

ص: 41


1- .في النسخة: «المائتين» بدل «المائة»، وهو سهو.

23. لا يزال حقّ آل محمّد واجباً على المسلمين إلى يوم القيامة ...في [الحديث] الخامس والأربعين والمائة (145)

24. فرضُ الولاية ...في [الحديث] التاسع والتسعين والثلاثمائة (399)

25. قول رجل لرسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّي اُصلّي، فاجعل بعض صلاتي لك ...في [الحديث] الرابع عشر والأربعمائة (414)

26. عَليٌّ أولى الناس بعد النبي صلى الله عليه و آله ...في [الحديث] العشرين والخمسمائة (520)

27. قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعليّ عليه السلام : «من أحبّك فقد قَضى نَحبه» ...في [الحديث] الخامس والسبعين والأربعمائة (475)

28. في أنّهم عليهم السلام ورثوا العفو من آل يعقوب، والشكر من آل داود ...في [الحديث] الثمانين والأربعمائة (480)

29. لا يحبّنا من العرب والعجم إلّا أهل البيوتات والشرف ...في [الحديث] السابع والتسعين والأربعمائة (497)

30. من كان قلبه موافقاً لهم عليهم السلام كان ناجياً، ومن كان قلبه مخالفاً لهم كان هالكاً ...في [الحديث] الحادي والثمانين والخمسمائة (581)

31. في مدح الشيعة وذمّ الناصب ...في [الحديث] الثاني والسبعين (72)

32. من شكى إلى مؤمن كانت شكواه إلى اللّه ...في [الحديث] الثالث عشر والمائة (113)

33. حديث أبي عبد اللّه عليه السلام مع أبي بصير ...في [الحديث] السادس (6)

34. حديثه عليه السلام مع ميسّر ...في [الحديث] الثاني والثلاثين (32)

35. حديثه عليه السلام مع سعيد بن يسار ...في [الحديث] السادس والثلاثين (36)

36. حديثه عليه السلام مع عبد اللّه بن الوليد ...في [الحديث] الثامن والثلاثين (38)

37. حرمة الاستخفاف بالشيعة ...في [الحديث] الثالث والسبعين (73)

38. الإيمان لا يضرّ معه العمل، والكفر لا ينفع معه العمل ...في [الحديث] الثمانين (80)

39. الحُرَم خَمس ...في [الحديث] الثاني والثمانين (82)

40. إذا بلغ المؤمن أربعين سنة آمنه اللّه من الأدواء الثلاثة ...في [الحديث] الثالث والثمانين (83)

41. حديث إبليس ...في [الحديث] الخامس والمائة (105)

ص: 42

42. إذا استقرّ أهلُ النار يَفقدون الشيعة ...في [الحديث] الرابع والمائة (104)

43. الإبليس إنّما صَمَدَ للشيعة وحده ...في [الحديث] الثامن عشر والمائة (118)

44. دخول يحيى بن سابور على أبي عبد اللّه عليه السلام ...في [الحديث] التاسع عشر والمائة (119)

45. الميّت على هذا الأمر رشيد وإن مات على فراشه ...في [الحديث] العشرين والمائة (120)

46. ما أحد أحبّ إليهم عليهم السلام من الشيعة ...في [الحديث] الحادي والعشرين والمائة (121)

47. وجوب الستر على المؤمن وإن شهد خمسون قَسامة ...في [الحديث] الخامس والعشرين والمائة (125)

48. الناس أهل رياء غير الشيعة، وإنّ اللّه جعل المتعة عوضاً لهم من الأشربة ...في [الحديث] الثالث والثلاثين والمائة (133)

49. لِمَ سُمّي المؤمنُ مؤمناً؟ ...في [الحديث] الحادي والستّين والمائة (161)

50. كلّ شيء حرام على غير وليّ عليّ عليه السلام ...في [الحديث] الثالث والستّين والمائة (163)

51. وليّ عليّ [ عليه السلام ]لا يأكل [إلّا] الحلال ...في [الحديث] الثالث والسبعين والمائة (173)

52. آخى رسول اللّه صلى الله عليه و آله بين سلمان وأبي ذرّ ...في [الحديث] الثامن والستّين والمائة (168)

53. لكلّ مؤمن حافظ وسائب ...في [الحديث] الخامس والتسعين والمائة (195)

54. مدح الشيعة ...في [الحديث] التاسع والخمسين والمائتين (259) ...وفي [الحديث] الستّين والمائتين (260) ...وفي [الحديث] الثامن والعشرين والثلاثمائة (328)

55. قول أبي عبد اللّه عليه السلام : «أشكو إلى اللّه وحده» ...في [الحديث] الحادي والستّين والمائتين (261)

56. الناس طبقات ثلاث ...في [الحديث] الخامس والسبعين والمائتين (275)

57. فرق الناس والناجي والهالك فيهم ...في [الحديث] الثالث والثمانين والمائتين (283)

58. إنّما العيش في مجالسة المؤمنين ومحادثتهم ...في [الحديث] الثاني والتسعين والمائتين (292)

59. إنّ اللّه أعطى المؤمن ثلاث خصال ...في [الحديث] العاشر والثلاثمائة (310)

60. ثلاث هنّ فخر المؤمن ...في [الحديث] الحاديعشر والثلاثمائة (311)

61. عدم قبول العبادة من غير الشيعة ...في [الحديث] السادس عشر والثلاثمائة (316) ...وفي [الحديث] الثامن عشر والثلاثمائة (318)

ص: 43

62. من أحبّ الشيعة على ما هم عليه دخل الجنّة وإن لم يقل بقولهم في [الحديث] السابع والستّين والثلاثمائة (367)

63. شيعتنا حواريّون ...في [الحديث] السادس والتسعين والثلاثمائة (396)

64. الشيعة نور في ظلمات الأرض ...في [الحديث] الخامس عشر والأربعمائة (415)

65. الناس كلّهم أولاد بغايا ما خلا الشيعة ...في [الحديث] الحادي والثلاثين والأربعمائة (431)

66. للّه _ عزّ وجلّ _ ملائكة يسقطون الذنوب عن ظهور الشيعة ...في [الحديث] السبعين والأربعمائة (470)

67. إنّ اللّه زيّن الشيعة بالحلم، وغشّاهم بالعلم ...في [الحديث] الرابع والتسعين والأربعمائة (494)

68. حبّ الشيعة يوجب دخول الجنّة، وبغضه يوجب دخول النار ...في [الحديث] الخامس والتسعين والأربعمائة (495)

69. قول أبي عبد اللّه عليه السلام : «عاديتم فينا الآباء والأبناء والأزواج» ...في [الحديث] التاسع عشر والخمسمائة (519)

70. تَعْجَبُ الملائكةُ من اشتغال الشيعة بذكر فضل آل محمّد مع قتلهم وكثرة عدوّهم ...في [الحديث] الحادي والعشرين والخمسمائة (521)

71. المراد بالفتى المؤمن لا الشابّ ...في [الحديث] الخامس والتسعين والخمسمائة (595)

72. الشيعة لا يدخل النار اثنان منهم ولا واحد ...في [الحديث] الثاني والثلاثين (32)

73. حديث «الناس وأشباه الناس والنَّسناس» ...في [الحديث] التاسع والثلاثين والثلاثمائة (339)

74. إنّ للّه تعالى عباداً مَيامين مَياسير ...في [الحديث] الخامس والأربعين والثلاثمائة (345)

75. فيما ينبغي للمؤمن من الخوف والرجاء ...في [الحديث] الثاني والستّين والأربعمائة (462)

الباب السابع: النصيحة للمؤمن ورعاية حرمته

1. وجوب النصيحة للمؤمن ...في [الحديث] التاسع والستّين والمائة (169)

2. إنّ اللّه يحفظ من يحفظ صديقه ...في [الحديث] السادس والستّين والمائة (166)

3. وجوب زَبْر المؤمن ونهيه إذا بلغ عنه ما يَشينه ويَشين اللّه ...في [الحديث] الخمسين والمائة (150)

4. النهي عن الحمل على الشيعة، ووجوب الرفق بهم ...في [الحديث] الثاني والعشرين والخمسمائة (522)

ص: 44

5. إذا قال المؤمن لأخيه: «اُفّ»، خرج من ولايته ...في [الحديث] السادس والخمسين والخمسمائة (556)

6. استحباب التزاور والتعاهد ...في [الحديث] الرابع عشر والخمسمائة (514)

7. استحباب إجابة المؤمن وصحّة ضمان البري? ...في [الحديث] الرابع عشر والخمسمائة (514)

8. حديث عبد الأعلى مع أبي عبد اللّه وإسماعيل عليهماالسلام ...في [الحديث] الثاني والثمانين والمائتين (282)

9. الحُرَم خمس (1) ...في [الحديث] الثاني والثمانين (82)

الباب الثامن: الامتحان والاختبار

1. لو مَيّزتُ شيعتي ما وجدتم (2) إلّا واصفة ...في [الحديث] التسعين والمائتين (290)

2. لا يستحقّ عبد حقيقة الإيمان حتّى يكون الموت [أحبّ] إليه من الحياة ...في [الحديث] السابع والخمسين والثلاثمائة (357)

3. قول أبي جعفر عليه السلام : «من فيكم يَطيب (3) نفسه أن يأخذ جَمْرة بكفّه» ...في [الحديث] التاسع والثمانين والمائتين (289)

4. خالطوا الناس تَخبرهم ...في [الحديث] السادس والتسعين والمائة (196)

الباب التاسع: التواضع والنهي عن المُمارات

1. من خصف نعله ورقّع ثوبه وحمل سِلعته فقد برئ من الكبر ...في [الحديث] الثاني والثلاثمائة (302)

2. الويل للممارئ والمُخاصم، ومن كثر كلامه في غير ذات اللّه ...في [الحديث] السابع والثمانين والخمسمائة (587)

3. لا حسب لقرشي ولا لعربي إلّا بتواضع ...في [الحديث] الثاني عشر والثلاثمائة (312)

الباب العاشر: التقليد من الشبهة

الباب العاشر: التقليد من الشبهة (4)

1. من كانت له حقيقة ثابتة لم يقم [على] شبهة هامدة ...في [الحديث] الثالث والثلاثين والثلاثمائة (333)

ص: 45


1- .هذا، وقد مضى هذا العنوان بعينه في الباب السابق، الرقم 39.
2- .في كلتا الطبعتين للكافي: «لم أجدهم» بدل «ما وجدتم».
3- .في كلتا الطبعتين للكافي: «من منكم تطيب» بدل «من فيكم يطيب».
4- .كذا قرأناه.
الباب الحادي عشر: ذكر جماعة من الممدوحين والمذمومين والمستضعفين

1. ما يدلّ على مدح زيد بن علي عليه السلام ...في [الحديث] الرابع والستّين والمائة (164) ...وفي [الحديث] الخامس والستّين والمائة (165) ...وفي [الحديث] الحادي والخمسين والثلاثمائة (351)

2. مدح معلّى بن خنيس ...في [الحديث] التاسع والستّين والأربعمائة (469)

3. مدح مفضّل بن عمر وذمّ حُجر بن زائدة وعامر بن جُذاعة ...في [الحديث] الحادي والستّين والخمسمائة (561)

4. ذمّ الرجلين وكفرهما ولعنهما ...في [الحديث] الرابع والسبعين (74) ...وفي [الحديث] الخامس والسبعين (75) ...وفي [الحديث] الأربعين والثلاثمائة (340) ...وفي [الحديث] الثالث والأربعين والثلاثمائة (343)

5. كفر الأوّل ...في [الحديث] السابع والسبعين والثلاثمائة (377)

6. ذمّ الثاني وتكذيبه بقول أمير المؤمنين عليه السلام ...في [الحديث] السادس والسبعين (76)

7. إنكار الثاني حقّ آل محمّد ومودّتهم بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ...في [الحديث] الخامس والأربعين والمائة (145)

8. ارتدّ الأنصار ومبايعتهم سعد بن عبادة ...في [الحديث] الخامس والخمسين والأربعمائة (455)

9. صار الناس بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله بمنزلة من اتّبع هارون ومن اتّبع العِجل ...في [الحديث] السادس والخمسين والأربعمائة (456)

10. كان الناس أهلَ رِدَّة بعد النبي صلى الله عليه و آله إلّا ثلاثة ...في [الحديث] الحادي والأربعين والثلاثمائة (341)

11. هلكوا بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلّا ثلاثة ...في [الحديث] السادس والخمسين والثلاثمائة (356)

12. ذمّ عَبّاد بن كثير البصري الصوفي ...في [الحديث] الحادي والثمانين (81)

13. ذمّ خالد بن عبد اللّه القَسْري ...في [الحديث] الحادي والتسعين (91)

14. ذمّ نافع مولى عمر بن الخطّاب ...في [الحديث] الثالث والتسعين (93)

15. ذمّ أشعثَ بن قَيْسٍ ...في [الحديث] السابع والثمانين والمائة (187)

16. ليس يموت من بني اُميّة ميّت إلّا مسخ وزغاً ...في [الحديث] الخامس والثلاثمائة (305)

ص: 46

17. قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله لمروان بن الحكم: «الوزغ ابن الوزغ» ...في [الحديث] الثالث والعشرين والثلاثمائة (323) ...وفي [الحديث] الرابع والعشرين والثلاثمائة (324)

18. لعنُ المُرجئة ...في [الحديث] السابع عشر والأربعمائة (417)

19. لعن أبي الخطّاب محمّد بن المِقْلاص ...في [الحديث] السادس (1) والثمانين والمائتين (286)

20. إنّ ممّن يَنتحل هذا الأمرَ لَيَكذب حتّى إنّ الشيطان ليحتاج إلى كذبه ...في [الحديث] الثاني والستّين والثلاثمائة (362)

21. ذمّ الزيديّة ...في [الحديث] الثامن والخمسين والمائة (158) ...وفي [الحديث] الرابع عشر والثلاثمائة (314)... وفي [الحديث] الحادي والخمسين والثلاثمائة (351)

22. آدم بن قياما ...في [الحديث] السادس والأربعين والخمسمائة (546)

23. سبب عدم قتل رسول اللّه صلى الله عليه و آله أهلَ النفاق ...في [الحديث] الرابع والأربعين والخمسمائة (544)

24. ضعف إسلام عبّاس وعقيل ...في [الحديث] السادس عشر والمائتين (216)

الباب الثاني عشر: في الاحتجاج وحجج اللّه على عباده

1. احتجاج أبي جعفر عليه السلام على عبد اللّه بن نافع الخارجي ...في [الحديث] الثامن والأربعين والخمسمائة (548)

2. احتجاجه عليه السلام على قَتادة ...في [الحديث] الخامس والثمانين والأربعمائة (485)

3. الحديث القُدسي ...في [الحديث] السبعين والمائتين (270)

4. أخذُ علي عليه السلام على الناس البيعة أن يمنعوا محمّداً وذرّيّته ممّا يمنعون منه أنفسهم وذراريّهم ...في [الحديث] الرابع والسبعين والثلاثمائة (374)

5. في أنّ العامّة يزعمون أنّ بيعة أبي بكر كانت رضاً للّه عزّ وجلّ ...في [الحديث] الثامن والتسعين والثلاثمائة (398)

6. الرجل حجّة لأهل بيته ...في [الحديث] الثاني والأربعين (42)

ص: 47


1- .الصحيح هكذا بملاحظة كلتا الطبعتين، لكن في النسخة: «الرابع» بدل «السادس».

7. الرجل حجّة لجيرانه ...في [الحديث] الثالث والأربعين (43)

8. تؤتى بالمرأة الحسناء وغيرها يوم القيامة ويُحتجّ عليهم ...في [الحديث] الحادي والتسعين والمائتين (291)

9. إنّ العبد لفي فُسحة من أمره ما بينه وبين أربعين سنة ...في [الحديث] الرابع والثمانين (84)

الباب الثالث عشر: في الحسب والنسب

1. حديث رسول اللّه صلى الله عليه و آله ...في [الحديث] الرابع والثلاثين (34)

2. خطبته صلى الله عليه و آله يوم فتح مكّة ...في [الحديث] الثاني والأربعين والثلاثمائة (342)

3. لا حسب لقرشي ولا لعربي إلّا بالتواضع ...في [الحديث] الثاني عشر والثلاثمائة (312)

4. قصّة سلمان مع نفر من قريش في المسجد ...في [الحديث] الثالث والمائتين (203)

5. كلّ نسب وسبب منقطع إلّا ما أثبته القرآن ...في [الحديث] الخامس والثلاثين والثلاثمائة (335)

6. الجزاء بالأعمال لا بالحسب والنسب ...في [الحديث] السادس والتسعين والمائتين (296)

7. حديث مالك بن عَطيّة ...في [الحديث] الخامس والتسعين والثلاثمائة (395)

8. رجل أصاب أباه سَبي في الجاهليّة ...في [الحديث] التاسع والثلاثمائة (309)

9. نسب عمر بن الخطّاب والعبّاس ...في [الحديث] الثاني والسبعين والثلاثمائة (372)

10. حديث من وُلد في الإسلام ...في [الحديث] السادس والعشرين والمائة (126)

الباب الرابع عشر: المداراة والتقيّة والتستّر والمعاشرة والاُلفة مع الناس

1. حديث أبي الحسن عليه السلام في المَسعى ...في [الحديث] الثامن والأربعين

2. حديث أبي عبد اللّه عليه السلام مع السالحين (1) ...في [الحديث] التاسع والأربعين (49)

3. حديثه عليه السلام مع غلامه ...في [الحديث] الخمسين (50)

4. لا تحدّثوا بالحكمة غير أهلها ...في [الحديث] الخامس والأربعين والخمسمائة (545)

5. في أنّهم عليهم السلام يكلّمون على سبعين وجهاً ...في [الحديث] السبعين (70)

ص: 48


1- .كذا في النسخة. ومعنى «السالحين» بالسين المهملة قد مضى _ وهو اسم موضع _ والأنسب على هذا: «في السالحين» بدل «مع السالحين» كما جاء في متن الخبر.

6. الأمر بالحذر من أوثق الناس ...في [الحديث] الخمسين والثلاثمائة (350)

7. علاجُ من ضاقَ صدرُه من كتمان السرّ ...في [الحديث] التاسع والأربعين والمائة (149)

8. النهي عن التشهير ...في [الحديث] الثاني والستّين والخمسمائة (562)

9. حديث محمّد بن سنان مع أبي الحسن الرضا عليه السلام ...في [الحديث] الحادي والسبعين والثلاثمائة (371)

10. حديث أبي عبد اللّه عليه السلام ...في [الحديث] الحادي والخمسين (51)

11. حديث أبي بصير مع المرأة ...في [الحديث] الحادي والسبعين (71) ...وفي [الحديث] التاسع عشر والثلاثمائة (319)

12. إيّاكم وذكر عليّ وفاطمة عليهماالسلام عند المخالفين ...في [الحديث] السادس والخمسين والمائة (156)

13. السكوت عن ذكر صنميهم ...في [الحديث] الخامس عشر والمائتين (215)

14. دخولُ مُصعبٍ العَبدي على أبي عبد اللّه عليه السلام ...في [الحديث] الثالث والستّين والمائتين (263)

15. كفّ الألسنة عن الناس ...في [الحديث] السابع والثلاثين والخمسمائة (537)

16. قول أبي عبد اللّه عليه السلام : «رحم اللّه عبداً حبّبنا إلى الناس» ...في [الحديث] الثالث والتسعين والمائتين (293)

17. حديث جعفر بن محمّد عليه السلام مع الدوانيقي حين أراد تخريب المدينة ...في [الحديث] الثمانين والأربعمائة (480)

18. بيعة أمير المؤمنين عليه السلام أبا بكر مُكرهاً، والعلّة في ذلك ...في [الحديث] الرابع والخمسين والأربعمائة (454)

19. الأمر بالمُخالطة مع الناس ...في [الحديث] الخامس والخمسين والمائة (155)

20. الصبر في دولة الباطل ...في [الحديث] السادس والأربعين والثلاثمائة (346)

21. فضل المعرفة والزهد والصبر على النوائب ...في [الحديث] السابع والأربعين والثلاثمائة (347)

22. شكاية أبي عبد اللّه عليه السلام من وحدته وتَقَلقُله بين أهل المدينة ...في [الحديث] الحادي والستّين والمائتين (261)

الباب الخامس عشر: الطَّيْرَة والعَدوى

1. لا طَيرة ولا عَدوى ...في [الحديث] الرابع والثلاثين والمائتين (234)

2. الطَّيرة على ما تَجعلها ...في [الحديث] الخامس والثلاثين والمائتين (235)

ص: 49

3. كفّارة الطَّيرة التوكّل ...في [الحديث] السادس والثلاثين والمائتين (236)

الباب السادس عشر: الاستخارة

1. من استخار اللّه راضياً بما صنع اللّه خار اللّه له ...في [الحديث] الثلاثين والثلاثمائة (330)

الباب السابع عشر: في السفر وما يتعلّق به واختيار الأيّام والساعات له

1. كراهة الخروج في السفر وحده ...في [الحديث] الثالث والتسعين والأربعمائة (493) ...وفي [الحديث] الخامس والستّين والأربعمائة (465)

2. أحبّ الصحابة إلى اللّه أربعة ...في [الحديث] الرابع والستّين والأربعمائة (464)

3. استحباب السير في البَردَيْن (1) ...في [الحديث] الثامن والثمانين والأربعمائة (488)

4. المسلم إذا أراد سفراً يستحبّ أن يعلم إخوانه ...في [الحديث] الخامس والثلاثين والمائة (135)

5. كراهة السفر والتزويج والقمر في العقرب ...في [الحديث] السادس عشر والأربعمائة (416)

6. استحباب السفر يوم السَّبت ...في [الحديث] التاسع والمائة (109)

7. كراهة الخروج يوم الاثنين، واستحبابه يوم الثلثاء ...في [الحديث] الثاني والتسعين والأربعمائة (492)

8. تَصَدَّقْ واخرُج أيّ يوم شئتَ ...في [الحديث] الثامن والأربعمائة (408)

9. الأرض تُطوى بالليل ...في [الحديث] التسعين والأربعمائة (490) ...وفي [الحديث] الحادي والتسعين والأربعمائة (491) ...وفي [الحديث] التاسع والثمانين والأربعمائة (489)

10. استحباب حمل السلاح وسائر ما يحتاج إليه في السفر ...في [الحديث] السادس والستّين والأربعمائة (466)

11. استحباب تطييب الزاد في السفر ...في [الحديث] السابع والستّين والأربعمائة (467) ...وفي [الحديث] الثامن والستّين والأربعمائة (468)

12. الشُّؤم للمسافر خمسةُ أشياء ...في [الحديث] الثالث والتسعين والأربعمائة (493)

ص: 50


1- .البَردان: الغَداةُ والعَشيّ. وقيل: العَصران. اُنظر: لسان العرب، ج3، ص84 (برد).
الباب الثامن عشر: في النجوم

1. النجوم حقّ، وإنّ اللّه بعث المشتري إلى الأرض ...في [الحديث] السابع والخمسمائة (507)

2. النهي عن النظر في النجوم ...في [الحديث] الثالث والثلاثين والمائتين (233)

3. حديث المنجّم مع أبي عبد اللّه ...في [الحديث] التاسع والأربعين والخمسمائة (549)

4. ما يَعلم النجوم إلّا أهل بيت من العرب وأهل بيت من الهند ...في [الحديث] الثامن والخمسمائة (508)

5. حديث البحر مع الشمس وعلل كسوفها ...في [الحديث] الحادي والأربعين (41)

6. للشمس ثلاثمائة وستّين بُرجاً ...في [الحديث] الثامن والأربعين والمائة (148)

7. المِرّيخ كوكب حارّ، وزُحَل كوكب بارد ...في [الحديث] الرابع والسبعين والأربعمائة (474)

8. إنّ اللّه خلق نجماً في الفلك السابع وهو نجم الأنبياء والأوصياء ...في [الحديث] التاسع والستّين والثلاثمائة (369)

9. هذا اليوم لِلَّيلة الماضية ...في [الحديث] السابع عشر والخمسمائة (517)

10. علّة كون الشمس أحرّ من القمر ...في [الحديث] الثاني والثلاثين والثلاثمائة (332)

الباب التاسع عشر: في المطر وأسبابه

1. إنّ تحت العرش بحراً فيه ماء يُنبت أرزاقَ الحيوانات ...في [الحديث] السادس والعشرين والثلاثمائة (326)

2. ما أبرقت قطّ في ظلمة ليل ولا ضوء نهار إلّا وهي ماطرة ...في [الحديث] السابع والستّين والمائتين (267)

3. السحاب أين يكون، وذكر الرعد والبرق ...في [الحديث] الثامن والستّين والمائتين (268)

4. كراهة الإشارة إلى المطر والهلال ...في [الحديث] السادس والعشرين والثلاثمائة (326)

الباب العشرون: في الرياح وأصنافها

1. الرياح الأربع ...في [الحديث] الثالث والستّين (63)

2. رياح الرحمة ورياح العذاب ...في [الحديث] الرابع والستّين (64)

3. إنّ للّه ريحاً يقال له: الأزيَب ...في [الحديث] الخامس والستّين والمائتين (265)

ص: 51

4. أحبّ الرياح الأربع من تحت الركن الشامي ...في [الحديث] الحادي والأربعمائة (401)

الباب الحادي والعشرون: في الزلزلة وسببها

1. اضطربت الأرض في زمن علي عليه السلام ...في [الحديث] السادس والستّين والثلاثمائة (366)

2. سبب الزلزلة ...في [الحديث] الخامس والستّين والثلاثمائة (365)

الباب الثاني والعشرون: في أصناف المخلوقات

1. أوّل ما خلق اللّه ...في [الحديث] السابع والستّين (67)

2. كان كلّ شيء ماء ...في [الحديث] الثاني والأربعين والمائة (142)

3. خلقُ طينة المؤمن والكافر ...في [الحديث] السادس والخمسين (56)

4. الناس معادنُ كمعادن الذهب والفضّة ...في [الحديث] السابع والتسعين والمائة (197)

4. إنّ اللّه خلق الخير يوم الأَحَد ...في [الحديث] السابع عشر والمائة (117)

5. حديث زَينبُ العَطّارة ...في [الحديث] الثالث والأربعين والمائة (143)

6. حديث الحوت على أيّ شيء هو ...في [الحديث] الخامس والخمسين (55)

7. ليس خلق أكثر من الملائكة ...في [الحديث] الثاني والأربعمائة (402)

8. الملائكة على ثلاثة أجزاء ...في [الحديث] الثالث والأربعمائة (403)

9. هل كان إبليس من الملائكة أم لا؟ ...في [الحديث] الثالث عشر والأربعمائة (413)

10. لإبليس عون يقال له: تَمريح ...في [الحديث] الرابع والثلاثمائة (304)

11. إنّ للّه مَلَكاً ما بين شَحْمَة اُذُنه إلى عاتقه مسيرةُ خمسمائة عام ...في [الحديث] الخامس والأربعمائة (405)

12. إنّ للّه ديكاً ...في [الحديث] السادس والأربعمائة (406)

13. حديث القِباب ...في [الحديث] الثلاثمائة (300) ...وفي [الحديث] الحادي والثلاثمائة (303)

14. ما خلق اللّه خلقاً إلّا وقد أمرّ عليه آخر يغلبه ...في [الحديث] التاسع والعشرين والمائة (129)

15. ما خلق اللّه خلقاً أصغرَ من البَعوض ...في [الحديث] الثامن والأربعين والثلاثمائة (348)

16. حديث يأجوج ومأجوج وأصناف الخلق ...في [الحديث] الرابع والسبعين والمائتين (274)

ص: 52

الباب الثالث والعشرون: في النوم والأحلام وتعبير الرؤيا

1. حديث الأحلام والحجّة على أهل ذلك الزمان ...في [الحديث] السابع والخمسين (57)

2. الرؤيا الصادقة والكاذبة ...في [الحديث] الثاني والستّين (62)

3. الرؤيا على ثلاثة وجوه ...في [الحديث] الحادي والستّين (61)

4. رؤيا المؤمن على سبعين جزءاً من أجزاء النبوّة ...في [الحديث] الثامن والخمسين (58)

5. رؤيا المؤمن مُبَشِّرَاتٌ (1) ...في [الحديث] التاسع والخمسين (59) و...في [الحديث] الستّين (60)

6. رؤيا النبي صلى الله عليه و آله أنّ بني اُميّة يصعدون المنابر ...في [الحديث] الثمانين والمائتين (280) ...وفي [الحديث] الثالث والأربعين والخمسمائة (543)

7. رؤيا أبي جعفر عليه السلام ...في [الحديث] السادس والمائتين (206)

8. رؤيا محمّد بن مسلم ...في [الحديث] السابع والأربعين والأربعمائة (447)

9. رؤيا ياسرٍ الخادم ...في [الحديث] السبعين والثلاثمائة (370)

10. رؤيا رجل قيل له: انطلق فصلّ على أبي جعفر عليه السلام ...في [الحديث] السابع والمائتين (207)

11. رؤيا رجل رأى شَبَحاً من خَشَب ...في [الحديث] الثامن والأربعين والأربعمائة (448)

12. رؤيا رجل رأى كان الشمس طالعة على رأسه دون جسده ...في [الحديث] الخامس والأربعين والأربعمائة (445)

13. رؤيا رجل كان الشمس طالعة على قدميه دون جسده ...في [الحديث] السادس والأربعين والأربعممائة (446)

14. رؤيا المرأة على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّ جِذع بيتها قد انكسر ...في [الحديث] الثامن والعشرين والخمسمائة (528)

15. رؤيا المؤمن تُرَفْرِفُ بين السماء والأرض ...في [الحديث] التاسع والعشرين والخمسمائة (529)

16. الرؤيا على ما تُعَبَّر ...في [الحديث] السابع والعشرين والخمسمائة (527)

17. الرؤيا لا تُقَصُّ إلّا على مؤمن خَلا من الحسد والبغي ...في [الحديث] الثلاثين والخمسمائة (530)

ص: 53


1- .إشارة إلى متن حديث روي عن الرضا عليه السلام : «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان إذا أصبح قال لأصحابه: هل من مُبَشِّراتَ، يعني به الرؤيا».

18. حديث العالم الذي له ابنٌ لم يَرغب في علم أبيه ...في [الحديث] الثاني والخمسين والخمسمائة (552)

الباب الرابع والعشرون: في الطبّ والأمراض والمعالجات

1. ما بعث اللّه نبيّاً إلّا صاحب مرّة سوداء ...في [الحديث] السابع والسبعين والمائة (177)

2. الرخصة في أنواع المعالجات ...في [الحديث] التاسع والعشرين والمائتين (229) ...وفي [الحديث] الثلاثين والمائتين (230)

3. حديث الطبيب ...في [الحديث] الثاني والخمسين (52)

4. جميع الداء سارع إلى الجسد ...في [الحديث] الثالث والخمسين (53)

5. طبائع الجسم على أربعة ...في [الحديث] السابع والتسعين والمائتين (297)

6. الدواء أربعة ...في [الحديث] السادس والعشرين والمائتين (276)

7. ليس من دواء إلّا وهو يُهيّج داء ...في [الحديث] التاسع والأربعمائة (409)

9. حدّ الحِمْية ...في [الحديث] الثالث والأربعين والأربعمائة (443)

10. لا الحِمية إلّا من التمر والتداوي بالتُّفّاح والماء البارد ...في [الحديث] الحادي والأربعين والأربعمائة (441)

11. لا تنفع الحِمية لمريض بعد سبعة أيّام ...في [الحديث] الثاني والأربعين والأربعمائة (442)

12. دواء لضعف البصر ...في [الحديث] الحادي والثمانين والخمسمائة (581)

13. دواء لوَجَع العين ...في [الحديث] الثالث والثمانين والخمسمائة (583)

14. دواء للبياض يكون في العين ...في [الحديث] الثاني والثمانين والخمسمائة (582)

15. كراهة التداوي من الزُّكام ...في [الحديث] السابع والسبعين والخمسمائة (577) ...وفي [الحديث] الثامن والسبعين والخمسمائة (578)

16. يسلّط اللّه الزكام مع الجُذام والدَّماميل على البَرَص ...في [الحديث] التاسع والسبعين والخمسمائة (579)

17. علاج لوَجَع الضِّرْس ...في [الحديث] الحادي والثلاثين والمائتين (231) ...وفي [الحديث] الثاني والثلاثين والمائتين (232)

ص: 54

18. علاج لوجع الفم والدم الذي يخرج من الإنسان والضربان والحُمرة التي تقع في الفم ...في [الحديث] الثاني والثلاثين والمائتين (232)

19. دواء للسُعال ...في [الحديث] السابع والعشرين والمائتين (227)

20. دواء للطُحال ...في [الحديث] التاسع عشر والمائتين (219)

21. علاج من تغيّر عليه ماء الظهر ...في [الحديث] الثالث والعشرين والمائتين (223)

22. دواء لضعف المَعِدَة ...في [الحديث] العشرين والمائتين (220)

23. علاج الريح الشابكة والحام والإبردة في المفاصل ...في [الحديث] الحادي والعشرين والمائتين (221)

24. دواء للبلّة والرطوبة ...في [الحديث] الثامن والعشرين والمائتين (228)

25. دواء للوجع ...في [الحديث] الخامس والثمانين والثلاثمائة (385)

26. علاج للحُمّى ...في [الحديث] السابع والثمانين (87) ...وفي [الحديث] السادس والثمانين والثلاثمائة (386) ...وفي [الحديث] العاشر والأربعمائة (410)

27. دواء لحُمّى الرِّبْع ...في [الحديث] الرابع والثمانين والثلاثمائة (384)

28. كراهة الاحتجام يوم الثلثاء ...في [الحديث] الثالث والعشرين والمائتين (223)

29. الاحتجام يوم الأربعاء ...في [الحديث] الرابع والعشرين والمائتين (224)

30. كراهة الاحتجام يوم الجمعة ...في [الحديث] الخامس والعشرين والمائتين (225)

31. كراهة الحجامة على الريق ...في [الحديث] السابع والأربعمائة (407)

32. الحجامة على الرأس ...في [الحديث] الستّين والمائة (160)

33. اقرأ آية الكرسي واحتجم أيّ يوم شئت ...في [الحديث] الثامن والأربعمائة (308)

34. المشي للمريض نُكْس ...في [الحديث] الرابع والأربعين والأربعمائة (444)

35. دعاء البُرّ للاستغثاء ...في [الحديث] الرابع والخمسين (554)

36. الدعاء للواهنة والصُداع وغَمرة البول ...في [الحديث] السابع عشر والمائتين (217)

37. تعويذ للحُمّى ...في [الحديث] الثامن والثمانين (88)

38. الحَزم في القلب، والرحمة والغلظة في الكبد ...في [الحديث] الثامن عشر والمائتين (218)

ص: 55

الباب الخامس والعشرون: الحرز والعوذة والأدعية

1. تعويذ أبي عبد اللّه عليه السلام لبعض ولده ...في [الحديث] السادس والأربعين (46)

2. دعاء لدفع الفقر والسقم ...في [الحديث] الخامس والستّين (65)

3. تعويذ للحُمّى ...في [الحديث] الثامن والثمانين (88)

4. من قال البسملة والحوقلة ...في [الحديث] التاسع والثمانين (89)

5. الدعاء إذا رأى الرجل في منامه ما يكره ...في [الحديث] السادس والمائة (106) ...وفي [الحديث] السابع والمائة (107)

6. دعاء الاستسقاء ...في [الحديث] السادس والستّين والمائتين(266)

7. الدعاء عند قراءة قوله تعالى: «وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللّهِ لَا تُحْصُوهَا» (1) في [الحديث] الثاني والتسعين والخمسمائة (592)

الباب السادس والعشرون: في النوادر

1. الفرار عن الربا ...في [الحديث] الخامس والثمانين (85)

2. ثلاثة لم ينج منها نبيّ فمن دونه ...في [الحديث] السادس والثمانين (86)

3. اشتدّت مؤونة الدنيا ومؤونة الآخرة ...في [الحديث] الثاني عشر والمائة (112)

4. من أصبح وأمسى وعنده ثلاث فقد تمّت عليه النعمة ...في [الحديث] السابع والعشرين والمائة (127)

5. إنّما عرّف اللّه نفسه إلى خلقه بالكلام ...في [الحديث] الثامن والعشرين والمائة (128)

6. إذا هممت بأمر فتدبّر عاقبته ...في [الحديث] الثلاثين والمائة (130)

7. ارحموا عزيزاً ذلّ ...في [الحديث] الحادي والثلاثين والمائة (131)

8. لا تَطعُنُوا عيوب من أقبل عليكم بمودّته ...في [الحديث] الثاني والثلاثين والمائة (132)

9. خَلّتان كثير من الناس فيهما مَفتون ...في [الحديث] السادس والثلاثين والمائة (136)

10. من عرّض نفسَه للتُّهَمَة ...في [الحديث] السابع والثلاثين والمائة (137)

11. إنّما النصر لأحسن بقيّة على الاسلام من الفئتين ...في [الحديث] التاسع والثلاثين والمائة (139)

ص: 56


1- .النحل (16): 18.

12. جُبلت القلوب على حبّ من ينفعها ...في [الحديث] الأربعين والمائة (140)

13. افعل الخير إلى كلّ من طلبه منك ...في [الحديث] الحادي والأربعين والمائة (141)

14. الدين دولتان ...في [الحديث] الثالث والخمسين والمائة (153)

15. إذا أراد اللّه فناء دولة قوم ...في [الحديث] الأربعمائة (400) ...وفي [الحديث] السابع والخمسين والمائة (157)... وفي [الحديث] الثامن والثلاثين والخمسمائة (538) ...وفي [الحديث] الثالث والتسعين والخمسمائة (593)

16. انقطع شِسْع نَعل أبي عبد اللّه عليه السلام ...في [الحديث] التاسع والخمسين والمائة (159)

17. إنّ اللّه يعذّب الستّة بالستّة ...في [الحديث] السبعين والمائة (170)

18. كراهة طعام الحارّ، واستحباب تناول الفاكهة بعد الطعام ...في [الحديث] الثلاثين والمائة (130)

19. يا ليتنا سيّارة مثل آل يعقوب ...في [الحديث] التاسع والسبعين والمائة (179)

20. المقبول من كلام الحكمة والمردود منها ...في [الحديث] الثمانين والمائة (180)

21. الحكمة ضالّة المؤمن ...في [الحديث] السادس والثمانين والمائة (183)

22. إنّ أحقّ الناس أن يتمنّى الغنى للناس أهلُ البخل ...في [الحديث] الحادي والتسعين والمائة (191)

23. كراهة شكاية إلى أهل الخلاف ...في [الحديث] الثاني والتسعين والمائة (192)

24. من صدق لسانُه زكى عمله ...في [الحديث] التاسع والستّين والمائتين (269)

25. ثلاث من كنّ فيه لا يُرجى خيره ...في [الحديث] الحادي والسبعين والمائتين (271)

26. إذا أتاكم شريفُ قوم فأكرموه ...في [الحديث] الثاني والسبعين والمائتين (272)

27. ما أشدّ حزن النساء ...في [الحديث] الثالث والسبعين والمائتين (273)

28. وُكّل الرزقُ بالحُمق ...في [الحديث] السابع والسبعين والمائتين (277)

29. معنى قول أبيذرّ: ثلاث يبغضها الناس وأنا اُحبّها ...في [الحديث] التاسع والسبعين والمائتين (279)

30. لم تزل دولة الباطل طويلة، ودولة الحقّ قصيرة ...في [الحديث] الرابع والثمانين والمائتين (284)

31. ما من عبد يدعو إلى ضلالة إلّا وجد من يُتابعه ...في [الحديث] الخامس والتسعين والمائتين (295)

32. استحباب الغسل لقتل الوَزَغ ...في [الحديث] الخامس والثلاثمائة (305)

ص: 57

33. وجوب أداء الأمانة إلى الأسود والأحمر ...في [الحديث] السادس والثلاثمائة (316)

34. ولد الزنا جزاؤه على وفق عمله كسائر الناس ...في [الحديث] الثاني والعشرين والثلاثمائة (322)

35. لم تهلك هؤلاء الحُمقى إلّا بخَفق النعال خلفهم ...في [الحديث] الحادي والثلاثين والثلاثمائة (331)

36. عدم المؤاخذة بالشيء على حدّ الغضب ...في [الحديث] الستّين والثلاثمائة (360)

37. حدّ مسجد الكوفة ...في [الحديث] الحادي والعشرين والأربعمائة (421)

38. حديث الرِّباط وحدّه ...في [الحديث] السادس والسبعين والخمسمائة (576)

39. من خالف قوماً في عمله لا يُنزل اللّه معهم يوم القيامة ...في [الحديث] الثامن والخمسين والثلاثمائة (358)

الباب السابع والعشرون: في الإخبار عمّا هو آت

1. حديث أبي عبد اللّه عليه السلام مع المنصور في موكبه ...في [الحديث] السابع (7)

2. حديث أمير المؤمنين عليه السلام ...في [الحديث] الخامس والعشرين (25)

3. إخبار أبي جعفر عليه السلام بني العبّاس بدولتهم قبل ظهوره ...في [الحديث] السادس والخمسين والمائتين (256) ...وفي [الحديث] السابع والخمسين والمائتين (257)

4. إتيان كتاب أبي مسلم أبا عبد اللّه عليه السلام ...في [الحديث] الثاني عشر والأربعمائة (412)

5. الإخبار بكثرة القتل في أهل بيت من قريش ...في [الحديث] الثالث والخمسين والأربعمائة (453)

6. سيأتي على هذه الاُمّة زمان تُخبث فيه سرائرهم ...في [الحديث] السادس والسبعين والأربعمائة (476)

7. سيأتي على الناس زمان لا يبقى من القرآن إلّا رسمه ...في [الحديث] التاسع والسبعين والأربعمائة (479)

8. حديث وُلد المِرْداس ...في [الحديث] التاسع والثلاثين والخمسمائة (539)

9. رقّة أبي عبد اللّه عليه السلام لمحمّد بن عبد اللّه ...في [الحديث] الرابع والتسعين والخمسمائة (594)

10. وقعة قِرْقيسا ...في [الحديث] الحادي والخمسين والأربعمائة (451)

11. وقعة الرَّيِّ ...في [الحديث] الثامن والتسعين والمائة (198)

ص: 58

الباب الثامن والعشرون: في ظهور القائم عليه السلام وعلاماته

1. فضل انتظار ظهور القائم عليه السلام ...في [الحديث] السابع والثلاثين (37)

2. إنّ الدنيا لا تذهب حتّى يبعث اللّه رجلاً من أهل البيت عليهم السلام ...في [الحديث] السابع والتسعين والخمسمائة (597)

3. قول أمير المؤمنين عليه السلام : «تفرّجي تضيّقي» ...في [الحديث] الخمسين والأربعمائة (450)

4. قول أبي عبد اللّه عليه السلام : «كأنّي بالقائم على منبر الكوفة» ...في [الحديث] الخامس والثمانين والمائة (185)

5. النهي عن استعجال هذا الأمر ...في [الحديث] الحادي عشر والأربعمائة (411)

6. علامات ظهور الصاحب عليه السلام وفرج الشيعة ...في [الحديث] الرابع والخمسين والمائتين (254) ...وفي [الحديث] الثالث والثمانين والثلاثمائة (383) ...وفي [الحديث] الخامس والثمانين والمائتين (285) ...وفي [الحديث] الحادي والثمانين والثلاثمائة (381) ...وفي [الحديث] الثالث والثمانين والأربعمائة (483) ...وفي [الحديث] الثاني عشر والسبعين والمائتين (272) وفي [الحديث] التاسع والخمسمائة (509)

7. حديث الصيحة ...في [الحديث] الثاني والخمسين والمائتين (252) ...وفي [الحديث] الثالث والخمسين والمائتين (253) ...وفي [الحديث] الخامس والخمسين والمائتين (255)

8. اختلاف بني العبّاس من المحتوم، والنداء من المحتوم ...في [الحديث] الرابع والثمانين والأربعمائة (484)

9. إذا قام القائمُ عليه السلام عَرَضَ الإيمانَ على كلّ ناصب ...في [الحديث] الثامن والثمانين والمائتين (288)

10. إنّ اللّه بعث محمّداً صلى الله عليه و آله رحمة، ويبعث القائم عليه السلام نعمة ...في [الحديث] السادس والثلاثمائة (306)

11. إذا قام القائمُ مدّ اللّه للشيعة في أسماعهم وأبصارهم ...في [الحديث] التاسع والعشرين والثلاثمائة (329)

ص: 59

12. كراهة الخروج في زمن الغيبة ...في [الحديث] الثاني والخمسين والأربعمائة (452) ...وفي [الحديث] الحادي والثمانين والثلاثمائة (381) ...وفي [الحديث] الثاني والثمانين والثلاثمائة (382)

13. لو قد قام القائم عليه السلام أعطى الرجل من الشيعة قوّة أربعين رجلاً ...في [الحديث] التاسع والأربعين والأربعمائة (449)

الباب التاسع والعشرون: في أحوال القيامة وأهوالها

1. حديث حشر الخلائق عُزلاً بُهْماً ...في [الحديث] التاسع والسبعين (79)

2. حديث الناس يوم القيامة ...في [الحديث] الرابع والخمسين والمائة (154)

3. مثل الناس يوم القيامة ...في [الحديث] العاشر والمائة (110)

4. حديث نوح عليه السلام يوم القيامة ...في [الحديث] الثاني والتسعين والثلاثمائة (392)

الباب الثلاثون: في وصف الجنّة والنار

1. إنّ اللّه تعالى خلق الجنّة قبل أن يخلق النار ...في [الحديث] السادس عشر والمائة (116)

2. حديث الجِنان والنُوق ...في [الحديث] التاسع والستّين (69)

3. في الجنّة نَهَرٌ يقال له: جعفر ...في [الحديث] الثامن والثلاثين والمائة (138)

4. في الجنّة نَهَرٌ حَافتاه حُور نابتات ...في [الحديث] التاسع والتسعين والمائتين (299)

5. في الجنّة نَهَرٌ يغتمس فيه جبرئيل عليه السلام كلّ غداة ...في [الحديث] الرابع والأربعمائة (404)

6. إنّ خَيراً اسم نَهَر في الجنّة ...في [الحديث] الثامن والتسعين والمائتين (298)

7. كيفيّة احتضار جهنّم في العرصات ...في [الحديث] السادس والثمانين والأربعمائة (486)

ص: 60

وإذ قد فرغنا ممّا أردنا من فهرست الأبواب، فلنشرع فيما هو المقصود الأصلي من شرح الكتاب: قال المصنّف رحمه الله: (بسم اللّه الرحمن الرحيم. كتاب الروضة:)

متن الحديث الأوّل

اشاره

مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ، (1) قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ، عَنْ حَفْصٍ الْمُؤَذِّنِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ؛وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام أَنَّهُ كَتَبَ بِهذِهِ الرِّسَالَةِ إِلى أَصْحَابِهِ، وَأَمَرَهُمْ بِمُدَارَسَتِهَا، وَالنَّظَرِ فِيهَا، وَتَعَاهُدِهَا، وَالْعَمَلِ بِهَا، (2) فَكَانُوا يَضَعُونَهَا فِي مَسَاجِدِ بُيُوتِهِمْ، فَإِذَا فَرَغُوا مِنَ الصَّلَاةِ نَظَرُوا فِيهَا؛ قَالَ: وَحَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، 3 عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ الْكُوفِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ الرَّبِيعِ الصَّحَّافِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مَخْلَدٍ السَّرَّاجِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ: خَرَجَتْ هذِهِ الرِّسَالَةُ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام إِلى أَصْحَابِهِ: «بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، أَمَّا بَعْدُ، فَاسْأَلُوا رَبَّكُمُ الْعَافِيَةَ، وَعَلَيْكُمْ بِالدَّعَةِ وَالْوَقَارِ وَالسَّكِينَةِ،

ص: 61


1- .في كلتا الطبعتين للكافي: _ «رضي اللّه عنه».
2- .في الحاشية عن بعض النسخ: «بما فيها» بدل «بها».

وَعَلَيْكُمْ بِالْحَيَاءِ وَالتَّنَزُّهِ عَمَّا تَنَزَّهَ الصَّالِحُونَ مِنْ (1) قَبْلِكُمْ. وَعَلَيْكُمْ بِمُجَامَلَةِ أَهْلِ الْبَاطِلِ، تَحَمَّلُوا الضَّيْمَ مِنْهُمْ، وَإِيَّاكُمْ وَمُمَاظَّتَهُمْ، دِينُوا فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ إِذَا أَنْتُمْ جَالَسْتُمُوهُمْ وَخَالَطْتُمُوهُمْ وَنَازَعْتُمُوهُمُ الْكَلاَمَ؛ فَإِنَّهُ لَابُدَّ لَكُمْ مِنْ مُجَالَسَتِهِمْ وَمُخَالَطَتِهِمْ وَمُنَازَعَتِهِمُ الْكَلاَمَ بِالتَّقِيَّةِ الَّتِي أَمَرَكُمُ اللّهُ أَنْ تَأْخُذُوا بِهَا فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ، فَإِذَا ابْتُلِيتُمْ بِذلِكَ مِنْهُمْ، فَإِنَّهُمْ سَيُؤْذُونَكُمْ، وَتَعْرِفُونَ فِي وُجُوهِهِمُ الْمُنْكَرَ، وَلَوْ لَا أَنَّ اللّهَ [تَعَالى ]يَدْفَعُهُمْ عَنْكُمْ لَسَطَوْا (2) بِكُمْ، وَمَا فِي صُدُورِهِمْ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ أَكْثَرُ مِمَّا يُبْدُونَ لَكُمْ، مَجَالِسُكُمْ وَمَجَالِسُهُمْ وَاحِدَةٌ، وَأَرْوَاحُكُمْ وَأَرْوَاحُهُمْ مُخْتَلِفَةٌ لَا تَأْتَلِفُ، لَا تُحِبُّونَهُمْ أَبَداً، وَلَا يُحِبُّونَكُمْ غَيْرَ أَنَّ اللّهَ [تَعَالى ]أَكْرَمَكُمْ بِالْحَقِّ وَبَصَّرَكُمُوهُ، وَلَمْ يَجْعَلْهُمْ مِنْ أَهْلِهِ، فَتُجَامِلُونَهُمْ، وَتَصْبِرُونَ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ لَا مُجَامَلَةَ لَهُمْ، وَلَا صَبْرَ لَهُمْ عَلى شَيْءٍ، وَحِيَلُهُمْ وَسْوَاسُ (3) بَعْضِهِمْ إِلى بَعْضٍ؛ فَإِنَّ أَعْدَاءَ اللّهِ إِنِ اسْتَطَاعُوا صَدُّوكُمْ عَنِ الْحَقِّ ويَعْصِمُكُمُ (4) اللّهُ مِنْ ذلِكَ، فَاتَّقُوا اللّهَ، وَكُفُّوا أَلْسِنَتَكُمْ إِلَا مِنْ خَيْرٍ. وَإِيَّاكُمْ أَنْ تَذْلَقُوا (5) أَلْسِنَتَكُمْ بِقَوْلِ الزُّورِ وَالْبُهْتَانِ وَالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ؛ فَإِنَّكُمْ إِنْ كَفَفْتُمْ أَلْسِنَتَكُمْ عَمَّا يَكْرَهُهُ (6) اللّهُ مِمَّا نَهَاكُمْ عَنْهُ كَانَ خَيْراً لَكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ مِنْ أَنْ تَذْلَقُوا (7) أَلْسِنَتَكُمْ بِهِ؛ فَإِنَّ ذَلَقَ (8) اللِّسَانِ فِيمَا يَكْرَهُ اللّهُ وَمَا نَهى (9) عَنْهُ مَرْدَاةٌ لِلْعَبْدِ عِنْدَ اللّهِ، وَمَقْتٌ مِنَ اللّهِ، وَصَمَمٌ (10) وَعَمًى وَبَكَمٌ يُورِثُهُ اللّهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَتَصِيرُوا كَمَا قَالَ اللّهُ: «صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ»،(11) يَعْنِي لَا يَنْطِقُونَ، «وَلا

ص: 62


1- .في كلتا الطبعتين للكافي وجميع النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة: «عنه الصالحون» بدل «الصالحون من».
2- .في الحاشية عن بعض النسخ: «لسلّطوا». وفي حاشية اُخرى لها: «لبطشوا».
3- .في الحاشية عن بعض النسخ: «وساوس».
4- .في كلتا الطبعتين للكافي وأكثر النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة: «فيعصمكم».
5- .في الحاشية عن بعض النسخ وكلتا الطبعتين وجميع النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة: «أن تزلقوا» بالزاي المعجمة.
6- .في الحاشية عن بعض النسخ: «يكره».
7- .في الحاشية عن بعض النسخ وكلتا الطبعتين وجميع النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة: «أن تُزلقوا» بالزاي المعجمة.
8- .في الحاشية عن بعض النسخ وكلتا الطبعتين وجميع النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة: «زلق» بالزاي المعجمة.
9- .في الحاشية عن بعض النسخ: «وفيما ينهى». وفي الطبعة القديمة وبعض نسخ الكافي: «وما ينهى».
10- .في الطبعة القديمة وبعض نسخ الكافي: «وصمّ» بالتضعيف.
11- .البقرة(2): 19.

يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ» . (1) وَإِيَّاكُمْ وَمَا نَهَاكُمُ اللّهُ (2) عَنْهُ أَنْ تَرْكَبُوهُ، وَعَلَيْكُمْ بِالصَّمْتِ إِلَا فِيمَا يَنْفَعُكُمُ اللّهُ بِهِ مِنْ (3) أَمْرِ آخِرَتِكُمْ، وَيَأْجُرُكُمْ عَلَيْهِ، وَأَكْثِرُوا مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّقْدِيسِ وَالتَّسْبِيحِ، وَالثَّنَاءِ عَلَى اللّهِ، وَالتَّضَرُّعِ إِلَيْهِ، وَالرَّغْبَةِ فِيمَا عِنْدَهُ مِنَ الْخَيْرِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ قَدْرَهُ، وَلَا يَبْلُغُ كُنْهَهُ أَحَدٌ، فَاشْغَلُوا أَلْسِنَتَكُمْ بِذلِكَ عَمَّا نَهَى اللّهُ عَنْهُ مِنْ أَقَاوِيلِ الْبَاطِلِ، الَّتِي تُعْقِبُ أَهْلَهَا خُلُوداً فِي النَّارِ مَنْ مَاتَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَتُبْ إِلَى اللّهِ وَلَمْ يَنْزِعْ عَنْهَا. وَعَلَيْكُمْ بِالدُّعَاءِ؛ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُدْرِكُوا نَجَاحَ الْحَوَائِجِ عِنْدَ رَبِّهِمْ بِأَفْضَلَ مِنَ الدُّعَاءِ، وَالرَّغْبَةِ إِلَيْهِ، وَالتَّضَرُّعِ إِلَى اللّهِ، (4) وَالْمَسْأَلَةِ لَهُ، فَارْغَبُوا فِيمَا رَغَّبَكُمُ اللّهُ فِيهِ، وَ أَجِيبُوا اللّهَ إِلى مَا دَعَاكُمْ إِلَيْهِ لِتُفْلِحُوا وَتُنْجِحُوا (5) مِنْ عَذَابِ اللّهِ. وَإِيَّاكُمْ أَنْ تَشْرَهَ أَنْفُسُكُمْ إِلى شَيْءٍ مِمّا حَرَّمَ اللّهُ عَلَيْكُمْ؛ فَإِنَّ (6) مَنِ انْتَهَكَ مَا (7) حَرَّمَ اللّهُ عَلَيْهِ هاهُنَا فِي الدُّنْيَا حَالَ اللّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ وَنَعِيمِهَا وَلَذَّتِهَا وَكَرَامَتِهَا الْقَائِمَةِ الدَّائِمَةِ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ أَبَدَ الْابِدِينَ. وَاعْلَمُوا أَنَّهُ بِئْسَ الْحَظُّ الْخَطَرُ لِمَنْ خَاطَرَ اللّهَ بِتَرْكِ طَاعَةِ اللّهِ وَرُكُوبِ مَعْصِيَتِهِ، فَاخْتَارَ أَنْ يَنْتَهِكَ مَحَارِمَ اللّهِ فِي لَذَّاتِ دُنْيَا مُنْقَطِعَةٍ زَائِلَةٍ عَنْ أَهْلِهَا عَلى خُلُودِ نَعِيمٍ فِي الْجَنَّةِ وَلَذَّاتِهَا وَكَرَامَةِ أَهْلِهَا، وَيْلٌ لأولئِكَ مَا أَخْيَبَ حَظَّهُمْ، (8) وَأَخْسَرَ كَرَّتَهُمْ، وَأَسْوَأَ حَالَهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، اسْتَجِيرُوا اللّهَ أَنْ يُجِيرَكُمْ (9) فِي مِثَالِهِمْ أَبَداً، وَأَنْ يَبْتَلِيَكُمْ بِمَا ابْتَلَاهُمُ اللّهُ، (10) وَلَا قُوَّةَ لَنَا وَلَكُمْ إِلَا بِهِ. فَاتَّقُوا اللّهَ أَيَّتُهَا الْعِصَابَةُ النَّاجِيَةُ إِنْ أَتَمَّ اللّهُ لَكُمْ مَا أَعْطَاكُمْ بِهِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَتِمُّ الْأَمْرُ حَتّى يَدْخُلَ عَلَيْكُمْ مِثْلُ الَّذِي دَخَلَ عَلَى الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَحَتّى تُبْتَلَوْا فِي أَنْفُسِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَحَتّى تَسْمَعُوا مِنْ أَعْدَاءِ اللّهِ أَذًى كَثِيراً، فَتَصْبِرُوا، وَتَعْرُكُوا بِجُنُوبِكُمْ، وَحَتّى يَسْتَذِلُّوكُمْ وَيُبْغِضُوكُمْ، وَحَتّى يُحَمِّلُوا

ص: 63


1- .المرسلات(77): 36.
2- .في النسخة «اللّه» مرمّز ب_ (خ)، ولم يرد في بعض نسخ الكافي.
3- .في الحاشية عن بعض النسخ: «في».
4- .في الحاشية عن بعض النسخ: «إليه» بدل «إلى اللّه».
5- .في الحاشية عن بعض النسخ وكلتا الطبعتين وأكثر نسخ الكافي: «تنجوا».
6- .في كلتا الطبعتين وأكثر نسخ الكافي: «فإنّه».
7- .في الحاشية عن بعض النسخ: «ممّا».
8- .في الحاشية عن بعض النسخ: «خطرهم».
9- .في الحاشية عن بعض النسخ: «يخزيكم».
10- .في الحاشية عن بعض النسخ وكلتا الطبعتين وبعض نسخ الكافي: «به» بدل «اللّه».

عَلَيْكُمُ الضَّيْمَ، (1) مِنْهُمْ تَلْتَمِسُونَ بِذلِكَ وَجْهَ اللّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ، وَحَتّى تَكْظِمُوا الْغَيْظَ الشَّدِيدَ فِي الْأَذى فِي اللّهِ _ جَلَّ وَعَزَّ _ يَجْتَرِمُونَهُ إِلَيْكُمْ، وَحَتّى يُكَذِّبُوكُمْ بِالْحَقِّ، وَيُعَادُوكُمْ فِيهِ، وَيُبْغِضُوكُمْ عَلَيْهِ، فَتَصْبِرُوا عَلى ذلِكَ مِنْهُمْ، وَمِصْدَاقُ ذلِكَ كُلِّهِ فِي كِتَابِ اللّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ جَبْرَئِيلُ[ عليه السلام ]عَلى نَبِيِّكُمْ[ صلى الله عليه و آله ]؛ سَمِعْتُمْ قَوْلَ اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ لِنَبِيِّكُمْ صلى الله عليه و آله : «فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ» ؟ (2) ثُمَّ قَالَ: «وَلَقَدْ (3) كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا» ، (4) فَقَدْ كُذِّبَ نَبِيُّ اللّهِ وَالرُّسُلُ مِنْ قَبْلِهِ، وَأُوذُوا مَعَ التَّكْذِيبِ بِالْحَقِّ، فَإِنْ سَرَّكُمْ أَمْرُ اللّهِ فِيهِمُ الَّذِي خَلَقَهُمْ لَهُ فِي الْأَصْلِ _ أَصْلِ الْخَلْقِ _ مِنَ الْكُفْرِ الَّذِي سَبَقَ فِي عِلْمِ اللّهِ أَنْ يَخْلُقَهُمْ لَهُ فِي الْأَصْلِ، وَمِنَ (5) الَّذِينَ سَمَّاهُمُ اللّهُ فِي كِتَابِهِ فِي قَوْلِهِ: «وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النّارِ». (6) فَتَدَبَّرُوا هذَا، وَاعْقِلُوهُ، وَلَا تَجْهَلُوهُ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يَجْهَلْ هذَا وَأَشْبَاهَهُ مِمَّا افْتَرَضَ اللّهُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ مِمَّا أَمَرَ اللّهُ بِهِ وَنَهى عَنْهُ، تَرَكَ دِينَ اللّهِ، وَرَكِبَ مَعَاصِيَهُ، فَاسْتَوْجَبَ سَخَطَ اللّهِ، فَأَكَبَّهُ اللّهُ عَلى وَجْهِهِ فِي النَّارِ». وَقَالَ: «أَيَّتُهَا الْعِصَابَةُ الْمَرْحُومَةُ الْمُفْلِحَةُ، إِنَّ اللّهَ أَتَمَّ لَكُمْ مَا آتَاكُمْ مِنَ الْخَيْرِ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عِلْمِ اللّهِ، وَلَا مِنْ أَمْرِهِ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللّهِ فِي دِينِهِ بِهَوًى وَلَا رَأْيٍ وَلَا مَقَايِيسَ، قَدْ أَنْزَلَ اللّهُ الْقُرْآنَ، وَجَعَلَ فِيهِ تِبْيَانَ كُلِّ شَيْءٍ، وَجَعَلَ لِلْقُرْآنِ وَتَعَلُّمِ (7) الْقُرْآنِ أَهْلاً لَا يَسَعُ (8) أَهْلَ عِلْمِ الْقُرْآنِ الَّذِينَ آتَاهُمُ اللّهُ عِلْمَهُ أَنْ يَأْخُذُوا فِيهِ بِهَوًى وَلاَ رَأْيٍ وَلَا مَقَايِيسَ، أَغْنَاهُمُ اللّهُ عَنْ ذلِكَ بِمَا آتَاهُمْ مِنْ عِلْمِهِ، وَخَصَّهُمْ بِهِ، وَوَضَعَهُ عِنْدَهُمْ، كَرَامَةً مِنَ اللّهِ أَكْرَمَهُمْ بِهَا، وَهُمْ أَهْلُ الذِّكْرِ الَّذِينَ أَمَرَ اللّهُ هذِهِ الْأُمَّةَ بِسُؤَالِهِمْ، وَهُمُ الَّذِينَ مَنْ سَأَلَهُمْ وَقَدْ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللّهِ أَنْ يُصَدِّقَهُمْ، وَيَتَّبِعَ أَثَرَهُمْ، أَرْشَدُوهُ، وَأَعْطَوْهُ مِنْ عِلْمِ الْقُرْآنِ مَا يَهْتَدِي بِهِ إِلَى اللّهِ بِإِذْنِهِ، وَإِلى جَمِيعِ سُبُلِ الْحَقِّ، وَهُمُ الَّذِينَ لَا يَرْغَبُ

ص: 64


1- .في كلتا الطبعتين وبعض نسخ الكافي: «فتحمّلوا».
2- .الأحقاف(46): 35.
3- .في كلتا الطبعتين للكافي: «وإن يكذّبوك فقد» بدل «ولقد».
4- .الأنعام(6): 34.
5- .في الحاشية عن بعض النسخ: «وفي».
6- .كذا في النسخة وكلتا الطبعتين وجميع النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة للكافي. وفي المصحف الشريف _ الآية 41 من سورة القصص(28) _ : «وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ» .
7- .في الحاشية عن بعض النسخ: «ولعلم». وفي كلتا الطبعتين وأكثر نسخ الكافي: «ولتعلّم».
8- .في الحاشية عن بعض النسخ: «لا يُسيغ».

عَنْهُمْ وَ (1) عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ وَعَنْ عِلْمِهِمُ الَّذِي (2) أَكْرَمَهُمُ اللّهُ بِهِ، وَجَعَلَهُ عِنْدَهُمْ إِلَا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ فِي عِلْمِ اللّهِ الشَّقَاءُ فِي أَصْلِ الْخَلْقِ تَحْتَ الْأَظِلَّةِ، فَأُولئِكَ الَّذِينَ يَرْغَبُونَ عَنْ سُؤَالِ أَهْلِ الذِّكْرِ، وَالَّذِينَ آتَاهُمُ اللّهُ عِلْمَ الْقُرْآنِ، وَوَضَعَهُ عِنْدَهُمْ، وَأَمَرَ بِسُؤَالِهِمْ، وَأُولئِكَ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ بِأَهْوَائِهِمْ وَآرَائِهِمْ وَمَقَايِيسِهِمْ حَتّى دَخَلَهُمُ الشَّيْطَانُ؛ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا أَهْلَ الْاءِيمَانِ فِي عِلْمِ الْقُرْآنِ عِنْدَ اللّهِ كَافِرِينَ، وَجَعَلُوا أَهْلَ الضَّلَالَةِ فِي عِلْمِ الْقُرْآنِ عِنْدَ اللّهِ مُؤْمِنِينَ، وَحَتّى جَعَلُوا مَا أَحَلَّ اللّهُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ حَرَاماً، وَجَعَلُوا مَا حَرَّمَ اللّهُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ حَلَالاً، فَذلِكَ أَصْلُ ثَمَرَةِ أَهْوَائِهِمْ، وَقَدْ عَهِدَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله قَبْلَ مَوْتِهِ، فَقَالُوا: نَحْنُ بَعْدَ مَا قَبَضَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ رَسُولَهُ يَسَعُنَا أَنْ نَأْخُذَ بِمَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ رَأْيُ النَّاسِ بَعْدَ (3) قَبْضِ اللّهِ [عَزَّ وَجَلَّ ]رَسُولَهُ صلى الله عليه و آله ، وَبَعْدَ عَهْدِهِ الَّذِي عَهِدَهُ إِلَيْنَا، وَأَمَرَنَا بِهِ مُخَالِفاً لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ[ صلى الله عليه و آله ]، فَمَا أَحَدٌ أَجْرَأَ عَلَى اللّهِ، وَلَا أَبْيَنَ ضَلَالَةً مِمَّنْ أَخَذَ بِذلِكَ، وَزَعَمَ أَنَّ ذلِكَ يَسَعُهُ، وَاللّهِ إِنَّ لِلّهِ عَلى خَلْقِهِ أَنْ يُطِيعُوهُ، وَيَتَّبِعُوا أَمْرَهُ فِي حَيَاةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله وَبَعْدَ مَوْتِهِ، هَلْ يَسْتَطِيعُ أُولئِكَ أَعْدَاءُ اللّهِ أَنْ يَزْعُمُوا أَنَّ أَحَداً مِمَّنْ أَسْلَمَ مَعَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله أَخَذَ بِقَوْلِهِ وَرَأْيِهِ وَمَقَايِيسِهِ؟! فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ، فَقَدْ كَذَبَ عَلَى اللّهِ، وَ «ضَلَّ ضَلَالاً بَعِيداً» ، (4) وَإِنْ قَالَ: لَا، لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ بِرَأْيِهِ وَهَوَاهُ وَمَقَايِيسِهِ، فَقَدْ أَقَرَّ بِالْحُجَّةِ عَلى نَفْسِهِ، وَهُوَ مِمَّنْ يَزْعُمُ أَنَّ اللّهَ يُطَاعُ وَيُتَّبَعُ أَمْرُهُ بَعْدَ قَبْضِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَقَدْ قَالَ اللّهُ وَقَوْلُهُ الْحَقُّ: «وَما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ» . (5) وَذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يُطَاعُ، وَيُتَّبَعُ أَمْرُهُ فِي حَيَاةِ مُحَمَّدٍ[ صلى الله عليه و آله ]، وَبَعْدَ قَبْضِ اللّهِ مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله ، وَكَمَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ مَعَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله أَنْ يَأْخُذَ بِهَوَاهُ وَلَا رَأْيِهِ وَلَا مَقَايِيسِهِ خِلَافاً لِأَمْرِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، فَكَذلِكَ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنَ [النَّاسِ ]بَعْدَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله أَنْ يَأْخُذَ بِهَوَاهُ وَلَا رَأْيِهِ وَلَا مَقَايِيسِهِ». وَقَالَ: «دَعُوا رَفْعَ أَيْدِيكُمْ فِي الصَّلَاةِ إِلَا مَرَّةً وَاحِدَةً حِينَ تُفْتَتَحُ الصَّلَاةُ؛ فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ شَهَرُوكُمْ بِذلِكَ، «وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ» ، (6) وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَا بِاللّهِ».

ص: 65


1- .في الحاشية عن بعض النسخ: + «لا».
2- .في الحاشية عن بعض النسخ: «الذين».
3- .في الطبعة القديمة: + «ما».
4- .آل عمران(3): 144.
5- .آل عمران (3): 144.
6- .الإسراء(17): 7.

وَقَالَ: «أَكْثِرُوا مِنْ أَنْ تَدْعُوا اللّهَ؛ فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَدْعُوهُ، وَقَدْ وَعَدَ اللّهُ (1) عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالِاسْتِجَابَةِ، (2) وَاللّهُ مُصَيِّرٌ دُعَاءَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُمْ عَمَلاً يَزِيدُهُمْ بِهِ (3) فِي الْجَنَّةِ. فَأَكْثِرُوا ذِكْرَ اللّهِ مَا اسْتَطَعْتُمْ فِي كُلِّ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ؛ فَإِنَّ اللّهَ أَمَرَ بِكَثْرَةِ الذِّكْرِ لَهُ، وَاللّهُ ذَاكِرٌ لِمَنْ ذَكَرَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَا ذَكَرَهُ بِخَيْرٍ، فَأَعْطُوا اللّهَ مِنْ أَنْفُسِكُمُ الِاجْتِهَادَ فِي طَاعَتِهِ؛ فَإِنَّ اللّهَ لَا يُدْرَكُ شَيْءٌ مِنَ الْخَيْرِ عِنْدَهُ إِلَا بِطَاعَتِهِ وَاجْتِنَابِ مَحَارِمِهِ، الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ فِي ظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَبَاطِنِهِ؛ فَإِنَّ اللّهَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ قَالَ فِي كِتَابِهِ وَقَوْلُهُ الْحَقُّ: «وَذَرُوا ظاهِرَ الْاءثْمِ وَباطِنَهُ» . (4) وَاعْلَمُوا أَنَّ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ تَجْتَنِبُوهُ فَقَدْ حَرَّمَهُ، وَاتَّبِعُوا آثَارَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَسُنَّتَهُ، فَخُذُوا بِهَا، وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَكُمْ وَآرَاءَكُمْ (5) فَتَضِلُّوا؛ فَإِنَّ أَضَلَّ النَّاسِ عِنْدَ اللّهِ مَنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ وَرَأْيَهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللّهِ. وَأَحْسِنُوا إِلى أَنْفُسِكُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ، «فإِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها» ، (6) وَجَامِلُوا النَّاسَ، وَلَا تَحْمِلُوهُمْ عَلى رِقَابِكُمْ تَجْمَعُوا مَعَ ذلِكَ طَاعَةَ رَبِّكُمْ. وَإِيَّاكُمْ وَسَبَّ (7) أَعْدَاءِ اللّهِ حَيْثُ يَسْمَعُونَكُمْ، «فَيَسُبُّوا اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ» ، (8) وَقَدْ يَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تَعْلَمُوا حَدَّ سَبِّهِمْ لِلّهِ كَيْفَ هُوَ، إِنَّهُ مَنْ سَبَّ أَوْلِيَاءَ اللّهِ، فَقَدِ انْتَهَكَ سَبَّ اللّهِ، وَمَنْ أَظْلَمُ عِنْدَ اللّهِ مِمَّنِ اسْتَسَبَّ لِلّهِ وَلِأَوْلِيَائِهِ، (9) فَمَهْلاً مَهْلاً، فَاتَّبِعُوا أَمْرَ اللّهِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَا بِاللّهِ». وَقَالَ: «أَيَّتُهَا الْعِصَابَةُ الْحَافِظُ اللّهُ لَهُمْ أَمْرَهُمْ عَلَيْكُمْ بِآثَارِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَسُنَّتِهِ وَآثَارِ الْأَئِمَّةِ الْهُدَاةِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِنْ بَعْدِهِ وَسُنَّتِهِ؛ (10) فَإِنَّهُ (11) مَنْ أَخَذَ بِذلِكَ فَقَدِ اهْتَدى، وَمَنْ تَرَكَ

ص: 66


1- .الإسراء(17): 7.
2- .في الطبعة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها: _ «اللّه».
3- .في الحاشية عن بعض النسخ: «الاستجابة» بدون الباء.
4- .في النسخة «به» مرمّز ب_ (خ)، ولم يرد في بعض نسخ الكافي.
5- .الأنعام (6): 120.
6- .في الحاشية عن بعض النسخ: «ورأيكم».
7- .في الحاشية عن بعض النسخ: «وأن تسبّوا» بدل «وسبّ».
8- .الأنعام(6): 108.
9- .في الطبعة القديمة للكافي: «ولأولياء اللّه».
10- .في كلتا الطبعتين وجميع النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة: «وسنّتهم».
11- .في الحاشية عن بعض النسخ: «فإنّ».

ذلِكَ وَرَغِبَ عَنْهُ ضَلَّ؛ لِأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ أَمَرَ اللّهُ بِطَاعَتِهِمْ وَوَلَايَتِهِمْ، وَقَدْ قَالَ أَبُونَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : الْمُدَاوَمَةُ عَلَى الْعَمَلِ فِي اتِّبَاعِ الْاثَارِ وَالسُّنَنِ _ وَإِنْ قَلَّ _ أَرْضى لِلّهِ، وَأَنْفَعُ عِنْدَهُ فِي الْعَاقِبَةِ مِنَ الِاجْتِهَادِ فِي الْبِدَعِ وَاتِّبَاعِ الْأَهْوَاءِ، أَلَا إِنَّ اتِّبَاعَ الْأَهْوَاءِ وَاتِّبَاعَ الْبِدَعِ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللّهِ ضَلَالٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ فِي النَّارِ، وَلَنْ يُنَالَ شَيْءٌ مِنَ الْخَيْرِ عِنْدَ اللّهِ إِلَا بِطَاعَتِهِ وَالصَّبْرِ وَالرِّضَا؛ لِأَنَّ الصَّبْرَ وَالرِّضَا مِنْ طَاعَةِ اللّهِ. وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِهِ حَتّى يَرْضى عَنِ اللّهِ فِيمَا صَنَعَ [اللّهُ] إِلَيْهِ، وَصَنَعَ بِهِ عَلى مَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، وَلَنْ يَصْنَعَ اللّهُ بِمَنْ صَبَرَ وَرَضِيَ عَنِ اللّهِ إِلَا مَا هُوَ أَهْلُهُ، وَهُوَ خَيْرٌ لَهُ مِمَّا أَحَبَّ وَكَرِهَ. وَعَلَيْكُمْ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى «الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ» (1) كَمَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ فِي كِتَابِهِ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ. وَعَلَيْكُمْ بِحُبِّ الْمَسَاكِينِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَإِنَّهُ مَنْ حَقَّرَهُمْ، وَتَكَبَّرَ عَلَيْهِمْ، فَقَدْ زَلَّ عَنْ دِينِ اللّهِ، وَاللّهُ لَهُ حَاقِرٌ مَاقِتٌ، وَقَدْ قَالَ أَبُونَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أَمَرَنِي رَبِّي بِحُبِّ الْمَسَاكِينِ الْمُسْلِمِينَ (2) ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ (3) مَنْ حَقَّرَ أَحَداً مِنَ الْمُسْلِمِينَ، أَلْقَى اللّهُ عَلَيْهِ الْمَقْتَ مِنْهُ وَالْمَحْقَرَةَ حَتّى يَمْقُتَهُ النَّاسُ، وَاللّهُ لَهُ أَشَدُّ مَقْتاً، فَاتَّقُوا اللّهَ فِي إِخْوَانِكُمُ الْمُسْلِمِينَ الْمَسَاكِينِ؛ فَإِنَّ لَهُمْ عَلَيْكُمْ حَقّاً أَنْ تُحِبُّوهُمْ، فَإِنَّ اللّهَ أَمَرَ رَسُولَهُ (4) صلى الله عليه و آله بِحُبِّهِمْ، فَمَنْ لَمْ يُحِبَّ مَنْ أَمَرَ اللّهُ بِحُبِّهِ فَقَدْ عَصَى اللّهَ وَرَسُولَهُ، وَمَنْ عَصَى اللّهَ وَرَسُولَهُ وَمَاتَ عَلى ذلِكَ مَاتَ وَهُوَ مِنَ الْغَاوِينَ. وَإِيَّاكُمْ وَالْعَظَمَةَ وَالْكِبْرَ؛ فَإِنَّ الْكِبْرَ رِدَاءُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَمَنْ نَازَعَ اللّهَ رِدَاءَهُ قَصَمَهُ اللّهُ وَأَذَلَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَإِيَّاكُمْ أَنْ يَبْغِيَ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ؛ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ خِصَالِ الصَّالِحِينَ، فَإِنَّهُ مَنْ بَغى صَيَّرَ اللّهُ بَغْيَهُ عَلى نَفْسِهِ، وَصَارَتْ نُصْرَةُ اللّهِ لِمَنْ بُغِيَ عَلَيْهِ، وَمَنْ نَصَرَهُ اللّهُ غَلَبَ، وَأَصَابَ الظَّفَرَ مِنَ اللّهِ. وَإِيَّاكُمْ أَنْ يَحْسُدَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً؛ فَإِنَّ الْكُفْرَ أَصْلُهُ الْحَسَدُ. وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُعِينُوا عَلى مُسْلِمٍ مَظْلُومٍ، فَيَدْعُوَ اللّهَ عَلَيْكُمْ، وَيُسْتَجَابَ لَهُ فِيكُمْ؛ فَإِنَّ أَبَانَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كَانَ يَقُولُ: إِنَّ دَعْوَةَ الْمُسْلِمِ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ، وَلْيُعِنْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً؛ فَإِنَّ أَبَانَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كَانَ يَقُولُ: إِنَّ مَعُونَةَ الْمُسْلِمِ خَيْرٌ، وَأَعْظَمُ أَجْراً مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَاعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.

ص: 67


1- .البقرة(2): 238.
2- .في الطبعة القديمة وبعض نسخ الكافي: + «منهم».
3- .في كلتا الطبعتين وبعض نسخ الكافي: «أنّ».
4- .في الحاشية عن بعض النسخ: «نبيّه».

وَإِيَّاكُمْ وَإِعْسَارَ أَحَدٍ مِنْ إِخْوَانِكُمُ الْمُسْلِمِينَ أَنْ تُعْسِرُوهُ بِالشَّيْءِ يَكُونُ لَكُمْ قِبَلَهُ وَهُوَ مُعْسِرٌ؛ فَإِنَّ أَبَانَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كَانَ يَقُولُ: لَيْسَ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُعْسِرَ مُسْلِماً، وَمَنْ أَنْظَرَ مُعْسِراً أَظَلَّهُ اللّهُ بِظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَا ظِلُّهُ. وَإِيَّاكُمْ أَيَّتُهَا الْعِصَابَةُ الْمَرْحُومَةُ الْمُفَضَّلَةُ عَلى مَنْ سِوَاهَا، وَحَبْسَ حُقُوقِ اللّهِ قِبَلَكُمْ يَوْماً بَعْدَ يَوْمٍ، وَسَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ؛ فَإِنَّهُ مَنْ عَجَّلَ حُقُوقَ اللّهِ قِبَلَهُ كَانَ اللّهُ أَقْدَرَ عَلَى التَّعْجِيلِ لَهُ إِلى مُضَاعَفَةِ الْخَيْرِ فِي الْعَاجِلِ وَالْاجِلِ، وَإِنَّهُ مَنْ أَخَّرَ حُقُوقَ اللّهِ قِبَلَهُ كَانَ اللّهُ أَقْدَرَ عَلى تَأْخِيرِ رِزْقِهِ، وَمَنْ حَبَسَ اللّهُ رِزْقَهُ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَرْزُقَ نَفْسَهُ، فَأَدُّوا إِلَى اللَّهِ حَقَّ مَا رَزَقَكُمْ يُطَيِّبِ [اللّهُ] لَكُمْ بَقِيَّتَهُ، وَيُنْجِزْ لَكُمْ مَا وَعَدَكُمْ مِنْ مُضَاعَفَتِهِ لَكُمُ الْأَضْعَافَ الْكَثِيرَةَ الَّتِي لَا يَعْلَمُ عَدَدَهَا وَلَا كُنْهَ فَضْلِهَا إِلَا اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ». وَقَالَ: «اتَّقُوا اللّهَ أَيَّتُهَا الْعِصَابَةُ، وَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْكُمْ مُحْرِجُ الْاءِمَامِ؛ فَإِنَّ مُحْرِجَ الْاءِمَامِ هُوَ الَّذِي يَسْعى بِأَهْلِ الصَّلَاحِ مِنْ أَتْبَاعِ الْاءِمَامِ، الْمُسَلِّمِينَ لِفَضْلِهِ، الصَّابِرِينَ عَلَى أَدَاءِ حَقِّهِ، الْعَارِفِينَ بِحُرْمَتِهِ (1) ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ نَزَلَ بِذلِكَ الْمَنْزِلِ عِنْدَ الْاءِمَامِ فَهُوَ مُحْرِجُ الْاءِمَامِ، فَإِذَا فَعَلَ ذلِكَ عِنْدَ الْاءِمَامِ أَحْرَجَ الْاءِمَامَ إِلى أَنْ يَلْعَنَ أَهْلَ الصَّلَاحِ مِنْ أَتْبَاعِهِ، الْمُسَلِّمِينَ لِفَضْلِهِ، الصَّابِرِينَ عَلى أَدَاءِ حَقِّهِ، الْعَارِفِينَ بِحُرْمَتِهِ، فَإِذَا لَعَنَهُمْ لِاءِحْرَاجِ أَعْدَاءِ اللّهِ الْاءِمَامَ صَارَتْ لَعْنَتُهُ رَحْمَةً مِنَ اللّهِ عَلَيْهِمْ، وَصَارَتِ اللَّعْنَةُ مِنَ اللّهِ وَمِنَ الْمَلَائِكَةِ وَرُسُلِهِ عَلى أُولئِكَ. وَاعْلَمُوا أَيَّتُهَا الْعِصَابَةُ أَنَّ السُّنَّةَ مِنَ اللّهِ قَدْ جَرَتْ فِي الصَّالِحِينَ قَبْلُ». وَقَالَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللّهَ وَهُوَ مُؤْمِنٌ حَقّاً حَقّاً، فَلْيَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا، وَلْيَبْرَأْ إِلَى اللّهِ مِنْ عَدُوِّهِمْ، وَيُسَلِّمُ لِمَا انْتَهى إِلَيْهِ مِنْ فَضْلِهِمْ؛ لِأَنَّ فَضْلَهُمْ لَا يَبْلُغُهُ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَلَا مَنْ دُونَ ذلِكَ؛ أَ لَمْ تَسْمَعُوا مَا ذَكَرَ اللّهُ مِنْ فَضْلِ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ الْهُدَاةِ وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، قَالَ: «فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً» . (2) فَهذَا وَجْهٌ مِنْ وُجُوهِ فَضْلِ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ، فَكَيْفَ بِهِمْ وَفَضْلِهِمْ؟! وَمَنْ سَرَّهُ أَنْ يُتِمَّ اللّهُ لَهُ إِيمَانَهُ حَتّى يَكُونَ مُؤْمِناً حَقّاً حَقّاً، فَلْيَفِ لِلَّهِ (3) بِشُرُوطِهِ الَّتِي اشْتَرَطَهَا

ص: 68


1- .في الطبعة القديمة للكافي: «لحرمته».
2- .النساء(4): 69.
3- .في الحاشية عن بعض النسخ والطبعة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها: «فليتّق اللّه».

عَلَى الْمُؤْمِنِينَ؛ فَإِنَّهُ قَدِ اشْتَرَطَ مَعَ وَلَايَتِهِ وَوَلَايَةِ رَسُولِهِ وَوَلَايَةِ أَئِمَّةِ الْمُؤْمِنِينَ إِقَامَ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ، وَإِقْرَاضَ اللّهِ قَرْضاً حَسَناً، (1) وَاجْتِنَابَ الْفَوَاحِشِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، فَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِمَّا فُسِّرَ مِمَّا (2) حَرَّمَ اللّهُ إِلَا وَقَدْ دَخَلَ فِي جُمْلَةِ قَوْلِهِ: فَمَنْ دَانَ اللّهَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللّهِ مُخْلِصاً لِلّهِ، وَلَمْ يُرَخِّصْ لِنَفْسِهِ فِي تَرْكِ شَيْءٍ مِنْ هذَا، فَهُوَ عِنْدَ اللّهِ فِي حِزْبِهِ الْغَالِبِينَ، وَهُوَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ حَقّاً. وَإِيَّاكُمْ وَالْاءِصْرَارَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا حَرَّمَ اللّهُ فِي ظَهْرِ الْقُرْآنِ وَبَطْنِهِ، وَقَدْ قَالَ اللّهُ تَعَالى: «وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ» (3) _ إِلى هاهُنَا رِوَايَةُ قَاسِمِ بْنِ الرَّبِيعِ _ يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ قَبْلَكُمْ إِذَا نَسُوا شَيْئاً مِمَّا اشْتَرَطَ اللّهُ فِي كِتَابِهِ، عَرَفُوا أَنَّهُمْ قَدْ عَصَوُا اللّهَ فِي تَرْكِهِمْ ذلِكَ الشَّيْءَ، فَاسْتَغْفَرُوا، وَلَمْ يَعُودُوا إِلى تَرْكِهِ، فَذلِكَ مَعْنى قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ» . وَاعْلَمُوا أَنَّهُ إِنَّمَا أَمَرَ وَنَهى لِيُطَاعَ فِيمَا أَمَرَ بِهِ، وَلِيُنْتَهى عَمَّا نَهى عَنْهُ، فَمَنِ اتَّبَعَ أَمْرَهُ فَقَدْ أَطَاعَهُ، وَقَدْ أَدْرَكَ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ الْخَيْرِ عِنْدَهُ، وَمَنْ لَمْ يَنْتَهِ عَمَّا نَهَى اللّهُ عَنْهُ فَقَدْ عَصَاهُ، فَإِنَّ مَنْ (4) مَاتَ عَلى مَعْصِيَتِهِ أَكَبَّهُ اللّهُ عَلى وَجْهِهِ فِي النَّارِ. وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ اللّهِ وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَلَا مَنْ دُونَ ذلِكَ مِنْ خَلْقِهِ كُلِّهِمْ إِلَا طَاعَتُهُمْ لَهُ، فَخُذُوا (5) فِي طَاعَةِ اللّهِ إِنْ سَرَّكُمْ أَنْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ حَقّاً حَقّاً، (6) وَلَا قُوَّةَ إِلَا بِاللّهِ». وَقَالَ عليه السلام : «وَ (7) عَلَيْكُمْ بِطَاعَةِ رَبِّكُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ؛ فَإِنَّ اللّهَ رَبُّكُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْاءِسْلاَ مَ هُوَ التَّسْلِيمُ، وَالتَّسْلِيمَ هُوَ الْاءِسْلَامُ، فَمَنْ سَلَّمَ فَقَدْ أَسْلَمَ، وَمَنْ لَمْ يُسَلِّمْ فَلَا إِسْلَامَ لَهُ، وَمَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْلِغَ إِلى نَفْسِهِ فِي الْاءِحْسَانِ فَلْيُطِعِ اللّهَ؛ فَإِنَّهُ مَنْ أَطَاعَ اللّهَ فَقَدْ أَبْلَغَ إِلى نَفْسِهِ فِي الْاءِحْسَانِ. وَإِيَّاكُمْ وَمَعَاصِيَ اللّهِ أَنْ تَرْكَبُوهَا؛ فَإِنَّهُ مَنِ انْتَهَكَ مَعَاصِيَ اللّهِ فَرَكِبَهَا، فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الْاءِسَاءَةِ إِلى

ص: 69


1- .في الحاشية: «دلّ على أنّ الإيمان هو التصديق بالولايات المذكورة، وأنّ الأعمال خارجة عنه، شروط لكماله». شرح المازندراني، ج11، ص198.
2- .في الحاشية: «بيان بما فسّر، أوبشيء».
3- .آل عمران(3): 135.
4- .في كلتا الطبعتين وأكثر نسخ الكافي: «فإنْ» بدل «فإنّ من».
5- .هكذا في النسخة وبعض نسخ الكافي. وفي الحاشية عن بعض النسخ وكلتا الطبعتين: «فاجتهدوا». وفي حاشية اُخرى لها وبعض نسخ الكافي: «فجدّوا».
6- .في الحاشية عن بعض النسخ: + «ولا حول».
7- .الواو في النسخة مرمّز ب_ (خ)، ولم يرد في بعض نسخ الكافي.

نَفْسِهِ، وَلَيْسَ بَيْنَ الْاءِحْسَانِ وَالْاءِسَاءَةِ مَنْزِلَةٌ، فَلِأَهْلِ الْاءِحْسَانِ عِنْدَ رَبِّهِمُ الْجَنَّةُ، وَلِأَهْلِ الْاءِسَاءَةِ عِنْدَ رَبِّهِمُ النَّارُ، فَاعْمَلُوا بِطَاعَةِ اللّهِ، وَاجْتَنِبُوا مَعَاصِيَهُ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ يُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللّهِ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ شَيْئاً، لَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَلَا مَنْ دُونَ ذلِكَ، فَمَنْ سَرَّهُ أَنْ تَنْفَعَهُ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ عِنْدَ اللّهِ، فَلْيَطْلُبْ إِلَى اللّهِ أَنْ يَرْضى عَنْهُ، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَحَداً مِنْ خَلْقِ اللّهِ لَمْ يُصِبْ رِضَا اللّهِ إِلَا بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ وَطَاعَةِ وُلَاةِ أَمْرِهِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ _ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيْهِمْ _ وَمَعْصِيَتُهُمْ مِنْ مَعْصِيَةِ اللّهِ، وَلَمْ يُنْكِرْ (1) لَهُمْ فَضْلاً عَظُمَ وَلَا صَغُرَ. (2) وَاعْلَمُوا أَنَّ الْمُنْكِرِينَ هُمُ الْمُكَذِّبُونَ، وَأَنَّ الْمُكَذِّبِينَ هُمُ الْمُنَافِقُونَ، وَأَنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ قَالَ لِلْمُنَافِقِينَ وَقَوْلُهُ الْحَقُّ: «إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً» ، (3) وَلَا يَعْرِفَنَّ (4) أَحَدٌ مِنْكُمْ أَلْزَمَ اللّهُ قَلْبَهُ طَاعَتَهُ وَخَشْيَتَهُ مِنْ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ (5) أَخْرَجَهُ اللّهُ مِنْ صِفَةِ الْحَقِّ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ مِنْ أَهْلِهَا؛ فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ (6) اللّهُ مِنْ أَهْلِ صِفَةِ الْحَقِّ، فَأُولئِكَ هُمْ شَيَاطِينُ الْاءِنْسِ وَالْجِنِّ، وَإِنَّ لِشَيَاطِينِ الْاءِنْسِ حِيلَةً وَمَكْراً وَخَدَائِعَ وَوَسْوَسَةَ بَعْضِهِمْ إِلى بَعْضٍ يُرِيدُونَ إِنِ اسْتَطَاعُوا أَنْ يَرُدُّوا أَهْلَ الْحَقِّ عَمَّا أَكْرَمَهُمُ اللّهُ بِهِ مِنَ النَّظَرِ فِي دِينِ اللّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلِ اللّهُ شَيَاطِينَ الْاءِنْسِ مِنْ أَهْلِهِ إِرَادَةَ أَنْ يَسْتَوِيَ أَعْدَاءُ اللّهِ وَأَهْلُ الْحَقِّ فِي الشَّكِّ وَالْاءِنْكَارِ وَالتَّكْذِيبِ، فَيَكُونُونَ سَوَاءً، كَمَا وَصَفَ اللّهُ تَعَالى فِي كِتَابِهِ مِنْ قَوْلِهِ: «وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً» ، (7) ثُمَّ نَهَى اللّهُ أَهْلَ النَّصْرِ بِالْحَقِّ أَنْ يَتَّخِذُوا مِنْ أَعْدَاءِ اللّهِ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً، فَلَا يُهَوِّلَنَّكُمْ، وَلَا يَرُدَّنَّكُمْ عَنِ النَّصْرِ بِالْحَقِّ الَّذِي خَصَّكُمُ اللّهُ بِهِ (8) مِنْ حِيلَةِ شَيَاطِينِ الْاءِنْسِ وَمَكْرِهِمْ مِنْ أُمُورِكُمْ، تَدْفَعُونَ أَنْتُمُ السَّيِّئَةَ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ، تَلْتَمِسُونَ بِذلِكَ وَجْهَ رَبِّكُمْ بِطَاعَتِهِ، وَهُمْ لَا خَيْرَ عِنْدَهُمْ،

ص: 70


1- .في الحاشية: «الظاهر أنّ قوله: ومعصيتهم إلخ، جملة معترضة، ولم ينكر إلخ، جملة حاليّة. والظاهر أنّ في عبارة الحديث زيد «من» من الرواة أو النسّاخ، وأنّه: ومن معصيتهم معصية اللّه، فيكون قوله عليه السلام عطفاً على آل محمّد، ويكون قوله عليه السلام : ولم ينكر، جملة حاليّة، واللّه يعلم، والعالم أنّه تعالى».
2- .في كلتا الطبعتين: «أو صغر». وفي بعض نسخ الكافي: «ولا أصغر».
3- .النساء(4): 145.
4- .في الحاشية عن بعض النسخ وفي كلتا الطبعتين: «ولا يفرقنّ». وفي حاشية اُخرى: «ولا يقرفنّ».
5- .في الحاشية عن بعض النسخ والطبعة القديمة للكافي: + «ممّن».
6- .في الطبعة الجديدة للكافي وجميع النسخ التي قوبلت فيها: «يجعله».
7- .النساء(4): 89.
8- .«به» في النسخة مرمّز ب_ (خ)، ولم يرد في بعض نسخ الكافي.

وَ (1) لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تُظْهِرُوهُمْ (2) عَلى أُصُولِ دِينِ اللّهِ؛ فَإِنَّهُمْ إِنْ سَمِعُوا مِنْكُمْ فِيهِ شَيْئاً عَادَوْكُمْ عَلَيْهِ، وَرَفَعُوهُ عَلَيْكُمْ، وَجَهَدُوا (3) عَلى هَلَاكِكُمْ، وَاسْتَقْبَلُوكُمْ بِمَا تَكْرَهُونَ، وَلَمْ يَكُنْ لَكُمُ النَّصَفُ (4) مِنْهُمْ فِي دُوَلِ الْفُجَّارِ، فَاعْرِفُوا مَنْزِلَتَكُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَهْلِ الْبَاطِلِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْحَقِّ أَنْ يُنْزِلُوا أَنْفُسَهُمْ مَنْزِلَةَ أَهْلِ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَجْعَلْ أَهْلَ الْحَقِّ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الْبَاطِلِ؛ أَ لَمْ يَعْرِفُوا وَجْهَ قَوْلِ اللّهِ فِي كِتَابِهِ إِذْ يَقُولُ: «أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجّارِ» ؟! (5) أَكْرِمُوا أَنْفُسَكُمْ عَنْ أَهْلِ الْبَاطِلِ، وَلَا تَجْعَلُوا اللّهَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ وَ «لَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى» ، (6) وَإِمَامَكُمْ وَدِينَكُمُ الَّذِي تَدِينُونَ بِهِ عُرْضَةً لِأَهْلِ الْبَاطِلِ، فَتُغْضِبُوا اللّهَ عَلَيْكُمْ فَتَهْلِكُوا. فَمَهْلاً مَهْلاً يَا أَهْلَ الصَّلَاحِ، لَا تَتْرُكُوا أَمْرَ اللّهِ وَأَمْرَ مَنْ أَمَرَكُمْ بِطَاعَتِهِ، فَيُغَيِّرَ اللّهُ مَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ، أَحِبُّوا فِي اللّهِ مَنْ وَصَفَ صِفَتَكُمْ، وَأَبْغِضُوا فِي اللّهِ مَنْ خَالَفَكُمْ، وَابْذُلُوا مَوَدَّتَكُمْ وَنَصِيحَتَكُمْ لِمَنْ وَصَفَ صِفَتَكُمْ، وَلَا تَبْذُلُوهَا (7) لِمَنْ رَغِبَ عَنْ صِفَتِكُمْ وَعَادَاكُمْ عَلَيْهَا، وَبَغَاكُمُ (8) الْغَوَائِلَ، (9) هذَا أَدَبُنَا (10) وَ (11) أَدَبُ اللّهِ، فَخُذُوا بِهِ، وَتَفَهَّمُوهُ، وَاعْقِلُوهُ، وَلَا تَنْبِذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ، مَا وَافَقَ هُدَاكُمْ أَخَذْتُمْ بِهِ، وَمَا وَافَقَ هَوَاكُمُ اطَّرَحْتُمُوهُ، (12) وَلَمْ تَأْخُذُوا بِهِ. وَإِيَّاكُمْ وَالتَّجَبُّرَ عَلَى اللّهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ عَبْداً لَمْ يُبْتَلَ بِالتَّجَبُّرِ عَلَى اللّهِ إِلَا تَجَبَّرَ عَلى دِينِ اللّهِ، فَاسْتَقِيمُوا لِلّهِ، وَلَا تَرْتَدُّوا عَلى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ، أَجَارَنَا اللّهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ التَّجَبُّرِ عَلَى اللّهِ، وَلَا قُوَّةَ لَنَا وَ (13) لَكُمْ إِلَا بِاللّهِ». وَقَالَ عليه السلام : «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا كَانَ خَلَقَهُ اللّهُ فِي الْأَصْلِ _ أَصْلِ الْخَلْقِ _ مُؤْمِناً لَمْ يَمُتْ حَتّى يُكَرِّهَ اللّهُ

ص: 71


1- .في الحاشية عن بعض النسخ: + «لا».
2- .الواو في النسخة مرمّز ب (خ)، ولم يرد في كلتا الطبعتين وأكثر نسخ الكافي.
3- .في الحاشية عن بعض النسخ: «أن تطلعوهم».
4- .في الحاشية عن بعض النسخ: «وجاهدوا».
5- .في الحاشية عن بعض النسخ والطبعة القديمة وبعض نسخ الكافي: «النصفة».
6- .ص(38): 28.
7- .الروم(30): 27.
8- .في الطبعة القديمة للكافي: «ولا تبتذلوها».
9- .في الحاشية عن بعض النسخ وكلتا الطبعتين وأكثر نسخ الكافي: «وبغى لكم».
10- .في الحاشية: «الغائلة: بدى. دستور [اللغة]».
11- .في الحاشية: «الأدب: كار پسنديده. كنز [اللغة]».
12- .الواو في النسخة مرمّز ب_ (خ)، ولم يرد في كلتا الطبعتين وأكثر نسخ الكافي.
13- .في الحاشية عن بعض النسخ والطبعة القديمة وبعض نسخ الكافي: «طرحتموه».

إِلَيْهِ الشَّرَّ، وَيُبَاعِدَهُ مِنْهُ، (1) وَمَنْ كَرَّهَ اللّهُ إِلَيْهِ الشَّرَّ، وَبَاعَدَهُ عَنْهُ، (2) عَافَاهُ اللّهُ مِنَ الْكِبْرِ أَنْ يَدْخُلَهُ وَالْجَبْرِيَّةِ، فَلَانَتْ (3) عَرِيكَتُهُ، وَحَسُنَ خُلُقُهُ، وَطَلُقَ وَجْهُهُ، وَصَارَ عَلَيْهِ وَقَارُ الْاءِسْلَامِ وَسَكِينَتُهُ وَتَخَشُّعُهُ، وَوَرِعَ عَنْ مَحَارِمِ اللّهِ، وَاجْتَنَبَ مَسَاخِطَهُ، وَرَزَقَهُ اللّهُ مَوَدَّةَ النَّاسِ وَمُجَامَلَتَهُمْ، وَتَرْكَ مُقَاطَعَةِ النَّاسِ وَالْخُصُومَاتِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْهَا وَلَا مِنْ أَهْلِهَا فِي شَيْءٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا (4) كَانَ اللّهُ خَلَقَهُ فِي الْأَصْلِ _ أَصْلِ الْخَلْقِ _ كَافِراً لَمْ يَمُتْ حَتّى يُحَبِّبَ اللّهُ (5) إِلَيْهِ الشَّرَّ، وَيُقَرِّبَهُ مِنْهُ، فَإِذَا حَبَّبَ إِلَيْهِ الشَّرَّ، وَقَرَّبَهُ مِنْهُ، ابْتُلِيَ بِالْكِبْرِ وَالْجَبْرِيَّةِ، فَقَسَا قَلْبُهُ، وَسَاءَ خُلُقُهُ، وَغَلُظَ وَجْهُهُ، وَظَهَرَ فُحْشُهُ، وَقَلَّ حَيَاؤُهُ، وَكَشَفَ اللّهُ سِتْرَهُ، (6) وَرَكِبَ الْمَحَارِمَ، فَلَمْ يَنْزِعْ عَنْهَا، وَرَكِبَ مَعَاصِيَ اللّهِ، وَأَبْغَضَ طَاعَتَهُ وَأَهْلَهَا، فَبُعْدٌ مَا بَيْنَ حَالِ الْمُؤْمِنِ وَحَالِ الْكَافِرِ، سَلُوا اللّهَ الْعَافِيَةَ، وَاطْلُبُوهَا إِلَيْهِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَا بِاللّهِ. صَبِّرُوا النَّفْسَ عَلَى الْبَلَاءِ فِي الدُّنْيَا؛ (7) فَإِنَّ تَتَابُعَ الْبَلَاءِ فِيهَا، وَالشِّدَّةَ فِي طَاعَةِ اللّهِ وَوَلَايَتِهِ وَوَلَايَةِ مَنْ أَمَرَ بِوَلَايَتِهِ خَيْرٌ عَاقِبَةً عِنْدَ اللّهِ فِي الْاخِرَةِ مِنْ مُلْكِ الدُّنْيَا، وَإِنْ طَالَ تَتَابُعُ نَعِيمِهَا وَزَهْرَتِهَا وَغَضَارَةُ عَيْشِهَا فِي مَعْصِيَةِ اللّهِ وَوَلَايَةِ مَنْ نَهَى اللّهُ عَنْ وَلَايَتِهِ وَطَاعَتِهِ؛ فَإِنَّ اللّهَ أَمَرَ بِوَلَايَةِ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ سَمَّاهُمُ اللّهُ (8) فِي كِتَابِهِ فِي قَوْلِهِ: «وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا» ، (9) وَهُمُ الَّذِينَ أَمَرَ اللّهُ بِوَلَايَتِهِمْ وَطَاعَتِهِمْ، وَالَّذِينَ نَهَى اللّهُ عَنْ وَلَايَتِهِمْ وَطَاعَتِهِمْ، وَ (10) هُمْ أَئِمَّةُ الضَّلَالَةِ الَّذِينَ قَضَى اللّهُ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ دُوَلٌ (11) فِي الدُّنْيَا عَلى أَوْلِيَاءِ اللّهِ، الْأَئِمَّةِ (12) مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ، يَعْمَلُونَ فِي دُولَتِهِمْ

ص: 72


1- .في الطبعة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها: _ «اللّه».
2- .الواو في النسخة مرمّز ب_ (خ)، ولم يرد في بعض نسخ الكافي.
3- .في الحاشية عن بعض النسخ وكلتا الطبعتين وأكثر نسخ الكافي: «عنه».
4- .في الحاشية عن بعض النسخ: «منه».
5- .في الحاشية عن بعض النسخ: «ولانت».
6- .في الحاشية عن بعض النسخ: «إن».
7- .في كلتا الطبعتين وأكثر نسخ الكافي: _ «اللّه».
8- .في الحاشية عن بعض النسخ: «سرّه».
9- .في الحاشية: «وممّا يُسهّل الصبرَ النظرُ فيما ورد على الصلحاء من البلاء ممّا يعجز من إدراك كمّيّته عقول الأعلام، وعن بيان كيفيّته لسان الأحكام، من تدبّر فيه وفي حسن عاقبته وصبرهم عليه، تيقّن أنّ ذلك ليس لأجل استحقاقهم واستحقارهم، بل لرفع درجتهم وإعلاء منزلتهم تلقاء بالقبول تأسّياً بهم. صالح». شرح المازندراني، ج11، ص208.
10- .الأنبياء(21): 73.
11- .في الحاشية: «دول مثلّثة، جمع دُولة _ بالضمّ _ في المال والجاه، وبالفتح في الحرب. وقيل: هما فيهما سواء. صالح». شرح المازندراني، ج11، ص209.
12- .في الحاشية: «صفةُ أولياء اللّه».

بِمَعْصِيَةِ اللّهِ وَمَعْصِيَةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه و آله ، لِيَحِقَّ اللّهُ (1) عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ، وَلِيَتِمَّ أَنْ تَكُونُوا مَعَ نَبِيِّ اللّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله وَالرُّسُلِ مِنْ قَبْلِهِ، فَتَدَبَّرُوا مَا قَصَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فِي كِتَابِهِ مِمَّا ابْتَلى بِهِ أَنْبِيَاءَهُ وَأَتْبَاعَهُمُ الْمُؤْمِنِينَ، (2) ثُمَّ سَلُوا اللّهَ أَنْ يُعْطِيَكُمُ الصَّبْرَ عَلَى الْبَلَاءِ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، (3) وَالشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ مِثْلَ الَّذِي أَعْطَاهُمْ. وَإِيَّاكُمْ وَمُمَاظَّةَ أَهْلِ الْبَاطِلِ، وَعَلَيْكُمْ بِهُدَى الصَّالِحِينَ، (4) وَوَقَارِهِمْ وَسَكِينَتِهِمْ وَحِلْمِهِمْ (5) وَتَخَشُّعِهِمْ، وَوَرَعِهِمْ عَنْ مَحَارِمِ اللّهِ، وَصِدْقِهِمْ وَوَفَائِهِمْ، وَاجْتِهَادِهِمْ لِلّهِ فِي الْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ؛ فَإِنَّكُمْ إِنْ لَمْ تَفْعَلُوا ذلِكَ (6) لَمْ تُنْزَلُوا عِنْدَ رَبِّكُمْ مَنْزِلَةَ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْراً شَرَحَ صَدْرَهُ لِلْاءِسْلَامِ، فَإِذَا أَعْطَاهُ ذلِكَ نَطَقَ (7) لِسَانُهُ بِالْحَقِّ، وَعَقَدَ قَلْبَهُ عَلَيْهِ، فَعَمِلَ بِهِ، فَإِذَا جَمَعَ اللّهُ لَهُ ذلِكَ تَمَّ لَهُ إِسْلَا مُهُ، وَكَانَ عِنْدَ اللّهِ إِنْ مَاتَ عَلى ذلِكَ الْحَالِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَقّاً، وَإِذَا لَمْ يُرِدِ اللّهُ بِعَبْدٍ خَيْراً وَكَلَهُ إِلى نَفْسِهِ، وَكَانَ صَدْرُهُ ضَيِّقاً حَرَجاً، فَإِنْ (8) جَرى عَلى لِسَانِهِ حَقٌّ لَمْ يُعْقَدْ قَلْبُهُ عَلَيْهِ، وَإِذَا لَمْ يُعْقَدْ قَلْبُهُ عَلَيْهِ لَمْ يُعْطِهِ اللّهُ الْعَمَلَ بِهِ، فَإِذَا اجْتَمَعَ ذلِكَ عَلَيْهِ حَتّى يَمُوتَ _ وَهُوَ عَلى تِلْكَ الْحَالِ _ كَانَ عِنْدَ اللّهِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، وَصَارَ مَا جَرى عَلى لِسَانِهِ مِنَ الْحَقِّ الَّذِي لَمْ يُعْطِهِ اللّهُ أَنْ يُعْقَدَ قَلْبُهُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُعْطِهِ الْعَمَلَ بِهِ حُجَّةً عَلَيْهِ (9) ، فَاتَّقُوا اللّهَ، وَسَلُوهُ أَنْ يَشْرَحَ صُدُورَكُمْ لِلْاءِسْلَامِ، وَأَنْ يَجْعَلَ أَلْسِنَتَكُمْ تَنْطِقُ بِالْحَقِّ، حَتّى يَتَوَفَّاكُمْ وَأَنْتُمْ عَلى ذلِكَ، وَأَنْ يَجْعَلَ مُنْقَلَبَكُمْ مُنْقَلَبَ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَلَا قُوَّةَ إِلَا بِاللّهِ، وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

ص: 73


1- .في كلتا الطبعتين وأكثر نسخ الكافي: _ «اللّه».
2- .في الحاشية: «يظهر ذلك بالتأمّل في أحوال الماضين من المؤمنين كيف كانوا في حال التمحيص والبلاء؛ كانوا أثقل الخلائق عناء، وأجهدهم بلاء، وأضيقهم حالاً، وأقلّهم مالاً، اتّخذهم الفراعنة عبيداً، وآذوهم شديداً، وساموهم سوء العذاب، وراموهم إلى أشدّ العقاب، فلم تبرح الحال بهم في الهلكة وقهر الغلبة، لا يجدون حيلة في امتناع، ولا وسيلة إلى دفاع، وقد جرت سنّة اللّه في عباده الصالحين بالاختبار والامتحان والتمحيص، وما يلقّاها إلّا الصابرون الفائزون، وهم خير عاقبة عند اللّه تعالى في الدنيا والآخرة، وهم المؤمنون المفلحون، فتأسّ بهم عند نزول البلاء، وقُل: مَرحباً بشعار الصالحين. صالح». شرح المازندراني، ج11، ص210.
3- .في الحاشية: «والضرّاء: الحالة التي تضرّ، وهي نقيض السرّاء. صالح». شرح المازندراني، ج11، ص210.
4- .في الحاشية: «أي بسيرتهم».
5- .في الحاشية عن بعض النسخ: «و حملهم».
6- .في الحاشية: «أي المذكور من الصبر وبعده».
7- .في الطبعة القديمة للكافي: «أنطق».
8- .في الحاشية عن بعض النسخ: «وإن».
9- .في الطبعة القديمة للكافي: + «يوم القيامة».

وَمَنْ سَرَّهُ (1) أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللّهَ يُحِبُّهُ، فَلْيَعْمَلْ بِطَاعَةِ اللّهِ، وَلْيَتَّبِعْنَا؛ أَ لَمْ تَسْمَعْ (2) قَوْلَ اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله : «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ» ، (3) وَاللّهِ لَا يُطِيعُ اللّهَ عَبْدٌ أَبَداً إِلَا أَدْخَلَ اللّهُ عَلَيْهِ فِي طَاعَتِهِ اتِّبَاعَنَا، وَلَا وَاللّهِ لَا يَتَّبِعُنَا عَبْدٌ أَبَداً إِلَا أَحَبَّهُ اللّهُ، وَلَا وَاللّهِ لَا يَدَعُ أَحَدٌ اتِّبَاعَنَا أَبَداً إِلَا أَبْغَضَنَا، وَلَا وَاللّهِ لَا يُبْغِضُنَا أَحَدٌ أَبَداً إِلَا عَصَى اللّهَ، وَمَنْ مَاتَ عَاصِياً لِلّهِ أَخْزَاهُ اللّهُ، وَأَكَبَّهُ عَلى وَجْهِهِ فِي النَّارِ، وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ».

شرح الحديث

«الروضة» في اللغة: البستان، ومستنقع الماء من العُشب والكلأ (4) أيضاً، استُعيرت لهذا الكتاب بتشبيه ما فيه من المسائل الشريفة والمباحث اللطيفة والثمار العجيبة بالروضة في البهجة والصفاء والنضارة والبهاء، أو في كونه محتوياً لما هو سبب لحياة الأرواح، كما أنّ الروضة محتوية لما هو سبب لحياة الأشباح من الماء والكلأ وغيرهما، فصار الكتاب وأهله مصداقاً لقوله عزّ وجلّ: «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاؤُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ» . (5) ثمّ اعلم أنّ المصنّف _ قدّس سرّه _ روى هذه الرسالة بثلاثة أسانيد: الأوّل منها: مجهول. والثاني: ضعيف على المشهور، ومعتبر عند البعض. (6) والثالث: ضعيف، لكن آثار الصحّة لائحة من سياقها مع تأيّد مضامينها والحِكم المودعة فيها بالعقل والنقل. قوله: (محمّد بن يعقوب الكليني). الظاهر أنّه كلام أحد من رواة الكليني: النعماني، أو الصفواني، أو غيرهما.

ص: 74


1- .في الحاشية عن بعض النسخ: «يسرّه».
2- .هكذا في النسخة. وفي كلتا الطبعتين وأكثر نسخ الكافي: «يسمع». وفي بعضها: «يستمع».
3- .آل عمران(3): 31.
4- .«الكلأ»: ما يُرعى من البقل والشجر وما أشبههما، أو العُشب رطبه ويابسه، ولا واحد له. راجع: كتاب العين، ج5، ص408؛ لسان العرب، ج1، ص148 (كلأ).
5- .الشورى(42): 22.
6- .كالعلّامة المجلسي رحمه الله حيث ضعّفها في مرآة العقول، ج25، ص5 بدليل وجود «ابن سنان»، ثمّ قال: «عندي معتبر».

وقيل: يحتمل كونه كلام المصنّف بلسانهم، وإخبار عن نفسه بطريق الغيبة. (1)

قال الفيروزآبادي: «كَلين، كأمير: قرية بالريّ، منها محمّد بن يعقوب الكليني من فقهاء الشيعة». (2)

وقال السمعاني في كتاب الأنساب:

الكُليني _ بضمّ الكاف، وكسر اللام، وبعدها الياء المنقوطة باثنتين من تحتها، وفي آخرها النون _ هذه النسبة إلى كلين، وهي قرية [بالرَّيّ]. انتهى. (3)

وأقول: سمعت ممّن يوثق به أنّ بالريّ قريتان: إحداهما تسمّى كَلين كأمير، والاُخرى كُلَين، بضمّ الكاف وفتح اللام وسكون الياء؛ واللّه أعلم.

وقوله: (وعن محمّد بن إسماعيل بن بزيع) عطف على قوله «ابن فضّال»؛ لكونهما في مرتبة واحدة، ولرواية إبراهيم بن هاشم عنهما جميعاً.

وقوله: (الرسالة) هي بالفتح والكسر، اسم من الإرسال، وهو الإطلاق والتوجيه، ثمّ استعملت في العرف بمعنى الكتاب والمكتوب الذي يُرسل إلى الغير.

وقوله: (بمدارستها) أي بقراءتها وتعلّمها وتعليمها، من قولهم: درست الكتاب _ للفهم أو للحفظ _ دَرساً بالفتح، ودِراسة بالكسر، من باب نصر وضرب، إذا قرأته وكرّرت قراءته. (والنظر فيها) أي بالتفكّر والتدبّر، أو بالبصر، أو بهما.

وقوله: (وتعاهدها) أي تحفّظها وتفقّدها وإتيانها مرّة بعد اُخرى، وتجديد العهد بها، والاعتقاد بمضامينها، والعمل بما يتعلّق بالعمل فيها.

قال الجوهري: التعهّد:

التحفّظ بالشيء، وتجديد العهد به، وتعهّدت فلاناً، وتعهّدت ضَيعتي، وهو أفصح من قولك: تعاهدته؛ لأنّ التعاهد إنّما يكون بين اثنين. (4)

هذا كلامه، فتأمّل.

وقوله: (قال: وحدّثني الحسن بن محمّد) . القائل هو الكليني، (5) والواو للعطف على قوله: «حدّثني»، وكانت تلك الواو في المنقول،

ص: 75


1- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج11، ص175.
2- .القاموس المحيط، ج4، ص263 (كلن).
3- .الأنساب، ج5، ص91.
4- .الصحاح، ج2، ص516 (عهد).
5- .هذا، وأمّا عند العلّامة المجلسي رحمه الله القائل هو إبراهيم بن هاشم. راجع: مرآة العقول، ج25، ص6.

لا في كلام الناقل، ولذا لم يدخل على قوله: «قال».

قوله: (بسم اللّه الرحمن الرحيم) .

ابتدأ بها تيمّناً، أو تشرّفاً وتعظيماً لما يذكر بعدها، وعملاً بمضمون حديث الابتداء.

(أمّا بعد) أي بعد التسمية والاستعانة باللّه _ عزّ وجلّ _ في الاُمور كلّها.

(فاسألوا ربّكم العافية)

يقال: عافاهُ اللّه عن المكروه مُعافاة وعافية، أي دفعه منه، ووهب له العافية، والمراد بسؤالها طلب البراءة من الأسقام والآلام والمكاره، أو من الذنوب، أو من أذى الناس، أو من إيذائهم، أو الجميع.

(وعليكم بالدَّعَة والوَقار والسكينة) .

الدَّعة بالفتح: الراحة والرفاهيّة والسعة في العيش، والترغيب بها، والأمر بالتزامها، ليس باعتبار إكثار المال، بل لإصلاح الحال؛ فإنّ «مَن قَنع شَبع» (1) واستراح، وترفّه في العيش، ومن أصلح بينه وبين الخلق، صديقاً كان أو عدوّاً، طاب عيشه، وترفّه حاله، واستقرّ باله.

وقيل: المراد بها ترك الحركات والأفعال التي توجب الضرر في دولة الباطل. (2)

والوَقار بالفتح: الحلم والرَزانة. ولعلّ المراد هنا ترك العجلة والتسرّع في الاُمور، أو اطمئنان القلب بالإيمان، وعدم تزلزله بمضلّات الفتن، أو رزانة النفس باللّه وسكونها (3) إليه، وفراغها من غيره.

والسكينة: الطمأنينة وسكون الجوارح، وهي تابعة للوَقار؛ لأنّ من شغل قلبه باللّه، ولم يضطرب في اُمور الدنيا والدين، ولم يتسرّع إليها، اشتغلت جوارحه بما خلقت لأجله، وأعرضت عمّا سواه، وهذا أحسن من القول بترادفهما.

(وعليكم بالحياء) .

الحَياء بالفتح والمدّ: العار والحشمة، وعرّفوه بأنّه كيفيّة نفسانيّة مانعة من القبيح

ص: 76


1- .الكافي، ج8، ص243، ح337؛ تحف العقول، ص303؛ غرر الحكم، ص392، ح9054؛ مشكاة الأنوار، ص130؛ مجموعة ورّام، ج2، ص153.
2- .القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج25، ص6.
3- .في الحاشية: «العطف للتفسير. منه».

والتقصير في الحقوق خوفاً من اللوم، وقد يتخلّق به من لم يُجبل عليه، وهو الحياء المكتسب، وإطلاقه على ما هو مبدأ الانفعال عن ترك الإتيان بالحقوق، وارتكاب ما يذمّ به على سبيل التجوّز.

(والتنزّه عمّا تنزّه الصالحون قبلكم) .

لعلّ المراد بالصالحين ما يعمّ الأنبياء والمرسلين، وبما تنزّهوا عنه فعلَ المَنهيّات وترك المأمورات، والتخلّقَ بالأخلاق الرديّة والآدابِ الذميمة، وارتكابَ فضول الدنيا ممّا لا حاجة لهم إليها.

(والمُجاملة) .

في بعض النسخ بالجيم، وهي المُعاملة بالجميل. وفي بعضها بالحاء المهملة، ولعلّه بمعنى التحمّل، وهو تكلّف الحمل ومُقاساة (1) شدائده.

وكان قوله: (تحمّلوا الضَّيم) بيان للمجاملة.

و«الضَّيم»: الظلم، أي لا تقابلوهم بالانتقام؛ فإنّ الانتقام منهم في دولة الباطل يوجب مضاعفة الظلم عليكم؛ لضعفكم وقلّة ناصركم.

(وإيّاكم ومُماظَّتهم)

المُماظّة: المُشارّة والمنازعة وملازمة الخصم، وكأنّه عليه السلام حذّر عن مشارّتهم والدخول في مشهورتهم، أو عن منازعتهم وطول اللزوم في مخاصمتهم في الاُمور كلّها؛ لأنّها تميت القلب، وتُثير العداوة والفتن، وتوجب اضطراب القلب باستماع الشبهات، وهي مذمومة مع أهل الحقّ، فكيف مع أهل الباطل في دولتهم؟! أمّا نصيحة من استنصح منهم، واستعدّ لقبولها، فيكفيه أدنى الإشارة وأقلّ البيان، و[إن ]لم يستعدّ لذلك لم ينفعه السيف والسنان. (دِينوا فيما بينكم وبينهم) من الاُمور المختلفة التي يجب فيها التقيّة. والدِّين بالكسر: العادة والعبادة والمواظبة، أي عوّدوا أنفسكم بالتقيّة، أو اعبدوا اللّه، وأطيعوه بها، أو واظبوا عليها.

وقوله: (إذا أنتم ... ) ظرف لقوله: «دينوا».

ص: 77


1- .قال ابن منظور: «المُقاساة: مُكابدة الأمر الشديد». لسان العرب، ج15، ص181 (قسو).

والمُنازعة: المخاصمة والمجاذبة، والمراد هنا ما يعمّ المحاورات مطلقاً، أو ما يتعلّق بأمر الدين.

وقوله: (فإنّه لابدّ لكم ... ) إشارة إلى لزوم (1) تلك الاُمور؛ إمّا لأجل التقيّة، أو لأنّ الإنسان مدنيّ بالطبع، يحتاج في تحصيل أغراضه ومآربه إلى بني نوعه، ولا يتمّ ذلك إلّا بالمجالسة والمخالطة، ومع تحقّقهما يتحقّق المنازعة والمخاصمة.

وقوله: (بالتقيّة) متعلّق بقوله: «دينوا».

وحاصل المعنى: اعملوا بالتقيّة، واعبدوا اللّه بعبادة التقيّة إذا أنتم جالستموهم وخالطتموهم؛ فإنّه لا يمكنكم ترك مخالطتهم لما ذكر، مع كونكم مأمورين بها في الآيات والأخبار الكثيرة، منها قوله تعالى: «وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ» ، (2) وقوله: «لَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ» ، (3) قال عليه السلام : «الحسنة: التقيّة، والسيّئة: الإذاعة». (4)

ومنها قوله تعالى: «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ» ، (5) قال عليه السلام : «التي هي أحسن التقيّة». (6)

ومنها قوله تعالى: «إِلَا مَنْ اُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْاءِيمَانِ» ، (7) قيل: الظاهر أنّه لا خلاف في وجوب التقيّة عند الحاجة إليها، وأنّ تاركها آثم، ولكن إثمه لا يوجب دخول النار؛ لما روي عن أبي جعفر عليه السلام في رجلين من أهل الكوفة اُخذا، فقيل لهما: ابْرَءا من أمير المؤمنين عليه السلام ، فبرئ واحد منهما وأبى الآخر، فخُلّي سبيلُ الذي بَرئ، وقُتِلَ الآخَر، فقال عليه السلام : «أمّا الذي بَرئ فرجل فقيه في دينه، وأمّا الذي لم يَبرأ فرجل تعجّل إلى الجنّة». (8)

ص: 78


1- .ظاهر الكلام اللزوم كما ذهب إليه الشارح رحمه الله، لكن قد فهم المحقّق المازندراني رحمه الله منه الجواز أو الرجحان. راجع: شرح المازندراني، ج11، ص176.
2- .الرعد(13): 22؛ القصص(28): 54.
3- .فصّلت(41): 34.
4- .الكافي، ج2، ص217، باب التقّية، ح1؛ وص218، نفس الباب، ح6؛ المحاسن، ج1، ص257، ح296 وح297؛ تفسير فرات الكوفي، ص385، ح513؛ تأويل الآيات، ص526.
5- .المؤمنون(23): 96.
6- .الكافي، ج2، ص218، باب التقيّة، ح6؛ المحاسن، ج1، ص257، ح297.
7- .النحل(16): 106.
8- .الكافي، ج2، ص221، باب التقيّة، ح21. وعنه في وسائل الشيعة، ج16، ص226، ح21425؛ وبحار الأنوار، ج72، ص436، ح101.

وقوله: (فإذا ابتُليتُم) .

يحتمل أن يكون جزاء الشرط محذوفاً، أي فاعملوا حينئذٍ بالتقيّة، ولا تتركوها؛ بقرينة السياق. ويكون قوله: «فإنّهم سيؤذونكم» دليل الجزاء اُقيم مقامه. ويحتمل أيضاً كونه جزاء الشرط.

و(المنكر): ضدّ المعروف.

وقوله: (يدفعهم عنكم) أي بصرف قلوبهم، أو بالأمر بالتقيّة.

(لَسَطَوا بكم) .

السَّطو: الحملة والقهر والبطش، وعلى الأوّل يعدّى ب_ «على»، وعلى الثاني بالباء.

وقوله: (من العداوة والبَغضاء) .

البُغض بالضمّ: ضدّ الحبّ كالعداوة، والبِغضة _ بالكسر _ والبَغضاء: شدّته.

وقوله عليه السلام : (مجالسكم ... ) بيان لسبب العداوة ومنشأ المفارقة؛ فإنّ ذوات أرواح المؤمنين وصفاتها نورانيّة ومن علّيّين، وذوات أرواح المخالفين وصفاتها ظلمانيّة ومن سجّين، ولا ائتلاف (1) بين النور والظلمة، ولذا قال خليل الرحمان عليه السلام : «وَبَدا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ» (2) إلى يوم القيامة.

ولا يبعد أن يُراد بعدم الائتلاف التناكر الروحاني، كما روي: «الأرواحُ جُنودٌ مُجَنَّدة، فما تَعارف منها ائتَلف، وما تناكر منها اختَلف». (3)

وقوله: (وبصّركموه) .

الضمير للحقّ، وهو كلّ ما يطابق الواقع، ومنه ما جاء به النبي صلى الله عليه و آله ، وأعظمها الولاية، وقد أكرم اللّه تعالى بها أهله، ولم يجعل لغيرهم منها نصيب؛ لإبطالهم الفطرة الأصليّة الداعية إلى الخير.

ص: 79


1- .كذا قرأناه.
2- .الممتحنة(60): 4.
3- .الفقيه، ج4، ص380، باب ألفاظ رسول اللّه صلى الله عليه و آله الموجزة التي لم يُسبق إليها، ح5818؛ الأمالي للصدوق، ص145، المجلس 29، ح16؛ علل الشرائع، ج1، ص84، ح2؛ عوالي اللآلي، ج1، ص288، ح142. وفي شرح المازندراني، ج11، ص178: «وفيه [أي الحديث] تنبيه على أنّ اتّحاد المنازل في العالم الجسماني لا يستلزم اتّحادها في العالم الروحاني ولا بالعكس».

وقوله: (فتُجاملونهم) بالجيم.

وفي بعض النسخ بالحاء المهملة. وكذا قوله: «وهم لا مُجاملة لهم».

وكأنّ قوله: «وتصبرون عليهم» بيان للمجاملة؛ فإنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ أعطى أهل الحقّ خصالاً شريفة منها المُجاملة، وهي لا تحصل إلّا بالمصابرة كما لا يخفى.

(وهم لا مُجاملة لهم، ولا صبر لهم على شيء)؛ لفقدهم الفضائل وحرمانهم منها.

قيل: من المعلوم أنّ بقاء المخالطة متوقّف على الصبر والمجاملة من الطرفين، أو من أحدهما، وهما لا يتصوّران فيهم لما ذكر، فوجبا عليكم؛ لأنّهما مطلوبان منكم لعلمكم بأنّ فيهما فوائد كثيرة كنجدة النفس، وإبقاء النظام، وحوالة الانتقام إلى الملك العلّام، وترقّب أجر الصبر، وتوقّع الأمن من القتل والنَهب والأسر، سيّما مع قوّة الظالم وتوقّع رقّته ورحمته بمشاهدة العجز والانكسار، ولذا صبر جميع الأنبياء والأولياء على أذى الجُهلاء والأشقياء. (1) (وحيلهم وسواس (2) بعضهم إلى بعض) .

الحيله بالكسر: الاسم من الاحتيال، وهو المكر والرويّة (3) في الاُمور، والتصرّف فيها للتوصّل بها إلى المقصود.

قال الفيروزآبادي: «الوسوسة: حديث النفس والشيطان بما لا نفع فيه ولا خير، كالوِسواس بالكسر، والاسم بالفتح، وقد وسوس له وإليه». (4) وقيل: لعلّ المراد بقوله: «وحيلهم وسواس» إلخ، أنّ حيلتكم في دفع ضررهم المجاملة والصبر على أذاهم والتقيّة، وهم لا يقدرون على الصبر، ولا على صدّكم عن الحقّ، فليس لهم حيلة إلّا وسوسة بعضهم إلى بعض في إيذائكم والإغراء بكم.

ثمّ اعلم أنّه يظهر من بعض النسخ المصحّحة اختلال نظم هذا الحديث وترتيبه في النسخ المشهورة بتقديم بعض الورقات وتأخير بعضها، وفي تلك النسخة قوله: «وحيلهم»

ص: 80


1- .القائل هو المحقّق المازندراني في شرحه، ج11، ص178.
2- .في الحاشية: «الوسواس بالكسر: الوسوسة، وبالفتح: مرض يحدث من غلبة السوداء يغلط معه النفس. منه». راجع: شرح المازندراني، ج12، ص45.
3- .الرويّة في الأمر: أن تنظر ولا تعجل. لسان العرب، ج14، ص350 (روي).
4- .القاموس المحيط، ج2، ص257 (وسوس).

إلخ، متّصل بقوله فيما بعد: «ومكرهم»، هكذا: «ولا يردّنّكم عن النصر بالحقّ الذي خَصّكم اللّه به من حيلة شياطين الإنس ومكرهم، وحيلهم وساوس بعضهم إلى بعض» إلخ.

وقوله: «لا صبر لهم على شيء» متّصل بقوله فيما بعد: «من اُموركم»، هكذا: «ولا صبر لهم على شيء من اُموركم، تدفعون أنتم السيّئة» إلخ، وهو الصواب، وسنشير في كلّ موضع من مواضع الاختلاف، ثمّ ننقل الحديث بتمامه على ترتيب النسخة المشار إليها تسهيلاً ليتبيّن (1) لك صحّتها واختلال نظم النسخ المشهورة.

(فإنّ أعداء اللّه إن استطاعوا صدّوكم عن الحقّ) .

قيل: هذا تعليل لسابقه؛ إذ اهتمامهم بالصدّ المتوقّف على الاستطاعة يقتضي الاجتهاد في تحصيلها من كلّ وجه سيّما التعاون. (2)

(يعصمكم اللّه من ذلك) جزاء ودعاء وإشارة إلى أنّهم لن يصلوا بحيلهم إلى مَرامهم مع عصمة اللّه وحفظه ودفاعه.

(فاتّقوا اللّه) فيما نهاكم عنه؛ فإنّ «مَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً» ، (3) و «إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ» . (4)

(وكفّوا ألسنتكم إلّا من خير) .

هو ما ينفع في الآخرة، أو في الدنيا أيضاً بشرط أن لا يكون مخالفاً للعقل والنقل، وبه يخرج غير النافع وإن كان مباحاً.

(وإيّاكم أن تَذلُقوا ألسنتكم) أي تحدّوها.

قال الجوهري: الذَّلَق بالتحريك: القَلَق، وقد ذَلِقَ _ بالكسر _ وأذلَقتُه أنا، وذَلِقَ اللسان _ بالكسر _ يَذْلَقُ ذَلقاً، أي ذَرِبَ، وكذلك السنان، وخَطيبٌ ذَلِقٌ وذَليقٌ، وكلّ مُحدَّد الطرَف مُذَلَّق. (5)

وفي بعض النسخ: «تَزْلُقُوا» بالزاي المعجمة. قال الفيروزآبادي: «زَلَقَ، كفرج ونصر: ذَلَّ، وزَلَقَه عن مكانه، يَزْلِقُه: بعّده ونحّاه، وفلاناً: أزلّه، كأزلقه» (6) .

ص: 81


1- .القائل هو المحقّق المازندراني في شرحه، ج11، ص178.
2- .كذا.
3- .الطلاق(65): 2.
4- .التوبة(9): 4 و7.
5- .الصحاح، ج4، ص1479 (وسوس).
6- .القاموس المحيط، ج3، ص242 (زلق).

(بقول الزور والبهتان والإثم والعدوان) .

الجارّ متعلّق بقوله: «تذلقوا».

والزور: الكذب والباطل والتهمة، شهادة كان أو غيرها.

وفي القاموس:

الزور بالضمّ: الكذب، والشرك باللّه تعالى، ومجلس الغناء، وما يعبد من دون اللّه، وهذه وفاق بين لغة العرب والفرس، والباطل.انتهى. (1)

والبُهتان _ بالضمّ _ مصدر قولهم: بَهَتَه _ كمنعه _ بَهْتاً وبَهَتاً وبُهتاناً، إذا قال عليه ما لم يفعل، فهو أخصّ من الزور.

والإثم: الذنب، والمراد هنا القول المُفضي إليه كالغيبة والفاحشة من الأقوال.

والعدوان بالضمّ: الظلم والتعدّي، ولعلّ المراد هنا الأمر بالظلم كالقتل والضرب مثلاً.

والحاصل أنّه عليه السلام حذّر عن مَذالق اللسان، واكتفى بها على اُصولها الأربعة؛ لأنّ ما سواها مندرجة (2) تحتها.

(فإنّكم إن كففتم ألسنتكم عمّا يكره (3) اللّه) .

تعليل للتحذير، وإشارة إلى منافع اللسان ومفاسده. وقوله: (ممّا نهاكم عنه) بيان للموصول. والمراد بالنهي ما يعمّ التنزيه والتحريم. (كان خيراً لكم عند ربّكم) . إن اُريد بالخير مخفّف «خيّر» _ بالتشديد _ فظاهر، وإن اُريد به التفضيل فباعتبار فرض الخير، وتقديره في المفضّل عليه.

ويؤيّد الثاني قوله: «من أن تذلقوا ألسنتكم به» كما لا يخفى.

(فإنّ ذَلقَ اللسان) بالذال المعجمة ككَتِف، أو محرّكة، أي حديد اللسان أو حدّته، والأخير أنسب لما بعده.

وفي بعض النسخ: «زَلَق» بالزاي.

ص: 82


1- .كذا قرأناه.
2- .القاموس المحيط، ج2، ص42 (زور) مع التلخيص.
3- . كذا، وفي المتن الذي نقله الشارح سابقاً: «يكرهه».

(فيما يكره اللّه) . أي المنهيّ (1)

من اللّه _ حراماً كان، أو مكروهاً _ ومنه إكثار المباح.

(وفيما ينهى عنه) .

في كثير من النسخ: «وما نهى عنه».

والعطف للتفسير، أو اُريد بالثاني المحرّم كالشتم، وبالأوّل سائر المكروهات.

(مرداة للعبد عند اللّه) بكسر الميم أو فتحها، بغير همزة، اسم آلة، أو مكان، من رَدِيَ _ كرضي _ ردًى، إذا هلك، وأصله مِردية. ويحتمل أن يقرأ مُرْدَأَة بالضمّ.

قال الجوهري: «رَدُءَ الشيءُ رَداءَة، فهو رَدِئٌ، أي فاسد، وأردأتُه: أفسدتُه». (2) (ومَقْتٌ من اللّه) .

قال الجوهري: «مَقَتَه مَقْتاً: أبغضه». (3)

وقيل: مَقْتُهُ تعالى لعبده عبارة عن سلب الإحسان والإفضال والتوفيق إلى الخيرات، ووكوله إلى نفسه المشتاقة إلى الطغيان والعصيان، وترك القربات حتّى يؤدّيه إلى الجهالة والبطالة والخسارة والعقوبات. (4)

(وصَمَم) .

في بعض النسخ: «وصمّ» بالتشديد.

قال الفيروزآبادي: «الصَمَم محرّكة: انسداد الاُذن وثِقل السمع، صَمّ يَصَمُّ _ بفتحهما _ وصَمِمَ، بالكسر نادر _ صَمّاً وصَمَماً». (5)

(وعمًى) هو عدم البصر عمّا من شأنه أن يبصر، وقد يقال لعدم البصيرة؛ في القاموس: «عَمِيَ _ كرضي_ عَمًى: ذهب بصره كلّه». (6)

(وبَكَم) .

في القاموس: البَكَم محرّكة: الخَرَس، أو مع عَيّ وبَلَه، أو أن يولد لا ينطق ولا يسمع ولا يبصر، بَكِمَ

ص: 83


1- .كذا قرأناه.
2- .الصحاح، ج1، ص52 (ردأ).
3- .الصحاح، ج1، ص266 (مقت).
4- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج11، ص179.
5- .القاموس المحيط، ج4، ص140 (صمم).
6- .القاموس المحيط، ج4، ص366 (عمي).

كفرح، فهو أبكم وبَكيم، الجمع: بُكمان. انتهى. (1)

واعلم أنّ الظاهر في هذه الأخبار الثلاثة الأخيرة كونها بصيغ المصدر ليصحّ الحمل، وكونها بصيغ الجمع لا يخلو عن تكلّف، وفي بعضها لا يستقيم، وحملها على اسم «إنّ» من قبيل حمل المسبّب على السبب مبالغة.

(يورثه اللّه إيّاه يوم القيامة) .

الجملة حاليّة أو وصفيّة. والضمير الأوّل راجع إلى العبد، والثاني إلى كلّ من المَقت وما عطف عليه، يقال: أورثه الشيء أبوه، أي تركه له ميراثاً، ولما كانت تلك الاُمور ثمرة ذلاقة اللسان، وتصل إليه في النشأة الآخرة سمّاه ميراثاً.

(فتصيروا) بهذه الرذائل.

(كما قال اللّه تعالى: «صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ» (2) ) جمع الأصمّ والأبكم والأعمى.

( «فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ» ) .

في بعض النسخ: «لَا يَعْقِلُونَ» (3) ، وكلاهما في سورة البقرة.

قال البيضاوي: أي لا يعودون إلى الهُدى الذي باعوه وضيّعوه، أو عن الضلالة التي اشتروها، أو فهم متحيّرون لا يدرون [أ] يتقدّمون أم يتأخّرون، وإلى حيث ابتدؤوا منه كيف يرجعون؟! (4) انتهى. أقول: لمّا سدّ هؤلاء مسامعهم عن الإصغاء إلى نداء الحقّ، وأبوا أن ينطقوا به ألسنتهم، ولم يتبصّروا الآيات وطرق الحقّ بأبصارهم وبصائرهم، جعلوا كأنّما ائفَت مشاعرُهم، وانتفت قُواهم، (5) هذا مكافاتهم الدنيويّة، وأمّا مجازاتهم الاُخرويّة _ وهي المراد هاهنا _ فهم لا يسمعون نداء الرحمة، ولا يقدرون على الكلم بالمعذرة، ولا يتصيّرون الجنّة.

فقوله عليه السلام : (يعني لا ينطقون) تفسير لقوله تعالى: «لَا يَرْجِعُونَ» ، أي لا يرجعون إلى النطق والكلام، ولا يمكنهم ذلك.

ص: 84


1- .القاموس المحيط، ج4، ص81 (بكم).
2- .البقرة(2): 18.
3- .البقرة(2): 171.
4- .تفسير البيضاوي، ج1، ص198.
5- .نحوه في تفسير البيضاوي، ج1، ص194.

وعلى النسخة الاُخرى تفسير لقوله: «لَا يَعْقِلُونَ» ، بأن يُراد بالعقل النطق، أو أنّهم لا يعقلون طريق النطق، ولا يشعرون به وبكيفيّة الاعتذار، كما أشار إليه بقوله: «وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ» (1). (2)

قال البيضاوي:

عطف «فَيَعْتَذِرُونَ» على «يُؤْذَنُ» ليدلّ على نفي الإذن والاعتذار عقيبه مطلقاً، ولو جعله جواباً لدلّ على أنّ عدم اعتذارهم لعدم الإذن، فأوهم ذلك أنّ لهم عذراً، لكن لم يؤذن لهم فيه. (3)

وقيل: إنّما خصّ عليه السلام التفريع بالبُكم؛ لأنّه يعلم منه حال أخويه بالمقايسة، أو اُريد بهما الحقيقة. (4) انتهى.

وأنت خبير بأنّه إذا جعل قوله: «لا ينطقون» إلخ، تفسيراً لقوله: «لَا يَرْجِعُونَ» كما ذكرناه، لا يسع لي هذا التوجيه المتعسّف. (وإيّاكم وما نهاكم اللّه عنه أن تركبوه) .

قيل: أي تقترفوه من ركبت الذنب _ كسمعت _ إذا اقترفته، أو تتّبعوه من ركبت الأثر: تبعته، أو تعلوه من ركبت الفرس: علوته، فقد شبّه المنهيّ عنه بالمركوب في أنّه يصل بصاحبه إلى مقام البُعد من الحقّ، كما يشبه الطاعة به في الإيصال إلى مقام القُرب، ولمّا كانت عرصة اللسان وسيعة؛ لحكايته عن أحوال المبدأ والمعاد والشرائع والأحكام والأشياء الموجودة والموهومة وعقائد القلوب وأفعال الجوارح، كانت خطيئاته غير محصورة، وزلّاته غير معدودة، بالغ في حفظه مكرّراً. (5)

وقال: (وعليكم بالصَّمت) إلى قوله: (ويأجُركم عليه) . والمراد بما ينفعكم الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإرشاد الخلق، والوعظ والنصيحة لهم، وغير ذلك من الأقوال الواجبة والمندوبة، ثمّ لمّا أمر بالنافع إجمالاً أشار إلى بعضه تفصيلاً بقوله: «وأكثروا من التهليل»، أي قول: «لا إله إلّا اللّه».

ص: 85


1- المرسلات (77): 36
2- .المرسلات(77): 36.
3- .تفسير البيضاوي، ج5، ص436.
4- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه اللهفي شرحه، ج11، ص180.
5- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج11، ص180.

(والتقديس والتسبيح) .

وهما التنزيه والتطهير من العيوب والنقائص، والثاني تأكيد للأوّل.

ويمكن أن يراد بأحدهما إذا اجتمعا تنزيه الصفات، وبالآخر تنزيه الذات عن الشريك والتركيب مثلاً، أو يراد بالتسبيح قول: «سبحان»، وبالتقديس قول: «اللّه أكبر» و«لا حول ولا قوّة إلّا باللّه» وسائر ما يدلّ على تنزيهه تعالى عن أن يكون له شريك في الكبرياء والعظمة، أو في الحول والقوّة.

(والثناء على اللّه) .

قيل: هو الإتيان بما يدلّ على التمجيد والتعظيم مطلقاً _ كلاماً كان أو غيره (1) _ ويفهم من مجمل اللغة تخصيصه بالكلام الجميل.

(والتضرّع إليه) .

قال الفيروزآبادي: «تضرّع إلى اللّه تعالى: ابتهل وتَذلّل، أو تعرّض بطلب الحاجة». (2)

وقال: «الابتهال: الاجتهاد في الدعاء وإخلاصه». (3)

(والرغبة فيما عنده) من المثوبات مع الإتيان بما يوجب الوصول إليها؛ فإنّ الرغبة في الشيء من غير اجتهاد في تحصيل أسبابه سَفَه وحُمق.

(من الخير الذي لا يَقدر قَدرَهُ، ولا يَبلغ كُنهَه أحد) .

«من» بيان للموصول، و«أحد» فاعل الفعلين على سبيل التنازع، أو الفعل الأوّل على البناء للمفعول و«أحد» فاعل الثاني.

والقدر _ بالتحريك والتسكين _ مبلغ الشيء، وقياس الشيء بالشيء بيان كمّيّة الشيء وكيفيّته كالتقدير، يقال: قَدَرت الشيء _ كنصر وضرب _ قَدْراً وقَدَراً، وقدّرته تَقديراً بمعنى. والمراد بالخير ما يعمّ خير الدنيا والآخرة، وهو في الأصل ما يرتّب فيه الكلّ كالعقل والعدل.

وقيل: المراد به هنا نعيم الجنان وما فوقها من درجات القرب والكمال، وفيها ما لا عين

ص: 86


1- .قال المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج11، ص180: «هو المفهوم من الصحاح والكشّاف وغيرهما». ثمّ قال بعد نقل ما في مجمل اللغة بأنّ قوله أنسب بهذا المقام.
2- .القاموس المحيط، ج3، ص56 (ضرع).
3- .القاموس المحيط، ج3، ص339 (بهل).

رأت، ولا اُذن سمعت، ولا خَطَر على قلب بشر، وإذا كان كذلك، فكيف يقدر أحد أن يقدر قدره، ويبيّن مقداره، ويبلغ كنهه؟! (1)

(فاشغَلوا ألسنتكم بذلك)

أي بما ذكر من الكلام النافع، إلخ. (2)

قال الفيروزآبادي: «الشغل بالضمّ وبضمّتين وبالفتح وبفتحتين: ضدّ الفراغ، شَغَلَه كمنعه شَغلاً _ ويضمّ _ وأشغله، لغة جيّدة [أو] قليلة أو رديّة» (3) .

وقوله: (عمّا نهى اللّه عنه) متعلّق ب_ «اشغلوا» بتضمين معنى الإعراض أو بدونه.

وقوله: (من أقاويل الباطل) بيان للموصول.

(التي تُعقب أهلَها) أي أهل تلك الأقاويل.

(خلوداً في النار) .

يقال: عقّبته تعقيباً، أي جئت بعقبه، ثمّ عُدّي إلى المفعول الثالث بالباء، ويقال: عقّبته بالشيء، إذا جعلت الشيء على عقبه، كذا قيل.

ويظهر من هذا الخبر أنّه يعدّى إلى المفعول الثاني بنفسه أيضاً.

ثمّ إن اُريد بالأقاويل الباطل ما يوجب الخروج من الإيمان فالخلود على حقيقة، وإلّا فالمراد به طول المكث والزمان.

وقوله: (من مات عليها ... ) بيان لأهل الباطل والخلود في النار، أو خبر المبتدأ المحذوف. (4) وفي بعض النسخ: «لمن».

(ولم يتب إلى اللّه ) توبة خالصة توجب الخروج من تبعتها، والعزم على عدم الرجوع إليها، كما يشعر به قوله: (ولم يَنزع عنها). في القاموس: «نزع عن الاُمور نُزوعاً: انتهى عنها». (5) (وعليكم بالدعاء) في اُمور الدين والدنيا، لأنفسكم ولإخوانكم بظهر الغيب.

ص: 87


1- .كذا قرأناه.
2- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج11، ص180 وص181.
3- .قال المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج11، ص181: «وفيه إشارة إلى وجه الفرار من الكلام الباطل بجعل اللسان مشغولاً بما ذكر دائماً، أو في أكثر الأوقات؛ فإنّ شغله بذلك مانع من صدور ضدّه ضرورة؛ لأنّ ما ذكر حينئذٍ يصير عادة، وهي أيضاً مانعة منه».
4- .القاموس المحيط، ج3، ص401 (شغل).
5- . القاموس المحيط، ج3، ص88 (نزع).

(فإنّ المسلمين لم يُدركوا نَجاح الحوائج) الدينيّة والدنيويّة (عند ربّهم بأفضل من الدعاء). النجاح، بالفتح: الظفر بالمطلوب وإصابته.

والحوائج: جمع الحاجة على غير قياس، أو مولَّدة.

والمقصود من هذا الكلام أنّ الدعاء أفضل وأدخل من غيره في نيل الحوائج، قال اللّه عزّ وجلّ: «قُلْ مَا يَعْبَؤُا بَكُمْ رَبِّي لَوْ لَا دُعَاؤُكُمْ» . (1)

وقد وجّه ذلك بأنّ من عرف أنّه تعالى كريم قادر، عالم بمصالح العباد وغيرها، وأنّه لا ينفعه المنع، ولا يضرّه الإعطاء، ورجع إلى العقل والنقل والتجربة والوعد، علم أنّه إذا رفع حاجته المشروعة إليه تعالى بقلب تقيّ نقيّ ونيّة خالصة، كانت مقرونة بالإجابة، وأمّا غيره من الوسائل مثل الاعتماد بالكسب والرجوع إلى الخلق، فلا عِلْمَ له بترتّب الحاجة عليه، وعلى تقدير ترتّبها فهو وسيلة أيضاً بإذن اللّه تعالى، فالدعاء أفضل منه، وأصل لجميع الحاجات.

(والرغبة إليه، والتضرّع إلى اللّه) .

في بعض النسخ: «إليه» بدل «إلى اللّه».

(والمسألة له) .

لفظة «له» ليست في بعض النسخ. قال الجوهري: «سألته الشيء [وسألته عن الشيء] سؤالاً ومسألة». (2)

(فارغَبوا فيما رغّبكم اللّه فيه)

من الجنّة ونعيمها بقوله: «لِمِثْلِ هذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ» (3) ، وقوله: «وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ» . (4) (وأجيبوا اللّه إلى ما دعاكم إليه) من طلب الحوائج للدين والدنيا، بقوله: «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ» (5) ، أو أعمّ منه ومن سائر العبادات. والأوّل أنسب بالمقام، والثاني أليق بقوله عليه السلام : (لتُفلحوا وتَنجوا من عذاب اللّه)؛ فإنّ الفلاح

ص: 88


1- .الفرقان (25): 77. وفي الحاشية: «أي ما يصنع بكم، من عبأت الجيش إذا هيّأته، أو لا يعتد بكم. «لَوْ لَا دُعاؤُكُمْ» : لو لا عبادتكم؛ فإنّ شرف الإنسان وكرامته بالمعرفة والطاعة، وإلّا فهو وسائر الحيوانات سواء. وقيل: معناه ما يصنع بعذابكم لو لا دعاؤكم معه آلهة. بيضاوي». تفسير البيضاوي، ج4، ص230.
2- .الصحاح، ج5، ص1723 (سأل).
3- .الصافّات (37): 61.
4- .المطّفّفين (83): 26.
5- .غافر (40): 60.

والفوز بالسعادات والنجاة من العقوبات متوقّف غالباً على إجابته تعالى في جميع ما دعا إليه من أنواع الطاعات.

وفي كثير من النسخ: «وتُنجحوا» بدل «تنجوا».

قال الجوهري: «النُّجح والنَّجاح: الظفر بالحوائج، وأنجح الرجل: صار ذا نُجح». (1)

(وإيّاكم أن تَشْره أنفُسُكم إلى شيء ممّا حرّم اللّه عليكم) .

لمّا نهى عليه السلام عن مقابح اللسان عمّم النهي عمّا لا يليق بالإنسان مطلقاً، صغيراً كان أو كبيراً، ظاهراً كان أو باطناً.

قال الفيروزآبادي: «شَرِه كفرح: غلب حرصُه». (2)

(فإنّ (3) من انتهك ما) في بعض النسخ: «ممّا» ( حرم اللّه عليه).

قال الجزري: «انتهكوا، أي بالغوا في هتك (4) محارم الشرع وإتيانها». (5)

وقوله: (هاهنا) ظرف للانتهاك، وقوله: (في الدنيا) بدل من الظرف. (حال اللّه بينه وبين الجنّة ونعيمها) .

في القاموس: «النعيم: الخَفض والدَّعَة والمال، كالنعمة بالكسر». (6)

(ولذّتها وكرامتها) .

الكرامة _ بالفتح _ اسم من التكريم والإكرام، ولعلّ المراد هنا زيارة الملائكة والفيوضات الإلهيّة، أو الأعمّ منها. (القائمة الدائمة لأهل الجنّة) . لعلّ وصف «القائمة» بالدائمة للتأكيد والتفسير، والمراد بقيامها ثباتها وعدم زوالها، وبدوامها استمرارها بلا تخلّل انقطاع.

(أبدَ الآبدين) .

في القاموس: الأبد محرّكة: الدهر _ الجمع: آباد واُبود _ والدائم، والقديم، والأزلي، (7) ولا آتيه أبد

ص: 89


1- .الصحاح، ج1، ص409 (نجح).
2- .القاموس المحيط، ج4، ص286 (شره).
3- .في كلتا الطبعتين وأكثر نسخ الكافي: «فإنّه».
4- .في المصدر: «خَرْق».
5- .النهاية، ج5، ص127 (نهك).
6- .القاموس المحيط، ج4، ص181 (نعم).
7- .في المصدر: «القديم الأزلي» من دون العطف.

الأبديّة، وأبد الآبدين، وأبد الأبدين _ كأرضين _ وأبد الأبد محرّكة، وأبد الأبيد، وأبد الآباد، وأبد الدهر، وأبيد الأبيد بمعنى (1) .

أقول: تستعمل هذه الكلمات للتأكيد والمبالغة في طول الدهر وتخليده ودوامه، كما يقال: دهر الداهرين، وعوض (2) العائضين، والإتيان بصيغة الجمع باعتبار القطعات ولو كانت موهومة.

(واعلموا أنّه بئس الحظُّ الخطر لمن خاطر اللّه بترك طاعة اللّه وركوب معصيته) .

قال الفيروزآبادي: «الحظّ: النصيب، أو خاصّ بالنصيب من الخير والفضل». (3)

وقال: خطر بباله وعليه، يَخطِر ويَخطُر خُطوراً: ذكره بعد نسيان، وأخطره اللّه تعالى، والخِطر بالكسر والفتح: الشرف، ويحرّك، وبالضمّ: الأشراف من الرجال، الواحد: الخَطير، وبالتحريك: الإشراف على الهلاك، والسَّبق يتداهن عليه، وقدر الرجل، والمثل في العلوّ، كالخطير.

وتَخاطروا: تراهنوا، وأخطر: جعل نفسه خَطراً لِقِرْنه فبارزه، والمال: جعله خطراً بين المتراهنين، وخاطر بنفسه: أشفاها على خطر هُلك أو نيل مُلك. (4)

أقول: يمكن أن يراد بالخطر هنا كلّ من تلك المعاني بنوع من التقريب، وبالمخاطرة المراهنة، أو الإشراف على الهلاك.

وقيل: الأظهر أنّ المراد بالخطر هو ما يتراهن عليه، وبالمخاطرة المراهنة، فكأنّه جرى مراهنة بين العبد والربّ تعالى، والسبق الذي يحوزه العبد لذّات الدنيا الفانية، والسبق الذي للربّ تعالى عقاب العبد، فبئس الحظّ والنصيب الخطر والسبق الذي يحوزه العبد عند مخاطرته ومراهنته مع اللّه بأن يترك طاعته ويرتكب معصيته. (5)

وقيل: لعلّ المراد أنّ من خاطر اللّه واستبق إلى [الخطر] الذي أخرجته النفس الأمّارة، وهو ترك الطاعة وفعل المعصية، وانتهى إليه، ولا محالة كان معه علمه تعالى حتّى انطبق على

ص: 90


1- .القاموس المحيط، ج1، ص273 (أبد) مع التلخيص. وراجع: الصحاح، ج2، ص439 (أبد).
2- .العوض، معناه الأبد. الصحاح، ج3، ص1093 (عوض).
3- .القاموس المحيط، ج2، ص394 (حظظ).
4- .القاموس المحيط، ج2، ص22 (خطر) مع التلخيص.
5- .القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج25، ص9، ثمّ قال: «ويحتمل على بُعد أن يكون الخطر في الموضعين بمعنى الإشراف على الهلاك، أو بمعنى الخطور بالبال، أو على التوزيع. واللّه يعلم».

المعلوم، فهو ذو حظّ قبيح في الدنيا والآخرة، وأمّا من خاطره واستبق إلى ما جعله اللّه تعالى خطراً للعباد، وهو فعل الطاعة وترك المعصية، وانطبق علمه تعالى بذلك على المعلوم، فهو ذو حظّ جميل وثواب جزيل. ويحتمل أن يراد بالخطر والمخاطرة لازمها، وهو المبارزة. (1)

(فاختار أن ينتهك محارم اللّه في لذّات دنيا) .

[في] متعلّق بالانتهاك، أو بالمحارم.

قوله: (منقطعة) صفة للدنيا، أو لذّاتها.

وكذا قوله: (زائلة عن أهلها).

والجارّ في قوله: (على خلود نعيم في الجنّة ولذّاتها وكرامة أهلها) متعلّق ب «اختار».

والحاصل أنّ هذا المُخاطر اختار أن يتناول ما حرّم اللّه تعالى في لذّات الدنيا الفانية الزائلة _ بزوال الدنيا، أو بالموت، أو قبله أيضاً في حال الحياة _ ويؤثّره على نعيم الجنّة، وما يوجب الوصول إليها، وذلك لفقد بصيرته وغلبة شهوته وتوهّمه أنّ الحاضر الفاني خير من الغائب الباقي.

(ويل لاُولئك) المخاطرين.

لاحظ في الموصول الإفراد سابقاً، والجمع هنا؛ نظراً إلى اللفظ والمعنى.

قال الفيروزآبادي: «الوَيل: حلول الشرّ، وبهاء الفضيحة، أو هو تفجيع، وويل كلمة عذاب، وواد في جهنّم، أو بئر أو باب لها» . (2) (ما أخيبَ حظّهم) . الخَيبة: الحِرمان، وكلمة «ما» للتعجّب.

والمراد بالحظّ إمّا النصيب المقدّر لهم في الجنّة بشرط الطاعة، أو الحظّ الواصل إليهم بالمعصية المستلزم خيبتهم من الأوّل أيضاً، فعلى الأوّل اُريد خيبتهم من الوصول إليهم، وعلى الثاني خيبتهم من رحمة اللّه تعالى، وتعليق الخَيبة إلى الحظّ مجاز إسنادي.

وعلى هذا القياس قوله: (وأخسر كرّتهم) أي رجوعهم إلى اللّه _ عزّ وجلّ _ للحساب، أو عَود أرواحهم إلى أبدانهم للعقاب.

ص: 91


1- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج11، ص149.
2- .القاموس المحيط، ج4، ص66 (ويل) مع التلخيص.

والكرّة في الأصل: المرّة والحملة والرجوع.

(وأسوأ حالَهم عند ربّهم يوم القيامة)

حين شاهدوا ما اُعدّ لهم من العقاب والخذلان، ورأوا ما وصل إلى المتّقين من الكرامة والامتنان.

(استجيروا اللّه أن يخزيكم (1) في مثالهم أبداً) .

كأنّه على الحذف والإيصال، أي استجيروا باللّه، واطلبوا منه الإجارة والأمان أن يجيركم ويعيذكم من أن يخزيكم في صفاتهم مثل اتّباع الشهوات والإعراض من الهُداة، وسلوك طُرُق الضلالات، والفضيحة على رؤوس الأشهاد في العرصات، والخلود في العقوبات. والمِثال، بالكسر: صفة الشيء والمقدار.

وفي بعض النسخ: «أن يجريكم» من الإجراء. وفي بعضها: «أن يجيركم»، وقيل: معناه حينئذ: استجيروا، أو استعيذوا باللّه من أن يكون إجارته تعالى إيّاكم على مثال إجارته لهم؛ فإنّه لا يجيرهم من عذابه في الآخرة، وإنّما أجارهم في الدنيا. (2)

وفي بعض النسخ: «من مثالهم»، ولعلّ المراد حينئذ: استجيروا باللّه أن يجيركم من أن تكونوا مثلهم.

(وأن يبتليكم بما ابتلاهم به) . (3)

لفظة «به» ليست في بعض النسخ.

وفي بعضها: «بما ابتلاهم اللّه».

وقيل: الموصول عبارة عن الميل إلى الباطل وحبّ أهله، والفرار من الحقّ وبغض أهله، فأبطلوا بذلك فطرتهم الأصليّة وقوّتهم الفطريّة، واستحقّوا الخذلان وسلب التوفيق، وهو معنى الابتلاء فيهم.

وفيه تنبيه على أنّه ينبغي لطالب الحقّ أن لا يثق بنفسه ولا بعمله؛ لأنّ النفس أمّارة بالسوء، والعمل لا يخلو من التقصير فيه، بل يرجع إلى ربّه، ويلوذ به، ويطلب منه أن يجيره من صفة أهل الباطل باللطف والتوفيق، (4) كما أشار إليه أيضاً بقوله: (ولا قوّة لنا ولكم إلّا به).

ص: 92


1- .هذا، وقد أثبت الشارح رحمه الله في المتن الذي نقله سابقاً: «أن يجيركم».
2- .القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 25، ص 10.
3- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقاً: «اللّه » بدل «به».
4- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 150.

قيل: أي لا قوّة لنا على طاعة اللّه والفرار من معصيته، والنجاة من صفة أعدائه وما ابتلاهم به إلّا بمعونته وتوفيقه، وهذه أعظم كلمة يقوله العبد لإظهار الفقر إليه تعالى، وطلب المعونة منه على ما يحاول من الاُمور، وهو حقيقة العبوديّة. (1)

(فاتّقوا اللّه أيّتها العِصابةُ الناجية) .

قال الجوهري: «العصابة: الجماعة من الناس والطير والخيل». (2)

وفي القاموس: العَصَب محرّكة: خيار القوم، والعصبة محرّكة: قوم الرجل الذين يتعصّبون له، والعُصبة _ بالضمّ _ من الرجال والخيل والطير: ما بين العشرة إلى الأربعين، كالعصابة بالكسر (3) . انتهى. وقيل: إنّما سمّاهم عليه السلام بها لشرافتهم وتعصّبهم في الدين مع قلّتهم. (4)

(إن أتمّ اللّه لكم ما أعطاكم به) من الهداية والتوفيق للإيمان بما يجب الإيمان به، والعمل بمتقضاه. والظاهر أنّ جزاء الشرط محذوف، وقوله: (فإنّه لا يتمّ الأمر) مع ما بعده قائم مقام الجزاء، وما قيل من أنّه هو الجزاء فضعفه ظاهر. والمراد بالأمر أمر الدين والثبات عليه، أو الجنّة والثواب. وتقدير الكلام: إن أتمّ اللّه لكم عطاياه، فإنّ إتمامها إنّما يكون بالابتلاء؛ لأنّه لا يتمّ أمر حتّى (يدخل عليكم) إلى آخره.

وقال بعض الأفاضل:

لعلّ المراد: اتّقوا اللّه، ولا تتركوا التقوى عن الشرك والمعاصي عند إرادة اللّه إتمام ما أعطاكم من دين الحقّ، ثمّ بيّن عليه السلام الإتمام بأنّه إنّما يكون بالابتلاء والافتتان وتسليط من يؤذيكم عليكم.

والحاصل أنّه أمر بالتقوى عند الابتلاء بالفتن، وذكر فائدة الابتلاء بأنّه سبب لتمام الإيمان.

ص: 93


1- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 150.
2- .الصحاح، ج 1، ص 183 (عصب).
3- .القاموس المحيط، ج 1، ص 105 (عصب) مع التلخيص.
4- القائل هو المحقق المازندراني رحمة الله في شرحه ج 11 ص 150

ويحتمل على بُعد أن يكون «أن» بالفتح مخفّفة، أي اتّقوا اللّه لإتمامه دينكم.

ويحتمل أن يكون التعليق للنجاة، أي للنجاة إنّما يكون بعد الإتمام، ولمّا كان هذا التعليق مُشعراً بقلّة وقوع هذا الشرط بيّن ذلك بأنّه موقوف على الامتحان، والتخلّص عنه مشكل. (1)

(حتّى يدخل عليكم مثلُ الذي دخل على الصالحين قبلكم)

من الابتلاء بالشدائد. (وحتّى تُبتلوا) على البناء للمفعول.

(في أنفسكم وأموالكم) بالمصائب والنوائب والأمراض والأسقام والجهاد مع أعداء الدين وتلف الأموال والنقص والنَّهْب (2) ووجوب إخراج الحقوق الماليّة واستحبابها وصرفها في وجوهها.

وفي هذا الكلام إشارة إلى قوله عزّ شأنه: «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ» . (3)

(وحتّى تسمعوا من أعداء اللّه أذًى كثيراً)

أي كلاماً كثيراً يوجب أذاكم من الطعن والشتم واللعن ونحوها.

(فتصبروا) على ذلك، كما صبر عليه من قبلكم من الصالحين.

(وتَعْرُكوا بجُنُوبكم) على البناء للفاعل، أو المفعول.

أي تحمّلوا الأذى منهم بجنوبكم، كما يحمله البعير حمله. يقال: عَرَكه يعرُكه، من باب نصر، أي دَلَكَه وحكّه حتّى عَفّاه، وحمل عليه الشّر.

قال االفيروزآبادي: «عَرِكة كهمزة _ من يَعِرك الأذى بجنبه _ أي يحتمله». (4) انتهى. وفيه إشارة إلى قوله تعالى: «لَتَبْلُوَنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ (5) مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ» (6) ،

ص: 94


1- .القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 25، ص 10.
2- .«النَّهْب»: الغنيمة والغارة والسلب، والجمع: النهاب. راجع: كتاب العين، ج 4، ص 59؛ لسان العرب، ج 31، ص 773 (نهب).
3- .البقرة (2): 155.
4- .القاموس المحيط، ج 3، ص 313 (عرك).
5- . في الحاشية: «يعني الصبر والتقوى. بيضاوي». تفسير البيضاوي، ج2، ص127.
6- .آل عمران (3): 186.

وفُسّر «أَذًى كَثِيراً» بهجاء الرسول، والطعن في الدين، وإغراء الكفرة على المسلمين، و «عَزْمِ الْأُمُورِ» بمعزومات الاُمور التي يجب العزم عليها، أو بما عزم اللّه عليه، أي أمر به وبالغ فيه. (1)

(وحتّى يَستذلّوكم) .

يقال: استذلّه، أي جعله ذليلاً، أو رآه ذليلاً.

(ويُبغضوكم)

في القاموس: البُغض، بالضمّ: ضدّ الحبّ، والبِغضة بالكسر والبَغضاء: شدّتُه، وبغض _ ككرم ونصر وفرح _ وأبغضه ويُبغضني، وبالضمّ لغة رديّة، وأبغضوه: مقّتوه، والتبغيض: ضدّ التحبيب. (2)

(وحتّى يُحمّلوا عليكم الضَّيم) أي الظلم.

(فتحمّلوه (3) منهم) من التحمّل بحذف إحدى التائين.

والتحميل: تكليف الحمل. قال الفيروزآبادي: «حَمَلَه على الأمر يَحمله فانحمل: أغراه به، وحمّله الأمر تحميلاً، فتحمّله تحمّلاً». (4)

وفي بعض النسخ: «وحتّى يحمّلوا الضَّيم فتحتملوه منهم»، وهو أظهر، فتدبّر. (تَلتمسون بذلك) التحمّل والصبر (وجهَ اللّه).

في القاموس: «الوجه: مستقبل كلّ شيء، ونفس الشيء، والجهة». (5) والمراد به هنا الثواب. (والدارَ الآخرة) أي الجنّة.

والظاهر أنّ الجملة في محلّ النصب على الحال من فاعل «تحمّلوه». (وحتّى تَكظموا الغيظَ الشديد في الأذى) في اللّه، أي في رضاه وفي سبيله (جلّ وعزّ). في القاموس: «كظم الغيظ يكظمه: ردّه وحبسه، والباب: أغلقه» (6) انتهى. وقيل: كظم الغيظ: تجرّعه، واحتمال سببه، والصبر عليه، وحبس النفس فيه مهما أمكن. (7)

ص: 95


1- .راجع: تفسير البيضاوي، ج 2، ص 127.
2- .القاموس المحيط، ج 2، ص 325 (بغض).
3- .هذا، وقد أثبت الشارح رحمه الله في المتن الذي نقله سابقاً: «فتحتملوه». وفي كلتا الطبعتين للكافي وأكثر نسخه: «فتحمّلوا».
4- .القاموس المحيط، ج 3، ص 361 (حمل) مع التلخيص.
5- .القاموس المحيط، ج 4، ص 295 (وجه).
6- .القاموس المحيط، ج 4، ص 172 (كظم) مع اختلاف يسير.
7- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 151.

ولفظ «في» في الثاني متعلّق بالأذى، وفي الأوّل بالكظم، أو بالغيظ، وهي للظرفيّة مجازاً، أو بمعنى الباء في الأخير.

(يَجترمونه إليكم) حالٌ عن فاعل «يحمّلوا».

وفي بعض النسخ: «تجترمونه» بالتاء، فهي حينئذ حال عن فاعل «تكظموا»، والضمير المنصوب راجع إلى الغيظ، أو إلى الأذى.

ويقال: اجترم، أي أذنب، واجترم عليهم وإليهم، أي جنى جناية.

ويحتمل أن يراد بالاجترام القطع والصرم بتضمين مثل معنى الإيصال والضمّ. قال الفيروزآبادي: «جرمه يَجرمه: قطعه، والنخل: صرمه، كاجترمه». (1)

ويؤيّد هذا الاحتمال أنّه في بعض النسخ: «تخترمونه» بالخاء المعجمة». قال الجوهري: «اخترمهم الدهر، وتخرّمهم، أي اقتطعهم واستأصلهم، وتخرّم زَبَدُ فلان، أي سكن غضبه». (2) وقيل: الاجترام بالجيم: الكسب. وفي القاموس: «اجترم لأهله: كسب». (3)

و«إلى» بمعنى اللام، أو بمعناها مع تضمين معنى الضمّ ونحوه، والضمير راجع إلى الكظم، وفيه تنبيه على أنّه من جملة الأعمال الصالحة. (4) انتهى. (وحتّى يُكذّبوكم بالحقّ) . في القاموس: «كذّب الأمر تكذيباً: أنكره، وفلاناً: جعله كاذباً». (5) وقوله عليه السلام : (ومصداق ذلك) أي ما دخل على الصالحين من الابتلاء، إلخ. (سمعتم قول اللّه _ عزّو جلّ _ لنبيّكم صلى الله عليه و آله ) في سورة الأحقاف: ( «فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ اُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ» (6) ).

قال البيضاوي: أي اُولوا الثبات والجدّ منهم؛ فإنّك من جملتهم. و«من» للتبيين، وقيل: للتبعيض. و «اُولُوا الْعَزْمِ» : أصحاب الشرائع، اجتهدوا في تأسيسها وتقريرها، وصبروا على

ص: 96


1- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 151.
2- .القاموس المحيط، ج 4، ص 88 (جرم) مع التلخيص.
3- .الصحاح، ج 5، ص 1910 (خرم).
4- .القاموس المحيط، ج 4، ص 88 (جرم).
5- .القاموس المحيط، ج 1، ص 123 (كذب).
6- .الأحقاف (46): 35.

تحمّل مشاقّها ومعاداة الطاعنين فيها، ومشاهيرهم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى.

وقيل: الصابر (1) على بلاء اللّه كنوح صبر على أذى قومه كانوا يضربونه حتّى يغشى عليه، وإبراهيم على النار وذبح وَلَده والذبيح على الذبح، ويعقوب على فقد الولد والبصر، ويوسف على الجُبّ والسجن، وأيّوب على الضرّ، وموسى قال له قومه: «إِنَّا لَمُدْرَكوُنَ * قَالَ كَلَا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ» (2) ، وداود بكى على خطيئته أربعين سنة، وعيسى لم يضع لبنة على لبنة. (3)

( «وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ» ) : لكفّار قريش بالعذاب بأنّه ينزّل بهم في وقته لا محالة.

(ثمّ قال) في سورة الأنعام: (4) ( «وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ» )؛ تسلية للرسول صلى الله عليه و آله من تكذيب قومه.

( «فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا» ) على تكذيبهم وإيذائهم، أمره صلى الله عليه و آله بالتأسّي بهم في الصبر.

وفي كثير من نسخ الكتاب: «ثمّ قال: وإن يكذّبوك فقد كذّبت رسل من قبلك، فصبروا على ما كذّبوا واُوذوا»، وكأنّه اشتباه من النسّاخ، فإنّ الآية في سورة الأنعام كما عرفت، وفي سورة آل عمران: «فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاؤُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ» (5) ، فليتأمّل.

وفي قوله عليه السلام : (فقد كُذّب نبيّ اللّه) إلى قوله: (بالحقّ) ترغيب على التأسّي بهم في ذلك.

وقوله عليه السلام : (فإن سَرّكم) في النسخة المشار إليها متّصل بما سيجيء من قوله: (أن تكونوا مع نبيّ اللّه محمّد صلى الله عليه و آله ) إلى آخر الرسالة، وقوله: (أمر اللّه (6) فيهم ... ) بعد قوله: (وليتمّ)، وهو الصواب.

والأمر ضدّ النهي، وقد يكون بمعنى الفعل، والموصول في قوله: (الذي خلقهم له) صفة للأمر.

ص: 97


1- .في المصدر: «الصابرون».
2- .الشعراء (26): 60 و61.
3- .تفسير البيضاوي، ج 5، ص 187.
4- .الأنعام (6): 34.
5- .آل عمران (3): 184.
6- .في الحاشية: «لعلّ المراد بذلك الأمر شدّة العقوبة، أو سوء الخاتمة، أو ختم القلوب، أو جعلهم أئمّة ضلال باعتبار حبّهم للرئاسة، وصرف همّتهم في تحصيلها، وتخليته تعالى بينه وبين ما أرادوا، وعدم جبرهم على تركها، فكأنّه جعلهم أئمّة. صالح». شرح المازندراني، ج 11، ص 152.

والمراد بالخلق إمّا الإيجاد والتقدير، واللام (1) للعاقبة، كما في قوله:

«فللموت تغذو الوالدات سُخّالها***كما لخراب الدهر تُبنى المساكن» (2)

أو للغاية المجازيّة؛ فإنّ الغاية الحقيقيّة هي العبادة، كما قال تعالى: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْاءِنْسَ إِلَا لِيَعْبُدُونِ» . (3)

(في الأصل أصلَ الخلق) .

قيل: المراد بأصل الخلق الوجود الظلّي، وهو عالم الأرواح، أو الأعمّ منه ومن الوجود العيني. (4)

وقوله: (من الكفر) بيان للموصول، وهو شامل لكفر الجحود ولمخالفة الحقّ وأهله بتكذيبهم وإيذائهم ومعاندتهم.

(الذي سبق في علم اللّه أن يَخلُقَهم له في الأصل) .

ربّما اُوّل هذا وأمثاله بأنّه تعالى كان عالماً بأنّهم بعد خلقهم يكونون باختيارهم كذلك، فكأنّه خلقهم لذلك. (5)

(ومن الذين سمّاهم اللّه في كتابه) .

في بعض النسخ: «في» بدل «من»، وهو أظهر.

ولعلّ كلمة «من» على نسخة الأصل للظرفيّة، وحينئذ في العدول عن لفظة «في» إشعار بأنّ أمر اللّه نشأ من سؤء أعمالهم وقبح أفعالهم.

وقيل: كأنّه معطوف على قوله: «خلقهم» بتقدير جعلهم، أو على الظرف بعده بتضمين الجعل. (6)

أو المبتدأ مقدّر؛ أي وهم من الذين، ولا يبعد أن يكون بتصحيف «هم». انتهى. (7)

ص: 98


1- .أي اللام في «له».
2- .قاله سابق البريري (أو البريدي) في العقد الفريد، ج 1، ص 269. وراجع: الوافي بالوفّيات، ج 15، ص 70؛ بغية الطالب، ج 9، ص 4071؛ القاموس المحيط، ج 4، ص 178.
3- .الذاريات (51): 56.
4- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 152.
5- .في الحاشية: «إيماء إلى أنّ علمه تعالى بصدور الكفر منهم اختياراً سبب لخلقهم له؛ لوجب المطابقة بين العلم والمعلوم. صالح». شرح المازندراني، ج 11، ص 152.
6- .القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 25، ص 12.
7- .الظاهر أنّ قوله: «أو المبتدأ مقدّر ... » كان أيضاً من قول العلّامة المجلسي رحمه الله في المرآة، لكن لم نجده فيه.

وقيل: الظاهر أنّه عطف على فيهم. (1)

أقول: يحتمل عطفه على قوله: «من الكفر» بتقدير المضاف، أي: ومن صفات الذين سمّاهم اللّه، أو من أحوالهم وأنوارهم.

(في قوله: «وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ») .

في سورة القصص: «وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً» . (2)

قال البيضاوي:

أي قُدوة للضلال بالحمل على الإضلال. وقيل: بالتسمية، كقوله: «وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمنِ إِنَاثاً» (3) ، أو بمنع الألطاف الصارفة عنه. «يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ» : إلى موجباتها من الكفر والمعاصي. انتهى(4).

وقيل: جعلهم أئمّة ضلال باعتبار حبّهم للرئاسة، وصرف همّتهم في تحصيلها، وتخليته تعالى بينهم وبين ما أرادوا، وعدم جبرهم على تركها، فكأنّه جعلهم أئمّة، والفرق بين المعطوف عليه والمعطوف أنّ الأوّل أعمّ من الثاني؛ لصدقه على التابع والمتبوع، بخلاف الثاني؛ فإنّه صادق على المتبوع فقط. (5) وقيل: قوله: (فتدبّروا هذا، واعقِلوه، ولا تجهَلوه) جزاء لقوله: «فإن سرّكم أمر اللّه». (6) وقيل: يحتمل أن يكون جزاء الشرط محذوفاً، فتقديره: إن سَرّكم فاشكروا، أو لا تجزعوا ممّا يصل إليكم منهم. (7)

واسم الإشارة والضمائر للأمر. وقيل: لما يُفهم من الكلام السابق من لزوم التقيّة، والصبر على المكاره في الدين، والرضا بقضاء اللّه تعالى فيهم وفي أعدائهم. (8) والتدبّر: النظر في عاقبة الأمر والتدبير. وإنّما أمر بتدبّره وعقله _ أي إدراكه _ ونهى عن

ص: 99


1- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 152.
2- القصص (28): 41 و لعل ما اثبت فی المتن فهو سهو من ناحیة النساخ أو نقل بالمضمون من المعصوم علیه السلام
3- .الزخرف (43): 19.
4- .تفسير البيضاوي، ج 4، ص 294.
5- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 152.
6- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 152.
7- .القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 25، ص 12.
8- .القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 25، ص 12.

الجهل به ابتداء، ونسيانه بعد معرفته، مبالغة في الإحاطة به، والعلم بحقيقته وغايته كما هي، ووجه السرور بما ذُكر أنّهم أعداء، ونكالُ العدوّ وخِذلانُه موجبٌ للسرور، ووجه ترتّب الجزاء عليه أنّ السرور بنكال العدوّ يقتضي التدبّر في سببه؛ ليمكن التخلّص منه والفرار عنه.

وقوله: (فإنّه من يَجهل هذا وأشباهَه) تعليل للأمر بالتدبّر فيما ذكر، وفي غيره ممّا يجب العلم والمعرفة به.

وقوله: (ممّا افترض اللّه عليه في كتابه) بيان للأشباه.

وقوله: (ممّا أمر اللّه به، ونهى عنه) بيان للموصول.

وقوله: (تَرَكَ دينَ اللّه) جواب لقوله: (من يجهل).

(وركب معاصيَه)؛ لأنّ جاهل هذا كثيراً مّا يدخل فيه، ويترك دين اللّه، وجاهل أشباهه يترك الامتثال بالأوامر والنواهي.

(فاستوجب سخطَ اللّه، فأكبّه اللّه على وجهه في النار) .

قيل: استيجاب الأوّل (1) أبديّ دون الثاني. (2)

وفي الإكباب مبالغة في التعذيب والإذلال.

يقال: كبّه وأكبّه، إذا ألقاه على وجهه، فأكبّ هو، لازم متعدّ على خلاف القياس. (3)

والظاهر «إنّ» في قوله: (إنّ اللّه أتمّ لكم ما آتاكم من الخير) بالتشديد، وأنّه بشارة بأنّ اللّه أتمّ هذا الأمر، وهو أمر التشيّع لخواصّ الشيعة.

وقيل: يحتمل كونه بالتخفيف حرف شرط، ويكون قيداً للفلاح، أي فلاحُكُم مشروط بأن يتمّ اللّه لكم الأمر، وأن لا تضلّوا بالفتن على قياس ما مرّ. (4) وقيل: المراد بالخير دين الإسلام، وإتمامه وإكماله بولاية علي عليه السلام ، وهو إشارة إلى قوله تعالى: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي» (5) ، يعني بولاية علي عليه السلام ، أو هو ذكر كلّ ما يحتاج [إليه] العباد فيه، وهذا تمهيد لما سيجيء من أنّه لا يجوز [فيه ]القول بالهوى

ص: 100


1- .القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 25، ص 12.
2- .في الحاشية: «هو ترك دين اللّه. منه».
3- .في الحاشية: «وهو ترك المعاصي. منه».
4- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 153.
5- .المائدة (5): 3.

والرأي والقياس، بل يجب الرجوع إلى أهل العصمة عليهم السلام . (1)

(واعلموا أنّه ليس من علم اللّه) أي العلم المنسوب إليه تعالى، والمأخوذ منه بوساطة أصحاب الوحي.

وقيل: أي ممّا علم اللّه حقّيّته وأنّه حقّ في دينه.

(ولا من أمره) أي ممّا أمر به.

(أن يأخذ أحد من خَلق اللّه في دينه).

الضمير للّه، أو للأحد.

(بهوًى ولا رأي ولا مقاييس) وإذا كان كذلك، فهو باطل، وبدعة ابتدعها أهلها.

(قد أنزل اللّه القرآن، وجعل فيه تبيانَ كلّ شيء) .

التبيان _ بالكسر وقد يفتح _ مبالغة في البيان، والجملة حاليّة، أو استئنافيّة لبيان أنّهم لا يحتاجون إلى الأخذ بالرأي والقياس؛ لأنّ القرآن فيه تبيان كلّ شيء يحتاج إليه.

ثمّ العلم وإن كان كلّه في القرآن، لكن لا يصل إليه علم كلّ أحد كما هو معلوم بالتجربة والاتّفاق، بل يعلمه جماعة مخصوصون، كما أشار إليه بقوله: (وجعل للقرآن وتعلّم (2) القرآن أهلاً).

قال الفيروزآبادي: «علم به كسمع: شعر، والأمرَ: أتقنه، كتعلّمه». (3) وفي كثير من النسخ المصحّحة: «ولعلم القرآن»، وهو الظاهر، والعطف للتفسير والبيان. (لا يَسَعُ أهلَ علم القرآن) . في بعض النسخ: «لا يُسيغ».

في القاموس: «ساغ الشرابُ سَوغاً: سَهُلَ مَدخله، وسُغته أسوغه، وسُغته اُسيغه، لازم متعدّ، وسوّغه تسويغاً: جوّزه». (4) انتهى. فتأمّل جدّاً.

(الذين آتاهم اللّه علمَه) وهم النبي وأهل بيته عليهم السلام .

(أن يأخذوا فيه) أي في القرآن، أو في علمه.

(بهوًى ولا رأي ولا مقاييس) فإذا لم يجز لهم ذلك مع كمال نفوسهم وقوّة عقولهم وشمول علومهم للأحكام وعللها، فكيف يجوز لغيرهم؟!

ص: 101


1- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 153.
2- .في كلتا الطبعتين وأكثر نسخ الكافي: «ولتعلّم».
3- .القاموس المحيط، ج 4، ص 153 (علم).
4- .القاموس المحيط، ج 3، ص 108 (سوغ) مع التلخيص.

(أغناهم اللّه عن ذلك) أي الأخذ في دين اللّه بالرأي وشبهه.

(بما آتاهم من علمه) . الضمير للقرآن، أو للّه، وهذا الكلام يدلّ ظاهراً على أنّ هذا العلم لهم موهبيّ. (وخصّهم به، ووضعه عندهم) فهم قُوّامه لا يشاركهم فيه غيرهم وإنسان فيه. (1)

(كرامةً من اللّه أكرمهم بها) بالنصب، على أنّه مفعول لقوله: «آتاهم» وما عطف عليه.

ويحتمل كونه بالرفع على الاستئناف.

(وهم أهل الذكر) .

الذكر القرآن، أو محمّد صلى الله عليه و آله ، أو التذكّر لأحكام الدين والدنيا على حسب ما أنزل اللّه على رسوله صلى الله عليه و آله بحيث لا يشذّ منها شيء، وهذا التذكّر لم يوجد ولا يوجد أبداً إلّا في أهل العصمة عليهم السلام .

وفيه ردّ على مفسّري العامّة حيث فسّروا أهل الذكر بأهل الكتاب أو علماء الأحبار، وفساده أظهر من أن يخفى على عاقل فضلاً عن فاضل.

(الذين أمر اللّه هذه الاُمّة بسؤالهم) في قوله: «فَاسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» (2) .

ثمّ رغّب فى الرجوع إليهم بقوله: (وهم الذين من سألهم وقد سبق في علم اللّه).

الواو للحال لا للاعتراض، والغرض أن ليس كلّ من سألهم يرشد ويهتدي بقولهم، بل من قد سبق في علم اللّه سبحانه (أن يصدّقهم ويتّبع أثرهم).

يقال: خرج في إثره بالكسر، وفي أثَره بالتحريك، أي بعده وفي عقبه. وقوله عليه السلام : (أرشَدوه) على صيغة المضيّ، جواب لقوله: «من سألهم». (وأعطَوه من علم القرآن) لا من الرأي والقياس والهوى. (ما يهتدي به إلى اللّه بإذنه) أي بعلمه، أو بأمره وتسويفه. قال الفيروزآبادي: «أذِن بالشيء _ كسمع _ إذناً بالكسر ويحرّك: علم به، وأذن له في الشيء إذناً بالكسر: أباحه له». (3)

ص: 102


1- .كذا قرأناه.
2- .النمل (16): 43؛ الأنبياء (21): 7.
3- .القاموس المحيط، ج 4، ص 195 (أذن).

وفي قوله: (وإلى جميع سُبُل الحقّ) إشارة إلى أنّهم كما يرشدون السائل إلى ما سأله، كذلك يرشدونه إلى جميع سبل الحقّ؛ فإنّهم أدلّاء يدلّون عباد اللّه المصدّقين لهم إلى مراشدهم. (وهم) يعني أهل الذكر (الذين لا يرغَب عنهم وعن مسألتهم وعن علمهم الذين (1) ) خبر بعد خبر لضمير الجمع.

وفي بعض النسخ: «الذي»، فهو صفة للعلم.

(أكرمهم اللّه به) إلى قوله: (تحتَ الأظلّة)

هي جمع ظِلال، وهو جمع ظِلّ نقيض الضِّحّ، وقد يقال للجنّة _ قيل: ومنه قوله تعالى: «وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ» (2) _ وللخَيال من الجنّ وغيره يُرى، وللشخص من كلّ شيء، ولكنّه اشتهر إطلاق الأظلّة في الأخبار على عالم الأرواح الصرفة أو عالم الذرّ، ويقال له: عالم المثال أيضاً.

وقيل: إطلاق الظلّ على الروح والمثال مجاز تشبيهاً لهما بالظلّ في عدم الكثافة، وتقريباً لهما إلى الفهم. (3)

(فاُولئك) الأشقياء هم (الذين يرغَبون عن سؤال أهل الذكر).

وقوله: (والذين آتاهم اللّه علم القرآن) عطف على أهل الذكر.

وقوله: (واُولئك الذين يأخذون بأهوائهم) إلخ، عطف على «اُولئك الذين يرغبون»، ويستفاد منه أنّ المصدّق بأئمّة الحقّ في الإيمان هو المصدّق لهم في علم اللّه السابق وتحت الأظلّة، والمكذّب لهم فيها هو المكذّب لهم هاهنا، وقد صُرّح بذلك في كثير من الأخبار.

ثمّ ذكر عليه السلام للأخذ بما ذكر من الأهواء والآراء والمقاييس غايتين:

اُولاهما الغلط في الاُصول، وهي قوله: (حتّى دخلهم الشيطان)؛ أي استولى عليهم، ودخل مجاري صدورهم دخولاً تامّاً يقتضي كفرهم؛ (لأنّهم جعلوا أهل الإيمان) المذكورين (في علم القرآن)؛ أي الذين هم بحيث يُعلم من علم القرآن أنّهم مؤمنون.

ص: 103


1- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقاً: «الذي».
2- .فاطر (35): 21.
3- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 155.

أو الظرف متعلّق بأهل الإيمان باعتبار أنّهم مؤمنون، أي الذين آمنوا بما يعلمون من علم القرآن علماً واقعيّاً.

وقوله: (عند اللّه) متعلّق بأهل الإيمان، أو بقوله: (كافرين).

وكذا قوله عليه السلام : (عند اللّه مؤمنين) يحتمل تعلّقه بأهل الضلالة، أو بمؤمنين.

والغاية الثانية الغلط في الفروع، وأشار إليه بقوله: (وحتّى جعلوا ما أحلّ اللّه) إلى قوله: (حلالاً).

ثمّ أشار إلى فَذلكة ما ذكر بقوله: (فذلك) أي إعراضهم عن سؤال أهل الذكر وما يتفرّع عليه.

(أصلُ ثَمَرةِ أهوائهم) أي أصل يترتّب عليه سائر أهوائهم وآرائهم ومشتهيات نفوسهم، كجعل المؤمن كافراً وبالعكس، وجعل الحلال حراماً والحرام حلالاً.

(وقد عهد إليهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله قبل موته) أي أوصاهم بولاية وصيّه، ورعايتها وحفظها في مواضع منها يوم الغدير.

(فقالوا: نحن بعد ما (1) قبض اللّه رسولَه) أي توفّاه.

(يسعُنا) خبر ل «نحن»، وقوله: (بعد) متعلّق به، وتعلّقه ب «قالوا» بعيد؛ يعني أنّهم لم يكتفوا بترك سؤال أهل الذكر والإعراض عنهم، بل قالوا: يجوز لنا (أن نأخذ بما اجتمع عليه رأي الناس) (2) في أمر الخلافة.

(بعد قبض اللّه رسوله صلى الله عليه و آله ) .

الظرف متعلّق بقوله: «يسعنا»، أو «نأخذ»، أو «اجتمع»، أو بالجميع على سبيل التنازع، وعلى بعض الاحتمالات يكون تأكيداً للسابق.

ص: 104


1- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقاً: - «ما».
2- .في الحاشية: «قال بعض العلماء: إنّ قوله: بما اجتمع عليه رأي الناس، صريح في نفي حجّيّة الإجماع بالآراء من دون نصّ مستفيض، وكفى به حجّة على متأخّري أصحابنا حيث جعلوا الإجماع حجّة ثالثة برأسها في مقابلة الكتاب والسنّة، وإن لم يكن [له] مستند ظاهر منهما، وكفى بما قبله وبما بعده من كلماته عليه السلام حجّة عليهم أيضاً فيما ذهبوا إليه من الاجتهاد والقول بالرأي. هذا كلامه، وهو كما ترى. منه عفي عنه» والقائل هو المحقّق الفيض رحمه الله في كتاب الوافي، ج 26، ص 111.

(وبعد عهده الذي عهده)

أي أوصاه (إلينا، وأمرنا به) أي بذلك العهد الذي هو عهد الولاية والخلافة.

وقوله: (مخالفاً للّه ولرسوله صلى الله عليه و آله ) حال عن فاعل «اجتمع»، أو عن فاعل «قالوا»، وظاهر أنّ تلك المخالفة كفر بهما لإنكار قولهما.

(فما أحد أجرى على اللّه) .

كذا في أكثر النسخ. وفي بعضها: «أجرأ» بالهمزة، وهو الصواب، أي ليس أحد أكثر جرأة. (ولا أبينَ ضلالةً ممّن أخذ بذلك) إشارة إلى قولهم: «نحن بعد ما قبض اللّه رسوله» إلخ.

وكذا قوله: (وزعم أنّ ذلك يسعُه).

و«من» التفضيليّة متعلّق ب «أجرأ» و«أبين» على سبيل التنازع.

وقيل: المقصود من هذا الكلام أنّ كلّ من أخذ من هذه الاُمّة بذلك الرأي، وزعم أنّه يجوز له الأخذ، فهو أجرى على اللّه تعالى، وأبين ضلالة وخروجاً عن سبيل الحقّ من غيره مطلقاً، سواء كان ذلك الغير من هذه الاُمّة أم من غيرها؛ لأنّه أنكر قولهما مع علمه به وأخذه بخلافه، وهو كفر باللّه العظيم، بخلاف من لم يأخذ من هذه الاُمّة بذلك الرأي؛ فإنّه لو خالفهما في أفعاله لم يكن ذلك كفراً وجحوداً، وأمّا من أنكر قولهما في نصب الخلافة من غير هذه الاُمّة فإنّه وإن كان كافراً أيضاً لكن إنكاره ليس مسبوقاً بالعلم، والفرق بين الإنكار مع العلم وعدمه واضح. (1)

وقوله: (واللّه إنّ للّه على خلقه) إلى قوله: (وبعد موته) تأكيد لسابقه وتمهيد للاحقه؛ فإنّ وجوب طاعته واتّباع أمره غير مقيّد بحال حياته صلى الله عليه و آله ، ولا بخصوص شخص دون شخص، فتجب متابعته بعد موته كما يجب قبله، فمن امتنع منه فهو كافر منكر بالرسالة وتوابعها. (هل يستطيع اُولئك) إشارة إلى الآخذين برأيهم، واجتماع الناس بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله في أمر الخلافة. والظاهر أنّ الاستفهام للإنكار، وما قيل من أنّه على حقيقته؛ لأنّ الإنكار غير مناسب لسياق الكلام (2) ، فضعفه ظاهر.

ص: 105


1- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 156.
2- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه اللهفي شرحه، ج 11، ص 156.

وقوله: (أعداءُ اللّه) بدل عن «اُولئك» وفائدته التصريح بأنّهم خرجوا بذلك عن الدين، فصاروا من أعداء اللّه المعاندين.

وقيل: توضيح المقام يحتاج إلى تقديم مقدّمة هي أنّ قول الرسول صلى الله عليه و آله قول اللّه تعالى، وأنّ متابعته واجبة، وأنّ وجوبها غير مقيّد بحياته، وأنّ الأخذ بالرأي على خلافه [في حياته ]غير جائز، وكلّ ذلك أمر بيّن لا ينكره أحد إلّا من خرج عن دين الإسلام وأنكر الرسالة، وليس الكلام معه. (1)

وقوله: (أن يزعُموا) .

الزعم مثلّثة: القول الحقّ والباطل والكذب ضدّ، وأكثر ما يقال فيما يشكّ فيه. وقيل: هو الظنّ، ويطلق غالباً على ما لا أصل ولا مستند له. (2) وفعله من باب نصر.

وقوله: (فإن قال: نعم) أي إن قال قائل منهم: نعم يجوز ذلك.

قيل: الظاهر «قالوا»: عدل إلى الإفراد للتنبيه على أنّ اعتباره أولى من الجميع في مقام النصح، كما قال تعالى: «قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ»(3) الآية» (4) انتهى، فتأمّل فيه.

(فقد كذب على اللّه) لما ذكر من المقدّمات.

( «وضَلَّ ضَلَالاً بَعيِداً» ) (5) .

قيل: اُكّد الفعل بالمصدر، والمصدر بالبُعد المفرط للمبالغة في خروجه بذلك عن حدّ الإسلام، كما خرج الثاني بإنكار صلح الحديبيّة، وإنكار عدول المُفرد إلى التمتّع، وإنكار الأمر بإحضار الدوات والقلم. (6)

(وإن قال: لا، لم يكن) أي فقد ثبت باعترافه أنّه لا يجوز، ولم يكن (لأحد أن يأخذ برأيه وهواه ومقاييسه) فيكون «لم يكن» جزاء الشرط. ويحتمل أن يكون بدلاً من قوله: «لا يكون».

ص: 106


1- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 156.
2- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 156.
3- .سبأ (34): 46.
4- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 157.
5- .آل عمران (3): 144.
6- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 156.

وقوله: (فقد أقرّ بالحجّة على نفسه) جواب الشرط، وعلى الأوّل فهو متفرّع على الجزاء.

وقيل في توجيه الإقرار على نفسه: إنّ القول بعدم جواز الأخذ بالرأي في حياة محمّد صلى الله عليه و آله على خلاف أمره يستلزم القول بعدم جوازه بعد موته، وهو ظاهر لا ينكره إلّا كافر، وإبداء الفرق بينهما أنّه صلى الله عليه و آله كان مجتهداً، وأنّ قول الميّت كالميّت يوجب بطلان دينه بعده بالمرّة، ولا يقدم على التزامه إلّا ملحد.

ووجه آخر هو أنّ الدين واحد، والتكليف واحد، لا يختلف في حياته وبعد موته، فلا يجوز التمسّك بالرأي والقياس بعد موته خلافاً لأمره، كما لا يجوز ذلك في حياته. (1)

وقرّره بعض الأفاضل بوجه آخر، وقال:

الظاهر أنّ هذا احتجاج عليهم بأنّكم لا تجوّزون الاستبداد بالرأي ومخالفة الرسول صلى الله عليه و آله في حياته؛ لأنّ هذا كفر بيّن، ومخالفة للآيات الصريحة، فلابدّ أن تقولوا بعدم جواز ذلك في حياته، وإذا اعترفوا بذلك يلزمهم أن لا يجوز ذلك بعد وفاته صلى الله عليه و آله ؛ لما يظهر من الآية أنّه لا يجوز ترك ما اُخذ به في حياته صلى الله عليه و آله ، وأنّ ترك ذلك ارتداد عن الدين وانقلاب عن الحقّ. (2)

فقوله عليه السلام : (وهو ممّن يزعم أنّ اللّه يُطاع ويُتّبع أمره بعد قبضِ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ) أي يلزمه ذلك بما أقرّ به، وإن لم يكن مذهباً له، ويصير ممّن يزعم ذلك للإقرار بملزومه هذا.

والظاهر أنّ الجملة حال عن فاعل «أقرّ»، والحاصل أنّه عليه السلام بيّن أنّه لا فرق بين زمان حياته صلى الله عليه و آله وبعد موته في عدم جواز العمل بالرأي والقياس كما لا فرق بينهما في وجوب طاعة اللّه واتّباع أمره.

(وقد قال اللّه) في سورة آل عمران.

(وقوله الحقّ) جملة حاليّة، أو معترضة.

( «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَا رَسُولٌ» ) لا يجاوز الرسالة إلى التبرّي من الموت أو القتل.

( «قَدْ خَلَتْ» ) . قال الجوهري: «قوله تعالى: «وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ» (3) أي مضى وأرسل» (4) .

ص: 107


1- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 157.
2- .قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 25، ص 14.
3- .فاطر (35): 24.
4- .الصحاح، ج 6، ص 2330 (خلو).

( «مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ» ) فسيخلوا كما خلوا بالموت أو القتل.

( «أَ فَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقَابِكُمْ» ) .

قال البيضاوي:

هذا إنكار لارتدادهم وانقلابهم على أعقابهم عن الدين لخلوّه بموت أو قتل بعد علمهم بخلوّ الرسل قبله وبقاء دينهم متمسّكاً به.

وقيل: الفاء للسببيّة، والهمزة لإنكار أن يجعلوا خلوّ الرسل قبله سبباً لانقلابهم على أعقابهم بعد وفاته.

روي أنّه لمّا رمى عبد اللّه بن قميئة الحارثي رسول اللّه صلى الله عليه و آله بحجر، فكسر رباعيته، وشجّ وجهه، فذبّ عنه مصعب بن عمير، وكان صاحب الراية حتّى قتله ابن قميئة، وهو يرى أنّه قتل النبي صلى الله عليه و آله ، فقال: قد قتلت محمّداً، وصرخ صارخ: ألا إنّ محمّداً قد قُتل، فانكفأ الناس، وجعل الرسول صلى الله عليه و آله يدعو: إليّ عباد اللّه، فانحاز إليه ثلاثون من أصحابه وحموه حتّى كشفوا عنه المشركين وتفرّق الباقون، وقال بعضهم: ليت ابن اُبيّ يأخذ لنا أماناً من أبي سفيان، وقال اُناس من المنافقين: لو كان نبيّاً لما قُتل، ارجعوا إلى إخوانكم ودينكم، فقال أنس بن النضر: عّم أنس بن مالك يا قوم، إن كان قتل محمّد، فإنّ ربّ محمّد لا يموت، وما تصنعون بالحياة بعده، فقاتلوا على ما قاتل عليه، ثمّ قال: اللّهمّ إنّي أعتذر إليك ممّا يقولون، وأبرأ [إليك] منه، وشدّ بسيفه، فقاتل حتّى قتل، فنزلت: «وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً» بارتداده، بل يضرّ نفسه (1) .

( «وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ» ) (2) على نعمة الإسلام بالتثبّت عليه كأنس وأضرابه.

(وَذلِكَ) أي ما ذكر من الآية (لتعلموا أنّ اللّه يُطاع) إلى قوله: (ولا مقاييسه).

وحاصله أنّ الآية تدلّ على وجوب متابعة أمره تعالى في حياة محمّد صلى الله عليه و آله وبعد موته، وعلى عدم جواز الأخذ بالرأي مخالفاً لأمره في حياته وبعد موته، فمن أنكر شيئاً من ذلك فهو مرتدّ خارج عن الإسلام.

وقال عليه السلام : (دَعوا) أي اُتركوا. (رفعَ أيديكم في الصلاة إلّا مرّة واحدة حين تُفتتح الصلاة) .

لا خلاف بين الخاصّة والعامّة في أنّ رفع اليدين في تكبير الافتتاح مرغوب فيه،

ص: 108


1- .آل عمران (3): 144.
2- .تفسير البيضاوي، ج 2، ص 99 و100.

والمشهور بين أصحابنا أنّه مستحبّ، وذهب السيّد المرتضى إلى الوجوب، (1) وأمّا سائر التكبيرات فالمشهور بين الفريقين استحبابه.

وقال الثوري وأبو حنيفة وإبراهيم النخعي من العامّة: لا يرفع يديه إلّا عند الافتتاح، وذهب السيّد من علمائنا إلى الوجوب في الجميع، (2) ولمّا كان في عصره عليه السلام عدم استحباب الرفع في سائر التكبيرات أشهر بين المخالفين، أو كانوا يتركونه رغماً على الشيعة وخلافاً لهم، منع عليه السلام الشيعة عن ذلك تقيّة؛ كراهة أن يشتهروا بذلك، فيعرفوا به كما صرّح به عليه السلام بقوله: (فإنّ الناس قد شَهَروكم (3) بذلك) أي برفع اليدين.

قال الفيروزآبادي: «الشُهرة بالضمّ: ظهور الشيء في شنعة، شهره _ كمنعه _ شهّره». (4)

( «وَاللّهُ الْمُسْتَعانُ» ) (5) في الاُمور كلّها وفي دفع كيد الأعداء.

وقوله عليه السلام : (فإنّ اللّه يحبّ من عباده المؤمنين) أي من أعمالهم.

(أن يَدْعوه) تعليل لإكثار الدعاء.

وقوله: (عملاً يزيدهم به في الجنّة) أي عملاً يوجب علوّ الدرجة فيها.

روى المصنّف رحمه الله بإسناده عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال:

إنّ المؤمنَ ليدعو اللّه _ عزّوجلّ _ في حاجته، فيقول اللّه عزّ وجلّ: أخّروا إجابته شوقاً إلى صوته ودعائه، فإذا كان يوم القيامة قال اللّه عزّ وجلّ: عبدي، دعوتَني، فأخّرتُ إجابتك، وثوابُك كذا وكذا، ودعوتَني في كذا وكذا، فأخّرتُ إجابتك، وثوابُك كذا وكذا، قال: فيتمنّى المؤمن أنّه لم يُستجب له دعوة في الدنيا ممّا يَرى من حسن الثواب. (6)

(فأكثروا ذكر اللّه ما استطعتم) .

كلّ عبادة لها حدّ إلّا ذكر اللّه؛ فإنّه مطلوب على قدر الاستطاعة والقدرة.

ص: 109


1- .راجع: الانتصار، ص 147، الرقم 45.
2- .اُنظر للمزيد: الخلاف، ج 1، ص 319، المسألة 71؛ تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 77، المسألة 221؛ وج 3، ص 119، المسألة 213؛ وص 192، ذيل المسألة 263؛ مختلف الشيعة، ج 2، ص 171.
3- .يجوز فيه تحفيف الهاء وتشديدها. راجع: شرح المازندراني، ج 11، ص 158.
4- .القاموس المحيط، ج 2، ص 66 (شهر).
5- .الإسراء (17): 7.
6- .الكافي، ج 2، ص 490، باب من أبطأتْ عليه الإجابةُ، ح 9.

روى المصنّف رحمه الله بإسناده عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال:

ما من شيء إلّا وله حدّ يَنتهي إليه إلّا الذكر، فليس له حدّ ينتهي إليه، فرض اللّه _ عزّ وجلّ _ الفرائض، فمن أدّاهنّ فهو حدّهنّ، وشهرَ رمضان فمن صامه فهو حدّه، والحجّ فمن حجّ فهو حدّه، إلّا الذكر؛ فإنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ لم يرضَ منه بالقليل، ولم يجعل له حدّاً ينتهي إليه. الحديث. (1)

(فإنّ اللّه أمر بكثرة الذكر له) بقوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللّهَ ذِكْراً كَثِيراً» (2) وغيره من الآيات.

والمراد بالذكر هنا ذكره باللسان والجَنان، (3) وعند حضور الطاعة والمعصية وغيرهما من الأحوال.

(واللّه ذاكر لمن ذكره من المؤمنين) .

لعلّ المراد أنّه تعالى يعامله معاملة الذاكر دون معاملة الناسي، أو ذاكر له في الملأ الأعلى بخير، أو مثيب له سمّي ثواب الذكر ذكراً لوقوعه في صحبته.

(واعلموا أنّ اللّه لم يذكره أحد من عباده المؤمنين إلّا ذكره اللّه _ عزّ وجلّ (4) _ بخير) .

في بعض النسخ: «بخيره» مع الضمير. (5) ويمكن أن يراد بالخير ما ذكرناه في ذاكر.

(فأعطوا اللّه من أنفسكم الاجتهاد في طاعته) .

قيل: الطاعة شاملة للذكر وغيره، بل كلّ طاعة ذكر، كما يرشد إليه قوله تعالى: «أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي» (6) . (7)

ثمّ رغّب فيها بقوله: (فإنّ اللّه لا يُدرك) البناء للمفعول (شيء من الخير) الاُخروي استحقاقاً (إلّا بطاعته).

ص: 110


1- .الكافي، ج 2، ص 498، باب ذكر اللّه عزّ وجلّ كثيراً، ح 1.
2- .الأحزاب (33): 41.
3- .«الجَنان»: القَلب، من الاجتنان بمعنى الاستتار؛ لاستتاره في الصدر. وقيل: لوعَيه الأشياء وجمعه لها. راجع: كتاب العين، ج 6، ص 21؛ لسان العرب، ج 13، ص 92 (جنن).
4- .في الطبعتين للكافي: - «اللّه عزّ وجلّ».
5- .هكذا ضبطه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 25، ص 15، ثمّ قال: «أي يقرّر ويعدله ثواب ذلك، أو يذكره في الملأ الأعلى ويثني عليه ويشكره».
6- .طه (20): 14.
7- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 159.

أمّا الخير الدنيوي فقد يدركه الكافر أيضاً، والخير الاُخروي قد يدرك بالتفضّل أيضاً، لكن منشأه الطاعة.

(واجتناب محارمه الّتي حرّم اللّه في ظاهر القرآن وباطنه) .

كأنّ المراد بالظاهر ما ظهر تأويله، وعُرف معناه، وبالباطن ما بطن تفسيره وخفي، ولا يعلمه إلّا الراسخون في العلم.

(فإنّ اللّه تبارك وتعالى قال في كتابه) في سوره الأنعام (وقوله الحقّ: «وَذَرُوا ظَاهِرَ الْاءِثْمِ وَبَاطِنَهُ» ) . (1)

قال البيضاوي: «أي ما يعلن ويسرّ، أو ما بالجوارح، وما بالقلب. وقيل: الزنا في الحَوانيت واتّخاذ الأخدان». (2)

وأقول: دلّ استشهاده عليه السلام أنّ ظاهر الإثم ما ظهر تحريمه من ظاهر القرآن، وباطنه ما ظهر تحريمه من باطنه، ولكن يظهر من آثار أهل البيت عليهم السلام أنّ المراد بالمحرّمات الباطنة ولاية أئمّة الجور.

روى المصنّف رحمه الله في باب من ادّعى الإمامة وليس لها بأهل، بإسناده عن محمّد بن منصور، قال: سألت عبداً صالحاً عليه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ: «قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ» (3) ، قال: فقال: «إنّ القرآن له ظَهر وبطن، فجميع ما حرّم اللّه تعالى في القرآن هو الظاهر، والباطن من ذلك أئمّة الجور؛ وجميع ما أحلّ اللّه تعالى في الكتاب هو الظاهر، والباطن من ذلك أئمّة الحقّ» (4) انتهى.

واعلم أنّه وقع في كثير من نسخ الكتاب: «فاجتنبوا ظاهر الإثم وباطنه»، فهو إمّا نقل مضمون الآية، أو في قرائتهم عليهم السلام كان كذلك.

(واعلموا أنّ ما أمر اللّه أن تجتنبوه فقد حرّمه) .

دلّ ظاهراً على أنّ أوامر القرآن للوجوب، سيّما ما وقع بلفظ الاجتناب، وأنّ نواهيه

ص: 111


1- .الأنعام (6): 120.
2- .تفسير البيضاوي، ج 2، ص 447.
3- .الأعراف (7): 33.
4- .الكافي، ج 1، ص 374، باب من ادّعى الإمامة وليس لها بأهل، ح 10. وقال المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي، ج 26، ص 112: «لعلّ المراد بما حرّم اللّه تعالى في باطن القرآن مخالفة وليّ الأمر ومتابعة أهل الضلال واتّباع آرائهم واعتقاد الولاية فيهم، وذلك لأنّ ثلث القرآن ورد فيهم، كما ورد عنهم عليهم السلام ، وهو المراد بباطن الإثم، أو هو أحد أفراده».

للحرمة، إلّا ما أخرجه الدليل، وتخصيص الأمر بما وقع بصيغة «اجتنبوا» بعيد، وكذا حمل التحريم على الأعمّ من تحريم المصطلح والتنزيه.

وقيل: يمكن أن يراد بالأمر الأمر باجتناب الطاغوت. (واتّبِعوا آثار رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسنّته) .

لعلّ العطف للتفسير، أو يراد بالآثار الأخبار، وبالسنّة السيرة والطريقة، وأصل الأثر بالتحريك: بقيّة الشيء، ولا يبعد أن يراد بآثاره صلى الله عليه و آله أعلامه المنصوبة للهدى من أوصيائه وحججه صلوات اللّه عليهم.

(فخذوا بها) أي بتلك الآثار والسنّة.

(ولا تتّبعوا) في شيء من اُمور الدين والدنيا (أهوائكم وآراءكم) _ في بعض النسخ: «ورأيكم» _ (فتضلّوا عن الحقّ).

وقوله عليه السلام : (فإنّ أضلّ الناس عند اللّه من اتّبع هواه ورأيَه بغير هدًى من اللّه) تعليل للنهي من اتّباع الأهواء والآراء، أو لما يترتّب عليه من الضلال، والظرف حال عن فاعل «اتّبع»، أي متمسّكاً بغير هاد منصوب من قبل اللّه.

روى المصنّف في باب من دان اللّه بغير إمام من اللّه، بإسناده عن أبي الحسن عليه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ: «وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدٍى مِنَ اللّهِ» ، (1) قال: «يعني من اتّخذ دينَه رأيَه بغير إمام من أئمّة الهدى». (2)

(وأحسنوا إلى أنفسكم ما استطعتم) .

قيل: المراد بالإحسان إليها الإتيان بما ينفعها يوم القيامة، وتهذيب الظاهر والباطن عن الأخلاق والأعمال الفاسدة، وتزيينها بالأعمال والأخلاق الفاضلة. (3)

وقيل: يحتمل أن يراد الإحسان إلى الغير، كما قيل في قوله تعالى: «وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ» (4) ،

ص: 112


1- .القصص (28): 50.
2- .الكافي، ج 1، ص 374، باب من دان اللّه _ عزّ وجلّ _ بغير إمام من اللّه، ح 1.
3- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 160، واستظهره العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج25، ص15.
4- .النساء (4): 29.

وقوله: «فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ» (1) ، والمعنى: فليحسن كلّ منكم إلى أخيه؛ فإنّ من أحسن إلى غيره فقد أحسن لنفسه. (2) انتهى .

وهو كما ترى.

ثمّ أراد عليه السلام أن يبيّن ثمرة الإحسان إلى النفس، وأن يرغّب في فعله وفي ترك ضدّه، فقال: «فَإِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ» ؛ لأنّ ثوابه ونفعه لها، «وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا» (3) ، فإنّ وبالها عليها. قيل: اللام بمعنى على، وإنّما ذكرها ازدواجاً. (4)

(وجامِلوا الناس) بالجيم، أو بالحاء المهملة كما مرّ.

(ولا تَحملوهم) بتشديد الميم، وتخفيفها احتمال.

(على رقابكم) .

فيه إشارة إلى حسن المعاشرة معهم ظاهراً. (5)

وقوله: (تَجمعوا) جواب الأمر والنهي. وقوله: (مع ذلك) إشارة إلى الأمر المستفاد من الكلام السابق، أي إذا جاملتم الناس جمعتم مع الأمن من إضرار الناس وإيذائهم.

(طاعة ربّكم) .

لعلّ المراد بها التقيّة، أو ما يعمّ سائر الطاعات.

ويحتمل قراءة قوله: «تجمعوا» بالتخفيف والتشديد. قال الفيروزآبادي: «الجمع: تأليف المتفرّق، والتجميع مبالغة الجمع». (6)

وفي بعض النسخ: «تجمعون»، فالظاهر أنّه حينئذ حال عن ضميري الخطاب، أي اجمعوا طاعة اللّه مع المجاملة بأن تعاشروهم ظاهراً ولا تتابعوهم في المعاصي، بل تعملوا

ص: 113


1- .الإسراء (17): 7.
2- .النور (24): 61.
3- .قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 25، ص 16.
4- .قاله البيضاوي في تفسيره، ج 3، ص 433.
5- .قال المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 161: «ولابدّ منه؛ فإنّ النفوس العاصية المطيعة لإبليس وجنوده إن وقع الافتراق منهم بالمرّة، أو وقع المخالطة معهم على وجه الشقاق وإظهار العداوة وثبوا لما فيهم من الغواية والضلالة والغلظة وخشونة الوجه وقلّة الحياء إلى الأذى والضرب والشتم والقتل والنهب، والمعاشرة على هذا الوجه فرد من الطاعة مضافاً إلى طاعة الربّ ظاهراً وباطناً، وبه يتمّ نظام الدين والدنيا جميعاً».
6- .القاموس المحيط، ج 3، ص 15 (جمع) مع التلخيص.

بطاعة ربّكم وبالتقيّة التي أمركم بها.

(وإيّاكم وسبَّ (1) أعداء اللّه) يعني رؤساء الضلالة وتابعيهم.

قال الجوهري: «السبّ: الشتم، وقد سبّه يسبّه وسبّه أيضاً بمعنى قطعه». (2)

(حيث يَسمعونكم) بتخفيف الميم من السماع، فيدلّ على جواز الشتم حيث لا يسمعونه، أو من الإسماع، يقال: أسمعه، أي شتمه.

ويحتمل كونه من التسميع بمعنى التشنيع أو التشهير، أي لا تسبّوهم مع شتمهم أو تشنيعهم إيّاكم، فكيف مع عدمه؟!

وقيل: المراد: إن شتموكم لا تسبّوا أئمّتهم؛ فإنّهم يسبّون أئمّتكم، بل سبّهم ينتهي إلى سبّ اللّه سبحانه، كما أشار إليه بقوله: «فَيَسُبُّوا اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ» إشارة إلى قوله عزّ وجلّ في سورة الأنعام: «وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّوا اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ» ؛ (3) قال البيضاوي:

العَدو: التجاوز عن الحقّ إلى الباطل، و «بِغَيْرِ عِلْمٍ» ، أي على جهالة باللّه وبما يجب أن يذكر به. وفيه دلالة على أنّ الطاعة إذا أدّت إلى معصية راجحة وجب تركها؛ فإنّ ما يؤدّي إلى الشرّ شرّ (4) . انتهى.

وقال الجوهري: «العَداء أيضاً: تجاوز الحدّ والظلم. يقال: عَدا عليه عَدواً وعُدُوّاً وعَداء، ومنه قوله تعالى: «فَيَسُبُّوا اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ» ، وقرأ الحسن: عُدوّاً». (5)

وقال الفاضل الإسترآبادي:

هو أنّهم يسبّون من ربّاكم ومن علّمكم السبّ، ومن المعلوم أنّ المربّي والمعلّم هو اللّه تعالى بواسطة النبيّ وآله عليهم السلام ، فينتهي سبّهم إلى اللّه من غير علمهم به. (6)

وأقول: يفهم من قوله عليه السلام : (وقد ينبغي لكم أن تعلموا حدّ سبّهم للّه كيف هو) إلخ، أنّ المراد بسبّهم للّه سبّ أوليائه، والمراد بحدّ السبّ معناه ومفهومه.

ص: 114


1- .في الحاشية عن بعض النسخ: «أن تسبّوا» بدل «وسبّ».
2- .الصحاح، ج 1، ص 144 (سبب).
3- .الأنعام (6): 108.
4- .تفسير البيضاوي، ج 2، ص 441 (مع اختلاف يسير).
5- .الصحاح، ج 6، ص 2420 (عدا).
6- .نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 161.

وقوله: (من سبّ أولياء اللّه فقد انتهك سبَّ اللّه) بيان وتحديد للحدّ، وانتهاك الحرمة تناولها بما لا يحلّ.

(ومن أظلمُ عند اللّه ممّن استَسَبّ للّه) أي جعله في معرض السبّ بتحصيل أسبابه.

(ولأوليائه) كذلك.

قال الفاضل الإسترآبادي: «فيه دلالة واضحة على أنّه لا يجوز السبّ حيث يسمعون مطلقاً عند الخوف والأمن». (1)

(فمَهلاً مهلاً) (2) منصوب بفعل مقدّر، والتكرير للتأكيد.

والمَهْل بالتسكين، وقد يحرّك: السكينة والرفق، كالمُهلة بالضمّ، أي اسكنوا سُكوناً، وأخّروا تأخيراً، واتركوا ما أردتم من سبّهم وإيذائهم إلى ظهور دولة الحقّ، ولا تعجلوا فيه.

(فاتّبعوا أمرَ اللّه) فيما ذُكر، أو الأعمّ منه.

(ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه) في اتّباع أمره وعدم مخالفته.

(وقال: أيّتها العِصابةُ الحافظُ اللّهُ لهم أمرَهم)

الظاهر أنّ قوله: «اللّه» مرفوع بالابتدائيّة، و«الحافظ» خبره، قُدّم للتخصيص، والإشارة إلى أنّه ينبغي التوسّل به تعالى، وحفظه في جميع الاُمور.

ويحتمل كون الجملة الوصفيّة دعائيّة، وقوله: «أمرهم» منصوب على المفعوليّة، والمراد به الاُمور الدينيّة والدنيويّة.

(عليكم بآثار رسول اللّه) إلى قوله: (وولايتهم) مرّ شرحه.

(وقد قال أبونا رسول اللّه صلى الله عليه و آله : المُداوَمَةُ على العمل في اتّباع الآثار والسنن _ وإن قلّ _ أرضى للّه) إلى آخره.

لأنّ القليل المداوم عليه إذا كان موافقاً للقانون الشرعي يوجب الوصول إلى المطلوب بخلاف الكثير المخالف له.

وبناء اسم التفضيل في الموضعين على فرض الرضا والنفع في المفضّل عليه بفرض المحال، وهذا من قبيل المُماشاة مع الخصم لترويج الحجّة.

ص: 115


1- .نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 161.
2- .في الحاشية: «يطلق على الواحد والتثنية والجمع والمذكّر والمؤنّث. صالح». شرح المازندراني، ج 11، ص 162.

(ألا إنّ اتّباع الأهواء) كما هو شأن أئمّة الضلال (واتّباع البِدَع) كما هو شأن تبعتهم، أو بالعكس، أو كلاهما لكليهما.

والأوّل أنسب بقوله: (بغير هدًى من اللّه)، وهذا تأكيد وبيان، لا تقييد وتخصيص؛ لأنّ اتّباع الأهواء والبدع لا يكون إلّا كذلك.

وقوله: (ضَلال) خبر «إنّ». وفي بعض النسخ: «ضلالة».

(وكلّ ضلالة بدعة) .

في بعض النسخ: «ضلال».

(وكلّ بدعة في النار)؛ يعني صاحبها.

قيل: الغرض بيان التلازم والتساوي بين المفهومين، ويظهر منه أنّ قسمة البدع بحسب انقسام الأحكام الخمسة، كما فعله جماعة من الأصحاب تبعاً للمخالفين ليس على ما ينبغي؛ إذ البدعة ما لم يرد في الشرع، لا خصوصاً، ولا في ضمن عامّ، وما ذكروه من البدع الواجبة والمستحبّة والمكروهة والمباحة، فهي داخلة في ضمن العمومات(1).

وأقول: روى المسلم عن النبي صلى الله عليه و آله : «إنّ شرّ الاُمور مُحدثاتها، وكلّ مُحدث بدعة، وكلّ بدعة ضلالة»(2).

وقال بعض الشرّاح:

البدعة: ما اُحدثت ولم يسبق لها مثال، وحديث «كلّ بدعة في النار» من العامّ المخصوص؛ لأنّ من البدع واجب كترتيب الأدلّة على طريقة المتكّلمين للردّ على الملاحدة، ومنها مندوب كبناء المدارس والزوايا، ومنها مباح كالبسط في أنواع الأطعمة والأشربة(3). انتهى.

وأنت بعد خيرتك بما ذكرنا سابقاً لا يخفى عليك في هذا الكلام من التعسّف وخروجه عن المتنازع فيه.

ص: 116


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 25، ص 17
2- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 18، ح 46؛ مسند أبي يعلى، ج 4، ص 85، ح 2111؛ صحيح ابن حبان، ج 1، ص 186
3- نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 162 عن المازري، ثمّ قال: «أقول: هذا إن فسّرت البدعة بما ذكر، وأمّا إن فسّرت بما خالف الشرع، أو بما نهى عنه الشارع، فلا تصدق على الاُمور المذكورة»

(ولن يُنال شيء من الخير عند اللّه إلّا بطاعته والصبر) على المصائب وواردات الدهر، وعلى مشقّة التكاليف الشرعيّة.

(والرضا) بقضاء اللّه.

(لأنّ الصبر والرضا من طاعة اللّه) .

قيل: أي من شرائط قبول طاعة اللّه، ويمكن أن يكون المراد أنّهما من جملة الطاعات، ويضمّ إليه مقدّمة خارجة، وهي أنّ قبول بعض الطاعات مشروط بالإتيان بسائرها، كما قال تعالى: «إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ(1). . وعلى التوجّهي(2). يتمّ التعليل، ويمكن أن يوجّه أوّل الكلام بأنّ المراد: لا ينال شيء من الخير عند اللّه كما ينبغي وعلى وجه الكمال إلّا بالإتيان بجميع طاعاته، وحينئذ يكون قوله: «والصبر والرضا» من قبيل التخصيص بعد التعميم للعناية والاهتمام، وحينئذ ينطبق التعليل أيضاً(3).

والحاصل أنّ نيل الخير بالطاعة أمر مسلّم لا يحتاج إلى البيان، والقول بأنّه يُنال بالصبر والرضا لا يتمّ إلّا ببيان أنّهما من الطاعة، فالتعليل لبيان ذلك.

(واعلموا أنّه لن يؤمن عبد من عبيده حتّى يرضى عن اللّه) .

كأنّه أراد بالإيمان الفردا الكامل منه؛ ضرورة أنّ من لم يبلغ مرتبة الرضا لم يخرج عن أصل الإيمان(4). (فيما صن(5). إليه) من المحبوب (وصنع به) من المكروه. قال الفيروزآبادي: «صنع إليه معروفاً _ كمنع _ صُنعاً بالضمّ، وصنع به صَنيعاً قبيحاً: فعله، والشيء صنعاً بالفتح والضمّ: عمله(6). . انتهى.

فقوله عليه السلام : (على ما أحبّ وكره) نشر على ترتيب اللفّ، ويفهم منه أنّه لابدّ في كمال الإيمان من الرضا بالمحبوب والمكروه، كالصحّة والسقم، والغنى والفقر، وأمثالها على تفاوت درجاتها.

ص: 117


1- كذا
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 25، ص 17
3- المائدة (7): 27
4- في الحاشية: «العائد إلى الموصول وهو المفعول الأوّل محذوف، محبوب إن عدّي الثاني بإلى، ومكروه إن عدّي بالباء في الأغلب، وقد يقوم كلّ منهما مقام الآخر كما يجى ء. صالح». شرح المازندراني، ج 11، ص 163
5- في كلتا الطبعتين: + «اللّه »
6- القاموس المحيط، ج 3، ص 52 (صنع)

وقوله: (ولن يَصنع اللّه بمن صبر ورَضي عن اللّه إلّا ما هو أهله، وهو خير له) أي من خلافه؛ لأنّه تعالى عالم بمصالح العبد، فإن أغناه كان خيراً له، وإن أفقره كان خيراً له، وعلى هذا القياس جميع الأحوال المتضادّة.

وقيل: فيه دلالة على أنّ الخيريّة مشروطة بالرضا والصبر، وإلّا فجرت عليه مقادير اللّه، وهو محروم عن أجر الصابرين(1).

والظاهر أنّ قوله: (ممّا أحبّ وكره(2). بيان للموصول في قوله: «ما هو أهله».

(وعليكم بالمحافظة على الصلوات) بإيقاعها في أوقاتها المقررّة بشرائطها المعتبرة. وفي بعض النسخ: «على الصلاة». ( «وَالصَّلَاةِ الْوُسْطى» ) أي الواقعة في الوسط بينها، أو الفُضلى منها. وفي تعيّنها أقوال، والمشهور أنّها صلاة العصر .

وقيل: لعلّ السرّ في إخفائها هو الترغيب في محافظة جميعها (3).

«وَقُومُوا لِلّهِ قانِتيِنَ» .

قيل: يعني في قنوت الصلاة (4).

والمشهور استحبابه، وظاهر الصدوق وجوبه مطلقاً، وابن ابي عقيل في الجهريّة (5). وقيل: المراد به مطلق الذكر والدعاء والخضوع(6). قال الجوهري: «القنوت: الطاعة» (7). (كما أمر اللّه به المؤمنين في كتابه) في سورة البقرة.

(من قبلكم وإيّاكم) يحتمل كسر الميم وفتحها .

وفيه دلالة على أنّ خطاب القرآن يشمل الحاضر والغائب عند النزول من باب التغليب،

ص: 118


1- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 163
2- في الحاشية: «وتعلّقه بخير بعيد من حيث المعنى، ويؤيّده أنّه وقع «فيما» بدل «ممّا» في بعض النسخ. صالح». شرح المازندراني، ج 11، ص 163
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 16
4- القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 16 . وراجع: الخلاف للطوسي ، ج 1 ، ص 295 ، ذيل المسألة 4
5- اُنظر: الخلاف ، ج 1 ، ص 295 ؛ المعتبر ، ج 2 ، ص 243 ؛ منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 299 ، المسألة 30 ؛ كشف اللثام ، ج 4 ، ص 146 ؛ رياض المسائل ، ج 3 ، ص 485 و486 ؛ تفسير البيضاوي ، ج 1 ، ص 53
6- اُنظر: شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 16
7- الصحاح ، ج 1 ، ص 261 (قنت

ومنهم من خصّه بالأوّل وأجرى الحكم في الثاني بالإجماع (1).

(وعليكم بحبّ المساكين) (2).

الحُبّ بالضمّ ويكسر: الوداد، وهو ميل القلب . قال الفيروزآبادي: «المسكين ، وتفتح ميمه: من لا شيء له، أو له ما [لا] يكفيه، والذليل والضعيف. الجمع: مساكين» . (3)

وقيل: تخصيص المساكين بالذكر _ مع أنّ الحبّ مطلوب لجميع المسلمين _ زيادة للاهتمام بحالهم، أو للكشف والإيضاح؛ فإنّ المسلمين _ وهم المؤمنون _ كلّهم مساكين في دولة الباطل على تفاوت درجاتهم، ومن المحبّة أن تحبّ لهم ما تحبّ لنفسك، وتكره لهم ما تكره لنفسك (4).

(فإنّه من حقّرهم) .

يقال: حَقَرَه حَقْراً كضربه ضرباً، وحقّره تحقيراً، إذا أذلّه واستضعفه وصغّره (5).

(وتكبّر عليهم) أي تجبّر وتعظّم ، وأظهر شرفه ورفعته عليهم .

(فقد زلّ عن دين اللّه) أي عن أصله وكماله. قال الفيروزآبادي: «زللتُ تزلّ ، وزللت _ كمللت _ زَلِقت في طين أو منطق» (6).

(واللّه له حاقر ماقت) أي مُبغض ، يفعل به ما يوجب ذُلّه وإهانته، ويعاقبه ويسلب عنه رحمته(7).

(وقد قال أبونا) إلى قوله: (والمَحقرة) بفتح الميم والقاف، أي الذلّة والصغار، وفعله كضرب وكرم . (حتّى يَمْقُته الناس) مطلقاً؛ لأنّ المتكبّر والفاسق أيضاً يذمّان من كان بصفتهما ويمقتانه، أو يراد بهم الأنبياء والأوصياء والصلحاء .

ص: 119


1- في الحاشیة عن شرح المازندراني: هر کسی را لقب مکن مومن ***گر چه از سعی جان و تن کاهد تا نخواهد برادر خود را *** آنچه از بهر خویشتن خواهد
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 16
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 235 (سكن)
4- قاله المحقق المازندرانی رحمة الله فی شرحه ج 11 ص 163
5- ويجوز فيه عند العلّامة المجلسي رحمه الله التخفيف والتشدي
6- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 389 (زلل)
7- في الحاشية: «وقد كرّر الأمر بحبّ مساكين المسلمين ؛ لأنّهم عياله وعيال اللّه وغرباء فقراء في هذه الدار ، فاقتضى المقام المبالغة فيه؛ لشدّة الاهتمام والاغتمام بحالهم . صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 16

وقوله: (فإنّ لهم عليكم حقّاً أن تُحبّوهم ) بفتح الهمزة، بيان لقوله: «حقّاً».

وقوله: (وهو من الغاوين) أي الذين أوعد اللّه عليهم النار بقوله: «فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ» (1).

قال الجوهري: «الغيّ: الضلال والخيبة [أيضا] ، وقد غوى _ بالفتح _ يغوي غَيّاً وغواية، فهو غاو وغوّ» (2).

(وإيّاكم والعظمةَ والكبرَ) .

العطف للتفسير، أو العظمة عبارة عن اعتبار كمال ذاته وصفاته، والكبر عبارة عمّا ذُكر مع اعتبار فضله على الغير .

(فإنّ الكبر رداء اللّه عزّ وجلّ) .

قيل: شبّه الكبر _ وهو العظمة بحسب الذات والصفات والرفعة على الغير من جميع الجهات _ بالرداء في الإحاطة والشمول ، وهي موجودة في المشبّه تخييلاً ، وفي المشبّه به تحقيقاً ، أو في الاختصاص ؛ لأنّ رداء كلّ شخص مختصّ به لا يشاركه غيره ، والمقصود من هذا التشبيه إخراج المعقول إلى المحسوس لقصد الإيضاح والإفهام (3).

وقال الجزري: في الحديث : «قال اللّه تعالى: العظمة إزاري ، والكبرياء ردائي» ضرب الرداء والإزار مثلاً في انفراده بصفة العظمة والكبرياء ، أي ليستا كسائر الصفات التي قد يتّصف بها الخلق مجازاً كالرحمة ، وشبّههما بالإزار والرداء ؛ لأنّ المتّصف بهما يشملانه كما يشمل الرداء الإنسان ، ولأنّه لا يشركه في إزاره ورداءه أحد ، فكذلك اللّه تعالى لا ينبغي أن يشركه فيهما أحد (4).

(فمن نازع اللّه رداءه قَصَمه اللّه وأذلّه يوم القيامة) .

في بعض الأخبار: «إنّه يجعل في صورة الذرّ، يتوطّاه الناس حتّى يفرغ اللّهمن الحساب» (5).

ص: 120


1- الشعراء (26) : 9
2- الصحاح ، ج 6 ، ص 2450 (غوى)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 16
4- النهاية ، ج 1 ، ص 44 (أزر)
5- ثواب الأعمال ، ص 222. وراجع أيضا : روضة الواعظين ، ج 2 ، ص 382 ؛ مجموعة ورّام ، ج 1 ، ص 19

قال الجوهري: «نازعته منازعة ، إذا جاذبته في الخصومة ، وبينهم نزاعة ، أي خصومه في حقّ» (1).

وقال : «قصمت الشيء قَصْماً، إذا كسرته حتّى يَبين» (2).

(وإيّاكم أن يَبغ)(3). بعضكم على بعض) .

في القاموس: «بغى عليه بَغياً: علا وظلم ، وعدل عن الحقّ ، واستطال وكذب» (4).

(فإنّها) أي البغي .

والتأنيث باعتبار الخصلة والصفة ، كما يشعر به قوله: (ليست من خصال الصالحين) أي خصلتهم الفاضلة وصفتهم الكاملة .

وقوله : (صيّر اللّه بَغيَه عليه)(5). أي يعود ضرره إليه (6).

وقوله : (وإيّاكم أن يحسد بعضكم بعضاً؛ فإنّ الكفر أصلُه الحسد) لأنّ الكفر نشأ أوّلاً من إبليس بإنكار السجود لآدم ، ومنشأه الحسد ، وكذا أكثر أفراد الكفر ينشأ من الحسد على من فضّل اللّه عليه ، وأوجب متابعته كما كفر الثلاثة بإنكار ولاية أمير المؤمنين عليه السلام وغصب خلافته ، ومن ثمّ قيل : الحاسد كافر باللّه العظيم ؛ لنسبة الجور إليه سبحانه في القسمة ، وكافر بنعمته لتحقيرها ، وكافر بمخالفة الأمر بترك الحسد ، ومفاسد الحسد أكثر من أن تُحصى .

وروى المصنّف رحمه الله بإسناده عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : «إنّ الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار الحَطَب» (7).

(وإيّاكم أن تُعينوا على مسلم) أي على ضرره بإيصال الأذى إليه ، أو بترك نصرته . يقال: أعانه، أي نصره ، وأعان عليه ، أي واضّربه .

وقيل: قوله: (إنّ دعوة المسلم المظلوم مُستجابة) دلّ على جواز الدعاء على الظالم ؛ لأنّ

ص: 121


1- الصحاح ، ج 3 ، ص 1289 (نزع)
2- الصحاح ، ج 5 ، ص 2013 (قصم)
3- في الحاشية: «وأصل البغي المجاوزة عن الحدّ . صالح ». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 16
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 304 (بغي)
5- كذا. وفي كلتا الطبعتين والمتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «على نفسه» بدل «عليه»
6- في الحاشية : «كما قال اللّه تعالى : «يا أيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ» [يونس (10): 23]. صالح» . شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 16
7- الكافي ، ج 2 ، ص 306 ، باب الحسد ، ح 2 ؛ وج 4 ، ص 89 ، باب أدب الصائم ، ح 9

التحذير من قبوله إقرار له ، وقد وقع الأمر بالدعاء عليه في بعض الأخبار ، ولا فرق في ذلك بين من عمّ ظلمه أو خصّ بواحد ، ولا [بين] من يكون ظلمه متجاوزاً عن الحدّ ومن لا يكون كذلك ، ولا بين من يكون الظالم مؤمناً أو كافرا ، إلّا أنّ الاُولى ترك الدعاء على الظالم المؤمن _ عمّ ظلمه أو لا _ لأنّه أوفر للأجر (1).

(وإيّاكم وإعسار أحد من إخوانكم المسلمين) .

في بعض النسخ: «المؤمنين» .

قال الفيروزآبادي : «العُسر بالضمّ وبضمّتين وبالتحريك : ضدّ اليُسر، وأعسر : افتقر ، وعسر الغريم يَعسره : طلب منه على عُسرة كأعسره »(2).

(ومن أنظر معسراً أظلّه اللّه بظلّه) أي بظلّ عرشه ، أو بظلّ رحمته مجازاً شبّهها بالظلّ في نجاة من استقرّ فيها من حرّ الشدائد ، واستعار لها لفظه .

والظاهر أنّ قوله عليه السلام : (وحبس حقوق اللّه قِبلكم) أعمّ من الحقوق الواجبة والمندوبة .

وفي قوله : (فإنّه من عجّل حقوقَ اللّه) إلخ ، دلالة على أنّ تعجيل حقوق اللّه والمبادرة إليها سبب لازدياد الرزق ؛ فإنّ «مَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ» (3).

والموصول في قوله: (فأدّوا إلى اللّه حقّ ما رزقكم) عبارة عمّا أنعم اللّه على العبد من النعماء الظاهرة والباطنة ، وأداء حقّ ذلك فهو الطاعة والشكر سبب لبقاء الواصل ووصول غير الحاصل ، قال اللّه عزّ شأنه : «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ(4). ، وإليه أشار عليه السلام بقوله: (يطيّب [اللّه ]لكم بقيّته) إلى قوله : (إلّا اللّه ربّ العالمين) .

«يطيّب» بتشديد الياء مجزوم على أنّه جواب الأمر ، ويحتمل كونه بتخفيف الياء من الإطابة ، قال الجوهري : «الطيّب : خلاف الخبيث ، وطاب الشيء يطيب طيبة ، وأطابه غيره، وطيّبه» (5).

وفي القاموس : «نجز كفرح ونصر : انقضى وفنى ، والوعد : حضر ، والكلام : انقطع ، ونجز حاجته : قضاها، كأنجزها »(6).

ص: 122


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 16
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 88 (عسر)
3- الطارق (65) : 2 و
4- إبراهيم (14) :
5- الصحاح ، ج 1 ، ص 173 (طيب) مع التلخي
6- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 193 (نجز)

(وقال: اتّقوا اللّه أيّتها العصابة ، وإن استطعتم أن لا يكون منكم مُحرج الإمام) بالحاء المهملة .وجواب «إن» محذوف ، أي فافعلوا . وقيل : لا يبعد أن يكون في الأصل : ما استطعتم ، ولعلّه هو الصواب (1). انتهى .

قال الجزري : «أحرجه: أوقعه في الحرج» (2).

وقال الجوهري : «التحريج : التضييق ، وأحرجه إليه : ألجأه» (3).

ولعلّ المراد بمحرج الإمام من يجعله مضطرّاً إلى شيء لا يرضى به ، كما يفهم من قوله عليه السلام : (فإنّ مُحرج الإمام هو الذي يَسعى بأهل الصلاح).

قال الجوهري : «سعى به إلى الوالي ، إذا وشى به ، أي نقل أمره إليه ، ونمّه ، وذمّه عنده ليؤذيه» (4).

وقوله : (من أتباع الإمام) بفتح الألف بيان لأهل الصلاح .

وقوله : (المسلّمين لفضله) صفة لهم .

وكذا قوله : (الصابرين على أداء حقّه) .

وقوله : (العارفين بحُرمته) الضمائر المجرورة للإمام .

(واعلموا أنّه من نزل بذلك المَنزل) أي منزل السعاية (عند الإمام، فهو)؛ أي ذلك النازل (مُحرج الإمام)؛ أي مُلجِؤُه إلى ما سيذكر من لعن أهل الصلاح ، وإليه أشار بقوله : (فإذا فعل ذلك عند الإمام أحرج الإمام) إلخ .

و«الإمام» في قوله : (فإذا لعنهم لإحراج أعداء اللّه الإمامَ) فاعل اللعن ومفعول الإحراج على التنازع .

ويحتمل أن يكون فاعل «لعنهم» الضمير المستتر فيه العائد إلى الإمام، وإضافة الإحراج إلى أعداء اللّه من إضافة المصدر إلى الفاعل ، والمراد بهم الساعون بأهل الصلاح إلى الإمام ، أو إلى الجائر على احتمال سنذكره .

(صارت لعنتُه) أي لعنة الإمام .

ص: 123


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه اللهفي مرآة العقول ، ج 11 ، ص 16
2- النهاية ، ج 1 ، ص 361 (حرج)
3- الصحاح ، ج 1 ، ص 306 (حرج)
4- الصحاح، ج 6، ص 2377 (سعى)

(رحمة من اللّه عليهم) أي على أهل الصلاح المذكورين .

(وصارت اللعنة من اللّه ومن الملائكة ورسله على اُولئك) الساعين .

والحاصل ما ذكره بعض المحقّقين أنّه عليه السلام بيّن المُحرج بأنّه هو الذي يذمّ أهل الصلاح عند الإمام، ويشهد عليهم بفساد، وهو كاذب في ذلك، فيثبت ذلك بظاهر حكم الشرع عند الإمام، فيلزم الإمام أن يلعنهم، فإذا لعنهم وهم غير مستحقّين لذلك تصير اللعنة عليهم رحمة لهم، وترجع اللعنة إلى الواشي الكاذب الذي ألجأ الإمام إلى ذلك .

أو المراد أنّه ينسب الواشي إلى أهل الصلاح عند الإمام شيئاً بمحضر جماعة يُتّقى منهم الإمام، فيضطرّ [الإمام] إلى أن يلعن من نُسب إليه ذلك تقيّة .

ويحتمل أن يكون المراد أنّ محرج الإمام هو من يسعى بأهل الصلاح إلى أئمّة الجور ، ويجعلهم معروفين عندهم بالتشيّع ، فيلزم أئمّة الحقّ لدفع الضرر عن أنفسهم وعن أهل الصلاح أن يلعنوهم ويتبرّؤوا منهم ، فتصير اللعنة إلى الساعين وأئمّة الجور معاً ، وعلى هذا المراد بأعداء اللّه أئمّة الجور .

هذا ، ولكن قوله عليه السلام : «فإذا فعل ذلك عند الإمام» إلخ ، يؤيّد المعنى الأوّل كما لا يخفى (1).

(واعلموا أيّتها العصابة أنّ السنّة من اللّه قد جرت في الصالحين قبلُ) كان اللام في السنّة للعهد ، أي جرت فيهم السنّة بالامتحان والاختبار بأن يسعى بهم أهل الجور ، فيلعنهم الناس ، ويؤذونهم ، فإذا لُعنوا صارت تلك اللعنة عليهم رحمة .

ويحتمل أن يراد ما يعمّ ذلك وغيره من وجوه الامتحان ؛ لكونهم مشهورين مرغوبين ، والغرض أنّ تلك السنّة كما جرى فيهم كذلك يجري فيكم سنّة اللّه في الذين خلوا من قبل ، و «لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللّهِ تَبْدِيلاً» (2).

(وقال: من سرّه أن يَلقى اللّه وهو مؤمن حقّاً حقّاً) تأكيد لمضمون الجملة المتقدّمة ، أي أحقّه حقّاً ، والتكرير للتأكيد ؛ أو صفة لمصدر ، أي إيماناً حقّاً .

(فليتولّ اللّه ورسوله والذين آمنوا) . يقال : تولّاه ، أي اتّخذه وليّاً .

ص: 124


1- راجع : شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 166 و167 ؛ مرآة العقول ، ج 25 ، ص 29 و3
2- الأحزاب (33) : 62 ؛ الفتح (48) : 2

ولعلّ المراد بالذين آمنوا أمير المؤمنين وسائر الأئمّة عليهم السلام (1).

(وليبرأ إلى اللّه من عدوّهم ، ويُسلّم) .

في بعض النسخ : « وليسلّم» . والتسليم: الرضا. وقيل: أراد هنا التصديق الجازم (2).

(لما انتَهى إليه من فضلهم) .

المستتر في «انتهى» راجع إلى «من» ، وضمير «إليه» راجع إلى «ما» ، و«مِن» بيان لما ، أي للذي وصل وبلغ إليه من فضلهم ، وإن لم يعرف حقيقته.

(لأنّ فضلهم لا يبلغه ملك مقرّب، ولا نبيّ مرسل، ولا مَن دون ذلك) تعليل للتسليم .

وفي بعض النسخ : «ولا مؤمن دون ذلك».

و«دون» بمعنى غير ، أو نقيض فوق .

و«ذلك» إشارة إلى ما ذكر من الملك والنبي .

وفي هذا الكلام دلالة على أنّ أصل الإيمان إنّما يتحقّق بالاُمور الثلاثة ، وأنّ البراءة من عدوّهم من جملة اُصول الإيمان ، وأنّ فضلهم البالغ إليه يجب تسليمه وتصديقه ، وإن كان في الكمال بحيث يستبعده العقول ؛ فإنّ ما بلغ إليه منهم كالقطرة من بحار فضلهم ، ولا يدرك كنهه إلّا اللّه عزّ وجلّ .

والاستفهام في قوله: (أ لم تسمعوا ما ذكر اللّه) للتقرير والتحقيق .

وقوله : (من فضل أتباع الأئمّة الهداة) بيان للموصول، ووصف الأئمّة بالهداة إمّا تقييد لإخراج أئمّة الضلال، أو المدح .

(وهم المؤمنون) .

الضمير لأتباع الأئمّة ، وتعريف المسند للحصر .

(قال) أي قال اللّه عزّ وجلّ في سورة النساء في فضل أتباع الأئمّة : «وَمَنْ يُطِعِ اللّهَ

ص: 125


1- قال المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 167 : «وفيه دلالة على أنّ أصل الإيمان لا يتحقّق بدون اُمور أربعة ، وأنّ البراءة من عدوّهم جزء منه، كما دلّ عليه غيره من الأخبار» . لاحظ على سبيل المثال قول أبي الحسن الرضا عليه السلام في كتابه إلى المأمون حيث قال : «وحبّ أولياء اللّه _ عزّ وجلّ _ واجب ، وكذلك بغض أعدائهم والبراءة منهم ومن أئمّتهم ». والأصرح منه قول الرسول صلى الله عليه و آله في ولاية أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام هكذا : «ولا يقبل اللّه إيمان عبد إلّا بولايته والبراءة من أعدائه» . ونحوهما كثير في الأخبار الصادرة عنهم عليهم السلام . راجع : عيون الأخبار ، ج 2 ،ص 124 ، الباب 35 ، ح1 ؛ الأمالي للصدوق ، ص138 ، المجلس 28 ، ح
2- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 16

وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ» .

«اُولئك» إشارة إلى الموصول، ويظهر من هذا الحديث أنّ المراد بهم أتباع الأئمّة عليهم السلام .

«مِنَ النَّبِيِّينِ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ» .

قال البيضاوي : «مِن» بيان للموصول حال منه ، أو من ضميره ، قسّمهم أربعة أقسام بحسب منازلهم في العلم والعمل، وحثّ كافّة الناس [على ]أن لا يتأخّروا عنهم ، وهم الأنبياء الفائزون بكمال العلم والعمل ، المتجاوزون حدّ الكمال إلى درجة التكميل ، ثمّ الصدّيقون الذين صعدت نفوسهم تارة بمراقي النظر في الحجج والآيات ، واُخرى بمعارج التصفية والرياضات إلى درج العرفان حتّى اطّلعوا على الأشياء ، وأخبروا عنها على ما هي عليه، ثمّ الشهداء الذين أدّى بهم الحرص على الطاعة ، والجدّ في إظهار الحقّ حتّى بذلوا مهجهم في إعلاء كلمة اللّه ، ثمّ الصالحون الذين صرفوا أعمارهم في طاعته، وأموالهم في مرضاته. «وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً(1). في معنى التعجّب ، و«رفيقاً» نصب على التمييز ، أو الحال ، ولم يجمع ؛ لأنّه يقال للواحد والجمع كالصدّيق ، أو لأنّه اُريد : وحسن كلّ واحد منهم رفيقاً . انتهى (2).

وقيل : الفَرق بين الفِرَق الأربعة أنّ كلّ لاحق أعمّ مطلقاً من السابق إن اُريد بالشهداء الشهداء في العباد ، وأمّا إن اُريد بهم الشهداء في الجهاد فالنسبة بينهم وبين من قبلهمأعمّ من وجه ، ويمكن أن يراد بالثلاثة الأخيرة الأئمّة ، وذكر هذه الصفات للدلالة على اتّصافهم بها (3).

وسيجيء تفسير آخر لهذه الآية إن شاء اللّه تعالى .

(فهذا وجه من وجوه فضل أتباع الأئمّة) .

«أتباع» بصيغة الجمع، واحتمال كونه بصيغة المصدر بعيد .

والوجه: الجهة والطريق والجانب والناصية ؛ يعني أنّ لهم فضائل كثيرة، وما ذكره فضل واحد من فضائلهم.

(فكيف بهم وفضلهم) .

ص: 126


1- النساء (4) : 6
2- تفسير البيضاوي، ج 2، ص 214 و215 (مع التلخيص)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 16

هذا كالنتيجة للسابق ، والاستفهام للإنكار ، يعني إذا كان ما ذكر من جملة فضائلهم ، فكيف يمكن البلوغ إلى إدراك كنه ذواتهم ، والإحاطة بحقيقة صفاتهم ورفعة درجتهم ؟ !(ومن سَرّه أن يُتمّ اللّه له إيمانه) .

الظاهر أن يراد بالإتمام الإكمال ، يشعر به قوله : (حتّى يكون مؤمناً حقّاً حقّاً) فيدلّ على أنّ الإيمان هو التصديق بالوَلايات الآتية ، والأعمال خارجة عنه وشروط لكماله ، كما يستفاد من الأخبار الكثيرة .

(فليف للّه) .

في بعض النسخ: «فليتّق اللّه».

(بشروطه الّتي اشترطها على المؤمنين) .

في القاموس: «الشرط: إلزام الشيء ، والتزامه في البيع ونحوه كالشريطة، واشترط عليه شرط» . انتهى (1).

ثمّ بيّن عليه السلام شروط الإيمان وقال : (فإنّه قد اشترط مع وَلايته وولاية رسوله وولاية أئمّة المؤمنين).

قال الجوهري : الوِلاية بالكسر : السلطان ، عن ابن السكّيت : الوِلاية والوَلاية : النصرة .

وقال سيبويه : الوَلاية _ بالفتح _ المصدر، والوِلاية _ بالكسر _ الاسم ، مثل الإمارة والنقابة ؛ لأنّه اسم لما تولّيته وقمت به ، فإذا أرادوا المصدر فتحوا (2).

وأقول : لعلّ المراد بالولاية هنا محبّتهم والإذعان بكونهم أولى بالتصرّف في اُمور الدين والدنيا .

(إقامَ الصلاة) .

عوّض فيه الإضافة من التاء المعوّضة عن العين الساقطة بالإعلال .

(وإيتاء الزكاة) أي ما يجب إخراجه من المال للمستحقّين .

(وإقراضَ اللّه قرضاً حسناً) .

يقال : أقرضه ، أي أعطاه قرضاً .

ص: 127


1- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 368 (لزم
2- الصحاح ، ج 6 ، ص 2530 (ولي)

وقال البيضاوي في تفسير قوله تعالى : «مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً(1).

:أي إقراضاً حسناً مقروناً بالإخلاص وطيب النفس ، أو مُقْرَضاً حلالاً طيّباً .

وقيل : القرض : الحسن بالمجاهدة والإنفاق في سبيل اللّه (2). انتهى .

وروي أنّ الآية نزلت في صلة الإمام خاصّة (3).

ولعلّ المراد أنّها نزلت قصداً وبالذات فيها ، فلا ينافي عمومها .

وقيل : إنّما سمّي ذلك قرضاً ؛ لأنّ الفاعل يأخذ العوض ، وهو الأجر الجزيل والثواب الجميل منه تعالى (4).

(واجتنابَ الفواحش ما ظهر منها وما بطن) إشارة إلى قوله تعالى : «قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ(5). الآية. وقوله: «وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ(6). الآية .

والفاحشة : الزنا ، وما يشتدّ قبحه من الذنوب ، وكلّ ما نهى اللّه تعالى عنه ، وقد مرّ تفسير مثله .

(فلم يبق شيء ممّا فُسّر) على البناء للمفعول .

قال الفيروزآبادي : «الفَسر : الإبانة وكشف المغطّى ، كالتفسير ، والفعل منه كضرب ونصر» (7).

وقوله : (ممّا حرم اللّه) بيان للموصول ، واحتمال كونه بياناً لشيء بعيد (8).

(إلّا وقد دخل في جملة قوله) أي في الفواحش .

فقوله : «واجتناب الفواحش» يشمل اجتناب جميع المحرّمات .

ص: 128


1- البقرة (2) : 245 ؛ الحديد (57) : 1
2- تفسير البيضاوي ، ج 1 ، ص 53
3- رواه المصنّف رحمه الله في الكافي ، ج 1 ، ص 537 ، باب صلة الإمام عليه السلام ، ح 2 . وعنه في تأويل الآيات ، ص 633 ؛ وبحار الأنوار ، ج 24 ، ص 27
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه اللهفي شرحه ، ج 11 ، ص 16
5- الأعراف (7) : 3
6- الأنعام (6) : 15
7- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 110 (فسر)
8- هذا ، وقال المحقّق المازندراني رحمه الله : «والأوّل [أي كونه بيانا للموصول] أظهر ، والثاني [أي كونه بيانا لشيء ]أشمل، والمراد بالجملة على الأوّل الفواحش ؛ يعني أنّ هذا المجمل شامل لجميع المحرّمات في الآيات والروايات . وعلى الثاني إقام الصلاة إلى آخره ؛ فإنّه شامل لجميع الطاعات أيضا»

(فمن دانَ اللّه) أي عبده .

(فيما بينه وبين اللّه) أي مُختفياً وسرّاً ، ومع قطع النظر عن غيره ، والثاني أنسب بقوله : (مخلصاً للّه) ، لا يشرك في عمله غيره ، ولا يبتغي به سواه .

وقيل : معنى قوله : «فيما بينه وبين اللّه» في الدين الذي بينه وبين اللّه، لا في دين الرأي والقياس (1). ولا يخفى بُعده .

(ولم يُرخّص لنفسه في ترك شيء من هذا) أي ممّا ذكر من الولايات وشروطها .

والرُخصة في الأمر : خلاف التشديد ، ورخّص له في كذا ترخيصاً ، أي لم يستقص .

(فهو عند اللّه في(2). حزبه) أي في جنده وأنصار دينه . قال الجوهري : «حزب الرجل : أصحابه ، والحِزب : الطائفة ، وتحزّبوا : تجمّعوا» (3).

(الغالبين) . قيل : أي على النفس الأمّارة بالكسر ، أو على المذاهب الباطلة بالحجّة ، أو على الأعداء بالغلبة ، وهم حزب الإمام المنتظر ، أو الأعمّ منهم ومن حزب الأنبياء والرسل (4).

ومعنى قوله : (إلى هاهنا رواية القاسم بن الربيع) أنّ ما يذكر بعده لم يكن في رواية القاسم ، بل كان في رواية حفص المؤذّن وإسماعيل بن جابر .

وقيل: إنّما لم يقل : إلى هنا رواية إسماعيل بن مَخْلَد ؛ لأنّه لو قال ذلك يفهم أنّه لم يرو الباقي ، وذلك غير معلوم لجواز روايته ، وعدم نقله للقاسم ، أو نقله له ، واختصار القاسم على القدر المذكور . (5)

والظاهر أنّ قوله : (يعني المؤمنين قبلكم) من تتمّة الرواية بطريق حفص وإسماعيل ، وأنّه بيان وتفسير للآية السابقة .

وما قيل : الظاهر أنّه من كلام المصنّف لتفسير الآية المذكورة ، (6) فبعيد جدّاً .(إذا نسوا شيئاً ممّا اشترط اللّه في كتابه) إلى قوله : (ولم يعودوا إلى تركه) .

الظاهر أنّ المراد بالنسيان هنا الترك، كما يدلّ عليه قوله عليه السلام : (عرفوا أنّهم قد عصوا اللّه) إلخ .

ص: 129


1- هو الاحتمال الثاني عند المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 169
2- في الحاشية عن بعض النسخ: «من»
3- الصحاح ، ج 1 ، ص 109 (حزب) مع التلخي
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 16
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 16
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 16

فلا يرد أنّ النسيان لا يعدّ عصياناً ، وفسّره به أبو جعفر عليه السلام في قوله تعالى : «وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً» (1).

وقال الجوهري : النسيان بكسر النون : خلاف الذكر والحفظ ، وقد نسيت الشيء نسياناً، والنسيان : الترك ، قال اللّه تعالى : «نَسُوا اللّهَ فَنَسِيَهُمْ»(2). ، وقوله : «وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ(3). (4).

(فذلك معنى قول اللّه) .

قال اللّه تعالى في سورة آل عمران : «وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَا اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى مَا فَعَلُوا» .

قال الجوهري : «أصرّ على الشيء ، إذا أقام ودام» (5).

وقال البيضاوي : «أي ولم يقيموا على ذنوبهم غير مستغفرين لقوله صلى الله عليه و آله : ما أصرّ من استغفر، وإن عاد في اليوم سبعين مرّة» (6).

«وَهُمْ يَعْلَمُونَ(7). حال من «يُصرّوا»، أي ولم يصرّوا على قبيح فعلهم عالمين به (8).

وقوله : (أكبّه اللّه على وجهه في النار) .

قال الفيروزآبادي : «كبّه : قلبه وصَرعه ، فأكبّ وهو لازم متعدّ» (9).

وقال الجوهري : كبّه [اللّه ] لوجهه ، أي صرعه ، فأكبّ هو على وجهه ، وهذا من النوادر أن يقال : أفعلتُ أنا ، وفعلتُ غيري ، يقال : كبّ اللّه عدوّ المسلمين ، ولا يقال : أكبّ (10).

انتهى ، فتأمّل .

(واعلموا أنّه ليس بين اللّه وبين أحد من خلقه ملك مقرّب) إلى قوله : (ولا قوّة إلّا باللّه) أي لا

ص: 130


1- طه (20) : 11
2- التوبة (9) : 6
3- البقرة (2) : 23
4- الصحاح، ج 6، ص 2508 (نسا) مع التلخيص
5- الصحاح ، ج 2 ، ص 579 (صرر)
6- تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 94 . وراجع : سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 339 ، ح 1541 ؛ سنن الترمذي ، ج 5 ، ص 218 ، ح3631 ؛ السنن الكبرى ، ج 10 ، ص 18
7- آل عمران (3) : 13
8- راجع : تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 9
9- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 121 (كبب)
10- الصحاح ، ج 1 ، ص 207 (كبب)

يتوسّط أحد في شفاعة غيره بينه وبين اللّه ، لا ملك مقرّب ، ولا نبيّ مرسل، ولا غيرهم توسّطاً بدون الطاعة ، بل توسّطهم في ذلك مشروط بها .

وفيه ترغيب لكلّ أحد في طاعة اللّه بأنّ كلّ من توسّط بين اللّه وبين خلقه كان توسّطه بحسب طاعته له، فينبغي أن يجتهد فيها كمال الجدّ ليبلغ كمال درجة الإيمان .

ثمّ اعلم أنّ الظاهر أنّ «ملك» بالرفع اسم «ليس» ، و«من خلقه» بيان لأحد ، والظرف متعلّق بليس ، والخبر محذوف ، أي متوسّطا أو وسيلة .

وقيل : الأظهر أنّ «ملك» بدل «من الخلق» ، وأنّ اسم «ليس» محذوف ، أي ليس بين اللّه وبين أحد من الخلائق شيء نافع إلّا الطاعة (1). وفيه ما فيه .

(وقال : وعليكم بطاعة ربّكم ما استطعتم) .

قيل: أمر عليه السلام في هذا الحديث بطاعة الربّ مكرّراً لاقتضاء المقام المبالغة فيه ؛ لأنّ القائل بالحقّ قليل ، واللسان عن الصدق كليل ، والناس معتكفون على العصيان ، وراغبون في المعصية والطغيان (2).

(فإنّ اللّه) المستجمع لجميع صفات الكمال ، القادر القاهر (ربّكم) أخرجكم من ظلمات العدم ، وأفاض عليكم نور الوجود وتوابعه من الكمالات ، وربّاكم في جميع الحالات ، وكلّ ذلك يقتضي الطاعة له بقدر الاستطاعة .

(واعلموا أنّ الإسلام هو التسليم) أي الانقياد للّه _ عزّ وجلّ _ في أوامره ونواهيه ، والرضا بقضائه ، والمتابعة لرسوله فيما جاء به ، والإذعان لأئمّة الحقّ في جميع ما يصدر عنه ، وإن بعد عن الفهم ، وخفي وجهه .

والحاصل أنّ الإسلام ليس بمجرّد القول .

(والتسليم هو الإسلام) لعلّ المراد أنّهما متلازمان في الوجود ، ومتساويان في الصدق ، وفي تعريفهما باللام وتوسيط ضمير الفعل إيماء إلى اتّحاد الحقيقة ؛ يعني إن عرفت معنى الإسلام والتسليم وحقيقتهما ، فهذا ذاك ، لكن يمكن حمله على التأكيد والمبالغة في التلازم ، كما يفهم من قوله : (فمن سلّم فقد أسلم ، ومن لم يسلّم فلا إسلام له) ؛ فإنّ وجود اللازم

ص: 131


1- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 17
2- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 17

دليل على وجود الملزوم ، وعدمه على عدمه .

(ومن سرّه أن يبلغ إلى نفسه في الإحسان، فليطع اللّه) .

الإبلاغ : الإيصال ، كالتبليغ . يقال : أبلغ إليه شيئاً ، أي أوصل إليه .

وقيل : كلمة «في» هنا زائدة للتأكيد ، مثل «ارْكَبُوا فِيهَا» (1). أو هو كإلى متعلّق ب «يبلغ» بتضمين معنى الاجتهاد ، أو بمفعول مقدّر ، أي من سرّه أن يوصل إلى نفسه اجتهاداً في الإحسان ، فليطع اللّه في أوامره ونواهيه (2).

وقال بعض الأفاضل :

كان الإبلاغ هنا بمعنى المبالغة . يقال : بالغ في أمره ، أي اجتهد . وقوله : «إلى نفسه» متعلّق بالإحسان ، أي يبالغ ويجتهد في الإحسان إلى نفسه ، فهذا هو الظاهر بحسب المعنى ، ويؤيّده ما ذكر في الإساءة .

وفي تقديم معمول المصدر عليه إشكال ، ويجوز تأويله كما هو الشائع . ولعلّ التقديم والتأخير من النسّاخ .

ويحتمل أن يكون الإبلاغ بمعنى الإيصال ، أي أراد أن يوصل إلى نفسه أمراً كاملاً في الإحسان .

والأوّل أظهر ، والشائع في مثل هذا المقام «بلغ» من المجرّد . يقال: بلغ الكرم ، أي حدّ الكمال فيه (3).

وقوله : (وإيّاكم ومعاصي اللّه أن تَركبوها) أي تقترفوها .

قال الفيروزآبادي : «ركبه _ كسمعه _ ركوباً ومركباً : علاه ، كارتكبه ، والذنب : اقترفه ، كارتكبه» (4).

(وليس بين الإحسان والإساءة منزلة ... ) .

قال الفاضل الإسترآبادي :قد تواترت الأخبار عن الأئمّة الأطهار بأنّ الناس ثلاثة أصناف : منهم من هو تحت

ص: 132


1- هود (11) : 4
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه اللهفي شرحه ، ج 11 ، ص 17
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 2
4- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 75 (ركب) . وفي شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 171 : «أي تتّبعوها ، من ركبت الأثر إذا تبعته ، أو تعلوها بتشبيه المعصية بالدابّة في إيصال صاحبها إلى منزل الشقاوة ، ونسبة الركوب إليها مكنيّة وتخييليّة

المشيّة ، فالظاهر أنّ مراده عليه السلام أنّ الذي أبرم أمره قسمان (1).

انتهى ، فليتأمّل .

(واعلموا أنّه ليس يُغني عنكم) إلى قوله : (ولا من دون ذلك) .

قال الجزري : «أغن عنّي شرك ، أي أصرفه وكفّه ، ومنه «لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللّهِ شَيْئاً(2). (3).

انتهى ، أي لا يصرف ولا يكفّ عنكم أحد ممّن ذكر شيئاً من عقوبة اللّه إلّا برضاه عنكم ، ولم يذكر الاستثناء لظهوره وشيوعه في الآيات والأخبار ، كقوله تعالى : «وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَا لِمَنِ ارْتَضى(4). ، ولدلالة التفريع عليه ، وهو قوله : (فمن سرّه أن تنفعه شفاعة الشافعين عند اللّه فليطلب إلى اللّه) أي فليتضرّع إليه، أو فليرغب إليه .

قال الفيروزآبادي : «طلبه: حاول وجوده ، وطلب إليّ : رغب»(5).

(أن يَرضى عنه) .

قيل : المراد بطلب الرضا طلب وسيلة له ، وهي طاعة اللّه وطاعة رسوله وطاعة الإمام ؛ فإنّه إن صدر منه حينئذٍ ما يوجب سخط اللّه من ترك بعض الطاعات ، وفعل بعض المنهيّات [و] تدركه الرحمة والشفاعة بإذن اللّه لرضائه عنه من وجه آخر ، فاستحقّ بذلك قبولهما (6).

(واعلموا أنّ أحداً من خلق اللّه) إلى قوله : (ولم ينكر لهم فضلاً عظم ولا صغر) .

في بعض النسخ: «أو صغر» .

وقيل : المراد بالفضل العظيم ما لا يصل إليه الفهم ، ويستبعده العقل ، ولا يعرف حقيقته ، وبالصغير ما هو خلاف ذلك . والظاهر أنّ قوله : «ومعصيتهم» عطف على اسم «أنّ» ، وقوله : «ولم ينكر» على خبرها ، وفيه شَيء؛ لأنّ كثيراً من الناس أنكروا فضلهم ، بل نصبوا عداوتهم .

ص: 133


1- نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 171 ، ثمّ قال : «أقول : يريد أنّ الذي وقع الحتم فيه قسمان لا ثالث لهما ؛ لأنّه إمّا مقرّ بالولايات المذكورة متمسّك بشروطهما ، أو منكر لشى ء منها ، فالأوّل محسن ، والثاني مُسيء ، وأمّا المستضعف وهو من لم يقرّ ولم ينكر، فهو خارج عن المقسم ، فلا يرد أنّه قسم ثالث
2- الجاثية (45) : 19
3- النهاية ، ج 3 ، ص 392 (غنو)
4- الأنبياء (21) : 28
5- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 97 (طلب) مع التلخيص
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 172

ولعلّ المراد بعدم إنكار أحد عدم الإنكار ولو حين الاحتضار ؛ لدلالة بعض الروايات على أنّ المنكرين يعترفون بفضلهم حينئذٍ .أو المراد به العلم بفضلهم وإن لم يصدقوا به ، أو المراد أنّه ينبغي عدم إنكار فضلهم . أو المراد بالخلق الأنبياء والأوصياء وأهل المعرفة من الاُمم السابقة ومن هذه الاُمّة (1). انتهى .وأنت خبير بما في هذه التوجيهات من التكلّفات ، بل يحتمل أن يكون الواو في قوله: «ومعصيتهم» للاستئناف ، وفي قوله : «ولم ينكر» بالبناء للمفعول للعطف على «معصيتهم» .ويحتمل كونها للحال في الموضعين ، ومعنى «لم ينكر» أنّ فضلهم في غاية الوضوح عند كلّ أحد بحيث لا ينبغي أن ينكره ، كما قيل في قوله تعالى : «لَا رَيْبَ فِيهِ» (2). (واعلموا أنّ المنكرين هم المكذّبون) . لعلّ المراد بالإنكار عدم المعرفة كما في قوله تعالى : «فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ(3). ، ويكون الغرض أنّ عدم المعرفة أيضاً تكذيب .ويحتمل أن يراد به الجحود ، والمعنى أنّ منكر واحد من الأئمّة عليهم السلام ومنكر فضلهم مكذّب للّه ورسوله . (وأنّ المكذّبين هم المنافقون) الذين ذكرهم اللّه في كتابه ، وحكم بكفرهم .(وأنّ اللّه قال للمنافقين) في سورة النساء (وقوله الحقّ: «إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ(4). ) . قيل: هو الطبقة التي في قعر جهنّم . وقيل : توابيت من نار تطبق على أهلها .وقال بعض المفسّرين : «إنّما كانوا كذلك ؛ لأنّهم أخبث الكفرة، إذ ضمّنوا إلى الكفر استهزاء بالإسلام وخداعاً للمسلمين» (5).

ص: 134


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 17
2- البقرة (2) :
3- يوسف (12) : 5
4- النساء (4) : 14
5- راجع : تفسير جوامع الجامع ، ج 1 ، ص 455 ؛ تفسير مجمع البيان ، ج 3 ، ص 223 ؛ جامع البيان ، ج 5 ، ص 454 ؛ تفسير الثعلبي ، ج 3 ، ص 405 ؛ تفسير القرطبي ، ج 5 ، ص 425 ؛ تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 271 (ذيل الآية الشريفة

( «وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً» ) يخرجهم منه ، ويدفع عنهم العقوبة بالشفاعة وغيرها .

وقيل : فيه دلالة على خلودهم في النار (1). (ولا يَعرفنّ (2). أحد منكم ألزم اللّه قلبه طاعَتَه وخَشيته من أحد من الناس) .

في بعض النسخ : «ممّن» بدل قوله: «من الناس» .

ولعلّ قوله : «من أحد» متعلّق ب_ «لا يعرفنّ» على صيغة المجرّد المجهول المؤكّد بالنون الثقيلة أو الخفيفة ، والمراد بالناس المخالفون .

وقوله : «ألزم» صفة ل «أحد» ، والمراد به أهل الولاية ، أي لا يفعل أحد منكم عندهم ما يعرف به ويتميّز عنهم ، ففيه ترغيب في التقيّة ، ونهي عن تركها .

وقال بعض الأفاضل :

كأنّ قوله : «لا يعرفنّ» من باب التفعيل ، والمفعول الأوّل مقدّر ، أي لا يُعرّف أحد منكم نفسه أحداً من الناس، أي العامّة .

و«من» زائدة لتأكيد النفي ، أي لا تجعلوا أنفسكم معروفين عند المخالفين بالتشيّع ، أو المراد : لا تعرّفوهم دين الحقّ ؛ فإنّهم شياطين لا ينفعهم ذلك ، ويصل إليكم ضررهم .

أو بالتخفيف من المعرفة ، ويكون كناية عن المحبّة والمواصلة، أي ينبغي لكم أن لا تعرفوهم فضلاً عن أن تحبّوهم وتتّخذوهم أولياء .

وعلى هذا يحتمل أن لا تكون «من» زائدة ، بل ابتدائيّة ، أي لا تعرفوا ولا تتعرّفوا شيئا منهم ؛ فإنّهم يريدون إضلالكم (3). انتهى .

وفي بعض النسخ : «لا يفرقنّ» ، وكأنّه من الفَرق بمعنى الفصل والتمييز ؛ يقال : فرّقت بين الشيئين أفرق فَرقاً وفُرقانا ، أو من الفُرقة _ بالضمّ _ ضدّ الاُلفة .

وقيل : هو من الفَرَق بمعنى الخوف ، أي لا تخافوهم ؛ فإنّهم الشياطين ، و «إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً» (4). (5).

ص: 135


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 172
2- .في كلتا الطبعتين : «لا يفرقنّ»
3- القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 23
4- .النساء (4) : 76
5- قاله العلّامة المازندراني رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 24 . وفي حاشية النسخة : «لعلّ غرضه : لا تخافوا من إضلالهم ووساوسهم . منه»

(أخرجه اللّه من صفة الحقّ ، ولم يجعله من أهلها).

الجملة صفة أحد من الناس ، أو استئناف في جواب من يسأل عن علّة النهي .

قيل : إنّما نسب الإخراج من صفة الحقّ _ وهي القول بالولاية إلى اللّه تعالى _ لعلمه أزلاً بعدم اتّصاف بها ، واضطراب قلبه من قبولها ، فأخرجه منها ، ولم يجعله من أهلها جبراً ؛ لأنّ الجبر مناف للحكمة ، ومنه يظهر إلزامه تعالى قلب أحد طاعته وصفة الحقّ ؛ لأنّه لمّا علم منه قبولها اختياراً وفّقه لقبولها ، ونصره عليه ، وهذا معنى الإلزام ، فانتفى الجبر في الموضعين ، وملك كلّ أحد ماله باختياره (1). (فإنّ من لم يجعله (2).

اللّه من أهل صفة الحقّ ، فاُولئك شياطين الإنس والجنّ) .

قيل : الظاهر أنّه تعليل لقوله : «لا يعرفنّ أحد منكم من أحد من الناس» ؛ لتضمّنه معنى الشيطنة التي تقتضي الحذر منهم بالتقيّة .

وحينئذ يكون قوله: (فإنّ لشياطين الإنس) بياناً وتفصيلاً لما تضمّنه معنى الشيطنة، ويحتمل كونه تفصيلاً وبياناً لإثبات معنى آخر للمخرجين من صفة الحقّ ، وهو التمرّد والشيطنة (3).

ولعلّ المراد بمَن الموصولة الإنس والجنّ ، فمعنى حملهاعليها شياطين الإنس إن كانوا من الإنس، وشياطين الجنّ إن كانوا من الجنّ .

ويحتمل أن يراد بها الإنس خاصّة ، فحمل شياطين الجنّ عليها من باب التشبيه في الشيطنة ، أو إشارة إلى إلحاقهم بشياطين الجنّ بعد موتهم ، كما قاله بعض المفسّرين في قوله تعالى : «يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْاءِ نْسِ» (4). (5).

(حيلة ومكراً وخدائع ووسوسة بعضهم إلى بعض) .

الحيلة : الحَذق، وجودة النظر ، والقدرة على التصرّف .

ص: 136


1- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 172 و173
2- .في الطبعة القديمة للكافي والمتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «لم يجعل»
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 173
4- .الأنعام (6) : 128
5- في الحاشية : «في سورة الأنعام : «يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ» يعني الشياطين «قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْاءِنْسِ» أي من إغوائهم وإضلالهم ، أو منهم جعلتموهم أتباعكم ، فحشروا معكم ، كقولهم : استكثر الأمير من الجنود . البيضاوي» . تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 452 . وانظر للمزيد : التبيان للطوسي ، ج 4 ، ص 272 ؛ تفسير مجمع البيان ، ج 4 ، ص 161 ؛ تفسير الثعلبي ، ج 4 ، ص 190 ؛ تفسير السمعاني ، ج 2 ، ص 144

والمكر : الخديعة _ وهي الخَتل _ وإرادة المكروه من حيث لا يعلم .

والوسوسة : حديث النفس والشيطان بما لا نفع فيه ولا خير .

وقيل : المراد بالأوّل هنا استعمال الحذق في التصرّف في الاُمور المتوصّل بها إلى المقصود ، وبالمكر إيصال المكروه من حيث لا يعلم ، وبالخديعة هذا المعنى ، أو تلبيس شبهات باطلة بلباس الحقّ لانخداع الغير بها ، وبالوسوسة مشاورة بعضهم بعضاً في تحصيل أسباب الغلبة والإضرار (1).

وقوله : (يريدون إن استطاعوا ... ) استئناف لجواب سؤال مقدّر كان قائلاً يقول : ما غرضهم من الحيلة وما عطف عليها ؟ فأجاب بأنّ غرضهم (أن يَرُدّوا أهل الحقّ عمّا أكرمهم اللّه به من النظر في دين اللّه) .

النظر محرّكة : التأمّل بالعين والرقّة والرحمة ، والإعانة ، والفكر في الشيء يقدّره ويقيسه .

والمراد بدين اللّه الدين الذي أنزله إلى رسوله ، وأكمله بولاية وليّ الأمر .

وقيل : المراد بالنظر فيه العلم به ، والتصديق بحقّيّته (2).

وقوله : (إرادة أن يستوي أعداءُ اللّه وأهل الحقّ) مفعول له للإرادة .

وقيل : الأصل أن يستوون هم وأهل الحقّ، عدل عن الضمير إلى الظاهر لقصد ذمّهم صريحاً بنسبة العداوة إليهم، ولعدم حاجة صحّة العطف إلى ضمير الفعل .

(في الشكّ والإنكار والتكذيب) متعلّق بالاستواء ، والشكّ في الأصل عدم اليقين .

ولعلّ المراد به هنا دينهم الباطل ، أو الشكّ في دين الحقّ ، وبالإنكار ردّ قول اللّه سبحانه وجحوده ، وبالتكذيب عدم التصديق بقول النبي صلى الله عليه و آله فيما جاء به ، سيّما أمر الولاية .

(فيكونون سواء) فيما ذكر .

(كما وصف اللّه تعالى في كتابه من قوله) في سورة النساء : «وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا» أي تمنّوا أن تكفروا ككفرهم .

«فَتَكُونُونَ سَوَاءً» (3)

معهم في الضلال ، وهو عطف على «تكفرون» . (4).

ص: 137


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 173
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 173
3- النساء (4) : 89
4- .راجع : تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 231

(ثمّ نهى اللّه أهل النصر) هم الذين أعانوا دينه وأولياءه .

(بالحقّ) أي حال كونهم متلبّسين بالحقّ ، غير عادلين إلى الباطل .

والجارّ متعلّق بالنصر ، واحتمال تعلّقه بالنهي بعيد .

(أن يتّخذوا من أعداء اللّه وليّاً ولا نصيراً) أي نهاهم أن يقبلوا منهم ولاية ولا نصرة .

(فلا يُهوّلنّكم) بضمّ اللام من الهَول ، أو التهويل .

قال الفيروز آبادي : «هاله يهوله هَولاً : أفزعه ، كهوّله فاهتال» (1).

(ولا يردّنّكم) بضمّ الدال المشدّدة .

يقال : ردّه عن الأمر، أي صرفه عنه، فارتدّ هو .

وضمير الجمع المحذوف في الموضعين لأعداء اللّه، أو لشياطين الجنّ والإنس .

ولعلّ كلمة «من» في قوله : (من حيلة شياطين الإنس ومكرهم) تعليليّة .

وقيل : إمّا ابتدائيّة ، أو بمعنى الباء .

وقيل : يحتمل أيضاً أن تكون «حيلة» فاعلاً للفعلين ، وتكون «من» زائدة لتأكيد النفي (2).

وأصل الكلام من حيلتهم عدل إلى الظاهر لنسبة الشيطنة إليهم ، وتوبيخهم عليها .

والمكر : الخديعة .

يقال: مكره من كذا ، وعنه ، أي احتال أن يردّه عنه .

فقوله: (من اُموركم) متعلّق بالمكر ، و«من» للتعليل وقيل : للابتداء ، أو للسببيّة .

وحاصل المعنى : لا تخافوا ، ولا ترتدّوا عن نصرة الحقّ من أجل حيلتهم ومكرهم من اُمور دينكم، واحتيالهم في إغوائكم وإضلالكم عنها؛ فإنّهم شياطين الإنس ، و «إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً» (3).

ثمّ اعلم أنّ هذا الموضع أحد مواضع الاختلاف بين النسخة التي أشرنا إليها سابقاً والنسخ المشهورة ، وفي تلك النسخة قوله : «ومكرهم» متّصل بما مرّ من قوله : «وحيلهم» هكذا: «من حيلة شياطين الإنس ومكرهم وحيلهم ووساوس بعضهم إلى بعض» ، وهو الصواب .

وفي تلك النسخة قوله : «من اُموركم» متّصل بما مرّ من قوله : «ولا خير لهم على شيء» هكذا : «وهم لا مجاملة لهم ، ولا صبر لهم على شيء من اُموركم» .

ص: 138


1- النساء (4) : 76
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 71 (هول)
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 24

(تدفعون أنتم السيّئة بالتي هي أحسن) .

أمر بصورة الأخبار ، وهو إشارة إلى قوله تعالى : «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ» (1).

قال البيضاوي :التي هي أحسن : الصفح عن السيّئة، والإحسان في مقابلها ، لكن بحيث لم يؤدّ إلى وهن في الدين .

وقيل : هي كلمة التوحيد ، والسيّئة : الشرك .

وقيل : هي الأمر بالمعروف ، والسيّئة : المنكر (2). انتهى .

وقيل : لعلّ المراد بالسيّئة عداوتهم وإضرارهم ، وبالتي هي أحسن : التقيّة (3).

(فيما بينكم وبينهم) .

الضمير لأعداء اللّه ، أو لشياطين الإنس .

(تلتمسون بذلك) الدفع (وجهَ ربّكم)؛ أي جهته وذاته .

(بطاعته) وهي الدفع المذكور ، أو الأعمّ منه ومن سائر الطاعات التي أعظمها وأشرفها الولاية .

(وهم لا خير عندهم)؛ لتركهم منبع الخيرات ومعدنها من ولاية وليّ الأمر .

(لا يحلّ لكم أن تُظهروهم) .

في بعض النسخ : «أن تطلعوهم»، والمآل واحد .

(على اُصول دين اللّه) .

لعلّ المراد بها الأحكام المختصّة بالشيعة ، سواء تعلّقت بالعقائد كإنكار الجبر والتفويض ، ونفي زيادة الصفات على الذات ، والإقرار بولاية أئمّة المعصومين عليهم السلام وإمامتهم ، أو بالأعمال كوجوب مسح الرجلين ، واستحباب القنوت ، ورفع اليدين فيه وفي تكبيرة الإحرام وسائر التكبيرات المندوبة، وأمثالها .

(فإنّهم إن سمعوا منكم فيه) أي في دين اللّه ، أو في اُصوله . والتذكير باعتبار المضاف إليه .

(شيئاً) من الاُصول المذكورة ونحوها .

(عادَوكم عليه ، ورفعوه عليكم) أي أسرعوا في تبليغه وتقريبه إلى السلطان الجائرة لإيصال المكروه إليكم والإضرار بكم .

ص: 139


1- المؤمنون (23) : 96
2- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 166 (مع اختلاف يسير)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 174

قال الجوهري :

رفع البعير في السير ، أي بالغ فيه ، ورفعته أنا ، يتعدّى ولا يتعدّى، وقوله تعالى : «وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ» ، (1).

قالوا : مقرّبة لهم ، ومن ذلك رفعته إلى السلطان ، ومصدره : الرُفعان (2). . انتهى .

ويحتمل كونه من الرفع خلاف الوضع ، فيكون كناية عن التشهير والإفشاء بين الناس .

وقيل : يحتمل أن يكون المراد أنّكم إن علّمتموهم شيئاً يجعلونه حجّة عليكم في المناظرة (3).

(وجهدوا) .

في بعض النسخ : «وجاهدوا» .

(على هلاككم) بقدر الإمكان .

وفي بعض النسخ : «على إهلاككم» .

(واستقبلوكم بما تَكرهون) من الأقوال الغليظة والأفعال الكريهة .

(ولم يكن لكم النَّصفَ) .

في بعض النسخ: «النصفة» .

(منهم في دُوَل (4). الفجّار) .

النَصَف والنَصَفة محرّكتين : الإنصاف والعدل ، وكذلك النِصف بالكسر .

وقال الجوهري :الدولة في الحرب ، أن تداول إحدى الفئتين على الاُخرى ، والجمع : الدول .

والدولة _ بالضمّ _ في المال ؛ يقال : صار الفيء دُولة بينهم يتداولونه ، يكون مرّة لهذا ومرّة لهذا ، والجمع: دُولات ودُول (5).

أقول : حاصل المعنى أنّكم إذا ترافعتم إلى حكّامهم ، أو القيام إلى أحد منهم يجورون

ص: 140


1- .الواقعة (56): 34
2- .الصحاح ، ج 3 ، ص 1221 (رفع)
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 25
4- .في الحاشية: «الدولة: انقلاب الزمان ، والعقبة من المال، ويضمّ، أو الضمّ فيه ، والفتح في الحرب، أو هما سواء، أو الضمّ في الآخرة والفتح في الدنيا، يجمع دول مثلّثة. كذا في القاموس» . القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 377 (دول)
5- الصحاح ، ج 4 ، ص 1699 (دول)

عليكم ، ولا يتوقّع منهم العدل والإنصاف فيكم، فيلزم عليكم التقيّة منهم ، وعدم اظهار ما يخالف مذهبهم عندهم ، وعدم الالتجاء بهم مهما أمكن .

(فأعرفوا منزلتكم فيما بينكم وبين أهل الباطل) .

في القاموس : «المنزلة : موضع النزول والدرجة» (1). أي وجب عليكم معرفة درجتكم الرفيعة بين الناس. قيل : هي الإيمان باللّه ، وبما يليق به، وبالرسول وما جاء به ، وبالولاية ومن اتّصف بها، وإظهار اُصول الدين وأحكامه على أهلها ، والاتّصاف بآدابه وأخلاقه ، والامتثال بأوامره ونواهيه ليحصل لكم التميز بينها (2).

وبين منزلة أهل الباطل، والتمكّن من التحرّز عنها (3).

(فإنّه لا ينبغي لأهل الحقّ أن يُنزلوا أنفسهم منزلة أهل الباطل) .

كأنّه بيان وتفصيل لمعرفة المنزلة .

وقيل : إنّه دليل عليها ، وقال : انطباق الدليل عليها ظاهر ؛ لأنّ أهل الحقّ ينبغي أن يكونوا مع الحقّ، فلا ينبغي لهم الاتّصاف بالباطل كأهله .

قال : وهنا احتمال آخر ، وهو أنّه يجب عليكم معرفة منزلتكم فيما بينكم ، وهي ما ذكر ، ومنزلتكم فيما بين أهل الباطل ، وهي حسن المعاشرة معهم ظاهراً ، والتقيّة منهم للاحتراز من ضررهم إلّا أنّ في انطباق الدليل المذكور عليه خفاء إلّا أن يراد بأهل الباطل في الدليل أعمّ من أهل الخلاف وتارك التقيّة ؛ لأنّ تاركها أيضاً في باطل (4).

(لأنّ اللّه لم يجعل أهل الحقّ عنده بمنزلة أهل الباطل) .

هذا دليل لقوله : «لا ينبغي» ، وبيان لشرافة منزلة أهل الحقّ ، وخساسة منزلة أهل الباطل عنده تعالى ؛ لأنّ منزل أهل الحقّ جنّات النعيم ، ومنزل أهل الباطل نيران الجحيم .

وقوله : (أ لم تعرفوا (5) وجه قول اللّه في كتابه) أي جهته وسبيله المقصود منه . والاستفهام للتنبيه والتقرير . وفي بعض النسخ : «يعرفوا» بالياء .

ص: 141


1- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 56 (نزل)
2- .في الحاشية: «أي بين الاُمور المذكورة»
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 175
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 175
5- في كلتا الطبعتين والمتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «ألم يعرفوا»

وقيل : هو حينئذ وصف لأهل الباطل ، وبيان لضعف عقولهم حيث لم يعرفوا وجه الآية ومعناها .

ثمّ قال : فإن قلت : أكثرهم أهل اللسان ، فكيف لم يعرفوا معناها ؟ قلت : المراد أنّهم لأذهانهم السقيمة ، وأفكارهم العقيمة أخطؤوا في المقصود منها ، فزعموا أنّهم هم المؤمنون الصالحون المتّقون ، وأنّ مَن عداهم ممّن رفض طريقتهم هم الفجّار المفسدون ، فقلبوا المقصود لفساد قلبهم ، ذلك مبلغهم من العلم ، ولذلك أدرج لفظ الوجه ؛ لأنّ وجه الكلام سبيل المقصود منه (1).

(إذ يقول) في سورة ص : «وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ * أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ» .

قال بعض المفسّرين : يعني الكفّار ، أي لو سوّينا بينهما لكنّا خلقناهما باطلاً ، والآية نزلت في ثلاثة رهط : علي عليه السلام ، وحمزة ، وعبيدة بن الحارث .

والمفسدين في الأرض: عتبة وشيبة ابنا ربيعة ، والوليد بن عتبة ، وهم الذين بارزوا يوم بدر ، فقتل عليّ عليه السلام الوليد ، وقتل حمزة عتبة، وقتل عبيدة شيبة .

وقيل: عامّ (2).

«أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ» الذين يتّقون الشرك والمعاصي .

«كَالْفُجَّارِ» (3). : كالكفّار في الثواب .

قال البيضاوي :

«أم» الاُولى منقطعة ، والاستفهام فيها لإنكار التسوية بين الجزئين التي هي من لوازم خلقها باطلاً ؛ ليدلّ على نفيه ، وكذا التي في قوله : «أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ» ؛ فإنّه أنكر التسوية بين المؤمنين والكافرين ، ثمّ بين المتّقين من المؤمنين والمجرمين

ص: 142


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 175
2- اُنظر: تفسير السمرقندي ، ص 158 ؛ تفسير السمعاني ، ج 4 ، ص 438 ؛ شواهد التنزيل للحسكاني ، ج 2 ، ص 171 _ 173 ؛ تفسير البغوي ، ج 4 ، ص 59
3- .ص (38) : 27 و28

منهم ، ويجوز أن يكون تكريرا للإنكار الأوّل باعتبار وصفين آخرين يمنعان التسوية (1).

(أكرموا أنفسكم عن أهل الباطل) .

في القاموس : «أكرمه وكرّمه : عظّمه ونزّهه» (2).

ولعلّ هذا الكلام استئناف ، ولذلك ترك العاطف ، كأنّهم قالوا : إذا وجب علينا النزول في منزلتنا ، والفرار من منزلتهم ، فكيف نضع إذا كنّا معهم ؟ ! فأجاب بما ذكر ، يعني عظّموا أنفسكم ، وشرّفوها عن ظلم أهل الباطل وجورهم بالموافقة في العمل تقيّة منهم .

(ولا (3). تجعلوا اللّه _ تبارك وتعالى _ «وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى» (4). ) .

الواو للحال . وقال البيضاوي في تفسير قوله تعالى : «وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى» : «هو الوجوب الذاتي ، والغنى المطلق ، والجود الفائق ، والنزاهة عن صفات المخلوقين» (5). . انتهى .

وقيل : المثل الأعلى : الشرف الأعلى من جميع الوجوه (6).

وفي القاموس : «المَثَل محرّكة : الحديث والحجّة والصفة ، ومنه «مَثَلُ الْجَنَّةُ الَّتِي» (7). » (8).

وقوله : (وإمامَكم ودينكم) معطوفان على اللّه .

(الذي تَدينون به) .

قال الجوهري : «الدين : الطاعة ، ودان له ، أي أطاعه ، ومنه الدين ، والجمع : الأديان .

يقال : دان بكذا ديانة ، وتديّن به» (9).

وقوله : (عُرضه لأهل الباطل) مفعول الثاني لقوله : «لاتجعلوا» .

قال الفيروزآبادي : «العُرضة بالضمّ : الهمّة ، وحيلة في المصارعة ، وهو عُرضة للناس : لا يزالون يقعون فيه ، وجعلتُه عُرضة لكذا : نصبتُه له» (10). انتهى .

ص: 143


1- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 44 (مع اختلاف يسير)
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 170 (كرم)
3- .هذا ، وفي كلتا الطبعتين والمتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «فلا»
4- .الروم (30) : 27
5- .تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 405
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 176
7- .الرعد (13) : 35 ؛ محمّد (47) : 15
8- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 48 (مثل)
9- الصحاح ، ج 5 ، ص 2119 (دين) مع التلخيص
10- . القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 335 (عرض)

أي لا تجعلوا ربّكم وإمامكم ودينكم في معرض ذمّ أهل الباطل ، بأن تعارضوهم في الدين ، ويعارضونكم بما لا يليق .

(فتُغضبوا اللّهَ عليكم) بضمّ التاء المثنّاة الفوقانيّة .

والغضب محرّكة : ضدّ الرضى ، يقال : غضب عليه وله وبه _ كعلم _ وأغضبه غيره .

وفي بعض النسخ : «فيغضبوا» بالياء المثنّاة التحتانيّة ، فحينئذٍ ضمير الجمع راجع إلى أهل الباطل .

(فتَهلكوا) على صيغة المجهول من الإهلاك ، أو المعلوم من الهلاك ، وفعله كضرب ومنع وعلم .

(فمهلاً مهلاً) مرّ شرحه .

(يا أهل الصلاح ، لا تَتركوا أمر اللّه وأمر من أمركم بطاعته) في قوله عزّ وجلّ : «أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ» (1).

(فيُغيّر [اللّه ] ما بكم من نعمة) إشارة إلى قوله تعالى : «ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلى قَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ» (2).

وقوله : «إِنَّ اللّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ» (3).

(أحبّوا في اللّه) أي لأجله وطلب مرضاته، أو في سبيله .

وقوله : (من وصف صفتَكم) مفعول «أحبّوا» ، أي أهل دينكم، ومن يقول بمقالتكم (4).

(وأبغضوا في اللّه من خالفكم) .

البُغض بالضمّ : ضدّ الحبّ، وفعله ككرم ونصر وفرح .

(وابذُلوا مودّتكم ونصيحتكم لمن وصف صفتكم) .

في القاموس : «البذل معروف ، بذله يبذُله ويبذِله : أعطاه ، وجاد به» (5). انتهى .

ص: 144


1- النساء (4) : 59
2- الأنفال (8) : 53
3- الرعد (13) : 11
4- قال المحقّق المازندراني رحمه الله : «ومنشأ تلك المحبّة هي الاشتراك في دين الحقّ ، واتّحاد المطلوب ، والطريق الموصل إليه ، والرفاقة فيه ، واتّحاد الأصل ؛ لأنّ المؤمنين إخوة ، بل هم كنفس واحدة ، وكونها في اللّه مشروط بأن لا يشرب بشيء من أغراض الدنيا ؛ فإنّه لا اعتناء بها ، ولا ثبات لها ، وقس على ذلك البغض في اللّه »
5- . القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 333 (بذل)

والمراد ببذل المودّة صرفها لأهل الدين ، وبذل آثارها ولوازمها ، ومن جملتها دفع المضارّ والمكاره عنه ، وجلب المنافع له .

والنصيحة : إرادة الخير للمنصوح ، ويعتبر في حقيقتها الخلوص عن الغشّ ، والمراد ببذلها إعمالها للإرشاد إلى الحقّ والصواب .

(ولا تبذُلوها لمن رغب عن صفتكم وعاداكم عليها) أي على تلك الصفة .

(وبغاكم الغَوائل) .

قال الفيروزآبادي : «أبغاه الشيء : طلبه له ، كبغاه إيّاه _ كرماه _ أو أعانه على طلبه» (1).

وقال : «الغوائل : الدواهي»(2).

وفي النهاية : «الغائلة : الخصلة المهلكة» (3).

(هذا أدبُنا أدبُ اللّه) .

في بعض النسخ : «وأدب اللّه» .

قال الفيروزآبادي : «الأدب محرّكة : حسن التناول ، أدُبَ _ كحسن _ أدباً ، فهو أديب ، وأدّبه : علّمه ، فتأدّب» (4).

والظاهر أنّ هذا إشارة إلى ما مرّ من المواعظ والآداب ، ويحتمل أن يكون المشار إليه ما سيأتي من قوله : (ما وافق هداكم أخذتم به) إلخ .

ووجه كون أدبهم عليهم السلام أدب اللّه كونه بتعليمه ووحيه وأمره .

وقيل : الأدب شامل للمحاسن كلّها ، ولكلّ عضو منه نصيب ، فأدب العين النظر إلى المصنوعات مثل الاستدلال بها على وجوه الصانع وقدرته وحكمته ، وأدب السمع استماع الآيات وغيرها من كلام الحقّ ، وأدب اللسان التكلّم بما ينبغي والسكوت عن غيره من الفضول، وأدب القلب معرفة اللّه ومعرفة ما يليق به ومعرفة الرسول والوصي والأحكام والأخلاق، وقس على ذلك (5).

ص: 145


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 304 (بغي)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 176
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 27 (غول)
4- النهاية ، ج 3 ، ص 397 (غول)
5- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 36 (أدب)

(فخُذوا به، وتفهّموه، واعقِلوه، ولا تنبذوه وراء ظهوركم) .

في القاموس : «فَهِمه _ كفرح _ فَهَماً وفَهْماً : علمه ، وعرفه بالقلب»(1).

وقال الجوهري : «تفهّم الكلام ، إذا فهمه شيئاً بعد شيء» (2).

وفي القاموس : «عَقَل الشيء يَعقل عقلاً : فهمه .

والدواء بطنه: أمسكه» (3).

وفيه : النبذ : «طرحك الشيء أمامك ، أو ورائك ، أو عام ، والفعل : كضرب» (4).

وقيل : الفرق بين تلك الاُمور أنّه عليه السلام أمر أوّلاً بالأخذ به ، وهو تناوله وقبوله بالقلب ، وثانياً بتفهّمه وهو معرفته ومعرفة حسنه وكماله ، وثالثاً بعقله وهو الغور فيه وإدراك حسن عاقبته وإمساكه وحفظه ، فهذه اُمور ثلاثة لابدّ منها في كلّ مطلوب (5).

(ما وافق هُداكم أخذتم به، وما وافق هواكم طرحتموه) .

في بعض النسخ : «اطّرحتموه» .

يقال : طرحه وبه _ كمنع _ أي رماه وأبعده ، كأطرحه وطرّحه .

وقوله : (ولم تأخذوا به) كالتأكيد لسابقه .

والهدى في الأصل : الرشاد والدلالة .

والمراد هنا قوانين شرعيّة مستنبطة من الكتاب والسنّة والموازين القطعيّة .

والهوى بالقصر : إرادة النفس ومشتهياتها .

والإضافة فيهما لاميّة ، والظاهر أنّ الخبر هنا بمعنى الأمر .

(وإيّاكم والتجبّر على اللّه) .

أي التكبّر عليه بترك الامتثال بأوامره ، وعدم الانزجار عن نواهيه ، والإعراض عن نصائحه ومواعظه ، وعدم المبالاة بأحكامه وشرائعه .

أو المراد به التكبّر على أئمّة الحقّ وعلى أولياء اللّه ؛ فإنّه ينجرّ إلى التكبّر على اللّه .

(واعلموا أنّ عبداً لم يُبتل) على البناء للمفعول (بالتجبّر على اللّه إلّا تَجَبّر على دين اللّه).

ص: 146


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 161 (فهم)
2- الصحاح ، ج 5 ، ص 2055 (فهم)
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 18 (عقل)
4- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 359 (نبذ)
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 177

لعلّ الغرض إثبات التلازم بين التجبّرين بكون الأوّل سبباً لحصول الثاني ، وكون وجود الثاني دليلاً على وجود الأوّل .

(فاستقيموا للّه) .

قال الجوهري : «الاستقامة : الاعتدال .

يقال : استقام له الأمر» ، (1). انتهى .

ولعلّ المراد بالاستقامة له الثبوت على عهده وولايته وطاعة من أمر بطاعته .

(ولا تَرتدّوا على أعقابكم) أي لا ترجعوا مدبرين بسبب العصيان وعدم الوثوق على اللّه .

(فتنقلبوا خاسرين) عن ثواب الدارين .

ويجوز جزم «فتنقلبوا» على العطف ، ونصبه على الجواب.

وقوله عليه السلام : (إنّ العبد إذا كان خلقه اللّه في الأصل _ أصل الخلق _ مؤمناً) .

أصل الثاني بدل من الأوّل، واُريد بالخلق : الإيجاد ، أو التقدير ، وبأصله الوجود الظلّي ، أو العيني .

و«مؤمناً» حال عن مفعول «خلقه» ، أو تميز عن النسبة فيه .

وقيل : اللازم على التقديرين أن يكون خلق العبد مقروناً بإيمانه في علم اللّه ، ولا يلزم أن يكون إيمانه من فعله تعالى ، كما في قولك : ضربتُ زيداً قائماً ، إذا جعل قائماً حالاً من زيد .

(لم يَمُت) هذا العبد المؤمن (حتّى يكرّه اللّه إليه الشرّ ، ويُباعده منه) وإن كان ارتكب شرّاً أو كفراً إحياناً .

قال الفيروزآبادي : «كرّهه إليه تكريهاً : صيّره كريهاً ، والكَره ويضمّ : الإباء والمشقّة ، أو بالضمّ : ما أكرهت نفسك عليه ، وبالفتح : ما أكرهك غيرك عليه» (2).

وقال الفاضل الإسترآبادي : قوله : «حتّى يكرّه اللّه إليه الشرّ» إلخ ، تفسير لقوله تعالى: «إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَنْ يَشآءُ» ، (3).

فعُلم أنّ مراده تعالى من الهداية هنا أن يخلق في القلب حبّ الحقّ وكراهة الباطل .

(ومن كرّه اللّه إليه الشرّ) بلطفه وتوفيقه (وباعده عنه (4). ) بحيلولته بينه وبين الشرّ .

ص: 147


1- .الصحاح ، ج 5 ، ص 2017 (قوم)
2- القاموس المحيط، ج4، ص291 (كره)
3- .القصص (28) : 56
4- .في الحاشية عن بعض النسخ: «منه»

(عافاه اللّه من الكبر أن يدخله) .

الكبر بالكسر : الرفعة في الشرف والعظمة والتجبّر .

وقيل : المراد هنا أن يعتقد العبد أنّه أعظم من غيره ، وليس لأحد حقّ عليه (1).

(والجبريّة) عطف على الكبر ، وهي بالفتح وسكون الباء .

وقيل : بكسرها وكسر الجيم أيضاً بمعنى التكبّر ، فهي كالتأكيد لسابقها ، أو يراد بها إظهار آثار الكبر بالأقوال والأفعال .

(فلانَت عَريكته) .

قال الجوهري : «العريكة : الطبيعة ، وفلان ليّن العريكة ، إذا كان سَلِساً ، ويقال : لانت عريكته ، إذا انكسرت نخوته» (2). انتهى .

وقيل : دلّ التفريع كالتجربة على أنّ حصول اللينة متوقّف على زوال الكبر ؛ إذ المتّصف به خشن فظّ غليظ القلب ، وهذه الاُمور تنافي اللينة ، فلعدمه مَدخل في حصولها ، ويتّبعها كثير من الفضائل (3).

(وحَسُن خُلُقه) .

الخلق ، بالضمّ وبضمّتين : السجيّة ، والطبع ، والمروّة ، والدين .

وعرّفه بعضهم بأنّه صفة يحصل من الاعتدال بين الإفراط والتفريط في القوّة العقليّة والشهويّة والغضبيّة ، ويُعرف ذلك بمخالطة الناس بالجميل والتودّد والصلة والصدق واللطف والمبرّة وحسن الصحبة والمراعاة والمواساة والرفق والحلم والاحتمال لهم والإشفاق عليهم ، وبالجملة هو تابع لاستقامة جميع الأعضاء الظاهرة والباطنة (4).

(وطَلُق وجهُه) .

في القاموس : «طَلُق ككرم ، وهو طلق الوجه _ مثلّثة _ وككتف ، وأمير : ضاحكة مشرقة» .(5) (وصار عليه وَقار الإسلام وسكينته) .

الوَقار بالفتح : الرزانة .

والسَّكينة والسِّكّينة _ بالكسر _ مشدّدة : الطمأنينة ، وما يسكن إليه .

ص: 148


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 178
2- الصحاح ، ج 4 ، ص 1599 (عرك)
3- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 178
4- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 178
5- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 258 (طلق)

وقيل : يمكن الفرق بينهما بأنّ الوقار سكون النفس في مقتضى القوّة الشهويّة ،والسكينة سكونها في مقتضى القوّة الغضبيّة ، ويؤيّده أنّ المحقّق الطوسي عدّ الأوّل من أنواع العفّة الحاصلة باعتدال القوّة الاُولى ، وعدّ الثاني من أنواع الشجاعة الحاصلة باعتدال القوّة الثانية (1).

وقد مرّ الفرق بينهما بوجه آخر في أوائل الرسالة .

(وتخشّعُه) .

التخشّع : تكلّف الخشوع .

في القاموس : «الخشوع : الخضوع ، أو هو في البدن والخشوع في الصوت والبصر ، والسكون ، والتذلّل» (2). انتهى .

وقيل : إنّما أضاف الثلاثة إلى الإسلام ؛ لأنّها من أعظم ما يقتضيه الإسلام ، ولها فوائد جمّة ، وإن كان الكلّ كذلك ، ثمّ الخضوع والخشوع والتواضع متقاربة في المعنى .

ويمكن الفرق بينها بأنّ لينة القلب من حيث إنّها توجب الخوف والخشية والعمل خشوع، ومن حيث إنّها توجب الانكسار والافتقار خضوع ، ومن حيث إنّها توجب انحطاط الرتبة عن الغير وتعظيمه تواضع (3).

(وورع) كورث، أي كفّ .

(عن محارم اللّه، واجتنب مَساخطه) .

قيل : هذا من آثار الحياء ، والحياء من آثار اللينة ؛ لأنّ الليّن ينفعل قلبه سريعاً عن إرادة المحارم والمساخط، فيكفّ نفسه عنها خوفاً من اللوم ، وذلك الانفعال هو الحياء ، والكفّ هو الورع .(4).

(ورزقه اللّه مودّة الناس) .

من إضافة المصدر إلى المفعول ، أو إلى الفاعل .

والمودّة : الحبّ .

ولعلّ المراد بالناس من يجوز التودّد إليه ، وإن أمكن تعميمه على الاحتمال الثاني .

ص: 149


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 178 و179
2- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 18 (خشع)
3- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 179
4- قائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 179

(ومُجاملتهم) في المعاملات والمحاورات ، والإحسان إليهم ، وهي من لوازم المودّة .

قيل : الرزق : كلّ ما ينتفع به ، فإطلاقه على المودّة والمجاملة حقيقة ، ولهما منافع كثيرة ؛ لأنّ العاقل يعلم أنّ مودّته ومجاملته لهم يستلزم مودّتهم ومودّة أتباعهم وخدمهم وحواشيهم ومجاملتهم له، ويجلب لنفسه من مودّة واحد ، ومجاملته مودّة أشخاص كثيرة وميل قلوبهم إليه واُنسهم به ومدافعتهم عنه ، وبذلك يتمّ نظامه (1).

(وتَرْكَ مُقاطعة الناس والخُصومات)؛ لأنّها موجبة لنفرتهم وبُعدهم عنه، وعداوتهم له ، وبذلك يفسد نظامه .

و«ترك» يحتمل أن يكون على صيغة الفعل، أو المصدر .

والمراد بالناس هنا كلّهم ، ولذا اُتي بالاسم الظاهر على خلاف مقتضى الظاهر .

(ولم يكن منها ولا من أهلها في شيء) أي لم يكن ثابتاً في شيء من المقاطعة والخصومات أصلاً ، ولا في شيء من صفة أهلها من التباغض والتحاسد والتشاتم ونحوها .

(وإنّ العبد إذا (2).

كان اللّه خلقه في الأصل _ أصل الخلق _ كافرا) .

قيل : معناه : علم عند خلقه أنّه يصير كافراً (3).

وقد مرّ نظيره آنفاً .

(لم يمت حتّى يُحبّب اللّه إليه الشرّ، ويُقرّبه منه) .

كناية عن منع ألطافه الخاصّة عقوبة عن فعله من الشرّ الذي استحقّ بها ذلك .

وقال الفاضل الإسترآبادي : معناه التخلية بينه وبين الشيطان ، وإخراج الملك عن قلبه ، وهذامن باب جزاء العمل في الدنيا كما وقع التصريح به في الأحاديث وفي كلام ابن بابويه (4).

(فإذا حبّب إليه الشرّ ، وقرّبه منه ، ابتُلي بالكبر والجبريّة) بالتخلية وسلب اللطف .

(فقسا قلبُه) أي صلب وغلظ بحيث لا يهتدي إلى الخير ولا يقبله . يقال : قسا يَقسو قَسواً وقَساء وقَساوة .

(وساء خلقُه)؛ لأنّ المتّصف بالكبر يترك محاسن الأخلاق كلًا أو جُلًا كالسلام والكلام

ص: 150


1- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 179
2- .في الحاشية عن بعض النسخ: «إن»
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 26
4- نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 179

والتواضع والإنصاف والملائنة ونحوها ، ويتّصف بأضدادها لزعمه أنّها لأنّها كسر لشأنه ومنافية لمكانه .

(وغلُظ وجهه) كناية عن عبوسه وتصعّره وعدم انبساطه وطلاقته .

قال الفيروزآبادي : «الغلظة _ مثلّثة _ والغلاظة ، بالكسر وكعنب : ضدّ الرقّة ، والفعل ككرم وضرب» (1).

(وظهر فُحشه) .

الفُحش بالضمّ : التكبّر والتعظّم والقهر واتّباع فعل ، ولا يكون إلّا شرّا ، وأفحش: افتخر لباطل ، وكلّ أمر جاوز حدّه فهو فاحش .

وقيل : الفحش : ما اشتدّ قبحه من الذنوب ، ويندرج فيه الغيبة والبهتان وسائر أكاذيب اللسان (2).

(وقلّ حياؤه) فلا يبالي وقوع شيء من القبائح الظاهرة والباطنة .

(وكشف اللّهُ ستره) .

في بعض النسخ : «سرّه» .

وقيل : لعلّ المراد بالستر هو الحجاب بين الذنوب وبين المقرّبين ، فإذا كشفه فضحه عندهم ، فيبغضونه ويلعنونه ، واللّه سبحانه ستّار يستر ذنوب العبد إذا لم يتجاوز عن الحدّ .

أو المراد به لطف الحقّ ، وتوفيقه الحاجز بين العبد والمعصية ، أو الملك الموكّل بقلبه لدلالته على الخيرات ، فإذا رفعه منه وقع في الشرّ .

والفرق بينه وبين التخلية كالفرق بين اللازم والملزوم ؛ لأنّ كشف الستر مستلزم التخلية .

(وركب المحارم ، فلم ينزع عنها) .

قال الجوهري : «نزع عن الاُمور نزوعاً : انتهى عنها» (3).

(فبُعد ما بين حال المؤمن وحال الكافر) .

«بُعد» بالضمّ والتنوين، أو بالإضافة مبتدأ ، وخبره محذوف ، أي بعد ما بينها كثير .

وكلمة «ما» موصولة، أو زائدة للمبالغة في التعظيم .

ويحتمل كون الظرف خبراً ، وقراءة «بعد» بصيغة الفعل محتمل ، والمراد أنّ بينهما مباينة

ص: 151


1- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 397 (غلظ)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 180
3- الصحاح ، ج 3 ، ص 1289 (نزع) مع اختلاف يسير

في الذات والصفات؛ لأنّ ذات المؤمن وصفاته نورانيّة ، وذات الكافر وصفاته ظلمانيّة ، فلا جامع بينهما .

(سلوا اللّه العافية) (1).

من العلل والبلاء ، أو من المعاصي أيضاً .

والعافية دفاع اللّه عن العبد . يقال : عافاه اللّه من المكروه معافاة وعافية ، أي وهب له العافية .

(واطلبوها إليه) . يقال : طلب إليّ ، أي رغب .

(صَبّروا النفس (2). على البلاء في الدنيا) .

قال الفيروزآبادي : «أصبره : أمره بالصبر ، كصبّره ، وجعل له صبراً» (3).

وقال: «ابتليته : اختبرته ، وفلاناً فأبلاني : استخبرته ، وامتحنته ، واختبرته ، كبلوته بَلواً وبلاء ، والاسم البَلوى والبَليّة والبِلوة بالكسر» (4). انتهى .

وقد شاع استعمال البلاء فيما يختبر به مثل التكاليف والأمراض والمصائب والفقر وتحمّل الأذى ونحوها .

(فإنّ تتابع البلاء فيها) أي في الدنيا .

(والشدّة في طاعة اللّه) عطف على التتابع .

واحتمال نصبها على المعيّة ، أو جرّها عطفاً على البلاء بعيد .

(ووَلايته ووَلاية من أمر بوَلايته خيرٌ عاقبةً عند اللّه) .

في بعض النسخ بعد قوله : «عند اللّه» : «في الآخرة» . وقوله : (من مُلك (5). الدنيا) متعلّق بخير .

(وإن طال تتابع نعيمها) .

الضمير للدنيا .

والنعيم : الخفض والدعة والمال، كالنعمة بالكسر .

ص: 152


1- .في الحاشية : «العافية : دفاع اللّه الأسقام والبلايا عن العبد ، وهي اسم من عافاه اللّه وأعفاه ، وُضع موضع المصدر ، ومثله: «ناشِئَةَ اللَّيْلِ» بمعنى نشوء الليل ، والخاتمة بمعنى الختم ، والكاذبة بمعنى الكذب ، ومعافاة اللّه : صرف الأذى عن الخلق وصرف أذى الخلق منك. مجمع البحرين» . مجمع البحرين ، ج 3 ، ص 210 (عفو)
2- .في الحاشية : «صبّر النفس ، أي حملها على الصبر . صالح» . شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 180
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 66 (صبر)
4- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 305 (بلو)
5- .في الحاشية عن بعض النسخ: «تلك»

(وزهرتها وغَضارة عَيشها) .

قال الفيروزآبادي : «الزَّهرة ويحرّك : النبات ونَوره ، ومن الدنيا بهجتها ونضارتها وحسنها ، وبالضمّ : البياض والحسن» (1).

وقال : «الغضارة : النعمة والسعة والخِصب» (2).

وقوله : (في معصية اللّه) متعلّق بملك الدنيا ، أو حال عنه .

وقيل : التفضيل باعتبار فرض الفعل ، وتقديره في المفضّل عليه ، والمقصود أنّ المشقّة في الدنيا مع الطاعة خير من الراحة فيها مع المعصية ، أمّا الطاعة فظاهرة ، وأمّا المشقّة فلأنّ فيها ثواب ، وفي الراحة حساب ، ولو قال : «في طاعة اللّه » بدل قوله : «في معصية اللّه» ، لفُهم أنّ المشقّة في الدنيا خير من الراحة فيها ، وليس ذلك بمقصود ، وإنّما المقصود ما ذُكر لترغيب أهل الحقّ في الصبر على المشقّة والطاعة بيان أنّهما خير من الراحة والمعصية التي من جملتها ترك الولاية ورفض طاعة الإمام عليه السلام (3).

وقوله : (ووَلاية من نهى اللّه عن ولايته وطاعته) عطف على معصية اللّه .

وقوله : (فإنّ اللّه أمر بولاية الأئمّة الذين سمّاهم اللّه في كتابه) إشارة إلى تحقيق ما ذكر من تصبير النفس على البلاء وما يتفرّع عليه وتثبيته ، وبيان من اتّصف بولاية من أمر اللّه بولايته ، ومن اتّصف بضدّها ، وبيان شيء من أحوالها ، والآثار المترتّبة على ذلك كلّه .

(في قوله) عزّ وجلّ في سورة الأنبياء : «وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً» يقتدي بهم بسبب تطهير ظاهرهم وباطنهم من الأرجاس كلّها ، وتعيينهم للنبوّة والإمامة ، وهي كالرسالة من قبله تعالى ؛ إذ هي متوقّفة على قدرة كاملة مانعة من الخطأ والزلل مطلقاً، وهي العصمة ، فلا ينافي هذا التفسير عود ضمير الجمع إلى الأنبياء المذكورين في الآية .

«يَهْدُونَ» الناس إلى الحقّ «بِأَمْرِنا» .

قيل : أي بسبب أمرنا لهم بالهداية لا يحبّ الدنيا ورئاسة أهلها ، أو بسبب أمرنا فيهم ، وهو اللطف والعصمة المانعة من الزلل ، أو إلى أمرنا وهو ما جاء به النبي صلى الله عليه و آله ، أو إنّهم يهدون

ص: 153


1- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 43 (زهر)
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 102 (غضر)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 181

بأمرنا لا بأمر الناس حيث يقدمون أمر اللّه قبل أمرهم ، وحكم اللّه قبل حكمهم (1).

روى المصنّف رحمه الله في باب أنّ الأئمّة في كتاب اللّه إمامان : «قال اللّه تعالى : «وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا» (2).

لا بأمر الناس ، يقدّمون أمر اللّه قبل أمرهم ، وحكم اللّه قبل حكمهم» .

وقال : « «وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ» (3).

يقدّمون أمرهم قبل أمر اللّه وحكمهم قبل حكم اللّه ، ويأخذون بأهوائهم خلاف ما في كتاب اللّه تعالى» (4).

(وهم) أي الأئمّة المذكورون في الآية .

(الذين أمر اللّه بولايتهم وطاعتهم) بقوله : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا» (5). الآية ، وقوله : «أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ» (6). (والذين نهى اللّه عن ولايتهم وطاعتهم) بقوله : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ» (7). ؛ فإنّه نهى عن ولايات أعداء اللّه مطلقاً، وإن ورد في مورد خاصّ .

وقوله تعالى : «وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ» ؛ فإنّ الغرض منه النهي عن اعتقاد ولاية تلك الأئمّة .

ثمّ اعلم أنّ الموصول مبتدأ ، والواو في قوله : (وهم أئمّة الضلالة) على ما في بعض النسخ للحال، أو للعطف على الصلة .

وقوله : (الذين قضى اللّه أن يكون لهم دُوَل في الدنيا على أولياء اللّه) صفة لأئمّة الضلالة .

وقوله : (الأئمّة من آل محمّد) صفة لأولياء اللّه ، أو بدل منه ، أو خبر مبتدأ محذوف .

وقوله : (يعملون في دولتهم بمعصية اللّه ومعصية رسوله صلى الله عليه و آله ) خبر المبتدأ ، أعني قوله : «الذين نهى اللّه» .

وقيل : يحتمل أن يكون الموصول الثاني بياناً وتفسيراً للموصول الأوّل ، وأن يكون خبراً له ، وحينئذ قوله : «يعملون» خبر بعد خبر ، أو حال عن ضمير «لهم» ، أو استئناف كأنّه قيل :

ص: 154


1- النساء (4) : 59
2- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 181
3- .الأنبياء (21) : 73
4- القصص (28) : 41
5- .الكافي ، ج 1 ، ص 216 ، باب أنّ الأئمّة في كتاب اللّه إمامان ... ، ح 2
6- المائدة (5) : 55
7- .الممتحنة (60) : 1

ما يصنعون في دولتهم ، فأجاب بما ذكر (1).

ومعنى قوله : «قضى اللّه» إلخ ، أنّه تعالى حكم بذلك، وأمر به ، وفي هذا القضاء حكمة مخفية لا يدركها عقولنا .

وقيل : لا يبعد أن يكون الحكمة منها اختبارهم واختبار هذه الاُمّة بهم ، كاختبار جميع الاُمم بالشيطان ليتميّز الخبيث منهم من الطيّب (2).

وقال الفيروزآبادي : «القضاء ، ويقصر : الحكم والصنع والحتم والبيان ، وقضى وطره : أتمّه وبلغه ، وإليه : أنهاه» (3).

(ليُحقّ (4)عليهم كلمةَ العذاب) .

في القاموس :

حقّه كمدّه : غلبه على الحقّ ، كأحقّه . والشيءَ : أوجبه ، كأحقّه وحقّقه. والطريق : [ركب] حاقّه ، والأمر يُحقّ ويَحقّ حقّة بالفتح : وجب ووقع بلا شكّ ، لازم متعدّ(5). انتهى .

وقيل : المراد بكلمة العذاب حكم اللّه عليهم بالشقاوة والكفر واستحقاق العذاب (6).

وقيل : هي أمر اللّه به ، أو الآيات الدالّة عليه كقوله تعالى : «لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةَ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» (7)كما يقال كلمة التوحيد ، ويراد بها الكلام الدالّ عليه ، أي فعل ما فعل ، وقضى ما قضى لتحقّ تلك الكلمة عليهم وعلى أتباعهم حقّاً مطابقاً للإيمان ، أو لتثبت ثبوتاً ظاهراً لا يخفى استحقاقهم له عليهم ولا على غيرهم ؛ إذ قد جرت حكمة اللّه تعالى أن لا يعذّب أحداً بسبب علمه بما يوجب استحقاقهم له ، حتّى يتحقّق المعلوم في الخارج ، ويطابق علمه به ، ويظهر استحقاقه للخلق (8).

(وليَتمّ أن تكونوا مع نبيّ اللّه محمّد صلى الله عليه و آله والرسل من قبله) .

ص: 155


1- القائل هو المحقق المازندراني رحمة الله في شرحه ، ج 11، ص 181 و 182 .
2- القائل هو المحقق المازندراني رحمة الله في شرحه ، ج 11، ص 181 و 182 .
3- القاموس المحيط ، ج ٤ ، ص 379 ( قضى ) مع التلخيص.
4- في المتن الذي نقله الشارح رحمة الله سابقاً : + «الله» .
5- القاموس المحيط ، ج 3، ص 221 (حقق).
6- قاله العلّامة المجلسي رحمة الله في مرآة العقول ، ج ٢٥ ، ص ٢٧ .
7- هود (11) : 119 ؛ السجدة (32) : 13 .
8- قاله المحقق المازندراني رحمة الله في شرحه ، ج 11، ص 182 .

في بعض النسخ : «يكونوا» بالياء المثنّاة التحتانيّة . وضمير الجمع للأئمّة عليهم السلام ، أو للمؤمنين الموصوفين سابقاً على احتمال .

وفى بعضها بالتاء الفوقانيّة ، فالضمير للشيعة الصابرين على البلاء ، التابعين لأئمّة الهُدى .

ثمّ اعلم أنّ هذا الموضع أيضاً أحد مواضع الاختلاف مع النسخة المشار إليها ، وفيها قوله : «وليتمّ» متّصل بقوله عليه السلام : «أمر اللّه فيهم الذي خلقهم له في الأصل» ، وقوله : «أن تكونوا» بعد قوله : «فإن سرّكم» هكذا : «واُوذوا مع التكذيب بالحقّ ، فإن سرّكم أن تكونوا مع نبيّ اللّه» ، إلخ .

وقيل : المراد بقوله : «ليتمّ» : ليحقّ ، وإنّما عدل إليه للتفنّن ، ووجهه يعلم ممّا ذكر (1)، ويمكن أن يكون فيه إيماء إلى أنّ علمه تعالى باستحقاقهم للثواب كاف في الإثابة ، ولأعمالهم مَدخل في تمامها وكمالها ، ويؤيّده ظاهر بعض الآيات والروايات (2).

(فتدبّروا ما قصّ اللّه عليكم في كتابه) .

في القاموس: «قصّ الخبر: أعلمه» (3).

وقوله: (ممّا ابتَلى به أنبياءه وأتباعهم المؤمنين) بيان للموصول .

(ثمّ سَلوا اللّه تعالى أن يُعطيكم [الصبر] على البلاء) .

قيل: الصبر وإن كان من فعل العبد ، ولذلك وقع التكليف به ، لكن التوفيق والقوّة المعدّة من فعله تعالى ، ولذا أمر بالسؤال عنه (4).

(في السَّرّاء والضَّرّاء) .

السرّاء : المَسرّة ، والضرّاء : الزَّمانة ، والشدّة ، والنقص في الأموال والأنفس .

وقيل : هما بناءان للمؤنّث ، ولا مذكّر لهما (5).

(والشدّة والرَّخاء) .

الرخاء بالفتح : سعة العيش .

وقيل : المراد بالفقرة الاُولى ما يتعلّق بالبدن مثل الصحّة

ص: 156


1- في الحاشية: «يعني قوله أو قد جرت حكمة الله تعالى، إلخ»
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 182
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 313 (قصص)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 183
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 183

والسلامة والأمراض ونحوها ، وبالثانية ما يتعلّق بالمال كضيق العيش وسعته ، ولا يخفى أنّ في الرخاء والسرّاء أيضاً ابتلاء لكثرة ما يطلب فيهما (1).

(مثلَ الذي أعطاهم) من الصبر والتوفيق .

وضمير الجمع للأنبياء وأتباعهم، وعائد الموصول محذوف .

وقوله : (مُماظّة أهل الباطل) إلى قوله : (وحلمهم) .

يقال : ماظظتُه مُماظّة ومُماظّاً ، أي شاردته ونازعته ، وماظظت الخصم ، أي لازمته .

والهَدي بفتح الهاء _ وقد يكسر _ وسكون الدال : الطريقة والسيرة .

ويحتمل كونه هذا بضمّ الهاء وفتح الدال بمعنى الدلالة والرشاد، من قبيل إضافة المصدر إلى فاعله بحذف المفعول، أو بالعكس (2).

والوَقار بالفتح : الرزانة ، وعرّفوه بأنّه سكون النفس باللّه ، وعدم اضطرابها لشيء ممّا سواه ، وهو في الحقيقة يتحقّق بالاعتدال في القوّة العقليّة والشهويّة والغضبيّة .

والسكينة : طمأنينة الأعضاء ، وهي ثمرة الوقار .

والحلم بالكسر : الأناة والعقل ، وعرّفوه بأنّه صفة توجب العفو عن الآثام ، والصفح عن الانتقام .

وفي كثير من النسخ: «وحملهم» بتقديم الميم على اللام، وكان المراد به التحمّل .

وقوله : (وتخشّعهم) أي تضرّعهم للّه ، والانقياد لأحكامه ، والإطاعة لرسوله والأئمّة عليهم السلام ، والتواضع لسائر المؤمنين .

(وورعهم) أي كفّهم (عن محارم اللّه وصدقهم) في الأقوال ، أو في الأعمال أيضاً .

(ووفائهم) بالعهود .

(واجتهادهم) أي جدّهم وكدّهم للّه .

(في العمل بطاعته) خالصاً لوجهه .

وهذه الاُوصاف الثمانية كالبيان والتفسير لهَدي الصالحين، وهي اُمّهات الفضائل .

ص: 157


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه اللهفي شرحه ، ج 11 ، ص 183
2- قد استبعد هذا الاحتمال المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 183

(فإنّكم إن لم تفعلوا ذلك) المذكور من الاتّصاف بسيرة الصالحين ، أو الأعمّ منه ومن الصبر على البلاء والحذر عن المُماظّة .

(لم تُنزلوا عند ربّكم منزلة الصالحين قبلكم)؛ لأنّ منزلتهم الرفيعة ومرتبتهم المنيعة لا يليق إلّا لمن تخلّق بأخلاقهم .

(واعلموا أنّ اللّه إذا أراد بعبد خيراً) .

قيل : لعلّ المراد به اللطف والتوفيق لاستعداد العبد في قبولهما ، أو خلق حبّ الخلق وكراهة الباطل .

وقيل : الإذن في دخول الجنّة .

ويستفاد من بعض الأخبار المروي عن الرضا عليه السلام (1).

أنّه الهداية إلى الجنّة في الآخرة بسبب إيمانه في الدنيا (2).

وقيل : المراد بالإرادة العلم ، وصحّ إطلاقها عليه ، والخير يتمّ سائر الخيرات ، وعلى التقادير لا يرد أنّ اللّه تعالى أراد خير جميع العباد ، فلا وجه للتخصيص ببعضهم (3).

(شرح صدره للإسلام) أي كشفه ووسّعه ، وهيّأه لقبوله والتزام إكماله .

(فإذا أعطاه ذلك) أي إرادة الخير المستلزم لشرح الصدر .

(ونَطَق لسانُه بالحقّ) أي تكلّم بما هو مطابق للواقع (4).

(وعقد) على بناء الفاعل ، أو المفعول . يقال : عقد البيع والجهل والعهد كضرب ، إذا شدّه .

(قلبه عليه) أي عقدا ثابتاً لا يزول بالشبهات والفتن ، واعتقد به حتّى كأنّه مشدود عليه لا يفارقه .

(فإذا جمع اللّه له ذلك) المذكور من إرادة الخير ، وشرح الصدر ، والنطق بالحقّ ، والقصد عليه ، والعمل به .

ص: 158


1- .في الحاشية: «في تفسير قوله تعالى: «فَمَنْ يُرِدِ اللّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْاءِسْلَامِ» » [الأنعام (6): 125]
2- راجع : الاحتجاج ، ج 2 ، ص 411 ؛ التوحيد للصدوق ، ص 242 ، ح 4 ؛ عيون الأخبار ، ج 1 ، ص 131 ، ح 27 ؛ معانيالأخبار ، ص 145 ، ح 2
3- اُنظر في كلّ الأقوال : شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 184
4- في شرح المازندراني : «ذلك لظهور أنّ النطق به وعقد القلب عليه فرع العلم ، فتأمّل»

وقيل : إنّما نسب الجميع إليه تعالى مع أنّ أكثر ذلك فعل العبد باعتبار توفيقه إيّاه (1).

(تمّ له إسلامه ...) .

المراد بالإسلام هنا ما هو أخصّ من الإيمان ، وربّما استدلّ بهذا وأمثاله على كون العمل خارجاً عن حقيقة الإسلام متمّماً له موجباً لكماله .

وقوله : (وكله إلى نفسه) أي خَلاه مع نفسه الأمّارة بالسوء ، وسلب عنه التوفيق جزاء لعمله .

يقال : وَكّل إليه الأمر _ كوعد _ وَكلاً ووُكولاً ، إذا سلّمه وتركه .

(وكان صدرُه ضَيّقاً حَرَجاً) بحيث يأبى عن الإيمان ، ويستوهم الحقّ .

قال الجوهري :ضاق الشيء يضيق ضَيقاً وضَيّقاً ، والضيق أيضاً تخفيف الضيّق ، والضيق أيضاً جمع الضَيقة ، وهي الفقر وسوء الحال(2).

وقال :

مكان حَرِج وحَرَج، أي ضيّق كثير الشجر ، لا تصل إليه الراعية، وقرئ: «يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرِجاً» (3). وحَرَجاً ، وقد حَرج صدره يَحرج حَرجَاً(4). انتهى .

وقيل : الحرج : الضيق ، أو أشدّ أفراده ، فعل الأوّل تأكيد ، وعلى الثاني تأسيس ومبالغة في عدم قبوله الحقّ وإنكار أهله (5).

(فإن جرى على لسانه حقّ) اتّفاقاً، أو معلّلاً بالأغراض .

(لم يُعقد قلبُه عليه)؛ لعدم اعتقاده به .

(وإذا لم يُعقد قلبه عليه لم يُعطه اللّه العمل به) أي لم يوفّقه له ؛ ضرورة أنّ العمل به متوقّف على اعتقاده .

وقوله : (وأن يجعل مُنقلَبكم مُنقلَبَ الصالحين) .

الانقلاب : تحوّل الشيء ظهراً لبطن ، والمنقلب _ بضمّ الميم وفتح اللام _ للمكان ، والمصدر كالمنصرف ، أي يجعل مرجعكم أو رجوعكم إلى اللّه _ عزّ وجلّ _ في القيامة ، أو

ص: 159


1- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 184
2- الصحاح ، ج 4 ، ص 1510 (ضيق)
3- .الأنعام (6) : 125
4- الصحاح ، ج 1 ، ص 305 (حرج)
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 184

وقت الموت ، أو مطلقاً كمرجع الصالحين ، أو رجوعهم في الاشتمال على الاستفاضات والسرور والكرامة والروح والراحة .

هذا وإذ قد فرغنا ممّا أردناه من شرح الرسالة على ترتيب النسخ المشهورة ، فلنذكرها على ترتيب النسخة المشار إليها سابقاً (1).

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ .

أمّا بعد ، فاسألوا اللّه ربّكم العافية ، وعليكم بالدعة والوقار والسكينة ؛ وعليكم بالحياء والتنزّه عمّا تنزّه عنه الصالحون قبلكم ؛ وعليكم بمجاملة أهل الباطل ، تحمّلوا الضَّيم منهم ، وإيّاكم ومُماظّتهم ، دينوا فيما بينكم وبينهم إذا أنتم جالستموهم وخالطتموهم ونازعتموهم الكلام ؛ فإنّه لا بدّ لكم من مجالستهم ومخاطبتهم (2). ومنازعتهم الكلام بالتقيّة التي أمركم اللّه أن تأخذوا بها فيما بينكم وبينهم ، فإذا ابتُليتم بذلك منهم فإنّهم سيؤذونكم ، وتعرفون في وجوههم المنكر ، ولو لا أنّ اللّه تعالى يدفعهم عنكم لسطوا بكم ، وما في صدورهم من العداوة والبغضاء أكثر ممّا يبدون لكم ، مجالسكم ومجالسهم واحدة ، وأرواحكم وأرواحهم مختلفة لا تأتلف ، لا تحبّونهم أبداً ، ولا يحبّونكم غير أنّ اللّه تعالى أكرمكم بالحقّ ، وبصّركموه ، ولم يجعلهم من أهله ، فتجاملونهم ، وتصبرون عليهم ، وهم لا مجاملة لهم ، ولا صبر لهم على شيء من اُموركم ، تدفعون أنتم السيّئة «بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» فيما بينكم وبينهم ، تلتمسون بذلك وجه ربّكم بطاعته ، وهم لا خير عندهم ، لا يحلّ لكم أن تظهروهم على اُصول دين اللّه ؛ فإنّهم (3).

إن سمعوا منكم فيه شيئاً عادوكم عليه ، ورفعوه عليكم ، وجاهدوا على هلاكهم ، واستقبلوكم بما تكرهون ، ولم يكن لكم النَّصَف منهم في دُوَل الفجّار، فاعرفوا منزلتكم فيما بينكم وبين أهل الباطل ؛ فإنّه لا ينبغي لأهل الحقّ أن ينزلوا أنفسهم منزلة أهل الباطل ؛ لأنّ اللّه لم يجعل أهل الحقّ عنده بمنزلة أهل الباطل ، أ لم تعرفوا وجه قول اللّه في كتابه إذ يقول : «أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجّارِ» (4).

ص: 160


1- قد ضبط المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 97 ، ح 25378 متن الخبر عن النسخة المشار إليها ، ونقله الغفاري في آخر كتاب الروضة _ المطبوع بتحقيقه _ عن الوافي ، فطبّقت أنا ما نقله الشارح رحمه الله هنا وقابلته مع ما في الوافي، وذكرت بعض الفروق الواقعة بينهما
2- .في الحاشية عن بعض النسخ والوافي: «مخالطتهم»
3- .في الوافي : «فإنّه»
4- ص (38) : 28

أكرموا أنفسكم عن أهل الباطل ، فلا تجعلوا اللّه تعالى _ «وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى» (1).

_ وإمامكم ودينكم الذي تدينون به عُرضة لأهل الباطل ، فتغضبوا اللّه عليكم ، فتهلكوا .

فمهلاً مَهلاً يا أهل الصلاح، لا تتركوا أمر اللّه وأمر من أمركم بطاعته ، فيغيّر اللّه ما بكم من نعمة ، أحبّوا في اللّه من وصف صفتكم ، وأبغضوا في اللّه من خالفكم ، وابذُلوا مودّتكم ونصيحتكم لمن وصف صفتكم ، ولا تبذلوها لمن رغب عن صفتكم وعاداكم عليها ، وبغاكم الغوائل .

هذا أدبنا أدب اللّه ، فخذوا به ، وتفهّموه ، واعقلوه ، ولا تنبذوه وراء ظهوركم ، ما وافق هداكم أخذتم به ، وما وافق هواكم اطّرحتموه ، ولم تأخذوا به .

وإيّاكم والتجبّر على اللّه ، واعلموا أنّ عبداً لم يبتل بالتجبّر على اللّه إلّا تجبّر على دين اللّه ، فاستقيموا للّه ، ولا ترتدّوا على أعقابكم «فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ» ، أجارنا اللّه وإيّاكم من التجبّر على اللّه ، ولا قوّة لنا ولكم إلّا باللّه .

وقال : إنّ العبد إذا كان خلقه اللّه في الأصل _ أصل الخلق _ مؤمناً ، لم يمت حتّى يكرّه اللّه إليه الشرّ ، ويباعده منه ، ومن كرّه اللّه إليه الشرّ وباعده منه عافاه اللّه من الكبر أن يدخله والجبريّة ، فلانت عريكته ، وحسن خلقه ، وطلق وجهه ، وصار عليه وقار الإسلام وسكينته وتخشّعه وورع عن محارم اللّه ، واجتنب مساخطه ، ورزقه اللّه مودّة الناس ومجاملتهم ، وترك مقاطعة الناس والخصومات ، ولم يكن منها ولا من أهلها في شيء .

وإنّ العبد إذا كان اللّه خلقه في الأصل _ أصل الخلق _ كافراً، لم يمت حتّى يحبّب إليه الشرّ ، ويقرّبه منه ، فإذا حبّب إليه الشرّ ، وقرّبه منه ، ابتُلي بالكبر والجبريّة ، فقسا قلبه ، وساء خلقه، وغلظ وجهه ، وظهر فحشه ، وقلّ حياؤه ، وكشف اللّه ستره ، وركب المحارم ، فلم ينزع عنها ، وركب معاصي اللّه ، وأبغض طاعته وأهلها ، فبُعد ما بين حال المؤمن وحال الكافر .

سلوا اللّه العافية ، واطلبوها إليه ، ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه ، صبّروا النفس على البلاء في الدنيا ؛ فإنّ تتابع البلاء فيها والشدّة في طاعة اللّه وولايته وولاية من أمر بولايته خير عاقبة عند اللّه في الآخرة من ملك الدنيا ، وإن طال تتابع نعيمها وزهرتها وغضارة عيشها في معصية اللّه وولاية من نهى اللّه عن ولايته وطاعته ؛ فإنّ اللّه أمر بولاية الأئمّة الذين سمّاهم في كتابه في قوله: «وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا» ، (2). وهم الذين أمر اللّه

ص: 161


1- .الروم (30) : 27
2- .الأنبياء (21) : 73

تعالى بولايتهم وطاعتهم ، والذين نهى اللّه عن ولايتهم وطاعتهم ، وهم أئمّة الضلالة (1).

الذين قضى اللّه أن يكون لهم دول في الدنيا على أولياء اللّه الأئمّة من آل محمّد صلى الله عليه و آله ، يعملون في دولتهم بمعصية اللّه ومعصية رسوله ، ليحقّ عليهم كلمة العذاب، وليتمّ أمر اللّه فيهم الذي خلقهم له في الأصل _ أصل الخلق _ من الكفر الذي سبق في علم اللّه أن يخلقهم له في الأصل ، ومن الذين سمّاهم اللّه في كتابه في قوله : «وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النّارِ» (2).

فتدبّروا هذا ، واعقلوه ، ولا تجهلوه ؛ فإنّ من جهل هذا وأشباهه ممّا افترض اللّه عليه في كتابه ممّا أمر به ونهى عنه ، ترك دين اللّه ، وركب معاصيه ، فاستوجب سخط اللّه ، فأكبّه اللّه على وجهه في النار .

وقال : أيّتها العصابة المرحومة المفلحة ، إنّ اللّه أتمّ لكم ما آتاكم من الخير ، واعلموا أنّه ليس من علم اللّه ولا من أمره أن يأخذ أحد من خلق اللّه في دينه بهوى ولا رأي ولا مقاييس ، قد أنزل اللّه القرآن ، وجعل فيه تبيان كلّ شيء، وجعل للقرآن وتعلّم القرآن أهلاً ، لا يسع أهل علم القرآن الذين آتاهم اللّه علمه أن يأخذوا فيه بهوى ولا رأي ولا مقاييس ، أغناهم اللّه عن ذلك بما آتاهم من علمه، وخصّهم به ، ووضعه عندهم كرامة من اللّه أكرمهم بها ، وهم أهل الذكر الذين أمر اللّه هذه الاُمّة بسؤالهم ، وهم الذين من سألهم ، وقد سبق في علم اللّه أن يصدّقهم ، ويتّبع أمرهم أرشدوه ، وأعطوه من علم القرآن ما يهتدي به إلى اللّه بإذنه وإلى جميع سبل الحقّ ، وهم الذين لا يرغب عنهم وعن مسألتهم وعن علمهم الذي (3).

أكرمهم اللّه به ، وجعله عندهم إلّا من سبق عليه في علم اللّه الشقاء في أصل الخلق تحت الأظلّة ، فاُولئك الذين يرغبون عن سؤال أهل الذكر ، والذين آتاهم اللّه علم القرآن ، ووضعه عندهم ، وأمر بسؤالهم ، فاُولئك الذين يأخذون بأهوائهم وآرائهم ومقاييسهم حتّى دخلهم الشيطان ؛ لأنّهم جعلوا أهل الإيمان في علم القرآن عند اللّه كافرين ، وجعلوا أهل الضلالة في علم القرآن عند اللّه مؤمنين ، وحتّى جعلوا ما أحلّ اللّه في كثير من الأمر حراماً ، وجعلوا ما حرّم اللّه في كثير من الأمر حلالاً ، فذلك أصل ثمرة أهوائهم ، وقد عهد إليهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله قبل موته ، فقالوا : نحن بعد ما قبض اللّه تعالى رسوله يسعنا أن نأخذ بما اجتمع عليه رأي

ص: 162


1- .القصص (28) : 41
2- في الوافي : «الضلال»
3- .في الحاشية عن بعض النسخ : «الذين»

الناس بعد قبض اللّه تعالى رسوله ، وبعد عهده الذي عهده (1). ، وأمرنا به مخالفة للّه ولرسوله صلى الله عليه و آله ، فما أحد أجرأ على اللّه ولا أبين ضلالة ممّن أخذ بذلك ، وزعم أنّ ذلك يسعه ، واللّه إنّ للّه على خلقه أن يطيعوه ويتّبعوا أمره في حياة محمّد صلى الله عليه و آله وبعد موته ، هل يستطيع اُولئك أعداء اللّه أن يزعموا أنّ أحداً ممّن أسلم مع محمّد صلى الله عليه و آله أخذ بقوله ورأيه ومقاييسه ؟ !

فإن قال : نعم ، فقد كذب على اللّه ، و «ضَلَّ ضَلَالاً بَعِيداً» ، وإن قال : لا ، لم يكن لأحد أن يأخذ برأيه وهواه ومقاييسه ، فقد أقرّ بالحجّة على نفسه ، وهو ممّن يزعم أنّ اللّه يطاع ويتّبع أمره بعد قبض اللّه رسوله ، وقد قال اللّه وقوله الحقّ : «وَما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ» (2).

وذلك ليعلموا أنّ اللّه يطاع ويتّبع أمره في حياة محمّد صلى الله عليه و آله وبعد قبض اللّه محمّداً صلى الله عليه و آله ، وكما لم يكن لأحد من الناس مع محمّد صلى الله عليه و آله أن يأخذ بهواه ولا رأيه ولا مقاييسه خلافاً لأمر محمّد صلى الله عليه و آله ، فكذلك لم يكن لأحد من الناس من بعد محمّد صلى الله عليه و آله أن يأخذ بهواه ولا رأيه ولا مقاييسه .

وقال : دعوا رفع أيديكم في الصلاة إلّا مرة واحدة حين تفتتح الصلاة؛ فإنّ الناس قد شهروكم بذلك ، «وَاللّهُ الْمُسْتَعانُ» ، ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه .

وقال : أكثروا من أن تدعوا اللّه ؛ فإنّ اللّه يحبّ من عباده المؤمنين أن يدعوه ، وقد وعد عباده المؤمنين بالاستجابة ، والله مصيّر دعاء المؤمنين يوم القيامة لهم عملاً يزيدهم به في الجنّة ، فأكثروا ذكر اللّه ما استطعتم في كلّ ساعة من ساعات الليل والنهار؛ فإنّ اللّه تعالى أمر بكثرة الذكر له، واللّه ذاكر لمن ذكره من المؤمنين .

واعلموا أنّ اللّه لم يذكره أحد من عباده المؤمنين إلّا ذكره بخير ، فأعطوا اللّه من أنفسكم الاجتهاد في طاعته؛ فإنّ اللّه لا يُدرَك شيء من الخير عنده إلّا بطاعته واجتناب محارمه التي حرّم اللّه في ظاهر القرآن وباطنه، فإنّ اللّه تعالى قال في كتابه وقوله الحقّ : «وَذَرُوا ظاهِرَ الْاءِثْمِ وَباطِنَهُ» (3). ، واعلموا أنّ ما أمر اللّه أن تجتنبوه فقد حرّمه (4). ، واتّبعوا آثار رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسنّته ، فخذوا بها ، ولا تتّبعوا أهواءكم وآراءكم فتضلّوا ؛ فإنّ أضلّ

ص: 163


1- .في الوافي : + «إلينا»
2- آل عمران (3) : 144
3- .الأنعام (6) : 120
4- .في الوافي : + «اللّه »

الناس عند اللّه من اتّبع هواه ورأيه بغير هدى من اللّه ، وأحسنوا إلى أنفسكم ما استطعتم، ف_ «إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها» (1).

وجاملوا الناس ، ولا تحمّلوهم على رقابكم تجمعوا مع ذلك طاعة ربّكم .

وإيّاكم وسبّ أعداء اللّه حيث يسمعونكم ، «فَيَسُبُّوا اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ» (2). ، وقد ينبغي لكم أن تعلموا حدّ سبّهم للّه كيف هو ، إنّه من سبّ أولياء اللّه فقد انتهك سبّ اللّه ، ومن أظلم عند اللّه ممّن استسبّ للّه ولأوليائه ، فمهلاً مهلاً ، فاتّبعوا أمر اللّه ، ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه .

وقال : أيّتها العصابة الحافظ اللّه لهم أمرهم ، عليكم بآثار رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسنّته وآثار الأئمّة الهداة من أهل بيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله من بعده وسنّتهم ؛ فإنّه من أخذ بذلك فقد اهتدى ، ومن ترك ذلك ورغب عنه ضلّ ؛ لأنّهم هم الذين أمر اللّه بطاعتهم وولايتهم ، وقد قال أبونا رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «المداومة على العمل في اتّباع الآثار والسنن _ وإن قلّ _ أرضى للّه ، وأنفع عنده في العاقبة من الاجتهاد في البدع واتّباع الأهواء» .

ألا إنّ اتّباع الأهواء واتّباع البدع بغير هدى من اللّه ضلال ، وكلّ ضلالة (3). بدعة ، وكلّ بدعة في النار، ولن ينال شيء من الخير عند اللّه إلّا بطاعته والصبر والرضا ؛ لأنّ الصبر والرضا من طاعة اللّه .

واعلموا أنّه لن يؤمن عبد من عبيده حتّى يرضى عن اللّه فيما صنع اللّه إليه ، وصنع به على ما أحبّ وكره ، ولن يصنع اللّه بمن صبر ورضي عن اللّه إلّا ما هو أهله ، وهو خير له ممّا أحبّ وكره .

وعليكم بالمحافظة «عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ» ، (4). كما أمر اللّه به المؤمنين في كتابه من قبلكم ، وإيّاكم وعليكم بحبّ المساكين المسلمين ؛ فإنّه من حقّرهم وتكبّر عليهم ، فقد زلّ عن دين اللّه، واللّه له حاقر ماقت .

وقد قال أبونا رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «أمرني ربّي بحبّ المساكين المسلمين منهم» .

واعلموا أنّه من حقّر أحداً من المسلمين ، ألقى اللّه عليه المقت منه والمحقرة حتّى يمقته الناس ، واللّه له أشدّ مقتاً .

فاتّقوا اللّه في إخوانكم المسلمين المساكين ؛ فإنّ لهم عليكم حقّاً أن تحبّوهم ، فإنّ اللّه

ص: 164


1- الإسراء (17) : 7
2- .الأنعام (6) : 108
3- .في الوافي : «ضلال»
4- .البقرة (2): 238

أمر نبيّه صلى الله عليه و آله بحبّهم ، فمن لم يحبّ من أمر اللّه بحبّه ، فقد عصى اللّه ورسوله ، ومن عصى اللّه ورسوله ومات على ذلك ، مات وهو من الغاوين .

وإيّاكم والعظمة والكبر ؛ فإنّ الكبر رداء اللّه تعالى ، فمن نازع اللّه رداءه ، قصمه اللّه وأذلّه يوم القيامة .

وإيّاكم أن يبغي بعضكم على بعض ؛ فإنّها ليست من خصال الصالحين ، فإنّه من بغى صيّر اللّه بغيه على نفسه ، وصارت نصرة اللّه لمن بُغي عليه ، ومن نصره اللّه غلب ، وأصاب الظفر من اللّه .

وإيّاكم أن يحسد بعضكم بعضاً ؛ فإنّ الكفر أصله الحسد .

وإيّاكم أن تعينوا على مسلم مظلوم ، فيدعو اللّه عليكم ، فيستجاب له فيكم ؛ فإنّ أبانا رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يقول : «إنّ دعوة المسلم المظلوم مستجابة» ، وليُعن بعضكم بعضاً ؛ فإنّ أبانا رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يقول : «إنّ معونة المسلم خير وأعظم أجراً من صيام شهر واعتكافه في المسجد الحرام» .

وإيّاكم وإعسار أحد من إخوانكم المؤمنين أن تعسروه بالشيء يكون لكم قبله وهو معسر ؛ فإنّ أبانا رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يقول: «ليس للمسلم أن يعسر مسلماً، ومن أنظر معسراً أظلّه اللّه يوم القيامة بظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه» .

وإيّاكم أيّتها العصابة المرحومة المفضّلة على من سواها ، وحبس حقوق اللّه قبلكم يوماً بعد يوم ، وساعة بعد ساعة ؛ فإنّه من عجّل حقوق اللّه قبله كان اللّه أقدر على التعجيل له إلى مضاعفة الخير في العاجل والآجل ، وإنّه من أخّر حقوق اللّه قبله كان اللّه أقدر على تأخير رزقه ، ومن حبس اللّه رزقه لم يقدر أن يرزق نفسه ، فأدّوا إلى اللّه حقّ ما رزقكم يطيب لكم بقيّته ، وينجز لكم ما وعدكم من مضاعفته لكم الأضعاف الكثيرة ، التي لا يعلم بعددها ، ولا بكنه فضلها إلّا اللّه ربّ العالمين .

وقال : اتّقوا اللّه أيّتها العصابة ، وإن استطعتم أن لا يكون منكم محرج الإمام، (1). فإنّ (2). محرج الإمام هو الذي يسعى بأهل الصلاح من أتباع الإمام ، المسلّمين لفضله، الصابرين على أداء حقّه ، العارفين بحرمته .

واعلموا أنّ (3). من نزل بذلك المنزل عند الإمام ، فهو محرج الإمام، (4) فإذا فعل ذلك عند

ص: 165


1- .في الحاشية عن بعض النسخ والوافي : «للإمام»
2- .في الوافي : «و إنّ»
3- .في الحاشية عن بعض النسخ: «أنّه»
4- .في الحاشية عن بعض النسخ والوافي : «للإمام»

الإمام أحرج الإمام إلى أن يلعن أهل الصلاح من أتباعه المسلّمين لفضله ، الصابرين على أداء حقّه ، العارفين بحرمته ، فإذا لعنهم لإحراج أعداء اللّه الإمام صارت لعنته رحمة من اللّه عليهم ، وصارت اللعنة من اللّه ومن الملائكة ورسله (1). على اُولئك .

واعلموا أيّتها العصابة أنّ السنّة من اللّه قد جرت في الصالحين قبل .

وقال : من سرّه أن يلقى اللّه وهو مؤمن حقّاً حقّاً، فليتولّ اللّه ورسوله والذين آمنوا، وليبرأ إلى اللّه من عدوّهم ، وليسلّم لما انتهى إليه من فضلهم ؛ لأنّ فضلهم لا يبلغه ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل ولا من دون ذلك ، أ لم تسمعوا ما ذكر اللّه من فضل أتباع الأئمّة الهداة _ وهم المؤمنون _ قال : «فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً» (2).

فهذا وجه من وجوه فضل أتباع الأئمّة، فكيف بهم وفضلهم ؟ !

ومن سرّه أن يتمّ اللّه إيمانه حتّى يكون مؤمناً حقّاً حقّاً ، فليتّق اللّه (3). بشروطه التي اشترطها على المؤمنين ، فإنّه قد اشترط مع ولايته وولاية رسوله وولاية أئمّة المؤمنين عليهم السلام إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وإقراض اللّه قرضاً حسناً واجتناب الفواحش «ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ» ، فلم يبق شيء ممّا فسّر ممّا حرّم اللّه إلّا وقد دخل في جملة قوله ، فمن دان اللّه فيما بينه وبين اللّه مخلصاً للّه ، ولم يرخّص لنفسه في ترك شيء من هذا، فهو عند اللّه في حزبه الغالبين ، وهو من المؤمنين حقّاً.

وإيّاكم والإصرار على شيء ممّا حرّم اللّه في ظهر القرآن وبطنه ، وقد قال اللّه : «وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ» (4). _ إلى هاهنا رواية القاسم بن ربيع (5). _ يعني المؤمنين قبلكم إذا نسوا شيئاً ممّا اشترط اللّه في كتابه عرفوا أنّهم قد عصوا اللّه في تركهم ذلك الشيء، فاستغفروا ، ولم يعودوا إلى تركه، فذلك معنى قول اللّه : «وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ» .

واعلموا أنّه إنّما أمر ونهى ليطاع فيما أمر به ، ولينتهى عمّا نهى عنه، فمن اتّبع أمره فقد أطاعه ، وقد أدرك كلّ شيء من الخير عنده ، ومن لم ينته عمّا نهى اللّه عنه فقد عصاه، فإن مات على معصيته أكبّه اللّه على وجهه في النار .

ص: 166


1- .النساء (4) : 69
2- آل عمران (3) : 135
3- .في الوافي : «رسوله»
4- .في الوافي : «فليف للّه »
5- .في الوافي : «الربيع»

واعلموا أنّه ليس بين اللّه وبين أحد من خلقه ملك مقرّب ، ولا نبيّ مرسل ، ولا من دون ذلك من خلقه كلّهم إلّا طاعتهم له ، فجدّوا في طاعة اللّه إن سرّكم أن تكونوا مؤمنين حقّاً حقّاً ، ولا قوّة إلّا باللّه.

وقال : عليكم بطاعة ربّكم ما استطعتم ، فإنّ اللّه ربّكم .

واعلموا أنّ الإسلام هو التسليم، والتسليم هو الإسلام ، فمن سلّم فقد أسلم ، ومن لم يسلّم فلا إسلام له .

ومن سرّه أن يبلغ إلى نفسه في الإحسان، فليطع اللّه ؛ فإنّه من أطاع اللّه ، فقد أبلغ إلى نفسه في الإحسان .

وإيّاكم ومعاصي اللّه أن تركبوها؛ فإنّه من انتهك معاصي اللّه فركبها ، فقد أبلغ في الإساءة إلى نفسه ، وليس بين الإحسان والإساءة منزلة ، فلأهل الإحسان عند ربّهم الجنّة ، ولأهل الإساءة عند ربّهم النار .

فاعملوا بطاعة اللّه ، واجتنبوا معاصيه ، واعلموا أنّه ليس يغني عنكم من اللّه أحد من خلقه شيئاً ، لا ملك مقرّب ، ولا نبيّ مرسل ، ولا من دون ذلك .

فمن سرّه أن تنفعه شفاعة الشافعين عند اللّه ، فليطلب إلى اللّه أن يرضى عنه .

واعلموا أنّ أحداً من خلق اللّه لم يصب رضى اللّه إلّا بطاعته وطاعة رسوله وطاعة وُلاة أمره من آل محمّد صلى الله عليه و آله ، ومعصيتهم من معصية اللّه ، ولم ينكر لهم فضلاً عظم ولا صغر .

واعلموا أنّ المنكرين هم المكذّبون ، وأنّ المكذّبين هم المنافقون ، وأنّ اللّه قال للمنافقين وقوله الحقّ : «إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً» (1). ، ولا يفرقنّ أحد منكم ألزم اللّه قلبه طاعته وخشيته من أحد من الناس ، أخرجه اللّه من صفة الحقّ ، ولم يجعله من أهلها ؛ فإنّ من لم يجعله اللّه من أهل صفة الحقّ ، فاُولئك هم شياطين الإنس والجنّ ، وإنّ (2). لشياطين الإنس حيلاً ومكراً وخدائع ووسوسة بعضهم إلى بعض ، يريدون إن استطاعوا أن يردّوا أهل الحقّ عمّا أكرمهم اللّه به من النظر في دين اللّه الذي لم يجعل اللّه شياطين الإنس من أهله إرادة أن يستوي أعداء اللّه وأهل الحقّ في الشكّ والإنكار والتكذيب، فيكونون سواء كما وصف اللّه في كتابه من قوله : «وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً» (3). ، ثمّ نهى اللّه أهل النصر

ص: 167


1- . النساء (4) : 145
2- .النساء (4) : 89
3- .في الوافي : «فإنّ»

بالحقّ أن يتّخذوا من أعداء اللّه وليّاً ولا نصيراً ، فلا يهوّلنّكم ، ولا يردّنّكم عن النصر بالحقّ الذي خصّكم اللّه به من حيلة شياطين الإنس ومكرهم وحيلهم ووسواس بعضهم إلى بعض ؛ فإنّ أعداء اللّه إن استطاعوا صدّوكم عن الحقّ ، فيعصمكم اللّهمن ذلك .

فاتّقوا اللّه ، وكفّوا ألسنتكم إلّا من خير ، وإيّاكم أن تذلقوا ألسنتكم بقول الزور والبهتان والإثم والعدوان ؛ فإنّكم إن كففتم ألسنتكم عمّا يكره اللّه ممّا نهاكم عنه كان خيراً لكم عند ربّكم من أن تذلقوا ألسنتكم به ؛ فإنّ ذلق اللسان فيما يكره اللّه وفيما ينهى عنه لدناءة للعبد عند اللّه ، ومقت من اللّه ، وصمم وعمى وبكم يورثه اللّه إيّاه يوم القيامة ، فتصيروا كما قال اللّه : «صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ» (1). ؛ يعني لا ينطقون ، «وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ» (2).

وإيّاكم وما نهاكم اللّه عنه أن تركبوه ، وعليكم بالصمت إلّا فيما ينفعكم اللّه به في أمر آخرتكم ، ويؤجركم عليه ، وأكثروا من التهليل والتقديس والتسبيح والثناء على اللّه والتضرّع إليه والرغبة فيما عنده من الخير الذي لا يقدر قدره ، ولا يبلغ كنهه أحد .

فاشْغَلوا ألسنتكم بذلك عمّا نهى اللّه عنه من أقاويل الباطل التي تُعقب أهلها خلوداً في النار لمن مات عليها ، ولم يتب إلى اللّه منها ، ولم ينزع عنها (3).

وعليكم بالدعاء ؛ فإنّ المسلمين لم يدركوا نجاح الحوائج عند ربّهم بأفضل من الدعاء والرغبة إليه والتضرّع إلى اللّه والمسألة له .

فارغبوا فيما رغّبكم اللّه فيه ، وأجيبوا اللّه إلى ما دعاكم إليه ؛ لتفلحوا وتنجوا منعذاب اللّه .

وإيّاكم أن تشره أنفسكم إلى شيء حرّم اللّه عليكم ؛ فإنّه من انتهك ما حرّم عليه هاهنا في الدنيا ، حال اللّه بينه وبين الجنّة ونعيمها ولذّتها وكرامتها القائمة الدائمة لأهل الجنّة أبد الآبدين .

واعلموا أنّه بئس الحظّ (4).

لمن خاطر بترك طاعة اللّه وركوب معصيته ، فاختار أن ينتهك محارم اللّه في لذّات دنيا منقطعة زائلة عن أهلها على خلود نعيم في الجنّة ولذّاتها

ص: 168


1- .البقرة (2) : 171 . وفي الوافي : «فهم لا يرجعون» بدل «فهم لا يعقلون»
2- المرسلات (77) : 36
3- في الوافي : «عليها»
4- .في الوافي : + «الخطر»

وكرامة أهلها ، ويل لاُولئك ما أخيب حظّهم ، وأخسر كرّتهم ، وأسوأ حالهم عند ربّهم يوم القيامة .

استجيروا اللّه أن يجريكم في مثالهم أبداً ، وأن يبتليكم بما ابتلاهم به ، ولا قوّة لنا ولكم إلّا به .

فاتّقوا اللّه أيّتها العصابة الناجية ، إن أتمّ اللّه لكم ما أعطاكم ؛ فإنّه لا يتمّ الأمر حتّى يدخل عليكم مثل الذي دخل على الصالحين قبلكم ، وحتّى تُبتلوا في أنفسكم وأموالكم ، وحتّى تسمعوا من أعداء اللّه أذًى كثيراً ، فتصبروا ، وتعركوا بجنوبكم ، وحتّى يستذلّوكم ويبغضوكم ، وحتّى يحمّلوا عليكم الضيم ، فتحتملوه منهم ، تلتمسون بذلك وجه اللّه والدار الآخرة ، وحتّى تكظموا الغيظ الشديد في الأذى في اللّه تعالى يجترمونه إليكم ، وحتّى يكذّبوكم بالحقّ ، ويعادوكم فيه ، ويبغضوكم عليه ، فتصبروا على ذلك منهم .

ومصداق ذلك كلّه في كتاب اللّه تعالى الذي أنزله جبرئيل على نبيّكم ، سمعتم قول اللّه تعالى لنبيّكم صلى الله عليه و آله : «فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ» (1).

ثمّ قال : «وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ» (2). ، «فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا» ، فقد كذّب نبيّ اللّه والرسل من قبله ، واُوذوا مع التكذيب بالحقّ ، فإن سرّكم أن تكونوا مع نبيّ اللّه محمّد صلى الله عليه و آله والرسل من قبله ، فتدبّروا ما قصّ اللّه عليكم في كتابه ممّا ابتلى به أنبياءه وأتباعهم المؤمنين .

ثمّ سلوا اللّه أن يعطيكم الصبر على البلاء في السرّاء والضرّاء والشدّة والرخاء مثل الذي أعطاهم .

وإيّاكم ومُماظّة أهل الباطل ، وعليكم بهدَي الصالحين ووقارهم وسكينتهم وحلمهم وتخشّعهم وورعهم عن محارم اللّه وصدقهم ووفائهم واجتهادهم للّه في العمل بطاعته ؛ فإنّكم إن لم تفعلوا ذلك لم تنزلوا عند ربّكم منزلة الصالحين قبلكم .

واعلموا أنّ اللّه إذا أراد بعبد خيراً شرح صدره للإسلام ، فإذا أعطاه ذلك نطق لسانه بالحقّ ، وعقد قلبه عليه ، فعمل به ، فإذا جمع اللّه له ذلك تمّ إسلامه ، وكان عند اللّه _ إن مات على ذلك الحال _ من المسلمين حقّاً ، وإذا لم يرد اللّه بعبد خيراً وكله إلى نفسه، وكان صدره ضيّقاً حرجاً، فإن جرى على لسانه حقّ لم يعقد قلبه عليه ، وإذا لم يعقد قلبه

ص: 169


1- .الأحقاف (46) : 35
2- .فاطر (35) : 4

عليه لم يعطه اللّه العمل به ، فإذا اجتمع ذلك عليه حتّى يموت _ وهو على تلك الحال _ كان عند اللّه من المنافقين ، وصار ما جرى على لسانه من الحقّ الذي لم يعطه اللّه أن يعقد قلبه عليه ، ولم يعطه العمل به حجّة عليه .

فاتّقوا اللّه ، وسلوه أن يشرح صدوركم للإسلام ، وأن يجعل ألسنتكم تنطق بالحقّ ، حتّى يتوفّاكم وأنتم على ذلك ، وأن يجعل منقلبكم منقلب الصالحين قبلكم ، ولا قوّة إلّا باللّه ، «وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» .

ومن سرّه أن يعلم أنّ اللّه يحبّه ، فليعمل بطاعة اللّه وليتّبعنا ، ألم يسمع قول اللّه تعالى لنبيّه صلى الله عليه و آله : «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ» (1).

،واللّه لا يطيع اللّه عبد أبداً إلّا أدخل اللّه عليه في طاعته اتّباعنا ، ولا واللّه لا يتّبعنا عبد أبداً إلّا أحبّه اللّه ، ولا واللّه لا يدع اتّباعنا أحد أبداً إلّا أبغضنا ، ولا واللّه لا يبغضنا أحد أبداًإلّا عصى اللّه ، ومن مات عاصياً للّه أخزاه اللّه ، وأكبّه على وجهه في النار ، «وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» .

متن الحديث الثاني

اشاره

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، (2). عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ؛ وَ (3). عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، (4). عَنْ أَبِيهِ جَمِيعاً ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ عَطِيَّةَ ، (5). عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ، (6). قَالَ :مَا سَمِعْتُ بِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ كانَ أَزْهَدَ مِنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليه السلام إِلَا مَا بَلَغَنِي عَنْ (7). عَلِيِّ بْنِ أَبِي

ص: 170


1- .آل عمران (3) : 31
2- .في الحاشية: «ثقة على الظاهر»
3- .في السند تحويل بعطف طبقتين على طبقتين
4- .في الحاشية: «عليّ بن إبراهيم بن هاشم القمّي ، ثقة ، ثبت، معتمد، صحيح المذهب، وهذا هو الذي روى عنه محمّد بن يعقوب الكليني عنه ، وروى عنه إبراهيم بن هاشم القمّي ، ولم أقف لأحد من أصحابنا على قول بقدح فيه، و[لا ]تعديل بالتنصيص ، والمروي عنه كثير. الخلاصة . المصحّح» . اُنظر : رجال النجاشي ، ص 16 ، الرقم 18 ؛ رجال الشيخ ، ص353 ، الرقم 5224 ؛ الفهرست ، ص 4 ، الرقم 6 ؛ خلاصة الأقوال ، ص 49 ، الرقم 9
5- .في الحاشية: «مالك بن عطيّة الأحمسي أبو الحسين البجلي الكوفي ، ثقة. مصحّح». رجال النجاشي ، ص 422 ، الرقم 2032 ؛ خلاصة الأقوال ، ص 277 ، الرقم 2
6- .في الحاشية: «أبو حمزة هو ثابت بن دينار الثمالي، ودينار أبوه يكنّى بأبي صفيّة، كوفي ، ثقة، لقي السجّاد والباقر والصادق والكاظم عليهم السلام ، وكان من صالح أصحابنا، ونقل عن الرضا عليه السلام أبو حمزة في زمانه كسلمان في زمانه. مصحّح». وانظر : رجال الطوسي ، ص 333 ، الرقم 4959 ؛ خلاصة الأقوال ، ص 85 ، الرقم 5
7- .في الطبعة القديمة للكافي: «من»

طَالِبٍ عليه السلام ، قَالَ أَبُو حَمْزَةَ : كَانَ (1). عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهماالسلام إِذَا تَكَلَّمَ فِي الزُّهْدِ (2). وَوَعَظَ ، أَبْكى مَنْ بِحَضْرَتِهِ ، قَالَ أَبُو حَمْزَةَ :

وَقَرَأْتُ صَحِيفَةً فِيهَا كَلَامُ زُهْدٍ مِنْ كَلَامِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليه السلام ، وَكَتَبْتُ مَا فِيهَا ، ثُمَّ أَتَيْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليه السلام ، فَعَرَضْتُ مَا فِيهَا عَلَيْهِ ، فَعَرَفَهُ ، وَصَحَّحَهُ ، وَكَانَ مَا فِيهَا :

«بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، كَفَانَا اللّهُ وَإِيَّاكُمْ كَيْدَ الظَّالِمِينَ، وَبَغْيَ الْحَاسِدِينَ، وَبَطْشَ الْجَبَّارِينَ .

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، لَا تَفْتِنَنَّكُمُ (3). الطَّوَاغِيتُ وَأَتْبَاعُهُمْ مِنْ أَهْلِ الرَّغْبَةِ فِي هذِهِ الدُّنْيَا، الْمَائِلُونَ إِلَيْهَا، الْمُفْتَتِنُونَ بِهَا، الْمُقْبِلُونَ عَلَيْهَا وَعَلى حُطَامِهَا الْهَامِدِ وَهَشِيمِهَا الْبَائِدِ غَداً.

وَاحْذَرُوا مَا حَذَّرَكُمُ اللّهُ مِنْهَا، وَازْهَدُوا فِيمَا زَهَّدَكُمُ اللّهُ فِيهِ مِنْهَا، وَلَا تَرْكَنُوا إِلى مَا فِي هذِهِ الدُّنْيَا رُكُونَ مَنِ اتَّخَذَهَا دَارَ قَرَارٍ وَمَنْزِلَ اسْتِيطَانٍ.

وَاللّهِ ، إِنَّ لَكُمْ مِمَّا فِيهَا عَلَيْهَا دَلِيلاً (4).

وَتَنْبِيهاً مِنْ تَصْرِيفِ أَيَّامِهَا وَتَغَيُّرِ انْقِلَابِهَا وَمَثُلَاتِهَا وَتَلَاعُبِهَا بِأَهْلِهَا، إِنَّهَا لَتَرْفَعُ الْخَمِيلَ، وَتَضَعُ الشَّرِيفَ، وَتُورِدُ أَقْوَاماً إِلَى النَّارِ غَداً.

فَفِي هذَا (5). مُعْتَبَرٌ وَمُخْتَبَرٌ وَزَاجِرٌ لِمُنْتَبِهٍ، إِنَّ الْأُمُورَ الْوَارِدَةَ عَلَيْكُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنْ مُظْلِمَاتِ (6). الْفِتَنِ ، وَحَوَادِثِ الْبِدَعِ ، وَسُنَنِ الْجَوْرِ ، وَبَوَائِقِ الزَّمَانِ ، وَهَيْبَةِ السُّلْطَانِ ، وَوَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ ، لَتُثَبِّطُ الْقُلُوبَ عَنْ تَنَبُّهِهَا، وَتُذْهِلُهَا عَنْ مَوْجُودِ الْهُدى وَمَعْرِفَةِ أَهْلِ الْحَقِّ إِلَا قَلِيلاً مِمَّنْ عَصَمَ اللّهُ، فَلَيْسَ يَعْرِفُ تَصَرُّفَ أَيَّامِهَا وَتَقَلُّبَ حَالَاتِهَا وَعَاقِبَةَ ضَرَرِ فِتَنِهَا (7).

إِلَا مَنْ عَصَمَ اللّهُ، وَنَهَجَ سَبِيلَ الرُّشْدِ، وَسَلَكَ طَرِيقَ الْقَصْدِ، ثُمَّ اسْتَعَانَ عَلى ذلِكَ بِالزُّهْدِ، فَكَرَّرَ الْفِكْرَ، وَاتَّعَظَ بِالصَّبْرِ (8). ، فَازْدَجَرَ، وَزَهِدَ فِي

ص: 171


1- .في الطبعة القديمة للكافي: + «الإمام»
2- .في الحاشية: «الزهد: ترك الدنيا، وصرف الإرادة عنها، والفرار عن متاعها ومناهيها . وقيل : الزهد ثلاثة أحرف ؛ فالزاء ترك الزينة ، والهاء ترك الهوى ، والدال ترك الدنيا . وقيل : هو صرف الهمّة إلى اللّه تعالى ، ورفض حلال الدنيا فضلاً عن حرامها . وقال عليّ بن الحسين عليهماالسلام : إنّ الزهد في آية من كتاب اللّه عزّو جلّ : «لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلَا تَفرَحُوا بِما آتَاكُمْ» [الحديد (57) : 23] . صالح» . شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 186 و187
3- .في كلتا الطبعتين : «لا يفتننّكم»
4- .في الطبعة القديمة للكافي والوافي وشرح المازندراني : «لدليلاً»
5- .في الحاشية عن بعض النسخ: «فهل من» بدل «ففي هذا»
6- .في الحاشية عن بعض النسخ: «مظلاّ ت». وفي بعض نسخ الكافي والوافي : «ملمّات»
7- .في كلتا الطبعتين وحاشية النسخة عن بعض النسخ: «فتنتها»
8- .في الحاشية عن بعض النسخ: «بالعبر»

عَاجِلِ بَهْجَةِ الدُّنْيَا، وَتَجَافى عَنْ لَذَّاتِهَا، وَرَغِبَ فِي دَائِمِ نَعِيمِ الْاخِرَةِ، وَسَعى لَهَا سَعْيَهَا، وَرَاقَبَ (1). الْمَوْتَ، وَشَنَأَ الْحَيَاةَ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، نَظَرَ إِلى مَا فِي الدُّنْيَا بِعَيْنٍ نَيِّرَةٍ، حَدِيدَةَ النَّظَرِ (2). ، وَأَبْصَرَ حَوَادِثَ الْفِتَنِ وَضَلَالَ الْبِدَعِ وَجَوْرَ الْمُلُوكِ الظَّلَمَةِ، فَلَقَدْ (3). لَعَمْرِي اسْتَدْبَرْتُمُ الْأُمُورَ الْمَاضِيَةَ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ مِنَ الْفِتَنِ الْمُتَرَاكِمَةِ، وَا لأْهِمَاكِ فِيمَا تَسْتَدِلُّونَ بِهِ عَلى تَجَنُّبِ الْغُوَاةِ وَأَهْلِ الْبِدَعِ وَالْبَغْيِ وَالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ .

فَاسْتَعِينُوا بِاللّهِ، وَارْجِعُوا إِلى طَاعَةِ اللّهِ وَطَاعَةِ مَنْ هُوَ أَوْلى بِالطَّاعَةِ مِمَّنِ اتُّبِعَ، فَأُطِيعَ .

فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْ قَبْلِ النَّدَامَةِ وَالْحَسْرَةِ وَالْقُدُومِ عَلَى اللّهِ وَالْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْهِ .

وَتَاللّهِ مَا صَدَرَ قَوْمٌ قَطُّ عَنْ مَعْصِيَةِ اللّهِ إِلَا إِلى عَذَابِهِ، وَمَا آثَرَ قَوْمٌ قَطُّ الدُّنْيَا عَلَى الْاخِرَةِ إِلَا سَاءَ مُنْقَلَبُهُمْ، وَسَاءَ مَصِيرُهُمْ .

وَمَا الْعِلْمُ بِاللّهِ وَالْعَمَلُ إِلَا إِلْفَانِ مُؤْتَلِفَانِ؛ فَمَنْ عَرَفَ اللّهَ خَافَهُ، وَحَثَّهُ الْخَوْفُ عَلَى الْعَمَلِ بِطَاعَةِ اللّهِ، وَإِنَّ أَرْبَابَ الْعِلْمِ وَأَتْبَاعَهُمُ الَّذِينَ عَرَفُوا اللّهَ، فَعَمِلُوا لَهُ، وَرَغِبُوا إِلَيْهِ، وَقَدْ قَالَ اللّهُ : «إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ» (4). ، فَلَا تَلْتَمِسُوا شَيْئاً مِمَّا فِي هذِهِ الدُّنْيَا بِمَعْصِيَةِ اللّهِ (5). ، وَاشْتَغِلُوا فِي هذِهِ الدُّنْيَا بِطَاعَةِ اللّهِ، وَاغْتَنِمُوا أَيَّامَهَا، وَاسْعَوْا لِمَا فِيهِ نَجَاتُكُمْ غَداً مِنْ عَذَابِ اللّهِ؛ فَإِنَّ ذلِكَ أَقَلُّ لِلتَّبِعَةِ، وَأَدْنى مِنَ الْعُذْرِ، وَأَرْجى لِلنَّجَاةِ .

وَقَدِّمُوا (6). أَمْرَ اللّهِ، وَطَاعَةَ مَنْ (7).

أَوْجَبَ اللّهُ طَاعَتَهُ بَيْنَ يَدَيِ الْأُمُورِ كُلِّهَا، وَلَا تُقَدِّمُوا الْأُمُورَ الْوَارِدَةَ عَلَيْكُمْ مِنْ طَاعَةِ الطَّوَاغِيتِ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا بَيْنَ يَدَيِ اللّهِ وَطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ.

وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ عَبِيدُ اللّهِ، وَنَحْنُ مَعَكُمْ، يَحْكُمُ عَلَيْنَا وَعَلَيْكُمْ سَيِّدٌ حَاكِمٌ غَداً، وَهُوَ مُوقِفُكُمْ وَمُسَائِلُكُمْ، فَأَعِدُّوا الْجَوَابَ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَالْمُسَاءَلَةِ وَالْعَرْضِ عَلى رَبِّ الْعَالَمِينَ، يَوْمَئِذٍ «لَا تَكَلَّمُ

ص: 172


1- .في الحاشية عن بعض النسخ والوافي : «راغب»
2- .في الطبعة القديمة للكافي وحاشية النسخة عن بعض النسخ: «البصر»
3- .في الحاشية عن بعض النسخ والوافي وشرح المازندراني : «فقد»
4- .فاطر(35) : 28
5- .في الحاشية: «نهى عن اكتساب المعصية مطلقاً، ومنها الدنيا المانعة من الطاعة ، أو المفضية إلى ترك الطهارة كبعض الأسفار للتجارة. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 194
6- .في الطبعة القديمة للكافي : «فقدّموا»
7- .في الحاشية: «أمر عليه السلام بتقديم أمر اللّه تعالى ، وطاعة الإمام المنصوب من قبله على جميع الاُمور الدنيويّة وإن كانت مباحة ، ولا يتحقّق ذلك إلّا بمراقبة العبد جميع حركاته وسكناته. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 194

نَفْسٌ إِلَا بِإِذْنِهِ» (1).

وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ لَا يُصَدِّقُ يَوْمَئِذٍ كَاذِباً، وَلَا يُكَذِّبُ صَادِقاً، وَلَا يَرُدُّ عُذْرَ مُسْتَحِقٍّ، وَلَا يَعْذِرُ غَيْرَ مَعْذُورٍ، لَهُ الْحُجَّةُ عَلى خَلْقِهِ بِالرُّسُلِ وَالْأَوْصِيَاءِ بَعْدَ الرُّسُلِ .

فَاتَّقُوا اللّهَ عِبَادَ اللّهِ، وَاسْتَقْبِلُوا مِنْ (2). إِصْلَاحِ أَنْفُسِكُمْ (3). ، وَطَاعَةِ اللّهِ وَطَاعَةِ مَنْ تَوَلَّوْنَهُ فِيهَا، لَعَلَّ نَادِماً قَدْ نَدِمَ فِيمَا فَرَّطَ بِالْأَمْسِ فِي جَنْبِ اللّهِ، وَضَيَّعَ مِنْ حُقُوقِ اللّهِ.

وَاسْتَغْفِرُوا اللّهَ، وَتُوبُوا إِلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ، وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَةِ، وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ.

وَإِيَّاكُمْ وَصُحْبَةَ الْعَاصِينَ، وَمَعُونَةَ الظَّالِمِينَ، وَمُجَاوَرَةَ الْفَاسِقِينَ، احْذَرُوا فِتْنَتَهُمْ (4). ، وَتَبَاعَدُوا مِنْ (5). سَاحَتِهِمْ.

وَاعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ خَالَفَ أَوْلِيَاءَ اللّهِ، وَدَانَ بِغَيْرِ دِينِ اللّهِ، وَاسْتَبَدَّ بِأَمْرِهِ دُونَ أَمْرِ وَلِيِّ اللّهِ، كَانَ فِي نَارٍ تَلْتَهِبُ ، تَأْكُلُ أَبْدَاناً قَدْ غَابَتْ عَنْهَا أَرْوَاحُهَا، وَغَلَبَتْ عَلَيْهَا شِقْوَتُهَا، فَهُمْ مَوْتى لَا يَجِدُونَ حَرَّ النَّارِ، وَلَوْ كَانُوا أَحْيَاءً لَوَجَدُوا مَضَضَ حَرِّ النَّارِ.

وَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ، وَاحْمَدُوا اللّهَ عَلى مَا هَدَاكُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَا تَخْرُجُونَ مِنْ قُدْرَةِ اللّهِ إِلى غَيْرِ قُدْرَتِهِ، «وَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ» (6). ثُمَّ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ، فَاتَّعِظُوا (7). بِالْعِظَةِ ، وَتَأَدَّبُوا بِآدَابِ الصَّالِحِينَ» .

شرح الحديث

السند صحيح.

قوله عليه السلام : (كفانا اللّه وإيّاكم كيدَ الظالمين، وبغيَ الحاسدين، وبطشَ الجبّارين) .

ص: 173


1- هود (11): 105
2- .في الطبعة القديمة للكافي وحاشية النسخة عن بعض النسخ: «في»
3- .في الحاشية: «أي الخالق والمخلوق ، وحقيقته تهذيب النفس عن الرذائل وتزيينها بالفضائل ، وتعدية الاستقبال ب «في» باعتبار تضمينه بمعنى السعي ، أو الشروع ، أو بمعنى «على» . صالح» . شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 196 . ولا يخفى أنّ هذا التفسير مناسب إذا كان المتن : «في إصلاح أنفسكم» كما في بعض النسخ والطبعة القديمة وشرح المازندراني
4- .في الحاشية عن بعض نسخ الكافي: «فتنهم»
5- .في الحاشية عن بعض نسخ الكافي: «عن»
6- .التوبة (9) : 94 . وفي الطبعة الجديدة وجميع النسخ التي قوبلت فيها والوافي وشرح المازندراني : _ «ورسوله»
7- .في كلتا الطبعتين وحاشية النسخة: «فانتفعوا»

قال الجزري : «كفاه الأمر، إذا قام مقامه فيه» (1).

وقال الفيروزآبادي: «الكيد: المكر والخبث والحيلة والحرب» (2).

وقال: «بغى عليه يبغي بَغياً: علا ، وظلم ، وعدل عن الحقّ ، واستطال ، وكذب» (3).

وقال: «بطش به يبطش ويبطش: أخذه بالعنف والسطوة، والبطش : [الأخذ ]الشديد من كلّ شيء، والبأس» (4).

وقال: «الجبّار : كلّ عات ، والقتّال في غير حقّ، والعظيم القويّ الطويل، والمتكبّر الذي لا يرى لأحد عليه حقّاً» (5). انتهى.

وقيل: الفرق بين الثلاثة أنّ الظالم الخارج من الدين مكره ، وخدعته لقصد إخراج الغير منه تابع لفساد قوّته العقليّة ؛ والحاسد بغيه وعداوته في زوال نعمة الغير على الأنحاء الممكنة ، وإرادتها لنفسه تابع لفساد قوّته الشهويّة ؛ والجبّار تسلّطه وبطشه تابع لفساد قوّته الغضبيّة ؛ والكلّ خارج عن حدّ العدل ، داخل في رذيلة الإفراط . انتهى (6).

(أيّها المؤمنون لا يَفتننّكم الطواغيت) إلى قوله : (فيما زهّدكم اللّه فيه منها) .

قال الفيروزآبادي :

الفتنة بالكسر : الحيرة، وإعجابك بالشيء ، والضلال ، والإثم ، والفضيحة ، والعذاب ، والإضلال ، والجنون ، والمحنة ، والمال ، والأولاد ، واختلاف الناس في الآراء ، وفتنه يفتنه : أوقعه في الفتنة، كفتّنه وأفتنه ، فهو مفتن ومفتون، لازم متعدّ (7).

وقال: الطاغوت : كلّ رأس ضلال ، والكاهن ، والشيطان ، والأصنام ، وكلّ ما عُبد من دون اللّه ، ومَرَدة أهل الكتاب، للواحد والجمع، فَلَعوت من طَغَووت ، الجمع: طواغيت وطواغ(8). انتهى .

وقيل: المراد به هنا الراغب المنهمك في الدنيا، وجمع أسبابها ، كسلطان الجور ومن دونه على تفاوت درجاتهم.

ص: 174


1- النهاية ، ج 4 ، ص 193 (كفا)
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 334 (كيد)
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 304 (بغي)
4- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 263 (بطش)
5- .القاموسط المحيط ، ج 1 ، ص 384 (جبر)
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 187
7- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 255 (فتن)
8- القاموسط المحيط ، ج 4 ، ص 357 (طغو)

والمعنى: فلا يضلّنّكم، ولا تمدّنّ عينيك إلى ما هم فيه من كثرة النعم والتسلّط على الغير؛ فإنّها حجب حائلة بين العبد والربّ لو كانت مباحة، فكيف بالحرام؟! (1).

وقال الجوهري : «الحُطام بالضمّ: ما تكسر من اليبيس» (2).

وقال الفيروزآبادي : «الهامد : البالي المسوّد المتغيّر، واليابس من النبات، ومن المكان : ما لا نبات به» (3).

وقال: «الهَشم: كسر الشيء اليابس أو الأجوف، أو كسر العظام والرأس خاصّة ، أو كلّ شيء ، هشمه يهشمه فهو مهشوم وهشيم» (4).

وقال : «باد يَبيد بَوداً وبيدودة: ذهب، وانقطع . والشمس بيوداً : غربت» (5). انتهى.

وقوله: (غداً) ظرف للبائد، أو للهامد أيضاً، والظاهر أنّه كناية عن القيامة . وقيل: عن وقت الموت، أو قبله في أقرب الأوقات، أو بعده (6).

والمراد بالحطام والهشيم متاع الدنيا سمّاه بهما ووصفه بما ذكر تحقيراً له وتنفيراً عنه على سبيل الاستعارة، ووجه المشابهة أنّ معناهما وهو النبات اليابس، كما أنّه لا نفع له بالنسبة إلى ما تبقى خُضرته ونضرته، ويكون ذا ثمرة، كذلك متاع الدنيا بالنسبة إلى الأعمال الصالحة الباقية في الآخرة ، على أنّ في الهشيم لو كان بمعنى الهاشم، إشارة إلى معنى آخر، وهو أنّه يكسر عقله في الدنيا، وقدره في الآخرة، كما أنّ في وصفة بالبائد إشارة إلى انقطاعه وزواله سريعاً ، فلا ينبغي أن يتوجّه العاقل إلى الكاسر له والزائل عنه.

وقد ذكر للطواغيت أوصاف أربعة مترتّبة:

الأوّل : الرغبة في الدنيا، وهي بمنزلة إرادتها بمن تصوّرها وتصوّر منافعها الزائلة.

والثاني : الميل إليها، وهي بمنزلة العزم لها.

والثالث : الافتتان بها ، أي إصابة فتنها ، وقبول ضلالها حتّى العقل الداعي إلى الخيرات الاُ خرويّة، ويحصل القوّة الداعية إلى الدنيا وجمع زخارفها.

ص: 175


1- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 187
2- الصحاح ، ج 5 ، ص 1901 (حطم)
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 348 (همد)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 190 (هشم)
5- .القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 279 (بود)
6- قال المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 187

والرابع : الإقبال عليها، وصرف العمر في تحصيلها وضبطها.

وعائد الموصول في قوله: (ما حذّركم اللّه منها) محذوف، وضمير التأنيث عائد إلى الدنيا، وعوده إلى الموصول باعتبار كونه عبارة من الدنيا بعيد، وأيضاً لا يناسب قوله: (وازهدوا فيما زهّدكم اللّه فيه منها) .

(ولا تركنوا إلى ما في هذه الدنيا) .

الركون: الميل والسكون . يقال: ركن إليه، كنصر وعلم ومنع.

والغرض من التشبيه في قوله: (ركون من اتّخذها دارَ قرار ومنزل استيطان) أنّ الدنيا مذمومة من هذه الجهة، وهي الرضا بها، واتّخاذها وطناً ودار إقامة كما هو عادة أهل الدنيا، والراغبين إليها، وإلّا فهي من حيث كونها محلًا للعبادة والعبرة، وتزوّد التقوى للآخرة ممدوحة .

(واللّه إنّ لكم ممّا فيها عليها دليلاً) .

في بعض النسخ: «لدليلاً».

(وتنبيهاً من تصريف أيّامها) .

كلمة «من» بيان للموصول.

وقيل: المراد من التصريف ذهاب قوم ومجي?آخرين، لا في الذاهبين رجوع إلى الدنيا، ولا في الآخرين سكون فيها (1).

(وتغيّر انقلابها) أي تغيّر الأمن والصحّة والرخاء ونحوها إلى الخوف والسقم والشدّة بالعكس.

(ومَثُلاتها) عطف على التصريف، أي شدائدها وعقوباتها.

قال الجزري والجوهري : «المَثُلة بفتح الميم وضمّ الثاء: العقوبة، والجمع: المَثُلات» (2).

(وتَلاعُبها بأهلها) بأن عرضت زينتها وزخارفها عليهم، فإذا أقبلوا إليها، واطمأنّوا بها، أدبرت عنهم.

ص: 176


1- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 188
2- الصحاح، ج 5، ص 1816 (مثل). وراجع: النهاية، ج 4، ص 294 (مثل)

وقيل: هو إلباس أسبابها الخسيسة بالصور الحسنة، وتزيينها عند أهلها، وهذا العمل شبيه بالملاعبة، وفي الصيغة الدالّة على وقوع الفعل من الطرفين دلالة على وقوعه منها على وجه الكمال، وهذا العمل كما يسمّى ملاعبة كذلك يسمّى خدعة وغُروراً على سبيل المكنيّة والتخييليّة، وفيه ترغيب لتنبيه اللبيب في الاتّعاظ من تصاريفها وتقلّبها على أهلها ، وعدم ثباتها على وجه واحد، كما تشهد عليه الديار الخالية والمنازل الخالية عن أهلها وسكّانها، فإنّ المتيقّظ إذا عرف هذه الاُمور وتدبّرها، اتّعظ بها، واعتبر منها (1).

وقوله عليه السلام : (إنّها لتَرفع الخَميل ... ) (2). كالبيان والدليل لسابقه.

ولعلّ المراد بالخميل الخامل، وهو الخفيّ الذكر، والساقط الذي لا نباهة له (3).

(وتضع الشريف، وتورد أقواماً إلى النار غداً) أي تصير سبباً لدخولهم فيها بإعطاء لذّاتها وشهواتها الموجبة له.

(ففي هذا) الذي ذكر من تصريف أيّامها، إلخ.

(معتبر ومختبر) اسمان بفتح الباء فيهما للمكان.

وفي بعض النسخ: «فهل من معتبر ومختبر»، وعلى هذه يكونان بصيغة اسم الفاعل.

(وزاجر لمنتبه) أي لكلّ من تنبّه ويتّعظ.

والمراد به العاقل، وخصّصه بالذكر؛ لأنّه هو المقصود بالخطاب.

وفي القاموس: «النُبه بالضمّ: الفطنة ، والقيام من النوم، وأنبهته ونبّهته ، فتنبّه وانتبه» (4).

(إنّ الاُمور الواردة عليكم في كلّ يوم وليلة من مُظلمات الفتن) .

وفي بعض النسخ: «من مُضلّات الفتن» . وفي بعضها: «من مُلمّات» . والمُلمّة: النازلة من نوازل الدنيا .

والظاهر أنّ كلمة «من» بيان للاُمور، ويحتمل كونها ابتدائيّة، أي الاُمور الناشئة منها .

ص: 177


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 188
2- .في الحاشية: «الخُمول: ناپديد وبى نام شدن»
3- في الحاشية: «النُباهة: بزرگوار شدن. ونسبة هذه الأفعال إلى الدنيا باعتبار أنّها سبب متأدّى لها». شرح المازندراني ، ج11 ، ص 188
4- القاموس المحيط، ج 4، ص 293 (نبه)

وإضافة المظلمات إلى الفتن من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف.

وقيل: المراد بها فتنة الخلفاء الثلاثة وأضرابهم من بني اُميّة وأتباعهم، وكونها فتنة ومحنة ظاهر لشدّتها على أهل الإيمان، وكثرة بلوى أهل الدين فيها في القتل والأذى ونحوهما.

وإنّما وصفها بالظلمة ؛ لأنّ الواقع فيها لا يجد إلى الناصر سبيلاً، وإلى الخلاص دليلاً، كالسائر في الظلمة(1).

أقول : الاُولى حمل الفتنة على ما يعمّ ما ذكر وغيره.

(وحوادث البدع) .

في القاموس : «البدعة بالكسر: الحديث في الدين بعد الإكمال، أو ما استحدث بعد النبي صلى الله عليه و آله من الأهواء والأعمال» (2). انتهى.

ووصفها بالحدوث للكشف والإيضاح.

(وسنن الجور) .

في القاموس : «السنّة بالضمّ: السيرة والطبيعة، وسنن الطريق مثلّثة وبضمّتين: نهجه وجهته» (3). انتهى.

وقيل: المراد بسنن الجور هنا الظلم والضلال عن طريق الحقّ، والسنّة إذا اُطلقت يراد بها ما جاء به النبي صلى الله عليه و آله ، وإذا اُضيفت يراد بها معنى تقتضيه الإضافة.

ولعلّ المراد بها هنا طريقة الجائر وسيرتها الخبيثة ، كغصب الفيء والأموال ، وقتل النفوس ، والإضلال ، وغير ذلك من أنواع الظلم والجور (4).

(وبَوائق الزمان) أي اُموره الغلظة الشديدة وشروره.

وفي القاموس: «البائقة: الداهية، الجمع: بوائق» (5).

(وهَيبة السلطان) .

الهيبة: المهابة، وهي الإجلال والمخافة، وقد هابه يَهابه . وإضافتها إلى السلطان إضافة المصدر إلى مفعوله.

ص: 178


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه اللهفي شرحه، ج 11، ص 189
2- .القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 4 و5 (بدع)
3- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 237 (سنن)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 189
5- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 215 (بوق)

(ووسوسة الشيطان) .

الوسوسة: حديث النفس والشيطان بما لا نفع فيه ولا خير.

وقوله: (لَتُثبّط القلوب عن تنبّهها) بفتح اللام ، خبر «إنّ».

في القاموس: «ثبّطه عن الأمر: عوّقه ، وبطّأبه عنه ، كثبّطه فيهما» (1).

؛ يعني أنّ الاُمور المذكورة تشغل القلوب وتعوقها ؛ لكمال حيرتها ودهشتها عن يقظتها وفطنتها، أو عن إدراكها وجه فسادها، وكيفيّة التخلّص منها .

وقيل: هذا في اللفظ خبر، وفي المعنى زجر عن تثبّط القلوب بأمثال هذه الاُمور عن الحقّ ومعرفة أهله بالتفكّر في أنّ هذه الاُمور خارجة عن القوانين العدليّة، وزمانها قليل مُنصرم ، وعقوبة مخالفة الحقّ وأهله شديدة دائمة(2).

(وتُذهلها عن مَوجود الهُدى) .

قال الجوهري: «ذَهلتُ عن الشيء أذهل ذُهولاً ذُهُلاً : نسيته وغفلتُ عنه، وأذهلني عنه كذا، وفيه لغة اُخرى : ذَهِلت _ بالكسر _ ذَهولاً» (3). انتهى.

وإضافة الموجود إلى الهدى من قبيل إضافة الصفة إلى موصوفها؛ أي تشغلها عن الهدى الموجود بينهم، وهو الإمام المنصوب من اللّه، أو دينه الحقّ، أو القرآن (4). (ومعرفة أهل الحقّ) من الأنبياء والأوصياء ومن يقتدي بسنّتهم. وقوله: (إلّا قليلاً ممّن عصم اللّه) استثناء من القلوب، أي من قلب مَن عصم اللّه، أو من أهلها المفهوم من السياق، وهم الذين آمنوا بما يجب الإيمان به.

وإضافة الضرر إلى الفتنة في قوله: (وعاقبةَ ضرر فتنتها) (5). لاميّة، أو بيانيّة.

وضررها الخروج من الدين، وعاقبته الدخول في النار.

(إلّا من عصم اللّه، ونهج سبيل الرشد) .

يقال: نهجت الطريق _ كمنع _ إذا أنبته وأوضحته، ونهجت الطريق أيضاً ، إذا سلكته.

ص: 179


1- .القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 352 (ثبط)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 190
3- .الصحاح ، ج 4 ، ص 1702 (ذهل)
4- قال المحقّق المازندراني رحمه الله : «ولعلّ الذهول المفهوم من الإذهال كناية عن الترك والخروج من الحقّ إلى الباطل»
5- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «فتنها»

والرشد بالضمّ وبضمّتين: الهداية ، والاستقامة على طريق الحقّ مع تصلّب فيه.

(وسلك طريق القصد) .

لعلّ الإضافة بيانيّة.

وفي القاموس: «القصد: استقامة الطريق ، والاعتماد» (1).

(ثمّ استعان على ذلك) المذكور من العصمة وما عطف عليها .

(بالزهد) في الدنيا، وعدم الرغبة إلى زخارفها .

(فكرّر الفكر) في أحوال الدنيا وانقلاباتها وتصرّفاتها، وتكرير الفكر فيها يوجب ملكة الاعتبار وقوّة الانزجار .

(واتّعظ بالصبر) .

الباء للتلبّس، وكونها صلة للاتّعاظ بعيد.

وفي بعض النسخ: «بالعبر» ، وهو أظهر.

(فازدجر) .

الاتّعاظ: قبول الموعظة . والزجر: المنع والنهي. يقال: زجره وازدجره ، فانزجر وازدُجر، يتعدّى ولا يتعدّى، أي قبل الموعظة من أحوال الماضين، أو من أحوال الدنيا وتقلّب أوضاعها ، متلبّساً بالصبر على مكارهها ومصائبها .

أو المراد بالصبر عدم التسرّع في الفكر والتأمّل ، والغور والتعمّق في المقدّمات ومباديها، فازدجر ، ومنع النفس من الميل إلى الدنيا وزينتها .

(وزهد في عاجل بَهجة الدنيا) .

يقال: زهد في الشيء وعن الشيء _ كعلم _ إذا لم يرغب فيه، وزهد _ كمنع _ لغة فيه.

والبهجة بالفتح: الحسن، وبهجة الدنيا: نعيمها وزخارفها .

وإضافة العاجل إليها إمّا بيانيّة، أو من قبيل إضافة الصفة إلى موصوفها.

(وتَجافى) أي بَعُد وامتنع (عن لذّاتها ، ورغب في دائم نعيم الآخرة).

قال الجوهري : «تجافى جنبه عن الفراش: نَبا» (2).

وفي القاموس: «جفا الشيء جَفاء وتجافى: لم يلزم مكانه، وجفا عليه كذا : ثقل .

والجفأ نقيض الصلة» (3).

ص: 180


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 327 (قصد)
2- الصحاح ، ج 6 ، ص 2303 (جفا)
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 312 (جفا)

(وسعى لها سعيها) أي ما هو حقّها من السعي (1).

وقيل في ذكر المصدر وإضافته إلى الآخرة مبالغة وترغيب في السعي والاجتهاد لها، والإتيان بأسبابها ومنافعها على قدر الإمكان (2).

(وراقب الموت) .

يقال: راقب الشيء، إذا انتظره، أو حرسه .

وراقبه أيضاً ، إذا خافه .

ولا شكّ أنّ مراقبة الموت وانتظاره دائماً وعدم نسيانه تزعج النفوس إلى التهيّؤ لاُمور الآخرة، وسلوك سبيل الجنّة .

ونِعم ما قيل : ممّا يعين على مراقبته أن يتصوّر أيّام عمره فراسخ ، وساعاته أميالاً ، وأنفاسه خطوات ، [فكم] من شخص بقيت له فراسخ ، وآخر بقيت له أميال ، وآخر بقيت له خطوات ، ولما لم يكن له علم ببقاء شيء من ذلك ، فليجوز وجود الموت في الآن الموجود هو فيه، وليتعوّذ باللّه من وروده على غير عدّة (3).

(وشنأ الحياة) أي أبغضها (مع القوم الظالمين)؛ لعلمه بأنّ التعيّش معهم يوجب خسران المبين وفساد الدين ، مع كراهه مخالطة الظالمين ، ومشاهدة مخالفة ربّ العالمين.

قال الفيروزآبادي: «شنأه _ كمنعه وسمعه _ شنئاً، ويثلّث، وشنآناً: أبغضه». (4) (نظر إلى ما في الدنيا بعَين نَيّرة) .

في بعض النسخ: «بعين قَرَّة» .

يقال: قرّت عينه تقرّ _ بالكسر والفتح _ قُرّة _ ويضمّ _ وقُروراً، أي بردت، وانقطع بكاؤها، أو رأت ما كانت متشوّقة إليه.

وإنّما وصفت العين بالمصدر مبالغة . وقيل: هذا كالتأكيد للسابق، ولذا ترك العطف.

والمراد بكونها نيّرة كونها في غاية الحرّة ، كما أشار إليه بقوله: (حديدة النظر).

في بعض النسخ: «البصر» بدل «النظر»، وهي صفة ثانية للعين، والإضافة لفظيّة، فلا يفوت المطابقة.

ص: 181


1- قال العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 31 : «[وهو] إشارة إلى قوله تعالى : «وَ مَنْ أَرَادَ الْأَخِرَةَ وَ سَعَى لَهَا سَعْيَهَا» الآية» [الإسراء (17) : 19]
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 191
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 191
4- القاموس المحيط، ج 1، ص 19 (شنأ)

واُريد بحدّتها بلوغها إلى نهاية ما في الدنيا من المفاسد والمقابح ، ظاهرة أو مخفيّة، حسّيّة أو عقليّة .

(وأبصر حوادث الفتن) المذكورة وغيرها.

(وضَلال البدع) .

الإضافة فيهما بيانيّة، أو لاميّة، أي الاُمور الحادثة في الدين من اختراع المضلّين.

(وجورَ الملوك الظَّلَمة) جمع ظالم.

(فلقد لَعَمْري) .

في بعض النسخ: «فقد».

قال الفيروزآبادي : «العمر بالفتح وبالضمّ وبضمّتين: الحياة، وبالفتح: الدين.

قيل: ومنه «لَعَمري» ، ويحرّك» (1).

(استدبرتم الاُمور الماضية في الأيّام الخالية) أي الماضية من أيّام الدنيا.

قال بعض الشارحين في شرح هذا الكلام : «أي فقد استدبرتم، حذف الفعل لوجود المفسّر» .

وأقول : أنت خبير بما فيه ؛ فإنّ توسيط القسم بين «قد» ومدخوله جائز، ومثله في الكلام كثير، وفي الأدعية السجّاديّة: «قد وعزّتك بلغ بي مَجهودي» (2).

، فلا يحتاج إلى ارتكاب الحذف.

ثمّ قال: وقد ، لتقريب الماضي إلى الحال ؛ لإحضار مضمونه عند المخاطب، وهو أدخل في التحريص على التفكّر فيه، واللام للابتداء، والخبر محذوف وجوباً ؛ لقيام جواب القسم مقامه، أي لواهب عمري قسمي على حذف المضاف .

أو المراد به صورة القسم تأكيداً لمضمون الكلام وترويجه، وليس المراد به القسم حقيقة، فلا يردّ أنّه لا يقسم بغير اللّه (3).

ص: 182


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 191
2- . القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 95 (عمر)
3- راجع : الكافي ، ج 3 ، ص 325 ، باب السجود والتسبيح والدعاء فيه ... ، ح 17؛الفقيه ، ج 1 ، ص 329 ، باب سجدة الشكر والقول فيها ، ح 967 ؛ التهذيب ، ج 2 ، ص 110 ، باب كيفيّة الصلاة وصفتها و... ، ح 184

(من الفتن المُتراكمة) بيان للاُمور .

قال الفيروزآبادي : «الرَّكم: جمع الشيء فوق آخر حتّى يصير رُكاماً مركوماً كركام الرَّمل ، وارتكم الشيء وتراكم: اجتمع» (1).

(والانهماك فيما تَستدلّون به) عطف على الفتن، أو على الاُمور بعيداً .

قال الجوهري : «انهمك الرجل في الأمر: جدّ ولجّ» (2).

(على تجنّب الغُواة وأهل البدع والبَغي والفَساد في الأرض بغير الحقّ) .

اللام في الانهماك عوض عن المضاف إليه، أي ومن انهماكهم وتماديهم فيما تستدلّون به من أشياء فانية، ودولات زائلة، وبدعهم وبغيهم وفسادهم في الأرض، وما ورد عليهم بسبب ذلك من النكال والوبال والعقوبات الدنيويّة على الاجتناب منهم والبعد عنهم، وعدم الاعتماد على ملكهم وعزّهم.

وفي تحف العقول : «والانهماك فيها ما تستدلّون» (3). ، ولعلّه هو الصواب .

(فاستعينوا باللّه) على طاعته ، وطاعة ولىّ أمره.

وقيل: على التجنّب منهم ومن صفاتهم، أو على دفع الشدائد كلّها (4).

والأوّل أنسب بقوله: (وارجعوا إلى طاعة اللّه، وطاعة من هو أولى بالطاعة) من الرسول واُولى الأمر .

(ممّن اتُّبع فاُطيع) .

الجارّ متعلّق ب «أولى» ، و«اتُّبع» على صيغة المجهول، والمستتر فيه راجع إلى الموصول، وكذا قوله: «فاُطيع»، أي من كان إطاعة الناس له بمجرّد أنّ جماعة من أهل الباطل اتّبعوه وبايعوه كالخلفاء الجور.

وقيل: يدلّ التفريع على أنّ الاتّباع غير الإطاعة، وهو كذلك؛ لأنّ الأوّل اعتقاد أنّه حقّ، والثاني اقتفاؤه في أقواله وأفعاله وسيرته المبتدعة .

ص: 183


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 122 (ركم)
2- الصحاح، ج4، ص 1617 (همك)
3- .تحف العقول ، ص 253
4- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 192

أوالمراد بالاتّباع اتّباع الأوّل والثاني، وبالإطاعة إطاعة الآخرين، كالأغنام يعدو بعضهم عقب بعض (1).

(فالحذر الحذر) أي احذروا الحذر، وألزموه، واحترزوا من طاعة من لا يجوز طاعته، ومخالفة من لايسع مخالفته.

(من قبل الندامة والحسرة) حيث ينقطع العمل، وينسدّ باب التوبة، وهو وقت معاينة اُمور الآخرة وما بعده .

وقيل: الفرق بينهما أنّ الندامة على فعل ما لا ينبغي ، والحسرة على ترك ما ينبغي(2) .

(وتاللّه ما صدر قوم قطّ عن معصية اللّه إلّا إلى عذابه) .

الغرض أنّ غاية المعصية وما يترتّب عليها من الأثر عذاب اللّه .

قال الفيروزآبادي: «الصدر: الرجوع، صدر يصدُر ويصدِر» (3) .

(وما آثر قوم قطّ الدنيا على الآخرة إلّا ساء مُنقلبهم وساء مَصيرهم) .

الإيثار: الاختيار . والمنقلب والمصير يجيئان للمصدر واسم المكان . وإيثار الدنياإمّا بتحصيل الزائد عن الكفاية، أو بطلبها من الشبهة، أو من الحرام، أو بعدم المبالاة في طرق تحصيلها، أو بمنع الحقوق الماليّة خوفاً من الانتقاص، أو بطلبها المفضي إلى التقصير في أمر الآخرة .

(وما العلم باللّه والعمل إلّا إلفان مؤتلفان) .

«إلفان» بكسر الهمزة وسكون اللام، أو بصيغة اسم الفاعل. قال الفيروزآبادي: «الإلف بالكسر وككتف : الأليف. وقد ألِفه _ كعلمه _ ألِفاً _ بالكسر والفتح _ وهو آلِف» (4).

وقال في المصباح: «ألِفتُه من باب علم: أنست به وأحببته، واسم الفاعل: أليف _ مثل عليم _ وآلف ، مثل عالم» (5) انتهى .

وقيل: في وصفهما بالائتلاف مبالغة في وجود الاُلفة بينهما ، حتّى لا يرضى أحدهما

ص: 184


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 192
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 192
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 68 (صدر) مع اختلاف يسير
4- .القاموسط المحيط ، ج 3 ، ص 118 (ألف)
5- .المصباح المنير ، ص 18 (ألف) مع التلخيص

وجوده بدون الآخر، كما روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «العلم مقرون إلى العمل، فمن علم عمل، ومن عمل علم ؛ والعلم يهتف بالعمل، فإن أجابه ، وإلّا ارتحل عنه» (1).

(فمن عرف اللّه خافه) ؛ لأنّ العارف بعظمة اللّه وكبريائه ، وغضبه وقهره ، وكمال قدرته على جميع خلقه ، وعلى تعذيبهم وإفنائهم من غير أن يمنعه مانع ، أو يعترضه معترض ، أو يعود إليه ضرر ، حصّلت له حالة نفسانيّة تبعث صاحبها إلى عدم الاجتراء بترك ما ينبغي فعله ، وفعل ما ينبغي تركه، وتلك الحالة تسمّى خوفاً، ولها مراتب متفاوتة بتفاوت مراتب المعرفة .

(وحَثّه الخوفُ على العمل بطاعة اللّه) ؛ لأنّ الخوف _ كما عرفت _ يبعث الخائف إلى الطاعات، وموجبات القربات، ورفض ما يوجب البُعد عن جناب القدس .

(وإنّ أرباب العلم) من الأنبياء والأوصياء (وأتباعهم) (2). ممّن اتّبع منارهم، واقتبس من آثارهم.

وقوله: (الذين عرفوا اللّه) خبر «إنّ».

(فعملوا له ، ورغبوا إليه) .

وأمّا غيرهم فلم يعرفوا اللّه، ولم يعملوا له؛ لاتّباعهم أهل البغي والجهل، وعدم تمسّكهم بدين أرباب العلم والعدل .

(وقد قال اللّه) في سورة فاطر: «إِنَّمَا يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ» (3).

قال البيضاوي :

إذ شرط الخشية معرفة المَخشيّ ، والعلم بصفاته وأفعاله، فمن كان أعلم به كان أخشى منه، ولذلك قال صلى الله عليه و آله : «إنّي أخشاكم [للّه ]وأتقاكم له» (4).

وتقديم المفعول لأنّ المقصود حصر الفاعليّة، ولو اُخّر انعكس الأمر.

وقُرئ برفع اسم «اللّه» ونصب «العلماء» على أنّ الخشية مستعارة للتعظيم؛ فإنّ المعظَّم يكون مَهيباً(5). انتهى .

ص: 185


1- .الكافي ، ج 1 ، ص 44 ، باب استعمال العلم ، ح 2 ؛ نهج البلاغة ، ص 539 ، الحكمة 366 ؛ عدّة الداعي ، ص 78 ؛ عوالي اللئالي ، ج 4 ، ص 66 ، ح 26 . والقائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 193
2- .في الحاشية: «أي الشيعة؛ لأنّ غيرهم فلم يعرفوا اللّه ، ولم يعملوا له ؛ لأنّ اُصولهم فاسدة ، وطاعتهم باطلة . مصحّح»
3- .فاطر(35) : 28
4- .مسند أحمد ، ج 6 ، ص 226 ؛ الإصابة ، ج 4 ، ص 487 ، ح 5757 ؛ بحار الأنوار ، ج 67 ، ص 344
5- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 418

وقيل: المراد بالعلماء هنا الربّانيّون ، الذين لهم معرفة باللّه وبدينه على وجه يمنعهم من الركون إلى الدنيا وشهواتها، ويزجرهم عن متابعة النفس ومشتهياتها، ويبعثهم على العمل للآخرة، وهم الموصوفون بالخشية وغيرها من الكمالات.

ثمّ الخوف والخشية في اللغة بمعنى واحد، فتمّ الاستشهاد بالآية إلّا أنّ بينهما في عرف العارفين فرقاً، وهو أنّ الخوف ألم النفس من المكروه المنتظر، والعقاب المتوقّع بسبب احتمال فعل المنهيّات وترك الطاعات.

والخشية حالة نفسانيّة تنشأ من الشعور بعظمة الربّ وهيبته، وخوف الحجاب عنه بسبب الوقوف على النقصان والتقصير في أداء حقوق العبوديّة ورعاية الأدب، فهي خوف خاصّ، وإليه يرشد قوله تعالى: «وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ» (1). (2).

وقوله: (واغتنموا أيّامها) .

الضمير للدنيا، أو للطاعة.

وقوله: (فإنّ ذلك أقلّ للتبعة ، وأدنى من العُذر). أي أقرب منه .

والتبعة بفتح التاء وكسر الباء، وهي ما يتبع أعمال العباد من العقاب وسوء العاقبة.

وقيل: هي ما على أحد من حقّ الغير، سمّي بها لأنّ صاحبه يتبعه ويطلبه.

وفيه تنبيه على أنّ العبد وإن اجتهد في الطاعة فهو بَعُد في مقام التقصير ، إلّا أنّ عذره لقلّة تبعته قريب من القبول(3).

(وأرجى للنجاة) من العقوبات.

وقيل: فيه إشعار بأنّ العامل المطيع لا ينبغي له الجزم بنجاته، والاعتماد بعمله، وإنّما له الرجاء بالنجاة، كما دلّت عليه الآيات والروايات، واللّه سبحانه لا يخيب رجاءه(4).

(ولا تقدّموا الاُمور الواردة عليكم من طاعة الطواغيت) جمع طاغوت، وهو كلّ رأس ضلال، وما عُبد من دون اللّه.

ص: 186


1- .الرعد (13) : 21
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 193 و194
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه اللهفي شرحه ، ج 11 ، ص 194
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 194

وكلمه «من» للابتداء، والظرف في محلّ النصب على الحاليّة، أي اُموراً ناشئة من طاعة الطواغيت.

ويحتمل كونها بياناً للاُمور.

وكذا في قوله: (من زَهرة الدنيا) يحتمل كونها بياناً لطواغيت، وكونها ابتدائيّة عطفاً على «من» الاُولى بتقدير العاطف.

ويحتمل كونها بياناً للاُمور، أي لا تقدّموا على طاعة اللّه الاُمور التي تحصل لكم بسبب طاعة الطواغيت، وتلك الاُمور هي زهرات الدنيا.

وقد تلخّص لك ممّا ذكرنا وجوه :

الأوّل: كون كلمة «من» في الموضعين للابتداء .

والثاني: كونها فيهما للبيان .

والثالث: كونها في الأوّل ابتدائيّة ، وفي الثاني بيانيّة .

والرابع: عكسه .

وعلى الثاني والثالث يحتمل كونها بياناً للاُمور، أو للطواغيت .

وعليك بالتأمّل في ترجيح بعض تلك الوجوه على البعض.

(من زَهرة الدنيا) بسكون الهاء ، وقد يحرّك: بهجتها ونضارتها وحسنها ومتاعها.

(بين يدي اللّه وطاعته وطاعة اُولي الأمر منكم) .

نهى عليه السلام عن تقديم طاعة الطواغيت من الجنّ والإنس، وتقديم زهرة الدنيا على أمر اللّه وطاعته وطاعة اُولي الأمر، كما هو شأن أكثر أبناء الدنيا والراغبين إليها؛ لأنّ ذلك يوجب الحرمان والخسران في الآخرة ، بل في الدنيا أيضاً .

(واعلموا أنّكم عَبيد اللّه ، ونحن معكم) .

قيل : أي بين أظهركم إن اُريد به المعيّة في الوجود، أو عالمون بأحوالكم وأعمالكم، وقد مرّ في الاُصول أنّهم عليهم السلام يعلمونها . وفيه على الأوّل إشارة إلى أنّه ينبغي الرجوع إليهم في جميع الاُمور، وعلى الثاني إلى أنّه ينبغي تصحيح جميع الأعمال والأخلاق (1).

ص: 187


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 195

أقول : لعلّ غرضه عليه السلام من هذا الكلام الوعد والوعيد ، وتذكير نعم اللّه وإتمام حجّته عليهم .

(يَحكم علينا وعليكم سيّد حاكم غداً) أي يحكم علينا يوم القيامة بعد المحاسبة بما تستحقّه، وفيه تنبيه للغافلين.

وقيل: أي يحكم علينا من جهة الهداية والإرشاد وعليكم من جهة الطاعة والانقياد سيّد متولّ لاُمور الخلائق ، حاكم عليهم (1).

(وهو مُوقفكم ومُسائلكم) (2). الضمير للسيّد الحاكم.

(فأعدّوا الجواب) أي هيّؤوه لأنفسكم. يقال: أعدّه لأمر كذا، أي هيّأه له.

(قبل الوقوف والمُساءلة والعرض) .

اللام فيها للعهد. قال الفيروزآبادي: «عرض له ، كذا يعرض : ظهر عليه وبدا ، كعرض ، كسمع، والشيء له: أظهره له ، وعليه: أراه إيّاه» (3).

وفي قوله عليه السلام : (على ربّ العالمين) تهويل وتعظيم لشأن الأمر، كما لا يخفى.

(يومئذٍ «لا تَكَلَّمُ» ) بصيغة المستقبل بحذف إحدى التائين.

«نَفْسٌ إِلَا بِإِذْنِهِ» أي بإذن ربّ العالمين.

وهذه الفقرة الشريفة مقتبسة من قوله تعالى في سورة هود: «يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَا بِإِذْنِهِ» (4).

قال البيضاوي في تفسير هذه الآية : «يَوْمَ يَأْتِ» ، أي الجزاء، أو اليوم، أي اللّه عزّ وجلّ، وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة بحذف الياء اجتراء عنها بالكسرة .

«لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ» ، أي لا تتكلّم بما ينفع وينجي من جواب أو شفاعة.

«إِلَا بِإِذْنِهِ» : إلّا بإذن اللّه، كقوله: «لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ» (5). ، وهذا في موقف .

ص: 188


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 195
2- في شرح المازندراني : «عن دينكم وإمامكم وعقائدكم وأعمالم ومكسب أموالكم ومصرفها ، لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلّا وهو يسألها»
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 334 (عرض)
4- هود(11) : 105
5- .النبأ (78) : 38

وقوله: «هذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ * وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ» (1). في موقف آخر.

أو المأذون فيه هي الجوابات الحقّة، والممنوع عنه هي الأعذار الباطلة(2). انتهى.

وقيل: هذه الكلمة الشريفة محرّكة إلى الخيرات كلّها ؛ فإنّ كلّ أحد يتشبّث يوم القيامة بأمر ينجيه من العذاب مثل الشفاعة والطاعة والإحسان إلى الخلق وغيرها ممّا فيه رضاه تعالى، وكلّفه به، فإن كان صادقاً يؤذن له ويصدّق، وإلّا فلا، كما أشار إليه بقوله: (واعلموا أنّ اللّه لا يصدّق يومئذ كاذباً، ولا يكذّب صادقاً، ولا يردّ عذر مستحقّ) .

أي من يستحقّ لقبول العذر كمن ترك الصلاة في وقتها بالنوم، أولفقدان الطهورين، أو صلّاها مؤميا ، أو مع النجاسة للعجز والعذر وأمثال ذلك (3).

(ولا يعذر غير معذور) أي لا يقبل عذر من ليس له عذر في ترك ما اُمر به. يقال: عَذَرته فيما صنع _ كضربته _ عُذراً بالضمّ وبضمّتين، أي دفعت عنه اللوم، فهو معذور، أي غير ملوم، والاسم : المَعذرة _ مثلّثة الدال _ والعِذرة بالكسر .

والحاصل أنّه لا يقبل إعتذار من ليس له حجّة على اللّه بعد البيان، بل الحجّة للّه عليه كما أشار إليه بقوله : (له الحجّة على خلقه بالرسل والأوصياء بعد الرسل).

وقوله: (في إصلاح أنفسكم) أي بتزيينها بالفضائل وتهذيبها عن الرذائل.

وفي بعض النسخ: «من» بدل «في» .

قال الجوهري : «الصلاح ضدّ الفساد، والإصلاح نقيض الإفساد» (4).

وقيل: تعدية الاستقبال ب «في» باعتبار تضمينه بمعنى السعي ، أو الشروع (5).

وأقول : يحتمل أيضاً أن يكون بتضمين معنى الاستئناف، أي استقبلوا، واستأنفوا العمل في إصلاح أنفسكم.

ويحتمل أن يكون «في» بمعنى «إلى»، أو «على»، كما في قوله تعالى: «وَلَأُ صَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ» (6).

ص: 189


1- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 195
2- المرسلات (77) : 35 و36
3- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 261 و262 (مع التلخيص واختلاف يسير)
4- الصحاح ، ج 1 ، ص 384 (صلح)
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 196
6- طه (20) : 71

وقوله: (وطاعة اللّه) على الإصلاح (وطاعة من تَوَلّونه) من باب التفعيل والتفعّل (فيها) أي في الطاعة.

وفي تحف العقول: «فيما» بدل «فيها» (1).

وفي القاموس: «تولّاه، أي اتّخذه وليّاً، والأمر: تقلّده»(2).

وقال الجوهري: «قوله تعالى: «وَلِكُلِّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا» (3). ، أي مستقبلها بوجهه» (4).

(لعلّ نادما قد ندم) كفرح (فيما فرّط بالأمس) أي في ما مضى من عمره (في جنب اللّه ) .

(وضيّع من حقوق اللّه) عطف على «فرّط» .

وفي القاموس: «فَرَط في الأمر فَرطاً: قصّر به وضيّعه، وفرط الشيء ، وفيه تفريطاً : ضيّعه ، وقدّم العجز فيه وقصّر» (5). انتهى .

والجنب في الأصل: شقّ الإنسان وغيره، والناصية ، والجانب، وشاع في العرف إطلاقه على القرب والجوار والأمر والطاعة، وقد يطلق عل المقرّبين بجنابه سبحانه من الأنبياء والأوصياء عليهم السلام .

وقيل: يطلق أيضاً على معظم الشيء، والولاية من معظم أمر اللّه وحقوقه (6).

وقال البيضاوي في تفسير قوله تعالى: «يَا حَسْرَتى عَلى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّهِ» (7). :أي قصّرت في جانبه، أي في حقّه، وهو طاعته.

وقيل: في ذاته على تقدير مضاف كالطاعة. وقيل : في قربه من قوله: «وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ» (8). انتهى (9).

و«لعلّ» كلمة رجاء وطمع. وقيل: إنّما رجا عليه السلام وجود نادم من التفريط والتضييع فيما مضى من الحقوق اللازمة لقلّة وجوده (10).

وقيل: هو على سبيل المماشاة وإرخاء العنان، ومعناه أنّه يمكن أن يندم نادم يوم القيامة على ما فرّط وضيّع بالأمس، أي في الدنيا في جنب اللّه، أي في قربه وجواره ، أو في أمره

ص: 190


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 196
2- تحف العقول ، ص 254
3- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 402 (ولي)
4- البقرة (2) : 148
5- .الصحاح ، ج 6 ، ص 2529 (ولي)
6- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 377 (فرط)
7- .الزمر(39) : 56
8- .النساء(4) : 36
9- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 74 (مع اختلاف يسير)
10- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 196

وطاعته، والحاصل أنّ إمكان وقوع ذلك الندم كاف في الحذر، فكيف مع تحقّقه، أو لأنّه بالنسبة إلى كلّ شخص غير متحقّق(1).

(واستغفروا للّه، وتوبوا إليه؛ فإنّه يَقبل التوبة، ويعفو عن السيّئة) .

قيل: لعلّ المراد بقبولها إسقاط العقاب المترتّب على الذنب الذي تاب منه تفضّلاً ورحمة بعباده كما ذهب إليه الأشاعرة والشيخ الطوسي في الاقتصاد (2). ، والعلاّ مة في بعض كتبه الكلاميّة .

وعلى هذا قوله: «ويعفو عن السيّئة» تفصيل لقوله: «يقبل التوبة»؛ أي يعفو تفضّلاً عن السيّئة التي تاب منها .

وقال المعتزلة: إنّ قبول التوبة واجب على اللّه تعالى حتّى لو عاقب بعدها كان ظلماً، وتوقّف المحقّق في التجريد (3). انتهى .

وأقول : الوجوب في أمثال هذه المقامات محمول على لزوم الوفاء بالوعد بحيث يلزم من ترك القبح، وقد ثبت في الآيات والروايات وعده سبحانه بقبول التوبة وعفو السيّئة، فيلزم من عدم قبولها ترك الوفاء بالوعد، وهو قبيح ، تعالى اللّه عنه عُلوّاً كبيراً .

ثمّ أقول : لا يبعد أن يراد بقبول التوبة إسقاط العقاب المترتّب على الكبائر، ويعفو السيّئة إسقاطه عن الصغائر تفضّلاً، أو بأسباب آخر مطلقاً، كما قيل في تفسير قوله تعالى: «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ» (4). الآية (5).

(ويعلم ما تفعلون) فلا يفوته شيء من أفعالكم، وفيه وعد ووعيد.

(وإيّاكم وصُحبة العاصين) إلّا إذا اُريد نُصحهم مع توقّع التأثير، وذلك للفرار من اللعن والعذاب النازل عليهم، ولئلّا يميل إلى مقتضى طريقتهم.

(ومَعونة الظالمين) .

لعلّ المراد بالمعونة إعانتهم في ظلمهم، أو فيما يعود إليه، أو يوجبه.

ص: 191


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 32
2- .لاحظ : الاقتصاد ، ص 132 و133
3- .راجع : شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 197
4- .النساء (4) : 31
5- اُنظر : التبيان للطوسي ، ج 9 ، ص 433 ؛ تفسير مجمع البيان ، ج 3 ، ص 69 ؛ تفسير الثعلبي ، ج 3 ، ص 291 ؛ تفسير القرطبي ، ج 5 ، ص 158 و159 ؛ تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 176 _ 178

وقيل: الأحوط ترك معونتهم مطلقاً لعموم الآية والرواية (1).

قال الفيروزآبادي: «استعنته وبه ، فأعانني وعوّنني، والاسم: العَون والمعانة والمَعونة والمَعون» (2).

(ومُجاورة الفاسقين) بالسكنى في دارهم، أو في جوارهم، أو في بلادهم ، كما يظهر من بعض الروايات.

(احذروا فتنتهم) أي الفتنة الناشئة منهم، أو الابتلاء بمثل الفتنة التي افتتنوا بها . والفتنة: الضلال والإضلال والفضيحة والإثم والمحنة.

(وتَباعدوا من ساحتهم) أي فناء دارهم، أو جانبهم وناحيتهم.

ولعلّ كلًا من الفقرتين الأخيرتين ناظر إلى كلّ من الفقرات الثلاثة السابقة عليها، فتدبّر.

(واعلموا أنّه من خالف أولياء اللّه) بردّ أقوالهم ، وعدم الامتثال بأوامرهم ونواهيهم ، وإنكار عقيدتهم ، ورفض سلوك طريقتهم ، أو بالشكّ فيها .

والمراد بأولياء اللّه الأنبياء والأوصياء ومن يقتفي أثرهم، ويسير بسيرتهم.

(ودان بغير دين اللّه) أي اعتقد، أو تعبّد اللّه بغير دينه الذي جاء به النبي صلى الله عليه و آله .

(واستبدّ بأمره دون أمر وليّ اللّه) .

يقال: استبدّ فلان بكذا، أي تفرّد به دون غيره ؛ يعني تفرّد بأمر نفسه ، وعمل برأيه متجاوزاً عن أمر وليّ اللّه غير متمسّك به.

(كان في نار تَلتهب) .

يقال: التهب النار، إذا اتّقدت واشتعلت، ولعلّ المراد بكونه فيها صيرورته إليها .

وقال الفاضل الإسترآبادي: «كأنّ بالتشديد ، ليكون من الحروف المشبّهة بالفعل، والمراد أنّ حاله هكذا في الدنيا في نظر أولياء اللّه (3).

واعترض عليه بعض الأفاضل أنّ الجزاء حينئذٍ غير مرتبط بالشرط ، وتقدير العائد خلاف الظاهر (4).

ص: 192


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 197
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 250 (عون)
3- نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 197
4- المعترض هو المحقّق المازندراني رحمه الله ، والأقوال الآتية بعد قول الشارح رحمه الله أيضا تكون منه

وأقول: أنت خبير بعدم ورود هذا الاعتراض ؛ لوجوب تقدير العائد حينئذ لئلاّ يبقى «كان» خالياً عن الاسم .

ثمّ قال:

الظاهر أنّ «كان» ناقصة، وأنّه شبّه أعماله القبيحة وأخلاقه الذميمة وعقائده الفاسدة بالنار في الإهلاك، واستعار لفظ النار لها ، ورشّح بذكر الالتهاب، أو سمّاها ناراً مجازاً مرسلاً باعتبار أنّها تصير ناراً في القيامة .

ثمّ قال : [قال] الشيخ في الأربعين نقلاً عن بعض العارفين:

إنّ الحيّات والعقارب والنيران في القيامة هي بعينها تلك الأعمال والأخلاق والعقائد الباطلة، وإنّ اسم الفاعل في قوله تعالى: «وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ» (1). للحال وعلى حقيقته [لا للاستقبال] ، كما قيل: وإنّ قبائحهم الخُلقيّة والعمليّة والاعتقاديّة محيطة بهم في هذه النشأة، وهي بعينها جهنّم التي ستظهر عليهم في النشأة الاُخرويّة بصورة النار وعقاربها وحيّاتها (2).

وقريب منه ما قيل: الظاهر أنّ المراد أنّهم في الدنيا في نار البعد والحرمان والسخط والخذلان، لكنّهم لمّا كانوا بمنزلة الأموات لعدم العلم واليقين ، لم يستشعروا ألم هذه النار، ولم يدركوها، كما قال تعالى: «أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَما يَشْعُرُونَ» (3). (4).

ويحتمل أن يراد بالنار أسباب دخولها استعارة أو مجازاً مرسلاً تسمية للسبب باسم المسبّب .

(تأكل أبداناً) كأنّ المراد : تحرقها ، أو تحكّها ، أو تفسدها ، بتشبيه النار بالأكل في الإفناء والإفساد .

(قد غابت عنها أرواحُها) .

قيل: هو من باب نسبة الجمع إلى الجمع بالتوزيع، والمراد بغيبتها فسادها بالمهلكات (5).

ص: 193


1- .التوبة (9) : 49 ؛ العنكبوت (29) : 54
2- الأربعون حديثا ، ص 246 ، و247 (مع التلخيص) . وانظر : شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 197 و198
3- .النحل (16) : 21
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 33
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 198

(وغلبت عليها شِقوتُها) .

في القاموس: «الشقا : الشدّة والعُسر، ويمدّ ، شقي _ كرضي _ شقاوة، ويكسر، وشقا وشقاء وشقوة ، ويكسر» (1).

وقال الجوهري : «الشقوة _ بالكسر _ ضدّ السعادة، وفتحه لغة» (2).

ولعلّ المراد بالشقوة الغالبة المخرجة عن الإيمان.

(فهم مَوتى لا يجدون حَرّ النار) كما لم يجده الميّت ؛ لفقد شرطه ، وهو الروح والشعور .

وبالجملة كما أنّه لابدّ في إدراك المعقولات من شعور خاصّ، كذلك لابدّ في إدراك المحسوسات أيضاً من شعور خاصّ، ولم يوجد فيهم؛ لأنّهم بمنزلة الموتى ، مع أنّ الحكمة مقتضية لعدم وجدانه .

(ولو كانوا أحياء لوجدوا مَضَضَ حرّ النار) .

في القاموس: «المَضَض محرّكة: وجع المصيبة»(3).

وفي قوله: ( «وَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ» (4).

ثمّ إليه تُحشرُون) وعد ووعيد(5).

(فانتفعوا بالعِظة) .

في القاموس: «وعظه يعظه وَعظاً وعِظَة وموعظة: ذكره ما يليّن قلبه من الثواب والعقاب، فاتّعظ» (6).

وفي بعض النسخ: «فاتّعظوا بالعظة».

(وتَأدّبوا بآداب الصالحين) .

التأدّب: تعلّم الأدب، وهو حسن التناول.

وقيل: كلّ ما فيه صلاح النفس ، سمّي أدباً؛ لأنّه تعالى دعاهم إليه (7).

ص: 194


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 349 (شقو)
2- الصحاح ، ج 6 ، ص 2394 (شقو) مع اختلاف يسير
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 344 (مضض)
4- .التوبة (9) : 94 . وفي المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : + «ورسوله»
5- في الحاشية: «وترغيب في العمل الصالح ، وتنفير عن القبائح. روي عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه والرضا عليهم السلام : إنّ أعمال العباد تُعرض على رسول اللّه والأئمّة . صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 198 . وانظر الخبر في: الفقيه ، ج 1 ، ص191 ، باب النوادر، ح 583 ؛ وبصائر الدرجات ، ص 424 ، ح 2 وح 8
6- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 400 (وعظ)
7- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 199

متن الحديث الثالث

اشارة

أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْكُوفِيُّ (1). _ وَهُوَ الْعَاصِمِيُّ _ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ الصَّوَّافِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْهَمْدَانِيِّ، (2).

عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام ، قَالَ:«كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يُوصِي أَصْحَابَهُ وَيَقُولُ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللّهِ؛ فَإِنَّهَا غِبْطَةُ الطَّالِبِ الرَّاجِي، وَثِقَةُ الْهَارِبِ اللاَّجِي، وَاسْتَشْعِرُوا التَّقْوى شِعَاراً بَاطِناً .

وَاذْكُرُوا اللّهَ ذِكْراً خَالِصاً ، تَحْيَوْا بِهِ أَفْضَلَ الْحَيَاةِ، وَتَسْلُكُوا بِهِ طَرِيقَ النَّجَاةِ.

انْظُرُوا فِي الدُّنْيَا نَظَرَ الزَّاهِدِ الْمُفَارِقِ لَهَا (3). ؛ فَإِنَّهَا تُزِيلُ الثَّاوِيَ السَّاكِنَ، وَتَفْجَعُ الْمُتْرَفَ الآْمِنَ، لَا يُرْجى مِنْهَا مَا تَوَلّى فَأَدْبَرَ، وَلَا يُدْرى مَا هُوَ آتٍ مِنْهَا فَيُنْتَظَرَ، وُصِلَ الْبَلَاءُ مِنْهَا بِالرَّخَاءِ، وَالْبَقَاءُ مِنْهَا إِلى فَنَاءٍ، فَسُرُورُهَا (4). مَشُوبٌ بِالْحُزْنِ، وَالْبَقَاءُ فِيهَا إِلَى الضَّعْفِ وَالْوَهْنِ، فَهِيَ كَرَوْضَةٍ اعْتَمَّ مَرْعَاهَا، وَأَعْجَبَتْ مَنْ يَرَاهَا؛ عَذْبٌ شِرْبُهَا ، طَيِّبٌ تُرْبُهَا ، تَمُجُّ عُرُوقُهَا الثَّرى، وَتَنْطُفُ فُرُوعُهَا النَّدى، حَتّى إِذَا بَلَغَ الْعُشْبُ إِبَّانَهُ، وَاسْتَوى بَنَانُهُ، هَاجَتْ رِيحٌ تَحُتُّ الْوَرَقَ، وَتُفَرِّقُ مَا اتَّسَقَ ، فَأَصْبَحَتْ كَمَا قَالَ اللّهُ : «هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً» (5). انْظُرُوا فِي الدُّنْيَا فِي كَثْرَةِ مَا يُعْجِبُكُمْ، وَقِلَّةِ مَا يَنْفَعُكُمْ» .

شرح الحديث

السند مجهول (6).

قوله عليه السلام : (اُوصيكم بتقوى اللّه) .

التقوى اسم من التُقى بالضمّ، وهي الحذر، أصله «تَقْيا»، قلبوا الياء واواً ؛ للفرق بين الاسم

ص: 195


1- .في الحاشية: «أحمد بن محمّد بن أحمد بن طلحة أبو عبد اللّه، وهو ابن أخي أبي الحسين عليّ بن عاصم المحدّث ، يقال له: العاصمي، كان ثقة في الحديث ، سالما جنبته ، أصله كوفي ، سكن ببغداد. منه». اُنظر : رجال الطوسي ، ص 416 ، الرقم 6016 ؛ رجال العلّامة ، ص 16 ، الرقم 16 ؛ رجال ابن داود ، ص 38 ، الرقم 112 ؛ وص 42 ، الرقم 123
2- .في الحاشية: «لقي الرضا عليه السلام ». اُنظر : رجال الطوسي ، ص 226 ، الرقم 3994
3- .في الحاشية عن بعض النسخ : «العارف بها» بدل «المفارق لها»
4- .في الحاشية عن بعض النسخ: «سرورها _ ولسرورها»
5- الكهف(18) : 45
6- بدليل وجود عبدالواحد بن الصوّاف في السند ، وهو الذي لم يذكره أحد من علماء الرجال في كتبهم

والصفة؛ فإنّ رَيّا (1). مؤنّث ريّان، لم تبدل فيها من الياء واو؛ لأنّها صفة.

وبعضهم عرّف التقوى بالتجنّب عن المعاصي، والتنزّه عمّا يشغل القلب عنه تعالى، وهي أكمل ما ينفع في الدنيا والآخرة.

قال اللّه عزّ و جلّ : «تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى» (2). ، ولذلك ذكر عليه السلام بعد الوصيّة بها غايتين للترغيب فيها :

الاُولى : أنّها لعظم ثوابها في الآخرة، يتمنّى الناظر إليها منزلة صاحبها.

الثانية : أنّها واقية تقي صاحبها من المكاره والعقوبات الدنيويّة والاُخرويّة.

فأشار إلى الاُولى بقوله: (فإنّها غبطة الطالب الراجي) .

في القاموس: «الغِبطة بالكسر: حسن الحال، والمَسَرّة، والحسد.

وقد غبطه كضربه وسمعه، وتمنّى نعمة على أن لا تتحوّل من صاحبها، فهو غابط» (3). انتهى.

يعني أنّ الطالب لثواب اللّه الراجي لرحمته يغبط ويتمنّى ويطلب التقوى.

قال بعض الشارحين:لعلّ المقصود أنّ التقوى غبطة لطالب ثواب اللّه الراجي له، ونعمة عظيمة توجب علوّ منزلته، ورفع درجته إلى حدّ يتمنّى الناظر إليه منزلته.

ثمّ قال: «وإنّما جعلنا الطالب مغبوطاً؛ لأنّ إضافة الغبطة إليه بتقدير اللام المفيدة للاختصاص يقتضي ذلك » (4). انتهى، وهو كما ترى .

وأشار إلى الثانية بقوله: (وثقة الهارب اللاجي) .

في القاموس: «وثق به _ كورث _ ثقة ومَوثقاً: ائتمنه، والوَثيق: المحكم» (5). انتهى.

وقد يطلق الثقة ويراد بها الوَثيق .

والمعنى: الهارب من عقاب اللّه اللاجي إلى اللّه إنّما يثق بالتقوى لدفع المكاره الدنيويّة

ص: 196


1- .رَيّا كلّ شيء: طيب رائحته. لسان العرب، ج 14، ص 350 (روي)
2- .البقرة(2) : 197
3- .القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 375 (غبط)
4- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 199
5- .القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 287 (وثق)

والعقوبات الاُخرويّة ، لا بالأماني والغرور (1).

ثمّ أمر بملازمتها بقوله: (واستشعروا التقوى) .

في القاموس: «الشِعار ككتاب: ما تحت الدثار من اللباس، وهو يلي شعر الجسد، ويفتح، واستشعره : لبسه» (2). انتهى.

وهو هنا كناية عن شدّة الملابسة وكمال الملازمة، وكونها خالصة للّه مخفية عن الخلق ، لا يشوبها رياء كما أنّ الشعار يكون غالباً مستوراً بالدثار .

وفي قوله: (شعاراً باطناً) إشعار بذلك.

وقيل: نصب شعار على الحاليّة من التقوى، أو مفعول بتضمين معنى الجعل أو الاتّخاذ، وإطلاقه على التقوى على وجه استعارته لها من الثوب، والوجه ملازمة الجسد، أو الإحاطة به مع الإشعار بلزوم خفائها وخلوصها من الريا والسمعة، كخفاء الشعار بالدثار .

وفي وصفه بالباطل لقصد الإيضاح إيماء إليه (3).

(واذكروا اللّه) باللسان والقلب ، عند الطاعة والمعصية.

(ذكراً خالصاً) من الرياء والسمعة .

أمر عليه السلام بعد الوصيّة بالتقوى وذكر غاياتها بما هو عبادة في نفسه، وأصل لسائر العبادات قبولها، بل هو روح لها .

وقوله: (تَحْيَوا به أفضل الحياة) جواب الأمر.

والمراد حياة الأبديّة في الجنّة، أو حياة القلب، أو رفاهيّة العيش.

قال الفيروزآبادي: «الحَياة والحيوة بسكون الواو : نقيض الموت، حَيي _ كرضي _ حَياة، والحياة الطيّبة: الرزق الحلال، أو الجنّة» (4).

ص: 197


1- قال المحقّق المازندراني رحمه الله : «وإلى هاتين الغايتين أشار أميرالمؤمنين عليه السلام في بعض خطبه بقوله : فإنّ التقوى في اليوم الحرزُ والجُنّة ، وفي غد الطريق إلى الجنّة . [نهج البلاغة ، ص 284 ، الخطبة 191] أراد باليوم مدّة الحياة ، وبالغد القيامة ؛ يعني أنّ التقوى في حال الحياة حرز من المكاره ، وفي الآخرة حرز من العقوبات والشدائد ، كما ينطق به قوله تعالى : «وَمَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ» [الطلاق (65) : 2 و3] حيث دلّ على أنّ التقوى مناط للخروج من المضائق والمفاسد ، والوصول إلى المنافع والفوائد»
2- .القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 59 (شعر)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 199 و200
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 321 (حيي)

وفي بعض النسخ: «تحبوا به أفضل الحَبوة» بالباء الموحّدة فيهما . قال الجوهري : «حباه حبوة، أي أعطاه، والحِبا: العطاء» (1).

وعلى هذه النسخة ينبغي أن يقرأ: «تُحبوا» على صيغة المجهول. وعلى نسخة الأصل على صيغة المعلوم.

(وتَسلكوا به) أي بالذكر (طريق النجاة) ؛ فإنّ الذكر في حدّ ذاته عبادة، وسبب للنجاة من العقوبات، وله مدخليّة عظيمة لكمال سائر الطاعات الموجبة للنجاة.

(انظروا في الدنيا نظر الزاهد المفارق لها) .

في بعض النسخ: «العارف لها».

وقيل: أمر بترك الدنيا واحتقارها إلّا بمقدار الضرورة ، علّل ذلك بذكر معايبها المنفّرة عنها بقوله : (فإنّها تُزيل الثاويَ الساكن) أي تزيل المقيم الساكن إليها عمّا ركن إليه منها من زخارفها .

قال الفيروزآبادي : «ثوى المكان وبه يثوي ثواء وثويّا بالضمّ ، وأثوى به : أطال الإقامة به، أو نزل» (2).

(وتَفجع المترف الآمن) أي الدنيا تؤلم وتوجع المتنعّم بها الذي اطمأنّ بحياتها وانخدع بغرورها بسلب ما عليه من نعمها.

وقيل : المراد بالأمن الأمن من الموت وما بعده؛ فإنّ المترف الغافل حال انهماكه في لذّات الدنيا لا يؤمن خوف الموت، بل يكون في تلك الحال آمنا منه (3).

وقال الفيروزآبادي: «فجعه _ كمنعه _ أوجعه، كفجّعه» (4) .

وقال : التُرفة بالضمّ: النعمة والطعام الطيّب، والشيء الظريف، تخصّ به صاحبك ، وأترفته النعمة : أطغته ، أو نعّمته ، كترفته تتريفاً ، وفلان : أصرّ على البغي، والمُترف كمكرم:

ص: 198


1- الصحاح ، ج 6 ، ص 2308 (حبو) مع اختلاف يسير
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 310 (ثوي)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 200
4- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 61 (فجع)

المتروك يصنع ما يشاء ولا يمنع ، والمتنعّم لا يمنع من تنعّمه ، والجبّار (1).

(لا يرجى منها ما تولّى فأدبر) أي أعرض وانقضى [زمانه] ، فولّى دبره . ويحتمل أن يكون التولّي بمعنى الإدبار، والجمع بينهما للتأكيد .

والحاصل أنّ ما ذهب منها من نعمة وصحّة وشباب وعمر مثلاً لا يرجى رجوعها.

(ولا يُدرى) على البناء للمفعول (ما هو آت منها فيُنتظر) ؛ إذ لا علم بالمستقبل منها من خير حتّى ينتظر وقوعها وورودها، ولا من شرّ فيحترز منه .

(وُصل البلاء منها بالرخاء ، والبقاء فيها إلى فناء) .

«وصل» على صيغة المجهول ، من وصلتُ الشيء وَصلاً وصِلَة ؛ أو المعلوم ، من وصل بمعنى اتّصل، أو من وَصل إليه وُصولاً.

والرخاء: وسعة الحال ورفاهيّة العيش (2).

(فسرورُها مَشوب بالحزن) أي مخلوط به، وهذا ناظر إلى وصل البلاء بالرخاء.

وفي بعض النسخ: «مشرب» بدل «مشوب»، والمآل واحد.

قال الجوهري: «الإشراب : لون قد اُشرب من لون [آخر] ، يقال: اُشرب الأبيض حُمرة، أي علاه ذلك، واُشرب في قلبه حبّه، أي خالطه» (3).

(والبقاء فيها إلى الضعف والوهن) أي آئل ومنته إليه .

وهذا ناظر إلى وصل البقاء بالفناء.

والضعف خلاف القوّة، والوهن مثله، فالعطف للتفسير، أو يراد بالضعف ضعف القوى والحواسّ، وبالوهن فتور العظام والأعضاء.

(فهي كروضة اعتمّ مَرعاها) .

يقال: اعتمّ النبت _ بالعين المهملة وشدّ الميم _ إذا اكتهل، أي تمّ طوله، وظهر نوره، ويقال للشابّ إذا طال : اعتمّ .

(وأعجبت) تلك الروضة (من يراها) : لحسن منظرها.

ص: 199


1- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 120 (ترف)
2- قال المحقّق المازندراني رحمه الله : «وفيه تحريك للغافل بأن لا يرضى بالرخاء المتّصل بالفناء»
3- الصحاح ، ج 1 ، ص 154 (شرب)

(عَذبٌ شِربها) ؛ مبتدأ وخبر .

قيل: استعار الشرب للذات الدنيا ، ورشّحها بذكر العَذب في ميل الطبع إليها (1).

قال الجوهري : «العَذب : الماء الطيّب» (2).

وقال: «شرب الماء وغيره شَرباً وشِرباً وشُرباً، والشِرب بالكسر: الحظّ من الماء» (3).

(طَيّب تُربتها) .

في بعض النسخ: «ريحها».

والتُربة بالضمّ: التراب، وطيبها باعتبار قابليّتها للزرع والنبات ؛ لكونها سهلًا، لا جبلاً ولا سبخة ، أو باعتبار كثرة خيرها ومنافعها لما فيها من أنواع الأشجار والأزهار والأثمار ممّا يعجب النفس ، ويبعث الميل إليها.

(تَمُجّ عُروقها الثَّرى، وتَنطف فروعُها النَّدى) .

المجّ: الرمي، وفعله كنصر.

والثرى، بفتح الثاء والراء: التراب النَّدى ، أو النَّديّ أيضاً .

ونَطَفان الماء: سَيَلانه ، أو تَقاطره قليلاً قليلاً، وفعله كنصر وضرب .

وفرع كلّ شيء : أعلاه .

والنَّدى ، بفتح النون والدال : البَلَل .

والمقصود بيان كثرة مائها وطراوتها وارتوائها بحيث يترشّح الماء من عروقها ويتقاطر، أو يسيل من فروعها، هذا إذا اُريد بالثرى النّدى ، وإن اُريد بها التراب النَّديّ ، فلعلّ المراد أن عروقها ترمي التراب من جنبيها ، وتدفعها إلى فوق ، وترفعها ، وتنقّب فيه لكثرة قوّتها .

(حتّى إذا بلغ العُشب إبّانه) .

العُشب بالضمّ: الكلأ ما دام رَطباً .

وإبّان الشيء بالكسر والتشديد: وقته وحين ظهوره وكماله.

ص: 200


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه اللهفي شرحه ، ج 11 ، ص 201
2- الصحاح ، ج 1 ، ص 178 (عذب)
3- الصحاح ، ج 1 ، ص 153 (شرب) مع التلخيص

ويظهر من الجوهري أنّ النون فيه أصليّة؛ فإنّه فِعّال ، حيث ذكره في «ابن» (1).

وقيل: النون زائدة، وإنّه فعلان ، من أبّ الشيء ، إذا تهيّأ للذهاب (2).

(واستوى بَنانه) أي استقرّ في موضعه على ما يليق به، أو استقام من اعوجاج ، وتمّ قوّته .

(هاجَت ريح تَحُتّ الورق ، وتُفرّق ما اتَّسق) .

هذه الجملة جواب «إذا».

ويقال: هاج يَهيج هَيجًا وهَيَجاناً وهياجاً بالكسر، أي ثار .

وحَتّ الورق كمدّ، أي أسقطها، أو فَرَكها ، أو قَشَرها ، وحتّت الورقُ : سقطت ، لازم متعدّ .

والوَرَق _ بالتحريك _ من الشجر ، معروفة ، والواحدة بهاء. وقيل: قد تطلق على جمال الدنيا وبهجتها أيضاً (3).

والاتّساق: الانتظام.

و«تفرّق» من التفريق، عطف على «تحتّ»، والمستتر فيها للريح، والمراد به تفريق انتظامها وإزالة اجتماعها حتّى كان لم تكن، كما أشار إليه بقوله: (فأصبحت) أي صارت «هَشِيماً» .

قال الجوهري : «الهَشيم من النبات : اليابس المتكسّر ، والشجرة البالية يأخذها الحاطب كيف يشاء» (4).

«تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ» أي تطيّره وتذهبه وتفرّقه إلى الأطراف.

«وَكانَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً» (5) .

الاقتدار: القدرة ، والغنى ، واليسار . أي قادراً على إيجاده وإبقائه وإفنائه متمكّنا منه .

(اُنظروا في الدنيا في كثرة ما يُعجبكم وقلّة ما ينفعكم) .

قيل: ختم الكلام بعد ذمّ الدنيا والركون إليها بالنهي عن الاغترار بكثرة ما يعجب منها، وعلّله بقلّة ما ينفع منها.

وقوله: «في كثرة» بدل لقوله: «في الدنيا»، أو «في» بمعنى على، أو مع .(6).

ص: 201


1- راجع : الصحاح ، ج 5 ، ص 2066 (ابن)
2- راجع : شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 201
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 201
4- الصحاح ، ج 5 ، ص 2058 (هشم)
5- .الكهف (18) : 45
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 201

متن الحديث الرابع (وهي خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام ، وهي خطبة الوسيلة)

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَعْمَرٍ، (1). عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عُكَابَةَ 2 التَّمِيمِيِّ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ النَّضْرِ الْفِهْرِيِّ 3 ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو (2). الْأَوْزَاعِيِّ (3). ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ، (4). عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ، (5). قَالَ:

ص: 202


1- .في الحاشية : «الكوفي ، يكنّى بأبي الحسين صاحب الصبيحي ، سمع منه التلعكبري ، وله منه إجازة . مصحّح» . اُنظر : رجال النجاشي ، ص 138 ، الرقم 356 ؛ وص 235 ، الرقم 622 ؛ رجال الطوسى ، ص 442 ، الرقم 631 . ولا يخفي أنّ بعض فقرات الحديث ورد في الأمالي للصدوق ، ص 263 ، المجلس 52 ، ح 9 ؛ والتوحيد ، ص 72 ، ح 27 بسند الصدوق رحمه الله عن الكليني رحمه الله ، عن محمّد بن عليّ بن معن ، إلخ ، ونحن لم نجد هذا العنوان في موضع
2- .في الحاشية عن بعض النسخ: «عمر»
3- .قال الشيخ الطوسي رحمه الله في رجاله ، ص 247 ، الرقم 3222 : «[هو] الفقيه» . وفي أعيان الشيعة ، ج 2 ، ص 388 ،الرقم 2612 : «أقول : الظاهر أنّه أبو عمرو عبد الرحمان بن عمرو بن أبي عمرو ، واسمه محمّد الشامي الأوزاعي ، الفقيه المشهور ، نزيل بيروت ، المتوفّى بها سنة 158 أو 155 أو 151 ؛ فإنّه في طبقة عمرو بن شمر الراوي عن الإمام جعفر الصادق (المتوفّى سنة 148)»
4- .في الحاشية: «عمرو بن شمر، أبو عبد اللّه الجُعفي عربي ، روى [الصادق] عن جابر ، ضعيف. غض» رجال ابن الغضائري ، ج 4 ، ص 305 . وانظر للمزيد : رجال البرقي ، ص 35 ؛ رجال الطوسي ، ص 250 ، الرقم 3507 ؛ رجال العلّامة ، ص241 ، ح 6
5- . في الحاشية: «جابر بن يزيد أبو عبد اللّه عربيّ قديم ، لقي الباقر والصادق عليهماالسلام ومات في أيّامه ، وروى عنه جماعة من الضعفاء منهم عمرو بن شمر ، ثقة في نفسه ، ولكن جلّ من روى عنه ضعيف. مصحّح». راجع : رجال النجاشي ، ص 128 ، الرقم 332 ؛ رجال الكشّي ، ص 191 ؛ رجال الطوسي ، ص 177 ، الرقم 2092 ؛ رجال العلّامة ، ص 35 ،الرقم 2 ؛ وص 241 ، الرقم 6

دَخَلْتُ عَلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَقُلْتُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللّهِ، قَدْ أَرْمَضَنِي اخْتِلاَ فُ الشِّيعَةِ فِي مَذَاهِبِهَا!فَقَالَ: «يَا جَابِرُ، أَ لَمْ أَقِفْكَ عَلى مَعْنَى اخْتِلَافِهِمْ مِنْ أَيْنَ اخْتَلَفُوا، وَمِنْ أَيِّ جِهَةٍ تَفَرَّقُوا؟!قُلْتُ: بَلى يَا ابْنَ رَسُولِ اللّهِ.

قَالَ: فَلَا تَخْتَلِفْ إِذَا اخْتَلَفُوا ، يَا جَابِرُ ، إِنَّ الْجَاحِدَ لِصَاحِبِ الزَّمَانِ كَالْجَاحِدِ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فِي أَيَّامِهِ، يَا جَابِرُ، اسْمَعْ، وَعِ» .

قُلْتُ : إِذَا شِئْتَ .

قَالَ : «اسْمَعْ، وَعِ، وَبَلِّغْ حَيْثُ انْتَهَتْ بِكَ رَاحِلَتُكَ، إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام خَطَبَ النَّاسَ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ مِنْ وَفَاةِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَذلِكَ حِينَ فَرَغَ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ وَتَأْلِيفِهِ، فَقَالَ :الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي مَنَعَ الْأَوْهَامَ أَنْ تَنَالَ إِلَا وُجُودَهُ، وَحَجَبَ الْعُقُولَ أَنْ تَتَخَيَّلَ (1).

ذَاتَهُ ؛ لأْتِنَاعِهَا مِنَ الشَّبَهِ وَالتَّشَاكُلِ، بَلْ هُوَ الَّذِي لَا يَتَفَاوَتُ فِي ذَاتِهِ، وَلَا يَتَبَعَّضُ بِتَجْزِئَةِ الْعَدَدِ فِي كَمَالِهِ ؛ فَارَقَ الْأَ شْيَاءَ لَا عَلَى اخْتِلَافِ الْأَ مَاكِنِ، وَيَكُونُ فِيهَا لَا عَلى وَجْهِ الْمُمُازَجَةِ، وَعَلِمَهَا لَا بِأَدَاةٍ ؛ لَا يَكُونُ الْعِلْمُ إِلَا بِهَا، وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَعْلُومِهِ عِلْمُ غَيْرِهِ بِهِ كَانَ عَالِماً بِمَعْلُومِهِ .

إِنْ قِيلَ : «كَانَ» فَعَلى تَأْوِيلِ أَزَلِيَّةِ الْوُجُودِ، وَإِنْ قِيلَ: «لَمْ يَزَلْ» فَعَلى تَأْوِيلِ نَفْيِ الْعَدَمِ.

فَسُبْحَانَهُ وَتَعَالى عَنْ قَوْلِ مَنْ عَبَدَ سِوَاهُ، وَاتَّخَذَ إِلهاً غَيْرَهُ عُلُوّاً كَبِيراً.

نَحْمَدُهُ بِالْحَمْدِ الَّذِي ارْتَضَاهُ مِنْ خَلْقِهِ، وَأَوْجَبَ قَبُولَهُ عَلى نَفْسِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَا اللّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، شَهَادَتَانِ تَرْفَعَانِ الْقَوْلَ، وَتُضَاعِفَانِ الْعَمَلَ ؛ خَفَّ مِيزَانٌ تُرْفَعَانِ مِنْهُ، وَثَقُلَ مِيزَانٌ تُوضَعَانِ فِيهِ، وَبِهِمَا الْفَوْزُ بِالْجَنَّةِ، وَالنَّجَاةُ مِنَ النَّارِ، وَالْجَوَازُ عَلَى الصِّرَاطِ.

وَبِالشَّهَادَةِ تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، وَبِالصَّلَاةِ تَنَالُونَ الرَّحْمَةَ.

ص: 203


1- .في الحاشية: «عبّر عن الإدراك بالتخييل للتنبيه على أنّ العقل في عدم قدرته على إدراك ذاته كالخيال ؛ إذ الصور العقليّة كالصور الخياليّة في الحدوث والتجزّي والتحليل والتحيّز والاتّصاف بالعوارض والافتقار إلى محلّ وعلّة ، وقدس الحقّ منزّه عن جميع ذلك. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 203

أَكْثِرُوا بِالصَّلَاةِ (1). عَلى نَبِيِّكُمْ، «إِنَّ اللّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً» (2). ، صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً.

أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَا شَرَفَ أَعْلى مِنَ الْاءِسْلَامِ، وَلَا كَرَمَ أَعَزُّ مِنَ التَّقْوى، وَلَا مَعْقِلَ أَحْرَزُ مِنَ الْوَرَعِ، وَلَا شَفِيعَ أَنْجَحُ مِنَ التَّوْبَةِ، وَلَا لِبَاسَ أَجْمَلُ مِنَ الْعَافِيَةِ، وَلَا وِقَايَةَ أَمْنَعُ مِنَ السَّلَامَةِ، وَلَا مَالَ أَذْهَبُ بِالْفَاقَةِ مِنَ الرِّضَا بِالْقَنَاعَةِ، وَلَا كَنْزَ أَغْنى مِنَ الْقُنُوعِ .

وَمَنِ اقْتَصَرَ عَلى بُلْغَةِ الْكَفَافِ، فَقَدِ انْتَظَمَ الرَّاحَةَ، وَتَبَوَّأَ خَفْضَ الدَّعَةِ.

وَالرَّغْبَةُ مِفْتَاحُ التَّعَبِ، وَا لأْتِكَارُ مَطِيَّةُ النَّصَبِ، وَالْحَسَدُ آفَةُ الدِّينِ، وَالْحِرْصُ دَاعٍ إِلَى التَّقَحُّمِ فِي الذُّنُوبِ، وَهُوَ دَاعِي الْحِرْمَانِ، وَالْبَغْيُ سَائِقٌ إِلَى الْحَيْنِ، وَالشَّرَهُ جَامِعٌ لِمَسَاوِي الْعُيُوبِ.

رُبَّ طَمَعٍ خَائِبٌ ، وَأَمَلٍ كَاذِبٌ ، وَرَجَاءٍ يُؤَدِّي إِلَى الْحِرْمَانِ، وَتِجَارَةٍ تَؤُولُ إِلَى الْخُسْرَانِ.

أَلَا وَمَنْ تَوَرَّطَ فِي الْأُمُورِ غَيْرَ نَاظِرٍ فِي الْعَوَاقِبِ ، فَقَدْ تَعَرَّضَ لِمُفْضِحَاتِ النَّوَائِبِ، وَبِئْسَتِ الْقِلَادَةُ قِلَادَةُ (3). الذَّنْبِ لِلْمُؤْمِنِ.

أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَا كَنْزَ أَنْفَعُ مِنَ الْعِلْمِ، وَلَا عِزَّ أَرْفَعُ مِنَ الْحِلْمِ، وَلَا حَسَبَ أَبْلَغُ مِنَ الْأَدَبِ، وَلَا نَسَبَ (4). أَوْضَعُ مِنَ الْغَضَبِ، وَلَا جَمَالَ أَزْيَنُ مِنَ الْعَقْلِ، وَلَا سَوْأَةَ أَسْوَأُ مِنَ الْكَذِبِ، وَلَا حَافِظَ أَحْفَظُ مِنَ الصَّمْتِ، وَلَا غَائِبَ أَقْرَبُ مِنَ الْمَوْتِ.

أَيُّهَا النَّاسُ، (5). مَنْ نَظَرَ فِي عَيْبِ نَفْسِهِ اشْتَغَلَ عَنْ عَيْبِ غَيْرِهِ ؛ وَمَنْ رَضِيَ بِرِزْقِ اللّهِ، لَمْ يَأْسَفْ عَلى مَا فِي يَدِ غَيْرِهِ ؛ وَمَنْ سَلَّ سَيْفَ الْبَغْيِ ، قُتِلَ بِهِ ؛ وَمَنْ حَفَرَ لأخِيهِ بِئْراً ، وَقَعَ فِيهَا ؛ وَمَنْ هَتَكَ حِجَابَ غَيْرِهِ ، انْكَشَفَتْ (6).

عَوْرَاتُ بَيْتِهِ ؛ وَمَنْ نَسِيَ زَلَلَهُ ، اسْتَعْظَمَ زَلَلَ غَيْرِهِ ؛ وَمَنْ أُعْجِبَ بِرَأْيِهِ ، ضَلَّ ؛ وَمَنِ اسْتَغْنى بِعَقْلِهِ ، زَلَّ ؛ وَمَنْ تَكَبَّرَ عَلَى النَّاسِ ، ذَلَّ ؛ وَمَنْ سَفِهَ عَلَى النَّاسِ ، شُتِمَ ؛ وَمَنْ خَالَطَ الْأَنْذَالَ ، حُقِّرَ ؛ وَمَنْ حَمَلَ مَا لَا يُطِيقُ ، عَجَزَ.

أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَا مَالَ (7). أَعْوَدُ مِنَ الْعَقْلِ، وَلَا فَقْرَ (8). أَشَدُّ مِنَ الْجَهْلِ، وَلَا وَاعِظَ 9 أَبْلَغُ مِنَ النُّصْحِ، وَلَا عَقْلَ كَالتَّدْبِيرِ ، وَلَا عِبَادَةَ كَالتَّفَكُّرِ، وَلَا مُظَاهَرَةَ أَوْثَقُ مِنَ الْمُشَاوَرَةِ، وَلَا وَحْشَةَ أَشَدُّ مِنَ الْعُجْبِ، وَلَا

ص: 204


1- .في كلتا الطبعتين والحاشية عن بعض النسخ : «من الصلاة»
2- .الأحزاب (33) : 56
3- .في الطبعة القديمة : _ «قلادة»
4- .في كلتا الطبعتين وحاشية النسخة : «نصب»
5- .في الطبعة القديمة : + «إنّه»
6- .في الطبعة القديمة : «انكشف»
7- .في الطبعة القديمة : + «هو»
8- .في الطبعة القديمة: + «هو»

وَرَعَ كَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ، وَلَا حِلْمَ كَالصَّبْرِ وَالصَّمْتِ .

أَيُّهَا النَّاسُ، فِي الْاءِنْسَانِ عَشْرُ خِصَالٍ يُظْهِرُهَا لِسَانُهُ: شَاهِدٌ يُخْبِرُ عَنِ الضَّمِيرِ، وَحَاكِمٌ (1).

يَفْصِلُ بَيْنَ الْخِطَابِ، وَنَاطِقٌ يُرَدُّ بِهِ الْجَوَابُ، وَشَافِعٌ يُدْرَكُ بِهِ الْحَاجَةُ، وَوَاصِفٌ يُعْرَفُ بِهِ الْأَشْيَاءُ، وَأَمِيرٌ يَأْمُرُ بِالْحَسَنِ، وَوَاعِظٌ يَنْهى عَنِ الْقَبِيحِ، وَمُعَزٍّ تُسَكَّنُ بِهِ الْأَحْزَانُ، وَحَاضِرٌ تُجْلى بِهِ الضَّغَائِنُ، وَمُونِقٌ يُلْهى (2). بِهِ الْأَسْمَاعُ.

أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَا خَيْرَ فِي الصَّمْتِ عَنِ الْحُكْمِ، كَمَا أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِي الْقَوْلِ بِالْجَهْلِ.

وَاعْلَمُوا _ أَيُّهَا النَّاسُ _ أَنَّهُ مَنْ لَمْ يَمْلِكْ لِسَانَهُ يَنْدَمْ، وَمَنْ لَا يَعْلَمْ يَجْهَلْ، وَمَنْ لَا يَتَحَلَّمْ لَا يَحْلُمْ، وَمَنْ لَا يَرْتَدِعْ لَا يَعْقِلْ، وَمَنْ لَا يَعْقِلْ (3). يُهَنْ، وَمَنْ يُهَنْ لَا يُوَقَّرْ، وَمَنْ لَا يُوَقَّرْ (4). يَتَوَبَّخْ، وَمَنْ يَكْتَسِبْ مَالاً مِنْ غَيْرِ حَقِّهِ يَصْرِفْهُ فِي غَيْرِ أَجْرِهِ، وَمَنْ لَا يَدَعْ وَهُوَ مَحْمُودٌ يَدَعْ وَهُوَ مَذْمُومٌ، وَمَنْ لَمْ يُعْطِ قَاعِداً مُنِعَ قَائِماً، وَمَنْ يَطْلُبِ الْعِزَّ بِغَيْرِ حَقٍّ يَذِلَّ، وَمَنْ يَغْلِبْ بِالْجَوْرِ يُغْلَبْ، وَمَنْ عَانَدَ الْحَقَّ لَزِمَهُ الْوَهْنُ، وَمَنْ تَفَقَّهَ وُقِّرَ، وَمَنْ تَكَبَّرَ حُقِّرَ، وَمَنْ لَا يُحْسِنْ لَا يُحْمَدْ (5) .

أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ الْمَنِيَّةَ قَبْلَ الدَّنِيَّةِ، وَالتَّجَلُّدَ قَبْلَ التَّبَلُّدِ، وَالْحِسَابَ قَبْلَ الْعِقَابِ، وَالْقَبْرَ خَيْرٌ مِنَ الْفَقْرِ، وَغَضَّ الْبَصَرِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ النَّظَرِ، وَالدَّهْرَ يَوْمٌ لَكَ وَيَوْمٌ عَلَيْكَ، فَإِذَا كَانَ لَكَ فَلَا تَبْطَرْ، وَإِذَا كَانَ عَلَيْكَ فَاصْبِرْ، فَبِكِلَيْهِمَا تُمْتَحَنُ [ وَفِي نُسْخَةٍ: «وَكِلَاهُمَا سَيُخْتَبَرُ» ] .

أَيُّهَا النَّاسُ، أَعْجَبُ مَا فِي الْاءِنْسَانِ قَلْبُهُ، وَلَهُ مَوَادُّ مِنَ الْحِكْمَةِ، وَأَضْدَادٌ مِنْ خِلَافِهَا ، فَإِنْ سَنَحَ لَهُ الرَّجَاءُ أَذَلَّهُ الطَّمَعُ، وَإِنْ هَاجَ بِهِ الطَّمَعُ أَهْلَكَهُ الْحِرْصُ، وَإِنْ مَلَكَهُ الْيَأْسُ قَتَلَهُ الْأَسَفُ، وَإِنْ عَرَضَ لَهُ الْغَضَبُ اشْتَدَّ بِهِ الْغَيْظُ، وَإِنْ أُسْعِدَ بِالرِّضى نَسِيَ التَّحَفُّظَ، وَإِنْ نَالَهُ الْخَوْفُ شَغَلَهُ الْحَذَرُ، وَإِنِ اتَّسَعَ لَهُ الْأَمْنُ اسْتَلَبَتْهُ الْعِزَّةُ [وَفِي نُسْخَةٍ: «أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ» ] ، وَإِنْ جُدِّدَتْ لَهُ نِعْمَةٌ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ، وَإِنْ أَفَادَ مَالاً أَطْغَاهُ الْغِنى، وَإِنْ عَضَّتْهُ فَاقَةٌ شَغَلَهُ الْبَلَاءُ [ وَفِي نُسْخَةٍ: «جَهَدَهُ الْبُكَاءُ» ] ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ فَضَحَهُ الْجَزَعُ، وَإِنْ أَجْهَدَهُ الْجُوعُ قَعَدَ بِهِ الضَّعْفُ، وَإِنْ أَفْرَطَ فِي الشِّبَعِ كَظَّتْهُ الْبِطْنَةُ ؛ فَكُلُّ تَقْصِيرٍ بِهِ مُضِرٌّ ، وَكُلُّ إِفْرَاطٍ لَهُ مُفْسِدٌ .

ص: 205


1- .في الطبعة القديمة: «حاكم» بدون الواو
2- .في كلتا الطبعتين وحاشية النسخة: «تلتذّ». وفي بعض نسخ الكافي : «تلهى»
3- .في الطبعة القديمة : «لا يعلم»
4- .في الحاشية عن بعض النسخ: «لا يتوقّر»
5- .في الحاشية عن بعض النسخ: «لا يجمل»

أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ مَنْ قَلَّ ذَلَّ، وَمَنْ جَادَ سَادَ، وَمَنْ كَثُرَ مَالُهُ رَأَسَ، وَمَنْ كَثُرَ حِلْمُهُ نَبُلَ، وَمَنْ أَفْكَرَ فِي ذَاتِ اللّهِ تَزَنْدَقَ، وَمَنْ أَكْثَرَ مِنْ (1). شَيْءٍ عُرِفَ بِهِ، وَمَنْ كَثُرَ مِزَاحُهُ اسْتُخِفَّ بِهِ، وَمَنْ كَثُرَ ضِحْكُهُ ذَهَبَتْ هَيْبَتُهُ، فَسَدَ حَسَبُ مَنْ لَيْسَ لَهُ أَدَبٌ، إِنَّ أَفْضَلَ الْفِعَالِ صِيَانَةُ الْعِرْضِ بِالْمَالِ، لَيْسَ مَنْ جَالَسَ الْجَاهِلَ بِذِي مَعْقُولٍ، مَنْ جَالَسَ الْجَاهِلَ فَلْيَسْتَعِدَّ لِقِيلٍ وَقَالٍ.

لَنْ يَنْجُوَ مِنَ الْمَوْتِ غَنِيٌّ بِمَالِهِ، وَلَا فَقِيرٌ لأِقْلَالِهِ.

أَيُّهَا النَّاسُ، لَوْ أَنَّ الْمَوْتَ يُشْتَرى لَاشْتَرَاهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا الْكَرِيمُ الْأَبْلَجُ وَاللَّئِيمُ الْمَلْهُوجُ.

أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ لِلْقُلُوبِ شَوَاهِدَ تُجْرِي الْأَنْفُسَ عَنْ مَدْرَجَةِ أَهْلِ التَّفْرِيطِ، وَفِطْنَةُ الْفَهْمِ لِلْمَوَاعِظِ مَا يَدْعُو النَّفْسَ إِلَى الْحَذَرِ مِنَ الْخَطَرِ، وَلِلْقُلُوبِ خَاطِرٌ (2). لِلْهَوى، وَالْعُقُولُ تَزْجُرُ وَتَنْهى، وَفِي التَّجَارِبِ عِلْمٌ مُسْتَأْنَفٌ، وَا لأْتِبَارُ يَقُودُ إِلَى الرَّشَادِ، وَكَفَاكَ أَدَباً لِنَفْسِكَ مَا تَكْرَهُهُ لِغَيْرِكَ.

وَعَلَيْكَ لأخِيكَ الْمُؤْمِنِ مِثْلُ الَّذِي لَكَ عَلَيْهِ.

لَقَدْ خَاطَرَ مَنِ اسْتَغْنى بِرَأْيِهِ، وَالتَّدَبُّرُ قَبْلَ الْعَمَلِ؛ فَإِنَّهُ يُؤْمِنُكَ مِنَ النَّدَمِ، وَمَنِ اسْتَقْبَلَ وُجُوهَ الْارَاءِ عَرَفَ مَوَاضِعَ (3).

الْخَطَإِ، وَمَنْ أَمْسَكَ عَنِ الْفُضُولِ عَدَلَتْ رَأْيَهُ الْعُقُولُ، وَمَنْ حَصَرَ (4).

شَهْوَتَهُ فَقَدْ صَانَ قَدْرَهُ، وَمَنْ أَمْسَكَ لِسَانَهُ أَمِنَهُ قَوْمُهُ وَنَالَ حَاجَتَهُ.

وَفِي تَقَلُّبِ الْأَحْوَالِ عِلْمُ جَوَاهِرِ الرِّجَالِ، وَالْأَيَّامُ تُوضِحُ لَكَ السَّرَائِرَ الْكَامِنَةَ، وَلَيْسَ فِي الْبَرْقِ الْخَاطِفِ مُسْتَمْتَعٌ لِمَنْ يَخُوضُ فِي الظُّلْمَةِ، وَمَنْ عُرِفَ بِالْحِكْمَةِ لَحَظَتْهُ الْعُيُونُ بِالْوَقَارِ وَالْهَيْبَةِ.وَأَشْرَفُ الْغِنى تَرْكُ الْمُنى.

وَالصَّبْرُ جُنَّةٌ مِنَ الْفَاقَةِ، وَالْحِرْصُ عَلَامَةُ الْفَقْرِ، وَالْبُخْلُ جِلْبَابُ الْمَسْكَنَةِ، وَالْمَوَدَّةُقَرَابَةٌ مُسْتَفَادَةٌ، وَوَصُولٌ مُعْدِمٌ خَيْرٌ مِنْ جَافٍ مُكْثِرٍ، وَالْمَوْعِظَةُ كَهْفٌ لِمَنْ وَعَاهَا، وَمَنْ أَطْلَقَ طَرْفَهُ كَثُرَ أَسَفُهُ.

وَقَدْ أَوْجَبَ الدَّهْرُ شُكْرَهُ عَلى مَنْ نَالَ سُؤْلَهُ.

وَقَلَّ مَا يُنْصِفُكَ اللِّسَانُ مِنْ (5).

نَشْرِ قَبِيحٍ أَوْ إِحْسَانٍ ، وَمَنْ ضَاقَ خُلُقُهُ مَلَّهُ أَهْلُهُ، وَمَنْ نَالَ اسْتَطَالَ،

ص: 206


1- .في الحاشية عن بعض النسخ: «في»
2- .في كلتا الطبعتين وجميع النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة : «خواطر»
3- .في كلتا الطبعتين وحاشية النسخة : «مواقع»
4- .في كلتا الطبعتين وحاشية النسخة : «حصّن». وفي بعض نسخ الكافي : «حصرت»
5- .في كلتا الطبعتين وحاشية النسخة : «في»

وَقَلَّ مَا تَصْدُقُكَ الْأُمْنِيَّةُ.

وَالتَّوَاضُعُ يَكْسُوكَ الْمَهَابَةَ ، وَفِي سَعَةِ الْأَخْلاَقِ كُنُوزُ الْأَرْزَاقِ.

كَمْ مِنْ عَاكِفٍ عَلى ذَنْبِهِ فِي آخِرِ أَيَّامِ عُمُرِهِ، وَمَنْ كَسَاهُ الْحَيَاءُ ثَوْبَهُ خَفِيَ عَلَى النَّاسِ عَيْبُهُ.

وَانْحُ الْقَصْدَ مِنَ الْقَوْلِ؛ فَإِنَّ مَنْ تَحَرَّى الْقَصْدَ خَفَّتْ عَلَيْهِ الْمُؤَنُ، وَفِي خِلَافِ النَّفْسِ رُشْدُكَ، مَنْ عَرَفَ الْأَيَّامَ لَمْ يَغْفُلْ عَنِ ا لأْتِعْدَادِ.

أَلَا وَإِنَّ مَعَ كُلِّ جُرْعَةٍ شَرَقاً، وَإِنَّ فِي كُلِّ أُكْلَةٍ غُصَصاً، لَا تُنَالُ نِعْمَةٌ إِلَا بِزَوَالِ أُخْرى.

وَلِكُلِّ ذِي رَمَقٍ قُوتٌ، وَلِكُلِّ حَبَّةٍ آكِلٌ، وَأَنْتَ قُوتُ الْمَوْتِ.

اعْلَمُوا أَيُّهَا النَّاسُ أَنَّهُ مَنْ مَشى عَلى وَجْهِ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ إِلى بَطْنِهَا، وَاللَّيْلُ وَالنَّهَارُ يَتَنَازَعَانِ (1). [وَفِي نُسْخَةٍ أُخْرى : «يُسَارِعَانِ» (2). ] فِي هَدْمِ الْأَعْمَارِ .

يَا أَيُّهَا النَّاسُ، كُفْرُ النِّعْمَةِ لُؤْمٌ، وَصُحْبَةُ الْجَاهِلِ شُؤْمٌ ؛ إِنَّ مِنَ الْكَرَمِ لِينَ الْكَلَامِ ، وَمِنَ الْعِبَادَةِ إِظْهَارَ اللِّسَانِ وَإِفْشَاءَ السَّلَامِ .

إِيَّاكَ وَالْخَدِيعَةَ؛ فَإِنَّهَا مِنْ خُلُقِ اللَّئِيمِ.

لَيْسَ كلُّ طَالِبٍ يُصِيبُ، وَلَا كُلُّ غَائِبٍ يَؤُوبُ ؛ لَا تَرْغَبْ فِيمَنْ زَهِدَ فِيكَ، رُبَّ بَعِيدٍ هُوَ أَقْرَبُ مِنْ قَرِيبٍ.

سَلْ عَنِ الرَّفِيقِ قَبْلَ الطَّرِيقِ، وَعَنِ الْجَارِ قَبْلَ الدَّارِ .

أَلَا وَمَنْ أَسْرَعَ فِي الْمَسِيرِ أَدْرَكَهُ الْمَقِيلُ.

اسْتُرْ عَوْرَةَ أَخِيكَ كَمَا تَعْلَمُهَا فِيكَ، اغْتَفِرْ زَلَّةَ صَدِيقِكَ لِيَوْمِ يَرْكَبُكَ عَدُوُّكَ .

مَنْ غَضِبَ عَلى مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلى ضَرِّهِ طَالَ حُزْنُهُ وَعَذَّبَ نَفْسَهُ.

مَنْ خَافَ رَبَّهُ كُفِيَ عَذَابَهُ، (3). وَمَنْ لَمْ يَزِغْ فِي كَلَامِهِ أَظْهَرَ فَخْرَهُ.

مَنْ (4).

لَمْ يَعْرِفِ الْخَيْرَ مِنَ الشَّرِّ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبَهِيمَةِ، إِنَّ مِنَ الْفَسَادِ إِضَاعَةَ الزَّادِ .

مَا أَصْغَرَ الْمُصِيبَةَ مَعَ عِظَمِ الْفَاقَةِ غَداً، هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ وَمَا تَنَاكَرْتُمْ إِلَا لِمَا فِيكُمْ مِنَ الْمَعَاصِي

ص: 207


1- .في الحاشية عن بعض النسخ : «يسارعان»
2- .في كلتا الطبعتين وحاشية النسخة: «يتسارعان»
3- .في كلتا الطبعتين وجميع النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة : «من خاف ربّه كفّ ظلمه . في نسخة : من خاف ربّه كفي عذابه»
4- .في كلتا الطبعتين : «ومن»

وَالذُّنُوبِ، فَمَا أَقْرَبَ الرَّاحَةَ مِنَ التَّعَبِ وَالْبُؤْسَ مِنَ النَّعِيمِ، وَمَا شَرٌّ بِشَرٍّ بَعْدَهُ الْجَنَّةُ، وَمَا خَيْرٌ بِخَيْرٍ بَعْدَهُ النَّارُ.

وَكُلُّ نَعِيمٍ دُونَ الْجَنَّةِ مَحْقُورٌ، وَكُلُّ بَلَاءٍ دُونَ النَّارِ عَافِيَةٌ، وَعِنْدَ تَصْحِيحِ الضَّمَائِرِ تُبْدُو الْكَبَائِرُ.

تَصْفِيَةُ الْعَمَلِ أَشَدُّ مِنَ الْعَمَلِ، وَتَخْلِيصُ النِّيَّةِ مِنَ الْفَسَادِ أَشَدُّ عَلَى الْعَامِلِينَ مِنْ طُولِ الْجِهَادِ.

هَيْهَاتَ لَوْ لَا التُّقى لَكُنْتُ أَدْهَى الْعَرَبِ.

أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ وَعَدَ نَبِيَّهُ مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله الْوَسِيلَةَ، وَوَعْدُهُ الْحَقُّ، «وَلَنْ يُخْلِفَ اللّهُ وَعْدَهُ» (1) .

أَلَا وَإِنَّ الْوَسِيلَةَ عَلى دَرَجِ (2). الْجَنَّةِ، وَذِرْوَةِ ذَوَائِبِ الزُّلْفَةِ، وَنِهَايَةِ غَايَةِ الْأُمْنِيَّةِ ، لَهَا أَلْفُ مِرْقَاةٍ مَا بَيْنَ الْمِرْقَاةِ إِلَى الْمِرْقَاةِ حُضْرُ الْفَرَسِ الْجَوَادِ مِائَةَ عَامٍ (وَفِي نُسْخَةٍ : «أَلْفَ عَامٍ») ، وَهُوَ مَا بَيْنَ مِرْقَاةِ دُرَّةٍ إِلى مِرْقَاةِ جَوْهَرَةٍ إِلى مِرْقَاةِ زَبَرْجَدَةٍ إِلى مِرْقَاةِ لُؤْلُؤَةٍ إِلى مِرْقَاةِ يَاقُوتَةٍ إِلى مِرْقَاةِ زُمُرُّدَةٍ إِلى مِرْقَاةِ مَرْجَانَةٍ إِلى مِرْقَاةِ كَافُورٍ إِلى مِرْقَاةِ عَنْبَرٍ إِلى مِرْقَاةِ يَلَنْجُوجٍ إِلى مِرْقَاةِ ذَهَبٍ إِلى مِرْقَاةِ فِضَّةٍ إِلى مِرْقَاةِ غَمَامٍ إِلى مِرْقَاةِ هَوَاءٍ إِلى مِرْقَاةِ نُورٍ ؛ قَدْ أَنَافَتْ عَلى كُلِّ الْجِنَانِ، وَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَوْمَئِذٍ قَاعِدٌ عَلَيْهَا مُرْتَدٍ بِرَيْطَتَيْنِ: رَيْطَةٍ مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ، وَرَيْطَةٍ مِنْ نُورِ اللّهِ ، عَلَيْهِ تَاجُ النُّبُوَّةِ وَإِكْلِيلُ الرِّسَالَةِ ، قَدْ أَشْرَقَ بِنُورِهِ الْمَوْقِفُ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ عَلَى الدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ، وَهِيَ دُونَ دَرَجَتِهِ .

وَعَلَيَّ رَيْطَتَانِ: رَيْطَةٌ مِنْ أُرْجُوَانِ النُّورِ، وَرَيْطَةٌ مِنْ كَافُورٍ، وَالرُّسُلُ وَالْأَنْبِيَاءُ قَدْ وَقَفُوا عَلَى الْمَرَاقِي، وَأَعْلَامُ الْأَزْمِنَةِ وَحُجَجُ الدُّهُورِ عَنْ أَيْمَانِنَا، قَدْ تَجَلَّلَتْهُمْ حُلَلُ النُّورِ وَالْكَرَامَةِ، لَا يَرَانَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ إِلَا بُهِتَ بِأَنْوَارِنَا، وَعَجِبَ مِنْ ضِيَائِنَا وَجَلَالَتِنَا.

وَعَنْ يَمِينِ الْوَسِيلَةِ عَنْ يَمِينِ الرَّسُولِ صلى الله عليه و آله غَمَامَةٌ بَسْطَةَ (3). الْبَصَرِ يَأْتِي مِنْهَا النِّدَاءُ: يَا أَهْلَ الْمَوْقِفِ، طُوبى لِمَنْ أَحَبَّ الْوَصِيَّ، وَآمَنَ بِالنَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الْعَرَبِيِّ، وَمَنْ كَفَرَ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ.

وَعَنْ يَسَارِ الْوَسِيلَةِ عَنْ يَسَارِ الرَّسُولِ صلى الله عليه و آله ظُلَّةٌ يَأْتِي مِنْهَا النِّدَاءُ: يَا أَهْلَ الْمَوْقِفِ، طُوبى لِمَنْ أَحَبَّ الْوَصِيَّ، وَآمَنَ بِالنَّبِيِّ ا لأمِّيِّ، وَالَّذِي لَهُ الْمُلْكُ الْأَعْلى، لَا فَازَ أَحَدٌ وَلَا نَالَ الرَّوْحَ وَالْجَنَّةَ إِلَا مَنْ لَقِيَ خَالِقَهُ بِالْاءِخْلَاصِ لَهُمَا، وَالِاقْتِدَاءِ بِنُجُومِهِمَا، فَأَيْقِنُوا يَا أَهْلَ وَلَايَةِ اللّهِ بِبَيَاضِ (4). وُجُوهِكُمْ،

ص: 208


1- .الحجّ (22) : 47
2- .في الحاشية عن بعض النسخ: «درجة»
3- .في الحاشية عن بعض النسخ: «بسط»
4- .في الحاشية عن بعض النسخ: «بتبييض»

وَشَرَفِ مَقْعَدِكُمْ، وَكَرَمِ مَآبِكُمْ، وَبِفَوْزِكُمُ الْيَوْمَ «عَلى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ» (1).

وَيَا أَهْلَ ا لأْحِرَافِ وَالصُّدُودِ عَنِ اللّهِ _ عَزَّ ذِكْرُهُ _ وَرَسُولِهِ وَصِرَاطِهِ وَأَعْلَامِ الْأَزْمِنَةِ، أَيْقِنُوا بِسَوَادِ وُجُوهِكُمْ، وَغَضَبِ رَبِّكُمْ جَزَاءً بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ .

وَمَا مِنْ رَسُولٍ سَلَفَ، وَلَا نَبِيٍّ مَضى إِلَا وَ (2).

كَانَ مُخْبِراً أُمَّتَهُ بِالْمُرْسَلِ الْوَارِدِ مِنْ بَعْدِهِ، وَمُبَشِّراً بِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَمُوصِياً قَوْمَهُ بِاتِّبَاعِهِ، وَمُحَلِّيَهُ عِنْدَ قَوْمِهِ لِيَعْرِفُوهُ بِصِفَتِهِ، وَلِيَتَّبِعُوهُ عَلى شَرِيعَتِهِ، وَلِئَلَا (3). يَضِلُّوا فِيهِ مِنْ بَعْدِهِ، فَيَكُونَ مَنْ هَلَكَ أَوْ ضَلَّ بَعْدَ وُقُوعِ الْاءِعْذَارِ وَالْاءِنْذَارِ عَنْ بَيِّنَةٍ وَتَعْيِينِ حُجَّةٍ، فَكَانَتِ الْأُمَمُ فِي رَجَاءٍ مِنَ الرُّسُلِ وَوُرُودٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَئِنْ أُصِيبَتْ بِفَقْدِ نَبِيٍّ بَعْدَ نَبِيٍّ عَلى عِظَمِ (4). مَصَائِبِهِمْ وَفَجَائِعِهَا بِهِمْ، فَقَدْ كَانَتْ عَلى سَعَةٍ مِنَ الْأَمَلِ، وَلَا مُصِيبَةٌ عَظُمَتْ وَلَا رَزِيَّةٌ جَلَّتْ كَالْمُصِيبَةِ بِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؛ لأنَّ اللّهَ حَسَمَ (5). بِهِ الْاءِنْذَارَ وَالْاءِعْذَارَ، وَقَطَعَ بِهِ ا لأحْتِجَاجَ وَالْعُذْرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ، وَجَعَلَهُ بَابَهُ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِبَادِهِ، وَمُهَيْمِنَهُ الَّذِي لَا يَقْبَلُ إِلَا بِهِ، وَلَا قُرْبَةَ إِلَيْهِ إِلَا بِطَاعَتِهِ، وَقَالَ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ: «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللّهَ وَمَنْ تَوَلّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً» (6). ، فَقَرَنَ طَاعَتَهُ بِطَاعَتِهِ، وَمَعْصِيَتَهُ بِمَعْصِيَتِهِ، فَكَانَ ذلِكَ دَلِيلاً عَلى مَا فَوَّضَ إِلَيْهِ، وَشَاهِداً لَهُ عَلى مَنِ اتَّبَعَهُ وَعَصَاهُ.

وَبَيَّنَ ذلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْكِتَابِ الْعَظِيمِ، فَقَالَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ فِي التَّحْرِيضِ عَلَى اتَّبَاعِهِ وَالتَّرْغِيبِ فِي تَصْدِيقِهِ وَالْقَبُولِ لِدَعْوَتِهِ (7). : «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ» (8). ، فَاتِّبَاعُهُ صلى الله عليه و آله مَحَبَّةُ اللّهِ، وَرِضَاهُ غُفْرَانُ الذُّنُوبِ، وَكَمَالُ النورِ (9). وَوُجُوبُ الْجَنَّةِ، وَفِي التَّوَلِّي عَنْهُ وَالْاءِعْرَاضِ مُحَادَّةُ اللّهِ وَغَضَبُهُ وَسَخَطُهُ، وَالْبُعْدُ مِنْهُ مُسْكِنُ النَّارِ، وَذلِكَ قَوْلُهُ: «وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنّارُ مَوْعِدُهُ» (10). ، يَعْنِي الْجُحُودَ بِهِ، وَالْعِصْيَانَ لَهُ؛ فَإِنَّ اللّهَ _ تَبَارَكَ اسْمُهُ _ امْتَحَنَ بِي عِبَادَهُ، وَقَتَلَ بِيَدِي أَضْدَادَهُ، وَأَفْنى بِسَيْفِي جُحَّادَهُ، وَجَعَلَنِي زُلْفَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، وَحِيَاضَ مَوْتٍ عَلَى الْجَبَّارِينَ، وَسَيْفَهُ عَلَى الْمُجْرِمِينَ، وَشَدَّ بِي أَزْرَ رَسُولِهِ، (11). وَأَكْرَمَنِي بِنَصْرِهِ، وَشَرَّفَنِي

ص: 209


1- الصافّات(37) : 44
2- .في كلتا الطبعتين : + «قد»
3- .في الحاشية عن بعض النسخ والوافي : «لكيلا»
4- .في الحاشية عن بعض النسخ: «عظيم»
5- .في الحاشية عن بعض النسخ: «حكم»
6- .النساء(4) : 80
7- .في الطبعة القديمة : «بدعوته»
8- .آل عمران(3) : 31
9- .في كلتا الطبعتين وحاشية النسخة : «الفوز»
10- .هود(11) : 17
11- . في الحاشية عن بعض النسخ: «نبيّه». وفي بعض نسخ الكافي : «رسول اللّه صلى الله عليه و آله »

بِعِلْمِهِ، وَحَبَانِي بِأَحْكَامِهِ، وَاخْتَصَّنِي بِوَصِيَّتِهِ، وَاصْطَفَانِي بِخِلَافَتِهِ فِي أُمَّتِهِ، فَقَالَ وَقَدْ حَشَدَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، وَانْغَصَّتْ بِهِمُ الْمَحَافِلُ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ عَلِيّاً مِنِّي كَهَارُونَ مِنْ مُوسى، إِلَا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي.

فَعَقَلَ الْمُؤْمِنُونَ عَنِ اللّهِ، نَطَقَ الرَّسُولُ إِذْ عَرَفُونِي أَنِّي لَسْتُ بِأَخِيهِ لأبِيهِ وَ _ أُمِّهِ وَاللّهِ (1). _ كَمَا كَانَ هَارُونُ أَخَا مُوسى لأبِيهِ وَأُمِّهِ، وَلَا كُنْتُ نَبِيّاً فَاقْتَضى نُبُوَّةً، وَلكِنْ كَانَ ذلِكَ مِنْهُ اسْتِخْلَافاً لِي، كَمَا اسْتَخْلَفَ مُوسى هَارُونَ عليه السلام حَيْثُ يَقُولُ: «اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ» (2).

وَقَوْلُهُ عليه السلام حِينَ تَكَلَّمَتْ طَائِفَةٌ، فَقَالَتْ :

نَحْنُ مَوَالِي رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إِلى حَجَّةِ الْوَدَاعِ، ثُمَّ صَارَ إِلى غَدِيرِ خُمٍّ، فَأَمَرَ، فَأُصْلِحَ لَهُ شِبْهُ الْمِنْبَرِ، ثُمَّ عَلَاهُ وَأَخَذَ بِعَضُدِي حَتّى رُئِيَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ رَافِعاً صَوْتَهُ قَائِلاً فِي مَحْفِلِهِ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ، فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ، اللّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ ، وَعَادِ مَنْ عَادَاه ، وَكَانَتْ (3). عَلى وَلَايَتِي وَلَايَةُ اللّهِ، وَعَلى عَدَاوَتِي عَدَاوَةُ اللّهِ، وَأَنْزَلَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْاءِسْلامَ دِيناً» (4). ، فَكَانَتْ وَلَايَتِي كَمَالَ الدِّينِ وَرِضَا الرَّبِّ جَلَّ ذِكْرُهُ، وَأَنْزَلَ اللّهُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ اخْتِصَاصاً لِي ، وَتَكَرُّماً (5). نَحَلَنِيهِ ، وَإِعْظَاماً وَتَفْضِيلاً مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مَنَحَنِيهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: «ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ» (6). فِيَّ مَنَاقِبُ لَوْ ذَكَرْتُهَا لَعَظُمَ بِهَا ا لأْتِفَاعُ، وَطَالَ لَهَا ا لأْتِمَاعُ، وَلَئِنْ تَقَمَّصَهَا دُونِيَ الْأَشْقَيَانِ، وَنَازَعَانِي فِيمَا لَيْسَ لَهُمَا بِحَقٍّ، وَرَكِبَاهَا ضَلَالَةً ، وَاعْتَقَدَاهَا جَهَالَةً، فَلَبِئْسَ مَا عَلَيْهِ وَرَدَا، وَلَبِئْسَ مَا لأنْفُسِهِمَا مَهَّدَا، يَتَلَاعَنَانِ فِي دُورِهِمَا، وَيَتَبَرَّأُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ يَقُولُ لِقَرِينِهِ إِذَا الْتَقَيَا: يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ، فَبِئْسَ الْقَرِينُ، فَيُجِيبُهُ الْأَشْقى عَلى رُثُوثَةٍ : يَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْكَ خَلِيلاً لَقَدْ أَضْلَلْتَنِي «عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْاءِنْسَانِ خَذُولاً» (7).

ص: 210


1- .في كلتا الطبعتين وجميع النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة : _ «واللّه»
2- الأعراف (7) : 142
3- .في الطبعة القديمة : «فكانت»
4- .المائدة (5) : 3
5- .في الحاشية عن بعض النسخ: «تكرمة». وفي بعض نسخ الكافي : «تكريما»
6- الأنعام (6) : 62
7- الفرقان (25) : 28 و29

فَأَنَا الذِّكْرُ الَّذِي عَنْهُ ضَلَّ، وَالسَّبِيلُ الَّذِي عَنْهُ مَالَ، وَالْاءِيمَانُ الَّذِي بِهِ كَفَرَ، وَالْقُرْآنُ الَّذِي إِيَّاهُ هَجَرَ، وَالدِّينُ الَّذِي بِهِ كَذَّبَ، وَالصِّرَاطُ الَّذِي عَنْهُ نَكَبَ، وَلَئِنْ رَتَعَا فِي الْحُطَامِ الْمُنْصَرِمِ وَالْغُرُورِ الْمُنْقَطِعِ، وَكَانَا مِنْهُ عَلى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ لَهُمَا عَلى شَرِّ وُرُودٍ فِي أَخْيَبِ وُفُودٍ، وَأَلْعَنِ مَوْرُودٍ يَتَصَارَخَانِ بِاللَّعْنَةِ، وَيَتَنَاعَقَانِ بِالْحَسْرَةِ، مَا لَهُمَا مِنْ رَاحَةٍ، وَلَا عَنْ عَذَابِهِمَا مِنْ مَنْدُوحَةٍ، إِنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَزَالُوا عُبَّادَ أَصْنَامٍ، وَسَدَنَةَ أَوْثَانٍ، يُقِيمُونَ لَهَا الْمَنَاسِكَ، وَيَنْصِبُونَ لَهَا الْعَتَائِرَ، وَيَتَّخِذُونَ لَهَا الْقُرْبَانَ، وَيَجْعَلُونَ لَهَا الْبَحِيرَةَ وَالْوَصِيلَةَ وَالسَّائِبَةَ وَالْحَامَ، وَيَسْتَقْسِمُونَ بِالْأَزْلَامِ ، عَامِهِينَ عَنِ اللّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ، حَائِرِينَ عَنِ الرَّشَادِ ، وَمُهْطِعِينَ (1). إِلَى الْبِعَادِ، قَدِ (2). اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ، وَغَمَرَتْهُمْ سَوْدَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ، وَرَضَعُوا (3). جَهَالَةً، وَانْتَظَمُوا (4). ضَلَالَةً ، فَأَخْرَجَنَا اللّهُ إِلَيْهِمْ رَحْمَةً، وَأَطْلَعَنَا عَلَيْهِمْ رَأْفَةً، وَأَسْفَرَ بِنَا عَنِ الْحُجُبِ نُوراً لِمَنِ اقْتَبَسَهُ، وَفَضْلاً لِمَنِ اتَّبَعَهُ، وَتَأْيِيداً لِمَنْ صَدَّقَهُ، فَتَبَوَّؤُوا الْعِزَّ بَعْدَ الذِّلَّةِ، وَالْكَثْرَةَ بَعْدَ الْقِلَّةِ، وَهَابَتْهُمُ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ، وَأَذْعَنَتْ لَهُمُ الْجَبَابِرَةُ وَطَوَائِفُهَا، وَصَارُوا أَهْلَ نِعْمَةٍ مَذْكُورَةٍ، وَكَرَامَةٍ مَيْسُورَةٍ، (5). وَأَمْنٍ بَعْدَ خَوْفٍ، وَجَمْعٍ بَعْدَ كَوْفٍ، (6). وَأَضَاءَتْ بِنَا مَفَاخِرُ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ، وَأَوْلَجْنَاهُمْ بَابَ الْهُدى، وَأَدْخَلْنَاهُمْ دَارَ السَّلَامِ ، وَأَشْمَلْنَاهُمْ ثَوْبَ الْاءِيمَانِ، وَفَلَجُوا بِنَا فِي الْعَالَمِينَ، وَأَبْدَتْ لَهُمْ أَيَّامُ الرَّسُولِ آثَارَ الصَّالِحِينَ : مِنْ حَامٍ مُجَاهِدٍ، وَمُصَلٍّ قَانِتٍ، وَمُعْتَكِفٍ زَاهِدٍ، يُظْهِرُونَ الْأَمَانَةَ، وَيَأْتُونَ الْمَثَابَةَ، حَتّى إِذَا دَعَا اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله ، وَرَفَعَهُ إِلَيْهِ، لَمْ يَكُ ذلِكَ بَعْدَهُ إِلَا كَلَمْحَةٍ مِنْ خَفْقَةٍ، أَوْ وَمِيضٍ مِنْ بَرْقَةٍ، إِلى أَنْ رَجَعُوا عَلَى الْأَعْقَابِ، وَانْتَكَصُوا عَلَى الْأَدْبَارِ، وَطَلَبُوا بِالْأَوْتَارِ، وَأَظْهَرُوا الْكَتَائِبَ، وَرَدَمُوا الْبَابَ، وَفَلُّوا الدَّارَ (7). ، وَغَيَّرُوا آثَارَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَرَغِبُوا عَنْ أَحْكَامِهِ، وَبَعُدُوا عَنْ (8). أَنْوَارِهِ، وَاسْتَبْدَلُوا بِمُسْتَخْلَفِهِ بَدِيلاً اتَّخَذُوهُ، وَكَانُوا ظَالِمِينَ.وَزَعَمُوا أَنَّ مَنِ اخْتَارُوا مِنْ آلِ أَبِي قُحَافَةَ أَوْلى بِمَقَامِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِمَّنِ اخْتَارَهُ (9). رَسُولُ اللّهِ (10). صلى الله عليه و آله لِمَقَامِهِ، وَأَنَّ مُهَاجِرَ آلِ أَبِي قُحَافَةَ خَيْرٌ مِنَ مُهَاجِرِي الْأَنْصَارِ (11). الرَّبَّانِيِّ نَامُوسِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ.

ص: 211


1- . في الطبعة القديمة : «مهطعين» بدون الواو
2- .في الطبعة القديمة : «وقد»
3- .في الطبعة القديمة : «ورضعوها»
4- .في الطبعة القديمة : «وانفطموها»
5- .في الحاشية عن بعض النسخ: «منشورة»
6- .في الحاشية عن بعض النسخ والوافي : «حوب»
7- .في الطبعة القديمة : «الديار»
8- .في كلتا الطبعتين وحاشية النسخة : «من»
9- .في الطبعة القديمة : «اختار»
10- .في الطبعة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها : «الرسول» بدل «رسول اللّه »
11- .في كلتا الطبعتين وحاشية النسخة : «المهاجري الأنصاري»

أَلَا وَإِنَّ أَوَّلَ شَهَادَةِ زُورٍ وَقَعَتْ فِي الْاءِسْلَامِ شَهَادَتُهُمْ أَنَّ صَاحِبَهُمْ مُسْتَخْلَفُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ مَا كَانَ رَجَعُوا عَنْ ذلِكَ، وَقَالُوا: إِنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله مَضى وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ، فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله الطَّيِّبُ الْمُبَارَكُ، أَوَّلَ مَشْهُودٍ عَلَيْهِ بِالزُّورِ فِي الْاءِسْلَامِ، وَعَنْ قَلِيلٍ يَجِدُونَ غِبَّ مَا يَعْمَلُونَ ، وَسَيَجِدُ (1). التَّالُونَ غِبَّ مَا أَسَّسَهُ الْأَوَّلُونَ .

وَلَئِنْ كَانُوا فِي مَنْدُوحَةٍ مِنَ الْمَهْلِ، وَشِفَاءٍ مِنَ الْأَجَلِ ، وَسَعَةٍ مِنَ الْمُنْقَلَبِ، وَاسْتِدْرَاجٍ مِنَ الْغُرُورِ، وَسُكُونٍ مِنَ الْحَالِ، وَإِدْرَاكٍ مِنَ الْأَمَلِ، فَقَدْ أَمْهَلَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ شَدَّادَ بْنَ عَادٍ، وَثَمُودَ بْنَعَبُّودٍ، وَبَلْعَمَ بْنَ بَاعُورٍ، وَأَسْبَغَ عَلَيْهِمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً، وَأَمَدَّهُمْ بِالْأَمْوَالِ وَالْأَعْمَارِ، وَأَتَتْهُمُ الْأَرْضُ بِبَرَكَاتِهَا، لِيَذَّكَّرُوا آلَاءَ اللّهِ، وَلِيَعْرِفُوا الْاءِهَابَةَ لَهُ وَالْاءِنَابَةَ إِلَيْهِ، وَلِيَنْتَهُوا عَنِ ا لأْتِكْبَارِ، فَلَمَّا بَلَغُوا الْمُدَّةَ، وَاسْتَتَمُّوا الْأُكْلَةَ، أَخَذَهُمُ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ وَاصْطَلَمَهُمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ حُصِبَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَحْرَقَتْهُ الظُّلَّةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْدَتْهُ الرَّجْفَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَرْدَتْهُ الْخَسْفَةُ، «فَما كانَ اللّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ» (2).

أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَاباً، فَإِذَا بَلَغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ لَوْ كُشِفَ لَكَ عَمَّا هَوى إِلَيْهِ الظَّالِمُونَ، وَآلَ إِلَيْهِ الْأَخْسَرُونَ، لَهَرَبْتَ إِلَى اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ مِمَّا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ، وَإِلَيْهِ صَائِرُونَ.

أَلَا وَإِنِّي فِيكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ كَهَارُونَ فِي آلِ فِرْعَوْنَ، وَكَبَابِ حِطَّةٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَكَسَفِينَةِ نُوحٍ فِي قَوْمِ نُوحٍ، وَإِنِّي (3). النَّبَأُ الْعَظِيمُ، وَالصِّدِّيقُ الْأَكْبَرُ، وَعَنْ قَلِيلٍ سَتَعْلَمُونَ مَا تُوعَدُونَ، وَهَلْ هِيَ إِلَا كَلُعْقَةِ الآْكِلِ، وَمَذْقَةِ الشَّارِبِ، وَخَفْقَةِ الْوَسْنَانِ، ثُمَّ تُلْزِمُهُمُ الْمَعَرَّاتُ جَزَاءً (4). فِي الدُّنْيَا، وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ، وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ، فَمَا جَزَاءُ مَنْ تَنَكَّبَ مَحَجَّتَهُ، وَأَنْكَرَ حُجَّتَهُ، وَخَالَفَ هُدَاتَهُ، وَحَادَ عَنْ نُورِهِ، وَاقْتَحَمَ فِي ظُلَمِهِ، وَاسْتَبْدَلَ بِالْمَاءِ السَّرَابَ، وَبِالنَّعِيمِ الْعَذَابَ، وَبِالْفَوْزِ الشَّقَاءَ، وَبِالسَّرَّاءِ الضَّرَّاءَ، وَبِالسَّعَةِ الضَّنْكَ، إِلَا جَزَاءُ اقْتِرَافِهِ، وَسُوءُ خِلَافِهِ .

فَلْيُوقِنُوا بِالْوَعْدِ عَلى حَقِيقَتِهِ، وَلْيَسْتَيْقِنُوا بِمَا يُوعَدُونَ يَوْمَ تَأْتِي الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ، «ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ * إِنّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ * يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً» (5). إِلى آخِرِ السُّورَةِ .

ص: 212


1- .في الطبعة القديمة : «يعلمون وسيجدون»
2- التوبة(9) : 70 ؛ العنكبوت (29) : 40
3- .في الطبعة القديمة : «إنّي» بدون الواو
4- .في الطبعة القديمة : «خزيا»
5- .ق (50) : 42 _ 44
شرح الحديث

قوله: (خطبة الوسيلة) ؛ سمّيت بها لاشتمالها على ذكر الوسيلة ومقامها وكيفيّتها.

وقوله: (محمّد بن عليّ بن مَعمر) بفتح الميم وإسكان العين المهملة وفتح الميم. كذا في الإيضاح (1).

(عن محمّد بن عليّ بن عُكابة التَّيمي) .

في القاموس: «عُكابة كدُخانة : ابن صعب ، أبو حيّ من بكر»(2).

(عن الحسين بن النضر الفِهري) .

في القاموس: «الفهر بالكسر: قبيلة من قريش»(3).

(عن أبي عمرو الأوزاعي) .

في القاموس: «الأوزاع : الجماعات ، ولقب مرثد بن زيد ، أبي بطن من همدان»(4).

(عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد) .

السند ضعيف، لكن آثار الصحّة لائحة من قوّة بيان الخطبة، وصحّة معانيها بحيث لا يحتاج إلى إسناد، مع كونها من الخطب المشهورة عنه صلوات اللّه عليه.

وقوله: (قد أرمضني) أي أحرقني وأوجعني في المصيبة.

(اختلافُ الشيعة في مذاهبها) أي اختيار كلّ صنف منهم مذهباً، واختلفوا في الاُصول والفروع جميعاً.

(فقال: يا جابر، أ لم أقفك) إلى قوله: (تفرّقوا) .

هذا الكلام يدلّ على أنّه عليه السلام أوقفه على ذلك قبل.

قال الفيروزآبادي: «وقف يَقف وُقوفاً: دام قائماً، ووقفته أنا وقفاً ، كوقّفته وأوقفته ، وفلاناً على دنبه : أطلعه» (5).

(قلت: بلى يابن رسول اللّه، قال: فلا تختلف إذا اختلفوا) ؛ لأنّ اختلاف هؤلاء لغرض من

ص: 213


1- إيضاح الاشتباه ، ص 192
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 107 (عكب) . وراجع فيه إلى ما قلنا سابقا في هامش متن الحديث
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 112 (فهر)
4- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 93 (وزع)
5- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 205 (وقف)

أغراض الدنيا، فلا ينبغي أن تكون كذلك.

وقيل: النهي عن الاختلاف لكثرتهم، أو لشبهتهم وتلبيسهم ، كما أختلف لذلك كثير من الناس.

(يا جابر، إنّ الجاحد لصاحب الزمان كالجاحد لرسول اللّه صلى الله عليه و آله في أيّامه) .

وذلك الجحود إمّا بإنكار أنّه لابدّ منه ، أو بإنكار أنّه هو ، أو بعدم الإقرار بما يليق به، وذكر الصاحب على سبيل التمثيل ، والغرض أنّ إنكار آخرهم مستلزم لإنكار أوّلهم.

(يا جابر، اسمع وعِ) أمر من الوَعي .

وفي القاموس: «وَعاه يعيه: حفظه وجمعه»(1).

(قلت: إذا شئت) كأنّه بصيغة الخطاب.

وقيل: هو بمنزلة إن شاء اللّه؛ لأنّ مشيئته مشيئة اللّه تعالى (2). ، ولا يخفى ما فيه من البُعد .

والأصحّ ما قيل: إنّ التقدير: إذا شئت أن أسمع ، تقول: فأسمع، أو إذا شئت أن أسمع وأعي أسمع وأعي ، فحذف الجزاء بقرينة المقام (3).

أو يقال: إنّ قوله: «شئت» بصيغة المتكلّم، و«إذا» بالتنوين.

وقوله: (خطب الناس بالمدينة)؛ يعني في مسجدها، وسيصرح به .

قوله عليه السلام : (منع الأوهام أن تنال إلّا وجوده) أي سوى التصديق والإذعان بوجوده لما يُشاهَد من آثاره وصنائعه؛ لأنّ الأوهام لا تنال إلّا المعاني الجزئيّة المعلقّة بالمحسوسات والموادّ الجسمانيّة كالمحبّة والشفقة والعداوة ونحوها .

وقيل: كالشكل والهيئة والمقادير وأمثالها(4).

وفيه نظر؛ لأنّ تلك الاُمور إنّما تدرك بالحواسّ الظاهرة وما يجري مجراها ، لا بالواهمة كما حقّق في موضوعه .

واللّه _ تعالى شأنه _ ليس بشيء من تلك الاُمور ، فلا يتمكّن الأوهام من إدراكه والاطّلاع

ص: 214


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 400 (وعي)
2- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 202
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 36 ، ومال إليه المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 29
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 203

على كنه حقيقة ذاته وصفاته(1).

وقيل: الظاهر أنّ المراد بالأوهام ما يشمل العقول أيضاً (2). وأنت خبير بأنّ هذا الإطلاق مجاز ، ولابدّ له من قرينة، وبأنّ مقابلتها بالعقول يأبى عنه ظاهراً.

(وحجب العقول أن تتخيّل ذاته) أي تتعقّلها وتدركها .

قال الفيروزآبادي: «خال الشيء يخال خَيلاً وخَيلة: ظنّه، وخيّل عليه تخييلاً وتخيّلاً: وجّه التهمة إليه، وفيه الخير : تفرّسه ، كتخيّله»(3).

وقيل: لما بيّن عليه السلام أنّ الأوهام قاصرة عن إدراكه بذاته وصفاته، أشار إلى أنّ العقول المدركة للكلّيّات قاصرة عن إدراكه أيضاً ؛ لينسدّ باب من يدّعي إدراكه؛ لأنّ الإدراك لايخلو من أحد هذين الوجهين. انتهى (4)..

وفيه تأمّل؛ فإنّ بناء هذا الكلام على ما ادّعاه الفلاسفة من الحواسّ الباطنة وأدلّتهم في إثباتها مدخولة، بل الظاهر أنّ العقل مدركة للكلّيّات والجزئيّات جميعاً بلا توسّط شيء من الحواسّ الباطنة، فالعقل والوهم شيء واحد بالذات مختلف بالاعتبار .

وهذا الإيراد وارد أيضاً على ما قيل من أنّه عليه السلام عبّر عن الإدراك والتعقّل بالتخيّل للتنبيه على أنّ العقل في عدم قدرته على إدراك كنه ذاته تعالى كالخيال ؛ إذا الصور العقليّة كالصور الخياليّة في الحدوث والتجزّي والتحليل والتحيّز والاتّصاف بالعوارض والافتقار إلى محلّ وعلّة ، وقدس الحقّ منزّه عن جميع ذلك، وإنّما غاية عرفان العقل له أن يحكم بوجوده بالعنوانات العقليّة، ويعرفه بصفاته الإضافيّة والسلبيّة (5).

ص: 215


1- في الحاشية: «نعم للأوهام، أو تنال وجوده لظهوره في صورة وجودها ووجود سائر مدركاتها وعوارض وجوداتها والتغيّرات اللاحقة بها من جهة ما هو صانعها وموجدها؛ إذ الوهم عند مشاهدة هذه المدركات المشخّصة يحكم بذاته أو بمعونة العقل بما حكم بوجوده تعالى ، وهذه المعاني الجزئيّة مع مشاركة الوهم نسب الحكم به إليه ، وللعقل طريق آخر للحكم بوجوده ، ومن هنا ينسبون الحكم بوجوده تارة إلى العقل ، وتارة إلى الوهم ، وظهر لك الفرق بينهما . صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 203
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 36
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 372 (خيل) مع التلخيص
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 203
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 203

وقال بعض الأعلام:

معنى قوله عليه السلام : «أن تتخيّل ذاته»، أي كنه ذاته إن كان المراد بالتخيّل الارتسام في الخيال كما هو المصطلح ، والمراد بالتعليل في قوله عليه السلام : (لامتناعها من الشبه (1). والتشاكل) أنّ التخيّل إنّما يكون في المحسوسات والمادّيّات، فلو كان قدسه تعالى متخيّلاً كان شبيهاً بها مشاكلاً لها مشتركاً معها في الصفات الإمكانيّة، وهو متعال عن ذلك علوّاً كبيراً .ولو كان المراد الارتسام في العقل كما هو الأظهر، فالمراد أنّه تعالى لا يشبه شيئاً حتّى يكون له ما به الاشتراك وما به الامتياز حتّى يتصوّر بهما، أو أنّه لا يشبه شيئاً من الصور الحاصلة في العقل ؛ لافتقارها إلى المحلّ، وكون حصولها بعلّة ممكنة، أو لأنّه إذا كان متعقّلاً كان في كونه متعقّلاً شبيهاً بما يتعقّل من الممكنات، أو أنّه لابدّ من مناسبة بين العاقل والمعقول ؛ ليمكن التعقّل ، والمناسبة والمشابهة بينه وبين خلقه منتف رأساً(2). وأقول : الشبه والشكل في أصل اللغة متقاربان.

قال الفيروزآبادي: «الشبه، بالكسر وبالتحريك [و] كأمير: المثل» (3).

وقال: «الشكل: الشبه والمثل، ويكسر، وما يوافقك ويصلح لك» (4). انتهى .

وفي الاصطلاح: الشبه والشبيه في الكيف ، والمشاكلة: المناسبة في الشكل، وهو الهيئة أو الصورة أو الحدّ أو الحدود بالمقدار (5).

والظاهر أنّ التعليل لمنع الأوهام وحجب العقول جميعاً، والغرض أنّ ذلك المنع والحجب لامتناع ذاته تعالى عن أن يكون له شبيهاً أو مشاكل في التحليل والتوصيف والتصوير والتحيّز والحاجة والتكيّف والتشبّه بالخلق.

وبالجملة إدراك العقل والوهم كنه ذاته وحقيقة صفاته يستلزم مشابهته ومشاكلته تعالى بخلقه في الاُمور المذكورة وما شاكلها ، وهي ممتنعة في حقّ خالقها وصانعها.

(بل هو الذي لا يتفاوت في ذاته) .

في القاموس: «تفاوت الشيئين : تباعد ما بينهما، «وَمَا تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفَاوُتٍ» (6). ؛

ص: 216


1- .قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 36
2- في الحاشية عن بعض النسخ: «التشبّه»
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 286 (شبه)
4- .القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 401 (شكل)
5- راجع للمزيد : الفروق اللغويّة لأبي هلال العسكري ، ص 304 (الفرق بين الشكل والشبه)
6- .الملك(67) : 3

أي عيب ، يقول الناظر: لو كان كذا لكان أحسن (1).

وأقول: كأنّه إشارة إلى نفي الشبه والتشاكل وبرهان عليه، وتقريره أنّه تعالى لو جاز عليه التشابه وأمثاله من لوازم الإمكان ، لزم أن يتفاوت في أصل ذاته بأن يكون له أجزاء متفاوتة خارجيّة كالأعضاء والجوارج والأبعاض والأبعاد، أو عقليّة كالجنس والفصل، وبالجملة يلزم أن يتفاوت في ذاته وذاتيّاته بالعموم والخصوص والمغايرة والمباينة وأمثالها، ولا شكّ أنّ جميع ذلك من صفات الحدوث وصفات الإمكان، ويمتنع اتّصاف الواجب بالذات بما هو من لوازم الإمكان، وإلّا لزم صيرورة الواجب ممكناً، وبالعكس .

وقيل: إشارة إلى نفي اتّصافه بصفات الخلق، وتحقّق التشابه بينه وبينهم؛ لأنّ ذلك يوجب تحقّق التفاوت في ذاته، وإنّه باطل . بيان ذلك أنّ هويّته المستفادة من قوله : «بل هو» ذاتيّة مطلقة غير مضافة إلى الغير، ومن كان كذلك فهو هو دائما من غير تبدّل ولا تغيّر في ذاته وهويّته ، فلو طرء عليه المعاني وصفات الخلق لزم انتقاله من هويّته الذاتيّة إلى هويّته الإضافيّة، فلزم التفاوت في ذاته، وإنّه محال، انتهى (2). فتأمّل فيه .

(ولم يتبعّض (3). بتجزئة العدد في كماله) أي في حدّ كماله، أو في صفات كماله.

وكأنّه إشارة إلى نفي زيادة الصفات الذاتيّة الموجودة في الخارج على ذاته المتعالية، وكلمة «في» ظرفيّة، أو سببيّة.

وقيل: المراد بتجزئة العدد تحليله بأجزائه المستلزم للكثرة، وإنّما نفى التبعّض والتجزّئ للتنبيه على ما يلزم القائلين بزيادة الصفات من لزوم كون الواجب مجموع الصفة والموصوف؛ لأنّ الواجب كامل بالاتّفاق والبرهان، والكامل هذا المجموع لا كلّ واحد منها بانفراده بالضرورة ، والقول بأنّ المجموع واجب الوجود أقبح وأشنع للزوم التركيب والحدوث والإمكان والافتقار من جهات شتّى، وإن كان القول بأنّ الواجب أحدهما دون الآخر أيضاً باطلاً بالضرورة.

4 (فارق الأشياء لا على اختلاف الأماكن) بأن يكون هو في مكان وسائر الأشياء في مكان

ص: 217


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 154 (فوت)
2- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 204
3- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا وكلتا الطبعتين : «ولا يتبعّض»

آخر؛ لاستحالة كونه في مكان، بل المراد بمفارقته الأشياء مباينة ذاته وصفاته عن مشابهة شيء منها، وهذه المباينة أمر سلبي اعتبره العقل بعد معرفته بالوجوب الذاتي .

(ويكون فيها) أي في الأماكن، أو في الأشياء . والأوّل أظهر وأنسب بالسياق.

(لا على وجه المُمازجة) أي المخالطة والمداخلة والحواية، كما يتبادر من الظرفيّة، بل كونه فيها بالعلم والقدرة والإحاطة بها بالحفظ والتربية، فيفهم من قوله: «لا على وجه الممازجة» أنّ كلمة «في» ليست للظرفيّة الحقيقيّة.

وقيل: هذا الكلام دفع لما يتوهّم من عدم كونه في مكان أنّه غافل عن المكان وعمّا فيه ، كما هو شأن المخلوق (1).

وأيضاً لما كان في وهم القاصر أنّ علمه تعالى بالمكان والمكانيّات كعلمنا بها في الافتقار إلى الحواسّ والآلات، دفعه بقوله: (وعلمها) بالرفع على أنّه مبتدأ وما بعده خبر، أو على صيغة الفعل المضي (لا بأداة) بفتح الهمزة، أي آلة .

(لا يكون العلم) في المخلوق (إلّا بها) لتنزّهه تعالى عن الآلات والأدوات، واستحالة افتقاره في علمه إلى الغير ؛ لأنّه ينافي الوجوب الذاتيّة .

وقيل: في قوله: «لا يكون العلم إلّا بها» إيماء إلى أنّ نفي كون علمه تعالى بأداة إنّما هو فيما يحتاج إليها في العلم بالمحسوسات؛ لأنّه هو محلّ الوهم لا مطلقاً (2).

(وليس بينه وبين معلومه علمُ غيره به كان عالماً بمعلومه) .

علم _ بالرفع والتنوين _ اسم «ليس»، و«غيره» صفته؛ أي ليس بينه وبين معلومه علم مغاير لذاته المقدّسة بسببه كان عالماً بمعلومه، بل بذاته علم بمعلوماته .

ويحتمل قراءة «علم» بالإضافة، فمعناه حينئذٍ : ليس بينهما علم عالم مغاير له تعالى حتّى يكون بعلم ذلك العالم أو بتعليمه عالماً بمعلومه.

وقيل: هو حينئذ ردّ على من ذهب إلى أنّه تعالى يعلم الأشياء بصورها الحالّة في المبادئ العالية والعقول المجرّدة ، أو على من ذهب إلى أنّ إيجاده للخلق ليس من باب الاختراع والابتداع.

ص: 218


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 204
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 205

توضيحه: أنّه ليس إنشاؤه للخلق على وجه التعلّم من الغير بحيث يشير إليه على وجه الصواب، واشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام في بعض خطبه بقوله: «مبتدع الخلائق بعلمه بلا اقتداء ولا تعليم» (1). (2).

(إن قيل: «كان» فعلى تأويل أزليّة الوجود) .

قيل: لما فهم من قولنا: «فلان كان موجوداً» حدوث وجوده في الزمان الماضي ؛ لدلالة «كان» عليه ، أشار إلى نفي ذلك بأنّ المراد به أزليّة وجوده . والأزل عبارة عن عدم الأوّليّة والابتداء، وهذا أمر يلحق واجب الوجود لما هو هو بحسب الاعتبار العقلي، وهو ينافي لحوق الابتداء والأوّليّة لوجوده ؛ لاستحالة اجتماع النقيضين (3).

(وإن قيل: «لم يزل» فعلى تأويل نفي العدم)؛ لما فهم من قولنا: «لم يزل موجوداً» كون وجوده في الزمان، وعدم زواله عنه، أشار إلى نفي ذلك _ إذ لا زمان لوجوده _ بأنّ معناه نفي العدم عنه، أي وجوده ليس مسبوقاً به.

وقال بعض الأفاضل: قوله عليه السلام : «إن قيل: كان» إلخ، أي ليس كونه موجوداً في الأزل عبارة عن مقارنته للزمان أزلاً لحدوث الزمان، بل بمعنى أن ليس لوجوده ابتداء، أو أنّه تعالى ليس بزماني، وكان يدلّ على الزمانيّة.

فتأويله أنّ معنى كونه أزلاً أنّ وجوده يمتنع عليه العدم، وفي الفقرة الثانية لعلّ المعنى الأخير متعيّن.

ويحتمل أن يكون المراد أنّه إن قيل: «كان» فليس كونه من قبيل كون الممكنات لحدوثها، فإنّ في العرف يفهم من الكون الحدوث، بل معناه أزليّة وجوده تعالى .

وإن قيل: «لم يزل» فليس على ما يطلق في الممكنات، يقولون: لم يزل هو كذلك، ويعنون به الكون على هذه الحال مدّة حياتهم، أو مدّة طويلة، بل معناه نفي العدم أبداً.

أو المعنى أنّه إذا قيل في الممكنات: «لم يزل» فمعناه استمرار وجودهم مع طريان أنحاء العدم والتغيّر والتبدّل عليهم، ومعنى «لم يزل» في حقّه تعالى نفي جميع أنحاء العدم والتغيّرات عنه.

ص: 219


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 205
2- راجع : نهج البلاغة ، ص 283 ، الخطبة 191
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 205 . وقريبا منه في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 37

وقد ورد هذا المعنى في تفسير آخريّته تعالى في الخبر.

ويحتمل أيضاً أن يكون المراد في المقامين نفي تعقّل كنه وجوده تعالى وكيفيّة كونه، أي إن قيل: «كان» أو «لم يزل» فمعناه نفي العدم عنه أزلاً وأبداً، وأمّا تعقل كنه ذلك فلا يمكن للبشر.

انتهى كلامه(1).

(فسبحانه وتعالى عن قول من عَبَدَ سواه، واتّخذ إلهاً غيره علوّاً كبيراً) .

في القاموس: «التعالي: الارتفاع» (2).

وفي هذا الكلام الشريف إيماء إلى أنّ من وصفه تعالى على الوجوه المنفيّة سابقاً، وعلى الأوصاف التي لا يليق بقدر جنابه مطلقاً ، فقد اتّخذ إلهاً غيره، ومشرك باللّه.

(نحمده بالحمد الذي ارتضاه من خلقه) في الإحسان (3). لخلقه .

(وأوجب قبوله على نفسه) .

قيل: حمده بعد الحمد على سبيل الدوام والثبات بما يدلّ على التجدّد والاستمرار في جميع الأوقات للتنبيه على لزوم الاهتمام بحمده ، ويتجدّد إرادته في جميع الآنات ؛ لأنّه من أعظم الطاعات والقربات ، فلا ينبغي أن يكون مغفولاً عنه في شيء من الساعات، وأشار بالوصف الأوّل إلى طلب كماله بالإخلاص الشافي للنفس عن الرذائل الموجب للرضا والاختصاص ، وبالوصف الثاني إلى رجاء قبوله الموجب لمزيد الامتنان في الدنيا والرضوان في الآخرة، وهو حجّة على من أنكر وجوب شيء عليه(4).

(وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله) .

قيل: قدّم العبوديّة ؛ لتقدّمها في الواقع، ولتحقّق معنى الترقّي ، ولئلّا يكون ذكرها بلا فائدة، وإنّما لم يقل : «نشهد» كما قال «نحمد» ؛ للتنبيه على قلّة المشارك في الأوّل، وكثرته في الثاني، «وَإِنْ مِنْ شَيْ ءٍ إِلَا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ» (5) .(6)

(شهادتان) خبر مبتدأ محذوف، أي الشهادة بالتوحيد والشهادة بالرسالة شهادتان.

ص: 220


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25، ص 37 و38
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 366 (علو)
3- .كذا قرأناه
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 206
5- .الإسراء (17) : 44
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 206

وقوله: (تَرفعان القول) صفة للشهادتين، أي كلّ واحد منهما، أو كلاهما معاً ترفعان القول الحسن إلى درجة القبول.

(وتُضاعفان العمل) أي تصيران سبب المضاعفة.

والحاصل أنّه لا يرتفع قول من الأقوال الحسنة إليه تعالى إلّا بمقارنتهما ، وبالإقرار بهما ، والتكلّم بهما يوجب تضاعف الأعمال، أو الإذعان بهما ترتّب الثواب على سائر الأعمال وتضاعفه.

وقيل: يحتمل أن يكون المراد: أشهد شهادة خالصة مقرونة بالشرائط حتّى يترتّب عليها رفع القول ومضاعفة العمل (1).

وعلى كلّ تقدير يكون إشارة إلى قوله تعالى: «إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ» (2).

على وجه.

(خفّ ميزان تُرفعان منه ، وثقل ميزان توضعان فيه) .

الرفع والوضع كناية عن عدمهما في تضاعف الأعمال ووجودهما فيها، أو الوضع كناية عن قبولهما، والرفع عن عدمه لفقدان شرائط القبول.

وقال الشيخ البهائي في كتاب الأربعين : ثقل الميزان كناية عن كثرة الحسنات، ورجحانها على السيّئات، وقد اختلف أهل الإسلام في أنّ وزن الأعمال الوارد في الكتاب والسنّة هل هو كناية عن العدل والإنصاف والتسوية، أو المراد به الوزن الحقيقي ؛ فبعضهم على الأوّل؛ لأنّ الأعراض لا يعقل وزنها، وجمهورهم على الثاني للوصف بالخفّة والثقل في القرآن والحديث، والموزون صحائف الأعمال أنفسها بعد تجسّمها في تلك النشأة .

ثمّ قال:

الحقّ أنّ الموزون في النشأة الاُخرى هو نفس الأعمال لا صحائفها ، وما يقال من أنّ تجسّم العرض طور خلاف طور العقل فكلام ظاهري عامّي ، والذي عليه الخواصّ من أهل التحقيق أنّ سنخ الشيء _ أي أصله وحقيقته _ أمر مغاير لصورته التي يتجلّى بها على المشاعر الظاهرة، ويلبسها لدى المدارك الباطنة ، وأنّه يختلف ظهوره في تلك

ص: 221


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 38
2- .فاطر (35) : 10

الصور بحسب اختلاف المواطن والنشآت ، فيلبس في كلّ موطن لباساً، ويتجلبب في كلّ نشأة بجلباب، كما قالوا: إنّ لون الماء لون إنائه ، وأمّا الأصل الذي يتوارد هذهالصور عليه، ويعبّرون عنه تارة بالسنخ ومرّة بالوجه، واُخرى بالروح، فلا يعلمه إلّا علّام الغيوب.

فلا بُعد في كون الشيء في موطن عرضاً، وفي آخر جوهرا ؛ ألا ترى إلى الشيء المُبصَر، فإنّه إنّما يظهر لحسّ البصر إذا كان محفوفاً بالجلابيب الجسمانيّة ملازماً لوضع خاصّ، وتوسّط بين القرب والبعد المفرطين وأمثال ذلك، وهو يظهر للحسّ المشترك عريا من تلك الاُمور التي كانت شرط ظهوره لذلك الحسّ؛ ألا ترى إلى ما يظهر في اليقظة من صورة العلم، فإنّه في تلك النشأة أمر عرضي، ثمّ إنّه يظهر في النوم بصورة اللبن ، فالظاهر في الصورتين سنخ واحد تجلّى في كلّ موطن بصورة، وتحلّى في كلّ نشأة بحلية، وتزيّا في كلّ عالم بزيّ، ويسمّى في كلّ مقام باسم، فقد تجسّم في مقام ما كان عرضاً في مقام آخر (1).

(وبها الفوز بالجنّة ، والنجاة من النار، والجواز على الصراط) .

الحصر إمّا للمبالغة في توقّف الاُمور الثلاثة عليهما ، أو لأنّ غيرهما من الأعمال الصالحة سبب لرفع الدرجة في الجنّة، لا لأصل الفوز والنجاة، كما يشعر به قوله عليه السلام : (وبالشهادة) أي بالإقرار بالتوحيد والرسالة عن صميم القلب.

(تدخلون الجنّة، وبالصلاة) على النبيّ وآله (تنالون الرحمة، أكثروا بالصلاة).

وفي بعض النسخ: «من الصلاة».

(على نبيّكم) .

في القاموس: «أكثر: أتى بكثير» (2).

قيل: المراد أنّ للشهادتين هذه الفضيلة بشروطها، ومن شروطهما الإقرار بالولاية، بل له مدخل في تحقّق حقيقتها عند أهل الحقّ.

ثمّ إنّ الصراط الموعود به في القرآن والحديث حقّ يجب الإيمان به وإن اختلف الناس في حقيقته ، وظاهر الشريعة والذي عليه جمهور المسلمين، ومن أثبت المعاد الجسماني من سائر أرباب الملل أنّه جسم في غاية الدقّة والحدّة ممدود على جهنّم، وهو طريق إلى

ص: 222


1- كتاب الأربعين ، ص 63 و64 (مع اختلاف يسير)
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 124 (كثر)

الجنّة يجوزه من أخلص للّه، ومن عصاه سلك من جنبيه أحد أبواب جهنّم(1).

قال الصدوق رحمه الله:

اعتقادنا في الصراط أنّه حقّ، وأنّه جسر جهنّم، وأنّه ممرّ جميع الخلق؛ قال اللّه عزّ وجلّ: «وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَا وَارِدُهَا كَانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً» (2).

وقال:

الصراط في وجه آخر اسم حجج اللّه، فمن عرفهم في الدنيا وأطاعهم أعطاه اللّه جوازا على الصراط الذي هو جسر جهنّم يوم القيامة ويوم الحشر والندامة.

وقال النبي صلى الله عليه و آله لعليّ عليه السلام : يا علي، إذا كان يوم القيامة أقعد أنا وأنت وجبرئيل عليه السلام على الصراط، فلا يجوز على الصراط إلّا من كانت معه براءة بولايتك (3) .

انتهى كلام الصدوق رحمه الله.

وقيل: الصراط دين الإسلام.

وقيل: الحقّ أنّ كِلا القولين صادق، ويؤيّده ما ذكره بعض العلماء من أنّه روي عن الحسن العسكري عليه السلام : «أنّ الصراط صراطان: صراط في الدنيا، وصراط في الآخرة ؛ فأمّا الصراط المستقيم في الدنيا فهو ما قصر عن الغلوّ، وارتفع من التقصير واستقام، ولم يعدل إلى شيء من الباطل.

وصراط الآخرة هو طريق المؤمنين إلى الجنّة، لا يعدلون عن الجنّة إلى النار، ولا إلى غير النار سوى الجنّة» (4).

، والناس في ذلك متفاوتون ، فمن استقام على هذا الصراط، وتعوّد سلوله، مرّ على صراط الآخرة مستوياً، ودخل الجنّة آمناً(5).

وقال بعض العلماء: قوله عليه السلام : «هو ما قصر عن الغلوّ» إلخ، ما ذهب إليه بعض الحكماء في تفسير الصراط وقالوا: هو الوسط الحقيقي بين الأخلاق المتضادّة كالسخاوة بين التبذير والبخل، والشجاعة بين التهوّر والجبن، والاقتصاد بين الإسراف والتقتير، والتواضع بين التكبّر والمهانة، والعفّة بين الجمود والشهوة، والعدالة بين الظلم والانظلام، فالأوساط بين هذه الأوصاف المتضادّة هي الأخلاق المحمودة، ولكلّ واحد منها طرفا إفراط

ص: 223


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 207
2- مريم(19) : 71
3- .الاعتقادات للشيخ الصدوق ، ص 70
4- .معاني الأخبار ، ص 33 ، ح 4 (مع اختلاف يسير)
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 207

وتفريط هما مذمومان، والصراط المستقيم هو الوسط (1).

«إِنَّ اللّهَ وَمَلاَ ئِكَتُهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ» .

قال البيضاوي: معنى «يُصَلُّونَ» : يعتنون بإظهار شرفه وتعظيم شأنه . «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ» : اعتنوا أنتم أيضاً؛ فإنّكم أولى بذلك، وقولوا: اللّهمّ صلّ على محمّد . «وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً» ، وقولوا : السّلام عليك أيّها النبي . وقيل: وانقادوا لأوامره . والآية تدلّ على وجوب الصلاة والسلام عليه في الجملة.

وقيل: تجب الصلاة كلّما جرى ذكره؛ لقوله عليه السلام : «رُغم أنف رجل ذُكرتُ عنده، فلم يصلّ عليّ» (2).

وقوله : «من ذكرت عنده، فلم يصلّ عليّ، فدخل النار ، فأبعده اللّه» (3).

وتجوز الصلاة على غيره تبعاً له، وتكره استقالاً ؛ لأنّه في العرف صار شعارا لذكر الرسول ، ولذلك كره أن يقال: «محمّد عزّ وجلّ» وإن كان عزيزاً وجليلاً(4). انتهى.

وقال بعض الأفاضل:

معنى صلاة اللّه تعالى على نبيّه إفاضته أنواع الكرامات ولطائف النعم عليه، وأمّا صلاتنا وصلاة الملائكة عليه فهو سؤال وابتهال في طلب تلك الكرامه ورغبة في إفاضتها عليه، وأمّا استدعاؤه صلى الله عليه و آله الصلاة من اُمّته (5).

فلاُمور :منها أنّ الدعاء مؤثّر في استدار فضل اللّه ونعمته ورحمته ، وما وعد الرسول من الحوض والشفاعة والوسيلة ، وغير ذلك من المقامات المحمودة ، غير محدودة على وجه لا يتصوّر الزيادة فيها ، بالاستمداد من الأدعية استزادة تلك الكرامات .

ومنها ارتياعه صلى الله عليه و آله به، كما قال: «إنّي اُباهي بكم الاُمم» (6).

ومنها الشفقة على الاُمّة بتحريضهم على ما هو حسنة في حقّهم، وقربة لهم. انتهى (7).

ص: 224


1- كذا قرأناه
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 207
3- مسند أحمد ، ج 2 ، ص 254 ؛ سنن الترمذي ، ج 5 ، ص 210 ، ح 3613 ؛ المستدرك للحاكم ، ج 1 ، ص 549
4- الكافي ، ج 2 ، ص 495 ، باب الصلاة على النبيّ و ... ، ح 19 ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 96 ، باب فضل شهر رمضان و ... ، ح 1832 ؛ التهذيب ، ج 4 ، ص 192 ، باب فضل شهر رمضان ، ح 4 (وفي الأخيرين مع اختلاف يسير)
5- .تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 385
6- الكافي» ، ج 5 ، ص 333 ، باب كراهية تزويج العاقر ، ح 2 ؛ دعائم الإسلام ، ج 2 ، ص 197 ، ح 721 ؛ التوحيد ، ص 395 ، ح 10
7- نُسب القول إلى المحقّق الفيض رحمه الله . راجع : التجلّي الأعظم للسيّد فاخر الموسوي ، ص 96 و224

وأقول : روى المصنّف رحمه الله في باب تاريخ مولد النبي صلى الله عليه و آله ووفاته بإسناده عن داودبن كثير الرقّي، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : ما معنى السلام على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ فقال: «إنّ اللّه _ تبارك وتعالى _ لمّا خلق نبيّه ووصيّه وابنته وابنيه وجميع الأئمّة ،وخلق شيعتهم ، أخذ عليهم الميثاق، وأن يصبروا ويُصابروا ويُرابطوا، وأن يتّقوا اللّه، ووعدهم أن يسلّم لهم الأرض المباركة والحرم الآمن، وأن ينزّل لهم البيت المعمور، ويُظهر لهم السقف المرفوع، ويُريحهم من عدوّهم والأرض التي يُبدّلها اللّه من السلام، ويسلّم ما فيها لهم، لا شية فيها».

قال: «لا خصومة فيها لعدوّهم، وأن يكون لهم فيها ما يحبّون، وأخذ رسول اللّه صلى الله عليه و آله على جميع الأئمّة وشيعتهم (1). الميثاق بذلك، وإنّما عليه تذكرة نفس الميثاق، وتجديد له على اللّه ، لعلّه يجعله جلّ وعزّ، ويعجّل (2). السلام لكم بجميع ما فيه»(3).

(يا أيّها الناس، إنّه لا شرف أعلى من الإسلام) .

في القاموس: «الشرف محرّكة: العلوّ، والمكان العالي، والمجد، أو لا يكون إلّا بالآباء ، أو علوّ الحسب، ومن البعير : سنامه»(4).

(ولا كرم أعزّ من التقوى) .

في القاموس: «الكرم (5). محركّة: ضدّ اللؤم» (6) . وفي الصحاح : «اللئيم : الدني?الأصل الشحيح النفس» (7).

وقيل: المراد أنّ التقوى كرم فيها غاية عزّة ليست في غيرها، والعزّة إمّا العظمة، أو القدرة، أو الندرة، أو الغلبة، والتقوى مستلزمة لجميع ذلك؛ لأنّها تحمى أولياء اللّه عن محارمه، وألزمت قلوبهم مخافته حتّى أسهرت لياليهم، وأظمأت هواجرهم، وتربط الأبدان

ص: 225


1- .في الحاشية عن بعض النسخ: «وشيعتنا»
2- .في الحاشية عن بعض النسخ: «ويعجّله»
3- الكافي ، ج 1 ، ص 451 ، باب مولد النبيّ صلى الله عليه و آله ووفاته ، ح 39
4- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 157 (شرف) . وقال المحقّق المازندراني رحمه الله : «ظاهر أنّه لا شرف أعلى من شرف الإسلام ؛ إذ هو في الدنيا والعقبى»
5- .في الحاشية: «الكرم: بزرگوارى. كنز اللغة»
6- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 170 (كرم)
7- الصحاح ، ج 5 ، ص 2025 (لأم)

بالعبادات، فصاروا بذلك من أهل العظمة والندرة والغلبة والقدرة على طاعة اللّه ودفع مكائد النفس والشيطان (1).

(ولا مَعقِل أحرز من الورع) .

في القاموس: «المعقل كمنزل: الملجأ»(2).

يعني أنّ الورع عن محارم اللّه وعن ملاذّ الدنيا أحرز حصن وأقوى ملجأ في دفع المخاطرات، ومنع موجبات العقوبات؛ لأنّها إنّما تنشأ من ترك الورع ، والركون إلى الدنيا وشهواتها.

(ولا شفيع أنجح من التوبة) .

النَجاح بالفتح، والنُجح بالضمّ: الظفر بالشيء، والذبّ يظفر بالتوبة النصوح بالنجاة، والتخلّص من الوبال والنكال ما لا يظفر به أحد من الشفاعة ونحوها؛ لأنّ التوبة ماحية للذنوب كلّها، والشفاعة قد لا يتحقّق، ومع تحقّقها قد لا تقبل، ومع قبولها قد لا تكون إلّا بعد عقوبة شديدة في مدّة طويلة.

(ولا لباس أجمل من العافية) .

الجمال: الحسن والبهاء والزينة.

والعافية: دفاع اللّه عن العبد، وهو اسم من المعافاة.

يقال: عافاه اللّه من المكروه معافاة وعافية، أي وهب له العافية من العلل والأسقام والبلاء.

ولعلّ المراد بالعافية هنا البراءة من البلايا، والسلامة من الكفر والشرك والمعاصي ، شبه العافية باللباس والوجه الحسن والزينة.

(ولا وِقاية أمنع من السلامة) .

الوقاية بالكسر: الصيانة، والوقاية مثلّثة: ما وُقيت به .

ويحتمل أن يراد بالسلامة البراءة عن إيذاء الناس وبعضهم ونحوهما ممّا يوجب التنافر، أو يراد بها ما قلناه في العافية وبالعكس.

ص: 226


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 208
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 20 (عقل)

ويحتمل التعميم فيهما، والأوّل أنسب.

(ولا مال أذهب بالفاقة من الرضا بالقناعة) (1).

في نهج البلاغة: «من الرضى بالقوت» (2).

القناعة : الرضا بالقسم . والقوت : المُسْكة من الرزق، ومن العيش : الكفاية .

(ولا كنز أغنى من القنوع) .

قال الفيروزآبادي: «الغِنى كإلى : ضدّ الفقر. وإذا فتح مدّ ، وأغنى عنه غَناء فلان : ناب عنه، أو أجزأ مجزأه، وكرضي : أقام وعاش» (3).

وقال: «القُنوع بالضمّ: الرضا بالقِسم» (4). انتهى.

يعني أنّ القنوع أنفع أو أثبت وأبقى أو أدخل في العيش، أو أجبر للفقر وأذهب به من الكنز؛ لأنّه لا ينقص ولا يفنى بخلاف الكنز (5).

(ومن اقتصر على بُلغة الكفاف) .

قال الجوهري: «البُلغة: ما يتبلّغ به من العيش ، وتبلغ بكذا، أي اكتفى به» (6).

وفي القاموس: «الكفاف من الرزق _ كسحاب _ ما كفّ عن الناس وأغنى» (7).

أقول : فإضافة البلغة إلى الكفاف للبيان.

وقال ابن ميثم: «أي البلغة التي تكفّ عن الناس» (8). فتأمّل.

(فقد انتظم الراحة) .

في القاموس: «نظم اللؤلوء: ألّفه، وجمعه في سلك فانتظم، وانتظمه بالرُّمح : اختلّه» (9).

وفي تاج اللغة: «الانتظام بهم: باز دوختن» .

ص: 227


1- في الحاشية: «الرضا بالقناعة والاختصار بالواصل وعدم الاهتمام بغير الحاصل أقوى في إذهاب الفاقة من المال ؛ لأنّ القانع لا يفتقر إلى الغير وإلى سؤاله بخلاف غير القانع؛ فإنّه في فقر وفاقة دائما وإن كان له مال. صالح». شرح المازندراني ، ج 1 ، ص 209
2- أي بدل «من الرضا بالقناعة» . نهج البلاغة ، ص 540 ، الكلمة 371
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 371 (غني)
4- .القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 76 (قنع)
5- وقيل : نسبة الغناء إلى الكنز إسناد مجازي ، والمراد غنى صاحب الكنز . مرآة العقول ، ج 25 ، ص 39
6- الصحاح ، ج 4 ، ص 1317 (بلغ)
7- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 191 (كفف)
8- .اُنظر : شرح نهج البلاغة لابن ميثم ، ص 425 و426
9- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 181 (نظم)

فعلى الأوّل يحتمل أن يكون الراحة منصوباً بنزع الخافض، أي انتظم مع الراحة في سلك أو في مسلك الراحة.

وعلى الثاني يحتمل أن يكون المراد أنّه اصطاد الراحة، وانتظهما بسهمة، أو برمحة.

(وتبوّأ خَفض الدَّعة) .

يقال: تبوّأت منزلاً، أي نزلته.

والدعة بفتحين: رفاهيّة العيش وسعته والسكون والراحة.

والخفض: الترفّه في العيش.

والإضافة إمّا لاميّة، أو بيانيّة مبالغة، أي اتّخذ غاية السكون والراحة منزلاً لنفسه، ونزل فيها، والتزمها.

(والرغبة مفتاح التعب) .

شبّه الرغبة في الدنيا والزيادة عن الكفاف بالمفتاح من حيث إنّها سبب فتح باب التعب، فكأنّها آلة له في تحصيلها وحفظها تعب شديد، ففيه زجر عنها.

ويحتمل أن يكون المراد الرغبة في أيّ شيء كان من اُمور الدين والدنيا، ففيه ترغيب إلى الأوّل، وزجر عن الثاني، فتأمّل.

وقال بعض المحقّقين: «فيه إشارة إلى مسألة ، وهي أنّ الإتيان بالفعل الاختياري لا يتصوّر إلّا لمن رغب فيه أوّلاً، وقد برهن عليه في موضعه» (1).

(والاحتكار مَطيّة النَّصَب) .

الاحتكار: حبس الشيء انتظارا لغلائه .

ولعلّ المراد هنا مطلق الحبس والإمساك.

والنصب محرّكة: التعب، وفعله كفرج.

والنصب بالفتح والضمّ وبضمّتين: الشرّ والرأى والبلاء، وتشبيه الاحتكار بالمطيّة مبالغة في سببيّته للنصب، وورود النصب عليه، فكأنّه يركبه.

وقيل: المراد أنّ الاحتكار كمطيّة يتعب ركوبها (2).

ص: 228


1- نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 209
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 40

وقيل: الأظهر أنّ المراد أنّه مركوب للتعب يركبه، فإذا أقبل الاحتكار إليك أقبل راكبه معه، أو أنّه يسهّل وصول المتاعب إليك كما أنّ المركب يسهّل وصول الراكب إلى مقصوده (1). وقال بعض الشارحين: «الاحتكار: اللجاجة، والظلم، والاستبداد بالشيء، وإساءة المعاشرة، واحتباس الغلّة لانتظار الغلاء، والكلّ مناسب هنا» (2). انتهى.

وفيه بحث؛ إذ ما ذكره من المعاني سوى الأخير ليس معنى الاحتكار. قال صاحب القاموس: «الحَكر: الظلم، وإساءة المعاشرة، والشيء القليل، وبالتحريك : ما اُحتكر، أي احتُبس انتظاراً لغلائه ، واللجاجة ، والاستبداد بالشيء» (3).

وقال الجوهري: «احتكار الطعام : حبسه وجمعه يتربّص به الغلاء» (4). انتهى، فتأمّل جدّاً .

(والحسد آفة الدين) .

يقال: حسده، وعليه _ كنصر وضرب _ حسداً، إذا تمنّى أن يتحوّل نعمته إليه .

والآفة: العاهة، أو مرض مفسد لما أصابه.

وقيل: وجه كون الحسد آفة الدين أنّ الحاسد يضادّ إرادة اللّه في التقسيم والتدبير في الإفضال والإنعام، ويحتقر نصيبه ويكفر به، ويلتذّ طبعه بمضارّ الناس وزوال نعمتهم ، ويغتمّ بمصالحهم ومنافعهم، ويشتغل بالهمّ والحزن بمشاهدة انتظام أحوالهم، ويصرف الفكر في تحصيل أسباب زوالها ، حتّى لا يفرغ لتحصيل ما يعود نفعه إليه من الأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة ، وحفظ ما حصل له من الملكات الخيريّة والصور العلميّة ، وكلّ ذلك موجب لفساد الدين (5).

(والحرص داع إلى التقحّم في الذنوب) .

يقال: قحم في الأمر _ كنصر _ قحوماً، رمى بنفسه فيه فجأة بلا رويّة ، وقحمّه تقحيما ، وأقحمته فاقتحم.

والحرص: الهمّ والحزن على فوت الزائد وتوزّع البال في التوصّل إليه ، والظاهر أنّه

ص: 229


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 40
2- .شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 209
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 12 (حكر)
4- .الصحاح ، ج 2 ، ص 635 (حكر)
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 209 و210

يكون (1). من فعل القلب، وقد يطلق على فعل الجوارح، وهو تكلّف مشاقّ اُمور الدنيا لعدم الاعتماد على وكيل(2).

(وهو داعي الحِرمان) .

الظاهر أنّ الضمير راجع إلى التقحّم في الذنوب؛ لأنّ الدخول فيها بلا رويّة وإلقاء النفس عليها من غير مبالات داع إلى الحرمان من السعادات والخيرات، أو من الرزق الحلال المقدّر له؛ فإنّه بقدر ما يتصرّف فيه من الحرام يقاص منه من الرزق الحلال، كما يدلّ عليه صريح بعض الأخبار(3).

ويحتمل إرجاع الضمير إلى الحرص؛ لأنّ الحرمان عن المطلوب لازم للحرص؛ إذ مراتب الحرص على الاُمور غير محصورة، وحصول تلك الاُمور كلّها معتذر أو متعسّر جدّا ، فالحريص دائماً في ألم الحرمان.

(والبغي سابق إلى الحَين) .

البغي مجاوزة الحدّ، والاستطالة، والكذب، والزنا، والعدول عن الحقّ، والاختيال في المشي ، والخروج عن طاعة الإمام العدل.

والحَين بفتح الحاء المهملة: الهلاك والمحنة . والبغي بتلك المعاني مستلزم لهما كما دلّت عليه روايات آخر.

(والشَّرَه جامع لمساوي العيوب) .

الشَرَه محرّكة: غلبة الحرص. والمساوى ء جمع المساءة ، أو السوء على غير قياس.

قال الجوهري : «ساءه يسوءه سَوءاً ومَساءة _ بالفتح _ ومسائية : نقيض سرّه ،

ص: 230


1- .كذا قرأناه
2- في الحاشية : «لأنّ الحريص لا يبالي الدخول في المحارم من المآكل والمشارب والملابس والمساكن والمناكح ، والحرص على المباح أيضا مذمومة ؛ ألا ترى أنّ أبانا آدم غلبه الحرص على أكل الشجرة مع كونه مباحا، لحقه وذرّيّته ما لحقه من المحنة والمصائب التي يعجز عن تحمّلها الجبال المراسيات. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 210
3- في الحاشية : «لكن يكون ذلك غالبا في المؤمن الممتحن ، [وقد] روي أنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ إذا كان من أمره أن يكرم عبداً وله ذنب ابتلاه بالسقم، فإن لم يفعل [به] ابتلاه بالحاجة، فإن لم يفعل ذلك ابتلاه بشدّة الموت ؛ ليكافيه بذلك الذنب. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 210 . وروي الخبر في الكافي ، ج 2 ، ص 444 ، باب تعجيل عقوبة الذنب ، ح 1 (مع اختلاف يسير)

والاسم : السوء بالضمّ» (1).

وفي بعض النسخ: «الشرّ» بدل «الشره».

ولعلّ المقصود حينئذ أنّ الشرّ أمر كلّي يندرج فيه جميع أفراد المساوي والعيوب، كما أنّ الخير _ الذي ضدّه _ كلّي جامع للمحاسن كلّها (2).

(ربّ طمع خائب) .

يقال: خاب يخيب خَيبة، إذا حرم ، وخسر ، وكفر ، ولم ينل ما طلب.

ووصف الطمع _ وهو الحرص على الشيء _ بالخيبة مجاز، والمراد وصف صاحبه بها، وظاهر أنّ الطمع بما في أيدي الناس مع كونه مهانة ظاهرة ومذلّة حاضرة أكثره خائب، والعاقل لا يرتكب العار مع الفوائد العظيمة، فكيف مع عدمها؟!

(وأمل كاذب) .

الأمل: الرجاء، وكثيراً ما يطلق على الرغبة في طول البقاء في الدنيا، وتوجيه القلبإلى حصول أسبابها وأسباب رفاهيّة العيش والتلذّذ فيه، والكدّ في تحصيل المقتنيات الفانية الزائلة .

وهذا مع كونه مانعاً من التوجّه إلى الآخرة، وسبباً لزوال ما حصل من أحوالها فيالذهن أكثره كاذب لا يحصل أبداً، ولا ينبغي لسالك طريق الآخرة أن يعقد قلبه عليه، ويضيّع أوقاته له.

(ورجاء يؤدّي إلى الحرمان) .

يقال: حرمه الشيء _ كضربه وعلمه _ حرماناً بالكسر، أي منعه من مأموله.

وقيل: الرجاء المؤدّي إلى الحرمان أعمّ من أن يكون من اللّه كرجاء ثوابه والتجاوز عن عقابه، مع الاستمرار في العصيان؛ لأنّ ذلك الرجاء حماقة، كما دلّ عليه بعض الروايات، أو من الخلق ؛ فإنّ حصول المرجوّ منهم نادر جدّاً.

وبالجملة الرجاء من اللّه حسن بشرط الطاعة، ومن الخلق مذموم مطلقاً.

ص: 231


1- الصحاح ، ج 1 ، ص 55 (سوأ)
2- وقال بعض المحقّقين : كلّ واحد من الخير والشرّ إمّا مطلق كالعقل وعدمه ، وإمّا مقيّد كالمال ونحوه . شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 210

ثمّ اعلم أنّ الطمع في أصل اللغة الحرص، والأمل _ كجَبَل _ وشبه الرجاء . والرجاء : ضدّ اليأس، فهي متقاربة، وقد يفرق بأنّ المطلوب من الطمع أقرب في الحصول من المرجوّ، ويؤيّده أنّ الحرص معتبر في مفهوم الطمع، والحرص على الشيء لا يكون إلّا إذا كان ذلك الشيء ممكناً قريب الوقوع، والمرجوّ أقرب في الحصول من المأمول(1).

(وتجارة تؤول إلى الخسران) .

التجارة بالكسر: البيع والشراء ، والحذاقة في الأمر، وفعله كنصر.

والخَسْر والخُسران: النقص . يقال: خسر التاجر كفرح وضرب، أي وُضع في تجارته، أو غَبِنَ .

والخُسران كما يكون في تجارة الدنيا كذلك يكون في تجارة الآخرة من كسب الأعمال والعقائد والأخلاق ؛ فإنّ العمل كثيراً ما لا يقع على الوجه المعتبر في الشريعة لتطرّق الاختلال في ذاتيّاته أو صفاته أو شرائطه، ويصير ذلك موجباً وسبباً للانحراف عن الدين والضلال عن المنهج القويم ، وذلك هو الخسران المبين.

وقيل: في هذه الفقرات توبيخ للناس على إدبارهم عن الآخرة ، إقبالهم إلى الدنيا، وتنفير لهم عنها بذكر الخيبة والكذب والحرمان والخسران (2).

(ألا ومن تورّط في الاُمور) أي وقع فيها بحيث يعسر النجاة والتخلّص منها.

قال الجوهري: «الوَرطة : الهلاك ، وأصل الورطة : أرض مطمئنّة لا طريق فيها، وأورطه وورّطه: أوقعه في الورطة، فتورّط» (3).

(غيرَ ناظر في العواقب) ؛ ليعرف حسنها وقبحها وصلاحها وفسادها.

(فقد تعرّض لمُفضحات النوائب) أي المصيبات التي توجب الفضيحة والإهانة.

يقال: فضحه _ كمنعه _ إذا كشف مساويه، فافتضح، وأفضح الصبح : بَدا .

والنائبة: المصيبة، واحدة نوائب الدهر.

ص: 232


1- راجع للمزيد : الفروق اللغويّة لأبي هلال العسكري ، ص 73 (الفرق بين الأمل والطمع) ؛ وص 183 (الفرق بين الحرص والطمع) ؛ وص 248 (الفرق بين الرجاء والطمع)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 211
3- الصحاح ، ج 3 ، ص 1166 (ورط)

وفي بعض النسخ: «المقطّعات النوائب». والإضافة على الأوّل بيانيّة، أو من قبيل إضافه الصفة إلى الموصوف . وعلى الثاني من قبيل لُجَين الماء بتشبيه النوائب بالمقطّعات، وهي الثياب التي قطّعت من نحو الجبّة والقميص، هذا إذا قرئ بالفتح الطاء ، وأمّا إذا قرى ء بكسرها فالإضافة من قبيل الأوّل.

ونقل الشيخ البهائي عن بعض أهل اللغة : أنّ المقطّعات جمع لا واحد لها من لفظها، وواحدها ثوب(1).

والحاصل أنّه لا يقال للجبّة مثلاً مقطّعة، بل يقال لجملة الثياب مقطّعات، وللواحد ثوب(2).

وقيل: يمكن أن يقرأ «المُفظَعات» بالفاء والظاء المعجمة ، جمع المفظعة _ بفتح الظاء أو بكسرها _ من فظع الأمر _ بالضمّ _ فظاعة، وهو فظيع، أي شديد شنيع، وأفظعه: وجده فظيعا (3).

(وبئست القِلادة قلادة الذنب للمؤمن) .

القلادة بالكسر: ما يجعل في العُنُق، شبّه الذنب بها في لزومه للمذنب لزوم القِلادة للأعناق ، ووجه الذمّ العامّ أنّ الذنب مع كونه موجباً للعقوبة الاُخرويّة يوجب نقص الثمرات ومحق البركات وإغلاق خزائن الخيرات.

والغرض من هذا الكلام التنفير عن ارتكاب الذنب مع الاتّصاف بالإيمان (4).

(أيّها الناس، إنّه لا كنز أنفع من العلم) .

قيل: شبّه العلم بالكنز في الخفاء والنفع وميل الطبع إليه، ورجّحه عليه ؛ لكونه روح النفس وحياة القلب وكمال الإنسان وسبباً لبقائه ونجاته مع زيادته بالإنفاق.

والغرض منه هو الحثّ على تحصيل علم الدين وما يتعلّق به (5).

ص: 233


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 211
2- راجع : الأربعون حديثا ، ص 196 ، ذيل الحديث الخامس
3- راجع : شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 211
4- في شرح المازندراني : «الغرض منه هو الحثّ على رفع حجب النفوس التي هي الذنوب والمعاصي ، واستعدادها بذلك ؛ لقبول الرحمة بالتوبة ، والإقلاع من المعصية ، والانزجار عنها ، والتذكّر للمبدأ الأوّل وما أعدّ لأوليائه الأبرار في دار القرار»
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 212

(ولا عزّ أرفع من الحلم) .

قيل: الحلم _ وهو الأناة والتثبّت في الاُمور _ يحصل بالاعتدال في القوّة الغضبيّة، ويمنع النفس من الانفعال عن الواردات المكروهة المؤذية، والجزع عند الاُمور الهائلة ، والطيش في المؤاخذة وصدور حركات غير منتظمة ، وإظهار المزيّة على الغير ، والتهاون في حفظ ما يجب حفظه شرعاً وعقلاً، وهو أرفع وأعظم ما يوجب العزّ في الآخرة برفع اللّه درجات، وفي الدنيا عند الخلائق بوجوه الاعتبارات (1).

(ولا حسب أبلغ) أي أكمل (من الأدب) وهو بالتحريك حسن التناول والدرس.

وقيل: هو وضع الشيء موضعه، ولا يتحقّق ذلك إلّا بالعلم والعمل(2).

والحسب محرّكة: الشرف بالآباء وما يعدّه الإنسان من مفاخرهم ، ويقال: حسب الرجل خُلقه وماله .

أو هو الشرف المكتسب في الرجل ، وإن لم يكن آباؤه أشرافاً.

والغرض منه الترغيب إلى تحصيل الأدب؛ لأنّه أشرف كمالات الإنسان وأكملها.

أو شرفه بالانتساب بالآباء الروحانيّة الذين توسّطوا في الحياة المعنويّة بالإيمان والعلم وسائر الكمالات المتشعّبة منها .

والترغيب في التفاخر بشرف الآباء اعتباري ، لا نصيب فيه للولد حقيقة ، والإيماء إلى أنّ الآباء ينبغي أن يورثوا الأولاد أدبا .

(ولا نَصَب (3). أوضع من الغضب) .

النصب بالتحريك: التعب، وبالضمّ وبضمّتين: الداء والبليّة والمحنة . والتعب محرّكة: ضدّ الرضا .

أو عرّفوه بأنّه ثوران النفس وحركتها بسبب تصوّر المؤذي والضارّ إلى الانتقام، وهو من أخسّ أفراد التعب وأقبحه ؛ لكثرة مفاسده من الأفعال الشنيعة والأقوال القبيحة والأخلاق الذميمة والحركات الخارجة عن القوانين الشرعيّة والعقليّة.

قال الفيروزآبادي: «نصبه المرض ينصبه: أوجعه، والشيء: وضعه ، ورفعه ، ضدّ،

ص: 234


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 212
2- راجع : شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 212
3- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «نسب» بالسين المهملة

والنصب : العَلَم المنصوب، ويحرّك» (1). انتهى.

ولك تطبيق قوله عليه السلام بإحدى تلك المعاني بنوع من التقرّب.

وفي بعض النسخ: «ولا نسب» .

قيل: أي نسب صاحب الغضب الذي يغضب على الناس لشرافة نسبه أوضع الأنساب وأخسّها، ففي الكلام تقدير، ولعلّه تصحيف (2).

وفي تحف العقول: «ولا نصب أوجع من الغضب»(3).

(ولا جمال أزين من العقل) .

قيل: عدّ العقل جمالاً، وهو الحسن في الخَلق والخُلق، ورجّحه عليه في الزينة؛ لأنّ بالعقل يستقيم الظاهر والباطن، ويتمّ الكمالات الدينيّة والدنيويّة، وكلّ خير يصلح التزيّن به تابع له، والغرض منه هو الحثّ على تكميله بالعلوم والآداب (4).

(ولا سَوءة أسوأ من الكذب) .

في القاموس: «السوءة: الفرج ، والفاحشة ، والخلّة القبيحة» (5).

(ولا حافظ أحفظ من الصَّمت) عمّا لا يعني ؛ فإنّه أقوى حافظ من آفات الدارين؛ لأنّ آفات اللسان ومعاصيه كثيرة، فمن صمت إلّا عن خير نجا .

(ولا غائب أقرب من الموت) .

فيه حثّ على ذكره وانتظاره في كلّ وقت ؛ لاحتمال وروده آناً فآناً.

والغرضمنه الاستعداد له، والكدّ والمسارعة لاُمور الآخرة، والتحذير عن الانهماك في الاشتغال بأشغال الدنيا.

(أيّها الناس، إنّه (6).

من نظر في عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره) ؛ إمّا لكثرة ما يظهر عليه من

ص: 235


1- .القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 132 (نصب)
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 41
3- تحف العقول ، ص 92
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 212 و213
5- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 18 (سوأ) . وفي الحاشية: «لأنّ الكذب مع أنّه ليس من خصلة الصالحين يوجب خراب الدنيا والدين وقتل النفوس وفساد النظام وهلاك وغيرها من المفاسد ؛ ألا ترى أنّ إبليس أفسد بكذب واحد نظام آدم وأولاده إلى يوم الدين ، وأنّ الأوّل وناصره كيف أفسدا به دين سيّد المرسلين. صالح» . شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 213
6- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا والطبعة الجديدة : _ «إنّه»

عيوب نفسه فيحزنه ذلك، أو ليشتغل بدفعها فلا يتوجّه إلى عيوب غيره، أو لأنّه يظهر عليه من عيوب نفسه ما هو أشنع ممّا يرى في غيره، فلا يستعظم عيب غيره، ولا يعيبه عليه.

(ومن رضي برزق اللّه لم يأسف على ما في يد غيره) أي من رضي بقسمته من رزق اللّه لا يتوقّع الزائد عليه ممّا في يد غيره، فلا يحزن بفواته.

وفي القاموس: «الأسف محرّكة: أشدّ الحزن، أسف _ كفرح _ وعليه: غضب»(1).

(ومن سَلّ سيف البغي قُتل به) .

السلّ: انتزاع الشيء وإخراجه في رفق، وفعله كمدّ. والبغي: الظلم(2).

(ومن نسي زَلله استعظم زَلل غيره) .

في القاموس: «زللت تزلّ وزللتَ _ كمللتَ _ زلاًّ وزليلاً ومزلّة _ بكسر الزاي _ وزلولاً وزَلَلاً محرّكة: زلقت في طين أو منطق، وأزلّه غيره واستزلّه» (3).

(ومن اُعجب برأيه ضلّ) .

قال الجوهري: «أعجبني هذا الشيء لحسنه، وقد اُعجب فلان بنفسه، فهو مُعجَب برأيه وبنفسه، والاسم: العُجب بالضمّ» (4).

وقال الفيروزآبادي: «العُجب: بالضمّ: الزَّهو والكبر، وأعجبه: حمله على العَجَب منه، واُعجب به : عجب وسُرّ» (5).

وقال: «الرأي: الاعتقاد» (6). انتهى.

أي من سرّ باعتقاده وعقله من [جهة] كمال اكتسبه في ظنّه ، ضلّ عن طريق الحقّ ، ولم يهتد به .

(ومن استغنى بعقله زلّ) عن مطلوبه في اُمور دينه ودنياه، بل لابدّ في الأوّل من المشورة مع الأصدقاء العقلاء الاُمناء، وفي الثاني من الرجوع إلى قانون صاحب الشريعة الغرّاء.

ص: 236


1- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 117 (أسف)
2- قال المازندراني رحمه الله : «يحتمل الظاهر، والإضافة للملابسة ، ويحتمل أن يشبه البغي بالسيف ، وإضافته إليه للبيان»
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 389 (زلل) . وفي شرح المازندراني : «لأنّ استعظام زلل الغير وانحرافه عن سبيل الحقّ إنّما هو لعظمة قبحه وقبح المخالفة ، ولا يرتكب ذلك إلّا من نسي زلل نفسه ، وإلّا لاشتغل بإصلاحها تحرّزا من القبيح ، وخوفا من اللؤم ، وحياء من اللّه »
4- الصحاح ، ج 1 ، ص 177 (عجب)
5- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 101 (عجب)
6- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 331 (رأي)

(ومن سفه على الناس شُتم) .

السَفَه: الخفّة ، والطيش ، والاضطراب ، وإيذاء الناس ، وعدم تحمّل شيء منهم.

وفي القاموس: «السَفَه، محرّكة وكسحاب وسحابة: خفّة الحلم، أو نقيضه، أو الجهل، وسفه _ كفرح وكرم _ وعلينا: جَهِل، فهو سفيه» (1).

(ومن خالط الأنذال حُقّر) .

الأنذال جمع نَذْل ، وهو الخسيس من الناس ، المحتقر في جميع أحواله.

والتحقير: الإرذال والتصغير.

(ومن حمل ما لا يُطيق عجز) أي من حمل حملاً لا يُطيق حمله، ولا يكون في وسعهمن الأفعال والأعمال الدينيّة أو الدنيويّة عجز عنها، أو عن إكمالها، وفات عنه كمالات اُخر لو اشتغل بها لم تفت عنه، واستحقّ بذلك التحقير والإذلال عند الخالق والخلق، بل عند نفسه أيضاً.

(أيّها الناس، إنّه لا مال أعود (2). من العقل) .

في القاموس: «العائدة: المعروف ، والصلة ، والعطف ، والمنفعة، وهذا أعود: أنفع» (3).

والغرض أنّ العقل أنفع الأموال؛ لأنّ نفعه في الدنيا والعُقبى جميعاً بخلاف غيره من الأموال.

وقيل: «في عدّ العقل من أفراد المال تجوّز واستعارة، والوجه الانتفاع» (4).

أقول : لا يبعد أن يكون إطلاق المال عليه حقيقة؛ لأنّ المال ما ملّكته من كلّ شيء تنتفع به، وهذا منه .

وفيه ترغيب في اكتساب العقل ممّا كان منه كسبيّاً، والسعي في أسباب حصوله من العلوم والآداب.

(ولا فقر أشدّ من الجهل) .

قيل: لأنّ الفقر عدم النافع، والجهل أشدّ عدم النافع ، ولا فقر أشدّ من الجهل ؛ لاشتراك

ص: 237


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 285 (سفه) مع التلخيص
2- .في الحاشية: «أعود من العائدة ، وهي النعمة. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 215
3- القاموس المحيط ، ج 1 . ص 319 (عود)
4- شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 215

الفقر والجهل في العجز عن تحصيل المرام، وعجز الثاني أشدّ؛ لأنّه في الدنيا والآخرة، وعجز الأوّل في الدنيا فقط، وفي التنفير عن الجهل بجعله من أشدّ أفراد الفقر تنفير عن الفقر أيضاً، وهذا ينافي ما ورد في مدح الفقر والفقراء والترغيب فيه، ويمكن دفعه أوّلاً بأنّ المراد بالفقر هنا ما يكسر الظهر، ويدفع الصبر، وهو الذي وقع الاستعاذة منه في بعض الروايات.

وثانياً بأنّ المراد به الفقر الظاهري مع الفقر الباطني، والمتّصف به من جمع فيه فقر الدنيا وعذاب الآخرة.

وثالثاً بأنّ المراد به الفقر المعروف المتنفّر عند الناس، وهذا القدر كاف في تشبيه الجهل به والتنفير عنه (1).

(ولا واعظ (2). أبلغ من النُّصح) .

النُّصح بالضمّ: إرادة الخير للمنصوح، وإرشاده إلى مصالحه، وأصله الخلوص.

وفي القاموس: «نصحه وله _ كمنعه _ نُصحاً ونصاحة ونصاحية، والاسم: النصيحة، ونصح: خلص» (3).

وقيل: لعلّ المراد أنّ من ينصح الناس، ولا يغشّهم ، ويأمرهم بما يصلحهم يتّعظ هو أيضاً بما يعظ به غيره، فذاك واعظه، أو من يعظ رجلاً على وجه النصح يؤثّر فيه وإن لم يبالغ في ذلك، ولم يُطل الكلام، ومن لم يكن غرضه النصح لا يؤثّر كثيراً وإن أكثر وأطنب فيما يناسب المقام(4).

وقيل: المراد من النصح استماع نصائح الكتاب والسنّة، وكونه أبلغ؛ لأنّ الواعظ يدعو إلى

ص: 238


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 215
2- .في الحاشية: «الواعظ يدعو إلى الخيرات، ويمنع عن المنهيّات، ونصح القرآن والسنّة أبلغ منه، فهو أولى بالاستماع ؛ لأنّ النداء الربّاني أولى بالإتّباع من النداء الإنساني ، وإلى ذلك أشار أمير المؤمنين عليه السلام في بعض خطبه بقوله : كيف يُراعي النَّبْأة من أصمّته الصَّيحة [نهج البلاغة ، ص 51 ، الخطبة 4] أي كيف يحفظ الصوت الخفيّ من أصمّته الصيحة الإلهيّة والنبويّة ، استعار عليه السلام النَّبْأة لدعائه لهم وندائه إلى سبيل الحقّ ، والنصيحة لخطاب اللّه ورسوله، وهي كناية عن ضعف دعائه بالنسبة إلى قوّة دعاء اللّه، وتقرير ذلك أنّ الصوت الخفي لا يسمع عند القوي لاشتغال الحواسّ به ، وكان كلامه عليه السلام أضعف في جذب الخلق إلى الحقّ من كلام اللّه وكلام رسوله ، فأجراه مجرى الصوت القوي ، وأجرى كلامه مجرى الصوت الخفي ، وإسناد الإصمام إلى الصيحة ترشيح له للاستعارة ؛ إذ من شأن الصيحة الإصمام إذا قرعت السمع. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 215
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 252 (نصح)
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 41 و42

الخيرات، ويمنع عن المنهيّات، ونصح القرآن والسنّة أبلغ منه، فهو أولى بالاستماع(1).

(ولا عقل كالتدبير) في العواقب ؛ ليحصل البراءة عن النوائب.

والظاهر أنّ المراد بالعقل هنا قوّة بها إدراك الخير والشرّ، أو نفس ذلك الإدراك.

والتدبير النظر في عواقب الاُمور، ويطلق في الأخبار كثيراً على تدبير المعاش والاقتصاد فيه، وهو دليل العقل ودالّ عليه ، حتّى أنّ من لا تدبير له لا عقل له، ولذا فضّله عليه ورغب فيه.

(ولا عبادة كالتفكّر) وهو إعمال النظر في الشيء.

وقيل: المراد هنا التفكّر في الاُمور من حيث الصدور؛ إذ بالتفكّر يشاهد صور المعقولات، ويبصر وجوه العبادات ، فهو مع كونه عبادة أصل للبواقي، والأصل أفضل من الفرع(2).

(ولا مُظاهرة أوثق من المشاورة) .

المظاهرة: المعاونة ؛ يعني المشاورة في الاُمور مع الأصدقاء وأرباب العقول أوثق المعاونة وأحكمها؛ فإنّ اجتماع العقول وتعاونها وتعاضدها أقرب إلى إصابة المطلوب والظفر بما هو الحقّ والصواب، وأدخل في حصول الاُلفة.

(ولا وحشة أشدّ من العُجب) .

قد مرّ آنفاً أنّ العُجب _ بالضمّ _ اسم من قولك: «اُعجب فلان بنفسه»، ووجه كونه أشدّ الوحشة ما قال بعض الأفاضل [من] أنّ المعجب بنفسه وبفضائله وأعماله لما رأى في نفسه من الفضل والكمال واعتنى به ، حتّى أخرجه عن حدّ الاعتدال يستوحش من غيره، وذلك الغير أيضاً يستوحش منه، ويتنفّر عنه ، إلّا إذا كان سلطانا أو ذا مال، فتقرب منه الراغب في الدنيا مع الوحشة للضرورة .

(3) وأقول : يستلزم ذلك أيضاً عدم تعرّضه لإصلاح معايبه وتدارك ما فات عنه من حقوق الخلائق والخلق، فتنقطع عنه موادّ رحمة اللّه وتوفيقه ولطفه وهدايته، فينفرد عن ربّه أيضاً، ويبعد عن ساحته، ولا وحشة أوحش منه.

ص: 239


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 215
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 215
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 215

(ولا ورع كالكفّ عن (1). المحارم) .

في القاموس: «ورع ، كورث: كفّ»(2).

وفي الصحاح: «الورع بكسر الراء: الرجل التقي، وقد ورع يرع _ بالكسر فيهما _ وَرَعاً وَرِعة»(3).

وقيل: هذا الكلام بيان أنّ الورع عن المحارم مقدّم على الورع عن الشبهات والمكروهات ؛ فإنّ أكثر الناس يتنزّهون عن كثير من المكروهات لإظهار الورع، ولا يبالون بارتكاب أكثر المحرّمات (4).

وقيل: الورع عبارة عن لزوم الأعمال الجميلة المفيدة في الآخرة، والغفلة معه عن الاُمور الدنيويّة، والمصالح المتعلّقة بجزئيّاتها ليست بضارّة، بل ربّما كان سبباً للنجاة من عذاب الآخرة، وهي متكثّرة أفضلها الكفّ عن محارم اللّه خوفاً من اللّه (5).

(ولا حلم كالصبر والصَّمت) .

الحلم بالكسر: الأناة ، وفعله ككرم.

وفي بعض النسخ: «ولا حكم»، وهو بالضمّ الحكمة من العلم .

ولما كان الحلم _ وهو ملكة العفو والصفح عن الآثام، والتجاوز عن الانتقام _ لا يحصل إلّا بالصبر على المكاره والشدائد والسكوت في مقام البطش من المقابح والمفاسد، عدّهما أفضل منه؛ لأنّ الأصل أفضل من الفرع .

وقيل: إنّما أورد عليه السلام هذه النصائح في صورة الإخبار ؛ للاهتمام بشأنها .

6 (أيّها الناس، في الإنسان عشر خصال يُظهرها لسانه) .

«لسانه» فاعل ليظهر، أو مبتدأ وخبره «شاهد»، فعلى الأوّل المبتدأ محذوف، وعلى الثاني فاعل «يظهر» ضمير راجع إلى الإنسان.

وعلى التقديرين المقصود أنّ هذه الخصال العشر كلّها تصدر عن اللسان.

ص: 240


1- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 216
2- في الحاشية عن بعض النسخ: «من»
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 93 (ورع)
4- الصحاح ، ج 3 ، ص 1296 (ورع)
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 42

(شاهد يُخبر عن الضمير)؛ فليكن ما في الضمير لا يضرّه ولا غيره، ولا يوجب وبالاًولا نكالاً.

قال الجوهري: «الشهادة : خبر قاطع ، تقول منه: شهد الرجل على كذا، وشهده شهوداً، أي حضره» (1).

وأقول : الظاهر أن يراد هنا المعنى الأوّل.

واعلم أنّ الضمير المستتر في «يخبر» راجع إلى الشاهد، وفي قوله: «يفصل» إلى الحاكم على الظاهر، ويمكن عودهما إلى الإنسان بتقدير العائد للموصوف، أي يخبر به ويفصل به .

وكذا قوله: «يأمر» و«ينهى».

وأمّا قوله: «يردّ» و«يدرك» و«يعرف»، فالمستتر فيها للإنسان لا غير، فتدبّر.

(وحاكم يَفصل بين الخطاب) أي يميّز بين الخطاب الحقّ والباطل، والبليغ وغيره.

وقيل: يمكن أن يراد بالفصل تقطيع الحروف، وجعل بعضها خطاباً وبعضها خطاباً آخر واضح الدلالة على المقصود(2).

(وناطق يُرَدّ به الجواب) بعد السؤال عن اُمور الدين والدنيا، ولابدّ أن يكون الجواب على وجه الصواب.

(وشافع يُدرك به الحاجة) من اللّه ومن غيره لنفسه ولغيره، ولابدّ أن تكون مشروعة؛ لأنّ غيرها كفران للنعمة.

(وواصف يُعرف به الأشياء) ذواتها وصفاتها ، تصوّراً وتصديقاً، وتعلّماً وتعليماً.

وقوله: «يعرّف» على صيغة المعلوم من التعريف.

(وآمر) (3) . في بعض النسخ: «وأمير».

(يأمر بالحسن) على صيغة المصدر، أو الصفة المشبّهة، أي ما هو حسن عقلاً ونقلاً في اُمور الدين أو الدنيا.

(وواعظ يَنهى عن القبيح) تحريماً أو تنزيهاً.

(ومُعَزّ) اسم فاعل من التعزية.

ص: 241


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 216
2- الصحاح ، ج 2 ، ص 494 (شهد)
3- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا وكلتا الطبعتين : «وأمير»

(تُسَكّن به الأحزان) من المصائب والنوائب.

والتعزية تفعلة من العزاء، أي الصبر.

يقال: عزّيته فتعزّى، أي صبّرته فتصبر.

والمراد بها طلب التسلّي عن المصائب بذكر ما يسهّله.

(وحاضر) . في تحف العقول: «وحامد» (1).

(تُجلى به الضَّغائن) .

الضغينة: الحقد ، وهو إمساك العداوة، والتربّص لفرصتها.

وقيل: لعلّ المراد أنّه حاضر دائم الحضور يُجلى به الضغائن عن النفوس، ويدفع به الخصوم، ولا يحتاج إلى عدّة ومدّة بخلاف سائر ما يُجلى به الضغائن من المحاربات والمدافعات.

ويمكن أن يكون المراد رفع ضغينة الخصم بلين الكلام واللطف.

ويحتمل أن يكون المراد بالحاضر القوم والجماعة (2). ، وإطلاقه على اللسان محمولاً على المبالغة. قال في النهاية: «الحاضر : القوم النزول على ماء يقيمون به ، ولا يرحلون عنه»(3). وقال في المغرب: «الحاضر والحاضرة: الذين حضروا الدار التي بها مجتمعهم» انتهى(4).

أقول : لعلّ الأقرب أن يقال: المراد أنّه حاضر يعرف وجوه الكلام يأتي به على وجه يكشف الضغائن ويزيلها عن الصدور.

(ومونق يُلهى به الأسماع) .

المونق: المُعجب، من آنقه إئناقاً، أي أعجبه .

وألهاه عن كذا : أشغله، ووصف اللسان بالإئناق باعتبار ما صدر عنه من الكلام.

وفي بعض النسخ: «تلذّذ به الأسماع».

وفي بعضها: «تلتذّ» .

قال الجوهري: «لذذتُ به لذاذاً ولذاذة: وجدته لذيذاً ، والتذّ به وتلذّذ» (5).

قال بعض الشارحين: هذه الخصال يحتاج إليها الإنسان في بقائه، والغرض من ذكرها وذكر آلاتها الترغيب

ص: 242


1- تحف العقول ، ص 92
2- .قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 43
3- النهاية ، ج 1 ، ص 399 (حضر)
4- المغرب ، ص 120 (حضر)
5- الصحاح ، ج 2 ، ص 570 (لذذ) مع اختلاف يسير

في معرفة قدرها ومُنعمها وشكرها وصرفها في وجوه البرّ، وهي الوجوه التي طلبها المنعم بها (1).

(أيّها الناس، إنّه لا خير في الصمت عن الحُكم) أي الحكمة من القول أو القضاء والحكومة، وعلى التقديرين يكون بالضمّ.

ويحتمل كونه بكسر الحاء وفتح الكاف على أن يكون جمع حكمة.

(كما أنّه لا خير في القول بالجهل) .

قيل: دلّ على أنّ كتمان العلم والحقّ مع القدرة على إظهارهما مثل إفشاء الجهل والباطل في الحرمة، وأمّا بدون القدرة فقد يجب الكتمان كما دلّت عليه الروايات المتكثّرة (2). (واعلموا أيّها الناس إنّه من لم يَملك لسانه يَنْدَم) (3) .

في القاموس: «ندم عليه _ كفرح _ ندماً وندامة وتندم: أسف»(4).

(ومن لا يَعلم يجهل) .

«يعلم» إمّا على صيغة المجهول من التعليم، أو المعلوم من العلم؛ وعلى الأوّل معناه من لم يتعلّم، فهو جاهل؛ لأنّ طريق العلم التعلّم، ويؤيّده أنّ في نسخ تحف العقول: «من لا يتعلّم»(5).

أو المراد من لم يتعلّم من عالم ربّاني فهو جاهل وإن تعلّم من غيره.

وعلى الثاني معناه: من ليس له حقيقة العلم فهو جاهل؛ إذ لا واسطة بينهما، فوجب تحصيله.

وقيل: أو المراد من لم يعلم قدره فهو جاهل؛ لأنّ العلم مستلزم لمعرفته، وانتفاء اللازم

ص: 243


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 216
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 217
3- . في الحاشية: «أي من لم يملك لسانه ، وأجراه في ميدانه ، وتكلّم في كلّ طور من الأسرار والعلوم والمجادلة والمخاصمة والحرج والغيبة والتهمة والكذب والتكذيب والمضحكة والمزاح الكثير ، وكلّ ما لا يعني من غير تفكّر في حسن حاله وقبح مآله، يعزم بالآخرة ؛ لما رآه من الإفساد وذلّ النفس واحتقارها وسفهها واستهزاء الحاضرين ومعاداة السامعين ، ولا ينفعه الندم ، وقد روي : أنّ نجاة المؤمن من حفظ لسانه أو للاعتناء بمضمون هذه النصيحة والعمل بمقتضاه. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 217 (مع اختلاف يسير)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 180 (ندم)
5- تحف العقول ، ص 94

دليل على انتفاء الملزوم.

ويؤيّده قول أمير المؤمنين عليه السلام : «كغى بالمرء جَهلاً أن لا يعرف قدره» (1). انتهى(2).

ولا يخفى بُعد هذا التوجيه.

ويمكن أيضاً قراءة «يعلم» و«يجهل» كلاهما على صيغة المجرّد المعلوم، ويكون المراد بالجهل ما يقابل العقل، أي من لا علم له لا عقل له، بمعنى أنّ انتفاء الأوّل مستلزم لانتفاء الثاني، فهو دليل عليه.

ويحتمل أن يراد بالعلم حينئذٍ العلم الكامل، وبالجهل عن العلم يعني ما يتنزّل عن كمال العلم ويحطّ منه، فكأنّه جهل القوم الانتفاع التامّ به.

ويمكن أن يقرأ «يجهل» على صيغة المجرّد المجهول، ويكون المراد أنّ عدم العلم سبب لخمول الذكر، كما أنّ وجوده سبب لرفعة الذكر وإعلائه .

أو على صيغة المجهول من التجهيل، أي من لا يكون له علم أو كمال ، أو تعلّم ، أو تعليم ، ينسب إلى الجهل ، ويعيش في زمرة الجهّال.

ويحتمل أيضاً قراءة «يعلم» على صيغة المعلوم من التعليم، والمراد أنّ تعليم العلم سبب لوفوره ، كما أنّ ترك التعليم سبب لزواله، واللّه يعلم.

(ومن لا يتحلّم لا يَحْلَم) .

فيه ترغيب في التحلّم لتحصيل الحلم ؛ لأنّ الحلم المكتسب إنّما يحصل به إلى أنيصير ملكة.

وفي القاموس: «الحلم بالكسر: الأناة والعقل، وقد حَلُم _ بالضمّ _ حلماً وتحلّم: تكلّفه» (3).

(ومن لا يَرتدع لا يعقل) أي من لا يكفّ نفسه عمّا لا ينبغي من القبائح لا يعقل أصلاً، أو لا يكمل عقله.

وقيل: أو لا يعقل قبحها وسوء خاتمتها وفسادها؛ إذ لو عقلها لارتدع عنها(4).

ص: 244


1- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 217
2- دعائم الإسلام ، ج 1 ، ص 97 ؛ الإرشاد ، ج 1 ، ص 231 ؛ الأمالي للطوسي ، ص 244 ، المجلس 9 ، ح 416 ؛ إرشاد القلوب ، ج 1 ، ص 34
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 99 (حلم) مع التلخيص
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 218

قال الفيروزآبادي: «ردعه كمنعه: كفّه وردّه، فارتدع»(1).

(ومن لا يعقل يُهَن) على البناء للمفعول من الإهانة، وهي الاستخفاف والإذلال، أي من لا يستعمل عقله يُهان ويستحقر ويستهزء؛ لأنّ غير العاقل سفيه مستحقّ لجميع ذلك في النشأتين.

ويحتمل أن يكون «يهن» على صيغة المجرّد من الهوان.

في القاموس: «هان هَوناً _ بالضمّ _ وهَواناً: ذلّ»(2).

(ومن يُهن لا يُوقَّر) ؛ للتضادّ بينهما ، ووجود أحد الضدّين في محلّ يستلزم عدم الآخر.

(ومن لا يُوقّر يَتَوبّخ) .

في بعض النسخ: «لا يتوقّر» بدل «لا يوقّر». وفي بعضها: «ومن يتّق ينج».

والتوبيخ: اللؤم والتأنيب والتهديد. يقال: وبّخته فتوبّخ، وهذه المقدّمات إذا اعتبرت انتاجها ينتج أنّ من لم يرتدع يتوبّخ.

(ومن يكتسب مالاً من غير حقّه) .

الضمير للكسب ، أو للمال، والأخير أولى ؛ ليوافق الضمائر الآتية.

(يصرفه في غير أجره) أي فيما لا يوجر عليه، ولا ثواب بصرفه، وإن أعطاه مسكيناً، وأطعمه جائعاً؛ لأنّ الواجب عليه ردّه إلى صاحبه، وأمّا إنّه يعاقب به، فيعلم من موضع آخر .

وفي القاموس: «الأجر: الجزاء على العمل» (3).

(ومن لا يدع وهو محمود يدع وهو مذموم) أي من لم يترك الدنيا والقبائح باختياره، أو بالنصح، أو بالتفكّر والتنبّه، فيُمدح بتركها عند الخلق والخالق ، يتركها البتّة إمّا بزجز زاجر، أو بالموت وهو مذموم، ولا يُحمد بذا الترك، والعاقل لا يؤثر الذمّ على المدح.

(ومن لم يُعط قاعداً مُنع قائماً) يحتمل وجوهاً: الأوّل : أن يكون الفعلان على صيغة المجهول، ويكون المراد: من لم يعط رزقه زائداً على القوت، أو على الوجه المقدّر حال كونه قاعداً، أي بلا تعب وكدّ في تحصيله مُنع، ولم يُعط حال كونه قائماً طالباً له، أي لم ينفعه السعي والطلب، فالقيام كناية عن السعي والطلب،

ص: 245


1- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 29 (ردع)
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 278 (هون)
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 362 (أجر)

والقعود كناية عن تركهما، ويدلّ عليه صريح كثير من الأخبار(1).

أو المراد من لم يُعطه الناس مع قعوده عن السؤال وعدم تعرّضه له لم يعطوه أيضاً إذا سألهم وقام للسؤال عندهم.

الثاني : كونها على صيغة المعلوم، والمراد: من لم يُعط في حال قعوده ، لم يعطوا أيضاً في حال قيامه، وبالعكس ؛ لاشتراك الحالين في علّة المنع ، وهي البخل.

ويحتمل كون قاعداً مفعولاً للإعطاء، وقائماً مفعولاً للمنع، والمعنى: من لم يعط غير سائل ، أي الذي قعد عن السؤال ، منع ولم يُعط أيضاً سائلاً قائما بين يديه ، أو متعرّضاً له، ففيهما تنفير عن سؤال البخيل.

الثالث : كون الأوّل على صيغة المعلوم، والثاني على المجهول، والمراد من لم يعط أهل السؤال والمحتاجين حال كونه قاعداً ، وهم قيام بين يديه يسألونه ، يبتلى بأن يحتاج إلى السؤال عن غيره، فيقوم بين يديه، ويسأله، ولا يعطيه (2).

وفيه احتمال آخر، وهو أن يكون «قاعداً» مفعولاً للإعطاء، و«قائماً» حالاً عن المستتر في «منع»، أي من لم يعط قاعداً زمناً محتاجاً ، أو غير سائل ، ابتلي بسؤال الناس والقيام بين أيديهم مع الحرمان.

الرابع : عكس الثالث، وحاصل المعنى حينئذ: من لم تعطه في حال قعوده وعجزه عن نيل مقصوده ، منعك في حال تمكّنه واقتداره.

(ومن يَغلب بالجور) على غيره (يُغلب) من ذلك الغير ، أو من غيره ؛ إمّا في الدنيا ، أو في الآخرة ، أو فيهما معاً، وإن اُمهل برهة من الزمان فلحكمة أو للاستدراج.

(ومن عاند الحقّ لزمه الوَهن) .

قال اللّه عزّ وجلّ: «مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ» (3). وقال في وصف المنافقين: «يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ» (4).

ص: 246


1- مال إليه الشارح الشهير لنهج البلاغة ابن أبي الحديد في شرحه ، ج 19 ، ص 363
2- قال العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 44 : «وهو عندي أظهر الوجوه»
3- العنكبوت (29) : 41
4- المنافقون(63) : 4

وفي القاموس: «عَنَد عن الطريق عَنوداً: مال ، وخالف الحقّ ، وردّه عارفاً به، والمعاندة: المفارقة ، والمجانبة ، والمعارضة بالخلاف ، كالعناد» (1).

والوَهن: الضعف في العمل.

وقيل: فيه تنبيه على وجوب الاُلفة ، والاتّحاد في الدين ، وعدم تشتّت الآراء ، والتعاند عليه؛ فإنّ ذلك يوجب التفرّق، ويدعوا إلى التحزّب ، ودخول الوهن والضعف عليهم، وكلّ ذلك مناف لمطلوب الشرع ؛ ألا ترى أنّ الملك يحتاج إلى تعاون العساكر وتألّفهم وتظاهرهم حتّى يحصل له القوّة، وينجلي له صورة النصرة(2).

(ومن تفقّه وُقّر)؛ دلّ على أنّ التوقير والتعظيم من لوازم التفقّه في الدين.

قال الفيروزآبادي: «الفِقه بالكسر: العلم بالشيء، والفهم له، وغلب على علم الدين لشرفه، وفقهه كعلمه: فهمه ، كتفقّهه» (3).

(ومن تكبّر) أي عن التفقّه بقرينة المقابلة، أو مطلقاً.

(حُقّر) أي اُذلّ ، أو صُغّر ، أو اُرذل عند اللّه وعند الحقّ ، ويوصل إليه ضدّ ما قصده.

(ومن لا يُحسن لا يُحمد) (4). على البناء للمفعول، أي من لا يحسن إلى الخلق لا يكون محموداً عندهم .

أو على البناء للفاعل، أي الإحسان إلى الغير وترك الإساءة حمد وشكر لنعم اللّه، فمن لم يحسن لم يحمده ولم يشكره.

(أيّها الناس، إنّ المَنيّة قبل الدنيّة) . المنيّة: الموت.

وفي القاموس: «الدنئ : الخسيس الخبيث البطن ، والفرج الماجن، والدقيق الحقير، وقد دنأ _ كمنع وكرم _ دُنوءة ودناءة، والدنيئة: النقيصة» (5). انتهى.

والمراد بالنقيصة الحالة الخسيسة، والخصلة الذميمة، وقد تقلب همزة الدنيئة ياء وتدغم.

ص: 247


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 318 (عند)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 219
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 289 (فقه)
4- .في الحاشية: «أي من لا يحسن إلى الخلائق لا يكون محموداً عندهم، وقد اشتهر أنّ الإنسان عبيد الإحسان، والإحسان وإن كان ثقيلاً إلّا أنّ فيه أثرا جَميلاً ، وأنّ ذا القرنين قال لاُستاده أرسطاطاليس : انصح لي ، فقال : ملكت البلاد بالفرسان ، فاملك القلوب بالإحسان . صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 219
5- . القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 15 (دنا)

ثمّ قال بعض الأعلام في شرح هذا الكلام:

أي ينبغي تحمّل الموت [والمنيّة] قبل أن تنتهي الحال إلى الدنيّة، كما إذا أرادك العدوّ، فتترك الجهاد، وتصير أسيراً له، فالجهاد والموت قبله أفضل من تركه إلى أن يرد عليك الدنيّة (1).

ويقرب منه ما قيل: يعني احتمال الموت قبل احتمال ما يعيبك، وخير منه(2).

وقيل: المراد أنّ المنيّة متقدّم وخير من الدنيّة ، فالمراد بالقبليّة القبليّة بالشرف، وفيه بعد.

ويؤيّد أحد المعنيين ما في نسخ نهج البلاغة: «المنيّة ولا الدنيّة» (3). كما يقولون: النار ولا العار (4).

وقيل: المراد أنّ المنيّة ينبغي أن تكون قبل الموت الاضطراري الذي هو الدنيّة ؛ لقوله عليه السلام : «موتوا قبل أن تموتوا» (5) . أو قرأ بعضهم: «المُنية» بضمّ الميم وتخفيف الياء بمعنى الاُمنيّة،أي ينبغي أن تكون المُنى قبل العجز عن تحصيلها، والأظهر المعنى الأوّل (6). ، واللّه أعلم.

(والتجلّد قبل التبلّد) .

قال الفيروزآبادي: «الجَلَد محرّكة: الشدّة والقوّة، وهو جَلْد ، وجَلُد _ ككرم _ جَلادة، وتجلّد : تكلّفه» (7)..

وقال:التبلّد: ضدّ التجلّد، بلد _ ككرم وفرح _ فهو بَليد وأبلد : التصفيق ، والتحيّر ، والتلهّف ، والسقوط إلى الأرض ، والتسلّط على بلد الغير ، والنزول ببلد ما به أحد، وتقليب الكفّين (8).

أقول: يمكن هنا إرادة كلّ من تلك المعاني، وحاصل الجميع أنّ التجلّد في الاُمور المطلوبة عقلاً ونقلاً، دينيّة أو دنيويّة، أينبغي أن يكون قبل العجز والمغلوبيّة والتحيّر فيها .

(والحساب قبل العقاب) أي محاسبة النفس ومراقبتها في الدنيا ينبغي أن تكون قبل حلول

ص: 248


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 219
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 219
3- .نهج البلاغة ، ص 546 ، الحكمة 396
4- نقله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 45
5- .راجع : بحار الأنوار ، ج 66 ، ص 317 ؛ وج 69 ، ص 57
6- نقله العلامه المجلسی رحمة الله في مراة العقول ج 25 ص 45
7- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 283 جلد مع التخلیص
8- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 279 (بلد)

العقاب في العُقبى وقبل فوات الفُرصة وعدم إمكان التدارك بأن يراقب المكلّف أحوالهوأفعال أعضائه وجوارحه، ويشغل كلّ عضو منها إلى ما هو مطلوب منه، ويمنعه عمّا نهى عنه، فإن صدر منه أحياناً خلاف ما ينبغي تداركه بالتوبة والأداء والقضاء والإبراء ونحوها (1).

(والقبر خير من الفقر) .

لعلّ المراد فقر العلم والدين. روى المصنّف رحمه الله في الاُصول عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن أسباط، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال: «الفقر الموت الأحمر»، فقلت لأبي عبد اللّه: الفقر من الدينار والدرهم؟! فقال: «لا، ولكن من الدين»(2).

ويحتمل أن يكون المراد الافتقار إلى الناس، أو الفقر القلبي، والإفلاس الحقيقي، ومآل هذا وما ذكره أوّلاً واحد .

أو المراد الفقر المعروف الذي ليس معه صبر ولا ورع.

(وغَضّ البصر خير من كثير من النظر) (3). ؛ لأنّ النظر سهم مسموم من سهام إبليس.

وفي تحف العقول (4). وبعض نسخ الكتاب: «وعمى البصر» ، وهو أظهر.

(والدهر يوم لك ويوم عليك) كناية عن عدم خلوص التعيّش فيه، بل مسرّته مشوبة بالمساءة وفرحه بالهمّ وغناه بالفقر وصحّته بالمرض ، وهكذا .

وفيه ترغيب للاستعداد بالواردات والصبر عليها، وعدم الاهتمام بعزّته، وعدم الاغتمام بذلّته، كما أشار إليه بقوله: (فإذا كان لك فلا تَبطر ، وإذا كان عليك فاصبر)(5).

البَطَر محرّكة: النشاط ، والأَشَر ، وقلّة احتمال النعمة ، والدَّهَش ، والحيرة، أو الطغيان بالنعمة ، وكراهة الشيء من غير أن يستحقّ الكراهة، وفعل الكلّ كفرح.

ص: 249


1- في الحاشية : «فلا ينبغي تأخّر الحساب إلى القيامة ؛ لإمكان ظهور الخيانة عند المحاسبة فيها ، ولا يمكن التدارك حينئذ ، بل ينبغي تقديمه والاشتغال به في الدنيا . صالح» . شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 219 و220
2- الكافي ، ج 2 ، ص 266 ، باب (من دون العنوان) ، ح 2
3- .في الحاشية: «أمر بغضّ البصر وترك النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه ، أو أكثر المفاسد والخطر من إرسال النظر. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 220
4- .تحف العقول ، ص 95
5- في الحاشية: «لأنّ الصبر في مواطن المكاره والشدائد من صفات الأنبياء والأولياء، وهو مع كونه سبباً للمقامات العليّة الدرجات الرفيعة سبب أيضاً لسهولة المحنة ونزول الفرج . صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 220

(فبكلاهما تُمتحن) .

في بعض النسخ: «فبكليهما»، وهو الظاهر ؛ يعني فأنت دائماً في الاختبار ، إمّا بأسباب البطر والبغي والاستكبار، أو بأسباب السكينة والاصطبار.

(وفي نسخة: «وكلاهما سيُختبر») .

في بعض النسخ المصحّحة: «ستُختبر» . وفي بعضها: «ستُخَبّر» . وفي بعضها : «سيحسر» (1). من الحسر بمعنى الكشف . وفي بعضها: «استحسر» .

الاستحسار: الإعياء، والاستخبار: سؤال الخبر ، والاستعلام ، والاختبار والتخبّر: العلم بالشيء، والتخبير: الإخبار.

وإفراد الفعل باعتبار لفظ «كلا» إن كان غائباً، وإن كان خطاباً يحتاج إلى إضمار، أي تستخبر بهما.

(أيّها الناس، أعجب ما في الإنسان قلبُه) .

في القاموس: «القلب: الفؤاد، أو أخصّ منه ، والعقل ، ومحض كلّ شيء» (2).

وقال بعض الفضلاء : كلّ ما في الإنسان من الجوارح والأعضاء ، والعروق الساكنة والمتحرّكة ، والعظام الصغيرة والكبيرة ، والأعصاب الغليظة والدقيقة ، والرباطات الدقيقة وغيرها ممّا يشتمل على قليل منها علم التشريح ، أمر عجيب ، ووضع غريب ، يدلّ على قدرة الصانع وحكمته وتدبيره ، بحيث يعجز عن دركه عقول العقلاء، وعن فهمه فحول العلماء.

وأعجب ما فيه قلبه ، وهو الجوهر المجرّد المسمّى بالنفس الناطقة التي خلقت له سائر الجوارح والقوى، ووجه كونه أعجب ما أشار إليه إجمالاً : (وله موادّ من الحكمة) (3).

قال الجوهري: «المادّة: الزيادة المتّصلة» (4).

وكلمة «من» إمّا بيانيّة، أو ابتدائيّة، ولعلّ المراد بموادّ الحكمة الأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة، أو الملكات الاكتسابيّة، وبالحكمة ما يعمّ العمليّة والنظريّة.

ص: 250


1- .هكذا ضبطه المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 30
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 119 (قلب)
3- شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 220
4- الصحاح ، ج 2 ، ص 537 (مدد)

(وأضداد من خلافها)

الضمير للموادّ، أو للحكمة .

و«من» بيانيّة، أو ابتدائيّة.

ثمّ شرع عليه السلام في شرح الأضداد وتفسيرها إجمالاً بحيث يفهم من شرح موادّ الحكمة أيضاً.

(فإن سَنَح له الرجاء) في القاموس: «سنح لي رأي _ كمنع _ سَنوحاً: عرض» (1).

والرجاء: اليأس، والمراد به هنا إمّا توقّع الثواب والمنافع من اللّه تعالى، أو توقّع المنافع من الدنيا وأهلها، والثاني أنسب بقوله: (أذلّه الطمع) أي الحرص في الرجاء.

قال ابن أبي الحديد: ليست الاُمور التي عدّها عليه السلام شرحاً للكلام المتقدّم، وإن ظنّ قوم أنّه أراد ذلك ؛ أ لا ترى أنّ الاُمور التي عدّها عليه السلام ليس فيها شيء من باب الحكمة وخلافها، بل هو كلام مستأنف إنّما هو بيان أنّ كلّ شيء ممّا يتعلّق بالقلب يلزمه لازم آخر(2). انتهى.

وهو كما ترى، بل الظاهر ما قلناه أوّلاً من كونه تفسيراً وبياناً لموادّ الحكمة.

وقال بعض الأفاضل:يمكن أن يوجّه كلامه عليه السلام بوجهين: أحدهما : أن يكون المراد بموادّ الحكمة العدل والتوسّط في الاُمور التي هو الكمال، وكلّ إفراط وتفريط داخل في الأضداد التي هي من الرذائل الخُلقيّة، وبيّن عليه السلام الأضداد ليعلم أنّ الحكمة هي الوسط بينهما، فإنّ الأشياء إنّما تعرف بأضدادها.

والثاني : يُحمل في كلّ منها أحد المذكورين على ما هو الإكمال، والآخر على الإفراط المذموم : ففي الأوّل الرجاء إنّما وضع في النفس ؛ ليرجو الإنسان من فضله تعالى ما لا يضرّ في دنياه وآخرته، فإذا سنح له رجاء ينجرّ إلى الإفراط، فيطمع ما لا حاجة له إليه في دنياه، وممّن لا ينبغي الطمع منه من المخلوقين العاجزين، فيحصل فيه رذيلة الحرص، وقد يترك الرجاء رأساً، فينتهي إلى اليأس من روح اللّه، فيموت آسفاً على ما فات منه ؛ لفقد رجاء التدارك من فضله تعالى.

ص: 251


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 229 (سنح)
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج 18 ، ص 271 (مع اختلاف يسير والتلخيص)

فعلى الأوّل فالرجاء هو القدر الباطل منه، وعلى الثاني المراد الوسط الممدوح، والثاني هنا أظهر(1).

أقول : هذا الكلام واف في إيضاح المرام بحيث لا مزيد عليه، فلنرجع إلى ما كنّا فيه من شرح كلامه عليه السلام .

(وإن هاج به الطمعُ) في الدنيا، وحرّكه إلى الرغبة فيها (أهلكه الحرص) عليها.

قيل: الحرص أن تأخذ نصيبك وتطمع في نصيب غيرك(2).

وقيل: هو عدم الرضا بالواصل ، وصرف العمر في تحصيل غير الحاصل(3).

وأقول: قد يطلق الحرص على ما هو من فعل الجوارح، وعُرّف بأنّه تكلّف لمشاقّ الاُمور في طلب الرزق ونحوه من اُمور الدنيا لعدم الاعتماد على وكيل، وهو بهذا المعنى ضدّ التوكّل .

وقد يطلق على ما هو من فعل القلب، وعُرّف بأنّه الهمّ والحزن على فوت الزائد، وعلى هذا يكون ضدّ القنوع، أي الرضا بالقسم.

(وإن مَلَكه اليأس) أي القنوط وقطع الأمل من الدنيا.

(قتله الأسف) هو بالتحريك: أشدّ الحزن.

(وإن عَرض له الغضب اشتدّ به الغيظ) .

الغضب بالتحريك: ضدّ الرضا، ويطلق على ضدّ الرحمة، ويعرّف حينئذٍ بأنّه الميل إلى إيصال الأذى ، وفيه مسامحة.

والتحقيق أنّه حالة في النفس مقتضية لذلك الميل.

وقد يعرّف بأنّه الحركة نحو الانتقام.

والغيظ: الغضب، أو أشدّه، أو سَورته وأوّله.

وقيل: هو ثمرة الغضب يحصل من احتقانه وغليان النفس منه، وسبب قريب لجريان أحكامه(4).

(وإن اُسعد بالرضى) أي اُعين به.

ص: 252


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 45 و46
2- اُنظر: لسان العرب ، ج 8 ، ص 49 ؛ القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 13 (جشع)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 221
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 221

وفي نهج البلاغة: «إن أسعده الرضا»(1).

وقيل: المراد أنّه إذا اُعين بالرضا، وتهيّأت له مقاصدالدنيا على الوجه المرضي عنده (2).

(نسي التحفّظ) أي الاحتراز عن مخاطرات النفس ومكائد الشيطان، فيقع بذلك في مهاوي العصيان، وفيه ترغيب في التيقّظ وترك الغفلة في تلك الحالة.

ولعلّ المراد أنّه إذا اُعين بالرضا من نفسه لم يتحفّظ عمّا يوجب شينه من قول أو فعل ؛ لاعتماده على نفسه.

ثمّ اعلم أنّ الملائكة المحمودة من الرضا والغضب على التوجيه الأوّل من التوجيهين السابقين الحالة المتوسّطة التي هي عدم الإفراط في الرضا، وعدم التفريط بالغضب ، وهي المسمّاة بالعدل ورعاية الحقّ في الاُمور ، بأنّه لا يدعوه رضاه عن أحد ، ولا سخطه عن آخر إلى الخروج عن الإنصاف والعدل ؛ فإن أسعده الرضا الذي هو مطلوب ، نسي أن يتحفّظ ويربط نفسه على الحقّ، فيطغى رضاه عن أخيه في الدين، أو قرابته وحميمه إلى أن يرتكب خلاف الحقّ لأجله .

وكذا الغضب من خلاف الحقّ داخل في العدل ممدوح، وإفراطه ينتهي إلى الحميّة والعصبيّة.

وعلى الثاني يكون الغرض بيان الرضا والغضب الممدوحين، والمذموم ما يقابلهما، وكذا سائر الفقرات.

(وإن ناله الخوف شغله الحذر) .

الحذر بالكسر وبالتحريك: الاحتراز.

لعلّ المراد: إن أصابه الخوف من مخاوف الدنيا يشغله الحذر من مخاوف الدنيا عن العمل للآخرة.

وحاصله: أنّ الخوف الذي هو ممدوح إنّما هو من مخاوف الآخرة، وهو يستعمله في مخاوف الدنيا، فيشغله عن العمل للآخرة.

وبعبارة اُخرى إن أصابه من الخلق أو من فوات الدنيا خوف شغله الحذر من المخوف

ص: 253


1- نهج البلاغة ، ص 546 ، الحكمة 396
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 221

عن أمر الآخرة، وأمّا خوفه من عقاب اللّه والحذر من موجباته، فهو كماله وقوّته.

وقيل: معنى قوله: «شغله الحذر» : شغله شدّة الخوف عن العمل لرفع ما يخاف منه، فينجرّ إلى اليأس، أو المراد شغله عن الحذر(1). انتهى ؛ فتأمّل.

وفي تحف العقول: «شغله الحزن»(2).

(وإن اتّسع له الأمن) في النفس والمال والجاه (استلبته الغرّة) (3). بتقديم المعجمة، أي الاغترار والغفلة ؛ يقال: اغترّ، أي غفل . واغترّ بالشيء، أي خُدع به، والاسم: الغِرّة بالكسر.

والاستلاب: الاختلاس، يعني أوقعته الغرّة الشيطانيّة في موارد الشهوة النفسانيّة، والانخداع بلذّات الدنيا.

(وفي نسخة: «أخذته العزّة») بتقديم المهملة، أي الغلبة والقوّة والتكبّر .

قال في القاموس: «عزّه كمدّه: غلبه في المعازّة ، والاسم: العزّة بالكسر» (4).

وفيه إيماء إلى قوله تعالى: «أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْاءِثْمِ» (5). ؛ قال البيضاوي : «أي حملته الأنفة وحميّة الجاهليّة على الإثم الذي يؤمر بإتقانه لجاجا ، من قولك: أخذته بكذا، إذا حملته عليه، وألزمته إيّاه »(6).

(وإن جُدّدت له نعمة أخذته العزّة) .

في بعض النسخ بتقديم المهملة على المعجمة، وفي بعضها بالعكس، وعلى الأوّل المراد العزّة في نفسه، وهي العُجب، أو على الغير وهي الكبر.

(وإن أفاد مالاً) .

يقال : أفاده، أي استفاده ، أو أعطاه ضدّ، والمراد هنا الأوّل.

(أطغاه الغِنى) .

قال الجوهري: «طغا يطغى ويطغو طغياناً، أي جاوز الحدّ، وكلّ مجاوز حدّه في العصيان طاغ .

وأطغاه المال، أي جعلوا طاغياً» (7).

ص: 254


1- تحف العقول ، ص 95
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 47
3- .هكذا في النسخة وشرح المازندراني ومرآة العقول . وفي كلتا الطبعتين والوافي : «العزّة» بتقديم العين المهملة
4- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 182 (عزز)
5- .البقرة(2) : 206
6- تفسير البيضاوي ، ج 1 ، ص 491
7- الصحاح ، ج 6 ، ص 2412 (طغا)

يعني أنّ الغنى جعله عاصياً بالعجب والتكبّر والتفاخر، قال اللّه تعالى: «كَلّا إِنَّ الْاءِنْسَانَ لَيَطْغى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى» (1). ، أي رأى نفسه مستغنياً.

(وإن عَضَّته فاقة) أي أوجعته فقر وحاجة . فيه مكنيّة وتخييليّة .

قال الفيروزآبادي:عضضته وعليه _ كسمع ومنع _ عضّاً وعَضيضاً : أمسكته بأسناني ، أو بلساني ، وبصاحبي عضيضاً: لزمته .

والعضيض: العضّ الشديد ، والقرين، وعضّ الزمان والحرب: شدّتهما، أو هما بالظاء ، وعضّ الإنسان بالضاد (2).

وفي بعض النسخ: «عظّته». قال في القاموس: «عظّته الحرب كعضّته، وفلاناً بالأرض : ألزقه بها» (3).

(شغله البلاء) أي المحنة والحزن على ما فات.

(وفي نسخة: «جهده البكاء») أي ثقل عليه وأتعبه وأوقعه في المشقّة؛ لأنّ الفقير الطالب للدنيا المتعلّق قلبه بها إذا فاتته يبكي على فواتها كبكاء الثكلى على أولادها.

قال الجوهري: «الجهد: المشقّة. يقال: جهد دابّته وأجهدها ، إذا حمل عليها في السير فوق طاقتها» (4).

(وإن أصابته مصيبة فضحه الجزع) أي كشف مساويه عدم الصبر والاضطراب الدالّ على خفّته وسفاهته.

(وإن أجهده الجوع قعد به الضعف) أي منعه من الحركات والأفعال اللائقة به.

قيل: الغرض منه بعد إظهار عجزه وضعفه ترغيبه في رفع الجزاء برفع الشرط وتناول الغذاء على قدر ما يحتاج إليه في البقاء لأرفع الجزاء مع وجود الشرط كما في النصائح السابقة (5).

(وإن أفرط في الشِّبَع) بأن جاوز حدّه (كظّته البِطنة)؛ أي كربته وجهدته حتّى عجز عن تحمّله وتحليله.

ص: 255


1- .العلق(96) : 6 و7
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 337 (عضض)
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 296 (عظظ)
4- الصحاح، ج 2، ص 460 (جهد)
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 222

قال في القاموس: «الشبع ، بالفتح وكعنب: ضدّ الجوع . والشِّبع ، بالكسر وكعنب: اسم ما أشبعك» (1). وقال:

الكِظّة بالكسر: البِطنة، وشيء يعتري الإنسان من امتلاء الطعام .

كَظّه الطعام: ملأه حتّى لا يطيق النفس، وكظّه الأمر كِظاظاً وكَظاظة: بهظه ، وكربه ، وجهده(2).

وقال: «البِطنة بالكسر: البَطَر والأشر والكظّة» (3).

(فكلّ تقصير به مُضرّ ، وكلّ إفراط له مفسد) .

الضمير المجرور في الموضعين راجع إلى القلب، وهذا إشارة إلى كيفيّة تخلّصه من تلك الأضداد وأمثالها .

وبيانه أنّه ينبغي أن يكون بين هذا وذاك، وهو الصراط المستقيم كما مرّ.

وقيل: يحصل له باعتدال القوى العقليّة والشهويّة والغضبيّة ملكة الحكمة والعفّة والشجاعة، وحصلت باشتباك هذه الاُمور ملكة العدالة، ويتأيّد شرفه الذاتي بهذه الكمالات الشريفة، وتمّت خلافته في عالم الأبدان، وينقاد له جميع القوى والحواسّ حتّى ينتهي سيره إلى منزل السعادة الأبديّة(4).

(أيّها الناس [إنّه] من قلّ ذلّ) .

القلّة بالكسر: ضدّ الكسرة، وقلّ الشيء، إذا لم يكثر، ورجل قُلّ بالضمّ: فرد لا أحد له، يعني من قلّ ولم يكن له أنصار وأعوان ذلّ وهان عند الناس.

وفيه ترغيب وحثّ على اتّخاذهم بالإحسان وحسن المعاشرة لئلاّ يتنفّروا عنه .

أو من قلّ عطاؤه أو في الجود والإحسان ذلّ .

أو من قلّ في كلّ ما هو كمال في الدين أو الدنيا ذلّ .

أو من قلّ ماله فيكون إخباراً عن الواقع .

وصحّحه بعض العلماء بالفاء؛ (5).

قال الجوهري: «فلّه فانفلّ، أي كسره فانكسر» (6).

ص: 256


1- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 43 (شبع)
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 398 (كظظ)
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 202 (بطن)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 222 و223
5- .كما ضبطه المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 30
6- الصحاح ، ج 5 ، ص 1793 (فلل)

(ومن جاد ساد) أي جلّ قدره عند الناس، وصار سيّدهم ومتولّياً لاُمورهم ومرجعهم ومقتداهم.

(ومن كثر ماله رأس) إمّا بهمز العين من الرئاسة .

يقال: رأس القوم _ كمنع _ رئاسة، أي صار رئيساً، أي سيّداً عزيزاً، فيكون إخباراً عن الواقع، لا ترغيباً على إكثار المال.

أو من الرَوس أو الرَيس. يقال: راس رَوساً، مثل قال قولاً، أي مشى متبخترا ، والسَّيل الغُثاء : احتمله، وفلان : أكل كثيراً .

وراس يَريس رَيساً وريساناً: مشى متبخترا ، والشيء رَيساً: ضبطه وغلبه، والقوم:اعتلى عليهم.

فعلى بعض الاحتمالات يكون إخباراً عن الواقع كالأوّل، وعلى بعضها يكون تنفيراً عن إكثار المال بذكر بعض خصاله المذمومة التابعة له.

(ومن كثر حلمه نَبُل) .

النُّبل بالضمّ: الذكاء والنجابة، نَبُل _ ككرم _ نَبالة ونُبلاً . فيه ترغيب في الحلم بذكربعض منافعه.

(ومن أفكر في ذات اللّه تَزَندق) أي من نظر في كنه ذاته تعالى بالتحديد، أو في صفاتهبما لا يليق كالتوصيف والتشبيه والتجزئة والمقدار وأمثالها، (1). فقد صار زنديقاً منكراً لربوبيّته تعالى.

ويطلق الزنديق على الثنوي، وعلى المنكر للصانع، وعلى كلّ كافر.

قال الفيروزآبادي: «الفِكر بالكسر ويفتح: إعمال النظر في الشيء ، فكر فيه وفكّر وأفكر وتفكّر بمعنى» (2).

وقال:الزنديق بالكسر : من الثنويّة، أو القائل بالنور والظلمة، أو من لا يؤمن باللّه وبالربوبيّة، أو من يبطن الكفر ويظهر الإيمان، أو هو معرّب «زن دين»، أي دين المرأة، وقد تزندق، والاسم: الزَّندقة (3).

ص: 257


1- .في الحاشية: «كالتجسيم ، والغاية ، والنهاية ، وأين هو ، وكيف هو ، ومتى هو ، فقد أنكر ربوبيّته ، وصار كافراً باللّه العظيم. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 223
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 111 (فكر) مع التلخيص
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 242 (زندق) مع اختلاف يسير

(ومن أكثر من شيء عُرف به) . في بعض النسخ: «في شيء».

وفيه ترغيب بإكثار الخير ليعرف به، ويعدّ من أهله.

(ومن كثر مزاحه استُخفّ به) .

في القاموس: «مَزح _ كمنع _ مَزحاً ومُزاحة ومَزاحاً بضمّهما: دعب . ومازحه ممازحة ومِزاحاً بالكسر» (1).

قيل: إكثار المزاح والمطايبة في الأمر الجائز مذموم ؛ لما ذكر من الاستخفاف والاستهزاء في السخريّة، وأمّا أصل المزاح فليس بمنهيّ عنه مع الأصدقاء والأحبّاء، ومزاحه عليه السلام ومزاح رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم مشهوران، حتّى قال: يا رسول اللّه، إنّك تداعبنا؟ قال: «إنّي أمزح ، ولا أقول إلّا حقّاً» (2).

ولذلك قال العلماء : المنهيّ عنه من المزاح ما يسقط المهابة والوقار، ودلّ على قلّة العقل وخفّته . وأمّا الذي سلم من هذا فهو الذي كان النبي صلى الله عليه و آله يفعله، وكذلك الوصي على الندرة لمصلحة ، وتطيب نفس المخاطب ومؤانسته(3).

(ومن كثر ضِحكه ذهبت هَيبته) .

إكثار الضحك مذموم ؛ لما ذكر من ذهاب المهابة والتوقير في القلوب، وأمّا أصله فلا، لكن بشرط أن لا يبلغ حدّ القهقهة؛ لما رواه المصنّف في الحسن عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال: «القهقهة من الشيطان» (4).

وروي: «أنّ النبي صلى الله عليه و آله إن ضحك لم يَعْلُ صوتُه (5). »؛ لغلبة ذكر الموت وما بعده، وكان أكثر ضحكه التبسّم (6).

ص: 258


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 249 (مزح)
2- الكامل لابن عدي ، ج 2 ، ص 344 ، ح 476 ؛ ميزان الاعتدال ، ج 1 ، ص 520 ، ح 1942 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج 6 ، ص 330
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 223 و224
4- الكافي ، ج 2 ، ص 664 ، باب الدعابة والضحك ، ح 10 . وعنه في وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 114 ، باب كراهة القهقهة و ... ، ح 15798
5- .نهج البلاغة ، ص 303 ، الخطبة 193 ؛ التمحيص ، ص 72 ؛ مكارم الأخلاق ، ص 477
6- راجع : بحارالأنوار ، ج 64 ، ص 340

(فسد حسب من ليس له أدب) .

قال الجوهري : الحسب أيضاً : ما يعدّه الإنسان من مفاخر آبائه، ويقال: حسبه دينه، ويقال: ماله.

قال ابن السكّيت: الحسب والكرم يكونان في الرجل، وإن لم يكن له آباء لهم شرف، قال: والشرف والمجد لا يكونان إلّا بالآباء (1).

أقول : فلو اُريد هنا بالحسب الدين أو الشرف الذاتي، ففساده بفقدان الأدب ظاهر ؛ إذ الحسب بهذا المعنى لا يحصل إلّا بالأدب، وإذ ليس فليس، وكذا لو اُريد به شرف الولد باعتبار شرف الآباء .

(إنّ أفضل الفعال صيانة العرض بالمال) .

في النهاية:العرض: موضع المدح والذمّ من الإنسان ، سواء كان في نفسه أو في سلفه أو من يلزمه أمره .

وقيل: هو جانبه الذي يصونه من نفسه وحسبه ، ويحامي عنه أن ينتقص ويثلب.

وقال ابن قتيبة: عرض الرجل : نفسه وبدنه لا غير (2).

وقال الفيروزآبادي : «قد يراد به الآباء والأجداد والخليقة المحمودة» (3).

وفيه حثّ في ترك المماطلة مع العزماء ، وصرف المال بالإنفاق وصلة الأرحام، وإخراج الحقوق الماليّة الواجبة والمندوبة، وإعطاء الجائر مع الخوف [منه] تحرّزا من اللؤم والضرر وهتك الستر والانتساب بالبخل ونحوها ممّا ينافي صيانة العرض.

(ليس من جالس الجاهل بذي معقول) .

قال الجوهري:

العقل : الحجر والنُهى، ورجل عاقل وعَقول، وقد عقل يعقل عقلاً ومعقولاً أيضاً، وهو مصدر.

وقال سيبويه: هو صفة، وكان يقول: المصدر لا يأتي على وزن مفعول البتّة، ويتأوّل المعقول، فيقول : كأنّه عُقل له شيء، أي حُبس واُيّد وشُدّد _ قال : _ ويستغني بهذا عن المَفعَل الذي يكون مصدراً (4).

ص: 259


1- الصحاح ، ج 1 ، ص 110 (حسب) مع التلخيص
2- النهاية ، ج 3 ، ص 209 (عرض)
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 334 (عرض)
4- الصحاح ، ج 5 ، ص 1769 (عقل) مع التلخيص واختلاف يسير

وفي القاموس: «العقل: العلم، أو بصفات الأشياء من حسنها وقبحها وكمالها ونقصانها، عقل يعقل عقلاً ومعقولاً» (1). انتهى .

وأقول : انتفاء العقل أو كماله أو آثاره الدالّة عليه من مجالس الجاهل بلا ضرورة داعية إليه ظاهر ؛ فإنّ الجاهل منتهى غرضه التصرّف في أحوال الدنيا وكيفيّة تحصيلها والتمتّع بها والتكلّم بالفضول، والعالم على عكس ذلك ، فبينهما تضادّ ، والمتضادّان لا يجتمعان في محلّ واحد، وأيضاً المجالسة تقتضي المكالمة، والجاهل لا يقدر أن يتكلّم في المعقولات، والعالم يقدر أن يتكلّم في أبواب الجهالات، فلا محالة يجري مجراه، وذلك يطفئ نور حكمته، ويفسد أمر دنياه وآخرته.

وكأنّه عليه السلام أشار إلى هذا المعنى بقوله: (من جالس الجاهل فليستعدّ لقيل وقال) أي للتكلّم بفضول الكلام ، وما يضيع أوقاته.

قال الفيروزآبادي: «القول في الخير ، والقال والقيل والقالة في الشرّ . أو القول مصدر، والقيل والقال اسمان . والقال الابتداء ، والقيل _ بالكسر _ الجواب» (2). انتهى.

وقيل: هما من قولهم: قيل كذا وقال كذا، وبناؤهما على أنّهما فعلان ماضويان متضمّنان للضمير والإعراب على إجرائهما مجرى الأسماء خلوّين من الضمير، وإدخال حرف التعريف عليهما في قوله: «القيل والقال».

وبالجملة أمر عليه السلام بالاستعداد لفضول الكلام وإكثاره مبتدئاً ومجيباً وحكاية أقوال الناس، والبحث عمّا لا يجدي [نفعا] ، بل يوجب ضياع العمر وجهد الكتبة وسواد القلب وصعوبة الحساب في الآخرة (3).

(لن ينجو من الموت غنيّ بماله، ولا فقير لإقلاله) .

الإقلال: قلّة الجِدة ، والفقر ، ورجل مقلّ، أي فقير ؛ أي ورود الموت على الغني والفقير ضروري لا يقدر أن يدفعه الغني بماله ولا الفقير بفقره، وطلب الترحّم منه.

وفيه حثّ على ذكر الموت وانتظاره والاستعداد لما بعده.

ص: 260


1- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 18 (عقل)
2- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 42 (قول)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 224

(أيّها الناس ، لو أنّ الموت يُشترى لاشتراه من أهل الدنيا الكريمُ الأبلج واللئيم المَلهوج) .

في القاموس: «شراه يشريه : ملكه بالبيع وباعه، كاشترى فيهما ضدّ» (1).

وقال الجوهري:

البُلوج: الإشراق.

يقال: بلج يَبلج بالضمّ، أي أضاء، وتبلّج فلان إذا ضحك وهشّ ، وصبح أبلج بيّن البَلَج، أي مُشرق مُضي?، والبُلجة: نقاوة ما بين الحاجبين.

يقال: رجل أبلج بيّن البلج ، إذا لم يكن مقروناً .

وفي حديث اُمّ معبد في صفة النبي صلى الله عليه و آله : «أبلج الوجه»، أي مُشرقه، ولم تُرد بلج الحاجب؛ لأنّها تصفه بالقرن (2). انتهى.

وقوله عليه السلام : «الملهوج» كمنصور، اسم مفعول من اللهج بتقدير حرف الجرّ، أي الملهوج به.

قال الجوهري: «اللَهَج بالشيء: الولوع به، وقد لهج به _ بالكسر _ يلهج لهجاً، إذا أغرى به فثابر عليه» (3). .أي واظب وداوم .

فيحتمل كونه بضمّ الميم وفتح اللام والواو وسكون الهاء.

قال الجوهري : «هوج الرجل أمره لهوجة، وهو أن لا يبرمه، وشواء ملهوج إذا لم يُنضج» (4) .

والظاهر المراد بالملهوج هنا الحريص الوَلوع بالدنيا.

وقال بعض العلماء:الكريم الأبلج : هو الذي اشتهر كرمه وظهر .

والمَلهوج هو الحريص، مفعول بمعنى الفاعل كمسعود، ووجه اشترائهما الموت رضاهما به؛ لأنّ الكريم إذا اشتهر توجّه الناس إليه بما عجز عن قدر اشتهاره، وخجل من المنسوب إليه فرضي بالموت.

وأمّا الحريص، فلأنّه لم يبلغ ما حرص عليه، فلا يزال يُتعب نفسه ويزيد حرصه، فيتمنّى بذلك الموت (5).

وقيل: قد رغّب في توقّع الموت، ورجّحه على هذه الحياة بالنسبة إلى كلّ أحد؛ إمّا بالنسبة إلى الكريم، فلتخلّصه من آلام الدنيا ووصوله إلى نعيم الأبد، وإمّا بالنسبة إلى اللئيم

ص: 261


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 347 (شري)
2- . الصحاح ، ج 1 ، ص 300 (بلج) مع التلخيص واختلاف يسير
3- .الصحاح ، ج 1 ، ص 339 (لهج)
4- .الصحاح ، ج 1 ، ص 340 (لهج)
5- الوافي ، ج 26 ، ص 30 (مع اختلاف يسير)

الحريص في الدنيا، فلتخلّصه منها وممّا يوجب زيادة العقوبة في الآخرة، وحمل الاشتراء على معنى البيع باعتبار أنّ الكريم يحبّ البقاء للطاعات، واللئيم يحبّ الدنيا بعيدا جدّاً؛ لأنّ المقام يقتضي حبّ الموت والترغيب فيه (1).

وقال بعض الأعلام : يمكن أن يوجّه هذا الكلام بوجوه:الأوّل : أن يكون المراد أنّه لو كان الموت ممّا يمكن أن يشترى ، لاشتراه الكريم لشدّة حرصه في الكرم وقلّة بضاعته ، كما هو الغالب في أصحاب الكرم، فلا يجد ما يجود به، وهو محزون دائماً لذلك، ويتمنّى الموت ويشتريه إن وجده.

واللئيم يشتريه؛ لأنّه لا يحصل له ما هو مقتضى حرصه، ويرى الناس في نعمة، فيحسدهم عليها، فهو في شدّة لازمة لا ينفكّ عنها بدون الموت، فيتمنّاه.

الثاني : أن يكون المراد أنّه يشتريه الكريم لنفسه ؛ ليتخلّص منه البائع واللئيم؛ لأنّه حريص على جمع جميع الأشياء حتّى الموت.

الثالث : أن يقال: إنّه يشتري الكريم لرفع الموت من بين الخلق، واللئيم ليميت جميعهم ويستبدّ بأموالهم (2).

(أيّها الناس، إنّ للقلوب شواهدَ تُجري الأنفس عن مَدرجَة أهل التفريط) .

لعلّ المراد بالشواهد الأعلام والأدلّة الدالّة على طريق الوسط والعدل من النقل والعقل.

وقوله: «تجري» إمّا على صيغة المعلوم من باب الإفعال، والمستتر فيه راجع إلى الشواهد، والأنفس مفعوله ؛ أو على صيغة المجرّد المعلوم، والأنفس فاعله بتقدير العائد الموصوف، أي تجري الأنفس بها ، و«عن» للبعد والمجاوزة .

قال الجوهري : «المَدرجة: المسلك» (3). ؛ يعني أنّ للقلوب شواهد ممّا يفيض عليها من أنوار حكمته تعالى، أو ممّا جُبلت عليه من معرفة الحقّ وسائر البديهيّات من الوجدانيّات والمشاهدات التي هي اُصول اكتساب النظريّات وموادّها ، تُجري تلك الشواهد الأنفس وتسوقها مجاوزة بها ومبعدة إيّاها عن مسلك أهل التفريط والتقصير في اتّباع الحقّ وأهله

ص: 262


1- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 225
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 48 و49
3- .الصحاح ، ج 1 ، ص 314 (درج)

إلى مسالك المحقّين ومذاهب المقرّبين التي يُعبّر عنها بالصراط المستقيم.

(وفطنة الفهم للمواعظ ما يدعو النفس إلى الحذر من الخطر) (1) .

الظاهر أنّ «فطنة الفهم» مبتدأ، و«ما يدعو» خبره، وكلمة «ما» موصولة .

أو الجملة معطوفة على معمولي «إنّ» ، أي إنّ فطنة الفهم للمواعظ التي تدعو النفس إلى الحذر عن مخاطرات الآخرة ، لا مجرّد الفهم الخالي عن العمل.

ويحتمل أن تكون «فطنة الفهم» معطوفاً على «شواهد»، وكلمة «ما» مصدريّة ظرفيّة، أي ما دام يدعو النفس إلى الحذر.

والفِطنة بالكسر: الحذق .

والفهم: العلم ومعرفة الشيء بالقلب .

هذا بحسب اللغة، وأمّا في العرف فيطلقان على جودة تهيّؤ الذهن لقبول ما يرد عليه من العلوم والمعارف، فالاضافة على الأوّل لاميّة، وعلى الثاني بيانيّة .

ولو اُريد بالفطنة المعنى العرفي، وبالفهم المعنى اللغوي، أو بالعكس، أو قرئ الفَهِم _ بكسر الهاء _ كانت الاضافة لاميّة أيضاً، واللام في قوله : «للمواعظ» للفهم.

والموعظة: تذكير ما يليّن القلب من النوائب والعقاب.

وقيل: كلّ كلام مشتمل على الأمر بالخيرات والزجر عن المنهيّات(2).

والخطر بتقديم المعجمة والتحريك: الإشراف على الهلاك، وبالتسكين وتقديم المهملة: الحَجر والتحريم.

وفي القاموس: «الحذر بالكسر وتحرّك: الاحتراز»(3).

(وللقلوب خواطر (4). للهوى) .

قال الفيروزآبادي: «الخاطر: الهاجس ، الجمع: خواطر» (5) . وقال: «هجس الشيء في صدره يَهجس: خطر بباله» (6).

ص: 263


1- .في الحاشية: «أي فطنة الذهن وفهمه للمواعظ القرآنيّة والنبويّة ما يدعو النفس إلى الاحتراز عن المخاطرات الداعية إلى الخروج عن منهج السداد والنفور عن سبيل الرشاد . وفيه توبيخ لمن ترك مقتضى فهمه ، وسلك سبيل البغي والفساد. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 226
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 225
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 6 (حذر)
4- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «خاطر»
5- .القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 22 (خطر) مع اختلاف يسير
6- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 258 (هجس)

وقال: «الهوى بالقصر: العشق ، يكون في الخير والشرّ، وإرادة النفس» (1). انتهى.

ويطلق الهوى في العرف على ميل النفس الأمّارة بالسوء التابعة للقوى الشهويّة والغضبيّة إلى مقتضى طباعها من اللذّات الدنيويّة إلى حدّ الخروج عن الحدود الشرعيّة، وهو أشدّ جاذب للإنسان عن قصد الحقّ، وأقوى ساد له عن سلوك سبيله.

(والعقول تزجر وتَنهى) أي عن خواطر الهوى، أو مطلقاً . والواو للحال، أو للاستئناف.

والزجر: المنع والنهي .

(وفي التجارب علم مُستأنف) أي جديد؛ لأنّ العلوم أكثرها يتجدّد بالتجارب وتكرّر المشاهدة.

يقال: جرّبه تجربة، أي اختبره، ورجل مجرّب: عارف بالاُمور.

وبعض المحقّقين عرّف التجربة بأنّها عبارة عن حكم العقل بأمر على أمر بواسطة مشاهدات متكرّرة معدّة لليقين بسبب انضمام قياس خفيّ إليها، وهو أنّه لو كان هذا اتّفاقيّاً لما كان دائماً ولا أكثريّاً، وهي مركّبة من مقتضى الحسّ والعقل واجتماعهما، وبهما يكمل العقل، ولذلك ورد في الخبر : «إنّ التجارب لقاح العقول» (2) .

وممّا علم به عدم اعتبار الدنيا وزهراتها وعدم وفائها لأهلها (3).

(والاعتبار يَقود إلى الرَّشاد) .

في القاموس: «رشد _ كنصر وفرح _ رُشداً ورَشَداً ورشاداً: اهتدى» (4).

أي إبصار أوضاع الدنيا، والاعتبار بأحوالها الحاضرة والماضية، وبما ورد على الناس بسبب مخالفة الدين وأهله، وجعلها مادّة للتفكّر يقود إلى الاهتداء ورفض الدنيا ولزوم الأعمال الصالحة للآخرة.

(وكفاك أدباً لنفسك ما تَكرهه لغيرك) (5). .في نهج البلاغة: «اجتناب ما تكرهه» (6). ولعلّه هو المراد هنا، أو المعنى : كفاك مؤدّباً

ص: 264


1- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 404 (هوي)
2- .لم على الخبر في موضع
3- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 226
4- .القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 294 (رشد)
5- .في الحاشية: «روي أنّ من حقوق المؤمن أن تحبّ له ما تحبّ لنفسك، وتكره له ما تكره لنفسك، وهذا من أعظم الآداب الشرعيّة، بل لا يتمّ إلّا به . صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 227 . وانظر : الكافي ، ج 2 ، ص 169 ، باب حقّ المؤمن على أخيه و .. ، ح 2 ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 625 ، باب الحقوق ، ح 3214 ؛ تحف العقول ، ص 73
6- .نهج البلاغة ، ص 548 ، الحكمة 412

لنفسك ملاحظة ما تكرهه لغيرك، والتأمّل فيه.

(وعليك لأخيك المؤمن مثل الذي لك عليه) أي تفعل به ويتأمّل معه مثل ما تتوقّع منه لنفسك، أو المراد أن تحبّ له ما تحبّ لنفسك، وتكره له ما تكره لنفسك.

وحقوق المؤمن كثيرة منها إشباع جوعته ، ومواراة عورته ، وتفريج كربته ، وقضاء حاجته ، والسؤال عن حاله عند رؤيته ، والزيارة والدعاء له في غيبته ، والاجتهاد والرغبة في خدمته ، والخلافة في أهله وولده بعد موته ، والإتيان بمرضاته في جميع الأحوال ، والإعانة له بالنفس واللسان والمال ، وغير ذلك .

(لقد خاطر من استغنى برأيه) .

قال الجوهري: «الخطر: الإشراف على الهلاك، [يقال :] خاطر بنفسه» (1).

وفي القاموس: «خاطر بنفسه: أشفاها على خطر هُلك، أو نيل ملك» (2).

وقال في النهاية: «المحدّثون يسمّون أصحاب القياس أصحاب الرأي، يعني أنّهم يأخذون بآرائهم فيما يشكل من الحديث، أو ما لم يأت فيه حديث والأثر» (3). انتهى.

وفي الأخبار الآخر: «خاطر بنفسه»، وهو المراد هنا .

أي من استبدّ برأيه في اُمور الدين والدنيا ، ألقى نفسه في الهلكة.

قال بعض الأفاضل:

فيه ردّ على من جوّز استعمال الرأي في باب المعارف والأسرار والأحكام ونصب الإمام، فما ذهب إليه بعض الصوفيّة ومنهم الغزالي في كتاب الكيمياء من أنّه يجوز انكشاف العلوم والبلوغ إلى مرتبة النبوّة بالرياضة والمجاهدة بلا توسّط نبيّ، وأنّ الفرق بينه وبين النبيّ أنّ النبيّ مأمور بالتبليغ دونه؛ لأنّ النبيّ مثلنا في الإنسانيّة ، كما قال: «أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ» (4). ، وأنّ العلم بالمحسوسات حجاب بين العبد والربّ باطل؛ لدلالة الروايات الصحيحة على بطلانه، ولأنّ هذا الرجل ينبغي أن يكون نبيّاً صاحب الوحي أمر بالتبليغ أوّلاً، والعلم بالمحسوسات والانتقال منها إلى الصانع وما له من الحكمة والقدرة _ على ما قرّره الشرع _ ليس بحجاب، كيف وقد حثّ عليه _ جلّ شأنه _ في

ص: 265


1- الصحاح ، ج 2 ، ص 648 (خطر)
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 22 (خطر)
3- .النهاية ، ج 2 ، ص 179 (رأى)
4- .الكهف (18) : 110 ؛ فصّلت (41) : 6

آيات كثيرة منها قوله: «الَّذِينَ يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ» (1). الآية.

ثمّ إنّهم قالوا: وجب الرجوع إلى المرشد، وقد صرّح به الغزاالي في الكتاب المذكور، فإن أرادوا بالمرشد النبيّ ، أو من أخذ الإرشاد منه، فنعم الوفاق ، مع أنّه لا حاجة إلى توسّط النبيّ ، وإن أرادوا غيره فقد ضلّوا وأضلّوا (2).

(والتدبّر قبل العمل؛ فإنّه يُؤمنك من الندم) أي يجب أن يكون التدبّر قبل الشروع في العمل، ليؤمن من الندم بعده.

وهذه كلمة جامعة للنصائح كلّها ؛ إذ العمل شامل للأقوال والأفعال والعقائد مطلقاً، والندامة أعمّ من أسف الدنيا والآخرة.

ونعم ما قيل: المدبّر قبل العمل بسبب ملاحظة ما يترتّب عليه لا يأتي بما يضرّه وما يورث الندامة في الدارين، ويحبس كلّ عضو على ما هو المطلوب منه، ولا يتحقّق ذلك إلّا برعاية قانون الشرع وآدابه(3).

(ومن استقبل وجوه الآراء عرف مواضع الخطأ) .

في بعض النسخ: «مواقع الخطأ» . قال الجوهري : «الخطأ : نقيض الصواب، وقد يمدّ» (4).

ولعلّ المراد بالآراء الظنون الحاصلة من الاجتهاد والقياس والأحكام العقليّة والشرعيّة، وبوجوهها جهات الاختلاف فيها وتضادّها وتناقضها بالنظر إلى الأشخاص، بل بالنظر إلى شخص واحد؛ فإنّ من استقبل وتصفّح أحوال الناس في الظنون الاجتهاديّة والقياسيّة، قلّ ما يجد اثنين منهم متّفقين على رأي واحد، بل يجد واحداً منهم كثيراً ما يناقض نفسه.

فعلم من هذا الاختلاف والتناقض أنّ ابتناء أحكام الدين على الرأي والقياس من غير رجوع إلى القوانين المستنبطة من أصحاب الوحي ومن يحذو حذوهم باطل، بل ارتكابه كفر وضلال.

والحاصل أنّ نفس اختلاف آراء العقلاء في أمر واحد وعدم اتّفاقهم عليه دليل واضح

ص: 266


1- .آل عمران(3) : 191
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 227 و228
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 228
4- الصحاح ، ج 1 ، ص 47 (خطأ)

على عدم استقلال العقول في شيء من أحكام الدين إذا لم يكن بديهيّاً أو في حكمه، وأنّ الأخذ والاستبداد بها خطأ محض.

وقيل: معنى قوله عليه السلام : «استقبل وجوه الآراء» أنّه استشار الناس، وأقبل نحو آرائهم وتفكّر فيها، ولا يبادر بالردّ، أو تفكّر في كلّ أمر ليقبل إليه الآراء والأفكار (1).

وقيل: لعلّ المراد : مَن استقبل بالقلب الخالص عن الشبهات وجوه الآراء المختلفة المتفرّقة ومقدّماتها الوهميّة والخياليّة، وعرفها حقّ المعرفة، عرف مواضع الخطأ فيها، كما بيّن في موضعه، مع أنّ مناط الرأي والقياس جمع المتشابهات في الحكم، وتفريق المختلفات فيه، والأمر بالعكس في كثير من المواضع (2).

قال: ويحتمل أن يراد بالوجوه الأدلّة الشرعيّة المنصوبة على موارد الرأي والقياس الدالّة على حكم مخالف لها؛ فإنّ من استقبل إليها وعرفها ، عرف مواقع خطاء تلك الآراء .

وفيه على هذا التقدير زجر عن استعمال الرأي ، وحثّ على الرجوع إليه عليه السلام (3).

(ومن أمسك عن الفضول عدلت رأيه العقول) .

في القاموس: «عدل الحكم تعديلاً: أقامه ، وفلاناً: زكّاه، والميزان: سوّاه» (4) .

والفضل : ضدّ النقص، والجمع: فضول.

والرأي في اللغة: الاعتقاد مطلقاً، سواء كان له مستند شرعي أم لا، وشاع عند المحدّثين إطلاقه على الثاني .

ولعلّ حاصل المعنى: من أمسك عن الفضول من الأقوال والأفعال، وهي ما لا ينفع _ سواء يضرّ، أم لا _ عدّلت عقول أهل العرفان رأيه واعتقاده، وحكمت بعدالته وصوابه واستقامته؛ لأنّ استقامة الظاهر بسبب استقامة الباطن، ووجود المسبّب دليل على وجود السبب.

وقيل: يحتمل أن يكون «عدلت» بالتخفيف بمعنى المعادلة، أي بانفراده يعدل سائر العقول (5).

ص: 267


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 50
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 228
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 228
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 13 (عدل)
5- .قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 30

(ومن حصر (1). شَهوته) .

في بعض النسخ: «حصن شهوته».

(فقد صان قدرَه) .

قال في القاموس: «الحَصر ، كالضرب والنصر : التضييق، والحبس عن السفر وغيره كالإحصار، وللبعير: شدّه بالحصار»(2).

وقال: «حصُن ككرم: منع، فهو حَصين وأحصنه وحصّنه»(3).

(ومن أمسك لسانه أمنه قومُه، ونال حاجته) .

قال في القاموس: الأمن والآمن _ كصاحب _ ضدّ الخوف .

أمن _ كفرح _ أمناً وأماناً والأمانة والأمنة: ضدّ الخيانة، وقد أمنه _ كسمع _ وأمّنه تأميناً وائتمنه واستأمنه (4).

وفيه: «القوم: الجماعة من الرجال والنساء معاً، أو الرجال خاصّة، وتدخل النساء على التبعيّة» (5). انتهى .

ولعلّ المراد أنّ إمساك اللسان عن الشتم والسبّ ونحوهما يقتضي بالخاصّيّة نيل الحاجة من العشيرة وغيرهم، أو من اللّه أيضاً، وأن يكون قومه منه في أمن، أو جعله قومه آمناً من سرّهم، أو أميناً موثوقاً به، وهاتان من فوائد الدنيا، وأمّا فوائد الآخرة فكثيرة .

(وفي تقلّب الأحوال علمُ جواهر الرجال) .

قال في القاموس: «الجَوهر: كلّ حجر يستخرج منه شيء ينتفع به، ومن الشيء: ما وُضعت عليه جبلّته» (6).

أقول : المراد هنا المعنى الثاني، أي يعلم جواهر الرجال وطبائعهم وجبلّتهم، وكونها محمودة أو مذمومة، كريمة أو لئيمة، بتقلّب أحوالهم الذاتيّة والفقر والغنى مثلاً، أو الإضافيّة

ص: 268


1- .في الحاشية: «الحصار، ككتاب وسحاب: وساد يُرفع مؤخّرها، ويُحشى مقدّمها، كالرحل يلقى على البعير ، ويركب كالمحصرة ، أو هي قتب صغير ، وبعير محصور : عليه ذلك. القاموس». القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 10 (حصر)
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 9 (حصر)
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 214 (حصن)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 197 (أمن) مع التلخيص
5- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 168 (قوم) مع التلخيص واختلاف يسير
6- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 395 (جهر)

كالمعاملات والمشاركات ونحوها ؛ فإنّ الجوهر الشريف والطبع اللطيف لا يختلف أعماله، ولا يتبدّل أحواله بتبدّل الأوضاع، بل يكون ثابتاً على ما كان عليه من الطريقة المحمودة ، وإن اشتدّ عليه الدهر وغلبه وأخذ ماله وانعكس حاله (1).

(والأيّام توضح لك السرائر الكامنة) .

قال في القاموس: «كمن له _ كنصر وسمع _ كموناً: استخفى» (2).

وقال بعض الفضلاء: قد شاع عند الفصحاء والبلغاء نسبة ذلك إلى الزمان تجوّزا باعتبار أنّ الزمان من الأسباب المعدّة لظهور الأسرار المستورة التي في علم اللّه تعالى من خير وشرّ، ولذلك قيل: الاُمور مرهونة بأوقاتها .

وقد يتفاوت الأزمنة في الأعداد لقبولها ، ففي بعضها يكون الشرّ أكثر سيّما زمان ضعف الشريعة التي هي سبب نظام العالم والحياة الأبديّة.

وفي بعضها يكون الخير أكثر، وهو الزمان الذي تكون أحوال الخلق منتظمة فيه خصوصاً زمان قوّة الشريعة.

ولعلّ فيه إيماء إلى ما وقع من أمر الخلافة ، وانقلاب أحوال الصحابة ، وسلطنة بني اُميّة وبني عبّاس ، وتغيير قوانين الشرع ، وشيوع الجور والظلم على أهله ، وترجيح المسي?على المحسن ، والدنيّ على الشريف ، والجائر على العادل، أو الأعمّ منها ومن نوائب الدهر .

وفيه ترغيب للمؤمنين في الصبر عليها والرضا بالقضاء (3).

(وليس في البرق الخاطف مُستمتَع لمن يخوض في الظلمة) .

قال الجوهري: «الخَطْف: الاستلاب ، وبرق خاطف لنور الأبصار»(4).

وقال الفيروزآبادي: «أمتع عنه: استغنى، وبماله: تمتّع ، كاستمتع»(5).

وقال: «خاض الماء يخوضه خوضاً: دخله»(6).

أقول : الظاهر أنّ «مستمتع» هنا على صيغة اسم المفعول بمعنى المكان والمصدر،وأن يكون هذا الكلام كالاقتباس من قوله تعالى في بيان حال المنافقين بضرب المثل:

ص: 269


1- وقال المحقّق المازندراني رحمه الله : «فيه ترغيب في البقاء على الطاعات ، والصبر على المصيبات»
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 263 (كمن)
3- شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 229
4- الصحاح ، ج 4 ، ص 1352 (خطف) مع التلخيص
5- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 83 (متع)
6- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 330 (خوض)

«أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ» إلى قوله: «إِنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (1).

ففيه تعريض على أهل النفاق والشقاق ، وتنفير عن الشكّ والارتياب، وترغيب على لزوم الإخلاص وتطهير القلب عن التردّد والاضطراب.

وقيل: هذا الكلام بيان لما قبله، وما قبله لما قبله، يعني لابدّ من مضيّ أيّام ومهلة حتّى توضح السرائر وتعلم الجواهر(2).

وقيل: هذا تمثيل متضمّن لتشبيه زهرات الدنيا وزينتها وأسبابها الطالعة من مطالعها في سرعة زوالها، وعدم الانتفاع بها، واستعقابها ظلمة شديدة بالبرق الخاطف بالنسبة إلى من يخوض في الليل المظلم، والغرض منه التنفير عنها وعن الركون إليها، وصرف الفكر في تحصيلها ، والحثّ على الآخرة والأعمال الصالحة(3).

وقال بعض الأعلام: لعلّ المراد أنّه لا ينفعك ما يقرع سمعك من العلوم النادرة كالبرق الخاطف، بل ينبغيأن تواظب على سماع المواعظ، وتستضي?دائماً بأنوار الحكم لتخرجك من ظلم الجهالات.

قال: ويحتمل أن يكون المراد: لا ينفع سماع العلم مع الانغماس في ظلمة المعاصي والذنوب (4).

(ومن عُرف بالحكمة لحظته العيونُ بالوقار والهَيبة) (5) .

قال في القاموس: «لحظه _ كمنعه _ وإليه لَحظاً: نظر بمؤخّر عينيه، وهو أشدّ التفاتاً من الشزر» (6).

وفيه: «الوقار كسحاب: الرزانة»(7).

ص: 270


1- البقرة(2) : 19 و20
2- قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 30 و31
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 229
4- مرآة العقول ، ج 25 ، ص 50
5- .في الحاشية : «يعني المعروف بالحكمة النظريّة والعمليّة، وهي العلم بالقوانين الشرعيّة والعمل بها ، نظرت إليه العيون بالوقار والهيبة منه ؛ لعظمته وهيبته. وفيه ترغيب في تحصيل الحكمة لما فيها من المنافع الدنيويّة ، وأمّا المنافع الاُخرويّة فظاهرة. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 230
6- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 398 (لحظ)
7- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 156 (وقر)

وقال الجوهري: «الهيبة: المهابة، وهي الإجلال والمخافة، وقد هابه يهابه» (1).

والمراد بالحكمة ما يعمّ النظريّة والعمليّة على نهج القوانين الشرعيّة، وبعبارة اُخرى هي خروج النفس إلى كمالها الممكن لها في جانبي العلم والعمل.

(وأشرف الغنى ترك المُنى) (2) .

قال في القاموس: «الغنى _ كإلى _ ضدّ الفقر، وإذا فتح مُدّ» (3).

وقال في المصباح: «مَنَى اللّه الشيء من باب رمى: قدّره، والاسم: المَنى _ كعصى _ تمنّيت كذا»(4).

قيل: مأخوذ من المَنْي، وهو القدر؛ لأنّ صاحبه يقدّر حصوله، والاسم: المُنية والاُمنيّة، وجمع الاُولى: مُنى، مثل غُرفة وغُرَف، وجمع الثانية: الأمانيّ (5).

وفي بعض النسخ المصحّحة: «أترف» بدل «أشرف»، وهو اسم التفضيل من التُرفَة، وهي بالضمّ: النعمة ، والطعام الطيّب ، والشيء الظريف، تخصّ به صاحبك .

وتَرِف ، كفرح: تنعّم.

(والصبر جُنّة من الفاقة) .

قال الجوهري: «الجُنّة بالضمّ: ما استترت به من سلاح، والجنّة: السُترة»(6).

والمراد بالصبر الصبر على الفاقة والحاجة، أو مطلقاً.

وقيل: فيه استعارة حسّيّة كالفقرة الاُولى مرغّبة في ترك المنى والصبر ، حيث شبّه الصبر بالجنّة، ووجه التشبيه أنّ بالصبر يأمن من أصابه سهام الفاقة وثوران الاحتياج إلى ارتكاب المحرّمات المورثة للهلاك والدخول في النار، كما يأمن لابس الجنّة من أذى الضرب والجرح الموجب للهلاك (7).

(والحرص علامة الفقر) يعني فقر القلب.

وقيل: إنّه علامة الفقر في الآخرة ؛ لشغله عنها بالدنيا، أو في الدنيا أيضاً؛ لأنّ الحريص

ص: 271


1- الصحاح ، ج 1 ، ص 239 (هيب)
2- .في الحاشية: «فيه استعارة حسّيّة مرغبة في ترك المنى حيث شبّهه بالغنى ، وجعله أشرف أفراده باعتبار أنّه يوجب النفع والراحة والنجاة من التعب والهلاك في الدنيا والآخرة. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 230
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 371 (غنو)
4- المصباح المنير ، ص 582 (منا) مع اختلاف يسير
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 230
6- الصحاح ، ج 5 ، ص 2094 (جنن)
7- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 230

والفقير متشاركان في التعب والحزن والهمّ والاضطراب (1).

(والبخل جِلباب المسكنة) .

قال في القاموس: «البخل والبُخول _ بضمّهما ، وكجبل ونجم وعنق _ ضدّ الكرم»(2) .

وقال: «الجلباب كسرداب وسنمّار : القميص ، وثوب واسع للمرأة دون الملحفة، أو ما تغطّى به ثيابها من فوق كالمِلحَفة، أو هو الخِمار»(3).

والمسكنة مَفعلة من الاستكانة، وهي الخضوع والمذلّة.

والمراد أنّ البُخل يلبس البخيل الفقرَ والمذلّة .

وقيل: لعلّ الإضافة من قبيل لجين الماء ، والوجه هو الإحاطة والشمول، والمراد أنّ البخل الحاجز للبخيل عن الإنفاق على نفسه وعياله وعلى أهل الحاجة مسكنة محيطة به في الدنيا والآخرة، كما روي عنه عليه السلام : «عجب للبخيل استعجل الفقر الذي منه هرب، ويفوته الغنى الذي إيّاه طلب، فيعيش في الدنيا عيش الفقراء ، ويحاسب في الآخرة حساب الأغنياء»(4).

(والمودّة قرابة مُستفادة) (5) .

القرابة بالفتح: قرب النسب، وقد يطلق على القريب كالقُرابة _ بالضمّ _ يعني مودّة الناس والتقرّب إليهم (6). قرابة مكتسبة بهذه المودّة، وتصير منشأ لصيرورتهم كالأقارب يُعينونه وينصرونه ويدفعون عنه ويؤنسونه .

(ووَصول مُعدم خير من جاف مُكثر) .

في بعض النسخ: «مقلّ» بدل «معدم» .

ص: 272


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 230
2- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 333 (بخل)
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 47 (جلب)
4- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 230 . وانظر الخبر في: نهج البلاغة ، ص 491 ، الحكمة 126 مع اختلاف يسير
5- .في الحاشية: «ومن ثمّ قال عليه السلام : التودّد نصف العقل؛ لأنّ العقل نصفان: نصف عقل المعاد، ونصف عقل المعاش، والتودّد منه. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 230 . وانظر : الفقيه ، ج 4 ، ص 416 ، ح 5904 ؛ تحف العقول ، ص 221 ؛ كشف الغمّة ، ج 2 ، ص 207
6- كذا قرأناه

الوَصْل : وَصل الشيء بالشيء ، وضدّ الهجران، والوَصل والصلة ، وضدّها الجفاء (1).

والعَدَم ، بالتحريك : الفقر، وأعدم الرجل: افتقر.

والجفاء نقيض الصلة، ويقصّر.

ورجل مُكثر: ذو مال، وأكثر: أتى بكثير . والإقلال: قلّة الجدة. ورجل مُقلّ : فقير .

يعني أنّ الفقير الوَصول إلى الناس بحسن الخلق والمودّة والجود والإحسان _ وإن قلّ _ وإلى الأرحام بصلتها خير من الجافي القاطع الكثير الإعطاء؛ لأنّ الجفاء مُذهب للعطاء .

(والموعظة كَهف لمن وَعاها) (2) .

في القاموس: «الكهف ، كالبيت: المنقور في الجبل ، والملجأ»(3).

وفيه: «وَعاه يعيه : حفظه وجمعه» (4).

(ومن أطلق طرفه كثر أسفه) .

يقال: أطلقت الأسير ، إذا خلّيته.

وفي القاموس:الطَرف: العين، لا يجمع؛ لأنّه في الأصل مصدر، أو اسم جامع للصبر، لا يثنّى ولا يجمع، والطَّرَف محرّكة: الناحية ، والطائفة من الشيء، ومن البدن: اليدان والرجلان والرأس .

ولا يدري أيّ طرفيه أَطول ، أي ذكره ولسانه .

ولا يملك طرفيه ، أي أسته وفمه إذا شرب الدواء أو سكر (5).

وأقول: يمكن هنا إرادة كلّ من تلك المعاني .

(وقد أوجب الدهر شكره على من نال سُؤله) .

قال الفيروزآبادي في الأجوف الواوي: «النَّوال: العطاء، ونلته ونلت له وبه أنوله وبه: أعطيته»(6).

ص: 273


1- كذا قرأناه
2- .في الحاشية : «أي الموعظة _ وهي ما اشتمل عليه الآيات العظيمة والسنّة الكريمة من الوعد والوعيد وضرب الأمثال والتذكير بالقرون الماضية _ كهف منيع وملجأ رفيع لمن وعاها وحفظها وتأثّر قلبه اللطيف وذهنه الشريف بها ؛ فإنّها تدفع عن شهوات النفس. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 231
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 193 (كهف)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 400 (وعي)
5- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 167 و168 (طرف) مع التخليص
6- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 61 (نول)

وقال في اليائي: «نلته أنيله وأناله نَيلاً: أصبته، وأنلته إيّاه وأنلت له»(1).

أقول: إن اُريد هنا المعنى الأوّل ، فالمستتر في «نال» للدهر، وإن اُريد المعنى الثاني فالمستتر فيه للموصول.

وقال الجوهري: «السؤل: ما يسأله الإنسان، وقرئ : «أُوتِيتَ سُؤْلَكَ» (2). بالهمز وبغير الهمز» (3).

قيل: المراد أنّه يجب شكر المنعم سواء كان هو اللّه سبحانه أو غيره (4). وهو كما ترى.

وقيل: هو كناية عن قلّة نيل السؤل في الدهر وندرته ؛ لأنّه غير مترقّبة باعتبار تضييقه على المؤمن، لا لتحقيره وإذلاله، بل لتعظيمه وإجلاله؛ كيلا يشغل بالدنيا عن الآخرة (5).

وقيل: يمكن أن يراد به دهره عليه السلام وما يشابهه في الشدّة والصعوبة، ونسبة الإيجاب وأمثاله إلى الدهر مجاز شايع عند العرب، وإلّا فالفاعل هو اللّه تعالى(6).

(وقلّ ما يُنصفك اللسان من (7) نشر قبيح أو إحسان) .

النَّصَفَة: الاسم من الإنصاف ، أو أنصف، أي عدل، يقال: أنصفه من نفسه.

ولعلّ المراد أنّك إذا مدحت أمراً لا ينصفك اللسان ولا يعدل بك، بل يطري ويتجاوز عن حدّه، وإذا سخطت على أحد تذمّه أكثر ممّا هو فيه ، وأزيد ممّا يستحقّه، أو أنّه في مدح الناس وشكرهم يقصّر ويفرّط، وفي ذمّهم يتجاوز عن الحدّ ويُفرط.

والحاصل أنّ قلّ ما يعدل بك اللسان، ويتّصف بالنصفة عند البيان في نشر القبيح والإحسان والمدح والذمّ، بل هو في الأكثر في حدّ التفريط والإفراط.

وقيل : هذا في المعنى أمر بحفظه (8).

(ومن ضاق خُلُقُه مَلّه أهله) .

المَلالة: الضجر والسآمة ، وفعله من باب علم. يقال: ملّه وملّ منه .

ص: 274


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 62 (نيل)
2- .طه(20) : 36
3- الصحاح ، ج 5 ، ص 1723 (سأل)
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 51
5- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 231
6- في الحاشية عن بعض النسخ: «في»
7- في الحاشیة عن بعض النسخ: «في»
8- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 231

وفي القاموس: «الخُلق ، بالضمّ وضمّتين : الطبع ، والمروّة ، والدين»(1).

وفيه تنفير عن سوء الخلق، وترغيب في تصفية النفس منه ومن الاُمور المؤدّية إليه بذكر بعض مفاسده الدنيويّة من ملالة أهله منه ونفرتهم عنه ، فكيف غيرهم.

(ومن نال استطال) .

لعلّ المراد: من نال متمنّاه ، وأصاب ملكاً أو مالاً أو علماً أو غيرها من أسباب الشرف يلزمه غالباً الفخر والاستطالة، فحذف المفعول للتعميم .

أو المراد أنّ الجود والكرم يوجبان الفخر والمنّ والاستطالة.

وبعض الشارحين خصّصه بنيل الدنيا، وقال: «أي نال الدنيا، وكثر حطامها لديه ، استطال على الغير ، وطلب العلوّ والترفّع عليه» (2).

وأنت خبير بأنّه لا وجه للتخصيص.

(وقلّ ما تصدقك الاُمنيّة) .

الظاهر أن يكون تصدق من المجرّد.

يقال: صدقني فلان _ كنصر _ إذا قال: لك الصدق، وكان صادقاً في خبره أو في وعده؛ قال اللّه تعالى: «لَقَدْ صَدَقَ اللّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا» (3) ، أي أكثر ما تكون اُمنيّتك كاذبة فيما تعدك ، فكأنّها تخبرك أو تعدك بحصولها وهي كاذبة غالباً، ففيه حثّ بتكذيبها وعدم الالتفات إليها.

وقيل: يحتمل أن يكون من التصديق بناء على أنّ في نفسك حصولها، وهي لا تحصل غالباً فلا تصدقك (4).

(والتواضع يَكسوك المَهابة) .

قيل: أي خوفك من اللّه لعظمته، أو خوف الناس منك لشرفك وعظمتك، ولأنّك بالتواضع للّه ولأهله خائف من اللّه، ومن خاف اللّه خاف منه كلّ شيء(5).

(وفي سعة الأخلاق كنوز الأرزاق) .

قيل: أي الأرزاق الظاهرة للبدن والباطنة للنفس كالعلوم والمعارف.

والمراد بسعة الأخلاق إظهارها لكلّ أحد، ووجودها في كلّ شخص، وهي سبب لزيادة

ص: 275


1- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 229 (خلق)
2- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 232
3- .الفتح (48) : 27
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 232
5- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 232

الرزق إمّا بالخاصّيّة ، أو باعتبار أنّها جاذبة للقلوب إلى التعاون والتناصر(1).

(كم من عاكف على ذنبه في آخر أيّام عمره) .

فيه تحذير عن الإقامة على الذنوب في جميع أوقات العمر، أي ينبغي لكلّ أحد أن يكون محترزاً عن الذنوب في كلّ وقت ؛ لاحتمال أن يكون زمان ارتكاب الذنب آخر عمره .

و«كم» خبريّة اُريد منها الكثرة للإشعار بفساد أكثر الناس وغفلتهم.

(ومن كساه الحياء ثوبه، خفي على الناس عيبه) ؛ لأنّ الحياء يمنع من صدور ما يعاب به، فخفاؤه باعتبار عدمه.

أو المراد خفاء العيوب السابقة على الحياء.

وقيل: الظاهر أنّ نسبة الثوب إلى الحياء مجاز عقلي (2).

(وانحُ القصد من القول؛ فإنّ من تحرّى القصد خفّت عليه المُؤَن) .

قال الجوهري: «النحو: القصد.

يقال: نحوت نحوك، أي قصدت قصدك» .

وقال الفيروزآبادي: «القصد: استعانة الطريق ، والاعتماد ، وضدّ الإفراط كالاقتصاد ، والعدل» (3).

وقال: «تحرّاه: تعمّده، وطلب ما هو أحرى بالاستعمال» (4).

وقال: «المؤونة: القوت»(5).

وقال الجوهري: المؤونة تُهمَز ولا تُهمَز، وهي فَعولة، قال الفرّاء: هي مَفعلة من الأون، وهي الخرج والعدل؛ لأنّه ثقل على الإنسان .

وقال الخليل: لو كان مفعلة، لكان مَئينة مثل مَعيشة، وعند الأخفش يجوز أن تكون مَفعلة (6) انتهى.

يعني: اقصد الوسط العدل من القول ، وجانب التعدّي والإفراط والتفريط ؛ ليخفّ عليك المُؤن؛ فإنّ من قال جوراً أو ادّعى أمراً باطلاً اشتدّ عليه الأمر لعدم إمكان إجرائه أو إثباته.

ص: 276


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 232
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 232
3- الصحاح ، ج 6 ، ص 2503 (نحو)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 316 (حري)
5- القاموس المحيط ، ج 3، ص216 (مأن)
6- الصحاح ، ج 6 ، ص 2198 (مأن) مع اختلاف يسير

(وفي خلاف النفس رشدُك) .

في القاموس: «رشد _ كنصر وفرح _ رُشداً ورَشَداً ورشاداً: اهتدى»(1).

(من عرف الأيّام لم يغفل عن الاستعداد) .

قيل: أي من عرف صنعها بأهلها من قلب أحوالهم ، وخيبة آمالهم ، وابتلائهم بالموت والآلام ، وتأديبهم بالأمراض والأسقام ، وأخذهم بالعقوبة والانتقام ، مع مشاهدة سرعة فنائها وعدم بقائها، يردّ قلبه من حبّ الدنيا والميل إليها، ولم يغفل عن الاستعداد لأمر الآخرة وما يوجب المقام الرفيع فيها (2).

(ألا وإنّ مع كلّ جُرعة شَرَقاً ، وإنّ في كلّ اُكلة غُصَصاً) .

قال الفيروزآبادي: «الجرعة _ مثلّثة _ من الماء: حسوة منه، أو بالضمّ والفتح: الاسم من جرع الماء ، كسمع ومنع: بلعه، وبالضمّ : ما اجترعت»(3).

وقال: «الأكلة بالفتح: المرّة والواحدة من الأكل، وبالضمّ: اللقمة والقُرصة والطعمة، [الجمع :] كصرد»(4).

وقال الجوهري: «الشَرَق أيضاً : الشجا والغصّة .

وقد شرق بريقه، أي غصّ به»(5).

وفي القاموس: «الغصّة بالضمّ: الشجا ، والجمع: غُصص ، وما اعترض في الحلق فأشرق» (6).

وفيه : «الشجا : ما اعترض في الحلق من عظم ونحوه» (7).

ولعلّ المراد هنا بالجرعة والأكلة أمتعة الدنيا وتمتّعاتها، وبالشرق والغُصص كدر عيشها وكونها مشوباً بالبلاء.

وقيل: شبّه متاع الدنيا بالماء واللقمة؛ إذ عليهما مدار الحياة ، فتشابها ، وأثبت لهم الشرق والغصّة اللذين لا يساغ بهما الشارب والآكل، بل يفضيان إلى هلاكهما ، وأومأ إلى تحقّقهما في المشيّة أيضاً ؛ لتنفير النفس عن قبوله وطلبه وتسكين قلب من تركه.

ص: 277


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 294 (رشد)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 233
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 12 (جرع)
4- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 329 (أكل)
5- الصحاح ، ج 4 ، ص 1501 (شرق)
6- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 310 (غصص)
7- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 347 (شجو)

(لا تُنال نعمة إلّا بزوال اُخرى) .

قال ابن ميثم: «فإنّ نعمها لا تجتمع أشخاصها كلقمة ولقمة ، بل وأنواعها كالأكل والشرب والجماع» (1).

وقال بعض الأفاضل: ظاهر أنّ عادة الدنيا أنّ نعمها متناوبة؛ فإنّ من ليس له مال يكون آمناً صحيحاً غالباً، وإذا حصل له الغنى يكون خائفاً أو مريضاً لا ينتفع بماله، بل كلّ حالة من جهة نعمة ومن جهة بلاء كالمرض، فإنّه نعمة لتكفيره السيّئات، فإذا ورد عليه نعمة الصحّة زالت تلك النعمة الحاصلة بالبلاء (2).

والحاصل أنّه عليه السلام نفّر عن الدنيا بزوال نعمها ولذّاتها ، وعدم بقائها وثباتها ، وتوقّف لاحقها على فوات سابقها؛ إذ كلّ نوع من اللذّة والنعمة فإنّما يتجدّد شخص منها ، والالتذاذ بها بعد زوال مثله كلذّة المأكول والمشروب والملبوس وغيرها من الملاذّ الجسمانيّة ؛ فإنّ نيلها يستدعي فوات اُختها السابقة، وما كان كذلك لا يعدّ نعمة في الحقيقة ملتذّاً بها، فلابدّ للعاقل اللبيب من صرف عمره في تحصيل النعم الباقية من العلوم والمعارف والحكم الإلهيّة والأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة النافعة في الدار الآخرة.

(ولكلّ (3). رمق قوت) .

القوت: المسكة من الرزق، وهي ما يتمسّك به، وما يمسك الأبدان من الغذاء والشراب.

والرمق بالتحريك: بقيّة الروح والحياة ، وآخر النفس .

أي لكلّ قدر من الحياة قوت مقدّر ثابت قطعاً.

وقيل: تخصيص الرمق بالذكر للتنبيه على أنّ الحياة والقوت متلازمان ، لا يكون أحدهما بدون الآخر ، زجر للطالب عن الاهتمام به ، وصرف العمر في طلبه(4).

وفي بعض النسخ المصحّحة: «لكلّ ذي رمق» ، وهو أظهر.

ص: 278


1- لم نعثر على عين هذه العبارة في شرح الخطبة ، لكن اُنظر مضمونه في شرحه على نهج البلاغة ، ج 5 ، ص 342 و343
2- مرآة العقول ، ج 25 ، ص 52
3- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا وكلتا الطبعتين : + «ذي»
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 234

(ولكلّ حبّة آكل) قدّر اللّه تعالى أن يأكلها ، فإن قدّرها لك تصل إليك بلا تعب، وإن قدّرها لغيرك فلا يجدي كذلك في تحصيلها.

(وأنت قوت الموت) وتموت لا محالة، فلا تصرف عمرك في تحصيل ما لا تأكله ولا تحتاج إليه.

وقيل: شبّه الموت بالسبع في الإفناء والإهلاك، ونبّه بأنّه لا خير في حياة تفنى كفناء الزاد (1).

(اعلموا أيّها الناس ، أنّه من مشى على وجه الأرض فإنّه يَصير إلى بطنها) .

لعلّه كناية عن صيرورته تراباً مثلها.

وقيل: إلّا ما أخرجه الدليل، أو هو كناية عن الهلاك، وهذا مع غاية ظهوره مغفول عنه بالنظر إلى الأكثر ، بحيث لا يتذكّرونه إلّا بالتذكّر والتنبيه والزجر عن الركون إليها والبقاء فيها ، والحثّ على العمل والسعي لما ينفع في بطنها وبعد الخروج منها (2).

(والليل والنهار يتنازعان) (3) .

التنازع: التخاصم والتناول ؛ أي كأنّهما لسرعة انقضائهما وتواليهما يتسارعان ويتجادلان.

(في هَدم الأعمار)، وكلّ منهما يريدان أن يسبق صاحبه فيه.

وقيل: «يتنازعان» من التنزّع، وهو التسرّع، أي يتسارعان، أو يهتمّان من النزعة _ بالفتح والكسر _ وهي الهمّة (4) ، وهو بعيد جدّاً.

(وفي نسخة اُخرى: «يتسارعان») بدل «يتنازعان».

وفي بعض النسخ: «يسارعان» بدل «يتسارعان».

(في هدم الأعمار) .

قيل: فيه مكنيّة وتخييليّة ، وتنبيه للغافلين الذين لا يعلمون إلّا ظاهراً من الحياة الدنيا، وهم عن الرجوع إلى الآخرة هم غافلون (5).

ص: 279


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 234
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 234
3- في الحاشية عن بعض النسخ: «يسارعان»
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 234
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 234

(يا أيّها الناس، كفر النعمة لُؤم) .

اللؤم ، بالضمّ مهموزاً: ضدّ الكرم، واللئيم: دنيّ الأصل ، الشحيح النفس .

واللَّوم ، بالفتح بغير همز: العذل والملامة.

والعبارة تحتملهما، ولعلّ الأوّل أنسب، والحمل للمبالغة .

(وصحبة الجاهل شُؤم) .

الشؤم بالضمّ: ضدّ اليمن، وقد يخفّف الهمزة.

وقيل: فسّر عليه السلام الجاهل في بعض كلامه بأنّه من لا يضع الأشياء مواضعها (1).

وقيل: هو من لا يعرف أحوال الموت وما بعده من سعادة الآخرة وشقاوتها، وإنّما يعرف الدنيا وما فيها، ولا خفاء في أنّ صحبته شؤم مطلقاً، سواء كان جهله مركّباً أو بسيطاً؛ لأنّ طبعه لئيم، وذهنه عقيم، وفعله سقيم، وقوله أليم.

وكلّ ذلك علّة مسرية إلى الجليس، وإن كان ذا عقل شريف، وطبع لطيف، ففي صحبته مضارّ غير معدودة، وفي تركها منافع غير محدودة(2).

(إنّ من الكرم لين الكلام) عند محاورات الناس ومعاملاتهم، وله تأثير تامّ في حسن المعاشرة وميل القلوب.

ولعلّ المراد بالكلام ما يعمّ العبارة والإشارة.

والكرم محرّكة: ضدّ اللؤم.

وقيل: يطلق على الكرامة وسعة الخلق والخير والفضل والشرف والجود والعزّة والصفح والعظمة والتنزّه عن مخالفة الربّ(3).

(ومن العبادة إظهار اللسان) .

في كثير من النسخ: «إظهار» بالظاء المعجمة ، والإضافة حينئذ إلى الفاعل، أو إلى المفعول.

والمراد إظهار ما يصدر عن اللسان من الحمد والشكر والشهادة والإقرار بالذنب والمواعظ والنصائح ولين الكلام، أو الغلبة بالحجّة في إثبات الحقّ وإظهاره، والتكلّم عن عشيرته حيث عجزوا عن الكلام.

ص: 280


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 234
2- راجع : شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 234
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 235

ويحتمل أن يقرأ: «اطّهار» بتشديد الطاء المهملة، والإضافة حينئذ إلى الفاعل.

قال الفيروزآبادي: «التطهّر: التنزّه والكفّ عن الإثم، واطّهر ، أصله تطهّر تطهّراً، اُدغمت التاء في الطاء، واجتلبت ألف الوصل» (1). انتهى.

أي تطهّر اللسان وتنزّهه عن الكذب والغيبة والسبّ والفضول من القول .

وأمّا كونه من باب الإفعال بمعنى التطهير، والإضافة إلى المفعول _ كما قيل _ فليس متعارفاً شايعاً في كتب اللغة.

(وإفشاء السلام) مبتدئاً ومجيباً .

والأوّل أفضل على البرّ والفاجر، والوضيع والشريف، والعبد والحرّ، والصغير والكبير، إلّا ما أخرجه الدليل كالشاعر وشارب الخمر (2). مثلاً.

في القاموس: «فشا خبره: انتشر وأفشاه»(3).

(إيّاك والخديعة؛ فإنّها من خُلُق اللئيم) .

في القاموس: «خدعه _ كمنعه _ خدعاً، ويكسر: ختله، وأراد به المكروه من حيث لا يعلم، والاسم: الخديعة»(4).

وقيل: المراد باللئيم هنا الجاهل باللّه واليوم الآخر المائل إلى الدنيا، وأمّا الكريم فإنّه يستنفك منها ، ويعدّها عيباً جدّاً(5).

(ليس كلّ طالب يُصيب) .

والمراد ترك الحرص في الاُمور الدنيويّة، والتنفير عن طلب حطامها؛ فإنّه ليس كلّ ما يطلب يدرك ؛ إمّا لفقد أسبابها، أو لوجود مانع منها.

ووجه التنفير ظاهر؛ فإنّ غاية الكدّ والتعب في تحصيل الشيء مع عدم الإصابة أمر (6).

ص: 281


1- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 235
2- .القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 79 (طهر)
3- في الحاشية: «واليهود والنصارى وغيرهم من أرباب الملل الباطلة ، ولو بدؤوا بالسلام ، فقل : عليك ، أو سلام ، كما دلّت عليه الروايات، وفي بعضها جواز السلام عليهم عند الحاجة إليهم إلّا أنّه لا ينفعهم . صالح» شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 235
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 374 (فشو)
5- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 16 (خدع)
6- .كذا ، والنسخة غير مقروّة هنا

يتنفّر عنها الطبائع ويستكرهها.

(ولا كلّ غائب يؤوب) .

الأوب والإياب: الرجوع، وفعله كصان .

ولعلّ الغرض الترغيب والاهتمام باُمور الآخرة، وانتهاز الفرصة عند التمكّن من تحصيلها .

أو التنفير عن اُمور الدنيا وترك الحرص وتضييع العمر في طلبها، أو هما جميعاً.

والمراد بالغائب ما يقابل الحاضر ، سواء كان حاصلاً فغاب، أو فقد ، أو لم يحصل بعد.

وقيل: هذا الكلام يحتمل وجهين:أحدهما: أنّ ما مضى من عمرك لا يرجع، فاغتنم ما بقي، وتدارك ما فات.

وثانيهما: أنّ الدنيا بعد انصرافها لا ترجع، فاغتنم حضورها، واعمل فيها للآخرة (1).

(لا ترغب فيمن زهد فيك) .

في القاموس: «زهد فيه، كمنع وسمع وكرم: ضدّ رغب، زُهداً وزَهادة، أو الزهادة في الدنيا والزهد في الدين» (2).

وأقول : لعلّ المراد: لا تطلب صحبة من لا يريد صحبتك، ويتنفّر عنك من أهل الدنيا .

ولعلّه بحسب المفهوم دلّ على الرغبة في راغب فيك، ويدلّ عليهم صريحاً قول أمير المؤمنين عليه السلام في موضع آخر: «زُهدك في راغب فيك نُقصان حظّ، ورغبتك في زاهد فيك ذُلّ نفس» (3).

ويحتمل أن يراد ترك الدنيا والفرار منها؛ فإنّها تفرّ عن كلّ من رغب إليها.

(ربّ بعيد هو أقرب من قريب) .

«ربّ» للتكثير.

ولعلّ المراد أنّ كثيراً من الاُمور التييستبعدها الإنسان كالموت والمصائب، بل بعض النعم الدنيويّة والاُخرويّة قريب منه وهو لا يعلم.

وربّ أمر يظنّه قريباً ويستقربه ، ولا يتيسّر له وإن بذل جهده في تحصيله.

وقيل: فيه تنبيه على أنّ البعيد يصير بالإحسان وحسن المعاشرة أقرب من القريب، أو

ص: 282


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 235
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 298 (زهد)
3- نهج البلاغة ، ص 555 ، الحكمة 451

على أنّ الآخرة أقرب من الدنيا، أو على أنّ الميّت أقرب من الحيّ المصاحب ؛ لقرب الحيّ من الميّت باللحاق، وبُعد الميّت من الحيّ بالفراق (1).

(سل عن الرفيق قبل الطريق) .

هذا بعمومه يشمل سلوك كالطريق.

وقيل: هو كناية عن متابعة أهل البيت عليهم السلام في سفر الآخرة (2). ، وأنت خبير بأنّه لا وجه للتخصيص، بل المتبادر الأسفار المتعارفة، وكذا الرفيق، نعم يدخل فيه ما ذكر على سبيل التبعيّة، أو لكونه أحد أفراد العامّ.

(وعن الجار قبل الدار) .

هذا في العموم والتبادر مثل السابق.

(ومن أسرع في المسير أدركه المَقيل) .

في القاموس: «القائلة: نصف النهار، قال قَيلاً وقائلة وقيلولة ومقالاً ومَقيلاً وتقيّل:نام فيه» (3).

ولعلّ المراد تشبيه سرعة السير في أمر الآخرة بسرعته في أمر الدنيا مطلقاً، والوجه إدراك الاستراحة سريعاً.

وقيل: أي من أسرع في السير إلى اللّه ، والتزم مراد اللّه كان له مقيل حسن غداً ، كما هو معلوم في السفر الحسّي (4) .

(استر عورة أخيك كما (5). تعلمها فيك) .

قيل: أي كما تسترها على نفسك، وتبغض من يفشيها ويذيعها عليك.

ولعلّ هتك سرّ أخيك يوجب هتك سرّك (6).

وفي تحف العقول: «لما يعلمه فيك » (7).

قال الجوهري: «العَورة: سوءة الإنسان، وكلّ ما يستحيا منه ، والجمع: عورات»(8).

ص: 283


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 236
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 236
3- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 42 (قيل)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 236
5- في الحاشية عن بعض النسخ: «لما»
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 54
7- .تحف العقول ، ص 97
8- الصحاح ، ج 2 ، ص 759 (عور)

وبعض الشارحين ضبط باللام، و«تعلمها» بالتاء والياء، وقال: العورة كلّ ما يقبح ذكره ويذمّ به من العيوب الخلقيّة والخلقيّة والعمليّة، فإذا علمتها من أخيك فاسترها منه ؛ لما تعلمها أنت، أو لما يعلمها هو فيك .

قال: ففي الأوّل تنبيه على أنّ من علم عيب نفسه ينبغي أن يشتغل عن عيب غيره.

وفي الثاني على أنّه يعامل معك مثل معاملتك معه، فإن سترها يسترها، وإن أظهرها يظهرها، والإظهار مع ما فيه من المذلّة يوجب ثوران العداوة ، وانقطاع النظام والاُلفة ، وغير ذلك من المفاسد (1).

(اغتفر زَلّة صديقك ليوم يركبك عدوّك) .

اليوم بالتنوين، أو سقوطه بالإضافة.

قال الجوهري: «استغفر اللّه لذنبه: فغفر له ذنبه مغفرة، واغتفر ذنبه، فهو غفور» (2).

وقال في القاموس: «الزَّلّة: الصنيعة ، ويضمّ، والخطيئة والسَقطة، وزللت تزلّ، وزللت _ كمللت _ زَلَلاً محرّكة: زلقت في طين أو منطق، والاسم: الزلّة» (3).

وقال: «ركبه _ كسمعه _ ركوباً ومركباً: علاه» (4).

وقال: «الصديق كأمير: الحبيب، للواحد والجمع والمؤنّث، وهي بهاء»(5).

وقيل: لابدّ لكلّ شخص من صديق في الرخاء ؛ للاُنس بحضوره ، والاستلذاذ بصحبته، وفي الضرّاء للمعاونة والإمداد، فلو وقع منه زلّة عمداً أو خطأ ينبغي الإغماض عنه والاغتفار له، وإلّا فلا يجد صديقاً مرضيّاً من جميع الجهات (6).

(من غضب على من لا يقدر على ضَرّه طال حُزنُه وعذّب نفسُه) (7).

في القاموس: «الضَّرّ، ويضمّ: ضدّ النفع، أو بالفتح مصدر، وبالضمّ : اسم ضرّة، وبه،

ص: 284


1- راجع: شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 236
2- الصحاح ، ج 2 ، ص 771 (غفر)
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 389 و390 (زلل)
4- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 75 (ركب)
5- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 252 (صدق)
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 246
7- في الحاشية: «نفر عن الغضب عليه بذكر غايتين يتنفّر عنهما الطباع؛ لأنّ الغضب مع عدم القدرة على إمضائه يوجب طول الحزن والخوف وعذاب النفس، ومع ذلك قد ينتهض المغضوب عليه للانتقام ، وهو حزن وعذاب آخر. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 236 و237

وأضرّه، وضارّه»(1).

وفيه: «الحزن ، بالضمّ ويحرّك: الهمّ» (2).

(من خاف ربّه كفّ ظلمه (3). ) عن الناس .

(وفي نسخة: «من خاف ربّه كُفي عذابه») .

«كفي» على البناء للمفعول، وضمير عذابه راجع إلى الربّ .

(ومن لم يَرغ (4). [في] كلامه أظهره فخره) .

الفَخر ويحرّك: التمدّح بالخصال، فخر كمنع، فهو فاخر وفخور، وفخره عليه ، كمنع : فضّله عليه في الفخر، والفاخر: الجيّد من كلّ شيء.

و«لم يرغ» بالغين المعجمة من الروغ، أو من الإراغة.

قال الفيروزآبادي: «راغ الرجل والثعلب وروغا وروغانا : مال وحاد عن الشيء، وأخذتني بالرويغة، أي بالحيلة، من الروغ، وأراغ : أراد وطلب» (5).

وأقول : على الأوّل لعلّ معناه: لم يَمِل في كلامه عمّا هو الحقّ، ولم يتكلّم حيلة ونفاقاً.

وقيل: معناه حينئذ: من لم يمل في كلامه عمّا يوجب حسنه وفصاحته(6).

وعلى الثاني لعلّ معناه: من لم يرد، ولم يطلب في كلامه التمدّح بتحسين الكلام ، أو التملّق واسترضاء الخلق لجلب النفع منهم، وبالجملة ليس غرضه من التكلّم إلّا إظهار ما هو الحقّ ورضى الخالق.

ويحتمل كونه من الرُغاء، أو من الترغية.

قال الجوهري: الرُغاء: صوت ذوات الخفّ .

وقد رَغا البعير يرغو رغاء، إذا ضجّ، وقد رَغّى اللين ترغية، أي أزبد، ومنه قولهم: كلام مُرَغّ، إذا لم يفصح عن معناه(7). انتهى.

فعلى الأوّل قيل: معناه: من خفض صوته في كلامه، ولم يرفعه شديداً حتّى يزجر

ص: 285


1- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 75 (ضرر)
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 213 (حزن)
3- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «كفي عذابه»
4- .ضبطه الشارح رحمه الله بالراء المهملة والغين المعجمة ، كما ضبطه المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 31
5- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 107 (روغ) مع التلخيص
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 237
7- الصحاح ، ج 6 ، ص 2359 (رغأ)

السامعين، أو من لان كلامه ولم يغلظ فيه(1).

وعلى الثاني قيل: معناه: من أفصح في كلامه، وجعله بليغاً منتظماً متّسقاً فقد أظهر فخره؛ لأنّ لين الكلام وجودته دليل على فخر المكلّم(2).

وفي كثير من النسخ: «لم يرع» بالعين المهملة ، ولعلّه من قولهم: رَعى أمره لا يُرعى رِعاية، إذا رعاه وحفظه.

والمراد أنّ عدم رعاية أحد في الكلام والتكلّم بما يطابق الحقّ ويليق بالمقام سبب لإظهار الحقّ.

ويحتمل كونه من الرَّوع بمعنى الفزع.

يقال: راع، أي أفزع، كروّع، لازم متعدّ، وفلاناً: أعجبه، والشيء، يروع ويريع رواعاً بالضمّ: رجع، أي لم يخف في كلامه، ولم يخش أحداً إلّا اللّه، أو لم يتكلّم بكلام يوجب خوف أحد ظلماً، أو لم يقل قولاً يتعجّب الناس منه لاستبعاده أو استغرابه من مثل ذلك المتكلّم، أو لم يرجع في كلامه، يعني يكون تكلّمه مسبوقاً بالعلم والذكر والتأمّل والتثبّت، فيحينئذ إذا تكلّم لم يندم بكلامه، ولم يرجع عنه؛ لأنّ ذلك من صفة الجاهل المتسرّع.

ونقل الصدوق رحمه الله في الفقيه بعض ألفاظ هذه الخطبة، وكذا في أماليه هكذا: «ومن لم يرع في كلامه أظهر هجره» (3) بالعين المهملة والهجر ، فيكون لم يدع من الرعاية بحذف المفعول، يعني من لم يحفظ لسانه، أو الأدب في كلامه، وعلى هذا يكون الفخر هاهنا تصحيف الهجر.

وفي القاموس: «الهجر بالضمّ: القبيح من الكلام» (4).

(من لم يعرف الخير من الشرّ فهو بمنزلة البهيمة) .

قال الفيروزآبادي: «الخير: ما يرغب فيه الكلّ كالعقل والعدل مثلاً، الجمع: خيور» (5).

وقال: «الشرّ ويضمّ: نقيض الخير، الجمع: شرور»(6).

ص: 286


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 237
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 237
3- الفقيه ، ج 4 ، ص 406 ، باب من ألفاظ رسول اللّه صلى الله عليه و آله الموجزة ... ، ح 5880 ؛ الأمالي للصدوق ، ص 320 ،المجلس 52 ، ح8
4- .القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 158 (هجر)
5- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 25 (خير) مع اختلاف يسير
6- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 57 (شرر)

وقال: «البهيمة: كلّ ذات أربع قوائم، ولو في الماء، أو كلّ حيّ لا يميّز» (1). انتهى.

وقيل: الخير والشرّ نفس الأفعال الحسنة والقبيحة، أو ميل الطبع إليهما .

وقيل: الخير مفهوم كلّي يندرج تحته جميع ما أراد اللّه تعالى من العباد، والشرّ ضدّه.

والمعنى : من لم يعرفهما ، ولم يميّز بينهما كالجهلة، أو من لم يعرف الإحسان من الإساءة، فقابله فيه بها، فهو والبهيمة سواء في البهيميّة وعدم العقل وانقطاع حقيقة الإنسانيّة فيه ، وإن كان صورته صورة إنسان (2).

(إنّ من الفساد إضاعة الزاد) .

قال الجوهري: «الزاد: طعام يتّخذ للسفر»(3).

ولعلّ المراد بإضاعته الإسراف فيه، وصرفه في غير مصارفه.

وقيل: المراد زاد الدنيا، أو زاد الآخرة، ففيه على الأوّل ترغيب في حفظ ما يحتاج إليه في البقاء والقيام بوظائف الطاعات .

وعلى الثاني في تحصيل الأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة لما بعد الموت(4).

4 (ما أصغرَ المصيبة مع عظم الفاقة غداً) .

لعلّ المراد مع شدّة الاحتياج إلى أجر المصيبة يوم القيامة .

أو معناه كلّ مصيبة من مصائب الدنيا، وإن عظمت ، فهي صغيرة لا قدر له عند مصيبة العقبى، وهي عظم الفقر من الصالحات .

وبالجملة الفاقة الاُخرويّة _ وهي عدم ما يوجب السعادة الأبديّة _ مصيبة عظيمة كمّاً وكيفاً وزماناً، وكلّ مصيبة دنيويّة صغيرة في جنبها، فالاحتراز من الثانية دون الاُولى جهل وضعف يقين.

(هيهات هيهات) .

قال الجوهري : هيهات كلمة تبعيد، والتاء مفتوحة مثل كيف، وأصلها هاء، وناس يكسرونها على كلّ حال بمنزلة نون التثنية.

وقد تبدّل الهاء همزة، فيقال: «أيهات» مثل هَراق وأراق؛ قال الكسائي: ومن كسر التاء

ص: 287


1- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 237
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 82 (بهم)
3- الصحاح ، ج 2 ، ص 481 (زود)
4- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 237

وقف عليها بالهاء، فيقول: هيهاه، ومن نصبها وقف بالتاء ، وإن شاء بالهاء.

وقال الأخفش: يجوز في هيهات أن يكون جماعة، فتكون التاء التي فيها تاء الجمع التي للتأنيث (1).

وقيل: معناه هنا: بَعُدَ عملكم بالآخرة وعظمة فاقتها ، وحقارة مصائب الدنيا بالنسبة إليها، أو بعد نسبة هذه المصائب إليها؛ إذ لا نسبة بين سريع الانقطاع وأبديّ البقاء(2).

(وما تناكرتم إلّا لما فيكم من المعاصي والذنوب) .

المعصية: خلاف الطاعة. والذنب: الجرم. والعطف للتفسير . أو يراد بالذنوب الأخلاق الذميمة المتعلّقة بالقلب ، كالحقد والحسد وحبّ الرياسة والمال، وبالمعاصي ما يتعلّق بالجوارح.

قال الجوهري: «التناكر: التجاهل»(3).

وفي القاموس: «تناكر: تجاهل، والقوم: تعادوا، وتناكره: جهله»(4).

ولعلّ المراد بالتناكر هنا الجهل بالحقّ، أو التجاهل به . أو المراد ما ينكر بعضكم بعضاً، ولا يباغضه إلّا لأنّكم تعصون اللّه، وذلك لأنّكم لو كنتم برآء من الذنوب لكنتم جميعاً على مسلك واحد، فتعارفتم عليه، وائتلفتم به؛ إذ لا منازعة في الحقّ والطاعات.

وقيل في شرح هذا الكلام: أي ما تجاهلتم في أمر الدين ، وترك قوانينه ، وطلب ما ينجيكم من فاقة الآخرة إلّا للمعاصي والذنوب المسوّدة لقلوبكم ، المانعة من طلب الآخرة وترك الدنيا، ولو لم يكونا كانت قلوبكم منوّرة، وجوارحكم مطهّرة، ورأيتم الآخرة بعين اليقين، واشتغلتم بأمر الدين (5) . انتهى.

ومآله من التوجيه وما ذكرناه أوّلاً واحد.

(فما أقرب الراحة من التعب) فيها ، أي راحة الآخرة من تعب الدنيا، أي بالعكس، أو كلاهما في الدنيا كما قال تعالى: «إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً» (6).

ص: 288


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 237
2- الصحاح ، ج 6 ، ص 2258 (هيه)
3- الصحاح ، ج 2 ، ص 837 (نكر)
4- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 148 (نكر)
5- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 237 و238
6- الشرح (94) : 6

وفيه ترغيب في الصبر، «والصبر مفتاح الفرج» (1) . انتهى.

ويحتمل أن يكون المراد سرعة تقلّب أحوال الدنيا . أو يراد لا عليكم أن تتعبوا أنفسكم بترك المعاصي في أيّام قلائل سريعة الذهاب لراحة طويلة قريبة منكم؛ فإنّ التعب والشدّة في ترك المعاصي ليسا بشديد إذا أوجب الجنّة وراحتها ، ولذّة المعاصي لا خير فيها إذا أوجبت دخول النار وشدائدها.

(والبؤسَ من (2). النعيم) عطف على الراحة والتعب. قال الفيروزآبادي: «بئس _ كسمع _ بؤساً وبؤوسا وبَئيساً : اشتدّت حاجته» (3).

وقال: «النعيم: الخَفض والدعة والمال، كالنعمة بالكسر»(4).

وهذا كالسابق فيما ذكر من الاحتمال.

(وما شرّ بشرّ بعده الجنّة، وما خير بخير بعده النار) .

الظاهر أنّ المراد بالشرّ شرّ الدنيا وما تستكرهه النفس فيها، وبالخير ما يكون مرغوباً عند النفس من زخارفها وزينتها، وكلاهما في معرض الفناء، فلا يضرّ الأوّل إذا كان بعده الجنّة، ولا ينفع الثاني إذا كان بعده النار.

(وكلّ نعيم دون الجنّة محقور، وكلّ بلاء دون النار عافية) .

«دون» في الموضعين بمعنى غير أو عند، أي كلّ نعيم غير الجنّة ، أو عندها ، أو بالنسبة إليها .

وكذا في الفقرة الثانية ؛ وذلك لصغر نعيم الدنيا وبلائها ، مع سرعة زوالها وفنائها ، وعظم نعيم الجنّة وألم النار مع دوامها.

(وعند تصحيح الضمائر تُبدو الكبائر) .

في القاموس: «الضمير: السرّ ، وداخل الخاطر ، الجمع: ضمائر» (5) . وكأنّه إشارة إلى عظم رتبة الإخلاص وعزّتها ، وقلّة من يبلغها.

والمراد بالكبائر الاُمور العظام ، والأسرار الخفيّة التي يختصّ بدوّها وظهورها بالأولياء

ص: 289


1- .في الحاشية عن بعض النسخ: «في»
2- .راجع : بحار الأنوار ، ج 68 ، ص 74 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج 20 ، ص 307
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 199 (بأس)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 181 (نعم)
5- .القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 76 (ضمر)

الكرام ، كما قال عزّ وجلّ : «وَكَذلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُؤْقِنِينَ» (1).

وقال صلى الله عليه و آله : «اتّقوا فراسة المؤمن؛ فإنّه ينظر بنور اللّه» (2).

وقال بعض الأفاضل: إذا أراد الإنسان تصحيح ضميره عن النيّات الفاسدة والأخلاق الذميمة تبدو له العيوب الكبيرة العظيمة الكامنة في النفس ، والأخلاق الذميمة الجليلة التي خفيت عليه تحت أستار الغفلات (3).

وقال بعضهم: الضمائر [الاُمور] المستورة مطلقاً، وتصحيحها في يوم القيامة، وذلك «يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ» (4). ، وعند ذلك يتميّز الصحيح من السقيم ، والحقّ من الباطل، ويظهر الفرق بينهما ظهوراً تامّاً لا يشتبه على أحد كلّ ما أعدّ له، وأمّا الدنيا دار كُمون قد يدلّس المدلسون ، ويدعون الحقّ ، ويذعن لهم القاصرون _ قال : _ ويمكن أن يراد به تصحيحها بالمحاسبة، وكونها سبباً لظهور الكبائر، والفرار منها ظاهر (5).

(تصفية العمل أشدّ من العمل) أي من نفس العمل، وتصفيته جعله صافياً من النقص والمفسدات الداخلة والخارجة وتخليصه لوجه اللّه غير ملحوظ فيه غيره.

قيل: حتّى الفوز بالثواب والنجاة من العقاب، وهذه مرتبة عليّة لا يرتقى عليها إلّا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم.

(وتخليص النيّة من الفَساد أشدّ على العاملين من طول الجهاد) أي المجاهدة مع الأعداء الظاهرة ، أو الطاعات والعبادات.

والنيّة: القصد ، والوجه الذي فيه . يقال: نوى الشيء يَنويه نيّة، وقد تخفّف.

وقيل: النيّة: القصد إلى إيقاع الفعل المأمور به شرعاً (6).

وهذا وإن كان سهلاً في بادئ

ص: 290


1- الأنعام (6) : 75
2- الكافي ، ج 1 ، ص 218 ، باب أنّ المتوسّمين الذين ذكرهم اللّه تعالى في كتابه هم الأئمّة عليهم السلام ، ح 3 ؛ المحاسن ، ج 1 ، ص131 ، ح 1 ؛ علل الشرائع ، ج 1 ، ص 173 ، ح 1
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 55
4- .الطارق (86) : 9
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 238
6- راجع : مختلف الشيعة ، ج 4 ، ص 333

النظر ، لكنّه صعب في نفس الأمر؛ إذ النيّة ليست مجرّد القول ، ولا مفهومه الحاصل في الذهن، بل المعتبر فيها حقيقة هو ميل القلب إلى المنوي ميلاً تامّا ، بحيث لا يعتريه ما يوجب فساده بالكلّيّة ، كالرياء والسمعة وقت الفعل وبعده إلى آخر العمر، ولا ما يوجب فساد كماله كالأخلاق الذميمة وآثارها، وتوجّه النفس إلى الغير عند الفعل، فتحقّق هذا الميل موقوف على تطهير القلب عن الرذائل ، وتزيينه بالفضائل ، وتنزيهه عن حبّ الدنيا والميل إليها، ولا يتحصّل ذلك إلّا بمجاهدات نفسانيّة ورياضات بدنيّة في مدّة طويلة، ولا خفاء في أنّ تخليص النيّة عن هذا الفساد أشدّ من طول الجهاد ؛ أمّا أوّلاً فلأنّ مجاهدة النفس والشيطان مجاهدة عدوّ لا يزال مخادعاً ، ولا ينال غرضَه إلّا بالخروج في زيّ الناصحين للأصدقاء، ولا شكّ أنّ جهاد مثل هذا العدوّ أشدّ من جهاد عدوّ مظهر للعداوة.

وأمّا ثانياً فلأنّ جهاد العدوّ الظاهر يقع في العمر مرّة أو مرّتين، لا دائماً ، بخلاف العدوّ الخفي، فلا ريب أنّه أشقّ وأصعب.

وأمّا ثالثاً فلأنّ جهاد العدوّ الظاهر أسهل؛ لأنّ القوى البدنيّة كالغضب والشهوة تثوران عند محاربته طلباً لدفعه، وتصيران تابعين للمجاهد فيما يراه ويأمر ، بخلاف جهاد العدوّ الخفي ؛ فإنّهما تابعان للعدوّ ناصران له.

وأمّا رابعاً فلأنّ مضرّة العدوّ الظاهر دنياويّة فانية، ومضرّة العدوّ الباطن اُخرويّة باقية أشدّ منه (1).

(هيهات) أي بعد ظنّكم بي.

(لو لا التُّقى لكنتُ أدهى العرب) .

في القاموس: «اتّقيت الشيء ، وأتقيته ، وتَقَيْتُه ، أتّقيه تُقًى وتقيّة وتِقاء ، ككساء : حذرته، والاسم: التقوى» (2).

وقال: «الدَهي والدَهاء: النكر ، وجودة الرأي» (3).

وقال: «النكر: الدهاء والفطنة»(4).

ص: 291


1- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 148 (نكر)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 438 و439
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 401 (وفي)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 329 (دهي)

وأقول: المراد بالدهاء هنا المكر والخديعة ، والحيل الباطلة ، واستعمال الرأي في تحصيل المطالب الدنيويّة والاُمور السياسيّة ، وإن كان مخالفاً للقوانين الشرعيّة.

وقيل: كان هذا الكلام صدر منه هنا كالجواب لما كان يسمعه من أقوال الجاهلين بحاله، ونسبته إلى قلّة التدبّر وسوء الرأي في اُمور الدنيا ، ونسبة غيره إلى جودة الرأي وحسن التدبّر فيها ؛ لما بينهم من المشاركة في هذا العمل، فمن كان فيه أتقن وأكمل كان عندهم أحسن وأفضل، وغفلوا أنّه عليه السلام كان في جميع حركاته على القوانين الشرعيّة ، ورفض ما كان عادتهم من استعمال الدهاء في الاُمور الدنيويّة، فأفاد عليه السلام أنّ تمسّكه بزمام الورع والتقوى منعه من الدهاء، وإلّا فهو أعرف بالدهاء وطرقه وكيفيّة استعماله من غيره، ولم يكن ذلك مختصّاً به عليه السلام ، بل جاهل كلّ قوم يظنّ بعالمهم ذلك؛ لأنّ العالم ملجم بلجام التقوى ، فطَوره في معاملة الدنيا ليس طورهم (1).

وقال ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة وكان من علماء العامّة: اعلم أنّ قوماً ممّن عرف (2).

حقيقة فضل أمير المؤمنين عليه السلام زعموا أنّ عمر كان أسوس منه ، وإن كان هو أعلم من عمر، وصرّح الرئيس أبو علي سينا بذلك في الشفاء في الحكمة، وكان شيخنا أبو الحسين يميل إلى ذلك، وقد عرّض به في كتاب الغُرر، ثمّ زعم أعداؤه ومبغضوه أنّ معاوية أيضاً كان أسوس منه وأصحّ تدبيراً .

وقد سبق لنا بحث قديم في هذا الكتاب في بيان حسن سياسة أمير المؤمنين عليه السلام وصحّة تدبيره، ونحن نذكر هنا ما لم نذكره هناك ممّا يليق بهذا الفضل الذي نحن في شرحه:اعلم أنّ السائس لا يتمكّن من السياسة البالغة إلّا إذا كان يعمل برأيه ، وبما يرى فيه صلاح ملكه ، وتمهيد أمره ، وتوطيد قاعدته ، سواء وافق الشريعة أم لم يوافقها، ومتى لم يعمل في السياسة والتدبير بموجب ما قلناه، فبعيد أن ينتظم أمره ويستوسق حاله. وأمير المؤمنين عليه السلام كان مقيّداً بقيود الشريعة مدفوعاً إلى اتّباعها ، ورفض ما يصلح اعتماده من آراء الحرب والكيد والتدبير إذا لم يكن للشرع موافقاً، فلم تكن قاعدته في خلافته قاعدة غيره ممّن لا يلتزم بذلك، ولسنا بهذا القول زارين على عمر بن الخطّاب ، ولا ناسبين إليه ما هو منزّه عنه، ولكنّه كان مجتهداً يعمل بالقياس

ص: 292


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 239
2- .هذا ، وفي المصدر : «ممّن لم يعرف»

والاستحسان والمصالح المرسلة، ويرى تخصيص عمومات النصوص بالآراء ،والاستنباط من اُصول تقتضي خلاف ما يقتضيه عموم النصّ، ويكيد خصمه، ويأمر اُمراءه بالكيد والحيلة، ويؤدّب بالدرّة والسوط من يتغلّب على ظنّه أنّه يستوجب ذلك، ويصفح عن آخرين، وقد اجترموا ما استوجبوا به التأديب كلّ ذلك بقوّة اجتهاده وما يؤدّيه إليه نظره.

ولم يكن أمير المؤمنين عليه السلام يرى ذلك، وكان يقف مع النصوص والظواهر، ولا يتعدّاها إلى الاجتهاد والأقيسة، ويطبق اُمور الدنيا على اُمور الدين، ويسوق الكلّ مسوقاً واحداً، ولا يضيع ولا يرفع إلّا بالكتاب والنصّ، فاختلف طريقتاهما في الخلافة والسياسة.

وكان عمر مع ذلك شديد الغلظة، وكان علي عليه السلام كثير الحلم والصفح والتجاوز، فازدادت خلافة ذاك قوّة ، وخلافة هذا كبلاً، (1).

ولم يُمَن عمر بما مُني به (2).

علي عليه السلام من فتنة عثمان التي أحوجته إلى مداراة أصحابه وجنده ومقاربتهم ؛ للاضطراب الواقع بطريق الفتنة، ثمّ تلا ذلك فتنة الجمل ، وفتنة الصفّين، ثمّ فتنة النهروان، وكلّ هذه الاُمور مؤثّرة في اضطراب أمر الوالي ، وانحلال معاقد ملكه، ولم يتّفق لعمر شيء من ذلك، فشتّان ما بين الخلافتين فيما يعود إلى انتظام المملكة وصحّة تدبير الخلافة (3).

إلى هاهنا كلام ابن أبي الحديد، نقلناه بطوله ؛ ليعلم الناظر فيه كيف أجرى اللّه الحقّ على لسان أعدائه ليكون حجّة عليهم لأوليائه ؟! والحمد للّه ربّ العالمين.

(أيّها الناس إنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ وعد نبيّه محمّداً صلى الله عليه و آله الوسيلة) .

قال الجوهري: «الوسيلة: ما يتقرّب به إلى الغير، والجمع: الوَسيل والوسائل.

يقال: وَسَلَ فلان إلى ربّه وسيلة، وتوسّل إليه بوسيلة ، إذا تقرّب إليه بعمل» (4).

وفي القاموس: «الوسيلة والواسلة: المنزلة عند الملك ، والدرجة ، والقربة» (5). انتهى.

ص: 293


1- .في المصدر : «لينا» وفي الحاشية: «الكَبْل: القيد الضخم ، وفَرو كَبَل بالتحريك، أي قصير . اللسان» . لسان العرب ، ج 11 ، ص 580 و581 (كبل)
2- .في الحاشية : «ومَنَوته ومنيته ، إذا ابتليته الصحاح» . الصحاح ، ج 6 ، ص 2498 (منو)
3- شرح نهج البلاغة ، ج 10 ، ص 212-213
4- الصحاح ، ج 5 ، ص 1841 (وسل)
5- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 64 (وسل)

وقيل: فسّرت الوسيلة بالقرب من اللّه تعالى وبالشفاعة يوم القيامة، وبالمنزل من منازل الجنّة، وهو المراد هنا كما سيصرح به(1).

(ووعدُه الحقّ) .

في القاموس: «الحقّ: ضدّ الباطل ، والأمر المقضي» (2).

«وَلَنْ يُخْلِفَ اللّهُ وَعْدَهُ» (3).

في القاموس: «الخلف _ بالضمّ _ الاسم من الإخلاف، وهو في المستقبل ، كالكذب في الماضي، أو هو أن تعد عدة ولا تنجزها»(4).

(ألا وإنّ الوسيلة على دَرَج الجنّة) .

في بعض النسخ: «درجة».

قال الجوهري: «الدرجة: المرقاة، والجمع: الدَرَج»(5).

(وذِرْوَة ذَوائب الزُّلفة) .

قال الجوهري: «ذرئ الشيء بالضمّ: أعاليه ، الواحدة : ذِروة وذُروة أيضاً بالضمّ، وهي أعلى السنام»(6).

وقال الفيروزآبادي: «الزلفة بالضمّ: القربة والمنزلة» (7).

وقال في المهموز العين: الذُؤابة: الناصية، أو منبتها من الرأس ، وشعر في أعلى ناصية الفرس، ومن العزّ والشرف، و[من] كلّ شيء أعلاه، الجمع: ذوائب، والأصل: ذائب ، ولكنّهم استثقلوا وقوع ألف الجمع بين همزتين (8).

وأقول : المراد بذروة ذوائب الزلفة أعلى أعالي درجات القرب.

وقيل: تشبيه الزلفة بالصورة الحسنة في الرغبة، وإثبات الذوائب لها، وهي الخصلة المجتمعة من الشعر على الرأس مكنيّة وتخييليّة، والذروة بالضمّ والكسر: الأعلى من كلّ شيء، وإضافتها إلى الذوائب بيانيّة، وحملها على الوسيلة من باب التشبيه بالسنام للبعير في

ص: 294


1- الصحاح ، ج 1 ، ص 314 (درج)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 239
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 221 (حقق)
4- الحجّ (22) : 47
5- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 136 (خلف)
6- الصحاح ، ج 6 ، ص 2345 (ذرو)
7- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 149 (زلف)
8- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 67 (ذأب)

العلوّ والارتفاع . والحاصل أنّ الوسيلة هي أعلى درجات القربة والمنزلة (1).

قال: ويحتمل أن يشير بالذوائب إلى تفاوت درجات الزُلفة، وبذُروتها إلى أعلى درجاتها، ووجه المشابهة تدلي درجات القربة من الأعلى إلى الأسفل كتدلّي ذُؤابة الشعر عن الرأس(2).

(ونهاية غاية الاُمنيّة) .

الغاية: النهاية، وتطلق على المَدى والمسافة. فعلى الأوّل الإضافة بيانيّة للمبالغة ، أي منتهى نهايات الأمانيّ التي تنتهي إليها أمانيّ الخلق.

وعلى الثاني لاميّة، أي منتهى مسافتها الطويلة المدى.

وبالجملة المراد بالغاية المسافة الوهميّة لأهل الأماني أو لاُمنيّتهم، والوسيلة غايتها؛ إذ لا منزلة فوقها حتّى تتمنّى .

(لها ألف مرقاة) .

قيل: الظاهر أنّ الضمير عائد إلى الوسيلة، وأنّ مراتبها ودرجاتها حسّيّة في العلوّ، والعقليّة محتملة (3).

وقال الجوهري : «المَرقاة بالفتح: الدرجة، ومن كسرها شبّهها بالآلة التي يُعمل بها، ومن فتح قال: هذا موضع يُفعل فيه، فجعله بفتح الميم» (4)..

(ما بين المرقاة إلى المرقاة حُضر الفرس الجواد مائة عام) من أعوام الدنيا، أو الآخرة .

والأوّل أظهر ؛ بالنظر إلى التعارف والتبادر.

والحُضر بالضمّ: العَدو.

يقال: أحضر الفرس إحضاراً فهو مِحْضير، إذا عَدى.

وفرس جواد : بيّن الجُودة _ بالضمّ _ رائج، أي مُعجب، جديد الفؤاد .

والعام بتخفيف الميم: السَّنة .

والظاهر أنّ التحديد بهذه المسافة حقيقي، والمبالغة غير بعيدة.

(وهو ما بين مرقاة دُرّة) .

هي بالضمّ: اللؤلؤة العظيمة، الجمع: دُرّ ودُرر ودرّات.

ص: 295


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 240
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 240
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 240
4- الصحاح ، ج 6 ، ص 2361 (رقي)

(إلى مرقاة جَوهرة) .

في القاموس: «الجوهر: كلّ حجر يستخرج منه شيء ينتفع به» (1).

(إلى مرقاة زَبَرجدة) ؛ هي جوهر معروف.

(إلى مرقاة لؤلؤة) .

قال الجوهري: «اللؤلؤة: الدرّة، والجمع: اللؤلوء واللآلئ» (2).

وقيل: لعلّ المراد من الدرّة نوع من اللؤلؤة، ومن اللؤلؤة نوع آخر، وليست الدرّة في رواية ابن سنان ورواية أبي سعيد الخدري في وصف الوسيلة كما ذكرهما الصدوق رحمه الله (3). ، والمراد بالجوهرة نوع آخر غير ما ذكر كالبلّور مثلاً (4). انتهى.

(إلى مرقاة ياقوتة ، إلى مرقاة زُمُرّدة) بالضمّ وتشديد الراء والدال المهملة، ويجيء بالمعجمة أيضاً.

(إلى مرقاة مَرجانة) .

قال البيضاوي: «المَرجان: كبار الدرّ وصغاره»، قال : «وقيل: المرجان: الخزر الأحمر» (5).

(إلى مرقاة كافور) .

في القاموس: «الكافور: نبت طيّب ، نوره كنور الأقحوان ، وطيب معروف يكون من شجر بجبال بحر الهند والصين» (6).

(إلى مرقاة عنبر ، إلى مرقاة يَلَنجوج) .

في القاموس: «اليَلَنجوج : عود البخور ، نافع للمعدة المسترخية»(7).

(إلى مرقاة ذهب ، إلى مرقاة فضّة ، إلى مرقاة غَمام) .

في القاموس: «الغمامة: السحابة ، أو البيضاء، الجمع: غمام وغمائم»(8).

ص: 296


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 395 (جهر)
2- الصحاح ، ج 1 ، ص 70 (لألأ)
3- .اُنظر : الأمالي للصدوق ، ص 103 ، المجلس 24 ، ح 4
4- .قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 56
5- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 275
6- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 128 (كفر)
7- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 205 (لنجج)
8- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 157 (غمم)

(إلى مرقاة هواء) .

قال الجوهري: «الهواء ممدود: ما بين السماء والأرض، والجمع: الأهوية، وكلّ خال هواء» (1).

(إلى مرقاة نور) .

في القاموس: «النور بالضمّ: الضوء أيّا كان ، أو شعاعه» (2).

قيل: الظاهر أنّ الضمير في قوله : «وهو ما بين المرقاة» راجع إلى «حُضر الفرس» ، وأنّ التدريج من الأسفل إلى الأعلى حتّى يكون مرقاة النور أعلى المراتب، والعكس محتمل.

والدرّة والجوهرة وباقي الأسماء محمولة على ظواهرها؛ إذ لا استبعاد في وجودها بالنظر إلى إرادة الحقّ وقدرته الكاملة، وحملها على أرض الجنّة المشابهة بالمذكورات في الألوان والصورة ، أو المنثورة فيها هذه المذكورات، أو المسمّاة بها محتمل.

وهنا شيء ، وهو أنّ الموعود من المرقاة ألف، والمذكور خمس عشرة، وأنّ حُضر الفرس ما بين المرقاتين.

في نسخة: «مائة عام»، وفي آخر: «ألف عام»، وبين الأمرين تفاوت كثير.

ويمكن دفع الأوّل بأنّ في المذكور اقتصارا ، أو أنّ المذكور أسامي بعض الألف بأن ذكر من كلّ جملة اسم واحدة، وبين كلّ مرقاتين من المعدودة جملة غير معدودة بأسمائها ، مثلاً بين مرقاة دُرّة وجوهرة جملة، وهكذا.

ويمكن دفع الثاني بأنّ الواقع أحدهما معيّناً، وأمّا دفعه بأنّ مائة عام حُضر الفرس بين كلّ مرقاتين من الألف، وألف عام حُضر الفرس بين المرقاتين اللتين بينهما جملة ، فتتقارب النسختان، ويندفع التفاوت الفاحش فبعيد، واللّه يعلم حقيقة الحال.

وكان إضافة المرقاة إلى هذه الثلاثة _ يعني : اليَلَنجوج ، والغمام، والهواء _ باعتبار الاشتمال على الريح المخصوص، واستقرار غمام الرحمة فوقها وارتفاعها، واللّه يعلم حقيقة هذه الأشياء، ونحن من أهل التسليم (3). انتهى.

ص: 297


1- الصحاح ، ج 6 ، ص 2537 (هوي)
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 149 (نور)
3- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 240 و241

(قد أنافت) أي أشرفت (على كلّ الجنان).

قال في الصحاح: «ناف الشيء ينوف، أي طال وارتفع» (1).

وفي القاموس: «أناف على الشيء: أشرف» (2).

والضمير المستتر في «أنافت» ، والبارز في قوله: (ورسول اللّه صلى الله عليه و آله يومئذ قاعد عليها) راجع إلى الوسيلة، أو إلى مرقاة النور ؛ بناء على أنّ التدريج من الأسفل إلى الأعلى.

(مُرتد برَيطتين) .

قال الجوهري: «تردّى وارتدى بمعنى، أي ليس الرداء»(3).

وفي النهاية: «الرَّيطة : كلّ مُلاءة ليست بلفقتين، وكلّ ثوب رقيق ليّن، والجمع: ريط ورياط»(4).

وفي القاموس: «الريطة: كلّ مُلاءة [غير] ذات لفقتين ، كلّها نسج واحد ، وقطعة واحدة، أو كلّ ثوب ليّن رقيق» (5).

وفيه: «لفق الثوب يلفقه : ضمّ شُقّة إلى اُخرى، فخاطهما ، واللفق ، بالكسر: أحد لفقي المُلاءة» (6). انتهى.

والمُلاءة بالضمّ والمدّ: الإزار، والجمع: مُلاء ، بالضمّ والمدّ أيضاً.

وقال بعضهم: الجمع: «مُلا» بالضمّ والقصر، والواحدة ممدودة، والأوّل أثبت.

(رَيطة من رحمة اللّه، ورَيطة من نور اللّه) وقوله: (عليه تاج النبوّة ، وإكليل الرسالة) جملة حاليّة، أو مستأنفة.

وقيل: المراد بتاج النبوّة التاج الذي يكسى لأجل النبوّة، أو هو علامة النبوّة، وكذا اكليل الرسالة(7).

وأقول: يحتمل أن يكون العطف للتفسير. قال الفيروزآبادي: «التاج: الإكليل»(8).

ص: 298


1- الصحاح ، ج 4 ، ص 1436 (نوف)
2- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 203 (نوف)
3- الصحاح ، ج 6 ، ص 2355 (ردي)
4- النهاية ، ج 2 ، ص 289 (ريط)
5- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 362 (ريط)
6- .القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 281 (لفق)
7- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 56 و57
8- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 180 (توج)

وقال: «الإكليل ، بالكسر: التاج، وشبه عِصابة تزيّن بالجواهر» (1).

(قد أشرق بنوره الموقفُ) .

قال الجوهري: «أشرقت الشمس، أي أضائت .

وأشرق وجهه، أي ضاء وتلألأ حسناً»(2).

والمراد بالموقف موقف القيامة أو أهله ، أي يفرح ويستبشر ويستضي?بنوره كلّ من آمن به وبوصيّه، ولا استبعاد في كون الوسيلة من أعلى درج الجنّة ، وإشراقه على الموقف.

(وأنا يومئذ على الدرجة الرفيعة) من درج الوسيلة على الظاهر.

(وهي دون درجته) .

ضمير التأنيث للدرجة الرفيعة، والتذكير لرسول اللّه صلى الله عليه و آله .

وقيل: الظاهر أنّ هذه الدرجة مرقاة هواء(3).

(وعليّ رَيطتان : ريطة من اُرجُوان النور ، وريطة من كافور) .

قال في المصباح: «الاُرجُوان ، بضمّ الهمزة والجيم: اللون الأحمر»(4).

وقال الجوهري:الاُرجُوان: صبغ أحمر شديد الحمرة، ويقال أيضاً: الاُرجوان معرّب، وهو بالفارسيّة: أرغوان، وهو شجر له نور أحمر أحسن ما يكون، وكلّ لون يشبهه فهو اُرجوان (5).

وحاصل الكلام أنّ عليّ ريطتين: إحداهما على لون الاُرجوان، والاُخرى أبيض كالكافور.

(والرسل والأنبياء قد وقفوا) .

في بعض النسخ: «قد وقفا»(6).

(على المَراقي) الباقية على تفاوت درجاتهم.

(وأعلام الأزمنة، وحجج الدهور عن أيماننا) .

قيل: اُريد بهم الأئمّة عليهم السلام ؛ لأنّهم أعلام ظاهرة، وحجج نيّرة في العالم ؛ لدلالة الخلق على ما يتمّ به نظامهم في المعاش والمعاد، وفيه دلالة على تقديمهم على سائر الأنبياء (7).

ص: 299


1- الصحاح ، ج 4 ، ص 1501 (شرق)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 240
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 46 (كلل)
4- مصباح المنير ، ص 222 (رجو)
5- الصحاح ، ج 6 ، ص 2353 (رجا) مع التلخيص
6- هكذا ضبطه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 242
7- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 242

وقيل: لعلّ أعلام الأزمنة وحجج الدهور كناية عن الأنبياء والأوصياء والعلماء؛ فإنّ كلّاً منهم علم زمانه ، وحجّة دهره. انتهى(1) . ، فتأمّل .

(قد تجلّلتهم حُلل النور والكرامة) .

قال الجوهري: «تجلّله، أي علاه»(2).

وقال: «التكريم والإكرام بمعنى، والاسم منه: الكرامة» (3).

وفي القاموس: «الحُلّة بالضمّ: إزار ورداء ، بُرد أو غيره، ولا تكون حُلّة إلّا من ثوبين ، أو ثوب له بطانة، الجمع: حُلل»(4) .

(ولا يرانا ملك مقرّب، ولا نبيّ مرسل إلّا بُهت بأنوارنا، وعَجب من ضيائنا وجلالتنا) .

قال الجوهري :بهت الرجل ، بالكسر، إذا دَهِش وتحيّر .

وبَهُت _ بالضمّ _ مثله ، وأفصح منها بُهِت، كما قال تعالى: «فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ» (5). ؛ لأنّه يقال: رجل مبهوت، ولا يقال: باهت ، ولا بَهيت (6).

وقال: «فلان يَجلّ _ بالكسر _ جلالة ، أي عظم قدره، فهو جليل»(7) .

(وعن يمين الوسيلة عن يمين الرسول [ صلى الله عليه و آله ] غَمامة بَسْطَة البصر) .

في بعض النسخ: «بسط البصر».

والجارّ الثاني بدل من الجارّ الأوّل .

وبسطة البصر : مدّه .

وقيل: لعلّ المراد بالغمامة إمّا معناها الحقيقي ، وهي السحابة البيضاء، أو طائفة من الملائكة مجتمعون كاجتماع الغمامة (8).

(يأتي منها)؛ أي من تلك الغمامة (النداء: يا أهل الموقف، طوبى لمن أحبّ الوصي).

قيل: أي طيب العيش في هذا اليوم ، أو الجنّة؛ لأنّها يوجب طيب العيش (9).

وقال الفيروزآبادي: «الطوبى : الطيّب ، وجمع الطيبة ، وتأنيث الأطيب ، والحسنى ،

ص: 300


1- قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 33
2- الصحاح ، ج 4 ، ص 1661 (جلل)
3- الصحاح ، ج 5 ، ص 2021 (كرم)
4- .القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 359 (حلل)
5- البقرة (2) : 258
6- الصحاح ، ج 1 ، ص 244 (بهت)
7- الصحاح ، ج 4 ، ص 1660 (جلل)
8- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 242
9- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 242

والخير والخيرة ، وشجرة في الجنّة، أو الجنّة بالهنديّة ، كطيبى» (1).

(وآمن بالنبيّ الاُمّيّ العربي، ومن كفر به فالنار موعده) .

في القاموس: «الاُمّي: من لا يكتب، أو من على خلقة الأمة لم يتعلّم الكتاب، [و] هو باق على جبلّته» (2).

(وعن يسار الوسيلة عن يسار الرسول صلى الله عليه و آله ظلمة (3). ) .

فيها الاحتمالان المذكوران في الغمامة.

وفي بعض النسخ: «ظُلّة».

قال الجوهري: «الظلّة _ بالضمّ _ كهيئة الصُّفّة ، والظلّة أيضاً: أوّل سحابة تظلّ»(4).

(يأتي منها النداء) .

قال الجوهري: «النداء: الصوت، وقد يضمّ مثل الدعاء والرغاء ، وناداه مناداة ونداء، أي صاح به»(5).

(يا أهل الموقف، طوبى لمن أحبّ الوصي، وآمن بالنبيّ الاُمّي، والذي له المُلك الأعلى) .

لعلّ المراد به العزّ والسلطان والعظمة، أو السيادة العظمى والجنّة.

(لا فاز أحد ، ولا نال الرُّوحَ) بالفتح، أي الراحة والرحمة.

(والجنّة إلّا من لقي خالقه بالإخلاص لهما، والاقتداء بنجومهما) أي الأئمّة من أولادهما ، وآثار علومهما ، سمعوا بها ؛ لأنّهم نجوم يهتدي بهم أهل الأرض في ظلمات الجهالة والضلالة .

ويحتمل أن يراد ما يعمّ المقتبسين من أنوارهم من العلماء أيضاً .

(فأيقنوا يا أهل ولاية اللّه) إلى قوله: «عَلى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ» (6) .

المراد بأهل الولاية من آمن به ، وبمن أمر بولايته في قوله تعالى: «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ» (7). الآية .

والكرم محرّكة: ضدّ اللؤم ، والفوز ، والنجاة ؛ والظفر بالخير.

قال الجوهري: «السرير : واحد الأسرّة والسُّرر ، ويعبّر عنه بالملك والنعمة» انتهى (8).

ص: 301


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 98 (طيب)
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 76 (أمم)
3- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «ظُلّة»
4- الصحاح : ج 5 ، ص 1756 (ظلل)
5- الصحاح ، ج 6 ، ص 2505 (ندا)
6- .الصافّات (37) : 44
7- .المائدة (5) : 55
8- الصحاح ، ج 2 ، ص 682 (سرر) مع التلخيص واختلاف يسير

وفي هذه الفقرة بشارة عظيمة للتابعين لآثارهم بقرب المنزلة والكرامة ، كما أنّ فيما بعدها إنذار وتخويف للمخالفين لهم ببعد المرتبة والإهانة .

وفي بعض النسخ: «بتبييض وجوهكم» .

(ويا أهل الانحراف والصُّدود عن اللّه عزّ ذكره) .

في القاموس: «صدّ عنه صُدوداً: أعرض، وفلاناً عن كذا صدّاً: منعه ، وصرفه» (1) .

وقوله: (وما من رسول سلف) أي مضى وتقدّم.

وقوله: (بالمرسل الوارد من بعده) . في بعض النسخ: «بالرسل».

وقوله: (وموصياً قومه باتّباعه) .

في القاموس: «أوصاه ووصّاه توصية: عهد إليه»(2).

(ومُحَلّيه عند قومه) .

في بعض النسخ: «عند اُمّته». أي ذاكر حليته ، وواصف فضائله. قال الجوهري: «حلية الرجل: صفته، وحلّيت الرجل، أي وصفت حليته»(3).

وفي القاموس: «حلاّ ها تحلية: ألبسها حَلياً ، أو اتّخذه لها ، أو وصفها ونعتها» (4).

(ليعرفوه بصفته) بعد بعثته، أو قبلها أيضاً.

(وليتّبعوه على شريعته) .

قال الجوهري: «الشريعة: ما شرع اللّه لعباده من الدين، وقد شرع لهم يشرَع شرعاً،أي سنّ» (5).

(ولئلاّ (6). يَضلّوا فيه من بعده) أي في رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعد بعثته، فالضميران عائدان إليه .

ويحتمل عود الأوّل إليه، والثاني إلى النبيّ الذي أخبر بحليته، لكن يلزم حينئذ تفكيك الضمير.

(فيكون من هلك) بإنكاره (أو ضلّ) بإنكار الشيء ممّا جاء به كالولاية مثلاً (بعد وقوع الإعذار والإنذار) من مخالفته، وعدم اتّباع طريقته.

ص: 302


1- .القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 306 (صدد)
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 400 (وصي)
3- الصحاح ، ج 6 ، ص 2319 (حلي) مع التلخيص
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 320 (حلي)
5- الصحاح ، ج 3 ، ص 1236 (شرع)
6- .في الحاشية عن بعض النسخ والوافي : «كيلا»

قال الفيروزآبادي:

عذره يعذره عُذراً وعُذُراً وعُذرى ومعذرة ، وأعذره، والاسم : المعذرة ، مثلّثة الذال .

والعِذرة بالكسر، وأعذر: أبدى عذراً، وأحدث، وثبت له عذر، وقصّر ولم يبالغ، وهو يرى أنّه مبالغ، وبالغ ، كأنّه ضدّ، وكثرت ذنوبه وعيوبه كعذر، ومنه : لن يهلك النّاس حتّى يعذروا من أنفسهم (1).

وقال: «أنذره بالأمر إنذاراً: أعلمه، وحذّره ، وخوّفه وفي إبلاغه»(2).

وأقول: لعلّ المراد بوقوع الإعذار إعذار الأنبياء عليهم السلام ، أي بعد ثبوت حجّتهم وإحداث عذرهم، أو بعد مبالغتهم في التبليغ .

أو إعذار اللّه تعالى الأنبياء وقبول عذرهم ؛لعدم تقصيرهم في تبليغ ما يلزم عليهم، وفي نصح اُممهم .

أو إعذار العصاة ومبالغتهم في التقصير وكثرة ذنوبهم ومخالفتهم.

وقال بعض الشارحين: «يقال: أعذر اللّه إليه، إذا لم يُبق منه موضعاً للاعتذار،فالهمزة للسلب» (3).

أقول : إن ثبت هذا المعنى بالنقل فذاك، وإلّا لم يجز إثبات اللغة بالقياس.

(عن بيّنة وتعيين حجّة) خبر «يكون»، أو حال عن فاعل «هلك» و«ضلّ» ، والخبر الظرف الأوّل .

وكلمة «عن» إمّا للتعليل ، كما قالوا في قوله تعالى: «وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَا عَنْ مَوْعِدَةٍ» (4).

أو مرادفة «بعد» ، كما قيل في قوله عزّ وجلّ: «عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ» (5). ، أي هلك عن بيّنة واضحة وحجّة ظاهرة حتّى لا يتمكّن أن يقول يوم القيامة: إنّي كنت عن هذا من الغافلين.

وقيل: معناه: معرضاً عن بيّنة(6).

(فكانت الاُمم) الماضية (في رجاء من الرسل) أي كانت تلك الاُمم ترجو بعثة رسول آخر بعد مضيّ رسول.

ص: 303


1- القاموس المحيط ، ج 2، ص 86 (عذر)
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 140 (نذر)
3- شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 243
4- التوبة (9) : 114
5- .المؤمنون (23) : 40
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 58

(وورود من الأنبياء) بعد مضيّ بعضهم.

(ولئن اُصيبت) الاُمم (بفقد نبيّ بعد نبيّ على عظم مصائبهم وفجائعها بهم) .

العظم ، كقفل ، أو كعنب.

قال الفيروزآبادي: «العِظَم ، بكسر العين: خلاف الصغر ، والعُظم _ بالضمّ _ اسم من التعظيم، وهو التكبّر» (1).

والفجيعة: المصيبة، والجمع: فجائع .

(فقد كانت على سعة من الأمل) ؛ لرجائهم بعثة نبيّ آخر، وعدم انقطاع الوحي بالكلّيّة.

(ولا مصيبة عظمت) .

في بعض النسخ: «ولم تك مصيبة عظمت».

(ولا رزيّة جلّت) أي عظمت .

قال الجوهري في باب المهموز: «رزأته رزيئة، أي أصابته مصيبة» (2).

(كالمصيبة برسول اللّه صلى الله عليه و آله ؛ لأنّ اللّه حسم به الإنذار والإعذار) .

في بعض النسخ: «ختم» بدل «حسم».

قال الجوهري: «حسمته: قطعته»(3).

وقوله: (وقطع به الاحتجاج والعذر بينه وبين خلقه) كالبيان لحسم الإنذار والإعذار.

وكذا قوله: (وجعله بابه الذي بينه وبين عباده) .

قيل: لأنّه باب جنّته وعلمه وحكمته وأسراره وتوحيده وشريعته ورحمته، ومن أراد أن يصل إلى اللّه وجب عليه أن يتوسّل إليه ، ويتمسّك به، ولفظ الباب مستعار (4).

(ومُهيمنه الذي لا يقبل إلّا به) .

في القاموس:المُهَيْمِن، وتفتح الميم الثانية ، في معنى المؤمن ، من آمن غيره من الخوف، فهو مُؤأمن بهمزتين، قلبت الهمزة الثانية ياء، ثمّ الاُولى حاء، أو بمعنى الآمين، أو المؤتمن، أو الشاهد (5).

(ولا قربة إليه إلّا بطاعته) أي لا قربة لأحد إلى اللّه تعالى، ولا وسيلة يتوسّل بها إليه إلّا بطاعته في جميع أوامره ونواهيه وما جاء به.

ص: 304


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 152 (عظم)
2- الصحاح ، ج 1 ، ص 53 (رزأ)
3- الصحاح ، ج 5 ، ص 1899 (حسم)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 244
5- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 277 (أمن)

(وقال في محكم كتابه) في سورة النساء: «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ» ؛ لأنّه في الحقيقة مبلغ، والآمر هو اللّه تعالى .

«وَمَنْ تَوَلّى» عن طاعة اللّه أو طاعتك .

«فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً» (1). حال من الكاف .

أي حفيظاً تحفظ عليهم أعمالهم، وتحاسبهم عليها، إنّما «عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ» (2). ، أو حفيظاً تسأل عن أعمالهم، وتعاقب عليها، بل إنّما «عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ» (3). ، أو حفيظاً تحفظهم عن التولّى والإعراض جبراً.

(فقرن طاعته بطاعته، ومعصيته بمعصيته) كما يفهم من منطوق الآية ومفهومها .

قال الجوهري: «قَرَنْت الشيء بالشيء: وصلته، وقُرّنت الاُسارى في الحِبال: شدّد للكثرة، قال تعالى: «مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ» (4). » (5).

(فكان ذلك) أي ما بيّن في هذه الآية من إيجاب طاعته.

(دليلاً على ما فوّض إليه) .

في القاموس: «فوّض إليه الأمر: ردّه إليه» (6).

أي على ما ردّ إليه أمر العباد، وجعله الحاكم فيه، فوجب عليهم الطاعة ، والتسليم لأمره ونهيه ، والانقياد له في جميع ما جاء به، ولا يجوز لهم القول بالرأي في شيء من اُمور الدين ؛ لقوله تعالى: «مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» (7).

وقيل: فيه زجر لهم عمّا ارتكبوا من أمر الخلافة ونحوه من الاُمور الدينيّة المخالفة للقوانين الشرعيّة(8).

(وشاهداً له على من اتّبعه وعصاه) عطف على «دليلاً» ، والضمائر للرسول.

وقيل: المراد بالشاهد الحجّة والبرهان(9).

ص: 305


1- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 244
2- .النساء (4) : 80
3- .الرعد (13) : 40
4- .النحل (16) : 82
5- إبراهيم (14) : 49 ؛ الفرقان (25) : 13
6- الصحاح ، ج 6 ، ص 2181 (قرن)
7- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 340 (فوض)
8- الحشر (59) : 7
9- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 59

(وبيّن ذلك) أي وجوب اتّباعه وطاعته.

(في غيره موضع من الكتاب العظيم) أي في مواضع عديدة منه.

(فقال تبارك وتعالى) في سورة آل عمران (في التحريص على اتّباعه) .

في بعض النسخ: «التحريض» بالضاد المعجمة.

قال الجوهري: «التحريض على القتال: الحثّ عليه»(1).

«قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي» .

قال البيضاوي :المحبّة : ميل النفس إلى الشيء ؛ لكمال اُدرك فيه ، بحيث يحملها على ما يقربها إليه ، والعبد إذا علم أنّ الكمال الحقيقي ليس إلّا للّه، وأنّ كلّ ما يراه كمالاً من نفسه أو غيره فهو من اللّه ، وللّه ، وإلى اللّه ، لم يكن حبّه إلّا للّه وفي اللّه، وذلك يقتضي إرادة طاعته ، والرغبة فيما يقرب به، ولذلك فسّرت المحبّة بإرادة الطاعة، وجعلت مستلزمه لاتّباع الرسول في عبادته والحرص على مطاوعته .

«يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ» جواب للأمر، أي يرض عنكم، ويكشف الحجب عن قلوبكم بالتجاوز عمّا فرّط منكم ، فيقربكم في جوار قدسه ، عبّر عن ذلك بالمحبّة على طريق الاستعارة والمقابلة(2). انتهى.

وقيل: المحبّة ميل القلب إلى ما يوافق ، واللّه تعالى منزّه عن أن يميل ويمال ، فمعنى محبّة العبد ربّه طاعته له، وهي إنّما تحصل باتّباعه صلى الله عليه و آله ، كما أشار إليه بقوله:

(فاتّباعُه صلى الله عليه و آله مَحبّة اللّه) .

ومعنى محبّة اللّه عبده رضاه عنه، وهو سبب لغفران ذنوبه ، وكمال فوزه بالسعادة العظمى ، وكمال نور إيمانه ، ووجوب الجنّة له .

قال:

ويمكن أن يقال: معنى محبّة العبد ربّه هو الميل إليه حقيقة، والذي يتنزّه اللّه سبحانه عنه إنّما هو الميل إليه في الحسّ ؛ لافتقاره بالجهة والمكان، وليست المحبّة الميل بالحسّ بل بالقلب، ولا يمتنع ميل القلب إليه وتعلّقه به، كما يتعلّق به المعرفة، ولما

ص: 306


1- الصحاح ، ج 3 ، ص 1070 (حرض) مع اختلاف يسير
2- تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 27 و28 (مع اختلاف يسير)

كانت محبّته بهذا المعنى أيضاً لا تحصل إلّا بمتابعة النبيّ صلى الله عليه و آله ؛ لأنّه وسيلة إليه ، ومبيّن لما يجوز ويمتنع عليه ، وجب على من أراد أن يشرب من رحيق المحبّة أن يتمسّك بعروة متابعة التي لا انفصام لها، ولا يخفى ما في جعل المتابعة واسطة بين محبّة الطرفين من الإيماء إلى أنّه عليه السلام هو المحبوب على الإطلاق (1). انتهى.

(ورضاه غفران الذنوب) .

الظاهر أنّ رضاه مبتدأ، وضميره عائد إلى الرسول، وغفران الذنوب خبره، والحمل على المبالغة.

وما قيل من أنّ رضاه معطوف على محبّة اللّه، وغفران الذنوب عطف بيان له، أو بدل، أي اتّباعه يوجب رضى اللّه الذي هو غفران الذنوب (2). ، فبعده ظاهر.

(وكمال النور) (3).

عطف على غفران الذنوب، وعطفه على محبّة اللّه بعيد .

وكأنّه إشارة إلى قوله تعالى: «يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ» (4).

، وقوله: «يَوْمَ لَا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا» (5). الآية.

وقال بعض المفسّرين: «المراد بالنور في الموضعين ما يوجب نجاتهم وهدايتهم إلى الجنّة »(6).

وفي قوله عليه السلام : (ووجوب الجنّة) إيماء إلى ذلك أيضاً .

(وفي التولّى عنه) أي عن الرسول صلى الله عليه و آله بإنكار رسالته ، كما سيصرح به .

(والإعراض عنه) .

كان العطف للتفسير، أو المراد الإعراض عنه بإنكار ما جاء به، وأعظمه الولاية.

(مُحادّة اللّه وغضبه وسخطه) .

قال الجوهري: «المحادّة : المخالفة، ومنع ما يجب عليك»(7).

ص: 307


1- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 244 و245
2- .قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآد العقول ، ج 25 ، ص 59
3- .في الحاشية عن بعض النسخ: «الفوز»
4- .الحديد (57) : 12
5- .التحريم (66) : 8
6- اُنظر : تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 299
7- الصحاح ، ج 2 ، ص 463 (حدد)

وفي القاموس: «حادّه: غاضبه وعاداه، وداري حديدة داره، ومحادّتها : حدّها كحدّها» (1). انتهى.

والغضب ضدّ الرحمة، وهو الميل إلى إيصال الأذي.

والسخط _ بالضمّ وبالتحريك وبضمّتين _ ضدّ الرضا.

وقيل: الغضب والسخط إذا نسبا إليه تعالى يراد بهما سلب الإكرام والإحسان والعقوبة بالسلاسل والنيران(2).

(والبُعد منه مُسْكن النار) .

الظاهر أنّ «البُعد» مبتدأ، و«مسكن» _ على صيغة اسم الفاعل عن التسكين ، أو الإسكان _ خبره .

قال الجوهري: «سكن الشيء سُكوناً ، وسكّنه غيره تسكيناً، وسكنت داري ، وأسكنتها غيري» (3) .

وقال بعض الشارحين: «أي كلّ واحدة من الاُمور المذكورة مسكنة في النار» (4). ، فتأمّل.

وعلى هذا ضمير «منه» راجع إلى اللّه، أي البعد من رحمته وعدم نيلها أبداً .

وعلى ما قلناه راجع إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

ونسبة الإسكان إلى ما نسب إليه مجاز باعتبار أنّه سبب للدخول فيها.

(وذلك) أيكون البعد منه مسكن النار (قوله) تعالى في سورة الهود: «أَ فَمَنْ كَانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسى إِمَاماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونِ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ» (5).

قال البيضاوي : المراد ببيّنة من ربّه برهان من اللّه يدلّه على الحقّ والصواب فيما يأتيه ويذره .

«وَيَتْلُوهُ» ، أي يتّبع ذلك البرهان الذي هو دليل العقل ، «شاهِدٌ مِنْهُ» ، أي شاهد من اللّه يشهد بصحّته وهو القرآن . «وَمِنْ قَبْلِهِ» ، أي ومن قبل القرآن. «كِتابُ مُوسى» ؛ يعني

ص: 308


1- .القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 286 (حدد) مع اختلاف يسير
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه اللهفي شرحه ، ج 11 ، ص 245
3- .الصحاح ، ج 5 . ص 2136 (سكن) مع التلخيص
4- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 245
5- هود (11) : 17

التوراة ؛ فإنّها أيضاً تتلوه في التصديق، أو البيّنة هو القرآن . «وَيَتْلُوهُ» من التلاوة،والشاهد جبرئيل ، أو لسان الرسول على أنّ الضمير له، أو من التلو ، والشاهد مَلك يحفظه، والضمير في «يتلوه» إمّا ل «مَن» ، أو المبنيّة باعتبار المعنى ، و «مِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى» جملة مبتدأة. «إماماً» : كتاباً مؤتمناً به في الدين، «وَرَحْمَةً» على المنزل عليهم . «أُولئِكَ» ، أي من كان على بيّنة . «يُؤْمِنُونَ بِهِ» ؛ أي بالقرآن، «وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ» من أهل مكّة ، ومن تحزب معهم على رسول اللّه، «فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ» يردها لا محالة (1). وأقول : يظهر منه أنّ الضمير البارز في قوله: «وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ» راجع إلى القرآن، وظاهر من الخبر أنّه راجع إلى الموصول في قوله: «أَ فَمَنْ كَانَ عَلى بَيِّنَةٍ» ، وأنّ المراد بالموصول رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

وفي القاموس : الحِزب بالكسر : الطائفة وجماعة من الناس، والأحزاب جمعه، وجماعة تألّبوا وتظاهروا على حرب النبي صلى الله عليه و آله ، وجند الرجل ، وأصحابه الذين على رأيه، وتحزّبوا : صاروا أحزاباً (2).

(يعني الجُحود به ، والعصيان له) .

الضمير في الموضعين راجع إلى النبي صلى الله عليه و آله ، يعني أنّ الكفر في الآية شامل لكفرالجحود وكفر المخالفة ، ولما أومأ في تضاعيف الفقرات السابقة باستحقاقه الخلافة دون غيره ، أراد أن يصرح به ويستدلّ عليه، فقال : (فإنّ اللّه _ تبارك وتعالى اسمه _ امتحن بي عباده) ، حيث كلّفهم بطاعته ، كما أمرهم بطاعة رسوله.

(وقتل بيدي) .

في كثير من النسخ: «وقتل بي».

(أضداده) جمع ضدّ، وهو المخالف.

(وأفنى بسيفي جُحّاده) جمع جاحد .

وهذا إشارة إلى غاية جهاده واجتهاده في نصرة الدين ، ومصابرته على قتال الكافرين (3).

ص: 309


1- تفسير البيضاوى ، ج 3 ، ص 227 (مع التلخيص واختلاف يسير)
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 54 (حزب)
3- قال المحقّق المازندراني رحمه الله : «وكان في قوّة الحرب مشهورا بين العرب والعجم ، ولم يكن يعادله أو يقاربه أحد من الاُمم ، وكان عليه السلام سيفا داميا ، وشجاعا حاميا ، قد تولّى الحرب بنفسه النفيسة ، فخاض غمارها ، واصطلى نارها ، ورفع أوزارها ، وأجرى بالدماء أنهارها ، حتّى قام الدين على ساقه غالبا مسرورا بعد ما كان من صدمات المشركين مغلوبا مقهورا»

(وجعلني زُلفة للمؤمنين) .

الزلفة بالضمّ: القرب والدنوّ ، أي جعلني سبباً ووسيلة لقرب المؤمنين؛ إذ حصل لهم بحبّه وولايته قرب منزلة عند ربّ العالمين.

(وحِياض موت على الجبّارين) .

في كثير من النسخ: «حياض» بالحاء المهملة.

قال الفيروزآبادي: «الحوض معروف، الجمع: حياض وأحواض ، من حاضّ الماء : جمعه، وحَوضا : اتّخذه .

وأنا اُحَوّض لك هذا الأمر، أي أدور حوله» (1).

وقيل: هاهنا كناية عن المعارك لورود الموت ، وكثرة أسبابه فيها، ومنه سمّي الحوض حوضاً؛ لأنّ الماء يسيل إليه ، ويجتمع فيه .

وقرأه بعضهم «حيّاض» بتشديد الياء، وفسّر بالسيال .

وفي نسخة بالخاء المعجمة ، من خاض الماء يَخوضه خَوضاً وخياضاً، أي دخله، ولعلّه أيضاً كناية عن الاشتغال بمحاربتهم ، وتهيئة أسباب موتهم وهلاكهم.

قال الفيروزآبادي: «خاض الماء يخوضه خوضاً وخياضاً: دخله .

والشراب: خلطه .

والغمرات: اقتحمها، وبالسيف: حرّكه في المضروب» (2).

وكلمة «على» للاستيلاء والاستعلاء.

والجبّار: المتكبّر العاتي الذي لا يرى لأحد حقّاً عليه.

والعظيم: القوي والشجاع ، والقتال في غير حقّ، أي جعلني موتاً على الجبّارين.

ولعلّ إدراج لفظ الحياض للدلالة على سهولة ذلك.

وقيل: المراد بالموت إمّا إزهاق النفس بالقتل، أو هلاكها بالمخالفة له عليه السلام ، والحمل على التقديرين للمبالغة (3).

ص: 310


1- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 329 (حوض) مع التلخيص
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 230 (خوض)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 245 و246

(وسيفه على المجرمين) .

في القاموس: «جرم فلان: أذنب ، كاجترم ، وإليهم وعليهم جريمة: جنى جناية ، كأجرم» (1).

(وشدّ بي أزر رسوله) .

في القاموس: «الأزر: الإحاطة ، والقوّة ، والضعف ، ضدّ ، والتقوية ، والظَّهر» (2).

(وأكرمني بنصره) .

والضمير لرسول اللّه صلى الله عليه و آله .

وكذا قوله: (وشرّفني بعلمه) .

وعوده إلى اللّه في الموضعين لا يناسب السياق.

وفي بعض النسخ: «بعلمه المكنون».

قيل: هو مثل العلم بأسرار القضا والقدر والتوحيد ، وبما كان وما يكون وما هو كائن، وبأحوال القيامة والجنّة والنار ومن فيها ، وأمثال ذلك (3).

(وحَباني بأحكامه) أي أعطاني أحكام دينه؛ يقال: حباه كذا وبكذا، إذا أعطاه .

فقال: (وقد حَشَده المهاجرون والأنصار).

في القاموس: «حَشَد يَحْشِد ويَحْشُد : جمع، والزرع : نبت كلّه . والقوم : خفّوا في التعاون، أو دعوا فأجابوا مُسرعين ، أو اجتمعوا لأمر واحد ، ورجل مَحشود : مطاع يخفون لخدمته»(4). وقال الجوهري: «حشدوا يحشدون _ بالكسر _ حشد ، أي اجتمعوا، وكذلك حشدوا»(5). وقيل: كان هنا حذفاً وإيصالاً، أي حشدوا عنده ، أو معه ، أو له (6). فتأمّل.

(وانغصّت بهم المحافل) .

الانغصاص ، بالغين المعجمة والصاد المهملة: الامتلاء، والتضيّق.

ص: 311


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 88 (جرم) . وفي شرح المازندراني : «إطلاق السيف عليه على سبيل التشبيه بالقطع والإهلاك والإفناء»
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 363 (أزر) . والأظهر في المقام : الظَّهر ؛ قال المحقّق المازندراني رحمه الله : «وقد كان عليه السلام ظَهيرا له صلى الله عليه و آله في المعارك كلّها على إبطال العرب حين فشل الصحابة وجبنوا ، حتّى قوّي به ظهره ، واشتدّت به قوّته على الأعداء» . وراجع أيضا : مرآة العقول ، ج 25 ، ص 59
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 249
4- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 288 (حشد) مع التلخيص
5- الصحاح ، ج 2 ، ص 465 (حشد) مع التلخيص
6- .قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 . ص 59

والمحفل ، كمجلس: المجتمع ، من قولهم: حفل الماء واللبن ، إذا اجتمع.

(أيّها الناس، إنّ عليّاً منّي كهارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي) استدراك عمّا يتوهّم من التشبيه .

(فعقل المؤمنون عن اللّه ، نطق الرسول) .

في القاموس: «عقل الشيء: فهمه»(1).

و«عن» متعلّق ب «عقل» على الظاهر، أي فهموا عن ربّهم بوساطة الرسول ، أو بتوفيقه تعالى.

وقيل: يحتمل تعلّقه بالنطق، وهو بعيد(2).

وقوله: (فاقتضى نبوّة) على صيغة المتكلّم ، أو الغائب .

وعلى الثاني المستتر فيه عائد إلى نطق الرسول وكلامه، و«نبوّة» مفعوله، ومعنى الاقتضاء الطلب والاستدعاء.

(ولكن كان ذلك منه استخلافاً لي) .

في القاموس: «خلفه خلافة كان خليفته، وبقي بعده، واستخلف فلاناً: جعله خليفته»(3).

(كما استخلف موسى هارون _ صلّى اللّه عليهما _ حيث يقول: «أُخْلُفْنِي فِي قَوْمِي» ) أي كن خليفتي فيهم .

«وَأَصْلِحْ» ما يجب أن يصلح في اُمورهم، أو كن مصلحاً.

«وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ» (4). أي لا تتّبع من سلك الإفساد، ولا تطع من دعاك إليه.

(وقوله صلى الله عليه و آله ) .

قيل: الظاهر أنّه مبتدأ خبره محذوف، أي في ولايتي، أو نحوه، وأنّ هذه الجملة يفسّرها ما بعدها، وهو قوله: (قائلاً في محفله) إلخ(5).

(حين تكلّمت طائفة) من جملتهم اُسامة بن زيد .

والظرف متعلّق بالقول .

ص: 312


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 18 (عقل)
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 60
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 137 و138 (خلف) مع التلخيص
4- .الأعراف (7) : 142
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 250

(فقالت: نحن موالي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ) .

قيل: أي ملاك اُموره ومتولّيها بعده، وكلّ من ولّى أمره فهو مولاه ووليّه . أو ملاك اُمور الخلائق القائمون بها بعده، وبالجملة ادّعوا أنّ اُمور الاُمّة والتدبير والتصرّف فيها لهم (1).

(فخرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى حجّة الوداع) .

قال الجوهري: «التوديع عند الرحيل، والاسم: الوَداع ، بالفتح»(2).

(ثمّ صار إلى غدير خُمّ) بعد الفراغ من الحجّة.

وغدير خمّ _ بالضمّ وشدّ الميم _ موضع على ثلاثة أميال من الجحفة بين الحرمين، أو «خُمّ» اسم غيضة هناك بها غدير ماء ، وفيها مسجد النبي صلى الله عليه و آله .

(فأمر ، فاُصلح له شبه المنبر) .

في بعض النسخ: «فاصطلح»، وكأنّه تصحيف .

(ثمّ عَلاه) أي صعد فيه.

(وأخذ بعضدي حتّى رُئي بَياض إبطَيه) .

قال الفيروزآبادي: «العضد ، بالفتح وبالضمّ وبالكسر، وككتف وندس وعنق: ما بين المرفق إلى الكتف» (3).

وقال: «الإبط: باطن المنكب ، وتكسر الباء، وقد يؤنّث» (4).

(رافعاً صوتَه قائلاً في محفله) بكسر الفاء، أي مجتمعه.

(من كنت مولاه فعليّ مولاه) .

المراد بالمولى هنا : الأولى بالتصرّف في اُمور الدين والدنيا، وبالجملة هو السيّد المطاع ، الأولى بالنفس والمال ، كما سيجيء الإشارة إليه.

(وأنزل اللّه _ عزّ وجلّ _ في ذلك اليوم) في سورة المائدة: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ» .

قال البيضاوي :يعني بالنصر والإظهار على الأديان كلّها، أو بالتنصيص على قواعد العقائد ، والتوقيف

ص: 313


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 250
2- الصحاح ، ج 3 ، ص 1295 (ودع)
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 314 (عضد)
4- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 349 (أبط)

على اُصول الشرائع وقوانين الاجتهاد. «وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي» : بالهداية والتوفيق،أو بإكمال الدين، أو بفتح مكّة وهدم منار الجاهليّة. «وَرَضِيتُ لَكُمُ الْاءِسْلَامَ دِيناً» من بين الأديان ، وهو الدين عند اللّه لا غير(1).

انتهى كلامه .

ومعنى الآية بتفسير أهل البيت: اليوم أكملت لكم دينكم بولاية عليّ عليه السلام ، وأتممت عليكم نعمتي بإكمال الشرائع بإمامته، ورضيت لكم الإسلام ديناً بخلافته، كما أشار إليه بقوله: (فكانت وَلايتي كمال الدين) إلى قوله : (نَحَلَنيه) .

قال الفيروزآبادي: «أنحله ماء: أعطاه، ومالاً : خصّه بشيء منه، كنحله فيهما»(2).

وقال: «منحه ، كمنعه وضربه: أعطاه»(3).

وهو قوله في سورة الأنعام: «حَتّى إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ * ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللّهِ» .

قال البيضاوي :إلى حكمه وجزائه. «مَوْلاهُمُ» الذي يتولّى أمرهم. «الْحَقِّ» : العدل الذي لا يحكم إلّا بالحقّ . وقرى ء بالنصب على المدح. «أَلا لَهُ الْحُكْمُ» يومئذ لا حكم لغيره فيه. «وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ» (4). يحاسب الخلائق في مقدار حلب شاة ، لا يشغله حساب عن حساب (5).

إلى هاهنا كلام البيضاوي.

وقيل: هذه الاُمور وإن كانت للّه تعالى ظاهراً ، لكنّها له عليه السلام باطناً، وهو سبحانه يكلها عليه، ويفوّضها إليه، وإنّما نسبها إلى ذاته المقدّسة؛ لأنّه الآمر، ولأنّ حكمه عليه السلام حكم اللّه تعالى، وكثيراً ما ينسب ما لوليّه إلى ذاته، كما مرّ نظيره في آخر كتاب التوحيد (6).

وقال بعض الأعلام: قوله عليه السلام : (وأنزل اللّه تبارك وتعالى) إلى قوله: «وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ» يحتمل وجهين:الأوّل : أن يكون المراد إنزال الآية السابقة، فالمراد بقوله عليه السلام ، وهو قوله: إنّ المولى الذي

ص: 314


1- تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 294
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 55 (نحل)
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 251 (منح)
4- .الأنعام (6) : 61 و62
5- تفسير البيضاوي، ج 2، ص 417
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 252

أثبت لي رسول اللّه صلى الله عليه و آله هو بالمعنى الذي أثبته اللّه لنفسه في قوله: «مَوْلاهُمُ الْحَقِّ» ، أي السيّد المطاع، والأولى بالنفس والمال.

والثاني : أن يكون المراد إنزال الآية اللاحقة بأن يكون «مولاهم» مبتدأ، و«الحقّ» خبره، ويكون المراد بالمولى أمير المؤمنين عليه السلام ، كما ورد في بعض الأخبار في تفسيرها، ويكون في قراءة أهل البيت عليهم السلام «الْحَقُّ» بالرفع .

ثمّ قال: ويمكن توجيهه على القراءة المشهورة التي هي بالجرّ أيضاً بهذا المعنى ، بأن يكون «مولاهم» بدل اشتمال للجلالة ، والردّ إليه تعالى يكون على المجاز، والمعنى : الردّ إلى حججه للحساب، وقد شاع أنّ الملوك ينسبون إلى أنفسهم ما يرتكبه خدمهم، كما ورد في تفسير قوله تعالى: «إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ» (1). أنّهم عليهم السلام قالوا: «إلينا إياب الخلق، وعلينا حسابهم (2). » انتهى(3).

وفي القاموس: «الحقّ : من أسمائه تعالى، أو من صفاته، وضدّ الباطل»(4).

وقيل: هو الثابت الباقي. وقيل: هو بمعنى المحقّ(5).

(فيّ مناقب لو ذكرتُها لعَظُم بها الارتفاع، وطال لها الاستماع) .

في القاموس: «المنقبة: المفخرة»(6).

وقال الجوهري: «المنقبة: ضدّ المثلبة»(7). وقال: «المثالب: العيوب . الواحدة : مثلبة»(8). أقول : الظاهر أنّ قوله: «مناقب» بالرفع على الابتدائيّة، وقوله: «فيّ» _ بتشديد الياء _ خبره. ويمكن قرائتها بتخفيف الياء (9). ، و«مناقب» بالجرّ، ويكون الظرف متعلّقاً بأوّل الكلام، أي قائلاً في محفله ما ذكر في جملة مناقب.

ولعلّ المراد بقوله عليه السلام : «لعظم بها الارتفاع» ظهور عظمة ارتفاعه عليه السلام بذكر تلك المناقب.

ص: 315


1- .القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 221 (حقق)
2- .الغاشية (88) : 25
3- الكافي ، ج 8 ، ص 162 ، ح 167 ؛ تفسير الفرات ، ص 551 ، ح 551 ؛ المناقب ، ج 3 ، ص 107
4- مرآة العقول ، ج 25 ، ص 60 و61
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 61
6- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 134 (نقب)
7- الصحاح ، ج 1 ، ص 227 (نقب)
8- الصحاح ، ج 1 ، ص 94 (ثلب)
9- .كما ضبطه المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 34 والعلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 60

(ولئن تَقَمَّصَها) أي الخلافة المعلومة من السياق ، كقوله تعالى: «تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ»(1) .

والتقمّص: لبس القميص ؛ أي جعلاها مشتملة عليهما كالقميص، وفيه مكنيّة وتخييليّة .

(دوني الأشْقَيَان) أي الرجلان ، واللام دليل على قسم محذوف.

و«دون» بمعنى غير، كما قيل في قوله: «ليس فيما دون خمس أواق صدقة» (2).

وقيل: بمعنى التجاوز ، في محلّ النصب على الحال، أي متجاوزين عنّي غير تابعين لي في الخلافة (3). ، فتأمّل.

والشقاء والشقاوة بالفتح: نقيض السعادة ، والشدّة والعسر، وفسّر الأشقى بالكافر.

واعلم أنّ ظاهر هذه الفقرات كون هذه الخطبة بعد انقراض دولة الثلاثة، وهو مناف لما مرّ في أوّل الخبر أنّه عليه السلام خطب بها بعد سبعة أيّام من وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقيل: إنّه محمول على الإخبار بحالهم عمّا يكون (4) . واللّه أعلم بحقيقة الحال.

(ونازعاني فيما ليس لهما بحقّ) من اللّه ولا من رسوله صلى الله عليه و آله .

(وركباها ضلالة ، واعتقداها جهالة) .

الضمير في الموضعين للخلافة، أي ظنّاها أنّها حقّ لهما، أو ملكاها واقتناها وتصلّبها فيها. قال الجوهري: «اعتقد ضيعة ومالاً، أي اقتناها . واعتقد الشيء، أي اشتدّ وصلب، واعتقد كذا بقلبه» (5).

وقيل: «ضلالة» و«جهالة» بالنصب على المفعول له، أو على التميز لنسبة الفعلين. ففيه على الأوّل تنبيه على أنّ ثمرة الفعلين هي الضلالة والخروج عن الدين، والجهالة في أحكامه وتبديلها وتغييرها.

وعلى الثاني على أنّ المتحقّق من الفعلين فيهما هو هذا الفرد، أعني ركوب الضلالة والجهالة دون الآخر، أعني ركوب الحقّ والعلم(6).

ص: 316


1- ص (38) : 32
2- .رواه أبو سعيد الخدري عن الرسول صلى الله عليه و آله . راجع : عوالي اللئالي ، ج 1 ، ص 85 ؛ الناصريّات للشريف المرتضى ، ص 277 ؛ الخلاف للطوسي ، ج 2 ، ص 75
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 252
4- .قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 62
5- الصحاح ، ج 2 ، ص 510 (عقد)
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 253

(فلبئس ما عليه وَرَدا) من غصب الخلافة وركوبها ، واعتقادها ضلالة وجهالة.

(ولبئس ما لأنفسهما مَهّدا) من الوبال ، والنكال ، والعقوبات الاُخرويّة الدائمة.

في القاموس: «مَهَدَه ، كمنعه: بسطه، كمهّده، وكسب ، وعمل، وتمهيد الأرض : تسويته وإصلاحه»(1).

وقيل: في ذمّ العامّ دلالة على غاية فخامة ذلك ، ونهاية فظاعته ، بحيث لا يصل إليه عقول البشر ، ولا يحوم حوله طائر النظر (2).

(يتلاعنان في دُورهما) .

الدور _ بالضمّ _ جمع الدار، وهي محلّ يجمع البناء والعرصة، والمراد هنا نار البرزخونار الخلد.

(ويتبرّأ كلّ واحد منهما من صاحبه يقول) كلّ منهما (لقرينه) الذي كان يضلّه ويغويه.

قال الفيروزآبادي: «القرين: المقارن والمصاحب، والشيطان المقرون للإنسان الذي لا يفارقه» (3).

(إذا التقيا : يا ليت بيني وبينك بُعد المشرقين) .

قيل : أي بعد المشرق من المغرب، فغلب المشرق ، وثنّي كالعمرين، واُضيف البعد إليهما (4).

وقيل: مشرق الصيف ومشرق الشتاء (5).

والحاصل أنّه قال لقرينه: ليتني لم أعرفك في الدنيا، ولم أكن قرينك، وليت كانت بيني وبينك هذه المسافة من البُعد.

(فبئس القرين) أنت في النار.

وقيل: بئس القرين كنت في الدنيا .

وهذا إشارة إلى قوله تعالى: «وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * حَتّى إِذا جَائَنا قَالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ» (6).

ص: 317


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 339 (مهد)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 253
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 259 (قرن)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 253
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في بحار الأنوار ، ج 3 ، ص 119 ؛ وج 55 . ص 174 . وراجع أيضا : تفسير مجمع البيان ، ج 9 ، ص 335 ؛ تفسير الثعلبي ، ج 8 ، ص 335 ؛ تفسير السمعاني ، ج 5 ، ص 326
6- الزخرف (43): 36 _ 38

(فيُجيبه الأشقى) يعني قرينه.

(على رُثُوثة) أي حال كونه على قبح منظر ، وسوء حال ، وتغيّر هيئة بألم النار.

قال الفيروزآبادي: «الرثّ : البالي ، والرثاثة والرثوثة: البذاذة» (1). ، وقال: «بذِذْتَ _ كعلمت _ بذاذة: سائت حالك» (2).

(ليتني لم أتّخذك خليلاً) .

يفهم منه أنّ المراد بقوله تعالى : «فُلَاناً» (3). هذا الأشقى، وأنّه بعمومه شامل له أيضاً.

(لقد أضللتني عن الذكر)؛ يعني أمير المؤمنين عليه السلام كما سيصرح به، أو القرآن، أو ذكر اللّه، أو موعظة الرسول صلى الله عليه و آله .

«بَعْدَ إِذْ جائَنِي» وتمكّنت منه ومن الاقتداء به.

قيل: هذا كلامه عند اللقاء، وأمّا عند مفارقته وتألّمه بشدّة العقوبة وكمال غيظه عن صاحبه، فيقول ما ذكر اللّه في كتابه من باب الغيبة: «يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً» (4). الآيات، (5). فتأمّل.

«وَكَانَ الشَّيْطَانُ» ؛ يعني الخليل والقرين المضلّ. وقيل: أو إبليس؛ لأنّه حمله على مخالفته ومخالفة الرسول، أو كلّ من تشيطن من جنّ أو إنس.

«لِلإِنْسَانِ خَذُولاً» ؛ فَعول من الخذلان، أي يُواليه حتّى يؤدّيه إلى الهلاك ، ثمّ يترك ولا ينفعه.

(فأنا الذكر الذي عنه ضَلّ) بعد إذ جاءه (والسبيل الذي عنه مال).

وتمنّى الأخذ به حيث لا ينفعه التمنّى في قوله : «يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً» .

(والإيمان الذي به كفر) .

كأنّه على البناء للمفعول، وإشارة إلى قوله تعالى: «وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْاءِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْاخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ» (6) .

ص: 318


1- .القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 167 (رثث)
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 351 (بذذ)
3- .الفرقان (25) : 28
4- .الفرقان (25) : 27
5- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 253 و254
6- .المائدة (5) : 5

وتسميته عليه السلام إيماناً لعدم تحقّقه إلّا بولايته.

(والقرآن الذي إيّاه هَجَر) على صيغة المجهول، ظاهراً إشارة إلى قوله تعالى: «وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً» (1).

قال البيضاوي : متروكاً ، وأعرضوا عنه، أو مجروراً، أو هجروا ولغوا فيه إذا سمعوه، أو زعموا أنّه هجر وأساطير الأوّلين، فيكون أصله مهجوراً عنه، فحذف الجارّ، ويجوز أن يكون بمعنى الهجر كالمجلود والمعقول . انتهى (2).

وقيل: سمّي هجره عليه السلام هجر القرآن؛ لأنّه مترجم القرآن ولسانه، ولأنّ من هجره هجر القرآن ومقتضاه من الأمر بولايته (3).

(والدين الذي به كذّب) كما في قوله تعالى: «أَ رَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ» (4). ، ولعلّه عليه السلام ديناً؛ لأنّ تمام الدين بولايته.

(والصراط الذي عنه نَكب) على صيغة المجهول، إشارة إلى قوله تعالى: «وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْاخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ» (5).

قال الجوهري : «نكب عن الطريق ينكب نُكوباً : عدل» (6).

(ولئن رَتَعا في الحُطام المُنصرم) .

الحطام ، بالضمّ : النبات اليابس المتكسّر . والانصرام : الانقطاع.

وقيل: استعار الحطام للمال ومتاع الدنيا، ووجه المشابهة قلّة الانتفاع وعدم البقاء وسرعة الزوال والفناء، ووصفه بالانصرام للمبالغة والتأكيد في عدم الاعتماد عليه، وتشبيه الرجلين بالبهائم مكنيّة ، وإثبات الرَّتع لهما تخييليّة ، وذكر الحطام ترشيح .

(والغرور المُنقطِع) .

الغَرور ، بالفتح: الدنيا، سمّيت به لأنّها توجب غرّة أهلها وغفلتهم عن الآخرة . أو بالضمّ ، مصدر غرّه غرّاً وغُروراً وغرّة، أي خدعه ، وأطمعه بالباطل.

ص: 319


1- الفرقان (25) : 30
2- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 215 (مع اختلاف يسير)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 254
4- .الماعون (107) : 1
5- المؤمنون (23) : 74
6- الصحاح ، ج 1 ، ص 228 (نكب)

قيل: وأمّا الغُرور _ بالضمّ _ وهي الأباطيل ، جمع غارّ، فيأباه تذكير المنقطع (1).

أقول : يمكن على هذا الاحتمال حمل التذكير على اعتبار اللفظ.

(وكانا منه على شَفا حُفرة من النار) .

الشفا : حَرْف كلّ شيء، أي طرفه وشفيره وحدّه، وأشفى عليه: أشرف . وكلمة «من» للابتداء، أو للتعليل، أو بمعنى عند، أي وكانا من الرتع في الحطام، والغرور المقتضي لتركهما دين الحقّ وارتكاب غصب الخلافة على طرف حفرة من نار جهنّم لم يكن حاجز من إدراك ألمها ، والسقوط فيها إلّا الموت.

(لهما على شرّ ورود) .

اللام لجواب القسم المقدّر، وكونها زائدة بعيد (2). ، أي الأشقيان مشرفان على شرّ إتيان ووصول على اللّه يوم القيامة ، وعلى أقبح الوجوه والأحوال.

(في أخيب وُفود) .

قال الجوهري: «خاب الرجل خيبة، إذا لم ينل ما طلب»(3).

والوُفود _ بالضمّ _ مصدر بمعنى القدوم والورود، أو جمع وافد، وهم قوم يجتمعون ويردون البلاد، أو يقصدون السلاطين والاُمراء للزيارة، أو الاسترفاد(4).

(وألعن مَورود) .

قال الجوهري: «اللعن: الطرد ، والإبعاد من الخير .

واللعنة الاسم، الجمع: لعان ولَعَنات ، والرجل لعين وملعون، والمرأة لعين أيضاً، واللعين: الممسوخ»(5).

أي ذانك الأشقيان في أبعد موضع من الخير يردان عليه ، وهو نار جهنّم.

وقيل: أو صديدها نزلهما منزلة الماء على سبيل التهكّم؛ لأنّ الماء يراد لتبريد وتسكين العطش والنار، وصديدها بالضدّ.

يقال: ورد الماء يرده وُروداً ، إذا حضره ليشرب، والوِرد ،

ص: 320


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 254
2- .الأوّل مال إليه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 62 ، والثاني مختار المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 255
3- الصحاح ، ج 1 ، ص 123 (خيب)
4- قال العلّامة المجلسي رحمه الله : «المراد هنا الثاني»
5- الصحاح ، ج 6 ، ص 2196 (لعن)

بالكسر: النصيب من الماء الذي يرده الواردون وهو مورود(1).

وقيل: الظاهر أنّ اللعن هنا مشتقّ من المبنيّ للمفعول على خلاف القياس ، كأعذر وأشهر وأعرف، أي يدخلون في قوم مورود عليهم هم أكثر الناس استحقاقاً للعن.

قال: ويحتمل أن يكون مشتقّاً من المبنيّ للفاعل، أي القوم الذين هم يردون عليهم يلعنونهم أشدّ اللعن (2).

(يتصارخان باللعنة) .

أي لعنة كلّ واحد منهما صاحبه. والصُّراخ ، كغراب: الصوت، أو شديده.

(ويتناعقان بالحسرة) على ما فرّطا في جنب اللّه، وقصّرا في حقوقه.

قال الفيروزآبادي : «نعق بغنمه _ كمنع وضرب _ نَعقاً ونَعيقاً: صاح بها، وزجرها، والغُراب : صاح» (3) . وقد شاع في العرف تشبيه الصوت الذي يصدر عند الشدّة والبليّة بصوت البهائم .

(ما لهما من راحة) من شدّة العقوبة.

(ولا عن عذابهما من مَندوحة) أي سَعَة وفسحة من النجاة عن العذاب.

قال الجوهري : «النُّدح بالضمّ: الأرض الواسعة، والمنتدح : المكان الواسع . ولي عن هذا الأمر مندوحة ومنتدح، أي سعة، يقال: إنّ في المعاريض لمندوحة عن الكذب» (4).

وقوله عليه السلام : (إنّ القوم لم يزالوا عُبّاد أصنام ... ) إشارة إلى مسبوغ نعم اللّه عليهم وكفرانهم ؛ فإنّهم كانوا قبل بعثة النبي صلى الله عليه و آله في الشرك وآثار الجاهليّة، فأخرجهم برحمته منها ، وهداهم إلى الإسلام، وأظهرهم على أهل الأديان، ثمّ ارتدّوا على أدبارهم، ونكصوا على أعقابهم، ورجعوا إلى الجاهليّة الأولى، فبدّلوا نعمة اللّه كفراً، وأحلّوا قومهم دار البوار ، جهنّم يصلونها وبئس القرار.

(وسَدَنة أوثان) أي خدمها ، جمع سادن، وهو خادم الكعبة وبيت الأصنام.

قال الجوهري: «الصنم : واحد الأصنام . يقال: إنّه معرّب شمن ، وهو الوثن» (5). وقال:

ص: 321


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 62
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 255
3- .القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 286 (نعق)
4- الصحاح ، ج 1 . ص 409 (ندح)
5- الصحاح ، ج 5 ، ص 1969 (صنم)

«الوَثَن : الصنم ، والجمع: أوثان» (1).

(يُقيمون لها) أي للأصنام والأوثان (المناسك).

في القاموس:

النسك ، مثلّثة وبضمّتين: العبادة، وكلّ حقّ للّه عزّ وجلّ، وقد نسك _ كنصر وكرم _ وتنسّك نسكاً _ مثلّثة وبضمّتين _ مَنسكاً ونساكة . والنسك ، بالضمّ وبضمّتين، وكسفينة : الذبيحة، وكمجلس ، ومقعد شرعة النسك ، و «أَرِنا مَناسِكَنَا» (2). : متعبّداتنا ، ونفس النسك، وموضع تذبح فيه النسيكة (3).

(وينصبون لها العَتائر) .

قال الجوهري: «العِتر : شاة كانوا يذبحونها في رجب لآلهتهم ، كالعَتيرة ، وعتر :ذبح العتيرة» (4).

(ويتّخذون لها القُربان) . في القاموس: «القربان ، بالضمّ : ما يتقرّب به إلى اللّه تعالى» (5).

(ويجعلون لها البَحيرة والوَصيلة والسائبة والحام) .

قال الفيروزآبادي:البَحر : شقّ الاُذن، ومنه البَحيرة، كانوا إذا نُتجت الناقة أو الشاة عشرة أبطن بحروها ، وتركوها ترعى، وحرّموا لحمها إذا ماتت على نسائهم ، وأكلها الرجال، أو التيخلّيت بلا راع، أو التي إذا نتجت خمسة أبطن، والخامس ذكر نحروه ، فأكله الرجال والنساء، وإن كانت اُنثى بحروا اُذنها، فكان حراماً عليهم لحمها ولبنها وركوبها، فإذا ماتت حلّت للنساء، أو هي ابنة السائبة ، وحكمها حكم اُمّها ، وهي الغزيرة أيضاً، الجمع: بحائر وبُحُر (6).

قال: السائبة: المهملة ، والبعير يُدرك نِتاج نتاجه فيسيّب، أي يترك ولا يركب ، الناقة كانت تسيّب في الجاهليّة لنذر ونحوه ، إذا ولدت عشرة أبطن كلّهنّ اُناث سيّبت ، أو كان ينزع من ظهرها فقارة أو عظماً، وكانت لا تمنع عن ماء ولا كلأ ، ولا تركب (7).

ص: 322


1- الصحاح ، ج 6 ، ص 2212 (وثن)
2- .البقرة (2) : 128
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 321 (نسك)
4- .الصحاح ، ج 2 ، ص 736 (عتر) مع اختلاف يسير
5- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 114 (قرب)
6- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 367 (بحر)
7- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 84 (سيب)

وقال:الوَصيلة: الناقة التي وصلت بين عشرة أبطن، ومن الشاء : التي وصلت سبعة أبطن عناقين عناقين، فإن ولدت في السابعة عناقاً وجَدياً.

قيل: وصلت أخاها، فلا يشرب لبن الاُمّ إلّا الرجال دون النساء، وتجري مجرى السائبة .

أو الوصيلة خاصّة بالغنم كانت الشاة إذا ولدت الاُنثى، فهي لهم، وإذا ولدت ذكراً جعلوه لآلهتهم، فإن ولدت ذكراً واُنثى قالوا: وصلت أخاها، فلم يذبحوا الذكر لآلهتهم، أو هي شاة تلد ذكراً ثمّ اُنثى، فتصل أخاها فلا يذبحون أخاها من أجلها، فإذا ولدت ذكراً قالوا: هذا قربان لآلهتنا (1).

وقال: الحامي: الفحل من الإبل يُضرب الضراب المعدود، أو عشرة أبطن، ثمّ هو حام حُمي ظهره فيترك ولا ينتفع منه بشيء، ولا يمنع من ماء ولا مرعى(2).

(ويستقسمون بالأزلام) .

في القاموس: «الزَّلَم ، محرّكة وكصرد: قدح لا ريش عليه ، وسهام كانوا يستقسمون بها في الجاهليّة» (3).

وقال الجوهري: «القِسم بالكسر: الحظّ والنصيب من الخير، واستقسم، أي طلب القسم بالأزلام» (4).

وقال البيضاوي في تفسير قوله تعالى: «وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ» (5). :

أي وحرم عليكم الاستقسام بالأقداح (6). ، وذلك أنّهم إذا قصدوا فعلاً ضربوا ثلاثة أقداح: مكتوب على أحدها: «أمرني ربّي»، وعلى الآخر: «نهاني ربّي»، والثالث: «غفل».

فإن خرج الأمر مضوا على ذلك، وإن خرج النهي تجنبوا عنه، وإن خرج الغفل أجْلوها .

ثانياً فمعنى الاستقسام طلب معرفة ما قسم لهم دون ما لم يقسم [لهم ]بالأزلام.

وقيل: هو استقسام الجزور بالأقداح على الأنصباء المعلومة. انتهى(7).

ص: 323


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 65 (وصل)
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 320 (حمي)
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 125 (زلم)
4- الصحاح ، ج 5 ، ص 2011 (قسم) مع التلخيص
5- .المائدة (5) : 3
6- .في المصدر : «بالأزلام»
7- تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 293 . وفي الحاشية : «قال القاضي البيضاوي : لأنّه دخول في علم الغيب وضلال باعتقاد أنّ ذلك طريق إليه ، وافتراء على اللّه إن اُريد بربّي اللّه ، وشرك إن أريد به الصنم . وقال بعض المحقّقين منهم صاحب الكشّاف : لأنّ فيه طلب علم الغيب من غير اللّه ، كاستعلام الخير والشرّ من الكهنة والمنجّمين . وأمّا طلبه منه تعالى ففيه كلام قد أطبقوا على جواز الاستخارة بالقرآن . أقول : من قبيل الاستقسام بالأزلام ما اشتهر اليوم من الاستخارة بديوان بعض الشعراء. صالح» . شرح المازندراني ، ج 11 ، ص257

قيل (1). : المراد بالاستقسام هو الميسر والقمار المعروف بينهم ، كانوا يستقسمون الجَزور بالأقداح العشرة على الأنصباء المعلومة ، والسهام العشرة على الترتيب الذي نظمه بعض الشعراء قال:

«الفَذّ والتَّوأم والرقيب والنافس والمُسبُل***والحِلس والمُعلى والسَفيح والمنيج والوَغد»

والثلاثة الأخيرة لا نصيب لها، وكانت على مخرجها قيمة الجزور، ولكلّ واحد من السبعة السابقة نصيب بتزائد واحد على السابق، فالفَذّ له سهم، والتوام له سهمان، وهكذا حتّى كان للمعلى النصيب الأعلى، فمن أخرج واحداً منها أخذ نصيبه.

وجعل الجوهري والفيروزآبادي الحِلس رابعاً، والنافس خامساً، والمُسبُل سادساً ، أو خامساً (2).

(عامهين عن اللّه عزّ ذكره) .

في القاموس: العَمَه محرّكة: التردّد في الضلال، والتحيّر في منازعة أو طريق، أو أن لا يعرف الحجّة .

عمه _ كمنع وفرح _ عَمَهاً فهو عمه وعامه، الجمع: عُمهون ، وعُمّه كركّع (3).

وفي النهاية: «العَمَه في البصيرة كالعمى في البصر» (4). فكما أنّ الأعمى لا يهتدي إلى مقاصده المحسوسة بالبصر لعدمه ، كذلك فاقد البصيرة لا يهتدي إلى مقاصده المعقولة ؛ لاختلال بصيرته.

ص: 324


1- .في النسخة : «يعني قيل»
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 257 . وراجع للمزيد : الصحاح ، ج 5 ، ص 1724 ؛ لسان العرب ، ج11 ، ص 322 (سبل) ؛ تفسير مجمع البيان ، ج 3 ، ص 158
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 288 (عمه)
4- النهاية ، ج 3 ، ص 304 (عمه)

(جائرين (1). عن الرشاد) .

بالجيم ، والراء المهملة، أي مائلين عن قصد الطريق ومنهج الحقّ، والصواب من الجور وهو الميل عن القصد .

وفي بعض النسخ : «جائزين» بالجيم والزاي المعجمة، أي سالكين طريقاً حال كونهم معرضين عن الرشاد، أو متجاوزين عنه، يقال: جُزت الموضع جوازاً، أي سلكت وسرت فيه.

وفي بعضها: «حائرين» بالحاء والراء المهملتين ، من الحيرة بالشيء وعدم الاهتداء بسبيله، أو من الحَور بمعنى الرجوع.

(ومُهطعين إلى البِعاد) .

قال الجوهري: «أهطع في عَدوه، أي أسرع، وأهطع ، إذا مدّ عنقه، وصوّب رأسه» (2).

وقال: «البُعد: ضدّ القرب، والبَعَد بالتحريك: الهلاك، والأبعد: الخائن» (3).

وقال الفيروزآبادي: «المُهطع ، كمحسن: الساكت المنطق إلى من هتف به» (4).

وقال: «البعد معروف، والموت، والبعد والبعاد: اللعن» (5).

ويمكن إرادة كلّ من تلك المعاني هاهنا، أي مسرعين أو منطلقين إلى البعاد عن رحمة اللّه، أو عن الخير، أو عن سبيل الحقّ، أو إلى الهلاك، أو إلى اللعن، أو إلى الخيانة ؛ لجهلهم بربّهم ونبيّهم ومراشد اُمورهم .

(قد استحوذ عليهم الشيطان) أي استولى عليهم وغلبهم .

قال الجوهري: استحوذ عليهم الشيطان: غلب، وهذا جاء بالواو على أصله، كما جاء استروح واستصوب .

وقال أبو زيد: هذا الباب كلّه يجوز أن يتكلّم به على الأصل، تقول العرب: استصاب واستصوب، واستجاب واستجوب، وهو قياس مطّرد عندهم (6).

(وغَمَرتهم سَوداء الجاهليّة) .

يقال: غمره الماء _ كنصر _ إذا أعلاه وغطّاه.

ص: 325


1- .في كلتا الطبعتين والمتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «حائرين»
2- الصحاح ، ج 3 ، ص 1307 (هطع) مع اختلاف يسير
3- الصحاح ، ج 2 ، ص 448 (بعد)
4- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 99 (هطع)
5- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 278 (بعد)
6- الصحاح ، ج 2 ، ص 563 (حوذ)

والسَوداء تأنيث أسود، من قولهم: هو أسود من فلان، أي أجلّ منه، والمقصود نخوة الجاهليّة وتجبّرها .

أو من السواد، ولعلّ الإضافة حينئذ من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف، أو من قبيل لجين الماء ، وقد شاع تشبيه الجهل والكفر والضلال بالسواد وتوصيفها به.

وقيل: يحتمل أن يكون السوداء كناية عن البدع المظلمة ، أو الملل الباطلة المضلّة مضافة إلى الجاهليّة (1).

وقيل: المراد بالسوداء إمّا الجاهليّة على أن تكون الإضافة بيانيّة، أو الجهالة، أو الخصلة الذميمة على أن تكون الإضافة بتقدير «في»، ووصفها بالسوداء للدلالة على حيرتهم فيها.

ولعلّ المراد أنّهم كانوا غائصين في الجاهليّة ، أو في جهالتها، أو في خصالها الذميمة، وهو كناية عن تصرّفاتهم الباطلة على جهل منهم بما ينبغي لهم من وجوه التصرّفات الصحيحة.

ويمكن أن يكون المراد أنّهم كانوا في شدّة وبليّة، وذلك لأنّ العرب كانت حينئذ في شدائد من ضيق المعاش والنهب والغارات وسفك الدماء (2).

(ورضعوا (3). جهالة) .

قال الجوهري: «رضع الصبي اُمّه يرضعها رضاعاً ، مثل سمع يسمع سماعاً .

وأهل نَجد يقولون: رضع يرضع رَضعاً ، مثال ضرب يضرب ضرباً» (4).

وأقول : بهذا يظهر فساد ما قيل من أنّ تشبيه الجهالة باللبن مكنيّة، ونسبة الرضاع إليها تخييليّة (5). ، بل الصواب أن يقال: تشبيه الجهالة بالاُمّ مكنيّة، ونسبة الرضاع إليها ترشيح أو تخييل.

وفيه تنبيه على أنّهم من أوّل العمر كانوا راغبين في تحصيل لوازم الجهالة.

ص: 326


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه اللهفي مرآة العقول ، ج 25 ، ص 65
2- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 258
3- .في الطبعة القديمة وشرح المازندراني ومرآة العقول : «ورضعوها»
4- الصحاح ، ج 3 ، ص 1220 (رضع)
5- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11، ص 258

(وانتظموها (1). ضلالة) .

ضمير التأنيث راجع إلى الجهالة .

وقال الفيروزآبادي: «نظم اللؤلوء ينظمه نظماً: ألّفه وجمعه في سلك، فانتظم، وانتظمه بالرمح: اختلّ» (2).

وأقول: يفهم منه أن «ضلالة» تميزاً، أو مفعولاً له، أو الضمير مبهم يفسّره ما بعده، أي صادوا ضلالة .

[و] الانتظام لازم متعدّ. ولعلّ المعنى على الأوّل : انتظموا مع الجهالة في سلك من حيث الضلالة ، أو لأجلها . وعلى الثاني لعلّ المراد: انتظموا الجهالة بالضلالة، وخاطوها بها. وفي بعض النسخ: «وانفطموا ضلالة»، وهو أظهر (3). ؛ يقال: فطم الصبي، أي فصله عن الرضاع، فانفطم.

والظاهر أنّ نصب ضلالة حينئذ على التميز، ويحتمل الحذف والإيصال، أي انفطموا من الرضاع مع الضلالة أنّهم رضعوا مع الجهالة.

وبالجملة كانوا في صغرهم وكبرهم مع الجهالة والضلالة، وأنّ الضلالة والجهالة تمكّنتا فيهم حتّى كأنّهما صارتا غذاء لهم بحيث نبت عليه لحمهم، واشتدّ به عظمهم، أو أنّهم جَهَلَة وضُلّال في مفتتح اُمورهم ومختتمها .

والحاصل أنّ مبنى جميع اُمورهم على الجهالة والضلالة.

وقيل: أي انفطموا عن رضاع الجهالة من أجل غذاء الضلالة ، شبّه الضلالة بالطعام بعد الفطام، والمقصود بيان غمرتهم بالجهالة حتّى صار ذلك حاجباً لهم عن قبول الحقّ سابقاً، والرجوع عنه لاحقاً (4). ، انتهى وهو كما ترى.

(فأخرجنا اللّه إليهم رحمة، وأطلعنا عليهم رأفة) .

الرأفة: أشدّ الرحمة، أو الرأفة ضدّ القسوة، والرحمة ضدّ الغضب، وتعرف الرأفة حينئذ

ص: 327


1- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 181 (نظم)
2- في الطبعة القديمة ومرآة العقول : «وانفطموها» . وفي الطبعة الجديدة وأكثر النسخ التي قوبلت فيها : «وانتظموا»
3- .كما ضبطه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 65
4- . قاله المحقّق المازندراني؛ في شرحه، ج 11 ، ص 258 و259

بأنّها تأثّر القلب عن وصول الأذى إلى الغير، والرحمة بأنّها ميل القلب إلى إيصال النفع إلى الغير، وعلى التقديرين نسبتهما إلى جناب القدس باعتبار الغايات لا المبادي.

قال الفيروزآبادي:

طلع الكوكب: ظهر، وأطلعه على الأمر: علّمه، وأطلع فلاناً علينا: أتانا، وأطلعته طِلْعَ أمري ، بالكسر: أبثثته سرّي ، وأطلع إليه معروفاً: أسدى، وفلاناً: أعجله ، وعلى سرّه: أظهره (1).

وقال: «أسدى إليه: أحسن» (2). انتهى.

وعليك تطبيق كلامه عليه السلام بأحد تلك المعاني بالتأمّل، ولا يبعد أن يقرأ: «أطلعنا» بصيغة المتكلّم على بعض الوجوه.

(وأسفر بنا عن الحجب نوراً لمن اقتبسه) .

في القاموس: «سفر الصبح يسفر: أضاء وأشرق، كأسفر، والمرأة: كشفت عن وجهها»(3). وقال الجوهري: «اقتبس منه ناراً وعلماً: استفاده»(4).

(وفضلاً لمن اتّبعه، وتأييداً لمن صدّقه) .

يقال: أيّدته تأييداً، أي قوّيته. قال بعض الأفاضل: قوله عليه السلام : «وأسفر بنا» إلخ، أي أظهر بسببنا كاشفاً عن حجب الغيب التي أحاطت بنا نوراً، فقوله: «نوراً» مفعول للأسفار، والمراد أنّه أظهر بكلّ منّا نوراً، والمراد بالنور ذواتهم عليهم السلام على سبيل التجريد من قبيل: لقيت بزيد أسداً، أو علومهم وبركاتهم وآثارهم.

قال: ويحتمل أن يكون المراد بالنور الرسول صلى الله عليه و آله ، وعلى الأخير يحتمل أن يكون الباء للمعيّة، ويحتمل أن يكون للتعدية؛ إذ الغالب أنّ الأسفار يستعمل لازماً بمعنى الإضاءة، فقوله: «نوراً» حال، وإنّما اُفرد للإشعار بأنّهم نور واحد تنزيلاً للجميع منزلة شخص واحد(5).

وقيل: الإسفار: الإضاءة والإشراق، والباء للسببيّة . والمراد بالحجب أغشية الجهالة المنصوبة على قلوب الكافرين، وأغطية الغفلة المضروبة على عقول الغافلين ، حتّى غفلوا

ص: 328


1- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 59 (طلع)
2- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 341 (سدي)
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 49 (سفر) مع التخليص
4- الصحاح ، ج 3 ، ص 960 (قبس) مع اختلاف في الألفاظ
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 65

عن الربّ وصفاته، وما ينتظم به أمر معاشهم ومعادهم . و«نوراً» وما عطف عليه منصوب على التميز، وهو في المعنى فاعل «أسفر» ، كما هو المقرّر في النحو، والمراد به أنّ القرآن أو الشريعة أو العلوم الحقّة؛ أي يبصر بنورها ذو العماية، ويرشد بهداها ذو الغواية.

والمراد بالفضل إمّا الإحسان بهداية القلوب بعد ما كانت غائصة في ظلمات الذنوب، أو العلم والفضيلة، وهي الدرجة الرفيعة في الفضل والكمال، أو النعمة الجسميّة ، ومنه الفواضل وهي الأيادي الجميلة.

والمراد بالتأييد التقوية ، والنصرة في الدين ، والإعانة في طلب اليقين ، من الأيد بمعنى القوّة .

وملخّص المعنى: واللّه يعلم أسفر الحقّ، أي أضاء وأشرق وكشف نوره وفضله وتأييده عن الحجب الظلمانيّة المذكورة بسبب وجودنا، فوجودنا سبب لوصول تلك النعماء الجسميّة من اللّه تعالى إليهم.

قال: ويمكن أن يكون «أسفر» باعتبار أنّه بمعنى أضاء متعدّياً، و«نوراً» مفعوله، والباء للسببيّة، كما مرّ، فإنّ «أضاء» قد يجيء للتعدية أيضاً(1).

(فتبوّؤا العزّ بعد الذلّة) .

قال الجوهري: «المُباءة : منزل القوم في كلّ موضع، وتبوّأت منزلاً، أي نزلته، وبوّأت للرجل منزلاً، وبوّأته منزلاً بمعنى، أي هيّأته ومكّنت له فيه» (2). انتهى.

أي نزلوا وسكنوا واستقرّوا في عزّ الدنيا والآخرة بالهداية ، بعد الذلّة بالغواية والقتل والغارة وأمثالها من أسباب المذلّة.

(والكثرة بعد القلّة) .

في القاموس: «الكثرة ، ويكسر : نقيض القلّة»(3).

وقيل في توجيه كثرتهم بعد قلّتهم: اجتماعهم على دين واحد، حتّى كأنّهم صاروا شخصاً واحداً بخلاف أحوالهم سابقاً،

ص: 329


1- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 124 (كثر)
2- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 259
3- الصحاح ، ج 1 ، ص 37 (بوأ)

فإنّهم كانوا على مذاهب مختلفة ، وآراء متشتّتة ، ومنازل متباعدة ، حتّى لا يقدر كلّ صنف منهم أن يبيت في بيته ومنزله خوفاً(1).

(وهابتهم القلوب والأبصار) ؛ لما اُعطي النبيّ المختار من الرعب في قلوب الكفّار في الأمصار والأقطار .

(وأذعنت لهم الجَبابرة وطوائفها) . في بعض النسخ: «طواغيتها».

قال الفيروزآبادي: «أذغن [له] : خضع ، وذلّ ، وأقرّ ، وأسرع في الطاعة ، وانقاد»(2).

وقال: «الجبّار: كلّ عات ، كجبّير ، كسكّيت» (3).

أقول : كان الجبابرة جمع جبّير.

وقال: «الطائفة من الشيء: القطعة منه، أو الواحد فصاعداً، أو إلى الألف، أو أقلّها رجلان أو رجل، فيكون بمعنى النفس»(4).

ولعلّ المراد بالجبابرة الملوك، وبطوائفها رعاياها وأهل مملكتها.

وقيل: الظاهر أنّ إضافة الطوائف أو الطواغيت إلى ضمير الجبابرة بتقدير اللام، وأنّ المراد بهم الولاة المنصوبة من قبل الجبابرة(5).

(وصاروا أهلَ نعمة مذكورة) فيما بين الناس على جهة التعظيم ، من الذكر بمعنى الثناء والشرف .

قيل : هذا ناظر إلى الإذعان والانقياد(6).

(وكرامة مَيسورة) أي حصّلت لهم باليسر.

في القاموس: «الميسور: ما يسّر، أو هو مصدر على مفعول» (7).

وفي بعض النسخ: «وكرامة منشورة»، أي المنتثرة الشايعة في الآفاق. وقيل: هذا ناظر إلى الهيبة(8).

(وأمن بعد خوف) من الأعداء.

ص: 330


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 260
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 225 (جبر)
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 384 (جبر)
4- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 170 (طوف)
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه : ج 11 ، ص 260
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 260
7- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 163 (يسر)
8- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 260

وقيل: هذا ناظر إلى العزّ(1).

(وجمع بعد كَوف) (2). أي تفرّق وتقطّع.

قال الفيروزآبادي : «ظلّوا في كوفان : في عصف ، كعصف الريح ، أو اختلاط وشرّ ، أو مكروه ، أو أمر شديد، وكوّفت الأديم: قطّعته»(3).

وقال الجوهري : «تركهم في كوفان ، أي في أمر مستدير، ويقال في عَناء ومشقّة ودوران» (4).

وفي بعض النسخ: «حوب» بدل «كوف». وفي القاموس: «الحوب: الحزن والوحشة»(5).

وقيل: هذه الفقرة ناظر إلى الكثرة(6).

(وأضاءت بنا مفاخر مَعَدّ بن عَدنان) أي ظهر بنا افتخار العرب وتمدّحها (7). بالخصال.

والمفاخر جمع مفخرة، وهي ما يفتخر به، أو جمع فخر على غير قياس.

وقال الجوهري في فصل العين والدال: «معدّ أبو العرب، وهو معدّ بن عدنان، وكان سيبويه يقول: الميم من من نفس الكلمة لقولهم تَمَعْدَد ، لقلّة تَمَفعل في الكلام» انتهى (8)

وقد كانت له مفاخر كثيرة، وقيل: كان بينهم إلى عدنان عشرون بطناً، وقد روي عن النبي صلى الله عليه و آله : «إنّ اللّه اصطفى من العرب معدّاً، واصطفى من معدّ بني النضر بن كنانة، واصطفى هاشماً من بني النضر، واصطفاني من بني هاشم» .(9) .

وفي رواية اُخرى: «إنّ اللّه اصطفى بني كنانة من بني إسماعيل، واصطفى من بني كنانة قريشاً، واصطفى من بني قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم» (10)

ص: 331


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 260
2- .في الحاشية عن بعض النسخ: «حوب»، كما ضبطه المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 34
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 193 (كوف)
4- الصحاح ، ج 4 ، ص 1425 (كوف)
5- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 58 (حوب)
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 260
7- كذا قرأناه . وقال ابن منظور : «تمدّح الرجل بما ليس عنده : تشبّع وافتخر» . لسان العرب ، ج 2 ، ص 590 (مدح)
8- .الصحاح ، ج 2 ، ص 506 (عدد)
9- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 260 . ولاحظ الخبر في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 7، ص63
10- رواه السمعاني في الأنساب ، ج 1 ، ص 26 ، ح 25 عن أبي البركات عبد الوهّاب الأنماطي ، عن أبي الفضل حمد بن أحمد الحدّاد ، عن أبي نعيم ، عن سليمان بن أحمد ، عن أحمد بن عبد الوهّاب ، عن أبي المغيرة ، عن الأوزاعي ، عن شدّاد ، عن واثلة بن الأسقع ، عن الرسول صلى الله عليه و آله

(وأولجناهم بابَ الهدى) أي أدخلناهم فيه؛ إذ بهم خرج الناس من الكفر والحيرة والضلالة، ودخلوا باب الهداية.

(وأدخلناهم دار السلام) .

قال الجوهري: «السلام: السلامة، والاستسلام، واسم من أسماء اللّه تعالى» (1). ؛ أي أدخلناهم دار الإسلام ، أو بيت السلامة والأمن في دار الدنيا، أو المراد بها الجنّة، أي أدخلناه فيما يوجب دخولها.

(وأشملناهم ثوب الإيمان) .

في القاموس: «الشملة بالفتح، كساء دون القطيفة يشتمل به، وأشمله: أعطاها إيّاه» (2).

أي ألبسناهم وأعطيناهم خلعة الإيمان.

وقيل: التركيب من باب لجين الماء، والوجه هو الإحاطة والشمول والزينة(3).

(وفَلَجوا بنا في العالمين) .

قيل: أي غلبوا وظفروا، أو ظهروا ؛ لأنّهم كانوا في خمول الذكر وظلمة الكفر، وبهدايتهم عليهم السلام خرجوا إلى نور الإسلام، واشتهروا وظهروا في الناس(4).

أقول: في كون الفلج بمعنى الظهور خفاء. قال الجوهري: «الفَلج: الظفر والفوز، وقد فلج الرجل على خصمه، يفلج فَلَجاً»(5).

ومثله في القاموس(6).

(وأبدت لهم أيّام الرسول آثار الصالحين) .

في بعض النسخ: «وأثبت لهم».

قال الجوهري: «أبديته، أي أظهرته» .(7) وقيل: الإبداء: الإظهار . و«الأيّام» فاعله، والإسناد

ص: 332


1- الصحاح ، ج 5 ، ص 1951 (سلم) مع التلخيص
2- الصحاح ، ج 5 ، ص 1739 (شمل) مع التخليص
3- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 260
4- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 260
5- الصحاح ، ج 1 ، ص 335 (فلج)
6- اُنظر : القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 203 (فلج)
7- الصحاح ، ج 6 ، ص 2278 (بدا)

مجاز، والآثار مفعوله، ولو كان الإبداء بمعنى الظهور أو الابتداء كانت الآثار فاعله، والأيّام ظرفاً له (1). ، فتأمّل.

(من حام مُجاهد) بيان للصالحين، وإشارة إلى بعض أنواع صلاحهم.

قال الجوهري: «حميته حِماية، أي دفعت» (2). ولعلّ المراد بالحامي المجاهد من يَحمي الدين بالجهاد.

وقيل: هو الحامي لنفسه وأصحابه من لحوق العار والضرر والإيذاء، مجاهد في دين الحقّ مع المعاندين والأعداء(3).

(ومُصَلّ قانت ، ومعتكف زاهد) .

قال الجوهري: القنوت: الطاعة، هذا هو الأصل، ومنه قوله تعالى: «وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ» (4). ، وسمّي القيام في الصلاة قنوتاً، وفي الحديث: «أفضل الصلاة طول القنوت» (5). ، ومنه قنوت الوتر (6).

وقال: «عكفه، أي حبسه ووقفه، ومنه الاعتكاف في المسجد، وهو الاحتباس، وعكف على الشيء، أي أقبل عليه مواظباً»(7).

وقال الفيروزآبادي: القنوت: الطاعة ، والسكوت ، والدعاء ، والقيام إلى الصلاة ، والإمساك عن الكلام، وأقنت : دعا على عدوّه، وأطال القيام في صلاته ، وأداء الحجّ، وأطال الغَزو ، وتواضع للّه تعالى (8).

وقال: «زهد فيه _ كمنع وسمع وكرم _ ضدّ رغب ، زهداً وزَهادة (أو الزهادة في الدنيا والزهد في الدين) وكمنعه : حرزه ، وخرصه» (9).

ص: 333


1- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 . ص 260 و261
2- الصحاح ، ج 6 ، ص 2319 (حمي) مع اختلاف يسير
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 261
4- .الأحزاب (33) : 35
5- .راجع : الخصال ، ج 2 ، ص 523 ، ح 13 ؛ معاني الأخبار ، ص 332 ، ح 1 ؛ عوالي اللئالي ، ج 1 ، ص 90 ، ح 26
6- الصحاح ، ج 1 ، ص 261 (قنت)
7- الصحاح ، ج 4 ، ص 1406 (عكف) مع التلخيص
8- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 155 (قنت)
9- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 298 (زهد) مع التلخيص واختلاف يسير

(يُظهرون الأمانة) .

في القاموس:

الأمانة : ضدّ الخيانة. «وَإِنّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ» (1). ، أي الفرائض المفروضة، أو النيّة التي يعتقدها فيما يظهره باللسان من الإيمان ، وتأدية جميع الفرائض في الظاهر؛ لأنّ اللّه تعالى ائتمنه عليها، ولم يظهرها لأحد من خلقه، فمن أضمر من التوحيد مثل ما أظهره فقد أدّى الأمانة. انتهى (2).

وعرّف بعضهم الأمانة بأنّها حفظ حقوق الخالق والمخلوق.

وقيل: فيه إيماء إلى أنّهم لم يكونوا مستقرّين فيها ، ولا موصوفين بها في نفس الأمر (3).

وعندي في الإيماء نظر.

(ويأتون المثابة) .

قال الجوهري :

المثابة: الموضع الذي يثاب إليه ، أي يرجع إليه مرّة بعد اُخرى، ومنه قوله تعالى: «وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ» (4).

وإنّما قيل للمنزل مثابة؛ لأنّ أهله يتصرّفون في اُمورهم، ثمّ يثوبون إليه (5).

وقال البيضاوي في تفسير قوله تعالى: «وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ» : «أي مرجعاً يثوب إليه أعيان الزوّار وأمثالهم، أو موضع ثواب يثابون بحجّه واعتماره» (6).

وقيل: لعلّ المراد بها هنا بيت الرسول أو بيت اللّه الحرام . ويمكن أن يراد بها ما يورث الثواب من الأعمال الصالحة .(7)

(حتّى إذا دعا اللّه _ عزّ وجلّ _ نبيّه صلى الله عليه و آله ، ورفعه إليه ، لم يك ذلك) .

الظاهر أنّه إشارة إلى ما ذكر من استقامة أحوالهم بحسب الظاهر بعده، أي بعد الرسول، أو بعد رفعه.

ص: 334


1- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 261
2- الأحزاب (33) : 72
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 197 (أمن)
4- البقرة (2) : 125
5- الصحاح ، ج 1 ، ص 95 (ثوب)
6- تفسير البيضاوي ، ج 1 ، ص 398
7- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 261

(إلّا كلمحة من خَفْقَة) (1).

قال الجوهري: «لمحه وألمحه ، إذا أبصره بنظر خفيف، ولمح البرق والنجم لمحا ، أي لمع . تقول: رأيت لمحة البرق»(2).

وقال:

خفقت الراية تخفِق ويخفُق خَفقاً وخَفَقاناً، وكذلك القلب والسراب إذا اضطربا، يقال: خفق البرق خَفقاً ، وخفقت الريح خفقاناً ، وهو حفيفها ، أي دَويّ جَريها ، وخفق الرجل، أي حرّك رأسه وهو ناعس. وفي الحديث: كانت رؤوسهم تخفق خَفقة أو خفقتين. انتهى(3).

وملخّص كلامه عليه السلام المبالغة في سرعة ارتدادهم عن الدين بعد وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

(أو وَميض من بَرقة) أي لمعانها وهذا أيضاً كناية عن قلّة الزمان.

قال الفيروزآبادي: «ومض البرقُ يَمض وَمضاً ووَميضاً ووَمَضاناً: لمع خفيفاً، ولم يعترض في نواحي الغَيم، وأومضت المرأة: سارقت النظر، وفلان : أشار إشارة خفيفة»(4).

(إلى أن رجعوا على الأعقاب) (5).

جمع العَقِب ككتف، وهو مؤخّر القوم، والرجوع عليها كناية عن الارتداد من الدين.

(وانتكصوا على الأدبار) .

في القاموس: «نكص على عقبيه: رجع عمّا كان عليه من خير ، خاصّ بالرجوع عن الخير، ووهم الجوهري في إطلاقه ، [أو] في الشرّ نادر» (6).

ص: 335


1- في الحاشية: «الخفقة : تحريك الناعس رأسه . والتاء للوحدة ، والتنكير للتقليل ، واللمحة زمان رؤية واحدة ، وكثيرا ما يعبّر بها عن الزمان القليل جدّا ، ولذلك فسّرها بمقدار زمان النعاس القليل ، وفيه إشارة إلى الغفلة. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 261
2- الصحاح ، ج 1 ، ص 402 (لمح)
3- الصحاح ، ج 4 ، ص 1469 (خفق)
4- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 348 (ومض)
5- في الحاشية: «أي فضلوا عن طريق الصواب والرشاد ، وسلكوا طريق الغيّ والفساد، وعدلوا بالخلافة عنه وعن أهل بيته عليهم السلام إلى خلافة أبي الفضيل ، وقد صحّ من طرق العامّة والخاصّة أنّهم لم يشتغلوا بعد رجوعه صلى الله عليه و آله إلى الحقّ بدفنه ، واشتغلوا بنصب الخليفة، وعلّلوا ذلك بأنّه لا يجوز بقاء الاُمّة بعده بلا إمام طرفة عين، ولم يعلموا لجهلهم أنّه يلزمهم ذلك لبقاء الاُمّة عندهم بلا إمام أكثر منها ، ويلزمهم أن يكونوا أعلم من رسول اللّه صلى الله عليه و آله . صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص261 و262
6- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 320 (نكص)

وفيه: «الدبر بالضمّ وبضمّتين: نقيض القبل، ومن كلّ شيء: عقبه ومؤخّره»(1).

وفي النهاية: «النكوص: الرجوع إلى وراء، وهو القهقرى»(2).

وقيل: فيه تنبيه على أنّ رجوعهم عن الدين على هذا الوجه تموية وتدليس منهم؛ إذ لو أدبروا عنه بالكلّيّة، وتركوه من جميع الوجوه لم يحصل ما هو مطلوب لهم من الرئاسة (3).

(وطلبوا بالأوتار) جمع وَتر _ بالفتح _ بمعنى النقص والحِقد، أي طلبوا تدارك ما نقص منهم بسبب الإسلام من سنن الجاهليّة وآثارها ، وإظهار الحقد الذي كان في قلوبهم بالانتقام من أهل الإسلام سيّما أمير المؤمنين عليه السلام .

أو جمع وِتر بالكسر، وهي (4). الجناية التي يجنيها الرجل على غيره من قتل أو نهب أو سبي، ومنه الموتور، وهو الذي قتل له قتيل، ولم يدرك بدمه.

وقيل: كأنّه إشارة إلى سبب انحرافهم منه عليه السلام ، وهو أنّه جنى من كلّ قوم من العرب جنايات ، وقتل منهم جماعات في الحروب، فصار ذلك سبباً لميلهم عنه، أو إشارة إلى ما وقع بينه وبين معاوية وأصحاب الجمل وأهل النهروان ؛ فإنّ كلّهم نسبوا الجناية إليه من قتل عثمان وغيره ممّا لم يفعله، فيكون حينئذ إخباراً بالغيب؛ لأنّه أخبر بما سيقع، وقد وقع، والإتيان بالماضي للدلالة على تحقّق وقوعه (5).

(وأظهروا الكتائب) جمع كتيبة، وهي الجيش أو الجماعة المستحيزة من الخيل ، أو جماعة الخيل إذا أغارت من المائة إلى الألف .

وقيل: هي القطعة العظيمة من الجيش(6).

ولعلّ المراد أنّهم هيّؤوا الجيوش لمحاربته عليه السلام على الاحتمالين السابقين.

(ورَدَموا الباب) .

في القاموس: «ردم الباب والثلمة يردمه : سدّه كلّه أو ثلثه، أو هو أكثر من السدّ» . (7) أي

ص: 336


1- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 26 (دبر)
2- النهاية ، ج 5 ، ص 116 (نكص)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 262
4- .في النسخة : «وهو»
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 262
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 262
7- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 119 (ردم)

سدّوا باب بيت الرسول، وكأنّه كناية عن منع الناس من الإتيان إلى باب علمه ورجوعهم إلى أهل بيته.

(وفَلّوا الدار) .

الفلّ بالفاء وشدّ اللام: الكسر والثَّلم .

ولعلّ فلّ الدار إشارة إلى ما فعل قُنفذ بأمر الثاني ، ويجيء هذه القصّة في موضعها إن شاء اللّه .

أو كناية عن السعي في تزلزل بنيان أهل البيت عليهم السلام ، والكدّ في خذلانهم .

أو المراد بالدار دار الإسلام والشريعة، وفلّها كناية عن هدم قوانينها ، والغلبة على أهلها قهراً أو عنوة.

وفي بعض النسخ: «قَلوا» ، بالقاف وتخفيف اللام ، وهو البغض، أي أبغضوا أهل الدار ونفسها على احتمال.

(وغيّروا آثار الرسول (1). صلى الله عليه و آله ) .

الأثر بالتحريك: بقيّة الشيء، والخبر . الجمع: آثار واُثور. والمراد هنا سنن الرسول وقوانينه الشرعيّة.

(ورغبوا عن أحكامه) من الحلال والحرام وغيرهما من الأحكام الشرعيّة، وأصل الحكم : القضاء والحكومة .

وقيل في توجيه رغبتهم عنها : إنّ بناء تصرّفاتهم في أمر الدين على القياسات والاجتهادات والاستنباطات المخالفة لمناط الأحكام الشرعيّة، وقد كان المعروف من الأحكام عندهم ما عرفوه بآرائهم وإن كان منكراً في الشريعة، والمنكر منها عندهم ما أنكره طبائعهم وإن كان معروفاً فيها(2).

(وبَعُدوا عن (3). أنواره) .

لعلّ المراد بها الأئمّة المعصومين المتشعّبين من نوره، أو العلوم الدينيّة والأسرار

ص: 337


1- .في الحاشية عن بعض النسخ: «من»
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 262
3- .في كلتا الطبعتين والمتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «رسول اللّه »

القرآنيّة، وبالجملة رجعوا عن تلك الأنوار إلى ظلمات جهالتهم وضلالتهم التي كانوا عليها.

(واستبدَلوا بمستخلَفه بَديلاً) .

قال الجوهري: «البَديل: البدل، وبدل الشيء: غيره»(1).

وفي القاموس: «بدل الشيء ، محرّكة: الخلف منه»(2).

(اتّخذوه) أي البديل .

وقيل: فيه إيماء إلى أنّ منشأ الاستبدال إنّما هو أهوائهم من غير أن يكون له أصل صحيح، أو سند صريح(3).

(وكانوا ظالمين) في هذا الاستبدال ، واضعين الأشياء في غير مواضعها، وفيه إيماء لطيف إلى أنّهم عبدوا العجل، كما لا يخفى .

(وزعموا أنّ من اختاروا من آل أبي قحافة) .

قال الفيروزآبادي: «آل الرجل: أهله وأتباعه وأولياؤه»(4).

وقال: «أبو قحافة ، بفتح القاف وتخفيف الحاء : عثمان بن عامر ، والد الصدّيق» (5).

(أولى بمقام رسول اللّه صلى الله عليه و آله ممّن اختاره الرسول (6). صلى الله عليه و آله لمقامه) .

قال الجوهري: «فلان أولى بكذا، أي أحرى وأجدر، ويقال: هو الأولى ، وهم الأوالي والأولون ، مثال الأعلى والأعالي والأعلون»(7).

(وأنّ مهاجر آل أبي قُحافة خير من مهاجري الأنصار الربّاني) .

في بعض النسخ: «من المهاجري الأنصاري».

والياء في الأوّل الجمع، وفي الأخيرين للنسبة والجمع ، إن كان علماً كالأنصار لا يردّ في النسبة إلى الواحد، وأراد عليه السلام بالمفضّل عليه في الموضعين نفسه المقدّسة.

ومعنى كونه عليه السلام من مهاجري الأنصار أنّه داخل في طائفة المهاجرين ؛ لهجرته معها، وفي طائفة الأنصار ؛ لنصرة رسول اللّه صلى الله عليه و آله معهم.

ص: 338


1- الصحاح ، ج 4 ، ص 1622 (بدل)
2- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 333 (بدل)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 263
4- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 331 (آل)
5- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 183 (قحف)
6- .في الطبعة القديمة والمتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «رسول اللّه »
7- الصحاح ، ج 6 ، ص 2531 (ولي)

وفي نسخة اُخرى: «من مهاجر الأنصاري».

قيل: فالمهاجر إمّا بصيغة اسم الفاعل، أي المهاجر الداخل في الأنصار، أو مصدر بصيغة اسم المفعول في الموضعين، أي مهاجرة من هو داخل في الأنصار.

وقال صاحب النهاية: «الربّاني : منسوب إلى الربّ ، بزيادة الألف والنون للمبالغة» (1).

وقيل: هو من الربّ بمعنى التربية ، كانوا يربّون المتعلّمون بصغار العلوم قبل كبارها، والربّاني : العالم الراسخ في العلم والدين ، والذي يطلب بعلمه وجه اللّه تعالى، وقيل: العالم الفاضل المعلّم (2).

(ناموس هاشم بن عبد مَناف) .

في النهاية: «الناموس: صاحب سرّ الملك .

وقيل: الناموس: صاحب سرّ الخير، والجاسوس: صاحب سرّ الشرّ»(3).

وفي القاموس: «الناموس: صاحب السرّ ، المطّلع على باطن أمرك، أو صاحب سرّ الخير ، وجبرئيل ، والحاذق ، ومن يلطف مدخله» (4).

(ألا وإنّ أوّل شهادة زور) أي كذب وافتراء.

(وقعت في الإسلام شهادتهم أنّ صاحبهم)؛ يعني فلان .

(مُستخلَف رسول اللّه صلى الله عليه و آله ) .

يقال: استخلف فلاناً، أي جعله خليفته.

قال بعض الأفاضل الأعلام: «لم أر دعواهم النصّ على فلان في غير هذا الخبر، وهو غريب»(5).

أقول : لعلّ المراد بالاستخلاف هنا كونه مستحقّاً للخلافة بمعنى الإمارة والحكومة والسلطنة، وإضافة «مستخلف» إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله بأدنى ملابسة.

قال الفيروزآبادي: «الخليفة: السلطان الأعظم» (6).

ص: 339


1- النهاية ، ج 2 ، ص 181 (ربب)
2- راجع : شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 263
3- النهاية ، ج 5 ، ص 119 (نمس)
4- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 256 (نمس)
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 67
6- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 138 (خلف)

ويحتمل أن يكون إشارة إلى ما رووا من أخبارهم الموضوعة في ذلك؛ منها روايتهم عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه قال: «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» (1) .

ومنها أنّه قال: «خير اُمّتي أبو بكر ثمّ عمر» (2).

ومنها أنّه قال: «لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يتقدّم عليه غيره» (3).

ومنها أنّه قال: «لو كنت متّخذاً خليلاً دون ربّي ، لاتّخذت أبا بكر خليلاً، لكن هو شريكي في ديني، وصاحبي الذي أوجبت له صحبتي في الغار، وخليفتي في اُمّتي» (4).

ومنها ما رووا عن عمرو بن العاص أنّه قال: قلت (5). لرسول اللّه صلى الله عليه و آله : أيّ الناس أحبّ إليك؟ فقال: «عائشة» ، قلت: من الرجال؟ قال: «أبوها» ، قلت: ثمّ من؟ قال: «عمر» (6).

ومنها أنّه قال: «لو كان بعدي نبي، لكان عمر» (7).

ومنها ما يدلّ التزاماً على ذلك ما رووا عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه قال: «لا يجتمع اُمّتي على خطأ» (8).

بعد ادّعائهم الإجماع على خلافة أبي بكر وغيرها من المفتريات والأكاذيب .

إذا عرفت هذا ظهر لك أنّ قول الفاضل المذكور : «لم أر دعواهم» إلخ غريب منه ، نعم ادّعى بعضهم الإجماع على عدم النصّ باستخلاف أحد ، منهم القاضي العضد في مواقفه، ومثل هذا التناقض في كلامهم أكثر من أن يحصى، واللّه الهادي إلى سبيل الرشاد .

(فلمّا كان من أمر سعد بن عُبادة ما كان رجعوا عن ذلك) أي عن ادّعائهم على الاستخلاف.

(وقالوا: إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله مضى ولم يستخلف) حيث اجتمع طائفة من الأنصار عليه في سقيفة بني ساعدة، وأرادوا أن يأخذوا له البيعة، فحضر الأوّل والثاني مع أتباعهما، وقالوا: إنّه

ص: 340


1- . اُنظر : مسند أحمد ، ج 5 ، ص 382 ؛ سنن الترمذي ، ج 5 ، ص 271 ، ح 3734 ؛ المستدرك للحاكم ، ج 3 ، ص 75
2- اُنظر : المواقف للإيجي ، ج 3 ، ص 624 ؛ تمهيد الأوائل ، ص 466 ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ج 30 ، ص 376
3- اُنظر : سنن الترمذي ، ج 5 ، ص 276 ، ح 3755 ؛ تحفة الأحوذي ، ج 10 ، ص 109 ؛ المواقف ، ج 3 ، ص 623
4- اُنظر : المواقف ، ج 3 ، ص 624 ؛ منار الهدى ، ص 316
5- .في النسخة : «قال»
6- اُنظر : مسند أحمد ، ج 4 ، ص 203 ؛ صحيح البخاري ، ج 4 ، ص 192 ؛ صحيح مسلم ، ج 7 ، ص 109
7- اُنظر : المستدرك للحاكم ، ج 3 ، ص 85 ؛ مجمع الزوائد ، ج 9 ، ص 68 ؛ فتح الباري ، ج 7 ، ص 41
8- .اُنظر : الحدائق الناظرة ، ج 9 ، ص 370 ؛ الفصول المختارة ، ص 239 ؛ الصراط المستقيم ، ص 125 ؛ المجموع للنووي ، ج 10 ، ص 42

مضى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ولم يستخلف أحداً، فلابدّ من خليفة لحفظ بيضة الإسلام، وكلّ واحد من الفريقين ادّعى أن يكون الخليفة منهم، وذكر لادّعائه مرغّبات، حتّى علت الأصوات واشتدّت المخاصمة، فبادر الثاني وبعض أهل النفاق إلى بيعة الأوّل ، ونذكره مفصّلاً إن شاء اللّه تعالى .

(فكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله الطيّب المبارك) .

هما صفتان لرسول اللّه صلى الله عليه و آله .

وقوله: (أوّل مشهود عليه بالزور في الإسلام) خبر «كان»، وكون الثلاثة إخباراً له بعيد.

والمراد بشهادة الزور هنا شهادتهم بأنّه صلى الله عليه و آله مضى، ولم يستخلف أحداً.

قال الجوهري: «الطيّب: ضدّ الخبيث»(1).

وفي القاموس: «البركة ، محرّكة: النماء والزيادة والسعادة، وبارك على محمّد وآل محمّد: أدم له ما أعطيته من التشريف والكرامة»(2).

(وعن قليل يجدون غِبّ ما يعلمون) .

كلمة «عن» هنا بمعنى «بعد»، كما قيل في قوله تعالى: «عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ» (3).

والغبّ ، بالكسر : عاقبة الشيء.

وفيه وعيد بأنّهم يجدون جزاء أعمالهم عند الموت وبعده.

(وسيجد التالون) أي الذين يتلونهم، ويأتون على عقبهم، أو الذين يتّبعونهم.

(غبّ ما استنّه (4). الأوّلون)، أي جعلوه سنّة، وأخذوا به.

وفي بعض النسخ: «أسّسه» من التأسيس، وهو بيان حدود الدار، ورفع قواعدها ، وبناء أصلها .

(ولئن كانوا في مَندوحة من المَهل) أي في سعة وإمهال من رفق اللّه تعالى بهم، أو من تأخيرهم.

وقيل: أو من تقدّمهم في الدنيا وخيراتها(5).

قال الفيروزآبادي: «المَهل _ ويحرّك _ والمُهلة بالضمّ: السكينة والرفق، ومهّله تمهيلاً:

ص: 341


1- المؤمنون (23) : 40
2- الصحاح ، ج 1 ، ص 173 (طيب)
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 293 (برك)
4- .في كلتا الطبعتين والمتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «أسّسه»
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 264

أجّله، وأمهله: أنظره» (1).

(وشِفاء من الأجل) .

الشِّفاء _ بالكسر والمدّ _ خلاف المرض والدواء، وبالفتح والقصر: القليل .

قال الجوهري: «ما بقي منه إلّا شفا ، أي قليل» (2) . ولعلّ الثاني أنسب هنا .

والأجل ، محرّكة: غاية الوقت في الموت ومدّة الشيء .

وقيل: لعلّ المراد أنّهم في صحّة الأجسام والأبدان من تمام العمر ، على أن يكون الشفاء بالكسر والمدّ . أو في طرف من غايته ، على أن يكون الشفاء بالفتح والقصر، ولكن رسم الخطّ يابأه . أو في شقاوة منه على أن يكون «شَقاء» بالقاف المفتوحة والمدّ ، كما في بعض النسخ.

(وسعة من المنقَلب) بكسر اللام عبارة عن متاع الدنيا ونعيمها ؛ لأنّه ينقلب على أهلها، ويتبدّل ويزول . أو بفتحها على أن يكون مصدراً، أو اسم مكان، أي من تحوّل أهل الدنيا وانقلابهم فيها، أو من الدنيا وأحوالها وأوضاعها.

وقيل: أي من الانقلاب والرجوع إلى اللّه تعالى بالموت(3).

(واستدراج من الغُرور) .

هو بالفتح : الدنيا ومتاعها، وبالضمّ : مصدر بمعنى الإغفال والخديعة والإطماع في الباطل .

أو جمع غار وهي الأباطيل .

واستدرجه ، أي خدعه وأدناه، واستدراج اللّه تعالى العبد أنّه كلّما جدّد خطيئة جدّد له نعمة، وأنساه الاستغفار، وأن يأخذه قليلاً قليلاً ، ولا يباغته .

(وسكون من الحال) .

أي ما كانوا عليه من الأمن والصحّة ورفاه الخاطر وسعة العيش وكثرة الأنصار والأعوان والأسباب، وسكونها استقرارها لهم ، وعدم تغيّرها عنهم ، وتمتّعهم إلى حين.

(وإدراك من الأمل) أي ما يأملون ويتمنّون من أمتعة الدنيا وزخارفها ولذّاتها من المناكح والمطاعم والملابس وأمثالها.

ص: 342


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 52 (مهل) مع التلخيص
2- .الصحاح ، ج 6 ، ص 2393 (شفي)
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 68

وقوله: (فقد أمهل اللّه ... ) قائم مقام الجزاء المحذوف بقرينة المقام، والتقدير: فليعلموا أنّ اللّه تعالى لم يقصم الجبّارين إلّا بعد إمهال ورخاء.

(شَدّاد بن عاد وثَمود بن عَبوّد) .

قال الجوهري: «عاد: قبيلة ، وهم قوم هود عليه السلام »(1).

وقال: «ثمود: قبيلة من العرب الأوّلي، وهم قوم صالح عليه السلام ، يصرف ولا يصرف»(2).

وفي القاموس: «عَبّود كتنّور: رجل نوّام ، نام في محتطبه سنين» (3).

وصحّحه الشيخ محمّد رحمه الله أيضاً بفتح العين وشدّ الباء .

وفي نسخة بالنون المخفّفة، وكأنّه تصحيف.

وقال البيضاوي: ثمود: قبيلة من العرب سمّوا بأسماء أبيهم الأكبر ثمود بن عامر بن إرم بن سام، وقيل: سمّوا به لقلّة مائهم، من الثَمْد وهو الماء القليل، وكانت مساكنهم بين الحجاز والشام إلى وادي القرى (4).

(وبَلعم بن بحور) (5).

في بعض النسخ: «بلعم بن باعور». وفي غير نسخ هذا الكتاب: «باعورا». ونقل في مجمع البيان عن أبي حمزة الثمالي أنّ بلعم بن باعور كان رجلاً على دين موسى، وكان في المدينة التي قصدها، وكانوا كفّاراً، وكان عنده اسم اللّه الأعظم، وكان إذا دعا به أجابه(6).

وقيل: هو بلعم بن باعور من بني هاب بن لوط.

وقال البيضاوي: «روي أنّ قومه سألوه أن يدعو على موسى ومن معه، فقال: كيف أدعو على من معه الملائكة؟! فألحّوا عليه حتّى دعا عليهم، فبقوا في التيه» (7).

قال الفيروزآبادي: «بلعم كجعفر: الأكول الشديد البَلع، ورجل معروف، أو هو بَلعام» (8). انتهى.

ص: 343


1- الصحاح ، ج 2 ، ص 515 (عود)
2- الصحاح ، ج 2 ، ص 451 (ثمد)
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 311 (عبد)
4- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 35 (مع التلخيص واختلاف يسير)
5- في كلتا الطبعتين والمتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «باعور»
6- راجع : تفسير مجمع البيان ، ج 3 ، ص 311
7- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 73
8- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 81 (بلعم)

وقيل: كان أباه سمّي بالبحور ؛ لكثرة ماله من تَبَحّر في المال، إذا كثر ماله، أو لكثرة حمقه أو كذبه أو فضوله، ومنه الباحر ، وهو الأحمق والمكذاب والفضولي (1).

وفي بعض النسخ: «باحور» بدل «بحور».

وفي القاموس: «الباحور والباحوراء: شدّة الحرّ في تموز»(2).

(وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة) .

سبوغ النعمة: اتّساعها، وإسباغها: إكمالها وإتمامها.

والنعمة بالكسر: اليد ، والضيعة ، والمنّة ، وما أنعم به عليك ، والخفض ، والدعة ، والمال، وجمعها: نِعَم _ كعنب _ وأنعم. والنَعمة _ بالفتح _ اسم من التنعّم، وهو الترفّه.

وقيل: النعمة: كلّ ما يصحّ الانتفاع به، فإن كان من شأنها أن تنالها الحواسّ فظاهرة، وإلّا فباطنة.

أو المراد بالظاهرة كلّ ما يحتاجون إليه في الحياة الدنيويّة، وبالباطنة كلّ ما يحتاجون إليه في الحياة الاُخرويّة ، مثل إنزال الكتب وبعث الأنبياء وتقرير الحجّة.

أو المراد بالظاهرة بعث الرسول، وبالباطنة تكميل العقول (3).

وقيل: النعم الظاهرة ما يعرف، والباطنة ما لا يعرف.

(وأمدّهم بالأموال والأعمار) .

المَدّ: البسط والإمهال، كالإمداد ، والإمداد : تأخير الأجل والإعطاء والإعانة، أو في الشرّ مددته، وفي الخير أمددته.

(وأتتهم الأرض ببركاتها) .

البركة بالتحريك: النماء والزيادة والسعادة، أي جائهم الأرض بعطاياها لهم ومتاعها لهم ولأنعامهم، وهو عبارة عن الخصب والرخاء.

(ليذّكّروا آلاء اللّه) .

في القاموس: «الآلاء: النعم، واحدها: ألي وإلي وألو وألىً وإلىً»(4).

ص: 344


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 265
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 368 (بحر)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 265
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 300 (ألي)

والغرض من ذكر نعمه أو تذّكرها أداء شكره.

(وليعترفوا الإهابة له) .

في بعض النسخ: «وليعرفوا». وفي بعضها: «ثمّ» بدل الواو.

قال الجوهري: «عرفته معرفة وعِرفاناً، وقولهم: ما أعرف لأحد يصرعني ، أي ما اعترف، واعترفت القوم ، إذا سألتهم عن خبر لتعرفه»(1).

وفي القاموس: «اعترف الشيء: عرفه، وذلّ وانقاد»(2).

وقال الجوهري : الهيبة: المهابة، وهي الإجلال والمخافة، ورجل مهيب : يهابه الناس. وفي الحديث: «الإيمان هَيوب» ، أي إنّ صاحبه يهاب المعاصي . وأهاب الراعي بغنمه، أي صاح بها لتقف أو لترجع، وأهاب بالبعير (3).

أقول : لعلّ فاعل الإهابة هو اللّه تعالى أو دعاته، والمعنى ليعرفوا إهابته تعالى، أي كونه جليلاً مهيباً يهابه الناس، ويخافون عذابه . أو ليعرفوا إخافته تعالى عباده بالمعاصي وتحذيرهم عنها ووعيدهم عليها . أو ليعرفوا دعوته تعالى عباده، أو دعوة دعاته إيّاهم بالأوامر والنواهي ليقفوا عند الأوّل، ولا يتجاوزوا عن حدوده، ويرجعوا عن الثاني، ولا يرتكبوه . أو لينقادوا ويستسلموا ذلك، أو المراد ليستخبروا ويتعلّموا مقتضيات الإهابة بإحدي تلك المعاني.

وقيل: أي ليعترفوا بالتعظيم والتوقير له على سبيل الكناية، أو على أن أهاب بمعنى هاب، يقال: هاب الشيء يهابه ، إذا أوقره وعظّمه (4). ، فتأمّل.

(والإنابة إليه) ؛ للخوف من أخذه، والطمع في رفده. قال الجوهري : «أناب إلى اللّه، أي أقبل وتاب» (5).

(ولينتهوا عن الاستكبار) على اللّه وعلى أنبيائه وأوليائه بالمخالفة . يقال: استكبره وأكبره، أي رآه كبيراً ، وعظم عنده ، واستكبره : تطاول عليه .

ص: 345


1- الصحاح ، ج 4 ، ص 1401 و1402 (عرف) مع التلخيص
2- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 175 (عرف)
3- الصحاح ، ج 1 ، ص 239 و240 (هيب) مع التلخيص
4- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 266
5- الصحاح ، ج 1 ، ص 229 (نوب)

وقيل: ذكر الآلاء سبب للانتهاء عنه؛ إذ من ذكر آلائه تعالى على نفسه في بدء وجوده إلى كماله علم أنّه عبد ذليل بين يدي ملك جليل، فيحصل له الذلّ والانكسار وملكة الانتهاء عن الاستكبار.

قال: وممّا ذكرنا ظهر أنّ ترتّبه على قوله: «ليذّكّروا» _ كما يقتضيه «ثمّ» (1). _ أظهر من ترتّبه على سوابق هذا القول كما يقتضيه الواو (2).

(فلمّا بلغوا المدّة، واستتمّوا الاُكلة) .

المراد بالمدّة وقت ارتحالهم عن الدنيا ؛ إمّا بالموت ، أو بنزول العذاب ، أو يراد بالمدّة مدّة إمهالهم ، والبلوغ إليها البلوغ إلى آخرها، والمآل واحد.

والأكلة بالفتح: المرّة الواحدة من الأكل، وبالضمّ: اللقمة والقُرصة والطُّعمة، كذا في القاموس (3). ، ومثله في الصحاح إلّا أنّه قال: الأكلة: المرّة الواحدة حتّى تشبع (4). ، فاعتبر الشبع في الأكلة .

والمراد بها هنا الرزق المقدّر لهم .

(أخذهم اللّه عزّ وجلّ) .

في القاموس: «الأخذ: التناول ، والإيقاع بالشخص ، والعقوبة» (5).

(واصطلمهم) (6). أي استأصلهم .

(فمنهم من حُصب) .

قال البيضاوي في قوله تعالى: «فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً» (7). : «ريحا عاصفا فيها حَصباء ، أو ملكاً رماهم بها كقوم لوط» (8).

ص: 346


1- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 266
2- في الحاشية: «يعني في قوله: ثمّ ليعترفوا، كما في بعض النسخ. منه»
3- .اُنظر : القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 329 (أكل)
4- .اُنظر : الصحاح ، ج 4 ، ص 1624 (أكل)
5- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 350 (أخذ)
6- .في الحاشية: «الاصطلام : افتعال من الصلم، وهو القطع المستأصل، وقد أشار _ جلّ شأنه _ إلى جميع ذلك بقوله: «أَ فَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جائَهُمْ ما كَانُوا يُوعَدُونَ * ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كَانُوا يُمَتَّعُونَ» [الشعراء (26) : 205 _ 207]. صالح» شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 266
7- .العنكبوت (29) : 40
8- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 316

وقال الجوهري: «حصبت الرجل أحصبه _ بالكسر _ أي رميته بالحصباء، والحاصب: الريح الشديدة التي تُثير الحصباء» (1).

(ومنهم من أخذته الصيحة) كأهل مدين وثمود.

قال الجوهري: «الصياح: الصوت، تقول: صاح يَصيح صَيحاً وصَيحة وصياحاً، والصيحة: العذاب، وأصله من الأوّل» (2).

(ومنهم من أحرقته الظُّلّة) .

قال اللّه عزّ وجلّ: «كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبُ أَلَا تَتَّقُونَ» إلى قوله تعالى: «فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابَ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ» (3).

قال البيضاوي: «بأن سلّط اللّه عليهم البحر سبعة أيّام حتّى غلت أنهارهم وأظلّتهم سحابة ، فاجتمعوا تحتها فأمطرت عليهم ناراً فاحترقوا» (4).

وفي بعض النسخ: «الظلمة» بدل «الظلّة».

ولعلّ المراد بها ظلمة الظلّة، وإسناد الإحراق إليها مجاز كالاُولى .

(ومنهم من أودته الرَّجفة) .

قال اللّه _ عزّ وجلّ _ في ثمود _ قوم صالح _ وأصحاب مدين _ قوم شعيب _ : «فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ» (5).

قال البيضاوي : «الرجفة: الزلزلة الشديدة» (6).

وقيل: صيحة جبرئيل؛ لأنّ القلوب ترجف بها .

والظاهر أنّ قوله عليه السلام : «أودته» من أودى، إذا هلك، وكونه من الأود بمعنى الاعوجاج والانعطاف بعيد.

قال الجوهري: «أودى فلان: هلك» (7).

وفي القاموس: «أودى: هلك، وبه الموت: ذهب» (8).

أقول : يظهر منه أنّ هنا حذفاً وإيصالاً.

ص: 347


1- الصحاح ، ج 1 ، ص 112 (حصب)
2- الصحاح ، ج 1 ، ص 384 (صيح) مع التلخيص
3- الشعراء (26) : 176 _ 189
4- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 252
5- الأعراف (7) : 78 و91 ؛ العنكبوت (29) : 37
6- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 36
7- الصحاح ، ج 6 . ص 2521 (ودي)
8- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 399 (ودي)

(ومنهم من أردته الخَسفة) أي أهلكته الخسف والسَّوخ (1). في الأرض كقارون.

قال الجوهري: «رَدي _ بالكسر _ يردى ردىً: هلك، وأرداه غيره» (2).

وفي القاموس: «خسف المكان يَخسف خُسوفاً: ذهب في الأرض، واللّه بفلان الأرض: غيّبه فيها، والخَسفة: ماء غزير» (3).

«وَما كانَ اللّهُ لِيَظْلِمَهُمْ» أي ليعاملهم معاملة الظالم، فيعاقبهم بغير جرم؛ إذ ليس ذلك من عادته.

«وَلكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ» (4). بأن يعرّضوها للعذاب .

(ألا وإنّ لكلّ أجل كتاباً) .

قيل: لكلّ وقت وأحد حكم يكتب على العباد على ما يقتضيه استصلاحهم (5).

وقيل: لكلّ أجل مكتوب كتب فيه ذلك الأجل، ولعلّها اللوح المحفوظ (6).

وقيل: هو العلم الإلهي المعبّر عنه بالكتاب المبين (7).

(فإذا بلغ الكتاب أجلَه) .

يحتمل أن يكون «أجله» بالرفع على البدليّة من الكتاب، أي إذا بلغ وتمّ أجل الكتاب . وما قيل من أنّه يحتمل أن يكون مرفوعاً على الفاعليّة ، والكتاب منصوباً على المفعوليّة، أي إذا بلغ الأجل والعمر الحدّ الذي كتب في الكتاب 8 ، نفيه أنّ الفاعل والمفعول إذا كانا معرفتين، ولم تكن قرينة على التعيين، وجب تقديم الفاعل.

ويمكن أن يراد بالكتاب الذي كتب فيه جميع تقديرات الشخص، ويكون مرفوعاً على الفاعليّة، و«أجله» منصوباً على المفعوليّة، أي إذا استكمل جميع ما قدّر وكتب فيه، وبلغ الأجل الذي هو آخر التقادير ومنتهاها، فحينئذ بلوغُ الكتاب أجلَه كناية عن انتهائه .

ص: 348


1- .الصحاح ، ج 6 ، ص 2355 (ردي)
2- السَّوْخُ في الأرض : الدخول فيها . اُنظر : لسان العرب ، ج 3 ، ص 27
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 133 (خسف) مع التلخيص
4- .التوبة (9) : 70 ؛ العنكبوت (29) : 40
5- راجع : تفسير جوامع الجامع ، ج 2 ، ص 267 ؛ تفسير النسفي ، ج 2 ، ص 221 ؛ تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 334
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 69
7- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 267

والظاهر أنّ قوله: (لو كُشف لك عمّا هوى إليه الظالمون) مع جزاؤه الآتي ، وهو قوله: «لهربت إلى اللّه» جزاء «إذا» . قال الجوهري : «هوى _ بالفتح _ يهوي هويّاً ، أي سقط إلى أسفل، وكذلك الهوى في السير ، إذا مضى» (1). ؛ أي لو كشف الحجاب بينك وبين ما سقطوا، أو ساروا إليه من النكال والوبال.

(وآل إليه الأخسرون) أي عمّا رجعوا إليه من سوء العاقبة وشدّه العقوبة.

(لهربتَ إلى اللّه) أي التجأت به.

(ممّا هم عليه مُقيمون) من الكفر والظلم.

وقيل: فيه إحضار للصورة الماضية ؛ للتنبيه على ظهورها ، والتنفير منها (2).

(وإليه صائرون) بعد الموت من عذاب الأبد .

قيل: لما ذكر عليه السلام زمرة من الجاهلين ، وجملة من الجبّارين [الدين] أماتوا سنن المرسلين، وأحيوا سنن الشياطين، أمهلهم اللّه زماناً طويلاً، ثمّ أخذهم أخذاً وَبيلاً ، فصاروا إلى الآخرة وهم خاسرون، تذكرة للعالمين، وتنبيهاً للغافلين، عاد إلى إظهار حاله، وبيان أنّه الإمام للمؤمنين، والخليفة بعد الرسول الأمين (3).

وقال : (ألا وإنّي فيكم أيّها الناس كهارون في آل فرعون) ؛ فإنّه شريك موسى عليه السلام في النبوّة ، إلّا أنّه لا نبيّ بعد نبيّنا صلى الله عليه و آله .

(وكباب حِطّة في بني إسرائيل) إشارة إلى قوله تعالى: «وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ» (4).

قال البيضاوي : «القرية: بيت المقدّس» (5).

وقيل : أريحا ، اُمروا به بعد التيه، والباب باب القرية، أو القبّة التي كانوا يصلّون إليها؛ فإنّهم لم يدخلوا بيت المقدّس في حياة موسى عليه السلام .

و «قُولُوا حِطَّةٌ» أي مسألتنا، أو أمرك حطّة، وهي فِعلة من الحَطّ كالجلسة،

ص: 349


1- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 267
2- الصحاح ، ج 6 ، ص 2538 (هوي)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 267 و268
4- البقرة (2) : 58
5- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 66

وقرى ء بالنصب على الأصل ، بمعنى حُطّ عنّا ذنوبنا حطّة، أو على أنّه مفعول «قولوا»، أي قولوا هذه الكلمة (1).

وقيل: معناه: أمرنا حِطّة، أي أن نحطّ هذه القرية، ونقيم بها الشيء .

وغرضه عليه السلام من التشبيه أنّه مثل هذا الباب في أنّ من دخله وتمسّك به فقد دخل في الدين ، وكان من أهله مغفوراً خطاياه ، مزيداً أجر حسناته.

ومن تخلّف عنه كان مصداقاً لقوله تعالى: «فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ» (2).

(وكسفينة نوح في قوم نوح) إشارة إلى قوله صلى الله عليه و آله : «مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح، من تمسّك بها نجا، ومن تخلّف عنها غرق» (3).

(وإنّي النبأ العظيم) .

روى المصنّف رحمه الله بإسناده عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوله تعالى: «عَمَّ يَتَسَائَلُونَ * عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ» (4). قال: «النبأ العظيم: الولاية» (5).

وقال هنا صاحب الطرائف من العامّة :

روى الحافظ محمّد بن مؤمن الشيرازي في كتابه في تفسير قوله تعالى: «عَمَّ يَتَسَائَلُونَ * عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ» بإسناده إلى السدي يرفعه قال: أقبل صخر بن حرب ، حتّى جلس إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال: يا محمّد، هذا الأمر لنا من بعدك، أم لمن؟ قال صلى الله عليه و آله : «يا صخر، الأمر من بعدي لمن هو منّي بمنزلة هارون من موسى عليه السلام ، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: «عَمَّ يَتَسَائَلُونَ * عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ» ، يعني يسألك أهل مكّة عن خلافة عليّ بن أبي طالب ، «الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ» منهم المصدّق بولايته وخلافته، ومنهم المكذّب، قال: «كَلَا» ؛ وهو ردع عليهم . «سَيَعْلَمُونَ» ؛ أي سيعرفون خلافته من بعدك أنّها حقّ ، «ثُمَّ كَلَا سَيَعْلَمُونَ» ؛ أي سيعرفون خلافته وولايته ؛ إذ يسئلون عنها في قبورهم، فلا يبقى ميّت في شرق ولا غرب، ولا في برّ ولا بحر إلّا ومنكر ونكير يسألانه عن ولاية أمير

ص: 350


1- راجع : شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 268
2- البقرة (2) : 59
3- الاحتجاج ، ج 2 ، ص 380 ؛ عيون الأخبار ، ج 2 ، ص 27 ، ح 10 ؛ الأمالي للطوسي ، ص 60 ، المجلس الثاني ، ح 88 ؛ وص 733 ، المجلس 45 ، ح 1532 ؛ بشارة المصطفى ، ص 88 (في كلّها مع اختلاف يسير)
4- .النبأ (78) : 1 و2
5- الكافي ، ج 1 ، ص 418 ، باب فيه نكت و ... ، ح 34 . وعنه في بحار الأنوار ، ج 24 ، ص 352 ، ح 71

المؤمنين عليه السلام بعد الموت، يقولان له: من ربّك؟ وما دينك؟ ومن نبيّك؟ ومن إمامك؟ (1). إلى هنا كلام صاحب الطرائف.

(والصدّيق الأكبر) .

قال الجوهري: «الصدّيق مثال الفِسّيق: الدائم التصديق، ويكون الذي يصدّق قوله بالعمل»(2).

وقيل: وصفه بالأكبر للمبالغة في أنّه لم يصدر منه الخطأ من أوّل العمر إلى آخره (3).

(وعن قليل) أي بعد زمان قليل.

(ستعلمون ما توعدون) .

قال الجوهري : «الوعد مستعمل في الخير والشرّ، وعده خيراً ووعده شرّاً، وإذا أسقطوا الخير والشرّ ، قالوا في الخير : وَعْد وعِدّة، وفي الشرّ : إيعاد ووعيد»(4).

(وهل هي) أي الدنيا ، أو حكومتهم وسلطنتهم فيها، وما يتمتّعون به من زخارفها .

(إلّا كلُعقة الآكل) أي كلعقة لعقها آكل بإصبعه مرّة واحدة.

قال في القاموس: «لعقه _ كسمعه _ لَعقة، ويضمّ: لحسه، واللعقة: المرّة الواحدة، وفي الأرض لعقة من ربيع : قليل من الرطب ، وبالضمّ: ما تأخذه في المِلعقة»(5).

وبالجملة شبّههما عليه السلام في التحقير وقلّة الانتفاع بها وسرعة زوالها وفنائها باللعقة، والمقصود منه التنفير عنهما ، وعن ترك نعيم الجنّة لمثلهما .

(ومَذقة الشارب) أي وهل هي إلّا كشربة شربها شارب.

قال الجوهري: «المذيق: اللبن الممزوج بالماء» (6).

(وخَفقة الوَسنان) .

قال الجوهري: «خفق الرجل، أي حرّك رأسه وهو ناعس، وفي الحديث: كانت رؤوسهم تخفق خَفقة أو خفقتين»(7).

ص: 351


1- .الصحاح ، ج 4 ، ص 1469 (خفق)
2- الطرائف ، ج 1 ، ص 94 ، ح 133
3- الصحاح ، ج 4 ، ص 1506 (صدق)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 268
5- الصحاح ، ج 2 ، ص 551 (وعد) مع اختلاف يسير
6- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 280 (لعق)
7- الصحاح ، ج 4 ، ص 1553 (مذق)

وفي القاموس: «الوَسَن محرّكة: ثقل النوم أو أوّله، أو النعاس . وَسِنَ _ كفرح _ فهو وَسِنٌ ووَسنان»(1).

(ثمّ تُلزمهم المَعَرّات جزاء في الدنيا) .

في بعض النسخ: «تلتزمهم» . وفي بعضها: «خزياً» بدل «جزاء». وفي بعضها: «العثرات» بدل «المعرّات».

وعلى نسخة الأصل يحتمل أن يكون تلزمهم على صيغة المضارع من باب الإفعال، وجزاء معلوله الثاني.

ويحتمل أن يكون على بناء المجرّد، ويكون جزاء مفعولاً له، يقال: لزمت الشيء وبه، وألزمته الشيء فالتزمه، والالتزام: الاختناق.

والمعرّة: الإثم ، والأذى ، والغُرم ، والدية ، والجناية. وخزي _ كرضي _ خزياً ، بالكسر: ذلّ ، وهان ، وافتضح ، ووقع في بليّة وشهرة فذلّ بها .

(ويوم القيامة يُردّون إلى أشدّ العذاب) لأنّ كفرهم وعصيانهم أشدّ.

(وما اللّه بغافل عمّا يعملون) تأكيد للوعيد، وهذا إشارة إلى قوله تعالى: «فَمَا جَزَآءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» (2).

وقال بعض الشارحين: «الظاهر أنّ الواو في قوله: «وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ» للحال عن ضمير الجمع، والعطف على «تلزمهم» محتمل»(3).

أقول: صحّة الحاليّة هنا إنّما هي بتقدير مبتدأ، وهو هنا مستغفر عنه، فيتعيّن العطف.

(فما جزاء من تنكّب مَحجّته) .

قال الجوهري: «المحجّة: جادّة الطريق»(4).

وقال: «نكب عن الطريق ينكب نكوباً، أي عدل، وتنكّبه ، أي تجنّبه، وتنكّب القوس ، أي ألقاها على منكبه»(5).

ص: 352


1- الصحاح ، ج 1 ، ص 228 (نكب)
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 275 (وسن)
3- البقرة(2) : 85
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 293
5- الصحاح ، ج 1 ، ص 304 (حجج)

وفي القاموس: «نكب عنه، كنصر وفرح: عدل، كتنكّب»(1).

وقيل في شرح هذا الكلام: أي أعرض عن الطريق المستقيم والواضح(2).

وأقول: لعلّ المعنى الأوّل أنسب بالمقام ؛ لاستغنائه عن ارتكاب الحذف والإيصال، فمعنى تنكّب المحجّة حينئذ عدم سلوكها وعدم الانتفاع بها، فكأنّه تجنّبها واحترز عنها، والضمير إمّا راجع إلى اللّه، أو إلى الموصول، والثاني أنسب بالسياق، وكذا البواقي.

(وأنكر حجّته) .

أصل الحجّة الدليل والبرهان، وقد مرّ في الاُصول رواية المصنّف رحمه الله عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «حجّة اللّه على العباد النبي صلى الله عليه و آله ، والحجّة فيما بين العباد وبين اللّه العقل» (3).

(وخالف هداته) من الأنبياء والأوصياء والصلحاء.

(وحاد من نوره) .

يقال: حاد عن الشيء يَحيد ، أي مال عنه وعدل، ويحتمل كونه بتشديد الدال من المحادّة بتضمين معنى الإعراض، قال الجوهري: «المحادّة: المخالفة، ومنع ما يجب عليك» (4).

وفسّر النور في أخبار كثيرة بأمير المؤمنين وسائر الأئمّة عليهم السلام . وقيل: لعلّ المراد بالنور هنا القرآن أو الشريعة؛ إذ هما كالنور في كشف الحجاب عن وجه المطلوب (5).

(واقتحم في ظُلَمه) .

الظاهر أنّه بفتح اللام ، جمع الظلمة لمقابلته بالنور، وكونه بتسكين اللام بعيد.

وفي القاموس: «قحم في الأمر _ كنصر _ قُحوماً: رمى بنفسه فيه فجأة بلا رويّة ، وقحّمته تقحيماً ، فانقحم واقتحم»(6).

(واستبدل بالماء السراب) .

في الصحاح : «السراب : الذي تراه نصف النهار كأنّه ماء» ، (7)وهو هنا كناية عمّا لا حقيقة له.

ص: 353


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 134 (نكب)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 269
3- الكافي ، ج 1 ، ص 25 ، كتاب العقل والجهل ، ح 22
4- الصحاح ، ج 2 ، ص 463 (حدد)
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 269
6- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 161 (قحم)
7- الصحاح ، ج 1 ، ص 147 (سرب)

(وبالنعيم العذاب) .

النعيم والنعمة: اليد ، والصنيعة ، والمنّة ، وما أنعم به عليك.

(وبالفوز الشقاء) .

الفوز: النجاة ، والظفر بالخير، وهو مستلزم للسعادة، ولذا قابلها بالشقاء الذي هو نقيضها.

(وبالسرّاء الضرّاء) .

قال الجوهري: «السرّاء: الرخاء، والضرّاء: الشدّة»(1).

وفي القاموس: «السرّاء: المسرّة، والضرّاء: الزمانة والشدّة ، والنقص في الأموال والأنفس»(2).

(وبالسعة الضَّنك) .

في القاموس:

الضَّنك: الضيق في كلّ شيء ، للذكر والاُنثى ، ضنك _ ككرم _ ضَنكاً وضَناكة وضُنوكة : ضاق، وفلان ضناكة فهو ضَنيك: ضعيف في رأيه وجسمه ونفسه وعقله (3).

وقوله عليه السلام : (إلّا جزاء اقترافه) استثناء من قوله: «فما جزاء من تنكّب» . واقترافه: اكتسابه ما ذكر من التنكّب وما عطف عليه.

وفي بعض النسخ: «افتراقه» ، أي قطعه عمّا يجب أن يوصل.

(وسوء خلافه) عطف على «اقترافه» ، أي جزاء مخالفته مع من يجب طاعته.

وقيل: أفاد بالاستثناء ألّا ظلم في ذلك الجزاء (4).

(فليوقنوا بالوعد على حقيقته) .

اليقين: العلم وزوال الشكّ، يقال: يقنت الأمر _ بالكسر _ يَقناً، وأيقنت به، أي صرت منه على يقين، أي فليكونوا على يقين في حقيقة الوعد الذي أخبر به النبي صلى الله عليه و آله من الثواب.

(وليستيقنوا بما يوعدون) من العقاب (يوم تأتي الصيحة بالحقّ) متعلّق بالوعد والإيعاد.

قال اللّه _ عزّ وجلّ _ في سورة ق : «وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ» (5) . قال البيضاوي: «هي النفخة الثانية» (6).

[و] «بالحقّ» متعلّق بالصيحة،

ص: 354


1- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 75 (ضرر)
2- الصحاح ، ج 6 ، ص 2409 (ضرر)
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 311 (ضنك)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 270
5- .ق (50) : 41 و42
6- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 8

والمراد به البعث للجزاء .

«ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ» من القبور، وهو من أسماء يوم القيامة، وقد يقال للعبد .

«إِنّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ» في الدنيا.

«وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ» للجزاء في الآخرة.

«يَوْمَ تَشَقَّقُ» أصله تتشقّق «الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً» مسرعين في الخروج والرجوع إلى اللّه ، والحضور إلى المحشر .

(إلى آخر السورة) وهو قوله: «ذلِكَ حَشْرٌ» أي بعث وجمع «عَلَيْنا يَسِيرٌ» : هَيّن، وتقديم الظرف للاختصاص؛ فإنّ ذلك لا يتيسّر إلّا على العالم القادر لذاته، لا يشغله شأن عن شأن، كما قال : «ما خَلَقَكُمْ وَلا بَعَثَكُمْ إِلّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ» (1) .

«نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ» تسلية لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وتهديد لهم .

«وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ» (2). بمسلّط تقسرهم على الإيمان ، أو تفعل بهم ما تريد، وإنّما أنت داع . «فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ» ؛ فإنّه لا ينتفع به غيره .

قيل: وفي تضمين الآية وعيد لهم بأنّهم سيجدون جزاء عملهم(3).

متن الحديث الخامس (خُطْبَةُ الطَّالُوتِيَّةِ)

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَعْمَرٍ، (4). عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَيُّوبَ الْأَ شْعَرِيُّ، (5). عَنْ (6). عَمْرٍو الْأَ وْزَاعِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ، (7). عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيِّهَانِ (8). :

ص: 355


1- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 270
2- .لقمان (31) : 28
3- ق (50) : 41 _ 45
4- .في الحاشية: «الكوفي، يكنّى أبا الحسين صاحب الصبيحي . مصحّح» . وانظر : رجال الطوسي ، ص 442 ، الرقم 6310
5- .في الحاشية: «ابن راشد الزهري ، بيّاع الزطّي ، ثقة» . وانظر : رجال النجاشي ، ص 221 ، الرقم 578 ؛ رجال العلّامة ، ص 238 ، الرقم 23
6- .في الطبعة الجديدة وبحار الأنوار، ج 28، ص 239، ح 27: + «أبي»
7- .في الحاشية: «أبو عبد اللّه الجعفي ، مصري ، ضعيف جدّاً ، زيد أحاديث في كتب جابر الجعفي ينسب بعضها إليه ، والأمر ملبّس . مصحّح» . وانظر : رجال النجاشي ، ص 287 ، الرقم 765
8- .في الحاشية: «روى الكشّي عن الفضل بن شاذان أنّه من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام . مصحّح». راجع : رجال الكشّي ، ص 38 ، ح 78

أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام خَطَبَ النَّاسَ بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ:«الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَا إِلهَ إِلَا هُوَ ، كَانَ حَيّاً بِلَا كَيْفٍ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كَانٌ، وَلَا كَانَ لِكَانِهِ كَيْفٌ، وَلَا كَانَ لَهُ أَيْنٌ، وَلَا كَانَ فِي شَيْءٍ، وَلَا كَانَ عَلى شَيْءٍ، وَلَا ابْتَدَعَ لِكَانِهِ مَكَاناً، وَلَا قَوِيَ بَعْدَ مَا كَوَّنَ شَيْئاً، وَلَا كَانَ ضَعِيفاً قَبْلَ أَنْ يُكَوِّنَ شَيْئاً، وَلَا كَانَ مُسْتَوْحِشاً قَبْلَ أَنْ يَبْتَدِعَ شَيْئاً، وَلَا يُشْبِهُ شَيْئاً، وَلَا كَانَ خِلْواً مِنَ الْمُلْكِ قَبْلَ إِنْشَائِهِ، وَلَا يَكُونُ خِلْواً مِنْهُ بَعْدَ ذَهَابِهِ، كَانَ إِلهاً حَيّاً بِلَا حَيَاةٍ، وَمَالِكاً قَبْلَ أَنْ يُنْشِئَ شَيْئاً، وَمَالِكاً بَعْدَ إِنْشَائِهِ لِلْكَوْنِ.

وَلَيْسَ يَكُونُ لِلّهِ كَيْفٌ، وَلَا أَيْنٌ، وَلَا حَدٌّ يُعْرَفُ بِهِ، (1). وَلَا شَيْءٌ يُشْبِهُهُ، وَلَا يَهْرَمُ لِطُولِ بَقَائِهِ، وَلَا يَضْعُفُ (2). لِذُعْرَةٍ، وَلَا يَخَافُ كَمَا تَخَافُ خَلِيقَتُهُ مِنْ شَيْءٍ، وَلكِنْ سَمِيعٌ بِغَيْرِ سَمْعٍ، وَبَصِيرٌ بِغَيْرِ بَصَرٍ، وَقَوِيٌّ بِغَيْرِ قُوَّةٍ مِنْ خَلْقِهِ، لَا تُدْرِكُهُ حَدَقُ النَّاظِرِينَ، وَلَا يُحِيطُ بِسَمْعِهِ سَمْعُ السَّامِعِينَ، إِذَا أَرَادَ شَيْئاً كَانَ بِلَا مَشُورَةٍ وَلَا مُظَاهَرَةٍ وَلَا مُخَابَرَةٍ.

وَلَا يَسْأَلُ أَحَداً عَنْ شَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ أَرَادَهُ «لا تُدْرِكُهُ الْأَ بْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَ بْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ» (3).

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَا اللّهُ، (4). وَحْدَهُ لَا شَرِيك لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، (5). أَرْسَلَهُ بِالْهُدى «وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ» (6). ، فَبَلَّغَ الرِّسَالَةَ، وَأَنْهَجَ الدَّلَالَةَ . أَيُّهَا الْأُمَّةُ الَّتِي خُدِعَتْ فَانْخَدَعَتْ، وَعَرَفَتْ خَدِيعَةَ مَنْ خَدَعَهَا ، فَأَصَرَّتْ عَلى مَا عَرَفَتْ، وَاتَّبَعَتْ أَهْوَاءَهَا، وَضَرَبَتْ فِي عَشْوَاءِ غَوَايَتِهَا، (7). وَقَدِ اسْتَبَانَ (8). لَهَا الْحَقُّ فَصَدَّتْ (9). عَنْهُ، وَالطَّرِيقُ الْوَاضِحُ فَتَنَكَّبَتْهُ.

ص: 356


1- .في النسخة: «به» مرمّز ب «خ»، ولم يرد في كلتا الطبعتين
2- .في الحاشية عن بعض النسخ وشرح المازندراني والوافي : «ولا يصعق»
3- الأنعام (6) : 103
4- .في الحاشية: «قالوا: هذه الكلمة أشرف كلمة منطبقة على جميع مراتب التوحيد. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص239
5- .في الحاشية: «قدّم العبوديّة لتقدّمها في الواقع ، ولتحقّق معنى الترقّي ، ولئلّا يكون ذكرها بلا فائدة» . شرح المازندراني ، ج11 ، ص 239
6- .التوبة (9) : 33 ؛ الفتح (48) : 28
7- .في الحاشية عن بعض النسخ ومرآة العقول : «غوائها»
8- .في الحاشية عن بعض النسخ: «استنار»
9- .في الحاشية عن بعض النسخ ومرآة العقول : «فصدعت»

أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لَوِ اقْتَبَسْتُمُ الْعِلْمَ مِنْ مَعْدِنِهِ، وَشَرِبْتُمُ الْمَاءَ بِعُذُوبَتِهِ، وَادَّخَرْتُمُ الْخَيْرَ مِنْ مَوْضِعِهِ، وَأَخَذْتُمُ الطَّرِيقَ مِنْ (1). وَاضِحِهِ، وَسَلَكْتُمْ مِنَ الْحَقِّ نَهْجَهُ، لَنَهَجَتْ بِكُمُ السُّبُلُ، وَبَدَتْ لَكُمُ الْأَ عْلَامُ ، وَأَضَاءَ لَكُمُ الْاءِسْلَامُ ، فَأَكَلْتُمْ رَغَداً ، وَمَا عَالَ فِيكُمْ عَائِلٌ، وَلَا ظُلِمَ مِنْكُمْ مُسْلِمٌ وَلَا مُعَاهَدٌ، وَلكِنْ سَلَكْتُمْ سَبِيلَ الظَّلَامِ ، فَأَظْلَمَتْ عَلَيْكُمْ دُنْيَاكُمْ بِرُحْبِهَا، وَسُدَّتْ عَلَيْكُمْ أَبْوَابُ الْعِلْمِ، فَقُلْتُمْ بِأَهْوَائِكُمْ (2). ، وَاخْتَلَفْتُمْ فِي دِينِكُمْ، (3). فَأَفْتَيْتُمْ فِي (4). دِينِ اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَاتَّبَعْتُمُ الْغُوَاةَ فَأَغْوَتْكُمْ، وَتَرَكْتُمُ الْأَ ئِمَّةَ فَتَرَكُوكُمْ، فَأَصْبَحْتُمْ تَحْكُمُونَ (5). بِأَهْوَائِكُمْ ، إِذَا ذُكِرَ الْأَ مْرُ سَأَلْتُمْ أَهْلَ الذِّكْرِ، فَإِذَا أَفْتَوْكُمْ قُلْتُمْ: هُوَ الْعِلْمُ بِعَيْنِهِ، فَكَيْفَ وَقَدْ تَرَكْتُمُوهُ، وَنَبَذْتُمُوهُ، وَخَالَفْتُمُوهُ، رُوَيْداً عَمَّا قَلِيلٍ تَحْصُدُونَ جَمِيعَ مَا زَرَعْتُمْ، وَتَجِدُونَ وَخِيمَ مَا اجْتَرَمْتُمْ وَمَا اجْتَلَبْتُمْ (6) .

وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي صَاحِبُكُمْ، وَالَّذِي بِهِ أُمِرْتُمْ وَأَنِّي عَالِمُكُمْ، وَالَّذِي بِعِلْمِهِ نَجَاتُكُمْ وَوَصِيُّ نَبِيِّكُمْ ، وَخِيَرَةُ رَبِّكُمْ ، وَلِسَانُ نُورِكُمْ، وَالْعَالِمُ بِمَا يُصْلِحُكُمْ، فَعَنْ قَلِيلٍ رُوَيْداً يَنْزِلُ بِكُمْ مَا وُعِدْتُمْ، وَمَا نَزَلَ بِالْأُمَمِ قَبْلَكُمْ، وَسَيَسْأَلُكُمُ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ عَنْ أَئِمَّتِكُمْ مَعَهُمْ تُحْشَرُونَ، وَإِلَى اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ غَداً تَصِيرُونَ.

أَمَا وَاللّهِ، لَوْ كَانَ لِي عِدَّةُ أَصْحَابِ طَالُوتَ، أَوْ عِدَّةُ أَهْلِ بَدْرٍ وَهُمْ أَعْدَاؤُكُمْ (7). ، لَضَرَبْتُكُمْ بِالسَّيْفِ حَتّى تَئُولُوا إِلَى الْحَقِّ، وَتُنِيبُوا لِلصِّدْقِ، فَكَانَ أَرْتَقَ لِلْفَتْقِ، وَآخَذَ بِالرِّفْقِ، اللّهُمَّ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ».

ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَمَرَّ بِصِيرَةٍ فِيهَا نَحْوٌ مِنْ ثَلاَ ثِينَ شَاةً، فَقَالَ: «وَاللّهِ، لَوْ أَنَّ لِي رِجَالاً يَنْصَحُونَ لِلّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ وَلِرَسُولِهِ بِعَدَدِ هذِهِ الشِّيَاهِ، لَأَزَلْتُ ابْنَ آكِلَةِ الذِّبَّانِ (8). عَنْ مُلْكِهِ».

ص: 357


1- .في الحاشية عن بعض النسخ: «من الطريق» بدل «الطريق من»
2- .في الحاشية: «هذا من لوازم الجهل مع الاستنكاف عن ظهوره، وهكذا حال الجاهل المستنكف؛ فإنّه إذا سئل عن أمر مبهم أو ورد عليه أمر مشكل أوضحه بأهوائه الفاسدة وبيّنه بآرائه الكاسدة لئلّا يقولوا : إنّه جاهل. صالح» . شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 278
3- .في الحاشية: «أي الذي اخترعتموه بالأهواء؛ إذ الأهواء مستلزمة للاختلاف قطعاً لتفاوت الأشخاص فيها. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 278
4- .في الحاشية عن بعض النسخ: «فاتّقيتم» بدل «فأفتيتم في»
5- .في الحاشية عن بعض النسخ: «تحكون»
6- .في الحاشية عن بعض النسخ: «اجتنيتم»
7- .في الحاشية: عن بعض النسخ والطبعة الجديدة وجميع النسخ التي قوبلت فيها والوافي : «أعدادكم»
8- .في الحاشية عن بعض النسخ: «الذياب»

فَلَمَّا أَمْسى بَايَعَهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ رَجُلاً عَلَى الْمَوْتِ، فَقَالَ (1). أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : «اغْدُوا بِنَا إِلى أَحْجَارِ الزَّيْتِ مُحَلِّقِينَ» وَحَلَقَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَمَا وَافى مِنَ الْقَوْمِ مُحَلِّقاً إِلَا أَبُو ذَرٍّ وَالْمِقْدَادُ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَجَاءَ سَلْمَانُ فِي آخِرِ الْقَوْمِ، فَرَفَعَ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ : «اللّهُمَّ (2). إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي كَمَا اسْتَضْعَفَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ هَارُونَ، اللّهُمَّ فَإِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ، وَمَا يَخْفى عَلَيْكَ شَيْءٌ فِي الْأَ رْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، تَوَفَّنِي مُسْلِماً ، وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ .

أَمَا وَالْبَيْتِ وَالْمُفْضِي إِلَى الْبَيْتِ [وَفِي نُسْخَةٍ: وَالْمُزْدَلِفَةِ] وَالْخِفَافِ إِلَى التَّجْمِيرِ، لَوْ لَا عَهْدٌ عَهِدَهُ إِلَيَّ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ، لَأَوْرَدْتُ الْمُخَالِفِينَ خَلِيجَ الْمَنِيَّةِ، وَلَأَرْسَلْتُ عَلَيْهِمْ شَآبِيبَ صَوَاعِقِ الْمَوْتِ، وَعَنْ قَلِيلٍ سَيَعْلَمُونَ».

شرح الحديث

السند ضعيف(3).

قوله: (خطبة الطالوتيّة) سمّيت بها؛ لاشتمالها على ذكر الطالوت وأصحابه.

وقوله: (عن أبي الهَيثم بن التَّيِّهان) .

في القاموس: «التيه، بالكسر: الصلف والكبر.

[تاه فهو] تائه وتيّاه وتَيهان وتيّهان، مشدّدة الياء، وتكسر»(4).

وقوله: (الحمد للّه الّذي لا إله إلّا هو) .

العائد إلى الموصول، أو إلى الموصوف محذوف، والضمير المذكور عائد إلى أحدهما.

وقيل: نسبة الحمد إلى اسم الذات وتعليقه بالتوحيد للدلالة على أنّه يستحقّ الحمد بحسب الذات، وأنّه المتفرّد بالاستحقاق؛ لانحصار العلّة فيه (5).

(كان حيّاً بلا كيف) أي بلا حياة زائدة يتكيّف بها، ولا كيفيّة من الكيفيّات التي تتبع الحياة في المخلوقين ، بل حياته علمه وقدرته، وهما عين ذاته تعالى ؛ أمّا إنّه حيّ فقد اتّفقت

ص: 358


1- .في الطبعة القديمة : + «لهم»
2- .في الطبعة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها : _ «اللّهمّ»
3- قال العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 70 : «ضعيف على مصطلح القوم ، لكن بلاغة الكلام وغرابة الاُسلوب والنظام تأبى عن صدوره عن غير الإمام عليه السلام »
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 282 (تيه)
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 271

الأنبياء والأوصياء والعقلاء على ذلك ، وهذا القدر كاف في التصديق بحياته، ولا يقدح عدم العلم بحقيقتها، كما لا يقدح عدم العلم بحقيقة ذاته في التصديق بوجوده، كذا قيل (1).

ولا يخفى أنّ فيه شائبة دَور أو مصادرة ، بل الأصحّ في هذا أن يقال: ثبت أنّه تعالى عالم قادر؛ لما شاهد من صدور أفعال محكمة مُتقنة، وكلّ عالم قادر فهو حيّ بالضرورة.

واختلفوا في معنى حياته تعالى؛ فإنّها في حقّنا اعتدال المزاج النوعي، ولا يتصوّر ذلك في حقّه تعالى، فقيل: إنّها هي صحّة كونه عالماً قادراً.

وقيل: إنّها صفة توجب صحّة العلم(2).

وقال صاحب العدّة: «الحيّ هو الفعّال المدرك، وهو حيّ بنفسه، ولا يجوز عليه الموت والفناء، ولا يحتاج إلى حياة بها يحيى» (3).

وقال القطب في درّة التاج: «حياته تعالى إدراك الأشياء، وهو لمّا كان عالماً بذاته ومعلوماته كما هي على الوجه الأتمّ الأبلغ كان حيّاً» (4) .

وأمّا إنّه بلا كيف، فقيل: لأنّ الكيفيّات على أقسامها مخلوقة محدثة، والقديم الأزليّ الكامل بالذات يمتنع أن يتّصف بالمحدثات، ولأنّه لو اتّصف بها لكان الواجب بالذات إمّا المجموع، أو الموصوف بدون الصفة، أو بالعكس، والكلّ محال؛ أمّا الأوّل لأنّه يوجب تركيبه وحدوثه وافتقاره إلى الأجزاء وإلى موجدها وإلى المؤلّف والتأليف والصورة، وهو منزّه عن جميع ذلك.

وأمّا الأخيران فلأنّهما يوجبان النقص والافتقار إلى الحالّ والمحلّ والتغيّر من حال إلى حال، وإنّه محال (5).

(ولم يكن له) .

قال بعض الشارحين: «أي ولم يكن الكيف ثابتاً له، والواو إمّا للعطف، أو للتفسير، أو للحال» (6).

(كانٌ ، ولا كان لكانه) أي لكونه ووجوده (كيف) .

«كان» أوّلاً تامّة، أو ناقصة بتقدير الخبر، أي كان موجوداً في الأزل، والواو للحال عن

ص: 359


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 271
2- راجع : شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 271
3- عدّة الداعي ، ص 302 (مع اختلاف يسير)
4- .نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 271
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 271
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 271

اسمه، وثانياً ناقصة، و«كيف» بالرفع اسمه، والظرف المقدّم خبره، يعني أنّه كان أزلاً، والحال أنّه ما كان لوجوده كيف؛ لأنّ الكيف حادث ، وإذا كان كذلك، فوجب أن لا يتّصف به أبداً؛ لأنّه أبده كأزله، وأزله كأبده، ولأنّ الكيف إن كان من صفات كماله لزم نقصه في الأزل؛ لعدم اتّصافه به، وإن لم يكن منها كان نقصاً له، فيلزم النقص في الاتّصاف به في الأبد ، والنقص عليه محال.

(ولا كان له أين) أي كان في الأزل، ولا كان له أين؛ لأنّ الأين أيضاً حادث، فيستحيل كونه فيه؛ لمثل ما مرّ.

ويحتمل أن يكون المراد بالفقرتين أنّه كان في الأزل، وما كان له استعداد الاتّصاف بالكيف، ولا استعداد الحصول في الأين حتّى ينقل من الاستعداد إلى الفعل بعد إيجاد الكيف والأين.

إلى هاهنا كلام بعض الشارحين (1). ، ولا يخفى ما فيه من التعسّفات ، والأظهر ما قرّره بعض الأفاضل الأعلام، قال: قوله عليه السلام : «ولم يكن له كان» ، الظاهر أنّ «كان» اسم «لم يكن»؛ لأنّه لمّا قال عليه السلام : «كان»، أوهم العبارة زماناً، فنفى عليه السلام ذلك بأنّه كان بلا زمان، أو لأنّ الكون يتبادر منه الحدوث عرفاً، ويخترع الوهم للكون مبدأ، نفى عليه السلام ذلك بأنّ وجوده تعالى أزليّ لا يمكن أن يقال: حدث في ذلك الزمان، فالمراد ب_ «كان» على التقديرين ما يفهم ويتبادر، أو يتوهّم منه .

قال:

وقوله عليه السلام : «ولا كان لكانه» يحتمل أن يكون المراد: لكونه ، ويكون القلب على لغة أبي الحرث بن كعب، حيث جوّز قلب الواو والياء الساكنتين أيضاً مع انفتاح ما قبلهما ألفاً، أي ليس له وجود زائد يتكيّف به الذات، أو ليس وجوده كوجود الممكنات مقروناً بالكيفيّات، ويؤيّده ما رواه في كتاب التوحيد (2).

في خبر شبيه بصدر هذه الخطبة عن أبي جعفر عليه السلام : «كان لم يزل حيّاً بلا كيف، ولم يكن له كان، ولا كان لكونه كون، كيف ولا كان له أين، ولا كان في شيء، ولا كان على شيء، ولا ابتدع لكانه مكاناً».

ص: 360


1- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 271
2- .راجع : التوحيد للصدوق رحمه الله ، ص 114

ويحتمل أن يكون من الأفعال الناقصة، والمعنى أنّه ليس بزمانيّ، أو ليس وجوده مقروناً بالكيفيّات المتغيّرة الزائده، وإدخال اللام والإضافة بتأويل الجملة مفرداً، أي هذا اللفظ كقولك: لزيدٌ قائم معنى (1).

(ولا كان في شيء) ؛ لا كون الجزء في الكلّ، ولا الجزئي في الكلّي، ولا الحالّ في المحلّ كالصفة في الموصوف، ولا ككون المتمكّن في المكان، ولا الروح في البدن، ولا ما يشبهها، وذلك لأنّ التركيب ينافي الوجوب الذاتي.

ومعنى الحلول في الشيء الحصول فيه على سبيل التبعيّة، وهو عليه تعالى ممتنع؛ لأنّه إن افتقر إلى ذلك المحلّ في وجوده وكماله، لزم الاحتياج المنافي للوجوب الذاتي، وإن لم يفتقر إليه في كماله كان الحلول فيه نقصاً؛ لأنّ ما ليس بكمال فهو نقص يجب تنزيهه تعالى عنه.

ولما نفى الأين عنه تعالى مجملاً أراد أن ينفيه مفصّلاً لئلّا يتوهّم اختصاص النفي بالبعض، فقال: (ولا كان على شيء) لا بالمجاذاة، ولا بالوضع والترتيب، ولا بالاستقرار والاعتماد، كالملك على السرير ، والراكب على الركوب ، والسقف على الجدران ، والهواء على الماء؛ للزوم التشابه بالجسم والجسمانيّات، والاختصاص ببعض الجهات الممتنع عليه تعالى.

هذا والأظهر أن يكون هذا إشارة إلى استحالة المكان العرفي، وقوله: «ولا كان في شيء» إلى استحالة المكان المصطلح عند المتكلّمين والفلاسفة من البعد الموهوم، أو الموجود، أو السطح.

وقوله: (ولا ابتدع لكانه مكاناً) نفي لبعض ما نفى بقوله: «ولا كان على شيء»، فيكون نفياً للخاصّ بعد نفي العام للاهتمام، يعني لم يتّخذ لكونه واستقراره مكاناً كاتّخاذ الملك السرير، ويؤيّده ما مرّ في حديث أبي جعفر عليه السلام من قوله: «ولا ابتدع لمكانه مكاناً» (2). ؛ أي لتمكّنه أو مكانته ومنزلته ورفعة محلّه.

وقيل: قوله: «ولا كان في شيء» إشارة إلى نفي المكان بالمعنى المصطلح عند الفلاسفة مطلقاً، وقوله: «ولا كان على شيء» إشارة إلى نفيه بالمعنى المصطلح عند المتكلّمين، وقوله:

ص: 361


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 71
2- .الكافي ، ج 1 ، ص 88 ، باب الكون والمكان ، ح 3

«ولا ابتدع» إلخ، إشارة إلى نفيه بالمعنى العرفي (1). وهو كما ترى.

وقال بعض الأفاضل: توهّم كلّ شيء في مكان باطل؛ لأنّ المكان شيء، ولا مكان له.

قال: وفي الابتداع إشعار بأنّه لو كان له مكاناً، لكان مكانه مبتدعاً حادثاً، فلم يكن سبحانه قبل حدوثه في مكان، فلا يكون بعده أيضاً فيه؛ لما مرّ (2).

(ولا قوي بعد ما كوّن شيئاً) أي لا يؤثّر تكوين الأشياء في حدوث قوّته تعالى، ولا في ازدياده؛ لأنّه تعالى لا يستعين في قوّته وسلطانه على غيره، بل الغرض منه إظهار ربوبيّته وعلمه وقدرته وحكمة، وإيصال المنافع والجود إلى غيره.

(ولا كان ضعيفاً قبل أن يُكوّن شيئاً) حتّى يكوّنه لجبر ضعفه، وتشديد قدرته.

(ولا كان مستوحشاً) .

الوحشة: الخلوة، والهمّ. يقال: وحّشته ، فاستوحش.

(قبل أن يبتدع شيئاً) حتّى يبتدعه للاستئناس وزوال الوحشة؛ لأنّ الوحشة من توابع المزاج، وعوارض الحيوانات.

(ولا يُشبه شيئاً) (3).

كذا في بعض النسخ المصحّحة. وفي كثير منها ليس قوله: «ولا كان مستوحشاً» قبل «أن يبتدع شيئاً».

(ولا كان خِلواً من المُلك قبل إنشائه، ولا يكون خِلواً منه بعد ذَهابه) .

قال الفيروزآبادي: «الخِلو، بالكسر: الخالي، والفارغ»(4).

وقال: ملكه يملكه ملكاً _ مثلّثة _ وملكة محرّكة: احتواه قادراً على الاستبداد به، وماله ملك _ مثلّثاً _ وبضمّتين: شيء يملكه، وهذا ملك يميني _ مثلّثة _ وأعطاني من ملكه ، مثلّثة : ممّا يقدر عليه، وطال ملكه _ مثلّثة _ وملكته محرّكة: رقّه ، والملك، بالضمّ: معروف، ويؤنث، والعظمة (5).

ص: 362


1- .قاله العلّامة المجلسي رحمه اللهفي مرآة العقول ، ج 25 ، ص 71
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 272
3- في الحاشية: «أي لا في الذات، ولا في الصفات؛ لتنزّهه عن المشابهة بخلقه ؛ إذ الوجوب الذاتي يتأبّى عن المشابهة بما في عالم الإمكان. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 272
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 325 (خلو)
5- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 320 (ملك) مع التلخيص

وقال بعض الأفاضل:

الملك بالضمّ والكسر يكون بمعنى السلطنة والمالكيّة والعظمة، وبمعنى ما يُملك، والضمّ في الأوّل أشهر ، فيحتمل أن يكون المراد عند ذكره وعند إرجاع الضمير إليه معاً هو الأوّل، أي كان سلطاناً عظيماً قبل خلق السلاطين وسلطنتهم وعظمتهم.

ويحتمل أن يكون المراد عند ذكره المعنى الأوّل ، وعند إرجاع الضمير إليه المعنى الثاني على طريقة الاستخدام، وهو أظهر معنى .

ويحتمل أن يكون الضمير راجعاً إلى اللّه تعالى بالإضافة إلى الفاعل، أي قبل إنشائه الأشياء، لكنّه لا يناسب الفقرة الثانية، كما لا يخفى.

والحاصل على التقادير أنّ سلطنته تعالى ليس بخلق الأشياء؛ لغناه عنها، وعدم تقوّيه بها، بل بقدرته على خلقها وخلق أضعاف أضعافها، وهذه القدرة لا تنفكّ عنه تعالى.

وفيه ردّ على القائلين بالقدم، ودلالة هذه الفقرات على الحدوث ظاهرة. انتهى (1).

قال رفيع العلماء رحمه الله:

قوله: «ولا كان خِلواً»، أي خالياً «من المُلك» _ بضمّ الميم _ أي العظمة والسلطنة «قبل إنشائه» ، أي إنشائه شيئاً ؛ لقدرته على إيجاد الأشياء وإبقائها على الوجود وإعدامها بعد الوجود وإبقائها على العدم، وكونه جامعاً في ذاته لا يحتاج إليه فعله، وحاجة المهيّات إليه في الوجود مطلقاً لذواتها، فهو غاية العظمة، وأعلى مراتب السلطنة والغلبة على الأشياء كلّها، «ولا يكون منه» ، أي من الملك «خلواً بعد ذهابه» ، أي ذهاب ما أنشأه، أو إنشائه لما ذكرناه.

انتهى كلامه رفع اللّه مقامه (2).

وقيل: إنّه تعالى لما ليس زمانيّاً ولا زماناً، ولا مكانيّاً ولا مكاناً، ولا امتداد فيه، كانت نسبته إلى ملكه، وهو الموجودات العينيّة قبل إنشائها وحين إنشائها وبعد فنائها نسبة واحدة، لا تقدّم ولا تأخّر فيها، بل كلّها حاضرة عنده لا باعتبار أنّها كانت معه في الأزل، أو تكون معه فيما لا يزال لبطلان ذلك، بل باعتبار أنّه لا يجري فيه زمان وأحكامه، وأنّ نسبته إلى الأزل والأبد والوسط واحدة، فالعقل الصحيح إذا تجرّد عن شبهات الأوهام ولواحق الزمان،

ص: 363


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 71 و72
2- الحاشية على اُصول الكافي لميرزا رفيعا ، ص 296 (مع اختلاف يسير)

ولاحظ أنّه لا امتداد في قدس وجود الحقّ يحكم حكماً جازماً بأنّه لا يخلو من الملك قبل إنشائه وبعد فنائه.

ويمكن أن يراد بالملك سلطنته وتسلّطه على ما سواه، وبضميره المخلوق على سبيل الاستخدام، والمقصود أنّه لا يخلو من السلطنة قبل إنشاء الخلق وبعد ذهابه؛ إذ سلطنته بعلمه وقدرته على الممكنات عند أرباب العصمة عليهم السلام سواء أوجدها أو لا(1).

(كان إلها حيّاً بلا حياة) زائدة على ذاته، بل إطلاق الحياة عليه باعتبار صدور أفعال الأحياء منه تعالى.

قال الجوهري: أله _ بالفتح _ إلهة، أي عبد عبادة، ومنه قولنا: «اللّه» ، وأصله إله على فعال ، بمعنى مفعول؛ لأنّه مألوه، أي معبود، كقولنا: «إمام» ، فِعال بمعنى مفعول؛ لأنّه مؤتمّ به(2).

وفي القاموس: «كلّ ما اتّخذ معبوداً إله عند متّخذه»(3).

(ومالكاً قبل أن ينشئ شيئاً)؛ لما تقدّم من أنّه لا يخلو من الملك قبل إنشائه.

(ومالكاً بعد إنشائه للكون)؛ لما مرّ أيضاً . والجارّ متعلّق بالإنشاء على الظاهر. وقيل: يحتمل تعلّقه ب_ «مالكاً» أيضاً. ففيه على الثاني إشعار بأنّه مالك لوجود كلّ شيء، وبيده أزمّة بقائه وفنائه. وعلى الأوّل إيماء إلى الجعل البسيط بإفاضة الوجود، وأمّا الجعل المركّب فهو مسكوت عنه(4).

وفيه كلام طويل الذيل مذكور في علم الكلام.

وإنّما كرّر ذكر المالك لدفع استبعاد كونه مالكاً قبل وجود المملوك وبعد فنائه .

(وليس يكون للّه كيف ولا أين) .

لعلّ تكرار نفيهما لأنّ العقول الناقصة تتوهّمهما له سبحانه.

(ولا حدّ يعرف) (5).

نفى عنه الحدّ العرفي، وهو المتألّف من أجزاء المهيّة وخواصّها، والحدّ اللغوي، وهو

ص: 364


1- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 272 و273
2- الصحاح ، ج 6 ، ص 2223 (أله)
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 280 (أله)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 273
5- في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : + «به»

النهايات المحيطة بالجسم والجسمانيّات؛ لأنّ الأوّل مستلزم للتركيب والتوصيف، والثاني من لواحق الكمّ وتوابعه.

(ولا شيء يشبهه) .

الشبه، بالكسر وبالتحريك وكأمير: المثل، وأشبهه، أي ماثله، والمماثلة بينه تعالى وبين غيره منتفية ؛ لأنّ المماثلة بين الشيئين إمّا في الحقيقة، أو في أجزائها، أو في عوارضها، والأوّل هنا ظاهر البطلان؛ إذ لا مشابهة بين حقيقة الواجب بالذات والممكن، وكذا الأخيران؛ إذ لا جزء لحقيقته تعالى ، ولا عوارض له.

(ولا يَهرم لطول بقائه) .

الهرم، محرّكة: أقصى الكبر، وفعله كفرح، والهرم إنّما يحصل بانفعال المزاج وانكساره وتغيّره بطول البقاء، وهو على اللّه تعالى محال؛ لتنزّهه عن المزاج والانفعال.

(ولا يصعق (1). لذُعرة) . في بعض النسخ: «ولا يضعف لذعرة».

قال الجوهري: «صعق الرجل صَعقة وتَصعاقاً، أي غُشي عليه، وأصعقه غيرَه، وقوله تعالى: «فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّموَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ» (2). ، أي مات»(3).

وفي القاموس: «الذُّعر، بالضمّ: الخوف، ذُعِر _ كعُني _ فهو مذعور، وبالفتح: التخويف، كالإذعار، والفعل كجعل، وبالتحريك: الدهش، وكصرد : الأمر المخوف»(4).

وأقول: يمكن هنا إرادة كلّ من تلك المعاني للصعقة والذعر. والضمير المجرور راجع إلى اللّه، وإضافة الذعر إليه إضافة المصدر إلى الفاعل، (5). أو إلى المفعول، (6). أو بأدنى ملابسة (7). وبالجملة عروض الغشية أو الموت بسبب الذعر أو غيره من الأسباب عليه تعالى محال؛ لأنّ عروض ذلك وحصوله إنّما هو بالانفعال والمقهوريّة، والحياة الزائدة على الذات، وكلّ ذلك ممتنع في القديم بالذات بالظاهر، وإنّما علّق الصعق بالذعر نظراً إلى الغالب. (ولا يَخاف كما تَخاف خليقَتُه)؛ لما مرّ، والنفي راجع إلى القيد والمقيّد جميعاً.

ص: 365


1- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «ولا يضعف»
2- . الزمر (39) : 68
3- الصحاح ، ج 4 ، ص 1507 (صعق)
4- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 34 (ذعر)
5- .في الحاشية: «كما في المعنى الأوّل والثالث»
6- .في الحاشية: «كما في المعنى الثاني»
7- في الحاشية: «كما في المعنى الرابع»

وفي القاموس: «الخليقة: الناس، كالخلق، والبهائم»(1).

وقوله: (من شيء) متعلّق بكلّ من الفعلين على سبيل التنازع.

والحاصل أنّ الخوف منتف عنه رأساً، ولا يبعد تعلّق الجارّ بالذعر أيضاً.

وكلمة «من» في قوله: (وقوي بغير قوّة من خلقه) للابتداء ، أو للتبيين، أي قوّة ناشئة من خلقه، أو قوّة هي خلقه.

وكونها للتبعيض بمعنى قوّة هي بعض خلقه محتمل بعيد.

وبالجملة قوّته تعالى ليست مستفادة من غيره، كما في الملوك والسلاطين المجازيّة.

(لا تدركه حَدَق الناظرين) .

في القاموس: «الحدقة، محركّة: سواد العين، الجمع حَدَق وأحداق وحِداق» (2).

وأقول: المراد بالحدق هنا نواظر العيون.

(ولا يُحيط بسمعه سمعُ السامعين) .

في القاموس: السمع: حسّ الاُذن ، والاُذن ، وما وقر فيها من شيء تسمعه ، والذكر المسموع، ويكسر كالسّماع، ويكون للواحد والجمع، الجمع: أسماع وأسمُع. سمع _ كعلم _ سَمعاً، ويكسر، أو بالفتح: المصدر، وبالكسر: الاسم، وسَماعاً وسَماعة وسَماعية (3).

وأقول: لعلّ السمع هنا مصدر اُضيف إلى المفعول، والمراد أنّه تعالى ليس من جنس المسموعات، كما أنّه ليس من جنس المبصرات.

ويحتمل كونه بمعنى الاسم، والمراد أنّه لا يحيط بجميع مسموعاته سمع السامعين، أي لا يدركون بحاسّة السمع كلّ ما يدركه بذاته؛ لأنّه تعالى يسمع بذاته ما لا يسمعه حديد السمع من الأصوات الخفيّة جدّاً، كحسيس النملة على الصخرة المَلساء . (إذا أراد شيئاً كان) ذلك الشيء، وحدث على وفق ما أراد من غير امتناع وتوقّف وافتقار إلى مزاولة عمل واستعمال آلة.

(بلا مشورة) مع أحد؛ ليعلم بها صلاح أمره وفساده.

ص: 366


1- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 228 (خلق)
2- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 219 (حدق)
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 40 (سمع)

في القاموس: «شوّر إليه: أومأ، كأشار، ويكون بالكفّ والعين والحاجب. وأشار عليه بكذا: أمره، وهي : الشورى . والمشورة : مفعلة لا مفعولة» (1).

وعدّ الجوهري أيضاً المشورة والشُّؤُرة من المصادر(2).

(ولا مُظاهرة) أي معاونة من أحد في أفعاله.

(ولا مُخابرة) .

قال الجوهري : «المخابرة: المزارعة ببعض ما يخرج من الأرض» (3). ولعلّ المراد نفي الاستعانة، فيكون تخصيصاً بعد التعميم، ونفي المشاركة في الخلق والتقدير.

وقيل: يحتمل أن يكون مشتقّاً من الخبر، أو الاختبار (4).

وأقول : يحتمل أيضاً أن يكون مشتقّاً من الخُبُر، بالتحريك، فالمخابرة أن يعطى كلّ منهما الآخر ما عنده من العلم، أو الخبر والاختبار، فيتقوّى بذلك عقل كلّ واحد منهما.

وقيل في شرح هذا الكلام: يعنى أنّه تعالى لم يفوّض أمر ملكه إلى غيره ليعمل فيه، ويكون له تعالى نصيب منه؛ إمّا لعجزه عن العمل فيه، أو لغرض آخر، كما يقوله من زعم أنّه تعالى واحد لا يصدر منه إلّا الواحد، وأنّ الباقي مفوّض إلى العقول العشرة، وأنّ لها نصيباً في خلق عالم الروحانيّات والجسمانيّات (5).

(ولا يسأل أحداً عن شيء من خلقه أراده) .

«من خلقه» و«أراده» نعتان ل «شيء»، أو الأوّل بيان له، والثاني نعت، أي لا يستخبر ولا يستعلم أحداً من شيء تعلّق به إرادته ليخبره بصلاحه وفساده، ويفتح عليه أبواب علمه وحكمته.

«لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ» أي لا يحيط به حاسّة الأنظار.

قال البيضاوي: «الأبصار: جمع البصر، وهي حاسّة النظر، وقد يقال للعين من حيث إنّها محلّها»(6).

ص: 367


1- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 65 (شور)
2- راجع : الصحاح ، ج 2 ، ص 705 (شور)
3- الصحاح ، ج 2 ، ص 641 (خبر)
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 73
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 274
6- تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 438

«وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ» أي يحيط علمه بها وبمدركاتها.

وفي بعض الأخبار: إنّ المراد بالأبصار الأوهام والعقول (1). ، وإنّ المعنى لا تدركه الأوهام، وهو يدرك الأوهام، ويلزم منه أن لا يدركه البصر أيضاً، فإنّ كلّ ما يدركه البصر يدركه الوهم _ من غير عكس _ كلّيّ ، ونفي العامّ يستلزم نفي الخاصّ، فتدلّ على نفي إدراكه مطلقاً .

«وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ» (2). أي العالم بلطائف الاُمور وخفيّاتها، والخبير بحقائقها وظواهرها وبواطنها، فيدرك ما لا تدركه الأبصار.

قال البيضاوي :

يجوز أن يكون من باب اللفّ، أي لا تدركه الأبصار؛ لأنّه اللطيف، وهو يدرك الأبصار؛ لأنّه الخبير، فيكون «اللطيف» مستعاراً من مقابل الكثيف لما لا يدرك بالحاسّة، ولا ينطبع فيها(3).

وقوله عليه السلام : (أرسله بالهدى) أي متلبّساً به، أو بسببه.

والمراد بالهدى هداية الخلق إلى مراشدهم، أو القرآن، أو سائر المعجزات.

«وَدِينِ الْحَقّ» .قيل: هو دين الإسلام . وفُسّر في بعض الأخبار بولاية علي عليه السلام (4).

«لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ» .

قال الجوهري: «أظهره، أي أظفره» (5). وفي القاموس: «أظهر عليّ: أعانني، وبه وعليه: غلبه»(6).

وقال البيضاوي:

أي ليغلبه على جنس الدين كلّه بنسخ ما كان حقّاً، وإظهار فساد ما كان باطلاً، أو بتسليط المؤمنين على أهله؛ إذ ما من أهل دين إلّا وقد قهرهم المسلمون، وفيه تأكيد لما وعده من الفتح(7).

وقال بعض الفضلاء:

الضمير في «ليظهره» للدين الحقّ، أي ليعلى دين الإسلام على جميع الأديان بالحجّة

ص: 368


1- .راجع : الكافي ، ج 1 ، ص 98 ، باب في قوله تعالى : «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ...» ، ح 1 _ ح 11
2- .الأنعام (6) : 103
3- تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 438 و439
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 275
5- راجع : الصحاح ، ج 2 ، ص 732 (ظهر)
6- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 82 (ظهر)
7- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 208

والبرهان والغلبة والقهر لها ؛ أو للرسول، أي يجعله غالباً على جميع أهل الأديان ، وقد ورد في أخبارنا أنّه يكون تمام هذا الوعد عند قيام القائم عليه السلام (1).

«وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ» (2). إظهاره وغلبته.

(فبلّغ الرسالة، وأنهج الدلالة صلى الله عليه و آله ) .

في القاموس: «أنهج: وضح وأوضح»(3).

(أيّها الاُمّة التي خُدعت) من النفس وشياطين الإنس والجنّ.

(فانخدعت) أي فقبلت الخديعة، وانطبعت فيها لاستعدادها لها.

(وعرفت خديعة من خدعها، فأصرّت على ما عرفت) ؛ يعني انخداعهم في حال معرفتهم بالخديعة من حيث إنّها خديعة، ومعرفتهم بالخادع من حيث إنّه خادع، ومع هذا أداموا وقاموا على الانخداع، وذلك من شقاوتهم وخبث جبلّتهم.

(واتّبعت أهواءها، وضربت في عَشواء غَوايتها) . في كثير من النسخ: «غوائها».

قال الفيروزآبادي: «ضرب على يديه: أمسك، وفي الأرض ضرباً وضرباناً: خرج تاجراً، أو غازياً، أو أسرع، أو ذهب، وبنفسه الأرض: أقام، والشيء: خلطه »(4).

وقال: «العشوة، بالضم والكسر: ركوب الأمر على غير بيان، ويثلّث، وبالفتح: الظلمة، كالعشواء، أو ما بين أوّل الليل إلى ربعه»(5).

وقال الجوهري: العشا مقصور، مصدر الأعشى، وهو الذي لا يبصر بالليل، ويبصر بالنهار، والمرأة عشواء ، والعشواء : الناقة التي لا تبصر أمامها، فهى تخبط بيديها كلّ شيء، وركب فلان العشواء ، إذا خبط أمره على غير بصيرة، وفلان خابط عشواء (6). وقال: «الغيّ: الضلال، والخيبة، وقد غوي _ بالفتح _ يغوي غَيّاً وغواية، فهو غاوٍ وغوٍ» انتهى(7).

ولعلّ المراد أنّها أقامت، أو ذهبت، أو أسرعت في ظلمة غوايتها، فالإضافة لاميّة،

ص: 369


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 73
2- .التوبة (9) : 33 ؛ الفتح (48) : 28
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 210 (نهج)
4- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 95 (ضرب)
5- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 362 (عشو)
6- الصحاح ، ج 6 ، ص 2427 (عشو) مع التلخيص
7- الصحاح ، ج 6 ، ص 2450 (غوي)

أو بيانيّة، أو من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف، أو إضافة المشبّه به إلى المشبّه.

ويحتمل أن تكون كلمة «في» بمعنى «على»، ويكون المراد بالعشواء الناقة التي لا ترى أمامها، أي سارت راكبة على عشواء غوايتها، والوجه عدم الإيصال إلى المطلوب .

(وقد استبان) . في بعض النسخ: «استنار».

(لها الحقّ) كولايته وخلافته عليه السلام .

(فصدّت عنه) [أي] أعرضت عن الحقّ ، أو منع الناس وصرفهم عنه.

قال الفيروزآبادي: «صدّ عنه صُدوداً: أعرض، وفلاناً عن كذا صَدّا : منعه وصرفه» (1).

وفي كثير من النسخ: «فصدعت عنه». قال الجوهري: «ما صدعك عن هذا الأمر، أي ما صرفك» (2).

(والطريق الواضح) عطف على الحقّ .

ولعلّ المراد به النصوص الدالّة على خلافته عليه السلام .

(فتنكّبته) أي تجنّبته، ومالت عنه.

(أما والذي فلق الحبّة) أي شقّها، وأخرج أنواع النبات منها.

(وبرأ النسمة) أي خلقها.

والنسمة، بالتحريك: النفس، أو الإنسان.

قيل: والمراد هنا ذوات الأرواح، والتخصيص بهذين لأنّهما عمدة المخلوقات المحسوسة المشاهدة، ويظهر آثار الصنع فيهما أكثر (3).

(لو اقتبستم العلم من معدنه) .

يقال : اقتبس منه ناراً أو علماً، أي استفاده. وعَدَنت البلد: توطّنته، وعدنت الإبل بمكان: لزمته فلم تبرح، ومنه : «جَنَّاتُ عَدْنٍ» (4). ، ومنه سمّي المعدِن، بكسر الدال؛ لأنّ الناس يقيمون فيه الصيف والشتاء، ومركز كلّ شيء: معدنه.

ص: 370


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 306 (صدد)
2- الصحاح ، ج 3 . ص 1242 (صدع)
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 74
4- .الرعد (13) : 23 ؛ النحل (16) : 31 ؛ ومواضع اُخر

(وشربتم الماء بعُذُوبته) .

العَزب : الماء الطيّب، وقد عَزُب _ ككرم _ عُذوبة، شبّه العلم والإيمان بالماء، والوجه الإحياء؛ فإنّ العلم سبب حياة الأرواح كما أنّ الماء سبب حياة الأشباح، وأطلق المشبّه به على المشبّه استعارة ومرشّحاً بذكر الشرب والعذوبة.

قيل: في هذا الترشيح تنبيه على أنّ النافع من العلم هو الخالص من كدرة الشبهات والقياسات والتخريفات والجهالات (1).

(وادّخرتم الخير (2). من موضعه) .

كلمة «من» للابتداء، أي جعلتم الخير ذخيرة آخذين من موضعه، أو خيراً ناشئاً صادراً من موضعه.

(وأخذتم الطريق من واضحه) أي من موضع بيّن ظاهر منه، وهو الوسط الذي يفضي سالكه إلى المطلوب البتّة .

وفي بعض النسخ: «وأخذتم من الطريق واضحه»، وهو أوضح(3).

(وسلكتم من الحقّ نجهه) .

النهج، بالتسكين: الطريق الواضح.

وقيل: لعلّ المراد به هو عليه السلام ، وبالحقّ كلّ ما جاء به الرسول صلى الله عليه و آله (4).

(لنَهَجت بكم السبل) .

في القاموس :

النهج: الطريق الواضح، ونهج وأنهج: وضح، وأوضح، والطريق: سلكه، واستنهج الطريق: صار نهجاً، كأنهج، وفلان سبيل فلان: سلك مسلكه . انتهى (5).

ص: 371


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 210 (نهج)
2- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 276
3- في الحاشية: «لعلّ المراد بالخير العقائد الصحيحة ، والأعمال الصالحة، والأخلاق الفاضلة النافعة في الدنيا والآخرة، وكيفيّة التخلّص من أضدادها. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 276
4- في الحاشية: «وفيه تنبيه على خروجهم عنه يمينا وشمالاً ، وإليه أشار عليه السلام في بعض كلامه : اليمين والشمال مضلّة ، والطريق الوسطى هي الجادّة. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 277
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 277

واعلم أنّ في نسخ الكتاب هاهنا اختلافاً كثيراً؛ ففي بعضها: «نهجت بكم السبل لي وضحت لكم أو بسببكم»، أي كنتم هُداة للناس.

وفي بعضها: «انتهجت»، أي اتّضحت، وهذا قريب من الأوّل.

وفي بعضها: «لابتهجت».

وفي بعضها: «ابتهجت»، وهما من البهجة بمعنى السرور، أي صارت سبل الحقّ مسرورة بكم راضية عنكم؛ لأنّكم سلكتموها حقّ سلوكها.

أو المراد ابتهاج أهلها، وحينئذ يراد بالسبل أركان الإسلام وقوانينه، وسبب سرورها ومباهاتها بهم، أنّها صارت حينئذ منصورة مروّجة عزيزة؛ لكثرة أهلها وأنصارها.

(وبدت لكم الأعلام) أي الآثار والأدلّة الداعية إلى دين اللّه.

ولعلّ المراد بها الأئمّة عليهم السلام ، أو القوانين الشرعيّة التي عندهم.

(وأضاء لكم الإسلام) .

الإضاءة لازم متعدّ.

والأوّل أنسب بهذا المقام.

(وأكلتم رغداً) .

نصبه على التميز، أو على الحال، ومفعول الأكل مقدّر، أو نزل منزلة اللازم؛ إذ المقصود بيان كيفيّة الأكل لا المأكول.

في القاموس: «عيشة رَغْد ، ويحرّك: واسعة طيّبة، والفعل كسمع وكرم .

وقوم رَغَد، ونساء رَغَد محرّكتين»(1).

(وما عال فيكم عائل) .

عال يَعيل عَيلاً وعَيلة وعُيولاً: افتقر، فهو عائل.

وعال الفرس يَعيل عَيلاً، إذا تكفَّأ في مِشيته وتمايل، وكذلك الرجل إذا تبختر في مِشيته وتمايل.

فإن اُريد هنا المعنى الثاني يكون المراد نفي تكبّر المسلمين بعضهم على بعض، وتطاولهم، وتبخترهم(2).

ص: 372


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 295 (رغد)
2- في الحاشية : «وذلك لنزول البركة وشمول الرحمة ، ولأنّ الإمام العادل يقسّم بيت المال والحقوق الماليّة الواجبة والمندوبة بينهم على السويّة ، ويعطي كلّ ما يحتاج إليه ، ولا يصنع ما صنع الخلفاء الثلاثة من إعطاء الفاسق والكافر والغني ومنع المؤمن والفقير ، وقد نقلوا أنّ فلان أعطى الحكم بن العاص طريد رسول اللّه صلى الله عليه و آله أصولاً خارجة عن الحساب ، وكان فقراء المدينة وغيرهم محتاجين إلى قوت ليله . صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 277

(ولا ظُلم منكم مسلم ولا مُعاهَد) بفتح الهاء ، أي من هو في عهد المسلمين وذمّتهم .

و«ظلم» على صيغة المجهول، وكونه معلوماً بعيد.

(ولكن سلكتم سبيل الظلّام ، فأظلمت عليكم دنياكم برُحْبها) .

الظلام: ذهاب النور، وأظلم أي دخل في الظلام. وقوله «دنياكم» فاعل «أظلمت».

الرُّحب ، بالضمّ: السعة. تقول منه: فلان رُحب الصدر، وبالفتح: الواسع. تقول منه: بلد رَحب، وأرض رَحَبة .

(وسُدّت عليكم أبواب العلم) .

المستتر في «سدّت» للدنيا، أو للسبيل؛ فإنّه يذكّر ويؤنّث. ويحتمل كونه على صيغة المجهول، والأبواب قائم مقام فاعله.

(إذا ذكر الأمر سألتم أهل الذكر) .

لعلّ المراد بالذكر التذكّر، والعلم بجميع ما يحتاج إليه الناس، وبما كان، وما سيكون، وما هو كائن.

وقيل: الذكر هو القرآن، أو النبيّ. والمراد بالأمر ما يتعلّق بالدين، أو الأعمّ منه.

و«إذا» للشرط في الاستقبال، وقد يستعمل في المضيّ (1).

(فإذا أفتوكم) ؛ يعني أهل الذكر .

قال الفيروزآبادي: «أفتاه في الأمر: أبانه له، والفُتوى، وتفتح : ما أفتى به الفقيه» (2).

(قلتم: هو العلم بعينه) .

الضمير للمُفتى به. أي اعترفتم أنّ ما أفتاكم به أهل الذكر منوط بالعلم الواقعي.

(فكيف وقد تركتموه) . الواو للحال.

(ونبذتموه) أي طرحتموه.

ص: 373


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 278
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 373 (فتي)

(وخالفتموه) .

الضمائر للعلم، أو لأهل الذكر باعتبار اللفظ، أو للعالم.

و«كيف» للتعجّب، كما قيل في قوله تعالى: «كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً» (1). ؛ أي كيف تنتفعون بهذا الاعتراف والإذعان، وقد تركتم العمل بهذا العلم، أو متابعة قليله، والعالم به، أو تقولون: هذا مع كونه مخالفاً ومناقضاً لأفعالكم.

والحاصل أنّ أهل الذكر كانوا مرجعكم فيما ورد عليكم من المعضلات والمشكلات التي لا تصل إلى العلم بها عقولكم، وأنتم تسألونهم عنه، وهم إذا بيّنوه لكم صدّقتموه، وقلتم: هو العلم الحقّ الذي جاء به الرسول صلى الله عليه و آله بعينه من غير نقص وزيادة، فكيف تسألونهم عنه، وتقولون هذا القول، والحال أنّكم تركتموهم أو علمهم ، وأزلتموهم عن مراتبهم التي رتّبهم اللّه فيها، ونبذتموهم وراء ظهوركم، كأنّكم لا تعرفونهم، وخالفتموهم فيما لهم من الولاية التي بناؤها العلم والحكمة؟! وفيه توبيخ وإنكار عليهم، وتعجّب من حالهم حيث جمعوا بين الضدّين الذين أحدهما من لوازم العقل، والآخر من توابع الجهل.

(رُوَيداً) نصبه على المصدر، أي سيروا سيراً رُويداً. قال الفيروزآبادي:

امش على رُود، بالضمّ، أي مَهل، وتصغيره: رُوَيد، ورويداً: مَهلاً، ورويدك عمرواً: أمهله، وإنّما تدخله الكاف إذا كان بمعنى افعل، وتكون لوجود أربعة : اسم فعل ؛ رويداً عمرواً: أمهله . وصفة ؛ ساروا سيراً رويداً . وحالاً ؛ سار القوم رويداً، اتّصل بالمعرفة فصار حالاً لها . ومصدراً ؛ رويد عمرو بالإضافة (2).

وقال: «المَهل _ ويحرّك _ والمُهلة، بالضمّ: السكينة، والرفق، وأمهله: رفق به» (3). انتهى.

قيل: إنّما أمر به عليه السلام ؛ لأنّ سرعة اليسر في طريق الباطل توجب غاية البعد من الحقّ بخلاف البطوء ؛ فإنّه قد يفضي إلى الشعور والرجوع عن الباطل(4).

(عمّا قليل تَحصدون جميع ما زرعتم) أي بعد زمان قليل تجدون وبال ما صنعتم، وتذوقون نكاله. و«ما» زائدة لتوكيد معنى القلّة، أو نكرة موصوفة .

ص: 374


1- .البقرة (2) : 28
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 296 (رود)
3- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 53 (مهل)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله فى شرحه ، ج 11 ، ص 279

(وتجدون وَخيم ما اجترمتم) .

الوَخامة: الثقل، وعدم استمراء الطعام، وقد وخُم الطعام _ ككرم _ وَخامة ووخومة ووخوماً، وطعام وخيم: غير موافق.

وقيل: قد تكون الوخامة في المعاني؛ يقال: هذا الأمر وخيم العاقبة، أي ثقيل رديّ(1).

وفي القاموس: «جرم فلان: أذنب، كأجرم، واجترم، ولأهله: كسب ، كاجترم»(2).

(وما اجتلبتم) . يقال: اجتلبه، أي ساقه من موضع إلى آخر، فجلب هو، وانجلب.

وفي بعض النسخ: «ما اجتنيتم». قال الجوهري: «جنيت الثمرة أجنيها جنيا ، واجتنيتها بمعنى»(3).

وفي القاموس: «اجتنينا ماء مطر : وردنا وشربناه»(4).

ولعلّ المراد بالاجتلاب أو الاجتناء ولاية أهل الجور كناية، أو استعارة.

وقوله عليه السلام : (لقد علمتم أنّي صاحبكم) أي إمامكم .

وأصل الصحبة : المعاشرة والملازمة.

(والذي به) أي بمتابعته وولايته (اُمرتم).

وقوله: (وخيرة ربّكم) أي مختار ربّكم بعد نبيّه.

في القاموس: «اخترته منهم وعليهم، والاسم: الخيرة، بالكسر، وكعنبة»(5).

(ولسان نوركم) .

قيل: أي قرآنكم وشريعتكم، وهو عليه السلام لسانها؛ لأنّه ينطق بما هو المقصود منها(6).

وقيل: المراد بالنور الرسول، أو الهداية والعلم، أو نور الأنوار تعالى شأنه(7).

(فعن قليل رُويداً ينزل بكم ما وُعدتم) على البناء للمفعول (وما نزل بالاُمم قبلكم) .

الموصول في الموضعين عبارة عن العذاب بسبب المخالفة للدين والكتاب.

(وسيسألكم اللّه) إلى قوله: (تصيرون) ؛ فيه وعد ووعيد.

ص: 375


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 279
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 88 (جرم)
3- الصحاح ، ج 6 ، ص 2305 (جني)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 314 (جني)
5- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 25 (خير)
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 279
7- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 75 و76

(أما واللّه لو كان لي عدّة أصحاب طالوت) أي الذين لم يشربوا الماء أصلاً، أو اغترفوا غرفة ، وحضروا القتال جالوت(1).

والمشهور أنّهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، وهو مرويّ عن الصادق عليه السلام (2).

، فحينئذٍ كلمة «أو» في قوله: (أو عدّة أهل البدر) (3).

بمعنى الواو، وللتفسير.

وقيل: ثلاثة آلاف.

وقيل: ألف (4).

وعدّة أهل بدر على المشهور ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً.

وزاد بعضهم أربعة، وبعضهم اثنين.

وقيل: روى نصر بن مزاحم فى كتاب الصفّين أنّه عليه السلام كان يقول: «لو وجدت أربعين ذوي عزم»(5).

والعدّة، بالكسر: الجماعة، وبالضمّ: الاستعداد والاُهبة.

والإضافة في الموضعين على الأوّل بيانيّة، وعلى الثاني لاميّة.

(وهم أعداؤكم) مستعطشون بدمائكم كأصحاب بدر وأصحاب طالوت بالنسبة إلى خصمائهم.

والواو للحال.

وفي بعض النسخ: «وهم أعدادكم».

فلعلّ عدد الحاضرين وقت الخطاب، مثل عدد أصحاب طالوت أو أهل بدر.

وقيل: كأنّه إشارة إلى أنّ مثلهم في العدد موجود فيكم؛ ليكون تحريصاً لهم في الاجتماع إليه.

6 (لضربتكم بالسيف حتّى تئولوا) أي ترجعوا من الباطل (إلى الحقّ) وتثبتوا فيه.

(وتنيبوا للصدق) .

يقال: ناب إلى اللّه، أي أقبل وتاب.

ص: 376


1- إشارة إلى الآيات (247 إلى 251) من سورة البقرة (2)
2- . راجع : تفسير البرهان ، ج 1 ، ص 235 _ 236 ، ح 4 _ 6
3- . في كلتا الطبعتين والمتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «بدر» بدون الألف واللام
4- راجع : شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 280
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 280 . وقال المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 40: «أعداد ، جمع عَديد ، وهو الندّ»

والظاهر أنّ المراد بالصدق ولايته عليه السلام . وفي بعض النسخ: «وتُنبؤوا» على البناء للمفعول، من النبأ وهو الخبر، ولعلّ معناه: تُخبَروا بالصدق وتذعنوا به.

(فكان) ذلك الأوْل والإنابة، أو ضرب السيف لتحصيلها (أرتق للفَتق) .

الفَتق: الشقّ، والرَّتق ضدّه. وقيل: أراد بالفتق هنا شقّ عصا المسلمين، ووقوع المنازعة بينهم في أمر الدين وفي أحكامه المبتنية على العلم واليقين(1).

(وآخذ بالرفق) أي وكان الأخذ بالرفق واللطف للناس أكثر. والأخذ: التناول. والرفق: ضدّ الخرق، وهو اللين والتلطّف، وترك العنف والعجلة.

ووجه التفريع ظاهر؛ فإنّ الإمام إذا كان عادلاً معصوماً، وله أعوان وأنصار يزجرون من خالفه حتّى يؤولوا إلى الحقّ، ويذعنوا بالصدق، لم يقع بينهم شقاق في الدين، ولا منازعة في شيء من أحكامه، ولا جور وعنف وخشونة على أحد، بخلاف ما إذا كان ظالماً جاهلاً؛ فإنّ الظلم والجهل منشأ للفتق ولواحقه من المفاسد ما لا يحصى.

(ثمّ خرج من المسجد فمرّ بِصيرة) بكسر الصاد وسكون الياء المثنّاة التحتانيّة، وهي حظيرة تتّخذ للدوابّ من الحجارة، وأغصان الشجرة، والجمع «صِير» بسكون الياء، و«صِيَر» بفتحها.

(فيها نحو من ثلاثين شاة ، فقال: واللّه لو أنّ لي رجالاً ينصحون للّه ولرسوله بعدد هذه الشياه) أي تكون جميع حركاتهم وسكناتهم للّه وللرسول، وموافقة لقوانين الشريعة، ولا يكون لهم تعلّق بالدنيا وحياتها .

وقوله عليه السلام : «لأزلتُ ابن آكلة الذِّبّان عن مُلكه) .

الذبّان _ بالكسر وتشديد الباء الموحّدة _ جمع الذُّباب بالضمّ، وهو معروف.

وفي بعض النسخ: «الذِّياب» بلفظ المفرد، والمراد به أبوبكر، واسم اُمّه سَلمى بنت صخر بن عامر، وكنيتها اُمّ الخير.

ولعلّ ابن آكلة الذبّان إشارة إلى واقعة اشتهر بها هو، أو اُمّه، أو هو كناية عن دناءة أصله، ورداءة نسبه وحسبه، أو يكون تلقيبه بهذا اللقب للتنفير.

وقيل: لأنّ العرب في مقام ذمّ رجل ينسبونه إلى اُمّه، خصوصاً إذا اشتهرت بلقب خبيث.

ص: 377


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 280

وقال بعض القاصرين: «المراد بابن آكلة الذبّان معاوية؛ فإنّهم كانوا أكلوا في الجاهليّة من كلّ خبيث نالوه»(1).

وأنت خبير بأنّ هذا بمعزل عن التحقيق، بل فرية بلا مرية.

(فلمّا أمسى بايعه ثلاثمائة وستّون رجلاً على الموت) .

قيل : أي على أن لا يضرّوا عند القتال وإن قتلوا (2).

وقوله: «على الموت» أي على أنّهم التزموا الموت في نصرته عليه السلام .

(فقال أمير المؤمنين عليه السلام : اُغدوا بنا إلى أحجار الزَّيت) .

يقال: غَدا يغدوا غُدوّاً، إذا بكّر . وأحجار الزيت : اسم موضع بالمدينة. كذا في القاموس (3).

(مُحلِّقين) . قيل: أي لابسين للحلقة ، وهي بسكون اللام: السلاح مطلقاً.

وقيل: هي الدُّروع خاصّة. ويحتمل أن يراد بالتحليق إزالة شعر الرأس ، وكأنّه أمرهم به ليكون شعارا لهم ، وليخبرهم بالطاعة والامتثال لأمره (4). انتهى.

قال الجوهري: «الحَلقة، بالتسكين: الدروع، والحلق مصدر قولك: حلق رأسه، وحلّقوا رؤوسهم : شدّد للكثرة» (5).

(وحلق أمير المؤمنين عليه السلام ، فما وافى) أي لم يأت.

(من القوم مُحلِّقاً إلّا أبوذرّ والمقداد وحُذيفة اليَمان وعمّار بن ياسر) والباقون تركوا التحليق، أو لم يحضروا أصلاً.

(وجاء سَلمانُ في آخر القوم) .

لعلّ تأخيره لعذر، أو لمصلحة، ولم يعلم أنّه كان محلّقاً أم لا؟ (اللّهمّ فإنّك تعلم ما نُخفي) إلى قوله: (وألحقني بالصالحين) .

قيل: كان الفاء فصيحة، أي إن فعلوا ذلك؛ فإنّك تعلم، والغرض منه بسط الشكوى إليه

ص: 378


1- قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 40
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 281
3- راجع : القاموس ، ج 2 ، ص 5 (حجر)
4- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 281
5- الصحاح ، ج 4 ، ص 1463 و1464 (حلق) مع التلخيص

تعالى لعلمه بما هم فيه من العقائد الباطلة والأعمال الفاسدة، وإعراضهم عن متابعة الوليّ الحقّ، ثمّ الاستعصام به تعالى، والالتجاء إليه من مثل هذه البليّة العظيمة الصادرة من النفوس الشريرة.

وقال الجوهري: «توفّاه اللّه، أي قبض روحه»(1).

(أما والبيت والمُفضي إلى البيت) . في بعض النسخ: «المفضي» بدون الواو.

(وفي نسخة: «والمُزدَلَفة») ؛ أي وربّ المشعر الحرام. (والخِفاف إلى التجمير) .

الواو في قوله: «والبيت» للقسم.

وقيل: المقسم به محذوف، أي وبالبيت، يعني الكعبة (2). قال الجوهري:

الفضاء : الساحة ، وما اتّسع من الأرض، يقال: أفضيت، إذا خرجت إلى الفضاء، وأفضيت إلى فلان: سرّي ، وأفضى بيده إلى الأرض، إذا مسّها بباطن راحته في سجوده . انتهى (3).

قيل: يحتمل أن يكون المراد القسم بمن يدخل الفضاء _ أي الصحراء _ متوجّهاً إلى البيت، أي الحاجّ والمعتمر، أو من يفضي أسراره إلى البيت _ أي إلى ربّه _ ويدعو اللّه عند البيت، أو من يفضي الناس إلى البيت، ويوصلهم إليه، وهو اللّه تعالى ، أو على صيغة المفعول، أي الحاجّ الواصلين إلى البيت، أو على بناء الفاعل أيضاً من الإفضاء بمعنى مسّ الأرض بالراحة أي المسلمين بأحجار البيت، أو من يفضي إلى الأرض بالسجود في أطراف الأرض متوجّها إلى البيت.

وفي النهاية: «لا يفضي اللّه فاك . ومعناه أن لا يجعله فضاء لا سنّ فيه، والفضاء: الخالي الفارغ الواسع من الأرض» (4).

فيحتمل أن يكون من جعل أربعة جوانب فضاء غير معمور إلى البيت ليشقّ على الناس قطعها ، فيكثر ثوابهم، وهو اللّه تعالى(5).

والتجمير: رمي الجمار. والخفاف إمّا جمع الخُفّ، وهو خُفّ الإنسان؛ إذ خفّ البعير

ص: 379


1- الصحاح ، ج 6 ، ص 2526 (وفي)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 282
3- الصحاح ، ج 6 ، ص 2455 (فضا) مع التلخيص
4- النهاية ، ج 3 ، ص 456 (فضا)
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 77

يجمع على أخفاف لا خِفاف، نصّ عليه الجوهري ، (1). والمراد أثر الخفاف وأثر أقدام الماشين إلى التجمير؛ إذ يطلق الخفّ على القدم مجازاً.

أو جمع الخفيف، أي السائرين بخفّة وتشوّق إلى التجمير.

وفيه دلالة على جواز الحَلف بشعائر اللّه إن لم يقدّر المقسّم به، وإن قدّر فلا.

وقال الفاضل الإسترآبادي : «المعنى: وربّ الكعبة التي تفضي إلى بيت المعمور؛ لأنّهما متحاذيان، وكأنّ «المفضى» كان في نسخة بدون الواو». ثمّ قال:

وفي كثير من النسخ: الخِفاف، بالخاء المعجمة والفائين بعدها، ولم أقف على معنى يناسب ، ولعلّ صوابه: الحقاف، بالحاء المهلة والقاف والفاء بمعنى الرمال المستطيلة (2). وقوله: (لو لا عهد عَهِده إلى النبيّ الاُمّيّ) (3).

جواب القسم ، أو الجواب قوله: (لأوردت المخالفين)، ولو لا قيد للجواب.

والعهد: الوصيّة، والتقدّم إلى المرء في الشيء، والمراد هنا وصيّته صلى الله عليه و آله بالصبر على ما فعلوا إن لم يجد ناصراً.

(خليج المنيّة) .

الخليج: النهر، ونهر يقتطع من البحر، أو من النهر الأعظم، والحبل . والمنيّة: الموت، والإضافة من قبيل لجين الماء، والوجه أنّ المنيّة يذهب بهم، كما أنّ الخليج يذهب طغيان سيله بما فيه.

وقيل: يحتمل أن يراد بخليج المنيّة النهر الجاري من دمائهم، والإضافة حينئذ لاميّة، وكذا إذا اُريد بالخليج الحبل، أي لأوردتهم بقيد المنيّة(4).

(ولأرسلت عليهم شآبيب صَواعق الموت) .

الشُّؤبوب، بضمّ الشين والباء وسكون الهمزة: الدفعة من المطر، وحدّ كلّ شيء، وشدّة

ص: 380


1- .راجع : الصحاح ، ج 4 ، ص 1353 (خفف)
2- نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 307
3- . في الحاشية: «سمّي النبيّ اُمّيّاً، أي المنسوب إلى اُمّ القرى ، وهي مكّة، أو اُمّ الكتاب وهو اللوح المحفوظ لعلمه بما فيه، أو إلى الاُمّ في أصل ولادته، ولم يقرأ ولم يدرس ولم يكتب، وهو من أوصاف كماله لدلالته على أنّ كمالاته التي تعجز عقول البشر عن الإحاطة بها كانت من فيض الحقّ لا من جهة الاكتساب. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 307
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 282 و283

دفعه، وشدّة حرّ الشمس، الجمع: شآبيب.

والصاعقة: الموت، وكلّ عذاب مهلك، وصيحة العذاب، والمِخراق الذي بيد المَلَك سائق السحاب، ولا يأتي على شيء إلّا أحرقه، أو نار تسقط من السماء.

وقيل: استعيرت هنا للصوارم القاطعة التي هي أسباب الموت لجامع الإهلاك، والإضافة إمّا لاميّة، أو لأدنى ملابسة.

والمراد بشآبيبها دفعاتها، وتعاقب حركاتها عليهم (1).

(وعن قليل سيعلمون) وخامة عاقبة ما يعملون.

متن الحديث السادس

اشاره

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا (2). ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:

كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو بَصِيرٍ (3).

وَقَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ، فَلَمَّا أَخَذَ مَجْلِسَهُ، قَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «يَا بَا مُحَمَّدٍ، مَا هذَا النَّفَسُ الْعَالِي؟».

فَقَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللّهِ، كَبِرَ سِنِّي، وَدَقَّ عَظْمِي، وَاقْتَرَبَ أَجَلِي، مَعَ أَنَّنِي لَسْتُ أَدْرِي مَا أَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ آخِرَتِي.

فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «يَا بَا مُحَمَّدٍ، وَإِنَّكَ لَتَقُولُ هذَا؟!».

قَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، وَكَيْفَ لَا أَقُولُ هذَا؟!

فَقَالَ: «يَا بَا مُحَمَّدٍ، أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ اللّهَ تَعَالى يُكْرِمُ الشَّبَابَ مِنْكُمْ، وَيَسْتَحْيِي مِنَ الْكُهُولِ؟».

قَالَ : قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَكَيْفَ يُكْرِمُ الشَّبَابَ، وَيَسْتَحْيِي مِنَ الْكُهُولِ؟!

فَقَالَ: «يُكْرِمُ اللّهُ الشَّبَابَ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ، وَيَسْتَحْيِي مِنَ الْكُهُولِ أَنْ يُحَاسِبَهُمْ».

قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، هذَا لَنَا خَاصَّةً، أَمْ لأهْلِ التَّوْحِيدِ؟

قَالَ: فَقَالَ: «لَا وَاللّهِ، إِلَا لَكُمْ خَاصَّةً دُونَ الْعَالَمِ».

ص: 381


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 282 و283
2- .في الحاشية: «العدّة الناقلة عن سهل بن زياد هم : عليّ بن محمّد بن علان، ومحمّد بن أبي عبد اللّه، ومحمّد بن الحسن، ومحمّد بن عقيل الكليني. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 283
3- .في الحاشية: «أبو بصير مشترك بين ليث البختري المرادي، ويحيى بن القاسم المكفوف، وكنيتهما أيضاً أبو محمّد. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 283

قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَإِنَّا قَدْ نُبِزْنَا نَبْزاً (1). انْكَسَرَتْ لَهُ ظُهُورُنَا، وَمَاتَتْ لَهُ أَفْئِدَتُنَا، وَاسْتَحَلَّتْ لَهُ الْوُلاَ ةُ دِمَاءَنَا، فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ لَهُمْ فُقَهَاؤُهُمْ؟ قَالَ: فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «الرَّافِضَةُ؟».

قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ.

قَالَ: «لَا وَاللّهِ، مَا هُمْ سَمَّوْكُمْ، بَلِ (2). اللّهَ سَمَّاكُمْ بِهِ؛ أَ مَا عَلِمْتَ يَا بَا مُحَمَّدٍ أَنَّ سَبْعِينَ رَجُلاً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ رَفَضُوا فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ لَمَّا اسْتَبَانَ لَهُمْ ضَلَالُهُمْ ، فَلَحِقُوا بِمُوسى عليه السلام لَمَّا اسْتَبَانَ لَهُمْ هُدَاهُ، فَسُمُّوا فِي عَسْكَرِ مُوسَى الرَّافِضَةَ؛ لأنَّهُمْ رَفَضُوا فِرْعَوْنَ، وَكَانُوا أَشَدَّ أَهْلِ ذلِكَ الْعَسْكَرِ عِبَادَةً، وَأَشَدَّهُمْ حُبّاً لِمُوسى وَهَارُونَ وَذُرِّيَّتِهِمَا عليهماالسلام، فَأَوْحَى اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ إِلى مُوسى عليه السلام : أَنْ أَثْبِتْ لَهُمْ هذَا ا لأْمَ فِي التَّوْرَاةِ ؛ فَإِنِّي قَدْ سَمَّيْتُهُمْ بِهِ، وَنَحَلْتُهُمْ إِيَّاهُ، فَأَثْبَتَ مُوسى عليه السلام ا لأْمَ لَهُمْ، ثُمَّ ذَخَرَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ لَكُمْ هذَا ا لأْمَ، حَتّى نَحَلَكُمُوهُ؟

يَا بَا مُحَمَّدٍ، رَفَضُوا الْخَيْرَ، وَرَفَضْتُمُ الشَّرَّ، افْتَرَقَ النَّاسُ كُلَّ فِرْقَةٍ، وَتَشَعَّبُوا كُلَّ شُعْبَةٍ، فَانْشَعَبْتُمْ مَعَ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه و آله ، وَذَهَبْتُمْ حَيْثُ ذَهَبُوا، وَاخْتَرْتُمْ مَنِ اخْتَارَ اللّهُ لَكُمْ، وَأَرَدْتُمْ مَنْ أَرَادَ اللّهُ، فَأَبْشِرُوا ثُمَّ أَبْشِرُوا، فَأَنْتُمْ وَاللّهِ الْمَرْحُومُونَ، الْمُتَقَبَّلُ مِنْ مُحْسِنِكُمْ، وَالْمُتَجَاوَزُ عَنْ مُسِيئِكُمْ، مَنْ لَمْ يَأْتِ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ بِمَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْهُ حَسَنَةٌ، وَلَمْ يُتَجَاوَزْ لَهُ (3). عَنْ سَيِّئَةٍ. يَا بَا مُحَمَّدٍ، فَهَلْ سَرَرْتُكَ؟».

قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، زِدْنِي.

فَقَالَ: «يَا بَا مُحَمَّدٍ، إِنَّ للّهِِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ مَلَائِكَةً يُسْقِطُونَ الذُّنُوبَ عَنْ ظُهُورِ شِيعَتِنَا، كَمَا يُسْقِطُ (4). الرِّيحُ الْوَرَقَ فِي أَوَانِ سُقُوطِهِ (5). ، وَذلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: «الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ [وَيُؤْمِنُونَ بِهِ] وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا» (6). ، اسْتِغْفَارُهُمْ

ص: 382


1- .في الحاشية عن بعض النسخ: «بنبز»
2- .في الحاشية عن بعض النسخ والطبعة القديمة : «ولكنّ» بدل «بل»
3- .في الحاشية عن بعض النسخ: «عنه»
4- .في النسخة: «تسقط»
5- .في الحاشية : «في ذكر الظهر إيماء إلى تشبيه الذنوب بالأثقال والأحمال المحمولة على الظهر ، تشبه المعقول بالمحسوس ؛ لقصد الإيضاح ، وفي صدر الكلام إيماء إلى أنّ طائفة من الملائكة مخصوصون بهذا العمل ، وفي آخره إلى أنّ ذنوب المؤمن غير مستحكمة لضعفها بمضادّة الإيمان بخلاف ذنوب غيره ؛ فإنّها مستحكمة لقوّتها بموادّ من الكفر . صالح» . شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 285
6- .غافر (40) : 7

وَاللّهِ لَكُمْ (1). دُونَ هذَا الْخَلْقِ. يَا بَا مُحَمَّدٍ، فَهَلْ سَرَرْتُكَ؟».

قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، زِدْنِي.

قَالَ: «يَا بَا مُحَمَّدٍ، لَقَدْ ذَكَرَكُمُ اللّهُ فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ: «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً» (2). ، إِنَّكُمْ وَفَيْتُمْ بِمَا أَخَذَ اللّهُ عَلَيْهِ مِيثَاقَكُمْ مِنْ وَلَايَتِنَا، وَإِنَّكُمْ لَمْ تُبَدِّلُوا بِنَا غَيْرَنَا، وَلَوْ لَمْ تَفْعَلُوا ، لَعَيَّرَكُمُ اللّهُ كَمَا عَيَّرَهُمْ حَيْثُ يَقُولُ جَلَّ ذِكْرُهُ: «وَما وَجَدْنا لأكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ» (3). يَا بَا مُحَمَّدٍ، فَهَلْ سَرَرْتُكَ؟».

قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، زِدْنِي.

فَقَالَ: «يَا بَا مُحَمَّدٍ، لَقَدْ ذَكَرَكُمُ اللّهُ فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ: «إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ» ، (4). وَاللّهِ مَا أَرَادَ بِهذَا غَيْرَكُمْ. يَا بَا مُحَمَّدٍ، فَهَلْ سَرَرْتُكَ؟».

قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، زِدْنِي.

فَقَالَ: «يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، «الْأَ خِلاّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَا الْمُتَّقِينَ» (5). ، وَاللّهِ مَا أَرَادَ بِهذَا غَيْرَكُمْ.

يَا بَا مُحَمَّدٍ، فَهَلْ سَرَرْتُكَ؟».

قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، زِدْنِي.

فَقَالَ: «يَا بَا مُحَمَّدٍ، لَقَدْ ذَكَرَنَا اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ وَشِيعَتَنَا وَعَدُوَّنَا فِي آيَةٍ مِنْ كِتَابِهِ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: «هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَ لْبابِ» (6). ، فَنَحْنُ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ، وَعَدُوُّنَا الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ، وَشِيعَتُنَا هُمْ أُولُوا الْأَ لْبَابِ.

يَا بَا مُحَمَّدٍ، فَهَلْ سَرَرْتُكَ؟».

قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، زِدْنِي.

فَقَالَ: «يَا بَا مُحَمَّدٍ، وَاللّهِ مَا اسْتَثْنَى اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ بِأَحَدٍ مِنْ أَوْصِيَاءِ الْأَ نْبِيَاءِ وَلَا أَتْبَاعِهِمْ مَا

ص: 383


1- .في الحاشية : «المراد بكاف الخطاب كلّ من أقرّ بولاية علي عليه السلام ووصايته ، وبهذا الخلق كلّ من أنكرها ، فيشمل كلّ من أنكر وآمن به من هذه الاُمّة ومن الاُمم السابقة ؛ فإنّ ولايته عليه السلام مأخوذة على جميع الخلق ، فمن آمن به فهو مغفور باستغفار الملائكة له ، ومن أنكره فهو محروم منه . صالح» . شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 285
2- .الأحزاب (33) : 23
3- الأعراف (7) : 102
4- .الحجر (15) : 47
5- .الزخرف (43) : 67
6- .الزمر (39) : 9

خَلَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَشِيعَتَهُ، فَقَالَ فِي كِتَابِهِ وَقَوْلُهُ الْحَقُّ: «يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ * إِلاّ مَنْ رَحِمَ اللّهُ» (1). ؛ يَعْنِي بِذلِكَ عَلِيّاً عليه السلام وَشِيعَتَهُ. يَا بَا مُحَمَّدٍ، فَهَلْ سَرَرْتُكَ؟».

قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، زِدْنِي.

قَالَ: «يَا بَا مُحَمَّدٍ، لَقَدْ ذَكَرَكُمُ اللّهُ تَعَالى فِي كِتَابِهِ إِذْ يَقُولُ: «يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» (2). ، وَاللّهِ مَا أَرَادَ بِهذَا غَيْرَكُمْ. فَهَلْ سَرَرْتُك، يَا بَا مُحَمَّدٍ؟».

قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، زِدْنِي.

فَقَالَ: «يَا بَا مُحَمَّدٍ، لَقَدْ ذَكَرَكُمُ اللّهُ فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ: «إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ» (3). ، وَاللّهِ مَا أَرَادَ بِهذَا إِلَا الْأَ ئِمَّةَ عليهم السلام وَشِيعَتَهُمْ. فَهَلْ سَرَرْتُكَ، يَا بَا مُحَمَّدٍ؟».

قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، زِدْنِي.

فَقَالَ: «يَا بَا مُحَمَّدٍ، لَقَدْ ذَكَرَكُمُ اللّهُ فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ: «فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً» (4). ، فَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فِي الآْيَةِ النَّبِيُّونَ، (5). وَنَحْنُ فِي هذَا الْمَوْضِعِ الصِّدِّيقُونَ (6). وَالشُّهَدَاءُ، وَأَنْتُمُ الصَّالِحُونَ. فَتَسَمَّوْا بِالصَّلَاحِ، كَمَا سَمَّاكُمُ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ، يَا بَا مُحَمَّدٍ فَهَلْ سَرَرْتُكَ؟».

قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، زِدْنِي.

قَالَ: «يَا بَا مُحَمَّدٍ، لَقَدْ ذَكَرَكُمُ اللّهُ إِذْ حَكى عَنْ عَدُوِّكُمْ فِي النَّارِ بِقَوْلِهِ: «وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَ شْرارِ * أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَ بْصارُ» (7). ، وَاللّهِ مَا عَنى وَلَا أَرَادَ بِهذَا غَيْرَكُمْ، صِرْتُمْ عِنْدَ أَهْلِ هذَا الْعَالَمِ شِرَارَ النَّاسِ، وَأَنْتُمْ وَاللّهِ فِي الْجَنَّةِ تُحْبَرُونَ، وَفِي النَّارِ تُطْلَبُونَ . يَا بَا مُحَمَّدٍ، فَهَلْ سَرَرْتُكَ؟».

قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، زِدْنِي.

قَالَ: «يَا بَا مُحَمَّدٍ، مَا مِنْ آيَةٍ نَزَلَتْ تَقُودُ إِلَى الْجَنَّةِ، وَلَا يَذْكُرُ (8). أَهْلَهَا بِخَيْرٍ إِلَا وَهِيَ فِينَا وَفِي

ص: 384


1- .الدخان (44) : 41 و42
2- .الزمر (39) : 53
3- .الحجر (15) : 42 ؛ الإسراء (17) : 65
4- .النساء (4) : 69
5- .في الحاشية عن بعض النسخ: «النبيّين»
6- .في الحاشية عن بعض النسخ: «الصدّيقين»
7- .ص (38) : 62 و63
8- .في كلتا الطبعتين : «ولا تذكر»

شِيعَتِنَا، وَمَا مِنْ آيَةٍ نَزَلَتْ تَذْكُرُ أَهْلَهَا فِيهَا (1). بِشَرٍّ، وَلَا تَسُوقُ إِلَى النَّارِ إِلَا وَهِيَ فِي عَدُوِّنَا وَمَنْ خَالَفَنَا. فَهَلْ سَرَرْتُكَ يَا بَا مُحَمَّدٍ؟».

قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، زِدْنِي.

فَقَالَ: «يَا بَا مُحَمَّدٍ، لَيْسَ عَلى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَا نَحْنُ وَشِيعَتُنَا، وَسَائِرُ النَّاسِ مِنْ ذلِكَ بُرَآءُ، يَا بَا مُحَمَّدٍ فَهَلْ سَرَرْتُكَ؟».

* وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرى : فَقَالَ: حَسْبِي.

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (وقد حَفَزه النفس) .

الحَفز ، بالحاء المهملة والفاء والزاي: الحثّ، والإعجال، والاجتهاد في المشي والنفس وغيرهما، وفعله كضرب، واحتفز في مشيه: احتثّ، واجتهد.

وقوله: (كبرت (2). سنّي) .

في بعض النسخ: «كبر» بلفظ التذكير. وفي القاموس: «السنّ: مقدار العمر، مؤنّثه في الناس وغيرهم» (3) . والمراد بكبرها : كثرتها.

(ودقّ عَظمي) .

الدقيق: خلاف الغليظ، وقد دقّ الشيء دقّة _ من باب ضرب _ أي صار دقيقاً. وكنّي به عن الوهن والضعف اللازمين لطول العمر.

(واقترب) أي تقارب (أجلي) ودنا.

وقوله عليه السلام : (وإنّك لتقول هذا) إنكار لقول أبي بصير: (مع أنّني لست أدري) .

(قال: جعلت فداك، وكيف لا أقول) ما قلت، مع أنّي لا علم لي بمآل حالي في الآخرة؟! (فقال: يا أبا محمّد، أما علمت) إلى قوله: (أن يحاسبهم) .

في القاموس: «الشباب: الفتا ، وجمع شابّ، كالشبّان» (4). وقال الجوهري: «الشباب جمع

ص: 385


1- .في النسخة: «فيها» مرمّز ب «خ»، ولم يرد في كلتا الطبعتين
2- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «كبر»
3- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 236 (سنن)
4- .القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 85 (شبب)

شابّ، وكذلك الشبّان» (1).

وقال البيضاوي: الحياء: انقباض النفس عن القبيح مخافة الذمّ، وإذا وصف به الباري كما جاء في الحديث: «إنّ اللّه يستحي من ذي الشيبة المسلم أن يعذّبه» (2). ؛ فإنّ المراد الترك اللازم للانقباض، كما أنّ المراد من رحمته وغضبه إصابة المعروف والمكروه اللازمين لمعنييهما (3). وفي القاموس: «الكهل: من وخطه الشيب ورأيت له بجالة ، أو من جاوز الثلاثين، أو أربعا وثلاثين إلى إحدي وخمسين، الجمع: كهول»(4). انتهى .

وقيل: الكَهل من الرجل: من زاد على ثلاثين سنة إلى الأربعين.

وقيل: من ثلاث وثلاثين إلى تمام الخمسين.

وقيل: لما لم يكن في كرمه تعالى نقص، لزم من عدم تعذيب الشباب عدم حسابهم ؛ لئلّا يخجلوا، ومن عدم حساب الكهول عدم تعذيبهم، بل عدم حساب الشيوخ وتعذيبهم بالطريق الأولى، فإذا تدخل الشيعة كلّهم بلا تعذيب ولا حساب في الجنّة(5).

(قال: قلت: جعلت فداك، هذا لنا خاصّة) .

في نسخة: «هذان»، أي عدم التعذيب، وعدم المحاسبة.

(أم لأهل التوحيد)؛ يعني ما ذكر مختصّ بالشيعة، أم يكون للمسلمين عموماً؟ (قال: فقال: لا، واللّه إلّا لكم خاصّة) أي لا يكون هذا واللّه، أو لا ليس واللّه هذا إلّا لكم خاصّة.

(دون العالم) بفتح اللام ، أي أهل العالم.

وقيل: إنّما لم يقل: دون أهل التوحيد، كما قال أبو بصير؛ للتنبيه على أنّ غير الشيعة ليسوا من أهل التوحيد، بل هم مشركون(6).

ص: 386


1- الصحاح ، ج 1 ، ص 151 (شبب)
2- .راجع : الفتح السماوي ، ج 1 ، ص 151 ، ح 44 ؛ تفسير أبي السعود ، ج 1 ، ص 71
3- تفسير البيضاوي ، ج 1 ، ص 255 (مع التلخيص واختلاف يسير)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 47 (كهل)
5- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 284
6- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 284

أقول: الظاهر أنّ الغرض في ذلك نفي الحكم عن غير الشيعة مطلقاً؛ فإنّ ما اعتبره السائل يوهم الاختصاص ببعض الأغيار.

(قال: قلت: جعلت فداك، وإنّا قد نُبزنا نَبْزا) على صيغة المجهول من النَّبز، وهو الهَمز، ومصدر نبزه يَنبُز: لقّبه، كنبّزه. والنَّبَز، بالتحريك: اللقب.

وقيل: قد كثر استعماله فيما كان ذمّاً، ومنه قوله تعالى: «وَلَا تَنَابَزُوا بِالْألْقَابِ» (1).

(انكسرت له ظهورنا، وماتت له أفئدتنا، واستحلّت له) أي لأجله (الولاة) أي حكّام أهل الجور (دماءنا) .

قال الجوهري: «استحلّ الشيء، أي عدّه حلالاً»(2).

(في حديث رواه لهم فقهاؤهم) أي ذلك الاستحلال لأجل حديث رووه.

(قال: فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : الرافضة؟ قال: قلت: نعم) .

«الرافضة» خبر مبتدأ محذوف. وفي القاموس: «رفضه: تركه، والروافض : كلّ جند تركوا قائدهم، والرافضة: فرقة منه، وفرقة من الشيعة بايعوا زيد بن علي ، ثمّ تركوه ورفضوه»(3).

وإنّما قال أبو بصير ذلك لشدّة قبح هذا اللقب ، لا لشكّه في دينه.

فدفع عليه السلام زعمه بقوله: (واللّه، ما هم سمّوكم) إلى قوله: (ثمّ ذخر اللّه _ عزّ وجلّ _ لكم هذا الاسم حتّى نحلكموه، يا أبا محمّد إنّهم (4).

رفضوا الخير، ورفضتم الشرّ).

وحاصله أنّه عليه السلام بشّره وحسّن هذا اللقب له ولمن كان على دينه، ثمّ أفاد أنّ هذا اللقب عامّ يصدق على الموافق والمخالف؛ أمّا الموافق فلرفضه الباطل، وأمّا المخالف فلرفضه الحقّ، فهو ممدوح للأوّل، ومذموم للثاني.

قال الفيروزآبادي: «ذخره _ كمنعه _ ذُخراً، بالضمّ، واذّخره اختاره، أو اتّخذه»(5).

وقال: «النحل _ بالضمّ _ مصدر نحله: أعطاه. أنحله ماء : أعطاه، ومالاً : خصّه بشيء منه، كنحله فيهما» (6).

ص: 387


1- الحجرات (49) : 11 . والقائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 284
2- الصحاح ، ج 4 ، ص1675 (حلل)
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 332 (رفض)
4- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : _ «إنّهم»
5- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 34 (ذخر)
6- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 55 (نحل)

(افترق الناس كلّ فرقة، وتشعّبوا كلّ شُعبة) .

قال الجوهري: «الفُرقة _ بالضمّ _ الاسم من فارقته مفارقة وفِراقاً. والفرقة: طائفة من الناس»(1).

وقال الفيروزآبادي: «التشعّب: التفرّق، والشعبة، بالضمّ: الفُرقة» (2). تقول: شَعَبَتهم المنية ، أي فرّقتهم، والشعبة: الطائفة من الشيء .

ولعلّ المراد بكلّ فرقة وكلّ شعبة غاية كثرتهم في التفرّق وكثرتهم (3). في التشعّب.

وقيل: المراد بها فرقة كثيرة وشعبة كثيرة، وذلك لأنّ الباطل طرق كثيرة، فذهبت إلى كلّ طريق طائفة (4).

(فانشعبتم مع أهل بيت نبيّكم صلى الله عليه و آله ) أي صرتم معهم شعبة واحدة.

(وذهبتم حيث ذهبوا) في النظريّات والعمليّات، واستندتم بأمرهم وقولهم، لا بالرأي والتغنّي والقياس.

وقوله: (فأبشروا ثمّ أبشروا) .

يقال: أبشر، على بناء المعلوم، أي سُرّ بالبشارة.

(وذلك قوله عزّ وجلّ) في سورة المؤمن.

و«ذلك» إشارة إلى قوله: «إنّ للّه ملائكة» إلخ.

«الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ» أي حاملي العرش والحافّين حوله، وهم الكرّوبيون _ بتخفيف الياء _ سادة الملائكة.

قيل: الكرّوبيون : أعلى طبقات الملائكة، وأوّلهم وجوداً، وحملهم العرش وحفيفهم حوله مجاز عن حفظهم وتدبيرهم له، أو كناية عن قربهم من ذي العرش ومكانتهم عنده، وتوسّطهم في نفاذ أمره(5).

«يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ» أي يذكرون اللّه بمجامع الثناء من صفات الجلال والإكرام.

وقيل: أي يسبّحون اللّه ويحمدونه.

ص: 388


1- الصحاح ، ج 4 ، ص 1541 (فرق)
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 88 (شعب)
3- .كذا قرأناه
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه اللهفي شرحه ، ج 11 ، ص 285
5- قاله البيضاوي في تفسيره ، ج 5 ، ص 84

وقيل: الباء يدلّ على أنّ تسبيحهم بالحمد له، كما تقول: يعظّمونه بالحمد له.

«وَيُؤْمِنُونَ بِهِ» .

قيل: أخبر عنهم بالإيمان؛ إظهاراً لفضله، وتعظيماً لأهله، ومساق الآية لذلك كما صرّح به بقوله: «وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا» (1). ، وإشعاراً بأنّ حملة الفرش وسكّان العرش في معرفته سواء ردّا على المجسّمة، واستغفارهم شفاعتهم، وحملهم على التوبة، وإلهامهم ما يوجب المغفرة.

وفيه تنبيه على أنّ المشاركة في الإيمان توجب النُّصح والشفقة، وإن تخالفت الأجناس؛ لأنّها أقوى المناسبات، كما قال: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ» (2). (3).

وقوله عليه السلام : (لقد ذكركم اللّه في كتابه) يحتمل كونه من الذكر والتذكير.

قال الفيروزآبادي: «الذكر، بالكسر: الحفظ للشيء، والشيء يجري على اللسان ، والصيت ، والثناء ، والشرف، وأذكره إيّاه، وذكره» (4).

(فقال) في سورة الأحزاب : «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللّهَ عَلَيْهِ» .

قال البيضاوي: الموصول عبارة عن الثبات مع الرسول، والمقاتلة لإعلاء الدين، من صدقني، إذا قال لك الصدق؛ فإنّ المعاهد إذا وفى بعهده صدق فيه .

«فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ» : نذره ؛ بأن قاتل حتّى استشهد، كحمزه، ومصعب بن عمير، وأنس بن النضر. والنَّحب: النذر، استعيرت للموت؛ لأنّه كنذر لازم في رقبة كلّ حيوان. «وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ» الشهادة «وَما بَدَّلُوا» العهد، ولا غيّروه «تَبْدِيلاً» شيئاً من التبديل. انتهى(5).

قال الجزري: في حديث طلحة: «ممّن قضى نحبه» (6). النحب: النذر، كأنّه ألزم نفسه أن يصدق أعداء

ص: 389


1- .قاله البيضاوي في تفسيره ، ج 5 ، ص 84
2- .غافر (40) : 7 . وفي الحاشية : «إشارة إلى إسقاط الملائكة ذنوب الشيعة، ووجه دلالة الآية أنّ استغفار الملائكة لهم غير مردود ، بل هو سبب له ، ووجود السبب دليل على وجود المسبّب. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 285
3- الحجرات (49) : 10
4- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 35 (ذكر)
5- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 370
6- .لاحظ الخبر في : سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 46 ، ح 126 ؛ سنن الترمذي ، ج 5 ، ص 29 ؛ المستدرك للحاكم ، ج 2 ، ص416

اللّه في الحرب، فوفى به. وقيل: النحب: الموت، كأنّه ألزم نفسه أن يقاتل حتّى يموت (1).

وقال الجوهري: «النحب: المدّة، والوقت. يقال: قضى فلان نحبه، إذا مات»(2).

وقال عليه السلام في تفسير هذه الآية: (إنّكم وفيتم بما أخذ اللّه عليه ميثاقكم من ولايتنا).

هذا ناظر إلى قوله تعالى: «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللّهَ عَلَيْهِ» .

(وإنّكم لم تُبدّلوا بنا غيرنا) .

هذا ناظر إلى قوله: «وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً» (3).

ويفهم منه أن يكون أموات الشيعة ممّن قضى نحبه، وأحياؤهم ممّن ينتظر، ويدلّ عليه صريح بعض الأخبار.

وقيل: الظاهر أنّ الجارّ والمجرور في الآية في المواضع الثلاثة مبتدأ على معنى بعضهم، وما بعده خبره، دون العكس؛ لعدم الفائدة في الإخبار، وإن كان العكس هو المعروف من النحاة، وقد صرّح بذلك الشهيد رحمه الله في هذه الآية وفي قوله تعالى: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الْاخَرِ» (4). الآية، ولجواز العكس وبيان فائدته مجال من التوجيه (5). ، فتأمّل.

(ولو لم تفعلوا لعيّركم اللّه كما عيّرهم) .

اللام للابتداء، أو موطئة القسم، أي لو لم تفعلوا الوفاء بالعهد، أو لم تكونوا من الذين وفوا بالعهد، وبدّلتم بأولياء اللّه غيرهم كمّا بدّلوا، لدختلم في التعيير كما دخلوا.

(حيث يقول جلّ ذكره) في سورة الأعراف: «وَما وَجَدْنا لأكْثَرِهِمْ» .

قال بعض المفسّرين:

أي لأكثر الناس، أو لأكثر الاُمم المذكورين.

«مِنْ عَهْدٍ» : وفاء عهد؛ فإنّ أكثرهم نقضوا ما عهد اللّه إليهم في الإيمان والتقوى بإنزال الآيات، ونصب الحجج، أو ما عهدوا إليه حين كانوا في ضرر مخافة، مثل: «لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ» (6). ، كذا قيل(7).

ص: 390


1- النهاية ، ج 5 ، ص 26 (نحب)
2- الصحاح ، ج 1 ، ص 222 (نحب)
3- الأحزاب (33) : 23
4- .البقرة (2) : 8
5- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 311
6- .يونس (10) : 22
7- قاله البيضاوي في تفسيره ، ج 3 ، ص 44

وقد ظهر من تفسيره عليه السلام في الآية السابقة أنّ المراد بالعهد أخذ الميثاق بالولاية.

«وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ» (1) .

أي الكاملين في الفسق بترك الولاية، و«وجدنا» بمعنى علمنا؛ لتعديته إلى المفعولين، ودخول «إن» المخفّفة واللام الفارقة ، وذلك لا يسوغ إلّا في المبتدأ والخبر والأفعال الداخلة عليهما، وعند الكوفيّين «إن» للنفي، واللام بمعنى إلّا .

وقوله: (فقال: يا أبا محمّد، لقد ذكركم اللّه في كتابه) في سورة الحجر، فقال: «إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* اُدْخُلُوهَا بِسَلاَ مٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ» (2).

قال البيضاوي: «إخواناً» حال من ضمير «في جنّات»، أو فاعل «اُدخلوها»، أو الضمير في «آمنين» ، أو الضمير المضاف إليه، والعامل فيها معنى الإضافة، وكذا قوله: «عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ» ، ويجوز أن يكونا صفتين لإخواناً، أو حال من ضميره؛ لأنّه بمعنى متصافين ، وأن يكون متقابلين حالاً من المستتر على سرر (3).

(واللّه ما أراد بهذا غيركم) .

الظاهر أنّ «هذا» إشارة إلى «إخواناً». ويحتمل أن يكون إشارة إلى المتّقين، والمآل واحد.

(فقال: يا أبا محمّد، «الْأَ خِلاّءُ» ) أي الأحبّاء، جمع خليل، وهو الصديق المختصّ، أو الصادق، أو من أصفى المودّة وأصحّها .

(يَوْمَئِذٍ) . جمهور المفسّرين على أنّه يوم القيامة، وقال بعضهم: في الدنيا.

«بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ» أي يتعادون يومئذ؛ لانقطاع علاقة الخلّة لظهور ما كانوا يتخالّون له سبباً للعذاب.

«إِلاَّ الْمُتَّقِينَ» (4). ؛ فإنّ خلّتهم لما كانت في اللّه، تبقى نافعة أبداً.

قال بعض المفسّرين: «المراد بالمتّقين هنا المؤمنون».

وقال بعضهم: «الذين يتّقون المعاصي»(5).

ص: 391


1- .الأعراف (7) : 102
2- الحجر (15) : 45 _ 47
3- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 373
4- .الزخرف (43) : 67
5- راجع : تفسير مجمع البيان ، ج 2 ، ص 156 ؛ وج 9 ، 93 ؛ تفسير السمرقندي ، ج 3 ، ص 250 ؛ تفسير الثعلبي ، ج 8 ، ص342 ؛ تفسير السمعاني ، ج 1 ، ص 256

وقال عليه السلام : (واللّه ما أراد بهذا غيركم) أي بالمتّقين، والإفراد باعتبار اللفظ.

(فقال عزّ وجلّ) في سورة الزمر: «أَمْ مَنْ هوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْاخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ» .

قال البيضاوي: نفي لاستواء الفريقين باعتبار القوّة العلميّة بعد نفيه باعتبار القوّة العمليّة على وجه أبلغ لمزيد فضل العلم.

وقيل: تقرير الأوّل على سبيل التشبيه، أي كما لا يستوي العالمون والجاهلون لا يستوي القانتون والعاصون(1).

«إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَ لْبابِ» (2). بأمثال هذه البيانات أنّهما ليسا سواء ؛ فإنّ قيمة كلّ امرء ما يحسنه.

وقال الزجّاج: «أي كما لا يستوي العالم والجاهل لا يستوي المطيع والعاصي، ففسّر القانت بالمطيع».

وقيل: الذين يعلمون هم المؤمنون الموقنون، والذين لا يعلمون الكافرون المرتابون.

وقيل: الذين يعلمون ما لهم وعليهم، والذين لا يعلمون ذلك(3).

وقال عليه السلام : (فنحن الذين يعلمون، وعدوّنا الذين لا يعلمون، وشيعتنا هم اُولوا الألباب).

وقوله: (فقال في كتابه وقوله الحقّ) ؛ قال _ عزّ وجلّ _ في سورة الدخان: «إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ * يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً» (4).

أي لا يدفع ولا يمنع وليّ عن وليّ، ولا والد عن ولده، ولا مولود عن والده. وقيل: قرابة عن قرابة. وقيل: ابن العمّ عن ابن العمّ، كما يمنع في الدنيا شيئاً من الإغناء(5).

وقال البيضاوي: « «يَوْمَ لا يُغْنِي» بدل من «يَوْمَ الْفَصْلِ» ، أو صفة ل «ميقاتهم» ، أو ظرف لما دلّ عليه الفصل»(6).

«وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ» .

ص: 392


1- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 60
2- .الزمر (39) : 9
3- راجع في الأقوال : معاني القرآن للنحّاس ، ج 6 ، ص 159 و160 ؛ تفسير النسفي ، ج 4 ، ص 49 ؛ تفسير الثعلبي ، ج 8 ، ص342 ؛ تفسير السمعاني ، ج 1 ، ص 256
4- الدخان (44) : 40 و41
5- راجع : جامع البيان للطبري ، ج 25 ، ص 167 ؛ تفسير الثعلبي ، ج 8 ، ص 355 ؛ زاد المسير ، ج 7 . ص 118 ؛ تفسير القرطبي ، ج 16 ، ص 148
6- تفسير البيضاوي، ج 5 ، ص 163

قيل: الضمير لمولى الأوّل باعتبار المعنى؛ لأنّه عامّ، أي ليس لهم من ينصرهم من عذاب اللّه بالشفاعة(1).

وقيل: لا ينصرهم الذين كانوا يعبدونهم من دون اللّه(2).

«إِلّا مَنْ رَحِمَ اللّهُ» (3). بالعفو عنه في قبول الشفاعة فيه. ومحلّه الرفع على البدل على الواو، والنصب على الاستثناء.

ويحتمل أن يكون الاستثناء متّصلاً، أي إلّا المؤمنون؛ فإنّه يشفع بعضهم لبعض بإذن اللّه، أو منقطعاً أي لكن من رحمه اللّه فإنّه مغفور له .

(يعنى بذلك) أي بمن رحم اللّه (عليّاً عليه السلام وشيعته).

وقوله: (لقد ذكركم اللّه في كتابه إذ يقول) في سورة الزمر: «قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ» .

قال البيضاوي: «أي أفرطوا في الجناية عليها بالإسراف في المعاصي.

وإضافة العباد تخصّصه بالمؤمنين على ما هو عرف القرآن»(4).

«لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ» أي لا تيأسوا من مغفرته.

«إِنَّ اللّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً» .

قيل: يغفرها بالعفو عنها جميعها إلّا الشرك.

وقيل: يغفرها بالتوبة منها.

وقيل: يغفر الصغائر باجتناب الكبائر (5).

وقال البيضاوي: أي يغفرها عفواً، ولو بعد تعذيب وتقييد بالتوبة خلاف الظاهر ، ويدلّ على إطلاقه فيما عدا الشرك قوله: «إِنَّ اللّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ» (6). الآية.

والتعليل بقوله: «إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» (7).

وقال: على المبالغة وإفادة الحصر ، والوعد بالرحمة بعد المغفرة، وتقديم ما يستدعي عموم المغفرة ممّا في «عِبَادِي» من الدلالة على الذلّة والاختصاص المقتضيين

ص: 393


1- قاله البيضاوي في تفسيره ، ج 5 ، ص 163
2- راجع : التبيان للطوسي ، ج 6 ، ص 416
3- .الدخان (44) : 42
4- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 71
5- راجع : تفسير القرطبي ، ج 5 ، ص 158 ؛ تفسير الآلوسي ، ج 27 ، ص 63
6- .النساء (4) : 48 و116
7- الزمر (39) : 53

للترحّم واختصاص ضرر الإسراف بأنفسهم، والنهي عن القنوط عن الرحمة فضلاً عن المغفرة وإطلاقها، وتعليله: «إِنَّ اللّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً» ، ووضع اسم «اللّه» موضع الضمير ؛ لدلالته على أنّه المستغني والمنعم على الإطلاق، والتأكيد بالجميع. انتهى(1).

وفسّر عليه السلام العباد الموعودين بالمغفرة، فقال: (واللّه ما أراد بهذا غيركم).

وقوله: (لقد ذكركم اللّه في كتابه فقال) في سورة الحجر، خطاباً لإبليس: «إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ» (2).

قال البيضاوي: هو تصديق لإبليس فيما استثناه، أو تكذيب له فيما أوهم أنّ له سلطاناً على من ليس بمخلص من عباده؛ فإنّ منتهى تزيينه التحريض والتدليس، كما قال: «وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي» (3). (4).

وقال عليه السلام : (واللّه ما أراد بهذا)؛ أي بالعباد الذين نفى عنهم سلطان الشيطان.

(إلاّ الأئمّة عليهم السلام وشيعتهم) .

قيل: نفى سلطانه عن الشيعة بمعنى أنّه لا يمكنه أن يخرجهم من دينهم الحقّ، أو يمكنهم دفعه بالاستعاذة والتوسّل به تعالى (5).

وقوله: (لقد ذكركم اللّه في كتابه، فقال) في سورة النساء: «وَمَنْ يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ» .

قال البيضاوي : هو مزيد ترغيب في الطاعة بالوعد عليها مرافقة أكرم الخلائق، وأعظمهم قدراً.

«مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصّالِحِينَ» بيان للذين ، أو حال منه ، أو من ضميره، قسّمهم أربعة أقسام بحسب منازلهم في العلم والعمل، وحثّ كافّة الناس عن أن لا يتأخّروا عنهم، وهم الأنبياء الفائزون بكمال العلم والعمل، المتجاوزون حدّ الكمال إلى درجة التكميل؛ ثمّ الصدّيقون الذين صعدت نفوسهم تارة بمراقي النظر في الحجج والآيات، واُخرى بمعارج التصفية والرياضات إلى أوج العرفان، حتّى اطّلعوا

ص: 394


1- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 71 و72 (مع اختلاف يسير)
2- الحجر (15) : 42 ؛ الإسراء (17) : 65
3- .إبراهيم (14) : 22
4- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 372
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 81

على الأشياء، وأخبروا عنها على ما هي عليها؛ ثمّ الشهداء الذين أدّى بهم الحرص على الطاعة، والجدّ في إظهار الحقّ، حتّى بذلوا مهجهم في إعلاء كلمة اللّه تعالى؛ ثمّ الصالحون الذين صرفوا أعمارهم في طاعته، وأموالهم في مرضاته.

«وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً» (1). في معنى التعجّب.

و«رفيقاً» نصب على التميز، أو الحال، ولم يجمع؛ لأنّه يقال للواحد والجمع، كالصدّيق، أو لأنّه اُريد: وحسن كلّ واحد منهم رفيقاً(2).

(فرسول اللّه صلى الله عليه و آله في الآية النبيّين) (3). ، والجمع للتعظيم، أو المراد أنّه صلى الله عليه و آله من جملة النبيّين، أو لأنّ التصديق به تصديق بالجميع.

(ونحن في هذا الموضع الصدّيقون والشهداء) .

الصدّيق، كسكّيت: كثير الصدق.

وقيل: دائم التصديق، ويكون الذي يُصدّق قولَه بالعمل. والشهداء: جمع شهيد، وهو الشاهد، أو القتيل في سبيل اللّه، وهم عليهم السلام صدّيقون في أقوالهم وأفعالهم ووفائهم بالعهود، ومصدّقون للأنبياء وبما جاؤوا به، وهم شهداء اللّه على عباده في بلاده، وشهداء بأيدي الأعداء.

(وأنتم الصالحون، فتسمّوا بالصلاح كما سمّاكم اللّه عزّ وجلّ) أي كونوا من أهل الصلاح، وانتسبوا إليه.

قال الجوهري: «سمّيت فلاناً زيداً، وسمّيته بزيد بمعنى، فتسمّى»(4).

وفي القاموس: «فتسمّى بكذا، وبالقوم، وإليهم: انتسب» (5).

(قوله تعالى: «وَقالُوا» ) .

قال بعض المفسّرين: «ضمير الجمع راجع إلى الطاغين» (6).

«ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَ شْرارِ» (7).

يعنون فقراء المسلمين الذين يسترذلونهم في الدنيا، ويسخرون بهم كصهيب وبلال وعمّار.

ص: 395


1- .النساء (4) : 69
2- تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 213 _ 215 (مع التلخيص واختلاف يسير)
3- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «النبيّون»
4- الصحاح ، ج 6 ، ص 2383 (سمو)
5- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 344 (سمو)
6- قاله البيضاوي في تفسيره ، ج 5 ، ص 52
7- .ص (38) : 62

«أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا» صفة اُخرى ل «رجالاً» على قراءة «اتّخذناهم» بكسر الهمزة على الخبر، أي كنّا نسخر بهم.

«أَمْ زاغَتْ» أي مالت «عَنْهُمُ الْأَ بْصارُ» (1). ؛ فلا نراهم .

والمعنى: أهم في النار معنا، فزاغت عنهم الأبصار، فلا نراهم، أم ليسوا معنا؟ وقيل: «أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَ بْصارُ» في الدنيا تحقيراً لهم(2).

وقرى ء : «أتّخذناهم» بالاستفهام، وحمل على معنى التسوية، كقوله: «أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ» (3).

وقيل: هو توبيخ وإنكار لأنفسهم في سخريّة هؤلاء الرجال، واسترذالهم (4).

وقال البيضاوي: «أم» معادلة ل «مَا لَنا لَا نَرى» ، على أنّ المراد نفي رؤيتهم لغيبتهم، كأنّهم قالوا: أليسوا هنا، أم زاغت عنهم الأبصار، أو لاتّخذناهم على معنى إنكارهما على أنفسهم، أو منقطعة، والمراد الدلالة على أنّ استهزاؤهم والاستسخار منهم كان لزيغ أبصارهم، وقصور أنظارهم على رثاثة حالهم. انتهى (5).

والسُّخريّ ، بالضمّ والكسر: اسم من سخر منه وبه، إذا هزءه ، واسترذله .

وقيل: لعلّ صدور هذا القول منهم إمّا لتأسّفهم، أو لكمال دهشتهم من شدّة عقوبتهم، وإلّا فقد علموا أنّ سبب دخولهم في النار ترك دين هؤلاء الرجال. وفيه دلالة على أنّ أهل جهنّم يرون كلّ من دخل فيها (6).

وقوله: (في الجنّة تُحبرون) على بناء المجهول.

والحبر، بالكسر: أثر النعمة، والحسن، وبالفتح: السرور. أحبره: سرّه، والحَبرة بالفتح: السماع في الجنّة، وكلّ نعمة حسنة، والمبالغة فيما وصف بحَبل.

(وفي النار تُطلبون) أي يطلبكم فيها من خالفكم ولا يجدونكم.

ص: 396


1- .ص (38) : 63
2- قاله البيضاوي في تفسيره ، ج 5 ، ص 53
3- البقرة (2) : 6 ؛ يس (36) : 10
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 288
5- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 53 (مع التلخيص واختلاف يسير)
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 288 و289

وقوله: (إلّا وهي فينا وفي شيعتنا)؛ قيل: الحصر حقيقيّ؛ لما ثبت من أحاديث أهل البيت عليهم السلام من أنّه لا يدخل الجنّة إلّا شيعتهم، ولا يدخل النار إلّا من أنكرهم، وأيضاً ثبت من طرق العامّة والخاصّة أنّ عليّاً قسيم الجنّة والنار (1).

متن الحديث السابع (حديث أبي عبد اللّه عليه السلام مع المنصور في موكبه)

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ (2). وَعَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ جَمِيعاً؛ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ حُمْرَانَ، قَالَ:

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، وَذُكِرَ هؤُلَاءِ عِنْدَهُ، وَسُوءُ حَالِ الشِّيعَةِ (3). عِنْدَهُمْ، فَقَالَ:

«إِنِّي سِرْتُ مَعَ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ، وَهُوَ فِي مَوْكِبِهِ، وَهُوَ عَلى فَرَسٍ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ خَيْلٌ، وَمِنْ خَلْفِهِ خَيْلٌ، وَأَنَا عَلى حِمَارٍ إِلى جَانِبِهِ، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا عَبْدِ اللّهِ، قَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَفْرَحَ بِمَا أَعْطَانَا اللّهُ مِنَ الْقُوَّةِ، وَفَتَحَ لَنَا مِنَ الْعِزِّ، وَلَا تُخْبِرَ النَّاسَ أَنَّكَ أَحَقُّ بِهذَا الْأَ مْرِ مِنَّا وَأَهْلَ بَيْتِكَ، فَتُغْرِيَنَا بِكَ وَبِهِمْ». قَالَ: «فَقُلْتُ: وَمَنْ رَفَعَ هذَا إِلَيْكَ عَنِّي فَقَدْ كَذَبَ، فَقَالَ [لِي] : أَ تَحْلِفُ عَلى مَا تَقُولُ؟»

قَالَ: «فَقُلْتُ: إِنَّ النَّاسَ سَحَرَةٌ، يَعْنِي يُحِبُّونَ أَنْ يُفْسِدُوا قَلْبَكَ عَلَيَّ، فَلَا تُمَكِّنْهُمْ مِنْ سَمْعِكَ؛ فَإِنَّا إِلَيْكَ أَحْوَجُ مِنْكَ إِلَيْنَا.

فَقَالَ [لِي] : تَذْكُرُ يَوْمَ سَأَلْتُكَ: هَلْ لَنَا مُلْكٌ؟ فَقُلْتَ: نَعَمْ، طَوِيلٌ عَرِيضٌ شَدِيدٌ، فَلَا تَزَالُونَ فِي مُهْلَةٍ مِنْ أَمْرِكُمْ، وَفُسْحَةٍ مِنْ دُنْيَاكُمْ، حَتّى تُصِيبُوا مِنَّا دَماً حَرَاماً فِي شَهْرٍ حَرَامٍ فِي بَلَدٍ حَرَامٍ؟

فَعَرَفْتُ أَنَّهُ قَدْ حَفِظَ الْحَدِيثَ، فَقُلْتُ: لَعَلَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ أَنْ يَكْفِيَكَ، فَإِنِّي لَمْ أَخُصَّكَ بِهذَا، وَإِنَّمَا هُوَ حَدِيثٌ رَوَيْتُهُ، ثُمَّ لَعَلَّ غَيْرَكَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ [أن] يَتَوَلّى ذلِكَ، فَسَكَتَ عَنِّي .

فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلى مَنْزِلِي، أَتَانِي بَعْضُ مَوَالِينَا، فَقَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، وَاللّهِ لَقَدْ رَأَيْتُكَ فِي مَوْكِبِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَأَنْتَ عَلى حِمَارٍ وَهُوَ عَلى فَرَسٍ، وَقَدْ أَشْرَفَ عَلَيْكَ يُكَلِّمُكَ كَأَنَّكَ تَحْتَهُ؟! فَقُلْتُ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي: هذَا حُجَّةُ اللّهِ عَلَى الْخَلْقِ، وَصَاحِبُ هذَا الْأَ مْرِ الَّذِي يُقْتَدى بِهِ، وَهذَا

ص: 397


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 288 و289
2- .لا يخفي أنّ في السند تحويلاً بعطف ثلاث طبقات على مثلها
3- .في الحاشية عن بعض النسخ: «شيعتنا»

الْاخَرُ يَعْمَلُ بِالْجَوْرِ، وَيَقْتُلُ أَوْلَادَ الْأَ نْبِيَاءِ، وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ فِي الْأَ رْضِ بِمَا لَا يُحِبُّ اللّهُ، وَهُوَ فِي مَوْكِبِهِ وَأَنْتَ عَلى حِمَارٍ، فَدَخَلَنِي مِنْ ذلِكَ شَكٌّ، حَتّى خِفْتُ عَلى دِينِي وَنَفْسِي».

قَالَ: «فَقُلْتُ: لَوْ رَأَيْتَ مَنْ كَانَ حَوْلِي وَبَيْنَ يَدَيَّ، وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ، لَاحْتَقَرْتَهُ، وَاحْتَقَرْتَ مَا هُوَ فِيهِ.

فَقَالَ: الآْنَ سَكَنَ قَلْبِي، ثُمَّ قَالَ: إِلى مَتى هؤُلَاءِ يَمْلِكُونَ؟ أَوْ مَتَى الرَّاحَةُ مِنْهُمْ؟ فَقُلْتُ: أَ لَيْسَ تَعْلَمُ أَنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ مُدَّةً؟ قَالَ: بَلى ، فَقُلْتُ: هَلْ يَنْفَعُكَ عِلْمُكَ أَنَّ هذَا الْأَ مْرَ إِذَا جَاءَ كَانَ أَسْرَعَ مِنْ طَرْفَةِ الْعَيْنِ، إِنَّكَ لَوْ تَعْلَمُ حَالَهُمْ عِنْدَ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَيْفَ هِيَ كُنْتَ لَهُمْ أَشَدَّ بُغْضاً، وَلَوْ جَهَدْتَ أَوْ جَهَدَ أَهْلُ الْأَ رْضِ أَنْ يُدْخِلُوهُمْ فِي أَشَدِّ مَا (1). هُمْ فِيهِ مِنَ الْاءِثْمِ، لَمْ يَقْدِرُوا، فَلَا يَسْتَفِزَّنَّكَ الشَّيْطَانُ؛ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ «وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ» (2) .

أَ لَا تَعْلَمُ أَنَّ مَنِ انْتَظَرَ أَمْرَنَا، وَصَبَرَ عَلى مَا يَرى مِنَ الْأَ ذى وَالْخَوْفِ هُوَ غَداً فِي زُمْرَتِنَا، فَإِذَا رَأَيْتَ الْحَقَّ قَدْ مَاتَ وَذَهَبَ أَهْلُهُ، وَرَأَيْتَ الْجَوْرَ قَدْ شَمِلَ الْبِلَادَ، وَرَأَيْتَ الْقُرْآنَ قَدْ خَلُقَ وَأُحْدِثَ فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ، وَوُجِّهَ عَلَى الْأَ هْوَاءِ، وَرَأَيْتَ الدِّينَ قَدِ انْكَفَأَ كَمَا يَنْكَفِئُ الْمَاءُ، وَرَأَيْتَ أَهْلَ الْبَاطِلِ قَدِ اسْتَعْلَوْا عَلى أَهْلِ الْحَقِّ، وَرَأَيْتَ الشَّرَّ ظَاهِراً لَا يُنْهى عَنْهُ وَيُعْذَرُ أَصْحَابُهُ، وَرَأَيْتَ الْفِسْقَ قَدْ ظَهَرَ، وَاكْتَفَى الرِّجَالُ بِالرِّجَالِ، وَالنِّسَاءُ بِالنِّسَاءِ.

وَرَأَيْتَ الْمُؤْمِنَ صَامِتاً لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَرَأَيْتَ الْفَاسِقَ يَكْذِبُ وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ كَذِبُهُ وَفِرْيَتُهُ، وَرَأَيْتَ الصَّغِيرَ يَسْتَحْقِرُ (3). الْكَبِيرَ ، وَرَأَيْتَ الْأَ رْحَامَ قَدْ تَقَطَّعَتْ، وَرَأَيْتَ مَنْ يَمْتَدِحُ بِالْفِسْقِ يَضْحَكُ مِنْهُ، وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ.

وَرَأَيْتَ الْغُلَامَ يُعْطِي مَا تُعْطِي الْمَرْأَةُ، وَرَأَيْتَ النِّسَاءَ يَتَزَوَّجْنَ النِّسَاءَ، وَرَأَيْتَ الثَّنَاءَ قَدْ كَثُرَ، وَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يُنْفِقُ الْمَالَ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللّهِ فَلَا يُنْهى وَلَا يُؤْخَذُ عَلى يَدَيْهِ .

وَرَأَيْتَ النَّاظِرَ يَتَعَوَّذُ بِاللّهِ مِمَّا يَرَى الْمُؤْمِنَ فِيهِ مِنَ ا لأْتِهَادِ، وَرَأَيْتَ الْجَارَ يُؤْذِي جَارَهُ وَلَيْسَ لَهُ مَانِعٌ، وَرَأَيْتَ الْكَافِرَ فَرِحاً لِمَا يَرى فِي الْمُؤْمِنِ مَرِحاً لِمَا يَرى فِي الْأَ رْضِ مِنَ الْفَسَادِ.

ص: 398


1- .في الطبعة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها : «ممّا»
2- .المنافقون (63) : 8
3- .في الحاشية عن بعض النسخ : «يحقّر»

وَرَأَيْتَ الْخُمُورَ تُشْرَبُ عَلَانِيَةً ، وَيَجْتَمِعُ عَلَيْهَا مَنْ لَا يَخَافُ اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَرَأَيْتَ الآْمِرَ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِيلاً، وَرَأَيْتَ الْفَاسِقَ فِيمَا لَا يُحِبُّ اللّهُ قَوِيّاً مَحْمُوداً، وَرَأَيْتَ أَصْحَابَ الْايَاتِ يُحَقَّرُونَ (1). وَيُحْتَقَرُ مَنْ يُحِبُّهُمْ، وَرَأَيْتَ سَبِيلَ الْخَيْرِ مُنْقَطِعاً، وَسَبِيلَ الشَّرِّ مَسْلُوكاً .

وَرَأَيْتَ بَيْتَ اللّهِ قَدْ عُطِّلَ وَيُؤْمَرُ بِتَرْكِهِ، وَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَقُولُ مَا لَا يَفْعَلُهُ، وَرَأَيْتَ الرِّجَالَ يَتَسَمَّنُونَ لِلرِّجَالِ، وَالنِّسَاءَ لِلنِّسَاءِ.

وَرَأَيْتَ الرَّجُلَ مَعِيشَتُهُ مِنْ دُبُرِهِ، وَمَعِيشَةُ الْمَرْأَةِ مِنْ فَرْجِهَا، وَرَأَيْتَ النِّسَاءَ يَتَّخِذْنَ الْمَجَالِسَ كَمَا يَتَّخِذُهَا الرِّجَالُ، وَرَأَيْتَ التَّأْنِيثَ فِي وُلْدِ الْعَبَّاسِ قَدْ ظَهَرَ، وَأَظْهَرُوا الْخِضَابَ، وَامْتَشَطُوا كَمَا تَمْتَشِطُ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا، وَأَعْطَوُا الرِّجَالَ الْأَ مْوَالَ عَلى فُرُوجِهِمْ، وَتُنُوفِسَ فِي الرَّجُلِ، وَتَغَايَرَ عَلَيْهِ الرِّجَالُ، وَكَانَ صَاحِبُ الْمَالِ أَعَزَّ مِنَ الْمُؤْمِنِ .

وَكَانَ الرِّبَا ظَاهِراً لَا يُعَيَّرُ، وَكَانَ الزِّنَا تُمْتَدَحُ بِهِ النِّسَاءُ، وَرَأَيْتَ الْمَرْأَةَ تُصَانِعُ زَوْجَهَا عَلى نِكَاحِ الرِّجَالِ، وَرَأَيْتَ أَكْثَرَ النَّاسِ وَخَيْرَ بَيْتٍ مَنْ يُسَاعِدُ النِّسَاءَ عَلى فِسْقِهِنَّ، وَرَأَيْتَ الْمُؤْمِنَ مَحْزُوناً مُحْتَقَراً ذَلِيلاً، وَرَأَيْتَ الْبِدَعَ وَالزِّنَا قَدْ ظَهَرَ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَعْتَدُّونَ (2). شَهَادَةَ (3). الزُّورِ، وَرَأَيْتَ الْحَرَامَ يُحَلَّلُ، وَرَأَيْتَ الْحَلَالَ يُحَرَّمُ.

وَرَأَيْتَ الدِّينَ بِالرَّأْيِ، وَعُطِّلَ الْكِتَابُ وَأَحْكَامُهُ، وَرَأَيْتَ اللَّيْلَ لَا يُسْتَخْفى بِهِ مِنَ الْجُرْأَةِ عَلَى اللّهِ، وَرَأَيْتَ الْمُؤْمِنَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنْكِرَ إِلَا بِقَلْبِهِ، وَرَأَيْتَ الْعَظِيمَ مِنَ الْمَالِ يُنْفَقُ فِي سَخَطِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَرَأَيْتَ الْوُلَاةَ يُقَرِّبُونَ أَهْلَ الْكُفْرِ، وَيُبَاعِدُونَ أَهْلَ الْخَيْرِ، وَرَأَيْتَ الْوُلَاةَ يَرْتَشُونَ فِي الْحُكْمِ، وَرَأَيْتَ الْوِلَايَةَ قَبَالَةً لِمَنْ زَادَ، (4). وَرَأَيْتَ ذَوَاتِ الْأَ رْحَامِ يُنْكَحْنَ وَيُكْتَفى بِهِنَّ، وَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يُقْتَلُ عَلَى التُّهَمَةِ وَعَلَى الظِّنَّةِ، وَيَتَغَايَرُ عَلَى الرَّجُلِ الذَّكَرِ، فَيَبْذُلُ لَهُ نَفْسَهُ وَمَالَهُ .

وَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يُعَيَّرُ عَلى إِتْيَانِ النِّسَاءِ، وَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَأْكُلُ مِنْ كَسْبِ امْرَأَتِهِ مِنَ الْفُجُورِ ، يَعْلَمُ ذلِكَ وَيُقِيمُ عَلَيْهِ.

وَرَأَيْتَ الْمَرْأَةَ تَقْهَرُ زَوْجَهَا، وَتَعْمَلُ مَا لَا يَشْتَهِي، وَتُنْفِقُ عَلى زَوْجِهَا، وَرَأَيْتَ الرَّجُلَ

ص: 399


1- .في الحاشية عن بعض النسخ والطبعة القديمة : «يحتقرون»
2- .في الحاشية عن بعض النسخ: «يعتمدون _ يقتدون». وفي الوافي : «يشهدون»
3- .هكذا في النسخة وشرح المازندراني . وفي كلتا الطبعتين وجميع النسخ التي قوبلت فيهما : «بشاهد»
4- .في الحاشية عن بعض النسخ: «أراد»

يُكْرِي امْرَأَتَهُ وَجَارِيَتَهُ، وَيَرْضى بِالدَّنِيِّ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَرَأَيْتَ الْأَ يْمَانَ بِاللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ كَثِيرَةً عَلَى الزُّورِ، وَرَأَيْتَ الْقِمَارَ قَدْ ظَهَرَ، وَرَأَيْتَ الشَّرَابَ يُبَاعُ ظَاهِراً لَيْسَ لَهُ مَانِعٌ، وَرَأَيْتَ النِّسَاءَ يَبْذُلْنَ أَنْفُسَهُنَّ لأهْلِ الْكُفْرِ، وَرَأَيْتَ الْمَلَاهِيَ قَدْ ظَهَرَتْ يُمَرُّ بِهَا لَا يَمْنَعُهَا أَحَدٌ أَحَداً، وَلَا يَجْتَرِئُ أَحَدٌ عَلى مَنْعِهَا.

وَرَأَيْتَ الشَّرِيفَ يَسْتَذِلُّهُ الَّذِي يُخَافُ سُلْطَانُهُ، وَرَأَيْتَ أَقْرَبَ النَّاسِ مِنَ الْوُلَاةِ مَنْ يَمْتَدِحُ بِشَتْمِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، وَرَأَيْتَ مَنْ يُحِبُّنَا يُزَوَّرُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَرَأَيْتَ الزُّورَ مِنَ الْقَوْلِ يُتَنَافَسُ فِيهِ.

وَرَأَيْتَ الْقُرْآنَ قَدْ ثَقُلَ عَلَى النَّاسِ اسْتِمَاعُهُ، وَخَفَّ عَلَى النَّاسِ اسْتِمَاعُ الْبَاطِلِ، وَرَأَيْتَ الْجَارَ يُكْرِمُ الْجَارَ خَوْفاً مِنْ لِسَانِهِ، وَرَأَيْتَ الْحُدُودَ قَدْ عُطِّلَتْ وَعُمِلَ فِيهَا بِالْأَ هْوَاءِ، وَرَأَيْتَ الْمَسَاجِدَ قَدْ زُخْرِفَتْ، وَرَأَيْتَ أَصْدَقَ النَّاسِ عِنْدَ النَّاسِ الْمُفْتَرِيَ الْكَذِبَ.

وَرَأَيْتَ الشَّرَّ قَدْ ظَهَرَ، وَالسَّعْيَ بِالنَّمِيمَةِ، وَرَأَيْتَ الْبَغْيَ قَدْ فَشَا، وَرَأَيْتَ الْغِيبَةَ تُسْتَمْلَحُ، وَيُبَشِّرُ بِهَا النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً، وَرَأَيْتَ طَلَبَ الْحَجِّ وَالْجِهَادِ لِغَيْرِ اللّهِ، وَرَأَيْتَ السُّلْطَانَ يُذِلُّ لِلْكَافِرِ الْمُؤْمِنَ، وَرَأَيْتَ الْخَرَابَ قَدْ أُدِيلَ مِنَ الْعُمْرَانِ، وَرَأَيْتَ الرَّجُلَ مَعِيشَتُهُ مِنْ بَخْسِ الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ، وَرَأَيْتَ سَفْكَ الدِّمَاءِ يُسْتَخَفُّ بِهَا، وَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَطْلُبُ الرِّئَاسَةَ بِغَرَضِ (1). الدُّنْيَا، وَيَشْهَرُ نَفْسَهُ بِخُبْثِ اللِّسَانِ لِيُتَّقى، وَتُسْنَدَ إِلَيْهِ الْأُمُورُ.

وَرَأَيْتَ الصَّلَاةَ قَدِ اسْتُخِفَّ بِهَا، وَرَأَيْتَ الرَّجُلَ عِنْدَهُ الْمَالُ الْكَثِيرُ لَمْ يُزَكِّهِ مُنْذُ مَلَكَهُ، وَرَأَيْتَ الْمَيِّتَ يُنْشَرُ (2). مِنْ قَبْرِهِ وَيُؤْذى وَتُبَاعُ أَكْفَانُهُ.

وَرَأَيْتَ الْهَرْجَ قَدْ كَثُرَ، وَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يُمْسِي نَشْوَانَ وَيُصْبِحُ سَكْرَانَ، لَا يَهْتَمُّ بِمَا النَّاسُ فِيهِ، وَرَأَيْتَ الْبَهَائِمَ تُنْكَحُ، وَرَأَيْتَ الْبَهَائِمَ يَفْرِسُ بَعْضُهَا بَعْضاً، وَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَخْرُجُ إِلى مُصَلاَّهُ وَيَرْجِعُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ثِيَابِهِ، وَرَأَيْتَ قُلُوبَ النَّاسِ قَدْ قَسَتْ وَجَمَدَتْ أَعْيُنُهُمْ، وَثَقُلَ الذِّكْرُ عَلَيْهِمْ.

وَرَأَيْتَ السُّحْتَ قَدْ ظَهَرَ يُتَنَافَسُ فِيهِ، وَرَأَيْتَ الْمُصَلِّيَ إِنَّمَا يُصَلِّي لِيَرَاهُ النَّاسُ، وَرَأَيْتَ الْفَقِيهَ يَتَفَقَّهُ لِغَيْرِ الدِّينِ يَطْلُبُ الدُّنْيَا وَالرِّئَاسَةَ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ مَعَ مَنْ غَلَبَ، وَرَأَيْتَ طَالِبَ الْحَلَالِ يُذَمُّ وَيُعَيَّرُ، وَطَالِبَ الْحَرَامِ يُمْدَحُ وَيُعَظَّمُ.

وَرَأَيْتَ الْحَرَمَيْنِ يُعْمَلُ فِيهِمَا بِمَا لَا يُحِبُّ اللّهُ، لَا يَمْنَعُهُمْ مَانِعٌ، وَلَا يَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعَمَلِ

ص: 400


1- .في الحاشية عن بعض النسخ : «لغرض» . وفي كلتا الطبعتين : «لعرض»
2- .في الحاشية عن بعض النسخ والطبعة القديمة : «يُنبش»

الْقَبِيحِ أَحَدٌ، وَرَأَيْتَ الْمَعَازِفَ ظَاهِرَةً فِي الْحَرَمَيْنِ، وَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَتَكَلَّمُ بِشَيْءٍ مِنَ الْحَقِّ، وَيَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهى عَنِ الْمُنْكَرِ فَيَقُومُ إِلَيْهِ مَنْ يَنْصَحُهُ فِي نَفْسِهِ، فَيَقُولُ: هذَا عَنْكَ مَوْضُوعٌ.

وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ، وَيَقْتَدُونَ بِأَهْلِ الشُّرُورِ، وَرَأَيْتَ مَسْلَكَ الْخَيْرِ وَطَرِيقَهُ خَالِياً لَا يَسْلُكُهُ أَحَدٌ، وَرَأَيْتَ الْمَيِّتَ يُهْزَأُ بِهِ فَلَا يَفْزَعُ لَهُ أَحَدٌ، وَرَأَيْتَ كُلَّ عَامٍ يَحْدُثُ فِيهِ مِنَ الشَّرِّ وَالْبِدْعَةِ أَكْثَرُ مِمَّا كَانَ، وَرَأَيْتَ الْخَلْقَ وَالْمَجَالِسَ لَا يُتَابِعُونَ إِلَا الْأَ غْنِيَاءَ، وَرَأَيْتَ الْمُحْتَاجَ يُعْطى عَلَى الضَّحِك بِهِ وَيُرْحَمُ لِغَيْرِ وَجْهِ اللّهِ، وَرَأَيْتَ الْايَاتِ فِي السَّمَاءِ لَا يَفْزَعُ لَهَا أَحَدٌ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَتَسَافَدُونَ كَمَا يَتَسَافَدُ الْبَهَائِمُ، لَا يُنْكِرُ أَحَدٌ مُنْكَراً تَخَوُّفاً مِنَ النَّاسِ .

وَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يُنْفِقُ الْكَثِيرَ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللّهِ، وَيَمْنَعُ الْيَسِيرَ فِي طَاعَةِ اللّهِ، وَرَأَيْتَ الْعُقُوقَ قَدْ ظَهَرَ، وَاسْتُخِفَّ بِالْوَالِدَيْنِ، وَكَانَا مِنْ أسْوَءِ النَّاسِ حَالاً عِنْدَ الْوَلَدِ، وَيَفْرَحُ بِأَنْ يَفْتَرِيَ عَلَيْهِمَا، وَرَأَيْتَ النِّسَاءَ وَقَدْ غَلَبْنَ عَلَى الْمُلْكِ، وَغَلَبْنَ عَلى كُلِّ أَمْرٍ، لَا يُؤْتى إِلَا مَا لَهُنَّ فِيهِ هَوًى.

وَرَأَيْتَ ابْنَ الرَّجُلِ يَفْتَرِي عَلى أَبِيهِ، وَيَدْعُو عَلى وَالِدَيْهِ، وَيَفْرَحُ بِمَوْتِهِمَا، وَرَأَيْتَ الرَّجُلَ إِذَا مَرَّ بِهِ يَوْمٌ وَلَمْ يَكْسِبْ (1).

فِيهِ الذَّنْبَ الْعَظِيمَ مِنْ فُجُورٍ أَوْ بَخْسِ مِكْيَالٍ أَوْ مِيزَانٍ أَوْ غِشْيَانِ حَرَامٍ أَوْ شُرْبِ مُسْكِرٍ كَئِيباً حَزِيناً، يَحْسَبُ أَنَّ ذلِكَ الْيَوْمَ عَلَيْهِ وَضِيعَةٌ مِنْ عُمُرِهِ .

وَ (2). رَأَيْتَ السُّلْطَانَ يَحْتَكِرُ الطَّعَامَ، وَرَأَيْتَ أَمْوَالَ ذَوِي الْقُرْبى تُقْسَمُ فِي الزُّورِ، وَيُتَقَامَرُ بِهَا، وَتُشْرَبُ بِهَا الْخُمُورُ، وَرَأَيْتَ الْخَمْرَ يُتَدَاوى بِهَا، وَتُوصَفُ لِلْمَرِيضِ وَيُسْتَشْفى بِهَا، وَرَأَيْتَ النَّاسَ قَدِ اسْتَوَوْا فِي تَرْكِ الْأَ مْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَتَرْكِ التَّدَيُّنِ بِهِ، وَرَأَيْتَ رِيَاحَ الْمُنَافِقِينَ وَأَهْلِ النِّفَاقِ قَائِمَةً، وَرِيَاحَ أَهْلِ الْحَقِّ لَا تَحَرَّكُ؟ وَرَأَيْتَ الْأَ ذَانَ بِالْأَ جْرِ، وَالصَّلَاةَ بِالْأَ جْرِ، وَرَأَيْتَ الْمَسَاجِدَ مُحْتَشِيَةً مِمَّنْ لَا يَخَافُ اللّهَ، مُجْتَمِعُونَ فِيهَا لِلْغِيبَةِ وَأَكْلِ لُحُومِ أَهْلِ الْحَقِّ، وَيَتَوَاصَفُونَ فِيهَا شَرَابَ الْمُسْكِرِ.

وَرَأَيْتَ السَّكْرَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَهُوَ لَا يَعْقِلُ، وَلَا يُشَانُ بِالسُّكْرِ، وَإِذَا سَكِرَ أُكْرِمَ وَاتُّقِيَ وَخِيفَ، وَتُرِكَ لَا يُعَاقَبُ وَيُعْذَرُ بِسُكْرِهِ.

وَرَأَيْتَ مَنْ أَكَلَ أَمْوَالَ الْيَتَامى يُحَدَّثُ (3). بِصَلَاحِهِ، وَرَأَيْتَ الْقُضَاةَ يَقْضُونَ بِخِلَافِ مَا أَمَرَ اللّهُ،

ص: 401


1- .في الحاشية عن بعض النسخ: «يكتسب»
2- .في النسخة : + «إذا» مرمّز ب «خ»
3- .في كلتا الطبعتين : «يُحمد»

وَرَأَيْتَ الْوُلَاةَ يَأْتَمِنُونَ الْخَوَنَةَ (1). لِلطَّمَعِ، وَرَأَيْتَ الْمِيرَاثَ قَدْ وَضَعَتْهُ الْوُلَاةُ لأهْلِ الْفُسُوقِ (2). وَالْجُرْأَةِ عَلَى اللّهِ يَأْخُذُونَ مِنْهُمْ، وَيُخَلُّونَهُمْ وَمَا يَشْتَهُونَ.

وَرَأَيْتَ الْمَنَابِرَ يُؤْمَرُ عَلَيْهَا بِالتَّقْوى وَلَا يَعْمَلُ الْقَائِلُ بِمَا يَأْمُرُ، وَرَأَيْتَ الصَّلَاةَ قَدِ اسْتُخِفَّ بِأَوْقَاتِهَا، وَرَأَيْتَ الصَّدَقَةَ بِالشَّفَاعَةِ لَا يُرَادُ بِهَا وَجْهُ اللّهِ، وَتُعْطى لِطَلَبِ النَّاسِ.

وَرَأَيْتَ النَّاسَ هَمُّهُمْ بُطُونُهُمْ وَفُرُوجُهُمْ، لَا يُبَالُونَ بِمَا أَكَلُوا وَمَا نَكَحُوا، وَرَأَيْتَ الدُّنْيَا مُقْبِلَةً عَلَيْهِمْ، وَرَأَيْتَ أَعْلَامَ الْحَقِّ قَدْ دَرَسَتْ.

فَكُنْ عَلى حَذَرٍ، وَاطْلُبْ مِنَ (3). اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ النَّجَاةَ، وَاعْلَمْ أَنَّ النَّاسَ فِي سَخَطِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنَّمَا يُمْهِلُهُمْ لأمْرٍ يُرَادُ بِهِمْ، فَكُنْ مُتَرَقِّباً، وَاجْتَهِدْ لِيَرَاكَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ فِي خِلَافِ مَا هُمْ عَلَيْهِ، فَإِنْ نَزَلَ بِهِمُ الْعَذَابُ وَكُنْتَ فِيهِمْ عَجَّلْتَ إِلى رَحْمَةِ اللّهِ، وَإِنْ أُخِّرْتَ ابْتُلُوا وَكُنْتَ قَدْ خَرَجْتَ مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ الْجُرْأَةِ عَلَى اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ، وَأَنَّ رَحْمَةَ اللّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ».

شرح الحديث

السند حسن(4).

قوله: (في مَوكبه) .

في القاموس: «وكب يكب وُكوباً ووكباناً: مشى في دَرَجان، ومنه الموكب، وللجماعة رُكباناً، أو مشاة، أو ركاب الإبل للزينة » (5). انتهى .

وقيل : المَوكِبْ، بفتح الميم، وكسر الكاف: جماعةُ رُكّاب يسيرون برفقٍ من غير سرعةٍ؛ لإظهار السكينة والوقار، وهم القوم الركوب على الإبل للزينة والتنزّه ، وكذلك جماعة الفُرسان (6).

ص: 402


1- .في الحاشية عن بعض النسخ: «الخانة»
2- .في الحاشية عن بعض النسخ: «الفسق»
3- .في الحاشية عن بعض النسخ وكلتا الطبعتين : «إلى»
4- هذا بناء على المشهور ؛ لوجود إبراهيم بن هاشم القمّي في السند ، الذي لا يوجد في كتب الرجال له توثيقا ولا تضعيفا . ولا يخفى ما فيه من النظر بعد التدبّر في مكانته عند القمّيّين ؛ لكونه أوّل من نشر حديث الكونيّين بقم ، والعصر الذي يعيش فيه ، ورواية الثقات المعروفين عنه . فتأمّل جدّاً
5- .القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 138 (وكب)
6- قاله المحقّق المازندرانى رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 290

وقيل : الموكِب: ضرب من السَّيْر (1).

وقوله: (مع أبي جعفر ) أي الدوانيقي، وهو الثاني من خلفاء بني العبّاس .

والدوانيق: جمع الدانَِق _ بكسر النون وفتحها _ وهو سُدس الدرهم ، ولُقِّبَ به لبُخله .

وفي بعض النسخ: «مع أبي جعفر المنصور» .

(وبين يديه خَيل، ومن خلفه خيل) .

في القاموس: «الخيل : الفُرسان، وجماعة الأفراس، لا واحد له، أو واحده: خائل؛ لأنّه يختال ، والجمع: أخْيال وخيول »(2).

فإن اُريد هنا المعنى الثاني فظاهر، وإن اُريد المعنى الأوّل فبتقدير أصحاب خيل أو ركّابها .

(وأنا على حمار إلى جانبه) .

قيل : كونه عليه السلام على الحمار، لا لأنّه لا يقدر على غيره، بل للتذلّل للّه تعالى في مقابلة تكبّر ذلك الطاغي عليه تعالى (3).

وقوله : (ولا تُخبِر الناس) أي لا تدَّعِ عندهم.

(أنّك أحقّ بهذا الأمر) أي بأمر الخلافة.

(منّا وأهل بيتك) بالنصب، عطف على اسم «أنّ».

(فتُغرينا بك وبهم) من الإغراء، وهو التحريض على الشرّ، أي تهيّجنا على الإيذاء والإضرار بالنسبة إليك وإلى أهلك.

(قال : فقلت : ومن رفع هذا) الأخبار (إليك عنّي فقد كذب) .

قال الجوهري : «رَفَع فُلان على العامل رفيعةً، وهو ما يرفعه من قصّته ويبلغها .

والرفعُ: تقريبك الشيء، ومن ذلك رفعته إلى السلطان، ومصدره : الرُّفعان » (4).

(فقال لي : أ تحلف على ما تقول) من أنّك لم تخبر الناس بذلك، أو أنّ الرافع كاذب، أو الجميع .

ص: 403


1- راجع : شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 290
2- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 373 (خيل)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 290
4- الصحاح ، ج 3 ، ص 1221 (رفع) مع التلخيص

وقيل: عدم الإضرار بعدم الحلف مع طلب الطاغي إنّما هو بلطف اللّه وحفظه وصرف قلبه عنه (1).

(قال : فقلت : إنّ الناس سَحَرة ) .

قال الجزري : «فيه: أنّ من البيان لسحراً. أي منه ما يصرف قلوب السامعين، وإن كان غير حقّ. والسِّحر في كلامهم: صرف الشيء عن وجهه » (2). انتهى .

وقد يُعرَّف السِحر بأنّه ما لطف مأخذه وخفي، وقد يطلق على المكر والحيلة والخديعة (3).

وفي بعض النسخ: «إنّ الناس شجرة بَغْي»، أي ظلمٍ وفساد.

وقيل: شبّههم بالشجرة وبغيهم بالثمرة، فكما أنّ الثمرة تتولّد من الشجرة، كذلك البغي والفساد يتولّد منهم (4).

وقوله : (فلا تمكّنهم من سمعك ) أي لا تصغ إلى قولهم فيما ذكر .

وقوله : (فإنّا إليك أحوج منك إلينا ) تعليل للنهي .

ولعلّ المراد الاحتياج إليه في اُمور الدنيا، وقد وجّه الأحوجيّة بأنّ احتياجه عليه السلام إليه في حفظ دمه ودم شيعته، ورعاية حقوقهم، وترك الجور عليهم ، وهذا أمرٌ متحقّق ثابت .

وأمّا احتياجه إليه عليه السلام فقد كان في الاُمور الدينيّة ، وقد أفسد الدين ولوازمه، فكأنّه لم يكن محتاجاً إليه .

وقوله : (فقلت : نعم طويل) أي بحسب المدّة والزمان .

(عريض ) بحسب الأماكن والبلدان .

(شديد ) بحسب الشوكة والسلطان .

(ولا تزالون في مُهلةٍ من أمركم ، وفُسحةٍ من دنياكم ) .

المُهلة _ بالضمّ _ الاسم من الإمهال، وهو الإنظار .

والفسحة، بالضمّ: السعة (5).

ص: 404


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 290
2- .النهاية ، ج 2 ، ص 346 (سحر) مع التلخيص
3- هذا ، وقال المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 457 : «كلّ من هذه المعاني مناسب ؛ لما فسّر به من إفساد القلب»
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 290 و291
5- قال المازندراني رحمه الله : «المراد بها السعة في الأموال والبلاد»

(حتّى تصيبوا منّا دماً حراماً في شهرٍ حرام في بلدٍ حرام) .

وحينئذٍ تستحقّون زوال ملككم . والإصابة: الإتيان، والوُجدان، والاحتياج، والوصول . وقيل : لعلّ المراد دم رجل من أولاد الأئمّة عليهم السلام سفكوها عند انقضاء دولتهم .

قال :

ويحتمل أن يكون مراده عليه السلام هذا الملعون خاصّة ودولته ، والمراد بسفك الدم القتل، ولو بالسمّ مجازاً . والبلد الحرام: مدينة الرسول صلى الله عليه و آله ؛ فإنّ هذا الملعون سمّه _ على ما روي _ في رجب سنة ثمان وأربعين ومائة(1).

وقيل: في شوّال من تلك السنة، ولم يبقَ بعده إلّا قليلاً .

وقال بعض الأفاضل : كأنّه إشارة إلى المقتولين بفخّ في ذي الحجّة الحرام، وفخّ من الحرم بين تنعيم ومكّة (2).

وقال الفاضل الإسترآبادي : «يمكن أن يكون المراد ما فعله هارون، قَتلَ في ليلةٍ واحدة كثيراً من السادات» (3).

قيل : ونظير ما نحن فيه من طرق العامّة عن الحسن بن عليّ عليهماالسلام، قال : «إنّ هؤلاء أخافوني، وهم قاتلي، فإذا فعلوا ذلك سلّط اللّه عليهم مَنْ يقتلهم، حتّى يكونوا أذلّ من فَرم الأمَة» (4). يعني خرقة الحيض . وما يجيء عن أبي عبداللّه عليه السلام : «إنّ اللّه _ عزّ ذكره _ أذِن في هلاك بني اُميّة بعد إحراقهم زيداً بسبعة أيّام »(5).

ويفهم من جميع ذلك أنّه لا يلزم أن يكون الزوال بعد فعلهم ذلك بلا فصل(6).

(فعرفت أنّه قد حفظ الحديث) فيكفّ من إصابة دمائنا خوفاً من زوال ملكه .

(فقلت : لعلّ اللّه _ عزّ وجلّ _ أنّه يَكفيك) من تلك الإصابة .

(فإنّي لم أخصّك بهذا) أي بزوال الملك، مع إصابة الدماء .

ص: 405


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 83
2- راجع : شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 291
3- نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 291
4- .لم نعثر على الخبر في موضع
5- الكافي ، ج 8 ، ص 161 ، ح 165 ؛ تفسير العيّاشي ، ص 326 ، ح 133 . وعنه في بحار الأنوار ، ج 46 ، ص 191 ، ح 56
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 291

(وإنّما هو حديث رويته) عن آبائي .

قيل: فيه تبعيد لنفسه عن العلم بالغيب خوفاً منه (1).

(ثمّ لعلّ غيرك من أهل بيتك أن يتولّى ذلك) .

يعني أمر الخلافة، أو إصابة الدماء، ويجري فيه حكم اللّه تعالى بالتغيّر والزوال .

وقوله : (فدخلني من ذلك شكّ) في قسم اللّه تعالى وعدله ؛ لزعمه أنّ تمكين الفاسق الجائر الدنيّ، ومنع العادل الشريف لا يليق بعدله تعالى وحكمته، أو الشكّ في أمر الولاية بأنّ المذلّة تنافيها ، ومنشأ ذلك الشكّ وسوسة الشيطان والجهل بالحكمة .

(حتّى خفت على ديني ونفسي) .

قيل : يعني خفت على ديني بالارتداد والزوال، وعلى نفسي بالعقوبة والنكال (2).

(قال : [فقلت:] لو رأيت) ؛ كأنّ فيه التفات .

وفي بعض النسخ: «قال : فقلت : لو رأيت»، وهو الظاهر .

(من كان حَولي) إلى قوله : (واحتقرت ما هو فيه) .

قيل : لمّا كان منشأ شكّه وتخيّل الجور في القسمة، أو تخيّل الذلّ له عليه السلام ، أشار إلى دفعه، وبيّن أنّ ما أعطاه اللّه خيرٌ ممّا أعطى المنصور (3).

ولعلّ الترديد في قوله : (أو متى الراحة منهم) من الراوي .

وقيل : يحتمل الجمع بأن يكون الأوّل سؤالاً عن عدّة ملكهم، والثاني عن نهايته ، أو عن بداية ظهور الصاحب عليه السلام (4).

(فقلت : أ ليس تعلم أنّ لكلّ شيء مدّة؟ قال : بلى ، فقلت : هل ينفعك علمك) .

قيل : الظاهر أنّ الاستفهام للإنكار ؛ لأنّ العلم بأنّ للجور مدّة، وللراحة مدّة، والعلم بنهاية الاُولى وبداية الثانية ، لا ينفع في زوال الجور، وحصول الراحة قبلهما بالفعل ، وأمّا بعدهما فترتفع الجور، وتحصل الراحة، سواءً علم أم لا ، فلا نفع للعلم بهما ، فلا فائدة

ص: 406


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 291
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 292
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 292
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 292

في السؤال عنهما (1).

(إنّ هذا الأمر إذا جاء كان أسرع من طَرْفَةِ العين) .

«إنَّ» بكسر الهمزة على سبيل الاستئناف . والمراد بهذا الأمر حصول الراحة بظهور المهدي عليه السلام ، أو زوال ملكهم .

ووجه كونه أسرع أنّه لا مانع من إرادته تعالى ، فإذا أراد شيئاً كان كما أراد بلا تراخي زمان ولا مُهلة .

قال الجوهري : «طَرَف بَصَرَهُ يَطرِف طرفاً، إذا أطبق أَحَد جَفْنَيْهِ على الآخر، الواحدة من ذلك : طَرْفة .

يُقال : أسرع من طَرْفَةِ عَيْنٍ »(2).

ثمّ إنّه عليه السلام صرف الكلام إلى ذمّ هؤلاء المخالفين؛ للتنفير عنهم، وإزالة شكّ المرتاب (3).

بالكلّيّة، فقال : (إنّك لو تعلم حالهم عند اللّه عزّ وجلّ، وكيف هي كنت لهم أشدّ بُغضاً) وعداوةً، وذلك لأنّ كلّ ما لهم من الزخارف الفانية الدالّة ظاهراً على حسن حالهم عند من لا بصيرة له بحقائق الأشياء، فهي لهم وبال ونكال وحيّات وعقارب عند أهل البصيرة ، بل عند عامّة الخلائق إذا ظهرت في النشأة الآخرة بما لها من الصور الواقعيّة .

وقوله : (ولو جهدت) إلى قوله : (لم يقدروا) إشارة إلى أنّهم في الإضرار على أنفسهم، وتعريضاً لغضب الربّ وعقوبة الأبد في مرتبة ، لا يقدر عدوٌّ أن يوصله إلى عدوّه، ولو اجتهد في ذلك ولم يبقِ من جهده شيئاً .

وفيه أيضاً تسلية للمخاطب، وحمله على الرضا بالقضاء، وعدم التزلزل ممّا رأى من ظاهر أحوالهم، كما أشار إليه بقوله : (فلا يستفزّنّك الشيطان) .

في القاموس: «استفزّه: استخفّه، وأخرجه من داره، وأزْعَجه» (4).

وفي بعض النسخ: «فلا يغرّنّك» .

(فإنّ العزّة للّه «وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ» أي الغَلَبة، والقوّة للّه تعالى، ولمَن أعزّه من رسوله والمؤمنون .

ص: 407


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 292
2- الصحاح ، ج 4 . ص 1395 (طرف)
3- .كذا قرأناه
4- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 186 (فزز)

«وَلكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ » (1). ؛ لفرط جهلهم وغرورهم .

والحاصل أنّه _ عزّ وجلّ _ لمّا كان مبدء جميع (2) الممكنات المحتاجين إليه من جميع الجهات، فالقوّة والغَلَبة له ولمَن أعزّه ممّن تقرّب إليه بالوسائل المشروعة على تفاوت مراتبهم ، وأمّا المنافقون لجهلهم وشدّة عنادهم وقساوتهم زعموا أنّ العزّة في أسباب الدنيا واعتباراتها، ومن ثمّ تراهم أميل إلى من كانت الدنيا عنده أكثر وأوفر .

وقوله : (هو غداً في زُمرتنا) .

في القاموس: «الزمرة، بالضمّ: الفوج، والجماعة» (3).

وقوله عليه السلام : (فإذا رأيت الحقّ قد مات، وذهب أهله...) شروع في بيان جملة من علامات ظهور دولة الحقّ، ووصول الراحة لأهله .

ولعلّ المراد بالحقّ ما يتعلّق بأمر الدين اُصولاً وفروعاً، وبموته عدم ترويجه واندراسه وإعراض الخلق عنه، وبذهاب أهله فقدُ العالِم به ، أو كونه بحيث لا يؤخذ منه، ولا يُلتفَت إليه .

(ورأيت الجور قد شمل البلاد) .

في القاموس: «شَمِلهم الأمر _ كفرح ونصر _ شَمَلاً وشَمْلاً وشُمولاً: عمّهم» (4).

(ورأيت القرآن قد خَلُق) كناية عن عدم رغبة الخلق بتلاوته، وإعراضهم عن العمل به، وعن الاتّعاظ بمواعظه، والانزجار من زواجره .

قال الفيروزآبادي: «خلق الثوب _ ككرم ونصر وسمع _ خُلوقة وخَلَقاً، محرّكة: بلِيَ» (5).

(واُحدث) على البناء للمفعول (فيه) أي في القرآن، أو في الحقّ. والأوّل أقرب .

(ما ليس فيه) من تحريف ألفاظه، أو تغيير أحكامه . والثاني أنسب بقوله : (ووُجِّه على الأهواء ).

التوجيه الإرسال، وصرف الوجه . والمراد هنا التأويل والتفسير .

ص: 408


1- .المنافقون (63) : 8
2- .في النسخة : «الجمع»
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 40 (زمر)
4- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 403 (شمل)
5- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 228 (خلق)

(ورأيت الدين قد انكفأ كما ينكفئ الماء ) .

في بعض النسخ: «الإناء» بدل «الماء»، وهو أظهر . يقال : كفأت الإناء _ بهمز اللام _ وأكفأته، إذا كَبَبْته وقلبته، فانكفأ .

ولعلّ المراد بالانكفاء هنا صيرورة الدين، وكونه بحيث بقي اسمه وضاع رسمه وما فيه من الأحكام، كالإناء المقلوب ، ويُراد به الرجوع والتغيّر عن حالته الأصليّة .

قال الفيروزآبادي : «انكفأ: رجع، ولونه: تغيّر» (1).

(ورأيت أهل الباطل قد استعلوا على أهل الحقّ) .

لعلّ المراد بأهل الباطل حكّام الجور وسلاطينهم ، وبأهل الحقّ العلماء الراسخون ، وبالاستعلاء استيلاؤهم، وجريان أحكامهم عليهم .

(ورأيت الشرّ ظاهرا) لا يُخفى.

(ولا يُنهى عنه) ؛ إمّا لعدم علمهم بقبح الشرّ والفسوق؛ لغاية جهلهم، أو وجود العالم به مع قدرته، أو عدم اعتنائه بشعائر الدين، وعدم ارتكابه بالنهي عن المنكر .

(ويُعذَر أصحابه) ؛ على بناء المجهول، والضمير للشرّ، أي يعدّون أصحاب الشرّ معذورين فيما هم فيه من الفسق والفساد .

(ورأيت الفسق قد ظهر) .

الفسق، بالكسر: الترك لأمر اللّه ، والعصيان، والخروج عن طريق الحقّ، أو الفجور ، كذا في القاموس(2).

وفيه: «الفجر : الانبعاث في المعاصي، والزنا، وفجر: فسق، وكذب، وكذّب، وعصى، وخالف» (3).

وأقول : لعلّ العطف للتفسير، أو يُراد بالشرّ بعض تلك المعاني، وبالفسق بعض آخر .

(واكتفى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء) كناية عن اللواط والسحق .

(ورأيت المؤمن صامتاً لا يُقبل قوله) يعني أنّ صمته لعدم قبول قوله.

ص: 409


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 26 (كفأ)
2- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 276 (فسق)
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 107 (فجر)

(ورأيت الفاسق يكذب ولا يردّ عليه كذبه وفِرْيَته) ؛ إمّا لعدم العالم بقبحهما، أو وجوده وعدم اعتنائه بهما، أو عدم قدرته كما ذكرنا آنفاً.

وفي القاموس: «الفرية: الكذب»(1).

وفي الصحاح: «افتراه: اختلقه ، والاسم الفرية»(2).

فالعطف إمّا للتفسير، أو من قبيل ذكر الخاصّ بعد العامّ .

(ورأيت الصغير يستحقر الكبير) .

في بعض النسخ: «بالكبير» .

وفي بعضها: «يحقّر الكبير» .

قال الجوهري : «استحقره: استصغره، وحقّره: صغّره» (3).

(ورأيت الأرحام قد تقطّعت) أي تبدّدت، وتفرّقت .

والتقطّع: صيرورة الشيء قِطعة قِطعة ، والتقطّع أيضاً : المخالفة ، فالفعل على الأوّل على صيغة المعلوم، وعلى الثاني على صيغة المجهول .

(ورأيت من يَمتدح بالفسق يَضحَك منه ولا يردّ [عليه] قوله) .

«يمتدح» و«يضحك» على بناء المجهول ، ويحتمل كونهما على بناء المعلوم، والمستتر في الثاني راجعاً إلى «من يمتدح» .

قال الفيروزآبادي : «مدحه _ كمنعه _ مَدْحاً: أحسنَ الثناء عليه، كامتدحه» (4).

(ورأيت الغلام يعطي ما تعطي المرأة) .

قيل : فيه إشارة إلى فساد المفعول وذمّه، وفي السابق إلى فساد الفاعل وذمّه، فلا تكرار (5).

(ورأيت النساء يتزوّجن النساء) .

قيل : كأنّ المراد به تزويج الخُنثى بالخُنثى، أو بالمرأة ، وإن اُريد بالتزويج المساحقة مع بُعده لزم التكرار (6)..

أقول : يمكن أن يتكلّف فيه، ويحمل على ما حمل عليه الفقرة السابقة .

ص: 410


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 373 (فري)
2- الصحاح ، ج 6 ، ص 2454 (فري)
3- الصحاح ، ج 2 ، ص 635 (حقر)
4- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 248 (مدح) مع اختلاف يسير
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 295
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 295

(ورأيت الثناء قد كثُر) يعني ثناء الناس بعضهم بعضاً لغرضٍ من الأغراض، أو مطلقاً .

قال الجوهري : «أثنى عليه خيراً، والاسم الثناء » (1).

وقيل: الثناء: وصف بمدحٍ، أو ذمٍّ ، وكثيراً ما يخصّ الأوّل .

وقيل : هو من توابع الفساد في القوّة الشهويّة، وميل النفس الأمّارة إلى الدنيا، وغلبتها على القوّة العقليّة الحاكمة بأنّ المستحقّ للثناء إلّا اللّه (2).

وفي بعض النسخ: «البناء» بالباء الموحّدة والنون، وهو بالكسر: المبنيّ، ونقيض الهدم .

ولعلّ المراد بكثرته الزائد على قدر الحاجة كمّا وكيفا .

(ورأيت الرجل ينفق المال في غير طاعة اللّه فلا يُنهى ولا يؤخذ على يديه) .

المراد بالنهي [النهي] عن حدّ الإسراف ، وبأخذ يديه حجره من التصرّف في ماله، وإجراء أحكام الفجور عليه إن لم ينَتْهِ بالنهي .

(ورأيت الناطر يتعوّذ باللّه ممّا يرى المؤمن فيه من الاجتهاد) .

«من» بيان للموصول ، والمراد بالاجتهاد الكدّ والسعي في العلم والعمل في الطاعات والقربات ، وينبغي لمن نظر إليه التأسّي به، فإذا تعوّذ من عمله فقد عدّ الخير شرّاً، وبالعكس ، ذلك في حدّ الكفر باللّه وبما جاء به رسله .

(ورأيت الجار يؤذي جاره وليس له مانع) أي من يمنعه من إيذاء الجار .

(ورأيت الكافر فرحاً) لما في بعض النسخ (لما يرى في المؤمن) من المشقّة والعناء (مرحاً) لما في بعض النسخ (لما يرى في الأرض من الفساد) .

في القاموس: «الفَرَح، محرّكة: السرور، والبَطَر.

فَرِحَ فهو فَرِحٌ» (3).

وفيه: «مَرحَ، كفَرَحَ: أشِرَ، وبَطِرَ، واختال، ونَشِطَ، وتبختر، وهو مَرِحٌ» (4).

وقال الجوهري : «المَرَحُ: شدّة الفرح والنشاط »(5).

والمقصود شماتة الكفّار لما يرون في المؤمنين من سوء الحال، وتفرقة البال، وتبدّد (6). النظام والأحوال .

ص: 411


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 295
2- الصحاح ، ج 6 . ص 2296 (ثني)
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 239 (فرح)
4- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 248 (مرح)
5- الصحاح، ج 1 ، ص 404 (مرح)
6- .التبدّد : التفرّق ، والتبديد : التفريق . اُنظر : كتاب العين ، ج 8 ، ص 14 ؛ لسان العرب ، ج 3 ، ص 78 (بدد)

وقيل : المراد بالفساد إمّا الفساد الناشي من الكفر ؛ لكون الحاكم العادل مقهوراً بسبب عدم الناصر له، أو الفساد الناشي من أهل الإسلام. وفيه على التقديرين إشارة إلى ضعف الدين وذمّ المسلمين (1).

(ورأيت الخُمور تُشرب عَلانيّةً، ويجتمع عليها من لا يخاف اللّه عزّ وجلّ) .

في القاموس: «الخمر: ما أسكر من عصير العنب، أو عامّ، كالخمرة، وقد يذكّر» (2).

وأقول: شرب الخمر وإن كان حراماً مطلقاً، سرّاً وعلانيّةً، مجتمعاً ومنفرداً، إلّا أنّ الإعلان بها والاجتماع عليها أقبح؛ لما فيها من مهانة الدين، وتحقير حدود اللّه ، وترويج معاصيه .

(ورأيت الآمِرَ بالمعروف ذليلاً) ؛ لردّ أمره، وعدم العمل بمقتضاه .

(ورأيت الفاسق فيما لا يحبّ اللّه قويّاً محموداً) .

الظاهر أنّ الجارّ متعلّق بالقوّة والحمد، وتعلّقه بالفسق بعيد .

(ورأيت أصحاب الآيات يحتقرون) (3). على البناء للمفعول .

وكذا قوله : (ويُحتقر مَنْ يحبّهم) .

في بعض النسخ: «يُحقّرون»، ولعلّ المراد بهم أهل العلم والحكمة، أو أصحاب الأئمّة؛ فإنّهم عليهم السلام آيات اللّه الكبرى .

وقيل : أصحاب العلامات والمعجزات، أو القرّاء والمفسِّرون .

وفي بعض النسخ: «أصحاب الآثار» ، ولعلّ المراد بهم المحدِّثون (4).

(ورأيت سبيل الخير مُنقطعاً، وسبيل الشرّ مَسلوكاً) .

قيل : الخير كلّ ما طلبه الشارع ، والشرّ كلّ ما أنكره ، وترك سبيل الأوّل، وسلوك سبيل الثاني أعمّ من أن يكون مع العلم والجهل ومع الإقرار والإنكار؛ إذ فيه أيضاً قلب حكم الشارع وأمره (5).

(ورأيت بيت اللّه قد عُطّل ، ويُؤمر بتركه) .

المراد ببيت اللّه الكعبة، وبتعطيله ترك مناسكه مطلقاً، أو على الوجه المقرّر ، ولا يبعد

ص: 412


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 295
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 23 (خمر)
3- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «يُحقّرون»
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 85
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 296

تعميم بيت اللّه بحيث يشمل المساجد أيضاً .

(ورأيت الرجال يتسمّنون للرجال، والنساء للنساء) أي يستعملون الأودية والأغذية للسمن؛ ليتعشّق بهم، ويعمل معهم القبيح .

قال الجوهري : «السمين: خلاف المهزول ، وقد سَمُنَ سَمِنَاً، فهو سمين، وتسمّن مثله» (1).

وقال الجزري: فيه : «يكون في آخر الزمان قوم يتسمّنون» ؛ أي يتكثّرون بما ليس فيهم، ويدّعون ما ليس لهم من الشرف . وقيل : أراد جمعهم الأموال . وقيل : يحبّون التوسّع في المآكل والمشارب، وهي أسباب السمن . ومنه الحديث الآخر : «ويظهر فيهم السمن» .

وفيه : «ويلٌ للمسمّنات يوم القيامة من فترة في العظام» ؛ أي اللاتي يستعملن السُّمنة، وهي دواء يتسمّن به النساء» (2).

(ورأيت الرجل معيشته من دبره، ومعيشة المرأة من فرجها) .

قيل : قد أشار هنا إلى خبث بعض الأزمنة من جهة الاكتساب بهذا العمل ، وفي السابق إلى خبثه من جهة هذا العمل، فلا تكرار(3).

وقال الفيروزآبادي: العيش: الحياة، عاش يعيش عَيشاً ومعاشاً ومعيشَةً ، والمعيشة: التي تعيش بها من المطعم والمشرب، وما تكون به الحياة، وما يُعاش به أو فيه(4).

(ورأيت النساء يتّخذن المجالس كما يتّخذها الرجال) .

قيل : ينبغي للنساء أن يسكن أحفظ بيت من بيوتهنّ، ولا يخرجن منه، كما قال تعالى : «وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ» (5). ؛ فإنّ في خروجهنّ مفاسد كثيرة، خصوصاً إذا اتّخذن المجالس معهنّ، أو مع الرجال؛ فإنّ الصالحات منهنّ قلّ ما تتخلّص من الفساد، فضلاً عن الفاجرات ، ولذلك كان أهل العزّة والصلاح يمنعون الأجنبيّات عن الدخول على نسائهنّ (6).

ص: 413


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 296
2- الصحاح ، ج 5 ، ص 2138 (سمن)
3- النهاية ، ج 2 ، ص 405 (سمن)
4- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 280 (عيش)
5- .الأحزاب (33) : 33
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 296 و297

(ورأيت التأنيث في وُلد العبّاس قد ظهر) .

التأنيث: خلاف التذكير .

وفي القاموس: «أَنَّثت له، وتأنّثت: لِنتَ »(1).

وقيل : المراد به هنا عمل الأمرد والرجل ما تعمله النساء للرجال، وترغيبهم إلى أنفسهنّ ، وقد أشار إلى بعض منه بقوله : (وأظهروا الخضاب) في الأيدي والأرجل لقصد الزينة، وميل الرجال إليهم؛ فإنّ خضاب الشعر مستحبّ ممدوح للرجال لقصد السنّة (2).

وفي بعض الأخبار ما يدلّ على كراهة خضاب اليد للرجال .

وفي القاموس: «الخِضاب، ككتاب: ما يختضب به» (3).

(وامتشطوا) أي رجّلوا الغدائر (كما تمتشط المرأة لزوجها).

في بعض النسخ: «كامتشاط المرأة» .

ولعلّ ذكر ولد العبّاس للتمثيل، أو لغرض آخر، أو لبيان الواقع؛ فإنّ هذا الفعل مذموم مطلقاً، ومن يصنع به فهو مثلهم .

(وأعطوا الرجال الأموال على فروجهم) .

قيل : أي أعطى ولد العبّاس الناس أموالاً ليطؤوهم ، على أن يكون «أعطوا» مبنيّاً للفاعل، وضمير الجمع راجعاً إلى ولد عبّاس ، والرجال بالنصب مفعوله ؛ أي المراد أنّهم يعطون السلاطين والحكّام الأموال لأجل فروجهم، أو فروج نسائهم للتديّث .

ويمكن أن يقرأ «الرجال» بالرفع، و«أعطوا» على المعلوم، أو المجهول، من قبيل «أكلوني البراغيث» ، والأوّل أظهر (4). انتهى .

ويحتمل أن يكون المراد إعطاء الفاعل المفعول لتمكينه على ما أراد منه .

(وتُنوفِس في الرجل، وتغاير عليه الرجال) .

قيل : الظاهر أنّ «في الرجل» قائم مقام الفاعل، وأنّ ضمير «عليه» راجع إليه، أي رُغِب في الرجل، وهو مرغوبٌ فيه لنوع من الحسن والجمال ، وتغاير عليه الرجال حسداً كما تغاير النساء على ضرّتهنّ عند إرادة الزوج لها .

ص: 414


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 161 (أنث)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 297
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 62 (خضب)
4- .قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 86

وقال : التغاير من الغيرة، وهي الحميّة والأنفة (1). ، انتهى .

وفي القاموس: «نافس فيه: رَغِبَ على وجه المباراة في الكرم، كتنافس» (2).

وفيه:

غار على امرأته، وهي عليه، تَغارُ غَيْرَةً وغَيْراً وغاراً وغِياراً، فهو غَيْرانٌ، من غِيارى وغَيارى وغَيُورٌ، من غُيُر بضمّتين، وهي غيري من غيارى، وغيور من غير (3).

وأقول : يحتمل أن يكون «تغاير» من المغايرة، بمعنى المعاوضة والمبادلة ؛ يعني يعطي بعضهم بعضاً المالَ لئلّا يُزاحمه في مطلوبه .

ويحتمل أيضاً كونه من المتغاير، بمعنى التباين والتعادي .

(وكان صاحب المال أعزَّ من المؤمن) باعتبار ترجيح المال على الإيمان .

(وكان الربا ظاهراً لا يُعيّر) على صيغة المجهول، من التعيير، وهو اللؤم والتوبيخ.

والمقصود ترك تَعْيير صاحبه (4).

(ورأيت المرأة تُصانع زوجها على نكاح الرجال) .

في القاموس: «المصانعة: الرشوة، والمداراة، والمداهنة» (5).

قيل : لعلّ المراد أنّها تعطيه مالاً ليرضى به على زنائها (6).

وقيل : المراد إمّا المصانعة لترك الرجال، أو للاشتغال بهم لتشتغل هي بالنساء (7).

(ورأيت أكثر الناس وخير بيت من يُساعِد النساء على فسقهنّ) .

«خير بيت» معطوف على أكثر الناس، والموصول مفعول ثانٍ ل «رأيت» .

والمراد بخيريّة البيت خيريّته بحسب تعارف أهل ذلك الزمان ، والمراد بمساعدتهنّ على الفسق المسامحة معهنّ فيه، أو ترغيبهنّ عليه، أو بإذنهنّ على الخروج والبروز والصحبة مع الرجال، والميل إلى المَلاهي .

(ورأيت المؤمن محزوناً) ؛ لما رأى من كساد الدين وأهله .

ص: 415


1- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 297
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 86
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 255 (نفس)
4- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 106 (غير)
5- هذا ، وقرأه المحقّق المازندراني رحمه الله : «لا يغيّر» بالغين المعجمة ، ثمّ قال بأنّه هو الأظهر
6- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 53 (صنع)
7- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 297

(مُحتقَرا) بفتح القاف .

(ذليلاً) ؛ لغلبة أعداء الدين وعزّتهم وشوكتهم .

(ورأيت البدع والزنا قد ظهر) أي فشا وشاع وذاع .

(ورأيت الناس يعتدون) بتخفيف الدال، من الاعتداء ، وهو التجاوز عن الحدّ، والخروج عن الوضع الشرعي ، أو بتشديدها من الاعتداد، وهو الاعتماد .

ويؤيّد الثاني ما وقع في بعض النسخ: «يعتمدون». وفي بعضها: «يقتدون» بالقاف . وفي بعضها: «يشهدون بشهادة الزور» . [و] في بعض النسخ: «بشاهد الزور».

قال الجزري : «الزور: الكذب، والباطل، والتهمة» (1).

(ورأيت الليل لا يُستخفى [به] من الجرأة على اللّه ) .

قيل : يعني يبارزون بالمعاصي نهاراً، لا ينتظرون مجيء الليل؛ ليستخفّوا به ويستتروا (2).

وقيل : أي لا يترك الميل بسبب الجرأة على اللّه بالزنا والقتل والنهب والسرقة ونحوها .

يُقال : استخفى من الشيء، إذا استتر وتوارى عنه بالبُعد والفرار عنه ، والغرض الأصلي من تقدير الليل وخَلْقِه السكون عن الحركات والأفعال الموافقة للقوانين الشرعيّة وغيرها، فكما أنّ من ارتكب الاُولى كان في غاية الحرص في الدنيا، كذلك من ارتكب الثانية كان في نهاية الشقاوة والجرأة على اللّه (3).

(ورأيت الوُلاة يَرتشون في الحكم) أي يأخذون الرشوة لأجل الحكومة والقضاء .

في القاموس: «الرشوة، مثلّثة: الجُعل، ورشاه: أعطاه إيّاها، وارتشى: أخذها» (4).

(ورأيت الولاية قُبالة لمن زاد) . في بعض النسخ: «لمن أراد».

الولاية، بالكسر: الإمارة، والسلطان . وقيل: القبالة، بالفتح: مصدر بمعنى الكفالة والضمان، ثمّ صار إسماً لما يتقبّله العامل من المال (5).

وقال الفيروزآبادي : «القبيل: الكفيل، والعريف، والضامن ، وقد قَبَل به _ كنصر وسمع

ص: 416


1- النهاية ، ج 2 ، ص 318 (زور)
2- قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 458
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 298
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 334 (رشو)
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 299

وضرب _ قَبالة، وقبّلت العاملَ العَمَل تقبّلاً نادر، والاسم: القَبالة» (1) . انتهى .

وحمل القبالة على الولاية من قبيل حمل السبب على مسبّبه؛ للمبالغة في السببيّة ، وحاصل المعنى أنّهم يزيدون المال، ويأخذون الولايات .

(ورأيت ذوات الأرحام يُنكَحن، ويُكتفى بهنّ) ولا يُراد غيرهنّ من المحلّلات .

الظاهر أنّ النكاح أعمّ من الوطئ والعقد، مع العلم بالتحريم وعدمه وعدم الاعتقاد بالتحريم أصلاً .

(ورأيت الرجل يُقتل على التُّهَمة وعلى الظِّنّة) .

في بعض النسخ: «وعلى المظنّة». في القاموس: «الوَهْم: من خطرات القلب، أو مرجوح طرفي المتردّد فيه ، والتُّهَمة، كهمزة: ما يتّهم عليه»(2) .

وقال الجوهري : «اتّهمت فلاناً بكذا، والاسم: التُّهَمَةُ بالتحريك، وأصل التاء فيه واو»(3) . انتهى .

وقيل : قد تُطلق التهمة على الظنّ أيضاً (4). وفي القاموس: «الظِّنّة، بالكسر: التُّهَمة، ومَظِنّة الشيء، بكسر الظاء: موضع يظنّ فيه وجوده» (5).

(ويتغاير على الرجل الذكر، فيبذل له نفسه وماله) .

الظاهر أنّ «يتغاير» على البناء للفاعل، عطف على «يقتل»، والمستتر فيه راجع إلى «الرجل» ، و«على» تعليليّة.

و«الذكر» بالجرّ صفة الرجل، وضمير «له» راجع إليه، وضمير «نفسه» و«ماله» إلى الرجل المتغاير ، ومعنى التغاير مرَّ آنفاً .

وقال بعض الشارحين : «الذكر» مفعول «يتغاير»، أي ورأيت الرجل يتغاير الذكرَ على رجل، فيبذل لذلك الرجل نفسه وماله ويفديهما له ، والحاصل أنّهما يتغايران عليه، ويريد كلّ واحد انفراده به .

انتهى (6) ؛ فتأمّل .

ص: 417


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 34 (قبل)
2- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 187 (وهم) مع التلخيص
3- الصحاح ، ج 5 ، ص 2054 (وهم)
4- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 299
5- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 245 (ظنن)
6- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 299

(ورأيت الرجل يُعيَّر على إتيان النساء) أي يوبّخ ويُلام على مباشرتهنّ، ويُمدح على إتيان الرجال . و«يعيّر» على صيغة المجهول، وكونه على المعلوم احتمال لكن يحتاج إلى تقدير مفعول ؛ أي يُعيِّر غيرَه .

(ورأيت الرجل يأكل من كسب امرأته من الفجور) ؛ هو الانبعاث في المعاصي والزنا .

(يعلم ذلك ويُقيم عليه) أي يُصرّ على الأكل من ذلك الكسب مع علمه به .

(ورأيت المرأة تقهر زوجها) أي تغلبه على ما أرادته .

(وتعمل ما لا يشتهى) من الزنا وغيره ممّا ينهى عنه .

(وتنفق على زوجها) ؛ ليرضى على ما تفعله .

(ورأيت الرجل يُكري امرأته وجاريته) .

في القاموس: «الكِروة والكِرا، بكسرهما: اُجرة المستأجر، كاراه مكاراة وكِراء واكتراه، وأكراني دابَّته» (1).

قيل : إن اُريد به إكراء البضع، فهو والرضا به والأكل منه حرام ، وإن اُريد به إكراء العمل فهو من خلاف المروّة الذي لا يرضى به أهل الدين والشرف (2).

(ويرضى بالدنيّ من الطعام والشراب) .

لعلّ دنائته باعتبار كونه من الكسب الحرام، أو الرضا بالدنيّ الحقير منهما للبخل من الزائد .

(ورأيت الأيمان باللّه _ عزّ وجلّ _ كثيرة على الزور) .

الأيمان: جمع اليمين، بمعنى القَسَم، وهو إذا كان كاذباً وإن كان حراماً مطلقاً، إلّا أنّ الإكثار منه أقبح وأشنع .

(ورأيت القمار قد ظهر) .

القِمار _ بالكسر _ والمقامرة: المراهنة المُحرَّمة .

(ورأيت الشراب يُباع ظاهراً ليس له مانع) يمنعه .

والشراب، بالفتح: ما يشرب ، والمراد هنا الأشربة المسكرة والمحرّمة .

(ورأيت النساء) أي المسلمات منهنّ (يَبذلن أنفسهنّ لأهل الكفر) يعني من ليس بمسلم ،

ص: 418


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 382 (كري)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 299 و300

وأمّا المسلم ففيه تفصيل في كتب الفروع .

والبَذل: العطاء، أعمّ من أن يكون بالعقد، أو بغيره بالاُجرة أو بغيرها .

(ورأيت المَلاهي قد ظهرت) .

اللَّهو: اللّعب ، والملاهي: آلاته كالدفّ والزِّمار والطنبور وأمثالها .

وقيل : قد تُطلق الملاهي على أنواع اللّهو (1).

(يُمَرُّ بها) على بناء المجهول، أو المعلوم، وفاعله المارّ المفهوم من السياق، أو «أحد» على سبيل التنازع .

(لا يمنعها أحد أحداً، ولا يجترئ) من الجرأة (أحد على منعها) أي منع تلك الملاهي، والمقصود صاحبها .

(ورأيت الشريف) .

الشرف: العلوّ، والمكان العالي، والمَجْد، وعلوّ الحسب . والمراد بالشريف هنا المؤمن، أو العالم منه، أو الصالح، أو العابد .

(يستذلّه الذي يُخاف سلطانه) .

في القاموس: «استذلّه: رآه ذليلاً» (2) . وفي الصحاح: «أذلّه، واستذلّه بمعنى» (3).

الموصول فاعل «يستذلّه» ، و«يخاف» على بناء المجهول ، و«سلطانه» قائم مقام فاعله ، وضميره للموصول. أو على بناء المعلوم ، والمستتر فيه راجع إلى «الشريف»، و«سلطانه» مفعوله، والضمير المجرور للموصول أيضاً ، وفيه احتمال آخر يظهر لمن تأمّل ، وهو أن يكون «يخاف» على بناء الفاعل ، وفاعله المستتر راجع إلى الموصول ، و«سلطانه» مفعوله ، وضميره راجع إلى «الشريف» .

(ورأيت أقرب الناس) أي أعزّهم وأكرمهم .

(من الولاة) أي حكّام الجور .

(من يمتدح) على صيغة المجهول، أو المعلوم ، وقد سبق مثله .

(بشتمنا أهل البيت) . الشتم: السبّ .

ص: 419


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 300
2- .القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 379 (ذلل)
3- الصحاح ، ج 4 ، ص 1702 (ذلل)

(ورأيت من يحبّنا يُزوّر) على البناء للمفعول، من التزوير ، وهو تزيين الكذب، أي ينسب إلى الزور ، والكذب، والافتراء .

قال الفيروزآبادي : «زوّر : زيّن الكذب، والشهادة: أبطلها، ونفسه ، وسمّها بالزور» (1).

(ولا تقبل شهادته)، كما هو المتعارف عند أهل الخلاف من ردّ شهادة الرافضة .

(ورأيت الزور) أي الكذب والباطل والتّهمة (من القول يُتَنافس فيه) أي يرغب فيه، ويعتقد به كالفقهاء الأربعة ومقلّديهم؛ فإنّهم يرغبون إلى القول بالرأي والتظنّي والاستحسان والقياس ، وكالجَهَلة من عوام الناس عموماً؛ فإنّ طبائعهم مائلة كلّ الميل إلى نقل الأقوال الكاذبة واستماعها .

(ورأيت القرآن قد ثَقُلَ على الناس استماعه) ؛ لعدم رغبتهم فيه .

(وخفّ على الناس استماع الباطل) ؛ لكمال رغبتهم فيه .

وقيل : من البيّن أنّ كلّ ما تعجز النفس عن إدراكه، فهو ثقيل عليها، وكلّ ما تدركه بسهولة، فهو خفيف عليها، فإذا ذهب العلم والعلماء، وبقي الجهل والجهلاء كان استماع القرآن عليهم ثقيلاً، واستماع الباطل خفيفاً (2).

(ورأيت الجار يكرم الجار خوفاً من لسانه) .

الظاهر أن يُراد بالجار المجاور مطلقاً، فيشمل الجليس والمصاحب أيضاً، وأنّ الذمّ راجع إلى الجار الثاني لا الأوّل ؛ لقبح لسانه .

وقيل : يحتمل رجوعه إلى الجار الأوّل، باعتبار أنّ صدور الإكرام منه بسبب الخوف فقط لا بدونه ، أو إليهما جميعاً (3).

(ورأيت الحدود قد عُطِّلت، وعُمل فيها بالأهواء) .

الحدّ : تمييز الشيء عن الشيء، وبيان منتهى الشيء، وحدود اللّه ما حدّه وشرّعه .

والتعطيل: الإهمال والترك .

(ورأيت المساجد قد زُخرِفت) .

الزَّخْرفَة: النقش بالذهب، أو مطلقاً، كما قيل .

ص: 420


1- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 42 (زور)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 301
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 301

وقيل : ظاهر كثير من الأصحاب أنّ تذهيب المساجد مطلقاً، وإن لم يكن بالنقش والتصوير ؛ والنقش مطلقاً، وإن لم يكن بالتذهيب والتصوير ؛ والتصوير مطلقاً، وإن لم يكن بالذهب وصورة حيوانٍ حرام، والاحتياط ظاهر (1).

(ورأيت أصدق الناس [عند الناس] المفتري الكذب) .

الكذب، بالكسر وككتف: مصدر، بمعنى اسم الفاعل، صفة للمفتري، أو مفعوله، والتركيب من قبيل ضارب الرجل .

(ورأيت الشرّ قد ظهر) أي شاع .

وقوله : (والسعي بالنميمة) عطف على الشرّ .

قال الفيروزآبادي : «النمّ: التوريش، والإغراء، ورفع الحديث إشاعة له وإفسادا وتزيين الكلام بالكذب .

نَمّ يَنُمّ ويَنِمُّ، فهو نَمُوم ونمّام، والاسم: النميمة (2).

وقيل : أشار عليه السلام هنا إلى فساد أهل الزمان، باعتبار ظهور الشرّ بينهم، وأشار فيما سبق بقوله : «وإذا رأيت الشرّ ظاهرا» إلى فسادهم باعتبار عدم النهي عنه، فلا تكرار (3).

(ورأيت البغي قد فشا) أي شاع .

والبغي: العلوّ، والعدول عن الحقّ، والاستطالة في المشي، والتجاوز عن الحدود الشرعيّة، والظلم، والخروج عن طاعة الإمام العادل ، ومنه: الفئة الباغية .

(ورأيت الغيبة تُستملح) أي تعدّ مَليحةً حسنةً مرغوبة .

قال الجوهري : اغتابه اغتياباً، إذا وقع فيه، والاسم: الغيبةُ، وهو أن يتكلّم خلف إنسان مستور بما يغمّه لو سمعه، فإن كان صدقاً سُمّي غيبة، وإن كان كذباً سمّي بهتاناً .

4 وقال الفيروزآبادي : «غابه: عابه، وذكره بما فيه من السوء، كاغتابه ، والغيبة : فِعلةٌ منه ،

ص: 421


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 301
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 183 (نمم) مع التلخيص
3- الصحاح ، ج 1 ، ص 196 (غيب)

تكون حَسَنة أو قبيحة» (1).

(ويبشّر بها الناس بعضهم بعضاً) .

«يبشّر» على بناء الفاعل، من التبشير، أو الإبشار، أو البشارة، أو من البشر بالكسر، وهو طلاقة الوجه.

قيل: تبشير الناس بعضهم بعضاً؛ لئلّا يغفل أخوه الفاسق عن هذه الفضيلة (2).

[(أو غشيان حرام)] غشياناً إذا أتاه ، فيكون تعميماً بعد تخصيص؛ لأنّ الحرام يشمل الكذب وغيره ، وإن يراد بالأوّل الذنوب مطلقاً، وبالثاني الزنا من غشي امرأة إذا جامعها، فيكون من باب ذكر الخاصّ بعد العامّ .

(كئيباً حزينا) .

قال الفيروزآبادي : «الكأب والكأبة والكآبة: الغمّ، وسوء الحال، والانكسار من حزن، كئب _ كسمع _ فهو كَئِبٌ وكَئيبٌ» (3).

(يحسب أنّ ذلك اليوم عليه وَضيعة من عمره) أي ساقط ، أو خسارة ؛ لزعمه أنّ ثمرة العمر ولذّته هي تلك الخصال الكريهة .

في القاموس: «ضاع يَضيع ضَيْعاً _ ويكسر _ وضَيْعَةً وضياعاً: هلك، وتلف، والشيء: صار مُهمَلاً» (4).

(ورأيت السلطان يحتكر الطعام) أي يحبسه يتربّص به الغَلاء .

(ورأيت أموال ذوي القُربى) من الخمس والأنفال ونحوهما (تُقسم في الزور) ؛ أي في الظلم والباطل والكذب .

(ويُتَقامر بها) .

التقامر: المراهنة المحرّمة، وهو القِمار .

(وتُشرب بها الخُمور) أي تُصرف تلك الأموال في شرب المسكرات .

(ورأيت الخمر يُتداوى بها، وتوصف) نفعها (للمريض، ويُستشفى بها).

هذا صريح في أنّ التداوي بالخمر حرام، وأنّه لا يجوز للمريض الاستشفاء بها، وإن

ص: 422


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 301
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 112 (غيب)
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 120 (كأب)
4- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 58 (ضيع)

حكم الطبيب الحاذق بأنّ فيها شفاء مرضه، أو علاجه منحصر فيها، وأنّ التداوي بها لا يجوز شرباً وأكلاً وشمّاً، مفرداً ولا مركّباً ، ويؤيّد هذه الرواية روايات اُخر .

(ورأيت رياح المنافقين وأهل النفاق دائمة) (1).

في بعض النسخ: «قائمة».

يُقال: نفق في الدين، إذا ستر كفره، وأظهر إسلامه ، والعطف للتفسير ، أو يُراد بالأوّل المتبوعين، وبالثاني التابعين، أو بالعكس .

(ورياح أهل الحقّ لا تحرّك) أي لا تتحرّك .

في القاموس: «الريح: معروف، جمعه أرواح ورياح وأرياح، والغلبة، والقوّة، والرحمة، والنصرة، والدولة» (2). انتهى .

وقيل : دوام رياح المنافقين أو قيامها كناية عن انتظار أمرهم، ونفاق نفاقهم ، ونظيره عدم تحرّك رياح أهل الحقّ، فهو كناية عن تشويش أمرهم وكساد حقّهم (3).

وقيل : شبّه الغَلبة والنصرة والقوّة والدولة بالريح، واستعار لفظه، والوجه انتشارها، وسرعة سيرها في الأقطار، ورشّحها بذكر الحركة (4).

(ورأيت الأذان بالأجر، والصلاة بالأجر) أي الصلاة مع الناس، أو بالناس.

والمشهور جواز الارتزاق من بيت المال مع الحاجة وعدم الشرط.

(ورأيت المساجد مُحتشية) ؛ أي ممتلئة ، وأصله من احتشاء الحائض بالكرسف، ففيه إيماء لطيف .

(ممّن لا يخاف اللّه ) .

عرّف بعضهم الخوف بأنّه كيفيّة نفسانيّة مانعة عن ارتكاب القبائح (5).

(مجتمعون فيها للغيبة وأكل لحوم أهل الحقّ) بالغيبة أو بغيرها أيضاً من أنواع الأذى والتوطئة لمقدّماتها .

(ويتواصفون فيها) أي يصف بعضهم لبعض .

(شراب المسكر) بتخفيف الراء؛ والإضافة بيانيّة، أي يذكرون فيها أوصافه وكيفيّته

ص: 423


1- قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 458
2- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «قائمة»
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 224 (روح)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 307
5- راجع : شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 308

وفوائده ونشاطه ونحو ذلك من المرغّبات.

أو بتشديدها ، والإضافة لاميّة، أي يصفون شاربه ويمدحونه .

وفي بعض النسخ: «ويتواضعون فيها» ، وكان المقصود أنّهم يتواضعون لشاربي المسكر، أو لأجل تحصيل الشراب من مظانّه، ولعلّه تصحيف .

(ورأيت السَّكران يُصلّي بالناس، وهو لا يعقل ولا يشان بالسُّكر) .

في القاموس: «سَكِر _ كفرح _ سُكراً وسَكْراً وسَكَراً: نقيض صَحا، فهو سَكِرٌ وسَكْران ، والسَّكَر، محرّكة: الخمر، ونبيذ يتّخذ من التمر»(1).

ومعنى قوله عليه السلام : «لا يُشان» لا يُعاب، من الشين، وهو العيب .

وقيل : يحتمل أن يكون من الشأن بالهمزة، بمعنى القصد ؛ أي لا يقصد لأن ينهى عنه (2).

قال الفيروزآبادي : «شَأنَ شأنه: قصد قصده» (3).

أقول : ويحتمل كونه من قولهم: ما شَأنَ شأنَهُ، كمنع، أي ما شَعَرَ به ، أو لم يكترث ولم مال له، فعلى الأوّلين «يشان» على بناء المفعول، وعلى الأخير يحتمل بناء الفاعل أيضاً .

(وإذا سَكِر اُكرِم واتّقُي) على بناء المفعول فيهما .

(وخيف وتُرك لا يُعاقب ويُعذَرُ بسكره) .

«يعذر» بتخفيف الذال، عطف على «لا يعاقب»، أي يقبل عذره .

وفيه توبيخ ولؤم لأهل الدين حيث يكرمونه ويعظّمونه ويتّقون ويخافون منه، ويتركون نهيه وزجره وعقوبته وإقامة الحدّ عليه .

(يحدّث بصلاحه) من التحديث، أي ينقل حديث صلاحه، ويذكر في المحافل .

(ورأيت الوُلاةَ يأتمنون الخَوَنَة للطمع) في بعض النسخ: «الخانة».

في القاموس: «الخَوْن: أن يُؤْتَمَن الإنسان فلا ينصح، خانه خَوناً وخيانة وخانة ومخانة، فهو خائن وخَؤون وخَوّان، الجمع: خانَةٌ وخَوَنَةٌ وخوّان » (4). انتهى .

وقيل : الخائن هو الذي يأخذ من المظلوم، ويعطي الوالي الطامع، ويبيع آخرته

ص: 424


1- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 50 (سكر)
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 90
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 238 (شأن)
4- . القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 220 (خون)

بالدنيا لغيره (1).

(ورأيت الميراث قد وضعته الولاة ) أي قرّرته (لأهل الفسوق).

في بعض النسخ: «الفسق» .

(والجرأة على اللّه ) عطف على الفسوق.

والجرأة، مثال الجرعة: الشجاعة ، والمقصود منها في أمثال هذه المواضع التهوّر، وهو الوقوع في الشيء بقلّة مبالاة .

(يأخذون منهم) الرشوة .

(ويخلّونهم وما يشتهون) .

هذه الفقرة بيان لوضع الميراث لأهل الفسوق .

(ورأيت الصدقة بالشفاعة) أي لا يعطون الصدقة إلّا من كان له شفيع، فيعطونها لأجل الشفاعة (لا يُراد بها وجه اللّه ) .

ويحتمل أن يُراد بالشفاعة سؤال الناس وإبرامهم .

وقوله : (وتعطى لطلب الناس) بيان للسابق ، أو يُراد الناس المعروفين منهم، الذين يستحون من ردّ قولهم، ويوجب قبوله التقرّب والإعزاز عندهم .

(ورأيت الناس همّتهم) . في بعض النسخ: «همّهم» .

(بطونهم وفروجهم) .

وبيّن ذلك بقوله : (لا يبالون بما أكلوا وما نكحوا) أي من حلالٍ أو حرام .

(ورأيت أعلام الحقّ قد درست) .

العَلَم ، محرّكة : العلامة والراية .

وفي القاموس: «درس الرسم دُرُوساً: عفا، ودَرَستْه الريح، لازم متعدٍّ» (2).

وقوله عليه السلام : (فكن على حذر) جواب لقوله : «فإذا رأيت الحقّ قد مات» وما عطف عليه ؛ أي فعند ذلك كُن على حذر من اللّه ، أو من أهل ذلك الزمان ومن أفعالهم وأوضاعهم؛ لئلّا تصير مثلهم .

ص: 425


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 308
2- القاموس المحيط، ج 2، ص 215 (درس)

(واطلب إلى اللّه _ عزّ وجلّ _ النجاة) من موجبات عقوبته في الدنيا والآخرة .

(واعلم أنّ الناس) أي أهل ذلك الزمان (في سخط اللّه ) بسلوكهم الطرق الموصلة إلى سخطه وغضبه .

(وإنّما يُمهلهم لأمر يُراد بهم) من الرجوع عن المعاصي، أو الاستدراج، أو حكمة اُخرى .

(فكن مترقّباً) .

في بعض النسخ: «مرتقباً» أي منتظراً للفرج، ونزول الرحمة، أو حلول عذاب اللّه بهم ، ولعلّ الثاني أنسب بالسياق .

وقوله : (فإن نزل بهم العذاب) أي الدنيوي (وكنت فيهم) وهلكت معهم، فلا يضرّ بآخرتك ، بل (عجّلت) على صيغة المعلوم من العجل، أو المجهول من التعجيل .

(إلى رحمة اللّه ) وجنّته ونعيمها؛ لأنّه تعالى يجزي هناك كلّاً بعمله .

(وإن اُخّرت ابتلوا) على بناء المفعول أي كانوا مبتلين بعقوبة الدنيا والآخرة .

(وكنت قد خرجت ممّا هم فيه من الجرأة على اللّه ) .

«من» بيان للموصول.

وقوله : (أنّ رحمة اللّه قريب من المحسنين)؛ قال الجوهري : «قوله تعالى : «إِنَّ رَحْمَةَ اللّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ» (1). ، ولم يقل : قريبة؛ لأنّه أراد بالرحمة الإحسان، ولأنّ ما لا يكون تأنيثه حقيقيّاً جاز تذكيره» .

وقال : «المراد : إذا كان القريب في معنى المسافة يذكّر ويُؤنّث، وإذا كان في معنى النسب يؤنّث بلا اختلاف بينهم»(2).

وقال البيضاوي : تذكير قريب؛ لأنّ الرحمة بمعنى الرحم، أو لأنّه صفة محذوف؛ أي أمر قريب، أو على تشبيهه بفعيل الذي بمعنى مفعول، أو الذي هو مصدر كالنقيض، أو الفرق بين القريب من النسب والقريب من غيره (3).

ص: 426


1- .الأعراف (7) : 56
2- الصحاح ، ج 1 ، ص 198 (قرب)
3- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 28

متن الحديث الثامن (حديث موسى عليه السلام )

اشارة

متن الحديث الثامن(حديث موسى عليه السلام )عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عِيسى رَفَعَهُ قَالَ :«إِنَّ مُوسى عليه السلام نَاجَاهُ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى، فَقَالَ لَهُ فِي مُنَاجَاتِهِ: يَا مُوسى، لَا يَطُولُ فِي الدُّنْيَا أَمَلُكَ، فَيَقْسُوَ لِذلِكَ قَلْبُكَ، وَقَاسِي الْقَلْبِ مِنِّي بَعِيدٌ.

يَا مُوسى، كُنْ كَمَسَرَّتِي فِيكَ؛ فَإِنَّ مَسَرَّتِي أَنْ أُطَاعَ فَلَا أُعْصى، وَأَمِتْ (1) قَلْبَكَ بِالْخَشْيَةِ، وَكُنْ خَلَقَ الثِّيَابِ، جَدِيدَ الْقَلْبِ، تُخْفى عَلى أَهْلِ الْأَ رْضِ، وَتُعْرَفُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ حِلْسَ الْبُيُوتِ، مِصْبَاحَ اللَّيْلِ، وَاقْنُتْ بَيْنَ يَدَيَّ قُنُوتَ الصَّابِرِينَ، وَصِحْ إِلَيَّ مِنْ كَثْرَةِ الذُّنُوبِ صِيَاحَ الْمُذْنِبِ الْهَارِبِ مِنْ عَدُوِّهِ، وَاسْتَعِنْ بِي عَلى ذلِكَ؛ فَإِنِّي نِعْمَ الْعَوْنُ، وَنِعْمَ الْمُسْتَعَانُ! يَا مُوسى، إِنِّي أَنَا اللّهُ فَوْقَ الْعِبَادِ، وَالْعِبَادُ دُونِي، وَكُلٌّ لِي دَاخِرُونَ، فَاتَّهِمْ نَفْسَكَ عَلى نَفْسِكَ، وَلَا تَأْتَمِنْ وَلَدَكَ عَلى دِينِكَ، إِلَا أَنْ يَكُونَ وَلَدُكَ مِثْلَكَ يُحِبُّ الصَّالِحِينَ.

يَا مُوسَى اغْسِلْ ، وَاغْتَسِلْ، وَاقْتَرِبْ مِنْ عِبَادِيَ الصَّالِحِينَ.

يَا مُوسى، كُنْ إِمَامَهُمْ فِي صَلَاتِهِمْ، وَإِمَامَهُمْ فِيمَا يَتَشَاجَرُونَ، وَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلْتُ عَلَيْكَ، فَقَدْ أَنْزَلْتُهُ حُكْماً بَيِّناً، وَبُرْهَاناً نَيِّراً، وَنُوراً يَنْطِقُ بِمَا كَانَ فِي الْأَ وَّلِينَ، وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ فِي الْاخِرِينَ.

أُوصِيكَ يَا مُوسى وَصِيَّةَ الشَّفِيقِ الْمُشْفِقِ بِابْنِ الْبَتُولِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، صَاحِبِ الْأَ تَانِ وَالْبُرْنُسِ وَالزَّيْتِ وَالزَّيْتُونِ وَالْمِحْرَابِ، وَمِنْ بَعْدِهِ بِصَاحِبِ الْجَمَلِ الْأَ حْمَرِ، الطَّيِّبِ الطَّاهِرِ الْمُطَهَّرِ، فَمَثَلُهُ فِي كِتَابِكَ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ مُهَيْمِنٌ عَلَى الْكُتُبِ كُلِّهَا، وَأَنَّهُ رَاكِعٌ سَاجِدٌ، رَاغِبٌ رَاهِبٌ، إِخْوَانُهُ الْمَسَاكِينُ، وَأَنْصَارُهُ قَوْمٌ آخَرُونَ، وَيَكُونُ فِي زَمَانِهِ أَزْلٌ وَزِلْزَالٌ، وَقَتْلٌ وَقِلَّةٌ مِنَ الْمَالِ، اسْمُهُ أَحْمَدُ، مُحَمَّدٌ الْأَ مِينُ مِنَ الْبَاقِينَ، مِنْ ثُلَّةِ الْأَ وَّلِينَ الْمَاضِينَ، يُؤْمِنُ بِالْكُتُبِ كُلِّهَا، وَيُصَدِّقُ جَمِيعَ الْمُرْسَلِينَ، وَيَشْهَدُ بِالْاءِخْلَاصِ لِجَمِيعِ النَّبِيِّينَ، أُمَّتُهُ مَرْحُومَةٌ مُبَارَكَةٌ، مَا بَقُوا فِي الدِّينِ عَلى حَقَائِقِهِ ، لَهُمْ سَاعَاتٌ مُوَقَّتَاتٌ، يُؤَدُّونَ فِيهَا الصَّلَوَاتِ أَدَاءَ الْعَبْدِ إِلى سَيِّدِهِ نَافِلَتَهُ، فَبِهِ فَصَدِّقْ، وَمِنْهَاجَهُ فَاتَّبِعْ؛ فَإِنَّهُ أَخُوكَ .

يَا مُوسى، إِنَّهُ أُمِّيٌّ، وَهُوَ عَبْدٌ صِدْقٌ، يُبَارَكُ لَهُ فِيمَا وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، وَيُبَارَكُ عَلَيْهِ، كَذلِكَ كَانَ فِي

ص: 427


1- .في النسخة: «فأمت»

عِلْمِي، وَكَذلِكَ خَلَقْتُهُ ، بِهِ أَفْتَحُ السَّاعَةَ، وَبِأُمَّتِهِ أَخْتِمُ مَفَاتِيحَ الدُّنْيَا، فَمُرْ ظَلَمَةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ لَا يَدْرُسُوا اسْمَهُ، وَلَا يَخْذُلُوهُ، وَإِنَّهُمْ لَفَاعِلُونَ، وَحُبُّهُ لِي حَسَنَةٌ، فَأَنَا مَعَهُ، وَأَنَا مِنْ حِزْبِهِ، وَهُوَ مِنْ حِزْبِي، وَحِزْبُهُمُ الْغَالِبُونَ، فَتَمَّتْ كَلِمَاتِي، لَأُظْهِرَنَّ دِينَهُ عَلَى الْأَ دْيَانِ كُلِّهَا، وَلَأُعْبَدَنَّ بِكُلِّ مَكَانٍ، وَلَأُنْزِلَنَّ عَلَيْهِ قُرْآناً فُرْقَاناً، شِفَاءً لِمَا فِي الصُّدُورِ مِنْ نَفْثِ الشَّيْطَانِ.

فَصَلِّ عَلَيْهِ يَا ابْنَ عِمْرَانَ؛ فَإِنِّي أُصَلِّي عَلَيْهِ وَمَلَائِكَتِي.

يَا مُوسى، أَنْتَ عَبْدِي، وَأَنَا إِلهُكَ، لَا تَسْتَذِلَّ الْحَقِيرَ الْفَقِيرَ، وَلَا تَغْبِطِ الْغَنِيَّ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ، وَكُنْ عِنْدَ ذِكْرِي خَاشِعاً، وَعِنْدَ تِلَاوَتِهِ بِرَحْمَتِي طَامِعاً، وَأَسْمِعْنِي لَذَاذَةَ التَّوْرَاةِ بِصَوْتٍ خَاشِعٍ حَزِينٍ، اطْمَئِنَّ عِنْدَ ذِكْرِي، وَذَكِّرْ بِي مَنْ يَطْمَئِنُّ إِلَيَّ، وَاعْبُدْنِي، وَلَا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً، وَتَحَرَّ مَسَرَّتِي، إِنِّي أَنَا السَّيِّدُ الْكَبِيرُ، إِنِّي خَلَقْتُكَ مِنْ نُطْفَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ، مِنْ طِينَةٍ أَخْرَجْتُهَا مِنْ أَرْضٍ ذَلِيلَةٍ مَمْشُوجَةٍ، فَكَانَتْ بَشَراً فَأَنَا صَانِعُهَا خَلْقاً، فَتَبَارَكَ وَجْهِي، وَتَقَدَّسَ صَنِيعِي، لَيْسَ كَمِثْلِي شَيْءٌ، وَأَنَا الْحَيُّ الدَّائِمُ الَّذِي لَا أَزُولُ.

يَا مُوسى، كُنْ إِذَا دَعَوْتَنِي خَائِفاً مُشْفِقاً وَجِلاً، عَفِّرْ وَجْهَكَ لِي فِي التُّرَابِ، (1). وَاسْجُدْ لِي بِمَكَارِمِ بَدَنِكَ، وَاقْنُتْ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْقِيَامِ، وَنَاجِنِي حِينَ تُنَاجِينِي بِخَشْيَةٍ مِنْ قَلْبٍ وَجِلٍ، وَاحْيَ بِتَوْرَاتِي أَيَّامَ الْحَيَاةِ، وَعَلِّمِ الْجُهَّالَ مَحَامِدِي، وَذَكِّرْهُمْ آلَائِي وَنِعْمَتِي، وَقُلْ لَهُمْ لَا يَتَمَادَوْنَ فِي غَيِّ مَا هُمْ فِيهِ؛ فَإِنَّ أَخْذِي أَلِيمٌ شَدِيدٌ.

يَا مُوسى، إِذَا (2). انْقَطَعَ حَبْلُكَ مِنِّي لَمْ يَتَّصِلْ بِحَبْلِ غَيْرِي، فَاعْبُدْنِي، وَقُمْ بَيْنَ يَدَيَّ مَقَامَ الْعَبْدِ الْحَقِيرِ الْفَقِيرِ (3). ، ذُمَّ نَفْسَكَ، فَهِيَ أَوْلى بِالذَّمِّ، وَلَا تَتَطَاوَلْ بِكِتَابِي عَلى بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَكَفى بِهذَا وَاعِظاً لِقَلْبِكَ وَمُنِيراً، وَهُوَ كَلَامُ رَبِّ الْعَالَمِينَ جَلَّ وَتَعَالى.

يَا مُوسى، مَتى مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي، فَإِنِّي سَأَغْفِرُ لَكَ عَلى مَا كَانَ مِنْكَ السَّمَاءُ تُسَبِّحُ لِي وَجَلاً، وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ مَخَافَتِي مُشْفِقُونَ، وَالْأَ رْضُ تُسَبِّحُ لِي طَمَعاً، وَكُلُّ الْخَلْقِ يُسَبِّحُونَ لِي دَاخِرِينَ (4).

ثُمَّ عَلَيْكَ بِالصَّلَاةِ الصَّلَاةِ ؛ فَإِنَّهَا مِنِّي بِمَكَانٍ، وَلَهَا عِنْدِي عَهْدٌ وَثِيقٌ، وَأَلْحِقْ بِهَا مَا هُوَ مِنْهَا زَكَاةَ الْقُرْبَانِ مِنْ طَيِّبِ الْمَالِ وَالطَّعَامِ؛ فَإِنِّي لَا أَقْبَلُ إِلَا الطَّيِّبَ يُرَادُ بِهِ وَجْهِي، وَاقْرُنْ مَعَ ذلِكَ صِلَةَ

ص: 428


1- .في الحاشية عن بعض النسخ: «بالتراب»
2- .في الحاشية عن بعض النسخ: «إن»
3- .في الطبعة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها : - «الفقير»
4- في النسخة: «داخرين»

الْأَ رْحَامِ؛ فَإِنِّي أَنَا اللّهُ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ، وَالرَّحِمُ أَنَا خَلَقْتُهَا فَضْلاً مِنْ رَحْمَتِي لِيَتَعَاطَفَ بِهَا الْعِبَادُ، وَلَهَا عِنْدِي سُلْطَانٌ فِي مَعَادِ الآْخِرَةِ، وَأَنَا قَاطِعُ مَنْ قَطَعَهَا، وَوَاصِلُ مَنْ وَصَلَهَا، وَكَذلِكَ أَفْعَلُ بِمَنْ (1). ضَيَّعَ أَمْرِي.

يَا مُوسى، أَكْرِمِ السَّائِلَ إِذَا أَتَاكَ بِرَدٍّ جَمِيلٍ، أَوْ إِعْطَاءٍ يَسِيرٍ؛ فَإِنَّهُ يَأْتِيكَ مَنْ لَيْسَ بِإِنْسٍ وَلَا جَانٍّ، مَلَائِكَةُ الرَّحْمنِ يَبْلُونَكَ كَيْفَ أَنْتَ صَانِعٌ فِيمَا أَوْلَيْتُكَ، وَكَيْفَ مُوَاسَاتُكَ فِيمَا خَوَّلْتُكَ؟! وَاخْشَعْ لِي بِالتَّضَرُّعِ، وَاهْتِفْ [لِي] بِوَلْوَلَةِ الْكِتَابِ، وَاعْلَمْ أَنِّي أَدْعُوكَ دُعَاءَ السَّيِّدِ مَمْلُوكَهُ لِيَبْلُغَ بِهِ شَرَفَ الْمَنَازِلِ، وَذلِكَ مِنْ فَضْلِي عَلَيْكَ وَعَلى آبَائِكَ الْأَ وَّلِينَ.

يَا مُوسى، لَا تَنْسَنِي عَلى كُلِّ حَالٍ، وَلَا تَفْرَحْ بِكَثْرَةِ الْمَالِ؛ فَإِنَّ نِسْيَانِي يُقْسِي الْقُلُوبَ، (2).

وَمَعَ كَثْرَةِ الْمَالِ كَثْرَةُ الذُّنُوبِ، الْأَ رْضُ مُطِيعَةٌ، وَالسَّمَاءُ مُطِيعَةٌ، وَالْبِحَارُ مُطِيعَةٌ، وَعِصْيَانِي شَقَاءُ الثَّقَلَيْنِ، وَأَنَا الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ، رَحْمَانُ كُلِّ زَمَانٍ آتِي بِالشِّدَّةِ بَعْدَ الرَّخَاءِ، وَبِالرَّخَاءِ بَعْدَ الشِّدَّةِ، وَبِالْمُلُوكِ بَعْدَ الْمُلُوكِ، وَمُلْكِي دَائِمٌ قَائِمٌ لَا يَزُولُ، وَلَا يَخْفى عَلَيَّ شَيْءٌ فِي الْأَ رْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، وَكَيْفَ يَخْفى عَلَيَّ مَا مِنِّي مُبْتَدَؤُهُ؟! وَكَيْفَ لَا يَكُونُ هَمُّكَ فِيمَا عِنْدِي وَإِلَيَّ تَرْجِعُ لَا مَحَالَةَ؟! يَا مُوسَى اجْعَلْنِي حِرْزَكَ، وَضَعْ عِنْدِي كَنْزَكَ مِنَ الصَّالِحَاتِ، وَخَفْنِي وَلَا تَخَفْ غَيْرِى،¨ إِلَيَّ الْمَصِيرُ.

يَا مُوسَى ارْحَمْ مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْكَ فِي الْخَلْقِ، وَلَا تَحْسُدْ مَنْ هُوَ فَوْقَكَ؛ فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ، كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ.

يَا مُوسى، إِنَّ ابْنَيْ آدَمَ تَوَاضَعَا فِي مَنْزِلَةٍ لِيَنَالَا بِهَا مِنْ فَضْلِي وَرَحْمَتِي، فَقَرَّبَا قُرْبَاناً، وَلَا أَقْبَلُ إِلَا مِنَ الْمُتَّقِينَ، فَكَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا مَا قَدْ عَلِمْتَ، فَكَيْفَ تَثِقُ بِالصَّاحِبِ بَعْدَ الْأَ خِ وَالْوَزِيرِ؟! يَا مُوسى، ضَعِ الْكِبْرَ، وَدَعِ الْفَخْرَ، وَاذْكُرْ أَنَّكَ سَاكِنُ الْقَبْرِ، فَلْيَمْنَعْكَ ذلِكَ مِنَ الشَّهَوَاتِ.

يَا مُوسى، عَجِّلِ التَّوْبَةَ، وَأَخِّرِ الذَّنْبَ، وَتَأَنَّ فِي الْمَكْثِ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الصَّلَاةِ ، وَلَا تَرْجُ غَيْرِي، اتَّخِذْنِي جُنَّةً لِلشَّدَائِدِ، وَحِصْناً لِمُلِمَّاتِ الْأُمُورِ.

يَا مُوسى، كَيْفَ تَخْشَعُ لِي خَلِيقَةٌ لَا تَعْرِفُ فَضْلِي عَلَيْهَا؟! وَكَيْفَ تَعْرِفُ فَضْلِي عَلَيْهَا وَهِيَ لَا تَنْظُرُ فِيهِ؟! وَكَيْفَ تَنْظُرُ فِيهِ وَهِيَ لَا تُؤْمِنُ بِهِ؟! وَكَيْفَ تُؤْمِنُ بِهِ وَهِيَ لَا تَرْجُو ثَوَاباً؟! وَكَيْفَ تَرْجُو

ص: 429


1- .في الحاشية عن بعض النسخ: «لمن»
2- .في الحاشية عن بعض النسخ: «القلب»

ثَوَاباً وَهِيَ قَدْ قَنِعَتْ بِالدُّنْيَا، وَاتَّخَذَتْهَا مَأْوًى، وَرَكَنَتْ إِلَيْهَا رُكُونَ الظَّالِمِينَ؟!

يَا مُوسى، نَافِسْ فِي الْخَيْرِ أَهْلَهُ؛ فَإِنَّ الْخَيْرَ كَاسْمِهِ، وَدَعِ الشَّرَّ لِكُلِّ مَفْتُونٍ.

يَا مُوسَى اجْعَلْ لِسَانَكَ [مِنْ] وَرَاءِ قَلْبِكَ تَسْلَمْ، وَأَكْثِرْ ذِكْرِي بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ تَغْنَمْ، وَلَا تَتَّبِعِ الْخَطَايَا فَتَنْدَمَ؛ فَإِنَّ الْخَطَايَا مَوْعِدُهَا النَّارُ.

يَا مُوسى، أَطِبِ الْكَلَامَ لأهْلِ التَّرْكِ لِلذُّنُوبِ، وَكُنْ لَهُمْ جَلِيساً، وَاتَّخِذْهُمْ لِغَيْبِكَ إِخْوَاناً، وَجِدَّ مَعَهُمْ يَجِدُّونَ مَعَكَ.

يَا مُوسَى الْمَوْتُ يَأْتِيكَ (1) لَا مَحَالَةَ، فَتَزَوَّدْ زَادَ مَنْ هُوَ عَلى مَا يَتَزَوَّدُ وَارِدٌ عَلَى الْيَقِينِ (2).

يَا مُوسى ، مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهِي فَكَثِيرٌ قَلِيلُهُ، وَمَا أُرِيدَ بِهِ غَيْرِي فَقَلِيلٌ كَثِيرُهُ، وَإِنَّ أَصْلَحَ أَيَّامِكَ الَّذِي هُوَ أَمَامَكَ فَانْظُرْ أَيُّ يَوْمٍ هُوَ؟ فَأَعِدَّ لَهُ الْجَوَابَ؛ فَإِنَّكَ مَوْقُوفٌ (3).

وَمَسْئُولٌ، وَخُذْ مَوْعِظَتَكَ مِنَ الدَّهْرِ وَأَهْلِهِ؛ فَإِنَّ الدَّهْرَ طَوِيلُهُ قَصِيرٌ، وَقَصِيرُهُ طَوِيلٌ، وَكُلُّ شَيْءٍ فَانٍ، فَاعْمَلْ كَأَنَّكَ تَرى ثَوَابَ عَمَلِكَ؛ لِكَيْ يَكُونَ أَطْمَعَ لَكَ فِي الآْخِرَةِ لَا مَحَالَةَ ؛ فَإِنَّ مَا بَقِيَ مِنَ الدُّنْيَا كَمَا وَلّى مِنْهَا، وَكُلُّ عَامِلٍ يَعْمَلُ عَلى بَصِيرَةٍ وَمِثَالٍ، فَكُنْ مُرْتَاداً لِنَفْسِكَ .

يَا ابْنَ عِمْرَانَ، لَعَلَّكَ تَفُوزُ غَداً يَوْمَ السُّؤَالِ، فَهُنَالِك يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ.

يَا مُوسى، أَلْقِ كَفَّيْكَ ذُلاًّ بَيْنَ يَدَيَّ كَفِعْلِ الْعَبْدِ الْمُسْتَصْرِخِ إِلى سَيِّدِهِ؛ فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذلِكَ رُحِمْتَ، وَأَنَا أَكْرَمُ الْقَادِرِينَ.

يَا مُوسى، سَلْنِي مِنْ فَضْلِي وَرَحْمَتِي؛ فَإِنَّهُمَا بِيَدِي لَا يَمْلِكُهُمَا أَحَدٌ غَيْرِي، وَانْظُرْ حِينَ تَسْأَلُنِي كَيْفَ رَغْبَتَكَ فِيمَا عِنْدِي لِكُلِّ عَامِلٍ جَزَاءٌ، وَقَدْ يُجْزَى الْكَفُورُ بِمَا سَعى.

يَا مُوسى، طِبْ نَفْساً عَنِ الدُّنْيَا، وَانْطَوِ عَنْهَا؛ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ لَكَ، وَلَسْتَ لَهَا مَا لَكَ وَلِدَارِ الظَّالِمِينَ إِلَا لِعَامِلٍ فِيهَا بِالْخَيْرِ؛ فَإِنَّهَا لَهُ نِعْمَ الدَّارُ.

يَا مُوسى، مَا آمُرُكَ بِهِ فَاسْمَعْ، وَمَهْمَا أَرَاهُ فَاصْنَعْ، خُذْ حَقَائِقَ التَّوْرَاةِ [إِلى صَدْرِكَ] وَتَيَقَّظْ بِهَا فِي سَاعَاتِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَلَا تُمَكِّنْ أَبْنَاءَ الدُّنْيَا مِنْ صَدْرِكَ فَيَجْعَلُونَهُ وَكْراً كَوَكْرِ الطَّيْرِ.

يَا مُوسى، أَبْنَاءُ الدُّنْيَا وَأَهْلُهَا فِتَنٌ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، فَكُلٌّ مُزَيَّنٌ لَهُ مَا هُوَ فِيهِ، وَالْمُؤْمِنُ مَنْ زُيِّنَتْ لَهُ

ص: 430


1- .في الطبعة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها وشرح المازندراني والوافي والبحار ، ج 77 ، ص 36 : «لاقيك»
2- في الطبعة الجديدة وجميع النسخ التي قوبلت فيها : - «على اليقين»
3- .في الحاشية عن بعض النسخ: + «به»

الآْخِرَةُ، فَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا مَا يَفْتُرُ، قَدْ حَالَتْ شَهْوَتُهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ لَذَّةِ الْعَيْشِ، فَأَدْلَجَتْهُ بِالْأَ سْحَارِ كَفِعْلِ الرَّاكِبِ السَّائِقِ إِلى غَايَتِهِ، يَظَلُّ كَئِيباً، وَيُمْسِي حَزِيناً، فَطُوبى لَهُ لَوْ قَدْ كُشِفَ الْغِطَاءُ مَا ذَا يُعَايِنُ مِنَ السُّرُورِ؟!

يَا مُوسَى الدُّنْيَا نُطْفَةٌ لَيْسَتْ بِثَوَابٍ لِلْمُؤْمِنِ، وَلَا نَقِمَةٍ مِنْ فَاجِرٍ، فَالْوَيْلُ الدَّائِمُ (1). لِمَنْ بَاعَ ثَوَابَ مَعَادِهِ بِلَعْقَةٍ لَمْ تَبْقَ، وَبِلَعْسَةٍ (2). لَمْ تَدُمْ، فَكَذلِكَ فَلْتَكُنْ (3). كَمَا أَمَرْتُكَ، وَكُلُّ أَمْرِي رَشَادٌ .

يَا مُوسى، إِذَا رَأَيْتَ الْغِنى مُقْبِلاً، فَقُلْ: ذَنْبٌ عُجِّلَتْ لِي عُقُوبَتُهُ، وَإِذَا رَأَيْتَ الْفَقْرَ مُقْبِلاً، فَقُلْ: مَرْحَباً بِشِعَارِ الصَّالِحِينَ، وَلَا تَكُنْ جَبَّاراً ظَلُوماً، وَلَا تَكُنْ لِلظَّالِمِينَ قَرِيناً.

يَا مُوسى، مَا عُمُرٌ وَإِنْ طَالَ يُذَمُّ (4). آخِرُهُ، وَمَا ضَرَّكَ مَا زُوِيَ عَنْك إِذَا حُمِدَتْ مَغَبَّتُهُ.

يَا مُوسى، صَرَخَ الْكِتَابُ إِلَيْكَ صُرَاخاً بِمَا أَنْتَ إِلَيْهِ صَائِرٌ، فَكَيْفَ تَرْقُدُ عَلى هذَا الْعُيُونُ؟! أَمْ كَيْفَ يَجِدُ قَوْمٌ لَذَّةَ الْعَيْشِ لَوْ لَا التَّمَادِي فِي الْغَفْلَةِ، وَا لأِّبَاعُ لِلشِّقْوَةِ، وَالتَّتَابُعُ لِلشَّهْوَةِ، وَمِنْ دُونِ هذَا يَجْزَعُ (5). الصِّدِّيقُونَ.

يَا مُوسى، مُرْ عِبَادِي يَدْعُونِي عَلى مَا كَانَ بَعْدَ أَنْ يُقِرُّوا لِي (6). أَنِّي أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، مُجِيبُ (7). الْمُضْطَرِّينَ، وَأَكْشِفُ السُّوءَ، وَأُبَدِّلُ الزَّمَانَ، وَآتِي بِالرَّخَاءِ، وَأَشْكُرُ الْيَسِيرَ، وَأُثِيبُ الْكَثِيرَ، وَأُغْنِي الْفَقِيرَ، وَأَنَا الدَّائِمُ الْعَزِيزُ الْقَدِيرُ، فَمَنْ لَجَأَ إِلَيْكَ، وَانْضَوى (8).

إِلَيْكَ مِنَ الْخَاطِئِينَ، فَقُلْ: أَهْلاً وَسَهْلاً يَا رَحْبَ الْفِنَاءِ بِفِنَاءِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ، وَكُنْ لَهُمْ كَأَحَدِهِمْ، وَلَا تَسْتَطِلْ عَلَيْهِمْ بِمَا أَنَا أَعْطَيْتُكَ فَضْلَهُ، وَقُلْ لَهُمْ: فَلْيَسْأَلُونِي مِنْ فَضْلِي وَرَحْمَتِي؛ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا أَحَدٌ غَيْرِي، وَأَنَا ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.

طُوبى لَكَ يَا مُوسى كَهْفُ الْخَاطِئِينَ، وَجَلِيسُ الْمُضْطَرِّينَ، وَمُسْتَغْفِرٌ لِلْمُذْنِبِينَ، إِنَّكَ مِنِّي بِالْمَكَانِ الرَّضِيِّ، فَادْعُنِي بِالْقَلْبِ النَّقِيِّ، (9).

وَاللِّسَانِ الصَّادِقِ، وَكُنْ كَمَا أَمَرْتُكَ، أَطِعْ أَمْرِي، وَلَا تَسْتَطِلْ عَلى عِبَادِي بِمَا لَيْسَ مِنْكَ مُبْتَدَاهُ، وَتَقَرَّبْ إِلَيَّ؛ فَإِنِّي مِنْك قَرِيبٌ، فَإِنِّي لَمْ أَسْأَلْكَ مَا يُؤْذِيكَ

ص: 431


1- .في الحاشية عن بعض النسخ وكلتا الطبعتين : «الطويل»
2- .في الحاشية عن بعض النسخ: «وبلغة». وفي الطبعة الجديدة : «وبلعقة» . وفي بعض نسخ الكافي والوافي : «وبلعة» بالعين المهملة . وفي بعض النسخ وشرح المازندراني : «ويلعقه»
3- .في كلتا الطبعتين وجميع النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة : «وكذلك فكن» بدل «فكذلك فلتكن»
4- .في الحاشية عن بعض النسخ: «يدوم»
5- .في الحاشية عن بعض النسخ: «يفزع»
6- .في الحاشية عن بعض النسخ: «بي»
7- .في النسخة: + «دعوة» مرمّز ب «خ»
8- .في الحاشية عن بعض النسخ: «وانطوى»
9- .في الحاشية عن بعض النسخ: «التقيّ»

ثِقَلُهُ وَلَا حَمْلُهُ، إِنَّمَا سَأَلْتُكَ أَنْ تَدْعُوَنِي فَأُجِيبَكَ، وَأَنْ تَسْأَلَنِي فَأُعْطِيَكَ، وَأَنْ تَتَقَرَّبَ إِلَيَّ بِمَا مِنِّي أَخَذْتَ تَأْوِيلَهُ، وَعَلَيَّ تَمَامُ تَنْزِيلِهِ. يَا مُوسَى انْظُرْ إِلَى الْأَ رْضِ؛ فَإِنَّهَا عَنْ قَرِيبٍ قَبْرُكَ، وَارْفَعْ عَيْنَيْكَ إِلَى السَّمَاءِ؛ فَإِنَّ فَوْقَكَ فِيهَا مَلِكاً عَظِيماً، وَابْكِ عَلى نَفْسِك مَا دُمْتَ (1).

فِي الدُّنْيَا، وَتَخَوَّفِ الْعَطَبَ وَالْمَهَالِكَ، وَلَا تَغُرَّنَّكَ زِينَةُ الدُّنْيَا وَزَهْرَتُهَا، وَلَا تَرْضَ بِالظُّلْمِ، وَلَا تَكُنْ ظَالِماً؛ فَإِنِّي لِلظَّالِمِ رَصِيدٌ حَتّى أُدِيلَ مِنْهُ الْمَظْلُومَ.

يَا مُوسى، إِنَّ الْحَسَنَةَ عَشَرَةُ أَضْعَافٍ، وَمِنَ السَّيِّئَةِ الْوَاحِدَةِ الْهَلَاكُ، لَا تُشْرِكْ بِي، لَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تُشْرِكَ بِي، قَارِبْ، وَسَدِّدْ، وَادْعُ دُعَاءَ الطَّامِعِ الرَّاغِبِ فِيمَا عِنْدِي، النَّادِمِ عَلى مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ؛ فَإِنَّ سَوَادَ اللَّيْلِ يَمْحُوهُ النَّهَارُ، وَكَذلِكَ السَّيِّئَةُ تَمْحُوهَا الْحَسَنَةُ، وَعَشْوَةُ اللَّيْلِ تَأْتِي عَلى ضَوْءِ النَّهَارِ، وَكذلِكَ السَّيِّئَةُ تَأْتِي عَلَى الْحَسَنَةِ الْجَلِيلَةِ، فَتُسَوِّدُهَا».

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله : (ناجاه اللّه ) أي سارّه .

(يا موسى، لا يطوّل) بفتح الواو، من التطويل.

وفي بعض النسخ: «لا تطوّل» بالتاء وكسر الواو، وهو أظهر .

(في الدنيا أملك، فيقسوا لذلك قلبك) .

قال الفيروزآبادي : «الأمل، كجبل ونجم وشبر: الرجاء» (2) .

وقال : «قسا قلبه قسواً وقساوةً وقساءً: غلظ، وصلب» (3).

(يا موسى، كُن كمسرّتي فيك) .

قال الجوهري : «السرور: خلاف الحزن ، وسرّه مَسرّة، فَسُرَّ هو» (4).

وكان المعنى كُن على حال أكون مسروراً بها، وكما اُريد منك فكأنّك تكون مسرّتي، ونسبة المسرّة وأمثالها إليه سبحانه باعتبار الغايات ، والحاصل أنّه تعالى أمره أن يكون ملزوماً لفعل الطاعة وترك المعصية ، كما أنّ المسرّة بالنسبة إليه تعالى ملزومة لهما، لكن اُريد

ص: 432


1- .في الحاشية عن بعض النسخ: «ما كنت»
2- .القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 330 (أمل)
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 378 (قسو)
4- الصحاح ، ج 2 ، ص 682 (سرر) مع اختلاف يسير

هنا لازمها، وهو الإكرام والإنعام .

ويحتمل أن يكون من باب التمثيل .

وفي بعض النسخ: «لمسرّتي» باللام، وهو أظهر ، وسيجيء مثله في حديث عيسى عليه السلام .

وفي قوله تعالى : (فإنّ مسرّتي أن اُطاع فلا اُعصى) إشارة إلى ما ذكرناه من عدم إرادة المعنى الحقيقي من المسرّة بالنسبة إلى جناب قدسه تعالى وتقدّس .

(وأمت قلبك بالخشية) .

القلب: الفؤاد ، ولعلّ إماتته إزالة أمانيه ومشتهياته الحاصلة من وساوس الشيطان ودواعي النفس الأمّارة إلى الفساد والطغيان ، وإماتته من هذه الجهة توجب له حياةً أبديّة بخلوص الإيمان والطاعة.

والمراد بالخشية الخوف الحاصل له من ملاحظة عظمة الربّ وقهّاريّته ، ومهانة نفسه وذلّه وهوانه، وعدم استطاعته بالفرار والخروج عن ملكه تعالى وسلطانه، وتلك الملاحظة على جهة الإيقان والإتقان أشدّ جاذب إلى سلوك سبيل الطاعة والهرب من المعصية؛ فإنّ الخائف من شيء هارب منه إلى ضدّه .

(وكُنْ خَلَق الثياب) .

قال الجوهري : «مِلحَفةٌ خَلَقٌ ؛ أي بال ، يستوي فيه المذكّر والمؤنّث؛ لأنّه في الأصل مصدر الأخْلَق، وهو الأملس» (1).

وفي القاموس: «خلق الثوب _ كنصر وسمع وكرم _ خُلُوقة وخَلَقاً، محرّكة: بَلِيَ ، والخَلَقُ محرّكة: البالي، للمذكّر والمؤنّث، الجمع خُلقان» (2).

والإضافة فيه من قبيل جرد قطيفة، وإخلاق ثياب.

وكذا في قوله : (جديد القلب) ؛ بتطهيره عن الرذائل، وتزيينه بالفضائل، والانتباه عن نومة الغافلين الذين يجعلون ثيابهم جديدة نفيسة، وقلوبهم بالية كثيفة .

(تُخفى على أهل الأرض) .

الظاهر أنّه على بناء المجرّد المعلوم، أو المزيد المجهول ، حال عن اسم «كُن»، وأنّه ناظر إلى كونه خلق الثياب .

ص: 433


1- الصحاح ، ج 4 ، ص 1472 (خلق)
2- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 228 (خلق) مع التلخيص

وقوله: (وتُعرف في أهل السماء) ناظر إلى كونه جديد القلب .

(حِلس البيوت) بالكسر وبالتحريك خبر آخر لقوله: «كُن» .

قال الجوهري : «الحِلس: كساء رقيق يكون تحت البرذعة ، وأحلاس البيوت: ما يبسط تحت حُرّ الثياب ، وفي الحديث : كُن حلس بيتك ، [أى] لا تبرح» (1).

وفي القاموس: «الحُرّ، بالضمّ: خيار كلّ شيء» (2).

وفي بعض النسخ: «جليس البيوت» .

وحاصل المعنى على النسختين أنّه تعالى أمره بملازمة بيته، وعدم الخروج منه لغير الضرورة، ومنافع العزلة عن أهل الدنيا والراغبين إليها أكثر من أن تحصى .

(مصباح الليل) أي كُن كالمصباح في ليلك، بأن تقوم فيه، وتنوّره بنور عبادتك ، والإضافة بتقدير «في» أو اللام.

(واقنت بين يديّ قنوت الصابرين) .

القنوت: الطاعة، والخشوع، والدعاء ، والصلاة، والعبادة، والقيام إلى الصلاة، وفعل الكلّ كنصر.

وتقييده بقنوت الصابرين _ يعني على تحمّل المشاقّ في العبادة، وتخليص النيّة _ لكونه أعلى مراتب القنوت .

(وصح إليّ ...) .

الصياح : الصوت ؛ يُقال : صاح يصيح صَيحاً وصَيحةً وصِياحاً ، والمراد هنا رفع الصوت بالدعاء والاستغاثة والبكاء .

(واستعن بي على ذلك) أي على العدوّ، أو على الهرب منه .

(فإنّي نِعْمَ العون، ونِعْمَ المستعان) .

في القاموس: «العَون: الظَّهير» (3) .

(يا موسى، إنّي أنا اللّه ) .

قيل : هذا الحكم وإن كان معلوماً لكلّ عاقل، لا مجال للإنكار فيه إلّا أنّ العباد لمّا قصّروا في رعاية حقوقه تعالى، صاروا كأنّهم منكرون له، فلذلك وقع فيه التأكيد والحصر (4).

ص: 434


1- الصحاح ، ج 3 ، ص 919 (حلس)
2- القاموس المحيط، ج 2، ص 7 (حرر)
3- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 250 (عون)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 312

(فوق العباد) فوقيّة بالشرف ، والاستعلاء ، والاستيلاء ، والقدرة ، والعزّة .

(والعبادة دوني) فيما ذكر. و«دون» بالضمّ: نقيض فوق .

(وكلٌّ لي داخرون) .

يُقال : دخر _ كمنع وفرح _ دخوراً ودخراً: صغر، وذلّ .

وقيل : ليس الغرض من هذا الخبر إفادة الحكم ولا لازمه ، بل الحثّ على طاعته، وامتثال أوامره ونواهيه ومواعظه (1).

(فاتّهم نفسك على نفسك) .

يُقال : اتّهمه، كافتعله، إذا أدخل عليه التُّهَمَة ، وهي كهُمزَةٍ: ما يتّهم عليه ؛ أي لا تكشف سرّك عند نفسك ، واكتمه عنها فضلاً عن غيرك، ففيه من المبالغة ما لا يخفى .

وقيل : الفرق بين الفاعل والمفعولين بالاعتبار والحيثيّة.

قال : ولهذا الكلام احتمال آخر بعيد، وهو أن يُراد بالنفس الثانية المطمئنّة، وبالاُولى الأمّارة، وهي محلّ التهمة؛ لأنّها كثيراً ما ترى أنّ الشرّ خير وبالعكس ، وتحكم على عبادتها بأنّها مقبولة قطعاً، وأنّها واقعة على حدّ الكمال الموصل إلى المطلوب ، وهذا الوهم مبدأ للعُجب بالعبادة، والتقاصر عن الأزياد، والخروج عن التقصير، وغير ذلك من المفاسد(2) . انتهى .

والحاصل : أنّ الإنسان كثيراً ما يختدع من نفسه، بأن لا يرى مساويه، بل يراها محاسن، ويكمن فيه كثير من الأخلاق الذميمة، وهو غافل عنها .

(ولا تأتمن (3) ولدك على دينك) .

هذا تمثيل لكمال القُرب والشفقة، وإلّا فغيره أيضاً كذلك، وترغيب للتقيّة على وجه المبالغة .

(إلّا أن يكون وَلدك مثلك يحبّ الصالحين) .

قيل: دلّ هذا على جواز إظهار الدين للقابلين له والصالحين، وهو كذلك؛ ليبقى في الآخرين ، والروايات الدالّة عليه بل على وجوبه كثيرة (4).

ص: 435


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 312
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 312
3- .في الحاشية عن بعض النسخ: «ولا تأمن»
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 312

(يا موسى، اغسل ، واغتسل، واقترب من عبادي الصالحين) .

الاقتراب: التقارب .

قال الجوهري : «غسلت الشيء غَسلاً _ بالفتح _ والاسم: الغُسل بالضمّ، واغتسلت بالماء» (1).

وقال الفيروزآبادي : «اغتَسَلَ بالطيب، كقولك : نضح بالطيب ، والغِسلة بالكسر: الطيب، وما يُغسل به الرأس من خَطميّ ونحوه» (2).

وأقول : لعلّ المراد بالغَسْل هنا تطهير ما ينفصل عن البدن ويغايره كالثياب والأواني مثلاً ، وبالاغتسال تطهير البدن من الأحداث والأغباش .

أو المراد بالأوّل التطهير من الأحداث مطلقاً، وبالثاني التطهير من الأخباث .

أو اُريد بالأوّل ما يتعلّق بالتطهير كائناً ما كان، وبالثاني ما يتعلّق بالتنظيف .

ويحتمل أن يكون الاغتسال تأكيد للغسل، أي اغسل ثوبك وبدنك وبالغ فيه .

وقيل : كأنّه تعالى أمره بغسل الباطن من الرذائل والعيوب، وغسل الظاهر من الأخباث والذنوب، أو بالوضوء من الأصغر والغسل من الأكبر ، أو بالجميع(3) .

وفي بعض النسخ: «صلِّ» بدل «اغتسل» ، وهو أظهر .

(يا موسى، كُن إمامهم في صلاتهم) في فعلها ، والمواظبة عليها، وتعليم أحكامها .

ويحتمل أن يراد الجماعة فيها .

(وإمامهم فيما يتشاجرون) .

التشاجر: التنازع، والتقاطع، والتطاعن، والتخالف في أمر الدين والدنيا .

(واحكم بينهم بما أنزلت عليك) (4).

قيل : الظاهر أنّ وجوب الحكم بما أنزل اللّه غير مختصّ بالنبيّ والوصيّ، وأنّ من حكم

ص: 436


1- الصحاح ، ج 5 ، ص 1781 (غسل) مع التلخيص
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 24 (غسل) مع اختلاف يسير
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 312
4- في الوافي ، ج 26 ، ص 127 : «ممّا أنزلت عليك» ، وقال في شرحه : «يعني التوراة الذي اُنزل عليه باللغة العبرانيّة على الألواح الزبرجديّة»

بالاجتهاد والرأي بغير ما أنزل اللّه فهو من الفاسقين، كما دلّ عليه القرآن المبين ، والتخصيص لابدّ له من مخصّص إلّا أن يدّعى أنّ الحكم الاجتهادي المخالف أيضا ممّا أنزله اللّه تعالى، وهو كما ترى؛ لأنّه أيضاً يحتاج إلى دليل (1).

(فقد أنزلته حُكما بيّنا) .

قال الجوهري : «بان الشيء بياناً: اتّضح ، فهو بيّن» (2).

(وبرهاناً نيّراً): حجّة ظاهرة مضيئة لا يشاهد فيها من الأحكام ونحوها .

(ونوراً ينطق بما كان في الأوّلين، وبما هو كائن في الآخرين) .

النور: الضوء، أصلاً كان أو شعاعه ، وعرّفوه بأنّه هو الظاهر بنفسه المُظهر لغيره .

قيل : شبّهه بالنور، واستعار له لفظه استعارة تحقيقيّة باعتبار الاهتداء به في سلوك سبيل الحقّ إلى المطالب الحقيقيّة والأسرار اليقينيّة، وشبّه دلالته على ما كان فيه بنُطق الناطق، واستعار له لفظة «ينطق» استعارة تبعيّة، والمراد بالأوّلين الموجودون في عصره، وبالآخرين الذين يوجدون بعده إلى قيام شريعته، أو من لدن آدم عليه السلام إلى آخر الدهر (3).

(اُوصيك يا موسى وصيّة الشفيق المشفق) .

قال الفيروزآبادي : «أوصاه، ووصّاه توصيةً: عَهِدَ إليه ، والاسم: الوصاة والوصاية والوصيّة، ويوصيكم اللّه ، أي يفرض عليكم» (4).

وقال: «الشفق، محرّكة: الشفقة، والرأفة، وحرص الناصح على صلاح المنصوح، وهو شفيق وشَفِق »(5).

أقول : لعلّ التكرير للمبالغة ، أو يراد بالأوّل الشفيق عليك، وبالثاني المشفق على الناس .

(بابن البتول عيسى بن مريم) .

قال الجوهري : «بتلتُ الشيء إبتله بتلاً، إذا أبنته من غيره ، والبتول من النساء: العذراء المنقطعة من الأزواج ، ويقال : هي المنقطعة إلى اللّه عن الدنيا» 6 انتهى .

ص: 437


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 313
2- الصحاح ، ج 5 ، ص 2083 (بين)
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 400 (وصي)
4- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 250 (شفق) مع التلخيص
5- الصحاح ، ج 4 ، ص 1630 (بتل)

وقيل : سمّيت فاطمة عليهاالسلام بتولاً لانقطاعها عن نساء زمانها فضلاً وديناً ونسباً .

وقيل : لانقطاعها عن الدنيا إلى اللّه تعالى (1).

(صاحب الأتان والبُرنس) .

وفي القاموس: «الأتان، بالفتح: الحمارة الاُنثى خاصّة ، والأتانة : قليلة» (2).

وقال الجوهري : «الاتان: الحمارة، ولا تقل: أتانة»(3).

وقال : «البُرْنُس: قلنسوة طويلة كان النُّسّاك يلبسونها في صدر الإسلام» (4).

وفي القاموس: «البرنس: قلنسوة طويلة، أو كلّ ثوب رأسه منه ، دَرّاعة كان أو جُبّة أو ممطَراً» (5).

(والزيت والزيتون والمحراب) .

وفي القاموس: «الزيت: دهنٌ، والزيتون: شجرته، أو ثمرتها أيضاً ، أو مسجد دمشق ، أو جبال الشام» (6).

ولعلّ كونه عليه السلام صاحب الزيت والزيتون أنّه كان يأكلهما ، أو لأنّهما نزلتا له في المائدة من السماء .

وقيل : يحتمل أن يراد بالزيتون مسجد دمشق، أو جبال الشام، أي أعطاه اللّه بلاد الشام؛ وبالزيت الدهن الذي روي أنّه كان في بني إسرائيل، وكان غليانها من علامات النبوّة (7).

وقيل : كأنّه كان يدّهن بالأوّل، ويأكل الثاني، كما سيجيء في حديث نادر في وصف عليّ عليه السلام .

وكونه صاحب المحراب؛ لملازمته عليه السلام له، وكثرة اشتغاله فيه للصلاة والعبادة (8).

وقيل : يحتمل أن يراد به محراب المسجد الأقصى (9).

(ومِن بعده) بكسر الميم، والظرف حال عمّا بعده، والواو عطف على ابن البتول؛ أو

ص: 438


1- راجع : شرح المازندراني ، ج 11 . ص 313
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 194 (أتن) مع اختلاف يسير
3- الصحاح ، ج 5 ، ص 2067 (أتن)
4- الصحاح ، ج 3 ، ص 908 (برنس)
5- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 200 (برنس)
6- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 148 (زيت) مع التلخيص واختلاف يسير
7- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 92
8- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 313
9- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 313

بفتحها، والموصول مع صلته عطف على ابن البتول ، وقوله : (بصاحب الجمل الأحمر) بدل منه، والمراد به نبيّنا محمّد صلى الله عليه و آله ، وكون الواو بمعنى «مع» بعيد.

(الطيّب) هو ضدّ الخبيث .

وقال الجزري : «الطيّب، أكثر ما يرد بمعنى الحلال» (1). ، وأطاب : ولد بنين طيّبين، وتزوّج حلالاً .

وقيل : لعلّ المراد به الطيّب في الولادة من جهة الآباء والاُمّهات، لم يدنّسهم أنجاس الجاهليّة مثل الكفر والسفاح وغيرهما(2) .

(الطاهر) من العيوب الخَلقيّة والخُلقيّة .

(المطهّر) من الذنوب الظاهرة والباطنة ، أو الطيّب من الذنوب، والطاهر من كلّ دنسٍ وخلق سيّئ ، والمطهّر من الجهل وكلّ شين وعيب .

(فَمَثَله في كتابك) يعني صورته .

والمثل ، محرّكة : الحديث والصفة ، أي صورته وصفته، أو شرفه وفضله ، أو حديثه ومكانته .

وقيل : الظاهر أنّ الفاء بمعنى الواو، وتقدير الشرط محتمل، أي إن شئت وصفَه فوصفه (3).

(أنّه مؤمن) أي مصدّق بحقيقة الإيمان، والتصديق بجميع الأنبياء والكتب، أو مؤمن يؤمن الناس في الدنيا من شرّه، ولا يؤذيهم، أو من الخزي والوبال ، وفي الآخرة من العذاب والنكال .

وعلى الثاني يكون من الأمن والأمان ، وقيل : أو نفاع ، وإطلاق المؤمن عليه من باب التشبيه وكإطلاقه على النهر الفائض على وجه الأرض، فيسقي الحرث والزرع، ويحيي الأرض بعد موتها، وهو صلى الله عليه و آله يحيي قلوب المؤمنين بعد موتها بما جاء به من عند ربّ العالمين . انتهى(4) ، فتأمّل .

(مهيمنٌ على الكتب) السماويّة (كلّها).

قال صاحب العدّة : المهيمن، هو الشهيد، وفي قوله تعالى : «مُصَدِّقا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنا

ص: 439


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 314
2- .النهاية ، ج 3 ، ص 148 (طيب)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 314
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 314

عَلَيْهِ»(1) . ؛ أي الشاهد على خلقه بما يكون منهم من قولٍ وفعلٍ(2).

وقيل: المهيمن: الأمين(3). وقيل: الرقيب على كلّ شيء والحافظ له . وقيل : إنّه اسم من أسماء اللّه _ عزّ وجلّ _ في الكتب (4).

وقال الفيروزآبادي : المُهيمن _ بفتح الميم الثانية _ في معنى المؤمن، من آمن غيره من الخوف ، وهو مؤأمن بهمزتين قلبت الهمزة الثانية ياء ، ثمّ الاُولى هاء ، أو بمعنى الأمين أو المؤتمن أو الشاهد (5).

(راكع ساجد) .

لعلّه تنبيه على أنّه صلى الله عليه و آله جامع بين الركوع والسجود في صلاته، لا كأهل الكتابين؛ فإنّهما إنّما يأتيان بالسجود فقط.

(راغب) فيما عند اللّه من المقامات الرفيعة، والمثوبات العظيمة .

(راهب) ممّا لديه من الأنكال والجحيم، ومن التقصير في أداء حقوق العبوديّة .

(إخوانه المساكين) ؛ كأنّهم المتهجّدون.

ويحتمل الأعمّ ، والأوّل أنسب بقوله : (وأنصاره قوم آخرون).

قيل : أي من غير عشيرته وقبيلته(6).

(ويكون في زمانه أزل وزلازل) (7). في بعض النسخ: «وزلزال» .

(وقتل وقلّة من المال) .

الأزْل، بالفتح: الضيق، والشدّة، والجَدب ، وفعله كضرب . والأزل أيضاً: الحبس ؛ يُقال : أزلوا مالهم يأزلونه ، إذا حبسوه عن المرعى من خوف .

وقال الجوهري : «زلزل اللّه الأرض زلزلة وزلزالاً _ بالكسر _ فتزلزلت هي، والزلزال _ بالفتح _ الاسم، والزلازل: الشدائد» (8).

ص: 440


1- المائدة (5) : 48
2- عدّة الداعي ، ص 305 ، ذيل ح 38
3- قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 127
4- اُنظر : شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 314
5- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 277 (أمن)
6- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 314
7- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «وزلزال»
8- الصحاح ، ج 4 ، ص 1717 (زلزل)

وقال الفيروزآبادي : «زلزله زلزلة وزلزالاً، مثلثّة: حرّكه، والزلازل: البلايا» (1). ، انتهى .

والمراد بالقتل الجهاد، أو الأعمّ، وبزمانه زمان حياته، أو وقت بعثته .

(اسمه أحمد محمّد الأمين من الباقين) .

قيل: الظاهر أنّ «أمين» صفة لمحمّد، وأنّ «من» متعلّق به ، وأنّ المراد بالباقين خلائق آخر الزمان، وهم الاُمّة المدعوّة، والأمين منهم في أمرهم وأمر الخلائق هو صلى الله عليه و آله ، ولذلك جعله رسولاً إليهم (2).

وقوله : (من ثُلّة الأوّلين الماضين) صفة ثانية لمحمّد ، و«من» للتبعيض ، والثُلّة، بالضمّ: الجماعة من الناس، وإضافتها إلى الأوّلين بيانيّة .

والمراد بهم الأنبياء والرُّسُل ؛ يعني أنّه صلى الله عليه و آله من سلالة الأنبياء وطينتهم وبقيّتهم .

وقوله : (ويشهد بإخلاص لجميع النبيّين) ؛ لعلّ التنوين للتعظيم .

وفي بعض النسخ: «بالإخلاص»، وهو أظهر .

(اُمّته مرحومة مباركة) .

قيل : أي يبارك ويزاد عليهم العلم والرحمة (3).

وقيل : معنى كونها مباركة أنّها ثابتة على الحقّ، قائمة بأمره، أو ذوو بركة ويُمنٍ وخير، والمراد باُمّته اُمّته المجيبة بجميع ما جاء به (4).

(ما بقوا في الدين على حقائقه) .

قيل : لعلّ المراد بالحقائق اُصول الدين وأركانه التي بها يتحقّق ويقوم، أو تصديقاته اليقينيّة المتعلّقة بما جاء به الرسول، لو شكّ أحد في شيء منه أو أنكره لم يكن من الاُمّة المذكورة .

انتهى (5).

ولا يبعد أن يراد بحقائق الدين ما يقابل المجازات، ويكون احترازاً عن النفاق .

ص: 441


1- .القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 389 (زلزل)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 314 و315
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 93
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 315
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 315

(لهم ساعات مُوقّتات) .

في بعض النسخ: «موقوتات»، أي ساعات وأوقات مبنيّات، أو محدودات معيّنات .

قال الفيروزآبادي : «الوقت: تحديد الأوقات، كالتوقيت، و «كِتَاباً مَوْقُوتاً» (1).

، أي مفروضاً في الأوقات »(2).

وقال : «الساعة: جزء من أجزاء الجديدين ، والوقت الحاضر» (3).

(يؤدّون فيها) أي في تلك الساعات .

(الصلوات أداء العبد إلى سيّده نافلته) .

قال في القاموس: «أدّاه تأدية: قضاه وأوصله ، والاسم: الأداء»(4).

وقال: «النافلة: الغنيمة، والعطيّة، وما تفعله ممّا لم يجب» (5).

لعلّ المراد بالنافلة هنا فوائده ومكتسباته ، وضمير «نافلته» راجع إلى العبد ، ويحتمل إرجاعه إلى السيّد، فتدبّر.

وفي بعض النسخ: «نافلة».

قيل : أي يؤدّون الصلاة زائدة على ما وجب عليهم ، وفيه بعدٌ.

ولعلّ مفاد هذه النسخة مفاد الاُولى .

(فبه فصدّق) .

قيل : الظاهر أنّ «به» متعلّق بما بعده ، وأنّ التقديم لقصد الحصر أو الاهتمام، وأنّ إحدى الفائين زائدة، أو متعلّق بفعل مقدّر ؛ أي فصدق به ، حذف لوجود الحصر(6) .

(ومنهاجه فاتّبع) .

في بعض النسخ: «ومناهجه»، وهو جمع منهاج .

قال الجوهري : «النَّهج: الطريق الواضح، وكذلك المَنهج والمِنهاج» (7).

وقيل : لعلّ المراد باتّباع منهاجه سلوك سبيله في الانقطاع إلى اللّه تعالى، والتوسّل به في المهمّات كلّها، أو التصديق بحقيقة شريعته وصدق طريقته (8).

ص: 442


1- النساء (4) : 103
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 160 (وقت)
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 42 (سوع)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 298 (أدي)
5- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 59 (نفل)
6- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 315
7- الصحاح ، ج 1 ، ص 346 (نهج)
8- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 315

(فإنّه أخوك) في الرسالة ، وهو تعليل للتصديق والاتّباع ، وتحريض عليهما ، وتحريك للشفقة به .

(يا موسى، إنّه اُمّيّ) منسوب إلى الاُمّ لا يقرأ الكتاب ، ولم يدرس ، وهو باق على جبلّته ، ومن لا يكتب.

وقيل: منسوب إلى اُمّ القرى، وهي مكّة (1).

(وهو عبد صدق) .

قال الفيروزآبادي : الصدق _ بالكسر والفتح _ ضدّ الكذب، أو بالفتح : مصدر، وبالكسر : اسم صَدَقَ في الحديث، والصدق، بالكسر: الشدّة، ومنه رجل صدق وصديق صدق مضافين، «وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ» (2). : أنزلناهم منزلاً صالحاً . انتهى (3).

ويحتمل أن يُراد هنا المعنى الأوّل؛ لصدق أقواله وأفعاله ، أو الثاني؛ لشدّته وصلابته في اُمور الدين ، أو الثالث؛ لصلاحه واستقامته في العلم والعمل .

(يُبارك له فيما وضع يده عليه) .

البركة، محرّكة: النماء، والزيادة، والسعادة ، وبارك اللّه لك وفيك وعليك، باركك، وبارك على محمّد وآل محمّد: أدِمْ له ما أعطيته من التشريف والكرامة.

وهي من معجزاته صلى الله عليه و آله ، وقد وقعت في مواضع حيث وضع يده على ماء، أو لبن، أو طعام قليل، وأروى وأشبع بها خلقاً كثيراً ، أو مال قليل فأعطى منه خلقاً كثيراً، أو على مكان ضيّق فاتّسع أضعاف ممّا كان .

(ويبارك عليه) .

قيل : أي يدام له ما أعطى من ذلك وغيره من التشريف والكرامة والفخر والعزّ (4).

(كذلك كان في علمي، وكذلك خلقته) .

قيل : أي مثل الوصف المذكور الذي عرفته كان في علمي الأزليّ، ومثل الوصف المذكور خلقته، أي قدّرته وأوجدته لوجوب المطابقة بين العلم والمعلوم .

ص: 443


1- راجع : شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 315 ؛ والوافي ، ج 26 ، ص 128
2- .يونس (10) : 93
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 252 (صدق)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 316

وفيه تنبيه على أنّ اتّصافه بما ذكر أمر موهبيّ (1).

(به أفتح الساعة) .

في بعض النسخ: «أفتتح»، والباء للملابسة . ولعلّ الغرض اتّصال اُمّته ودولته ودينه وشريعته بقيام الساعة ، أو كناية عن حشره أوّلاً ؛ أي هو أوّل من ينشقّ عنه القبر، ويقوم به القيامة .

(وباُمّته أختم مفاتيح الدنيا) .

في القاموس: «ختمه يختمه ختماً وختاماً: طبعه، والشيء ختماً: بلغ آخره» (2).

قيل : مفاتيح الدنيا ما يفتح بها على صاحبها شيء من قتال، أو عبادة، أو تعلّم . والمراد أنّ هذه المفاتيح تنتهي بانقضاء اُمّته، كأنّها وُضِعت في كيس وختم عليها .

ويحتمل أن يكون الختم كناية عن التمام والكمال؛ فإنّ الشيء بعد الكمال يختم عليه .

ويمكن أن يكون المراد أنّ ما فتح لغيرهم يختم بهم (3).

وقيل : يعني بهم اُفني الدنيا وأطويها (4).

(فمُر ظَلَمة بني إسرائيل أن لا يَدرسوا اسمه) أي لا يمحوه من التوراة .

يُقال : درس الرَّسم _ وكنصر _ دروساً، أي عفا، ودرسته الريح، لازم متعدّ .

(ولا يخذلوه) .

يُقال : خذله _ كنصره _ خذلاناً، إذا ترك عونه ونصرته .

ونقل الجوهري عن الأصمعي : «إذا تخلّف الظبيّ عن القطيع، قيل: خَذل»(5).

فإن كان المراد هنا المعنى الأوّل، فالنهي عن ترك نصرته إذا أدركوا زمانه ، أو قبله أيضاً بترك إظهار فضله وشرفه ومحبّته بالقلب، وتوطين النفس على عونه ، وإن اُريد المعنى الثاني فعلى الحذف والإيصال ، وحاصله يرجع إلى الأوّل .

(وإنّهم لفاعلون) ما نهوا عنه من دَرْس اسمه وخذلانه .

(وحبّه لي) أي خالصاً لوجهي .

ص: 444


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 316
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 102 (ختم)
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 94
4- قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 128
5- الصحاح ، ج 4 ، ص 1683 (خذل)

(حسنة) أي مثوبة حسنة عن الصحّة أو الكذب ، وتوفيق الخير في الدنيا، والثواب والدعاء في العقبى .

وبعض العلماء ضبط هذه الفقرة هكذا : «وحَسبهُ لي حسبة» ، وقال : معناه كفايته بي كفاية .

(فأنا معه) بالعلم والعصمة .

(وأنا من حزبه) .

حزب الرجل: أصحابه ؛ يعني من أنصاره وأعوانه .

وقيل : أصل الحزب القوم، يجتمعون لأمر حزبهم ، أي نزل بهم واشتدّ عليهم (1).

وقال الفيروزآبادي : «الحزب، بالكسر: الطائفة ، وجند الرجل وأصحابه الذين على رأيه» (2).

(وهو من حزبي) : من أعوان ديني، وأنصار أهله .

(وحزبهم الغالبون) على الأعداء بالحجّة .

ولعلّ ضمير الجمع راجع إلى أولياء اللّه ، وأعوان محمّد وأصحابه المفهومين عن السياق .

وقيل : هو راجع إلى محمّد صلى الله عليه و آله ، والجمع للتعظيم ، أو له وللّه تعالى، أو لهما وللأوصياء أيضاً (3).

وقال بعض الأفاضل : الصواب: «وحزبي الغالبون»، ولعلّه من قلم النسّاخ (4).

(فتمّت كلماتي) أي بلغت الغاية، أو أبرمت وأحكمت أخباري وأحكامي ومواعيدي ، أو تقديراتي .

والظاهر أنّ قوله : (لأظهرنّ دينه) بيان لتماميّة الكلمات .

وفي بعض النسخ : «لأظهر»، أي لأغلبنّ دينه (على الأديان كلّها) بنسخ ما كان حقّاً، وإظهار فساد ما كان باطلاً ، أو بتسليط المؤمنين على أهلها في دولة الحقّ.

ص: 445


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 316
2- قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 128
3- قاله البيضاوي في تفسيره ، ج 2 ، ص 340
4- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 54 (حزب)

(ولاُعبَدنَّ في كلّ (1). مكان)

هذا نظير قوله تعالى : «وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للّهِ» (2). ؛ وذلك لمجيء الحقّ بظهور صاحب الأمر، وارتفاع أعلامه، وزهوق الباطل ودروس آثاره وأعوانه .

(ولاُنزلنّ عليه قرآناً فرقاناً) أي فارقاً بين الحقّ والباطل، أو مفرّقاً في النزول منجّماً .

قال الجوهري : «فرّقت بين الشيئين أفرقُ فرقاً وفُرقاناً ، وقوله تعالى : «وَقُرْآنا فَرَقْنَاهُ» (3). ، مَن خفّف قال : بيّنّاه، من فَرَقَ يفرق» (4).

وقال : «قرأت الكتاب قِراءةً وقُرآناً ، ومنه سُمّي القرآن . وقال أبو عبيدة : سمّي القرآن؛ لأنّه يجمع السُّوَر فيضمّها» (5).

(شفاء لما في الصدور من نَفث الشيطان) .

الشفاء، بالكسر: الدواء. و«من» بيان للموصول .

قال الجوهري : «النَّفث شبيه بالنفخ، وهو أقلّ من التَّفل، وقد نفث الراقي ينفِث وينفُث» (6). انتهى .

والمراد به هنا ما يخرج القلب عن استقامته واعتداله، كمرض الجهل والكفر والشكّ والنفاق الحاصل من وسوسة الشيطان ، جعله بمنزلة الداء ، والقرآن بمنزلة الدواء .

(فصلِّ عليه يابن عمران؛ فإنّي اُصلّي عليه وملائكتي) أي فاعْتَنِ بإظهار فضله وشرفه، وتعظيم شأنه؛ فإنّي أعتني بذلك آناً فآناً دائماً .

(يا موسى، أنت عبدي، وأنا إلهك) أي معبودك بالحقّ .

قيل: الغرض من هذا الإخبار تحريكه إلى الإتيان بحقيقة العبوديّة، ورعاية حقوق الاُلوهيّة، والانقطاع عن الغير (7).

(لا تستذلّ الحقير الفقير) .

الحقير: الصغير الذليل، والفقير: ضدّ الغنيّ، والمكسور فقار الظهر .

ص: 446


1- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «بكلّ»
2- .الأنفال (8) : 39
3- .الإسراء (17) : 106
4- الصحاح ، ج 4 ، ص 1540 (فرق)
5- الصحاح ، ج 1 ، ص 65 (قرأ)
6- .الصحاح ، ج 1 ، ص 295 (نفث)
7- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 317

وقيل : يمكن أن يُراد بالحقير من ليس له أعوان وأنصار، وبالفقير من ليس له أموال وأسباب ، واستذلاله يتحقّق بترك حقوق الإخوة ، وهي كثيرة كما مرّ في الاُصول (1).

وفي بعض النسخ: «الخفير» بدل «الحقير». قال الفيروزآبادي : «خفر إجارة ومنهم، والخفير: المُجارُ والمُجير» (2).

(ولا تَغبط الغنيّ بشيء يسير) .

في القاموس : الغبطة، بالكسر: حسن الحال، والمسرّة، وقد اغتبط، والحسد، كالغِبط، وقد غبطه، كضربه وسمعه: وتمنّى نعمة على أن لا تتحوّل عن صاحبها (3).

وأقول : «الغنى» يحتمل أن يكون على صيغة المصدر، وأن يكون على صيغة فَعيل، فعلى الأوّل معناه لا تكن مسروراً مستبشراً بما حصل لك من متاع الدنيا وإن كان يسيراً، أو لكونه يسيراً في نفسه وإن كان فقيراً لكونه منشأ للمفاسد مع انقطاعه وزواله ، أو لكونه يسيراً بالنسبة إلى المثوبات الاُخرويّة .

وعلى الثاني معناه: لا تحسد أو لا تتمنّ مثل ما في يد الغنيّ من متاع الدنيا؛ فإنّه شيءٌ يسير بذاته، وبالنسبة إلى ما ادّخر لك في الجنّة .

(وكن عند ذكري) أي عند قراءة التوراة، أو مطلقاً .

(خاشعاً) أي خاضعاً، أو متواضعاً .

(وعند تلاوته) أي تلاوة الذِّكر الذي هو التوراة .

وهذا قرينة لإرادتها من الذكر، وإرجاع الضمير إلى التوراة المعلومة بقرينة المقام بعيد .

(برحمتي طامعاً) .

الظاهر أنّ الجارّ متعلّقاً بما بعده، والتقديم للحصر .

(وأسمعني لَذاذة التوراة) أي صوتها اللذيذة، أو التذاذك بها .

واللذّة: نقيض الألم ، تقول : لذَّ بالشيء ولذّهُ لذاذةً ولَذاذاً ، أي وجده لذيذاً .

وإضافة اللذاذة إلى التوراة إضافة المصدر إلى المفعول .

ص: 447


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 317
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 22 (خفر)
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 375 (غبط)

وقيل : هي في الأصل للأكل والشرب، وشاع استعمالها في كلّ ما يلتذّ به من الصوت والكلام وغيرهما (1).

(بصوت خاشع حزين) .

يحتمل كون «صوت» بالتنوين، أو سقوطه الإضافة .

والخشوع في الصوت والبصر: السكون، والتذلّل.

والحُزن: الهمّ، وتحزّن عليه: توجّع، وهو يقرأ بالتحزين ، أي يرقّق صوته .

وقيل : لو كان المراد بالحزن خلاف السرور، كان اتّصاف الصوت به مجازاً؛ لاتّصاف صاحبه به بقراءة ما يوجب حزنه من أحوال الحشر والنشر والثواب والعقاب وغيرها ممّا يتحيّر فيه اُولوا الألباب، أو كناية عن البكاء (2).

(اطمئنّ به عند ذكري) .

قال الجوهري : «اطمأنّ الرجل اطمئناناً وطمأنينة ؛ أي سكن، وهو مُطمئنّ إلى كذا، وذاك مُطمأنٌّ [إليه]» (3) انتهى .

والاطمئنان عند ذكره تعالى إمّا للاستئناس والاعتماد عليه والرجاء منه، أو لذكر رحمته بعد القلق والاضطراب من خشيته، أو لذكر دلائله الدالّة على وجوده ووحدانيّته ، أو لكلامه المُنزل على رسله ، أو لسكون القلب عمّا يزعجه من الشكوك والشبهات ، أو دواعي الشهوات .

وقال بعض المحقّقين : كلّ قلب صحيح طالب للحقّ يطمئنّ عند ذكره تعالى، ويسكن إليه، ويستقرّ فيه، ويتخلّص من الاضطراب؛ لوصوله إلى مطلوبه ، فإذا لم يذكره، أو ذكره ولم يحصل له الاطمئنان، كان سقيماً متّصفاً بالنفاق غير دافع عنه علائق الإمكان وغواشي الأبدان الموجبة للاضطراب، ولكلّ واحد من الاطمئنان والاضطراب مقامات متفاوتة، ودرجات متباعدة، وأسباب متكثّرة (4).

(وذكّر بي من يطمئن إليَّ)! أي علّم، وعِظْ مَن يتذكّر ويطمئنّ قلبه إلى للّه ؛ فإنّه لا ينتفع به غيره .

ص: 448


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 318
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 318
3- الصحاح ، ج 6 ، ص 2158 (طمن)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 318

وفي بعض النسخ: «وذكرني» بالنون، وكأنّه على صيغة المجرّد المعلوم من باب الإخبار، أو المزيد من باب القلب ، أو من قبيل الكناية ، والظاهر أنّه تصحيف .

(وتَحَرّ مسرّتي) أي اجتهد في تحصيل ما يوجبها .

في القاموس: «تحرّاه: تعمّده، وطلب ما هو أحرى بالاستعمال، وبالمكان : تمكث» (1).

وفي الصحاح: «فلان يتحرّى الأمر ، أي يتوخّاه، ويقصده »(2).

ويفهم من إضافة المصدر طلب جميع أنواع المسرّة، وهو إنّما يتحقّق بضبط جميع الحركات والسكنات، وحصره في ما يوجب رضاه .

ثمّ إنّه تعالى رغّب فيما ذكر بذكر أمرين مقتضيين للامتثال به : أحدهما : كمال قوّته تعالى، واستحقاقه للذِّكر .

وثانيهما: كمال ضعف المخاطب، واحتياجه إليه .

فأشار إلى الأوّل على سبيل المبالغة والتأكيد والحصر بقوله : (إنّي أنا السيّد الكبير) لا بعظم الجثّة، بل بالاستعلاء على الغير، والاستغناء في الصفات الكماليّة، والرفعة والشرف والعظمة .

قال صاحب العدّة : السيّد معناه : المَلِك ، ويُقال لملِك القوم وعظيمهم: سيّد، وقد سادهم ، وقيل لقيس بن عاصم : بِمَ سُدْتَ قومك؟ قال : ببذل النَّدى، وكفّ الأذى، ونصر المولى .

وقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «عليٌّ سيّد العرب» ، فقالت عائشة : يا رسول اللّه ، ألستَ سيّد العرب؟ فقال : «أنا سيّد ولد آدم، وعليّ سيّد العرب» ، فقالت : يا رسول اللّه ، وما السيّد؟ قال : «مَن افترضت طاعته، كما افترضت طاعتي» (3).

فعلى هذا الحديث السيّد هو الملك الواجب الإطاعة . انتهى (4).

وقال الجوهري : «ساد قومه يسودهم سيادةً وسُؤدداً وسيدودة فهو سيّد» ، ثمّ قال : «تقدير سيّد: فَعِيل ، وقال أهل البصرة : تقديره فَيْعِلٌ» انتهى (5).

وأشار إلى الثاني بقوله : (إنّي خلقتك من نطفة من ماء مَهين) ؛ الثاني بدل من الأوّل، أو بيان للنطفة .

ص: 449


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 316 (حري)
2- الصحاح ، ج 6 ، ص 2311 (حري)
3- الأمالى للصدوق ، ص 94 ، ح 71 ؛ التوحيد ، ص 207 ؛ معاني الأخبار ، ص 103 ، ح 1 ؛ روضة الواعظين ، ص 101
4- عدّة الداعي ، ص 305
5- الصحاح ، ج 2 ، ص 490 (سود) مع التلخيص

قال الجوهري : «النُّطفة: الماء الصافي، قلَّ أو كثُر ، والجمع: النِّطاف .

والنُّطفة: ماء الرجل ، والجمع: النُّطَف» (1).

وفي القاموس: «المهين: الحقير، والضعيف، والقليل» (2).

(من طينة) . كلمة «من» ابتدائيّة .

(أخرجتها من أرض ذليلة) .

الجملة صفة «طينة» ، و«ذليلة» صفة «أرض» أو «طينة» ، و«من» ابتدائيّة ، والذُّلّ، بالضمّ: الهوان ، والحقارة . ذلّ يَذِلّ، فهو ذليل .

وقوله : (ممشوجة) صفة اُخرى ل «طينة» . قال الفيروزآبادي : «مشج: خلط ، و «نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ» (3). : مختلطة بماء المرأة ودمها» (4). انتهى .

وقيل : المراد بالطينة خلق اللّه تعالى منه آدم عليه السلام (5) .

ومحصّل المعنى ما ذكره بعض الأفاضل:

إنّي خلقتك من نطفة، وأصل تلك النطفة حصل من شخص خلقته من طينة الأرض، وهو آدم عليه السلام ، وأخذت طينته من جميع وجه الأرض المشتملة على أنواع مختلفة، كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام : «أنّ اللّه تعالى بعث جبرئيل عليه السلام ، وأمره أن يأتيه من أديم الأرض _ أي وجهها _ بأربع طينات : طينة بيضاء، وطينة سمراء، وطينة غبراء، وطينة سوداء، وذلك من سهلها وحزنها» (6). ، الخبر .

وفي خبر ابن سلام عن النبيّ صلى الله عليه و آله : أنّه سأله عن آدم: لِمَ سمّي آدم؟ قال : «لأنّه خُلِقَ من طين الأرض وأديمها» ، قال : فآدم خلق من الطين كلّه، أو من طين واحد؟ قال : «بل من الطين كلّه، ولو خلق من طين واحد لما عرف الناس بعضهم بعضاً، وكانوا على صورة واحدة» . قال : فلهم في الدنيا مثل؟ قال : «التراب فيه أبيض، وفيه أخضر، وفيه أشقر ، وفيه أغبر، وفيه أحمر، وفيه أزرق، وفيه عذب، وفيه ملح، وفيه خَشِن، وفيه ليّن، وفيه أصهب، فلذلك صار الناس فيهم ليّن، وفيهم خشن، وفيهم أبيض، وفيهم أصفر،

ص: 450


1- الصحاح ، ج 4 . ص 1434 (نطف)
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 277 (أمن) مع التلخيص
3- .الإنسان (76) : 2
4- .القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 207 (مشج)
5- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 319
6- .علل الشرائع ، ج 1 ، ص 1 ، ح 1

وأحمر، وأصهب، وأسود، [و هو] على ألوان التراب» ، تمام الخبر (1).

ويحتمل أن يكون المراد التراب الذي يذر على النطفة في الرحم، كما روي في الأخبار (2).

(فكانت) تلك النطفة والطينة، أو الممشوجة (بشراً) مستوياً (فأنا صانعها خلقاً) نصب على التمييز ، ويحتمل الحال ، ولعلّ التنوين للتعظيم ، وهذا تأكيد للسابق .

ويحتمل أن يُراد : أنّي خالق تلك النطفة ، وصانعها كما خلقتك وصنعتك، فيكون تأسيساً .

(فتبارك وجهي) أي تنزّه ذاتي عن النقائص .

قال الفيروزآبادي : «تبارك اللّه : تقدّس، وتنزّه، صفة خاصّة باللّه » (3).

(وتقدّس صَنيعي) عن العيب والشين . والتقدّس: التطهّر . ويقال : صنع إليه معروفاً _ كمنع _ صُنعاً بالضمّ، وصنع به صنيعاً قبيحاً: فعله، والشيء صنعاً، بالفتح والضمّ: عمله .

(وأنا الحيّ الدائم الذي لا أزول) .

قد تقدّم في خطبة أمير المؤمنين عليه السلام معنى الحياة .

وقيل في وصف الدوام بعدم الزوال والفناء : دفع لتوهّم حمله على المجاز، وهو الزمان الكثير ، وهو حثّ على الطاعة والانقياد له ؛ لأنّ المطيع إذا علم أنّه أبديّ لا يخاف فوات مقصوده من الطاعة أبداً، وهو مدرك إليها (4).

(يا موسى، كن إذا دعوتني خائفاً مُشفقاً وَجِلاً) .

الثلاثة متقاربة المعاني في اللغة . وقيل : لعلّ الخوف بملاحظة عظمته وغناه عن الخلق ، والإشفاق بملاحظة التقصير في الدعاء والثناء ورعاية حقوقه تعالى ، والوجل من صدّ النفس الأمّارة سبيله وقطع نفثات الشيطان طريقه أو من ردّ الدعاء؛ لعدم كونه على الوجه اللائق(5) .

(عفّر وجهك لي في التراب) .

في القاموس: «العَفَر، محرّكة: ظاهر التراب، ويسكن ، وعفره في التراب يعفره وعَفّره،

ص: 451


1- علل الشرائع ، ج 2 ، ص 471 ، ح 33
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 95
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 293 (برك)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 319
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 319

فانعفر وتعفّر: مرّغه فيه، أو دسّه، وضرب به الأرض» (1).

وقال بعض الشارحين : أكثر جزاء الشرط يتحقّق بعده، ويترتّب عليه، وقد يتحقّق في حال تحقّقه ومعه، كقولك : إذا جئتني فالبس ثيابك واركب فرسك ، فالظاهر هنا هو الثاني، مع احتمال الأوّل (2).

(واسجد لي بمكارم بدنك) ؛ كأنّه بيان لسابقه .

وقيل : هو أعمّ من السابق؛ لأنّه يشمل غير الوجه أيضاً (3)..

(وناجني حين تناجيني بخشية من قَلب وَجِل) .

الباء للملابسة، و«من» للابتداء .

وقيل : الظاهر أنّ الباء للمصاحبة ؛ أي مع خشية ، أو الظرف حال من الفاعل، أي متلبّساً بها (4)..

(وأحي بتوراتي أيّام الحياة) .

يحتمل أن يكون «إحْي» على صيغة الأمر من المجرّد الثلاثي ؛ أي حصّل الحياة الحقيقيّة المعنويّة التي هي العلم واليقين بالتوراة ؛ يعني بقرائتها والعمل بمودَعها ، أو كُن ملازماً لها ما دمت حيّاً .

ويحتمل أن يكون من باب الإفعال؛ أي اجعل أيّام حياتك حيّاً بتلاوتها وإجراء أحكامها ، فالأيّام حينئذٍ مفعول الإحياء مجازاً، أو ظرف له والمفعول محذوف وهو الدين، أو القلب .

(وَعَلِّم الجهّال محامدي) .

المحامد: جمع الحمد على غير قياس ؛ أي علّمهم وجوب حمدي، أو طريق الإتيان به وآدابه وأركانه وشرائطه .

وقيل : هي ما يستحقّ أن يُحمد ويثنى عليه من الفضائل، وهي الصفات الذاتيّة ، وأمّا

ص: 452


1- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 92 (عفر)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 320
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 320
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 320

الفواضل الواصلة إلى الغير ، فأشار إليها بقوله : (وذكرهم آلائي ونعمتي) (1).

في بعض النسخ: «نِعَمي» بلفظ الجمع، والعطف للتفسير ، أو يراد بأحدهما النعماء الظاهرة ، وبالاُخرى الباطنة .

وقيل : وجه تخصيص التعليم بالمحامد، والتذكير بالآلاء أنّ المحامد يعني الصفات الذاتيّة إنّما تعلم بالشرع ، وأمّا الآلاء فقد تعرف بالعقل والشرع مذكّر (2).

(وقل لهم لا يتمادون في حيّ ما هم فيه؛ فإنَّ أخذي أليمٌ شديد) .

التمادي: البُعد في الضلال، وأصله من المَدى وهو الغاية .

والغَيّ، بالفتح: الضلال، والخيبة، والكلام نهي في صورة الخبر ، والمراد ب «ما هم فيه» : الجهالة والمعصية وسائر الخِصال الذميمة، وهي مستلزمة للغيّ والضلال ، فالإضافة لاميّة من قبيل إضافة المسبّب إلى السبب .

ولعلّ تخصيص التمادي بالنهي دون الدخول؛ لبيان أنّ الدخول في الغيّ ينجرّ لا محالة إلى التمادي فيه غالباً، فهو نهي عن مطلق الدخول كناية ، والأظهر أن يُراد به كونه الإقلاع والإنزجار عمّا هم فيه من الغيّ ، وعدم تماديهم فيه .

والأخذ: العذاب ، ومعنى كونه أليماً شديداً : وجيعاً غير مرجوّ الخلاص منه، وهو مبالغة في التهديد والتحذير .

(يا موسى، إذا انقطع حَبلك منّي لم يتّصل بحبل غيري) .

في بعض النسخ: «إنْ» بدل «إذا» .

والحَبْل: الرباط، والرَّسَن، والعهد، والذمّة، والأمان .

قيل : المراد: إن انقطع قوّتك ووصلتك لم ينفعك التوصّل والتقوّي بغيري (3).

وقيل : استعار الحبل لما يوجب القُرب منه والوصول إليه ، والوجه أنّه سبب لنجاة مَن تمسّك به من وهدة الهوي إلى الدرجات العلى كالحبل ، ورشّح بذكر الانقطاع، وأشار بمضمون الشرط إلى أنّ حبله الموجب للقُرب منه ما كان له خاصّةً ، فأمّا إذا انقطع بقصد

ص: 453


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 320
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 320
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 25، ص 96

غيره أيضاً أو غيره وحده فهو حبل غيره، لا حبله، ولا ما اتّصل به حبله، فليس سبباً للوصول إليه ، فلذلك فرّع عليه طلب العبادة الخالصة بقوله : (فاعبدني) لا غيري ؛ لا بالاشتراك، ولا بالانفراد (1).

(وقم بين يديّ مقام العبد الفقير) (2).

في بعض النسخ: «الحقير» . قال الجوهري :

المَقام والمُقام فقد يكون كلّ واحدٍ منهما بمعنى الإقامة ، وقد يكون بمعنى موضع القيام؛ لأنّك إذا جعلته مِن قام يَقوم فمفتوح، وإن جعلته من أقام يُقيم فمضموم ؛ لأنّ الفعل إذا جاوز الثلاثة فالموضع مضموم الميم ، وقوله تعالى : «لَا مَقَامَ لَكُمْ» (3). ؛ أي لا موضِعَ لكم ، وقرئ: «لا مُقام لكم» بالضمّ ؛ أي لا إقامة لكم . انتهى (4).

وبهذا يظهر لك فساد ما قيل: إنّ المُقام _ بضمّ الميم _ مصدر ميمي، وفتحها على أنّه اسم مكان، بعيد (5).

(ذمّ نفسك) على ما صدر منها ممّا لا ينبغي (فهي أولى بالذمّ) ممّن يستحقّ الذمّ كالشيطان؛ فإنّه لا حجّة له في دعوته، إنّما يدعوك بالأماني الكاذبة الموهومة ، فتتبعه نفسك الأمّارة بالسوء ؛ أ لا ترى إلى قوله: «فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ» (6). الآية .

وفيه ترغيب على عدم الاغترار بغرور النفس الأمّارة، وجعلها مؤتمرة مقهورة للنفس اللوّامة .

(ولا تتطاول بكتابي على بني إسرائيل) .

التطاول: الامتداد والارتفاع ، والظاهر أنّ المراد بالكتاب التوراة ؛ أي لا تترفّع عليهم بالعلم بكتابي أو بتعظيمه؛ فإنّ ذلك وإن كان موجباً لعلوّ الدرجة ورفع المنزلة، لكن الاستطالة والترفّع به يؤدّي إلى سقوطها وانحطاطها .

(فكفى بهذا واعظاً لقلبك) .

الظاهر أنّ هذا إشارة إلى جميع ما ذكر من المواعظ والحِكَم . وقيل : إشارة إلى الكتاب ،

ص: 454


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 320 و321
2- في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «الحقير الفقير»
3- .الأحزاب (33) : 13
4- الصحاح ، ج 5 ، ص 2017 (قوم)
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 321
6- .إبراهيم (14): 22

وكونه كافياً في الوعظ (1) ؛ لاشتماله على النصائح والمواعظ .

(ومنيراً) أي ذا نور وضياء بنفسه، أو منوّراً ومُظهراً لغيره .

وفي وصف المشار إليه بالإنارة تشبيه له بالسِّراج باعتبار ما يقتبس منه من العلوم النافعة والحِكَم البالغة .

(وهو كلام ربّ العالمين) .

الضمير للمشار إليه ، والجملة حاليّة .

ويحتمل الاستئناف على أن تكون بمنزلة التعليل للسابق ؛ لأنّ وصف ربوبيّته يقتضي أن يكون كلامه المنزل لإصلاح المربوبين، مشتملاً على جميع ما يحتاجون إليه، كافياً لوعظ قلوبهم، وتنوير صدورهم .

(يا موسى، متى ما دعوتني) لمهمّاتك كلّها، أو لغفران ذنوبك.

(ورجوتني) لها .

وعلى الأوّل حذف مفعول الفعلين للدلالة على التعميم ؛ ففيه وعد للداعي والراجي بعد حصول مرجوّه ومطلوبه بغفران ذنوبه ، والثاني أنسب بقوله : (فإنّي سأغفر لك على ما كان منك) أي ما صدر منك من التقصير.

وإنّما قلنا: إنّ الثاني أنسب به؛ لأنّ الظاهر أنّ «متى» شرطيّة، وكلمة «ما» زائدة، والجملة المصدّرة بالفاء جزائيّة ، فتدبّر .

(السماء تُسبّح لي) .

قيل: أي تنقاد، أو تذلّ (2). ، وأصل التسبيح: التنزيه .

(وَجَلاً) بالتحريك، أي خوفاً من عظمتي وجلالي ، أو المراد أهل السماء .

وقوله : (والملائكة) مبتدأ ، و(من مخافتي مشفقون) خبره، والجارّ متعلّق بما بعده . يُقال : خاف يخاف خوفاً ومخافةً، إذا فزع ، والخواف أيضاً: القَتْل . قيل : ومنه: فإذا جاء الخوف ويجيء، بمعنى العلم . قيل : ومنه قوله تعالى : «وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزا» (3). ، وقوله : «فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفا»(4).

ص: 455


1- .قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 96
2- .قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 96
3- .النساء (4) : 128
4- .البقرة (2) : 182

ويحتمل أن يُراد بالمخافة هنا الأمر المخوف المحذّر منه ، وبالإشفاق الحذر والاحتراز له من عذابي حَذرون، أو يكون بتقدير المضاف إليه ؛ أي من مخافة عذابي خائفون ، أو يكون المخافة بأحد المعنيين الأخيرين ؛ أي من قَتْلي، أو من علمهم بعظمتي وجبروتي مشفقون .

وقال بعض المحقّقين : لعلّ المراد أنّهم من أجل مشاهدة العظمة والمهابة ، أو من أجل الخوف الحاصل لهم من مشاهدتهما مشفقون من نزول العذاب عليهم، أو من زوال كمالاتهم المحتاجة إليها ، أو من سقوط منزلتهم لديه ، والفرق بين الوجهين أنّ مشاهدة العظمة سببٌ للإشفاق في الأوّل، والخوف الحاصل منها سببٌ له في الثاني ، وفي الأوّل تجوّز باعتبار أنّه اُريد بالمخافة _ وهي الخوف من مشاهدة العظمة _ نفس تلك المشاهدة مجازاً ، وبه فُسّر قوله تعالى في وصف الملائكة : «هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ» (1). (2).

(والأرض تسبّح لي طمعاً) أي حرصاً منها في رحمتي . يُقال : طمع فيه وبه _ كفرح _ طمعاً بالتحريك ، أي حرص عليه. والطمع أيضاً : رزق الجند، أو إطماعهم أوقات قبضهم أرزاقهم .

(وكلّ الخلق يسبّحون لي داخرين) (3). أي خاشعين متذلّلين .

الدخور: الصغار، والذلّ . قيل : التسبيح هنا محمول على القدر المشترك بين النطق بالتنزيه المطلق والدلالة عليه؛ لإسناده إلى ما يتصوّر منه النطق، وإلى ما لا يتصوّر منه، أو عليهما على مذهب مَن جوّز إطلاق اللفظ على معنييه .

وفي نسبة التسبيح إلى جميع المخلوقين تحريك للناس أجمعين إليه ؛ لما أعطاهم من قلب صحيح، ولسان فصيح، وزيادة الإحسان والإنعام، وهي توجب زيادة التسبيح والتقديس والإجلال (4).

(ثمّ عليك بالصلاة الصلاة) .

يُقال : عليك زيداً وبزيد ؛ أي إلزَمْهُ ، وتكرير الصلاة للتأكيد، أو للاهتمام والتعظيم .

ص: 456


1- .المؤمنون (23) : 57
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 322
3- .في كلتا الطبعتين : «داخرون»
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 322 و323

(فإنّها منّي بمكان) .

التنوين للتعظيم ؛ أي مكان شريف رفيع . وقيل : المكان هنا بمعنى المكانة والمنزلة (1).

(ولها عندي عهدٌ وثيق) .

العهد: الأمان، واليمين، والموثق، والذمّة، والحفاظ، والوصيّة .

وقيل : لعلّ المراد به أنّ من حفظها وحفظ حرمتها وفعلها في أوقاتها، وراعى حدودها، جعله من عباده المقرّبين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، وأنّ مَن ضيّعها وضيّع حقوقها ضيّعهُ اللّه تعالى وجعله من الأخسرين (2).

(وألحق) من الإلحاق، على صيغة الأمر، أو المتكلّم. وكونه ماضياً مجهولاً بعيد.

(بها ما هو منها) أي من جملة الصلاة، أو من متمّماتها ؛ لأنّ قبول الصلاة مشروط بالزكاة، فكأنّها جزء منها ومن جملتها ، أو المراد ما هو قريب منها .

وروي أنّ مانع الزكاة وقفت صلاته حتّى يزكّي (3).

(زكاة القُربان) بيان للموصول، أو بَدَل عنه .

والقُربان: إمّا مصدر بمعنى القُرب، أو ما يتقرّب به إلى اللّه ، والإضافة على الأوّل لاميّة، وعلى الثاني بيانيّة (4).

(من طيّب المال والطعام) .

الطيّب: خلاف الخبيث ؛ أي من الحلال، أو من خيار المال وأفضله ، لا من رديئه ومعيوبه .

(فإنّي لا أقبل إلّا الطيّب يُراد به وجهي) .

جملة «يُراد» حال عن الطيّب ، ويستفاد منه أنّ القبول مشروط بأمرين : قصد القربة، وإخراج الطيّب .

(واقرن مع ذلك صلة الأرحام) .

القِران والقَرن: الجمع ، والوصل ، وفعله كنصر وضرب ، وذلك إشارة إلى الصلاة والزكاة ،

ص: 457


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 96
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 323
3- راجع : الكافي ، ج 3 ، ص 505 ، باب منع الزكاة ، ح 12 ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 12 ، باب ما جاء في مانع الزكاة ، ح 1594 ؛ التهذيب ، ج 4 ، ص 112 ، باب من الزيادات في الزكاة ، ح 330
4- قال المازندراني رحمه الله : «وحمله على ما كان معروفا في سالف الزمان بعيد»

ويحتمل التعميم فيما ذكر.

و«صلة الأرحام» بالنصب، مفعول «اقرن» .

قال الجوهري : «الرَّحِم: رَحِم الاُنثى، وهي مؤنّثة. والرَّحم أيضاً : القرابة، والرَّحِم مثله» (1)..

وفي القاموس: «الرحم، بالكسر وككتف: بيت منبت الولد ووعاؤه، والقرابة، أو أصلها وأسبابها، الجمع: أرحام» (2). انتهى .

وقال بعض العلماء :

المراد بالرحم قرابة الرحم من جهة طرفيه آبائه وإن علوا ، وأبنائه وإن سفلوا، وما يتّصل بالطرفين من العمّة والعمّات والخالة والخالات والإخوة وأولادهم ، والظاهر لا خلاف في وجوب صلتها في الجملة ؛ لدلالة ظاهر الآيات والروايات على العقوبة بتركها وذمّ تاركها ، ولها درجات متفاوتة بعضها فوق بعض، وأدناها السلام والكلام وترك المهاجرة (3).

قيل : وتختلف أيضاً باختلاف القدرة عليها، والحاجة إليها، فمن الصلة ما يجب، ومنها ما يستحبّ، ومن وصل بعض الصِّلة ولا يبلغ أقصاها هل هو واصل أو قاطع؟! فيه تأمّل

(فإنّي أنا اللّه الرحمن الرحيم) .

قيل : أشار بالجلالة إلى ذاته المقدّسة الملحوظة معها الاُلوهيّة المقتضية لانقياد كلّ شيء له فيما يريد ويكره للترغيب فيه ، وبالرحمان الرحيم إلى اتّصافه بالرحمة الكاملة التي وسعت كلّ شيء .

ثمّ أشار إلى أنّه خلق الرحم من رحمته للتوالد والتناسل فضلاً على العباد وإحساناً إليهم؛ ليتعاطف بعضهم بعضاً، ولم يخلق كلّ واحد من التراب كما خلق آدم عليه السلام منه ؛ لأنّ الأوّل أقوى وأدخل في التعاطف ، فلابدّ من اتّصاف الرحم بالرحمة، لئلّا ينقطع نظامهم، ولا يفوت الغرض من خلقها ، فقال : (والرحم أنا خلقتها فضلاً من رحمتي ليتعاطف بها العباد)(4).

الظاهر أنّ الرحم _ ككتف _ مبتدأ ، وجملة «أنا خلقتها» خبر، وكون الرحم _ بالفتح _ بمعنى الرحمة يأباه تأنيث الضمير العائد إليه .

ص: 458


1- .الصحاح ، ج 5 ، ص 1929 (رحم) مع اختلاف يسير
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 118 (رحم)
3- راجع : شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 323
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 323

(ولها عندي سلطان في معاد الآخرة) .

لعلّ المراد أنّ للرحم عندي حجّة وبرهان مقبولة، وسلطنة في قبول شفاعتها، وهي طلب الوصل منه تعالى لمَن وصلها، وطلب القطع لمن قطعها .

وقد ورد في الأخبار : «أنّ الرحم معلّقة يوم القيامة بالعرش تقول: اللّهُمَّ صِل مَن وصلني، واقطع مَن قطعني» (1).

(وأنا قاطع مَن قطعها، وواصل مَن وصلها) .

قيل : لعلّ المراد بوصله تعالى مَنْ وصلها رحمته لهم، وعطفه عليهم بنعمِهِ الدائمة الباقية، أو وصلُهم بأهل ملكوته والرفيق الأعلى، أو قربه منهم وشرح صدورهم لمشاهدة عظمته، أو جميع أنواع الإكرام والإفضال (2).

(وكذلك أفعل بمن (3). ضيّع أمري) أي كلّ أمر من الأوامر التكليفي والاُمور التكويني؛ فإنّ من ضيّع الغرض من التكليف والغاية من التكوين بالعصيان استوجب القطع والحرمان ، وحاصل المعنى أنّي أجعل لأمري سلطاناً في المعاد، واُضيّع مَن ضيّعه .

وقوله : (بردٍّ جميل، أو إعطاء يسير) أي بأن تعطيه وإن كان قليلاً ، وقد روي : «لا تستحي من إعطاء القليل؛ فإنّ الحرمان أقلّ منه» (4).

وقيل : أي إعطاء فيه يُسر وسهولة لا يكون فيه منّ ولا أذًى ، أو المراد أعطه القليل إن لم تقدر على الكثير، فيكون اقتصارا على الفردين الأخفيين من الإكرام ليدُلّ على الأجلى بالطريق الأولى (5).

وقوله : (كيف مُواساتك فيما خَوّلتك) .

قال الجزري : «المواساة: المشاركة، والمساهمة في الرزق والمعاش »(6).

وقال : «التخويل: التمليك» (7).

ص: 459


1- قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 128
2- الكافي ، ج 2 ، ص 151 ، باب صلة الرحم ، ح 10. وعنه في بحار الأنوار ، ج 71 ، ص 117 ، ح 79
3- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 324
4- في الحاشية عن بعض النسخ: «لمن»
5- نهج البلاغة ، ج 4 ، ص 15 ، الكلمة 67 ؛ روضة الواعظين ، ص 384 ؛ عيون الحكم والمواعظ ، ص 528 ؛ مشكاة الأنوار ، ص 408
6- النهاية ، ج 1 ، ص 50 (أسأ)
7- النهاية ، ج 2 ، ص 88 (خول)

(واخشع لي بالتضرّع) .

الباء للمصاحبة، أو للملابسة، والظرف حال عن الفاعل .

ويحتمل أن يراد بالخشوع سكون القلب والجوارح، واشتغال كلّ منهما بما طلب منه، وعدم التسرّع إلى خلافه ، وبالتضرّع إظهار الذلّ والمسكنة إليه تعالى باللِّسان .

(واهتف [لي] بولولة الكتاب) .

في النهاية: «الولولة: صوت متتابع بالويل والاستغاثة ، وقيل : هي حكاية صوت النائحة» (1).

وفي القاموس: «الكتاب: ما يكتب فيه، والتوراة، والصحيفة ، والكُتّاب، كرمّان: الكاتبون، والمكتب، كمقعد: موضع التعليم» (2).

وقال الجوهري : «الكتاب والمكتَب واحد» انتهى (3).

وقيل : لعلّه اُشير بالولولة إلى ما في التوارة من الويل (4).

(واعلم أنّي أدعوك) في الدنيا إلى ما فيه صلاحك، أو في الآخرة إلى الحساب والثواب، أو فيهما (دعاء السيّد مملوكه) الذي يريد أن يكرمه .

(ليبلغ به شرف المنازل) العالية .

والضمير المجرور راجع إلى الدعاء إن قرئ «لتبلغ» على صيغة الخطاب، وإلى المملوك إن قرئ على صيغة الغيبة.

والباء على الأوّل للسببيّة، وعلى الثاني للتعدية .

وفيه ترغيب له على قبول دعائه تعالى، وإجابة ندائه .

وقوله : (وذلك من فضلي) إشارة إلى الدعاء مع الغاية المترتّبة عليه .

وقوله : (الأرض مطيعة، والسماء مطيعة، والبحار مطيعة) أي لا يصدر منها المخالفة والعصيان أصلاً .

وأراد بطاعتها استسلامها في كلّ ما هو الغرض الأصلي من إيجادها، بخلاف الثقلين؛ فإنّهم يعصون اللّه في كثير ممّا أراد منهم، كما أشار إليه بقوله : (وعصياني شقاء الثقلين) أي الجنّ والإنس .

ص: 460


1- قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 128
2- النهاية ، ج 5 ، ص 226 (ولول)
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 121 (كتب)
4- الصحاح ، ج 1 ، ص 209 (كتب)

والشقاء، بالفتح، ويكسر، وبالمدّ، ويقصّر: الشدّة، والعسر، وخلاف السعادة .

وقيل : السرّ فيه أنّ بواعث الطاعة والمعصية موجودة فيهم، وموانع الاُولى قويّة، فلذلك صاروا معركة للمجاهدة الكبرى ، وابتلوا بالمعصية العمياء؛ فإن نجوا من هذه البليّات صاروا من أشرف المخلوقات (1).

(أنا الرحمن الرحيم، رحمان كلّ زمان) تحريك وتحريص على الرجوع إليه في المهمّات كلّها، لا إلى غيره.

وقس عليه قوله : (آتي بالشدّة بعد الرخاء، وبالرخاء بعد الشدّة، وبالملوك بعد الملوك).

الرخاء، بالفتح: سعة العيش ، وهذا من آثار رحمته تعالى؛ إذ لولا الشدّة بعد الرخاء حصلت الغفلة والاغترار ، ولو لا الرخاء بعد الشدّة حصل اليأس والقنوط ، ولو لا موت الملوك ادّعوا الاُلوهيّة، ولا يبالون بالظلم كائناً ما كان .

(وملكي قائم دائم) .

ملكه تعالى، بالضمّ: سلطنته، وكمال اقتداره على الممكنات، وهو ثابت له تعالى قبل وجود الأشياء وبعد فنائها ، والمراد بقيامه عدم عروض الاضطراب والتغيّر فيه بوجه .

وقيل : هذا غير مستفاد من دوامه؛ إذ دوام الشيء لا ينافي وقوع التغيّر فيه في الجملة (2).

وقوله : (لا يزول) ؛ إمّا حال عن الدائم والقائم على التنازع، أو خبر ثالث للملك ، والنكتة في العدول إلى الفعل إفادة الاستمرار بلا انقطاع وزوال .

(وكيف يَخفى عليّ ما منّي مبتدؤه) ؛ إذ يحكم العقل بديهيّة أنّ كلّ خالق شيء عالم به وبخواصّه وآثاره وأحكامه وتنزيله، وأنّ ما ذهب إليه الفلاسفة من أنّ العلم بالعلّة يستلزم العلم بالمعلول بعيد .

(وكيف لا يكون همّك فيما عندي) من الدرجات الرفيعة، والمثوبات الاُخرويّة .

(وإليّ ترجع لا محالة) .

الواو للحال . وفي القاموس: «لا محالة، بالفتح: لابدّ» (3).

ص: 461


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 326
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 326
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 363 (حول)

(يا موسى، اجعلني حرزك) .

الحرز، بالكسر: الموضع الحصين، والعوذة .

قيل : أي اجعلني ملجأك الدافع عنك البليّات بالدعاء والتوسّل قبل نزولها وبعده (1).

(وضع عندي كنزك من الصالحات) .

الكنز: المال المدفون، والذهب، والفضّة، وما يحوز به المال، وكلّ شيء غَمْرتَهُ في وعاء أو أرض فقد كنزته .

والصالح: ضدّ الفاسد . و«من» بيان للكنز ، والمراد بالصالحات الأعمال الصحيحة على قانون الشرع، أو ما يعمّ العقائد الحقّة .

(وخفني، ولا تخف غيري، إليّ المصير) .

الخوف من عقوبة اللّه تعالى يقتضي الفرار من أسبابها ؛ لأنّ الخائف من الشيء يفرّ منه وممّا يُفضي إليه .

(يا موسى، ارحم من هو أسفل منك) بالإحسان والتلطّف ، والإرشاد إلى مصالحه الدينيّة والدنيويّة ، وعدم التكبّر والاستطالة .

(في الخلق) .

الخلق، بالفتح: الفِطرة، والخِلقة ، وبالضمّ وبضمّتين: السجيّة، والطبع، والمروّة، والدين .

(ولا تحسد من هو فوقك) في المال والكمال .

(فإنّ الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب) ؛ تنبيه للمعقول بالمحسوس بقصد الإيضاح .

(يا موسى، إنّ ابني آدم): هابيل وقابيل (تواضعا) .

قيل: هو من المواضعة، وهي المواقفة . يُقال : واضعته في الأمر، إذا واقفته فيه على شيء، لا من التواضع بمعنى التخاشع والتذلّل؛ لعدم تحقّق هذا المعنى في أحدهما وهو قابيل (2).

أقول : الظاهر أنّ المراد بتواضعهما تذلّلهما ظاهراً حيث امتثلا بالأمر بتقريب القربان ، وهذا القدر كاف في التواضع ، وأمّا التواضع بمعنى المواضعة فلم أرَ أحداً ينقله سوى هذا القائل .

ص: 462


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 327
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 327

(في منزلة) . قيل : أي في عبادة واحدة، وهي تقريب القربان، وكانا بحسب الظاهر في درجة ومنزلة واحدة (1).

وقيل : لعلّ المراد بها منزلة الكرامة والشرف والقرب (2).

(ليَنالا بها) أي بتلك المنزلة (من فضلي ورحمتي، فقرّبا قُرباناً).

روي أنّه كان قربان هابيل كَبْشاً من أفضل أفراد غنمه، فقبل بنزول النار فأكلها له ، وقربان هابيل من أخسّ أفراد زرعته فلم يتقبّل (3) .

والمراد بالقربان هنا ما يتقرّب به إلى اللّه تعالى من الذبيحة وغيرها ، وهو في الأصل مصدر ، ولذلك لم يثنّ مع أنّ المراد منه اثنان .

وقيل: تقديره: فقرّب كلّ واحدٍ منهما قرباناً، فلا يحتاج إلى التثنية (4).

(ولا أقبل إلّا من المتّقين) .

فعدم قبول قربان قابيل لتركه التقوى .

(فكان من شأنهما ما قد علمت) من قتل أحدهما الآخر حسداً عليه.

(فكيف تثق بالصاحب بعد الأخ) أي بعد عدم وثوقك بالأخ، وظهور الخيانة منه كما عرفت .

(والوزير) عطف على الأخ، أو على الصاحب. والوزير وزير الملك الذي يحمل ثقله ويعينه برأيه ؛ أي لم تكن تثق بالأخ مع كمال قربه منك، وحمل الثقل عنك ، فكيف تثق بغيره؟! وفيه مبالغة في الحزم؛ لكثرة أهل الحسد .

وقال بعض الأفاضل في شرح هذا الكلام :

قوله : «فكيف تثق بالصاحب»؛ يعني إذا قتل أحد الأخوين الآخر حسداً له بسبب قبول قربانه، فكيف يجوز الوثوق بالصاحب لمن حصل له الاطّلاع على ذلك ، ولمّا كان هذا الكلام مُوهِماً للنهي عن وثوقه على هارون أيضاً ؛ استدرك ذلك بقوله : «بعد الأخ والوزير» ؛ يعني أنّ هارون عليه السلام صالح لأن تثق به وذلك؛ لأنّه كان نبيّاً مرسلاً . انتهى (5).

ولا يخفى عليك بعد هذا التوجيه غاية البُعد .

ص: 463


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 98
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 328
3- .راجع : تفسير العيّاشي ، ص 309، ح 78 . وعنه في بحار الأنوار ، ج 23 ، ص 63 ، ح 3
4- راجع : شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 328
5- قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 129

(يا موسى، ضَع الكِبر، ودَع الفخر) .

قيل : الكِبر رذيلة تحت الفجور مقابل التواضع، وهو أن يعتقد الإنسان أنّه أعظم من الغير، بأن يرى لنفسه مرتبة من الكمال والمال والنسب والحسب وللغير مرتبة ، ثمّ يعتقد أنّ مرتبته فوق مرتبة ذلك الغير، ويوجب ذلك تعظّماً وركوناً إلى ما اعتقد من كماله وشرفه على الغير، ولو حصل لها هذه الاُمور مع قطع النظر عن الغير كان ذلك عُجباً .

والفخر: التمدّح بالخصال، وإظهار السرور بالفضائل ونحوها، والركون إليها لا من جهة إضافتها إلى اللّه تعالى باعتبار أنّها منه ومن جلائل نعمه عليه ، وأمّا لو ذكرها ونسبها إليه تعالى لإظهار شكره فليس ذلك بفخر، ولذلك قال صلى الله عليه و آله : «أنا سيّد أولاد آدم ولا فخر» (1). (2).

(واذكر أنّك ساكن القبر) في الحال على الظاهر، ووجه الظهور التبادر، وما قيل: إنّ اسم الفاعل في الاستقبال مجاز (3). ، وإرادة الاستقبال ممكن .

وفيه إيماء إلى قوله عليه السلام : «موتوا قبل أن تموتوا» (4).

(فليمنعك ذلك) المذكور من ترك الكبر وما عطف عليه .

(من الشهوات) النفسانيّة . وأصل الشهوة محبّة الشيء والرغبة فيه .

(يا موسى، عجّل التوبة، وأخّر الذّنب) .

تعجيل التوبة _ وهو المسارعة إليها، أو عدم التسويف بها _ واجب فوريّ ، ومن لوازم الإيمان ، كما يفهم من كثير من الأخبار على أنّه إزالة سواد الذنب قبل صيرورته مَلَكة للنفس في كمال السهولة، مع إمكان بغتة الموت قبلها ، وهو موجب للحسرة والندامة، وتأخير الذنب وعدم المبادرة إليه أيضاً من شرائط كمال الإيمان ، فلعلّ اللّه يحول بينك وبينه بلطفه وتوفيقه، ولا يبعد أن يراد بتأخيره عدم ارتكابه أصلاً.

(وتأنّ في المكث بين يديّ في الصلاة) .

التأنّي: التثبّت، والترفّق، والتأخّر، والتنظّر . والمكث مثلّثاً ويحرّك: اللبث، وفعله كنصر

ص: 464


1- .لم نعثر على الخبر في موضع
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 329
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 329
4- .راجع : بحار الأنوار ، ج 66 ، ص 317 ؛ وج 69 ، ص 57 ؛ تحفة الأحوذي ، ج 6 ، ص 515 ؛ كشف الخفاء للعجلوني ، ج2 ، ص 291 ، ح 2669

وكرم، والمراد بالتأنّي في المكث فيها السكينة والوقار وعدم التسرّع والاستعجال والتأمّل والإتقان في فعلها.

(ولا ترجُ غيري) إلى قوله: (لمُلمّات الاُمور) .

الجُنّة، بالضمّ: ما استترت به من سلاح، والجنّة أيضاً: السترة . والحصن بالكسر: كلّ موضع حصين لا يبلغ إلى جوفه. والاُمور المهمّة: النازلة من نوازل الدنيا وشدائد الثقيلة، واتّخاذه تعالى جُنّة للشدائد عبارة عن التوجّه إليه عند نزولها وظهور علاماتها، أو قبله أيضاً. وفيه حثّ على التوسّل إليه تعالى بالدعاء والتضرّع ونحوهما في جميع الأحوال.

(يا موسى، كيف تخشع) بالتخفيف، أو بالتشديد.

(لي خليقة لا تعرف) تلك الخليقة.

(فضلي عليها) أي على نفسها.

قال الفيروزآبادي: «الخشوع: الخضوع، أو هو في البدن، والخشوع في الصوت والبصر، والسكون، والتذلّل. وتخشّع: تضرّع»(1).

قال الجوهري: «التخشّع: تكلّف الخشوع»(2).

والمراد بالخليقة : الناس، وبالفضل : النعمة والإحسان.

وقيل: نعم اللّه ظاهرة وباطنة، والباطنة ما يكمل به كلّ شخص، ويتمّ مائيّته كالقوى والجوارح والأعضاء، والظاهرة منها ما يتوقّف عليه كمال نفسه الناطقة من الأخلاق والأعمال والأوامر والنواهي وإرسال الرسل وإنزال الكتب وغيرها ممّا نطق به لسان الشرع.

إذا عرفت هذا، فنقول: تخشّع الناس وتذلّلهم للّه تعالى متوقّف على التصديق بفضله عليهم بالضرورة؛ إذ لا يتخشّع أحد لمن لا فضل له عليه، ولا حاجة له إليه، ولهذا نفى التخشّع عمّن لم يكن له هذه المعرفة والتصديق، ثمّ إنّ هذا التصديق متوقّف على تصوّر المحكوم به، وهو الفضل، وهذا التصوّر متوقّف على الإيمان بالفضل والإقرار بوجوده، وهذا الإقرار متوقّف على الرجاء بالثواب اللازم للفضل، وهذا الرجاء متوقّف على رفض

ص: 465


1- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 18 (خشع)
2- الصحاح ، ج 3 ، ص 1204 (خشع)

الدنيا وعدم اتّخاذها دار استيطان، فأشار إلى الأوّل وهو توقّف هذا التصديق على تصوّر المحكوم به بقوله: (كيف تعرف) أي الخليقة (فضلي عليها) وتصدّق به (وهي لا تنظر فيه) أي في الفضل، ولا تتصوّره؛ لانتفاء التصديق بانتفاء التصوّر.

وأشار إلى الثاني بقوله: «تنظر فيه»، أي في الفضل وتتصوّره .

(وهي لا تؤمن به) أي لا تقرّ، ولا تذعن بوجوده.

وأشار إلى الثالث بقوله: (وكيف تؤمن به، وهي لا ترجو ثواباً)؛ لأنّ الأقرار بوجود الفضل الذي من جملته الشرع يستلزم الرجاء بالثواب الموعود فيه، وانتفاء اللازم يستلزم انتفاء الملزوم.

وأشار إلى الرابع بقوله: (وكيف ترجو ثواباً، وهي قد قنعت بالدنيا) وغفلت عن الآخرة (واتّخذتها مأوى) أي مكان استقرار ودار استيطان (1).

(وركنت إليها رُكون الظالمين) .

قال الجوهري: ركن إليه يركن، وحكى أبو زيد: ركِن إليه _ بالكسر _ رُكوناً فيهما، أي مال إليه وسكن. وأمّا ما حكى أبو عمرو: رَكَن يركن ، بالفتح فيهما، فإنّما هو على الجمع بين اللغتين(2). انتهى.

وقيل في توجيه توقّف رجاء الثواب بعدم القناعة بالدنيا: إنّ الرجاء بالثواب يستلزم التمسّك بأسبابه، والعمل للآخرة، وعدم القناعة بالدنيا والركون إليها، وانتفاء اللازم دليل على انتفاء الملزوم.

ويظهر من هذه المقدّمات أنّ القانع بالدنيا الغافل عن الآخرة مسلوب عنه جميع ما تقدّم؛ لأنّ انتفاء الموقوف عليه والأسباب مستلزم لانتفاء الموقوف والمسبّبات، وليس للدنيا وأهلها ذمّ أبلغ من هذا(3).

(يا موسى، نافس في الخير أهله) .

المنافسة في الشيء: الرغبة فيه على وجه المباراة ، والمبالغة في الكرم.

ص: 466


1- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 330 و331
2- الصحاح ، ج 5 ، ص 2126 (ركن)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 331

(فإنّ الخير كاسمه) .

الخير: ما يُرغب فيه الكلّ، كالعدل والفضل مثلاً.

وقيل: هو اسم جامع لكلّ ما هو وسيلة للقرب منه تعالى، ولابدّ من الرغبة فيه والاجتهاد في طلبه؛ لأنّه حسن خيرة من اللّه تعالى كاسمه من بين الأسماء، والواضع لاحظ كمال المناسبة بينهما (1).

أو قال بعض الأعلام: المراد أنّ الخير لمّا دلّ بحسب أصل معناه في اللغة على الأفضليّة، وما يطلق عليه في العرف والشرع من الأعمال الحسنة ، هي خير الأعمال، فالخير كاسمه، أي إطلاق هذا الاسم على تلك الاُمور على الاستحقاق، والمعنى المصطلح مطابق للمدلول اللغوي، أو المراد فالخير لمّا كان كلّ أحد يستحسنه إذا سمعه ، فهو حسن واقعا ، وحُسنه حُسن واقعي.

قال: والحاصل أنّ ما يحكم به عقول جماعة الناس في ذلك مطابق للواقع، ويحتمل أن يكون المراد باسمه ذكره بين الناس ، أي إنّ الخير ينفع في الآخرة كما يصير سبباً لرفعة الذكر في الدنيا(2).

(ودَع الشرّ لكلّ مفتون) بالدنيا وشرورها.

(يا موسى، اجعل لسانك من وراء قلبك تَسلم) ؛ يعني إذا أردت التكلّم بشيء كانيا ما كان ، فابدأ أوّلاً باستعمال القلب والعقل والتفكّر والتأمّل فيه وملاحظة نفعه وضرّه ، فإن وجدته نافعا فتكلّم به ، فيكون استعمال اللسان بعد استعمال القلب ووراءه.

ويحتمل أن يكون المراد النهي عن النطق بما لا يعتقدها بالقلب.

(وأكثر ذكري في الليل والنهار تَغنم) .

الغَنيمة والغُنم، بالضمّ وبالفتح والتحريك: الفيء، والفوز بالشيء بلا مشقّة ، وفعله كعلم، والمراد هنا ما يعمّ غُنم الدنيا بصلاح الحلال ورفاه البال، وغُنم الآخرة بالعبادة وحسن المآل، وفيه حذف ما يُغنم به.

(ولا تتّبع الخطايا فتندم) .

«لا تتّبع» من المجرّد، أو من الاتّباع بتشديد التاء على احتمال. يقال: تبعه _ كفرح _ تَبَعا

ص: 467


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 331
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 25، ص 99

وتَباعا : مشى خلفه، ومرّ به فمضى معه، واتّبعتهم إذا كانوا سبقوك فلحقتهم، وأتبعتهم غيري .

والخطيئة: الذنب، أو ما يتعمّد منه، كالخِطاء _ بالكسر _ والخَطاء: ما لم يتعمّد.

والجمع: الخطايا، واتّباعها: ارتكابها، والندامة بها تكون وقت الموت وبعده عند معاينة ثمراتها.

(فإنّ الخطايا موعدها النار) أي موعد صاحبها على طريق الكناية.

وقوله: (أطب الكلام...) من الإطابة، وهي التكلّم بالكلام الطيّب، أي بشّرهم بما يعملون .

(واتّخذهم لغيبك إخواناً) أي اتّخذهم إخواناً ليحفظوك في غيبتك بأن لا يذكروك فيها بسوء، ويدفعوا عنك الغيبة، ويكونوا ناصحين لك عند ما تغيب عنهم .

وقيل: يحتمل أن يراد بالغيب القيامة لغيبتها عن الحسّ (1) . وقيل: أي يدعون لك في ظهر الغيب، أو يحملون ثقل نفسك وعيالك عند غيبتك فيهم (2).

وفي بعض النسخ: «لعيبك» بالمهملة، أي لستره، أو عفوه، أو إصلاحه.

و«إخواناً» نصب على البدليّة من ضمير الجمع، أو على الحاليّة عنه.

(وجدّ معهم) يعني في حوائجهم .

وقوله: «يجدّون معك» حال عن الضمير المجرور، أي حال كونهم.

(يجدّون معك) في حوائجك.

ويحتمل أن يراد بالجدّ في الموضعين بذل الوسع في الطاقة في الطاعات أو الاجتهاد، والسعي في الاُمور مطلقاً.

والمراد بالزاد في قوله: (فتزوّد زادَ ...) ما ينفع في الآخرة من الورع والتقوى، والمراد بالورود عدم الارتياب فيه وتيقّنه .

وقوله: (فكثير قليله) إمّا بدولة ثوابه ودوامه، أو لمضاعفة ثوابه بالأضعاف التي لا يحصيها غيره تعالى، أو لتنميته سبحانه بيده وتربيته، وهكذا نظيره «عظيماً» و«قليله كثير» .

وقوله: (وما اُريد به غيري) يعني الانفراد ، أو الاشتراك .

(فقليل كثيره) .

قيل: لعلّ المقصود من الفقرتين صريحا نفي القلّة في الأوّل والكثرة في الثاني، وضمنا

ص: 468


1- .قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 100
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 332

حصر الصحّة والقبول في الأوّل، ونفيهما عن الثاني بناء على مقدّمة ضروريّة ومقدّمة شرعيّة؛ أمّا الاُولى فهي أنّ كلّ ما لزم من وجوده عدمه، أو وجود ضدّه المستلزم لعدمه كان محالاً، وعلى هذا كانت القلّة في الأوّل والكثرة في الثاني محالان ؛ إذ لزم من فرض الاُولى ضدّها وهو الكثرة، ومن فرض الثانية ضدّها وهو القلّة ، فلا توجد القلّة في الأوّل ، والكثرة في الثاني .

وأمّا الثانية فلأنّ العمل الواحد الصحيح المقبول كثير، فسلب الكثرة عن الأعمال المتعدّدة إنّما هو لعدم صحّتها وقبولها (1).

(وإنّ أصلح أيّامك الذي هو أمامك) وهو يوم القيامة، أو يوم الخروج من الدنيا، وكونه أصلح بالنظر إلى حال المؤمن ظاهر؛ فإنّه يوم تشرّفه بالكرامة، ودخوله دار المقامة.

وأمّا بالنظر إلى سائر الناس فأصلحيّته باعتبار كونه أهمّ وأحرى لأن يجتهد في إصلاحه والعمل له، كما أشار إليه بقوله: (فانظر أيّ يوم هو).

فيه تهويل وتعظيم لشذوذ ذلك اليوم وصعوبته، وامتيازه فيها عن سائر الأيّام.

وكذا في قوله: (فأعدّ [له] الجواب).

ثمّ علّل ذلك بقوله: (فإنّك موقوف به) (2).

الضمير للجواب، أي متلبّساً به، أو لأجله، أو بسببه ، أو لليوم. والباء للظرفيّة، ولفظة «به» ليست في كثير من النسخ.

(ومسئول) عن عملك وصنيعك مطلقاً.

وقيل: أمره بإعداد الجواب أمر بضبطه جميع حركاته النفسانيّة والبدنيّة ومكاسب المال ومصارفه ووزنه بميزان الشرع بإسقاط الزائد وإتمام الناقص؛ فإنّه إذا فعل ذلك في أيّام عمره، وسئل يوم القيامة عمّا صنع، كان جوابه النافع حاضراً، وإن كان خلاف ذلك كان جوابه صَعبا ، والخروج عن عهدة الجواب مشكلاً(3).

(وخذ موعظتك من الدهر وأهله) .

الدهر: الزمان الطويل.

وقيل: لعلّ المراد من الدهر هنا عمر كلّ شخص، وهو يذهب مع

ص: 469


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 332
2- في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : _ «به»
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 333

أهله، ويبقى عليه ما اكتسبوا من خير أو شرّ، ثمّ علّل الأخذ أو الموعظة بقوله: (فإنّ الدهر طويله قصير)؛ لسرعة انقضائه (1).

(وقصيره طويل)؛ لإمكان تحصيل السعادات العظيمة الكثيرة الأبديّة في القليل منه .

وقيل: لطول الأمل فيه(2).

وقيل: لعلّ المراد أنّ طويله قصير في نفس الأمر لسرعة زواله، ولأنّه الذي أنت فيه، وقصيره طويل باعتبار طول الحساب والجزاء، ولا يخفى لطف هذه الفقرة لإيهام حمل الشيء على ضدّه ظاهراً مع إفادة معنى لطيف، والمقصود منها الترغيب على العمل للآخرة ، ورفض الركون إلى الدنيا وعيشها(3).

(وكلّ شيء فان) استئناف لبيان سابقه؛ فإنّ من علم وتيقّن فناء كلّ شيء من الدهر لم يلتفت إليه أصلاً.

وقيل: هما مرفوعان على الابتداء والخبر، معطوفان على محلّ اسم «إنّ» وخبرها، كما في قولك: إنّ زيداً قائم وعمرو قاعد ، أو الأوّل منصوب والثاني مرفوع عطفاً على لفظ اسم «إنّ» وخبرها(4).

وقوله: (فاعمل كأنّك ترى ثواب عملك...) تفريع على ما ذكر من أخذ الموعظة، وفناء كلّ شيء؛ فإنّ العلم بذلك يقتضي الكدّ والاجتهاد في العمل الذي يرى بعين البصيرة ثوابه، ويتيقّن بحصوله، وهو العمل الخالص من شوب الرياء والسمعة، وتلك الرويّة ملزوم لتعلّق الطمع في الآخرة قطعاً.

(فإنّ ما بقي من الدنيا كما وَلّى منها) .

يقال: ولّى تولية، إذا أدبر.

قيل: كأنّه تعليل لقوله: «وكلّ شيء فان»، وإشارة إلى أنّ الدهر يجري بالباقين كجَريه بالماضين، ويذهب دهر الباقين معهم كما ذهب دهر الماضين معهم، ويكون آخره كأوّله؛ إذ اُموره وأطواره متشابهة، وأفعاله وآثاره متناسبة، وطبيعته التي يعامل الناس بها قديماً وحديثاً متعاضدة يتبع بعضها بعضاً، وفيه تنبيه للسامعين ليتذكّروا أنّهم أمثال الماضين، وأنّهم لاحقون بهم، وتحريك لهم على العمل لما بعد الموت والاستعداد له(5).

ص: 470


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 333
2- قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 129
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 333
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 333
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 333

(وكلّ عامل يعمل على بصيرة ومثال) (1).

المثال : المقدار ، وصفة الشيء ، وقيل : أي كلّ من يعمل ما هو حقّ العمل إنّما يكون عمله على بصيرة ويقين وعلم بكيفيّة العمل وحقيّته وما يعمل له ، وعلى مثال يتمثّله في الذهن من الثمرة المقصودة لعمله ، أو على مثال من سبقه من العالمين والمقرّبين .

قال : ويحتمل أن يكون المراد بالعامل أعمّ ممّن يعمل الحقّ أو باطل ، فقوله : «على بصيرة» المراد به أعمّ ممّا هو باليقين أو الجهل المركّب ، والمراد بالمثال أعمّ من المضيّ على سبيل أهل الحقّ ، وطريق أهل الضلال .

ويحتمل أن يكون الواو في قوله: «ومثال» بمعنى «أو» ، أي كلّ عامل إمّا يعمل على بصيرة في الحقّ ، أو على مثال من سبق على وجه الضلال ، فاختر لنفسك أيّهما أحرى وأولى(2).

(فكن مُرتاداً لنفسك) .

الارتياد: الطلب، والمراد به هنا طلب العمل على وجه التفكّر في أوّله وآخره ، وحسنه وقبحه ، ومورده ومأخذه، ولما كان العمل هو النافع أمره بطلبه ، كما أشار إليه بقوله: (لعلّك تفوز غداً يوم السؤال) ، وأمّا غيره من سائر الأعمال فلا ينفع يوم السؤال، بل يصير موجباً لمزيد الوبال والنكال.

(فهنالك يَخسر المبطلون) .

الخُسر والخسران: النقص ، والغبن في التجارة .

والمبطلون : الذين يبطلون أعمالهم بترك شرائطها، أو فعل ما يبطلها ، أو الذين يعملون بآرائهم وأهوائهم لا يدينون إلّا بدين أسلافهم وآبائهم.

(ألق كفّيك) .

قيل: أي في السجود على الأرض، أو عند القيام بمعنى إرسالها (3).

ص: 471


1- في الحاشية : «هذا الكلام لضرورة أنّ كلّ عامل يتوجّه ذهنه إلى عمل معلوم ، ومثال متمثّل في خياله ، سواء كان ذلك العمل مستندا إلى وحي ربّانيّ ، أو اختراع نفسانيّ ، أو إلهام شيطاني . صالح «شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 333»
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 100 و101
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 . ص 101

وقيل: كأنّه أمره برفع اليدين إلى السماء في القنوت والدعاء ، أو بالسجود [له] والتضرّع فيه عند ورود الحاجة (1).

والذلّ بالضمّ : الهوان ، وبالضمّ والكسر : ضدّ الصعوبة .

وقوله: (رحمت) على صيغة الغائب المجهول، أو المتكلّم المعلوم.

وقوله: (سلني من فضلي.

.

.

) .

الفضل: ضدّ النقص، ويطلق غالباً على النعم الدنيويّة ، والرحمة على المثوبات الاُخرويّة.

وقيل: المسئول إمّا الفضل والرحمة، أو بعضهما على أن تكون «من» زائدة، أو للتبعيض، أو المفعول محذوف، وهو خير الدنيا والآخرة على أن تكون للتعليل، والمقصود حثّه على صرف وجه السؤال إليه ، وفراغه عن الغير ، والاشتغال بالتضرّع بين يديه؛ فإنّه مالك الفضل والرحمة يهيّئ له أسباب مسؤوله ومغلوبه (2) .

وقوله: (كيف رغبتك فيما عندي) أي كيف رجاؤك وشوقك إلى ما تطلبه.

وهذا الكلام تقوية للرجاء ، وترغيب في حسن الظنّ به في إعطاء مسئوله ومرغوبه.

وفي بعض الروايات: «والذي لا إله إلّا هو، ما اُعطي مؤمن إلّا بحُسن ظنّه» (3).

(لكلّ عامل جزاء) في الدارين، أو في إحداهما .

وفيه زيادة ترغيب فيما ذكر.

(وقد يُجزى الكفور بما سعى)؛ إمّا في هذه النشأة، أو في النشأة الاُخرى، بتخفيف ما عليه من العذاب، فلا ينبغي أن ييأس الكفور من رحمته، فكيف بالشكور؟! (يا موسى، طب نفسك عن الدنيا) أي معرضاً عنها ، أو بالإعراض عنها .

(وانطو عنها) .

في القاموس: «طوى الصحيفة يطويها فانطوى، وكشحه عنّي : أعرض مهاجراً»(4).

ص: 472


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 334
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 334
3- راجع : الكافي ، ج 2 ، ص 71 ، باب حسن الظنّ باللّه ، ح 2 ؛ فقه الرضا عليه السلام ، ص 360 ؛ الاختصاص ، ص 227 ؛ أعلام الدين ، ص 255 و455
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 358 (طوي)

ولما كان طيب النفس والسرور بالإعراض عن الدنيا والانطواء عنها غاية الزهد فيها، أمره عليه السلام بهما، وعلّل الأمرين بقوله: (فإنّها ليست لك ولستَ لها)؛ فإنّها باعتبار ما فيها من الزهرات واللذّات يليق بالفاسقين، وليس فيها نصيب لأهل أعلى علّيّين.

(ما لك ولدار الظالمين) ؛ يعني الدنيا، والمراد بالظالمين الذين ظلموا أنفسهم وأهليهم بالغرور بها والركون إليها، وفيه تحذير عنها على سبيل الإنكار والتوبيخ في الاشتغال بشهواتها.

ثمّ أشار إلى أنّها ليست مذمومة من جميع الوجوه بقوله: (إلّا لعامل فيها بالخير ؛ فإنّها له نعم الدار)، فهي ممدوحة بهذا الاعتبار، والظاهر أنّ هذا الاستثناء منقطع.

وقيل: يمكن صرفه إلى الاتّصال بأن يكون المراد بالظالم العامل بالظلم، فهو من حيث هو مع قطع النظر عن تقييده بالظلم يصدق على العامل (1) . فليتأمّل.

وقوله: (فاسمع) أي سماع انقياد بحمل نفسك على الامتثال.

(ومَهما أراه فاصنع) .

الضمير للموصول، والرؤية بمعنى العلم ، والمفعول الثاني محذوف؛ أي مهما أرى الذي آمرك به خيراً لك فاصنع ، وكون الرؤية بمعني الإبصار محتمل بعيد.

وقال بعض الأعلام في شرح هذا الكلام: أي اصنعه بمشهد منّي عالماً بأنّي أراك.

قال: ونظيره قول نبيّنا صلى الله عليه و آله : «الإحسان أن تعبد اللّه كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك»(2).

وقيل: أي بكلّ وقت أرى وأعلم ما آمرك حسنا فافعل فيه؛ يعنى افعل الأوامر في أوقاتها التي أمرتك بأدائها فيها.

أو المراد: افعلها في كلّ وقت؛ فإنّي أراه في كلّ حين.(3).

(خذ حقائق التوراة) لعلّها الاُمور الحقيقيّة الواقعيّة المخزونة فيها.

وقيل: أي المعاني الأوّليّة وما فوقها، والأسرار الإلهيّة والنصائح والمواعظ الربّانيّة المذكورة فيها .(4)

ص: 473


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 335
2- .قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 129
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 101
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 335

(وتيقّظ بها) أي اُترك النوم بقراءة التوراة والعمل بأحكامها، أو المراد: كن متيّقظاً متنبّهاً متذكّرا بحقائقها.

(في ساعات الليل والنهار) أي في جميع الأوقات.

(ولا تمكّن أبناء الدنيا من صدرك فيجعلونه وَكْرا كوَكر الطير) .

التمكين والإمكان بمعنى، وأبناء الدنيا: المائلون إليها، والمفتونون بزخارفها، والمنتسبون إليها، كانتساب الابن إلى أبيه.

والوَكر، بالفتح: عشّ الطائر، وإن لم يكن فيه.

وقال بعض الأفاضل:

أي لا تُخطرهم ببالك، ولا تشغل قلبك بالتفكّر فيهم وفيما هم فيه من نعم الدنيا؛ فإنّه إذا أعتدت ذلك، ومكّنت الشيطان من نفسك فيه، يصير صدرك وكراً لذكرهم، ولا يمكنك إخراج حُبّ أطوارهم من صدرك، فيصير ذلك سبباً لرغبتك إلى دنياهم، فتصير إلى مأواهم.

ويحتمل أن يكون المراد عدم الإصغاء إلى كلام المفتونين بالدنيا الذاكرين لها، فيجعلون الصدور وكرا لكلامهم الذي يوجب الافتنان بالدنيا (1).

والحاصل أنّه تعالى نهاه عن تمكينه إيّاهم من صدوره وميل قلبه إليهم؛ لئلاّ يتصرّفوا فيه، ولا يلازموه كملازمة الطائر وكره، فينجرّ إلى تولّد حبّ الدنيا منهم.

(يا موسى، أبناء الدنيا وأهلها) الراغبون إليها (فتن) بكسر الفاء وفتح التاء، جمع فتنة، والتنوين للتعظيم.

ويحتمل كونه على صيغة الماضي المجهول.

(بعضهم لبعض، فكلّ) بالتنوين عوضاً عن المضاف إليها، أي كلّهم.

(مزيّن له ما هو فيه) من شهوات الدنيا وزخارفها زيّنها له الشيطان .

وهذا الكلام كالتأكيد لسابقه، وتنبيه على ترك مجالستهم ومخالطتهم؛ لأنّهم زينة الدنيا لمن انتسب بهم، وجلس إليهم، وذلك منشأ للفتن.

(والمؤمن من زُيّنت له الآخرة) أي صارت له مزيّنة، أو زيّنها اللّه تعالى له، وبيّن أوصافها

ص: 474


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 102

ونعيمها في كتبه وبألسِنَة رسله.

(فهو ينظر إليها ما يَفتر) .

كلمة «ما» نافية، والفتور: السكون بعد المدّة، واللين بعد الشدّة، والضعف، وفعله كنصر. والمراد بالنظر البصيرة القلبيّة، والإدراك العقليّة.

(قد حالت شهوتها بينه وبين لذّة العيش) أي صارت لذّة الآخرة حائلاً بينه وبين لذّة عيش الدنيا؛ لأنّ ملاحظة فضل الآخرة على الدنيا والعلم بتفاوت ما بينهما يبعثه على العمل للآخرة ونيل مشتهياتها، ورفض لذّات عيش الدنيا.

(فأدلجته بالأسحار) .

الدَّلج _ محرّكة _ والدلجة بالضمّ والفتح: السير في أوّل الليل، وقد أَدْلَجُوا بالتخفيف، بأن ساروا في آخره ، فادّلجوا بالتشديد، نصّ عليه أهل اللغة.

وظاهر العبارة هنا استعماله متعدّيا بمعنى التيسير بالليل، والمعروف في كتب اللغة استعماله؛ لأنّها كما عرفت، ولعلّه هنا على الحذف والإيصال، أي أدلجت به أو معه وباعتبار تضمين معنى التصيير ، أي صيّرته شهوة الآخرة مدلجاً سائرا في آخر الليل مشتغلا بالعبادة ؛ لعلمه بأنّ تلك الشهوة لا تنال إلّا به .

(كفعل الراكب السابق (1). ) بالباء الموحّدة.

(إلى غايته) أي خطره ومقصده؛ يعني كالراكب الذي يسابِق قرنه إلى الغاية التي يتسابقان إليها، وأصل الغاية المدى والنهاية .

وما قيل من أنّ المراد بها هنا الجنّة والفوز بالكرامة والقرب والوصال والحبّ أو الموت (2). ، فساده يظهر بأدنى تأمّل.

وبالجملة شبّه سير ذلك المؤمن بسير الراكب السابق إلى غايته لعلمه بأنّها لا تنال إلّا به.

وقيل: يمكن أن يكون المشبّه به سير الراكب المسافر، والوجه هو الوصول إلى المطلوب والراحة والنجاة من الشدائد(3).

ص: 475


1- .قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 102
2- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله وكلتا الطبعتين : «السائق»
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 336

(يظلّ كَئيبا) إلى قوله : (من السرور) .

في المصباح : «ظلّ يظلّ ، كذا يظلّ ظُلولاً ، إذا فعله نهاراً» (1). قال الخليل: «لا تقول العرب: ظلّ إلّا لعمل يكون بالنهار»(2).

وفي القاموس: «الكآب والكأبة والكآبة: الغمّ، وسوء الحال، والانكسار من حزن، كئب _ كسمع _ فهو كئيب وكئِب» (3). انتهى.

والمعنى أنّه يكون في نهاره مغموماً، وفي ليله محزوناً لطلب الآخرة ، ولما فاته من أسباب الوصول إليها، وللغربة والخوف من التقصير وسوء الخاتمة، ولكن لو كشف الغطاء حتّى يشاهد ويعاين ما اُعدّ له في الآخرة لحصل له من السرور ما لا يُعدّ ولا يحصى.

وقوله: (الدنيا نطفة...) أي أنّها شيء قليل لا تصلح نعمتها لحقارتها أن تكون ثواباً للمؤمن، ولا بلاؤها وشدّتها لقلّتها وانقطاعها أن تكون عقوبة وانتقاماً من فاجر .

والنطفة بالضمّ: ماء الرجل، والماء الصافي قلّ أو كثر، وقليل ماء يبقى من دَلو أو قربة.

قيل: هو من أعزب العبارات وأعجبها، وأفصح الكنايات من الماء القليل(4).

وفي القاموس: «النقمة ، بالكسر والفتح وكفرحة: المكافأة بالعقوبة» (5).

(فالويل الطويل) (6). في بعض النسخ: «الدائم» بدل «الطويل».

(لمن باع ثوابه مَعاده بلَعقة لم تَبق) .

في بعض النسخ: «بلُقَطَة»، وهي ما يؤخذ من المال المظروح. وفي بعضها: «بلُعبة»، وهي بالضمّ: التمثال، وما يلعب به من الشطرنج ونحوه، استعير لأمتعة الدنيا لعدم الانتفاع بها، أو لكونها كلّ يوم في يد أحَد.

قال الفيروزآبادي: «لعقه _ كسمعه _ لَعقة، ويضمّ : لحسه ، واللعقة: المرّة الواحدة، وبالضمّ: ما تأخذه في المِلعَقة» (7).

شبّه بها حطام الدنيا في القلّة والخسّة والحقارة، واُريد ببيع ثواب المعاد بها تبديل ما

ص: 476


1- المصباح المنير، ص 386 (ظلل)
2- كتاب العين ، ج 8 ، ص 149 (ظلل) مع اختلاف يسير
3- .القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 120 (كأب)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 337
5- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 183 (نقم)
6- في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «الدائم»
7- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 280 (لعق)

يوجبه من الزهد والورع ونحوهما بها، وهذا التبديل يوجب الويل، وهو حلول الشرّ والفضيحة والتفجّع والعذاب، أو هو واد في جهنّم، أو بئر فيها.

(وبَلعة (1). لم تَدُم) . في بعض النسخ: «وبلَعسة».

قال الفيروزآبادي: «بَلِعه كسمعه : ابتلعه» (2). وقال: «اللَّعس، كالمنع: العضّ» (3).

والمراد هنا ما يقطعه بأسنانه من شيء مأكول مرّة واحدة.

(وكذلك) (4).

الواو إمّا للاستئناف، أو للحال؛ أي والحال أنّ الدنيا والآخرة وأهلها كما وصفت لك، ليس إلّا (فكن (5). كما أمرتك) ممّا فيه صلاحك من طيب النفس عن الدنيا والإنطواء عنها ونحوهما ممّا ذكر.

(وكلّ أمري رَشاد) .

فيه ترغيب في أخذ ما ذكر، أي كلّ أمر من أوامري سبيل رشاد واهتداء يوصلك إلى ما فيه نجاتك في الدارين، وأصل الرشاد مصدر، يقال: رشد _ كنصر وفرح _ رُشدا ورَشَدا ورَشاداً، إذا اهتدى، فحمله على الأمر مبالغة، أو اُريد به ما يُرشد ويهتدى به .

(إذا رأيت الغنى مقبلاً ...) .

الغنى ، كإلى ؛ ضدّ الفقر، يعني إذا أقبل إليك الغنى واليسار من زخارف الدنيا، فقل: هذا عقوبة ذنب وجُرم صدر منّي، قد عجّلت لي في هذه النشأة استدراجا وإغفالاً عن النشأة الآخرة، وحمل الذنب على الغنى مبالغة في سببيّتها واستتباعها لذنوب كثيرة مثل الكبر والفخر والاستطاله ومنع الحقوق الواجبة.

وقوله: (مرحباً بشعار الصالحين) نصبه على المفعول به، أي آتيت أو صادفت سعة أو مكاناً واسعاً، من الرُّحب بالضمّ، وهو السعة، والباء للإلصاق.

وقيل: للمصاحبة، أو للسببيّة(6).

والشِّعار، بالكسر، ويفتح: العلامة، وما تحت الدثار من اللباس، وجمعه: أشعرة وشُعُر .

وفيه مبالغة في كمال لزومه والتصاقه بالصالحين، حتّى إنّه علامة بها يتميّز الصالح من الطالح.

ص: 477


1- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 337
2- في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «وبِلَعْسَة»
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 7 (بلع)
4- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 249 (لعس)
5- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «فكذلك»
6- في المتن الذي نقله الشارح رحمه اللهسابقا : «فلتكن»

(ولا تكن جبّارا ظلوماً) .

الجبّار: كلّ عات متمرّد، والقتال في غير حقّ، والمتكبّر الذي لا يرى لأحد عليه حقّا.

والظلوم: فَعول من الظلم، وهو النقص : وضع الشيء في غير موضعه.

(ولا تكن للظالمين قريناً) أي مقارنا مصاحبا ؛ لأنّ صحبتهم تميت القلب، وتميل إلى الظلم والرضا به.

(يا موسى، ما عمر وإن طال يُذَمّ آخره) .

كلمة «ما» استفهاميّة، أيّ شيء عمر يذمّ آخره وإن طال. أو نافية بتقدير الخبر؛ أي ليس عمر ويذمّ آخره بعمر وإن طال.

وفيه على التقديرين ترغيب على رعاية حسن الخاتمة، وتحصيل ما يوجبه في كلّ وقت من أوقات العمر؛ لأنّه يحتمل أن يكون آخره.

وفي بعض النسخ: «يدوم» بدل «يذمّ»؛ أي لا يوجد عمر يدوم ولا ينقطع آخره وإن طال، فكلمة «ما» نافية.

وفي بعضها: «ما يذمّ» بزيادة «ما»، فيحتمل كون كلمة «ما» في الموضعين نافية؛ أي لا يوجد عمر لا يذمّ آخره بالفناء والانقطاع وإن طال.

ويحتمل كونها استفهاميّة في الأوّل، نافية في الثاني؛ أي أيّ عمر لا يذمّ آخره بما ذكر؟! ويحتمل كونها نافية في الأوّل، موصولة أو خبريّة في الثاني؛ أي ليس بعمر ولا يحسب منه العمر الذي يذمّ آخره بالتضييع أو بالزوال وإن طال.

(وما ضرّك ما زُوي عنك إذ حُمدت مَغَبّته) أي ما ضرّك ما قبض منك، واُخذ أو نقص من المال والعمر وغيرهما إذا كانت عاقبته محمودة. يقال: زواه عنه، إذا نحّاه وقبضه. والمَغَبّة، بفتح الغين المعجمة وتشديد الباء الموحّدة: عاقبة الشيء، كالغِبّ بالكسر .

(يا موسى، صرخ الكتاب) بكسر الكاف، أي التوراة، أو كتاب الأعمال. أو بضمّها وتشديد التاء، أي الحفظة.

(إليك صُراخا بما أنت إليه صائر) بعد الموت من أحوال البرزخ والقيامة وأهوالهما ، ودرجات المطيعين ، ودركات العاصين.

ص: 478

وقيل: فيه استعارة مكنيّة وتخييليّة بتشبيه دلالة الكتاب بنطق الناطق وصراخه، واستعاره الفعل له (1).

وفي القاموس: «الصَّرخة: الصيحة الشديدة، وكغراب: الصوت، أو شديده» (2).

وفي بعض النسخ: «صرّح» و«صراحا» بالحاء المهملة. قال الجوهري: «صرّح فلان بما في نفسه، أي أظهره، وشتمت فلاناً مصارحة وصراحا، أي مواجهة، والاسم: الصُّراح، بالضمّ»(3).

(فكيف تَرْقُد) بضمّ القاف، أي تنام على هذا، أي على ما ذكر من صراخ الكتاب بمصير الأمر وعاقبته.

وقوله: (العيون) بالرفع، فاعل «ترقد»، والاستفهام للتعجّب، أو للتوبيخ بترك التيقّظ ، ورفض الطاعة في ساعات الليل.

(أم كيف يجد قوم لذّة العيش) في الدنيا (وكيف يرضى بها لو لا التمادي في الغفلة) عمّا ذكر من صراخ الكتاب ومآل الأمر. والتمادي: التباعد في الغيّ والضلال.

(والاتّباع للشقوة، والتتابع للشهوة) .

قال بعض العلماء:

هذه الاُمور الثلاثة أسباب لنوم العين ووجدان لذّة العيش؛ لأنّها حجب ظلمانيّة مضروبة على الجوهر القدسي، مانعة له عن رؤية أحوال الآخرة، ولو قد كشفت تلك الحجب عنه لرآها بعين اليقين، وعلم أنّه من أين جاء، ولِمَ جاء، وإلى ما يصير.

واستعمل جميع الجوارح فيما يحتاج إليه بعد العود، فلا ينام ، ولا يجد لذّة العيش شوقا إلى درجات الآخرة ومثوباتها، وخوفاً من دركاتها وعقوباتها(4).

(ومن دون هذا) .

قيل: أي من عند تمادي الخلق في الغفلة(5).

(يجزع (6) الصدّيقون)؛ لمشاهدتهم مخالفة الربّ، وصعوبتها عليهم.

ص: 479


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 338
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 263 (صرخ)
3- الصحاح ، ج 1 ، ص 382 (صرح) مع التلخيص واختلاف يسير
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 338
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 338
6- في الحاشية عن بعض النسخ: «يفزع»

أو من غير التمادي في الغفلة يجزع الصدّيقون من التقصير؛ لعلمهم بأنّه تعالى مستحقّ للعبادة لذاته، وإن لم تكن الجنّة والنار.

وقيل: معنى قوله: «من دون هذا» أقلّ من هذا التذكار الذي صرّح وصاح به الكتاب، يكفي لجزع الصدّيقين، أي الكاملين في تصديق الأنبياء(1).

وقوله: (يدعوني على ما كان) أي لأيّ أمر كان، جليل أو حقير ، مغفرة ذنب أو دفع بلاء أو قضاء حاجة.

ولما كان الاجتهاد في الدعاء وحسن الظنّ باللّه تعالى أمرا مطلوبا، ولا يتحقّق إلّا بأن يُقرّ الداعي له تعالى بأوصاف مقتضية لهما باعثة عليهما، أشار إليها بقوله: (بعد أن يُقرّوا لي أنّي أرحم الراحمين)؛ إذ لو لا الإقرار به لكان الداعي غافلاً عنه، أو حاكماً بالتساوي، أو مرجّحاً رحمة الغير، أو منكراً لرحمته تعالى، والكلّ ينافي الاجتهاد وحسن الظنّ باللّه .

(مُجيب المضطرّين)؛ إذ لو لا الإقرار به، لجوّز أن لا يجيبه؛ لعدم المنافاة بين السلب والإيجاب الجزئيّين، وهذا يوجب الفتور فيما ذكر.

(وأكشف السوء)؛ إذ لو لا الإقرار به، لجوّز أن لا يكشف سوءه، وهو أيضا ينافي ما ذكر.

(واُبدّل الزمان، وآتي بالرخاء)؛ إذ لم يقرّ بأنّ تبديل الزمان من الرخاء إلى الشدّة وبالعكس، وإتيان الرخاء منه تعالى، لجوّز أن يكون ذلك من غيره، فهذا الغير أولى بالرجوع إليه، وهو أيضا مناف لما ذكر.

وكذا الأوصاف الآتية.

(وأشكر اليسير) . لعلّ المراد: أقبل القليل من العمل .

(واُثيب الكثير) عن العمل .

والكثير إمّا صفة لمصدر محذوف، أي اُثيب الثواب الكثير، أو مفعول «اُثيب» بحذف الموصوف، أي اُثيب العمل الكثير، والمراد إثابة صاحبه.

وقوله: (وانضوى إليك)؛ أي آوى ، وانضمّ إليك.

قال الجزري: «فيه: ضوى إليه المسلمون. أي مالوا. يقال: ضَوى إليه ضَيّاً وضُوياً

ص: 480


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 103 و104

وانضوى إليه»(1).

وفي الفائق: «ضوى إليه وأضواه: آواه، فانضوى»(2).

(من الخاطئين) بيان للموصول، ولعلّ ميله إليه عليه السلام للاعتذار وطلب الاستغفار والاعتراف بالذنب، ويحتمل الأعمّ.

(فقل: أهلاً وسهلاً).

هذا كلام تقوله العرب في مقام التعظيم والتكريم، أي صادفت أهلاً لا اُجانب وعذبا ، أو آتيت مكانا مأمولاً معمورا، لا خراباً، ووطّأت سهلاً من البلاد لا حزنا .

(بأرحب الفناء) (3). أي أوسطه.

(بفناء ربّ العالمين) .

الرُّحب، بالضمّ: السعة، وبالفتح: الواسع. والفِناء، بالكسر: ما امتدّ من جوانب الدار، وما اتّسع من أمامها.

والظاهر أنّ الظرف الأوّل متعلّق بمحذوف، مثل آتيت، والثاني بدل من الأوّل، أو الأوّل متعلّق ب «أهلاً وسهلاً» ، والثّاني متعلق ب «أرحب» .

وقيل : وصف اللاجي بأنّه أوسع الفناء بفناء ربّ بالعالمين من باب تشبيه المعقول بالمحسوس ؛ لقصد الإيضاح والدلالة على تعظيمه وتوقيره؛ فإنّ قولنا: فلان أوسع المكان في باب السلطان، يدلّ على ذلك(4).

وفي بعض النسخ: «يا رحب الفناء» بصيغة النداء، أي يا من فناؤه الذي نُزل به رحب، فقوله: «بفناء» متعلّق بمقدر، أي نزلت به، أو متعلّق بالرحب، ويؤيّد هذه النسخة ما في تحف العقول: «يا رحب الفناء نزلت بفناء ربّ العالمين»(5).

وفي قوله: (طوبى لك يا موسى) إلى قوله: (مستغفر للمذنبين) حثّ وترغيب للعلماء والرؤساء على التزام تلك الأوصاف حيث صرّحه عليه السلام بها.

ص: 481


1- النهاية ، ج 3 ، ص 105 (ضوأ)
2- الفائق في غريب الحديث، ج 2، ص 293
3- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «يا رحبَ الفناء»
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 339
5- تحف العقول ، ص 495

وفي كتاب تحف العقول هكذا: «وأنا ذو الفضل العظيم، كهف الخاطئين»، وليس فيه قوله: «طوبي لك» بعد قوله: «العظيم»، فيكون «كهف الخاطئين» إلى آخر الأوصاف وصفاً له تعالى، ومن ثمّ قيل: تقدير الكلام هنا أيضا: «أنا كهف الخاطئين»، لكن في بعض نسخ الكتاب بعد قوله: «كهف الخاطئين»: «وأخو المذنبين»، فحينئذ يتعيّن كون تلك الأوصاف لموسى عليه السلام كما قلناه أوّلاً.

(إنّك منّي بالمكان الرضيّ) فَعيل بمعنى مفعول.

وقيل: المراد بالمكان مكان النبوّة والرسالة ، والقرب ، والسعادة ، ورئاسة الدارين(1).

(فادعُني بالقلب النقيّ) بالنون، أي الخالص من الشكوك والشُّبَه، أو عن الرذائل كلّها.

وفي بعض النسخ: «التقي» بالتاء الفوقانيّة.

(واللسان الصادق)؛ هو ضدّ الكاذب. وقيل: الموافق للقلب، أو مع حضوره وفراغه عن الغير؛ إذ لو كان قلب طالب الحاجة منه غافلاً عنه ومشغولاً بالغير، عدّ كاذبا بل مستهزئا (2).

(ولا تستطل على عبادي بما ليس منك مُبتداه)، بل مبتداه وإنشاؤه منه تعالى تطوّلاً على عباده، بلا سبق استحقاق ، وقد مرّ مثله .

(وتقرّب إليّ) بالصالحات ورفع الحاجات.

قال الجوهري: «تقرّب إلى اللّه بشيء، أي طلب به القربة عنده»(3).

(فإنّي منك قريب) .

الظاهر يكون الفاء للتعليل؛ لأنّ قربه سبحانه من عباده مع استغنائه عنهم يقتضي تقرّبهم منه تعالى، مع كمال احتياجهم إليه.

وقيل: تقديم الظرف لقصد تعظيم المخاطب، ولئلاّ يقع الفصل بينه وبين اللّه تعالى، وإن كان لفظ القرب؛ لأنّه مشعر بالانفصال في الجملة.(4).

(فإنّي لم أسألك) أي لم اُكلّفك (ما يؤذيك ثِقَلُه ولا حمله) كأنّه تعليل آخر للأمر بالتقرّب، أو للدعاء والعمل المستفاد من الأمر بالتقرّب.

ص: 482


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 340
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 340
3- الصحاح ، ج 1 ، ص 199 (قرب)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 340

وقيل: الظاهر أنّ العطف للتأكيد والتفسير، وأنّ فيه حملاً وثقلاً في الجملة، إلّا أنّه لا يؤذيه لكثرة نفعه، كما أشار إليه بقوله: (إنّما سألتك أن تدعوني...)، وفيه ترغيب في الدعاء والسؤال، وفي الإتيان بالفاء التعقيبيّة المقتضية عدمَ التراخي دلالة على وقوع الإجابة سريعا(1).

(وأن تتقّرب إليّ بما منّي أخذتَ تأويله، وعليّ تمام تنزيله) .

يقال: أوّل الكلام تأويلاً وتأوّله، إذا دبّره وقدّره ونشره، والتأويل: تفسير ما يؤول إليه الشيء، وفي عرف الفقهاء اللفظ المفيد المرجوح الظاهر ، وكان المراد بالتنزيل المفرد ، وهو اللفظ المفيد الذي لا يحتمل غير معناه.

ولا يبعد أن يراد بالتنزيل اللفظ، وبالتأويل المعنى.

وقيل: لعلّ الموصول عبارة عن الكتاب، وما فيه من العلوم والأسرار والأحكام، وكلّ ذلك أسباب التقرّب إليه تعالى، والمراد بتأويله بيان باطنه وباطن باطنه ولازمه ولازم لازمه وهكذا؛ إذ للكتب الإلهيّة ظهور معلومة ، وبطون مكنونة تُعلَم بتعليم ربّاني وتأويل إلهيّ، وبتمام تنزيله تنزيل كلّ ما يحتاج إليه الاُمّة من أمر الدنيا والدين(2).

وقوله: (فإنّ فوقك فيها ملكا عظيما)؛ يحتمل أن يقرأ: «مَلِكا» بكسر اللام، وهو اللّه سبحانه، ونسبته إلى السماء؛ لأنّ ثوابه وجنّته وتقديراته وعجائب صنعه فيها.

وإن يقرأ بضمّ الميم وسكون اللام، وهو السلطان والعظمة.

وقيل: لعلّ المراد به ملكوت السماوات والأرض، وهو الذي أراه خليله عليه السلام ليكون من المؤقنين، أو الجنّة وهي موجودة الآن في السماء عند أهل الحقّ، أي ملك السماء ملك عظيم يستدلّ بها على عظمة صانعها، أو أنّه ملك ينبغي أن يكون غاية الهمّة مصروفا إلى تحصيله، والغرض منه التنفير عن الدنيا، والحثّ على العبادة، وإظهار عظمته تعالى(3).

وقوله: (وتخوف العَطَب والمهالك).

يقال: تخوّف عليه شيئاً، أي خافه.

والعَطَب، بالتحريك: الهلاك، وهو الموت، والضياع.

وقيل: إنّما أمر بالتخوّف منهما؛ لأنّ الإنسان ما دام في الدنيا التي هي دار البليّة

ص: 483


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 340
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 340
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 341

والامتحان، وإن كان في غاية التقوى ونهاية الكمال ليس بآمن من انقلاب الحال وانعكاس المآل واتّباع أهواء النفس ومخاطرات الشيطان، ولذلك اجتهد العقلاء والصلحاء في طلب حسن العاقبة(1).

(ولا تغرّنّك زينة الدنيا وزَهرتها) .

الغرور: المخادعة والإغفال. وزهرة الدنيا، بالفتح وبالتحريك: بهجتها ونضارتها وحسنها. وأصل الزَّهرة: النبات ونَوره .

وقوله: (فإنّي للظالم رَصيد) أي منتظر لجزائه، ومترقّب لأخذه بغتة، يقال: رَصَد يرصُد بالضمّ، أي ترقّب، ورصد السبع، إذا رقّب الوثوب على صيده.

(حتّى اُديل منه المظلوم) أي جعل الدولة والغلبة للمظلوم على الظالم في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما.

قال الجوهري: «أدالنا اللّه من عدوّنا، من الدولة ، والإدالة: الغلبة. يقال: اللّهمّ أدلني على فلان، وأنصرني عليه»(2).

(يا موسى، إنّ الحسنة) أي ثوابها (عشرة أضعاف).

قال الجوهري: «ضعف الشيء: مثله، وأضعافه: أمثاله»(3).

وفي القاموس:

ضعف الشيء، بالكسر: مثله، وضعفاه: مثلاه، أو الضعف: المثل إلى ما زاد.

ويقال: لك ضعفه، يريدون مثليه وثلاثة أمثاله؛ لأنّه زيادة غير محصورة(4).

(ومن السيّئة الواحدة الهلاك) .

فيه تنفير عن الإساءة، ووعيد عظيم للمسي?.

وقيل: المراد أنّ اللّه تعالى يعطي للحسنة عشره أضعافها، ويجازي بالسيّئة مثلها، ومع ذلك أكثر الناس يهلكون بفعل السيّئات، بأن يزيد سيّئاتهم على عشرة أمثال حسناتهم، كما ورد في الخبر: «ويل لمن غلب عليه آحاده أعشاره» (5). (6).

ص: 484


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 341
2- الصحاح ، ج 4 ، ص 1700 (دول)
3- الصحاح ، ج 4 ، ص 1390 (ضعف)
4- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 165 (ضعف)
5- .راجع : تفسير الرازي ، ج 14 ، ص 9
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 105

وقوله: (قارب ، وسَدّد) .

يقال: قارب في الأمر، إذا ترك الغلوّ وقصد السُّداد. وسدّد سديداً، أي قصده (1) ووفّقه للسداد، أي الصواب من القول والعمل.

قال الجزري: «فيه: سدّدوا وقاربوا . أي اقتصدوا في الاُمور كلّها، واتركوا الغلوّ فيها والتقصير. يقال: قارب فلان في اُموره، إذا اقتصد»(2).

وقال في السين مع الدال: «فيه: قاربوا وسدّدوا . أي اطلبوا بأعمالكم السداد والاستقامة، وهو القصد في الأمر ، والعدل فيه»(3).

(وادع دعاء الطامع الراغب فيما عندي) من جميل المثوبات، وجزيل الكرامات.

والطمع في الأصل: الحرص، والمراد هنا الرجاء والتوقّع للمغفرة ، ودفع المضارّ ، وجلب المنافع الدنيويّة والاُخرويّة.

في القاموس: «رغب فيه _ كسمع _ رغبا، ويضمّ ، ورغبةً: أراده، وإليه رغبا محرّكةً، ورَغبى: ويضمّ: ابتهل، أو هو الضراعة والمسألة»(4).

(النادم على ما قدّمت يداه) من المعاصي.

(فإنّ سواد الليل يَمحوه النهار) .

السواد: لون معروف، ويكنّى به عن الظلمة.

(وكذلك السيّئة تَمحوها الحسنة) .

قيل: لأنّ السيّئة رَين القلب وجلاؤه، كما قال عزّوجلّ: «إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ» (5). (6).

وفيه تشبيه المعقول بالمحسوس؛ لقصد الإيضاح.

(وعَشوة الليل تأتي على ضَوء النهار) .

في القاموس: «العشوة، بالفتح: الظلمات، وما بين أوّل الليل إلى ربعه، أو من المغرب إلى العتمة، أو من زوال الشمس إلى طلوع الفجر»(7).

ص: 485


1- .كذا قرأناه
2- النهاية ، ج 4 ، ص 33 (قرب)
3- النهاية ، ج 2 ، ص 352 (سدد)
4- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 74 (رغب)
5- .هود (11) : 114
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 342
7- راجع : القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 362 (عشو)

(وكذلك السيّئة تأتي على الحسنة الجليلة) أي العظيمة . والجليل: ضدّ الحقير .

(فتُسوّدها) أي تكدّرها وتمحوها .

قيل: فيه دلالة على الإحباط (1).

وفيه نظر بأن يكفي في التسويد والتكدير مجرّد تأخير الوصول إلى صاحبه، أو نقص كماله .

متن الحديث التاسع

اشارة

عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ؛ وَحُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكِنْدِيِّ جَمِيعاً؛ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْمِيثَمِيِّ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، قَالَ:

قَرَأْتُ جَوَاباً مِنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام إِلى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ:

«أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللّهِ؛ فَإِنَّ اللّهَ قَدْ ضَمِنَ لِمَنِ اتَّقَاهُ أَنْ يُحَوِّلَهُ عَمَّا يَكْرَهُ إِلى مَا يُحِبُّ، وَيَرْزُقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ، فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَخَافُ عَلَى الْعِبَادِ مِنْ ذُنُوبِهِمْ، وَيَأْمَنُ الْعُقُوبَةَ مِنْ ذَنْبِهِ؛ فَإِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ لَا يُخْدَعُ عَنْ جَنَّتِهِ، وَلَا يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلَا بِطَاعَتِهِ إِنْ شَاءَ اللّهُ».

شرح الحديث

السند مقطوع مجهول.

قوله: (أمّا بعد) أي بعد الحمد والصلاة، وكأنّ عدم ذكرهما أوّلاً لكونهما معلومين بحسب المقام، أو أنّه عليه السلام ذكرهما في الجواب أوّلاً ولم يتعرّض المصنّف لذكرهما اختصاراً؛ لعدم تعلّق الغرض به هاهنا.

وقوله: (ممّن يخاف على العباد من ذنوبهم) .

«يخاف» على بناء المعلوم، أي يعلم قبح ذنوب العباد، ويحكم بكونهم في معرض الوبال والنكال(2).

(ويأمن العقوبة من ذنبه) أي يغفل عن ذنب نفسه وما يترتّب عليه من العقوبة، كما قال عزّ

ص: 486


1- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 342
2- قال العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 106 : «ويمكن أن يقرأ على البناء للمفعول؛ أي له ذنوب يخاف على الناس العقوبة بذنوبه، وهو آمن، لكن يأبى منه إفراد الضمائر في الفقرة الثانية»

من قائل: «أَ تَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ» (1).

وقوله: (لا يُخدع عن جنّته) أي لا يمكن دخولها بالخدعة، بل بالإيمان والطاعة.

والحاصل أنّه سبحانه ليس بجاهل ولا غافل عمّا يعمل العباد من الطاعة والمعصية، فيعاقب المطيع المستحقّ للجنّة والثواب، ويثيب العاصي المستوجب للحرمان والعقاب، كما هو شأن الجهلة من الناس، بل هو عالم بما يعمل العاملون، وأيّ مَجرى يَجرون، وإلى أيّ منقلب ينقلبون، فينزّل كلّ أحد منزلته اللائق به.

متن الحديث العاشر

اشاره

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَيْثَمِ بْنِ أَشْيَمَ، (2). عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:

«خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ مُسْتَبْشِرٌ يَضْحَكُ سُرُوراً، فَقَالَ لَهُ النَّاسُ: أَضْحَكَ اللّهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللّهِ، وَزَادَكَ سُرُوراً.

فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ يَوْمٍ وَلَا لَيْلَةٍ إِلَا وَلِيَ فِيهِمَا (3). تُحْفَةٌ مِنَ اللّهِ، أَلَا وَإِنَّ رَبِّي أَتْحَفَنِي فِي يَوْمِي هذَا بِتُحْفَةٍ لَمْ يُتْحِفْنِي بِمِثْلِهَا فِيمَا مَضى، إِنَّ جَبْرَئِيلَ أَتَانِي، فَأَقْرَأَنِي مِنْ رَبِّيَ السَّلَامَ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ اخْتَارَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ سَبْعَةً لَمْ يَخْلُقْ مِثْلَهُمْ فِيمَنْ مَضى، وَلَا يَخْلُقُ مِثْلَهُمْ فِيمَنْ بَقِيَ، أَنْتَ يَا رَسُولَ اللّهِ سَيِّدُ النَّبِيِّينَ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَصِيُّكَ سَيِّدُ الْوَصِيِّينَ، وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سِبْطَاكَ سَيِّدَا الْأَسْبَاطِ، وَحَمْزَةُ عَمُّكَ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ، وَجَعْفَرٌ ابْنُ عَمِّكَ الطَّيَّارُ فِي الْجَنَّةِ يَطِيرُ مَعَ الْمَلَائِكَةِ حَيْثُ يَشَاءُ، وَمِنْكُمُ (4). الْقَائِمُ يُصَلِّي عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ خَلْفَهُ إِذَا أَهْبَطَهُ اللّهُ إِلَى الْأَرْضِ مِنْ ذُرِّيَّةِ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ عليه السلام ».

ص: 487


1- البقرة (2) : 44
2- .يحتمل أن يكون «أشيم» تصحيفاً أو سهواً من ناحية النسّاخ؛ لأنّ «عيثم بن أشيم» مجهول. ولا يبعد أن يكون الصواب: «عيثم بن أسلم» الذي أورده البرقي في رجاله، وروى عنه محمّد بن سليمان الديلمي. ويؤيّد هذا ما تقدّم في نفس الكافي، ج1، ص278، ح3؛ وج3، ص397، ح2 من رواية محمّد بن سليمان الديلمي عن عيثم بن أسلم النجاشي، فتأمّل
3- .في الحاشية عن بعض النسخ: «فيها»
4- .في الحاشية عن بعض النسخ: «وفيكم»
شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (ذاتَ يوم)؛ قيل: لفظة «ذات» في مثل «ذات يوم» مقحمة. وقيل: بمعنى النفس(1).

وقال الجوهري: «هي من ظروف الزمان التي لا تتمكّن»(2).

وقوله: (أضحك اللّه سِنّك) .

السنّ، بالكسر: الضرس، وتعليق الضحك إليه باعتبار ظهوره منه، أو بتضمين مثل معنى الكشف.

وقوله: (تحفة من اللّه) .

في القاموس: «التحفة، بالضمّ وكهمزة: البرّ، واللطف، والطرفة. وقد أتحفته تُحفة»(3).

وغرضه من هذا الكلام التحديث بنعمة ربّه وإظهار الشكر.

وقوله: (ولا يخلق مثلهم فيمن بقي ...)؛ قيل: لعلّ المراد بمن بقي سوى سائر الأئمّة عليهم السلام مع أنّهم لما كانوا متشعّبين من أنوار هؤلاء المذكورين، وأنّهم من نور واحد، فكأنّهم مذكورون معهم.

وتخصيص القائم عليه السلام بالذكر لخفائه، وكثرة الاختلاف والتفاوت فيه.

وقيل: المراد الموجودون في ذلك الزمان، واُسقطت من الرواية فاطمة عليهاالسلام(4).

وقوله: (ومنكم القائم) كلام مستأنف.

وأقول: كلّ ذي فضل يشير بفضيلة (5) لا توجد تلك الفضيلة بعينها في غيره، فهو أفضل منه فيها، وليس يلزم منه فضله على ذلك الغير من سائر الجهات أيضاً، فاختصاص رسول اللّه صلى الله عليه و آله بكونه سيّد النبيّين، واختصاص عليّ عليه السلام بكونه سيّد الوصيّين، والحسنين بكونهما سيّدي الأسباط، وحمزة بكونه سيّد شهداء اُحد، وجعفر بطيرانه مع الملائكة في الجنّة، والقايم عليه السلام بصلاة عيسى بن مريم عليه السلام خلفه يستلزم الحكم بتفضيلهم على غيرهم في تلك

ص: 488


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 343
2- الصحاح ، ج 6 ، ص 2552 (ذا)
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 120 (تحف)
4- اُنظر: مرآة العقول ، ج 25 ، ص 107
5- .كذا قرأناه

الفضائل فقط، لكن بعضها يستلزم التفضيل على الغير عموماً وعلى الإطلاق، كما في الأوّلين، وبعضها لا يستلزم ذلك كما في البواقي ، فحينئذٍ يصدق على كلّ ذي فضل منهم أنّه لم يخلق مثله في تلك الفضيلة الخاصّة به فيمن مضى ، ولا يُخلق مثله فيها فيمن بقي، وإلّا لزم عدم اختصاصه بتلك الفضيلة .

وهذا خلف، فافهم .

وقوله: (سيّد الأسباط)؛ أي أسباط الأنبياء.

والسِّبط، بالكسر: ولد الولد، ويندرج في هذا الحكم سائر الأئمّة عليهم السلام .

وقوله : (سيّد الشهداء)؛ كأنّ المراد بهم شهداء اُحد، أو شهداء عصره، أو الحكم إضافيّ ، وإلّا فسيّد الشهداء على الإطلاق حسين بن عليّ عليهماالسلام .

متن الحديث الحادي عشر

اشارة

متن الحديث الحادي عشر (1).

سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ، (2) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الدَّيْلَمِيِّ الْمِصْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:قُلْتُ لَهُ: قَوْلُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ» ؟ (3).

[قَالَ: فَقَالَ: «إِنَّ الْكِتَابَ لَمْ يَنْطِقْ، وَلَنْ يَنْطِقَ، وَلكِنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله هُوَ النَّاطِقُ بِالْكِتَابِ، قَالَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ: هذَا كِتَابُنَا يُنْطَقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ] قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنَّا لَا نَقْرَؤُهَا هكَذَا، فَقَالَ: «هكَذَا وَاللّهِ نَزَلَ بِهِ جَبْرَئِيلُ عَلى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وَلكِنَّهُ فِيمَا (4). حُرِّفَ مِنْ كِتَابِ اللّهِ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (محمّد بن سليمان الديلمي المصري) .

كذا في نسخ الكتاب ، وفي رجال الشيخ: «البصري» بالباء الموحّدة ، (5).

وذكر ابن داود: «محمّد بن سليمان النصري» بالنون، وعدّه مغايراً للديلمي (6).

ص: 489


1- .في الحاشية: «في نطق الكتاب»
2- .لا يخفى أنّ السند معلّق على سابقه، ويروي عن سهل العدّة المذكورة فيه
3- .الجاثية (45) : 29
4- .في الحاشية عن بعض النسخ: «ممّا»
5- .اُنظر: رجال الطوسي ، ص 343 ، الرقم 5109
6- اُنظر: رجال ابن داود ، ص 505 ، الرقم 438

وقوله تعالى : «هذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ» ؛ حمل النطق على الدلالة مجاز باعتبار ظهور المقصود.

ولعلّ الظاهر أنّه عليه السلام قرأ «يُنطَق» على البناء للمفعول، أو التحريف في «كتابنا» ، والمُنزَل: «كَتّابنا» بفتح الكاف وتشديد التاء على صيغة المبالغة، وهو العالم الذي بلغ علمه حدّ الكمال ، والمراد به رسول اللّه صلى الله عليه و آله والأوصياء بعده واحداً بعد واحد ، واحتمال ضمّ الكاف لا يناسب قوله: «ينطق» على صيغة المفرد .

وقيل : التحريف في «عليكم»، والمنزل: «عَليّكُم» بتشديد الياء المضمومة، (1).

واللّه تعالى يعلم .

متن الحديث الثاني عشر

اشاره

جَمَاعَةٌ، عَنْ سَهْلٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَالشَّمْسِ وَضُحاها» ، قَالَ: «الشَّمْسُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، بِهِ أَوْضَحَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ لِلنَّاسِ دِينَهُمْ».

قَالَ: قُلْتُ: «وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها» ؟

قَالَ: «ذَاك أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، تَلَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَنَفَثَهُ بِالْعِلْمِ نَفْثاً».

قَالَ: قُلْتُ: «وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها» ؟ (2).

قَالَ: «ذَاكَ (3) أَئِمَّةُ الْجَوْرِ الَّذِينَ اسْتَبَدُّوا بِالْأَمْرِ دُونَ آلِ الرَّسُولِ صلى الله عليه و آله ، وَجَلَسُوا مَجْلِساً كَانَ آلُ الرَّسُولِ أَوْلى بِهِ مِنْهُمْ، فَغَشُوا دِينَ اللّهِ بِالظُّلْمِ وَالْجَوْرِ، فَحَكَى اللّهُ فِعْلَهُمْ فَقَالَ: «وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها» ».

قَالَ: فَقُلْتُ: (4) «وَالنَّهارِ إِذا جَلاّها» ؟ قَالَ: «ذَاكَ (5) الْاءِمَامُ مِنْ ذُرِّيَّةِ فَاطِمَةَ عليهاالسلام يُسْأَلُ عَنْ دِينِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَيُجَلِّيهِ لِمَنْ سَأَلَهُ، فَحَكَى اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ قَوْلَهُ، فَقَالَ: «وَالنَّهارِ إِذا جَلاّها» ».

ص: 490


1- . قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 108
2- . الشمس (91): 1 _ 4
3- .في الحاشية عن بعض النسخ وتفسير القمّي، ج2، ص424: «ذلك»
4- .في كلتا الطبعتين وجميع النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة: «قلت» بدون الفاء
5- في كلتا الطبعتين وأكثر النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة: «ذلك»
شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (عن أبي محمّد).

كذا في كثير من النسخ، والظاهر أنّه أبو بصير؛ لأنّه روى عليّ بن إبراهيم أيضاً هذا الخبر عن أبيه عن سليمان الديلمي عن أبي بصير (1).

وقوله عليه السلام : (الشمس رسول اللّه صلى الله عليه و آله )؛ استعير الشمس له صلى الله عليه و آله ، والوجه الإضاءة والإنارة وإيضاح الدِّين، كما أشار إليه بقوله : (به أوضح اللّه _ عزّ وجلّ _ للناس دينهم) .

قيل : وعلى هذا يكون قوله : «وَضُحَاهَا» أي ضوئها أو غاية ارتفاعها، عبارة عن دينه وعلمه، وارتفاع ملّته، وانتفاع الناس بهدايته (2).

وقوله : (ذلك (3) أمير المؤمنين عليه السلام ) ؛ استعير القمر له عليه السلام ، والوجه أنّ علمه مستفاد من نور علم النبيّ صلى الله عليه و آله ، كما أنّ نور القمر مستفاد من نور الشمس، كما أشار إليه بقوله : (تلا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ) ؛ أي تبعه في الطلوع، أو في الاستدارة وكمال النور.

(ونفثه بالعلم نفثاً) أي أسرّه إليه، وألقاه في صدره . والنَّفث، كالنفخ، وفعله كنصر وضرب.

والضمير المستتر عائد إلى الرسول صلى الله عليه و آله ، والبارز إلى أمير المؤمنين عليه السلام .

(قال : قلت : «وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها» قال : ذاك أئمّة الجور) .

قال بعض الأعلام :

قيل : الضمير راجع إلى الشمس . وقيل : إلى الآفاق، أو الأرض المعلومتين بقرينة المقام .

ولما كانت الشمس على هذا التأويل كناية عن الرسول صلى الله عليه و آله ، والليل عن أئمّة الجور، فعلى الأوّل المراد أنّهم ستروا بظلمة جهلهم وجورهم ضوء شمس الرسالة ودينها وعلمها ، وعلى الأخيرين المقصود أنّه اُظلمت الآفاق أو الأرض بسواد جهلهم وظلمهم . قال : ولعلّ القَسَم هنا محمول على التهكّم (4).

(استبدّوا بالأمر) أي تفرّدوا بأمر الرئاسة والخلافة غصباً وظلماً .

ص: 491


1- تفسير القمّي ، ج 2 ، ص 424
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 108
3- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقاً: «ذاك»
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 109

وقوله تعالى : «وَالنَّهارِ إِذا جَلاّها» .

قيل : الضمير هنا أيضاً عائد إلى الشمس؛ فإنّها تتجلّى إذا انبسط النهار ، أو إلى الظلمة ، أو إلى الدنيا ، أو إلى الأرض ، وإن لم يجر ذكرها للعلم بها بقرينة المقام (1).

وفي تفسيره عليه السلام النهار بالإمام إيماء إلى الأوّل، ويحتمل على هذا التفسير إرجاعه إلى الضحى، كما يشعر به قوله عليه السلام : (يُسأَل عن دين رسول اللّه فيُجلّيه) أي يكشفه ويوضحه، ويبيّنه على ما يقتضيه المقام .

متن الحديث الثالث عشر

اشارة

سَهْلٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:

قُلْتُ: «هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ» ؟ قَالَ: «يَغْشَاهُمُ الْقَائِمُ بِالسَّيْفِ». قَالَ: قُلْتُ: «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ» ؟ قَالَ: «خَاضِعَةٌ لَا تُطِيقُ ا لأْتِنَاعَ». قَالَ: قُلْتُ: «عامِلَةٌ» ؟ قَالَ: «عَمِلَتْ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللّهُ». قَالَ: قُلْتُ: «ناصِبَةٌ» ؟ قَالَ: «نَصَبَتْ غَيْرَ وُلَاةِ الْأَمْرِ». قَالَ: قُلْتُ: «تَصْلى ناراً حامِيَةً» ؟ (2). قَالَ: «تَصْلى نَارَ الْحَرْبِ فِي الدُّنْيَا عَلى عَهْدِ الْقَائِمِ، وَفِي الْاخِرَةِ نَارَ جَهَنَّمَ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله تعالى : «هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ» . قال البيضاوي : «أي الداهية التي تغشى الناس بشدائدها؛ يعني يوم القيامة، أو النار، من قوله : «وَتَغْشى وُجُوهَهُمْ النَّارُ» (3). » (4).

وقال الجوهري : «الغاشية: القيامة؛ لأنّها تغشى بإفزاعها . وغشّيت الشيء تغشية، إذا غطّيته . وغشيت الرجل بالسوط: ضربته. وغَشيه غشياناً، أي جاءه» (5).

(قال : يغشاهم القائم بالسيف) .

شبّه القائم عليه السلام بالداهية؛ لأنّه بلاءٌ على أعدائه، يغشاهم بالشدائد من القتل والنهب

ص: 492


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 109
2- .الغاشية (88): 1 _ 4
3- .إبراهيم (14): 50
4- اُنظر: تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 483
5- الصحاح ، ج 6 ، ص 2446 و2447 (غشا)

والأسر . وقيل : أو بالنار؛ لأنّه عليه السلام يحرقهم بالسيف القاطع، ويهلكهم كالنار (1).

وقوله : (لا تُطيق الامتناع) إلى قوله : (نصبت غير وُلاة الأمر) ؛ تفسيره عليه السلام ظاهر .

وقال البيضاوي في تفسير قوله تعالى : «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ» :

ذليلة. «عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ» ؛ تعمل ما تتعب فيه كجرّ السلاسل، وخوضها في النار خوض الإبل في الوحل، والصعود والهبوط في تلالها ووهادها ، أو عملت (2)

ونصبت في أعمال لا تنفعها يومئذٍ. «تَصْلى نَاراً» تدخلها. وقرأ أبو عمرو ويعقوب وأبو بكر: «تصلى» من أصلاه اللّه . وقرئ «تُصلّ» بالتشديد للمبالغة. «حَامِيَةٌ» : متناهية في الحرّ . انتهى (3).

وقوله : (قال: تصلى نارَ الحرب) .

الضمير المستتر في «تصلى» راجع إلى الوجوه، أي تدخلها، فتهلك بنار السيف والسنان كدخول الحطب في النار وإحراقه .

وقيل: في تشبيه الحرب بالنار الحامية إشارة إلى كمال شوكة الصاحب عليه السلام ، ونهاية قدرته على محاربة الأعداء (4).

متن الحديث الرابع عشر

اشاره

متن الحديث الرابع عشر (5).

سَهْلٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ:

قُلْتُ لأبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : قَوْلُهُ تَبَارَك وَتَعَالى: «وَأَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ» ؟ (6). قَالَ: فَقَالَ لِي: «يَا أَبَا بَصِيرٍ، مَا تَقُولُ فِي هذِهِ الْايَةِ؟».

قَالَ: قُلْتُ: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ يَزْعُمُونَ وَيَحْلِفُونَ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله أَنَّ اللّهَ لَا يَبْعَثُ الْمَوْتى.

قَالَ: فَقَالَ: «تَبّاً لِمَنْ قَالَ هذَا، سَلْهُمْ هَلْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ، أَمْ (7).

بِاللاَّتِ وَالْعُزّى؟» قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ فَأَوْجِدْنِيهِ.

ص: 493


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 346
2- .في المصدر: «ما عملت» بدل «أوعملت»
3- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 483
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 347
5- .في الحاشية: «في بعث الموتى»
6- .النحل (16): 38
7- .في الحاشية عن بعض النسخ: «أو»

قَالَ: فَقَالَ لِي: «يَا أَبَا بَصِيرٍ، لَوْ قَدْ قَامَ قَائِمُنَا بَعَثَ اللّهُ إِلَيْهِ قَوْماً مِنْ شِيعَتِنَا قِبَاعُ سُيُوفِهِمْ عَلى عَوَاتِقِهِمْ، فَيَبْلُغُ ذلِكَ قَوْماً مِنْ شِيعَتِنَا لَمْ يَمُوتُوا، فَيَقُولُونَ: بُعِثَ فُلاَ نٌ وَفُلاَ نٌ وَفُلاَ نٌ مِنْ قُبُورِهِمْ، وَهُمْ مَعَ الْقَائِمِ، فَيَبْلُغُ ذلِكَ قَوْماً مِنْ عَدُوِّنَا، فَيَقُولُونَ: يَا مَعْشَرَ الشِّيعَةِ، مَا أَكْذَبَكُمْ هذِهِ دَوْلَتُكُمْ، وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: فِيهَا الْكَذِبَ، لَا وَاللّهِ مَا عَاشَ هؤُلَاءِ وَلَا يَعِيشُونَ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» قَالَ: «فَحَكَى اللّهُ قَوْلَهُمْ فَقَالَ: «وَأَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللّهُ مَنْ يَمُوتُ» ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله تعالى في سورة النحل : «وَأَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ» . قال البيضاوي :

جهد الإيمان: أغلظها، وهو في الأصل مصدر، ونصبه على الحال على تقدير «وأقسموا باللّه » يجتهدون جهد أيمانهم، فحذف الفعل، واُقيم المصدر مقامه، ولذلك ساغ كونها معرفة، أو على المصدر؛ لأنّه بمعنى أقسموا(1).

«بَلى» يبعثهم «وَعْداً» مصدر مؤكّد لنفسه، وهو ما دلَّ عليه «بلى»؛ فإنّ «يبعث» موعد من اللّه عليه انجازه؛ لامتناع الخلف في وعده، أو لأنّ البعث مقتضى حكمته «حَقّاً» صفة اُخرى للوعد .

«وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ» أنّهم يبعثون؛ إمّا لعدم علمهم بأنّه من مواجب الحكمة التي جرت عادته بمراعاتها ، وإمّا لقصور نظرهم بالمألوف، فيتوهّمون امتناعه .

وقوله : (تبّاً لمن قال هذا)؛ الجملة دعائيّة، أو خبريّة، و«هذا» إشارة إلى ما ذكر الراوي من التفسير .

وقيل: ينبغي حمله في مثل أبي بصير على التوبيخ، (2) وهو كما ترى .

قال الجوهري : «التباب: الخسران، والهلاك ، وتقول: تبّاً لفلان، تنصبه على المصدر بإضمار فعل، أي ألزمه اللّه هلاكاً وخسراناً» (3).

(سلهم) . الضمير للمفسّرين المفهومين من سوق الكلام ، أو أهل العلم والمعرفة بأحوال المشركين .

ص: 494


1- تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 335
2- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 347
3- الصحاح ، ج 1 ، ص 90 (تبب)

(هل كان المشركون يحلفون باللّه ، أم باللَات والعُزّى) ؛ فإنّه معلوم لكلّ من تتبّع أحوالهم وأطوارهم أنّهم لا يحلفون به تعالى، بل بهما .

وقوله : (فأوجدنيه) أي بيّن لي ما هو مراد اللّه من الآية ، وأظفرني به. يُقال : أوجده اللّه مطلوبه، أي أظفره به .

وقوله : (بعث اللّه إليه قوماً من شيعتنا) ؛ الظاهر أنّهم هم المبعوثون من قبورهم .

(قِباعُ سيوفهم على عَواتقهم) .

قَبيعة السيف، كسفينة: ما على طرف مقبضه من فضّةٍ أو حديد، وجمعه: قِباع، بالكسر، كصيحة وصياح. والعاتق: موضع الرداء من المنكب .

(فيبلغ ذلك) الخبر (قوماً من شيعتنا لم يموتوا) بعدُ (فيقولون) أي المخبرون، أو الشيعة بعد سماع هذا الخبر (بُعث فلان وفلان)؛ كناية عن القوم المبعثين (1).

من الشيعة المذكورين في قوله عليه السلام : «بعث اللّه إليه قوماً من شيعتنا» .

وقوله: (ما أكذبكم)؛ نسبوا الكذب إلى الشيعة في القول المذكور متعجّبين منه؛ لزعمهم بطلان الرجعة، أو لعدم احتياج تلك الدولة القاهرة إلى معاونة الموتى ، والأقرب الأوّل .

وقوله : (لا واللّه ما عاش هؤلاء) تأكيد لإنكارهم ما ذكر، وترويج للكذب الشيعة ، و«هؤلاء» إشارة إلى الذين أخبرت الشيعة برجعتهم.

في القاموس: «العيش: الحياة، عاش يعيش عيشاً» (2).

متن الحديث الخامس عشر

اشاره

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ بَدْرِ بْنِ الْخَلِيلِ الْأَ سَدِيِّ، قَالَ:

سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ فِي قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «فَلَمّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ * لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ» ، (3). قَالَ: «إِذَا قَامَ الْقَائِمُ، وَبَعَثَ إِلى بَنِي أُمَيَّةَ بِالشَّامِ، هَرَبُوا (4). إِلَى الرُّومِ، فَيَقُولُ لَهُمُ الرُّومُ: لَا نُدْخِلَنَّكُمْ (5). حَتّى تَتَنَصَّرُوا (6). ، فَيُعَلِّقُونَ فِي

ص: 495


1- .في النسخة: «المبعثون» وهو سهو
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 280 (عيش)
3- .الأنبياء (21): 12 و13
4- .في الطبعة القديمة: «فهربوا»
5- .في الحاشية عن بعض النسخ: «لا ندخلكم»
6- .في الحاشية عن بعض النسخ: «تنصّروا»

أَعْنَاقِهِمُ الصُّلْبَانَ، فَيُدْخِلُونَهُمْ (1) ، فَإِذَا نَزَلَ بِحَضْرَتِهِمْ أَصْحَابُ الْقَائِمِ طَلَبُوا الْأَ مَانَ وَالصُّلْحَ، فَيَقُولُ أَصْحَابُ الْقَائِمِ: لَا نَفْعَلُ حَتّى تَدْفَعُوا إِلَيْنَا مَنْ قِبَلَكُمْ مِنَّا».

قَالَ: «فَيَدْفَعُونَهُمْ إِلَيْهِمْ، فَذلِكَ قَوْلُهُ: «لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ» » قَالَ: «يَسْأَلُهُمُ الْكُنُوزَ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهَا».

قَالَ: «فَيَقُولُونَ: «يا وَيْلَنا إِنّا كُنّا ظالِمِينَ * فَما زاَلَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ» (2). بِالسَّيْفِ».

وهو سعيد بن عبد الملك الاُموي صاحب نهر سعيد بالرحبة(3).

شرح الحديث

السند مجهول .

قوله تعالى في سورة الأنبياء : «فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا» .

قال البيضاوي :

أي فلمّا أدركوا شدّه عذابنا إدراك المشاهد المحسوس «إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ» : يهربون مسرعين راكضين دوابّهم، أو مشبّهين به من فرط إسراعهم .

«لَا تَرْكُضُوا» على إرادة القول، أي قيل لهم استهزاء: لا تركضوا؛ إمّا بلسان الحال، أو المقال، والقائل ملك، أو من ثَمَّ من المؤمنين .

«وَارْجِعُوا إِلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ» من النِّعم والتلذّذ . والإتراف: إبطار النعمة . «وَمَسَاكِنِكُمْ» التي كانت لكم . «لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ» غداً عن أعمالكم، أو تعذّبون؛ فإنّ السؤال من مقدّمات العذاب ، أو تُقصدون في السؤال (4). والتشاور في المهام والنوازل ، «قَالُوا يا وَيْلَنا إِنّا كُنّا ظالِمِينَ» لما رأوا العذاب، ولم يروا وجه النجاة، فلذلك لم ينفعهم.

«فَما زاَلَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ» : فما زالت (5) يردّدون ذلك، وإنّما سمّاه دعوى؛ لأنّ المُوَلْول كأنّه يدعوا الوَيْلَ ويقول: يا ويل تعال ، فهذا أو أنّك وكلّ من «تِلْكَ» و «دَعْواهُمْ»يحتمل الاسميّة والخبريّة ، «حَتّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً» مثل الحصيد، وهو النبت

ص: 496


1- .في الحاشية عن بعض النسخ: «ويدخلونهم»
2- .الأنبياء (21): 14 و15
3- في كلتا الطبعتين وجميع النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة: - «وهو سعيد بن عبد الملك الاُموي صاحب نهر سعيد بالرحبة»
4- .في المصدر: «للسؤال»
5- .في المصدر: «فما زالوا»

المحصود، ولذلك لم يجمع. «خامِدِينَ» ميّتين من خمدت النار، وهو مع «حصيداً» بمنزلة المفعول الثاني، كقولك : جعلته حلواً حامضاً؛ إذ المعنى: وجعلناهم جامعين؛ لمماثلة الحصيد والخمود، أو صفة له، أو حال من ضميره . انتهى (1) وقال في القاموس: «البأس: العذاب، والشدّة في الحرب »(2) وقال : «الركض: تحريك الرجل، ومنه : «ارْكُضْ بِرِجْلِكَ» ، (3) والدفع، واستحثاث الفرس للعَدْو، والهرب، ومنه : «إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ» ، والعَدْوُ» (4).

وقال:

التُّرفّه، بالضمّ: النعمة، والطعام الطيّب، والشيء الظريف، وكمُكرَم: المتروك يصنع ما يشاء ولا يمنع ، والمتنعّم الواسع في ملاذّ الدنيا وشهواتها الذي لا يمنع من تنعّمه (5). وقوله : (بَعَثَ) على البناء للفاعل، أو المفعول .

وفي القاموس: «الروم، بالضمّ: جيل من ولد الروم بن عيصو »(6).

والتنصّر: الدخول في دين النصارى . والتعليق والإعلاق: جعل الشيء علاقة . والصُّلبان، بالضمّ: جمع صليب، كرغفان ورغيف .

وحضرة الرجل، مثلّثة ومحرّكة: قربه، وفناؤه. والكنوز: الأموال التي كنزوها ودفنوها في الأرض .

وقوله : (وهو أعلم بها) .

أي والحال أنّه عليه السلام أعلم بتلك الكنوز، لكن يسألهم ليكون أشدّ عليهم .

والحصيد: الزرع المحصود بالمِنْجَل، وإطلاقه عليهم من باب الاستعارة . ويُقال: خمدت النار تخمُدُ خموداً: سكن لهبها، ولم يطفأ جمرها، وخمدت الحمّى: سكن فورانُها، وخمد المريض: اُغمي عليه، أو مات .

والظاهر أنّ قوله : (وهو سعيد بن عبد الملك) إلى آخره، كان حاشية على قوله : (سعد الخير) ، وبياناً له. وكان قوله : «سعيد» تصحيفاً، أو كان اسمه: سعيداً، وسعد الخير لقبه ، فاشتبه

ص: 497


1- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 84 و 85
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 199 (بأس)
3- ص (38): 42
4- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 332 (ركض)
5- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 120 (ترف) مع زيادة
6- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 123 (روم)

على النسّاخ، وأدخلوه في المتن كما ستطّلع عليه فيما نذكره من كتاب الاختصاص ، وعلى تقدير كونه جزء الخبر فالظاهر أنّ الضمير راجع إلى الهارب من أهل الشام، وهو رئيس الهاربين.

والاُمويّ، بضمّ الهمزة وفتح الميم، وربّما فتحوا الهمزة أيضاً: منسوب إلى اُميّة قبيلة من قريش، بحذف [التاء و] الياء الزائدة، وقُلبت الأخيرة واواً كراهة اجتماع أربع ياءات ، ومنهم من يقول : اُميّيّ بأربع ياءات.

وفي القاموس:

الرُّحبة، بالضمّ : ماءة بأجأ، وبئر في ذي ذروان من أرض مكّة، وقرية حذّاء القادسيّة، وواد قرب صنعاء، وناحية بين المدينة والشام ، وبالفتح: رحبة مالك بن طَوق على الفرات ، وقرية بدمشق، ومحلّة بالكوفة، وموضع ببغداد، وواد وموضع بالبادية، وقرية باليمامة، وصحراء بها أيضاً فيها مياه وقرى (1).

متن الحديث السادس عشر (رسالة أبي جعفر عليه السلام إلى سعد الخير)

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ، عَنْ عَمِّهِ حَمْزَةَ بْنِ بَزِيعٍ؛ وَالْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ قَالَ:

كَتَبَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام إِلى سَعْدٍ الْخَيْرِ:

«بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللّهِ؛ فَإِنَّ فِيهَا السَّلَامَةَ مِنَ التَّلَفِ، وَالْغَنِيمَةَ فِي الْمُنْقَلَبِ، إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ يَقِي بِالتَّقْوى عَنِ الْعَبْدِ مَا عَزَبَ عَنْهُ عَقْلُهُ، وَيُجْلِي بِالتَّقْوى عَنْهُ عَمَاهُ وَجَهْلَهُ، وَبِالتَّقْوى نَجَا نُوحٌ وَمَنْ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ، وَصَالِحٌ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الصَّاعِقَةِ؛ وَبِالتَّقْوى فَازَ الصَّابِرُونَ، وَنَجَتْ تِلْكَ الْعُصَبُ مِنَ الْمَهَالِكِ، وَلَهُمْ إِخْوَانٌ عَلى تِلْكَ الطَّرِيقَةِ، يَلْتَمِسُونَ تِلْكَ الْفَضِيلَةَ، نَبَذُوا طُغْيَانَهُمْ مِنَ الْاءِيرَادِ (2) بِالشَّهَوَاتِ، لِمَا بَلَغَهُمْ فِي الْكِتَابِ مِنَ الْمَثُلَاتِ، حَمِدُوا رَبَّهُمْ

ص: 498


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 72 (رحب) مع التلخيص
2- .في الحاشية عن بعض النسخ: «الالتذاذ»

عَلى مَا رَزَقَهُمْ وَهُوَ أَهْلُ الْحَمْدِ، وَذَمُّوا أَنْفُسَهُمْ عَلى مَا فَرَّطُوا وَهُمْ أَهْلُ الذَّمِّ.

وَعَلِمُوا أَنَّ اللّهَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ الْحَلِيمَ الْعَلِيمَ، إِنَّمَا غَضَبُهُ عَلى مَنْ لَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ رِضَاهُ، وَإِنَّمَا يَمْنَعُ مَنْ لَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ عَطَاهُ، وَإِنَّمَا يُضِلُّ مَنْ لَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ هُدَاهُ، ثُمَّ أَمْكَنَ أَهْلَ السَّيِّئَاتِ مِنَ التَّوْبَةِ بِتَبْدِيلِ الْحَسَنَاتِ، دَعَا عِبَادَهُ فِي الْكِتَابِ إِلى ذلِكَ بِصَوْتٍ رَفِيعٍ لَمْ يَنْقَطِعْ، وَلَمْ يَمْنَعْ دُعَاءَ عِبَادِهِ، فَلَعَنَ اللّهُ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللّهُ، وَكَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ، فَسَبَقَتْ قَبْلَ الْغَضَبِ، فَتَمَّتْ صِدْقاً وَعَدْلاً، فَلَيْسَ يَبْتَدِئُ الْعِبَادَ بِالْغَضَبِ قَبْلَ أَنْ يُغْضِبُوهُ، وَذلِكَ مِنْ عِلْمِ الْيَقِينِ وَعِلْمِ التَّقْوى، وَكُلُّ أُمَّةٍ قَدْ رَفَعَ اللّهُ عَنْهُمْ عِلْمَ الْكِتَابِ حِينَ نَبَذُوهُ، وَوَلَاهُمْ عَدُوَّهُمْ حِينَ تَوَلَّوْهُ، وَكَانَ مِنْ نَبْذِهِمُ الْكِتَابَ أَنْ أَقَامُوا حُرُوفَهُ، وَحَرَّفُوا حُدُودَهُ، فَهُمْ يَرْوُونَهُ، وَلَا يَرْعَوْنَهُ، وَالْجُهَّالُ يُعْجِبُهُمْ حِفْظُهُمْ لِلرِّوَايَةِ، وَالْعُلَمَاءُ يَحْزُنُهُمْ تَرْكُهُمْ لِلرِّعَايَةِ، وَكَانَ مِنْ نَبْذِهِمُ الْكِتَابَ أَنْ وَلَّوْهُ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ، فَأَوْرَدُوهُمُ الْهَوى، وَأَصْدَرُوهُمْ إِلَى الرَّدى، وَغَيَّرُوا عُرَى الدِّينِ، ثُمَّ وَرَّثُوهُ فِي السَّفَهِ وَالصِّبَا.

فَالْأُمَّةُ يَصْدُرُونَ عَنْ أَمْرِ النَّاسِ بَعْدَ أَمْرِ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى، وَعَلَيْهِ يُرَدُّونَ، فَبِئْسَ (1) لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً وَلَايَةُ النَّاسِ بَعْدَ وَلَايَةِ اللّهِ، وَثَوَابُ النَّاسِ بَعْدَ ثَوَابِ اللّهِ، وَرِضَا النَّاسِ بَعْدَ رِضَا اللّهِ، فَأَصْبَحَتِ الْأُمَّةُ لِذلِكَ، (2). وَفِيهِمُ الْمُجْتَهِدُونَ فِي الْعِبَادَةِ، عَلى تِلْكَ الضَّلَالَةِ مُعْجَبُونَ مَفْتُونُونَ، (3). فَعِبَادَتُهُمْ فِتْنَةٌ لَهُمْ وَلِمَنِ اقْتَدى بِهِمْ، وَقَدْ كَانَ فِي الرُّسُلِ ذِكْرى لِلْعَابِدِينَ، إِنَّ نَبِيّاً مِنَ الْأَنْبِيَاءِ كَانَ يَسْتَكْمِلُ الطَّاعَةَ، ثُمَّ يَعْصِي اللّهَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ فِي الْبَابِ الْوَاحِدِ، فَيَخْرُجَ (4). بِهِ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُنْبَذُ بِهِ فِي بَطْنِ الْحُوتِ، ثُمَّ لَا يُنَجِّيهِ إِلَا ا لأْتِرَافُ وَالتَّوْبَةُ.

فَاعْرِفْ أَشْبَاهَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ الَّذِينَ سَارُوا بِكِتْمَانِ الْكِتَابِ وَتَحْرِيفِهِ، «فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ» ، (5). ثُمَّ اعْرِفْ أَشْبَاهَهُمْ مِنْ هذِهِ الْأُمَّةِ الَّذِينَ أَقَامُوا حُرُوفَ الْكِتَابِ، وَحَرَّفُوا حُدُودَهُ، فَهُمْ مَعَ السَّادَةِ وَالْكُبُرَّةِ، فَإِذَا تَفَرَّقَتْ قَادَةُ الْأَهْوَاءِ كَانُوا مَعَ أَكْثَرِهِمْ دُنْيَا، وَذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ، لَا يَزَالُونَ كَذلِكَ فِي طَبَعٍ وَطَمَعٍ، لَا يَزَالُ يُسْمَعُ صَوْتُ إِبْلِيسَ عَلى أَلْسِنَتِهِمْ بِبَاطِلٍ كَثِيرٍ، يَصْبِرُ مِنْهُمُ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْأَ ذى وَالتَّعْنِيفِ، وَيَعِيبُونَ عَلَى الْعُلَمَاءِ بِالتَّكْلِيفِ.

ص: 499


1- .في الطبعة الجديدة وجميع النسخ التي قوبلت فيها وشرح المازندراني: «بئس» بدون الفاء
2- .في الحاشية عن بعض النسخ والطبعة القديمة: «كذلك»
3- .في الحاشية عن بعض النسخ: «مفتنون»
4- .في الطبعة القديمة: «فخرج»
5- .البقرة (2): 16

وَالْعُلَمَاءُ فِي أَنْفُسِهِمْ خَانَةٌ إِنْ كَتَمُوا النَّصِيحَةَ، إِنْ رَأَوْا تَائِهاً ضَالًا لَا يَهْدُونَهُ، أَوْ مَيِّتاً لَا يُحْيُونَهُ، فَبِئْسَ مَا يَصْنَعُونَ؛ لِأَنَّ اللّهَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ أَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ فِي الْكِتَابِ أَنْ يَأْمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَبِمَا أُمِرُوا بِهِ، وَأَنْ يَنْهَوْا عَمَّا نُهُوا عَنْهُ، وَأَنْ يَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى، وَلاَ يَتَعَاوَنُوا عَلَى الْاءِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، فَالْعُلَمَاءُ مِنَ الْجُهَّالِ فِي جَهْدٍ وَجِهَادٍ، إِنْ وَعَظَتْ قَالُوا: طَبَعَتْ، (1). وَإِنْ عَلَّمُوا الْحَقَّ الَّذِي تَرَكُوا قَالُوا: خَالَفَتْ، وَإِنِ اعْتَزَلُوهُمْ قَالُوا: فَارَقَتْ، وَإِنْ قَالُوا: هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ عَلى مَا تُحَدِّثُونَ، قَالُوا: نَافَقَتْ، وَإِنْ أَطَاعُوهُمْ قَالُوا: عَصَتِ (2). اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ فَهَلَكَ جُهَّالٌ فِيمَا لَا يَعْلَمُونَ، أُمِّيُّونَ فِيمَا يَتْلُونَ، يُصَدِّقُونَ بِالْكِتَابِ عِنْدَ التَّعْرِيفِ، وَيُكَذِّبُونَ بِهِ عِنْدَ التَّحْرِيفِ، فَلَا يُنْكِرُونَ أُولئِكَ أَشْبَاهُ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ، قَادَةٌ فِي الْهَوى، سَادَةٌ فِي الرَّدى، وَآخَرُونَ مِنْهُمْ جُلُوسٌ بَيْنَ الضَّلَالَةِ وَالْهُدى، لَا يَعْرِفُونَ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ مِنَ الْأُخْرى، يَقُولُونَ مَا كَانَ النَّاسُ يَعْرِفُونَ هذَا، وَلَا يَدْرُونَ مَا هُوَ، وَصَدَّقُوا تَرْكَهُمْ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا مِنْ نَهَارِهَا، لَمْ يَظْهَرْ فِيهِمْ بِدْعَةٌ، وَلَمْ يُبَدَّلْ فِيهِمْ سُنَّةٌ، لَا خِلَافَ عِنْدَهُمْ، وَلَا اخْتِلَافَ، فَلَمَّا غَشِيَ النَّاسَ ظُلْمَةُ خَطَايَاهُمْ صَارُوا إِمَامَيْنِ: دَاعٍ إِلَى اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى، وَدَاعٍ إِلَى النَّارِ، فَعِنْدَ ذلِكَ نَطَقَ الشَّيْطَانُ، فَعَلَا صَوْتُهُ عَلى لِسَانِ أَوْلِيَائِهِ، وَكَثُرَ خَيْلُهُ وَرَجْلُهُ، وَشَارَكَ فِي الْمَالِ وَالْوَلَدِ مَنْ أَشْرَكَهُ، فَعُمِلَ بِالْبِدْعَةِ، وَتُرِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَنَطَقَ أَوْلِيَاءُ اللّهِ بِالْحُجَّةِ، وَأَخَذُوا بِالْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ، فَتَفَرَّقَ مِنْ ذلِكَ الْيَوْمِ أَهْلُ الْحَقِّ وَأَهْلُ الْبَاطِلِ، وَتَخَاذَلَ (3). وَتَهَاوَنَ (4). أَهْلُ الْهَوى، (5). وَتَعَاوَنَ أَهْلُ الضَّلَالَةِ حَتّى كَانَتِ الْجَمَاعَةُ مَعَ فُلَانٍ وَأَشْبَاهِهِ.

فَاعْرِفْ هذَا الصِّنْفَ وَصِنْفٌ آخَرُ، فَأَبْصِرْهُمْ رَأْيَ الْعَيْنِ نُجَبَاءُ، وَالْزَمْهُمْ حَتّى تَرِدَ أَهْلَكَ؛ فَإِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ، أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ».

إِلى هَاهُنَا رِوَايَةُ الْحُسَيْنِ، وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيى زِيَادَةٌ: «لَهُمْ عِلْمٌ بِالطَّرِيقِ، فَإِنْ كَانَ دُونَهُمْ بَلَاءٌ، فَلَا تَنْظُرْ إِلَيْهِمْ، فَإِنْ كَانَ دُونَهُمْ عَسْفٌ مِنْ أَهْلِ الْعَسْفِ وَخَسْفٌ وَدُونَهُمْ بَلَايَا تَنْقَضِي، ثُمَّ تَصِيرُ إِلى رَخَاءٍ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ إِخْوَانَ الثِّقَةِ ذَخَائِرُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، وَلَوْ لَا أَنْ تَذْهَبَ بِكَ الظُّنُونُ عَنِّي، لَجَلَّيْتُ لَكَ عَنْ أَشْيَاءَ مِنَ الْحَقِّ غَطَّيْتُهَا، وَلَنَشَرْتُ لَكَ أَشْيَاءَ مِنَ الْحَقِّ كَتَمْتُهَا، وَلكِنِّي أَتَّقِيكَ،

ص: 500


1- .في الحاشية عن بعض النسخ وكلتا الطبعتين: «طغت». وفي حاشية اُخرى: «طغيت»
2- .في الحاشية عن بعض النسخ وشرح المازندراني والوافي ومرآة العقول: «عصيت»
3- .في الحاشية عن بعض النسخ: «وتخاون». وفي بعض نسخ الكافي: «وتجادل». وفي بعضها: «وتخادل»
4- .في كلتا الطبعتين: «وتهادن»
5- .في الطبعة القديمة: «الهدى»

وَأَسْتَبْقِيكَ، وَلَيْسَ الْحَلِيمُ الَّذِي لَا يَتَّقِي أَحَداً فِي مَكَانِ التَّقْوى، وَالْحِلْمُ لِبَاسُ الْعَالِمِ، فَلَا تَعْرَيَنَّ مِنْهُ، وَالسَّلَامُ».

شرح الحديث

السند الأوّل صحيح على قول، لكن فيه كلام ستعرفه. والسند الثاني مجهول مرسل.

قوله: (رسالة أبي جعفر عليه السلام إلى سعد الخير) .

الإرسال: الإطلاق، والتوجيه، والاسم: الرسالة بالكسر والفتح . قال بعض الشارحين: سعد الصاحب لأبي جعفر عليه السلام كثير، ولم أعرف أحداً منهم بهذا اللقب(1).

أقول: روى المفيد رحمه الله في كتاب الاختصاص بإسناده عن أبي حمزة الثمالي، قال : دخل سعد بن عبد الملك _ وكان أبو جعفر عليه السلام يسمّيه سعد الخير، وهو من ولد عبد العزيز بن مروان _ على أبي جعفر عليه السلام ، فبينا ينشج كما تنشج النساء ، فقال له أبو جعفر : «ما يبكيك يا سعد ؟» قال : وكيف لا أبكي وأنا من الشجرة المعلونة في القرآن ، فقال له : «لستَ منهم، أنت اُمويّ منّا أهل البيت؛ أما سمعت قول اللّه _ عزّ وجلّ _ يحكي عن إبراهيم : «فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي» ؟! (2). » انتهى (3).

ويظهر منه أنّ أبا جعفر في هذا السند الآتي أبو جعفر الأوّل عليه السلام ، ففي السند إرسال؛ لأنّ الشيخ عدّ في رجاله حمزة بن بزيع من أصحاب الرضا عليه السلام .

قوله : (كتب أبو جعفر عليه السلام ) الأنسب «قالا» بلفظ التثنية، وإن كان للإفراد أيضاً وجه.

والظاهر أنّ لفظة «في» في قوله : (فإنّ فيها السلامة من التلف) للظرفيّة، ويحتمل السببيّة .

والتلف: الهلاك، والفناء، وهو إمّا بالآفات، أو بالخصومات، أو بدواعي الشهوات وما يترتّب عليها من الوبال والنكال .

(والغنيمة في المنقلب) .

الغنيمة: الفوز بالشيء بلا مشقّة ، والمراد هنا الفوز بنجاة الدنيا والآخرة، والفلاح من عقوباتها، والوصول إلى مقام القُرب والسعادة .

ص: 501


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 349
2- .إبراهيم (14): 36
3- الاختصاص ، ص 85

و«المنقلب» بفتح اللام للمصدر والمكان .

وقوله عليه السلام : (إنّ اللّه عزّ وجلّ يقي ...) تعليل لمضمون الفقرتين وتأكيدهما . وفي بعض النسخ: «نفى» بالنون والفاء، بدل «يقي» .

وقوله : (ما عزب عنه عقله) أي غاب، وبعُد عن إدراكه عقله من خزي الدنيا وآفاتها وعقوبات الآخرة ومهلكاتها، كما يفهم من الفقرات الآتية .

قال الجوهري : «عزب عنّي فلان يَعزُب، ويَعْزِب، أي بعُد، وغاب» (1).

(ويُجلي بالتقوى عنه عماه وجهله) .

العطف للتفسير . قال في القاموس: «جلى فلاناً الأمر: كشفه، كجلّاه، وجلّى عنه»(2). وقال: «العمى أيضاً: ذهاب بصر القلب» (3).

(وبالتقوى نجا نوح ومن معه ...) .

قيل : فيه دلالة على أنّ التقوى _ وإن لم يكن في نهاية الكمال _ حرز من التلف والهلاك؛ ضرورة أنّ تقوى قوم نوح وقوم صالح لم يكن في مرتبة تقواهما، بل على أنّ التقوى هي تصديق الرسول ومتابعته في جميع ما جاء به ، فالشيعة مشتركون في أصل التقوى وإن اختلفوا في درجاتها (4).

قال الفيروزآبادي : «الصاعقة: الموت، وكلّ عذاب مهلك ، وصيحة العذاب، والمخراق الذي بيد الملَك سائق السحاب، ولا يأتي على شيء إلّا أحرقه، أو نار تسقط من السماء» (5).

(وبالتقوى فاز الصابرون) أي الذين صبروا على المصيبات ومشقّة الطاعات . يُقال : فاز منه، أي نجا؛ وفاز به، أي ظفر ؛ فعلى الأوّل المراد فوزهم من المهالك الدنيويّة والعقوبات الاُخرويّة ، وعلى الثاني ظفرهم بالخيرات الدنيويّة والمثوبات الاُخرويّة .

(ونجت تلك العصب من المهالك) .

في القاموس: «العَصَب، محرّكة: خيار القوم وأشرافهم» (6).

ويحتمل أن يقرأ «عُصب» كغُرف، جمع العُصبة، بمعنى الجماعة ، ولعلّ المراد بهم نوح

ص: 502


1- الصحاح ، ج 1 ، ص 181 (عزب)
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 313 (جلي)
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 366 (عمي)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 350
5- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 253 (صعق)
6- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 104 (عصب)

وصالح ومن معهما وأضرابهم، والذين صبروا على المحن والشدائد .

(ولهم) أي للجماعة المذكورة (إخوان) في هذا الزمان، أو في هذه الاُمّة .

(على تلك الطريقة) أي طريقة التقوى وما يترتّب عليها .

(يلتمسون تلك الفضيلة) أي فضيلة التقوى وثمراتها، فيكون كالتأكيد لسابقه ، أو يحمل الأوّل على الاُولى ، والثاني على الثانية .

وقيل : لعلّ المراد بالإخوان أرباب الإيقان من أصحاب الرسول وأمير المؤمنين وأولاده الطاهرين عليهم السلام ومن تبعهم إلى يوم الدِّين (1).

(نبذوا طغيانهم من الإيراد) .

في بعض النسخ: «من الالتذاذ» ، وعلى التقديرين لفظة «من» بيانيّة، أو ابتدائيّة؛ أي الطغيان الناشئ عنه .

(بالشهوات) . لعلّ المراد إيراد الأنفس على المهالك بسبب الشهوات زيادة عن قدر الضرورة .

قال الجوهري : «نبذه ينبذه: ألقاه من يده ، ونبّذ مبالغة» (2).

وقال : «طغا يطغي ويطغو طغياناً؛ أي جاوز الحقّ، وكلّ مجاوزٍ حدّه في العصيان طاغ، وطغى يطغى مثله» (3).

(لما بلغهم في الكتاب) أي في القرآن، أو الأعمّ منه .

(من المَثُلات) أي العقوبات الواردة على أهل الطغيان والعدوان .

قال الجوهري : «المَثلة، بفتح الميم وضمّ الثاء: العقوبة، والجمع: المَثُلات» (4).

(حمدوا ربّهم على ما رزقهم) من التقوى، والتوفيق للخيرات، والعصمة من اللذّات والشهوات، أو مطلقاً .

(وهو أهل الحمد) أي حقيق به بحسب الذات، وبما أنعمهم من التقوى والقُدَر على الخيرات .

وقوله : (وهم أهل الذمّ)؛ لأنّهم وإن بذلوا وسعهم في عبادة معبودهم لم يخرجوا عن مرتبة التقصير، وما عبدوه حقّ عبادته .

ص: 503


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 350
2- راجع: الصحاح ، ج 2 ، ص 571 (نبذ)
3- الصحاح ، ج 6 ، ص 2412 (طغا)
4- الصحاح ، ج 5 ، ص 1816 (مثل)

وقال بعض الشارحين :

ينبغي أن يعلم أنّ بناء الرشاد والتقوى على ثلاثة اُمور :

الأوّل : قبول الهادي وهدايته، وهو النبيّ والوصيّ عليهماالسلام .

الثاني : قبول ما جاء به النبيّ صلى الله عليه و آله من الأوامر والنواهي وغيرهما، والتصديق بها .

الثالث : قبول ما أراد بالأوامر، والنهي من العمل بالطاعات وترك المنهيّات، والامتثال به .

فأشار إلى الثالث بقوله : (وعلموا أنّ اللّه _ تبارك وتعالى _ الحليم العليم) .

قال: في ذكر هذين الوصفين ترغيب في قبول ما يلقى إليهم ؛ أمّا العلم فظاهر، وأمّا الحلم فلأنّ أخذ الحليم شديد كما اشتهر : «اتّقوا من غضب الحليم» .

وقوله : (رضاه) ؛ أي ما يوجب رضاه .

وأشار إلى الثاني بقوله : (وإنّما يمنع) ؛ أي الرحمة والعطاء (من لم يقبل منه عطاه)، وهو ما جاء به الرسول صلى الله عليه و آله من دينه الحقّ؛ لأنّه عطيّة منه تعالى على عباده، متضمّن لمصالحهم .

أقول : لا وجه لتخصيص العطاء بما ذكر .

قال : وأشار إلى الأوّل بقوله : (وإنّما يُضلّ (1).

من لم يقبل منه هداه) ؛ لأنّ من لم يقبل الهادي إلى الطريق وأعرض عن هدايته، ضلّ عنه (2).

(ثمّ أمكن أهل السيّئات) .

قال الجوهري : «مكّنه اللّه من الشيء وأمكنه [منه] بمعنى» (3).

(من التوبة) أي الرجوع من السيّئات والندم عليها .

(بتبديل) سيّئاتهم (الحسنات) .

الظاهر أنّ الباء للتعليل، وفاعل «التبديل» أهل التوبة، أو اللّه سبحانه؛ أي جعل أهل السيّئات قادرين على التوبة متمكِّنين منها ؛ لأن يبدّلوا أو يبدّل اللّه بها سيّئاتهم حسنات، وهو إشارة إلى قوله تعالى : «فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ» (4).

وقيل : التبديل بأن يمحو سوابق معاصيهم بالتوبة، ويثبت مكانها لواحق طاعاتهم، أو بأن

ص: 504


1- .في الحاشية: «من الضلالة، أو من الإضلال؛ أي ضاع وهلك، أو يضلّ اللّه ويخذل . منه»
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 351
3- الصحاح ، ج 6 ، ص 2205 (مكن)
4- الفرقان (25): 70

يبدّل ملَكَة المعصية في النفس بملَكَة الطاعة (1).

وقيل : بأن يوفّقه لأضداد ما سلف منه، أو بأن يثبت له مكان كلّ سيّئة حسنة ، وفي بعض أخبارنا ما يدلّ على الأخير(2).

وقيل : أصل التوبة الخالصة، والعفو عن السيّئة بعدها، والثواب بها، وستره عليه حسنات مبدّلة من السيّئات (3).

(دعا عباده في الكتاب) العزيز (إلى ذلك) التوبة (بصوت رفيع لم ينقطع) أبد الدهر، في مواضع عديدة منها قوله تعالى : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللّهِ تَوْبَةً نَصُوحا» (4).

(ولم يمنع دعاء عباده) من القبول، بل وعدهم الإجابة في قوله : «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ» ، (5) أو لم يمنعهم من الدعاء ، ولعلّ الثاني أظهر .

وقيل : الصوت الرفيع الغير المنقطع كناية عن شهرة القرآن وتواتره وبلوغه كلّ أحد إلى يوم القيامة ، وعدم منع الدعاء عبارة عن بقاء حكمه وبقاء أهله الداعين إليه، (6) وفيه بُعد لا يخفى .

(فلعن اللّه الذين يكتمون ما أنزل اللّه ) .

قيل : لعلّ المراد بهم المجبّرة المنكرون لما تقدّم (7).

وقيل : أشار به إلى أعداء الداعين إلى اللّه ؛ فإنّهم يكتمون فضلهم، ويحوّلون بينهم وبين دعائهم إلى اللّه ظاهراً من دون خوف (8).

(وكتب على نفسه الرحمة) (9) ؛ أي ألزمها عليها، أو فرضها، أو قدّرها .

(فسبقت قبل الغضب) .

الضمير المستتر للرحمة؛ يعني أنّها وصلت قبل وصوله إلى الخلق من حيث الوقوع،

ص: 505


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 114
2- راجع: مرآة العقول ، ج 25 ، ص 114
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 351
4- التحريم (66): 8
5- غافر(40): 60
6- .قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 92
7- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 114
8- قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 93
9- قال المحقّق المازندراني رحمه الله: «وهي تستعمل تارة في الرقّة المجرّدة عن الإحسان، وتارة في الإحسان المجرّد عن الرقّة، وهو المراد هنا؛ لأنّ اللّه الملك المتعال لا يوصف برقّة الطبع والانفعال»

أو سبقت إليه تعالى من حيث الصدور؛ فإنّ بداية وجود الخلق وكمالاته اللاحقة به من غير سبق استحقاق، وأنّ نزول غضبه تعالى على العُصاة وعقوبته لهم بعد سلبهم قابليّة الرحمة عن أنفسهم سوء صنيعهم .

(فتمّت صدقاً وعدلاً) أي كلمة كتابة سبق الرحمة الغضب والوعد بها وتقديرها، أو تمّت هذه الكلمة كما في قوله تعالى : «وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقا وَعَدْلاً» (1). قال البيضاوي : «أي بلغت الغاية أحكامه ومواعيده «صِدْقاً» في الأخبار والمواعيد «وَعَدْلاً» في الأقضية والأحكام» .

قال : «ونصبهما يحتمل الخبر، والحال، والمفعول له» (2).

وقيل : لعلّ المراد هنا بتماميّة صدق الرحمة، وعدلها وقوعها موقعها على وجه الصواب؛ إذ لا يتصوّر الخطأ من رحمته تعالى بخلاف رحمة الإنسان بعضهم بعضاً (3).

ثمّ إنّه عليه السلام أراد أن يشير بكيفيّة سبق الرحمة على الغضب، فقال : (فليس يبتدئ العباد) بالنصب على أنّه مفعول «يبتدئ»، وفاعله المستتر راجع إلى اللّه .

(بالغضب قبل أن يُغضبوه) من الإغضاب؛ أي يفعلوا ما يوجب غضبه وعقابه ، وهذا بخلاف ابتدائهم بالرحمة كما مرّ.

(وذلك) العلم المذكور، يعني العلم بإيجاب غضبه على من لم يقبل منه رضاه، إلى آخره (من علم اليقين).

إضافة العلم إلى اليقين من قبيل إضافة الموصوف إلى الصفة ؛ يعني أنّ ذلك كلّه من العلوم اليقينيّة التي لا ريب فيها .

(وعلم التقوى) أي وذلك من العلم الذي يتّقى به من عذاب اللّه ؛ إذ من أنكره وجهل به فهو كافر مستحقّ لعذابه ، أو علم يبعث النفس على التقوى ، أو علم هو من ثمرة التقوى ونتيجته التي لا تحصل إلّا في المطيع الخالص عن كدر شبهات الأوهام .

والظاهر أنّ قوله : (وكلّ اُمّة) مبتدأ ، وقوله : (قد رفع اللّه عنهم علم الكتاب) نعت له .

وقوله : (حين نبذوه) ؛ أي طرحوه وراء ظهورهم، ظرف مستتر خبره . وقيل : «كلّ اُمّة»

ص: 506


1- الأنعام(6): 116
2- تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 445
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 352

مبتدأ، وجملة «قد رفع» خبره، و«حين» ظرف للرفع . وقيل : للمبتدأ أيضاً ، فتأمّل (1).

والمراد بعلم الكتاب العلم بأحكامه ومواعظه وزواجره، وعامّه وخاصّه، ومحكمه ومتشابهه، ونحوها .

(وولّاهم عدوّهم) أي جعل واليهم عدوّهم الديني الذي أخبر اللّه تعالى عنه في كتابه بقوله : «إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنْ الَّذِينَ اتَّبَعُوا» ، (2).

وقوله : «كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا» ؛ (3).

يُقال : ولّاه، أي جعله والياً، وهذا الجعل إنّما يكون بالتخلية بينهم وبين مشتهيات أنفسهم، وسلب اللطف والتوفيق عنهم .

(حتّى تولّوه) . الضمير المنصوب للعدوّ ؛ أي اتّخذوه والياً أو وليّاً لهم .

وقيل : أي تولّوا الكتاب، وأدبروا عنه، وأعرضوا عن علمه (4).

يُقال : تولّى، أي أدبر، وعنه: أي أعرض، أو نأى ، فتأمّل .

وقوله : (أقاموا حروفه) أي كلماته وما يتبعها من الإعراب والبناء، ومحسّنات القراءة وتصحيحها، وحفظها من التحريف والتصحيف .

(وحرّفوا حدوده) أي أحكامه بأن أوّلوها بآرائهم، وجعلوا حلاله حراماً وبالعكس ، وسيأتي بيان جملة من هذا التحريم .

(فهم يَروونه) بضبط حروفه وألفاظه .

(ولا يرعونه) .

في القاموس: «راعى الأمر: حفظه، كرعاه» ؛(5)

يعني أنّهم لا يحفظون حدوده وأحكامه، فمثله «كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً» (6). بل أقبح منه؛ لأنّه لا يحرّف ما حمله .

(والجهّال) .

الظاهر أنّ المراد بهم النابذون للكتاب، فيكون من باب الإظهار في موضع الإضمار للتصريح بجهلهم .

ص: 507


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 352
2- .البقرة(2): 166
3- .الأعراف(7): 38
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 352
5- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 335 (رعي)
6- . الجمعة(62): 5

(يُعجبهم حفظهم للرواية)؛ لظنّهم انحصار العلم به، ولا يبالون بتركهم للرعاية .

(والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية) .

لعلّ المراد بالحزن بترك الرعاية شدّة الاهتمام فيها .

وقيل : الحزن بتركها على ما ينبغي، فكم من فرق بين الجاهل والعالم ، حيث إنّ الجاهل مع كمال جهله وقصوره في العلم والعمل يعجبه ما ليس بعلم ولا عمل في الواقع ، والعالم مع كمال علمه وعمله وروايته ودرايته ورعايته محزون خوفاً من التقصير فيها (1).

(وكان من نبذهم الكتاب أن ولّوا (2). ) أي جعلوا والي الكتاب والقيّم عليه والحاكم به .

(الذين لا يعلمون) أي معالم الدين، على حذف المفعول، أو ليس لهم حقيقة العلم على إجرائه مجرى اللازم .

وفي بعض النسخ: «ولّوه» بالضمير، وهو راجع إلى الكتاب، أو أمر الدين ، أو الخلافة المفهومين من السياق ، وبالجملة جعلوا توليته إلى الجهّال، وجعلوهم ولاة ورؤساء على أنفسهم يتّبعونهم في الفتاوى وغيرها ، وأعرضوا عن أهل الذِّكر والعلم، ونبذوا قوله تعالى : «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ» (3).

وراء ظهورهم؛ لأنّهم لا يعلمون .

(فأوردوهم الهوى) أي أحضر هؤلاء الجهّال تابعيهم إلى ما يحكم به أهواؤهم النفسانيّة من العقائد الفاسدة والأعمال الكاسدة .

ولعلّ الهوى إرادة النفس، وشاع استعماله في ميل النفس إلى مشتهياتها المخرجة عن الحدود الشرعيّة بل العقليّة أيضاً .

(وأصدروهم إلى الرَّدى) يُقال : صدر عن الشيء يُصدُر صَدراً، إذا رجع. وأصدره، أي أرجعه .

والرَّدى: الهلاك، وأصلها السقوط والكسر، يقال: رَدى في البئر _ كرمى _ إذا سقط فيها .

(وغيّروا عُرى الدِّين) .

العُرى، بالضمّ: جمع العروة، وهي من الدلو والكوز: المقبض، ومن الثوب: اُخت زرة .

ص: 508


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 353
2- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقاً: «ولّوه» مع الضمير
3- .الزمر(39): 9

والمراد هنا ما يتمسّك به من اُمور الدين التي هي أركانه وقوانينه، شبّهت بالعرى لأنّ المستمسك بها متسمسك بالدين، فتشبّهت به .

ثمّ إنّه عليه السلام أشار إلى أنّ هؤلاء المضلّين لم يكتفوا بالإيراد إلى الهوى وما عطف عليه في حال حياتهم، بل ورّثوه من بعدهم من أضرابهم، وجعلوه أصلاً وقانوناً لهم ، فقال : (ثمّ ورّثوه) أي الدين، أو الكتاب .

(في السفه والصِّبا) .

«السَّفَه» محرّكة: ضدّ الحلم، أو خفّته، أو نقيضه، أو الجهل ، وأصله الخفّة، والحركة .

و«الصِّبا» بالكسر والقصر، أو بالفتح والمدّ، من الصَّبْوة، وهي الميل إلى جهل الفتوّة . يُقال : صَبي _ كرضي _ صبىً بالكسر، أي فَعَل فِعل الصبيّ ، وصبا إليه _ كغذا _ صَبْواً وصباء بالفتح، أي حنّ قلبه إليه، واشتاق .

وقيل : كلمة «في» للتأكيد، كما في قوله تعالى : «ارْكَبُوا فِيهَا» ، (1). أو متعلّق بالتوريث بتضمين معنى الجعل أو الوضع (2).

وقيل : الظرف في موضع الحال، أي ورّثوه في حال السفه والصبا (3).

(فالاُمّة يصدرون) بضمّ الدال، أي يرجعون (عن أمر الناس) .

قال بعض الشارحين :

المراد بالاُمّة التابعة، وبالناس المخالفون ؛ أي يرجعون عن أمرهم مع كدرة مشربهم .

(بعد أمر اللّه تبارك وتعالى) بولاية أمير المؤمنين عليه السلام (وعليه يردّون) ؛ من الردّ، أي على اللّه يردّون أمره، ولا يأخذون أمر الناس ، والظاهر أنّ الواو للحال ، انتهى كلامه (4).

وقال بعض الأفاضل : معنى قوله : «أمر اللّه » بعد الاطّلاع عليه، أو بعد صدور أمره تعالى أو تركه . وقال : والورود والصدور كنايتان عن الإتيان للسؤال والأخذ والرجوع بالقبول . انتهى (5).

ويظهر منه أنّ «يَرِدُون» من الورود .

ص: 509


1- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 353
2- هود(11): 41
3- اُنظر: مرآة العقول ، ج 25 ، ص 116
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 354
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 116

وأقول أيضاً من السياق: أنّ المراد بالاُمّة الاُمّة العاصية ، وبالناس أهل الحقّ والعدل ، و«يردّون» من الردّ؛ أي الاُمّة الضالّة يرجعون عن أمر اللّه بمتابعته بعد رجوعهم عن أمر اللّه وحكمه، ويردّون على اللّه أمره وحكمه، ولا يقبلونه .

قال الفيروزآبادي : «ردّ عليه: لم يقبله وخطّأه» (1).

ويؤيّد ما ذكرناه قوله : «بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً» (2) من باب وضع الظاهر موضع الضمير؛ للتصريح بظلمهم، ووضعهم الباطل موضع الحقّ .

قال بعض المفسّرين في قوله تعالى : «بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً» : أي بدلاً من اللّه إبليس وذرّيّته(3).

فجعلوا المخصوص بالذمّ شياطين الجنّ ، وقال عليه السلام : (المخصوص بالذمّ).

(ولاية الناس) أي الولاية التي اختاروها لأنفسهم بنَصب الجاهل.

(بعد ولاية اللّه ) التي اختارها لهم من ولاية وليّ الأمر ، والظاهر أنّ إضافة الولاية في الأوّل إلى المفعول ، وفي الثاني إلى الفاعل .

(وثواب الناس) عطف على «ولاية الناس» ؛ أي أجرهم ورضاهم، وما في أيديهم من متاع الدنيا .

(بعد ثواب اللّه ) أي بعد تركهم ثوابه، يعني عطاءه وجزاءه، أو بعد إعراضهم عنه ، وأصل الثواب: الجزاء .

(ورضا الناس بعد رضا اللّه ) .

الرضا: ضدّ السخط .

قال الجوهري : «رضيت عنه رِضاً، مقصورٌ، مصدر محض، والاسم: الرضاء، ممدود» (4).

(فأصبحت الاُمّة) . اللام للعهد، أي صارت الاُمّة العاصية الضالّة المضلّة.

(لذلك)، إشارة إلى صفاتهم الذميمة السابقة من نبذهم الكتاب وتغيير حدوده ونحوهما .

والظاهر أنّ الظرف خبر «أصبحت» ، والباء للاختصاص . وفي بعض النسخ: «كذلك» وهو أظهر .

ص: 510


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 294 (ردد)
2- .الكهف(18): 50
3- راجع: جامع البيان، ج15، ص326؛ تفسير البغوي ، ج 3 ، ص 167 ؛ تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 504
4- الصحاح ، ج 6 ، ص 2357 (رضا)

(وفيهم المجتهدون) أي المسارعون (في العبادة).

العبادة: الطاعة ، وإنّما سمّي أعمالهم الفاسدة عبادة باعتبار التشاكل الاسمي عرفاً، أو التشابه الصوري ظاهراً، أي بالنظر إلى معتقدهم .

(على تلك الضلالة) أي حال كونهم ثابتين عليها غير مفارقين عنها .

وقيل: فيه تنبيه على أنّ عبادتهم واجتهادهم فيها لا ينفعهم، كعبادة اليهود والنصارى (1).

(مُعجَبون) بفتح الجيم. قال الجوهري : «أعجبني هذا الشيء لحسنه ، وقد اُعجب فلان بنفسه، فهو مُعجَب برأيه وبنفسه ، والاسم: العُجب، بالضمّ»؛ (2).

يعني أنّهم يُعْجَبون بعملهم بتزيين الشيطان إيّاه ليزداد حسرتهم يوم القيامة حين يرونه هباءً منثوراً .

(مفتونون)؛ لافتتان الشيطان لهم، وإضلال بعضهم بعضاً بالحثّ عليه . قال الجوهري : «فُتِنَ، فهو مفتون، إذا أصابته فتنة، فذهب ماله أو عقله، وكذلك إذا اختُبِرَ ، قال اللّه تعالى : «وَفَتَنَّاكَ فُتُونا» (3). » .

وفي القاموس:

الفتنة، بالكسر: الخبرة ، وإعجابك بالشيء، والضلال، والإثم، والكفر، والفضيحة، والعذاب، والإضلال، والمحنة . وفتنه: أوقعه في الفتنة، كفتّنه، وأفتنه، فهو مُفتن ومفتون، ووقع فيها، لازم متعدٍّ (4).

وقوله : (فعبادتهم فتنة لهم) .

قيل : أي محنة وبليّة ابتلوا بها مع مشقّة شديدة، أو سبب لزيادة ميلهم عن الحقّ إلى الباطل، من فتن المالُ الناسَ _ من باب ضرب _ فُتوناً: استمالهم إلى مفاسده (5).

وقال : (ذكر (6). للعابدين) . في بعض النسخ: «ذكرى» .

قال الفيروزآبادي : «الذكر، بالكسر: الحفظ للشيء، وتذكّره، واُذكره إيّاه وذكّره، والاسم: الذكرى ، وقوله تعالى : «وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ» 7 اسم للتذكير ، «وَذِكْرى لِاُوْلِي

ص: 511


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 354
2- .الصحاح ، ج 1 ، ص 177 (عجب)
3- . طه(20): 40
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 255 (فتن)
5- في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقاً: «ذكرى»
6- .الأعراف(7): 2؛ هود(11): 120

الْأَلْبَابِ» (1). : عِبرة لهم» (2).

وقوله : (ثمّ يعصي اللّه ) أي يترك الأولى والأفضل ، وإطلاق العصيان عليه مجاز؛ لكونه بالنسبة إلى درجة كمالهم بمنزلة العصيان.

(فيخرج به من الجنّة) كآدم عليه السلام (ويُنبذُ به) أي يُلقى (في بطن الحوت) كيونس عليه السلام (3) . ولعلّ عصيانه غضبه على قومه، وخروجه من بينهم، وإباقه منهم بغير إذن ربّه .

(ثمّ لا يُنَجّيه إلّا الاعتراف والتوبة) كقول آدم عليه السلام : «رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا» ، (4) وكقول يونس عليه السلام : «لَا إِلهَ إِلَا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ» (5).

وقيل : فيه حثّ بليغ لأرباب الذنوب على الاستغفار والتوبة والاعتراف بالتقصير، وتحذير شديد لأصحاب المعاصي في العقائد والأعمال من غير بنائهما على علم ويقين؛ فإنّ من تصوّر ما جرى على آدم ويونس عليهماالسلام بالزلّة الواحدة والمعصية الصغيرة التي هي خلاف الاُولى بالنسبة إلى الأنبياء، يكون على وَجَل شديد من المعاصي العظيمة، سيّما إذا تعاقبت وتكاثرت، ويحكم بأنّها سبب تامّ للمنع عن دخول الجنّة، فكيف يطمع دخولها مع بقائه على المعاصي، وعدم تداركه بالتوبة ؟! (6).

(فاعرف أشباه الأحبار والرهبان) أي الذين يتشبّهون بعلماء الاُمم السابقة وزهّادهم وعبّادهم صورةً، وليسوا منهم، بل ماتوا ضالّين مضلّين، أو أشباه الأحبار والرهبان الذين ذمّهم اللّه في كتابه حيث أظهروا البدع، وسعوا في تشييد قوانينها، وكتموا الكتاب والسنّة، واجتهدوا في تخريب أحكامها ومبانيها، وفسّروا الكتاب بآرائهم، وأوّلوه بأهوائهم، وشروا الدُّنيا بالآخرة، وأكلوا السحت وأموال الناس بالباطل، وصدّوهم عن سبيل اللّه .

(الذين ساروا بكتمان الكتاب وتحريفه) صفة للأحبار والرهبان؛ أي بإخفاء ما في التوراة والإنجيل من الأحكام التي لا تهوى أنفسهم ، ونعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

ص: 512


1- .ص(38): 43؛ غافر(40): 54
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 35 (ذكر)
3- .في الحاشية: «قال الفاضل الكاشي : أشار بالنبيّ من الأنبياء عليهم السلام إلى يونس، على نبيّنا وعليه السلام. ثمّ قال : وأمّا إطلاقه الجنّة على الدنيا فلعلّ الوجه فيه أنّها بالإضافة إلى بطن الحوت جنّة من أكل منه ، فتأمّل ». الوافي ، ج 26 ، ص 93
4- .الأعراف(7): 23
5- الأنبياء(21): 87
6- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 354 و355

والظاهر أنّ «ساروا» من السَّير، وكونه من «السَّور» بمعنى الحملة والوثوب بعيد. وكذا ما قيل: إنّه من السيرة _ بالكسر _ بمعنى السنّة والطريقة والهيئة؛ لأنّ اشتقاق الفعل منها غير معروف .

«فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ» أي بطل بسبب التحريف والكتمان الموجبين لكفرهم جميع أعمالهم واجتهاداتهم، فلا ربح لهم فيها في الآخرة .

قال البيضاوي في قوله تعالى : «أُوْلئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ» : (1).

إنّه ترشيح للمجاز لمّا استعمل الاشتراء في معاملتهم أتبعه ما يشاكله تمثيلاً لخسارتهم. والتجارة: طلب الربح بالبيع والشراء . والربح: الفضل على رأس المال ، وإسناده إلى التجارة _ وهو لأربابها _ على الاتّساع لتلبّسها بالفاعل، أو لمشابهتها إيّاه من حيث إنّها سبب الربح والخسران .

«وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ» لطرق التجارة ؛ فإنّ المقصود منها سلامة رأس المال والربح ، وهؤلاء قد أضاعوا الطَّلَبتين؛ لأنّ رأس مالهم كان الفطرة السليمة والعقل الصرف، فلمّا اعتقدوا هذه الضلالات بطل استعدادهم، واختلّ عقلهم، ولم يبق لهم رأس مال يتوسّلون به إلى درك الحقّ ونيل الكمال ، فبقوا خاسرين، آيسين من الربح، فاقدين للأصل (2).

ولمّا وصف عليه السلام الأحبار والرهبان المتشبّهين بهم ، شرع في وصف أشباههم من هذه الاُمّة، فقال : (ثمّ اعرف أشباههم) أي أشباه الأحبار والرهبان من هذه الاُمّة .

وقوله : (الذين أقاموا ...) خبر مبتدأ محذوف .

وقوله : (فهم مع السادة والكبرة) .

السادة: جمع سيّد .

قال الجوهري في (سَ وَدَ): «تقديره: فعلة، بالتحريك» (3).

وقال الفيروزآبادي : «هو كُبرهم _ بالضمّ _ وكِبرتُهم، بالكسر: أكبرُهُم، أو أقعدهم بالنسبة» (4).

ص: 513


1- .البقرة(2): 16
2- تفسير البيضاوي ، ج 1 ، ص 183 _ 185 (مع تلخيص)
3- الصحاح ، ج 2 ، ص 490 (سود)
4- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 124 (كبر)

وقال : «قَعيد النسب، وأقعدُ: قريب الآباء من الجدّ الأكبر» (1). انتهى . أي هم مع أهل السيادة والغلبة والدولة والسلطنة، يعني سلاطين الجور وأعوانهم يدورون معهم حيث داروا، وينقادون لهم فيما أرادوا طمعاً فيما بأيديهم .

وفي بعض النسخ : «والكثرة» بالثاء المثلّثة، وهي بالفتح، وقد يكسر: ضدّ القلّة .

(فإذا تفرّقت وتشعّبت قادة الأهواء) .

القادَة: جمع القائدة . وقادة الأهواء المنهمكون في الآراء والأهواء النفسانيّة القائدون لمَنْ تأسّى بهم إليها .

(كانوا مع أكثرهم دُنيا) نصب على التمييز، والحاصل أنّهم أعرضوا عن الحقّ وأهله مطلقاً، وكانوا مع الباطل وأهله، فإذا تعدّدت أهاليه وتكثّرت سلاطينه وعظماؤه مالوا إلى من هو أكثر مالاً وأعزّ نفراً ؛ لأنّ مطلوبهم عنده أكثر وحصوله منه أوفر .

(وذلك) إشارة إلى ما ذكر من متابعتهم الأهواء، وكونهم مع الدنيا وأهلها .

(مبلغهم من العلم) أي ما بلغوه بسبب علمهم ؛ أي ليس لعلمهم ثمرة سوى هذه، أو لم يحصل لهم سوى ذلك من العلم ، والظاهر أنّه إشارة إلى قوله تعالى : «فَأَعْرِضْ عَمَّنْ تَوَلّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنْ الْعِلْمِ» (2).

قال بعض المفسّرين : «ذلك؛ أي أمر الدنيا، أو كونها شهيّة مبلغهم من العلم، لا يتجاوزه علمهم» ، قال : «والجملة اعتراض مقرّر لقصور همّتهم بالدنيا» (3).

(لا يزالون كذلك في طبع) بسكون الباء، أو بتحريكها (وطمع) أي حرص في الدنيا وزخارفها .

وفي القاموس: «طبع عليه، كمنع: ختم. والطِّبعُ، بالكسر: الصدأ والدَّنَس ، ويحرّك. أو بالتحريك: الوسخ الشديد من الصدأ، والشين، والعيب» (4).

فلو اُريد من الطبع الختم فليس على حقيقته، بل جعل قلوبهم بحيث لا يفهم شيئاً من الحقّ، ولا يدخل فيها أصلاً ، ولو اُريد منه الوسخ والدنس فالمراد به العقائد الخبيثة، والضمائر الكثيفة، والأعمال القبيحة، والأطوار الشنيعة .

ص: 514


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 328 (قعد)
2- النجم(53): 29 و30
3- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 258
4- .القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 58 (طبع)

(لا يزال يُسمع) على البناء للمفعول .

(صوتُ إبليس على ألسنتهم بباطل كثير) .

الباء للتلبّس، أو للسببيّة، وجعل صوتهم صوت إبليس ؛ لأنّه حصل من وسوسة ونفخة في صدورهم ، فكأنّ حصائد ألسنتهم عين صوته لكماله في السببيّة .

وقيل: في اختيار «على» دون «من» تنبيه على استيلائه عليهم، وكونهم مقهورين لحكمه (1).

(يصبر منهم العلماء) أي علماء العدل والحقّ ، وضمير الجمع للأشباه .

(على الأذى والتعنيف) أي على إضرارهم وتشديدهم إيصال المكروه إليهم.

وأصل الأذى: المكروه . والتعنيف: التقريع، وهو اللؤم الشديد . وقيل: المبالغة في الغلظة والشدّة (2).

وفي بعض النسخ: «التعسّف» . قال الفيروزآبادي : «عسف عن الطريق: مالَ، وعدل، كاعتسف، وتعسّف، أو خبطه على غير هداية، والسلطانُ: ظلم، وفلاناً: استخدمه»(3) .

(ويعيبون على العلماء بالتكليف) أي بسبب أنّ علماء العدل يكلّفونهم بقوانين الشرع، ورفض البدع والأهواء المضلّة، أو بتكليفهم الخلق، ودعوتهم إلى الحقّ .

(والعلماء في أنفسهم) أي في حدّ ذاتهم . (خانة): جمع خائن، وأصله فعلة بالتحريك .

وفي القاموس: «الخَون: أن يؤتمن الإنسان فلا ينصح، خانه خوناً وخيانةً فهو خائن، الجمع: خانَةٌ، وخَوَنَةٌ، وخُوّانٌ» (4).

(إن كتموا النصيحة) أي الهداية والإرشاد إلى ما فيه خير الدارين وصلاح النشأتين .

(إن رأوا تائهاً ضالّاً لا يهدونه) .

التّيه: الضلال ، وتاه في الأرض، أي ذهب متحيّراً، فهو تائه .

إذا عرفت هذا فاعلم أنّه يحتمل أن يكون جزاء هذا الشرط قوله : (فبئس ما يصنعون)، ويكون الجملة الشرطيّة تأكيداً للجملة السابقة وبياناً لها ، ولذا ترك العاطف، أو يكون بياناً لكتمان النصيحة وتفسيراً له، ويكون قوله : «فبئس ما يصنعون» جزاء شرط محذوف؛

ص: 515


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 356
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 356
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 175 (عسف)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 220 (خون)

أي إن فعلوا ذلك (فبئس ما يصنعون).

وعلى التقديرين تعود الضمائر المرفوعة في «رأوا» وما بعده إلى العلماء .

ويحتمل أن يكون «إن رأوا» استئناف كلام لبيان حال الأحبار والرهبان ، وقوله : «لا يهدونه» جزاء الشرط ، وقوله : «فبئس» تفريعاً عليه ، ويكون ضمير الفاعل في «رأوا» وما بعده عائداً إلى الأحبار والرهبان أو أشباههم ؛ أي إنّهم يعيبون على العلماء تكليفهم إلى الحقّ لكونه خلاف طريقهم؛ فإنّهم إن رأوا تائهاً لا يهدونه بالجملة هداية التائه المتحيّر في أمره والضالّ الآخذ على غير الطريق مطلقاً واجبة على العلماء مع عدم المانع، وتلك الهداية من جملة الأمانات التي تركها خيانة .

(أو ميّتاً لا يُحيونه).

لعلّ المراد بالميّت هنا الجاهل المسترشد، أو الواقع في غمرة المعصية، وبإحيائه إرشاده وتعليمه وتخليصه.

وقيل : لعلّ المراد بالميّت من لم يستكمل نفسه بالكمالات العقليّة من العلوم والأخلاق والآداب الشرعيّة ، ولم يعمل بها، ولم يزهد في الدنيا (1).

(فبئس ما يصنعون) أي العلماء بالخيانة وترك النصيحة، أو الأحبار والرهبان أو أشباههم بإيذاء العلماء وتعنيفهم .

وقوله : (لأنّ اللّه تبارك وتعالى) تعليل لقوله : «والعلماء في أنفسهم خانة» إلى آخره .

(أخذ عليهم الميثاق في الكتاب) ؛ يعني القرآن .

(أن يأمروا بالمعروف وبما اُمروا به) على البناء للمفعول .

(وأن ينهوا عمّا نُهوا عنه) بضمّ النون .

قال اللّه عزّ وجلّ : «وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ» الآية (2).

(وأن يتعاونوا على البرّ والتقوى، ولا يتعاونوا على الإثم والعدوان) .

في قوله تعالى : «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْاءِثْمِ وَالْعُدْوَانِ» (3). فسّر البرّ

ص: 516


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 356
2- آل عمران(3): 104
3- .المائدة(5): 2

والتقوى بالعفو والإغضاء ومتابعة الأمر ومجانبة الهوى، والإثم بالذنب والخمر والقمار وكلّ ما لا يحلّ من العمل، والعدوان بالظلم .

(فالعلماء) العدل (من الجهّال) أي أشباه الأحبار، أو أتباعهم الجهلة أيضاً، ومن تعنيفهم وإيذائهم وعدم قبولهم الحقّ (في جهد) ومشقّة .

قال الجوهري : «الجَهد والجُهد: الطاقة . قال الفرّاء : الجُهد، بالضمّ: الطاقة، وبالفتح: المشقّة »(1).

(وجهاد) أي مجاهدة، وسعي، واهتمام معهم في تطويعهم إلى الحقّ، وصرف قلوبهم عن الباطل بالحكمة والموعظة الحسنة .

ثمّ بيّن عليه السلام معنى الجهد والجهاد معهم وثمرتها بقوله : (إن وَعَظَتْ) العلماء أحداً من تلك الجهّال (قالوا: طبعَتْ) أي دنست وخبثت تلك العلماء ، والتأنيث باعتبار الجماعة .

أو المراد: طبعت قلوبهم، فإن اُريد بالطبع هنا الختم فيحتمل كون «طبعت» على بناء المجهول، جملة دعائيّة .

قال الجوهري : الطبع: الختم، وهو التأثير في الطين ونحوه ، وطبعتُ على الكتاب، أي ختمت.

والطبع، بالتحريك: الدنس، تقول منه: طبع الرجل بالكسر، وطبع السيف، أي علاه الصدأ(2).

قالوا ذلك لعدم موافقته بطبائعهم الكثيفة، وزعمهم بطلانه .

وفي بعض النسخ: «طغت» بغين المعجمة، أي جاوزوا الحدّ في ذلك، وبالغوا أكثر ممّا ينبغي .

وفي بعضها: «طغيت» . قال الجوهري : «طغى يطغى ويطغو، أي جاوز الحدّ، وكلّ مجاوز حدّه في العصيان طاغ، وطغى يطغى مثله» (3).

(وإن علّموا الحقّ الذي تركوا، قالوا: خالفت) أي خالفت مشايخنا وأكابرنا، أو عامّة الناس؛ لشيوع الباطل بينهم وزعمهم حقّيّة بطلانهم .

ويحتمل أن يكون «خالفت» من قولهم: هو خالفة أهل بيته وخالفهم، أي غير نصيب لا خير فيه، أومن الخالفة والخالف بمعنى الأحمق .

ص: 517


1- الصحاح ، ج 6 ، ص 2412 (طغا)
2- الصحاح ، ج 2 ، ص 460 (جهد) مع التلخيص
3- الصحاح ، ج 3 ، ص 1252 (طبع)

(وإن اعتزلوهم) أي تنحّوا عنهم، ولم تعاشروهم، أو عن سيرتهم وطريقتهم .

(قالوا : فارقت) أهل السنّة والجماعة .

وقوله : (على ما تُحدّثون) يعني من الأسلاف والأوائل من مزخرفات الأكاذيب .

(قالوا : نافقت) من النفاق في الدين، وهو ستر الكفر وإظهار الإيمان ، قالوا ذلك لزعمهم أنّ خلاف ما هم عليه وعدم أخذه مسلّمة فيمن أظهر الإسلام نفاق .

وقيل : هو من النفوق، أي ماتت وهلكت؛ لزعمهم أنّ مطلوبهم من ضروريّات الدِّين، حتّى أنّ طالب البرهان عليه هالك (1).

يُقال : نَفَقت الدابّة نُفوقاً، أي ماتت .

وقيل : أي أظهرت خلافنا، ولم تعتقد لحقّيّة ما نحن عليه (2).

(وإن أطاعوهم قالوا) على سبيل الإلزام والإسكات (عصت اللّه عزّ وجلّ).

في بعض النسخ: «عصيت» بصيغة الخطاب، وكأنّ المراد أنّهم يقولون: عصيت اللّه بزعمك حيث سلكت مسلكاً لم تعتقده، وحكمت ببطلانه، كما هو معروف من دأب مخالفينا، يشنّعون علينا وعلى أئمّتنا بالتقيّة .

وقال بعض الأفاضل : «ليس في بعض النسخ المصحّحة «قالوا» ، والظاهر أنّه زيد من النسّاخ ، والمعنى أنّه لا يمكنهم إطاعة هؤلاء؛ لأنّها معصية اللّه تعالى » (3). انتهى .

والحاصل : أنّ أحوال الجهّال مشوّشة منكّرة بحيث لا يمكن للعالم حسن السلوك معهم أصلاً .

(فهلك جُهّال). التنوين للتحقير، أو للتعظيم، أو للتكثير .

(فيما لا يعلمون). لعلّ المراد أنّهم جهّال فيما لا يصل إليه علمهم من فساد عقيدتهم، أو عملهم وسيرتهم، فليس لهم علم بجهلهم ، وهذا هو الجهل المركّب المُهلِك .

وقيل : لعلّ المراد أنّ الطاعنين في العلماء جهّال فيما لا يبلغ علمهم إليه ممّا عمله العلماء، ومع ذلك يعيبون عليهم (4).

ص: 518


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 357
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 118
3- .قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 118 و119
4- قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 94

(اُمّيّون). أي أنّهم جهّال كالاُمّيّين .

(فيما يتلون) من الكتاب، لا يعرفون حقيقته، ولا يفهمون معناه .

في القاموس: «الاُمّي: من لا يكتب، أو من على خلقة الاُمّ لم يتعلّم الكتاب، وهو باقٍ على جبلّته، والغبيّ الجِلف القليل الكلام» (1).

(يصدّقون بالكتاب) أي بألفاظه وعباراته .

(عند التعريف) أي عند تعريفهم وتعليمهم للخلق حروفه وكلماته .

(ويكذّبون به عند التحريف) أي تحريف معانيه، وصرفها إلى غير المراد منه؛ إذ تحريف معناه تكذيب لما هو المقصود منه .

(فلا يُنكرون) على بناء الفاعل، أو المفعول من الإنكار. ويحتمل كونه من التنكير، أي لا يستقبحون ذلك، بل يستحسنونه، أو لا يعلمون أنّه جهل، بل يزعمون أنّه حقّ .

قال الفيروزآبادي : النكرُ والنكارة: الدَّهاء، والفطنة. والنكر، بالضمّ وبضمّتين: المنكر، كالنَّكراء، والأمر الشديد. نَكِر فلان الأمر _ كفرح _ نكَرَاً ونُكُراً ونكوراً ونكيراً، وأنكره: جهله، والمنكر: ضدّ المعروف (2).

قال بعض الأفاضل : قوله : «يصدّقون» و«يكذّبون» من باب التفعيل على البناء للفاعل . وقوله : «فلا ينكرون» على البناء للمفعول ؛ أي لا ينكر تكذيبهم عليهم أحد ، ويحتمل العكس بأن يكون الأوّلان على البناء للمفعول ، والثالث على البناء للفاعل؛ أي لا يمكنهم إنكار ذلك؛ لظهور تحريفهم، وعلى الاحتمال الأوّل يمكن أن يقرأ الفعلان بالتخفيف أيضاً، والأوّل أظهر . انتهى (3).

(اُولئك أشباه الأحبار والرهبان) الذين ساروا بكتمان الكتاب وتحريفه .

وقوله : (قادة في الهوى، سادة في الردى) خبر «اُولئك» ، و«أشباه الأحبار» صفته، أو بدله، وكونه خبراً أيضاً بعيد؛ يعني أنّهم قائدون لمن تبعهم إلى الأهواء النفسانيّة والآراء الشيطانيّة،

ص: 519


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 76 (أمم)
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 148 (نكر) مع التلخيص
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 119

فيوردونهم في المهلكات والوهدات الدنيويّة والاُخرويّة .

(وآخرون منهم) أي من الجهّال .

(جلوس بين الضلالة والهدى) إشارة إلى قسم ثالث منهم غير المتبوعين والتابعين، وهم المتردّدون بين الباطل وأهله وبين الحقّ وأهله .

(لا يعرفون إحدى الطائفتين) ؛ يعني أهل الضلالة وأهل الهدى .

(من الاُخرى) ولا يميّزون بينهما، فهم من «مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لَا إِلى هؤُلَاءِ وَلَا إِلى هؤُلَاءِ» (1).

(يقولون ما كان الناس) في زمن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعهده (يعرفون هذا) أي الاختلاف الذي حدث بين الاُمّة في اُمور الدين (ولا يَدرون ما هو) ؛ لأنّه لم يكن فيهم .

قيل : الظاهر أنّه عطف على «يقولون»؛ أي ولا يدري الآخرون الجالسون ما هذا الاختلاف، ولا أيّ شيء سببه ، والعطف على «يعرفون» محتمل (2).

وأقول : أنت خبير بأنّ الحال على عكس ما قال .

(وصَدَّقوا) ؛ يعني أنّهم صادقون في هذا القول الذي هو نفى الاختلاف بين الاُمّة في عهد النبيّ صلى الله عليه و آله .

قيل: هذا الصنف هو الصنف الثالث فيما روي من أنّ عليّاً عليه السلام باب اللّه ، من دخل فيه فهو مؤمن، ومَن خرج عنه فهو كافر، ومن لم يدخل فيه ولم يخرج عنه فهو مستضعف في مشيّة اللّه تعالى (3).

وقال بعض الأفاضل الأعلام : قوله عليه السلام : «يقولون ما كان الناس يعرفون هذا» إلى آخره ، يحتمل وجوهاً : الأوّل : أن يكون «هذا» إشارة إلى الاختلاف الذي حدث بين الاُمّة ؛ أي لم يكن هذا الاختلاف بين الاُمّة في زمن الرسول صلى الله عليه و آله ، وما كان الناس يدرونه، وإنّما حدث هذا بعده، فيعرفون أنّ هذا الاختلاف ليس بحقّ، لكن لا يعرفون الحقّ من بينهما، فتحيّروا، فيكون قوله : «وصدقوا» بالتخفيف من كلامه عليه السلام غير محكيّ عنهم، بل تصديقاً لهم فيما قالوا من أنّ الاختلاف مبتدع . ويحتمل أن يكون «ولا يدرون» أيضاً

ص: 520


1- النساء(4): 143
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 358
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 358

من كلامه عليه السلام ؛ أي لا يدرون هؤلاء المتحيّرون الحقّ ما هو بين هذا الاختلاف الذي اعترفوا بكونه مبتدعاً .

الثاني : أن يكون «هذا» إشارة إلى ما ابتدعه المخالفون كخلافة الأوّل مثلاً ؛ أي يقولون: لم يحدث هذه الاُمور في عهد (1)

الرسول، وإنّما ابتدعت بعده، وعلى هذا الاحتمال يمكن أن يقرأ «صدقوا» بالتخفيف كما مرّ، وبالتشديد أيضاً ، وعلى الثاني فقوله : «تركهم» إمّا مصدر مفعول للتصديق، أي صدّقوا أنّ الرسول تركهم على الأمر الواضح ، وإمّا فعلٌ، أي مع اعترافهم بكون هذه الاُمور بدعة صدّقوا بها تصديقاً مشوباً بالشكّ، فيكون قوله: «تركهم» كلامه عليه السلام للردّ عليهم .

الثالث : أن يكون «هذا» إشارة إلى مذهب أهل الحقّ، أي سبب عدم إطاعتهم الحقّ هو أنّهم يقولون: إنّ الناس في الزمن السابق كان أكثرهم على خلاف هذا الرأي، ولا يدرون حقّيّته، فنحن تبعٌ لهم كما قال الكفّار : «إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ» ، (2) و«صدقوا» بالتشديد، و«تركهم» على صيغة المصدر، فهذا ردّ عليهم بأنّهم يصدّقون بأنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أوضح لهم السبيل، وأقام لهم الخليفة ، ومع ذلك يتّبعون أسلافهم في الضلالة، أو بيان لأحد طرفي شكّهم وأحد سببي تحيّرهم .

الرابع : أن يكون «هذا» إشارة إلى خليفتهم الباطل، وبدعهم الفاسدة، ويكون الكلام مسوقاً على الاستفهام الإنكاري ؛ أي إنّ الناس هل كانوا لا يعرفون حقّيّة هذه الخليفة، وكانوا ينصبونه ، وقوله عليه السلام : «وصدقوا» يكون ردّاً عليهم ، انتهى كلامه أعلى اللّه مقامه (3).

وأقول : الظاهر أنّ قوله عليه السلام : (تركهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله ) بصيغة الفعل من باب الاستئناف، إشارة إلى علّة صدقهم، وإلى سبب الاختلاف بعده صلى الله عليه و آله ، وضمير الجمع للاُمّة؛ أي تركهم حين وفاته، أو في حال حياته مطلقاً .

(على البيضاء) أي على الملّة، أو الشريعة، أو السنّة، أو الطريقة البيضاء البيّنة الواضحة.

(ليلها) متميّزاً (من نهارها) أي باطلها من حقّها .

وقيل : مجهولها أو جاهلها من معلومها ، أو عالمها (4) وقيل : يحتمل أن يُراد بالنهار ظاهر

ص: 521


1- .قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 94
2- في الحاشية: «عصر»
3- الزخرف(43): 23
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 119 و120

الملّة، وبالليل باطنها؛ لخفائه بالنسبة إلى الظاهر بحيث لا يهتدي إليه أحد (1).

(لم يظهر فيهم بدعة) .

قيل : هي ما لم يكن في عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وكان مخالفاً لما جاء به .

(ولم يُبدَّل فيهم سُنّة) . هي ما يقابل البدعة .

وقيل : يمكن أن يُراد بالبدعة ولاية الجور ، وبالسنّة ولاية الحقّ (2).

(لا خلاف عندهم) في عدم ظهور البدعة وعدم جوازها .

(ولا اختلاف) عندهم في عدم جواز تبدّل السنّة .

وقيل : أي لا خلاف عندهم حينئذٍ في السنّة، ولا اختلاف في الولاية والإمامة، بل كانوا كلّهم على سنّة واحدة وولاية واحدة _ هي ولاية عليّ عليه السلام _ طوعاً أو كرهاً، أو غير مظهرين لخلافه (3).

(فلمّا غشي الناس) بعد أن قبض رسول اللّه (ظلمة خطاياهم) ؛ يُقال: غشيه _ كرضيه _ غشياناً بالكسر، إذا جاءه، وغشّيته تغشية، إذا غطّيته . قيل : شبّه الخطايا بالليل، واُثبت لها الظلمة مكنيّة وتخييليّة، أو شبّهها بالظلمة، والتركيب من باب لجين الماء، ووجه التشبيه هو تحيّر الناس فيها، وعدم اهتدائهم إلى المقصود (4).

وقوله : (داع إلى اللّه ) أي إلى دينه، وإلى ما يوجب الوصول إلى رحمته، وذلك الداعي أمير المؤمنين عليّ عليه السلام .

(وداع إلى النار) أي إلى أسباب دخولها، وهو أمير الكافرين : الأوُّل وصاحباه .

(فعند ذلك) الاختلاف (نطق الشيطان) بلسان أوليائه في الناس، كما يصرّح به (فعلا صوته) كناية عن غاية كدّه واجتهاده في النطق .

(على لسان أوليائه) من الإنس، أو من الجنّ أيضاً؛ إذ اُريد باللسان والنطق ما يعمّ الوسوسة والتخيّلات الشيطانيّة وتزيين الباطل في قلوبهم .

ص: 522


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 358
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 358
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 358
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 358

(وكثر خيله ورَجْله) أي أعوانه القويّة والضعيفة، وأصحاب الشوكة والقدرة على الشيطنة وأعمال النكراء والجربزة في وضع القوانين الباطلة.

والضعفاء التَّبَعة لهم في ذلك .

قال الجوهري : «الخيل: الفُرسان، ومنه قوله تعالى : «وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ» (1)

أي بفرسانك ورجالتك» (2).

وقال : «الراجل: خلاف الفارس ، والجمع: رجَلْ مثل صاحب وصَحْب، ورجّالة ورُجّال» (3).

وقال البيضاوي : «الرَّجل، بالكسر والضمّ، لغتان في الرَّجْل بالسكون» (4).

(وشارك) الشيطان (في المال) بحملهم على كسبها وجمعها من الحرام، والتصرّف فيها على ما لا ينبغي .

(والولد) بالحثّ على التوصّل به بالسبب المحرّم كالزنى، وجعل مال الإمام مهور النساء وقيّم السراري بالنسبة إلى المخالف، وبتسمية الولد بعبد العزّى وأمثال ذلك .

(من أشركه) مفعول «شارك»؛ أي جعله شريكاً فيهما باتّباعه وعدم الاستعاذة منه .

(فعُمِلَ بالبدعة) الضمير المستتر عائد إلى الموصول .

وقوله : (وتُرك الكتاب والسنّة) ؛ إمّا على صيغة الفعل عطف على «عمل»، أو على صيغة المصدر عطف على «البدعة»، ولا شكّ في أنّ العمل بالبدعة موجب لترك الكتاب والسنّة ، وقد روي: «ما اُحدثت بدعة إلّا تُركت بها سنّة» (5).

(ونطق أولياء اللّه ) من الأوصياء ومن تبعهم (بالحجّة) أي بالدليل والبرهان الدالّ على الحقّ .

(وأخذوا بالكتاب) أي بأحكام القرآن (والحكمة) فسّرت بالشريعة، أو معالم الدين من المنقول والمعقول .

(فتفرّق) وامتاز (من ذلك اليوم) الذي ظهر فيه إمامان : (أهل الحقّ) بالنطق بالبرهان والحجّة،

ص: 523


1- .الإسراء(17): 64
2- الصحاح ، ج 4 ، ص 1691 (خيل)
3- الصحاح ، ج 4 ، ص 1705 (رجل)
4- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 456
5- نهج البلاغة ، ص 202 ، الكلام 145 . وعنه في وسائل الشيعة ، ج 16 ، ص 175، ح 21280

والأخذ بالكتاب والسنّة (وأهل الباطل) بالشبهات الشيطانيّة والتسويلات النفسانيّة .

(وتخاذل وتهاون أهل الهدى) .

«أهل الهدى» فاعل الفعلين على التنازع .

قال الفيروزآبادي : «خذله: ترك نصرته ، وتخاذلت رجلاه: ضعفتا ، والقوم: تدابروا» (1).

وقال الجوهري : «تخاذلوا، أي خذل بعضهم بعضاً» (2). وقال : «تهاون به: استحقره» (3).

وقيل : المراد أنّه أهل الهدى تخاذلوا وتهاونوا وتركوا النصرة والتعاون بينهم ، ولو لا ذلك لما غلب أهل الضلالة عليهم، وفيه نوع شكاية من التابعين لعليّ عليه السلام بعدم نصرتهم له، كما مرّ مثله عنه عليه السلام في الخطبة الطالوتيّة (4).

وفي بعض النسخ: «تخادن»، بالدال المهملة والنون. والتخادن: اتّخاذ الخِدن _ بالكسر _ وهو الصديق، والصاحب، ومنه قوله تعالى : «وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ» (5) .

وفي بعضها : «تخاون» بالواو من الخون، وهو أن يؤتمن الإنسان فلا ينصح .

وفي بعضها: «تهادن» من الهُدنة بالضمّ، وهو المصالحة .

وفي بعضها: «أهل الهوى» بالواو . وعليك بتطبيق النسخ بعضها مع بعض برعاية التناسب بينها .

والظاهر أنّ «الجماعة» في قوله : (حتّى كانت الجماعة) مرفوع، على أنّه اسم «كانت»، أو فاعله. وقيل : منصوب على الخبريّة، واسم «كانت» الضمير المستتر الراجع إلى أهل الضلالة .

والمراد ب «فلان» في قوله : (مع فلان وأشباهه) الأوّل، وأشباهه أضرابه من لصوص الخلافة .

(فاعرف هذا الصنف) من أهل الجهالة والضلالة بأعيانهم وصفاتهم الذميمة الخارجة عن طور العقل والشرع .

ص: 524


1- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 367 (خذل) مع التلخيص
2- الصحاح ، ج 4 ، ص 1683 (خذل)
3- الصحاح ، ج 6 ، ص 2218 (هون)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 359
5- .النساء(4): 25

(وصنف آخر) وهم أهل الهدى (فأبصرهم رأي العين) أي رؤية ظاهرة معاينة .

(تُحيا) (1).

على صيغة المعلوم من الحياة، أو المجهول من الإحياء .

وفي بعض النسخ: «نجباء» على زنة شرفاء، جمع نجيب، وهو صفة اُخرى للصنف، أو حال من الضمير المنصوب .

(والزمهم) أي لا تفارقهم.

(حتّى ترد) بعد الموت، أو يوم القيامة .

(أهلك): أهل الجنّة والسعادة من الأنبياء والأولياء .

ويحتمل أن يُراد بأهل الإمام الحقّ كناية، والورود عليه أعمّ من الورود والوصول إليه في الدنيا والآخرة .

وقيل : يمكن أن يكون «تردّ» بتشديد الدال، أي حتّى تردّ أهلك عن صنف أهل الضلالة إلى أهل الحقّ ، قال : وهذا أنسب بقوله : (فإنّ الخاسرين ...)، (2). وكأنّه عليه السلام أشار بذلك إلى تفسير خسران أهليهم في الآية، بأنّ المراد به خسران مرافقة هؤلاء في القيامة، وفي الجنّة، وخسران شفاعتهم .

قال الجوهري : «خسر في البيع خُسراً وخُسراناً، وخَسِرة وأخسره: نقصه» (3). وقال البيضاوي : «الخاسرون هم الكاملون في الخسران، الذين خسروا أنفسهم بالضلال وأهليهم بالإضلال يوم القيامة» (4). حين يدخلون النار بدل الجنّة؛ لأنّهم جمعوا وجوه الخسران . وقيل : وخسروا أهليهم؛ لأنّهم إن كانوا من أهل النار فقد خسروهم كما خسروا أنفسهم ، وإن كانوا من أهل الجنّة فقد ذهبوا عنهم ذهاباً لا رجوع بعده .

وقوله : (ألا ذلك هو الخسران المبين) مبالغة في خسرانهم لما فيه من الاستئناف، والتصدير ب «ألا»، وتوسيط الفعل، وتعريف الخسران، ووصفه بالمبين .

(إلى هاهنا رواية الحسين) ابن محمّد الأشعري ، ورواية محمّد بن يحيى أيضاً؛ فإنّ لفظ الزيادة في قوله : (وفي رواية محمّد بن يحيى زيادة) يشعر بذلك، وتلك الزيادة قوله : (لهم علمٌ بالطريق) ؛ الضمير لصنف آخر، وهم أهل الحقّ ، والتنوين للتعظيم، أو للتكثير، أو لهما معاً ؛ أي لهم علم كامل بطريق الحقّ .

ص: 525


1- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقاً: «نجباء»
2- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 360
3- الصحاح ، ج 2 ، ص 645 (خسر) مع اختلاف يسير
4- .تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 107

(فإن كان دونهم) أي عندهم (بلاء) أي ابتلاء وامتحان للخلق من مظلوميّتهم ومغلوبيّتهم .

(فلا تنظر إليه (1). ) أي إلى ذلك البلاء .

في بعض النسخ: «ينظر» بالياء. وفي بعضها: «إليهم» بدل «إليه»، والمآل واحد ؛ يعني لا تجعل ذلك دليلاً على عدم حقّيّتهم؛ فإنّ ذلك علامة كونهم أولياء اللّه ؛ لأنّ البلاء موكّل بالأولياء، وعمّا قليل ينصرم بلاياهم، وتنقلب حالهم إلى الرخاء في دار البقاء، بل في هذه النشأة الدنيا أيضاً عند ظهور دولة الحقّ .

(فإن كان دونهم) أي عندهم (عَسْف) أي ظلم وجور . وأصل العسف: الأخذ على غير الطريق .

(وخَسف) . قال الجوهري : «الخَسف: النقصان، وبات فلان الخَسف، أي جائعاً ، ويُقال : سامَهُ الخَسْف، وسامَهُ خَسْفاً وخُسْفاً أيضاً بالضمّ، أي ولّاه ذُلّاً ، ويُقال : كلّفه المشقّة والذلّ» (2). انتهى .

وقيل : هو كناية عن الخُمول وعدم الذكر (3).

وقوله : (تنقضي) جزاء الشرط، ولم ينجزم لكون الشرط ماضياً؛ فإنّك تقول: إن جاء زيد يقوم عمرو، ويقم عمرو . قال ابن مالك :

«وبعد ماض رفعك الجزاء حسن***ورفعه بعد مضارع وهن» (4).

(ثمّ تَصير) تلك البلايا (إلى رخاء) وسعة في الآخرة، بل في الدنيا أيضاً كما مرّ. وفي ذلك ترغيب في ملازمتهم ومتابعتهم، وعدم مفارقتهم أصلاً .

وقوله : (إخوان الثقة) أي الموثوق بهم وبإخوتهم . وقيل : هم المتحابّون المتديّنون المتابعون له عليه السلام في الأقوال والأعمال (5).

(ذخائر بعضهم لبعض) .

الذخيرة ممّا يتّخذ أو يختار لنوائب الدهر ، فالمراد هنا نفع بعضهم بعضاً في الشدائد والنوازل والتعاون والتناصر والتباذل .

ص: 526


1- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 360
2- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقاً: «إليهم»
3- الصحاح ، ج 4 ، ص 1350 (خسف)
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 121
5- راجع: شرح ابن عقيل على الألفية ، ج 2 ، ص 373

(ولو لا أن تذهب بك الظنون عنّي) .

قيل: أي إلى اعتقاد الرسالة، أو الاُلوهيّة، (1).

ولا يخفى بُعده .

وقيل : أي يصير ظنّك السيّئ بي سبباً لانحرافك عنّي، وعدم إصغائك إلى قولي بعد ذلك، وكأنّه عليه السلام كان يعلم أنّه لا يقبل صريح الحقّ دفعة، فأراد أن يقرّ به من الحقّ شيئاً فشيئاً لئلّا ينفّر عن الحقّ وأهله (2).

وأقول : لعلّ المراد ذهاب وهمه إلى جواز ترك التقيّة، وإباحة الإذاعة بعد سماع تلك الاُمور التي أخفاها عليه السلام .

(لجلّيت لك) أي لأظهرت لك كاشفاً (عن أشياء من الحقّ) ؛ بيان للأشياء .

(غطّيتها) لها (ولنشرت) أي بسطت .

(لك أشياء من الحقّ كتمتها) .

«من» بيان للأشياء، وجملة «كتمتها» صفة لها .

(ولكنّي أتّقيك) أي أكون منك على تقيّة خوفاً من نفسي ومنك .

(وأستبقيك) أي أطلب بقاءك وحياتك ؛ يُقال : بَقي بقاء، وهو ضدّ فني فناء، وأبقاه وبقاه واستبقاه بمعنى، واستبقاه: استحياه .

وقيل: معناه: أستبقيك على الحقّ كيلا تزلّ عنه (3).

(وليس الحليم الذي لا يتّقي أحداً) .

«الحليم» بالرفع اسم «ليس»، والموصول مع صلته خبره.

والحِلم، بالكسر: العقل، والأناة، أي التثبّت في الاُمور والتأنّي فيها .

(في مكان التقوى) أي في محلّ التقيّة .

وقوله : (فلا تَعرَيَنَّ) . يُقال : عري من ثوبه _ كرضي _ عُرياً بالضمّ، فهو عار وعريان.

والحاصل أنّه عليه السلام أمره بالحلم والتثبّت في الاُمور بتدقيق النظر في مبدئها ومنتهاها، وحسنها وقبحها، وما يترتّب عليها من المصالح والمفاسد، وعدم التسرّع إلى إذاعة الأسرار إلّا لأهلها، وشبّهه باللباس في الزينة والصيانة ودفع الضرر.

ص: 527


1- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 361
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 122
3- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 361

متن الحديث السابع عشر (رسالة أيضاً منه عليه السلام إليه)

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ، عَنْ عَمِّهِ حَمْزَةَ بْنِ بَزِيعٍ، قَالَ:كَتَبَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام إِلى سَعْدٍ الْخَيْرِ: «بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ جَاءَنِي كِتَابُكَ تَذْكُرُ فِيهِ مَعْرِفَةَ مَا لَا يَنْبَغِي تَرْكُهُ، وَطَاعَةَ مَنْ رِضَا اللّهِ رِضَاهُ، فَقَبِلْتَ (1) مِنْ ذلِكَ لِنَفْسِكَ مَا كَانَتْ نَفْسُكَ مُرْتَهَنَةً، لَوْ تَرَكْتَهُ تَعْجَبُ أَنَّ رِضَا اللّهِ وَطَاعَتَهُ وَنَصِيحَتَهُ لَا تُقْبَلُ وَلَا تُوجَدُ، وَلَا تُعْرَفُ إِلَا فِي عِبَادٍ غُرَبَاءَ أَخْلَاءً مِنَ النَّاسِ قَدِ اتَّخَذَهُمُ النَّاسُ سِخْرِيّاً لِمَا يَرْمُونَهُمْ بِهِ مِنَ الْمُنْكَرَاتِ، وَكَانَ يُقَالُ: لَا يَكُونُ الْمُؤْمِنُ مُؤْمِناً حَتّى يَكُونَ أَبْغَضَ إِلَى النَّاسِ مِنْ جِيفَةِ الْحِمَارِ، وَلَوْ لَا أَنْ يُصِيبَكَ مِنَ الْبَلَاءِ مِثْلُ الَّذِي أَصَابَنَا، فَتَجْعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللّهِ، وَأُعِيذُكَ بِاللّهِ وَإِيَّانَا مِنْ ذلِكَ، لَقَرُبْتَ عَلى بُعْدِ مَنْزِلَتِكَ.

وَاعْلَمْ _ رَحِمَكَ اللّهُ _ أَنَّهُ لَا تُنَالُ (2). مَحَبَّةُ اللّهِ إِلَا بِبُغْضِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، وَلَا وَلَايَتُهُ إِلَا بِمُعَادَاتِهِمْ، وَفَوْتُ ذلِكَ قَلِيلٌ يَسِيرٌ لِدَرْكِ ذلِكَ مِنَ اللّهِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ.

يَا أَخِي، إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ جَعَلَ فِي كُلٍّ مِنَ الرُّسُلِ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَدْعُونَ مَنْ ضَلَّ إِلَى الْهُدى، وَيَصْبِرُونَ مَعَهُمْ عَلَى الْأَذى، يُجِيبُونَ دَاعِيَ اللّهِ، وَيَدْعُونَ إِلَى اللّهِ، فَأَبْصِرْهُمْ _ رَحِمَكَ اللّهُ _ فَإِنَّهُمْ فِي مَنْزِلَةٍ رَفِيعَةٍ، وَإِنْ أَصَابَتْهُمْ فِي الدُّنْيَا وَضِيعَةٌ إِنَّهُمْ يُحْيُونَ بِكِتَابِ اللّهِ الْمَوْتى، وَيُبَصِّرُونَ (3).

بِنُورِ اللّهِ مِنَ الْعَمى، كَمْ مِنْ قَتِيلٍ لإِبْلِيسَ قَدْ أَحْيَوْهُ، وَكَمْ مِنْ تَائِهٍ ضَالٍّ قَدْ هَدَوْهُ، يَبْذُلُونَ دِمَاءَهُمْ دُونَ هَلَكَةِ الْعِبَادِ، مَا أَحْسَنَ أَثَرَهُمْ عَلَى الْعِبَادِ، وَأَقْبَحَ آثَارَ الْعِبَادِ عَلَيْهِمْ».

شرح الحديث

السند صحيح على قول.

قيل: كان منشأ كتابة هذه الرسالة أنّ سعداً كتب إليه عليه السلام كتاباً مشتملاً على ذكر الولاية وطاعة أهلها، وخفاء الحقّ وقلّة أهله، وظهور الباطل وكثرة أهله، وشكى إليه من ذلك،

ص: 528


1- .في الطبعة القديمة وشرح المازندراني: «فقلت»
2- .في الحاشية عن بعض النسخ: «أن لا تنال _ أنّك لا تنال». وفي بعض نسخ الكافي: «أنّا لا ننال»
3- .في الطبعة القديمة: «و يبصّرنّ»

فكتب عليه السلام إليه تسلية له ورفعاً لاستبعاده وشكايته(1).

قوله: (تذكر فيه معرفة ما لا ينبغي تركه)؛ كأنّ المراد به أمر الولاية، ويحتمل الأعمّ.

وقيل: يستفاد من هذا الكلام أنّ سعداً كتب إليه، وذكر في كتابه أنّه عرف كذا، وأنّه قبل منه لنفسه كذا، وأنّه تعجّب من كذا بأن يكون إلى قوله: «من جيفة الحمار» من كلام سعد.

قال: ويحتمل أن يكون «تعجّب» من كلام الإمام عليه السلام (2).

(وطاعة من رضا اللّه رضاه) .

المراد بالموصول إمام العدل، و«رضى» بصيغة الفعل، و«رضاه» مفعوله، أو بصيغة المصدر المضاف إلى الفاعل، و«رضاه» خبره، وعلى التقديرين المراد أنّ رضاه _ تعالى تقدّس _ منوط برضاه.

(فقبلت من ذلك لنفسك ما كانت نفسك مُرتهنة) .

في القاموس: «الرهن: ما وضع عندك لينوب مناب ما اُخذ منك، وكلّ ما احتبس به.

وارتهن منه: أخذه» (3). انتهى.

وقيل: «مرتهنة» بفتح الهاء، أي مرهونة، والأنفس مرهونة عند اللّه بما للّه عليها من الحقوق، فإذا عمل ما يجب عليه، وترك ما نهى عنه، فقد فكّ رهانها، وإلّا فيؤخذ منها بتعذيبها، كما أنّ صاحب الدين يأخذ من الرهن حقّه، كما قال تعالى: «كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَا أَصْحَابَ الْيَمِينِ» ؛ (4) فإنّهم فكّوا رهانها. وقرأ بعض الشارحين: «فقلت» من القول، وقال: «قلت» على صيغة الخطاب، والتكلّم محتمل، و«من» للتعليل، و«ذلك» إشارة إلى ترك الاُمّة ولاية الحقّ وقلّة أهلها، وهو إمّا مذكور في كتاب سعد، أو مفهوم من سياقه، والموصول عبارة عمّا خطر في نفسه، وهو التأسّف والتألّم، والتأمّل في سرّ ذلك وسببه، حتّى صارت نفسه مرتهنة به لا تتخلّص إلّا بزواله . انتهى كلامه وهو كما ترى (5)

(لو تركته تَعجب) . «لو» للتمنّي، أو للشرط ، والجملة خبر ثان ل «كانت»، أو حال من

ص: 529


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 361
2- قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 96
3- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 230 (رهن)
4- .المدّثّر(74): 38 و39
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 362 . وانظر أيضاً: مرآة العقول ، ج 25 ، ص 123 .)

النفس ، والفعلان على صيغة المؤنّث الغائبة، والمستتر فيها راجع إلى النفس ، والضمير البارز للموصول ، ويحتمل كون أحدهما على صيغة المؤنّث، والآخر على صيغة المخاطب، أو كلاهما على صيغة الخطاب .

و«تعجب» إمّا من التعجّب بحذف إحدى التاءين، أو من العجيب وهو الأمر الذي يتعجّب منه ، فكأنّه كان تعجّب في نفسه، أو أظهر تعجّبه في رسالته . أو من العجب _ محرّكة _ وهو إنكار ما يرد عليك ، ولعلّ وجه كونه مورداً للتعجّب رسوخه في النفس بحيث يعسر إزالته .

وقال بعض الشارحين في شرح هذا الكلام : «أي لو تركت ما خطر في نفسك تعجب وتسرّ منه؛ لأنّ ذلك الخاطر يوجب الحزن الشديد للمؤمن بلا منفعة، وكلّ ما كان كذلك فتركه أولى وأعجب» انتهى (1).

وفي بعض النسخ: «فعجب» قيل : معناه كون رضا اللّه وطاعته منحصرة في هؤلاء القوم الذين يستحقرهم الناس محلّ للتعجّب، يستبعده الناس وتأبى عنه أوهامهم وعقولهم الفاسدة التي ألِفَتْ بالدنيا وزينتها (2).

وفي بعضها: «بعُجبٍ» بضمّ العين، بمعنى الزهو والكِبر، وكأنّه متعلّق بالترك ؛ أي إن تركته بسبب الإعجاب بالنفس والتكبّر عن قبول الحقّ وطاعة أهله .

وقوله : (أنّ رضا اللّه وطاعته ...) إشارة إلى قلّة أهل الحقّ، وكونهم مستضعفين عند الناس؛ لميل أكثرهم إلى الباطل .

وقوله : (ونصيحته) مضاف إلى الفاعل، أو المفعول؛ أي نصيحة اللّه لخلقه بدعائه إلى ما فيه خير الدنيا والآخرة ، أو نصيحتهم للّه بالإيمان به، وإطاعة من أمر بإطاعته، والقيام بوظائف طاعته وشكر نعمته .

ويحتمل أن يُراد بنصيحة اللّه ما يعمّ نصيحة عامّة الناس بمعرفة حقوقهم، وإرشادهم إلى مراشدهم ومصالحهم ، والنصيحة اسم من النُّصح _ بالضمّ _ وهو الخلوص وعدم الغشّ .

(لا تُقبل ولا توجد ولا تعرف) .

النشر على ترتيب اللفّ، أو مشوّش، أو الكلّ لكلّ واحد .

ص: 530


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 362
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 123

(إلّا في عباد غرباء) ؛ جمع غريب، وهو من فارق بلده .

وقيل : من فارق أهله، أو فارقوه ، فكلّ مؤمن لم يجد مؤمناً في منزل الإيمان وفارقه الناس ومالوا إلى الكفر والعصيان، فهو غريب في دار الغربة، وهي الدنيا؛ لأنّه من أهل أعلى علّيّين، وهم عليهم السلام كانوا كذلك لمفارقة الناس عنهم، وخروجهم عن مسكن الإسلام وموطن الإيمان، ونقلهم من رياض الجنان إلى دار الهموم والأحزان .

(أخلاء من الناس) .

الأخلاء: جمع الخِلو _ بالكسر _ كالأطفال والطفل، وهو الفارغ، أو البريء، أو المنفرد؛ أي هم أخلاء منفردون، أو بُرآء من معاشرة عامّة الناس ومخالطتهم إلّا لضرورة ، وعن أخلاقهم وأطوارهم المذمومة الباطلة .

وقيل : الأخلاء: جمع خليّ، كالأشراف جمع «شريف» ، والمراد به الفارغ من الناس والمعتزل من شرارهم (1).

(قد اتّخذهم الناس سِخريّاً) أي هزواً، ويسخرون منهم؛ لأنّهم يعدّون معروفهم منكراً، أو يقهرونهم، ويكلّفونهم ممّا لا يطيقون ، ولم يجمع السخريّ لكونه في الأصل مصدراً أو اسم مصدر .

قال الفيروزآبادي : «سخر منه وبه _ كفرح _ سخْراً: اُهزئ، كاستسخر، والاسم: السُّخريّة والسُّخريّ، ويكسر، وسخره _ كمنعه _ سخريّاً، بالكسر ويضمّ: كلّفه ما لا يريد، وقهره» (2).

وقال البيضاوي :

السخريّ _ بالضمّ والكسر _ مصدر سخر، زيدت فيهما ياء النسبة للمبالغة ، وعند الكوفيّين المكسور بمعنى الهزء، والمضموم من السخرة بمعنى الانقياد والعبوديّة (3).

(لما يَرمونهم به من المنكرات) أي لأجل ما يقذفهم الناس، ويتّهمونهم به من المنكرات التي هم بُرآء منها، أو لزعمهم أنّ ما فعلوا من الخيرات وعملوا من الصالحات منكرات .

وقيل : يحتمل حمل المنكر على الاُمور الشاقّة الشديدة من الأقوال وغيرها (4). وقيل :

ص: 531


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 362
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 46 (سخر)
3- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 170
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 362

يحتمل أن يكون ضمير الفاعل راجعاً إلى العباد المحقّين، أي إنّما يتّخذ الناس هؤلاء العباد سخريّاً؛ لأنّهم ينسبونهم إلى المنكرات، أي يبيّنون أنّ ما هم عليه من العقائد والأعمال منكر مبتدع، وينهونهم عنه(1).

(وكان يُقال) ؛ كان قائله رسول اللّه صلى الله عليه و آله أو أحد من الأئمّة عليهم السلام ، وهذا ردّ للعجب والاستبعاد ممّا ذكر: (لا يكون المؤمن مؤمناً) كامل الإيمان (حتّى يكون أبغض إلى الناس من جيفة الحمار) ، ووجه ذلك بأنّ المؤمن قليل، والجاهل كثير؛ لقلّة العلم وغلبة الجهل ، وبين العلم والجهل والعالم والجاهل تضادّ وتعاند ، فالجاهلون المذمومون بلسان الكتاب والرسول يذمّون المؤمن العالم، ويبغضونه لترويج جهلهم وإخفاء فضله وشرفه، وكلّ من علمه أكثر وأتمّ كان بغضه في قلوبهم أكمل وأعظم .

(ولو لا أن يصيبك البلاء) .

لعلّ المراد به الفتنة والبليّة الواردة من قبل الناس، وأذاهم وتحقيرهم واستهزاؤهم .

ويحتمل ما يعمّ ذلك والوارد من قبل اللّه ، والأوّل أنسب بقوله : (فتجعل فتنة الناس كعذاب اللّه ) ؛ الفاء فصيحة أو عاطفة ، والجملة معطوفة على «يصيبك»، وهو تضمين لمضمون الآية ؛ أعني قوله تعالى : «وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ فَإِذَا أُوذِىَ فِي اللّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللّهِ» (2).

قال بعض المفسّرين : أي فإذا اُوذي بأن عذّبه الكفرة على الإيمان، «جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ» ، أي ما يصيبهم من أذيّتهم في الصرف عن الإيمان «كَعَذَابِ اللّهِ» في الصرف عن الكفر . انتهى (3).

والحاصل : أنّه يختار عذاب اللّه بالرجوع عن الحقّ والإيمان ليتخلّص من عذابهم وإضرارهم .

وقوله : (واُعيذك باللّه وإيّانا من ذلك) جملة معترضة دعائيّة، وذلك إشارة إلى الجعل المذكور .

وقوله : (لَقَرُبَت على بُعد منزلتك) جواب «لولا»، وهي لامتناع الثاني _ أعني قرب المنزلة _ لوجود الأوّل، أعني مجموع إصابة البلاء، وجعل فتنة الناس كعذاب اللّه ، لا كلّ واحد منهما،

ص: 532


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 123
2- العنكبوت(29): 10
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 25 ، ص 124

وإلّا لم يستقم المعنى ، فيستفاد من مضمون الشرطيّة أنّ إصابة البلاء بالنسبة إلى المؤمن الراسخ الإيمان الخائف من عذاب اللّه _ لا من فتنة الناس وأذاهم _ سبب وموجب تامّ لقرب المنزلة .

والظاهر أنّ قوله : «لقربت» بتخفيف الراء على صيغة الخطاب، أي لدنوت بما اُلقي إليك من الحقّ، وبقبوله مع غاية بُعدك عنه .

وقيل : يحتمل أن يكون بتشديد الراء على صيغة المتكلّم المعلوم، أي لجعلتك قريباً من الحقّ مع غاية بُعدك عنه، أو على صيغة المخاطب المجهول، أو بتخفيف الراء على صيغة المتكلّم ؛ أي لقربت إليك ببيان الحقّ والتصريح به (1).

وقوله : (أنّه لا تُنال محبّة اللّه ) ؛ في بعض النسخ: «إنّك لا تنال» ، وفي بعضها: «أن لا تنال» .

(إلّا ببغض كثير من الناس) .

البغض، بالضمّ: ضدّ المحبّة، وإنّما يكونان بالقلب .

(ولا ولايتَهُ إلّا بمعاداتهم) .

الولاية، بالفتح: إظهار المحبّة والصداقة ، والمعاداة خلافه ، والظاهر أنّ إضافة البغض والمعاداة إلى المفعول ، ويحتمل بعيداً إضافتهما إلى الفاعل .

(وفوت ذلك قليلٌ يسير) .

كأنّ «ذلك» إشارة إلى حبّ الناس وولايتهم المفهومين ضمناً .

وقيل : إشارة إلى بُغض الناس ومعاداتهم، أي ما يفوتك بسبب معاداة الناس قليل حقير بالنظر إلى ما تدركه من المنافع الاُخرويّة (2).

وقيل : أي زوال بغضهم وعداوتهم بسبب محبّتهم لنيل الدنيا، أو السبق والتبادر إليهما، من قولهم: فاتني فلان بكذا، أي سبقني به (3).

(لدرك ذلك) أي المحبّة والولاية (من اللّه ).

واللام تعليل للفوت، أو للقلّة والحقارة . وفي القاموس: «الدَرَك، محرّكة: اللِّحاق ،

ص: 533


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 124
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 124
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 363

وأدركه: لحقه» (1). وقيل : «ذلك» إشارة إلى المنافع والثواب الاُخرويّة المعلومة بقرينة المقام، أو يكون إشارة إلى ما اُشير به أوّلاً بتقدير مضاف، أي عوضه وجزاء تركه (2).

(لقوم يعلمون) أي العلم بكنه تلك الحقارة ، وذلك الشرف مختصّ بالعالمين بدناءة الدنيا وخساسة أهلها، وجودة الآخرة وشرافة أهلها .

وقوله : (في كلّ من الرسل) أي في اُمّة كلّ من الرسل، أو لأجل كلّ منهم على أن يكون «في» للتعليل .

(بقايا من أهل العلم) .

هم أوصياء الرسل ومن يحذو حذوهم من العلماء ، وهذه سُنّة جرت من اللّه في الأوّلين والآخرين، وبعد ورود النقل المتواتر بذلك يقتضيه العقل الصحيح أيضاً؛ إذ فرض انتفاء الحاجة إلى الأوصياء الذين هم حفظة شرائع الأنبياء في كلّ عصر لزم انتفاء الحاجة إلى الرسل أيضاً؛ لاشتراك علّة الحاجة، وبيان ظاهرة للمنصف الطالب للحقّ والرشاد ، الناكب عن طريق الجدل والعناد (يدعون) تلك البقايا (من ضلّ) بعد الرسل عن سبيلهم (إلى الهدى) وهو دينهم الحقّ .

(ويصبرون معهم) أي مع الرسل، أو مع الاُمّة تبعهم، أو ضلّ عنهم وخالفهم .

(على الأذى) الذي وصل إليهم من الجهّال .

(يجيبون) تلك البقايا .

(داعي اللّه ) وهو الرسول ، وإجابته: إطاعته فيما جاء به .

(ويدعون) الناس (إلى اللّه ): إلى دينه وأحكامه .

وقوله : (فأبصرهم) من الإبصار، وهو الرؤية ؛ أي اُنظر إليهم ببصرك وبصيرتك، واُعرفهم بأعيانهم، وميّزهم عن أغيارهم .

وقوله : (وضيعة) أي حالة وضيعة، وهي المرتبة الدنيّة بحسب الدنيا، أو خسران ونقصان باعتبار مقهوريّتهم وتخلّف الخلق عنهم وعدم الاهتمام بشأنهم .

ص: 534


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 124
2- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 301 (درك)

قال الجوهري : الوضيعة: واحدة الوضائع، وهي أثقال القوم .

يُقال : وُضِع الرجل في تجارته على ما لم يسمّ فاعله، أي خَسِر.

ووَضُعَ الرجل، بالضمّ، أي صار وضيعاً ، ووضع منه فلان، أي حطّ من درجته (1).

(إنّهم يُحيون بكتاب اللّه الموتى) .

الإحياء كناية عن الإرشاد والتعليم ، والموتى عن الجهّال الذين ماتت قلوبهم بالجهل ، وإرادة الإحياء والموت بمعنى المتعارف بعيد .

(ويبصّرون بنور اللّه من العمى) .

في القاموس: «بصّره تبصيراً: عرّفه وأوضحه» ، (2) ولعلّ تعديته ب «من» بتضمين مثل معنى الكشف والتبصير .

والمراد بالنور العلم، وبالعمى الجهل والشبهة مجازاً ، وهذه الفقرة كالتفسير لسابقها؛ أي يبيّنون ويوضحون للناس معالم دينهم بما أعطاهم اللّه من العلم مبعّداً إيّاهم من عمى الجهل .

وما قيل _ من كون «يبصرون» من الإبصار ، والمراد أنّهم يُبصِرون بنور العلم الذي لا يضلّ من اهتدى به صراط الحقّ ودينه من ظلمات الجهالات والشبهات التي أحدثها الجاهلون في الشريعة _ ، (3) فمحتمل بعيد .

(كم من قتيل لإبليس قد أحيوه) .

«كم» خبريّة لبيان الكثرة ، وكذا في قوله : (وكم من تائه ضالّ قد هَدوه).

وقال الجوهري : «تاه في الأرض، أي ذهب متحيّراً» (4). وفي القاموس: «التّيه، بالكسر: الضلال . تاه يتيه تيهاً، ويكسر» (5).

وقيل : المراد بقتيل إبليس المنكرُ للرسول، وبالتائه المنكرُ للولاية والمستضعف (6).

(يبذلون دماءهم دون هَلَكة العباد) أي يجودون بها عند إشراف العباد على الهلاك،

ص: 535


1- الصحاح ، ج 3 ، ص 1299 و1300 (سخر)
2- .القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 374 (بصر)
3- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 364
4- الصحاح ، ج 6 ، ص 2229 (تيه)
5- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 282 (تيه)
6- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 364

ويجعلونها وقايةً لهم لئلّا يهلكوا شفقةً لهم وترجيحاً لنجاتهم . يُقال : بذله، كنصره وضربه، إذا أعطاه وجاد به . والهَلَكة، محرّكة: الهلاك .

(ما أحسن أثرهم على العباد) .

أثر الشيء، محرّكة: بقيّته، وما يحصل منه؛ أي ما أحسن ما يصل منهم إلى العباد من الرحمة والإرشاد والهداية والإعانة .

(وأقبح آثار العباد عليهم) من المخالفة والإصرار على الإضرار .

متن الحديث الثامن عشر

اشاره

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، [عَنْ أَبِيهِ] عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ:بَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ذَاتَ يَوْمٍ جَالِساً إِذْ أَقْبَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : «إِنَّ فِيك شَبَهاً مِنْ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَلَوْ لَا أَنْ تَقُولَ فِيكَ طَوَائِفُ مِنْ أُمَّتِي مَا قَالَتِ النَّصَارى فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، لَقُلْتُ فِيكَ قَوْلاً لَا تَمُرُّ بِمَلاَءٍ مِنَ النَّاسِ إِلَا أَخَذُوا التُّرَابَ مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْكَ يَلْتَمِسُونَ بِذلِكَ الْبَرَكَةَ».

قَالَ: فَغَضِبَ الْأَعْرَابِيَّانِ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، وَعِدَّةٌ مِنْ قُرَيْشٍ مَعَهُمْ، فَقَالُوا: مَا رَضِيَ أَنْ يَضْرِبَ لأْنِ عَمِّهِ مَثَلاً إِلَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ!

فَأَنْزَلَ اللّهُ عَلى نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقَالَ: «وَلَمّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقالُوا أَ آلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ * إِنْ هُوَ إِلاّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ * وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ» ؛ يَعْنِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ «مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ» ، (1). قَالَ: فَغَضِبَ الْحَارِثُ بْنُ عَمْرٍو الْفِهْرِيُّ فَقَالَ: «اللّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ» أَنَّ بَنِي هَاشِمٍ يَتَوَارَثُونَ هِرَقْلاً بَعْدَ هِرَقْلٍ «فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ» ، فَأَنْزَلَ اللّهُ عَلَيْهِ مَقَالَةَ الْحَارِثِ، وَنَزَلَتْ هذِهِ الْايَةُ: «وَما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ» (2).

ثُمَّ قَالَ لَهُ: «يَا ابْنَ عَمْرٍو إِمَّا تُبْتَ وَإِمَّا رَحَلْتَ»، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، بَلْ تَجْعَلُ لِسَائِرِ قُرَيْشٍ شَيْئاً مِمَّا

ص: 536


1- .الزخرف(43): 57 _ 60
2- الأنفال(8): 32 و33

فِي يَدَيْكَ، فَقَدْ ذَهَبَتْ بَنُو هَاشِمٍ بِمَكْرُمَةِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : «لَيْسَ ذلِكَ إِلَيَّ، ذلِكَ إِلَى اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى».

فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، قَلْبِي مَا يُتَابِعُنِي عَلَى التَّوْبَةِ، وَلكِنْ أَرْحَلُ عَنْكَ، فَدَعَا بِرَاحِلَتِهِ، فَرَكِبَهَا، فَلَمَّا صَارَ بِظَهْرِ الْمَدِينَةِ أَتَتْهُ جَنْدَلَةٌ، فَرَضَّتْ (1). هَامَتَهُ، ثُمَّ أَتَى الْوَحْيُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَقَالَ: «سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ * لِلْكافِرينَ» بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ (2). «لَيْسَ لَهُ دافِعٌ» (3). مِنَ اللّهِ ذِي الْمَعارِجِ.

قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّا لَا نَقْرَؤُهَا هكَذَا، فَقَالَ: «هكَذَا وَاللّهِ نَزَلَ بِهَا جَبْرَئِيلُ (4). عَلى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وَهكَذَا هُوَ وَاللّهِ مُثْبَتٌ فِي مُصْحَفِ فَاطِمَةَ عليه السلام ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِمَنْ حَوْلَهُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ: انْطَلِقُوا إِلى صَاحِبِكُمْ، فَقَدْ أَتَاهُ مَا اسْتَفْتَحَ بِهِ، قَالَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبّارٍ عَنِيدٍ» (5). ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (عن أبي بصير) .

الظاهر أنّ مثل أبي بصير لا يروي إلّا عن المعصوم، وأنّه الصادق عليه السلام .

وقوله : (إنّ فيك شبهاً من عيسى بن مريم) ؛ يعني في زهده وورعه وعبادته، وافتراق الناس فيه ثلاث فرق .

والشبه _ بالكسر وبالتحريك _ : المثل والمماثلة .

وقوله : (بملأ من الناس). في القاموس: «الملأ، كجَبَل: الأشراف والجماعة» (6).

وقوله : (الأعرابيّان) أي الأوّل والثاني ، شبّههما بالأعرابي لأنّهما لم يهاجرا إلى الإسلام، وكانا على كفرهما، وكان إسلامهما نفاقاً ، وهجرتهما شقاقاً ، فهما داخلان في قوله تعالى : «الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرا وَنِفَاقا» (7).

(فأنزل اللّه على نبيّه) في سورة الزخرف : «وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً» .

ص: 537


1- .في الحاشية عن بعض النسخ: «فرضخت». وفي بعض نسخ الكافي: «فوضعت»
2- .في الطبعة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها وشرح المازندراني والوافي ومرآة العقول: _ «بولاية عليّ»
3- .المعارج(70): 1 و2
4- .في الحاشية عن بعض النسخ: «هكذا واللّه أنزل اللّه بها جبرائيل»
5- .إبراهيم(14): 15
6- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 28 (ملأ)
7- التوبة(9): 97

قال البيضاوي : أي ضربه ابن الزبعرى لمّا جادل رسول اللّه صلى الله عليه و آله في قوله تعالى : «إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ» (1). أو غيره، بأن قال: النصارى أهل كتاب، وهم يعبدون عيسى، ويزعمون أنّه ابن اللّه ، والملائكة أولى بذلك، أو على قوله : «وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا» ، (2). أو أنّ محمّداً يريد أن نعبده كما عُبِدَ المسيح .

«إِذَا قَوْمُكَ» : قريش «مِنْهُ» : من هذا المثل .

«يَصِدُّونَ» : يضجّون فَرَحاً؛ لظنّهم أنّ الرسول صار مُلزَماً . وقرأ نافع وابن عامر والكسائي بالضمّ من الصدود (3). ؛ أي يصدّون عن الحقّ ويعرضون عنه . وقيل : هما لغتان نحو يعكِفُ ويعكُف .

«وَقَالُوا أَ آلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ» أي آلهتنا خيرٌ عندك أم عيسى ، فإن يكن في النار فلتكن آلهتنا معه ، أو آلهتنا الملائكة خيرٌ أم عيسى، فإذا جاز أن يُعبد ويكون ابن اللّه كانت آلهتنا أولى بذلك، أو آلهتنا خيرٌ أم محمّد، فنعبده ونَدَع آلهتنا .

«مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاً» ما ضربوا هذا المثل إلّا لأجل الجدل والخصومة، لا لتمييز الحقّ من الباطل .

«بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ» شِداد الخصومة، حِراص على اللجاج .

«إِنْ هُوَ إِلاّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ» بالنبوّة «وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ» : أمراً عجيباً، كالمثل السائر لبني إسرائيل، وهو كالجواب المُزيح لتلك الشبهة .

«وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ» : لَولّدْنا منكم يا رجال كما ولّدنا عيسى من غير أب، أو لجعلنا بدلكم .

«مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ» : ملائكة يخلفونكم في الأرض ، والمعنى أنّ حال عيسى عليه السلام وإن كانت عجيبة، فإنّه تعالى قادر على ما هو أعجب من ذلك، وأنّ الملائكة مثلكم من حيث إنّها ذوات ممكنة، يحتمل خلقها توليداً كما جاز خلقها إبداعاً، فمن أين لهم استحقاق الاُلوهيّة (4).

والانتساب إلى اللّه سبحانه ، «وإنّه» : وإنّ عيسى «لَعِلْمٌ

ص: 538


1- .الأنبياء(21): 98
2- .الزخرف(43): 45
3- .في الحاشية: «صدَّ عنه يصدّ صدوداً: أعرض. وصدّه عن الأمر صدّاً: منعه، وصرفه عنه، وصدَّ يَصَدّ ويَصِدّ صديداً: ضجّ . الصحاح». الصحاح، ج2، ص495 (صدد)
4- .في المصدر: «العبوديّة»

لِلسَّاعَةِ» ؛ لأنّ حدوثه أو نزوله من أشراط الساعة يعلم به دونها ، أو لأنّ إحياء الموتى يدلّ على قدرة اللّه تعالى، «وَاتَّبِعُونِ» : واتّبعوا هداي، أو شرعي، أو رسولي .

وقيل : هو قول الرسول اُمِرَ أن يقول: «هذَا» الذي أدعوكم إليه «صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ» (1). لا يضلّ سالكه . انتهى (2).

وأقول : على تفسيره عليه السلام ضارب المثل ومبيّنه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، لا ابن الزبعرى أو غيره ، والضمير في قوله تعالى : «هو» راجع إلى عليّ عليه السلام ، وإرجاعه على هذا التفسير إلى محمّد صلى الله عليه و آله لا يخلو عن تكلّف، وفيه إشعار بكون الأعرابيّين باقيين على كفرهم الأصلي ، وكذا الضمير في قوله : «إِنْ هُوَ إِلَا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا» ، والمراد بالإنعام هي الإمامة والخلافة وما يتبعهما من الكمالات المختصّة فيه عليه السلام .

«وَجَعَلْنَاهُ» ؛ يعني عليّاً عليه السلام «مَثَلاً» : أمرا عجيباً غريباً «لِبَنِي إِسْرَائِيلَ» ؛ قيل : أي شبيهاً ببني إسرائيل، وهو عيسى عليه السلام ، ولا يبعد أن يراد بهم قريش؛ لكونهم من بني إسماعيل، فتأمّل ، أو بني إسرائيل زمانه عليه السلام .

وقوله : «وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ» أي من بني هاشم «مَلَائِكَةً» ؛ قيل : أي أئمّة كالملائكة في التقدّس والطهارة والعصمة .

«فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ» أي يكونون خلفاء في الأرض .

ولعلّ كلمة «لو» استعمل على هذا التفسير مقام «إذا»؛ أي متى تعلّقت مشيّتنا وأردنا نجعل في الأرض منهم خلفاء ، انتهى (3).

وقيل : أي يخلفونكم في الأرض، وإذا قدرنا على ذلك فكيف لا نقدر على أن نجعل واحداً من البشر في الفضل والكمال بحيث يستحقّ خلافتكم؟! وبذلك أبطل إنكارهم لفضله عليه السلام (4).

وأقول : يؤيّد هذا التفسير الذي ذكره عليه السلام ما رواه عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن وكيع، عن الأعمش، عن سلمة بن كهيل، عن أبي صادق، عن أبي الأعزّ، عن سلمان الفارسي، قال : بينما رسول اللّه صلى الله عليه و آله جالس في أصحابه إذ قال : «إنّه يدخل عليكم الساعة شبيه عيسى ابن

ص: 539


1- .الزخرف(43): 57 _ 61
2- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 150 و151 (مع التلخيص)
3- راجع: مرآة العقول ، ج 25 ، ص 127
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 365

مريم» ، فخرج بعض من كان جالساً مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ليكون هو الداخلَ، فدخل عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فقال الرجل لبعض أصحابه : أما رضي (1) محمّدٌ أن فضّل عليّاً علينا حتّى يشبهه بعيسى ابن مريم ، واللّه لآلهتنا التي كنّا نعبدها في الجاهليّة أفضل منه ، فأنزل اللّه في ذلك المجلس : «وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يضجّون» ، فحرّفوها «يَصِدُّونَ» ، وقالوا : «أَ آلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ» إِنْ عليٌّ إلّا عبدٌ «أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ» ؛ فمحي اسمه عن هذا الموضع. ثمّ ذكر اللّه خطر أمير المؤمنين عليه السلام فقال : «وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِي هذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ» ؛ يعني أمير المؤمنين (2).

قال : (فغضب الحارث بن عمرو الفهري) .

في القاموس: «الفهر، بالكسر: قبيلة من قريش» (3).

(فقال : اللُّهمَّ ...) .

نسب عليه السلام هذا القول إلى الحارث وحده؛ لأنّه القائل به حقيقة، ونسب _ جلّ شأنه _ إليه وشركائه في التهكّم والتكذيب والإصرار على الإنكار حيث قال : «وَإِذْ قَالُوا اللّهُمَّ» باعتبار رضائهم بصدور الفعل عنه، والراضي بالفعل فاعل مجازاً ، ولفظ «هذا» في قوله : «إِنْ كَانَ هذَا هُوَ الْحَقُّ» إشارة إلى ما ذكر من فضل عليّ عليه السلام الدالّ على تقدّمه على الغير، واستحقاقه للخلافة واستبداده بها ، ولذلك قال على سبيل البيان والتوضيح : (أنّ بني هاشم ...) .

وقال البيضاوي في تفسير قوله تعالى في سورة الأنفال : «وَإِذْ قَالُوا اللّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ» الآية : روي أنّه لمّا قال النضر : «إِنْ هذَا إِلاّ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ» ، قال له النبيّ صلى الله عليه و آله : «ويلك إنّه كلام اللّه » ، فقال ذلك ، والمعنى: إن كان القرآن حقّاً منزلاً فأمطر الحجارة علينا عقوبة على إنكاره، أو ائتنا بعذاب سواه ، والمراد منها التهكّم وإظهار اليقين والجزم التامّ على كونه باطلاً ، وقرئ «الحقُّ» بالرفع على أنّ هو مبتدأ غير فصل (4).

ص: 540


1- .في المصدر: «يرضى»
2- تفسير القمّي ، ج 2 ، ص 285 و286، ح 16. وعنه في بحار الأنوار ، ج 9 ، ص 236، ح 131
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 112 (فهر)
4- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 105

وقوله : (يتوارثون هِرَقْلاً بعد هِرَقْل) أي يتوارث بعضهم بعضاً توارث هرقل بعد هرقل، أي مَلكاً بعد ملك، حذف المفعول المطلق واُقيم المضاف إليه مقامه .

قال الفيروزآبادي : «هِرَقل، كسبحل وزبرج: ملك الروم، أوّل من ضرب الدنانير، وأوّل من أحدث البيعة» (1).

انتهى .

وقيل : كأنّه عبّر عنهم هكذا كفراً وعناداً وإظهاراً لبطلانهم (2).

وقوله : (مقالة الحارث) بالنصب على أنّه مفعول «أنزل»؛ أي فأخبر اللّه رسوله بمقالة الحارث .

(ونزلت هذه الآية) لبيان تلك المقالة : «وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ» الآية .

قيل : المراد ترك عذاب الاستيصال ببركته صلى الله عليه و آله ، فلا ينافي ورود هذا العذاب عليه ، ويحتمل أن يكون المراد بأوّل الآية نفي عذاب الاستيصال ، وبقوله : «وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ» نفي العذاب الوارد على الأشخاص ، فلذا أمره _ صلوات اللّه عليه _ بالتوبة لرفعه ، فلمّا لم يتب نزل عليه (3).

وقال بعض المفسّرين : هذه الآية بيان لما كان الموجب لإمهالهم والتوقّف في إجابة دعائهم ، واللام لتأكيد النفي والدلالة على أنّ تعذيبهم عذاب استيصال، والنبيّ بين أظهرهم خارج عن عادته غير مستقيم في قضائه ، والمراد باستغفارهم إمّا استغفار من بقي فيهم من المؤمنين، أو قولهم: «اللّهمّ اغفر» ، أو فرضه على معنى لو استغفروا لم يعذّبوا كقوله : «وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ» (4). (5).

(ثمّ قال له : يا عمرو) .

لعلّه قد يسمّى باسم أبيه أيضاً . وفي بعض النسخ: «با عمرو» بالباء الموحّدة، فلعلّه منادى بحذف حرف النداء . وفي بعضها: «يا با عمرو» .

ص: 541


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 68 (هرقل)
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 127
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 128
4- .هود(11): 117
5- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 105 (مع اختلاف يسير)

(إمّا تبت وإمّا رَحَلْت) .

في القاموس: «رحل، كمنع: انتقل» (1).

وقال الجوهري : «رحَلت البعيرَ، أرحله رَحلاً، إذا شددت على ظهره الرَّحل. ويقال : رحَلْتُ له نفسي، إذا صبرت على أذاه ، ورحل فلان وارتحل وترحّل بمعنى» (2).

وقوله : (لسائر قريش) ؛ كأنّه أراد به نفسه الملعونة .

(شيئاً ممّا في يديك) من الملك والخلافة، أو العزّ والكرامة .

وقوله : (فقد ذهب بنو هاشم) تعليل المذكور .

(بمَكرمة العرب والعجم) أي بجميع المكارم والمناقب والمفاخر .

قال الفيروزآبادي : «الكرم، محرّكة: ضدّ اللؤم. كرم _ بضمّ الراء _ كرامةً وكَرَماً، فهو كريم وكريمة، ومكرم ومَكرَمة. وأرض مكرمة: كريمة طيّبة» (3).

وقوله : (بظهر المدينة) أي خارجها .

والظهر في الأصل، خلاف البطن: ما غلظ من الأرض وارتفع ، ولعلّ نزول العذاب عليه هناك لخروجه عن موضع الأمان .

(أتته جَنْدَلَة فرضّت هامته) .

في بعض النسخ: «فرضخت» ، والرضخ، بالخاء المعجمة والمهملة: كسر الحصى والنوى . والجندل، كجعفر، ويجوز كسر الدال: الحجارة، واحده جَنْدلة . والرضّ: الكسر، والدقّ. والهامة، بتخفيف الميم: رأس كلّ شيء .

(ثمّ أتى الوحي إلى النبيّ صلى الله عليه و آله ) .

الوحي في الأصل: الكتاب، والكتابة، والرسالة، والإشارة، والإلهام، والكلام الخفيّ، وكلّ ما ألقيته إلى غيرك، والمناسب بقوله : (فقال) أن يراد به جبرئيل عليه السلام .

«سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ»

قال البيضاوي : أي دعا داعٍ به بمعنى استدعاه ، ولذلك عدّي الفعل بالباء، والسائل نضر بن الحارث؛

ص: 542


1- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 383 (رحل)
2- الصحاح ، ج 4 ، ص 1707 (رحل)
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 170 (كرم)

فإنّه قال : «إِنْ كَانَ هذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ» ، أو أبو جهل؛ فإنّه قال : «فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِنَ السَّمَاءِ» ، (1). سأله استهزاء، أو الرسول صلى الله عليه و آله استعجل بعذابهم(2).

ومضيّ الفعل لتحقّق وقوعه إمّا في الدنيا _ وهو قتل بدر _ أو في الآخرة وهو عذاب النار للكافرين، صفة اُخرى لعذاب، أو صلة ل «واقع»، وإن صحّ أنّ السؤال كان عمّن يقع به العذاب كان جواباً ، والباء على تضمين «سأل» معنى اهتمّ .

«لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنْ اللّهِ» : من جهته لتعلّق إرادته .

«ذِي الْمَعَارِجِ» (3). : ذي المصاعد، وهي الدرجات التي يصعد فيها الكلم الطيّب والعمل الصالح، أو يترقّى فيها المؤمنون في سلوكهم، أو في دار ثوابهم ، أو مراتب الملائكة ، أو السماوات؛ فإنّ الملائكة يعرجون فيها .

وقوله : (إنّا لا نقرأها هكذا ...) يدلّ على أنّ في متن الحديث سقط من النسّاخ؛ روى المصنّف في الاُصول عن عليّ بن إبراهيم، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن خالد، عن محمّد بن سليمان، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام في قول اللّه تعالى : «سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرِينَ _ بولاية عليّ _ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ» » ، ثمّ قال : «هكذا واللّه نزل بها جبرئيل عليه السلام على محمّد صلى الله عليه و آله » (4).

وقال الفاضل الإسترآبادي : «قوله : هكذا واللّه نزل ... ، إشارة إلى قوله : إنّ بني هاشم يتوارثون هرقلاً بعد هِرقل» (5). انتهى .

ويمكن حمل قوله : (فقد أتاه ما استفتح به) على التهكّم، أو على الافتتاح والاستنصار بالنظر إلى عقيدة السائل .

وقوله تعالى : «وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ» ؛ (6). الاستفتاح: الاستنصار والافتتاح ، ويظهر من هذا الخبر أنّ المراد به استفتاح العذاب .

قال بعض المفسّرين : «أي سألوا من اللّه الفتح على أعدائهم، أو القضاء بينهم وبين

ص: 543


1- .الشعراء(26): 187
2- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 386
3- .المعارج(70): 1 _ 3
4- الكافي، ج 1 ، ص 422، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية، ح 47
5- .نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 367
6- .إبراهيم(14): 15

أعدائهم من الفتاحة (1). ، كقوله : «رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ» (2). » (3).

«وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ» أي ففتح لهم، فأفلح المؤمنون، وخاب كلّ عاتٍ متكبِّر على اللّه معاند للحقّ، فلم يفلح .

متن الحديث التاسع عشر

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ:عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: «ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ» ، (4). قَالَ: «ذَاك (5). وَاللّهِ حِينَ قَالَتِ الْأَنْصَارُ: مِنَّا أَمِيرٌ، وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ».

شرح الحديث

السند صحيح .

قوله تعالى في سورة الروم : «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ» ؛ قال البيضاوي :

كالقحط، (6). والموتان، وكثرة الحرق، والغرق، ومحق البركات، وكثرة المضارّ، أو الضلالة، والظلم . وقيل: المراد بالبحر قرى السواحل .

«بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ» بشؤم معاصيهم، أو بكسبهم إيّاه .

وقيل : ظهر الفساد في البرّ بقتل قابيل أخاه ، وفي البحر بأنّ جُلَنْدَا كان يأخذ كلّ سفينة غصباً . انتهى (7).

ونقل عن البَغَوي أنّه قال :

أراد بالبرّ البوادي والمفاوز ، وبالبحر المدائن والقرى التي على المياه الجارية . وقال عِكرمة : «تسمّي المصر بحراً». وقال عطيّة : «البرّ: ظهر الأرض، والبحر هو البحر المعروف، وقلّة المطر كما تؤثر في البرّ تؤثر في البحر، فتخلوا أجواف الأصداف؛ لأنّ الصدف إذا جاء المطر يرتفع إلى وجه البحر، ويفتح فاه، فما وقع [في] فيه من المطر صار لؤلؤاً» .

ص: 544


1- .«الفُتاحة» بضمّ الفاء : الحكومة والحُكم . اُنظر : لسان العرب ، ج 2 ، ص 538 (فتح)
2- .الأعراف(7): 89
3- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 342
4- .الروم(30): 41
5- .في الحاشية عن بعض النسخ: «ذلك»
6- .في المصدر: «كالجدب»
7- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 338

وقال ابن عبّاس ومجاهد وضحّاك : «كانت الأرض خضرة مونقة، لا يأتي الرجل شجرة إلّا وجد عليها ثمرة، وكان ماء البحر عذباً، وكان لا يقصد الأسد البقر ولا الغنم ، فلمّا قتل قابيل هابيل اقشعرّت الأرض، وشاكت الأشجار، وصار ماء البحر ملحاً، وقصد الحيوان بعضها بعضاً» (1).

(وقال عليه السلام : ذاك واللّه ) أي ظهور الفساد (حين قالت الأنصار : منّا أمير، ومنكم أمير) .

وقال بعض الأفاضل : لعلّ المراد غصب الخلافة ، أو قول هذه الكلمة القبيحة، وتركهم خليفة الرسول، وصار ترك خليفة الحقّ سبباً للضلال الساري في البرّ والبحر ؛ أي المحيط بجميع العالم، وبسبب عدم استيلاء أهل الحقّ والعدل فشى الجور في البراري والبحار بالظلم والغصب والنهب، وبسبب استيلاء أهل الباطل مُنعت بركات السماء والأرض عن العباد، كما قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه : «وبنا يفتح اللّه ، وبنا يختم اللّه ، وبنا يمحو ما يشاء، وبنا يثبت، وبنا يدفع الزمان الكلب، وبنا ينزل الغيث، فلا يغرّنّكم باللّه الغرور ، وما أنزلت السماء قطرة من ماء منذ حبسه اللّه عزّ وجلّ، ولو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها، ولأخرجت الأرض نباتها، ولذهبت الشحناء من قلوب العباد، واصطلحت السباع والبهائم حتّى تمشي المرأة بين العراق إلى الشام لا تضع قدميها إلّا على النبات، وعلى رأسها زينتها لا يهيّجها سبع ولا تخافه» (2). انتهى (3).

ثمّ اعلم أنّ جملة القول في تلك الواقعة ما روي أنّه لمّا قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، اجتمعت الصحابة في سقيفة بني النجّار، فخطبهم سعد بن عبادة وأغراهم بطلب الإمامة، وكان يريدها لنفسه.

فبلغ الخبر الأوّل والثاني، فجاءا مُسرعَين، فتكلّم الأوّل، فقال للأنصار : ألم تعلموا أنّا معاشر المسلمين أوّل الناس إسلاماً، ونحن عشيرة رسول اللّه ، وأنتم الأنصار الذين وزراؤه، وإخواننا في كتاب اللّه ، وأحقّ الناس بقضاء اللّه والتسليم لما ساق اللّه إلى إخوانكم، فدعاهم إلى بيعة أبي عبيدة أو الثاني ، فقالا : ما ينبغي لأحدٍ من الناس أن يكون فوقك .

ص: 545


1- تفسير البغوي ، ج 3 ، ص 485 (مع اختلاف يسير)
2- .الخصال ، ج 2 ، ص 626، ضمن الحديث 10. وعنه في بحار الأنوار ، ج 10 ، ص 104، ح1
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 130

فقالت الأنصار : نحن أصحاب الدار والإيمان، لم يُعبد اللّه علانية إلّا عندنا وفي بلادنا، ولا عُرِفَ الإيمان إلّا من أسيافنا، ولا جُمعت الصلاة إلّا في مساجدنا ، فنحن أولى بهذا الأمر، فإن أبيتم فمنّا أمير ومنكم أمير .

فقال فلان : هيهات هيهات، لا يجتمع سيفان في غمد، وإنّ العرب لا ترضى بأن تؤمركم لهذا الأمر _ إلى أن قال : _ واللّه لا يردّ عليّ أحد إلّا حطّمت أنفه بسيفي هذا ، فقام بشر بن سعد الخزرجي، وكان يحسُد سعداً أن يصل إليه هذا الأمر ، وقال : إنّ محمّداً رجلٌ من قريش، وقومه أحقّ بميراث أمره، فلا تنازعوهم معشر الأنصار .

فقام الأوّل فقال : هذا عمر وأبو عبيدة، بايعوا أيّهما شئتم ، فقالا : لا يتولّى هذا الأمر غيرك ، وأنت أحقّ به ، أبسط يدك، فبسط يده، فبايعاه، وبايعه بشر والأوس كلّها، وحُمِل سعد وهو مريض، فاُدخل منزله .

وقيل: إنّه بقي ممتنعاً من البيعة حتّى مات (1).

متن الحديث العشرين

اشارة

وَعَنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ مُيَسِّرٍ، (2). عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ:قُلْتُ: قَوْلُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها» ؟ (3). قَالَ: فَقَالَ: «يَا مُيَسِّرُ، إِنَّ الْأَرْضَ كَانَتْ فَاسِدَةً، فَأَصْلَحَهَا اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ بِنَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقَالَ: «وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها» ».

شرح الحديث

السند صحيح، إن كان «محمّد بن عليّ» ابن محبوب ، وضعيف إن كان أبا سمينة (4).

ص: 546


1- راجع: الاحتجاج ، ج 1 ، ص 71؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج 2 ، ص 37؛ بحار الأنوار ، ج 28 ، ص181 (وفيه عن الاحتجاج) ؛ شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 367 و368
2- .في الحاشية عن بعض النسخ: «مبشّر»
3- .الأعراف(7): 56 و85
4- وفي كلا الاحتمالين ما لا يخفى على المتأمّل جيّداً؛ أمّا الأوّل مردود لأنّ ابن محبوب لا يروي عن ابن مسكان، بل هو في طبقة مشايخ الكليني رحمه الله كمحمّد بن يحيى. وأمّا الثاني بأنّ رواية أبي سمينة عن ابن مسكان، أو رواية محمّد بن يحيى عنه في غاية البعد إنصافاً. والمحتمل الأنسب في المقام أنّ السند صُحّف فيه «محمّد، عن عليّ» بما ترى، كما يؤيّده بعض نسخ الكافي، والسند حينئذٍ معلّق على سابقه بتلخيص واضح، والضمير في «عنه» راجع إلى محمّد بن يحيى

قوله تعالى : «وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها» ؛ قال بعض المفسّرين : «الإفساد بالكفر والمعاصي، والإصلاح ببعث الأنبياء وشرع الأحكام» (1).

وقوله : (إنّ الأرض كانت فاسدة) ؛ يعني بالشرك والكفر وشيوع الظلم والجور .

وقوله : (فقال : «وَلا تُفْسِدُوا ...» )؛ التفريع إشارة إلى مثل ما مرّ في الخبر السابق، فلا تغفل .

متن الحديث الواحد والعشرين (خُطْبَةٌ لأمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام )

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُثْمَانَ، (2) عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْهِلَالِيِّ، قَالَ:خَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَحَمِدَ اللّهَ، وَأَثْنى عَلَيْهِ، ثُمَّ صَلّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، ثُمَّ قَالَ: «أَلَا إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ خَلَّتَانِ: اتِّبَاعُ الْهَوى، وَطُولُ الْأَمَلِ؛ أَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوى فَيَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ، وَأَمَّا طُولُ الْأَمَلِ فَيُنْسِي الْاخِرَةَ.

أَلَا إِنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَرَحَّلَتْ مُدْبِرَةً، وَإِنَّ الْاخِرَةَ قَدْ تَرَحَّلَتْ مُقْبِلَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْاخِرَةِ، وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ، وَإِنَّ غَداً حِسَابٌ وَلَا عَمَلَ، وَإِنَّمَا بَدْءُ وُقُوعِ الْفِتَنِ مِنْ أَهْوَاءٍ تُتَّبَعُ، وَأَحْكَامٍ تُبْتَدَعُ، يُخَالَفُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ، يَتَوَلّى فِيهَا رِجَالٌ رِجَالاً.

أَلَا إِنَّ الْحَقَّ لَوْ خَلَصَ لَمْ يَكُنِ اخْتِلاَ فٌ، وَلَوْ أَنَّ الْبَاطِلَ خَلَصَ لَمْ يُخَفْ عَلى ذِي حِجًى، لكِنَّهُ يُؤْخَذُ

ص: 547


1- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 28
2- في الطبعة الجديدة وبعض النسخ النادرة للكافي وفي بحار الأنوار، ج34، ص172 أيضاً (نقلاً عن الكافي): «إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبان بن أبي عيّاش» بدل «عثمان». وبهذا الإسناد أيضاً وردت قطعة من الخبر في الكافي، ج1، ص539، ح1، وتكرّرت هذا الطريق في مواضع اُخرى من الكافي. وأمّا الطريق المذكور في المتن مختلّ؛ إذ لم يعهد رواية إبراهيم بن عثمان، عن سليم بن قيس الهلالي.

مِنْ هذَا ضِغْثٌ وَمِنْ هذَا ضِغْثٌ، فَيُمْزَجَانِ، فَيَجْتَمِعَانِ، (1). فَيُخَلَّلَانِ (2). مَعاً، فَهُنَالِكَ يَسْتَوْلِي الشَّيْطَانُ عَلى أَوْلِيَائِهِ، وَنَجَا الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللّهِ (3). الْحُسْنى، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقُولُ: كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا لَبَسَتْكُمْ (4). فِتْنَةٌ يَرْبُو فِيهَا الصَّغِيرُ، وَيَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ، يَجْرِي النَّاسُ عَلَيْهَا، وَيَتَّخِذُونَهَا سُنَّةً، فَإِذَا غُيِّرَ مِنْهَا شَيْءٌ قِيلَ: قَدْ غُيِّرَتِ السُّنَّةُ، وَقَدْ أَتَى النَّاسُ مُنْكَراً، ثُمَّ تَشْتَدُّ الْبَلِيَّةُ، وَتُسْبَى الذُّرِّيَّةُ، وَتَدُقُّهُمُ الْفِتْنَةُ كَمَا تَدُقُّ النَّارُ الْحَطَبَ، وَكَمَا تَدُقُّ الرَّحى بِثِفَالِهَا، وَيَتَفَقَّهُونَ لِغَيْرِ اللّهِ، وَيَتَعَلَّمُونَ لِغَيْرِ الْعَمَلِ، وَيَطْلُبُونَ الدُّنْيَا بِأَعْمَالِ الْاخِرَةِ».

ثُمَّ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ وَحَوْلَهُ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَخَاصَّتِهِ وَشِيعَتِهِ فَقَالَ: «قَدْ عَمِلَتِ الْوُلَاةُ قَبْلِي أَعْمَالاً خَالَفُوا فِيهَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، مُتَعَمِّدِينَ لِخِلَافِهِ، نَاقِضِينَ لِعَهْدِهِ، مُغَيِّرِينِ لِسُنَّتِهِ، وَلَوْ حَمَلْتُ النَّاسَ عَلى تَرْكِهَا، وَحَوَّلْتُهَا إِلى مَوَاضِعِهَا، وَإِلى مَا كَانَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، لَتَفَرَّقَ عَنِّي جُنْدِي حَتّى أَبْقى وَحْدِي، أَوْ قَلِيلٌ مِنْ شِيعَتِيَ الَّذِينَ عَرَفُوا فَضْلِي وَفَرْضَ إِمَامَتِي مِنْ كِتَابِ اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؛ أَ رَأَيْتُمْ لَوْ أَمَرْتُ بِمَقَامِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام ، فَرَدَدْتُهُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي وَضَعَهُ فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَرُدِدَتْ فَدَكٌ إِلى وَرَثَةِ فَاطِمَةَ عليه السلام ، وَرَدَدْتُ صَاعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله كَمَا كَانَ، وَأَمْضَيْتُ قَطَائِعَ أَقْطَعَهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لأقْوَامٍ لَمْ تُمْضَ لَهُمْ وَلَمْ تُنْفَذْ، وَرَدَدْتُ دَارَ جَعْفَرٍ إِلى وَرَثَتِهِ، وَهَدَمْتُهَا مِنَ الْمَسْجِدِ، وَرَدَدْتُ قَضَايَا مِنَ الْجَوْرِ قُضِيَ بِهَا، وَنَزَعْتُ نِسَاءً تَحْتَ رِجَالٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَرَدَدْتُهُنَّ إِلى أَزْوَاجِهِنَّ، وَاسْتَقْبَلْتُ بِهِنَّ الْحُكْمَ فِي الْفُرُوجِ وَالْأَحْكَامِ، وَسَبَيْتُ ذَرَارِيَّ بَنِي تَغْلِبَ، وَرَدَدْتُ مَا قُسِمَ مِنْ أَرْضِ خَيْبَرَ، وَمَحَوْتُ دَوَاوِينَ الْعَطَايَا، وَأَعْطَيْتُ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يُعْطِي بِالسَّوِيَّةِ، وَلَمْ أَجْعَلْهَا دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ، وَأَلْقَيْتُ الْمَسَاحَةَ، وَسَوَّيْتُ بَيْنَ الْمَنَاكِحِ، وَأَنْفَذْتُ خُمُسَ الرَّسُولِ كَمَا أَنْزَلَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ وَفَرَضَهُ، وَرَدَدْتُ مَسْجِدَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله إِلى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَسَدَدْتُ مَا فُتِحَ فِيهِ مِنَ الْأَبْوَابِ، وَفَتَحْتُ مَا سُدَّ مِنْهُ، وَحَرَّمْتُ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَحَدَدْتُ عَلَى النَّبِيذِ، وَأَمَرْتُ بِإِحْلَالِ الْمُتْعَتَيْنِ، وَأَمَرْتُ بِالتَّكْبِيرِ عَلَى الْجَنَائِزِ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ، وَأَلْزَمْتُ النَّاسَ الْجَهْرَ بِبِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، وَأَخْرَجْتُ مَنْ أُدْخِلَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فِي مَسْجِدِهِ مِمَّنْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أَخْرَجَهُ،

ص: 548


1- .في الطبعة القديمة: - «فيجتمعان»
2- .في الحاشية عن بعض النسخ: «فيجيئان _ فيجلّيان». وفي كلتا الطبعتين: «فيجلّلان»
3- .في حاشية النسخة عن بعض النسخ: «منّا»
4- .في حاشية النسخة عن بعض النسخ: «ألبستكم _ لبستم _ ألبستم»

وَأَدْخَلْتُ مَنْ أُخْرِجَ بَعْدَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِمَّنْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أَدْخَلَهُ، وَحَمَلْتُ النَّاسَ عَلى حُكْمِ الْقُرْآنِ، وَعَلَى الطَّلَاقِ عَلَى السُّنَّةِ، وَأَخَذْتُ الصَّدَقَاتِ عَلى أَصْنَافِهَا وَحُدُودِهَا، وَرَدَدْتُ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ وَالصَّلَاةَ إِلى مَوَاقِيتِهَا وَشَرَائِعِهَا وَمَوَاضِعِهَا، وَرَدَدْتُ أَهْلَ نَجْرَانَ إِلى مَوَاضِعِهِمْ، وَرَدَدْتُ سَبَايَا فَارِسَ وَسَائِرِ الْأُمَمِ إِلى كِتَابِ اللّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله ، إِذاً لَتَفَرَّقُوا عَنِّي، وَاللّهِ لَقَدْ أَمَرْتُ النَّاسَ أَنْ لَا يَجْتَمِعُوا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إِلَا فِي فَرِيضَةٍ، وَأَعْلَمْتُهُمْ أَنَّ اجْتِمَاعَهُمْ فِي النَّوَافِلِ بِدْعَةٌ، فَتَنَادى بَعْضُ أَهْلِ عَسْكَرِي مِمَّنْ يُقَاتِلُ مَعِي: يَا أَهْلَ الْاءِسْلَامِ، غُيِّرَتْ سُنَّةُ عُمَرَ يَنْهَانَا عَنِ الصَّلَاةِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ تَطَوُّعاً، وَلَقَدْ خِفْتُ أَنْ يَثُورُوا فِي نَاحِيَةِ جَانِبِ عَسْكَرِي مَا لَقِيتُ مِنْ هذِهِ الْأُمَّةِ مِنَ الْفُرْقَةِ وَطَاعَةِ أَئِمَّةِ الضَّلَالَةِ وَالدُّعَاةِ إِلَى النَّارِ، وَأَعْطَيْتُ مِنْ ذلِكَ سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى الَّذِي قَالَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ» ، (1). فَنَحْنُ وَاللّهِ عَنى بِذِي الْقُرْبَى الَّذِي قَرَنَنَا اللّهُ بِنَفْسِهِ وَبِرَسُولِهِ صلى الله عليه و آله ، فَقَالَ تَعَالى: «فَلِلّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ» فِينَا خَاصَّةً «كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَ غْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللّهَ» فِي ظُلْمِ آلِ مُحَمَّدٍ «إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ» (2). لِمَنْ ظَلَمَهُمْ رَحْمَةً مِنْهُ لَنَا، وَغِنًى أَغْنَانَا اللّهُ بِهِ، وَوَصَّى بِهِ نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَنَا فِي سَهْمِ الصَّدَقَةِ نَصِيباً، أَكْرَمَ اللّهُ رَسُولَهُ صلى الله عليه و آله وَأَكْرَمَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ أَنْ يُطْعِمَنَا مِنْ أَوْسَاخِ النَّاسِ، فَكَذَّبُوا اللّهَ، وَكَذَّبُوا رَسُولَهُ، وَجَحَدُوا كِتَابَ اللّهِ النَّاطِقَ بِحَقِّنَا، وَمَنَعُونَا فَرْضاً فَرَضَهُ اللّهُ لَنَا مَا لَقِيَ أَهْلُ بَيْتِ نَبِيٍّ مِنْ أُمَّتِهِ مَا لَقِينَا بَعْدَ نَبِيِّنَا صلى الله عليه و آله ، وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلى مَنْ ظَلَمَنَا، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَا بِاللّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ».

شرح الحديث

السند مختلف فيه بسليم بن قيس ، والظاهر أنّ في السند إرسال؛ إذ لم يعهد رواية إبراهيم بن عثمان _ وهو أبو أيّوب الخزّاز _ عن سُليم، وقد تكرّر في أسانيد هذا الكتاب وغيره رواية إبراهيم بن عمر اليماني عن أبان بن أبي عيّاش عن سليم ، والخبر حينئدٍ ضعيف على المشهور بأبان (3).

ص: 549


1- .الأنفال(8): 41
2- .الحشر(59): 7
3- قال العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 131 : «لكن عندي معتبر؛ لوجوه ذكرها محمّد بن سليمان في كتاب منتخب البصائر وغيره»

وقوله : (إنّ أخوفَ) اسم تفضيل للمفعول كأعذر وأشهر (ما أخاف عليكم خلّتان) بفتح الخاء، أي خصلتان.

قيل: هما أعظم مهالك الإنسان، فلذلك كان الخوف منهما أشدّ وأزيد، ولما كان عليه السلام والمتولّي لإصلاح حال الخلق في اُمور معاشهم ومعادهم، وكان صلاحهم منوطاً بهمّته العالية نسب الخوف عليهم إلى نفسه (1).

(اتّباع الهوى). هو في الأصل العشق، وإرادة النفس ، وقد شاع استعماله في ميل النفس ورغبتها في مستلذّاتها المتعلّقة بالدنيا .

(وطول الأمل) .

في القاموس: «الأمل، كجبل ونجم وشبر: الرجاء»، (2). وشاع استعماله في تمنّى ما لا ينبغي ويضرّ بالآخرة وتذكّر الموت والتهيّئ لأسبابه .

(أمّا اتّباع الهوى فيصدّ) بضمّ الصاد، أي يصرف ويمنع (عن الحقّ) ؛ وهو ظاهر .

وقوله : (فيُنسي الآخرة) يحتمل كونه إفعالاً من النسأ بهمز اللام، وهو التأخير، أي يؤخّر أمر الآخرة والعمل لها .

قال الجوهري : «نَسَأتُ الشيء نَسْئاً: أخّرته ، وكذلك أنسأته»؛ (3). أو من النسيان بالكسر، وهو خلاف الذكر والحفظ .

وقوله : (قد ترحّلت مُدبِرة) . الترحّل: الانتقال ، والإدبار: ضدّ الإقبال .

وتحقيق ذلك ما أفاده بعض الشارحين من أنّه إشارة إلى تقضّي الأحوال الحاضرة بالنسبة إلى كلّ شخص من صحّةٍ وشباب وجاهٍ ومالٍ وكلّ ما يكون سبباً لصلاح حاله؛ فإنّ كلّ ذلك أجزاء الدُّنيا لدنوّها منه ، ولما كانت هذه الاُمور أبداً في التغيّر والتقضّي المقتضي لمفارقته لها وبُعدها عنه شيئاً فشيئاً، لا جرم حسن إطلاق اسم الترحّل والإدبار على تقضّيها وبُعدها استعارة تشبيهاً لها بالحيوان في إدبارها ، والغرض هو الحثّ على ترك الركون إليها والعكوف عليها وصرف العمر فيها (4).

ص: 550


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 368
2- .القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 330 (أمل)
3- .الصحاح ، ج 1 ، ص 76 (نسأ)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 369

(وإنّ الآخرة قد ترحّلت مُقبِلة) .

بعد التنبيه على سرعة فناء الدنيا وإدبارها نبّه على سرعة لحوق الآخرة وإقبالها ، ولما كانت الآخرة عبارة عن الدار الجامعة لأحوال كلّ شخص من سعادة أو شقاوة أو ألم أو راحة، وكان تقضّي العمر والدنيا موجباً لقرب الموت يوماً فيوماً، والوصول إلى تلك الدار والورود على ما فيها من خيرٍ أو شرٍّ، حسن إطلاق الترحّل والإقبال عليها مجازاً ، والحال أنّ المنقضية من الأحوال يُطلق عليها اسم الإدبار، وما يتوقّع منها يطلق عليه اسم الإقبال .

(ولكلّ واحدةٍ) منهما (بنون).

أطلق اسم الابن للخلق بالنسبة إليهما، واسم الأب لهما استعارة، ووجّهت بأنّ الإبن لما كان من شأنه الميل إلى الأب إمّا بالطبع أو بتصوّر النفع، وكان الخلق منهم من يريد الدنيا لما يتوهّم من لذّة وخير فيها ، ومنهم من يريد الآخرة لما ذكر، ويميل كلّ منهما إلى مراده، شبّههم بالابن، واستعار لفظه لهم والأب لهما بتلك المشابهة .

(فكونوا من أبناء الآخرة ...) حثّ وترغيب على الإعراض عن الدنيا وحطامها لفنائها، والإقبال على الآخرة ومثوباتها وما يتوصّل به إليها لبقائها ودوامها .

(فإنّ اليوم) ؛ يعني مدّة الحياة في الدنيا (عملٌ ولا حساب) أي يوم عملٍ، أو وقت عملٍ، و«اليوم» اسم «إنّ» و«عمل» خبره .

وقيل: يحتمل أن يكون اسم «إنّ» ضمير الشأن، و«اليوم عملٌ» مبتدأ وخبر، (1).

أو الجملة خبر «إنّ»، وقس عليه قوله : (وإنّ غداً) أي بعد الموت (حسابٌ ولا عمل) .

قال الجوهري : «حَسَبْتُهُ أَحسبُه _ بالضمّ _ حَسْباً وحساباً وحُسباناً وحسابة، إذا عددته» (2).

(إنّما بدءُ وقوع الفتن) .

البَدْء، بالفتح: مصدر قولك: بدأت بالشيء بَدْءاً، أي ابتدأت به، وبدأت الشيء: فعلته، ابتداءً .

ويحتمل أن يقرأ بالواو من قولهم : «بدأ الأمرُ بُدوّاً» مثل قعد قعوداً ؛ أي ظهر . فعلى الأوّل إضافة المصدر إلى المفعول ، وعلى الثاني إلى الفاعل .

ص: 551


1- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 369
2- الصحاح ، ج 1 ، ص 109 (حسب)

والفتن: جمع الفتنة ، والمراد بها هنا الضلال، أو الإضلال، أو الكفر، أو الامتحان والاختبار من اللّه مع خروج الممتحنين إلى الكفر .

والأفعال الثلاثة في قوله : (من أهواء تُتّبع، وأحكام تبتدع، يخالف فيها حكم اللّه ) على البناء للمفعول ، والضمير المجرور للأحكام أو للأهواء أيضاً .

وقوله : «يخالف» صفة اُخرى للأحكام ، والمراد بتلك الأحكام المسائل الفقهيّة لأهل الخلاف، أو قواعدهم في نصب الإمام وشروطه ، ومعنى ابتداعها استحداثها بعد وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ولما كان الغرض الأصلي من إرسال الرسل وإنزال الكتب وتقدير الشرائع نظام وجود الخلق، وانتظام اُمورهم في المعاش والمعاد، كان كلّ هوى متّبع، وحكم مبتدع خارج عن حكم اللّه منشأ لوقوع الفتن، وتبدّد النظام والانتظام .

وقوله : (يتولّى فيها رجال رجالاً) ؛ جملة حاليّة، إشارة إلى سبب اشتهار الفتن وانتشارها . يقال : تولّاه ، أي اتّخذه وليّاً ، والأمر: تقلّده، أي تودّده، أو جعل والياً طائفة طائفة، أو تقلّد طائفة أمر طائفة، وأعانه في الأهواء المتّبعة والأحكام المبتدعة .

ثمّ أشار إلى أنّ أسباب تلك الأهواء الفاسدة وموادّ تلك الأحكام الباطلة مزج المقدّمات الحقّة الواقعيّة بالمقدّمات المموّهة الشيطانيّة بقوله : (إنّ الحقّ) أي ما يجب التصديق به .

(لو خَلَصَ) كنصر، أي كان خالصاً عن مزج الباطل، أو من الخفاء، كقولنا: الواحد نصف الاثنين .

(لم يكن اختلاف) بين الناس ؛ أمّا على الأوّل فلأنّ المقدّمات المستعملة المسلّمة عند أهل الباطل لو كانت حقّاً، كانت النتيجة أيضاً حقّاً، فلا يكون بينهم وبين أهل [الحقّ ]اختلاف، فوقوع الاختلاف يدلّ على عدم الخلوص . وأمّا على الثاني فعدم الاختلاف ظاهر، فلم تكن ضلالة، ولا في التصديق به ثواب .

(ولو أنّ الباطل) أي ما يجب الكفر والجحود به .

(خلص) ممّا ذكر من الاحتمالين (لم يُخْفَ) بطلانه (على ذي حجًى) .

الحِجى، كإلى: العقل، والفطنة، وعدم خفاء بطلانه على الأوّل؛ لأنّ مقدّمات الشبهة إذا كانت باطلة برأسها، ولم تكن مثوبة بالحقّ أصلاً، حكم العاقل الفطن ببطلانه جزماً . وأمّا على الثاني فظاهر، ولمّا خفي وجه البطلان على عدم الخلوص .

ص: 552

واعلم أنّ ما ذكر من الشرطيّتين المتّصلتين بمنزلة قياسين استثنائيّين .

وقوله : (لكنّه يؤخذ من هذا ضغث ...) بمنزلة النتيجة .

وقوله : (فيُخلّلان) من التخليل، وهو إدخال شيء في خلال شيء آخر .

وفي بعض النسخ: «فيجيئان» . وفي بعضها: «فيُجلّلان» بالجيم، أي يُلبسان ويُستَران من تجليل الفرس، وهو أن تُلبسه الجُلّ .

وفي بعضها: «فيجليان» ؛ قال الفيروزآبادي : «جلا فلاناً الأمر: كشفه عنه، كجلّاهُ» (1).

وقال : «ضَغَث الحديث، كمنع: خلطه، والضِّغث بالكسر: قبضة حشيش مختلطة الرطب باليابس» (2).

(فهنالك) أي ففي ذلك المكان الذي هو مكان مزج الحقّ والباطل .

(يستولي الشيطان على أوليائه).

يُقال : استولى على الأمر ، أي بلغ الغاية ، واستيلاؤه عليهم بتمويه الشبهات والآراء الباطلة بحيث يلتبس عليهم تميّز الحقّ من الباطل .

(ونجا الذين سبقت لهم من اللّه الحسنى) أي سبقت في مشيّته تعالى وعلمه وإرادته الأزلي ، وهذا إشارة إلى قوله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُوْلئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ» ؛ (3).

أي عن جهنّم . والحسنى: تأنيث الأحسن ؛ أي الخصلة الحُسنى وهي السعادة، أو التوفيق للطاعة واتّباع كتاب اللّه بترك الأهواء ، أو المنزلة الحُسنى وهي الجنّة، أو البشرى بها، أو المثوبة الحسنى، أو العاقبة الحُسنى .

وبالجملة هم الذين أخذت العناية الأزليّة بأيديهم في ظلم الشبهات، ووفّقتهم للاهتداء بالأئمّة الهُداة، والاستعلام عنهم فيما عرض لهم من المعضلات .

وفي بعض النسخ : «منّا» بدل «من اللّه » ، فلعلّ المراد مقول فيهم، أي قال اللّه في حقّهم ذلك .

وقيل : غرضه عليه السلام من هذه الخطبة هو الشكاية عن الاُمّة بتركهم الإمام الهادي الفارق بين الحقّ والباطل، وتمسّكهم بعقولهم الناقصة وأهوائهم الفاسدة، فصار ذلك سبباً لعدولهم عن القوانين الشرعيّة، وضمّوا إليها متخيّلات أوهامهم، فحملوها على غير وجوهها كأهل

ص: 553


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 313 (جلو)
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 169 (ضغث)
3- .الأنبياء(21): 101

الخلاف ؛ فإنّهم ضمّوا حقّاً _ وهو أنّه لابدّ لهذه الاُمّة من إمام _ إلى باطل _ وهو النبيّ صلى الله عليه و آله _ لم ينصّ به، فاخترعوا لأنفسهم إماماً ، وكذلك غيرهم من أرباب الملل الفاسدة (1).

وقوله : (إذا لبِسَتْكُم فتنة) .

في بعض النسخ: «ألبستكم» على صيغة المعلوم، أو المجهول . وفي بعضها: «لبستم» . وفي بعضها: «اُلبِستم» على البناء للمفعول من باب الإفعال ، ولعلّه أظهر .

ومفاد الجميع أنّه إذا أحاطت بكم المحنة والبليّة الداعية إلى الضلال عن الحقّ وسلوك سبيل الباطل (يربو فيها الصغير) ؛ الضمير للفتنة ، أي ينمو ويرتفع، من قولهم: ربا رُبُوّاً _ كعُلُوّاً _ ورَباءً، إذا زاد ونما، وهو نظير قوله تعالى : «يَوْما يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبا» ؛ (2). باعتبار شدّة هولها من باب التمثيل ، وأصله أنّ الهموم تسرّع بالشيب ويضعف القوى ، أو كناية عن كثرة امتداد زمانها . وقيل : يحتمل أن يكون «يربو» بمعنى يموت، من قولهم : ربا فلان، إذا انتفخ من فزع (3).

(ويهرم فيها الكبير) . الضمير للفتنة . والهَرَم محرّكة: أقصى الكِبَر، هَرم _ كفرح _ فهو هَرِمٌ ، وذلك لطول زمانها أيضاً ، أو لشدّتها وكثرة المشقّة فيها، وتشتّت أحوال الخلق وتبدّد نظامهم .

(يجري الناس عليها) . الظاهر أنّه من الجَري، أي يذهبون إليها، ويقيمون عليها، ويُصرّون بها . ويحتمل كونه من التجرئة على بناء المفعول، أو الفاعل ؛ أي يُجرَّئ الناسُ بعضهم بعضاً .

قال الجوهري : «الجرأة، كالجرعة: الشجاعة ، والجَرئُ: المِقدام ؛ تقول : جرأتك على فلان حتّى اجترأتَ عليه» (4). (ويتّخذونها سنّة) أي سيرة وطريقة وقوانين شرعيّة .

(فإذا غُيّر منها) أي من تلك الفتن والبدع والسنّة (شيء) من القواعد الكلّية، أو الاُمور الجزئيّة .

ص: 554


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 371
2- .المزّمّل(73): 17
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 372
4- الصحاح ، ج 1 ، ص 40 (جرأ) مع التلخيص

(قيل: قد غُيّرت السنّة) أي سنّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وقائله المبتدعة .

(وقد أتى الناس منكراً). يحتمل كونه من كلامه عليه السلام لبيان أنّ ما ارتكبوه منكر ، ويحتمل أن يكون من مقول قولهم: «قالوا ذلك»؛ لزعمهم أنّ الحقّ منكر، وبدعهم المنكرة حقّ، فيكون إشارة إلى جهلهم المركّب .

(ثمّ تشتدّ البليّة) كما في عصر بني اُميّة وأشباههم . قال الجوهري : «البليّة والبَلوى والبلاء واحد» (1).

(وتُسبى الذرّيّة) على البناء للمفعول . والذرّيّة، بالضمّ _ وقد يكسر _ وتشديد الراء والياء: ولد الرجل .

(وتدقّهم الفتنة) . الدقّ: الكسر، والهشم، وفعله كمدّ .

(وكما تدقّ الرَّحى بثفالها) بالفاء . قال الجزري :

وفي حديث عليّ عليه السلام : «تدقّهم الفتن دقّ الرحا بثفالها» . الثفال، بالكسر: جلدة تبسط تحت رحا اليد ليقع عليها الدقيق ، ويسمّى الحجر الأسفل ثفالاً ، والمعنى: أنّها تدقّهم دقّ الرحا للحبّ إذا كانت مثفلة ، ولا تثفل إلّا عند الطحن (2).

وفي القاموس:

الثفال، ككتاب: ما وقيت به الرحا من الأرض، كالثفل بالضمّ، وقد ثَفَلها . وقول زهير : بثفالها ؛ أي على ثفالها، أو مع ثفالها، أي حال كونها طاحنة؛ لأنّهم يثفلونها إذا طحنت ، وكغراب وكتاب: الحجر الأسفل من الرحى ، وثفله: نثره بمرّة واحدة . انتهى (3).

وبهذا يظهر فساد ما قيل من أنّ الباء في قوله : «بثفالها» زائدة للمبالغة (4). وفي بعض النسخ : «بثقالها» بالقاف . قيل : لعلّ المراد مع ثقالها، أي إذا كانت معها ما يثقلها من الحبوب، فيكون أيضاً كناية عن كونها طاحنة . وفي القاموس: «الثِّقَل، كعنب: ضدّ الخفّة ؛ ثقل _ ككرم _ فهو ثقيل وثقال، كسحاب وعذاب» (5).

وقوله: (ويطلبون الدنيا بأعمال الآخرة) أي يجعلونها وسيلة لطلب الدنيا.

ص: 555


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 372
2- الصحاح ، ج 6 ، ص 2284 (بلا)
3- النهاية ، ج 1 ، ص 215 (ثفل)
4- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 342 (ثفل) مع اختلاف يسير
5- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 342 (ثفل)

وفي قوله عليه السلام : (لو حملت الناس ...) دلالة على جواز ارتكاب أقلّ القبيحين عند التعارض، ودفع الأفسد بالفاسد .

وقوله : (أو قليل من شيعتي) أي أو أن يبقى معي قليل منهم .

وقوله : (لو أمرت بمقام إبراهيم) أي بردّه .

وروي أنّ مقام إبراهيم كان متّصلاً بجدار البيت عند الباب، ثمّ حوّل في الجاهليّة إلى الموضع المعروف الآن ، ثمّ أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله بردّه إلى موضعه الأصلي، ثمّ ردّه عمر إلى الموضع الذي كان عليه في الجاهليّة .

(ورددت فدك إلى ورَثَة فاطمة عليهاالسلام) . في القاموس: «فدك، محرّكة: قرية بخيبر» (1).

وقيل : دلَّ هذا على أنّه عليه السلام لم يردّ فَدك في خلافته؛ لإفضائه إلى الفساد والتفرقة، فلا يرد ما أورده بعض العامّة من أنّ أخذ فدك لو لم يكن حقّاً لردّه في خلافته (2).

(ورددت صاع رسول اللّه صلى الله عليه و آله كما كان) .

الصاع: الذي يُكال به، ويدور عليه الأحكام أربعة أمداد ، وأمّا صاع النبيّ صلى الله عليه و آله فخمسة أمداد على ما ذكره الصدوق ورواه الشيخ رحمهما اللّه (3).

(وأمضيت قطائع) إلى قوله : (ولم تُنفذ) .

الإقطاع: الإعطاء ، والقطيعة: طائفة من أرض الخراج، وجمعها: قطائع .

والمراد هنا أرض أو دار أقطعها رسول اللّه صلى الله عليه و آله لبعض الصحابة ليعمروها ويسكنوها، أو ملّكهم إيّاها ، والأخير أظهر .

والإمضاء والإنفاذ: القضاء وإجراء الحكم ، وجملة «لم تُمض» صفة لقطائع، أو لأقوام ، والعطف للتفسير ، أو يُراد بالإمضاء أصل الحكم ، وبالإنفاذ التسليم والتمكين .

(ورددت دار جعفر عليه السلام ) ؛ يعني جعفر بن أبي طالب .

(إلى ورثته، وهدمتها من المسجد) ؛ لعلّه المسجد الحرام ، والهدم نقيض البناء، والتهديم مثله، شدّد للكثرة، وتعديته ب «من» بتضمين مثل معنى الإفراز ، وكانت تلك الدار غُصِبت في زمن عثمان، ولمّا زادوا في المسجد اُدخلت فيه .

ص: 556


1- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 315 (فدك)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 373
3- راجع: الفقيه ، ج 1 ، ص 34، ح 69؛ وج2، ص 35، ذيل 1631؛ التهذيب ، ج 1 ، ص 135، ح 65

(ونزعت نساء تحت رجال بغير حقّ ...) ؛ كالمطلّقات بغير سنّة أو شاهد، أو المعقودات بعقدٍ فاسد، وما أشبه ذلك.

والاستقبال: ضدّ الاستدبار، والباء للتعدية ، والمقصود استئناف الحكم في الفروج، والأحكام المتعلّقة بذلك مطابقاً لكتاب اللّه وسنّة نبيّه صلى الله عليه و آله .

(وسبيتُ ذَراري بني تغلب) .

تغلب، بكسر اللام: أبو حيّ، وهو تغلب بن وائل ، وروي عن الرضا عليه السلام أنّه قال : «إنَّ بني تغلب من نصارى العرب، أنفوا واستنكفوا من قبول الجزية، وسألوا الثاني أن يعفيهم عن الجزية، ويؤدّون الزكاة مضاعفة، فخشي أن يلحقوا بالروم، فصالحهم على أن صرف ذلك منهم عن رؤوسهم، وضاعف عليهم الصدقة، فرضوا بذلك» (1).

وقال محُيي السنّة من العامّة :

روي أنّ عمر بن الخطّاب رام نصارى العرب على الجزية، فقالوا: نحن عرب، لا نؤدّي ما يؤدّي العجم، ولكن خُذ منّا كما يأخذ بعضكم من بعض _ يعنون الصدقة _ فقال عمر : هذا فرض اللّه على المسلمين ، قالوا : فزد ما شئت بهذا الاسم لا باسم الجزية ، فراضاهم على أن ضعّف عليهم الصدقة (2).

أقول : يظهر من هذا أنّهم ليسوا بأهل ذمّة، ولا يجري أحكام الذمّة عليهم، فيحلّ سَبْي ذَراريهم .

(ورددت ما قُسم من أرض خيبر) ؛ لأنّها فُتحت عَنوةً، فلا يجوز تملّكها لأحد خاصّة .

(ومحوت دَواوين العطايا) أي الدفاتر التي كتبت فيها العطايا من بيت مال المسلمين، وبُنيت على التفضيل بينهم والجور في القسمة .

قال الفيروزآبادي : «الديوان، ويفتح: مجتمع الصحف، والكتاب يُكتب فيه أهل الجيش وأهل العطيّة، وأوّل من وضعه عمر ، والجمع: دواوين ودياوين» (3).

وقال الجوهري : «الديوان أصله دوّان، فعوّض من إحدى الواوين ياء؛ لأنّه يجمع على دواوين، ولو كانت الياء أصليّة لقالوا: دياوين» (4).

ص: 557


1- راجع: بحار الأنوار ، ج 31 ، ص 34؛ مرآة العقول ، ج 25 ، ص 134
2- راجع: مرآة العقول ، ج 25 ، ص 134
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 224 (دون)
4- الصحاح ، ج 5 ، ص 2115 (دون)

(ولم أجعلها دولة بين الأغنياء) ؛ بأن تختصّ بهم دون الفقراء ، أو فضّلوا عليهم . قال في النهاية: «الدولة، بالضمّ: ما يتداول من المال فيكون لقوم دون قوم» (1).

(وألقيتُ المساحة) .

«المساحة» بالكسر: مصدر قولك: مسحت الأرض مِساحةً ، وقيل : هو اسم لما يقدّر به الجريب (2).

وقيل : هذا إشارة إلى ما عدّه الخاصّة والعامّة من بِدع الثاني أنّه قال : ينبغي أن تجعل مكان هذا العشر ونصف العشر دراهم نأخذها من أرباب الأملاك، فبعث إلى البُلدان من مسح على أهلها، فألزمهم الخراج، فأخذ من العراق وما يليها ما كان أخذه منهم ملوك الفرس على كلّ جريب درهماً واحداً، وقفيزاً من أصناف الحبوب ، وأخذ من مصر ونواحيها ديناراً وإردباً عن مساحة جريب، كما كان يأخذ منهم ملوك الإسكندريّة .

وقد روى مُحي السنّة وغيره من علماء العامّة عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «منعت العراق درهمها وقفيزها ، ومنعت الشام مدّها ودينارها ، ومنعت مصر إردبها ودينارها» (3). والإردب لأهل مصر أربعة وستّون منّاً ، وفسّره أكثرهم بأنّه قد محا ذلك شريعة الإسلام، وكان أوّل بلد مسحه عمر بلد الكوفة (4).

(وسوّيت بين المناكح) ؛ لعلّ المراد بالتسوية تزويج الشريف والوضيع، كما روي أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله زوّج بنت عمّه مقداداً .

وقال بعض الشارحين : أي سوّيت بين النساء في النفقة والكسوة والقسمة والعطيّة من بيت المال ، (5).

ولا يخفى بُعده، بل عدم استقامته .

(وأنفذت) أي أجريت وأمضيت (خمس الرسول) الذي منعوه من أقاربه، وأعطوه أقاربهم ، وكأنّ المراد بالخمس تمامه، وإضافته إلى الرسول إمّا لأنّ الخمس بأجمعه مختصّ به، وصرفه إلى سائر مصارفه من باب الصلة والعطيّة وكونهم عياله، كما يفهم من بعض الأخبار ،

ص: 558


1- النهاية ، ج 2 ، ص 140 (دول)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 373 . وانظر: بحار الأنوار ، ج 34 ، ص 178
3- صحيح مسلم ، ج 8 ، ص 175؛ السنن الكبرى ، ج 9 ، ص 137؛ تاريخ مدينة دمشق ، ج 2 ، ص 210
4- راجع: بحار الأنوار ، ج 34 ، ص 178؛ مرآة العقول ، ج 25 ، ص 135
5- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 374

أو لكونه صلى الله عليه و آله متولّياً لصرفه إلى مصارفه . ويحتمل أن يكون المراد خمس الخمس أو سدسه .

(كما أنزل اللّه _ عزّ وجلّ _ وفرضه) في قوله : «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للّهِ خُمُسَهُ» (1). الآية .

(وحددتُ على النبيذ) أي على شربه .

الحدّ: المنع ، يُقال : حَدَدتُ الرجل، أي أقمت عليه الحدّ؛ لأنّه يمنعه من المعاودة . وأصل النبذ: الطرح ، والنبيذ ما نبذ من عصير ونحوه .

(وأمرتُ بإحلال المتعتين) : متعة النساء، ومتعة الحجّ، اللذين منعهما الثاني ؛ فإنّه صعد المنبر وقال : أيُّها الناس، ثلاث كُنَّ في عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنا اُنهي عنهنّ، واُحرّمهنّ، واُعاقب عليهنّ، وهي: متعة النساء، ومتعة الحجّ، وحيَّ على خير العمل .

(وأمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات) ؛ لا أربعاً كما فعله المخالفون .

(وألزمتُ الناس الجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم) .

ظاهره وجوب الجهر فيها مطلقاً ، والحمل على تأكيد الاستحباب محتمل .

(وأخرجت من اُدخل ...) ؛ لعلّ المراد إخراج مَن دُفن عند قبر النبيّ صلى الله عليه و آله بغير إذنه، وإدخال قبر فاطمة عليهاالسلامعنده ؛ إمّا برفع الحائل بين قبريهما، أو بإخراج جسدها المطهّرة ودفنها عنده ، أو المراد إدخال من كان ملازماً لمسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله كعمّار وأشباهه، وإخراج مَن أخرجه رسول اللّه صلى الله عليه و آله كحكم بن العاص وأولاده، وكانوا طريده صلى الله عليه و آله وأعداؤه، فأدخلهم عثمان حين ولّي، فزوّج إحدى بنتيه مروان بن الحكم واُخراهما الحارث بن الحكم .

وقيل : يمكن أن يكون تأكيداً لما مرّ من فتح الأبواب وسدّها (2).

(وحملت الناس على حكم القرآن) أي العمل بأحكامه، وحفظ ألفاظه ومعانيه من التحريف .

(وعلى الطلاق على السنّة) ؛ وهو ما يقابل الطلاق على البدعة، كالطلاق الثلاث في مجلسٍ واحد مثلاً .

(وأخذت الصدقات) مطلقاً (على أصنافها) أي أقسامها وأنواعها (وحدودها) المقرّرة في الشرع من شرائطها وأحكامها .

ص: 559


1- .الأنفال(8): 41
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 136

وقال بعض الشارحين :

المراد بها صدقات الرسول صلى الله عليه و آله ، ثمّ نقل عن أبي عبداللّه الآبي _ وهو من أعاظم علماء العامّة _ أنّه قال في كتاب إكمال الإكمال :

صدقات النبيّ صلى الله عليه و آله التي كان ملكها ثلاثة أوجه: [الأوّل:] الهبة، كالسبع الحوائط بأرض بني النضير التي أوصى له بها مخيريق اليهودي حين أسلم يوم اُحد ، وكالذي أعطاه الأنصار من أرضهم منه موضع سوق المدينة .

الثاني ما كان ملكه بالفيء، كأرض بني النضير حين أجلاهم عنها، وحملوا من أموالهم ما حملت الإبل إلّا السلاح تركوها مع الأرض، فكان له صلى الله عليه و آله خاصّة ؛ لأنّه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، وكنصف أرض فدك الذي صالح عليها أهلها من يهود ، وكثلث وادي القرى الذي صالح أهله عليه، فكان له ثلثهُ ولهم ثلثاه ، وكحصن الرضيح وحصن الإسلام من حصون خيبر أخذهما صلحاً على أن أجلى من فيها عنها .

الثالث : سهمه من خمس خيبر حين افتتحها عنوة، وصار في ذلك الخمس حِصنُ الكتيبيّة كلّها.

فهذه الأشياء كانت له خاصّة ، ومع ذلك لم يستأثر بشيءٍ منها، بل كان يصرفها في مصالح المسلمين بعد إخراج ما يحتاج إليه عياله ، ويدلّ على أنّها كانت ملكه إقطاعُه الزبير منها؛ إذ لا يقطع ملك غيره، وأجمع العلماء على أنّها صدقات محرّمة الملك ، ثمّ ما كان منها بالمدينة من أموال بني النضير دفعه عمر لعبّاس وعليّ على أن يعملا فيه، ويصرفا في مصالح بني هاشم ، وأمّا ما عدا ذلك فأمسكه عمر لنوائب المسلمين كما أمسك كلّها قبله أبو بكر؛ لأنّه كان يرى أنّه الخليفة، وأنّه القائم مقام النبيّ صلى الله عليه و آله ، فلم ير إخراج ذلك عن نظره، وكان يصرفه في مصالح قرابته وغيرهم . انتهى (1).

أقول : الظاهر أنّ المراد بالصدقة ما يعمّ الزكاة والهبة والعطيّة والوقف والوصيّة، كما أشرنا إليه ويشعر به الجمع المحلّى باللام .

وقوله : (مواقيتها وشرائعها ومواضعها) ؛ لعلّ المراد بمواقيتها أوقاتها وأزمنة إيقاعها ، وبالشرائع شرائطها وكيفيّاتها وأحكامها ، وبالمواضع أمكنة إيقاعها .

قال الجوهري : «الميقات: الوقت المضروب للفعل، والموضع» ، (2). وقال : «الشريعة: ما

ص: 560


1- نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 375 . ولم نعثر عليه في الإكمال
2- .الصحاح ، ج 1 ، ص 270 (وقت)

شرع اللّه لعباده من الدِّين، وقد شَرَع لهم يشرع شرعاً، أي سنَّ» (1).

(ورددت أهل نجران إلى مواضعهم) ؛ قيل : كانوا أهل ذمّة، وهم أخرجوهم عن مواضعهم (2).

قال الفيروزآبادي : «نَجران، بلا لام: موضع باليمن، فُتح سنة عشر، وموضع بالبحرين، وموضع بحوران قرب دمشق، وموضع بين الكوفة وواسط» (3).

وقال الجزري : «نجران: موضع معروف بين الحجاز والشام واليمن» (4).

(ورددت سبايا فارس ...) ؛ إمّا لأنّها لم تقسم على العدل، بل أخذها بعضهم زائداً عن سهمه ، وإمّا لأنّها من حقّه عليه السلام ؛ فإنّها غنائم اُخذت من دار الحرب بغير إذنه عليه السلام .

وفي القاموس: «فارس: الفُرس، أو بلادهم» (5).

(إذاً لتفرّقوا عنّي) جواب لقوله سابقاً : «أرأيت» إلى آخره ، ويفهم منه أنّ أكثر جنده وأصحابه كانوا من المخالفين ، وحكي أنّهم بايعوه على أن لا يغيّر من سنّة العمرين شيئاً ، ويدلّ عليه أيضاً الفقرات الآتية ؛ ألا ترى أنّه عليه السلام كيف أكّد مضمون الشرطيّة بقوله : (واللّه لقد أمرت الناس ...) ، وحاصله : أنّ إنكار أدنى شيء من بدع خلفائهم صار سبباً لهيجان الفتنة والمفسدة ، حتّى أنّه عليه السلام اضطرّ إلى تقريره بحاله كما كان ، فكيف إنكار أكثرها أو جميعها ؟! وقوله : (اجتماعهم في النوافل بدعة) ؛ الظاهر أنّ البدعة فعلها بالجماعة كصلاة التراويح في شهر رمضان ، ويؤيّده قولهم : (ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوّعاً) .

وقيل : يحتمل أن يكون النهي عن صلاة الضحى؛ إمّا عن إيقاعها، أو فعلها، أو عن الجماعة فيها، أو كليهما . فتأمّل (6).

وقوله عليه السلام : (أن يثوروا في ناحية جانب عسكري) ؛ «يثوروا» من الثوران، أو من التثوير .

قال الفيروزآبادي : «الثور: الهيجان، والوثب، والسطوع، ونهوض القطا والجراد، كالثؤور والثَّوران، وأثاره وثوّره غيره» (7).

وقال : «الناحية: الجانب» (8). وقال : «العَسْكر: الجمع، والكثير من كلّ شيء، فارسيّ» (9).

ص: 561


1- الصحاح ، ج 3 ، ص 1236 (شرع)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 375
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 138 (نجر)
4- النهاية ، ج 5 ، ص 21 (نجر)
5- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 236 (فرس)
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 376
7- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 383 (ثور) مع التلخيص
8- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 394 (نحي)
9- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 89 (عسكر)

وأقول : الظاهر أنّ إضافة الناحية إلى الجانب بيانيّة، ويمكن حملها على اللاميّة بنوع من التقريب، وإضافة الجانب إلى العسكر لاميّة، أو يكون «جانب» بالتنوين، وعسكر بتقدير الرفع من قبيل: أكلوني البراغيث .

ويحتمل أن يقرأ «ناحية» بالتنوين، والجانب بالرفع والإضافة .

وكلمة «ما» في قوله : (ما لقيت من هذه الاُمّة) إمّا للتعجّب على كون الكلام استئنافاً وتعجّباً من كثرة ما لقي منهم من الأذى ، أو للاستفهام الإنكاري .

وقال الفاضل الإسترآبادي : «إنّها تعليل ل «خفت»، ولامه محذوفة، والتقدير: لما لقيت»(1) .

وقيل : يحتمل كونها مفعولاً ل «يثوروا» على تقدير كونه من التثوير، أو تكون استئنافاً _ كما قلناه أوّلاً _ والمفعول محذوف، والتقدير: أن يثوروا فتنةً .

وقوله : (من الفرقة) هي بالضمّ اسم من قولك : فارقته مفارقة وفراقاً .

وقوله : (وأعطيت من ذلك سهم ذي القربى) رجوع إلى الكلام السابق على أن يكون معطوفاً على قوله : «ورددت سبايا فارس» .

وقيل : استئناف عطف على المبتدعات المفصّلة سابقاً .

وقيل : الظاهر أنّه عطف على «لقيت»، وأنّ «ذلك» إشارة إلى الخمس وما يجب فيه الخمس بقرينة المقام (2).

وقال الفاضل الإسترآبادي : «ذلك، إشارة إلى غنيمة كانت حاضرة في ذلك الوقت»(3).

(الذي قال اللّه عزّ وجلّ) في سورة الأنفال : «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للّهِِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتَامى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ» (4).

قيل : إنّما اقتصر عليه السلام على بعض الآية؛ لأنّ مقصوده بالذات هو الإشارة إلى أنّ الإيمان يقتضي تسليم الخمس إلى ذي القربى، وأنّ المانع منه ليس بمؤمن (5) .

وقال البيضاوي : «إِنْ كُنتُمْ» متعلّق بمحذوف دلّ عليه ، و «وَاعْلَمُوا» ؛ أي إن كنتم آمنتم باللّه ، فاعلموا أنّه

ص: 562


1- نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 376
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 376
3- نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 376
4- الأنفال(8): 41
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 376

جعل الخمس لهؤلاء، فسلمّوه إليهم، واقتنعوا بالأخماس الأربعة؛ فإنّ العلم العملي إذا اُمر به لم يُرد منه العلم المجرّد؛ لأنّه مقصود بالعرض، والمقصود بالذات هو العمل.

«وَمَا أَنْزَلْنَا» من الآيات والملائكة والنصر «عَلى عَبْدِنَا» محمّد صلى الله عليه و آله «يَوْمَ الْفُرْقَانِ» : يوم بدر، فرّق فيه بين الحقّ والباطل «يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ» ؛ أي المسلمون والكفّار . انتهى (1).

قوله عليه السلام : (فنحن واللّه عنى بذي القربى ...) ردّ على العامّة حيث ذهب بعضهم إلى أنّ ذوي القربى بنو هاشم وبنو عبد المطّلب مطلقاً، وبعضهم إلى أنّهم بنو هاشم لا غير ، وبعضهم إلى أنّهم قريش، الغني والفقير فيه سواء . وقيل : لفقرائهم فقط ، وقال بعضهم : الخمس كلّه لهم . وقال أبو حنيفة : سقط سهم اللّه وسهم رسوله وسهم جميع ذي القربى بوفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ويصرف كلّه إلى الثلاثة الباقية .

وقال مالك : الرأي فيه يفوّض إلى الإمام كائناً من كان، يصرفه إلى من شاء . ومنهم من قال : يصرف سهم اللّه إلى الكعبة، والباقي يقسّم على خمسة .

وقال بعضهم : سهم اللّه لبيت المال، ويصرف في مصالح المسلمين، كما فعله الشيخان (2).

(فقال تعالى) في سورة الحشر : «مَا أَفَاءَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتَامى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَىْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ» (3).

قال البيضاوي :

المراد ب «مَا أَفَاءَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ» ما أعاده عليه، بمعنى صيّره له، أو ردّه عليه؛ فإنّه كان حقيقاً بأن يكون له، لأنّه تعالى خلق الناس لعبادته، وخلق ما خلق لهم ليتوسّلوا به إلى طاعته، فهو جدير بأن يكون للمطيعين .

وقوله تعالى : «كَىْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ» ؛ أي الفيء الذي حقّه أن يكون للفقراء ، والدولة ما يتداوله الأغنياء، ويدور بينهم كما كان في الجاهليّة «وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ» ؛ أي وما أعطاكم من الفيء، أو من الأمر «فَخُذُوهُ» ؛ لأنّه حلال لكم، أو فتمسّكوا به؛ لأنّه واجب الطاعة .

ص: 563


1- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 109 و110
2- راجع: شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 377 و378
3- الحشر(59): 7

«وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ» عن أخذه منه، أو عن إتيانه «فَانْتَهُوا» عنه، «وَاتَّقُوا اللّهَ» في مخالفة رسوله «إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ» لمن خالفه . انتهى (1).

وقوله عليه السلام : (فينا خاصّة) متعلّق ب «قال»، أو بمقدّر؛ أي نزل فينا، أو قرّر الخمس فينا ، والظاهر أنّ قوله : (رحمة منه لنا) مفعول له لمتعلّق الجارّ، أعني قوله: «فينا» .

(وغنى أغنانا اللّه به) عطف على «رحمة»؛ أي وليُغنينا بالخمس والفيء عن الحاجة وعن أوساخ أيدي الناس .

وقال بعض الشارحين :

الرحمة قد تُطلق على الرقّة المجرّدة عن الإحسان، وعلى الرقّة المقترنة معه، وعلى الإحسان المجرّد والإفضال ؛ وهو المراد هنا ، وليس المراد بالغنى المعنى المعروف عند الناس ، بل المراد به الكفاف، وهو سهم ذي القربى من الخمس ، هذا إن جعل «رحمة» وما عطف عليه مفعولاً له لقوله : «عنى بذي القربى» ، أو لقوله : «قرننا» كما هو الظاهر . وأمّا إن جعل مفعولاً له لشديد العقاب، فالمراد به العقل والعلم والعمل والمنزلة الرفيعة التي هي كمال النفس وغناها، وهم أغنى الأغنياء بهذه المعاني، وقد أغناهم اللّه تعالى بها عن غيرهم (2). انتهى كلامه، فتأمّل فيه .

(ووصّى به) أي بذلك الإغناء، أو بإعطاء الفيء والخمس المفهوم من السياق ، وكلمة «ما» في قوله : (ما لقي أهل بيت) نافية ، وفي قوله : (ما لقينا) موصولة .

متن الحديث الثاني والعشرين (خُطْبَةٌ لأمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام )

اشارة

أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْمُحَمَّدِيِّ، عَنْ أَبِي رَوْحٍ فَرَجِ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، [عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ] عليه السلام ، قَالَ:«خَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بِالْمَدِينَةِ، فَحَمِدَ اللّهَ، وَأَثْنى عَلَيْهِ، وَصَلّى عَلَى النَّبِيِّ وَآلِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللّهَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ لَمْ يَقْصِمْ جَبَّارِي دَهْرٍ إِلَا مِنْ بَعْدِ تَمْهِيلٍ وَرَخَاءٍ، وَلَمْ يَجْبُرْ كَسْرَ عَظْمٍ مِنَ الْأُمَمِ إِلَا بَعْدَ أَزْلٍ وَبَلَاءٍ، أَيُّهَا النَّاسُ فِي دُونِ مَا اسْتَقْبَلْتُمْ مِنْ عَطَبٍ وَاسْتَدْبَرْتُمْ مِنْ

ص: 564


1- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 319 (مع اختلاف)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 377

خَطْبٍ مُعْتَبَرٌ، وَمَا كُلُّ ذِي قَلْبٍ بِلَبِيبٍ، وَلَا كُلُّ ذِي سَمْعٍ بِسَمِيعٍ، وَلَا كُلُّ ذِي نَاظِرِ عَيْنٍ بِبَصِيرٍ.

عِبَادَ اللّهِ، أَحْسِنُوا فِيمَا يَعْنِيكُمُ النَّظَرُ فِيهِ، ثُمَّ انْظُرُوا إِلى عَرَصَاتِ مَنْ قَدْ أَقَادَهُ اللّهُ بِعِلْمِهِ (1). كَانُوا عَلى سُنَّةٍ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ أَهْلَ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ، ثُمَّ انْظُرُوا بِمَا خَتَمَ اللّهُ لَهُمْ بَعْدَ النَّضْرَةِ وَالسُّرُورِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَلِمَنْ صَبَرَ مِنْكُمُ الْعَاقِبَةُ (2). فِي الْجِنَانِ (3). وَاللّهِ مُخَلَّدُونَ، وَلِلّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ، فَيَا عَجَباً وَمَا لِي لَا أَعْجَبُ مِنْ خَطَإِ هذِهِ الْفِرَقِ عَلَى اخْتِلَافِ حُجَجِهَا فِي دِينِهَا، لَا يَقْتَفُونَ (4). أَثَرَ نَبِيٍّ، وَلَا يَقْتَدُونَ بِعَمَلِ وَصِيٍّ، وَلَا يُؤْمِنُونَ بِغَيْبٍ، وَلَا يَعْفُونَ عَنْ عَيْبٍ؛ الْمَعْرُوفُ فِيهِمْ مَا عَرَفُوا، وَالْمُنْكَرُ عِنْدَهُمْ مَا أَنْكَرُوا، وَكُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ إِمَامُ نَفْسِهِ آخِذٌ مِنْهَا فِيمَا يَرى بِعُرًى وَثِيقَاتٍ وَأَسْبَابٍ مُحْكَمَاتٍ، فَلَا يَزَالُونَ بِجَوْرٍ، وَلَنْ يَزْدَادُوا إِلَا خَطَأً، لَا يَنَالُونَ تَقَرُّباً، وَلَنْ يَزْدَادُوا إِلَا بُعْداً مِنَ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ، أُنْسُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، وَتَصْدِيقُ (5). بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، كُلُّ ذلِكَ وَحْشَةً مِمَّا وَرَّثَ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ صلى الله عليه و آله ، وَنُفُوراً مِمَّا أَدّى إِلَيْهِمْ مِنْ أَخْبَارِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَهْلُ حَسَرَاتٍ، (6). وَكُهُوفُ (7). شُبُهَاتٍ (8). ، وَأَهْلُ عَشَوَاتٍ وَضَلَالَةٍ وَرِيبَةٍ، مَنْ وَكَلَهُ اللّهُ إِلى نَفْسِهِ وَرَأْيِهِ فَهُوَ مَأْمُونٌ عِنْدَ مَنْ يَجْهَلُهُ، غَيْرُ الْمُتَّهَمِ عِنْدَ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ.

فَمَا أَشْبَهَ هؤُلَاءِ بِأَنْعَامٍ قَدْ غَابَ عَنْهَا رِعَاؤُهَا، وَوَا أَسَفى مِنْ فَعَلَاتِ شِيعَتِي (9). مِنْ بَعْدِ قُرْبِ مَوَدَّتِهَا الْيَوْمَ، كَيْفَ يَسْتَذِلُّ بَعْدِي بَعْضُهَا بَعْضاً؟ وَكَيْفَ يَقْتُلُ بَعْضُهَا بَعْضاً؟ الْمُتَشَتِّتَةِ غَداً عَنِ الْأَصْلِ النَّازِلَةِ بِالْفَرْعِ الْمُؤَمِّلَةِ الْفَتْحَ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهِ، كُلُّ حِزْبٍ مِنْهُمْ آخِذٌ مِنْهُ بِغُصْنٍ، أَيْنَمَا مَالَ الْغُصْنُ مَالَ مَعَهُ، مَعَ أَنَّ اللّهَ _ وَلَهُ الْحَمْدُ _ سَيَجْمَعُ هؤُلَاءِ لِشَرِّ يَوْمٍ لِبَنِي أُمَيَّةَ، كَمَا يَجْمَعُ قَزَعَ الْخَرِيفِ، يُؤَلِّفُ اللّهُ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ يَجْعَلُهُمْ رُكَاماً كَرُكَامِ السَّحَابِ، ثُمَّ يَفْتَحُ لَهُمْ أَبْوَاباً يَسِيلُونَ مِنْ مُسْتَثَارِهِمْ (10). كَسَيْلِ الْجَنَّتَيْنِ سَيْلَ الْعَرِمِ حَيْثُ بَعَثَ (11). عَلَيْهِ قَارَةً، فَلَمْ يَثْبُتْ (12). عَلَيْهِ أَكَمَةٌ، وَلَمْ يَرُدَّ

ص: 565


1- .في الحاشية عن بعض النسخ: «بعمله»
2- .في الحاشية عن بعض النسخ: «العافية»
3- .في الحاشية عن بعض النسخ: «الجنّات»
4- .في كلتا الطبعتين: «ولا يقتصّون»
5- .في الحاشية عن بعض النسخ: «ويصدق»
6- .في الحاشية عن بعض النسخ: «خسران»
7- .في الحاشية عن بعض النسخ والطبعة الجديدة: «وكفوف». وفي الطبعة القديمة: - «كهوف»
8- .في الحاشية عن بعض النسخ: «وكفر وشهوات»
9- .في الحاشية عن بعض النسخ: «شيعتنا»
10- .في الحاشية عن بعض النسخ وشرح المازندراني: «مستشارهم»
11- .في الحاشية عن بعض النسخ: «نقب». وفي الوافي: «ثقب»
12- .في الحاشية عن بعض النسخ: «تثبت»

سَنَنَهُ رَصُّ طَوْدٍ يُذَعْذِعُهُمُ اللّهُ فِي بُطُونِ أَوْدِيَةٍ، ثُمَّ يَسْلُكُهُمْ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ يَأْخُذُ بِهِمْ مِنْ قَوْمٍ حُقُوقَ قَوْمٍ، وَيُمَكِّنُ بِهِمْ قَوْماً فِي دِيَارِ قَوْمٍ (1). تَشْرِيداً لِبَنِي أُمَيَّةَ، وَلِكَيْلَا يَغْتَصِبُوا مَا غَصَبُوا، يُضَعْضِعُ اللّهُ بِهِمْ رُكْناً، وَيَنْقُضُ بِهِمْ طَيَّ (2). الْجَنَادِلِ مِنْ إِرَمَ، وَيَمْلَأُ مِنْهُمْ بُطْنَانَ الزَّيْتُونِ.

فَوَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، لَيَكُونَنَّ ذلِكَ، وَكَأَنِّي أَسْمَعُ صَهِيلَ خَيْلِهِمْ وَطَمْطَمَةَ رِجَالِهِمْ، وَايْمُ اللّهِ لَيَذُوبَنَّ مَا فِي أَيْدِيهِمْ بَعْدَ الْعُلُوِّ وَالتَّمْكِينِ فِي الْبِلَادِ، كَمَا تَذُوبُ الْأَلْيَةُ عَلَى النَّارِ، مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ مَاتَ ضَالًا، وَإِلَى اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ يُفْضِي مِنْهُمْ مَنْ دَرَجَ، وَيَتُوبُ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ عَلى مَنْ تَابَ، وَلَعَلَّ اللّهَ يَجْمَعُ شِيعَتِي بَعْدَ التَّشَتُّتِ لِشَرِّ يَوْمٍ لِهؤُلَاءِ، وَلَيْسَ لأحَدٍ عَلَى اللّهِ _ عَزَّ ذِكْرُهُ _ الْخِيَرَةُ، بَلْ لِلّهِ الْخِيَرَةُ وَالْأَمْرُ جَمِيعاً.

أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ الْمُنْتَحِلِينَ لِلْاءِمَامَةِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا كَثِيرٌ، وَلَوْ لَمْ تَتَخَاذَلُوا عَنْ مُرِّ الْحَقِّ وَلَمْ تَهِنُوا عَنْ تَوْهِينِ الْبَاطِلِ، لَمْ يَتَشَجَّعْ (3). عَلَيْكُمْ مَنْ لَيْسَ مِثْلَكُمْ، وَلَمْ يَقْوَ مَنْ قَوِيَ عَلَيْكُمْ، وَعَلى هَضْمِ الطَّاعَةِ، وَإِزْوَائِهَا عَنْ أَهْلِهَا، لكِنْ تِهْتُمْ كَمَا تَاهَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلى عَهْدِ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ (4). عليه السلام ، وَلَعَمْرِي لَيُضَاعَفَنَّ عَلَيْكُمُ التَّيْهُ مِنْ بَعْدِي أَضْعَافَ مَا تَاهَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَلَعَمْرِي أَنْ لَوْ قَدِ اسْتَكْمَلْتُمْ مِنْ بَعْدِي مُدَّةَ سُلْطَانِ بَنِي أُمَيَّةَ لَقَدِ اجْتَمَعْتُمْ عَلَى سُلْطَانِ (5).

الدَّاعِي إِلَى الضَّلَالَةِ، وَأَحْيَيْتُمُ الْبَاطِلَ، وَخَلَّفْتُمُ الْحَقَّ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ، وَقَطَعْتُمُ الْأَدْنى مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، وَوَصَلْتُمُ الْأَبْعَدَ مِنْ أَبْنَاءِ الْحَرْبِ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَلَعَمْرِي أَنْ لَوْ قَدْ ذَابَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ لَدَنَا التَّمْحِيصُ لِلْجَزَاءِ، وَقَرُبَ الْوَعْدُ، وَانْقَضَتِ الْمُدَّةُ، وَبَدَا لَكُمُ النَّجْمُ ذُو الذَّنَبِ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، وَلَاحَ لَكُمُ الْقَمَرُ الْمُنِيرُ، فَإِذَا كَانَ ذلِكَ فَرَاجِعُوا التَّوْبَةَ، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِنِ اتَّبَعْتُمْ طَالِعَ الْمَشْرِقِ سَلَكَ بِكُمْ مَنَاهِجَ (6). الرَّسُولِ صلى الله عليه و آله ، فَتَدَاوَيْتُمْ مِنَ الْعَمى وَالصَّمَمِ وَالْبَكَمِ، وَكُفِيتُمْ مَؤُونَةَ الطَّلَبِ وَالتَّعَسُّفِ، وَنَبَذْتُمُ الثِّقْلَ الْفَادِحَ عَنِ الْأَعْنَاقِ، وَلَا يُبَعِّدُ اللّهُ إِلَا مَنْ أَبى وَظَلَمَ وَاعْتَسَفَ، وَأَخَذَ مَا لَيْسَ لَهُ، «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ» »(7).

ص: 566


1- .في الحاشية عن بعض النسخ: «و يمكن من قوم لديار قوم _ ويمكن لقوم في ديار قوم»
2- .في الحاشية عن بعض النسخ: «على»
3- .في الحاشية عن بعض النسخ: «ولم يتخشّع». وفي بعض نسخ الكافي: «لم يتجشّع»
4- .في الطبعة الجديدة وجميع النسخ التي قوبلت فيها وشرح المازندراني والوافي ومرآة العقول: - «بن عمران»
5- .في الطبعة القديمة: «السلطان»
6- .في الحاشية عن بعض النسخ ومرآة العقول: «منهاج»
7- الشعراء(26): 227
شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله عليه السلام : (لم يقصم) إلى قوله : (ورخاء) . قيل : خوّف عليه السلام من اشتدّ عناده وامتدّ فساده، ورغّب في الدنيا، ونسي الآخرة، واغترّ بماله، وابتهج بحاله، واستبدّ في الدين برأيه بذكر أحوال الجبّارين الذين كانوا معرضين عن دين اللّه تعالى، فمهّلهم من باب الاستدراج، فكانوا في نعمة ورخاء، ثمّ قصمهم وأخذهم (1).

وقال الفيروزآبادي : «قصمه يقصمه: كسره وأبانه، أو كسره، وإن لم يُبن» (2). وقال : «مهّله تمهيلاً، أي أجّله» ، (3). وقال : «الرخاء، بالفتح: سعه العيش» (4).

(ولم يجبر كسر عَظم من الاُمم إلّا بعد أزل وبلاء) .

الجبر: خلاف الكسر، وفعله كنصر. وجبر العظم والفقير جبراً: أحسن إليه، أو أغناه بعد فقر. والأزل، بالفتح والسكون: الضيق، والشدّة، وبالكسر: الداهية (5).

وقيل : قوله عليه السلام : (أيّها الناس ...) إبداء لمضمون قوله : «ولم يجبر» من باب التأكيد .

(في دون ما استقبلتم) أي عنده، أو في أقلّه .

(من عطب) ؛ هو الشان والحال والأمر، عَظُم أو صغر . وفي بعض النسخ: «من عتب»، وهو بالتحريك: الشدّة، والأمر الكدّ، وبالتسكين: الموجِدة .

قيل: هذا إشارة إلى ما كانوا فيه بعد ظهور الإسلام من الحرب مثل حرب بدر واُحد

ص: 567


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 378
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 165 (قصم)
3- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 52 (مهل)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 333 (رخو)
5- قال المازندراني رحمه الله: «جبر العظم المكسور كناية عن قوّتهم بعد ضعفهم، يظهر ذلك لمن نظر في أتباع الأنبياء أوّل الأمر؛ فإنّهم كانوا في غاية الضعف والشدّة، ثمّ حصّلت لهم القوّة بالاتّحاد والصبر والتناصر والتعاون، وفيه ترغيب في الصبر على النوازل، وتنبيه على أنّ اليسر مقرون بالعسر، كما قال تعالى: «إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً»، وعلى وجوب الاتّحاد في الدين وعدم تشتّت الآراء وتفرّق الذهن فيه لقلّة أهله؛ فإنّ الحقّ يعلو بالآخرة مع أنّ التشتّت يوجب الوهن والضعف والعجز، وكلّ ذلك ضدّ مطلوب الشارع». ثمّ قال: «ويحتمل أن يراد بالجبّارين المخالفون، وبقوله: لم يجبر، شيعته وأنصاره، فنبّه بالأوّل على أنّ اُولئك الجبّارين وإن طالت مدّتهم وقويت شوكتهم، فهم من إمهال اللّه لهم ليستعدّوا به الهلاك، وبالثاني على أنّكم وإن ضعفتم وابتليتم فذلك من عادة اللّه فيمن يريد أن ينصره، وينصركم بظهور دولتنا القاهرة»

والأحزاب من الأهوال والوهن والضعف، راجعين إلى صاحب الوحي، صابرين على أذى المشركين، ثابتين في الدين، فأيّدهم اللّه بنصره، وأزال عنهم وهنهم، وجبر عظمهم .

(واستدبرتم من خَطْب) .

قال :

وهو إشارة إلى ما كانوا فيه من الأهوال والوهن والشدّة في مبدأ الإسلام، مع قلّتهم وكثرة عدوّهم ، فلمّا اتّحدوا ولم يختلفوا، وصبروا ورجعوا إلى الرسول صلى الله عليه و آله ، أيّدهم اللّه تعالى، وقوّاهم، وجبر عظمهم بمن أسلم ودخل في الدين .

ويحتمل أن يكون الخطب المستقبل والمستدبر واحداً، وهو جميع ما استقبلوه، ورأوه من أوّل الإسلام، واستدبروه إلى أوان قبضه صلى الله عليه و آله ، وإعادة الخطب يؤيّد الأوّل، وحذف الموصول في المعطوف يؤيّد الثاني .

(معتبر) أي في دون ذلك اعتبار لمن اعتبر؛ فإنّكم من ذلك الاعتبار تعلمون أنّه يجب عليكم بعده الاتّحاد في الدين والتعاون والتناصر ومقاساة مرارة الصبر والرجوع إلى أعلمكم في الفروع والاُصول، والاجتماع عليه وعدم التفرّق عنه، ليرد عليكم نصر اللّه ورحمته . انتهى (1).

وقيل : يحتمل أن يكون المراد بما استدبروه ما وقع في زمن الرسول صلى الله عليه و آله من استيلاء الكفرة أوّلاً، وغلبة الحقّ وأهله ثانياً، وانقضاء دولة الظالمين ونصر اللّه رسوله على الكافرين ، والمراد بما استقبلوه ما ورد عليهم بعد الرسول صلى الله عليه و آله من الفتن، واستبداد أهل الجهالة والضلالة باُمور المسلمين بلا نصر من رسول ربّ العالمين، وكثرة خطأهم في أحكام الدين، ثمّ انقضاء دولتهم، وما وقع بعد ذلك من الحروب والفتن، كلّ ذاك محل للاعتبار لمن عقل وفهم وميّز الحقّ عن الباطل؛ فإنّ زمان الرسول صلى الله عليه و آله وغزواته ومصالحته ومهادنته مع المشركين كانت منطبقة على أحوال أمير المؤمنين عليه السلام من وفاة الرسول إلى شهادته عليه السلام .

ويحتمل أن يكون المراد بما يستقبل [وما يستدبر] شيئاً واحداً؛ فإنّ ما يستقبل قبل وروده يستدبر بعد مضيّه ، والمراد التفكّر في انقلاب أحوال الدنيا وسرعة زوالها وكثرة الفتن فيها ، فيحثّ هذا التفكّر العاقل اللَّبيب على ترك الأغراض الدنيويّة، والسعي لما يوجب حصول السعادات الاُخرويّة .

ص: 568


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 379

ويحتمل على بُعد أن يكون المراد بما يستقبلونه ما أمامهم من أحوال البرزخ وأهوال القيامة وعذاب الآخرة ومثوباتها، وبما استدبروه ما مضى من أيّام عمرهم وما ظهر لهم من آثار فناء الدنيا وحقارتها وقلّة بقائها (1).

(وما كلّ ذي قلب بلبيب) .

القلب: الفؤاد، وقد يطلق على العقل . واللُّبّ، بالضمّ: العقل، وخالص كلّ شيء ، واللبيب: العاقل ؛ أي ليس كلّ ذي فؤاد أو غيره عاقل كامل العقل بحيث يدرك حقائق المعقولات ودقائقها، بل عقل أكثر الناس تابع للوهم والخيال، ومشوب المعارضات الوهميّة بحيث لا يرتقي من حضيض النقص إلى أوج الكمال .

(ولا كلّ ذي سمع بسميع ، ولا كلّ ذي ناظر عين ببصير) أي ليس كلّ من له آلة السمع يسمع الحقّ ويفهمه ويجيبه ويؤثّر فيه ويعمل به ، ولا كلّ من له آلة البصر يبصر الحقّ ويعتبر بما يرى وينتفع بما يشاهد بها.

وليس لفظ «عين» في بعض نسخ الكتاب، ولا في النهج (2).

وقوله : (فيما يَعنيكم) أي يهمّكم وينفعكم . في القاموس: «عناه الأمرُ يَعنيه ويَعنوه عَناية وعِناية: أهمّه» (3).

والظاهر أنّ قوله : (النظر فيه) بدل اشتمال لقوله : «فيما يعنيكم» ، ويحتمل كونه فاعلاً لقوله : «يعنيكم» بتقدير النظر قبل الظرف أيضاً ، واحتمال قراءة «يُعينكم» من الإعانة بعيدٌ .

وفي بعض النسخ: «يغنيكم» بالغين المعجمة من الإغناء ، وعلى النسختين فيه ترغيب في النظر والتأمّل فيما ينفع في أمر الدين والدنيا .

(ثمّ انظروا إلى عرصات مَنْ أقاده اللّه ) .

في القاموس: «العرصة: كلّ بقعة بين الدور واسعة ليس فيها بناء، والجمع: عراص وعرصات» ، (4). والظاهر أنّ المراد بها هنا الأراضي والبنيان الميّتة والخربة، أو ما فيه آثارهم مطلقاً .

ص: 569


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 138 و139
2- اُنظر: نهج البلاغة ، ص 121، الخطبة88
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 367 (عني)
4- .القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 307 (عرص)

والإقادة، من القَود وهو بالتحريك: القصاص .

وفي القاموس: «أقادَ القاتِلَ بالقتيل: قتله به»(1).

وقيل : إنّما سمّى إهلاكه قِصاص؛ لأنّه أمات دين اللّه ، فاستحقّ بذلك القصاص .

ويحتمل كونه من القَود نقيض السوق (2).

في القاموس: «أقادهُ خَيلاً: أعطاه ليقودها» (3).

وقيل : لعلّ المراد حينئذٍ بمن أقاده اللّه من مكّنه اللّه من الملك بأن خلّى بينه وبين اختياره، ولم يمسك يده عمّا أراده (4). وقيل : معناه: جعله اللّه قائداً لمن تبعه(5) .

وقوله : (بعلمه) بالعين المهملة في أكثر النسخ؛ أي بما يقتضيه علمه وحكمته من عدم إجبارهم على الطاعة أو المعصية، أو بما يعلمه من استحقاقهم للعقوبة كمّاً وكيفاً . وفي بعضها بالمعجمة . قال الفيروزآبادي : «غَلِم _ كفرح _ غَلْماً وغُلمَةً _ بالضمّ _ واغتلم، أي غُلِب شهوة»(6) . فحينئذٍ يحتمل أن يقرأ: «بِغَلْمِهِ» بالفتح ، والضمير الراجع إلى الموصول، أو بغُلمةٍ بالضمّ والتاء، أي أقاده بالشهوات النفسانيّة .

وفي بعضها: «بعمله» بتقديم الميم .

(كانوا على سُنّة) .

ضمير الجمع للموصول باعتبار المعنى، وإفراده في السابق باعتبار اللفظ ؛ أي على طريقة وحالة شبيهة ومأخوذة (من آل فرعون) من الظلم والكفر والطغيان، أو من سعة النعمة ورفاهيّة العيش ، ويؤيّد الأخير قوله : (أهل جنّات وعيون وزروع ومقام كريم) ؛ يحتمل بياناً للسنّة، أو بدلاً عنها، أو خبراً ل «كانوا»، أو حالاً من «آل فرعون» ، فعلى الأوّل مرفوع على أنّه خبر مبتدأ محذوف ، وعلى الثاني مجرور ، وعلى الآخرين منصوب .

قال البيضاوي : «المقام الكريم: المنازل الحسنة، والمجالس البهيّة» . (7) وقال في موضع

ص: 570


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 330 (قتل)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 379
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 330 (قود)
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 139
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 379
6- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 157 (غلم)
7- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 240

آخر : «هو محافل مزيّنة ومنازل حسنة» (1).

ولفظة «ثمّ» في قوله : (ثمّ انظروا) للتراخي؛ يعني انظروا أوّلاً في بداية حالهم في الدنيا، ثمّ في نهايتها وخاتمتها، حتّى تعتبروا منه، ولا تركنوا إلى الدنيا .

وما قيل من أنّ لفظة «ثمّ» هنا لمجرّد التفاوت في المرتبة؛ لأنّ العذاب الاُخروي أقوى وأشدّ من الدنيوي، (2). ففيه نظر .

والباء في قوله : (بما ختم اللّه لهم) بمعنى «في»، أو «إلى»، أو زائدة، أو صلة للختم قدّم عليه؛ أي انظروا أيّ شيء جعل اللّه خاتمة أحوالهم في الدنيا .

(بعد النضرة والسرور) . «النضرة»: الحُسن، والرونق، والنعمة، والعيش، والغنى. والسرور: الفرح الحاصل منها .

(والأمر والنهي) أي وبعد كونهم آمرين والناهين فيما بين الناس، وجريان حكمهم عليهم، أو بعد كونهم مأمورين بأوامر اللّه منهيّين بنواهيه وعدم انقيادهم .

(ولِمَن صبر منكم) على البأساء والضرّاء والنوائب في مشاقّ التكاليف الشرعيّة (العاقبة في الجنان) أي حُسن العاقبة فيها.

وعاقبة كلّ شيء: آخره .

وقوله : (مخلّدون) خبر مبتدأ محذوف؛ أي أنتم أو هم مخلّدون فيها .

والجملة مبنيّة مؤكّدة للجملة السابقة، أو استئنافيّة كأنّه سئل عن عاقبتهم في الجنان، فقال: هم مخلّدون فيها .

(وللّه عاقبة الاُمور) .

قيل : أي الاُمور الخيريّة يؤتيها من يشاء بفضله، ويمنعها مَن يشاء بعدله . أو المراد [أنّ ]له عاقبة الاُمور بالنسبة إلى كلّ أحد إن خيراً فخيراً، وإن شرّاً فشرّاً (3).

وقيل : معنى كون عاقبة الاُمور للّه أنّ مرجعها إلى حكمه، أو عاقبة الملك والدولة والعزّ للّه ، ولمن طلب رضاه، كما هو الأنسب بالمقام (4).

(فيا عجباً) ؛ يحتمل كونه من قبيل «يا رجلاً له بصر، خُذ بيدي»؛ أي يا عجباً أقبِل وتعال ، فهذه من الأحوال التي من حقّها أن تحضر فيها .

ص: 571


1- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 161
2- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 380
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 380
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 140

ويحتمل كونه منصوباً على المصدر بحذف المنادي؛ أي يا قوم عجبت عجباً، بالتنوين .

وقيل : إنّه بغير تنوين، وأصله: يا عجبي، قلب الياء ألفاً، وفي الوقف قيل: يا عجباه (1) .

(وما لي لا أعجب) مع حصول موجبات العجب وكثرتها وقوّتها، وهي ترك هذه الفرق ما ينبغي فعله وبالعكس، كما أشار إليه بقوله : (من خطأ هذه الفِرق) ، وكلمة «ما» استفهاميّة للتعجّب من ترك التعجّب .

(على اختلاف حججها في دينها) .

أصل الحجّة الغلبة، ثمّ استعمل في البرهان .

قيل : المراد بالحجج المذاهب والطرق، أو الدلائل على مذاهبهم الباطلة، أو على الحقّ مع عدولهم عنها (2). وقيل : المراد باختلاف الحجج هنا اختلاف قصورها أو تردّدها أو سننها وطرقها، أو دلائلها الباطلة في اُصول دينها وفروعه، وإنّما سمّيت مفتريات أوهامهم ومخترعات أفهامهم حججاً على سبيل التهكّم(3) .

وقوله : «في دينها» متعلّق بالحجج، أو بالاختلاف، أو بهما، أو صفة، أو حال عن الحجج .

(لا يقتفون أثر نبيّ) .

في بعض النسخ: «لا يقتصّون» من الاقتصاص . يُقال : قصّ أثره واقتصّ، إذا تتبّعه ، وهذا تفصيل لخطأ هذا الفرق، كما أشرنا إليه إجمالاً .

قال بعض العلماء :

هذا نصّ في المنع عن الاجتهاد في الأحكام الشرعيّة، واستنباطها من المتشابهات بالرأي وترك النصوص .

(ولا يقتدون بعمل وصيّ) مطلقاً. وقيل : أراد به نفسه قطعاً لعذرهم ؛ فإنّ الاختلاف في الدين قد يعرض عن ضرورة، وهي عدم وجود الهادي بينهم ، فأمّا إذا كان موجوداً فلا عذر لهم على الاختلاف، ولا يجوز لهم القيام عليه (4).

(ولا يؤمنون بغيب) أي بما هو غائب عن الحسّ من الإيمان باللّه واليوم الآخر ، أو بما جاء به الرسول صلى الله عليه و آله ، هذا إن جعل الباء صلة للإيمان، وإن جعل الظرف حالاً عن ضمير الجمع،

ص: 572


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 140
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 140
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 380
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 380

أي لا يؤمنون في حال الغيبة والخفاء، كما هو شأن المنافقين .

(ولا يَعفون عن عيب) من العفّة، أو من العفو . يُقال : عفّ _ كفرَّ _ عَفّاً وعَفافاً وعَفافةً _ بفتحهنّ _ وعِفّةً بالكسر، إذا كفّ عمّا لا يحلّ ولا يجمل . والعيب: الوصمة والعار ، ولعلّ المراد به هنا زلّات إخوانهم .

وفي النهج بعد قوله : «عن عيب» زيادة، وهي: «يعملون في الشبهات، ويسيرون في الشهوات» (1).

(المعروف فيهم...)؛ يعني أنّ المعروف والمنكر عندهم ما يميل إليه طباعهم ويستحسنهم وإن كان منكراً في الشرع، وما يتنفّر عنه طباعهم ويستقبحه وإن كان معروفاً في الشرع .

(وكلّ امرئ منهم إمام نفسه) .

في نسخ النهج هكذا: «مفزعهم في المعضلات إلى أنفسهم، وتعويلهم في المبهمات على آرائهم، كأنّ كلّ امرئ منهم إمام نفسه» .

(آخذ منها فيما يرى) ؛ أي يتعلّق به رأي . و«آخذ» بصيغة اسم الفاعل، أو الفعل الماضي، والمستتر فيه وفي «يرى» راجع إلى «كلّ»، والبارز إلى الحجج ، وعلى ما في النهج يمكن عوده إلى «المعضلات» و«المبهمات» .

وقوله : (بعُرًى وثيقات) متعلّق ب «آخذ»، أو حال عن فاعله؛ يعني يتوهّم أنّه تمسّك بدلائل محكمة وبراهين قاطعة فيما يدّعيه من المموّهات، كأنّها عنده عرى وثيقة لا يخطأ المتمسّك بها .

(وأسباب محكمات) عطف على «عرى وثيقات» للبيان والتفسير . وقيل : الأسباب المحكمات بزعمهم من يتوسّلون به من أئمّة الجور . وقيل : هي بزعمهم نصوص جليّة لا اشتباه فيها (2).

(فلا يزالون بجور) أي متلبّسين بميل وانحراف عن قصد السبيل .

(ولن يزدادوا إلّا خطأً) ؛ لأنّ بناء قواعدهم على الجور والظلم، واتّباع النفس والشيطان .

(لا ينالون تقرّباً) عند اللّه _ عزّ وجلّ _ بتحصيل أسبابه؛ لأنّه إنّما يحصل باتّباع الإمام الحقّ والعدل، وهم بمعزل عنه .

ص: 573


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 381
2- اُنظر: نهج البلاغة ، ج 121 ، الخطبة 88

(ولن يزدادوا إلّا بُعداً من اللّه ) ؛ لخطأهم في عقائدهم وأعمالهم ، والظرف متعلّق بالبُعد والتقرّب على التنازع .

(اُنس بعضهم ببعض) .

الاُنس، بالضمّ وبالتحريك: ضدّ الوحشة ، وقد آنس به، مثلّثة النون. والظاهر أنّه هنا على صيغة المصدر ليوافق الفقرة التالية ، أعني قوله : (وتصديق بعضهم لبعض) .

في بعض النسخ: «وتصدق»، على صيغة الفعل أو المصدر، أي يعطي بعضهم صدقته لبعض، وكأنّه تصحيف .

وبالجملة ذلك الاُنس والتصديق لتحقّق الرابطة الجنسيّة والتوافق في المذهب والطريق .

(كلّ ذلك) إشارة إلى خطأ تلك الفرق بتفاصيله .

(وحشة) أي يفعلون ذلك لأجل استيحاشهم وعدم استئناسهم .

(ممّا ورّث النبيّ الاُمّي صلى الله عليه و آله ) من العلوم والحكم لأهل بيته الطاهرين .

(ونفوراً) أي تباعداً وشَروداً (ممّا أدّى) النبيّ صلى الله عليه و آله ، وأوصل (إليهم من أخبار فاطر السماوات والأرض) أي خالقهما ومبدعهما .

(أهل حسرات) خبر مبتدأ محذوف، أي هم أهل تلهّف بعد الموت لما صنعوه من الأباطيل . وفي بعض النسخ : «أهل خسران» .

(وكهوف شبهات) عطف على «أهل»، جمع «كهف»، وهو كالبيت المقفور في الجبل ، والملجأ؛ يعني تأدّى إليهم الشبهات لإقبالهم عليها، وافتتانهم بها، وعدم تفتيشهم عن وجه الحقّ والصواب، وعدم رجوعهم فيها إلى أهل العلم واُولي الألباب .

وفي بعض النسخ: «كفر وشبهات»؛ أي أهل كفر. وفي بعضها: «كفوف شبهات» . قال الفيروزآبادي :

الكفّ: اليد، الجمع أكفّ وكفوفٌ. وكفّت الناقة كفوفاً: كبرت، فقصرت أسنانها حتّى تكاد تذهب، فهو كاف وكفوف. والثوب كفّاً: خاط حاشيته، وهو الخياطة الثانية بعد الشلّ. والإناء: ملأه مُفرطاً. انتهى (1).

ص: 574


1- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 190 (كفف)

ويمكن أن يكون الكاف للتشبيه، ويراد بفوُف بالضمّ الأصل والمادّة .

قال الجوهري : «الفوف: الجهة البيضاء في باطن النواة التي تنبت منها النخلة» (1).

(وأهل عَشَوات) .

في القاموس: «العشوة، بالضمّ والكسر: ركوب الأمر على غير بيان ، ويثلّث، وبالفتح: الظلمة» (2).

(وضلالة وريبة) .

في القاموس: «الريبة، بالكسر: الظِّنَّة، والتهمة» (3). وقال الجوهري : «الريب: الشكّ، والريب: ما رابك من أمر، والاسم: الرِّيبة بالكسر، وهي التهمة والشكّ» (4).

(مَن وكلَه اللّه ) أي سلّمه وتركه (إلى نفسه ورأيه) بسلب اللطف والتوفيق عنه؛ لإعراضه عن الحقّ وأهله .

وقوله : (فهو مأمون عند من يجهله) خبر الموصول .

وقوله : (غير المتّهم عند من لا يعرفه) إمّا بالرفع خبر آخر للضمير، أو بالنصب على الحاليّة، والضمير المنصوب في الموضعين راجع إلى الموصول الأوّل .

والغرض بيان أنّ حسن الظنّ به من عوامّ الناس إنّما هو لجهالتهم بضلالته ، وأمّا العالم بحاله؛ فإنّه يعلم وجوه اختلاله .

قيل : يحتمل أن يكون المراد بالموصول أئمّة من قد ذمّهم سابقاً لا أنفسهم (5). وقيل : يحتمل عود الضمير المنصوب في الموضعين إلى اللّه ؛ لأنّ من عرف اللّه علم أنّ ذلك الرجل متّهم بالخيانة والفساد في الدين غير مأمون فيه؛ لعلمه بوجوب الرجوع إلى من نصب اللّه لإقامة دينه؛ فإنّه هو المأمون دون غيره .

(فما أشبه هؤلاء) المضلّين الذين وكلهم اللّه إلى أنفسهم وآرائهم ، أو المراد تابعيهم، والثاني أنسب بقوله : (بأنعام قد غاب عنها رعاؤها) .

الراعي: كلّ من ولي أمر قوم ، وجمعه: رُعاة _ مثل قاض وقُضاة _ ورعُيان، مثل شابّ

ص: 575


1- الصحاح ، ج 4 ، ص 1412 (فوف)
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 362 (عشو)
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 77 (ريب)
4- الصحاح ، ج 1 ، ص 141 (ريب)
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 142

وشبّان؛ ورعاء مثل جائع وجياع .

ووجه تشبيههم بالأنعام الحيرة والضلالة، وكونهم في معرض التلف والهلاك، وعدم الاهتداء إلى المصالح .

(ووا أسفى) ؛ بالألف للندبة، وأصله: أسفي، قُلبت الياء ألفاً . والأسف بالتحريك: أشدّ الحزن .

(من فَعَلات شيعتي) أي تبعني اليوم ظاهراً . قال الفيروزآبادي :

شيعة الرجل، بالكسر: أتباعه وأنصاره، والفرقة على حدة ، ويقع على الواحد والاثنين والجمع، والمذكّر والمؤنّث، وقد غلب هذا الاسم على كلّ من يتوالى عليّاً وأهل بيته حتّى صار اسماً لهم خاصّاً، الجمع: أشياع، وشيع، كعِنَبٍ (1).

(من بَعْدِ قُرب مودّتها اليوم) ظرف للقرب، والضمير للشيعة.

ثمّ بيّن عليه السلام فعلاتها بقوله : (كيف يستذلّ ...) . قال بعض الشارحين :

ألحقَ الأسف بنفسه المقدّسة بسبب ما شاهده بعلم اليقين من الأحوال المنكرة اللاحقة بالشيعة بعده عليه السلام في دولة بني اُميّة وبني عبّاس من استذلال بعضهم بعضاً، وقتل بعضهم بعضاً بالمباشرة والتسبيب، وخروجهم على هؤلاء الكفرة بلا راع مفترض الطاعة، وهلاكهم بأيديهم ، وغير ذلك من المكاره الواردة عليهم (2).

(المشتّتة غداً عن الأصل) وصف للشيعة ، والظاهر أنّ المراد بالأصل الإمام المعصوم، وبالغد ما بعد زمان التكلّم من الأوقات؛ أي هم الذين يتفرّقون عن أئمّة الحقّ، ولا ينصرونهم .

(النازلة بالفرع) .

الفرع: خلاف الأصل ، ولعلّ المراد به غير الإمام الحقّ ممّن يدّعي الإمامة، وليس بذاك، كمختار وأبي مسلم وأضرابهما ، فالمراد أنّهم يتشتّتون عن أصولهم، ويتشبّثون بالفروع التي لا تنفعهم بل تضرّهم .

(المؤمّلة الفتح) أي الواجبة لظهور دولة الحقّ .

(من غير جهته) أي من غير الجهة التي يرجى منها الفتح؛ لأنّه إنّما يكون بيد

ص: 576


1- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 47 (شيع)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 382

صاحب الأمر عليه السلام ، ومن خرج قبل ظهوره صار مغلوباً أو مقتولاً، أو لم يتمكّن في أمره تمكّناً تامّاً ، أو المراد أنّه كان استفتاحهم من غير الجهة التي اُمروا به منها؛ فإنّ خروجهم كان بغير إذن إمام عصرهم .

(كلّ حزب) أي طائفة (منهم آخذ) على صيغة اسم الفاعل، أو الفعل .

(منه) أي من ذلك الفرع ، ولفظة «منه» ليست في كثير من النسخ .

(بغُصن) .

في القاموس: «الغُصن، بالضمّ: ما تشعّب عن ساق الشجر دقاقها وغِلاظها، الجمع: غُصون وأغصان وغُصُن» (1). والمراد به هنا كلّ مدّع منهم، ويكون إشارة إلى تفرّقهم بفرق مختلفة كلّ منهم يدّعي اتّباع إمام .

(أينما مالَ الغُصن مال معه) .

قيل : هذا تشبيه تمثيلي لقصد الإيضاح ، والوجه في المشبّه به حسّيّ ، وفي المشبّه عقليّ، أو مركّب منه ومن حسّيّ ، وهذا من أحسن التشبيهات في إفادة لزوم المتابعة؛ إذ كما أنّ حركة الورق إلى جهات حركة الغصن بتحريك الريح أو غيره تابعة لازمة غير منفكّة، كذلك حركة كلّ حزب إلى جهات حركة إمامه في الاُمور العقليّة والعمليّة (2).

وقوله عليه السلام : (مع أنّ اللّه ...) إشارة إلى انقراض دولة بني اُميّة، وتبدّد نظامهم بخروج أبي مسلم وأهل خراسان عليهم .

وقوله : (وله الحمد) جملة معترضة .

(سيجمع هؤلاء) الأحزاب المتشتّتة من الشيعة بمعنى الأعمّ .

(لشرّ يوم لبني اُميّة) ، وهو يوم زوال ملكهم ودولتهم .

(كما يجمع قَزَع الخريف) . في بعض نسخ الكتاب وفي النهج: «كما تجتمع» (3).

قال الفيروزآبادي : «القَزَع، محرّكة: قطع من السحاب، الواحدة بهاء» (4). وقال الجزري: في حديث الاستسقاء : «وما في السماء قزعَةٌ»؛ أي قطعة من الغيم، ومنه حديث عليّ عليه السلام : «فيجتمعون إليه كما يجتمع قزع الخريف»؛ أي قطع [السحاب] المتفرّقة.

ص: 577


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 253 (غصن)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 383
3- نهج البلاغة ، ص 240 ، الخطبة 166
4- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 68 (قزع)

وإنّما خصّ الخريف لأنّه أوّل الشتاء، والسحاب فيه يكون متفرّقاً غير متراكم ولا مطبق، ثمّ يجتمع بعضه إلى بعض بعد ذلك (1).

(يؤلّف اللّه بينهم) أي بين هؤلاء، فيتواقف قلوبهم .

وقال بعض الأفاضل : نسبة هذا التأليف إليه تعالى مع أنّه لم يكن برضاه على سبيل المجاز تشبيهاً لعدم منعهم عن ذلك، وتمكينهم من أسبابه، وتركهم واختيارهم بتأليفهم، وحثّهم عليه، ومثل هذا كثير في الآيات والأخبار (2).

أقول : قد مرّ في كتب التوحيد من الاُصول ما يوضح من فساد هذا التوجيه، وأنّ تلك النسبة وأمثالها على سبيل الحقيقة لا المجاز .

(ثمّ يجعلهم رُكاماً كركام السحاب). قال الجوهري : «ركم الشيء يركمه، إذا جمعه، وألقى بعضه على بعض ، والركام بالضمّ: الرمل المتراكم ، وكذلك السحاب وما أشبهه» (3).

(ثمّ يفتح لهم أبواباً يسيلون من مستشارهم) . أي موضع مشورتهم، وهو موضع الاجتماع لتحقيق الصواب في الآراء، مَفعَلة من الإشارة .

وفي بعض النسخ: «مستثارهم» بالثاء المثلّثة، أي موضع ثورانهم وهيجانهم ووثبهم ونهوضهم .

قيل : استعار الأبواب للطرق، ورشّح بذكر الفتح مع ما فيه من الإيماء إلى أنّ حدّ ملك بني اُميّة كأنّها كان عليها سور لشدّة قوّتهم من منع دخول العدوّ فيه (4).

وقيل : فتح الأبواب كناية عمّا هيّئ لهم من أسبابهم، وما سنح لهم من تدبيراتهم المصيبة، ومن اجتماعهم وعدم تخاذلهم (5).

وقال الفاضل الإسترآبادي :

اُريد أنّ الشيعة بعد اجتماعهم على أبي مسلم يتفرّقون إلى البلاد من محلّ ثورانهم لقمع اُمراء بني اُميّة من البلاد، وفيه استعارة تبعيّة حيث شبّه سيرهم في البلاد بالسيل الجاري

ص: 578


1- النهاية ، ج 4 ، ص 59 (قزع)
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 143
3- الصحاح ، ج 5 ، ص 1936 (ركم)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 384
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 143

إلى المنحدر في السرعة والازدحام والتخريب وعدم احتمال الرجوع ، واستعار له لفظ الفعل (1).

(كسيل الجَنَّتَيْنِ سيل العَرم) . شبّه عليه السلام تسلّط هذا الجيش على بني اُميّة بسوء أعمالهم بما سلّط اللّه على أهل سبأ بعد إتمام الغمّة عليهم؛ لكفرانهم وطغيانهم. وإضافة السيل إلى الجنّتين بتقدير «في»، أو لأدنى ملابسة .

والظاهر أنّ قوله : «سيل العرم» بدل من «سيل الجنّتين» أو صفة ، ويحتمل كونه خبراً لمبتدأ محذوف، أي هو سيل العرم المذكور في القرآن الكريم ، والعرم، بفتح العين وكسر الراء المثنّاة: جمع بلا واحد ، وقيل: واحدهُ عرِمَة كفرحة ، وفي الآية الكريمة فسّر بالسدّ والمطر الشديد والصعب والوادي الذي جاء السيل من قبله ، والجُرذ الذكر، وإضافة السيل إليه لأنّه نقب السدّ، فجرى السيل فخرّب البلدة والجنّات التي تحته .

(حيث بعث عليه فأرة) .

«بعث» على صيغة المعلوم ، والمستتر فيه عائد إلى اللّه ، و«فأرة» مفعوله . في بعض النسخ: «نقب» بالنون والقاف المشدّدة أو المخفّفة والباء الموحّدة ، وحينئذٍ يكون «فأرة» مرفوعاً بالفاعليّة.

و«حيث» للتعليل، والضمير المجرور للعرم إن اُريد به السدّ ، أو [إلى] السيل بحذف المضاف، أي على سدّه . وقيل : كلمة «على» حينئذٍ تعليليّة، والفأرة بالهمز: معروفة، وقد يترك همزتها تخفيفاً .

(فلم يثبت عليه أكمة) .

في القاموس: الأكمَة، محرّكة: التلّ من القُفّ من حجارة واحدة، أو هي دون الجبال، أو الموضع يكون فيها أشدّ ارتفاعاً ممّا حوله، وهو غليظ لا يبلغ أن يكون حجراً، الجمع: أكم، محرّكة وبضمّتين (2).

ووجه عدم ثباتها عليه أنّه قلعها لكمال شدّتها وقوّتها ، والغرض من بيان شدّة السيل

ص: 579


1- نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 384
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 75 (أكم)

المشبّه به بأنّه أحاط بالجبال، وذهب بالتلال، ولم يمنعه شيء أصلاً .

(ولم يردُّ سَننه رَصّ طَود) .

في القاموس: «سنن الطريق، مثلّثة وبضمّتين: نهجه وجهته» (1).

والرصّ؛ في بعض النسخ بالصاد المهملة، وهو الصنم، وإلزاق الشيء بعضه ببعض . وفي بعضها بالضاد المعجمة، وهو الدقّ والحكّ . وفي بعضها: «الرسّ» بالسين المهملة، وهو الدفن، والثبوت، ومنه الرسيس، وهو الشيء الثابت.

والبارز في «سننه» راجع [إلى السيل]، أو إلى اللّه .

في القاموس: «الطَّود: الجبل، أو عظيمهُ» (2). وقيل: في اعتبار هذه الأوصاف في المشبّه به دلالة على اعتبارها في المشبّه، وهو كذلك لأنّ الشيعة وغيرهم بعد اجتماعهم على أبي مسلم ساروا من محلّهم إلى اُمراء بني اُميّة، وهم مع كثرة عدّتهم وشدّتهم لم يقدروا على ردّهم حتّى جرى عليهم قضاء اللّه تعالى بالاستيصال (3).

وقوله : (يدغدغهم (4) اللّه في بطون أودية) إشارة إلى وصفهم بما يناسب السيل بعد وصفهم به ، و«يدغدغهم» في بعض النسخ بالذائين المعجمتين والعينين المهملتين؛ يُقال: ذعذع المالَ وغيره، إذا بدّده وفرّقه، أي يفرّقهم اللّه في السيل والأطراف متوجّهين إلى البلاد .

وفي بعضها بالدالين المهملتين والغينين المعجمتين، من الدغدغة وهي تحريك الريح الشجرة، أو كلّ تحريك شديد، أي يحرّكهم في كمال الصولة وغاية الشدّة في طرقهم المسلوكة إلى أوطان بني اُميّة ومنازلهم، وسمّاها بطون الأودية لتشبيههم بالسيل وسهولة جريهم فيها ، والجملة حال عن فاعل «يسيلون» .

(ثمّ يسلكهم ينابيع في الأرض).

في القاموس: «سَلَك المكان سَلْكاً وسُلوكاً، وسَلَكهُ غيره، وفيه، وأسلكه إيّاه، وفيه وعليه: أدخله فيه» (5).

والينابيع: جمع الينبوع، وهو عين الماء، أو الجدول الكثير الماء ، وهذه الفقرة مقتبسة من

ص: 580


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 237 (سنن)
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 310 (طود)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 384
4- في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقاً: «يذعذعهم»
5- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 307 (سلك)

قوله تعالى : «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ» (1) الآية .

وقال البيضاوي : « «فَسَلَكَهُ» : فأدخله ، «يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ» ، هي عيون وبحار كائنة فيها، أو مياه نابعات فيها؛ إذ الينبوع جاء للمنبع وللنابع، فنصبها على المصدر، (2) أو الحال» (3).

وقال ابن أبي الحديد في شرح كلامه عليه السلام :

أي كما أنّ اللّه تعالى يُنزل الماء من السماء، فيستكنّ في أعماق الأرض، ثمّ يظهره ينابيع إلى ظاهرها، كذلك هؤلاء [القوم ]يفرّقهم اللّه في بطون الأودية وغوامض الأغوار، ثمّ يظهرهم بعد الاختفاء (4).

وقال بعض الفضلاء :

الأظهر أنّه بيان لاستيلائهم على البلاد، وتفرّقهم فيها، وظهورهم في كلّ البلاد، وتيسير أعوانهم من سائر العباد، فكما أنّ مياه الأنهار ووفورها توجب وفور مياه العيون والآبار ، فكذلك أثر هؤلاء يظهر في كلّ البلاد، وتكثر أعوانهم في جميع الأقطار، وكلّ ذلك ترشيح لما سبق من التشبيه (5).

(يأخذ بهم) أي يأخذ اللّه بهؤلاء المتشتّتة المجتمعة (من قوم) أي من بني اُميّة .

(حقوق قوم) مظلومين، وهم أهل البيت عليهم السلام وأتباعهم ، والمراد بأخذ الحقوق الانتقام من أعدائهم، وإن لم يصل إليهم جميع حقوقهم .

(ويمكِّن بهم): بهؤلاء المجتمعة لاستيصال بني اُميّة .

(قوماً في ديار قوم) .

الظاهر أنّ القوم الأوّل بنو عبّاس، والثاني بنو اُميّة . وقيل : أي يمكّنهم في ديار بني اُميّة بناءً على أنّ نصب «قوماً» من باب التجريد للمبالغة في كثرتهم حتّى أنّهم بلغوا فيها حدّاً يصلح أن ينتزع منهم مثلهم، كما قالوا في مثل: «لقيت بزيد أسداً» (6).

وفي بعض النسخ: «ويمكّن من قوم لديار قوم»، ولعلّ كلمة «من» للصلة، أو للتبعيض، أو زائدة .

ص: 581


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 384
2- الزمر(39): 21
3- في المصدر: «الظرف»
4- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 63
5- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج 9 ، ص 284
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 145

وفي النهج: «ويمكّن لقوم في ديار قوم» ، ومآل الجميع واحد .

(تشريداً لبني اُميّة) .

الظاهر أنّه مفعول له لقوله: «سيجمع»، وكونه تعليلاً ل «يمكّن» أو لهما على سبيل التنازع بعيد .

قال الجوهري : «التشريد: الطرد، ومنه: «فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ» ، (1) أي فرّق وبدّد جمعهم» (2)

(ولكيلا يغتصبوا ما غصبوا) .

الغصب: أخذ الشيء ظلماً ، والاغتصاب مثله ، ولعلّ المراد أنّ الغرض من تمكين هؤلاء أو جمعهم إنّما هو تشريد بني اُميّة، ودفع ظلمهم من غصب حقوق آل محمّد عليهم السلام وشيعتهم .

(يُضعضع اللّه بهم) أي بهؤلاء .

(ركناً) . لعلّ المراد به الركن العظيم، الذي هو أساس دولة بني اُميّة ، والتنوين للتعظيم .

قال الجوهري : «ضَعْضَعَهُ، أي هَدَمَهُ حتّى الأرض. وتضعضعت أركانه، أي اتّضعت، وضعضعه الدهر فتضعضع، أي خضع وذلّ» (3).

(وينقض بهم طيّ الجنادل من إرم) .

في بعض النسخ: «على» بدل «طيّ» .

قال الجوهري : «الجَنْدَل: الحجارة، والجَنَدِل بفتح النون وكسر الدال: الموضع فيه حجارة» (4).

وقال: «الإرَمُ: حجارة تنصب عَلماً في المفازة، والجمع: آرام، واُرُوم» (5).

وفي القاموس:

اُرَّم، كركّع: الحجارة، والحصى. والآرام: أعلام، أو خاصّ بعاد، الواحد: إرَم، كعنب وكتف، وكعنب وسحاب: والد عادٍ الاُولى، أو الأخيرة، أو اسم بلدتهم، أو اُمّهم، أو قبيلتهم ، و «إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ» : (6) دمشق، أو الإسكندريّة، أو موضع بفارس . انتهى (7) أي ينقض اللّه بهم، ويكسر البنيان والأعلام التي طويت وبنيت على الأحجار من بلاد إرم ، والظاهر أنّ المراد بها هنا دمشق والشام؛ إذ مقرّهم تلك البلاد في غالب الأوقات .

ص: 582


1- .الأنفال(8): 57
2- الصحاح ، ج 2 ، ص 494 (شرد)
3- الصحاح ، ج 3 ، ص 1250 (ضعضع)
4- الصحاح ، ج 4 ، ص 1654 (جندل)
5- الصحاح ، ج 5 ، ص 1859 (أرم)
6- .الفجر(89): 7
7- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 74 (أرم)

وقال بعض الشارحين :

إرم، كعنب: دمشق ، وأيضاً أحجار يرفع بعضها على بعض علماً للطريق ونحوه؛ كلمة «من» على الأوّل متعلّقة ب «ينقض»، أي ينقض من دمشق طيّ الأحجار أو الأحجار المطويّة ، وعلى الثاني متعلّقة به، أو بالطيّ، والنقض على التقديرين كناية عن تخريب الآثار والديار (1).

(ويملأ منهم بُطنان الزيتون) .

بطنان الشيء، بفتح الباء: وسطه، وبضمّها: جمع بطن، وهو خلاف الظهر، والمطمئنّ من الأرض، والغامض منها .

والزيتون: جبال الشام، أو مسجد دمشق . وعلى أيّ تقدير المراد أوساط الشام ودواخله ، والغرض من هذه الفقرة وسابقها بيان استيلاء هؤلاء المجتمعين لاستيصال بني اُميّة، وغلبتهم عليهم في وسط ديارهم، والظفر بهم في بحبوحة قرارهم، وأنّه لا ينفعهم بناء، ولا حصن للتحرّز عنهم .

(فو الذي فلق الحبّة) فأخرج منها أنواع النبات (وبرأ النسمة) أي خلق أصناف ذوي الحياة .

قال الفيروزآبادي : «النسمة، محرّكة: نفس الروح، وأيضاً الإنسان» (2).

وقوله : (ليكوننّ ذلك) ؛ بفتح اللام جواب القسم، و«ذلك» إشارة إلى جميع ما أخبر به سابقاً .

(وكأنّي أسمع صَهيل خيلهم) .

في القاموس: «الصَّهيل، كأمير: صوت الفرس» (3).

(وطمطمة رجالهم) .

قال الجزري: «في صفة قريش: ليس فيهم طُمْطمانية حِمْيَر؛ شبّه كلام حمير لما فيه من الألفاظ المنكرة بكلام العجم ؛ يُقال: رجل أعجم طمطميّ» (4).

وقال الجوهري : «رجل طمطم _ بالكسر _ أي في لسانه عجمة لا يفصح ، وطُمطُماني _ بالضمّ _ مثله» (5).

وأقول : إنّما سُمّي عليه السلام تكلّمهم طمطمة لكون لغات أكثرهم عجميّة منكرة عند العرب،

ص: 583


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 385
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 180 (سنم)
3- اُنظر: القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 4 (صهل)
4- النهاية ، ج 3 ، ص 139 (طمطم)
5- الصحاح ، ج 5 ، ص 1976 (طمطم)

سيما لغات أهل خراسان . وقيل : نزل عليه السلام علمه بالصَّهيل والطمطمة بمنزلة سماعهما، أو جعل زمانهما المستقبل حاضراً فأخبر بسماعهما (1).

ولا يبعد أن يقرأ «رُجّال» بضمّ الراء وتشديد الجيم، وهو جمع راجل، خلاف الفارس .

(وايمُ اللّه ليذوبنّ ما في أيديهم) من الدولة والسلطنة . قال الجوهري :

أَيمُنُ اللّه ، اسم وضع للقسم، هكذا أيضاً [بضمّ] الميم والنون، وألفه ألف وصل عند أكثر النحويّين، ولو لم يجئ في الأسماء ألف الوصل مفتوحة غيرها إلّا هذا، وربّما حذفوا منه النون، فقالوا: أيم اللّه ، وإيمُ اللّه أيضاً بكسر الهمزة (2).

وقال : «ذاب الشيء يذوب ذوباً وذَوَباناً: نقيض جمد» (3).

(بعد العلوّ والتمكين) أي علوّ بني اُميّة وتمكينهم .

(في البلاد) . فيه إيماء إلى كمال قوّة أعدائهم .

(كما تذوب الألية على النار) .

قال الجوهري : «الألية، بالفتح: ألية الشاة، ولا تقل: إليَة ولا لِيَة»(4).

وقد شبّه عليه السلام ذهاب ما في أيديهم بذوبان الألية في النار ، ويفهم منه تشبيه عدوّهم بالنار .

(من مات منهم) أي من بني اُميّة .

(مات ضالّاً) خارجاً عن سبيل الحقّ .

(وإلى اللّه يُفضي) ؛ على بناء الفاعل، والجارّ متعلّق بما بعده .

الإفضاء: الوصول والبلوغ . وفي بعض النسخ: «يقضي» بالقاف، وهو من القضاء بمعنى الحكم، أو المحاكمة، أو بمعنى الفراغ كما في قولهم : «قضيت حاجتي» ، وبمعنى الأداء كما في قولك : «قضيتُ ديني» ، أو بمعنى الإنهاء والإبلاغ، كما قيل في قوله تعالى : «وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ» (5) أي أنهيناه إليه وأبلغناه ، ويُقال : قضى فلان، أي مات ومضي والفعل في بعض هذه التقادير على بناء المعلوم، وفي بعضها على بناء المجهول، وعليك بالتأمّل الصادق .

ص: 584


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 385
2- الصحاح ، ج 6 ، ص 2222 (أيم)
3- الصحاح ، ج 1 ، ص 129 (ذوب)
4- الصحاح ، ج 6 ، ص 2271 (ألا)
5- .الحجر(15): 66

(منهم من درج) .

الموصول فاعل «يفضي»، و«منهم» حال عن فاعل «درج» . قال الفيروزآبادي : «درج القوم: انقرضوا . وفلان: لم يخلف نسلاً» (1).

وحاصل المعنى: من مات منهم مات ضالّاً، ومن انقرض منهم ووصل إلى عذاب اللّه فأمره إلى اللّه يعذّبه كيف يشاء . وقيل : هو من إخباره عليه السلام بالغيب؛ لأنّ بني اُميّة مع كثرتهم ليس لهم الآن نسل مشهور (2).

ويحتمل كونه من الدَّرَجان ؛ في القاموس: «دَرَج دَرُوجاً ودَرَجاناً: مشى . وفلان: مضى لسبيله». أي من يبقى منهم ويمشي على وجه الأرض، فأمره أيضاً ينتهي إلى الموت والفناء، واللّه يقضي فيه بما شاء، والإتيان بلفظ الماضي للدلالة على تحقّق وقوعه .

(ويتوب اللّه _ عزّ وجلّ _ على من تاب) منهم ومن غيرهم؛ أي يقبل ولا يؤاخذه بقبائح آبائه وقبيلته وعشيرته .

وقوله: (لعلّ اللّه _ عزّ وجلّ _ يجمع شيعتي ...) ؛ إمّا تأكيد للسابق، أو إشارة إلى اجتماع الشيعة عند ظهور صاحب الأمر عليه السلام .

وقوله : (وليس لأحد على اللّه _ عزّ ذكره _ الخيرة ...) إشارة إلى قوله تعالى : «وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللّهِ وَتَعَالى عَمَّا يُشْرِكُونَ»(3) .

«الخِيَرَة» بالكسر وكعنبة: اسم من الاختيار والتخيّر . وقيل : معنى قوله عليه السلام : «وليس لأحد» إلى آخره، أنّه ليس لأحد أن يشير بأمر على اللّه أنّ هذا خير ينبغي أن يفعله، بل له أن يختار من الاُمور ما يشاء بعلمه، وله الأمر يأمر بما يشاء في جميع الأشياء (4).

أقول : يستفاد من بعض الأخبار المرويّة عن الأئمّة الأطهار أنّ المراد بنفي الخيرة نفي الاختيار عن الرعيّة في تعيين الإمام، وسائر ما يتعلّق بأمر الدين، فلا يجوز لهم اختيار مَنْ شاؤوا ولا تحليل ما شاؤوا ولا تحريمه .

ص: 585


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 187 (درج)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 386
3- القصص(28): 68
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 147

(أيّها الناس، إنّ المنتحلين للإمامة من غير أهلها كثير) .

يقال : انتحل فلان شعر غيره ، وقول غيره، إذا ادّعاه لنفسه. و«من» بيان للمنتحلين ، والمقصود النهي عن تصديق كلّ مدّع قبل ظهور الحقّ وتبيّنه .

(ولو لم تتخاذلوا عن مُرّ الحقّ) .

يُقال : تخاذل القوم، إذا خذل بعضهم بعضاً، وترك عونه ونصرته ، وتخاذلوا، أي تدابروا، وتخاذَلَتْ رجلاهُ، أي ضعُفتا.

وإضافة المرّ إلى «الحقّ» بيانيّة ؛ أي الحقّ الذي هو مرّ، أو لاميّة؛ أي خالص الحقّ؛ فإنّه مرّ واتّباعه صعب .

وفي النهج: «عن نصر الحقّ» .

(ولم تَهنوا) أي لم تضعفوا .

(عن توهين الباطل) أي تضعيفه وتحقيره .

(لم يتشجّع عليكم من ليس مثلكم) أي منكم ، والتشجّع: تكلّف الشجاعة، وهي شدّة القلب عند البأس .

وفي بعض النسخ: «لم يتخشّع» من التخشّع، وهو تكلّف الخشوع، وكأنّه تصحيف . وفي النهج: «لم يطمع فيكم» .

وقوله : «عليكم» متعلّق بقوله: (لم يقْوَ) .

(وعلى هضم الطاعة) أي كسرها . قال الجوهري : «هضمتُ الشيء، أي كسرته ، يُقال : هضمه حقّه، إذا ظلمه وكسر حقّه، وهضمت لك طائفة من حقّي، أي تركته» (1).

(وإزوائها عن أهلها) . الضمير للطاعة .

في القاموس: «زواه زيّاً وزويّاً: نحّاه، والشيء: جمعه وقبضه» (2).

والظاهر أنّ المراد بالطاعة طاعة الإمام ، وإزوائها صدّ الناس ومنعهم منها، أو غصبها من أهلها .

(لكن تِهتم) ؛ على زنة «بِعتم» من التّيه، وهو التحيّر ؛ أي تحيّرتم عن أمركم، وضللتم بعد نبيّكم .

ص: 586


1- الصحاح ، ج 5 ، ص 2059 (هضم)
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 339 (زوي)

(كما تاهَتْ بنو إسرائيل) وتحيّروا .

(على عهد موسى عليه السلام ) ، وعبدوا العجل، ولم يتّبعوا أمر خليفته هارون عليه السلام .

وقيل : أي كما تاهوا في خارج المصر أربعين سنة يتيهون ويتحيّرون في الأرض، ليس لهم مخرج بسبب عصيانهم وتركهم الجهاد (1).

وقوله عليه السلام : (ولعمري) قسم ببقائه وحياته لترويج مضمون الخبر وتحقيق ثبوته، وإشارة إلى أنّ الضلالة في هذه الاُمّة أكثر من ضلالة بني إسرائيل، كما قال : (ليضاعفنّ عليكم ...).

المضاعفة إمّا بحسب الشدّة، أو المدّة؛ فإنّ حيرة بني إسرائيل في دينهم أربعون يوماً أو أقلّ، وفي التيه أربعون سنة بخلاف تحيّر هذه الاُمّة في دينهم؛ فإنّه مستمرّ إلى الآن .

ثمّ إنّه عليه السلام أشار إلى أنّ لهذه الاُمّة بليّة وفتنة اُخرى بعد ما ذكر من فتنة بني اُميّة بقوله : (ولعمري أن لو قد استكملتم) أي أتممتم .

(من بعدي [مدّة] سلطان بني اُميّة) أي مدّة غلبتهم وشوكتهم، وهي إحدى وتسعون سنة .

(لقد اجتمعتم على سلطان الداعي إلى الضلالة) ؛ هو عبد اللّه بن محمّد بن عليّ بن عبد اللّه بن عبّاس، الملقّب بالسفّاح، وكنيته أبو العبّاس أوّل خلفاء بني العبّاس ، ومدّة سلطنتهم خمسمائة وثلاثة وعشرون سنة وشهران وثلاثة وعشرون يوماً .

(وأحييتم الباطل) بترويجه وتشهيره مرّة اُخرى . وفي بعض النسخ: «وأجبتم» من الإجابة .

(وخلّفتم الحقّ) إلى قوله عليه السلام : (من أبناء الحرب لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ) .

قيل : اُريد بالحقّ الإمام المنصوب من قبله تعالى ومتابعته، أو دينه أيضاً، والظاهر أنّ «من» في الموضعين بيان للأدنى والأبعد، أو حال عنهما ، وأنّ المراد بالأدنى ذاته المقدّسة وأولاده المطهّرة؛ يعني الأدنين إلى الرسول صلى الله عليه و آله نسباً، الناصرين له في غزوة بدر، وهي أعزّ غزوات الإسلام ، وبالأبعد عمّه العبّاس وولده ؛ لأنّه عليه السلام أقرب إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله من حيث الإيمان به والنصرة له في المواطن كلّها سيّما في غزوة بدر من عبّاس، وهو من أبناء الحرب لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وكان من اُسرائها(2).

أو اُريد بأبناء الحرب ما يعمّ المعاوية وأتباعه وأضرابه من بني اُميّة وبني مروان أيضاً؛

ص: 587


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 148
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 387

فإنّ خطابه عليه السلام للاُمّة مطلقاً . والمعنى: قطعتموني، وتركتم الأئمّة من ذرّيّتي، ووصلتم أبناء الحرب وأولادهم، وأقررتم بخلافتهم وخلافة أتباعهم الفسقة . والظاهر أنّ إطلاق «أبناء الحرب» عليهم من قبيل الاستعارة، كما ذكرنا سابقاً في أبناء الدنيا .

(ولعمري أن لو قد ذاب ما في أيديهم) أي لو ذهب وانقطع ملك بني العبّاس، واحترق بما أوقده هلاكو من نار الحرب .

(لَدنا التمحيص للجزاء) .

قيل : أي لقرب ابتلاء هؤلاء بغيرهم من أرباب الملل الباطلة كلّهم؛ لجزائهم بما كانوا يعملون (1).

وقيل : دنوّ التمحيص قرب قيام القائم عليه السلام ، أي يُبتلى الناس، ويختبرون بقيامه عليه السلام ليجزي الكافرين، ويعذّبهم في الدنيا قبل نزول عذاب الآخرة بهم ، ويمكن أن يكون المراد قرب تمحيص جميع الخلق لجزائهم في الآخرة، إن خيراً فخيراً، وإن شرّاً فشرّاً (2).

(وقرب الوعد) أي وعد الفرج بظهور المهدي عليه السلام .

(وانقضت المدّة) أي قرب انقضاء مدّة أهل الباطل .

وقيل : المدّة المقرّرة لغيبته عليه السلام ؛ يعني أكثرها أو بعضها ، وقد أخبر عليه السلام بأنّه لابدّ من وقوع هذه الاُمور قبل ظهور المهدي عليه السلام ، ثمّ أخبر بقرب زمان ظهوره بناءً على أنّ كلّ ما هو آتٍ فهو قريب، ولم يقل: إنّ ظهوره مقارن لانقضاء هذه الاُمور، بل له علامات اُخر كما سيأتي في الأخبار المتفرّقة (3).

(وبدا لكم النجم ذو الذنب) ؛ كأنّ المراد به الصاحب عليه السلام ، وتعبيره بالنجم لاهتداء الخلق به، ووصفه بذي الذنب لامتداد زمان دولته، أو كثرة أعوانه وأنصاره وأتباعه ، أو لأنّه بلاءٌ على أعدائه وهم يتشأمّون به ، وكذا ما سيأتي من قوله : «القمر المنير» و«طالع المشرق» .

وقيل : بدؤ النجم ذي الذنب على اُمّة اُخرى لظهوره عليه السلام . وقيل : يحتمل أن يكون إشارة

ص: 588


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 387
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 149
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 387

إلى ذات ذنب ظهرت (1) في سنة تسع وثلاثين وثمانمائة هجريّة ، والشمس في أوائل الميزان بقرب الإكليل الشمالي كانت تطلع وتغيب معه لا تفارقه، ثمّ بعد مدّة ظهر أنّ لها حركة خاصّة بطيئة فيما بين المغرب والشمال، وكانت يصغر جرمها، ويضعف ضوؤها بالتدريج حتّى انمحت بعد ثمانية أشهر تقريباً، وقد بعدت عن الإكليل في الجهة المذكورة قدر رمح ، لكن قوله عليه السلام : (من قبل المشرق) يأبى عنه إلّا بتكلّف.

وقد ظهر في عصرنا سنة خمس وسبعين وألف ذو ذؤابة فيما بين القبلة والمشرق، ومكث أشهراً، ثمّ غاب، ثمّ ظهر أوّل الليل في جانب المشرق، وقد ضعف، ثمّ بعد أيّام انمحى، وكانت له حركة على التوالي لا على نظام معلوم ، وتطبيق ما في الخبر يحتاج إلى تكلّف آخر أيضاً (2).

وقيل : يحتمل بعيداً أن يُراد بهذا النجم الأجل، أو الوقت المضروب، فيكون إشارة إلى خروج الدجّال، أو يأجوج ومأجوج وأتباعهما (3).

(ولاح) أي بدا وتلألأ .

(لكم القمر المنير) . لعلّ المراد به ظهوره عليه السلام ، كما أشرنا إليه سابقاً . وقيل : يحتمل أن يكون المراد ظهور قمر آخر، أو شيء يشبه بالقمر (4).

وقيل : يمكن أن يُراد به نزول عيسى عليه السلام (5). (فإذا كان ذلك فراجعوا التوبة)؛ لتضييق وقتها. والمراجعة: المعاودة.

ولعلّ المراد بقوله عليه السلام : (طالع المشرق) القائم عليه السلام كما مرّ، وشبّهه بالشمس أو بالقمر باعتبار النور والظهور والاستيلاء على أطراف الآفاق، ورفع حجب ظلم الجهالات ، واستعار له لفظ الطالع ورشّحه بذكر المشرق ، ويحتمل أن يكون المراد بالمشرق مكّة؛ إذ هي شرقيّة بالنسبة إلى المدينة .

وقال الفاضل الإسترآبادي :

يحتمل أن يكون المراد به المهدي عليه السلام الموعود . لا يقال: طلوعه من مكّة، وهي وسط

ص: 589


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 387
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 387
3- في النسخة: «ظهر»، وهو سهو
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 149 و150
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 150

الأرض، لأنّا نقول: اجتماع العساكر الكثيرة على المهدي عليه السلام وتوجّهه إلى فتح البلاد إنّما يكون من الكوفة، وهي شرق الحرمين وكثير من بلاد الإسلام (1).

وقوله : (سلك بكم مناهج الرسول صلى الله عليه و آله ) جواب «إن اتّبعتم»، والباء للتعدية . وفي بعض النسخ : «منهاج» كما في النهج .

(فتداويتم من العمى والصمم والبكم) أي يشفي اللّه تعالى ببركته عليه السلام إيّاكم من تلك الأمراض، ويفيض بمتابعته عليكم نور الحقّ واليقين، ويبثّه على جوارحكم، فتبصرون الحقّ، وتسمعونه بسمع القبول، وتنطقون به، وتروّجونه .

قال الفيروزآبادي : «الصمم، محرّكة: انسداد الاُذن، وثقل السمع» (2). وقال : «البكم، محرّكة: الخرس» (3).

(وكُفيتم مؤونة الطلب والتعسّف) عطف على الطلب، أو على المؤونة، و«كفيتم» على بناء المجهول، والمراد بالتعسّف التحيّر والكدّ والاجتهاد في تحصيل المعاش ؛ وذلك لنزول بركات السماء، وخروج دفائن الأرض، وظهور كنوزها، فيعطى كلّ أحد ما يكفيه، ولا يحتاج معه إلى الطلب .

قال في القاموس: «عسف عن الطريق: مال، وعدل، كتعسّف، أو خبطه على غير هداية . والسلطان: ظلم. وفلاناً: استخدمه» (4).

وقيل : التعسّف هنا الظلم؛ أي لا يحتاجون في زمانه عليه السلام إلى طلب الرزق والظلم على الناس لأخذ أموالهم .

(ونبذتم الثقل الفادح عن الأعناق) .

«الفادح»: الأمر المُثقل الصعب ، وفوادح الدهر: خطوبه . والثِّقل، بالكسر: واحد الأثقال، وهي الأحمال الثقيلة والذنوب ، فوصفه بالفادح من قبيل: ليلٌ أليَلُ، يعني طرحتم عن أعناقكم أثقال مظالم العباد وديونهم، أو طاعة أهل الجور وظلمهم واستخدامهم أو نوائب الدهر مطلقاً .

ص: 590


1- نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 387
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 140 (صمم)
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 81 (بكم)
4- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 175 (عسف) مع التلخيص

(ولا يبعد اللّه ) من رحمته في ذلك الزمان، أو مطلقاً .

(إلّا من أبى) عن طاعة اللّه تعالى، أو طاعة القائم عليه السلام (وظلم) على نفسه بالمعصية، أو على غيره، أو على إمامه بالمخالفة .

(واعتسف) أي أخذ بغير الطريق .

(وأخذ ما ليس له) من أمر الولاية وسائر الحقوق .

وهذا الكلام يحتمل الخبر والدعاء .

«وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا» ؛ مطلقاً، خصوصاً على الأنبياء والأوصياء .

«أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ» (1). عند انقلابهم ورجوعهم إلى اللّه عزّ وجلّ، وفيه وعيد عظيم لأهل الظلم .

وقيل : احتمال أنّهم سيعلمون بعده عليه السلام سوء منقلبهم في دولة بني اُميّة وغيرهم من القتل والنهب والذلّ والصغار بعيد (2).

متن الحديث الثالث والعشرين (خُطْبَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام )

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ وَيَعْقُوبَ السَّرَّاجِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام :«أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام لَمَّا بُويِعَ بَعْدَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ، صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي عَلَا فَاسْتَعْلى، وَدَنَا فَتَعَالى، وَارْتَفَعَ فَوْقَ كُلِّ مَنْظَرٍ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَا اللّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيك لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ (3) خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَحُجَّةُ اللّهِ عَلَى الْعَالَمِينَ، مُصَدِّقاً لِلرُّسُلِ الْأَوَّلِينَ، وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفاً رَحِيماً، فَصَلَّى اللّهُ وَمَلَائِكَتُهُ عَلَيْهِ وَعَلى آلِهِ.

أَمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنَّ الْبَغْيَ يَقُودُ أَصْحَابَهُ إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ بَغى عَلَى اللّهِ _ جَلَّ ذِكْرُهُ _ عَنَاقُ بِنْتُ آدَمَ، وَأَوَّلَ قَتِيلٍ قَتَلَهُ اللّهُ عَنَاقُ، وَكَانَ مَجْلِسُهَا جَرِيباً [ مِنَ الْأَرْضِ ]فِي جَرِيبٍ، وَكَانَ لَهَا عِشْرُونَ إِصْبَعاً فِي كُلِّ إِصْبَعٍ ظُفُرَانِ مِثْلُ الْمِنْجَلَيْنِ، فَسَلَّطَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ عَلَيْهَا أَسَداً كَالْفِيلِ، وَذِئْباً

ص: 591


1- .الشعراء(26): 227
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 388
3- .في الحاشية عن بعض النسخ: «ورسول اللّه»

كَالْبَعِيرِ، وَنَسْراً مِثْلَ الْبَغْلِ، فَقَتَلُوهَا، وَقَدْ قَتَلَ اللّهُ الْجَبَابِرَةَ عَلى أَفْضَلِ أَحْوَالِهِمْ، وَآمَنِ مَا كَانُوا، وَأَمَاتَ هَامَانَ، وَأَهْلَكَ فِرْعَوْنَ، وَقَدْ قُتِلَ عُثْمَانُ، أَلَا وَإِنَّ بَلِيَّتَكُمْ قَدْ عَادَتْ كَهَيْئَتِهَا يَوْمَ بَعَثَ اللّهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله ، وَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَتُبَلْبَلُنَّ بَلْبَلَةً، وَلَتُغَرْبَلُنَّ غَرْبَلَةً، وَلَتُسَاطُنَّ سَوْطَةَ الْقِدْرِ حَتّى يَعُودَ أَسْفَلُكُمْ أَعْلَاكُمْ، وَأَعْلَاكُمْ أَسْفَلَكُمْ، وَلَيَسْبِقَنَّ سَابِقُونَ (1)

كَانُوا قَصَّرُوا، وَلَيُقَصِّرَنَّ سَابِقُونَ (2) كَانُوا سَبَقُوا، وَاللّهِ مَا كَتَمْتُ وَشْمَةً، وَلَا كَذَبْتُ كَذِبَةً، وَلَقَدْ نُبِّئْتُ بِهذَا الْمَقَامِ وَهذَا الْيَوْمِ.

أَلَا وَإِنَّ الْخَطَايَا خَيْلٌ شُمُسٌ حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا، وَخُلِعَتْ لُجُمُهَا، فَتَقَحَّمَتْ بِهِمْ فِي النَّارِ؛ أَلَا وَإِنَّ التَّقْوى مَطَايَا ذُلُلٌ حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا، وَأُعْطُوا أَزِمَّتَهَا، فَأَوْرَدَتْهُمُ الْجَنَّةَ، وَفُتِحَتْ لَهُمْ أَبْوَابُهَا، وَوَجَدُوا رِيحَهَا وَطِيبَهَا، وَقِيلَ لَهُمْ: «ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ» (3)

أَلَا وَقَدْ سَبَقَنِي إِلى هذَا الْأَمْرِ مَنْ لَمْ أُشْرِكْهُ فِيهِ، وَمَنْ لَمْ أَهَبْهُ لَهُ، وَمَنْ لَيْسَتْ لَهُ مِنْهُ ثَوِيَّةٌ (4) إِلَا بِنَبِيٍّ يُبْعَثُ، أَلَا وَلَا نَبِيَّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله أَشْرَفَ مِنْهُ، «عَلى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ» (5) حَقٌّ وَبَاطِلٌ، وَلِكُلٍّ أَهْلٌ؛ فَلَئِنْ أَمِرَ الْبَاطِلُ لَقَدِيماً فَعَلَ، وَلَئِنْ قَلَّ الْحَقُّ فَلَرُبَّمَا وَلَعَلَّ، وَلَقَلَّمَا أَدْبَرَ شَيْءٌ فَأَقْبَلَ، وَلَئِنْ رُدَّ عَلَيْكُمْ أَمْرُكُمْ أَنَّكُمْ سُعَدَاءُ (6) ، وَمَا عَلَيَّ إِلَا الْجُهْدُ، وَإِنِّي لاَ?خْشى أَنْ تَكُونُوا عَلى فَتْرَةٍ مِلْتُمْ عَنِّي مَيْلَةً كُنْتُمْ فِيهَا عِنْدِي غَيْرَ مَحْمُودِ (7) الرَّأْيِ، وَلَوْ أَشَاءُ لَقُلْتُ: عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَفَ سَبَقَ فِيهِ الرَّجُلَانِ، وَقَامَ الثَّالِثُ كَالْغُرَابِ هَمُّهُ (8) بَطْنُهُ، وَيْلَهُ لَوْ قُصَّ جَنَاحَاهُ وَقُطِعَ رَأْسُهُ كَانَ خَيْراً لَهُ، شُغِلَ عَنِ الْجَنَّةِ وَالنَّارُ أَمَامَهُ، ثَلَاثَةٌ وَاثْنَانِ، خَمْسَةٌ لَيْسَ لَهُمْ سَادِسٌ، مَلَكٌ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ، وَنَبِيٌّ أَخَذَ اللّهُ بِضَبْعَيْهِ، وَسَاعٍ مُجْتَهِدٌ، وَطَالِبٌ يَرْجُو، وَمُقَصِّرٌ فِي النَّارِ، الْيَمِينُ وَالشِّمَالُ مَضَلَّةٌ، وَالطَّرِيقُ الْوُسْطى هِيَ الْجَادَّةُ، عَلَيْهَا بَاقِي 9 الْكِتَابُ وَآثَارُ النُّبُوَّةِ، هَلَكَ مَنِ ادَّعى، وَخَابَ مَنِ افْتَرى، إِنَّ اللّهَ أَدَّبَ هذِهِ الْأُمَّةَ بِالسَّيْفِ وَالسَّوْطِ، وَلَيْسَ لأحَدٍ عِنْدَ الْاءِمَامِ فِيهِمَا هَوَادَةٌ، فَاسْتَتِرُوا فِي بُيُوتِكُمْ، وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ، وَالتَّوْبَةُ مِنْ وَرَائِكُمْ، مَنْ أَبْدى صَفْحَتَهُ لِلْحَقِّ هَلَكَ».

ص: 592


1- في الحاشية عن بعض النسخ: «سبّاقون»
2- الحجر(15): 46
3- في الطبعة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها والوافي ومرآة العقول: «نَوبة». وفي الطبعة القديمة: «توبة»
4- التوبة(9): 109
5- .في الحاشية عن بعض النسخ: «لسعداء»
6- في الطبعتين وبعض نسخ الكافي: «محمودي»
7- في الحاشية عن بعض النسخ: «همّته»
8- في الحاشية عن بعض النسخ: «باغي _ ما في». وفي الطبعة القديمة: «يأتي»
شرح الحديث

السند حسن .

قوله : (علا فاستعلى) (1). في القاموس: «علاه واستعلاه ؛ صعِد» (2) ويظهر من كلام غيره من أرباب اللغة أنّهما مترادفان .

وقيل : الاستعلاء مبالغة في العلوّ، أي علا عن كلّ شيء بالرتبة والشرف، فاستعلى عن التشبّه بصفات المخلوقات ، أو أن يكون شيء فوقه، أو أن يصل إلى كنه ذاته العقول ، أو معناه أنّه تعالى كان له العلوّ بحسب الذات والصفات، فأراد أن يظهره بإيجاد المكوّنات، أو طلب وأمر أن يقرّ العباد بعلوّ شأنه وسموّ مكانه، ويعبدوه ويتواضعوا له . وعلى الأخيرين يكون الاستفعال للطلب الإرادي والتكليفي (3).

(ودنا فتعالى) .

الدنوّ: القرب ، والتعالي: الارتفاع ؛ أي قرب من كلّ شيء بالعلم والقدرة، فتعالى عن القرب المكاني وسائر وجوه مشابهة الإمكاني؛ إذ لا يمكن للمكاني الدنوّ من كلّ شيء، وهذا الدنوّ عين علوّه وارتفاعه، فليس دنوّه منافياً لعلوّه، بل مؤكّد له ومؤيّد إيّاه .

والتفريع يُشعر بأنّ هذا الدنوّ سبب لتعاليه عمّا ذكر؛ لاستحالة أن يكون المشابه بالخلق، والمتحيّز في الحيّز قريباً من كلّ شيء في آنٍ واحد . وقيل : يحتمل في الفقرتين أن يكون الفاء بمعنى الواو ؛ أي علا وكثر علاؤه، ودنا فتعالى (4) أن يكون دنوّه كدنوّ المخلوقين (5)

(وارتفع فوق كلّ منظر) .

المنظر: مصدر ميميّ بمعنى النظر، أو الموقع المرتفع، أو ما ينظر إليه .

قيل : المراد أنّه تعالى ارتفع عن كلّ محلّ يمكن أن ينظر إليه، أي ليس بمرئي ولا مكاني، أو ارتفع عن كلّ نظر، فلا يمكن لبصر الخلق النظر إليه ، أو ارتفع عن محالّ النظر والفكر، فلا يحصل في وهم ولا خيال ولا عقل .

ص: 593


1- في الحاشية: «العلوّ: بلند شدن وغالب گشتن وبزرگوار شدن وبه زور پيروز شدن. الاستعلاء: مثل العلوّ. تاج اللغة»
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 365 (علو)
3- راجع: مرآة العقول ، ج 25 ، ص 151
4- في الحاشية عن بعض النسخ: «و تعالى»
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 151

ويحتمل معنى دقيقاً بأن يكون المراد بالارتفاع فوقه الكون عليه والتمكّن فيه مجازاً ؛ أي ظهر لك في كلّ ما نظرت إليه بقدرته وصنعه وحكمته(1).

وقيل : يحتمل أن يكون المراد أنّه تعالى ارتفع فوق كلّ سبب، والسبب منظر مجازاً؛ إذ السبب ينظر إليه (2).

وقوله : (خاتم النبيّين) أي آخرهم .

قال الجوهري : «الخاتم، بفتح التاء وكسرها بمعنى» (3).

وقوله : (فإنّ البغي يقود أصحابه إلى النار) . الضمير راجع إلى «البغي» .

في القاموس: «بَغَى عليه يَبغي بَغياً: علا، وظلم، وعدل عن الحقّ، وكذب، واستطال، وفي مشيه: اختال، وأسرع» (4).

(وإنّ أوّل من بغى على اللّه _ جلّ ذكره _ عَناق بنت آدم) .

«عناق» بالفتح، وكأنّها كانت قبل قابيل. أو يراد بالغيّ الزنا .

(وأوّل قتيل قتله اللّه ) أي أهلكه بالعذاب (عَناق)؛ لفجورها أو ظلمها .

(وكان مجلسها جريباً في جريب) .

في بعض النسخ: «جريباً من الأرض» . وفي تفسير عليّ بن إبراهيم : «وكان مجلسها في الأرض موضع جريب» (5). وفي المغرب : «الجريب من الأرض: ستّون ذراعاً» (6).

(وكان لها عشرون إصبعاً) .

قيل : الظاهر أنّ هذه الأصابع ليديها لا لمجموع يديها ورجليها، كما هو المعروف من نوع الإنسان ، وإن كان محتملاً (7).

وفي معارج النبوّة : «كان طول كلّ إصبع ثلاثة أذرع، وعرضه ذراعين بذراع أزيد من ذراع عامّة الخلائق بقبضه ، والقبضة أربع أصابع» (8).

ص: 594


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 151 و152
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 389
3- الصحاح ، ج 5 ، ص 1908 (ختم)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 304 (بغي)
5- تفسير القمّي ، ج 2 ، ص 134
6- المغرب ، ص 78 (جرب)
7- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 389
8- راجع: شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 389

(في كلّ إصبع ظُفُران مثل المنجلين) ؛ أحدهما في الظاهر، والآخر في الباطن، أو كلاهما في الظاهر أحدهما فوق الآخر .

والظفر، بالضمّ وبضمّتين، وبالكسر شاذّ: يكون للإنسان وغيره . والمِنْجَل بالكسر: حديدة يحصد بها الزرع .

وقوله: (ونسراً مثل البغل). في القاموس: «النسر: طائر؛ لأنّه ينتسر الشيء ويقتلعه» (1).

وقيل : طائر معروف له قوّة في الصيد، لا مخلب له، وإنّما له ظفر كظفر الدجاجة .

(وقد قتل اللّه الجبابرة) جمع جبّار ، وهو كلّ عاتٍ ، والقتّال في غير حقّ، والمتكبّر الذي لا يرى لأحدٍ عليه حقّاً .

(على أفضل أحوالهم، وآمن ما كانوا) عليه من القوّة والقدرة والرفاهيّة والنعمة وطيب العيش والشوكة والغلبة والمال والخدم، ولم ينفعهم شيء من ذلك، ولم يدفع عنهم العذاب .

(وأمات هامان، وأهلك فرعون) .

كأنّه عليه السلام أراد بالأوّل الأوّل، وبالثاني من يليه بقرينة قوله بعدهما : (وقد قتل عثمان) . «قتل» على بناء المعلوم، وبناء المجهول احتمال بعيد ، وإنّما قتلهم وأهلكهم لبغيهم في الدين وفسادهم في أمر إمام المسلمين وشيعته المؤمنين .

(ألا وإنّ بليّتكم) أي اختباركم وامتحانكم . والبليّة الاسم من الابتلاء .

(قد عادت كهيئتها يوم بعث اللّه نبيّه صلى الله عليه و آله ) .

في القاموس: «الهيئة، ويكسر: حال الشيء وكيفيّته» ؛ (2) يعني أنّ حالهم عند قيامه عليه السلام بالخلافة الظاهريّة، أو بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه و آله مطلقاً، كما كان الناس عليه حال بعثته صلى الله عليه و آله في كونهم في الضلالة والبليّة والشبهة الشيطانيّة يلقاها على الأذهان القابلة لوسوسته واختلاف الآراء والأهواء .

وقيل : فيه تنبيه على أنّهم ارتدّوا بعد النبيّ صلى الله عليه و آله ، ولم يكونوا من أهل الدين والتقوى (3).

أقول : لا شكّ في ارتداد أكثرهم، ولكن في التنبيه نظر.

ص: 595


1- راجع: القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 141 (نسر)
2- .القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 35 (هيأ)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 390

(والذي بعثه بالحقّ لتبلبلنّ بلبلة) .

قيل : هذا إشارة إلى أنّهم كما عادت بليّتهم بعد النبيّ صلى الله عليه و آله كذلك تعود بعده (1) فتأمّل .

قال الفيروزآبادي : «البلبلة والبلابل: اختلاط الألسنة، وتفريق الآراء، وشدّة الهمّ والوساوس» (2).

وقال بعض الشارحين : البلبلة : «البليّة أيضاً ؛ أي لتخلّطُنّ اختلاطاً في ألسنتكم، أو لتفرّقنّ افتراقاً في آرائكم، أو لتُبتَلُنَّ ببليّةٍ شديدة، وتحرّكن بالشدائد» (3).

وقال ابن ميثم : «هي إشارة إلى ما يُوقع بهم بنو اُميّة وأضرابهم من اُمراء الجور من الفتن المزعجة والبلايا المتراكمة، وخلط بعضهم ببعض، وخفض أكابرهم، ورفع أراذلهم »(4)..

هذا كلامه، وأنت خبير بأنّ هذا التخصيص لا مخصّص له، فالصواب تعميم الامتحان والاختبار بحيث يشمل الفتن كائناً ما كان من اختلاف الأحوال واختلاط الأوضاع .

(ولتُغربلُنَّ غَربلةً) .

في القاموس: «غَرْبَلَهُ: نَخَلَهُ، وقطعه. والقوم: قتلهم، والغِربال بالكسر: ما يُنخل به» (5). قيل : الظاهر أنّها هنا مأخوذة من الغِربال، ويجوز أن تكون من قولهم: «غَربلتُ اللحم، أي قطعته» ، فعلى الأوّل الظاهر أنّ المراد تمييز جيّدهم من رديّهم، ومؤمنهم من منافقهم، وصالحهم من طالحهم بالفتن التي تعرض لهم ، كما أنّ في الغربال يتميّز اللبّ من النخالة . وقيل : المراد خلطهم؛ لأنّ غربلة الدقيق تستلزم خلط بعضه ببعض(6) .

وعلى الثاني لعلّ المراد تفريقهم وقطع بعضهم من بعض . وقال ابن ميثم : «هو كناية عن التقاط آحادهم، وقصدهم بالقتل والأذى، كما فعلوا بكثير من الصحابة والتابعين» (7). انتهى .

فعلى هذا شبّه عليه السلام ذلك بغربلة الدقيق، واستعار له لفظها .

ص: 596


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 390
2- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 337 (بلبل) مع التلخيص
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 390
4- راجع: شرح نهج البلاغة لابن ميثم ، ج 1 ، ص 296 _ 300
5- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 24 (غربل)
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 153
7- راجع: شرح نهج البلاغة لابن ميثم ، ص 297 و298

(ولتُساطنّ سَوطة القِدْر) .

قال الجوهري : «السَّوط: خلط الشيء بعضه ببعض» (1). وقال الجزري : «ساط القدر بالمسوَط، وهو خشبة يحرّك بها ما فيها ليختلط . ومنه حديث عليّ عليه السلام : لتُساطنّ سوط القِدر» (2).

وقوله : (حتّى يعود أسفلكم أعلاكم ...) كناية عن التمييز التامّ، وكشف السرائر، وظهور مكنونات الضمائر .

ويحتمل أن يكون كناية عن التزلزل والاضطراب الشديد المزعج . وقيل : يعني يصير كفّاركم مؤمنين وفجّاركم متّقين وبالعكس ، أو ذليلكم عزيزاً وعزيزكم ذليلاً ، موافقاً لبعض الاحتمالات السابقة (3).

(وليسبقنّ سابقون ...) إشارة إلى بعض نتائج تقلّب الأوضاع والأطوار، وتغيّر الأحوال .

والقصور عن الشيء: العجز عنه، وفعله كنصر ، ويُقال : قصر عن الأمر قصوراً؛ أي انتهى، وكذا التقصير. والتقصير في الأمر: التواني فيه .

وفي بعض النسخ: «سبّاقون» بدل «سابقون» في الموضعين .

وقال بعض الأفاضل الأعلام في شرح هذا الكلام :

إنّ المراد بالسبّاقين الذين كان من حقّهم السبق (كانوا قصّروا) أي تأخّروا ظلماً ، (وليقصّرنّ سبّاقون) (4). أي الذين لم يكن من حقّهم السبق (كانوا سبقوا) أي تقدّموا ظلماً وزوراً (5). انتهى .

ويحتمل أن يكون المراد بالمقصّرين الذين يسبقون قوماً قصّروا في نصرة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ثمّ أعانوا أمير المؤمنين صلى الله عليه و آله ، أو قوماً لهم سابقة في الإسلام قصّروا في نصرته عليه السلام وطاعته أوّلاً حين قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثمّ أطاعوه ونصروه ، وبالسابقين الذين يقصّرون قوماً أطاعوه في أوّل الأمر ثمّ قصّروا في طاعته وخذلوه وانحرفوا عنه كطلحة وزبير وأشباههما .

ص: 597


1- الصحاح ، ج 3 ، ص 1135 (سوط)
2- النهاية ، ج 2 ، ص 421 (سوط)
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 153 و154
4- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقاً: «سابقون»
5- .قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 44

وقيل : أراد بالأوّل كلّ من هداه اللّه إلى طاعته وامتثال أوامره ونواهيه بعد تقصيره في ذلك ، وبالثاني من كان في مبدأ الأمر مشمراً في سبيل اللّه مجتهداً في طاعته، ثمّ جذبه هواه إلى غير ما كان عليه، فاستبدل بسبقه في الدين تغييراً وانحرافاً (1).

(واللّه ما كتمتُ وشمة) هي بالشين المعجمة: الكلمة .

ويُقال أيضاً: ما أصابتنا العامّ وَشمة، أي قطرة مطر؛ أي ما أخفيت كلمة الحقّ ممّا أنبأني به رسول اللّه صلى الله عليه و آله بخصوص هذه الواقعة، أو ممّا اُمرتُ بإخباره مطلقاً .

وقيل : يمكن قراءة «كتمت» على البناء للمفعول، أي لم يكتم عنّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله شيئاً(2).

وهو بعيد .

قد مرّ هذه الخطبة في كتاب الحجّة، (3). وفيها: «وَسْمة» بالسين المهملة ، أي ما كتمت علامة تدلّ على الحقّ . وقيل : لا يخفى حينئذٍ لطف ضمّ الكتم مع الوسمة؛ إذ الكتم بالتحريك: نبت يخلط بالوسمة، والحنّاء ويُختضب به (4).

(ولا كَذَبْتُ كِذبةً) ؛ التاء للوحدة، والتنكير للتحقير .

(ولقد نُبّئتُ بهذا المقام) أي مقام الخلافة .

(وهذا اليوم) أي يوم بيعة الناس واجتماعهم عليه .

وقيل : يعني أنبأني الرسول صلى الله عليه و آله بهذه البيعة وبنقض هؤلاء بيعتي (5).

ثمّ إنّه عليه السلام نصحهم، وحذّرهم من الخطايا، ونفّرهم عنها، ورغّبهم على الطاعة والتقوى بقوله : (ألا وإنّ الخطايا) ؛ جمع خطيئة، وهي الذنب، أو ما تعمّد منه، كالخِطأ بالكسر.

والخَطأ: ما لم يتعمّد.

(خيل) أي كخيل، بحذف أداة التشبيه وحمل المشبّه به على المشبّه مبالغة .

وقوله : (شُمُسٌ ...) ترشيح للتشبيه . قال الجزري : «شُمُس: جمع شَمُوس، وهو النفور من

ص: 598


1- راجع: شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 390 و391
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 154
3- .راجع: الكافي ، ج 1 ، ص 369، باب التمحيص والامتحان، ح 1
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 154
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 154

الدواب الذي لا يستقرّ لشغبه وحدّته» (1).

وفي القاموس: «شَمَس الفرسُ شُموساً وشِماساً: منع ظهره، فهو شامِسٌ من شُمْسٍ وشُمُس»(2). وفيه: «اللجام، ككتاب: للدابّة، فارسيّ معرّب، الجمع ككتب» (3).

(فتقحّمت بهم في النار) .

في النهاية: «تقحّمت به دابّته، إذا ندّت به فلم يضبط رأسها، وربّما طوحت به في أهوية . وتقحّم الإنسان الأمر العظيم، إذا رمى نفسه فيه بلا رؤية وتثبّت» (4). انتهى .

فالباء في قوله عليه السلام : «بهم» على الأوّل للتعدية، وعلى الثاني للمصاحبة .

(ألا وإنّ التقوى) إلى قوله : (فأوردتهم الجنّة) .

قال الفيروزآبادي : «مطا في السير: جدّ وأسرع ، والمطيّة: الدابّة تمطو في سيرها، الجمع: مطايا» (5). وقال : «الذلّ، بالضمّ والكسر: ضدّ الصعوبة . ذلَّ يذلّ ذلّاً فهو ذَلول، الجمع: ذُلَل وأذِلّة» (6). وقال : «زمّه فانزمّ: شدّه، وككتاب: ما يزمّ به، الجمع: أزِمّة» (7).

وقوله عليه السلام : «اعطوا» على بناء المجهول؛ أي أعطاهم من أركبهم أزمّتها . وقيل : يحتمل أن يقرأ على صيغة المعلوم ؛ أي أعطى الراكب أزمّة المطايا إليها، فهي لكونها ذُلُلاً لا تخرج عن الطريق المستقيم إلى أن توصل ركّابها إلى المقصد (8).

وقوله : «بِسَلَامٍ» أي سالمين من العذاب، ومسلّماً عليكم.

«آمِنِينَ» من الآفة والزوال .

ثمّ إنّه عليه السلام أشار إلى أنّ من سبقه في الخلافة لا يستحقّه بوجه من الوجوه، بل هو ظالم غاصب، فقال : (ألا وقد سبقني إلى هذا الأمر) أي أمر الخلافة .

(من لم اُشركه فيه) أي في هذا الأمر .

(ومن لم أهبه له) أي لم أهَبَ له هذا الأمر، أو جُرم غصبه؛ فإنّه كان حقّه عليه السلام من اللّه ومن رسوله .

ص: 599


1- النهاية ، ج 2 ، ص 501 (شمس)
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 224 (شمس)
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 174 (لجم)
4- النهاية ، ج 4 ، ص 18 (قحم)
5- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 391 (مطو) مع التلخيص
6- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 379 (ذلل)
7- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 126 (زمم)
8- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 155

(ومن ليست له منه) أي من هذا الأمر .

(ثويّة) . في القاموس: «ثوي المكان وبه يثوي ثواءً وثُويّاً بالضمّ: أطال الإقامة به، أو نزل ، والثوى، كغنى: البيت المهيّأ للضيف ، والثوية، كغنية: مأوى الإبل عازبةً، أو حول البيوت» (1). وفي بعض النسخ: «نَوبة» بالنون والباء الموحّدة . وفي بعضها : «ثوبة» بالثاء المثلّثة والباء الموحّدة وتاء التأنيث. وفي بعضها بالضمير .

قال الفيروزآبادي : «النوبة: الفُرصة، والدولة، والجماعة من الناس، وواحدة النُّوب ، يُقال : جاءت نوبتك »(2). وقال : «ثاب ثوباً وثؤوباً: رجع» (3).

(إلّا بنبيّ يبعث) .

في بعض النسخ: «إلّا نبيّ» بدون الباء .

(ألا ولا نبيّ بعد محمّد صلى الله عليه و آله ) . لعلّ محصّل المعنى على تلك النسخ أنّه ليس له منزل ومقام، أو ثوبة وفرصة ودولة من هذا الأمر ، أو رجوع عليه، إلّا بإخبار نبيّ يُبعث، فيخبر عن اللّه أنّ له حصّة ونصيب في الخلافة، أو إلّا على فرض محال ، وهو بعث نبيّ وظهور دين وشروع جديد بعد نبيّنا، والموقوف على المحال محال.

وعلى النسخة الأخيرة يمكن أن يكون المراد ثوب هذا الأمر ولباسه، لكنّه لا يناسب تأنيث الفعل إلّا بتكليف .

وفي كثير من النسخ المصحّحة: «توبة» بالتاء المثنّاة الفوقانيّة والباء الموحّدة ، ولعلّ المراد أنّه لا يعلم قبول توبة هذا الغاصب الضالّ المُضِلّ إلّا بإخبار نبيّ يُبعث، فيخبره بقبول توبته، أو يأتي بملّة جديدة فيصدقه هذا الغاصب ودخل في ملّته، فيحبّ ذلك ما قبله .

والفاضل الإسترآبادي نقل النسخة الاُولى والثالثة وقال : «لم أجدهما مناسباً للمقام، وصوابه: ومن لَبِس ثوبهُ _ ثوب الإمامة _ ممّن سبقني أشرف على شفا جرف هارٍ» (4). ، انتهى .

(أشرف منه) . يُقال : أشرف على الشيء، أي اطّلع عليه من فوق. وكلمة «من» تعليليّة، والضمير لهذا الأمر، وكونها للابتداء محتمل .

ص: 600


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 310 (ثوي)
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 135 (نوب)
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 42 (ثأب)
4- .نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 397

«عَلى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ» (1).

قال الجوهري : «شَفا كلّ شيء: حرفه ، قال تعالى : «وَكُنْتُمْ عَلى شَفَا حُفْرَةٍ» (2). وقال :

«الجُرْف والجُرُف، مثل عُسْر وعُسُر: ما تجرّفته السؤول، وأكلته من الأرض، ومنه قوله تعالى: «وَكُنْتُمْ عَلى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ» » (3) وقال:

هار الجُرُف يَهُور هَوراً وهُؤُوراً فهو هائر ، ويقال أيضاً : جُرفٌ هار، خفضوه في موضع الرفع، وأرادوا هائر، وهو مقلوب من الثاني إلى الرباعي، كما قلبوا: «شائك السلاح» إلى: «شاكي السلاح».

وهوّر، فتهوّر، وانهار، أي انعدم (4).

وفي القاموس: «الهار: الضعيف الساقط من شدّة الزمان» (5) انتهى .

والضمير في «انهار» راجع إلى «شفا جرف» أو إلى الإشراف ، والباء للتعدية، أو للمصاحبة ، والضمير المجرور راجع إلى الموصول في قوله : «من لم أشركه» ، وكذا المستتر في «أشرف» .

والحاصل أنّه بنى فعله هذا على قاعدة هي أضعف القواعد وأرخاها، فأدّى به لضعفه وقلّة استمساكه إلى السقوط في نار جهنّم .

وفيه تشبيه معقول بمحسوس تنبيهاً على أنّ هذا الغاصب في صدد الوقوع في النار لحظة فلحظة، ثمّ مصيره إليها البتّة .

هذا ، واعلم أنّ جملة «أشرف» يحتمل كونها حاليّة بتقدير «قد»، وكونها استئنافيّة كأنّ سائلاً سأل عن مآل حال ذلك الغاصب فأجاب بها .

(حقّ وباطل) ؛ لعلّه خبر مبتدأ محذوف، والتقدير ما ذكر من الطريقين: طريق التقوى، وطريق الخطأ؛ أحدهما حقّ وهو التقوى، والآخر باطل وهو الخطأ .

وقيل : هو مبتدأ بتقدير الخبر ؛ يعني في الدنيا، أو هنا، أو بين الناس حقّ وباطل ، (6) (ولكلّ) منهما (أهل) .

ص: 601


1- التوبة(9): 109
2- الصحاح ، ج 6 ، ص 2293 (شفي)
3- .الصحاح ، ج 4 ، ص 1336 (جرف)
4- الصحاح ، ج 2 ، ص 856 (هور)
5- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 162 (هور)
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 156

وقوله عليه السلام : (فلئن أمر الباطل فلقديماً (1) ما فُعِلَ) ؛ شِبْهُ اعتذار لقلّة أهل الحقّ وكثرة أهل الباطل .

قال الفيروزآبادي : «أمر _ كفرح _ أمراً وأمرةً: كَثر، وتمَّ. الأمر: اشتدّ . والرجل: كثُرت ماشيته. وآمره اللّه وأمَرَهُ لُغيّة، أي كثر نسلهُ وماشيته» (2).

وأقول : ينبغي قراءة «أمر» على اللغة الاُولى على بناء الفاعل ، وعلى الثانية على بناء المفعول .

وقال بعض العلماء : لا يبعد أن يكون «أمّر» بتشديد الميم على البناء للمفعول، من التأمير؛ أي صار أميراً ، انتهى .

وفي القاموس: «التأمير: تولية الإمارة» (3). فتأمّل .

وقوله : «قديماً» منصوب على الظرفيّة على ما في بعض النسخ ، و«ما» زائدة لتأكيد معنى القدم، والعامل في الظرف قوله: «فعل» على صيغة المجهول، والمستتر فيه عائداً إلى الباطل ، والمراد أنّ كثرة الباطل في هذا الوقت بل في جميع الأوقات والأزمان ليست بديعة حتّى تستغرب، أو يستدلّ بها على حقّيّته .

وقرأ بعضهم: «فعل» على صيغة المعلوم، وقال : أي فَعَل الباطل، ذلك نسب الفعل إلى الباطل مجازاً (4).

(ولئن قلّ الحقّ فلربما ولعلّ) . اللام الثانية موطئة للقسم، وربّ للتعليل، أو للتكثير؛ أي فو اللّه كثيراً ما أو أحياناً يكون الحقّ كذلك ، ولعلّه يعود كثيراً بعد قلّته وعزيزاً بعد ذلّته وغالباً بعد مغلوبيّته، بنصر اللّه وتأييده، فلا ينبغي أن يؤيس من الحقّ في أوان فتوره وضعفه، أو يستدلّ بقلّته على بطلانه ، وفي هذا الترجّي وَعْد بقوّة الحقّ وكثرته .

وبعض العلماء ضبط: «ولئن قُبِلَ الحقّ» ، وقال في شرحه : «أي ولعلّه يُقْبلَ ويغلب بنصر اللّه وتأييده» (5).

ثمّ استبعد عليه السلام أن تعود دولة قوم بعد زوالها على سبيل التضجّر بقوله : (ولقلّما أدبر شيء

ص: 602


1- قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 44
2- في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقاً: «لقديماً» بدون الفاء
3- .القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 365 (أمر)
4- راجع: القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 366 (أمر)
5- اُنظر: مرآة العقول ، ج 25 ، ص 156

فأقبل) ؛ استُبعد عادةً رجوع الحقّ إلى الكثرة والقوّة بعد القلّة والضعف ، ولكنّه لم يستبعد بالنظر إلى فضل اللّه ولطفه وقدرته .

وقيل : يحتمل أن يكون المراد أنّه لا يرجع عن قريب، بل يكون ذلك في زمن القائم عليه السلام .

وقيل : فيه تنبيه على لزوم الحقّ كيلا يضمحلّ بتخاذلهم عنه، فلا يمكنهم تداركه (1).

وكلمة «ما» مصدريّة، أو موصولة، ويكون ذكر الشيء من باب الإظهار في موضع الإضمار؛ للدلالة على التعميم .

(ولئن رُدَّ عليكم أمركم) أي لئن رجع وعاد إليكم اليوم أمركم؛ أي الحقّ الذي كنتم عليه في زمن حياة رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

(أنّكم سعداء) عند اللّه ؛ أي يكون ذلك علامة سعادتكم .

(وما عليَّ إلّا الجهد) في رجوع أمركم إليكم وإصلاح حالكم ، والحاصل: إن ساعدني الوقت، وتمكّنت من أن أحكُم فيكم بأمر اللّه وحكمه، وعادت إليكم من الأيّام والسيرة ما يماثل أيّام رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسيرته فهو من مساعدة سعادتكم، وكان فيه كالسابق استبعاد لرجوع دولة قوم بعد زوالها .

قال الجوهري :

الجَهْد والجُهد: الطاقة. قال الفرّاء : الجُهد، بالضمّ: الطاقة، والجَهْد _ بالفتح _ من قولك : أجهد جَهدك في هذا الأمر؛ أي أبلغ غايتك ، لا يُقال : أجَهَد جُهدك، والجَهد: المشقّة (2).

(وإنّي لأخشى أن تكونوا على فترة) .

الفترة، بالفتح: ما بين النبيَّين من الزمان . وقيل : إذا اُطلقت يراد بها ما بين عيسى عليه السلام ونبيّنا صلى الله عليه و آله ، (3) والمراد بها هنا الجاهليّة إطلاقاً لاسم الظرف على المضروف، أي أخشى أن لا أتمكّن من إجراء حكم اللّه وسنّة نبيّه فيكم، فتكونوا في الجاهليّة كالاُمم الذين من قبلكم في زمن الفترة لا يظهر فيهم الحقّ، ويشتبه عليهم الاُمور .

ثمّ أشار عليه السلام إلى سبب تلك الخشية بقوله : (مِلتُم عنّي ميلة ...) أي صدر منكم الميل عنّي

ص: 603


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 393
2- الصحاح ، ج 2 ، ص 460 (جهد)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 393

في أوّل الأمر ؛ يعني تقديم الثلاثة عليه، وتخصيصها بتقديم الثالث عليه وقت الشورى لا وجه له .

(ولو أشاء لقلت) أي لبيّنت بطلان الثلاثة وتخطئتهم، وذكر معايبهم ممّا يقتضي عدم استحقاقهم للخلافة ، ولكنّي لم أقل ذلك؛ لأنّ المصلحة لا يقتضيه .

(عفا اللّه عمّا سلف) ؛ كأنّها جملة دعائيّة لمن تاب منهم ، ويحتمل الخبريّة .

وقيل : هذا إشارة إلى مسامحته لهم بما سبق منهم، وعدم إظهار فضائحهم؛ إذ العادة جارية على أن يقول الإنسان ذلك فيما يتسامح به غيره من الذنوب (1).

(سبق فيه) أي في الأمر (الرجلان) ؛ يعني الأوّل والثاني (وقام الثالث) بأمر الخلافة (كالغراب همّه) . في بعض النسخ: «همّته» (بطنه) .

وقيل : يعني في الحرص والشَّره ؛ فإنّ الغراب يقع على كلّ شيء يمكنه من الجيفة والثمرة والحبّة لغاية حرصه ، وفي المثل : «أحرص من الغراب» ، و«قد كان أكولاً متوسّعاً في الأكل مثل الغراب» ؛ ووجه التشبيه أنّ الغراب كما لا همَّ له بشيء أكثر من الأكل، ولذلك كان أكبر الطيور لطلب الغذاء، كذلك لم يكن أكبر همّه إلّا الترفّه والتوسّع في المطعم والمشرب وسائر مصالح البدن دون ملاحظة اُمور المسلمين ومراعاة مصالحهم .

(ويله لو قُصّ جناحاه) .

«ويل» كلمة وَبْخٍ وعذاب، ويستعمل بالإضافة فيُقال : ويله، وويلَك، وويلي، فينصب وجوباً بتقدير الناصب؛ أي ألزم اللّه ويلَه .

والقصّ: جزّ الشعر والريش، وهو هنا كناية عن التمثيل به، أو عن منعه، ورفع استيلائه، وقبض يده عن التصرّف في أموال المسلمين وفروجهم ودمائهم، وعدم حصول أسباب الدنيا ودواعي الإمارة والحكومة .

(وقُطِع رأسه) ؛ كأنّه كناية عن قطع ما هو بمنزلة رأسه من أمر الخلافة ؛ يعني خلعه عنه ، والمراد قتله قبل أن يرتكب مثل هذا الأمر الخطير الذي لا نصيب له فيه ولا حقّ .

(كان خيراً له) . وهذا ظاهر؛ إذ الأوّل يوجب المشقّة الدنيويّة، والثاني زوال الحياة

ص: 604


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 393

المستعارة، وهما خيرٌ له ممّا لحقته بسبب غصب الخلافة وادّعاه ما ليس له من العذاب والنكال الاُخرويّة وسلب الحياة الروحانيّة الأبديّة .

(شُغِلَ عن الجنّة) على البناء للمفعول؛ أي ترك ما يوجب دخولها، وأقبل على الدنيا وزخارفها (والنار أمامه) أي والحال أنّه مقبل عليها، ولابدّ له من المصير إليها بحيث يكاد يدخلها .

وقيل : معناه أنّ من كانت الجنّة والنار أمامه، فقد جُعِل له بهما شغل يكفيه عن كلّ ما عداه، فيجب عليه أن لا يشتغل إلّا به ، فأشار بذلك الشغل إلى ما يكون وسيلة إلى الفوز بالجنّة والنجاة من النار .

انتهى (1).

وكان هذا القائل جعل كلمة «عن» للتعليل، والواو للعطف؛ أي شغل لأجل الجنّة والنار، وهما أمامه. أو جعل الواو للحال ؛ أي والحال أنّ النار أمامه، فهو مشغول لأجلها أيضاً ، ولا يخفى عليك ما فيه من التكلّف .

وقوله : (ثلاثة) خبر مبتدأ محذوف؛ أي هم، أو المكلّفون .

(واثنان) عطف عليه، و(خمسة) ؛ خبر آخر .

وقوله : (ليس لهم سادس) صفة لخمسة ، والحاصل أنّ أحوال عباد اللّه المكلّفين تدور على خمسة، وتنحصر فيها، وإنّما لم يقل أوّلاً: خمسة؛ لأنّ الثلاثة من أهل العصمة وأهل النجاة جزماً، فلم يخلّطهم بالاثنين الذين هما من الرعيّة، فمنهم شقيّ وسعيد .

(مَلَكٌ يطير بجناحيه) أي أحدهما ملك أعطاه اللّه جناحين يطير بهما كسائر الطيور ، والظاهر أنّ المراد بالطيّران والجناح معناهما المتبادر؛ إذ لا صارف عنه، ويؤيّده ظاهر كثير من الآيات والروايات وإجماع أهل الحقّ حيث ذهبوا إلى أنّ الملائكة أجسام لطيفة قادرة على التشكّل بأشكال مختلفة، يطيرون حيث أمرهم اللّه صعوداً ونزولاً .

وقيل : المراد بطيرانهم سيرهم في عالم الملك ودرجات الكمال بقدرتهم التي خلقها اللّه فيهم، فهو استعارة تبعيّة مرشّحة(2).

والثاني : (نبيّ أخذ اللّه بضَبعيه) . وفي رواية: «بيديه» . قال الجزري : «الضَّبع، بسكون الباء:

ص: 605


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 394 . وانظر: الوافي ، ج 26 ، ص 45
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 394

وسط العضد ، وقيل : هو ما تحت الإبط»(1).

وأخذه كناية إمّا عن عصمته وتطهيره من أدناس الكفر وأرجاس الذنب، أو رفع قدره بين الناس ، أو عن تقريبه؛ كأنّه أخذ بيديه وقرّبه إليه ، أو عن تقويته وتحليته بالكمالات الصوريّة والمعنويّة .

والثالث : (وساع) أي الذي يسعى في ترويج الدين وتزييف شبهات المبطلين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولعلّ المراد به الأوصياء عليهم السلام وأتباعهم الخلّص أيضاً .

(مجتهد) في طاعة اللّه عزّ وجلّ، وطلب ما هو أحرى .

(وطالب يرجوا) ؛ أي الرابع: عباد يعبد اللّه ، ويرجو من اللّه ثواب الآخرة، ورحمة ربّه مع صحّة إيمانه ، وإنّما خصّصنا الطالب الراجي بالعابد الصحيح الإيمان؛ لأنّ رجاء شيء من غير السعي في تحصيل موجباته وأسباب حصوله سفه وحمق ، ولفظ الطالب أيضاً يشعر به .

وقيل : أي (طالب) للحقّ مطلقاً، أو حقّ النبوّة والولاية، وهو الشيعة (يرجو) من اللّه الرحمة والمغفرة والجنّة، وإن كان بطيئاً في العمل (2).

والخامس : (مقصّر في النار) جزماً، وهو الكافر، أو الضالّ الذي ترك طلب الحقّ ومات في ضلالته .

(اليمين والشمال مَضَلّة ...) .

هذا مثل لبيان أنّ السالك للطريق الوسطى من غير إفراط وتفريط ناج، والعادل عنها إلى أحد الطرفين مُعرَّض للخطر ، و«مضلّة» على صيغة اسم الفاعل ، والتأنيث باعتبار تأنيث المبتدأ سماعاً؛ أي تضلّ من سلكها عن الرشاد. أو على صيغة اسم المكان ؛ أي موضع ضلال عنه .

ويحتمل أن يُراد باليمين ما يكون العدول عن الطريق الوسطى بالطاعات المبتدعة، أو المشوبة بالرياء، وبالشمال ما يكون ذلك بالمعاصي .

(والطريق الوسطى هي الجادّة) أي معظم الطريق الموصل إلى رحمة اللّه ومرضاته .

و«الوسطى» تأنيث الأوسط، وهو الأعدل والأفضل .

(عليها) أي على هذه الجادّة .

ص: 606


1- النهاية ، ج 3 ، ص 73 (منبع)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 394

(باقي الكتاب) أي الأحكام والاُمور الباقية في الكتاب إلى آخر الدهر ، أي الكتاب الباقي ، فالإضافة إمّا بتقدير «في»، أو من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف .

وقيل : لعلّ المراد ما بقي من الكتاب في أيدي الناس (1). وفي بعض النسخ : «ما في الكتاب» . وفي بعضها : «يأتي الكتاب» أي على تلك الجادّة باقي كتاب اللّه ، وحثّ الناس على سلوكها . وفي بعضها: «باغي الكتاب» أي طالبه .

(وآثار النبوّة) . الآثار _ جمع الأثر بالتحريك _ وهو بقيّة الشيء ، والخبر. والمراد هنا ما جاء به النبيّ صلى الله عليه و آله من عند اللّه .

(هلك من ادّعى) ما ليس أهلاً له مطلقاً، أو من ادّعى الإمامة والخلافة بغير استحقاق؛ لأنّ أكثر كلامه عليه السلام في هذه الخطبة في ذلك .

(وخاب) أي خسر، ولم ينل مطلوبه .

(من افترى) أي كذب واختلق . والجملة إمّا دعائيّة، أو خبريّة .

(إنّ اللّه أدّب هذه الاُمّة بالسيف والسوط) في الحدود والقصاص، أو في الجهاد أيضاً ؛ وذلك لعلمه بعدم انتظام حالهم إلّا بهما . أو في رواية: «إنّ اللّه داوى هذه الاُمّة بدواءين: السوط، والسيف» (2).

(وليس لأحد عند الإمام فيهما) أي في السيف والسوط .

(هَوادة) . قال الجوهري : «الهوادة : الصلح، والميل» (3). وقال الجزري: «فيه: لا تأخذه في اللّه هوادة؛ أي لا يسكن عند وجوب حدود اللّه ، ولا يحابى فيها أحداً .

والهوادة: السكون، والرخصة، والمحاباة» (4). انتهى .

وفيه وعيد وتهديد لهم بالقتل، وإجراء الحدود مع تحقّق موجبهما، وإقناط لهم من الميل والدفع بالشفاعة والقرابة ونحوهما .

(فاستتروا في بيوتكم) .

قيل : أمر بلزوم البيوت للفرار من المنافرات والمفاخرات والمشاجرات (5). وقيل : هذا

ص: 607


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 158
2- الإرشاد ، ج 1 ، ص 239؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج 1 ، ص 275
3- الصحاح ، ج 2 ، ص 558 (هود)
4- .النهاية ، ج 5 ، ص 281 (هود)
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 395

نهي لهم عن العصبيّة والاجتماع لها والتحزّب والتشاجر، فقد كان قوم بعد قتل عثمان تكلّموا في قتله .

وقال الفاضل الإسترآبادي : «أمر بالتوبة عمّا يوجب الحدّ قبل ثبوته عند الإمام والاستتار بها» (1).

(وأصلحوا ذات بينكم) .

قيل : خصومة بينكم . وقيل : نفس بينكم . والمعنى: أصلحوا بينكم (2). وفي القاموس: «ذات بينكم، أي حقيقة وصلكم. أو ذات البين: الحال التي بها يجتمع المسلمون» (3).

(والتوبة من ورائكم) . قال ابن ميثم : هذا تنبيه للعُصاة على الرجوع إلى التوبة عن الجَري في ميدان المعصية، واقتفاء أثر الشيطان. وكونها وراء؛ لأنّ الجواذب الإلهيّة إذا أخذت بقلب العبد فجذبته عن المعصية حتّى أعرض عنها، والتفت بوجه نفسه إلى ما كان مُعرضاً عنه من الندم على المعصية، والتوجّه إلى القبلة الحقيقيّة؛ فإنّه يصدق عليه إذَن أنّ التوبة وراءه؛ أي وراء عقليّاً، وهو أولى من قول مَن قال من المفسّرين: إنّ «وراءكم» بمعنى أمامكم (4).

(من أبدى صفحته للحقّ) .

الإبداء: الإظهار ، وصفحةُ كلّ شيء: جانبه . وفي النهاية: «صفح كلّ شيء: وجهه وناحيته» (5). وإبداء الصفحة كناية عن المكاشفة للحقّ والمخاصمة له .

(هلك) في الدنيا والآخرة .

وقيل : هي كلمة جارية مجرى المثل(6). أو من أبدى صفحته لنصرة الحقّ، وإظهاره على الوجه المأمور به في مقابلة كلّ باطل، أو ردَّ عن الجهّال جهلهم يكون في كلّ وقت في معرض الهلاك بأيديهم وألسنتهم؛ إذ لا يعدم منهم من يوصل إليه المكروه، ويسعى في أذاه (7).

والمراد بالهلاك مقاساة المشاقّ والمفاسد والمضارّ من الجهّال ، ويؤيّده ما في نسخ نهج البلاغة: «هلك عند جهلة الناس»، أو المراد إبداء الوجه للخصوم، ومعارضتهم في كلّ

ص: 608


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 395
2- راجع: شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 395
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 409 (ذو)
4- شرح نهج البلاغة لابن ميثم ، ج 1 ، ص 308 و309
5- النهاية ، ج 3 ، ص 34 (صفح)
6- قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 46
7- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 395

موضع لإظهار الحقّ من غير تقيّة ورعاية مصلحة يكون مذموماً ، فالهلاك بالمعنى الذي ذكرناه أوّلاً ، ويؤيّد هذا قوله عليه السلام : (استتروا في بيوتكم) .

قال ابن أبي الحديد : «هذه الخطبة من جلائل خطبه عليه السلام ومن مشهوراتها، قد رواها الناس كلّهم» ، ثمّ قال : «وفيها زيادات حذفها الرضيّ رحمه الله؛ إمّا اختصاراً، أو خوفاً من إيحاش السامعين» ، (1).

ثمّ ذكر تلك الزيادات وهي أواخر ما ذكر هاهنا، وتكلّف في شرح بعضها، ثمّ نقل عن شيخه أبي عثمان وأبي عبيدة أنّه زاد فيها رواية جعفر بن محمّد عن آبائه عليهم السلام : «ألا إنّ أبرار عترتي وأطائب اُرومتي أحلم الناس صغاراً، وأعلم الناس كباراً ، ألا وإنّا أهل بيت من علم اللّه علّمنا، وبحكم اللّه حكمنا ، ومن قول صادق سَمِعنا، فإن تتّبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا، وإن لم تفعلوا يهلككم اللّه بأيدينا ؛ معنا راية الحقّ، مَن تبعها لحق، ومَن تأخّر عنها غرق ؛ ألا وبأيدينا (2). يدرك تِرَةُ كلّ مؤمن، وبنا يُخلع ربقة الذلّ عن أعناقكم، وبنا فتح لا بكم، وبنا يختم لا بكم» (3). وفي القاموس: «الاُرومة، ويضمّ: الأصل» (4). ولعلّ المراد هنا القبيلة والعشيرة . والتّرة: الظلم، والنقص، والعيب، والدية، والانتقام .

متن الحديث الرابع والعشرين (حديث عليّ بن الحسين عليهماالسلام فضّل فيه رجالاً بخصال لفظاً، وأمرهم بها معنى)

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَطِيَّةَ، (5). عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليه السلام ، قَالَ:كَانَ يَقُولُ:

«إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَى اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ أَحْسَنُكُمْ عَمَلاً، وَإِنَّ أَعْظَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ عَمَلاً أَعْظَمُكُمْ

ص: 609


1- .شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج 1 ، ص 274
2- .في المصادر: «وبنا» بدل «وبأيدينا»
3- الإرشاد ، ج 1 ، ص 239 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج 1 ، ص 276 ؛ بحار الأنوار ، ج 32 ، ص 10، ح 3 (فيه عن الإرشاد) ؛ وج 51، ص 131 (فيه عن ابن أبي الحديد)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 74 (أرم)
5- .في الطبعة الجديدة وبعض نسخ الكافي والفقيه: «مالك بن عطيّة»، والظاهر أنّه هو الصواب، و«هلال بن عطيّة» تصحيف؛ لعدم ذكره في شيء من الأسناد وكتب الرجال. وأمّا رواية الحسن بن محبوب عن أبي حمزة بتوسّط مالك بن عطيّة قد تكرّرت في عدّة من الأسناد. راجع: الفهرست للطوسي ، ص 470، الرقم 753؛ معجم رجال الحديث للخوئي ، ج 14 ، ص 375

فِيمَا عِنْدَ اللّهِ رَغْبَةً، وَإِنَّ أَنْجَاكُمْ مِنْ عَذَابِ اللّهِ أَشَدُّكُمْ خَشْيَةً لِلّهِ، وَإِنَّ أَقْرَبَكُمْ مِنَ اللّهِ أَوْسَعُكُمْ خُلُقاً، وَإِنَّ أَرْضَاكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَسْبَغُكُمْ عَلى عِيَالِهِ، وَإِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَلَى اللّهِ أَتْقَاكُمْ لِلّهِ».

شرح الحديث

السند مجهول .

وفي الفقيه : «مالك بن عطيّة»، فصحيح .

قوله : (وإنّ أعظمكم) أي أكثركم (عملاً) . وقيل : أي أحسنكم إطلاقاً للمسبّب على السبب؛ لأنّ حسن العمل سبب لعظمته، فكما ازداد ازدادت (1).

(أعظمكم فيما عند اللّه رغبةً) أي علامة عظم الرغبة وكثرة الرجاء كثرة العمل، ويكذب من يدّعي الرجاء ولا يعمل؛ فإنّ عظمة الرغبة فيما عند اللّه من الثواب والأجر يوجب المبالغة في عظمة العمل وتكثيره وتحسينه .

وقوله : (أسبغكم) أي أوسعكم .

(على عياله) في المطعم والمشرب والملبس والمسكن _ كمّاً وكيفاً _ مع التمكّن وعدم التبذير والتجاوز عن الحدود الشرعيّة .

(إنّ أكرمكم على اللّه أتقاكم) ؛ فإنّ التقوى بها يكمل النفوس، ويتفاضل الأشخاص، فمن أراد كرامةً وشرفاً فليلتمس منها . وتعدية «أكرم» ب «على» بتضمين مثل معنى الورود .

متن الحديث الخامس والعشرين

اشاره

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُمَرَ الصَّيْقَلِ، عَنْ أَبِي شُعَيْبٍ الْمَحَامِلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:

«قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يُطْرَفُ (2) فِيهِ الْفَاجِرُ، وَيُقَرَّبُ فِيهِ الْمَاجِنُ، وَيُضَعَّفُ فِيهِ الْمُنْصِفُ».

قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: مَتى ذَاك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: «إِذَا اتُّخِذَتِ الْأَمَانَةُ مَغْنَماً، وَالزَّكَاةُ مَغْرَماً،

ص: 610


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 396
2- .في كلتا الطبعتين: «يظرف» بالظاء المعجمة

وَالْعِبَادَةُ اسْتِطَالَةً، وَالصِّلَةُ مَنّاً».

قَالَ: فَقِيلَ: مَتى ذلِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: «إِذَا تَسَلَّطْنَ النِّسَاءُ، وَسُلِّطْنَ الاْءِمَاءُ، وَأُمِّرَ الصِّبْيَانُ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله عليه السلام : (يطرف فيه الفاجر) بالطاء المهملة . قال الجوهري : «الطارفُ والطريف من المال: المستحدَثُ، وهو خلاف التالد والتليد ، والاسم: الطرفة بالضمّ. وأطرفَ فلان، إذا جاء بطرفة» (1).

وفي القاموس: «أطرف فلاناً: أعطاه ما لم يعطه أحداً قبله» (2) انتهى . والفاجر هو المنبعث في المعاصي .

إذا عرفت هذا فاعلم أنّه يحتمل أن يكون «يطرف» بفتح الياء وضمّ الراء؛ أي يكون الفاجر في ذلك الزمان طرفة حسناً عند الناس . أو على البناء للمفعول من باب الإفعال، وكونه على بناء الفاعل منه محتمل بضرب من التوجيه .

وعلى التقديرين يكون من الطريف، وهو الأمر المستحدث المستطرف الذي يعدّه الناس حسناً؛ لأنّهم راغبون إلى المستحدثات، ويميل طبائعهم إليها .

وقيل : معنى «يطرف» يدّعي طريفاً ؛ أي شريفاً كريماً ، وينسب إليه الطرافة .

وفي بعض نسخ الكتاب وأكثر نسخ النهج: «يظرف» بالظاء المعجمة . قال الفيروزآبادي : الظَّرف: الكياسة. ظَرُف _ ككرم _ ظرفْاً وظرافة، قليلة، فهو ظريف، أو الظرف إنّما هو في اللسان، أو حُسنُ الوجه والهيئة، أو يكون في الوجه واللِّسان، أو البزاعة أو الحذق ، وأظرف: وَلَد بنين ظرفاء (3).

(ويُقرّب) بتشديد الراء، وتخفيفها احتمال (فيه الماجن).

في القاموس: «مَجَن مُجوناً: صلب وغلظ ، ومنه الماجن لمن لا يبالي قولاً وفعلاً،

ص: 611


1- الصحاح ، ج 4 ، ص 1394 (طرف)
2- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 168 (طرف)
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 170 (ظرف) مع التلخيص

كأنّه صلب الوجه» (1).

وفي بعض النسخ: «الماحل» . قال الجوهري : «المحَلْ: المكر والكيد . يُقال : مَحَل به، إذا سعى به إلى السلطان، فهو ماحل ومَحُول» (2).

(ويُضعّف فيه المنصف) .

الضعف، بالضمّ والفتح: خلاف القوّة، وقد ضعف _ ككرم _ فهو ضعيف. وأضعفهُ وغيره. وضعّفه السير، أي أضعفه، والتضعيف أيضاً أن تنسبهُ إلى الضعف .

قال ابن ميثم : أي إذا رأوا إنساناً عنده ورع، وإنصاف في معاملة الناس عدّوهُ ضعيفاً، ونسبوه إلى الوهن والرخاوة، أو يستصغرون عقله، ويعدّونه ضعيف العقل، كأنّه تارك حقّ ينبغي له أن يأخذه (3).

(قال) ؛ يعني أبو عبداللّه عليه السلام (فقيل له : متى ذاك (4). يا أمير المؤمنين ؟ فقال : إذا تسلّطن النساء) .

«تسلّطن» على صيغة الماضي من باب التفعّل، جمع فيه بين الضمير والاسم الظاهر من قبيل: «أكلوني البراغيث» .

وما قيل صالح من أنّ «تسلّطن» بحذف إحدى التائين من مضارع التفعّل ففساده أظهر من أن يُخفى (5).

(وسُلِّطن الإماء) . في بعض النسخ: «وتسلّطن الإماء» .

في القاموس: «السلط والسليط: الشديد، واللِّسان الطويل . وقد سَلُط _ ككرم _ سَلاطَةً وسلوطَةً، بالضمّ. والتسليط: التغليب، وإطلاق القهر والقدرة» (6).

وقال الجوهري : «امرأة سليطة: صخّابة . والسلاطة: القهر ، وقد سلّطه فتسلّط عليه» . انتهى (7).

قيل : ومنه السلطان، وهو الوالي. (8) و«سلّطن» يحتمل أن يكون من المجرّد أو المزيد فيه .

ص: 612


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 270 (مجن)
2- الصحاح ، ج 5 ، ص 1817 (محل)
3- اُنظر: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج 18 ، ص 260
4- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقاً: «ذلك»
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 397
6- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 365 (سلط) مع التلخيص
7- الصحاح ، ج 3 ، ص 1133 (سلط) مع التلخيص
8- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 397

والمراد بتسليطهنّ غلبتهنّ على الرِّجال، وسلطتهنّ عليهم، أو دخولهم تحت حكمهنّ سلاطين كنّ أو لا .

وقيل : يمكن أن يكون المراد بتسليط الإماء تسليطهنّ على الحرائر (1).

(واُمّر الصبيان) .

قال الجوهري : «التأمير: تولية الإمارة» (2). وفي القاموس: «أمر علينا _ مثلّثة _ إذا ولّى ، والاسم: الإمرة بالكسر» (3).

وفي بعض النسخ: «قال : فقيل له : متى ذاك يا أمير المؤمنين ؟ فقال : إذا اتّخذت الأمانة مغنماً، والزكاة مَغرماً، والعبادة استطالة، والصِّلة منّاً ، فقال : متى ذاك يا أمير المؤمنين ؟ فقال : إذا تسلّطن النساء » إلى آخره .

المَغْنَم والغنيمة: الفيء، والفوز بالشيء بلا مشقّة ؛ يعني أنّهم يتّخذون مال الأمانة بمنزلة خالص أموالهم .

وقوله : (والزكاة مَغرماً) أي كأنّها غرامة يَغْرَمها . قال الجوهري : «الغرامة: ما يلزم أداؤه، وكذلك المَغْرَم والغُرم.

وقد غَرِم الرجل الدية» (4).

وقوله : (والعبادة استطالة): ترفّعاً على الناس. يُقال : استطال، إذا امتدّ، وارتفع، وتفضّل، وتطاول .

وقوله : (والصِّلة مَنّاً) أي يمنّون بها على من وصلوها، أو على اللّه تعالى .

وقيل : المنّة: تذكير المنعِم للمنعَم عليه بنعمته، والتطاول عليه بها (5).

متن الحديث السادس والعشرين

اشاره

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْعَقَبِيِّ رَفَعَهُ قَالَ:خَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَحَمِدَ اللّهَ، وَأَثْنى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ آدَمَ لَمْ يَلِدْ عَبْداً، وَلَا أَمَةً، وَإِنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ أَحْرَارٌ، وَلكِنَّ اللّهَ خَوَّلَ بَعْضَكُمْ بَعْضاً، فَمَنْ كَانَ لَهُ بَلَاءٌ فَصَبَرَ فِي الْخَيْرِ فَلَا يَمُنَّ بِهِ عَلَى اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ أَلَا وَقَدْ حَضَرَ شَيْءٌ وَنَحْنُ مُسَوُّونَ فِيهِ بَيْنَ الْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ».

ص: 613


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 397
2- الصحاح ، ج 2 ، ص 582 (أمر)
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 365 (أمر)
4- الصحاح ، ج 5 ، ص 1996 (غرم)
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 398

فَقَالَ مَرْوَانُ لِطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ: مَا أَرَادَ بِهذَا غَيْرَكُمَا، قَالَ: فَأَعْطى كُلَّ وَاحِدٍ ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ، وَأَعْطى رَجُلاً مِنَ الْأَنْصَارِ ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ، وَجَاءَ بَعْدُ غُلَامٌ أَسْوَدُ، فَأَعْطَاهُ ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هذَا غُلاَ مٌ أَعْتَقْتُهُ بِالْأَمْسِ، تَجْعَلُنِي وَإِيَّاهُ سَوَاءً؟! فَقَالَ: «إِنِّي نَظَرْتُ فِي كِتَابِ اللّهِ، فَلَمْ أَجِدْ لِوُلْدِ إِسْمَاعِيلَ عَلى وُلْدِ إِسْحَاقَ فَضْلاً».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله عليه السلام : (إنّ آدم لم يلد عبداً ...) تمهيد للزوم التسوية في القسمة بين الشريف والوضيع، وقطع لطمع من رجا التفضيل فيها .

(ولكنّ اللّه خوّل) ؛ أي ملّك .

(بعضكم بعضاً) ؛ تفضّلاً للحِكَم والمصالح التي لا يعلمها إلّا هو . قال الجزري :

في حديث العبيد: [هم] إخوانكم ، وخوّلكم، جعلهم اللّه تحت أيديكم . الخَول: حشم الرجل وأتباعه، واحدهم: خائل، وقد يكون واحداً، ويقع على العبد والأمَة، وهو مأخوذ من التخويل: التمليك . وقيل : من الرعاية (1).

(فمن كان له بلاء) أي مال ونعمة .

(فصبر في الخير) أي في ذلك المال وحسن الحال، بأن لا يطغيه النعمة، ولا توجب كفرانه، ولا يترفّع ولا يستطيل بها على غيره .

(فلا يمنّ به) أي بذلك الصبر (على اللّه عزّ وجلّ) ؛ بل اللّه يمُنُّ عليه، حيث وفّقه له، ويعطيه أجره في الآخرة .

والحاصل أنّه لا ينبغي للإنسان أن يتفضّل على غيره بسبب المال والأعمال والشرف والكمال، فيطلب الفضل في القسم التي حكم اللّه فيها بالتسوية بين الشريف والوضيع، كما حكم بالتكافؤ في الدماء ، بل ينبغي أن يرضى بقسم اللّه .

وفي بعض النسخ : «فصيّر» بدل «فصبر»، أي جعله في مصارف الخير ، فحينئذٍ ينبغي إرجاع ضمير «به» إلى التصيّر.

ص: 614


1- النهاية ، ج 2 ، ص 88 (خول)

في بعضها: «الحين» بدل «الخير»، وهو بالفتح: الهلاك، وكأنّ المراد حينئذٍ الصبر على الاُمور الخطيرة والشدائد العظيمة في سبيل اللّه ، كالجهاد وإيذاء الأعادي ، ومنها التسوية في القسمة .

وقال بعض الشارحين : «المراد بالبلاء المحنة والاختبار ، ومعنى قوله: «فصبر في الخير» الصبر عليه ثابتاً في الخير، بأن يرضى ولا يشكو» (1). فتأمّل .

وقوله عليه السلام : (بين الأسود والأحمر) أي بين العرب والعجم، أو بين الناس كافّة .

وقوله : (فقال مروان ...) هو مروان بن الحكم بن العاص صهر عثمان ، ولعلّ غرضه _ لعنه اللّه _ بهذا القول ترغيبهما على مخالفة أمير المؤمنين عليه السلام وإنكار حكمه .

وقوله : (أعتقته بالأمس) ؛ يحتمل الخطاب والتكلّم ، والثاني أظهر .

وقوله عليه السلام : (فلم أجد لوُلد إسماعيل على وُلد إسحاق فضلاً) ؛ قيل : لعلّ العبد كان من بني إسرائيل كما هو الأغلب فيهم .

قال : ويحتمل أن يكون المراد عدم الفضل في القسمة لا مطلقاً ، مع أنّه لا استبعاد في أن لا يكون بينهما فضل مطلقاً إلّا بالفضائل (2).

وقال الفاضل الإسترآبادي :

يعني مع أنّ النبيّ والأئمّة عليهم السلام وبني هاشم وقريش من ولد إسماعيل ، والهود من ولد إسحاق، إذا كانوا مسلمين سواء في الغنائم وشبهها بمقتضى كتاب اللّه ، فثبت المساواة بين غيرهما من باب الاُولويّة (3).

متن الحديث السابع والعشرين (حديث النبيّ صلى الله عليه و آله حين عرضت عليه الخيل)

اشارة

أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ وَعَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ جَمِيعاً، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ جَمِيعاً، عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ، عَنْ جَابِرٍ،

ص: 615


1- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 398
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 162
3- نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 398 و399

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ:«خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِعَرْضِ (1). الْخَيْلِ، فَمَرَّ بِقَبْرِ أَبِي أُحَيْحَةَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَعَنَ اللّهُ صَاحِبَ هذَا الْقَبْرِ، فَوَ اللّهِ إِنْ كَانَ لَيَصُدُّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ، وَيُكَذِّبُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله . فَقَالَ خَالِدٌ ابْنُهُ: بَلْ لَعَنَ اللّهُ أَبَا قُحَافَةَ، فَوَ اللّهِ مَا كَانَ يُقْرِي الضَّيْفَ، وَلَا يُقَاتِلُ الْعَدُوَّ، فَلَعَنَ اللّهُ أَهْوَنَهُمَا عَلَى الْعَشِيرَةِ فَقْداً.

فَأَلْقى رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله خِطَامَ رَاحِلَتِهِ عَلى غَارِبِهَا، ثُمَّ قَالَ: إِذَا أَنْتُمْ تَنَاوَلْتُمُ الْمُشْرِكِينَ، فَعُمُّوا، وَلَا تَخُصُّوا، فَيَغْضَبَ وُلْدُهُ.

ثُمَّ وَقَفَ، فَعُرِضَتْ عَلَيْهِ الْخَيْلُ، فَمَرَّ بِهِ فَرَسٌ، فَقَالَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ: (2) إِنَّ مِنْ أَمْرِ هذَا الْفَرَسِ كَيْتَ وَكَيْتَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : ذَرْنَا، فَأَنَا أَعْلَمُ بِالْخَيْلِ مِنْكَ. فَقَالَ عُيَيْنَةُ: وَأَنَا أَعْلَمُ بِالرِّجَالِ مِنْكَ، فَغَضِبَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله حَتّى ظَهَرَ الدَّمُ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ لَهُ: فَأَيُّ الرِّجَالِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ: رِجَالٌ يَكُونُونَ بِنَجْدٍ، يَضَعُونَ سُيُوفَهُمْ عَلى عَوَاتِقِهِمْ، وَرِمَاحَهُمْ عَلى كَوَاثِبِ خَيْلِهِمْ، ثُمَّ يَضْرِبُونَ بِهَا قُدُماً قُدُماً.

فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : كَذَبْتَ، بَلْ رِجَالُ أَهْلِ الْيَمَنِ؛ أَفْضَلُ الْاءِيمَانُ يَمَانِيٌّ، (3) وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَّةٌ، وَلَوْ لَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ الْجَفَاءُ وَالْقَسْوَةُ فِي الْفَدَّادِينَ أَصْحَابِ الْوَبَرِ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّمْسِ، وَمَذْحِجُ أَكْثَرُ قَبِيلٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، وَحَضْرَمَوْتُ خَيْرٌ مِنْ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ _ وَرَوى بَعْضُهُمْ: خَيْرٌ مِنَ الْحَارِثِ بْنِ مُعَاوِيَةَ _ وَبَجِيلَةُ خَيْرٌ مِنْ رِعْلٍ وَذَكْوَانَ، وَإِنْ يَهْلِكْ لِحْيَانُ فَلَا أُبَالِي.

ثُمَّ قَالَ: لَعَنَ اللّهُ الْمُلُوكَ الْأَرْبَعَةَ: جَمَداً، وَمَخْوَساً، وَمَشْرَحاً، (4) وَأَبْضَعَةَ، وَأُخْتَهُمُ الْعَمَّرَدَةَ، لَعَنَ اللّهُ الْمُحَلِّلَ، وَالْمُحَلَّلَ لَهُ، وَمَنْ يُوَالِي غَيْرَ مَوَالِيهِ، وَمَنِ ادَّعى نَسَباً لَا يُعْرَفُ، وَالْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ، وَمَنْ أَحْدَثَ حَدَثاً فِي الْاءِسْلَامِ، أَوْ آوى مُحْدِثاً، وَمَنْ قَتَلَ غَيْرَ قَاتِلِهِ، أَوْ ضَرَبَ غَيْرَ ضَارِبِهِ، وَمَنْ لَعَنَ أَبَوَيْهِ.

فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ، أَ يُوجَدُ رَجُلٌ يَلْعَنُ أَبَوَيْهِ؟! فَقَالَ: نَعَمْ، يَلْعَنُ آبَاءَ الرِّجَالِ وَأُمَّهَاتِهِمْ،

ص: 616


1- .في الحاشية عن بعض النسخ وشرح المازندراني: «يعرض»
2- .في الحاشية عن بعض النسخ: «حصين»
3- في الحاشية عن بعض النسخ: «يمان»
4- في الطبعة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها: «ومَسوحاً»

فَيَلْعَنُونَ أَبَوَيْهِ، لَعَنَ اللّهُ رِعْلاً وَذَكْوَانَ وَعَضَلاً وَلِحْيَانَ، وَالْمُجْذَمِينَ مِنْ أَسَدٍ، وَغَطَفَانَ، وَأَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، وَشَهْبَلاً (1). ذَا الْأَسْنَانِ، وَابْنَيْ مَلِيكَةَ بْنِ جَزِيمٍ، وَمَرْوَانَ، وَهَوْذَةَ، وَهَوْنَةَ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (عليّ بن إبراهيم) و(محمّد بن يحيى) معطوفان على أبي عليّ الأشعري .

وقوله : (عرضت عليه الخيل). في الصحاح: «الخَيل: الفُرسان، والخَيل: الخُيول» (2).

وقوله : (لعرض الخيل) . يُقال : عَرَض له كذا عَرْضاً، أي أظهره له .

وقوله : (فمرّ بقبر أبي اُحيحة) ؛ بالحائين المهملتين . قال الفيروزآبادي : «اُحَيحة، مصغّراً: ابن جُلّاح» (3).

وقوله (ابنه)؛ يعني ابن أبي اُحيحة .

وقوله : (أبا قحافة) بالضمّ، كنية والد أبي بكر، واسمه عثمان بن عامر بن كعب بن سعد بن تميم بن مرّة بن كعب ، و«مرّة» من أجداد النبيّ صلى الله عليه و آله .

(ما كان يُقري الضيف) .

قال الجوهري : «قَرَيْت الضيف قرىً _ مثال قليته قِلىً _ وقَراءً: أحسنت إليه، إذا كسرت القاف مقصور» (4) انتهى . وذكر غيره: «أقريت الضيف» أيضاً .

وقوله : (أهونهما على العشيرة فَقْداً) نصب على التمييز . قال الفيروزآبادي : «عشيرة الرجل: بنو أبيه الأدنون، أو قبيلته» (5). وقال : «فَقده فَقْداً وفقداناً وفقوداً: عَدِمَهُ، فهو فقيد ومفقود» انتهى (6).

وقيل : عشيرة الرجل من يعاشرهم ويعاشرونه من العشرة، وهو الصحبة ، ولعلّ المراد أنّ عَدَمه وموته أهون وأسهل على عشيرته، ولا يبالون بموته؛ لأنّهم لا ينتفعون به في حال حياته (7).

ص: 617


1- .في الحاشية عن بعض النسخ والوافي: «وسهيلاً». وفي بعض نسخ الكافي: «وشهيلاً»
2- الصحاح ، ج 4 ، ص 1691 (خيل)
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 214 (أحح)
4- الصحاح ، ج 6 ، ص 2461 (قرا)
5- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 90 (عشر)
6- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 323 (فقد)
7- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 399

(فألقى رسول اللّه صلى الله عليه و آله خِطام راحلته على غاربها) .

قال في القاموس: «الخِطام، ككتاب: كلّ ما وضع في أنف البعير ليقتاد به، الجمع ككُتب» (1). وقال : «الغارب: الكاهل، أو ما بين السنام والعنق» (2).

وقال الجزري : «الغارب: مقدّم السنان» (3) ولعلّه صلى الله عليه و آله ألقاه غضباً من قولهما أو قول أحدهما، أو ليسير راحلته بطيئاً .

وقوله : (إذا [أنتم] تناولتم المشركين فعُمّوا ...) . التناول: الأخذ ، وعمّ الشيء عموماً، أي شَمِلَ الجماعة . يُقال : عمّهم بالعطيّة، يعني إذا أخذتم وشرعتم في لعن المشركين وسبّهم، فالعنوهم عموماً، ولا تقولوا: لعن اللّه فلان؛ لما ذكر من العلّة .

قيل: مثله روي عنه صلى الله عليه و آله ، قال : «لا تسبّوا الأموات فتؤذوا الأحياء» (4).

والحاصل : أنّه عليه السلام نهى عن سبّ الميّت المشرك بخصوصه؛ لأنّه يؤذي قريبه الحيّ من المؤمنين بتألّم قلبه؛ إمّا لغضاضة تلحقه في نسبه وحسبه، أو لألم يتجدّد له من أجله (5).

وقوله : (فقال عُيينة بن حصن) ؛ بالكسر . وفي بعض النسخ: «حُصين» ، وكأنّه عيينة الفزاري من رؤساء المشركين، وكان أمير غطفان يوم الأحزاب .

وقوله : (إنّ من أمر هذا الفرس) أي حاله وشأنه .

(كيت وكيت) .

في القاموس: «كَيت كيتَ، ويكسر آخرهما، أي كذا وكذا، والتاء فيهما هاء في الأصل» (6).

وقوله : (فأيّ الرجال أفضل) ؛ لعلّ غرضه صلى الله عليه و آله من هذا السؤال إظهار جهله، وتنبيهه على الخطأ فيمن يعتقد أنّه أفضل .

وقوله : (رجال يكونون بنجد) أي فيها. وقيل: أهلها يومئذٍ كانوا مضر وربيعة، وكانوا مشركين، ووصفهم ابن حصن بالشجاعة (7).

(يضعون سيوفهم على عواتقهم) .

ص: 618


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 399
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 108 (خطم)
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 111 (غرب)
4- النهاية ، ج 3 ، ص 350 (غرب)
5- الدعوات ، ص 278، ح 804؛ جامع الأخبار ، ص 160
6- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 156 (كيت)
7- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 400

قال الجوهري : «العاتق: موضع الرداء من المنكب» (1).

(ورماحهم على كواثب خيلهم) .

في النهاية: «الكواثب: جمع كاثبة، وهي من الفرس مجتمع كتفيه قدام السرج» (2).

وقوله : (قدماً قدماً). في القاموس:

القَدَم، محرّكة: السابقة في الأمر ، والقدم، بالضمّ وبضمّتين: الشجاع ، وبضمّتين: المضيّ أمام أمام. وهو يمشي القُدم: إذا مضى في الحرب . ومضى قُدماً، بضمّ الدال: لم يُعرّج ولم ينثن ، (3). انتهى .

أقول : نصب «قدماً» على بعض التقادير بالمفعوليّة، أو الحاليّة، وعلى بعضها على التميز، فتدبّر .

وقوله : (الإيمان يمانيّ) . في بعض النسخ: «يمان» بدون الياء .

(والحكمة يمانيّة) .

قال الجزري: «فيه: الإيمان يمان، والحكمة يمانيّة. إنّما قال ذلك لأنّ الإيمان بدأ من مكّة، وهي من تهامة، وتهامة من أرض اليمن، ولهذا يُقال: الكعبة اليمانيّة»(4)

وقيل : إنّه قال هذا القول للأنصار؛ لأنّهم يمانون، وهم نصروا الإيمان والمؤمنون، وآووهم، فنسب الإيمان إليهم .

وقال الجوهري : «اليمن: بلاد العرب ، والنسبة إليهم يمنيّ، ويمان مخفّفة، والألف عوض من ياء النسب، فلا يجتمعان .

قال سيبويه : وبعضهم يقول: يمانيّ بالتشديد» انتهى (5).

وقيل : إنّه عليه السلام قال هذا وهو بتبوك، ومكّة بينه وبين اليمن، فأشار إلى ناحية اليمن، وأراد مكّة . ويؤيّده قوله : (ولو لا الهجرة لكنت امرءاً من أهل اليمن) ؛ فإنّه كالصريح في أنّ المراد باليمن مكّة (6).

وقال محيي السنّة : «هذا ثناء على أهل اليمن؛ لإسراعهم إلى الإيمان، وحُسن قبولهم» (7).

ص: 619


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 400
2- الصحاح ، ج 4 ، ص 1521 (عتق)
3- .النهاية ، ج 4 ، ص 152 (كثب)
4- في الحاشية: «أي لم ينعطف. منه». وانظر: القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 162 (قدم) .)
5- النهاية ، ج 5 ، ص 300 (يمن)
6- الصحاح ، ج 6 ، ص 2219 (يمن)
7- نقل عنه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 163 . والمراد من محيي السنّة أبو محمّد الحسين بن مسعود البغوي (ت . 51 ق) ، صاحب التفسير ، من محدّثي العامّة

وقيل : لعلّ المراد لو لا أنّ المدينة كانت أوّلاً دار هجرتي، واخترتها بأمر اللّه ، لاتّخذت اليمن وطناً . أو المراد أنّه لو لا أنّ الهجرة أشرف، لعددت نفسي من الأنصار . ويؤيّد الأخير ما رواه الطبرسي في مجمع البيان في قصّة حنين أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «فو الذي نفسي بيده، لو أنّ الناس سلكوا شعباً، وسلكت الأنصار شعباً، لسلكت شعب الأنصار، ولو لا الهجرة لكنتُ امرءاً من الأنصار» (1).

و«الحكمة» في اللغة: الإتقان، والعدل، والعلم، والقرآن، والشريعة، ومعالم الدين من المنقول والمعقول . وقيل : العلم المصحوب بإنارة البصيرة وتهذيب (2). وقيل : تحقيق العلم، وإتقان العمل (3).

(الجفاء والقَسوة في الفَدّادين) .

«الجفاء» بالمدّ، وقد يقصر: خلاف البرّ، ونقيض الصلة، وعرّفوه بأنّه كيفيّة في النفس تمنع من إيصال النفع إليها وإلى غيرها . و«القَسْوة» والقساوة والقَساء، بالفتح في الجميع: غلظ القلب وشدّته ، وعرّفوها بأنّها كيفيّة تمنع القلب من قبوله للخير والموعظة، وأعظم أسبابها المعاصي .

قال الجزري:

فيه : «إنّ الجفا والقسوة في الفدّادين». الفدّادون، بالتشديد: الذين تعلو أصواتهم في حروثهم ومواشيهم، واحدهم: فدّاد. يُقال : فدّ الرجل يفدّ فديداً، إذا اشتدّ صوته (4).

وقيل : هم المكثرون من الإبل ، وقيل : هم الجمّالون والبقّارون والحمّالون والرعيان . وقيل : إنّما هو الفدادين مخفّفاً، واحدها: فدّان مشدّداً، وهو البقر الذي يحرث بها، وأهلها أهل جفاء وقسوة. انتهى (5).

والظاهر أنّ قوله عليه السلام : (أصحاب الوَبَر) بدل من «الفدّادين»، فيفهم منه أنّ المراد به المكثرون من الإبل، فيدلّ على القول الثاني من الأقوال التي ذكرها الجزري .

ص: 620


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 163 و164 . ولاحظ: مجمع البيان ، ج 5 ، ص 19
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 401
3- راجع: مرآة العقول ، ج 25 ، ص 164
4- النهاية ، ج 3 ، ص 419 (فدد)
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 164

والوَبر، بفتح الواو وكسر الباء الموحّدة: الإبل الكثير الوبر، وبفتحها: ما للإبل كالصوف للغنم والشعر للمعز .

وقيل : المراد بأصحاب الوبر أهل البواري؛ لأنّهم يتّخذون بيوتهم من الوبر(1) .

وقوله : (ربيعة ومُضَر) ؛ إمّا بدل من «أصحاب الوبر»، أو من «الفدّادين» ؛ والأوّل أظهر .

و«ربيعة» بفتح الراء وكسر الباء، ومُضر _ كزُفر _ إخوان من أبناء نزار بن معدّ بن عدنان، وأولادهما قبيلتان معروفتان في كثرة العدد وشدّة العناد لرسول اللّه صلى الله عليه و آله .

وقيل : كانا يسكنان بنجد، وهي شرقي المدينة وتبوك، كما أشار إليه بقوله : (من حيث يطلع قرن الشمس) أي من جانب المشرق، وعنى به نجد(2) . أو قيل : المراد أهل البواري من هاتين القبيلتين الكائنتين في مطلع الشمس ؛ أي في شرقي المدينة (3).

قال الجوهري : «القَرْن للثور ولغيره ، والقَرْن: جانب الرأس ، وقرن الشمس: أعلاها، وأوّل ما يبدو منها في الطلوع»(4) .

(ومَذحج) مبتدأ ، وقوله : (أكثر قبيل(5) . ) _ أي جماعة أو فرق _ خبره .

وقوله : (يدخلون الجنّة) صفة «قبيل» . قال في القاموس: «مَذْحج، كمجلس: أكمة ولدت مالكاً وطيئاً اُمّهما عندها، فسمّوا مذحجاً» (6).

وقال الجوهري : «مَذحج، مثال مسجد ؛ أبو قبيلة من اليمن . قال سيبويه : الميم من نفس الكلمة»(7) .

(وحضرموت خيرٌ من عامر بن صعصعة) .

قال الفيروزآبادي : «حَضْرَموتٍ، ويضمّ الميم: بلد وقبيلة ، ويقال : هذا حضرموت،

ص: 621


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 164
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 401
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 164
4- الصحاح ، ج 6 ، ص 2180 (قرن) مع التلخيص
5- في الحاشية: «القبيل: الجماعة من الثلاثة فصاعداً من أقوام شتّى، وقد يكون من نجر واحد ، وربّما كانوا بني أب واحد . الجمع كعنق. وبهاء: واحد قبائل الرأس للقطع المشعوب بعضها إلى بعض، ومنه قبائل العرب، واحدهم: قبيلة، وهم بنو أب واحد» . القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 35 (قبل)
6- .القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 190 (ذحج)
7- الصحاح ، ج 1 ، ص 340 (ذحج)

ويُضاف فيُقال : هذا حَضرموت بضمّ الراء، وإن شئت لا تنوّن الثاني» (1).

وقال: «عامر: اسم، وقد يُسمّى به الحيّ» (2).

وقال : «صعصعةُ بن معاوية: أبو قبيلة من هوازن» (3).

(وروى بعضهم: خيرٌ من الحارث بن معاوية) بدل «عامر بن صعصعة» .

(وبَجيلة) كسقيفة، حيّ باليمن .

(خيرٌ من رِعْل) بكسر الراء وإسكان العين .

(وذَكوان) بفتح الذال المعجمة وإسكان الكاف . قال الجوهري : «هما قبيلتان من سُلَيم» (4).

ونقل بعضهم أنّهم هم الذين قتلوا أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله في بئر معاوية، وكان الأصحاب أربعون رجلاً على ما في السِّير، وسبعون رجلاً على ما في كتاب مسلم ، ولم يَنج منهم إلّا عمرو بن اُميّة الضميري، فجاء وأخبره صلى الله عليه و آله ، وقد أخبره جبرئيل، فتوجّع بقتلهم، وأقام شهراً يدعو على قاتليهم في صلاة الغداة (5).

(وإن يهلك لحيان فلا اُبالي) .

«لحيان» بالكسر: أبو قبيلة، وهو لحيان بن هذيل بن مدركة .

(ثمّ قال : لعن اللّه الملوك الأربعة: جَمَداً) بفتح الجيم وسكون الميم، أو فتحها .

(ومِخوَساً ومِشرحاً) ؛ كلاهما كمنبر .

(وأبضعة) مثال أرنبة بالضاد المعجمة. وقيل : بالصاد المهملة .

(واُختهم) أي أخاهم ، والتأنيث باعتبار القبيلة .

(العمرّدة) بالعين المهملة والميم المفتوحتين، والراء المشدّدة المفتوحة .

قال في القاموس: «جمد بن معدي كرب من ملوك كندة ، أو هو بالتحريك» (6). وقال:

مخوس _ كمنبر _ ومشرح وجَمد وأبضعة: بنو معدي كرب، الملوك الأربعة الذين لعنهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ولعن اُختهم العمرّدة، وفدوا مع الأشعث ، فأسلموا، ثمّ ارتدّوا، فقُتلوا يوم النُّجير، فقالت نائحتهم : يا عين أبكي لي للملوك الأربعة (7).

ص: 622


1- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 10 (حضر)
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 96 (عمر)
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 50 (صعصع)
4- الصحاح ، ج 4 ، ص 1710 (رعل)
5- راجع: شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 401 و402
6- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 285 (جمد)
7- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 212 (خوس)

وقال: «النجير، كزُبير: حصنٌ قرب حضرموت» (1).

(لعن اللّه المُحلِّل والمُحَلَّل له) .

لعلّ المراد تحليل المحرّمات الشرعيّة مطلقاً . قال الجزري :

وفيه: «لعن اللّه المحلِّل والمُحلَّل له» . وفي رواية: «[المُحلّ و] المُحِلّ له» . وفي حديث بعض الصحابة: «لا اُوتي بحالٍّ ولا محلّل إلّا رجمتها . جعل الزمخشري هذا الأخير حديثاً لا أثراً، وفي هذه اللفظة ثلاث لغات: حَلَّلتُ، وأحْلَلتُ، وحَلَلْتُ ؛ فعلى الاُولى جاء الأوّل يُقال: حلّل فهو مُحلِّل ومُحلَّلٌ والمُحلّ له ، وعلى الثانية جاء الثاني تقول : أَحَلَّ فهو مُحِلّ ومُحَلّ له ، وعلى الثالثة جاء الثالث تقول : حَلَلْتُ فأنا حالّ وهو محلول له .

وقيل : أراد بقوله : «لا اُوتي بحالّ»؛ [أي] بذي إحلال، مثل قولهم : «ريح لاقِح»؛ أي ذات إلقاح ، والمعنى في الجميع هو أن يطلّق الرجل امرأته ثلاثاً، فيتزوّجها رجلٌ آخر على شريطة أن يطلّقها بعد وطئها لتحلّ لزوجها الأوّل .

وقيل : سمّي محلِّلاً لقصده إلى التحليل، كما يسمّى مشترياً لقصده إلى الشراء (2).

وقال بعض الأفاضل :

قال الطيبي في شرح المشكاة : «إنّما لعن لأنّه هَتْكُ مروّة، وقلّة حميّة، وخِسّةُ نَفْسٍ، وهو بالنسبة إلى المحلَّل له ظاهر ، وأمّا المحلِّل فإنّه كالتيس يُعير نفسه بالوطئ لغرض الغير» (3).

ثمّ قال الفاضل المذكور :

ذهب أكثر العامّة إلى بطلان النكاح حينئذٍ، ولذا فسّروا التحليل بقصد التحليل ، ولا يبعد القول بالبطلان على اُصول أصحابنا أيضاً .

ثمّ اعلم أنّه يمكن حمل هذا الكلام على معنى آخر غير ما ذكر، وهو أنّه صلى الله عليه و آله لعن من يحلّل النسيئ في الأشهر الحرم، أو نقول: إنّه صلى الله عليه و آله لعن الملوك الأربعة والذي تبعه هؤلاء الملوك ودانوا بحكمه في تحليل النسيء، وهو جنادة بن عوف الكناني .

قال الزمخشري : «كان الجنادة بن عوف الكناني مطاعاً في الجاهليّة، وكان يقوم في الموسم فيقول بأعلى صوته: إنّ آلهتكم قد أحلّت لكم المُحرَّم فأحلُّوه، ثمّ يقوم في

ص: 623


1- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 139 (نجر)
2- النهاية ، ج 1 ، ص 431 (حلل)
3- نقله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 166

القابل فيقول: إنّ آلهتكم قد حرّمت عليكم المحرّم فحرّموه» (1).

ومثله في تفسير عليّ بن إبراهيم بعبارة اُخرى قال : «كان رجل من كنانة يقف في الموسم فيقول : قد أحللت دماء المحلّلين [من ]طيّ وخَثْعَم في شهر المحرّم، وأنسأته وحرّمت بدَلَه صَفَر ، فإذا كان العام المقبل يقول: قد أحللت صفر وأنسأته، وحرّمت بدله شهر المحرّم (2).

(ومن يوالى غير مواليه) .

فسّره أكثر العامّة بالانتساب إلى غير من انتسب إليه مطلقاً من ذي نسب أو معتق، وخصّه بعضهم بولاء العتق فقط، وهو هاهنا أنسب لعطف «من ادّعى نسباً» عليه .

وقيل : لعلّ المراد بالمولى هنا المنعَم عليه، وهو المعتَق بفتح التاء، وكان ولاؤه لمن أعتقه يرثه هو، وهو كالنسب فلا يزول بالإزالة، ولا يجوز بيعه وهبته واشتراطه للغير ونَفْيُه، كما لا يجوز ذلك في النسب، وكانت العرب تبيعه وتهبه ، فلعن عليه السلام عليهم .

قال : ويحتمل أن يُراد به المنعِم، وهو هو صلى الله عليه و آله وأوصياؤه الطاهرون ، فلعن كلّ من يوالي غيرهم (3).

(ومن ادّعى نسباً لا يعرف) على البناء للفاعل، أو للمفعول .

والنسب بالتحريك، والنسبة بالكسر والضمّ: القرابة، أو في الآباء خاصّة ، والمراد هنا الأوّل ؛ يعني يدّعي قرابة من ليس بقريب له .

روى المصنّف بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «كفر باللّه من تبرّأ من نسب وإن دقّ» (4).

(والمتشبّهين من الرجال بالنساء ...) بأن يلبس الثياب المختصّة بهنّ، أو يتزيّن بزينتهنّ وبالعكس ، والمشهور بين الأصحاب الحرمة فيهما .

(ومن أحدث حدثاً في الإسلام) .

قيل : أي بدعة، أو أمراً منكراً .

وفي بعض الأخبار تفسّر الحدث بالقتل ، والمحدث في

ص: 624


1- الكشّاف ، ج 2 ، ص 270
2- مرآة العقول ، ج 25 ، ص 166 . وانظر: تفسير القمّي ، ج 1 ، ص 290
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 402
4- الكافي ، ج 2 ، ص 350، باب الانتفاء، ح 1 و2

قوله : (أو آوى مُحدِثاً) بالقاتل (1).

وقال بعض العامّة : «المراد بالحدث حدث في الدين، وبالمحدث من يأتي بفساد في الأرض» (2).

وفي النهاية:

في حديث المدينة: «من أحدث فيها حدثاً، أو آوى محدثاً» . الحدث: الأمر الحادث المنكر الذي ليس بمعتاد ولا بمعروف في السنّة ، والمُحدث يروي بكسر الدال وفتحها على الفاعل والمفعول ، فمعنى الكسر من نصر جانياً وآواه وأجاره من خصمه، وحالَ بينه وبين أن يقتصّ منه ، والفتح هو الأمر المبتدع نفسه، ويكون معنى الإيواء فيه الرضا به والصبر عليه؛ فإنّه إذا رضي بالبدعة وأقرَّ فاعلها ولم ينكر عليه فقد آواه (3).

(ومن قتل غير قاتله) .

الضمير البارز والمستكنّ للموصول ، ولعلّ المراد أنّه قتل غير مريد قتله، أو غير قاتل من هو وليّ دمه، فكأنّه قتله نفسه .

(أو ضرب غير ضاربه) أي غير من صدر منه الضرب بالنسبة إليه . وقيل : أو غير مريد ضربه ، (4). وفيه نظر .

(ومن لعن أبويه) إلى قوله : (فيلعنون أبويه) . قيل : لعن النبيّ صلى الله عليه و آله هنا الأوّل؛ فإنّه تسبّب إلى اللعن لأبيه، كما مرّ (5).

أقول : لا وجه للتخصيص، وليس في العبارة إشعار به، بل الظاهر العموم .

وقوله : (عَضَلاً) . في القاموس: «العَضَل، بالتحريك: ابن الهُون بن خزيمة أبو قبيلة» (6).

(والمجذمين من أسد) .

قيل : لعلّ المراد المنسوبين إلى جذيمة ، ولعلّ أسداً وغَطْفان كلتيهما منسوبتان إليها(7).

ص: 625


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 167
2- راجع: الديباج على مسلم ، ج 5 ، ص 45
3- النهاية ، ج 1 ، ص 351 (حدث)
4- .اُنظر: مرآة العقول ، ج 25 ، ص 167
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 167
6- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 17 (عضل)
7- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 167

قال الجوهري : «جَذيمة: قبيلة من عبد القيس، يُنسب إليهم جَذَميّ بالتحريك، وكذلك إلى جَذِيمة أسد. ورجل مجذامة، أي سريع القطع للمودّة» (1).

وفي القاموس:

جَذَمه يجذِمه ويجذُمُهُ وجذّمه: قعطه، ورجل مجذام ومجذامة: قاطع للاُمور فَيْصل. والأجذم: المقطوع اليد، والذاهب الأنامل. جَذِمت يده _ كفرح _ وجذمتها وأجذمتها. وأجذم السير: أسرع، والفرس: اشتدّ عَدوه. وعن الشيء: أقلع. وعليه: عزم. والجُذام، كغراب: علّة، جذم _ كعني _ فهو مجذوم ومجذّم وأجذَمُ . انتهى (2).

وعليك بالتأمّل الوافي في تطبيق عبارة الحديث على كلّ من تلك المعاني .

(وغطفان) بالتحريك: حيّ من قيس .

(وشهبلاً) بالشين المعجمة والباء الموحّدة . وفي بعض النسخ بالياء المثنّاة التحتانيّة كأمير أو زبير. وفي بعضها: «سهيلاً» كزبير، بالسين المهملة والياء المثنّاة التحتانيّة، وكأنّه سهيل بن عمرو الذي علّمه المشركون في صلح الحديبيّة، ويجيء قصّته في موضعه إن شاء اللّه تعالى ، و(ذا الأسنان) لقبه، وكأنّه لُقِّب به لطول أسنانه .

(وابني مَليكة بن جريم) (3). بالجيم والراء المهملة. وفي بعض النسخ بالزاء المعجمة. وفي بعضها: «حريم» بالمهملتين.

(وهونة وهوذة) (4). بالذال المعجمة. وفي بعض النسخ بالمهملة. وهما اسمان لرجلين، أو قبيلتين . في القاموس: «الهوذة: القطاة، الجمع: هُوَذ، ورجل معروف» (5). وفي الصحاح: «الهون، بالضمّ: الهَوان. وهُون بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مُضَر: أخو كنانة وأسد» (6).

ص: 626


1- الصحاح ، ج 5 ، ص 1884 (جذم)
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 88 (جذم) مع اختلاف يسير وتلخيص
3- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقاً: «جزيم»
4- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقاً: «وهوذة وهونة»
5- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 361 (هوذ)
6- الصحاح ، ج 6 ، ص 2218 (هون)

فهرس المطالب

الصورة

ص: 627

الصورة

ص: 628

الصورة

ص: 629

الصورة

ص: 630

المجلد 2

هویة الکتاب

سرشناسه : قارياغدي، محمدحسين، توشيحگر

عنوان قراردادي : الكافي. روضه. شرح

عنوان و نام پديدآور : البضاعةالمزجاة: شرح كتاب الروضه من الكافي/ محمدحسين قارياغدي ؛ تحقيق حميد الاحمدي الجلفائي.

مشخصات نشر : قم: موسسه دارالحديث العلميه والثقافيه، مركز للطباعه والنشر؛ تهران: كتابخانه٬ موزه و مركز اسناد مجلس شوراي اسلامي،1430ق.= 1388 -

مشخصات ظاهري : ج.

فروست : الشروح والحواشي علي الكافي؛ 14.

مركز بحوث دارالحديث؛ 156.

مجموعه آثارالموتمرالدولي الذكري ثقةالاسلام الكليني(ره)؛ 24 ، 25

شابك : دوره: 978-964-493-329-5 ؛ 70000 ريال: ج. 1 : 978-964-493-319-6

يادداشت : عربي.

يادداشت : كتاب حاضر شرحي بر كتاب "اصول الكافي" تاليف "محمدبن يعقوب كليني" است.

يادداشت : كتابنامه.

عنوان ديگر : شرح كتاب الروضه من الكافي.

موضوع : كليني، محمد بن يعقوب - 329ق. . الكافي. روضه -- نقد و تفسير

موضوع : احاديث شيعه -- قرن 4ق.

شناسه افزوده : احمدي جلفايي، حميد، 1357 -

شناسه افزوده : كليني، محمد بن يعقوب - 329ق. . الكافي. روضه. شرح

شناسه افزوده : ايران. مجلس شوراي اسلامي. كتابخانه، موزه و مركز اسناد

شناسه افزوده : دار الحديث. مركز چاپ و نشر

رده بندي كنگره : BP129/ك8ك240216 1388

رده بندي ديويي : 297/212

شماره كتابشناسي ملي : 1852989

ص: 1

اشاره

مرکز البحوث

موسسة دارالحديث العلمیة الثقافیة

ص: 2

البضاعَةُ الْمُزْجَاةُ

(شرح کتاب الروضة من الكافي)

مُحَمَّدْ حُسَيْنُ بْنُ قَارُ يَا غَدِي

(م 1089 ق.)

المجلد الثانی

تَحْقِيقُ

حَمِيدِ الْأَحْمَدِي الْجُلْفَائِيِّ

مجموعة آثار المؤتمر الدولي لذكرى الشيخ ثقة الإسلام الكليني - ٢٤

ص: 3

البضاعة المزجاة /

محمد حسين بن قارياغدي

تحقيق : حميد الأحمدي الجلفائي

الإخراج الفنى : محمد كريم صالحي ، مجيد بابكي

الناشر : دار الحديث للطباعة والنشر

الطبعة : الأولى ، ١٤٢٩ ق / ١٣٨٧ ش

المطبعة : دار الحديث

الكمية : ؟؟؟؟

الثمن : ؟؟؟؟

دار الحديث للطباعة والنشر

مؤسسة دار الحديث العلمية الثقافية

دارالحديث للطباعة والنشر : قم ، شارع معلّم ، قرب ساحة الشهداء ، الرقم ١٢٥

الهاتف : ٠٢١٧٧٤١٦٥٠ - ٠٢٥١٧٧٤٠٥٢٣ ص ب : ٤٤٦٨ / ٣٧١٨٥

hadith@hadith.net

http://www.hadith.net

ص: 4

ص: 1

ص: 2

ص: 3

ص: 4

متن الحديث الثامن والعشرين

اشارة

[بسم اللّه الرحمن الرحيم]

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى، عَنْ يُونُسَ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:

«إِنَّ مَوْلًى لأمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام سَأَلَهُ مَالاً، فَقَالَ: يَخْرُجُ عَطَائِي، فَأُقَاسِمُكَ هُوَ. فَقَالَ: لَا أَكْتَفِي، وَخَرَجَ إِلى مُعَاوِيَةَ، فَوَصَلَهُ، فَكَتَبَ إِلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يُخْبِرُهُ بِمَا أَصَابَ مِنَ الْمَالِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام :

أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ مَا فِي يَدِكَ مِنَ الْمَالِ قَدْ كَانَ لَهُ أَهْلٌ قَبْلَكَ، وَهُوَ صَائِرٌ إِلى أَهْلِهِ (1) بَعْدَكَ، وَإِنَّمَا لَكَ مِنْهُ مَا مَهَّدْتَ لِنَفْسِكَ، فَآثِرْ نَفْسَكَ عَلى صَلَاحِ وُلْدِكَ، فَإِنَّمَا أَنْتَ جَامِعٌ لأحَدِ رَجُلَيْنِ: إِمَّا رَجُلٌ عَمِلَ فِيهِ بِطَاعَةِ اللّهِ، فَسَعِدَ (2) بِمَا شَقِيتَ بِهِ (3) ، وَإِمَّا رَجُلٌ عَمِلَ فِيهِ بِمَعْصِيَةِ اللّهِ فَشَقِيَ (4) بِمَا جَمَعْتَ لَهُ، وَلَيْسَ مِنْ هذَيْنِ أَحَدٌ بِأَهْلٍ أَنْ تُؤْثِرَهُ عَلى نَفْسِكَ، وَلَا تُبَرِّدَ لَهُ عَلى ظَهْرِكَ، فَارْجُ لِمَنْ مَضى رَحْمَةَ اللّهِ، وَثِقْ لِمَنْ بَقِيَ بِرِزْقِ اللّهِ».

شرح الحديث

السند مرسل، أو ضعيف .

قوله عليه السلام : (يخرج عطائي) ؛ لعلّ إضافة العطاء إلى نفسه بأدنى ملابسة . والمراد بالخروج الحصول والوصول .

ص: 5


1- .في الطبعة الجديدة وجميع النسخ التي قوبلت فيها والبحار، ج 41 ، ص 117: «أهل» .
2- .في الحاشية عن بعض النسخ: «فيسعد».
3- .في النسخة: «به» مرمّز ب «خ»، ولم يرد في الطبعتين.
4- .في الحاشية عن بعض النسخ: «فيشقى».

(فاُقاسمك هو) .

يُقال : قاسمه الشيء، إذا أخذ كلّ قِسمةٍ . والضمير المرفوع نائب مناب المنصوب، ومرجعه العطاء ، وقيام بعض الضمائر مقام بعض شائع ذائع ، وصرّح بجوازه أهل العربيّة ، وبهذا ظهر فساد ما قيل من أنّ الظاهر : «فاُقاسمك»، ولعلّه تصحيف . (1) انتهى .

وقوله : (فوصله) أي أعطاه مالاً .

وقوله : (مهّدتَ) .

في الصحاح: «تمهيد الأمر: إصلاحهُ» . (2)

وقوله : (فآثر نفسك) بمدّ الألف، من الإيثار، وهو الاختيار ؛ أي اختر صلاح نفسك في كسب المال وجمعه وإنفاقه .

(على صلاح وُلدك) .

فلا تتجاوز في كسبه وجمعه حدّ الاقتصاد، وما تعيش به في حياتك؛ فإنّك إن جمعته لهم ، (فإنّما أنت جامع) ما جمعته من المال (لأحد رَجلين) أي لأحد صنفين من أصناف الوَرَثَة. وهذا كالتعليل للإيثار .

(إمّا رجل) بالرفع على أنّه خبر مبتدأ محذوف ؛ أي أحدهما رجل. وجرّه على أنّه بدل تفصيليّ من «رجلين» احتمال .

وعلى التقديرين كلمة «إمّا» هذه ليست بعاطفة، بل جيء بها للتنبيه على الشكّ في أوّل الكلام؛ إذ لو كانت عاطفة لما تقدّمت على المعطوف، وإنّما العاطفة «إمّا» الثانية .

وأنكر بعض النحاة كون الثانية أيضا للعطف؛ مستدلّاً بدخول الواو العاطفة عليها ، فلو كانت هي أيضا للعطف يلزم إيراد عاطفين معا، فيكون أحدهما لغوا .

واُجيب بأنّ الواو الداخلة على «إمّا» الثانية لعطفها على «إمّا» الاُولى، وإمّا الثانية لعطف ما بعدها على ما بعد الاُولى، ففيها فائدة اُخرى .

ص: 6


1- .الظاهر أنّ الشارح رحمه الله قد أشار بهذا إلى قول العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 169 ، لكن أخطأ في ذلك ؛ لأنّ ما أثبت العلّامة رحمه الله في المتن هو : «فاُقاسمك» ، ثمّ استظهره «فاُقاسمكه» واحتمل أنّه تصحيف . ويحتمل أنّ الشارح رحمه الله قد رأى في نسخة من المرآة _ التي كانت عنده _ كما نقله ، واللّه العالم .
2- .الصحاح ، ج 2 ، ص 541 (مهد) مع اختلاف في الألفاظ .

(عمل فيه) أي فيما جمعت له .

(بطاعة اللّه ) ؛ بإنفاقه فيها .

(فسعد بما شقيت به) . (1)

الباء في الموضعين للسببيّة . أمّا سعادة ذلك الرجل فلأنّه أصاب مالاً بلا كسب ومشقّة وكدٍّ، وهو سعادة الدنيا؛ وأنفقه في الطاعة، وهو سعادة العُقبى؛ فجمع به بين السعادتين . وأمّا شقاء مَن جَمَع له فظاهرٌ إن جَمَع من الحرام، أو من الحلال ولم يخرج حقوقه، بل وإن أخرجها أيضا؛ لأنّه ضيّع أوقاته في جمع ما لا حاجة له إليه، ويرى ثوابه في ميزان غيره مع ما له من العقاب على بعض الوجوه .

وقوله : (وليس من هذين) أي من ذينك الرجلين .

(أحدٌ بأهل أن تؤثره على نفسك) ؛ كأنّه ناظر إلى الأوّل من شقّي الترديد .

وقوله : (ولا تُبرّد له على ظَهرك) ناظر إلى الثاني منهما .

قال الجوهري : البرد: نقيض الحرّ. وقد برد الشيء _ بالضمّ _ وبردته أنا، فهو مبرود. وبرّدته تبريدا . ولا يُقال: أبردته إلّا في لغةٍ رديئة. وسقيته شربةً بردتُ فؤاده، تبرده بَرْدا . وقولهم : لا تبرد عن فلان ؛ أي إن ظلمك فلا تشتمه، فتنقص من إثمه . ويقال : ما برد لك على فلان ؛ أي ما ثبت ووجب. وبرد لي عليه كذا من المال، ولي عليه ألفٌ بارد، وسموم بارد؛ أي ثابت لا يزول . (2)

وفي القاموس: «عيشٌ باردٌ؛ أي هنيء» . (3)

وفي النهاية : «الصوم في الشتاء غنيمة باردة ؛ أي لا تعب فيه ولا مشقّة، وكلّ محبوب عندهم بارد» انتهى . (4)

والظاهر أنّ «لا تبرّد» عطف على «تؤثره». و«لا» مزيدة لتأكيد النفي .

قيل : والمعنى: ليس أحد هذين بأهل أن تثبت له مالاً أو ثِقلاً أو وزرا على ظهرك . (5) وكأنّ

ص: 7


1- .في كلتا الطبعتين ومعظم نسخ الكافي : _ «به».
2- .الصحاح ، ج 2 ، ص 445 و 446 (برد) مع تلخيص .
3- .القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 277 (برد) .
4- .النهاية ، ج 1 ، ص 115 (برد) .
5- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 404 .

مراد هذا القائل أنّ «لا تبرّد» من البرد بمعنى الثبوت والوجوب والغنيمة الثابتة المستقرّة .

وأنت خبير بعد ما تلونا عليك من كلام أهل اللغة أنّ البرد بهذا المعنى لازم، وتوجيه هذا القائل إنّما يصحّ على تقدير كونه متعدّيا، وليس، فليس. فالصواب أن يُراد بالبرد أو التبريد إيصال الخفض والدعة وإزالة المشقّة ؛ يعني لا تحمل له على ظهرك التعب والمشقّة ، وتوريثه ليستريح هو، ويحصل لك مع المشقّة في الدنيا العقوبة في العقبى.

وفي نهج البلاغة: «ولا [أن] تحمل له على ظهرك». وفي بعض نسخه: «وتحمل» بدون «لا». (1) قال بعض شارحيه: «لا تحمل، عطف على «تؤثره»؛ أي وأن لا تحمل ثقلاً لأجله على ظهرك». (2) (فارجُ لمن مضى) من أولادك، أو مطلق أقاربك. (رحمة) نصب على المفعول من «ارج». وقوله: (ثِق) أمر من الوثوق، وهو الإتيان والاعتماد.

متن الحديث التاسع والعشرين (كلام عليّ بن الحسين عليه السلام )

اشارة

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى؛ وَ (3) عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ جَمِيعا، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ غَالِبٍ الْأَسَدِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، قَالَ:

كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام يَعِظُ النَّاسَ، وَيُزَهِّدُهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَيُرَغِّبُهُمْ فِي أَعْمَالِ الْاخِرَةِ بِهذَا الْكَلَامِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَحُفِظَ عَنْهُ، وَكُتِبَ، كَانَ يَقُولُ:

«أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّقُوا اللّهَ، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، فَتَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ فِي هذِهِ الدُّنْيَا مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرا، «وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدا بَعِيدا وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ» . (4)

وَيْحَكَ يَا ابْنَ آدَمَ الْغَافِلَ، وَلَيْسَ بِمَغْفُولٍ عَنْهُ! يَا (5) ابْنَ آدَمَ إِنَّ أَجَلَكَ أَسْرَعُ شَيْءٍ إِلَيْكَ، قَدْ أَقْبَلَ

ص: 8


1- .اُنظر : نهج البلاغة ، ص 549 ، الكلام 416 .
2- .نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 404 و 405، ولم نعثر على قائله.
3- .في السند تحويل بعطف طبقتين على طبقتين .
4- .آل عمران (3) : 30 .
5- .في الطبعة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها و شرح المازندراني والأمالي للصدوق ، ص 503 ، المجلس 76 ، ح 1 : _ «يا» .

نَحْوَكَ حَثِيثا يَطْلُبُكَ، وَيُوشِكُ أَنْ يُدْرِكَكَ، وَكَأَنْ قَدْ أَوْفَيْتَ أَجَلَكَ، وَقَبَضَ الْمَلَكُ رُوحَكَ، وَصِرْتَ إِلى قَبْرِكَ وَحِيدا، فَرَدَّ إِلَيْكَ فِيهِ رُوحَكَ، وَاقْتَحَمَ عَلَيْكَ (1) مَلَكَانِ: نَاكِرٌ وَنَكِيرٌ ؛ لِمُسَاءَلَتِكَ، وَشَدِيدِ امْتِحَانِكَ.

أَلَا وَإِنَّ أَوَّلَ مَا يَسْأَلَانِكَ عَنْ رَبِّكَ الَّذِي كُنْتَ تَعْبُدُهُ، وَعَنْ نَبِيِّكَ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكَ، وَعَنْ دِينِكَ الَّذِي كُنْتَ تَدِينُ بِهِ، وَعَنْ كِتَابِكَ الَّذِي كُنْتَ تَتْلُوهُ، وَعَنْ إِمَامِكَ الَّذِي كُنْتَ تَتَوَلَاهُ، ثُمَّ عَنْ عُمُرِكَ فِيمَا كُنْتَ (2) أَفْنَيْتَهُ، وَمَالِكَ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبْتَهُ، وَفِيمَا (3) أَنْفَقْتَهُ، فَخُذْ حِذْرَكَ، وَانْظُرْ لِنَفْسِكَ، وَأَعِدَّ الْجَوَابَ قَبْلَ الأْتِحَانِ وَالْمُسَاءَلَةِ وَالأْتِبَارِ؛ فَإِنْ تَكُ مُؤْمِنا عَارِفا بِدِينِكَ ، مُتَّبِعا لِلصَّادِقِينَ ، مُوَالِيا لِأَوْلِيَاءِ اللّهِ، لَقَّاكَ اللّهُ حُجَّتَكَ، وَأَنْطَقَ لِسَانَكَ بِالصَّوَابِ، وَأَحْسَنْتَ الْجَوَابَ، وَبُشِّرْتَ بِالرِّضْوَانِ وَالْجَنَّةِ مِنَ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَاسْتَقْبَلَتْكَ الْمَلَائِكَةُ بِالرَّوْحِ وَالرَّيْحَانِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَذلِكَ تَلَجْلَجَ لِسَانُكَ، وَدُحِضَتْ حُجَّتُكَ، وَعَيِيتَ عَنِ الْجَوَابِ، وَبُشِّرْتَ بِالنَّارِ، وَاسْتَقْبَلَتْكَ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ بِنُزُلٍ مِنْ حَمِيمٍ، وَتَصْلِيَةِ جَحِيمٍ.

وَاعْلَمْ يَا ابْنَ آدَمَ، أَنَّ مِنْ وَرَاءِ هذَا أَعْظَمَ وَأَفْظَعَ وَأَوْجَعَ لِلْقُلُوبِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، «ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ» (4) ، يَجْمَعُ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ فِيهِ الْأَوَّلِينَ وَالْاخِرِينَ، ذلِكَ يَوْمٌ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ، وَتُبَعْثَرُ فِيهِ الْقُبُورُ، وَذلِكَ يَوْمُ الْازِفَةِ؛ «إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ» (5) ، وَذلِكَ يَوْمٌ لَا تُقَالُ فِيهِ عَثْرَةٌ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ أَحَدٍ فِدْيَةٌ، وَلَا تُقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ مَعْذِرَةٌ، وَلَا لأحَدٍ فِيهِ مُسْتَقْبَلُ تَوْبَةٍ، لَيْسَ إِلَا الْجَزَاءُ بِالْحَسَنَاتِ، وَالْجَزَاءُ بِالسَّيِّئَاتِ، فَمَنْ كَانَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ عَمِلَ فِي هذِهِ الدُّنْيَا مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ وَجَدَهُ، وَمَنْ كَانَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ عَمِلَ فِي هذِهِ الدُّنْيَا مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ شَرٍّ وَجَدَهُ.

فَاحْذَرُوا أَيُّهَا النَّاسُ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي مَا قَدْ نَهَاكُمُ اللّهُ عَنْهَا، وَحَذَّرَكُمُوهَا فِي كِتَابِهِ الصَّادِقِ، وَالْبَيَانِ النَّاطِق.

فَلَا (6) تَأْمَنُوا مَكْرَ اللّهِ وَتَحْذِيرَهُ وَتَهْدِيدَهُ عِنْدَ مَا يَدْعُوكُمُ الشَّيْطَانُ اللَّعِينُ إِلَيْهِ مِنْ عَاجِلِ

ص: 9


1- .في كلتا الطبعتين للكافي : + «فيه» .
2- .في الطبعة الجديدة وأكثر النسخ التي قوبلت فيها والوافي: - «كنت» .
3- .في الطبعة القديمة : + «أنت» .
4- .هود (11) : 103 .
5- .غافر (40) : 18 .
6- .في حاشية النسخة عن بعض النسخ وفي كلتا الطبعتين للكافي: «و لا».

الشَّهَوَاتِ وَاللَّذَّاتِ فِي هذِهِ الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ يَقُولُ: «إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ» . (1)

وَأَشْعِرُوا قُلُوبَكُمْ خَوْفَ اللّهِ، وَتَذَكَّرُوا مَا قَدْ وَعَدَكُمُ اللّهُ فِي مَرْجِعُكُمْ إِلَيْهِ مِنْ حُسْنِ ثَوَابِهِ، كَمَا قَدْ خَوَّفَكُمْ مِنْ شَدِيدِ الْعِقَابِ؛ فَإِنَّهُ مَنْ خَافَ شَيْئا حَذِرَهُ، وَمَنْ حَذِرَ شَيْئا تَرَكَهُ.

وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْغَافِلِينَ الْمَائِلِينَ إِلى زَهْرَةِ الدُّنْيَا، الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ؛ فَإِنَّ اللّهَ يَقُولُ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ: «أَ فَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ» (2) ، أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ.

فَاحْذَرُوا مَا حَذَّرَكُمُ اللّهُ بِمَا فَعَلَ بِالظَّلَمَةِ فِي كِتَابِهِ، وَلَا تَأْمَنُوا أَنْ يُنْزِلَ بِكُمْ بَعْضَ مَا تَوَاعَدَ بِهِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ فِي الْكِتَابِ.

وَاللّهِ (3) لَقَدْ وَعَظَكُمُ اللّهُ فِي كِتَابِهِ بِغَيْرِكُمْ؛ فَإِنَّ السَّعِيدَ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ، وَلَقَدْ أَسْمَعَكُمُ اللّهُ فِي كِتَابِهِ مَا قَدْ فَعَلَ بِالْقَوْمِ الظَّالِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْقُرى قَبْلَكُمْ، حَيْثُ قَالَ: «وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً» ، وَإِنَّمَا عَنى بِالْقَرْيَةِ أَهْلَهَا، حَيْثُ يَقُولُ: «وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْما آخَرِينَ» (4) ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: «فَلَمّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ» (5) ؛ يَعْنِي يَهْرُبُونَ.

قَالَ: «لاتَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ» (6) فَلَمَّا أَتَاهُمُ الْعَذَابُ «قالُوا يا وَيْلَنا إِنّا كُنّا ظالِمِينَ * فَما زاَلَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتّى جَعَلْناهُمْ حَصِيدا خامِدِينَ» (7) ، وَايْمُ اللّهِ إِنَّ هذِهِ عِظَةٌ لَكُمْ، وَتَخْوِيفٌ إِنِ اتَّعَظْتُمْ وَخِفْتُمْ.

ثُمَّ رَجَعَ الْقَوْلُ مِنَ اللّهِ فِي الْكِتَابِ عَلى أَهْلِ الْمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: «وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنّا كُنّا ظالِمِينَ» (8) ، فَإِنْ قُلْتُمْ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ إِنَّمَا عَنى بِهذَا أَهْلَ الشِّرْكِ، فَكَيْفَ ذلِكَ، وَهُوَ يَقُولُ: «وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئا وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ» (9) .

ص: 10


1- .الأعراف (7) : 201 .
2- .النحل (16) : 45 .
3- .في حاشية النسخة عن بعض النسخ: «تاللّه ».
4- .الأنبياء (21) : 11 .
5- .الأنبياء (21) : 12 .
6- .الأنبياء (21) : 13 .
7- .الأنبياء (21) : 14 و 15 .
8- .الأنبياء (21) : 46 .
9- .الأنبياء (21) : 47 .

اعْلَمُوا عِبَادَ اللّهِ أَنَّ أَهْلَ الشِّرْكِ لَا يُنْصَبُ لَهُمُ الْمَوَازِينُ، وَلَا يُنْشَرُ [لَهُمُ] الدَّوَاوِينُ، وَإِنَّمَا يُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ زُمَرا، وَإِنَّمَا نَصْبُ الْمَوَازِينِ وَنَشْرُ الدَّوَاوِينِ لأهْلِ الْاءِسْلَامِ.

فَاتَّقُوا اللّهَ عِبَادَ اللّهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ لَمْ يُحِبَّ زَهْرَةَ الدُّنْيَا وَعَاجِلَهَا لأحَدٍ مِنْ أَوْلِيَائِهِ، وَلَمْ يُرَغِّبْهُمْ فِيهَا وَفِي عَاجِلِ زَهْرَتِهَا وَظَاهِرِ بَهْجَتِهَا، وَإِنَّمَا خَلَقَ الدُّنْيَا وَخَلَقَ أَهْلَهَا لِيَبْلُوَهُمْ فِيهَا أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً لِاِخِرَتِهِ، وَايْمُ اللّهِ لَقَدْ ضَرَبَ لَكُمْ فِيهِ الْأَمْثَالَ، وَصَرَّفَ الْايَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ، وَلَا قُوَّةَ إِلَا بِاللّهِ.

فَازْهَدُوا فِيمَا زَهَّدَكُمُ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ فِيهِ مِنْ عَاجِلِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ يَقُولُ وَقَوْلُهُ الْحَقُّ: «إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمّا يَأْكُلُ النّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهارا فَجَعَلْناها حَصِيدا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْاياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» . (1)

فَكُونُوا عِبَادَ اللّهِ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ يَتَفَكَّرُونَ، وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ قَالَ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله : «وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ» . (2)

وَلَا تَرْكَنُوا إِلى زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا رُكُونَ مَنِ اتَّخَذَهَا دَارَ قَرَارٍ وَمَنْزِلَ اسْتِيطَانٍ؛ فَإِنَّهَا دَارُ بُلْغَةٍ، وَمَنْزِلُ قُلْعَةٍ، وَدَارُ عَمَلٍ.

فَتَزَوَّدُوا الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ فِيهَا قَبْلَ تَفَرُّقِ أَيَّامِهَا، وَقَبْلَ الْاءِذْنِ مِنَ اللّهِ فِي خَرَابِهَا، فَكَانَ قَدْ أَخْرَبَهَا الَّذِي عَمَرَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَابْتَدَأَهَا، وَهُوَ وَلِيُّ مِيرَاثِهَا.

فَأَسْأَلُ اللّهَ الْعَوْنَ لَنَا وَلَكُمْ عَلى تَزَوُّدِ التَّقْوى وَالزُّهْدِ فِيهَا، جَعَلَنَا اللّهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ الزَّاهِدِينَ فِي عَاجِلِ زَهْرَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، الرَّاغِبِينَ لآِجِلِ ثَوَابِ الْاخِرَةِ، فَإِنَّمَا نَحْنُ بِهِ وَلَهُ، وَصَلَّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَآلِهِ، وَسَلَّمَ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ».

شرح الحديث

السند مجهول . قوله : (يعظ الناس) ؛ الوعظ والعِظة: النصح . والاسم: الموعظة. والفعل كوَعَدَ .

ص: 11


1- .يونس (10) : 24 .
2- .هود (11) : 113.

وقيل : الوعظ: الأمر بالطاعة والوصيّة بها . وقيل : هو تذكير مشتمل على زجر وتخويف، وحَمْل على طاعة اللّه بلفظ يرقّ له القلب (1).

وقوله : (فتجد كلّ نفس) إلى آخره ، إشارة إلى قوله تعالى : «يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدا بَعِيدا وَيُحَذِّرُكُمْ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ» (2).

قال البيضاوي : «يَوْمَ» منصوب ب «تَوَدُّ» ؛ أي يتمنّى كلّ نفس يومَ تجد صحائف أعمالها، أو جزاء أعمالها من الخير والشرّ حاضرة، لو أنّ بينها وبين ذلك اليوم وهَوْله «أَمَدا بَعِيدا» . أو بمضمرٍ، نحو اُذكر . و «تَوَدُّ» حال من الضمير في «عملت»، أو خبر ل «مَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ» . و«تجد» مقصور على «مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ» . ولا تكون «ما» شرطيّة؛ لارتفاع «تودّ»، وقرئ: «ودّت» ، وعلى هذا تصحّ أن تكون شرطيّة، ولكنّ الحمل على الخبر أوقع معنى؛ لأنّه حكاية كائن، وأوفق للقراءة المشهورة . انتهى (3).

وقيل : التقدير في قوله : «وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ» ؛ أي «محضرا» حذف للاختصار، ولدلالة العطف وما بعده عليه . و«من» مزيدة للمبالغة في عموم الخير والسوء لجميع الأفراد وإن صغر .

وقوله : «تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدا بَعِيدا» استئناف، أو حال عن فاعل «عملت» . و«لو» للتمنّي، وللمبالغة فيه. وضمير التأنيث للنفس، وضمير التذكير ل «يوم»، أول «سوء» على احتمال (4). إلى هاهنا كلام القائل .

وعلى ما ذكره البيضاوي فلا حذف في قوله : «وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ» .

«وَيُحَذِّرُكُمْ اللّهُ نَفْسَهُ» ؛ فلا تتعرّضوا لسخطه بمخالفة أحكامه وأوليائه، وموالاة أعدائه .

وهو تهديد عظيم مُشعر بتناهي المنهيّ عنه في القبح، وذكر «النفس» ليعلم أنّ المحذّر منه عقاب يصدر منه، فلا يؤوبه دونه بما يحذّر من الكفرة .

ص: 12


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 405
2- آل عمران (3) : 30
3- تفسير البيضاوي، ج 2 ، ص 26 و 27
4- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 405

(ويحك (1) ابن آدم الغافل)؛ منصوب على أنّه صفة ابن آدم ؛ أي الغافل عمّا يُراد منه ويفعل به .

(وليس بمغفول عنه) ؛ لعلمه تعالى بما يصدر عنه ، بل بما يخطر بباله ، مع أنّ عليه من الحافظين كراما كاتبين، يعملون ما يفعل .

(إنّ أجلك أسرعُ شيء إليك) .

في القاموس: «الأجل، محرّكة: غاية الوقت في الموت، ومدّة الشيء» (2) والظاهر هنا المعنى الأوّل . وقيل : الثاني ، كالمسافة للأوّل، والإنسان يقطعها بأقدام الآنات والأنفاس، فبمرور كلّ آنٍ ونَفَسٍ يقرب منه، وليس شيء أسرع من مرورهما (3).

وقوله : (حثيثا) أي مُسرِعا حريصا .

(ويوشِك أن يدركك) أي الأجل؛ لأنّ الطالب السريع في الزمان اليسير والمسافة القليلة كان قريب الوصول وسريع الحصول .

وفيه تذكير للموت، وترغيب فيما ينفع من العمل لما بعده آنا فآنا، لئلّا تكون ميتة على غير عُدّة .

(وكأن قد أوفيتَ أجلك) .

الظاهر أنّ «كأن» مخفّف «كأنّ». واحتمال كونه من الأفعال الناقصة بعيد .

و«أوفيت» على بناء الفاعل، أو المفعول . قال الفيروزآبادي : «وفى الشيء: تمّ وكثر . وأوفى فلانا حقّه: أعطاه وافيا . وأوفيت القوم: أتيتهم . وأوفى عليه: أشرف» (4).

(وقبض المَلك روحَك) .

«ملك» بفتح اللّام؛ أي ملك الموت. أو بكسرها؛ أي ملك الملوك تعالى شأنه (5).

وقوله : (وحيدا) أي متفرّدا بلا رفيق ولا أنيس من معارفك وأقربائك . يُقال : رجلٌ وَحَدٌ

ص: 13


1- في المتن الذي ضبطه الشارح رحمه اللهسابقا : + «يا»
2- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 327 (أجل)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 406
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 401 (وفي)
5- قال المحقّق المازندراني رحمه الله : «إمّا بسهولة ، أو بصعوبة باعتبار التفاوت في الإيمان والأخلاق والأعمال ، ولا يبعد أن يجعل هذا وجه الجمع بين الروايات المختلفة في صعوبة قبض الروح وسهولته»

وأحَدٌ _ محرّكتين _ ووحيدٌ ومتوحّد؛ أي متفرّد .

(فردّ إليك فيه) أي في القبر (روحك).

(واقتحم) أي دخل فجأةً، أو عُنقا . يُقال : اقتحم النهر ؛ أي دخله . واقتحم المنزل، إذا هجمه .

(عليك (1) مَلكان: ناكرٌ ونكير) عطف بيان، أو بدل من ملكين .

والمشهور فيهما: مُنكرٌ ونكير . قال في القاموس: «مُنكر ونكير: فتّانا القبور»(2) وقال : «فَتَنه يَفْتِنُهُ: أوقعه في الفتنة . والفتّان: اللصّ ، ومنكر ونكير» (3).

وقوله : (امتحانك) أي اختبارك في العقائد والأعمال .

وقوله : (ثمّ عن عُمُرك فيما أفنيته) إلى آخره .

في بعض النسخ: «فيما كنت أفنيته» . وفيه دلالة على أنّه يسأل في القبر عن الأعمال أيضا .

(فخُذ حِذْرك) .

في القاموس: «الحِذر، بالكسر، ويُحرّك: الاحتراز» (4) وقال الزمخشري في قوله تعالى : «خُذُوا حِذْرَكُم» : (5).

الحِذر والحَذَر بمعنى، كالإثر والأثَر . يُقال : أخذ حذره، إذا تيقّظ واحترز من المخوف، كأنّه جعل الحذر آلتَهُ التي يقي بها نفسه، ويعصم بها رُوحَه . انتهى (6).

وظاهر أنّه لا يحصل ذلك إلّا بمحاسبة النفس قبل الموت، وحملها على فعل ما ينبغي، وترك ما لا ينبغي ، كما أشار إليه بقوله : (وانظر لنفسك) إلى آخره .

النظر، محرّكة: الفكر في الشيء يقدّره ويقيسه، والفعل منه كنصر.

وكان ذكر الاختبار بعد الامتحان للمبالغة والتأكيد .

وقيل : فيه إشعار بأنّ سؤالهما إنّما هو للاختبار والامتحان، والتنبيه على الخطأ والصواب؛

ص: 14


1- في الطبعتين للكافي : + «فيه»
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 148 (فتن)
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 255 (فتن)
4- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 6 (حذر)
5- .النساء (4) : 71 و102
6- تفسيرالبيضاوي ، ج 3 ، ص 302 (مع اختلاف يسير)

ليترتّب عليه الثواب أو العقاب ، وقد جرى قضاء اللّه تعالى وحكمته على اختبار الخلائق في بَدوِ التكليف إلى أن يستقرّوا في دار القرار أو البوار (1).

وقوله : (لقّاك اللّه حجّتك) أي استقبل بها إليك، ولقّنها، وأفاضها عليك، وألهمكَ إيّاها .

وفي القاموس : «لقّاه الشيء: ألقاه إليه. «وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ» (2). : يُلقى إليك وحيا من اللّه » (3).

والحجّة: البرهان . والمراد هنا العقائد الحقّة، والأعمال الصالحة .

وقوله : (وأحسنتَ الجواب) .

قال الجوهري : «هو يُحسِنُ الشيء؛ أي يَعْلَمُهُ» (4).

(وبُشّرت بالرضوان) .

البشارة والبُشرى: الخبر السارّ . والمراد بالرضوان رضاء اللّه وجنّته . قال الجوهري : «بشّرني بوجهٍ حَسَنٍ؛ أي لقيني. [هو] حَسَنُ البِشر : طَلِقُ الوجه» (5) . وقال : «الرِضوان: الرضا، وكذلك الرُّضْوان بالضمّ . ورضيت عنه رضى _ مقصورٌ _ مصدر محض . والاسم: الرضاء، ممدود» (6). انتهى .

وقيل : الرضا والرضوان _ بالكسر والضمّ _ ضدّ السخط ، إلّا أنّ الرضا لغة أهل الحجاز، والرضوان لغة قيس وتميم (7).

وقوله : (بالرَّوح والريحان) .

في القاموس: «الروح، بالضمّ: ما به حياة الأنفس، والوحي، وحكم اللّه وأمره . وبالفتح: الراحة، والرحمة، ونسيم الرِّيح . وبالتحريك: السعة . والريحان: نبت طيّب الرائحة والرزق» (8).

وقال الجوهري : «رَوحٌ وريحان؛ أي رحمةٌ ورزق» (9).

ص: 15


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 407
2- .النمل (27) : 6
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 386 (لقي)
4- الصحاح ، ج 5 ، ص 2099 (حسن)
5- .الصحاح ، ج 2 ، ص 590 (بشر)
6- .الصحاح ، ج 6 ، ص 2357 (رضا) مع تلخيص
7- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 407 و 408
8- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 224 (روح) مع التلخيص
9- الصحاح ، ج 1 ، ص 368 (روح)

وأقول : إن قرئ هنا «الروح» بالضمّ، فالمراد الحياة الأبديّة، وحكمه تعالى بالبقاء والسعادة .

وقوله : (تلجلج لسانُك، ودُحضت حجّتُك) .

التلجلج: التردّد في الكلام . ودحضت الحجّة _ كمنع _ دحوضا؛ أي بطلت .

(وعَييتَ) بصيغة الخطاب؛ أي عجزت .

(عن الجواب) .

في القاموس: «عَييَ بالأمر _ كرضي _ : لم يهتدِ لوجه مراده، أو عجز عنه ، ولم يطق إحكامه . وعَيِيَ في المنطق _ كرضي _ عيّا: حَصَرَ» (1).

(وبُشّرتَ بالنّار) من باب التهكّم .

وقوله : (بنُزُلٍ من حميم، وتَصلية جحيم) .

النُّزُل، بالضمّ وبضمّتين: ما هُيّئ للضيف أن ينزل عليه، والطعام ذو البركة، والفضل، والعطاء . وإطلاقه هنا أيضا من باب التهكّم .

والمراد بالحميم: الشراب المغلّى في قدور جهنّم . قال الجوهري : «الحميم: الماء الحارّ، والمطر الذي يأتي في شدّة الحرّ . والحميم: العَرَق» (2).

وقال : «الجحيم: [اسم] من أسماء النار، وكلّ نار عظيمة في مَهواةٍ (3) فهي (4) جحيم» (5).

وفي القاموس : «الجحيم: النار الشديد التأجّج ، وكلّ نار بعضها فوق بعض ، والمكان الشديد الحرّ»(6).

وفيه: «صلّاه تصلية ؛ أي ألقاه في النار للإحراق» (7).

قال البيضاوي : «وذلك ما يجد في القبر من سموم النار ودخانها» (8).

وقوله : (من وراء هذا) إشارة إلى ما ذكر من قوله : «وقبض الملك» إلى قوله : «وتصلية جحيم» .

ص: 16


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 368 (عيي)
2- الصحاح ، ج 5 ، ص 1905 (حمم)
3- في الحاشية: «المَهواة : ما بين الجبلين ونحو ذلك»
4- في النسخة : «فهو»
5- الصحاح ، ج 5 ، ص 1883 (جحم)
6- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 87 (جحم)
7- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 352 (صلي)
8- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 294

(أعظم وأفظع وأوجع للقلوب يوم القيامة) .

يحتمل نصب «أعظم» وما عطف عليه على أن يكون اسم «إنّ»، و«من وراء» متعلّقا بالثلاثة، و«يوم القيامة» بالرفع خبره، أو بالعكس ، ولعلّه أنسب .

ويحتمل كون الثلاثة اسم «إنّ»، و«من وراء» خبره، و«يوم القيامة» بالرفع، أو بالنصب ، على أن يكون فاعلاً ، أو عطف بيان لها .

قال الجوهري : «فَظُع الأمر _ بالضمّ _ فظاعة، فهو فظيع؛ أي شديد شنيع جاوز المقدار» (1).

وقال : «الوجع: المرض» (2).

«ذَ لِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ» (3).

قال البيضاوي : «ذَ لِكَ» إشارة إلى يوم القيامة، وعذاب الآخرة دلّ عليه . قوله : «مَجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ» ؛ أي يجمع له الناس، والتغيير للدلالة على ثبات معنى الجمع لليوم، وأنّه من شأنه لا محالة، وأنّ الناس لا ينفكّون عنه، فهو أبلغ من قوله : «يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ» ، ومعنى الجمع له الجمع؛ لما فيه من المحاسبة والمجازاة . «وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ» ؛ أي مشهود فيه أهل السماوات والأرضين ، فاتّسع فيه بإجراء الظرف مجرى المفعول، ولو جعل اليوم مشهودا في نفسه لبطل الغرض من تعظيم اليوم وتمييزه؛ فإنّ سائر الأيّام كذلك (4).

وأقول : كونه مشهودا فيه؛ إمّا لأنّه يُشهَدُ فيه على الخلائق بما عملوا ، وإمّا لأنّهم يحضرونه للحساب، والخروج عن عهدة ما كلّفوا به في دار الدنيا .

وقوله : (يجمع اللّه فيه) أي في ذلك اليوم .

(الأوّلين والآخرين) بيان لسابقه .

ويحتمل أن يكون كلّ منهما إضافيّا بالنسبة إلى الآخر .

وقيل : لعلّ المراد بالأوّلين الاُمم السابقة، وبالآخرين هذه الاُمّة (5).

ص: 17


1- الصحاح ، ج 3 ، ص 1259 (فظع)
2- الصحاح ، ج 3 ، ص 1294 (وجع)
3- هود : 103
4- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 261 (مع تلخيص)
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 408

(ذلك يوم) ؛ مبتدأ وخبر .

(ينفخ في الصور) أي ينفخ فيه في الصور، حذف الجارّ بقرينة ما بعده .

قال الجوهري : «الصور: هو القَرْن الذي ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام عند بعث الموتى إلى الحشر» (1).

وقيل : الصُّور جمع صُورَةٍ، يريد صُور الموتى ينفخ فيها الأرواح . والصحيح الأوّل؛ لأنّ الأحاديث تعاضدت عليه تارةً بالصور، وتارةً بالقرن (2).

(وتُبَعثر فيه القبور) .

قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى : «إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ» (3) : «أي بعث» (4)

وقال الجوهري : بعثر الرجل متاعَهُ: قلب بعضه على بعض . ويُقال : بعثرت الشيء، إذا استخرجته وكشفته . وقال أبو عبيدة في قوله تعالى : «بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ» : اُثير واُخرج . قال : وتقول : بعثرت حوضي؛ أي هدمته، وجعلت أسفله أعلاه ، انتهى (5).

والظاهر أنّ «تبعثر» على صيغة المضارع المجهول من الرباعيّ المجرّد . وقيل : يحتمل كونه على صيغة الماضي المعلوم من باب التفعلل على تشبيه القبر بإنسان أكل طعاما، فلم يستقرّ في معدته فردّه(6) . قال في النهاية : «تبعثرت النفس: جاشت، وانقلبت وغثت» (7).

(وذلك يوم الآزفة) إشارة إلى قوله تعالى : «وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْازِفَةِ إِذْ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ» (8) الآية . يُقال: أزِفَ الترحّل أزفا واُزوفا، إذا دنا . والرجل: عجّل. والأزف، محرّكة: الضيق، وسوء العيش .

قال بعض المفسّرين : «الآزفة، صفة القيامة سُمّيت بها لقربها ودنوّها» (9) . وقيل: لضيق عيش أكثر الناس فيها. (10) وقيل : صفة المجازاة .

ص: 18


1- اُنظر : الصحاح ، ج 2 ، ص 716 (صور)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 408
3- العاديات (100) : 9
4- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 521
5- الصحاح ، ج 2 ، ص 593 (بعثر)
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 408
7- . النهاية ، ج 1 ، ص 139 (بعثر)
8- غافر (40) : 18
9- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 88
10- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 408

وقيل : المراد اللحظة الآزفة، وهي مشارفتهم النار . وقيل : يوم الآزفة: يوم الموت، وقت خروج الروح (1).

«إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ» ؛ جمع حَنْجَرَة، وهي الحلقوم .

وقيل : المراد هنا التراقي؛ يعني فارقت قلوبهم أماكنها خوفا، فصارت في حلوقهم، فلا هي تعود إلى أماكنها، فيتروّحوا، ولا تخرج فيستريحوا (2).

«كَ_ظِمِينَ» .

في القاموس: «كَظَمَ غيظه يَكظُمُهُ: ردّه، وحبسه . والباب: أغلقه . والبعير كظوما : أمسك عن الجرّة . ورجلٌ كظيم، ومكظوم: مكروب . وكُظِم _ كعُنِي _ كظُوما: سكت» (3).

قال بعض المفسّرين : معنى كاظمين ساكنين، لا معذرة لهم . وقيل : حابسين الكلام .

وقيل : مُردّدين حزنهم في أجوافهم كجرّة البعير . وقيل : باكين . وقيل : مغمومين (4).

وعلى التقادير نصبه على الحال من مفعول «أنذِر» . وقيل : من «القلوب» بتقدير أصحابها، ولذلك جمعه جمع العقلاء، كقوله : «فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ» (5). (6).

(وذلك يوم لا تُقال فيه عَثرة) .

الإقالة: فسخ البيع، والعفو عن الزلّة . والعثرة: الزلّة . قيل : معنى «أقاله اللّه عثرته» أنّه وافقه في نقض العهد، وأجابه إليه؛ إذ وقع العهد بين العبد وبينه تعالى في أنّه إذا عصاه يُعاقَب، فإذا استقال العاصي في ذلك اليوم، وندم من ذلك العهد، وطلب منه تعالى أن ينقضه ليتخلّص من العقاب، لا يُقال ولا يجاب؛ لأنّ العهد مُبرَم لا ينقض (7).

(ولا تُقبل من أحدٍ معذرة) .

ص: 19


1- اُنظر : تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 88
2- اُنظر : تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 88 ؛ شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 408 و 409
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 172 (كظم)
4- اُنظر : تفسير مجمع البيان ، ج 8 ، ص 433 ؛ تفسير الثعلبي ، ج 8 ، ص 271 ؛ زاد المسير ، ، ج 7 ، ص 37 ؛ فتح القدير للشوكاني ، ج 4 ، ص 486
5- .الشعراء (26) : 4
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 171 . وانظر أيضا : شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 409
7- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 409

قيل : أي عذر لا يكون صاحبه صادقا فيه، أو توبةٌ (1).

وقيل : أي معذرة غير المحقّ، وإلّا فاللّه سبحانه أعدل وأكرم من [أن] لا يقبل معذرة المحقّ . أو المراد: ليس له معذرة في المخالفة حتّى تقبل؛ لأنّه تعالى قطع الأعذار ببعث الرسل، وإنزال الكتب، ونصب الوصيّ ، والهداية إلى سبيله (2).

وقوله : (مُستقبَلُ توبة) بالباء الموحّدة فيما رأيناه من النسخ . وكأنّه مصدر، أو اسم مكان على صيغة اسم المفعول ؛ أي لا يكون لأحد في ذلك اليوم استئناف توبة وإحداثها، أو مكانها ومحلّها .

ويحتمل كونه على صيغة اسم الفاعل؛ أي من يستقبل إلى توبته، ويتوجّه إليها، ويقبلها . وعلى التقديرين يكون مرفوعا على الابتدائيّة ، أو على أنّه اسم «لا»، و«توبة» بالجرّ على الإضافة، واحتمال كون «مستقبل» بالجرّ على أنّه صفة ل «أحد» و«توبة» بالرفع على الابتدائيّة أو الاسميّة بعيد .

وضبطه بعض الشارحين بالياء المثنّاة التحتانيّة ، وقال : «أي ليس لأحدٍ مستقيل طالب الرجوع إلى الدنيا توبة ورجوع إليها؛ ليفعل فيها ما يكفّرها» . وقال : «أو المراد أنّه ليس لطالب غفران الذنب في ذلك اليوم توبة منه؛ لفوات محلّها، وهو الدنيا»(3) .

وقوله : (فمن كان من المؤمنين...) فذلكة، أو تفسير وبيان للفقرة السابقة .

قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى : «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرا يَرَهُ» (4). الآية : ولعلّ حسنة الكافر وسيّئة المجتنب عن الكبائر تؤثّران في نقص الثواب والعقاب .

وقيل : الآية مشروطة بعدم الإحباط والمغفرة، أو من الاُولى مخصوصة بالسعداء، والثانية بالأشقياء . والذرّة: النملة الصغيرة، أو الهباء . انتهى . (5)

وقوله : (من الذنوب والمعاصي ما قد نهاكم) إلى آخره .

قيل : لعلّ قوله : «من الذنوب» بيان للموصول بعده، أو الموصول بدل من «الذنوب» (6).

ص: 20


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 171
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 409
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 409
4- الزلزلة (99) : 7
5- .تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 519 (مع تلخيص)
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 171

وأقول : الظاهر أنّ الموصول صفة للذنوب.

والعطف في قوله : (في كتابه الصادق والبيان الناطق) إمّا للبيان والتفسير، أو يُراد بالمعطوف بيان جبرئيل، أو الرسول، أو أوصيائه؛ فإنّ مناهي الكتاب ومحرّماته بعضها ظاهر لا يحتاج إلى البيان ، وبعضها باطن لا يعلم إلّا ببيانهم . ووصف البيان بالناطق مجاز باعتبار دلالته على المقصود، وإفصاحه عنه كالنطق .

وقوله : (فلا تأمنوا مكر اللّه ) إلى قوله : (في هذه الدنيا) ؛ إشارة إلى قوله _ عزّ وجلّ _ في سورة الأعراف : «وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ (1) مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (2).

وقوله : (فإنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ يقول) تعليل لما سبق من الحثّ على ذكر اللّه عند دعوة الشيطان إلى شهوات الدنيا ولذّاتها .

«إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ» .

هذه الآية أيضا في سورة الأعراف بعد الآية السابقة .

قال البيضاوي : «طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ» لَمّة منه، وهو اسم فاعل من طاف يطوف، كأنّها طافت بهم، ودارت حولهم، فلم تقدر أن تؤثّر فيهم . أو من طاف به الخيال يَطيف طَيْفا ، والمراد بالشيطان الجنس .

«تَذَكَّرُوا» ما أمر اللّه به، ونهى عنه «فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ» (3) ؛ بسبب تذكّر مواقع الخَطأ ومكائد الشيطان، فيحترزون عنها، ولا يتّبعونه فيها . والآية تأكيد وتقرير لما قبلها . انتهى (4).

وفي القاموس: «الطّيف: الخيال الطائف في المنام، أو مجيئهُ في النوم» (5).

(وأشعروا قلوبكم خوفَ اللّه ) أي ألبِسُوه إيّاها. أو الزِقوه بها، واجعلوه ملازما لها غير مفارق عنها . أو اجعلوه شعارا وعلامة لسلامتها وخلوصها .

ص: 21


1- في الحاشية: «نزغ الشيطان بينهم ينزغ نَزعا؛ أي أفسد، وأغوى»
2- الأعراف (7) : 200
3- الأعراف (7) : 201
4- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 85
5- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 170 (طيف) مع اختلاف يسير

وقيل : يحتمل أن يكون معناه : اجعلوا قلوبكم شاعرة غير غافلة من خوفه (1).

قال الفيروزآبادي : الشعار، ككتاب: جلّ الفرس، والعلامة في الحرب والسفر _ ويفتح _ وما تحت الدثار من اللباس، وهو ما يلي شعر الجسد، ويفتح. وأشعَرَهُ غيره: ألبسَهُ إيّاه . وأشعر الهمُّ قلبي: لزِق به .

وكلّ ما ألزقته بشيء، أشعرته به. والقوم : نادوا بشعارهم، أو جعلوا لأنفسهم شِعارا . والبدنة : أعلمها (2).

وقوله : (كما قد خوّفكم من شديد العقاب) أي كما لزمكم أن تذكروا ما قد خوّفكم .

وقوله : (فإنّه من خاف شيئا حذره) ؛ بكسر الذال من الحِذر _ بالكسر وبالتحريك _ وهو الاحتراز .

وقيل : الجملة تعليل للأمر بإشعار الخوف (3) .

ولا يخفى بُعده ، بل الظاهر أنّه بيان لكيفيّة تذكّر التخويف من شديد العقاب وعلامته، وإرشاد لسلوك طريقته .

(ولا تكونوا من الغافلين) عن عذاب اللّه وموجباته .

(المائلين إلى زهرة الدُّنيا) .

في القاموس : «الزهرة، ويحرّك: النبات ونَوره . ومن الدنيا: بهجتها ونضارتها وحسنها» (4).

وقوله : (الذين مكروا السيّئات) صفة اُخرى للغافلين .

ويحتمل أن يكون مبتدأ، وما بعده خبره .

وعلى التقديرين ، قوله : (فإنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ يقول) استشهاد لسوء خاتمة المكر السيّء .

«أَ فَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَات» .

الاستفهام للإنكار والتوبيخ .

قال بعض المفسّرين : أي المكرات السيّئات، وهم الذين احتالوا لهلاك الأنبياء، أو الذين مكروا برسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وراموا صدَّ أصحابه عن الإيمان .

ص: 22


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 171
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 410
3- .القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 59 (شعر)
4- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 43 (زهر) مع التلخيص

«أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ» ؛ كما خسف بقارون .

«أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ» (1) بغتةً من جانب السماء، كما فعل بقوم لوط .

«أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِى تَقَلُّبِهِمْ» أي متقلّبين في مسائرهم ومتاجرهم .

«فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ» (2). عمّا أراد بهم .

«أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ» (3). ؛ على مخافة بأن يُهلك قوما قبلهم، فيتخوّفوا، فيأتيهم العذاب وهم متخوّفون . أو على أن ينقص (4). شيئا بعد شيء في أنفسهم وأموالهم حتّى يهلكوا، من تخوّفته، إذا تنقّصته (5).

(واللّه لقد وعظكم اللّه في كتابه بغيركم) ممّن أهلكه من العُصاة والعُتاة بعصيانهم وعتوّهم .

قال الفيروزآبادي : «وعظه يعظه وَعْظا وعِظَةً ومَوعظةً : ذكره ما يُليّن قلبه من الثواب والعقاب» (6).

وقوله عليه السلام : (وُعِظ بغيره) على البناء للمفعول .

وقوله تعالى : «وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ» أي كسرناها وأهلكنا أهلها .

قال الجوهري : «قَصَمت الشيء قَصْما، إذا كسرته حتّى يبين» (7).

«كَانَتْ ظَالِمَةً» صفة لأهل القرية .

وإنّما وصفت القرية به ؛ لإقامتها مقامه ، كما قال عليه السلام : (وإنّما عنى بالقرية أهلها) .

وقوله : (حيث يقول) تعليل لسابقه .

«وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا» أي بعد هلاك أهلها .

«قَوْما آخَرِينَ» (8) مكانهم ؛ فإنّ لفظ القوم يدلّ على أنّ المراد بها أهلها، وإلّا فالمناسب أن يقول : وأنشأنا بعدها قُرىً اُخرى .

(فقال عزّ وجلّ) في سورة الأنبياء متّصلاً بالآية السابقة : «فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا» أي فلمّا

ص: 23


1- النحل (16) : 45
2- النحل (16) : 46
3- النحل (16) : 47
4- .في المصدر : «أن ينقصهم»
5- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 400
6- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 400 (وعظ)
7- الصحاح ، ج 5 ، ص 2013 (قصم)
8- الأنبياء (21) : 11

أدركوا شدّة عذابنا إدراك المشاهد المحسوس.

وقد تقدّم تفسير هذه الآية عن أبي جعفر عليه السلام ، وذكرنا هناك ما يتعلّق بها ، ونقول هاهنا : كان ضمير التأنيث في قوله : «إِذَا هُمْ مِنْهَا» راجع إلى شدّة العذاب المفهوم من البأس .

( «يَرْكُضُونَ» (1) ؛ يعني يهربون) مُسرعين راكضين دوابّهم، أو متشبّهين بهم من فرط إسراعهم .

وقوله عليه السلام : (قال: «لا تَرْكُضُوا» ) تنبيه على إرادة القول هنا .

قال بعض المفسّرين : «لا تركضوا على إرادة القول؛ أي قيل لهم استهزاءً: لا تركضوا ؛ إمّا بلسان الحال، أو المقال . والقائل ملك، أو مَن ثَمَّ من المؤمنين» (2).

«وَارْجِعُوا إِلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ» من التنعّم والتلذّذ .

والإتراف: إبطار النعمة .

«وَمَسَاكِنِكُمْ» التي كانت لكم .

«لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ» (3) غدا عن أعمالكم، أو تعذّبون؛ فإنّ السؤال من مقدّمات العذاب . أو تُقصَدون للسؤال والتشاور في المهامّ والنوازل . هذا قول المفسّرين ، ويرد عليه أنّه لا مدخل للرجوع عن هذا السؤال (4) ، وقد فسّره أبو جعفر عليه السلام بالسؤال عن الكنوز والذخائر، كما مرّ .

«قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ» (5).

قالوا ذلك لمّا رأوا العذاب ، أو لم يروا وجه النجاة، فلذلك لم ينفعهم .

«فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ» .

قال البيضاوي : أي فما زالوا (6). يردّدون ذلك، وإنّما سمّاه دعوى؛ لأنّ المُوَلوِل كأنّه يدعو الويل، ويقول: يا ويل، تَعالَ، فهذا أوانك، وكلّ من «تلك» و«دعواهم» يحتمل الاسميّة والخبريّة .

ص: 24


1- الأنبياء (21) : 12
2- تفسيرالبيضاوي ، ج 4 ، ص 85
3- الأنبياء (21) : 13
4- اُنظر : شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 411 و 412
5- الأنبياء (21) : 14
6- .هكذا في المصدر. وفي النسخة : - «زالوا»

«حَتّى جَعَلْناهُمْ حَصِيدا» مثل الحصيد، وهو النبت المحصود، ولذلك لم يجمع . «خَامِدِينَ» (1) : ميّتين، من خمدت النار، وهو مع «حصيدا» بمنزلة المفعول الثاني، كقولك : جعلته حلوا حامضا ؛ إذ المعنى : وجعلناهم جامعين لمماثلة الحصيد والخمود . أو صفة له، أو حال من ضميره . انتهى (2).

واعلم أنّ هذه قصّة بني اُميّة بعد ظهور الصاحب عليه السلام ، كما مرّ . وقال جمع من العامّة : إنّ أهل «حضور» من قرى اليمن بعث إليهم نبيّ، فقتلوه، فسلّط اللّه عليهم بخت نصر، فوضع السيف فيهم، فنادى مناد من السماء: يا لثارات الأنبياء! فندموا، وقالوا : يا ويلنا، إلى آخره (3).

(ثمّ رجع القولُ من اللّه في الكتاب) في تلك السورة بعينها.

وذكر «ثمّ» للإشعار بتخلّل الآيات بينها وبين السابقة .

وقوله : «وَلَ_ئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ» .

قال البيضاوي : أدنى شيء من العذاب، وفيه مبالغات ذكر المسّ ، وما فيه النفحة من معنى القلّة؛ فإنّ أصل النفح هبوب رائحة الشيء، والبناء الدالّ على المرّة .

«مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ» من الذي ينذرون به .

«لَيَقُولُنَّ يَ_وَيْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَ__لِمِينَ» ؛ (4). لدعوا على أنفسهم بالويل، واعترفوا عليها بالظلم (5).

(فإن قلتم: أيّها الناس) ؛ خطاب لمن أنكر صدق مضامين الآيات السابقة على أهل التوحيد .

(إنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ إنّما عنى بهذا) الذي ذكر وأمثاله ممّا دلّ على عقوبة أهل الظلم .

(أهلَ الشرك) مفعول «عنى»؛ يعني: لا يعني به أهل الإسلام؛ لأنّهم غير معاقبين بزعمكم الباطل .

فقال عليه السلام في جوابهم : (فكيف ذلك)؛ يعني اختصاص العقوبة بأهل الشرك .

ص: 25


1- الأنبياء (21) : 15
2- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 86
3- اُنظر : تفسير السمرقندي ، ج 2 ، ص 421 ؛ تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 85
4- .الأنبياء (21): 46
5- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 96

(وهو) سبحانه (يقول) بعد الآية السابقة متّصلاً بها : «وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ» .

قال البيضاوي : أي العدل توزن بها صحائف الأعمال . وقيل : وضع الميزان تمثيل لإرصاد الحساب السويّ والجزاء على حسب الأعمال [بالعدل]، وإفراد «القسط» لأنّه مصدر وصف به للمبالغة .

«لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ» ؛ لجزاء يوم القيامة ، أو لأهله ، أو فيه كقولك : جئتُ لخمسٍ خلون من الشهر .

«فَلَا تُظْلَمُ» : فلا تنقص «نَفْسٌ شَيْئا» من حقّها، أو [لا]تظلم شيئا من الظلم .

«وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ» أي وإن كان العمل أو الظلم مقدار حبّة . ورفع نافع «مِثْقالَ» على «كان» التامّة .

«أَتَيْنَا بِهَا» : أحضرناها . والضمير للمثقال، وتأنيثه لإضافته إلى الحبّة .

«وَكَفى بِنَا حَاسِبِينَ» (1) ؛ إذ لا مزيد على علمنا وعدلنا (2).

إلى هاهنا كلامه . ويمكن أن يكون المراد عدم وقوع الغلط في حسابه .

وقوله عليه السلام : (أهلَ الشرك لا يُنصب لهم الموازين) .

قيل : لا ينافي ذلك معاقبتهم على سيّئات أعمالهم، وكونهم مكلّفين بالفروع؛ إذ يعاملهم اللّه بعلمه ، وإنّما يوضع الموازين للمسلمين تشريفا لهم . أو لأنّهم لما كانوا مطيعين في اُصول الدِّين أو بعضها، يوضع لهم الميزان لئلّا يزعم زاعم أنّهم ظُلموا في عقوبتهم (3).

والمراد بالدواوين دفاتر أعمالهم وصحائف أفعالهم .

والزمر _ كزفر _ جمع الزمرة ، بالضمّ ، وهي الفوج والجماعة من الناس في تفرّقهم .

وقوله : (وإنّما خلق الدنيا وخلق أهلها ليبلوهم أيّهم أحسن عملاً لآخرته) إشارة إلى قوله تعالى : «إِنَّ رَبَّكُمْ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّموَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ» (4). و «كَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَآءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً» (5).

ص: 26


1- الأنبياء (21) : 47
2- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 96 (مع اختلاف يسير)
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 173 و 174
4- .الأعراف (7) : 54 ؛ يونس (10) : 3
5- هود : 7

قال البيضاوي : «لِيَبْلُوَكُمْ» متعلّق ب «خَلَقَ» ؛ أي خلق ذلك ليعاملهم معاملة المبتلي لأحوالكم كيف تعملون ؛ فإنّ جملة ذلك أسباب وموادّ لوجودكم ومعاشكم، وما تحتاج إليه أعمالكم ، ودلائل وأمارات تستدلّون بها، وتستنبطون منها . وإنّما جاز تعليق فعل البلوى لما فيه من معنى العلم من حيث إنّه طريق إليه كالنظر والاستماع . وإنّما ذكر صيغة التفضيل والاختبار الشامل لفرق المكلّفين باعتبار الحسن والقبح؛ للتحريض على إحصاء المحاسن ، والتحضيض على الترقّي دائما في مراتب العلم والعمل؛ فإنّ المراد بالعمل ما يعمّ عمل القلب والجوارح ، ولذلك قال النبيّ عليه السلام : «أيّكم أحسنُ عقلاً، وأورع من محارم اللّه ، وأسرع في طاعة اللّه » (1). ، والمعنى: أيّكم أكمل علما وعملاً (2).

(لقد ضرب لكم فيه) أي في الدنيا .

(الأمثال) ؛ لإيضاح المشتبهات . يُقال : ضربَ مثلاً ؛ أي وصف وبيّن . والمَثَل، محرّكة: الحجّة، والحديث .

(وصرّف الآيات) .

في القاموس: «تصريف الآيات: تبيينها» (3) . والمراد بالآيات آيات الوعد والوعيد .

(لقوم يعقلون) أي يدركون ويفهمون الغرض الأصلي من تلك الأمثال والآيات .

(فإنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ يقول) في التزهيد عن الدنيا، والتنفير عنها .

(وقوله الحقّ) ؛ الذي لا يعتريه ريب وشبهة . أو الثابت الذي لا يزول ولا يبدّل .

«إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» .

قال البيضاوي : يعني حالها العجيبة في سرعة تقضّيها ، وذهاب نعيمها بعد إقبالها ، واغترار الناس بها .

ص: 27


1- .اُنظر : تخريج الأحاديث والآثار للزيلعي ، ج 7 ، ص 71 ؛ الكشّاف للزمخشري ، ج 2 ، ص 260 ؛ الدرّ المنثور للسيوطي ، ج 4 ، ص 211
2- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 221 و 222 (مع اختلاف يسير)
3- .القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 162 (صرف)

«كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ» ؛ فاشتبك بسببه حتّى خالط بعضه بعضا .

«مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ» من الزرع والبقول والحشيش .

«حَتّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا» (1).

قال الجوهري : «الزُّخرُف : الذهب، ثمّ يشبّه به كلّ مموّهٍ مُزوّر . والمزخرف: المزيّن» (2).

«وَازَّيَّنَتْ» بأصناف النبات وأشكالها وألوانها المختلفة كعروس اُخذت من ألوان الثياب والزين ، فتزيّنت بها .

و«ازّيّنت» أصله: تزيّنت، فاُدغم .

«وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا» ؛ متمكِّنون من حَصْدِها، ورفع غلّتها .

«أَتَاهَا أَمْرُنَا» ضَرب زرعها ما يجتاحه .

«لَيْلاً أَوْ نَهَارا فَجَعَلْنَاهَا» أي فجعلنا زَرْعها .

«حَصِيدا» شبيها بما حُصِد من أصله .

«كَأَنْ لَمْ تَغْنَ» ؛ كأن لم يغن زرعها؛ أي لم يلبث .

والمضاف محذوف في الموضعين للمبالغة ، وقرئ بالياء على الأصل .

«بِالْأَمْسِ» فيما قُبيله ، وهو مَثَلٌ في الوقت القريب، والممثّل به مضمون الحكاية، وهو زوال خضرة النبات فجأةً، وذهابه حُطاما بعد ما كان غَضّا، والتفّ وزيّن الأرض حتّى طمع فيه أهله، وظنّوا أنّه قد سلم من الجوائح لا الماء، وإن وليه حرف التشبيه؛ لأنّه من التشبيه المركّب .

«كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْايَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» (3). ؛ فإنّهم المفتنون به.

(فكونوا عباد اللّه ) أي يا عباد اللّه .

(من القوم الذين يتفكّرون) في الآيات الدالّة على فناء الدنيا، وسرعة زوالها، ويجدون ما هو الغرض الأصلي منها .

(ولا تركنوا إلى الدنيا) وأهلها الذين يميلون إليها، ويتّخذونها دار استيطان .

قال الفيروزآبادي : «ركن إليه _ كنصر وعلم ومنع _ ركونا: مالَ، وسكن» (4).

ص: 28


1- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 193
2- الصحاح ، ج 4 ، ص 1369 (زخرف)
3- .يونس (10) : 24
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 229 (ركن)

وقوله : (فإنّ اللّه عزّ وجلّ ...) إشارة إلى أنّ النهي عن الركون إليها شامل للنهي عن الركون إلى أهلها، كما أشرنا إليه . أو إلى أنّ المراد بالركون إليها الركون إلى أهلها .

(قال لمحمّد صلى الله عليه و آله ) ليبلّغ إلى الاُمّة. وخاطبه على سبيل التعظيم وأراد غيره .

«وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا» .

قال بعض المفسّرين : «أي لا تميلوا إليهم أدنى ميل؛ فإنّ الركون هو الميل اليسير» (1).

«فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ» (2). بركونكم إليهم .

وإذا كان الركونُ إلى مَن وُجد منه ما يسمّى ظلما كذلك ، فما ظنّك بالركون إلى الظالمين ؛ أي الموسومين بالظلم، ثمّ بالميل إليهم كلّ الميل، ثمّ بالظلم نفسه والانهماك فيه ؟!

ولعلّ الآية أبلغ ما يتصوّر في النهي عن الظلم والتهديد عليه .

وخطاب للرسول ومَن معه من المؤمنين؛ للتثبيت على الاستقامة التي هي العدل؛ فإنّ الزوال عنها بالميل إلى أحد طرفي إفراط وتفريط ظلم على نفسه أو غيره، بل ظلم في نفسه .

وقوله : (ركونَ مَن اتّخذها دارَ قرار) أي كركونه .

وفيه إيماء إلى أنّ الركون إليها لا بهذا الاعتبار، بل باعتبار تحصيل ما يتوقّف عليه بقاء الحياة وإعمال الطاعات. وجعلها محلّ العبرة ممدوح، كما أشار إليه أيضا بقوله : (فإنّها دارُ بُلغة) بالضمّ .

قال في المصباح : «البُلغة: ما يتبلّغ به من العيش ولا يفضل . يُقال : تبلّغ به، إذا اكتفى به . وفي هذا بلاغ وبُلغة وتبلّغ؛ أي كفاية» (3).

(ومنزل قُلعةٍ) أي ارتحال وتقلّع . قال الفيروزآبادي :

القُلعة، بالضمّ: العَزل، والمال العارية ، أو ما لا يدوم ، والضعيف الذي إذا بُطِش به لم يثبت . ومنزلُنا منزل قُلعةٍ أيضا ، وبضمّتين ، وكَهُمَزَة؛ أي ليس بمستوطنٍ كأنّه يقطع ساكنه . أو معناه: لا نملكه، أو لا ندري متى نتحوّل عنه . ومجلسٌ قُلعَةٌ: يحتاج صاحبه إلى أن يقوم مرّة بعد مرّة . والدنيا دار قُلعة؛ أي انقلاع. وهو على قُلعَةٍ؛ أي رحلة (4).

ص: 29


1- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 266
2- .هود : 113
3- المصباح المنير ، ص 131 (بلغ)
4- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 74 (قلع) . وقال المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 415 : «وفيه تنبيه على أنّ الدنيا ليست بدار لهم، ليلتفتوا عن الركون إليها ، ويتوقّعوا الارتحال والخروج منها»

وقوله : (قبل تفرّق أيّامها) ؛ كأنّ المراد بها أيّام بقاء الدنيا ، أو أيّام عمر أحد، وبخرابها انقضاء تلك الأيّام .

وقوله : (عَمَرها) بتخفيف الميم وتشديدها .

في القاموس: «عمره اللّه وعمّره: أبقاه. وعمّر نفسه: قدّر لها قدرا محدودا. وعمر اللّه منزلك عمارة : جعله آهلاً» (1).

وقوله : (وهو وليّ ميراثها) أي مالكها الحقيقي، والأولى بالتصرّف فيها؛ لأنّها تفنى، وهو يبقى كالوارث . ووارث الشيء : الباقي بعد فنائه .

(فإنّما نحن به وله) .

قيل: الظاهر من الضمير راجع إلى ثواب الآخرة ؛ أي نحن متلبّسون به ، كناية عن قربه.

و«له» أي خُلِقنا وكلّفنا لأجله (2).

هذا كلامه . والأظهر إرجاع الضمير في الموضعين إلى اللّه تعالى ؛ أي نحن موجودون به، متقوّمون باستعانته، وكلّفنا لإخلاص العمل له .

وقال بعض الشارحين : أي إنّما نحن موجودون باللّه تعالى وله ؛ ففي الاُولى إشارة إلى تفويض الاُمور كلّها إليه ، وفي الثانية إشارة إلى طلب التقرّب منه بالإتيان بالمأمورات والاجتناب عن المنهيّات ، وبها يتمّ نظام الدِّين (3).

متن الحديث الثلاثين (حديث الشيخ مع الباقر عليه السلام )

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، قَالَ:بَيْنَا أَنَا مَعَ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، وَالْبَيْتُ غَاصٌّ بِأَهْلِهِ، إِذْ أَقْبَلَ شَيْخٌ يَتَوَكَّأُ عَلى عَنَزَةٍ لَهُ، حَتّى وَقَفَ (4). عَلى

ص: 30


1- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 95 (عمر)
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 175
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 415
4- .في الحاشية عن بعض النسخ: «قام»

بَابِ الْبَيْتِ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللّهِ وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ، ثُمَّ سَكَتَ.

فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ».

ثُمَّ أَقْبَلَ الشَّيْخُ بِوَجْهِهِ عَلى أَهْلِ الْبَيْتِ، وَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، ثُمَّ سَكَتَ، حَتّى أَجَابَهُ الْقَوْمُ جَمِيعا، وَرَدُّوا عَلَيْهِ السَّلَامَ.

ثُمَّ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ عَلئ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، ثُمَّ قَالَ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللّهِ، أَدْنِنِي مِنْكَ، جَعَلَنِيَ اللّهُ فِدَاكَ، فَوَ اللّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكُمْ، وَأُحِبُّ مَنْ يُحِبُّكُمْ، وَوَاللّهِ مَا أُحِبُّكُمْ وَأُحِبُّ مَنْ يُحِبُّكُمْ لِطَمَعٍ فِي دُنْيَا، وَ (1). إِنِّي لَأُبْغِضُ عَدُوَّكُمْ، وَأَبْرَأُ مِنْهُ، وَوَاللّهِ مَا أُبْغِضُهُ وَأَبْرَأُ مِنْهُ لِوَتْرٍ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وَاللّهِ إِنِّي لَأُحِلُّ حَلَالَكُمْ، وَأُحَرِّمُ حَرَامَكُمْ، وَأَنْتَظِرُ أَمْرَكُمْ، فَهَلْ تَرْجُو لِي جَعَلَنِيَ اللّهُ فِدَاكَ؟

فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «إِلَيَّ، إِلَيَّ» حَتّى أَقْعَدَهُ إِلى جَنْبِهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَيُّهَا الشَّيْخُ، إِنَّ أَبِي عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليه السلام أَتَاهُ رَجُلٌ، فَسَأَلَهُ عَنْ مِثْلِ الَّذِي سَأَلْتَنِي عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ أَبِي عليه السلام : إِنْ تَمُتْ تَرِدُ عَلى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَعَلى عَلِيٍّ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَيَثْلَجُ قَلْبُكَ، وَيَبْرُدُ فُؤَادُكَ، وَتَقَرُّ عَيْنُكَ، وَتُسْتَقْبَلُ بِالرَّوْحِ وَالرَّيْحَانِ مَعَ الْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ، لَوْ قَدْ بَلَغَتْ نَفْسُكَ هَاهُنَا _ وَأَهْوى بِيَدِهِ إِلى حَلْقِهِ _ وَإِنْ تَعِشْ تَرى مَا يُقِرُّ اللّهُ بِهِ عَيْنَكَ، وَتَكُونُ مَعَنَا فِي السَّنَامِ الْأَعْلى».

قَالَ (2) الشَّيْخُ: كَيْفَ قُلْتَ يَا أَبَا جَعْفَرٍ؟

فَأَعَادَ عليه السلام عَلَيْهِ الْكَلَامَ، فَقَالَ الشَّيْخُ: اللّهُ أَكْبَرُ يَا أَبَا جَعْفَرٍ، إِنْ أَنَا مِتُّ أَرِدُ عَلى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَعَلى عَلِيٍّ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهم السلام ، وَتَقَرُّ عَيْنِي، وَيَثْلَجُ قَلْبِي، وَيَبْرُدُ فُؤَادِي، وَأُسْتَقْبَلُ بِالرَّوْحِ وَالرَّيْحَانِ مَعَ الْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ، لَوْ قَدْ بَلَغَتْ نَفْسِي [إِلى] هَاهُنَا، وَإِنْ أَعِشْ أَرى مَا يُقِرُّ اللّهُ بِهِ عَيْنِي، فَأَكُونُ مَعَكُمْ فِي السَّنَامِ الْأَعْلى؟!

ثُمَّ أَقْبَلَ الشَّيْخُ يَنْتَحِبُ، يَنْشِجُ هَا هَا هَا، حَتّى لَصِقَ بِالْأَرْضِ، وَأَقْبَلَ أَهْلُ الْبَيْتِ يَنْتَحِبُونَ، [وَ]يَنْشِجُونَ لِمَا يَرَوْنَ مِنْ حَالِ الشَّيْخِ.

وَأَقْبَلَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام يَمْسَحُ بِإِصْبَعِهِ الدُّمُوعَ مِنْ حَمَالِيقِ عَيْنَيْهِ وَيَنْفُضُهَا، ثُمَّ رَفَعَ الشَّيْخُ رَأْسَهُ، فَقَالَ لأبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : يَا ابْنَ رَسُولِ اللّهِ، نَاوِلْنِي يَدَكَ جَعَلَنِيَ اللّهُ فِدَاكَ. فَنَاوَلَهُ يَدَهُ، فَقَبَّلَهَا، وَوَضَعَهَا

ص: 31


1- . في الطبعة القديمة: + «[اللّه ]»
2- .في الطبعة القديمة وبعض نسخ الكافي : «فقال»

عَلى عَيْنَيْهِ وَخَدِّهِ، ثُمَّ حَسَرَ عَنْ بَطْنِهِ وَصَدْرِهِ، [فَوَضَعَ يَدَهُ عَلى بَطْنِهِ وَصَدْرِهِ] (1) ثُمَّ قَامَ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ.

وَأَقْبَلَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام يَنْظُرُ فِي قَفَاهُ وَهُوَ مُدْبِرٌ، ثُمَّ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ عَلَى الْقَوْمِ، فَقَالَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَلْيَنْظُرْ إِلى هذَا».

فَقَالَ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ: لَمْ أَرَ مَأْتَما قَطُّ يُشْبِهُ ذلِكَ الْمَجْلِسَ.

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (والبيت غاصّ بأهله) ؛ في القاموس: «منزل غاصّ بالقوم: ممتلئ» (2).

وقوله : (يتوكّأ) أي يتّكئ .

(على عَنَزَة له)؛ هي بالتحريك: رُمَيح بين العصا، والرمح فيه زُجّ، وهو الحديدة التي في أسفل الرمح .

وقوله : (السلام عليك يابن رسول اللّه ) إلى قوله : (ورَدّوا عليه السلام) .

قيل : فيه شيء من الآداب؛ إذ دلّ على أنّه ينبغي أن يسلّم الداخل على جماعة أوّلاً على أفضلهم ، ويخاطبه بخطاب شريف، وأن يضمّ مع السلام الرحمة والبركة، ويصبر حتّى يسمع الجواب، ويسلّم على الحاضرين بإسقاط الضميمة (3).

وقوله : (أدنني منك) ؛ في القاموس: «أدناه: قرّبه» (4).

وقوله : (لوتَر) .

قال الفيروزآبادي : «الوِتر، بالكسر ويُفتح: الذَّحل، أو الظُّلم فيه» (5).

وقال : «الذَّحْل: الثأر، أو طلب مكافأة بجناية جنيت عليك، أو عداوة اُتيت إليك، أو هو العداوة والحِقد» (6).

ص: 32


1- .في الطبعة القديمة : - «فوضع يده على بطنه وصدره»
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 310 (غصص)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 415
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 329 (دنو)
5- .القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 152 (وتر)
6- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 379 (ذحل)

وقوله : (وأنتظر أمركم) ؛ يعني ظهور دولة الحقّ .

(فهل تَرجو لي) المغفرة والرحمة ونجاة الآخرة وأمثالها ممّا يصلح أن يكون متعلّق الرجاء هنا ومفعوله.

ويفهم منه أنّه مع ما ذكر خائف من التقصير فيه، وذلك من كمال الإيمان .

وقوله : (إليّ، إليّ) متعلّق بمحذوف من نحو: «اُدنُ»، أو «أَقبِل»، أو «تحوّل» . والتكرير للمبالغة، وتنشيط المخاطب .

وقوله : (ويثلَج قلبُك، ويبرد فؤادك) .

قال الفيروزآبادي : «ثَلَجَتْ نفسي _ كنصر وفرح _ ثلوجا وثَلجا: اطمأنّت» (1).

وقال : «عيش بارد ؛ أي هَنيء» (2).

وقال الجوهري : «البرد: نقيض الحرّ، والبرودة: نقيض الحرارة. وقد بَرُد الشيء _ بالضمّ _ وبَرَدْتُهُ أنا، وبرّدته تبريدا . ولا يقال: أبردته إلّا في لغةٍ رديّة» انتهى (3).

وبرودة القلب هنا كناية عن سكون حرقته، وزوال حزنه وغيظه .

(وتقرّ عينُك) .

قال الجوهري : «قرّت عينه تَقِرّ، وهو نقيض سَخُنَتْ عينه . وأقرّ اللّه عينه: أعطاه حتّى تقرّ، فلا تطمح إلى مَن هو فوقه» (4). انتهى .

وقرّه كناية عن السرور ، والأصل فيها أنّ دمعة الحزن حارّة، ودمعة السرور باردة .

وقوله : (وتُستقبل) عملاً لبناء للمفعول .

وقوله : (نفسُك) بسكون الفاء، أو فتحها. والأوّل في أمثال هذا المقام أشهر وأنسب .

وقوله : (ترى ما يُقرّ اللّه به عينك) ؛ يعني فخر في زمن ظهور دولتهم عليهم السلام .

وقوله عليه السلام : (في السنام الأعلى) .

قال في النهاية: «سنام كلّ شيء: أعلاه» (5).

ص: 33


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 181 (ثلج)
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 277 (برد)
3- الصحاح ، ج 2 ، ص 445 (برد)
4- .الصحاح ، ج 2 ، ص 790 (قرر)
5- النهاية ، ج 2 ، ص 409 (سنم)

ولعلّ المراد هاهنا أعلى درجات الجنان (1).

وقيل : استعار لفظ «السنام» لأشرف مرتبة من مراتب الإنسانيّة، وأرفع درجة من درجات الكرامة الربّانيّة، ثمّ وصفها بالأعلى ترشيحا لها وتصريحا بعلوّها (2).

وقوله : (كيف قلتَ) .

ليس السؤال محمولاً على ظاهره، وهو الاستفهام، بل للتشوّق بسماعه ثانيا .

وقوله : (اُسْتَقْبَلُ) على صيغة المتكلّم المجهول .

وقوله : (ينتحب ، ينشِج) .

في بعض النسخ: «وينشج» بالواو. وفي بعضها: «ينتحب ينشج» .

وعلى نسخة الأصل «ينشج» حال من فاعل «ينتحب» . قال الجزري : «النحيب والنحب والانتحاب: البُكاء بصوت طويل» (3).

وقال : «النشيج: صوت معه توجّع وبكاء، كما يردّد الصبيّ بكاءه في صدره . وقد نشج يَنشج نشيجا» (4).

وقوله : (ها ها ها) حكاية عن صوت البكاء .

وقوله : (حَماليق عينيه) .

الظاهر أنّ الضمير راجع إلى الشيخ .

في القاموس: حملاق العين، بالكسر والضمّ، وكعصفور: باطن أجفانها الذي يسوّد بالكحلة، أو ما غطّته الأجفان من بياض المقلة، أو باطن الجفن الأحمر الذي إذا قلب للكحل بدت حمرته ، أو ما لزق بالعين من موضع الكحل من باطن . والجمع: الحماليق (5).

(ويَنفُضُها) .

الضمير للدموع . يُقال : نفض الثوب وغيره: حرّكه، لينتفض ، ويذهب ما فيه من الغبار ونحوه .

ص: 34


1- كما قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 177
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 417
3- النهاية ، ج 5 ، ص 27 (نحب)
4- النهاية ، ج 5 ، ص 53 (نشج)
5- القاموس المحيط ، ، ج 3 ، ص 224 (حملق)

والظاهر أنّ الضمائر في قوله : (ثمّ حسر) إلى قوله : (وصدره) للشيخ، إلّا البارز في «يده»؛ فإنّه راجع إلى أبي جعفر عليه السلام .

وفيه احتمالان آخران ؛ يُقال : حسر كمّه عن ذراعيه، كنصر وضرب ؛ أي كشفه، يعني كشف الشيخ الثوب عن بطنه وصدره، ووضع يد أبي جعفر عليه السلام عليهما للتيمّن والتبرّك والتشرّف والتخلّص من وسوسة الشيطان وعقوبة النيران (1).

وقوله : (ثمّ قام، فقال : السلام عليكم) .

قيل : دلَّ على أنّه ينبغي للخارج من المجلس أن يسلّم على أهله جميعا (2) . وفيه تأمّل .

وقوله : (لم أرَ مَأتما) إلى آخره ؛ يعني من أجل كثرة البكاء .

في القاموس: «المأتَم، كمقعد: كلّ مجتمع في حزن أو فرح، أو خاصّ بالنساء، أو بالشوابّ» (3).

وقال الجوهري : «المأتم عند العرب: النساء يجتمعن في الخير والشرّ . والجمع: المآتم .

وعند العامّة: المصيبة. تقول : كنّا في مأتم فلان» (4).

متن الحديث الواحد والثلاثين

اشارة

عَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى (5). ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:

«كَانَ رَجُلٌ يَبِيعُ الزَّيْتَ، وَكَانَ يُحِبُّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله حُبّا شَدِيدا، كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَذْهَبَ فِي حَاجَتِهِ لَمْ يَمْضِ حَتّى يَنْظُرَ إِلى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، قَدْ (6). عُرِفَ ذلِكَ مِنْهُ، فَإِذَا جَاءَ تَطَاوَلَ لَهُ حَتّى يَنْظُرَ إِلَيْهِ حَتّى إِذَا كَانَ ذَاتُ يَوْمٍ دَخَلَ عَلَيْهِ، فَتَطَاوَلَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله حَتّى نَظَرَ إِلَيْهِ، ثُمَّ مَضى فِي حَاجَتِهِ، فَلَمْ يَكُنْ بِأَسْرَعَ مِنْ أَنْ رَجَعَ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله قَدْ فَعَلَ ذلِكَ، أَشَارَ إِلَيْهِ بِيَدِهِ: اجْلِسْ، فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ،

ص: 35


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 417
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 178
3- القاموس المحيط ، ، ج 4 ، ص 72 (أتم)
4- الصحاح ، ج 5 ، ص 1857 (أتم)
5- .في الوافي : «أحمد بن محمّد ، عن ابن عيسي» بدل «أحمد بن محمّد بن عيسى»
6- .هكذا في النسخة وبعض نسخ الكافي والوافي . وفي الطبعتين وأكثر نسخ الكافي : «وقد»

فَقَالَ: مَا لَكَ فَعَلْتَ الْيَوْمَ شَيْئا لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُهُ قَبْلَ ذلِكَ؟

فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيّا، لَغَشِيَ قَلْبِي شَيْءٌ مِنْ ذِكْرِكَ حَتّى مَا اسْتَطَعْتُ أَنْ أَمْضِيَ فِي حَاجَتِي، حَتّى رَجَعْتُ إِلَيْكَ، فَدَعَا لَهُ، وَقَالَ لَهُ خَيْرا، ثُمَّ مَكَثَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أَيَّاما لَا يَرَاهُ، فَلَمَّا فَقَدَهُ سَأَلَ عَنْهُ.

فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللّهِ، مَا رَأَيْنَاهُ مُنْذُ أَيَّامٍ، فَانْتَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَانْتَعَلَ مَعَهُ أَصْحَابُهُ، وَانْطَلَقَ حَتّى أَتى (1) سُوقَ الزَّيْتِ، فَإِذَا دُكَّانُ الرَّجُلِ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ، فَسَأَلَ عَنْهُ جِيرَتَهُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ، مَاتَ، وَلَقَدْ كَانَ عِنْدَنَا أَمِينا صَدُوقا إِلَا أَنَّهُ قَدْ كَانَ فِيهِ خَصْلَةٌ.

قَالَ: وَمَا هِيَ؟

قَالُوا: كَانَ يَرْهَقُ يَعْنُونَ يَتْبَعُ النِّسَاءَ.

فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : رَحِمَهُ اللّهُ، وَاللّهِ لَقَدْ كَانَ يُحِبُّنِي حُبّا لَوْ كَانَ نَخَّاسا لَغَفَرَ اللّهُ لَهُ».

شرح الحديث

السند مرسل .

قوله : (قد عُرف ذلك منه) أي صار ذلك منه معروفا بين الناس .

هذا إن قرئ «عرف» على بناء المفعول .

وإن قرئ على بناء الفاعل، فمعناه: عرف رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذلك منه في ذهابه ومجيئه .

(فإذا جاء تطاول له لينظر (2) إليه) .

يُقال : تطاول واستطال، إذا ارتفع ومدَّ عنقه لينظر إلى شيء بعيد، وبينه وبينه حائل .

والظاهر أنّ المستتر في «جاء» و«تطاول» راجع إلى الرجل، والبارز في «له» إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

ويحتمل العكس ؛ أي كان إذا جاء هذا الرجل تطاول رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ومدَّ عنقه من بين الناس ليراه الرجل .

والثاني أنسب بقوله : (حتّى إذا كان ذات يوم) إلى آخره .

وقوله : (لغشي قلبي شيءٌ من ذكرك) أي من تذكّر لك وغلبة محبّتك .

قال الجوهري : «غشيه غشيانا، أي جاءه» (3).

ص: 36


1- في الطبعة القديمة : «أتوا» . وفي حاشية النسخة عن بعض نسخ الكافي : «انتهى»
2- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه اللهسابقا : «حتّى ينظر»
3- الصحاح ، ج 6 ، ص 2447 (غشا)

والانتعال : لبس النعال .

والدُكّان، كرمّان: بناء يسطّح أعلاه للمقعد .

والجيرة، بالكسر: جمع الجار، وهو المجاور والشريك في التجارة .

وفي القاموس:

رهقه، كفرح: غشيه، ولحقه، أو دنا منه سواء أخذه أو لم يأخذه . والرهق، محرّكة: السفه ، والنوك، (1). والخفّة، وركوب الشرّ، والظلم، وغشيان المحارم، واسم من الإرهاق _ وهو أن يحمل الإنسان ما لا يطيقه _ والكذب، والعجلة. رهق، كفرح في الكلّ، وكمعظّم: الموصوف بالرهق، ومَنْ يظنّ به السوء . انتهى (2).

ولمجيء الرهق بهذه المعاني بيّن عليه السلام ما هو المقصود منه هنا بقوله : (يعنون) أي يقصدون بقولهم: يرهق .

(يتبع النساء) .

في القاموس: «تبعه _ كفرح _ تبعا وتباعة: مشى خلفه، ومرَّ به فمضى معه. وتِبْعُ المرأة، بالكسر: عاشقها، وتابِعُها، وأتبعتهم : تبعتهم، وذلك إذا كانوا سبقوك فلحقتهم » (3). انتهى .

قيل : المراد هنا أنّه كان مائلاً إلى ملامستهنّ، ولا يلزم أن يكون ذلك على وجه الحرام مع احتماله (4).

ويفهم من قوله صلى الله عليه و آله : (لو كان نخّاسا لغفر اللّه له) ذمّ عظيم للنخّاس، وهو بيّاع الدوابّ والرقيق.

وقد وردت في ذمّه روايات اُخر ، ويفهم من بعضها تخصيص الذمّ ببيّاع الرقيق فقط، وأنّه قاسي القلب لا يبالي بالتدليس وبيع الأحرار .

وقد روي عن الباقر عليه السلام أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «إنّ شرّ الناس مَن باع الناس» (5).

ص: 37


1- في الحاشية: «النوك، بالضمّ والفتح: الحمق . القاموس». القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 322 (نوك)
2- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 239 (رهق) مع تلخيص
3- .القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 9 (تبع) مع التلخيص
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 418
5- الكافي ، ج 5 ، ص 114 ، ح 4 ؛ التهذيب ، ج 6 ، ص 362 ، ح 1037 ؛ الاستبصار ، ج 3 ، ص 63 ، ح 208 ؛ علل الشرائع ، ج 2 ، ص 530 ، ح 1

متن الحديث الثاني والثلاثين

اشارة

متن الحديث الثاني والثلاثينعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللّهِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسى، عَنْ مُيَسِّرٍ، قَالَ:

دَخَلْتُ عَلى أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، فَقَالَ: «كَيْفَ أَصْحَابُكَ؟».

فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، لَنَحْنُ عِنْدَهُمْ أَشَرُّ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارى وَالْمَجُوسِ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا.

قَالَ: وَكَانَ مُتَّكِئا، فَاسْتَوَى جَالِسا، ثُمَّ قَالَ: «كَيْفَ قُلْتَ؟».

قَالَ: (1). قُلْتُ: وَاللّهِ لَنَحْنُ عِنْدَهُمْ أَشَرُّ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارى وَالْمَجُوسِ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا.

فَقَالَ: «أَمَا وَاللّهِ، لَا يَدْخُلُ (2) النَّارَ مِنْكُمُ اثْنَانِ، لَا وَاللّهِ وَلَا وَاحِدٌ، وَاللّهِ إِنَّكُمُ الَّذِينَ قَالَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ * أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ * إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النّارِ» »(3).

ثُمَّ قَالَ: «طَلَبُوكُمْ وَاللّهِ فِي النَّارِ، (4) فَمَا وَجَدُوا مِنْكُمْ أَحَدا».

شرح الحديث

السند موثّق على المشهور، إن كان ميسّر ابنَ عبد العزيز الثقة (5) ، كما هو الظاهر، وإلّا فمجهول .

قوله عليه السلام : (كيف قلتَ) ؛ سؤال على سبيل التعجّب والاستبعاد .

وقوله تعالى : «وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنْ الْأَشْرَارِ» الآية . مرّ تفسيره في خبر أبي بصير في الحديث السادس .

وقوله تعالى : «إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ» .

قال البيضاوي : «أي الذي حكيناه عنهم «لَحَقٌّ» لابدّ أن يتكلّموا به، ثمّ بيّن ما هو، فقال : «تَخاصُمُ أَهْلِ النّارِ» وهو بدلٌ من «لَحَقٌّ» ، أو خبر محذوف ، وقرئ «تخاصم» بالنصب

ص: 38


1- .في الطبعتين للكافي وجميع النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة: - «قال»
2- في الطبعة القديمة: «لا تدخل»
3- ص : 62 - 64
4- .في النسخة: + «واللّه » مرمّز ب «خ»
5- .اُنظر : رجال الطوسي ، ص 309 ، الرقم 4572 ؛ رجال الكشّي ، ص 244 ، ح 446 ؛ رجال العلّامة ، ص 171 ، الرقم 11

على البدل من ذلك» (1).

متن الحديث الثالث والثلاثين (وصيّة النبيّ صلى الله عليه و آله لأمير المؤمنين عليه السلام )

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى، عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ، قَالَ:سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ: «كَانَ فِي وَصِيَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله لِعَلِيٍّ عليه السلام أَنْ قَالَ: يَا عَلِيُّ، أُوصِيكَ فِي نَفْسِكَ بِخِصَالٍ، احْفَظْهَا (2). عَنِّي _ ثُمَّ قَالَ: اللّهُمَّ أَعِنْهُ _ أَمَّا الْأُولى فَالصِّدْقُ، وَلَا تَخْرُجَنَّ مِنْ فِيكَ كَذِبَةٌ أَبَدا. وَالثَّانِيَةُ الْوَرَعُ، وَلَا تَجْتَرِئْ عَلى خِيَانَةٍ (3). أَبَدا.

وَالثَّالِثَةُ الْخَوْفُ مِنَ اللّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ، كَأَنَّكَ تَرَاهُ.

وَالرَّابِعَةُ كَثْرَةُ الْبُكَاءِ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ، يُبْنى لَكَ بِكُلِّ دَمْعَةٍ أَلْفُ بَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ.

وَالْخَامِسَةُ بَذْلُكَ مَالَكَ وَدَمَكَ دُونَ دِينِكَ.

وَالسَّادِسَةُ الْأَخْذُ بِسُنَّتِي فِي صَلَاتِي وَصَوْمِي وَصَدَقَتِي. أَمَّا الصَّلَاةُ فَالْخَمْسُونَ رَكْعَةً، وَأَمَّا الصِّيَامُ فَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فِي الشَّهْرِ : الْخَمِيسُ فِي أَوَّلِهِ ، وَالْأَرْبِعَاءُ فِي وَسَطِهِ ، وَالْخَمِيسُ فِي آخِرِهِ. وَأَمَّا الصَّدَقَةُ فَجُهْدَكَ حَتّى تَقُولَ: قَدْ أَسْرَفْتُ وَلَمْ تُسْرِفْ.

وَعَلَيْكَ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ، (4). وَعَلَيْكَ بِصَلَاةِ الزَّوَالِ، وَعَلَيْكَ بِصَلَاةِ الزَّوَالِ، وَعَلَيْكَ بِصَلَاةِ الزَّوَالِ، وَعَلَيْكَ بِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ عَلى كُلِّ حَالٍ، وَعَلَيْكَ بِرَفْعِ يَدَيْكَ فِي صَلَاتِكَ وَتَقْلِيبِهِمَا، وَعَلَيْكَ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ، وَعَلَيْكَ بِمَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ فَارْكَبْهَا، وَمَسَاوِي الْأَخْلَاقِ فَاجْتَنِبْهَا، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَلَا تَلُومَنَّ إِلَا نَفْسَكَ».

شرح الحديث

السند صحيح .

قوله : (في نفسك) ؛ يعني أنّ الخصال الآتية متعلّقة باُمور تختصّ بنفسك، لا بمعاشرة

ص: 39


1- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 53
2- .في الطبعة القديمة وحاشية النسخة : «فاحفظها»
3- .في الحاشية عن بعض النسخ: «جناية»
4- .في الحاشية عن بعض النسخ والتهذيب: «وعليك بصلاة الليل» ثلاث مرّات

الناس .

وقوله : (دونَ دينك) أي عند حفظ دينك وصيانته من التضييع، أو عند تحصيله. ويحتمل كون «دون» بمعنى سوى.

وقوله : (فجُهدك) أي فاجهد جهدك، وأبلغ غايتك، أو بقدر جهدك وطاقتك .

والجهد على الأوّل بالفتح والنصب ، وعلى الثاني بالضمّ والرفع بحذف المبتدأ أو الخبر .

وقوله : (ثلاثة أيّام في الشهر) ؛ قال الشهيد رحمه الله في الدروس : يتأكّد أوّل خميس في العشر الأوّل، وأوّل أربعاء في العشر الثاني، وآخر خميس في العشر الأخير .

وروي: «خميس بين أربعاءين، ثمّ أربعاء بين خميسين» (1). ، كقول ابن الجنيد (2) .

وروي: «مطلق الخميس والأربعاء في الأعشار الثلاثة»، كقول أبي الصلاح (3). (4).

وقال ابن الطاووس رحمه الله في الدروع الواقية : اعلم أنّ الظاهر من عمل أصحابنا أنّه أربعاء بين خميسين، غير أنّ الشيخ الطوسي رحمه اللهروى في تهذيبه عن أبي بصير، قال : سألت الصادق عليه السلام عن صوم ثلاثة أيّام في الشهر، فقال : «في كلّ عشرة أيّام يوما: خميس وأربعاء وخميس، والشهر الذي يأتي أربعاء وخميس وأربعاء» (5). فعلم من ذلك أنّ الإنسان مخيّر بين أن يصوم أربعاء بين خميسين، أو خميسا بين أربعاءين ، فعلى أيّهما عمل فليس عليه شيء ، والذي يدلّ على ذلك ما ذكره إسماعيل بن داود، قال : سألت الرضا عليه السلام عن الصيام ، فقال : «ثلاثة أيّام في الشهر: الأربعاء، والخميس، والجمعة» . فقلت : إنّ أصحابنا يصومون الأربعاء بين خميسين؟ فقال : «لا بأس بذلك، ولا بأس بخميس بين أربعاءين» (6). (7).

ثمّ قال : الفصل الحادي عشر فيما نذكره من الرواية بأنّه إذا اتّفق خميسان في أوّله ،

ص: 40


1- .اُنظر : وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 313
2- .اُنظر : مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 238
3- .اُنظر : الكافي في الفقه ، ص 180
4- الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 280 و 281
5- التهذيب ، ج 4 ، ص 303 ، ح 917
6- .التهذيب ، ج 4 ، ص 304 ، ح 918
7- الدروع الواقية ، ص 59 و 60 (مع تلخيص واختلاف يسير)

وأربعاءان في وسطه ، وخميسان في آخره، أنّ صوم الأوّل منهما أفضل.

فعن الصادق عليه السلام : «إذا كان أوّل الشهر خميسين، فصوم آخرهما أفضل ؛ وإذا كان وسط الشهر أربعاءين ، فصوم آخرهما أفضل» (1).

ثمّ قال :

ولعلّ المراد بذلك أنّ من فاته [صوم] الخميس الأوّل أو الأربعاء الأوّل، فإنّ الآخر منهما أفضل من تركهما؛ لأنّه لو لا هذا الحديث لربّما اعتقد الإنسان أنّه إذا فاته الأوّل منهما ترك صوم الآخر ، وأمّا اتّفاق خميسين في آخره، فقد روى ابن بابويه في كتاب من لايحضره الفقيه أنّ العالم عليه السلام سُئِلَ عن خميسين يتّفقان في آخر العشر ، فقال عليه السلام : «[صم] الأوّل منهما ، فلعلّك لا تلحق الثاني»(2).

ثمّ قال : أقول : هذان الحديثان يحتمل أنّهما لا يتنافيان، وذلك أنّه إذا كان يوم الثلاثين من الشهر يوم الخميس، وفيه خميس آخر في العشر، فينبغي أن يصوم الخميس الأوّل منهما؛ لجواز أن يهلّ الشهر ناقصا، فيذهب منه صوم يوم الخميس الثلاثين، بخلاف ما إذا كان يوم الخميس الآخر يوم التاسع والعشرين من الشهر، وقبله خميس آخر في العشر؛ فإنّ الأفضل هاهنا صوم الخميس الذي هو التاسع والعشرين؛ لأنّه لا يخاف فواته على اليقين (3) (وعليك بصلاة الزوال) أي نافلته على الظاهر (4). ، مع احتمال الفريضة حينئذٍ نظير قوله تعالى : «وَالصَّلَاةِ الْوُسْطى» (5). على قول .

وقوله : (برفع يديك) أي في التكبيرات .

وقوله : (وتقليبهما) .

لعلّ المراد ردّهما بعد الرفع، أو تقليبهما في أحوال الصلاة بأن يضعهما في كلّ حال على ما

ص: 41


1- نقله العلّامة المجلسي رحمه الله في بحار الأنوار ، ج 97 ، ص 105 ، ح 41 عن كتاب النوادر لجعفر بن مالك الفزاري ، عن أحمد بن ميثم ، عن زياد القندي ، عن عبداللّه بن سنان ، عن الإمام الصادق عليه السلام
2- الفقيه ، ج 2 ، ص 51 ، ح 223 . وعنه في بحار الأنوار ، ج 97 ، ص 105 ، ذيل ح 41
3- الدروع الواقية ، ص 61 - 63 (مع التلخيص واختلاف يسير)
4- .واستظهره أيضا العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 180
5- .البقرة (2) : 283

ينبغي أن تكونا عليه، أو رفعهما في القنوت، وجعل بطونهما إلى السماء بالتضرّع والابتهال .

وقوله صلى الله عليه و آله : (عند كلّ وضوء) .

لعلّ التخصيص للإشعار بتأكّده في الوضوء، أو بكونه من مستحبّاته .

متن الحديث الرابع والثلاثين

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (1) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ، عَنْ أَبِيهِ عليهماالسلام، قَالَ:«قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : حَسَبُ الْمَرْءِ دِينُهُ وَعَقْلُهُ وَمُرُوءَتُهُ (2). وَشَرَفُهُ وَجَمَالُهُ وَكَرَمُهُ تَقْوَاهُ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (حسبُ المرء دينُه) .

قال الجوهري : «الحَسَب: ما يعدّه الإنسان من مفاخر آبائه ، ويقال : حسبه دينه . ويُقال : ماله » (3).

(وعقله ومُروءته) .

في بعض النسخ: «ومروءته وعقله» . والمُروءة _ مهموز بعد الميم والراء _ : الإنسانيّة. واشتقاقه من المرء، وقد يخفّف بالقلب والإدغام؛ أي شرف المرء إنّما هو بالدِّين وكماله، لا بمفاخر آبائه وشرف أجداده.

(وجماله) أي حسنه وبهجته بالعقل والإنسانيّة والشرافة ؛ أي العلوّ والمجد في الدِّين (4).

(وكرمُهُ) أي كونه كريما شريفا مكرّما عند اللّه وعند الناس (تقواه) وورعه عن محارم اللّه عزّ وجلّ .

ص: 42


1- في الطبعة القديمة وبعض نسخ الكافي : + «بن محمّد بن عليّ بن عبداللّه بن جعفر الطيّار»
2- .في الطبعتين للكافي: «ومروءته وعقله». وفي بعض نسخ الكافي: + «ومروءته عقله»
3- الصحاح ، ج 1 ، ص 110 (حسب)
4- قال المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 4 ، ص 305 ، ح 1984 : «اُريد بالجمال الزينة الظاهرة من الأخلاق الحسنة والأطوار المستحسنة»

وقال بعض الشارحين في شرح هذا الكلام :

أي من له اعتقاد بالدِّين، ومروّة داعية لرعاية حقوق المؤمنين، وعقل مُدرك لما ثبت في الشرع من القوانين، وجمال ؛ أي حسن ظاهر بالأعمال الصالحة، وحسن باطن بالأخلاق الفاضلة، وتقوى من اللّه داعية إلى اجتناب المنهيّات، والسبق إلى الخيرات، فهو حسيب نجيب شريف كريم ، ومن لم يكن له هذه الخصال وإن كان ذا حسب بالآباء والجاه والمال فهو خسيس دنيء لئيم ؛ فربّ عبدٍ حبشيٍّ خيرٌ من حُرٍّ هاشميّ قرشيّ (1).

هذا كلامه، فتأمّل .

متن الحديث الخامس والثلاثين

اشاره

عَنْهُمْ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُقْبَةَ وَثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ وَغَالِبِ بْنِ عُثْمَانَ وَهَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ (2) ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، قَالَ:كُنْتُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي فُسْطَاطٍ لَهُ بِمِنًى، فَنَظَرَ إِلى زِيَادٍ الْأَسْوَدِ مُنْقَطِعَ الرِّجْلَيْنِ (3) ، فَرَثى لَهُ، فَقَالَ لَهُ: «مَا لِرِجْلَيْكَ هكَذَا؟».

قَالَ: جِئْتُ عَلى بَكْرٍ لِي نِضْوٍ، فَكُنْتُ أَمْشِي عَنْهُ عَامَّةَ الطَّرِيقِ، فَرَثى لَهُ، وَقَالَ لَهُ عِنْدَ ذلِكَ زِيَادٌ: إِنِّي أُلِمُّ بِالذُّنُوبِ حَتّى إِذَا ظَنَنْتُ أَنِّي قَدْ هَلَكْتُ، ذَكَرْتُ حُبَّكُمْ، فَرَجَوْتُ النَّجَاةَ، وَتَجَلّى عَنِّي.

فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «وَهَلِ الدِّينُ إِلَا الْحُبُّ؟ قَالَ اللّهُ تَعَالى: «حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْاءِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ» (4) ، وَقَالَ: «إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ» (5). ، وَقَالَ: «يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ» (6) ، إِنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ، أُحِبُّ الْمُصَلِّينَ وَلَا أُصَلِّي، وَأُحِبُّ الصَّوَّامِينَ

ص: 43


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 420
2- لم نجد مع الفحص الأكيد غير هنا رواية الحسن بن عليّ بن فضّال عن هارون بن مسلم ، ولا رواية هارون عن بريد بن معاوية ، واحتملنا التحريف في اسم هذا الرجل من ناحية النسّاخ ، والمظنون أنّ الصحيح هو : «مروان بن مسلم» ، وهو يروي عن بريد ، ويروي عنه الحسن ، كما تشاهد روايته عن بريد في الكافي ، ج 1 ، ص 177 ، ح 4 ؛ ورواية الحسن عنه في : ج 2 ، ص 224 ، ح 9 ؛ وج 3 ، ص 557 ، ح 3 ؛ وج 3 ، ص 563 ، ح 1 ؛ وغيرها
3- في الطبعة القديمة وحاشية النسخة : «منقلع الرجل»
4- الحجرات (49) : 7
5- آل عمران (3) : 31
6- الحشر (59) : 9

وَلَا أَصُومُ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ، وَلَكَ مَا اكْتَسَبْتَ.

وَقَالَ: مَا تَبْغُونَ وَمَا تُرِيدُونَ، أَمَا إِنَّهَا لَوْ كَانَتْ (1).

فَزْعَةٌ مِنَ السَّمَاءِ، فَزِعَ كُلُّ قَوْمٍ إِلى مَأْمَنِهِمْ، وَفَزِعْنَا إِلى نَبِيِّنَا، وَفَزِعْتُمْ إِلَيْنَا».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (في فُسطاط) ؛ هو بالضمّ: السرادق من الأبنية .

وقوله : (منقطع الرجلين) بالنصب على الحاليّة من زياد .

وفي بعض النسخ: «منقلع الرجلين» (2) ، والمآل واحد .

والمقصود أنّهما انقطعا عن العمل من كثرة المشي .

(فرثى له) .

في النهاية: «رثى له، إذا رقَّ وتوجّع» (3).

وقوله : (على بَكر لي نِضو) بالجرّ صفة «بكر» .

قال الجزري : «البكر، بالفتح: الفتى من الإبل، بمنزلة الغلام من الناس ، والاُنثى: بكرة» (4).

وقال : «النضو، بالكسر: الدابّة التي أهزلتها الأسفار، وأذهبت لحمها» (5).

(فكنت أمشي عنه) أي معرضا عن ركوبه .

(عامّةَ الطريق) بتشديد الميم؛ أي تمامه، أو أكثره .

وقوله : (إنّي اُلمّ بالذنوب) إلى قوله : (وتجلّى عنّي) .

قال الجوهري : «الإلمام: النزول.

وقد أَلمَّ به ؛ أي نزل به. وألمَّ الرجل من اللمم، وهو صغار الذنوب» (6).

ص: 44


1- .في الطبعة القديمة : «كان»
2- كما ضبطه المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 5 ، ص 826 ، ح 3096 ، ثمّ قال في شرحه : «أي لم تثبت قدماه على الأرض»
3- النهاية ، ج 2 ، ص 196 (رثى)
4- النهاية ، ج 1 ، ص 149 (بكر)
5- النهاية ، ج 5 ، ص 72 (نضو)
6- الصحاح ، ج 5 ، ص 2032 (لمم) مع تلخيص

وفي القاموس: «جَلا الهمَّ عنه: أذهبه.

وقد انجلى، وتجلّى» (1).

وقيل : معنى «ألمَّ بالذنوب» أنزل بها، واقترفها، أو أقرب منها، وأكاد أقترفها، فذكر المحبّة على الأوّل بسبب رجاء النجاة من العقوبة، وتجلّى ظنّ الهلاك بها .

وعلى الثاني سبب لرجاء النجاة من الذنوب وتجلّيها عنه (2).

وأنت خبير بما في التوجيه الثاني من البُعد ، والظاهر الأوّل مع تخصيص الذنوب بالصغائر .

وقوله : (وهل الدِّين إلّا الحبّ) . اللّام فيه للعهد ؛ يعني ليس حقيقة الدِّين إلّا الحبّ المعهود، وهو حبّنا أهل البيت، فهو أصل لثبوت الدين ، فكأنّه نفسه وحقيقته .

وقوله تعالى : «حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الْاءِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ» (3). ؛ إمّا بنصب الأدلّة، أو بالتوفيق له، أو بما وعد عليه من النصر والفتح في الدنيا ، والجنّة والنعيم في الاُخرى .

ووجه تطبيق الآية على المدّعى ما أفاده بعض الأفاضل من أنّ الدين هو الإيمان ؛ أعني الإقرار باللّه وبالرسول والأوصياء، والإيمان لا يتحقّق إلّا بحبّهم بحكم الآية ، فالدين لا يتحقّق إلّا بحبّهم .

وبعبارة اُخرى : الإيمان هو الإقرار بعليّ أمير المؤمنين وأوصيائه عليهم السلام ؛ لأنّ الإقرار بهم يستلزم الإقرار باللّه وبرسوله، دون العكس، وهو لا يتحقّق إلّا بحبّهم، والتقريب على التقديرين واضح

وقال : «إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ»(4). الآية .

قال الفاضل المذكور : الدِّين _ وهو متابعة النبيّ صلى الله عليه و آله فيما جاء به، الذي أعظمه الولاية _ يتوقّف على المحبّة، وثمرته المحبّة، بدليل الشرط المذكور والمقدّر، فهو محفوف بالمحبّتين : محبّة العبد له تعالى، ومحبّته تعالى له، فلا يتحقّق إلّا بها، وهو المطلوب (5).

ص: 45


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 313 (جلو)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 421
3- الحجرات (49) : 7
4- آل عمران (3) : 31
5- .شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 421

وقال : «يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إلَيْهِمْ» (1).

؛ مدحهم بحبّ المهاجرين، وليس إلّا بحبّهم للدين، وهو المطلوب .

وقوله : (اُحبّ المصلّين ولا اُصلّي) إلى آخره .

كأنّ المراد بالصلاة والصوم النافلة ، وفي إرادة العموم على ما هو الظاهر إشكال ، ويفهم من السياق أنّ الرجل كان مؤمنا مع احتمال عدمه، وأنّ المحبّة سبب للنجاة .

وقيل : قوله : (ولك ما اكتسبتَ) إشارة إلى أنّ أعمال الخير سبب لرفع الدرجات (2).

وقال أبو جعفر عليه السلام : (ما تَبغون) أي أيّ شيءٍ تطلبون أيّها الشيعة .

(وما تُريدون) بعد حصول ما هو أصل السعادة الأبديّة، والنجاة الاُخرويّة لكم .

وقوله : (فَزْعَة) بالضمّ، أو بالفتح .

قال الفيروزآبادي : «الفزعة: الذُّعر، والفَرَق .

وفزع إليه، كفرَح: لجأ .

وفُزَعة، كهُمزَة: من يفزع منهم .

وبالضمّ: من يفزع منه» (3).

وأقول : لعلّ المراد هنا ما يكون منشأ للفزع والخوف مطلقا، كالصور وأمثاله .

متن الحديث السادس والثلاثين

اشارة

سَهْلٌ (4) ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُقْبَةَ وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ:سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ: «الْحَمْدُ لِلّهِ صَارَتْ فِرْقَةٌ مُرْجِئَةً، وَصَارَتْ فِرْقَةٌ حَرُورِيَّةً، وَصَارَتْ فِرْقَةٌ قَدَرِيَّةً، وَسُمِّيتُمُ التُّرَابِيَّةَ وَشِيعَةَ عَلِيٍّ، أَمَا وَاللّهِ، مَا هُوَ إِلَا اللّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَرَسُولُهُ صلى الله عليه و آله وَآلُ رَسُولِ اللّهِ عليهم السلام وَشِيعَةُ آلِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَمَا النَّاسُ إِلَا هُمْ، كَانَ عَلِيٌّ عليه السلام أَفْضَلَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَأَوْلَى النَّاسِ بِالنَّاسِ».

حَتّى قَالَهَا ثَلَاثا.

شرح الحديث

السند ضعيف .

ص: 46


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 421
2- الحشر (59) : 9
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 63 (فزع) مع التلخيص
4- السند معلّق على سابقه

قوله عليه السلام : (الحمد للّه ) إلى آخره ؛ حمد اللّه لوجود الفرقة الناجية الآتية، لا بوجود الفرق الهالكة .

قال الجزري : المرجئة: فرقة من فِرَق الإسلام يعتقدون أنّه لا يضرّ مع الإيمان معصية، كما [أنّه] لا ينفع مع الكفر طاعة . سُمّوا مرجئة ؛ لاعتقادهم أنّ اللّه تعالى أرجأ تعذيبهم على المعاصي ؛ أي أخّره عنهم . والمرجئة تهمز ولا تهمز، وكلاهما بمعنى واحد (1). (2).

وقال صاحب الملل والنحل : المرجئة كما يطلق على طائفة يؤخّرون العمل عن النيّة والعقد ، وعلى طائفة يؤخّرون حكم صاحب الكبيرة إلى يوم القيامة، ولا يقضون عليه بحكم ما في الدنيا، وهم والوعيديّة فرقتان متقابلتان، كذلك تطلق على من أخّر عليّا عليه السلام من الدرجة الاُولى إلى الرابعة ، وهم والشيعة فرقتان متقابلتان . انتهى (3).

والحروريّة: الخوارج ؛ سمّوا بها لأنّ مبدأ اجتماعهم كان في قرية تسمّى «حروراء» بالفتح والمدّ، وقد يقصّر، وهي قرية بالكوفة .

والقدريّة: قد تطلق على المعتزلة القائلين باستقلال العباد في أفعالهم الاختياريّة ، وعدم مدخليّة مشيئة اللّه سبحانه وإرادته فيها .

وقد تُطلق على الأشاعرة، وهم الجبريّة القائلين بأنّ أفعال العباد خيرها وشرّها صادرة عنه تعالى، ولا مدخليّة للعبد فيها إلّا باعتبار المحلّيّة فقط، أو الكسب ؛ يعني صدور الفعل مقارنا لإرادته التي لا مدخل لها فيه ، بل إذا تعلّقت قدرته بفعل بادرت القدرة الإلهيّة، فتوجده .

(وسمّيتم التُّرابيّة) ؛ باعتبار انتسابكم إلى أبي تراب، وهو كنية عليّ عليه السلام .

وقوله : (ما هو إلّا اللّه ...) ؛ لعلّ الضمير راجع إلى الحقّ، أو إلى المحقّ، والعارف بالحقّ المعلوم بقرينة المقام، أو إلى من وجبت طاعته، كما قيل؛ (4) وفيه بُعْد .

وقوله : (وما الناس إلّا هُم) أي الرسول والأئمّة وشيعتهم .

ص: 47


1- .في المصدر : «التأخير» بدل «واحد»
2- النهاية، ج 2 ، ص 206 (رجا)
3- الملل النحل ، ج 1 ، ص 139 (مع تلخيص واختلاف يسير)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 422

وقيل : المراد بالناس هذا الهيكل مع كمال صورته الظاهرة بالأعمال الصالحة وصورته الباطنة بالعلم والإيمان والأخلاق الفاضلة، دون الهيكل فقط ؛ لأنّه بدون الصورة المذكورة عند أهل الحقّ في الظاهر، كالناس المصنوع من الخشب، كما قال تعالى : «كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ» (1) ، وفي الباطن كالكلب أو الحمار، كما قال : «فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ» (2) ، وقال : مثلهم «كَمَثَلِ الْحِمَارِ» (3) (4).

وقوله : (وأولى الناس بالناس) أي بأمرهم وإمارتهم .

(حتّى قالها) أي هذه الكلمات، وهي قوله : (كان عليّ أفضل الناس) إلى آخره .

متن الحديث السابع والثلاثين

اشاره

عَنْهُ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ الْكَلْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْوَاسِطِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ:

قُلْتُ لَهُ: أَصْلَحَكَ اللّهُ، لَقَدْ تَرَكْنَا أَسْوَاقَنَا انْتِظَارا لِهذَا الْأَمْرِ، حَتّى لَيُوشِكُ الرَّجُلُ مِنَّا أَنْ يَسْأَلَ فِي يَدِهِ، فَقَالَ: «يَا [أَبَا] عَبْدِ الْحَمِيدِ، أَ تَرى مَنْ حَبَسَ نَفْسَهُ عَلَى اللّهِ أَنْ (5) لَا يَجْعَلَ اللّهُ لَهُ مَخْرَجا؟! بَلى، وَاللّهِ لَيَجْعَلَنَّ اللّهُ لَهُ مَخْرَجا، رَحِمَ اللّهُ عَبْدا أَحْيَا أَمْرَنَا».

قُلْتُ: أَصْلَحَكَ اللّهُ، إِنَّ هؤُلَاءِ الْمُرْجِئَةَ يَقُولُونَ: مَا عَلَيْنَا أَنْ نَكُونَ عَلَى الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ حَتّى إِذَا جَاءَ مَا تَقُولُونَ: كُنَّا نَحْنُ وَأَنْتُمْ سَوَاءً؟

فَقَالَ: «يَا عَبْدَ الْحَمِيدِ، صَدَقُوا، مَنْ تَابَ تَابَ اللّهُ عَلَيْهِ، وَمَنْ أَسَرَّ نِفَاقا فَلَا يُرْغِمُ اللّهُ إِلَا بِأَنْفِهِ، وَمَنْ أَظْهَرَ أَمْرَنَا أَهْرَقَ اللّهُ دَمَهُ، يَذْبَحُهُمُ اللّهُ عَلَى الْاءِسْلَامِ، كَمَا يَذْبَحُ الْقَصَّابُ شَاتَهُ».

قَالَ: قُلْتُ: فَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ وَالنَّاسُ فِيهِ سَوَاءٌ؟

قَالَ: «لَا، أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ سَنَامُ الْأَرْضِ وَحُكَّامُهَا، لَا يَسَعُنَا فِي دِينِنَا إِلَا ذلِكَ».

قُلْتُ: فَإِنْ مِتُّ قَبْلَ أَنْ أُدْرِكَ الْقَائِمَ عليه السلام ؟

ص: 48


1- المنافقون (63) : 4
2- الأعراف (7) : 176
3- الجمعة (62) : 5
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 422 و 423
5- في الطبعتين للكافي وجميع النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة : - «أن»

قَالَ: «إِنَّ الْقَائِمَ (1) مِنْكُمْ إِذَا قَالَ: إِنْ أَدْرَكْتُ قَائِمَ آلِ مُحَمَّدٍ نَصَرْتُهُ، كَالْمُقَارِعِ مَعَهُ بِسَيْفِهِ، وَالشَّهَادَةُ مَعَهُ شَهَادَتَانِ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (لقد تركنا أسواقنا) إلى آخره .

لمّا كان الأئمّة عليهم السلام أبهموا الأمر على شيعتهم لمصلحة، كانوا يرجون أن يكون ظهور دولة الحقّ والخروج بالسيف على يد غير الإمام الثاني عشر، ولا يزالون منتظرين لذلك .

وقيل : لعلّ ترك الأسواق لتهيئتهم للحرب، واشتغالهم بما يوجب ممارستهم فيها. أو لقوّة رجائهم وتقريبهم هذا الأمر، فتركوا المكاسب؛ لغفلتهم بعدم احتياجهم إليها بعد ظهور هذا الأمر ، أو لاهتمامهم بطلب العلم وهداية الحقّ ، وعدم اعتنائهم بالتجارة رجاءً لما ذكر (2).

وقال الفاضل الأمين : كأنّه ناظر إلى ما نطقت به الأحاديث من أنّ اللّه تعالى قدّر أوّلاً أن يكون ظهور الأمر على يد الصادق عليه السلام ، ثمّ قدّر تقديرا آخر أن يكون على يد المهدي ، فهذه الجماعة كانوا غافلين عن التقدير الآخر، فاشتغلوا بأخذ السلاح وتعلّم آداب الحرب وما أشبه ذلك (3).

وقوله : (حَبَس نفسَه على اللّه ) أي على طاعته ، أو حبس نفسه في الطاعة متوكّلاً على اللّه .

ويحتمل كون «على» بمعنى اللّام؛ أي حبس للّه طاعته .

ولعلّ المراد ب «هؤلاء المرجئة» مطلق من أخّر عليّا عليه السلام عن غيره .

وقوله : (يقولون ما علينا) إلى قوله : (صدقوا) .

قيل : كأنّهم قالوا : ما نحن عليه من الاعتقاد بخلافة الثلاثة على تقدير بطلانه، كما زعمتم لا يضرّنا (إذا جاء ما تقولون) من ظهور المهديّ المنكر لخلافتهم، فإنّا إذا علمنا أنّه أيضا ينكرها كما تنكرونها نؤمن به، ونتوب عمّا كنّا فيه، والتوبة تمحق تلك الخطيئة عنّا ، وحينئذٍ

ص: 49


1- في كلتا الطبعتين وأكثر النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة : «القائل» بدل «القائم»
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 183 - 184
3- حكاه عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 423

نحن وأنتم سواء في الدين وأمر الخلافة .

فأجاب عليه السلام بأنّهم في هذا القول صادقون؛ فإنّ (من تاب) توبةً خالصة (تاب اللّه عليه) وقبل توبته (1).

(ومَنْ أسرَّ نفاقا) وأبطنه وأظهر الإيمان بلسانه وجوارحه .

(فلا يُرغم اللّه إلّا بأنفه) .

في القاموس: «الرغم: الكُره _ ويثلّث _ والتراب، كالرغام، والذلّ. ورغم أنفي للّه ، مثلّثة: ذلّ عن كره. وأرغمه الذلّ، وأرغمه اللّه : أسخطه» (2). ؛ يعني من أسرّ نفاقا أذلّه اللّه وأسخطه في الدنيا والآخرة .

وقيل : إنّ الرغم مأخوذ من المراغمة، وهي الاضطراب والتحيّر ؛ يعني جعله اللّه مضطربا متحيّرا أبدا (3).

(ومن أظهر أمرنا أهرق اللّه دمه) أي من أفشى سرّنا بترك التقيّة، وأظهر التشيّع عند المخالفين ، يمكّنهم اللّه من إهراق دمه .

وهذا إمّا خبر، أو دعاء . وقيل : دعاء على مَن أظهر أسرارهم من أهل النفاق عند أعدائهم للإضرار بهم وبشيعتهم (4).

وقيل : يحتمل أن يكون المراد: من ادّعى الإمامة بغير حقّ، وخرج بغير إذن الإمام(5).

وأصل أهراق: أراق. يُقال : أراق الماء، إذا صبّه ، ثمّ اُبدلت الهمزة هاء، فقيل : «هراقه» بفتح الهاء، ثمّ جمع بين البدل والمبدل منه، فقيل : «أهراق».

وضمير «دمه» راجع إلى لفظ الموصول ، وفي قوله : (يَذبحهم اللّه على الإسلام) راجع إليه باعتبار المعنى .

والذبح: الشقّ، والفتق، والنحر، والخنق. وفعله كمنع .

ص: 50


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 423
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 121 (رغم)
3- راجع : شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 424
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 424
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 184

ويحتمل أن يكون «على» للتعليل؛ أي لأجل تضييعهم حدود الإسلام، وعدم عملهم بقوانينه .

وقيل : الظاهر أنّ الظرف حال عن المفعول، وأنّ «على» للاستعلاء والاستيلاء (1) ؛ أي مع كونهم داخلين على الإسلام غير خارجين منه .

وفي القاموس: «قَصَبه يقصبه : قطعه . والقصّاب: الزمّار» (2).

وقوله : (فنحن يومئذٍ والناس فيه سواء) متفرّع على قوله عليه السلام : «صدقوا» ، والضمير لليوم، والناس المخالفون الذين تابوا عند ظهور دولة الحقّ .

والمراد بالمساواة المشاركة في الدرجة والمنزلة الرفيعة عند الصاحب عليه السلام .

وقوله : (سنام الأرض وحكّامها) كناية عن دولة الشيعة يومئذٍ، ورفعة قدرهم، ونفاذ أمرهم .

وأصل السنام _ بالفتح _ ما هو للإبل، ومن الأرض: وسطها، ثمّ استعمل في أعالي الشيء كائنا ما كان .

(لا يسعنا في ديننا إلّا ذلك) أي لا يجوز لنا في قوانين ديننا إلّا أن نفضّلكم بسبق إيمانكم على غيركم .

وقوله : (إنّ القائم منكم) أي الذي يقوم لنصرته عليه السلام ، ويستعدّ له .

وفي بعض النسخ: «القائل منكم»، وهو الظاهر .

وقوله : (كالمُقارع) خبر «إنّ» .

في القاموس: «قَرَع رأسه بالعصا: ضربه . والمقارعة: أن تقرع الأبطال بعضهم بعضا» (3). وقوله : (والشهادة معه شهادتان) ؛ لعلّ المراد أنّ للمتمنّي ثواب شهادة واحدة ، ولمن أدركها معه ثواب شهادتين؛ لشهادته معه، ولكونه مؤمنا منتظرا لظهور دولته عليه السلام .

وقد روي : «أنّ المؤمن شهيد، وإن مات على فراشه» (4).

ص: 51


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 424
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 117 (قصب) مع التلخيص
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 68 (قرع)
4- اُنظر : الأمالي للطوسي ، ص 676 ، ح 1426 . وعنه في بحار الأنوار ، ج 52 ، ص 144، ح 64

أو المراد أنّ للمتمنّي ثواب الشهادة معه ، وللشهادة معه ثواب شهادتين مع غيره ، فللمتمنّي ثواب شهادتين .

وقيل : المراد أنّ الحضور معه حضوران: بالقَصد، والفِعل (1).

متن الحديث الثامن والثلاثين

اشارة

عَنْهُ (2) ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْوَلِيدِ الْكِنْدِيِّ، قَالَ:دَخَلْنَا عَلى أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام فِي زَمَنِ مَرْوَانَ، فَقَالَ: «مَنْ أَنْتُمْ؟». فَقُلْنَا: مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَقَالَ: «مَا مِنْ بَلْدَةٍ مِنَ الْبُلْدَانِ أَكْثَرَ مُحِبّا لَنَا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَلَا سِيَّمَا هذِهِ الْعِصَابَةِ، إِنَّ اللّهَ _ جَلَّ ذِكْرُهُ _ هَدَاكُمْ لأمْرٍ جَهِلَهُ النَّاسُ، وَأَحْبَبْتُمُونَا وَأَبْغَضَنَا النَّاسُ، وَاتَّبَعْتُمُونَا وَخَالَفَنَا النَّاسُ، وَصَدَّقْتُمُونَا وَكَذَّبَنَا النَّاسُ، فَأَحْيَاكُمُ اللّهُ مَحْيَانَا، وَأَمَاتَكُمُ [اللّهُ ] مَمَاتَنَا، فَأَشْهَدُ عَلى أَبِي أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَا بَيْنَ أَحَدِكُمْ وَبَيْنَ أَنْ يَرى مَا يُقِرُّ اللّهُ بِهِ (3). عَيْنَهُ، وَأَنْ يَغْتَبِطَ إِلَا أَنْ تَبْلُغَ نَفْسُهُ هذِهِ _ وَأَهْوى بِيَدِهِ إِلى حَلْقِهِ _ وَقَدْ قَالَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ فِي كِتَابِهِ: «وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجا وَذُرِّيَّةً» (4) ، فَنَحْنُ ذُرِّيَّةُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (أكثر محبّا لنا من أهل الكوفة، ولا سيّما هذه العصابة) .

«العصابة» بالكسر: الجماعة.

ولعلّها إشارة إلى جماعة مخصوصين من أهل الكوفة، ويكون المراد بالمحبّ الشيعة مطلقا .

وقيل : لعلّ المراد بالمحبّ أعمّ من الشيعة؛ أي محبّنا في الكوفة أكثر من غيرها، وفضل عدد الشيعة فيها على غيرها أكثر من فضل عدد المحبّ (5).

ص: 52


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 424
2- الظاهر أنّ الضمير راجع إلى سهل المذكور في سند الحديث (36)
3- .في الطبعة الجديدة وجميع النسخ التي قوبلت فيها والوافي : - «به»
4- .الرعد (13) : 38
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 185

(فأحياكم اللّه مَحيانا) إلى آخره .

في النهاية: «المحيا: مَفعل من الحياة، ويقع على المصدر والزمان والمكان» (1) ؛ أي جعل حياتكم وموتكم كحياتنا وموتنا في المسابقة إلى الخيرات والفوز بالسعادات .

وقوله : (فأشهد) على صيغة المتكلّم .

وقوله : (يغتبط) على بناء الفاعل ، أو المفعول .

قال الفيروزآبادي : «الغبطة، بالكسر: حسن الحال، والمسرّة. وقد اغتبط، والحسدُ» (2).

والحاصل أنّ الشيعة إذا مات لم يتخلّل بينه وبين ثوابه عقاب أصلاً .

متن الحديث التاسع والثلاثين

اشاره

حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكِنْدِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُدَيْسٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي الصَّبَّاحِ، قَالَ:

سَمِعْتُ كَلَاما يُرْوى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وَعَنْ عَلِيٍّ عليه السلام وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَعَرَضْتُهُ عَلى أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، فَقَالَ:

«هذَا قَوْلُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله أَعْرِفُهُ». قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : الشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَالسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ، وَأَكْيَسُ الْكِيسِ التَّقِيُّ، وَأَحْمَقُ الْحُمْقِ الْفَجُورُ، وَشَرُّ الرَّوِيِّ رَوِيُّ الْكَذِبِ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَأَعْمَى الْعَمى عَمَى الْقَلْبِ، وَشَرُّ النَّدَامَةِ نَدَامَةُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَأَعْظَمُ الْخَطَايَا عِنْدَ اللّهِ لِسَانُ الْكَذَّابِ، وَشَرُّ الْكَسْبِ كَسْبُ الزِّنى، (3) وَشَرُّ الْمَآكِلِ أَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَأَحْسَنُ الزِّينَةِ زِينَةِ الرَّجُلِ هَدْيٌ حَسَنٌ مَعَ إِيمَانٍ، وَأَمْلَكُ أَمْرِهِ بِهِ وَقِوَامُ خَوَاتِيمِهِ.

وَمَنْ يَتَّبِعِ السُّمْعَةَ يُسَمِّعِ اللّهُ بِهِ الْكَذِبَةَ، وَمَنْ يَتَوَلَّ الدُّنْيَا يَعْجِزْ عَنْهَا، وَمَنْ يَعْرِفِ الْبَلَاءَ يَصْبِرْ عَلَيْهِ، وَمَنْ لَا يَعْرِفْهُ يَنْكُلْ.

وَالرَّيْبُ كُفْرٌ، وَمَنْ يَسْتَكْبِرْ يَضَعْهُ اللّهُ، وَمَنْ يُطِعِ الشَّيْطَانَ يَعْصِ اللّهَ، وَمَنْ يَعْصِ اللّهَ يُعَذِّبْهُ اللّهُ، وَمَنْ يَشْكُرْ يَزِيدُهُ اللّهُ، وَمَنْ يَصْبِرْ عَلَى الرَّزِيَّةِ يُعِينُهُ اللّهُ، وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَحَسْبُهُ اللّهُ.

ص: 53


1- النهاية ، ج 1 ، ص 471 (حيا)
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 375 (غبط)
3- في كلتا الطبعتين ومعظم النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة : «الربا»

لَا تُسْخِطُوا اللّهَ بِرِضَا أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، وَلَا تَقَرَّبُوا إِلى أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ تَتَبَاعَدُوا (1) مِنَ اللّهِ؛ فَإِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ شَيْءٌ يُعْطِيهِ بِهِ خَيْرا، وَلَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْهُ شَرّا إِلَا بِطَاعَتِهِ وَاتِّبَاعِ مَرْضَاتِهِ، وَإِنَّ طَاعَةَ اللّهِ نَجَاحٌ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ يُبْتَغى، وَنَجَاةٌ مِنْ كُلِّ شَرٍّ يُتَّقى، وَإِنَّ اللّهَ _ عَزَّ ذِكْرُهُ _ يَعْصِمُ مَنْ أَطَاعَهُ، وَلَا يَعْتَصِمُ بِهِ مَنْ عَصَاهُ، وَلَا يَجِدُ الْهَارِبُ مِنَ اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ مَهْرَبا، وَإِنَّ أَمْرَ اللّهِ نَازِلٌ وَلَوْ كَرِهَ الْخَلَائِقُ، وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ، مَا شَاءَ اللّهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، فَتَعَاوَنُوا (2) عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى «وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْاءِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ» »(3).

شرح الحديث

السند مجهول .

ورواه الصدوق رحمه الله في الفقيه (4) وفي أماليه (5). بسند حسن، مع زيادات .

قوله : (الشقيّ من شقي) .

وفي بعض الروايات: «السعيد سعيد في بطن اُمّه، والشقيّ شقيّ في بطن اُمّه»(6).

والمشهور في تفسيره أنّ اللّه تعالى لمّا علم سعادة كلّ شخص، وهي ثباته في سبيل اللّه وسلوكه فيه، وعلم شقاوة كلّ أحد ، وهي سلوكه في سبيل الطاغوت وثباته فيه ، فالسعيد من هو في علم اللّه أن يكون في عاقبة أمره سعيدا، وإن كان بالنظر إلى ظاهر أحواله في أكثر عمره عند الناس شقيّا ، وكذا الشقيّ . ولمّا كان وجوده العيني وانطباق العلم بالمعلوم في بدو وجوده في بطن اُمّه ، نسب السعادة والشقاوة إليه في هذا الوقت .

أو المراد من بطن الاُمّ ما قبل الولادة مطلقا .

هذا ولا يبعد أن يكون الحديث إشارة إلى كسب ما انجرّ إلى السعادة والشقاوة، أعني

ص: 54


1- في الحاشية عن بعض النسخ: «بتباعد». وفي بعض النسخ الكافي والوافي : «يتباعد» . وفي بعض النسخ : «يتباعدوا»
2- .في الحاشية عن بعض النسخ: «و تعاونوا»
3- المائدة (5) : 2
4- الفقيه ، ج 4 ، ص 402 ، ح 5868
5- الأمالي للصدوق ، ص 487 ، ح 1 . والسند فيه هكذا : «حدّثنا الشيخ الفقيه أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي رحمه الله ، قال : حدّثنا أبي، قال : حدّثنا عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه إبراهيم بن هاشم ، عن صفوان بن يحيى ، عن أبي الصبّاح الكناني»
6- اُنظر : تفسير روح البيان ، ج 1 ، ص 104

أسبابهما ومباديهما في التكليف الأوّل بقدرته واختياره، كما نطقت به صريح كثير من الأخبار .

(وأكيس الكيس التقيّ) .

يمكن كون «الكيس» و«التقي» مصدرين، وإسنادهما إلى «أكيس» إسنادا مجازيّا.

ويحتمل كونهما على صيغة صفة المشبّهة. والأوّل أقرب وأنسب بالفقرات الآتية .

وأصل الفجور : الميل . والفاجر : المائل . ثمّ استعمل في الفسق والكذب .

(وشرّ الرويّ رويّ الكذب) .

«الروِيّ»: فعيل بمعنى الفاعل؛ إمّا من الرؤية، وهي التفكّر في الأمر، أو من الرويّ بمعنى الشرب التامّ، كما ذكره في القاموس (1) ؛ أي شرّ الارتواء الارتواء من قول الكذب والتملّي منه، أو من كثرة سماعه، أو هما معا .

و يحتمل أن يكون من الرواية ، ويؤيّده ما في نسخ الفقيه والأمالي : «وشرّ الرواية رواية الكذب» (2).

وفي بعض نسخ الكتاب : «وشرّ الرداء رداء الكذب» ؛ أي الارتداء به، وجعله شعارا لنفسه .

وفي روايات العامّة : «شرّ الروايا روايا الكذب» (3).

قال صاحب النهاية: في حديث عبداللّه : شرّ الروايا روايا الكذب . هي جمع «رويّة»، وهي ما يُروِّي الإنسان في نفسه من القول والفعل ؛ أي يزوّر، ويفكّر، وأصلها الهمزة . يُقال : روّأت في الأمر . وقيل : هي جمع «راوية» للرجل الكثير الرواية ، والهاء للمبالغة . وقيل : هي جمع «راوية» ؛ أي الذين يروون الكذب؛ أي تكثر رواياتهم فيه (4).

ص: 55


1- اُنظر : القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 337 (روي)
2- الفقيه ، ج 4 ، ص 402 ، ح 5868 ؛ الأمالي للصدوق ، ص 487 ، ح 1
3- سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 299 ؛ شرح مسلم للنووي ، ج 16 ، ص 161 ؛ المعجم الأوسط ، ج 8 ، ص 32 ؛ مسند الشهاب ، ج 2 ، ص 264 ؛ الجامع الصغير، ج 1 ، ص 245
4- النهاية ، ج 2 ، ص 279 (روي)

وقوله : (مُحدَثاتها) بفتح الدال، جمع محدَثة، وهي ما لم يُعرف في الدِّين من الاُمور المبتدعة المخترعة، ومقابلها الاُمور القديمة المعروفة في الكتاب والسنّة .

(وأعمى العمى عمى القلب) .

لعلّ «أعمى» أفعل صفة، لا «أفعل» تفضيل؛ لأنّ اشتقاقه من العيوب الظاهرة ليس بقياس، بخلاف الأحمق؛ فإنّه يصحّ كونه للتفضيل لكونه من العيوب الباطنة ، إلّا أن يقال: لمّا نسب العمى إلى القلب صارت من الباطنة، أو حكم بشذوذه . أو نقول : المراد بالعمى أثره ومقتضاه. وكأنّ هذا الأخير أحسن الوجوه .

(وأعظم الخطايا عند اللّه لسان الكذّاب) أي خطيئة لسانه . أو المراد باللسان الكلام ، وقد شاع استعماله فيه، كما يقال : فلان يتكلّم بلسان العرب. أو نقول: حُمِل اللسان على الخطايا مبالغة ومجازا من قبيل تسمية المحلّ باسم الحالّ . وفي الفقيه: «شرّ المخطئين» بدل «أعظم الخطايا» (1).

وقوله : (كسب الزنا) (2).

في بعض النسخ: «الربا» بالراء المهملة والباء الموحّدة، وكذا في نسخ الفقيه .

(وشرّ المآكل أكل مال اليتيم) ؛ كأنّ «المآكل» مصدر ميميّ؛ لحمل المصدر عليه .

وقوله : (زينة الرجل) بالجرّ بدل من «الزينة»، أو عطف بيان له .

ولعلّ تخصيصها بالذكر للاهتمام، وكونها للتمثيل بعيد .

وقوله : (هَدْيٌ) بالفتح والسكون: السيرة، والطريقة.

ورفعه على الخبريّة من «أحسن». ووصفه بالحَسن؛ للاحتراز عمّا يقابله. وتقييده بالإيمان؛ لترتّب الانتفاع الاُخروي عليه .

وقوله : (وأملكُ أمره به) عطف على «أحسن الزينة» .

والضمير الأوّل للرجل، والثاني للهَدي . وفي القاموس: «ليس له ملاك _ كسحاب _ لا يتمالك، ومَلاك الأمر، ويكسر: قوامه الذي يملِك به» (3).

ص: 56


1- الفقيه ، ج 4 ، ص 402 ، ح 5868
2- في كلتا الطبعتين ومعظم النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة : «كسب الربا»
3- القاموس المحيط ، ، ج 3 ، ص 320 (ملك)

(وقِوام خواتيمه) عطف أيضا على «أحسن»، وضميره للرجل . قال الفيروزآبادي :

«القَوام، كسَحاب: العدل، وما يعاش به. وبالكسر: نظام الأمر، وعماده، وملاكه» (1)

وقال :

الخِتام، ككتاب: الطين، يختم فيه على الشيء. والخاتم: ما يوضع على الطبيعة، وحَلْيٌ للإصبع كالخاتِم. الجمع: خواتِم، وخواتيم. ومن كلّ شيء: عاقبته ، وآخرته _ كخاتمته _ وآخر القوم . انتهى (2).

ولعلّ ملاك أمره بالهدي الحسن في حال الحياة، وقوام خواتيمه به بعد الممات .

وقال بعض الأفاضل في شرح هذا الكلام : «أي الهدي الحَسَن أملك الاُمور له، فيفكّه، ويخلّصه عن الشهوات والشرور، وهو سبب لقوامه وخواتيم اُموره وصلاحها» .

قال : «ويحتمل أن يكون الواو في قوله : «وقوام» زيدت من النسّاخ . وفي الفقيه والأمالي : أحسن زينة الرجل السكينة مع إيمان» (3) . هذا كلامه، فتأمّل .

(ومن يتّبع (4). السمعة يسمّع اللّه به الكذبة) .

«يتّبع» بتخفيف التاء وتشديدها . يُقال : تبعتُ القوم تبعا وتباعا وتباعةً، إذا مشيت خلفهم، أو مرّوا بك فمضيت معهم ، وكذلك اتّبعتهم على افتعلت .

والضمير المجرور راجع إلى الموصول . و«الكِذْبَةُ» بالكسر: مصدر، وكذلك كَذِبة، بفتح الكاف وكسر الذال . وقيل : لعلّ المراد بها كذبة نفسه. يقال: كَذَبَتْهُ نفسُه، إذا منّته الأمانيّ، وخيّلت إليه الآمال، فتُنشِّطهُ، وتبعثه على فعل ما يفضى إليها من الأعمال (5). انتهى .

وقوله : «يسمّع» من السميع . قال الفيروزآبادي : «ما فعله رياءً ولا سمعة، وتضمّ وتحرّك، وهي ما نوّه بذكره ليرى ويُسمع. والتسميع: التشييع، والتشهير» (6).

ص: 57


1- القاموس المحيط ، ، ج 4 ، ص 168 (قوم)
2- القاموس المحيط ، ، ج 4 ، ص 102 (ختم)
3- .مرآة العقول ، ج 25 ، ص 187
4- .في الوافي : «يبتغ» من الابتغاء ، بمعنى الطلب
5- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 427
6- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 40 (سمع)

وقال الجزري: فيه: «من سمّع الناسَ بعلمه، سمّع اللّه به سامِعَ خَلقِهِ» . وفي رواية: «أسامع خَلْقهِ» . يُقال : سمّعت بالرجل تسميعا وتَسمِعَةً، إذا شهّرته، وندّدت به . وسامع: اسم فاعل من سَمِعَ. وأسامع: جمع أسمُع. وأسمُع : جمع قلّة سَمْع. وسَمّع فلان بعلمه، إذا أظهره ليسمع. فمن رواه: سامعُ خلقه _ بالرفع _ جعله من صفة اللّه تعالى؛ أي سمع اللّه الذي هو سامع خلقه به الناس. ومن رواه: أسامِع، أراد أنّ اللّه تعالى يسمّع به أسامع خَلقهِ يوم القيامة .

وقيل : أراد من سمّع الناس بعلمه ، سمّعه اللّه ، وأراه ثوابه من غير أن يعطيه .

وقيل : من أراد بعلمه الناس أسمعه اللّه تعالى الناس، وكان ذلك ثوابه .

وقيل : المراد أنّ من يفعل فعلاً صالحا في السرّ، ثمّ يُظهره ليسمعه الناس ، ويُحمَد عليه؛ فإنّ اللّه تعالى يسمّع به، ويُظهر إلى الناس غرضه، وأنّ عمله لم يكن خالصا .

وقيل : يريد من نسب إلى نفسه عملاً صالحا لم يفعله، وادّعى خيرا لم يصنعه؛ فإنّ اللّه تعالى يفضحه، ويظهر كذبه (1).

وقال الطيبي : ومن نصب سامع يريد سمّع اللّه به من كان له سمع مِنْ خَلْقه (2).

(ومن يتولّ الدُّنيا يعجز عنها) .

يُقال : تولّى العمل ؛ أي تقلّد ؛ أي لا يمكن لأحد تحصيل جميع ما هو مطلوبه منها؛ فإنّ اُمورها صعب إمّا بالذات، أو لكثرة الموانع .

(ومن يعرف البلاء) أي منافعه ومثوباته . (يصبر عليه)؛ لما يتصوّر من ثمراته .

وقيل : يحتمل أن يكون المراد أنّ من يعرف البلاء قبل نزوله، وهيّأ نفسه لقبوله، يصبر بعد وصوله، كما يرشد إليه بعض الروايات (3).

(ومن لا يعرفه ينكُل) .

ص: 58


1- النهاية ، ج 2 ، ص 402 (سمع)
2- اُنظر : الفائق في غريب الحديث للزمخشري ، ج 2 ، ص 157
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 428

في القاموس : «نكل عنه _ كضرب ونصر وعلم _ نكُولاً : نكص، وجبن» (1).

(والريب) أي الشكّ والارتياب في اُصول الدِّين وفروعه، وترك طلب اليقين فيهما، أو القلق والاضطراب بعد الوصول إلى ما هو الحقّ والصواب .

(كفر) ؛ بمنزلة الجحود والإنكار .

(ومن يشكر يزيده (2) اللّه ) .

في بعض النسخ: «يزده اللّه » . ولفظة «مَن» على الأوّل موصولة ، وعلى الثاني شرطيّة . وبهذا يظهر فساد ما قيل: إنّ «يزيده اللّه » على ما في كثير من النسخ ضعيف؛ لأنّ الشرط والجزاء إذا كانا مستقبلين كان الأحسن جزم الجزاء، ورفعه ضعيف (3).

(ومن يصبر على الرزيّة) أي المصيبة .

(يُعينه اللّه ) .

في بعض النسخ: «يعنه اللّه » بالجزم (4).

(ولا تقربوا إلى أحدٍ من الخلق تتباعدوا من اللّه ) أي من رحمته .

ولعلّ المراد التقرّب إليهم بمعصية اللّه . وقيل : لابدّ من حملهم على من ليس من أهل التقرّب بهم؛ فإنّ التقرّب بالعلماء والصلحاء تقرّب إلى اللّه (5).

ويؤيّد الاُولى ما وقع في بعض نسخ الكتاب وفي الفقيه: «بتباعد من اللّه » (6).

وقوله : (فإنّ اللّه عزّ وجلّ) إلى قوله : (واتّباع مَرضاته) تعليل للسابق .

والمراد بالشيء الوسيلة والسبب والعهد ؛ يعني ليس بين اللّه وبين الخلق وسيلة يوجب الوصول إلى الخير مطلقا، ودفع الشرّ مطلقا، إلّا طاعته واتّباع مرضاته، وهما لا يتحقّقان في ضمن التقرّب بشرار الخلق، وطلب رضاهم بما فيه سخط الخالق ، ومنهم من خصّص الخير بالجنّة والشرّ بالنار .

ص: 59


1- الفقيه ، ج 4 ، ص 402 ، ح 5868
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 428
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 60 (لكل)
4- في مرآة العقول : «يزيد» من دون الضمير
5- كما ضبطه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 187
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 429

(وإنّ طاعة اللّه نَجاح) بالفتح؛ أي ظفر بالحوائج .

(من كلّ خير يُبتغى) أي يطلب .

ولعلّ كلمة «من» للتعليل . وفي الفقيه والأمالي: «نجاح كلّ خير» بدون «من»، وهو أظهر . وقوله : (يعصم مَن أطاعه) أي يمنعه من الشرور والآفات، أو من إغواء الشيطان .

(ولا يعتصم به من عصاه) .

يُقال : اعتصمت باللّه ، إذا امتنعت بلطفه من المعصية . وفي الكتابين: «ولا يعتصم منه» (1). قيل : لعلّ المراد أنّ العاصي قطع سبب العصمة بينه وبين اللّه ، فلا يعصمه اللّه من الشرور في الدُّنيا والآخرة (2).

(ولا يجد الهارب من اللّه مَهربا) أي موضعا حصينا يهرب إليه، ويحتفظ به؛ إذ كلّ مهرب يفرض فهو في ملكه وسلطانه .

(وإنّ أمر اللّه نازل) ؛ ظاهره مطلق الأمر، وإرادة خصوص من الموت احتمال.

وكذا قوله : (كلّ ما هو آت قريب) ؛ يحتمل الأمرين .

وقيل : الغرض من هذا الكلام الترغيب في الطاعة، والزجر عن المعصية بانقطاع زمانهما سريعا، وترتّب ما لكلّ منهما عليه من قريب (3).

(ما شاء اللّه كان، وما لم يشأ لم يكن) .

مرَّ تحقيق هذا الكلام في كتاب التوحيد من الاُصول ، وجملة القول فيه ما أفاده بعض الأفاضل أنّ : هذا في فعله تعالى ظاهر ، وأمّا في فعل العباد فباعتبار أنّه تعالى لمّا أعطاهم القوّة على الطاعة والمعصية، ولم يجبرهم على شيء منهما تحقيقا لمعنى الاختيار والتكليف، فقد شاء صدورهما منهم؛ إذ لو لم يشأ لما أعطاهم تلك القوّة، ولجبرهم على الطاعة ، أو باعتبار أنّه لمّا شاء مشيّتهم فقد شاء أفعالهم ، وبهذا فسّر بعض

ص: 60


1- واستصوبه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 188
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 188
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 430

المفسّرين قوله تعالى : «وَمَا تَشَاءُونَ إِلَا أَنْ يَشَاءَ اللّهُ» (1).

وهذا التوجيه قريب من الأوّل .

وقيل : المراد بالمشيّة هنا العلم . وهذا التوجيه وإن كان مستبعدا بحسب اللغة والعرف، إلّا أنّه لا يحتاج إلى ارتكاب بعض التكلّفات .

ويظهر ممّا ذكر سرّ ما روي : أنّه تعالى شاء ولم يرض، واللّه تعالى يعلم، ونحن في ذلك من المسلّمين (2).

والظاهر أنّ الفاء في قوله : (فتعاونوا) فصيحة؛ أي إذا عرفتم المواعظ السابقة أصلاً وفرعا، فتعاونوا .

«عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى» .

قال بعض المفسّرين : «أي على العفو والإغضاء ومتابعة الأمر ومجانبة الهوى» (3).

«وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْاءِثْمِ» ؛ بترك الأوامر وفعل المناهي .

«وَالْعُدْوَ نِ» (4) أي الظلم على الغير للتشفّي والانتقام .

متن الحديث الأربعين

اشاره

وَبِهذَا الْاءِسْنَادِ عَنْ أَبَانٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ شُعَيْبٍ:

أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً» (5) ، فَقَالَ: «كَانَ [النَّاسُ ]قَبْلَ نُوحٍ أُمَّةَ ضَلَالٍ، فَبَدَا لِلّهِ، فَبَعَثَ الْمُرْسَلِينَ، وَلَيْسَ كَمَا يَقُولُونَ: لَمْ يَزَلْ، وَكَذَبُوا، يَفْرُقُ (6). فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، مَا كَانَ مِنْ شِدَّةٍ أَوْ رَخَاءٍ أَوْ مَطَرٍ بِقَدْرِ مَا يَشَاءُ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُقَدِّرَ إِلى مِثْلِهَا مِنْ قَابِلٍ».

ص: 61


1- الإنسان (76) : 30 ؛ التكوير (81) : 29
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 430
3- تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 292
4- المائدة (5) : 2
5- .البقرة (2) : 213
6- .في الطبعة القديمة : + «اللّه » . وفي حاشية النسخة : «بالتخفيف والتشديد، وبهما قرئ قوله تعالى: «فِيهَا يَفْرُقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ» [الدخان (44) : 4]»

شرح الحديث

شرح (1)

قوله تعالى في سورة البقرة : «كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً» .

قال البيضاوي : أي متّفقين على الحقّ فيما بين آدم وإدريس، أو نوح، أو بعد الطوفان. أو متّفقين على الجهالة والكفر في فترة إدريس، أو نوح، «فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ» ؛ أي اختلفوا، فبعث اللّه . وإنّما حذف لدلالة قوله: «فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ» ، وقوله : «وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا» (2).

أقول : قوله عليه السلام : (كان قبل نوح اُمّة ضلال) يدلّ على أنّ المراد بالوحدة الاتّفاق على الكفر والضلالة، لا على الحقّ، كما زعمه البيضاوي أوّلاً، بل هو لم يتحقّق بعد ظهور نسل آدم عليه السلام إلى زمن نوح أصلاً .

وقوله : (فبدا للّه ) . قال الجوهري : «بدا له في هذا الأمر بداء _ ممدود _ أي نشأ له فيه رأي» (3). انتهى .

وهذا بحسب اللغة ، وأمّا البداء بالنسبة إليه تعالى، فحدوث الإرادة مجازا، كما في سائر صفاته. وتحقيقه أنّ إطلاق الصفات وإجراؤها على اللّه سبحانه باعتبار الغايات، لا المبادئ .

وقوله : (لم يزل) مقول القول ؛ يعني ليس الأمر كما يقولون: إنّ اللّه تعالى قدّر الاُمور في الأزل، وقد فرغ منها، فلا يتغيّر تقديراته تعالى ، بل للّه البداء فيها بالمعنى الذي ذكرناه ، «يَمْحُوا اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ» (4).

وقال الفاضل الإسترآبادي : قوله «فبدا للّه » إلى آخره ؛ أي فحدثَتْ للّه إرادة متعلّقة ببعث نوح عليه السلام ومن بعده من الأنبياء لهداية الناس ، فإرادة اللّه تعالى حادثة، وليست قديمة كما زعمت الفلاسفة، ومُولِعوا فنّ الكلام من علماء الإسلام ، وكيف تكون قديمة، وفي ليلة القدر من كلّ سنة يقدّر اللّه ما يقع في تلك السنة ، والبداء في حقّه تعالى حدوث إرادته، وفي حقّ

ص: 62


1- في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 189 : «[السند] مجهول»
2- تفسير البيضاوي ، ج 1 ، ص 496
3- .الصحاح ، ج 6 ، ص 2278 (بدا)
4- الرعد (13) : 39

غيره حدوث علمه (1).

متن الحديث الواحد والأربعين (حديث البحر مع الشمس)

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ مَعْرُوفِ بْنِ خَرَّبُوذَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ الْمُسْتَوْرِدِ، (2) عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليه السلام ، قَالَ:

«إِنَّ مِنَ الْأَقْوَاتِ _ الَّتِي قَدَّرَهَا اللّهُ لِلنَّاسِ مِمَّا (3) يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ _ الْبَحْرَ الَّذِي خَلَقَهُ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ».

قَالَ: «وَإِنَّ اللّهَ قَدْ قَدَّرَ فِيهَا مَجَارِيَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ وَالْكَوَاكِبِ، وَقَدَّرَ ذلِكَ كُلَّهُ عَلَى الْفَلَكِ، ثُمَّ وَكَّلَ بِالْفَلَكِ مَلَكا وَمَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، فَهُمْ يُدِيرُونَ الْفَلَكَ، فَإِذَا أَدَارُوهُ دَارَتِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْكَوَاكِبُ مَعَهُ، فَنَزَلَتْ فِي مَنَازِلِهَا الَّتِي قَدَّرَهَا اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ فِيهَا لِيَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا، فَإِذَا كَثُرَتْ ذُنُوبُ الْعِبَادِ، وَأَرَادَ اللّهُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ أَنْ يَسْتَعْتِبَهُمْ بِآيَةٍ مِنْ آيَاتِهِ، أَمَرَ الْمَلَكَ الْمُوَكَّلَ بِالْفَلَكِ أَنْ يُزِيلَ الْفَلَكَ الَّذِي عَلَيْهِ مَجَارِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ وَالْكَوَاكِبِ، فَيَأْمُرُ الْمَلَكُ أُولئِكَ السَّبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ أَنْ يُزِيلُوهُ عَنْ مَجَارِيهِ».

قَالَ: «فَيُزِيلُونَهُ، فَتَصِيرُ الشَّمْسُ فِي ذلِكَ الْبَحْرِ الَّذِي يَجْرِي فِي الْفَلَكِ».

قَالَ: «فَيَطْمِسُ ضَوْؤُهَا، وَيَتَغَيَّرُ لَوْنُهَا، فَإِذَا أَرَادَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ أَنْ يُعَظِّمَ الْايَةَ طَمَسَتِ الشَّمْسُ فِي الْبَحْرِ عَلى مَا يُحِبُّ اللّهُ أَنْ يُخَوِّفَ خَلْقَهُ بِالْايَةِ».

قَالَ: «وَذلِكَ عِنْدَ انْكِسَافِ الشَّمْسِ». قَالَ: «وَكَذلِكَ يَفْعَلُ بِالْقَمَرِ».

قَالَ: «فَإِذَا أَرَادَ اللّهُ أَنْ يُجَلِّيَهَا، أَوْ يَرُدَّهَا إِلى مَجْرَاهَا، أَمَرَ الْمَلَكَ الْمُوَكَّلَ بِالْفَلَكِ أَنْ يَرُدَّ الْفَلَكَ إِلى مَجْرَاهُ، فَيَرُدُّ الْفَلَكَ، فَتَرْجِعُ الشَّمْسُ إِلى مَجْرَاهَا».

قَالَ: «فَتَخْرُجُ مِنَ الْمَاءِ، وَهِيَ كَدِرَةٌ». قَالَ: «وَالْقَمَرُ مِثْلُ ذلِكَ».

قَالَ: ثُمَّ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام : «أَمَا إِنَّهُ لَا يَفْزَعُ لَهُمَا، وَلَا يَرْهَبُ بِهَاتَيْنِ الْايَتَيْنِ إِلَا مَنْ كَانَ مِنْ شِيعَتِنَا، فَإِذَا كَانَ كَذلِكَ، فَافْزَعُوا إِلَى اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ ثُمَّ ارْجِعُوا إِلَيْهِ».

ص: 63


1- حكاه عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 431
2- في الحاشية: «مجهول»
3- في الحاشية عن بعض النسخ: «ما»

شرح الحديث

السند مجهول .

قوله : (حديث البحر مع الشمس) أي الحالة التي تعرض للشمس مع البحر الذي بين السماء والأرض .

وهذا الحديث من الأحاديث المتشابهة الغريبة التي علمها عند أهل العصمة .

وقوله : (إنّ من الأقوات) ؛ لعلّ المراد أسبابها .

وفي الفقيه (1) : «إنّ من الآيات» (2).

قال الفيروزآبادي : «القُوت: المُسكة من الرزق. ومن العيش: الكفاية» (3) انتهى .

وقيل : الأقوات: جمع قوت، وهو ما يؤكل ليمسك الرمق ، والبحر قوت مجازا؛ لأنّه سبب له، أو حقيقةً إن اُريد بالقوت ما يشرب أيضا؛ لأنّ مياه الأرض من ذلك البحر؛ لدلالة بعض الأخبار على أنّه ينزل منه ماء المطر والسحاب بمنزلة غربال له (4).

وقوله : (البحر الذي خلقه اللّه ) .

لعلّ المراد بهذا البحر الفضاء والمسافة التي تتحرّك فيها الكواكب، وتتبدّل أوضاعها، أو ما تكون الكواكب مركوزة فيها، ومتحرّكة بحركتها، كخارج المركز للشمس والتداوير والحوامل لغيرها من السيّارات ، أو الممثّلات وأمثالها للجميع، وكفلك البروج للثوابت .

ويرشد إليه قوله عليه السلام فيما بعد الفلك، الذي عليه مجاري الشمس والقمر والنجوم والكواكب .

قال صاحب النهاية : «سمّي البحر بحرا لسعته .

والعرب تسمّي المُدن والقرى البحر.

ومنه الحديث: «وكتب لهم ببحرهم» أي ببلدهم وأرضهم» (5).

وقال الفيروزآبادي : «البحر: الماء الكثير ، والشقّ، وشقّ الاُذن. ومنه البحيرة . والبَحَرةُ: البلدة، والمنخفض من الأرض» (6).

وقوله : (قدّر فيها) أي في السماء، أو في البحر بالنظر إلى كونه آية .

ص: 64


1- الفقيه ، ج 1 ، ص 539 ، ح 1506
2- واستظهره العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 185
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 155 (قوت)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 432
5- النهاية ، ج 1 ، ص 99 و 100 (بحر) مع التخيص
6- القاموس المحيط ، ، ج 1 ، ص 367 (بحر) مع التلخيص

وقيل : كلمة «في» بمعنى «على» ؛ أي قدّر عليها، ومحاذيا لها، أو جعلها بحيث يمكن أن تجري الكواكب فيها عند الحاجة (1)..

وقوله : (النجوم والكواكب) .

العطف للتفسير، أو للتعميم، أو يُراد بالنجوم السيّارات وبالكواكب الثوابت .

(وقدّر ذلك كلّه على الفلك) .

الظاهر أنّ «ذلك» إشارة إلى المجاري، أو إلى الجَرْي والحركات المفهومة منها .

وقيل : الظاهر أنّ المراد بالفلك الفلك الأعظم الذي به قوام الحركة اليوميّة، والجنس محتمل، فيشمل الخوارج المراكز، بل التداوير أيضا .

ولا يبعد أن يكون الشمس أيضا تدويرا ، كما هو مذهب البعض، وإن لم يثبتوه في المشهور(2)

(ثمّ وكلّ بالفلك ملكا) .

الظاهر أنّ المراد به الفلك المعروف في عرف الشرع، ولا داعي لتأويله وصرفه عن الظاهر كما ارتكبه البعض، وحمله على نفس فلكيّة مستتبعة لنفوس كثيرة معيّنة لها في تحصيل ما هو المطلوب منها، وتلك النفوس الجزئيّة بالنسبة إليها كالقوى بالنسبة إلى النفس الإنسانيّة (3) ، وعلى هذا حركة الأفلاك مادّيّة ، وعلى ما قلناه قسريّة.

وقوله : (يستعتبهم) ؛ أي يسترجعهم عمّا هم فيه من الذنوب والإساءة. وقيل: يخوّفهم بآية من آياته الدالّة على آثار غضبه(4) .

قال الجزري : عتبه يَعتِبهُ عتبا، وعَتَب عليه، والاسم: المعتبة _ بالفتح والكسر _ ومن الموجدة، والغضب. والعتاب: مخاطبة الإدلال، ومذاكرة الموجدة. واستعتب: طلب أن يُرضى عنه . ومنه الحديث: «فلعلّه يستعتب»؛ أي يرجع عن الإساءة، ويطلب

ص: 65


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 185
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 432
3- احتمله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 432
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 432

الرِّضا . انتهى (1).

ومثله في الصحاح (2) . فلعلّ قوله عليه السلام : «يستعتبهم» من باب الحذف والإيصال؛ أي يستعتب بهم .

وقوله : (فتصير الشمس) أي بعضها .

(في ذلك البحر) .

قيل : الظرفيّة مجازيّة باعتبار أنّها بحذائه(3). وأنت بعد خبرتك بما حقّقناه في معنى البحر ظهر لك أنّه لا حاجة إلى هذا التوجيه البعيد، وأنّ الظرفيّة باقية على حقيقتها .

وقوله : (في ذلك البحر الذي يجري في الفلك) أي يثبت ما فيه .

وفي الفقيه: «الذي كان فيه الفلك» (4) وهو الأظهر .

(قال : فيُطمس ضَوؤها) على بناء المجهول ؛ أي يُمْحى بعض ضوئها .

والطمس: الدروس، والإمحاء ، وفعله كنصر وضرب .

وفي الفقيه: «فينطمس» ، وهو أظهر .

(ويتغيّر لونها) بانطماس ضوئها .

وقوله : (أن يعظّم الآية) ؛ لعظم ذنوب العباد، أو لإصرارهم فيها .

(طَمست الشمس) أي كلّها (في البحر) .

وفي الفقيه: «غُمِست في البحر» .

(على ما) أي على القدر الذي (يحبّ اللّه أن يخوّف خلقه بالآية) من كثرة المدّة ، أو قلّتها، أو انطماس بعضها ، أو كلّها .

(قال : فتخرج من الماء وهي كدرة) .

قيل : أي بعدما كانت كدرة، أو تبقى فيها كدورة قليلة بعد الخروج أيضا في زمان قليل (5).

وقوله : (لا يفزع لهما) أي لأجل حصول تينك الآيتين .

ص: 66


1- الفقيه ، ج 1 ، ص 539 ، ح 1506
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 432
3- النهاية ، ج 3 ، ص 175 (عتب)
4- الصحاح ، ج 1 ، ص 176 (عتب)
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 186

(ولايرهب) عطف على «يفزع» .

(بهاتين الآيتين) متعلّق بالفزع والرهبة .

(إلّا من كان من شيعتنا) ؛ لأنّهم هم الذين يسندونهما إلى اللّه ، ويصدِّقون قول أئمّتهم في ذلك . وأمّا غيرهم ممّن يسندهما إلى الحركات والأوضاع الفلكيّة، فلا يفزعون بهما فزعا يوجب صلاة الخوف والرجوع والإنابة عن الذنوب .

وقال بعض الأفاضل :

هذا من إخباره عليه السلام بالغيب ؛ لأنّه لم يقل بوجوب هذه الصلاة من العصر الأوّل إلى هذا الزمان أحدٌ من المخالفين، مع تواتر أخبارهم بأنّه صلى الله عليه و آله صلّاها وأمر بها ، يظهر ذلك لمن تتبّع اُصولهم وفروعهم (1).

وقال الصدوق رحمه الله : «إنّ الذي يخبر به المنجّمون من الكسوف، فيتّفق على ما يذكرونه ليس من هذا الكسوف في شيء، وإنّما يجب الفزع إلى المساجد والصلاة؛ لأنّه آية تشبه آيات الساعة» انتهى (2).

ويؤيّده ما روي من الكسوف والخسوف في يوم عاشوراء وليلتها (3) وروي أيضا في الأخبار: «إنّ من علامات قيام القائم عليه السلام الكسوف والخسوف في غير الوقت المعهود، وعند ذلك يختلّ وينقطع حساب المنجّمين» (4).

وقوله : (فافزعوا) أي الجأوا .

(إلى اللّه عزّ وجلّ) بالصلاة والاستغاثة .

(ثمّ ارجعوا إليه) بالتوبة والاستغفار .

متن الحديث الثاني والأربعين

اشاره

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْهَاشِمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:شَكَوْتُ إِلى أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام مَا أَلْقى مِنْ أَهْلِ بَيْتِي مِنِ اسْتِخْفَافِهِمْ بِالدِّينِ، فَقَالَ: «يَا إِسْمَاعِيلُ،

ص: 67


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 433
2- الفقيه ، ج 1 ، ص 540 (مع تلخيص)
3- اُنظر : بحار الأنوار ، ج 45 ، ص 205 ، ح 6
4- اُنظر : مرآة العقول ، ج 25 ، ص 187 ؛ شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 433 و 434

لَا تُنْكِرْ ذلِكَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ؛ فَإِنَّ اللّهَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ جَعَلَ لِكُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ حُجَّةً يَحْتَجُّ بِهَا عَلى أَهْلِ بَيْتِهِ فِي الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: أَ لَمْ تَرَوْا فُلَانا فِيكُمْ؟ أَ لَمْ تَرَوْا هَدْيَهُ فِيكُمْ؟ أَ لَمْ تَرَوْا صَلَاتَهُ فِيكُمْ؟ أَ لَمْ تَرَوْا دِينَهُ؟ فَهَلَا اقْتَدَيْتُمْ بِهِ؟ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ فِي الْقِيَامَةِ».

شرح الحديث

السند مجهول .

قوله عليه السلام : (لا تُنكر ذلك) .

في القاموس: «النكر، بالضمّ وبضمّتين: الأمر الشديد . ونكر الأمر _ كفرح _ وأنكره: جهله» (1).

قيل : معنى قوله : «لا تنكر ذلك»: لا تتعرّض لهم بما يوجب استخفافهم بك وإهانتهم إيّاك؛ فإنّ كونك فيهم ومشاهدتهم أطوارك حجّة عليهم. أو المراد: لا تسأم ، ولا تضجر من دعوتهم؛ فإنّك في القيامة حجّة عليهم، فيكون ذلك تسلية له، وتحريصا على هدايته لهم . أو المراد محض التسلية ، ورفع الاستبعاد من وقوعه بينهم ، وابتلائه بهم، وبيان أنّ الحكمة في ذلك كونه حجّة عليهم (2).

وأقول : الأظهر أن يُقال: إنّ هذا الكلام نظير قوله تعالى : «وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ» (3) ؛ يعني أنّ ما شاهدت منهم من استخفافهم بقولك وباُمور الدِّين، فلا تستغرب ذلك منهم؛ فإنّه شنشنة أهل الزمان في وقت وأوان، ولا يضرّك ذلك ، بل يضرّهم؛ فإنّك حجّة عليهم يوم القيامة ، كما أنّ كلّ من كان مثلك فإنّه حجّة على أهل بيته .

متن الحديث الثالث والأربعين

اشاره

عَنْهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُثَيْمٍ النَّخَّاسِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ، قَالَ:سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ: «إِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ يَكُونُ (4). فِي الْمَحَلَّةِ، فَيَحْتَجُّ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ يَوْمَ

ص: 68


1- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 148 (نكر) مع التلخيص
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 192
3- فاطر (35) : 4
4- في الطبعتين وأكثر نسخ الكافي : «ليكون»

الْقِيَامَةِ عَلى جِيرَانِهِ [بِهِ]، فَيُقَالُ لَهُمْ: أَ لَمْ يَكُنْ فُلَانٌ بَيْنَكُمْ؟ أَ لَمْ تَسْمَعُوا كَلَامَهُ؟ أَ لَمْ تَسْمَعُوا بُكَاءَهُ فِي اللَّيْلِ، فَيَكُونُ حُجَّةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ؟ (1) ».

شرح الحديث

السند مجهول.

وفي القاموس: «المحلّة: المنزل»(2).

متن الحديث الرابع والأربعين

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ:سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرا أَبابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ» (3). ، قَالَ: «كَانَ طَيْرٌ سَافٌّ جَاءَهُمْ مِنْ قِبَلِ الْبَحْرِ رُؤُوسُهَا كَأَمْثَالِ رُؤُوسِ السِّبَاعِ، وَأَظْفَارُهَا كَأَظْفَارِ السِّبَاعِ مِنَ الطَّيْرِ، مَعَ كُلِّ طَائِرٍ ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ: فِي رِجْلَيْهِ حَجَرَانِ، وَفِي مِنْقَارِهِ حَجَرٌ، فَجَعَلَتْ تَرْمِيهِمْ بِهَا حَتّى جُدِّرَتْ أَجْسَادُهُمْ، فَقَتَلَهُمْ بِهَا، وَمَا كَانَ قَبْلَ ذلِكَ رُئِيَ شَيْءٌ مِنَ الْجُدَرِيِّ، وَلَا رَأَوْا ذلِكَ مِنَ الطَّيْرِ قَبْلَ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَا بَعْدَهُ».

قَالَ: «وَمَنْ أَفْلَتَ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ انْطَلَقَ حَتّى إِذَا بَلَغُوا حَضْرَمَوْتَ، وَهُوَ وَادٍ دُونَ الْيَمَنِ، أَرْسَلَ اللّهُ عَلَيْهِمْ سَيْلاً، فَغَرَّقَهُمْ أَجْمَعِينَ».

قَالَ: «وَمَا رُئِيَ فِي ذلِكَ الْوَادِي مَاءٌ قَطُّ قَبْلَ ذلِكَ الْيَوْمِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ سَنَةً».

قَالَ: «فَلِذلِكَ سُمِّيَ حَضْرَمَوْتَ حِينَ مَاتُوا فِيهِ».

شرح الحديث

السند صحيح .

قوله تعالى : «وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرا أَبَابِيلَ» .

ص: 69


1- . في الطبعة القديمة : «عليهم»
2- القاموس المحيط ، ، ج 3 ، ص 359 (حلل)
3- الفيل (105) : 3 و 4

قال الجوهري : «الطير، جمع طائر» (1).

وقال : «قال الأخفش: يقال : جاءت إبلك أبابيل؛ أي فِرَقا. وطير أبابيل» . قال : «وهذا يجيء في معنى التكثير، وهو من الجمع الذي لا واحد له . وقد قال بعضهم : واحده: إبَّوْل، مثل عِجَّوْل . وقال بعضهم : إبّيل، ولم أجد العرب تعرف له واحدا» (2).

وقال البيضاوي : طير أبابيل: جماعات، جمع إبّالة ، وهي الحزمة الكبيرة، شُبّهت بها الجماعة من الطير في تضامّها . وقيل : لا واحد لها، كعباديد وشماطيط .

«تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ» . وقرئ بالياء على تذكير الطير؛ لأنّه اسم جمع، أو إسناده إلى ضمير «ربّك» (3).

«مِنْ سِجِّيلٍ» . في القاموس: «سجّيل، كسكّيت: حجارة كالمدر، معرّب «سَنگ» و«گِل»، أو كانت طبخت بنار جهنّم، وكتب فيها أسماء القوم ، أو قوله تعالى : «مِنْ سِجِّيلٍ» أي من سِجلّ؛ أي ممّا كتب لهم أنّهم يعذّبون بها» (4).

وقال البيضاوي : « «مِنْ سِجِّيلٍ» أي من طين متحجّر، معرّب سَنگ گِل» (5) .

وقيل : من السجلّ، وهو الدلو الكبير. أو الإسجال وهو الإرسال. أو من السِجِّل ، ومعناه المكتوب المُدوّن (6) .

قال عليه السلام : (كان طير سافّ) . «كان» تامّة، و«سافّ» بتشديد الفاء، أو تخفيفها . قال الجزري : «أسفّ الطائر، إذا دنا من الأرض في طيرانه» (7).

وقال الجوهري : «سفا يسفو سُفُوا، إذا أسرع في المشي والطيران» (8).

(جاهم من قِبَل البحر) ؛ يقال: جهمه، كمنعه، إذا استقبله بوجهٍ كريهٍ .

وفي بعض النسخ: «جاءهم»، وهو الأظهر .

ص: 70


1- الصحاح ، ج 2 ، ص 727 (طير)
2- الصحاح ، ج 4 ، ص 1618 (أبل)
3- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 531
4- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 394 (سجل)
5- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 251
6- اُنظر: مرآة العقول ، ج 25 ، ص 192 و 193
7- النهاية ، ج 2 ، ص 375 (سفف)
8- الصحاح ، ج 6 ، ص 2378 (سفى)

(رؤوسها كأمثال رؤوس السباع) ؛ يعني من الطير بقرينة قوله : (وأظفارها كأظفار السباع من الطير) ؛ إذ الظاهر أنّ «من» بيان للسباع في الموضعين .

وقوله : (جدّرت) .

في القاموس:

الجَدْر: [الحائط] . وخروج الجُدَري _ بضمّ الجيم وفتحها _ لقُروح في البدن، تنفط وتقيّح. وقد جَدَر وجُدِرَ _ كعني، ويشدّد _ فهو مجدور ومجدَّر. وبالتحريك: سلع تكون في البدن خلقة، أو من ضَرْبٍ، أو من جراحةٍ، كالجُدَر، كصُرد، واحدتها بهاء . انتهى (1).

قيل : ظاهر الخبر أنّها ضَرَبَتْ على كلّ رجل أحجارا كثيرة، حتّى جدّرت أجسادهم .

وظاهر غيره من الأخبار والتواريخ أنّها ضربت على كلّ رجل حصاة واحدة مات بها .

ويمكن أن يكون تجدّر أجسادهم من حصاةٍ واحدة، تصيبهم من حرٍّ تحدثه في أجسادهم (2).

وقوله : (فلذلك سمّي حضرموت حين ماتوا فيه) أي سمّي به لأجل أنّ موتهم حضر فيه .

قال الفيروزآبادي : «حضرمَوْت، وتضمّ الميم: بلد وقبيلة . ويقال : هذا حضرموتُ، ويضاف ، فيقال : حَضرُموتٍ، بضمّ الرّاء . وإن شئت لا تُنوّن الثاني» (3).

متن الحديث الخامس والأربعين

اشاره

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ بُكَيْرٍ وَثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ وَعَلِيِّ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ:وَقَعَ بَيْنَ أَبِي جَعْفَرٍ وَبَيْنَ وَلَدِ الْحَسَنِ عليه السلام كَلَامٌ، فَبَلَغَنِي ذلِكَ، فَدَخَلْتُ عَلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَذَهَبْتُ أَتَكَلَّمُ، فَقَالَ لِي: «مَهْ، لَا تَدْخُلْ فِيمَا بَيْنَنَا، فَإِنَّمَا مَثَلُنَا وَمَثَلُ بَنِي عَمِّنَا كَمَثَلِ رَجُلٍ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ لَهُ ابْنَتَانِ، فَزَوَّجَ إِحْدَاهُمَا مِنْ رَجُلٍ زَرَّاعٍ، وَزَوَّجَ الْأُخْرى مِنْ رَجُلٍ فَخَّارٍ، ثُمَّ زَارَهُمَا، فَبَدَأَ

ص: 71


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 387 (جدر)
2- القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 193
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 10 (حضر)

بِامْرَأَةِ الزَّرَّاعِ، فَقَالَ لَهَا: كَيْفَ حَالُكُمْ، فَقَالَتْ: قَدْ زَرَعَ زَوْجِي زَرْعا كَثِيرا، فَإِنْ أَرْسَلَ اللّهُ السَّمَاءَ، فَنَحْنُ أَحْسَنُ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَالاً، ثُمَّ مَضى إِلىَ امْرَأَةِ الْفَخَّارِ، فَقَالَ [لَهَا] : كَيْفَ حَالُكُمْ؟ فَقَالَتْ: قَدْ عَمِلَ زَوْجِي فَخَّارا كَثِيرا، فَإِنْ أَمْسَكَ اللّهُ السَّمَاءَ، فَنَحْنُ أَحْسَنُ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَالاً، فَانْصَرَفَ وَهُوَ يَقُولُ: اللّهُمَّ أَنْتَ لَهُمَا، وَكَذلِكَ نَحْنُ».

شرح الحديث

السند موثّق .

وقوله : (أرسل اللّه السماء) .

قال الجوهري : «السماء: المطر» (1). والفخّار _ بالتشديد _ في الأوّلين بمعنى عامل الخزف ، وفي الثالث بمعنى الخزف .

قال الفيروزآبادي : «الفَخّارة، كجبّانة: الجرّة، والجمع: الفخّار، أو هو الخزف» (2).

وقوله : (اللّهمَّ أنت لهما) .

قيل : أي كما أنّ مقصدهما أنت ، [فكن أنت] لهما، وحصّل مقصدهما وإن كانت الوسيلة متضادّة ، كنزول المطر وعدم نزوله؛ فإنّك قادرٌ على ذلك (3).

وقيل : أي أنت المقدّر لهما، تختار لكلّ منهما ما يصلحهما، أو لا أشفع لأحدهما؛ لأنّك أعلم بصلاحهما (4).

(وكذلك نحن) .

قال الفاضل الإسترآبادي :

أي نريد الخير لبني عمّنا ، كما نريد لأنفسها، ولا نرضى بالشرّ في حقّهم، فلا نكلّم عليهم، وإنّما جهالتهم بحقّنا تسبّب لما جرى بيني وبينهم ، كما أنّ الرجل يريد خير ابنتيه (5).

ص: 72


1- الصحاح ، ج 6 ، ص 2381 (سما)
2- القاموس المحيط ، ، ج 2 ، ص 108 (فخر)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 436
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 194
5- حكاه عنه المحققّ المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 436

وقيل: الأولى أنّه أراد لا تدخل بيني وبين بني عمّي؛ فإنّي لا اُريد أن يدخل بيننا ثالث غير اللّه تعالى (1).

وقال بعض الفضلاء : أي ليس لكم أن تحاكموا بيننا؛ لأنّ الخصمين كليهما من أولاد الرسول، ويلزمكما احترامهما لذلك، فليس لكم [أن تدخلوا] بينهما فيما فيه يختصمان ، كما أنّ ذلك الرجل لم يرجّح جانب أحد صِهريه، ووكّل أمرهما إلى اللّه (2).

متن الحديث السادس والأربعين

اشارة

مُحَمَّدٌ، عَنْ أَحْمَدَ، (3) عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ ذَرِيحٍ، قَالَ:

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يُعَوِّذُ بَعْضَ وُلْدِهِ وَيَقُولُ: «عَزَمْتُ عَلَيْكِ يَا رِيحُ، وَيَا وَجَعُ، كَائِنٌ (4) مَا كُنْتِ بِالْعَزِيمَةِ الَّتِي عَزَمَ بِهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام رَسُولُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلى جِنِّ وَادِي الصَّبْرَةِ، فَأَجَابُوا، وَأَطَاعُوا، لَمَّا أَجَبْتِ، وَأَطَعْتِ، وَخَرَجْتِ عَنِ ابْنِي فُلَانٍ ابْنِ ابْنَتِي فُلَانَةَ السَّاعَةَ السَّاعَةَ».

شرح الحديث

السند صحيح .

قوله : (يعوّذ بعض ولده) .

قيل : دلّ على أنّ العوذة والرقية على الجنّ جائزة إذا كان بكتاب اللّه وأسمائه ، وسيجيء تعويذ جبرئيل عليه السلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله بأسمائه تعالى . وصرّح بعض العامّة بأنّه كره العوذة والرقية بغيرهما من الأسماء العجميّة؛ لأنّها كانت العرب تفعل في الجاهليّة، وكانوا يعتقدون أنّها تدفع عنهم الجنّ (5).

ص: 73


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 194
2- شرح المازندراني، ج 11 ، ص 436
3- في الحاشية عن بعض النسخ: + «بن محمّد»
4- في كلتا الطبعتين وبعض نسخ الكافي: «كائنا»
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 436

وقوله : (عَزَمْتُ عليك) .

قال الجوهري : «ويُقال أيضا : عَزَمت عليك ؛ بمعنى أقسمتُ عليك» (1).

وقوله : (كائن ما كنت) ؛ لأنّه خبر مبتدأ محذوف . والجملة في محلّ النصب على الحاليّة . وفي بعض النسخ: «كائنا» (2).

وقوله : (بالعزيمة) ؛ هي آية من القرآن، أو دعاء تقرأ على ذوي الآفات لدفعها .

وقوله : (عليّ بن أبي طالب) مفعول «عزم»، ورسول اللّه صلى الله عليه و آله فاعله .

وقوله : (وادي الصبرة) .

في القاموس: «الصبرة، بالضمّ: الحجارة الغليظة المجتمعة» (3).

وقوله : (فأجابوا وأطاعوا) .

روى المفيد رحمه الله في إرشاده بإسناده عن ابن عبّاس، قال : لمّا خرج النبيّ صلى الله عليه و آله إلى بني المصطلق، جنب عن الطريق، فأدركه الليل، ونزل بقرب وادٍ وعرٍ، فلمّا كان في آخر الليل هبط [عليه] جبرئيل عليه السلام يخبره أنّ طائفة من كفّار الجنّ قد استبطنوا الوادي ، يريدون كيده وإيقاع الشرّ بأصحابه عند سلوكهم إيّاه، فدعا أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال له : «اذهب إلى هذا الوادي، فسيعرض لك من أعداء اللّه الجنّ من يريدك، فادفعهم بالقوّة التي أعطاك اللّه عزّ وجلّ، وتحصّن منهم بأسماء اللّه _ عزّ وجلّ _ التي خصّك بعلمها» .

وأنفذ معه مائة رجل من أخلاط الناس، وقال لهم : «كونوا معه، وامتثلوا أمره» ، فتوجّه أمير المؤمنين عليه السلام إلى الوادي، فلمّا قرُب من شفيره أمر المائة الذين صحبوه أن يقفوا بقرب الشفير، ولا يُحدثوا شيئا حتّى يؤذن لهم ، ثمّ تقدّم، فوقف على شفير الوادي، وتعوّذ باللّه من أعدائه، وسمّى اللّه عزّ اسمه، وأومأ إلى القوم الذين تبعوه أن يتقرّبوا منه، فقربوا وكان بينه وبينهم فرجة مسافتها غلوة، ثمّ رام الهبوط إلى الوادي، فاعترضت ريح عاصف كاد أن تقع القوم على وجوههم؛ لشدّتها، ولم تثبت أقدامهم على الأرض من هول الخصم ومن هول ما

ص: 74


1- الصحاح ، ج 5 ، ص 1985 (عزم)
2- واستظهره العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 195
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 67 (صبر) مع تلخيص

لحقهم، فصاح أمير المؤمنين عليه السلام : «أنا عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب، وصيّ رسول اللّه وابن عمّه، اثبتوا إن شئتم»، فظهر للقوم أشخاص على صور الزطّ، تخيّل في أيديهم شُعَلُ النيران، قد اطمأنّوا وأطافوا (1) بجنبات الوادي، فتوغّل أمير المؤمنين بطن الوادي ، وهو يتلو القرآن ، ويؤمئ بسيفه يمينا وشمالاً، فما لبثت الأشخاص حتّى صارت كالدخان الأسود، وكبّر أمير المؤمنين عليه السلام ، ثمّ صعد من حيث هبط، فقام مع القوم الذين اتّبعوه حتّى أسفر الموضع عمّا اعتراه ، فقال له أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ما لقيت يا أبا الحسن، فلقد كدنا أن نهلك خوفا، وأشفقنا عليك أكثر ممّا لحقنا ؟!

فقال عليه السلام لهم : «إنّه لمّا تراءى لي العدوّ، جهرتُ فيهم بأسماء اللّه تعالى، فتضاءلوا، وعلمت ما حلّ بهم من الجزع، فتوغّلت الوادي غير خائف منهم، ولو بقوا على هيأتهم لأتيتُ على آخرهم، وقد كفى اللّه كيدهم، وكفى المؤمنين (2). شرّهم، وستسبقني بقيّتهم إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله يؤمنون به» .

وانصرف أمير المؤمنين عليه السلام بمن معه إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأخبره الخبر ، فسرّي عنه، ودعا له بخير ، وقال له : «قد سبقك يا عليّ إلى من أخافه اللّه بك ، وأسلم، وقبلتُ إسلامه ، ثمّ ارتحل بجماعة المسلمين حتّى قطعوا الوادي آمنين غير خائفين» (3).

وهذا الحديث قد روته العامّة كما روته الخاصّة ، ولم يتناكروا شيئا .

وقوله : (لمّا أجبت) بصيغة الخطاب.

و«لمّا» بالتشديد بمعنى «إلّا» ؛ أي ما فعلت شيئا إلّا أحببت .

قال الفيروزآبادي : «لمّا»، تكون بمعنى «حين» و«لم» الجازمة و«إلّا» ، وإنكار الجوهري كونه بمعنى «إلّا» غير جيّد. يقال: سألتك لمّا فعلت، ومنه: «إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ» (4). ، «وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ» (5) وقرأ عبداللّه : إن كلّ لمّا كذّب الرسل (6).

ص: 75


1- في المصدر : - «وأطافوا»
2- في المصدر : «المسلمين»
3- الإرشاد ، ج 1 ، ص 339 - 341 (مع اختلاف يسير)
4- .الطارق (86) : 4
5- .يس (36) : 32
6- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 177 (لم)

متن الحديث السابع والأربعين

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ:

«قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مَنْ يَتَفَقَّدْ يَفْقِدْ، وَمَنْ لَا يُعِدَّ (1) الصَّبْرَ لِنَوَائِبِ الدَّهْرِ يَعْجِزْ، وَمَنْ قَرَضَ النَّاسَ قَرَضُوهُ، وَمَنْ تَرَكَهُمْ لَمْ يَتْرُكُوهُ.

قِيلَ: فَأَصْنَعُ مَا ذَا يَا رَسُولَ اللّهِ؟

قَالَ: أَقْرِضْهُمْ مِنْ عِرْضِكَ لِيَوْمِ فَقْرِكَ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (مَن يتفقّد يفقد).

فقده، كضربه: عَدِمَهُ. وافتقده وتفقّده: طلبه عند الغيبة .

قال الجزري: «في حديث أبي الدرداء : من يتفقّد يفقد . أي من يتفقّد أحوال الناس ويتعرّفها، فإنّه لا يجد ما يرضيه؛ لأنّ الخير في الناس قليل» (2).

(ومن لا يُعدّ الصبر) أي لا يهيّأ، ولم يجعله ملكة.

في القاموس: «أعدّه: هيّأه»(3).

(لنوائب الدهر) أي مصائبها (يَعجز) بكسر الجيم؛ أي لم يقدر على غمّها(4).

(ومَنْ قرض الناس قرضوه) بتشديد الراء في الموضعين، أو تخفيفهما .

قال الفيروزآبادي : «قَرَضه يَقرِضه: قطعه، وجازاه، كقارضه . والتقريض: المدح

ص: 76


1- في الحاشية عن بعض النسخ: «لم يعدّ»
2- النهاية ، ج 3 ، ص 462 (فقد)
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 313 (عدد)
4- قال المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 436 : «وفيه ترغيب للمؤمن على أن يجعل الصبر ملكة حصينة وكيفيّة متينة ليحصل له الثبات والتمكّن والرزانة عند المكاره والحدثان ، ولايعجز عن تحمّلها ، ولايجزع جزع المجانين والصبيان»

والذمّ ضدٌّ» (1).

وفي النهاية: «ومنه حديث أبي الدرداء: إن قارضتَ الناس قارضوك ؛ أي إن ساببتهم ونِلتَ منهم سبّوك، ونالوا منك» (2).

وقوله : (أقرِضهم من عِرضك) من الإقراض .

في القاموس:

العِرض، بالكسر: النفس، وجانب الرجل الذي يصونه من نفسه وحسبه أن ينتقص ويثلب، أو سواء كان في نفسه ، أو سلفه ، أو من يلزمه أمره، أو موضع المدح والذمّ منه، أو ما يفتخر به من حسب وشرف ، وقد يُراد به الخليقة المحمودة (3).

وقال الجزري : ومنه حديث الآخر : «أقرِض من عرضك ليوم فقرك» ؛ أي إذا نال أحدٌ من عِرضك، فلا تجازه، ولكن اجعله قَرضا في ذمّته لتأخذه منه يوم حاجتك إليه ؛ أي يوم القيامة (4).

متن الحديث الثامن والأربعين

اشارة

عَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ، عَنِ الْبَرْقِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيى، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ، قَالَ:

بَيْنَا مُوسَى بْنُ عِيسى فِي دَارِهِ الَّتِي فِي الْمَسْعى يُشْرِفُ عَلَى الْمَسْعى، إِذْ رَأى أَبَا الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام مُقْبِلاً مِنَ الْمَرْوَةِ عَلى بَغْلَةٍ، فَأَمَرَ ابْنُ هَيَّاجٍ رَجُلاً مِنْ هَمْدَانَ مُنْقَطِعا إِلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِلِجَامِهِ ، وَيَدَّعِيَ الْبَغْلَةَ.

فَأَتَاهُ، فَتَعَلَّقَ بِاللِّجَامِ، وَادَّعَى الْبَغْلَةَ، فَثَنى أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام رِجْلَهُ، فَنَزَلَ عَنْهَا، وَقَالَ لِغِلْمَانِهِ: «خُذُوا سَرْجَهَا، وَادْفَعُوهَا إِلَيْهِ».

فَقَالَ: وَالسَّرْجُ أَيْضا لِي.

فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : «كَذَبْتَ، عِنْدَنَا الْبَيِّنَةُ بِأَنَّهُ سَرْجُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَأَمَّا الْبَغْلَةُ فَإِنَّا اشْتَرَيْنَاهَا مُنْذُ قَرِيبٍ، وَأَنْتَ أَعْلَمُ وَمَا قُلْتَ».

ص: 77


1- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 341 (قرض)
2- النهاية ، ج 4 ، ص 41 (قرض)
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 334 (عرض)
4- النهاية ، ج 4 ، ص 41 (قرض)

شرح الحديث

كأنّ ضمير «عنه» راجع إلى عليّ بن إبراهيم . ومثله في هذا الكتاب كثير .

والسند صحيح .

قوله : (موسى بن عيسى) ؛ هو من بني العبّاس، وكان يومئذٍ واليا بمكّة .

وقوله : (منقطعا إليه) .

الضمير لموسى بن عيسى ؛ أي كان من خواصّه .

وقوله : (فثنى أبو الحسن عليه السلام رجلَه) إلى آخره .

قال الجوهري : «ثنيت الشيء ثنيا: عطفته. وثنيته أيضا: صرفته عن حاجته» (1).

وقيل : لعلّه عليه السلام سلّم البغلة مع علمه بكذب المدّعي؛ صونا لعرضه عن الترافع إلى الوالي، أو رفعا لليمين، أو تعليما للناس ليتأسّوا به فيما لم يعلموا كذب المدّعي احتياطا واستحبابا (2).

وأقول : يرد على هذه الوجوه أنّه ينبغي حينئذٍ أن يدفع السرج أيضا . فالصواب أن يُقال: إنّه عليه السلام مكلّف بالظاهر، لا بالعلم بالواقع ، فلمّا كان أمر البغلة مشتبها ظاهرا دفعه احتياطا . أو لترك المناقشة بخلاف السرج، مع علمه بأنّ الامتناع من دفعه لا ينجرّ إلى المناقشة .

والواو في قوله : (وما قلت) بمعنى الباء .

قال الفيروزآبادي : «وقد تخرج الواو عن إفادة مطلق الجمع، وذلك على أوجه» ثمّ ذكر من تلك الأوجه كونها بمعنى باء الجرّ، نحو : أنت أعلم ومالك، وبعت الشاة ودرهما (3).

ومثله قال الجوهري (4).

متن الحديث التاسع والأربعين

اشارة

عَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُرَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:

خَرَجْنَا مَعَ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام حَيْثُ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ مِنَ الْحِيرَةِ، فَخَرَجَ سَاعَةَ أُذِنَ

ص: 78


1- الصحاح ، ج 6 ، ص 2294 و 2295 (ثني)
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 198
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 413 (واو)
4- اُنظر : الصحاح ، ج 6 ، ص 2259 (واو)

لَهُ، وَانْتَهى إِلَى السَّالِحِينَ (1) فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ، فَعَرَضَ لَهُ عَاشِرٌ كَانَ يَكُونُ فِي السَّالِحِينَ (2) فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ، فَقَالَ لَهُ: لَا أَدَعُكَ أَنْ تَجُوزَ، فَأَلَحَّ عَلَيْهِ، وَطَلَبَ إِلَيْهِ، فَأَبى إِبَاءً، وَأَنَا وَمُصَادِفٌ مَعَهُ، فَقَالَ لَهُ مُصَادِفٌ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنَّمَا هذَا كَلْبٌ قَدْ آذَاكَ، وَأَخَافُ أَنْ يَرُدَّكَ، وَمَا أَدْرِي مَا يَكُونُ مِنْ أَمْرِ أَبِي جَعْفَرٍ وَأَنَا وَمُرَازِمٌ؛ أَ تَأْذَنُ لَنَا أَنْ نَضْرِبَ عُنُقَهُ، ثُمَّ نَطْرَحَهُ فِي النَّهَرِ؟

فَقَالَ: «كُفَّ يَا مُصَادِفُ»، فَلَمْ يَزَلْ يَطْلُبُ إِلَيْهِ حَتّى ذَهَبَ مِنَ اللَّيْلِ أَكْثَرُهُ، فَأَذِنَ لَهُ، فَمَضى، فَقَالَ: «يَا مُرَازِمُ، هذَا خَيْرٌ أَمِ الَّذِي قُلْتُمَاهُ؟».

قُلْتُ: هذَا جُعِلْتُ فِدَاكَ.

فَقَالَ(3). : «إِنَّ الرَّجُلَ يَخْرُجُ مِنَ الذُّلِّ الصَّغِيرِ، فَيُدْخِلُهُ ذلِكَ فِي الذُّلِّ الْكَبِيرِ».

شرح الحديث

السند صحيح .

قوله : (من عند أبي جعفر) أي الدوانيقي .

(من الحيرة) .

في القاموس: «الحيرة، بالكسر: بلد قرب الكوفة»(4)

وقوله : (إلى السالحين) ؛ كأنّ المراد بهم الذين يدورون في الليل مع السلاح . في القاموس: «رجلٌ سالح: ذو سلاح»(5).

ويحتمل أن يكون اسم موضع . قال في المغرب : «السالحون: موضع على أربعة فراسخ من بغداد إلى المغرب . وأمّا السَّيْلَحون فهو مدينة باليمن» (6). وقول الجوهري : «سيلحون: قرية.

والعامّة تقول: سالحون» (7) فيه نظر .

ص: 79


1- في الحاشية عن بعض النسخ والوافي: «الساحلين»
2- في الحاشية عن بعض النسخ والوافي: «الساحلين»
3- .في الطبعة الجديدة وجميع النسخ التي قوبلت فيها والوافي والبحار : + «يا مرازم»
4- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 16 (حير)
5- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 229 (سلح)
6- المغرب ، ص 231 (سلح)
7- .الصحاح ، ج 1 ، ص 376 (سلح)

وقوله : (عاشر) أي الذي يأخذ عشر المال، ويُقال له: العَشّار أيضا .

وقوله : (فألحَّ عليه) أي بالغ أبو عبد اللّه عليه السلام في السؤال على ذلك العاشر .

(وطلب إليه) أي رُغب إليه ، والتمس منه أن يَدَعه، فأبى ذلك العاشر من إجابته .

(إباءً) .

قال الجوهري : «الإباء، بالكسر: مصدر قولك : أبى فلان يأبى ، بالفتح فيهما؛ أي امتنع» (1).

وقوله عليه السلام : (إنّ الرجل يخرج من الذُلّ الصغير) إلى آخره .

الذُلّ، بالضمّ: الهوان .

والغرض من هذا الكلام أنّ العاقل لا ينبغي له أن يدفع الفاسد بالأفسد؛ فإنّ سوء أدب العاشر بالنسبة إليه عليه السلام ، وإن كان فاسدا ، إلّا أنّ قتله لدفع الذلّ أفسد؛ إذ المفاسد المترتّبة عليه أكثر وأشدّ ، وذلك إشارة إلى الخروج .

متن الحديث الخمسين

اشارة

عَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحَجَّالِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، (2).

قَالَ:بَعَثَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام غُلَاما لَهُ فِي حَاجَةٍ، فَأَبْطَأَ، فَخَرَجَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام عَلى أَثَرِهِ لَمَّا أَبْطَأَ عَلَيْهِ، فَوَجَدَهُ نَائِما، فَجَلَسَ عِنْدَ رَأْسِهِ يُرَوِّحُهُ حَتَّى انْتَبَهَ، فَلَمَّا انْتَبَهَ، قَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «يَا فُلَانُ، وَاللّهِ مَا ذَاكَ لَكَ تَنَامُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، لَكَ اللَّيْلُ وَلَنَا مِنْكَ النَّهَارُ».

شرح الحديث

السند مجهول .

قوله : (على إثره) بالكسر وبالتحريك ؛ أي بعده .

وقوله : (تنام الليل والنهار) بدل من قوله : «ذاك» .

وفي قوله : (لك الليل ولنا منك النهار) ؛ دلالة على أنّ الليل حقّ للمماليك، لا ينبغي [أن ]يتعرّض الموالي لهم فيه؛ والنهار حقّ للموالي من المماليك ، لا يجوز ترك خدمتهم فيه .

ص: 80


1- الصحاح ، ج 6 ، ص 2259 (أبا)
2- هذا في حاشية النسخة. وفي المتن: «عن جعفر بن أبي حفص ، عن حفص بن أبي عائشة». وفي حاشية اُخرى: «عن حفص بن أبي حفص، عن أبي عائشة»

متن الحديث الواحد والخمسين

اشارة

عَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ حَسَّانَ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ (1). ، قَالَ:

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ: «لَا تَذْكُرُوا سِرَّنَا بِخِلَافِ عَلَانِيَتِنَا، وَلَا عَلَانِيَتَنَا بِخِلَافِ سِرِّنَا، حَسْبُكُمْ أَنْ تَقُولُوا مَا نَقُولُ، وَتَصْمُتُوا عَمَّا نَصْمُتُ، إِنَّكُمْ قَدْ رَأَيْتُمْ أَنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ لَمْ يَجْعَلْ لأحَدٍ مِنَ النَّاسِ فِي خِلَافِنَا خَيْرا، إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ يَقُولُ: «فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» (2) ».

شرح الحديث

السند مجهول .

قوله عليه السلام : (بخلاف علانيتنا) حال عن السرّ، أو متعلّق ب «لا تذكروا» .

وقيل : السرّ عبارة عن العقائد الحقّة، والأحكام الإلهيّة الواقعة في نفس الأمر، وهم عليهم السلام قد يتكلّمون بخلافها عند التقيّة، أو ضعف عقول المخاطَبين عن تحمّلها، إلى غير ذلك من المصالح ، وقد يتكلّمون بها عند عدم التقيّة وما يجري مجراها ، فنهى عليه السلام أوّلاً أن يذكروا سرّهم بخلاف علانيتهم في صورة الخوف ، ونهى ثانيا أن يذكروا علانيتهم بخلاف سرّهم؛ لعدم الخوف اللازم من ذلك التكلّم بما تكلّموا به، والسكوت عمّا سكتوا عنه ، فلذلك قال : (حسبكم أن تقولوا) إلى آخره ؛ لأنّهم عليهم السلام أعرف بمواضع القول والسكوت (3).

وقيل : معنى قوله : «لا تذكروا سرّنا...» : لا تغلوا فينا، ولا تثبتوا لنا ما يأبى عنه ظواهر أحوالنا كالربوبيّة (4). والصَّمت: السكوت، وفعله كنصر .

ص: 81


1- في الطبعة الجديدة وبعض نسخ الكافي والوسائل : «عن حسّان أبي عليّ» بدل «عن حسّان ، عن أبي عليّ» . وفي حاشية النسخة عن بعض النسخ : «عن حسّان بن أبي عليّ» . وفي بعض نسخ الكافي : «عن حسّان بن عليّ» . وعلى أيّ حالٍ الرجل مجهول لم يعرف
2- النور (24) : 63
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 438
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 199

وقوله : (إنّكم قد رأيتم) تعليل للسابق .

وقوله : (إنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ يقول) دليل لهذا التعليل ؛ لأنّ الآية متضمّنة لما ذكر .

«فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ» .

قال البيضاوي : أي يخالفون أمره بترك مقتضاه، ويذهبون سَمتا خلاف سمته ، و«عن» لتضمّنه معنى الإعراض، أو يصدّون عن أمره دون المؤمنين، مِن «خالفه عن الأمر» إذا صدّ عنه دونه .

وحذف المفعول؛ لأنّ المقصود بيان المخالِف والمخالَف عنه . والضمير للّه ؛ فإنّ الأمر له في الحقيقة، أو للرسول؛ فإنّه المقصود بالذِّكر .

«أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ» : محنة في الدنيا .

«أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» في الآخرة (1).

متن الحديث الثاني والخمسين

اشارة

مُحَمَّدٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي الْحَلَالِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:

«قَالَ مُوسى (2) عليه السلام : يَا رَبِّ مِنْ أَيْنَ الدَّاءُ؟ قَالَ: مِنِّي. قَالَ: فَالشِّفَاءُ؟ قَالَ: مِنِّي. قَالَ: فَمَا يَصْنَعُ عِبَادُكَ بِالْمُعَالِجِ؟ قَالَ: يُطَبِّبُ (3) بِأَنْفُسِهِمْ، فَيَوْمَئِذٍ سُمِّيَ الْمُعَالِجُ الطَّبِيبَ (4) ».

شرح الحديث

السند صحيح .

قوله : (من أين الداء) أي حصول المرض وحدوثه .

وقوله : (يطبّب) .

ص: 82


1- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 204
2- .في الحاشية عن بعض النسخ: + «بن عمران»
3- .في كلتا الطبعتين ومعظم النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة : «يطيّب» بالياء المثّناة . وفي حاشية النسخة : «يطيّب _ يطبّبون»
4- هذا في الحاشية. وفي المتن: «بالطبيب»

في بعض النسخ بالياء المثنّاة. وفي بعضها بالباء الموحّدة .

قال الفيروزآبادي :

الطبّ، مثلثّة الطاء: علاج الجسم والنفس ، يَطُبُّ ويَطِب ، والرفق، والسحر.

وبالكسر: الشهوة، والإرادة، والشأن، والعادة. وبالفتح: الماهر الحاذق بعلمه كالطبيب . والمتطبّب : المتعاطي في علم الطبّ، تأنّى للاُمور وتلطّف (1).

(فيومئذٍ سُمّي المُعالج بالطبيب) ؛ كأنّ وجه التسمية على نسخة «يطبّب» بالباء الموحّدة أنّهم إنّما سمّوا بالطبيب؛ لرفع الهمّ والحزن عن نفوس المرضى، والتلطّف بهم .

وعلى نسخة «يطيّب» بالياء المثنّاة، قيل : ليس المراد أنّ مبدأ اشتقاق الطبيب الطيّب أو التطبيب؛ فإنّ أحدهما من المضاعف، والآخر من الأجوف ، بل المراد أنّ تسميتهم بالطبيب ليست بسبب تداوي الأبدان عن الأمراض، بل لتداوي النفوس عن الهموم والأحزان، فتطيّب بذلك (2) ؛ يعني أنّ المراد بالطبّ هنا علاج النفس لا البدن ، على أنّه يمكن أن يكون هذا مبنيّا على الاشتقاق الكبير .

وقيل: الفصحاء قد ينقلون لفظا إلى معنى لفظ آخر باعتبار أدنى ملابسة بينهما ، وهاهنا كذلك ؛ لأنّ الطبيب يدلّ على الطيّب باعتبار اشتماله على حروفه مع زيادة ، وهي الباء الاُولى، وهذا القدر كافٍ في وجه التسمية، ونظيره ما رواه المصنّف عن أبي الحسن عليه السلام قال : «سمّي عليّ عليه السلام أمير المؤمنين؛ لأنّه يميرهم العلم (3) » (4).

متن الحديث الثالث والخمسين

اشارة

عَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ، عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:«مَا مِنْ دَاءٍ إِلَا وَهُوَ شَارِعٌ إِلَى الْجَسَدِ، يَنْتَظِرُ مَتى يُؤْمَرُ بِهِ فَيَأْخُذَهُ».

* وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرى: «إِلَا الْحُمّى؛ فَإِنَّهَا تَرِدُ وُرُودا».

ص: 83


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 96 (طبب)
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 199
3- الكافي ، ج 1 ، ص 412 ، ح 3 . وانظر أيضا : تفسير العيّاشي ، ج 2 ، ص 184 ، ح 46 ؛ معاني الأخبار ، ص 63
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 439

شرح الحديث

السند موثّق .

قوله : (شارع إلى الجسد ...) بالشين المعجمة.

وكأنّ المراد أنّه داخل فيه، أو منفتح إليه، وله طريق فيه . قال الجوهري : «الشارع: الطريق الأعظم. وشَرَع المنزل، إذا كان إلى الطريق ؛ أي فتحت» (1).

والحاصل : أنّ الأدواء لها مادّة في الجسد مكمونة، فإذا أذِنَ اللّه تعالى إيّاها في البروز برزت إلّا الحمّى؛ فإنّها قد ترد بغير مادّة ، بل بالأسباب الخارجة، كتصرّف هواء بارد، أو حرارة الشمس مثلاً .

وقيل : الشارع: المتّصل(2) وفي المصباح : «شرع الباب إلى الطريق: اتّصل به» (3).

وفي بعض النسخ: «سارع» بالسين المهملة . وفي بعضها: «يسارع» . ولعلّ الغرض من هذا الحديث الترغيب في الدُّعاء والصدقة .

متن الحديث الرابع والخمسين

اشارة

عَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْمُهْتَدِي، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ زُرْبِيٍّ (4) ، قَالَ:

مَرِضْتُ بِالْمَدِينَةِ مَرَضا شَدِيدا، فَبَلَغَ ذلِكَ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، فَكَتَبَ إِلَيَّ: «قَدْ بَلَغَنِي عِلَّتُكَ، فَاشْتَرِ صَاعا مِنْ بُرٍّ، ثُمَّ اسْتَلْقِ عَلى قَفَاكَ، وَانْثُرْهُ عَلى صَدْرِكَ كَيْفَمَا انْتَثَرَ، وَقُلِ: اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي إِذَا سَأَلَكَ بِهِ الْمُضْطَرُّ كَشَفْتَ مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ، وَمَكَّنْتَ لَهُ فِي الْأَرْضِ، وَجَعَلْتَهُ خَلِيفَتَكَ عَلى خَلْقِكَ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَأَنْ تُعَافِيَنِي مِنْ عِلَّتِي. ثُمَّ اسْتَوِ جَالِسا، وَاجْمَعِ الْبُرَّ مِنْ حَوْلِكَ، وَقُلْ مِثْلَ ذلِكَ، وَاقْسِمْهُ مُدّا مُدّا لِكُلِّ مِسْكِينٍ، وَقُلْ مِثْلَ ذلِكَ».

قَالَ دَاوُدُ: فَفَعَلْتُ مِثْلَ ذلِكَ، فَكَأَنَّمَا نُشِطْتُ مِنْ عِقَالٍ، وَقَدْ فَعَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، فَانْتَفَعَ بِهِ.

ص: 84


1- الصحاح ، ج 3 ، ص 1236 (شرع)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 439
3- المصباح المنير، ص327 (شرع)
4- في الوافي : «داود بن رزين»

شرح الحديث

السند صحيح .

قال في الإيضاح : «داود بن زربيّ، بالزاي المكسورة أوّلاً، ثمّ الراء الساكنة، ثمّ الباء المنقّطة تحتها نقطة» .

وفي القاموس: «الزرابيّ: النمارق. الواحد: زربي، بالكسر، ويضمّ» (1).

قوله عليه السلام : (فاشتر صاعا من بُرّ) بالضمّ: الحنطة .

ويفهم من ظاهر الأمر أنّه ينبغي أن يشتري وإن كان مالكا لمثله، وحاضرا عنده ، ويحتمل أن يكون الأمر به؛ لعلمه عليه السلام بأنّه ليس مالكا له .

وقوله : (انثُره على صدرك) .

يُقال : نَثَرَ الشيء ينثُرُ _ بالضمّ _ نَثْرا، وينثِره _ بالكسر _ نَثْرا ونِثارا: رماه متفرّقا كثيرة.

وفيه دلالة على أنّه ينبغي للمريض أن يتولّى ذلك بنفسه ، ولعلّه في صورة الإمكان .

وقيل : ينبغي أن يقرأ المريض هذا الدُّعاء، ولو بالتلقين، ولو لم يقدر فليقرأ غيره (2).

وقوله : (إذا سألك به المُضطرّ) إلى آخره ، إشارة إلى قوله تعالى : «أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ» (3).

والخليفة: من يخلف غيره، وينوب منابه ، وأصله: خليف، والهاء للمبالغة، أو للنقل .

قيل : الخليفة كما يطلق على الأنبياء والأوصياء؛ لأنّهم خلفاء اللّه في أرضه، كذلك يُطلق على هذا النوع كلّهم؛ لأنّهم خلفاء من سكن الأرض قبلهم ، أو لأنّه يخلف بعضهم بعضا ، والمراد هنا المعنى الثاني (4).

وأقول : روى عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن الحسن [عليّ بن] بن فضّال، عن صالح بن عقبة، عن أبي عبداللّه عليه السلام في قوله تعالى : «أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ» الآية ، قال : «نزلت في القائم عليه السلام ، هو واللّه المضطرّ، إذا صلّى في المقام ركعتين ، [و] دعا اللّه ، فأجابه ، ويكشف السوء، ويجعله خليفة في الأرض » (5). انتهى .

ص: 85


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 78 (زرب)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 439
3- النمل (27) : 62
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 440
5- .تفسير القمّي ، ج 2 ، ص 129 . وعنه في بحار الأنوار ، ج 51 ، ص 48 ، ح 11

ولا يخفى أنّ حمل الدعاء على هذا التفسير أنسب وأولى .

وقوله : (فكأنّما نُشطت من عِقال) أي خرجت منه ، أو حُللتُ، فعلى الأوّل «نشطت» على بناء الفاعل، وعلى الثاني على بناء المفعول.

قال الفيروزآبادي: «نشط من المكان _ كفرح _ إذا خرج منه.

ونشط الحَبْل، كنصر: عقده، كنشّطه.

وأنْشطه: حلّه .

والملائكة تَنْشُط نفس المؤمن بقبضها؛ أي تحلّها حَلّاً رفيقا» (1).

وقال الجزري: في حديث السِّحر : «فكأنّما اُنشِط من عقالٍ» .

أي حُلَّ.

وقد تكرّر في الحديث، وكثيرا ما يجيء في الرواية: «فكأنّما نشط من عقال»، وليس بصحيح .

يُقال : نَشَطْتُ العُقدة، إذا عقدتها.

وأنشطتها، إذا حلَلْتها (2).

وأقول : كلام الفيروزآبادي _ كما عرفت _ ردّ عليه، ولا يحتاج إلى ما ارتكبه بعضٌ مِن أنّه لمّا كان هذا في كلام الراوي لا نحتاج إلى تصحيحه وتوجيهه (3).

، فتأمّل .

قال الجوهري : «عَقَلت البعير أعقِله عقلاً، وهو أن تثني وظيفَهُ مع ذراعه، فتشدّهما جميعا في وسط الذِّراع.

وذلك الحبل هو العِقال، والجمع: عُقْلٌ» (4).

متن الحديث الخامس والخمسين (حديث الحوت على أيّ شيء هو)

اشارة

متن الحديث الخامس والخمسين (حديث الحوت على أيّ شيء هو (5) )

مُحَمَّدٌ، عَنْ أَحْمَدَ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:سَأَلْتُهُ عَنِ الْأَرْضِ عَلى أَيِّ شَيْءٍ هِيَ؟ قَالَ: «هِيَ عَلى حُوتٍ». قُلْتُ: فَالْحُوتُ عَلى أَيِّ شَيْءٍ هُوَ؟ (6) قَالَ: «عَلَى الْمَاءِ». قُلْتُ: فَالْمَاءُ عَلى أَيِّ شَيْءٍ هُوَ؟ قَالَ: «عَلى صَخْرَةٍ». قُلْتُ: فَعَلى أَيِّ شَيْءٍ الصَّخْرَةُ؟ قَالَ: «عَلى قَرْنِ ثَوْرٍ أَمْلَسَ». قُلْتُ: فَعَلى أَيِّ شَيْءٍ الثَّوْرُ؟ قَالَ: «عَلَى الثَّرى». قُلْتُ: فَعَلى أَيِّ شَيْءٍ الثَّرى؟ فَقَالَ:

ص: 86


1- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 388 (نشط)
2- النهاية ، ج 5 ، ص 57 (نشط)
3- . كما صنعه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 201
4- الصحاح ، ج 5 ، ص 1771 (عقل)
5- .في الحاشية عن بعض النسخ: «هي»
6- في الحاشية عن بعض النسخ: «هي»

«هَيْهَاتَ، عِنْدَ ذلِكَ ضَلَّ عِلْمُ الْعُلَمَاءِ»(1).

شرح الحديث

في بعض النسخ: حديث الحوت وحديث الأحلام متأخّران عن حديث الرياح وحديث أهل الشام .

والسند صحيح .

قوله : (على حوت) .

في المصباح : «الحوت: العظيم من السمك، وهو مذكّر» (2).

وقوله : (أمْلَس) صفة القرن، أو صفة الثور .

وفي القاموس: «الملاسة والمُلُوسة: ضدّ الخشونة . والأمْلَس: الصحيح الظهر» (3) .

والثرى : التراب النديّ .

وقوله عليه السلام : (عند ذلك ضلّ علم العلماء) .

قيل : لعلّ المراد: إنّا لم نُؤمر ببيانه للخلق. ولا يخفى بُعده ، بل الظاهر أنّه لم يحط به علم عالمٍ قطّ الأنبياء ومن دونهم (4).

وقال بعض الشارحين : بين هذا الحديث وبين ما سيجيء من حديث زينب العطّارة : «أنّ الأرض على الديك، والديك على الصخرة، والصخرة على الحوت، والحوت على البحر، والبحر على الهواء، والهواء على الثرى ، والثرى عند السماء الاُولى» منافاةٌ بحذف الوسائط بين الأرض والحوت في هذا الحديث ، بكون الصخرة على قرن ثور فيه، وعلى الحوت في حديث زينب، وبكون الثور على الثرى فيه، وكون الهواء على الثرى في حديثها .

ثمّ قال : ويمكن أن يكون بين البحر والهواء واسطتان محذوفتان؛ أي البحر على الصخرة،

ص: 87


1- قال المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 14 ، ص 472 : «في هذا الحديث رموز ، وإنّما يحلّها من كان من أهلها»
2- المصباح المنير، ص158 (حوت)
3- .القاموس المحيط ، ، ج 2 ، ص 252 (ملس)
4- اُنظر : مرآة العقول ، ج 25 ، ص 201

ويُراد بها غير المذكورة أوّلاً ، والصخرة على الثور ، وأن يكون بين الثور والثرى في الأوّل واسطة محذوفة، وهي الهواء (1).

متن الحديث السادس والخمسين

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَحَدِهِمَا عليهماالسلام، قَالَ:«إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ خَلَقَ الْأَرْضَ، ثُمَّ أَرْسَلَ عَلَيْهَا الْمَاءَ الْمَالِحَ أَرْبَعِينَ صَبَاحا، وَالْمَاءَ الْعَذْبَ أَرْبَعِينَ صَبَاحا، حَتّى إِذَا الْتَقَتْ وَاخْتَلَطَتْ أَخَذَ بِيَدِهِ قَبْضَةً، فَعَرَكَهَا عَرْكا شَدِيدا جَمِيعا، ثُمَّ فَرَّقَهَا فِرْقَتَيْنِ، فَخَرَجَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُنُقٌ مِثْلُ عُنُقِ الذَّرِّ، فَأَخَذَ عُنُقٌ إِلَى الْجَنَّةِ، وَعُنُقٌ إِلَى النَّارِ».

شرح الحديث

السند حسن .

قوله : (إنّ اللّه خلق الأرض).

قيل : لمّا دلّت الروايات المذكورة في كتاب الإيمان والكفر على أنّه تعالى خلق الإنسان من طينتين: طينة جنّة، وطينة سجّين، لم يبعد أن يُراد بالأرض هنا قطعة مختلطة من هاتين الطينتين(2). وأنت خبير بعدم الداعي إلى هذا التوجيه هنا .

(ثمّ أرسل) إلى آخره .

قيل : إرسال الماء عليها على هذا النهج للخلط بين الطينتين، وتخميرها بالماءين، وفيه فوائد كثيرة : منها حصول القدرة على الضدّين ، ومنها حصول الارتباط بين المؤمن والكافر، والصالح والفاجر ، ولولا ذلك لما أمكن تعيّش المؤمنين والصالحين بين الكافرين والفاجرين .

ومنها كون المؤمن دائما بين الخوف والرجاء، حيث لا يعلم أنّ الغالب فيه الخير

ص: 88


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 440 و 441
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 441

أو الشرّ .

ومنها رفع العجب عنه بفعل المعصية، ولو لا ذلك لما صدر عنه ، فربّما يدخله العجب .

ومنها الرجوع إليه تعالى وطلب حفظه عنها . ومنها تولّد المؤمن من الكافر وبالعكس (1).

وقوله : (أخذ بيده) أي بقدرته، أو بيد من أمره من الملائكة ، أو هو استعارة تمثيليّة .

(فعركها عَرْكا شديدا) .

الضمير للطينة المفهومة من الأرض والماء . والعَرْك: الدلك .

وقوله : (جميعا) أي الطينتين معا من غير أن يفرّقهما قبل الدلك؛ ليكمل بذلك التيامهما، ويشتدّ ارتباطهما .

(ثمّ فرّقها فرقتين) .

في القاموس: فرق بينهما فَرْقا وفُرقانا، بالضمّ: فصل. و «فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ» (2) أي يُقضى .

«وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمْ الْبَحْرَ» (3) : فلقناه . «وَقُرْآنا فَرَقْنَاهُ» (4) : فصّلناه وأحكمناه . وفرّقه تفريقا وتفرِقةً: بدّده، وأخذ حقّه بالتفاريق (5).

وقوله : (مثلُ عُنُق الذرّ) ؛ يعني في الصِّغر، والحركة، أو في الهيئة أيضا . والعُنق، بالضمّ وبضمّتين: الطائفة، والجماعة من الناس .

(فأخذ عنق إلى الجنّة، وعنق إلى النار) .

لعلّ المراد أخذ أسباب الوصول إليها .

وقال الفاضل الإسترآبادي : يعني أمر اللّه تعالى الحِصّة التي كانت مبلولة بالماء العذب أن تفارق الحصّة التي كانت مبلولة بالماء المالح، وأن يصير كلّ واحدةٍ منهما قِطَعا صِغارا في هيئة الذرّ ، ليكون كلّ قطعة بدنا لروح مخصوصة من الأرواح التي قالوا يوم الميثاق : «بَلى»

ص: 89


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 441
2- الدخان (44) : 4
3- البقرة (2) : 50
4- الإسراء (17) : 106
5- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 274 - 276 (فرق) مع التلخيص

في جواب قوله تعالى : «أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ» (1). ، ويكون القطع الحاصلة من الحصّة المبلولة بالماء العذب أبدانا لأرواح تثبت طاعتهم في ذلك اليوم ، والقطع الحاصلة من الحصّة المبلولة بالماء المالح أبدانا لأرواح تثبت معصيتهم في ذلك اليوم، ويفهم من أحاديثهم عليهم السلام أنّ جَعْلهُ تعالى الأبدان في هيئة الذرّ وقع مرّتين : مرّة قبل خلق آدم عليه السلام ، ومرّة بعد خلقه (2).

متن الحديث السابع والخمسين (حديث الأحلام والحجّة على أهل ذلك الزمان)

اشارة

بَعْضُ أَصْحَابِنَا، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْعَبَّاسِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ، قَالَ:«إِنَّ الْأَحْلَامَ لَمْ تَكُنْ فِيمَا مَضى فِي أَوَّلِ الْخَلْقِ، وَإِنَّمَا حَدَثَتْ».

فَقُلْتُ: وَمَا الْعِلَّةُ فِي ذلِكَ؟

فَقَالَ: «إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ ذِكْرُهُ _ بَعَثَ رَسُولاً إِلى أَهْلِ زَمَانِهِ، فَدَعَاهُمْ إِلى عِبَادَةِ اللّهِ وَطَاعَتِهِ، فَقَالُوا: إِنْ (3). فَعَلْنَا ذلِكَ، فَمَا لَنَا فَوَ اللّهِ مَا أَنْتَ بِأَكْثَرِنَا مَالاً، وَلَا بِأَعَزِّنَا عَشِيرَةً . فَقَالَ: إِنْ أَطَعْتُمُونِي أَدْخَلَكُمُ اللّهُ الْجَنَّةَ، وَإِنْ عَصَيْتُمْ (4) أَدْخَلَكُمُ اللّهُ النَّارَ.

فَقَالُوا: وَمَا الْجَنَّةُ وَالنَّارُ؟ فَوَصَفَ لَهُمْ ذلِكَ، فَقَالُوا: مَتى نَصِيرُ إِلى ذلِكَ؟ فَقَالَ: إِذَا مِتُّمْ. فَقَالُوا: لَقَدْ رَأَيْنَا أَمْوَاتَنَا صَارُوا عِظَاما وَرُفَاتا، فَازْدَادُوا لَهُ تَكْذِيبا وَبِهِ اسْتِخْفَافا، فَأَحْدَثَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ فِيهِمُ الْأَحْلَامَ، فَأَتَوْهُ، فَأَخْبَرُوهُ بِمَا رَأَوْا، وَمَا أَنْكَرُوا مِنْ ذلِكَ، فَقَالَ: إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ أَرَادَ أَنْ يَحْتَجَّ عَلَيْكُمْ بِهذَا، هكَذَا تَكُونُ أَرْوَاحُكُمْ إِذَا مِتُّمْ، وَإِنْ بُلِيَتْ أَبْدَانُكُمْ تَصِيرُ الْأَرْوَاحُ إِلى عِقَابٍ حَتّى تُبْعَثَ الْأَبْدَانُ».

شرح الحديث

السند ضعيف على الظاهر .

قوله : (الأحلام) .

ص: 90


1- .الأعراف (7) : 172
2- نقل عنه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 202
3- في الحاشية عن بعض النسخ: «إنّا»
4- في حاشية النسخة والطبعة القديمة : «عصيتموني»

في القاموس : «الحُلم، بالضمّ وبضمّتين: الرؤيا. الجمع: أحلام» (1).

وقوله : (الحجّة على أهل ذلك الزمان) أي وكون الأحلام حجّة على أهل الزمان الذي حدثت فيهم .

قوله : (إن فعلنا ذلك فما لنا) إلى قوله : (عشيرة) أي فما لنا من الأجر، وليس لك مال تعطينا، ولا عشيرة عزيزة تعيننا، فأيّ ثمرة لتصديقك والعبادة التي تدعونا إليها .

وقوله : (ورُفاتا) بالضمّ.

قال الجزري : «الرفات: كلّ ما دقّ وكسر» (2).

وقوله : (فأحدث اللّه فيهم الأحلام) أي رأوا في المنام أنّ اللّه يعذّبهم، كما أخبرهم نبيّهم ، وإنّما خصّصنا الأحلام بذلك بقرينة آخر الحديث .

وقيل : الحُلُم _ بضمّتين _ اسم لما يراه النائم كالرؤيا، لكن غلب اسم الرؤيا لما يراه من الخير والشيء الحسن ، واسم الحلم لما يراه من الشرّ والقبيح، وقد يستعمل كلّ منهما في موضع الآخر، وإنّما جمع هاهنا _ وهو مصدر _ لاختلاف أنواعه (3).

وقوله : (فأخبروه بما رأوا ، وما أنكروا من ذلك) .

كلمة «ما» في الموضعين موصولة، والثانية عطف على الاُولى . و«ذلك» إشارة إلى الموصول الأوّل، وهو عبارة عمّا أنكروه من عذاب البرزخ .

ويحتمل كون الثانية نافية ؛ أي اعترفوا بما رأوا ولم ينكروا منه شيئا .

متن الحديث الثامن والخمسين

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «رَأْيُ الْمُؤْمِنِ وَرُؤْيَاهُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ عَلى سَبْعِينَ جُزْءا مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ».

شرح الحديث

السند حسن .

ص: 91


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 99 (حلم)
2- النهاية ، ج 2 ، ص 241 (رفت)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 442

قوله : (رأيُ المؤمن ورؤياه في آخر الزمان) .

قيل: لمّا غيّب اللّه في آخر الزمان عن الناس حجّتهم، تفضّل عليهم ، وأعطاهم رأيا قويّا في استنباط الأحكام الشرعيّة ممّا وصل إليهم من الآثار النبويّة ، ولمّا حجب عنهم الوحي وخزّانه ، أعطاهم الرؤيا الصادقة أزيد ممّا كان لغيرهم؛ ليظهر عليهم بعض الحوادث قبل وقوعها وحدوثها (1).

أقول : لا وجه لتخصيص الرأي بما ذكر ، بل الظاهر تعميمه في مطلق فراسة المؤمن وإدراكاته الحقّة . وكذا لا وجه لتخصيص آخر الزمان بزمان الغيبة .

قال الفاضل الإسترآبادي : المراد بالأوّل ما يخلق اللّه في قلبه من الصور العلميّة في حال اليقظة ، وبالثاني ما يخلق اللّه في قلبه في حال النوم ، وكأنّ المراد بآخر الزمان زمان ظهور الصاحب عليه السلام ؛ فإنّ في بعض الأحاديث وقع التصريح بأنّ في زمن ظهوره عليه السلام يجمع اللّه قلوب المؤمنين على الصواب في كلّ باب .

ولفظة «على» هاهنا نهجيّة؛ أي على نهج سبعين جزءا؛ يعني يكونان مثل الوحي موافقا للواقع دائما، وهما نوع من الوحي يتفضّل اللّه به زمن ظهور المهديّ عليه السلام . انتهى (2).

وقيل : لعلّ المراد بقوله : (على سبعين جزءا من أجزاء النبوّة) أنّ للنبوّة أجزاء كثيرة سبعون منها من قبل الرأي؛ أي الاستنباط اليقيني، لا الاجتهاد والتظنّي والرؤيا الصادقة ، فهذا المعنى الحاصل لأهل آخر الزمان على نحو تلك السبعين ومشابه لها، وإن كان في النبيّ أقوى .

قال : ويحتمل أن يكون المراد على نحو بعض أجزاء السبعين، كما ورد أنّ الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزءا من النبوّة(3).

وقال بعض الشارحين : ومن طريق العامّة عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «إذا اقترب الزمان، لم تكن رؤيا المسلم

ص: 92


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 203
2- نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 444
3- القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 203 و 204

تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا، ورؤيا المؤمن جزء من خمسة وأربعين جزءا من النبوّة» (1).

ومن طريق آخر لهم : «أنّها جزء من سبعين جزءا من النبوّة» (2).

قال محيي الدِّين البغوي : فسّر أبو داود تقارب الزمان باعتدال الليل والنهار، ووجّه ذلك باعتدال الأمزجة حينئذٍ، فلا يكون في المنام أضغاث أحلام؛ فإنّ موجبها إنّما هو غلبة خلط على المزاج .

وفسّره غيره بقرب القيامة . ويشهد الثاني أنّ هذا الخبر جاء من طريق أبي هريرة أنّه قال : «في آخر الزمان لا تكذب رؤيا المؤمن» (3).

وقال القرطبي : «المراد بآخر الزمان الزمان الذي فيه الطائفة التي تبقى مع عيسى عليه السلام بعد قتل دجّال، تبقى سبع سنين ليس بين اثنين منهم عداوة، فهم أحسن الاُمّة حالاً، وأصدقهم قولاً، وكانت رؤياهم لا تكذب» .

وقد قال صلى الله عليه و آله : «أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا» .

وردَّ ابن العربي التفسير الأوّل بأنّه لا أثر لاعتدال الزمان في صدق الرؤيا إلّا على ما يقوله الفلاسفة من اعتدال الأمزجة حينئذٍ ، ثمّ إنّه وإن كان هذا في الاعتدال الأوّل، لكن في الاعتدال الثاني حين تحلّ الشمس برأس الميزان الأمر بالعكس ؛ لأنّه تسقط حينئذٍ الأوراق، ويتغلّس الماء من الثمار .

ثمّ قال : والصحيح التفسير الثاني؛ لأنّ القيامة هي الحاقّة التي تحقّ فيها الحقائق، وكلّ ما قرب منها فهو أخصّ بها .

وقال الآبيّ : فسّره بعض الشافعيّة بثالث، هو من قوله عليه السلام : «يتقارب الزمان حتّى تكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، واليوم كالساعة» ، قالوا : وذلك عند خروج المهديّ عليه السلام ، وهو زمان يقصر ويتقارب أجزاؤه للاستلذاذ به .

هذا كلامهم . ثمّ قال الشارح :

ص: 93


1- مسند أحمد ، ج 2 ، ص 507 ؛ صحيح مسلم ، ج 7 ، ص 52 ؛ الجامع الصغير، ج 2 ، ص 74 ، ح 466 ؛ كنزالعمّال ، ج 15 ، ص 371 ، ح 41427
2- مسند أحمد ، ج 1 ، ص 315 ؛ و ج 2 ، ص 119 ؛ صحيح مسلم ، ح 7 ، ص 54 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 2 ، ص 1282 ، ح 3895 ؛ مجمع الزوائد ، ح 7 ، ص 172
3- اُنظر : فتح الباري لابن حجر ، ج 12 ، ص 356

ثمّ إنّه لابدّ هنا من شيئين :

أحدهما : بيان السبب؛ لكون رؤيا المؤمن جزءا من أجزاء النبوّة .

وثانيهما : بيان السبب لهذه النسبة المخصوصة ؛ أعني كونها جزءا من سبعين جزءا .

أمّا الأوّل، فنقول: الرؤيا الصادقة من المؤمن الصالح جزءٌ من أجزاء النبوّة؛ لما فيها من الإعلام الذي هو على معنى النبوّة على أحد الوجهين .

وقد قال كثير من الأفاضل : إنّ للرؤيا الصادقة مَلكا وكّل بها يرى الرائي من ذلك ما فيه تنبيه على ما يكون له، أو يقدر عليه من خير أو شرّ، وهذا معنى النبوّة ؛ لأنّ لفظ «النبيّ» قد يكون فعيلاً بمعنى مفعول ؛ أي يُعلمه اللّه ، ويُطلِعه في منامه من غيبه ما لا يُظهِر عليه أحد إلّا من ارتضى من رسول . وقد يكون بمعنى فاعل؛ أي يُعلِم غيرَه بما اُلقي إليه ، وهذا أيضا صورة صاحب الرؤيا .

وقال القرطبي : «الرؤيا لا تكون من أجزاء النبوّة إلّا إذا وقعت من مسلم صالح صادق؛ لأنّه الذي يناسب حاله حال النبيّ، وكفى بالرؤيا شوقا أنّها نوع ممّا أكرمت به الأنبياء، وهو الاطّلاع على شيء من علم الغيب، كما قال صلى الله عليه و آله : «لم يبق من مبشّرات النبوّة إلّا الرؤيا الصادقة يراها الرجل المسلم» (1). ، وأمّا الكافر والكاذب والمخلّط، وإن صدقت رؤياهم في بعض الأحيان؛ فإنّها لا تكون من الوحي، ولا من النبوّة؛ إذ ليس كلّ من صدق في حديث عن غيب يكون خبره نبوّة بدليل الكاهن والمنجّم؛ فإنّ أحدهم قد يحدّث ويصدق، لكن على الندرة ، وكذلك الكافر قد تصدق رؤياه كرؤيا العزيز سبع بقرات، ورؤيا الفتيان في السجن، ورؤيا العاتكة عمّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهي كافرة ، ولكن ذلك قليل بالنسبة إلى مناماتهم المخلّطة الفاسدة .

وأمّا الثاني، فقيل : يحتمل أن تكون هذه التجزئة من طرق الوحي، منه ما سمع بواسطة الملك، ومنه ما يلقى في القلب، كما قال اللّه تعالى : «إِنْ هُوَ إِلَا وَحْىٌ يُوحَى» (2). ؛ أي إلهام ، ومنه ما يأتي به الملك وهو على صورته ، ومنه ما يأتيه [به ]وهو على صورة آدميّ ، ومنه ما يأتيه في منامه بحقيقته ، ومنه ما يأتيه بمثال أحيانا

ص: 94


1- .مسند أحمد ، ج 1 ، ص 219 ؛ سنن الدارمي ، ج 1 ، ص 304 ؛ صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 48 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 2 ، ص 1283 ، ح 3899 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 201 ، ح 876
2- النجم (53) : 4

يسمع الصوت ويرى الضوء ، ومنه ما يأتي به كصَلصَلَة (1). الجرس ، ومنه ما يلقيه روح القدس في روعه ، إلى غير ذلك ممّا لم نقف .

ويكون مجموع الطرق سبعين، فتكون الرؤيا التي هي ضربُ مثالٍ جزءا من ذلك العدد من أجزاء الوحي.

والحاصل أنّ للنبيّ طرقا إلى العلم ، وإحدى تلك الطرق الرؤيا، ونسبتها إلى تلك الطرق أنّها جزء من سبعين جزءا، ولا يلزم أن يبيّن تلك الأجزاء؛ لأنّه لا يلزم العلماء أن يعلموا كلّ شيء جملةً وتفصيلاً ، وقد جعل اللّه سبحانه لهم في ذلك حدّا يوقف عنده ؛ فمنها ما لا يعلم أصلاً ، ومنها ما يعلم جملةً ولا يعلم تفصيلاً _ وهذا منه _ ومنها ما يعلم جملةً وتفصيلاً لا سيّما فيما طريقه السمع وبيّنه الشارع .

وقيل : مجموع خصال النبوّة سبعون، وإن لم نعلمها تفصيلاً ، ومنها الرؤيا ، والمنام الصادق من المؤمن خصلة واحدة لها هذه النسبة مع تلك الخصال .

ويحتمل أن يكون المراد أنّ ثمرة رؤيا المؤمن _ أعني الإخبار بالغيب _ في جنب فوائدها المقصودة يسيرة نسبتها إلى ما أطلعه اللّه تعالى على نبيّه من فوائدها بذلك القدر؛ لأنّه يعلم من فوائد مناماتِهِ بنور نبوّته ما لا نعلمه من حقائق مناماتنا، وأن يكون المراد أنّ دلالة رؤيا المؤمن على الإخبار بالغيب جزء من دلالة رؤيا النبيّ ، والنسبة بذلك القدر ؛ لأنّ المنامات إنّما هي دلالات، والدلالات منها خفيّ ومنها جليّ، والخفيّ له نسبة مخصوصة مع الجليّ في نفس الأمر، فبيّنها عليه السلام بأنّها بذلك القدر .

والفرق بين هذين التوجيهين: أنّ الأوّل منهما باعتبار التفاوت في الثمرات، والثاني باعتبار التفاوت في الدلالات . والمراد بأجزاء النبوّة فيهما أجزاء رؤيا النبيّ، وليس المراد بها جميع أجزاء النبوّة . وهذا وإن كان بعيدا بحسب اللفظ، لكنّه غير مستبعد بحسب الواقع ؛ إذ الظاهر أنّ خصال النبوّة غير منحصرة في السبعين .

ومن طريق العامّة أيضا: «أنّ رؤيا المؤمن جزء من ستّة وأربعين جزءا من أجزاء النبوّة» (2).

ص: 95


1- في الحاشية: «قال الجوهري: صلصلة اللجام: صوته. وقال: الجرس: ما يعلّق [في عنق] البعير، والذي يضرب به أيضا. منه». اُنظر : الصحاح ، ج 5 ، ص 1745 (صلصل) ؛ و ج 3 ، ص 912 (جرس)
2- كتاب الموطّأ لمالك ، ج 2 ، ص 956 ؛ مسند أحمد ، ج 2 ، ص 233 و 269 و 438 و 507 و ... ؛ سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 123 ؛ صحيح البخاري ، ج 8 ، ص 68 ؛ صحيح مسلم ، ج 7 ، ص 52 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 2 ، ص 1282 ، ح 3893 و 3894

وقيل في توجيهه : إنّ ذلك باعتبار مدّة النبوّة؛ لأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أقام يوحى إليه ثلاثا وعشرين سنة: ثلاثة عشر بمكّة، وعشرة بالمدينة، وكان قبل ذلك بستّة أشهر يرى في المنام ما يلقي إليه الملك ، ونسبة نصف سنة من ثلاثة وعشرين سنة جزء من ستّة وأربعين (1).

متن الحديث التاسع والخمسين

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُعَمَّرِ بْنِ خَلَادٍ، عَنِ الرِّضَا عليه السلام ، قَالَ:«إِنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كَانَ إِذَا أَصْبَحَ قَالَ لأصْحَابِهِ: هَلْ مِنْ مُبَشِّرَاتٍ؟ يَعْنِي بِهِ الرُّؤْيَا».

شرح الحديث

السند صحيح.

نقل من طريق العامّة بإسنادهم عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول: «لم يبق من النبوّة إلّا المبشّرات». قالوا: وما المبشّرات؟ قال: «الرؤيا الصالحة»(2).

وبإسنادهم عن سمرة بن جندب، قال: كان النبى¨ّ صلى الله عليه و آله إذا صلّى الصبح، أقبل عليهم بوجهه، فقال: «هل رأى أحد [منكم ]البارحة الرؤيا؟» (3). قال بعضهم: «التعبير بعد الصبح والنهار أولى اقتفاء بفعله عليه السلام ، ولما جاء أنّ في البكرة بركات، ولأنّ الذهن حينئذٍ أجمع؛ لخلوّه عن الشغل بأعمال النهار ، ولقرب عهد الرائي لما رآه، ولعدم طُروء ما يخلط عليه رؤياه»(4).

متن الحديث الستّين

اشارة

عَنْهُمْ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ، عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ:

ص: 96


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 444 - 446 (مع اختلاف يسير)
2- صحيح البخاري ، ج 8 ، ص 69 ؛ مجمع الزوائد ، ج 7 ، ص 172 ؛ الاستذكار ، ج 8 ، ص 457 ، ح 1784 ؛ التمهيد ، ج 5 ، ص 55 ؛ الجامع الصغير ، ج 2 ، ص 419 ، ح 7328
3- صحيح مسلم ، ج 7 ، ص 58 ؛ شرح مسلم ، ج 3 ، ص 93 ؛ مقدّمة فتح الباري ، ص 85 ؛ إمتاع الأسماع للمقريزي ، ج 8 ، ص 103
4- اُنظر : شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 446

«قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فِي قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا» (1) ؟ قَالَ: هِيَ الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ يَرَى الْمُؤْمِنُ فَيُبَشَّرُ بِهَا فِي دُنْيَاهُ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله تعالى في سورة يونس : «الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمْ الْبُشْرى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْاخِرَةِ» .

البُشرى والبشارة: اسم من الاستبشار، وهو الفَرَح بالأمر السارّ . وقال البيضاوي : بشرى الدُّنيا ما بشّر اللّه به المتّقين في كتابه، وعلى لسان نبيّه ، وما يُريهم من الرؤيا الصالحة ، وما يسنح لهم من المكاشفات، وبشرى الملائكة عند النزع، وبشرى الآخرة تلقّي الملائكة إيّاهم مسلِّمين مبشِّرين بالفوز والكرامة (2).

وروى محيي السنّة بإسناده عن عبادة بن صامت، قال : سألت رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن قوله تعالى : «لَهُمْ الْبُشْرى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» ، قال : «هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن، أو تُرى له»(3).

ويمكن حمل قوله عليه السلام : (هي الرؤيا الحسنة ...) على هذه الرواية .

وروى عقبة بن خالد عن أبي عبداللّه عليه السلام : «أنّها هي البشارة عند الموت» (4).

ولا منافاة بينها وبين هذا الحديث؛ لأنّه يصدق على كلّ منهما أنّه بشارة في الحياة الدنيا .

متن الحديث الواحد والستّين

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي خَلَفٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:«الرُّؤْيَا عَلى ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: بِشَارَةٍ مِنَ اللّهِ لِلْمُؤْمِنِ، وَتَحْذِيرٍ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَأَضْغَاثِ أَحْلَامٍ».

ص: 97


1- يونس (10) : 64
2- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 206
3- مسند أحمد ، ج 5 ، ص 315 و 321 ؛ سنن الترمذي ، ج 3 ، ص 364 ، ح 2375 ؛ المستدرك للحاكم ، ج 4 ، ص 391 ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ج 26 ، ص 113
4- اُنظر : بحار الأنوار ، ج 58 ، ص 180

شرح الحديث

السند حسن .

قوله : (تَحذير من الشيطان) .

لعلّ المراد التخويف الناشئ منه ؛ يعني الرؤيا الهائلة .

وقيل : أي يحذّر ويخوّف من الأعمال الصالحة، أو يكون في الأصل تحزين من الشيطان، فصحّف لقوله تعالى : «إِنَّمَا النَّجْوى مِنْ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ» (1).

وروي عن محيي السنّة أنّه روى بإسناده عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «الرؤيا ثلاثة : رؤيا بشرى من اللّه ، ورؤيا ممّا يحدّث به الرجل نفسَه ، ورؤيا من تحزين الشيطان» (2). (3).

(وأضغاث أحلام) .

قال الجوهري : «الضغث، بالكسر: قبضة حشيش مختلطة الرطب اليابس . وأضغاث أحلام: الرؤيا التي لا يصحّ تأويلها لاختلاطها » (4). انتهى .

وقيل : هي الرؤيا المختلفة التي تركّبها المتخيّلة، ولا أصل لها، وليس من اللّه ولا من الشيطان .

وروت العامّة عن النبيّ صلى الله عليه و آله : «إنّ الرؤيا ثلاث : فرؤيا صالحة بشرى من اللّه ، ورؤيا تُحزن من الشيطان ، ورؤيا فيما يحدِّث المرء نفسه» (5).

وقال بعض الأفاضل : إنّما نسب الاُولى إلى اللّه تعالى؛ لطهارتها من حضور الشيطان، وإفساده لها، وسلامتها من الغلط والخلط والتخليط من الأشياء المتضادّة ، والرؤيا التي منه

ص: 98


1- المجادلة (58) : 10
2- . اُنظر : السنن الكبرى ، ج 4 ، ص 390 ، ح 7654 ؛ المعجم الأوسط ، ج 1 ، ص 123 ؛ مسند الشاميّين ، ج 4 ، ص 41 ، ح 2678
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 205
4- .الصحاح ، ج 1 ، ص 285 (ضغث)
5- لم نعثر على الرواية في المصادر المعتبرة . وانظر : شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 447

تعالى [غير ]منحصرة في البشارة؛ إذ يكون إنذارا منه اعتناءً بعبدِه، لئلّا يأتي ما قدر عليه، أو يرجع ويتوب عمّا فعله من المعاصي، ويكون منه على حذر .

ونسب الثانية إلى الشيطان؛ لأنّها نشأت من تخييلاته وتدليساته تحذيرا من شيء أو ترغيبا فيه؛ ليُشغِل بال الرائي، ويُدخل الضرر والهمّ فيه .

والثالثة أضغاث أحلام، وهي الرؤيا التي لا يمكن تأويلها؛ لجمعها للأشياء المتضادّة والمختلفة .

ثمّ قال :

قال بعض المعبّرين : الرؤيا ثمانية أقسام ؛ سبعة لا تعبّر، ومن السبعة أربعة نشأت من الخلط الغالب على مزاج الرائي، فمن غلب على مزاجه الصفراء رأى الألوان الصُّفر والطعوم المرّة والسّموم والصواعق ؛ لأنّ الصفراء مِسخنة مُرّة ، ومن غلب عليه الدم رأى الألوان الحُمر والطعوم الحُلوة وأنواع الطرب ؛ لأنّ الدم مفرح حُلو ، ومن غلب عليه البلغم رأى الألوان البيض والمياه والأمطار والثلج ، ومن غلب عليه السوداء رأى الألوان السود والأشياء المُحرقة والطعوم الحامضة؛ لأنّه طعام السوداء ، ويُعرف ذلك كلّه بالأدلّة الطبّيّة الدالّة على غَلَبة ذلك الخلط على الرائي .

والخامس ما كان عن حديث النفس، ويُعرف ذلك بجولانه في اليقظة، فيستولي على النفس فيراه في النوم .

والسادس ما هو من الشيطان، ويُعرف ذلك بكونه أمرا فيه ترغيب على أمرٍ تنكره الشريعة، أو أمرا بجائز يؤول إلى منكر، كأمره بالحجّ مثلاً، ويؤدّي إلى تضييع ماله أو عياله أو نفسه .

والسابع ما كان فيه احتلام .

والثامن هو الذي يجوز تعبيره، وهو ما خرج عن هذه السبعة، وهو ما ينقله مَلَك الرؤيا من اللوح المحفوظ من أمر الدنيا والآخرة من كلّ خيرٍ أو شرّ .

ثمّ قال : إذا تأمّلت في الحديث، وجدته شاملاً لجميع هذه الأقسام الثمانية؛ لأنّ الخمسة الاُولى داخلة في أضغاث أحلام، والاثنين بعدها داخلان في القسم الثاني ، وهو ما كان من الشيطان ، والثامن عين الأوّل ، وهو ما كان من اللّه تعالى (1).

ص: 99


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 447 و 448

متن الحديث الثاني والستّين

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ دُرُسْتَ بْنِ أَبِي مَنْصُورٍ، (1). عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ:

قُلْتُ لأبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : جُعِلْتُ فِدَاكَ، الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ وَالْكَاذِبَةُ مَخْرَجُهُمَا مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ؟ قَالَ: «صَدَقْتَ؛ أَمَّا الْكَاذِبَةُ الْمُخْتَلِفَةُ (2). فَإِنَّ الرَّجُلَ يَرَاهَا فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ فِي سُلْطَانِ الْمَرَدَةِ الْفَسَقَةِ، وَإِنَّمَا هِيَ شَيْءٌ يُخَيَّلُ إِلَى الرَّجُلِ، وَهِيَ كَاذِبَةٌ مُخَالِفَةٌ لَا خَيْرَ فِيهَا.

وَأَمَّا الصَّادِقَةُ إِذَا رَآهَا بَعْدَ الثُّلُثَيْنِ مِنَ اللَّيْلِ مَعَ حُلُولِ الْمَلَائِكَةِ، وَذلِكَ قَبْلَ السَّحَرِ، فَهِيَ صَادِقَةٌ لَا تَخْتَلِفُ إِنْ شَاءَ اللّهُ إِلَا أَنْ يَكُونَ جُنُبا، أَوْ يَنَامَ عَلى غَيْرِ طَهُورٍ، وَلَمْ يَذْكُرِ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ حَقِيقَةَ ذِكْرِهِ؛ فَإِنَّهَا تَخْتَلِفُ وَتُبْطِئُ عَلى صَاحِبِهَا».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (مخرجُهما من مَوضع واحد) . الظاهر أنّ المخرج هنا مصدر ميميّ .

وقيل : لعلّ المراد أنّ ارتسامهما في محلّ واحد ، أو أنّ علّتهما من الارتسام ، لكن علّة الارتسام فيهما مختلفة .

وقيل : يعني أنّ كليهما صور علميّة يخلقهما اللّه تعالى في قلب عباده بأسباب روحانيّة، أو شيطانيّة، أو طبيعيّة (3).

وقوله : (المختلفة) .

في بعض النسخ: «المُخلفة» . قال الجوهري : «المُخلفة من النُوق: هي الراجع التي ظهر لهم أنّها لقحت، ثمّ لم تكن ذلك . ويقال : أخلفه ما وعده، وهو أن يقول شيئا ولا يفعله على الاستقبال» (4).

ص: 100


1- في الحاشية: «واقفي ، توثيق له»
2- .في الحاشية عن بعض النسخ: «المخلفة»
3- القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 206
4- الصحاح ، ج 4 ، ص 1355 (خلف)

وقوله : (في أوّل ليلة) .

في بعض النسخ بالهاء. وفي بعضها بالتاء .

وقوله : (لا تختلف) .

في بعض النسخ: «لا تُخلِف» من الإخلاف .

وقوله : (قبل السحر) .

قال في المغرب : «السَّحَر : آخر الليل . عن الليث: قالوا : هو السدس الآخر، وهما سحران، والسحر الأوّل قبل انصداع الفجر، والآخر عند انصداعه» (1).

وقال في المصباح : «السَّحَر، بفتحتين: قُبَيل الصبح. وبضمّتين لغة» (2).

وقوله : (إلّا أن يكون جُنبا ...) إشارة إلى علّة تخلف بعض الرؤيا مع كونها في السحر؛ إذ الجنابة والحدث والغفلة عن ذكره تعالى يوجب البُعد عن جناب قدسه تعالى، والقُرب من وساوس الشيطان واستيلائه على الإنسان .

ولعلّ المراد بحقيقة الذِّكر ما يليق بجناب قدسه تعالى، أو الأذكار المأثورة عند النوم .

وقال بعض الأفاضل : قوله عليه السلام : «في سلطان المردَة الفسَقة» أي في أوّل الليل يستولي على الإنسان شهوات ما رآه في النهار، وكثرت في ذهنه الصور الخياليّة، واختلطت بعضها ببعض، وبسبب كثرة مزاولة الاُمور الدنيويّة بَعُدَ من ربّه، وغلبت عليه القوى النفسانيّة والطبيعيّة، فبسبب هذه الاُمور تبعد عنه ملائكة الرحمان، وتستولي عليه جنود الشيطان ، فإذا كان وقت السحر سكنت قواه، وزالت عنه ما اعتراه من الخيالات الشهوانيّة، فأقبل عليه مولاه بالفضل والإحسان، وأرسل عليه ملائكته ليدفعوا عنه أحزاب الشيطان ، فلذا أمر اللّه تعالى في ذلك الوقت بعبادته ومناجاته، وقال : «إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئا وَأَقْوَمُ قِيلاً» (3). ، فما يراه في الحالة الاُولى فهو من التسويلات والتخييلات الشيطانيّة ومن الوساوس النفسانيّة ، وما يراه في الحالة الثانية فهو من الإفاضات الرحمانيّة بتوسّط الملائكة الروحانيّة .

ص: 101


1- المغرب، ص121 (سحر)
2- المصباح المنير، ص134 (سحر)
3- المزّمّل (73) : 6

ثمّ قال : ولمّا كان أمر الرؤيا وصدقها وكذبها ممّا اختلفت فيه أقاويل الناس، فلا بأس أن نذكر هاهنا بعض أقوال المتكلِّمين والحكماء، ثمّ نبيّن ما ظهر لنا فيه من أخبار أئمّة الأنام عليهم السلام .

فأمّا الحكماء فقد بنوا ذلك على ما أسّسوه من انطباع صور الجزئيّات في النفوس المنطبعة الفلكيّة، وصور الكلّيّات في العقول المجرّدة، وقالوا : إنّ النفس في حالة النوم قد تتّصل بتلك المبادئ العالية، فتحصل لها بعض العلوم الحقّة الواقعيّة، فهذه هي الرؤيا الصادقة .

وقال بعضهم : إنّ للنفوس الإنسانيّة اطّلاعا على الغيب في حال المنام، وليس لأحد من الناس إلّا وقد جرّب ذلك من نفسه تجاربا أوجبته التصديق، وليس ذلك بسبب الفكر؛ فإنّ الفكر [في] حال اليقظة التي هو فيها أمكنُ يَقْصُر عن تحصيل مثل ذلك، فكيف في حال النوم؟! بل بسبب أنّ النفوس الإنسانيّة لها مناسبة الجنسيّة إلى المبادئ العالية المنتقشة بجميع ما كان وما سيكون وما هو كائن في الحال، ولها أن تتّصل بها اتّصالاً روحانيّا، وأن تنتقش بما هو مرتسم فيها ؛ لأنّ اشتغال النفس ببعض أفاعيلها يمنعُها عن الاشتغال بغير تلك الأفاعيل، وليس لنا سبيل إلى إزالة عوائق النفس بالكلّيّة عن الانتقاش بما في المبادئ العالية ؛ لأنّ أحد العائقَين هو اشتغال النفس بالبدن، ولا يمكن لنا إزالة هذا العائق بالكلّيّة ما دام البدن صالحا لتدبيرها ، إلّا أنّه قد يسكن أحد الشاغلين في حالة النوم؛ فإنّ الروح ينتشر إلى ظاهر البدن بواسطة الشرائين، وينصبّ إلى الحواسّ الظاهرة حالة الانتشار، ويحصل الإدراك بها ، وهذه الحالة هي اليقظة، فتشتغل النفس بتلك الإدراكات .

فإذا انحبس الروح إلى الباطن، تعطّلت هذه الحواسّ، وهذه الحالة هي النوم، وبتعطّلها يخفّ أحد شواغل النفس عن الاتّصال بالمبادئ العالية والانتقاش ببعض ما فيها، فيتّصل حينئذٍ بتلك المبادئ اتّصالاً روحانيّا، ويرتسم في النفس بعض ما انتقش في تلك المبادئ ممّا استعدّت هي لأن تكون منتقشة به، كالمرايا إذا حُوذي بعضها ببعض ما يتّسع له ممّا انتقش في البعض الآخر، والقوّة المتخيّلة جُبّلت محاكية لما يرد عليها، فتحاكى تلك المعاني المنتقشة في النفس بصور جزئيّة مناسبة لها، ثمّ ترتسم الصور الجزئيّة في الحسّ المشترك ، فتصير مشاهدة ، وهذه هي الرؤيا الصادقة .

ص: 102

ثمّ إنّ الصور التي تركّبها القوّة المتخيّلة إن كانت شديدة المناسبة لتلك المعاني المنطبعة في النفس، حتّى لا يكون بين المعاني التي أدركتها النفس وبين الصور التي ركّبتها القوّة المتخيّلة تفاوت إلّا في الكلّيّة والجزئيّة، كانت الرؤيا غنيّة عن التعبير، وإن لم تكن شديدة المناسبة، إلّا أنّه مع ذلك تكون بينهما مناسبة بوجه مّا، كانت الرؤيا محتاجة إلى التعبير، وهو أن يرجع من الصور التي في الخيال إلى المعنى الذي صوّرته المتخيّلة بتلك الصور .

وأمّا إذا لم تكن بين المعنى الذي أدركته النفس وبين تلك الصور مناسبة أصلاً، فهذه الرؤيا من قبيل أضغاث الأحلام . ولهذا قالوا : لا اعتماد على رؤيا الشاعر والكاذب؛ لأنّ قوّتهما المتخيّلة قد تعوّدت الانتقالات الكاذبة الباطلة .

ولا يخفى أنّ هذا رجمٌ بالغيب، وتقوّل بالظنّ والريب ، ولم يستند إلى دليل وبرهان، ولا إلى مشاهدة ولا عيان، ولا إلى وحي إلهي، مع ابتنائه على العقول والنفوس الفلكيّة اللتين نفتهما الشريعة المقدّسة .

وقال المازري في شرح قول النبيّ صلى الله عليه و آله : «الرؤيا من اللّه ، والحُلُم من الشيطان» (1). : مذهب أهل السنّة في حقيقة الرؤيا أنّ اللّه تعالى يخلق في قلب النائم اعتقادات لا يخلقها في قلب اليقظان، وهو _ سبحانه وتعالى _ يفعل ما يشاء، لا يمنعه النوم واليقظة ؛ فإذا خلق هذه الاعتقادات فكأنّه جعلها عَلَما على أمرٍ آخر يخلقها في ثاني الحال، أو كان قد خلقها، فإذا خلق في قلب النائم الطيران وليس بطائر ، فأكثر ما فيه أنّه اعتقد أمرا على خلاف ما هو به، فيكون ذلك الاعتقاد عَلَما على غيره، كما يكون خلق اللّه تعالى الغيم عَلَما للطير ، والجميع خلق اللّه تعالى، ولكن يخلق الرؤيا والاعتقادات التي جعلها عَلَما على ما يسرّ بغير حضرة الشيطان، وخلق ما هو عَلَمٌ على ما يضرّ بحضرة الشيطان، فنسب إلى الشيطان مجازا؛ لحضوره عندها، وإن كان لا فعل له حقيقةً (2).

ص: 103


1- .عدّة الداعي ، ص 262 ؛ بحار الأنوار ، ج 58 ، ص 193 ، ح 72 (فيه عن أبي قتادة) ؛ و ص 191 (عن كتاب التبصرة لعليّ بن بابويه) ؛ مسند أحمد ، ج 5 ، ص 296 و 305 ؛ سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 124 ؛ صحيح البخاري ، ج 4 ، ص 95 ؛ و ج 7 ، ص 25 ؛ و ج 8 ، ص 72 ؛ صحيح مسلم ، ج 7 ، ص 50 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 2 ، ص 1286 ، ح 3909
2- اُنظر : فتح الباري ، ج 12 ، ص 309 ؛ عمدة القاري ، ج 1 ، ص 60 ؛ و ج 21، ص 270 ؛ فيض القدير ، ج 4 ، ص 59 ؛ تفسير الآلوسي ، ج 12 ، ص 181

وقال محيي السنّة : «ليس كلّ ما يراه الإنسان صحيحا ويجوز تعبيره ، بل الصحيح ما كان من اللّه يأتيك به ملك الرؤيا من نسخة اُمّ الكتاب، وما سوى ذلك أضغاث أحلام لا تأويل لها، وهي على أنواع : قد تكون من فعل الشيطان يلعب بالإنسان، أويُريه ما يحزنه، وله مكائد يحزن بها بني آدم، كما قال تعالى : «إِنَّمَا النَّجْوى مِنْ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا» (1). ، ومن لعب الشيطان به الاحتلام الذي يوجب الغسل فلا يكون له تأويل . وقد يكون من حديث النفس كما يكون في أمرٍ أو حرفةٍ يرى نفسه في ذلك الأمر، والعاشق يرى معشوقه ونحوه . وقد يكون من مزاج الطبيعة ، كمن غلب عليه الدم يرى الفصد والحجامة والحمرة والرعاف والرياحين والمزامير والنشاط ونحوه ، ومَن غلب عليه الصفراء يرى النار والشمع والسراج والأشياء الصُّفر والطيران في الهواء ونحوه ، ومَن غلب عليه السوداء يرى الظلمة والسواد والأشياء السود وصيد الوحش والأهوال والأموات والقبور والمواضع الخربة وكونه في مضيق لا منفذ له أو تحت ثقل ونحوه ، ومَن غلب عليه البلغم يرى البياض والمياه والأنداء والثلج والوحل، فلا تأويل لشيء منها .

وقال السيّد المرتضى رحمه الله في كتاب الغرر والدرر في جواب سائل سأله : ما القول في المنامات؛ أ صحيحة هي أم باطلة ؟ ومِن فِعل مَن هي ؟ وما وجه صحّتها في الأكثر ؟ وما وجه الإنزال عند المباشرة في المنام ؟ وإن كان فيها صحيح وباطل، فما السبيل إلى تمييز أحدهما من الآخر؟ الجواب : اعلم أنّ النائم غير كامل العقل ؛ لأنّ النوم ضربٌ من السهو ، والسهو ينفي العلوم ، ولهذا يعتقد النائم الاعتقادات الباطلة؛ لنقصان عقله وفقد علومه .

وجميع المنامات إنّما هي اعتقادات يبتدأ بها النائم في نفسه، ولا يجوز أن يكون من فعل غيره فيه؛ لأنّ من عداه من المحدّثين _ سواء كانوا بَشَرا، أو ملائكة، أو جنّا _ أجسام، والجسم لا يقدر أن يفعل في غيره اعتقادا بل ابتداءً ، ولا شيئا من الأجناس على هذا الوجه ، وإنّما يفعل ذلك في نفسه على سبيل الابتداء .

وإنّما قلنا: إنّه لا يفعل في غيره جنس الاعتقادات متولّدا ؛ لأنّ الذي يُعدِّي الفعل من محلّ القدرة إلى غيرها من الأسباب إنّما هو الاعتمادات، وليس في جنس

ص: 104


1- .المجادلة (58) : 10

الاعتمادات ما يولد في الاعتقادات ، ولهذا لو اعتمد أحدنا على قلب غيره الدهر الطويل، ما تولّد فيه شيء من الاعتقادات .

وقد بيّن ذلك، وشرح في مواضع كثيرة ، والقديم تعالى هو القادر أن يفعل في قلوبنا ابتداءً من غير سبب أجناس الاعتقادات، ولا يجوز أن يفعل في قلب النائم اعتقادا؛ لأنّ أكثر اعتقاد النائم جهل، وتناول الشيء على خلاف ما هو به؛ لأنّه يعتقد أنّه يرى ويمشي وأنّه راكب وعلى صفات كثيرة ، وكلّ ذلك على خلاف ما هو به، وهو تعالى لا يفعل الجهل، فلم يبق إلّا أنّ الاعتقادات كلّها من جهة النائم .

وقد ذكر في المقالات : أنّ المعروف بصالح قُبّة كان يذهب إلى أنّ ما يراه النائم في منامه على الحقيقة، وهذا جهل منه يضاهي جهل السوفسطائيّة ؛ لأنّ النائم يرى أنّ رأسه مقطوع، وأنّه قد مات، وأنّه قد صعد إلى السماء ، ونحن نعلم ضرورةً خلاف ذلك كلّه ، وإذا جاز عند صالح هذا أن يعتقد اليقظان في السراب أنّه ماء، وفي المُردي (1) إذا كان في الماء أنّه مكسور، وهو على الحقيقة صحيح لضرب من الشبهة واللبس، وإلاّ جاز ذلك في النائم، وهو من الكمال أبعد ، وإلى النقص أقرب .

وينبغي أن يقسم ما يتخيّل النائم أنّه يراه إلى أقسام ثلاثة : منها ما يكون من غير سبب يقتضيه، ولا داعٍ يدعو إليه اعتقادا مبتدءا .

ومنها ما يكون من وسواس الشيطان يفعل في داخل سمعه كلاما خفيّا يتضمّن أشياء مخصوصة، فيعتقد النائم إذا سمع ذلك الكلام أنّه يراه، فقد نجد كثيرا من النيام يسمعون حديث من يتحدّث بالقرب منهم، فيعتقدون أنّهم يرون ذلك الحديث في منامهم .

ومنها ما يكون سببه والداعي إليه خاطرا يفعله اللّه تعالى، أو يأمر بعض الملائكة بفعله ، ومعنى هذا الخاطر أن يكون كلاما يفعل في داخل السمع، فيعتقد النائم أيضا ما يتضمّن ذلك الكلام، والمنامات الداعية إلى الخير والصلاح في الدِّين يجب أن تكون إلى هذا الوجه مصروفة ، كما أنّ ما يقتضي الشرّ منها الأولى أن تكون إلى وسواس الشيطان مصروفة .

ص: 105


1- في الحاشية: «رَدَى بحجر: رماه به. وهو المردي . والمُردي، بالضمّ و الشدّ: خشبة تدفع بها السفينة» . القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 333 و 334 (ردي)

وقد يجوز على هذا فيما يراه النائم في منامه، ثمّ يصحّ ذلك حتّى يراه في يقظته على حدّ ما يراه في منامه ، وفي كلّ منام يصحّ تأويله أن يكون سبب صحّته أنّ اللّه تعالى يفعل كلاما في سمعه لضرب من المصلحة، بأنّ شيئا يكون أو قد كان على بعض الصِّفات، فيعتقد النائم أنّ الذي يسمعه هو ما يراه .

فإذا صحّ تأويله على ما يراه، فما ذكرناه أن لم يكن ممّا يجوز أن تتّفق فيه الصحّة اتّفاقا؛ فإنّ في المنامات ما يجوز أن يصحّ بالاتّفاق، وما يضيق فيه مجال نسبته إلى الاتّفاق، فهذا الذي ذكرناه يمكن أن يكون وجها فيه» .

ثمّ إنّ السيّد رحمه الله أورد على نفسه اعتراضا، وأجاب عنه ، ثمّ قال : «فإن قيل : فما قولكم في منامات الأنبياء عليهم السلام ؟ وما السبب في صحّتها حتّى عُدَّ ما يرونه في المنام مضاهيا لما يسمعونه من الوحي؟

قلنا : الأخبار الواردة بهذا الجنس غير مقطوع على صحّتها، ولا هي ممّا توجب العلم، وقد يمكن أن يكون اللّه تعالى أعلَمَ النبيّ بوحي يسمعه من المَلَك على الوجه الموجب للعلم: أنّي سأُريك في منامك في وقت كذا ما يجب أن تعمل عليه، فيقطع على صحّته من هذا الوجه، لا بمجرّد رؤيته له في المنام .

وعلى هذا الوجه يحمل منام إبراهيم عليه السلام في ذبح ابنه ، ولو لا ما أشرنا إليه، كيف كان يقطع إبراهيم عليه السلام بأنّه متعبّد بذبح ولده !؟ فإن قيل : فما تأويل ما يروى عنه عليه السلام من قوله : «مَن رآني فقد رآني؛ فإنّ الشيطان لا يتمثّل بي» (1) ، وقد علمنا أنّ المحقّ والمبطل والمؤمن والكافر قد يرون النبيّ صلى الله عليه و آله في النوم، ويخبر كلّ واحدٍ منهم بضدّ ما يخبر به الآخر ، فكيف يكون رائيا له في الحقيقة مع هذا؟

قلنا : هذا خبرٌ واحد ضعيف من أضعف أخبارنا الآحاد، ولا معوّل على مثل ذلك ، على أنّه يمكن مع تسليم صحّته أن يكون المراد به: من رآني في اليقظة فقد رآني على الحقيقة ؛ لأنّ الشيطان لا يتمثّل بي لليقظان.

فقد قيل : إنّ الشيطان ربّما تمثّلت بصورة البشر، وهذا التشبيه أشبه بظاهر ألفاظ

ص: 106


1- راجع : روضة الواعظين ، ص 244 ؛ كتاب سليم بن قيس ، ص 350 ؛ الفرج بعد الشدّة ، ج 1 ، ص 179 ؛ الصراط المستقيم ، ص 155

الخبر؛ لأنّه قال : «من رآني فقد رآني» ، فأثبت غيره رائيا له ونفسه مرئيّة، وفي النوم لا رائي له في الحقيقة ولا مرئيّ ، وإنّما ذلك في اليقظة، ولو حملناه على النوم لكان تقدير الكلام : من اعتقد أنّه يراني في منامه، وإن كان غير راءٍ على الحقيقة، فهو في الحكم كأنّه قد رآني.

وهذا عدول عن ظاهر لفظ الخبر، وتبديل لصيغته ، وهذا الذي رتّبناه في المنامات، وقسّمناه أسَدُّ تحقيقا من كلّ شيء قيل في أسباب المنامات، وما سطر في ذلك معروف غير محصَّل ولا محقّق.

فأمّا ما يهذي إليه الفلاسفة في هذا الباب، فهو ما يُضحِك الثكلى؛ لأنّهم ينسبون ما صحّ في المنامات لما أعْيَتهم الحِيَل في ذكر سببه، إلى أنّ النفس اطّلعت إلى عالمها، فأشرفت على ما يكون.

وهذا الذي يذهبون إليه في حقيقة النفس غير مفهوم ولا مضبوط ، فكيف إذا اُضيف إليه الاطّلاع على عالمها، وما هذا الاطّلاع ؟ وإلى أيّ يشيرون بعالم النفس؟ ولمَ يجب أن تعرف الكائنات عند هذا الاطّلاع ؟ فكلّ هذا زخرفة ومخرقة وتهاويل لا يتحصّل منها شيء .

وقول صالح فيه، مع أنّه تجاهل محض أقرب إلى أن يكون مفهوما من قول الفلاسفة .

انتهى كلامه قدّس اللّه روحه (1).

ولنكتف بذكر هذه الأقوال، ولا نشتغل بنقدها وتفصيلها، ولا بردّها وتحصيلها ؛ لأنّ ذلك ممّا يؤدّي إلى التطويل الخارج عن المقصود في الكتاب ، ولنذكر ما ظهر لنا في هذا الباب من الأخبار المنتمية إلى الأئمّة الأخيار عليهم السلام ، فهو أنّ الرؤيا تستند إلى اُمور شتّى: فمنها أنّ للروح في حالة النوم حركة إلى السماء؛ إمّا بنفسها بناءً على تجسّمها، كما هو الظاهر من الأخبار ، أو بتعلّقها بجسدٍ مثاليّ .

إن قلنا به في حال الحياة أيضا، بأن يكون للروح جسدان: أصلي، ومثالي ، يشتدّ تعلّقها في حال اليقظة بهذا الجسد الأصلي، ويضعف تعلّقها بالآخر، وينعكس الأمر في حال النوم، أو بتوجّهها وإقبالها إلى عالم الأرواح بعد ضعف تعلّقها

ص: 107


1- رسائل المرتضى ، ج 2 ، ص 11 - 13 (مع اختلاف يسير)

بالجسد بنفسها من غير جسد مثالي .

وعلى تقدير التجسّم أيضا يحتمل ذلك، كما يؤمي إليه بعض الأخبار بأن يكون حركتها كناية عن إعراضها عن هذا الجسد ، وإقبالها إلى عالم آخر، وتوجّهها إلى نشأة اُخرى ، وبعد حركتها _ بأيّ معنى كانت _ ترى أشياء في الملكوت الأعلى، وتطالع بعض الألواح التي أثبتت فيها التقديرات، فإن كان لها صفاء، ولعينها ضياء، ترى الأشياء كما أُثبت، فلا يحتاج رؤياه إلى تعبير .

وإن استدلّت على عين قلبه أغطية من التعلّقات الجسمانيّة والشهوات النفسانيّة، فيرى الأشياء بصورة شبيهة لها ، كما أنّ ضعيف البصر ومؤوف العين يرى الأشياء على غير ما هي، والعارف بعلّته يعرف أنّ هذه الصور المشبهة التي اشتبهت عليه صورة لأيّ شيء ، فهذا شأن المعبّر العارف بدأ كلّ شيء وعلّته ، ويمكن أن يُظهر اللّه عليه الأشياء في تلك الحالة بصور يناسبها لمصالح كثيرة ، كما أنّ الإنسان قد يرى المال في نومه بصورة حيّة ، وقد يرى الدراهم بصورة عذرة؛ ليعرف أنّهما يضرّان، وهما مستقذران واقعا، فينبغي أن يتحرّز عنهما ويتجنّبهما ، وقد يرى في الهواء أشياء، فهي الرؤيا الكاذبة التي لا حقيقة لها .

ويحتمل أن يكون المراد بما يراه في الهواء ما أنس به من الاُمور المألوفة والشهوات والخيالات الباطلة .

ويدلّ على هذين النوعين ما رواه الصدوق في أماليه ، عن أبيه، عن سعد، عن أحمد وعبداللّه ابني محمّد بن عيسى ومحمّد بن الحسين ، عن الحسن بن محبوب، عن محمّد بن القاسم النوفلي ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : المؤمن قد يرى الرؤيا، فتكون كما رآها ، وربّما رأى الرؤيا فلا تكون شيئا؟

فقال : «إنّ المؤمن إذا نام خرجت من روحه حركة ممدودة صاعدة إلى السماء، فكلّ ما رآه روح المؤمن في ملكوت السماء في موضع التقدير والتدبير فهو الحقّ ، وكلّ ما رآه في الأرض فهو أضغاث أحلام» .

فقلت له : أوَ تصعد روح المؤمن إلى السماء؟!

قال : «نعم» .

قلت : حتّى لا يبقى منها شيء في بدنه؟

فقال : «لا ، لو خرجت كلّها حتّى لا يبقى منها شيء، إذا لمات» .

ص: 108

فقلت : فكيف تخرج؟ فقال : «أما ترى الشمس في السماء في موضعها وضوؤها وشعاعها في الأرض ، فكذلك الروح أصلها في البدن وحركتها ممدودة» (1).

وروى أيضا عن أبيه، عن سعد بن عبداللّه ، عن يعقوب بن زيد، عن بعض أصحابه، عن زكريّا بن يحيى، عن معاوية بن عمّار، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : «إنّ العباد إذا ناموا، خرجت أرواحهم إلى السماء، فما رأت الروح في السماء فهو الحقّ، وما رأت في الهواء فهو الأضغاث الأحلام؛ [ألا] وإنّ الأرواح جنود مجنّدة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف .

فإذا كانت الروح في السماء تعارفت وتباغضت ، فإذا تعارفت في السماء تعارفت في الأرض ، وإذا تباغضت في السماء تباغضت في الأرض» (2).

وروى أيضا عن أبيه ، عن سعد ، عن محمّد بن الحسين، عن عيسى بن عبداللّه ، عن أبيه عبداللّه بن محمّد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عليّ عليه السلام ، قال : «سألت رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن الرجل ينام فيرى الرؤيا، فربّما كانت حقّا، وربّما كانت باطلاً؟ فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يا عليّ، ما من عبدٍ ينام إلّا عُرج بروحه إلى ربّ العالمين، فما رأى عند ربّ العالمين فهو حقّ ، ثمّ إذا أمر اللّه العزيز الجبّار بردّ روحه إلى جسده، فصارت الروح بين السماء والأرض، فما رأته فهو أضغاث أحلام» (3).

ومنها ما هو بسبب إفاضة اللّه تعالى عليه في منامه؛ إمّا بتوسّط الملائكة، أو بدونه، كما يؤمي إليه خبر أبي بصير، وخبر سعد بن أبي خلف .

ومنها ما هو بسبب وساوس الشياطين واستيلائهم عليه بسبب المعاصي التي عملها في اليقظة، أو الطاعات التي تركها، أو الكثافات والنجاسات الظاهريّة والباطنيّة التي لوّث نفسه بها، كما رواه الصدوق في أماليه عن أبيه، بإسناده عن عليّ بن الحكم ، عن أبان بن عثمان ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن الحسن بن

ص: 109


1- الأمالي للصدوق ، ص 209 ، ح 231. وعنه في بحار الأنوار، ج 58 ، ص 32، ح 6
2- الأمالي للصدوق ، ص 209 ، ح 232 ؛ روضة الواعظين ، ص 492 ؛ بحار الأنوار ، ج 58 ، ص 31 ، ح 4 (وفيه عن الأمالي)
3- الأمالي للصدوق ، ص 209 ، ح 233

أحمد ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : سمعته يقول : «إنّ لإبليس شيطانا يُقال له: هُزَع، يملأ المشرق والمغرب، في كلّ ليلة يأتي الناس في المنام» (1).

وروى البرقي في كتاب المحاسن عن أبيه ، عن صفوان ، عن داود ، عن أخيه عبداللّه ، قال : بعثني إنسان إلى أبي عبداللّه عليه السلام زعم أنّه يفزع في منامه من امرأة تأتيه ، قال : فصِحتُ حتّى سمع الجيران .

فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «اذهب، فقل : إنّك لا تؤدّي الزكاة» ، وقال : بلى، واللّه إنّي لاُؤدّيها ! فقال : «قُل له : إن كنت تؤدّيها، لا تؤدّيها إلى أهلها» (2).

ويدلّ عليه أيضا خبر أبي بصير، وخبر سعد بن أبي خلف .

ومنها ما هو سبب ما بقي في ذهنه من الخيالات الواهية والاُمور الباطلة ، ويؤمي إليه خبر سعد وغيره (3).

متن الحديث الثالث والستّين (حديث الرياح)

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ وَهِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ:سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنِ الرِّيَاحِ الْأَرْبَعِ: الشَّمَالِ، وَالْجَنُوبِ، وَالصَّبَا، وَالدَّبُورِ، وَقُلْتُ: إِنَّ النَّاسَ يَذْكُرُونَ أَنَّ الشَّمَالَ مِنَ الْجَنَّةِ، وَالْجَنُوبَ مِنَ النَّارِ؟

فَقَالَ: «إِنَّ لِلّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ جُنُودا مِنْ رِيَاحٍ يُعَذِّبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِمَّنْ عَصَاهُ، وَلِكُلِّ رِيحٍ مِنْهَا مَلَكٌ مُوَكَّلٌ بِهَا، فَإِذَا أَرَادَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ أَنْ يُعَذِّبَ قَوْما بِنَوْعٍ مِنَ الْعَذَابِ أَوْحى إِلَى الْمَلَكِ الْمُوَكَّلِ بِذلِكَ النَّوْعِ مِنَ الرِّيحِ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا» قَالَ: «فَيَأْمُرُهَا الْمَلَكُ، فَتَهِيجُ كَمَا يَهِيجُ الْأَسَدُ الْمُغْضَبُ» قَالَ: «وَلِكُلِّ رِيحٍ مِنْهُنَّ اسْمٌ؛ أَ مَا تَسْمَعُ قَوْلَهُ تَعَالى: «كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ * إِنّا

ص: 110


1- الأمالي للصدوق ، ص 210 ، ح 234 . وعنه في بحار الأنوار ، ج 58 ، ص 159 ، ح 2
2- المحاسن ، ج 1 ، ص 87 ، ح 27 ؛ ثواب الأعمال ، ص 235 ؛ روضة الواعظين ، ص 356 ؛ بحار الأنوار ، ج 58 ، ص 159 ، ح 5 (وفيه عن المحاسن)
3- مرآة العقول ، ج 25 ، ص 206 - 216 (مع اختلاف يسير)

أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحا صَرْصَرا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ» (1) ، وَقَالَ: «الرِّيحَ الْعَقِيمَ» (2) ، وَقَالَ: «رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ» (3) ، وَقَالَ: «فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ» (4) ، وَمَا ذُكِرَ مِنَ الرِّيَاحِ الَّتِي يُعَذِّبُ اللّهُ بِهَا مَنْ عَصَاهُ».

قَالَ: «وَلِلّهِ _ عَزَّ ذِكْرُهُ _ رِيَاحُ رَحْمَةٍ لَوَاقِحُ وَغَيْرُ ذلِكَ يَنْشُرُهَا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ، مِنْهَا مَا يُهَيِّجُ السَّحَابَ لِلْمَطَرِ، وَمِنْهَا رِيَاحٌ تَحْبِسُ السَّحَابَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَرِيَاحٌ تَعْصِرُ السَّحَابَ، فَتَمْطُرُهُ بِإِذْنِ اللّهِ، وَمِنْهَا رِيَاحٌ مِمَّا عَدَّدَ اللّهُ فِي الْكِتَابِ.

فَأَمَّا الرِّيَاحُ الْأَرْبَعُ: الشَّمَالُ، وَالْجَنُوبُ، وَالصَّبَا، وَالدَّبُورُ، فَإِنَّمَا هِيَ أَسْمَاءُ الْمَلَائِكَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِهَا، فَإِذَا أَرَادَ اللّهُ أَنْ يُهِبَّ شَمَالاً أَمَرَ الْمَلَكَ الَّذِي اسْمُهُ الشَّمَالُ، فَيَهْبِطُ (5). عَلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ، فَقَامَ عَلَى الرُّكْنِ الشَّامِيِّ، فَضَرَبَ بِجَنَاحِهِ، (6). فَتَفَرَّقَتْ (7). رِيحُ الشَّمَالِ حَيْثُ يُرِيدُ اللّهُ مِنَ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ.

وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ أَنْ يَبْعَثَ جَنُوبا أَمَرَ الْمَلَكَ (8) الَّذِي اسْمُهُ الْجَنُوبُ، فَهَبَطَ (9) عَلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ، فَقَامَ عَلَى الرُّكْنِ الشَّامِيِّ، فَضَرَبَ بِجَنَاحِهِ، (10) فَتَفَرَّقَتْ (11) رِيحُ الْجَنُوبِ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَيْثُ يُرِيدُ اللّهُ.

وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ أَنْ يَبْعَثَ رِيحَ الصَّبَا، أَمَرَ الْمَلَكَ الَّذِي اسْمُهُ الصَّبَا، فَهَبَطَ (12) عَلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ، فَقَامَ عَلَى الرُّكْنِ الشَّامِيِّ، فَضَرَبَ بِجَنَاحِهِ، فَتَفَرَّقَتْ (13) رِيحُ الصَّبَا حَيْثُ يُرِيدُ اللّهُ _ جَلَّ وَعَزَّ _ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ.

وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ أَنْ يَبْعَثَ دَبُورا، أَمَرَ الْمَلَكَ الَّذِي اسْمُهُ الدَّبُورُ، فَهَبَطَ (14) عَلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ، فَقَامَ عَلَى الرُّكْنِ الشَّامِيِّ، فَضَرَبَ بِجَنَاحِهِ، فَتَفَرَّقَتْ (15) رِيحُ الدَّبُورِ حَيْثُ يُرِيدُ اللّهُ مِنَ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ».

ثُمَّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «أَ مَا تَسْمَعُ لِقَوْلِهِ: رِيحُ الشَّمَالِ، وَرِيحُ الْجَنُوبِ، وَرِيحُ الدَّبُورِ، وَرِيحُ الصَّبَا، إِنَّمَا تُضَافُ إِلَى الْمَلَائِكَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِهَا».

ص: 111


1- القمر (54) : 18 و 19
2- الذاريات (51) : 41
3- الأحقاف (46) : 24
4- البقرة (2) : 266
5- في الحاشية عن بعض النسخ: «فهبط»
6- .في الحاشية عن بعض النسخ: «بجناحيه»
7- .في الحاشية عن بعض النسخ: «فتفرّق»
8- في الحاشية عن بعض النسخ: + «الموكّل»
9- في الحاشية عن بعض النسخ: «فيهبط»
10- في الحاشية عن بعض النسخ: «فيهبط»
11- .في الحاشية عن بعض النسخ: «فتفرّق»
12- في الحاشية عن بعض النسخ: «فيهبط»
13- .في الحاشية عن بعض النسخ: «فتفرّق»
14- في الحاشية عن بعض النسخ: «فيهبط»
15- .في الحاشية عن بعض النسخ: «فتفرّق»

شرح الحديث

السند صحيح .

قوله : (الشمال) .

قيل : مهبّها من الجدي إلى مغرب الاعتدال (1).

وفي القاموس: «الشمال، بالفتح ، ويكسر: الريح التي تهبّ من قِبَل الحجر، أو ما استقبلك عن يمينك وأنت مستقبل» (2).

والصحيح أنّه ما مهبّه بين مطلع الشمس وبنات نَعش ، أو من مطلع النعش إلى مَسقط النَّسر الطائر ، وتكون اسما وصفة ، ولا يكاد تهبّ ليلاً ونهارا. والشَّأمَل بالهمز، والشَّمَل محرّكة _ ويسكن ميمه _ والشَّمألّ بالهمز، وقد لا يشدّ لامه، والشَّمْوَل _ كجوهر وصَبْوَر وأيسر _ الجمع: شَمالات .

وقوله : (والجَنُوب) كصَبُور .

قيل : مهبّها من القطب الجنوبي إلى مشرق الاعتدال مقابل الشمال (3) وقال في القاموس: «الجنوب: ريح تخالف الشمال، مهبّها من مطلع سهيل إلى مطلع الثريّا» (4).

وقال : (الصبا) ؛ ريح مهبّها من مطلع الثريّا إلى بنات نعش .

وقال : (الدَّبور) ؛ ريح مقابل الصبا .

وقال الشهيد رحمه الله في الذكرى :

الجَنوب، محلّها ما بين مطلع سهيل إلى مطلع الشمس الاعتدال . والصبا، محلّها ما بين مطلع الشمس إلى الجدي . والشمال، محلّها من الجدي إلى مغرب الشمس في الاعتدال . والدَّبور، محلّها من مغرب الشمس إلى سهيل (5).

وقوله عليه السلام : (فتهيج) أي تثور .

(كما يهيج الأسد المُغضب) على صيغة اسم المفعول من أغضَبَهُ .

(أما تسمع قوله عزّ جلّ) في سورة القمر : «كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ» (6).

ص: 112


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 2
2- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 402 (شمل)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 3
4- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 49 (جنب)
5- ذكرى الشيعة ، ص 162 و 163 (مع التلخيص واختلاف يسير)
6- القمر (54) : 18

قال الجوهري : «الإنذار : الإبلاغ، ولا يكون إلّا في التخويف ، والاسم: النُّذُر» (1).

وقال البيضاوي : أي إنذاري [أتى] لهم بالعقاب قبل نزوله، أو لمن بعدهم في تعذيبهم .

«إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحا صَرْصَرا» : باردا، أو شديد الصوت «فِي يَوْمِ نَحْسٍ» : شؤم «مُسْتَمِرٍّ» ؛ [أي] استمرّ شؤمه، أو استمرّ عليهم حتّى أهلكهم ، أو على جميعهم كبيرهم وصغيرهم ، فلم يُبق منهم أحدا ، أو اشتدّ مرارته، وكان يوم الأربعاء آخر الشهر . انتهى (2).

وقيل : يعني استمرّت نحو سنة بعدهم (3).

وقال اللّه _ عزّ وجلّ _ في سورة الذاريات : «وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ» (4).

قال البيضاوي : «سمّاها عقيما؛ لأنّها أهلكتهم وقطعت دابرهم ، أو لأنّها لم تتضمّن منفعة، وهي الدبور، أو الجنوب، أو النكباء» (5).

وقال الفيروزآبادي : «النكباء: ريح انحرفت ووقعت بين ريحين، أو بين الصبا والشمال» (6) وقال: «ريح عقيم: غير لاقح» (7).

وقال في سورة الأحقاف : «رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ» (8) وقال في سورة البقرة : «أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ» إلى قوله : «فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ» (9) ؛ ضمير التأنيث في الموضعين راجع إلى «الجنّة» .

قال في القاموس : «الإعصار: الريح تثير السحاب، أو التي فيها نار، أو التي تهبّ من الأرض كالعمود نحو السماء ، أو التي فيها العُصار، وهو الغبار الشديد» (10).

وقوله : (رياح رحمة) ؛ الإضافة لاميّة، كما يدلّ عليه قوله : (يَنشرها بين يدي رحمته) .

ص: 113


1- الصحاح ، ج 2 ، ص 825 (نذر)
2- تفسيرالبيضاوي ، ج 5 ، ص 266 و 267
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 218
4- الذاريات (51) : 41
5- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 240
6- القاموس المحيط ، ، ج 1 ، ص 134 (نكب)
7- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 152 (عقم)
8- الأحقاف (46) : 24
9- . البقرة (2) : 266
10- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 90 (عصر)

قيل : المراد بالرحمة هنا المطر(1) وقوله : «لواقح» إشارة إلى قوله تعالى في سورة الحجر : «وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ» (2).

قال البيضاوي : أي حوامل ؛ شبّه الريح التي جاءت بخير من إنشاء سحاب ماطر بالحامل ، كما شبّه ما لا يكون كذلك بالعقيم ، أو مُلقِحاتٍ للشجر والسحاب (3) ، ونظيره الطوائح بمعنى المطيحات في قوله : «ومختبط ممّا تطيح الطوائح» (4) (5).

وقوله : (يهيّج السحاب) .

قال الجوهري : «هاج الشيء يهيج هَيْجا وهِياجا وهَيَجانا ؛ أي ثار . وهاجه غيره _ يتعدّى ولا يتعدّى _ وهيّجه» (6).

وقوله : (فإنّما هي أسماء الملائكة الموكّلين بها) أي بتلك الرياح ، فتَسميتها بهذه الأسماء تجوّز واتّساع .

وقوله : (فتفرّقت ريح الشمال) ؛ كأنّ تحريك جناحه هنا يقتضي بالخاصّة ذلك التفرّق .

وقيل : لا يتوهّم أنّه يلزم من ذلك أن يكون مهبّ جميع الرياح جهة القبلة؛ لأنّه لعظمة الملك .

و«جناحه» يمكن أن يحرّك رأس جناحه بأيّ موضع أراد، ويرسلها بأيّ جهة اُمِر بالإرسال إليها، وإنّما اُمر بالقيام على الكعبة لشرافتها وكونها محلّاً لرحماته تعالى ومصدرها (7).

وقوله : (أما تسمع لقوله) إلى آخره .

قيل : أي لقول رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؛ أي لقول القائل . وكأنّه عليه السلام استدلّ بهذه العبارة الشائعة على

ص: 114


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 218
2- الحجر (15) : 22
3- في المصدر : - «والسحاب»
4- البيت هكذا : «ليبك يزيد ضارع لخصومةومختبط ممّا تطيح الطوائح». اُنظر : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج 11 ، ص 178 ؛ خزانة الأدب للبغدادي ، ج 1 ، ص 297 .
5- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 366
6- الصحاح ، ج 1 ، ص 352 (هيج)
7- القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 218

ما ذكره من أنّها أسماء الملائكة؛ إذ الظاهر من الإضافة كونها لاميّة، والبيانيّة نادرة، وإن كان القائلون لا يعرفون هذا المعنى، لكنّهم سمعوا ممّن تقدّمهم .

وهكذا إلى أن ينتهي إلى من أطلق ذلك على وجه المعرفة (1).

متن الحديث الرابع والستّين

اشاره

عَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ مَعْرُوفِ بْنِ خَرَّبُوذَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَقَالَ: (2)

«إِنَّ لِلّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ رِيَاحَ رَحْمَةٍ، وَرِيَاحَ عَذَابٍ؛ فَإِنْ شَاءَ اللّهُ أَنْ يَجْعَلَ الْعَذَابَ مِنَ الرِّيَاحِ (3) رَحْمَةً فَعَلَ».

قَالَ: «وَلَنْ (4) يَجْعَلَ (5) الرَّحْمَةَ مِنَ الرِّيحِ عَذَابا». [قَالَ]: «وَذلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَرْحَمْ قَوْما قَطُّ أَطَاعُوهُ، وَكَانَتْ طَاعَتُهُمْ إِيَّاهُ وَبَالاً عَلَيْهِمْ إِلَا مِنْ بَعْدِ تَحَوُّلِهِمْ عَنْ طَاعَتِهِ».

قَالَ: «وَكَذلِكَ (6) فَعَلَ بِقَوْمِ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا رَحِمَهُمُ اللّهُ بَعْدَ مَا (7)

كَانَ قَدَّرَ عَلَيْهِمُ الْعَذَابَ وَقَضَاهُ، ثُمَّ تَدَارَكَهُمْ بِرَحْمَتِهِ، فَجَعَلَ الْعَذَابَ الْمُقَدَّرَ عَلَيْهِمْ رَحْمَةً، فَصَرَفَهُ عَنْهُمْ، وَقَدْ أَنْزَلَهُ عَلَيْهِمْ، وَغَشِيَهُمْ، وَذلِكَ لَمَّا آمَنُوا بِهِ وَتَضَرَّعُوا إِلَيْهِ».

قَالَ: «وَأَمَّا الرِّيحُ الْعَقِيمُ، فَإِنَّهَا رِيحُ عَذَابٍ لَا تُلْقِحُ شَيْئا مِنَ الْأَرْحَامِ، وَلَا شَيْئا مِنَ النَّبَاتِ، وَهِيَ رِيحٌ تَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ الْأَرَضِينَ السَّبْعِ، وَمَا خَرَجَتْ مِنْهَا رِيحٌ قَطُّ إِلَا عَلى قَوْمِ عَادٍ حِينَ غَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِمْ، فَأَمَرَ الْخُزَّانَ أَنْ يُخْرِجُوا مِنْهَا عَلى مِقْدَارِ سَعَةِ الْخَاتَمِ».

قَالَ: «فَعَتَتْ عَلَى الْخُزَّانِ، فَخَرَجَ مِنْهَا عَلى مِقْدَارِ مَنْخِرِ الثَّوْرِ تَغَيُّظا مِنْهَا عَلى قَوْمِ عَادٍ».

قَالَ: «فَضَجَّ الْخُزَّانُ إِلَى اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ مِنْ ذلِكَ، فَقَالُوا: رَبَّنَا إِنَّهَا قَدْ عَتَتْ عَنْ أَمْرِنَا، إِنَّا نَخَافُ

ص: 115


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 218
2- في كلتا الطبعتين ومعظم النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة : «قال»
3- في الطبعة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها : «الرياح من العذاب» بدل «العذاب من الرياح»
4- في الحاشية عن بعض النسخ: «ولم»
5- في الحاشية عن بعض النسخ: + «اللّه »
6- في الطبعة القديمة : «كذلك» بدون الواو
7- في الطبعة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها والوافي وشرح المازندراني : + «قد»

أَنْ تُهْلِكَ مَنْ لَمْ يَعْصِكَ مِنْ خَلْقِكَ وَعُمَّارِ بِلَادِكَ».

قَالَ: «فَبَعَثَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ إِلَيْهَا جَبْرَئِيلَ عليه السلام ، فَاسْتَقْبَلَهَا بِجَنَاحَيْهِ (1) ، فَرَدَّهَا إِلى مَوْضِعِهَا، وَقَالَ لَهَا: اخْرُجِي عَلى مَا أُمِرْتِ بِهِ».

قَالَ: «فَخَرَجَتْ عَلى مَا أُمِرَتْ بِهِ، وَأَهْلَكَتْ (2) قَوْمَ عَادٍ وَمَنْ كَانَ بِحَضْرَتِهِمْ».

شرح الحديث

السند صحيح .

قوله : (فقال: إنّ للّه ...) ؛ كأنّه متفرّع على الحديث السابق، فتدبّر .

وفي بعض النسخ: «قال»، وهو أظهر .

وقال بعض الشارحين : دلّ قوله عليه السلام : «رياح رحمة ورياح عذاب» على بطلان ما قيل من أنّ العرب يستعمل الرياح [في الرحمة ، والريح] في العذاب ، وأيّده بقوله تعالى : «بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ» (3) ، وقوله تعالى : «يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ» (4) .

قال : وفي معارج النبوّة: إنّ كلّ واحدة من رياح الرحمة ورياح العذاب أربعة ؛ أمّا رياح الرحمة، فأوّلها: باشرات ، قال [اللّه ]تعالى : «هُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ» (5) .

وثانيها : مبشّرات ؛ «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ» .

وثالثها : ناشرات ؛ «وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرا» (6).

ورابعها : ذاريات ؛ «وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوا» (7) .

وأمّا رياح العذاب ؛ فأوّلها : صرصر؛ «وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ» .

وثانيها : عقيم ؛ «وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ الرِّيحَ الْعَقِيمَ» (8) .

ص: 116


1- في الطبعة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها والوافي وشرح المازندراني : «بجناحه»
2- في الحاشية عن بعض النسخ: «فأهلكت»
3- .الحاقّة (69) : 6
4- الروم (30) : 46
5- الأعراف (7) : 57
6- المرسلات (77) : 3
7- الذاريات (51) : 1
8- الذاريات (51) : 41

وثالثها : قاصف؛ «فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفا مِنْ الرِّيحِ» (1) .

ورابعها : عاصف؛ «جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ» (2) .

وقوله : (أن يجعل العذاب من الرياح رحمة فعل).

في بعض النسخ : «أن يجعل الرياح من العذاب رحمة» ، والمآل واحد .

قال : (ولن يجعل الرحمة من الرِّيح عذابا) .

قيل : لعلّ المراد أنّ من استحقّ العذاب بسبب خصلة قبيحة، ربّما يستحقّ الرحمة بإزالة تلك الخصلة، وكسب خصلة حسنة، فلا يصل إليه العذاب، بخلاف من استحقّ الرحمة والإحسان بسبب خصلة حسنة؛ فإنّه تصل إليه الرحمة، وإن زالت عنه تلك الخصلة؛ لأنّ اللّه تعالى لا يضيع عمل عامل .

أو المراد: إذا أرسل ريح العذاب يجعله رحمة بزوال سبب العقاب ، وأمّا إذا أرسل ريح الرحمة ، فلا يجعلها عذابا بزوال سبب الرحمة وحدوث سبب العذاب .

ومنه يظهر سرّ «سبقت رحمته غضبه» (3). (4).

أقول : لا يخفى عليك أنّ مآل التوجيهين واحد ؛ فإنّه مبنيّ على بطلان مذهب الإحباط، ولم يثبت دليل على بطلانه، وأنّ الاستدلال بقوله : «لأنّ اللّه لا يضيع عمل عامل» ساقط؛ إذ على مذهب الإحباط «العامل» هو الذي يضيّع عمله بنفسه لا غير ، فالأولى أن يحمل هذا الحديث على الإخبار عن الواقع، وإن لم يظهر لنا وجهه .

وقوله : (وذلك) إشارة إلى عدم جعل الرحمة عذابا، وبيان له .

(أنّه لم يرحم قوما قطّ) في زمان من الأزمنة .

قال الفيروزآبادي : «ما رأيته قطّ _ ويضمّ ويخفّفان _ وقطّ، مشدّدة مجرورة ، بمعنى الدهر ، مخصوص بالماضي، [أي ]فيما مضى من الزمان، أو فيما انقطع من عُمري» (5).

وقوله : (أطاعوه) صفة «قوما» .

ص: 117


1- الإسراء (17) : 69
2- يونس (10) : 22
3- مصباح المتهجّد ، ص 442 و 696 ؛ مصباح الكفعمي ، ص 105 و 249 و 667 ؛ مهجّ الدعوات ، ص 99 ؛ الإقبال ، ص 362
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 5
5- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 380 (قطط)

والواو في قوله : (وكانت طاعتهم إيّاه وبالاً عليهم) للحال بتقدير «قد» .

وفي القاموس : «الوَبيل _ كأمير _ هي الشديد، والمَرْعى الوخيم . وَبُل _ ككَرُم _ وبالاً ووَبالاً ووبُولاً . وأرضٌ وبيلة: وخيمة المَرتع .والوبال: الشدّة، والثقل» (1).

(إلّا من بعد تحوّلهم عن طاعته) .

لا يذهب عليك أنّ الاستثناء يُوهِم خلاف المقصود . وقد يوجّه بأنّ المراد أنّه تعالى إذا قدّر وقضى وأمر بهبوب رياح رحمة، ثمّ تحوّلوا عن طاعته إلى معصيته؛ فإنّه لا يرجع عن هبته، ولا يقلب تلك الرِّياح عليهم عذابا إلّا أن يأمر بإنشاء أمرٍ آخر بعد تحوّلهم وإرسال ريح اُخرى بعد طغيانهم (2).

وقيل : فيه دلالة على أنّ هذه الطاعة وإن كانت معصيةً استحقّوا به العذاب ، إلّا أنّهم لو تحوّلوا عنها أدركتهم الرحمة، ولم يعذّبهم بها، وإنّما ذكر هذه المعصية ليُقاس عليها غيرها . انتهى (3).

وهو كما ترى .

وقوله : (وكذلك فعل بقوم يونس) إشارة إلى جعل العذاب رحمة .

(لمّا آمنوا) .

«لمّا» هنا بمعنى «حين» .

وقوله : (وقضاه) .

قيل : أي قضاه قضاءً غير محتوم، ولم يبلغ حدّ الإمضاء؛ إذ لا دافع بعده (4).

أقول : في تقييد القضاء بغير المحتوم نظر ؛ روى المصنّف في الحسن، عن حمّاد بن عثمان، قال : سمعته يقول : «إنّ الدُّعاء يردّ القضاء، يَنقضه كما يُنقض السِّلك، وقد اُبرِمَ إبراما» (5).

وفي الصحيح عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : «إنّ الدُّعاء يردّ القضاء ، وقد نزل من السماء ،

ص: 118


1- القاموس المحيط ، ، ج 4 ، ص 63 (وبل) مع التلخيص
2- التوجيه من العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 219
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12، ص 6
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 6
5- الكافي ، ج 2 ، ص 469 ، ح 1. وعنه في : وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 36 ، ح 8646 ؛ بحار الأنوار ، ج 90 ، ص 295

وقد اُبرِمَ إبراما» (1).

وفي الصحيح عن أبي الحسن موسى عليه السلام ، قال : «عليكم بالدُّعاء؛ فإنّ الدُّعاء للّه ، والطلب إلى اللّه يَرُدُّ البلاء، و[قد] قُدّر، وقُضي، ولم يَبق إلّا إمضاؤه» الحديث (2).

وقوله : (وغَشيهم) أي أتاهم العذاب، أو أحاط بهم .

(وذلك) التدارك (لمّا آمنوا به، وتضرّعوا إليه) .

روى عليّ بن إبراهيم في تفسيره، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل، قال : قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام : «ما ردّ اللّه العذاب إلّا عن قوم يونس، وكان يونس يدعوهم إلى الإسلام، فأبوا ذلك، فهمَّ أن يدعو عليهم، وكان فيهم رجلان: عابِدٌ، وعالِمٌ.

وكان اسم أحدهما «مليخا»، والآخر اسمه «روبيل» ، فكان العابد يشير على يونس بالدّعاء عليهم، وكان العالم ينهاه ويقول : لا تَدْعُ عليهم؛ فإنّ اللّه يستجيب لك، ولا يجب هلاك عباده، فقبل قول العابد، ولم يقبل من العالم، فدعا عليهم، فأوحى اللّه إليه يأتيهم العذاب في سنة كذا وكذا في شهر كذا وكذا في يوم كذا وكذا ، فلمّا قرب الوقت خرج يونس من بينهم مع العابد، وبقي العالم فيها ، فلمّا كان في ذلك اليوم نزل العذاب، فقال العالم لهم : يا قوم، افزعوا إلى اللّه ، فلعلّه يرحمكم، فيردّ العذاب عنكم ، فقالوا : كيف نصنع؟

قال : اُخرجوا إلى المفازة، وفرّقوا بين النساء والأولاد، وبين الإبل وأولادها، وبين البقر وأولادها، وبين الغنم وأولادها، ثمّ ابكوا ، وادعوا ، فذهبوا ، وفعلوا ذلك، وضجّوا ، وبكوا، فرحمهم اللّه ، وصرف عنهم العذاب، وفرّق العذاب على الجبال ، وقد كان نزل وقرب منهم، فأقبل يونس لينظر كيف أهلكهم اللّه ، فرأى الزارعين يزرعون في أرضهم ، قال لهم : ما فعل قوم يونس؟

فقالوا له ولم يعرفوه : إنّ يونس دعا عليهم، فاستجاب اللّه له، ونزل العذاب عليهم، فاجتمعوا ، وبكوا، ودعوا ، فرحمهم اللّه ، وصرف ذلك عنهم، وفرّق العذاب على الجبال، فهم إذا يطلبون يونس ليؤمنوا به ، فغضب يونس، ومرّ على وجهه مغاضبا للّه _ كما حكى اللّه

ص: 119


1- الكافي ، ج 2 ، ص 469 ، ح 3 . وعنه في وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 36 ، ح 8645
2- الكافي ، ج 2 ، ص 470 ، ح 8 . وعنه في وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 36 ، ح 8643

_ حتّى انتهى إلى ساحل البحر، فإذا سفينة قد شحنت، وأرادوا أن يدفعوها، فسألهم يونس أن يحملوه، فحملوه، فلمّا توسّطوا البحر بعث اللّه حوتا عظيما، فحبس عليهم السفينة [من قدّامها]، فنظر إليه يونس، ففزع، فصار إلى مؤخّر السفينة، فدار إليه الحوت، وفتح فاه، فخرج أهل السفينة، فقالوا: فينا عاصٍ، فتساهموا، فخرج سهم يونس، وهو قول اللّه عزّ وجلّ : «فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ»(1) ، فأخرجوه، فألقوه في البحر، فالتقمه الحوت، ومرَّ به في الماء» .(2). انتهى .

وقال البيضاوي : روي أنّ يونس عليه السلام بعث إلى أهل نينوى _ وهي بكسر الأوّل: قرية بالموصل _ فكذّبوه، فوعدهم بالعذاب إلى ثلاث.

[وقيل : إلى ثلاثين] .

وقيل: إلى أربعين.

فذهب عنهم مغاضبا ، فلمّا دنا الموت أغامت السماء غيما أسود ذا دخان شديد، فهبط حتّى غشي مدينتهم، وتسوّد سطوحهم، فهابوا، فطلبوا يونس، فلم يجدوه، فأيقنوا صدقه، فلبسوا المسوح، وبرزوا إلى الصعيد بأنفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابّهم، وفرّقوا بين النساء والصبيان، وبين الدوابّ وأولادها، فحنَّ بعضها إلى بعض، وعلت أصواتهم وعجيجهم، وأظهروا الإيمان، وأخلصوا التوبة، وتضرّعوا إلى اللّه ، فرحمهم، وكشف عنهم، وكان يوم عاشوراء يوم الجمعة (3).

وقوله : (لا تُلقح شيئا ...) من قولهم: ألْقَح الفحلُ الناقةَ ، والريحُ السحابَ والشجر .

وقيل: ذلك لشدّة حرّها من فيح جهنّم ، واشتمالها على النار المهلكة لهما (4).

وقوله : (مقدار سَعَة الخاتَم) .

قيل : لعلّ هذا المقدار أعلى المقادير المقدّرة لخروج الريح المهلكة لعاد، وأدناها مثل خرق الإبرة _ كما ورد في بعض الأخبار _ ثمّ خرجت بعد العتوّ على المقادير الأدنى، فلا منافاة (5).

ص: 120


1- .الصافّات (37) : 141
2- تفسير القمّي ، ج 1 ، ص 317 . وعنه في بحار الأنوار ، ج 14 ، ص 380 ، ح 2
3- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 215 (مع اختلاف وزيادة)
4- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 6
5- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 6

أقول : لعلّ سعة الخاتم وخرق الإبرة كناية عن القلّة، وحينئذٍ لا يحتاج إلى التوجيه المذكور، مع كونه بعيدا .

وقوله : (فعتت على الخُزّان) .

في القاموس: «عَتا عُتُوّا وعُتيّا وعِتيّا: استكبر، وجاوز الحدّ، فهو عاتٍ» (1). وفيه: «خَزن المال: أحرزه» (2).

وقوله : (مَنخر الثَّور) .

في القاموس : «المنخر _ بفتح الميم والخاء، وبكسرهما وضمّهما، وكمجلس _ : الأنف.

[ونُخرة الأنف:] مقدّمته، أو خرقه، أو ما بين المنخرين، أو أرنَبَتُهُ» (3).

وقوله : (تَغَيّظا منها) .

التغيّظ: الغضب .

قيل : دلّ هذا على أنّ لها شُعورا وإدراكا، فلا حاجة إلى التأويل في نسبة التغيّظ والعتوّ إليها، ولا في نسبة الخطاب والأمر (4).

وقوله : (فضجّ الخُزّان) .

قال الجوهري : «أضجَّ القومُ إضْجاجا، إذا جلبوا وصاحوا، فإذا جزعوا من شيء وغُلِبوا، قيل: ضجّوا يضجُّون ضجيجا» (5).

وقوله : (تُهلك) على صيغة المؤنّث الغائبة من الإهلاك، وفاعله: الريح .

وقوله : (وعُمّار بلادك) عطف على الموصول؛ أي الذين يعمرون بلادك ، من قولهم: عمر اللّه منزلك، كنصر؛ أي جعله أهلاً معمورا . أو الذين يلزمون بلادك ويسكنونها . يُقال : عمر بيته عمارة وعُمورا؛ أي لزمه. أو الذين يعيشون فيها، من قولهم : عَمِر _ كفرح _ عُمرا وعُمُرا؛ أي عاش طويلاً .

وقوله : (بحضرتهم) أي في فنائهم وقربهم ممّن كان يشركهم في معصيتهم من غير قبيلتهم .

ص: 121


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 359 (عتو) مع اختلاف يسير
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 219 (خزن)
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 139 (نخر)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 6 و 7
5- الصحاح ، ج 1 ، ص 326 (ضجج)

متن الحديث الخامس والستّين

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّوْفَلِيِّ، عَنِ السَّكُونِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:

«قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مَنْ ظَهَرَتْ عَلَيْهِ النِّعْمَةُ، فَلْيُكْثِرْ ذِكْرَ «الْحَمْدُ لِلّهِ»، وَمَنْ كَثُرَتْ هُمُومُهُ، فَعَلَيْهِ بِالأْتِغْفَارِ، وَمَنْ أَلَحَّ عَلَيْهِ الْفَقْرُ، فَلْيُكْثِرْ مِنْ قَوْلِ «لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَا بِاللّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ» يَنْفِي عَنْهُ الْفَقْرَ».

وَقَالَ: «فَقَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله رَجُلاً مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: مَا غَيَّبَكَ عَنَّا؟ فَقَالَ: الْفَقْرُ يَا رَسُولَ اللّهِ وَطُولُ السُّقْمِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أَ لَا أُعَلِّمُكَ كَلَاما إِذَا قُلْتَهُ ، ذَهَبَ عَنْكَ الْفَقْرُ وَالسُّقْمُ؟ فَقَالَ: بَلى يَا رَسُولَ اللّهِ، فَقَالَ: إِذَا أَصْبَحْتَ وَأَمْسَيْتَ فَقُلْ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَا بِاللّهِ [الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ]، تَوَكَّلْتُ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَ «الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرا» (1).

فَقَالَ الرَّجُلُ: فَوَ اللّهِ، مَا قُلْتُهُ إِلَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَتّى ذَهَبَ عَنِّي الْفَقْرُ وَالسُّقْمُ».

شرح الحديث

السند ضعيف على المشهور .

قوله : (ظَهَرت عليه) . قال الجوهري : «ظهر: تبيّن. وظهر عليه: غلب» .

وقوله : (يَنفي) على بناء المفعول، أو الفاعل، وفاعله القول .

وقوله : «الْحَمْدُ للّهِ» إلى قوله : «وَلِىٌّ مِّنَ الذُّلِّ» .

قال البيضاوي : أي وليّ يواليه من أجل مذلّة به؛ ليدفعها بموالاته نفى عنه أن يكون له ما يشاركه من جنسه اختيارا واضطرارا ، ويعاونه ويقوّيه ، ورتّب الحمد عليه؛ للدلالة على أنّه الذي يستحقّ جنس الحمد؛ لأنّه كامل الذات المنفرد بالإيجاد المنعم على الإطلاق، وما عداه ناقص مملوك نعمة، أومنعم عليه، ولذلك عطف عليه.

قوله: «وَ كَبِّرْهُ تَكْبِيرَا» وفيه تنبيه على أنّ العبد، وإن بالغ في التنزيه والتمجيد،

ص: 122


1- الإسراء (17) : 111

واجتهد في العبادة والتحميد، ينبغي أن يعترف بالقصور عن حقّه في ذلك . انتهى (1).

وقال بعض الأفاضل : «قوله : «وَ كَبِّرْهُ تَكْبِيرَا» في الآية معطوف على القول، والمخاطب به النبيّ صلى الله عليه و آله »، قال : ويشكل نظمه هنا مع الجمل السابقة، فيحتمل أن يكون معطوفا على الجمل السابقة، بأن يكون خبر مبتدأ محذوف بتأويل مقول في حقّه ذلك، أو يكون خطابا عامّا لكلّ من يستحقّ الخطاب؛ لبيان أنّه يستحقّ من كلّ أحد أن يصِفه بالكبرياء .

وقال : ويمكن أن يقرأ على صيغة الماضي؛ أي كبّره كلّ شيء تكبيرا ، ولا يبعد أن يكون في الأصل: «واُكبِّرهُ تكبيرا» على صيغة المتكلّم، فصحّفه النسّاخ ؛ ليكون موافقا للقرآن . انتهى (2).

ومنهم من قال : قل: اللّه أكبر، اللّه أكبر .

وأقول : قد تكرّر في ألفاظ الأدعية ذكر آيات القرآن بعينها، وإن لم تكن مناسبا لاُسلوب الدعاء . والمقصود قراءة الآية بعينها، كما ورد في بعض الأدعية : «لَا إلهَ إِلَا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤمِنِين» (3) .

فقوله : «فاستجبنا» إلى آخره، لا يناسب نظم الدعاء ، بل المراد قول هذا اللفظ بعينه، فلا يحتاج حينئذٍ إلى مثل تلك التوجيهات الركيكة الواهية .

متن الحديث السادس والستّين

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ، قَالَ:سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ لأبِي جَعْفَرٍ الْأَحْوَلِ، وَأَنَا أَسْمَعُ: «أَتَيْتَ الْبَصْرَةَ؟» فَقَالَ: نَعَمْ.

قَالَ: «كَيْفَ رَأَيْتَ مُسَارَعَةَ النَّاسِ إِلى هذَا الْأَمْرِ، وَدُخُولَهُمْ فِيهِ؟» قَالَ: وَاللّهِ، إِنَّهُمْ لَقَلِيلٌ، وَلَقَدْ فَعَلُوا،

ص: 123


1- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 473
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 221
3- .الأنبياء (21) : 87 و 88

وَإِنَّ ذلِكَ لَقَلِيلٌ.

فَقَالَ: «عَلَيْكَ بِالْأَحْدَاثِ؛ فَإِنَّهُمْ أَسْرَعُ إِلى كُلِّ خَيْرٍ» ثُمَّ قَالَ: «مَا يَقُولُ أَهْلُ الْبَصْرَةِ فِي هذِهِ الْايَةِ: «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرا إِلَا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى» ؟ (1). » قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّهَا لأقَارِبِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقَالَ (2). : «كَذَبُوا، إِنَّمَا نَزَلَتْ فِينَا خَاصَّةً فِي أَهْلِ الْبَيْتِ: فِي عَلِيٍّ، وَفَاطِمَةَ، وَالْحَسَنِ، وَالْحُسَيْنِ ؛ أَصْحَابِ الْكِسَاءِ عليهم السلام ».

شرح الحديث

السند صحيح .

قوله : (عليك بالأحداث) جمع الحدث _ بالتحريك _ وهو الشابّ الذي لم يطعن في السنّ؛ أي ألزمهم في الدعاء على هذا الأمر .

(فإنّهم أسرعُ إلى كلّ خير) .

قيل : لرقّة قلوبهم، وصفاء أذهانهم في الجملة، وعدم تمكّن الجهل المركّب في نفوسهم، كما تمكّن في نفوس الشيوخ (3).

وقوله : (إنّها لأقارب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ) .

قد مرَّ أنّ جماعة منهم يقولون: المراد بهم بنو هاشم وبنو عبد المطّلب كلّهم . ومنهم من قال: بنو هاشم وحدهم . ومنهم من قال: لقريش كلّهم .

وقوله عليه السلام : (إنّما نزلت فينا خاصّة) ؛ قد وردت الأخبار المستفيضة في نزول هذه الآية فيهم عليهم السلام من طرق الخاصّة، وقد روتها العامّة أيضا في كتبهم بأسانيد متكثّرة .

قال البيضاوي : «روي أنّها لمّا نزلت، قيل : يارسول اللّه ، مَن قرابتك؟ قال : عليٌّ، وفاطمة، وابناهما» (4).

والخاصّة خلاف العامّة . ونصبه على الحال .

وقوله: «في أهل البيت» بدل من الظرف . وقوله: «في عليّ» بدل من قوله: «في أهل البيت» .

ص: 124


1- الشورى (42) : 23
2- .في الطبعة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها والوافي : «قال»
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 8
4- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 128

وفي القاموس : «الكِساء _ بالكسر _ معروف. الجمع: أكسية. وبالفتح: المجد، والشرف، والرفعة» (1). والظاهر هنا إرادة المعنى الأوّل، وإن كان الثاني صحيحا أيضا .

وكونهم عليهم السلام أصحاب الكساء لما رواه الخاصّة والعامّة أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله خرج ذات غُدوةٍ، وعليه مِرط (2).

مُرَحّلٌ من شعر أسود، فجلس، فأتت فاطمة، فأدخلها فيه، ثمّ جاء عليّ عليه السلام فأدخله فيه، ثمّ جاء الحسن والحسين عليهماالسلام، فأدخلهما فيه، ثمّ قال : «إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا» (3). (4).

متن الحديث السابع والستّين (حديث أهل الشام)

اشارة

عَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَطِيَّةَ، قَالَ:جَاءَ رَجُلٌ إِلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام (5) مِنْ أَهْلِ الشَّامِ مِنْ عُلَمَائِهِمْ، فَقَالَ: يَا أَبَا جَعْفَرٍ، جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ مَسْأَلَةٍ قَدْ أَعْيَتْ عَلَيَّ أَنْ أَجِدَ أَحَدا يُفَسِّرُهَا، وَقَدْ سَأَلْتُ عَنْهَا ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَ كُلُّ صِنْفٍ مِنْهُمْ شَيْئا غَيْرَ الَّذِي قَالَ الصِّنْفُ الْاخَرُ؟ فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «مَا ذَاكَ؟» قَالَ: فَإِنِّي أَسْأَلُكَ عَنْ أَوَّلِ مَا خَلَقَ اللّهُ مِنْ خَلْقِهِ؛ فَإِنَّ بَعْضَ مَنْ سَأَلْتُهُ قَالَ: الْقَدَرُ، وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْقَلَمُ، وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الرُّوحُ.

فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «مَا قَالُوا شَيْئا، أُخْبِرُكَ أَنَّ اللّهَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ كَانَ وَلَا شَيْءَ غَيْرَهُ، وَكَانَ عَزِيزا وَلَا أَحَدَ كَانَ قَبْلَ عِزِّهِ، وَذلِكَ قَوْلُهُ: «سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمّا يَصِفُونَ» (6) ، وَكَانَ الْخَالِقُ قَبْلَ الْمَخْلُوقِ، وَلَوْ كَانَ أَوَّلُ مَا خَلَقَ مِنْ خَلْقِهِ الشَّيْءَ مِنَ الشَّيْءِ، إِذا لَمْ يَكُنْ لَهُ انْقِطَاعٌ أَبَدا، وَلَمْ يَزَلِ

ص: 125


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 383 (كسو)
2- في الحاشية: «المرط، بالكسر: كساء من صوف، أو خزق . والمرحّل، كمعظّم: بردٌ فيه تصاوير . وتفسير الجوهري إيّاه بإزار خزّ فيه علم غير جيّد، إنّما ذلك تفسير المرجّل بالجيم. القاموس» . اُنظر : القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 383 (رحل)
3- .الأحزاب (33) : 33
4- راجع : إقبال الأعمال ، ج 2 ، ص 350 ؛ الطرائف ، ص 123 ؛ بحار الأنوار ، ج 21 ، ص 281 . صحيح مسلم، ج 6 ، ص 145 ؛ و ج 7 ، ص 130 ؛ سنن أبي داود ، ج 2 ، ص 255 ، ح 4032 ؛ السنن الكبرى ، ج 2 ، ص 149
5- في الطبعة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها والوافي : «جاء إلى أبي جعفر عليه السلام رجل»
6- الصافّات (37) : 180

اللّهُ إِذا وَمَعَهُ شَيْءٌ لَيْسَ هُوَ يَتَقَدَّمُهُ، وَلكِنَّهُ كَانَ؛ إِذْ لَا شَيْءَ غَيْرَهُ، وَخَلَقَ الشَّيْءَ الَّذِي جَمِيعُ الْأَشْيَاءِ مِنْهُ، وَهُوَ الْمَاءُ الَّذِي خَلَقَ الْأَشْيَاءَ مِنْهُ، فَجَعَلَ نَسَبَ كُلِّ شَيْءٍ إِلَى الْمَاءِ، وَلَمْ يَجْعَلْ لِلْمَاءِ نَسَبا يُضَافُ إِلَيْهِ، وَخَلَقَ الرِّيحَ مِنَ الْمَاءِ، ثُمَّ سَلَّطَ الرِّيحَ عَلَى الْمَاءِ، فَشَقَّقَتِ الرِّيحُ مَتْنَ الْمَاءِ حَتّى ثَارَ مِنَ الْمَاءِ زَبَدٌ عَلَى قَدْرِ مَا شَاءَ أَنْ يَثُورَ، فَخَلَقَ مِنْ ذلِكَ الزَّبَدِ أَرْضا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً لَيْسَ فِيهَا صَدْعٌ، وَلَا ثَقْبٌ، (1) وَلَا صُعُودٌ، وَلَا هُبُوطٌ، وَلَا شَجَرَةٌ، ثُمَّ طَوَاهَا، فَوَضَعَهَا فَوْقَ الْمَاءِ، ثُمَّ خَلَقَ اللّهُ النَّارَ مِنَ الْمَاءِ، فَشَقَّقَتِ النَّارُ مَتْنَ الْمَاءِ حَتّى ثَارَ مِنَ الْمَاءِ دُخَانٌ عَلى قَدْرِ مَا شَاءَ اللّهُ أَنْ يَثُورَ، فَخَلَقَ مِنْ ذلِكَ الدُّخَانِ سَمَاءً صَافِيَةً نَقِيَّةً لَيْسَ فِيهَا صَدْعٌ، وَلَا ثَقْبٌ، (2) وَذلِكَ قَوْلُهُ: «السَّماءُ بَناها * رَفَعَ سَمْكَها فَسَوّاها * وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها» » (3).

قَالَ: «وَلَا شَمْسٌ، وَلَا قَمَرٌ، وَلَا نُجُومٌ، وَلَا سَحَابٌ، ثُمَّ طَوَاهَا، فَوَضَعَهَا فَوْقَ الْأَرْضِ، ثُمَّ نَسَبَ الْخَلِيقَتَيْنِ، فَرَفَعَ السَّمَاءَ قَبْلَ الْأَرْضِ، فَذلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ ذِكْرُهُ: «وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها» (4) ، يَقُولُ: بَسَطَهَا».

فَقَالَ لَهُ الشَّامِيُّ: يَا أَبَا جَعْفَرٍ، قَوْلُ اللّهِ تَعَالى: «أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقا فَفَتَقْناهُما» (5) ؟

فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «فَلَعَلَّكَ تَزْعُمُ أَنَّهُمَا كَانَتَا رَتْقا مُلْتَزِقَتَانِ مُلْتَصِقَتَانِ، (6) فَفُتِقَتْ إِحْدَاهُمَا مِنَ الْأُخْرى؟»

فَقَالَ: نَعَمْ.

فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «اسْتَغْفِرْ رَبَّكَ؛ فَإِنَّ قَوْلَ اللّهِ _ جَلَّ وَعَزَّ _ : «كانَتا رَتْقا» ، يَقُولُ: كَانَتِ السَّمَاءُ رَتْقا لَا تُنْزِلُ الْمَطَرَ، وَكَانَتِ الْأَرْضُ رَتْقا لَا تُنْبِتُ الْحَبَّ، فَلَمَّا خَلَقَ اللّهُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ الْخَلْقَ، وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ، فَتَقَ السَّمَاءَ بِالْمَطَرِ، وَالْأَرْضَ بِنَبَاتِ الْحَبِّ».

ص: 126


1- في الحاشية عن بعض النسخ وشرح المازندراني: «نقب»
2- في الحاشية عن بعض النسخ والوافي وشرح المازندراني: «نقب»
3- النازعات (79) : 27 - 29
4- النازعات (79) : 30
5- الأنبياء (21) : 30
6- في كلتا الطبعتين وبعض النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة: «ملتزقتين ملتصقتين»

فَقَالَ الشَّامِيُّ: أَشْهَدُ أَنَّكَ مِنْ وُلْدِ (1) الْأَنْبِيَاءِ، وَأَنَّ عِلْمَكَ عِلْمُهُمْ.

شرح الحديث

السند مجهول ، ورواه الصدوق رحمه الله في كتاب التوحيد بسند فيه ضعف (2).

قوله : (قد أعيت عليَّ) .

المستتر في «أعيت» راجع إلى المسألة، ووصفها بالإعياء مجاز مبالغة في إشكالها وعسر جوابها .

قال الفيروزآبادي : «عيّ بالأمر وعَيِيَ _ كرضي _ وتعايا وتعيّا: لم يهتدِ لوجه مراده، أو عجز عنه، ولم يُطق إحكامَه . وأعيا الماشي: كلَّ، والسيرُ البعيرَ : أكلَّه» (3) .

وقال الجوهري : «أعيا عليه الأمر وتعيّا وتعايا بمعنى» (4).

وقوله : (ثلاثة أصناف) .

لعلّ المراد بهم المسلمون واليهود والنصارى، أو المسلمون والمتكلِّمون والفلاسفة .

وقوله : (عن أوّل ما خلق اللّه من خلقه) .

الظاهر أنّ كلمة «من» بيان للموصول .

وقال بعض الشارحين : ردُّه عليه السلام الأجوبةَ المذكورة بقوله : «ما قالوا شيئا» إلى آخره دلَّ على أنّ «من» ابتدائيّة، وأنّ مراد السائل بخلقه المثال، أو المهيّة النوعيّة القديمة، أو المادّة القديمة الأزليّة ، وقد ذهب إلى الأوّل من قال: إنّه تعالى لم يخلق إلّا باحتذاء مثال ، وإلى الثاني من قال: إنّ الأشياء محدثة بعضها من بعضٍ على سبيل التعاقب والتسلسل مع قِدم النوع ، وإلى الثالث من قال : إنّ خلق الأشياء من أصل قديم .

وقد مرّ بطلان هذه الأقوال في باب جوامع التوحيد وغيره . انتهى (5).

ص: 127


1- في الحاشية عن بعض النسخ: «أولاد»
2- التوحيد ، ص 66 ، ح 20 . والإسناد فيه هكذا : «حدّثنا عليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقّاق _ رحمه اللّه _ قال : حدّثني محمّد بن أبي عبداللّه الكوفي ، عن محمّد بن إسماعيل البرمكي ، عن الحسين بن الحسن ، قال : حدّثني أبوسمينة ، عن إسماعيل بن أبان ، عن زيد بن جبير ، عن جابر الجعفي ، قال : ...»
3- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 368 (عيي) مع التلخيص
4- الصحاح ، ج 6 ، ص 2443 (عيي)
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 10

واعلم أنّه اختلفت الأخبار والأقوال في أوّل المخلوقات : منها : ما رواه الصدوق رحمه الله في كتاب العيون بإسناده عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال : «أوّل ما خلق اللّه النور» (1).

ومنها : ما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «أوّل ما خلق اللّه نوري» (2) وفي بعض الأخبار: «روحي» (3) ومنها : ما رواه المصنّف وغيره عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال : «إنّ اللّه خلق العقل، وهو أوّل خلق من الروحانيّين عن يمين العرش من نوره»(4).

وهذا الخبر لا يدلّ على تقدّم خلق العقل على ما سواه من المخلوقات، بل سوا خلق الروحانيّين ، فلا يبعد أن يكون خلقه بعد الماء ، وأمّا الخبر الثاني والثالث فيمكن حملهما على الأوّليّة الإضافيّة ، ويمكن الجمع بينهما بحملهما على الاتّحاد . وكذا الخبر الأوّل .

ويمكن أيضا حمل أخبار الماء على الأوّليّة الإضافيّة بأن يكون خلق الروحانيّين أو النور مقدّما على خلقه، واللّه تعالى يعلم .

وأنت إذا أحطت خُبرا بما تلوناه عليك، لا يشكل عليك وجه الجمع بين غيرها من الأخبار، مثل ما نقل من التوراة أنّه جاء في السِفر الأوّل منه: «إنّ مبدأ الخلق جوهر خلقه اللّه تعالى، ثمّ نظر إليه نظر الهيبة، فذابت أجزاؤه، فصارت ماءً، فصار هذا الماء بخارا كالدخان، فخلق منه السماوات، وظهر على وجه الماء مثل زبد البحر، فخلق منه الأرض، ثمّ أرساها بالجبال» (5).

وقال عليّ بن إبراهيم في تفسير قوله تعالى : «وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ» (6) ، قال : «وذلك في مبدأ الخلق، أنّ الربّ _ تبارك وتعالى _ خلق الهواء، ثمّ خلق القلم، فأمره أن يجري ،

ص: 128


1- عيون الأخبار ، ج 1 ، ص 240 ، ح 1 ؛ و ص 262 ، ح 22 (بسند آخر عنه عليه السلام عن الرسول صلى الله عليه و آله ) . وانظر أيضا : علل الشرائع ، ج 2 ، ص 593 ، ح 44
2- .عوالي اللآلي ، ج 4 ، ص 99 ، ح 140 . وعنه في بحار الأنوار ، ج 1 ، ص 97 ، ح 7
3- اُنظر : بحار الأنوار ، ج 54 ، ص 309 ؛ نورالبراهين ، ج 1 ، ص 179
4- الكافي ، ج 1 ، ص 20 ، ح 14 ؛ المحاسن ، ج 1 ، ص 196 ، ح 22 ؛ تحف العقول ، ص 399 ؛ الخصال ، ج 2 ، ص 588 ، ح 13 ؛ علل الشرائع ، ج 1 ، ص 113 ، ح 10
5- اُنظر : بحار الأنوار ، ج 54 ، ص 308
6- هود (11) : 7

فقال : ياربّ بما أجري؟ فقال : بما هو كائن . ثمّ خلق الظلمة من الهواء، وخلق النور من الهواء، وخلق الماء من الهواء، وخلق العرش من الهواء، وخلق العقيم من الهواء وهو الريح الشديد، وخلق النار من الهواء، وخلق الخلق كلّهم من هذه الستّة التي خلقت من الهواء» (1). وروى الصدوق رحمه الله بإسناده عن أبي الصلت الهروي، قال : سأل المأمون أبا الحسن الرضا عليه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ : «وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّموَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً» (2). ، فقال : «إنّ اللّه _ تبارك وتعالى _ خلق العرش والماء والملائكة قبل خلق السماوات والأرض، وكانت الملائكة تستدلّ بأنفسها وبالعرش والماء على اللّه _ عزّ وجلّ _ ثمّ جعل عرشه على الماء؛ ليظهر بذلك قدرته للملائكة، فتعلم أنّه على كلّ شيء قدير ، ثمّ رفع العرش بقدرته، ونقله، فجعله فوق السماوات السبع، ثمّ خلق السماوات والأرض في ستّة أيّام، وهو مستولٍ على عرشه، وكان قادرا على أن يخلقها في طرفة عين، ولكنّه _ عزّ وجلّ _ خلقها في ستّة أيّام؛ ليظهر للملائكة ما يخلقه منها شيئا بعد شيء، فتستدلّ بحدوث ما يحدث على اللّه تعالى ذكره» (3).

وقوله : (فإنّ بعض من سألتُه قال: القَدَر) .

في القاموس : «القَدَرُ، محرّكة: القضاء، والحكم، ومبلغ الشيء» (4).

ولعلّ هذا القائل أراد به تقديرات الأشياء مع ما يلزمها من اللوح المثبت فيه ذلك ، أو أراد نفس اللوح مجازا وجوهرا، وهو أوّل المخلوقات، لكن تخطئتهُ عليه السلام هذا القائل يدلّ على أنّه أراد به نفس الحكم والقضاء، إلّا أن يحمل قوله عليه السلام : «ما قالوا شيئا» على أنّهم لم يقولوا فيه شيئا بيّنا، لا التباس فيه ولا إجمال .

وفي توحيد الصدوق : «القُدرة»، وهي القوّة . قيل : لعلّه مبنيّ على قول من قال بزيادة صفاته تعالى على ذاته، وأنّها مخلوقة له سبحانه (5).

ص: 129


1- هود (11) : 7
2- .تفسير القمّي ، ج 1 ، ص 321 . وعنه في بحار الأنوار ، ج 54 ، ص 70 ، ح 46
3- التوحيد ، ص 320 ، ح 2 ؛ عيون الأخبار ، ج 1 ، ص 134 ، ح 33
4- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 114 (قدر)
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 231

(وقال بعضهم : القلم) .

وقد ورد ذلك في بعض أخبارنا أيضا . ولعلّ المراد الأوّليّة الإضافيّة، كما مرّ ، وفي بعض الأخبار دلالة عليه .

وفي التوحيد : «وقال بعضهم : العِلم» . قيل : هو أيضا مبنيّ على ما مرّ في القدرة (1).

(وقال بعضهم: الروح) .

في القاموس : «الروح، بالضمّ: ما به حياة الأنفُس» (2) . ولعلّ هذا القائل أراد به العقل، كما هو رأي الفلاسفة، لكن على مذهبهم كونه مخلوقا _ بمعنى كون وجوده مسبوقا على عدمه الخارجي _ نظر .

وقيل : القدر هنا عبارة عمّا قضاه اللّه ، وحكم به من الاُمور . وقد يُراد به تقدير الأشياء .

والقلم يُطلق تارةً على [كلّ] ما يكتب به، وتارةً على ما كتب به اللوح المحفوظ، وهو المراد هنا . قال بعض العامّة : أوّل ما خلقه اللّه القلم، ثمّ النون وهو الدواة، ثمّ قال : اكتب ما هو كائن وما كان إلى يوم القيامة ، ثمّ ختم على القلم، فلا ينطق إلى يوم القيامة (3). واختلفوا في المأمور بالكتابة ؛ فقيل : هو صاحب القلم بعد خلقه . وقيل : القلم نفسه؛ لإجرائه مجرى أُولي العلم، وإقامته مقامه.

والروح ما يقوم به الجسد، وتكون به الحياة . وقد يُطلق على القرآن، وعلى جبرئيل .

ثمّ قال : إذا عرفت هذا، فأقول : القائل الأوّل نظر إلى أنّ القضاء والتقدير مقدّم على وجودات الأشياء، فحكم بأنّه الأوّل ، والقائل الثاني نظر إلى أنّه ثَبْت الأشياء في اللوح متوقّف على القلم، فحكم بأنّه الأوّل ، والقائل الثالث نظر إلى أنّ الروح أشرف الأشياء، ويتوقّف عليه الكتابة في اللوح، فحكم بأنّه الأوّل . والكلّ معترف بأنّ ما

ص: 130


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 25 ص 231
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 224 (روح)
3- اُنظر: أحكام القرآن لابن العربي ، ج 4، ص 304 ؛ تفسير ابن كثير ، ج 4 ، ص 427 ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ج 5، ص 174 ؛ و ج 61 ، ص 385

ذهبوا إليه نشأ من مثال سابق، وهذا باطل (1).

انتهى، فتأمّل فيه حتّى يظهر لك فساد هذا القول، وما نسب إلى العامّة من أنّ أوّل ما خلقه اللّه القلم، فهو مرويّ من طرق الخاصّة أيضا، كما أشرنا إليه آنفا .

روى عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : «أوّل ما خلق اللّه القلم، فقال له : اُكتب، فكتب ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة» (2).

وروى عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الرحيم القصير ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : سألته عن «ن * وَالْقَلَمِ» (3). ، قال : «إنّ اللّه خلق القلم من شجرة في الجنّة يُقال لها: الخُلد، ثمّ قال لنهرٍ في الجنّة: كُن مدادا، فجمد النهر، وكان أشدّ بياضا من الثلج ، وأحلى من الشهد ، ثمّ قال للقلم : اكتب ، قال : ياربّ وما أكتب؟ قال : اكتب ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة ، فكتب القلم في رقّ أشدّ بياضا من الفضّة، وأصفى من الياقوت، ثمّ طواه، فجعله في ركن العرش، ثمّ ختم على فم القلم، فلم ينطق بعد ، ولا ينطق أبدا، فهو الكتاب المكنون الذي منه النسخ كلّها، أَ ولستم عَرَبا؟ فكيف لا تعرفون معنى الكلام؟! وأحدكم يقول لصاحبه: اُنسخ ذلك الكتاب؟! أَ وليسَ [إنّما] ينسخ من كتاب اُخذ من الأصل، وهو قوله : «إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ» ؟ (4). » (5).

وفي كتب الصدوق مثله (6).

وظهر من هذا الخبر ما قلناه من أنّ أوّليّة خلق القلم بالإضافة؛ لتقدّم الجنّة والشجرة عليه .

وقوله عليه السلام : (ما قالوا شيئا) أي شيئا واقعيّا، أو شيئا يعتدّ به .

وقوله : (وكان عزيزا) أي غالبا على الأشياء كلّها .

وقال صاحب العدّة : «العزيز: هو المنيع الذي لا يُغْلَب ، وهو أيضا الذي لا يعادله شيء،

ص: 131


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 10
2- تفسيرالقمّي ، ج 2 ، ص 198 . و عنه في بحار الأنوار ، ج 54 ، ص 366 ، ح 1
3- .القلم (68) : 1
4- . الجاثية (45) : 29
5- تفسير القمّي ، ج 2 ، ص 379 . وعنه في بحار الأنوار ، ج 54 ، ص 366 ، ح 3
6- اُنظر : التوحيد ، ص 136 ، ح 8 ؛ عيون الأخبار ، ج 1 ، ص 118 ، ح 8

وأنّه لا مثل له ولا نظير له . وقد يُقال للملِك، كما قال إخوة يوسف: «يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ» (1) أي يا أيّها الملك» (2).

(ولا أحد كان قبل عزّه) أي لم يكن قبل عزّته أحد يكون عزّته به، فلو كان أوّل ما خلقه من أصلٍ قديم لم يزل معه تعالى، فإن كان ذلك الأصل منه لزم أن يكون معه شيء في الأزل، وإن كان من غيره لزم أن يكون قبل عزّه أحدٌ أعزُّ منه، وهو سبحانه يتبع أثره. وكلاهما باطل ، واستدلّ عليه بقوله : (وذلك قوله : «سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ» ) (3). ؛ إذ يدلّ ذلك على أنّه تعالى سبب كلّ عزّة، فلو كان عزّته بغيره كان ذلك الغير ربّ العزّة .

ووجه الدلالة أنّ إضافة الربّ إلى العزّة المطلقة تفيد اختصاصها به _ كما هو شأن الإضافة _ وتنزيهُهُ عن كلّ وصف لا يليق به يفيد ثبوتَ كلِّ كمالٍ له، وسلبَ كلّ نقصٍ عنه سبحانه . وكلّ منهما يستلزم انفراده في القدم والعزّة المطلقة .

وفي كتاب التوحيد للصدوق رحمه الله : «وكان عزيزا ولا عِزّ ؛ لأنّه كان قبل عِزّه، وذلك قوله» إلى آخره (4).

قيل : لعلّ المراد حينئذٍ أنّه كان غالبا وعزيزا قبل أن يظهر عزّه وغلبته على الأشياء بخلقها، ولذا قال: «ربّ العزّة»؛ إذ فعليّة العزّة وظهورها مُسبَّب عنه تعالى . انتهى (5).

والأظهر أن يُقال: معناه أنّه تعالى كان عزيزا بالعزّة الذاتيّة الحقيقيّة المطلقة، ولا عزّ بالإضافة إلى الغير؛ لأنّه سبحانه كان قبل عزّه الإضافيّة؛ (6).

فإنّ تحقّق هذا العزّ إنّما هو بعد وجود الأشياء واعتبارها .

ثمّ أشار عليه السلام إلى كبرى الدليل بقوله : (وكان الخالق قبل المخلوق) ؛ وصورة الاستدلال: أنّه تعالى خلق كلّ عزّة مقدّمة على وجود ذي العزّة الذي هو المخلوق ، والخالق يجب وجوده قبل المخلوق، فيجب وجوده تعالى قبل كان مخلوقا لا قبليّة مكانيّة فقط ، بل قبليّة زمانيّة متوهّمة أيضا، وإلّا لزمت مشاركة الغير معه في القدم، فلا يتصوّر حينئذٍ معنى الإيجاد

ص: 132


1- يوسف (12) : 78 و 88
2- عدّة الداعي ، ص 305 (مع التلخيص)
3- .الصافّات (37) : 180
4- التوحيد ، ص 66 ، ح 20
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 226
6- كذا. والصحيح: «عزّته الإضافيّته، أو عزّه الإضافي»

والتأثير بالنسبة إلى ذلك الغير، ويلزم منه أن يكون خلقه تعالى وإنشاؤه على سبيل القدرة والاختيار؛ إذ لو كان على الإيجاب لزم تخلّف المعلول على الموجب التامّ، وهو مُحال .

ثمّ إنّه عليه السلام بعد تمهيد المقدّمات المذكورة أشار إلى جواب السائل بقوله : (ولو كان أوّلُ ما خلق من خلقه الشيء من الشيء) المتوقّف عليه خلق ذلك الشيء (إذا لم يكن له) أي للخلق وسلسلة الوجود (انقطاع أبدا) وهو ظاهر .

والحاصل أنّه لو كان كيفيّة الإيجاد والتأثير على ما زعمه الفلاسفة من أنّ كلّ حادث مسبوق بالمادّة، يلزم أن لا يتحقّق شيء من المخلوقات، وهو أوّل الأشياء، فيلزم وجود قديم سوى اللّه _ عزّ وجلّ _ وهو محال ، كما أشار إليه بقوله : (ولم يزل اللّه إذا ومعه شيء ليس هو يتقدّمه) سواء اُسند ذلك الشيء إليه تعالى، أو إلى غيره، أو لم يسند إلى علّة أصلاً، وإن كان المفروض هو الأوّل؛ لظهور بطلان الأخيرين ، على أنّ الظاهر أن لا قائل بهما .

وقوله : (ولكنّه كان ؛ إذ لا شيء غيره) ؛ إشارة إلى كبرى القياس الأخير .

وفي توحيد الصدوق بعد قوله : «سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ» : «و كان خالقا ولا مخلوق ، فأوّل شيء خَلَقه من خَلْقهِ الشيء الذي جميع الأشياء منه، وهو الماء ».

فقال السائل : فالشيء خلقه من شيء، أو من لا شيء؟ فقال : «خلق الشيء لا من شيء كان قبله، ولو خلق الشيء من شيء إذا لم يكن له انقطاع أبدا، ولم يزل اللّه إذا ومعه شيء، ولكن كان اللّه ولا شيء معه، فخلق الشيء الذي جميع الأشياء منه وهو الماء» (1).

وكان هذه الزوائد سقط هنا من النسّاخ .

ولا يخفى على من له أدنى مسكة أنّ هذا الخبر وأمثاله صريح في الدلالة على حدوث العالم بالمعنى الذي أجمع عليه أهل الملل والشرائع ؛ أعني الكون بعد أن لم يكن في الخارج، لا الحدوث الذاتي فقط، كما ذهب إليه الفلاسفة ومن يقول بمقالتهم ، ولكن «مَنْ يُضْلِلِ اللّهُ فَلَا هَادِىَ لَهُ» (2).

(فجعل نسب كلّ شيء إلى الماء) ؛ بأن خلق جميعه منه، وجعله مادّة له.

وأصل النسب، بالتحريك: القرابة، كالنسبة، بالضمّ والكسر .

ص: 133


1- التوحيد ، ص 66 ، ح 20
2- الأعراف (7) : 186

(و لم يجعل للماء نسبا يُضاف إليه) ؛ بأن جعل له مادّة خلقه منها .

و كأنّه إشارة إلى قوله تعالى : «وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَىٍّ» (1) إن اُريد بالحياة أصل الوجود والظهور من العدم .

وقوله : (فشقّقت الريح متنَ الماء) .

التشقيق والشقّ: الخرق، والتفريق. والمتن: ما صلب من الأرض وارتفع .

(حتّى ثار من الماء زَبَد على قدر ما شاء أن يَثور) .

الثور: الهيجان، والوثب، والسطوع . والزَّبَد _ محرّكة _ للماء وغيره .

وقوله : (ليس فيها صَدْع و لا ثَقْب) .

الصَّدع: الشقّ في شيءٍ صلب . والثَّقب: الخرق النافذ .

وقوله : (ثمّ طَواها) ؛ يُقال : طوى الصحيفة _ كرمى _ فأطوى وانطوى .

(فوضعها فوقَ الماء) أي جمعها، فوضعها موضع البيت، كما ورد في خبر أبرش (2).

(ثمّ خلق اللّه النار من الماء) .

لا ينبغي أن يستبعد ذلك من قدرته الكاملة؛ فإنّه _ عزّ وجلّ _ هو الذي جعل من الشجر الأخضر نارا، ومن صدمات أجزاء السحاب الماطر برقا .

(فشقّقت النار متن الماء) ، وسخّنه تسخينا شديدا .

(حتّى ثار من الماء دُخان) إلى قوله : (سماء صافية نقيّة) .

يفهم من ظاهره أنّ السماء مخلوقة من الدخان ، وكذا من قوله تعالى : «ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ» (3) ، وأنّ المراد بالنار والدخان معناهما الحقيقي ، لكن ورد في بعض الأخبار مَا يوهم خلافه .

روى عليّ بن إبراهيم في تفسيره أنّه قال أبو عبداللّه عليه السلام لأبرش الكلبي : «يا أبرش، هو كما وصف نفسه، كان عرشه على الماء، والماء على الهواء، والهواء لا يحدّ، ولم يكن يومئذٍ خلق غيرهما، والماء يومئذٍ عذب فرات ، فلمّا أراد أن يخلق الأرض أمر الرياح، فضربت

ص: 134


1- الأنبياء (22) : 30
2- اُنظر : تفسير القمّي ، ج 2 ، ص 69
3- فصّلت (41) : 11

الماء حتّى صار موجا، ثمّ أزبد، فصار زَبَدا واحدا، فجمعه في موضع البيت، ثمّ جعله جبلاً من زَبَد، ثمّ دحى الأرض من تحته ، فقال اللّه تبارك وتعالى : «إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكا» (1) » (2).

و في خبر آخر ، قال أبو عبداللّه لأبرش : «ثمّ مكث الربّ _ تبارك وتعالى _ ما شاء، فلمّا أراد أن يخلق السماء أمر الرِّياح، فضربت البحور حتّى أزبَدتْ بها، فخرج من ذلك الموج والزبد من وسطه دخان ساطع من غير نار، فخلق منه السماء، وجعل فيها البروج والنجوم ومنازل الشمس والقمر، فأجراها في الفلك» الحديث (3).

فلعلّ المراد بقوله عليه السلام : «من غير نار» أنّه لم يتصاعد مع ذلك الدخان أجزاء ناريّة .

وقيل : أو كون ارتفاع الدخان بعد خمود النار(4) وهو ينافي الحديث الآتي بعد هذا الحديث .

فالصحيح الأوّل، فلا منافاة، ولا يحتاج إلى ما قيل من أنّ المراد بالدخان هنا البخار المتصاعد عن وجه الماء الحادث بسبب حركته بتحريك الريح له، وليس محمولاً على حقيقته ؛ لأنّه إنّما يكون من النار، ولا نار هناك، وإنّما سمّي البخار دخانا من باب الاستعارة؛ للتشابه بينهما في الصورة ؛ لأنّ البخار أجزاء مائيّة، خالطت الهواء بسبب لطافتها عن حرارة الحركة ، كما أنّ الدخان أجزاء مائيّة انفصلت عن جرم المحترق بسبب لطافتها عن حرارة النار .

وقوله تعالى : «رَفَعَ سَمْكَهَا» .

قال البيضاوي : «أي جعل مقدار ارتفاعها من الأرض، أو ثخنها الذاهب في العلوّ رفيعا» (5).

و في القاموس : «سَمكه سَمْكا: رفعه. والسمك: السقف، أو من أعلى البيت إلى أسفله، والقامة من كلّ شيء» (6).

ص: 135


1- .آل عمران (3) : 96
2- تفسير القمّي ، ج 2 ، ص 69 . وعنه في بحار الأنوار ، ج 54 ، ص 72 ، ح 46
3- اُنظر المصادر السالفة
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 228
5- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 448
6- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 307 (سمك)

«فَسَوَّاهَا» .

قيل : أي فعدّلها، أو فجعلها مستوية، أو فتمّمها بما يتمّ به كمالها من الكواكب والتداوير وغيرها، من قولهم : سَوّى فلان أمره، إذا أصلَحهُ (1).

«وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا» .

في القاموس: «غطش الليل يغطِش: أظَلَم، كأغْطَشَ، وأغطشه اللّه » (2).

«وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا» (3). أي وأبرز ضوء شمسها ، كقوله : «وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا» (4) ؛ يريد النهار . وإضافتها إليهما لأنّهما يحدثان بحركتها .

قال الفيروزآبادي : «الضَّحو والضَّحوة والضَّحية: ارتفاع النهار . والضُّحى: فُوَيْقَه» (5).

(قال : و لا شمس و لا قمر و لا نجوم و لا سحاب) أي لم يكن في ابتداء خلقها تلك الأشياء، وإنّما حدثت بعدُ لمصالح الخلق ومنافعهم .

(ثمّ نسب الخليقتين) أي بيّن نسبة خلق الأرض والسماء في كتابه بقوله : «وَالسَّمَاءُ بَنَاهَا» إلى قوله : «وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحَاهَا» (6) فبيّن أنّ دحو الأرض بعد رفع السماء . أو المراد أنّه تعالى رتّبهما في الوضع، وجعل إحداهما فوق الاُخرى . أو جاء بواحدة منهما في إثر الاُخرى .

قال الفيروزآبادي : «النسب _ محرّكة _ والنسبة، بالكسر والضمّ: القرابة . يُقال : نسبه _ كنصر وضرب _ أي ذَكَرَ نَسبَهُ . والنَّيْسَب، كحَيدر: النَّمل إذا جاء واحدٌ منها في إثر آخر، وطريق النمل» (7).

(فرفع السماء قبل الأرض) ؛ لعلّ المراد أنّه رفعها بالبسط المعلوم قبل بسط الأرض .

وقوله تعالى : «دَحَاهَا» .

قال البيضاوي : «بسطها، ومهّدها للسكنى» (8).

ص: 136


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 228
2- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 448
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 281 (غطش)
4- النازعات (79) : 27 - 29
5- الشمس (91) : 1
6- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 354 (ضحو)
7- النازعات (79) : 30
8- القاموس المحيط ، ، ج 1 ، ص 131 (نسب) مع التلخيص

وقوله تعالى : «أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا» .

قال البيضاوي : أو لم يعلموا ، وقرأ ابن كثير بغير واو .

«وَكَانَتَا رَتْقا» : ذات رتق، أو مرتوقتين، وهو الضمّ والالتحام ؛ أي كانتا شيئا واحدا و حقيقة متّحدة .

«فَفَتَقْنَاهُمَا» بالتنويع والتمييز، أو كانت السماوات واحدة، ففُتِقَتْ بالتحريكات المختلفة حتّى صارت أفلاكا، وكانت الأرضون واحدة، فجعلت باختلاف كيفيّاتها وأحوالها طبقات أو أقاليم .

وقيل : «كَانَتَا» بحيث لا فرجة بينهما ففرّج .

وقيل «كَانَتَا رَتْقًا» لا تمطِر ولا تُنبت، ففتقتا بالمطر والنبات ، فيكون المراد بالسماوات سماء الدُّنيا، وجمعها باعتبار الآفاق أو السماوات بأسرِها، على أنّ لها مدخلاً مّا في الأمطار ، والكفرة وإن لم يعلموا ذلك، فهم متمكِّنون من العلم به نظرا؛ فإنّ الفتق عارض مفتقر إلى مؤثّر واجب وابتداء، أو بواسطة، أو استفسارا من العلماء ومطالعة الكتب ، وإنّما قال: «كَانَتَا» ولم يقل: «كنّ»؛ لأنّ المراد جماعة السماوات وجماعة الأرض (1).

متن الحديث الثامن و الستّين

اشارة

مُحَمَّدٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ رَزِينٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَ (2) الْحَجَّالِ، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ:قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «كَانَ كُلُّ شَيْءٍ مَاءً، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، فَأَمَرَ اللّهُ _ عَزَّ ذِكْرُهُ _ الْمَاءَ فَاضْطَرَمَ نَارا، ثُمَّ أَمَرَ النَّارَ فَخَمَدَتْ، فَارْتَفَعَ مِنْ خُمُودِهَا دُخَانٌ، فَخَلَقَ اللّهُ (3) السَّمَاوَاتِ (4) مِنْ ذلِكَ الدُّخَانِ، وَخَلَقَ الْأَرْضَ مِنَ الرَّمَادِ، ثُمَّ اخْتَصَمَ الْمَاءُ وَالنَّارُ وَالرِّيحُ، فَقَالَ الْمَاءُ: أَنَا جُنْدُ اللّهِ الْأَكْبَرُ، وَقَالَتِ الرِّيحُ: أَنَا جُنْدُ اللّهِ الْأَكْبَرُ، وَقَالَتِ النَّارُ: أَنَا جُنْدُ اللّهِ الْأَكْبَرُ، فَأَوْحَى اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ إِلَى

ص: 137


1- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 91
2- في السند تحويل بعطف «الحجّال ، عن العلاء، عن محمّد بن مسلم» على «ابن محبوب ، عن العلاء بن زرين ، عن محمّد بن مسلم»
3- في الطبعة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها : - «اللّه »
4- في الحاشية عن بعض النسخ: «السماء»

الرِّيحِ: أَنْتِ جُنْدِيَ الْأَكْبَرُ».

شرح الحديث

السند صحيح .

قوله : (و كان عرشه على الماء) .

ورد تفسير العرش في بعض الأخبار بالدين والعلم .

وقال البيضاوي في تفسير قوله تعالى في سورة هود : «وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّموَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ» (1). :

يعني قبل خلقهما لم يكن حائل بينهما ؛ لأنّه كان موضوعا على متن الماء ، واستدلّ [به ]على إمكان الخلأ، وأنّ الماء أوّل حادث بعد العرش من أجرام هذا العالم .

وقيل : كان الماء على متن الريح ، واللّه أعلم بذلك (2).

(فاضطرم نارا) ؛ من قبيل انفجرت الأرض عيونا .

قال الجوهري : «اضطرمت النار، إذا التهَبت» (3).

(و خلق الأرض من الرَّماد) .

قيل : لعلّ المراد أنّ بقيّة الأرض التي حصلت بعد الدحو كانت مادّتها الدخان . قال : ويحتمل أيضا أن يكون الزبد المذكور في الأخبار الاُخر مادّة بعيدة للأرض، بأن يكون الرماد حصل من الزَّبَد ، ومن الرماد تكوّنت الأرض ، أو يكون الرماد أحد أجزاء الأرض مزج بالزبد، فجمد الزبد بذلك المزج وتصلّب (4).

وقيل : هذا لا ينافي ما مرّ من أنّها خلقت من زبد الماء ؛ لأنّ الرماد زبد سمّي رمادا باعتبار أنّه بقي بعد تأثير النار فيه ، وخروج أجزاء مائيّته، وتصاعدها من تأثيرات النار (5).

وقوله : (أنت جنديَ الأكبر) .

الجند، بالضمّ: الأعوان والأنصار .

ص: 138


1- هود (11) : 7
2- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 221
3- الصحاح ، ج 5 ، ص 1971 (ضرم)
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 232
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 16

وقيل : كلّ ناصر لدين اللّه ، وغالب على عدوّه، ونافع لخلقه فهو جند اللّه ، كما قال تعالى : «وَللّهِِ جُنُودُ السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ» (1) وقال : «وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا» (2) ؛ أي أيّده بالملائكة والريح، فهزموا الأحزاب وقال : «إِنَّ جُندَنَا لَهُمْ الْغَالِبُونَ» (3) .

و من البيّن أنّ الأكبريّة باعتبار القوّة والغلبة والضرّ والنفع، وأنّ لكلّ واحدٍ من الماء والنار والريح هذه الأوصاف إلّا أنّها في الريح أقوى وأشدّ من الماء والنار؛ إذ طبعهما لا يقتضي إلّا أمرا واحدا، بخلاف الريح؛ فإنّها مع اتّحاد جوهرها مَصْدرٌ لآثار مختلفة كإيقاد النار وإخمادها، وإثارة السحاب وجمعها وتفريقها، وتنقية الحبوب وترويح النفوس، وتلقيح الأزهار وتربية الأثمار، وتلطيف الأهوية وتكثيفها، وتحريك السُّفن وتسكينها بالإحاطة عليها وسرعة السير إلى جهات مختلفة، وقوّة الحركة إلى أمكنة متباعدة، إلى غير ذلك من خصالها التي لا تُحصى ، ويكفي في ذلك أنّه فتحت السماء بماءٍ منهمر، وانفجرت العيون، وجرت المياه من كلّ جانب لإهلاك قوم نوح، والريح خرجت على مقدار حلقة خاتم، أو خرق إبرة لهلاك قوم عاد، ولو خرجت على مقدار منخر ثورٍ لأهلكت البلاد كلّها (4).

متن الحديث التاسع و الستّين (حديث الجنان و النوق)

اشارة

متن الحديث التاسع و الستّين (حديث الجنان و النوق)عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْمَدَنِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ:

«إِنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله سُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْدا» (5) ، فَقَالَ: يَا عَلِيُّ، إِنَّ الْوَفْدَ لَا يَكُونُونَ إِلَا رُكْبَانا، أُولئِكَ رِجَالٌ اتَّقَوُا اللّهَ، فَأَحَبَّهُمُ اللّهُ، وَاخْتَصَّهُمْ، وَرَضِيَ أَعْمَالَهُمْ، فَسَمَّاهُمُ الْمُتَّقِينَ.

ثُمَّ قَالَ لَهُ: يَا عَلِيُّ، أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، إِنَّهُمْ لَيَخْرُجُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَسْتَقْبِلُهُمْ بِنُوقٍ مِنْ نُوقِ الْعِزِّ، عَلَيْهَا رَحَائِلُ الذَّهَبِ ، مُكَلَّلَةً بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ، وَجَلَائِلُهَا الْاءِسْتَبْرَقُ

ص: 139


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 16
2- الفتح (48) : 4 و 7
3- .التوبة (9) : 40
4- الصافّات (37) : 173
5- .مريم (19) : 85

وَالسُّنْدُسُ، وَخُطُمُهَا جَدْلُ الْأُرْجُوَانِ، تَطِيرُ بِهِمْ إِلَى الْمَحْشَرِ، مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَلْفُ مَلَكٍ مِنْ قُدَّامِهِ (1) ، وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ يَزُفُّونَهُمْ زَفّا، حَتّى يَنْتَهُوا بِهِمْ إِلى بَابِ الْجَنَّةِ الْأَعْظَمِ، وَعَلى بَابِ الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ، إِنَّ الْوَرَقَةَ مِنْهَا لَيَسْتَظِلُّ تَحْتَهَا أَلْفُ رَجُلٍ مِنَ النَّاسِ، وَعَنْ يَمِينِ الشَّجَرَةِ عَيْنٌ مُطَهِّرَةٌ مُزَكِّيَةٌ.

قَالَ: فَيُسْقَوْنَ مِنْهَا شَرْبَةً، فَيُطَهِّرُ اللّهُ بِهَا قُلُوبَهُمْ مِنَ الْحَسَدِ، وَيُسْقِطُ عَنْ (2) أَبْشَارِهِمُ الشَّعْرَ، وَذلِكَ قَوْلُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَرابا طَهُورا» (3). مِنْ تِلْكَ الْعَيْنِ الْمُطَهِّرَةِ.

قَالَ: ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ إِلى عَيْنٍ أُخْرى عَنْ يَسَارِ الشَّجَرَةِ، فَيَغْتَسِلُونَ فِيهَا، وَهِيَ عَيْنُ الْحَيَاةِ، فَلَا يَمُوتُونَ أَبَدا. قَالَ: ثُمَّ يُوقَفُ بِهِمْ قُدَّامَ الْعَرْشِ، وَقَدْ سَلِمُوا مِنَ الْافَاتِ وَالْأَسْقَامِ وَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ أَبَدا. قَالَ: فَيَقُولُ الْجَبَّارُ _ جَلَّ ذِكْرُهُ _ لِلْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ مَعَهُمْ: احْشُرُوا أَوْلِيَائِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَلَا تُوقِفُوهُمْ مَعَ الْخَلَائِقِ، فَقَدْ سَبَقَ رِضَايَ عَنْهُمْ، وَوَجَبَتْ رَحْمَتِي لَهُمْ، وَكَيْفَ أُرِيدُ أَنْ أُوقِفَهُمْ مَعَ أَصْحَابِ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ. قَالَ: فَتَسُوقُهُمُ الْمَلَائِكَةُ إِلَى الْجَنَّةِ، فَإِذَا انْتَهَوْا بِهِمْ إِلى بَابِ الْجَنَّةِ الْأَعْظَمِ، ضَرَبَ الْمَلَائِكَةُ الْحَلْقَةَ ضَرْبَةً تَصِرُّ (4) صَرِيرا يَبْلُغُ صَوْتُ صَرِيرِهَا كُلَّ حَوْرَاءَ أَعَدَّهَا اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ لأوْلِيَائِهِ فِي الْجِنَانِ، فَيَتَبَاشَرْنَ (5) بِهِمْ إِذَا سَمِعُوا (6) صَرِيرَ الْحَلْقَةِ، فَيَقُولُ بَعْضُهُنَّ لِبَعْضٍ: قَدْ جَاءَنَا أَوْلِيَاءُ اللّهِ، فَيُفْتَحُ لَهُمُ الْبَابُ، فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، وَتُشْرِفُ عَلَيْهِمْ أَزْوَاجُهُمْ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ وَالْادَمِيِّينَ، فَيَقُلْنَ: مَرْحَبا بِكُمْ، فَمَا كَانَ أَشَدَّ شَوْقَنَا إِلَيْكُمْ، وَيَقُولُ لَهُنَّ أَوْلِيَاءُ اللّهِ مِثْلَ ذلِكَ.

فَقَالَ عَلِيٌّ عليه السلام : يَا رَسُولَ اللّهِ، أَخْبِرْنَا عَنْ قَوْلِ اللّهِ جَلَّ وَعَزَّ: «غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ» (7) بِمَا ذَا بُنِيَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ فَقَالَ: يَا عَلِيُّ، تِلْكَ غُرَفٌ بَنَاهَا اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ لأوْلِيَائِهِ بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ، سُقُوفُهَا

ص: 140


1- في الحاشية عن بعض النسخ : «قدّامهم»
2- في الطبعة القديمة : «من»
3- الإنسان (76) : 21
4- في الطبعة القديمة : «فتصرّ»
5- في الطبعة الجديدة و جميع النسخ التي قوبلت فيها والوافي : «فيتباشرون»
6- في الطبعة الجديدة: «سمعن»
7- في المصحف الشريف سورة الزمر (39) الآية 20 هكذا: «لَهُمْ غُرَفٌ مِّنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ»

الذَّهَبُ مَحْبُوكَةٌ بِالْفِضَّةِ، لِكُلِّ غُرْفَةٍ مِنْهَا أَلْفُ بَابٍ مِنْ ذَهَبٍ (1) ، عَلى كُلِّ بَابٍ مِنْهَا مَلَكٌ مُوَكَّلٌ بِهِ، فِيهَا فُرُشٌ مَرْفُوعَةٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ مِنَ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ بِأَلْوَانٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَحَشْوُهَا الْمِسْكُ وَالْكَافُورُ وَالْعَنْبَرُ، وَذلِكَ قَوْلُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ» (2) ، إِذَا أُدْخِلَ الْمُؤْمِنُ إِلى مَنَازِلِهِ فِي الْجَنَّةِ، وَوُضِعَ عَلى رَأْسِهِ تَاجُ الْمُلْكِ وَالْكَرَامَةِ، أُلْبِسَ حُلَلَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْيَاقُوتِ ، وَالدُّرُّ مَنْظُومٌ (3) فِي الْاءِكْلِيلِ تَحْتَ التَّاجِ.

قَالَ: وَأُلْبِسَ سَبْعِينَ حُلَّةَ حَرِيرٍ بِأَلْوَانٍ مُخْتَلِفَةٍ وَضُرُوبٍ مُخْتَلِفَةٍ، مَنْسُوجَةً بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ الْأَحْمَرِ، فَذلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: «يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤا وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ» (4) ، فَإِذَا جَلَسَ الْمُؤْمِنُ عَلى سَرِيرِهِ اهْتَزَّ سَرِيرُهُ فَرَحا، فَإِذَا اسْتَقَرَّ لِوَلِيِّ اللّهِ _ جَلَّ وَعَزَّ _ مَنَازِلُهُ فِي الْجِنَانِ، اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِجِنَانِهِ لِيُهَنِّئَهُ بِكَرَامَةِ اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ إِيَّاهُ، فَيَقُولُ لَهُ خُدَّامُ الْمُؤْمِنِ مِنَ الْوُصَفَاءِ وَالْوَصَائِفِ : مَكَانَكَ؛ فَإِنَّ وَلِيَّ اللّهِ قَدِ اتَّكَأَ عَلى أَرِيكَتِهِ ، وَزَوْجَتُهُ الْحَوْرَاءُ تَهَيَّأُ لَهُ، فَاصْبِرْ لِوَلِيِّ اللّهِ.

قَالَ: فَتَخْرُجُ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ الْحَوْرَاءُ مِنْ خَيْمَةٍ لَهَا تَمْشِي مُقْبِلَةً، وَحَوْلَهَا وَصَائِفُهَا، وَعَلَيْهَا سَبْعُونَ حُلَّةً مَنْسُوجَةً بِالْيَاقُوتِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالزَّبَرْجَدِ، هِيَ مِنْ مِسْكٍ وَعَنْبَرٍ، وَعَلى رَأْسِهَا تَاجُ الْكَرَامَةِ، وَعَلَيْهَا نَعْلَانِ مِنْ ذَهَبٍ، مُكَلَّلَتَانِ بِالْيَاقُوتِ وَاللُّؤْلُؤِ، شِرَاكُهُمَا يَاقُوتٌ أَحْمَرُ، فَإِذَا دَنَتْ مِنْ وَلِيِّ اللّهِ، فَهَمَّ أَنْ يَقُومَ إِلَيْهَا شَوْقا، فَتَقُولُ لَهُ: يَا وَلِيَّ اللّهِ، لَيْسَ هذَا يَوْمَ تَعَبٍ وَلَا نَصَبٍ، فَلَا تَقُمْ أَنَا لَكَ ، وَأَنْتَ لِي.

قَالَ: فَيَعْتَنِقَانِ مِقْدَارَ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ مِنْ أَعْوَامِ الدُّنْيَا ، لَا يُمِلُّهَا وَلَا تُمِلُّهُ. قَالَ: فَإِذَا فَتَرَ بَعْضَ الْفُتُورِ مِنْ غَيْرِ مَلَالَةٍ نَظَرَ إِلى عُنُقِهَا، فَإِذَا عَلَيْهَا قَلَائِدُ مِنْ قَصَبٍ مِنْ يَاقُوتٍ أَحْمَرَ، وَسَطُهَا لَوْحٌ، صَفْحَتُهُ دُرَّةٌ، مَكْتُوبٌ فِيهَا: أَنْتَ يَا وَلِيَّ اللّهِ حَبِيبِي، وَأَنَا الْحَوْرَاءُ حَبِيبَتُكَ، إِلَيْكَ تَنَاهَتْ نَفْسِي، وَإِلَيَّ تَنَاهَتْ نَفْسُكَ.

ثُمَّ يَبْعَثُ اللّهُ إِلَيْهِ أَلْفَ مَلَكٍ يُهَنِّئُونَهُ (5) بِالْجَنَّةِ، وَيُزَوِّجُونَهُ بِالْحَوْرَاءِ.

قَالَ: فَيَنْتَهُونَ إِلى أَوَّلِ بَابٍ مِنْ جِنَانِهِ، فَيَقُولُونَ لِلْمَلَكِ الْمُوَكَّلِ بِأَبْوَابِ جِنَانِهِ: اسْتَأْذِنْ لَنَا عَلى وَلِيِّ اللّهِ؛ فَإِنَّ اللّهَ بَعَثَنَا إِلَيْهِ نُهَنِّئُهُ.

ص: 141


1- في الحاشية عن بعض النسخ: «الذهب»
2- الواقعة (76) : 34
3- في الطبعة القديمة : «والدرّ المنظوم»
4- الحجّ (22) : 23 ؛ فاطر (35) : 33
5- في الحاشية عن بعض النسخ: «يهنّونه»

فَيَقُولُ لَهُمُ الْمَلَكُ حَتّى أَقُولَ لِلْحَاجِبِ، فَيُعْلِمَهُ بِمَكَانِكُمْ.

قَالَ: فَيَدْخُلُ الْمَلَكُ إِلَى (1) الْحَاجِبِ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَاجِبِ ثَلَاثُ (2) جِنَانٍ حَتّى يَنْتَهِيَ إِلى أَوَّلِ بَابٍ، فَيَقُولُ لِلْحَاجِبِ: إِنَّ عَلى بَابِ الْعَرْصَةِ أَلْفَ مَلَكٍ أَرْسَلَهُمْ رَبُّ الْعَالَمِينَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ لِيُهَنِّئُوا وَلِيَّ اللّهِ، وَقَدْ سَأَلُونِي أَنْ آذَنَ لَهُمْ عَلَيْهِ، فَيَقُولُ الْحَاجِبُ: إِنَّهُ لَيَعْظُمُ عَلَيَّ أَنْ أَسْتَأْذِنَ لأحَدٍ عَلى وَلِيِّ اللّهِ، وَهُوَ مَعَ زَوْجَتِهِ الْحَوْرَاءِ.

قَالَ: وَبَيْنَ الْحَاجِبِ وَبَيْنَ وَلِيِّ اللّهِ جَنَّتَانِ. قَالَ: فَيَدْخُلُ الْحَاجِبُ إِلَى الْقَيِّمِ، فَيَقُولُ لَهُ: إِنَّ عَلى بَابِ الْعَرْصَةِ أَلْفَ مَلَكٍ أَرْسَلَهُمْ رَبُّ الْعِزَّةِ يُهَنِّئُونَ وَلِيَّ اللّهِ، فَاسْتَأْذِنْ لَهُمْ، فَيَتَقَدَّمُ الْقَيِّمُ إِلَى الْخُدَّامِ، فَيَقُولُ لَهُمْ: إِنَّ رُسُلَ الْجَبَّارِ عَلى بَابِ الْعَرْصَةِ، وَهُمْ أَلْفُ مَلَكٍ أَرْسَلَهُمُ اللّهُ يُهَنِّئُونَ وَلِيَّ اللّهِ، فَأَعْلِمُوهُ بِمَكَانِهِمْ.

قَالَ: فَيُعْلِمُونَهُ، فَيُؤْذَنُ لِلْمَلَائِكَةِ، فَيَدْخُلُونَ عَلى وَلِيِّ اللّهِ، وَهُوَ فِي الْغُرْفَةِ وَلَهَا أَلْفُ بَابٍ، وَعَلى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهَا مَلَكٌ مُوَكَّلٌ بِهِ، فَإِذَا أُذِنَ لِلْمَلَائِكَةِ بِالدُّخُولِ عَلى وَلِيِّ اللّهِ، فَتَحَ كُلُّ مَلَكٍ بَابَهُ الْمُوَكَّلَ بِهِ.

قَالَ: فَيُدْخِلُ الْقَيِّمُ كُلَّ مَلَكٍ مِنْ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْغُرْفَةِ.

قَالَ: فَيُبَلِّغُونَهُ رِسَالَةَ الْجَبَّارِ جَلَّ وَعَزَّ، وَذلِكَ قَوْلُ اللّهِ تَعَالى: «وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ» مِنْ أَبْوَابِ الْغُرْفَةِ «سَلامٌ عَلَيْكُمْ» (3) إِلى آخِرِ الْايَةِ.

قَالَ: وَذلِكَ قَوْلُهُ (4) جَلَّ وَعَزَّ: «وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيما وَمُلْكا كَبِيرا» (5) ؛ يَعْنِي بِذلِكَ وَلِيَّ اللّهِ وَمَا هُوَ فِيهِ مِنَ الْكَرَامَةِ وَالنَّعِيمِ وَالْمُلْكِ الْعَظِيمِ الْكَبِيرِ؛ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ مِنْ رُسُلِ اللّهِ _ عَزَّ ذِكْرُهُ _ يَسْتَأْذِنُونَ [فِي الدُّخُولِ] (6) عَلَيْهِ، فَلَا يَدْخُلُونَ عَلَيْهِ إِلَا بِإِذْنِهِ، فَلِذلِكَ (7) الْمُلْكُ الْعَظِيمُ الْكَبِيرُ.

قَالَ: وَالْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِ مَسَاكِنِهِمْ، وَذلِكَ قَوْلُ اللّهِ (8) عَزَّ وَجَلَّ: «تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ

ص: 142


1- في الحاشية عن بعض النسخ: «على»
2- في الحاشية عن بعض النسخ : «ثلاثة»
3- الرعد (13) : 23 و 24
4- في الحاشية عن بعض النسخ: «قول اللّه »
5- الإنسان(76) : 20
6- في الطبعة الجديدة وجميع النسخ التي قوبلت فيها والوافي : - «في الدخول»
7- في الطبعة الجديدة وجميع النسخ التي قوبلت فيها والوافي : «فذلك»
8- في الحاشية عن بعض النسخ: «قوله»

الْأَنْهارُ» (1) وَالثِّمَارُ دَانِيَةٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: «وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً» (2) مِنْ قُرْبِهَا مِنْهُمْ يَتَنَاوَلُ (3) الْمُؤْمِنُ مِنَ النَّوْعِ الَّذِي يَشْتَهِيهِ مِنَ الثِّمَارِ بِفِيهِ، وَهُوَ مُتَّكِئٌ، وَإِنَّ الْأَنْوَاعَ مِنَ الْفَاكِهَةِ لَيَقُلْنَ لِوَلِيِّ اللّهِ: يَا وَلِيَّ اللّهِ، كُلْنِي قَبْلَ أَنْ تَأْكُلَ هذَا قَبْلِي.

قَالَ: وَلَيْسَ مِنْ مُؤْمِنٍ فِي الْجَنَّةِ إِلَا وَلَهُ جِنَانٌ كَثِيرَةٌ «مَعْرُوشَاتٌ وَغَيْرُ مَعْرُوشَاتٍ» (4) ، وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ، وَأَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ، وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ، وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ، فَإِذَا دَعَا وَلِيُّ اللّهِ بِغِذَائِهِ أُتِيَ بِمَا تَشْتَهِي نَفْسُهُ عِنْدَ طَلَبِهِ الْغِذَاءَ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسَمِّيَ شَهْوَتَهُ.

قَالَ: ثُمَّ يَتَخَلّى مَعَ إِخْوَانِهِ، وَيَزُورُ بَعْضُهُمْ بَعْضا، وَيَتَنَعَّمُونَ فِي جَنَّاتِهِمْ فِي ظِلٍّ مَمْدُودٍ فِي مِثْلِ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلى طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَأَطْيَبُ مِنْ ذلِكَ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ سَبْعُونَ زَوْجَةً حَوْرَاءَ، وَأَرْبَعُ نِسْوَةٍ مِنَ الْادَمِيِّينَ، وَالْمُؤْمِنُ سَاعَةً مَعَ الْحَوْرَاءِ وَسَاعَةً مَعَ الْادَمِيَّةِ، وَسَاعَةً يَخْلُو بِنَفْسِهِ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئا يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ (5) إِلى بَعْضٍ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَغْشَاهُ شُعَاعُ نُورٍ، وَهُوَ عَلى أَرِيكَتِهِ، وَيَقُولُ لِخُدَّامِهِ: مَا هذَا الشُّعَاعُ اللَّامِعُ، لَعَلَّ الْجَبَّارَ لَحَظَنِي؟ فَيَقُولُ لَهُ خُدَّامُهُ: قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ، جَلَّ جَلَالُ اللّهِ، بَلْ هذِهِ حَوْرَاءُ مِنْ نِسَائِكَ مِمَّنْ لَمْ تَدْخُلْ بِهَا بَعْدُ، قَدْ (6) أَشْرَفَتْ عَلَيْكَ مِنْ خَيْمَتِهَا شَوْقا إِلَيْكَ، وَقَدْ تَعَرَّضَتْ لَكَ، وَأَحَبَّتْ لِقَاءَكَ، فَلَمَّا أَنْ رَأَتْكَ مُتَّكِئا عَلى سَرِيرِكَ تَبَسَّمَتْ نَحْوَكَ شَوْقا إِلَيْكَ، فَالشُّعَاعُ الَّذِي رَأَيْتَ ، وَالنُّورُ الَّذِي غَشِيَكَ ، هُوَ مِنْ بَيَاضِ ثَغْرِهَا وَصَفَائِهِ وَنَقَائِهِ وَرِقَّتِهِ.

فَيَقُولُ (7) وَلِيُّ اللّهِ: ائْذَنُوا لَهَا، فَتَنْزِلَ إِلَيَّ، فَيَبْتَدِرُ إِلَيْهَا أَلْفُ وَصِيفٍ وَأَلْفُ وَصِيفَةٍ يُبَشِّرُونَهَا بِذلِكَ، فَتَنْزِلُ إِلَيْهِ مِنْ خَيْمَتِهَا، وَعَلَيْهَا سَبْعُونَ حُلَّةً مَنْسُوجَةً بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، مُكَلَّلَةً بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ، صِبْغُهُنَّ الْمِسْكُ وَالْعَنْبَرُ بِأَلْوَانٍ مُخْتَلِفَةٍ، يُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ سَبْعِينَ حُلَّةً ، طُولُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعا، وَعَرْضُ مَا بَيْنَ مَنْكِبَيْهَا عَشَرَةُ أَذْرُعٍ، فَإِذَا دَنَتْ مِنْ وَلِيِّ اللّهِ أَقْبَلَ الْخُدَّامُ بِصَحَائِفِ (8).

ص: 143


1- الأعراف (7) : 43 ؛ يونس (10) : 9 ؛ الكهف (18) : 31
2- الإنسان (76) : 14
3- في الحاشية عن بعض النسخ: + «لها»
4- الأنعام (6) : 141
5- في الطبعة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها والوافي : «بعض المؤمنين» بدل «بعضهم»
6- في الطبعة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها : - «قد»
7- في الطبعة القديمة : «قال: فيقول»
8- في الحاشية عن بعض النسخ: «بصفائح». وفي بعض نسخ الكافي : «بصحاف»

الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فِيهَا الدُّرُّ وَالْيَاقُوتُ وَالزَّبَرْجَدُ، فَيَنْثُرُونَهَا عَلَيْهَا، ثُمَّ يُعَانِقُهَا وَتُعَانِقُهُ، فَلَا يَمَلُّ وَلَا تَمَلُّ».

قَالَ: ثُمَّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «أَمَّا الْجِنَانُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْكِتَابِ، فَإِنَّهُنَّ جَنَّةُ عَدْنٍ، وَجَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ، وَجَنَّةُ نَعِيمٍ، وَجَنَّةُ الْمَأْوى».

قَالَ: «وَإِنَّ لِلّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ جِنَانا مَحْفُوفَةً بِهذِهِ الْجِنَانِ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَكُونُ لَهُ مِنَ الْجِنَانِ مَا أَحَبَّ وَاشْتَهى، يَتَنَعَّمُ فِيهِنَّ كَيْفَ يَشَاءُ، وَإِذَا أَرَادَ الْمُؤْمِنُ شَيْئا (1) إِنَّمَا دَعْوَاهُ (2) إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: «سُبْحَانَكَ اللّهُمَّ» . فَإِذَا قَالَهَا، تَبَادَرَتْ إِلَيْهِ الْخَدَمُ بِمَا اشْتَهى مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ طَلَبَهُ مِنْهُمْ أَوْ أَمَرَ بِهِ، وَذلِكَ قَوْلُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ» ؛ يَعْنِي الْخُدَّامَ.

قَالَ: «وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» (3) ؛ يَعْنِي بِذلِكَ عِنْدَ مَا يَقْضُونَ مِنْ لَذَّاتِهِمْ مِنَ الْجِمَاعِ وَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، يَحْمَدُونَ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ عِنْدَ فَرَاغَتِهِمْ(4)

وَأَمَّا قَوْلُهُ: «أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ» (5). _ قَالَ: _ يَعْلَمُهُ الْخُدَّامُ، فَيَأْتُونَ بِهِ أَوْلِيَاءَ اللّهِ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلُوهُمْ إِيَّاهُ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: «فَواكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ» (6) _ قَالَ: _ فَإِنَّهُمْ لَا يَشْتَهُونَ شَيْئا فِي الْجَنَّةِ إِلَا أُكْرِمُوا بِهِ».

شرح الحديث

قوله : (حديث الجنان و النوق) .

«الجنان» بالكسر: جمع الجنّة، وهي الحديقة ذات النخل والشجر . والمراد هنا الجنّة المعروفة في عرف الشرع .

و«النُّوق» بالضمّ: جمع الناقة .

وسند الحديث مجهول .

ص: 144


1- في الطبعة القديمة : + «أو اشتهى»
2- في الطبعة القديمة: + «فيها»
3- يونس (10) : 10
4- في الطبعة الجديدة وجميع النسخ التي قوبلت فيها والوافي : «فراغهم»
5- الصافّات (37) : 41
6- الصافّات (37) : 42

قوله تعالى : «يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ» أي نجمعهم، أو نبعثهم .

وقيل : المراد بهم الذين حبسوا أنفسهم على الحقّ، ورفضوا الميل إلى الباطل، وطهّروا ظاهرهم وباطنهم عن الرذائل (1).

«إِلَى الرَّحْمنِ» .

قال البيضاوي : «أي إلى ربّهم الذي غمرهم برحمته، ولاختيار هذا الاسم في هذه السورة شأن، ولعلّه لأنّ مساق الكلام فيها لتعداد نِعمهِ الجسام، وشرح حال الشاكرين لها والكافرين بها» (2).

«وَفْدا» (3) : وافدين عليه، كما يفد الوفّاد على الملوك منتظرين لكرامتهم وإنعامهم .

وقال الفيروزآبادي : «وفد إليه وعليه، يَفِدُ وَفْدا ووُفودا ووِفادا ووِفادَةً: قدم ، وورد، وهم وفُود، وَوِفْدٌ ، وأوفادٌ ، ووُفَّد» (4).

(فقال : يا عليّ)؛ كأنّ السائل هو عليه السلام .

(إنّ الوَفد لا يكونون إلّا رُكبانا) ؛ يعني عرفا .

وفي القاموس : «الراكب : للبعير خاصّةً. الجمع: رُكّاب ، ورُكبان ، ورُكوب بضمّهنّ» (5).

وقوله : (و اختصّهم) أي جعلهم من خواصّه . يُقال : اختصّه بالشيء، أي خصّه به، فاختصّ، لازم متعدٍّ .

وقوله : (نُوق العزّ) بالضمّ: جمع الناقة، والإضافة لاميّة ؛ أي النوق التي يعزّ من يركب عليها، أو أُعدّت لركوب من اُريد عزّته .

وقيل : نسب إلى عزّه تعالى؛ لرفعتها، وظهور قدرة اللّه فيها ، أو هي عزيزة في نفسها (6).

وقوله : (رَحائل (7) الذهب) ؛ كأنّه جمع رِحالة بالكسر، كرسائل جمع رسالة، وهي للبعير بمنزلة السرج للفرس .

ص: 145


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 16
2- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 34
3- مريم (19) : 85
4- القاموس المحيط ، ، ج 1 ، ص 346 (وفد)
5- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 75 (ركب)
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 233
7- في الحاشية: «والرحالة، ككتابة: السرج، أو من جلود لا خشب فيه، يتّخذ للركض الشديد ». القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 383 (رحل)

قال الفيروزآبادي : «الرَّحْل: مركب للبعير. الجمع: أرْحُل، ورِحال، ككتاب: الطنافس الحيريّة» (1).

وقوله : (مُكلّلة) .

قال الجوهري : «سحاب مكلّل، أي ملمّع بالبرق . وكلّله، أي ألبَسَهُ الإكليل . وروضة مكلّلة، أي حُفّت بالنور» (2).

وفي القاموس : «الإكليل، بالكسر: التاج، وشبه عصابة تزيّن بالجوهر» (3).

وقوله : (و جلائلها الاستبرق و السُّندس) ؛ كأنّ «جلائل» جمع جِلال _ بالكسر _ كشمائل وشمال. والجلال جمع جُلّ _ بالضمّ والفتح _ وهو ما تلبسه الدابّة لتصان به .

و في القاموس : «الاستبرق: الديباج الغليظ، معرّب استَرْوَه، أو ديباج يعمل بالذهب، أو ثياب حرير صفاق نحو الديباج»(4).

و فيه: «السُّندُس، بالضمّ: ضربٌ من رقيق الديباج، معرّب بلا خلاف» (5).

(وخُطُمُها جَدل الاُرجوان) أي أزمّتها من حبلٍ مفتول أرغوانيّ .

قال الفيروزآبادي : «الخِطام، ككتاب: كلّ ما وضع في أنف البعير ليُقتاد به . الجمع: ككتب» (6).

وقال: «جَدَله يجدُله ويجدِله: أحكمَ فَتله . والجديل: الزمام المجدول من أَدَمٍ ، أو شعرٍ في عنق البعير ، والوِشاح. الجمع: ككتب» (7).

وقال في المصباح : «الاُرجوان، بضمّ الهمزة والجيم: اللون الأحمر» (8).

وقال الجوهري : «الاُرجُوان معرّب، وهو بالفارسيّة: أرغوان، وهو شجر له نَوْر أحمر أحسن ما يكون، وكلّ لون يشبهه فهو اُرجُوان» (9).

(تطير بهم إلى المحشر) .

الباء للمصاحبة، أو للتعدية .

والظاهر أنّ المراد بالطيران معناه الحقيقي، وحمله على

ص: 146


1- القاموس المحيط ، ، ج 3 ، ص 383 (رحل) مع التلخيص
2- الصحاح ، ج 5 ، ص 1812 (كلل)
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 46 (كلل)
4- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 213 (برق)
5- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 222 (سندس)
6- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 108 (خطم)
7- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 346 (جدل)
8- المصباح المنير ، ص 222 (رجو)
9- الصحاح ، ج 6 ، ص 2353 (رجو)

الاستعارة باعتبار تشبيه سيرها به في السرعة محتمل .

وقوله : (يَزُفّوهم زَفّا) أي يذهبون بهم في غاية الإعزاز والإكرام، كما تُزفّ العروس وتُهدى إلى زوجها ، أو يسرعون بهم .

قال الجوهري : زَفَفت العروس إلى زوجها، أزُفُّ _ بالضمّ _ زفّا وزِفافا، وأزفَفْتها وازدَففتها بمعنى. و الزفيف: السريع . يُقال : زفّ البعير والظليم يزفّ _ بالكسر _ زفيفا ؛ أي أسرع، وأزفّه صاحبه، وزفّ القوم في مشيهم؛ أي أسرعوا . ومنه قوله تعالى : «فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ» (1) (2).

وقوله : (الأعظم) صفة الباب .

(و على باب الجنّة شجرة) .

قيل : لعلّ المراد على قرب منه شجرة ، فلا ينافي ما سيجيء من قوله : «فتسوقهم الملائكة إلى الجنّة، فإذا انتهوا بهم إلى باب الجنّة» فليأمّل (3).

وقوله : (مُزكّية) .

قال الجوهري : «زكّى نفسه تزكية: مدحها . وقوله تعالى : «وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا» (4). ، قالوا : تُطهّرهم بها» (5)

وكان قوله : (فيطهّر اللّه بها قلوبهم من الحسد) ناظر إلى مطهّرة .

وقوله : (ويسقط عن أبشارهم الشَّعْر) ناظر إلى «مزكّية» .

قال الفيروزآبادي : «البَشَر، محرّكة: ظاهر جلد الإنسان، جمع بَشَرة، وأبشار: جمع الجمع» (6).

وقوله : (طَهورا) أي مطهّرا عمّا ذكر، كما أشار إليه بقوله : (من تلك العين المطهّرة) . والجارّ متعلّق ب «سقاهم» .

ص: 147


1- الصافّات (37) : 94
2- الصحاح ، ج 4 ، ص 1369 (زفف)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 17
4- التوبة (9) : 103
5- لم نعثر عليه في الصحاح . لكن انظر : مختار الصحاح ، ص 148 (زكي)
6- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 372 (بشر)

(ثمّ يوقف بهم قُدّام العرش) .

قيل : ظاهره أنّهم يَرِدُون أوّلاً باب الجنّة، ثمّ إلى الموقف، ثمّ يرجعون إلى الجنّة(1).

وفيه نظر .

وقوله : (الحَلْقة) بسكون اللّام، وقد تفتح وتكسر .

وقيل : تحريكها لغة ضعيفة (2).

وقوله : (تَصرّ صَريرا) .

في القاموس : «صرّ _ كفرّ _ يصرّ صرّا وصريرا: صوّت، وصاح شديدا» (3).

وقوله : (كلّ حوراء) بالفتح والمدّ .

قال الجوهري : «الحَورُ: شدّة بياض العين في شدّة سوادها ، والعين حوراء» انتهى (4).

فتسميتهنّ بذلك مجاز باعتبار «أعينهنّ» .

وقوله : (يتباشرون (5) بهم) أي بشّر بعضهم بعضا بمجيئهم.

والتذكير باعتبار تغليب الغلمان .

وقوله : (و تُشرف عليهم أزواجهم) من الغرف .

قال الفيروزآبادي : «أشرف عليه: اطّلع من فوق» (6).

وقيل : أي ترفع عليهم أبصارهنّ؛ للنظر إليهم، أو تخرج من قولهم: استشرفوك، إذا خرجوا إلى لقائك .

وفيه دلالة على أنّ النساء الصالحات يدخلون الجنّة قبل الصُّلحاء من الرجال (7) ، ولعلّه لكرامة الرجال أيضا؛ ليتهيّأنّ لهم .

(من الحور العين) .

«الحور» بالضمّ: جمع حوراء . و«العِين» بالكسر: جمع عَيناء، وهي واسعة العينين

ص: 148


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 234
2- اُنظر : مرآة العقول ، ج 25 ، ص 234
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 68 (صرر)
4- الصحاح ، ج 2 ، ص 639 (حور)
5- .في المتن الذي ضبطه الشارح رحمه الله سابقا والطبعة القديمة : «فيتباشرن» . وفي الطبعة الجديدة وجميع النسخ التي قوبلت فيها والوافي : «فيتباشرون»
6- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 158 (شرف)
7- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12، ص 18

وعظيمتهما، وأصله: «فُعل» بالضمّ .

وقوله تعالى : «غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ».

في سورة الزمر : «لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ» (1) ، وكأنّ ما في الكتاب كانت في قراءة أهل البيت عليهم السلام .

وقال بعض المفسّرين : «أي لهم علاليّ فوقَها علاليّ، ودرجات بعضها أرفع من بعض؛ ليتخيّروا منها ما أحبّوا ويكونوا منها حيث شاؤوا» (2).

وقوله صلى الله عليه و آله : (مَحبوكة بالفضّة) .

في القاموس: «الحَبْك : الشدّ، والإحكام، وتحسين أثر الصنعة في الثوب. يحبِكه ويحبُكه، فهو حبيك ومَحبوك . والتحبيك: التوثيق والتخطيط» (3).

وقال الجوهري : «حَبَك الثوبَ يحبِكه _ بالكسر _ حَبْكا؛ أي أجادَ نسجَهُ . قال ابن الأعرابي : كلّ شيءٍ أحكمته وأحسنت عمله، فقد احتبكته» (4).

وقوله : (بعضها فوق بعض) تفسير لمرفوعة على الظاهر، كما ذكره المفسّرون؛ فإنّهم قالوا في تفسير قوله تعالى : «وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ» (5) :

أي منضّدة مرتفعة . وتنضيد المتاع: وضع بعضه على بعض (6) .

وقيل : يحتمل أن يكون وصفا آخر ل «فرش» ، وحينئذٍ يمكن أن يُراد بمرفوعة أنهار رفيعة القدر (7).

وقال بعضهم : الفرش: النساء، وهي مرفوعة على الأرائك، وأيّده بقوله تعالى : «إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارا» (8) .

وعلى التفسيرين السابقين هذا القول منقطع عن سابقه؛ لبيان وصف نساء أهل الجنّة ، ومرجع الضمير معلوم بحسب المقام مع إمكان الاتّصال أيضا، بأن يُراد بقوله عليه السلام : «بعضها

ص: 149


1- الزمر (39) : 20
2- اُنظر : تفسير جوامع الجامع ، ج 3 ، ص 215 ؛ جامع البيان ، ج 23 ، ص 247 ؛ تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 63
3- القاموس المحيط ، ، ج 3 ، ص 297 (حبك)
4- الصحاح ، ج 4 ، ص 1578 (حبك)
5- الواقعة (56) : 34
6- اُنظر : تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 287 ؛ تفسير أبي السعود ، ج 8 ، ص 193 ؛ تفسير الآلوسي ، ج 27 ، ص 141
7- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 18
8- الواقعة (56): 35 و 36

فوق بعض» أنّ كلّ واحدة عند الناظر أحسن من الاُخرى؛ للمبالغة في عدم وجود النقص فيهنّ .

وقوله : (بألوانٍ مختلفة) .

لعلّ كلّا من الحرير والديباج في الصفاء والصفاقة بحيث يرى لون كلّ من التحتاني من تحت الفوقاني، فيحصل باجتماع تلك الألوان في النظر لون متوسّط بينها .

وقيل : كأنّه إشارة إلى أنّ التحتاني يسع كلّ الغرفة، والذي فوقه لا يسع كلّها ، بل يظهر من جوانبها لون التحتاني، وعلى هذا القياس (1).

وقوله : (اُلبِسَ حُلَل الذهب و الفضّة) جواب «إذا» .

قال الفيروزآبادي : «الحُلّة، بالضمّ: إزارٌ، ورداء برد، أو غيره، ولا تكون حُلّة إلّا من ثوبين ، أو ثوب له بطانة . الجمع: حُلَلٌ، وحلال» (2).

وقوله : (و الياقوتُ) مبتدأ ، (و الدُّرّ) عطف عليه ، و(منظومٌ) خبره .

(في الإكليل تحتَ التاج) .

قال الفيروزآبادي : «التاج: الإكليل» (3).

وقال : «الإكليل: التاج، وشبه عِصابة تُزيَّن بالجوهر» (4).

وقيل : لعلّ المراد بالإكليل المعنى الثاني ، وإن اُريد به الأوّل كان المراد ب «تحت التاج» حواشيه (5).

وقوله : (و اللؤلؤ و الياقوت) عطف على الذهب، وكأنّه من قبيل «علفتها تبنا وماء باردا» ؛ أي منظومة بهما . واللّه يعلم .

(فكذلك قوله عزّ و جلّ) في سورة فاطر : «جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا» ؛ أي في تلك الجنان .

«مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤءٍ» . في بعض النسخ: «و لؤلؤا» بالنصب .

«وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ» (6) .

ص: 150


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 46 (كلل)
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 236
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 359 (حلل)
4- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 180 (توج)
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 19
6- فاطر (35) : 33

قال البيضاوي : «جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا» مبتدأ وخبر. «يُحَلَّوْنَ فِيهَا» خبر ثان. أو حال . و«من» الاُولى في قوله : «مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ» للتبعيض ، والثانية للتبيين . و «لُؤلؤا» عطف على «ذهب» ؛ أي من ذهب مرصّع باللؤلؤ ، أو من ذهب في صفاء اللؤلؤ. ونَصَبَهُ نافع وعاصم عطفا على محلّ «أساور» انتهى (1).

ويحتمل كونه من الاُولى للابتداء ، بل هو أظهر .

و«أساور» جمع أسورة، وهي جمع السوار _ ككتاب وغراب _ وهو حليّ معروف .

ويُقال: القُلْب أيضا .

وقوله : (اهتزّ) أي تحرّك وارتاح .

(سريره فرحا) ونشاطا بصعود المؤمن عليه .

في القاموس : «هزّه وبه: حرّكه . والهِزّة، بالكسر: النشاط والارتياح . وهزّه تهزيزا: حرّكه، فاهتزّ. واهتزّ عرش الرحمان لموت سعد؛ أي ارتاح بروحه، واستبشر لكرامته على ربّه» (2) .

وقوله : (ليهنّئه) .

قال الجوهري في المهموز : «التهئنة: خلاف التعزية. تقول: هنّأته بالولاية تهنئة وتهنيئا» (3).

وقوله : (من الوُصفاء و الوَصائف) .

قال في النهاية : «الوصيف: العبد، والأَمَةُ وصيفةٌ. وجمعهما: وصفاء ووصائف» (4).

وقال الفيروزآبادي : «الوصيف، كأمير: الخادم، والخادمة. والجمع: وُصفَاء، كالوصيفة.

والجمع: وصائف» (5).

وقوله : (مكانك) بالنصب؛ أي الزم مكانك .

وقوله : (على أريكته) .

في القاموس : «الأريكة، كسفينة: سرير في حجلةٍ، أو كلّ ما يتّكأ عليه من سرير ومنصّة

ص: 151


1- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 420 (مع التلخيص واختلاف يسير)
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 196 (هزز) مع التلخيص
3- الصحاح ، ج 1 ، ص 84 (هنأ)
4- النهاية ، ج 5 ، ص 191 (وصف)
5- م القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 204 (وصف)

وفراش، أو سرير منجّد مزيّن في قبّة أو بيت . الجمع: أرائك» (1).

وقوله : (تهيّأ) على صيغة المضارع بحذف إحدى التاءين من التهيئة . وفي بعض النسخ: «تهنّأ» بالنون، وكأنّه من التهنّؤ ؛ أي صارت هنيئةً .

وما قيل: إنّه من التهنئة، (2). ففيه نظر .

هذا، ولم يذكر الإذن لهذا الملك، ولعلّه صار مأذونا عند دخول ألف ملك يأتي ذكرهم .

وقوله : (هي من مسكٍ و عَنبر) .

الظاهر أنّ الضمير راجع إلى الحلّة .

ولعلّ المراد أنّ أصل تلك الحلل من نوع من المسك والعنبر يمكن نسجها ولبسها، أو من شيء عطره كالمسك والعنبر، لكنّها نسجت ونظمت بالياقوت واللؤلؤ .

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم : «صُبغن بمسك وعنبر» (3).

وقوله : (شراكهما) .

الشراك، ككتاب: سَيْر النعل . الجمع: ككتب .

وقوله : (لا يُملّها و لا تُملّه) .

قال الجوهري : «مَلِلْتُ الشيء _ بالكسر _ وملِلْت منه أيضا مَلَلاً ومَلّةً ومَلالاً، إذا سئمته» (4).

وقوله : (قَلائد من قَصَب) .

«القلائد»: جمع القِلادة _ بالكسر _ وهي ما يجعل في العنق . قال الجوهري : «القَصَب: أنابيب من جوهر» (5).

وفي القاموس : «القَصَب، محرّكةً: ما كان مستطيلاً من الجوهر، والدُّرُّ الرَّطب، والزبرجد الرطب المرصّع بالياقوت» (6).

وقوله : (إليك تناهت نفسي، و إليَّ تناهت نفسك) .

التناهي: بلوغ الغاية ؛ أي بلغت محبّتي وشوقي إليك، وميل نفسي إلى النهاية . وفي بعض

ص: 152


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 19
2- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 292 (أرك)
3- تفسير القمّي ، ج 2 ، ص 246
4- الصحاح ، ج 5 ، ص 1820 (ملل)
5- الصحاح ، ج 1 ، ص 202 (قصب)
6- القاموس المحيط ، ، ج 1 ، ص 117 (قصب)

النسخ : «تاقت» بالقاف في الموضعين، وهو أظهر .

قال الفيروزآبادي : «تاق إليه تَوْقا: اشتاق» (1).

وقوله : (حتّى أقولَ للحاجب فيُعلمه بمكانكم) أي قفوا، أو الزموا مكانكم حتّى أقول واُخبر للحاجب، فيعلم، ويخبر ذلك الحاجب بكونكم في هذا المكان، أو بموضعكم وحضوركم فيه .

ويحتمل أن يكون «مكانكم» منصوبا بتقدير الناصب ؛ أي الزموا مكانكم حتّى أقول للحاجب، ففي الكلام حينئذٍ تقديم وتأخير .

وقوله : (باب العرصة) .

في القاموس: «العَرْصة: كلّ بقعةٍ بين الدُّور واسعةٍ ليس فيها بناء» (2).

وقوله : (رسالة الجبّار) .

قيل: ذكره هنا؛ لأنّه أنسب لدلالته على أنّه جبر نقائص الخلائق حتّى بلغوا هذه المراتب (3).

(و ذلك قول اللّه عزّ وجلّ) في سورة الرعد : «وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ» ، وفسّر عليه السلام «كلّ باب» بقوله : (من أبواب الغرفة) ، وليس هذا التفسير في بعض النسخ .

و فسّره بعض المفسّرين بكلّ باب من أبواب المنازل، أو من أبواب الفتوح والتحف قائلين : «سَلَامٌ عَلَيْكُمْ» ؛ بشارة بدوام السلامة .

(إلى آخر الآية) ، وهو قوله : «بِمَا صَبَرْتُمْ» ؛ متعلّق ب «عليكم» أو بمحذوف ؛ أي هذا بما صبرتم لا بسلام ؛ فإنّ الخبر فاصِل(4). والباء للسببيّة، أو البدليّة . «فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ» (5).

قال الجوهري : «العقبى: جزاء الأمر» (6).

وقال البيضاوي : «عقبى الدار: عاقبة الدُّنيا، وما ينبغي أن يكون مآل أهلها، وهي الجنّة» (7).

ص: 153


1- القاموس المحيط ، ، ج 3 ، ص 216 (توق)
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 307 (عرص)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 20
4- في الحاشية: «حال عن فاعل يدخلون . منه»
5- .الرعد (13) : 13 و 24
6- الصحاح ، ج 1 ، ص 186 (عقب)
7- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 327

(و ذلك) المذكور من حالات أولياء اللّه في الجنّة، وما هُيّئ لهم فيها من المنازل والكرامة واستئذان الملائكة .

(قوله عزّ و جلّ) في سورة الدهر : «وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ» .

قال البيضاوي : ليس له مفعول ملفوظ ولا مقدّر؛ لأنّه عامّ معناه أنّ بصرك أينما وقع .

«رَأَيْتَ نَعِيما وَمُلْكا كَبِيرا» (1). واسعا . وفي الحديث : «أدنى أهل الجنّة مَنزِلَةً ينظر في ملكه مسيرة ألف عام، يرى أقصاه كما يرى أدناه» (2) (3).

(يعني بذلك) الخطاب والنعيم والمُلك الكبير (وليّ اللّه و ما هو فيه) إلى آخره .

وقوله تعالى : «وَدَانِيَةً» أي قريبة .

«عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا» . الضمير للجنّة .

قال البيضاوي : «دانية» حال، أو صفة اُخرى معطوفة على ما قبلها، أو عطف على «جنّة» ؛ أي وجنّة اُخرى دانية على أنّهم وُعِدوا جنّتين، كقوله : «وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ» (4) .

وقرئت بالرفع على أنّها خبر «ظلالها» ، والجملة حال، أو صفة .

«وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً» (5). ؛ معطوف على ما قبله، أو حال من «دانية» .

و تذليل القطوف: أن تجعل سهلة التناول، لا تمتنع على قُطّافها كيف شاؤوا (6).

وقال الجوهري : «القِطف، بالكسر: العنقود، وبجمعه جاء القرآن: «قُطُوفُهَا دَانِيَةً» » (7).

وقال الشيخ الطبرسي رحمه الله : «وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا» ؛ يعني أنّ أفياء أشجار تلك الجنّة قريبة منهم .

وقيل : إنّ ظلال الجنّة لا تنسخها الشمس، كما تنسخ ظلال الدُّنيا .

ص: 154


1- الإنسان (76) : 20
2- اُنظر : مسند أحمد ، ج 2 ، ص 13 ؛ المستدرك للحاكم ، ج 2 ، ص 509 ؛ مجمع الزوائد ، ج 10 ، ص 401 ؛ المصنّف ، ج 8 ، ص 74
3- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 429
4- الرحمن (55) : 46
5- الإنسان (76) : 14
6- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 428
7- الصحاح ، ج 4 ، ص 1417 (قطف)

«وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً» أي وسخّرت، وسهل أخذ ثمارها تسخيرا؛ إن قام ارتفعت بقدره، وإن قعد نزلت عليه حتّى ينالها، وإن اضطجع نزلت حتّى ينالها (1).

(من قربها منهم) ؛ كأنّ كلمة «من» الاُولى تعليليّة، والثانية للصلة؛ أي ذلك التذليل لأجل قربها بهم .

ويحتمل كون الاُولى ابتدائيّة ؛ أي تذليلاً ناشئا من قربها .

ويحتمل أن يقرأ «مَن» بفتح الميم، و«قرب» على صيغة الفعل، وجعل كلمة «مِن» للتبيين .

وقوله : (بفيه) أي بفمه (2).

وقوله : (قبل أن تأكل هذا) إشارة إلى نوع آخر من الفاكهة ، أو إلى فردٍ آخر منها .

وقوله : «مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ» (3) .

قال الجوهري : «عَرَش : بنى [بناء] من خشب» (4).

وقال البيضاوي في تفسير قوله تعالى : «وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ» : أي جنّات من الكروم «مَعْروُشَاتٍ» : مرفوعات على ما يحملها، «وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ» : ملقيات على وجه الأرض .

وقيل : المعروشات ما غرسه الناس فعرشوه ، وغير معروشات ما نبت في البراري والجبال (5).

وقوله : (في ظلٍّ ممدود) أي منبسط لا يتقلّص، ولا يتفاوت، أو غير منقطع أبدا .

(في مثل ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس) .

كلمة «في» للمقايسة، وهي الداخلة بين مفضول سابق وفاضل لاحق، نحوه: «فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْاخِرَةِ إِلَا قَلِيلٌ» (6) . والتشبيه في الاعتدال واللطافة .

ص: 155


1- مجمع البيان ، ج 10 ، ص 410 (مع اختلاف يسير)
2- قال المحقّق المازندراني رحمه الله : «أو هو كناية عن نهاية قربها ، وكونها بحذاء الوجه»
3- الأنعام (6) : 141
4- الصحاح ، ج 3 ، ص 1010 (عرش)
5- تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 458
6- التوبة (9) : 38

(و أطيب من ذلك) .

الظاهر أنّه إشارة إلى تفضيل المشبّه على المشبّه به. وكونه مبتدأ، وقوله : (لكلّ مؤمن ...) خبره بعيد .

وقوله : (و أربع نسوة من الآدميّين) .

قيل : لعلّ هذا أقلّ المراتب؛ لما رواه في الفقيه من «أنّ لكلّ مؤمن ألف نسوة من الآدميّين» (1).

وقيل : فيه دلالة على أنّ صنف النساء في الجنّة أكثر من صنف الرجال، وأنّه ينافي ما دلّ عليه بعض الأخبار من أنّ أكثر أهل النار النساء ، وردّ بأنّ المنافاة إنّما يتمّ لو ثبت أنّ عدد النساء مساوٍ لعدد الرجال، أو أنقص، وذلك ممنوع؛ لجواز أن يكون أزيد .

ولو سلّم، فنقول : أكثريّتهنّ في الجملة لا يستلزم أكثريتهنّ دائما؛ لجواز الخروج من النار بالشفاعة ونحوها، فيكون للمؤمن هذا العدد بعد الخروج لا ابتداءً (2).

وقوله : (لعلّ الجبّار لَحَظَني) .

لحظه: كمنعه . ولحظ إليه، إذا نظر إليه بمؤخّر عينيه . واللحاظ، بالفتح: مؤخّر العين .

ولعلّ المراد هنا التجلّي، وإفاضة الأنوار، فتقديس الخدّام إمّا لما يوهم ظاهرِ كلامه، أو لأنّهم لمّا سمعوا اسمه تعالى نزّهّوه، وهذا كما قال شخص: «يا اللّه »، فيقول آخر: «جلّ جلاله» .

أو يُقال: إنّه أراد نوعا من اللحظ المعنوي، الذي لا يناسب رفعة شأنه تعالى (3).

وقوله : (قدّوس قدّوس) خبر مبتدأ محذوف ؛ أي هو أو الجبّار قدّوس . والتكرير للمبالغة .

قال الفيروزآبادي : «القُدّوس: من أسماء اللّه تعالى ، ويفتح؛ أي الطاهر، أو المبارك، وكلّ فعّول مفتوح غير قدّوس وسبّوح وذرّوح وفرُّوج» (4).

ص: 156


1- لم نعثر عليه في الفقيه
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 22
3- احتمله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 239
4- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 239 (قدس)

وقوله : (من بياض ثَغرها) .

قال الجوهري : «الثّغر: ما تقدّم من الأسنان» (1) وقال الفيروزآبادي : «الثَّغر : الفم، أو الأسنان، أو مقدّمها، أو ما دامت في منابتها» (2).

وقوله : (يُرى مخّ ساقها من وراء سبعين حُلّةً) .

في القاموس: «المخّ، بالضمّ: نقيّ العظم والدماغ، وخالص كلّ شيء» (3) وفي كتاب الاحتجاج عن هشام بن الحكم أنّه سأل زنديق أبا عبداللّه عليه السلام عن مسائل، وكان فيما سأل : أخبرني عن الحوراء كيف تلبس سبعين حلّة، ويرى زوجها مخّ ساقها من وراء حللها وبدنها؟ فقال عليه السلام : «نعم، كما يرى أحدكم الدراهم إذا اُلقيت من ماء صاف قدره قيد رمح» (4).

وقوله : (جنّة عدن) إلى قوله : (جنّة المأوى) . في القاموس: «عَدَن بالبلد يَعدُن ويَعدِن عَدْنا وعُدُونا : أقام. ومنه: «جَنَّاتُ عَدْنٍ» » (5) انتهى .

وقيل : جنّة عدن: اسم لمدينة في الجنّة، وهي مسكن العلماء والشهداء وأئمّة العدل، والناس سواهم في جنّات حواليها (6).

وقال البيضاوي : «الفردوس: أعلى درجات الجنّة، وأصله البستان الذي يجمع الكرْم والنخل» (7).

وفي القاموس : «الفردوس: الأودية التي تنبت ضروبا من النبت ، والبستان، يجمع كلّ ما يكون في البساتين، يكون فيها الكروم . وقد يؤنّث ، عربيّة ، أو روميّة نُقِلت ، أو سريانيّة» (8).

وقال البيضاوي : «جنّة نعيم ؛ أي ذات تنعّم» (9) وقال : «جنّة المأوى: هي الجنّة التي يأوي إليها المتّقون وأرواح الشهداء» (10).

ص: 157


1- الصحاح ، ج 2 ، ص 605 (ثغر)
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 382 (ثغر)
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 269 (مخخ)
4- الاحتجاج ، ج 2 ، ص 351
5- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 246 (عدن)
6- حكاه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 23
7- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 526
8- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 236 (فردس)
9- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 294
10- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 255

وقيل : هي منزل مَن خاف المقام بين يدي الربّ (1).

وقوله تعالى : «دَعْوَاهُمْ فِيهَا» .

قيل : أي دعاؤهم في جنّات النعيم .

«سُبْحَانَكَ اللّهُمَّ» ؛ إنّا نسبّحك تسبيحا .

وعلى تفسيره عليه السلام الدَعْوى بمعنى الدعاء ؛ أي طلب ما يشتهون، لا بالمعنى الذي نقلناه عن البعض. فتأمّل .

«وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ» .

قيل : أي ما يُحيّئ بعضهم بعضا، أو تحيّة الملائكة إيّاهم (2).

وعلى ما فسّره عليه السلام بقوله : (يعني الخُدّام) يكون التحيّة مضافا إلى المفعول، ولعلّ المحذوف الخدّام؛ يعني تحيّة الخدّام إيّاهم ، فظهر فساد ما قاله بعض الشارحين من أنّ قوله عليه السلام «يعني الخدّام» إشارة إلى أنّ ضمير الجمع راجع إلى الخدّام؛ أي يحيّونهم بهذا القول (3).

«وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ» .

قال البيضاوي : أي آخر دعائهم .

«أَنِ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ»(4) أي أن يقولوا ذلك .

و لعلّ المعنى : أنّهم إذا دخلوا الجنّة، وعاينوا عظمة اللّه وكبرياءه حمدوه ونعتوه بنعوت الجلال، ثمّ حيّاهم الملائكة بالسلامة عن الآفات ، والفوز بأصناف الكرامة .

أو اللّهَ تعالى ، فحمدوه ، وأثنوا عليه بصفات الإكرام.

و«أن» هي المخفّفة من الثقيلة ، وقد قرئ بها ونصب الألف. انتهى (5).

وقال أمين الدِّين الطبرسي : يقولون ذلك لا على وجه العبادة؛ لأنّه ليس هناك تكليف، بل يلتذّون بالتسبيح .

وقيل : إنّهم إذا مرّ بهم الطير في الهواء يشتهونه، قالوا: «سبحانك اللّهمّ»، فيأتيهم

ص: 158


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 24
2- اُنظر : مرآة العقول ، ج 25 ، ص 240
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 24
4- يونس (10) : 10
5- تفسير البيضاوي ، ج 1 ، ص 441

الطير، فيقع مشويّا بين أيديهم، وإذا قضوا منه الشهوة قالوا : «الحمد للّه ربّ العالمين» ، فيطير الطير حيّا كما كان، فيكون مفتتح كلامهم في كلّ شيء التسبيح، ومختتم كلامهم التحميد ، ويكون التسبيح في الجنّة بدل التسمية في الدنيا . عن ابن جريح.

«وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ» أي تحيّتهم من اللّه سبحانه في الجنّة سلام . وقيل : معناه: تحيّة بعضهم لبعض فيها، أو تحيّة الملائكة لهم فيها سلام، يقولون: سلامٌ عليكم؛ أي سلّمتم من الآفات والمكاره التي ابتلي بها أهل النار .

«وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» ؛ ليس المراد أنّ ذلك يكون آخر كلامهم حتّى لا يتكلّموا بعده بشيء ، بل المراد أنّهم يجعلون هذا آخر كلامهم في كلّ ما ذكروه . عن الحسن والجبائي (1).

وقوله تعالى : «أُوْلئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ» (2) . قال البيضاوي :

أي معلوم خصائصه من الدوام أو تمحّض اللّذّة، ولذلك فسّره بقوله : «فَوَاكِهُ» ؛ فإنّ الفاكهة ما يُقْصَد للتلذّذ لا للتغذّي، والقوت بالعكس . وأهل الجنّة لمّا اُعيدوا على خلقةٍ محكمةٍ محفوظة عن التحلّل، كانت أرزاقهم فواكه خالصة .

«وَهُمْ مُكْرَمُونَ» (3) في نيله يصِل إليهم بلا تعب وسؤال، كما عليه رزق الدُّنيا .

انتهى (4).

وأنت خبير ببُعد هذا التفسير، وتفسيره عليه السلام ألصق باللفظ وأظهر، كما لا يخفى .

متن الحديث السبعين

اشارة

الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيُّ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْوَشَّاءِ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ:قِيلَ لأبِي جَعْفَرٍ عليه السلام وَأَنَا عِنْدَهُ: إِنَّ سَالِمَ بْنَ أَبِي حَفْصَةَ وَأَصْحَابَهُ يَرْوُونَ عَنْكَ أَنَّكَ تَكَلَّمُ عَلى سَبْعِينَ وَجْها لَكَ مِنْهَا الْمَخْرَجُ؟ فَقَالَ: «مَا يُرِيدُ سَالِمٌ مِنِّي؟ أَ يُرِيدُ أَنْ أَجِيءَ بِالْمَلَائِكَةِ، وَاللّهِ مَا جَاءَتْ بِهذَا النَّبِيُّونَ، وَلَقَدْ قَالَ

ص: 159


1- تفسير مجمع البيان ، ج 5 ، ص 160
2- .الصافّات (37) : 41
3- الصافّات (37) : 42
4- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 11

إِبْرَاهِيمُ عليه السلام : «إِنِّي سَقِيمٌ» (1) ، وَمَا كَانَ سَقِيما، وَمَا كَذَبَ، وَلَقَدْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام : «بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا» (2) وَمَا فَعَلَهُ، وَمَا كَذَبَ، وَلَقَدْ قَالَ يُوسُفُ عليه السلام : «أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ» (3) ، وَاللّهِ مَا كَانُوا سَارِقِينَ، وَمَا كَذَبَ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (سالم بن أبي حفصة) .

قال الكشّي : «إنّه زيدي بتريّ من رؤسائهم . وروى في ذمّه روايات» (4) . وقال العلّامة في حقّه : «لعنه الصادق عليه السلام ، وكذّبه ، وكفّره» (5).

وقوله : (يَروون عنك أنّك تكلّم على سبعين وجها) .

قيل : أي على وجه المصلحة والتقيّة (6) ولا يخفى بُعد هذا التوجيه وعدم انطباقه بقوله عليه السلام : (ما يريد سالم منّي . . .) ، والأقرب أن يُقال: إنّهم يقولون: إنّك تتكلّم بالكذب في مطلب واحد كثيرا، وكأنّ ذكر السبعين لبيان الكثرة، لا خصوص العدد .

وقوله : (أن أجيء بالملائكة) ليشهدوا أنّي لا أكذب .

(و اللّه ما جاءت بهذا النبيّون) ؛ لإثبات صدقهم، مع كثرة احتياجهم إلى ظهور الأمر ووفور المعجزات .

ثمّ استشهد عليه السلام لما توهّمه سالم وأصحابه من كون الكلام ذي الوجوه المختلفة كذبا، أو فيه شوب كذب، ولا يليق بالإمام ، بأنّ مثل هذا صدر عن النبيّين مرارا ، ومعلوم أنّه ليس بكذب، ولا قبح فيه ، بل قد يجب للضرورة والمصلحة ، كالتقيّة ، والتعريض ، وإصلاح ذات البين ، ونحوها .

فقال : (و لقد قال إبراهيم عليه السلام «إِنِّى سَقِيمٌ» ).

قال هذا، وأراد غير ما فهّموه منه؛ لمصلحة دعته إلى إيراد مثل هذا الكلام .

ص: 160


1- الصافّات (37) : 89
2- الأنبياء (21) : 63
3- يوسف (12) : 70
4- اُنظر : رجال الكشّي ، ص 233 - 245 ، ح 423 - 428
5- رجال العلّامة ، ص 227
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 241

قال البيضاوي : أراهم أنّه استدلّ بالنجوم؛ لأنّهم كانوا منجّمين، على أنّه مشارف للسقم لئلّا يخرجوه إلى معبدهم؛ فإنّه كان أغلب أسقامهم الطاعون، وكانوا يخافون العَدْوي، أو أراد: أنّي سقيم القلب لكفركم، أو خارج المزاج عن الاعتدال خروجا، قلّ من يخلو منه، أو بصدد الموت . ومنه المثل : «كفى بالسلامة داءً» انتهى (1).

وقيل : كانت الحمّى تأخذه عند طلوع نجم معلوم، فلمّا رآه اعتذر بعادته . وقيل : عرّض بسقم حجّته عليهم، وضعّف ما أراد بيانه لهم من جهة النجوم التي كانوا يشتغلون بها، ويعتقدون أنّها تضرّ وتنفع (2).

وقيل : يحتمل أن يراد به سقم قلبه خوفا من أن لا تؤثّر حجّته في قلوبهم، وأن يراد به ما طرأ عليه بإرادة كسر آلهتهم من الخوف في مآل أمره (3).

والأصحّ ما روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه أراد به انكسار قلبه وحزنه؛ لما رأى من ملاحظة النجوم ما يرد على الحسين عليه السلام (4).

(و ما كان سقيما) بما فهموه من كلامه .

(و ما كذب) ؛ لأنّه قصد التورية بذلك؛ لمصلحة دعته إليها، وهي أن يتخلّف عنهم ويخلو بأصنامهم، وفعل بها ما أراد .

وقوله : «بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا» .

قال البيضاوي : اُسند الفعل إليه تجوّزا؛ لأنّ غيظه لما رأى من زيادة تعظيمهم له سببٌ لمباشرته إيّاه، أو تقريرا لنفسه مع الاستهزاء، والتبكيت على اُسلوب تعريضي، كما لو قال : لك من لا يُحسِن الخطّ ، فيما كتبته بخطٍّ رشيق: «أ أنت كتبت [هذا]؟» فقلت : «بل كتبته [أنت]» . أو حكاية لما يلزم من مذهبهم جوازه .

وقيل : إنّه في المعنى متعلّق بقوله : «إنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ» (5) ، وما بينهما اعتراض ، أو

ص: 161


1- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 17 و 18
2- اُنظر : شرح المازندراني ، ج 12 ، ص 70
3- احتمله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 70
4- لم نعثر على الرواية في موضع . وانظر : شرح المازندراني ، ج 12 ، ص 70
5- الأنبياء (21) : 63

إلى ضمير «فتىً» أو «إبراهيم» . وقوله : «كَبِيُرهُمْ هذا» مبتدأ وخبر ، ولذلك وقف على فعله، وما روي أنّه عليه السلام قال لإبراهيم ثلاث كذبات تسمية للمعاريض كذبا؛ لما شابهت صورتها صورتَه (1).

(ولقد قال يوسف عليه السلام : «أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ» (2) ) .

قيل : هذا القول وإن كان من مناديه إلّا أنّه لمّا كان بأمره نسب إليه (3) .

وفي القاموس: «العير، بالكسر: القافلة، مؤنّثة» (4).

وقال البيضاوي : «العِير: القافلة، وهو اسم الإبل التي عليها الأحمال؛ لأنّها تَعِير، أي تتردّد. فقيل لأصحابها كقوله عليه السلام : يا خيل اللّه اركبي»(5).

(واللّه ما كانوا سارقين) ؛ يعني صُواع الملك، لا مطلقا .

(وما كذب) .

قال الشيخ الطبرسي : إنّما قال ذلك بعض من فقد الصاع من قوم يوسف من غير أمره، ولم يعلم بما أَمَر به يوسف عليه السلام من جعل الصاع في رحالهم . عن الجبائي .

وقيل : إنّ يوسف أمر المنادي أن ينادي به، ولم يرد سرقة الصاع، وإنّما عنى به: أنّكم سرقتم يوسف عن أبيه، وألقيتموه في الجبّ . عن أبي مسلم .

وقيل : إنّ الكلام يجوز أن يكون خارجا مخرج الاستفهام، كأنّه قال : أ إنّكم لسارقون؟ فاُسقطت الهمزة . انتهى (6).

وروى الصدوق رحمه الله في كتاب معاني الأخبار بإسناده عن صالح بن سعيد، عن رجل من أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : قلت: قوله _ عزّ وجلّ _ في يوسف : «أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ» ؟

ص: 162


1- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 99
2- يوسف (12) : 70
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 26
4- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 98 (عير)
5- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 300. وفي حاشية النسخة : «قيل: يمكن أن يكون من باب التورية ، بأن يُراد بالسارق ضعيف العقل، أو الذي خفي عن البصر ، من سرقت مفاصله _ كفرح _ إذا ضعفت، أو من سرق الشيء _ كفرح _ إذا خفي . منه» . شرح المازندراني ، ج 12 ، ص 26
6- تفسير مجمع البيان ، ج 5 ، ص 434

قال : «إنّهم سرقوا يوسف من أبيه ؛ أ لا ترى أنّه قال لهم حين قالوا : «مَّاذَا تَفْقِدُونَ * قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ» ، ولم يقل: سرقتم صواع الملك، إنّما عنى: سرقتم يوسف من أبيه» (1).

متن الحديث الواحد و السبعين (حَدِيثُ أَبِي بَصِيرٍ مَعَ الْمَرْأَةِ)

اشارة

أَبَانٌ (2). ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ:

كُنْتُ جَالِسا عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام إِذْ دَخَلَتْ عَلَيْنَا أُمُّ خَالِدٍ، الَّتِي كَانَ (3) قَطَعَهَا يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ تَسْتَأْذِنُ عَلَيْهِ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «أَ يَسُرُّكَ أَنْ تَسْمَعَ كَلَامَهَا؟»

قَالَ: فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَذِنَ لَهَا.

قَالَ: وَأَجْلَسَنِي مَعَهُ عَلَى الطِّنْفِسَةِ. قَالَ: ثُمَّ دَخَلَتْ، فَتَكَلَّمَتْ، فَإِذَا امْرَأَةٌ بَلِيغَةٌ، فَسَأَلَتْهُ عَنْهُمَا، فَقَالَ لَهَا: «تَوَلَّيْهِمَا»؟ (4) قَالَتْ: فَأَقُولُ لِرَبِّي إِذَا لَقِيتُهُ: إِنَّكَ أَمَرْتَنِي بِوَلَايَتِهِمَا؟ قَالَ: «نَعَمْ».

قَالَتْ: فَإِنَّ هذَا الَّذِي مَعَكَ عَلَى الطِّنْفِسَةِ يَأْمُرُنِي بِالْبَرَاءَةِ مِنْهُمَا، وَكَثِيرٌ النَّوَاءُ يَأْمُرُنِي بِوَلَايَتِهِمَا، فَأَيُّهُمَا خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَيْكَ؟

قَالَ: «هذَا وَاللّهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَثِيرٍ النَّوَاءِ وَأَصْحَابِهِ، إِنَّ هذَا يُخَاصِمُ (5) ، فَيَقُولُ: «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ» (6) ، «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ» (7). ، «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ» (8) ».

شرح الحديث

السند ضعيف؛ فإنّه الإسناد السابق بعينه .

قوله : (قطعها) أي قطع يدها (9).

(يوسف بن عمر) .

ص: 163


1- معاني الأخبار ، ص 209 ، ح 1 . وعنه في بحار الأنوار ، ج 11 ، ص 76 ، ح 4
2- السند معلّق على سابقه ، ويروي عن أبان ، الحسين بن محمّد الأشعري عن المعلّى عن الوشّاء
3- في الحاشية عن بعض النسخ: «كانت»
4- في الحاشية عن بعض النسخ: «تولّهما»
5- في الطبعة القديمة وبعض نسخ الكافي : «تخاصم»
6- المائدة (5) : 44
7- المائدة (5) : 45
8- المائدة (5) : 47
9- قال المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 2 ، ص 202 : «كأنّه اُريد به أنّه اصطفاها من الغنيمة»

قيل: كان والي العراق بعد الحجّاج في زمن دولة بني مروان ، وهو الذي قاتل زيد بن عليّ عليهماالسلام (1).

وقوله : (و أجلَسَني معه على الطِّنفسة) .

الضمير المستتر والبارز لأبي عبد اللّه عليه السلام ، وكأنّه عليه السلام فعل ذلك؛ ليظهر للمرأة مكان أبي بصير ومنزلته عنده عليه السلام ، وتعتمد بقوله .

قال الفيروزآبادي : «الطنفسة، مثلّثة الطاء والفاء، وبكسر الطاء وفتح الفاء، وبالعكس: واحدة الطنافس للبسط والثياب، والحصير من سعف عرضه ذراع» (2).

وقوله : (فسألته عنهما) أي الأوّل والثاني.

وقوله : (تولَّيهما) على صيغة المفرد المؤنّث عن الأمر . يُقال : تولّاه، إذا اتّخذه وليّا، وأحبّه ، وكأنّه عليه السلام اتّقى منها .

وقوله : (و كثير النواء) .

قال الكشّي : «إنّه بتري»(3) وقال البرقي : «عامّي» (4) وروى الكشّي بإسناده عن أبي بكر الحضرمي، قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : «اللّهمّ إنّي إليك من كثير النواء بريء في الدنيا والآخرة» (5).

وروى بإسناده عن سدير، قال : دخلت على أبي جعفر عليه السلام ، ومعي سلمة بن كهيل، وأبو المقدام ثابت الحدّاد ، وسالم بن أبي حفصة ، وكثير النواء . وجماعة معهم ، وعند أبي جعفر عليه السلام أخوه زيد بن عليّ، فقالوا لأبي جعفر عليه السلام : نتولّى عليّا وحسنا وحسينا، ونتبرّأ من أعدائهم ؟ قال : «نعم» ، قالوا : نتولّى الأوّل والثاني، ونتبرّأ من أعدائهما؟

قال : فالتفت إليهم زيد بن عليّ، وقال لهم : أتبرّؤون من فاطمة، بتّرتم أمرنا بتّركم اللّه ، فيومئذٍ سمّوا البتريّة (6).

ص: 164


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 26
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 227 (طنفس)
3- رجال الكشّي ، ص 233
4- رجال البرقي ، ص 42
5- رجال الكشّي ، ص 241 ، ح 440
6- رجال الكشّي ، ص 236 ، ح 429 . وعنه في بحار الأنوار ، ج 69 ، ص 178 ، ح 1

وقوله : (هذا واللّه أحبُّ إليّ ...) . أمرها عليه السلام أوّلاً بولايتهما تقيّة، ثمّ لمّا بالغت في السؤال أثبت لعنهما، وجواب التبرّي منهما كناية بأن لم يتعرّض بقول كثير النواء ، بل قال أبو بصير: أحبّ إليّ منه، ثمّ بيّن وجه كونه أحبَّ ووجوب الأخذ بقوله ، فقال : (إنّ هذا يخاصم) إلى آخره .

قال بعض الأفاضل : يعني أنّ أبا بصير يقول : إنّ كثير النواء يفتي، ويحكم بين الناس بغير الحقّ، ويثبت بالآيات المذكورة كفره وظلمه وفسقه ، فأشار عليه السلام في كلامه هذا ضمنا إلى كفر الملعونين ، ووجوب البراءة منهما بوجهين : الأوّل : أنّ محبوبيّة أبي بصير يستلزم صدقه في أمره بالبراءة منهما .

والثاني : أنّ العلّة التي بها أثبت كفر كثير النواء مشترك بينه وبينهما، فبها أيضا ثبت كفرهما وظلمهما وفسقهما. وهذا نوع من معاريض الكلام التي أشار أبو جعفر عليه السلام إليها في الخبر السابق .

قال : ويحتمل أن يكون مراده عليه السلام أنّ قول هذا أحبّ إليّ؛ لأنّه يستدلّ على كفر الأوّل والثاني بهذه الآيات، ويخاصم في ذلك كثير النواء، ويغلب عليه، ويخصمه، لكنّه عليه السلام أدّى ذلك بعبارة يكون له منها المخرج بالحمل على المعنى الأوّل عند الضرورة .

وقال الفاضل الإسترآبادي : معناه أنّ أبا بصير يخاصم علماء العامّة من جهتنا بهذه الآيات الشريفة ، وملخّص خصومته أنّ هذه الآيات صريحة في أنّ من أفتى في واقعة بغير ما أنزل اللّه فيها كافر ظالم فاسق ، فعلم من ذلك أنّ للّه تعالى في الأرض دائما رجلاً عالما بما أنزل اللّه في كلّ واقعة . ومن المعلوم أنّ أرباب الاجتهادات الظنّيّة غير عالمين بما أنزل اللّه في كلّ واقعة ، ومن ثمّ تقع بينهم الاختلافات في الفتاوى والأحكام، فتعيّن أن يكون في الأرض دائما رجل لم يكن حكمه من باب الاجتهاد، بل يكون من باب الوحي في كلّ واقعة، وباتّفاق الخصمين غير الأئمّة الاثني عشر _ صلوات اللّه عليهم _ لم يعلم ما أنزله اللّه في كلّ واقعة، فتعيّن أن يكونوا منصوبين من عنده تعالى لأجل الإفتاء والحكم والحدود وغير ذلك (1).

ص: 165


1- القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 244 و 245

متن الحديث الثاني والسبعين

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْوَابِشِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ:قُلْتُ لَهُ: إِنَّ لَنَا جَارا يَنْتَهِكُ الْمَحَارِمَ كُلَّهَا حَتّى إِنَّهُ لَيَتْرُكُ الصَّلَاةَ فَضْلاً عَنْ غَيْرِهَا؟ فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللّهِ _ وَأَعْظَمَ ذلِكَ _ أَ لَا أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ؟» قُلْتُ: بَلى، قَالَ: «النَّاصِبُ لَنَا شَرٌّ مِنْهُ؛ أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يُذْكَرُ عِنْدَهُ أَهْلُ الْبَيْتِ، فَيَرِقُّ لِذِكْرِنَا إِلَا مَسَحَتِ الْمَلَائِكَةُ ظَهْرَهُ، وَغُفِرَ لَهُ ذُنُوبُهُ كُلُّهَا إِلَا أَنْ يَجِيءَ بِذَنْبٍ يُخْرِجُهُ مِنَ الْاءِيمَانِ، وَإِنَّ الشَّفَاعَةَ لَمَقْبُولَةٌ، وَمَا تُقُبِّلَ فِي نَاصِبٍ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَشْفَعُ لِجَارِهِ وَمَا لَهُ حَسَنَةٌ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، جَارِي كَانَ يَكُفُّ عَنِّي الْأَذى، فَيُشَفَّعُ فِيهِ، فَيَقُولُ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى: أَنَا رَبُّكَ، وَأَنَا أَحَقُّ مَنْ كَافى عَنْكَ، فَيُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ وَمَا لَهُ مِنْ حَسَنَةٍ، وَإِنَّ أَدْنَى الْمُؤْمِنِينَ (1) شَفَاعَةً لَيَشْفَعُ لِثَلَاثِينَ إِنْسَانا، فَعِنْدَ ذلِكَ يَقُولُ أَهْلُ النَّارِ: «فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ» (2). ».

شرح الحديث

السند مجهول .

قوله : (ينتهك) .

قال الجوهري : «انتهاك الحرمة: تناولها بما لا يحلّ» (3).

وقوله : (سبحان اللّه ) .

«سبحان» اسم التسبيح الذي هو التنزيه، وانتصابه بفعل مقدّر . وقد يُقال : «سبحان اللّه » في موضع التعجّب .

وقوله : (وأعظم ذلك) على صيغة الماضي .

يُقال : أعظمه وعظّمه، إذا فخّمه ؛ يعني أنّه عليه السلام عدَّ فعل هذا الرجل عظيما شنيعا، وتعجّب منه.

وحمله على اسم التفضيل بجعله مبتدأ ، وقوله : (ألا أخبركم ...) قائما مقام خبره بعيد .

ص: 166


1- في الحاشية عن بعض النسخ: «المؤمن»
2- الشعراء (26) : 100 و 101
3- الصحاح ، ج 4 ، ص 1613 (نهك)

وقوله : (فيرقّ لذكرنا) أي يرقّ قلبه، من الرقّة ضدّ الغلظة . أو بمعنى الرحمة، أو الاستحياء، وفعل الكلّ كضرب .

وقوله : (لَيَشفع) كيمنع .

وقوله : (فيُشفّع فيه) على بناء المجهول من باب التفعيل . يُقال : شفّعته فيه تشفيعا ؛ أي قبلت شفاعته فيه .

وقوله : (ما له حسنة) ؛ يعني من الأعمال الصالحة سوى العقائد الصحيحة . وفيه دلالة على قبول شفاعة المؤمنين بعضهم لبعض، كغيره من الأخبار .

وقوله : ( «فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ» ).

قال الفيروزآبادي : «الصديق، كأمير: الحبيب، للواحد والجمع والمؤنّث، وهي بهاء. الجمع: أصدقاء وصُدقاء وصُدقان» (1).

وقال : «الحميم، كأمير: القريب» (2).

وقال البيضاوي في تفسير قوله تعالى : «وَمَا أَضَلَّنَا إِلَا الْمُجْرِمُونَ * فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ» (3) :

يعني من الملائكة والأنبياء، «وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ» ؛ إذ الأخلّاء يومئذٍ بعضهم لبعضٍ عدوّ إلّا المتّقين ؛ أي فما لنا من شافعين ، ولا صديق ممّن نعدُّهم شفعاء وأصدقاء .

أو وقعنا في مهلكة لا يخلّصنا منها شافع ولا صديق ممّن نعدّهم شفعاء وأصدقاء.

وجمع الشافع، ووحدة الصديق؛ لكثرة الشفعاء في العادة وقلّة الصديق ، أو لأنّ الصديق الواحد يسعى أكثر ممّا يسعى الشفعاء ، أو لإطلاق الصديق على الجمع كالعدوّ؛ لأنّه في الأصل مصدر ، كالحنين والصهيل (4).

متن الحديث الثالث والسبعين

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي هَارُونَ، (5). عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:

ص: 167


1- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 252 (صدق)
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 100 (حمم)
3- الشعراء (26) : 99 و 100
4- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 245
5- في الحاشية: «كأنّه مكفوف الضعيف. منه». وانظر : رجال الكشّي ، ص 222

قَالَ لِنَفَرٍ عِنْدَهُ وَأَنَا حَاضِرٌ: «مَا لَكُمْ تَسْتَخِفُّونَ بِنَا؟» قَالَ: فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ خُرَاسَانَ، فَقَالَ: مَعَاذٌ لِوَجْهِ اللّهِ أَنْ نَسْتَخِفَّ بِكَ، أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِكَ، فَقَالَ: «بَلى إِنَّكَ أَحَدُ مَنِ اسْتَخَفَّ بِي» فَقَالَ: مَعَاذٌ لِوَجْهِ اللّهِ أَنْ أَسْتَخِفَّ (1) بِكَ! فَقَالَ لَهُ: «وَيْحَكَ، أَ وَلَمْ تَسْمَعْ فُلَانا، وَنَحْنُ بِقُرْبِ الْجُحْفَةِ، وَهُوَ يَقُولُ لَكَ: احْمِلْنِي قَدْرَ مِيلٍ، فَقَدْ وَاللّهِ أَعْيَيْتُ، وَاللّهِ مَا رَفَعْتَ بِهِ رَأْسا، وَلَقَدِ اسْتَخْفَفْتَ بِهِ، وَمَنِ اسْتَخَفَّ بِمُؤْمِنٍ فِينَا اسْتَخَفَّ، وَضَيَّعَ حُرْمَةَ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (معاذ لوجه اللّه ) .

قال الفيروزآبادي : «معاذ اللّه ، أي أعوذ باللّه معاذا» (2).

وقال بعض الأفاضل : المَعاذ _ بفتح الميم _ مصدر بمعنى التعوّذ والالتجاء؛ أي أمرنا وشأننا تعوّذ باللّه من هذا ، فاللام بمعنى الباء .

ويحتمل أن يكون في الكلام تقدير؛ أي نتعوّذ باللّه خالصا لوجهه من أن نستخفّ بك (3).

وقيل : «معاذ» في أكثر النسخ مرفوع، واللام بمعنى «إلى» . وفي بعضها منصوب، واللام بمعنى الباء . والمراد بالوجه الذات (4).

وقوله : (ما رفعتَ به رأسا) ؛ الظاهر أنّ الباء بمعنى «إلى»، وكونها للتعليل احتمال .

وهذا الكلام كناية عن عدم المبالاة به، وعدم الالتفات بقوله .

وقوله : (فينا استخفّ) .

قال الفاضل الإسترآبادي : لا يُقال: يلزم من ذلك أن يستخفّ باللّه ، فيلزم الكفر؛ لأنّا نقول : المراد بالاستخفاف

ص: 168


1- في الحاشية عن بعض النسخ: «أن نستخفّ»
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 356 (عوذ)
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 246
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 28

أن لا يعدّه عظيما، كما يعدّ شرب الخمر ، والمتّقي هو الذي يعدّ الكلّ عظيما؛ لأنّ حاكم الكلّ هو اللّه (1).

متن الحديث الرابع والسبعين

اشارة

الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيُّ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْوَشَّاءِ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللّهِ، قَالَ:

قُلْتُ لأبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ مَنَّ عَلَيْنَا بِأَنْ عَرَّفَنَا تَوْحِيدَهُ، ثُمَّ مَنَّ عَلَيْنَا بِأَنْ أَقْرَرْنَا بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله بِالرِّسَالَةِ، ثُمَّ اخْتَصَّنَا بِحُبِّكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ، نَتَوَلَاكُمْ ، وَنَتَبَرَّأُ مِنْ عَدُوِّكُمْ، وَإِنَّمَا نُرِيدُ (2) بِذلِكَ خَلَاصَ أَنْفُسِنَا مِنَ النَّارِ.

قَالَ: وَرَقَقْتُ، فَبَكَيْتُ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «سَلْنِي، فَوَ اللّهِ لَا تَسْأَلُنِي عَنْ شَيْءٍ إِلَا أَخْبَرْتُكَ بِهِ»، قَالَ: فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَعْيَنَ: مَا سَمِعْتُهُ قَالَهَا لِمَخْلُوقٍ قَبْلَكَ .

قَالَ: قُلْتُ: خَبِّرْنِي عَنِ الرَّجُلَيْنِ.

قَالَ: (3) «ظَلَمَانَا حَقَّنَا فِي كِتَابِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَنَعَا فَاطِمَةَ عليهاالسلاممِيرَاثَهَا مِنْ أَبِيهَا، وَجَرى ظُلْمُهُمَا إِلَى الْيَوْمِ _ قَالَ: وَأَشَارَ إِلى خَلْفِهِ _ وَنَبَذَا كِتَابَ اللّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمَا».

شرح الحديث

شرحالسند ضعيف .

قوله : (إلاّ أخبرتك به) .

قيل : أي لا أتّقيك لعلمي بإخلاصك وصدقك (4).

وقيل : فيه إشارة إلى كمال علمه عليه السلام وتكرّمه لعبد الرحمن (5).

(قال : فقال له عبد الملك بن أعين) أي قال أبان: قال عبد الملك لعبد الرحمان عند روايته هذا الحديث ، وبلوغه إلى هذا الموضع من الكلام .

ص: 169


1- حكاه عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 28 و 29
2- في الحاشية عن بعض النسخ: «يريد اللّه »
3- في الحاشية عن بعض النسخ: «فقال»
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 247
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 29

(ما سمعتُهُ) أي الصادق عليه السلام .

(قالها) أي هذه المقالة، أو الكلمة .

(لمخلوق قبلك) ؛ وإنّما خصّك به تشريفا وإكراما .

وقوله : (وأشار إلى خلفه ...) أي أشار عليه السلام بيده إلى خلفه؛ لبيان كيفيّة النبذ والطرح وراء ظهورهما .

قال الجوهري : «نَبَذَ يَنْبِذُ، أي ألقاه من يده . ونبّذ مبالغة»(1). وهو كناية عن إعراضهما عن كتاب اللّه ، وعدم العمل بمقتضاه .

متن الحديث الخامس والسبعين

اشارة

وَبِهذَا الْاءِسْنَادِ، عَنْ أَبَانٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ بَشِيرٍ الْأَسَدِيِّ، عَنِ الْكُمَيْتِ بْنِ زَيْدٍ الْأَسَدِيِّ، قَالَ:دَخَلْتُ عَلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَقَالَ: «وَاللّهِ يَا كُمَيْتُ، لَوْ كَانَ عِنْدَنَا مَالٌ لَأَعْطَيْنَاكَ مِنْهُ، وَلكِنْ لَكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ: لَنْ يَزَالَ مَعَكَ رُوحُ الْقُدُسِ مَا ذَبَبْتَ عَنَّا».

قَالَ: قُلْتُ: خَبِّرْنِي عَنِ الرَّجُلَيْنِ، قَالَ: فَأَخَذَ الْوِسَادَةَ، فَكَسَرَهَا فِي صَدْرِهِ، ثُمَّ قَالَ: «وَاللّهِ يَا كُمَيْتُ، مَا أُهَرِيقَ مِحْجَمَةٌ مِنْ دَمٍ، وَلَا أُخِذَ مَالٌ مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ، وَلَا قُلِبَ حَجَرٌ عَنْ حَجَرٍ إِلَا ذَاكَ فِي أَعْنَاقِهِمَا».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (معك روح القدس) ؛ يدلّ على نفث روح القدس أحيانا في روع غير المعصوم أيضا .

(ما ذَبَبْتَ عنّا) .

يُقال : ذبَّ عنه، إذا منع ودفع .

وفي بعض النسخ: «زبّيت» بالزاي . قال الفيروزآبادي : «زَباه يَزبيه: حمله، وساقه، كزبّاه» (2).

ص: 170


1- الصحاح ، ج 2 ، ص 571 (نبذ) مع اختلاف
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 338 (زبي)

وحاصل المعنى على النسختين: ما دمتَ دفعتَ وأبعدت ومنعت عنّا بمدحك لنا وإظهار فضائلنا استخفافَ الجاهدين وإنكار الجاهلين .

وقيل : كان كميت شاعرا فصيحا مادحا للأئمّة عليهم السلام ، كما كان حسّان مدّاحا للنبيّ صلى الله عليه و آله ، وهو حسّان بن ثابت بن المنذر بن عمرو بن النجّار الأنصاري ، وقد كان نفرٌ من قريش يهجون النبيّ صلى الله عليه و آله ، وكان حسّان يدفعهم، ويردّ عليهم، فتركوا هجوه خوفا منه (1).

والمراد بروح القدس جبرئيل عليه السلام ، أو خلق آخر غير الملائكة والبشر، كما مرَّ في الاُصول .

ولعلّ المراد بكونه معه الإلهام والإمداد والتسديد . وقيل في التقييد بقوله : «ما ذببت»: إشعار برجوع حسّان عن ذلك، كما نقل عنه (2).

والوِسادة، بالكسر: المخدّة .

وقال الفيروزآبادي : «المِحجم والمحجَمة، بكسرهما: ما يُحجم به» (3). والمراد هنا مقدار ما يملؤها من الدم، وهو كناية عن كلّ قليل أو كثير منه اُهريق بغير الحقّ.

وتقليب الحجر عن الحجر كناية عن وضع الأشياء في غير مواضعها، وإزالة الحقّ عن مركزه، وتغيير الأحكام الشرعيّة، وإحداث الاُمور المبتدعة .

والحاصل : أنّ وزر جميع الناس إلى آخر الدهر عائد إليهما؛ لأنّهما سببان لها، ولولاهما لارتفع الجور، وشاع العدل .

متن الحديث السادس والسبعين

اشاره

وَبِهذَا الْاءِسْنَادِ، عَنْ أَبَانٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللّهِ، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الْمَكِّيِّ، قَالَ:سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ: «إِنَّ عُمَرَ لَقِيَ عَلِيّا عليه السلام ، فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ الَّذِي تَقْرَأُ هذِهِ الْايَةَ: «بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ» (4). وَتُعَرِّضُ بِي وَبِصَاحِبِي؟» قَالَ (5). : «فَقَالَ لَهُ (6). : أَ فَلَا أُخْبِرُكَ بِآيَةٍ نَزَلَتْ فِي بَنِي أُمَيَّةَ: «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي

ص: 171


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 29 و 30
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 248
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 93 (حجم)
4- القلم (68) : 6
5- .في الطبعة الجديدة وجميع النسخ التي قوبلت فيها : _ «قال»
6- .في الطبعة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها : _ «له»

الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ» (1) ؟ فَقَالَ: كَذَبْتَ، بَنُو أُمَيَّةَ أَوْصَلُ لِلرَّحِمِ مِنْكَ، وَلكِنَّكَ أَبَيْتَ إِلَا عَدَاوَةً لِبَنِي تَيْمٍ وَبَنِي عَدِيٍّ وَبَنِي أُمَيَّةَ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله تعالى : «بِأَيِّيكُمْ الْمَفْتُونُ» .

قيل : أي أيّكم الذي فُتِنَ بالسفاهة والجهالة وإنكار الحقّ ؟ (2).

وقال البيضاوي : أيّكم الذي فتن بالجنون . والباء زائدة . أو بأيّكم الجنون، على أنّ «المفتون» مصدر كالمعقول والمجلود . أو بأيّ الفريقين منكم المجنون، أبفريق المؤمنين، أم بفريق الكافرين ؟ أي في أيّهما يوجد مَن يستحقّ هذا الاسم ؟ (3)

(تُعرّضُ بي وبصاحبي) ؛ يعني الثاني .

قال الجوهري : «عرّض: ضدّ صرّح . عرّض له وبه، ومنه المعاريض في الكلام، وهو التورية بالشيء عن الشيء» (4).

وقال بعض الأفاضل : تعريضه عليه السلام بهما لنزول الآية فيهما، حيث نسبا إلى النبيّ صلى الله عليه و آله الجنون حين قال صلى الله عليه و آله في أمير المؤمنين عليه السلام ما قال ، كما روي عن أبي أيّوب الأنصاري، قال : لمّا أخذ النبيّ صلى الله عليه و آله بيد عليّ عليه السلام ، فرفعها، وقال : «مَن كنت مولاه، فعليٌّ مولاه» ، قال الناس : إنّما افتتن بابن عمّه، ونزلت الآية : «فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ * بِأَيِّيكُمْ الْمَفْتُونُ» (5) .

وروى أمين الدِّين الطبرسي عن أبي القاسم الحسكاني، بإسناده عن الضحّاك بن مزاحم، قال : لمّا رأت قريش تقديم النبيّ صلى الله عليه و آله عليّا عليه السلام ، وإعظامه له، نالوا من عليّ، وقالوا : قد افتتن به محمّد، فأنزل اللّه تعالى : «ن * وَالْقَلَمِ * وَمَا يَسْطُرُونَ» إلى

ص: 172


1- محمّد (47) : 22
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 30
3- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 369
4- الصحاح ، ج 3 ، ص 1087 (عرض)
5- القلم (68) : 5 و 6

قوله: «بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ» (1). ، وهم النفر الذين قالوا ما قالوا (2).

ويحتمل أن يكون التعريض بأنّه عليه السلام كان يقرأ هذا عليهم؛ لبيان نظير مورد الآية؛ أي سيعلمون بعد موتهم أنّهم المجانين، حيث فعلوا ما يستحقّون به العذاب الأبدي، أم أنا ؟! (3).

وقوله : (نزلت في بني اُميّة) أي في ذمّهم وسوء صنيعهم .

«فَهَلْ عَسَيْتُمْ» .

قال البيضاوي : أي فهل يتوقّع منكم . «إِنْ تَوَلَّيْتُمْ» اُمور الناس، وتأمّرتم عليهم، أو أعرضتم وتولّيتم عن الإسلام .

«أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ» تناحرا على الولاية، وتجاذبا لها. أو رجوعا إلى ما كنتم عليه في الجاهليّة من التغاور، ومقاتلة الأقارب .

والمعنى أنّهم لضعفهم في الدِّين، وحرصهم على الدُّنيا أحِقِّاء بأن يتوقّع ذلك منهم من عرف حالهم، ويقول لهم: «هل عسيتم»، وهذا على لغة أهل الحجاز؛ فإنّ بني تميم لا يلحقون الضمير به ، وخبره «أن تفسدوا» . و«إن تولّيتم» اعتراض (4).

وقوله : (كذبت) .

كان تكذيبه باعتبار أنّه عليه السلام قتل جماعة من أقاربه في الجهاد امتثالاً لأمر اللّه وإعلاء لكلمته .

متن الحديث السابع والسبعين

اشاره

وَبِهذَا الْاءِسْنَادِ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنِ الْحَارِثِ النَّصْرِيِّ، قَالَ:

سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللّهِ كُفْرا» (5) ؟ قَالَ: «مَا تَقُولُونَ فِي ذلِكَ؟» قُلْتُ: نَقُولُ: (6) هُمُ (7) الْأَفْجَرَانِ مِنْ قُرَيْشٍ: بَنُو أُمَيَّةَ، وَبَنُو الْمُغِيرَةِ.

ص: 173


1- القلم (68) : 1 - 7
2- تفسير مجمع البيان ، ج 10 ، ص 333
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 249 و 250
4- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 194
5- إبراهيم (14) : 28
6- في الحاشية عن بعض النسخ: «يقولون»
7- في الحاشية عن بعض النسخ: «هما»

قَالَ: ثُمَّ قَالَ: «هِيَ وَاللّهِ قُرَيْشٌ قَاطِبَةً؛ إِنَّ اللّهَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ خَاطَبَ نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله ، فَقَالَ: إِنِّي فَضَّلْتُ قُرَيْشا عَلَى الْعَرَبِ، وَأَتْمَمْتُ عَلَيْهِمْ نِعْمَتِي، وَبَعَثْتُ إِلَيْهِمْ رَسُولِي، فَبَدَّلُوا نِعْمَتِي كُفْرا، وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قال اللّه عزّ وجلّ : «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ» (1) .

قال البيضاوي : أي بدّلوا شكر نعمته كفرا، بأن وضعوه مكانه، أو بدّلوا نفس النعمة كفرا؛ فإنّهم لمّا كفروها سُلبت منهم، فصاروا تاركين لها ، محصّلين للكفر بدلها .

ثمّ قال : وعن عمر وعليّ : هم الأفجران من قريش: بنو المغيرة، وبنو اُميّة . وأمّا بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر ، وأمّا بنو اُميّة فمتّعوا إلى حين. «وأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ» الذين شايعوهم في الكفر. «دَارَ الْبَوَار» : دار الهلاك، بحملهم على الكفر . انتهى (2).

وروى عليّ بن إبراهيم بإسناده عن عثمان بن عيسى ، عن أبي عبداللّه ، قال : سألته عن قول اللّه عزّ وجلّ : «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرا» ، قال : «نزلت في الأفجرين من قريش : من بني اُميّة، وبني المغيرة ؛ فأمّا بنو المغيرة، فقطع اللّه دابرهم ، وأمّا بنو اُميّة فمتّعوا إلى حين» (3).

وقيل : يمكن الجمع بين هذا الخبر وخبر الكتاب بحمل هذا الخبر أنّها نزلت ابتداءً فيهما، ثمّ خرجت في غيرهما ممّن فعل مثل فعالهما .

أو أنّهما العمدة في ذلك ، فلا ينافي دخول غيرهم أيضا فيها .

وبنو المغيرة هم أولاد المغيرة بن عبداللّه بن عمر بن مخزوم القرشي، وقد آذوا رسول

ص: 174


1- إبراهيم (14) : 28 و 29
2- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 348
3- تفسير القمّي ، ج 1 ، ص 371 . وعنه في بحار الأنوار ، ج 9 ، ص 218 ، ح 98

اللّه صلى الله عليه و آله كثيرا، لكن أكثرهم قتلوا واُسِروا يوم بدر، ومن بقي منهم أكثروا في إيذائه صلى الله عليه و آله وأهل بيته عليهم السلام كخالد بن الوليد ، وممّن قتل منهم في بدر: أبو جهل، عمرو بن هشام بن المغيرة، والعاص بن هاشم بن المغيرة _ خال عُمَر _ وأبو قيس بن الوليد _ أخو خالد _ وأبو قيس بن الفاكهة بن المغيرة، ومسعود بن أبي اُميّة بن المغيرة .

وممّن اُسِر منهم في غزوة بدر: خالد بن هشام بن المغيرة، واُميّة بن أبي حذيفة بن المغيرة، والوليد بن المغيرة (1).

وبما قرّرنا ظهر فساد ما قيل من أنّ الظاهر أنّ المراد بالأفجرين في هذا الخبر الأوّل والثاني ، وأنّ قوله : (بنو اُميّة وبنو المغيرة) خبر بعد خبر، بلا عاطف. وكونه بدلاً بعيد . انتهى (2).

وقوله عليه السلام : (قريش قاطبة) أي جميعا .

قال الجوهري : «تقول: جاء القوم قاطبةً، أي جميعا ، وهو اسم يدلّ على العموم» (3).

وقال الفيروزآبادي : «لا يستعمل إلّا حالاً»(4).

والمراد بقريش من بقي منهم على الكفر» .

وقوله : (فبدّلوا نعمتي كفرا) ؛ يفهم من بعض الأخبار أنّ النعمة هنا أعمّ من الرسالة، بحيث يشمل الولاية .

متن الحديث الثامن والسبعين

اشاره

وَبِهذَا الْاءِسْنَادِ، عَنْ أَبَانٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَأَبِي عَبْدِ اللّهِ عليهماالسلام أَنَّهُمَا قَالَا:«إِنَّ النَّاسَ لَمَّا كَذَّبُوا بِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، هَمَّ اللّهُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ بِهَلَاكِ أَهْلِ الْأَرْضِ إِلَا عَلِيّا، فَمَا سِوَاهُ بِقَوْلِهِ: «فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ» (5) ، ثُمَّ بَدَا لَهُ، فَرَحِمَ الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله : «وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ» (6) ».

ص: 175


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 251 و 252
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 31
3- الصحاح ، ج 1 ، ص 204 (قطب)
4- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 118 (قطب)
5- الذاريات (51) : 54
6- الذاريات (51) : 55

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (كذّبوا برسول اللّه ) .

في القاموس: «كذّب بالأمر تكذيبا وكذّابا: أنكره . وفلانا: جعله كاذبا» (1) . فالباء على الأوّل للصلة ، والمراد تكذيبهم بما جاء به ، وعلى الثاني زائدة .

(همّ اللّه ) أي أراد إرادة قابلة للبداء .

(بهلاك أهل الأرض) ؛ ظاهره الإطلاق، ويحتمل التخصيص بمن بلغ إليه دعوته صلى الله عليه و آله .

(إلّا عليّا فما سواه) من أهل البيت عليهم السلام والمؤمنين من الصحابة .

فقوله : «ما سواه» من جملة المستثنى، واحتمال كونه من المستثنى منه في شمول الهلاك لغير عليّ عليه السلام بعيد من حيث اللفظ والمعنى .

(بقوله) في سورة الذاريات : «فَتَوَلَّ عَنْهُمْ» .

قال بعض المفسّرين : «أي أعرض عن مجادلتهم بعد ما كرّرت عليهم الدعوة، فأبوا إلّا الإصرار والعناد . «فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ» على الإعراض بعد ما بذلت جهدك في الإبلاغ» انتهى (2).

وكون الآية دالّا على ما ذكر؛ لأنّ الأمر بالتولّي والإعراض ليس إلّا الغضب عليهم وإرادة هلاكهم .

(ثمّ بدا له) .

قال الجوهري : «بَدَا الأمرُ بُدُوّا، مثل قعد قعودا ؛ أي ظهر، وبدا له في هذا الأمر بَداءً، ممدود؛ أي نشأ له فيه رأي» (3).

(فرحم المؤمنين) .

لعلّ المراد بهم من علم أنّهم يؤمنون به ، فالمنكرون وإن استحقّوا الهلاك؛ لإنكارهم، لكن لأجل من في أصلابهم من المؤمنين استحقّوا عدمه، فترحّم عليهم، ودفع الهلاك عن آبائهم المنكرين .

ص: 176


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 122 (كذب)
2- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 241
3- الصحاح ، ج 6 ، ص 2278 (بدا)

(ثمّ قال لنبيّه صلى الله عليه و آله ) في تلك السورة متّصلاً بالآية السابقة : «وَذَكِّرْ» ؛ أي لا تَدَع التذكير والموعظة .

«فَإِنَّ الذِّكْرى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ» ممّن علم اللّه إيمانه، وقدّره، ولكن لم يؤمن بعدُ ، وأمّا مَن آمن؛ فإنّه يزداد بها بصيرة .

هذا، ويظهر من هذا أنّ آخر الآية ناسخ لأوّلها . فتدبّر .

متن الحديث التاسع والسبعين

اشاره

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ الْحَذَّاءِ، عَنْ ثُوَيْرِ بْنِ أَبِي فَاخِتَةَ، قَالَ:

سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليه السلام يُحَدِّثُ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، قَالَ: «حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام يُحَدِّثُ النَّاسَ، قَالَ:

إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، بَعَثَ اللّهُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ النَّاسَ مِنْ حُفَرِهِمْ عُزْلاً مَهَلاً (1) جُرْدا مُرْدا (2) فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، يَسُوقُهُمُ النُّورُ، (3) وَتَجْمَعُهُمُ الظُّلْمَةُ حَتّى يَقِفُوا عَلى عَقَبَةِ (4) الْمَحْشَرِ، فَيَرْكَبُ بَعْضُهُمْ بَعْضا، وَيَزْدَحِمُونَ دُونَهَا، (5) فَيُمْنَعُونَ مِنَ الْمُضِيِّ، فَتَشْتَدُّ أَنْفَاسُهُمْ، وَيَكْثُرُ عَرَقُهُمْ، وَتَضِيقُ بِهِمْ أُمُورُهُمْ، وَيَشْتَدُّ ضَجِيجُهُمْ، وَتَرْتَفِعُ أَصْوَاتُهُمْ.

قَالَ: وَهُوَ أَوَّلُ هَوْلٍ مِنْ أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

قَالَ: فَيُشْرِفُ الْجَبَّارُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ عَلَيْهِمْ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ فِي ظِلَالٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَيَأْمُرُ مَلَكا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَيُنَادِي فِيهِمْ: يَا مَعْشَرَ الْخَلَائِقِ، أَنْصِتُوا، وَاسْتَمِعُوا (6) مُنَادِيَ الْجَبَّارِ.

قَالَ: فَيَسْمَعُ آخِرُهُمْ، كَمَا يَسْمَعُ أَوَّلُهُمْ. قَالَ: فَتَنْكَسِرُ أَصْوَاتُهُمْ عِنْدَ ذلِكَ، وَتَخْشَعُ أَبْصَارُهُمْ، وَتَضْطَرِبُ فَرَائِصُهُمْ، وَتَفْزَعُ قُلُوبُهُمْ، وَيَرْفَعُونَ رُؤُوسَهُمْ إِلى نَاحِيَةِ الصَّوْتِ، «مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ» . قَالَ: فَعِنْدَ ذلِكَ يَقُولُ الْكَافِرُ: «هذا يَوْمٌ عَسِرٌ» (7) .

ص: 177


1- في الطبعة الجديدة وأكثر نسخ الكافي : «بُهما» . وفي بعض نسخ الكافي : «عذلاً»
2- في الحاشية عن بعض النسخ : «فردا»
3- في الحاشية عن بعض النسخ: «النار»
4- في الحاشية عن بعض النسخ: + «في»
5- في الحاشية عن بعض النسخ: «عليها»
6- في الحاشية عن بعض النسخ:«واسمعوا»
7- القمر (54) : 8

قَالَ: فَيُشْرِفُ الْجَبَّارُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ الْحَكَمُ الْعَدْلُ عَلَيْهِمْ، فَيَقُولُ: أَنَا اللّهُ لَا إِلهَ إِلَا أَنَا الْحَكَمُ الْعَدْلُ، الَّذِي لَا يَجُورُ الْيَوْمَ ، أَحْكُمُ بَيْنَكُمْ بِعَدْلِي وَقِسْطِي، لَا يُظْلَمُ الْيَوْمَ عِنْدِي أَحَدٌ، الْيَوْمَ آخُذُ لِلضَّعِيفِ مِنَ الْقَوِيِّ بِحَقِّهِ، وَلِصَاحِبِ الْمَظْلِمَةِ بِالْمَظْلِمَةِ بِالْقِصَاصِ مِنَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، وَأُثِيبُ عَلَى الْهِبَاتِ، وَلَا يَجُوزُ هذِهِ الْعَقَبَةَ الْيَوْمَ عِنْدِي ظَالِمٌ، وَلأحَدٍ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ إِلَا مَظْلِمَةً يَهَبُهَا صَاحِبُهَا، وَأُثِيبُهُ عَلَيْهَا، وَآخُذُ لَهُ بِهَا عِنْدَ الْحِسَابِ، (1) فَتَلَازَمُوا أَيُّهَا الْخَلَائِقُ، وَاطْلُبُوا مَظَالِمَكُمْ عِنْدَ مَنْ ظَلَمَكُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا شَاهِدٌ لَكُمْ عَلَيْهِمْ، وَكَفى بِي (2). شَهِيدا.

قَالَ: فَيَتَعَارَفُونَ، وَيَتَلَازَمُونَ، فَلَا يَبْقى أَحَدٌ لَهُ عِنْدَ أَحَدٍ مَظْلِمَةٌ، أَوْ حَقٌّ إِلَا لَزِمَهُ بِهَا.

قَالَ: فَيَمْكُثُونَ مَا شَاءَ اللّهُ، فَيَشْتَدُّ حَالُهُمْ، وَيَكْثُرُ عَرَقُهُمْ، وَيَشْتَدُّ غَمُّهُمْ، وَتَرْتَفِعُ أَصْوَاتُهُمْ بِضَجِيجٍ شَدِيدٍ، فَيَتَمَنَّوْنَ الْمَخْلَصَ مِنْهُ بِتَرْكِ مَظَالِمِهِمْ لأهْلِهَا.

قَالَ: وَيَطَّلِعُ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ عَلى جَهْدِهِمْ، فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ عِنْدِ اللّهِ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ يُسْمِعُ آخِرَهُمْ كَمَا يُسْمِعُ أَوَّلَهُمْ: يَا مَعْشَرَ (3) الْخَلَائِقِ، أَنْصِتُوا لِدَاعِي اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى، وَاسْمَعُوا؛ إِنَّ اللّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالى يَقُولُ [لَكُمْ] (4) : أَنَا الْوَهَّابُ، إِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ تَوَاهَبُوا، فَتَوَاهَبُوا، وَإِنْ لَمْ تَوَاهَبُوا أَخَذْتُ لَكُمْ بِمَظَالِمِكُمْ.

قَالَ: فَيَفْرَحُونَ بِذلِكَ؛ لِشِدَّةِ جَهْدِهِمْ، وَضِيقِ مَسْلَكِهِمْ وَتَزَاحُمِهِمْ. قَالَ: فَيَهَبُ بَعْضُهُمْ مَظَالِمَهُمْ رَجَاءَ أَنْ يَتَخَلَّصُوا مِمَّا هُمْ فِيهِ، وَيَبْقى بَعْضُهُمْ، فَيَقُولُ: (5) يَا رَبِّ مَظَالِمُنَا أَعْظَمُ مِنْ أَنْ نَهَبَهَا، قَالَ: فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ تِلْقَاءِ الْعَرْشِ: أَيْنَ رِضْوَانُ خَازِنُ الْجِنَانِ جِنَانِ الْفِرْدَوْسِ؟ قَالَ: فَيَأْمُرُهُ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ أَنْ يُطْلِعَ مِنَ الْفِرْدَوْسِ قَصْرا مِنْ فِضَّةٍ بِمَا فِيهِ مِنَ الْأَبْنِيَةِ (6) وَالْخَدَمِ، قَالَ: فَيُطْلِعُهُ عَلَيْهِمْ فِي حِفَافَةِ الْقَصْرِ الْوَصَائِفُ وَالْخَدَمُ.

قَالَ: فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ عِنْدِ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى: يَا مَعْشَرَ الْخَلَائِقِ، ارْفَعُوا رُؤُوسَكُمْ، فَانْظُرُوا إِلى هذَا الْقَصْرِ.

ص: 178


1- في الحاشية عن بعض النسخ: «الحسنات»
2- في الحاشية عن بعض النسخ: «باللّه »
3- في الحاشية عن بعض النسخ: «معاشر»
4- في الطبعة الجديدة وجميع النسخ التي قوبلت فيها وشرح المازندراني والوافي : _ «لكم»
5- في الحاشية عن بعض النسخ: «فيقولون»
6- في الطبعة الجديدة وجميع النسخ التي قوبلت فيها : «الآنية»

قَالَ: فَيَرْفَعُونَ رُؤُوسَهُمْ، فَكُلُّهُمْ يَتَمَنَّاهُ. قَالَ: فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ عِنْدِ اللّهِ تَعَالى: يَا مَعْشَرَ الْخَلَائِقِ، هذَا لِكُلِّ مَنْ عَفَا عَنْ مُؤْمِنٍ.

قَالَ: فَيَعْفُونَ كُلُّهُمْ إِلَا الْقَلِيلَ. قَالَ: فَيَقُولُ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَا يَجُوزُ إِلى جَنَّتِيَ الْيَوْمَ ظَالِمٌ، وَلَا يَجُوزُ إِلى نَارِيَ الْيَوْمَ ظَالِمٌ، وَلأحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ حَتّى يَأْخُذَهَا مِنْهُ عِنْدَ الْحِسَابِ، أَيُّهَا الْخَلَائِقُ اسْتَعِدُّوا لِلْحِسَابِ.

قَالَ: ثُمَّ يُخَلّى سَبِيلُهُمْ، فَيَنْطَلِقُونَ إِلَى الْعَقَبَةِ يَكْرُدُ بَعْضُهُمْ بَعْضا، حَتّى يَنْتَهُوا إِلَى الْعَرْصَةِ،الْجَبَّارُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ عَلَى الْعَرْشِ قَدْ نُشِرَتِ الدَّوَاوِينُ، وَنُصِبَتِ الْمَوَازِينُ، وَأُحْضِرَ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ، وَهُمُ الْأَئِمَّةُ، يَشْهَدُ كُلُّ إِمَامٍ عَلى أَهْلِ عَالَمِهِ بِأَنَّهُ قَدْ قَامَ فِيهِمْ بِأَمْرِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَدَعَاهُمْ إِلى سَبِيلِ اللّهِ.

قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللّهِ، إِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ الْمُؤْمِنِ عِنْدَ الرَّجُلِ الْكَافِرِ مَظْلِمَةٌ، أَيَّ شَيْءٍ يَأْخُذُ مِنَ الْكَافِرِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ؟ قَالَ: فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام : يُطْرَحُ عَنِ الْمُسْلِمِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ بِقَدْرِ مَا لَهُ عَلَى الْكَافِرِ، فَيُعَذَّبُ الْكَافِرُ بِهَا مَعَ عَذَابِهِ بِكُفْرِهِ عَذَابا بِقَدْرِ مَا لِلْمُسْلِمِ قِبَلَهُ مِنْ مَظْلِمَةٍ(1)

قَالَ: فَقَالَ لَهُ الْقُرَشِيُّ: فَإِذَا كَانَتِ الْمَظْلِمَةُ لِلْمُسْلِمِ (2) عِنْدَ مُسْلِمٍ، كَيْفَ تُؤْخَذُ مَظْلِمَتُهُ مِنَ الْمُسْلِمِ؟ قَالَ: يُؤْخَذُ لِلْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ مِنْ حَسَنَاتِهِ بِقَدْرِ حَقِّ الْمَظْلُومِ، فَتُزَادُ عَلى حَسَنَاتِ الْمَظْلُومِ.

قَالَ: فَقَالَ لَهُ الْقُرَشِيُّ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلظَّالِمِ حَسَنَاتٌ؟ قَالَ: إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلظَّالِمِ حَسَنَاتٌ، فَإِنَّ لِلْمَظْلُومِ سَيِّئَاتٍ يُؤْخَذُ مِنْ سَيِّئَاتِ الْمَظْلُومِ، فَتُزَادُ عَلى سَيِّئَاتِ الظَّالِمِ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (حُفَرهم) ؛ يحتمل كونه بضمّ الحاء وفتح الفاء، جمع حُفرة _ بالضمّ _ وهي ما يحتفر، فتكون كناية عن القبور .

ص: 179


1- في الطبعة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها : «مظلمته»
2- في الطبعة الجديدة وجميع النسخ التي قوبلت فيها : «لمسلم»

ويحتمل كونه بضمّتين، جمع الحفير، وهو القبر، كرُغُف ورَغيف .

وقوله : (عُزلاً) بضمّ العين المهملة وسكون الزاي، أو ضمّها، بالتخفيف أو بالتشديد .

قال الفيروزآبادي : «الأعْزل: الرمل المنفرد المنقطع، ومَن لا سلاح معه، كالعُزُل _ بضمّتين _ وجمعها: عُزل، بالضمّ. وأعزل أو عُزّل، كركّع» (1).

والمقصود أنّهم يحشرون فريدا وحيدا .

وفي كثير من النسخ: «غُرْلاً» بضمّ الغين المعجمة وسكون الراء، جمع: أغرل، وهو الأغلفُ. والمعنى أنّهم يحشرون غير مختونين، كما خُلقوا أوّل مرّة، لا يفقدون شيئا حتّى الغُلفة، أعني الجلدة التي تُزال في الختان .

وقوله : (مَهَلاً) .

قال الجوهري : «المَهَل، بالتحريك: التُّؤدة» (2).

وفي القاموس: المَهْل، ويحرّك، والمهملة بالضمّ: السكينة، والرفق . ومهّله تمهيلاً: أجّله . ويُقال : مَهْلاً يا رجل _ وكذا الاُنثى والجمع _ بمعنى أَمْهِل. والمُهل بالضمّ: اسم يجمع معدنيّات الجواهر كالفضّة والحديد ونحوهما . والمُهلة، بالضمّ: العدّة . وأمْهَل: بالغ و أعذر . والماهل: السريع، والمتقدّم . انتهى (3).

ومناسبة كلّ من هذه المعاني هنا يظهر بالتأمّل .

وقال بعض الفضلاء : «لعلّ المراد تأنّيهم وتأخّرهم وحيرتهم» . قال : «والظاهر تصحيف» (4).

وفي كثير من النسخ: «بهما» بدل «مهلاً» .

قال الجزري : فيه: «يحشر الناس يوم القيامة عُراة حُفاة بُهما» . البُهم، جمع بهيم، وهو في الأصل الذي لا يخالط لونه لون سواه ؛ يعني ليس فيهم شيء من العاهات والأعراض التي

ص: 180


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 15 (عزل)
2- الصحاح ، ج 5 ، ص 1822 (مهل)
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 53 (مهل) مع التلخيص
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 253

تكون في الدُّنيا، كالعمى والعور والعرج وغير ذلك، وإنّما هي أجساد مصحّحة لخلود الأبد في الجنّة، أو في النار .

وقال بعضهم : روي في تمام الحديث: «قيل : وما البهم؟ قال : ليس معهم شيء» ؛ يعني من أعراض الدنيا . وهذا لا يخالف الأوّل من حيث المعنى (1).

وقوله : (جُرْدا مُردا) .

هما جَمْعا «أجرد» و«أمرد» . قال الجزري في صفته عليه السلام : «إنّه أجرد . الأجرد: الذي ليس على بدنه شعر، ومنه الحديث : «أهل الجنّة جُردٌ مُردٌ» (2).

وقال الفيروزآبادي : «الأمْردُ: الشابّ، طرّ (3) شاربه، ولم تنبت لحيته» (4). انتهى .

وروي من طريق العامّة عنه صلى الله عليه و آله : «أنّه يحشر الناس يوم القيامة حُفاة عُراة عُزلاً بهما جُردا مُردا» (5) .

قال بعضهم : الأظهر أنّ مقام التكرمة يقتضي عدم حشر الأنبياء كذلك (6).

وقوله : (في صعيد) .

قيل : المراد به هنا الأرض المستوية التي لا عِوَج فيها ولا أمَتا (7).

وقال الجوهري : «الصعيد: التراب . وقال ثَعلب : وجه الأرض» (8).

وقوله : (يسوقهم النور، وتجمعهم الظلمة» .

الظاهر أنّ المراد بالنور والظلمة معناهما الحقيقي، وذكر فيه وجوه : الأوّل : أن يكون المراد أنّ من خلفهم نور يسوقهم، لكن ممشاهم في الظلمة. أو تحيط بهم الظلمة في موافقهم . ويؤيّده ما روته العامّة بإسنادهم عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «يحشر معهم النار، يبيت معهم حيث باتوا، ويقيل معهم حيث قالوا، ويُصبح معهم حيث أصبحوا،

ص: 181


1- النهاية ، ج 1 ، ص 167 (بهم)
2- النهاية ، ج 1 ، ص 256 (جرد) مع التلخيص
3- في الحاشية: «الطرّ: طلوع النبت والشارب»
4- .القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 337 (مرد)
5- اُنظر : مسند أحمد ، ج 1 ، ص 235 ؛ و ج 6 ، ص 90 ؛ سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 325 ؛ صحيح البخاري ، ج 4 ، ص 110 ؛ و ج 7 ، ص 195 ؛ صحيح مسلم ، ج 8 ، ص 156
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 33
7- في الحاشية: «أي تلالأ وصعودا وهبوطا . منه». والقائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ص 33
8- الصحاح ، ج 2 ، ص 498 (صعد)

ويُمسي معهم حيث أمسوا» (1).

وفي رواية اُخرى في ذكر أشراط الساعة عنه صلى الله عليه و آله ، أنّه قال : «وآخر ذلك نار تخرج من قعر عدن تطرد الناس إلى محشرهم» (2).

والثاني : أن يكون المراد أنّه إذا حصل لهم نور يمشون فيه، وإذا أحاطت بهم الظلمة يقفون ويتحيّرون .

والثالث : أن يكون المراد بالنور الملائكة؛ أي تسوقهم الملائكة وهم في الظلمة .

والرابع : أن يكون المراد بالنور الإيمان وتوابعه من العبادات؛ لأنّها أنوار تسعى بين يدي صاحبها يوم القيامة، وهم يمشون على أثرها ، وبالظلمة الكفر والشرك ولواحقهما من المعاصي والذنوب .

والمعنى أنّ من كان له ذلك النور يمشي ، ومن لم يكن له ذلك يقف ويبقى متحيّرا .

وعلى التقادير نسبته إلى النور مجاز باعتبار كونه سببا لمشيهم، وهاديا لهم . ونسبة الجمع إلى الظلمة؛ لكونها منشأً لحيرتهم واجتماعهم (3).

(حتّى يقفوا على عقبة المحشر) .

العقبة، بالتحريك: مرقى صعب من الجبال . قيل : في المحشر عقبات مخوفة ومنازل مهولة هي عقبات الفرائض ومنازل الأخلاق ، سمّيت عقبة؛ لشدّة المرور عليها، وصعوبة التخلّص من شدائدها ، وكان المراد بهذه العقبة عقبة الإيمان ومظالم الخلق ؛ ويرشد إلى الأوّل قوله فيما بعد : «يقول الكافر: «هذا يَوْمٌ عَسِرٌ» » ، وإلى الثاني قوله : «ولا يجوز هذه العقبة اليوم عندي ظالم» إلى آخره . فالكفّار يسلكون طريق جهنّم من هذه العقبة .

والظاهر من السياق أنّ من المسلمين من عنده مظلمة يجوز هذه العقبة، وإن لم يقع العفو منها بعدُ، ولكن لا يدخل الجنّة حتّى يخرج من عهدة الحسنات، ويقع التقاصّ

ص: 182


1- اُنظر : مسند أحمد، ج 7 ، ص 7 ؛ صحيح البخاري ، ج 7 ، ص 194 ؛ صحيح مسلم ، ج 8 ، ص 157 ؛ سنن الترمذي ، ج 3 ، ص 323 ؛ سنن النسائي ، ج 4 ، ص 116
2- اُنظر : شرح مسلم للنووي ، ج 17 ، ص 195 ؛ فتح الباري ، ج 11 ، ص 326 ؛ السنن الكبرى ، ج 6 ، ص 424
3- راجع : مرآة العقول ، ج 25 ، ص 253 و 254

بالحسنات أو السيّئات ، وإن أوهم ظاهر قوله : «ولا يجوز هذه العقبة» خلافه (1).

فتأمّل جدّا .

(فيركب بعضهم بعضا) من الكثرة وضيق المسلك .

(ويزدحمون) أي يدفع بعضهم بعضا .

قال الفيروزآبادي : «زحمه _ كمنعه _ زحما وزحاما، بالكسر: ضايقه . وازدحم القوم وتزاحموا» (2).

(فيُمنعون من المُضيّ) على بناء المجهول، وذلك لازدحامهم، ولخروج عن عهدة المظالم .

(فتَشتدّ أنفاسهم) جمع النفس بالتحريك .

(ويَكثُر عَرَقهم) .

في القاموس: «العرق، محرّكة: رشح جلد الحيوان، ويستعار لغيره . ورجلٌ عُرَق، كصُرد: كثيره» (3).

وقيل: في كتاب مسلم عن المقداد بن أسود، قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : «تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق كمقدار ميل، فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق ؛ فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يُلجمُهُ العرقُ إلجاما» ، وأشار رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى فِيه (4).

وفي رواية اُخرى، قال : «إنّ العرق ليذهب في الأرض سبعين باعا، وأنّه ليبلغ إلى أفواه الناس وإلى آذانهم» .

قال عياض : يُحتمل أنّه عرق نفسه بقدر خوفه لما شاهد من الأهوال . ويحتمل أنّه عرق نفسه وعرق غيره يختلط، ويصير لكلّ بقدر عمله، وهذا للازدحام وانضمام بعضهم إلى بعض، حتّى يصير العرق بينهم سائحا على وجه الأرض (5).

وقال القرطبي : العرق: للزحام، ودنوّ الشمس، حتّى تغلى منها الرؤوس وحرارة

ص: 183


1- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 33
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 124 (زحم)
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 262 (عرق)
4- راجع : صحيح مسلم ، ج 8 ، ص 158 ؛ فتح الباري ، ج 11 ، ص 341 ؛ رياض الصالحين للنووي ، ص 235 ؛ كنزل العمّال ، ج 14 ، ص 356 ، ح 38921
5- اُنظر : فتح الباري ، ج 11 ، ص 341

الأنفاس . فإن قيل : لزم أن يسيح الجميع فيه سيحا واحدا، ولا يتفاضلون في القدر، قيل : يزول هذا الاستبعاد بأن يخلق اللّه تعالى في الأرض التي تحت كلّ أحد ارتفاعا بقدر عَمَلهِ، فيرتفع العرق بقدر ذلك .

وجواب ثان، وهو أن يُحشر الناس جماعات متفرّقة، فيحشر من بلغ كعبيه إلى جهة، ومن بلغ حقويه في جهة . انتهى (1).

وقوله : (ضجيجهم) .

قال الجوهري : «أضجَّ القوم إضجاجا، إذا جلبوا وصاحوا، فإذا جَزِعُوا من شيء وغُلِبوا ، قيل : ضجّوا يضجّون ضجيجا» (2).

وقوله : (فيُشرف الجبّار _ تبارك وتعالى _ عليهم من فوق عرشه في ظلال من الملائكة) .

قيل : الإشراف على الشيء: الاطّلاع عليه من فوق، وهو يستلزم العلم به على وجه الكمال ، وإذا نسب إليه تعالى يُراد به هذا اللازم . انتهى (3).

وقد ذكرنا سابقا أنّ صفاته تعالى وما ينسب إليه ويحمل عليه إنّما يعتبر بالنظر إلى الغايات، لا المبادئ ، فإشرافه سبحانه مواصلة معهم معاملة المشرف على الشيء وما يترتّب عليه من الأثر .

أو المراد أشرف أمره في حكمه . أو من قبيل الاستعارة التمثيليّة ، والمراد بالعرش عرش العظمة، أو العرش الجسماني . وعلى الثاني تخصيصه بالذكر؛ للإشعار بأنّ أمره إنّما ينزل من جهة الأعلى .

و«من» الاُولى ابتدائيّة، والثانية بيانيّة . و«في» للمصاحبة، أو للظرفيّة .

قال الفيروزآبادي : الظِلّ، بالكسر: نقيض الضِّحّ. الجمع: ظِلال وظُلول وأظلال، والخيال من الجنّ وغيره يُرى، والعزّ. والمَنعة. ومن كلّ شيء : شخصه، أو كنهه . ومن السحاب : ما وارى الشمس منه أو سواده . ومن النهار: لونه، إذا غلبته الشمس، وهو في ظلّه: في كنفه (4).

ص: 184


1- شرح المازندراني ، ج 12 ، ص 33 و 34
2- الصحاح ، ج 1 ، ص 326 (ضجج)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 34
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 10 (ظلل)

وقال بعض الأفاضل : «يمكن أن يكون إشراف اللّه كناية عن توجّهه إلى محاسبتهم ، فالإشراف في حقّه تعالى مجاز، وفي الملائكة حقيقة» (1).

قال : «ويحتمل أن يكون «في» سببيّة؛ أي يشرف عليهم بسبب إرسال طائفة كثيرة من الملائكة، يظلّون الناس فوق رؤوسهم» .

قال : «ويحتمل أن يكون المراد بالإشراف أمر الملك بالنداء؛ أي يأمر ملكا في ظِلال من الملائكة» (2). فتأمّل .

وقوله : (يا معشر الخلائق) .

في القاموس: «المعشر، كمقعد: الجماعة، والجنّ، والإنس» (3).

(أنصتوا) .

الإنصات: السكوت، والاستماع للحديث . يُقال : أنصتوه، وأنصتوا له .

(واستمعوا منادي الجبّار) . يُقال : استمع له وإليه، إذا أصغى . فتعلّق المنادي بالاستماع محمول على الحذف والإيصال .

ويحتمل تعلّقه بالفعلين على سبيل التنازع .

وقوله : (وتخشع أبصارهم) .

الخشوع في البصر: إظهار المذلّة، والاستكانة بها بغضّها وإرخاء أجفانها .

(وتضطرب فرائصهم) .

في القاموس: «الفرائص: أوداجُ العنق . والفريصة واحدته ، واللحمة بين الجنب والكتف لا تزال ترعد» (4).

وقيل : أراد بها أصل الرقبة وعروقها؛ لأنّها هي التي تثور عند الغضب والخوف (5).

وقوله : (مُهطعين إلى الداع) أي مسرعين ، مادّ أعناقهم إليه .

قال الجوهري : «أهطع، إذا مدّ عنقه وصوّب رأسه. وأهْطع في عدوِهِ: أسرع، فعند ذلك

ص: 185


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 34
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 254
3- القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 254 و 255
4- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 90 (عشر)
5- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 311 (فرص)

الهول» (1).

(يقول الكافر : «هذا يَوْمٌ عَسِرٌ» ) أي صعب .

وهذه الفقرات إشارة إلى قوله تعالى في سورة القمر : «يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ * خُشَّعا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنْ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنتَشِرٌ * مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هذَا يَوْمٌ عَسِرٌ» (2) .

وقوله : (الحكم) أي الحاكم .

قال الفيروزآبادي : «الحاكم: مُنفِذُ الحُكم، كالحَكَم ، محرّكة» (3).

(العدل ... الذي لا يجور) .

الموصول صفة موضحة للعدل . وقيل : يحتمل الاحتراز؛ لأنّ العدل من الناس قد يجور .

قال : ولعلّ الغرض من هذا القول مع وضوحه في ذلك اليوم هو التصريح بأنّه لا حَكَم فيه إلّا هو ، وللتنبيه بزهوق آلهة اتّخذوها في الدُّنيا، وقطع طمعهم عن ملجأ سواه، وبه يحصل زيادة انبساطٍ للمؤمن ، وزيادة اغتمام للكافر (4).

وقوله : (بعدلي وقسطي) .

القِسط، بالكسر: العَدْل، وهو من المصادر الموصوف كالعدل، يستوي فيه الواحد والجمع . فالعطف للتفسير والتأكيد، والإضافة للدلالة على كمال المضاف .

(لا يُظلم) على بناء المعلوم .

(اليوم عندي أحد) أي لا يحتوي اليوم أحدٌ أن يظلم عندي أحدا .

أو على بناء المجهول، وتخصيص اليوم بالذكر مع أنّه تعالى حكم عدل أزلاً وأبدا؛ لعلمه لزيادة الاهتمام بإظهار العدل فيه، ولأنّ آثاره فيه أظهر وأقوى منها في غيره ؛ إذ ربّما ينتفي العدل من آحاد الناس في الاُمور الدنيويّة لانتفاء علمهم بالمصالح، ولا حكم ولا عدل في ذلك اليوم سواه تعالى، ولا يتصوّر الجهل في حقّه .

وقوله : (ولصاحب المظلمة بالمظلمة) بكسر اللّام فيهما، أو بفتحها فيهما، أو بالتفريق .

ص: 186


1- الصحاح ، ج 3 ، ص 1307 (هطع)
2- . القمر (54) : 6 - 8
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 98 (حكم)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 35

قال الجوهري : «ظلمه يظلِمه ظُلما ومَظْلَمَةً . وأصله: وضع الشيء في غير موضعه . والظُّلامة والظَّليمة والمَظْلِمة: ما تطلبه عند الظالم، وهو اسم ما اُخذ منك» (1).

(بالقصاص من الحسنات والسيّئات) بنقل حسنات الظالم إلى المظلوم وسيّئات المظلوم إلى الظالم حتّى يبلغ الاستيفاء .

وفي القاموس: «القِصاص، بالكسر: القود» (2).

(واُثيب على الهبات) أي اُجزي في هذا اليوم، واُعطي الثواب من وهب مظلمته لظالمه .

وقوله : (ولأحد عنده مظلمة) . الواو للحال .

(إلّا مظلمة يَهَبُها صاحبُها) بالرفع، فاعل «يهب» .

وفي كثير من النسخ: «لصاحبها» ، فالمراد بصاحب المظلمة حينئذٍ الظالم باعتبار كونه حاملاً لها . والضمير المستتر عائد إلى «أحد» .

(واُثيبه) .

الضمير للصاحب، أو للأحد ، والمآل واحد .

(عليها) أي على الهبة .

(وآخذ له بها عند الحساب) .

لعلّه معطوف على قوله : «لا يجوز» أي إن لم يهب ذلك الأحَد آخُذ الظالم له بتلك المظلمة عند الحساب .

وقيل : الظاهر أنّه عطف على «يهبها»، لا على «اُثيبه»؛ إذ لا أخْذَ بعد الهبة . ولعلّ المراد أنّه لا يجوز هذه العقبة ظالم إلّا إذا وهبه المظلوم، أو استحقّ دخول الجنّة بعد الأخذ منه عند الحساب . وأمّا غيرهما فيسلك هناك مسلك النار . انتهى (3).

وقوله : (فتلازموا) على صيغة الأمر من التلازم .

وقوله : (مَظلمة أو حقّ) أي على غير جهة الظلم، كالدَّين الذي عُجز أداؤه ونحوه .

(إلّا لزمه) أي لزم صاحب المظلمة والحقّ مَنْ عنده مظلمة، أو حقّه، ولا يفارقه .

ص: 187


1- الصحاح ، ج 5 ، ص 1977 (ظلم) مع التلخيص
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 313 (قصص)
3- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 35

(بها) أي بتلك المظلمة . ولعلّ الإتيان بضمير المظلمة دون الحقّ؛ للعلم به بقرينة السياق، أو تعميم المظلمة بحيث يشمل الحقّ من باب الاستخدام .

وقوله : (ويطّلع اللّه على جَهدهم) .

الاطّلاع: العلم بباطن الشيء على وجه البصيرة . والجهد، بالفتح: المشقّة .

وقوله : (أنصتوا لداعي اللّه ) .

في بعض النسخ: «الداعي» بلام التعريف .

وقوله : (أنا الوهّاب) .

في وصفه تعالى ذاته المقدّسة بهذه الصفة ترغيب للمخاطبين في التواهب؛ ليتخلّقوا بأخلاقه، ويتوقّعوا مثلها من مواهبه .

وقوله : (من تِلقاء العرش) . يُقال : جلس تلقاه _ بالكسر _ أي حذاه .

وقوله : (أن يُطلع) من باب الإفعال .

(من الفردوس قصرا) أي يظهره من إشراف إلى انحدار .

وفي القاموس: «الفردوس : البستان، يجمع كلّ ما يكون في البساتين، تكون فيه الكروم ، عربيّة، أو روميّة نقلت ، أو سريانيّة» (1).

وقوله : (في حفافة القصر) بكسر الحاء؛ أي جانبه .

قال الفيروزآبادي : «الحِفاف، ككتاب: الجانب . وحافّين من حول العرش : محدقين بأحفّته؛ أي جوانبه» (2).

وقوله : (هذا لكلّ من عفا) . لعلّ المراد لكلّ من عفا عن مؤمن مثله .

وقوله : (أيّها الخلائق، استعدّوا للحساب) ؛ الظاهر أنّه من كلامه تعالى .

وقيل : يحتمل أن يكون من كلامه عليه السلام بأن يأمر بالاستعداد في الدنيا لحساب الآخرة؛ فإنّ ذلك يوجب سلب المفاسد، وجلب المنافع، حتّى يرد على القيامة، ولا حساب عليه (3).

وقوله : (إلى العقبة) أي العقبة التي سبق ذكرها، أو عقبة اُخرى بعدها .

ص: 188


1- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 236 (فردوس)
2- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 128 (حفف)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 36

وقوله : (يَكْرُدُ) كينصر .

والكرد: السوق، وطرد العدوّ . كذا في القاموس (1) وفي النهاية: «كَرَد القوم: صرفهم، وردّهم» (2).

وقوله : (إلى العَرصة) أي عرصة القيامة، وهي موضع اجتماع الخلق للحساب .

وفي القاموس: «العَرصة: كلّ بقعة بين الدور واسعةٍ ليس فيها بناء» (3).

وقوله : (الدواوين) جمع الديوان، بالكسر، ويُفتح، وهو مجتمع الصحف والكتاب يكتب فيه أهل الجيش وأهل العطايا، مِن دوّن الكتب، إذا جمعها .

وقوله : (فيعذّب الكافر) .

فيه دلالة على تعذيب الكافر بالفروع أيضا .

متن الحديث الثمانين

اشاره

أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ يُوسُفَ بْنِ ثَابِتِ بْنِ أَبِي سَعِيدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام :

أَنَّهُمْ قَالُوا حِينَ دَخَلُوا عَلَيْهِ: إِنَّمَا أَحْبَبْنَاكُمْ لِقَرَابَتِكُمْ (4) مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَلِمَا أَوْجَبَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ مِنْ حَقِّكُمْ ، مَا أَحْبَبْنَاكُمْ لِلدُّنْيَا (5). ، نُصِيبُهَا مِنْكُمْ إِلَا لِوَجْهِ اللّهِ وَالدَّارِ الْاخِرَةِ، وَلِيَصْلُحَ لأْرِئٍ مِنَّا دِينُهُ؟ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «صَدَقْتُمْ، صَدَقْتُمْ» ثُمَّ قَالَ: «مَنْ أَحَبَّنَا، كَانَ مَعَنَا، أَوْ جَاءَ مَعَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ هكَذَا _ ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَ السَّبَّابَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: _ وَاللّهِ، لَوْ أَنَّ رَجُلاً صَامَ النَّهَارَ، وَقَامَ اللَّيْلَ، ثُمَّ لَقِيَ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ بِغَيْرِ وَلَايَتِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، لَلَقِيَهُ وَهُوَ عَنْهُ غَيْرُ رَاضٍ، أَوْ سَاخِطٌ عَلَيْهِ».

ثُمَّ قَالَ: «وَذلِكَ قَوْلُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلاّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاّ وَهُمْ كُسالى وَلا يُنْفِقُونَ إِلاّ وَهُمْ كارِهُونَ * فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ» (6). ».

ص: 189


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 332 (كرد)
2- النهاية ، ج 4 ، ص 162 (كرد)
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 307 (عرص)
4- في الحاشية عن بعض النسخ: «بقرابتكم»
5- في الحاشية عن بعض النسخ: «لدنيا»
6- التوبة (9) : 54 و 55

ثُمَّ قَالَ: «وَكَذلِكَ الْاءِيمَانُ لَا يَضُرُّ مَعَهُ الْعَمَلُ، وَكَذلِكَ الْكُفْرُ لَا يَنْفَعُ مَعَهُ الْعَمَلُ».

ثُمَّ قَالَ: «إِنْ تَكُونُوا وَحْدَانِيِّينَ، فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَحْدَانِيّا يَدْعُو النَّاسَ، فَلَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَجَابَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسى، إِلَا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي».

شرح الحديث

السند موثّق .

قوله : (أنّهم قالوا) أي جماعة من الشيعة .

وقوله : (للدنيا) .

في بعض النسخ: «لدنيا» .

وعلى الأوّل يكون قوله : (نُصيبها منكم) جملة حاليّة ، وعلى الثاني وصفيّة .

وقوله : (إلّا لوجه اللّه ) أي لكن أحببناكم لوجه اللّه ، غير مشوب بغرض آخر . فالاستثناء منقطع بمنزلة الإضراب عن السابق .

(ولَيَصلُح) بضمّ اللام (لامرئ) أي لكلّ امرئ منّا .

وقوله : (دينُهُ) فاعل «يصلح» .

والصلاح: ضدّ الفساد، وفعله كنصر ، وقد يجيء ككرم . ويحتمل كونه من باب الإفعال، وفاعله المستتر راجعا إلى اللّه ، و«دينه» مفعوله .

وقوله : (ثمّ جمع بين السبّابتين) أي سبّابتي اليدين على الظاهر.

وكون المراد السبّابة والوسطى على سبيل التغليب (1). بعيد .

والسبّابة _ بالفتح وتشديد الباء _ من الأصابع: ما يلي الإبهام .

وقوله : (أو ساخط) ؛ الترديد من الرواة .

(ثمّ قال : وذلك) أي عدم قبول العمل من غير أهل الإيمان، وعدم الرضا عنه، أو السخط عليه .

(قول اللّه عزّ وجلّ) في سورة التوبة : «وَمَا مَنَعَهُمْ» أي ما منع هؤلاء المنافقين .

ص: 190


1- احتمله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 257

«أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ» أي من قبولها والإثابة بها .

«إِلَا أَنَّهُمْ كَفَرُوا» أي إلّا كفرهم .

«بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ» ؛ وذلك ممّا يحبط الأعمال، ويمنع من استحقاق الثواب عليها .

«وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَا وَهُمْ كُسَالى» متثاقلين في فعلها .

«وَلَا يُنفِقُونَ إِلَا وَهُمْ كَارِهُونَ» أي لا يؤدّونها على الوجه المأمور به؛ لعدم اعتقادهم بفضلها، لا يرجون بفعلها ثوابا، ولا يخافون بتركها عقابا .

قيل : في هذا دلالة على أنّ الكفّار مخاطبون بالشرائع؛ لأنّه سبحانه ذمّهم على ترك الصلاة والزكاة، ولولا وجوبهما عليهم لم يذمّوا بتركهما (1) . وفيه بحث .

«فَلَا تُعْجِبْكَ» ؛ الخطاب للنبيّ صلى الله عليه و آله ، والمراد عامّة المؤمنين .

وقيل : عامّ؛ أي لا تشرك أيّها السامع كثرة.

«أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ» ؛ فإنّ ذلك استدراج لهم، ووبالٌ عليهم ، كما في «إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» .

قال البيضاوي : «بسبب ما يكابدون لجمعها وحفظها من المتاعب، وما يرون فيها من الشدائد والمصائب» (2).

وقال الشيخ الطبرسي : قد ذكر في معناه وجوه: أحدها: أنّ فيه تقديما وتأخيرا ؛ أي لا يسرّك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا، إنّما يريد اللّه ليعذّبهم بها في الآخرة ، فيكون الظرف على هذا متعلّقا بأموالهم وأولادهم (3).

وثانيها : أنّ معناه: إنّما يريد اللّه أن يعذّبهم بها في الدُّنيا بالتشديد عليهم في التكليف، وأمرهم بالإنفاق في الزكاة والغزو، فيؤدّونها على كره منهم ومشقّة؛ إذ لا يرجون به ثوابا في الآخرة ، فيكون ذلك عذابا لهم (4).

ص: 191


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 258
2- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 151
3- نسبه إلى ابن عبّاس وقتادة
4- نسبه إلى الحسن والبلخي

وثالثها : أنّ معناه : إنّما يريد اللّه ليعذّبهم في الدُّنيا بسبي الأولاد، وغنيمة الأموال عند تمكّن المؤمنين من أخذها وغنمها، فيتحسّرون عليها، ويكون ذلك جزاءً على كفرهم (1).

ورابعها : أنّ المراد: يعذّبهم بجمعها وحفظها وحبّها والبخل بها، والخوف عليها، وكلّ هذا عذاب، وكذلك خروجهم عنها بالموت؛ لأنّهم يفارقونها، ولا يدرون إلى ماذا يصيرون .

وخامسها : أنّ معناه: إنّما يريد اللّه ليعذّبهم بحفظها، والمصائب فيها، مع حرمان المنفعة بها (2).

واللام في قوله : «ليعذّبهم» ، يحتمل أن تكون لام العاقبة، والتقدير إنّما يريد اللّه أن يُملي لهم فيها ليعذّبهم .

«وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ» أي تَهلِك، وتذهب بالموت .

وأصل الزهوق: الخروج بصعوبة .

«وَهُمْ كَافِرُونَ» بما يجب الإيمان به .

والجملة في موضع الحال، والإرادة تعلّقت بزهوق أنفسهم، لا بالكفر، وهذا كما تقول : «اُريد أن أضربه، وهو عاص» ، فالإرادة تعلّقت بالضرب، لا بالعصيان (3).

وحاصل استشهاده عليه السلام بهذه الآية أنّها دلّت على أنّ من دخل في الدين، وكفر باللّه ورسوله بإنكار أمرٍ من اُمور الدين، أو حكمٍ من أحكامه، كان غير مرضيّ عند اللّه ، أو مسخوطا به، وعمله غير مقبول .

ومعلوم أنّ المراد بالآية من أعظم اُمور الدين .

(وكذلك الإيمان لا يضرّ معه العمل) أي الإخلال بالعمل لا يضرّ بأصل الإيمان، بحيث يصير سببا للخلود في النار ، أو لعدم استحقاق الشفاعة والرحمة .

(وكذلك الكفر لا ينفع معه العمل) _ أي استقامة العمل _ نفعا يوجب الخلاص عن النار، أو استحقاق الشفاعة والمغفرة .

وقال بعض الشارحين : لعلّ المراد بالعمل الأوّل العمل الحقير القليل ، وبالعمل الثاني العمل العظيم الكثير ؛

ص: 192


1- نسبه إلى الجبائي
2- نسبه إلى ابن زيد
3- تفسير مجمع البيان ، ج 5 ، ص 69 و 70 (مع التلخيص واختلاف يسير)

فإنّ قليل العمل مع الإيمان مقبول ، وكثيره مع الكفر غير مقبول .

ثمّ قال : وممّا يدلّ على أنّه لابدّ في هذا الخبر من التأويل ما روي عن محمّد بن مارد، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : حديث روي لنا أنّك قلتَ : «إذا عرفت _ يعني الولاية _ فاعمل ما شئتَ؟» فقال : «قد قلتُ ذلك» .

قال : قلت : وإن زنوا، وسرقوا، وشربوا الخمر؟

فقال : «إنّا للّه ، وإنّا إليه راجعون، ما أنصفونا أن نكون اُخذنا بالعمل ووُضع عنهم، إنّما قلت : إذا عرفت، فاعمل ما شئت من قليل الخير وكثيره؛ فإنّه يُقبل منك» (1) (2).

وقوله : (إن تكونوا وحدانيّين) إلى آخره .

في النهاية : «الوحداني: المفارق للجماعة ، المنفرد بنفسه، وهو منسوب إلى الوحدة : الانفراد ، بزيادة الألف والنون» (3).

وأقول : لا يبعد كونه هنا منسوبا إلى الوُحدان _ بالضمّ _ جمع الواحد ؛ يعني أن تكونوا منفردين في هذا الأمر، قليلين في العدد، لا يشارككم فيه غيركم، فاصبروا، ولا تحزنوا؛ فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان في كثير من الأزمنة متفرّدا بالحقّ، يدعو الناس إليه بالمعجزات، فلا يستجيبون له إلّا قليل .

وفيه تسلية للشيعة، ودفع شبهة من زعم أنّ الحقّ مع الكثرة .

وقوله : (قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله ...) أي عند استجابته له في أوّل الأمر .

متن الحديث الواحد والثمانين

اشاره

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ يُونُسَ، قَالَ:قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام لِعَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ الْبَصْرِيِّ الصُّوفِيِّ: «وَيْحَكَ يَا عَبَّادُ، غَرَّكَ أَنْ عَفَّ بَطْنُكَ وَفَرْجُكَ؛ إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدا *

ص: 193


1- الكافي ، ج 2 ، ص 464 ، ح 5 ؛ مجموعة ورّام ، ج 2 ، ص 160 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 114 ، ح 287
2- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 39
3- النهاية ، ج 5 ، ص 160 (وحد)

يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ» (1) ، اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنْكَ شَيْئا (2) حَتّى تَقُولَ قَوْلاً عَدْلاً».

شرح الحديث

السند مختلفٌ فيه ، وفيه شائبة الإرسال؛ فإنّ يونس بن عبد الرحمان الذي روى عنه اليقطيني، لم يعدّوه في رجال الصادق عليه السلام ، ولم يعهد رواية اليقطيني عنه .

قوله عليه السلام : (غرّك) .

قال الجوهري: «غرّه يغرّه؛ أي خدعه» (3).

(أن عفّ بطنُك وفرجك) .

قال الجوهري: «عفَّ عن الحرام يَعِفّ عَفّا وعِفّةً وعَفافَةً ؛ أي كفّ» انتهى (4).

وقيل : العِفّة : الاكتفاء بقدر الضرورة، أو ما دونه من الحلال (5). والحاصل أنّه عليه السلام حذّره من الانخداع بعفّة البطن والفرج بأن عدّ نفسه من الأولياء والكمّل بدون الإقرار والإذعان بولاية وليّ الأمر .

واستدلّ على ذلك بقوله تعالى في سورة الأحزاب : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ» في ارتكاب ما يكرهه «وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدا» . قيل : أي قاصدا إلى الحقّ، من سَدَّ يَسِدُّ سَدادا (6). وقيل : هو المُعرّى عن الباطل(7) .

«يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ» أي يصلحها بالقبول والإثابة عليها . أو يوفّقكم للأعمال الصالحة . وقوله عليه السلام : (حتّى تقول قولاً عدلاً) إشارة إلى تفسير القول السديد .

وقيل : المراد به الاعتقاد الصحيح ، ولمّا كان هذا الصوفيّ المبتدع منحرفا عن ناحية أهل البيت عليهم السلام منكرا لإمامتهم، نبّه عليه بأنّه لا ينفعه أعماله مع تلك العقيدة الفاسدة ؛ فإنّ قبول الأعمال مشروط بصحّة العقائد (8).

وأقول: في تفسير القول بالاعتقاد خفاء ، ولعلّ هذا القائل أراد به ما يكون منشؤه الاعتقاد

ص: 194


1- الأحزاب (33) : 70 و71
2- في الحاشية عن بعض النسخ: «قولاً»
3- الصحاح ، ج 2 ، ص 769 (غرر)
4- الصحاح ، ج 4 ، ص 1405 (عفف)
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 40
6- اُنظر : مرآة العقول ، ج 25 ، ص 260
7- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 40
8- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 260

الصحيح ، والأظهر أن يُقال: لمّا كانت حصائد الألسنة وزلّاتها كثيرة، وأعظمها إنكار الولاية لأهلها، نبّه عليه السلام بأنّ سائر أعماله لا ثمرة لها حتّى يستقيم لسانه، ويقول قولاً عدلاً ، والعمدة فيه الإقرار بالولاية .

متن الحديث الثاني والثمانين

اشارة

يُونُسُ (1) ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ شَجَرَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:«لِلّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ فِي بِلَادِهِ خَمْسُ حُرَمٍ: حُرْمَةُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَحُرْمَةُ آلِ الرَّسُولِ (2) صلى الله عليه و آله ، وَحُرْمَةُ كِتَابِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَحُرْمَةُ كَعْبَةِ اللّهِ، وَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ».

شرح الحديث

السند كما عرفت في سند الحديث السابق .

قوله : (خمس حُرَم) إلى آخره .

في القاموس: الحرمة، بالضمّ وبضمّتين، وكهُمزَة: ما لا يحلّ انتهاكه . والذِّمّة، والمهابة، والنصيب. «وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللّه » (3). ؛ أي ما وجب القيام به، وحَرُم التفريط فيه. وكأمير: ما حُرِّم، فلم يُمسّ. وعن الدار: ما اُضيف إليها في حقوقها ومرافقها . وحريم الرجل: ما يحميه، ويُقاتل عنه . والجمع: أحرام، وحُرُم بضمّتين . انتهى (4).

ويظهر من هذا الحديث أنّ الحرم جمع الحرمة، وأنّ المراد بها ما يجب احترامه . وقيل : المراد بالحرم الحقوق المقرّرة شرعا، ومن حقوق الرسول على الاُمّة التصديق به، وبما جاء به ، إلى غير ذلك . ومن حقوق آل الرسول أن يقرّ بولايتهم، ويتّبعهم في العقائد والأعمال، وقس عليهما البواقي جملةً؛ فإنّ تفصيل الحقوق يوجب الإطناب (5).

ص: 195


1- السند معلّق على سابقه ، ويروي عن يونس ، عليّ بن إبراهيم عن محمّد بن عيسى بن عبيد
2- في كلتا الطبعتين وبعض النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة : «آل رسول اللّه »
3- الحجّ (22) : 30
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 95 (حرم) مع التلخيص
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 40

متن الحديث الثالث والثمانين

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:

سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «إِذَا بَلَغَ الْمُؤْمِنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، آمَنَهُ اللّهُ مِنَ الْأَدْوَاءِ الثَّلَاثَةِ: الْبَرَصِ، وَالْجُذَامِ، وَالْجُنُونِ.

فَإِذَا بَلَغَ الْخَمْسِينَ، خَفَّفَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ حِسَابَهُ. فَإِذَا بَلَغَ سِتِّينَ سَنَةً، رَزَقَهُ اللّهُ الْاءِنَابَةَ. فَإِذَا بَلَغَ السَّبْعِينَ، أَحَبَّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ. فَإِذَا بَلَغَ الثَّمَانِينَ، أَمَرَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ بِإِثْبَاتِ حَسَنَاتِهِ وَإِلْقَاءِ سَيِّئَاتِهِ. فَإِذَا بَلَغَ التِّسْعِينَ، غَفَرَ اللّهُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَكُتِبَ أَسِيرَ اللّهِ فِي أَرْضِهِ».

وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرى: «فَإِذَا بَلَغَ الْمِائَةَ، فَذلِكَ أَرْذَلُ الْعُمُرِ».

شرح الحديث

السند مجهول .

قوله : (آمنه اللّه من الأدواء الثلاثة) ؛ كأنّه محمول على الغالب، أو مختصّ بالمؤمن الكامل .

والأدواء: جمع الدواء . قال الجوهري : «الدواء، مقصور: المرض. تقول منه: دَوِيَ، بالكسر؛ أي مرض» (1).

وقال الفيروزآبادي : «الدواء، مثلّثة: ما داويتَ به. وبالقصر: المرض» (2).

وقال : «الجذام، كغراب: علّة تحدث من انتشار السوداء في البدن كلّه، فيفسد مزاج الأعضاء وهيأتها . وربّما انتهى إلى تآكل الأعضاء وسقوطها عن تقرّح . جُذِم كعُني» (3).

وقوله : (خفّف اللّه حسابه) أي يساهل معه في كثير من اُموره يوم القيامة، ولا يشدّد عليه .

وقوله : (الإنابة) .

ص: 196


1- الصحاح ، ج 6 ، ص 2342 (دوي)
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 329 (دوي)
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 88 (جذم)

قال الجوهري : «أناب إلى اللّه ؛ أي أقبل، وتاب» (1).

وقوله : (أحبّه أهلُ السماء) .

وثمرة محبّتهم إيّاه أنّهم يذكرونه في الملأ الأعلى، ويدعون له، ويستغفرون لذنوبه .

وقوله : (أمر اللّه بإثبات حسناته، وإلقاء سيّئاته) .

ولعلّ المراد أنّه يوفّق حينئذٍ لفعل الحسنات وترك السيّئات، وهذا أيضا إمّا محمول على الغالب ؛ لانكسار سورة أكثر الدواعي الشهوانيّة في هذا السنّ ، أو مختصّ بالمؤمن الكامل .

وقيل : لا يخفى أنّ الإتيان في هذا السنّ بالسيّئات أشنع، والمخالفة للربّ أقبح وأفظع ، ولكنّه تعالى يرحمه؛ لضعفه وعجزه، فيأمر بإلقاء سيّئاته؛ لئلّا يخجّله على رؤوس الأشهاد تفضّلاً عليه .

وقد مرّ في الاُصول أنّ اللّه تعالى لا ينظر يوم القيامة إلى شيخ زان . فتأمّل (2).

وقوله : (ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر) .

الظاهر أنّ المراد جميع ما فرّط منه ممّا يصحّ كونه منشأً للعتاب .

ولعلّ غفرانه بتوفيق الإنابة والتدارك .

وقيل : كأنّ المراد بالذنوب الصغائر من حقوق اللّه تعالى مع احتمال الكبائر أيضا (3) .

وقوله : (أسيرَ اللّه ) .

لعلّه لكونه مغلوبا بالضعف والانكسار، وتعطّل الحواسّ كلّاً أو جُلّاً، وعجزه عمّا يريد من الأعمال كالأسير .

وقيل : سمّي أسيرا؛ لأنّه أسره قضاء اللّه ، فأخرجه من موطنه الأصلي، وحبسه في دار الغربة مدّة طويلة، وعذّبه بهواء النفس وإغراء الشيطان، فهو محلّ الترحّم (4).

وقوله : (أرذلُ العمر) .

في القاموس: «الأرذل: الدون الخسيس، أو الرديء من كلّ شيء . فأرذل العمر: أسوؤهُ» انتهى(5) .

ص: 197


1- الصحاح ، ج 1 ، ص 229 (نوب)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 41
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 41
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 41
5- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 384 (رذل)

وقال بعض المفسّرين : « أرذل العمر: الهرم، والحزف»(1) وحدَّهُ بعضهم بخمس وتسعين، وبعضهم بخمس وسبعين (2).

وقيل : لزمان بقاء كلّ شخص وعمره مراتب في القوّة والضعف ؛ فأضعف المراتب وأرذلها مائة سنة فصاعدا؛ لأنّ العمر في حال الطفوليّة وإن كان ضعيفا لكنّه في مقام الترقّي؛ لقبول الكمال بخلاف مائة سنة؛ فإنّه فيها في غاية الضعف، ومقامِ التنزّل حتّى يبلغ حدّا لا يدري ما يقول وما يفعل (3).

متن الحديث الرابع والثمانين

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ دَاوُدَ ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ:قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «إِنَّ الْعَبْدَ لَفِي فُسْحَةٍ مِنْ أَمْرِهِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَإِذَا بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً أَوْحَى اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ إِلى مَلَكَيْهِ: قَدْ عَمَّرْتُ عَبْدِي هذَا عُمُرا، فَغَلِّظَا، وَشَدِّدَا، وَتَحَفَّظَا، وَاكْتُبَا عَلَيْهِ قَلِيلَ عَمَلِهِ وَكَثِيرَهُ ، وَصَغِيرَهُ وَكَبِيرَهُ».

شرح الحديث

السند مجهول .

قوله : (فُسحة) بالضمّ؛ أي سعة من عفو اللّه وغفرانه في اُموره التكليفيّة ، للمسامحة معه في كثير منها؛ لشدّة داعية الشهوانيّة وقوّتها .

وقيل : ليس فيه ما ينافي الحديث السابق؛ إذ ليس في السابق حكم ما دون الأربعين ، وأمّا في السابق من رفع الأدواء الثلاثة عن صاحب الأربعين، فلا ينافي التشديد عليه في أمره، ولكن لابدّ من تقييد التشديد بالبلوغ إلى الخمسين ؛ لأنّ الخمسين يوجب التخفيف، كما مرّ .

أو القول بأنّ التخفيف من باب التفضّل لمن يشاء ، فقد يخفّف لصاحب

ص: 198


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 41
2- راجع : تفسير جوامع الجامع ، ج 2 ، ص 548 ؛ تفسير السمرقندي ، ج 2 ، ص 449 ؛ تفسير الثعلبي ، ج 7 ، ص 8 ؛ تفسير الواحدي ، ج 2 ، ص 728 ؛ تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 409
3- اُنظر : مرآة العقول ، ج 25 ، ص 261

الخمسين، وقد يشدّد عليه (1).

وقوله : (تحفّظا) .

التحفّظ: التذكّر، والتيقّظ .

متن الحديث الخامس والثمانين

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنِ الْحَلَبِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:

سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام عَنِ الْوَبَاءِ يَكُونُ فِي نَاحِيَةِ الْمِصْرِ، فَيَتَحَوَّلُ الرَّجُلُ إِلى نَاحِيَةٍ أُخْرى، أَوْ يَكُونُ فِي مِصْرٍ، فَيَخْرُجُ مِنْهُ إِلى غَيْرِهِ؟

فَقَالَ: «لَا بَأْسَ، إِنَّمَا نَهى رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَنْ ذلِكَ؛ لِمَكَانِ رَبِيئَةٍ (2) كَانَتْ بِحِيَالِ الْعَدُوِّ، فَوَقَعَ فِيهِمُ الْوَبَاءُ، فَهَرَبُوا مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : الْفَارُّ مِنْهُ كَالْفَارِّ مِنَ الزَّحْفِ، كَرَاهِيَةَ أَنْ يَخْلُوَ مَرَاكِزُهُمْ».

شرح الحديث

السند حسن .

قوله: (الوباء) بهمز اللام، محرّكة .

قال الجوهري في المهموز: «الوباء، يقصر ويمدّ: مرض عامّ. وجمع المقصور: أوباء ، وجمع الممدود: أوبئة» (3).

وقال الفيروزآبادي : «الوَباء، محرّكة: الطاعون، وكلّ مرض عامّ» (4) .

وقال : «الطاعون: الوباء» (5).

وقال الجوهري : «الطاعون: الموت الوَحِيّ من الوباء» (6).

ومفاده أنّ الطاعون نفس الموت المسبّب من الوباء . وقيل : الطاعون مرض مخصوص،

ص: 199


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 42
2- في الحاشية عن بعض النسخ: «ريبة»
3- الصحاح ، ج 2 ، ص 79 (وبأ)
4- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 31 (وبأ)
5- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 245 (طعن)
6- الصحاح ، ج 6 ، ص 2158 (طعن)

وهو غدّة، كغدّة البعير، تخرج في الآباط غالبا، وقد تخرج في الأيدي والأصابع وغيرها من الأعضاء ، وعلى هذا كلّ طاعون وباء، ولا ينعكس (1).

وقوله : (لمكان رَبيئة) إلى آخره .

الرَّبيئةُ، بفتح الراء، وكسر الباء الموحّدة، وفتح الهمزة: طليعة الجيش: من يبعث ليطّلع طِلْع (2). العدوّ. يقال: رَباهم ولهم _ كمنع _ إذا صار رَبئةً لهم. ورابَأْتُهُ : حَذرته، واتّقيته، وراقبته، وحارسته .

وفي بعض النسخ : «ريبة». وفي بعضها: «رئبة»، والمآل واحد .

والضمير في قوله: «فيهم» راجع إلى «ربيئة» جيش المسلمين.

والحيال، بالكسر: الإزاء، وأصله الواو .

وفي القاموس: «المركز: موضع الرجل ، ومحلّه، وحيث أمر الجُند أن يلزموه» (3).

متن الحديث السادس والثمانين

اشارة

عَلِيٌّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ حُمْرَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:

«ثَلَاثَةٌ لَمْ يَنْجُ مِنْهَا نَبِيٌّ فَمَنْ دُونَهُ: التَّفَكُّرُ فِي الْوَسْوَسَةِ فِي الْخَلْقِ، وَالطِّيَرَةُ، وَالْحَسَدُ، إِلَا أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَسْتَعْمِلُ حَسَدَهُ».

شرح الحديث

السند مجهول .

قوله : (التفكّر في الوسوسة في الخلق) .

قيل : الظاهر أنّ المراد التفكّر فيما يحصل في نفس الإنسان من الوساوس في خالق

ص: 200


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12، ص 42
2- في الحاشية: «الطِّلْع، بالكسر: الاسم من الاطّلاع . تقول منه : أطلع طِلعَ العدوّ . ويقال أيضا : كن بطلع الوادي وطَلع الوادي، بالفتح والكسر، وكلاهما صواب ». الصحاح ، ج 3 ، ص 1254 (طلع)
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ، ص 177 (ركز)

الأشياء، وكيفيّة خلقها، وخلق أعمال العباد، والتفكّر في الحكمة في خلق بعض الشرور في العالم من غير استقرار في النفس وحصول شكّ بسببها (1).

وقيل : المراد بالخلق المخلوقات، وبالتفكّر فيهم بالوسوسة التفكّر، وحديث النفس بعيوبهم، وتفتيش أحوالهم، وهو بعيد (2).

قال الفيروزآبادي : «الوسوسة: حديث النفس والشيطان بما لا نفع فيه ولا خير، كالوسواس، بالكسر. والاسم بالفتح. وقد وسوس له وإليه» (3).

(والطيرة) .

قال الجوهري : «الطِّيرَة، مثال العنبة: ما يتشاءم به من الفأل الرديء، وفي الحديث: أنّه كان يحبّ الفأل، ويكره الطيرة» (4).

وفي النهاية : فيه: لا عدوى ولا طيرة . الطيرة، بكسر الطاء، وفتح الياء، وقد تسكن، هي التشاؤم بالشيء، وهو مصدر تطيّر . يُقال : تطيّر طيرة، وتخيّر خيرَة، ولم يجئمن المصادر هكذا غيرهما.

وأصله فيما يُقال: التطيّر بالسوانح والبوارح من الطير والظِّباء وغيرهما ، وكان ذلك يصدّهم عن مقاصدهم، فنفاه الشرع وأبطله، ونهى عنه، وأخبر أنّه ليس له تأثير في جلب نفع ودفع ضرّ ، وقد تكرّر ذكرها في الحديث اسما وفعلاً . ومنه الحديث : «ثلاث لا يسلَم منها أحد: الطيرة، والحسد، والظنّ» . قيل : فما نصنعُ؟ قال : «إذا تطيّرت فامضِ، وإذا حسدت فلا تبغ، وإذا ظننت فلا تحقّق الشيء . انتهى (5).

وقال بعض الفضلاء :

المراد بها هاهنا إمّا انفعال النفس عمّا يتشاءم به، أو تأثيرها واقعا، وحصول مقتضاها ، ويظهر من الأخبار أنّها تؤثّر مع تأثّر النفس بها، وعدم التوكّل على اللّه (6).

ص: 201


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 262
2- لم نعثر على قائله
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 257 (وسوس)
4- الصحاح ، ج 2 ، ص 728 (طير)
5- النهاية ، ج 3 ، ص 152 (طير)
6- مرآة العقول ، ج 25 ، ص 264

وقال الزجّاج :

اشتقاق الطيرة إمّا من الطيران ؛ لأنّ الإنسان إذا تشأّم بشيء كَرِهَهُ، تباعد عنه، فيشبّه سرعة إعراضه عنه بالطيران . وإمّا من الطير؛ لأنّهم كانوا يستعملونه من زجر الطير، ويتشأّمون ببعضها (1).

وقال صاحب المصباح :

الطِّيرَة، وزان عِنبة: التشاءم. وكانت العرب إذا أرادت المضيّ لمُهمٍّ مرّت بمجاثم الطير، وأثارتها لتستفيد هل تمضي، أو ترجع، فنهى الشارع عن ذلك، وقال : «لا هام، ولا طيرة» (2).

(والحَسَد) .

في القاموس: «حَسَده الشيء وعليه، يَحْسِده ويَحسُده حَسَدا وحُسُودا: تمنّى أن تتحوّل إليه نعمتهُ وفضيلتهُ، أو يسلبهما» (3).

(إلّا أنّ المؤمن لا يستعمل حَسَدَه) لا قولاً، ولا فعلاً، ولا بالتروّي في كيفيّة إجرائه على المحسود .

ويفهم من هذا الخبر عدم الإثم بتلك الاُمور، وإن كانت مركوزة في الخاطر إذا لم يظهر أثرها ، وإلّا فلا يمكن اتّصاف الأنبياء بها .

وقيل : يمكن أن يُراد بالحسد ما يعمّ الغبطة . وقيل : المراد به أنّ الناس يحسدونهم، وكذا في الأوّلين، وهو بعيد غاية البُعد (4).

متن الحديث السابع والثمانين

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ عليه السلام ، قَالَ:قَالَ لِي: «إِنِّي لَمَوْعُوكٌ مُنْذُ سَبْعَةِ أَشْهُرٍ، وَلَقَدْ وُعِكَ ابْنِي اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرا، وَهِيَ تَضَاعَفُ عَلَيْنَا ،

ص: 202


1- حكاه عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 43
2- المصباح المنير ، ص 382 (طير)
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 288 (حسد)
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 264

أَ شَعَرْتَ أَنَّهَا لَا تَأْخُذُ فِي الْجَسَدِ كُلِّهِ، وَرُبَّمَا أَخَذَتْ فِي أَعْلَى الْجَسَدِ، وَلَمْ تَأْخُذْ فِي أَسْفَلِهِ، وَرُبَّمَا أَخَذَتْ فِي أَسْفَلِهِ، وَلَمْ تَأْخُذْ فِي أَعْلَى الْجَسَدِ كُلِّهِ».

قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنْ أَذِنْتَ لِي حَدَّثْتُكَ بِحَدِيثٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ جَدِّكَ ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا وُعِكَ اسْتَعَانَ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ، فَيَكُونُ لَهُ ثَوْبَانِ: ثَوْبٌ فِي الْمَاءِ الْبَارِدِ، وَثَوْبٌ عَلى جَسَدِهِ، يُرَاوِحُ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ يُنَادِي حَتّى يُسْمَعَ صَوْتُهُ عَلى بَابِ الدَّارِ: يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ!

فَقَالَ: «صَدَقْتَ (1) ».

قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَمَا وَجَدْتُمْ لِلْحُمّى عِنْدَكُمْ دَوَاءً؟

فَقَالَ: «مَا وَجَدْنَا لَهَا عِنْدَنَا دَوَاءً إِلَا الدُّعَاءَ، وَالْمَاءَ الْبَارِدَ؛

إِنِّي (2). اشْتَكَيْتُ، فَأَرْسَلَ إِلَيَّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بِطَبِيبٍ لَهُ، فَجَاءَنِي بِدَوَاءٍ فِيهِ قَيْءٌ، فَأَبَيْتُ أَنْ أَشْرَبَهُ؛ لأنِّي إِذَا قَيَيْتُ (3).

زَالَ كُلُّ مَفْصِلٍ مِنِّي».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (لموعوك) .

في النهاية: «الوَعك: الحمّى . وقيل : ألمها . وقد وعكه المرض [وعكا]، فهو موعوك»(4).

وقوله: (وُعِك) على البناء للمفعول .

وقوله : (وهي) أي الحمّى المفهوم من الوعك.

(تضاعَفُ علينا) على البناء للمجهول .

قال الجوهري : «التضعيف: أن يزاد على أصل الشيء، فيجعل شيئين أو أكثر، وكذلك الإضعاف والمضاعفة» (5).

ويفهم من هذا الخبر أنّ بيان كيفيّة المرض ودخول حدّته وشدّته ليس بشكاية .

وقوله : (أشَعرتَ) بصيغة المتكلِّم المجهول، من الإشعار . أو بصيغة الخطاب المعلوم من الشعور ، والهمزة للاستفهام ؛ أي هل أحسستَ بذلك .

ص: 203


1- في الحاشية عن بعض النسخ: «صدق»
2- في الحاشية عن بعض النسخ: «وإنّي»
3- في الحاشية عن بعض النسخ: «قئت»
4- النهاية ، ج 5 ، ص 207 (وعك)
5- الصحاح ، ج 4 ، ص 1390 (ضعف) مع اختلاف يسير

قال الفيروزآبادي : «أشْعَرَهُ الأمرَ وبه: أعلمه. وشعر به _ كنشر وكرم _ شعورا: علم به، وفطن له ، وعقله» (1).

(أنّها لا تأخذ في الجسد كلّه) إلى قوله : (تأخذ في أعلى الجسد كلّه) .

لعلّ المراد أنّ حرارة الحمّى قد تظهر آثارها في أعالي الجسد ، وقد تظهر في أسافلها .

وقوله: (استعان بالماء البارد) .

قال بعض الشارحين : نظيره كثير من طرق العامّة .

روى مسلم تسعة:

منها: ما رواه عن ابن عمر، عن النبيّ صلى الله عليه و آله ، قال : «الحمّى من فيح جهنّم، فأبردوها بالماء» (2).

ومنها: ما رواه أنّ أسماء كانت تؤتى بالمرأة الموعوكة، فتدعو بالماء، فتصبّها في جيبها، وتقول : إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «أبردوها بالماء» ، وقال : «إنّها من فيح جهنّم» (3).

والفيح: شدّة حرّها .

قال محي الدِّين البغوي : بعض من في قلبه مرض من جَهَلة الأطبّاء يتلاعب، ويكثر من ذكر هذه الأحاديث استهزاءً ، ثمّ يشنّع ويقول : الأطبّاء مجمعون على أنّ اغتسال المحموم بالماء البارد مُهلِك؛ لأنّه يجمع المسامّ، ويحقُن البُخار المتحلّل، فتنعكس الحرارة إلى داخل الجسم، فتهلِك . وهذا تعيير فيما لم يقله عليه السلام ؛ فإنّه عليه السلام قال : «أبردوها» ، فمن أين لهم أنّه أراد الانغماس؟!

فيحمل على أنّه أراد بالإبراد أدنى استعمال الماء البارد على وجهٍ ينفع ، ولا يبعد أن يُراد به أن يرشّ بعض الجسد بالماء، كما دلَّ عليه حديث أسماء .

فلا يبقى للملاحدة مطعن، وأيضا الأطبّاء يسقون صاحب الحمّى الصفراويّة الماء الشديد البرد، ويسقونه الثلج، ويغسلون أطرافه بالماء البارد ، فغير بعيد أن يكون عليه السلام أراد هذا النوع من الحمّى، وهذا النحو من الغسل على ما قالوه، أو قريبا منه (4).

وقوله : (يراوح بينهما) .

قال الجوهري : «المراوحة في العملين: أن يعمل هذا مرّة، وهذا مرّة» (5).

ص: 204


1- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 59 (شعر) مع اختلاف يسير
2- صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 108 ؛ و ج 7 ، ص 23
3- المصدر
4- القائل والناقل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 44 و 45
5- الصحاح ، ج 1 ، ص 370 (روح)

(ثمّ ينادي) .

قيل : لعلّ نداءه كان للاستشفاع بها صلوات اللّه عليها (1).

وقوله : (اشتكيتُ) أي مرضت .

وقوله : (محمّد بن إبراهيم) ؛ كأنّه ختنه عليه السلام باُخته، وهو محمّد بن إبراهيم الملقّب بالإمام ابن محمّد بن عليّ بن عبداللّه بن عبّاس بن عبد المطّلب .

وقوله : (قَيَيتُ) بهمز اللام، على البناء للمفعول من التقيئة .

قال الفيروزآبادي : «قاء يقيء قَيْئا، وقيّأه الدواء، وأقاءه» (2).

وقوله : (زال كلّ مَفصل منّي) . كان كناية قدرته على القيء؛ إمّا للضعف، أو لعلّة اُخرى .

متن الحديث الثامن والثمانين

اشارة

الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ (3) بْنِ إِسْحَاقَ الْأَشْعَرِيِّ، عَنْ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَزْدِيِّ، قَالَ:قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «حُمَّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَأَتَاهُ جَبْرَئِيلُ عليه السلام ، فَعَوَّذَهُ، فَقَالَ: بِسْمِ اللّهِ أَرْقِيكَ يَا مُحَمَّدُ، وَبِسْمِ اللّهِ أَشْفِيكَ، وَبِسْمِ اللّهِ مِنْ كُلِّ دَاءٍ يُعْيِيكَ، (4) بِسْمِ اللّهِ وَاللّهُ شَافِيكَ، بِسْمِ اللّهِ خُذْهَا فَلْتَهْنِيكَ، بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، «فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ» (5). ، لَتَبْرَأَنَّ بِإِذْنِ اللّهِ». قَالَ بَكْرٌ: وَسَأَلْتُهُ عَنْ رُقْيَةِ الْحُمّى، فَحَدَّثَنِي بِهذَا.

شرح الحديث

السند مجهول .

وروى الحميري في كتاب قرب الإسناد (6).

عن أحمد بن إسحاق الأشعري، وهو الظاهر؛ لروايته كثيرا عن بكر بن محمّد ، فالسند حينئذٍ صحيح .

ص: 205


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 265
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 25 (قاء)
3- في الطبعة الجديدة وبعض النسخ التي قوبلت فيها : «أحمد» بدل «محمّد»
4- في الحاشية عن بعض النسخ: «يعينك»
5- الواقعة (56) : 75
6- قرب الإسناد ، ص 20

قوله : (حُمَّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ) على البناء للمفعول ؛ أي أصابته الحمّى، وصار محموما .

وقوله : (فعوّذه) .

قال الجوهري : «عاذ به، واستعاذ: لجأ إليه. وأعاذه وعوّذه بمعنى» (1).

وقوله : (بسم اللّه أرقيك) .

في المغرب: «رَقاه الراقي رقْيةً ورَقْيا، من باب ضرب: عوّذه، ونفث في عُوذته» (2).

وفي المصباح : «رقيت له رقية، من باب رَقيا: عوّذته باللّه » انتهى (3).

وقيل : معنى «بسم اللّه أرقيك»: بسم اللّه اُعوّذك، لا بغيره . والمراد بالاسم هنا المسمّى، كقوله : «سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ» (4). ، والاسم هو الكلمة الدالّة على المسمّى، إلّا أنّه قد يتّسع ، فيوضع الاسم موضع المسمّى مسامحة (5).

أقول : الظاهر حمله على الظاهر، ولا داعي لصرفه عنه؛ فإنّ أسماءه تعالى يتبرّك بها كما يتبرّك بذاته المقدّسة ؛ فإنّ لها أيضا فضيلة جزيلة، وخواصّ جليلة، وفضائل الاسم الأعظم والآثار المترتّبة عليه أكثر من أن تُحصى .

(وبسم اللّه أشفيك) . الظاهر أنّه من المجرّد، وكونه من باب الإفعال أو التفعيل محتمل . والشِّفاء، بالكسر: الدواء . يُقال : شفاه اللّه من مرضه شِفاءً، وشفّاه تشفيةً: برّأه، وطلب له الشفاء .

وحكى الجوهري ، عن أبي عبيد : «أشفاه اللّه عَسَلاً، إذا جعله له شفاءً» (6).

وقال بعض الشارحين : «معنى «بسم اللّه أشفيك»: اُعالجك بهذا الاسم ، فوضع الشفاء موضع العلاج والمداواة» (7). هذا كلامه، فليتأمّل .

وقوله : (يُعييك) (8) من الإعياء . يُقال : أعيا السيرُ البعير، إذا أكلّه . وداءٌ عَياء؛ أي صعب لا

ص: 206


1- الصحاح ، ج 2 ، ص 567 (عوذ) مع اختلاف
2- المغرب ، ص320 (رقي)
3- المصباح المنير ، ص 236 (رقي) مع اختلاف
4- الأعلى (87) : 1
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 45
6- الصحاح ، ج 6 ، ص 2394 (شفي)
7- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 46
8- في الوافي كما في بعض نسخ الكافي : «يعنيك» . وقال في الوافي : «أي يقصدك . يقال : عنيت فلانا عنيا ، إذا قصدت . وقيل : معناه: من كلّ داء يشغلك ويهمّك»

دواء له، كأنّه أعيا الأطبّاء .

وفي كثير من النسخ: «يعنيك» من العناية ؛ يُقال : عناه الأمر يعنيه ويعنوه عناية _ بالفتح والكسر _ إذا أهمّه، وأشغله.

أو من الإعناء ؛ يُقال : أعناه الأمر، إذا أتعبه. وأعناه ؛ أي أذلّه، وأخضعه .

أو من التعنية، من قولهم : عني _ كرضي _ عناء؛ أي تَعِب، ونَصب. وعنّيته أنا تعنية .

وقوله : (خذها) ؛ كأنّ الضمير راجع إلى ما ذكر من الكلمات، أو إلى العوذة، أو إلى البسملة، أو إلى الرقية، أو إلى الشفاء .

وكذا المستتر في قوله : (فلتهنيكَ) بفتح اللام وكسرها، وفتح التاء وكسر النون، أو فتحها من الهنئ، وهو السائغ واللذيذ، وما أتاك بلا مشقّة. يُقال : هَنَأ لي الطعام يَهْنئ ويهنأ ، فهو هنيء .

وحكى الجوهري هنا في الطعام: «يهنئنِي ، ويَهْنؤني» (1).

وقوله : «فَلَا اُقْسِمُ» .

قال البيضاوي : كلمة «لا» للنفي؛ أي لا اُقسم ؛ إذ الأمر أوضح من أن يحتاج إلى قَسَم، أو فاُقسم ، و«لا» مزيدة للتأكيد، كما في «لئلّا يعلم» أو «فَلَأَنَا اُقسم» فحذف المبتدأ، واُشبع فتحة لام الابتداء ، ويدلّ عليه قراءة «فَلَاُقْسِمُ»، أو فلا مَردٌّ لكلام يخالف المقسم عليه .

«بِمَوَاقِعِ النُّجوُمِ» بمساقِطها . وتخصيص المغارب لما في غروبها من زوال أثرها ، والدلالة على وجود مؤثّر لا يزول تأثيره . أو بمنازلها ومجاريها .

وقيل : النجوم نجوم القرآن، ومواقعها أوقات نزولها (2).

وقوله : (لتبرأنّ) بكسر اللام، على صيغة الأمر من البرء . يُقال : بَرَأ من مرضه _ كعلم ومنع _ بُرْءً، بالضمّ: إذا صحّ .

وقوله : (وسألته عن رُقية الحُمّى، فحدّثني بهذا) أي حدّثني بهذا الحديث حين سألته عن رقية الحمّى .

ص: 207


1- راجع : الصحاح ، ج 1 ، ص 84 (هنأ)
2- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 292 (مع اختلاف يسير)

والرُّقية، بالضمّ وتخفيف الياء: العُوذة التي يُرقى بها صاحب الآفة، كالحمّى ونحوها .

متن الحديث التاسع والثمانين

اشارة

أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ:«قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مَنْ قَالَ: بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَا بِاللّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ _ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ _ كَفَاهُ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ (1). نَوْعا مِنْ أَنْوَاعِ الْبَلَاءِ، أَيْسَرُهُنَّ الْخَنْقُ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (الخَنق) بفتح الخاء وكسر النون . يُقال : خنقه _ كنصر _ خَنقا، ككتف: إذا عصر حَلقه حتّى يموت، فهو خَنِق أيضا وخنيق ومخنوق . وككتاب: الحبْل يُخنَقُ به . وكغُراب: داءٌ يمتنع معه نفوذ النَّفَس إلى الرِّية والقلب .

متن الحديث التسعين

اشاره

حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكِنْدِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْمِيثَمِيِّ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ نُعْمَانَ الرَّازِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:

«انْهَزَمَ النَّاسُ يَوْمَ أُحُدٍ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَغَضِبَ غَضَبا شَدِيدا» قَالَ: «وَكَانَ إِذَا غَضِبَ انْحَدَرَ عَنْ (2) جَبِينِهِ مِثْلُ اللُّؤْلُؤِ مِنَ الْعَرَقِ» قَالَ: «فَنَظَرَ، فَإِذَا عَلِيٌّ عليه السلام إِلى جَنْبِهِ، فَقَالَ لَهُ: الْحَقْ بِبَنِي أَبِيكَ مَعَ مَنِ انْهَزَمَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ، لِي بِكَ أُسْوَةٌ، قَالَ: (3) فَاكْفِنِي هؤُلَاءِ، فَحَمَلَ، فَضَرَبَ أَوَّلَ مَنْ لَقِيَ مِنْهُمْ، فَقَالَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام : إِنَّ هذِهِ لَهِيَ الْمُوَاسَاةُ يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ: إِنَّهُ مِنِّي، وَأَنَا مِنْهُ. فَقَالَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام : وَأَنَا مِنْكُمَا يَا مُحَمَّدُ».

فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «فَنَظَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إِلى جَبْرَئِيلَ عليه السلام عَلى كُرْسِيٍّ مِنْ ذَهَبٍ بَيْنَ السَّمَاءِ

ص: 208


1- في الحاشية عن بعض النسخ: «و سبعين»
2- في الحاشية عن بعض النسخ: «من»
3- في الحاشية عن بعض النسخ: «فقال»

وَالْأَرْضِ، وَهُوَ يَقُولُ: لَا سَيْفَ إِلَا ذُو الْفَقَارِ، وَلَا فَتى إِلَا عَلِيٌّ».

شرح الحديث

السند مجهول .

(الحَق ببني أبيك) محمول على الامتحان، أو التعريض بتعيير غيره عليه السلام ممّن انهزم وتوبيخهم ، واحتمال كون الأمر للرخصة بعيد .

وقوله : (اُسوة) ؛ هي بالضمّ والكسر: القدوة . وتأسّيت به: اقتديت ، وآسيتُه بنفسي، بالمدّ: سوّيته . ويجوز إبدال الهمزة واوا في لغة اليمن، فيُقال : واسيته . كذا في المصباح (1).

وقوله : (هؤلاء) إشارة إلى جماعة عليه .

وقوله : (فحمل) ؛ من الحملة في الحرب .

وقيل : في قول جبرئيل عليه السلام : (وأنا منكما) دلالة على أنّها أشرف منه حيث طلب أن يكون له منزلة من اللّه مثل منزلتهما .

وقوله : (ذو الفَقار) بفتح القاف .

واعلم أنّ مضمون هذا الخبر ممّا رواه الخاصّة والعامّة في كتبهم ؛ روى ابن أبي الحديد عن أبي عمرو محمّد بن عبد الواحد الزاهد اللغوي غلام ثعلب، (2) ورواه أيضا محمّد بن حبيب في أماليه: أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لمّا فرَّ معظم أصحابه عنه يوم اُحد ، كثرت عليه كتائب المشركين، وقَصَدَتهُ كتيبة من بني كنانة ، ثمّ من بني عبد مناة بن كنانة ، فيها بنو سفيان بن عويف؛ وهم: خالد بن سفيان، وأبو الشعثاء بن سفيان، وأبو الحمراء بن سفيان، وغراب بن سفيان ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «يا عليّ، اكفني هذه الكتيبة» فحمل عليها، وإنّها لتقارب خمسين فارسا، وهو عليه السلام راجل ، فما زال يضربها بالسيف، فتفرّق عنه، ثمّ تجتمع عليه ، هكذا مرارا حتّى قتل بني سفيان بن عويف الأربعة ، وتمام العشرة منها ممّن لا يعرف بأسمائهم ، فقال جبرئيل : يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، إنّ هذه المواساة، لقد عجبت الملائكة من مواساة هذا الفتى ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «وما يمنعه، وهو منّي، وأنا منه» .

ص: 209


1- المصباح المنير ، ص 15 (أسو)
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج 10 ، ص 182 ؛ و ج 14 ، ص 251

فقال جبرئيل : وأنا منكما . قال : وسُمع ذلك اليومَ صوتٌ من قبل السماء، لا يُرى شَخص الصارخ به، ينادي مرارا : لا سيف إلّا ذو الفقار، ولا فتى إلّا عليّ . فسُئِلَ رسول اللّه صلى الله عليه و آله عنه ، فقال : «هذا جبرئيل» .

قلت : وقد روى هذا الخبر جماعة من المحدّثين، وهو من الأخبار المشهورة، ووقفت عليه في بعض مغازي محمّد بن إسحاق، ورأيت بعضها خاليا عنه، وسألت شيخي عبد الوهّاب بن سكينة عن هذا الخبر، فقال : خبر صحيح .

فقلت له : فما بال الصحاح لم تشتمل عليه؟ قال : أو كلّ ما كان صحيحا تشتمل عليه كتب الصحاح؟ كم قد أهمل جامعوا الصحاح من الأخبار الصحيحة . انتهى (1).

متن الحديث الواحد والتسعين

اشاره

حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ أَحْمَدَ الدِّهْقَانِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الطَّاطَرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادِ بْنِ عِيسى بَيَّاعِ السَّابِرِيِّ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي فُضَيْلٌ الْبُرْجُمِيُّ، قَالَ:كُنْتُ بِمَكَّةَ، وَخَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ أَمِيرٌ، وَكَانَ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ زَمْزَمَ، فَقَالَ: ادْعُوا لِي قَتَادَةَ.

قَالَ: فَجَاءَ شَيْخٌ أَحْمَرُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، فَدَنَوْتُ (2) لأسْمَعَ، فَقَالَ خَالِدٌ: يَا قَتَادَةُ، أَخْبِرْنِي بِأَكْرَمِ وَقْعَةٍ كَانَتْ فِي الْعَرَبِ، وَأَعَزِّ وَقْعَةٍ كَانَتْ فِي الْعَرَبِ، وَأَذَلِّ وَقْعَةٍ كَانَتْ فِي الْعَرَبِ، فَقَالَ: أَصْلَحَ اللّهُ الْأَمِيرَ، أُخْبِرُكَ بِأَكْرَمِ وَقْعَةٍ كَانَتْ فِي الْعَرَبِ، وَأَعَزِّ وَقْعَةٍ كَانَتْ فِي الْعَرَبِ، وَأَذَلِّ وَقْعَةٍ كَانَتْ فِي الْعَرَبِ، وَاحِدَةٌ.

قَالَ خَالِدٌ: وَيْحَكَ وَاحِدَةٌ؟

قَالَ: نَعَمْ، أَصْلَحَ اللّهُ الْأَمِيرَ.

قَالَ: أَخْبِرْنِي.

قَالَ: بَدْرٌ.

قَالَ: وَكَيْفَ ذَا؟

ص: 210


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج 14 ، ص 250 و 251
2- في الحاشية عن بعض النسخ: + «منه»

قَالَ: إِنَّ بَدْرا أَكْرَمُ وَقْعَةٍ كَانَتْ فِي الْعَرَبِ، بِهَا أَكْرَمَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ الْاءِسْلَامَ وَأَهْلَهُ، (1). وَهِيَ أَعَزُّ وَقْعَةٍ كَانَتْ فِي الْعَرَبِ، بِهَا أَعَزَّ اللّهُ الْاءِسْلَامَ وَأَهْلَهُ، وَهِيَ أَذَلُّ وَقْعَةٍ كَانَتْ فِي الْعَرَبِ، فَلَمَّا قُتِلَتْ قُرَيْشٌ يَوْمَئِذٍ ذَلَّتِ الْعَرَبُ.

فَقَالَ لَهُ خَالِدٌ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللّهِ، إِنْ كَانَ فِي الْعَرَبِ يَوْمَئِذٍ مَنْ هُوَ أَعَزُّ مِنْهُمْ، وَيْلَكَ يَا قَتَادَةُ، أَخْبِرْنِي بِبَعْضِ أَشْعَارِهِمْ.

قَالَ: خَرَجَ أَبُو جَهْلٍ يَوْمَئِذٍ، وَقَدْ أَعْلَمَ لِيُرى مَكَانُهُ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ حَمْرَاءُ، وَبِيَدِهِ تُرْسٌ مُذَهَّبٌ وَهُوَ

يَقُولُ: مَا تَنْقِمُ الْحَرْبُ الشَّمُوسُ مِنِّي

بَازِلُ عَامَيْنِ حَدِيثُ السِّنِّ

لِمِثْلِ هذَا وَلَدَتْنِي أُمِّي

فَقَالَ: كَذَبَ عَدُوُّ اللّهِ، إِنْ كَانَ ابْنُ أَخِي لَأَفْرَسَ مِنْهُ _ يَعْنِي خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَكَانَتْ أُمُّهُ قُشَيْرِيَّةً _ : وَيْلَكَ يَا قَتَادَةُ، مَنِ الَّذِي يَقُولُ: أُوفِي بِمِيعَادِي، وَأَحْمِي عَنْ حَسَبْ؟

فَقَالَ: أَصْلَحَ اللّهُ الْأَمِيرَ، لَيْسَ هذَا يَوْمَئِذٍ، هذَا يَوْمُ أُحُدٍ، خَرَجَ طَلْحَةُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ وَهُوَ يُنَادِي: مَنْ يُبَارِزُ؟ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِ أَحَدٌ، فَقَالَ: إِنَّكُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ تُجَهِّزُونَّا بِأَسْيَافِكُمْ إِلَى النَّارِ، وَنَحْنُ نُجَهِّزُكُمْ بِأَسْيَافِنَا إِلَى الْجَنَّةِ، فَلْيَبْرُزَنَّ إِلَيَّ رَجُلٌ يُجَهِّزُنِي بِسَيْفِهِ إِلَى النَّارِ، وَأُجَهِّزُهُ بِسَيْفِي إِلَى الْجَنَّةِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام وَهُوَ يَقُولُ:

«أَنَا ابْنُ ذِي الْحَوْضَيْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ

وَهَاشِمِ المُطْعِمِ فِي الْعَامِ السَّغِبْ

أُوفِي بِمِيعَادِي وَأَحْمِي عَنْ حَسَبْ».

فَقَالَ خَالِدٌ لَعَنَهُ اللّهُ: كَذَبَ لَعَمْرِي وَاللّهِ أَبُو تُرَابٍ، مَا كَانَ كَذلِكَ.

فَقَالَ الشَّيْخُ: أَيُّهَا الْأَمِيرُ، ائْذَنْ لِي فِي الأْصِرَافِ.

قَالَ: فَقَامَ الشَّيْخُ يُفَرِّجُ النَّاسَ بِيَدِهِ، وَخَرَجَ، وَهُوَ يَقُولُ: زِنْدِيقٌ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، زِنْدِيقٌ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ.

ص: 211


1- في الحاشية عن بعض النسخ: «بها أنزل اللّه الملائكة لإمداد الإسلام وأهله» بدل «بها أكرم اللّه _ عزّ وجلّ _ الإسلام وأهله»

شرح الحديث

السند مجهول .

وقيل : ضعيف (1). ، وفيه بحث .

قوله : (البُرْجُميّ) .

الظاهر أنّه منسوب إلى البُرجُمة، بضمّ الباء الموحّدة والجيم . وقيل : منسوب إلى البراجم (2).

قال الجوهري : البُرجمةُ، بالضمّ: واحدة البراجم، وهي مفاصل الأصابع التي بين الأشاجع والرواجب، وهي رؤوس السلاميات من ظهر الكفّ ، إذا قبض القابض كفّه نشرت وارتفعت . والبراجم: قوم من بني تميم . قال أبو عبيدة : خمسة من أولاد حنظلة بن مالك بن عمرو بن تميم يُقال لهم: البَراجم (3).

وقوله : (ادعوا لي قَتادة) ؛ كأنّه قتادة المشهور، من أعاظم مفسّري العامّة ومحدّثيهم، وكان من التابعين، روى عن أنس وأبي الطفيل وسعيد بن المسيّب والحسن البصري .

وقيل : كأنّه قتادة بن النعمان من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

وقوله : (واحدة) خبر مبتدأ محذوف، أو منصوب على الحاليّة .

وقوله : (بدر) أي هي وقعة بدر .

وقوله : (ذلّت العرب) ؛ يعني لذهاب عظمائهم، وقتل رؤسائهم .

وقوله : (لعمر اللّه ) بفتح اللّام؛ أي اُقسم ببقاء اللّه ودوامه .

والعمر، بالضمّ وبضمّتين، وبالفتح: الحياة، والعيش الطويل .

(إن كان في العرب) .

كلمة «إن» مخفّفة من المثقّلة .

(يومئذٍ) أي يوم قتل قريش .

(هل هو أعزّ منهم) أي من قريش . وكأنّه _ لعنه اللّه _ زعم أنّ قبيلة قَسْر _ وهي بطن من

ص: 212


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 268
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 47
3- الصحاح ، ج 5 ، ص 1870 (برجم)

بُجيلة _ أعزّ من قريش، وهم لم يقتلوا يومئذٍ .

وقيل : لعلّ غرضه الحميّة لأبي سفيان وسائر بني اُميّة وخالد بن الوليد؛ فإنّهم كانوا يومئذٍ بين المشركين (1).

قال : «ويحتمل أن يكون مراده أنّ غلبة رسول اللّه صلى الله عليه و آله _ وهو سيّد العرب _ يكفي لعزّهم، ولم يذلّوا بفقد هؤلاء» .

وقوله : (وقد أعلم) على بناء الفاعل .

(ليُرى مكانه) .

في القاموس : «أعلم الفرس: علّق عليه صوفا ملوّنا في الحرب. ونَفْسَه : وسَمَها بسيماء الحرب، كعلّمها» (2).

وقوله : (ليُرى) من الإراءة على البناء للفاعل، أو المفعول . وعلى الثاني يحتمل كونه من الرؤية .

والمراد بمكانه منزلته بين الشجعان والأبطال .

وقوله : (تُرْس مُذهّبٌ) .

الترس _ بالضمّ _ معروف . وفي القاموس: «الذهب: التبر. وأذهبه : طلّاه به ، كذهّبه، فهو مُذهب وذهيب ومُذَهّبٌ» (3).

وقوله : (ما تَنقم الحربُ الشموس منّي) .

قال الفيروزآبادي : «النقمة، بالكسر والفتح، وكفرحة: المكافأة بالعقوبة . ونقم منه، كضرب وعلم: عاقبه.

والأمرَ: كرهه» (4) وقال الجوهري : «نَقَمت على الرجل أنقم _ بالكسر _ فأنا ناقم، إذا عتبت عليه .

يُقال : ما نقمت منه إلّا الإحسان .

وقال الكسائي : نقِمت ، بالكسر لغة» (5).

وقال : «شَمَس الفرسُ شموسا وشماسا: منع ظهره، فهو شَموسٌ. ورجل شَموس: صَعْب الخلق» انتهى (6).

ص: 213


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 268 و 269
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 153 (علم)
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 70 (ذهب)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 183 (نقم)
5- الصحاح ، ج 5 ، ص 2045 (نقم)
6- الصحاح ، ج 3 ، ص 940 (شمس)

وكان وصف الحرب به باعتبار التشبيه في الإهلاك والاضطراب، أو الشدّة، أو عدم أمن صاحبه من المكاره .

وكلمة «ما» إمّا للاستفهام، أو للنفي، والمآل واحد ؛ أي لا يقدر الحرب التي لا يطيع المرء فيما يريد منها، ولا يقدر أن يركبها بسهولة أن تكافيني بالعقوبة، أو تُظهر عيبي .

والحاصل: أنّي لا اُبالي منها ومن شدائدها ومهالكها .

(بازل عامين حديث السنّ) ؛ كأنّ «بازل» منصوب على الحاليّة من ضمير المتكلّم، أو مرفوع على أنّه خبر مبتدأ محذوف ؛ أي أنا كذلك .

وقيل : إنّه مجرور على البدليّة من ضمير المتكلّم(1).

وقس عليه قوله : «حديث السنّ»، وغرضه أنّه في عنفوان الشباب، واستكمال القوّة والشجاعة .

قال الجزري :

ومنه حديث عليّ بن أبي طالب: بازل عامين حديث السنّ . البازل من الإبل الذي تمّ له ثماني سنين، ودخل في التاسعة ، وحينئذٍ يطلع نابه، وتكمل قوّته، يقال له بعد ذلك: بازل عام، وبازل عامين .

يقول : أنا مستجمع الشباب مستكمل القوّة . انتهى (2).

وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام مثله هكذا :

«قد عرف الحرب العوان عنّي***بازل عامين حديث سنّي

سَنَحنحُ الليل كأنّي جنّي***أستقبل الحرب بكلّ فنِّ

معي سلاحي ومعي مجنّي***وصارمٌ يذهب كلّ ضغن

أقصي به كلّ عدوّ عنّي***لمثل هذا ولدتني اُمّي» (3).

في القاموس : «رجل سَنَحنح، لا ينام الليل» (4).

وقوله : (لأفرس منه) ؛ الظاهر أنّه للتفضيل في الفارس، بمعنى راكب الفرس، أو صاحبه، ويكون كناية عن الحاذق بركوب الخيل وأمرها، والشديد الشجاع .

ص: 214


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 270
2- النهاية ، ج 1 ، ص 125 (بزل)
3- بحار الأنوار ، ج 19 ، ص 323 ، ح 79
4- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 230 (سنح)

وقيل : الأفرس: الأشجع، من فرس الأسد فريسته، إذا دقّ عنقها (1).

وقوله : (يعني خالد بن الوليد) تفسير لابن أخيه، وهو يومئذٍ كان في حزب المشركين، فلمّا قتل أكثر صناديد القريش نجا بالفرار، وأسلم بعد فتح مكّة .

(وكانت اُمّه) أي اُمّ خالد .

(قسريّة) (2) ، ولذا قال: ابن أخي؛ لأنّ خالدا كانت اُمّه من قبيلته .

قال الجوهري : «قسر: بطن من بجيلة، وهم رهط خالد بن عبداللّه القَسْري» (3).

وفي بعض النسخ: «قُشريّة» بضمّ القاف، وسكون الشين المعجمة . والظاهر أنّه تصحيف؛ لأنّ خالد بن الوليد مشتهر بالقسري _ بالسين المهملة _ كما مرّ في صدر الحديث .

قال الفيروزآبادي : «قشير بن كعب بن ربيعة، كزُبَيْر: أبو قبيلة» (4).

وقوله : (طلحة بن أبي طلحة) ؛ هو طلحة بن أبي طلحة العبدري من بني عبد الدار، قتله أمير المؤمنين عليه السلام يوم اُحد .

(ينادي: من يُبارز) .

المبارزة في الحرب: الظهور والخروج من الصفّ للقتال .

وقوله : (إنّكم تزعمون أنّكم تُجهّزونا) .

هذا الكلام عنه على سبيل الاستهزاء، والتحريض على المبارزة، والتعيير بتركها . قال الفيروزآبادي : «جهاز الميّت والعروس والمسافر، بالكسر والفتح: ما يحتاجون إليه . وقد جهّزه تجهيزا، فتجهّز. وجهز على الجريح _ كمنع _ وأجهز: أثبت قتله، وأسرعه ، وتمّم عليه» انتهى (5).

ويحتمل أن يكون «تجهزونا» بتشديد النون، أو بتخفيفها، بناءً على حذف نون الجمع بغير قياس .

وقوله عليه السلام : (أنا ابن ذي الحَوضين) .

قيل : المراد الحوضين الذين صنعهما عبد المطّلب عند بئر زمزم لسقاية الحاجّ (6).

ص: 215


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 48
2- في المتن الذي ضبطه الشارح رحمه الله سابقا : «قُشيريّة»
3- الصحاح ، ج 2 ، ص 791 (قسر)
4- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 117 (قشر)
5- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 171 (جهز)
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 271

وفي القاموس: «الحوض : معروف. وذو الحوضين : عبد المطّلب، واسمه: شيبة، أو عامر بن هاشم» (1).

وقوله : «عبد المطّلب» بدل من «ذي الحوضين»، أو عطف بيان له .

وقوله : (وهاشم المُطعم في العام السَّغب) عطف على ذي الحوضين .

والسغب _ ككتف _ صفة مشبّهة، وبسكون الغين وفتحها مصدر . يُقال : سغب _ كعلم ونصر _ سَغْبا وسَغَبَا: جاع، أو لا يكون إلّا مع تعب، فهو ساغبٌ وسَغبان وسَغِبٌ.

وحمل السِّغْب على العامّ مبالغة في عموم القحط، وشيوعه فيه ، واسم هاشم عَمْرو، ويقال له: «عمرو العُلى»، ويكنّى أبا فضلة ، وإنّما سمّي هاشم؛ لهشمه الثريد للحاجّ، وكانت إليه الوفادة والرفادة، وهو الذي سنّ الرحلتين: رحلة الشتاء إلى اليمن والعراق، ورحلة الصيف إلى الشام . كذا في كتاب عمدة الطالب (2).

وقال بعض المؤرّخين : كان اسم هاشم بن عبد مناف عبد العلى، أو عمرو، ثمّ لقّب بهاشم؛ لأنّه كان يهشم الخبز، ويكسره، ويجعله ثريدا للفقراء، وذلك أنّه وقع في مكّة قحط عظيم، وكان لهاشم دقيق كثير فخبزه، وذبح في كلّ صباح وفي كلّ مساء إبلاً، وطبخه، وأطعم المحتاجين في كلّ يوم خبزا وثريدا، فاشتهر بهاشم (3).

وقوله : (اُوفي بميعادي) .

الإيفاء: ضدّ الغَدْر. والميعاد: وقت الوعد وموضعه . والوعد: يكون في الخير والشرّ .

وقيل : أراد هنا ميعاده مع الرسول صلى الله عليه و آله في نصرته (4). وأنت خبير بعدم الدليل على هذا التخصيص، فالأصوب إبقاؤه على العموم .

(وأحمي عن حسب) .

حماه يحميه حمايةً، بالكسر؛ أي دفع عنه . ولعلّ المراد أنّي أدفع العار عن حسبي وحسب آبائي؛ فإنّ دفع النقص والعار عنه ممّا يلزم أهل الكمال والدين والشرف.

ص: 216


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 271
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 329 (حوض)
3- عمدة الطالب لابن عنبة ، ص 25
4- اُنظر : تاريخ اليعقوبي ، ج 1 ، ص 241

وما قيل من احتمال كون الحَسَب بكسر السين؛ أي عن ذي حَسَب ، والمراد به الرسول صلى الله عليه و آله (1) ، فبُعده أظهر من أن يخفى .

قال الفيروزآبادي : الحَسَب: ما تعدّه من مفاخر آبائك ، أو الدِّين، أو الكرم ، أو الشرف في الفعل، أو الفعال الصالح ، أوالشرف الثابت في الآباء، أوالحَسَب والكرم قد يكونان لمن لا آباء له شرفاء، والشرف والمجد لا يكونان إلّا بهم. وقد حَسُب حسابةً _ كخطُب خطابةً _ وحسبا، محرّكة، فهو حسيب من حسباء (2).

متن الحديث الثاني والتسعين (حديث آدم عليه السلام مع الشجرة)

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ:«إِنَّ اللّهَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ عَهِدَ إِلى آدَمَ عليه السلام أَنْ لَا يَقْرَبَ هذِهِ الشَّجَرَةَ، فَلَمَّا بَلَغَ الْوَقْتُ الَّذِي كَانَ فِي عِلْمِ اللّهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، نَسِيَ فَأَكَلَ مِنْهَا، وَهُوَ قَوْلُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما» (3). ، فَلَمَّا أَكَلَ آدَمُ عليه السلام مِنَ الشَّجَرَةِ أُهْبِطَ إِلَى الْأَرْضِ، فَوُلِدَ لَهُ هَابِيلُ وَأُخْتُهُ تَوْأَمٌ، وَوُلِدَ لَهُ قَابِيلُ وَأُخْتُهُ تَوْأَمٌ.

ثُمَّ إِنَّ آدَمَ عليه السلام أَمَرَ هَابِيلَ وَقَابِيلَ أَنْ يُقَرِّبَا قُرْبَانا، وَكَانَ هَابِيلُ صَاحِبَ غَنَمٍ، وَكَانَ قَابِيلُ صَاحِبَ زَرْعٍ، فَقَرَّبَ هَابِيلُ كَبْشا مِنْ أَفَاضِلِ غَنَمِهِ، وَقَرَّبَ قَابِيلُ مِنْ زَرْعِهِ مَا لَمْ يُنَقَّ، فَتُقُبِّلَ قُرْبَانُ هَابِيلَ، وَلَمْ يُتَقَبَّلْ قُرْبَانُ قَابِيلَ، وَهُوَ قَوْلُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْبانا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْاخَرِ» (4) إِلى آخِرِ الْايَةِ.

وَكَانَ الْقُرْبَانُ تَأْكُلُهُ النَّارُ، فَعَمَدَ قَابِيلُ إِلَى النَّارِ، فَبَنى لَهَا بَيْتا، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ بَنى بُيُوتَ النَّارِ، فَقَالَ: لَأَعْبُدَنَّ هذِهِ النَّارَ حَتّى تَتَقَبَّلَ مِنِّي قُرْبَانِي، ثُمَّ إِنَّ إِبْلِيسَ _ لَعَنَهُ اللّهُ _ أَتَاهُ، وَهُوَ يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ فِي الْعُرُوقِ.

ص: 217


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 271
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 54 (حسب)
3- طه (20) : 115
4- المائدة (5) : 27

فَقَالَ لَهُ: يَا قَابِيلُ، قَدْ تُقُبِّلَ قُرْبَانُ هَابِيلَ، وَلَمْ يُتَقَبَّلْ قُرْبَانُكَ، وَإِنَّكَ إِنْ تَرَكْتَهُ يَكُونُ لَهُ عَقِبٌ يَفْتَخِرُونَ عَلى عَقِبِكَ، وَيَقُولُونَ: نَحْنُ أَبْنَاءُ الَّذِي تُقُبِّلَ قُرْبَانُهُ، فَاقْتُلْهُ؛ كَيْلَا يَكُونَ لَهُ عَقِبٌ يَفْتَخِرُونَ عَلى عَقِبِكَ.

فَقَتَلَهُ، فَلَمَّا رَجَعَ قَابِيلُ إِلى آدَمَ عليه السلام ، قَالَ لَهُ: يَا قَابِيلُ، أَيْنَ هَابِيلُ؟ فَقَالَ: اطْلُبْهُ حَيْثُ قَرَّبْنَا الْقُرْبَانَ، فَانْطَلَقَ آدَمُ عليه السلام ، فَوَجَدَ هَابِيلَ قَتِيلاً، فَقَالَ آدَمُ عليه السلام : لُعِنْتِ مِنْ أَرْضٍ كَمَا قَبِلْتِ دَمَ هَابِيلَ، وَبَكى آدَمُ عليه السلام عَلى هَابِيلَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً.

ثُمَّ إِنَّ آدَمَ سَأَلَ رَبَّهُ وَلَدا، فَوُلِدَ لَهُ غُلَامٌ، فَسَمَّاهُ هِبَةَ اللّهِ؛ لأنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ وَهَبَهُ لَهُ، وَأُخْتُهُ تَوْأَمٌ، فَلَمَّا انْقَضَتْ نُبُوَّةُ آدَمَ عليه السلام ، وَاسْتَكْمَلَ أَيَّامَهُ، أَوْحَى اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ إِلَيْهِ (1) : أَنْ يَا آدَمُ، قَدِ انْقَضَتْ (2) نُبُوَّتُكَ، وَاسْتَكْمَلْتَ أَيَّامَكَ، فَاجْعَلِ الْعِلْمَ الَّذِي عِنْدَكَ وَالْاءِيمَانَ وَالأْمَ الْأَكْبَرَ وَمِيرَاثَ الْعِلْمِ وَآثَارَ عِلْمِ النُّبُوَّةِ فِي الْعَقِبِ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ عِنْدَ هِبَةِ اللّهِ؛ فَإِنِّي لَنْ أَقْطَعَ الْعِلْمَ وَالْاءِيمَانَ وَالأْمَ الْأَكْبَرَ وَآثَارَ النُّبُوَّةِ مِنَ الْعَقِبِ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَلَنْ أَدَعَ الْأَرْضَ إِلَا وَفِيهَا عَالِمٌ يُعْرَفُ بِهِ دِينِي، وَيُعْرَفُ بِهِ طَاعَتِي، وَيَكُونُ نَجَاةً لِمَنْ يُولَدُ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ نُوحٍ، وَبَشَّرَ آدَمَ بِنُوحٍ عليه السلام ، فَقَالَ: إِنَّ اللّهَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ بَاعِثٌ نَبِيّا اسْمُهُ نُوحٌ، وَإِنَّهُ يَدْعُو إِلَى اللّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ، وَيُكَذِّبُهُ قَوْمُهُ، فَيُهْلِكُهُمُ اللّهُ بِالطُّوفَانِ، وَكَانَ بَيْنَ آدَمَ وَبَيْنَ نُوحٍ عليهماالسلام عَشَرَةُ آبَاءٍ أَنْبِيَاءُ وَأَوْصِيَاءُ كُلُّهُمْ.

وَأَوْصى آدَمُ عليه السلام إِلى هِبَةِ اللّهِ: أَنَّ مَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيُؤْمِنْ بِهِ، وَلْيَتَّبِعْهُ، وَلْيُصَدِّقْ بِهِ؛ فَإِنَّهُ يَنْجُو مِنَ الْغَرَقِ.

ثُمَّ إِنَّ آدَمَ عليه السلام مَرِضَ الْمَرْضَةَ الَّتِي مَاتَ فِيهَا، فَأَرْسَلَ هِبَةَ اللّهِ، وَقَالَ لَهُ: إِنْ لَقِيتَ جَبْرَئِيلَ، أَوْ مَنْ لَقِيتَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامُ، وَقُلْ لَهُ: يَا جَبْرَئِيلُ، إِنَّ أَبِي يَسْتَهْدِيكَ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، فَقَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ: يَا هِبَةَ اللّهِ، إِنَّ أَبَاكَ قَدْ قُبِضَ، وَإِنَّا نَزَلْنَا لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ، فَارْجِعْ، فَرَجَعَ، فَوَجَدَ آدَمَ عليه السلام قَدْ قُبِضَ، فَأَرَاهُ جَبْرَئِيلُ كَيْفَ يُغَسِّلُهُ، فَغَسَّلَهُ حَتّى إِذَا بَلَغَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ، قَالَ هِبَةُ اللّهِ: يَا جَبْرَئِيلُ، تَقَدَّمْ، فَصَلِّ عَلى آدَمَ، فَقَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ: إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ أَمَرَنَا أَنْ نَسْجُدَ لأبِيكَ آدَمَ، وَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، فَلَيْسَ لَنَا أَنْ نَؤُمَّ شَيْئا مِنْ وُلْدِهِ، فَتَقَدَّمَ هِبَةُ اللّهِ، فَصَلّى عَلى أَبِيهِ، وَجَبْرَئِيلُ خَلْفَهُ وَجُنُودُ الْمَلَائِكَةِ، وَكَبَّرَ عَلَيْهِ

ص: 218


1- في الطبعة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها والوافي : _ «إليه»
2- في الحاشية عن بعض النسخ والوافي ومرآة العقول : «قضيت»

ثَلَاثِينَ تَكْبِيرَةً، فَأَمَرَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام ، فَرَفَعَ خَمْسا وَعِشْرِينَ تَكْبِيرَةً، وَالسُّنَّةُ الْيَوْمَ فِينَا خَمْسُ تَكْبِيرَاتٍ، وَقَدْ كَانَ يُكَبَّرُ عَلى أَهْلِ بَدْرٍ تِسْعا وَسَبْعا.

ثُمَّ إِنَّ هِبَةَ اللّهِ لَمَّا دَفَنَ أَبَاهُ أَتَاهُ قَابِيلُ، فَقَالَ: يَا هِبَةَ اللّهِ، إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَبِي آدَمَ قَدْ خَصَّكَ مِنَ الْعِلْمِ بِمَا لَمْ أُخَصَّ بِهِ أَنَا، وَهُوَ الْعِلْمُ الَّذِي دَعَا بِهِ أَخُوكَ هَابِيلُ، فَتُقُبِّلَ قُرْبَانُهُ، وَإِنَّمَا قَتَلْتُهُ لِكَيْلَا يَكُونَ لَهُ عَقِبٌ فَيَفْتَخِرُونَ عَلى عَقِبِي، فَيَقُولُونَ: نَحْنُ أَبْنَاءُ الَّذِي تُقُبِّلَ قُرْبَانُهُ، وَأَنْتُمْ أَبْنَاءُ الَّذِي تُرِكَ قُرْبَانُهُ؛ فَإِنَّكَ إِنْ أَظْهَرْتَ مِنَ الْعِلْمِ الَّذِي اخْتَصَّكَ بِهِ أَبُوكَ شَيْئا، قَتَلْتُكَ كَمَا قَتَلْتُ أَخَاكَ هَابِيلَ.

فَلَبِثَ هِبَةُ اللّهِ وَالْعَقِبُ مِنْهُ مُسْتَخْفِينَ بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَالْاءِيمَانِ وَالأْمِ الْأَكْبَرِ وَمِيرَاثِ النُّبُوَّةِ وَآثَارِ عِلْمِ النُّبُوَّةِ، حَتّى بَعَثَ اللّهُ نُوحا عليه السلام ، وَظَهَرَتْ وَصِيَّةُ هِبَةِ اللّهِ حِينَ نَظَرُوا فِي وَصِيَّةِ آدَمَ عليه السلام ، فَوَجَدُوا نُوحا عليه السلام نَبِيّا قَدْ بَشَّرَ بِهِ آدَمُ عليه السلام ، فَآمَنُوا بِهِ، وَاتَّبَعُوهُ، وَصَدَّقُوهُ.

وَقَدْ كَانَ آدَمُ عليه السلام وَصّى هِبَةَ اللّهِ أَنْ يَتَعَاهَدَ هذِهِ الْوَصِيَّةَ عِنْدَ رَأْسِ كُلِّ سَنَةٍ، فَيَكُونَ يَوْمَ عِيدِهِمْ، فَيَتَعَاهَدُونَ نُوحا وَزَمَانَهُ الَّذِي يَخْرُجُ فِيهِ، وَكَذلِكَ جَاءَ فِي وَصِيَّةِ كُلِّ نَبِيٍّ حَتّى بَعَثَ اللّهُ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله ، وَإِنَّمَا عَرَفُوا نُوحا بِالْعِلْمِ الَّذِي عِنْدَهُمْ، وَهُوَ قَوْلُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحا إِلى قَوْمِهِ» (1) إِلى آخِرِ الْايَةِ.

وَكَانَ مَنْ بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مُسْتَخْفِينَ، وَلِذلِكَ خَفِيَ ذِكْرُهُمْ فِي الْقُرْآنِ، فَلَمْ يُسَمَّوْا كَمَا سُمِّيَ مَنِ اسْتَعْلَنَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، وَهُوَ قَوْلُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ» (2) ؛ يَعْنِي لَمْ أُسَمِّ الْمُسْتَخْفِينَ، كَمَا سَمَّيْتُ الْمُسْتَعْلِنِينَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام ، فَمَكَثَ نُوحٌ عليه السلام فِي قَوْمِهِ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَا خَمْسِينَ عَاما، لَمْ يُشَارِكْهُ فِي نُبُوَّتِهِ أَحَدٌ، وَلكِنَّهُ قَدِمَ عَلى قَوْمٍ مُكَذِّبِينَ لِلْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام الَّذِينَ كَانُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ آدَمَ عليه السلام ، وَذلِكَ قَوْلُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ» (3) ؛ يَعْنِي مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آدَمَ عليه السلام ، إِلى أَنِ انْتَهى إِلى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ» (4)

ثُمَّ إِنَّ نُوحا عليه السلام لَمَّا انْقَضَتْ نُبُوَّتُهُ، وَاسْتُكْمِلَتْ أَيَّامُهُ، أَوْحَى اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ إِلَيْهِ: أَنْ يَا نُوحُ، قَدْ

ص: 219


1- هود (11) : 25 ؛ المؤمنون (23) : 23 ؛ العنكبوت (29) : 14
2- النساء (4) : 164
3- الشعراء (26) : 105
4- .الشعراء (26) : 122

قَضَيْتَ نُبُوَّتَكَ، وَاسْتَكْمَلْتَ أَيَّامَكَ، فَاجْعَلِ الْعِلْمَ الَّذِي عِنْدَكَ وَالْاءِيمَانَ وَالأْمَ الْأَكْبَرَ وَمِيرَاثَ الْعِلْمِ وَآثَارَ عِلْمِ النُّبُوَّةِ فِي الْعَقِبِ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ؛ فَإِنِّي لَنْ (1) أَقْطَعَهَا، كَمَا لَمْ أَقْطَعْهَا مِنْ بُيُوتَاتِ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام الَّتِي بَيْنَكَ وَبَيْنَ آدَمَ عليه السلام ، وَلَنْ أَدَعَ الْأَرْضَ إِلَا وَفِيهَا عَالِمٌ يُعْرَفُ بِهِ دِينِي، وَتُعْرَفُ بِهِ طَاعَتِي، وَيَكُونُ نَجَاةً لِمَنْ يُولَدُ فِيمَا بَيْنَ قَبْضِ النَّبِيِّ إِلى خُرُوجِ النَّبِيِّ الْاخَرِ، وَبَشَّرَ نُوحٌ سَاما بِهُودٍ عليه السلام ، وَكَانَ (2) فِيمَا بَيْنَ نُوحٍ وَهُودٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام ، وَقَالَ نُوحٌ: إِنَّ اللّهَ بَاعِثٌ نَبِيّا يُقَالُ لَهُ: هُودٌ، وَإِنَّهُ يَدْعُو قَوْمَهُ إِلَى اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَيُكَذِّبُونَهُ، وَاللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ مُهْلِكُهُمْ بِالرِّيحِ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيُؤْمِنْ بِهِ وَلْيَتَّبِعْهُ؛ فَإِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ يُنْجِيهِ مِنْ عَذَابِ الرِّيحِ، وَأَمَرَ نُوحٌ عليه السلام ابْنَهُ سَاما أَنْ يَتَعَاهَدَ هذِهِ الْوَصِيَّةَ عِنْدَ رَأْسِ كُلِّ سَنَةٍ، فَيَكُونَ يَوْمُئِذٍ عِيدا لَهُمْ، فَيَتَعَاهَدُونَ فِيهِ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَالْاءِيمَانِ وَالأْمِ الْأَكْبَرِ وَمَوَارِيثِ الْعِلْمِ وَآثَارِ عِلْمِ النُّبُوَّةِ، فَوَجَدُوا هُودا نَبِيّا عليه السلام ، وَقَدْ بَشَّرَ بِهِ أَبُوهُمْ نُوحٌ عليه السلام ، فَآمَنُوا بِهِ، وَاتَّبَعُوهُ، وَصَدَّقُوهُ، فَنَجَوْا مِنْ عَذَابِ الرِّيحِ، وَهُوَ قَوْلُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُودا» (3) ، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: «كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَ لا تَتَّقُونَ» (4) ، وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالى: «وَوَصّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ» (5) ، وَقَوْلُهُ: «وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًا هَدَيْنا» لِنَجْعَلَهَا فِي أَهْلِ بَيْتِهِ «وَنُوحا هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ» (6) لِنَجْعَلَهَا فِي أَهْلِ بَيْتِهِ، وأَمَرَ الْعَقِبُ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام مَنْ كَانَ قَبْلَ إِبْرَاهِيمَ لأِبْرَاهِيمَ عليه السلام ، وَكَانَ بَيْنَ إِبْرَاهِيمَ وَهُودٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام ، وَهُوَ قَوْلُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ» (7) ، وَقَوْلُهُ عَزَّ ذِكْرُهُ: «فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي» (8) ، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: «وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللّهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ» (9) .

فَجَرى بَيْنَ كُلِّ نَبِيَّيْنِ عَشَرَةُ أَنْبِيَاءَ وَتِسْعَةُ وَثَمَانِيَةُ أَنْبِيَاءَ كُلُّهُمْ أَنْبِيَاءُ، وَجَرى لِكُلِّ نَبِيٍّ مَا جَرى لِنُوحٍ عليه السلام ، وَكَمَا جَرى لآِدَمَ وَهُودٍ وَصَالِحٍ وَشُعَيْبٍ وَإِبْرَاهِيمَ عليه السلام حَتَّى انْتَهَتْ إِلى يُوسُفَ بْنِ

ص: 220


1- في الحاشية عن بعض النسخ: «لم»
2- في الطبعة الجديدة و معظم النسخ التي قوبلت فيها والوافي : «فكان»
3- الأعراف (7) : 65
4- الشعراء (26) : 123 و 124
5- البقرة (2) : 132
6- الأنعام (6) : 84
7- هود (11) : 89
8- العنكبوت (29) : 26
9- العنكبوت (29) : 16

يَعْقُوبَ عليه السلام ، ثُمَّ صَارَتْ مِنْ بَعْدِ يُوسُفَ فِي أَسْبَاطِ إِخْوَتِهِ حَتَّى انْتَهَتْ إِلى مُوسى عليه السلام ، فَكَانَ بَيْنَ يُوسُفَ وَبَيْنَ مُوسى مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام ، فَأَرْسَلَ اللّهُ مُوسى وَهَارُونَ عليهماالسلام إِلى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ، ثُمَّ أَرْسَلَ الرُّسُلَ تَتْرى، «كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضا وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ» (1) ، وَكَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَقْتُلُ نَبِيّا وَاثْنَانِ قَائِمَانِ، وَيَقْتُلُونَ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعَةٌ قِيَامٌ، حَتّى أَنَّهُ كَانَ رُبَّمَا قَتَلُوا فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ سَبْعِينَ نَبِيّا، وَيَقُومُ سُوقُ قَتْلِهِمْ آخِرَ النَّهَارِ، فَلَمَّا نَزَلَتِ التَّوْرَاةُ عَلى مُوسى عليه السلام ، بَشَّرَ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وَكَانَ بَيْنَ يُوسُفَ وَمُوسى مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَكَانَ وَصِيُّ مُوسى يُوشَعَ بْنَ نُونٍ عليه السلام ، وَهُوَ فَتَاهُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ فِي كِتَابِهِ، فَلَمْ تَزَلِ الْأَنْبِيَاءُ تُبَشِّرُ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله حَتّى بَعَثَ اللّهُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَبَشَّرَ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وَذلِكَ قَوْلُهُ تَعَالى: «يَجِدُونَهُ _ يَعْنِي الْيَهُودَ وَالنَّصَارى _ مَكْتُوبا _ يَعْنِي صِفَةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله _ عِنْدَهُمْ _ يَعْنِي فِي التَّوْراةِ وَالْاءِنْجِيلِ _ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ» (2) ، وَهُوَ قَوْلُ اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ يُخْبِرُ عَنْ عِيسى: «وَمُبَشِّرا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ» (3) .

وَبَشَّرَ مُوسى وَعِيسى بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، كَمَا بَشَّرَ الْأَنْبِيَاءُ عليهم السلام بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، حَتّى بَلَغَتْ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله ، فَلَمَّا قَضى مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله نُبُوَّتَهُ، وَاسْتُكْمِلَتْ أَيَّامُهُ، أَوْحَى اللّهُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ إِلَيْهِ: يَا مُحَمَّدُ، قَدْ قَضَيْتَ نُبُوَّتَكَ، وَاسْتَكْمَلْتَ أَيَّامَكَ، فَاجْعَلِ الْعِلْمَ الَّذِي عِنْدَكَ وَالْاءِيمَانَ وَالأْمَ الْأَكْبَرَ وَمِيرَاثَ الْعِلْمِ وَآثَارَ عِلْمِ النُّبُوَّةِ فِي أَهْلِ بَيْتِكَ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام ؛ فَإِنِّي لَمْ أَقْطَعِ الْعِلْمَ وَالْاءِيمَانَ وَالأْمَ الْأَكْبَرَ وَمِيرَاثَ الْعِلْمِ وَآثَارَ عِلْمِ النُّبُوَّةِ مِنَ الْعَقِبِ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ، كَمَا لَمْ أَقْطَعْهَا مِنْ بُيُوتَاتِ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ كَانُوا بَيْنَكَ وَبَيْنَ أَبِيكَ آدَمَ، وَذلِكَ قَوْلُ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى: «إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحا وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (4)

وَإِنَّ اللّهَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ لَمْ يَجْعَلِ الْعِلْمَ جَهْلاً، وَلَمْ يَكِلْ أَمْرَهُ إِلى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، لَا إِلى مَلَكٍ مُقَرَّبٍ، وَلَا (5) نَبِيٍّ مُرْسَلٍ، وَلكِنَّهُ أَرْسَلَ رَسُولاً مِنْ مَلَائِكَتِهِ، فَقَالَ لَهُ: قُلْ (6) كَذَا وَكَذَا، فَأَمَرَهُمْ بِمَا يُحِبُّ،

ص: 221


1- المؤمنون (23) : 44
2- الأعراف (7) : 157
3- الصفّ (61) : 6
4- آل عمران (3) : 33
5- في الطبعة الجديدة وجميع النسخ التي قوبلت فيها والوافي : + «إلى»
6- في الحاشية عن بعض النسخ : + «له»

وَنَهَاهُمْ عَمَّا يَكْرَهُ، فَقَصَّ عَلَيْهِمْ أَمْرَ خَلْقِهِ بِعِلْمٍ، فَعَلِمَ ذلِكَ الْعِلْمَ، وَعَلَّمَ أَنْبِيَاءَهُ وَأَصْفِيَاءَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ (1) وَالْاءِخْوَانِ وَالذُّرِّيَّةِ الَّتِي بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، فَذلِكَ قَوْلُهُ جَلَّ وَعَزَّ: «فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكا عَظِيما» ؛ (2) فَأَمَّا الْكِتَابُ فَهُوَ النُّبُوَّةُ، وَأَمَّا الْحِكْمَةُ فَهُمُ الْحُكَمَاءُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مِنَ الصَّفْوَةِ، وَأَمَّا الْمُلْكُ الْعَظِيمُ فَهُمُ الْأَئِمَّةُ [الْهُدَاةُ] (3) مِنَ الصَّفْوَةِ، وَكُلُّ هؤُلَاءِ مِنَ الذُّرِّيَّةِ الَّتِي بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، وَالْعُلَمَاءُ الَّذِينَ جَعَلَ اللّهُ فِيهِمُ الْبَقِيَّةَ، وَفِيهِمُ الْعَاقِبَةَ، وَحِفْظَ الْمِيثَاقِ حَتّى تَنْقَضِيَ الدُّنْيَا، وَالْعُلَمَاءَ (4) وَلِوُلَاةِ الْأَمْرِ اسْتِنْبَاطُ الْعِلْمِ، وَلِلْهُدَاةِ.

فَهذَا شَأْنُ الْفُضَّلِ مِنَ الصَّفْوَةِ وَالرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْحُكَمَاءِ وَأَئِمَّةِ الْهُدى وَالْخُلَفَاءِ الَّذِينَ هُمْ وُلَاةُ أَمْرِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَاسْتِنْبَاطِ عِلْمِ اللّهِ، وَأَهْلُ آثَارِ عِلْمِ اللّهِ مِنَ الذُّرِّيَّةِ الَّتِي بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ مِنَ الصَّفْوَةِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام مِنَ الْابَاءِ وَالْاءِخْوَانِ وَالذُّرِّيَّةِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، فَمَنِ اعْتَصَمَ بِالْفُضَّلِ انْتَهى بِعِلْمِهِمْ، وَنَجَا بِنُصْرَتِهِمْ، وَمَنْ وَضَعَ وُلَاةَ أَمْرِ اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ وَأَهْلَ اسْتِنْبَاطِ عِلْمِهِ فِي غَيْرِ الصَّفْوَةِ مِنْ بُيُوتَاتِ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام ، فَقَدْ خَالَفَ أَمْرَ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَجَعَلَ الْجُهَّالَ وُلَاةَ أَمْرِ اللّهِ، وَالْمُتَكَلِّفِينَ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ أَهْلُ اسْتِنْبَاطِ عِلْمِ اللّهِ، فَقَدْ كَذَبُوا عَلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ، وَرَغِبُوا عَنْ وَصِيِّهِ وَطَاعَتِهِ، وَلَمْ يَضَعُوا فَضْلَ اللّهِ حَيْثُ وَضَعَهُ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى، فَضَلُّوا، وَأَضَلُّوا أَتْبَاعَهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ حُجَّةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ إِنَّمَا الْحُجَّةُ فِي آلِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام ؛ لِقَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَلَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكا عَظِيما» ، فَالْحُجَّةُ الْأَنْبِيَاءُ عليهم السلام وَأَهْلُ بُيُوتَاتِ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام حَتّى تَقُومَ السَّاعَةُ؛ لأنَّ كِتَابَ اللّهِ يَنْطِقُ بِذلِكَ وَصِيَّةُ اللّهِ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ الَّتِي وَضَعَهَا عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ» (5) ، وَهِيَ بُيُوتَاتُ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ وَالْحُكَمَاءِ وَأَئِمَّةِ الْهُدى، فَهذَا بَيَانُ عُرْوَةِ الاْءِيمَانِ الَّتِي نَجَا بِهَا مَنْ نَجَا قَبْلَكُمْ، وَبِهَا يَنْجُو مَنْ يَتَّبِعُ الْأَئِمَّةَ، وَقَالَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ فِي كِتَابِهِ: «وَنُوحا هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصّالِحِينَ * وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطا وَكلاًّ فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ * وَمِنْ آبائِهِمْ

ص: 222


1- في الحاشية عن بعض النسخ والوافي و شرح المازندراني: «الآباء»
2- النساء (4): 54
3- في الحاشية عن بعض النسخ: «الهدى». وفي الطبعة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها : - «الهداة»
4- في الحاشية عن بعض النسخ: «للعلماء»
5- النور (24) : 36

وَذُرِّيّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ * [... ]أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْما لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ» (1).

؛ فَإِنَّهُ وَكَّلَ بِالْفُضَّلِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَالْاءِخْوَانِ وَالذُّرِّيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى: إِنْ تَكْفُرْ بِهِ أُمَّتُكَ فَقَدْ وَكَّلْتُ أَهْلَ بَيْتِكَ بِالْاءِيمَانِ الَّذِي أَرْسَلْتُكَ بِهِ ، فَلَا يَكْفُرُونَ بِهِ أَبَدا، وَلَا أُضِيعُ الْاءِيمَانَ الَّذِي أَرْسَلْتُكَ بِهِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ مِنْ بَعْدِكَ عُلَمَاءِ أُمَّتِكَ، وَوُلَاةِ أَمْرِي بَعْدَكَ، وَأَهْلِ اسْتِنْبَاطِ الْعِلْمِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ كَذِبٌ وَلَا إِثْمٌ وَلَا زُورٌ وَلَا بَطَرٌ وَلَا رِيَاءٌ، فَهَذَا بَيَانُ مَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ أَمْرُ هذِهِ الْأُمَّةِ، إِنَّ اللّهَ _ جَلَّ وَعَزَّ _ طَهَّرَ أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّهِ عليهم السلام ، وَسَأَلَهُمْ أَجْرَ الْمَوَدَّةِ، وَأَجْرى لَهُمُ الْوَلَايَةَ، وَجَعَلَهُمْ أَوْصِيَاءَهُ وَأَحِبَّاءَهُ ثَابِتَةً بَعْدَهُ فِي أُمَّتِهِ.

فَاعْتَبِرُوا يَا أَيُّهَا النَّاسُ فِيمَا قُلْتُ، حَيْثُ وَضَعَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ وَلَايَتَهُ وَطَاعَتَهُ وَمَوَدَّتَهُ وَاسْتِنْبَاطَ عِلْمِهِ وَحُجَجَهُ، فَإِيَّاهُ فَتَقَبَّلُوا، وَبِهِ فَاسْتَمْسِكُوا تَنْجُوا بِهِ، وَتَكُونُ لَكُمُ الْحُجَّةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَطَرِيقُ رَبِّكُمْ جَلَّ وَعَزَّ، لَا تَصِلُ وَلَايَةٌ إِلَى اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ إِلَا بِهِمْ، فَمَنْ فَعَلَ ذلِكَ كَانَ حَقّا عَلَى اللّهِ أَنْ يُكْرِمَهُ، وَلَا يُعَذِّبَهُ، وَمَنْ يَأْتِ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ بِغَيْرِ مَا أَمَرَهُ كَانَ حَقّا عَلَى اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ أَنْ يُذِلَّهُ، وَأَنْ يُعَذِّبَهُ».

شرح الحديث

السند مجهول .

قوله : (عهد إلى آدم) أي أمره وأوصاه .

وقوله : (أن لا يقرب هذه الشجرة) أي لا يتناول، ولا يأكل منها. عبّر عنها بالقُرب مبالغةً في تحريمها .

وقال البيضاوي : الشجرة: هي الحنطة، أو الكرمة، أو التينة، أو شجرة من أكل منها أحدث _ قال : _ والأولى أن لا تعيّن من غير قاطع، كما لم تعيّن في الآية؛ لعدم توقّف ما هو المقصود عليه . انتهى (2).

ونقل الاختلاف عن الاُمّة في نهيه عليه السلام عن أكل الشجرة نهي تنزيه أو تحريم ، فمذهب علمائنا الأوّل، وقالوا : لا ينافيه نسبة العصيان والغواية إليه في قوله تعالى : «وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ

ص: 223


1- الأنعام (6) : 84 - 89
2- تفسير البيضاوي ، ج 1 ، ص 297

فَغَوى» (1) بناءً على أنّ المتّصف بهما هو الذي ارتكب كبيرة من الذنوب، أو صغيرة منها، بدليل قوله تعالى : «وَمَنْ يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ» (2) ، وقوله : «إِلَا مَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْغَاوِينَ» (3). ؛ فإنّ متابعة إبليس كبيرة، أو صغيرة ، ووجه عدم المنافاة أنّ حصر العصيان والغواية في الكبيرة والصغيرة ممنوع؛ إذ كما أنّهما يتحقّقان بفعل القبيح والحرام، كذلك يتحقّقان بترك الأولى والمندوب .

وأمّا العصيان والغواية في الآية فإنّما يراد بهما ما حصل بفعل محرّم ؛ ألا ترى أنّك إذا قلت لرجل على سبيل التنزيه : لا تفعل كذا؛ فإنّ الخير في خلافه ، ففعله ، صحّ لك أن تقول : عصاني، وخالفني، فغوى؛ أي خاب عن ذلك الخير . أو يُراد أنّه ضلّ عن مطلوبه بناءً على ما قيل من أنّه عليه السلام طلب الخلد بأكلها ، أو عن المأمور به، أو عن الرشد حيث اغترّ بقول العدوّ .

وتفصيل المقام ما أفاده بعض الأفاضل الكرام حيث قال :

اعلم أنّ أقوى شبهة المخطئين للأنبياء الظواهر الدالّة على عصيان آدم عليه السلام ، وحملوها على ظواهرها بناءً على أصلهم من عدم وجوب عصمة الأنبياء ، وضبط القول في ذلك أنّ الاختلاف في هذا الباب يرجع إلى أقسام أربعة :

أحدها : ما يقع في باب العقائد .

وثانيها : ما يقع في التبليغ .

وثالثها : ما يقع في الأحكام والفتيا .

ورابعها : في أفعالهم وسيرهم .

أمّا الكفر والضلال في الاعتقاد، فقد أجمعت الاُمّة على عصمتهم عنها قبل النبوّة وبعدها ، غير أنّ الأزارقة من الخوارج جوّزوا عليهم الذنب، وكلّ ذنب عندهم كفر، فلزمهم تجويز الكفر عليهم، بل يحكى عنهم أنّهم قالوا: يجوز أن يبعث اللّه نبيّا علم أنّه يكفر بعد نبوّته .

وأمّا النوع الثاني _ وهو ما يتعلّق بالتبليغ _ فقد اتّفقت الاُمّة، بل جميع أرباب الملل والشرائع على وجوب عصمتهم عن الكذب والتحريف فيما يتعلّق [بالتبليغ ]عمدا

ص: 224


1- طه (20) : 121
2- الجنّ (72) : 23
3- الحجر (15): 42

وسهوا إلّا القاضي أبا بكر؛ فإنّه جوّز ما كان من ذلك على سبيل النسيان وفَلَتات اللِّسان .

وأمّا النوع الثالث _ وهو ما يتعلّق بالفتيا _ فأجمعوا على أنّه لا يجوز خطاؤهم فيه عمدا وسهوا إلّا شرذمة قليلة من العامّة .

وأمّا النوع الرابع _ وهو الذي يقع في أفعالهم _ فقد اختلفوا فيه على خمسة أقوال : الأوّل : مذهب أصحابنا الإماميّة، وهو أنّه لا يصدر عنهم الذنب لا صغيرة ولا كبيرة، لا عمدا ولا نسيانا، ولا للإسهاء من اللّه ، ولم يخالف فيه إلّا الصدوق وشيخه محمّد بن الحسن بن الوليد؛ فإنّهما جوّزا الإسهاء، لا السهو الذي يكون من الشيطان .

الثاني : أنّه لا يجوز عليهم الكبائر، ويجوز عليهم الصغائر، إلّا الصغائر الخسيسة المنفّرة، كسرقة حبّة أو لقمة، وكلّ ما ينسب فاعله إلى الدناءة والضعة، وهذا قول أكثر المعتزلة .

الثالث : أنّه لا يجوز إتيانهم بصغيرة ولا كبيرة على جهة العمد، لكن يجوز على جهة التأويل أو السهو . وهو قول أبي عليّ الجبائي .

الرابع : أنّه لا يقع منهم الذنب إلّا على جهة السهو والخطأ، لكنّهم مأخوذون بما يقع منهم سهوا، وإن كان موضوعا عن اُممهم؛ لقوّة معرفتهم وعلوّ مرتبتهم، وأنّهم يقدرون من التحفّظ على ما لا يقدر عليه غيرهم . وهو قول النظام، وجعفر بن مبشر، ومن تبعهما .

الخامس : أنّه يجوز عليهم الكبائر والصغائر عمدا وسهوا وخطأً . وهو قول الحشويّة، وكثير من أصحاب الحديث من العامّة .

ثمّ اختلفوا في وقت العصمة على ثلاثة أقوال : الأوّل : أنّه من وقت ولادتهم إلى أن يَلقُوا اللّه سبحانه . وهو مذهب أصحابنا الإماميّة .

والثاني : أنّه من حين بلوغهم، ولا يجوز عليهم الكفر والكبيرة قبل النبوّة . وهو مذهب كثير من المعتزلة .

والثالث : أنّه وقت النبوّة ، وأمّا قبله فيجوز صدور المعصية عنهم . وهو قول أكثر الأشاعرة .

وبه قال أبو هذيل، وأبو عليّ الجبائي من المعتزلة .

إذا عرفت هذا، فاعلم أنّ العمدة فيما اختاره أصحابنا قول أئمّتنا عليهم السلام ، وإجماع

ص: 225

أصحابنا مع تأيّده بالنصوص المتظافرة حتّى صار ذلك من قبيل الضروريّات في مذهبنا ، وقد استدلّوا بالأدلّة العقليّة أيضا . انتهى (1).

والجواب عن شبه المخالفين ما عرفت .

وقوله : (فلمّا بلغ الوقت الذي كان في علم اللّه أن يأكل منها نسي، فأكل منها) .

تحقيقه ما مرّ في الاُصول من كون علمه تعالى تابعا للمعلوم، وعدم علّيّته له . نعم ، لمّا علم أكله، أراد أن يأكله؛ ليطابق علمه بالمعلوم إرادة تخيير واختيار، لا إرادة حتم وإجبار.

وبه يظهر سرّ ما روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «نهى آدم عن أكل الشجرة، وشاء أن يأكل منها، ولو لم يشأ لم يأكله» (2).

وأيضا يندفع به التنافي بين إرادة الأكل والنهي عنه المتضمّن لإرادة تركه .

وهذا التوجيه جارٍ في أفعال العباد من المناهي كلّها .

وقوله تعالى : «وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلى آدَمَ» .

قال البيضاوي : أي ولقد أمرناه . يُقال : تقدّم الملك إليه، وأوعَزَ إليه، وعزم عليه، وعهد إليه، إذا أمره . واللام جواب قسم محذوف .

«مِنْ قَبْلُ» ؛ من قبل هذا الزمان .

«فَنَسِىَ» العهد، ولم يَعْنِ به حتّى غفل عنه، أو ترك ما وُصّي به من الاحتراز عن الشجرة .

«وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما» (3) تصميم رأي وثبات على الأمر؛ إذ لو كان ذا عزيمة وتصلّب لم يزلّه الشيطان، ولم يستطع تغريره ، ولعلّ ذلك كان في بدء أمره قبل أن يجرّب الاُمور، ويذوق مشوبها (4).

وقيل : عزما على الذنب؛ لأنّه أخطأ، ولم يتعمّد، ولم نجد إن كان من الوجود الذي

ص: 226


1- القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 272 - 274
2- الكافي ، ج 1 ، ص 150 ، ح 3
3- طه (20) : 115
4- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 72 و 73

بمعنى العلم، فله عزما مفعولاً، وإن كان من الوجود المناقض للعدم، فله حال من عزما، أو متعلّق ب «نجد» انتهى (1).

وقد ورد في كثير من الأخبار تفسير النسيان بالترك . وقال الجزري : «أصل النسيان: الترك» (2) . واعلم أنّه قد مرَّ في كتاب الإيمان والكفر من الاُصول عن أبي جعفر: أنّ المراد بالعهد في هذه الآية العهد إلى آدم عليه السلام بخلافة المهديّ عليه السلام (3). ؛ ولا تنافي بينهما؛ إذ العهد المطلق شامل لهما .

وقوله : (اُهبط منها) صيغة المجهول ؛ أي اُنزل .

وقوله : (توأم) .

قال الفيروزآبادي : التوءم من جميع الحيوان: المولود مع غيره في بطن من الاثنين فصاعدا، ذكرا أو اُنثى. والجمع: توائم ، وتؤام، كرخال. ويقال: توأم للذكر وتوأمة للاُنثى، فإذا جُمِعا فهما تَوْأمان وتَوأم (4).

وقال الجوهري : «قال الخليل : تقدير توأم فَوعَلٌ، وأصله وَوْأم، فاُبدل من إحدى الواوين تاء، كما قالوا: تولج من وَلَج» (5).

وقوله : (كبشا) بسكون الباء .

في القاموس: «الكَبْش: الحَمَل إذا أثنى ، أو إذا خرجت رباعيته» (6).

وقوله : (ما لم يُنَقَّ) على بناء المفعول، من التنقية، أو الإنقاء .

قال الجوهري : «التنقية: التنظيف» (7). وقال الجزري : «التنقية: إفراد الجيّد من الرديء» (8).

وفي المصباح: «نَقِي الشيء _ من باب علم _ نقاء، بالفتح والمدّ: نَظُف، ويُعدّى بالهمزة» (9).

ص: 227


1- في الحاشية: «حاصله : أنّ العزم المنفيّ، وهو العزم القويّ على تحفّظ العهد؛ إذ لو كان له ذلك العزم لم يأكل من الشجرة، ولم يرتكب خلاف الأولى . منه». اُنظر : شرح المازندراني ، ج 12 ، ص 51
2- النهاية ، ج 5 ، ص 50 (نسي)
3- .الكافي ، ج 1 ، ص 416 ، ح 22
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 82 (توأم)
5- الصحاح ، ج 5 ، ص 1876 (تأم)
6- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 285 (كبش)
7- الصحاح ، ج 6 ، ص 2515 (نقا)
8- النهاية ، ج 5 ، ص 111 (نقا)
9- المصباح المنير ، ص 623 و 624 (نقي)

وقوله تعالى : «وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَىْ آدَمَ بِالْحَقِّ» .

قال البيضاوي : بالحقّ، صفة مصدر محذوف؛ أي تلاوة ملتبسة بالحقّ. أو حال من الضمير في «اُتل»، أو من «نبأ»؛ أي ملتبسا بالصدق، موافقا لما في كتب الأوّلين .

«إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانا» ظرف ل «نبأ»، أو حال منه، أو بدل على حذف مضاف ؛ أي اُتل عليهم نبأهما نبأ ذلك الوقت .

والقربان: اسم لما يتقرّب به إلى اللّه من ذبيحة، أو غيرها ، كما أنّ الحُلوان اسم ما يُحلى [به] ؛ أي يُعطى ، وهو في الأصل مصدر، ولذلك لم يثنّ .

وقيل : تقديره : إذ قرّب كلّ واحدٍ منهما قربانا . قيل : كان قابيل صاحب زرع، وقرّب أردأ قمح عنده ، وهابيل صاحب ضَرع، وقرّب حَمَلاً سمينا .

«فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ الْاخَرِ» (1) ؛ لأنّه سخط حكم اللّه ، ولم يخلص النيّة في قربانه، وقصد إلى أخسّ ما عنده .

«قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ» ؛ نوعده بالقتل؛ لفرط الحسد له على تقبّل قربانه، ولذلك قال : «إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ» في جوابه ؛ أي إنّما أتيت من قبل نفسك بترك التقوى، لا من قبلي، فلِمَ تقتلني .

وفيه إشارة إلى أنّ الحاسد ينبغي أن يرى حرمانه من تقصيره، ويجتهد في تحصيل ما به صار المحسود محظوظا، لا في إزالة حظّه؛ فإنّ ذلك ممّا يضرّه ولا ينفعه، وإنّ الطاعة لا تُقبل إلّا من متّقٍ (2).

وقوله : (فعمد) أي قصد .

وقوله : (يجري من ابن آدم مجرى الدم) .

نقل عن الأزهري أنّه قال : «معناه أنّ الشيطان لا يفارق ابن آدم ما دام حيّا، كما لا يفارق دمه» .

وقال : هذا على طريق ضرب المثل، والأكثر أجروه على ظاهره، وقالوا : إنّ الشيطان جعل له هذا المقدار من التطرّق إلى باطن الآدمي، إلى أن يصل إلى قلبه، فيوسوسه على

ص: 228


1- المائدة (5) : 27
2- تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 315

حسب ضعف إيمانه وقلّة ذكره وكثرة غفلته، ويبعد عنه، ويقلّ وسوسته وتسلّطه وسلوكه إلى باطنه بمقدار قوّته ويقظته ودوام ذكره وإخلاص توحيده . ويشهد لذلك ظواهر الكتاب والسنّة (1).

وقوله : (يكون له عقب يفتخرون) .

في القاموس: «العَقْبُ: الوَلَد، وولد الولد، كالعَقِب ، ككتف» (2).

وفيه: «الافتخار: التمدّح بالخصال» (3).

وقوله : (فقتله) .

قيل : كان هابيل أقوى منه، ولكن تحرّج عن قتله، واستسلم منه خوفا من اللّه ؛ لأنّ الدفع لم يُبَح بعدُ (4).

وقيل : إنّه قتل، وهو ابن عشرين سنة عند عقبة حذّاء. وقيل: بالبصرة في موضع المسجد الأعظم (5).

وقوله : (فلمّا رجع قابيل) إلى آخره .

قال بعض المؤرّخين : «كان آدم عليه السلام عند وقوع تلك الواقعة مشتغلاً بأداء مناسك الحجّ ، فلعلّ رجوع قابيل إليه كان بعد عوده عليه السلام من مكّة» (6).

وروي أنّه لمّا قتله، اسودّ جسده، فسأله آدم عن أخيه، فقال : ما كنتُ عليه وكيلاً . فقال : بل قتلته، ولذلك اسودّ جسدك، وتبرّأ منه، ومكث بعد ذلك مائة سنة لا يضحك (7).

وقوله : (فوجد هابيل قتيلاً) .

يظهر ممّا ذكرنا أنّه عليه السلام وجده مدفونا ، ويدلّ عليه أيضا قوله تعالى : «فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ» الآية (8).

ص: 229


1- حكاه عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 52
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 106 (عقب)
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 108 (فخر)
4- اُنظر : شرح المازندراني ، ج 12 ، ص 53
5- اُنظر : مرآة العقول ، ج 25 ، ص 279
6- اُنظر: شرح المازندراني ، ج 12 ، ص 51
7- اُنظر : تفسير جوامع الجامع ، ج 1 ، ص 494 ؛ تفسير الرازي ، ج 11 ، ص 208 ؛ تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 318 ؛ تفسير أبي السعود ، ج 3 ، ص 29 ؛ تفسير الآلوسي ، ج 6 ، ص 115
8- المائدة (5) : 31

وقوله : (لُعِنْتِ من أرض) على البناء للمفعول، بصيغة المؤنّث للمخاطبة ، خاطب عليه السلام القطعة من الأرض التي قُتل فيها ابنه بالدعاء عليها، وقد شاع ذمّ المكان والزمان باعتبار وقوع الفعل فيهما .

وقيل : يحتمل أن يكون لُعِنَتْ _ بسكون التاء _ مسندا إلى ضمير القطعة منها ، وكلمة «من» على التقديرين بيانيّة، أو للتبعيض، باعتبار أنّ الملعونة هي تلك القطعة من الأرض لا جميعها؛ إذ لها قطع مباركة طيّبة نزلت فيها الرحمة والخير دائما(1).

واللعن: الطرد، والإبعاد . والملعون: المشؤوم البعيد من الخير .

وقوله : (فسمّاه هبة اللّه ) .

قيل : دلّ هذا على أنّه عليه السلام يعرف لغة العرب، ويتكلّم بها . وقيل: اسمه بالسريانيّة: «شيث»، والتسمية ب «هبة اللّه » من العرب (2).

وقوله : (واُخته توأم) عطف على «غلام»، و«توأم» خبر مبتدأ محذوف، والجملة حال من المعطوف ، بل من المعطوف عليه أيضا .

ويحتمل أن يكون الواو للحال، و«اُخته توأم» مبتدأ وخبر، أو تكون الجملة حالاً من «غلام» .

وقيل: فيه ردّ لما ذكره بعض العامّة من أنّه تولّد من حوّاء منفردا بخلاف سائر الإخوة .

وقوله : (استكمل أيّامه) .

في الصحاح: «استكمله: استتمّه» (3).

وفي القاموس: «أكمله واستكمله وكمّله: أتمّه، وجمّله»(4) .

وقوله : (قد قضيت نبوّتك) على صيغة المخاطب المعلوم، أو الغائبة المجهولة.

وقس عليه قوله : (واستكملت أيّامك) .

وقوله : (فاجعل العلم) إلى قوله : (وآثار علم النبوّة) .

ص: 230


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 53
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 53
3- الصحاح ، ج 5 ، ص 1813 (كمل)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 46 (كمل)

قيل : لعلّ المراد بالعلم العلم بالأحكام وغيرها ممّا اُوحي إليه، وبالإيمان اُصول الدِّين وأركانه، وبالاسم الأكبر الاسم الأعظم، أو كتاب الأنبياء .

روى المصنّف رحمه الله في باب ما نصّ اللّه ورسوله على الأئمّة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «أنّ الاسم الأكبر هو الكتاب الذي يعلم به علم كلّ شيء، الذي كان مع الأنبياء» (1). والمراد بميراث العلم الإرشاد والتعليم والهداية والخلافة . وبآثار علم النبوّة الصلاح والكرامات والأسرار التي لايجوز للنبيّ إظهاره لغير الوصيّ .

وقال بعض المؤرّخين من العامّة : إنّ آدم عليه السلام أخرج صندوقا أبيض عند وصيّته إلى شيث عليه السلام ، وفتح قفله، وأخرج منه صحيفة بيضاء، ونشرها، فبلغ نورها شرقا وغربا، وكانت فيها أسامي جميع الأنبياء والأوصياء وصفاتهم وعلاماتهم ومعجزاتهم وأزمنتهم وأيّامهم ومدّة عمرهم وما يرد عليهم من القضاء والبلاء، أوّلهم آدم عليه السلام ، وآخرهم خاتم الأنبياء، وسائرهم على الترتيب، فعرضهم على شيث، ثمّ وضعها في الصندوق، ودفعه إلى شيث، وأمره بحفظه (2).

وقوله : (في العقب من ذرّيّتك) .

كلمة «من» للتبيين، أو للتبعيض. وذرّيّة الرجل: ولده .

وقوله : (عند هبة اللّه ) بيان للذرّيّة .

ويفهم منه أنّ الرسالة والنبوّة والوصاية من لدن آدم عليه السلام إلى من بلغ إنّما كانت بأمر اللّه عزّ وجلّ، وتنصيص الأنبياء ووصيّتهم وهكذا كانت سنّة اللّه فيهم، فبطل قول من زعم تفويض الخلافة والإمامة إلى إجماع الجهلة من هذه الاُمّة، «ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ» (3) .

وقوله : (ولن أدَع الأرض) أي لن أتركها .

وقوله : (ويكون نجاة) .

اسم «يكون» العالم المذكور، أو ما عنده من آثار علم النبوّة .

والمراد بالنجاة نجاة الدارين

ص: 231


1- الكافي ، ج 1 ، ص 293 ، ح 3. وعنه في بحار الأنوار ، ج 17 ، ص 142 ، ح 29
2- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 53
3- ص (38) : 27

لمن مضى بسيرة العلماء، واستنّ بسنّتهم، والنجاة من عقوبة الدُّنيا لمن لم يكن بهذه المثابة؛ فإنّ وجود العالم سبب لبقاء نظام الخلق، ولولاه لساخت الأرض بأهلها .

وقوله : (وبشّر آدم بنوح صلّى اللّه عليهما) .

قال الجوهري : «بَشَره يَبْشُرُهُ، من البُشرى . وكذا أبشر وبشّر. والاسم: البشارة. بَشَرَ به يَبشَرُ استبشر» (1). ؛ يعني أنّه عليه السلام أخبر ابنه هبة اللّه ببعثة نوح عليه السلام وظهوره .

وقيل : اسم نوح بالسريانيّة: «يشكر». وقيل : «ساكن» . وقيل : «ساكب» أو «سكبا»، وسمّاه العرب نوحا، وآدما ثانيا، ولقّبوه بشيخ الأنبياء ونجيّ اللّه .

وذكر بعض العامّة لتسميته عليه السلام بنوح ثلاثة أوجه أحدها: أنّه مرَّ بكلبٍ أجرب، فقال : إخسأ يا قبيح، فتكلّم الكلب ، وقال : اُخلق وأوجِد ما هو أحسن منّي إن قدرتَ . أو قال: تعيب النقّاش، دون النقش . أو قال : احفظ لسانك، إنّما أجريت أنت اسم آدمَ، ووصف النبوّة على نفسك، فاضطرب نوح، وبكى سنين كثيرة، فسمّي بنوح؛ لكثرة اشتغاله بالنوحة. وإنّما سمّوه آدم الثاني؛ لأنّ سلسلة أنساب بني آدم تنتهي إليه بعد الطوفان (2).

قال الجوهري : «الطوفان: المطر الغالب يغشي كلّ شيء . قال الأخفش : واحدها في القياس: طوفانة» (3).

وقوله : (وكان بين آدم وبين نوح _ صلّى اللّه عليهما _ عشرة آباء أنبياء وأوصياء كلّهم) ؛ يعني بعضهم نبيّ، وبعضهم وصيّ، لم يخرج النبوّة والوصاية من بينهم .

واعلم أنّ جماعة من أرباب السِّير ذكروا بين آدم ونوح ثمانية آباء؛ اثنان منهم من الأنبياء، والباقي من الأوصياء هكذا : نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ، وهو إدريس عليه السلام بن اليارد بن مهلائيل بن قينان بن انوش بن شيث بن آدم عليه السلام .

والأشهر في كتب النسّابة: نوح بن مشخد بن لمك، إلى آخره، فيكون بينهما تسعة من الآباء (4).

ص: 232


1- اُنظر : الصحاح ، ج 2 ، ص 590 (بشر)
2- اُنظر : شرح المازندراني ، ج 12 ، ص 54
3- الصحاح ، ج 4 ، ص 1397 (طفن) مع التلخيص
4- راجع للمزيد : المناقب لابن شهر آشوب ، ج 1 ، ص 135 ؛ العمدة لابن البطريق ، ص 24 ، عمدة الطالب لابن عنبة ، ص 30

ويمكن حمل هذه الرواية على القولين بإدخال الطرف الواحد، أو الطرفين في جملة العشرة . واللّه أعلم بحقائق الاُمور .

(وأوصى آدم عليه السلام إلى هبة اللّه ) .

قال الجوهري : «أوصيت له بشيء، وأوصيت إليه، إذا جعلته وصيّك» (1)

وفي المصباح : «الإيصاء: الأمر، والتذكير» (2).

ويظهر من قوله عليه السلام فيما بعد أنّه كان آدم عليه السلام وصّى هبة اللّه أن يتعاهد هذه الوصيّة عند رأس كلّ سنة ، وأنّه كتب هذه الوصيّة، وكتب اسم نوح ونعته، وجعله وديعة عند هبة اللّه .

وقوله : (فأرسل هبة اللّه ) إلى آخره .

كأنّه عليه السلام كان عالما بمجيء جبرئيل أو غيره من الملائكة، فأرسله ليلقاهم في الطريق .

وقيل : فيه دلالة على أنّه كان للملائكة مقام معلوم يراهم آدم ووصيّه فيه، وإلّا لما احتاج إلى الإرسال (3).

هذا كلامه، وهو كما ترى .

وقوله : (يستهديك) أي طلب منك الهديّة .

وقوله : (حتّى إذا بلغ) أي جبرئيل، أو هبة اللّه .

(للصلاة عليه) .

في بعض النسخ: «بالصلاة» . وفي الفقيه : «فبلغ إلى الصلاة عليه»، وهو أظهر .

وقوله : (فليس لنا أن نؤمّ شيئا من وُلده) .

في الفقيه : «قال جبرئيل : فلسنا نتقدّم أبرار ولده، وأنت من أبرّهم» (4) ، وهذا كالصريح في أنّ الأبرار من بني آدم أفضل من جبرئيل وسائر الملائكة، وأنّ تقدّم المفضول على الفاضل غير جائز في أمر الصلاة، فكيف غيرها ممّا هو أعظم منها من الرئاسة العامّة في اُمور الدِّين والدُّنيا .

وقوله : (كبّر عليه ثلاثين تكبيرة) أي في صلاة واحدة، أو في ستّ صلوات .

ص: 233


1- الصحاح ، ج 6 ، ص 2525 (وصي)
2- المصباح المنير ، ص 662 (وصي)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 54
4- الفقيه ، ج 1 ، ص 163 ، ح 465

وفي الفقيه : «فتقدّم، فكبّر عليه خمسا عدّة الصلوات التي فرضها اللّه _ عزّ وجلّ _ على اُمّة محمّد صلى الله عليه و آله » .

وفي بعض روايات العامّة: «أنّه كبّر عليه ثلاث تكبيرات» .

وفي بعضها: «أربع تكبيرات» (1).

وقوله : (فأمر جبرئيل) ؛ لعلّ المراد أنّه عليه السلام أمر هبة اللّه .

(فرفع) أي أسقط، ووضع (2).

(خمسا وعشرين تكبيرة) أي وجوبها، أو عموم مشروعيّتها، فلا ينافي ما روي من فعل النبيّ صلى الله عليه و آله أحيانا لبعض الخصومات .

وقوله : (وقد كان يكبّر على أهل بدر تسعا وسبعا) . الظاهر أنّها في الصلاة على ميّت واحد .

ويحتمل كونها بالتشريك على ميّتين؛ بأن كان حضور الثاني بعد [التكبير] الثاني، أو بعد الرابع .

(ثمّ إنّ هبة اللّه لمّا دفن أباه) .

قال أرباب التواريخ : «دفنه في غار جبل أبي قبيس» (3). وقال بعضهم : «ثمّ حمله نوح عليه السلام يوم الطوفان معه في السفينة، ودفنه بعد الخروج منها في سرنديب» (4).

وقيل : «عاش حيّا عليه السلام بعده بسنة» . وقيل : «سبع سنين» (5).

وقوله : (فلبث هبة اللّه ) إلى آخره .

فيه دلالة على أنّ العلم ما زال مكتوما منذ توفّي آدم عليه السلام ، وأنّ التقيّة شرعت من ذلك الوقت.

وقوله : (وظهرت وصيّة هبة اللّه ) أي ظهر صدق إخباره، ووصيّته ببعثة نوح، أو ببعثة الأنبياء الذين كانوا قبله أيضا .

وقيل : أي ظهر كونه وصيّا لآدم؛ لأنّه كان يُخفيه من الأشرار (6).

وقوله : (أن يتعاهد هذه الوصيّة) أي أنّه عليه السلام أمره بالمحافظة والمواظبة على تجديد العهد

ص: 234


1- اُنظر : شرح المازندراني ، ج 12 ، ص 54 و 55
2- قال المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 2 ، ص 291 : «يعني رفعها من التكليف ، وخفّف الأمر»
3- اُنظر: قصص الأنبياء للجزائري ، ص 70 ؛ شرح المازندراني ، ج 12 ، ص 55
4- اُنظر : شرح المازندراني ، ج 12 ، ص 55
5- اُنظر : الوافي ، ج 2 ، ص 291 و 292
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 55

بها وتلاوتها لئلّا تندرس آثارها .

قال الجوهري : «التعهّد: التحفّظ بالشيء، وتجديد العهد به. وتعهّدت فلانا، وتعهّدت ضيعتي، وهو أفصح من قولك : تعاهدته ؛ لأنّ التعاهد إنّما يكون بين اثنين» (1).

وفي القاموس: «تعهّده وتعاهده: تفقّده، وأحدث العهد به» (2).

وقوله : (فيتعاهدون نوحا) إلى آخره .

ضمير الجمع للمؤمنين المستخفين من قابيل وأتباعهِ . والحاصل : أنّهم يتجدّدون العهد بالوصيّة به، ويطلبونها، وينظرون ما فيها من نعته وزمان بعثته؛ ليصدّقوه، ويؤمنوا به عند ظهوره .

وقوله : (بالعلم الذي عندهم) ؛ يعني وصيّة آدم وأبناءه الأنبياء والأوصياء .

(وهو) أي كون نوح رسولاً بأمر اللّه ووحيه، لا من عند نفسه، أو برأي الخلق .

(قول اللّه عزّ وجلّ) في مواضع عديدة من القرآن .

«وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحا» (3) حيث أسند الإرسال إلى نفسه المقدّسة .

(وكان من بين آدم ونوح من الأنبياء) ؛ لعلّ المراد بهم ما يعمّ الأوصياء .

(مستخفين) ؛ خوفا من قابيل وذرّيّته، كما مرّ . يُقال : استخفيت منك ؛ أي تواريت .

قيل : لعلّ المراد أنّ أكثرهم، أو جماعة منهم كانوا مستخفين، وإلّا فإدريس كان بين آدم ونوح نبيّا، وسمّاه اللّه تعالى في القرآن، ورفعه مكانا عليّا (4).

(ولذلك خفي ذكرهم في القرآن) ؛ لأنّ ذكرهم فيه يوجب تكذيب المعاندين، حيث لم يحيطوا بهم خبرا .

وقوله : (وهو) أي ذكر المستعلنين منهم دون المستخفين .

(قول اللّه عزّ وجلّ) في سورة النساء: «وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ» (5) ؛ أي من قبل هذه السورة، أو اليوم .

ص: 235


1- الصحاح ، ج 2 ، ص 516 (عهد)
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 320 (عهد)
3- هود (11) : 25 ؛ المؤمنون (23) : 23 ؛ العنكبوت (29) : 14
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 56
5- النساء (4) : 164

قال بعض المفسّرين : «نصب «رسلاً» بمضمر دلّ عليه «أوحينا» كأرسلنا» (1).

وقوله : (فمكث نوح) إلى آخره .

قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى : «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحا إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَا خَمْسِينَ عَاما» :

بعد المبعث؛ إذ روي أنّه بعث على رأس الأربعين، ودعا قومه تسعمائة وخمسين، وعاش بعد الطوفان ستّين .

ولعلّ اختيار هذه العبارة للدلالة على إكمال العدد؛ فإنّ تسعمائة وخمسين قد يطلق على ما يقرب منه، ولما في ذكر الألف من تخييل طول المدّة إلى السامع؛ فإنّ المقصود من القصّة تسليته لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وتثبيته على ما يكابده من الكفَرَة، واختلاف المميّزين؛ لما في التكرير من البشاعة (2).

وقوله : (وذلك) أي تكذيب قوم نوح للأنبياء .

(قول اللّه عزّ وجلّ) في سورء الشعراء : «كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ» (3) .

قال بعض المفسّرين : «القوم مؤنّثة، ولذا تصغّر على قويمة» (4).

(يعني من كان بينه وبين آدم) ؛ لعلّ المراد أنّهم كذّبوا تلك الرسل أوّلاً، ثمّ كذّبوا نوحا بعد مبعثه .

وقيل : يعني كذّبوا نوحا ومن قبله من الرسل بعد إظهار نوح عليه السلام رسالتهم . وفسّر الآية به بعض المفسّرين أيضا .

وقال بعضهم : إنّهم كذّبوا نوحا وحده، إلّا أنّ تكذيب واحد من الرُّسل لمّا كان كتكذيب الكلّ صحّ أنّهم كذّبوا الكلّ (5).

(إلى أن انتهى) ؛ يعني أمر القوم من اللجاج والعناد، ودعائه عليه السلام عليهم وإهلاكهم بالطوفان .

(إلى قوله عزّ وجلّ : «وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ» (6). ) أي المنتقم من أعدائه ، الرحيم بأوليائه .

ص: 236


1- تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 281
2- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 310
3- الشعراء (26) : 105
4- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 246
5- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 56
6- الشعراء (26) : 122

وقوله : (فإنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ يُنجيه) أي هودا أو من تبعه .

ويحتمل إرجاع الضمير إلى أحدهما فقط .

(وهو قول اللّه عزّ وجلّ) في سورة الأعراف : «وَإِلى عَادٍ أَخَاهُمْ» (1) ؛ عطف على قوله تعالى : «نوحا» قبل هذه الآية ؛ أي وأرسلنا إلى عاد هودا، عطف بيان لأخاهم .

قال البيضاوي : المراد به الواحد منهم، كقولهم : يا أخا العرب ؛ فإنّه هود بن عبد اللّه بن رياح بن الخلود بن عاد بن عوص بن أرم بن سام بن نوح . وقيل : هود بن شالح بن أرفخشد بن سام ابن عمّ أبي عاد (2).

(وقوله عزّ وجلّ) في سورة الشعراء : «كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ» (3) ؛ أنّثه باعتبار القبيلة، وهو في الأصل اسم أبيهم، كما عرفت .

«إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ» (4) اللّه ، فتتركوا عبادة غيره .

(وقال تبارك وتعالى) في سورة البقرة : «وَوَصّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ» (5) .

قال البيضاوي : التوصية، هي التقدّم إلى الغير بفعل فيه صلاح وقربة، وأصلها: الوصل . يُقال : وصّاه، إذا وصله. وفَصّاه، إذا فعله، كأنّ الموصي يصل فعله بفعل الوصيّ (6).

والضمير في «بها» للملّة، أو لقوله : «أسلمت عنّي تأويل الكلمة»، أو الجملة .

«وَيَعْقُوبُ» عطف على «إبراهيم» ؛ أي وصّى هو أيضا بنيه (7).

(وقوله تعالى) في سورة الأنعام : «وَوَهَبْنَا لَهُ» أي لإبراهيم عليه السلام .

«إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ» أي ولدا ونافلة حين يئس من الولادة من عجوز عاقر ، ولذا لم يذكر إسماعيل هنا .

«كُلاًّ هَدَيْنَا» (8).

قال بعض المفسّرين : «أي كلّاً منهما» (9).

ص: 237


1- الأعراف (7) : 65
2- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 31
3- الشعراء (26) : 123
4- الشعراء (26) : 124
5- البقرة (2) : 132
6- تفسير البيضاوي ، ج 1 ، ص 404
7- تفسير البيضاوي ، ج 1 ، ص 404
8- الأنعام (6) : 84
9- تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 426

وفسّره عليه السلام بقوله : (لنجعلها) بصيغة المتكلّم . وفي بعض النسخ: «ليجعلها» بصيغة الغيبة .

(في أهل بيته) .

لعلّ المراد: هديناه لتعيين الخليفة، لنجعل الخلافة في أهل بيته ، فيدلّ على أنّها من صُنعه تعالى يضعها فيمن يشاء، ولم يفوّضها بآراء الناس واختيارهم .

«وَنُوحا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ» (1) .

قال البيضاوي : «أي من قبل إبراهيم، عدّ هداه نعمة على إبراهيم من حيث إنّه أبوه، وشرف الوالد يتعدّى إلى الولد» (2).

(وأمر العقب من ذرّيّة الأنبياء عليهم السلام مَن كان قبل إبراهيم) أي أمر هود عليه السلام العقب بتعاهد الوصيّة .

(لإبراهيم عليه السلام ) .

وفي كثير من النسخ: «وآمَن العقب».

وكلمة «من» في قوله : (من الأنبياء) للتبعيض، وكان قوله عليه السلام : (وهو قول اللّه عزّ وجلّ : «وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ» (3). ) ، وقوله : «فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ» (4) بيانا لمن آمن لإبراهيم من ذرّيّة الأنبياء . وقوله : «وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ» (5) الآية، بيان لنبوّة إبراهيم عليه السلام وبعثته، فلا يرد ما قيل من أنّ الظاهر أنّ الآيتين الأوّلتين لبيان أنّه قد كان بين هود وإبراهيم أنبياء، ومنهم لوط. وهو مخالف لغيره من الأخبار الدالّة على أنّ لوطا كان بعثته بعد بعثة إبراهيم عليه السلام ، وكان معاصرا له على هذا .

قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى في سورة هود : «وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي» : أي لا يكسبنّكم [ «شِقَاقِي» ] معاداتي «أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ» من الغرق «أَوْ قَوْمَ هُودٍ» من [الريح.

«أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ» من الرجفة]، و«إنّ» بصلتها ثاني مفعولي «جرم»؛ فإنّه يعدّى إلى واحد وإلى اثنين، ككسب.

«وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ» 6 زمانا، أو مكانا، فإن لم تعتبروا بمَن قبلهم، فاعتبروا

ص: 238


1- الأنعام (6) : 84
2- تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 426
3- هود (11) : 89
4- العنكبوت (29) : 26
5- العنكبوت (29) : 16

بهم. أو ليسوا ببعيد منكم في الكفر والمساوي، فلا يبعد عنكم ما أصابهم .

وإفراد البعيد؛ لأنّ المراد: وما إهلاكهم، أو وما هم شيء ببعيد . ولا يبعد أن يُسوّى في أمثاله بين المذكّر والمؤنّث؛ لأنّها على زِنة المصادر، كالصهيل والشهيق (1).

أقول : الغرض من قوله : «ولا يبعد أن يسوّى» إلى آخره ، دفع ما يقال من أنّ «قوما» مؤنّث باعتبار الجمعيّة، أو لتصغيره على «قويمة»، فالمناسب أن يُقال : «ببعيدة» .

وقال في تفسير قوله تعالى في سورة العنكبوت : «فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ» : «هو ابن أخيه، وأوّل مَنْ آمن به . وقيل : إنّه آمن به حين رأى النار، ولم تحرقه . «وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ» من قومي «إِلى رَبِّي» ؛ إلى حيث أمرني ربّي» (2).

وقال في تفسير قوله تعالى في سورة العنكبوت :

«وَإِبْراهِيمَ» عطف على «نوحا»، أو نصب بإضمار «اُذكر»، وقرئ بالرفع على تقدير «ومن المرسلين إبراهيم».

«إِذْ قَالَ لِقَومِهِ اعْبُدُوا اللّهَ» ظرف لأرسلنا ؛ أي أرسلناه حين كمل عقله، وتمّ نظره، بحيث عرف الحقّ، وأمر الناس به . أو بدل منه بدل الاشتمال إن قدّر ب «اُذكر».

«وَاَتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ» ممّا أنتم عليه «إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ» الخير والشرّ، وتميّزون ما هو خير ممّا هو شرّ ، أو كنتم تنظرون في الاُمور بنظر العلم دون نظر الجهل (3).

وقوله : (فجرى بين كلّ نبيّين) أي من الأنبياء المعروفين، أو اُولي العزم .

وقوله : (ما جرى لنوح عليه السلام ) من وصيّته إلى وصيّه ، والأمر بتعاهدها وكتمانها، وبشارته بمن يأتي بعده من الأنبياء.

وهذا كالتأكيد لقوله : «وكذلك جاء في وصيّة كلّ نبيّ» .

(وكما جرى لآدم) من وصيّته إلى هبة اللّه ، وبشارته بنوح . وكذا البواقي .

وقوله : (حتّى انتهت) أي الوصيّة، أو النبوّة .

وقوله : (فكان بين يوسف وبين موسى من الأنبياء) من قبيل قوله ممّا مرّ .

وقوله عليه السلام : (ثمّ أرسل الرُّسل تترى ...) اقتباس من قوله تعالى في سورة المؤمنون : «ثُمَّ

ص: 239


1- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 255 و 256
2- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 313
3- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 311

أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ» (1) .

قال البيضاوي : «تَتْرى» أي متواترين واحدا بعد واحد، من الوتر، وهو الفرد . والتاء بدل من الواو، كتولج ، والألف للتأنيث؛ لأنّ الرسل جماعة .

وقرأ أبو عمرو: «وتترًى» بالتنوين، على أنّه مصدر بمعنى المتواترة وقع حالاً.

«كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ» ؛ أضاف الرسول مع الإرسال إلى المرسل، ومع المجيء [إلى المرسل إليهم]. «بَعْضَهُمْ بَعْضا» في الإهلاك «وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ» لم نبق منهم إلّا حكايات يُسمر بها ، وهو اسم جمع «اُحدُوثة»، وهي ما يتحدّث به تلهّيا وتعجّبا (2).

وقوله : (اثنان قائمان) جملة حاليّة؛ أي والحال أنّ اثنين من الأنبياء قائمان ينظران إلى النبيّ المقتول، ولا ينصرانه للتقيّة، أو لعدم القدرة على النصرة .

والغرض أنّ التقيّة ممّا جرت به سنّة اللّه في الأوّلين والآخرين، وليست مختصّة بأوصياء هذه الاُمّة وشيعتهم . أو يراد باثنان رجلان من القوم واقفان، ولا يزجران القاتل؛ إمّا لما ذكر، أو عدم المبالاة، وعلى هذا القياس .

قوله : (ويقتلون اثنين وأربعة قيام) جمع قائم .

وقوله : (ويقوم سوق قتلهم) .

السوق، بالضمّ: معروف ، وقيامه: نَفاقه، ورواجه .

(آخر النهار) ظرف للقيام، أو غاية له .

وعلى الثاني يكون المراد أنّهم كانوا يقتلون في هذا الزمان القليل هذا العدد الكثير .

وفي بعض النسخ: «سوق بقلهم»، وهو موافق لما روي في غير هذا الخبر ؛ أي لا يبالون بذلك حيث كان بعد قتل سبعين نبيّا يقوم أسواقهم إلى آخر النهار، حتّى سوق بقلهم .

وقوله : (وكان بين يوسف وموسى من الأنبياء) تأكيد لما مرّ سابقا .

وقوله : (وذلك) أي كون العلم والإيمان والوصاية في العقب من ذرّيّته، وعدم قطعها

ص: 240


1- المؤمنون (23) : 44
2- تفسيرالبيضاوي ، ج 4 ، ص 155 (مع اختلاف يسير)

عنهم؛ لأنّهم آل إبراهيم، وهم آل عمران، وهم الذرّيّة التي بعضها من بعض .

وقيل : «ذلك» إشارة إلى كون العلم والرسالة والولاية والوصاية في السابقين واللاحقين بوحي منه تعالى وأمره (1).

(قول اللّه تعالى) في سورة آل عمران : «إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ» (2) .

قال البيضاوي : أي بالرسالة والخصائص الروحانيّة والجسمانيّة، ولذلك قَووا على ما لم يَقْوَ عليه غيرهم . «وَآلَ إبْرَاهِيمَ» : إسماعيل وإسحاق وأولادهما، وقد دخل فيهم الرسول عليه السلام . «وَآلَ عِمْرَانَ» : موسى وهارون ابنا عمران بن يصهر بن فاهث بن لاوي بن يعقوب، أو عيسى واُمّه مريم بنت عمران بن ماثان من أسباط يهوذا بن يعقوب، وكان بين العمرانين ألف وثمانمائة .

«ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ» ؛ حال، أو بدل من الآلَيْنِ، أو منهما ومن نوح؛ أي إنّهم ذرّيّة واحدة متشعّبة بعضها من بعض .

وقيل : بعضها من بعض في الدين . والذرّيّة: الولد، يقع على الواحد والجمع، فُعليّة من الذرّ، أو فُعّولة من الذرء اُبدلت همزتها ياء، ثمّ قلبت الواو، واُدغمت .

«وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» بأقوال الناس وأعمالهم، فيصطفي من كان مستقيم القول والعمل (3).

وأقول : يظهر من الأخبار المتكثّرة المتظافرة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام أنّه دخل في الآلَين، وفي الذرّيّة الرسول صلى الله عليه و آله وذرّيّته المعصومين ، بل يظهر من بعضها اختصاص الآل والذرّيّة بهم .

وقوله : (لم يجعل العلم جهلاً) .

قيل : أي لم يجعل العلم مبنيّا على الجهل، بأن يكون أمر الحجّة مجهولاً لا يعلمه الناس، ولا بيّنه لهم، أو لم يجعل العلم مخلوطا بالجهل، بل لابدّ أن يكون العالم عالما بجميع ما

ص: 241


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 60
2- آل عمران (3) : 33
3- تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 29

يحتاج إليه الخلق، ولا يكون اختيار مثله إلّا منه تعالى (1).

وقيل : أي لم يجعل العلم قطّ بمنزلة الجهل، ولا العالم بمنزلة الجاهل في وجوب الاتّباع، بل أمر باتّباع العلم والعالم في جميع الأزمنة والأعصار دون الجهل والجاهل ، فكيف يجوز بهذه الأدلّة تقديم الجاهل على العالم؟! (2).

وقال الفاضل الإسترآبادي : فيه ردّ على من قال بأنّ اللّه تعالى بيّن بعض أحكامه على لسان نبيّه، وفوّض الباقي إلى ظنون المجتهدين وأفكارهم واجتهاداتهم الظنّيّة، وأمر من لم يبلغ درجة الاجتهاد الظنّي باتّباع ظنون المجتهدين .

وملخّص الكلام أنّ الظنّ قد يكون باطلاً، فيكون جهلاً؛ لعدم مطابقة الواقع، وأمر عباده باتّباع العلم، وهو اليقين المطلوب للواقع (3).

(ولم يَكل) أي لم يترك، ولم يسلّم أمره في تقرير الأحكام وتعيين الهداة .

(إلى أحد من خلقه ، لا إلى ملكٍ مقرّب، ولا نبيّ مرسل) ؛ فكيف غيرهما ؟!

(ولكنّه تعالى أرسل رسولاً من الملائكة) إلى من يشاء من أنبيائه ورسله .

(فقال له) أي لذلك الملك : (قل) للرسل والأنبياء .

(كذا وكذا) ؛ فأمرهم اللّه ، أو ذلك الملك بما يحبّ اللّه .

(ونهاهم عمّا يكره) من الاُمور المختصّة بهم، أو الأعمّ .

(فقصّ عليهم أمر خلقه) .

في القاموس : «قصّ الخبر قصّا وقصصا: أعلمه» (4) . وقال الجوهري : «قصّ الحديث: رواه على وجهه.

والقَصَص المصدر والاسم» (5).

وقيل : لعلّ المراد بأمر الخلق كلّ ما هو مطلوب منهم من الأوامر والنواهي وغيرهما ممّا فيه صلاحهم، أو الأعمّ منه، وممّا يصدر منهم ظاهرا وباطنا .

ص: 242


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 281
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 60
3- حكاه عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 60
4- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 313 (قصص)
5- الصحاح ، ج 3 ، ص 1051 (قصص)

وقوله : (بعلم) حال عن الفاعل. والغرض منه أنّ تحديثه كان مقرونا بعلم من اللّه تعالى لا برأيه، فإذا لم يفوّض شيئا من أمر الخلق إلى رأي الملك الرسول من اللّه ، فكيف يفوّضه إلى الجهلة من الناس (1).

(فعلم ذلك العلم ، وعلّم أنبياءه وأصفياءه) .

«علم» في الموضعين يحتمل أن يكون على صيغة المجرّد المعلوم ؛ أي عَلم ذلك الملك العلم الذي أفاضه اللّه تعالى عليه، وعلّمه إيّاه، وعَلِمَ أنبياؤه وأصفياؤه ذلك العلم بتعليم ذلك الملك .

أو يكون على صيغة المزيد المعلوم فيهما ؛ أي علّمه اللّه ذلك العلم، وعلّم هو أنبياء اللّه وأصفياءه .

أو يكون الأوّل من المجرّد، والثاني من المزيد، أو بالعكس.

والمستتر فيهما في السابق عائد إلى الملك، وفي الأخير المستتر في الأوّل عائد إلى اللّه ، وفاعل الثاني الأنبياء والأوصياء .

أو يكون الأوّل على صيغة المجهول من المزيد ، والثاني على صيغة المعلوم منه، والمستتر فيهما عائدا إلى الملك .

وقيل : كأنّ المراد بالأنبياء المعنى العامّ الشامل للرُّسل أيضا، وبالأصفياء الأوصياء مطلقا؛ لصدقها على الرسل والأنبياء والأئمّة عليهم السلام ، فبينهما عموم مطلق ؛ لأنّ كلّ نبيّ صفيّ، دون العكس.

وحمل العطف على التفسير بعيد (2).

وقوله : (من الآباء والإخوان والذرّيّة التي بعضها من بعض) بيان للأصفياء؛ يعني أنّ بعضهم آباء بعض، وبعضهم إخوان في النسب أو في الدِّين، كمحمّد وعليّ والحسن والحسين عليهم السلام ، وكموسى ويوشع ويوسف وأسباط إخوته، وبعضهم ذرّيّةٌ من بعض . وقد اجتمعت الثلاثة في كثير منهم باختلاف الإضافة والاعتبار .

وقوله : (فذلك قوله عزّ وجلّ) ؛ استشهاد لما أشار إليه من أنّ النبوّة والوصاية والعلم من قبله تعالى .

ص: 243


1- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 61
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 61

في سورة النساء : «فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكا عَظِيما» (1) .

فما في [بعض ]نسخ الكتاب إمّا نقل بالمعنى، أو كان في مصحفهم عليهم السلام كذلك، أو تغيير من الرواة أو من النسّاخ (2).

(فأمّا الكتاب فهو النبوّة) أي نبوّة الأنبياء .

(وأمّا الحكم فهم الحكماء) ؛ الضمير راجع إلى معنى الحكمة المفهوم ضمنا، والغرض أنّ المراد بالحكمة حكمة الحكماء.

(من الأنبياء من الصفوة).

والحكمة: خروج النفس إلى كمالها الممكن في مباني العلم والعمل . وبعبارة اُخرى هي العلم بالشرائع وأسرار التوحيد ومصالح الدُّنيا والآخرة، والعمل بمقتضاه .

وصفوة الشيء _ مثلّثة _ : ما صفا منه . وكلمة «من» في الموضعين بيانيّة، وكونها ابتدائيّة بعيد .

(وأمّا الملك العظيم فهم الأئمّة) أي وجوب طاعتهم .

روى المصنّف رحمه الله في باب أنّ الأئمّة ولاة الأمر، بإسناده عن حمران بن أعين، قال لأبي عبد اللّه عليه السلام : قول اللّه عزّ وجلّ : «فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ» ؟

فقال : «النبوّة» .

قلت : «الْحِكْمَةَ» ؟

قال : «الفهم والقضاء» .

قلت : «وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكا عَظِيما» ؟

فقال : «الطاعة» انتهى (3).

وكلمة «من» في قوله : (من الصفوة) كما عرفت .

وقوله : (هؤلاء) إشارة إلى الأنبياء والحكماء والأئمّة .

وقوله : (والعلماء) بالجرّ، عطف على الذرّيّة .

ص: 244


1- النساء (4) : 54
2- متن النسخة مضطرب هنا جدّا ، فصحّحناها على القياس
3- الكافي ، ج 1 ، ص 206 ، ح 3 ؛ بصائر الدرجات ، ص 36 ، ح 7

وقوله : (البقيّة) أي بقيّة علوم الأنبياء وآثارهم . وكأنّه إشارة إلى قوله تعالى : «بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ» (1). ، وفسّرت في كثير من الأخبار بالأئمّة عليهم السلام .

وفي القاموس: البقيّة: اسم من البقاء، وهو ضدّ الفناء . و «بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ» ؛ أي طاعة اللّه ، أو انتظار ثوابه ، أو الحالة الباقية لكم من الخير، أو ما أبقى لكم من الحلال . و «اُولوٌا بَقِيَّةٍ يَنْهُونَ» (2) ؛ أي إبقاءٍ، أو فهمٍ. وأبقيتُ ما بيننا: لم اُبالغ في إفساده. والاسم: البقيّة. وبَقاهُ بَقْيا: رصده، أو نظر إليه (3).

وقيل : أراد بالبقيّة هنا من ينتظر وجوده، ويترقّب ظهوره، من قولك: بقيت الرجل بقيّة، إذا انتظرته ورقبته (4).

(وفيهم العاقبة المحمودة) ؛ وكأنّه إشارة إلى قوله تعالى : «وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ» (5) .

وقيل : المراد عاقبة أمر النبوّة والولاية والوصاية . والعاقبة أيضا: آخر كلّ شيء ، وكأنّ المراد بها نبيّنا صلى الله عليه و آله ، وهو آخر الأنبياء، أو المهديّ المنتظر وهو آخر الأوصياء .

ويمكن أن يُراد بها مجيء واحد بعد الآخر، على أن يكون مصدرا، ومنه العاقب، وهو الذي يخلُف من قَبله .

وفي الخبر : «ومن أسماء نبيّنا صلى الله عليه و آله العاقب؛ لأنّه آخر الأنبياء» (6) (7).

(وحفظ الميثاق) .

«الميثاق»: العهد، وهم عليهم السلام يحفظون العهد الذي أخذه اللّه تعالى عليهم وعلى غيرهم، وأمرهم بأن يوفوا به .

(وللعلماء ولولاة الأمر استنباط العلم) .

تقديم الظرف للحصر . وفي بعض النسخ: «والعلماء»، وهو معطوف على العاقبة . قال الفيروزآبادي : «نبط الماء: نبع. والبئر: استخرج ماءها، وكلّ ما أظهر بعد خفاء فقد

ص: 245


1- هود (11) : 86
2- هود (11) : 116
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 304 (بقي)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 62
5- الأعراف (7) : 128 ؛ القصص (28) : 83
6- لم نعثر على الخبر في الجوامع الروائيّة
7- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 62

اُنبِط واستُنبِط مجهولين. واستنبط الفقيه: استخرج الفِقه الباطن برأيه واجتهاده» (1).

والمراد بالعلم علم الكتاب من أسرار التوحيد، وعلم أحكام الدِّين والأخلاق والسياسيّات، وغير ذلك ممّا يختصّ علمه بهم، وهو المسمّى بالحكمة الإلهيّة .

(وللهداة) عطف على قوله : «لولاة الأمر» .

وفي كتاب إكمال الدِّين وغيره: «فَهُمُ العلماء وولاةُ الأمر وأهل استنباط العلم والهداة» (2).

وفيه إشارة إلى اختصاص الاستنباط بهم، وأنّ كلّ من ليست له قوّة الاستنباط لا يستحقّ أمر الخلافة .

(فهذا) أي استنباط العلم .

(شأن الفُضّل من الصفوة) .

كلمة «من» بيانيّة . و«الفضّل» بالضمّ والتشديد: جمع الفاضل، كركّع وراكع، وكمّل وكامل .

وقوله : (ولاة أمر اللّه ) أي دينه، أو حكمه .

(واستنباط علم اللّه ) عطف على أمر اللّه .

ولعلّ المراد بعلم اللّه الكتب الإلهيّة .

(وأهل آثار علم اللّه ) عطف على الولاة .

وقيل : المراد به السلاح والمعجزات، والإخبار بالمغيبات، وتطهير الظاهر والباطن عن الرذائل، وتزيينها بالفضائل، وتحذير الخلق عن المنهيّات، وإرشادهم إلى الخيرات (3).

وقوله : (من الآباء) بيان للأنبياء .

وقوله : (فمن اعتصم بالفُضّل) أي المتّصفون بما ذكر من الصفات، وهم أهل البيت صلوات اللّه عليهم .

(انتهى بعلمهم) أي اقتصر به، ولم يتجاوز إلى غيره . أو وصل إليه. والأوّل أظهر .

وقيل : الباء للسببيّة ؛ أي وصل بسبب علمهم إلى الدرجة القصوى والمرتبة العُليا

ص: 246


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 62
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 387 (نبط)
3- كمال الدين ، ج 1 ، ص 217

المطلوب من الإنسان (1).

(ونجا بنصرتهم) من وساوس الشيطان، وعقوبات النيران .

وقوله عليه السلام : (والمتكلّفين) عطف على «الجهّال» ؛ أي جعل المتكلّفين ولاة أمر اللّه . يُقال : تكلّفت الشيء، إذا تجشّمته، أو أظهرت ما ليس فيك .

(بغير هدىً من اللّه ) ؛ متعلّق بالتكلّف، أو بالجهل . ويحتمل كونه حالاً عن فاعل كلّ منهما، أو كليهما، أو عن «الجهّال» .

(وزعموا أنّهم أهل استنباط علم اللّه ) ؛ يحتمل عطفه على «وضع»، وعود الضمير المرفوع إلى الموصول باعتبار المعنى .

ويحتمل كونه استئنافا ؛ أي وزعم أهل الخلاف أنّ الجهّال والمتكلّفين أهل استنباط علم اللّه .

والفاء في قوله : (فقد كذبوا على اللّه ) جزائيّة على الأوّل، وتفريعيّة على الثاني .

وقوله : (فضل اللّه ) إمّا مصدر، وهو ضدّ النقص . أو بمعنى الفضيلة، وهي الدرجة الرفيعة في الكمال ، وهنا كناية عن ولاية الأمر والإمامة .

وقوله : (ولم يكن لهم حجّة) أي برهان .

(يوم القيامة) في وضع ولاية الأمر في غير الصفوة، واتّباع الجهّال .

وقيل : المراد بالحجّة هنا إمام يدفع عنهم العذاب، ويشفع لهم (2).

(إنّما الحجّة في آل إبراهيم) أي اتّباع آله الموصوفين بالصفات الآتية، فليس لهم أن يحتجّوا بأنّ من جعلوه إماما وخليفة هو أيضا من آل إبراهيم الذي جعله اللّه حجّة لهم .

(لقول اللّه عزّ ذكره) إلى قوله : «وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكا عَظِيما» .

والملك العظيم إنّما هو الرئاسة العامّة، وإيتاؤه من اللّه لا منهم .

وقوله : (ينطق بذلك) أي يكون الحجّة لهم، لا لغيرهم من الجَهَلة .

وقوله : (وصيّة اللّه ) منصوب على الحاليّة من اسم الإشارة، أو مرفوع على الخبريّة من

ص: 247


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 63
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 63

مبتدأ محذوف وما بعده ؛ أعني قوله : (بعضها من بعض) ؛ مبتدأ وخبر منصوب المحلّ على الحاليّة منه .

وقوله : (التي وضعها على الناس) أي أوجب عليهم قبولها صفة للوصيّة .

وضمير التأنيث في الموضعين راجع إليها؛ أي هذه الاُمور المذكورة من النبوّة والخلافة، وموضعهما ومحلّهما وصيّة من اللّه ، أخذها كلّ نبيّ وإمام عمّن قبله، وأوجب اللّه على غيرهما من الرعيّة أخذها وقبولها .

وقوله : (فقال عزّ وجلّ ...) إشارة إلى بيان ما ينطق به الكتاب .

«فِي بُيُوتٍ» .

قال البيضاوي : إنّه متعلّق بما قبله ؛ أي كمشكاة في بعض بيوت، أو توقد في بيوت، فيكون تقييدا للمثَل به بما لايكون تحبيرا ومبالغة فيه؛ فإنّ قناديل المساجد تكون أعظم . أو تمثيلاً لصلاة المؤمنين، أو أبدانهم بالمساجد.

ولا ينافي جمع «البيوت» وحدة «المشكاة»؛ إذ المراد بها ما له هذا الوصف بلا اعتبار وحدة ولا كثرة، أو بما بعده وهو «يسبّح» ، وفيها تكرير مؤكّد لا يذكر؛ لأنّه من صِلَةِ «أنْ»، فلا يعمل فيما قبله، أو بمحذوف مثل سبّحوا في بيوت ، والمراد بها المساجد؛ لأنّ الصفة تلائمها . وقيل : المساجد الثلاث، والتنكير للتعظيم .

«أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ» (1) بالبناء، أو التعظيم . «وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ» عامّ فيما يتضمّن ذكره حتّى المذاكرة في أفعاله والمباحثة في أحكامه . انتهى (2).

وقوله : (فهذا) أي ما ذكر من الاُصول والقواعد .

(بيان عروة الإيمان) .

«العروة» في الأصل من الدلو والكوز: المقبض. ومن الثوب: اُخت زره، وقد استعيرت لاستمساك الحقّ بالنظر الصحيح والرأي القويم .

وقيل : المراد بالعروة هنا الرسول ووصيّه على سبيل الاستعارة ؛ لأنّ من تمسّك بها، فهو حامل للإيمان، وناج من الهلاك الدنيوي والاُخروي، والعقوبات اللاحقة لمن لم يتمسّك بها (3).

ص: 248


1- النور (24) : 36
2- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 191
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 64

وقوله : (وبها ينجو من يتّبع الأئمّة) .

قيل : مقتضى الظاهر أن يقول: وبها ينجو من ينجو منكم. وإنّما عدل عنه؛ للتصريح بالمقصود، وهو أنّ نجاة هذه الاُمّة باتّباع الأئمّة من آل محمّد صلى الله عليه و آله (1).

(وقال اللّه _ عزّ وجلّ _ في كتابه) في سورة آل عمران : «وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ» .

قال البيضاوي : الضمير لإبراهيم؛ إذ الكلام فيه . وقيل : لنوح؛ لأنّه أقرب، ولأنّ يونس ولوطا ليسا من ذرّيّة إبراهيم، فلو كان لإبراهيم اختصّ البيان بالمعدودين في تلك الآية والتي بعدها، والمذكورون في الآية الثالثة عطف على «نوحا» .

«دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وهَارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ» أي نجزي المحسنين جزاءً مثل ما جزينا إبراهيم برفع درجاته وكثرة أولاده وكون النبوّة فيهم .

«وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى» ؛ هو ابن مريم ، وفي ذكره دليل على أنّ الذرّيّة يتناول أولاد البنت .

«وَإِلْيَاسَ» . قيل : هو إدريس جدّ نوح، فيكون البيان مخصوصا بمن في الآية الاُولى . وقيل : هو من أسباط هارون أخي موسى .

«كُلٌّ مِنْ الصَّالِحِينَ» ؛ الكاملين في الصلاح، وهو الإتيان بما ينبغي، والتحرّز عمّا لا ينبغي .

«وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ» ؛ هو اليسع بن أخطوب .

«وَيُونُسَ» ؛ هو يونس بن متّى .

«وَلُوطا» ؛ هو ابن أخي إبراهيم عليه السلام .

«وَكُلّاً فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ» بالنبوّة .

وفيه دليل فضلهم على من عداهم من الخلق .

«وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ» ؛ عطف على «كلّاً»، أو «نوحا» ؛ أي فضّلنا كلّاً منهم، أو هدينا هؤلاء وبعض آبائهم وذرّيّاتهم وإخوانهم؛ فإنّ منهم من لم يكن نبيّا ولا مهديّا .

ص: 249


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 64

«وَاجْتَبَيْنَاهُمْ» ؛ عطف على «فضّلنا»، أو «هدينا» .

«وَهَدَيْنَاهُمْ إِلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» ؛ تكرير لبيان ما هدوا إليه .

«ذلِكَ هُدَى اللّهِ» ؛ إشارة إلى ما دانوا به .

«يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا» أي ولو أشرك هؤلاء الأنبياء مع فضلهم وعلوّ شأنهم .

«لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» ؛ لكانوا كغيرهم في هبوط أعمالهم بسقوط ثوابها .

«أُوْلئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ» ؛ يريد به الجنس .

«وَالْحُكْمَ» : الحكمة، أو فصل الأمر على ما يقتضيه الحقّ .

«وَالنُّبُوَّةَ» : الرسالة .

«فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا» أي بهذه الثلاثة .

«هؤُلَاءِ» ؛ يعني قريشا .

«فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا» أي بمراعاتها .

«قَوْما لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ» ، وهو الأنبياء المذكورون ومتابعوهم .

وقيل : هم الأنصار، أو أصحاب النبيّ، أو كلّ مَنْ آمن به، أو الفُرْسُ . وقيل : الملائكة .

«أُوْلئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ» ؛ يريد الأنبياء المتقدّم ذكرهم .

«فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ» (1) ؛ فاختصّ طريقهم بالاقتداء . والمراد بهداهم ما توافقوا عليه من التوحيد واُصول الدِّين دون الفروع المختلَف فيها؛ فإنّها ليست هدى مضافا إلى الكلّ ، ويمكن التأسّي بهم جميعا (2).

إلى هاهنا كلام البيضاوي ، وأنت خبير بأنّ تفسير «قوما» بما ذكره من الأنبياء ومتابعيهم بعيد من العبارة جدّا . وكذا تفسيره بمن آمن به عموما أو خصوصا؛ فإنّ في لفظ التوكيل إشعارا بأنّ تلك القوم كانت حافظة للكتاب والحكم وآثار النبوّة من تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ، وهذا اللفظ لا يتيسّر إلّا للخلف العدول من أهل بيت العصمة صلوات اللّه عليهم؛ لأنّ غيرهم لا يأمن الخطأ من نفسه، ولا يأمنه غيره أيضا .

ص: 250


1- الأنعام (6) : 84 - 90
2- تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 426 - 428 (مع التلخيص واختلاف يسير)

وتفسيره بالملائكة؛ لأنّ لفظ القوم لا يشملهم لغةً .

قال الجوهري : القوم: الرجال دون النساء، لا واحد له من لفظه . والقوم يُذكّر ويؤنّث ؛ لأنّ أسماء الجموع _ التي لا واحد لها من لفظها _ إذا كانت للآدميّين تذكّر وتؤنّث، مثل رَهْط ونفر وقوم . انتهى (1).

إذا عرفت هذا فنقول : الظاهر أنّ المشار إليهم اُولئك القوم المذكورون، والأمر بالاقتداء بهداهم لكلّ مكلّف .

وقوله عليه السلام : (فإنّه وكّل بالفُضَّل من أهل بيته) أي لعمل أهل بيت النبيّ صلى الله عليه و آله .

والظاهر أنّ «الفضّل» بيان للقوم الموكّلين . و«وكّل» على صيغة المعلوم من المزيد، والمستتر فيه راجع إلى اللّه . والباء زائدة .

وقال بعض الأفاضل : يحتمل أن يقرأ: «وكَلَ» بالتخفيف، ويكون الباء بمعنى «إلى»؛ أي وَكَلَ الإيمان والعلم إلى الأفاضل من أهل بيته بالتشديد على سبيل القلب، أو بتخفيف الفَضْل، فيكون «من أهل بيته» مفعولاً لقوله: «وكّل» ؛ أي جماعة من أهل بيته بالفضل ، وهو العلم والإيمان .

قال : وإنّما احتجنا إلى هذه التكلّفات؛ لأنّ الظاهر من كلامه عليه السلام بعد ذلك أنّه فسّر القوم بالأئمّة (2).

وقوله : (والإخوان والذرّيّة) عطف على «أهل بيته» ، أو على «الفضّل» .

وعلى التقديرين يكون العطف للتفسير والبيان، أو من عطف الخاصّ على العامّ ؛ أي بعض إخوان كالحسنين، وبعضهم ذرّيّة كسائر الأئمّة ، وبعضهم ليس هذا ولا ذاك كأمير المؤمنين عليه السلام .

وعلى الأوّل يمكن إدراجه عليه السلام في الإخوان؛ لقول النبيّ صلى الله عليه و آله : «أنت أخي» . وفي الذرّيّة؛ لأنّه من ذرّيّة الأنبياء .

وقوله : (أن تكفر بها اُمّتك) إشارة إلى تفسير هؤلاء، وأنّ المراد به جميع الاُمّة، لا خصوص قريش .

ص: 251


1- الصحاح ، ج 5 ، ص 2016 (قوم)
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 283 و 284

والظاهر أنّ المراد بالإيمان ما يجب الإيمان به ممّا جاء به النبيّ صلى الله عليه و آله لقوله : (أرسلتك به) ؛ وأعظمه الولاية .

وقوله : (علماء اُمّتك) صفة لأهل بيتك، أو بدل منه . ويحتمل كونه مبتدأ ، وقوله : «من أهل بيتك» خبره، قدّم عليه للتخصيص .

وفي كتاب إكمال الدِّين هكذا : «وجعلت أهل بيتك بعدك عَلَمَ اُمّتك» .

وقوله : (وأهل استنباط العلم) إلى آخره .

قال الفاضل الإسترآبادي : «فيه إشارة إلى أنّ الاستنباطات الظنّيّة من الأصل والاستصحاب وإطلاق الآية والقياس أو نحو ذلك غير جائزة» انتهى (1).

والرياء: معروف. والإثم، بالكسر: الذنب، وأن يعمل ما لا يحلّ .

والبَطَر، بالتحريك: الدهش، والحيرة، وكراهة الشيء من غير أن يستحقّ الكراهة، وطول الفساد، والتكبّر عن قبول الحقّ، والكذب من القول، والعقد بما لا يطابق الواقع .

والزور، بالضمّ: الكذب مطلقا ؛ أي الكذب عن عمد، أو الميل عن الحقّ، أو الشرك باللّه ، أو ما يُعبد من دون اللّه .

قيل : فعلى الأوّل لا فرق بينه وبين الكذب، فذكره تأكيد . وعلى الثاني بينهما عموم وخصوص مطلقا . وعلى الثلاثة الأخيرة بينهما مباينة ؛ أمّا على الأخيرين فظاهر ، وأمّا على السابق منهما؛ فلأنّ القول من حيث إنّه غير مطابق للواقع كذب، ومن حيث إنّه مائل عن الحقّ زور . وفيه تعريض بمن فيه جميع ذلك (2).

(فهذا بيان ما ينتهي إليه أمر هذه الاُمّة) ؛ كأنّه تأكيد لقوله عليه السلام : (فهذا) بيان عروة الإيمان .

والمراد بأمر هذه الاُمّة جعل الرئاسة والإمامة في العقب من ذرّيّة خاتم الأنبياء وأهل بيت العصمة، كما سنّه اللّه _ عزّ وجلّ _ في أعقاب سائر الأنبياء وذراريهم المعصومين .

والمراد بالانتهاء إليه وجوب الأخذ والتمسّك به، وعدم التخلّف عنه، والإذعان بأنّ المتمسّك بهم لاحق، والمتخلّف عنهم زاهق .

ص: 252


1- حكاه عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 65
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 65

وقوله : (طهّر أهل بيت نبيّه) ؛ إشارة إلى آية التطهير، وأنّها نزلت فيهم عليهم السلام .

وقوله : (وسألهم أجر المودّة) ؛ إشارة إلى قوله تعالى : «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرا إِلَا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى» (1). ، وظاهر أنّه كناية عن وجوب طاعتهم، لا ينكره إلّا معاند .

وفي القاموس: «سأله كذا ، وعن كذا ، وبكذا ، بمعنى» (2).

فكان هنا حذفا وإيصالاً ؛ أي سأل لهم. وكان المستتر فيه راجع إلى اللّه ، كما هو مقتضى السياق باعتبار كونه أمرا للسؤال. ورجوعه إلى النبيّ محتمل .

وفي كتاب إكمال الدِّين : «جعل لهم أجر المودّة» .

وقوله : (وأجرى لهم الولاية) ؛ إشارة إلى قوله تعالى : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللّهُ» (3) الآية ، وقوله : «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» (4) ، وقوله : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ» (5) ، وقوله : «أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» (6) . وأمثالها كثير في القرآن ، ودلالتها على المراد موكول على الكتب الكلاميّة والتفسير .

وقوله : (وجعلهم أوصياءه وأحبّاءه) .

فاعل «جعل» كفاعل «سأل» ، والضمير المنصوب في الموضعين للنبيّ صلى الله عليه و آله .

وقوله : (ثابتة) ؛ حال عن الولاية والمودّة، أو عنهما وعن الوصاية والمحبّة، أو خبر مبتدأ محذوف ؛ أي الاُمور المذكورة ثابتة لهم بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله في اُمّته ؛ يعني أنّها واجبة لازمة، أو مستمرّة غير منقطعة .

وقيل : هي حال عن الأوصياء والأحبّاء ، والتأنيث باعتبار الجماعة ، أو الوصاية والمحبّة (7).

وقوله : (حيث وضع اللّه ) ظرف للقول، أو للاعتبار .

وقوله : (فإيّاه فتقبّلوا ، وبه فاستمسكوا تنجوا به) ؛ الظاهر أنّ الضمائر المنصوبة والمجرورة للموصول، وإرجاعها إلى الوضع بعيد .

ص: 253


1- الشورى (42) : 23
2- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 392 (سأل)
3- المائدة (5) : 55
4- النحل (16) : 43 ؛ الأنبياء (21) : 7
5- التوبة (9) : 119
6- النساء (4) : 59
7- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 66

وفسّر البيضاوي التقبّل في قوله تعالى : «فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ» (1) بالرضا، أو التسليم، أو الاستقبال (2) . والمشهور في كتب اللغة أنّ القبول والتقبّل مترادفان.

وكان قوله : (وطريق ربّكم) عطف على الحجّة ؛ أي يكون لكم طريق إلى ربّكم في الدُّنيا، أو طريق موصل إلى الجنّة في الآخرة .

ويحتمل كونه خبر مبتدأ محذوف ؛ أي ما قلت، أو الحجج طريق إلى ربّكم .

وقوله : (لا تصل ولاية إلى اللّه إلّا بهم) ؛ لعلّ المراد أنّه لا تقبل ولاية اللّه إلّا بولايتهم، أو لا تصل ولاية إلى اللّه إلّا إذا تعلّقت بهم .

وقوله : (أن يُكرمه ولا يعذّبه) .

قيل : الإكرام إشارة إلى إيصال أنواع الخير، ونفي التعذيب إلى دفع أنواع الشرّ (3).

متن الحديث الثالث والتسعين

اشاره

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ثَابِتِ بْنِ دِينَارٍ الثُّمَالِيِّ وَأَبِي (4) مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ، قَالَ:

حَجَجْنَا مَعَ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي السَّنَةِ الَّتِي كَانَ حَجَّ فِيهَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَكَانَ مَعَهُ نَافِعٌ مَوْلى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَنَظَرَ نَافِعٌ إِلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي رُكْنِ الْبَيْتِ، وَقَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ، فَقَالَ نَافِعٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَنْ هذَا الَّذِي قَدْ تَدَاكَّ عَلَيْهِ النَّاسُ؟

فَقَالَ: هذَا نَبِيُّ أَهْلِ الْكُوفَةِ، هذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ.

فَقَالَ: اشْهَدْ لَاتِيَنَّهُ، فَلَأَسْأَلَنَّهُ عَنْ مَسَائِلَ لَا يُجِيبُنِي فِيهَا إِلَا نَبِيٌّ، أَوِ ابْنُ نَبِيٍّ، أَوْ وَصِيُّ نَبِيٍّ.

قَالَ: فَاذْهَبْ إِلَيْهِ، وَسَلْهُ، لَعَلَّكَ تُخْجِلُهُ. فَجَاءَ نَافِعٌ حَتَّى اتَّكَأَ عَلَى النَّاسِ، ثُمَّ أَشْرَفَ عَلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ، إِنِّي قَرَأْتُ التَّوْرَاةَ وَالْاءِنْجِيلَ وَالزَّبُورَ وَالْفُرْقَانَ، وَقَدْ عَرَفْتُ حَلَالَهَا وَحَرَامَهَا، وَقَدْ جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ مَسَائِلَ لَا يُجِيبُ فِيهَا إِلَا نَبِيٌّ، أَوْ وَصِيُّ نَبِيٍّ، أَوِ ابْنُ نَبِيٍّ.

ص: 254


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 66
2- آل عمران (3) : 37
3- اُنظر : تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 33
4- في الطبعة الجديدة وبعض نسخ الكافي : «وأبو» . ولايخفى أنّ أبي منصور معطوف علي أبي حمزة الثمالي، كما يُعلم ذلك أيضا من تفسيرالقمّي ، ج 2 ، ص 284. فتأمّل

قَالَ: فَرَفَعَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام رَأْسَهُ، فَقَالَ: «سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ».

فَقَالَ: أَخْبِرْنِي كَمْ بَيْنَ عِيسى وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله مِنْ سَنَةٍ؟

قَالَ: «أُخْبِرُكَ بِقَوْلِي، أَوْ بِقَوْلِكَ؟»

قَالَ: أَخْبِرْنِي بِالْقَوْلَيْنِ جَمِيعا.

قَالَ: «أَمَّا فِي قَوْلِي، فَخَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ. وَأَمَّا فِي قَوْلِكَ فَسِتُّمِائَةِ سَنَةٍ».

قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ لِنَبِيِّهِ: «وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَ جَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ» (1). ؛ مَنِ الَّذِي سَأَلَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِيسى خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ؟ قَالَ: فَتَلَا أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام هذِهِ الْايَةَ: «سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا» (2). ؛ فَكَانَ مِنَ الْايَاتِ الَّتِي أَرَاهَا اللّهُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله حَيْثُ أَسْرى بِهِ إِلى بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَنْ حَشَرَ اللّهُ _ عَزَّ ذِكْرُهُ _ الْأَوَّلِينَ وَالْاخِرِينَ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ، ثُمَّ أَمَرَ جَبْرَئِيلَ عليه السلام ، فَأَذَّنَ شَفْعا، وَأَقَامَ شَفْعا، وَقَالَ فِي أَذَانِهِ: «حَيَّ عَلى خَيْرِ الْعَمَلِ»، ثُمَّ تَقَدَّمَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله ، فَصَلّى بِالْقَوْمِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ لَهُمْ: عَلى مَا تَشْهَدُونَ، وَمَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟

قَالُوا: نَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَا اللّهُ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللّهِ، أَخَذَ عَلى ذلِكَ عُهُودَنَا وَمَوَاثِيقَنَا».

فَقَالَ نَافِعٌ: صَدَقْتَ يَا أَبَا جَعْفَرٍ، فَأَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «أَ وَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقا فَفَتَقْناهُما» (3) .

قَالَ: «إِنَّ اللّهَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ لَمَّا أَهْبَطَ آدَمَ إِلَى الْأَرْضِ، وَكَانَتِ السَّمَاوَاتُ رَتْقا لَا تَمْطُرُ شَيْئا، وَكَانَتِ الْأَرْضُ رَتْقا لَا تُنْبِتُ شَيْئا، فَلَمَّا أَنْ تَابَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ عَلى آدَمَ عليه السلام ، أَمَرَ السَّمَاءَ فَتَقَطَّرَتْ بِالْغَمَامِ، ثُمَّ أَمَرَهَا فَأَرْخَتْ عَزَالِيَهَا، ثُمَّ أَمَرَ الْأَرْضَ فَأَنْبَتَتِ الْأَشْجَارَ، وَأَثْمَرَتِ الثِّمَارَ، وَتَفَهَّقَتْ بِالْأَنْهَارِ، فَكَانَ ذلِكَ رَتْقَهَا، وَهذَا فَتْقَهَا».

ص: 255


1- الزخرف (43) : 45
2- الإسراء (17) : 1
3- الأنبياء(21) : 30

قَالَ (1) نَافِعٌ: صَدَقْتَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللّهِ، فَأَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ» (2) ؛ أَيُّ أَرْضٍ تُبَدَّلُ يَوْمَئِذٍ؟

فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «أَرْضٌ تَبْقى (3).

خُبْزَةً يَأْكُلُونَ مِنْهَا، حَتّى يَفْرُغَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ مِنَ الْحِسَابِ».

فَقَالَ نَافِعٌ: إِنَّهُمْ عَنِ الْأَكْلِ لَمَشْغُولُونَ؟

فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «أَ هُمْ يَوْمَئِذٍ أَشْغَلُ، أَمْ إِذْ هُمْ فِي النَّارِ؟»

فَقَالَ نَافِعٌ: بَلْ إِذْ هُمْ فِي النَّارِ.

قَالَ: «فَوَ اللّهِ، مَا شَغَلَهُمْ؛ إِذْ دَعَوْا بِالطَّعَامِ، فَأُطْعِمُوا الزَّقُّومَ، وَدَعَوْا بِالشَّرَابِ، فَسُقُوا الْحَمِيمَ».

قَالَ: صَدَقْتَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللّهِ، وَلَقَدْ بَقِيَتْ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ. قَالَ: «وَمَا هِيَ؟»

قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ اللّهِ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ مَتى كَانَ؟ قَالَ: «وَيْلَكَ مَتى لَمْ يَكُنْ حَتّى أُخْبِرَكَ مَتى كَانَ؟ سُبْحَانَ مَنْ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ فَرْدا صَمَدا، لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدا».

ثُمَّ قَالَ: «يَا نَافِعُ، أَخْبِرْنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ».

قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: «مَا تَقُولُ فِي أَصْحَابِ النَّهْرَوَانِ، فَإِنْ قُلْتَ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَتَلَهُمْ بِحَقٍّ فَقَدِ ارْتَدَدْتَ، وَإِنْ قُلْتَ: إِنَّهُ قَتَلَهُمْ بَاطِلًا فَقَدْ كَفَرْتَ!»

قَالَ: فَوَلّى مِنْ عِنْدِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: أَنْتَ وَاللّهِ أَعْلَمُ النَّاسِ حَقّا حَقّا.

فَأَتى هِشَاما، فَقَالَ لَهُ: مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: دَعْنِي مِنْ كَلَامِكَ، هذَا وَاللّهِ أَعْلَمُ النَّاسِ حَقّا حَقّا، وَهُوَ ابْنُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله حَقّا، وَيَحِقُّ لأصْحَابِهِ أَنْ يَتَّخِذُوهُ نَبِيّا.

شرح الحديث

السند مجهول كالحسن ؛ لأنّ الظاهر عطف أبي منصور على ثابت بن دينار، وروايتهما جميعا عن الربيع الشامي .

قوله : (نافع مولى عمر بن الخطّاب) ؛ هو نافع بن الأزرق .

ونقل عن جامع الاُصول : «نافع مولى عمر، هو أبو عبد اللّه نافع بن سَرْجس _ على وزن

ص: 256


1- في الطبعة الجديدة وجميع النسخ التي قوبلت فيها والوافي : «فقال»
2- إبراهيم (14) : 48
3- في الحاشية عن بعض النسخ: «أرضا بيضاء»

نَرْجِس _ مولى عبد اللّه بن عمر بن الخطّاب، كان ديلميّا تابعيّا» انتهى (1).

وهو من ثقات العامّة ، ورووا عنه كثيرا ، وروى هو عن ابن عمر غالبا، وكان ناصبيّا خبيثا معاندا لأهل البيت عليهم السلام ، ويظهر من بعض أحاديثنا أنّه يرى رأي الخوارج ، وفي آخر هذا الحديث أيضا إيماء إلى ذلك .

وقوله : (تَداكّ عليه الناس) أي ازدحموا جدّا .

وأصل الدكّ: الدقّ، والهدم، والكسر . يقال : دككت الشيء أدكّهُ _ بالضمّ _ دكّا، إذا ضربته، وكسرته حتّى سوّيته بالأرض .

وقوله : (أمّا في قولي: فخمسمائة سنة) .

هذا موافق لأخبار متكثّرة من طرقنا ، لكن روى الصدوق رحمه الله في كتاب إكمال الدِّين بعد ما روى ما يطابق هذا الخبر عن إسماعيل بن أبي رافع، عن أبيه، عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «كانت الفترة بين عيسى وبين محمّد صلى الله عليه و آله أربعمائة سنة وثمانين سنة» (2).

وقال بعض الفضلاء : هذا الخبر الذي رواه الصدوق، وإن كان عامّيّا، يمكن حمله على أنّه لم يحسب فيه بعض زمان الفترة منها لقرب العهد بعيسى عليه السلام . وأمّا العامّة فقد اختلفوا فيه على أقوال : منها : أنّه ستّمائة سنة (3) . ومنها : أنّه خمسمائة وستّون سنة (4) ومنها : أنّه أربعمائة وبضع وستّون سنة (5) ومنها : أنّه خمسمائة وشيء ، وأسندوه إلى ابن عبّاس . وقيل : كان بين ميلاد عيسى ومحمّد صلى الله عليه و آله خمسمائة وتسع وستّون سنة (6). وقوله : (اشهد) على صيغة الأمر .

وقوله : (لآتينّه) بفتح اللام الموطّئة للقسم .

ويحتمل كونه على صيغة المتكلِّم من الشهادة، أو الإشهاد .

وقوله : (تُخجله) من الإخجال. يُقال: خَجِل _ بالكسر _ خجلاً، إذا تحيّر، ودهِش. ومن

ص: 257


1- اُنظر : مرآة العقول ، ج 25 ، ص 285
2- كمال الدين ، ج 1 ، ص 226 - 227 ، ح 20
3- روي عن الحسن والقتادة
4- عن قتادة أيضا في رواية اُخرى
5- نسبة العامّة إلى الضحّاك
6- القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 286

الاستحياء ، وأخجله غيره .

وقوله تعالى : «وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ» (1) الآية .

قال أكثر المفسّرين : إنّ المراد: اسأل اُممهم وعلماءهم (2).

ولا يخفى ما فيه من التكلّف والتعسّف. وعلى ما فسّره عليه السلام لا يحتاج إلى ارتكاب حذف وتكلّف أصلاً .

وقوله : (من الذي سأله محمّد صلى الله عليه و آله ) إلى آخره .

قيل : زعم نافع أنّ بُعد الزمان والمسافة مانع من الملاقاة والسؤال . وأجاب عليه السلام بأنّه وقع الملاقاة والسؤال ليلة الإسراء، وإنّما اُجيب به؛ لأنّه لا يقدر المخاطب المتعنّت على إنكاره، وإلّا فهو صلى الله عليه و آله قادر على السؤال في كلّ وقت أراد؛ إذ لا مسافة في العالم الروحاني (3).

وأقول : الظاهر أنّ مبنى الجواب بيان الواقع ، فلا وجه لما ذكره هذا القائل من التوجيه .

وقوله : (حشر اللّه ) أي جمع . والحشر: جمع الناس .

وقوله : (فأذّن شَفعا، وأقام شفعا) ؛ يدلّ كغيره من الأخبار على تثنية التكبير في أوّل الأذان، وكذا التهليل في آخر الإقامة، وكلاهما خلاف ما هو المشهور بين علمائنا فتوى ورواية .

ويمكن توجيه الأوّل على وجه يندفع المنافاة بما رواه الصدوق فيما ذكره الفضل بن شاذان من العلل عن الرِّضا عليه السلام أنّه قال : «إنّما اُمر الناس بالأذان لعلل كثيرة _ إلى أن قال : _ وجعل التكبير في أوّل الأذان أربعا ؛ لأنّ أوّل الأذان إنّما يبدأ غفلة، وليس قبله كلام يُنبَّه المستمع له، فجعل الاُوليين تنبيها للمستمعين لما بعده في الأذان» (4).

وهذا صريح في أنّ الأصل في الأذان إنّما هو التكبيرتان، وزيدت الاُخريان لغرض التنبيه . وأمّا الثاني فالحقّ إبقاؤه بحاله والحكم بظاهره، ويؤيّده أخبار صحيحة اُخرى، وما استدلّوا به على وحدة التهليل في آخر الإقامة ضعيف جدّا .

وما قيل في توجيه الثاني من أنّه يمكن حمله على كون أكثر فصولهما شفعا ردّا على

ص: 258


1- الزخرف (43) : 45
2- راجع : تفسير الرازي ، ج 27 ، ص 216 ؛ تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 147
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 67
4- علل الشرائع ، ج 1 ، ص 258 ، ح 9 . وعنه في بحار الأنوار ، ج 6 ، ص 58 ، ح 1

بعض العامّة القائلين بأنّ فصول الإقامة كلّها وتر (1) ، فبُعده ظاهر .

نعم، في قوله عليه السلام : (وقال في أذانه: حيَّ على خير العمل) إيماء إلى ذلك .

وقوله : (فصلّى بالقوم) .

قيل : كيف يصلّون وهم في دار الآخرة ، وليست دار عمل، واُجيب عنه بوجوه : الأوّل : أنّه إذا كان الشهداء أحياءً، فهؤلاء أولى، وإذا كانوا أحياءً صحّ أن يصلّوا ويعملوا سائر القربات، ويتقرّبوا بذلك إلى اللّه تعالى، وهم وإن كانوا في الآخرة فالدُّنيا لم تنقطع بَعدُ ، فإذا فنيت، وعقبتها الآخرة دار الجزاء، انقطع العمل .

الثاني : أنّ الصلاة ذكر ودعاء، والآخرة دار الذِّكر والدعاء . قال اللّه تعالى : «وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ» (2) .

الثالث : أنّ الموت يمنع التكليف، لا العمل (3).

وأقول : لا يبعد أن يقع ذلك بسؤالهم والتماسهم من جناب الحقّ، فلا إشكال .

وقوله : (فتقطّرت بالغمام) .

الغمام: السحاب . وقيل : سمّي به؛ لأنّه يغمّ؛ أي يغطّي ويستر وجه السماء، أو وجه الشمس (4).

ولعلّ الباء للتعدية ؛ أي أمر السماء، فصيّرت الغمام ذا قطرةٍ ومَطَرٍ بتأثيرها فيه. أو يكون للإلصاق، أو للسببيّة . والسماء بمعنى المطر ؛ أي أمر المطر، فوكف وترشّح، أو نزل وانفصل عن موضعه متلبّسا بالغمام، أو بسببه .

وفي القاموس: «تقطّر: رمى بنفسه من علوّ. وتقطر عنه: تخلّف» (5).

وقيل : معنى «تقطّرت بالغمام»: أحدثت القطرات بالغمام .

وفي بعض النسخ : «فتفطّرت» بالفاء . والتفطّر: التشقّق . ولعلّ الباء هنا أيضا للتعدية؛ أي

ص: 259


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 287
2- يونس (10) : 10
3- والقائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 67
4- والقائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 67
5- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 119 (قطر)

أمر السماء ، فشقّت بالغمام بتأثيرها لنزول المطر .

وقال بعض الفضلاء : «أي تشقّقت السماء بسبب الغمام، أو عنه، بأن يكون الباء بمعنى «عن» ، وظاهره أنّ الغمام أوّلاً نزل من السماء ، ونظيره ما قاله تعالى في وصف يوم القيامة : «وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلاً» (1). » .

قال : «ويحتمل أن يكون المراد بالغمام المطر مجازا» (2).

وقوله : (فأرخَتْ عَزاليها) .

في القاموس: «أرخى السِتر: أَسْدَلهُ» (3) . وفي المصباح : «العَزلاء، وزان حمراء: فم المَزادة الأسفل. والجمع: العزالي، بفتح اللام وكسرها . وأرسلت السماء عزاليها؛ إشارة إلى شدّة وقع المطر على التشبيه بنزوله من أفواه المزادات» (4).

وقال الجوهري : «العَزلاء: فم المزادة الأسفل. والجمع: العزالي، بكسر اللام، وإن شئت فتحت مثل الصحاري والصحارَى، والعذارِي والعذارَى» (5).

(وتفيهقت بالأنهار) .

قال الجوهري : «قال الفرّاء : يقال: فلان يتفيهق في كلامه، وذلك إذا توسّع فيه، وتنطّع» قال : «وأصله الفَهْق، وهو الامتلاء، كأنّه ملأ به فمه» (6).

وفي بعض النسخ : «تفهّقت» . قال الجوهري : «فَهِق الإناء _ بالكسر _ يفهَق فَهْقا وفُهَقا، إذا امتلأ حتّى يتصبّب» (7).

وفي كثير من النسخ: «تقيّهت». ولعلّ المراد أنّها فتحت أفواهها، لكنّ القياس: «تفوّهت» . قال الجوهري : «يُقال : ما فهتُ بكلمة، وما تفوّهت بمعنىً؛ أي ما فتحت فَمي به» (8).

وقوله تعالى في سورة إبراهيم : «يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ» (9) .

ص: 260


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 287
2- الفرقان (25) : 25
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 333 (رخو)
4- المصباح المنير ، ص 408 (عزل)
5- الصحاح ، ج 5 ، ص 1763 (عزل)
6- الصحاح ، ج 4 ، ص 1545 (فهق) . وفي الحاشية : «تنطّع في الكلام ، أي تعمّق»
7- الصحاح ، ج 4 ، ص 1545 (فهق)
8- الصحاح ، ج 6 ، ص 2245 (فوه)
9- إبراهيم (14) : 48

قال البيضاوي : «السماوات» عطف على الأرض، وتقديره: والسماوات غير السماوات، والتبديل يكون في الذات، كقولك: بدّلت الدراهم بالدنانير ، وعليه «بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودا غَيْرَهَا» (1) .

وفي الصفة كقولك : بدّلت الحلقة خاتما، إذا أذبتها وغيّرت شكلها ، وعليه قوله : «يُبَدِّلُ اللّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ» (2) ، والآية تحتملهما .

وعن عليّ عليه السلام : «تبدّل أرضا من فضّة، وسماوات من ذهب» (3).

وعن ابن مسعود وأنس : يحشر الناس على أرض بيضاء، لم يخطئ عليها أحد خطيئة .

وعن ابن عبّاس : هي تلك الأرض، وإنّما تغيّرت صفاتها ، ويدلّ عليه ما رَوى أبو هريرة أنّه عليه السلام قال : «تبدّل الأرض غير الأرض، فتبسط، وتُمدّ مدّ الأديم العكاظي» (4).

واعلم أنّه لا يلزم على الوجه الأوّل أن يكون الحاصل بالتبديل أرضا وسماءً على الحقيقة ، ولا يبعد على الثاني أن يجعل اللّه الأرض جهنّم والسماوات الجنّة على ما أشعر به قوله : «كَلَا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ» (5) ، وقوله : «كَلَا إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ» (6) .

وقوله : (أرض تبقى خبزة ...) ؛ كأنّ «تبقى» من الإبقاء ، والمستتر فيه راجع إلى الأرض ، و«خبزة» مفعوله ؛ يعني لا يبقى ممّا كان فيها سوى الخبز .

ويحتمل كونه من البقاء ، و«خبزةً» _ بفتح الخاء وكسر الباء _ على أن تكون صفة مشبّهة منصوبة على التمييز، أو بتضمين الصيرورة .

وفي كثير من النسخ المصحّحة: «أرضا بيضاء خبزة» . وفي بعض الأخبار: «أنّها تبدّل خبزة نقيّة يأكل الناس منها حتّى يفرغ من الحساب» (7).

وفي بعضها: «يحشر الناس على مثل قرصة البرّ النقيّ، فيها أنهار متفجّرة يأكلون ويشربون حتّى يفرغ من الحساب» (8).

ص: 261


1- النساء (4) : 56
2- الفرقان (25) : 70
3- اُنظر : الكشّاف ، ج 2 ، ص 384 ؛ تفسير النسفي ، ج 2 ، ص 235
4- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 356 و 357
5- المطفّفين (83) : 18
6- المطفّفين (83) : 7
7- الكافي ، ج 6 ، ص 286 ، ح 1. وعنه في وسائل الشيعة ، ج 24 ، ص 321 ، ح 30658 ؛ وبحار الأنوار ، ج 7 ، ص 71
8- الاحتجاج ، ج 2 ، ص 57 . وعنه في بحار الأنوار ، ج 7 ، ص 105 ، ح 21

واعلم أنّ هذا التفسير موافق لأخبار كثيرة من طرق الخاصّة، وفي بعضها ما يخالفه ظاهرا : منها : ما روي عن ثوير بن أبي فاختة، عن عليّ بن الحسين عليهماالسلام قال : «تبدّل الأرض غير الأرض؛ يعني بأرض لم تكتسب عليها الذنوب بارزة، ليست عليها جبال ولا نبات، كما دحاها أوّل مرّة» (1).

قيل : يمكن أن يحمل هذا الخبر على التقيّة ، أو على أنّ هذا بيان حال غير أرض المحشر من سائر أجزاء الأرض (2).

ومنها : ما رواه الشيخ في التهذيب عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن داود بن فرقد، عن رجل، عن سعيد بن أبي الخطيب: أنّ أبا عبد اللّه عليه السلام قال لابن أبي ليلى : «ما تقول إذا جيء بأرض من فضّة وسماوات من فضّة، ثمّ أخذ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بيدك، فأوقفك بين يدي ربّك، وقال : ياربّ هذا قضى بغير ما قضيتُ» تمام الخبر (3).

قيل : يمكن حمله على أنّه عليه السلام قال ذلك موافقا لما كان يعتقده ابن أبي ليلى إلزاما عليه ، أو على أنّ هذا مختصّ بجماعة من المجرمين يعذّبون بذلك (4). انتهى .

ولا يخفى عليك عدم المنافاة بين تلك الأخبار حتّى يحتاج إلى ارتكاب مثل هذه التوجيهات البعيدة؛ فإنّه يمكن تبدّلها بأرض لم تكتب عليها الذنوب، وتكون من فضّة، وتكون عليها خبزة وأنهار جارية .

وقوله : (ما شغلهم) .

كلمة «ما» نافية ، و«شغل» على بناء الفاعل ، والمستتر فيه راجع إلى العذاب المفهوم من السياق .

(إذ دعوا بالطعام) على بناء المفعول .

وكذا قوله : (فاُطعموا الزقّوم) .

في القاموس: «الزقّوم، كقنّور: شجرة بجهنّم، وطعام أهل النار» (5).

ص: 262


1- تفسير العيّاشي ، ج 2 ، ص 236 ، ح 52 ؛ تفسير القمّي ، ج 2 ، ص 252
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 290
3- التهذيب ، ج 6 ، ص 220 ، ح 5
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 290
5- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 125 (زقم)

(ودعوا بالشراب، فسقوا الحميم) أي الماء الحارّ المتناهي في الحرارة .

وقوله : (أخبرني عن اللّه تعالى متى كان) ؛ سأل عن ابتداء وجوده، أو مدّة زمان وجوده ، فأجاب عليه السلام بأنّه (متى لم يكن حتّى اُخبرك متى كان) وحاصله : أنّ وجود الواجب لا يجري فيه مقولة متى، كما أنّ عدمه لا يجري فيه ذلك، وإنّما تجري في الوجودات الحادثة .

والتحقيق أنّ قولك: «متى كان زيد» سؤال عن أوّل زمان كونه ووجوده، أو عن مدّته ومقداره، ويلزمه جواز السؤال عن عدمه السابق على وجود ، ومن هذا تسمعهم يقولون : كلّ ما يصحّ أن يسأل عن وجوده بمتى، يصحّ أن يسأل عن عدمه بمتى ، واللازم باطل؛ لما ثبت من كونه تعالى واجب الوجود ، فبطل الملزوم ، وهو المطلوب .

وقوله : (لم يزل) إشارة إلى استمرار وجوده أزلاً، بحيث لم يسبقه العدم .

(ولا يزال) إشارة إلى استمراره أبدا، بحيث لا يلحقه الفناء .

والحاصل : أنّه سبحانه يستحيل عليه الانتقال من العدم إلى الوجود، ومن الوجود إلى العدم؛ لاستحالة انفكاك الوجود عنه وقتا مّا .

(فردا صمدا) نصب على الحال عن فاعل «لم يزل» و«لا يزال» .

والصمد، محرّكة: السيّد، من الصمد _ بالسكون _ وهو القصد ، سمّي به؛ لأنّه يقصد في الحوائج . والصَّمَد أيضا: الدائم والرفيع. ومصمّت: لا جوف له. والرجل: لا يعطش ولا يجوع في الحرب .

قيل : هذا حجّة لعدم كون وجوده مسبوقا بالعدم؛ إذ لو كان كذلك لاحتاج إلى الموجد ضرورة، فإنّ الشيء لا يوجد نفسه، فلا يكون فردا صمدا على الإطلاق؛ لكونه مع موجده واحتياجه إليه (1).

(لم يتّخذ صاحبةً ولا ولدا) ؛ لتقدّسه تعالى عن الشهوة، والتعاون، والتماثل، والاحتياج إلى الولد، ونحو ذلك من صفات الحدوث وسمات الإمكان .

وقوله عليه السلام : (ما تقول في أصحاب النهروان) .

قيل : أراد عليه السلام الاحتجاج عليه فيما كان يعتقده من رأي الخوارج ، فقال : إن قلت : إنّ

ص: 263


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 69

الخوارج قتلهم أمير المؤمنين عليه السلام بحقّ، فقد ارتددت، ورجعت عن مذهبك .

وإن قلت : إنّ قتلهم كان باطلاً، فقد نسبت البطلان والقتل بغير حقّ إلى عليّ عليه السلام وكفرت بذلك ، وكان هذا منه عليه السلام أخذا في الاحتجاج، وأراد أن يثبت بالبرهان عليه كفره بهذه العقيدة، فلم يقف ليتمّ عليه الحجّة؛ إمّا لعلمه بأنّه عليه السلام يغلب عليه في الحجّة ويفتضح بذلك ، أو لأنّه كان لا يظهر هذا الرأي لكلّ أحد، وكان يخفيه، فخاف أن يشتهر بذلك، ويكفّره الناس (1).

وأقول : يحتمل أن يكون غرضه عليه السلام إلزام كفره على كلّ من شقّي الترديد ؛ إمّا على الأوّل، فبالنظر إلى معتقده من تصويب الخوارج ، وإمّا على الثاني، ففي الواقع وعند عامّة المسلمين سوى الخوارج التي شقّت عصا المسلمين، وأنكرت ما هو العمدة من ضروريّات الدِّين .

وقال بعض الشارحين : كأنّ نافعا كان يعتقد بأنّ عليّا عليه السلام كان إماما مفترض الطاعة بعد الثلاثة، وبأنّ أهل نهروان كانوا محقّين في مخالفته، فأورد عليه السلام عليه بأنّ هذين الاعتقادين متنافيان لا يجتمعان معا ؛ وذلك لأنّك إن قلت: إنّ عليّا عليه السلام قاتلهم بحقّ ارتددت بتصديقك أهل النهروان كما ارتدّوا . وإن قلت: إنّه قاتلهم باطلاً، فقد كفرت عند الاُمّة بنسبة الباطل إليه عليه السلام . انتهى (2).

وهذا التوجيه بمعزل عن التحقيق؛ إذ لم نسمع إلى الآن أنّ ما نسب إلى نافع ذهب إليه أحد من فرق المسلمين .

متن الحديث الرابع والتسعين (حديثُ نَصْرانيِّ الشَّامِ مع الباقر عليه السلام )

اشارة

عَنْهُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبَانٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الثَّقَفِيِّ، قَالَ:أَخْرَجَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الشَّامِ، فَأَنْزَلَ مَعَهُ، (3). وَكَانَ يَقْعُدُ مَعَ النَّاسِ فِي مَجَالِسِهِمْ، فَبَيْنَا هُوَ قَاعِدٌ _ وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ النَّاسِ يَسْأَلُونَهُ _ إِذْ نَظَرَ إِلَى النَّصَارى يَدْخُلُونَ فِي جَبَلٍ هُنَاكَ، فَقَالَ: «مَا لِهؤُلَاءِ؟ أَ لَهُمْ عِيدٌ الْيَوْمَ؟» فَقَالُوا: لَا يَا ابْنَ رَسُولِ اللّهِ، وَلكِنَّهُمْ يَأْتُونَ عَالِما لَهُمْ فِي هذَا الْجَبَلِ فِي كُلِّ سَنَةٍ فِي هذَا الْيَوْمِ،

ص: 264


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 291
2- شرح المازندراني ، ج 12 ، ص 69
3- في كلتا الطبعتين وأكثر نسخ الكافي : «فأنزله منه»

فَيُخْرِجُونَهُ، فَيَسْأَلُونَهُ عَمَّا يُرِيدُونَ، وَعَمَّا يَكُونُ فِي عَامِهِمْ.

فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «وَلَهُ عِلْمٌ؟» فَقَالُوا: هُوَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ، قَدْ أَدْرَكَ أَصْحَابَ الْحَوَارِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِ عِيسى عليه السلام .

قَالَ: «فَهَلْ نَذْهَبُ إِلَيْهِ؟» قَالُوا: ذَاكَ إِلَيْكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللّهِ.

قَالَ: فَقَنَّعَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام رَأْسَهُ بِثَوْبِهِ، وَمَضى هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَاخْتَلَطُوا بِالنَّاسِ حَتّى أَتَوُا الْجَبَلَ، فَقَعَدَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام وَسْطَ النَّصَارى هُوَ وَأَصْحَابُهُ، وَأَخْرَجَ النَّصَارى بِسَاطا، ثُمَّ وَضَعُوا الْوَسَائِدَ، ثُمَّ دَخَلُوا، فَأَخْرَجُوهُ، ثُمَّ رَبَطُوا عَيْنَيْهِ، فَقَلَّبَ عَيْنَيْهِ كَأَنَّهُمَا عَيْنَا أَفْعًى، ثُمَّ قَصَدَ قَصْدَ (1) أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَقَالَ: يَا شَيْخُ، أَ مِنَّا أَنْتَ، أَمْ مِنَ الْأُمَّةِ الْمَرْحُومَةِ؟ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «بَلْ مِنَ الْأُمَّةِ الْمَرْحُومَةِ».

فَقَالَ: أَ فَمِنْ عُلَمَائِهِمْ أَنْتَ، أَمْ مِنْ جُهَّالِهِمْ؟

فَقَالَ: «لَسْتُ مِنْ جُهَّالِهِمْ».

فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: أَسْأَلُكَ، أَمْ تَسْأَلُنِي؟

فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «سَلْنِي».

فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: يَا مَعْشَرَ النَّصَارى، رَجُلٌ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ يَقُولُ: سَلْنِي، إِنَّ هذَا لَمَلِيءٌ بِالْمَسَائِلِ.

ثُمَّ قَالَ: يَا عَبْدَ اللّهِ، أَخْبِرْنِي عَنْ سَاعَةٍ مَا هِيَ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا مِنَ النَّهَارِ؛ أَيُّ سَاعَةٍ هِيَ؟

فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلى طُلُوعِ الشَّمْسِ».

فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: فَإِذَا لَمْ تَكُنْ مِنْ سَاعَاتِ اللَّيْلِ وَلَا مِنْ سَاعَاتِ النَّهَارِ، فَمِنْ أَيِّ السَّاعَاتِ هِيَ؟

فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «مِنْ سَاعَاتِ الْجَنَّةِ، وَفِيهَا تُفِيقُ مَرْضَانَا».

فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: فَأَسْأَلُكَ، أَمْ تَسْأَلُنِي؟

فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «سَلْنِي».

فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: يَا مَعْشَرَ النَّصَارى، إِنَّ هذَا لَمَلِيءٌ بِالْمَسَائِلِ.

أَخْبِرْنِي عَنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؛ كَيْفَ صَارُوا يَأْكُلُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ؟ أَعْطِنِي مَثَلَهُمْ فِي الدُّنْيَا.

فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «هذَا الْجَنِينُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُ أُمُّهُ، وَلَا يَتَغَوَّطُ».

ص: 265


1- في الطبعة القديمة : «إلى» بدل «قصد»

فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: أَ لَمْ تَقُلْ: مَا أَنَا مِنْ عُلَمَائِهِمْ؟

فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «إِنَّمَا قُلْتُ لَكَ: مَا أَنَا مِنْ جُهَّالِهِمْ».

فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: فَأَسْأَلُكَ، أَوْ تَسْأَلُنِي؟

فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «سَلْنِي».

فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ النَّصَارى، وَاللّهِ لَأَسْأَلَنَّهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ يَرْتَطِمُ فِيهَا كَمَا يَرْتَطِمُ الْحِمَارُ فِي الْوَحْلِ.

فَقَالَ لَهُ: «سَلْ».

فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ رَجُلٍ دَنَا مِنِ امْرَأَتِهِ، فَحَمَلَتْ بِاثْنَيْنِ، حَمَلَتْهُمَا جَمِيعا فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَوَلَدَتْهُمَا فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَمَاتَا فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَدُفِنَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ، عَاشَ أَحَدُهُمَا خَمْسِينَ وَمِائَةَ سَنَةٍ، وَعَاشَ الْاخَرُ خَمْسِينَ سَنَةً، مَنْ هُمَا؟

فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «عُزَيْرٌ، وَعَزْرَةُ، كَانَا حَمَلَتْ أُمُّهُمَا بِهِمَا عَلى مَا وَصَفْتَ، وَوَضَعَتْهُمَا عَلى مَا وَصَفْتَ، وَعَاشَ عُزَيْرٌ وَعَزْرَةُ كَذَا وَكَذَا سَنَةً، ثُمَّ أَمَاتَ اللّهُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ عُزَيْرا مِائَةَ سَنَةٍ، ثُمَّ بُعِثَ، وَعَاشَ مَعَ عَزْرَةَ هذِهِ الْخَمْسِينَ سَنَةً، وَمَاتَا كِلَاهُمَا فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ».

فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: يَا مَعْشَرَ النَّصَارى، مَا رَأَيْتُ بِعَيْنِي قَطُّ أَعْلَمَ مِنْ هذَا الرَّجُلِ، لَا تَسْأَلُونِي عَنْ حَرْفٍ وَهذَا بِالشَّامِ، رُدُّونِي.

قَالَ: فَرَدُّوهُ إِلى كَهْفِهِ، وَرَجَعَ النَّصَارى مَعَ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام .

شرح الحديث

السند مجهول كالحسن .

وضمير «عنه» راجع إلى أحمد بن محمّد؛ لروايته عن إسماعيل بن أبان .

قوله : (فأنزل معه) .

في بعض النسخ: «فأنزله معه» . وفي بعضها : «فأنزله منه» . ولعلّ المراد أنزله في بيته، أو أجلسه معه في سريره . ويؤيّد الثاني أنّ في تفسير عليّ بن إبراهيم : «وكان ينزله معه» (1). وفي أمان الأخطار : «لمّا دخل عليه قال له : إليَّ يا محمّد ، فصعد أبي إلى السرير، وأنا أتبعه، فلمّا

ص: 266


1- تفسير القمّي ، ج 1 ،ص 98 . وعنه في بحار الأنوار ، ج 46 ، ص 313 ، ح 2

دنا من هشام قام إليه، واعتنقه، وأقعده عن يمينه» (1).

وقوله : (فقنّع أبو جعفر عليه السلام رأسه بثوبه) .

التقنيع : إلباسُ القناع . والمراد هنا مطلق التغطية، أو شبه النقاب ، وعلى الثاني لعلّه إنّما فعل ذلك لئلّا يعرفه أحد .

وقوله : (بساطا) ؛ هو بالكسر: ما يبسط .

وقوله : (الوسائد) ؛ جمع الوساد _ بالكسر والضمّ _ والوسادة بالكسر . وقيل: مثلّثة، وهي المخدّة .

وقوله : (ثمّ ربطوا عينيه) .

قيل : كأنّهم ربطوا حاجبيه؛ لطوله المانع من الرؤية، أو لئلّا تتضرّر من شعاع الشمس بعد خروجه من الغار المظلم، وذلك كما توضع اليد فوق الحاجبين عند مواجهة الشمس لأجل رؤية ما يقابله .

وتعلّق الربط بالعين لأدنى ملابسة ومقاربة (2).

أقول : يؤيّده أنّ في كتاب أمان الأخطار لابن طاووس : «قد شدّ حاجبيه بحريرة صفراء» (3).

وقيل : يحتمل أن يكون المراد ربط ثوب شفيف على عينيه بحيث لا يمنع رؤيته من تحته؛ لئلّا يضرّه نور الشمس لاعتياده بالظلمة (4).

وقوله : (لمليء) أي غنيّ معتمد .

وقيل : أي جدير بأن يسأل عنه . قال الجوهري : «مَلأ الرجل : صار مليئا ؛ أي ثقة، فهو غنيّ مليء» (5).

وفي القاموس: «المُلاء: الأغنياء المتموّلون، أو الحسن والقضاء منهم . الواحد: مَلِيء. وقد ملأ _ كمنع وكرم _ مليّا ومَلاءً وملآءَةً» (6).

وقوله : (ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس) .

قيل : هذا لا ينافي ما نقله العلّامة وغيره من إجماع الشيعة على كونها من ساعات النهار ؛

ص: 267


1- أمان الأخطار ، ص 66
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 70
3- أمان الأخطار ، ص 69
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 293
5- الصحاح ، ج 1 ، ص 73 (ملأ)
6- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 28 (ملأ)

لأنّ الظاهر أنّ المراد بهذا الخبر أنّها ساعة لا تشبه شيئا من ساعات الليل والنهار ، بل هي شبيهة بساعات الجنّة، وإنّما جعلها اللّه في الدُّنيا ليعرفوا بها طيب هواء الجنّة ولطافتها واعتدالها ، على أنّه يحتمل أن يكون عليه السلام أجاب السائل على ما يوافق مذهبه واعتقاده ومصطلحه (1).

وقوله : (فيها) أي في تلك الساعة .

(تُفيق مَرضانا) .

في القاموس: «أفاق من مرضه: رجعت الصحّة إليه، أو رجع إلى الصحّة . والإفاقة: الراحة» (2).

وقوله : (كما يرتطم الحمار في الوَحل) .

قال الفيروزآبادي : «رطمه: أوْحله في أمرٍ لا يخرج منه، فارتطم. وارتطم عليه الأمر: لم يقدر على الخروج منه» (3).

وقال : «الوَحْل، ويحرّك: الطين الرقيق» (4).

وقوله : (عَزرة) بتقديم المعجمة على المهملة .

وقوله : (هذه الخمسين سنة) أي تتمّة الخمسين .

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم: «كانت حملت اُمّهما على ما وصفتَ، ووضعتهما على ما وصفتَ، وعاش عزرة وعزير ثلاثين سنة، ثمّ أمات اللّه عزيرا مائة سنة، وبقي عزرة يحيى، ثمّ بعث اللّه عزيرا، فعاش مع عزرة عشرين سنة» (5).

وفي أمان الأخطار : «أنّه عاش قبل موته خمسا وعشرين سنة، وبعده أيضا مثل ذلك» . وفي الخرائج بعد ذلك: «فخرّ الشيخ مغشيّا عليه، فقام أبي، وخرجنا من الدَّيْر، فخرج إلينا جماعة من الدير، وقالوا : يدعوك شيخنا . فقال أبي : ما لي بشيخكم من حاجة، فإن كان له عندنا حاجة فليقصدنا ، فرجعوا، ثمّ جاؤوا به، واُجلِسَ بين يدي أبي، فقال : ما اسمك؟

ص: 268


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 293
2- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 278 (فوق)
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 120 (رطم)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 64 (وحل)
5- تفسير القمّي ، ج 1 ، ص 98

قال : محمّد . قال : أنت محمّد النبيّ؟ قال : لا، أنا ابن ابنته . قال : ما اسم اُمّك؟ قال : اُمّي فاطمة . قال : من كان أبوك؟ قال : اسمه عليّ . قال : أنت ابن إليا بالعبرانيّة وعليّ بالعربيّة؟ قال : نعم . قال : ابن شبّر، أو شبير؟ قال : إنّي ابن شبير . قال الشيخ : أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده، لا شريك له، وأنّ محمّدا رسول اللّه » (1).

متن الحديث الخامس والتسعين (حديثُ أبي الحسن موسى عليه السلام )

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ، (2) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ الْخُزَاعِيِّ، (3) عَنْ عَلِيِّ بْنِ سُوَيْدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، (4) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ، (5) عَنْ عَمِّهِ حَمْزَةَ بْنِ بَزِيعٍ، (6) عَنْ عَلِيِّ بْنِ سُوَيْدٍ وَ (7) الْحَسَنُ (8) بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ النَّهْدِيِّ، (9) عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ، (10) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ سُوَيْدٍ، قَالَ:

كَتَبْتُ إِلى أَبِي الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام _ وَهُوَ فِي الْحَبْسِ _ كِتَابا أَسْأَلُهُ عَنْ حَالِهِ، وَعَنْ مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ، فَاحْتَبَسَ الْجَوَابُ عَلَيَّ أَشْهُرا، ثُمَّ أَجَابَنِي بِجَوَابٍ هذِهِ نُسْخَتُهُ:

«بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، الَّذِي بِعَظَمَتِهِ وَنُورِهِ أَبْصَرَ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ، وَبِعَظَمَتِهِ وَنُورِهِ عَادَاهُ الْجَاهِلُونَ، وَبِعَظَمَتِهِ وَنُورِهِ ابْتَغى مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ بِالْأَعْمَالِ الْمُخْتَلِفَةِ وَالْأَدْيَانِ الْمُتَضَادَّةِ، فَمُصِيبٌ وَمُخْطِئٌ، وَضَالٌّ وَمُهْتَدٍ، وَسَمِيعٌ وَأَصَمُّ، وَبَصِيرٌ وَأَعْمى حَيْرَانُ.

فَالْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي عَزَّ، (11) وَوَصَفَ دِينَهُ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله .

ص: 269


1- الخرائج ، ج 1 ، ص 291
2- في الحاشية: «ثقة على الأصحّ. منه»
3- في الحاشية: «مجهول الحال. منه»
4- في الحاشية: «وثّقه كثير. منه»
5- في الحاشية: «ثقة. منه»
6- في الحاشية: «وثّقه العلّامة، وفيه نظر. منه»
7- في السند تحويل بثلاثة طرق منتهية إلى عليّ بن سويد
8- في الطبعة الجديدة ونسخة من الكافي من النسخ التي قوبلت فيها : «الحسين» . وقد تكرّرت في أسناد الكافي رواية الحسين بن محمّد شيخ المصنّف رحمه الله عن النهدي بعناوينه المختلفة . اُنظر للمزيد : معجم رجال الحديث للمحقّق الخوئي رحمه الله ، ج 6 ، ص 340 ، الرقم 342
9- في حاشية النسخة : «هو محمّد بن أحمد بن خاقان»
10- في الحاشية: «ضعّفه ابن الغضائري، ومثله النجاشي. منه»
11- في كلتا الطبعتين : «عرف»

أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّكَ امْرُؤٌ أَنْزَلَكَ اللّهُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ بِمَنْزِلَةٍ خَاصَّةٍ، وَحَفِظَ مَوَدَّةَ مَا اسْتَرْعَا كَ مِنْ دِينِهِ، وَمَا أَلْهَمَكَ مِنْ رُشْدِكَ، وَبَصَّرَكَ مِنْ أَمْرِ دِينِكَ بِتَفْضِيلِكَ إِيَّاهُمْ، وَبِرَدِّكَ الْأُمُورَ إِلَيْهِمْ.

كَتَبْتَ تَسْأَلُنِي عَنْ أُمُورٍ كُنْتُ (1) مِنْهَا فِي تَقِيَّةٍ، وَمِنْ كِتْمَانِهَا فِي سَعَةٍ، فَلَمَّا انْقَضى سُلْطَانُ الْجَبَابِرَةِ، وَجَاءَ سُلْطَانُ ذِي السُّلْطَانِ الْعَظِيمِ بِفِرَاقِ الدُّنْيَا الْمَذْمُومَةِ إِلى أَهْلِهَا الْعُتَاةِ عَلى خَالِقِهِمْ، رَأَيْتُ أَنْ أُفَسِّرَ لَكَ مَا سَأَلْتَنِي عَنْهُ، مَخَافَةَ أَنْ يَدْخُلَ الْحَيْرَةُ عَلى ضُعَفَاءِ شِيعَتِنَا مِنْ قِبَلِ جَهَالَتِهِمْ، فَاتَّقِ اللّهَ _ عَزَّ ذِكْرُهُ _ وَخُصَّ بِذلِكَ (2) الْأَمْرِ أَهْلَهُ، وَاحْذَرْ أَنْ تَكُونَ سَبَبَ بَلِيَّةٍ عَلَى الْأَوْصِيَاءِ، أَوْ حَارِشا عَلَيْهِمْ بِإِفْشَاءِ مَا اسْتَوْدَعْتُكَ، وَإِظْهَارِ مَا اسْتَكْتَمْتُكَ، وَلَنْ تَفْعَلَ إِنْ شَاءَ اللّهُ؛ إِنَّ أَوَّلَ مَا أُنْهِي إِلَيْكَ: أَنِّي أَنْعى إِلَيْكَ نَفْسِي فِي لَيَالِيَّ هذِهِ، غَيْرَ جَازِعٍ، وَلَا نَادِمٍ، وَلَا شَاكٍّ فِيمَا هُوَ كَائِنٌ مِمَّا قَدْ قَضَى اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ وَحَتَمَ، فَاسْتَمْسِكْ بِعُرْوَةِ الدِّينِ آلِ مُحَمَّدٍ، وَالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى الْوَصِيِّ بَعْدَ الْوَصِيِّ، وَالْمُسَالَمَةِ لَهُمْ وَالرِّضَا بِمَا قَالُوا، وَلَا تَلْتَمِسْ دِينَ مَنْ لَيْسَ مِنْ شِيعَتِكَ، وَلَا تُحِبَّنَّ دِينَهُمْ؛ فَإِنَّهُمُ الْخَائِنُونَ الَّذِينَ خَانُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ، وَخَانُوا أَمَانَاتِهِمْ، وَتَدْرِي مَا خَانُوا أَمَانَاتِهِمُ ائْتُمِنُوا عَلى كِتَابِ اللّهِ، فَحَرَّفُوهُ، وَبَدَّلُوهُ، وَدُلُّوا عَلى وُلَاةِ الْأَمْرِ مِنْهُمْ، فَانْصَرَفُوا عَنْهُمْ، فَأَذَاقَهُمُ اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ.

وَسَأَلْتَ عَنْ رَجُلَيْنِ اغْتَصَبَا رَجُلاً مَالاً كَانَ يُنْفِقُهُ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ، فَلَمَّا اغْتَصَبَاهُ ذلِكَ لَمْ يَرْضَيَا حَيْثُ غَصَبَاهُ، حَتّى حَمَّلَاهُ إِيَّاهُ كُرْها فَوْقَ رَقَبَتِهِ إِلى مَنَازِلِهِمَا، فَلَمَّا أَحْرَزَاهُ تَوَلَّيَا إِنْفَاقَهُ؛ أَ يَبْلُغَانِ بِذلِكَ كُفْرا، فَلَعَمْرِي لَقَدْ نَافَقَا قَبْلَ ذلِكَ، وَرَدَّا عَلَى اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ كَلَامَهُ، وَهَزِئَا بِرَسُولِهِ صلى الله عليه و آله _ وَهُمَا الْكَافِرَانِ _ عَلَيْهِمَا لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، وَاللّهِ مَا دَخَلَ قَلْبَ أَحَدٍ مِنْهُمَا شَيْءٌ مِنَ الْاءِيمَانِ مُنْذُ خُرُوجِهِمَا مِنْ حَالَتِهِمَا، (3) وَمَا ازْدَادَا إِلَا شَكّا كَانَا خَدَّاعَيْنِ مُرْتَابَيْنِ مُنَافِقَيْنِ، حَتّى تَوَفَّتْهُمَا مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ إِلى مَحَلِّ الْخِزْيِ فِي دَارِ الْمُقَامِ.

وَسَأَلْتَ عَمَّنْ حَضَرَ ذلِكَ الرَّجُلَ، وَهُوَ يُغْصَبُ مَالُهُ، وَيُوضَعُ عَلى رَقَبَتِهِ، مِنْهُمْ عَارِفٌ وَمُنْكِرٌ، فَأُولئِكَ أَهْلُ الرَّدَّةِ الْأُولى مِنْ هذِهِ الْأُمَّةِ، فَعَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ.

وَسَأَلْتَ عَنْ مَبْلَغِ عِلْمِنَا، وَهُوَ عَلى ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: مَاضٍ، وَغَابِرٌ، وَحَادِثٌ؛ فَأَمَّا الْمَاضِي فَمُفَسَّرٌ،

ص: 270


1- في الحاشية عن بعض النسخ: «لما» بدل «كنت»
2- في الطبعة القديمة : «لذلك»
3- في كلتا الطبعتين : «حالتيهما» . وفي حاشية النسخة ومرآة العقول : «جاهليّتهما»

وَأَمَّا الْغَابِرُ فَمَزْبُورٌ، (1) وَأَمَّا الْحَادِثُ فَقَذْفٌ فِي الْقُلُوبِ وَنَقْرٌ فِي الْأَسْمَاعِ، وَهُوَ أَفْضَلُ عِلْمِنَا، وَلَا نَبِيَّ بَعْدَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله .

وَسَأَلْتَ عَنْ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِمْ، وَعَنْ نِكَاحِهِمْ، وَعَنْ طَلَاقِهِمْ؛ فَأَمَّا أُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِمْ فَهُنَّ عَوَاهِرُ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، نِكَاحٌ بِغَيْرِ وَلِيٍّ، وَطَلَاقٌ فِي غَيْرِ (2) عِدَّةٍ. فَأَمَّا (3) مَنْ دَخَلَ فِي دَعْوَتِنَا، فَقَدْ هَدَمَ إِيمَانُهُ ضَلَالَهُ، وَيَقِينُهُ شَكَّهُ.

وَسَأَلْتَ عَنِ الزَّكَاةِ فِيهِمْ؛ فَمَا كَانَ مِنَ الزَّكَاةِ، فَأَنْتُمْ أَحَقُّ بِهِ؛ لأنَّا قَدْ حَلَّلْنَا (4) ذلِكَ لَكُمْ، مَنْ كَانَ مِنْكُمْ، وَأَيْنَ كَانَ.

وَسَأَلْتَ عَنِ الضُّعَفَاءِ؛ فَالضَّعِيفُ مَنْ لَمْ يُرْفَعْ إِلَيْهِ حُجَّةٌ، وَلَمْ يَعْرِفِ الأْتِلَافَ، فَإِذَا عَرَفَ الأْتِلَافَ، فَلَيْسَ بِضَعِيفٍ.

وَسَأَلْتَ عَنِ الشَّهَادَاتِ لَهُمْ؛ فَأَقِمِ الشَّهَادَةَ لِلّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ وَلَوْ عَلى نَفْسِكَ وَالْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ، فَإِنْ خِفْتَ عَلى أَخِيكَ ضَيْما، فَلَا، وَادْعُ إِلى شَرَائِطِ (5) اللّهِ _ عَزَّ ذِكْرُهُ _ بِمَعْرِفَتِنَا مَنْ رَجَوْتَ إِجَابَتَهُ، وَلَا تَحْضُرْ حِصْنَ زِنا، (6) وَوَالِ آلَ مُحَمَّدٍ، وَلَا تَقُلْ لِمَا بُلِّغْتَ (7) عَنَّا، وَنُسِبَ إِلَيْنَا، هذَا بَاطِلٌ. وَإِنْ كُنْتَ تَعْرِفُ مِنَّا خِلَافَهُ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي لِمَا قُلْنَاهُ، وَعَلى أَيِّ وَجْهٍ وَصَفْنَاهُ آمِنْ بِمَا أُخْبِرُكَ، (8) وَلَا تُفْشِ مَا اسْتَكْتَمْنَاكَ مِنْ خَبَرِكَ؛ (9) إِنَّ مِنْ وَاجِبِ حَقِّ أَخِيكَ أَنْ لَا تَكْتُمَهُ شَيْئا تَنْفَعُهُ بِهِ لأمْرِ دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ، وَلَا تَحْقِدَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَسَاءَ، وَأَجِبْ دَعْوَتَهُ إِذَا دَعَاكَ، وَلَا تُخَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدُوِّهِ مِنَ النَّاسِ وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ إِلَيْهِ مِنْكَ، وَعُدْهُ فِي مَرَضِهِ، لَيْسَ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُؤْمِنِينَ الْغِشُّ، وَلَا الْأَذى، وَلَا الْخِيَانَةُ، وَلَا

ص: 271


1- في الحاشية عن بعض النسخ: «فمكتوب»
2- في الحاشية عن بعض النسخ ومرآة العقول : «بغير». وفي بعض نسخ الكافي والوافي : «لغير»
3- في الطبعة القديمة : «وأمّا»
4- في الطبعة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها : «أحللناها» . وفي الوافي وشرح المازندراني : «أحللنا» . وفي مرآة العقول : «فقد أحللنا» بدل «لأنّا قد حلّلنا»
5- في الحاشية عن بعض النسخ: «صراط»
6- في كلتا الطبعتين : «ولا تحصّن بحصن رياء» بدل «ولاتحضر حصن زنا»
7- في كلتا الطبعتين : «بلغك»
8- في الحاشية عن بعض النسخ: «أخبرتك»
9- في الحاشية عن بعض النسخ والوافي: «خيرك»

الْكِبْرُ، وَلَا الْخَنَا، وَلَا الْفُحْشُ، وَلَا آمُرُ (1) بِهِ، فَإِذَا رَأَيْتَ الْمُشَوَّهَ الْأَعْرَابِيَّ فِي جَحْفَلٍ جَرَّارٍ، فَانْتَظِرْ فَرَجَكَ وَلِشِيعَتِكَ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِذَا (2) انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَارْفَعْ بَصَرَكَ إِلَى السَّمَاءِ، وَانْظُرْ مَا فَعَلَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ بِالْمُجْرِمِينَ، فَقَدْ فَسَّرْتُ لَكَ جُمَلاً مُجْمَلاً، وَصَلَّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الْأَخْيَارِ».

شرح الحديث

هذا الحديث رواه الصدوق رحمه الله بسندٍ صحيح ، والمصنّف رواه بثلاثة أسانيد؛ في بعضها جهالة، وبعضها مختَلفٌ فيه ، لكن باجتماعها، وتعاضد بعضها ببعض يحصل فيه قوّة .

قوله : (وهو في الحبس) ؛ يعني حين كان محبوسا بأمر الرشيد عند سنديّ بن شاهك، لعنة اللّه عليهما .

وقوله : (هذه نسخته).

في القاموس: «نسخ الكتاب: كتبه عن معارضة، كانتسخه، واستنسخه، والمنقول منه: النُسْخة، بالضمّ» (3).

قوله : (الحمد للّه العليّ العظيم) .

قال صاحب العدّة : العليّ: المنزّه عن صفات المخلوقين تعالى أن يوصف بها ، وقد يكون بمعنى العالي فوق خلقه بالقدرة عليهم، أو الترفّع بالتعالي عن الأشباه والأنداد وعمّا خاضت فيه وساوس الجهّال، وترامت إليه فكر الضُّلّال، فهو متعالٍ عمّا يقول الظالمون علوّا كبيرا (4) وقال : «العظيم: هو ذو العظمة والجلال، وهو منصرف إلى عظيم الشأن وجلالة القدر» (5).

(الذي بعظمته ونوره أبصر قلوب المؤمنين) .

في القاموس: «أبصره وتبصّره ونظره ببصره . وقوله تعالى : «فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً» (6).

أي تبصّرهم، وتجعلهم بصراء»(7).

ص: 272


1- في كلتا الطبعتين : «الأمر» بدل «آمر»
2- في كلتا الطبعتين : «وإذا»
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 271 (نسخ)
4- عدّة الداعي ، ص 301
5- عدّه الداعي ، ص 313
6- النمل (27) : 13
7- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 373 (بصر) مع التلخيص

فقوله عليه السلام : «قلوب المؤمنين» مرفوع على الفاعليّة، أو منصوب على المفعوليّة ؛ أي إبصار قلوب المؤمنين، وإدراكهم للمعارف الربّانيّة إنّما هو بما جعل فيها من نوره، وأفاض عليها من هدايته، وتجلّى لها من عظمته .

(وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون) ؛ يعني عظم شأنه، وجلالة قدره، ودوام ظهوره على الأشياء صار سببا لإنكار الجاهلين إيّاه ؛ لأنّ وجود الشيء بعد عدمه، وعدمَه بعد وجوده سبب لعلم القاصرين بإسناد أثر ما يعدم عند عدمه إليه .

وبعبارة اُخرى؛ لأنّ المؤثّر ما لم يكن له زوال أو غيبة بعد ثبوته وظهوره وانعدام أثره بهما لم يتبيّن للقاصر الجاهل بطرق الاستدلال أنّ الأثر مستند إليه، كما أنّ الشمس لو لم يكن لها غروبٌ لأنكر الجاهل كون ضياء العالم بالشمس، فلمّا صار الهواء بعد غروبها مظلما حكم بكون الضوء منها . وكذلك شمس عالم الوجود لاستمرار إفاضته وبقاء هذا النظام به ، يقول الجاهل : لعلّ هذا الصنع حدث بلا صانع، وهذا النظام انتظم بلا مدبّر ، وكذا عظمته منعت العقول عن الإحاطة به ، فتحيّروا فيه، وأثبتوا له ما لا يليق بجناب ذاته المقدّسة وصفاته .

قيل : ويحتمل أن يكون المراد أنّ كثرة النور تمنع عن إدراك القاصرين، وفرط الظهور يغلب على مدارك العاجزين، فكما أنّ الخفّاش لضعف بصره لا ينتفع بنور الشمس ، فكذا الأذهان القاصرة لضعفها يغلب عليها نوره الباهر، فلا تحيط به .

وبعبارة اُخرى : لمّا كان تعالى في غاية الرفعة والنور والعظمة والجلال ، والجاهلون في غاية الانحطاط والنقص والعجز، فلذا بعدوا عن معرفته؛ لعدم المناسبة، فأنكروه، وحصل بينه تعالى وبينهم بونٌ بعيد، فجحدوه، فَضَعْفُ بصيرتهم حَجَبهم عن أنوار جلاله، ونقصهم منعهم عن إدراك كماله (1).

(وبعظمته ونوره ابتغى ...) .

قيل : هذه الفقرة قريبة في المآل من الفقرة السابقة، وحاصلها : أنّ عظمته ونوره وظهوره دعت العباد إلى الإقبال إلى جنابه، لكن لفرط نوره وعظمته ، ووفور جهلهم وعجزهم صاروا

ص: 273


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 296

حيارى فيما يتوسّلون به إليه من الأعمال والأديان، فمنهم مصيب برشده، ومنهم مخطئ بغيّه ، فكلّ منهم يطلبونه، لكن كثيرا منهم أخطؤوا السبيل، وضلّوا عن قصد الطريق، فهم يسعون على خلاف جهة الحقّ عامهين، ويتوسّلون بما يبعدهم عن المراد جاهلين (1).

وقيل : الظاهر أنّ الباء في قوله: «بعظمته» في المواضع الثلاثة للسببيّة؛ إذ الإبصار والمعاداة والابتغاء وقعت بسبب العظمة والنور .

بيان ذلك أنّ عظمته المطلقة وكبرياءه يقتضي معرفة جميع ما سواه إيّاه، وانقيادهم [له ]في أوامره ونواهيه، وابتهالهم في ذلّ الحاجة إليه ، ولا يتحقّق ذلك إلّا بوضع علم بجميع ما يحتاجون إليه في صدرِ رسولٍ ومن ينوب منابه ، وهذا العلم يسمّى تارةً بالنور؛ لاهتداء الخلق به ، وتارةً بالعرش؛ لاستقرار العظمة وجميع الخلق فيه ، فبسبب نوره وعظمته المقتضية له أبصر قلوب المؤمنين سبل الحقّ وطرق الخيرات وكيفيّة سلوكها . «وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون» بإنكاره ، أو إنكار رسوله ، أو إنكار وليّه ووصيّ رسوله، حتّى توقّفوا، وتحيّروا في سبيله الحقّ .

فلو لم يكن العظمة والنور، لم يتصوّر الإبصار، ولم يتحقّق المعاداة والابتغاء ، وكذلك بنوره وعظمته ابتغى الخلق كلّهم الوسيلة والتقرّب إليه بالأعمال المختلفة والأديان المتضادّة، حيث علموا أنّه مستحقّ للتقرّب به، فمنهم من اقتفى نوره، واتّخذ دينه الحقّ ، ومنهم من مزجه بظلمة الجهل، وحصلت له شبهة، واتّخذ دينا باطلاً، فظنّ أنّه وسيلة التقرّب به، كما فرّع على ذلك قوله : (فمُصيب) (2) ؛ يعني فمنهم من أصاب وأتى بالصواب في القصد والعمل .

(ومخطئ) أي ومنهم من أخطأ فيهما .

(وضالّ) في اُمور الدِّين .

(ومهتدٍ) فيها .

(وسميع) يسمع نداء الحقّ، وآياته الجاذبة إليه .

ص: 274


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 296
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 72

(وأصمّ) ؛ حيث لا يصغي إليها فضلاً عن العمل بمقتضاها .

(وبصير) يبصر طريق الحقّ .

(وأعمى حَيران) ؛ لا يدرك شيئا منه، ولا يهتدي لوجه مراده . يُقال : حارَ يَحار حَيْرَةً وحَيْرا _ بالتسكين والتحريك _ وحَيَرانا محرّكة، إذا نظر إلى الشيء فَغَشِيَ، ولم يهتد لسبيله، فهو حَيْران وحائر .

(فالحمد للّه الذي عزّ، ووصف دينه محمّد صلى الله عليه و آله ).

المستتر في «عزّ»، والبارز في «دينه» راجع إلى «اللّه ». و«محمّد» بالرفع، فاعل «وصف» ، و«دينه» مفعوله ؛ أي بيّنه وأوضحه .

وفي بعض النسخ: «عرّف» بدل «عزّ» ، و«محمّدا» بالنصب ، فالمستتر في «عرّف» بالتشديد و«وصف» راجع إلى اللّه ، و«محمّدا» مفعول الفعلين على التنازع .

وفي بعضها: «عرف» و«وصف دينه محمّد» بالرفع ، فينبغي أن يقرأ: «عرف» بالتخفيف، فيكون «محمّد» على الفعلين، و«دينه» مفعولهما على سبيل التنازع ، والمراد بالدِّين الطريقة الإلهيّة التي لعباده، واستعبدهم بها .

وقوله : (بمنزلة خاصّة) ؛ هي منزلة الإخلاص، والطاعة، والانقياد لهم، والتسليم لأمرهم .

وفي بعض النسخ: «منزلة» بدون الباء، فهو منصوب على الظرفيّة .

(وحفظ مودّة ما استرعاك من دينه) .

يُقال : استرعاه إيّاهم؛ أي استحفظه . والظاهر أنّ «حفظ» على صيغة الماضي عطفا على «أنزل» .

وقيل : يحتمل كونه على صيغة المصدر عطفا على «منزلة» ؛ أي جعلك تحفظ مودّة ما استرعاكه، وهو دينه (1).

والباء في قوله : (بتفضيلك إيّاهم) للسببيّة ؛ أي بسبب إقرارك بفضلهم على غيرهم .

وقوله : (كنت) على صيغة المتكلّم .

وقوله : (فلمّا انقضى سلطان الجبابرة) ؛ يعني سلطنة أهل الجور وبأسهم وشدّتهم . قال

ص: 275


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 297

الفيروزآبادي : السُّلطان: الحجّة، وقدرة الملك _ وتضمّ لامه _ والوالي، مؤنّث ؛ لأنّه جمع سليط للدُّهن، كأنّ به يُضيء الملك ، أو لأنّه بمعنى الحجّة . وقد يذكّر ذهابا إلى معنى الرجل. والسلطان من كلّ شيء: شدّته . انتهى (1).

وغرضه عليه السلام : أنّي كنت في تقيّة ومماشاة مع سلاطين الجور وتبعتهم ، ولذا تأخّر جواب كتابك ، وأمّا الآن فقد بلغ أجلي، وانقضت أيّامي، فلا أتّقي الآن أحدا لانقضاء ما يتعلّق بالتقيّة من المصالح .

(وحاء سلطان ذي السلطان العظيم) .

المراد بذي السلطان العظيم هو اللّه جلّ شأنه ، وبسلطانه الموت ؛ يعني دنا الموت، وانقضى تسلّط الجبابرة، وبطلت قدرتهم واستيلاؤهم عليَّ، فلا أخاف الآن من سلطانهم ، كما أشار إليه بقوله : (بفراق الدُّنيا المذمومة إلى أهلها) أي عندهم .

وقيل : لعلّ المراد أنّها مذمومة بما يصل منها إلى أهلها الذين ركنوا إليها، كما يُقال : استذمّ إليه؛ أي فعل ما يذمّه على فعله .

ويحتمل أن يكون «إلى» بمعنى اللّام ؛ أي إنّما هي لهم بئست الدار ، وأمّا للصالحين فنعمت الدار؛ فإنّ فيها يتزوّدون لدار القرار (2).

وقوله : (العُتاة) جمع العاتي، وهو المستكبر المجاوز عن الحدّ .

وقوله : (رأيتُ) جواب «لمّا» .

وقوله : (ضعفاء شيعتنا) أي جهّالهم، كما يشعر به قوله : (من قبل جهالتهم) . وأمّا العقلاء منهم فهم بُرآء من الحيرة والضلالة .

وقوله : (خُصَّ) على صيغة الأمر . والمراد بذلك الأمر أمر الولاية والإمامة .

(واحذر أن تكون سبب بليّة على الأوصياء) بإفشاء سرّهم، وإنكار ولايتهم ، والبليّة: اسم من قولك : بلوته بَلوا وبلاءً، إذا اختبرته ، والمراد بها هنا المصيبة .

(أو حارشا عليهم) أي خادعا، أو مُغريا على ضررهم .

ص: 276


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 297
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 365 (سلط)

قال في القاموس : «حرش الضبّ يحرشُه حرشا: صاده، وذلك بأن يحرّك يده على باب جحره ليظنّه حيّة، فيخرج ذنبه ليضربها، فيأخذه . وفلانا : خدشه . والتحريش: الإغراء بين القوم، أو الكلاب» (1).

وقوله : (بإفشاء ما استودعتُك) متعلّق ب «تكون» ، والباء للسببيّة .

وقوله : (اُنهي إليك) أي أبلغ، من الإنهاء، وهو إبلاغ الخير .

وقوله : (أنعى إليك نفسي) أي اُخبر بموتها . يُقال : نَعيتُ الميّت نَعْيا ونَعيّا ونُعيانا _ من باب منع _ إذا أخبرت بموته، فهو منعيّ .

وقوله : (ولا شاكّ)؛ يحتمل كونه بالتخفيف من الشكاية ، أو بالتشديد من الشكّ ؛ أي لا أشكّ في وقوع ما قُضي وقُدّر ، بل أعلمه وأتيقّن به، أو لا أشكّ في خيريّته .

وقال بعض الشارحين : إنّه عليه السلام نفى أوّلاً عن نفسه القدسيّة الجزع ؛ لأنّ الجزع _ وهو ضدّ الصبر _ إمّا لضعفه عن حمل ما نزل به ، أو لشدّة خوفه عمّا يرد عليه بعد الموت ، أو لشدّة حرصه في الدُّنيا وخوف فواتها ، وهو عليه السلام منزّه عن جميع ذلك .

ونفى ثانيا عنها الندامة؛ لأنّها إمّا عن فعل ما لا ينبغي فعله ، أو عن ترك ما لا ينبغي تركه ، وكانت ذاته منزّهة عنهما .

ونفى ثالثا عنها الشكّ؛ لأنّه من لوازم الجهل، وهو عليه السلام معدن العلم ومنبع الحكمة ، وكان عالما بما كان وما يكون إلى يوم القيامة (2).

وقوله : (آل محمّد) بدل من «العروة» .

وقوله : (الوصيّ بعد الوصيّ) بدل من العروة الثانية ، ومآل الفقرتين واحد .

قال الفيروزآبادي : «العروة من الدلو والكوز: المقبض . ومن الثوب: اُخت زِره» (3). وقيل : شبّه آل محمّد والوصيّ منهم بالعروة في أنّ التمسّك بهم حامل للدِّين، شاربٌ من زلاله ، ووصفها بالوثقى على التوشيح؛ للتنبيه على أحكامها، وصحّة الائتمان بها حيث لا يعتبر

ص: 277


1- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 268 (حرش) مع التلخيص
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 74
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 361 (عرو)

القصم والكسر والقطع (1).

(والمسالمة) أي المصالحة .

(لهم) وهو عطف على العروة . والمراد بها التسليم والانقياد لهم في الاُمور كلّها، وعدم مخالفتهم في شيء منها .

(والرضا بما قالوا) ؛ يعني ينبغي أن يكون ما ذكر من الاستمساك والمسالمة مقرونا بالرِّضا، لا بالسخط، وإن لم يظهر له وجه الصحّة ، أو ثقل ذلك الأمر وقبوله على النفس .

(ولا تلتمس دين من ليس من شيعتك) .

الالتماس: الطلب . والمراد هنا الإذعان والقبول والعمل به . قال الجوهري : «شيعة الرجل: أتباعه وأنصاره» (2) وقال البيضاوي في تفسير قوله تعالى : «ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ» (3) : «أي من كلّ اُمّة شاعت دينا» (4).

(ولا تحبّنّ دينهم ؛ فإنّهم الخائنون) .

الخَوْن: أن يؤتمن الإنسان، فلا ينصح .

يُقال : خانه يخونه خونا أو خيانةً ومخانة وخانة، فهو خائن .

وقوله : (الذين خانوا اللّه ورسوله وخانوا أماناتهم) إشارة إلى قوله تعالى : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ» (5).

وقال بعض المفسّرين : «خيانة اللّه والرسول بتعطيل الفرائض والسنن، أو بأن يضمروا خِلاف ما يُظهرون، أو بالنكول في الغنائم . «وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ» أي فيما بينكم» انتهى (6).

والأمانة: ضدّ الخيانة، وهو ما يلزم أداؤه .

وقيل : لمّا كان عدم التمسّك بدينهم غير مستلزم لعدم محبّته، نهى بعده عن محبّته ، وعلّل بأنّهم خائنون، وفعلهم خيانة، ودينهم باطل، ولا يجوز محبّة الباطل، كما لا يجوز

ص: 278


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 74
2- الصحاح ، ج 3 ، ص 1240 (شيع)
3- مريم (19) : 69
4- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 27
5- الأنفال (8) : 27
6- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 102

التمسّك به (1).

ثمّ بيّن عليه السلام خيانتهم بقوله : (ائتمنوا على كتاب اللّه ) على صيغة المجهول ؛ يعني اتّخذهم الرسول اُمناء على كتاب اللّه ، وأمرهم بحفظه .

(فحرّفوه) .

قال الجوهري : «تحريف الكلام عن مواضعه: تغييره» (2).

(وبدّلوه) كأنّ العطف للتفسير، أو يُراد بالتحريف تغيير لفظه ومعناه، وبالتبديل تغيير أصله وأحكامه .

قال الجوهري : «أبدَلْتُ الشيءَ بغيره، وبدّله اللّه من الخوف أمنا . وتبديل الشيء أيضا: تغييره» (3).

وفي القاموس: «بدّله تبديلاً: حرّفه. وتبدّل : تغيّر» (4).

وكأنّ قوله : (ودُلّوا) على بناء المفعول .

(على ولاة الأمر منهم) بيان للتحريف والتبديل ؛ يعني دلّهم اللّه والرسول على ولاة الأمر من آل محمّد في مواضع عديدة .

(فانصرفوا عنهم) كفرا وعنادا وحسدا . ويحتمل أن يكون هذا خيانة اُخرى .

(فأذاقهم اللّه لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون) أي بصنعهم .

وهذا إشارة إلى قوله تعالى : «وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ» (5).

وفي تفسيرها وبيان لطائفها أقول : فقال البيضاوي :

استعار الذوق؛ لإدراك أثر الضرر واللباس لما غشيهم، واشتمل عليهم من الجوع والخوف، وأوقع الإذاقة عليه بالنظر إلى المستعار له، كقول كثير :

غمر الرداء إذا تبسّم ضاحكا

علقت لضحكته رقاب المال

فإنّه استعار الرداء للمعروف؛ لأنّه يصون عِرْض صاحبه صَونَ الرداء لما يلقى

ص: 279


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 74
2- الصحاح ، ج 4 ، ص 1343 (حرف)
3- الصحاح ، ج 4 ، ص 1632 (بدل)
4- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 333 (بدل)
5- النحل (16) : 112

عليه ، وأضاف إليه الغمر الذي هو وصف المعروف والنَّوال لا وصف الرداء نظرا إلى المستعار له (1)

وقال الزمخشري : هو استعارة حقيقيّة عقليّة، أو حسّيّة ؛ لأنّه شبّه الضرر والألم الحاصل لهم من الجوع، أو شبّه تغيّر اللون ورثاثة الهيئة الحاصلة لهم منه باللباس؛ لاشتماله عليهم ، واستُعير له لفظ اللباس، فجاءت الاستعارة حقيقة عقليّة على الأوّل، وحسّيّة على الثاني (2).

وقيل : إنّه على المكنيّة والتخييليّة؛ لأنّه شبّه الجوع بإنسان لابس قاصد للتأثير والضرر، واخترع للجوع صورة وهميّة خياليّة شبيهة باللباس ، واستعير له لفظ اللباس .

وقيل : إنّه تشبيه بليغ شبّه الجوع باللباس في الشمول والإحاطة والملابسة التامّة، فصار التركيب من قبيل لجين الماء (3).

(وسألت عن رجلين) أي الأوّل والثاني .

(اغتصبا رجلاً) ؛ يعني عليّ بن أبي طالب عليه السلام .

(مالاً كان ينفقه ...) ؛ كأنّ المراد بالمال الرئاسة العامّة، وما يتبعها من الأموال والغنائم والولايات والأحكام، وبإنفاقه على الفقراء تعليمهم، والدلالة على مراشدهم ومصالحهم، وإعطاء مؤونهم، وما جعل اللّه لهم من الحقوق الماليّة .

وقوله : (حتّى حمّلاه [إيّاه] كرها) إلى آخره .

الكَرْه، ويضمّ: الإباء، والمشقّة . أو بالضمّ: ما أكرهتَ نفسك عليه . وبالفتح: ما أكرهك غيرك عليه .

والمراد هنا المعنى الأخير ، وهذا إشارة إلى سوء صنيعهم بأمير المؤمنين عليه السلام حين أكرهوه على المبايعة؛ أي كلّفاه أن يحمل الخلافة التي جعلها اللّه له على كتفه، ويذهب بها إلى منازلهما، ويسلّمها إليهما، ولا ينازعهما في ذلك .

وقيل : يحتمل أن يكون المراد تكليفهم إيّاه عليه السلام حمل ما كانوا يعجزون عنه من حلّ

ص: 280


1- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 423
2- لم نعثر عليه في كتب الزمخشري
3- اُنظر : شرح المازندراني ، ج 12 ، ص 75

المشكلات وردّ الشُّبهات وفصل القضايا التي أشكلت عليهم (1).

(فلمّا أحرزاه تولّيا إنفاقه) .

الضمير المنصوب والمجرور راجع إلى المال .

والإحراز: الإحكام، والتحصين . والمراد هنا تملّكه والاستبداد به ، وهو إشارة إلى تولّيهما الخلافة، وإجراء الأحكام، وإنفاق الأموال كيف شاءا، وبمن أرادا على حسب آرائهما ووفق أهوائهما خلافا لكتاب اللّه وسنّة نبيّه .

وقوله : (أيبلغان بذلك كفرا) من تتمّة نقل كلام السائل . فقوله : (فلعمري ...) ابتداء الجواب .

وفي بعض النسخ: «ليبلغان» باللّام المفتوحة، على أن تكون جواب قسم محذوف ، فهذا ابتداء الجواب .

وقوله : (لقد نافقا قبل ذلك) ؛ يعني ليس نفاقهما وكفرهما منحصرا بما فعلا بعد وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، بل كانا منافقين في حياته صلى الله عليه و آله أيضا حيث عهدا مع أعوانهما على ردّ الخلافة عن أهل بيته .

(وردّا على اللّه كلامه) من الآيات الدالّة على اختصاص ولاية الأمر لأهل العصمة عليهم السلام .

(وهزئا برسوله) حين احتضاره ، وفي غدير خمّ حيث قالا : «انظروا إلى عينيه تدوران كأنّهما عينا مجنون» ، وأمثال ذلك منهما كثير .

قال الفيروزآبادي : «هزأ منه وبه _ كمنع _ وهزئ _ كسمع _ هُزْأً ومهزأةً: سخر، كتهزّأ، واستهزأ» (2).

وقوله : (ما دخل قلب أحد منهما شيء من الإيمان) تأكيد لما سبق من نفاقهما .

(منذ خروجهما من حالتهما) ؛ يعني خروجهما من الكفر الصريح إلى النفاق والشقاق .

وفي بعض النسخ: «من جاهليّتهما» .

(وما ازدادا) بعد الإقرار بالإسلام ظاهرا.

ص: 281


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 298
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 34 (هزأ)

(إلّا شكّا) ؛ وهو خلاف اليقين . والازدياد يتعدّى ولا يتعدّى .

(كانا خَدّاعين مُرتابين) .

قال الجوهري : «خَدَعه يخدَعه، أي ختله، وأراد به المكروه من حيث لا يعلم» (1) وقال : «ارتاب فيه، أي شكّ» (2).

وقوله : (يُغْصَب مالُه) على بناء المجهول .

وقوله : (منهم عارف) أي عالم بحقيقته عليه السلام .

(ومنكر) أي جاهل بحقّه، وزاعم بحقّيّتهما ، وكلا الفريقين تركا نصرته وإعانته .

وقوله : (فاُولئك) إشارة إلى الفريقين معا .

ويحتمل أن يُراد بالعارف من عرف حقيقته عليه السلام وأراد نصرته، لكن عجز عنها، كسلمان ومقداد وأبي ذرّ ، وحينئذٍ المراد ب «اُولئك» المنكرون فقط .

(أهل الردّة الاُولى) .

الرِّدّة _ بالكسر _ من الارتداد ؛ يعني أنّهم أوّل المرتدّين من هذه الاُمّة، ومن سار بسيرتهم، واقتفى أثرهم من بعدهم أهل الردّة الثانية .

وقال بعض الشارحين : «يمكن أن يُراد بأهل الردّة الثانية اثنان وسبعون فرقة من هذه الاُمّة، كما نطق به بعض الروايات» .

قال : «ويمكن أن يكون تعريضا بأنّهم أهل الردّة الاُولى، لا هما؛ لأنّهما لم يدخلا في الدِّين أصلاً، ولا يتحقّق الارتداد إلّا بالخروج بعد الدخول» (3).

وقوله : (مبلغ علمنا) ؛ يعني مقداره وغايته، والحدّ الذي لا يتجاوزه إلى غيره .

وقوله : (ماض) أي علم بالاُمور الماضية .

(وغابر) أي علم بالاُمور المستقبلة . ويُقال : غبر _ كنصر _ غبورا، إذا مكث وبقي، أو مضى وذهب، ضدّ، فهو غابر؛ أي ماضٍ باقٍ .

(وحادث) أي علم يحدث آنا فآنا، ويفيض من اللّه ساعة فساعة؛ إمّا بتوسّط الملك، أو بدونه .

ص: 282


1- الصحاح ، ج 3 ، ص 1201 (خدع)
2- الصحاح ، ج 1 ، ص 141 (ريب)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 79

وقوله : (فمفسَّر) إلى قوله : (ونَقر في الأسماع) .

التفسير: الكشف، والإيضاح. والزبر. الكتابة. والقذف بالحجارة: الرمي بها .

وفي القاموس: «نقر في الناقور، أي نفخ في الصور . ونَقَر في الحجر: كتب . والطائر : لقط من هاهنا وهاهنا . والنقر أيضا: صُوَيت يسمع من نَقْر الإبهام على الوسطى» (1).

وقال بعض الشارحين في شرح هذا الكلام :

قسّم العلم بتلك الأقسام باعتبار المعلوم؛ إذ بعضه متعلّق بالاُمور الماضية، وهو مفسّر لهم في الكتب المنزلة ، أو بتفسير الأنبياء. وبعضه متعلّق بالغابر؛ أي بالاُمور المستقبلة الحتميّة، وهو مزبور في الصحف التي عندهم . وبعضه متعلّق بأمر حادث في الليل والنهار آنا فآنا، وشيئا فشيئا، وهو قذف في القلوب، ونقر في الأسماع ؛ أمّا القذف فلأنّ قلوبهم صافية بأنوار إلهيّة، فإذا توجّهوا إلى العوالم اللاهوتيّة، وتجرّدوا عن الطبائع البشريّة ، ظهرت لهم من العلوم بالحوادث ما شاء اللّه ، ويعبّر عن ظهور هذه العلوم تارةً بالقذف في القلوب، وتارةً بالإلهامات الغيبيّة . وأمّا النقر في الأسماع، فهو يتصوّر على وجهين : أحدهما : أن يسمع من الملك صوتا منقطعا متميّزا بالحروف والكلمات، كما هو المعروف في سماعنا كلام الناس .

وثانيهما : أن يسمع صوتا وهمهمة ودويّا، ولا يفهم منه شيئا ما دام باقيا ، فإذا زالت الهمهمة وجد قولاً مُنْزَلاً مُلقىً في الروع، واقعا موقع المسموع .

وهذا الحديث وأمثاله محمولة على ظواهرها، والإيمان بها واجب لا دليل عقلاً أو نقلاً على استحالته، فلا يحملها على خلاف الظاهر إلّا ضعيف النظر أعمى (2).

(وهو أفضل علمنا) . الضمير للحادث .

وقيل : كونه أفضل لكثرته، وحصوله بلا واسطة بَشرٍ، ولأنّه لا يطّلع عليه غيرهم بخلاف المفسّر والمزبور؛ فإنّه كثيرا ما كان يطّلع عليه خواصّ شيعتهم (3).

(ولا نبيّ بعد نبيّنا محمّد صلى الله عليه و آله ) ؛ كأنّه دفع لتوهّم النبوّة ؛ أي لا يتوهّم أنّ إلقاء الملك مستلزم

ص: 283


1- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 147 (نقر) مع التلخيص واختلاف يسير
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 76 و 77
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 77

للنبوّة مطلقا؛ لمكان المحدّث .

وقد مرّ الفرق بينه وبين النبيّ في كتاب الحجّة . وما قيل من أنّه يحتمل أن يكون وجها لتخصيص القذف والنقر بالذكر، وبيانا لعدم احتمال السماع من الملك عيانا ومشاهدةً ؛ لأنّ ذلك يختصّ بالنبيّ (1). ، فبعيد .

وقوله : (فهنّ عَواهر) أي زانيات . يُقال : عهرت المرأة، إذا زَنَتْ، وهي عاهر؛ وذلك لأنّ الإماء كلّهنّ أو خمسهنّ من مال الإمام عليه السلام ، ولم يرخّص لغير أهل الولاية في وطئهنّ، فمن قاربهنّ من أهل الخلاف كان زانيا، وهنّ زانيات (إلى يوم القيامة) .

وقوله : (نكاح بغير وليّ) ؛ الظاهر أنّ المراد بالنكاح النكاح المصطلح، لا مطلق الوطي ، وبالوليّ الإمام؛ لأنّه وليّ المسلمين والمسلمات ، فإذا لم يقع نكاحهم بإذنه ورضائه لكونه ساخطا عليهم كان نكاحا بغير وليّ، وهو باطل ، وكأنّه هو السرّ لما ورد في بعض الأخبار أنّ المخالفين كلّهم أولاد بغايا .

وقيل : أي نكاحهم للإماء بغير وليّ ؛ لأنّ أولياءهنّ وملّاكهنّ الأئمّة عليهم السلام . ويحتمل أن يكون إخبارا عمّا كان قضاتهم يفعلون بادّعائهم الولاية الشرعيّة من نكاح غير البالغات ، ولعلّه أظهر ؛ لأنّ السؤال عنه وقع بعد السؤال عن الإمام (2) . انتهى .

وأنت خبير بأنّ ما ذكره هذا القائل من التعليل يهدم بنيان الوجه الأوّل، وهو قوله : «أي نكاحهم للإماء» إلى آخره ، ويردّ على توجيهه الثاني الذي جعله أظهر : أنّ السؤال عن مطلق نكاحهم يقتضي الجواب عن المطلق، فتخصيصه ببعض المناكح تحكّم ، بل الأظهر ما ذكرناه أوّلاً .

(وطلاق في غير عدّة) .

في بعض النسخ: «بغير عدّة». وفي بعضها: «لغير عدّة» .

قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى : «فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ» (3). :

أي وقتها، وهو الطهر ؛ فإنّ اللام في الأزمان وما يشبهها للتأقيت، ومن عدّ العدّة

ص: 284


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 77
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 299 و 300
3- الطلاق (65) : 1

بالحيض علّق اللام بمحذوف مثل «مستقبلات» ، وظاهره يدلّ على أنّ العدّة بالأطهار، وأنّ طلاق المعتدّة بالأقراء ينبغي أن يكون في الطهر، وأنّه يحرم في الحيض من حيث إنّ الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضدّه، ولا يدلّ على عدم وقوعه؛ إذ النهي لا يستلزم الفساد ، كيف وقد صحّ أنّ ابن عمر لمّا طلّق امرأته حائضا، أمره النبيّ صلى الله عليه و آله بالرجعة، وهو سبب نزوله .

انتهى (1).

فلعلّ غرضه عليه السلام أنّ طلاقهم طلاق في غير الوقت الذي يمكن فيه إنشاء العدّة، وهو طهر غير المواقعة، وهو باطل؛ لقوله تعالى : «فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ» .

وقيل : كأنّه أشار بنفي ثبوت العدّة في نفس الأمر إلى عدم صحّة الطلاق فيها؛ لأنّ نفي اللازم دليل على نفي الملزوم ، والمقصود أنّ طلاقهم غير صحيح؛ لعدم اقترانه بشرائط صحّته في الشريعة، كما يظهر لمن رجع إلى اُصولهم وفروعهم (2).

(فأمّا من دخل في دعوتنا) ؛ يعني قال بالولاية .

(فقد هَدَم إيمانُهُ ضلالَه) .

قيل : المراد بالضلالة نكاح اُمّهات الأولاد والإماء المسبيّات في الحروب بدون إذنهم عليهم السلام ، ونكاحهنّ أعظم أفراد الضلالة لهؤلاء ورخصته للشيعة .

(ويقينُه شكّه) ؛ في جواز نكاح مطلّقاتهم؛ فإنّه يجوز للشيعة نكاحهنّ بناءً على اعتقاد هؤلاء صحّة طلاقهم، وإن لم يكن صحيحا في مذهب الشيعة ، وقد وقعت الرخصة به أيضا .

إلى هاهنا كلام القائل .

وأقول : تخصيص الضلال والشكّ بما ذكر غير جيّد ، والأولى التعميم؛ ليدخل فيها الثلاثة المذكورة وغيرها ممّا يعدّ ضلالاً وشكّا .

وفي هذا الكلام إيماء إلى أنّ الإيمان تطهير لولادتهم .

(وسألت عن الزكاة فيهم) ؛ كأنّه سأل عن إعطاء هؤلاء المخالفين زكاتهم في أهل نحلتهم، هل يجوز ذلك، وتبرأ ذمّتهم؟

ص: 285


1- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 348
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 77

فأجاب عليه السلام بقوله : (فما كان من الزكاة) إلى آخره .

وحاصله: أنّه لا يجوز ذلك، ويبقى في ذمّتهم إلى أن يعطوا أهل الإيمان من الشيعة .

وقيل : سأل: هل يجوز لنا صرف الزكاة فيهم، وإعطاؤهم إيّاها؟ فأجاب عليه السلام بأنّه لا يجوز ذلك، ولا يجوز إعطاؤها غير أهل الولاية .

وقيل : كأنّه سأل: هل يجوز أن نشتري منهم، وفي مالهم زكاة أو خمس؟ فأجاب عليه السلام بأنّه يجوز ، وهذا ما ذكره الأصحاب من إباحة المتاجر . أو سأل أنّهم إذا أخذوا الزكاة منّا، هل يجب علينا إخراجها مرّة اُخرى؟ فأجاب عليه السلام بأنّهم إذا أخذوا الزكاة منكم ، إن لم يكونوا أهلها، ولم يعطوا أهلها، لا يجب عليكم أن تزكوا مرّة اُخرى . وقد دلّ عليه بعض الأخبار أيضا (1).

وقيل : يدلّ قوله : «فقد أحللت ذلك لكم» ظاهرا على عدم اشتراط العدالة في المستحقّين .

ويحتمل أن يكون المراد سقوط الزكاة عند فقدان المستحقّ من أهل الحقّ ، بأن يكون السائل سأل عمّا إذا لم يوجد المستحقّ من الشيعة ، قال : ولا يبعد أن يكون المراد بالزكاة الخمس عبّر بها عنه تقيّة (2).

ولا يخفى عليك ما في هذه التوجيهات من التكلّف والتعسّف . والأظهر ما قلناه أوّلاً . (وسألت عن الضعفاء) أي المستضعفين المرجون لأمر اللّه .

(فالضعيف من لم يُرفع إليه حجّة) .

لعلّ المراد بها الدليل والبرهان .

أو ما يوجب عليهم حجّة، وإن كان محض العلم بالاختلاف؛ فإنّه يحكم عقلهم حينئذٍ بلزوم طلب الحقّ والتجسّس حتّى يعرفوا الحقّ، فإن أهملوا فقد ثبت الحجّة عليهم .

(ولم يعرف الاختلاف) .

قيل : لعلّ المراد معرفة الاختلاف على وجه الكمال ، فإن عرف أنّ هنا اختلافا يسيرا لا

ص: 286


1- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 78
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 300

يعبأ به ، وكلّ الاُمّة على الحقّ، كما هو شأن كثير من المخالفين وغيرهم الذين ليس لهم تعصّب في الدِّين، ولا يتبرّؤون من أئمّة المسلمين ولا من أعدائهم ، بل قد يحبّونها جميعا (1) وقيل : كأنّه سأل عن المستضعفين المذكورين في قوله تعالى : «إِلَا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ» (2) الآية . فأجاب عليه السلام بأنّ المستضعف من لم يعرف الإمام، ولم ينكره ، إذا لم ترفع إليه حجّة دالّة على حقّيّة الإمام، ولم يعرف اختلاف الناس فيه ، وأمّا من دفعت إليه حجّة، أو عرف اختلاف الناس، فليس بمستضعف؛ لأنّه مكلّف بالإيمان وطلب الحقّ ، فلا يكون معذورا . من هنا يعلم أنّه ليس اليوم مستضعف؛ لشيوع الحقّ والاختلاف، فمن قبله فهو مؤمن، ومن ردّه فهو كافر (3).

(وسألته عن الشهادات لهم) ؛ يعني عن إقامتها للمخالفين عند حكّام الجور، أو مطلقا .

(فأقم الشهادة) إلى قوله : (فيما بينك وبينهم) .

قيل : لعلّ المراد أنّه وإن كانت الشهادة فيما بينك وبينهم، ولم يعرف بها أحد، يلزمك أيضا إقامتها . ويدلّ ظاهرا على جواز إقامة الشهادة عند المخالفين وقضاة الجور .

وقيل : المراد به أنّه لا يلزمه إقامة الشهادة عند قضاتهم، بل يلزمك إظهار الحقّ فيما بينك وبينهم ، وهو كما ترى (4).

(فإن خفت على أخيك ضَيما) أي ظلما، فلا تقم الشهادة عليه ، وذلك إذا علمت أنّه لا يقدر على أداء الدَّين، وعلمت أنّك إذا شهدت عليه يؤخذ أو يحبس ظلما ، وكذا إن خفت على نفسك ضررا غير مستحقّ .

(وادع إلى شرائط اللّه _ عزّ ذكره _ بمعرفتنا مَنْ رجوتَ إجابته) .

الشرط والشريطة: إلزامُ الشيء والتزامه في البيع ونحوه . ويجمع الأوّل على «شروط»، والثاني على «الشرائط» .

والباء للسببيّة، أو صلة للدعاء . ولعلّ المراد: ادع الناس ممّن رجوتَ إجابته إلى معرفة ما

ص: 287


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 300 و 301
2- النساء (4) : 98
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 78
4- القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 301

يلزم معرفته عليهم من اُصول الدِّين وفروعه ملتبسا بمعرفتنا . فيدلّ على اشتراط الإيمان في الداعي .

أو بما عرّفناك من طريق الدعوة وآدابها . فيدلّ على اشتراط علم الداعي وفقهه بما يدعو إليه .

وعلى التقديرين فيه إشعار بأنّه لا يمكن الوصول إلى تلك الشرائط إلّا بمعرفتهم .

وقيل : أي ادع إلى الشرائط التي اشترطها اللّه على الناس بسبب معرفة الأئمّة عن ولايتهم ومحبّتهم وطاعتهم، والتبرّي من أعدائهم ومخالفيهم .

قال : ويحتمل أن يكون المراد بالشرائط الوعد والوعيد، والتأكيد والتهديد الذي ورد في أصل المعرفة وتركها (1).

(ولا تحضر حصن زنى) .

الحِصن، بالكسر: كلّ موضع حَصين لا يوصل إلى جوفه . وتحصّن؛ أي صار حصانا .

والظاهر أنّ المراد النهي عن الحضور في البقاع والمواضع التي يوقع فيها الزنى . أو عن الحضور في مجالس الزُّناة .

وقيل : المراد به النهي عن ارتكاب الزنى بأبلغ وجه (2). ، نظير قوله تعالى : «وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنى»(3) . ؛ فإنّ المقصود النهي عن ارتكابه .

وقيل : يمكن أن يقرأ: «زنّاء» بالتشديد؛ أي هؤلاء المرتكبين للزنى بغصب حقوق أهل البيت عليهم السلام (4).

وفي بعض النسخ : «ولا تَحصّن بحِصن رياء» . قيل : أي لا تتحصّن من ملامة الخلق بحصن الأعمال الريائيّة (5).

وفي بعضها : «ولا تحضر حصن زناد آل محمّد» . قال الفيروزآبادي : «الزَّنَد: العُود الذي يُقدَح به النار. الجمع: زنّاد. وزنّد تزنيدا: كَذَب، وعاقب فوق حقّه. وتزنّد: ضاق

ص: 288


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 301
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 301
3- الإسراء (17) : 32
4- اُنظر : مرآة العقول ، ج 25 ، ص 302
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 301

بالجواب، وغضب» (1) قيل : المراد: لا تحضر حصنا توقد فيه نار الفتنة على أهل البيت عليهم السلام (2).

وقرأ بعض الفضلاء: «لا تحضر حِضْنَ زنى» بالضّاد المعجمة . وقال في شرحه:

الحضور معروف، وقد يأتي بمعنى النزول والسكون، ومنه الحاضر ، لمن نزل على ما يقيم به، ولا يرحل عنه . والحِضن، بكسر الحاء المهملة وسكون الضاد المعجمة: الجانب، والناحية . وإضافته إلى زنى؛ لكثرة وقوعه فيه، وإنّما نهى عن حضور ناحيتهم وسكونه فيها؛ لأنّه يستلزم مشاهدة منكراتهم الثقيلة على المؤمن، وميل الطبع إلى طبائعهم الشريرة، وهي أثقل وأشدّ عليه (3).

(ووالِ آل محمّد) .

الموالاة: ضدّ المعاداة .

وقوله : (بُلّغتْ) بصيغة المخاطب المجهول، من التبليغ .

وقوله: (آمن بما اُخبرك) .

في بعض النسخ: «بما أخبرتك» . والمراد بالإيمان الإذعان والتصديق الذي يستتبع العمل .

(ولا تُفش) من الإفشاء، وهو الإذاعة .

(بما استكتمناك) .

في بعض النسخ: «ما»، وهو أظهر . وعلى نسخة الأصل الباء للتقوية .

(من خَبَرك) .

في بعض النسخ: «خيرك» بالياء المثنّاة التحتانيّة ؛ أي ممّا يكون خيرك في كتمانه ، أو أراد بالخير الاُمور الحقّة المختصّة بأهل الحقّ . ولعلّ استكتامه لعدم لحوق الضرر به وبإخوانه .

(إنّ من واجب حقّ أخيك) ؛ يعني في الدِّين .

(أن لا تكتمه شيئا تنفعه) أي توصل إليه النفع .

ص: 289


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 79
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 298 (زند)
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 302

(به لأمر دنياه وآخرته)، ولا تلجئه في ذلك إلى السؤال .

وفي هذا الكلام تنبيه إلى أنّ الكتمان إنّما يكون بالنسبة إلى غير المؤمن .

(ولا تحقد عليه) ؛ عطف على قوله : «لا تكتمه» . وتحتمل كونه على صيغة النهي .

والحقد ، بالكسر والفتح وبالتحريك: الضِّغن، وهو إمساك العداوة في الضمير، والتربّص لفرصتها . وفعله كضرب وفرح . وهذه الخِصلة تنشأ من الطغيان في القوّة الغضبيّة .

(وأجِبْ دعوته إذا دعاك) ؛ للضيافة، أو لجلب نفع، أو دفع ضرر .

(ولا تُخل بينه وبين عدوّه) أي لا تخذله في يد عدوّه ، بل انصره، وادفع عنه كيفما أمكن .

قال الجوهري : «أخليت؛ أي خلوتُ. وأخْليت غيري _ يتعدّى ولا يتعدّى _ وخلّيت عنه، وخلّيت سبيله، فهو مُخلًّى» (1).

(وإن كان أقرب إليه منك) ؛ الظاهر كون «كان» ناقصة، والمستتر فيها راجعا إلى العدوّ، وضمير «إليه» إلى الأخ .

والمراد بالعدوّ من كان له عداوة دينيّة . ويحتمل الأعمّ ؛ أي وإن كان ذلك العدوّ أقرب إليه منك في النسب ، فكيف إذا كنت أقرب إليه منه ؛ لأنّ تلك النصرة من مقتضى الإيمان وواجب حقوق الإخوان، ولا يؤثّر فيه القرب والبُعد.

ولك أن تجعل كلمة «كان» تامّة، و«أقرب» فاعله؛ أي وإن وجد لنصرته ودفع شرّ العدوّ عنه من هو أقرب إليه منك ، فلا تكل أمره إليه، بل أعِنْهُ بنفسك ، فكيف إن لم يوجد ؟

(وعُدْهُ في مرضه) .

العودُ والعيادة: زيارة المريض، وفعلها كقال .

وقوله : (الغشّ) بالفتح، خلاف النصيحة. وبالكسر الاسم منه. يقال: غشّه _ كمدّه _ غشّا، إذا لم يمحضه النصح، أو أظهر خلاف ما أضمر . والغشّ أيضا: الغلّ، والحقد .

(ولا الأذى) ؛ يفهم من كلام الجوهري أنّ «أذىً» اسم من الإيذاء، وهو إيصال المكروه (2) وقيل : هو اسم لما يؤذي مطلقا، كالضرب، والشتم، والغيبة، ونحوها (3).

ص: 290


1- الصحاح ، ج 6 ، ص 2332 (خلا)
2- راجع : الصحاح ، ج 6 ، ص 2266 (إذا)
3- اُنظر : شرح المازندراني ، ج 12 ، ص 80

(ولا الخيانة) ؛ هي أن يُؤتمن الإنسان فلا ينصح .

وقيل : ترك ما يجب حفظه ورعايته من حقوق اللّه وحقوق الناس، وهي كما تجري في أفعال الجوارح، كذلك تجري في أفعال القلوب (1).

(ولا الخَنَا ولا الفحش) .

الخنا، بالقصر: الفحش . قاله الجوهري (2)

ويفهم من كلام صاحب النهاية أنّه أخصّ من الفحش؛ فإنّه قال : الخنا: الفحش من القول، والفحش يكون في القول والفعل، وهو القبيح مطلقا، أو ما يشتدّ قبحه من الذنوب والمعاصي (3).

وفي القاموس: «الفاحشة: الزنى، وكلّ ما يشتدّ قبحه من الذنوب، وكلّ ما نهى اللّه _ عزّ وجلّ _ عنه . والفحشاء: البخل في أداء الزكاة. وقد فحش _ ككرم _ فُحشا، والفحش: عدوان الجواب» (4).

وقوله : (آمُر به) على صيغة المتكلّم ، والجملة حال عن الخصال المذكورة ؛ أي ليس تلك الاُمور من أخلاق المؤمنين حتّى آمر بها أن توقعوها بالنسبة إلى أحدٍ، وإن كان مخالفا . أو المراد أنّها ليست من أخلاق المؤمنين ، وأنّي آمُرُ بتركها .

وعلى التقديرين إفراد الضمير باعتبار كلّ واحدٍ منها . ويحتمل تعلّقه بالأخير منها فقط .

ولا يبعد حمله على الاستفهام الإنكاري؛ أي إذا لم تكن تلك من أخلاق المؤمنين، فكيف آمُرُ بها ؟

وفي بعض النسخ : «ولا الأمرُ به» .

(فإذا رأيت المُشَوّه الأعرابي) .

في القاموس: «شوّهه اللّه ؛ أي قبّح وجهه» (5).

وقيل : يمكن أن يكون المراد بالأعرابي السفياني . قال : وقد يُطلق الأعرابي على من

ص: 291


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 80
2- الصحاح ، ج 6 ، ص 2332 (خنا)
3- اُنظر : النهاية ، ج 3 ، ص 415 (خنا)
4- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 282 (فحش)
5- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 287 (شوه)

يسكن البادية من العجم أيضا، فيمكن أن يكون إشارة إلى هلاكو (1) وقيل : أراد به المسيح الدجّال صاحب الفتنة العظمى، وسمّي مشوّها؛ لقبح منظره (2).

وفي القاموس: «المسح: أن يخلق اللّه الشيء مباركا، أو ملعونا ضدّ . والمسيح: الدجّال لشؤمه، أو هو كسكّين» (3)

وفي النهاية: «سمّي الدجّال مسيحا؛ لأنّه مُسِح أحد شقّي وجهه، ولا عين له، ولا حاجب» (4).

وقيل : كلتا عينيه معيوبة؛ إحداهما مطموسة مغمورة، والاُخرى بارزة كبروز حبّة العنب عن صواحبها (5).

(في جَحْفَل) بتقديم المعجمة على المهملة .

(جَرّار) بالتشديد، أو بالتخفيف . في القاموس: «الجَحْفَل، كجعفر: الجيش الكثير» (6)

وفي الصحاح: «كتيبة جرّارة، أي ثقيلة المسير لكثرتها ، وجيش جرّار» (7).

وفي بعض النسخ: «حرار» بالحاء المهملة . قال الجوهري : «الحرّة: أرض ذو حجارة سود. الحرار جمع. والحَرّان: العطشان، والحِرار جمع» (8).

وفي النهاية: «الحرّة: هي الأرض ذات الحجارة [السود]، ويجمع على حُرٍّ وحِرار. وأرض بظاهر المدينة بها حجارة سُود كثيرة» انتهى (9).

وتركيب «جحفل جرّار» على بعض التقادير إضافيّ، وعلى بعضها توصيفيّ . فتدبّر .

(فانتظر فرجك) جواب «إذا»؛ يعني أنّ ما ذكر من علامات قرب ظهور الصاحب عليه السلام .

وقوله : (فإذا انكسفت الشمس).

لعلّ المراد انكسافها في غير الوقت المعهود، كما سيجيء من انكسافها في النصف من رمضان .

ص: 292


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 302
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 80
3- م القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 249 (مسح)
4- النهاية ، ج 4 ، ص 327 (مسح)
5- نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 80
6- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 346 (حجفل)
7- الصحاح ، ج 2، ص 611 (جرر)
8- الصحاح ، ج 2 ، ص 627 (حرر)
9- النهاية ، ج 1 ، ص 365 (حرر) مع التلخيص

(فارفع بصرك إلى السماء) ؛ لعلّ رفع البصر إليها كناية عن تعمّق النظر فيما فعل اللّه بالمجرمين بيد القائم عليه السلام وأصحابه من القتل والنهب والسبي ونحو ذلك من أنواع العقوبات .

وقد روى المصنّف رحمه الله في باب تفسير «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ» من حديث إلياس مع الباقر عليه السلام ، إلى أن قال له : «فوددت أنّ عينك تكون مع مهديّ هذه الاُمّة ، والملائكة بسيوف آل داود بين السماء والأرض، تُعذّب أرواح الكفرة من الأموات، وتُلحق بهم أرواح أشباههم من الأحياء» (1).

(فقد فسّرت لك بملأ جملاً) . في بعض النسخ: «جملاً مُجملاً» .

قال الجوهري : «الجملة: واحدة الجمل. وقد أجملتُ الحساب، إذا رددتُه إلى الجملة» (2) وفي القاموس: «الجملة، بالضمّ: جماعة الشيء» (3).

متن الحديث السادس والتسعين (حديثٌ نادر)

اشارة

حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَمَاعَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ؛ وَ (4) عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، جَمِيعا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:

«أَتى أَبُو ذَرٍّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ، إِنِّي قَدِ اجْتَوَيْتُ الْمَدِينَةَ، أَ فَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَخْرُجَ أَنَا وَابْنُ أَخِي إِلى مُزَيْنَةَ، فَنَكُونَ بِهَا؟ فَقَالَ: إِنِّي أَخْشى أَنْ يُغِيرَ عَلَيْكَ خَيْلٌ مِنَ الْعَرَبِ، فَيُقْتَلَ ابْنُ أَخِيكَ، فَتَأْتِيَنِي شَعَثا، فَتَقُومَ بَيْنَ يَدَيَّ مُتَّكِئا عَلى عَصَاكَ، فَتَقُولَ: قُتِلَ ابْنُ أَخِي، وَأُخِذَ السَّرْحُ.

فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ، بَلْ لَا يَكُونُ إِلَا خَيْرا إِنْ شَاءَ اللّهُ.

فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَخَرَجَ هُوَ وَابْنُ أَخِيهِ وَامْرَأَتُهُ، فَلَمْ يَلْبَثْ هُنَاكَ إِلَا يَسِيرا حَتّى غَارَتْ خَيْلٌ لِبَنِي فَزَارَةَ، فِيهَا عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ، فَأُخِذَتِ السَّرْحُ، وَقُتِلَ ابْنُ أَخِيهِ، وَأُخِذَتِ امْرَأَتُهُ مِنْ بَنِي غِفَارٍ، وَأَقْبَلَ أَبُو ذَرٍّ يَشْتَدُّ حَتّى وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَبِهِ طَعْنَةٌ جَائِفَةٌ، فَاعْتَمَدَ عَلى عَصَاهُ، وَقَالَ:

ص: 293


1- الكافي ، ج 1 ، ص 242 ، ح 1 . وعنه في بحار الأنوار ، ج 25 ، ص 74 ، ح 64
2- الصحاح ، ج 4 ، ص 1662 (جمل)
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 351 (جمل)
4- في السند تحويل بعطف عليّ بن إبراهيم على «حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن محمّد بن أيّوب»

صَدَقَ اللّهُ وَرَسُولُهُ، أُخِذَ السَّرْحُ، وَقُتِلَ ابْنُ أَخِي، وَقُمْتُ بَيْنَ يَدَيْكَ عَلى عَصَايَ، فَصَاحَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فِي الْمُسْلِمِينَ، فَخَرَجُوا فِي الطَّلَبِ، فَرَدُّوا السَّرْحَ، وَقَتَلُوا نَفَرا مِنَ الْمُشْرِكِينَ».

شرح الحديث

السند حسن ، [أو] موثّق كالصحيح على المشهور .

قوله : (اجتويتُ المدينة) .

في النهاية : «اجتووا المدينة؛ أي أصابهم الجَوى، وهو المرض وداء الجوف إذا تطاول، وذلك إذا لم يوافقهم هواؤها، واستوخموها. ويقال : اجتويت البلد، إذا كرهت المقام فيه، وإن كنت في نعمة» (1).

وقوله : (مُزَيْنة) مصغّرة ، قبيلة من مُضر .

وقوله : (يُغير عليك) .

في القاموس:

أغار على القوم غارَةً وإغارة: دفع عليهم الخيل . والفرس، اشتدّ عَدْوُه في الغارة وغيرها . وببني فلان: جاءهم لينصروه. وقد يُعدّى بإلى. وأسرَعَ ، ومنه : أشرق ثبير كيما نغير؛ أي نسرع إلى النحر . انتهى (2).

وقد يجيء غار بمعنى أغار، كما سيجيء، لكن لم نره في كتب اللغة .

(خيل من العرب) .

في القاموس: «الخيل: جماعة الفرس، لا واحد له، أو واحد خائل؛ لأنّه يختال. الجمع: أخيال، وخيول، ويكسر . والفُرسان» (3).

وقوله : (شَعثا) بالتحريك، مصدر، بمعنى انتشار الأمر، واغبرار الرأس.

ونصبه على التمييز، أو على الحال مبالغة . ويحتمل على الثاني كونه ككتف، على أن يكون صفة مشبّهة .

وقوله : (السَّرحُ)؛ هو المال السائم .

ص: 294


1- النهاية ، ج 1 ، ص 318 (جوي)
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 105 (غور)
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 372 (خيل)

وقيل : أصله المصدر (1).

وقوله : (بل لا يكون إلّا خير) .

قيل : قال ذلك لظنّه أنّ خشية النبيّ صلى الله عليه و آله من باب الاحتمال ، فلمّا وقع ما خشيه، علم أنّه كان من باب الإخبار، فلذلك قال: «صدق اللّه ورسوله» انتهى (2) .

والأظهر أنّ أمثال هذه الكلمات ليس ببديع من الصحابة في بَدو الإسلام، وقبل كمال المعرفة برسول اللّه ، ولمّا يتعلّموا محاسن الآداب .

وكلمة «لا يكون» تامّة، و«خير» بالرفع فاعله . وفي بعض النسخ: «خيرا»، فهي ناقصة، واسمها مستتر؛ أي لا يكون الأمر شيئا إلّا خيرا .

وقوله : (فَزارة) بالفتح، أبو حيّ من غطفان .

(فيها) إلى تلك الخيل .

(عيينة بن حِصن) بكسر الحاء، وسكون الصاد المهملتين .

وقوله : (من بني غِفار) حال من «امرأته» .

وفي المصباح: «غِفار، ككتاب: حيّ من العرب، ومنه أبو ذرّ الغفاري»(3) .

وقوله : (يشتدّ) أي يَعدُو، ويُسرع .

وقوله : (جائفة) .

قال الجزري : «الجائفة: هي الطعنة التي تنفذ إلى الجوف» (4) وقال الجوهري : «النفر من الرِّجال : من ثلاثة إلى عشرة» (5).

متن الحديث السابع والتسعين

اشارة

متن الحديث السابع والتسعينأَبَانٌ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : قَالَ: (6)«نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ تَحْتَ شَجَرَةٍ عَلى شَفِيرِ وَادٍ، فَأَقْبَلَ سَيْلٌ، فَحَالَ بَيْنَهُ

ص: 295


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 82
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 82
3- المصباح المنير ، ص 449 (غفر) مع اختلاف
4- النهاية ، ج 1 ، ص 317 (جوف)
5- الصحاح ، ج 2 ، ص 833 (نفر)
6- في الطبعة القديمة : - «قال»

وَبَيْنَ أَصْحَابِهِ، فَرَآهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَالْمُسْلِمُونَ قِيَامٌ عَلى شَفِيرِ الْوَادِي يَنْتَظِرُونَ مَتى يَنْقَطِعُ السَّيْلُ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ لِقَوْمِهِ: أَنَا أَقْتُلُ مُحَمَّدا، فَجَاءَ، وَشَدَّ عَلى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِالسَّيْفِ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يُنْجِيكَ مِنِّي يَا مُحَمَّدُ؟ فَقَالَ: رَبِّي وَرَبُّكَ، فَنَسَفَهُ جَبْرَئِيلُ عليه السلام عَنْ فَرَسِهِ، فَسَقَطَ عَلى ظَهْرِهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَأَخَذَ السَّيْفَ، وَجَلَسَ عَلى صَدْرِهِ، وَقَالَ: مَنْ يُنْجِيكَ مِنِّي يَا غَوْرَثُ؟ فَقَالَ: جُودُكَ وَكَرَمُكَ يَا مُحَمَّدُ. فَتَرَكَهُ، فَقَامَ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللّهِ لَأَنْتَ خَيْرٌ مِنِّي وَأَكْرَمُ».

شرح الحديث

قوله : (أبان) بمنزلة العطف على السند السابق، وحاله كحاله .

وقوله : (شدّ) .

قال الجوهري : «شدّ عليه في الحرب يشدّ شدّا، أي حمل عليه . والشدّ: العَدْو، وقد شدّ ، أي عدا» (1).

وقوله : (فنسفه) أي قلعه . يُقال : نَسَفَ البناء، كضرب، إذا قلعه من أصله .

وقوله : (يا غَورَث) .

قال الفيروزآبادي : «غَوْرَثُ بن الحارث، سلَّ سيفَ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ليفتك به، فرماه اللّه بزلخة بين كتفيه» (2).

وقوله : (جودك وكرمك) .

قيل : كان صلى الله عليه و آله شديدا في المؤاخذة بحقّ اللّه تعالى ، وسليما صبورا حليما في المؤاخذة بحقّ نفسه ، وهذا هو الخُلق الحسن المحمود؛ لأنّه لو ترك القيام في حقّ اللّه تعالى، كان ذلك مهانة ، ولو انتقم لنفسه، لم يكن ثمّة صبر، وكان هذا الخلق بطشا ، فانتفى عنه الطرفان، وبقي الوسط، وهو العدل (3).

وقوله : (وهو يقول) . الضمير راجع إلى «غورث» .

(لأنت خيرٌ منّي وأكرم) .

هذا الكلام لا يدلّ على إيمانه، ولكن روى الواقدي في تفسير قوله تعالى : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ

ص: 296


1- الصحاح، ج 2 ، ص 492 (شدد)
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 171 (غرث)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 83

آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللّهَ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ» (1).

: إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله غزا جمعا من بني ذُبيان ومحارب[بذي أمر]، فتحصّنوا برؤوس الجبال، ونزل رسول اللّه صلى الله عليه و آله بحيث يراهم، فذهب لحاجته، فأصابه مطر، فبلّ ثوبه، فنشره على شجرة واضطجع تحته، والأعراب ينظرون إليه، فجاء سيّدهم دُعثور بن الحرث حتّى وقف على رأسه بالسيف مشهورا ، فقال : يا محمّد، مَن يمنعك منّي اليوم؟

فقال : اللّه .

فدفع جبرئيل في صدره، ووقع السيف من يده، فأخذه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وقام على رأسه ، وقال : مَن يمنعك منّي اليوم؟

فقال : لا أحد ، وأنا أشهد أن لا إله إلّا اللّه ، وأنّ محمّدا رسول اللّه . فنزلت الآية (2).

وروى ابن شهرآشوب عن الثمالي نحوا من ذلك، فزاد في آخره: «فسئل بعد انصرافه عن حاله، فقال : نظرت إلى رجل طويل أبيض، دفع في صدري، فعرفت أنّه مَلَك . ويُقال : إنّه أسلم، وجعل يدعو قومه إلى الإسلام» (3).

متن الحديث الثامن والتسعين

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ [عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ] عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْمِنْقَرِيِّ، عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:قَالَ: «إِنْ قَدَرْتُمْ أَنْ لَا تُعْرَفُوا فَافْعَلُوا، وَمَا عَلَيْكَ إِنْ لَمْ يُثْنِ النَّاسُ عَلَيْكَ، وَمَا عَلَيْكَ أَنْ تَكُونَ مَذْمُوما عِنْدَ النَّاسِ إِذَا كُنْتَ مَحْمُودا عِنْدَ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى، إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام كَانَ يَقُولُ: لَا خَيْرَ فِي الدُّنْيَا إِلَا لأحَدِ رَجُلَيْنِ: رَجُلٍ يَزْدَادُ فِيهَا كُلَّ يَوْمٍ إِحْسَانا، وَرَجُلٍ يَتَدَارَكُ مَنِيَّتَهُ بِالتَّوْبَةِ، وَأَنّى لَهُ بِالتَّوْبَةِ؟! فَوَ اللّهِ، أَنْ لَوْ سَجَدَ حَتّى يَنْقَطِعَ عُنُقُهُ، مَا قَبِلَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ مِنْهُ عَمَلًا إِلَا بِوَلَايَتِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ.

ص: 297


1- المائدة (5) : 11
2- التبيان ، ج 3 ، ص 464 ؛ تفسير مجمع البيان ، ج 3 ، ص 293
3- المناقب ، ج 1 ، ص 70

أَلَا وَمَنْ عَرَفَ حَقَّنَا، أَوْ رَجَا (1). الثَّوَابَ بِنَا، وَرَضِيَ بِقُوتِهِ نِصْفَ مُدٍّ كُلَّ يَوْمٍ، وَمَا يَسْتُرُ بِهِ عَوْرَتَهُ، وَمَا أَكَنَّ بِهِ رَأْسَهُ، وَهُمْ مَعَ ذلِكَ وَاللّهِ خَائِفُونَ وَجِلُونَ، وَدُّوا أَنَّهُ حَظُّهُمْ مِنَ الدُّنْيَا، وَكَذلِكَ وَصَفَهُمُ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ حَيْثُ يَقُولُ: «وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ» (2). ، مَا الَّذِي أَتَوْا بِهِ، أَتَوْا وَاللّهِ بِالطَّاعَةِ مَعَ الْمَحَبَّةِ وَالْوَلَايَةِ، وَهُمْ فِي ذلِكَ خَائِفُونَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ، وَلَيْسَ وَاللّهِ خَوْفُهُمْ خَوْفَ شَكٍّ فِيمَا هُمْ فِيهِ مِنْ إِصَابَةِ الدِّينِ، وَلكِنَّهُمْ خَافُوا أَنْ يَكُونُوا مُقَصِّرِينَ فِي مَحَبَّتِنَا وَطَاعَتِنَا».

ثُمَّ قَالَ: «إِنْ قَدَرْتَ أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِكَ فَافْعَلْ؛ فَإِنَّ عَلَيْكَ فِي خُرُوجِكَ أَنْ لَا تَغْتَابَ، وَلَا تَكْذِبَ، وَلَا تَحْسُدَ، وَلَا تُرَائِيَ، وَلَا تَتَصَنَّعَ، وَلَا تُدَاهِنَ».

ثُمَّ قَالَ: «نَعَمْ، صَوْمَعَةُ الْمُسْلِمِ بَيْتُهُ، يَكُفُّ فِيهِ بَصَرَهُ وَلِسَانَهُ وَنَفْسَهُ وَفَرْجَهُ، إِنَّ مَنْ عَرَفَ نِعْمَةَ اللّهِ بِقَلْبِهِ اسْتَوْجَبَ الْمَزِيدَ مِنَ اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ قَبْلَ أَنْ يُظْهِرَ شُكْرَهَا عَلى لِسَانِهِ، وَمَنْ ذَهَبَ يَرى أَنَّ لَهُ عَلَى الْاخَرِ فَضْلاً، فَهُوَ مِنَ الْمُسْتَكْبِرِينَ».

فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّمَا يَرى أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ فَضْلاً بِالْعَافِيَةِ إِذَا رَآهُ مُرْتَكِبا لِلْمَعَاصِي؟

فَقَالَ: «هَيْهَاتَ، هَيْهَاتَ، فَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا أَتى، وَأَنْتَ مَوْقُوفٌ مُحَاسَبٌ؛ أَ مَا تَلَوْتَ قِصَّةَ سَحَرَةِ مُوسى عليه السلام ؟».

ثُمَّ قَالَ: «كَمْ مِنْ مَغْرُورٍ بِمَا قَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِ، وَكَمْ مِنْ مُسْتَدْرَجٍ يَسْتُرُ (3) اللّهُ عَلَيْهِ، وَكَمْ مِنْ مَفْتُونٍ بِثَنَاءِ النَّاسِ عَلَيْهِ».

ثُمَّ قَالَ: «إِنِّي لَأَرْجُو النَّجَاةَ لِمَنْ عَرَفَ حَقَّنَا مِنْ هذِهِ الْأُمَّةِ إِلَا لأحَدِ ثَلَاثَةٍ: صَاحِبِ سُلْطَانٍ جَائِرٍ، وَصَاحِبِ هَوًى، وَالْفَاسِقِ الْمُعْلِنِ».

ثُمَّ تَلَا: «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ» (4) .

ثُمَّ قَالَ: «يَا حَفْصُ، الْحُبُّ أَفْضَلُ مِنَ الْخَوْفِ».

ثُمَّ قَالَ: «وَاللّهِ مَا أَحَبَّ اللّهَ مَنْ أَحَبَّ الدُّنْيَا، وَوَالى غَيْرَنَا، وَمَنْ عَرَفَ حَقَّنَا وَأَحَبَّنَا فَقَدْ أَحَبَّ اللّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالى».

فَبَكى رَجُلٌ، فَقَالَ: «أَ تَبْكِي ، لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّهُمُ اجْتَمَعُوا يَتَضَرَّعُونَ إِلَى اللّهِ _

ص: 298


1- في الحاشية عن بعض النسخ والوافي: «ورجا»
2- المؤمنون (23) : 60
3- في كلتا الطبعتين : «بستر»
4- آل عمران (3) : 31

عَزَّ وَجَلَّ _ أَنْ يُنْجِيَكَ مِنَ النَّارِ، وَيُدْخِلَكَ الْجَنَّةَ، لَمْ يُشَفَّعُوا فِيكَ»(1)

ثُمَّ قَالَ (2) : «يَا حَفْصُ، كُنْ ذَنَبا، وَلَا تَكُنْ رَأْسا. يَا حَفْصُ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مَنْ خَافَ اللّهَ كَلَّ لِسَانُهُ».

ثُمَّ قَالَ: «بَيْنَا مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ عليه السلام يَعِظُ أَصْحَابَهُ، إِذْ قَامَ رَجُلٌ، فَشَقَّ قَمِيصَهُ، فَأَوْحَى اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ إِلَيْهِ: يَا مُوسى، قُلْ لَهُ : لَا تَشُقَّ قَمِيصَكَ، وَلكِنِ اشْرَحْ لِي عَنْ قَلْبِكَ».

ثُمَّ قَالَ: «مَرَّ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ عليه السلام بِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَهُوَ سَاجِدٌ، فَانْصَرَفَ مِنْ حَاجَتِهِ، وَهُوَ سَاجِدٌ عَلى حَالِهِ، فَقَالَ لَهُ (3) مُوسى عليه السلام : لَوْ كَانَتْ حَاجَتُكَ بِيَدِي، لَقَضَيْتُهَا لَكَ، فَأَوْحَى اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ إِلَيْهِ: يَا مُوسى، لَوْ سَجَدَ حَتّى يَنْقَطِعَ عُنُقُهُ، مَا قَبِلْتُهُ حَتّى يَتَحَوَّلَ عَمَّا أَكْرَهُ إِلى مَا أُحِبُّ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (لا تُعرفوا) على بناء المجهول ؛ أي لا تكونوا معروفا بين الناس بأشخاصكم، أو بعلمكم وصلاحكم، وكأنّه مختصّ ببعض الأزمان وبعض الأشخاص .

وقوله : (إن لم يُثن الناس عليك) .

الثناء: الوصف بالمدح . وقد أثنى عليه خيرا .

وقال بعض المحقّقين : العاقل اللبيب لا يرضى بثناء الناس عليه؛ لعلمه بأنّه قد يوجب الفخر والكبر والغفلة عن التقصير والرضا بالعمل والعزّة ، وكلّ ذلك من المهلكات ، ولو فرض طهارة نفسه عن قبول أمثال ذلك، فيعلم أنّ الثناء لا يليق إلّا باللّه عزّ وجلّ، فلا يريده لنفسه تعظيما له تعالى (4).

وقوله : (أن تكون مذموما عند الناس) .

قيل : المراد بالناس أهل الدُّنيا والمخالفون؛ لأنّهم الذين يذمّون الفقراء والعلماء

ص: 299


1- في الطبعة القديمة : + «ثمّ كان لك قلب حيّ لكنت أخوف الناس للّه _ عزّ وجلّ _ في تلك الحال»
2- في الطبعة القديمة : + «له»
3- في الطبعة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها والوافي : - «له»
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 83

والصلحاء من أهل الدِّين؛ لكون أطوارهم الحسنة خلاف ما نشأوا هؤلاء عليه ، وقوانينهم الشرعيّة والعقليّة خلاف قوانينهم الموضوعة بينهم (1).

وقوله : (يزداد فيها) أي في الدُّنيا .

(كلّ يوم إحسانا) .

الإحسان: ضدّ الإساءة . والمراد هنا ما يعمّ الإحسان لنفسه من تحصيل ما يوجب ارتقاءه في مدارج الكمال من العلم والعمل، ولغيره من النصيحة، وتعليم ما فيه صلاحه ونجاته .

وقد روي: «أنّه من استوى يوماه، فهو مغبون» (2).

وقوله : (يتدارك منيّته بالتوبة) .

المنيّة: الموت .

ولعلّ المراد بتداركها تدارك أمرها، والتهيئة لنزولها .

وقيل : يحتمل أن يكون «منيّته» منصوبا بنزع الخافض؛ أي يتدارك ذنوبه لمنيّته .

وقد روى المصنّف هذا الخبر في كتاب الإيمان والكفر ، وفيه: «يتدارك سيّئته بالتوبة» (3).

وقيل : «المنيّة» إمّا بفتح الميم وكسر النون وشدّ الياء، وهي الموت، مِن مَناهُ اللّه عليك، إذا قدّره، وسمّي بها؛ لأنّه مقدّر بوقت مخصوص . أو بسكون النون وضمّ الميم، أو كسرها، ما أرادته نفسك، وتمنّته من الأباطيل (4).

(وأنّى له بالتوبة) .

«أنّى» من كلمات الاستفهام بمعنى كيف أو أين. والباء زائدة، وضمير «له» راجع إلى رجل، ورجوعه إلى المخالفين المعهودين _ كما قيل (5). _ بعيد جدّا ؛ يعني كيف تقبل توبته مع عدم شرائطها ، ومن أعظم الشرائط واُصولها لقبول التوبة وسائرِ الأعمال ولايةُ أهل البيت عليهم السلام . فقوله : (فواللّه أن لو سجد ...) إشارة إلى هذا .

وقوله : (ومن عرف حقّنا) مبتدأ، وخبره مقدّر بقرينة المقام، وهو ناج، أو نحوه . وكون

ص: 300


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 83
2- الأمالي للصدوق ، ص 766 ، ح 1030 ؛ معاني الأخبار ، ص 342 ، ح 3 ؛ وسائل الشيعة ، ج 11 ، ص 376 ، ح 5
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 306
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 85
5- احتمله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 306

قوله : (ودّوا) خبرا له بعيد .

وقوله : (ورضي بقوته نصفَ مدّ) ؛ كأنّه كناية عن القلّة ؛ يعني أنّه يكتفي بأقلّ ما تيسّر له من الحلال، أو لا يتعب في تحصيل الزيادة، ولو حصل له الزيادة من غير تعب لم يكثر في الأكل متعدّيا عن قدر الضرورة؛ لأنّ في الأوّل تضييع العمر فيما لا يعنيه، والاشتغال عمّا يعنيه، ويهمّه من العمل للآخرة ، وفي الثاني مفاسد كثيرة من زوال الرقّة، وحدوث المرض، والقسوة، والكسل، ونحوها .

(وما أكنّ به رأسُه) من العمامة ونحوها ، أو البيت وشبهه .

قال الجوهري : «الكِنّ: السُّترة. وكننتُ الشيء: سترته، وصُنْتُهُ من الشمس ، وأكنَنْتُهُ في نفسي: أسْرَرْته . وقال أبو زيد : كَنَنْتَهُ وأكننتهُ بمعنى ، في الكِنّ وفي النفس جميعا» (1).

(وهم مع ذلك واللّه خائفون وجِلون) .

أفرد ضمير الموصول سابقا، وجمّعه هاهنا، من حيث اعتبار اللفظ والمعنى .

والوجل والخوف في أصل اللغة متقارب المعنى . قيل : ثمّ كثر إطلاق الوجل على اضطراب القلب التابع للخوف، وعلى الاستغاثة، وطلب الناصر الدافع له، فإن صحّ هذا فهو أثبت بالمقام ؛ لأنّ التأسيس خيرٌ من التأكيد (2).

(ودّوا أنّه حظّهم من الدُّنيا) .

في القاموس: «الحظّ: النصيب، والجدّ، أو خاصّ بالنصيب من الخير والفضل» (3).

والضمير المنصوب راجع إلى عرفان حقّهم ، وما عطف عليه، وتخصيصه ببعضها تحكّم .

(وكذلك وصفهم اللّه ) ؛ إشارة إلى قوله عليه السلام : «من عرف حقّنا» وما عطف عليه، وفيه إيماء إلى تفسير الإيتاء في الآية .

(حيث يقول) في سورة المؤمنين : «وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا» .

قال في مجمع البيان :

أي يعطون ما أعطوا من الزكاة والصدقة . وقيل : أعمال البرّ كلّها .

«وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ» (4). أي خائفة . عن قتادة .

ص: 301


1- الصحاح ، ج 6 ، ص 2189 (كنن)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 84
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 394 (حظظ)
4- المؤمنون (23) : 60

وقال الحسن : «المؤمن جمع إحسانا وشفقةً؛ أي خوفا ، والمنافق جمع إساءة وأمْنا» .

وقال أبو عبد اللّه : «معناه: خائفة أن لا تقبل منهم» .

وفي رواية اُخرى : «يؤتى ما أتى، وهو خائف راج» .

وقيل : إنّ في الكلام حذفا وإضمارا، وتأويله: [قلوبهم] وجلة أن لا يقبل منهم؛ لعلمهم بأنّهم إلى ربِّهم راجعون ؛ أي لأنّهم يوقنون بأنّهم يرجعون إلى اللّه تعالى، يخافون أن لا يقبل منهم، وإنّما يخافون ذلك ؛ لأنّهم لا يأمنون التفريط(1).

وقوله : (بالطاعة) أي بطاعة اللّه ، أو بطاعة من أمر بطاعته.

وقس عليه قوله : (مع المحبّة والولاية) .

وقوله : (وليس واللّه ) إلى قوله : (من إصابة الدِّين) .

قال الجوهري : «أصابه؛ أي وجده، وأصابته مصيبة ، وأصاب في قوله» (2)

أي ليس خوفهم لشكّهم في حقّيّة دينهم .

وقوله : (أن لا تخرج من بيتك) ؛ حمل على الخروج لغير ما يلزم الخروج له ؛ فإنّ الخروج قد يكون واجبا، وقد يكون مندوبا _ كالخروج لطلب العلم، وطلب المعاش، وأداء الجمعات والجماعات، وتشييع الجنائز، وعيادة المرضى، ونحوها _ جمعا بين الأخبار ، وكأنّ في قوله عليه السلام : «إن قدرت» إيماءً إلى ذلك .

وقوله : (فإنّ عليك في خروجك ...) ؛ معناه أنّه يلزمك عند الخروج منه كفّ النفس عن هذه الاُمور؛ لتكامل أسبابها، بخلاف ما إذا كنت في بيتك؛ فإنّه غالبا لا يحصل أسبابها فيه، فلا يلزمك التكليف في تركها .

وقوله : (ولا تُرائي) ؛ من باب المفاعلة، وكونه من التفاعل بحذف إحدى التائين _ كما قيل (3). _ بعيد؛ أي وعليك في الخروج أن لا تعمل عملاً رياءً .

وقيل : قد يأتي المرائي بمعنى المجادل (4).

ص: 302


1- تفسير مجمع البيان ، ج 7 ، ص 196
2- الصحاح ، ج 1 ، ص 165 (صوب)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 84
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 84

(ولا تتصنّع) ؛ كأنّه تأكيد لسابقه . أو يُراد بالتصنّع التزيّن للناس، والتكلّف في اللباس . قال الفيروزآبادي : «التصنّع: تكلّف حسن السمت، والتزيّن» (1).

(ولا تُداهن) .

المداهنة: إظهار خلاف ما يضمر، والغشّ . وقيل : المساهلة في الدِّين (2).

وقوله : (نِعْمَ صَومعة المسلم بيتُه) ؛ ترغيب في الاعتزال عن الراغبين إلى الدُّنيا بذكر بعض منافعه من كفّ البصر وغيره، وكأنّ المراد بالصومعة المَعْبَد، وأصلها معبد النصارى .

وفرق الصَّمعاء الصغيرة اللطيفة المنضمّة إلى الرأس ، والصومعة، كجوهرة بيت النصارى، كالصَّومِع؛ لدقّة في رأسها .

وقوله : (إنّ من عرف نعمة اللّه بقلبه) أي عرف فضل النِّعمة، وأنّ المنعم بها هو اللّه ، وأذعَن بذلك .

(استوجب المزيد) ؛ لكونه شاكرا . وقد قال اللّه عزّ وجلّ : «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ» (3) ، فيستحقّ بذلك مزيد النعمة والإحسان (من اللّه عزّ وجلّ) .

وقوله : (قيل أن يظهر شكرها على لسانه) ؛ إشارة إلى أنّ العمدة في الشكر معرفة النعمة بالقلب، ولا يتوقّف تحقّقه على إظهاره باللِّسان، بل هو مؤكّد له . ولعلّ تعدية الإظهار ب «على» لتضمين مثل معنى الجريان، أو الإجراء .

وقوله : (فقلت) من كلام حفص .

وقوله : (بالعافية) أي من المعاصي .

والعافية: دفاع اللّه عن العبد .

يُقال : عافاه اللّه من المكروه معافاةً وعافيةً، إذا وهب له العافية من العلل والبلاء .

وقوله : (فلعلّه أن يكون قد غُفر له) إلى آخره .

قيل : أشار به إلى أنّ الفضل والقُرب واستحقاق الرحمة وحسن العاقبة والارتباط بينه تعالى وبين العبد أمرٌ معنويّ ليس له علم، ولا يعلمه إلّا هو، فلعلّه غفر له بالتوبة أو العفو ،

ص: 303


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 84
2- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 53 (صنع)
3- إبراهيم (14) : 7

وأنت موقوفٌ يوم القيامة، محاسَبٌ بالمعصية وغيرها ، فكيف يجوز أن ترى نفسك أفضل منه ؟! نعم ، لو رأى في نفسه فضلاً وخيرا من علمٍ وطاعة وغيرهما، وعدّه نعمةً من اللّه ، ونسبه إليه من حيث إنّه منه ومن توفيقه، فالظاهر أنّه لا يضرّ، كما قال سليمان عليه السلام : «الْحَمْدُ للّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ» (1) (2).

(أما تلوت قصّة سَحَرة موسى عليه السلام ) ؛ حيث وفّقهم اللّه للإيمان والطاعة بعد الكفر والمعصية، وغفر ما سلف منهم من ذنوبهم .

وفيه إيماء إلى عدم جواز تفضيل النفس على الكافر أيضا ، وهذا لا ينافي ذمّه ولعنه من حيث الكفر .

وقوله : (مستدرَج) ؛ على صيغة اسم المفعول .

قال الفيروزآبادي : «استدرجه: خدعه . واستدراج اللّه تعالى العبد: أنّه كلّما جدّد خطيئة جدّد له نعمة» (3).

(وأنساه) الاستغفار، وأن يأخذه قليلاً قليلاً، ولا يباغته .

وقال : «المباغتة: المفاجأة» (4).

وقوله : (يستر اللّه ) .

في بعض النسخ: «بستر اللّه » بالباء الموحّدة .

وقوله : (لأرجو النجاة) أي من دخول النار؛ فإنّ صاحب السلطان الجائر وأخويه يدخلونها، لكن يمكن أن يدركهم الشفاعة والرحمة بعدُ ؛ فإنّ هذه الفسوق ليست بكفر يوجب خلود النار .

وقوله : (سلطانٌ جائر) ؛ لعلّ المراد به ذو السلطنة مطلقا .

(وصاحب هوىً) أي من اتّبع رأيا مبتدعا بغير هدىً من اللّه ، أو مطلقا .

(والفاسق المُعلِن) بكسر اللّام، هو الذي لا يستخفي بفسقه، ولا يبالي بظهوره .

وقيل : هو من يذكر فسقه عند الناس، أو المشهور به (5).

ص: 304


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 85
2- النمل (27) : 15
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 188 (درج)
4- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 143 (بغت)
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 86

وقيل : لا يبعد تخصيص صاحب السلطان الجائر بمن كان مُعينا له في جوره، أو ساكتا لا يُعينه ولا يمنعه ؛ لأنّ صاحبه المانع له ربّما وقع مدحه في بعض الروايات (1) ثمّ تلا قوله تعالى في سورة آل عمران : «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي» (2) .

قال البيضاوي : المحبّة: ميل النفس إلى الشيء لكمال اُدرِك فيه، بحيث يحملها على ما يقرّبها إليه . والعبد إذا علم أنّ الكمال الحقيقي ليس إلّا للّه ، وأنّ كلّ ما يراه كمالاً من نفسه أو غيره فهو من اللّه وباللّه وإلى اللّه ، لم يكن حبّه إلّا للّه وفي اللّه ، وذلك يقتضي إرادة طاعته، والرغبة فيما يقرّبه إليه ، فلذلك فسّرت المحبّة بإرادة الطاعة، وجعلت مستلزمة لاتّباع الرسول في عبادته، والحرص على مطاوعته .

«يُحْبِبْكُمْ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ» جواب للأمر ؛ أي يرضَ عنكم، ويكشف الحُجب عن قلوبكم بالتجاوز عمّا فرط منكم، فيدخلكم في جنّات عزّه، ويبوّأكم في جوار قدسه . عبّر عن ذلك بالمحبّة على طريق الاستعارة، أو المقابلة . انتهى (3).

وأقول : كأنّ الآية هاهنا استشهاد لنجاة أهل المعرفة غير الثلاثة، وتوجيهه أنّ نجاتهم مسبّبة لمحبّة اللّه ، المستلزمة لمتابعة الرسول، المستتبعة لمعرفة أهل بيته، المقتضية للعمل الموجب للنجاة .

ويحتمل كونها استشهادا لانتفاء النجاة عن الثلاثة ، وتقريبه يُعلم ممّا ذكر . ولك أن تجعلها استشهادا لمجموع المستثنى والمستثنى منه معا .

وقوله : (الحبّ أفضل من الخوف) .

قيل : كأنّ الوجه أنّ الخوف يقتضي الإتيان بالمأمور به، والاجتناب من المنهيّ عنه؛ للتحرّز عن العقوبة، ودفع الضرر عن النفس ، بخلاف الحبّ؛ فإنّه يقتضي ما ذكر لمجرّد رضائه، وطلب التقرّب منه . والفصل بينهما ظاهر .

أو أنّ حقيقة الحبّ تقتضي الميل إليه، والتوصّل به، وحقيقة الخوف _ وإن كانت درجة عظيمة _ يقتضي الوحشة والفرار . وبينهما بونٌ بعيد .

ص: 305


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 86
2- آل عمران (3) : 31
3- تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 27

أو أنّ مقام المحبّة أعلى من مقام الخوف ؛ لأنّ الخوف حالة نفسانيّة، تحصل من معرفته تعالى ومعرفة جلاله وعظمته وغنائه عن الخلق، ومعرفة قهره وغضبه وكمال قدرته عليهم، وعدم مبالاته بتعذيبهم وتأديبهم وإهلاكهم، ومعرفة عيوب نفسه وتقصيره في الطاعات، ومعرفة أمر الآخرة وشدائدها ، وكلّما ازدادت تلك المعارف زاد الخوف، فيؤثّر ذلك في القلب والجوارح تأثيرا عظيما، فيميل القلب إلى ترك الشهوات، والندامة على الزلّات، والعزم على الخيرات ، فيحصل له بترك الشهوات العفّة والزهد، وبترك المحرّمات التقوى، وبترك ما لا يعني الورع والصدق، حتّى يترقّى منها إلى مقام المحبّة، فلا يرى لنفسه إرادة ولا مرادا، ويحبّ كلّ ما يرد عليه منه، ولا يراه ثقيلاً على نفسه ، بل يراه محبوبا مرغوبا يلتذّ به أشدّ التذاذ؛ لمجيئه من جانب المحبوب، ويعدّه تحفة وهديّة منه (1).

وقوله : (فبكى رجل) ؛ كأنّه كان من المخالفين .

أو المراد بقوله : (لم يُشفّعوا فيك) إلاّ بولايتنا . يُقال : شفّعته فيه تشفيعا: قبلت شفاعته، وهي السؤال في التجاوز عن الذنوب . فقوله : «لم يشفّعوا» على بناء المفعول ؛ أي لم تقبل شفاعتهم فيك . وقوله : (كن ذَنَبا) .

الذَّنَب _ بالتحريك _ معروف ، وهنا كناية عن متابعة من يحبّ متابعته، وعدم التقدّم عليهم في شيء من الاُمور، كما أشار إليه بقوله : (ولا تكن رأسا) .

ويحتمل أن يكون المراد النهي عن طلب مطلق الرئاسة ، أو عن كونه متبوعا لأهل الباطل في باطلهم .

وقوله : (كلَّ لسانه)؛ يعني عمّا لا يعنيه . يُقال: كلَّ لسانه يَكِلّ كلّاً وكُلولاً وكَلالاً، إذا عجز عن النطق، وتحيّر فيه .

وقوله : (ولكن اشرح لي عن قلبك) .

الشرح: الكشف، والتوسيع . ولعلّ المراد هنا فتح القلب وتوسيعه لقبول الحقّ ؛ أي كاشفا عن قلبك برفع ما يواريه ويغطّيه من موانع دخول الحقّ فيه .

ص: 306


1- إلى هاهنا كلام القائل ، وهو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 86 و 87

وقيل : أي اظهر لي ما كتمته من المساوئ في قلبك؛ ليعرفك الناس . قال : والغرض توبيخه بما ستره في جوفه من المساوئ، ويُظهر للناس محاسن الأخلاق . انتهى (1).

والحاصل : أنّه ينبغي الاهتمام بتطهير القلب، وتخليته عن الرذائل، وتحليته بالفضائل، وإلّا فلا نفع في البكاء والصياح وشقّ القميص الذي هو من فعل السفهاء والمجانين .

وقوله : (حتّى يتحوّل عمّا أكره إلى ما اُحبّ) ؛ كأنّ المراد بما أكره العقيدة الفاسدة، أو أعمّ منها ومن الأعمال الكاسدة، أو الأخير فقط . ويقابله ما اُحبّ .

وقيل : كأنّ ذلك الساجد كان منافقا في دين موسى عليه السلام ، وهكذا يفعل اللّه ببعض عباده ؛ إمّا من باب اللطف والتنبيه ليرجع ويتوب، أو من باب الغضب .

وليس المراد أنّه يفعله بالجميع كذلك، فلا ينافي ما مرّ في باب الدُّعاء من أنّه تعالى قد يقبل دعاء الفَسَقة سريعا؛ لكراهة سماع صوتهم (2).

متن الحديث التاسع والتسعين (حديث رسول اللّه صلى الله عليه و آله )

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:«مَا كَانَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِنْ أَنْ يَظَلَّ (3) جَائِعا خَائِفا فِي اللّهِ».

شرح الحديث

السند حسن .

قوله : (يظلّ) .

قال الجوهري : «ظَلِلت أعمل كذا _ بالكسر _ ظُلُولاً، إذا عملته بالنهار دون الليل» (4).

وقال الفيروزآبادي : «أظَلَّني الشيء: غشيني، أو دنا منّي حتّى ألقى عليّ ظلّه.

وظلّ نهاره: يفعل كذا يظلَّ _ بالفتح _ ظلّاً وظلولاً» (5).

ص: 307


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 309
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 88
3- في الحاشية عن بعض النسخ: «يصلّ _ يصلّي»
4- الصحاح ، ج 5 ، ص 1756 (ظلل)
5- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 10 (ظلل)

وقال : «سمع في الشعر: ظَلّ ليلَه يفعل كذا» (1).

وفي بعض النسخ: «يصل» من الصِّلة والإحسان، والمستتر فيه راجع إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، و«جائعا» مفعوله .

وفي بعضها: «يصلّي» .

ويؤيّد نسخة الأصل ما رواه المصنّف رحمه الله في باب ذمّ الدُّنيا عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : «ما أعجب رسول اللّه صلى الله عليه و آله شيءٌ من الدُّنيا إلّا أن يكون فيها جائعا خائفا» (2).

متن الحديث المائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ وَأَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ جَمِيعا، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو الْجُعْفِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ:

دَخَلْتُ عَلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ذَاتَ يَوْمٍ، وَهُوَ يَأْكُلُ مُتَّكِئا، قَالَ: وَقَدْ كَانَ يَبْلُغُنَا أَنَّ ذلِكَ يُكْرَهُ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَدَعَانِي إِلى طَعَامِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ، قَالَ:

«يَا مُحَمَّدُ، لَعَلَّكَ تَرى أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله [مَا] رَأَتْهُ عَيْنٌ (3) يَأْكُلُ، وَهُوَ مُتَّكِئٌ مِنْ أَنْ (4) بَعَثَهُ اللّهُ إِلى أَنْ قَبَضَهُ؟».

[قَالَ]: ثُمَّ رَدَّ عَلى نَفْسِهِ، فَقَالَ: «لَا وَاللّهِ، مَا رَأَتْهُ عَيْنٌ يَأْكُلُ وَهُوَ مُتَّكِئٌ مِنْ أَنْ (5).

بَعَثَهُ اللّهُ إِلى أَنْ قَبَضَهُ».

ثُمَّ قَالَ: «يَا مُحَمَّدُ، لَعَلَّكَ تَرى أَنَّهُ شَبِعَ مِنْ خُبْزِ الْبُرِّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةً مِنْ أَنْ (6) بَعَثَهُ اللّهُ إِلى أَنْ قَبَضَهُ؟».

ثُمَّ رَدَّ عَلى نَفْسِهِ، ثُمَّ قَالَ: «لَا وَاللّهِ، مَا شَبِعَ مِنْ خُبْزِ الْبُرِّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةً مُنْذُ بَعَثَهُ اللّهُ إِلى أَنْ قَبَضَهُ؛ أَمَا إِنِّي لَا أَقُولُ: إِنَّهُ كَانَ لَا يَجِدُ، لَقَدْ كَانَ يُجِيزُ الرَّجُلَ الْوَاحِدَ بِالْمِائَةِ مِنَ الْاءِبِلِ، فَلَوْ أَرَادَ أَنْ

ص: 308


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 10 (ظلل)
2- الكافي ، ج 2 ، ص 129 ، ح 7 . وعنه في بحار الأنوار ، ج 16 ، ص 266 ، ح 66
3- في الطبعة القديمة : + «وهو»
4- في الحاشية عن بعض النسخ والوافي والوسائل : «منذ» بدل «من أن»
5- في الحاشية عن بعض النسخ: «منذ» بدل «من أن»
6- في الحاشية عن بعض النسخ: «منذ» بدل «من أن»

يَأْكُلَ لَأَكَلَ، وَلَقَدْ أَتَاهُ جَبْرَئِيلُ عليه السلام بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، يُخَيِّرُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَهُ اللّهُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ مِمَّا أَعَدَّ اللّهُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَيْئا، فَيَخْتَارُ التَّوَاضُعَ لِرَبِّهِ _ جَلَّ وَعَزَّ _ وَمَا سُئِلَ شَيْئا قَطُّ، فَيَقُولَ: لَا، إِنْ كَانَ أَعْطى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَالَ: يَكُونُ، وَمَا أَعْطى عَلَى اللّهِ شَيْئا قَطُّ إِلَا سَلَّمَ ذلِكَ إِلَيْهِ، حَتّى إِنْ كَانَ لَيُعْطِي الرَّجُلَ الْجَنَّةَ، فَيُسَلِّمُ اللّهُ ذلِكَ لَهُ».

ثُمَّ تَنَاوَلَنِي بِيَدِهِ، وَقَالَ: «وَإِنْ كَانَ صَاحِبُكُمْ لَيَجْلِسُ جِلْسَةَ الْعَبْدِ، وَيَأْكُلُ إِكْلَةَ الْعَبْدِ، وَيُطْعِمُ النَّاسَ خُبْزَ الْبُرِّ وَاللَّحْمَ، وَيَرْجِعُ إِلى أَهْلِهِ، فَيَأْكُلُ الْخُبْزَ وَالزَّيْتَ، وَإِنْ كَانَ لَيَشْتَرِي الْقَمِيصَ السُّنْبُلَانِيَّ، (1) ثُمَّ يُخَيِّرُ غُلَامَهُ خَيْرَهُمَا، ثُمَّ يَلْبَسُ الْبَاقِيَ، فَإِذَا جَازَ أَصَابِعَهُ قَطَعَهُ، وَإِذَا جَازَ كَعْبَهُ حَذَفَهُ، وَمَا وَرَدَ عَلَيْهِ أَمْرَانِ قَطُّ كِلَاهُمَا لِلّهِ رِضًا إِلَا أَخَذَ بِأَشَدِّهِمَا عَلى بَدَنِهِ، وَلَقَدْ وُلِّيَ النَّاسَ خَمْسَ سِنِينَ، فَمَا وَضَعَ آجُرَّةً عَلى آجُرَّةٍ، وَلَا لَبِنَةً عَلى لَبِنَةٍ، وَلَا أَقْطَعَ قَطِيعَةً، وَلَا أَوْرَثَ بَيْضَاءَ وَلَا حَمْرَاءَ إِلَا سَبْعَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَضَلَتْ مِنْ عَطَايَاهُ، أَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَ لأهْلِهِ بِهَا خَادِما، وَمَا أَطَاقَ أَحَدٌ عَمَلَهُ، وَإِنْ كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام لَيَنْظُرُ فِي الْكِتَابِ مِنْ كُتُبِ عَلِيٍّ عليه السلام ، فَيَضْرِبُ بِهِ الْأَرْضَ، وَيَقُولُ: مَنْ يُطِيقُ هذَا؟».

شرح الحديث

السند مجهول .

قوله : (من أن بعثه اللّه ) . يحتمل أن يقرأ «أن» بفتح الهمزة، وأن يقرأ بمدّها .

وقوله : (ردّ على نفسه) بالتحريك؛ أي ردّه إلى جوفه، ولم يتنفّس هنيئة، من قولهم: ردّ عليه ؛ أي لم يقبله .

وقوله : (ما رأته عين يأكل وهو متّكئ) .

إن قلنا: إذا لم يفعله رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلِمَ فعله عليه السلام ؟! وقد قال اللّه عزّ وجلّ : «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ» (2).

؟! قلت : لعلّه عليه السلام فعله لعذر ، أو ضعف، أو لبيان الجواز .

وقوله : (يُجيز الرجل الواحد بالمائة من الإبل) أي يعطيها إيّاه، أو ينفذها ويرسلها إليه .

ص: 309


1- في الحاشية عن بعض النسخ: «السبلاني»
2- الأحزاب (33) : 21

قال الجوهري : «أَجَزْته: أنفذته. وأجازه بجائزة: أعطاه» (1).

وقوله : (بمفاتيح خزائن الأرض) ؛ كأنّه كناية عن إعطاء تلك الأرض إيّاه، وسلطنته على أهلها، والبقاء فيها، ودوام التمتّع بنعمها ، فاختار صلى الله عليه و آله الفقر والموت تواضعا للّه ، ورجاءً للقائه، وترجيحا لسلطنة الآخرة ونعيمها .

وقوله : (وإن لم يكن) أي وإن لم يوجد عنده شيء .

(قال : يكون) أي يكون ويمكن أن يعطيك اللّه . أو يكون ويمكن أن يوجد عندنا فنعطيك .

(وما أعطى) ؛ على بناء الفاعل .

(على اللّه شيئا) أي معتمدا ومتوكّلاً عليه تعالى .

وقيل : يحتمل أن تكون «على» بمعنى «عن»؛ أي عنه تعالى ومن قِبَلهِ (2).

(قطّ) .

في القاموس: «ما رأيته قَطّ _ ويضمّ ويخفّف _ وقطّ _ مشدّدة ومجرورة _ بمعنى الدهر، مخصوص بالماضي فيما مضى من الزمان، أو فيما انقطع من عمري» (3).

(إلّا سلّم ذلك إليه) .

«سلّم» على بناء الفاعل، والمستتر فيه راجع إلى اللّه وإليه صلى الله عليه و آله .

ويحتمل كونه على بناء المفعول، و«ذلك» إشارة إلى الشيء ، وضمير «إليه» راجع إلى المُعطى له .

ويحتمل إرجاعه إليه صلى الله عليه و آله ؛ أي سلّم اللّه ذلك الشيء إليه ليعطي من وعده به .

وقوله : (من يناوله بيده) (4).

يحتمل أن يكون الموصول بدلاً من الضمير في «له» ، والجارّ متعلّقا ب «سلّم»، والضمير المجرور راجعا إلى اللّه ؛ أي سلّم اللّه الجنّة بيده لمن يناوله الرسول صلى الله عليه و آله ويَعِده . ولا يبعد إرجاع الضمير المجرور إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله . فتدبّر .

ص: 310


1- الصحاح ، ج 3 ، ص 871 (جوز) مع اختلاف يسير
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 311
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 380 (قطط)
4- في المتن الذي ضبطه الشارح رحمه الله سابقا : «ثمّ تناولني بيده»

وقيل : لعلّه بيان وتفسير، أو بدل لقوله «ذلك» . أو الباء للسببيّة ، وفيه مقدّرة؛ أي يسلّم ذلك له بأن يبعث إليه من يعطيه بيده (1).

وفي كثير من النسخ: «ثمّ تناولني بيده» .

وقوله : (وإن كان صاحبكم) ؛ يعني أمير المؤمنين عليه السلام . و«إن» مخفّفة .

(ليجلس جِلسة العبد) .

الجلسة _ بالكسر _ مصدر للنوع، ويظهر من بعض الأخبار أنّ جلسة العبد الجثوّ على الركبتين .

وقال بعض العلماء : «إنّها الجلوس متورّكا» .

وقيل : المقصود أنّه عليه السلام كان يجلس على التراب والجلود، ولم يكن له بساط وفرش مزيّنة ؛ لا لأنّه لم يجدها، بل للتواضع للّه تعالى (2).

(ويأكل أكلة العبد) .

الأكلة، بالفتح: المرّة من الأكل . وبالضمّ: اللُّقمة، والقُرصة، والطُّعمة، وهي ما يطعم .

ولعلّ المراد بأكلة العبد الأكل على الحضيض من غير أن يجلس على فرش مختصّ به، أو من غير خوان يضع الطعام عليه .

وقيل : المقصود أنّ طعامه كان خشنا غليظا، أو بلا اُدم (3).

وقوله : (القميص السنبلاني) .

في القاموس : «قميص سُنبلانيّ: سابغ الطول . أو منسوب إلى بلاد بالروم . وسَنْبَلَ ثوبَه؛ أي جرّه من خلفه أو أمامه . وسُنبلان وسُنبُل: بلدان بالروم بينهما عشرون فرسخا، الكتاب السَّنبلاني» (4).

قال الجزري : «السَّنبَل، بالتحريك: الثياب المُسبَلَة، كالرَّسَل والنَّشَر في المرسلة والمنشورة . وقيل : إنّها أغلظ ما يكون من الثياب يتّخذ من مشاقة الكتّان» (5).

ص: 311


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 311
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12 ، ص 90 و 91
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 91
4- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 398 (سنبل) مع اختلاف يسير و زيادة
5- النهاية ، ج 2 ، ص 339 (سبل)

وفي القاموس: «المشاقة، كثمامة: ما سقط من الشعر أو الكتّان عند المشط، أو ما طار» (1) وفي أمالي الصدوق بسندٍ آخر عنه عليه السلام : «القميصين السنبلانيّين» (2). ، وهو أظهر .

(فإذا جاز أصابعه قَطَعَه) ؛ فرارا من شعار المتكبّرين، ومن الفضول الغير المحتاج إليه .

(وإذا جاز كعبه حَذَفَه) .

قال الجوهري : «الكَعْبُ: العظم الناشِز عند ملتقى الساق والقَدَم . وأنكر الأصمعي قول الناس: إنّه في ظهر القَدَم» (3)

وفي القاموس: «حذفه يحذفه: أسقطه» (4).

ولعلّ إسقاطه عليه السلام ما جاز عن الكعب؛ لئلّا يتشابه بالمتكبّرين أهل الخيلاء . وقد روي: «أنّ قميص المؤمنين إلى نصف الساق، أو إلى الكعب؛ لئلّا يتنجّس أو يتلوّث بجرّه على الأرض غالبا، مع كونه إسرافا وتسارعا إلى البِلى والخرق» (5) وقوله : (إلّا أخذ بأشدّهما) ؛ وذلك لكون الأشدّ والأشقّ أفضل، كما روي : «أنّ أفضل الأعمال ما أكرهتَ عليه نفسك» (6).

وفي خبر آخر : «أفضل الأعمال أحمزها» (7).

وقوله : (فما وضع آجرّة على آجرّة، ولا لبنة على لبنة) .

الغرض عدم اشتغاله بعمارة الدُّنيا واعتراضه عنها . قال في المصباح : «الآجُرّ: اللَّبن إذا طُبخ، بمدّ الهمزة، والتشديد أشهر من التخفيف . الواحدة: آجُرة، وهو معرّب» (8).

وقال الجوهري : «اللبِنةُ: التي يُبنى بها. والجمع: لَبِن، مثال كَلِمة وكَلِم . مِن العرب مَن يقول: لِبْنَة ولبن، مثال لِبدَةٍ ولِبْدٍ» (9).

(ولا أقطع قطيعةً) أي ولا اتّخذ مستغلّة من الأرض لنفسه وأهله زهدا عن الدُّنيا، وإن كان

ص: 312


1- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 283 (مشق)
2- الأمالي للصدوق ، ص 281 ، ح 14
3- الصحاح ، ج 1 ، ص 213 (كعب)
4- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 126 (حذف)
5- لم نعثر على الرواية في الجوامع الروائيّة . لكن انظر : شرح المازندراني ، ج 12 ، ص 91
6- بحار الأنوار ، ج 75 ، ص 69 ، ج 20 (رواه مرسلاً عن أمير المؤمنين عليه السلام )
7- مفتاح الفلاح ، ص 45 (رواه مرسلاً عن النبيّ صلى الله عليه و آله )
8- المصباح المنير ، ص 6 (أجر)
9- الصحاح ، ج 6 ، ص 2192 (لبن)

جائزا . يُقال : أقطعه الإمام الأرض ؛ أي جعل غلّتها رزقا، واسم تلك الأرض: قطيعة .

وقوله : (ولا أورث بيضاء ولا حمراء) ؛ كناية عن الدراهم والدنانير بقرينة الاستثناء .

وقوله : (وإن كان عليّ بن الحسين عليهماالسلام) .

«إن» مخفّفة .

(لينظر في الكتاب من كتب عليّ عليه السلام ) .

قيل : من كتب سيره وتواريخه، أو من كتب أعماله التي كان يعمل بها (1).

(فيضرب به الأرض) .

الباء للتعدية ؛ أي يضعه عليها سريعا، أو أذهبه إليها، أو أقامه فيها .

قال الجوهري : «ويُقال : الضرب: الإسراع في السير» (2).

وفي القاموس: «ضرب في الأرض: أسرع، أو ذهب. وبنفسه الأرض: أقام» (3).

متن الحديث الواحد والمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ، قَالَ:

حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْمُغِيرَةِ، قَالَ:سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ: «إِنَّ جَبْرَئِيلَ عليه السلام أَتى رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَخَيَّرَهُ، وَأَشَارَ عَلَيْهِ بِالتَّوَاضُعِ، وَكَانَ لَهُ نَاصِحا، فَكَانَ (4) رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَأْكُلُ إِكْلَةَ الْعَبْدِ، وَيَجْلِسُ جِلْسَةَ الْعَبْدِ تَوَاضُعا لِلّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى، ثُمَّ أَتَاهُ عِنْدَ الْمَوْتِ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الدُّنْيَا، فَقَالَ: هذِهِ مَفَاتِيحُ خَزَائِنِ الدُّنْيَا، بَعَثَ بِهَا إِلَيْكَ رَبُّكَ لِيَكُونَ لَكَ مَا أَقَلَّتِ الْأَرْضُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَكَ شَيْئا، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلى».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (فخيّره) ؛ يعني بين حياة الدُّنيا ومُلكها وبين تركها ، واختار التسليم والتواضع للّه .

ص: 313


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 312
2- الصحاح ، ج 1 ، ص 168 (ضرب) مع اختلاف يسير
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 95 (ضرب)
4- في الحاشية عن بعض النسخ: «وكان»

(وأشار) أي جبرئيل عليه السلام .

(عليه بالتواضع) للّه ، وترك قبولها .

وفي بعض النسخ: «أشار إليه» . في القاموس: «أشار إليه: أومأ، ويكون بالكفّ والعين والحاجب . وأشار عليه بكذا: أمره» (1).

(وكان له ناصحا) .

الواو للحال؛ أي فلم يصدر الإشارة منه بالتواضع من باب الغشّ، بل لمحض النصيحة؛ لكون ذلك خيرا له في الدُّنيا والآخرة .

وقوله : (ثمّ أتاه عند الموت بمفاتيح خزائن الدُّنيا) .

قال الفاضل الإسترآبادي : «كأنّ العلّة في إتيانه عند الموت بهذا أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله عسى أن يتقبّلها لذرّيّته الطاهرة؛ فإنّ معظم قصد الناس أن لا تكون ذرّيّتهم فقراء بعده» (2). انتهى .

والأظهر أن تكون العلّة في ذلك أنّه صلى الله عليه و آله عسى أن يختار حياة الدُّنيا وبقاءها وملكها . وفي آخر الحديث إيماءً إليه .

وقوله : (ما أقلّت الأرضُ) أي حملته، ورفعته .

وقوله : (في الرفيق الأعلى) متعلّق ب «أكون»؛ أي أحبّ أن أكون في الرفيق الأعلى .

قال في النهاية:

في حديث الدعاء : ألحقني بالرفيق الأعلى . الرفيق: جماعة الأنبياء الذين يسكنون أعلى علّيّين، وهو اسمٌ جاء على فَعيل، ومعناه الجماعة، كالصديق، والخَليط، يقع على الواحد والجمع . ومنه قوله تعالى : «وَحَسُنَ أُوْلئِكَ رَفِيقا» (3).

وقيل : معنى «ألحقني بالرفيق الأعلى» ؛ أي باللّه تعالى . يُقال : اللّه رفيقٌ بعباده ، من الرفق والرأفة، وهو فعيل بمعنى فاعل .

ومنه حديث عائشة ، سمعتهُ يقول عند موته: بل الرفيق الأعلى، وذلك حين خُيِّرَ بين البقاء في الدُّنيا وبين ما عند اللّه ، فاختار ما عند اللّه . انتهى (4).

ولو اُريد في هذا الخبر المعنى الأخير، فينبغي أن يكون «في» بمعنى المصاحبة، أو الباء،

ص: 314


1- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 65 (شار)
2- حكاه عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 92
3- النساء (4) : 69
4- النهاية ، ج 2 ، ص 246 (رفق)

أو «إلى» ، أو يقدّر بعده مضاف من نحو «كرامة الرفيق الأعلى»، أو رحمته، أو جنّته، أو نحو ذلك .

متن الحديث الثاني والمائة

اشارة

سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ (1). ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:«قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : عُرِضَتْ عَلَيَّ بَطْحَاءُ مَكَّةَ ذَهَبا، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، لَا، وَلكِنْ أَشْبَعُ يَوْما، وَأَجُوعُ يَوْما، فَإِذَا شَبِعْتُ حَمِدْتُكَ وَشَكَرْتُكَ، وَإِذَا جُعْتُ دَعَوْتُكَ وَذَكَرْتُكَ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (بَطحاء مكّة ذهبا) ؛ كأنّ المراد أنّه جعلت أرضها وما فيها من الحصى كذلك، أو خلق فيها من الذهب ملأها، وعرضت عليه .

وقال بعض الأفاضل : «أي قيل له: إن أردت أن نجعل لك تلك البطحاء مملوّة من الذهب، أو نجعل أرضها وحصاها ذهبا» (2).

.

قال الفيروزآبادي : «البطحاء والأبطح: سيل واسع فيه دقاق الحصى» (3).

وقوله : (ياربّ لا) أي لا اُريد ذلك . كأنّ المراد بالجوع والشبع الصوم والإفطار، ويحتمل الأعمّ .

متن الحديث الثالث والمائة (حديث عيسى بن مريم عليه السلام )

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ، عَنْهُمْ عليهم السلام ، قَالَ:«فِيمَا وَعَظَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ بِهِ عِيسى عليه السلام : يَا عِيسى، أَنَا رَبُّكَ وَرَبُّ آبَائِكَ، اسْمِي وَاحِدٌ، وَأَنَا

ص: 315


1- في الطبعة الجديدة وأكثر النسخ التي قوبلت فيها: - «بن زياد» . والسند معلّق على سابقه
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 313
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 216 (بطح)

الْأَحَدُ الْمُتَفَرِّدُ بِخَلْقِ كُلِّ شَيْءٍ، وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ صُنْعِي، وَكُلٌّ إِلَيَّ رَاجِعُونَ.

يَا عِيسى، أَنْتَ الْمَسِيحُ بِأَمْرِي، وَأَنْتَ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي، وَأَنْتَ تُحْيِي الْمَوْتى بِكَلَامِي، فَكُنْ إِلَيَّ رَاغِبا، وَمِنِّي رَاهِبا، وَلَنْ تَجِدَ مِنِّي مَلْجَأً إِلَا إِلَيَّ.

يَا عِيسى، أُوصِيكَ وَصِيَّةَ الْمُتَحَنِّنِ عَلَيْكَ بِالرَّحْمَةِ، حَتّى حَقَّتْ لَكَ مِنِّي الْوَلَايَةُ بِتَحَرِّيكَ مِنِّي الْمَسَرَّةَ، فَبُورِكْتَ كَبِيرا، وَبُورِكْتَ صَغِيرا، حَيْثُ مَا كُنْتَ أَشْهَدُ أَنَّكَ عَبْدِي، ابْنُ أَمَتِي، أَنْزِلْنِي مِنْ نَفْسِكَ كَهَمِّكَ، وَاجْعَلْ ذِكْرِي لِمَعَادِكَ، وَتَقَرَّبْ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ، وَتَوَكَّلْ عَلَيَّ أَكْفِكَ، وَلَا تَوَكَّلْ عَلى (1).

غَيْرِي فَآخُذَ لَكَ.

يَا عِيسَى اصْبِرْ عَلَى الْبَلَاءِ، وَارْضَ بِالْقَضَاءِ، وَكُنْ كَمَسَرَّتِي فِيكَ؛ فَإِنَّ مَسَرَّتِي أَنْ أُطَاعَ فَلَا أُعْصى.

يَا عِيسى، أَحْيِ ذِكْرِي بِلِسَانِكَ، وَلْيَكُنْ وُدِّي فِي قَلْبِكَ.

يَا عِيسى، تَيَقَّظْ فِي سَاعَاتِ الْغَفْلَةِ، وَاحْكُمْ لِي لَطِيفَ الْحِكْمَةِ.

يَا عِيسى، كُنْ رَاغِبا رَاهِبا، وَأَمِتْ قَلْبَكَ بِالْخَشْيَةِ.

يَا عِيسى، رَاعِ اللَّيْلَ لِتَحَرِّي مَسَرَّتِي، وَأَظْمِئْ نَهَارَكَ لِيَوْمِ حَاجَتِكَ عِنْدِي.

يَا عِيسى، نَافِسْ فِي الْخَيْرِ جُهْدَكَ تُعْرَفْ بِالْخَيْرِ حَيْثُمَا تَوَجَّهْتَ.

يَا عِيسَى احْكُمْ فِي عِبَادِي بِنُصْحِي، وَقُمْ فِيهِمْ بِعَدْلِي، فَقَدْ أَنْزَلْتُ عَلَيْكَ شِفَاءً لِمَا فِي الصُّدُورِ مِنْ مَرَضِ الشَّيْطَانِ.

يَا عِيسى، لَا تَكُنْ جَلِيسا لِكُلِّ مَفْتُونٍ.

يَا عِيسى، حَقّا أَقُولُ: مَا آمَنَتْ بِي خَلِيقَةٌ إِلَا خَشَعَتْ لِي، وَلَا خَشَعَتْ لِي إِلَا رَجَتْ ثَوَابِي، فَأَشْهَدُ أَنَّهَا آمِنَةٌ مِنْ عِقَابِي مَا لَمْ تُبَدِّلْ، وَلاَ تُغَيِّرْ (2) سُنَّتِي.

يَا عِيسَى ابْنَ الْبِكْرِ الْبَتُولِ، ابْكِ عَلى نَفْسِكَ بُكَاءَ مَنْ وَدَّعَ الْأَهْلَ، وَقَلَى الدُّنْيَا، وَتَرَكَهَا لأهْلِهَا، وَصَارَتْ رَغْبَتُهُ فِيمَا عِنْدَ إِلهِهِ.

ص: 316


1- في الطبعة الجديدة وجميع النسخ التي قوبلت فيها والشروح الموجودة على الكافي : «ولا تولّ» بدل «ولا توكّل على»
2- في كلتا الطبعتين : «أو تغيّر» بدل «ولا تغيّر»

يَا عِيسى، كُنْ مَعَ ذلِكَ تُلِينُ الْكَلَامَ، وَتُفْشِي السَّلَامُ، يَقْظَانَ إِذَا نَامَتْ عُيُونُ الْأَبْرَارِ حَذَرا لِلْمَعَادِ وَالزَّلَازِلِ الشِّدَادِ وَأَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، حَيْثُ لَا يَنْفَعُ أَهْلٌ، وَلَا وَلَدٌ، وَلَا مَالٌ.

يَا عِيسَى اكْحُلْ عَيْنَيْكَ (1) بِمِيلِ الْحُزْنِ إِذَا ضَحِكَ الْبَطَّالُونَ.

يَا عِيسى، كُنْ خَاشِعا صَابِرا، فَطُوبى لَكَ إِنْ نَالَكَ مَا وُعِدَ الصَّابِرُونَ.

يَا عِيسى، رُحْ مِنَ الدُّنْيَا يَوْما فَيَوْما، وَذُقْ لِمَا (2) قَدْ ذَهَبَ طَعْمُهُ، فَحَقّا أَقُولُ: مَا أَنْتَ إِلَا بِسَاعَتِكَ وَيَوْمِكَ، فَرُحْ مِنَ الدُّنْيَا بِبُلْغَةٍ، وَلْيَكْفِكَ الْخَشِنُ الْجَشِبُ، فَقَدْ رَأَيْتَ إِلى مَا تَصِيرُ، وَمَكْتُوبٌ مَا أَخَذْتَ، وَكَيْفَ أَتْلَفْتَ؟!

يَا عِيسى، إِنَّكَ مَسْئُولٌ، فَارْحَمِ الضَّعِيفَ كَرَحْمَتِي إِيَّاكَ، وَلَا تَقْهَرِ الْيَتِيمَ.

يَا عِيسَى ابْكِ عَلى نَفْسِكَ فِي الْخَلَوَاتِ، وَانْقُلْ قَدَمَيْكَ إِلى مَوَاقِيتِ الصَّلَوَاتِ، وَأَسْمِعْنِي لَذَاذَةَ نُطْقِكَ بِذِكْرِي؛ فَإِنَّ صَنِيعِي إِلَيْكَ حَسَنٌ.

يَا عِيسى، كَمْ مِنْ أُمَّةٍ قَدْ أَهْلَكْتُهَا بِسَالِفِ ذُنُوبٍ قَدْ عَصَمْتُكَ مِنْهَا.

يَا عِيسَى ارْفُقْ بِالضَّعِيفِ، وَارْفَعْ طَرْفَكَ الْكَلِيلَ إِلَى السَّمَاءِ، وَادْعُنِي؛ فَإِنِّي مِنْكَ قَرِيبٌ، وَلَا تَدْعُنِي إِلَا مُتَضَرِّعا إِلَيَّ، وَهَمَّكَ هَمّا وَاحِدا؛ فَإِنَّكَ مَتى تَدْعُنِي كَذلِكَ أُجِبْكَ.

يَا عِيسى، إِنِّي لَمْ أَرْضَ بِالدُّنْيَا ثَوَابا لِمَنْ كَانَ قَبْلَكَ، وَلَا عِقَابا لِمَنِ انْتَقَمْتُ مِنْهُ.

يَا عِيسى، إِنَّكَ تَفْنى، وَأَنَا أَبْقى، وَمِنِّي رِزْقُكَ، وَعِنْدِي مِيقَاتُ أَجَلِكَ، وَإِلَيَّ إِيَابُكَ، وَعَلَيَّ حِسَابُكَ، فَسَلْنِي، وَلَا تَسْأَلْ غَيْرِي، فَيَحْسُنَ مِنْكَ الدُّعَاءُ، وَمِنِّي الْاءِجَابَةُ.

يَا عِيسى، مَا أَكْثَرَ الْبَشَرَ، وَأَقَلَّ عَدَدَ مَنْ صَبَرَ؛ الْأَشْجَارُ كَثِيرَةٌ، وَطَيِّبُهَا قَلِيلٌ، فَلَا يَغُرَّنَّكَ حُسْنُ شَجَرَةٍ حَتّى تَذُوقَ ثَمَرَهَا(3) يَا عِيسى، لَا يَغُرَّنَّكَ الْمُتَمَرِّدُ عَلَيَّ بِالْعِصْيَانِ، يَأْكُلُ رِزْقِي، وَيَعْبُدُ غَيْرِي، ثُمَّ يَدْعُونِي عِنْدَ الْكَرْبِ، فَأُجِيبُهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلى مَا كَانَ عَلَيْهِ، فَعَلَيَّ يَتَمَرَّدُ، أَمْ بِسَخَطِي يَتَعَرَّضُ؟ فَبِي حَلَفْتُ، لآَخُذَنَّهُ أَخْذَةً لَيْسَ لَهُ مِنْهَا مَنْجًى، وَلَا دُونِي مَلْجَأٌ، أَيْنَ يَهْرُبُ مِنْ سَمَائِي وَأَرْضِي؟! يَا عِيسى، قُلْ لِظَلَمَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: لَا تَدْعُونِي، وَالسُّحْتُ تَحْتَ أَحْضَانِكُمْ، (4). وَالْأَصْنَامُ فِي

ص: 317


1- في كلتا الطبعتين : «عينك»
2- في الحاشية عن بعض النسخ: «ما» بدون اللام
3- في الحاشية عن بعض النسخ: «ثمرتها»
4- في الحاشية عن بعض النسخ: «أقدامكم»

بُيُوتِكُمْ؛ فَإِنِّي آلَيْتُ أَنْ أُجِيبَ مَنْ دَعَانِي، وَأَنْ أَجْعَلَ إِجَابَتِي إِيَّاهُمْ، لَعْنا عَلَيْهِمْ حَتّى يَتَفَرَّقُوا.

يَا عِيسى، كَمْ أُطِيلُ النَّظَرَ، وَأُحْسِنُ الطَّلَبَ، وَالْقَوْمُ فِي غَفْلَةٍ لَا يَرْجِعُونَ، تَخْرُجُ الْكَلِمَةُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ لَا تَعِيهَا قُلُوبُهُمْ، يَتَعَرَّضُونَ لِمَقْتِي، وَيَتَحَبَّبُونَ بِقُرْبِي إِلَى الْمُؤْمِنِينَ.

يَا عِيسى، لِيَكُنْ لِسَانُكَ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ وَاحِدا، وَكَذلِكَ فَلْيَكُنْ قَلْبُكَ وَبَصَرُكَ، وَاطْوِ قَلْبَكَ وَلِسَانَكَ عَنِ الْمَحَارِمِ، وَكُفَّ بَصَرَكَ عَمَّا لَا خَيْرَ فِيهِ، فَكَمْ مِنْ نَاظِرٍ نَظْرَةً قَدْ زَرَعَتْ فِي قَلْبِهِ شَهْوَةً، وَوَرَدَتْ بِهِ مَوَارِدَ حِيَاضِ الْهَلَكَةِ.

يَا عِيسى، كُنْ رَحِيما مُتَرَحِّما،ً وَكُنْ كَمَا تَشَاءُ أَنْ يَكُونَ الْعِبَادُ لَكَ، وَأَكْثِرْ ذِكْرَ (1) الْمَوْتَ، وَمُفَارَقَةَ الْأَهْلِينَ، وَلَا تَلْهُ؛ فَإِنَّ اللَّهْوَ يُفْسِدُ صَاحِبَهُ، وَلَا تَغْفُلْ؛ فَإِنَّ الْغَافِلَ مِنِّي بَعِيدٌ، وَاذْكُرْنِي بِالصَّالِحَاتِ حَتّى أَذْكُرَكَ.

يَا عِيسى، تُبْ إِلَيَّ بَعْدَ الذَّنْبِ، وَذَكِّرْ بِيَ الْأَوَّابِينَ، وَآمِنْ بِي، وَتَقَرَّبْ بِي إِلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَمُرْهُمْ يَدْعُونِي مَعَكَ، وَإِيَّاكَ وَدَعْوَةَ الْمَظْلُومِ؛ فَإِنِّي آلَيْتُ عَلى نَفْسِي أَنْ أَفْتَحَ لَهَا بَابا مِنَ السَّمَاءِ بِالْقَبُولِ، وَأَنْ أُجِيبَهُ، وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ.

يَا عِيسَى اعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ السَّوْءِ يُعْدِي، وَقَرِينَ السَّوْءِ يُرْدِي، وَاعْلَمْ مَنْ تُقَارِنُ، وَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ إِخْوَانا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.

يَا عِيسى، تُبْ إِلَيَّ؛ فَإِنِّي لَا يَتَعَاظَمُنِي ذَنْبٌ أَنْ أَغْفِرَهُ، وَأَنَا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، اعْمَلْ لِنَفْسِكَ فِي مُهْلَةٍ مِنْ أَجَلِكَ قَبْلَ أَنْ لَا يَعْمَلَ لَهَا غَيْرُكَ، وَاعْبُدْنِي لِيَوْمٍ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ فِيهِ أَجْزِي بِالْحَسَنَةِ أَضْعَافَهَا، وَإِنَّ السَّيِّئَةَ تُوبِقُ صَاحِبَهَا، فَامْهَدْ لِنَفْسِكَ فِي مُهْلَةٍ، وَنَافِسْ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَكَمْ مِنْ مَجْلِسٍ قَدْ نَهَضَ أَهْلُهُ وَهُمْ مُجَارُونَ (2) مِنَ النَّارِ.

يَا عِيسَى ازْهَدْ فِي الْفَانِي الْمُنْقَطِعِ، وَطَأْ رُسُومَ مَنَازِلِ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ، فَادْعُهُمْ (3) ، وَنَاجِهِمْ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ، وَخُذْ مَوْعِظَتَكَ مِنْهُمْ، وَاعْلَمْ أَنَّكَ سَتَلْحَقُهُمْ فِي اللَاحِقِينَ.

يَا عِيسى، قُلْ لِمَنْ تَمَرَّدَ عَلَيَّ بِالْعِصْيَانِ، وَعَمِلَ بِالْاءِدْهَانِ: لِيَتَوَقَّعْ عُقُوبَتِي، وَيَنْتَظِرُ إِهْلَاكِي (4) إِيَّاهُ،

ص: 318


1- في كلتا الطبعتين : «ذكرك»
2- في الحاشية عن بعض النسخ: «مجاوزون»
3- في الطبعة الجديدة وجميع النسخ التي قوبلت فيها والشروح : «وادعهم»
4- في الحاشية عن بعض النسخ: «هلاكي»

سَيُصْطَلَمُ مَعَ الْهَالِكِينَ.

طُوبى لَكَ يَا ابْنَ مَرْيَمَ، ثُمَّ طُوبى لَكَ، إِنْ أَخَذْتَ بِأَدَبِ إِلهِكَ الَّذِي يَتَحَنَّنُ عَلَيْكَ (1) تَرَحُّما، وَبَدَأَكَ بِالنِّعَمِ مِنْهُ تَكَرُّما، وَكَانَ لَكَ فِي الشَّدَائِدِ.

لَا تَعْصِهِ يَا عِيسى؛ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَكَ عِصْيَانُهُ، قَدْ عَهِدْتُ إِلَيْكَ كَمَا عَهِدْتُ إِلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكَ، وَأَنَا عَلى ذلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ.

يَا عِيسى، مَا أَكْرَمْتُ خَلِيقَةً بِمِثْلِ دِينِي، وَلَا أَنْعَمْتُ عَلَيْهَا بِمِثْلِ رَحْمَتِي.

يَا عِيسَى اغْسِلْ بِالْمَاءِ مِنْكَ مَا ظَهَرَ، وَدَاوِ بِالْحَسَنَاتِ مِنْكَ مَا بَطَنَ؛ فَإِنَّكَ إِلَيَّ رَاجِعٌ.

يَا عِيسى، أَعْطَيْتُكَ بِمَا (2) أَنْعَمْتُ بِهِ عَلَيْكَ فَيْضا مِنْ غَيْرِ تَكْدِيرٍ، وَطَلَبْتُ مِنْكَ قَرْضا لِنَفْسِكَ، فَبَخِلْتَ بِهِ عَلَيْهَا لِتَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ.

يَا عِيسى، تَزَيَّنْ بِالدِّينِ وَحُبِّ الْمَسَاكِينِ، وَامْشِ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنا، وَصَلِّ عَلَى الْبِقَاعِ، فَكُلُّهَا طَاهِرٌ.

يَا عِيسى، شَمِّرْ، فَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ، وَاقْرَأْ كِتَابِي، وَأَنْتَ طَاهِرٌ، وَأَسْمِعْنِي مِنْكَ صَوْتا حَزِينا.

يَا عِيسى، لَا خَيْرَ فِي لَذَاذَةٍ لَا تَدُومُ، وَعَيْشٍ مِنْ صَاحِبِهِ يَزُولُ.

يَا ابْنَ مَرْيَمَ، لَوْ رَأَتْ عَيْنُكَ مَا أَعْدَدْتُ لأوْلِيَائِيَ الصَّالِحِينَ، ذَابَ قَلْبُكَ، وَزَهَقَتْ نَفْسُكَ شَوْقا إِلَيْهِ، فَلَيْسَ كَدَارِ الْاخِرَةِ، دَارٌ تَجَاوَرَ فِيهَا الطَّيِّبُونَ، وَيَدْخُلُ عَلَيْهِمْ فِيهَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ، وَهُمْ مِمَّا (3) يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَهْوَالِهَا آمِنُونَ، دَارٌ لَا يَتَغَيَّرُ فِيهَا النَّعِيمُ، وَلَا يَزُولُ عَنْ أَهْلِهَا.

يَا ابْنَ مَرْيَمَ، نَافِسْ فِيهَا مَعَ الْمُتَنَافِسِينَ؛ فَإِنَّهَا أُمْنِيَّةُ الْمُتَمَنِّينَ، حَسَنَةُ الْمَنْظَرِ، طُوبى لَكَ يَا ابْنَ مَرْيَمَ إِنْ كُنْتَ لَهَا مِنَ الْعَامِلِينَ (4) مَعَ آبَائِكَ آدَمَ وَإِبْرَاهِيمَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ، لَا تَبْغِي بِهَا (5) بَدَلاً وَلَا تَحْوِيلاً، كَذلِكَ أَفْعَلُ بِالْمُتَّقِينَ.

يَا عِيسَى اهْرُبْ إِلَيَّ مَعَ مَنْ يَهْرُبُ مِنْ نَارٍ ذَاتِ لَهَبٍ، وَنَارٍ ذَاتِ أَغْلَالٍ وَأَنْكَالٍ، لَا يَدْخُلُهَا رَوْحٌ، وَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا غَمٌّ أَبَدا، قِطَعٌ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، مَنْ يَنْجُ مِنْهَا يَفُزْ، (6) وَلَنْ يَنْجُوَ مِنْهَا مَنْ كَانَ مِنَ الْهَالِكِينَ، هِيَ دَارُ الْجَبَّارِينَ، وَالْعُتَاةِ الظَّالِمِينَ، وَكُلِّ فَظٍّ غَلِيظٍ، وَكُلِّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ.

ص: 319


1- في الحاشية عن بعض النسخ: «إليك»
2- في الطبعة القديمة : «ما» بدون الباء
3- في الحاشية عن بعض النسخ: «فيما»
4- في الحاشية عن بعض النسخ: «العالمين»
5- في الحاشية عن بعض النسخ: «لا تبتغي لها»
6- في الحاشية عن بعض النسخ: «يعزّ»

يَا عِيسى، بِئْسَتِ الدَّارُ لِمَنْ رَكَنَ إِلَيْهَا، وَبِئْسَ الْقَرَارُ دَارُ الظَّالِمِينَ؛ إِنِّي أُحَذِّرُكَ نَفْسَكَ، فَكُنْ بِي خَبِيرا.

يَا عِيسى، كُنْ حَيْثُ مَا كُنْتَ مُرَاقِبا لِي، وَاشْهَدْ عَلى أَنِّي خَلَقْتُكَ، وَأَنْتَ (1) عَبْدِي، وَأَنِّي صَوَّرْتُكَ، وَإِلَى الْأَرْضِ أَهْبَطْتُكَ.

يَا عِيسى، لَا يَصْلُحُ لِسَانَانِ فِي فَمٍ وَاحِدٍ، وَلَا قَلْبَانِ فِي صَدْرٍ وَاحِدٍ، وَكَذلِكَ الْأَذْهَانُ.

يَا عِيسى، لَا تَسْتَيْقِظَنَّ عَاصِيا، وَلَا تَسْتَنْبِهَنَّ لَاهِيا، وَافْطِمْ نَفْسَكَ عَنِ الشَّهَوَاتِ الْمُوبِقَاتِ، وَكُلُّ شَهْوَةٍ تُبَاعِدُكَ مِنِّي فَاهْجُرْهَا، وَاعْلَمْ أَنَّكَ مِنِّي بِمَكَانِ الرَّسُولِ الْأَمِينِ، فَكُنْ (2) مِنِّي عَلى حَذَرٍ، وَاعْلَمْ أَنَّ دُنْيَاكَ مُؤَدِّيَتُكَ إِلَيَّ، وَأَنِّي آخُذُكَ بِعِلْمِي، وَكُنْ ذَلِيلَ النَّفْسِ عِنْدَ ذِكْرِي، خَاشِعَ الْقَلْبِ حِينَ تَذْكُرُنِي، يَقْظَانَ عِنْدَ نَوْمِ الْغَافِلِينَ.

يَا عِيسى، هذِهِ نَصِيحَتِي إِيَّاكَ، وَمَوْعِظَتِي لَكَ، فَخُذْهَا مِنِّي، وَإِنِّي رَبُّ الْعَالَمِينَ.

يَا عِيسى، إِذَا صَبَرَ عَبْدِي فِي جَنْبِي، كَانَ ثَوَابُ عَمَلِهِ عَلَيَّ، وَكُنْتُ عِنْدَهُ حِينَ يَدْعُونِي، وَكَفى بِي مُنْتَقِما مِمَّنْ عَصَانِي، أَيْنَ يَهْرُبُ مِنِّي الظَّالِمُونَ؟!

يَا عِيسى، أَطِبِ الْكَلَامَ، وَكُنْ حَيْثُمَا كُنْتَ عَالِما مُتَعَلِّما.

يَا عِيسى، أَفِضْ بِالْحَسَنَاتِ إِلَيَّ حَتّى يَكُونَ لَكَ ذِكْرُهَا عِنْدِي، وَتَمَسَّكْ بِوَصِيَّتِي؛ فَإِنَّ فِيهَا شِفَاءً لِلْقُلُوبِ.

يَا عِيسى، لَا تَأْمَنْ إِذَا مَكَرْتَ مَكْرِي، وَلَا تَنْسَ عِنْدَ خَلَوَاتِ الدُّنْيَا ذِكْرِي.

يَا عِيسى، حَاسِبْ نَفْسَكَ بِالرُّجُوعِ إِلَيَّ حَتّى تَتَنَجَّزَ ثَوَابَ مَا عَمِلَهُ الْعَامِلُونَ، أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ، وَأَنَا خَيْرُ الْمُؤْتِينَ.

يَا عِيسى، كُنْتَ خَلْقا بِكَلَامِي، وَلَدَتْكَ مَرْيَمُ بِأَمْرِيَ الْمُرْسَلُ إِلَيْهَا رُوحِي جَبْرَئِيلُ الْأَمِينُ مِنْ مَلَائِكَتِي، حَتّى قُمْتَ عَلَى الْأَرْضِ حَيّا تَمْشِي كُلُّ ذلِكَ فِي سَابِقِ عِلْمِي.

يَا عِيسى، زَكَرِيَّا بِمَنْزِلَةِ أَبِيكَ، وَكَفِيلُ أُمِّكَ؛ إِذْ يَدْخُلُ عَلَيْهَا الْمِحْرَابَ، فَيَجِدُ عِنْدَهَا رِزْقا،

ص: 320


1- في الحاشية عن بعض النسخ: «وأنّك»
2- في الطبعة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها : «وكن»

وَنَظِيرُكَ يَحْيى مِنْ خَلْقِي، وَهَبْتُهُ لأمِّهِ بَعْدَ الْكِبَرِ مِنْ غَيْرِ قُوَّةٍ بِهَا، أَرَدْتُ بِذلِكَ أَنْ يَظْهَرَ لَهَا سُلْطَانِي، وَيَظْهَرَ فِيكَ قُدْرَتِي، أَحَبُّكُمْ إِلَيَّ أَطْوَعُكُمْ لِي، وَأَشَدُّكُمْ خَوْفا مِنِّي.

يَا عِيسى، تَيَقَّظْ، وَلَا تَيْأَسْ مِنْ رَوْحِي، وَسَبِّحْنِي مَعَ مَنْ يُسَبِّحُنِي، وَبِطَيِّبِ الْكَلَامِ فَقَدِّسْنِي.

يَا عِيسى، كَيْفَ يَكْفُرُ الْعِبَادُ بِي، وَنَوَاصِيهِمْ فِي قَبْضَتِي، وَتَقَلُّبُهُمْ فِي أَرْضِي، يَجْهَلُونَ نِعْمَتِي، وَيَتَوَلَّوْنَ عَدُوِّي، وَكَذلِكَ يَهْلِكُ الْكَافِرُونَ.

يَا عِيسى، إِنَّ الدُّنْيَا سِجْنٌ مُنْتِنُ الرِّيحِ، وَحَسُنَ فِيهَا مَا قَدْ تَرى مِمَّا قَدْ تَذَابَحَ عَلَيْهِ الْجَبَّارُونَ، وَإِيَّاكَ وَالدُّنْيَا، فَكُلُّ نَعِيمِهَا يَزُولُ، وَمَا نَعِيمُهَا إِلَا قَلِيلٌ.

يَا عِيسَى ابْغِنِي عِنْدَ وِسَادِكَ تَجِدْنِي، وَادْعُنِي، وَأَنْتَ لِي مُحِبٌّ؛ فَإِنِّي أَسْمَعُ السَّامِعِينَ، أَسْتَجِيبُ لِلدَّاعِينَ إِذَا دَعَوْنِي.

يَا عِيسى، خَفْنِي، وَخَوِّفْ بِي عِبَادِي، لَعَلَّ الْمُذْنِبِينَ أَنْ يُمْسِكُوا عَمَّا هُمْ عَامِلُونَ بِهِ، فَلَا يَهْلِكُوا إِلَا وَهُمْ يَعْلَمُونَ.

يَا عِيسى، ارْهَبْنِي رَهْبَتَكَ مِنَ السَّبُعِ وَالْمَوْتِ الَّذِي أَنْتَ لَاقِيهِ، فَكُلُّ هذَا أَنَا خَلَقْتُهُ، فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ.

يَا عِيسى، إِنَّ الْمُلْكَ لِي وَبِيَدِي، وَأَنَا الْمَلِكُ، فَإِنْ تُطِعْنِي أَدْخَلْتُكَ جَنَّتِي فِي جِوَارِ الصَّالِحِينَ.

يَا عِيسى، إِنِّي إِنْ (1)غَضِبْتُ عَلَيْكَ، لَمْ يَنْفَعْكَ رِضَا مَنْ رَضِيَ عَنْكَ، وَإِنْ رَضِيتُ عَنْكَ، لَمْ يَضُرَّكَ غَضَبُ الْمُغْضَبِينَ.

يَا عِيسَى اذْكُرْنِي فِي نَفْسِكَ، أَذْكُرْكَ فِي نَفْسِي؛ وَاذْكُرْنِي فِي مَلَئِكَ، أَذْكُرْكَ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْ مَلَإِ الْادَمِيِّينَ.

يَا عِيسَى ادْعُنِي دُعَاءَ الْغَرِيقِ الْحَزِينِ، الَّذِي لَيْسَ لَهُ(2) مُغِيثٌ.

يَا عِيسى، لَا تَحْلِفْ بِي كَاذِبا، فَيَهْتَزَّ عَرْشِي غَضَبا؛ الدُّنْيَا قَصِيرَةُ الْعُمُرِ، طَوِيلَةُ الْأَمَلِ، وَعِنْدِي دَارٌ خَيْرٌ مِمَّا تَجْمَعُونَ.

يَا عِيسى، كَيْفَ أَنْتُمْ صَانِعُونَ إِذَا أَخْرَجْتُ لَكُمْ كِتَابا يَنْطِقُ بِالْحَقِّ، وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ بِسَرَائِرَ قَدْ كَتَمْتُمُوهَا، وَأَعْمَالٍ كُنْتُمْ بِهَا عَامِلِينَ؟

ص: 321


1- في الطبعة القدیمة «اذا»
2- في الحاشیة عن بعض النسخ «معه»

يَا عِيسى، قُلْ لِظَلَمَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: غَسَلْتُمْ وُجُوهَكُمْ، وَدَنَّسْتُمْ قُلُوبَكُمْ، أَ بِي تَغْتَرُّونَ؟ أَمْ عَلَيَّ تَجْتَرِؤُونَ؟ تَطَيَّبُونَ بِالطِّيبِ لأهْلِ الدُّنْيَا، وَأَجْوَافُكُمْ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الْجِيَفِ الْمُنْتِنَةِ، كَأَنَّكُمْ أَقْوَامٌ مَيِّتُونَ.

يَا عِيسى، قُلْ لَهُمْ: قَلِّمُوا أَظْفَارَكُمْ مِنْ كَسْبِ الْحَرَامِ، وَأَصِمُّوا أَسْمَاعَكُمْ عَنْ ذِكْرِ الْخَنَا، وَأَقْبِلُوا عَلَيَّ بِقُلُوبِكُمْ؛ فَإِنِّي لَسْتُ أُرِيدُ ضَرَرَكُمْ(1).

يَا عِيسَى افْرَحْ بِالْحَسَنَةِ؛ فَإِنَّهَا لِي رِضًا، وَابْكِ عَلَى السَّيِّئَةِ؛ فَإِنَّهَا شَيْنٌ، وَمَا لَا تُحِبُّ أَنْ يُصْنَعَ بِكَ، فَلَا تَصْنَعْهُ بِغَيْرِكَ، وَإِنْ لَطَمَ خَدَّكَ الْأَيْمَنَ، فَأَعْطِهِ الْأَيْسَرَ، وَتَقَرَّبْ إِلَيَّ بِالْمَوَدَّةِ جُهْدَكَ، وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ.

يَا عِيسى، ذِلَّ لأهْلِ الْحَسَنَةِ، وَشَارِكْهُمْ فِيهَا، وَكُنْ عَلَيْهِمْ شَهِيدا، وَقُلْ لِظَلَمَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: يَا أَخْدَانَ السَّوْءِ، وَالْجُلَسَاءَ عَلَيْهِ، إِنْ لَمْ تَنْتَهُوا أَمْسَخْكُمْ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ.

يَا عِيسى، قُلْ لِظَلَمَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: الْحِكْمَةُ تَبْكِي فَرَقا مِنِّي، وَأَنْتُمْ بِالضَّحِكِ تَهْجُرُونَ، أَتَتْكُمْ بَرَاءَتِي، أَمْ لَدَيْكُمْ أَمَانٌ مِنْ عَذَابِي، أَمْ تَعَرَّضُونَ لِعُقُوبَتِي، فَبِي حَلَفْتُ لَأَتْرُكَنَّكُمْ مَثَلاً لِلْغَابِرِينَ.

ثُمَّ أُوصِيكَ يَا ابْنَ مَرْيَمَ الْبِكْرِ الْبَتُولِ بِسَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَحَبِيبِي، فَهُوَ أَحْمَدُ، صَاحِبُ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ، وَالْوَجْهِ الْأَقْمَرِ، الْمُشْرِقِ بِالنُّورِ الطَّاهِرِ الْقَلْبِ الشَّدِيدِ الْبَأْسِ الْحَيِيِّ الْمُتَكَرِّمِ؛ فَإِنَّهُ رَحْمَةٌ لِلْعَالَمِينَ، وَسَيِّدُ وُلْدِ آدَمَ يَوْمَ يَلْقَانِي، أَكْرَمُ السَّابِقِينَ عَلَيَّ، وَأَقْرَبُ الْمُرْسَلِينَ مِنِّي، الْعَرَبِيُّ الْأَمِينُ، الدَّيَّانُ بِدِينِي، الصَّابِرُ فِي ذَاتِي، الْمُجَاهِدُ الْمُشْرِكِينَ بِيَدِهِ عَنْ دِينِي، أَنْ تُخْبِرَ بِهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَتَأْمُرَهُمْ أَنْ يُصَدِّقُوا بِهِ، وَأَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ، وَأَنْ يَتَّبِعُوهُ، وَأَنْ يَنْصُرُوهُ.

قَالَ عِيسى عليه السلام : إِلهِي، مَنْ هُوَ حَتّى أُرْضِيَهُ؟ فَلَكَ الرِّضَا.

قَالَ: هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّهِ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، أَقْرَبُهُمْ مِنِّي مَنْزِلَةً، وَأَحْضَرُهُمْ شَفَاعَةً، طُوبى لَهُ مِنْ نَبِيٍّ، وَطُوبى لأمَّتِهِ، إِنْ (2)هُمْ لَقُونِي عَلى سَبِيلِهِ يَحْمَدُهُ أَهْلُ الْأَرْضِ، وَيَسْتَغْفِرُ لَهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، أَمِينٌ مَيْمُونٌ، طَيِّبٌ مُطَيَّبٌ، خَيْرُ الْبَاقِينَ عِنْدِي، يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، إِذَا خَرَجَ أَرْخَتِ السَّمَاءُ عَزَالِيَهَا، وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ زَهْرَتَهَا، حَتّى يَرَوُا الْبَرَكَةَ، وَأُبَارِكُ لَهُمْ فِيمَا وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، كَثِيرُ الْأَزْوَاجِ، قَلِيلُ الْأَوْلَادِ، يَسْكُنُ بَكَّةَ مَوْضِعَ أَسَاسِ إِبْرَاهِيمَ.

ص: 322


1- في الطبعة القدیمة:«صورکم»
2- في الحاشیة عن بعض النسخ:«اذ»

يَا عِيسى، دِينُهُ الْحَنِيفِيَّةُ، وَقِبْلَتُهُ يَمَانِيَّةٌ، وَهُوَ مِنْ حِزْبِي، وَأَنَا مَعَهُ، فَطُوبى لَهُ، ثُمَّ طُوبى لَهُ، لَهُ الْكَوْثَرُ وَالْمَقَامُ الْأَكْبَرُ فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ، يَعِيشُ أَكْرَمَ مَنْ عَاشَ، وَيُقْبَضُ شَهِيدا، لَهُ حَوْضٌ أَكْبَرُ مِنْ بَكَّةَ إِلى مَطْلَعِ الشَّمْسِ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ، فِيهِ آنِيَةٌ مِثْلُ نُجُومِ السَّمَاءِ، وَأَكْوَابٌ مِثْلُ مَدَرِ الْأَرْضِ عَذْبٍ، فِيهِ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ وَطَعْمِ كُلِّ ثِمَارٍ فِي الْجَنَّةِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَمْ يَظْمَأْ أَبَدا، وَذلِكَ مِنْ قَسْمِي لَهُ، وَتَفْضِيلِي إِيَّاهُ، عَلى فَتْرَةٍ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ، يُوَافِقُ سِرُّهُ عَلَانِيَتَهُ، وَقَوْلُهُ فِعْلَهُ، لَا يَأْمُرُ النَّاسَ إِلَا بِمَا يَبْدَأُهُمْ بِهِ ، دِينُهُ الْجِهَادُ فِي عُسْرٍ وَيُسْرٍ، تَنْقَادُ لَهُ الْبِلَادُ، وَيَخْضَعُ لَهُ صَاحِبُ الرُّومِ، عَلى دِينِ إِبْرَاهِيمَ، يُسَمِّي عِنْدَ الطَّعَامِ، وَيُفْشِي السَّلَامُ، وَيُصَلِّي وَالنَّاسُ نِيَامٌ.

لَهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسُ صَلَوَاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ،(1) يُنَادِي إِلَى الصَّلَاةِ كَنِدَاءِ الْجَيْشِ بِالشِّعَارِ، وَيَفْتَتِحُ بِالتَّكْبِيرِ، وَيَخْتَتِمُ بِالتَّسْلِيمِ، وَيَصُفُّ قَدَمَيْهِ فِي الصَّلَاةِ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ أَقْدَامَهَا، وَيَخْشَعُ لِي قَلْبُهُ وَرَأْسُهُ، النُّورُ فِي صَدْرِهِ، وَالْحَقُّ عَلى لِسَانِهِ، وَهُوَ عَلَى الْحَقِّ حَيْثُمَا كَانَ ، أَصْلُهُ يَتِيمٌ، ضَالٌّ بُرْهَةً مِنْ زَمَانِهِ عَمَّا يُرَادُ بِهِ.

تَنَامُ عَيْنَاهُ، وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ، لَهُ الشَّفَاعَةُ، وَعَلى أُمَّتِهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، وَيَدِي فَوْقَ أَيْدِيهِمْ، فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ، وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ أَوْفَيْتُ لَهُ بِالْجَنَّةِ.

فَمُرْ ظَلَمَةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَا يَدْرُسُوا كُتُبَهُ، وَلَا يُحَرِّفُوا سُنَّتَهُ، وَأَنْ يُقْرِؤُوهُ السَّلَامُ؛ فَإِنَّ لَهُ فِي الْمَقَامِ شَأْنا مِنَ الشَّأْنِ.

يَا عِيسى، كُلُّ مَا يُقَرِّبُكَ مِنِّي، فَقَدْ دَلَلْتُكَ عَلَيْهِ، وَكُلُّ مَا يُبَاعِدُكَ مِنِّي، فَقَدْ نَهَيْتُكَ عَنْهُ، فَارْتَدْ لِنَفْسِكَ.

يَا عِيسى، إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ، وَإِنَّمَا اسْتَعْمَلْتُكَ فِيهَا، فَجَانِبْ مِنْهَا مَا حَذَّرْتُكَ، وَخُذْ مِنْهَا مَا أَعْطَيْتُكَ عَفْوا.

يَا عِيسَى انْظُرْ فِي عَمَلِكَ نَظَرَ الْعَبْدِ الْمُذْنِبِ الْخَاطِئِ، وَلَا تَنْظُرْ فِي عَمَلِ غَيْرِكَ بِمَنْزِلَةِ الرَّبِّ، كُنْ فِيهَا زَاهِدا، وَلَا تَرْغَبْ فِيهَا، فَتَعْطَبَ.

يَا عِيسَى اعْقِلْ، وَتَفَكَّرْ، وَانْظُرْ فِي نَوَاحِي الْأَرْضِ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ.

يَا عِيسى، كُلُّ وَصْفِي لَكَ نَصِيحَةٌ، وَكُلُّ قَوْلِي لَكَ حَقٌّ، وَأَنَا الْحَقُّ الْمُبِينُ، فَحَقّا أَقُولُ: لَئِنْ أَنْتَ

ص: 323


1- في الحاشیة عن بعض النسخ:«متتالیات»

عَصَيْتَنِي بَعْدَ أَنْ أَنْبَأْتُكَ، مَا لَكَ مِنْ دُونِي وَلِيٌّ وَلَا نَصِيرٌ.

يَا عِيسى، أَذِلَّ قَلْبَكَ بِالْخَشْيَةِ، وَانْظُرْ إِلى مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْكَ، وَلَا تَنْظُرْ إِلى مَنْ هُوَ فَوْقَكَ، وَاعْلَمْ أَنَّ رَأْسَ كُلِّ خَطِيئَةٍ وَذَنْبٍ هُوَ حُبُّ الدُّنْيَا، فَلَا تُحِبَّهَا؛ فَإِنِّي لَا أُحِبُّهَا.

يَا عِيسى، أَطِبْ لِي قَلْبَكَ، وَأَكْثِرْ ذِكْرِي فِي الْخَلَوَاتِ، وَاعْلَمْ أَنَّ سُرُورِي أَنْ تُبَصْبِصَ إِلَيَّ، كُنْ فِي ذلِكَ حَيّا، وَلَا تَكُنْ مَيِّتا.

يَا عِيسى، لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئا، وَكُنْ مِنِّي عَلى حَذَرٍ، وَلَا تَغْتَرَّ بِالنَّصِيحَةِ،(1) وَتُغَبِّطْ نَفْسَكَ؛ فَإِنَّ الدُّنْيَا كَفَيْءٍ زَائِلٍ، وَمَا أَقْبَلَ مِنْهَا كَمَا أَدْبَرَ، فَنَافِسْ فِي الصَّالِحَاتِ جُهْدَكَ، وَكُنْ مَعَ الْحَقِّ حَيْثُمَا كَانَ، وَإِنْ قُطِعْتَ، وَأُحْرِقْتَ(2) بِالنَّارِ، فَلَا تَكْفُرْ بِي بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ، وَلَا(3) تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ؛ (4). فَإِنَّ الشَّيْءَ يَكُونُ مَعَ الشَّيْءِ.

يَا عِيسى، صُبَّ لِيَ (5) الدُّمُوعَ مِنْ عَيْنَيْكَ، وَاخْشَعْ لِي بِقَلْبِكَ.

يَا عِيسَى اسْتَغِثْ بِي فِي حَالَاتِ الشِّدَّةِ؛ فَإِنِّي أُغِيثُ الْمَكْرُوبِينَ، وَأُجِيبُ الْمُضْطَرِّينَ، وَأَنَا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ».

شرح الحديث

السند حسن، أو موثّق حسن .

وقال بعض الفضلاء : «الظاهر أنّ فيه إرسالاً» (6) ورواه الصدوق في أماليه، عن محمّد بن موسى بن المتوكّل ، عن عبداللّه بن جعفر الحميري ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن عليّ بن أسباط ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام (7) فالخبر موثّق على الأظهر ، ضعيف على المشهور ، وهو يؤيّد الإرسال هاهنا .

وأقول : الظاهر أنّ عليّ بن أبي حمزة هذا البطائنيّ الضعيف، لا الثماليّ الثقة؛ لروايته عن

ص: 324


1- في الطبعة القدیمة : «بالصحة»
2- في الحاشية عن بعض النسخ: «وحرفت»
3- في الطبعة القدیمة : «فلا»
4- في الحاشية عن بعض النسخ: «ولا تكن مع الجاهلين»
5- في الحاشية عن بعض النسخ: «إليّ»
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 313
7- اُنظر: الأمالي للصدوق ، ص 521 ، ح 1

أبي بصير ، فالحكم بتوثيق الخبر، ونسبة الضعف إلى المشهور، ليس بجيّد . فتأمّل .

(قال) أي عليّ بن أسباط، أو أحد المعصومين عليهم السلام . والأوّل أظهر .

(فيما وعظ اللّه _ عزّ وجلّ _ به عيسى عليه السلام ) أي نصحه، وذكّره .

قال الجوهري : «الوعَظْ والعِظة: النُّصح» (1) .

وفي القاموس: «وعظه يعِظه وعْظا وموعِظةً: ذكره ما يليّن قلبه من الثواب والعقاب، فاتّعظ» (2).

وقوله : (أنا ربّك) .

قال البيضاوي : الربّ _ في الأصل _ بمعنى التربية، وهي تبليغ الشيء إلى كماله شيئا فشيئا . ثمّ وصف به للمبالغة كالصوم والعدل .

وقيل : هو نعت من رَبَّهُ يُربّه، فهو رَبٌّ، كقولك : نمّ ينمُّ فهو نمُّ. ثمّ سمّي به المالك؛ لأنّه يحفظ ما يملكه، ويُربّيه، ولا يُطلق على غيره تعالى إلّا مقيّدا، كقوله : «ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ» (3). انتهى (4).

وقيل : هو منكّرا بلا إضافة مختصّ بالواجب، وكذا المعروف باللام إذا كان بمعنى المالك؛ لأنّ اللام للعموم ، والمخلوق لا يملك جميع المخلوقين .

وتقديم هذا الوصف لدلالته على أفضل النعماء، وهو الإيجاد والتربية، ولأنّ فيه إيماء على أداء حقوق الربوبيّة (5).

(اسمي واحد، وأنا الأحد) .

قال صاحب العدّة :

الواحد والأحَد اسمان يشملهما نفي الأبعاض عنهما والأجزاء، والفرق بينهما من وجوه :

الأوّل : أنّ الواحد هو المنفرد بالذات ، والأحد هو المنفرد بالمعنى .

ص: 325


1- الصحاح ، ج 3 ، ص 1181 (وعظ)
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 400 (وعظ)
3- يوسف (12) : 50
4- تفسير البيضاوي ، ج 1 ، ص 51 و 52
5- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 93

الثاني : أنّ الواحد أعمّ موردا؛ لكونه يُطلق على من يعقل وغيره، ولا يطلق الأحد إلّا على من يعقل .

الثالث : أنّ الواحد يدخل في الضرب والعدد، ويمتنع دخول الأحد في ذلك (1).

(المتفرّد بخلق كلّ شيء) .

قال بعض المفسّرين : الشيء يختصّ بالموجود؛ لأنّه في الأصل مصدر «شاء»، اُطِلق بمعنى «شاء» تارةً، وحينئذٍ يتناول الباري تعالى، كما قال : «قُلْ أَىُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلْ اللّهُ» (2). وبمعنى «مَشيء» اُخرى؛ أي مشيء وجوده، وما شاء اللّه وجوده، فهو موجود في الجملة . وعليه قوله : «إِنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (3). ، «اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ» (4). ، فهما على عمومهما بلا مثنويّة والمعتزلة لما قالوا: الشيء ما يصحّ أن يوجد، وهو يعمّ الواجب والممكن، أو ما يصحّ أن يُعلم ويخبر عنه، فيعمّ الممتنع أيضا؛ لزمهم التخصيص بالممكن في الموضعين بدليل العقل . انتهى (5)

وهذا الكلام وأمثاله ردّ على الفلاسفة القائلين بأنّ الواحد لا يصدر عنه إلّا الواحد، وأنّ خلق غير المعقول من الأشياء مستند إلى العقل الفعّال (6).

وقوله : (وكلّ شيء من صُنعي) ؛ كالتأكيد لسابقه .

وفي القاموس : «صنع إليه معروفا _ كمنع _ صنعا، بالضمّ. وصنع به صنيعا: قبيحا فعله .

والشيء صُنعا، بالفتح والضمّ: عَمِلَه» (7).

(وكلٌّ إليّ راجعون) ؛ للحساب والثواب والعقاب، أو بالحاجة في الوجود والبقاء، أو بالزوال والفناء .

قال الفاضل الإسترآبادي : «المقصود أنّ كلّ شيء من صنعي _ بلا واسطة أو بواسطة _ كأفعال العباد ، وهذا معنى قوله : «كلٌّ إليه راجعون» (8).

ص: 326


1- عدّة الداعي ، ص 300
2- الأنعام (6) : 19
3- البقرة (2) : 20 ، 106 ، 109 ومواضع اُخر
4- الرعد (13) : 16 ؛ الزمر (39) : 62
5- تفسير البيضاوي ، ج 1 ، ص 209 و 210
6- لا يخفى أنّ في كلامه هذا مغالطة محسوسة، فليرجع القارى ء الفاحص إلى المنابع الفلسفيّة المعروفة عند الأصحاب
7- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 52 (صنع)
8- حكاه عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 94 ، والاعتراض بعده أيضا منه

واعترض عليه بأنّه يصدق على مذهب صدور الواحد عنه فقط، وهو باطل عندنا ، فالأصوب حمله على الصدور بلا واسطة، واستثناء أفعال العباد بدليل خارج . فليتأمّل .

وقوله : (أنت المسيح) .

قال في النهاية : «قد تكرّر فيه ذكر المسيح عليه السلام ، فسمّي به؛ لأنّه كان لا يمسح بيده ذا عاهة إلّا برأ» (1).

وقيل : لأنّه كان أمسحَ الرجل لا أخمص له . وقيل : لأنّه خرج من بطن اُمّه ممسوحا بالدهن . وقيل : لأنّه كان يمسح الأرض؛ أي يقطعها . وقيل : المسيح: الصدِّيق . وقيل : هو بالعبرانيّة: «مشيحا»، فعرّبت (2).

وقوله : (وأنت تخلق من الطين) إلى آخره .

قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى حكايةً عن عيسى عليه السلام : «أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ» : (3).

المعنى : اُقدّر لكم، واُصوّر شيئا مثل صورة الطير . «فَأَنفُخُ فِيهِ» ، الضمير للكاف؛ أي في ذلك المماثل .

«فَيَكُونُ طَيْرا بِإِذْنِ اللّهِ» ، فيصير حيّا طائرا بإذن اللّه .

نبّه به على أنّ إحياءه من اللّه لا منه .

وفي قوله تعالى : «وَأُحْىِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللّهِ» ؛ كرّر بإذن اللّه دفعا لتوهّم الاُلوهيّة؛ فإنّ الإحياء ليس من أفعال البشريّة (4).

وكذا قوله : (بكلامي).

وقيل : الاسم الأعظم . والأوّل أنسب بقوله : «وَأُحْىِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللّهِ»(5)

قال الفيروزآبادي : «أذِنَ بالشيء _ كسمع _ إذنا، بالكسر، ويحرّك، وأذانا وأذانة: علم به. وأذِن له في الشيء _ كسمع _ إذنا، بالكسر، وأذينا: أباحه له. وأذن إليه وله، كفرِح: استمع معجبا، أو عامّ» (6) .

ص: 327


1- النهاية ، ج 4 ، ص 326 (مسح)
2- راجع في الأقوال : مرآة العقول ، ج 25 ، ص 314
3- آل عمران (3) : 49
4- تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 42
5- آل عمران (3) : 49
6- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 195 (أذن)

(فكُن إليَّ راغبا، ومنّي راهبا) .

الفاء فصيحة . وقيل : للتفريع (1).

وتقديم الظرف للحصر؛ لأنّه إذا كان وجوده وحوائجه وجميع كمالاته منه تعالى، وجب أن تكون رغبته في جميع المقاصد، ورهبته من العقوبة ومن فوات مطالبه إليه تعالى، لا إلى غيره.

وإلى هذا إشارة بقوله : (ولن تجد منّي ملجأ) ؛ أي ملاذا ومعقلاً لنيل المقصود ودفع المكروه (إلّا إليّ) .

وقوله : (المتحنّن): المترحّم، والمتلطّف .

وفيه إيماء إلى خلوص تلك الوصيّة من شائبة الأغراض، وحثّ على الأخذ بها .

وقوله : (حتّى حَقّت) أي ثبتت، ووجبت؛ إشارة إلى غاية الوصيّة، ونهاية التحنّن والرحمة .

وفي الأمالي : «حين حقّت» .

(منّي الوَلاية) أي ولايتي ومحبّتي ونصرتي لك، أو ولايتك لي، أو إمارتك وسلطنتك في الناس .

في القاموس: «الوليّ: المحبّ، والصديق، والنصير. وَلِيَ الشيء وعليه وِلاية ووَلاية. أو هي المصدر. وبالكسر: الخطّة، والإمارة، والسلطان» (2).

وفي الصحاح:

الوِلاية، بالكسر: السلطان . عن ابن السكّيت : «الوِلاية والوَلاية: النصرة» . قال سيبويه : «الولاية، بالفتح: المصدر ، والوِلاية، بالكسر: الاسم، مثل الإمارة، والنِقابة؛ لأنّه اسمٌ لما تولّيته، وقمت به ، فإذا أرادوا المصدر فتحوا» انتهى (3).

وفي لفظ «منّي» التفات وإشعار بأنّ ثبوت تلك الولاية من لطفه تعالى وتوفيقه .

(بتحرّيك منّي المَسَرّة) .

التحرّي: التعمّد، وطلب ما هو أحرى وأولى وأليق .

وإضافته إلى فاعله ، والمسرّة مفعوله، وهي في الأصل مصدر سرّه سرورا، ثمّ اُطلق على كلّ ما يوجب السرور .

ص: 328


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 95
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 401 (ولي)
3- الصحاح ، ج 6 ، ص 2530 (ولي)

والباء للسببيّة؛ يعني ثبوت الولاية لك بسبب أنّك تطلب مسرّتي، ولا تفعل إلّا ما فيه رضائي .

وفي لفظ «منّي» إشعار إلى ما ذكر سابقا .

وفي بعض النسخ : «تنجز لك» . يُقال : نجز حاجته وأنجزها، إذا قضاها . وكأنّه على صيغة المجهول ، و«المسرّة» قائم مقام فاعله .

وقيل : فاعل «تُنْجِز» ضمير راجع إلى الولاية، و«المسرّة» مفعوله ؛ يعني أنّ الولاية تنجز لك من عوني، أو من لدنّي ما يوجب سرورك، وهو القرب والسعادة والجنّة ونعيمها الباقية (1).

(فبُورِكتَ كبيرا، وبُورِكتَ صغيرا) .

البركة، محرّكة: النماء، والزيادة، والسعادة . وبارَكَهُ، أي أدام له ما أعطاه من التشريف والكرامة ؛ يعني أنّك جعلت سعيدا، أو زيدَ في علمك وقربك وكمالك ، أو جعلت مباركا ميمونا منشأً لمزيد الخيرات والبركات نفّاعا، أو معلِّما للخير في كبرك وصِغرِك ؛ فإنّه عليه السلام كانت من جملة معجزاته البركة بالخصب والرخاء أينما كان، وبإحياء الموتى، وإبراء ذوي العاهات، وأمثالها من أنواع الخيرات .

(أينما (2) كنتَ) من الأمكنة .

وقوله : (أشهد)؛ على صيغة الأمر، والمقصود أمره عليه السلام باليقين.

وقوله: (أنّك عبدي، وابن أمتي)؛ ترغيب له بالإتيان بحقّ العبوديّة.

وقوله: (أنزلني من نفسك كهمّك) .

قال الجوهري : «هممت الشيء أهمّ هما، إذا أردته» (3)

وقال الفيروزآبادي : «الهَمُّ: الحُزن، وما همّ به في نفسه» (4).

وقال : «النزول: الحلول. نزل لهم وبهم وعليهم ينزل نزولاً ومَنْزلاً: حلّ. ونزّله تنزيلاً، وأنزله إنزالاً ومُنزَلاً ، كمُجمَلٍ» (5). ؛ أي اجعلني، أو اتّخذني قريبا منك كقرب همّك، وما يخطر

ص: 329


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 95
2- في المتن الذي ضبطه الشارح رحمه الله سابقا : «حيث ما»
3- الصحاح ، ج 5 ، ص 2061 (همم)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 192 (همم)
5- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 56 (نزل)

ببالك منك، أو اهتمّ بأوامري كما تهتمّ بأمور نفسك .

وقال بعض الشارحين : النزول من علوّ إلى سفل، ويتعدّى بالهمزة . يُقال : أنزلته، فنزل. وأنزلت الضيف فهو نزيل . والنزل _ بضمّتين _ ما يهيّى ء للضيف . و«من» بمعنى «في» .

والهمُّ: المراد، والمقصود. والكلام من باب التمثيل والتشبيه ؛ أي اجعلني في نفسك ومرادك ومقصودك، واجعل لي نزلاً، وهو القيام بوظائف الطاعات في جميع الحالات (1).

وقوله : (اجعل ذكري لمعادك) .

أمر له عليه السلام بجعل ذكره تعالى خالصا لوجهه الكريم قلبا ولسانا؛ ليكون ذخرا لمعاده، ونافعا له أن يعود إليه .

وقوله : (ولا تولّ (2) غيري) ؛ من التولية، أي لا تجعل غيري وليّ أمرك، أو من التولّي؛ أي لا تتّخذ غيري وليّا ولا ناصرا .

(فَآخذُ لك) . يقال : خذله _ كنصره _ خَذْلاً وخِذلانا، بالكسر، إذا ترك عونه ونصرته .

(وكن لمسرّتي (3). فيك) أي كُن عاملاً وساعيا لما يوجب مسرّتي ورضائي في حقّك .

وفي كثير من النسخ: «كمسرّتي» .

قيل : معناه: كُن كما يسرّني أن تكون عليه (4).

وبالجملة : أمره عليه السلام بكونه دائما؛ لما يوجب سروره تعالى فيه .

(فإنّ مسرّتي أن اُطاع فلا اُعصى) .

الفعلان على بناء المفعول . والمقصود بيان ما يوجب المسرّة، وأنّه هو الطاعة الخالصة الغير المشوبة بالمعصية .

وقوله : (أحي ذكري بلسانك) .

قيل : تشبيه الذِّكر بالميّت في سقوطه وسكونه، وعدم اعتباره عند أكثر الخَلْق مكنيّة،

ص: 330


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 96
2- في المتن الذي ضبطه الشارح رحمه الله سابقا : «ولا توكّل على» بدل «ولا تولّ»
3- في المتن الذي ضبطه الشارح رحمه الله سابقا : «كمسرّتي»
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 315

وتعلّق الإحياء به تخييليّة، وذكر اللسان تجديد (1).

وأقول : الأولى أن يُقال : تشبيهه بالميّت بالنظر إلى حال عدم الاشتغال، والتنطّق به، والتوجّه والإقبال إليه، وإحياؤه بخلافه .

(وليكن وُدّي في قلبك) .

الودّ، بالضمّ: المحبّة . وقيل : كأنّه إشارة إلى أنّ ذكر اللسان ليس ذكرا حقيقةً ما لم يكن القلب متيقّظا، ولم يكن المذكور وودّه فيه ؛ فإنّ الذكر اللساني عبادة، وكون المذكور في القلب روح لها، وسبب لحياتهم، أو حياة القلب، ولا خير في عبادة لا روح لها (2).

وقوله : (تيقّظ في ساعات الغفلة) .

قيل : هي ساعات النوم، وأوقات الاشتغال بالضروريّات من الدُّنيا وباُمور الخلق . والمراد بالتيقّظ فيها ذكره تعالى، والإتيان بوظائف الطاعات وغيرها ممّا يوجب القرب بالحقّ، والحذر ممّا يوجب البُعد عنه(3).

وقيل : المراد بساعات الغفلة ساعات غفلة الناس، وهي المشار إليه بقوله تعالى : «فَسُبْحَانَ اللّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ» (4) ، وقوله عزّ وجلّ : «وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ»(5) ، وقوله : «وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ» (6) ، وقوله : «وَاذْكُرْ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً» (7) (8).

وروى المصنّف في كتاب الصلاة عن الباقر عليه السلام أنّه قال : «إنّ إبليس إنّما يبثّ جنود الليل من حين تغيب الشمس إلى مغيب الشفق ، ويبثّ جنود النهار من حين يطلع الفجر إلى مطلع الشمس» ، وذكر أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان يقول : «أكثروا ذكر اللّه _ عزّ وجلّ _ في هاتين الساعتين، وتعوّذوا باللّه من شرّ إبليس وجنوده ، وعوّذوا صغاركم في هاتين

ص: 331


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 97
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 97
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 97
4- الروم (30) : 17
5- ق (50) : 39
6- طه (20) : 130
7- القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 315
8- الإنسان (76) : 25

الساعتين؛ فإنّهما ساعة غفلة» (1).

(والحكم لي لطيفَ الحكمة) .

يُقال : أحكمت الشيء فاستحكم، أي صار محكما . ولعلّ المراد: أتقِن لطلب مرضاتي، وخالصا لوجهي في قلبك الحكمة الدقيقة اللطيفة، وامنعها من الزوال والفساد بالتعليم والتذكّر والعمل بمقتضاها .

والحكمة: خروج النفس إلى كمالها الممكن في جانبي العلم والعمل ، وفسّر بعلوم الشرائع، أو معالم الدِّين من المعقول والمنقول .

وفي الأمالي: «واحكم لي بلطيف الحكمة» (2) . ولعلّ المراد: اقض بين الخلق بما علّمتك من لطائف الحكمة .

وقوله : (وأمِت قلبك بالخشية) أي أمته عن الشهوات، أو أمت شهواته بسبب الخشية .

وقيل : إنّما جعل الخشية موت النفس؛ لأنّها توجب ذبولها، وهو موتها، وتوجب ترك اللذّات الحاضرة النفسانيّة والجسمانيّة، وهو موتها وموت الجسد أيضا .

قال : وإنّما أمر بهذه الإماتة؛ لأنّها مع كونها مطلوبة لتطويع النفس الأمّارة، وحفظها عن المهلكات، مستلزمة لمطلوب آخر، وهو إحياؤها بالعلوم والفضائل النفسانيّة والجسمانيّة، وهي حياة أبديّة .

ومنه يظهر سرّ «موتوا قبل أن تموتوا» (3) ، وسرّ «موتكم في حياتكم، وحياتكم في موتكم» (4) وهذا أيضا أحد الوجوه في قول أمير المؤمنين عليه السلام : «الناس نيام، فإذا ماتوا انتهبوا» (5) (6).

وقوله : (راع الليل) .

في القاموس : «راعيتُه: لاحظته محسنا إليه . والأمر: نظرت إلى ما يصير. والنجوم: راقبها،

ص: 332


1- الكافي ، ج 2 ، ص 522 ، ح 2 (مع اختلاف)
2- الأمالي للصدوق ، ص 514 ، ح 1
3- إرشاد القلوب ، ج 1 ، ص 45 ؛ أعلام الدين ، ص 333 ؛ الدعوات ، ص 237
4- اُنظر : شرح المازندراني ، ج 12 ، ص 97
5- خصائص الأئمّة ، ص 112 ؛ عوالي اللآلي ، ج 4 ، ص 73، ح 48 ؛ مجموعة ورّام ، ج 1 ، ص 150
6- إلى هاهنا كلام القائل ، وهو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 97

وانتظر مغيبها . وأمرَهُ: حِفظه، كرعاه» (1)

وقيل : رعاية الليل حفظ ساعاته للقيام بوظائف طاعاته، وإنّما خصّ الليل بالذِّكر؛ لأنّ الشغل فيه أقلّ، والقلب فيه أفرغ، والطاعة فيه أخلص»(2) .

(وأظمئ نهارك) .

قيل : إظْمَأ، أمر من ظَمِأ، مهموز اللّام، كفرح، بمعنى عَطِش . و«نهارك» مفعول فيه، وهو كناية عن الصوم. لا مِن أظْمَأه غيرُه ، و«نهارك» مفعول به، والتعلّق مجاز عقليّ؛ فإنّه بعيد(3).

أقول : هذا الاستبعاد مستبعَد جدّا، كيف وقد روى المصنّف في باب أنّ الأئمّة عندهم جميع الكتب: «أنّ إلياس النبيّ عليه السلام كان يقول في سجوده : أتراكَ معذّبي وقد أظْمَأتُ لك هواجري _ إلى أن قال : _ أتراك معذّبي وقد أسهرتُ لك ليلي» (4).

وقوله : (نافس في الخير) .

في النهاية : «المنافسة: الرغبة في الشيء، والانفراد به، وهو من الشيء النفيس الجيّد في نوعه . ونافست في الشيء منافسةً ونفاسا، إذا رغبت فيه»(5) .

(جُهدك) بفتح الجيم، أي اجهد جهدك ؛ يعني أبلغ غايتك في المنافسة بقدر وسعك وطاقتك .

وقوله : (تُعرف بالخير) ؛ مجزوم على أنّه جواب الأمر؛ أي حتّى تكون معروفا بالخير .

وقيل : الخير جامع لكلّ ما هو مطلوب شرعا ، وقد أمره به على سبيل المنافسة والمغالبة بقدر الإمكان ، وأشار إلى أنّ غايته المترتّبة عليه سوى ثواب الآخرة معرفة الخلق إيّاه به، وذلك من فضل اللّه عليه ليذكروه به، ويتأسّوا له، كما دلّ عليه بعض الروايات الدالّة فيه على جواز قصد ذلك من عمل الخير ، على أنّ الظاهر جوازه لا للسمعة والرياء ، بل لما ذكر، أو لإرادة ظهور نعمته تعالى ؛ فإنّ فعل الخير والتوفيق عليه من أجلّ نعمائه ، ولذلك قال خليل الرحمن : «وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْاخِرِينَ» (6)(7).

ص: 333


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 335 (رعي)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 97
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 97
4- الكافي ، ج 1 ، ص 227 ، ح 2 . وعنه في بحار الأنوار ، ج 13 ، ص 393 ، ح 1
5- النهاية ، ج 5 ، ص 95 (نفس)
6- الشعراء (26) : 84
7- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 98

وقوله : (احكُم في عبادي بنُصحي) .

النُّصح، بالضمّ: الخلوص، وإرادة خير المنصوح .

ولعلّ المراد هنا شرائع الدِّين وقوانينه ؛ أي احكم بينهم على ما علّمتك من قوانين الحكومة، أو بأحكام شرائع ديني، على أن يكون الباء للبيان، أو للإلصاق .

وفيه إيماء إلى النهي عن الحكم بالتظنّي والرأي والقياس والاستحسانات العقليّة .

وقيل : معناه: احكم بينهم لنصحي لهم، أو كما أنّي لك ناصح فكُن أنت ناصحا لهم(1) وقيل : أي بنصح لي، من باب الحذف والإيصال (2).

(وقُم فيهم بعدلي) أي بالحكم العدل الذي جعلت لهم لدفع الظلم والجور .

وقوله : (شفاءً لما في الصدور من مرض الشيطان) .

المراد بالشفاء العدل، أو الكتاب المشتمل عليه، والحقائق الحكميّة التي بها يتمّ نظام المعاش والمعاد.

والمرض: إظلام الطبيعة واضطرابها بعد صفائها واعتدالها ، وإضافته إلى الشيطان لحصوله من وساوسه، وكون الحِكَم الشرعيّة شفاء منه؛ لأنّ مرض الوسواس في صدور الناس إمّا في أمر الدِّين، أو الاُمور المتعلّقة بالدُّنيا ، وقد اُنزل إلى الحكماء الإلهيّة من العلوم والحِكَم ما يعالج به جميعها .

وقوله : (لكلّ مفتون) أي المبتلى بالدُّنيا، أو بالمعصية .

وقوله : (حقّا أقول) .

نصب «حقّا» بما بعده ؛ أي أقول قولاً حقّا. أو بفعل مقدّر قبله، وما بعده مفسّر له .

ثمّ بيّن ذلك القول الحقّ، فقال : (ما آمنت بي خليقة إلّا خشعت لي) .

الخليقة: الخلائق . يُقال : هم خليقة اللّه ، وهم خَلْق اللّه . والخشوع: التطاول، والتواضع.

وقيل : مبدأه العلم بأنّ كلّ موجود مقهور في تصريف قدرته تعالى، ومربوط بربقة الحاجة إليه ؛ فإنّ هذا العلم يوجب تخشّعه وتخضّعه في أفعاله القلبيّة والبدنيّة، وإقباله إليه تعالى(3) .

ص: 334


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 316
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 98
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 98

وفي هذا الكلام دلالة على أنّ الإيمان مستلزم للخشوع، فعدم أحدهما دليل على عدم الآخر .

وعلى تقدير جواز كون اللازم _ أعني الخشوع _ أعمّ، فانتفاؤه دليل على انتفاء الملزوم _ أعني الإيمان _ ولا عكس .

ولعلّ المراد بالإيمان هنا ما هو سبب للنجاة من العقوبات الدنيويّة والاُخرويّة مطلقا، فلا يرد أنّ أقلّ مراتب الإيمان يتحقّق بدون هذا اللازم .

(ولا خَشعت لي إلّا رَجَتْ ثوابي) ؛ يعني أنّ الخشوع ملزوم لرجاء الثواب ، كما أنّ الإيمان ملزوم للخشوع ، ومعلوم أنّ رجاء الثواب يستلزم العمل الموجب له، فإذن لا يتحقّق الإيمان بدون رجاء الثواب والعمل له . وأمّا استلزام الخشوع لرجاء الثواب فقط، ولولاه لم يحصل الخشوع؛ فإنّ من لم يرج من أحد شيئا، لم يخشع له أصلاً .

وقوله : (فأشهد) إلى قوله : (ولا تغيّر سنّتي) .

«أشهد» على صيغة الأمر، أو المتكلّم . والفاء للتفريع . ويفهم منه أنّ الأمنَ من العذاب يتوقّف على الإيمان المستلزم للخشوع ورجاء الثواب، ما لم يبتدع في الدِّين، ولم يغيّر شيئا من السنّة .

وقوله : (ابن البكر البتول) .

قال الفيروزآبادي : «البِكر، بالكسر: العَذْراء. الجمع: أبكار. والمصدر: البَكارة بالفتح. والمرأة، والناقة، إذا ولدَتا بطنا واحدا» (1).

وقال : «بتله يبتله: قطعه. والبتول: المنقطعة عن الرجال، والمنقطعة عن الدُّنيا إلى اللّه » (2).

وقوله : (ودَّع الأهلَ، وقلى الدُّنيا) .

في القاموس : «ودعه، كوضعه ، وودّعه بمعنى. والاسم: الوَداع، وهو تخليف المسافر الناسُ، وهم يودّعونه إذا سافر؛ أي يتركونه وسفره» (3)

وفيه: «قلاه _ كرماه ورضيه _ قَلىً وقَلاءً ومَقْلِية: أبغضه، وكرهه غاية الكراهة، فتركه، أو قَلاه في الهَجْر، وقَليه في البغض» (4).

ص: 335


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 376 (بكر)
2- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 332 (قطع)
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 92 (ودع)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 380 (قلي)

(وتركها لأهلها) ؛ هم الراغبون إليها، المفتونون بزخارفها .

(وصارت رغبته فيما عند إلهه) ؛ من المثوبات والكرامات ورفيع الدرجات .

وقيل : أشار بقوله : «ودّع الأهل ...» إلى أعلى درجات الزهد، ورغبته في تحصيله حيث أمَره أوّلاً بوداع الأهل، والميل إلى سفر الآخرة، وتفويض حالهم إلى ربّهم؛ لأنّ الاشتغال باُمورهم مانع من هذا السفر .

وثانيا : بقلي الدُّنيا وبغضها؛ لأنّ محبّتها أيضا مانعة .

وثالثا : بتركها لأهلها الراغبين إليها ؛ لأنّ بغضها مع عدم تركها أيضا مانع .

ورابعا : بالرغبة فيما عند اللّه من قربه وإحسانه. فإذا حصلت هذه المراتب لأحد دخل في مقام المحبّة، وهو ما دام في هذه الدار، لا يخلو عن فراقٍ مّا من المحبوب، وكان شأنه البكاء، فلذلك أمره ببكاء من كان على الوصف المذكور ، فلذلك قيل: العارفون المحبّون يبكون شوقا إلى المحبوب ، والمذنبون يبكون من خوف الذنوب (1).

وقوله : (كُن مع ذلك تُلين الكلام)(2).

الإلانة والتليين واحد، ومعناه : لا يكن زهدك سببا لنفرتك عن الخلق، وهجرتك منهم، وسوء الخلق معهم ، بل كُن مع الزهد خليقا مع كلّ أحدٍ .

(وتُفشي السلام) إلى كلّ مَن تلقاه إلّا ما استثني .

يُقال : فشا خبره، إذا انتشر. وأفشاه، أي نشره .

وقوله : (يقظانَ) بالنصب، خبر آخر لقوله : «كُن» ، وهو غير منصرف للوصفيّة ، والألف والنون المزيدتين، ووجود فَعلى في مؤنّثه كما ستعرفه.

وترك العطف في الأخبار المتعدّدة جائز مع رعاية عدم التناسب، وعدم قصد الاشتراك في الإعراب .

في القاموس: «اليقظة، محرّكة: نقيض النوم. وقد يَقُظ _ ككرم وفرح _ يقاظة ويَقظا،

ص: 336


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 99
2- في الحاشية: «احتمال كون تلين وتفشي على صيغة المصدر المضاف إلى الفاعل من باب التفعّل بعيد غاية البُعد، مع عدم استقامته إلّا بتكلّف . فتأمّل»

محرّكة . ورجلٌ يَقظ، كندس وككتف وسكران. الجمع: أيقاظ، وهي يَقظى. الجمع: يقاظى» (1).

(إذا نامت عيون الأبرار) ؛ فكيف الأشرار !

(حَذرا للمعاد) ؛ بكسر الذال، على أن يكون حالاً، أو خبرا للكون، أو بفتحها على أن يكون مفعولاً له .

وقوله : (الزلازل) أي زلازل القيامة . قال اللّه تعالى : «إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْ ءٌ عَظِيمٌ» (2) .

في القاموس: «زَلْزَلَه زلْزَلةً وزلزالاً، مثلّثة: حرّكه . والزلازل: البلايا» (3).

وقوله : «وَأهْوَالَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» إلى آخره .

في القاموس : «الهول : المخافة من الأمر لا يدري ما يهجم عليه منه ، الجمع أهوال» (4)

وفيه : «أهل الرجل : عشيرته، وذوو قرباهِ» (5).

وقوله : (اكحل عينيك بميل الحزن) ؛ كناية عن البكاء ممّا لعلّه يستقبله من انقلابات أحوال الدُّنيا وسوء خاتمتها ، ومن شدائد أهوال العقبى وفقدان عافيتها .

وقيل : هو عبارة عن حزن القلب. وتشبيه الحزن به _ وهو تشبيه معقول بمحسوس _ لقصد الإيضاح مكنيّة، وذكر الميل تخييليّة .

قال : والمراد بالعين عين القلب؛ لأنّه مورد الحزن، وبميل الحزن أسبابه الموجبة لحصوله فيه . انتهى (6).

وأنت إذا تأمّلت عرفت ما في هذا الكلام من التعسّف .

والكحل، بالضمّ: ما وضع في العين للاستشفاء، أو التزيّن . والكحل أيضا: الإثمد. وكحل العين، كمنع ونصر .

وفي بعض النسخ: «بملمول الحزن»، وهو بضمّ الميمين وسكون اللام: الميل الذي يكتحل به .

ص: 337


1- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 400 (يقظ)
2- الحجّ (22) : 1
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 389 (زلزل)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 71 (هول)
5- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 331 (أهل)
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 317

(إذا ضحك البَطّالون) ؛ وهم الغافلون عمّا ذكر .

في القاموس : «بطل بُطلاً وبُطلانا وبُطولاً، بضمّهنّ: ذهب ضياعا وخُسرا . وفي حديثه بطالة : هزلٌ. والباطِل: ضدّ الحقّ، ورجل بطّال: ذو باطل» (1).

وقوله : (فطوبى لك) إلى آخره .

في القاموس : «طوبى: الطَّيْب، وجمع الطيبة، وتأنيث الأطيب . والحُسنى، والخير، وشجرة في الجنّة، أو الجنّة بالهنديّة . وطوبى لك وطوباك لغتان، أو طوباك لَحْنٌ»(2) وفيه: «نِلته أنيله وأناله نَيْلاً ونالاً ونالَةً: أصبتهُ» (3).

وقوله : (رُحْ من الدُّنيا) .

في القاموس : «الرواح: العشي، أو من الزوال إلى الليل . ورُحنا رَواحا: سِرنا فيه، أو عَمِلنا.

ورُحت القوم وإليهم وعندهم رَوْحا ورَواحا: ذهبت إليهم رواحا» انتهى (4).

أوالمراد هنا: سِرْ واذهَب من الدُّنيا إلى الآخرة .

(يوما فيوما) ؛ كما يروح المسافر من مركزه إلى مقصده كذلك؛ أي اقطع عنك كلّ يوم من تعلّقات الدُّنيا، حتّى لا يصعب عليك فراقها عند انقضائها وبلوغ أجلك؛ فإنّ الموت الاختياري أسهل من الموت الاضطراري ، وقطع التعلّقات بالتدريج أمكن من قطعها فجأةً .

والغرض الأصلي من أمثال هذا الكلام حسن الاستعداد للآخرة، وتهيئة الزاد لها .

(وذُق لما قد ذهب طعمه) .

في الأمالي: «ما قد ذهب» بدون اللّام، وهو أظهر .

والذوق: اختبار الطعم . قيل : أي لا تتّبع اللذّات، واقنع بالأشياء البشعة التي ذهب طعمها (5).

وقيل : أمره بذوق طعم ما قد ذهب من عمره، وما عمل فيه من خير وشرّ؛ فإنّه يجد طعم الأوّل حلوا، وطعم الثاني مُرّا .

قال : «ويحتمل أن يكون من باب التهكّم تنبيها على عدم بقاء لذّة ما ذهب من المعصية

ص: 338


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 317
2- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 335 (بطل)
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 98 (طاب)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 62 (نيل)
5- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 225 (روح)

وغيرها ممّا يتعلّق بلذّات الدنيا» (1).

وقوله : (ما أنت إلّا بساعتك ويومك) أي لستَ موجودا إلّا في الساعة واليوم الذي أنت فيه؛ فإنّ الماضي من الزمان ليس من عمرك الذي يمكنك الانتفاع به، ولا يعود إليك أبدا ، والمستقبل منه غير معلوم الوقوع لك، ولا تعلم وجودك وبقاءك بعد تلك الساعة وهذا اليوم، فليس عمرك إلّا ما أنت [فيه] فاغتنمه، ولا تغفل فيه ، ماضيك مضى، وما سيأتيك فأين؟ قم، فاغتنم الفرصة بين العدمين .

(فرُحْ من الدُّنيا ببُلغة) ؛ الظاهر أنّ الفاء فصيحة.

والبُلغَة، بالضمّ: ما يتبلّغ به من العيش؛ أي يكتفى به . ولعلّ المراد: اكتف بالبلاغ والكفاف من الدُّنيا في أيّام حياتك، ولا تشتغل بتحصيل الزائد عمّا تحتاج إليه .

وقيل : يحتمل أن يكون المراد بالبُلغة ما يبلغ الإنسان من زاد الآخرة إلى درجاتها الرفيعة (2).

(وليكفك الخشن الجَشب) .

قال الفيروزآبادي : «الخشن، ككتف. والأخشن: الأخرش من كلّ شيء. وتخشّن: لبس الخَشِن، أو تكلّم به، أو عاش عيشا خشنا» (3)

وقال : «جَرَش الشيء: لم ينعم دقّه، فهو جريش» (4).

وقال : «جشب الطعام _ كنصر وسمع _ فهو جَشْب وجَشِب ؛ أي غليظ، أو بلا اُدم.

وجشبه: طحنه جريشا . والجشيب: الخَشِن الغليظ البشع من كلّ شيء، والسيّئ المأكل . وقد جَشب _ ككرم _ جشوبةً» (5).

وأقول : يحتمل أن يُراد هنا بالخَشِن الغليظُ من اللباس ، وبالجَشب الغليظ من الطعام، أو بلا اُدم . ويحتمل العكس، أو يراد بكلٍّ كلّ، ويكون الثاني تأكيدا للأوّل ، ولعلّ الأوّل أولى .

وعلى التقادير يكون الغرض منه الأمر بترك الزيادة عن قدر الضرورة من الدنيا .

ص: 339


1- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 100
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 318
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 219 (خشن)
4- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 264 (جرش)
5- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 46 (جشب)

(فقد رأيت إلى ما تَصير) .

قال بعض الفضلاء : «يصير، بالياء؛ أي الثوب والطعام؛ فإنّ مصير الأوّل إلى البِلى، والثاني إلى القذارة والأذى . أو بالتاء؛ أي بدنك يصير إلى البِلى» (1).

وقال بعض الشارحين : «أي إلى ما تصير من السعادة والقُرب ونعيم الجنّة، أو من وداع الدُّنيا وأمر الآخرة وأهوالها . والظاهر أنّ المراد بالرؤية الرؤية العقليّة، وهي العلم» انتهى (2).

والأوّل أقرب، ولا يحتاج فيه إلى حمل الرؤية بالرؤية القلبيّة . والظاهر أنّ الفاء للتفريع، واحتمال كونه للسببيّة بعيد .

(ومكتوبٌ ما أخذتَ) ؛ الظاهر أنّ المراد ما أخذت من الدُّنيا، وتمتّعت به من الطعام والشراب واللباس ونحوها ، أو من الأعمال مطلقا، فهو مكتوبٌ في كتاب عملك، وما يتراءى من كون المراد بالكتابة التقدير فبعيد من السياق .

(وكيف أتلفتَ) .

يُقال : أتلفَه، إذا أفناه ؛ يعني أنّ ما أخذت منها مكتوب في صحيفة عملك بأيّ مصرفٍ صرفته، وبأيّ وجهٍ أفنيته، فيجب عليك ملاحظة المكاسب والمصارف، وإصلاحهما عن المفاسد .

(يا عيسى إنّك مسؤول) عن أعمالك وصنيعك .

(فارحم الضعيف) .

الفاء فصيحة . والظاهر أنّ المراد بالضعيف من لا اقتدار له من حيث المال، أو السنّ، أو الحال، أو العقل . وبالرحم معاونته ومعاضدته وتعليمه وإرشاده .

(كرحمتي إيّاك) .

الكاف إمّا للتشبيه في أصل الرحمة، لا كيفيّتها، أو كمّيّتها ، وإمّا للتعليل، كما قيل في قوله تعالى : «وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ» (3). أي لهدايته إيّاكم.

ص: 340


1- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 100
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 318
3- البقرة (2) : 198

(ولا تَقهر اليتيم).

القهر: الغلبة، وفعله كمنع.

وقال بعض المفسّرين في تفسير قوله تعالى: «فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ»(1) : «أي فلا تغلبه على ماله لضعفه» (2).

وقوله : (مَواقيت الصلوات) أي مواضعها المُعدَّة لها، كالمساجد. أو أوقاتها المقرّرة لها .

والأوّل أنسب بنقل القدمين، وبما وقع في نسخ الأمالي : «إلى مواضع الصلوات» .

قال الجوهري : «الميقات: الوقت المضروب للفعل، والموضع. يُقال : هذا ميقات أهل الشام، للموضع الذي يحرمون منه» (3).

(وأسمعني لَذاذة نُطقك بذِكري) أي نطقك اللذيذ، أو التذاذك بذكري .

وقد مرّ مثله في حديث موسى عليه السلام .

وقيل : النطق مفعول الإسماع حقيقةً ، وإدراج اللذاذة وإضافتها إليه؛ للتنبيه على أنّ ذكره لذيذ يلتذّ بسماعه، فلا يرد أنّ اللذّة ليست بمسموعة ، وهذا من باب التمثيل، أو اللذاذة به كناية عن إرادته (4)

قال الجوهري : «لَذذْتُ به لذاذا ولذاذةً: وجدته لذيذا»(5) .

(فإنّ صَنيعي إليك حسن) .

قيل: هذا علّة للنقل والإسماع ؛ لأنّ حسن الصنيعة يقتضي مقابلته بحسن الطاعة والعبوديّة والشكر والفكر (6).

وفي بعض النسخ : «صنعي» . قال الفيروزآبادي : «صنع إليه معروفا _ كمنع _ صُنعا بالضمّ.

وصنع به صنيعا قبيحا: فعله . والشيء صُنعا، بالفتح والضمّ: عمِله. وما أحسن صنع اللّه _ بالضمّ _ وصنيع اللّه عندك» (7).

وقوله : (كم من اُمّة) .

ص: 341


1- الضحى (93) : 9
2- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 503
3- الصحاح ، ج 1 ، ص 269 (وقت)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 101
5- الصحاح ، ج 2 ، ص 570 (لذذ)
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 101
7- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 52 (صنع)

«كم» خبريّة للتكثير .

وقوله : (ارفُق بالضعيف) .

في القاموس : «الرفق، بالكسر: ما استعين به، واللطف. رفق به وعليه _ مثلّثة _ رِفقا، ورفق فلانا: نفعه، كأرْفَقَه . والرفق: اللطف، وحسن الصنيع» (1).

(وارفع طرفك الكليل إلى السماء) .

قال الجوهري : «الطَّرْف: العين. ولا يجمع؛ لأنّه في الأصل مصدر، فيكون واحدا، ويكون جماعة . وطَرَف بَصَره يطرِف طَرفا، إذا أطبق أحد جفنيه على الآخر . الواحد من ذلك: طَرْفة» (2)

وقال الجزري : «طَرْف كليل، إذا لم يحقّق المنظور به» (3) انتهى .

وهذا الكلام وأمثاله يُقال في مقام التنبيه عن الغفلة .

وقيل : وصف الطرف بالكليل للتنبيه على أنّ رفعه ينبغي أن يكون كذلك ؛ أي على وجه التخشّع والكلالة، لا على الحدّة والتحديق . أو للإشارة إلى ضعفه الموجب للترحّم، وبيان عجز قوى المخلوقين .

قال : وإنّما أمره برفعه إلى السماء؛ لأنّها أشرف الجهات؛ لجريان فيضه تعالى من جهتها عادةً (4).

وقوله : (فإنّي منك قريب) ؛ تمثيل لكمال علمه بأفعال العباد وأقوالهم، واطّلاعهم على أحوالهم بحال من قرب مكانه منهم، وترغيب على الدعاء؛ فإنّ الداعي إذا علم أنّ المدعوّ قريب يسمع نداءه، يجتهد في الدعاء، ويتشوّق به غاية التشوّق .

وقوله : (وهمّك همّا واحدا) .

الهمّ: الحزن، والقصد، والمقصود .

وفي الأمالي : «وهمُّك همّ واحد»، وهو أظهر . والظاهر أنّ الواو حينئذٍ للحال، وعلى

ص: 342


1- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 236 (رفق)
2- الصحاح ، ج 4 ، ص 1395 (طرف) مع التلخيص
3- النهاية ، ج 4 ، ص 198 (كلل)
4- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 101

نسخ الكتاب قيل: معناه: اجعل همّك همّا واحدا، أو: لا تجعل همّك إلّا همّا واحدا (1)

وقيل : الظاهر أنّه عطف على «متضرّعا»، وأنّ «همّا» منصوب على المفعوليّة، وأنّ المراد بالهمّ الواحد هو اللّه تعالى بتفريغ القلب عن الغير، وصرفه إليه وإلى ذكره (2).

وقوله : (إنّي لم أرض بالدُّنيا ...)؛ تنفير عن الدنيا وتحقير لها، حيث لم تكن ثوابا للمطيع، ولا عقابا للعاصي، بل هي دار الاختبار والامتحان، والثواب والعقاب في دار الآخرة .

وقوله : (إنّك تَفنى) .

قيل : الخطاب لهذا المجموع المركّب من الهيكل المخصوص، والنفس الناطقة، وينتفي بانتفاء الجزء، فلا ينافي بقاء النفس (3).

(ومنّي رزقك) ؛ فينبغي أن لا تثق بغيري .

قيل : الرزق كلّ ما يحتاج إليه ذو الحياة في حياته .

وقال الجوهري : «الرزق: ما يُنتفع به. والجمع: الأرزاق . والرزق: العطاء، ومنه مصدر قولك : رزقه اللّه » (4).

وفي القاموس : «الرزق، بالكسر: ما ينتفع به. وبالفتح: المصدر الحقيقي» (5).

(وعندي ميقات أجلك) أي الوقت المضروب، أو المكان المقدّر لغاية عمرك .

والأجل، محرّكة: غاية الوقت في الموت، ومدّة الشيء . فإضافة الميقات إلى الأجل إمّا لاميّة، أو بيانيّة. فتدبّر .

(وإليَّ إيابك) بالكسر؛ أي رجوعك من الدُّنيا بعد نزولك فيها.

وتقويم الظرف للتخصيص والمبالغة في الوعد والوعيد .

وكذا قوله : (وعليَّ حسابك) ؛ يعني في المحشر، ممّا عملت من خيرٍ أو شرّ .

وقيل : هذه الفقرات كعلّة مستقلّة للرجوع إليه في جميع الاُمور، وطلب جميع المطالب منه، لا من غيره ، فلذلك قال : (فسلني، ولا تسأل غيري) ؛ لأنّه لا يملك لك ضرّا ولا نفعا، ولا

ص: 343


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 101
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 319
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 102
4- الصحاح ، ج 4 ، ص 1481 (رزق)
5- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 235 (رزق)

حياةً ولا نشورا (1).

وقوله : (ما أكثر البشر) بالتحريك .

(وأقلّ عدد من صَبَرَ) ؛ على المصائب والنوائب، ومشقّة الطاعات، والانزجار عن المنهيّات، وذلك لعدم اهتمامهم وقلّة مبالاتهم بأمر الدِّين ، أو لضعف عقولهم وقوّة جهالاتهم .

وقوله تعالى : (الأشجار كثيرة، وطيّبها قليل) ؛ تمثيل من قبيل تشبيه المعقول بالمحسوس؛ لقصد الإيضاح، والمراد بطيّبها التي لها ثمرة طيّبة، ورائحة حسنة .

(فلا يغرّنّك حُسن شجرة حتّى تذوق ثمرها) .

في بعض النسخ: «ثمرتها» .

والغرض من النهي عن الاغترار بحسن ظاهر الخلق، ورؤية صورتهم قبل الاختبار عن باطنهم وحسن سيرتهم؛ فإنّ كمال الإنسان الحقيقي إنّما هو في الثاني .

وقوله : (لا يغرّنّك المتمرّد عليَّ بالعصيان) ؛ كأنّ غروره من حيث الإمهال، وعدم العجلة بالعقوبة .

وقيل : خدعته ومكره بفعله أو قوله؛ ليجعل الغير مثله (2). وفي القاموس: «مرد _ كنصر وكرم _ مُرُودا ومُرادةً، فهو مارد ومريد ومتمرّد: أقدم ، وعتا، أو هو أن يبلغ الغاية التي تخرُجُ ما عليه من ذلك الصنف» (3).

(يأكل رزقي، ويعبد غيري) من الأصنام والشياطين وهوى النفس وما أشبهها .

(ثمّ يدعوني عند الكرب) أي الغمّ والحزن الذي يأخذ بالنفس .

(فأُجيبه) تفضّلاً لحكمة مقتضية له كإتمام الحجّة، أو تذكير النعمة لعلّه يتذكّر ويخشى .

(ثمّ يرجع) بعد الإجابة، وكشف الكرب عنه .

(إلى ما كان عليه) ؛ من التمرّد والعصيان، وعبادة الغير؛ لأنّ مانع الطغيان _ وهو الكرب _ قد

ص: 344


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 102
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 102
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 337 (مرد) مع التلخيص

كشف عنه، ودواعي العصيان _ وهي النفس الأمّارة بالسوء، ورفاهيّة الخاطر _ حاصلة فيه .

(فعليَّ يتمرّد، أم بسخطي يتعرّض) أي يتقدّم .

والاستفهام للتعجّب . والفرق بين شقّي الترديد أنّ في الأوّل استخفاف بالربّ، وفي الثاني بعقوبته؛ فإنّ العصيان إن كان للتكبّر، والاستنكاف عن الإقرار بعظمته تعالى، وأهليّته للعبوديّة، فهو التمرّد ، وإن كان مع اعترافه بذلك، فهو التعرّض لسخطه وعقوبته .

(فبي حلفتُ) أي اُقسم بذاتي المقدّسة .

(لآخذنّه أخذةً) شديدة عظيمة .

والأخذ: التناول، والعقوبة .

(ليس له منها) أي من تلك الأخذة .

(مَنجىً) أي موضع نجاة .

(ولا مَلجأ) أي ملاذ، ومعقل من الخلق، ولا يقدر أحد أن يُنجيه من عقوبة اللّه .

(أين يهرب من سمائي وأرضي) .

الاستفهام للإنكار؛ لأنّه لا يمكن لأحد الهرب والخروج من ملك اللّه وسلطانه .

والحاصل أنّ الدافع للعقوبة يتصوّر من تلك الجهات الثلاثة، وليس له منها شيء .

(يا عيسى، قُل لظَلَمة بني إسرائيل) ؛ كما تطلق الظلمة على الكفّار، كذلك تُطلق على الفسّاق والفجّار من أهل الإسلام .

(لا تدعوني ، والسُّحت تحت أحضانكم) .

في بعض النسخ: «تحت أقدامكم» .

والسحت، بالضمّ وبضمّتين: الحرام، وما خبث من المكاسب . فلزم منه العار، كالرشوة والرِّبا ، من سحته ، إذا استأصله؛ لأنّه مسحوت البركة .

والحِضْن، بالكسر: الجانب، والناحية، أو الصدر، والعضدان، وما بينهما، أو ما دون الإبط إلى الكشح. وجمعه: أحضان .

وكأنّ المراد أكل الحرام، وضبطه وحفظه، وعدم ردّه إلى أهله، مع غاية الإصرار فيه .

(والأصنام في بيوتكم) ؛ حقيقة، أو كناية عمّا يحبّونه، ويهتمّون به من فضول أمتعة الدنيا مطلقا .

ص: 345

وقيل : لعلّ المراد بها الدراهم والدنانير، والذخائر التي أحرزوها في بيوتهم، ولا يؤدّون حقوق اللّه منها، ويتركون طاعة اللّه فيما أمرَ فيها، فكأنّهم عبدوها ، كما ورد في الخبر : «ملعون من عبد الدينار والدرهم» (1). (2)

وقيل : يحتمل بعيدا أن يُراد بالبيوت القلوب، وبالأصنام الأهواء النفسانيّة (3).

وقوله : (فإنّي آليتُ) ؛ بمدّ الألف، من آلى يُوْلي إيلاءً، أي حلف. وهو تعليل للنهي عن دعائهم في تلك الحالة .

(أن اُجيب مَن دعاني) منهم، أو كائنا من كان . والأوّل أنسب بقوله : (وأن أجعل إجابتي إيّاهم لعنا عليهم) ؛ عطف على «اُجيب»، أو على «آليت» .

والأوّل أقرب ؛ أي إجابتي للظالمين فيما يطلبون من اُمور دنياهم موجبة لبُعدهم عن رحمتي، واستدراج منّي لهم، وهو موجب لمزيد طغيانهم وبُعدهم من الخير .

(حتّى يتفرّقوا) عن الدعاء، أو من موضع دعائهم .

وقيل : بالموت (4) وقيل : في المذاهب والآراء . وقيل : من الخصلة المذمومة المذكورة (5).

وعلى التقادير «حتّى» غاية لجعل الإجابة لعنا عليهم .

وقوله : (كم اُطيل النظر) ؛ يحتمل كونه بمعنى التأمّل بالعين أو الفكر، أو الانتظار من باب التمثيل، أو التأنّي بهم، والتأخير في أخذهم وتعذيبهم .

قال الفيروزآبادي : «نظره _ كضربه وسمعه _ وإليه نظر: تأمّله بعينه. والنظر، محرّكة: الفكر في الشيء، يقدّره ويقيسه. والانتظار . ونظره وانتظره وتنظّره: تأنّى عليه . والنَظِرة، كفرحة: التأخير في الأمر» (6).

(واُحسنُ الطلب) .

«اُحسّن» من التحسين . والمراد بالطلب طلب رجوعهم من المعصية إلى الطاعة والإنابة،

ص: 346


1- الكافي ، ج 2 ، ص 270 ، ح 9 ؛ الخصال ، ص 129 ، ح 132 ؛ معاني الأخبار ، ص 402 ، ح 67
2- القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 320
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 103
4- احتمله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 320
5- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 103
6- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص144 و 145 (نظر) مع التلخيص

بإرسال الرُّسل، وإنزال الكتب، والمواعظ البليغة .

وقوله : (لا تَعيها قلوبهم) إشارة إلى نفاقهم ؛ أي لا ترعاها، ولا تحفظها بالعمل، والاعتقاد الخالص الجازم بها .

(يتعرّضون لمَقتي) .

يُقال : مَقَتَه مَقْتا _ من باب نصر _ أي أبغضه . والمراد هنا سلب الرحمة، أو العقوبة .

والظاهر أنّ الجملة حاليّة . وقيل : استئنافيّة في جواب من يقول: ما ثمرة اختلاف ظاهرهم وباطنهم ؟

(ويتحبّبون بي (1) إلى المؤمنين) .

في القاموس: «تحبّب: أظهر المحبّة» (2) قيل : يعني يظهرون حبّ المؤمنين بمعونتي، وتوفيقي لهم على ذلك، للحفظ عن أذيّتهم وإضرارهم (3).

وفي بعض النسخ: «يتحبّبون بقربي» .

وكأنّ مآل النسختين واحد . والمراد أنّهم مراؤون بأعمالهم، وغَرَضهم منها تحصيل محبّة المؤمنين لهم؛ لدفع شرّهم عن أنفسهم ، فالمراد بالقُرب ما يوجبه من أنواع الطاعات ؛ واللّه أعلم .

وقيل : الظاهر أنّ «إلى» متعلّق بالقُرب والتحبّب على سبيل التنازع؛ يعني يتحبّبون إلى المؤمنين، ويظهرون حبّهم بسبب قربي إلى المؤمنين، فأميل ظاهرهم إلى المؤمنين، وأدفع شرّهم عنهم (4).

وقوله : (وكذلك فليكن قلبك وبصرك) .

لعلّ المراد: فليكن كلٌّ من قلبك ونظرك أيضا في السرّ والعلانية واحدا ؛ يعني لا تظهر من قلبك عند الناس خلاف ما تضمر فيه، وما تفعله في السرّ، وكذا من نظرك .

ص: 347


1- في المتن الذي ضبطه الشارح رحمه الله سابقا : «بقربي»
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 50 (حبب)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 104
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 104

(واطوِ قلبك ولسانك عن المحارم) .

في القاموس: «طَوى كشحه عنّي: أعرض مهاجرا» (1).

(فكم من ناظر نظرة) ؛ التاء للوحدة .

(قد زرعت) أي أنبتت .

(في قلبه شهوة) ؛ شهيّة _ كرضيه _ شهوة أحبّه، ورغب فيه .

قيل : هو استعارة تمثيليّة متضمّنة لتشبيه الأجزاء بالأجزاء، حيث شبّه الشهوة بالبذر، والقلب بالأرض، والنظر بالزراع (2).

(ووردت به مواردَ حياض الهلكة) .

المستتر في «وردت» راجع إلى النظرة على الظاهر من السياق . ويحتمل إرجاعه إلى الشهوة .

والباء للتعدية، والضمير المجرور راجع إلى الناظر . ورجوعه إلى القلب بعيد .

والإضافة الاُولى بيانيّة؛ أي الموارد التي هي حياض الهلكة. أو لاميّة بأن يراد بالموارد أطراف تلك الحياض ونواحيها . والثانية من قبيل «لجين الماء».

والموارد: جمع المورد، وهو موضع الورود على الماء .

والحوض معروف، وجمعه: حِياض، وأصله من حاض الماء، إذا جمعه. وكأنّ المراد هنا مجتمع الماء لسَقْي الزرع .

والهلكة، بالتحريك: الهلاك .

ولا يخفى لطف هذا الكلام، حيث عطف «وردت» على «زرعت» بجعله صفة اُخرى للنظرة؛ فإنّ الزارع يحتاج إلى ماء يسقي به زرعه .

(يا عيسى، كُن رحيما مترحّما) للعباد .

قال الجوهري : «الرحمة: الرقّة، والتعطّف. والمرحمة مثله. وقد رحمته وترحّمت عليه» انتهى (3).

ص: 348


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 358 (طوي)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 104
3- الصحاح ، ج 5 ، ص 1929 (رحم)

وقيل : الترحّم أخصّ من الرحمة؛ لدلالته على الزيادة فيها، أو على صيرورتها مَلَكة، مع احتمال المبائنة بحمله على إظهار الرحمة (1).

وقيل : الرحمة: رقّة القلب. والترحّم: إعمالها وإظهارها (2).

وقوله : (لا تَلْهُ) من اللهو. وكونه من الإلهاء بمعنى اشتغال القلب إلى الملاهي بعيد؛ أي لا تشتغل بما يلهي عن أعمال الآخرة .

في القاموس: «لَهِيَ به، كرضي: أحبّه. وعنه: سلا، وغفل، وترك ذكره» (3).

وقال الجوهري : «لَهَوْتُ بالشيء ألهو لَهْوا، إذا لعِبتَ به، وتلهّيتُ به مثله. وألهاه، أي شغله» (4).

(ولا تغفل) ؛ يعني عن تذكّر الصالحات بقرينة ما سيأتي .

(فإنّ الغافل منّي بعيد) ؛ تعليل للنهي . والمراد بُعده عن رحمته تعالى .

(واذكرني بالصالحات) من الأعمال والأخلاق .

(حتّى أذكرك) بالثواب والجزاء، أو في الملأ الأعلى .

(وذكّر بي) أي بذاتي، وعظمتي، أو بشرائع ديني وأحكامي، أو بمثوباتي ورحمتي .

والتذكير: التعليم، والوعظ .

(الأوّابين) ؛ فإنّهم المنتفعون بذلك .

والأوّاب: الكثير الرجوع إلى اللّه بالتوبة، من آبَ، إذا رجع .

(وآمن بي) .

أَمَره بالإيمان الكامل، والارتقاء أعلى مدارجه . ويحتمل كونه من الأمن، أي آمِنْهم من عذابي، كيلا يقنطوا من رحمتي بعد أن يُوفوا بعهدي، ويعملوا بشرائط وصيّتي، ويتوبوا من معصيتي .

(وتقرّب [بي] إلى المؤمنين) ؛ بالتودّد، والتحبّب، والاُلفة، وحسن المعاشرة؛ فإنّ التقرّب إليهم وسيلة للتقرّب إلى اللّه .

ص: 349


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 105
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 321
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 388 (لهي)
4- الصحاح ، ج 6 ، ص 2487 (لهو)

(ومُرهم يدعوني معك) أي يجتمعوا معك في الدُّعاء، أو يتأسّوا بك فيه .

(وإيّاك ودعوة المظلوم) .

قال الجوهري : «دَعَوتُ اللّه له وعليه دعاءً، والدعوة المرّة» (1).

وقوله : (أفتح لها) أي لدعوة المظلوم .

(بابا من السماء) .

في بعض النسخ: «إلى السماء»، وهو كناية عن الإجابة .

وقيل : يحتمل أن يُراد بالباب ظاهره، وأن يُراد به باب سماء الجود والغضب؛ فإنّ قبول دعاء المظلوم جود بالنسبة إليه، وغضب بالنسبة إلى الظالم (2).

وقوله : (ولو بعد حين) أي مرّة من الزمان، وأجل مسمّى .

وهذا التأخير إنّما يكون لمصالح وحِكَم داعية إليه، منها : استدراج الظالم . ومنها : إمكان رجوعه عن الظلم . ومنها : تكثير ثواب المظلوم بصبره عليه، وغير ذلك .

وقوله : (صاحبَ السوء يُعدي) .

إضافة الصاحب إلى «السوء» من قبيل إضافة الموصوف إلى الصفة .

قال الجوهري :

ساءه يسوءه سَوءًا _ بالفتح _ ومساءة ومسائية: نقيض سَرّه. والاسم: السوء، بالضمّ .

وقرئ: «عليهم دائرة السوء»؛ يعني الهزيمة، والشرّ . ومن فتح ، فهو من المساءة. وتقول : هذا رجلُ سوء بالإضافة، ثمّ تدخل عليه الألف واللام، فتقول : هذا رجل السوء .

قال الأخفش : «ولا يقال: الرجلُ السَّوء، ويقال: الحقّ اليقين، وحقّ اليقين جميعا ؛ لأنّ السَّوء ليس بالرجل، واليقين هو الحقّ» . قال : «ولا يقال : هذا رجلُ السُّوء، بالضمّ» (3).

وقال الفيروزآبادي : عدا عليه عَدْوا وعُدُوّا وعَداءً وعُدْوانا، بالضمّ: ظلمه، كتعدّي واعتدى وأعدى .

ص: 350


1- الصحاح ، ج 6 ، ص 2337 (دعو)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 106
3- الصحاح ، ج 1 ، ص 55 - 56 (سوأ)

والعَدوى: الفساد. وعَدَى اللصّ على القماش عَداء وعُدْوانا، بالضمّ والتحريك: سَرَقه . وذِئب عَدوان، محرّكة: عاد. وعَداه عن الأمر عَدْوا وعدوانا: صرفه، وشغله، كعدّاه . وعليه: وثب. وأعدى زيدا عليه: نصره، وأعانه، وقوّاه . والعَدوى: ما يعدي من جَرَبٍ أو غيره، وهو مجاوزته من صاحبه إلى غيره . انتهى (1).

وكلّ من هذه المعاني مناسب للمقام، وإن كان الأخير أنسب ؛ يعني أنّ المصاحب الشرير يؤثّر أخلاقه الذميمة فيمن صحبه .

(وقرين السوء يُردي) .

القرين: المقارن، والمصاحب .

وفي القاموس: «رَدَى فلان في البئر: سقط، كتردّى، وأرداه غيره، وردّاه. ورَدِي _ كرضي _ رَدىً: هلك. وأرداه غيره» (2) انتهى .

وهذا الكلام في المعنى نهي وتنفير عن مصاحبة أهل المعصية .

(واعلم من تُقارن) ؛ يعني أنّه لابدّ لك في انتظام اُمور دينك ودنياك من مصاحب ومُعين ، ولابدّ لك أيضا من اختباره قبل اختياره، كما أشار إليه بقوله : (واختر لنفسك إخوانا من المؤمنين) .

روى المصنّف رحمه الله في كتاب العلم، بإسناده عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : قالت الحواريّون لعيسى : يا روح اللّه مَن نجالِس؟ قال : من يذكّركم اللّه رؤيتُه، ويزيد في علمكم منطقُه، ويرّغبكم في الآخرة عملُه» (3).

وقوله : (لا يتعاظمني) .

في القاموس: «تعاظمه الأمر: عظُم عليه. وأمرٌ لا يتعاظمه شيء، ولا يعظم بالإضافة إليه» (4).

وقوله : (في مُهلة من أجلك) .

المهلة، بالضمّ: اسم من أمهله إمهالاً، ومهّله تمهيلاً، إذا أنظره .

ص: 351


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 360 (عدو)
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 16 (ردي)
3- الكافي ، ج 1 ، ص 39 ، ح 3 ؛ إرشاد القلوب ، ج 1 ، ص 77 ؛ أعلام الدين ، ص 272 ؛ عدّة الداعي ، ص 121
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 152 (عظم)

والمراد بالأجل غاية الوقت في الموت . ويحتمل أن يُراد به مدّة بقاء الشيء، فكلمة «من» بيانيّة .

(قبل أن لا يعمل لها) .

الضمير للنفس؛ أي قبل أن لا تقدر على العمل بحلول الموت في انقضاء الأجل .

وفي الأمالي: «قبل أن لا يعمل لها غيرك» .

(واعبدني ليوم) ؛ يعني يوم القيامة .

(كألف سنة ممّا تعدّون) في الدُّنيا .

وقد قيل: إنّه محمول على الحقيقة . وقيل : كناية عن استطالته؛ إمّا لشدّته على الكفّار، أو لكثرة ما فيه من الحالات والمحاسبات .

وقيل : طُوله بالنسبة إلى الكافرين والظالمين . وأمّا بالنسبة إلى خلّص المؤمنين، فقد يكون بمقدار صلاة مكتوبة (1) وسيجيء لهذا زيادة تحقيق في حديث محاسبة النفس، إن شاء اللّه تعالى .

(فيه أجزي) ؛ الضمير لليوم، والظرف متعلّق بما بعده .

(بالحسنة أضعافها) .

قال الجوهري : «ضِعف الشيء: مثله. وضِعفاه: مثلاه. وأضعافه: أمثاله» (2).

وفي القاموس: «ضِعف الشيء، بالكسر: مثله. وضعفاه: مثلاه. أو الضِّعف: المثل إلى ما زاد . ويُقال : لك ضعفه، يريدون مثليه، وثلاثة أمثاله؛ لأنّه زيادة غير محصورة» (3).

وقوله : (توبق صاحبها) أي تهلكه .

(فامهد لنفسك) .

في القاموس: «مهده، كمنعه: بسطه، كمهّده، وكسب، وعمل» (4).

(في مُهلة) أي في زمان إمهال وتأخير من عمرك .

ص: 352


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 106
2- الصحاح ، ج 4 ، ص 1390 (ضعف)
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 165 (ضعف)
4- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 339 (مهد)

وقوله : (وهم مُجارون من النار) ؛ أمر بحفظ المجلس عمّا يضرّ في الآخرة، والاشتغال بما ينفع فيها .

قال الجوهري : «أجاره اللّه من العذاب: أنقذه» (1).

وفي بعض النسخ : «وهم مجاوزون» .

وقوله : (ازهد في الفاني المنقطع) أي لا ترغب في الدُّنيا ومتاعها .

(وطَأْ رسوم منازل من كان قبلك) أي امش على آثار منازلهم . يُقال : وطِئهُ _ بالكسر _ يطأه، أي داسه، كوطّأه .

والرسوم: جمع الرسم، وهو الأثر. ورَسْم الدار: ما كان من آثارها لاصِقا بالأرض .

(وناجهم) أي خاطبهم سِرّا . يُقال : ناجيته، ونجوته، إذا ساررته .

(هل تُحِسُّ) . يُقال : أحسَسْتُ، إذا ظننت، ووجدت، وأبصرت، وعلمت.

والاستفهام للإنكار؛ أي هل تُبصر أحدا منهم، وهل تُشعر به، أو تسمع صوتهم ؟ قال اللّه عزّ وجلّ : «وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزا» (2)

والركز: الصوت الخفيّ .

(بالإدهان) بالدال المهملة الساكنة، مصدر أدْهن، كأكرم؛ أي أظهر خلاف ما أضمر، كداهَنَ .

وقيل : هو إخفاء الحقّ، أو المساهلة فيه، أو ترك النصيحة(3)

وقرأه بعض العلماء بالذال المعجمة، وقال : «هو جمع الذهن، بمعنى الفهم والعقل والفطنة» (4) وهو كما ترى .

(ويتوقّع) (5).

في بعض النسخ: «ليتوقّع» بصيغة الأمر .

ص: 353


1- الصحاح ، ج 2 ، ص 618 (جور)
2- مريم (19) : 98
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 108
4- القائل هو المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي، ذيل الحديث
5- في المتن الذي ضبطه الشارح رحمه الله سابقا : «ليتوقّع»

(عقوبتي) في الآخرة .

(وينتظر إهلاكي إيّاه) في الدنيا ؛ أي يجعل نفسه في معرض الهلاك ، فكأنّه ينتظره .

فافهم .

وقوله : (سيُصطلم) على بناء المفعول .

(مع الهالكين) ؛ مقول القول. وعلى نسخة «ليتوقّع» مستأنف، كأنّ سائلاً يسأل : ما عاقبته؟ وكيف خاتمة أمره ؟ فأجاب به .

والاصطلام: الاستيصال . والظرف متعلّق به، وكونه حالاً _ كما قيل (1). _ بعيد .

(طوبى لك يا ابن مريم، ثمّ طوبى لك) .

كأنّ الثاني تأكيد للأوّل .

وقيل : الأوّل في الدنيا، والثاني في الآخرة . وفي لفظ «ثمّ» إشارة إلى التفاوت بين الحالين مع احتمال الإشارة إلى تفاوت المقامات الثابتة في الآخرة (2) .

(إن أخذتَ بأدب إلهك) .

«إن» يحتمل أن يكون بكسر الهمزة، أو بفتحها . والأدب، بالتحريك: أدب النفس، وحُسن التناول، والعلم، والدرس. ومنه الأديب للمعلّم والمدرّس . والأدب، بالتسكين: إقراء الضيف . يُقال : أدَب القوم _ كضرب _ إذا دعاهم إلى طعامه . ولعلّ المراد به هنا الأحكام الشرعيّة، أو التأدّب بآداب اللّه ، والتخلّق بأخلاقه، والعمل بكلّ ما اُمر به من الصالحات .

(الذي يتحنّن عليك) .

في بعض النسخ: «إليك» ، وكأنّه تضمين مثل معنى التوجّه . يُقال : تحنّن عليه، أي ترحّم وتعطّف .

وقوله : (ترحما) مفعول مطلق، أو تمييز .

وقوله : (تكرّما) أي إظهارا لكرمه.

والغرض أنّ نعمه وعطاياه محض التفضّل من غير سبق استحقاق .

ص: 354


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 109
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 109

(وكان لك في الشدائد) أي في حال نزولها، أو لأجل دفعها .

وفي وصف الإله بتلك الأوصاف تنبيه على التعليل بوجوب أخذ آدابه .

(لا تَعصه يا عيسى).

قيل : إنّه استئناف، كأنّ سائلاً سأل: ما الأدب؟ فأجابه بأنّه لا تعصه، فترك العصيان من جميع الوجوه هو الأدب ، وهو يتوقّف على استعمال القوّة النظريّة والعمليّة فيما هو مطلوب له تعالى من العقائد والأخلاق والأعمال، وصرفهما عمّا هو مكروه(1).

وقوله: (قد عهدتُ إليك) ؛ التفات من الغيبة إلى التكلّم .

والعَهد: الوصيّة . وقد عَهِدت إليه، أي أوصيته .

(كما عَهِدتُ إلى من كان قبلك) من الأنبياء والرُّسل.

(وأنا على ذلك من الشاهدين) ؛ ترغيب على الوفاء بذلك العهد .

وكأنّ في الإتيان ب «من» التبعيضيّة إشعار بعدم انحصار الشاهد عليه تعالى، بل الملائكة والرُّسل بعضهم على بعض أيضا من الشاهدين .

وقوله : (بمثل ديني) أي بشيء مثل ديني .

ولعلّ المراد به هنا الملّة، أو الطاعة والعبادة، أو السيرة، أو التوحيد، أو الورع .

(ولا أنعمتُ عليها) أي على الخليقة .

(بمثل رحمتي) ؛ لعلّ المراد بها الجنّة، أو المغفرة، أو الوجود والكمالات اللاحقة به .

وقيل : يحتمل أن يراد بها الرسول (2).

وقوله : (اغسل بالماء منك ما ظهر) أي اغسل الأعضاء والجوارح من النجاسات، فيكون «من» بيانا للموصول مقدّما عليه .

ويحتمل أن يكون الموصول عبارة عن النجاسات ؛ أي ما ظهر منها . والأوّل أنسب بقوله : (وداوِ) أي عالج .

(بالحسنات) أي بإيقاعها على الوجه المقرّر المطلوب .

ص: 355


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 108
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 109

(منك ما بطن)؛ فإنّ الظاهر أنّ الموصول عبارة عن الأعضاء والقوى الباطنة، أو القلب، مع احتمال كونه عبارة عن النجاسات والأدناس والأمراض القلبيّة ، ووجه المعالجة بها أنّ الحسنات يُذهبن السيّئات .

(فإنّك إليّ راجعٌ) ؛ فينبغي التنزّه عن التدنّس .

وفيه وعد ووعيد .

وقوله : (أعطيتُك بما أنعمتُ به عليك) .

الباء الاُولى زائدة، والموصول مع صلته مفعول ثان للإعطاء . ويُقال: أنعمها اللّه عليه، وأنعم بها عليه.

وقيل: في إبهام الموصول دلالة على التفخيم ، والمراد به القوى الظاهرة والباطنة، أو الأعمّ منها ومن النِّعم الظاهرة والعلم بالشريعة (1).

وقوله : (فَيضا) نصب على التميز . يُقال : فاض الماء فيضا وفَيضوضة، أي كثر حتّى سال على جانب الوادي . وفيه استعارة مكنيّة .

وقوله : (من غير تكدير) ؛ ترشيح لها .

وفي القاموس: «كدّر، مثلّثة الدال، كدارة وكَدرا محرّكة: نقيض صفا. وكدّره تكديرا: جعله كَدِرا» (2).

(وطلبتُ منك قرضا) ؛ يعني إنفاق المال في سبيل اللّه ، أو الأعمّ منه ومن سائر الطاعات .

وعلى التقديرين تسميته بالقرض على سبيل التشبيه، كما أشار إليه بقوله : (لنفسك) ؛ يعني أنّ ثمرته ومنفعته تعود إليك أحوج ما تكون إليه لا إليه سبحانه؛ فإنّ له خزائن السماوات والأرض .

(فبخلتَ به) أي بذلك القرض .

(عليها) أي على نفسك؛ لجهالتك، وعدم اطّلاعك بفوائده، ولعلّه من قبيل : «أقول لك، واسمعي يا جاره» ؛ لأنّه عليه السلام كان منزّها عن البُخل والمخالفة.

وقس عليه قوله : (لتكون من الهالكين) ؛ يعني أنّ ثمرة البخل الهلاك .

ص: 356


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 109
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 125 (كدر)

وقوله : (تزيّن بالدِّين) أي بأخذ أصوله وفروعه، وآثاره وأعماله؛ فإنّها زينة المتّقين ، ولمّا كان من أحسن زينتهم حبّ المساكين، والمعاشرة معهم، وترك التكبّر عليهم ، قال : (وحُبّ المساكين) المؤمنين .

ويتحقّق هذا الحبّ بتحقّق لوازمه؛ من حُسن البِشر معهم، ودفع الشرّ، وكشف الأذى عنهم، ونصرتهم بالقلب واليد والمال، وترك الاستطالة والترفّع عليهم، ونحوها .

وقوله : (هَونا) أي بالسكينة والوقار والتواضع .

وقيل : بالرفق، واللين، والتلبّث (1).

(وصَلّ على البقاع) .

في القاموس: «البقعة، بالضمّ، ويفتح: القطعة على غير هيئة التي إلى جنبها» (2).

وهذا بظاهره يدلّ على جواز الصلاة في شرعه عليه السلام في قطعات الأرض كلّها . واستشكله بعض الأفاضل وقال : «هذا خلاف ما هو المشهور من أنّ جواز الصلاة في كلّ البقاع من خصائص نبيّنا صلى الله عليه و آله ، بل كان يلزمهم الصلاة في بيعهم وكنائسهم» (3).

قال : «فيمكن أن يكون هذا الحكم فيهم مختصّا بالفرائض، أو بغيره عليه السلام من اُمّته» .

وأقول : يمكن التوجيه بأنّ المراد جواز بناء الكنائس في البقاع كلّها، وإن كانت الصلاة وإيقاعها في شرعه عليه السلام مختصّة بالكنائس، أو المراد جواز إيقاع الصلاة في البقاع التي تجوز له الصلاة فيها من الكنائس، وإن كان فيها نجاسة وهميّة، أو مطلق النجاسة؛ فإنّ المعروف من مذهب النصارى العفو عن النجاسة مطلقا . ويؤيّده التعليل بقوله : (فكلّها طاهر)، فلا إشكال .

وقوله : (شَمّر) كناية عن التهيّؤ للعبادة، وغاية الكدّ والاجتهاد فيها .

قال الفيروزآبادي : «شَمَر وشمّر وانشمر وتشمّر: مرّ جادا، أو مختالاً. وتشمّر للأمر: تهيّأ.

وشمّر الثوب تشميرا: رفعه . وفي الأمر: خفّ» (4).

ص: 357


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 109
2- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 6 (بقع)
3- المستشكل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 324
4- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 63 (شمر)

وقال في المصباح : «التشمير في الأمر: السرعة فيه، والخفّة. ومنه قيل : شمّر في العبادة، إذا اجتهد وبالغ» انتهى (1).

يعني اجتهد في العبادة، وأخذ الزاد للآخرة؛ فإنّ (كلّ ما هو آت) ؛ يعني الموت، أو القيامة والجزاء أيضا .

(قريب) .

وفيه تقليل لمدّة بقاء الحياة الدُّنيا، وتسهيل لارتكاب كلفة العبادة فيها .

وقوله : (وأنت طاهر) أي من الحدث، أو من الخبث أيضا .

وقوله : (صوتا حزينا) .

مرَّ تفسيره في حديث موسى عليه السلام .

وقوله : (ما أعددتُ) أي هيّأت في الجنّة، أو في الدُّنيا أيضا من مراتب القُرب .

وقوله : (ذاب قلبك) .

في القاموس: «ذابَ ذَوْبا وذَوبانا _ محرّكة _ ضدّ جمد. وأذابه غيره» (2).

(وزَهِقَتْ نفسك) أي خرجت، وهلكت، واضمحلّت .

في القاموس: «زهق الباطل، كمنع: اضمحلّ . والراحلة زُهوقا: سبقت، وتقدّمت أمام الخيل . ونفسه: خرجت، كزهقت، كسمع. والشيء: بطل، وهلك، فهو زاهق وزَهوق» (3).

وقوله : (تَجاور فيها الطيّبين) .

في بعض النسخ: «الطيّبون» . و«تجاور» على النسخة الاُولى على صيغة المخاطب المعلوم ، وعلى الثاني على صيغة المؤنّث الغائبة المجهولة .

وقوله : (من أهوالها) بيان للموصول .

والضمير للقيامة، أو ليومها. والتأنيث باعتبار المضاف إليه .

(آمنون)؛ لتجنّبهم في الدُّنيا عن أسباب تلك الأهوال .

وقوله : (دار) ؛ عطف بيان للدار الاُولى، أو خبر مبتدأ محذوف، والجملة صفة لها .

ص: 358


1- المصباح المنير ، ص 322 (شمر)
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ، ص 69 (ذوب)
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 243 (زهق)

وقوله : (نافس فيها) .

كلمة «في» للتعليل، وضمير التأنيث راجع إلى الدار؛ أي ارغب، واجتهد في تحصيل أسبابها .

(مع المتنافسين) أي مع الراغبين العاملين لها .

وقيل : «في» للظرفيّة. والأمر بالمنافسة يوجب الدخول فيها (1).

وقوله : (اُمنيّة المتمنّين) .

الاُمنيّة _ بالضمّ _ الاسم من قولك : تمنّاه، إذا أراده، ومنّاه إيّاه، وبه تمنية . ولعلّ المراد بالمتمنّين أهل التقوى والصلاح في الدُّنيا، أو أهل العرصات مطلقا؛ فإنّهم يتمنّونها يومئذٍ .

(حسنة المنظر) ؛ لاشتمالها على كلّ ما له مدخليّة في الحسن والكمال .

في القاموس: «المنظر: ما نظرت إليه، فأعجبك، أو ساءك» (2).

وقوله : (إن كنت لها من العاملين) ؛ تقديم الظرف للحصر بالنسبة إلى العاملين لغيرها .

(مع آبائك) .

قيل : أي تكون، أو طوبى لك مع آبائك (3).

وقيل : الظرف حال عن اسم «كنت»، وفيه دلالة على أنّ ابن البنت ابن لأبيها حقيقةً ؛ لأنّ الأصل في الإطلاق الحقيقة . وقد تقدّم مثله (4).

وقوله : (نعيم) هو الخفض، والدعة، والمال .

(لا تبغي بها) أي لا تطلب بعد مشاهدة تلك الدار (بدلاً بها) .

قال الجوهري : «بَدلَ الشيء غيره بَدَلٌ وبِدْلٌ لغتان، مثل شَبَهٍ وشِبْهٍ»(5) .

(ولا تحويلاً) . يُقال : حوّلت الشيء، فتحوّل، وحوّلتُ أيضا بنفسي، بمعنى تحوّلت، يتعدّى ولا يتعدّى، وكلاهما مناسب للمقام، وإن كان الثاني أنسب ؛ أي لا تطلب التحوّل عنها

ص: 359


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 111
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 144 (نظر)
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 325
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 111
5- الصحاح ، ج 4 ، ص 1632 (بدل)

إلى غيرها، أو عن موضع منها إلى موضع آخر، منها طلبا للأحسن ؛ لأنّ كلّ موضع منها في غاية الحُسن، ولا يوجد أحسن منها .

وقيل : يحتمل أن يكون المراد: لا تطلب الدنيا في الدنيا بدلاً منها، ولا تحويلاً عنها. فهو على الأوّل خبر، وعلى الثاني نهي بصورة الخبر (1).

(كذلك) أي على النحو الذي ذكر من قوله : «لو رأت عينك» إلى قوله : «ولا تحويلاً» .

(أفعل بالمتّقين) .

التعليق بالوصف يشعر بالعلّيّة .

وقيل : معناه: مثل ما أفعل بآبائك أفعل بالمتّقين(2) ، وهو بعيد.

وقوله : (اهرب) إلى قوله : (وأنكال).

الهرب إلى اللّه : الالتجاء إليه بالطاعة، وترك المخالفة .

قال الفيروزآبادي : «اللَّهب واللَّهَبُ واللهيب: اشتغال النار إذا خلص من الدخان. أو لَهبها : لسانها، ولهيبها : حرّها» (3).

وقال : «النِّكل، بالكسر: القيد الشديد. الجمع: أنكال، أو قيد من نار» انتهى(4) .

والأغلال: جمع الغُلّ _ بالضمّ _ وهو الحديدة التي تجمع يد الأسير إلى عنقه . وقد يكون من حيّة .

ولعلّ وصف النار بالأغلال والأنكال لكونهما منها، أو لتقييد أهلها بهما .

(لا يدخلها رَوح) بالفتح، وهو الراحة، والرحمة، ونسيم الريح .

(ولا يخرج منها غمّ) أبدا؛ لكون أهلها مغمومين دائما.

والغمّ: الكرب .

وقوله : (قِطَع) خبر مبتدأ محذوف .

والقِطَع، كعِنب: جمع القِطعة _ بالكسر _ وهي الطائفة من الشيء .

ص: 360


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 111
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 111
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 129 (لهب)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 60 (نكل)

والقُطعة، بالضمّ: طائفة تقطع من الشيء. والقِطع، بالكسر: ظلمة آخر الليل . والقِطعة منه، كالقِطَع كعنب، أو من أوّله إلى ثلثه .

(كقطع الليل المظلم) .

التشبيه باعتبار عدم نورها ، أو لأنّ نورها لا يزيل ظلمة اختلاط الدخان به؛ لكثرة دخنتها وبخرتها وكثافتها . والأوّل أظهر .

وفي الأدعية السجّاديّة : «ومن نار نورها ظلمة» (1).

وقوله : (العُتاة) جمع العاتي. تقول : عتا عتوّا: استكبر، وجاوز الحدّ، فهو عات .

وقوله : (فَظٍّ) ؛ هو بالفتح: الغليظ الجانب ، السيّء الخُلق ، القاسي القلب ، الخشِن الكلام، وفعله كعلم .

وقوله : (كلّ مُختالٍ فخور) .

الاختيال: التكبّر، والإعجاب بالنفس. والفخر: التمدّح بالخصال، وفعله كمنع .

وقوله : (دار الظالمين) ؛ هي المخصوص بالذمّ للفعلين على سبيل التنازع .

والظاهر أنّ المراد بها جهنّم، لا الدُّنيا . والمراد بالركون إليها الميل إلى الأسباب الموجبة لدخولها .

(إنّي اُحذّرك نفسك) ؛ يعني أخوّفك من شرّها، فلا تغفل عنها؛ فإنّها أمّارة بالسوء .

(فكن بي خبيرا) ؛ لعلّ الباء صلة «خبيرا»؛ أي كُن عارفا بي، أو برحمتي ونقمتي، أو بشرائع ديني ، حتّى لا تغلبك نفسك ولا تخدعك .

واحتمال كون الباء صلة للكون بمعنى السببيّة؛ أي كُن بمعونتي خبيرا بعيوب نفسك، بعيد .

(مراقبا لي) .

المراقبة: الخوف، أو الحراسة، أو الانتظار، أو التوقّع، أو التحفّظ . ولعلّ المراد: كُن منتظرا لأمري، ومتوقّعا فضلي وإحساني، أو خائفا من عقوبتي، أو حارسا متحفّظا سرائرك، عالما بأنّي مطّلعٌ عليها .

ص: 361


1- الصحيفة السجّاديّة ، ص 152 ، الدعاء 32

وقيل : مراقبته تعالى محافظة القلب له، ومراعاته في السرّ والعلانية، وهي ثمرة العلم بأنّه تعالى مطّلع على الضمائر والسرائر ، وهذا العلم إذا استقرّ في القلب يجذبه إلى مراعاته في جميع الأهوال، وثمرته التعظيم والإجلال، واشتغال القلب بملاحظة الكبرياء والجلال، وصرف الظواهر إلى الأعمال الصالحة (1).

وقوله : (أهبطتك) أي أنزلتك بإهباط أبيك، أو بإهباط روحك .

والغرض من أمثال تلك الفقرات التنبيه على نفاذ أمره تعالى، وإمضاء حكمه، وتثبيت كلماته .

وقوله : (لا يصلح لسانان في فَمٍ واحد) .

نهاه عن كونه ذا اللسانين بأن يقول عند حضور أحد ما يخالف قوله عند غيبته، أو يمدحه شاهدا ويُعيبه غائبا ، أو يمزج الحقّ من القول بالباطل منه ، أو ما شابه ذلك .

(ولا قلبان في صدرٍ واحد) ؛ بأن يكون فيه رغبة إلى الحقّ وإلى الباطل معا ، أو يميل إلى المؤمن والكافر معا ، أو محبّة اللّه ومحبّة أعدائه ، أو محبّة المال والجاه وزخارف الدنيا وشهواتها ، ولا يتصوّر الجمع بين تلك الأضداد إلّا بأن يكون لشخصٍ قلبان، وهو محال .

وهذا نظير قوله تعالى : «مَا جَعَلَ اللّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ» (2) قال البيضاوي : «أي ما جمع قلبين في جوف ؛ لأنّ القلب معدِن الروح الحيواني المتعلّق للنفس الإنساني أوّلاً، ومنبع القوى بأسرها، وذلك يمنع التعدّد» (3).

(وكذلك الأذهان) .

في القاموس : «الذِهن، بالكسر: الفهم، والعقل، وحفظ القلب، والفِطْنة _ ويحرّك _ والقوّة» (4).

ويفهم من التشبيه أنّ ذكر اللسان والقلب كالتوطئة والتمهيد لذكر الأذهان ؛ أي كما لا يصلح تعدّد اللسان في فم واحد، ولا القلب في صدر واحد، كذلك لا يصلح أن يجتمع شيئان متضادّان وخيالان متبائنان في قلب واحد، بحيث يصيران منشأين لاُمور مختلفة متضادّة، كالتوجّه إلى إدراك الآخرة، وتحصيل أسباب النجاة فيها، والتوجّه إلى إدراك الدُّنيا،

ص: 362


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 113
2- الأحزاب (33) : 4
3- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 362
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 226 (ذهن)

والاشتغال بجمعها وضبطها ، وكالتوكّل على اللّه والطمع والحرص على الدُّنيا ، وغير ذلك من الاُمور المتضادّة .

والحاصل : أنّ هذه الأشياء في كلّ شخص واحد، فينبغي صرفها إلى ما خلقت لأجله، وميلها عن كلّ ما ينافيه .

وقوله : (لا تستيقظنّ عاصيا، ولا تستنبهنّ لاهيا) ؛ لعلّ المراد: لا يكن استيقاظك من النوم في حال اشتغالك بالمعصية، ولا استنباهك من الغفلة في حال اشتغالك باللهو واللعب .

قال الجوهري : «رجل يقظ؛ أي متيقّظ، حَذِرٌ. أيقظه من نومه: نبّهه، فتيقّظ، واستيقظ» (1).

وفي القاموس : النُّبه، بالضمّ: الفِطنة، والقيام من النوم. وهذا مُنبهة على كذا: مُشعِرٌ به . ولفلانٍ : مشعر بقدره، ومُعلٍ له . والنُّبه، محرّكة: المشهور. ونبّه باسمه: نوّه. وأنبه حاجته: نسيها. والنَّباه، كسحاب: المشرف الرفيع . انتهى (2).

قال بعض الفضلاء في شرح هذا الكلام : «أي لا تتوجّه إلى تيقّظ الغير، والحال أنّك عاص ، بل ابدأ بإصلاح نفسك قبل إصلاح غيرك . وكذا الفقرة الثانية» .

وقال : هذا إذا ورد الفعلان متعدّيين، لكن أكثر اللغويّين ذكروا البناء الأوّل لازما، ولم يذكروا البناء الثاني. فيحتمل أن يكون المراد: لا تستيقظ استيقاظا لا يردعك عن المعاصي، ولا استنباها مخلوطا باللهو والغفلة ، أو لا يكن استيقاظك وتنبّهك عند الموت بعد العصيان واللهو .

ويحتمل أن يكون الأوّل لازما، والثاني متعدّيا، فيكون [المعنى ] أتمّ وأكمل . فتأمّل (3).

وقال بعض الشارحين : النهي راجع إلى القيد، ولعلّ المقصود النهي عن العصيان في حال الاستيقاظ، ومعرفة الاُمور، والعلم بصحيحها وسقيمها ، وعن اللهو في حال النباهة والشرف؛ فإنّ المعصية من الفطن العارف واللهو من النبيه الشريف أقبح وأشنع، كما دلَّ عليه

ص: 363


1- الصحاح ، ج 3 ، ص 1181 (يقظ) مع اختلاف يسير
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 293 (نبه) مع التلخيص
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 326

صريح بعض الروايات (1).

(وافطِم) أي اقطع وامنع .

(نفسك عن الشهوات) .

في القاموس : «فطمه يفطِمه: قطعه. والصبيَّ: فصله عن الرِّضاع» (2).

(الموبقات) أي المهلكات .

(وكلّ شهوة تُباعدك منّي) ؛ الظاهر أنّ «كلّ شهوة» مبتدأ، وما بعده خبره.

والفاء في قوله : «فاهجرها» فصيحة، وكون «كلّ شهوة» عطفا على الشهوات، وما بعده صفته ، والفاء للتفريع، أو كونه مبتدأ وما بعده صفته، والخبر (فاهجرها)، محتمل بعيد .

والمراد بالشهوة الميل، والرغبة في الشيء بمقتضى النفس الأمّارة، فالكلّيّة بحالها، ولا يحتاج إلى استثناء بعض الشهوات، كما فعله البعض .

وقوله : (إنّ دنياك مؤدّيتُك إليّ) .

نسبة التأدية إلى الدُّنيا مجاز باعتبار أنّ العمر ينقطع وينتهي بمرور الأيّام .

(وإنّي آخذك بعلمي) بسريرتك وعلانيتك .

والغرض منه التنبيه على وجوب مراقبة الأعمال والأفعال، والاستقامة في جميع الأحوال .

(وكُن ذليل النفس عند ذكري) بالقلب واللِّسان .

وقيل : الذلّ مترتّب على العلم بالاحتياج إليه تعالى من جميع الجهات؛ فإنّه يوجب ذلّ النفس، وسلب العزّ عنها، ويتبعه الخشوع في القلب والصوت والبصر وسائر الجوارح .

فلذلك قال : (خاشع القلب حين تذكرني) (3).

تخصيص خشوع القلب بالذِّكر؛ لاستلزامه خشوع سائر الجوارح والأعضاء .

وقوله : (يقطانَ) بفتح الياء، وسكون القاف .

ص: 364


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 114
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 160 (فطم)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 115

وقوله : (إذا صبر عبدي في جنبي) .

قال الجوهري : «الجنب معروف. والجنب: الناحية. «وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ» : صاحبك في السفر» (1).

وقال الشيخ الطبرسي في تفسير قوله تعالى : «يَا حَسْرَتَى عَلى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّهِ» (2). : «الجنب: القرب؛ أي يا حسرتا على ما فرّطت في قرب اللّه وجواره . وفلان في جنب فلان؛ أي في قربه وجواره . ومنه قوله تعالى : «وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ» (3). » (4).

وقال البيضاوي : «أي في جانبه؛ أي في حقّه، وهو طاعته . وقيل : في ذاته على تقدير مضاف كالطاعة . وقيل : في قربه من قوله : «وَالصَّاحِبِ بِالْجِنْبِ» » (5).

وقال بعض الشارحين : في جنبي؛ أي في أمري التكليفي، مثل الحجّ والصوم والصلاة. والإيجادي، مثل الفقر والنوائب. أو في جانبي وسبيلي، وهو الدِّين القويم، والصراط المستقيم. أو في حفظ أوليائي، وتحمّل الشدائد في متابعتهم .

قال : والجنب يُطلق على هذه المعاني، كما هو ظاهر لمن تتبّع اللغة والاستعمال . والصبر على هذه الاُمور من أعظم العبادات، وثوابه جزيل . فلذلك قال : (كان ثواب عمله عليَّ) ؛ حيث أحاله على ذاته المقدّسة، وخصّه بذلك لمزيد الاعتناء به، وإلّا فثواب جميع الأعمال الصالحة عليه (6).

(وكنت عنده حين يدعوني) ؛ كناية عن سماع دعائه وإجابته، وإلّا فهو عند كلّ أحد .

(وكفى بي منتقما ممّن عصاني) . يُقال : كفاه مؤونته، إذا حصل به الاستغناء عن غيره .

والغرض منه عدم احتياجه تعالى في الانتقام من العُصاة إلى معاونة أحد .

(أين يهرب منّي الظالمون) ؛ يعني لا يمكن الخروج عن ملكي وسلطاني، فلا يغترّوا بإمهالي وإملائي .

ص: 365


1- الصحاح ، ج 1 ، ص 101 (جنب)
2- الزمر (39) : 56
3- النساء (4) : 36
4- تفسير مجمع البيان ، ج 8 ، ص 410
5- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 74
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 115 (مع اختلاف يسير)

وقوله : (أطِب الكلام) أي اجعله طيّبا، وهو خلاف الخبيث .

(وكُن حيثما كنتَ عالما متعلِّما) ؛ الظاهر أنّه من قبيل «إيّاك أعني، واسمعي يا جاره» .

وقيل : تنبيه على أنّه وإن بلغ حدّ الكمال في العلم، لابدّ له من أن يتعلّم؛ لأنّ العلم بحرٌ لا ينزف، كما دلّ عليه قوله تعالى : «وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ» (1).

ودلَّ عليه أيضا حكاية موسى مع الخضر عليهماالسلام ، ولذلك أمر اللّه تعالى سيّد المرسلين _ وهو أعلم العالمين _ بطلب الزيادة في العلم بقوله : «وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْما» (2) (3).

وقوله : (أفض) ؛ من الإفضاء، وهو الوصول، والبلوغ .

والباء في قوله : (بالحسنات إليَّ) للتعدية . أو بمعنى «مع»، أو للسببيّة .

والمراد أمره عليه السلام بالسعي والاهتمام في تحصيلها، والإقبال إليه تعالى بسببها أو معها .

ويحتمل كونه من الإفاضة . في القاموس : «أفاض الماء على نفسه: أفرغه . والناس من عرفات: دفعوا، أو رجعوا، أو أسرعوا منها إلى مكان آخر» (4)

وفي الصحاح : «أفاض: ملأ» انتهى (5).

وفيه إشعار بإكثارها .

وقوله : (ذكرها عندي) .

قيل : المراد به ذكر أجرها وثوابها .

أو ذكر نفسها ، وكأنّه على الأخير من باب التمثيل؛ لأنّ أحدنا إذا أرسل هديّة إلى صديقه، فمتى رآها الصديق يذكرها، ويذكر صاحبها (6).

وقوله : (شفاء للقلوب) ؛ يعني من مرض الجهل، ووساوس الشيطان .

وقوله : (مكرتَ) على صيغة الخطاب .

وقوله : (مكري) من باب المشاكلة؛ فإنّه سمّى جزاء المكر مكرا . أو المكر: الاحتيال، والخديعة، وفعله كنصر .

وقوله : (حاسب نفسك بالرجوع إليّ) .

ص: 366


1- يوسف (12) : 76
2- طه (20) : 114
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 116
4- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 341 (فيض)
5- الصحاح ، ج 3 ، ص 1099 (فيض)
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 116

قيل : أي بسبب أنّ مرجعك إليَّ(1) وهو كما ترى ، والصواب ما قيل من أنّ حساب النفس يتوقّف على الرجوع إليه تعالى؛ لأنّ حسابها عبارة عن ملاحظة طاعتها ومعصيتها له، ويعرف أنّه يرجع إلى اللّه ، وأنّه تعالى يثيبه إن أطاع، ويعاقبه إن عصى ، فإذا حصلت له هذه المعرفة اشتغل بنفسه، ويحاسبها في كلّ يوم وساعة، فينظر إلى أفعالها وأعمالها، فما كان منها موافقا لإرادة اللّه تعالى دام عليه وشكر ، وما كان مخالفا لأمره فرَّ منه واستغفر (2).

(حتّى تتنجّز ثوابَ ما عمله العاملون) أي مثله .

وهذا إشارة إلى غاية محاسبة النفس، وفائدته المترتّبة عليه .

في القاموس : «نجز حاجته: قضاها، كأنجزها، وتنجّزها.

واستنجزها: استنجحها .

والعِدة: سأل إنجازها» (3).

والمراد بالثواب جزاء العمل في الآخرة .

وقيل : في الدُّنيا أيضا، وهو السعادة الروحانيّة الأبديّة التي هي قُرب الحقّ (4).

(اُولئك) العاملون، أو المحاسبون .

(يؤتون) أي يُعطَون .

(أجرهم) ؛ يعني ثواب عملهم .

(وأنا خير المؤتين) ؛ لعدم النقص في عطائه، ولا ينفد ما عنده .

وقوله : (كنتَ خَلقا بكلامي) أي بمجرّد لفظ «كُن» .

وهذا تمثيل لتأثير قدرته تعالى في مراده بأمر المطاع للمطيع في حصول المأمور، من غير امتناع وتوقّف، وافتقار إلى مزاولة عمل، واستعمال آلةٍ، وإظهار للقدرة على إيجاد كلّ فرد بلا أب، بل بلا اُمّ أيضا .

وقيل : يحتمل أن يُراد به الاسم الأعظم الذي تكلّم به جبرئيل عليه السلام حين نفخه في مريم عليهاالسلام (5).

ص: 367


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 328
2- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 116
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 193 (نجز)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 117
5- احتمله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 117

وقوله : (بأمريَ المُرسلُ إليها) ؛ على صيغة اسم المفعول .

والمراد به جبرئيل عليه السلام . ويمكن أن يُراد بالأمر نفخه فيها .

(روحي) بدل من المرسل إليها، أو عطف بيان له .

(جبرئيل الأمين) ؛ عطف بيان للروح .

(من ملائكتي) ؛ بيان لجبرئيل .

وقوله : (حيّا) ؛ نصب على الحال، أو على التميز .

وقوله : (تمشي) ؛ صفة ل «حيّا»، وهما مترادفان، أو متداخلان .

وقوله : (في سابق علمي) أي علمي السابق، وهو العلم الأزلي بأن يكون خلقك على هذا النحو .

وقوله : (زكريّا بمنزلة أبيك) ؛ يعني في الرأفة والشفقة والمحبّة . أو لأنّه كفل اُمّه، كما قال : (وكفيل اُمّك) أي متكفّل لاُمورها .

والغرض من ذكره ترغيبه عليه السلام على برّه وتعظيمه، حيّا وميّتا .

(إذ يدخل عليها المحراب) .

قال البيضاوي : «المحراب: الغُرفة التي بنيت لها في المسجد، أو المسجد، أو أشرف مواضعه ومقدمها، سمّي به؛ لأنّه محلّ محاربة الشيطان، كأنّها وضعت في أشرف موضع من بيت المقدس» (1).

(فيجد عندها رزقا) .

قال البيضاوي : «روي أنّه لا يدخل عليها غيره ، وإذا اخرج أغلق عليها سبعة أبواب، وكان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف، وبالعكس» (2).

(ونظيرك يحيى من خلقي) في الزهد والعبادة، أو في العلم والنبوّة وسائر الكمالات ، أو في تولّده من شيخٍ كبير يَئسَ من الولد ، فكأنّه أيضا ولد من غير أب ، أو في دلالته على القدرة الكاملة. ونظير الشيء مثله .

(وَهبتُهُ لاُمّه بعد الكِبر) .

ص: 368


1- تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 34
2- تفسير البيضاوي، ج 2 ، ص 34

قيل : كان سنّها حينئذٍ نيفا وتسعين سنة (1).

(من غير قوّة بها) أي مع غاية ضعفها، وعدم قوّة كانت بها بحيث تقوّي بتلك القوّة على الاستيلاد عادةً .

(أردتُ بذلك) أي بخلق يحيى، وتولّده من كبيرين، وبخلقك وتولّدك بلا أب .

(أن يظهر لها) أي لاُمّ يحيى .

(سلطاني) أي عظمتي وقدرتي على ما اُريد .

(ويظهر) للخلق (فيك) أي لأجل تولّدك بلا أب .

(قدرتي) أي قوّتي .

وقيل : ذكر الظهور لها في الأوّل، وللخلق في الثاني ؛ لأنّ الثاني أغرب وأعجب ، وتخصيص الظهور بها؛ لأنّ توليد العاقر أبعد من توليد الكبير (2).

وقوله : (تيقّظ، ولا تيأس من رَوحي) أي لا تقنط من رحمتي وتنفيسي .

قيل : المتيقّظ وإن كان مستعدّا لفيض الربّ، إلّا أنّه ربّما كان لا يبرّئ نفسه عن التقصير، وربّما يؤدّي تيقّظه إلى اليأس ، فلذا نهاه عنه (3).

وقوله : (وبطيّب الكلام) ؛ بتشديد الياء.

والجارّ متعلّق بما بعده ، أعني قوله : (فقدّسني) ، ولا محذور في ذلك؛ لعدم كون الفاء للشرط .

وقوله : (كيف يكفر العباد بي) .

«كيف» للاستخبار الإنكاري مع توبيخ وتعجّب لكفرهم، من قبيل قوله تعالى : «كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ» (4) .

والكفر شامل لكفر الجحود، وكفر النعمة، وكفر المخالفة .

(ونَواصيهم في قبضتي) ؛ كناية عن كمال الاقتدار والقهر والاستيلاء عليهم؛ فإنّ من أخذ

ص: 369


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 118
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 118
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 118
4- البقرة (2) : 28

بناصية أحد، فقد قهره وملكه، ولا يجد عنه مهربا . والناصية: قصاص الشعر .

والقبضة: بالفتح، وضمّه أكثر: ما قبضت عليه من شيء؛ أي أمسكته بيدك .

(وتقلّبهم في أرضي) .

التقلّب في الاُمور: التصرّف فيها، والتحوّل في الأحوال .

وقوله : (وكذلك يهلِك) ؛ على بناء الفاعل من الهلاك، أو على بناء المفعول من الإهلاك .

(الكافرون) .

قيل : هذا إشارة إلى أنّ جهل نعمته وتولّى غيره أمرٌ مشترك بين الكفرة كلّهم على تفاوت مِللهم واختلاف درجاتهم (1).

وقوله : (إنّ الدُّنيا سجنٌ) ضيّق .

السجن، بالكسر: المحبَس. وبالفتح المصدر . والحمل على المجاز، أو على التشبيه، بحذف أداته، مثل: زيد أسد .

وقيل : من باب الحقيقة؛ لأنّ الدُّنيا محبس لآدم وأولاده، خصوصا للأولياء، وضيّقة بالنسبة إلى الآخرة (2).

(مُنتن الريح) ؛ في الواقع، أو عند أهل البصيرة .

هذا إذا كان حمل السجن على الدُّنيا حقيقةً، كما قيل . وعلى ما ذكرناه، فلا يحتاج إلى التوجيه .

والنَّتَن: الرائحة الكريهة . وقد نَتُن الشيء _ ككرم _ وأنتَنَ، فهو مُنتِن، ومِنتين بالكسر .

(وحَسُن) ؛ من الحسن، أو من التحسين على بناء المفعول .

قال الجوهري : «حسّنت الشيء تحسينا: زيّنته» (3) أي زُيِّن للناس .

(فيها ما قد تَرى) من زَهَراتها الرائقة، وزخارفها الفانية .

وفي الأمالي : «منتن الريح، وحُشٌّ» (4) ، وفيها ما قد ترى .

ص: 370


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 119
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 119
3- الصحاح ، ج 5 ، ص 2099 (حسن)
4- الأمالي للصدوق ، ص 517 ، ح 1

قال الجوهري : «الحُشّ: البُستان، والمخرج» (1) وفي القاموس: «الحشّ، مثلّثة: المَخْرَج» (2) ؛ لأنّهم كانوا يقضون حوائجهم في البساتين .

(ممّا قد تَذابح عليه الجبّارون) أي ذبح بعضهم بعضا؛ لأخذ ما في يده من أمتعتها .

(وإيّاك والدُّنيا) إلى قوله : (إلّا قليل) ؛ يعني في جنب نعيم الآخرة، وإن كان كثيرا في بادئ الرأي .

وفيه تحذير عنها، وصرف العمر في تحصيلها ، وعلّل ذلك بأنّ نعيمها قليل يزول ، والعاقل لا يلتفت إلى القليل الزائل من حيث هو، فكيف إذا كان سببا لزوال الكثير الباقي؟!

(أبغني عند وِسادك تجدني) .

في القاموس: «بغيته أبغيه بُغاءً وبُغا وبُغية _ بضمّهنّ _ وبِغيَةً، بالكسر: طَلَبْتُهُ»(3) .

وفيه: «الوَساد: المتّكأ، والمخدّة، كالوِسادة، ويثلّث»(4).

قيل : معناه: اطلبني، وتقرّب إليَّ عندما تتّكأ على وسادك للنوم بذكري، تجدني لك حافظا في نومك، أو قريبا منك، مجيبا فيتلك الحال أيضا .

ويحتمل أن يكون المراد: اطلبني بالعبادة عند إرادة التوسّد، أو في الوقت الذي يتوسّد فيه الناس، تجدني مفيضا عليك مترحّما .

ويحتمل على بُعدٍ أن يكون المراد التوسّد في القبر (5)

وقيل : هو إشارة إلى قربه من كلّ أحد في كلّ زمان ومكان، أو إلى طلب العبادة في زمان الغفلة، وحثّ على ترك النوم (6).

(وادعني، وأنت لي محبّ) .

تقديم الظرف لإفادة الحصر .

(فإنّي أسمع السامعين، أستجيب للدّاعين إذا دعوني) .

قيل : وصفه تعالى بأسمع السامعين إيماء إلى أنّه ينبغي أن تحبّ من كان كذلك، أو إن لم

ص: 371


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 119
2- الصحاح ، ج 3 ، ص 1001 (حشش)
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 269 (حشش)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 304 (بغي)
5- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 345 (وسد)
6- القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 329 و 330

أستجب لأحد فإنّما هو لعدم المحبّة، وإلّا فأنا أسمع السامعين. والأوّل أظهر (1) انتهى .

ولا يخفى بُعد التوجيهين، والأقرب أن يُقال : إنّه ترغيب في طلب جميع الخيرات منه تعالى، والتيقّن بحصولها؛ لأنّ عدم الحصول إمّا لعدم سماع المدعوّ، أو لعدم الاستجابة، والبخل بها مع سماعه، وكلاهما منتف عنه سبحانه .

وقوله : (فلا يهلكوا إلّا وهم يعلمون) أي إن هلكوا، وضلّوا، وأصرّوا على المعاصي بعد التخويف والإنذار، هلكوا بعد البيّنة، وإلزام الحجّة عليهم .

وهذا نظير قوله تعالى : «لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ» (2).

وقوله : (فكلّ هذا) أي كلّ من السَبُّع والموت.

(أنا خلقته، فإيّاي فارهبون) ؛ فإنّ الخالق أولى بأن يكون مرهوبا منه من المخلوق .

قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى : «فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ» (3). :

أي فيما تأتون، وتذرون، وهو آكد في إفادة التخصيص من «إِيَّاكَ نَعْبُدُ» ؛ لما فيه مع التقديم من تكرير المفعول ، والفاء الجزائيّة الدالّة على تضمّن الكلام معنى الشرط، كأنّه قيل : إن كنتم راهبين شيئا فارهبوني . والرهبة خوفٌ معه تحرّز ، والآية متضمّنة للوعد والوعيد، دالّة على أنّ المؤمن ينبغي أن لا يخاف أحدا إلّا اللّه تعالى (4).

وقوله : (غضبُ المغضبين) بفتح الضاد، من أغضبه، فهو مُغضِب، وذاك مُغضَب.

وقوله : (اذكرني في نفسك) ؛ يعني في قلبك، ولا تغفل عنّي .

(أذكرك في نفسي) ؛ كأنّه من باب المشاكلة، أي عاملتك معاملة المذكورين، لا المنسيّين .

وقيل : أي أفيض عليك من رحماتي الخاصّة من غير أن يطّلع عليها غيري(5).

قال الفيروزآبادي : «النفس: الجسد، والعند. «تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِى وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ» (6). ؛

ص: 372


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 330
2- الأنفال(8) : 42
3- النحل (16) : 51
4- تفسير البيضاوي ، ج 1 ، ص 310
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 330
6- المائدة (5) : 116

أي ما عندي وما عندك، أو حقيقتي وحقيقتك، وعين الشيء ، والعظمة، والعزّة ، والهمّة» (1) .

(واذكرني في ملئك) .

الملأ، كجبل: الجماعة، والقوم، والأشراف . والمراد هنا ملأ الآدميّين .

وفي قوله : (أذكرك في ملأ خيرٌ من ملأ الآدميّين) ؛ ملأ الملائكة المقرّبين.

والذِّكر في هذا الملأ بالثناء عليه، والمباهات به، أو إثابته بحضرتهم . واستدلّ بمثل هذا بعض العامّة على أفضليّة الملائكة من الأنبياء؛ إذ عدّ ملائكة خيرا من ملأ الآدميّين، ولو كان فيهم نبيّ .

ويمكن الجواب بأنّ المراد بملأ الآدميّين الملأ الذي لم يدخل فيه الأنبياء والصدّيقون، وهذا وإن كان مخالفا للظاهر، إلّا أنّ الأخبار الدالّة على أفضليّة الأنبياء، ومن يحذو حذوهم، تخصّص هذا العموم .

وقد يُجاب بأنّ تفضيل المجموع على المجموع لا يوجب تفضيل الأجزاء على الأجزاء، كما في قولك : «الرجل خيرٌ من المرأة» إذا اُريد باللام الحقيقة .

(يا عيسى ادعني دعاء الغريق الحزين الذي ليس له) .

في بعض النسخ: «معه» .

(مُغيث) غيري .

قال الجوهري : «غَرقَ في الماء غَرَقا، فهو غَرِقٌ، وغارق أيضا . وأغرقه غيره، وغرّقه، فهو مغرق وغريق. واغتراق النَفَس: استيعابه في الزفير» (2).

ويفهم منه أنّ من شرائط قبول الدعاء قطع الرجل عن غيره تعالى، والانقطاع إليه مع غاية التضرّع والاستكانة .

وقوله : (فيهتزّ عرشي) . يُقال : هزّه هزّا، أي حرّكه، فاهتزّ .

والظاهر أنّ المراد بالعرش الجسم المعروف الذي فوق جميع الأجسام، وهو العرش الجسماني .

وقيل: يمكن أن يُراد به قدرته تعالى الشاملة لكلّ الموجودات، وإن لم يشتهر إطلاقه

ص: 373


1- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 255 (نفس)
2- الصحاح ، ج 4 ، ص 1537 (غرق)

عليها(1).

وقوله : (الدنيا قصيرة العُمُر) .

إن اُريد بالدُّنيا نفسها، فقصر عمرها؛ أي بقاؤها بالنسبة إلى الآخرة . وإن اُريد أهلها _ يعني عمر كلّ أحد فيها _ فقصره ظاهر .

وعلى التقديرين المقصود منه التحذير والتنفير عن الركون إليها .

وأمّا قوله : (طويلة الأمل) ؛ فالمراد به طول أمل أهلها فيها، والإسناد إليها مجاز.

والأمل: الرجاء، قد يفرّق بينه وبين الطمع بأنّ الأمل كثر استعماله فيما يستبعد حصوله، والطمع فيما يقرب .

وقوله : (وأنتم تشهدون) ؛ من الشهادة، أو من الشهود، وهو الحضور .

والظاهر أنّ الواو للحال .

وقوله : (بسرائر) ؛ متعلّق بالشهادة على الظاهر. ويحتمل كونه بدلاً من قوله (بالحقّ) .

وقوله : (غسلتم وجوهكم) ؛ لعلّ المراد غسل الأعضاء الظاهرة مطلقا بقرينة المقابلة بقوله : (ودنّستم قلوبكم) .

في الصحاح: «دَنِسَ الثوب، وتدنّس: توسّخ. ودنّسه غيره» (2).

(أبي تغترّون) أي هل بعفوي، أو إمهالي تختدعون .

والاستفهام للتوبيخ .

(أم عليَّ تجترؤون) أي أم على عقوبتي لا تبالون .

قال الجوهري : «الجرأة، مثال الجرعة: الشجاعة . والجَرِيء: المِقدام . أو تقول : جرّأتك على فلان، حتّى اجترأت عليه» (3).

وقوله : (قلّموا أظفاركم) .

قلم الأظفار، وتقليمها: قطعها . وهنا كناية عن قبض اليد والامتناع .

وقوله : (الخَنا) أي الفحش من القول .

ص: 374


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 121
2- الصحاح ، ج 3 ، ص 931 (دنس)
3- الصحاح ، ج 1 ، ص 40 (جرأ)

وقوله : (ضرركم) .

في بعض النسخ: «صوركم»، وهو أظهر وأنسب بما روي: «أنّ اللّه لا ينظر إلى صُوركم، ولا إلى أجسادكم، ولكنّه ينظر إلى قلوبكم ونيّاتكم» (1).

وفي بعضها: «صرركم» بالصاد المهملة، وكأنّه بكسر الفاء وفتح العين، جمع صرّة _ بالفتح _ نحو بَدْرة وبِدَر . أو جمع صِرّة _ بالكسر _ نحو قِربة وقِرَب .

قال الجوهري : «الصرّة: الصيحة، والجماعة، والشدّة» (2).

وفي القاموس: «الصِّرة، بالكسر: أشدّ الصياح . وبالفتح: الشدّة، والحرب، والحرّ، والجماعة» (3).

وقوله : (شَين) ؛ هو بالفتح، خلاف الزين .

وقوله : (لطم) ؛ على بناء الفاعل، وفاعله ذلك الغير.

أو على بناء المفعول من المجرّد، أو المزيد فيه .

واللطم: الضرب على الوجه بباطن الراحة .

وقوله : (وتقرّب إليّ بالمودّة) أي بالتودّد إلى الناس ، أو بما يوجب مودّتي، أو بمودّتك لي .

ففيه على الأوّل ترغيب في حسن المعاشرة ، وعلى الأخيرين في تحصيل محبّته تعالى بتصفية الظاهر والباطن من الرذائل، وتحليتهما بالفضائل .

وقوله : (واعرض عن الجاهلين) ؛ أمر بالإعراض عن مخاصمتهم ومعارضتهم ومماراتهم والمكافأة بمثل أفعالهم، لا عن نصحهم وتأديبهم وإرشادهم .

أو المراد بالجاهلين المنهمكين في آثار الجهل، المستغرقين فيها، بحيث لا يجوّز العقل تأثير النصيحة والموعظة، بل رجّح بالإقبال إليهم، والتعرّض لإصلاحهم مفاسد كثيرة .

وقوله : (ذِلّ لأهل الحسنة) ؛ على صيغة الأمر، من الذِّلّة _ بالكسر، والضمّ _ وهو ضدّ الصعوبة، والرفق، والرحمة. وفعل الكلّ كفرّ .

ص: 375


1- الأمالي للطوسي ، ص 536 ، ح 1 ؛ مكارم الأخلاق ، ص 469 ؛ محاسبة النفس للكفعمي ، ص 182
2- الصحاح ، ج 2 ، ص 710 (صرر)
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 68 (صرر)

وهذا نظير قوله تعالى : «وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ» (1) .

(وشاركهم فيها) أي فعل الحسنة .

(وكُن عليهم شهيدا) .

قيل : أي شهيدا تمنعهم من المهلكات، وتبعثهم على الصالحات، وتشهد لهم بها يوم القيامة (2).

وقوله : (يا أخدان السوء) .

في الصحاح: «الخدِن والخَدِين: الصديق» (3) وفي القاموس: «الخِدن، بالكسر، كأمير: الصاحب، ومن يخادنك في كلّ أمرٍ ظاهر وباطن» (4).

وقد مرَّ تفسير السوء بما لا مزيد عليه .

وقيل : يحتمل أن يكون إطلاقه «أخدان إلى السوء» من قبيل إضافة الموصوف إلى الصفة، كما هو الشائع في مثله، وأن يكون المراد أنّهم محبّون للسوء مخادنون له .

ولعلّ قوله : (والجلساء عليه) بهذا أنسب وأوفق؛ فإنّ الضمير راجع إلى السوء، فيكون بضمّ السين (5).

وقوله تعالى : (الحكمة تبكي فرقا منّي) .

في القاموس: «الحكمة، بالكسر: العدل، والعلم، والحلم، والنبوّة، والقرآن، والإنجيل» (6).

وفي الصحاح : «الفَرق، بالتحريك: الخوف . وقد فرِق بالكسر، تقول منه: فرِقت منك، ولا تقل: فرقتك» (7).

وأقول : لعلّ المراد ببكاء الحكمة بكاء أهلها ، والإسناد إليها مجاز باعتبار أنّها سببه .

و«الفرق» منصوب على أنّه مفعول لأجله .

ولعلّ ذلك الخوف لمشاهدة عظمته تعالى، أو لاحتمال التقصير في طاعته . أو لعدم

ص: 376


1- الشعراء (26) : 215
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 123
3- الصحاح ، ج 5 ، ص 2107 (خدن)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 218 (خدن)
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 332
6- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 98 (حكم)
7- الصحاح ، ج 4 ، ص 1541 (فرق)

رواجها، وكساد سوقها .

وقراءة «تبكي» على بناء الفاعل من باب الإفعال بحذف المفعول ؛ أي تبكي الحكمة أهلها، احتمال .

وقال بعض الشارحين :«الظاهر أنّ الحَكَمة _ بالتحريك _ جمع الحاكم، وهو صاحب الحكم والقدر والمنزلة من عند اللّه ، كالحَفَظة جمع الحافظ» (1).

(وأنتم بالضحك تهجرون) أي تَهزؤون، أو تستهزؤون، أو تتكلّمون بالفحش والقبيح، أو تعرضون عن الحكمة، وتهجرون أهلها ملتبسا بالضحك .

في القاموس: «الهجر، بالضمّ: القبيح من الكلام. وأهجر في منطقه إهجارا وهُجرا. وبه: استهزأ، ورماه بهاجرات ومهجرات؛ أي بفضائح . وهجرَ في نومه ومرضه هجُرا، بالضمّ» (2) وفي الصحاح: «الهجر: الهَذيان» (3).

وقال البيضاوي في تفسير قوله تعالى : «مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرا تَهْجُرُونَ» (4).

: من الهَجْر _ بالفتح _ إمّا بمعنى القطيعة، أو الهذيان ؛ أي تعرضون عن القرآن، أو تهذون في شأنه . والهجر، بالضمّ: الفحش . ويؤيّد الثاني قراءة نافع: «تُهجِرون» من أهجر . وقرئ: «تهجّرون» على المبالغة(5).

(أتتكم بَراءتي) أي جاءكم من عندي تخلّص من عذابي، من قولهم : بَرِئت منك ومن الديون والعيوب براءةً .

(أم لديكم) .

في بعض النسخ : «أم كذبكم» ، ولعلّه تصحيف .

وعلى تقدير صحّته يحتمل أن يكون على صيغة المصدر، أو الفعل الماضي من التكذيب .

وحينئذٍ قوله : (أمانٌ من عذابي) فاعل له. فتدبّر .

(أم تعرّضون لعقوبتي) ؛ يحتمل كونه من التعرّض بحذف إحدى التائين . يُقال : تعرّض له،

ص: 377


1- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 123
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 158 (هجر)
3- الصحاح ، ج 2 ، ص 851 (هجر)
4- المؤمنون (23) : 67
5- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 161

أي تصدّى؛ وكونه من التعريض ؛ أي تجعلون أنفسكم في معرض عقوبتي. وعلى التقديرين عبارة عن جرأتهم على المعاصي، وعدم مبالاتهم من عقوبتها .

قيل : إنّما ردّد بين هذه الاُمور الثلاثة؛ لأنّ حالتهم المذكورة توجب أن يكون لهم واحد منها قطعا، ولكن في الواقع لما كان هو الأمر الثالث(1).

قال : (فبي حلفتُ لأتركنّكم) أي لأجعلنّكم، أو أبقينّ آثار ما أفعل بكم من المثلات .

في القاموس: «الترك: الجَعْل. «وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْاخَرِيْنَ» (2). ، أي أبقينا» (3).

(مثلاً) بالتحريك؛ أي حديثا يمثّل به .

(للغابرين) أي الذين يوجدون بعدكم إلى يوم القيامة .

والحاصل : أنّي أُهلِككم، وأجعل هلاككم مثلاً يمثّل به، يذكره ويعتبر به مَن بعدكم .

ويحتمل بعيدا تفسير الغابرين بالماضين ، والمِثل _ بالكسر _ بالشبه والنظير ؛ أي أجعلكم مثل من قبلكم من العصاة، وأفعل بكم ما فعلت بهم من العقوبات .

وقوله : (بسيّد المرسلين) أي رأسهم، ورئيسهم، وأشرفهم، وأكرمهم .

(وحبيبي) ؛ فعيل بمعنى الفاعل، أو المفعول .

وقوله : (والوجه الأقمر) ؛ يعني كالقمر في النور والضياء .

في القاموس: «القُمرة، بالضمّ: لون إلى الخُضرة، أو بياضٍ فيه كدرة . والقَمَر يكون في الليلة الثالثة . والقَمراء: ضوءه، وليلة فيها القمر. ووجهٌ أقمر : مشبّه به . والأقمر: الأبيض» (4).

وقد روى المصنّف رحمه الله في باب تاريخ مولد النبيّ صلى الله عليه و آله ، بإسناده عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذا رُئي في الليلة الظَّلماء، رُئي له نورٌ كأنّه شِقّة قمرٍ» (5). الشِّقة، بالكسر: نصف الشيء إذا شُقّ .

وبما نقلناه من القاموس أنّ أقمر صفة بشرته، وأنّه من القَمَر، يظهر فساد ما قيل من أنّه اسم تفضيل من القُمرة (6).

ص: 378


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 124
2- الصافّات (37) : 78 و 108 و 129
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 296 (ترك)
4- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 121 (قمر)
5- الكافي ، ج 1 ، ص 446 ، ح 20 . وعنه في بحار الأنوار ، ج 16 ، ص 189 ، ح 20
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 124

وقوله : (المُشرِق بالنور) ؛ صفة ثانية للوجه، أو صفة للصاحب . يُقال : أشرق وجهه؛ أي أضاء، وتلألأ حُسنا .

والمراد هنا النور الظاهر لكمال حُسنه، أو الأعمّ منه ومن نور العلم والحكمة .

(الطاهر القلب) ؛ صفة للصاحب .

وكذا قوله : (الشديد البأس) .

البأس: العذاب ، والشدّة في الحرب، والقوّة، والشجاعة .

(الحييّ المتكرّم) أي لا يتصدّى لشيء من المقابح حياءً، ولا يفوت شيئا من المكارم والمحاسن تكرّما وتنزّها .

قال الفيروزآبادي : «الحياء، بالمدّ: التّؤبة، والحِشمة. حَيى منه حَياءً، واستحيا منه، واستحياه، فهو حَييّ، كغنيّ، ذو حياء» (1) وقال : «التُؤبة: العار» (2).

وقال : «تكرّم عنه وتكارم : تنزّه» (3).

(فإنّه رحمةً للعالمين) .

قال بعض المفسّرين في تفسير قوله تعالى : «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ» (4) :

إنّه رحمة للمؤمنين والكافرين ؛ أمّا الأوّل فلأنّ ما بُعِث به سبب لإسعادهم، وموجب لصلاح معاشهم ومعادهم . وأمّا الثاني فلأمنهم من الخسف والمسخ وعذاب الاستئصال (5) وقيل : كونه رحمةً للعالمين أنّه سبب لإيجاد العالم، أو أنّه سبب لنجاة الخلائق يوم القيامة (6).

(وسيّد وُلد آدم) .

ذكره بعد سيّد المرسلين من باب التعميم بعد التخصيص . والولد، محرّكه، وبالضمّ والكسر والفتح: واحد وجمع، وقد يجمع على أولاد .

ص: 379


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 124
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 322 (حيأ)
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 135 (وأب)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 170 (كرم)
5- الأنبياء (21) : 107
6- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 111

وقيل : السيّد: أجلّ القوم، الفائق بهم، المفزوع إليه في الشدائد ، وهو صلى الله عليه و آله كذلك في الدُّنيا والآخرة ؛ أمّا في الدنيا فلأنّ أصل وجود الممكنات لوجوده، وكلّ مَن لحقته فتنة من الأنبياء توسّلوا به، فرُفِعتْ عنهم . وأمّا في الآخرة، فلأنّ آدم ومن دونه تحت لوائه، وله المقام المحمود، ومقام الشفاعة، ومقام الوسيلة. وهذه المنزلة ليست لأحدٍ غيره (1).

(يوم يَلقاني) أي يلقى رحمتي وكرامتي .

والظرف متعلّق بالسيادة؛ أي يظهر سيادته على ولد آدم في ذلك اليوم . ويحتمل تعلّقه بما بعده؛ أعني قوله : (أكرم السابقين عليّ) أي واردا، أو وافِدا عليَّ .

والسابقون: الأنبياء، والأوصياء، والأولياء .

(وأقرب المرسلين منّي) ؛ فضلاً عن غيرهم العربيّ النسب .

(الأمين) الحسب، وهو الثقة المأمون به .

(الديّان بديني) .

في القاموس : «الديّان: القهّار، والقاضي، والحاكم، والسائس، والحاسب، والمجازي الذي لا يضيع عملاً، بل يجزي بالخير والشرّ» .

وفيه: الدين، بالكسر: الجزاء، والعادة، والعبادة، والحساب، والقهر، والغلبة، والاستعلاء، والسلطان، والملك، والحكُم، والسيرة، والتدبير، والتوحيد، واسمٌ لجميع ما يُتعبّد اللّه به، والملّة، والورع، والقضاء . انتهى (2).

ولعلّ المراد هنا أنّه صلى الله عليه و آله يقهرهم على الدخول في دين اللّه ، أو يحكِم بينهم بحكم اللّه ، أو يتعبّد اللّه بدين الحقّ .

وفيه احتمالات اُخر يظهر بالتأمّل فيما نقلناه من اللغة .

(الصابر في ذاتي) أي طلبا لمرضاتي، أو غير خالص لوجهي .

وقوله : (عن ديني) أي كاشفا عنه، مُروّجا له، مُظهِرا إيّاه .

ص: 380


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 124 و 125
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 225 (دين)

(أن تُخبر به بني إسرائيل) ؛ لعلّه بدل اشتمال من قوله : «بسيّد المرسلين»، فهو المقصود الأصلي بالوصيّة.

أو التقدير: أخبرك به، أو أوصيك به؛ لأن تخبر به بني إسرائيل .

وقيل : يحتمل كون الشرط والجزاء محذوفا بقرينة المقام؛ يعني أن تخبر به، فقد بلّغت رسالتي، أو نحو ذلك (1).

وفي الأمالي : «يا عيسى آمرك أن تخبر به . قال عيسى : إلهي، مَن هو؟ قال : يا عيسى، ارضه، فلك الرضا . قال : اللّهمَّ رضيت، فمَن هو؟ قال : محمّد رسول اللّه » انتهى (2).

ويظهر منه أنّ في نسخ الكتاب سقطا وتحريفا . واللّه أعلم .

وقوله : (إلهي مَن هو)؛ الظاهر أنّ السؤال عن خصوص اسمه العَلَم المشتهر به، بعد العِلم ببعض خصوصيّاته السابقة .

(حتّى اُرضيه) من الإرضاء؛ أي أجعلهُ راضيا عنّي بالإيمان به قبل رؤيته ، أو بالتنويه باسمه، أو بأمر الاُمّة بنصرته بعد بعثته .

(فلك الرِّضا) ؛ لعلّ المراد: فيحصل بإرضائه رضاك، أو فأنت راضية بأن اُرضيه .

وقوله : (إلى الناس كافّة) .

قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى : «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَا كَافَّةً لِلنَّاسِ» (3). :

أي إلّا إرساله عامّة لهم، من الكفّ؛ فإنّها إذا عمّتهم، فقد كفّتهم أن يخرج منها أحدٌ منهم. أو إلّا جامعا لهم في الإبلاغ ؛ فهي حال من الكاف، والتاء للمبالغة، ولا يجوز جعلها حالاً من الناس على المختار . انتهى (4)

وقيل : يحتمل نصبه على المصدر، ومعناه: يكفّهم عن الغير، أو عن السؤال في اُمور دينهم ودنياهم كافّة؛ لأنّه يجيء بمقدار حاجتهم من غير نقص (5).

قال الجوهري : «الكافّة: الجميع من الناس. يُقال: لقيتهم كافّة؛ أي كلّهم» (6).

ص: 381


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 335
2- الأمالي للصدوق، ص 517 ، ح 1
3- سبأ (34) : 28
4- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 401
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 125
6- الصحاح ، ج 4 ، ص 1422 (كفف)

وقوله : (وأحضرهم شفاعة) أي أكثر حضورا له، فيكون كناية عن كثرتها. ويحتمل كونه من الحُضر _ بالضمّ _ وهو العَدوْ؛ أي أسرعهم، وأعجلهم .

(طوبى له من نبيّ) ؛ الظاهر أنّ الظرف الأخير تميز عن نسبة «طوبى» إليه صلى الله عليه و آله ، واستعمال التميز ب «من» شائع، إذا لم يكن تميزا للعدد، ولا فاعلاً في المعنى، نحو : غرست الأرض من شجر ، بخلاف: طاب زيد من نفس .

قال ابن مالك : واُجوّز بمن، إن شئت غير ذي العدد . والفاعل المعنى، كطِب نفسا تُفَدْ .

وقوله : (ويستغفر له) ؛ كأنّ المراد بالاستغفار إظهار شرفه وكونه مغفورا عند اللّه ، مطهّرا من الذنوب، أو طلب المغفرة لاُمّته .

وقوله : (مَيمون) ؛ من اليُمن _ بالضمّ _ وهو البركة والخير، كالميمنة . وفعله كعلم ، وعني، وجعل، وكرم. يَمُنَ على قومه، فهو ميمون، إذا صار مباركا عليهم .

وفي بعض النسخ : «مأمون» .

(طيّب مطيّب) ؛ لعلّ المراد بكونه طيّبا أنّه خُلق من طينة طيّبة، أو طهارته وتخليته من الأرجاس الشيطانيّة والأخلاق الذميمة والأفعال القبيحة. وبكونه مطيّبا على صيغة المفعول من التطيّب كونه مطهّرا من النقائص والرذائل ، أو تحليته بفضائل الأعمال ومكارم الأخلاق . ويحتمل كونه بصيغة الفاعل ؛ أي مطهِّر لمن تبعه .

(خير الباقين عندي) أي من صدق عليه البقاء في أحد الأزمنة، فيشمل السالفين واللاحقين .

(يكون في آخر الزمان) ؛ لانقطاع الزمان باُمّته ودينه وشريعته .

وقوله : (عَزاليها) بفتح اللّام وكسرها، جمع عَزلاء، وهو فم المزادة الأسفل.

وهاهنا كناية عن شدّة وقع المطر، وقد مرّ تحقيقه في حديث نافع .

وقوله : (زهرتها) أي زرعها ونباتها وبركتها .

قال الفيروزآبادي : «الزهرة، ويحرّك: النبات، ونوره. الجمع: زَهَر وأزهار . ومن الدُّنيا: بهجتها، ونضارتها، وحُسنها. وبالضمّ: البياض، والحسن. وقد زهِر _ كفرح وكرم _ وهو أزهَر» (1).

ص: 382


1- القاموس المحيط ، ج 6 ، ص 483 و 484 (زهر) مع التلخيص

وقوله : (حتّى يروا البركة) أي النماء، والزيادة، والخير في آفاق الأرض .

(واُبارك لهم فيما وضع يده عليه) ؛ حيث وضع يده على طعام قليل، فأشبع به جمّا غفيرا، وعلى ماءٍ قليل فأروى به خَلقا كثيرا .

وهذه المعجزة من معجزاته صلى الله عليه و آله مشهور ، وفي كتب الأخبار والسِّير مسطور .

وقوله : (قليل الأولاد) ؛ يعني أولاده الأوّليّة، وإنّما كثر أولاد أولاده .

(يسكن بكّة) من حين ولادته إلى أوان هجرته .

وفي القاموس: «بكّهُ : خرقه، وفرّقه، وفسخه. وفلانا: زاحمه، أو رحمه، ضدّ، ورد نخوته، ووضعه. وعنقُه: دقّها. ومنه بكّة لمكّة، أو لما بين جبليها، أو للمطاف؛ لدقّها أعناق الجبابرة، أو لازدحام الناس بها» (1).

(موضع أساس إبراهيم) .

في القاموس: «الاسّ، مثلّثة: أصل البناء، كالأساس، وأصل كلّ شيء. الجمع: أساس، كقياس، وقُذُل، وأسباب» (2).

وقوله : (دينه الحنيفيّة) .

في النهاية : «الحنيف: هو المائل إلى الإسلام الثابت عليه . والحنيف عند العرب: من كان على دين إبراهيم عليه السلام . وأصل الحنيف: الميل، ومنه الحديث: بُعثتُ بالحنيفيّة السمحة» (3).

(وقبلته يمانيّة) .

في النهاية : «فيه: الإيمان يمان، والحكمة يمانيّة . إنّما قال ذلك؛ لأنّ الإيمان بدأ من مكّة، وهي من تهامة، وتهامة من أرض اليمن ، ولهذا يُقال: الكعبة اليمانيّة» (4).

(فهو من حزبي) .

الحِزب، بالكسر: جماعة الناس. والقوم يجتمعون لأمرٍ حزَّ بهم؛ أي نابهم، واشتدّ عليهم ، وجُند الرجل، وأصحابه الذين هم على رأيه . وحزب اللّه : أعوان دينه باللِّسان والقلب واليد . (وأنا معه) بالنصرة، والعصمة، والمعونة .

ص: 383


1- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 295 (بكك)
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 197 (أسس)
3- النهاية ، ج 1 ، ص 451 (حنف)
4- النهاية ، ج 5 ، ص 300 (يمن)

وقوله : (الكوثر) .

قيل : هو نهر في الجنّة يتفجّر منه جميع أنهارها .

قال البيضاوي : روي عنه عليه السلام أنّه نهرٌ في الجنّة، وَعَدَنيه ربّي ، فيه خيرٌ كثير ، أحلى من العسل، وأبيض من اللبن، وأبرد من الثلج، وألين من الزبد، حافّتاه الزبرجد، وأوانيه من فضّةٍ، لا يظمأ من شرب منه . انتهى (1).

وقيل : الكوثر: الخير الكثير من العلم والعمل وشرف الدارين .

وقيل : أولاد النبيّ صلى الله عليه و آله وأتباعه، أو علماء اُمّته، أو القرآن .

وقيل : المشهور أنّه حوض في الجنّة، أو في خارجها . ويؤيّد الثاني أنّ جماعة يطردون منها، وهم لا يدخلون الجنّة، وهو فَوْعَل من الكثرة، والواو زائدة، ومعناه الخير الكثير (2).

(والمقام الأكبر) ؛ من مقام جميع الخلائق، حتّى الأنبياء والرُّسل .

(في جنّات عدن) .

قال الجوهري : «عَدَنْتُ البلد: توطّنته. وعدنت الإبل بمكان كذا: لزِمَتْهُ، فلم تبرح . ومنه: «جَنَّاتُ عَدْنٍ» أي جنّات إقامة» (3)

وقيل : جنّة عدن: اسم لمدينة في الجنّة، فيها جنان كثيرة، هي مسكن الأنبياء والعلماء والشهداء وأئمّة العدل وسائر الناس في جنّات حواليها (4).

(يعيش أكرم معاش) (5).

في بعض النسخ: «أكرم من عاش» .

وقيل : كون عيشه أكرم؛ لكونه أكمل في القوّة النظريّة والعمليّة، والأعمال البدنيّة والقلبيّة، وحسن العيش تتفاوت بحسب تفاوتها (6).

ص: 384


1- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 536 (كثر)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 126 و 127
3- الصحاح ، ج 6 ، ص 2162 (عدن)
4- حكاه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 127
5- في المتن الذي ضبطه الشارح رحمه الله : «من عاش» بدل «معاش»
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 127

(ويُقبَض شهيدا) .

روى الصفّار في كتاب بصائر الدرجات ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن جعفر بن محمّد ، عن عبداللّه بن ميمون القدّاح ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : «سمّت اليهوديّة النبيّ صلى الله عليه و آله في ذراع، وكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يحبّ الذراع، والكتف، ويكره الورك؛ لقربها من المَبال» . قال : «فلمّا اُوتي بالشواء أكل من الذراع، وكان يحبّها، فأكل ما شاء اللّه ». ثمّ قال الذراع : يا رسول اللّه ، إنّي مسموم ، فتركه، وما زال ينتفض به سمّهُ حتّى مات» (1).

وروى ابن شهرآشوب في كتاب المناقب : روي أنّه أكل من الشاة المسمومة مع النبيّ صلى الله عليه و آله بشر بن البراء بن معرور، ومات من ساعته ، ودخلت اُمّه على النبيّ صلى الله عليه و آله عند وفاته، فقال : «يا اُمّ بشر، ما زالت أكلة خيبر التي أكلتُ مع ابنك تعاودني، والآن قطعت أبهري» (2)

قال الجوهري : «الأبهر: عِرق إذا انقطع مات صاحبه» (3).

(له حوض) ؛ كأنّه الكوثر المذكور، أو غيره، بأن يراد بالكوثر المعاني الاُخر .

(أكبر) صفة «حوض»، والمفضّل عليه محذوف؛ أي أكبر الحياض .

(من بكّة إلى مطلع الشمس) صفة اُخرى؛ أي عرضه، أو طوله، أو سعته من بكّة إلى منتهى الأرض من جانب المشرق .

ويحتمل كون «من» صلة لأكبر؛ أي عرضه أكبر وأكثر من تلك المسافة . ويؤيّده ما وقع في الأمالي: «له حوض أبعد من مكّة إلى مطلع الشمس» .

وقال بعض الشارحين :

لم تبيّن أنّ هذا المقدار من جهة الطول، أو من جهة العرض، ولكن مرَّ في كتاب الحجّة في باب فرض الكون مع الأئمّة أنّه قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «عرضه ما بين صنعاء إلى أيلة» الحديث (4) فهذا يدلّ على أنّ المراد بالمقدار في هذا الخبر هو الطول، ولو جعل هذا أيضا تحديدا للعرض، وقع الاختلاف بينهما ، اللّهمَّ إلّا أن يُقال : المقصود منهما هو الكناية عن السعة، لا التقدير المحقّق (5).

ص: 385


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 127
2- بصائر الدرجات ، ص 503 . وعنه في بحار الأنوار ، ج 17 ، ص 405 ، ح 26
3- المناقب ، ج 1 ، ص 92
4- الصحاح ، ج 2 ، ص 598 (بهر)
5- الكافي ، ج 1 ، ص 209 ، ح 6

(من رحيق مختوم) أي من جنسه .

وفي النهاية : «الرحيق من أسماء الخمر ؛ يريد خمر الجنّة . والخمر المختوم: المصون الذي لم يبتذل لأجل خِتامه» (1).

(فيه آنية مثل نجوم السماء) .

الإناء _ بالكسر _ يجمع على الآنية، وهي تجمع على الأواني .

وقيل : الإناء يجمع عليهما جميعا، والتشبيه باعتبار كثرة العدد والصفاء، لا الجرم (2).

(وأكواب مثل مَدَر الأرض) .

قال الفيروزآبادي : «الكُوب، بالضمّ: كوز لا عروة له، أو لا خرطوم له . والجمع: أكواب» (3).

وقال : «المَدَر، محرّكة: قطع الطين اليابس. واحدته بهاء»(4).

والتشبيه باعتبار الكثرة أيضا .

(عَذب) .

في الصحاح: «العَذْب: الماء الطيّب» (5)

وفي القاموس: «العَذْب من الطعام والشراب: كلّ مستساغ» (6).

والظاهر أنّه صفة للحوض باعتبار مظروفه، واحتمال كونه صفة للرحيق بعيد . ويحتمل أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف، أو هو مبتدأ وخبره «فيه»، و«من» بيان له، والضمير المجرور راجع إلى الحوض .

(فيه من كلّ شراب) ؛ يعني من أشربة الجنّة .

ولعلّ المراد: فيه طعم كلّ شراب منها ، بقرينة ما بعده .

وقيل : فيه كلّ شراب بالمزج والتركيب . أو يكون في كلّ ناحية منه شراب خاصّ(7) .

(وطعم كلّ ثمار في الجنّة) ؛ يحتمل تعلّق الجارّ بكلّ من الطعم والشراب، وأن يجد الذائقة

ص: 386


1- النهاية ، ج 2 ، ص 208 (رحق)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 128
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 126 (كوب)
4- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 131 (مدر)
5- الصحاح ، ج 1 ، ص 178 (عذب)
6- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 101 (عذب)
7- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 128

تلك الطعوم مفردا أو مركّبا، وذلك الذي من فضائله وعطاياه .

(من قَسمي له، وتفضيلي إيّاه) على غيره من الأنبياء .

قال الجوهري : «القَسْمُ: مصدر قسمت الشيء، فانقسم . والقِسم، بالكسر: الحظّ والنصيب من الخير . قال يعقوب : يُقال : هو يَقسِم أمره قَسْما؛ أي يقدّره، وينظر فيه كيف يفعل» (1) وفي القاموس: «القَسْم: العطاء»(2).

وفي الإتيان ب «من» التبعيضيّة إشعار بأنّ قسمه تعالى وتفضّلاته إيّاه كثيرة، وما ذكر هنا بعضٌ منها .

(على فترةٍ بينك وبينه) .

قال الجوهري : «الفترة: الإنكسار، والضعف . والفَتْرة: ما بين الرسولين من رسل اللّه » (3).

وقوله : (يبدأهم به) ؛ لعلّ المراد يسبقهم بفعله .

في القاموس: «بدأ به _ كمنع _ ابتدأ . والشيء: فعله ابتداء» (4).

وقوله : (تَنقاد له البلاد) ؛ يعني أهلها .

والبلد والبلدة: كلّ قطعة من الأرض مستحيزة، عامرة أو غامرة .

(ويخضع له صاحب الروم) ؛ مع شوكته، وكثرة حَشَمه وجُنده .

وهذا من قبيل ذكر الخاصّ بعد العامّ .

(على دين إبراهيم)؛ يعني هو على اُصول دينه وسننه الحنيفيّة .

وقيل : يحتمل أن يكون المراد أنّه يخضع له صاحب الروم؛ لأنّه على دين إبراهيم، ينادي إلى الصلاة بالأذان والإقامة .

(كنداء الجَيش بالشعار) بالكسر .

قال ابن الأثير: «في الحديث : إنّ شعار أصحاب النبيّ صلى الله عليه و آله في الغزو : يا منصور، أمِتْ، أَمِتْ ؛ أي علامتهم التي كانوا يتعارفون بها في الحرب» (5).

ص: 387


1- الصحاح ، ج 5 ، ص 2010 (قسم) مع التلخيص
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 164 (قسم)
3- الصحاح ، ج 2 ، ص 777 (فتر)
4- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 7 (بدأ)
5- النهاية ، ج 2 ، ص 479 (شعر)

وفي المغرب: «الشِّعار: نداء في الحرب يُعرف أهلها به . ومنه أنّه صلى الله عليه و آله جعل شِعارهم يوم بَدر : يا نصر اللّه ، اقترب اقترب . ويوم اُحد : يا نصر اللّه ، اقترب» انتهى .

والظاهر أنّ التشبيه باعتبار أصل النداء الذي يُعرف ويمتاز صاحبه وأهلُه عن الغير .

وقيل : إنّما شبّه الأذان بالشعار؛ لأنّه أيضا شعار لمحاربة النفس والشيطان، وهي الجهاد الأكبر (1).

وقوله : (ويصفّ قدميه في الصلاة) .

يفهم من بعض الأخبار أنّ صفّ القدمين وضع إحداهما جنب الاُخرى، بحيث يكون البُعد بينهما قدر شبر، أو أربع أصابع مضمومة ، أو فِترٍ، وهو بالكسر: ما بين طرف الإبهام والسبّابة إذا فتحهما، ويكون رؤوس أصابعهما نحو القبلة .

(كما تصفّ الملائكة) ؛ بيان للواقع، وترغيب فيه .

(ويخشع لي قلبه ورأسه) ؛ كأنّ المراد بخشوع القلب _ كما قيل _ دوام ذكره، وانقياده، والاعتقاد بعجزه وحاجته . وبخشوع رأسه تطأمنه، أو خشوع لسانه، ودوام اشتغاله بالدعاء والذكر، أو خضوع قواه الباطنة؛ لأنّها في الرأس (2). وفي الأخيرين بُعد .

(النور في صدره) نور الإيقان، والعلم، والإيمان .

وقوله : (أصله يتيم) أي بلا أب، أو بلا نظير ، أو منفرد عن الخلق .

في القاموس: «اليُتم، بالضمّ: الانفراد، أو فقدان الأب ، ويُحرّك . وفي البهائم: فقدان الاُمّ .

واليتيم: الفرد، وكلّ شيء يعزّ نظيره.

وقد يتم _ كضرب وعلم _ يُتما، ويفتح، وهو يتيم» (3).

(ضالّ برهة من زمانه) .

قال الفيروزآبادي : «الضلال: ضدّ الهدى . والضَّلول: الضالّ، وكلّ شيء لا يهتدى له.

وضلّ هو عنّي . وضلّ يَضِلّ _ وتفتح الضاد _ ضَلالاً: ضاع، وخفي، وغاب. وفلانا: أنسيه. وضلّني: ذهب عنّي» (4).

ص: 388


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 336
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 129
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 193 (يتم)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 5 (ضلل) مع التلخيص

وقال : «البَرهة، وتضمّ: الزمان الطويل، أو أعمّ» (1).

(عمّا يُراد به) .

قيل : يعني أنّه فارغ غير مشتغل، ولا مشتهر في حين من زمان عمره، وهو ما قبل البعثة ، بما يُراد به بعد البعثة من إجراء أحكام دينه وحدوده، والاشتغال بهداية الناس، والجهاد مع الكفّار، وغير ذلك.

وهو مع كونه بيانا للواقع، تنبيه على عظم نعمائه تعالى عليه، حيث إنّه ربّاه من هذه الحالة إلى حالة خضعت له بها قلوب الخلائق وأعناق الجبابرة . انتهى (2)

وأقول : لعلّ المراد ب «عمّا يُراد به» الوحي، والبعثة، وما يتعلّق بهما، نظير قوله تعالى : «وَكَذلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْاءِيمَانُ» الآية (3).

وروى الصدوق بإسناده عن الحسن بن الجهم، عن الرِّضا عليه السلام ، قال : «قال اللّه _ عزّ وجلّ _ لنبيّه محمّد صلى الله عليه و آله : «أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيما فَآوى» (4). ؛ يقول : ألم يجدك وحيدا، فآوى إليك الناس .

«وَوَجَدَكَ ضَالّاً» ؛ يعني عند قومك، «فَهَدى» (5). أي هداهم إلى معرفتك . «وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنى» (6). ؛ يقول : أغناك بأن جعل دعاءك مستجابا» (7).

وروى في العلل بإسناده عن ابن عبّاس، قال : سُئل عن قول اللّه : «أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيما فَآوى» ، قال : «إنّما سمّي يتيما؛ لأنّه لم يكن له نظير على وجه الأرض من الأوّلين والآخرين ، فقال _ عزّ وجلّ _ ممتنّا عليه: «أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيما» أي وحيدا، لا نظير لك، «فَآوى» إليك الناس، وعرّفهم فضلك حتّى عرفوك، «وَوَجَدَكَ ضَالّاً» ؛ يقول : منسوبا عند قومك إلى الضلالة، فهداهم بمعرفتك، «وَوَجَدَكَ عَائِلاً» ؛ يقول : فقيرا عند قومك، يقولون: لا مال لك ، فأغناك اللّه بمال خديجة ، ثمّ زادك من فضله، فجعل دعاءك مستجابا حتّى لو دعوتَ على حجرٍ أن يجعله اللّه لك ذهبا، لنقل عينه إلى مرادك، وآتاك بالطعام حيث لا طعام، وآتاك بالماء حيث لا ماء، وأغاثك بالملائكة حيث لا مُغيث، فأظفرك بهم

ص: 389


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 281 (بره)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 130
3- الشورى (42) : 52
4- الضحى (93) : 6
5- الضحى (93) : 7
6- الضحى (93) : 8
7- عيون الأخبار ، ج 1 ، ص 200 ، ح 1 . وعنه في بحار الأنوار ، ج 11 ، ص 78 ، ح 8

على أعدائك» (1).

وروى عليّ بن إبراهيم بإسناده عن زرارة ، عن الإمامين عليهماالسلام في قول اللّه : «أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيما فَآوى» : «أي فآوى إليك الناس. «وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدى» أي هدى إليك قوما لا يعرفونك حتّى عرفوك . «وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنى» أي وجدك تعول أقواما، فأغناهم بعلمك» .

قال عليّ بن إبراهيم : «اليتيم: الذي لا مثَلَ له، ولذلك سمّيت الدرّة اليتيمة؛ لأنّه لا مَثَلَ لها ، ووجدك عائلاً فأغناك بالوحي، لا تسأل عن شيء أحدا ، «وَوَجَدَكَ ضَالّاً» في قوم لا يعرفون فضل نبوّتك، فهداهم اللّه بك» (2).

وقوله : (وعلى اُمّته تقوم الساعة) ؛ كناية عن ختم النبوّة به صلى الله عليه و آله .

(ويدي فوق أيديهم) .

قال بعض المفسّرين في تفسير قوله تعالى : «يَدُ اللّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ» (3). :

أنّه من باب التخييل والتمثيل بما جرت به العادة من التصافق بالأيدي في المبايعات» .

وقيل : قوّة اللّه في نصرة الرسول فوق قوّتهم .

وقيل : هو من قوله صلى الله عليه و آله : «اليد العُليا خيرٌ من اليد السُّفلى» . العليا: المعطية؛ أي اللّه معطيهم ما يكون له به الفضل عليهم .

وقيل : عَقْدُ اللّه في هذه البيعة فوق عَقْدِهم .

وقيل : ملك اللّه فوق ملكهم .

وقيل : يد اللّه بالوفاء فوق أيديهم .

وقيل : نِعم اللّه بما هداهم له فوق إجابتهم إلى ما أجابوا إليه من البيعة (4) (فمن نكث) أي نقض العهد، ولم يَفِ به .

وقيل : أي كفر . والنكث: نقض العهد. والنكث، بالكسر: المنكوث .

(فإنّما ينكث على نفسه) أي عليها وبال ذلك، ولا يعود ضرر نكثه إلّا عليه .

(ومن أوفى بما عاهد عليه) أي أتى به وافيا غير منتقص .

ص: 390


1- علل الشرائع ، ج 1 ، ص 130 ، ح 1 . وعنه في بحار الأنوار ، ج 16 ، ص 141 ، ح 4
2- تفسير القمّي ، ج 2 ، ص 427 . وعنه في بحار الأنوار ، ج 16 ، ص 142 ، ح 6
3- الفتح (48) : 10
4- تفسير مجمع البيان ، ج 9 ، ص 189 (مع اختلاف)

وقيل : ما عاهد عليه عبارة عن متابعته، والإيمان به، ونصرته (1).

وقوله : (ألّا يدرسوا كتبه) .

درس الرسمُ _ كنصر _ دروسا: عفى. ودرسته الريحُ درسا.

والضمير المجرور راجع إلى محمّد صلى الله عليه و آله . وجمع الكتب باعتبار القرآن، وكتب السنّة التي سمعوا منه وكتبوها. أو القرآن باعتبار اشتماله على سائر الكتب المنزلة .

وقيل : الجمع للتعظيم(2) ويحتمل أن يقرأ: «كَتْبه» على صيغة المصدر؛ أي كتابة اسمه في الإنجيل وغيره من كتب الأنبياء .

قال الجوهري : «الكتاب معروف، والجمع: كُتَب، وكُتُب. وقد كتبت كَتْبا وكِتابا وكِتابةً» (3).

وقوله : ([أن] يقرؤوه السلام) .

في القاموس: «قرأ: أبلغه، كأقرأه. ولا يُقال: أقرأه إلّا إذا كان السلام مكتوبا»(4).

(فإنّ له في المَقام) ؛ يعني عند اللّه ، وهو مقام القُرب، أو مقام النبوّة، أو مقام الكرامة، أو مقام الشفاعة، أو مقام القيامة .

قال الجوهري : المَقام والمُقام قد يكون كلّ واحدٍ منهما بمعنى الإقامة ، وقد يكون بمعنى موضع القيام؛ لأنّك إذا جعلته من قام يقوم فمفتوح ، وإن جعلته من أقام يقيم فمضموم؛ لأنّ الفعل إذا جاوز الثلاثة، فالموضع مضموم الميم (5).

(شأنا من الشأن) بالهمزة: الأمر، والحال.

والتنوين للتعظيم، و«من» للتبعيض .

وقوله : (فارتد لنفسك) ؛ من الارتياد، وهو الطلب؛ أي اطلب لنفسك ما هو خيرٌ لك ممّا يقرّبك منّي .

وقوله : (الدُّنيا حُلوة) .

الحُلْو، بالضمّ: نقيض المُرّ . وحَلِيَ فلان بعيني _ كعلم _ وفي عيني وبصري وفي صدري

ص: 391


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 130
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 130
3- الصحاح ، ج 1 ، ص 208 (كتب)
4- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 24 (قرأ)
5- الصحاح ، ج 5 ، ص 2017 (قوم)

حَلاوَةً، إذا أعجبك؛ يعني أنّ اغترار الناس بالدنيا وانخداعهم منها لحلاوة متاعها في نظرهم بادئ الرأي .

(وإنّما استعملتك) أي أعملتك، أو طلبت منك العمل للآخرة، ورغبت فيه .

(فيها) أي الدنيا .

(فجانب) أي باعد، واجتنب.

(منها) أي من أعمالها .

(ما حذّرتك) أي أمرتك بالتحرّز عنه .

وقوله : (عَفوا) أي ما تيسّر لك أخذه وبذله من غير أن يبلغ حدّ الجهد والمشقّة ، أو بغير مسألة . فهو على الأوّل متعلّق بالأخذ، وعلى الثاني بالإعطاء، مع احتمال تعلّقه بالأخذ أيضا . فتأمّل .

وقيل : أي فضلاً وإحسانا، أو حلالاً طيّبا (1).

في القاموس: «العَفْو: أصل المال، وأطيبه، وخيار الشيء، وأجوده ، والفضل، والمعروف.

وأعطيته عفوا؛ أي بغير مسألة» (2)

وقال الجوهري : «عفو المال: ما يفضل عن النفقة»(3).

ولا يبعد أن يُراد بالأخذ منها جعله زادا للآخرة، وصرفه في تحصيل أسباب النجاة فيها .

وقوله : (نظر العبد المذنب الخاطئ) ؛ يعني لا تخرج نفسك عن حدّ التقصير حين تنظر في عملك .

وقيل : أي كما أنّ ذلك العبد ينظر في ذنبه، ويتذلّل عند مولاه لعلّه يتجاوز عن تقصيره (4)

(ولا تنظر في عمل غيرك بمنزلة الريب (5) ) ؛ يعني بنظر الشكّ والتّهمة في صحّة عمله، أو كماله، وتقصيره فيه ، بل ينبغي أن تظنّ أنّه أتى به بقدر الوسع والطاقة .

ص: 392


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 12 ، ص 131
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 364 (عفو)
3- الصحاح ، ج 6 ، ص 2432 (عفو)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 131
5- في المتن الذي ضبطه الشارح رحمه الله سابقا : «الربّ»

وقيل : أي النظر في أعمال الغير ومحاسبتها شأن الربّ، لا شأن العبد(1) وهو كما ترى .

وفي بعض النسخ: «بمنزلة الربّ» .

في القاموس: «ربّ كلّ شيء: مالكه، ومستحقّه، أو صاحبه» (2).

وفي بعضها: «بمنزلة المربّي»، وكان من التربية، فَمآلُهُ مع النسخة السابقة واحد .

وقيل : إنّه من رباء _ مهموز اللّام _ معناه المتّهم له باعتقاد النقصان فيه .

قال الفيروزآبادي في المهموز اللام: «ربأهم ولهم، كمنع: صار ربيئة لهم؛ أي طليعة.

وَرابأته: حَذِرته، واتّقيته، وراقبته، وحارسته.

وربّأه تربئةً: أذهبه» (3).

(كن فيها) أي في النظرة، أو في تلك الحالة والمنزلة .

وقيل: في أعمال الغير، أو في الدنيا لظهورها بقرينة المقام (4) . ولا يخفى بُعد الثاني ، وأمّا الأوّل فإن كان بتقدير النظر في أعمال الغير ونحوه، فيرجع إلى ما ذكرنا، وإلّا فلا معنى للزهد في أعمال الغير .

والظرف متعلّق بقوله : (زاهدا) . يُقال : زَهِدَ فيه وعنه، إذا لم يرغب .

وقوله : (ولا ترغب فيها) ؛ كالتأكيد للزهد .

(فتعطب) .

العَطَب، بالتحريك: الهلاك، وفعله كعلم .

وقوله : (اعقل وتفكّر) .

العقل: الإدراك . والتفكّر: التأمّل . وعرّفوه بأنّه تردّد القلب بالنظر والتدبّر، وطلب معرفة الشيء وأوّله وآخره، وحسنه وقبحه، ونفعه وضرّه، وخيره وشرّه .

وقوله : (كلّ وصفي لك) أي تبييني وإيضاحي .

وقيل : كلّ ما بيّنته (5) وأصل الوصف: النعت .

(نصيحةً وموعظة) خالصة .

ص: 393


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 375
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 70 (ربب)
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 15 (ربأ)
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 338
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12 ، ص 132

(وكلّ قولي) أي مقولي، وإخباري .

(لك حقّ) مطابقٌ للواقع، لا يحوم حوله الشكّ والرَّيب .

وفيه تحريض بقبوله، والأخذ بموجبه .

(وأنا الحقّ المبين) .

قال صاحب العدّة : «الحقّ: المتحقّق كونه ووجوده، وكلّ شيء يصحّ وجوده وكونه فهو حقّ، كما يُقال : الجنّة حقّ كائنة، والنار حقّ كائنة» (1)

وقال: «المبين: الظاهر البيّن بآثار قدرته وآياته، المُظهِرُ حكمته بما أبان من تدبيره، وأوضح من بيانه» (2).

وقال الجوهري : «بانَ الشيء بيانا: اتّضح، فهو بَيِّنٌ. وكذلك أبانَ الشيء، فهو مبين.

وأبَنْتُهُ أنا؛ أي أوضحته» (3).

ويظهر منه أنّ المبين لازم متعدّ، فالتعريف الأوّل ناظر إلى الأوّل، والثاني إلى الثاني.

وفيه أيضا ترغيب باتّباع قوله، والأخذ بنُصحه .

(فحقّا أقول) ؛ يحتمل نصب «حقّا» بما بعده؛ أي أقول قولاً حقّا . ويحتمل نصبه على المصدريّة بتقدير الناصب له ؛ أي حقّ حقّا، أي ثبت، ووجب، ووقع بلا شكّ. أو من حقّه _ كمدّه _ إذا غلبه على الحقّ . أو من حقّ الطريق، إذا ركب حاقَّه؛ أي وسطه. أو من حَقَقتُ الأمر، إذا تحقّقته، وتيقّنته . أو من حققت فلانا؛ أي أتيته .

وعلى الأخير يحتمل نصبه على المفعوليّة . وعلى بعض الاحتمالات يحتمل أن يكون «أقول» صفة، أو جملة حاليّة، أو مستأنفة .

وقوله : (أنبأتك) أي أخبرتك، وأعلمتك .

وقوله : (وليّ) أي من يتولّى أمرك ويكفيك .

(ولا نصير) أي من ينصرك ويعاضدك .

وفي هذا الكلام وعيدٌ للعالم العامل بغير علمه بأنّ عقوبته أشدّ وأقوى من الجاهل .

ص: 394


1- عدّة الداعي ، ص 302
2- عدّة الداعي ، ص 310
3- الصحاح ، ج 5 ، ص 2083 (بين)

وقوله : (أذلّ قلبك بالخشية) .

قيل : أمر بالخشية؛ لأنّها تابعة للعلم باللّه ، وأنّها إذا حصلت لأحدٍ تبعثه على القيام بالعبوديّة ورعاية الأدب ، فهي أصل لقبول النصائح (1).

(وانظر إلى من أسفل منك) ؛ يعني بحبّ الدنيا؛ فإنّ ذلك يوجب سهولة الصبر على الفائت منها وشرائدها، ويورث الرضا بما أُعطي منها، وهو أصلٌ عظيم للرضا بالمقدّر، والزُّهد في زخارف الدُّنيا ، كما أنّ النظر إلى من هو أعلى منه بحسبها يوجب خلاف ذلك ، ولذا قال : (ولا تنظر إلى من [هو] فوقك) .

وقوله : (كلّ خطيئة أو ذنب) (2) .

الخطيئة: الذنب، أو ما يتعمّد منه، كالخِطأ _ بالكسر _ والخَطَأ: ما لم يتعمّد.

أو الخطيئة أعمّ من الذنب؛ لأنّ ترك الأولى وخلاف المروّة خطيئة، وليس بذنب.

أو الخطيئة كبائر الذنوب، والذنب صغائرها، أو بالعكس .

واحتمال كون الترديد من الراوي بعيد .

وقوله : (أطِبْ لي قلبك) أي اجعل قلبك طاهرة من الأخلاق الذميمة، والعقائد الباطلة، ومن حبّ الدُّنيا، وما يتعلّق بها لمحبّتي واستعداد معرفتي .

أو افعل ذلك خالصا لوجهي، ولا ترد به غيري .

وفي الأمالي : «أطب بي قلبك» . يُقال : طِبتُ به نفسا، أي طابت نفسي به، ورضيت عنه، وأحببته ؛ أي اجعل قلبك محبّا بي راضيا عنّي .

وقيل : أي كُن بي محبّا راضيا عنّي. وفيه ما فيه .

(وأكثر ذكري في الخلوات) ؛ لبُعده عن شائبة الرياء، وفراغ الحواسّ من التفرّق، والاشتغال بعلائق الدُّنيا ؛ ولأنّ الشيطان أكثر ما يهمّ الإنسان إذا كان وحده ، فذكره تعالى في هذه الحالة أهمّ .

(واعلم أنّ سروري أن تُبَصْبِصَ إليّ).

نسبة السرور إليه سبحانه باعتبار لازمه الذي هو الرضا والإحسان والإكرام . قال

ص: 395


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 132
2- في المتن الذي ضبطه الشارح رحمه الله سابقا : «وذنب»

الجوهري : «بَصْبَصَ الكلب، وتَبَصْبَصَ: حرّك ذنبه» (1)

وقال ابن الأثير : «يُقال : بصبص الكلب بذنبه، إذا حرّكه، وإنّما يفعل ذلك لخوفٍ أو طمع» (2).

(كُن في ذلك) أي فيما ذكر من الإطابة، وكثرة الذِّكر والبَصْبصة .

(حيّا، ولا تكن ميّتا) .

أُريد بالحياة كمال توجّه النفس إليه تعالى، والاشتغال به عن غيره ، وبالممات خلافه .

(ولا تغترّ بالنصيحة) .

قيل : أي لا تنخدع عن النفس والشيطان بترك النصيحة، أو لا تغفل بنصح غيرك عن نصح نفسك ، أو لا تعرّض نفسك للهَلكة بترك النصيحة (3)

وقيل : أي لا تغترّ بنصيحتي لك، وخطابي إيّاك، كما يغترّ جليس السلطان بخطابه، أو بعمل يعمله، ويعجب به (4).

وفي بعض نسخ الكتاب وفي الأمالي : «ولا تغترّ بالصحّة»، وهو أظهر .

(ولا تغبّط نفسك) .

في القاموس : الغِبطة، بالكسر: حسن الحال، والمسرّة، والحسد كالغبط. وقد غبطه _ كضربه وسمعه _ وتمنّى نعمة على أن لا تتحوّل عن صاحبها، فهو غابط . وفي الحديث : «اللّهمَّ غَبِطا لا هَبْطا»؛ أي نسألُك الغبطة، أو منزلة تغبط عليها . وفي الحديث : «إنّه جاؤوهم يصلّون، فجعل يغبّطهم» ، هكذا روي بالتشديد؛ أي يحملهم على الغبط ، ويجعل هذا الفعل عندهم ممّا يُغبَط عليه، وإن روي بالتخفيف، فيكون قد غبطهم لسبقهم إلى الصلاة . انتهى (5).

ولعلّ «تغبط» هنا بالتخيف، و«نفسك» بالرفع ؛ أي لا تكن نفسك غابطا طالبا لمنزلة تغبط

ص: 396


1- الصحاح ، ج 3 ، ص 1030 (بصص)
2- النهاية ، ج 1 ، ص 131 (بصص)
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 339
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 133
5- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 375 و 376 (غبط) مع التلخيص واختلاف يسير

عليها بحبّ الدُّنيا. أو بالنصب؛ أي لا تجعل أنت نفسك كذلك .

ويحتمل أن يكون بالتشديد؛ أي لا تجعل نفسك في اُمور الدُّنيا بحيث يغبطها الناس، ولا تجعل نفسك بحيث تغبط الناس على ما في أيديهم وتحسدهم عليها . أو لا تجعل نفسك مسرورة متبهّجة بمتاع الدنيا .

(فإنّ الدُّنيا كفيء زائل) .

الفَيء: ما كان شمسا، فنسخه الظلّ . وتشبيه الدُّنيا به إمّا في سرعة الزوال والفناء، أو في أنّه ليس بشيء ثابت حقيقة ، أو في الاستظلال به قليلاً، ثمّ الارتحال عنه كالمسافر ، أو في أنّه يزول بالتدريج آنا فآنا، ويرى ساكنا.

وعلى التقادير الغرض منه التنفير عن الدنيا .

وكذا قوله : (وما أقبل منها كما أدبر) أي المستقبل منها كالماضي، زمانا كان أو زمانيّا، في عدم البقاء وسرعة الفناء، أو في عدم وجودك فيه .

(فنافس في الصالحات) .

الفاء فصيحة؛ أي إذا عرفت حال الدُّنيا في سرعة الزوال، وعدم إمكان التمتّع بها، فاغتنم زمانك الذي أنت فيه، وارغب في الأعمال الصالحة لدار البقاء .

(جُهدك) أي بقدر وسعك وطاقتك .

وقوله : (وإن قطعت) ؛ على صيغة المخاطب المجهول، من التقطيع، أو القطع . والأوّل أنسب بالمقام؛ لإفادته التأكيد والمبالغة .

وقوله : (ولا تكن مع الجاهلين) (1). الذين ركنوا إلى الدُّنيا وزخارفها الفانية، وأعرضوا عن العلم وأهله، وعن الآخرة ونعيمها الباقية .

وفي أكثر النسخ : «ولا تكوننّ من الجاهلين» ، والأوّل أليق بقوله: (فإنّ الشيء يكون مع الشيء) ؛ لعلّ المراد أنّ كلّ جنس يكون مع مجانسه، ويُعدّ منه ، فجليس الفاسق يُعدّ فاسقا، وإن كان صالحا، وبالعكس ، على أنّ الصحبة مُسرية .

وقيل : المراد أنّ لكلّ عمل جزاء (2).

ص: 397


1- في المتن الذي ضبطه الشارح رحمه الله سابقا : «ولا تكوننّ من الجاهلين»
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 340

وفي بعض النسخ: «السيّى ء» بالسين المهملة، وتشديد الياء، ثمّ الهمزة، في الموضعين .

وقوله : (واخشع لي بقلبك) .

الباء للتعدية، أو للآلة .

والخشوع: الخضوع، وفعله كمنع. أو قريب من الخضوع، وهو في البدن، والخشوع في الصوت والبَصَر. والخشوع أيضا: السكون، والتذلّل .

وقيل : خشوع القلب تفريغه عن غيره تعالى، وصرف الهمّة إلى جميع ما يتقرّب به، بحيث يوجب التذلّل والخوف من التقصير (1).

وقوله : (استغث بي) .

الباء زائدة، أو متعلّق بالاستغاثة بتضمين مثل معنى التوسّل . يُقال : استغاثني، فأغثته ؛ أي دعاني، واستعانني، واستنصرني في دفع الكرب ورفع الشدّة، فأجبته، فأنا مُغيث .

متن الحديث الرابع والمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ يُونُسَ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:

«إِذَا اسْتَقَرَّ أَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ، يَفْقِدُونَكُمْ، فَلَا يَرَوْنَ مِنْكُمْ أَحَدا، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ» (2). » قَالَ: «وَذلِكَ قَوْلُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النّارِ» (3). يَتَخَاصَمُونَ فِيكُمْ فِيمَا كَانُوا يَقُولُونَ فِي الدُّنْيَا».

شرح الحديث

السند موثّق على الظاهر (4).

قوله : (يفقدونكم) .

يُقال : فقده _ كضربه _ فقدا وفِقدانا، إذا عدمه .

ص: 398


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 134
2- ص (38) : 63
3- ص (38) : 64
4- هذا ، واستضعفه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 342

وقوله تعالى : «مَا لَنَا لَا نَرى» الآية . مرَّ تفسيرها في الحديث السادس .

وقوله : (وذلك) أي قول بعضهم لبعض.

وكلمة «في» في الموضعين للتعليل . والمراد بما كانوا يقولون في الدُّنيا أنّهم من الأشرار .

متن الحديث الخامس والمائة (حديث إبليس لعنه اللّه )

اشارة

أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ شُعَيْبٍ، قَالَ:

قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «مَنْ أَشَدُّ النَّاسِ عَلَيْكُمْ»؟

قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، كُلٌّ.

قَالَ: «أَ تَدْرِي مِمَّ (1). ذَاكَ يَا يَعْقُوبُ»؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا أَدْرِي جُعِلْتُ فِدَاكَ.

قَالَ: «إِنَّ إِبْلِيسَ دَعَاهُمْ، فَأَجَابُوهُ؛ وَأَمَرَهُمْ، فَأَطَاعُوهُ؛ وَدَعَاكُمْ، فَلَمْ تُجِيبُوهُ؛ وَأَمَرَكُمْ، فَلَمْ تُطِيعُوهُ، فَأَغْرى بِكُمُ النَّاسَ».

شرح الحديث

السند صحيح .

قوله عليه السلام : (من أشدّ الناس عليكم) .

المراد بالناس المخالفون ؛ أي أيّهم أشدّ عداوةً لكم، أو أشدّ ضررا ؟

وقوله : (كلّ) .

التنوين عوض عن المضاف إليه ؛ أي كلّ أهل الخلاف في غاية الشدّة ونهاية الإضرار والعداوة، حتّى لا يمكن ترجيح بعضهم في ذلك على بعض .

وقوله : (دعاهم) ؛ يعني إلى إنكار الولاية .

(وأمرهم) بطاعة أهل الضلالة والغواية .

وقوله : (فلم تجيبوه) ؛ يعني فيما دعاكم إليه من إنكار الولاية بحكم المقابلة ، فلا تغفل .

ص: 399


1- في الطبعة الجديدة وجميع النسخ التي قوبلت فيها : «ممّا»

وقوله : (فأغرى بكم الناس) .

يُقال : أغريت الكلب بالصيد، إذا أولَعته .

وأغريت بهم العداوة، أي ألقيتها .

متن الحديث السادس والمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:«إِذَا رَأَى الرَّجُلُ مَا يَكْرَهُ فِي مَنَامِهِ، فَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ شِقِّهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ نَائِما، وَلْيَقُلْ: «إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئا إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ» (1) ، ثُمَّ لْيَقُلْ: عُذْتُ بِمَا عَاذَتْ بِهِ مَلَائِكَةُ اللّهِ الْمُقَرَّبُونَ، وَأَنْبِيَاؤُهُ الْمُرْسَلُونَ، وَعِبَادُهُ الصَّالِحُونَ، مِنْ شَرِّ مَا رَأَيْتُ، وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ».

شرح الحديث

السند حسن .

قوله : (ما يكره) أي ما يخوّفه، ويشوّش خاطره، ويسوؤهُ .

قيل : لعلّ أمره بالتحوّل ليتمّ تيقّظه ، وللتفأّل بتحوّل الرؤيا عن تأويلها المكروه، وأنّها لا تضرّ (2).

وقوله : (عن شقّه) .

قال الجوهري : «الشِّقّ، بالكسر: نصف الشيء . والشِّقّ أيضا: الناحية» (3).

وقوله تعالى : «إِنَّمَا النَّجْوى» .

قال البيضاوي :

أي النجوى بالإثم والعدوان . «مِنْ الشَّيْطَانِ» ؛ فإنّه المزيّن لها، والحامل عليها . «لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا» بتوهّمهم. «وَلَيْسَ» الشيطان، أو التناجي «بِضَارِّهِمْ» : بضارّين للمؤمنين. «شَيْئا إِلَا بِإِذْنِ اللّهِ» ؛ إلّا بمشيئته.

ص: 400


1- المجادلة (58) : 10
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 135
3- الصحاح ، ج 4 ، ص 1502 (شقق)

«وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ» ولا يبالون بنجواه . انتهى (1).

ويظهر من ذكر هذه الآية في هذا المقام، وممّا سيأتي من خبر عليّ بن إبراهيم أنّ المراد بالنجوى إنّما هو الرؤيا الهائلة الموحشة .

ولعلّ إطلاق النجوى عليها؛ لأنّها مسارّة من الشيطان، وإذا قال ذلك أذهب اللّه عنه الفزع والمساءة ، وما دلّ عليه المنام، كما ورد: «أنّ الصدقة تدفع البلاء» (2). ، و«أنّ الدُّعاء يردّ القضاء، ينقضه كما يُنقض السِّلك، وقد اُبرِم إبراما» (3).

متن الحديث السابع والمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَ (4) عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، جَمِيعا عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مَنْصُورٍ الْعَبْدِيِّ (5) ، عَنْ أَبِي الْوَرْدِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ:«قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِفَاطِمَةَ عليهاالسلام فِي رُؤْيَاهَا الَّتِي رَأَتْهَا: قُولِي: أَعُوذُ بِمَا عَاذَتْ بِهِ مَلَائِكَةُ اللّهِ الْمُقَرَّبُونَ، وَأَنْبِيَاؤُهُ الْمُرْسَلُونَ، وَعِبَادُهُ الصَّالِحُونَ، مِنْ شَرِّ مَا رَأَيْتُ فِي لَيْلَتِي هذِهِ، أَنْ يُصِيبَنِي مِنْهُ سُوءٌ أَوْ شَيْءٌ أَكْرَهُهُ. ثُمَّ انْقَلِبِي عَنْ يَسَارِكِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ».

شرح الحديث

السند مجهول .

قوله : (في رؤياها التي رأتها) .

روى عليّ بن إبراهيم في تفسير قوله تعالى : «إِنَّمَا النَّجْوى مِنْ الشَّيْطَانِ» (6) الآية، بإسناده عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : «كان سبب نزول هذه الآية أنّ فاطمة عليهاالسلام رأت في منامها أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله همَّ أن يخرج هو وفاطمة وعليّ والحسن والحسين _ صلوات اللّه عليهم _ من المدينة، فخرجوا حتّى جاوزوا من حيطان المدينة، فتعرّض لهم طريقان؛ فأخذ رسول

ص: 401


1- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، 311
2- دعائم الإسلام ، ج 2 ، ص 336 ؛ مكارم الأخلاق ، ص 419 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 433 ، ح 2565
3- الكافي ، ج 2 ، ص 469 ، ح 1 ؛ مكارم الأخلاق ، ص 270 ؛ وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 36 ، ح 8646
4- في السند تحويل بعطف طبقتين على طبقتين
5- في وسائل الشيعة : «العبيدي»
6- المجادلة (58) : 10

اللّه صلى الله عليه و آله ذات اليمين، حتّى انتهى بهم إلى موضع فيه كلّ نخلٍ وماء، فاشترى رسول اللّه صلى الله عليه و آله شاة كبراء، وهي التي في أحد اُذنيها نقط بيض، فأمر بذبحها، فلمّا أكلوا ماتوا في مكانهم .

فانتبهت فاطمة باكية ذعرة، فلم تخبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله بذلك، فلمّا أصبحت جاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله بحمار، فأركب فاطمة عليهاالسلام، وأمر أن يخرج أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام من المدينة، كما رأت فاطمة في نومها .

فلمّا خرجوا من حيطان المدينة، عرض لهم طريقان؛ فأخذ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذات اليمين _ كما رأت فاطمة _ حتّى انتهوا إلى موضع فيه نخل وماء، فاشترى رسول اللّه صلى الله عليه و آله شاة _ كما رأت فاطمة عليهاالسلام_ فأمر بذبحها، فذبحت، وشويت، فلمّا أرادوا أكلها، قامت فاطمة، وتنحّت ناحية منهم، تبكي مخافة أن يموتوا، فطلبها رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتّى وقف عليها وهي تبكي، فقال : ما شأنك يا بُنيّة؟

قالت : يارسول اللّه ، رأيت [البارحة] كذا وكذا في نومي، وقد فعلت أنت كما رأيته، فتنحّيت عنكم، فلا أراكم تموتون .

فقام رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فصلّى ركعتين، ثمّ ناجى ربّه، فنزل عليه جبريل، فقال : يا محمّد، هذا شيطانٌ يُقال له: الدها (1) ، وهو الذي أرى فاطمة هذه الرؤيا، ويؤذي المؤمنين في نومهم ما يغتمّون به، فأمر جبرئيل، فجاء به إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال له : أنت أريتَ فاطمة هذه الرؤيا؟

فقال : نعم يا محمّد، فبزق عليه ثلاث بزقات، فشجّه في ثلاث مواضع .

ثمّ قال جبرئيل لمحمّد صلى الله عليه و آله : قل يا محمّد ، إذا رأيت في منامك شيئا تكرهه، أو رأى أحدٌ من المؤمنين، فليقل: أعوذ بما عاذت به ملائكة اللّه المقرّبون، وأنبياء اللّه المرسلون، وعباده الصالحون، من شرّ ما رأيت من رؤياي. ويقرأ الحمد، والمعوّذتين، و«قل هو اللّه أحد»، ويتفل عن يساره ثلاث تفلات؛ فإنّه لا يضرّه ما رأى . وأنزل اللّه على رسوله : «إِنَّمَا النَّجْوى مِنْ الشَّيْطَانِ» الآية» (2).

وقوله : (سوء أو شيء أكرهه) ؛ كأنّ الثاني أعمّ من الأوّل.

ص: 402


1- في المصدر : «الزها» . وفيه عن بعض النسخ : «الرها»
2- تفسير القمّي ، ج 2 ، ص 355 . وعنه في بحار الأنوار ، ج 58 ، ص 187 ، ح 53

واحتمال كون الترديد من الراوي بعيد .

قال الفيروزآبادي : «ساءهُ سَوْأً وسُوءا: فَعَلَ به ما يكره» (1).

وقال : «الكَرْه، ويضمّ: الإباء، والمشقّة. أو بالضمّ: ما أكرهت نفسك عليه. وبالفتح: ما أكرهك غيرك عليه. كَرِهَهُ _ كسمعه _ كَرْها _ ويضمّ _ وكَراهةً وكراهِية ومكرَهَة، وتضمّ راؤه» (2).

وقوله : (ثمّ انقلبي عن يسارك ثلاث مرّات) .

في كثير من النسخ المصحّحة: «على» بدل «عن».

قيل: لعلّ المراد الانقلاب عن اليمين إلى اليسار ثلاث مرّات، بأن ينقلب أوّلاً إلى اليسار، ثمّ إلى اليمين، ثمّ إلى اليسار، وهكذا (3).

ويحتمل أن يكون متعلّقا بالقول فقط ؛ أي بقوله ثلاث مرّات ، ثمّ ينقلب .

وقيل : المراد أنّه ينقلب شيئا فشيئا، وقليلاً قليلاً عن اليمين إلى اليسار، إلى ثلاث دفعات .

وقال بعض الشارحين :

انقلبي، من الانقلاب في النسخ التي رأيناها، وفيه : أنّ الانقلاب إنّما هو عن الشقّ الذي وقع النوم عليه _ كما مرّ _ لا عن اليسار، إلّا إذا ثبت أنّها عليهاالسلام كانت تنام على اليسار. وهو كما ترى .

والظاهر أنّه تصحيف «اتفلي» بالتاء المثنّاة الفوقانيّة، والفاء من التفل، وهو شبيه بالبزق . وقد تَفَل يتفُل .

ويؤيّده ما روي من طريق العامّة عن النبيّ صلى الله عليه و آله ، قال : «الرؤيا الصالحة من اللّه ، فإذا رأى أحدكم ما يحبّ، فلا يحدّث بها إلّا مَن يحبّ . وإذا رأى ما يكره، فليتفُل عن يساره ثلاثا، وليتعوّذ باللّه من شرّ الشيطان وشرّها، ولا يحدِّث بها [أحدا]؛ فإنّها لا تضرّه» (4).

ص: 403


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 18 (سوء)
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 291 (كره)
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 343
4- مسند أحمد ، ج 5 ، ص 303 ؛ سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 124 ؛ صحيح مسلم ، ج 7 ، ص 52 ؛ السنن الكبرى ، ج 6 ، ص 223 ؛ كنزالعمّال ، ج 15 ، ص 372 ، ح 41431

ولهم روايات كثيرة في هذا المعنى، إلّا أنّ في بعضها: «فلينفث». وفي بعضها: «فليبصق». والتفل والنفث والبصق بمعنى واحد، والتفاوت بالقلّة والكثرة، كما يفهم من كلام الجوهري. وكون ذلك على اليسار؛ لأنّها محلّ الشيطان والأقذار . وقيل : يحتمل أن يجعل اللّه ذلك التفل ممّا يطرد به الشيطان ويبعده . انتهى .

وأنت خبير بأنّ الإشكال الذي أورده مندفع بما نقلناه أوّلاً من الاحتمال ، على أنّ هذا الإشكال على تقدير وروده إنّما يرد على نسخة «عن» دون «على»، كما لا يخفى .

متن الحديث الثامن والمائة (حديث محاسبة النفس)

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، جَمِيعا عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْمِنْقَرِيِّ، عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، قَالَ:

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ لَا يَسْأَلَ رَبَّهُ شَيْئا إِلَا أَعْطَاهُ، فَلْيَيْأَسْ مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ، وَلَا يَكُونُ لَهُ رَجَاءٌ إِلَا مِنْ عِنْدِ اللّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ، فَإِذَا عَلِمَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ ذلِكَ مِنْ قَلْبِهِ، لَمْ يَسْأَلْهُ شَيْئا إِلَا أَعْطَاهُ؛ فَحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا عَلَيْهَا، فَإِنَّ لِلْقِيَامَةِ خَمْسِينَ مَوْقِفا، كُلُّ مَوْقِفٍ مِقْدَارُهُ أَلْفُ سَنَةٍ».

ثُمَّ تَلَا: «فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ (1) أَلْفَ سَنَةٍ مِمّا تَعُدُّونَ» (2)

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (فحاسبوا أنفسكم) .

قال بعض الأفاضل :

جعل اللّه العقل والنفس تاجرين شريكين في التجارة للآخرة ، وجعل العمر رأس المال، والطاعة والقُرب ودخول الجنّة ربحها ، والمعصية والبُعد والخلود في النار خسرانها ، وجعل العقل لاتّصافه بالأمانة أميرا رقيبا حاكما على النفس الأمّارة؛ لاتّصافها بالخيانة، ولذلك خاطبه بقوله : «بك اُثيب، وبك اُعاقب» .

ص: 404


1- في الطبعة الجديدة وجميع النسخ التي قوبلت فيها والوافي وشرح المازندراني : + «خمسين»
2- السجدة (32) : 5

وجعل النفس تابعة له في تلك [التجارة]؛ لأنّه يستعين بها وبقواها الباطنة والظاهرة التي هي بمنزلة الخدم لها في تلك التجارة، كما يستعين التاجر الدنيوي بشريكه، ثمّ يحاسبه اللّه تعالى لكونه الشريك الأعظم في مواقف القيامة التي هي موقف المعرفة وموقف الإيمان وموقف الرسالة وموقف الولاية، وموقف غيرها من الحقوق والطاعات .

فوجب على العقل أن يحاسب النفس في أوان التجارة؛ ليأمن من خيانتها، ويجعلها مطمئنّة، ويسهّل له الحساب في مواقف القيامة، أو يتخلّص منه .

وحقيقة تلك المحاسبة أن يضبط عليها أعمالها وحركاتها وسكناتها وخطراتها ولحظاتها، ولا يغفل عن مراقبتها، ويصرفها إلى الخيرات، ويزجرها عن المنهيّات، ويعاتبها، ويجاهدها، ويعاقبها؛ فإن رأى أنّها مالت إلى كسب معصية، أو ترك طاعة، يوبّخها بأنّ ذلك من الحمق والجهل باللّه وبأمر الآخرة، وبعقوباتها وخسرانها، ويجاهدها حتّى ترجع عنه إلى الخير، وهكذا يفعل بها في حال جميع الاكتسابات، حتّى تصير منقادة مطمئنّة، تصلح أن تخاطب ب «يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً» (1) ، وقوله تعالى في سورة المعارج : «تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ * فَاصْبِرْ صَبْرا جَمِيلاً» (2). (3).

وفي بعض نسخ الكتاب: «خمسين ألف سنة ممّا تعدّون» . ولعلّه كان في مصحفهم عليهم السلام كذلك، أو بيان للمدّة، أو اشتباه من الرواة، أو النسّاخ .

قال البيضاوي : الآية استئناف لبيان ارتفاع تلك المعارج، وبعد مداها على التمثيل والتخييل ، والمعنى أنّها بحيث لو قدّر قطعها في زمان، لكان في زمان يُقدّر بخمسين ألف سنة من سني الدُّنيا .

وقيل : معناه تعرج الملائكة والروح إلى عرشه في يوم كان مقداره كمقدار خمسين ألف سنة من حيث إنّهم يقطعون فيه ما يقطع الإنسان فيها، لو فرض لا أنّ ما بين أسفل العالم وأعلى شرفات العرش مسيرة خمسين ألف سنة؛ لأنّ ما بين مركز

ص: 405


1- الفجر (89) : 27 و 28
2- المعارج (70) : 4
3- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 136 و 137

الأرض ومقعر السماء الدُّنيا _ على ما قيل _ مسيرة خمسمائة عام ، وثخن كلّ واحد من السماوات السبع والكرسيّ والعرش كذلك، وحيث قال: «كَاَنَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ» ، يريد به زمان عروجهم من الأرض إلى محدب السماء الدنيا .

وقيل : «فِي يَوْمٍ» متعلّق بواقع، أو «سأل»، إذا جعل من السيلان . والمراد به يوم القيامة، واستطالته؛ إمّا لشدّته على الكفّار، أو لكثرة ما فيه من الحالات والمحاسبات . أو لأنّه على الحقيقة كذلك . انتهى (1) وأقول : هذا الخبر صريح بأنّ المراد به يوم القيامة، وأنّ مقدار خمسين ألف سنة، وحينئذٍ ينافي ظاهر قوله تعالى في سورة الحجّ : «وَإِنَّ يَوْما عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ» (2) ، وقوله في سورة السجدة : «ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ» (3) ، وقوله في حديث عيسى عليه السلام : «واعبدني ليومٍ كألف سنة ممّا تعدّون» (4).

ويمكن الدفع عن الآية الثانية بأنّه تحديد لمسافة العروج، كما أشار إليه البيضاوي ، وعن الآية الاُولى والحديث بأنّه تحديد لأيّام الآخرة مطلقا ، وخمسون سنة ليوم القيامة . واللّه أعلم .

ودفع بعض المحقّقين هذه المنافاة بأنّ يوم الآخرة وسنيها أمرٌ موهوم . وقال : بيانه أنّ أيّام الآخرة لا يمكن حملها على حقيقتها؛ إذ اليوم المعهود عبارة عن زمان طلوع الشمس إلى مغيبها، وبعد خراب العالم _ على ما نطقت به الشريعة _ لا يبقى ذلك ، فتعيّن حمل اليوم على مجازه، وهو الزمان المقدّر بحسب الوهم القايس لأحوال الآخرة بأحوال الدنيا وأيّامها، إقامة لما بالقوّة مقام ما بالفعل، وكذلك السنة .

وحينئذٍ قوله تعالى : «فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ» ، وفي موضع آخر : «مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ» إشارة إلى الأزمنة الموهومة؛ لشدّة أهوال الآخرة وضعفها، وطولها وقصرها، وسرعة حساب بعضهم، وخفّة ظهره، وثقل أوزار قوم آخرين، وطول حسابهم، كما روي عن ابن عبّاس في قوله تعالى : «فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ

ص: 406


1- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 387
2- الحجّ (22) : 47
3- السجدة (32) : 5
4- الكافي ، ج 8 ، ص 134 ، ح 103 . وعنه في بحار الأنوار ، ج 7 ، ص 128 ، ح 10

أَلْفَ سَنَةٍ» ، قال : «هو يوم القيامة ؛ جعل اللّه على الكافرين مقداره خمسين ألف سنه ، وأراد أنّ أهل الموقف لشدّة أهوالهم يستطيلون بقاءهم فيها، وشدّتها عليهم، حتّى تكون في قوّة ذلك المقدار» .

وعن أبي سعيد الخدري، قال : قيل لرسول اللّه صلى الله عليه و آله : «فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ» ؛ ما طول هذا اليوم ؟ قال : «والذي نفسي بيده، إنّه ليخفّ على المؤمن حتّى يكون أخفّ عليه من صلاة مكتوبة يصلّيها في الدنيا» .

وهذا يدلّ على أنّها يومٌ موهوم، وإلّا لما تفاوت في الطول والقصر إلى هذه الغاية (1).

متن الحديث التاسع والمائة

اشارة

متن الحديث التاسع والمائةوَبِهذَا الْاءِسْنَادِ، عَنْ حَفْصٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:«مَنْ كَانَ مُسَافِرا فَلْيُسَافِرْ يَوْمَ السَّبْتِ، فَلَوْ أَنَّ حَجَرا زَالَ عَنْ جَبَلٍ يَوْمَ السَّبْتِ، لَرَدَّهُ اللّهُ _ عَزَّ ذِكْرُهُ _ إِلى مَوْضِعِهِ، وَمَنْ تَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ الْحَوَائِجُ، فَلْيَلْتَمِسْ طَلَبَهَا يَوْمَ الثَّلَاثَاءِ؛ فَإِنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي أَلَانَ اللّهُ فِيهِ الْحَدِيدَ لِدَاوُدَ عليه السلام ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (من كان مسافرا) أي متهيّأً للسفر مريدا له .

وقد اشتهر إطلاق الفعل وإرادة مباديه، كما قيل في قوله تعالى : «إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ» (2) أنّ المراد: إذا أردتم القيام عليها .

وفي القاموس : «يوم الثلاثاء، بالمدّ، ويضمّ» (3).

وقوله : (ألآن اللّه [فيه] الحديد لداود عليه السلام ) أي جعله في يده كالشمع، يصرفه كيف يشاء من غير نار وإحماء واستعمال آلة، وأعطاه قوّة في هذا التصرّف .

ص: 407


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 137 و 138
2- المائدة (5) : 6
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 163 (ثلث)

متن الحديث العاشر والمائة

اشارة

وَبِهذَا الْاءِسْنَادِ، عَنْ حَفْصٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:«مَثَلُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا قَامُوا لِرَبِّ الْعَالَمِينَ مَثَلُ السَّهْمِ فِي الْقُرْبِ، لَيْسَ لَهُ مِنَ الْأَرْضِ إِلَا مَوْضِعُ قَدَمِهِ، كَالسَّهْمِ فِي الْكِنَانَةِ، لَا يَقْدِرُ أَنْ يَزُولَ هَاهُنَا وَلَا هَاهُنَا».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (مثل السهم في القرب) .

يحتمل كونه بالضمّ ؛ أي قرب بعضهم من بعض . أو بضمّتين، جمع قِراب _ بالكسر _ ككتب وكتاب ، وحُمُر وحمار. وقِراب السيف: جَفْنه، وهو وعاء يكون فيه السيف بغمده وحِمالته، اُريد به هنا وعاء السهم مجازا . والقِراب أيضا: مقاربة الأمر .

وفي بعض النسخ: «في القَرن» . قال الجزري : «القَرَن، بالتحريك: جعبة من جلود تشقّ، ويُجعل فيها النُشّاب. ومنه الحديث : الناس يوم القيامة كالنبل في القَرن؛ أي مجتمعون مثلها» (1).

وقال الجوهري : «القَرَن، بالتحريك: الجعبة . قال الأصمعي : القَرَن: جعبة من جلود تكون مشقوقة، ثمّ تخرز، وإنّما تشقّ كي تصل الريح إلى الريش، فلا يفسد» (2).

وقوله : (ليس له ...) بيان للمثل .

والضمير إلى كلّ أحدٍ مفهوم من الناس .

وقوله : (في الكنانة) .

في القاموس : «كنانة السِّهام: جعبة من جلد لا خشب فيها، أو بالعكس» (3).

متن الحديث الحادي عشر والمائة

اشاره

وَبِهذَا الْاءِسْنَادِ، عَنْ حَفْصٍ، قَالَ:

رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَتَخَلَّلُ بَسَاتِينَ الْكُوفَةِ، فَانْتَهى إِلى نَخْلَةٍ، فَتَوَضَّأَ عِنْدَهَا، ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ،

ص: 408


1- النهاية : ج 4 ، ص 55 (قرن)
2- الصحاح ، ج 6 ، ص 2180 (قرن)
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 264 (كنن)

فَأَحْصَيْتُ فِي سُجُودِهِ خَمْسَمِائَةِ تَسْبِيحَةٍ، ثُمَّ اسْتَنَدَ إِلَى النَّخْلَةِ، فَدَعَا بِدَعَوَاتٍ، ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا حَفْصٍ، إِنَّهَا وَاللّهِ النَّخْلَةُ الَّتِي قَالَ اللّهُ _ جَلَّ وَعَزَّ _ لِمَرْيَمَ عليه السلام : «وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَبا جَنِيًّا» (1) ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (يتخلّل بساتين الكوفة) أي يسير خلالها، ويدخل بين أشجارها .

و«بساتين» جمع بُستان _ بالضمّ _ معرّب «بوستان» .

وقوله : (فأحصيت في سجوده) أي عَدَدت في كلّ سجدة، أو في جميعها . والأوّل أظهر .

وقوله : (إنّها) إلى قوله : (الذي) (2) أي الجذع الذي .

وفي بعض النسخ: «النخلة التي» بدل «الذي»، وهو أظهر .

وقوله : «وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ» .

الجذع، بالكسر: ما بين العِرق والغصن من النخل .

وقال البيضاوي : الهزّ: التحريك بجذب أو دفع ؛ أي أميليه إليك . والباء مزيدة للتأكيد، أو افعلي الهزّ والإمالة به، أو هُزّي الثمرة بهزّة .

«تُسَاقِطْ عَلَيْكِ» . أصله: «تتساقط»، فاُدغمت التاء الثانية في السين .

وقرأ حفص: «تُساقِط» من ساقط بمعنى أسقط. «رُطَبا جَنِيّا» تميز، أو مفعول .

روي أنّها كانت نخلة يابسة، لا رأس لها ولا ثمر، وكان الوقت شتاءً، فهزّتها، فجعل اللّه تعالى لها رأسا وخوصا ورطبا، وتسليتها بذلك؛ لما فيه من المعجزات الدالّة على براءة ساحتها ؛ فإنّ مثلها لا يتصوّر لمن يرتكب الفواحش ، والمنبّهة لمن رآها على أنّ من قدر أنْ يُثمر النخلة اليابسة في الشتاء قدر أن يحبلها من غير فحل، وأنّه ليس ببدع من شأنها .

انتهى (3).

وقال الجوهري : «جنبت الثمرة أجنيها جنيا واجتنيتها بمعنى . وثمرٌ جنيّ _ على فعيل _

ص: 409


1- مريم (19) : 25
2- في المتن الذي أثبته الشارح رحمه الله سابقا : «التي»
3- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 11 و 12 (مع تلخيص واختلاف يسير)

حين جنى» (1)

قيل : هذا الخبر مؤيّد لما ورد في الأخبار من [أنّ] عيسى عليه السلام ولد بشاطئ الفرات، وما اشتهر بين المؤرِّخين من كون سكناها في بيت المقدس، لا ينافي ذلك؛ لجواز أن يكون أجائها اللّه عند المخاض إلى هذا المكان بطيّ الأرض، ثمّ أرجعها إلى بيت المقدس (2).

وأقول : المشهور بين المؤرِّخين أنّه عليه السلام ولد في موضع يُقال له: «بيت اللحم» على بُعد فرسخين من بيت المقدس ، فقول هذا القائل لا ينافي ذلك خطأ ، فالتعويل في ذلك على الأخبار المرويّة عن أهل بيت العصمة صلوات اللّه عليهم .

متن الحديث الثاني عشر والمائة

اشارة

حَفْصٌ، (3) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:«قَالَ عِيسى عليه السلام : اشْتَدَّتْ مَؤُونَةُ الدُّنْيَا وَمَؤُونَةُ الْاخِرَةِ؛ أَمَّا مَؤُونَةُ الدُّنْيَا، فَإِنَّكَ لَا تَمُدُّ يَدَكَ إِلى شَيْءٍ مِنْهَا إِلَا وَجَدْتَ فَاجِرا قَدْ سَبَقَكَ إِلَيْهَا، وَأَمَّا مَؤُونَةُ الْاخِرَةِ، فَإِنَّكَ لَا تَجِدُ أَعْوَانا يُعِينُونَكَ عَلَيْهَا».

شرح الحديث

السند ضعيف .

والمؤونة: الثقل. وشاع إطلاقه على القوت .

قال الجوهري :

المؤونة، تُهمز ولا تُهمز، وهي فَعُولة . قال الفرّاء: هي مفعلة من الأين، وهو الخُرج، والعِدْل؛ لأنّها ثقل على الإنسان .

قال الخليل : «لو كان مَفعلة لكان بيّنة . وعند الأخفش يجوز أن تكون مفعلة» (4).

ص: 410


1- الصحاح ، ج 6 ، ص 2305 (جني)
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 25، ص344
3- السند معلّق على الأسناد الثلاثة السابقة ، ويروي عن حفص ، عليّ بن إبراهيم عن أبيه وعليّ بن إبراهيم بن محمّد ، عن القاسم بن محمّد ، عن سليمان المنقري
4- الصحاح ، ج 6 ، ص 2198 (مأن)

وقال : «فجر فجورا: فسق، وكذب، أصله: الميل . والفاجر: المائل» (1)

وفي القاموس : «الفاجر: المتموّل» (2).

متن الحديث الثالث عشر والمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَمَّارٍ، قَالَ:سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ: «أَيُّمَا مُؤْمِنٍ شَكَا حَاجَتَهُ وَضُرَّهُ إِلى كَافِرٍ، أَوْ إِلى مَنْ يُخَالِفُهُ عَلى دِينِهِ، فَكَأَنَّمَا شَكَا اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ إِلى عَدُوٍّ مِنْ أَعْدَاءِ اللّهِ؛ وَأَيُّمَا رَجُلٍ مُؤْمِنٍ شَكَا حَاجَتَهُ وَضُرَّهُ إِلى مُؤْمِنٍ مِثْلِهِ، كَانَتْ شَكْوَاهُ إِلَى اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ».

شرح الحديث

شرحالسند مجهول .

قوله : (شكا حاجته وضُرّه) إلى آخره .

الضرّ _ بالضمّ والفتح _ ضدّ النفع ، والشدّة، والضرر، وسوء الحال. أو بالفتح: مصدر، وبالضمّ: اسم المضارّة.

والشكوى _ بالقصر وبالتنوين _ مصدر قولهم : شكا أمره إلى اللّه ، وشكوت فلانا، إذا أخبرت عنه بسوء فعله بك .

وفي هذا الخبر دلالة على جواز الشكاية إلى المؤمن .

وقيل : تركه أولى مطلقا .

متن الحديث الرابع عشر والمائة

اشارة

ابْنُ مَحْبُوبٍ (3) ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ صَبِيحٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:«إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ أَوْحى إِلى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عليه السلام : أَنَّ آيَةَ مَوْتِكَ أَنَّ شَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، يُقَالُ لَهَا: الْخُرْنُوبَةُ».

ص: 411


1- الصحاح ، ج 2 ، ص 778 (فجر)
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 107 (فجر)
3- السند معلّق على سابقه ، والراوي عن ابن محبوب هو محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد

قَالَ: «فَنَظَرَ سُلَيْمَانُ يَوْما، فَإِذَا الشَّجَرَةُ الْخُرْنُوبَةُ قَدْ طَلَعَتْ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَالَ لَهَا: مَا اسْمُكِ؟ قَالَتِ: الْخُرْنُوبَةُ».

قَالَ: «فَوَلّى سُلَيْمَانُ مُدْبِرا إِلى مِحْرَابِهِ، فَقَامَ فِيهِ مُتَّكِئا عَلى عَصَاهُ، فَقُبِضَ رُوحُهُ مِنْ سَاعَتِهِ».

قَالَ: «فَجَعَلَتِ الْجِنُّ وَالْاءِنْسُ يَخْدُمُونَهُ، وَيَسْعَوْنَ فِي أَمْرِهِ كَمَا كَانُوا، وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ حَيٌّ لَمْ يَمُتْ يَغْدُونَ وَيَرُوحُونَ، وَهُوَ قَائِمٌ ثَابِتٌ حَتّى دَنَتِ (1).

الْأَرَضَةُ مِنْ عَصَاهُ، فَأَكَلَتْ مِنْسَأَتَهُ، فَانْكَسَرَتْ، وَخَرَّ سُلَيْمَانُ إِلَى الْأَرْضِ: أَ فَلَا تَسْمَعُ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ «فَلَمّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ» (2).

».

شرح الحديث

السند صحيح .

قوله : (الخُرنوبة) .

في القاموس : «الخرّوب، كتنّور، والخُرْنوب، وقد تفتح هذه : شجرة بريّة ذات شوك ذو حمل، كالتفّاح، لكنّه بَشِع ، وشامية ذات حمل كالخيار شَنْبَر، إلّا أنّه عريض، وله ربّ وسويق» (3).

وقال الجوهري : «الخرّوب: نبت معروف. والخُرنوب لغةً. ولا تقل: الخَرنوب بالفتح» (4).

وقوله : (حتّى دنت الأرضة) .

«دنت» من الدُنوّ .

وفي بعض النسخ: «دبّت» بالباء، من الدبيب، وهو المشي هُنيئة .

و«الأرضة» بالتحريك: دُويبة معروفة تأكل الخشب .

وفي بعض النسخ: «الأرض» وهو أيضا _ بالتحريك _ جمع أَرَضة .

وقوله : (مِنسأته) .

ص: 412


1- في كلتا الطبعتين ومعظم النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة: «دبّت»
2- سبأ (34) : 14
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 60 (خرب)
4- الصحاح ، ج 1 ، ص 119 (خرب)

قال الفيروزآبادي في المهموز اللام: «نَسَأه، كمنعه: زجره، وساقه. والمِنْسأه، كمِكْنَسَة ومَرْتَبَة، ويُترك الهَمز فيهما: العصا؛ لأنّ الدابّة تُنسّأ بها» (1).

وقوله تعالى : «فَلَمَّا خَرَّ» من الخور، وهو السقوط.

«تَبَيَّنَتْ الْجِنُّ» .

قال البيضاوي : أي علمت الجنّ بعد التباس الأمر عليهم.

«أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ» أنّهم لو كانوا يعلمون الغيب كما يزعمون، لعلموا موته حينما وقع، فلم يلبثوا حولاً في تسخيره إلى أن خرّ، أو حضرت الجنّ، وأنّ بما في حيّزه بدل منه ؛ أي ظهر أنّ الجنّ لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب . انتهى (2) وقيل : أي علمته عامّة الجنّ وضعفاؤهم أنّ رؤساؤهم لا يعلمون الغيب (3).

وروى عليّ بن إبراهيم وغيره أنّ الآية نزلت هكذا: «تبيّنت الإنس أن لو كان الجنّ يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين»، وذلك أنّ الإنس كانوا يقولون: إنّ الجنّ يعلمون الغيب، فلمّا سقط سليمان على وجهه علم الإنس أن لو كان الجنّ يعلمون الغيب لم يعملوا سنةً لسليمان، وهو ميّت، ويتوهّمونه حيّا (4) وقال الزمخشري: في قراءة اُبيّ: «تبيّنت الإنس» ، وفي قراءة ابن مسعود: «تبيّنت الإنس أنّ الجنّ لو كانوا يعلمون الغيب» (5).

متن الحديث الخامس عشر والمائة

اشارة

ابْنُ مَحْبُوبٍ (6). ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ سَدِيرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ:«أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا إِذَا مَرُّوا بِرَسُولِ اللّهِ حَوْلَ الْبَيْتِ طَأْطَأَ أَحَدُهُمْ ظَهْرَهُ وَرَأْسَهُ هكَذَا، وَغَطّى رَأْسَهُ بِثَوْبِهِ، لَا يَرَاهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ

ص: 413


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 30 (نسأ)
2- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 395
3- حكاه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 346
4- تفسير القمّي ، ج 2 ، ص 199 . وعنه في بحار الأنوار ، ج 14 ، ص 139
5- الكشّاف ، ج 3 ، ص 283
6- السند معلّق كسابقه

صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ» (1) ».

شرح الحديث

السند ضعيف (2).

قوله : (طأطأ أحدهم ظهره ورأسه) أي حَنى وعطف ظهره، وخفض رأسه .

وقوله : (هكذا) إشارة إلى صورة فعله .

والظاهر أنّ قوله : (وغطّى رأسه بثوبه) من كلام أبي جعفر عليه السلام ، والمستتر في «غطّى» راجع إلى أحدهم .

وقوله : (لا يراه) تعليل للطأطأة والتغطية .

(فأنزل اللّه عزّ وجلّ) في سورة هود : «أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ» .

قال الجوهري : «ثنيت الشيء ثنيا: عطفته. وثناه؛ أي كفّه. وثنيته أيضا: صرفته عن حاجته» (3).

وقال البيضاوي : أي يثنونها عن الحقّ، وينحرفون عنه، أو يعطفونها على الكفر وعداوة النبيّ، أو يولون ظهورهم. «لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ» من اللّه بسرّهم، فلا يُطلِعُ رسوله والمؤمنون عليه .

قيل : إنّها نزلت في طائفة من المشركين قالوا: إذا أرخينا ستورنا، واستغشينا ثيابنا، وطوينا صدورنا على عداوة محمّد، كيف يعلم؟

وقيل : نزلت في المنافقين . وفيه نظر ؛ إذ الآية مكّيّة، والنفاق حدث بالمدينة .

«أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ» أي حين يأوون إلى فراشهم، ويتغطّون بثيابهم .

«يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ» في قلوبهم .

«وَمَا يُعْلِنُونَ» بأفواههم، يستوي في عِلمه سرّهم وعَلَنهم، فكيف يخفى عليه ما عسى يظهرونه؟ (4).

ص: 414


1- هود (11) : 5
2- هذا ، واستحسنه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 346
3- الصحاح ، ج 6 ، ص 2294 (ثني)
4- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، 220 و 221 (مع التلخيص)

متن الحديث السادس عشر والمائة

اشارة

ابْنُ مَحْبُوبٍ (1) ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ سَلَامِ بْنِ الْمُسْتَنِيرِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ:«إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ خَلَقَ الْجَنَّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ النَّارَ، وَخَلَقَ الطَّاعَةَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْمَعْصِيَةَ، وَخَلَقَ الرَّحْمَةَ قَبْلَ الْغَضَبِ، وَخَلَقَ الْخَيْرَ قَبْلَ الشَّرِّ، وَخَلَقَ الْأَرْضَ قَبْلَ السَّمَاءِ، وَخَلَقَ الْحَيَاةَ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَخَلَقَ الشَّمْسَ قَبْلَ الْقَمَرِ، وَخَلَقَ النُّورَ قَبْلَ الظُّلْمَةِ».

شرح الحديث

السند مجهول .

قوله : (خلق الجنّة) إلى آخره .

أصل الخلق التقدير، كما صرّح به أهل اللّغة .

قال الجوهري : «الخلق: التقدير. يُقال: خلقت الأديم، إذا قدّرته قبل القطع» (2).

ويظهر منه أنّ استعماله في الإيجاد والتكوين، أو الإبداع والاختراع مجاز . فلعلّ المراد أنّه تعالى قدّر الاُمور المتقدّمة أن تكون متقدّمة، والاُمور المتأخّرة أن تكون متأخّرة.

فلا يرد الإشكال بتعلّق الخلق بالموت، ولا يحتاج إلى التوجيه بأنّ المراد بخلق الشرّ خلق ما يترتّب عليه شرّ، وإن كان إيجاده خيرا وصلاحا .

وقيل : لعلّ تعلّق التقدير أوّلاً بالاُمور المتقدّمة باعتبار أنّها أشرف ، وهذا ظاهر في غير الأرض والسماء .

قال : ويمكن أن يُقال: الأرض أيضا أشرف من حيث إنّها مهد للإنسان أمواتا وأحياءً، ومعبد للأنبياء والأوصياء والصلحاء، وفيها معاشهم ، والسماء مخلوقة لأجلهم، كما دلّ عليه ظاهر الآيات والروايات .

ثمّ الترتيب بين التقديرات المتقدّمة، وكذا بين التقديرات المتأخّرة غير ظاهر ، ولا يستفاد من هذا الحديث؛ لأنّ الواو لمطلق الجمع، والتقديم الذكري غير مفيد (3).

ص: 415


1- السند كسابقه
2- الصحاح ، ج 4 ، ص 147 (خلق)
3- إلى هاهنا كلام القائل ، وهو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 141

متن الحديث السابع عشر والمائة

اشارة

عَنْهُ (1) ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سِنَانٍ، قَالَ:

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ: «إِنَّ اللّهَ خَلَقَ الْخَيْرَ يَوْمَ الْأَحَدِ، وَمَا كَانَ لِيَخْلُقَ الشَّرَّ قَبْلَ الْخَيْرِ، وَفِي يَوْمِ الْأَحَدِ وَالْاءِثْنَيْنِ خَلَقَ الْأَرَضِينَ، وَخَلَقَ أَقْوَاتَهَا فِي يَوْمِ الثَّلَاثَاءِ، وَخَلَقَ السَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، وَخَلَقَ أَقْوَاتَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَذلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: «خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيّامٍ» (2).».

شرح الحديث

السند صحيح .

وضمير «عنه» راجع إلى ابن محبوب .

قوله : (خلق الخير يوم الأحد، وما كان ليخلق الشرّ قبل الخير» .

المراد أنّ ابتداء الخلق يوم الأحد؛ إذ مقتضى خيريّته تعالى أن لا يقدّم خلق الشرّ على خلق الخير، وابتداء خلق الخير إنّما كان يوم الأحد، فلم يخلق قبله شيء ، فثبت أنّ ابتداء الخلق فيه .

وقيل : يمكن أن يُراد بالخير هنا الجنّة، وبالشرّ النار ، وقد فسّر الخير والشرّ بهما بعض المحقّقين ، وأن يراد بالخلق هنا التكوين؛ إذ لا مانع منه ؛ ويؤيّده قوله : «خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ» ؛ إذ الظاهر من الخلق فيه التكوين والإيجاد (3).

وقوله : (وخلق أقواتها) .

لعلّ المراد أقوات أهلها، بأن عيّن لكلّ نوع ما يصلحه، ويعيش به، أو ما ينتفع به حيّ.

وأصل القوت ما يقوم به بدن الإنسان من الطعام ؛ يُقال : قات أهله يقوتهم قيتا _ بالفتح _ وقياتةً، والاسم: القوت، بالضمّ .

وقيل : أي أقواتا تنشأ منها، بأن خصّ حدوث كلّ قوت بقطر من أقطارها .

ص: 416


1- الضمير راجع إلى ابن محبوب
2- الفرقان (25) : 59 : السجدة (32) : 4
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 142 و 143

وقيل : هي المطر .

وقيل : خلق النبات والثمار والحبوب التي هي أقوات الحيوانات، أو يكون الخلق بمعنى التقدير؛ أي جعلها مهيّأةً، لأن ينبت منها أرزاق العباد .

ولعلّ المراد بأقوات السماوات أسبابها المقدّرة فيها لأهل الأرض، كالمطر ونحوه، والإضافة لأدنى ملابسة (1). وكونها بتقدير «في» محتمل بعيد .

وأورد بعض الشارحين هنا سؤالاً، وهو أنّ أيّام الاُسبوع وأسماؤها إنّما تحقّقت بعد خلق السماوات والأرضين، فكيف تكون قبلها؟

وأجاب بأنّ هذه الأيّام كانت في علم اللّه تعالى، فنزّل العلم منزلة المعلوم، أو نزّل الزمان الموهوم بمنزلة الموجود، فأجرى عليه حكمه (2) . وسيجيء لهذا زيادة تحقيق .

وقوله : (وذلك) أي ما ذكر من خلق الأجسام والأجرام في تلك الأيّام .

(قول اللّه عزّ وجلّ) في سورة فرقان : «خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ» .

قال البيضاوي : أي في ستّة أوقات، كقوله : «وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ» (3) ، أو في مقدار ستّة أيّام؛ فإنّ المتعارف من اليوم زمان طلوع الشمس إلى غروبها، ولم يكن حينئذٍ، وفي خلق الأشياء مدرّجا مع القدرة على إيجادها دفعةً دليل للاختيار، واعتبار للنظّار، وحثّ على التأنّي في الاُمور. انتهى (4).

واعلم أنّ هاهنا إشكالٌ يحتاج دفعه إلى تمهيد مقدّمة .

قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى : «أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ» : (5).

أي في مقدار يومين، أو نوبتين، وخلق في كلّ نوبة ما خلق في أسرع ما يكون . ولعلّ المراد من الأرض ما في جهة السفل من الأجرام البسيطة، ومن خلقها في يومين أنّه خلق لها أصلاً مشتركا، ثمّ خلق لها صورا بها صارت أنواعا، وكفرهم به إلحادهم في ذاته وصفاته.

ص: 417


1- احتمله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 143
2- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 143
3- الأنفال (8) : 16
4- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 25
5- فصّلت (41): 9

«وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ» (1) ؛ في تتمّة أربعة أيّام، كقولك : سرتُ من البصرة إلى بغداد في عشر، وإلى الكوفة في خمس عشر . ولعلّه قال ذلك، ولم يقل: في يومين؛ للإشعار باتّصالهما باليومين الأوّلين، والتصريح على الفَذْلَكة.

«سَوَاءً» أي استوت سواء بمعنى استواء ، والجملة صفة الأيّام، وتدلّ عليه قراءة يعقوب بالجرّ .

وقيل : حال من الضمير في «أقواتها»، أو في «فيها» . وقرئ بالرفع على هي «سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ» متعلّق بمحذوف تقديره هذا الحصر للسائلين عن مدّة خلوّ الأرض وما فيها، أو بِ«قدّر»؛ أي قُدّر فيها الأقوات للطالبين لها .

«ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّمَاءِ» . قصد نحوها من قولهم : استوى إلى مكان كذا، إذا توجّه إليها توجّها لا يلوي على غيره .

والظاهر أنّ «ثمّ» لتفاوت ما بين الخلقتين، لا للتراخي في المدّة؛ لقوله : «وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحَاهَا» ، ودحوها متقدّم على خلق الجبال من فوقها.

«وَهِيَ دُخَانٌ» ؛ أمر ظلماني . ولعلّه أراد به مادّتها، أو الأجزاء المتصغّرة التي كتب منها.

«فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعا أَوْ كَرْها قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ» ، فخلقهنّ خلقا إبداعيّا، وأتقن أمرهنّ .

والضمير للسماء على المعنى، أو مبهم . و«سبع سماوات» حال على الأوّل، وتميز على الثاني.

«فِي يَوْمَيْنِ» (2) . قيل : خُلِق السماوات في يوم الخميس، والشمس والقمر والنجوم يوم الجمعة . انتهى (3).

إذا عرفت هذا، فنقول : مدلول هذا الخبر ينافي ظاهر الآية من جهتين :

الاُولى : أنّ ظاهرها أنّ خلق أقوات الأرض وتقديرها كان في يومين . وهذا الخبر يدلّ على أنّه خلق أقوات الأرض في يوم، وأقوات السماء في يوم .

ص: 418


1- فصّلت (41) : 9 و 10
2- فصّلت (41) : 11 و 12
3- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 107 - 109 (مع التلخيص)

الثانية : أنّ ظاهر الآية يدلّ على تقدّم يومي خلق الأقوات على يومي خلق السماوات . والخبر يدلّ على تأخّر أحد يومي خلق الأقوات عنهما .

وقال بعض المحقّقين :

يمكن أن يجاب عن الاُولى : بأنّ المراد بخلق أقوات السماء خلق أسباب أقوات أهل الأرض، الكائنة في السماء من المطر والثلج، والألواح التي يقدّر فيها الأقوات، والملائكة الموكّلين بها .

ويؤيّده أن ليس لأهل السماء قوت وطعام وشراب ؛ ففي يوم واحد قدّر الأسباب الأرضيّة لأقوات أهل الأرض ، وفي يوم آخر قدّر الأسباب السماويّة لها .

وفي الآية نسبهما إلى الأرض؛ لكونهما لأهلها . وفي الخبر فصّل ذلك لبيان اختلاف موضع التقديرين .

وعن الثانية بنحو ما ذكره البيضاوي بأن لا تكون لفظة «ثمّ» للترتيب والتراخي في المدّة .

ثمّ قال :

ومن غرائب ما سنح لي أنّي لمّا كتبت شرح هذا الخبر اضطجعت، فرأيت فيما يرى النائم أنّي أتفكّر في هذه الآية، فخطر ببالي في تلك الحالة أنّه يحتمل أن يكون المراد بأربعة أيّام تمامها، لا تتمّتها، ويكون خلق السماوات أيضا من جملة تقرير أرزاق أهل الأرض؛ فإنّها من جملة الأسباب، ومحالّ بعض الأسباب كالملائكة العاملة، والألواح المنقوشة، والشمس والقمر والنجوم المؤثّرة بكيفيّاتها، كالحرارة والبرودة في الثمار والنباتات .

وتكون لفظة «ثمّ» في قوله تعالى : «ثُمَّ اسْتَوى» للترتيب في الإخبار لتفصيل ذلك الإجمال بأنّ يومين من تلك الأيّام الأربعة كانا مصروفين في خلق السماوات، والآخرين في خلق سائر الأسباب .

وبه يندفع الإشكالان . انتهى (1).

ثمّ اعلم أنّه يستفاد من هذا الخبر من الآيات الدالّة على خلق السماوات والأرض في ستّة أيّام أنّ الزمان ليس مقدار حركة الفلك _ على ما زعمت الفلاسفة _ وإلّا فلا معنى للتقدير بالأيّام قبل وجود الفلك.

ص: 419


1- القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 350 و 351

وما قيل من أنّ مناط تمايز الأيّام إنّما هو حركة الفلك الأعلى دون السماوات السبع، والمخلوق في الأيّام المتمايزة إنّما هو السماوات السبع والأرض، وما بينهما دون ما فوقهما، ولا يلزم من ذلك خللاً لتقدّم الماء الذي خلق منه الجميع على الجميع، ففيه أنّه يخالف اُصول الفلاسفة من وجوهٍ شتّى، وهل هو إلّا كالجمع بين المتناقضين، كما لا يخفى على من له أدنى درية في فنونهم .

متن الحديث الثامن عشر والمائة

اشارة

ابْنُ مَحْبُوبٍ (1).

، عَنْ حَنَانٍ وَعَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ، عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ:

قُلْتُ لَهُ: قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: «لاَ?قْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَاتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ» ؟ (2).

قَالَ: فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «يَا زُرَارَةُ، إِنَّهُ إِنَّمَا صَمَدَ (3) لَكَ وَلأصْحَابِكَ، فَأَمَّا الْاخَرُونَ فَقَدْ فَرَغَ مِنْهُمْ».

شرح الحديث

السند صحيح .

قوله تعالى في سورة الأعراف : «لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ» .

قال البيضاوي : ترصّدا بهم كما يقعد القطّاع للسابلة . « صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ» ؛ هو طريق الإسلام، ونصبه على الظرف .

وقيل : تقديره: على صراطك، كقولهم : ضُرِب زيدٌ الظهر والبطن .

«ثُمَّ لَاتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ» ؛ من جميع الجهات الأربع ؛ مثّل قصدَه إيّاهم بالتسويل والإضلال من أيّ وجه يمكنه بإتيان العدوّ من الجهات الأربع ، ولذلك لم يقل: من فوقهم، ومن تحت أرجلهم .

ص: 420


1- السند معلّق كسوابقه
2- الأعراف (7) : 16 و 17
3- في الحاشية عن بعض النسخ: «عمد»

وقيل : لم يقل: من فوقهم؛ لأنّ الرحمة تنزل منه . ولم يقل: من تحتهم؛ لأنّ الإتيان منه يوحش .

وعن ابن عبّاس : « «مِنْ بَيْنِ أَيْدِيْهِمْ» ، من قبل الآخرة . «وَمِنْ خَلْفِهِمْ» من قبل الدُّنيا . «وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ» من جهة حسناتهم وسيّئاتهم» .

ويحتمل أن يُقال : من بين أيديهم من حيث يعلمون ويقدرون على التحرّز منه، ومن خلفهم من حيث لا يعلمون ولا يقدرون، وعن أيمانهم وعن شمائلهم من حيث يتيسّر لهم أن يعملوا ويتحرّزوا ، ولكن لم يفعلوا لعدم تيقّظهم واحتياطهم، وإنّما عدّى الفعل إلى الأوّلين بحرف الابتداء؛ لأنّه منهما متوجّه إليهم، وإلى الأخيرين بحرف المجاوزة؛ فإنّ الآتي منهما كالمنحرف عنهم، المارّ على عَرْضهم، ونظيره قولهم : «جلست عن يمينه» .

«وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرينَ» مطيعين.

فإنّما قاله ظنّا لقوله : «وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ» (1) ؛ لما رأى فيهم مبدأ الشرّ متعدّدا، ومبدأ الخير واحدا .

وقيل : سمعه من الملائكة (2).

وقوله : (إنّما صمد) أي قصد بذلك الإضلال .

(لك ولأصحابك) ؛ يعني الشيعة .

(فأمّا الآخرون) ؛ من الكفّار وأهل الخلاف .

(فقد فرغ منهم) أي من إضلالهم؛ لأنّه ذهب أوّلاً بإضاعة الإيمان منهم، فلا يُبالي بأعمالهم كائنا ما كان؛ لعدم انتفاعهم بها مع عدم الإيمان .

متن الحديث التاسع عشر والمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ وَالْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ جَمِيعا، عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عِمْرَانَ الْحَلَبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُسْكَانَ، عَنْ بَدْرِ بْنِ الْوَلِيدِ الْخَثْعَمِيِّ، قَالَ:دَخَلَ يَحْيَى بْنُ سَابُورَ عَلى أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام لِيُوَدِّعَهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «أَمَا وَاللّهِ، إِنَّكُمْ

ص: 421


1- سبأ (34) : 20
2- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 9 - 11

لَعَلَى الْحَقِّ، وَإِنَّ مَنْ خَالَفَكُمْ لَعَلى غَيْرِ الْحَقِّ، وَاللّهِ مَا أَشُكُّ لَكُمْ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يُقِرَّ اللّهُ بأَعْيُنِكُمْ إلى (1).

قَرِيبٍ».

شرح الحديث

السند مجهول .

قوله : (يقرّ اللّه بأعينكم) .

في القاموس : «قرّت تقرّ _ بالكسر والفتح _ قرّة، ويضمّ، وقُرورا: بردت، وانقطع بكاؤها، أو رأت ما كانت متشوّقة إليه . وأقرَّ اللّه عينه وبعينه» (2).

وقوله : (إلى قريب) ؛ يعني عند الموت، أو عند ظهور دولة الحقّ .

متن الحديث العشرين والمائة

اشارة

يَحْيَى الْحَلَبِيُّ (3) ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُسْكَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ:

قُلْتُ لَهُ: (4) جُعِلْتُ فِدَاكَ، أَ رَأَيْتَ الرَّادَّ عَلَيَّ هذَا الْأَمْرَ، فَهُوَ كَالرَّادِّ عَلَيْكُمْ؟ فَقَالَ: «يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ هذَا الْأَمْرَ، فَهُوَ كَالرَّادِّ عَلى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَعَلَى اللّهِ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، إِنَّ الْمَيِّتَ مِنْكُمْ عَلى هذَا الْأَمْرِ شَهِيدٌ».

قَالَ: قُلْتُ: وَإِنْ مَاتَ (5) عَلى فِرَاشِهِ؟

قَالَ: «إِي وَاللّهِ، وَإِنْ مَاتَ عَلى فِرَاشِهِ، حَيٌّ عِنْدَ رَبِّهِ يُرْزَقُ».

شرح الحديث

السند صحيح على المشهور .

ص: 422


1- . في كلتا الطبعتين وبعض النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة : «لأعينكم عن» بدل «بأعينكم إلى» . وفي شرح المازندراني والوافي : «لأعينكم إلى»
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 115 (قرر)
3- السند معلّق على سابقه ، ويروي عن الحلبي ، محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد عن محمّد بن خالد والحسين بن سعيد عن النضر بن سويد
4- في كلتا الطبعتين : - «له»
5- في الطبعة الجديدة وجميع النسخ التي قوبلت فيها والوافي وشرح المازندراني : - «وإن مات»

قوله: (الرادّ عليَّ هذا الأمر) ؛ يعني أمر الولاية .

في القاموس : «ردّ عليهم: لم يقبله، وخطّأهُ» (1).

وقوله : (شهيد) .

في القاموس : الشهيد، ويكسر شينه: القتيل في سبيل اللّه ؛ لأنّ ملائكة الرحمة تشهده، أو لأنّ اللّه تعالى وملائكته شهود له بالجنّة ، أو لأنّه ممّن يُستشهد يوم القيامة على الاُمم الخالية ، أو لأنّه حيٌّ عند ربّه حاضر ، أو لأنّه يشهد ملكوت اللّه وملكه . انتهى (2).

ولعلّ المراد هنا من له ثواب الشهيد . وهذا أنسب بقوله : (على فراشه) ؛ وبقوله : (حيٌّ عند ربّه يُرزق) ؛ فإنّه إشارة إلى ثمرة الشهادة في قوله تعالى : «بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ» (3). ويؤيّده أيضا ما سيأتي من خبر المالك الجهني .

متن الحديث الواحد والعشرين والمائة

اشارة

يَحْيَى الْحَلَبِيُّ (4) ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُسْكَانَ، عَنْ حَبِيبٍ، قَالَ:سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ: «أَمَا وَاللّهِ، مَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْكُمْ، وَإِنَّ النَّاسَ سَلَكُوا سُبُلاً شَتّى؛ فَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَ بِرَأْيِهِ، وَمِنْهُمْ مَنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ، وَمِنْهُمْ مَنِ اتَّبَعَ الرِّوَايَةَ، وَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمْ بِأَمْرٍ لَهُ أَصْلٌ، فَعَلَيْكُمْ بِالْوَرَعِ وَالأْتِهَادِ، وَاشْهَدُوا الْجَنَائِزَ، وَعُودُوا الْمَرْضى، وَاحْضُرُوا مَعَ قَوْمِكُمْ فِي مَسَاجِدِهِمْ لِلصَّلَاةِ؛ أَ مَا يَسْتَحْيِي الرَّجُلُ مِنْكُمْ أَنْ يَعْرِفَ جَارُهُ حَقَّهُ، وَلَا يَعْرِفَ حَقَّ جَارِهِ؟!»

شرح الحديث

السند مجهول .

قوله : (أحبّ إليّ) ؛ كأنّ بناء التفضيل على فرض المحبّة في المفضّل عليه .

وقوله : (وإنّ الناس) ؛ يعني أهل الخلاف، أو الكفّار أيضا .

(سلكوا سُبُلاً شتّى) أي متفرّقة خارجة عن سبيل الهدى .

ص: 423


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 294 (ردد)
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 305 (شهد)
3- آل عمران (3) : 169
4- السند كسابقه

في القاموس : «الشتت: المُفرَّق المشتّت.

وقومٌ شتّى؛ أي فِرَقا من غير قبيلة» (1) . ويفهم منه أنّ شتّى جمع شتت، كجرحى وجريح، وأسرى وأسير .

(فمنهم من أخذ برأيه) .

الباء للتعدية، أو زائدة . أو المراد من أخذ اُمور دينه برأيه وعقله وتدبيره، لا بما أنزل اللّه .

(ومنهم من اتّبع هواه) .

الهوى، بالقصر: هَوى النفس، وميله. وهَوِي _ بالكسر _ يَهْوي هَوىً: أحبّ . هذا هو الأصل، ثمّ استعمل في ميل النفس إلى مشتهياتها ومخاطرتها .

ولعلّ المراد به هنا ما يجعلونه أهل الخلاف أصلاً لاستنباط الأحكام الشرعيّة، كالقياس ونحوه .

(ومنهم من اتّبع الرواية)؛ كأنّ المراد اتّباع ظاهر الرواية من تحقيق للمراد وتصحيح للمأخذ .

(وإنّكم أخذتم بأمر له أصل) ؛ لعلّ المراد بالأمر الدِّين، وبالأصل حافظه المنصوب من قبل اللّه ، المنصوص من قبل رسوله .

وقيل : يمكن أن يُراد بالأمر ولاية الأئمّة، وبالأصل النصّ بها (2).

(فعليكم بالورع) عن المحرّمات.

(والاجتهاد) في العبادات .

والظاهر أنّ الفاء فصيحة. وفيه إشعار بكون الورع والاجتهاد متمّما لذلك الأمر .

(واشهدَوا الجنائز) مطلقا .

(وعودوا المرضى) كذلك.

العَود: زيارة المريض، كالعياد، والعيادة .

وقوله : (أن يعرف جاره) ؛ موافقا كان، أو مخالفا .

ص: 424


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 151 (شتت)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 146

متن الحديث الثاني والعشرين والمائة

اشارة

عَنْهُ (1) ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ مَالِكٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ:

قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «يَا مَالِكُ، أَ مَا تَرْضَوْنَ أَنْ تُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَتُؤْتُوا الزَّكَاةَ، وَتَكُفُّوا، وَتَدْخُلُوا الْجَنَّةَ؟

يَا مَالِكُ، إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ قَوْمٍ ائْتَمُّوا بِإِمَامٍ فِي الدُّنْيَا إِلَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَلْعَنُهُمْ وَيَلْعَنُونَهُ إِلَا أَنْتُمْ، وَمَنْ كَانَ عَلى مِثْلِ حَالِكُمْ.

يَا مَالِكُ، إِنَّ الْمَيِّتَ _ وَاللّهِ _ مِنْكُمْ عَلى هذَا الْأَمْرِ لَشَهِيدٌ بِمَنْزِلَةِ الضَّارِبِ بِسَيْفِهِ فِي سَبِيلِ اللّهِ».

شرح الحديث

السند حسن .

قوله : (وتكفّوا) أي عن الناس بالتقيّة، أو ألسنتكم وأنفسكم عمّا لا يليق من الأقوال والأعمال .

متن الحديث الثالث والعشرين والمائة

اشارة

يَحْيَى الْحَلَبِيُّ (2) ، عَنْ بَشِيرٍ الْكُنَاسِيِّ، قَالَ:

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ: «وَصَلْتُمْ وَقَطَعَ النَّاسُ، وَأَحْبَبْتُمْ وَأَبْغَضَ النَّاسُ، وَعَرَفْتُمْ وَأَنْكَرَ النَّاسُ، وَهُوَ الْحَقُّ؛ إِنَّ اللّهَ اتَّخَذَ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله عَبْدا قَبْلَ أَنْ يَتَّخِذَهُ نَبِيّا، وَإِنَّ عَلِيّا عليه السلام كَانَ عَبْدا نَاصِحا لِلّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَنَصَحَهُ، وَأَحَبَّ اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَحَبَّهُ.

إِنَّ حَقَّنَا فِي كِتَابِ اللّهِ بَيِّنٌ، لَنَا صَفْوُ الْأَمْوَالِ، (3) وَلَنَا الْأَنْفَالُ، وَإِنَّا قَوْمٌ فَرَضَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ طَاعَتَنَا، وَإِنَّكُمْ تَأْتَمُّونَ بِمَنْ لَا يُعْذَرُ النَّاسُ بِجَهَالَتِهِ.

وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مَنْ مَاتَ، وَلَيْسَ لَهُ (4) إِمَامٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً. عَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ، فَقَدْ رَأَيْتُمْ أَصْحَابَ عَلِيٍّ عليه السلام ».

ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ: ادْعُوا لِي خَلِيلِي، فَأَرْسَلَتَا إِلى

ص: 425


1- رجوع الضمير إلى يحيى الحلبي أمر واضح
2- السند معلّق ، كالأسناد الثلاثة المتقدّمة
3- في الحاشية عن بعض النسخ: «المال»
4- في الحاشية عن بعض النسخ: «عليه»

أَبَوَيْهِمَا، فَلَمَّا جَاءَا أَعْرَضَ بِوَجْهِهِ(1).

ثُمَّ قَالَ: ادْعُوا لِي خَلِيلِي، فَقَالَا: قَدْ رَآنَا لَوْ أَرَادَنَا لَكَلَّمَنَا، فَأَرْسَلَتَا إِلى عَلِيٍّ عليه السلام ، فَلَمَّا جَاءَ أَكَبَّ عَلَيْهِ يُحَدِّثُهُ وَيُحَدِّثُهُ حَتّى إِذَا فَرَغَ لَقِيَاهُ، فَقَالَا: مَا حَدَّثَكَ؟ فَقَالَ: حَدَّثَنِي بِأَلْفِ بَابٍ مِنَ الْعِلْمِ يُفْتَحُ كُلُّ بَابٍ إِلى أَلْفِ بَابٍ».

شرح الحديث

السند مجهول .

وقيل : يمكن أن يعدّ حسنا؛ لدلالة هذا الخبر على مدح بشير (2).

والكناسة، بالضمّ: موضع بالكوفة .

قوله : (وصلتم) ؛ يعني بمن يجب وصلته .

وكذا قوله : (أحببتم) و(عرفتم) .

وقوله : (وهو الحقّ) ؛ كأنّ الضمير راجع إلى متعلّق المعرفة والإنكار، أو متعلّق بالوصل والقطع، والحبّ والبغض أيضا .

وقيل : لعلّ المراد أنّه تعالى هو الحقّ يحكم بينكم وبينهم (3).

(إنّ اللّه اتّخذ محمّدا صلى الله عليه و آله عبدا) موفيا بحقوق العبوديّة .

(قبل أن يتّخذه نبيّا) .

قيل : لعلّ الغرض منه هو التنبيه على أنّ العبوديّة هي الأصل المطلوب من كلّ أحد، ولا يتحقّق مع إنكار شيء من الحقوق، وأعظمها الولاية (4).

وقوله : (فنصحه) .

المستتر فيه راجع إلى اللّه ، والبارز إلى عليّ عليه السلام .

والناصح: الخالص من كلّ شيء .

ورجل ناصح: الحبيب، نقيّ القلب، لا غشّ فيه.

وفعله كمنع، ويعدّى بنفسه وباللّام .

ص: 426


1- قد كرّرت العبارة في النسخة والطبعة الجديدة من «ثمّ قال: ادعوا» إلى هنا
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 355
3- احتمله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 146
4- احتمله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 146

وقال الجوهري : «تعديته باللام أفصح»(1).

والغرض أنّ هذا الكمال الذي كان حاصلاً لنبيّنا صلى الله عليه و آله قبل بعثته ونبوّته من كمال العبوديّة، قد كان لعليّ عليه السلام ، وأنتم تولّيتم وأقررتم بولاية مَن كان كذلك، فبينكم وبين مخالفيكم بونٌ بعيد .

وقوله : (صفو الأموال) أي صفايا الغنيمة .

وصفو الشيء، بالفتح: خالصه .

والنَّفَل، محرّكة: الغنيمة، والهبة. والجمع: أنفال . وقد مرَّ تفسيرها وتفصيلها في أحاديث باب الفيء والأنفال من أبواب الاُصول .

وقوله : (لا يُعذر) ؛ على بناء المفعول .

وقوله : (ميتة جاهليّة) ؛ بكسر الميم .

قال الفيروزآبادي : «الميتة: ما لم تلحقه الذكاة. وبالكسر للنوع» (2).

وقوله : (عليكم بالطاعة) أي طاعة من يجب طاعته .

(فقد رأيتم) أي علمتم أحوال (أصحاب عليّ عليه السلام ) أي أصحابه المطيعين له ، والغرض الترغيب على الاُسوة بهم . أو أصحابه المخالفين له، فالغرض التحذير عن سلوك سبيلهم. أو الأعمّ منهما ، فالغرض أيضا أعمّ .

وقوله : (ادعوا لي خليلي) .

في القاموس : «الخَلّة: الصداقة المختصّة، لا خلل فيها . والخليل: الصادق، أو من أصفى المودّة» (3).

(فأرسلتا) أي عائشة وحفصة .

وقوله : (أكبّ عليه): أقبل، ولزم .

وقوله : (بألف باب من العلم) أي ألف نوع منه. أو ألف قاعدة [من القواعد] الكلّيّة التي تستنبط من كلّ قاعدة منها ألف قاعدة اُخرى .

ص: 427


1- اُنظر : الصحاح ، ج 1 ، ص 411 (نصح)
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 158 (موت)
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 370 (خلل)

متن الحديث الرابع والعشرين والمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ أَبِي مَسْرُوقٍ النَّهْدِيِّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُمَرَ بْنِ بَزِيعٍ، قَالَ:

قُلْتُ لِلرِّضَا عليه السلام : إِنَّ النَّاسَ رَوَوْا أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كَانَ إِذَا أَخَذَ فِي طَرِيقٍ رَجَعَ فِي غَيْرِهِ، فَهكَذَا كَانَ يَفْعَلُ؟

قَالَ: فَقَالَ: «نَعَمْ، فَأَنَا أَفْعَلُهُ كَثِيرا، فَافْعَلْهُ» ثُمَّ قَالَ لِي: «أَمَا إِنَّهُ أَرْزَقُ لَكَ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

والنَّهد، بالفتح: قبيلة باليمن .

وهذا الخبر يدلّ على استحباب الرجوع في غير الطريق الذي ذهب فيه مطلقا، وأنّه أدخل في زيادة الرزق .

قيل : أو لأنّه تعالى جعل الرجوع على هذا النحو سببا لزيادة بالخاصّيّة، أو لأنّه جعل لكلّ قطعة من الأرض بركة وسببا لرزق عباده ، فربّما يكون في طريق آخر بركة لم تكن في الأوّل .

أو لأنّ الأرض تفرح بمشي المؤمن على ظهرها، فيدعو له الطريق الآخر في الخير والبركة، كما دعا له الأوّل، فيوجب ذلك زيادة الرزق له .

أو لأنّ الراجع قد يجد في الآخر من الرزق ما لم يوجد في الأوّل (1).

متن الحديث الخامس والعشرين والمائة

اشارة

سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ (2) ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَبَلَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ عليه السلام ، قَالَ:

ص: 428


1- إلى هاهنا كلام القائل ، وهو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 148
2- السند معلّق على سابقه ، ويروي عن سهل ، عدّة من أصحابنا

قُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، الرَّجُلُ مِنْ إِخْوَانِي يَبْلُغُنِي عَنْهُ الشَّيْءُ الَّذِي أَكْرَهُهُ، فَأَسْأَلُهُ عَنْ ذلِكَ، فَيُنْكِرُ ذلِكَ، وَقَدْ أَخْبَرَنِي عَنْهُ قَوْمٌ ثِقَاتٌ؟

فَقَالَ لِي: «يَا مُحَمَّدُ، كَذِّبْ سَمْعَكَ وَبَصَرَكَ عَنْ أَخِيكَ؛ فَإِنْ شَهِدَ عِنْدَكَ خَمْسُونَ قَسَامَةً، وَقَالَ لَكَ قَوْلاً، فَصَدِّقْهُ، وَكَذِّبْهُمْ، لَا تُذِيعَنَّ عَلَيْهِ شَيْئا تَشِينُهُ بِهِ، وَتَهْدِمُ بِهِ مُرُوءَتَهُ، فَتَكُونَ مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللّهُ فِي كِتَابِهِ: «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» »(1).

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (كذّب سمعك وبصرك عن أخيك) .

يُقال : كذّب فلانا، إذا جعله كاذبا. وعن أمرٍ قد أراده: كفّ. وعن فلان: ردّ عنه .

وقوله : (خمسون قَسامة) .

قال الجوهري : «أقسمت: حلفت. وأصله من القسامة، وهي الأيمان ، تقسم على الأولياء في الدم» (2).

وفي القاموس : «القَسامة: الهُدنة بين العدوّ والمسلمين. الجمع: قَسامات، والجماعة يُقسِمون على الشيء ويأخذونه، أو يشهدون» انتهى (3).

والمراد هنا المعنى الأخير .

(وقال لك قولاً) أي قال ذلك الأخ لك قولاً بخلاف قول القَسامة .

(فصدّقه، وكذّبهم) أي اجعل ذلك الأخ صادقا في قوله ، والقَسامة كاذبين فيما ادّعوا عليه .

ولعلّ هذا الحكم مختصّ بالاُمور التي يتعلّق بنفس المخاطب، كالتُّهمة، والغيبة، والشتم، ونحوها، فإذا أنكرها المنسوب إليه، أو لم يعلم إقراره ولا إنكاره وجب عليه أن لا يؤاخذه بما بلغه عنه . وقيل : يحتمل التعميم أيضا؛ فإنّ الثبوت عند الحاكم بعدلين، أو أربعة، وإجراء الحدّ عليه لا ينافي أن يكون غير الحاكم مكلّفا باستتار ما يثبت عنده من أخيه من الفسوق التي

ص: 429


1- النور (24) : 19
2- الصحاح ، ج 5 ، ص 2010 (قسم)
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 165 (قسم)

كان مستترا بها (1).

وقيل : لعلّ المراد بتصديقه تصديقه ظاهرا، والإغماض عنه، وعدم المؤاخذة به، والإذاعة عليه، لا الحكم بأنّه صادق في نفس الأمر؛ لأنّه قد يحصل العلم بخلاف ذلك من الشهود، خصوصا مع أيمانهم، أو بالإبصار، أو بالاستماع منه .

وهذا إن صدرت منه زلّات بالنسبة إليك ، وأمّا إن صدرت منه بالنسبة إلى اللّه تعالى، أو إلى أحدٍ غيرك، فربّما وجب بذلك أداء الشهادة عليه عند الحاكم، وإن لم يجز لك تعييره، وإذاعة عثراته بين الناس (2) (لا تديعنّ (3).

) من الادّعاء .

في القاموس : «ادّعى عليه كذا: زعم له حقّا، أو باطلاً» (4).

وفي بعض النسخ : «لا تذيعنّ» من الإذاعة، وهي الإفشاء .

(عليه شيئا تَشينه به) أي عيبا تعيبه به .

والشين: ضدّ الزين .

(وتَهدم به مروءته) .

قال الجوهري : «المُروءة: الإنسانيّة، ولك أن تشدّد» (5).

وقوله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ» .

قال البيضاوي : «أي يريدون .

«أَنْ تَشِيعَ» : أن تنتشر «الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» بالحدّ والسعير إلى غير ذلك »(6) وفي القاموس : «الفاحشة: الزنا، وما يشتدّ قبحه من الذنوب، وكلّ ما نهى اللّه _ عزّ وجلّ _ عنه»(7) .

متن الحديث السادس والعشرين والمائة (حديث من ولد في الإسلام)

اشارة

سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ (8) ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ رَافِعٍ، عَنِ الْحُبَابِ بْنِ مُوسى، عَنْ أَبِي

ص: 430


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 357
2- إلى هاهنا كلام القائل ، وهو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 148
3- . في المتن الذي ضبطه الشارح رحمه الله سابقا : «لا تُذيعنّ»
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 328 (دعو)
5- الصحاح ، ج 1 ، ص 72 (مرء)
6- الصحاح ، ج 1 ، ص 72 (مرء)
7- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 282 (فحش)
8- السند معلّق كسابقه

جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ:«مَنْ وُلِدَ فِي الْاءِسْلَامِ حُرّا، فَهُوَ عَرَبِيٌّ؛ وَمَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ، فَخُفِرَ فِي عَهْدِهِ، فَهُوَ مَوْلًى لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؛ وَمَنْ دَخَلَ فِي الْاءِسْلَامِ طَوْعا، فَهُوَ مُهَاجِرٌ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (مَن وُلد في الإسلام حُرّا) ؛ المراد به الإيمان .

(فهو عربيّ) .

قال بعض الأفاضل :

المقصود أنّ الأخبار الواردة في مدح العرب تشتمل كلّ من ولد في الإسلام حُرّا، وكان على دين الحقّ، ولو كان من العجم لورود كثير من الأخبار أنّهم يُحشرون بلسان العرب ، وأنّ من كان على غير دين الحقّ يُحشر بلسان العجم وإن كان من العرب (1).

وقيل : لعلّ المراد بالعرب محمّد صلى الله عليه و آله ؛ لأنّه سيّد العرب ، والنسب صوريّ ومعنويّ .

وبعبارة اُخرى : جسمانيّ وروحانيّ ، والمراد بهذا النسب النسب المعنويّ الروحاني .

وسيجيء أنّ النسب الذي يصلح التفاخر به هو الإسلام (2).

(ومن كان له عهد) أي أمان .

(فخُفر) على بناء المفعول .

(في عهده، فهو مولى لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ) .

في المصباح : «المولى: الحليف، وهو المعاهد. والمولى أيضا: الناصر، من الولاية، بالفتح والكسر» (3).

وقال الجزري : «خفرت الرجل: أجرته، وحفظته . وخفرته، إذا كنت له خفيرا ؛ أي حاميا وكفيلاً . والخفارة، بالكسر والضمّ: الذمام . وأخفرت الرجل، إذا نقضتَ عهده» (4).

ص: 431


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 357
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 149
3- المصباح المنير ، ص 672 (ولي)
4- النهاية ، ج 2 ، ص 52 (خفر)

متن الحديث التاسع والعشرين والمائة

اشارة

وَبِهذَا الْاءِسْنَادِ، قَالَ:«قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : مَا خَلَقَ اللّهُ _ جَلَّ وَعَزَّ _ خَلْقا إِلَا وَقَدْ أَمَّرَ عَلَيْهِ آخَرَ يَغْلِبُهُ فِيهِ، وَذلِكَ أَنَّ اللّهَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ لَمَّا خَلَقَ الْبِحَارَ السُّفْلى، فَخَرَتْ، وَزَخَرَتْ، وَقَالَتْ: أَيُّ شَيْءٍ يَغْلِبُنِي؟ فَخَلَقَ الْأَرْضَ، فَسَطَحَهَا عَلى ظَهْرِهَا، فَذَلَّتْ.

ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الْأَرْضَ فَخَرَتْ، وَقَالَتْ: أَيُّ شَيْءٍ يَغْلِبُنِي؟ فَخَلَقَ الْجِبَالَ، فَأَثْبَتَهَا عَلى ظَهْرِهَا أَوْتَادا مِنْ أَنْ تَمِيدَ بِمَا عَلَيْهَا، فَذَلَّتِ الْأَرْضُ، وَاسْتَقَرَّتْ، ثُمَّ إِنَّ الْجِبَالَ فَخَرَتْ عَلَى الْأَرْضِ، فَشَمَخَتْ، وَاسْتَطَالَتْ، وَقَالَتْ: أَيُّ شَيْءٍ يَغْلِبُنِي؟ فَخَلَقَ الْحَدِيدَ، فَقَطَعَهَا، فَقَرَّتِ الْجِبَالُ، وَذَلَّتْ.

ثُمَّ إِنَّ الْحَدِيدَ فَخَرَتْ عَلَى الْجِبَالِ، وَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ يَغْلِبُنِي؟ فَخَلَقَ النَّارَ، فَأَذَابَتِ الْحَدِيدَ، فَذَلَّ الْحَدِيدُ.

ثُمَّ إِنَّ النَّارَ زَفَرَتْ، وَشَهَقَتْ، وَفَخَرَتْ، وَقَالَتْ: أَيُّ شَيْءٍ يَغْلِبُنِي؟ فَخَلَقَ الْمَاءَ، فَأَطْفَأَهَا، فَذَلَّتْ.

ثُمَّ إِنَّ الْمَاءَ فَخَرَ، وَزَخَرَ، وَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ يَغْلِبُنِي؟ فَخَلَقَ الرِّيحَ، فَحَرَّكَتْ أَمْوَاجَهُ، وَأَثَارَتْ مَا فِي قَعْرِهِ، وَحَبَسَتْهُ عَنْ مَجَارِيهِ، فَذَلَّ الْمَاءُ.

ثُمَّ إِنَّ الرِّيحَ فَخَرَتْ، وَعَصَفَتْ، وَأَرْخَتْ أَذْيَالَهَا، وَقَالَتْ: أَيُّ شَيْءٍ يَغْلِبُنِي؟ فَخَلَقَ الْاءِنْسَانَ، فَبَنى، وَاحْتَالَ، وَاتَّخَذَ مَا يَسْتَتِرُ بِهِ مِنَ الرِّيحِ وَغَيْرِهَا، فَذَلَّتِ الرِّيحُ.

ثُمَّ إِنَّ الْاءِنْسَانَ طَغى، وَقَالَ: مَنْ أَشَدُّ مِنِّي قُوَّةً؟ فَخَلَقَ اللّهُ لَهُ الْمَوْتَ، فَقَهَرَهُ، فَذَلَّ الْاءِنْسَانُ.

ثُمَّ إِنَّ الْمَوْتَ فَخَرَ فِي نَفْسِهِ، فَقَالَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَا تَفْخَرْ؛ فَإِنِّي ذَابِحُكَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ: أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَأَهْلِ النَّارِ، ثُمَّ لَا أُحْيِيكَ أَبَدا، فَتُرْجى، أَوْ تُخَافَ، وَقَالَ أَيْضا: وَالْحِلْمُ يَغْلِبُ الْغَضَبَ، وَالرَّحْمَةُ تَغْلِبُ السُّخْطَ، وَالصَّدَقَةُ تَغْلِبُ الْخَطِيئَةَ».

ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «مَا أَشْبَهَ هذَا مِمَّا قَدْ يَغْلِبُ غَيْرَهُ».

شرح الحديث

(من أن تميد بما عليها) .

الباء للتعدية . والميد: التحرّك، والاضطراب، والتمايل .

ص: 432

وهذا إشارة إلى قوله تعالى في مواضع من الكتاب الكريم؛ منها قوله جلّ طَوله : «وَالْجِبَالَ أَوْتَادا» (1) ، ومنها قوله : «وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِىَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ» (2) قال المبرّد : «أي منع الأرض أن تميد» .

وقيل : أي لئلّا تميد . وقيل : كراهة أن تميد (3).

وقال بعض المفسّرين : الميد: الاضطراب بالذهاب في الجهات الثلاث . وقيل : إنّ الأرض كانت تميد وتضطرب، وترجُف رجوفَ السقف بالوطئ، فثقّلها اللّه بالجبال الرواسي؛ ليمتنع من رجوفها .

وروت العامّة عن ابن عبّاس أنّه قال : «إنّ الأرض بسطت على الماء، فكانت تكفأ بأهلها، كما تكفأ السفينة، فأرساها اللّه تعالى بالجبال» (4).

وقال بعض المحقّقين :

المراد بالأرض قطعاتها وبقاعها، لا مجموع كرة الأرض . ويكون الجبال أوتادا لها أنّها حافظة لها عن الميدان والاضطراب بالزلزلة ونحوها ، إمّا لحركة البخارات المحتقنة في داخلها بإذن اللّه تعالى ، أو لغير ذلك من الأسباب التي يعلمها مبدعها ومُنشئها .

وأيّده بما روي في الأخبار: «أنّ ذا القرنين لمّا انتهى إلى السدّ، جاوزه، فدخل الظلمات، فإذا هو بملك قائم على جبل طوله خمسمائة ذراع. فقال له ذو القرنين :

مَن أنت؟ قال : أنا ملك من ملائكة الرحمن، موكّل بهذا الجبل، فليس من جبلٍ خلقه اللّه _ عزّ وجلّ _ إلّا وله عِرق إلى هذا الجبل، فإذا أراد اللّه _ عزّ وجلّ _ أن يزلزل مدينة، أوحى إليَّ، فزلزلتها» (5).

وقوله : (فشمخت، واستطالت) .

شمخ، كمنع: علا، وطال . وشمخ الرجل بأنفه: تكبّر .

ولعلّ المعنى الأخير هنا أنسب، وإن اُريد الأوّلان فالعطف للتفسير، أو من قبيل ذكر الخاصّ بعد العامّ؛ فإنّ الفعل مع الطلب أقوى منه بلا طلب .

ص: 433


1- النبأ (78) : 7
2- النحل (16) : 15
3- اُنظر : بحار الأنوار ، ج 57 ، ص 101
4- اُنظر : مرآة العقول ، ج 25 ، ص 360
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في بحار الأنوار ، ج 4 ، ص 250 ؛ و ج 57 ، ص 107

وقوله : (زَفَرَتْ، وشَهَقَتْ) .

في القاموس : «زَفَر يَزفِر زَفْرا وزفيرا: أخرج نفسه بعد مدّه إيّاه . وزفرت النار: سُمِع لتوقّدها صوتٌ» (1).

وقال الجوهري :

شَهَق _ كمنع وضرب وسمع _ يشهق؛ أي ارتفع . وفلان ذو شاهق، إذا كان يشتدّ غضبه . وشهيق الحمار: آخر صوته. وزفيره: أوّله . وقد شهق يشهَق ويشهِق شهيقا . ويُقال : الشهيق: ردّ النَّفَس. والزفير: إخراجه . والشهقة كالصيحة. يُقال : شهق فلان شهقةً، فمات (2).

وقوله : (فخلق الماء، فأطفأها) .

الإطفاء: إذهاب لَهَب النار، وتوقّدها .

ولعلّ المراد بالماء هاهنا المياه التي خلقت على وجه الأرض . ويؤيّده أنّه عليه السلام قيّد الماء في أوّل الخبر بالبحار السفلى، وغلبة الأرض إنّما هي عليها دون المياه الظاهرة، فلا ينافي تأخّر خلق هذا الماء عن كثير من الأشياء تَقدُّم خلق أصل الماء وحقيقته على سائر الأشياء .

كذا اُفيد .

وقوله : (وأثارت) .

في القاموس : «الثور: الهيجان، والوثب، والسطوع. وأثاره غيره»(3).

وتعليق الإثارة بقوله : (ما في قعره) كناية عن التحريك الشديد .

وقوله : (عصفت) .

عصفتِ الريح _ كضرب _ عصفا وعُصُوفا: اشتدّت، فهي عاصفة وعاصِفٌ وعَصوف .

وقوله : (لوّحت (4) أذيالها) .

الذيل: آخر كلّ شيء. ومن الإزار والثوب: ما جرّ. ومن الرّيح: ما تتركهُ في الرمل، كأثر ذيلٍ مجرورٍ. والجمع: أذيال .

وقال الجوهري : «لوّحت الشمس لَونَهُ، إذا غيّرته . ولوّح بثوبه؛ أي لمع به. ولوّحت

ص: 434


1- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 39 (زفر)
2- الصحاح ، ج 4 ، ص 1505 (شهق)
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 383 (ثور)
4- في كلتا الطبعتين : «وأرخت» بدل «لوّحت»

الشيء بالنار: أحميته» (1).

ويمكن هنا إرادة كلّ من هذه المعاني بتكلّف .

وقيل : معناه: رفعتها، وحرّكتها تجبّرا وتكبّرا. وهذا من أحسن الاستعارات . انتهى (2).

وأنت خبير بعدم مطابقته لما ذكرناه من اللّغة . فتأمّل . ولعلّ هذه النسخة تصحيف ، والصحيح: «أرخت» كما في بعض النسخ .

قال الجوهري : «أرخيتُ السِّتر وغيره، إذا أرسلته» (3) وإرخاء الأذيال عبارة عن شدّة هبوبها وحركتها في الآفاق والأطراف، أو عن تكبّرها، كما هو شأن أهل الكبر من العرب .

وقوله : (ما يستتر به من الريح) ؛ كالأبنية .

(وغيرها) أي غير الريح ممّا يؤذي، كالمطر والحرّ والبرد .

وفي بعض النسخ: «وعزلها» بصيغة الفعل؛ أي وعزل الإنسان الريح عنه بما اتّخذ من البناء والسترة .

وقوله : (طغى) .

في القاموس : «طغى _ كرضى _ طَغْيا وطغيانا، بالضمّ والكسر: جاوز القدر، وارتفع، وغَلا في الكفر، وأسرف في المعاصي.

وطغا يطغو طُغْوىً وطُغوانا بضمّهما، كطغِيَ يَطغي» (4).

وقوله : (فإنّي ذابحك بين الفريقين) .

الذبح إمّا محمول على الحقيقة ، أو كناية عن الإعدام والإفناء ، أو على ذبح شيء مسمّى بهذا الاسم؛ ليعرف الفريقان رفع الموت عنهما على المشاهدة والعيان، إن لم نقل بتجسّم الأعراض في تلك النشأة .

وقد روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله ، قال : «يؤتى بالموت، كأنّه كبشٌ أملح، فينادى، فيُقال : يا أهل الجنّة، هل تعرفون الموت؟ فينظرونه، ويعرفونه، فيُذبح بين الجنّة والنار . ثمّ يُقال : يا أهل الجنّة خلود، ويا أهل النار خلود بلا موت، فذلك قوله عزّ وجلّ : «وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ

ص: 435


1- الصحاح ، ج 1 ، ص 402 (لوح)
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 368
3- الصحاح ، ج 6 ، ص 2354 (رخا)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 356 (طغو) مع التلخيص

قُضِىَ الْأَمْرُ» (1) » (2) ويُقال : إنّه يأتي بيحيى عليه السلام ، وبيده الشفرة، فيُضجع الموت، ويذبحه .

وقوله : (أهل الجنّة، وأهل النار) بدل من «الفريقين» . وقوله : (فتُرجى، أو تُخاف) على البناء للمفعول فيهما؛ أي لا اُحييك، فيرجوك أهل النار للتخلّص من العذاب، أو يخاف منك أهلُ الجنّة من زوال الحياة الأبديّة ونعيم الجنّة .

وقوله : (ما أشبه هذا ممّا قد يغلب غيره) .

في بعض النسخ: «وما»، وهو أظهر. والمشار إليه بهذا الاُمور الثلاثة من الحلم والرحمة والصدقة.

و«من» بيان للموصول. والمستتر في «يغلب» راجع إلى الموصول الثاني، و«غيره» مفعوله .

والغرض أنّ الغالب لا ينحصر فيما ذكر، بل كلّ من المتقابلين قد يغلب على الآخر، كالجود والبخل، والإحسان والإساءة .

متن الحديث الثلاثين والمائة

اشارة

عَنْهُ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام [قَالَ]:

«إِنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله ، فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللّهِ، أَوْصِنِي.

فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : فَهَلْ أَنْتَ مُسْتَوْصٍ إِنْ أَنَا أَوْصَيْتُكَ؟ (3) حَتّى قَالَ لَهُ ذلِكَ ثَلَاثا، وَفِي كُلِّهَا يَقُولُ لَهُ الرَّجُلُ: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللّهِ.

فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : فَإِنِّي أُوصِيكَ إِذَا أَنْتَ هَمَمْتَ بِأَمْرٍ، فَتَدَبَّرْ عَاقِبَتَهُ؛ فَإِنْ يَكُ رُشْدا، فَامْضِهِ، وَإِنْ يَكُ (4) غَيّا، فَانْتَهِ عَنْهُ».

شرح الحديث

السند ضعيف.

ص: 436


1- مريم (19) : 39
2- راجع : السنن الكبرى للنسائي ، ج 6 ، ص 393 ؛ مسند أبي يعلى ، ج 5 ، ص 278 ، ح 2898 ؛ المعجم الكبير ، ج 12 ، ص 277
3- في الحاشية عن بعض النسخ : «وصّيتك»
4- في الحاشية عن بعض النسخ: «يكن»

قوله: (مستوص) أي قابل للوصيّة.

والرشد، بالضمّ والتحريك. والرشاد: الاهتداء، وفعله فرح. والإمضاء: الإنقاذ.

متن الحديث الواحد والثلاثين والمائة

اشارة

وَبِهذَا الْاءِسْنَادِ:

«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله ، قَالَ: ارْحَمُوا عَزِيزا ذَلَّ، وَغَنِيّا افْتَقَرَ، وَعَالِما ضَاعَ فِي زَمَانِ جُهَّالٍ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

والرحمة: الرقّة، والعطف.

والأمر برحمة هؤلاء ترغيب في رعايتهم، وتفقّد أحوالهم؛ لفقدان كلّ منهم نعمة جليلة، وابتلائه بمحنة عظيمة .

متن الحديث الثاني والثلاثين والمائة

اشاره

وَبِهذَا الْاءِسْنَادِ، قَالَ:

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ لأصْحَابِهِ يَوْما: «لَا تَطْعُنُوا فِي عُيُوبِ مَنْ أَقْبَلَ إِلَيْكُمْ بِمَوَدَّتِهِ، وَلَا تُوَقِّفُوهُ عَلى سَيِّئَةٍ يَخْضَعُ لَهَا؛ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَخْلَاقِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَلَا مِنْ أَخْلَاقِ أَوْلِيَائِهِ».

قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «إِنَّ خَيْرَ مَا وَرَّثَ الْابَاءُ لأبْنَائِهِمُ الْأَدَبُ، لَا الْمَالُ؛ فَإِنَّ الْمَالَ يَذْهَبُ، وَالْأَدَبَ يَبْقى».

قَالَ مَسْعَدَةُ: يَعْنِي بِالْأَدَبِ الْعِلْمَ.

قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «إِنْ أُجِّلْتَ فِي عُمُرِكَ يَوْمَيْنِ، فَاجْعَلْ أَحَدَهُمَا لأدَبِكَ لِتَسْتَعِينَ بِهِ عَلى يَوْمِ مَوْتِكَ».

فَقِيلَ لَهُ: وَمَا تِلْكَ الأْتِعَانَةُ؟

قَالَ: «تُحْسِنُ تَدْبِيرَ مَا تُخَلِّفُ، وَتُحْكِمُهُ».

قَالَ: وَكَتَبَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام إِلى رَجُلٍ: «بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، أَمَّا بَعْدُ؛ فَإِنَّ الْمُنَافِقَ لَا يَرْغَبُ

ص: 437

فِيمَا قَدْ سَعِدَ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ، وَالسَّعِيدُ يَتَّعِظُ بِمَوْعِظَةِ التَّقْوى، وَإِنْ كَانَ يُرَادُ بِالْمَوْعِظَةِ غَيْرُهُ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (لا تطعنوا في عيوب من أقبل إليكم بمودّته) .

الباء للتعدية، أو للسببيّة، أو للمصاحبة .

قال الجزري: «فيه: لا يكون المؤمن طعّانا؛ أي وقّاعا في أعراض الناس بالذمّ والغيبة ونحوهما. وهو فعّال ، مِن طَعِنَ فيه، وعليه بالقول، يطعُن _ بالضمّ والفتح _ إذا عابه» انتهى (1).

ولعلّ المراد بمن أقبل بالمودّة المؤمن مطلقا . أو المراد: لا تطعنوا في عيوب أحد سيّما من أظهر إليكم مودّته وصداقته .

وقيل : لا فرق في العيوب بين أن تكون خَلقيّة، أو خُلقيّة، أو عمليّة متعلّقة بالأعمال .

نعم ، لابدّ في الأخيرتين من النصح والموعظة الحسنة _ كناية، أو صريحا _ في الخلوة، ولا يجوز التعيير عليها، كما أشار إليه بقوله : (ولا توقّفوه على سيّئة يخضع لها) أي لا تقيموه على خطيئة، ولا تعيّروه عليها.

أو لا تقيموه في مقام الجزاء والعقاب، فيذلّ به عند الناس، بل ادفعوها عنه بالنُّصح والموعظة (2).

هذا إن كان «توقّفوه» من أوقفه، إذا أدامه قائما. وإن كان من أوقفه على كذا، إذا أطلعَه عليه، فمعناه: فلا تُطلعوه على خطيئة اطّلعتم عليها منه، فيعلم اطّلاعكم عليها، فيذلّ عند نفسه .

وكأنّ قوله : (فإنّها ليست ...) تعليل للمذلّة . أو لدفع السيّئة عنه، ومنعه منها .

والضمير راجع إلى السيّئة التي هي الخصلة الذميمة .

والخُلق، بالضمّ وبضمّتين: السجيّة، والطبع، والمروّة، والدِّين .

وقوله : (يعني بالأدب العلم) .

غرضه أنّ الأدب _ بفتحتين _ وإن كان في أصل اللغة : الدرس ، وحسن التناول، والكياسة ، والحذق، إلّا أنّه اُريد به هاهنا العلم باُمور الدِّين ومقدّماته .

ص: 438


1- النهاية ، ج 3 ، ص 127 (طعن)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 154

وقيل : إنّما سمّي أدبا؛ لأنّه يأدب، أي يدعو إلى مفاخر الدارين، ولأنّه نورٌ يَهتدي به كلّ عضو إلى ما هو مطلوبٌ منه من الآداب؛ فإنّ أدب البصر النظر إلى ما يجوز، وصرفه عمّا لا يجوز ، وأدب اللِّسان التكلّم في موضعه المطلوب شرعا، وتركه في غيره . وقس عليهما البواقي (1).

وقوله : (إن اُجّلت) على بناء المفعول من التأجيل؛ أي إن تأخّر موتك يومين، فاجعل أحدهما لأدبك .

قيل : لعلّ المراد لعلمك على ما مرَّ تفسيره؛ أي تتعلّم في أحد اليومين آداب الوصيّة، وتستعملها في اليوم الآخر .

ويحتمل أن يُراد استعمال الآداب الحسنة في اليوم الأوّل، والاشتغال بمقدّمات الموت في اليوم الثاني (2).

وقوله : (تُحسن تدبير ما تُخلّف وتُحكمه) ؛ كأنّ المراد بالموصول الولد، أو ما يعمّه من مصالح الدارين .

قال الفيروزآبادي : «خلّفوا أثقالهم تخليفا: خلوه وراء ظهورهم. وفلانا: جعله خليفته، كاستخلفه» (3)

وقال : «أحكمه، أي أتقنه» (4).

وقوله : (إنّ المنافق لا يرغب فيما قد سَعِدَ به المؤمنون) ؛ لأنّ السعادة ونجاة الآخرة إنّما يحصل بالإيمان الخالص ، والمنافق الذي يظهر الإيمان ويُبطن الكفر بمعزل عن ذلك .

في القاموس : «سَعَد يومنا _ كنفع _ سعدا وسُعودا: يمن. والسعادة : خلاف الشقاوة. وقد سَعِد، كعلم وعني، فهو سعيد ومسعود» (5).

وقوله : (بموعظة التقوى) أي الموعظة التي هي منشأ التقوى، أو تنشأ من التقوى.

فالإضافة لاميّة، من قبيل إضافة السبب إلى المسبّب، أو بالعكس .

ص: 439


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 155
2- إلى هاهنا كلام القائل ، وهو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 369 و 370
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 138 (خلف)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 98 (حكم)
5- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 301 (سعد)

والوَعظ والعِظَة والموعظة: تذكير ما يليّن القلب، ويرقّقه من الثواب والعقاب بحيث يصير حاملاً على طاعة اللّه ، زاجرا عن معصيته .

متن الحديث الثالث والثلاثين والمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ:

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «يَا ابْنَ مُسْلِمٍ، النَّاسُ أَهْلُ رِيَاءٍ غَيْرَكُمْ، وَذلِكُمْ (1) أَنَّكُمْ أَخْفَيْتُمْ مَا يُحِبُّ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَظْهَرْتُمْ مَا يُحِبُّ النَّاسُ، وَالنَّاسُ أَظْهَرُوا مَا يُسْخِطُ اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَخْفَوْا مَا يُحِبُّهُ اللّهُ.

يَا ابْنَ مُسْلِمٍ، إِنَّ اللّهَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ رَأَفَ بِكُمْ، فَجَعَلَ الْمُتْعَةَ عِوَضا لَكُمْ مِنَ (2) الْأَشْرِبَةِ».

شرح الحديث

السند مرسل .

قوله : (الناس أهل رياء) إلى قوله : (وأخفوا ما يحبّه اللّه ) .

قيل : لعلّ مراده عليه السلام بيان ما يفعله الشيعة من إظهار الموافقة مع أهل الباطل تقيّةً، وبين ما يفعله المخالفون من إنكار حقّيّة أئمّة الحقّ مع علمهم بها؛ لطمع الدُّنيا، بأنّ الشيعة اعتقدوا الحقّ، وأظهروا خلافه في مقام التقيّة إطاعةً لأمره تعالى ، فلذا عبّر عنه بما يحبّ الناس ، والمخالفين مع اعتقادهم بالحقّ أنكروه على وجه يوجب سخط اللّه عنادا وكفرا وطمعا في الدُّنيا، ولذا عبّر عنه بما يسخط، فيكون الفرق بينهما في جهة الإظهار وكيفيّته فقط .

ويمكن أن يستنبط من العبارة الفرق بين الإخفائين أيضا، بأن يكون المراد بقوله : «أخفيتم ما يحبّ اللّه » إخفاءه؛ أي إخفاء دين الحقّ في مقام التقيّة . وبقوله : «ما يحبّه اللّه » ثانيا ما يحبّ اللّه إظهاره؛ أي أخفوه في غير مقام التقيّة ، ولهذا غيّر الكلام بإيراد الضمير في الثاني، وعدم إيراده في الأوّل.

وإنّما سمّي فعلهم رياءً؛ لأنّ حقيقة الرياء إيقاع العمل لغير اللّه ، وفعلهم كذلك، بخلاف

ص: 440


1- في الحاشية عن بعض النسخ: «وذلك»
2- في الطبعة القديمة : «عن»

إظهار الشيعة خلاف ما يضمرون؛ فإنّه للّه تعالى ولإطاعة أمره (1).

وقوله : (رأف بكم) .

في القاموس : «الرأفة: أشدّ الرحمة، أو أرقّها. و رأف اللّه بك، مثلّثة»(2).

(فجعل المتعة عوضا لكم من الأشربة).

كأنّ المراد بالأشربة [الأشربة] المحرّمة التي تستحلّه العامّة، كالنبيذ والفقّاع ونحوهما؛ يعني لما حرّم عليكم تلك الأشربة حلّل لكم المتعة عوضا منها .

وقيل : معناه: كما أنّهم يتلذّذون بالفقّاع والأنبذة التي هم يستحلّونها، وأنتم تحرّمونها ولا تنتفعون بها، كذلك المتعة أنتم تلتذّون بها، وهم لاعتقادهم حرمتها لا ينتفعون ولا يتلذّذون .

انتهى (3).

وهو كما ترى .

وفي بعض النسخ: «الأسرية» بدل «الأشربة» . قيل : كأنّ الياء للنسبة إلى الأسير، والتاء باعتبار تأنيث الموصوف، وهي الأمَة، كالأثيريّة والحنفيّة في النسبة إلى الأثير والحنيف ؛ يعني أنّه تعالى علم أنّ السريّة والأمَة في دولة الباطل في يد أهله، وأن ليس لكم القدرة على شرائها وحفظها وإنفاقها، جعل لكم المتعة عوضا منها، وهي أسهل (4) وقيل : الأسريّة _ بفتحتين _ جمع السريّة، وهي الأمة المستورة، وهذا الجمع وإن لم يثبت لغةً؛ لأنّ الأسريَة جمع السريّ _ كغنيّ _ وهو نهرٌ صغير، يجرى إلى النخل ، لكن كلام المعصوم هو الأصل (5).

متن الحديث الرابع والثلاثين والمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُعَمَّرِ بْنِ خَلَادٍ، قَالَ:

ص: 441


1- إلى هاهنا كلام القائل ، وهو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 370
2- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 142 (رأف)
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 371
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 156
5- نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 156

قَالَ لِي أَبُو الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام : «قَالَ لِيَ الْمَأْمُونُ: يَا أَبَا الْحَسَنِ، لَوْ كَتَبْتَ إِلى بَعْضِ مَنْ يُطِيعُكَ فِي هذِهِ النَّوَاحِي الَّتِي قَدْ فَسَدَتْ عَلَيْنَا».

قَالَ: «قُلْتُ لَهُ (1) : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنْ وَفَيْتَ لِي وَفَيْتُ لَكَ، إِنَّمَا دَخَلْتُ فِي هذَا الْأَمْرِ الَّذِي دَخَلْتُ فِيهِ عَلى أَنْ لَا آمُرَ، وَلَا أَنْهى، وَلَا أُوَلِّيَ، وَلَا أَعْزِلَ، وَمَا زَادَنِي هذَا الْأَمْرُ الَّذِي دَخَلْتُ فِيهِ فِي النِّعْمَةِ عِنْدِي شَيْئا، وَلَقَدْ كُنْتُ بِالْمَدِينَةِ، وَكِتَابِي يَنْفُذُ فِي الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَلَقَدْ كُنْتُ أَرْكَبُ حِمَارِي، وَأَمُرُّ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ، وَمَا بِهَا أَعَزُّ مِنِّي، وَمَا كَانَ بِهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ يَسْأَلُنِي حَاجَةً يُمْكِنُنِي قَضَاؤُهَا لَهُ إِلَا قَضَيْتُهَا لَهُ».

قَالَ: «فَقَالَ لِي: أَفِي لَكَ».

شرح الحديث

شرحالسند ضعيف .

قوله : (لو كتبتَ) .

«لو» للتمنّي، أو للشرط، والجزاء محذوف؛ أي لو كتبت كان حسنا ونحوه .

والمراد ببعض من يعطيك العلويّون الذين خرجوا على المأمون . وبهذا الأمر ولاية العهد .

قوله : (ولقد كنت ...) بيان لعدم الزيادة .

والسِّكَك _ بكسر السين، وفتح الكاف _ جمع السِّكّة، بالكسر، وهو الطريق المستوي .

متن الحديث الخامس والثلاثين والمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّوْفَلِيِّ، عَنِ السَّكُونِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:«قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : حَقٌّ عَلَى الْمُسْلِمِ إِذَا أَرَادَ سَفَرا أَنْ يُعْلِمَ إِخْوَانَهُ، وَحَقٌّ عَلى إِخْوَانِهِ إِذَا قَدِمَ أَنْ يَأْتُوهُ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

ص: 442


1- في الطبعة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها : - «له»

قوله : (حقّ) أي لازم، أو واجب، أو ثابت .

وعلى التقادير محمول على الاستحباب .

وقوله : (إذا قدم) بكسر الدال .

قال الجوهري : «قدم من سفره قُدوما ومَقْدَما _ بفتح الدال _ وقَدَم _ بفتح الدال _ قُدما؛ أي تقدّم» (1).

متن الحديث السادس والثلاثين والمائة

اشارة

وَبِهذَا الْاءِسْنَادِ، قَالَ:«قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : خَلَّتَانِ (2) كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فِيهِمَا مَفْتُونٌ: (3) الصِّحَّةُ، وَالْفَرَاغُ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله صلى الله عليه و آله : (خَلّتان كثير من الناس فيهما مفتونٌ) .

في بعض النسخ: «مغبون»، من الغبن، وهو الخسران .

والخلّة، بالفتح: الخَصلة . والفتنة _ بالكسر _ إمّا بمعنى الامتحان والاختبار؛ أي يمتحن اللّه بهما خلقه، ليراهم كيف يشكرونه عليها. أو بمعنى الضلالة، أو الإثم، أو العذاب؛ أي صارا سببا لضلالة كثير من الناس، أو إثمهم، أو عذابهم . والحاصل : أنّ الفتنة فيهما إمّا لترك الشكر عليهما؛ فإنّهما من النعماء العظيمة التي يجب الشكر عليهما . أو طغيان النفس؛ لأنّهما من الأسباب القريبة له .

(الصحّة، والفراغ) .

الصِّحّة، بالكسر: ذهاب المرض، والبراء من العيوب . والفراغ: قلّة الاشتغال، أو فراغ البال ممّا يوجب الملال، كالهموم والأحزان .

ص: 443


1- الصحاح ، ج 5 ، ص 2006 (قدم)
2- في الحاشية عن بعض النسخ: «خصلتان»
3- في الحاشية عن بعض النسخ: «مغبون»

متن الحديث السابع والثلاثين والمائة

اشارة

متن الحديث السابع والثلاثين والمائةوَبِهذَا الْاءِسْنَادِ، قَالَ:«قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : مَنْ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلتُّهَمَةِ، فَلَا يَلُومَنَّ مَنْ أَسَاءَ بِهِ الظَّنَّ؛ وَمَنْ كَتَمَ سِرَّهُ، كَانَتِ الْحَيَاةُ (1) فِي يَدِهِ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (مَن كتم سرّه كانت الحياة في يده) أي مَنْ أخفى سرّ نفسه ودينه من غير أهله، كانت [الحياة] الدنيويّة ورفاهية العيش في يده، ويكون مالكا، بخلاف ما أذاعه؛ فإنّه جعل نفسه في معرض الهلاك .

وتعميم الحياة بحيث تشمل الحياة الاُخرويّة (2) بعيد .

وفي بعض النسخ : «الخيرة» بدل «الحياة» .

في القاموس : خار يخير: صار ذا خير . والرجل على غيره خيرةً وخيرا. وخيّره: فضّله . والشيء: انتقاه. واخترته منهم وعليهم . والاسم: الخيرة، بالكسر، وكعنبة. وخار اللّه لك في الأمر: جعل لك فيه الخير (3).

متن الحديث الثامن والثلاثين والمائة

اشارة

الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيُّ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ، عَنْ شَاذَانَ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام ، قَالَ:

«قَالَ لِي أَبِي: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ نَهَرا يُقَالُ لَهُ: جَعْفَرٌ، عَلى شَاطِئِهِ الْأَيْمَنِ دُرَّةٌ بَيْضَاءُ، فِيهَا أَلْفُ قَصْرٍ، فِي كُلِّ قَصْرٍ أَلْفُ قَصْرٍ لِمُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ؛ وَعَلى شَاطِئِهِ الْأَيْسَرِ دُرَّةٌ صَفْرَاءُ، فِيهَا أَلْفُ قَصْرٍ، فِي

ص: 444


1- في الطبعة القديمة والوافي : «الخيرة»
2- كما قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 157
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 25 (خير)

كُلِّ قَصْرٍ أَلْفُ قَصْرٍ لأِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (جعفر) .

في القاموس : «الجعفر: النهر الصغير، والكبير الواسع _ ضدّ _ والنهر الملآن، أو فوق الجدول» (1).

وقوله : (على شاطئه الأيمن) إلى آخره .

شاطئ الوادي، بهمز اللّام: شطّه، وجانبه . قيل : لعلّ المراد بأيمنه ما بأيمنه بالنسبة إلى الداخل في الجنّة ، أو بالنسبة إلى القائم في منبعه، أو بكونه في أعلى مواضع الجنّة وأشرفها ، والأشرف يسمّى أيمنا، وإنّما بني قصر نبيّنا صلى الله عليه و آله أبيض وفي الأيمن؛ لأنّه أشرف الأنبياء، فينبغي أن يكون قصره أحسن الألوان، وفي أشرف المكان (2).

متن الحديث التاسع والثلاثين والمائة

اشارة

متن الحديث التاسع والثلاثين والمائةمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:«مَا الْتَقَتْ فِئَتَانِ قَطُّ مِنْ أَهْلِ الْبَاطِلِ إِلَا كَانَ النَّصْرُ مَعَ أَحْسَنِهِمَا بَقِيَّةً عَلَى (3) الْاءِسْلَامِ».

شرح الحديث

السند صحيح .

قوله : (ما التقت) أي ما تلاقت .

(فئتان) .

قال الجوهري: «الفِئة: الطائفة. والهاء عوض من الياء التي نقصت من وسطه، أصله: في? _

ص: 445


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 392 (جعفر)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 158
3- في الطبعة القديمة : + «أهل»

مثال فيع _ لأنّه من فاء، ويجمع على فئون، وفِئات» انتهى (1).

والمراد بهما طائفتان من أهل الإسلام تقاتلا لا على الوجه المشروع ، فقوله : (من أهل الباطل) إشارة إليه، فحينئذٍ لا إشكال في قوله : (إلّا كان النصر مع أحسنهما بقيّة على الإسلام) .

نصب «بقيّة» على التمييز . قال الفيروزآبادي :

بَقي يَبقى بقاءً، وبقا بَقْيا: ضدّ فني. والاسم: البقيّة . و «بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ» (2) أي طاعة اللّه ، أو انتظار ثوابه ، أو الحالة الباقية لكم من الخير . و «أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ» (3) أي إبقاءٍ وفهم (4)

وقال الجوهري : «أبقيت على فلان، إذا أرعيت عليه، ورحمته» (5).

ولعلّ المراد هنا أحسنهما بقاءً على الإسلام، أو رعايةً وحفظا لقوانينه وحدوده؛ لتوقّع الثواب المترتّب عليها .

والغرض الأصلي من هذا الكلام أنّ رعاية الدِّين والإسلام موجب للظفر والغلَبَة، كما قيل : «إنّ المُلك والملّة توأمان» ، ولا يبعد أن يُراد بفئتين من أهل الباطل أهل الكفر ، وبأحسنهما بقيّةً على الإسلام أكثرهما رعايةً ورأفةً، وأقلّهما إضرارا لأهله .

متن الحديث الأربعين والمائة

اشارة

متن الحديث الأربعين والمائةعَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَدِيدٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:«جُبِلَتِ الْقُلُوبُ عَلى حُبِّ مَنْ يَنْفَعُهَا، وَبُغْضِ مَنْ أَضَرَّ بِهَا (6).».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (جُبلت القلوب ...) أي خُلقت وطبعت .

والغرض من هذا الحديث الترغيب في إيصال النفع إلى الناس بذكر بعض فوائده، وهو جلب مودّتهم، والتحذير عن الإضرار بهم بذكر بعض مفاسده، وهو بغضهم وعداوتهم .

ص: 446


1- الصحاح ، ج 1 ، ص 63 (فيأ)
2- هود (11) : 86
3- هود (11) : 116
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 304 (بقي)
5- الصحاح ، ج 6 ، ص 2283 (بقي)
6- في الحاشية عن بعض النسخ: «أضرّها»

متن الحديث الواحد والأربعين والمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللّهِ، (1) عَنْ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، عَنْ عَمِّهِ الْحُسَيْنِ بْنِ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللّهِ (2). ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ أَبِي الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام ، قَالَ:«أَخَذَ أَبِي بِيَدِي، ثُمَّ قَالَ: يَا بُنَيَّ، إِنَّ أَبِي مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ عليه السلام أَخَذَ بِيَدِي كَمَا أَخَذْتُ بِيَدِكَ، وَقَالَ: إِنَّ أَبِي عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليه السلام أَخَذَ بِيَدِي، وَقَالَ: يَا بُنَيَّ، افْعَلِ الْخَيْرَ إِلى كُلِّ مَنْ طَلَبَهُ مِنْكَ؛ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ، فَقَدْ أَصَبْتَ مَوْضِعَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ، كُنْتَ أَنْتَ مِنْ أَهْلِهِ، وَإِنْ شَتَمَكَ رَجُلٌ عَنْ يَمِينِكَ، ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلى يَسَارِكَ، فَاعْتَذَرَ إِلَيْكَ، فَاقْبَلْ عُذْرَهُ».

شرح الحديث

السند مجهول .

قوله : (افعل الخير) ؛ يعمّ المال، والمشي في الحاجة، والقول النافع، وأمثالها .

قيل : هذا من المرغّبات التي لا يتركها أهل الكمال، وإلّا فقد يجوز الترك خصوصا بعد إعطاء الثلاثة، كما دلَّ عليه ما رواه المصنّف بإسناده عن أبي عبد اللّه عليه السلام يقول في السؤال : «أطعموا ثلاثه؛ إن شئتم أن تزدادوا، وإلّا فقد أدّيتم حقّ يومكم» (3) (4).

وقوله : (كنتَ أنت من أهله) أي يليق بك الخير، وتكون بذلك داخلاً في أهل الخير . والحاصل : أنّك أهلٌ لأن تحسن إلى كلّ أحد، ولا محذور فيه، وإن لم يكن الآخذ في الواقع أهلاً للإحسان .

ص: 447


1- في الحاشية: «كأنّه محمّد بن جعفر بن عون الأسدي الثقة، وصرّح به بعض الأعلام منه». اُنظر : رجال النجاشي ، ص 373 ، الرقم 1020 ؛ رجال ابن داود ، ص 302 ؛ رجال العلّامة ، ص 160
2- هذا ، والظاهر أنّ «بن» الفاصل بين الحسين وعيسى سهو من ناحية النسّاخ ، والصواب: «الحسين ، عن عيسى بن عبداللّه » كما في بعض نسخ الكافي التي رأيناه ؛ لأنّ موسى الذي روى عنه محمّد بن أبي عبداللّه هو ابن عمران النخعي ، وعمّه هو الحسين بن يزيد النوفلي ، وروايات هذا الرجل عن عيسى بن عبداللّه الهاشمي تكرّرت في الكافي وبعض كتب الصدوق رحمه الله . اُنظر : الكافي ، ج 4 ، ص 60 ، ح 8 ؛ و ج 7 ، ص 463 ، ح 20 ؛ ثواب الأعمال ، ص 37 ، ح 2
3- الكافي ، ج 4 ، ص 17 ، ح 2 . وعنه في وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 202 ، ح 11841
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 158 و 159

متن الحديث الثاني والأربعين والمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ رَزِينٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَالْحَجَّالِ، (1) عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ:قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «كَانَ كُلُّ شَيْءٍ مَاءً، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، فَأَمَرَ اللّهُ _ عَزَّ ذِكْرُهُ _ الْمَاءَ، فَاضْطَرَمَ نَارا، ثُمَّ أَمَرَ النَّارَ، فَخَمَدَتْ، فَارْتَفَعَ مِنْ خُمُودِهَا دُخَانٌ، فَخَلَقَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ السَّمَاوَاتِ مِنْ ذلِكَ الدُّخَانِ، وَخَلَقَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ الْأَرْضَ مِنَ الرَّمَادِ، ثُمَّ اخْتَصَمَ الْمَاءُ وَالنَّارُ وَالرِّيحُ، فَقَالَ الْمَاءُ: أَنَا جُنْدُ اللّهِ الْأَكْبَرُ، وَقَالَتِ النَّارُ: أَنَا جُنْدُ اللّهِ الْأَكْبَرُ، وَقَالَتِ الرِّيحُ: أَنَا جُنْدُ اللّهِ الْأَكْبَرُ، فَأَوْحَى اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ إِلَى الرِّيحِ: أَنْتِ جُنْدِيِّ الْأَكْبَرُ».

شرح الحديث

السند صحيح .

وقد مرّ هذا الحديث بعينه سندا ومتنا في الثامن والستّين .

متن الحديث الثالث والأربعين والمائة (حَدِيثُ زَيْنَبَ الْعَطَّارَةِ)

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ خَلَفِ بْنِ حَمَّادٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ زَيْدٍ الْهَاشِمِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:

«جَاءَتْ زَيْنَبُ الْعَطَّارَةُ الْحَوْلَاءُ إِلى نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وَبَنَاتِهِ، وَكَانَتْ تَبِيعُ مِنْهُنَّ الْعِطْرَ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وَهِيَ عِنْدَهُنَّ، فَقَالَ: إِذَا أَتَيْتِنَا طَابَتْ بُيُوتُنَا. فَقَالَتْ: بُيُوتُكَ بِرِيحِكَ أَطْيَبُ يَا رَسُولَ اللّهِ. قَالَ: إِذَا بِعْتِ، فَأَحْسِنِي، وَلَا تَغُشِّي؛ فَإِنَّهُ أَتْقى وَأَبْقى لِلْمَالِ.

فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ، مَا أَتَيْتُ بِشَيْءٍ مِنْ بَيْعِي، وَإِنَّمَا أَتَيْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ عَظَمَةِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

فَقَالَ: جَلَّ جَلَالُ اللّهِ، سَأُحَدِّثُكِ عَنْ بَعْضِ ذَلِكِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هذِهِ الْأَرْضَ بِمَنْ عَلَيْهَا عِنْدَ الَّتِي (2).

ص: 448


1- في الحاشية: «اسمه عبد اللّه بن محمّد، ثقة. منه». وفي السند تحويل بعطف الحجّال عن العلاء عن محمّد بن مسلم ، على ابن محبوب عن العلاء عن محمّد بن مسلم
2- في الطعبة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها : «الذي»

تَحْتَهَا كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ فِي فَلَاةٍ قِيٍّ، وَهَاتَانِ بِمَنْ فِيهِمَا وَمَنْ عَلَيْهِمَا عِنْدَ الَّتِي تَحْتَهَا كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ فِي فَلَاةٍ قِيٍّ، وَالثَّالِثَةُ حَتَّى انْتَهى إِلَى السَّابِعَةِ، وَتَلَا هذِهِ الْايَةَ: «خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ» (1) ، وَالسَّبْعُ الْأَرَضِينَ بِمَنْ فِيهِنَّ وَمَنْ عَلَيْهِنَّ عَلى ظَهْرِ الدِّيكِ كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ فِي فَلَاةٍ قِيٍّ، وَالدِّيكُ لَهُ جَنَاحَانِ: جَنَاحٌ فِي الْمَشْرِقِ، وَجَنَاحٌ فِي الْمَغْرِبِ، وَرِجْلَاهُ فِي التُّخُومِ، وَالسَّبْعُ وَالدِّيكُ بِمَنْ فِيهِ وَمَنْ عَلَيْهِ عَلَى الصَّخْرَةِ كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ فِي فَلَاةٍ قِيٍّ، وَالصَّخْرَةُ بِمَنْ فِيهَا وَمَنْ عَلَيْهَا عَلى ظَهْرِ الْحُوتِ كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ فِي فَلَاةٍ قِيٍّ، وَالسَّبْعُ وَالدِّيكُ وَالصَّخْرَةُ وَالْحُوتُ بِمَنْ فِيهِ وَمَنْ عَلَيْهِ عَلَى الْبَحْرِ الْمُظْلِمِ كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ فِي فَلَاةٍ قِيٍّ، وَالسَّبْعُ وَالدِّيكُ وَالصَّخْرَةُ وَالْحُوتُ وَالْبَحْرُ الْمُظْلِمُ عَلَى الْهَوَاءِ الذَّاهِبِ كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ فِي فَلَاةٍ قِيٍّ، وَالسَّبْعُ وَالدِّيكُ وَالصَّخْرَةُ وَالْحُوتُ وَالْبَحْرُ الْمُظْلِمُ وَالْهَوَاءُ عَلَى الثَّرى كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ فِي فَلَاةٍ قِيٍّ.

ثُمَّ تَلَا هذِهِ الْايَةَ: «لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى» (2) ، ثُمَّ انْقَطَعَ الْخَبَرُ عِنْدَ الثَّرى وَالسَّبْعُ وَالدِّيكُ وَالصَّخْرَةُ وَالْحُوتُ وَالْبَحْرُ الْمُظْلِمُ وَالْهَوَاءُ وَالثَّرى وَمَنْ (3) فِيهِ وَمَنْ عَلَيْهِ عِنْدَ السَّمَاءِ الْأُولى كَحَلْقَةٍ فِي فَلَاةٍ قِيٍّ، وَهذَا كُلُّهُ وَسَمَاءُ الدُّنْيَا بِمَنْ عَلَيْهَا وَمَنْ فِيهَا عِنْدَ الَّتِي فَوْقَهَا كَحَلْقَةٍ فِي فَلَاةٍ قِيٍّ، وَهَاتَانِ السَّمَاءَانِ وَمَنْ فِيهِمَا وَمَنْ عَلَيْهِمَا عِنْدَ الَّتِي فَوْقَهُمَا كَحَلْقَةٍ فِي فَلَاةٍ قِيٍّ، وَهذِهِ الثَّلَاثُ بِمَنْ فِيهِنَّ وَمَنْ عَلَيْهِنَّ عِنْدَ الرَّابِعَةِ كَحَلْقَةٍ فِي فَلَاةٍ قِيٍّ، حَتَّى انْتَهى إِلَى السَّابِعَةِ، وَهُنَّ وَمَنْ فِيهِنَّ وَمَنْ عَلَيْهِنَّ عِنْدَ الْبَحْرِ الْمَكْفُوفِ عَنْ أَهْلِ الْأَرْضِ كَحَلْقَةٍ فِي فَلَاةٍ قِيٍّ، وَهذِهِ السَّبْعُ وَالْبَحْرُ الْمَكْفُوفُ عِنْدَ جِبَالِ الْبَرَدِ كَحَلْقَةٍ فِي فَلَاةٍ قِيٍّ، وَتَلَا هذِهِ الْايَةَ: «وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ» (4) ، وَهذِهِ السَّبْعُ وَالْبَحْرُ الْمَكْفُوفُ وَجِبَالُ الْبَرَدِ عِنْدَ الْهَوَاءِ الَّذِي تَحَارُ فِيهِ الْقُلُوبُ كَحَلْقَةٍ فِي فَلَاةٍ قِيٍّ، وَهذِهِ السَّبْعُ وَالْبَحْرُ الْمَكْفُوفُ وَجِبَالُ الْبَرَدِ وَالْهَوَاءُ عِنْدَ حُجُبِ النُّورِ كَحَلْقَةٍ فِي فَلَاةٍ قِيٍّ، وَهذِهِ السَّبْعُ وَالْبَحْرُ الْمَكْفُوفُ وَجِبَالُ الْبَرَدِ وَالْهَوَاءُ وَحُجُبُ النُّورِ عِنْدَ الْكُرْسِيِّ كَحَلْقَةٍ فِي فَلَاةٍ قِيٍّ.

ثُمَّ تَلَا هذِهِ الْايَةَ: «وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ

ص: 449


1- الطلاق (65) : 12
2- طه (20) : 6
3- في الطبعة القديمة : «بمن» بدل «ومن»
4- النور (24) : 43

الْعَظِيمُ» (1) ، وَهذِهِ السَّبْعُ وَالْبَحْرُ الْمَكْفُوفُ وَجِبَالُ الْبَرَدِ وَالْهَوَاءُ وَحُجُبُ النُّورِ وَالْكُرْسِيُّ عِنْدَ الْعَرْشِ كَحَلْقَةٍ فِي فَلَاةٍ قِيٍّ. وَتَلَا هذِهِ الْايَةَ: «الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى» (2).

وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ: «الْحُجُبُ قَبْلَ الْهَوَاءِ الَّذِي تَحَارُ فِيهِ الْقُلُوبُ».

شرح الحديث

السند مجهول كالحسن .

قوله : (الحَولاء) مؤنّث أحول .

وقوله : (تَبيع منهنّ) أي بهنّ .

(العِطر) بالكسر، وهو الطيب. الجمع: عطور. وبائعه : العطّار .

وقوله : (فأحسني) أي إلى المشتري، بإعطاء الراجح، وعدم التعدّي في الربح عن قدر الحاجة .

(ولا تَغُشّي) .

غشّه، كمدّه: لم يمحضه النصح، أو أظهر خلاف ما أضمر، أو خان . والاسم منه: الغِشّ _ بالكسر _ والشيء مغشوش .

وقوله : (أتقى) أي أقرب إلى التقوى، وأنسب بها .

أو الإسناد مجازيّ ، والمراد أنّ صاحبه أتقى من العقوبة، وأحذر من أسبابها .

(وأبقى للمال) ؛ فإنّ الحلال أكثر بركةً، وأشدّ بقاءً من الحرام .

وقوله : (أسألك عن عظمة اللّه ) .

السؤال إمّا عن حقيقتها، أو قدرها، أو آثارها الدالّة عليها .

وهذا الأخير أنسب بالجواب .

وقوله: (ساُحدّثك عن بعض ذلك) ؛ لأنّه لا يمكن معرفة جميع آثار عظمته تعالى على التفصيل، كما لا يمكن الإحاطة بحقيقتها وكُنهها .

وقوله : (هذه الأرض) أي التي نحن عليها .

ص: 450


1- البقرة (2) : 255
2- طه (20) : 5

وقوله : (كحلقة).

قيل : لعلّ التشبيه بالحلقة إشارة إلى كُرويّتها وإحاطتها ، وبالفلاة إلى سعتها (1).

وقوله : (في فلاة قيّ).

الفلاة، بالفتح: المفازة.

والقيّ، بكسر القاف وتشديد الياء: القَفْر الخالي، وأصله: قِويٌ، على وزن فعلٍ .

وقوله : (وتلا هذه الآية : «خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ» ).

الآية في سورة الطلاق هكذا : «اللّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (2).

قال البيضاوي : «اللّه » مبتدأ، والموصول خبره . و «وَمِنْ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ» أي وخلق من الأرض مثلهنّ في العدد. وقرئ بالرفع على الابتداء ، والخبر «يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ» أي يجري أمر اللّه وقضاؤه بينهنّ، وينفذ حكمه فيهنّ . انتهى (3).

والاستشهاد بالآية لما ذكره عليه السلام من أنّ الأرض سبع طبقات، ويظهر منه أنّ للأرض طبقات بعضها فوق بعض ؛ فمنهم من جعل الأرضين السبع وطبقاتها وتعدّدها باعتبار الأقاليم، ومنهم من جعلها باعتبار ثلاث طبقات: الأرض الصرفة البسيطة، والطينيّة، والظاهرة التي هي وجه الأرض .

وهي مع كرة الماء كرة واحدة وثلاث كرات الهواء وكرة النار .

ومنهم من جعل الأرض كرتين: البسيطة، وغيرها، والماء كرة . ومنهم من قسّم الهواء بكرتين . ومنهم من قسّمها بأربع كرات .

ومنهم من قال: كلّ ما أحاط به فلك القمر يُطلق عليه اسم الأرض، كما قال تعالى : «خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ» وهي سبع طبقات ؛ الاُولى: النار . الثانية: الهواء . الثالثة: الماء . الرابعة: الأرض . وثلاث طبقات ممتزجة؛ أي مختلفة من هذه الأربع ؛ الاُولى: ممتزجة من النار والهواء . الثانية: ممتزجة من الهواء والماء . الثالثة: ممتزجة من الماء والأرض، وهي الكرة الطينيّة .

ص: 451


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 160
2- الطلاق (65) : 12
3- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 353

واعلم أنّ مبنى هذه الوجوه على أنّ المراد بالأرض غير السماوات . ولا يخفى سخافتها، وبُعد تنزيل الآيات والأخبار عليها .

وهاهنا كلام ذكره بعض الأفاضل، وهو أنّه:

يلزم من هذا الحديث، وعلى تقدير تماسّ هذه السبع بعضها ببعض أحد أمرين : إمّا أن تكون السبع أجساما مسطّحة . أو تكون كرات مماسّة بنقطة؛ وذلك لأنّها إن كانت مسطّحة، فهو الأمر الأوّل ، وإن كانت كرة، فإن كان مجموعها من حيث المجموع كرة واحدة، لزم أن يكون الأعظم القطعة التي فيها المنطقة، وأن يكون ما فوقها وما تحتها من القطاع متساوية، كلّ واحدة لبطؤها . وهذا ينافي كون كلّ تحتانيّة أعظم من الفوقانيّة، وإن كانت كلّ واحدة كرة، فإن كان كلّ تحتانيّة محيطة بالفوقانيّة، لزم أن تكون هذه الأرض محاطة بأرض اُخرى، وليس كذلك .

فينبغي أن تكون غير محيطة، فيلزم أن يكون التماسّ بنقطة، وهو الأمر الثاني. فليتأمّل (1)

وأقول : روى عليّ بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه ، عن الحسين بن خالد ، عن الرضا عليه السلام ، قال : قلت له : أخبرني عن قول اللّه عزّ وجلّ : «وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ» (2). ؟ فقال : «هي محبوكة على الأرض» وشبّك بين أصابعه.

فقلت : كيف تكون محبوكة إلى الأرض، واللّه يقول : «رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا» (3). ؟

فقال : «سبحان اللّه ، أليس يقول : «بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا» »؟ قلت : بلى .

قال : «فثمَّ عمد، ولكن لا ترونها؟» قلت : كيف ذلك جعلني اللّه فداك ؟

قال : فبسط كفّه اليسرى، ثمّ وضع اليُمنى عليها، فقال : «هذه أرض الدُّنيا، وسماء الدُّنيا عليها، فوقها قبّة، والأرض الثانية فوق سماء الدُّنيا وسماء الثانية فوقها قبّة، والأرض الثالثة فوق سماء الثانية وسماء الثالثة فوقها قبّة، والأرض الرابعة فوق سماء الثالثة وسماء الرابعة فوقها قبّة، والأرض الخامسة فوق سماء الرابعة وسماء الخامسة فوقها قبّة، والأرض

ص: 452


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 160
2- الذاريات (51) : 7
3- الرعد (13) : 2

السادسة فوق سماء الخامسة وسماء السادسة فوقها قبّة، والأرض السابعة فوق سماء السادسة وسماء السابعة فوقها قبّة، وعرش الرحمن _ تبارك وتعالى _ فوق السماء السابعة، وهو قول اللّه : «الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ» ؛ فأمّا صاحب الأمر، فهو رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، والوصيّ بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله قائم على وجه الأرض، فإنّما يتنزّل الأمر إليه من فوق من بين السماوات والأرضين».

قلت : فما تحتنا إلّا أرض واحدة؟

فقال : «ما تحتنا إلّا أرض واحدة، وإنّ الستّ لهنّ فوقنا» (1)

قال بعض الأفاضل : «يحتمل أن يكون هذا المعنى، والذي ذكر سابقا، داخلين تحت الآية، باعتبار البطون المختلفة» (2) انتهى . فليتأمّل .

وقوله : (على ظهر الديك) .

في القاموس : «الديك _ بالكسر _ معروف. والجمع: ديوك، وأدياك، وديكَة كقِرَدة . وقد يُطلق على الدجاجة» (3).

وقوله : (ورجلاه في التُّخوم) .

قال الجوهري : «التخم: منتهى كلّ أرض، أو قرية. والجمع: تُخُوم، مثل فِلس وفلوس .

وقال الفرّاء : تُخومُها : حدودها . وقال ابن السكّيت : سمعت أبا عمرٍ يقول : هي تخومُ الأرض. والجمع: تخم، مثل صبور وصُبُر» (4).

وفي القاموس : «التُّخوم، بالضمّ: الفَصْل بين الأرضين من المعالم والحدود، مؤنّثة.

والجمع: تخوم أيضا . وتُخُم _ كعُنُق _ أو الواحد: تُخم بالضمّ، وتَخْم، وتَخومة بفتحهما» (5) وقيل : لعلّ المراد بالتخوم هنا منتهى الصخرة (6).

وقوله : (البحر المُظلم) ؛ كأنّ المراد به البحر الأعظم المحيط بالأرض ، سمّي مظلما لغور عمقه، وكلّما كثر الماء وغار العمق سمّي مظلما، أو أسود وأخضر .

ص: 453


1- تفسير القمّي، ج 2 ، ص 328 . وعنه في بحار الأنوار ، ج 57 ، ص 79 ، ح 4
2- اُنظر : مرآة العقول ، ج 25 ، ص 373
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 303 (ديك)
4- الصحاح ، ج 5 ، ص 1877 (تخم)
5- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 83 (تخم)
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 161

وقوله : (الهواء الذاهب) .

قيل: أي المتحرّك. والوصف للإيضاح، أو للاحتراز عن الهواء الغير المتحرّك، وهو ما سيجيء من الهواء الذي تحار فيه القلوب (1).

أقول : يمكن تعميم الذهاب بحيث يشمل الكون والفساد .

وقوله : (على الثرى) .

قال الجوهري : «الثرى: التراب النديّ» (2).

وقال بعض الشارحين : «لعلّ المراد بالثرى هنا كرة الأثير، بقرينة اقترانه بالسماء الاُولى» (3).

أقول : في ثبوت تلك الكرة مناقشة على أنّ إطلاق الثرى بهذا المعنى لم يثبت لغةً ولا عرفا، فكيف يصحّ حمل الخبر عليه، ولم يقم دليل وبرهان قطعيّ على خلاف ما دلّ عليه ظاهر الخبر؛ فارتكاب مثل هذه التأويلات الواهية متعسّفة، لا يليق بأهل الإيمان .

وقوله : (ثمّ انقطع الخبر عند الثرى) ؛ من تتمّة كلام النبيّ صلى الله عليه و آله .

والخبر محرّكة البناء، وبالضمّ: العلم. وهاهنا يحتملهما؛ أي انقطع علم البشر بالسفليّات، أو خبرها عند الثرى، ولا يتجاوز علمهم عمّا ذكر، أو لم نُؤمَر بالإخبار به .

وقوله : (البحر المكفوف عن أهل الأرض) أي لا ينزل منه ماء إليهم، أو لا يمكنهم النظر إليه. أو لا يحيط عملهم به بالنظر والاستدلال . وقيل : أي الممنوع من الانصباب عليهم بقدرة اللّه تعالى؛ إذ لو انصبّ عليهم دفعةً أهلكهم (4) وقوله تعالى : «وَيُنَزِّلُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ» (5).

كذا في سورة النور . وفي بعض نسخ الكتاب: «ننزّل» بالنون .

ص: 454


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 161 و 162
2- الصحاح ، ج 6 ، ص 2291 (ثري)
3- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 162
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 162
5- النور (24) : 43

قال الفيروزآبادي : «البَرَد، بالتحريك: حبّ الغمام» (1).

وقال البيضاوي : المراد بالسماء الغمام، وكلّ ما علاك فهو سماء. «مِنْ جِبَالٍ فِيهَا» من قِطَع عِظام تشبه الجبال في عظمتها، أو جمودها «مِنْ بَرَدٍ» بيان للجبال. والمفعول محذوف ؛ أي ينزّل مبتدئا «مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ» ؛ بردا، ويجوز أن تكون «مَن» الثانية والثالثة للتبعيض، واقعة موقع المفعول .

وقيل : المراد بالسماء المظلِّة، وفيها جبال من برد _ كما في الأرض _ جبال من حجر، وليس في العقل قاطع يمنعه . انتهى (2).

وقوله : (الهواء الذي تَحار فيه القلوب) .

في بعض النسخ: «الهوى» بالقصر، وهو خطأ .

قال الجوهري : «الهواء ممدود: ما بين السماء والأرض. والجمع: الأهوية. وكلّ خال هواء . والهوى مقصور: هوى النفس، والجمع: الأهواء» (3)

وقال في القاموس : «حار يُحار حَيْرة: نظر إلى الشيء فغشي، ولم يهتدِ لسبيله، فهو حَيران، وحائر» (4).

وقال: «العشاء، مقصورة: سوء البصر بالليل والنهار. عَشِي _ كرضي ودَعا _ عشىً» (5).

وقوله : (عند حُجُب النور) .

قيل: لعلّ المراد بها حجاب القدرة، وحجاب العظمة، وحجاب الرفعة، وحجاب الهيبة، وحجاب الرحمة . وهذه الحُجب ذكرها صاحب معارج النبوّة ، وكلّ ذلك نشأ من نور ذاته تعالى، أو نور علمه . والإضافة بيانيّة باعتبار أنّ تلك الحجب نفسها أنوار (6).

وقوله تعالى : «وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّموَاتِ وَالْأَرْضَ» .

قال البيضاوي : هذا تصوير لعظمته، وتمثيل مجرّد كقوله : «وَمَا قَدَرُوا اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ

ص: 455


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 162
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 276 (برد)
3- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 194
4- الصحاح ، ج 6 ، ص 2537 (هوي)
5- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 16 (حور)
6- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 362 (عشو)

جَمِيعا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ» (1). ، ولا كرسيّ في الحقيقة، ولا قاعد ولا قعود .

وقيل : «كرسيّه» مجاز عن علمه، أو مُلكه، مأخوذ من كرسيّ العالِم والمَلِك .

وقيل : جسم بين يدي العرش، ولذلك سمّي كرسيّا، محيطا بالسموات السبع؛ لقوله عليه السلام : «والسماوات السبع، والأرضون السبع من الكرسيّ إلّا كحلقةٍ في فلاة» .

وفضل العرش على الكرسيّ كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة ، ولعلّه الفلك المشهور بفلك البروج، وهو في الأصل اسم لما يقعد عليه، ولا يفضل من مقعد القاعد، وكأنّه منسوب إلى الكرسيّ، وهو الملبّد .

«وَلَا يَؤُودُهُ» ولا يثقله، مأخوذ من الأود، وهو الإعوجاج .

«حِفْظُهُمَا» أي حفظه السماوات والأرض . فحذف الفاعل، وأضاف المصدر إلى مفعول .

«وَهُوَ الْعَلِىُّ» المتعالي عن الأنداد والأشباه.

«الْعَظِيمُ» (2) المستحقر بالإضافة إليه كلّ ما سواه (3).

إلى هاهنا كلام البيضاوي .

والظاهر أنّ المراد بالسماوات السبع لا غير؛ لما روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام حين سُئِل : الكرسيّ أكبر، أم العرش؟ فقال عليه السلام : «كلّ شيء خلقه اللّه تعالى في الكرسيّ، ما خلا عرشه؛ فإنّه أعظم من أن يحيط به الكرسيّ» (4).

وقوله : (وفي رواية الحسن) ؛ كأنّه ابن محبوب .

متن الحديث الرابع والأربعين والمائة (حَدِيثُ الَّذِي أَضَافَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِالطَّائِفِ)

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ يَزِيدَ الْكُنَاسِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ:

«إِنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كَانَ نَزَلَ عَلى رَجُلٍ بِالطَّائِفِ قَبْلَ الْاءِسْلَامِ، فَأَكْرَمَهُ، فَلَمَّا أَنْ بَعَثَ اللّهُ

ص: 456


1- الزمر (39) : 67
2- البقرة (2) : 255
3- تفسير البيضاوي ، ج 1 ، ص 555
4- الاحتجاج ، ج 2 ، ص 351 . وعنه في بحار الأنوار ، ج 10 ، ص 164 ، ح 2

مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله إِلَى النَّاسِ، قِيلَ لِلرَّجُلِ: أَ تَدْرِي مَنِ الَّذِي أَرْسَلَهُ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ إِلَى النَّاسِ؟

قَالَ: لَا.

قَالُوا لَهُ: هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ يَتِيمُ أَبِي طَالِبٍ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ نَزَلَ بِكَ بِالطَّائِفِ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، فَأَكْرَمْتَهُ».

قَالَ: «فَقَدِمَ الرَّجُلُ عَلى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَأَسْلَمَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَ تَعْرِفُنِي يَا رَسُولَ اللّهِ؟

قَالَ: وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا رَبُّ الْمَنْزِلِ الَّذِي نَزَلْتَ بِهِ بِالطَّائِفِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، فَأَكْرَمْتُكَ.

فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مَرْحَبا بِكَ، سَلْ حَاجَتَكَ.

فَقَالَ: أَسْأَلُكَ مِائَتَيْ شَاةٍ بِرُعَاتِهَا.

فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِمَا سَأَلَ، ثُمَّ قَالَ لأصْحَابِهِ: مَا كَانَ عَلى هذَا الرَّجُلِ أَنْ يَسْأَلَنِي سُؤَالَ عَجُوزِ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِمُوسى عليه السلام ؟!

فَقَالُوا: وَمَا سَأَلَتْ عَجُوزُ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِمُوسى؟

فَقَالَ: إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ ذِكْرُهُ _ أَوْحى إِلى مُوسى أَنِ احْمِلْ عِظَامَ يُوسُفَ مِنْ مِصْرَ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْهَا إِلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ بِالشَّامِ، فَسَأَلَ مُوسى عَنْ قَبْرِ يُوسُفَ عليه السلام ، فَجَاءَهُ (1) شَيْخٌ، فَقَالَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَعْرِفُ قَبْرَهُ فَفُلَانَةُ.

فَأَرْسَلَ مُوسى عليه السلام إِلَيْهَا، فَلَمَّا جَاءَتْهُ، قَالَ: تَعْلَمِينَ مَوْضِعَ قَبْرِ يُوسُفَ عليه السلام ؟

قَالَتْ: نَعَمْ.

قَالَ: فَدُلِّينِي عَلَيْهِ، وَلَكِ مَا سَأَلْتِ.

قَالَ (2) : لَا أَدُلُّكَ عَلَيْهِ إِلَا بِحُكْمِي.

قَالَ: فَلَكِ الْجَنَّةُ.

قَالَتْ: لَا إِلَا بِحُكْمِي عَلَيْكَ.

فَأَوْحَى اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ إِلى مُوسى: لَا يَكْبُرُ عَلَيْكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهَا حُكْمَهَا.

ص: 457


1- في الطبعة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها : «فجاء»
2- في الطعبة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها : «قالت»

فَقَالَ لَهَا مُوسى: فَلَكِ حُكْمُكِ.

قَالَتْ: فَإِنَّ حُكْمِي أَنْ أَكُونَ مَعَكَ فِي دَرَجَتِكَ الَّتِي تَكُونُ فِيهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الْجَنَّةِ.

فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مَا كَانَ عَلى هذَا لَوْ سَأَلَنِي مَا سَأَلَتْ عَجُوزُ بَنِي إِسْرَائِيلَ».

شرح الحديث

السند حسن .

قال الجوهري : «أضفت الرجل، وضيّفته، إذا أنزلته بك ضيفا، وقَرَيْتَهُ» (1).

قوله : (إلى الأرض المقدّسة) متعلّق بقوله : (احمل) ، أو بقوله : (أن تخرج) ، أو بهما على سبيل التنازع .

وقوله : (بالشام) ؛ حال عن الأرض المقدّسة .

وفي هذا الخبر دلالة على أنّ هذا النقل كان بالوحي.

وقيل: كان بوصيّة يوسف عليه السلام (2) ولا تنافي بينهما .

ولعلّ المراد بالعظام جسده عليه السلام ، إن قلنا: الأنبياء مطلقا لا تُبلى أجسادهم .

وقيل : هذا الخبر بظاهره ينافي ما رواه الصدوق بسند صحيح عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال :

«ما من نبيّ ولا وصيّ نبيّ يبقى في الأرض أكثر من ثلاثة أيّام حتّى يرفع بروحه وعظمه ولحمه إلى السماء، وإنّما يؤتى مواضع آثارهم، ويبلّغونهم من بعيد السلام، ويسمعونهم في مواضع آثارهم من قريب» (3).

وذكر القائل في وجه الجمع وجوها :

الأوّل : حمل هذا الخبر على أنّ المراد أكثر الأنبياء، أو الذين لم يقدّر اللّه لهم أن ينقلوا من موضع إلى موضع .

الثاني : أن يكون المراد بنقل العظام نقل الصندوق الذي كان فيه جسده عليه السلام في تلك الثلاثة الأيّام، وتشرّف بمجاورة بدنه .

الثالث : أن يُقال : لعلّ اللّه أنزل عظامه عليه السلام بعد رفعه لهذه المصلحة .

ص: 458


1- الصحاح ، ج 4 ، ص 1392 (ضيف)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 164
3- الفقيه ، ج 2 ، ص 577 ، ح 3161

الرابع : أن يكون الرفع في مدّة من الزمان، ثمّ يردّون إلى قبورهم، وإنّما يؤتى مواضع آثارهم في تلك المدّة .

وهذا الوجه أبعد المحتملات، كالثاني (1).

وفي دلالة هذا الخبر على استحباب نقل الموتى إلى المشاهد المشرّفة _ كما هو مذهب الأصحاب _ تأمّل .

وقوله : (ولك ما سألت) .

فيه شائبة مناواة لما يفهم فيما بعد من السياق من امتناعه عليه السلام بحكمها عليه .

ولعلّ المراد ما سألت من الأموال ونحوها من اُمور الدُّنيا، أو من اُمور الآخرة، التي تناسب حالها هذا .

روى الصدوق رحمه الله في كتبه عن أبيه ، عن سعد بن عبد اللّه ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن عليّ بن فضّال ، عن الرضا عليه السلام أنّه قال : «احتبس القمر عن بني إسرائيل، فأوحى اللّه _ جلّ جلاله _ إلى موسى أن اخرج عظام يوسف من مصر، ووعده طلوع القمر إذا أخرج عظامه، فسأل موسى عمّن يعلم موضعه ، فقيل له : هاهنا عجوز تعلم علمه .

فبعث إليها، فاُتِي بعجوز مقعدة عمياء، فقال لها : أتعرفين موضع قبر يوسف؟ قالت : نعم .

قال : فأخبريني به . قالت : لاُ ، حتّى تعطيني أربع خصال : تطلق لي رجلي، وتُعيد إليّ من شبابي، وتُعيد إليَّ بصري، وتجعلني معك في الجنّة .

قال : فكبر ذلك على موسى ، فأوحى اللّه _ جلّ جلاله _ إليه : يا موسى، أعطها ما سألت؛ فإنّك إنّما تُعطي عليَّ .

ففعل ، فدلّته عليه، فاستخرجه من شاطئ النيل في صندوق مرمر، فلمّا أخرجه طلع القمر، فحمله إلى الشام ، فلذلك يحمل أهل الكتاب موتاهم إلى الشام» (2).

ص: 459


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 9 و 10
2- الخصال ، ج 1 ، ص 205 ، ح 21؛ علل الشرائع ، ج 1 ، ص 296 ، ح 1 ؛ عيون الأخبار ، ج 1 ، ص 259 ، ح 18

متن الحديث الخامس والأربعين والمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سِنَانٍ، قَالَ:

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ: «كَانَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ تَوَدُّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، وَتُكْثِرُ التَّعَاهُدَ لَنَا، وَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَقِيَهَا ذَاتَ يَوْمٍ، وَهِيَ تُرِيدُنَا، فَقَالَ لَهَا: أَيْنَ تَذْهَبِينَ يَا عَجُوزَ الْأَنْصَارِ؟

فَقَالَتْ: أَذْهَبُ إِلى آلِ مُحَمَّدٍ أُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ، وَأُجَدِّدُ بِهِمْ عَهْدا، وَأَقْضِي حَقَّهُمْ.

فَقَالَ لَهَا عُمَرُ: وَيْلَكِ، لَيْسَ لَهُمُ الْيَوْمَ حَقٌّ عَلَيْكِ، وَلَا عَلَيْنَا، إِنَّمَا كَانَ لَهُمْ حَقٌّ عَلى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؛ فَأَمَّا الْيَوْمَ فَلَيْسَ لَهُمْ حَقٌّ، فَانْصَرِفِي.

فَانْصَرَفَتْ حَتّى أَتَتْ أُمَّ سَلَمَةَ، فَقَالَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ: مَا ذَا أَبْطَأَ بِكِ عَنَّا؟

فَقَالَتْ: إِنِّي لَقِيتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَأَخْبَرَتْهَا بِمَا قَالَتْ لِعُمَرَ، وَمَا قَالَ لَهَا عُمَرُ. فَقَالَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ: كَذَبَ، لَا يَزَالُ حَقُّ آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله وَاجِبا عَلَى الْمُسْلِمِينَ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».

شرح الحديث

السند حسن .

قوله: (تُكثِر التعاهد لنا) أي للقائنا، ورعاية حقّنا وحرمتنا .

والتعاهد: التحفّظ بالشيء، وتجديد العهد به .

وقوله : (حتّى أتت اُمّ سلمة) أي بعد مدّة طويلة ، أو في هذا الانصراف .

وعلى الثاني لا يكون قولها : (إنّي لقيتُ) عذرا للإبطاء، بل يكون إخبارا بما جرى، أو استفهاما واستعلاما لما سمعت من عمر: هل هو حقّ، أم لا؟ والأوّل أظهر .

روى الحميري في كتاب قرب الإسناد عن السنديّ بن محمّد ، عن صفوان ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : «كانت امرأة من الأنصار تُدعى حسرة ، تغشى آل محمّد، وتحنّ، وإن زفر وحبتر لقياها ذات يوم، فقالا : أين تذهبين يا حسرة؟ فقالت : أذهب إلى آل محمّد، فأقضي من حقّهم، واُحدِث بهم عهدا .

فقالا : ويلك، إنّه ليس لهم حقّ، إنّما كان هذا على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

فانصرفت حَسرة، ولبثت أيّاما، ثمّ جاءت، فقالت اُمّ سلمة زوجة النبيّ صلى الله عليه و آله : ما أبطأ بك

ص: 460

عنّا يا حسرة؟

فقالت : استقبلني زفر وحبتر، فقالا : أين تذهبين يا حسرة؟ فقلت : أذهب إلى آل محمّد، وأقضي من حقّهم الواجب ، فقالا : إنّه ليس لهم حقّ، إنّما كان هذا على عهد النبيّ صلى الله عليه و آله .

فقالت اُمّ سلمة : كذبا، لعنة اللّه عليهما، لا يزال حقّهم واجب على المسلمين إلى يوم القيامة» (1).

متن الحديث السادس والأربعين والمائة

اشارة

ابْنُ مَحْبُوبٍ (2) ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ بُرَيْدٍ الْعِجْلِيِّ، قَالَ:

سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ» ؟ (3).

قَالَ: «هُمْ وَاللّهِ شِيعَتُنَا حِينَ صَارَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي الْجَنَّةِ، وَاسْتَقْبَلُوا الْكَرَامَةَ مِنَ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ، عَلِمُوا، وَاسْتَيْقَنُوا أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْحَقِّ، وَعَلى دِينِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَاسْتَبْشَرُوا بِمَنْ لَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ مِنْ إِخْوَانِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ، وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ».

شرح الحديث

السند كالحسن .

قال اللّه _ عزّ وجلّ _ في سورة آل عمران : «وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ» (4).

قال الشيخ الطبرسي : أي يُسّروُن بإخوانهم الذين فارقوهم، وهم أحياء في الدُّنيا ، على مناهجهم من الإيمان والجهاد؛ لعلمهم بأنّهم إن استشهدوا لحقوا بهم، وصاروا من كرامة اللّه تعالى إلى مثل ما صاروا إليه ، يقولون : إخواننا يُقتلون كما قُتلنا، فيصيبون من النعيم

ص: 461


1- قرب الإسناد ، ص 29 . وعنه في بحار الأنوار ، ج 22 ، ص 223 ، ح 3 ؛ و ج 30 ، ص 176 ، ح 36
2- السند معلّق على سابقه ، ويروي عن ابن محبوب ، عليّ بن إبراهيم عن أبيه
3- آل عمران (3) : 170
4- آل عمران (3) : 169 و 170

مثل ما أصبنا . عن ابن جريح وقتادة .

وقيل : إنّه يؤتى الشهيد بكتاب فيه ذكر من تَقدّم عليه من إخوانه، فيُسرّ بذلك، ويستبشر كما يستبشر أهل الغائب بقدومه في الدُّنيا . عن السدي .

وقيل : معناه: لم يلحقوا بهم في الفضل إلّا أنّ لهم فضلاً عظيما بتصديقهم وإيمانهم . عن الزجاج .

«أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ» أي يستبشرون بأن لا خوفٌ عليهم، وذلك لأنّه بدل من قوله: «اَلَّذِيْنَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ» ؛ لأنّ الذين يلحقون بهم ، مشتملون على عدم الحزن .

والاستبشار هنا إنّما يقع بعدم خوف هؤلاء اللّاحقين ، ومعناه: لا خوفٌ عليهم فيمن خلّفوه من ذرّيّتهم؛ لأنّ اللّه تعالى يتولّاهم، ولا هم يحزنون على ما خلّفوا من أموالهم؛ لأنّ اللّه تعالى قد أجزل لهم ما عوّضهم .

وقيل : معناه: لا خوفٌ عليهم فيما يقدّمون عليه؛ لأنّ اللّه تعالى محّص ذنوبهم بالشهادة ، ولا هم يحزنون على مفارقة الدُّنيا فرحا بالآخرة (1).

وقوله عليه السلام : (هم واللّه شيعتنا) .

لعلّ المراد أنّ الآية وإن كان ظاهرها في فضل الشهداء، إلّا أنّ باطنها في فضل الشيعة .

وقيل : أي هم مشاركون مع الشهداء في هذه الكرامة؛ لما مرّ في الأخبار الكثيرة أنّ من يموت من الشيعة بمنزلة الشهيد حيٌّ يُرزق . وهذا الحكم مختصّ بشعداء الشيعة . والأوّل أظهر . انتهى (2).

ولا يخفى أنّ ما ذكرناه أظهر وألصق بالعبارة .

وقوله : (حين صارت أرواحهم في الجنّة) .

قال الفاضل الإسترآبادي : «الظاهر أنّ المراد بالجنّة الجنّة التي خلقها اللّه في المغرب، وجعلها مكان أرواح السعداء في عالم البرزخ» (3).

وقيل : يحتمل أن يُراد بها الجنّة المعروفة، وهي موجودة، كما هو الحقّ، ودلّت عليه الآيات والروايات ، ولا يمتنع دخول أرواح المؤمنين فيها في البرزخ عقلاً ونقلاً ، وأمّا عدم

ص: 462


1- تفسير مجمع البيان ، ج 2 ، ص 443 و 444
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 26 ، ص 13
3- نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 165

خروج من دخلها فلعلّه يكون بعد الحشر وعود الأرواح إلى الأبدان (1).

وقوله : (واستيقنوا ...) أي حصل لهم اليقين عيانا بكونهم على الحقّ من دون المعارضات الوهميّة، كما في هذه النشأة، من قبيل : «بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي» (2) .

وقوله : (ألّا خوفٌ عليهم) أي على الذين لم يلحقوا بهم بعدُ من إخوانهم . أو على المستبشرين بأعيانهم. أو على الجميع .

متن الحديث السابع والأربعين والمائة

اشارة

عَنْهُ (3) ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنِ الْحَلَبِيِّ، قَالَ:

سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ» (4). ؟

قَالَ: «هُنَّ صَوَالِحُ الْمُؤْمِنَاتِ الْعَارِفَاتِ».

قَالَ: قُلْتُ: «حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ» (5). ؟

قَالَ: «الْحُورُ هُنَّ الْبِيضُ الْمَضْمُومَاتُ الْمُخَدَّرَاتُ فِي خِيَامِ الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ وَالْمَرْجَانِ، لِكُلِّ خَيْمَةٍ أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ، عَلى كُلِّ بَابٍ سَبْعُونَ كَاعِبا حُجَّابا لَهُنَّ، وَيَأْتِيهِنَّ فِي كُلِّ يَوْمٍ كَرَامَةٌ مِنَ اللّهِ _ عَزَّ ذِكْرُهُ _ يُبَشِّرُ (6) اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ بِهِنَّ الْمُؤْمِنِينَ».

شرح الحديث

السند حسن .

قوله تعالى : «فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ» .

قال البيضاوي : أي خيّرات، فخفّفت؛ لأنّ خيرا بمعنى أخير لا يجمع. وقد قرئ على الأصل.

«حِسَانٌ» : حسان الخَلق والخُلق .

ص: 463


1- احتمله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 165
2- البقرة (2) : 260
3- الضمير راجع إلى عليّ بن إبراهيم المذكور في سند الحديث 145
4- الرحمن (57) : 70
5- الرحمن (57) : 72
6- في كلتا الطبعتين ومعظم النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة : «ليبشّر»

«حُورٌ مَقْصُورَاتٌ» أي قُصِرن في خدورهنّ . يُقال : امرأة قصيرة وقصورة ومقصورة؛ أي مخدّرة، أو مقصورات الطرف على أزواجهنّ (1).

وقال الفيروزآبادي : الحُور _ بالضمّ _ جمع أحور، وحَوْراء. وبالتحريك: أن يشتدّ بياضُ بياضِ العين، وسوادُ سوادِها، وتستدير حدقتها، وترقّ جفونها، ويبيض ما حواليها . أو شدّة بياضها وسوادها في شدّة بياض الجسد، أو اسوداد العين كلّها مثل الظباء، ولا يكون في بني آدم، بل يستعار لها (2) وقال : «امرأة مقصورة: محبوسة في البيت، لا تترك أن تخرج» (3).

وقوله : (المضمومات المُخدّرات) .

الضمّ: قبض شيء إلى شيء . ولعلّ المراد أنّهنّ ضممن إلى خِدرهنّ، أو إلى الخيام، أو إلى الأزواج .

والخِدر، بالكسر: الستر . وجارية مُخدّرة: اُلزِمت الستر .

وفي بعض النسخ: «المضمّرات» بدل «المضمومات» . قال الجزري : «تضمير الخيل، هو أن يظاهر عليها بالعلف حتّى تسمن» (4).

وقوله : (سبعون كاعبا حُجّابا لهنّ) .

الكاعب: الجارية حين يبدو ثديها للنهود؛ أي الارتفاع. والجمع: كواعبُ.

والحجّاب، بالضمّ والتشديد: جمع حاجب الأمير .

(وتأتيهنّ كلّ يوم كرامة من اللّه ) .

المستتر في «تأتيهنّ» راجع إلى سبعين كاعبا . والبارز إلى الحور. و«كرامة» منصوب على التميز .

ويحتمل أن يكون «كرامة» فاعل «تأتيهنّ» .

(يبشّر اللّه بهنّ المؤمنين) أي يبشّر بألسنة رسله، وفي كتبه بأنّ لهم صنفين من الأزواج .

وفي بعض النسخ : «ليبشّر اللّه »؛ يعني أنزل هذه الآية ليبشّرهم .

ص: 464


1- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 281 (مع تلخيص)
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 15 (حور)
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 118 (حبس)
4- النهاية ، ج 3 ، ص 99 (ضمر)

ويحتمل كونه تعليلاً للخلق المفهوم من السياق؛ أي إنّما خلقهنّ قبل دخول المؤمنين الجنّة ليبشّرهم بهنّ في الدُّنيا .

أو علّة لإتيان الكرامة أيضا .

متن الحديث الثامن والأربعين والمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ (1) عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، جَمِيعا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى، عَنْ يُونُسَ، عَنْ أَبِي الصَّبَّاحِ الْكِنَانِيِّ، عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ، قَالَ:

قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : «إِنَّ لِلشَّمْسِ ثَلاَثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ بُرْجا، كُلُّ بُرْجٍ مِنْهَا مِثْلُ جَزِيرَةٍ مِنْ جَزَائِرِ الْعَرَبِ، فَتَنْزِلُ كُلَّ يَوْمٍ عَلى بُرْجٍ مِنْهَا، فَإِذَا غَابَتِ انْتَهَتْ إِلى حَدِّ بُطْنَانِ الْعَرْشِ، فَلَمْ تَزَلْ سَاجِدَةً إِلَى الْغَدِ، ثُمَّ تُرَدُّ إِلَى مَوْضِعِ مَطْلَعِهَا، وَمَعَهَا مَلَكَانِ يَهْتِفَانِ مَعَهَا، وَإِنَّ وَجْهَهَا لأهْلِ السَّمَاءِ، وَقَفَاهَا لأهْلِ الْأَرْضِ، وَلَوْ كَانَ وَجْهُهَا لأهْلِ الْأَرْضِ لَاحْتَرَقَتِ الْأَرْضُ وَمَنْ عَلَيْهَا مِنْ شِدَّةِ حَرِّهَا، وَمَعْنى سُجُودِهَا مَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى: «أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النّاسِ» (2). ».

شرح الحديث

السند حسن على تقدير توثيق محمّد بن عيسى ، وإلّا فضعيف . وأيضا في رواية أبي الصبّاح عن الأصبغ شائبة إرسال.

قوله : (ثلاثمائة وستّين بُرجا) .

في القاموس : «البرج، بالضمّ: الركن، والحِصن، وواحد بُرُوج السماء»(3).

وكأنّ المراد هنا الدرجة المداريّة التي نزل إليها كلّ يوم بحركتها الخاصّة، ويكون هذا العدد مبنيّا على عدّ كلّ شهر من شهور السنة ثلاثين يوما .

وقيل : بناؤه على ما هو الشائع بين الناس من تقدير السنة به، وإن لم يكن مطابقا لشيء من حركتي الشمس والقمر (4).

ص: 465


1- في السند تحويل بعطف العدّة عن سهل ، على عليّ بن إبراهيم ، عطف طبقتين على طبقة واحدة
2- الحجّ (22) : 18
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 178 (برج)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 168

أو المراد الدرجات التي هي مطالع الشمس من أوّل السرطان إلى أوّل الجدي، ذاهبة وجائية بحركتها الخاصّة .

فقوله : (فتنزل كلّ يوم على برج منها) ؛ يكون تغليبا.

والغرض من التشبيه بجزائر العرب بيان سعتها وعظمتها، وسرعة حركة الشمس فيها .

في القاموس : «جزيرة العرب: ما أحاط به بحر الهند وبحر الشام، ثمّ دجلة وفرات. أو ما بين عدن أبين إلى المدار الشام طولاً، ومن جدّة إلى ريف العراق عرضا» (1).

(فإذا غابت) ؛ يعني غربت في الدرجة المحاذية لمطلعها بالحركة اليوميّة .

(انتهت إلى حدّ بُطنان العرش) .

قال الجوهري : «البطن: خلاف الظهر. والجمع: بطنان، مثل ظَهر وظهران. والبطنان أيضا جمع البَطن، وهو الغامض من الأرض . وبطنان الجنّة: وسطها» (2) وقال في النهاية : «بطنان العرش: وسطه» (3).

وقال الفاضل الإسترآبادي : «المراد دخولها دائرة نصف النهار؛ فإنّها حينئذٍ تحاذي النقطة التي هي وسط العرش» انتهى (4).

وأنت خبير بأنّ دائرة نصف النهار بالنسبة إلى الآفاق مختلفة، وكأنّه أراد نصف نهار الاُفق المستقيم، وفيه شيء .

وقال بعض الأفاضل : «المراد محاذاة أوساط العرش بالنسبة إلى أكثر المعمورة؛ لما ورد في الأخبار الكثيرة: أنّ العرش محاذٍ للكعبة» (5)

وقيل : بطنان العرش: تحته ، والمراد بحدّ بطنان العرش المنزلة التي ترجع منها، وتطلع من المغرب في آخر الزمان عند قيام الساعة ، وقد عدّ ذلك من أشراطها، وإلّا فالشمس دائما تحت العرش (6).

وأقول : التثبّت والتوقّف في أمثال هذا الخبر طريق الاحتياط؛ فإنّ الوقوف عند الشبهات

ص: 466


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 168
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 389 (جزر) مع اختلاف يسير
3- الصحاح ، ج 5 ، ص 2079 (بطن)
4- النهاية ، ج 1 ، ص 137 (بطن)
5- لم نعثر على مصدره
6- مرآة العقول ، ج 26 ، ص 16

خيرٌ من الاقتحام في الهلكات (1).

(فلم تزل ساجدة) من حين غروبها .

(إلى الغد)؛ كأنّ المراد بسجودها خضوعها وانقيادها لأمره تعالى فيما اُمِرتْ به .

وقال الفاضل الإسترآبادي : «قد استفدت من كلام الصادق عليه السلام أنّ السجدة والسبحة قسمان : طبيعيّة وإراديّة، ومن قبيل الاُولى سجدة الشمس» (2).

(ثمّ تُردّ إلى موضع مطلعها) أي مشرقها المعروف، وهكذا يفعل بها إلى ما شاء اللّه .

(ومعها مَلكان يهتفان معها) .

في الصحاح : «هَتَفِ الحمامة يَهْتِف هَتْفا، وهَتَف به هتافا؛ أي صاح به» (3).

ولعلّ المراد بالهتف هنا الزجر والسوق حتّى تطلع من مشرقها .

(وإنّ وجهها لأهل السماء) إلى آخره .

الظاهر أنّها كانت كذلك دائما بقرينة التعليق .

وقيل : يحتمل أن يُراد به أنّ وجهها لأهل السماء متوجّه إلى العرش حين كونها ساجدة، ووجه شدّة حرارتها للأرض حينئذٍ ظاهر لتغيّر حالها بمشاهدة جلال اللّه وعظمة كبريائه، كما نقل ذلك من حال نبيّنا صلى الله عليه و آله عند نزول الوحي . وأيّده بما رواه في الفقيه من: «أنّ الشمس إذا بلغت الجوّ، وجازت الكوّ، قلّبها ملك النور ظهرا لبطن، فصار ما يلي الأرض إلى السماء، وبلغ شعاعها تخوم العرش» (4) الحديث (5).

وقوله : (ومعنى سجودها) ؛ إمّا من تتمّة الخبر، أو من كلام أحد الرواة، أو المصنّف .

(قال سبحانه وتعالى) في سورة الحجّ : «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ» .

ص: 467


1- اقتباس من الحديث المشهور الذي روي عن الإمام الصادق عليه السلام بطرق مختلفة . راجع : الكافي ، ج 1 ، ص 68 ، ح 10 ؛ الفقيه ، ج 3 ، ص 11 ، ح 3233 ؛ التهذيب ، ج 6 ، ص 303 ، ح 845 ؛ الاحتجاج ، ج 2 ، ص 107 ؛ عوالى اللآلي ، ج 4 ، ص 135
2- حكاه عنه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 26 ، ص 16
3- الصحاح ، ج 4 ، ص 1442 (هتف)
4- .الفقيه ، ج 1 ، ص 225 ، ح 675 . وعنه في وسائل الشيعة ، ج 4 ، ص 165 ، ح 4808
5- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 168

قال البيضاوي : أي يستخرّ لقدرته، ولا يتأتّى عن تدبيره . أو يدلّ بذلّته على عظمة مدبّره ، ومَن يجوز أن يعمّ اُولي العقل وغيرهم على التغليب، فيكون قوله : «وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ» ؛ إفرادا لها بالذكر لشهرتها واستبعاد ذلك منها .

«وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ» ؛ عطف عليها إن جوّزنا إعمال اللفظ الواحد في كلّ واحدٍ من مفهوميه، وإسناده باعتبار أحدهما إلى أمر، وباعتبار الآخر إلى آخر؛ فإنّ تخصيص الكثير يدلّ على خصوص المعنى المسند إليهم. أو مبتدأ خبره محذوف دلّ عليه خبر قسيمة نحو: حقّ له الثواب . أو فاعل فعل مضمر؛ أي يسجد له كثير من الناس سجود طاعة . انتهى (1).

وقيل : يحتمل أن يكون المراد بالسجود غاية التذلّل والخضوع والانقياد التي تتأتّى من كلّ شيء بحسب قابليّته ، ويكون المراد بقوله تعالى: «مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ» الملائكة المسخّرين في الأوامر التكوينيّة، والمطيعين في الأوامر التكليفيّة، ولمّا لم يتأتَّ من الشمس والقمر وأمثالهما سوى الانقياد في الأوامر التكوينيّة، فتلك أيضا في غاية الانقياد ، وأمّا الناس فلمّا كانوا قابلين للأوامر التكليفيّة، فالعاملون منهم لما لم يحصل منهم غاية ما يمكن فيهم من الانقياد في الأمرين باعتبار عدم الانقياد في الأمر التكليفي، أخرجهم عن ذلك ، وقال : «وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ» . واللّه يعلم (2).

متن الحديث التاسع والأربعين والمائة

اشاره

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي حَمَّادٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ:حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عليه السلام سَبْعِينَ حَدِيثا لَمْ أُحَدِّثْ بِهَا أَحَدا قَطُّ، وَلَا أُحَدِّثُ بِهَا أَحَدا أَبَدا؛ فَلَمَّا مَضى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عليه السلام ثَقُلَتْ عَلى عُنُقِي، وَضَاقَ بِهَا صَدْرِي، فَأَتَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، فَقُلْتُ: جُعِلْتُ

ص: 468


1- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 119
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 26 ، ص 16 و 17

فِدَاكَ، إِنَّ أَبَاكَ حَدَّثَنِي سَبْعِينَ حَدِيثا لَمْ يَخْرُجْ مِنِّي شَيْءٌ مِنْهَا، وَلَا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْهَا إِلى أَحَدٍ، وَأَمَرَنِي بِسَتْرِهَا، وَقَدْ ثَقُلَتْ عَلى عُنُقِي، وَضَاقَ بِهَا صَدْرِي، فَمَا تَأْمُرُنِي؟ فَقَالَ: «يَا جَابِرُ، إِذَا ضَاقَ بِكَ مِنْ ذلِكَ شَيْءٌ، فَاخْرُجْ إِلَى الْجَبَّانَةِ، وَاحْتَفِرْ حَفِيرَةً، ثُمَّ دَلِّ رَأْسَكَ فِيهَا، وَقُلْ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ بِكَذَا وَكَذَا، ثُمَّ طُمَّهُ؛ فَإِنَّ الْأَرْضَ تَسْتُرُ عَلَيْكَ».

قَالَ جَابِرٌ: فَفَعَلْتُ ذلِكَ، فَخَفَّ عَنِّي مَا كُنْتُ أَجِدُهُ.

شرح الحديث

السند ضعيف .

وقوله : (من ذلك) أي كتمان السرّ .

وقوله : (إلى الجَبّانة) بالفتح والتشديد .

قال الجوهري : «الجبّان والجبّانة، بالتشديد: الصحراء» (1) وفي القاموس : «الجبّان والجبّانة، مشدّدتين: المقبرة، أو الأرض المستوية في ارتفاع» (2).

وقوله : (واحتفر حَفيرة) .

الحفر: شقّ الأرض بحديدة ونحوها، وفعله كضرب . والحفيرَة، بالفتح: المُحتفَر، والقبر.

وبالضمّ: مصغّر الحُفرة، بمعنى الحفر .

(ثمّ دَلِّ) أي أرسل .

(رأسَك فيها) .

قال الجوهري : «دَلَوتُ الدلوَ: نزعتها. وأدليتها: أرسلت بها في البئر . ودلّاه بغرور؛ أي أوقعه فيما أراد من تغريره، وهو من إدلاء الدلو» (3).

وفي هذا الحديث دلالة على وجوب كتمان السرّ ، وعلى أنّ للأئمّة عليهم السلام علوما لا يحتملها إلّا الخواصّ من شيعتهم ، وعلى أنّ إظهاره على هذا النحو يدفع ضيق الصدر الحاصل من الكتمان .

وقوله : (ثمّ طُمّه) .

قال الجوهري : «جاء السيل فطمَّ الركيّة؛ أي دفّنها، وسوّاها . وكلّ شيء علا وغلب فقد

ص: 469


1- الصحاح ، ج 5 ، ص 2091 (جبن)
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 208 (جبن)
3- الصحاح ، ج 6 ، ص 2339 (دلو)

طَمَّ يطمُّ. ومنه سُمّيت القيامة طامّة» (1).

وقوله : (فإنّ الأرض تستر عليك) .

قيل : فيه دلالة على أنّ للجماد نفسا مدركة(2). وفيه ما فيه ، وهاهنا سؤال، وهو أنّه عليه السلام لِمَ لم يأمره بإظهاره له، والحال أنّه أحفظ من جابر؟!

والجواب : أنّه عليه السلام كان عالما به، لم يكن الإظهار له دافعا للضيق.

أو ليعلم كيفيّة التخلّص من الضيق من لم يتمكّن عن إظهاره لمثله عليه السلام في أيّ وقتٍ من الأوقات .

* عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ مِثْلَهُ.

شرح الحديث

هذا السند كسابقه في الضعف والإرسال .

متن الحديث الخمسين والمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيى، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ:

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «لَاخُذَنَّ الْبَرِيءَ مِنْكُمْ بِذَنْبِ السَّقِيمِ، وَلِمَ لَا أَفْعَلُ وَيَبْلُغُكُمْ عَنِ الرَّجُلِ مَا يَشِينُكُمْ وَيَشِينُنِي، فَتُجَالِسُونَهُمْ، وَتُحَدِّثُونَهُمْ، فَيَمُرُّ بِكُمُ الْمَارُّ، فَيَقُولُ: هَؤُلَاءِ شَرٌّ مِنْ هذَا، فَلَوْ أَنَّكُمْ إِذَا بَلَغَكُمْ عَنْهُ مَا تَكْرَهُونَ زَبَرْتُمُوهُمْ وَنَهَيْتُمُوهُمْ، كَانَ أَبَرَّ بِكُمْ وَبِي».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (لآخذنّ البريء منكم) .

المراد بالأخذ إمّا التأديب، أو الحكم بكونه مواخذا في الآخرة بالتعذيب .

لعلّ وجه تسمية تارك النهي عن المنكر بريئا إنّما هو بحسب ظنّه أنّه بريء من الذنب، أو باعتبار برائته عمّا يرتكبه غيره .

ص: 470


1- الصحاح ، ج 5 ، ص 1976 (طمم)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 169

(بذنب السقيم) .

السقيم، بالضمّ وبالتحريك: المرض .

والمراد بالسقيم هنا المذنب .

وقوله : (يَشينكم) .

الشين: القبح، والعيب، وفعله كباع .

والضمير المنصوب في قوله : (فتجالسونهم، وتحدّثونهم) راجع إلى الرجل باعتبار كون اللّام للاستغراق، أو للجنس الشامل للكثرة .

وقوله : (هؤلاء شرّ من هذا) أي هؤلاء الذين يجالسون هذا الفاسق ولا ينهونه شرٌّ منه .

وقيل : الجملة استفهام إنكاريّ، والمشار إليهم بهؤلاء العامّة .

ومنهم من قرأ «مَنْ» بالفتح، وجعل المشار إليهم أيضا العامّة (1).

ولا يخفى بُعدهما ، وكذا جعل المشار إليه بهؤلاء ذلك الرجل ومن يجلس معه، والمشار إليه بهذا أبا عبد اللّه عليه السلام .

وقوله : (زبرتموهم، ونهيتموهم) .

في القاموس : «الزَّبْر: المنع، والنهي، يَزبُر ويزبِر» (2) وفيه: «نهاه ينهاه نهيا، ضدّ أمره» (3).

وقوله : (أبرّ بكم وبي) أي أكثر بِرّا، أو أبعد من الشين والعيب والتهمة .

في القاموس : «البرّ: الاتّساع في الإحسان، وضدّ العقوق.

وأصلح العرب أبرّهم؛ أي أبعدهم» (4).

وفي هذا الخبر دلالة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وعلى حرمة مجالسة الفاسق، ووجوب التحرّز عن مواضع التهمة .

متن الحديث الواحد والخمسين والمائة

اشاره

سهْلِ بْنِ زِيَاد عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَبدِاللهِ بْنِ اَلْمغيره عَنْ طلْحه بنِ زَيْد

ص: 471


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 26 ، ص 18
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 37 (زبر)
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 398 (نهي)
4- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 370 (برر) مع التلخيص

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالى: «فَلَمّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ» (1) ، قَالَ:«كَانُوا ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ ائْتَمَرُوا، وَأَمَرُوا، فَنَجَوْا. وَصِنْفٌ ائْتَمَرُوا، وَلَمْ يَأْمُرُوا، فَمُسِخُوا ذَرّا. وَصِنْفٌ لَمْ يَأْتَمِرُوا، وَلَمْ يَأْمُرُوا، فَهَلَكُوا».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (ائتمروا، وأمروا) .

الائتمار: قبول الأمر، والامتثال به ؛ يعني أنّهم امتثلوا بفعل الأوامر، وترك النواهي، وأمروا غيرهم أيضا بهما .

وقوله : (فمُسخوا ذَرّا) .

في النهاية : «الذرّ: النمل الصغير الأحمر، واحدتها: ذرّة» (2) إذا عرفت هذا، فاعلم أنّ هذه الآية وما قبلها وما بعدها في سورة الأعراف هكذا : «وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْما اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابا شَدِيدا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ» (3) .

قال البيضاوي : «فَلَمَّا نَسُوا» أي تركوه ترك الناسي. «مَا ذُكِّرُوا بِهِ» أي ما ذكّر صلحاؤهم . «أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا» بالاعتداء، ومخالفة أمر اللّه تعالى «بِعَذَابٍ بَئِيسٍ» شديد .

ثمّ قال : الظاهر يقتضي أنّ اللّه تعالى عذّبهم أوّلاً بعذاب شديد، فعتوا بعد ذلك، فمسخهم .

ويجوز أن تكون الآية الثانية تقريرا وتفصيلاً للآية الاُولى .

ص: 472


1- الأعراف (7) : 165
2- النهاية ، ج 3 ، ص 157 (ذرر) مع اختلاف يسير في اللفظ
3- الأعراف (7) : 163 - 166

رُوِيَ: أنّ الناهين لمّا أيسوا عن اتّعاظ المعتدين، كرهوا مساكنتهم، فقسّموا القرية بجدار فيه باب مطروق، فأصبحوا يوما، ولم يخرج إليهم أحد من المعتدين، فقالوا: إنّ لهم شأنا، فدخلوا عليهم، فإذا [هم] قِردَةٌ، فلم يعرفوا أنسباءهم، ولكن القُرُود تعرفهم، فجعلت تأتي أنسباءهم، وتشمّ ثيابهم، وتدور باكيةً حولهم، ثمّ ماتوا بعد ثلاث .

وعن مجاهد : «مسخت قلوبهم، لا أبدانهم» انتهى (1).

وأقول : ظاهر هذا الخبر مناف للآية الأخيرة، فلعلّ وجه الجمع ما ذكره البيضاوي من أنّهم عذّبوا أوّلاً، ثمّ عتوا بعد ذلك، فمُسخوا قردة . فالمراد بالهلاك في هذا الخبر العذاب .

أو نقول : المراد بالهلاك مسخ قلوبهم، كما قال مجاهد .

وقيل : المراد بالهلاك مسخهم قردة ، وأيّده بما ذكر السيّد ابن طاووس في كتاب سعد السعود، قال : رأيت في كتاب أنّهم كانوا ثلاث فرق ؛ فرقة باشرت المنكر ، وفرقة أنكرت عليهم ، وفرقة داهنت أهل المعاصي، فلم تنكر، ولم تباشر المعصية، فنجّى اللّه الذين أنكروا، وجعل الفِرقة المداهِنَة ذرّا، ومسخ الفرقة المباشرة للمنكر قردة .

ثمّ قال ابن طاووس رحمه الله : «ولعلّ مسخ المداهنة ذرّا؛ لتصغيرهم عظمة اللّه ، وتهوينهم بحرمة اللّه ، فصغّرهم اللّه » انتهى (2).

فليتأمّل جدّا .

متن الحديث الثاني والخمسين والمائة

اشاره

عَنْهُ (3) ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ رَزِينٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ:كَتَبَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام إِلَى الشِّيعَةِ: «لَيَعْطِفَنَّ ذَوُو السِّنِّ مِنْكُمْ وَالنُّهى عَلى (4) ذَوِي الْجَهْلِ وَطُلَابِ الرِّئَاسَةِ، أَوْ لَتُصِيبَنَّكُمْ لَعْنَتِي أَجْمَعِينَ».

ص: 473


1- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 68 و 69
2- سعد السعود ، ص 119 (مع اختلاف يسير في اللفظ) . والناقل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 26 ، ص 18 و 19
3- رجوع الضمير إلى «سهل» أمر واضح
4- في الحاشية عن بعض النسخ: «عن»

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (ليعطفنّ) إلى آخره .

العطف: الميل، والشفقة، وإذا عدّي ب «على»، كما في أكثر النسخ، فالغرض الترغيب في رأفة الجهّال، ورحمتهم بالنصيحة والموعظة، والنهي عمّا ارتكبوه من آثار الجهل .

ويحتمل كونه بمعنى الكره والغلبة .

قال في القاموس : «عطف عليه: حمل، وكرّ» (1) . فالمراد زجرهم ومنعهم عمّا هم عليه.

وإذا عدّي ب «عن» كما في بعض النسخ، فالغرض الترغيب في صرف الميل عنهم، ومفارقتهم، وعدم المعاشرة والمجالسة معهم .

قال الجوهري : «النهية، بالضمّ: واحدة النهي، وهي العقول؛ لأنّها تنهى من القبيح» (2).

وفي القاموس : «النهية، بالضمّ: العقل، كالنُّهي. وقد تكون جمع نهيَة أيضا» (3).

متن الحديث الثالث والخمسين والمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللّهِ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ جَمِيعا، عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي حَمَّادٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْكُوفِيِّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:

«إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ جَعَلَ الدِّينَ دَوْلَتَيْنِ: دَوْلَةً لأَمَ عليه السلام ، وَدَوْلَةً لأِبْلِيسَ، فَدَوْلَةُ آدَمَ هِيَ دَوْلَةُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِذَا أَرَادَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ أَنْ يُعْبَدَ عَلَانِيَةً أَظْهَرَ دَوْلَةَ آدَمَ، وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ أَنْ يُعْبَدَ سِرّا كَانَتْ دَوْلَةُ إِبْلِيسَ، فَالْمُذِيعُ لِمَا أَرَادَ اللّهُ سَتْرَهُ مَارِقٌ مِنَ الدِّينِ».

شرح الحديث

السند ضعيف مرسل .

قوله : (جعل الدِّين دَولتين) .

قال الجوهري : الدولة في الحرب: أن تدال إحدى الفئتين على الاُخرى . يُقال : كانت لنا عليهم

ص: 474


1- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 176 (عطف)
2- الصحاح ، ج 6 ، ص 2517 (نهي)
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 398 (نهي)

الدولة. والجمع: الدُّوَل. والدُّولة بالضمّ في المال. يُقال : صار الفيء دولةً بينهم يتداولونه، يكون مرّةً لهذا، ومرّة لهذا، والجمع: دُولات، ودُوَل . قال أبو عبيد : «الدُّولة، بالضمّ: اسم الشيء الذي يُتَداول به بعينه، والدولة بالفتح: الفعل». وقال بعضهم : الدَّولة والدُّولة لغتان بمعنى .

قال محمّد بن سلام الجمحي : سألت يونس عن قول اللّه تعالى : «لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ» (1) ، فقال : قال أبو عمرو بن العلاء : «الدُّولة _ بالضمّ _ في المال، والدَّولة _ بالفتح _ في الحرب» .

قال : وقال عيسى بن عمر : «كلتاهما [تكون] في المال والحرب سواء» .

قال يونس : «أمّا أنا فواللّه ما أدري ما فرَقٌ بينهما» (2).

وقال الجوهري : «مرق السهم من الرمية؛ أي خرج من الجانب الآخر. ومنه سمّيت الخوارج مارقة» انتهى (3).

وحاصل الخبر أنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ قد يتعلّق حكمه بإظهار حجّته، وقد يتعلّق بإخفائها.

بيانه: أنّ لكلّ دولة ناصر وحامٍ ؛ فدولة إبليس حماته جنود إبليس من شياطين الجنّ والإنس ، ودولة آدم ناصره ومعينه [من]الأنبياء والأوصياء والصُّلحاء ، فإذا غلب جنود إبليس خفي حجج اللّه ، ولا يمكنهم الاستيلاء على أهل الجور ، فبذلك يصير أهل الحقّ مغلوبا مقهورا، ويستولي أتباع إبليس على أتباع آدم ، و «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» (4) ، ويريد اللّه عند ذلك أن يُعبد سرّا من أهل الباطل؛ لقلّة أهل العلم والصّلاح، وضعف قوّتهم، فلو حاولوا المخاصمة معهم هلكوا، وانطمس الدِّين وشعائره بالكلّية ، فلذا وجب عليهم التحمّل والتثبّت إلى ظهور دولة الحقّ؛ فمن أذاع سرّه في ذلك الزمان، وترك التقيّة، فقد أذاع ما أراد اللّه كتمانه ، وأمر بستره، فيكون خارجا عن كمال الدِّين .

متن الحديث الرابع والخمسين والمائة (حديث الناس يوم القيامة)

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي

ص: 475


1- الحشر (59) : 7
2- الصحاح ، ج 4 ، ص 1700 (دول)
3- الصحاح ، ج 4 ، ص 1554 (مرق)
4- الروم (30) : 41

جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ:قَالَ: «يَا جَابِرُ، إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، جَمَعَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ الْأَوَّلِينَ وَالْاخِرِينَ لِفَصْلِ الْخِطَابِ، دُعِيَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَدُعِيَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَيُكْسى رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله حُلَّةً خَضْرَاءَ تُضِيءُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَيُكْسى عَلِيٌّ عليه السلام مِثْلَهَا، وَيُكْسى رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله حُلَّةً وَرْدِيَّةً يُضِيءُ لَهَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَيُكْسى عَلِيٌّ عليه السلام مِثْلَهَا، ثُمَّ يَصْعَدَانِ عِنْدَهَا، ثُمَّ يُدْعى بِنَا، فَيُدْفَعُ إِلَيْنَا حِسَابُ النَّاسِ، فَنَحْنُ وَاللّهِ نُدْخِلُ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلَ النَّارِ النَّارَ.

ثُمَّ يُدْعى بِالنَّبِيِّينَ عليهم السلام ، فَيُقَامُونَ صَفَّيْنِ عِنْدَ عَرْشِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ، حَتّى نَفْرُغَ مِنْ حِسَابِ النَّاسِ، فَإِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، بَعَثَ رَبُّ الْعِزَّةِ عَلِيّا عليه السلام ، فَأَنْزَلَهُمْ مَنَازِلَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ، وَزَوَّجَهُمْ.

فَعَلِيٌّ _ وَاللّهِ _ الَّذِي يُزَوِّجُ أَهْلَ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ، وَمَا ذَاكَ إِلى أَحَدٍ غَيْرِهِ كَرَامَةً مِنَ اللّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ، وَفَضْلاً فَضَّلَهُ اللّهُ بِهِ، وَمَنَّ بِهِ عَلَيْهِ. وَهُوَ وَاللّهِ يُدْخِلُ أَهْلَ النَّارِ النَّارَ، وَهُوَ الَّذِي يُغْلِقُ عَلى أَهْلِ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلُوا فِيهَا أَبْوَابَهَا؛ لأنَّ أَبْوَابَ الْجَنَّةِ إِلَيْهِ، وَأَبْوَابَ النَّارِ إِلَيْهِ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (لفصل الخطاب).

لعلّ المصدر بمعنى اسم الفاعل. والإضافة من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف ؛ أي الخطاب الفاصل بين الحقّ والباطل، أو الذي يفصل بين الناس في الخِصام .

ويحتمل كونه بمعنى المفعول؛ أي الخطاب المفصول، والكلام الملخّص الذي يتبيّنه من يخاطَبْ به، ويتنبّه على المقصود من غير التباس .

وقيل : هو الخطاب القصد الذي ليس فيه اختصار مخلّ، ولا إشباع مُمِلّ .

وقوله : (حُلّة خَضراء) .

في القاموس : «الحُلّة، بالضمّ: إزارٌ، ورداءٌ بردٌ، أو غيره. ولا تكون حلّة إلّا من ثوبين، أو ثوب له بطانة» (1).

ص: 476


1- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 359 (حلل)

(يضيء لها ما بين المشرق والمغرب) .

الإضاءة يتعدّى ولا يتعدّى، وهنا متعدٍّ . والضمير المستتر راجع إلى الحُلّة؛ أي صيّر تلك الحُلّة هذا المقدار من المسافة أو جميع عرصة القيامة مضيئا .

وقوله : (يصعدان)؛ من المجرّد أو المزيد المعلومين .

والمراد صعودهما المنبر، أو موضعا مرتفعا، أو يمضيان ناحية .

في القاموس : «صَعِد في السُّلَّم _ كسمع _ صُعُودا، وصعد في الجبل، وعليه تصعيدا:

رَقِيَ. وأصْعَد في الأرض: مضى . والإصعاد: الصعود» (1).

(عندها) أي عند اكتساء الحلّة بتقدير المضاف، أو عند حالة الاكتساء .

متن الحديث الخامس والخمسين والمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ السِّنْدِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «خَالِطُوا النَّاسَ؛ فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ يَنْفَعْكُمْ حُبُّ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ عليهماالسلام فِي السِّرِّ، لَمْ يَنْفَعْكُمْ فِي الْعَلَانِيَةِ».

شرح الحديث

السند مجهول . وقيل : ضعيف . وفيه نظر .

قوله : (خالطوا الناس) إلى آخره .

المراد بهم أهل الخلاف، ولمّا كانت مخالطتهم توجب إخفاء محبّة أهل البيت عليهم السلام ، وذلك يُوهم عدم جوازه، أمره عليه السلام أوّلاً بالمخالطة والمعاشرة معهم بالتقيّة والمداراة وكتمان السرّ؛ لدفع ضررهم، ودفع ذلك التوهّم ثانيا بأنّ المحبّة أمرٌ قلبيّ، لا تنافي الإخفاء، وأنّ تلك المحبّة القلبيّة هي الأصل، والفوائد المقصودة من المحبّة مترتّبة عليها، فلو لم تنفع لم تنفع المحبّة اللِّسانيّة؛ إذ هي فرع لها، والفرع لا يتحقّق بدون الأصل .

ص: 477


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 307 (صعد)

متن الحديث السادس والخمسين والمائة

اشارة

جَعْفَرٌ (1) ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:«إِيَّاكُمْ وَذِكْرَ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ عليهماالسلام؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَيْسَ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَيْهِمْ مِنْ ذِكْرِ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ عليهماالسلام».

شرح الحديث

السند مثل سابقه .

قوله : (إيّاكم وذكر عليّ وفاطمة عليهماالسلام) ؛ يعني عند النواصب المُبغضين لهما .

متن الحديث السابع والخمسين والمائة

اشارة

جَعْفَرٌ (2) ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ:«إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ ذِكْرُهُ _ إِذَا أَرَادَ فَنَاءَ دَوْلَةِ قَوْمٍ، أَمَرَ الْفَلَكَ، فَأَسْرَعَ السَّيْرَ، فَكَانَتْ عَلى مِقْدَارِ مَا يُرِيدُ».

شرح الحديث

السند مثل سابقيه .

قوله عليه السلام : (أمر الفَلَك) إلى آخره .

قيل : لعلّ المراد تسبيب أسباب زوال دولتهم على الاستعارة التمثيليّة، أو يكون لكلّ دولة فلك سوى الأفلاك المعروفة والحركات ، وقد قُدِّرَ لدولتهم عددٌ من الدورات، فإذا أراد اللّه إطالة مدّتهم أمر بإبطائه في الحركة ، وإذا أراد سرعة فنائها أمر بإسراعه (3).

وأقول : في التوجيه الثاني شيء يظهر بالتأمّل فيما سنذكره .

وقال بعض الشارحين : لا حاجة إلى التأويل بأنّه كناية عن زوال دولتهم باعتبار أمر منقطع؛ لأنّ إسراع الفلك وإبطاؤه على القدر المعتاد له ممكن بالنسبة إلى القدرة الكاملة . كيف لا، وحركته إمّا

ص: 478


1- السند معلّق على سابقه ، ويروي عن جعفر ، عليّ بن إبراهيم عن صالح بن السندي
2- السند كسابقه في التعليق
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 26 ، ص 21

إراديّة، أو قسريّة، أو طبيعيّة ؛ وعلى التقادير يمكن السرعة والبطؤ فيها، ويختلف بحسبها الزمان زيادة ونقصانا .

أمّا على الأوّلين فظاهر ، وأمّا على الأخير؛ فلأنّ الحركة الطبيعيّة تشتدّ وتضعف بالقسر (1).

أقول : لا نزاع في إمكان ذلك، وإنّما النزاع في وقوعه كيف، وقد انضبط حركات الأفلاك وسير الكواكب ومواضع الأوجات والجوزهرات في كلّ عصر من الأعصار إلّا أن يدّعى أنّ ذلك لم يقع بعدُ. وفيه ما فيه .

ثمّ قال : ونظير ذلك ما رواه المسلم في حديث الدجّال : أنّه يلبث في الأرض أربعين يوما يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة، وسائر أيّامه كأيّامكم (2).

قال القرطبي : «يخرق العادة في تلك الأيّام، ويبطأ بالشمس عند حركتها المعتادة في تلك الأيّام، حتّى يكون الأوّل كسنة، والثاني والثالث كما ذكر . وهذا ممكن» (3).

متن الحديث الثامن والخمسين والمائة

اشارة

جَعْفَرُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي شِبْلٍ، قَالَ:دَخَلْتُ أَنَا وَسُلَيْمَانُ بْنُ خَالِدٍ عَلى أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ خَالِدٍ: إِنَّ الزَّيْدِيَّةَ قَوْمٌ قَدْ عُرِفُوا، وَجُرِّبُوا، وَشَهَرَهُمُ النَّاسُ، وَمَا فِي الْأَرْضِ مُحَمَّدِيٌّ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْكَ؛ فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُدْنِيَهُمْ وَتُقَرِّبَهُمْ مِنْكَ فَافْعَلْ؟ فَقَالَ: «يَا سُلَيْمَانَ بْنَ خَالِدٍ، إِنْ كَانَ هؤُلَاءِ السُّفَهَاءُ يُرِيدُونَ أَنْ يَصُدُّونَا عَنْ عِلْمِنَا إِلى جَهْلِهِمْ، فَلَا مَرْحَبا بِهِمْ وَلَا أَهْلاً، وَإِنْ كَانُوا يَسْمَعُونَ قَوْلَنَا، وَيَنْتَظِرُونَ أَمْرَنَا، فَلَا بَأْسَ».

شرح الحديث

السند مجهول .

قوله : (عُرفوا) ؛ على بناء الفاعل، أو المفعول .

ص: 479


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 172 و 173
2- اُنظر : شرح مسلم للنووي ، ج 18 ، ص 27 ؛ مجمع الزوائد للهيثمي ، ج 7 ، ص 347 ؛ تفسير القرطبي ، ج 16 ، ص 130
3- القائل والناقل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 173

وكذا قوله : (وجُرّبوا) .

يُقال : جرّبه تجربة؛ أي امتحنه واختبره مرّة بعد اُخرى . ورجلٌ مجرّب، بفتح الراء: بُلِيَ ما عنده. وبكسرها: عَرفَ الاُمور .

(وشهرهم الناس) ؛ بتخفيف الهاء وتشديدها؛ يعني أنّهم عَرَفوا الاُمور المتعلّقة بالجرب، وجرّبوا ذلك لخروجهم مع زيد، أو عرفوا فضلك، وبلغ ذلك منهم إلى حدّ التجربة، أو صاروا معروفين مجرّبين عند الناس بالوفاء بالعهود، وعرفهم الناس بذلك، وشهروهم به . (وما في الأرض محمّديّ) أي من يكون على دين محمّد صلى الله عليه و آله من أولاده وأتباعه (أحبّ إليهم منك) .

ولمّا كانت هذه الاُمور مقتضية لإدنائهم وتقرّبهم، قال : (فإن رأيت أن تُدنيهم وتُقرّبهم منك، فافعل) .

العطف للتفسير .

وقوله : (يريدون أن يصدّونا عن علمنا) ؛ يعني يريدون بالمعاشرة معنا، وبالتقرّب عندنا أن يصرفونا ويمنعونا عن علمنا بمصالح الاُمور ومفاسدها، سيّما مصلحة الخروج بالسيف في أوانه، ومفسدته في غير زمانه .

(إلى جهلهم) بما ذكر .

(فلا مرحبا بهم ولا أهلاً) ؛ كناية عن انقطاع الصداقة والمودّة رأسا .

قال الجوهري : «قولهم: مرحبا وأهلاً؛ أي أتيت سعةً، وأتيت أهلاً، فاستأنس، ولا تستوحش» (1).

وقوله : (وينتظرون أمرنا) أي ظهور دولتنا، أو مطلقا .

(فلا بأس) ؛ يعني بإدنائهم، ومخالطتهم، والصداقة معهم .

متن الحديث التاسع والخمسين والمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:

ص: 480


1- الصحاح ، ج 1 ، ص 134 (رحب)

انْقَطَعَ شِسْعُ نَعْلِ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، وَهُوَ فِي جَنَازَةٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ بِشِسْعِهِ لِيُنَاوِلَهُ، فَقَالَ: «أَمْسِكْ عَلَيْكَ شِسْعَكَ؛ فَإِنَّ صَاحِبَ الْمُصِيبَةِ أَوْلى بِالصَّبْرِ عَلَيْهَا».

شرح الحديث

السند ضعيف مرسل .

والشِّسْع _ بالكسر _ : أحد سيور النعل التي تشدّ إلى زِمامها، وهو ما يشدّ فيه الشِّسْع .

وقوله : (فإنّ صاحب المصيبة أولى بالصبر عليها) .

المصيبة: كلّ ما يصيب الإنسان من الشدائد والمِحَن .

وقيل : هذا القول كاد أن يكون مثلاً لكلّ من أراد أن يدفع المكروه عن صاحبه، بحمله على نفسه (1).

متن الحديث الستّين والمائة

اشارة

سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ (2) ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:«الْحِجَامَةُ فِي الرَّأْسِ هِيَ الْمُغِيثَةُ تَنْفَعُ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلَا السَّامَ» وَشَبَرَ مِنَ الْحَاجِبَيْنِ إِلى حَيْثُ بَلَغَ إِبْهَامُهُ، ثُمَّ قَالَ: «هَاهُنَا».

شرح الحديث

السند مثل سابقه .

قال الجوهري : «الحَجْم: فعل الحاجم. وقد حَجَمه يحجمه، فهو محجوم، والاسم:

الحِجامة . والمِحجَمُ والمحجمة : قارورته . ابن السكّيت. يُقال : ما حجم الصبيّ ثدي اُمّه؛ أي ما مصّه» (3).

قوله : (هي المُغيثة) أي تغيث المحجوم من كلّ داء، وتنفعه، كما أشار إليه بقوله : (تنفع من كلّ داء) .

قيل : إمّا أن يريد به المبالغة في أنّ منافع الحجامة كثيرة تدفع أكثر الأمراض ، أو يُراد

ص: 481


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 174
2- السند معلّق على سابقه ، ويروي عن سهل ، عدّة من أصحابنا
3- الصحاح، ج 5، ص 1894 (حجم)

بالداء الداء الدمويّ، فيكون عامّا مخصوصا ، وإلّا فالأمر مشكل؛ لأنّ كون الحجامة نافعة في جميع الأمراض محلّ تأمّل ، وعلم ذلك على تقدير صحّة السند وإرادة العموم مرفوع عنّا (1).

والسام، بتخفيف الميم: الموت .

وقوله : (شبر من الحاجبين) .

في القاموس : «الشبر، بالكسر: ما بين أعلى الإبهام وأعلى الخِنصر . وبالفتح: كيل الثوب بالشبر. وشبّر تشبيرا: قدّر» (2).

قيل : معنى «شبَر من الحاجبين» أنّه شبر من منتهاهما من يمين الرأس وشماله حتّى انتهى الشبر إلى النقرة خلف الرأس، أو من بين الحاجبين إلى حيث انتهت من مقدم الرأس، كما رواه الصدوق رحمه الله بإسناده عن أبي خديجة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : «الحجامة على الرأس على شبر من طرف الأنف، وفتر من بين الحاجبين، وكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يسمّيها بالمنقذة» (3)

وفي حديث آخر : «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يحتجم على رأسه، ويسمّيه المغيثة والمنقذة» (4).

وروي أيضا بإسناده عن البرقي، رفعه إلى أبي عبداللّه عن أبيه عليهماالسلام ، قال : «احتجم النبيّ صلى الله عليه و آله في رأسه وبين كتفيه وفي قفاه ثلاثا، سمّى واحدة النافعة، والاُخرى المغيثة، والثالثة المنقذة» (5).

متن الحديث الواحد والستّين والمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مَرْوَكِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ رِفَاعَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:قَالَ: «أَ تَدْرِي يَا رِفَاعَةُ لِمَ سُمِّيَ الْمُؤْمِنُ مُؤْمِنا؟»

ص: 482


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 175
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 55 (شبر) ملخّصا
3- معاني الأخبار ، ص 247 ، ح 2 . وعنه في بحار الأنوار ، ج 59 ، ص 112 ، ح 13
4- المصدر ، ذيل ح 13
5- المصدر ، ص 247 ، ح 1 . وعنه في وسائل الشيعة ، ج 17 ، ص 113 ، ح 22120 ؛ وبحار الأنوار ، ج 59 ، ص 112 ، ح 12 . والقائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 26 ، ص 22 و 23

قَالَ: قُلْتُ: لَا أَدْرِي.

قَالَ: «لأنَّهُ يُؤْمِنُ عَلَى اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَيُجِيزُ [اللّهُ ]لَهُ أَمَانَهُ».

شرح الحديث

السند صحيح على الظاهر .

قوله : (لأنّه يؤمن على اللّه ) إلى آخره .

تعدية الإيمان ب «على» لتضمين معنى اللزوم والوجوب .

ولعلّ المراد أنّه يجعل من استحقّ العذاب آمِنا بشفاعته له، فيجز اللّه ذلك، ويقبل شفاعته .

ولعلّ المراد به المؤمن الكامل، أو القُرب بالكمال . أو المراد بيان وجه التسمية، مع قطع النظر عن المسمّى .

متن الحديث الثاني والستّين والمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ، عَنْ حَنَانٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام [أَنَّهُ] قَالَ:«لَا يُبَالِي النَّاصِبُ صَلّى أَمْ زَنى، وَهذِهِ الْايَةُ نَزَلَتْ فِيهِمْ: «عامِلَةٌ ناصِبَةٌ * تَصْلى نارا حامِيَةً» (1). ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (لا يبالي الناصب صلّى أم زنى) .

الظاهر أنّ «لا يبالي» على بناء المفعول ، والجملة التالية قائم مقام فاعله، وكونه على بناء الفاعل محتمل .

ولعلّ المراد أنّ صلاته لا ينفع بحاله، ووجودها كعدمها، أو أنّها غير صحيحة؛ لفقدان أعظم شرائط صحّتها، وهو الولاية، بل هي معصية اُخرى، ويعذّب بها أيضا كمَن صلّى جنبا، أو بغير وضوء .

ص: 483


1- الغاشية (88) : 3 و 4

وقوله تعالى : «عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ» .

قال البيضاوي : أي تعمل ما تتعب فيه، كجرّ السلاسل، وخوضها في النار خوض الإبل في الوحل، والصُّعود والهبوط في تلالها ووهادها ما عملت ونصبت في أعمال لا تنفعها يومئذٍ .

«تَصْلى نَارا» تدخلها «حَامِيَةً» متناهية في الحرّ . انتهى (1).

وأقول : يحتمل أن يكون غرضه عليه السلام تفسير «ناصبة» بمن نصب العداوة لأهل الولاية ، وتكون «عاملة» خبرا آخر للوجوه، أو تكون مبتدأ، و«ناصبة» صفتها، وجملة «تُصلى» خبرها.

والتأنيث باعتبار الموصوف المقدّر ؛ يعني نفس عاملة .

متن الحديث الثالث والستّين والمائة

اشارة

سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ (2). ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُرَازِمٍ وَيَزِيدَ بْنِ حَمَّادٍ، جَمِيعا عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سِنَانٍ، فِيمَا أَظُنُّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ:«لَوْ أَنَّ غَيْرَ وَلِيِّ عَلِيٍّ عليه السلام أَتَى الْفُرَاتَ، وَقَدْ أَشْرَفَ مَاؤُهُ عَلى جَنْبَيْهِ، وَهُوَ يَزُخُّ زَخِيخا، فَتَنَاوَلَ بِكَفِّهِ، وَقَالَ: بِسْمِ اللّهِ، فَلَمَّا فَرَغَ، قَالَ الْحَمْدُ لِلّهِ، كَانَ دَما مَسْفُوحا، أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (قد أشرف ماؤه على جنبيه) ؛ كناية عن كثرة مائه، وكمال وفوره، وعدم احتياج الناس إليه أجمع، وعدم توهّم ضررٍ على أحد في شربه .

وكذا قوله : (وهو يزخّ زَخيخا) .

الضمير للفرات .

والفعل على بناء الفاعل، من باب نصر ؛ أي يدفع ماءه إلى الساحل، ورماه، أو يسير ويجري سريعا؛ لوفوره وقوّته .

ص: 484


1- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 483
2- السند معلّق كسوابقه

وقيل : أو يَبرُق بريقا؛ لصفائه، أو لوفوره (1).

في القاموس : «زخّه: أوقعه في وَهْدةٍ. وزَيْدٌ: اغتاظ، ووثب. وببوله: رماه . والحادي: سارَ سيرا عنيفا. وزخّ الجمر يَزخُّ زخّا وزخيخا: بَرق» (2) .

وقوله : (كان دما مسفوحا، أو لحم خنزير) .

سَفَحَ الدم، كمنع: أراقه، وأرسله . والغرض أنّ ذلك الماء حرام عليه مثلهما؛ إمّا لأنّ الدُّنيا وما فيها كلّه للإمام ، وأنّه أباحه لشيعته فقط. أو لعقيدته الباطلة، وقد أخرج اللّه تعالى طيّبات الرزق للمؤمنين، وحرّمها على الكافرين .

متن الحديث الرابع والستّين والمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ رَجُلٍ ذَكَرَهُ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ:

قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «كَيْفَ صَنَعْتُمْ بِعَمِّي زَيْدٍ؟»

قُلْتُ: إِنَّهُمْ كَانُوا يَحْرُسُونَهُ، فَلَمَّا شَفَّ النَّاسُ أَخَذْنَا خَشَبَتَهُ، (3) فَدَفَنَّاهُ فِي جُرُفٍ عَلى شَاطِئِ الْفُرَاتِ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا جَالَتِ الْخَيْلُ يَطْلُبُونَهُ، فَوَجَدُوهُ، فَأَحْرَقُوهُ.

فَقَالَ: «أَ فَلَا أَوْقَرْتُمُوهُ حَدِيدا، وَأَلْقَيْتُمُوهُ فِي الْفُرَاتِ؟ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ، وَلَعَنَ اللّهُ قَاتِلَهُ».

شرح الحديث

السند مرسل .

قوله : (يحرسونه) ؛ يعني بعد أن صلبوه .

والحِراسة: الحفظ، والرُّقُوب، وفعله كنصر .

(فلمّا شفّ الناس) أي نقصوا، وفلّوا، أو رقّوا .

في القاموس: «شَفَّ الثوب يَشِفُّ شَفُوفا وشفيفا: رقّ، فحكى ما تحته . والشفّ، ويكسر: الفضل، والنقصان ضدٌّ. وشَفَّ يشفّ: زاد، ونقص، ويحرّك» (4).

ص: 485


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 26 ، ص 24
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 260 (زخخ)
3- في كلتا الطبعتين وأكثر نسخ الكافي : «جُثّته»
4- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 159 (شفف)

وقوله : (خشيته) .

في بعض النسخ: «جثّته»، والمآل واحد .

وقوله : (في جُرُف) .

قال الجوهري : «الجُرف والجُرفُ، مثل عُسْرٍ وعُسُرٍ: ما تجرّفته السيول، وأكلته من الأرض. وجرفتهُ الطين: كسحتُه» (1).

وقوله : (جالت) من الجولان .

(الخيل): الفُرسان .

وقوله : (أفلا أوقرتموه ...) ؛ أي أثقلتموه.

وفيه دلالة على جواز ترك الدفن ، والتثقيل، والإلقاء في الماء عند الخوف والضرورة، وعلى مدح زيد، وفي معناه أخبار كثيرة، وفي بعضها أنّه لم يكن غرضه من الخروج ادّعاء الإمامة، بل ردّ الحقّ إلى مستحقّه .

متن الحديث الخامس والستّين والمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَشَّاءِ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:

«إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ ذِكْرُهُ _ أَذِنَ فِي هَلَاكِ بَنِي أُمَيَّةَ بَعْدَ إِحْرَاقِهِمْ زَيْدا بِسَبْعَةِ أَيَّامٍ».

شرح الحديث

السند ضعيف مرسل .

قوله : (أذن) إلى آخره .

الباء متعلّق بالإذن.

ولعلّ المراد أنّه تعالى قدّر ابتداء تهيئة أسباب هلاكهم واستئصالهم حينئذٍ .

وقيل : لعلّ هذا العمل كان من متمّمات أسباب نزول النقمة والعذاب عليهم ، وإلّا فهم

ص: 486


1- الصحاح ، ج 4 ، ص 1336 (جرف)

فعلوا أشدّ وأقبح من ذلك، كقتل الحسين عليه السلام . انتهى (1).

وكان قتل في زمن خلافة هشام بن عبد الملك سنة إحدى واثنتين وعشرين ومائة .

وقيل : سنة مائة وعشرين وشهر وخمسة عشر يوما، وهو ابن اثنين، أو ثمان وأربعين سنة .

وكان انقراض مُلك بني اُميّة سنة إحدى وثلاثين ومائة .

متن الحديث السادس والستّين والمائة

اشارة

سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ (2) ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْعَبَّاسِ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:«إِنَّ اللّهَ _ جَلَّ ذِكْرُهُ _ لَيَحْفَظُ مَنْ يَحْفَظُ صَدِيقَهُ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (من يحفظ صديقه) بإيصال المنافع، ودفع المكاره، وحفظ غيبته، ورعاية حرمته، وعدم قطع محبّته وصداقته .

في القاموس : «الصديق، كأمير: الحبيب، للواحد والجمع والمؤنّث، وهي بهاء»(3).

متن الحديث السابع والستّين والمائة

اشاره

سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ، عَنْ سَعْدَانَ، عَنْ سَمَاعَةَ، قَالَ:كُنْتُ قَاعِدا مَعَ أَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ عليه السلام ، وَالنَّاسُ فِي الطَّوَافِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، فَقَالَ [لِي]: «يَا سَمَاعَةُ، إِلَيْنَا إِيَابُ هذَا الْخَلْقِ، وَعَلَيْنَا حِسَابُهُمْ؛ فَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ ذَنْبٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ، حَتَمْنَا عَلَى اللّهِ فِي تَرْكِهِ لَنَا، فَأَجَابَنَا إِلى ذلِكَ، وَمَا كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّاسِ اسْتَوْهَبْنَاهُ مِنْهُمْ، وَأَجَابُوا إِلى ذلِكَ، وَعَوَّضَهُمُ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ».

ص: 487


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 26 ، ص 25
2- السند معلّق
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 252 (صدق)

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (إلينا إياب هذا الخلق) أي رجوعهم في القيامة .

ويظهر منه قوله تعالى : «إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ» (1) ؛ معناه إلى حججنا وأوليائنا ، وقد شاع نسبة الملوك والسلاطين إلى أنفسهم ما فعل خدمهم . والإتيان بضمير الجمع مؤيّد لهذا التفسير . وقس عليه قوله : (وعلينا حسابهم) ؛ يعني في المحشر.

وتقديم الظرف للحصر .

وقوله عليه السلام : (حَتَمْنا على اللّه ) أي لما وعد اللّه قبول شفاعتنا، وألزم على ذاته المقدّسة أن لا يردّها ، فإذا شفعنا لأحد أوجبنا عليه تعالى قبولها بمقتضى وعده .

ويفهم منه أنّه عليه السلام أراد بهذا الخلق شيعته وأتباعه ومن يجري مجراهم؛ لأنّهم عليهم السلام لا يشفعون لأعدائهم .

متن الحديث الثامن والستّين والمائة

اشارة

سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْعَبَّاسِ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْمُسْتَرِقِّ، عَنْ صَالِحٍ الْأَحْوَلِ، قَالَ:سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ: «آخى رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي ذَرٍّ، وَاشْتَرَطَ عَلى أَبِي ذَرٍّ أَنْ لَا يَعْصِيَ سَلْمَانَ».

شرح الحديث

السند مجهول ضعيف .

وفي هذا الخبر دلالة على استحباب المؤاخاة بين المتقاربين في الكمال، وعلى أفضليّة سلمان، وعلى لزوم متابعة الأفضل .

وقيل : في الاشتراط تأكيد للتعاون والتناصر والمواساة ورعاية حقوق الإخوة الدينيّة (2).

ص: 488


1- الغاشية (88) : 25
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 176

متن الحديث التاسع والستّين والمائة

اشارة

سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ خَطَّابِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ:لَقِيَنِي أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام فِي طَرِيقِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: «مَنْ ذَا أَ حَارِثٌ؟» قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «أَمَا لَأَحْمِلَنَّ ذُنُوبَ سُفَهَائِكُمْ عَلى عُلَمَائِكُمْ».

ثُمَّ مَضى، فَأَتَيْتُهُ، فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ، فَدَخَلْتُ، فَقُلْتُ: لَقِيتَنِي، فَقُلْتَ: «لَأَحْمِلَنَّ ذُنُوبَ سُفَهَائِكُمْ عَلى عُلَمَائِكُمْ؟» فَدَخَلَنِي مِنْ ذلِكَ أَمْرٌ عَظِيمٌ.

فَقَالَ: «نَعَمْ، مَا يَمْنَعُكُمْ إِذَا بَلَغَكُمْ عَنِ الرَّجُلِ مِنْكُمْ مَا تَكْرَهُونَ، وَمَا يَدْخُلُ عَلَيْنَا بِهِ الْأَذى أَنْ تَأْتُوهُ، فَتُؤَنِّبُوهُ، وَتَعْذِلُوهُ، وَتَقُولُوا لَهُ قَوْلاً بَلِيغا»؟

فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِذا لَا يُطِيعُونَا، (1) وَلَا يَقْبَلُونَ مِنَّا؟ فَقَالَ: «اهْجُرُوهُمْ، وَاجْتَنِبُوا مَجَالِسَهُمْ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (ما تكرهون) ؛ الظاهر أنّ المراد به الإذاعة، وإفشاء السرّ. والتعميم بحيث يشمل سائر المعاصي، وخلاف الآداب محتمل .

وقوله : (فتؤنّبوه، وتَعذلوه) ؛ بضمّ الذال.

في الصحاح: «أنّبه تأنيبا: عنّفه، ولامه» (2).

وفي القاموس : «العذل: الملامة، كالتعذيل. والاسم: العَذَل، محرّكة» (3).

وقوله : (قولاً بليغا) .

قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى : «وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغا» (4) : «أي يبلغ منهم، ويؤثّر فيهم . والقول البليغ في الأصل هو الذي يطابق مدلوله المقصود به» (5).

ص: 489


1- في الحاشية عن بعض النسخ: «لا يطيعون»
2- الصحاح ، ج 1 ، ص 89 (أنب)
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 14 (عذل)
4- النساء (4) : 63
5- تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 209

وقيل : هو القول المترقّي إلى أعلى مراتب النصح والموعظة، من قولهم : بلغت المنزل، إذا وصلته .

أو الكافي في الردع، كما يُقال : هذا بلاغ؛ أي كفاف .

أو الكلام المطابق لمقتضي المقام (1).

وقوله : (اهجروهم ...) يدلّ على وجوب الهجران عن أهل المعاصي ، وعلى وجوب النهي عن المنكر، وترك مجالسة العاصي بعد الموعظة وعدم اتّعاظه .

وقيل : هذا أيضا نوع من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وفيه فوائد :

الاُولى : ترك التشابه بهم .

الثانية : التحرّز من غضب اللّه وعقوبته عليهم .

الثالثة : تحقّق لزوم البغض في اللّه .

الرابعة : رفض التعاون في المعصية؛ فإنّ الوصل بالعاصي والمساهلة معه يوجب معاونته في المعصية، وجرأته عليها .

الخامسة : بعثه على ترك المعصية؛ فإنّ العاصي إذا شاهد هجران الناس عنه، ينفعل، وينزجر عن فعله، بل قد يكون أنفع من القول والضرب (2).

متن الحديث السبعين والمائة

اشارة

سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَيَابَةَ بْنِ أَيُّوبَ وَ (3) مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَعَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ، يَرْفَعُونَهُ إِلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، قَالَ:«إِنَّ اللّهَ يُعَذِّبُ السِّتَّةَ بِالسِّتَّةِ: الْعَرَبَ بِالْعَصَبِيَّةِ، وَالدَّهَاقِينَ بِالْكِبْرِ، وَالْأُمَرَاءَ بِالْجَوْرِ، وَالْفُقَهَاءَ بِالْحَسَدِ، وَالتُّجَّارَ بِالْخِيَانَةِ، وَأَهْلَ الرَّسَاتِيقِ بِالْجَهْلِ».

شرح الحديث

السند ضعيف مرسل .

قوله : (يعذّب الستّة بالستّة) أي ستّة أصناف بستّة أوصاف .

ص: 490


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 177
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 177
3- في السند تحويل بعطف محمّد بن الوليد وعليّ بن أسباط ، على إبراهيم بن عقبة ، عن سيّابة بن أيّوب

وقوله : (بالعصبيّة) أي التعصّب في الباطل، وهو رعاية جانب العصبيّة والأقارب، والإغماض من الحقّ .

وقوله : (الدهاقين) .

في القاموس : «الدهقان، بالكسر والضمّ: القوي على التصرّف مع حدّة ، والتاجر ، وزعيم فلّاحي العجم ، ورئيس الإقليم ، معرّب. الجمع: دهاقنة، ودهاقين. والاسم: الدهقنة» (1).

وقوله : (والفقهاء بالحسد) .

الفِقه في الأصل: العلم بالشيء، والفهم له، وغلب على علم الدِّين؛ لشرفه وترفّعه _ ككرم، وفرح _ فهو فقيه، والجمع: فقهاء .

قيل : الحَسَد، وهو تمنّى زوال نعمة الغير بالوصول إليه، أو مطلقا، وإن كان قد يتحقّق في غير الفقهاء أيضا ، إلّا أنّه في الفقهاء أكثر وأقبح ؛ وأمّا إنّه أكثر فلأنّ المحسود به هنا _ وهو الكمال والشرف _ أعظم، وهو أولى بالحسد من المال، فيكون أكثر . وأمّا إنّه أقبح؛ فلأنّ الفقيه أعلم بقبح الحسد من غيره ، فالحسد منه أقبح (2).

وقوله : (والتجّار بالخيانة) ؛ هي أن يؤتَمن الإنسان، فلا ينصح .

ولمّا كانت هذه في التجارة أكثر وأشهر، نسب هلاكهم إليها .

(وأهل الرَّساتيق بالجهل) بأحكام الدِّين .

وهذا فيهم أكثر وأظهر ، وإلّا فالجهل مهلك مطلقا .

قال الفيروزآبادي : «الرُّستاق: الرُّزداق، كالرُّسْداق» (3) . وقال : «الرُّزداق، بالضمّ: السواد، والقرى، معرّب رَستا» (4).

متن الحديث الواحد والسبعين والمائة

اشاره

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:

«مَا كَانَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِنْ أَنْ يُظِلَّ خَائِفا جَائِعا فِي اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ».

ص: 491


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 224 (دهقن)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 178
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 236 (رستق)
4- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 235 (رزدق)

شرح الحديث

السند حسن ، وقد مرّ متنا وسندا في التاسع والتسعين .

متن الحديث الثاني والسبعين والمائة

اشارة

عَلِيٌّ، عَنْ أَبِيهِ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ جَمِيعا، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ الْحَجَّاجِ وَحَفْصِ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ وَسَلَمَةَ بَيَّاعِ السَّابِرِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:

«كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام إِذَا أَخَذَ كِتَابَ عَلِيٍّ عليه السلام ، فَنَظَرَ فِيهِ، قَالَ: مَنْ يُطِيقُ هذَا؟ مَنْ يُطِيقُ ذَا؟».

قَالَ: «ثُمَّ يَعْمَلُ بِهِ، وَكَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ، تَغَيَّرَ لَوْنُهُ حَتّى يُعْرَفَ ذلِكَ فِي وَجْهِهِ، وَمَا أَطَاقَ أَحَدٌ عَمَلَ عَلِيٍّ عليه السلام مِنْ وُلْدِهِ مِنْ بَعْدِهِ إِلَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام ».

شرح الحديث

السند حسن . وقد مرّ مثله في المائة في ذيل حديث رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

متن الحديث الثالث والسبعين والمائة

اشاره

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنِ الْحَسَنِ الصَّيْقَلِ، قَالَ:

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ: «إِنَّ وَلِيَّ عَلِيٍّ عليه السلام لَا يَأْكُلُ إِلَا الْحَلَالَ؛ لأنَّ صَاحِبَهُ كَانَ كَذلِكَ. وَإِنَّ وَلِيَّ عُثْمَانَ لَا يُبَالِي أَ حَلَالاً أَكَلَ أَوْ حَرَاما؛ لأنَّ صَاحِبَهُ كَذلِكَ».

قَالَ: ثُمَّ عَادَ إِلى ذِكْرِ عَلِيٍّ عليه السلام ، فَقَالَ: «أَمَا وَالَّذِي ذَهَبَ بِنَفْسِهِ مَا أَكَلَ مِنَ الدُّنْيَا حَرَاما قَلِيلاً وَلَا كَثِيرا حَتّى فَارَقَهَا، وَلَا عَرَضَ لَهُ أَمْرَانِ كِلَاهُمَا لِلّهِ طَاعَةٌ إِلَا أَخَذَ بِأَشَدِّهِمَا عَلى بَدَنِهِ، وَلَا نَزَلَتْ بِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله شَدِيدَةٌ قَطُّ إِلَا وَجَّهَهُ فِيهَا ثِقَةً بِهِ، وَلَا أَطَاقَ أَحَدٌ مِنْ هذِهِ الْأُمَّةِ عَمَلَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بَعْدَهُ غَيْرُهُ، وَلَقَدْ كَانَ يَعْمَلُ عَمَلَ رَجُلٍ كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَى الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَلَقَدْ أَعْتَقَ أَلْفَ مَمْلُوكٍ مِنْ صُلْبِ مَالِهِ، كُلُّ ذلِكَ تَحَفّى فِيهِ يَدَاهُ، وَتَعْرَقُ (1). جَبِينُهُ الْتِمَاسَ وَجْهِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْخَلَاصِ مِنَ النَّارِ، وَمَا

ص: 492


1- في الطبعة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها والوافي و مرآة العقول : «ويعرق» . وفي بعض نسخ الكافي : + «فيه»

كَانَ قُوتُهُ إِلَا الْخَلَّ وَالزَّيْتَ، وَحَلْوَاهُ التَّمْرُ إِذَا وَجَدَهُ، وَمَلْبُوسُهُ الْكَرَابِيسُ، فَإِذَا فَضَلَ عَنْ ثِيَابِهِ شَيْءٌ دَعَا بِالْجَلَمِ فَجَزَّهُ».

شرح الحديث

السند مجهول كالحسن .

وقوله : (لا يأكل إلّا الحلال) .

يفهم منه أنّ آكِل الحرام ليس من أوليائه، ولا من شيعته .

ويحتمل أن يكون المراد أنّ اللائق بحاله ذلك، لا أنّه بمجرّد أكل الحرام خرج عن ولايته. واللّه تعالى يعلم .

وقوله : (تَحَفّى)؛ إمّا من المجرّد، أو المزيد .

والحَفا: رقّة القدم، والخفّ، والحافر، أو هو المشي بغير خفّ ولا نعل، وفعله كرضي، وهو حَفّ وحافّ . والإحفاء والتحفّي المبالغة في العمل، والاستقصاء فيه . وتحفّى: اجتهد .

وقوله : (وما كان قوته) أي إدامُهُ.

وأصل القُوت: المسكة من الرزق .

وقوله : (الكرابيس) ؛ جمع كرباس، وهو نوع من الثوب الخشن .

في القاموس: «الكرباس، بالكسر: ثوب من القطن الأبيض، معرّب فارسيّة بالفتح» (1) .

والجَلَم بالتحريك: ما يجذبه الصوف والشعر ونحوهما .

متن الحديث الرابع والسبعين والمائة

اشاره

أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عَامِلٍ كَانَ لِمُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ، قَالَ:حَضَرْتُ عَشَاءَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عليه السلام فِي الصَّيْفِ، فَأُتِيَ بِخِوَانٍ عَلَيْهِ خُبْزٌ، وَأُتِيَ بِجَفْنَةٍ فِيهَا ثَرِيدٌ، وَلَحْمٌ تَفُورُ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِيهَا، فَوَجَدَهَا حَارَّةً، ثُمَّ رَفَعَهَا، وَهُوَ يَقُولُ: «نَسْتَجِيرُ بِاللّهِ مِنَ النَّارِ، نَعُوذُ بِاللّهِ مِنَ النَّارِ، نَحْنُ لَا نَقْوى عَلى هذَا، فَكَيْفَ النَّارُ؟!» وَجَعَلَ يُكَرِّرُ هذَا الْكَلَامَ حَتّى أَمْكَنَتِ الْقَصْعَةُ،

ص: 493


1- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 245 (كربس)

فَوَضَعَ يَدَهُ فِيهَا، وَوَضَعْنَا أَيْدِيَنَا حِينَ أَمْكَنَتْنَا، فَأَكَلَ، وَأَكَلْنَا مَعَهُ، ثُمَّ إِنَّ الْخِوَانَ رُفِعَ، فَقَالَ: «يَا غُلَامُ، ائْتِنَا بِشَيْءٍ» فَأُتِيَ بِتَمْرٍ فِي طَبَقٍ، فَمَدَدْتُ يَدِي، فَإِذَا هُوَ تَمْرٌ، فَقُلْتُ: أَصْلَحَكَ اللّهُ، هذَا زَمَانُ الْأَعْنَابِ وَالْفَاكِهَةِ، قَالَ: «إِنَّهُ تَمْرٌ» ثُمَّ قَالَ: «ارْفَعْ هذَا، وَائْتِنَا بِشَيْءٍ» فَأُتِيَ بِتَمْرٍ، فَمَدَدْتُ يَدِي، فَقُلْتُ: هذَا تَمْرٌ، فَقَالَ: «إِنَّهُ طَيِّبٌ».

شرح الحديث

السند مجهول .

قوله : (عَشاء) بالفتح، طعام العشيّ، ويجمع على أعشية، وعشًى .

(والخوان) بالكسر والضمّ: ما يؤكل عليه الطعام .

والجَفنة، بالفتح: القَصْعة، أو نحوها .

قال الجوهري : «ثَرَدْت الخُبْزَ ثَرْدَا: كسرته، فهو ثريد، ومثرود» (1)

وقال : «فارَتِ القِدر تفور فَوْرا وفَوَرانا: جاشت» (2).

وقوله : (أمكنت القَصعة) ؛ يعني سكنت شدّة حرّها، وصارت بحيث أمكن وضع اليد فيها .

قال الجوهري : «مكّنه اللّه من الشيء، وأمكنه منه بمعنى . وفلان لا يمكنه النهوض؛ أي لا يقدر عليه» انتهى (3).

وقوله : (فاُتي بتمر) ؛ على البناء للفاعل، أو للمفعول. والأوّل أظهر .

وقوله عليه السلام : (إنّه تمر) ؛ إمّا إخبار بأنّه أطيب من غيره، أو استفهام للتقرير، أو لإنكار ما ظنّ أنّ غيره أطيب .

وقوله : (ارفع هذا) .

قيل : أمر بالرفع؛ لرعاية جانب الضيف وشهوته (4).

وقوله : (فاُتي بتمر) ؛ لعلّ الآتي الثاني غير الأوّل .

(فاُتي بالتمر) ؛ لعدم علمه بأنّ الأوّل اُتي به مع احتمال أن يكون الأوّل، واُتي به ثانيا لعدم

ص: 494


1- الصحاح ، ج 2 ، ص 451 (ثرد)
2- الصحاح ، ج 2 ، ص 783 (فور)
3- الصحاح ، ج 6 ، ص 2205 (مكن)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 181

وجود غيره من الأعناب والفواكه ، فيدلّ على أنّه ينبغي إظهار ما حضر في البيت للضيف من غير تكلّف . انتهى كلامه (1).

وقوله عليه السلام : (إنّه طيّب) .

يحتمل أن يكون المراد أنّه جيّد بعد الطعام، وأحسن من الفواكه، وأنّ التمر الذي اُتي به ثانيا أطيب من الأوّل ، وعلى هذا لا يحتاج إلى ما ذكر من التوجيه . وكذا إلى ما قيل : لعلّه عليه السلام دعى بشيء آخر، فلمّا لم يكن حاضرا أتوا بالتمر أيضا، فمدح عليه السلام بالتمر بأنّه أطيب لا ينبغي أن يستصغر (2).

متن الحديث الخامس والسبعين والمائة

اشاره

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:«مَا أَكَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله مُتَّكِئا مُنْذُ بَعَثَهُ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ إِلى أَنْ قَبَضَهُ تَوَاضُعا لِلّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَا زَوى (3).

رُكْبَتَيْهِ أَمَامَ جَلِيسِهِ فِي مَجْلِسٍ قَطُّ، وَلَا صَافَحَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله رَجُلاً قَطُّ، فَنَزَعَ يَدَهُ مِنْ يَدِهِ حَتّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي يَنْزِعُ يَدَهُ، وَلَا كَافَأَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِسَيِّئَةٍ (4).

قَطُّ، قَالَ اللّهُ تَعَالى لَهُ: «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ» (5). فَفَعَلَ.

وَمَا مَنَعَ سَائِلاً قَطُّ، إِنْ كَانَ عِنْدَهُ أَعْطى، وَإِلَا قَالَ: يَأْتِي اللّهُ بِهِ، وَلَا أَعْطى عَلَى اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ شَيْئا قَطُّ إِلَا أَجَازَهُ اللّهُ، إِنْ كَانَ لَيُعْطِي الْجَنَّةَ، فَيُجِيزُ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ لَهُ ذلِكَ».

قَالَ: «وَكَانَ أَخُوهُ مِنْ بَعْدِهِ وَالَّذِي ذَهَبَ بِنَفْسِهِ مَا أَكَلَ مِنَ الدُّنْيَا حَرَاما قَطُّ حَتّى خَرَجَ مِنْهَا، وَاللّهِ إِنْ كَانَ لَيَعْرِضُ لَهُ الْأَمْرَانِ كِلَاهُمَا لِلّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ طَاعَةٌ، فَيَأْخُذُ بِأَشَدِّهِمَا عَلى بَدَنِهِ، وَاللّهِ لَقَدْ أَعْتَقَ أَلْفَ مَمْلُوكٍ لِوَجْهِ اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ دَبِرَتْ فِيهِمْ يَدَاهُ، وَاللّهِ مَا أَطَاقَ عَمَلَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِنْ بَعْدِهِ أَحَدٌ غَيْرُهُ.

وَاللّهِ، مَا نَزَلَتْ بِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله نَازِلَةٌ قَطُّ إِلَا قَدَّمَهُ فِيهَا ثِقَةً مِنْهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَيَبْعَثُهُ

ص: 495


1- شرح المازندراني ، ج 12 ، ص 181
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 26 ، ص 29
3- في كلتا الطبعتين : «وما رأى»
4- في الحاشية عن بعض النسخ: «لسيّئة»
5- المؤمنون (24) : 96

بِرَايَتِهِ، فَيُقَاتِلُ جَبْرَئِيلُ عَنْ يَمِينِهِ، وَمِيكَائِيلُ عَنْ يَسَارِهِ، ثُمَّ مَا يَرْجِعُ حَتّى يَفْتَحَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ لَهُ».

شرح الحديث

السند صحيح على الظاهر .

قوله : (ما زَوى ركبتيه أمام جليسه) ؛ لعلّ المراد أنّه صلى الله عليه و آله لم يكن ليتقدّم صاحبه وجليسه في الجلوس، بأن يجلس مقدّما عليه، أو قبله تعظيما لجليسه، وتبعيدَ نفسه عن التكبّر عليه .

في القاموس : «زواه زَيّا وزَوْيا: نحّاه. وسرّه عنه: طواه. والشيء: جمعه، وقبضه» (1).

وفي بعض النسخ : «ما رأى» على بناء الفاعل . ولعلّ المراد أنّه صلى الله عليه و آله لم يكن ليكشف ركبتيه عند جليسه ليراهما، وإن احتاج إلى الكشف لعلّة، وذلك لكمال حيائه وتستّره .

وفي بعضها: «ما أرى»، والمآل واحد .

ويحتمل أن يكون مآل تينك النسختين مع نسخة الأصل واحد .

وقوله : (ولا كافأ) .

قال الفيروزآبادي في باب المهموز: «كافأه مكافأة وكِفاءً: جازاه. وفلانا: راقبه»(2).

(قال اللّه له) أي لرسول اللّه صلى الله عليه و آله : «ادْفَعْ بِالَّتِي» أي بالخصلة، أو بالطريقة التي «هِيَ أَحْسَنُ» الخصال والطرائق . أو أحسن من المقابلة بالمثل، وإن كانت المقابلة حسنا لقوله تعالى : «وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللّهِ» (3) .

«السَّيِّئَةَ» نصب على المفعوليّة .

قال البيضاوي : «التي هي أحسن»: الصفح عن السيّئة، والإحسان في مقابلتها، لكن بحيث لم يؤدّ إلى وَهْن في الدِّين .

وقيل : هي كلمة التوحيد . والسيّئة: الشرك .

وقيل : هي الأمر بالمعروف. والسيّئة: المنكر، وهي أبلغ من قوله : «بالحسنة السيّئة»؛ لما فيه من التنصيص على التفضيل (4).

(ففعل) أي فعمل رسول اللّه صلى الله عليه و آله بما أمره اللّه به من مقابلة السيّئة التي وقعت بالنسبة إليه

ص: 496


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 339 (زوي)
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 26 (كفأ) مع التلخيص
3- الشورى (42) : 40
4- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 166 و 167

بالصفح والإحسان .

وقوله : (أخوه من بعده) ؛ يعني أمير المؤمنين عليه السلام .

(والذي ذهب بنفسه) ؛ الظاهر أنّ الواو للقسم، وأنّ الضمير عائد إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأنّ المقسم به قوله : (ما أكل من الدُّنيا حراما) .

وقوله : (دَبِرت فيهم يداه) بكسر الباء .

قال في النهاية : «الدَّبَر، بالتحريك: الجرح الذي يكون في ظهر البعير . يُقال : دَبَر يَدْبَر دَبَرا . وقيل : هو أن يقرح خفّ البعير» انتهى (1).

وكلمة «في» للتعليل؛ أي لأجل تحصيل تلك المماليك وتملّكهم .

وقوله : (وإن كان) .

كلمة «إن» مخفّفة من المثقّلة.

والباء في قوله : (برايته) للمصاحبة، أو للتلبّس . والراية: العَلَم .

متن الحديث السادس والسبعين والمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ:

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ: «كَانَ عَلِيٌّ عليه السلام أَشْبَهَ النَّاسِ طِعْمَةً وَسِيرَةً بِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، كَانَ (2) يَأْكُلُ الْخُبْزَ وَالزَّيْتَ، وَيُطْعِمُ النَّاسَ الْخُبْزَ وَاللَّحْمَ».

قَالَ: «وَكَانَ عَلِيٌّ عليه السلام يَسْتَقِي، وَيَحْتَطِبُ، وَكَانَتْ فَاطِمَةُ عليه السلام تَطْحَنُ، وَتَعْجِنُ، وَتَخْبِزُ، وَتَرْقَعُ، وَكَانَتْ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْها، كَأَنَّ وَجْنَتَيْهَا وَرْدَتَانِ، صَلَّى اللّهُ عَلَيْهَا وَعَلى أَبِيهَا وَبَعْلِهَا وَوُلْدِهَا الطَّاهِرِينَ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله عليه السلام : (طِعمة وسيرة) .

ص: 497


1- النهاية ، ج 2 ، ص 97 (دبر)
2- في الطبعة القديمة: «وكان»

في القاموس : «الطعمة، بالضمّ: المأكلة، والدعوة إلى الطعام، ووجه المكسب. وبالكسر: السيرة في الأكل»(1) .

وفيه: «السيرة، بالكسر: السنّة، والطريقة، والهيئة» (2).

وقوله : (يحتطب) .

في القاموس : «حطب _ كضرب _ جمع الحَطَب . وفلانا: جمعه له، أو أتاه به» (3).

وقوله : (تَطحن) من المجرّد، أو المزيد . يُقال : طحن البرّ _ كمنع _ وطحّنه تطحينا، إذا جعله دقيقا.

وعجنه، كضرب ونصر : اعتمد عليه بجمع كفّه يغمزه، فهو معجون وعجين .

والخبز، بالضمّ: معروف. وخبزه كضربه: صنعه .

والرقعة، بالضمّ: ما يرقع به الثوب. ورقع الثوب _ كمنع _ ورقّعه ترقيعا: أصلحه بالرقاع .

وفي القاموس : «الوجنة، مثلّثة، وككلمة، ومحرّكة: ما ارتفع من الخَدّين» (4).

متن الحديث السابع والسبعين والمائة

اشارة

سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ (5) ، عَنِ الرَّيَّانِ بْنِ الصَّلْتِ، عَنْ يُونُسَ، رَفَعَهُ قَالَ:

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيّا قَطُّ إِلَا صَاحِبَ مِرَّةٍ سَوْدَاءَ صَافِيَةٍ، وَمَا بَعَثَ اللّهُ نَبِيّا قَطُّ حَتّى يُقِرَّ لَهُ بِالْبَدَاءِ».

شرح الحديث

السند ضعيف مرسل .

قوله : (صاحب مِرّة سَوداء صافية) .

قال الجوهري : «المِرّة: إحدى الطبائع الأربع، والقوّة، وشدّة العقل أيضا» (6).

قيل : لعلّ مرّة السوداء كناية عن شدّة غضبهم فيما يسخط اللّه ، وحدّة ذهنهم وفهمهم،

ص: 498


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 144 (أكل)
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 54 (سير)
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 56 (حطب)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 274 (وجن)
5- السند معلّق على سابقه كما لا يخفى
6- الصحاح ، ج 2 ، ص 814 (مرر)

وتوصيفا بالصفاء؛ لبيان خلوصها عمّا يلزم تلك المرّة غالبا من الأخلاق الذميمة والتخيّلات الفاسدة (1).

وقيل : يمكن أن يُراد بها الخلط الأسود الصافي . وقال: إنّه أصلح وأنفع بحال الإنسان في حدّة الطبع ودقّة النظر، وأن يكون كناية عن القوّة الغضبيّة الصافية عن رذيلتي الإفراط والتفريط ، ويعبّر عنه بالشجاعة (2).

وقوله : (حتّى يقرّ له بالبَداء) .

قال الجوهري في باب الناقص : «بدا له في هذا الأمر بداء _ ممدود _ أي نشأ له فيه رأي» (3).

وأقول : هذا بحسب اللغة، ومتى نسب البداء إلى المخلوق اُريد هذا المعنى ، وإذا نسب إلى الخالق اُريد لازمه، وغايته المترتّبة عليه، كما في سائر صفاته تعالى .

وتحقيق القول فيه: أنّ الاُمور كلّها _ عامّها وخاصّها، ومطلقها ومقيّدها، ومنسوخها وناسخها، مفرداتها ومركّباتها، إخباراتها وإنشآءاتها _ بحيث لا يشذّ عنها شيء منتقشة في اللوح، والفائض منه على الملائكة والأنبياء قد يكون الأمر العامّ أو المطلق أو المنسوخ حسب ما تقتضيه الحكمة البالغة من الفيضان في ذلك الوقت، ويتأخّر المبين إلى وقت تقتضي الحكمة فيضانه فيه ، ويعبّر عن كلّ هذا اللوح بكتاب المحو والإثبات . والبداء عبارة عن هذا التغيير في ذلك الكتاب من إثبات ما لم يكن مثبتا، ومحو ما اُثبت فيه .

وما قيل من أنّه عبارة عن إيجاد الأشياء كلًا في وقته بتقدير وتدبير وإرادة حادثة لمصلحة لا يعلمها إلّا هو (4) ، فبعيد عن التحقيق، وعمّا يفهم من فحاوي الأخبار .

وبالجملة : الإقرار بالبداء إقرار بأصول الإيمان وأركانه من الإقرار بما في كتاب اللّه وتصديقه وتصديق أنبيائه ورسله وحججه فيما أخبروا به من غير ما أمروا بتبليغه من الشرائع، إن خصّص البداء بما دون النسخ في الأوامر والنواهي، وفيما جاؤوا به مطلقا إن عمّم .

وفيه أيضا ردّ على اليهود حيث قالوا : إنّ اللّه تعالى فرغ من الأمر بحيث لا يريد، ولا يقدّر، ولا يدبّر بعده شيئا .

ص: 499


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 26 ، ص 31
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 183
3- الصحاح ، ج 6 ، ص 2278 (بدا)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 183

متن الحديث الثامن والسبعين والمائة

اشارة

سَهْلٌ (1) ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:

«لَمَّا نَفَّرُوا بِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله نَاقَتَهُ، قَالَتْ لَهُ النَّاقَةُ: وَاللّهِ لَا أَزَلْتُ خُفّا عَنْ خُفٍّ، وَلَوْ قُطِّعْتُ إِرْبا إِرْبا».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (لمّا نفّروا برسول اللّه صلى الله عليه و آله ناقته) .

يحتمل كون «نفروا» على صيغة المجرّد، والباء للتعدية. وكونه من المزيد، والباء للتقوية، أو للمصاحبة . يُقال : نفّرت الدابّة، ينفر _ بالضمّ والكسر _ نفورا ونفارا، إذا جزعت، وتباعدت، وشردت .

والتنفير: التشريد . وفي القاموس : «الإرب، بالكسر: العضو» (2).

أقول : هذا إشارة إلى ما فعله جماعة من المنافقين ليلة العقبة .

روى عليّ بن إبراهيم: «أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لمّا قال في مسجد الخيف في أمير المؤمنين ما قال، ونصبه يوم الغدير ، قال أصحابه الذين ارتدّوا بعده : قد قال محمّد في مسجد الخيف ما قال، وقال هاهنا ما قال، وإن رجع إلى المدينة يأخذنا بالبيعة له ، فاجتمعوا أربعة عشر نفرا وتآمروا على قتل رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وقعدوا في العقبة، وهي عقبة بين الجحفة والأبواء ، فقعد سبعة عن يمين العقبة، وسبعة عن يسارها، لينفّروا ناقة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلمّا جنّ اللّيل تقدّم رسول اللّه صلى الله عليه و آله في تلك الليلة العسكر، فأقبل ينعس على ناقته ، فلمّا دنى من العقبة، ناداه جبرئيل : يا محمّد، إنّ فلانا وفلانا وفلانا قد قعدوا لك، فنفر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : مَن هذا خلفي؟

فقال حذيفة بن اليماني: أنا حذيفة بن اليمان يا رسول اللّه .

قال : سمعتَ ما سمعتُ؟

ص: 500


1- السند معلّق كسابقه
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 41 (أرب)

قال : بلى .

قال : فاكتم .

ثمّ دنى رسول اللّه صلى الله عليه و آله منهم، فناداهم بأسمائهم ، فلمّا سمعوا نداء رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فرّوا، ودخلوا في غمار الناس، وقد كانوا عقلوا رواحلهم، فتركوها، ولحق الناس برسول اللّه صلى الله عليه و آله وطلبوهم، وانتهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى رواحلهم فعرفهم .

فلمّا نزل، قال : ما بالَ أقوام تحالفوا في الكعبة: إن أمات اللّه محمّدا، أو قتله، أن لا يردّوا هذا الأمر في أهل بيته أبدا .

فجاؤوا إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فحلفوا أنّهم لم يقولوا من ذلك شيئا، ولم يريدوه، ولم يهمّوا بشيء من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فأنزل اللّه : «يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا _ من قتل رسول اللّه صلى الله عليه و آله _ وَمَا نَقَمُوا إِلَا أَنْ أَغْنَاهُمْ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ» (1). الآية» (2) .

ونقل عن تفسير الإمام أبي محمّد العسكري عليه السلام : أنّ الترصّد عند العقبة كان في غزوة تبوك، وأنّهم دحرجوا الدباب، ولم يتضرّر النبيّ صلى الله عليه و آله شيئا ولا راحلته ، كما يدلّ عليه هذا الخبر أيضا (3).

ولا تنافي بينهما ؛ لإمكان وقوعهما معا .

وروى الصدوق رحمه الله في كتاب الخصال بإسناده عن حذيفة بن اليماني أنّه قال : «الذين نفروا برسول اللّه صلى الله عليه و آله ناقته في منصرفه من تبوك أربعة عشر : أبو الشرور، وأبو الدواهي، وأبو المعازف، وأبوه، وطلحة، وسعد بن أبي وقّاص، وأبو عبيدة، وأبو الأعور، والمغيرة، وسالم مولى أبي حذيفة، وخالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وأبو موسى الأشعري، وعبد الرحمان بن عوف؛ وهم الذين أنزل اللّه _ عزّ وجلّ _ فيهم : «وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا» (4). » انتهى .

ص: 501


1- التوبة (9) : 74
2- تفسير القمّي ، ج 1 ، ص 174 . وعنه في بحار الأنوار ، ج 37 ، ص 113 ، ح 6
3- اُنظر: التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام ، ص 389
4- الخصال ، ج 2 ، ص 499 ، ح 6 . وعنه في بحار الأنوار ، ج 21 ، ص 222 ، ح 5

والظاهر أنّ المراد بالثلاثة الأوّل الثلاثة المعلومة، كما يشعر به كناهم .

وأيضا هذه القصّة مذكورة في كتاب الاحتجاج مفصّلاً . وفيه أنّ عليّا عليه السلام كان حينئذٍ بمكّة بأمر النبيّ صلى الله عليه و آله ، وكان بعض المنافقين معه، وحفروا بئرا في طريقه، وطمّوا رأسها، فلمّا بلغ فرسه قريبا منها لوي عنقه، وأخبره بالبئر (1).

وكانت هذه القضيّة مقارنة لقضيّة تنفير الناقة ، فنزل جبرئيل عليه السلام ، فأخبر النبيّ صلى الله عليه و آله بما فعلوا بعليّ عليه السلام .

متن الحديث التاسع والسبعين والمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ وَ (2) عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ، جَمِيعا عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ:«يَا لَيْتَنَا سَيَّارَةٌ مِثْلُ آلِ يَعْقُوبَ حَتّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَلْقِهِ».

شرح الحديث

السند مجهول .

قوله : (ياليتنا سيّارة مثل آل يعقوب) .

في الصحاح: «السيّارة: القافلة» (3).

ولعلّ المراد بآل يعقوب يوسف عليه السلام ؛ أي يا ليتنا كنّا نسير في الأرض، ونذهب إلى بلاد الغربة، بحيث لا يعرفنا أحدٌ من المخالفين مثل يوسف عليه السلام .

وقال بعض الفضلاء : أي ياليت لنا على الحذف والإيصال. أو يا ليتنا صادفتنا سيّارة. أو يا ليتنا نُسيَّر في البلد كما سُيِّر يوسف عليه السلام من بلدٍ إلى بلد، فكان فَرَجَهُ فيها .

ويحتمل أن يكون تمنّيا لمثل حال القائم عليه السلام من السير في الأرض من غير أن يعرفه

ص: 502


1- الاحتجاج ، ج 1 ، ص 57
2- في السند تحويل بعطف العدّة عن سهل بن يعقوب ، على عليّ بن إبراهيم عن أبيه
3- الصحاح ، ج 2 ، ص 692 (سير)

الخلق، وفي ذلك يشبه يوسف عليه السلام . انتهى (1).

والكلّ تعسّف .

(حتّى يحكم اللّه بيننا وبين خلقه) بظهور القائم عليه السلام ، كما حكم بين آل يعقوب بإظهار يوسف عليه السلام في كمال الحشمة والقدرة والاستيلاء .

وقيل : لعلّ المراد بالسيّارة من دخل على يوسف عليه السلام من إخوته حتّى عرفوه، وأخبروا بحاله وموضعه يعقوب عليه السلام ، وقد تمنّى عليه السلام ظهور المهديّ المنتظر في وقته، وإخبار المخبرين به؛ ليستولي على أعدائه، ويظهر دين آبائه على الأديان الباطلة كلّها (2). انتهى، فليتأمّل .

متن الحديث الثمانين والمائة

اشارة

سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ قُتَيْبَةَ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:«إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ يَقُولُ: إِنِّي لَسْتُ كُلَّ كَلَامِ الْحِكْمَةِ (3) أَتَقَبَّلُ إِنَّمَا أَتَقَبَّلُ هَوَاهُ وَهَمَّهُ؛ فَإِنْ كَانَ هَوَاهُ وَهَمُّهُ فِي رِضَايَ، جَعَلْتُ هَمَّهُ تَقْدِيسا وَتَسْبِيحا».

شرح الحديث

السند ضعيف .

والمراد بهمّه وهواه ما يعزم عليه من الحسنات، وما يحبّه من القربات .

والضمير في الموضعين راجع إلى من يتكلّم بلا كلام الحكمة .

والحاصل : أنّ اللّه تعالى لا يقبل من حكيم التكلّم بكلام الحكمة والقواعد الدينيّة ما لم يعقد قلبه على نيّة صادقة في العمل بما يتكلّم به، ولم يكن هواه فيه؛ فإنّه تعالى لا يعبأ بالصورة الظاهرة، بل ينظر بالسيرة الباطنة، ويجزي عليها ، كما قال : (فإن كان هواه وهمّه ...)؛ يعني مع النيّة الحسنة، واليقين الخالصة، يكتب له ثواب التسبيح والتقديس بمجرّد النيّة

ص: 503


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 26 ، ص 33 و 34
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 184
3- في الطبعة القديمة : «الحكيم»

والإرادة، وجعل الظاهر موافقا للباطن ، ثمّ التكلّم بكلام الحكمة، وإلّا فلا يُثاب به، بل يُعاقب على النفاق .

متن الحديث الواحد والثمانين والمائة

اشارة

سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنِ الطَّيَّارِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْافاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ» (1) ؟

قَالَ:«خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ».

قَالَ: قُلْتُ: «حَتّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ» ؟

قَالَ: «دَعْ ذَا، ذَاكَ قِيَامُ الْقَائِمِ عليه السلام ».

شرح الحديث

السند ضعيف. والطيّار اسمه محمّد ، ويحتمل أن يُراد ابنه حمزة بن محمّد .

قوله تعالى : «سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْافَاقِ» ؛ قال البيضاوي :

يعني ما أخبرهم النبيّ صلى الله عليه و آله من الحوادث الآتية، وآثار النوازل الماضية، وما يسّر اللّهُ له ولخلفائه من الفتوح والظهور على ممالك الشرق والغرب على وجهٍ خارق للعادة .

«وَفِي أَنْفُسِهِمْ» ما ظهر فيما بين أهل مكّة، وما حلَّ بهم، أو ما في بدن الإنسان من عجائب الصُّنع الدالّة على كمال القدرة .

«حَتّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ» ؛ الضمير للقرآن، أو الرسول، أو التوحيد، أو اللّه . انتهى كلامه (2).

وقوله عليه السلام : (خسف ومسخ وقذف) .

في القاموس: خسف المكان يخسِف خسوفا: ذهب في الأرض . والقمر: كَسَف. والشيء خَسْفا: نقص. واللّه بفلان الأرض: غيّبه فيها . والخسف: الإذلال، وأن يحملك الإنسان ما

ص: 504


1- فصّلت (41) : 53
2- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 120

تكره. يُقال : سامه خَسْفا، ويضمّ، إذا أولاه ذلّاً، وبات فلان بالخسف؛ أي جائعا (1).

وقال الجوهري : «المسخ: تحويل صورة إلى ما هو أقبح منها . يُقال : مسخه اللّه قِردا» (2) .

وقال : «القَذْف بالحجارة: الرمي بها» (3).

وأقول : يحتمل أن يكون الخسف والقذف تفسيرا لآيات الآفاق ، والمسخ لآيات الأنفس على سبيل التمثيل لا الحصر .

وقوله : (ذاك قيام القائم عليه السلام )؛ تفسير لما يتبيّن حقّيّته، وهو بعينه مرجع ضمير «أنّه» .

وقيل : الظاهر أنّ هذه الثلاثة بيان للآيات في الأنفس ، وأمّا الآيات في آفاق الأرض ونواحيها فيحتمل أن يكون الفتوحات التي يقع على يد الصاحب عليه السلام ، والضمير في «أنّه» راجع إلى القائم، أو إلى قيامه، أو إلى دينه، كما أشار إليه بقوله : «ذاك قيام القائم عليه السلام » (4).

وقيل : يظهر منه أنّ المراد بالآيات التي تظهر في أنفسهم هي ما يصيب المخالفين عند ظهور القائم عليه السلام من العذاب بالخسف في الأرض، والمسخ، وقذف الأحجار، وغيرها عليهم من السماء، حتّى يتبيّن للناس حقّيّته عليه السلام .

قال : ويحتمل أن يكون القذف تفسيرا للآيات التي تظهر في الآفاق . والأوّل أظهر ، فيكون آيات الآفاق ما يظهر في السماء عند خروجه عليه السلام من النداء، ونزول عيسى، وظهور الملائكة، وغيرها (5).

متن الحديث الثاني والثمانين والمائة

اشارة

سَهْلٌ، (6) عَنْ يَحْيَى بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَبَلَةَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ وَابْنِ سِنَانٍ وَسَمَاعَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:

«قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : طَاعَةُ عَلِيٍّ ذُلٌّ، وَمَعْصِيَتُهُ كُفْرٌ بِاللّهِ. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللّهِ، كَيْفَ تَكُونُ طَاعَةُ

ص: 505


1- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 132 (خسف) مع التلخيص
2- الصحاح ، ج 1 ، ص 431 (مسخ)
3- الصحاح ، ج 4 ، ص 1414 (قذف)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 184
5- القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 26 ، ص 34
6- في الحاشية عن بعض النسخ: «عنه»

عَلِيٍّ ذُلًا، وَمَعْصِيَتُهُ كُفْرا بِاللّهِ؟!

فَقَالَ: إِنَّ عَلِيّا يَحْمِلُكُمْ عَلَى الْحَقِّ؛ فَإِنْ أَطَعْتُمُوهُ ذَلَلْتُمْ، وَإِنْ عَصَيْتُمُوهُ كَفَرْتُمْ بِاللّهِ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

والذلّ، بالضمّ: الهوان.

والكسر: ضدّ الصعوبة .

والمراد أنّ طاعته عليه السلام ذلّ عند الناس ؛ أي سبب لفقدان ما يحسبونه عزّا من جمع المال بأيّ وجهٍ اتّفق ، والقهر، والاستيلاء على الغير، والظلم، والاستطالة عليه، أو سهولة قبوله الحقّ والإطاعة والانقياد له .

وقيل : المراد أنّ من يطيعه ذليل عند الناس بحيث يقتلونه، ويعدّون ذلك موجبا للأجر والثواب (1).

متن الحديث الثالث والثمانين والمائة

اشارة

عَنْهُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَبَلَةَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ، أَوْ غَيْرِهِ، قَالَ:

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «نَحْنُ بَنُو هَاشِمٍ، وَشِيعَتُنَا الْعَرَبُ، وَسَائِرُ النَّاسِ الْأَعْرَابُ».

شرح الحديث

السند مجهول ضعيف .

ولعلّ المراد بهذا الحديث أنّ ما ورد في مدح بني هاشم وشرفهم ولزوم متابعتهم فهو فينا أهل البيت ، واحتمال إرادة الأعمّ بحيث يشمل سائر بني هاشم سوى من خرج عن الحقّ منهم _ كبني عبّاس وأضرابهم _ بعيد جدّا، بقرينة مقابلة بني هاشم بالشيعة .

وما ورد في مدح العرب فهو في شيعتنا، وإن كانوا من العجم ؛ لأنّهم يحشرون بلسان العرب ، وما ورد في ذمّ الأعراب، فهو سائر الناس من أهل الخلاف وأهل الكفر والنفاق، حيث قال اللّه عزّ وجلّ : «الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرا وَنِفَاقا» (2).

ص: 506


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 185
2- التوبة (9) : 97

والأعراب: سكّان البادية، وإنّما ذمّهم اللّه تعالى؛ لبُعدهم عن تحصيل شرائع الدِّين، وتركهم الهجرة إلى أمصار المسلمين، وإعراضهم عن نصرة سيّد المرسلين، والمخالفون مشاركون معهم في ذلك كلّه، بل هم أشدّ كفرا ونفاقا، حيث يعاندون الحقّ وأهله، ويسعون في تضييع حدود ما أنزل اللّه على رسوله .

متن الحديث الرابع والثمانين والمائة

اشارة

سَهْلٌ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ حَنَانٍ، عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ:قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «نَحْنُ قُرَيْشٌ، وَشِيعَتُنَا الْعَرَبُ، وَسَائِرُ النَّاسِ عُلُوجُ الرُّومِ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

العلج، بالكسر: الرجل من كفّار العجم ، وجمعه: الأعلاج، والعُلوج بالضمّ.

وقيل: [بعض] العرب يُطلق العِلج على مطلق الكفّار (1).

متن الحديث الخامس والثمانين والمائة

اشارة

سَهْلٌ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ:

«كَأَنِّي بِالْقَائِمِ عليه السلام عَلى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ، عَلَيْهِ قَبَاءٌ، فَيُخْرِجُ مِنْ وَرَيَانِ قَبَائِهِ كِتَابا مَخْتُوما بِخَاتَمٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَيَفُكُّهُ، فَيَقْرَؤُهُ عَلَى النَّاسِ، فَيُجْفِلُونَ عَنْهُ إِجْفَالَ الْغَنَمِ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَا النُّقَبَاءُ، فَيَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ، فَلَا يَلْحَقُونَ مَلْجَأً حَتّى يَرْجِعُوا إِلَيْهِ، وَإِنِّي لَأَعْرِفُ الْكَلَامَ الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِهِ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (كأنّي بالقائم عليه السلام ) إلى آخره .

قيل : للتشبيه. وخبر «أنّ» محذوف، والباء بمعنى «مع»؛ أي كأنّي مع القائم، وناظرٌ إليه.

ص: 507


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 185

وأقول: فيه بحث.

ثمّ قال : فقد شبّه حالته العلميّة بحالته البصريّة في تحقّق وقوعها وتيقّنه .

ويحتمل إرادة المماثلة بين الحالتين من غير تشبيه إحداهما بالاُخرى (1).

وقوله : (على منبر الكوفة) ؛ حال عن القائم .

وقوله : (عليه قَباء) ؛ حال بعد حال .

والقَباء، بالفتح والمدّ: الذي يلبس.

وكأنّ «وَرَيان» معرّب «گريبان» .

قال المطرزي : «الوريان، بالكسر: الجيب» .

وفي القاموس : «فكّه: فصله.

ويَده: فتحها عمّا فيها»(2).

وفيه: «جفل الظليم جُفولاً: أسرع، وذهب في الأرض، كأجفل. وأجفَلته أنا، وانجفل القوم؛ أي انقلعوا، فمضوا، كأجفلوا» (3).

وقال الجوهري : «النقيب: العريف، وهو شاهد القوم وضمينهم. والجمع: النقباء. وقد نَقَب على قومه ينقب نقابة، مثل كتب يكتب كتابة» (4) انتهى .

وقيل : لعلّ الكتاب مشتمل على لعن أئمّة المخالفين، أو على الأحكام التي تخالف ما عليه عامّة الناس (5).

متن الحديث السادس والثمانين والمائة

اشارة

سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، (6) قَالَ:

«الْحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ، فَحَيْثُمَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ضَالَّتَهُ فَلْيَأْخُذْهَا».

ص: 508


1- إلى هاهنا كلام القائل، وهو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 186
2- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 315 (فكك)
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 349 (جفل) مع التلخيص
4- الصحاح ، ج 1 ، ص 227 (نقب)
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 26 ، ص 36
6- في الطبعة القديمة : «أبي عبد اللّه عليه السلام » ، وهو سهو ، ولم نجد من النسخ ما يؤيّده ، ورواية عمرو بن جابر عن الإمام الباقر عليه السلام تكرّرت في الأسناد كثيرة

شرح الحديث

السند ضعيف .

وهذا الخبر وردت من طرق الخاصّة والعامّة بعبارات مختلفة ، واختلف في تفسير الحكمة وبيان المراد ؛ أمّا الأوّل فقد قيل : الحكمة هي القرآن والشريعة، أو معالم الدِّين من المنقول والمعقول .

وقيل : هي العلم بالمعارف الإلهيّة التي تفيد البصيرة التامّة في أمر الدِّين .

وقيل : هي نفس تلك البصيرة، ومن ثمّ قيل : «الحكمة نورٌ يهدي اللّه به من يشاء» (1)

وأمّا الثاني، فقال ابن الأثير : «المراد أنّ المؤمن لا يزال يتطلّب الحكمة، كما يتطلّب الرجل ضالّته» (2).

وقيل : المراد أنّ المؤمن يأخذ الحكمة من كلّ من وجدها عنده، وإن كان كافرا أو فاسقا ، كما أنّ صاحب الضالّة يأخذها حيث وجدها .

وقيل : المراد من كان عنده حكمة لا يفهمها، ولا يستحقّها، يجب أن يطلب مَن يأخذها بحقّها، كما يجب تعريف الضالّة ، وإذا وجد من يستحقّها، وجب أن لا يبخل في البذل، كالضالّة (3).

وقيل : المراد أنّ الحكمة ضالّة المؤمن ومطلوبه، فإذا وصل إليها ووجدها، استقرّ قلبه وأخذها، وهو أولى بها كالضالّة إذا وجدها صاحبها؛ فإنّه يأخذها، وهو أولى بها من غيره .

وهذا الوجه يرجع إلى الوجه الأوّل .

وقيل : المراد أنّ الناس متفاوتون في فهم المعاني، واستنباط الحقائق المحتجبة، واستكشاف الاُمور المرموزة ، فينبغي أن لا ينكر من قصر فهمه عن إدراك حقائق الآيات ودقائق الروايات على من رُزق فهما، واُلهِمَ تحقيقا، وإن لم يكن أهلاً لها ، كما أنّ صاحب الضالّة لا ينظر إلى خساسة من وجدها عنده، كذلك المؤمن الحكيم لا ينظر إلى خساسة من يتكلّم بالحكمة بالنظر إليه، بل يأخذها منه أخذ الضالّة (4).

ص: 509


1- اُنظر : مرآة العقول ، ج 26 ، ص 37
2- النهاية ، ج 3 ، ص 97 (ضلل)
3- اُنظر الأقوال في مرآة العقول ، ج 26 ، ص 37
4- إلى هاهنا كلام القائل ، وهو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 186

وهذا يرجع إلى الوجه الثاني ، ويؤيّده ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام : «الحكمة ضالّة المؤمن، فخُذ الحكمة ولو من أهل النفاق» (1).

وروي عنه عليه السلام أيضا : «خُذ الحكمة أنّى كانت؛ فإنّ الحكمة تكون في صدر المنافق، تضطرب (2) في صدره حتّى تخرج، وتسكن إلى صاحبها (3) في صدر المؤمن» (4)

وقيل : المراد كما أنّ صاحب ضالّة أخذ ضالّته ممّن يجدها، ولا يحلّ له منعها عن مالكها؛ فإنّه أحقّ بها، كذلك العالم إذا سُئل عن مسألة، ورأى في السائل فطانة واستعدادا لذلك العلم، فعليه أن يعلّمه إيّاه، ولا يحلّ له منعه منه (5).

متن الحديث السابع والثمانين والمائة

اشارة

سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ، أَوْ غَيْرِهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ كَاتِبِ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:

«إِنَّ الْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ شَرِكَ فِي دَمِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، وَابْنَتُهُ جَعْدَةُ سَمَّتِ الْحَسَنَ عليه السلام ، وَمُحَمَّدٌ ابْنُهُ شَرِكَ فِي دَمِ الْحُسَيْنِ عليه السلام ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قال العلّامة رحمه الله في الخلاصة نقلاً عن الشيخ : الأشعث بن قيس الكندي أبو محمّد، سكن الكوفة، ارتدّ بعد النبيّ صلى الله عليه و آله في ردة أهل ياسر، زوّجه أبو بكر اُخته اُمّ فروة، وكانت عوراء، فولدت له محمّدا، وكان من أصحاب عليّ عليه السلام ، ثمّ صار خارجيّا ملعونا . انتهى (6).

وقيل : إنّ الأشعث هو الذي أرسل إليه معاوية مائة ألف درهم ليحثّ عساكر أمير

ص: 510


1- نهج البلاغة ، ص 481 ، الكلام 80 ؛ خصائص الأئمّة ، ص 94 ؛ بحار الأنوار ، ج 2 ، ص 99 ، ح 57
2- في المصدر : «فتلجلج»
3- في المصدر : «صواحبها»
4- نهج البلاغة ، ص 481 ، الكلام 79 . وعنه في بحار الأنوار ، ج 2 ، ص 99، ح 56
5- نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12، ص 187
6- خلاصة الأقوال ، ص 325

المؤمنين عليه السلام على الرضا بالتحكيم، فأغراهم عليه حتّى فعلوا ما فعلوا (1).

وقد روي : «أنّه بايع مع هذا الخارجي جماعة من الخوارج خارج الكوفة، وسمّوه أمير المؤمنين كفرا واستهزاءً بأمير المؤمنين عليه السلام » .

وكيفيّة إعانته على قتل أمير المؤمنين عليه السلام ما ذكر الشيخ المفيد في إرشاده : أنّ ابن ملجم وشبيب بن بحيرة ووردان بن مجالد كَمَنوا لقتله عليه السلام ، وجلسوا مقابل السدّة التي كان يخرج منها أمير المؤمنين عليه السلام إلى الصلاة، وقد كانوا قبل ذلك ألقوا إلى الأشعث بن قيس ما في نفوسهم من العزيمة على قتل أمير المؤمنين عليه السلام ، وواطأهم على ذلك، وحضر الأشعث بن قيس في تلك الليلة لمعونتهم على ما اجتمعوا عليه، وكان حجر بن عديّ رحمه الله في تلك الليلة بائتا في المسجد ، فسمع الأشعث يقول : يا ابن ملجم، النجاء النجاء لحاجتك، فقد ضحك الصبح، فأحسَّ حجر بما أراد الأشعث، فقال له : قتلته يا أعور .

وخرج مبادرا ليمضي إلى أمير المؤمنين عليه السلام ليخبره الخبر، ويحذّره من القوم .

وخالفه أمير المؤمنين عليه السلام في الطريق، فدخل المسجد، فسبقه ابن ملجم، فضربه بالسيف ، وأقبل حجر، والناس يقولون: قُتل أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه، ولعنة اللّه على من قتله ومن شرك في دمه .

وأمّا ابنه محمّد فقد حارب مسلم بن عقيل _ رضي اللّه عنه _ حتّى أخذه (2) وروي في الأمالي عن الصادق عليه السلام : «أنّ ابن زياد بعثه إلى حرب الحسين عليه السلام في ألف فارس، وأنّه نادى الحسين عليه السلام في صبيحة يوم شهادته: يا حسين بن فاطمة، أيّةُ حرمة لك من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ليست لغيرك؟

فتلا الحسين عليه السلام هذه الآية : «إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ» (3) ، ثمّ قال : واللّه إنّ محمّدا لمن آل إبراهيم، وإنّ العترة الهادية لمن آل محمّد ، مَن الرجُل؟

فقيل : محمّد بن أشعث بن قيس الكندي .

ص: 511


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 187
2- الإرشاد ، ج 1 ، ص 18 - 20 (مع اختلاف يسير في اللفظ)
3- آل عمران (3) : 33 و 34

فرفع الحسين عليه السلام رأسه إلى السماء، فقال : اللّهمَّ أرِ محمّد بن أشعث ذُلّاً في هذا اليوم، لا تعزّه بعد هذا اليوم أبدا .

فعرض له عارض، فخرج من العسكرين، فسلّط اللّه عليه عقربا، فلدغته، فمات بادي العورة» (1). انتهى .

وأمّا ابنه الآخر قيس بن الأشعث، فإعانته على الحسين عليه السلام مشهور، وفي كتب السِّير مسطور ، وكان من رؤساء العسكر، وكان مع رؤوس الشهداء حين حملوها إلى ابن زياد .

وأمّا ابنته جعدة، فهي من المشهورات، وكانت زوجة حسن بن عليّ عليهماالسلام، فسمّته بإغواء معاوية ومروان بن الحكم، عليهم لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين .

متن الحديث الثامن والثمانين والمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ السِّنْدِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ صَبَّاحٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، قَالَ:زَامَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ: فَقَالَ لِيَ: «اقْرَأْ».

قَالَ: فَافْتَتَحْتُ سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ، فَقَرَأْتُهَا، فَرَقَّ وَبَكى، ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا أُسَامَةَ، ارْعَوْا قُلُوبَكُمْ بِذِكْرِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَاحْذَرُوا النَّكْتَ؛ فَإِنَّهُ يَأْتِي عَلَى الْقَلْبِ تَارَاتٌ، أَوْ سَاعَاتٌ الشَّكُّ مِنْ صَبَّاحٍ لَيْسَ فِيهِ إِيمَانٌ وَلَا كُفْرٌ شِبْهَ الْخِرْقَةِ الْبَالِيَةِ، أَوِالْعَظْمِ النَّخِرِ.

يَا أَبَا أُسَامَةَ، أَ لَيْسَ رُبَّمَا تَفَقَّدْتَ قَلْبَكَ، فَلاَ تَذْكُرُ بِهِ خَيْرا وَلَا شَرّا، وَلَا تَدْرِي أَيْنَ هُوَ؟» قَالَ: قُلْتُ لَهُ: بَلى إِنَّهُ لَيُصِيبُنِي، وَأَرَاهُ يُصِيبُ النَّاسَ.

قَالَ: «أَجَلْ، لَيْسَ يَعْرى مِنْهُ أَحَدٌ» قَالَ: «فَإِذَا كَانَ ذلِكَ، فَاذْكُرُوا اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَاحْذَرُوا النَّكْتَ؛ فَإِنَّهُ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْرا نَكَتَ إِيمَانا، وَإِذَا أَرَادَ بِهِ غَيْرَ ذلِكَ نَكَتَ غَيْرَ ذلِكَ».

قَالَ: قُلْتُ: مَا غَيْرُ ذلِكَ جُعِلْتُ فِدَاكَ، مَا هُوَ؟ قَالَ: «إِذَا أَرَادَ كُفْرا، نَكَتَ كُفْرا».

ص: 512


1- الأمالي للصدوق ، ص 221 و 222 ، المجلس 30 ، ذيل ح 1

شرح الحديث

السند مجهول كالحسن .

قوله : (فرقّ) .

في الصحاح: «الرقيق: نقيض الغليظ والثخين . وقد رقّ الشيء يرقّ رِقّة. وترقّقت له، إذا رقَّ له قلبك» (1).

وقوله : (إرعَوا) ؛ من الرِّعاية، وهي بالكسر: الحفظ، وفعله كمنع؛ أي احفظوا قلوبكم .

(بذكر اللّه عزّ وجلّ) عن الغفلة، والعِزّة، والوساوس الشيطانيّة وخطراته، كما أشار إليه بقوله : (واحذروا النكت) .

قال الجوهري : «النَّكت: أن تنكتُ في الأرض بقضيب؛ أي تضرب، فتؤثّر فيها، ويقال أيضا: طعنه، فنَكَتَهُ؛ أي ألقاه على رأسه . والنُّكتة كالنُّقطة» (2). انتهى .

ولعلّ المراد هنا تأثّر القلب بما يخطر فيه من المفاسد، وتوسّخه بها، أو انقلابه وتغيّره واعوجاجه .

وقوله : (تارات) .

في القاموس : «التارة: الحين، والمرّة. الجمع: تارات، وتِيَر» (3).

وقوله : (ليس فيه إيمان ولا كفر) ؛ يدلّ على أنّ النسبة بين الإيمان [والكفر] التضادّ، لا العدم والملكة، كما توهّمه بعض من المتكلّمين، وإلّا لما انتفيا معا .

قوله : (النَّخر) .

في القاموس : «النخر، ككتف. والناخر: البالي المتفتّت. وقد نَخِر كفرح» (4).

وقوله : (أجل) .

في الصحاح : «قولهم: أجل، إنّما هو جواب، مثل نَعَمْ . قال الأخفش : إلّا أنّه أحسن من نَعَم في التصديق ، ونَعَم أحسن منه في الاستفهام» (5).

ص: 513


1- الصحاح ، ج 4 ، ص 1483 (رقق)
2- الصحاح ، ج 1 ، ص 269 (نكت)
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 381 (تور)
4- القاموس المحيط ، ج 2، ص 139 (نخر)
5- الصحاح ، ج 4 ، ص 1622 (أجل)

وقوله : (إذا أراد بعبدٍ خيرا) ؛ يعني لطفا وتوفيقا لحسن استعداده، وخلوص نيّته. ومنه يُعرف حال قرينه .

وقوله : (نكت كفرا) .

قيل: إسناد النكت إليه تعالى إسناد إلى السبب مجازا؛ لأنّ منع لطفه تعالى صار سببا لذلك (1)

وقال بعض الشارحين :

إن قلت : هل فيه دلالة على أنّ الإيمان والكفر من فعله تعالى، كما هو مذهب الأشاعرة، أم لا؟

قلت : لا ؛ لأنّ هذا القلب الغافل لا محالة إمّا أن يعود إلى الإيمان باختياره، أو إلى الكفر باختياره، فإن عاد إلى الأوّل كان في علمه السابق الأزلي إيمانه ، وإن عاد إلى الثاني كان فيه كفره ، فأراد _ عزّ وجلّ _ إيمانه أو كفره بالعرض، ليطابق علمه بمعلومه، إلّا أنّ بين الإيمان الكفر فرقا، وهو أنّه تعالى أراد إيمانه بالذات أيضا دون كفره ، ولمّا كان صدورهما من هذا الغافل بإرادته تعالى بالعرض نسب نكتهما إليه بهذا الاعتبار، وهو لا يستلزم صدورهما منه تعالى ، وهذا هو المراد من قول أبي عبد اللّه عليه السلام في آخر حديث طويل : «علم أنّهم سيكفرون، فأراد الكفر لعلمه فيهم» وليست إرادة حتم، إنّما هي إرادة اختيار (2).

متن الحديث التاسع والثمانين والمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِي الْمَغْرَاءِ، عَنْ زَيْدٍ الشَّحَّامِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ هِلَالٍ، قَالَ:

قُلْتُ لأبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : إِنِّي لَا أَكَادُ أَلْقَاكَ إِلَا فِي السِّنِينَ (3) ، فَأَوْصِنِي بِشَيْءٍ آخُذُ بِهِ.

قَالَ: «أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللّهِ، وَصِدْقِ الْحَدِيث،ِ وَالْوَرَعِ، وَالأْتِهَادِ؛ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ اجْتِهَادٌ لَا وَرَعَ مَعَهُ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُطْمِحَ (4) نَفْسَكَ إِلى مَنْ فَوْقَكَ، وَكَفَى بِمَا قَالَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ لِرَسُولِهِ صلى الله عليه و آله : «فَلا

ص: 514


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 26 ، ص 39
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 188
3- في الحاشية عن بعض النسخ: «السنتين»
4- في الحاشية عن بعض النسخ: «أن تطمع»

تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ» (1) ، وَقَالَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ لِرَسُولِهِ: «وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا» (2) ، فَإِنْ خِفْتَ شَيْئا مِنْ ذلِكَ، فَاذْكُرْ عَيْشَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَإِنَّمَا كَانَ قُوتُهُ الشَّعِيرَ، وَحَلْوَاهُ التَّمْرَ، وَوَقُودُهُ السَّعَفَ إِذَا وَجَدَهُ؛ وَإِذَا أُصِبْتَ بِمُصِيبَةٍ ، فَاذْكُرْ مُصَابَكَ بِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؛ فَإِنَّ الْخَلْقَ (3) لَمْ يُصَابُوا بِمِثْلِهِ صلى الله عليه و آله قَطُّ».

شرح الحديث

السند مجهول .

قوله : (لا ينفع اجتهاد لا ورع معه) .

في القاموس: «ورع كورث ووجل ووضع وكرم، وراعة وورعا _ ويحرّك _ ووروُعا، ويضمّ: تحرّج» (4). انتهى .

وقيل : الورع ملَكَة التحرّز عن المشتهيات ولذّات الدُّنيا، وإن كانت مباحة (5).

وأقول : توقّف الورع على الاجتناب عن المباحات غير لازم، لا لغةً، ولا اصطلاحا، بل يتحقّق بالاجتناب عن المنهيّات المحرّمة فقط، وإن تحرّز معه عن المكروهات والمباحات أيضا فهو أكمل وأتمّ .

ووجه عدم الانتفاع بالاجتهاد بدون الورع ظاهر ؛ لأنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ إنّما يتقبّل من المتّقين .

وقد يوجّه بأنّ الخبر المختلط بالشرّ شرّ إن تساويا، أو زاد الشرّ، ومشوبٌ مختلط إن زاد الخير، واللّه سبحانه لا يتقبّل إلّا الخالص ، وبأنّ الاجتهاد ميلٌ إلى الدُّنيا والآخرة، وترك الورع ميلٌ إلى الدُّنيا، فيذهب هذا بذاك. ومن ثمّ قيل : الميل إلى الدُّنيا والآخرة لا يجتمعا .

وقوله : (وإيّاك أن تطمح نفسك) ؛ إمّا من المجرّد المعلوم، و«نفسك» فاعله. أو من المزيد على صيغة المخاطب المعلوم، و«نفسك» مفعوله .

في القاموس : «طمح بصره إليه، كمنع: ارتفع. وكلّ مرتفع : طامح. وأطمح بصره: رفعه»(6).

ص: 515


1- التوبة (9) : 55
2- طه (20) : 131
3- في الحاشية عن بعض النسخ: «الناس»
4- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 93 (ورع)
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 189
6- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 238 (طمح)

والمقصود التحذير من النظر إلى حال من هو أعلى مرتبة بحسب الدُّنيا، وتمنّى مثل حاله .

وقوله تعالى في سورة التوبة : «فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ» .

في القاموس: «أعجبه: حمله على العجب منه» (1) ؛ أي لا تملِكُ، ولا تزعجك كثرة أموال هؤلاء المنافقين، وكثرة أولادهم إلى العجب منهما، ولا تأخذ بقلبك ما تراه منهم، ولا تنظر إليهم بعين الإعجاب؛ فإنّ ذلك استدراج ووبال لهم، كما قال : «إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ» (2) .

وقوله تعالى في سورة طه : «وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ» .

قال البيضاوي : أي نظر عينيك . «إِلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ» استحسانا وتمنّيا أن يكون لك مثله. «أَزْوَاجا مِنْهُمْ» أصنافا من الكفرة . ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في «به»، والمفعول منهم؛ أي إلى الذي متّعنا به ، وهو أصنافٌ بعضهم أو ناسا منهم .

«زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا» منصوب بمحذوف دلّ عليه «متّعنا»، أو «به» على تضمينه معنى أعطينا . أو بالبدل من محلّ «به»، أو من «أزواجا» بتقدير مضاف ودونه، وهي الزينة والبهجة (3).

وقوله : (من ذلك) أي من طموح البصر والنظر إلى عزّ الدُّنيا وفخرها نظر راغبٍ فيها .

قال الجوهري : «الوَقود: الحطب» (4).

وقال: «السعفة، بالتحريك: غصن النخل. والجمع: السَّعْف أيضا» (5).

وقوله : (فاذكر مُصابك برسول اللّه صلى الله عليه و آله ) ؛ أمر به لأنّ ذكر المصائب العِظام يوجب الرِّضا بما دونها .

قال الجوهري : «أصابته مصيبةٌ، فهو مُصاب» (6).

وفي القاموس : «الإصابة: التفجيع، كالمصابة.

والصّابة: المصيبة، كالمصابة» انتهى (7).

ويحتمل أن يُراد هنا بالمصاب مكان الإصابة، أونفس المصيبة ، أو يجعل الإضافة بيانيّة .

أو نقول: أصله المصابة، فحذفت التاء في الإضافة تخفيفا، كما في أقام الصلاة .

ص: 516


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 101 (عجب)
2- التوبة (9) : 55
3- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 78
4- الصحاح ، ج 1 ، ص 81 (وقد)
5- الصحاح ، ج 4 ، ص 1374 (سعف)
6- الصحاح، ج 1، ص 165 (صوب)
7- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 94 (صوب)

متن الحديث التسعين والمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ السَّرِيِّ، عَنْ أَبِي مَرْيَمَ، (1) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ:سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله مَرَّ بِنَا ذَاتَ يَوْمٍ، وَنَحْنُ فِي نَادِينَا، وَهُوَ عَلى نَاقَتِهِ، وَذلِكَ حِينَ رَجَعَ مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَوَقَفَ عَلَيْنَا، فَسَلَّمَ، فَرَدَدْنَا عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ قَالَ: «مَا لِي أَرى حُبَّ الدُّنْيَا قَدْ غَلَبَ عَلى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، حَتّى كَأَنَّ الْمَوْتَ فِي هذِهِ الدُّنْيَا عَلى غَيْرِهِمْ كُتِبَ، وَكَأَنَّ الْحَقَّ فِي هذِهِ الدُّنْيَا عَلى غَيْرِهِمْ وَجَبَ، وَحَتّى كَأَنْ لَمْ يَسْمَعُوا وَيَرَوْا مِنْ خَبَرِ الْأَمْوَاتِ قَبْلَهُمْ، سَبِيلُهُمْ سَبِيلُ قَوْمٍ سَفْرٍ، عَمَّا قَلِيلٍ إِلَيْهِمْ رَاجِعُونَ، بُيُوتُهُمْ أَجْدَاثُهُمْ، وَيَأْكُلُونَ تُرَاثَهُمْ، فَيَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُخَلَّدُونَ بَعْدَهُمْ؟! هَيْهَاتَ، هَيْهَاتَ أَ مَا يَتَّعِظُ آخِرُهُمْ بِأَوَّلِهِمْ؟ لَقَدْ جَهِلُوا، وَنَسُوا كُلَّ وَاعِظٍ فِي كِتَابِ اللّهِ، وَآمَنُوا شَرَّ كُلِّ عَاقِبَةِ سُوءٍ، وَلَمْ يَخَافُوا نُزُولَ فَادِحَةٍ وَبَوَائِقَ حَادِثَةٍ، طُوبى لِمَنْ شَغَلَهُ خَوْفُ اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ عَنْ خَوْفِ النَّاسِ، طُوبى لِمَنْ مَنَعَهُ عَيْبُهُ عَنْ عُيُوبِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ إِخْوَانِهِ، طُوبَى لِمَنْ تَوَاضَعَ لِلّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ، وَزَهِدَ فِيمَا أَحَلَّ اللّهُ لَهُ مِنْ غَيْرِ رَغْبَةٍ عَنْ سِيرَتِي، (2) وَرَفَضَ زَهْرَةَ الدُّنْيَا مِنْ غَيْرِ تَحَوُّلٍ عَنْ سُنَّتِي، وَاتَّبَعَ الْأَخْيَارَ مِنْ عِتْرَتِي مِنْ بَعْدِي، وَجَانَبَ أَهْلَ الْخُيَلَاءِ وَالتَّفَاخُرِ وَالرَّغْبَةِ فِي الدُّنْيَا، الْمُبْتَدِعِينَ خِلَافَ سُنَّتِي، الْعَامِلِينَ بِغَيْرِ سُنَّتِي، (3) طُوبى لِمَنِ اكْتَسَبَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَالاً مِنْ غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، فَأَنْفَقَهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، وَعَادَ بِهِ عَلى أَهْلِ الْمَسْكَنَةِ، طُوبى لِمَنْ حَسُنَ مَعَ النَّاسِ خُلُقُهُ، وَبَذَلَ لَهُمْ مَعُونَتَهُ، وَعَدَلَ عَنْهُمْ شَرَّهُ، طُوبى لِمَنْ أَنْفَقَ الْقَصْدَ، وَبَذَلَ الْفَضْلَ، وَأَمْسَكَ قَوْلَهُ عَنِ الْفُضُولِ وَقَبِيحِ الْفِعْلِ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (في نادينا) أي مجلسنا، ومتحدّثنا .

ص: 517


1- في الحاشية: «الأنصاري، ثقة، واسمه عبد الغفار بن القاسم». اُنظر : رجال النّجاشي ، ص 246 ، الرقم 649 ؛ رجال الطوسي ، ص 140 ، الرقم 1490
2- .في الحاشية عن بعض النسخ: «سيَري»
3- في كلتا الطبعتين : «سيرتي»

وقوله : (كأنّ الموت في هذه الدُّنيا على غيرهم كُتب) ؛ لكون أفعالهم وأحوالهم شبيهة بمن يظنّ ذلك .

قال الجوهري : «الكتاب معروف. وقد كتبت كتبا وكتابا وكتابة . والكتاب: الفرض، والحكم، والقَدَر» (1).

وقوله : (وكأنّ الحقّ) ؛ أعمّ من حقوق اللّه وحقوق الناس، وتخصيصه بالموت أيضا احتمال .

وقوله : (كأن لم يسمعوا ويروا) أي لم يروا، وكأنّ السماع بالنسبة إلى الغائبين من الأموات، والرؤية بالنسبة إلى الحاضرين منهم . أو برؤية آثارهم وقبورهم .

(من خبر الأموات قبلهم) .

في القاموس : «قبل: نقيض بعد . والقُبُل _ بالضمّ وبضمّتين _ نقيض الدبر . ومن الزمن: أوّله . ورأيته قَبَلاً _ محرّكة، وبضمّتين، وكصرد وعنَب _ : عيانا ومقابلةً. ولي قِبَلَهُ حقّ، بكسر القاف ؛ أي عنده»(2).

ولك تطبيق عبارة الخبر بكلّ من تلك المعاني، وإن كان الأوّل أظهر .

(سبيلهم سبيل قوم سَفْر) .

قال صاحب النهاية : «السفر: جمع سافر، كصاحب، وصَحب» (3).

وقال الجوهري : «إنّ السَّفْر قطع المسافة.

سَفَرَ يسفر: خرج إلى السفر، فهو مسافر، وهم سَفْر وسفار» انتهى (4).

ويفهم من كلام الجوهري أنّ السَفْر اسم جمع للمسافر ، والظاهر ضمير «سبيلهم» راجع إلى الأحياء، وضمير «إليهم» في قوله : (عمّا قليل إليهم راجعون) إلى الأموات ؛ يعني أنّ هؤلاء الأحياء يشبه حالهم في منازل أعمارهم من الشهور والسنين بمن يسافر من بلد إلى بلد، حتّى يلحقوا بمن قبلهم من الأموات .

وقيل : يحتمل العكس في إرجاع الضميرين ، فالمراد أنّ سبيل هؤلاء الأموات عند

ص: 518


1- الصحاح ، ج 1 ، ص 208 (كتب)
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 33 و 34 (قبل) مع التلخيص
3- النهاية ، ج 2 ، ص 371 (سفر)
4- الصحاح ، ج 2 ، ص 685 (سفر)

هؤلاء الأحياء لعدم اتّعاظهم بموتهم وعدم مبالاتهم ، كأنّهم ذهبوا إلى سَفَرٍ، وعن قريب يرجعون إليهم .

قال : ويؤيّده ما في النهج وتفسير عليّ بن إبراهيم: «وكأنّ الذي نرى من الأموات سَفْر عمّا قليل إلينا راجعون» (1) (2).

(بيوتهم أجداثهم) ؛ جمع الجدث _ محرّكة _ وهو القبر .

(ويأكلون تُراثهم)

التُّراث، بالضمّ: الميراث، وهو ما يخلفه الإنسان لورثته ، وأصله: وُراث، قُلبت الواو تاءً؛ أي يرون هؤلاء الأحياء أنّ الأموات بيوتهم قبورهم، ومع ذلك يأكلون تراثهم، ولا يتّعظون بحالهم .

(فيظنّون [أنّهم] مخلّدون بعدهم) في الدُّنيا .

وفي بعض النسخ : «يبوّؤونهم» بدل «بيوتهم»، وهو أظهر .

وقال بعض الأفاضل : «الظاهر أنّه وقع في نسخ الكتاب تصحيف . والأظهر ما في النهج: نبوّءهُم أجداثهم، ونأكل تُراثَهم»(3).

وأقول : في وجه الأظهريّة خفاء .

وقوله : (عاقبة سوء) ؛ بضمّ السين والإضافة .

وقوله : (فادحة) بالفاء؛ أي بليّة يثقل حملها . يُقال : فدحه الدين _ كمنع _ أي أثقله .

وفوادح الدهر: خطوبه . والفادح: المثقل الصعب . والفادحة: النازلة .

(وبوائقَ حادثة) ؛ عطف على «نزول»، أو «فادحة».

وما قيل من أنّ الظاهر الأوّل؛ لأنّ ذكر الحادثة يتأبّى عن الثاني، ففيه ما فيه .

والبائقة: الداهية، وهي الأمر العظيم الشديد .

وقوله : (زهد فيما أحلّ اللّه له) .

في القاموس : «زهد فيه _ كمنع وسمع وكرم _ ضدّ رغب» (4). ؛ يعني أنّه لم يرغب في

ص: 519


1- نهج البلاغة ، ص 490 ، الكلام 122 ؛ تفسير القمّي ، ج 2 ، ص 70
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 26 ، ص 42
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 26 ، ص 42
4- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 298 (زهد)

الحلال الزائد عن قدر الحاجة؛ لعلمه بأنّه شاغل له عن الآخرة .

(من غير رغبة عن سيرتي) .

في كثير من النسخ: «سيري».

السيرة، بالكسر: السنّة، والطريقة، والهيئة. وجمعها: سِيَر، كعنب .

والرغبة عنها إمّا بإنكارها، أو عدم المبالاة، وترك العمل بها .

وقوله : (من غير تحوّل عن سنّتي) .

في بعض النسخ: «عن نفسي» .

وحاصل الفقرتين أنّ الزُّهد والرفض ينبغي أن يكون من غير إفراط في ترك الطيّبات من المأكول والملبوس والنساء والطيب ونحوها، كما هو شأن المبتدعة من الصوفيّة، بل يزهد في الشبهات، وبترك زوائد المحلّلات التي تشغل القلب عن الطاعات؛ إذ لا رهبانيّة في الإسلام .

ويفسّرهما قوله صلى الله عليه و آله : (واتّبع الأخيار من عترتي) .

في الصحاح: «العترة: نسل الرجل، ورهطه الأدنون» (1).

والمراد هنا أهل العصمة عليهم السلام .

وقوله : (الخُيَلاء ) وزان السُّفهاء: التكبّر .

(والتفاخر) أي أهل التمدّح بالخصال من الشرف والحسب والنسب وأمثالها .

(والرغبة في الدُّنيا) عطف على الخيلاء .

(المبتدعين خلاف سنّتي) من أصحاب الرأي والقياس والأهواء النفسانيّة .

(العاملين بغير سنّتي) .

في بعض النسخ: «سيرتي»؛ يعني الذين يعملون على وفق ما يبتدعون .

وقيل : المراد بهم أتباع المبتدعين (2).

وقوله : (عاد به) ؛ من العائدة، وهي العطف، والمنفعة، والمعروف، والصِّلة . يُقال : عاد معروفه عودا؛ أي أفضل، وأعطى .

ص: 520


1- الصحاح ، ج 2 ، ص 735 (عتر)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 192

وقوله : (معونته) .

في الصحاح : «المعونة: الإعانة . يُقال : ما عندك مَعُونة ولا مَعانة ولا عَون» (1).

وفي القاموس : «استعنته، فأعانني، وعوّنني. والاسم العَون والمعانة والمَعْوَنةُ والمَعْون» (2).

وقوله : (القصد) أي الاقتصاد، وهو العدل، والتوسّط بين الإفراط والتفريط، والإسراف والتقتير، وهو منصوب على المصدر .

وفي بعض النسخ : «وأنفق الفضل» ، ولعلّ المراد الفاضل عن المعونة .

وقوله : (عن الفضول) أي الاُمور الغير النافعة، سواء كان مضرّا، أم لا ، قولاً كان أو فعلاً .

والمراد هنا الأوّل؛ أي القول بقرينة التقييد وتخصيصه بالمباح خلاف الظاهر .

في القاموس : «الفضل : ضد النقص. الجمع فُضُول . والفضولي، بالضمّ: المشتغل بما لا يعنيه» (3).

(وقبيح الفعل)؛ هو ما يذمّ به عقلاً وشرعا، وكأنّه معطوف على «الفضول» بتقدير مضاف؛ أي أمسك قوله عن ذكر قبيح الفعل، بأن يجريه على لسانه، أو يرخّص، ويفتي فيه .

ويحتمل عدم اعتبار القول في المعطوف؛ فإنّ الغرض في العطف التشريك في العامل، لا في متعلّقاته .

وقيل : كأنّه عطف على «أمسك» بتقدير فعل يدلّ عليه المذكور ؛ أي أمسك عن فعل القبيح .

قال : وعطفه على «الفضول» بحمل الفعل على فعل اللّسان يأباه ظهور عموم الفعل، ولزوم التكرار (4) انتهى، فليتأمّل .

متن الحديث الواحد والتسعين والمائة

اشارة

الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيُّ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ، رَفَعَهُ عَنْ بَعْضِ الْحُكَمَاءِ، قَالَ:

إِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ أَنْ يَتَمَنَّى الْغِنى لِلنَّاسِ أَهْلُ الْبُخْلِ؛ لأنَّ النَّاسَ إِذَا اسْتَغْنَوْا كَفُّوا عَنْ أَمْوَالِهِمْ، وَإِنَّ

ص: 521


1- الصحاح ، ج 6 ، ص 2168 (عون)
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 250 (عون)
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 31 (فضل) مع التلخيص
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 193

أَحَقَّ النَّاسِ أَنْ يَتَمَنّى صَلاَحَ النَّاسِ أَهْلُ الْعُيُوبِ؛ لأنَّ النَّاسَ إِذَا صَلَحُوا كَفُّوا عَنْ تَتَبُّعِ عُيُوبِهِمْ، وَإِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ أَنْ يَتَمَنّى حِلْمَ النَّاسِ أَهْلُ السَّفَهِ الَّذِينَ يَحْتَاجُونَ أَنْ يُعْفى عَنْ سَفَهِهِمْ، فَأَصْبَحَ أَهْلُ الْبُخْلِ يَتَمَنَّوْنَ فَقْرَ النَّاسِ، وَأَصْبَحَ أَهْلُ الْعُيُوبِ يَتَمَنَّوْنَ فِسْقَهُمْ، وَأَصْبَحَ أَهْلُ الذُّنُوبِ يَتَمَنَّوْنَ سَفَهَهُمْ، وَفِي الْفَقْرِ الْحَاجَةُ إِلَى الْبَخِيلِ، (1).

وَفِي الْفَسَادِ طَلَبُ عَوْرَةِ أَهْلِ الْعُيُوبِ، وَفِي السَّفَهِ الْمُكَافَأَةُ بِالذُّنُوبِ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (عن بعض الحكماء) .

قيل : أي الأئمّة عليهم السلام ؛ إذ قد روى الصدوق رحمه الله في الأمالي هذا الخبر بإسناده عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، مع أنّه ليس من دأبهم الرواية عن غير المعصوم (2) انتهى (3).

وفيه بحث .

وقوله : (يتمنّون فقر الناس) .

قيل : الحامل لهم على ذلك وجوه :

الأوّل : أنّ صفة البخل يقتضي الحرص في جمع المال وضبطه، فيحبّ البخيل جمعه لنفسه .

الثاني : أنّها تقتضي الحسد، وهو يقتضي حبّ زوال النعمة عن الغير، وبقائه على الفقر .

الثالث : أنّها تابعة لطلب العزّة بكثرة المال، فيحبّ أن يكون سبب العزّة، وهو المال كلّه له .

الرابع : أنّها صفة مستحسنة عند البخيل، فيجب أن تكون تلك الصفة للجواد أيضا (4).

(وأصبح أهل العيوب يتمنّون فسقهم) ؛ لما مرّ في الوجه الرابع . أو ليحصل بينهم المشاركة في نوع من العيب ، ويمكن لهم المقابلة بالتعيير متى شاؤوا .

(وأصبح أهل الذنوب يتمنّون سفههم) ؛ لما مرّ.

ص: 522


1- في الحاشية عن بعض النسخ: «البخل»
2- اُنظر : الأمالي للصدوق ، ص 387 ، المجلس 61 ، ح 8
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 26 ، ص 43
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 193

قال الجوهري : «السَّفَه: ضدّ الحلم. وأصله: الخفّة، والحركة» (1) . ولعلّ المراد بالذنوب السَّفَه تسميةً للسبب باسم المسبّب . أو اُريد بالسفه فيما سبق الذنوب تسمية للمسبّب باسم السبب .

والفساد: ضدّ الصلاح .

والعورة: سَوءة الإنسان، وكلّ ما يستحي منه .

متن الحديث الثاني والتسعين والمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ يَحْيى، عَنْ جَدِّهِ الْحَسَنِ بْنِ رَاشِدٍ، قَالَ:

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «يَا حَسَنُ، إِذَا نَزَلَتْ بِكَ نَازِلَةٌ، فَلَا تَشْكُهَا إِلى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْخِلَافِ، وَلكِنِ اذْكُرْهَا لِبَعْضِ إِخْوَانِكَ؛ فَإِنَّكَ لَنْ تُعْدَمَ خَصْلَةً مِنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ؛ إِمَّا كِفَايَةً بِمَالٍ، وَإِمَّا مَعُونَةً بِجَاهٍ، أَوْ دَعْوَةً فَتُسْتَجَابُ، أَوْ مَشُورَةً بِرَأْيٍ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله عليه السلام : (فلا تَشْكها) ؛ من الشكاية. والفعل كدعا .

(إلى أحد من أهل [الخلاف]) ؛ كأنّه لتضمّنها الشماتة غالبا، وشكاية الربّ إلى عدوّه؛ إذ الشكاية عن الفعل شكاية عن فاعله، كما يدلّ عليه قول أمير المؤمنين عليه السلام : «من أصبح يشكو مصيبة نزلت به، فإنّما يشكو ربّه» (2).

(ولكن اذكرها لبعض إخوانك) .

فيه دلالة على جواز ذكر المصيبة والحاجة للإخوان في الدِّين ، بل على رجحانه . قال أمير المؤمنين عليه السلام : «من شكا الحاجة إلى مؤمن، فكأنّما شكا إلى اللّه » (3).

ص: 523


1- الصحاح ، ج 6 ، ص 2234 (سفه)
2- نهج البلاغة ، ص 508 ، الكلام 228 ؛ الاختصاص ، ص 226 ؛ تحف العقول ، ص 6 و 217
3- نهج البلاغة ، ص 551 ، الكلام 427

(فإنّك لن تُعدم) إلى آخره .

فيه إيماء إلى أنّ المشكو إليه ينبغي أن يكون ممّن يُرجى به الإتيان بإحدى تلك الخصال .

في القاموس : «العُدم، بالضمّ، وبضمّتين، وبالتحريك: الفقدان . عَدِمه _ كعلمه _ وأعدمه اللّه ، وأعدمني الشيء: لم أجده» (1).

وفي الصحاح: «يُقال : ما يعدمني هذا الأمرُ؛ أي ما يعدوني» (2).

وقوله : (بجاه) أي قدر ومنزلة .

وقوله : (أو دعوة تُستجاب) أي دَعا لك، فيستجيب اللّه دعاءه، وقضى حاجتك .

(أو مَشُورةٍ برأي) أي تنتفع برأيه حتّى شاورته .

متن الحديث الثالث والتسعين والمائة (خُطْبَةٌ لأمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام )

اشارة

عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمُؤَدِّبُ وَغَيْرُهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي الْحَارِثِ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ:

«خَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَقَالَ:

الْحَمْدُ لِلّهِ الْخَافِضِ الرَّافِعِ، الضَّارِّ النَّافِعِ، الْجَوَادِ الْوَاسِعِ، الْجَلِيلِ ثَنَاؤُهُ، الصَّادِقَةِ أَسْمَاؤُهُ، الْمُحِيطِ بِالْغُيُوبِ، وَمَا يَخْطُرُ عَلَى الْقُلُوبِ، الَّذِي جَعَلَ الْمَوْتَ بَيْنَ خَلْقِهِ عَدْلاً، وَأَنْعَمَ بِالْحَيَاةِ عَلَيْهِمْ فَضْلاً، فَأَحْيَا، وَأَمَاتَ، وَقَدَّرَ الْأَقْوَاتَ أَحْكَمَهَا بِعِلْمِهِ تَقْدِيرا، فَأَتْقَنَهَا (3). بِحِكْمَتِهِ تَدْبِيرا، (4) إِنَّهُ كَانَ خَبِيرا بَصِيرا.

هُوَ الدَّائِمُ بِلَا فَنَاءٍ، وَالْبَاقِي إِلى غَيْرِ مُنْتَهًى، يَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْضِ وَمَا فِي السَّمَاءِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرى، أَحْمَدُهُ بِخَالِصِ حَمْدِهِ الْمَخْزُونِ بِمَا حَمِدَهُ بِهِ الْمَلَائِكَةُ وَالنَّبِيُّونَ، حَمْدا لَا يُحْصَى لَهُ عَدَدٌ، وَلَا يَتَقَدَّمُهُ أَمَدٌ، وَلَا يَأْتِي بِمِثْلِهِ أَحَدٌ، أُومِنُ بِهِ، وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، وَأَسْتَهْدِيهِ، وَأَسْتَكْفِيهِ، وَأَسْتَقْضِيهِ بِخَيْرٍ، وَأَسْتَرْضِيهِ.

ص: 524


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 148 (عدم)
2- الصحاح ، ج 5 ، ص 1983 (عدم)
3- في الطبعة القديمة : «وأتقنها»
4- في الحاشية عن بعض النسخ: «تقديرا»

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَا اللّهُ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ «بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ» (1) ، صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ.

أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ الدُّنْيَا لَيْسَتْ لَكُمْ بِدَارٍ وَلَا قَرَارٍ؛ إِنَّمَا أَنْتُمْ فِيهَا كَرَكْبٍ عَرَّسُوا، فَأَنَاخُوا، ثُمَّ اسْتَقَلُّوا، فَغَدَوْا، وَرَاحُوا؛ دَخَلُوا خِفَافا، وَرَاحُوا خِفَافا، لَمْ يَجِدُوا عَنْ مُضِيٍّ نُزُوعا، وَلَا إِلَى مَا تَرَكُوا رُجُوعا، جُدَّ بِهِمْ، فَجَدُّوا، وَرَكَنُوا إِلَى الدُّنْيَا، فَمَا اسْتَعَدُّوا حَتّى إِذَا أُخِذَ بِكَظَمِهِمْ، وَخَلَصُوا إِلى دَارِ قَوْمٍ جَفَّتْ أَقْلَامُهُمْ، لَمْ يَبْقَ مِنْ أَكْثَرِهِمْ خَبَرٌ، وَلَا أَثَرٌ.

قَلَّ فِي الدُّنْيَا لَبْثُهُمْ، وَعُجِّلَ إِلَى الْاخِرَةِ بَعْثُهُمْ، فَأَصْبَحْتُمْ حُلُولاً فِي دِيَارِهِمْ، ظَاعِنِينَ عَلى آثَارِهِمْ وَالْمَطَايَا بِكُمْ، تَسِيرُ سَيْرا مَا فِيهِ أَيْنٌ وَلَا تَفْتِيرٌ ، نَهَارُكُمْ بِأَنْفُسِكُمْ دَؤُوبٌ، وَلَيْلُكُمْ بِأَرْوَاحِكُمْ ذَهُوبٌ، فَأَصْبَحْتُمْ تَحْكُونَ مِنْ حَالِهِمْ حَالاً، وَتَحْتَذُونَ مِنْ مَسْلَكِهِمْ مِثَالاً.

فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا؛ فَإِنَّمَا أَنْتُمْ فِيهَا سَفْرٌ حُلُولٌ ، الْمَوْتُ بِكُمْ نُزُولٌ ، تَنْتَضِلُ فِيكُمْ مَنَايَاهُ، وَتَمْضِي بِأَخْبَارِكُمْ مَطَايَاهُ إِلى دَارِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَالْجَزَاءِ وَالْحِسَابِ، فَرَحِمَ اللّهُ امْرَأً رَاقَبَ رَبَّهُ، وَتَنَكَّبَ ذَنْبَهُ، (2) وَكَابَرَ هَوَاهُ، وَكَذَّبَ مُنَاهُ، امْرَأً زَمَّ نَفْسَهُ مِنَ التَّقْوى بِزِمَامٍ، وَأَلْجَمَهَا مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهَا بِلِجَامٍ، فَقَادَهَا إِلَى الطَّاعَةِ بِزِمَامِهَا، وَقَدَعَهَا عَنِ الْمَعْصِيَةِ بِلِجَامِهَا، رَافِعا إِلَى الْمَعَادِ طَرْفَهُ، مُتَوَقِّعا فِي كُلِّ أَوَانٍ حَتْفَهُ؛ دَائِمَ الْفِكْرِ، طَوِيلَ السَّهَرِ، عَزُوفا عَنِ الدُّنْيَا، سَأَما كَدُوحا لآِخِرَتِهِ مُتَحَافِظا؛ امْرَأً جَعَلَ الصَّبْرَ مَطِيَّةَ نَجَاتِهِ، وَالتَّقْوى عُدَّةَ وَفَاتِهِ، وَدَوَاءَ أَجْوَائِهِ، فَاعْتَبَرَ، وَقَاسَ، وَتَرَكَ الدُّنْيَا وَالنَّاسَ، يَتَعَلَّمُ لِلتَّفَقُّهِ وَالسَّدَادِ، وَقَدْ وَقَّرَ قَلْبَهُ ذِكْرُ الْمَعَادِ، وَطَوى مِهَادَهُ، وَهَجَرَ وِسَادَهُ، مُنْتَصِبٌ عَلى أَطْرَافِهِ، دَاخِلٌ فِي أَعْطَافِهِ، خَاشِعا لِلّهِ عَزَّ وَجَلَّ، يُرَاوِحُ بَيْنَ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ ، خَشُوعٌ فِي السِّرِّ لِرَبِّهِ؛ لَدَمْعُهُ صَبِيبٌ، وَلَقَلْبُهُ وَجِيبٌ؛ شَدِيدَةٌ أَسْبَالُهُ، تَرْتَعِدُ مِنْ خَوْفِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْصَالُهُ ، قَدْ عَظُمَتْ فِيمَا عِنْدَ اللّهِ رَغْبَتُهُ، وَاشْتَدَّتْ مِنْهُ رَهْبَتُهُ ، رَاضِيا بِالْكَفَافِ مِنْ أَمْرِهِ، يُظْهِرُ دُونَ مَا يَكْتُمُ، وَيَكْتَفِي بِأَقَلَّ مِمَّا يَعْلَمُ ؛ أُولئِكَ وَدَائِعُ اللّهِ فِي بِلَادِهِ، الْمَدْفُوعُ بِهِمْ عَنْ عِبَادِهِ، لَوْ أَقْسَمَ أَحَدُهُمْ عَلَى اللّهِ _ جَلَّ ذِكْرُهُ _ لَأَبَرَّهُ، أَوْ دَعَا عَلى أَحَدٍ نَصَرَهُ اللّهُ، يَسْمَعُ إِذَا نَاجَاهُ، وَيَسْتَجِيبُ لَهُ إِذَا دَعَاهُ، جَعَلَ اللّهُ الْعَاقِبَةَ لِلتَّقْوى، وَالْجَنَّةَ لأهْلِهَا مَأْوًى، دُعَاؤُهُمْ فِيهَا أَحْسَنُ الدُّعَاءِ: «سُبْحَانَكَ اللّهُمَّ»، دَعَاهُمُ الْمَوْلى عَلى مَا آتَاهُمْ، وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ».

ص: 525


1- التوبة (9) : 33 ؛ الصفّ (61) : 9
2- في الحاشية عن بعض النسخ: «دينه»

شرح الحديث

السند مجهول .

قوله عليه السلام : (الخافض الرافع) .

الخفض: ضدّ الرفع؛ أي يخفض الجبّارين، ويضعهم، ويهينهم، ويخفض كلّ شيء يريد خفضه أو إذلاله .

وهو الرافع يرفع أنبياءه وحججه على درجات القُرب والكمال، ويرفع المؤمنين بالتوفيق والإسعاد، والأولياء بالتقرّب والإمداد ، ورفع السماوات بغير عَمَد ترونها ، فكلّ رفعة وغلبة وعزّة منه تعالى .

(الضارّ النافع) أي يضرّ بالعقوبة والخذلان من استحقّ ذلك، وبالبلاء والمحن غضبا أو تكفيرا لسيّئاته، أو رافعا لدرجاته .

وإطلاق الضرر على بعض منها بحسب الظاهر، وإن كان في الواقع عائدا إلى النفع ، وأمّا إيصال نفعه تعالى من يشاء من عباده فغنيٌّ عن البيان؛ إذ لا خفاء في كونه تعالى مبدأ لكلّ رحمة، ومنشأ لكلّ نعمة وإحسان .

(الجواد الواسع) .

قال صاحب العُدّة :

الجواد، هو المُنعم المحسن، الكثير الإنعام والإحسان . والفرق بينه وبين الكريم أنّ الكريم الذي يعطي مع السؤال، والجواد الذي يعطي من غير السؤال . وقيل بالعكس (1) والواسع هو الذي وسِعَ غناه مفاقِرَ عباده، ووسع رزقه جميع خلقه . وقيل : الواسع: الغنيّ . والسعة: الغنى . وفلان يُعطي من سعته؛ أي من غنائه . انتهى (2).

وقيل : الواسع: مشتقّ من السعة، وهي تستعمل في المكان . وبهذا الاعتبار لا يمكن إطلاقه على اللّه تعالى ، وتستعمل مجازا في العلم والإنعام والمكنة والغنى . قال اللّه تعالى : «وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْما» (3) وقال : «لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ» (4) ولذلك فسّر الواسع بالعالم المحيط بجميع المعلومات، كلّيّها وجزئيّها، موجودها ومعدومها . وبالجواد الذي

ص: 526


1- عدّة الداعي ، ص 312
2- عدّة الداعي ، ص 311
3- غافر (40) : 7
4- الطلاق (65) : 7

عمّت نعمته، وشملت رحمته لكلّ برٍّ وفاجر ، [و] مؤمن وكافر . وبالغنيّ التامّ الغنيّ المتمكِّن فيما يشاء .

وقيل : الواسع الذي لا نهاية لبرهانه، ولا غاية لسلطانه، ولا حدّ لإحسانه (1).

(الجليل ثناؤه) .

الجليل: العظيم؛ أي لا يصل إلى أقصى ثنائه اللّائق بذاته المقدّسة عقول العارفين، ولا يحيط بمدحته وصف الواصفين .

(الصادقة أسماؤه) .

قيل : كلّ اسم من أسمائه تعالى مدحة دالّة على صفة في غاية الكمال، وصدقها عبارة عن ثبوت مدلولها في الواقع (2).

(المحيط بالغيوب) أي بحسب العلم والقدرة .

والمراد بالغيب الذي لا يدركه الحسّ، ولا يقتضيه بديهيّة العقل، وهو قسمان : قسمٌ لا دليل عليه _ قيل : منه قوله تعالى : «وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَا هُوَ» (3) _ وقسم نصب عليه دليل، كالصانع وصفاته، واليوم الآخر وأحواله .

(وما يخطُر على القلوب) .

في القاموس : «خَطَرَ بباله وعليه يَخطُر ويخطِر خطورا: ذكره بعد نسيان . وأخطره اللّه تعالى» (4).

(الذي جعل الموت بين خلقه عدلاً) .

قيل: في وصفه تعالى بتقدير الموت ترغيب في طاعته، والانزجار عن معصيته ، وذكر المعاد إليه ووعدِه ووعيده، والإعراض عن الدُّنيا، وبذل الفضل، وتكميل جميع الأخلاق، فهو محض عدل، حتّى لو لم يكن موت وقع الهرج، وفسد نظام الخلق، وبطل رفاهية العيش (5).

ص: 527


1- القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 26 ، ص 45
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 195
3- الأنعام (6) : 59
4- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 22 (خطر)
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 195

(وأنعم بالحياة عليهم فضلاً) أي بلا سبق استحقاق .

(وقدّر الأقوات أحكمها بعلمه تقديرا) ؛ لعلّ المراد ما أفاده بعض الأفاضل أنّه كانت الأقوات مقدّرة محدودة في علمه، أو قدّر الأقوات قبل خلق الخلائق، وأحكمها لعلمه بمصالحهم قبل إيجادهم (1).

وقوله : «تقديرا» نصب على التميز .

(فأتقنها بحكمه) .

في بعض النسخ: «بحكمته» .

(تدبيرا) .

في بعض النسخ: «تقديرا» . وتدبير الأمر فعله عن فكر وتأمّل ونظر إلى عاقبته . والمراد هنا ما يترتّب عليه من تعلّق العلم بصلاح آخره، كتعلّقه بصلاح أوّله من دون تردّد وتفكّر؛ يعني أتقن تدبير الأقوات بعد إيجاد الأشياء المحتاجة إليها على وفق حكمته، أو لعلمه بالحِكَم والمصالح .

وقيل : معنى تقدير الأقوات وإحكامه بعلمه وإتقانها أنّه تعالى جعل لكلّ نوع وصنف من أنواع المرزوقين وأصنافها رزقا معلوما على قدر معلوم لحكمة ومصلحة، بحيث لا يتغيّر ولا يتبدّل، ولا يمكن أن يُقال: لو كان الأمر على خلاف ذلك، كان أحسن .

وهذا معنى الإحكام والإتقان، وهما بمعنى واحد (2).

(إنّه خبيرا بصيرا) .

الخبير، بالضمّ: العليم . والخبير: العالم بدقائق [الاُمور ]وغوامضها، والمطّلع على حقيقتها وكُنهها .

وقيل : هو من خبرت الأرض: شققتها للزراعة (3).

والبصير: المبصر ، والمراد هنا العالم بالخفيّات، أو العالم بالمبصرات بنفس الذات .

ص: 528


1- أفاده العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 26 ، ص 46
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 195
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 195

وقيل: في ذكر البصير بعد الخبير _ الذي هو العالم المطلق _ ردّ على من زعم أنّه ليس عالما بالجزئيّات؛ لأنّ المبصرات كلّها جزئيّات (1).

(هو الدائم بلا فناء) .

في تقييد الدوام بعدم الفناء إشارة إلى دفع توهّم حمل دوامه تعالى على المعنى المتعارف، وهو الزمان الطويل مطلقا .

(والباقي إلى غير منتهى) .

الظاهر أنّ المراد نفي الانتهاء عن استمرار وجوده؛ لكونه واجب الوجود، فيستحيل عليه العدم مطلقا .

وقيل : أي من غير انتهاء لذاته، فلا يتّصف بحدّ ونهاية؛ لأنّهما من لوازم المقدار، وهو منزّه عنه(2) .

2 قوله : (أحمده بخالص حمده) أي بحمده الخالص عن الشوب والنقص .

(المخزون) أي المكتوم والمستور عن غير أهله، لا يطّلع عليه ولا يأتي بحقّه إلّا المقرّبون .

أو المذخور لأهله ليوم فاقتهم . يُقال : خزنت الشيء أخْزنته _ بالضمّ _ إذا كتمته، وحفظته .

وقوله : (بما حمده ...) بيان لسابقه .

وقوله : (لا يُحصى) على البناء للمفعول . يُقال : أحصيت الشيء؛ أي عَدَّدْتُهُ .

وقوله : (ولا يتقدّمه أمد) .

الأمد، بالتحريك: الغاية ؛ أي لا يكون مسبوقا بغاية ونهاية من جانب الأزل، أو من جانب الأبد أيضا . فتدبّر .

وفي بعض النسخ: «ولا يتقدّمه أحد» ، والأوّل أظهر وأنسب .

وقيل : معناه حينئذٍ أنّه لا يتقدّمه أحد بالتقدّم المعنوي بأن يحمد أفضل منه .

أو بالتقدّم

ص: 529


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 196
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 196

الزماني بأن يكون «حمده أحد» قبل ذلك (1)

(ولا يأتي بمثله) كمّا ولا كيفا .

(أحد) .

قيل في شرح هذا الكلام :

إنّه عليه السلام طلب لكونه كاملاً أن يكون حمده كاملاً من وجوه : الأوّل ، وهو الأصل في جميع العبادات : أن يكون خالصا من النقص والسمعة والرِّياء .

الثاني : أن يكون مخزونا لا يعلم قدره ولا وصفه ولا كماله إلّا اللّه .

الثالث : أن يكون كاملاً بكمال المحمود به وتعدّده، وهو ما حمد به الملائكة والنبيّون .

الرابع : أن يكون متكثّرا غير محصور ولا معدود، ولا يبلغه الأوهام .

الخامس : أن يكون في كمال ذاته وخصوص صفاته بحيث لا يتقدّمه أحد، ولا يأتي بمثله أحد .

واختلفوا في أنّ الحامد بالحمد الإجمالي على هذا الوجه هل يثاب بثواب ما تمنّاه، أو بثواب ما فوق الواحد، أو بثواب حمد واحد؟

فذهب إلى كلٍّ فريقٍ ، والأخير بعيد؛ لظهور الفرق بينه وبين الواحد ، والثاني قويّ؛ للفرق بين الإجمال والتفصيل . والأوّل أقوى؛ إذ لا نقص في كرمه تعالى .(2).

وقوله : (وأستقضيه بخير) .

استقضى فلان، أي صيّر قاضيا. واستقضى فلانا دَينه: طلب إليه أن يقضيه .

وقيل : استقضيته حقّي، أي أخذته ؛ يعني أطلب أن يكون قاضيا حاكما لي بخير، أو أطلب أخذ الخير منه(3).

في بعض النسخ: «استقصيه» بالصاد المهملة . يُقال : استقصى فلان في المسألة، إذا بلغ الغاية .

ص: 530


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 26 ، ص 46
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 196
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 196

والباء في «بخير» إمّا زائدة، أو بمعنى «في»، أو للسببيّة . والتنوين للتعظيم، أو للتكثير .

وقوله : (أرسله بالهدى) .

قال البيضاوي : أي ملتبسا به، أو بسببه، أو لأجله .

«وَدِينِ الْحَقِّ » : دين الإسلام .

«لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّيْنِ كُلِّه» (1) ؛ ليغلبه على جنس الدِّين كلّه، بنسخ ما كان حقّا، وإظهار فساد ما كان باطلاً، أو بتسليط المؤمنين (2). على أهله؛ إذ ما من أهل دين إلّا وقد قهرهم المسلمون . وفيه تأكيد لما وعده من الفتح (3).

انتهى كلامه في سورة الفتح . وقال في سورة التوبة : «الضمير في «ليظهره» للدين الحقّ، أو للرسول . واللّام في الدِّين للجنس ؛ أي على سائر الأديان، فينسخها . أو على أهلها، فيخذلهم» (4). انتهى .

ويظهر من أخبار الأئمّة الأطهار عليهم السلام أنّ الإظهار على الأديان كلّها إنّما يكون في زمن القائم عليه السلام كما قال تعالى : «وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للّهِِ» (5) .

والهدى، بالضمّ: الرشاد، والدلالة، ويُطلق على القرآن والإيمان .

وقوله : (إنّ الدُّنيا ليست لكم بدار ولا قرار) ؛ تنفير عن الركون إليها، وتنبيه على سرعة زوالها ولزوم فراقها .

قال الجوهري : «القرار: المستقرّ من الأرض» (6).

وفي القاموس : «القرار والقرارة: ما قرّ فيه، والمطمئنّ من الأرض . وقرّ بالمكان يَقرّ _ بالفتح والكسر _ قرارا: ثبت، وسكن» (7) .

(إنّما أنتم فيها كركب) إلى قوله : (راحوا) .

الرَّكْب: اسم جمع لرُكبان الإبل. والتعريس: نزول المسافر في آخر الليل للاستراحة .

ص: 531


1- التوبة (9) : 33 ؛ الصفّ (61) : 9
2- في المصدر : «المسلمين»
3- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 208
4- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 142
5- الأنفال (8) : 39
6- الصحاح، ج 2 ، ص 788 (قرر)
7- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 115 (قرر) مع التلخيص

وأنخت البعير فاستناخ؛ أي أبركته، فبرك. واستقلّ القوم: مضوا، وارتحلوا. واستقلّوا: حملوا، ورفعوا .

والغُدوّ: الدخول في الغداة، وهي ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، والذهاب فيها.

والرواح: الدخول في الرَّواح، وهو من زوال الشمس إلى الليل، والمسير فيه .

قيل : ثمّ كثر استعمالهما في الذهاب والمسير؛ أي وقت كان من ليل أو نهار (1).

وقال بعض الشارحين :

إنّه عليه السلام شبّههم بجماعة الفرسان المسافرين، وأشار إلى وجه الشّبه بقوله : «عرسوا ...» ، وهو متحقّق في المشبّه به حسّا، وفي المشبّه عقلاً، أو شبّههم بالذين ماتوا على أن يكون المراد بالركب الجماعة الماضين بقرينة ما بعده . والوجه وهو ما ذكر متحقّق في الطرفين عقلاً .

توضيح ذلك: أنّ الإنسان _ وهو النفس حقيقة _ بعد نزوله في هذا المنزل وهو الدنيا في مدّة قليلة سائر إلى دار الآخرة سريعا، ومركبه البدن والقوى النفسانيّة، وطريق مسيره العالم المحسوس والمعقول، وسيره هو تصرّفه في العالمين لتحصيل السعادة أو الشقاوة في الآخرة.

وفيه ترغيب في الأوّل، وتحذير عن الثاني (2).

(دخلوا خفافا، وراحوا خفافا) .

الخفاف، بالكسر: جمع الخفيف، وهو ضدّ الثقيل . وضمير الجمع للركب؛ أي دخلوا في الدنيا عند ولادتهم خفافا من أمتعتها، بلا زاد ولا مال، وراحوا، وخرجوا منها عند الموت إلى الآخرة خفافا منه .

ويحتمل كون الخفاف دخولاً وخروجا كناية عن الإسراع.

وفيه على الأوّل تنفير عن الدُّنيا ومتاعها، وعلى الثاني عن الركون إليها بأنّ مدّة إقامتهم فيها ليس لها قدر محسوس .

(لم يجدوا عن مُضيّ نُزوعا) .

الظرف متعلّق بالنزوع؛ أي لم يقدروا على الإباء والامتناع عن المضيّ والذهاب .

ص: 532


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 197
2- شرح المازندراني ، ج 12 ، ص 197

قال الجوهري : «نزع عن الاُمور نزوعا: انتهى عنها» (1)

وفي القاموس : «نزع الشيء نزوعا: كفّ، وأقلع عنه» (2).

(ولا إلى ما تركوا رجوعا) أي لم يجدوا سبيلاً للرجوع إلى ما تركوا من المساكن والأموال والأهل والأولاد .

أو المراد أنّ رحيلهم من الدُّنيا إلى الآخرة، وقطع عقبات الموت وما بعده أمرٌ اضطراري، وليس لهم قدرة على الرجوع إلى الدُّنيا بعد الخروج منها، وتدارك ما فات منهم من الأعمال الصالحة .

(جُدّ بهم فجدّوا) .

الباء للتعدية. والفعل الأوّل على بناء المفعول، والثاني على بناء الفاعل .

قال الجوهري : «الجدّ: نقيض الهزل. تقول منه: جَدّ في الأمر يجدّ _ بالكسر _ جدّا. والجِدّ : الاجتهاد في الاُمور. تقول منه: جدّ في الأمر يَجِدّ جدّا» (3). انتهى.

أي حُثّ بهم، ودعوا على المضيّ والإسراع في السير، فاجتهدوا فيهما اضطرارا .

قال بعض الفضلاء : فيه استعارة تمثيليّة، شبّه سرعة زوال القوى وتسبّب أسباب الموت وكثرة ورود ما يوجب الزوال من الأسباب الخارجة والداخلة برجال يحثّون المراكب، والأجساد بتلك المراكب، والعمر بالمسافة التي يقطعها المسافر، والأجل بالمنزل يحلّ فيه (4).

وقيل : قوله عليه السلام : «أنتم فيها كركب» إلى قوله : «وركنوا إلى الدُّنيا» شبّههم أوّلاً في نفسه بمن مضى من أمثالهم، ثمّ شبّه من مضى من أمثالهم بالركب الذين وصفهم بما وصفهم، إلى قوله : «فجدوا».

ثمّ انتقل من وصف الركب إلى وصف من مضى؛ أعني من وصف المشبّه به إلى وصف المشبّه ، فقال : (وركنوا إلى الدُّنيا) ؛ تنبيها على التشبيه الأوّل الذي كان في نفسه . انتهى (5).

ص: 533


1- الصحاح ، ج 3 ، ص 1289 (نزع) مع اختلاف يسير في اللفظ
2- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 88 (نزع)
3- الصحاح ، ج 2 ، ص 454 (جدد)
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 26 ، ص 48
5- حكاه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 26 ، ص 48

وقال الجوهري : ركن إليه يركُن بالضمّ .

وحكى أبو زيد: رَكَنَ إليه _ بالكسر _ يَركن ركونا فيهما؛ أي مالَ إليه، وسكن . وأمّا ما حكى أبو عمرو: ركن يركن _ بالفتح فيهما _ فإنّما هو على الجمع بين اللغتين (1).

(فما استعدّوا) أي لتهيئة أسباب الآخرة .

وقوله : (أُخِذَ بكظمهم) ؛ كناية عن موتهم .

في القاموس : «الكظم، محرّكة: الحلق، أو الفم، أو مخرج النفس» (2)

وقال في النهاية : «جمعه: كِظام» (3).

(وخلصوا) أي وصلوا .

(إلى دار قوم جفّت أقلامهم) .

هذا الكلام كاد أن يجري مجرى الأمثال في إتمام الأمر وانقضائه، والأمر الماضي المحتوم الذي لا يغيّر ولا يبدّل .

وقيل : هو كناية عن امتناع التلاقي .

وقيل : «جفّت أقلامهم» أي سكنت قواهم عن الحركات، كالكتابة حين جفّت أقلامهم التي كانوا يكتبون بها، أو جفّت أقلام الناس من كتابة آثارهم؛ لبُعد عهدهم ومحو ذكرهم . أو جفّت أقلام أهل السماوات من تقدير اُمورهم المتعلّقة بحياتهم (4).

وقيل : المراد بالأقلام أقلام كرام الكاتبين، والإضافة لأدنى ملابسة . وجفافها كناية عن انقطاع عملهم .

قال : ويحتمل أن يكون كناية عن جريان ما كتب في اللوح المحفوظ من مقادير أحوالهم، تمثيلاً لفراغ الكاتب من كتابته، ويُبس قلمه (5).

(لم يبق من أكثرهم خبر ولا أثر) .

الخبر، محرّكة: البناء . والأثر، محرّكة أيضا: بقيّة الشيء، والخَبَر .

ص: 534


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 26 ، ص 48
2- الصحاح ، ج 5 ، ص 2126 (ركن) مع التلخيص
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 9 (كظم)
4- النهاية ، ج 4 ، ص 178 (كظم)
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 198

وقد يفرّق بينهما بأنّ المراد بالأوّل خبر أسمائهم وصفاتهم وأفعالهم ، وبالثاني أثر مساكنهم وأموالهم وقبورهم .

ولعلّ المراد بالأكثر الجميع، كما هو الشائع .

وقيل : التقييد بالأكثر؛ لبقاء خبر بعضهم وأثره بعدُ في الجملة (1).

وقوله : (بعثهم) أي إرسالهم وانتقالهم إلى الآخرة بسبب الموت .

(فأصبحتم حلولاً في ديارهم، ظاعنين على آثارهم) .

أصبح الرجل؛ أي دخل في الصباح. وأصبح فلان عالما؛ أي صار .

والحلول _ بالضمّ _ جمع الحالّ، كشهود وشاهد .

والدِّيار جمع الدار . والمراد هنا ما يعمّ مساكنهم ومقابرهم .

والظعن، بالسكون والتحريك: السير، وفعله كمنع .

وقيل: في جعل «ظاعنين» حالاً من «أصبحتم» دلالة على اتّحاد زمان الحلول والارتحال مبالغة، وفيه تحريك للنفوس العاقلة إلى الاستعداد للارتحال، وتجهيز سفر الآخرة . انتهى (2).

أقول : بناء هذا التوجيه على أنّ المراد بالظعن الارتحال من الدُّنيا إلى الآخرة، وبالأثر العقب، وهو خلاف الظاهر ، بل الظاهر المتبادر سائرين في مساكنهم ومواضع آثارهم .

(والمَطايا بكم تسير سيرا) .

قال الجوهري : «سارت الدابّة، وسارها صاحبها، يتعدّى ولا يتعدّى» (3).

والظرف متعلّق بالسير . والباء للتعدية، أو للتقوية .

والمطايا: جمع المطيّة، وهي دابّة تمطو وتجدّ في سيرها . ولعلّ المراد بها الليل والنهار، بقرينة ما سيأتي من قوله : (نهاركم بأنفسكم دؤوب) إلى آخره .

أو الأعمار على سبيل الاستعارة. وتأكيد الفعل بالمصدر؛ للدلالة على سرعته وشدّته ، كما أشار إليه بقوله : (ما فيه أين، ولا تفتير) .

كلمة «ما» نافية .

ص: 535


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 198
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 198 و 199
3- الصحاح ، ج 2 ، ص 691 (سير)

قال الجوهري : «الأين: الإعياء . قال أبو زيد : لا يُبنى منه فعل» (1).

وفي القاموس : «فَتَر يَفترُ فُتُورا وفَتارا: سكن بعد حدّةٍ، ولانَ بعد شدّةٍ. وفتره تفتيرا» انتهى (2).

والظاهر أنّ الضمير المجرور راجع إلى السير . والمعنى: ليس في ذلك السير إعياء ولا تفتير لتلك المطايا، فتسكن عن السير، وتضعف زمانا. أو تقول: إرجاع الضمير إلى السير مجاز عن المطايا، والمراد: ليس في تلك المطايا إعياء ولا تفتير .

قال بعض الشارحين :

فيه تنبيه للغافلين النازلين في الدُّنيا على لزوم خروجهم منها سريعا ؛ لأنّ قلّة المسافة وسرعة المركوب في السير، مع انتفاء الإعياء والتفتير، يستلزم قطع تلك المسافة في أقرب أوقات الإمكان، ولا تظنّ أيّها الغافل أنّك مقيمٌ ؛ فإنّ من كانت مطيّته الليل والنهار، فهو سائر وإن كان واقفا، وقاطع للمسافة وإن كان مقيما، كما يجد ذلك راكب السفينة .

وقد أشار عليه السلام إلى توضيح ذلك بقوله : (نهاركم بأنفسكم دؤوب، وليلكم بأرواحكم ذَهوب) (3).

في القاموس : «دأب في علمه _ كمنع _ دَأبا _ ويحرّك _ ودؤوبا، بالضمّ: جدّ، وتعب.

وأدأبَهُ. والدَّأبُ أيضا، ويحرّك: السوق الشديد، والطَّرْد» انتهى (4).

والظرف في الموضعين متعلّق بما بعده، والتقديم لرعاية السجع ، والباء فيهما للتعدية ؛ أي نهاركم يتعبكم، ويجدّ بكم في حركاتكم وأفعالكم، وليلكم يُذهب أرواحكم بسبب النوم، وذلك كلّه لفناء أجسادكم .

ويحتمل كونها للسببيّة؛ أي نهاركم يجدّ ويسرع ويتعب بسبب أنفسكم، ولأجل إذهابها وإفنائها، ويسعى ليلكم في إذهاب أرواحكم .

وفي الجمع بين النهار ودؤوب الأنفس، وبين الليل وإذهاب الأرواح من اللطف ما لا يخفى .

ص: 536


1- الصحاح ، ج 5 ، ص 2076 (أين)
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 107 (فتر)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 199
4- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 64 (دأب) مع تلخيص

(فأصبحتم تَحكون من حالهم حالاً) أي صرتم بحيث تماثل حالكم وصفاتكم حالَهم وصفاتِهم، وتُخبر أوضاعكم وأطواركم عن أوضاعهم وأطوارهم؛ لموافقتها لها.

وضمير «حالهم» راجع إلى قوم جفّت أقلامهم .

قال الفيروزآبادي : «الحال : كنية الإنسان، وما هو عليه _ كالحالة _ والوقت الذي أنت فيه، ويُذكّر . وحالات الدهر وأحواله: صُروفه» (1).

وقال : «حكوت الحديث أحكوه _ كحكيته _ أحكيه. وحكيت فلانا وحاكيته: شابهته، وفعلت مثل فعله أو قوله سواء. وعنه الكلام حكايةً: نقلته» (2).

(وتحتذون من مسلكهم مثالاً) .

في القاموس : «المِثال: المقدار، والصفة»(3).

ونصبه على المفعوليّة؛ أي تقتدون بهم في سلوكهم .

في القاموس : «احتذي مثاله؛ أي اقتدي به» (4).

في بعض النسخ : «تحتدون» بالدال المهملة، والمآل واحد . قال في القاموس : «حَدَى الليلُ النهارَ: تبعه، كاحتداه» (5).

والسلك _ بالفتح _ مصدر بمعنى الذهاب، والسير، كالسلوك، وفعله كنصر . ويحتمل أن يقرأ: «السِّلك» بالكسر، أو كعنب .

في الصحاح : «السِّلكُ: الخيط» (6).

وفي القاموس : «السِّلْكة، بالكسر: الخيط يُخاط بها. الجمع: سِلَك» (7).

ويحتمل أيضا كون السَّلك _ بالفتح _ بمعنى إدخال الشيء في الشيء .

وفي بعض النسخ: «من مسلكهم» أي طريقهم .

وقوله : (سَفْر حلول) أي مسافرون، سافرتم من منازل عالم الأرواح، وحللتم فيها .

(الموت بكم نزول) بفتح النون؛ أي نازل، أو بضمّها .

ص: 537


1- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 364 (حول)
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 319 (حكي)
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 49 (مثل)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 316 (حذو)
5- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 315 (حدو)
6- الصحاح ، ج 4 ، ص 1591 (سلك)
7- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 307 (سلك)

والحمل على المبالغة .

(تنتضل فيكم مناياه) .

يُقال : انتضل القوم، وتناضلوا؛ أي راموا للسبق .

والمنايا: جمع المنيّة، وهي الموت . والظاهر أنّ ضمير «مناياه» راجع إلى الموت، بأن يُراد بالمنايا أسبابه من الأمراض والبلايا، اُطلق عليها مجازا تسميةً للسبب باسم المسبّب .

وقيل : لعلّ الضمير راجع إلى الدُّنيا، بتأويل الدهر، أو لتشبيهها بالرجل الرامي؛ أي ترمى إليكم المنايا في الدّنيا سهامها فتهلككم ، وسهامها هي الأمراض والبلايا الموجبة للموت .

قال : ويحتمل أن يكون فاعل «تنتضل» الضمير الراجع إلى الدُّنيا، ويكون المرمي المنايا (1).

وفي بعض النسخ: «تنتصل» بالصاد المهملة .

في القاموس : «نصل فيه السهم: ثبت. ونَصَلته أنا، وانتصل: خرج نصلُه» (2)

وفي نهج البلاغة في كلام له عليه السلام : «إنّما أنتم في هذه الدُّنيا غرض تنتضل فيه المنايا» (3).

وعلى أيّ تقدير في المنيّة تشبيه بالرامي مكنيّة، وإثبات الانتضال تخييليّة، وجعل الإنسان غرضا مكنيّة اُخرى، وإثبات الانتضال والمنتضل له ترشيح .

(وتَمضي بأخباركم) إلى قوله : (والحساب) .

قيل : الأخبار: الأعمال . ويمكن توجيهه بوجوه :

الأوّل : أن يكون المراد بالمطايا الأشخاص التي ماتوا قبلهم ومضيّهم بأخبار هؤلاء؛ لأنّهم إن أحسنوا إليهم أو أساؤوا، يذكرون عند محاسبة هؤلاء الموتى ومجازاتهم إمّا بالخير أو بالشرّ .

والثاني : أن يكون المراد بالمطايا عين تلك الأشخاص المخاطبين ومن بحكمهم؛ أي أنتم مطايا الدُّنيا، قد حملت عليكم أعمالكم، وتسيّركم إلى دار الثواب والعقاب .

والثالث : أن يكون المراد بالمطايا حفظة الأعمال، ونسبتهم إلى الدنيا لكون أعمالهم

ص: 538


1- القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 26 ، ص 49 و 50
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 57 (نصل) مع اختلاف يسير في الألفاظ
3- نهج البلاغة ، ص 202 ، الكلام 145

فيها، وحفظهم لأعمال أهلها.

والرابع: أن يكون المراد بالمطايا الأعمار ؛ أي تمضي بكم مطاياه مع أعمالكم (1).

ولا يخفى بُعد تلك التوجيهات وضعفها . والأظهر ما [قيل] من أنّ إضافة مطايا إلى ضمير الموت من قبيل «لجين الماء»، أو فيه مكنيّة وتخييليّة بتشبيه الموت بالرسول الذي يبلغ خبر الغائب ، وإثبات المطايا له، وإمضاء الإخبار ترشيح، وإسناده إلى المطايا مجاز من باب إسناد فعل الحال إلى المحلّ، كأنّ الموت يخبر أهل الثواب وأهل العقاب بخبره ووصوله .

والمراد بدار الثواب ودار العقاب إمّا القيامة الكبرى، أو الصغرى، وهي البرزخ؛ فإنّ كلّ من كان فيه يعلم بعد موته أنّه من أهل الثواب، أو من أهل العقاب (2).

وقوله : (راقب ربّه) .

قال الجوهري : «الرقيب: الحافظ . والرقيب: المنتظر. وراقب اللّه في أمره؛ أي خافه» انتهى (3)

وقيل : مراقبته تعالى بأن يخلّي الظاهر والباطن عن الرذائل، ويحلّيهما بالفضائل، وينظر إلى جميع حركاته وسكناته ولحظاته، فإن كانت إلهيّة بادر إليها، وإن كانت شيطانيّة تعجّل إلى دفعها ، وسبب تلك المراقبة هو العلم بأنّه تعالى مطّلع على السرائر والضمائر (4).

(وتنكّب ذنبه) .

في الصحاح : «تنكّبه؛ أي تجنّبه» (5).

(وكابر هواه) أي قاتلها، وعاندها، وخالفها .

وفي بعض النسخ: «كابد هواه». المكابدة: الممارسة، والمقاساة . والمراد هنا تحمّل المشاقّ على ترك الهوى .

(وكذّب مناه) ؛ بفتح الميم، وهو القدر، والقصد؛ أي يكذّب ما يقدّره في نفسه، أو يقصده من الأباطيل.

ص: 539


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 26 ، ص 50
2- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 200
3- الصحاح ، ج 1 ، ص 137 (رقب) مع تلخيص
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 200
5- الصحاح ، ج 1 ، ص 228 (نكب)

أو بضمّها، وهو جمع مُنية _ بالضمّ والكسر _ بمعنى المراد، والمتمنّى، وشاع استعمالها في الأماني الكاذبة؛ أي قابل بالتكذيب والإنكار والدفع، وما يلقى إليه النفس والشيطان من الغرور وطول الأمل وتحصيل الاُمور الدنيويّة الباطلة ومنافعها الزائلة .

(امرأ) .

النصب على أنّه بدل من قوله : «امرأ» أوّلاً .

وفي بعض النسخ: «امرءٌ» بالرفع، على أنّه خبر مبتدأ محذوف؛ أي الإمرء المذكور سابقا .

(أزمّ (1) نفسه من التقوى بزمام) .

في بعض النسخ: «زمّ» بدون الهمزة، وهو أظهر .

قال الجوهري : «زممت البعير: خَطَمته»(2) وقال: «الخطام: الزمام»(3) وقال : «الزِّمام: الخيط الذي يشدّ في البرّة، ثمّ يشدّ في طرفه المِقوَد، وقد يسمّى المقود زماما» (4).

وقوله : (بلجام) .

اللجام _ بالكسر _ معرّب «لِگام» .

وقوله : (فقادها) إلى قوله : (أوان حَتفه) .

القود: نقيض السوق، فهو من أمام، وذاك من خلف .

ويُقال : قدعت دابّتي _ بالقاف _ كمنعت، قدعا، إذا جذبتها إليك باللجام لتقف . والقَدَعْ أيضا: الكفّ .

وفي بعض النسخ: «قرعها» بالقاف والراء، من القرع كالمنع، وهو القهر، والدقّ، والضرب .

وقد شبّه عليه السلام النفس بالدابّة الحَرون، والتقوى بالزمام، والخشية باللجام، ثمّ فرّع على كلٍّ ما يناسبه .

والطَّرف: العين. وطرف بصره، كضرب: أطبق أحد جفنيه على الآخر . والمراد هنا النظر القلبي، وتوجّهه إلى الآخرة والأسباب المؤدّية إلى النجاة فيها .

ص: 540


1- في المتن الذي ضبطه الشارح رحمه الله سابقا : «زمّ» بدون الهمزة
2- الصحاح ، ج 5 ، ص 1944 (زمم)
3- الصحاح ، ج 5 ، ص 1915 (خطم)
4- الصحاح ، ج 5 ، ص 1944 (زمم)

والحتف: الموت. وكونه متوقّعا له أنّه لمّا علم وروده جزما، ولم يعلم زمان وقوعه، انتظر كونه وحصوله في كلّ آنٍ، ويلزم منه عدم ركونه إلى الدُّنيا وزخارفها، والسعي في تحصيل أسباب السعادة الاُخرويّة ونعيمها .

(دائم الفكر) ؛ فيما يتعلّق بأحوال المبدأ والمعاد .

والفكر، بالكسر، ويفتح: إعمال النظر في الشيء. وكعنب: جمع الفِكرة، بمعنى الفكر .

(طويل السهر) ؛ كناية عن القيام بوظائف الطاعات في الليل.

والسهر _ بالتحريك _ مصدر قولك: سهر فلان _ كفرح _ إذا لم ينم ليلاً .

(عَزوفا عن الدُّنيا) بفتح العين (سَأما كدوحا لآخرته) .

قال الجوهري : «عَزفت نفسي عن الشيء تَعزُف وتَعزِف عُزُوفا ؛ أي زهدت فيه، وانصرفت عنه» (1).

وقال : «سئمتُ من الشيء أسأمُ سَأما وسَأمَةً، إذا مللته . ورجلٌ سَؤومٌ» (2).

وقال : «الكَدْح: العمل، والسعي، والكسب . يُقال : هو يكدح في كذا، أي يكدّ» (3).

(متحافظا) أي متحرّزا عن المحارم، ذابّا نفسه عنها، غير غافل عن مخاطرات النفس ووساوس الشيطان .

وأصل الحفظ : الحراسة، وقلّة الغفلة .

(امرء اجعل الصبر مَطيّة نجاته) ؛ استعار المطيّة للصبر؛ لكونه سببا للنجاة مثلها .

والمراد بالصبر حمل النفس على الطاعة، وترك المعصية، وعدم الجزع عند المصيبة .

وقوله : (عُدّة وفاته) .

قال الجوهري : «العدّة، بالضمّ: الاستعداد . والعُدّة أيضا: ما أعددته لحوادث الدهر من المال والسِّلاح» (4) .

وقال : «الوفاة: الموت» (5).

ص: 541


1- الصحاح : ج 4 ، ص 1403 (عزف)
2- الصحاح ، ج 5 ، ص 1947 (سأم)
3- الصحاح ، ج 1 ، ص 398 (كدح)
4- الصحاح ، ج 2 ، ص 506 (عدد)
5- الصحاح ، ج 6 ، ص 2526 (وفي)

(ودواء أجوائه) .

في القاموس : «الدواء، مثلّثة: ما داويت به، وبالقصر: المرض» (1) وفيه: «الجوى: الحُزن، والحُرقة، وشدّة الوَجْد، وتطاول المرض، وداء في الصدر» انتهى (2).

والظاهر أنّ المراد بالدواء هنا المعنى الأوّل، وكونه بالنصب عطفا على العدّة، واحتمالُ إرادة المعنى الثاني منه، وجعل الإضافة بيانيّة، وعطفه على الوفاة بعيد .

وظاهر أنّ التقوى دواء الأمراض القلبيّة والبدنيّة، وميلهما عن طريق الرشاد والسداد .

(فاعتبر) ؛ عطف على قوله : (جعل) ؛ يعني تدبّر، وتفكّر في كيفيّة أحوال السابقين، وأنّهم كيف انتقلوا سريعا من هذه الدار، وارتحلوا عن المال والعيال، ونزلوا قبورهم، ولم يبق معهم سوى الأعمال . (وقاس) أحواله بأحوالهم، وقدّر نفسه على مثالهم، حتّى كأنّه كأحدهم .

(وترك الدُّنيا والناس) .

المراد بالناس أهل الدُّنيا الراغبين إليها، المائلين بزخارفها .

الواو للعطف؛ أي ترك الدُّنيا بالزهد فيها، وترك الناس مع ما هم فيه، ولم يرغب بمثل أفعالهم، ولا بمعاشرتهم ومخالطتهم؛ لعلمه بأنّها مُفسِدةٌ لدينه ودنياه .

ويحتمل أن يكون الواو بمعنى «مع» .

(يتعلّم للتفقّه والسَّداد) .

قال الجوهري : «الفقه: الفهم . تقول منه: فقِه الرجل _ بالكسر _ ثمّ سمّي به علم الشريعة. وتفقّه: إذا تعاطى ذلك» (3) وقال : «السَّداد: الصواب، والقصد من القول والعمل» (4) انتهى .

يعني غرضه من التعلّم تحصيل الفقه والسّداد، لا الرّياء والسمعة، وصرف وجوه الناس إليه، وأمثالها ممّا ينافي الغرض المطلوب من التفقّه شرعا .

ص: 542


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 329 (دوي)
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 314 (جوي) مع تلخيص
3- الصحاح ، ج 6 ، ص 2243 (فقه)
4- .الصحاح ، ج 2 ، ص 485 (سدد)

(وقد وقّر قلبه ذكرُ المعاد) .

يحتمل كون «وقر» على صيغة الماضي المجرّد، وفاعله ذكر المعاد ، و«قلبه» مفعوله، من الوقر _ بالفتح _ وهو تثقيل الاُذن، أو إذهاب السمع كلّه؛ أي ثقل اُذن قلبه ذكر المعاد عن سماع غيره، أو أذهب سمع قلبه عن سماع غير المعاد بالكلّيّة، بحيث لا يصغي إلى ذكر غيره .

في القاموس : «الوَقْر: ثقل في الاُذن، أو ذهاب السمع كلّه. وقد وقر _ كوعد ووجِل _ ومصدره : وقر، بالفتح، والقياس بالتحريك. ووُقِر _ كعُني _ ووقرها اللّه يقرها» انتهى (1).

وهذا صريح في أنّ الوَقْر يستعمل لازما ومتعدّيا، والمراد هنا الثاني، وإرادة الأوّل بناءً على الحذف والإيصال محتمل .

وما قيل من أنّه من الوِقر _ بالكسر _ وهو الحمل الثقيل، ففيه أنّ المناسب حينئذٍ: «أوقر» بالألف، ولا يستعمل منه الفعل إلّا من باب الإفعال، كما يفهم من كلام أهل اللغة .

وقرأ بعضهم: «وقّر» بتشديد القاف، وقال : التوقير هنا إمّا بمعنى التعظيم والتبجيل ، أو بمعنى الترزين والتسكين. و«قلبه» على الأوّل فاعل، وذكر المعاد مفعول . وعلى الثاني بالعكس .

قال :

والمراد بتعظيم ذكر المعاد هو التوجّه إلى الاستعداد له، وتحصيل ما ينفع فيه، وترك ما ينافيه من أغراض الدُّنيا، وبتسكين القلب وترزينه تسكينه عن الاضطراب من فوات الدُّنيا، وترزينه عن الميل إلى زهراتها (2).

وقال بعض الأفاضل : «معناه أنّه حمل على قلبه ذكر المعاد» . قال : «ويحتمل أن يكون ذكر المعاد فاعلاً للتوقير؛ أي جعل ذكر المعاد قلبه ذا وقار لا يتّبع الشهوات والأهواء» (3). انتهى . فليتأمّل .

(وطَوى مِهاده، وهجر وَساده) .

في القاموس : «المِهاد، ككتاب: الفِراش»(4).

ص: 543


1- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 155 (وقر)
2- قال المحقّق المازندراني رحمه الله فى شرحه ، ج 12 ، ص 202
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله فى مرآة العقول ، ج 26 ، ص 52
4- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 339 (مهد)

وفيه: «الوَساد: المتّكأ، والمخدّة، كالوسادة، ويثلّث» (1).

والظاهر طيّ المِهاد كناية عن ترك النوم والاستراحة في الأوقات التي يجب، أو يستحبّ فيها الاشتغال بالعبادة لا مطلقا، كما يفهم من الأخبار الكثيرة ، وكذا هجر الوساد .

(منتصب على أطرافه) أي على رجليه، أو بأعضائه كلّها، بأن يستعمل كلّاً منها فيما هو مطلوب منه .

في القاموس : «الطَّرَف، محرّكة: الناحية، والطائفة من الشيء . والأطراف الجمع . ومن البدن: اليدان والرجلان والرأس» (2).

(داخل في أعطافه) ؛ كأنّه جمع عِطاف، وهو الرداء ؛ يعني مرتديا .

وقيل : كأنّه جمع عطف الشيء _ بالكسر _ وهو جانبه، ويكون إشارة إلى أنّ غلبة النوم المحرّك له إلى جانبه لا تمنعه من القيام بوظائف الطاعات (3).

في القاموس : «عطف يعطف: مال . والوسادة: ثناها. وككتاب وكمنبر: الرداء. وعِطفا كلّ شيء _ بالكسر _ جانباه. وهو ينظر من عطفيه؛ أي مُعجب. وجاء ثاني عِطفه؛ أي لاويا عنقه» (4)

وفي النهاية: «عِطفا الرجل: ناحيتا عنقه» (5).

(يُراوح بين الوجه والكفّين) .

المراوحة بين العملين : أن يعمل هذا مرّة وهذا مرّة. وبين الرجلين : أن يقوم على كلّ مرّة. وبين جنبيه : أن ينقلب من جانب إلى جانب .

ولعلّ المراد بمراوحة الوجه والكفّين أن يعمل بالتناوب ما يتعلّق بكلّ منهما من العبادات، بحيث يريح إحداهما الاُخرى، بأن يضع جبهته وخدّه تارةً على التراب للسجود، ويرفع كفّيه تارة إلى السماء للدعاء والقنوت، أو يرفع تارة وجهه إلى السماء، واُخرى كفّيه إليها، ونحو ذلك ممّا يناسب كلّاً منها .

(خَشوع) بالفتح .

ص: 544


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 345 (وسد)
2- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 168 (طرف)
3- قاله المحقّق المازندرانى رحمه الله فى شرحه ، ج 12 ، ص 202
4- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 176 (عطف) مع التلخيص
5- النهاية ، ج 3 ، ص 257 (عطف)

(في السرّ لربّه) .

السرّ، بالكسر: ما يكتم . وجوف كلّ شيء : ربّه . والمراد به هنا خلاف العلانية، أو القلب، وخشوعه: اطمئنانهُ بذكر اللّه ، وفراغه عمّا سواه .

(لدمعه صَبيب) .

صبّ _ كعزّ _ صبيبا، إذا سكب، وهوى قليلاً قليلاً . الصبيب هنا صفة مشبّهة، ومعناه أنّ ذلك المرء صابّ كثير الصبّ لدمعه .

وأقول : كونه مصدرا أنسب بالفقرات الآتية .

(ولقلبه وَجيب) .

وجب القلب، إذا اضطرب .

(شديدة أسباله) .

أسبل المطر والدمع إسبالاً، أي تتابعا وهطلا . والاسم: السَّبَل، محرّكة، ويجمع على أسبال، كبطل وأبطال .

والظاهر هنا فتح الهمزة؛ ليناسب تأنيث المسند .

وقوله : (ترتعد) من الارتعاد، وهو الاضطراب .

وقوله : (أوصاله) .

في القاموس : «المَوصِل: معقد الحَبل في الحَبْل. والأوصال: المفاصل، أو مجتمع العظام. وجمع وصلٍ _ بالكسر والضمّ _ كلّ عظم لا يكسر ولا يخلط بغيره» (1).

(قد عظمت فيما عند اللّه ) من الكرامة والنعيم .

(رغبته) أي أراد به وسيلة، وعلامة تلك الرغبة الاشتغال بأسباب الوصول إلى ما عند اللّه .

(واشتدّت منه) أي من عقوبة اللّه .

(رهبته) أي خوفه.

وعلامة تلك الرهبة التحرّز عمّا يؤدّي إليها .

(راضيا بالكفاف من أمره) أي أمر معاشه، أو مطلقا .

ص: 545


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 64 (وصل)

والكفاف، بالفتح: ما كفّ عن الناس وأغنى، رزقا كان أو غيره .

(يُظهر دون ما يكتم) .

الكتمان والكتم: إخفاء السرّ، وفعله كنصر .

ولعلّ المراد أنّه يظهر قليلاً من علمه، فيكون مفاده مفاد الفقرة الآتية .

وقيل : أي يظهر للناس من كمالاته وعباداته ونيّاته أقلّ ممّا يكتم .

قال : ويحتمل أن يكون المراد ما يطّلع عليه من عيوب الناس (1).

وقيل : أي يظهر ما ينبغي إظهاره ممّا فيه صلاحه وصلاح الخلق، دون ما ينبغي كتمانه من كمالاته وعباداته وأسراره، وغيرها ممّا في إظهاره فساده، أو فساد غيره .

وفيه ترغيب في الاقتصار على الإظهار قبل البلوغ إلى [حدّ] ما يكتم (2).

(ويكتفي بأقلّ ممّا يعلم) .

قيل : أي يكتفي من إظهار أعماله وأحواله بأقلّ ممّا يعلم، أو يكتفي في التنبيه باُمور المبدأ والمعاد، وما يحثّه على العمل بأقلّ ممّا يعلم منها .

والغرض أنّه يتّعظ بكلّ واعظ، وينزجر بكلّ زاجر، أو يكتفي من اُمور الدُّنيا بأقلّ شيء؛ لما يعلم من مفاسدها، وفوت بغية الآخرة بها (3) وقيل : أي يكتفي في إفاداته بأقلّ معلوماته اكتفاءً بقدر الحاجة، وحذرا من الفخر والعجب من إظهار الحال على وجه الكمال (4).

(اُولئك ودائع اللّه في بلاده) أي أودعهم اللّه أهل بلاده من خلقه؛ ليحفظوهم، ولا يضيّعوهم، كما يجب حفظ الوديعة .

أو يُراد بالودائع العهود والمواثيق، كأنّه تعالى أخذ على أهل البلاد عهدا بإكرامهم وحفظهم، وهم أخذوا على اللّه تعالى عهدا بأن يدفع البلاء والعقوبة عنهم ما أقاموا على الوفاء بعهدهم .

ص: 546


1- القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 26 ، ص 53
2- قاله المحقّق المازندرانى رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 202 و 203
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 26 ، ص 53
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 203

قال الفيروزآبادي : «الوديعة: واحدة الودائع. والوديع: العهد، الجمع: ودائع» (1).

وقال الجزري : «توادع الفريقان، إذا أعطى كلّ واحد منهما الآخر عهدا، واسم ذلك العهد: الوديع . يُقال : أعطيته وديعا؛ أي عهدا» انتهى (2).

وهذا المعنى الأخير أنسب بقوله : (المدفوع بهم عن عباده) .

روى المصنّف رحمه الله بإسناده عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : «لا يصيب قرية عذاب وفيها سبعة من المؤمنين» (3).

وعنه عليه السلام ، قال : «إنّ اللّه ليدفع بالمؤمن الواحد عن القرية الفناء» (4).

(لو أقسم أحدهم على اللّه ) .

قال الجوهري : «أقسمتُ ؛ أي حلفتُ» (5).

وأقول : الإقسام لازم، وتعديته بالباء . يُقال : أقسمت باللّه ، وإذا اُريد إقسام الغير عُدِّي ب «على»، فيُقال : أقسمت عليك؛ أي قلت لك: واللّه لتفعلنّ كذا، أو أحلفتك باللّه لتفعلنّه .

وقيل : تعديته ب «على»؛ لتضمين معنى الإيجاب، ومعناه كما صرّح في الفائق: «لحقّك ياربّ أفعل كذا» (6) (7).

وقوله : (لأبرّه) جواب «لو» .

في القاموس : «البرّ، بالفتح: الصدق في اليمين. وأبرَّها: أمضاها على الصدق» (8).

(أو دعا على أحد نصره اللّه ) بالإجابة .

(جعل اللّه العاقبة للتقوى) .

في الصحاح : «عاقبة كلّ شيء: آخره» (9) ؛ أي جعل العاقبة المحمودة لذوي التقوى، كما قال عزّ وجلّ : «وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوى» (10). ، وقال : «وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ» (11). ، والجنّة عطف على

ص: 547


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 203
2- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 92 (ودع)
3- النهاية ، ج 5 ، ص 167 (ودع)
4- الكافي ، ج 2 ، ص 247 ، ح 2 . وعنه في بحار الأنوار ، ج 64 ، ص 143 ، ح 2
5- الكافي ، ج 2 ، ص 247 ، ح 1 . وعنه في بحار الأنوار ، ج 64 ، ص 143 ، ح 1
6- الصحاح ، ج 5 ، ص 2010 (قسم)
7- الفائق في غريب الحديث ، ج 2 ، ص 538
8- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 370 (برر)
9- الصحاح ، ج 1 ، ص 184 (عقب)
10- طه (20) : 132
11- الأعراف (7) : 128 ؛ القصص (28) : 83

العاقبة . ويحتمل الرفع على الابتدائيّة .

(لأهلها مأوى) .

الضمير للتقوى، وكونه للجنّة محتمل .

ويؤيّد الأوّل قوله تعالى : «تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّا» (1) . في القاموس : «أويت منزِلي وإليه: نزلته بنفسي، وسكنته . والمأوى والمأوي والمأواة: المكان» (2).

(دعاؤهم فيها) أي في الجنّة .

(أحسن الدعاء) ؛ خبر المبتدأ، وكونه منصوبا على الحاليّة بعيد .

وقوله عليه السلام : (سبحانك اللّهمّ) ؛ خبر بعد خبر، أو بدل من الخبر الأوّل، أو خبر مبتدأ محذوف .

وقد مرّ أنّهم يقولون ذلك عند إرادتهم الطعام والشراب . ومعنى «سبحانك اللّهمّ»: إنّا نسبّحك تسبيحا .

وقيل : وجه كونه أحسن الدعاء أنّه تعالى دالّ على ذاته المتّصف بجميع الكمالات، وتوحيده المطلق، وتنزيهه عن جميع النقائص (3) .

وقال بعض الفضلاء في شرح هذا الكلام : «أي إذا أرادوا طلب شيء، طلبوه بأحسن طلب، بأن يقولوا : سبحانك اللّهمّ» انتهى (4).

أقول : مبنى هذا التوجيه على إرادة معنى الطلب من الدعاء. وفيه تأمّل .

قال الجوهري : «دعوت فلانا؛ أي صحتُ به، واستدعيته. ودعوت اللّه له وعليه دُعاء.

والدعاء واحدة الأدعية» (5).

وفي القاموس : «الدعاء: الرغبة إلى اللّه تعالى. دَعا دُعاءً ودَعوًى» (6).

(دعاهم المولى إلى ما آتاهم) .

المولى: المالك. واحتمال كونه بصيغة اسم الفاعل من الإيلاء، وهو الإعطاء والإيتاء بعيد .

قال الجوهري : «أتاه إيتاء؛ أي أعطاه. وآتاه أيضا؛ أي أتى به. ومنه قوله تعالى : «آتِنَا

ص: 548


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 26 ، ص 53
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 203
3- مريم (19) : 63
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 301 (أوي)
5- الصحاح ، ج 6 ، ص 2337 (دعو)
6- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 327 (دعو)

غَدَاءَنَا» (1). ؛ أي ائتنا [به]» (2).

قيل : قطع هذا الكلام عن سابقه على الاستئناف، كأنّه يسأل سائل: لمَ يطلبون هكذا ؟ فأجاب بأنّه: لما دعاهم مولاهم إلى نعيم الجنّة، فلا يكلّفهم في طلبهم أزيد من أن ينزّههوه ويسبّحوه .

أو هذا النداء جواب لدعوة ربّهم، وإجابة لها (3).

وأقول : لعلّه عليه السلام أراد بهذا الكلام بيان جلالة نِعَم الجنّة وعظمها؛ لأنّ الداعي إليها مولاهم الحقّ، ومالكهم المطلق، فعطاؤه يناسب كرمه وعظمه .

(وآخر دعواهم) أي آخر دعائهم .

(أن الحمد للّه ربّ العالمين) .

وقد مرّ في حديث الجنان والنوق أنّهم يقولون ذلك إذا فرغوا من الطعام والشراب وأمثالهما .

قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى : «دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» : (4).

لعلّ المعنى أنّهم إذا دخلوا الجنّة، وعاينوا عظمة اللّه وكبرياءه، مَجَدوه ونعتوه بعنوت الجلال، ثمّ حيّاهم الملائكة بالسلامة عن الآفات، والفوز بأصناف الكرامات . أو اللّه تعالى، فحمدوه، وأثنوا عليه بصفات الإكرام ، و «أَنْ» هي المخفّفة من الثقيلة . وقد قرئ بها ونصب الحمد (5).

متن الحديث الرابع والتسعين والمائة (خُطْبَةٌ لأمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام )

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ، أَوْ غَيْرِهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : أَنَّهُ ذَكَرَ هذِهِ الْخُطْبَةَ لأمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَوْمَ الْجُمُعَةِ:

ص: 549


1- الكهف (18) : 62
2- الصحاح ، ج 6 ، ص 2262 (أتا)
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 26 ، ص 54
4- يونس (10): 10
5- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 187

«الْحَمْدُ لِلّهِ أَهْلِ الْحَمْدِ وَوَلِيِّهِ، وَمُنْتَهَى الْحَمْدِ وَمَحَلِّهِ ، الْبَدِيءِ الْبَدِيعِ، الْأَجَلِّ الْأَعْظَمِ، الْأَعَزِّ الْأَكْرَمِ، الْمُتَوَحِّدِ بِالْكِبْرِيَاءِ، وَالْمُتَفَرِّدِ بِالْالَاءِ، الْقَاهِرِ بِعِزِّهِ، وَالْمُتَسَلِّطِ (1) بِقَهْرِهِ، الْمُمْتَنِعِ بِقُوَّتِهِ، الْمُهَيْمِنِ بِقُدْرَتِهِ، وَالْمُتَعَالِي فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ بِجَبَرُوتِهِ، الْمَحْمُودِ بِامْتِنَانِهِ وَبِإِحْسَانِهِ، الْمُتَفَضِّلِ بِعَطَائِهِ وَجَزِيلِ فَوَائِدِهِ، الْمُوَسِّعِ بِرِزْقِهِ، الْمُسْبِغِ بِنِعْمَتِهِ(2).

نَحْمَدُهُ عَلى آلَائِهِ، وَتَظَاهُرِ نَعْمَائِهِ، حَمْدا يَزِنُ عَظَمَةَ جَلَالِهِ، وَيَمْلَأُ قَدْرَ آلَائِهِ وَكِبْرِيَائِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَا اللّهُ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ، الَّذِي كَانَ فِي أَوَّلِيَّتِهِ مُتَقَادِما، وَفِي دَيْمُومِيَّتِهِ مُتَسَيْطِرا، خَضَعَ الْخَلَائِقُ لِوَحْدَانِيَّتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ وَقَدِيمِ أَزَلِيَّتِهِ، وَدَانُوا لِدَوَامِ أَبَدِيَّتِهِ.

وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخِيَرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، اخْتَارَهُ بِعِلْمِهِ، وَاصْطَفَاهُ لِوَحْيِهِ، وَائْتَمَنَهُ عَلى سِرِّهِ، وَارْتَضَاهُ لِخَلْقِهِ، وَانْتَدَبَهُ لِعَظِيمِ أَمْرِهِ، وَلِضِيَاءِ مَعَالِمِ دِينِهِ وَمَنَاهِجِ سَبِيلِهِ وَمِفْتَاحِ وَحْيِهِ، وَسَبَبا لِبَابِ رَحْمَتِهِ، ابْتَعَثَهُ عَلى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ، وَهَدْأَةٍ مِنَ الْعِلْمِ، وَاخْتِلَافٍ مِنَ الْمِلَلِ، وَضَلَالٍ عَنِ الْحَقِّ، وَجَهَالَةٍ بِالرَّبِّ، وَكُفْرٍ بِالْبَعْثِ وَالْوَعْدِ، أَرْسَلَهُ إِلَى النَّاسِ أَجْمَعِينَ، رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، بِكِتَابٍ كَرِيمٍ، قَدْ فَضَّلَهُ، وَفَصَّلَهُ، وَبَيَّنَهُ، وَأَوْضَحَهُ، وَأَعَزَّهُ، وَحَفِظَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَهُ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ، تَنْزِيلٍ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ، ضَرَبَ لِلنَّاسِ فِيهِ الْأَمْثَالَ، وَصَرَّفَ فِيهِ الْايَاتِ لَعَلَّهُمْ يَعْقِلُونَ، أَحَلَّ فِيهِ الْحَلَالَ، وَحَرَّمَ فِيهِ الْحَرَامَ، وَشَرَعَ فِيهِ الدِّينَ لِعِبَادِهِ، عُذْرا وَنُذْرا، لِئَلَا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ، وَيَكُونَ بَلَاغا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ.

فَبَلَّغَ رِسَالَتَهُ، وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ، وَعَبَدَهُ حَتّى أَتَاهُ الْيَقِينُ، صَلَّى اللّهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيما كَثِيرا.

أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللّهِ وَأُوصِي نَفْسِي بِتَقْوَى اللّهِ، الَّذِي ابْتَدَأَ [بَدْأَ] (3) الْأُمُورَ بِعِلْمِهِ، وَإِلَيْهِ يَصِيرُ غَدا مِيعَادُهَا، وَبِيَدِهِ فَنَاؤُهَا وَفَنَاؤُكُمْ، وَتَصَرُّمُ أَيَّامِكُمْ، وَفَنَاءُ آجَالِكُمْ، وَانْقِطَاعِ مُدَّتِكُمْ، فَكَأَنْ قَدْ زَالَتْ عَنْ قَلِيلٍ عَنَّا وَعَنْكُمْ، كَمَا زَالَتْ عَمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَاجْعَلُوا عِبَادَ اللّهِ اجْتِهَادَكُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيَا التَّزَوُّدَ مِنْ يَوْمِهَا الْقَصِيرِ لِيَوْمِ الْاخِرَةِ الطَّوِيلِ؛ فَإِنَّهَا دَارُ عَمَلٍ، وَالْاخِرَةَ دَارُ الْقَرَارِ وَالْجَزَاءِ.

فَتَجَافَوْا عَنْهَا؛ فَإِنَّ الْمُغْتَرَّ مَنِ اغْتَرَّ بِهَا، لَنْ تَعْدُوَالدُّنْيَا إِذَا تَنَاهَتْ إِلَيْهَا أُمْنِيَّةُ أَهْلِ الرَّغْبَةِ فِيهَا،

ص: 550


1- في الطبعة القديمة : «والمسلّط»
2- في الطبعة القديمة : «بنعمه»
3- في الطبعة القديمة : - «[بدأ]»

الْمُحِبِّينَ لَهَا، الْمُطْمَئِنِّينَ إِلَيْهَا، الْمَفْتُونِينَ بِهَا، أَنْ تَكُونَ كَمَا قَالَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمّا يَأْكُلُ النّاسُ وَالْأَنْعامُ» (1) الْايَةَ، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُصِبِ امْرُؤٌ مِنْكُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيَا حَبْرَةً (2) إِلَا أَوْرَثَتْهُ عَبْرَةً، وَلَا يُصْبِحُ فِيهَا فِي جَنَاحٍ آمِنٍ إِلَا وَهُوَ يَخَافُ فِيهَا نُزُولَ جَائِحَةٍ، أَوْ تَغَيُّرَ نِعْمَةٍ، أَوْ زَوَالَ عَافِيَةٍ، مَعَ أَنَّ الْمَوْتَ مِنْ وَرَاءِ ذلِكَ، وَهَوْلَ الْمُطَّلَعِ، وَالْوُقُوفَ بَيْنَ يَدَيِ الْحَكَمِ الْعَدْلِ، تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا عَمِلَتْ، لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُوا بِما عَمِلُوا، وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنى.

فَاتَّقُوا اللّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ، وَسَارِعُوا إِلى رِضْوَانِ اللّهِ، وَالْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ، وَالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ بِكُلِّ مَا فِيهِ الرِّضَا؛ فَإِنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ، جَعَلَنَا اللّهُ وَإِيَّاكُمْ مِمَّنْ يَعْمَلُ بِمَحَابِّهِ، وَيَجْتَنِبُ سَخَطَهُ.

ثُمَّ إِنَّ أَحْسَنَ الْقَصَصِ، وَأَبْلَغَ الْمَوْعِظَةِ، وَأَنْفَعَ التَّذَكُّرِ كِتَابُ اللّهِ جَلَّ وَعَزَّ؛ قَالَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» (3) ، أَسْتَعِيذُ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، «بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْاءِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ» (4) ، «إِنَّ اللّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيما» (5) ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَبَارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَتَحَنَّنْ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَسَلِّمْ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، كَأَفْضَلِ مَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ وَتَرَحَّمْتَ وَتَحَنَّنْتَ وَسَلَّمْتَ عَلى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللّهُمَّ أَعْطِ مُحَمَّدا الْوَسِيلَةَ وَالشَّرَفَ وَالْفَضِيلَةَ وَالْمَنْزِلَةَ الْكَرِيمَةَ، اللّهُمَّ اجْعَلْ مُحَمَّدا وَآلَ مُحَمَّدٍ أَعْظَمَ الْخَلَائِقِ كُلِّهِمْ، شَرَفا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَقْرَبَهُمْ مِنْكَ مَقْعَدا، وَأَوْجَهَهُمْ عِنْدَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جَاها، وَأَفْضَلَهُمْ عِنْدَكَ مَنْزِلَةً وَنَصِيبا.

اللّهُمَّ أَعْطِ مُحَمَّدا أَشْرَفَ الْمَقَامِ، وَحِبَاءَ السَّلَامُ، وَشَفَاعَةَ الْاءِسْلَامِ. اللّهُمَّ وَأَلْحِقْنَا بِهِ غَيْرَ خَزَايَا، وَلَا نَاكِبِينَ، وَلَا نَادِمِينَ، وَلَا مُبَدِّلِينَ، إِلهَ الْحَقِّ آمِينَ.

ثُمَّ جَلَسَ قَلِيلاً، ثُمَّ قَامَ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلّهِ أَحَقَّ مَنْ خُشِيَ وَحُمِدَ، وَأَفْضَلَ مَنِ اتُّقِيَ وَعُبِدَ، وَأَوْلى مَنْ

ص: 551


1- يونس (10) : 24
2- في الحاشية عن بعض النسخ: «خيرة»
3- الأعراف (7) : 204
4- العصر (103) : 1 _ 4
5- الأحزاب (33) : 56

عُظِّمَ وَمُجِّدَ، نَحْمَدُهُ لِعَظِيمِ غَنَائِهِ، وَجَزِيلِ عَطَائِهِ، وَتَظَاهُرِ نَعْمَائِهِ، وَحُسْنِ بَلَائِهِ، وَنُؤْمِنُ بِهُدَاهُ الَّذِي لَا يَخْبُو ضِيَاؤُهُ، وَلَا يَتَمَهَّدُ سَنَاؤُهُ، وَلَا يُوهَنُ عُرَاهُ، وَنَعُوذُ بِاللّهِ مِنْ سُوءِ كُلِّ الرَّيْبِ، وَظُلَمِ الْفِتَنِ، وَنَسْتَغْفِرُهُ مِنْ مَكَاسِبِ الذُّنُوبِ، وَنَسْتَعْصِمُهُ مِنْ مَسَاوِي الْأَعْمَالِ، وَمَكَارِهِ الْامَالِ، وَالْهُجُومِ فِي الْأَهْوَالِ، وَمُشَارَكَةِ أَهْلِ الرَّيْبِ، وَالرِّضَا بِمَا يَعْمَلُ الْفُجَّارُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ.

اللّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا، وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ، الَّذِينَ تَوَفَّيْتَهُمْ عَلى دِينِكَ، وَمِلَّةِ نَبِيِّكَ صلى الله عليه و آله .

اللّهُمَّ تَقَبَّلْ حَسَنَاتِهِمْ، وَتَجَاوَزْ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ، وَأَدْخِلْ عَلَيْهِمُ الرَّحْمَةَ وَالْمَغْفِرَةَ وَالرِّضْوَانَ، وَاغْفِرْ لِلْأَحْيَاءِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، الَّذِينَ وَحَّدُوكَ، وَصَدَّقُوا رَسُولَكَ، وَتَمَسَّكُوا بِدِينِكَ، وَعَمِلُوا بِفَرَائِضِكَ، وَاقْتَدَوْا بِنَبِيِّكَ، وَسَنُّوا سُنَّتَكَ، وَأَحَلُّوا حَلَالَكَ، وَحَرَّمُوا حَرَامَكَ، وَخَافُوا عِقَابَكَ، وَرَجَوْا ثَوَابَكَ، وَوَالَوْا أَوْلِيَاءَكَ، وَعَادَوْا أَعْدَاءَكَ.

اللّهُمَّ اقْبَلْ حَسَنَاتِهِمْ، وَتَجَاوَزْ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ، وَأَدْخِلْهُمْ بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ، إِلهَ الْحَقِّ آمِينَ».

شرح الحديث

السند مجهول .

قوله : (الحمد للّه أهل الحمد ووليّه) .

قيل : علّق الحمد باسم الذات، وحكم بأنّه أهله وأولى به؛ للتنبيه على أنّه مستحقّ لذاته، وما اشتهر من أنّ الحمد متعلّق بالفضائل، أو بالفواضل، فهو باعتبار الأكثر والأغلب، دون الاختصاص . ويؤيّده أنّ الحمد عبادة، وهو سبحانه مستحقّ لها بالذات (1).

قال بعض الأفاضل : معنى كونه تعالى وليّ الحمد أنّه الأولى به من كلّ أحد؛ إذ هو تعالى مولى جميع النِّعم، والموصوف بجميع الكمالات الحقيقيّة، وكلّ نعمة وإحسان وكمال لغيره فهو راجعٌ إليه، ومأخوذٌ منه تعالى، أو المتولّي للحمد [أي] هو الموفّق لحمد كلّ من يحمده . انتهى (2).

ص: 552


1- قال المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 204
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 26 ، ص 54

أقول : اُولويّته تعالى للحمد يفيد انحصار المحموديّة عليه تعالى، وكونه متولّيا للحمد يفيد انحصار الحامديّة به، كما أشار عليه السلام إليه بقوله : (ومنتهى الحمد ومحلّه) ؛ فالحمد كلّه ينتهي إليه.

ومن ثمّ قيل باختصاص جنس الحمد وجميع أفراده به، وبين الاختصاصين تلازم .

(البدئ البديع) .

قال الجوهري : «البدئ: الأوّل. ومنه قولهم : افعله بادئ بَدْءٍ _ على فعل _ وبادئ بَديء _ على فعيل _ أي أوّل شيء» (1).

وقال : «أبدعت الشيء: اخترعته لا على مثال، واللّه سبحانه بديع السماوات والأرض .

والبديع: المبتدِع. والبديع: المبتدَع أيضا» (2).

وقال صاحب العدّة : البديع : هو الذي فطر الخلق مبتدِعا لها، لا على مثال سَبق، وهو فعيل بمعنى مُفعِل، كالأليم بمعنى مؤلِم. والبدع الذي يكون أوّلاً في كلّ شيء .

«قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعا مِنْ الرُّسُلِ» (3) ؛ أي لست بأوّل مُرسَل . انتهى (4).

وقيل : البديع: هو الذي لم يُعْهَد مثله، ولا نظير له .

وقيل : البَديء أيضا يحتمل أن يكون فعيلاً بمعنى مُفعل؛ أي مُبدئ الأشياء ومُنشئها (5).

ولعلّ ذكر البديع بعده للدلالة على أنّه تعالى خلقهم لا عن مادّة، ولا عن مثال سابق .

(الأجلّ الأعظم، الأعزّ الأكرم) .

قال صاحب العدّة : الجليل: هو من الجلال والعظمة، ومعناه منصرف إلى جلال القدرة وعظم الشأن، وهو الجليل الذي يصغر دونه كلّ جليل(6).

والعظيم: ذو العظمة والجلال، وهو منصرف إلى عظم الشأن وجلالة القدر .

والعزيز: هو المنيع الذي لا يُغلب، وهو أيضا الذي لا يعادله شيء، وأنّه لا مثل له ولا

ص: 553


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 26 ، ص 54
2- الصحاح ، ج 1 ، ص 35 (بدأ)
3- الصحاح، ج 3 ، ص 1183 (بدع) مع اختلاف يسير في اللفظ
4- الأحقاف (46) : 9
5- عدّة الداعي ، ص 301
6- لم نعثر عليه في عدّة الداعي ، لكن انظر : شرح المازندراني ، ج 3 ، ص 291 (في شرح حديث حدوث الأسماء)

نظير له . ويقال : «من عزَّ بزّ» ؛ أي من غلب سلب . وقوله تعالى حكايةً عن الخصم :

«وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ» (1) ؛ أي غلبني في مجاوبة الكلام . وقد يُقال للملِك، كما قال اُخوة يوسف : «يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ» (2) ؛ أي يا أيّها الملك .

والأكرم، معناه الكريم، وقد يجيء «أفعل» بمعنى «فعيل»، كقوله تعالى : «وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ» (3) ؛ أي هيّن عليه . و «لَا يَصْلَاهَا إِلَا الْأَشْقى . . . وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقى» (4). ؛ يعني الشقيّ والتّقي . واُنشد في هذا المعنى:

«إنّ الذي سمك السماء بنا***لها بيتا دعائمه أعزّ وأطول» (5).

إلى هاهنا كلام صاحب العدّة .

وقيل : الأجلّ؛ أي من أن يبلغ إلى كنه ذاته. الأعظم؛ أي من أن يدرك أحد كنه صفاته. الأعزّ، من أن يغلبه شيء . الأكرم، من أن تحصى نعمه وآلاؤه .

ويحتمل أن يكون مشتقّا من الكرم بمعنى الشرف والمنزلة؛ أي أكرم من كلّ ذي كرامة (6).

(المتوحّد بالكبرياء) أي المتفرّد بالعظمة والشرف والرفعة المطلقة، لا يشركه فيها أحد؛ لأنّها إمّا بحسب شرف الذات، أو الصفات الذاتيّة، أو الفعليّة، وهذه بأسره مختصّة به تعالى، وما سواه حقير ذليل وضيع بالنسبة إليه، متضرّع بين يديه .

في القاموس : «الكبر: معظم الشيء، والشرف، والرفعة في الشرف، والعظمة، والتجبّر، كالكبرياء» (7).

(والمتفرّد بالآلاء) أي لم يشركه أحد في النِّعم، والإنعام بها، بل هو المُنعم الحقيقي، وكلّ من له نعمة أخذها منه .

والآلاء: النِّعم. واحدها: إليٌ، بالفتح والكسر. وألوٌ، وألًى، وإلًى .

(القاهر بعزّه) أي الغالب على جميع الأشياء، ووضعها في مواضعها، وتقدير ذواتها وكمالاتها اللاحقة بها، وذلك سبب كمال قوّته وقدرته عليها، فلا موجود إلّا وهو مغلوب

ص: 554


1- ص (38) : 23
2- يوسف (12) : 78 و 88
3- الروم (30) : 27
4- الليل (92) : 15 - 17
5- اُنظر : بحار الأنوار ، ج 4 ، ص 192 ؛ تفسير الثعلبي ، ج 7 ، ص 300 (ونسبه في الأخير للفرزدق)
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 26 ، ص 55
7- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 124 (كبر)

تحت قدرته، مسخّر لإرادته، ناصيته بيده .

أو المراد أنّه تعالى مذلّ الجبّارين، وقاصم ظهورهم بالإهلاك والإفناء والتعذيب، أو أنّه تعالى قهر على العدم، فأوجد الأشياء، وقهر على الوجود، فأفناها .

(المتسلّط بقهره) ؛ كأنّ العطف للتفسير، أو يحمل على أحد المتعاطفين على أحد من المعاني السابقة ، والآخر على آخر منها .

والسلاطة: القهر. والتسليط: التغليب، وإطلاق القهر والقدرة. يُقال: سلّطه، فتسلّط عليه .

(الممتنع بقوّته) .

الممتنع: العزيز القويّ في نفسه. وأصل الامتناع: الكفّ عن الشيء .

وقيل : المراد بالممتنع هنا من يمتنع من أن يصل إليه سوء، أو يغلبه أحد (1).

وقيل : هو المتقوّي بقوّته، فلا يحتاج في التقوّي إلى أحد، ولا يقدر عليه من يريده . أو الممتنع بها عن الشريك والنظير، والاستعانة من أحد، من امتنع من الأمر، إذا كفّ عنه، وأبى منه (2).

(المهيمن بقدرته) .

قيل : هو مُفَيْعل من الأمانة؛ أي المؤتَمن .

وقيل : هو الذي يُؤمِن غيره من الخوف، وأصله: مُأَءْمِن، قلبت الهمزة الثانية ياء، والأولى هاء .

وقيل : هو الشهيد؛ لأنّه تعالى شاهد على خلقه بما يكون منهم من قول أو فعل أو غيرهما؛ إذ لا يغيّب عنه تعالى مثقال ذرّة في الأرض، ولا في السماء . ومنه قوله تعالى : «مُصَدِّقا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنا عَلَيْهِ» (3).

وقيل : هو الرقيب على الممكنات، الحافظ لها .

وقيل : هو اسم من أسمائه تعالى في الكتب .

وقيل : هو القائم باُمور الخلق (4).

ص: 555


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 26 ، ص 55
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 205
3- المائدة (5) : 48
4- اُنظر الأقوال في : شرح المازندراني ، ج 12 ، ص 205 ؛ مرآة العقول ، ج 26 ، ص 55

(والمتعالي فوق كلّ شيء بجبروته) .

التعالي: الارتفاع، وهو مبالغة في العلوّ .

قيل : أي المتعالي عن مشابهة الأعراض والأجسام، وعن إدراك العقول والأوهام، وهو فوق كلّ شيء بجبروته . والجبروت من الجبر، بمعنى الإفناء والإصلاح؛ لأنّه تعالى يفني ما يشاء، ويبقي ما يشاء، ويصلح ما يشاء من الممكنات بإفاضة الوجود، وما يتبعه من الكمالات . أو بمعنى الإلزام؛ لأنّه الجبّار الذي ألزم خلقه، وجبرهم على قبول أمره التكويني والتكليفي . أو بمعنى التكبّر؛ لأنّه العظيم المتكبّر الذي له حقّ على كلّ شيء، وليس لشيء حقٌّ عليه .

وعلى التقادير فيه إيماء إلى أنّ المراد بالفوقيّة الفوقيّة بالاستيلاء والشرف والعلّيّة والحكم ، ويمكن أن يُراد به علوّه على كلّ شيء، والتعبير بالمتعالي للمبالغة فيه، وما بعده حينئذٍ تفسيرٌ له (1).

(المحمود بامتنانه وبإحسانه) .

الامتنان: الإنعام. وإضافته إلى الفاعل ، وكذا الإحسان، والمفعول فيهما محذوف؛ إمّا لإجرائهما مجرى اللازم ليفيد استحقاقه للحمد بأصل الامتنان والإحسان، أو للدلالة على التعميم، وليقدّر السامع كلّ ما يذهب إليه ذهنه .

ولعلّ المراد بالامتنان إفاضة أصل الوجود، وبالإحسان إعطاء الكمالات اللّاحقة به .

(المتفضّل بعطائه) .

التفضّل: التطوّل، وإظهار الفضل . والعطاء : اسم من الإعطاء .

(وجزيل فوائده) .

الجزيل: الكثير من الشيء . والفوائد: جمع الفائدة، وهي ما استُفيد من علمٍ أو مالٍ .

(الموسّع برزقه) .

قال الجوهري :

وسع الشيء _ بالكسر _ يَسَعه سعةً. والوُسْع والسّعة: الجِدَة، والطاقة . يُقال : فلينفق

ص: 556


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 205

ذو سَعَةٍ من سَعَته، وعلى قدر سعتهِ . وأوسع الرجل؛ أي صار ذا سَعَةٍ، وغنًى، ومنه قوله تعالى : «وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ» (1). أي أغنياء قادرون . ويُقال : أوسع اللّه عليك؛ أي أغناك . والتوسيع: خلاف التضييق . يُقال : وسّعت الشيء، فاتّسع . انتهى (2).

والباء على بعض الاحتمالات للتعدية، أو للسببيّة، وعلى بعضها للتقوية .

(المسبغ بنعمته) .

قال الجوهري : «أسبغ اللّه عليه النعمة؛ أي أتمّها »(3) فالباء زائدة. أو المعنى : المُسبغ حجّته بنعمته، ولمّا حمده على وجه يدلّ على الدوام والثبات أراد أن يحمده على وجه يدلّ على الاستمرار التجدّدي؛ لمقابلته بأسماء الآلاء المتجدّدة والنعماء المتظاهرة المتتابعة .

فقال : (نحمده على آلائه، وتظاهر نَعمائه) أي تتابعها وتعاونها، ومجيء بعضها عقيب بعض .

والنعماء والآلاء واحد . والعطف للتفسير. أو يُراد بالاُولى الباطنة، وبالثانية الظاهرة، أو بالعكس .

(حمدا يزن عظمة جلاله) .

يُقال : وزنتُ الشيء وَزنا وَزِنَةً ووزانة، أي عادلته، وقابلته ؛ يعني أنّه تعالى يستحقّ حمدا بلغ في العظمة والكمال إلى حيث بلغ عظمة جلاله ، فكما لا يصل إلى الثاني عقول العارفين، لا يصل إلى الأوّل أفهام الحامدين .

وقيل : طلب عليه السلام أن جعل اللّه حمده تفضّلاً كذلك (4).

(ويملاء قدرَ آلائه وكبريائه) .

هذا كناية عن التساوي في الكثرة والعظمة؛ فإنّ الملأ يستلزم المساواة بين الظرف والمظروف .

في القاموس: «مَلأهُ _ كمنع _ مَلْاً ومَلْأةً _ بالفتح والكسر _ وملأه تملئةً، فامتلأ، وتملّأ،

ص: 557


1- الذاريات (51) : 47
2- الصحاح ، ج 3 ، ص 1298 (وسع) مع اختلاف يسير في الألفاظ
3- الصحاح ، ج 4 ، ص 1312 (سبغ)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 206

ومَلِئ، كسمع» انتهى (1).

ويفهم منه أنّ «يَمْلا»?يتعدّى ولا يتعدّى . فعلى الأوّل يكون ما بعده منصوبا على المفعوليّة ، وعلى الثاني نصبه على المصدر، أو على الحذف والإيصال .

وقوله : (الذي كان في أوّليّته متقادما) أي كان في سبق وجوده متقادما على جميع الأشياء، وليست أوّليّته وسبقه إضافيّا .

قال الجوهري : «قَدُم الشيء _ بالضمّ _ قَدِما، فهو قديم. وتقادم مثله» (2)

وقال بعض الشارحين : أشار بلفظ التقادم إلى أن ليس المراد بالقدم طول الزمان، بناءً على أنّ زيادة المباني يدلّ على زيادة المعاني، وأنّ [الفعل] بين الاثنين على وجه الغلبة، وإن لم يكن هنا بين اثنين يوجب وقوعه على وجه الكمال، وتلك الزيادة والكمال يدلّان على أنّ المراد هو الأوّليّة المنافية للحدوث (3).

(وفي ديموميّته متسيطرا) .

يُقال : دام الشيء يدوم ويدام دَوْما ودَواما وديمومةً، وأدامه غيره. والمتسيطر : الرقيب الحافظ، والمتسلّط؛ يعني أنّه تعالى في دوامه ووجوب وجوده وامتناع طريان العدم والزوال إليه كان متسلّطا على جميع ما سواه، وإلّا كان محدثا ممكن الزوال ، وهذا خلف. أو كان حافظا رقيبا عالما بذواتهم وصفاتهم قبل إيجادهم وبعده .

(خضع الخلائق لوحدانيّته وربوبيّته وقديم أزليّته) .

الخضوع: التطامن، والتواضع. وفعله كمنع.

وإضافة القديم من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف؛ يعني أنّ تلك الأوصاف الثلاثة صارت سببا لخضوع الخلق لديه، واستكانتهم بين يديه ؛ أمّا الوحدانيّة والأزليّة فلأنّ نقيضاهما _ أعني الشركة والحدوث _ لا يقتضيان خضوع الجميع له تعالى، وهو ظاهر، بل يستلزمان خضوعه لغيره .

وأمّا الربوبيّة؛ فلأنّ مالكيّة كلّ شيء وإيجاده وتربيته من حدّ النقص إلى حدّ الكمال

ص: 558


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 206
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 28 (ملأ)
3- الصحاح ، ج 5 ، ص 2006 (قدم)

اللائق به يقتضي خضوع الأشياء له بأسرها .

(ودانُوا لدوام أبديّته) .

الدين، بالكسر: العادة، والشأن. ودان؛ أي أطاع، واعتاد خيرا أو شرّا، وذلّ، وعبد، وأقرّ، واعتقد ؛ يعني أنّهم دانوا لكونه تعالى دائم الأبديّة، الباعث للعبادة والطاعة، الموجب لاستحقاقه لهما؛ فإنّ المحدَث الغير الدائم لا يستحقّ المعبوديّة، ولا يمكنه الوفاء بما وعد به، وأوعد عليه من الجزاء بعد الفناء .

(اختاره بعلمه) .

قيل : أي بأن أعطاه علمه، أو بسبب كونه عالما بأنّه يستحقّ ذلك (1).

(واصطفاه) أي آثرَهُ واختاره.

(لوحيه) .

قال الجوهري : «الوَحي: الكتاب. والوحي أيضا: الإشارة، والكناية، والرسالة، والإلهام، والكلام الخفيّ، وكلّ ما ألقيته إلى غيرك» (2).

(وائتمنه) أي اتّخذه أمينا .

(على سرّه) .

السِّرّ، بالكسر: الذي يكتم .

(وارتضاه لخلقه) أي هدايتهم وإرشادهم .

قال الجوهري : «رضيتُ الشيء، وارتضيته، فهو مرضيّ» (3).

(وانتدبه لعظيم أمره) .

لعلّ المراد بذلك الأمر تبليغ الرسالة، أو تحمّل المشاقّ، والصبر على الواردات مطلقا.

قال الجوهري : «ندبه لأمرٍ، فانتدب له؛ أي دعاه له، فأجاب» (4).

وفي القاموس : ندبه إلى الأمر، كنصره: دعاه، وحثّه، ووجّهه . وانتدب اللّه لمن خرج في سبيله:

ص: 559


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 26 ، ص 56
2- الصحاح ، ج 6 ، ص 2520 (وحي)
3- الصحاح ، ج 6 ، ص 2357 (رضي)
4- الصحاح ، ج 1 ، ص 223 (ندب)

أجابه إلى غفرانه، أو ضَمِنَ وتكفّل، أو سارع بثوابه وحُسن جزائه، أو أوجب تفضّلاً؛ أي حقّق وأحكم أن ينجز له ذلك (1) وبهذا ظهر فساد ما قيل : الظاهر أنّ اللّام بمعنى «إلى» ، تقول : ندبته إلى الأمر، من باب قتل، وانتدبته إليه، إذا دعوته(2). فتدبّر .

(ولضياء معالم دينه) أي لأن ينوّر به أحكام دينه، وقوانين شريعته، ومواضع علومه التي بها يعلم شرائع الدِّين .

(ومناهج سبيله) .

المناهج: جمع المنهج، وهو الطريق الواضح، وكأنّ الإضافة بيانيّة ، أو من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف .

(ومفتاح وحيه) .

الظاهر أنّه عطف على مفعول «انتدب»، من قبيل : «علفتها تبنا وماء بارد»؛ أي جعلته مفتاح وحيه .

وقال بعض الأفاضل : «يحتمل عطفه على قوله: «لخلقه» _ قال : _ ولعلّه سقط منه شيء» (3). ولا يخفى عليك بعد هذا التوجيه، وكذا ما ارتكبه بعض الشارحين من أنّ التركيب من قبيل «لجين الماء»؛ أي دعاه إلى وحيه الذي كالمفتاح في فتح أبواب العلوم الربّانيّة .

(وسببا لباب رحمته) ؛ عطف على «مفتاح وحيه» ؛ أي جعله سببا للوصول إلى رحمته .

في القاموس : «السبب: الحبل، وما يتوصّل به إلى غيره» (4).

(ابتعثه على حين فَترةٍ من الرُّسل) ؛ الظاهر أنّه استئناف، أو حال .

ويحتمل كونه خبرا بعد خبرٍ؛ لأنّ في القاموس: «بعثه، كمنعه: أرسله، كابتعثه» (5) ولعلّ تعديته ب «على» بتضمين مثل معنى الاستيلاء ؛ أي مستوليا على حين الفترة، ومزيلاً لآثار الجهل منه .

ص: 560


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 131 (ندب) مع التلخيص
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12، ص 207
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 26 ، ص 57
4- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 81 (سبب)
5- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 162 (بعث)

وقوله : «من الرسل» صفة للفترة، و«من» للابتداء .

والفَترة، بالفتح: الانكسار، والضعف، ويطلق على بين عيسى ومحمّد صلى الله عليه و آله ، وعلى ما بين الرسولين من رسل اللّه تعالى من الزمان الذي انقطع فيه الوحي والرسالة، واختلّ أمر الدِّين، وظهر الجهل والقساوة .

(وهَدأةٍ من العلم) أي العلم الديني .

وهدأته كناية عن كساد سوقه، وإعراض الخلق عنه . في القاموس : «هَدأ _ كمنع _ هَدءا وهُدُوءا: سكن . وأتانا بعد هدء من الليل وهَدءٍ وهدءَةٍ؛ أي حين هَدأ الليل» (1).

(واختلاف من الملل) ؛ جمع الملّة _ بالكسر _ وهي الشريعة والدِّين .

(وكفر بالبعث والوعد) أي إنكار أصلهما، كعَبَدة الأصنام والملاحدة. أو إنكار خصوصيّاتهما، كاليهود والنصارى .

وقوله : (رحمةً للعالمين) .

قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى : «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ» (2) : «لأنّ ما بُعثت به سبب لإسعادهم، وموجبٌ لصلاح معاشهم ومعادهم . وقيل : كونه رحمةً للكفّار أمنُهم به من الخسف والمسخ وعذاب الاستئصال» انتهى (3).

ومنهم من ذكر في تفسيره وجوها :

الأوّل : أنّه الهادي إلى اللّه ، والقائد إلى رضوانه .

الثاني : أنّ تكاليفه أسهل من تكاليف سائر الأنبياء .

الثالث : أنّه تعالى يعفو عن اُمّته بشفاعته .

الرابع : أنّه رحم كثيرا من أعدائه ببذل الأمان لهم، وقبول الجزية منهم، ولم يكن ذلك قبله .

الخامس : أنّه سأل اللّه أن يرفع عن اُمّته بعده عذاب الاستئصال، فأجابه رحمةً .

(بكتابٍ كريم) .

الباء للإلصاق، أو للمصاحبة . والكرم: ضدّ اللؤم . ولعلّ المراد هاهنا بالكريم العزيم

ص: 561


1- القاموس المحيط ، ج 1، ص 33 (هدأ)
2- الأنبياء (21) : 107
3- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 111

النفيس، ووصف الكتاب به لشرف مضمونه أو مُرسِله .

ويحتمل أن يكون وصفه به مجازا عن المرسِل أو المرسَل إليه ، وحينئذٍ يحتمل أن يُراد بالكريم الجواد، والصفوح أيضا .

(قد فضّله) على غيره من الكتب، باشتماله على الفصاحة والبلاغة والدقائق والأسرار، وسائر المزايا والخواصّ التي ليست فيها .

(وفصّله) .

التفصيل: التبيين .

قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى : «وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ» (1) : «أي بيّنا معانيه من العقائد والأحكام والمواعظ مفصّلة» (2).

(وبيّنه، وأوضحه) ؛ بحيث لا يلتبس على سامعه، ولا يشتبه شيء منه بالآخر .

(وأعزّه) أي جعله عزيزا لا يكاد يوجد مثله، أو قويّا منيعا لا يغلبه حجّة .

(وحفظه من أن يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه) ؛ إشارة إلى قوله تعالى : «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ» (3) ، وقوله عزّ وجلّ : «وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ» (4) ، وإيماء إلى أنّ المراد بالحفظ في الآية الاُولى عدم تطرّق الباطل إليه، وإلى أنّ المراد بالذِّكر المنزل الكتاب الكريم .

وذكر المفسّرون في تفسير الآية الثانية وجوها ؛ منها : أنّ معنى كونه عزيزا أنّه لا يقدر أحد أن يأتي بمثله، أو منيع من الباطل؛ لما فيه من حسن البيان ووضوح البرهان ، أو عزيز محفوظ من أن يغيّر أو يبدّل، لا يأتيه الباطل؛ أي الشيطان .

وقيل : التبديل . وقيل : التناقض . وقيل : الكذب من بين يديه، ولا من خلفه . قيل : أي في إخباره عمّا تقدّم، ولا عمّا تأخّر . وقيل : لا يأتيه الباطل بوجهٍ من الوجوه . واكتفى بذكر الجهتين عن البواقي؛ لأنّ الإتيان إلى الشيء غالبا من هاتين الجهتين .

وقيل : بين يديه لفظه، ومن خلفه تأويله (5).

ص: 562


1- الأعراف (7) : 52
2- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 24
3- الحجر (15) : 9
4- فصّلت (41) : 42
5- اُنظر : شرح المازندراني ، ج 12 ، ص 208

(تنزيلٌ من حكيم) أي من عند حكيم، لا يفعل إلّا ما هو على وفق الحِكَم والمصالح .

(حميد) ؛ يحمده كلّ مخلوق بما ظهر عليه من نعمه .

(ضرب للناس فيه الأمثال) .

يُقال : ضرب اللّه مثلاً؛ أي وصف، وبيّن . والمَثَل، محرّكة: الحجّة، والحديث، والصِّفة .

واشتهر إطلاقه بكلام يُقصد به إلحاق خفيّ بجليّ، محسوس أو مشهور .

(وصرّف فيه الآيات) .

تصريف الآيات: تبيينها ؛ يعني بيّن في ذلك الكتاب الآيات الدالّة على ما يتعلّق بأحوال المبدأ والمعاد، وكيفيّة الإيجاد ، والأحكام الشرعيّة من الحلال والحرام، والنصائح والمواعظ، وأمثالها .

(لعلّهم يعقلون) أي يفهمون الغرض منها .

(أحلَّ فيه الحلال، وحرّم فيه الحرام) ؛ لعلّ المراد بالحرام ما لا رخصة في فعله، وبالحلال ما يجوز فعله ولو ببعض الوجوه، فيندرج فيهما الأحكام الخمسة المشهورة .

(شرع فيه الدِّين لعباده) .

قال الفيروزآبادي : «شرع لهم، كمنع: سنّ» (1).

وقال : «سنّ الأمر: بيّنه. والشيء: صوّره» (2).

(عُذرا ونُذرا) .

قيل : هما _ بالضمّ وضمّتين _ مصدران لِعَذر، إذا محا الإساءة، ورفع اللؤم، وأنذر، إذا خوّف بعد الإعلام . أو جمعان لعذير بمعنى المعذرة، ونذير بمعنى الإنذار . أو بمعنى العاذر والمُنذِر .

ونصبهما على الأوّلين بالعلّيّة؛ أي عذرا للمحقّين لاشتماله على الأخبار بمحو إساءتهم، ورفع منزلتهم، ونذرا للمبطلين؛ لتضمّنه ذكر عقوباته، وغَور دركاتهم. أو بالبدليّة من الدين . وعلى الثالث بالحاليّة عن فاعل «شرع»، أو عن ضمير «الكتاب» (3).

ص: 563


1- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 44 (شرع)
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 237 (سنن)
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 26 ، ص 57 و 58 . وانظر أيضا : شرح المازندراني ، ج 12 ، ص 209

(لئلّا يكون للناس على اللّه حجّة بعد الرسل) .

اللّام متعلّقة بالإرسال، و«حجّة» اسم «يكون»، وخبره «للناس» ، أو «على اللّه »، والآخر حال، و«بعد» ظرف للحجّة، أو صفة لها .

قال بعض المفسّرين :

حجّتهم لو لم يرسل إليهم رسولاً وكتابا، أن يقولوا: لولا أرسلت إلينا رسولاً، فينبّهنا ويعلّمنا ما لم نكن نعلم . وفيه تنبيه على أنّ بعثة الأنبياء إلى الناس ضرورة؛ لقصور الكلّ عن إدراك جزئيّات المصالح، والأكثر عن إدراك كلّيّاتها (1)

(ويكون بلاغا لقومٍ عابدين) ؛ إشارة إلى قوله تعالى : «إِنَّ فِي هذَا لَبَلَاغا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ» (2). ، والمشار إليه بهذا ما ذكر قبل هذه الآية من الأخبار والمواعظ والمواعيد .

والبلاغ، بالفتح: الكفاية، واسم من التبليغ والإبلاغ، وهما للإيصال .

ويمكن أن يُراد هنا سبب البلوغ إلى البُغية . والمراد بالعابدين المستعدّين للعبادة .

إذا عرفت هذا، فاعلم أنّ الظاهر أن تكون الجملة عطفا على «لئلّا يكون»، والمستتر في «يكون» عائد إلى الكتاب. وعوده إلى الرسول، أو إلى الدِّين احتمال .

إن قلت : يلزم على هذا اشتمال المعطوف على ضمير دون المعطوف عليه .

قلت : قد حكم بعض الأفاضل بعدم امتناع مثل هذا العطف، وربّما نقل أنّ هذا ممّا جوّزه جماعة من النحاة في مثل قولهم: «الذي يطير، فيغضب زيد الذباب»، وعندي في صحّة هذا الحكم وثبوت النقل عنهم إشكال . والمشهور فيما بينهم الحكم بامتناعه، وجعل الفاء في المثال المذكور للسببيّة، ومنهم من جعله للعطف، بتقدير العائد في المعطوف؛ أي فيغضب بسببه .

ومنهم من جعله للعطف من دون تقدير العائد، وخصّ هذا الحكم بالفاء دون غيره . قال ابن مالك :

«واخصص بفاء عطف ما ليس صلة***على الذي استقرّ أنّه الصلة»(3).

وفيما نحن فيه يمكن أن يكون العائد الإظهار في موضع الإضمار، بأن يكون أصله:

ص: 564


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 26 ، ص 58
2- الأنبياء (21): 106
3- اُنظر: شرح ابن عقيل، ج 2، ص 228

ويكون بلاغا لهم، فعدل إلى الاسم الظاهر؛ للتصريح باختصاص كونه بلاغا للذين تكون غاية هممهم العبادة دون العادة، وأنّهم هم المنتفعون به.

ولك أن تجعل الواو للحال بتقدير مبتدأ .

وقوله : (حتّى أتاه اليقين) ؛ يعني الموت، سمّي به لكونه متيقّن اللحوق بكلّ ذي حياة .

وقوله : (اُوصيكم) .

في المصباح : «أوصاه؛ أي أمَرَه، وذكّره» (1)

وفي القاموس : «أوصاه ووصّاه توصية: عَهِدَ إليه» (2).

وقوله : (بتقوى اللّه ) ؛ متعلّق بالفعلين على سبيل التنازع .

(الذي ابتدأ بدأ الاُمور بعلمه) .

في القاموس : «بدأ به _ كمنع _ ابتداء. والشيء: فعله ابتداء، كأبدأه وابتدأه. واللّه الخلق: خلقهم. وأفعله بَدْءً؛ أي أوّل شيء» (3).

وفي كثير من النسخ: «ابتدأ بَدْؤ الاُمور»، وكأنّه بناء على جعل الابتداء لازما، أو كونه بصيغة المجهول، لكن لا يساعده رسم الخطّ .

ويحتمل أن يقرأ هذه النسخة: «بُدُوّ الأمر» بالواو المشدّدة؛ أي ظهورها .

وحاصل المعنى على النسختين أنّه تعالى ابتدأ خلق الاُمور وإيجادها، وأخرجها من ظلمة العدم إلى نور الوجود بعلمه المحيط المقتضي لإعطاء كلّ شيءٍ ما أراده من الحقائق ولوازمها وآثارها بقدرته واختياره، ففيه نفي إيجاب الصانع تعالى، وإثبات حدوث العالم .

(وإليه) أي إلى اللّه تعالى .

(يصير غدا ميعادها) أي ميعاد تلك الاُمور .

وأراد بالغد يوم القيامة .

(وبيده) أي بقدرته .

(فناؤها وفناؤكم) .

تقديم الخبر للحصر .

ص: 565


1- المصباح المنير، ص 239 (وصي)
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 400 (وصي)
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 8 (بدأ)

(وتصرّم أيّامكم) ؛ عطف على الفناء. والتصرّم: التقطّع .

(وفناء آجالكم) .

الأجل، محرّكة: غاية الوقت في الموت، ومدّة الشيء . والأنسب هنا المعنى الثاني .

(وانقطاع مدّتكم) .

المدّة، بالضمّ: الغاية من الزمان ، والمكان الطويل من الدقّة، أو أعمّ .

(فكأن قد زالت عن قليل عنّا وعنكم) .

«كان» على صيغة الفعل. والمستتر في «زالت» راجع إلى الأيّام والآجال والمدّة . وكلمة «عن» الأولى بمعنى بعد، كما قيل في قوله تعالى : «عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ» (1) .

وقوله : (فتجافوا عنها) أي تنحّوا عن الدُّنيا، واتركوها، ولا تطمئنّوا فيها .

في القاموس : «جفا الشيء جَفاء، وتجافى: لم يلزم مكانه» (2) ؛ فإنّ المغترّ مَن اغترّ بها .

في القاموس : «غرّه غرّا وغرورا وغِرّة، فهو مغرور وغرير: خدعه، وأطمعه بالباطل. فاغترّ هو. والغارّ: الغافل. واغترّ: غفل» (3). انتهى .

وكأنّ تعريف المسند إليه للحصر؛ أي المخترع أو الغافل إنّما هو من اختدع بالدُّنيا، وغفل عن مكرها وحيلها، وركن إليها، واشتغل بزخارفها الفانية، وأعرض عن الصالحات الباقية .

(لن تعدو الدُّنيا) إلى قوله: (الآية) .

قد مرّ تفسير الآية بتمامها في كلام عليّ بن الحسين عليهماالسلام . ويحتمل أن يكون قوله: «الآية» من كلام أمير المؤمنين عليه السلام ، أو من كلام أبي عبد اللّه عليه السلام . فتدبّر .

وقوله : «أن تكون» مفعول «لن تَعدُو». يقال : عداه يعدوه، إذا جاوزه .

والاُمنيّة، بالضمّ: التمنّي، وهو المراد والمقصود؛ أي لن نتجاوز الدُّنيا إذا انتهت ووصلت إلينا متمنّيات الراغبين فيها، أو بلغت اُمنيّتهم فيها إلى الغاية والنهاية عن تلك الحالة ، وهي كونها مشابهة لما تضمّنته الآية الكريمة .

ص: 566


1- المؤمنون (23) : 40
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 313 (جفو)
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 101 (غرر)

والحاصل : أنّ حال أهل الدُّنيا والراغبين إليها في سرعة زوالهم وانقطاع نعيم الدُّنيا عنهم بعد تنعّمهم بها، وإقبالهم بالكلّيّة عليها، واغترارهم بزخارفها شبيهة بحال الأرض في سرعة تعقّب فناء زخرفها وزينتها بالنبات بعد كمال نضرتها وخضرتها، وحُسنها وبهجتها .

وقوله عليه السلام : (مع أنّه لم يُصب ...) ؛ إشارة إلى شوب نعماء الدُّنيا ببلائها، وخلط زهراتها بآفاتها، تحذيرا عن الركون إليها، والميل إلى تحصيلها .

قال الجوهري : «الخَيرة: الفاضلة من كلّ شيء. الخيرات جمع» (1).

وفي القاموس : الخير: المال، والخيل، والكثير الخير، كخيّر _ ككيّس _ وهي بهاء. الجمع: أخيار. وبالكسر: الكرم، والشرف . وخار تخيّر: صار ذا خَيْر. والرجل على غيره خَيرَةً وخيّرا وخيرةً: فضّله. واخترته الرجال، واخترته منهم وعليهم. والاسم: الخيرة، بالكسر، وكعِنبة (2).

وفي النهاية: «خار اللّه لك ؛ أي أعطاك ما هو [خير] لك . والخير بسكون الياء الاسم منه» (3).

وفي بعض النسخ: «حَبْرَةً» بالحاء المهملة المفتوحة، والباء الموحّدة، وهي السرور.

والنعمة : خير. والحسنة: وسعة العيش . والعَبرة، بالفتح: الدمعة قبل أن تفيض ، أو الحزن بلا بكاء، أو تردّد البكاء في الصدر. كذا في القاموس(4)

وفي الصحاح: «العَبرة: تحلّب الدمع» (5).

وقوله : (في جَناح آمن) .

قيل : أي في ظلّ جناحٍ آمن، أو تحت جناحه كبيض الطير أو فرخه. وفيه مكنيّة وتخييليّة (6). انتهى .

قال الفيروزآبادي : «الجناح: اليد، والعضد، والابط، والجانب، ونَفْسُ الشيء، والكتف،

ص: 567


1- الصحاح ، ج 2 ، ص 651 (خير)
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 25 (خير) مع التلخيص
3- النهاية ، ج 2 ، ص 91 (خير)
4- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 83 (عبر)
5- الصحاح ، ج 2 ، ص 732 (عبر)
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 211

والناحية، والطائفة من الشيء _ ويضمّ _ والرَّوشن، والمنظر . ونحن في جناح سفر ؛ أي نريده» (1).

أقول : جميع هذه المعاني محتملة هنا، ولا يحتاج إلى تقدير مضاف، وارتكاب استعارة عند إرادة أكثرها .

وقوله : (جائحة) .

قال الجوهري : «الجَوْح: الاستئصال. ومنه الجائحة، وهي الشدّة التي تجتاح المال من سنة أو فتنة»(2).

وقوله : (وهولَ المطّلَع) ؛ بفتح اللّام، أي الموت .

وقيل : المراد به رؤية ملك الموت (3)

وقال الجوهري : «هو موضع الاطّلاع من إشراف إلى انحدار» (4).

وقال الجزري : «يريد به الموقف يوم القيامة، أو ما يُشرف عليه من أمر الآخرة عقيب الموت، فشبّهه بالمطّلع الذي يشرف عليه من موضع عال» (5).

(والوقوفَ بين يدي الحكم العدل) .

في القاموس : «الحكم، بالضمّ: القضاء. والحاكم : مُنفِذ الحكم، كالحَكَم محرّكة» (6).

وقد أشار عليه السلام بذكر الوقوف إلى ذلّ الخلائق حينئذٍ، وبذكر الحكم إلى نفاذ حكمه تعالى عليهم، وبذكر العدل إلى أنّه يثيب المطيع، ويعاقب العاصي، ولا يجور في حكمه .

وقوله : (تُجزى) على بناء المجهول . و(كلّ نفس) قائم مقام فاعله .

ولعلّ الجملة حاليّة، وذو الحال النفس الواقفة التي تفهم من الوقوف. وذكر كلّ نفس من قبيل وضع المظهر موضع المضمر .

وقيل : كأنّ الجملة استئنافيّة، جوابا عن سبب الوقوف، أو غَرَضه (7).

وقوله : (ليجزي الذين أساؤؤا ...) تفصيل للسابق .

ص: 568


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 211
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 219 (جنح)
3- الصحاح ، ج 1 ، ص 360 (جوح)
4- الصحاح ، ج 3 ، ص 1254 (طلع)
5- النهاية ، ج 3 ، ص 133 (طلع)
6- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 98 (حكم)
7- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 212

قال اللّه _ عزّ وجلّ _ في سورة النجم : «إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اهْتَدى * وَللّهِِ مَا فِي السَّموَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِىَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا» (1).

قال البيضاوي : بعقاب ما عملوا من السوء، أو بمثله، أو بسبب ما عملوا من السوء، وهو بمثله دلّ عليه ما قبله؛ أي خلق العالَم، وسوّاه للجزاء. أو ميّز الضالّ عن المهتدي، وحَفِظ أحوالهم لذلك ، «وَيَجْزِي الَّذِيْنَ أَحْسَنُوا بِالحُسْنى» : بالمثوبة الحسنى، وهي الجنّة، أو بأحسن من أعمالهم، أو بسبب الأعمال الحسنى (2). انتهى .

والظاهر أنّ اللّام في الحديث تعليل للوقوف .

(وسارعوا إلى رضوان اللّه ) .

الرضوان، بالكسر والضمّ: الرضا . والمراد هاهنا سببه .

وقوله : (بمَحابّه) ؛ يحتمل أن يكون بفتح الميم وتشديد الباء، جمع محبوبة؛ أي الأعمال المحبوبة للّه . أو جمع محبّ، أو محبّة، اسم مكان من الحبّ، كمصادر ومدارس في جمع مصدر ومدرسة .

وقيل: المُحابّ اسم مفعول، بمعنى المحبوب في لغة هذيل (3).

(ويجتنب سخطه) أي موجبات سخطه وعقوبته .

(ثمّ إنّ أحسن القصص) .

في القاموس : «قصّ أثره قصّا وقصيصا: تتبّعه. والخبر: أعلمه . والقصّة، بالكسر: الأمر، والذي يكتب، الجمع كعنب» (4)

وقال البيضاوي في تفسير قوله تعالى : «نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ» (5) : أي أحسن الاقتصاص؛ لأنّه اقتصّ على أبدع الأساليب. أو أحسن ما يقصّ؛ لاشتماله على العجائب والحِكم والآيات والعِبَر ، فعل بمعنى مفعول، كالنقص

ص: 569


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 212
2- النجم (53) : 30 و 31
3- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 258
4- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 313 (قصص) مع التلخيص
5- .يوسف (12) : 3

والسلب، واشتقاقه من قصّ أثره، إذا تَبِعَهُ (1).

(وأبلغ الموعظة) أي أتمّها وأكملها . أو البالغ غاية الفصاحة والبلاغة .

(وأنفع التذكّر) .

يفهم من كلام أرباب اللّغة أنّ التذكّر يتعدّى ولا يتعدّى . والمراد تذكّر اُمور الدُّنيا والآخرة، وتذكير ممّا له مدخل في الكمال .

(كتاب اللّه ) ؛ لاشتماله على جميع ذلك .

«وَإِذَا قُرِءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا» (2). الآية .

قال الجوهري : «الإنصات: السكوت، والاستماع للحديث . تقول : أنصتوا، وأنصتوا له» (3).

وقال بعض الأفاضل : «أمر بالاستماع؛ لينتقل إلى المقصود . وبالإنصات لئلّا يشتغل القلب بغيره . وجعل الغاية رجاء نيل الرحمة التي هي غاية اُمنيّة العابدين» (4).

وقوله تعالى : «وَالْعَصْرِ» .

قال البيضاوي : أقسم سبحانه بصلاة العصر؛ لفضله. أو بعصر النبوّة. أو بالدهر؛ لاشتماله على الأعاجيب، والتعريض بنفي ما يضاف إليه من الخسران .

«إِنَّ الْاءِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ» ؛ إنّ الإنسان لفي خسران في مساعهيم وصرف أعمارهم في مطالبهم . والتعريف للجنس . والتذكير للتعظيم .

«إِلَا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ» ؛ فإنّهم اشتروا الآخرة بالدُّنيا، ففازوا بالحياة الأبديّة والسعادة السرمديّة .

«وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ» بالثابت الذي لا يصحّ إنكاره من اعتقاد أو عمل .

«وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ» (5) عن المعاصي، أو على الحقّ، أو ما يبلو اللّه [به] عباده . وهذا من عطف الخاصّ على العامّ للمبالغة . انتهى (6).

والمشهور أنّ اللّام «في الإنسان» للاستغراق بقرينة الاستثناء .

ص: 570


1- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 272
2- الأعراف (7) : 204
3- الصحاح ، ج 1 ، ص 268 (نصت)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 213
5- العصر (103) : 1 - 4
6- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 526

واعلم أنّه يستفاد من هذا الخبر عدم وجوب القراءة في الخطبة الثانية؛ لأنّه عليه السلام يقرأ فيها شيئا من القرآن .

ويؤيّده موثّقة سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام ؛ فإنّ فيها أيضا دلالة على اختصاص القراءة، والوعظ بالاُولى في الصلاة على النبيّ وآله، والاستغفار للمؤمنين والمؤمنات بالثانية .

وبه أفتى المحقّق رحمه الله في النافع والمعتبر (1) . وهو منقول عن السيّد المرتضى (2)

ويظهر من عبارة الشيخ في النهاية والاقتصاد أنّ القراءة بين الخطبتين (3).

وذهب في الخلاف (4) إلى وجوب القراءة في الخطبتين جميعا ، لكنّه اكتفى بالآية التامّة الفائدة فيهما، وهو مختار أكثر المتأخّرين .

وقال في المبسوط (5) بوجوب سورة خفيفة فيهما، وهو مختار ابن حمزة، وابن إدريس، وجماعة . ولعلّه أحوط.

ولم يتعرّض أبو الصلاح بوجوب القراءة في شيء من الخطبتين أصلاً (6).

وقوله : (وبارك على محمّد وآل محمّد) .

في القاموس : «البركة، محرّكة: النّماء، والزيادة، والسعادة. وبارك اللّه لك ، وفيك ، وعليك، وباركك. وبارك على محمّد وآل محمّد: أدِم له ما أعطيته من التشريف والكرامة» (7). انتهى .

وقيل : «بارك» إمّا من بروك البعير، إذا استناخ، ولزم مكانا واحدا لا يخرج منه . أو من البركة . والمعنى على الأوّل: أدِمْ عليهم الكرامة والتشريف ، وعلى الثاني: زدهم تشريفا بعد تشريف، وكرامةً بعد كرامة (8). فليتأمّل .

وقوله : (وتحنّن) .

قال الجوهري : «الحَنان: الرحمة . وتحنّن عليه: ترحّم» (9).

ص: 571


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 213
2- المختصر النافع ، ص 35 و 36 ؛ المعتبر، ج 2 ، ص 280 - 284
3- حكاه عنه في المعتبر ، ج 2 ، ص 282
4- اُنظر : النهاية ، ص 103 - 104 ؛ الاقتصاد ، ص 267
5- الخلاف ، ج 1 ، ص 244
6- المبسوط ، ج 1 ، ص 151 و 152
7- اُنظر : الكافي في الفقه ، ص 151
8- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 293 (برك)
9- الصحاح ، ج 5 ، ص 2104 (حنن)

وقوله : (وسلِّم) .

قيل : أي خلّصهم من الآفات الدنيويّة والاُخرويّة، وطهّرهم من الأرجاس البدنيّة والروحانيّة، وهم طاهرون منها . والطلب للتمنّي، والتبرّك، والتقرّب بهم (1).

في القاموس : «سلِم من الآفة _ بالكسر _ سَلامة. وسلّمه اللّه منها تسليما. وسلّمته إليه تسليما، فتسلّمه: أعطيته، فتناوله . والتسليم: الرضا» (2).

وقوله : (كأفضل ما صلّيت) إلى قوله : (إنّك حميدٌ مجيد) .

لعلّ الكاف زائدة، كما قيل في قوله تعالى : «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ» في وجه . وقيل : أراد أن يكون كلّ فرد من أفراد الصلاة على محمّد وآل محمّد ، وكذا كلّ فرد من أفراد ما عطف عليها، كأفضل أفراد الصلاة على إبراهيم، وأفضل أفراد ما عطف عليها في كونه في غاية الكمال .

وبالجملة للصلاة على إبراهيم أفراد متقاربة بعضها في غاية الكمال دون بعض ، وأراد بالتشبيه أن يكون كلّ فرد من أفراد الصلاة على محمّد وآله كأفضل أفراد الصلاة على إبراهيم في بلوغه إلى حدّ الكمال ، فلا يلزم منه إلحاق الناقص بالكامل، بل اُلحِق كلّ فرد من طرف المشبّه بأفضل الأفراد من طرف المشبّه به ، بل يفهم منه تفضيله صلى الله عليه و آله على إبراهيم وتفضيل صلاته على صلاته .

وعليه فقس . فليتأمّل (3). انتهى .

وقال صاحب العدّة : الحميد هو المحمود الذي استحقّ الحمد بفعاله ؛ أي يستحقّ الحمد في السرّاء والضرّاء ، وفي الشدّة والرخاء (4). والمجيد هو الواسع الكريم ؛ يُقال: رجلٌ ماجد، إذا كان سخيّا واسع العطايا .

وقيل : معناه الكريم العزيز، ومنه قوله عزّ وجلّ : «قُرْآنٌ مَجِيدٌ» (5) ؛ أي كريمٌ عزيز .

والمَجْد في اللغة: نيل الشرف، وقد يكون بمعنى ممجّد؛ أي مجّده خلقه، وعظّموه (6).

ص: 572


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 213
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 130 (سلم)
3- إلى هاهنا كلام القائل ، وهو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 213 و 214
4- عدّة الداعي ، ص 303
5- البروج (85) : 21
6- عدّة الداعي ، ص 309

(اللّهُمَّ أعطِ محمّدا الوسيلة) إلى آخره .

قد مرّ أنّ الوسيلة منبر يوضع يوم القيامة له ألف مرقاة .

وقال في القاموس : «الوسيلة: المنزلة عند الملك، والدرجة، والقربة» (1).

وقال : «الشرف، محرّكة: العلوّ، والمكان العالي، والمجد، أو لا يكون إلّا بالآباء أو علوّ الحسب» (2).

وقال: «الفضل: ضدّ النقص. والفضيلة: الدرجة الرفيعة في الفضل» (3) و

قال : «المنزلة: موضع النزول، والدرجة» (4).

وقوله : (وأوجههم عندك يوم القيامة جاها) .

قال الجوهري : «وَجُهَ الرّجل _ بالضمّ _ أي صار وجيها؛ أي ذا جاه وقدر . ووجوه البلد: أشرافه» (5)

وقال في معتلّ العين: «الجاه: القدر، والمنزلة» (6).

وفي القاموس : «الوجه: سيّد القوم. الجمع: وجوه، كالوجيه، الجمعُ: وُجَهاء. والوجيه: ذو الجاه» (7).

وقوله : (وحباء السلام) .

الحباء، ككتاب: العطاء بلا مَنّ ولا جزاء، كالحبوة مثلّثة . ولعلّ المراد: أعطه عطيّة سلامتك، بأن يكون سالما عن جميع ما يوجب نقصا، أو اجعله متمكّنا من أن يحبو ويعطى السلامة من أنواع البلاء والعذاب لمن أراد ، وأعطه واُمّته تحيّة السلام من عندك، بأن يسلّم عليهم الملائكة في الجنان رسلاً من عندك .

وقوله : (غير خَزايا) .

قال الجوهري: «خَزِي _ بالكسر _ يَخْزي خزايَة؛ أي استحياء، فهو خَزْيان، وقومٌ خزايا» (8).

ص: 573


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 64 (وسل)
2- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 157 (شرف)
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 31 (فضل)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 56 (نزل)
5- الصحاح ، ج 6 ، ص 2255 (وجه) مع تلخيص
6- الصحاح ، ج 6 ، ص 2231 (جوه)
7- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 295 (وجه)
8- الصحاح ، ج 6 ، ص 2326 (خزي)

(ولا ناكبين) .

نكث العهد والجبل ، إذا نقضه . وفي بعض النسخ: «ناكبين» بالباء الموحّدة؛ أي متنكّبين عادلين عن دينه واتّباعه .

(ولا نادمين) عن قبائح أعمالنا .

(ولا متبدّلين (1) ) .

في بعض النسخ : «ولا مبدّلين» .

بدل الشيء، بالتحريك وبالكسر: الخلف منه. وتبدّله، وبه : اتّخذه منه بدلاً . كبدّله . والمراد تبديله صلى الله عليه و آله بغيره، أو تبديل دينه وشرائعه .

وقوله : (ثمّ جلس قليلاً) ؛ يدلّ على اشتراط الجلوس الخفيف بين الخطبتين للتأسّي .

ويؤيّده روايات اُخر، وهو المشهور بين الأصحاب .

وقوله عليه السلام : (الحمد للّه أحقّ من خُشي) ؛ على بناء المفعول .

وكذا قوله : (وحُمِدَ) .

وجه كونه تعالى أحقّ لها بأنّ استحقاق أحد للخشية والخوف منه، وللحمد والثناء له إنّما هو على قدر عظمته وقدرته، وكثرة إحسانه وإنعامه، وقد عجزت عن معرفة عظمته وقدرته عقول العارفين، وعن إحصاء آلائه ونعمائه ألسِنَة الواصفين .

(وأفضل مَن اتُّقي) على بناء المجهول؛ أي اُجتُنِبَ عن مخالفته وعقوبته.

(وعُبِد) أي يتذلّل له غاية التذلّل .

(وأولى مَن عُظّم ومُجّد) .

التعظيم: التفخيم، والتكبير . ويُقال : مجّده تمجيدا ؛ أي عظّمه ، وأثنى عليه .

ووَجهُ كونه سبحانه أولى بهما لأنّهما إنّما يكونان إمّا لشرف الذات، أو لكمال الأفعال والصفات ، وكلّ ذلك له تعالى على وجه الكمال .

(نحمده لعظيم غَنائه) .

قد عرفت سابقا وجه تعقيب ما يدلّ على التجرّد بما يدلّ على الدوام والاستمرار .

ص: 574


1- في المتن الذي ضبطه الشارح رحمه الله سابقا : «مبدّلين»

قال الجوهري : «الغَناء، بالفتح: النفع» (1).

(وحُسْن بلائهِ) . يُقال : بلوته بَلْوا وبَلاءً، إذا اختبرته، وامتحنته، وجرّبته . وحُسن بلائه تعالى خير الصنيع الذي يختبر به عباده، بحيث يوجب تذكّر أمر الآخرة، وتهيئة أسبابها . وقد يُطلق البلاء على النعمة والعطيّة .

(ونؤمن بهُداه الذي لا يَخْبو ضياؤه) .

خبت النار والحرب والحدة تخبو خَبْوا وخُبُوّا: سكنت، وطُفِئَت . وأخْبيتها: أطفأتها .

وقيل : المراد بالهدى القرآن، أو الرسول، أو القوانين الشرعيّة. وعلى التقادير تشبيهه بالنار مكنيّة، وإثبات الضياء له تخييل، وذكر الخبو ترشيح (2).

(ولا يتمهّد سَناؤه) .

قال الجوهري والفيروزآبادي : «التمهّد: التمكّن» (3).

والسنا، بالقصر: ضوء البرق. وبالمدّ: الرفعة. وكان الفعل على بناء المفعول ، والمعنى: لا يتمكّن أحد من بلوغ سنائه، ونيل رفعته وعلوّه .

وربّما قيل : التمهّد من المهد: للموضع الذي يهيّأ للصبيّ، أو من المهاد، وهو الفراش الذي يوضع ويُبسط ويوطأ، وأيّا ما كان فهو كناية عن الوضع والخفض. والسنا على الأوّل بالقصر، وعلى الثاني بالمدّ. فليتأمّل جدّا؛ فإنّه من زال الأقدام .

وفي بعض النسخ: «لا يَهْمُدُ». وفي بعضها: «لا يتهمّد»، وهما من الهمود بمعنى الموت، وطفؤ النار، أو ذهاب حرارتها .

(ولا يوهن عُراه) .

في القاموس : «الوَهْن: الضعف في العمل، ويحرّك، والفعل كوعد وورث وكرم. وأوهنه: أضعفه»(4).

وفيه: «العروة من الدلو والكوز: المقبض. ومن الثوب: اُخت زره، كالعرى، ويكسر» (5). انتهى .

ص: 575


1- الصحاح ، ج 6 ، ص 2449 (غني)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 215
3- الصحاح ، ج 2 ، ص 541 (مهد)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 276 (وهن)
5- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 361 (عرو)

ولعلّ المراد بالعرى هنا الأنبياء والأوصياء والأحكام الشرعيّة وقوانينها .

(ونعوذ باللّه من سوء كلّ الرّيب) أي من شرّ كلّ شكّ وشبهة يوجب الفساد في أمر الدِّين، أو ما يعمّ أمر الدُّنيا أيضا، والاستعاذة منه يجب على كلّ مكلّف، وإن كان من أهل التصديق والإيقان؛ لأنّه لا يأمن المزلّة والطغيان .

وقيل : هذا الكلام منه عليه السلام على سبيل التعظيم، أو التعبّد، أو إظهار العجز ، وإلّا فساحة عصمته وكماله وعلمه منزّهة من دخول الريب اللازم للجهل (1).

(وظُلَم الفتن) .

الظلم، كصُرَد: جمع الظلمة .

والفِتن، كعنب: جمع الفتنة _ بالكسر _ وهي الامتحان والاختبار، والحيرة في الأمر، واختلاف الناس في الآراء، والفضيحة، والعذاب، والمال، والأولاد، والمحنة، والضلال، والإضلال .

والإضافة من قبيل «لجين الماء»، أو من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف مبالغة في وصف الفتن بالظلم .

وقيل : تشبيه الفتن بالشيء المظلم في عدم اهتداء من وقع فيه مكنيّة، وإثبات الظلمة لها تخييليّة (2).

(ونستغفره من مكاسب الذنوب) .

قيل : هي مواضع كسبها من الأفعال القبيحة، والأخلاق الذميمة، والعقائد الفاسدة (3).

وأقول : الظاهر أنّها جمع المكسب بمعنى الكسب .

قال الفيروزآبادي : «كسبه يكسبه كَسْبا وكسبا: طلب الرزق. أو كسب: أصاب. وكسبه: جمعه. وفلان طيّب المَكسب والمَكسِب والمكسبة _ كالمغفرة _ والمِكسبة بالكسر؛ أي طيّب الكسب» (4).

ص: 576


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 215
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 216
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 124 (كسب)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 216

وقال الجوهري : «كسبت أهلي خيرا، وكسبت الرجل مالاً فكسبه . وهذا ممّا جاء على فَعَلتُه ففعل» (1).

(نستعصمه من مساوي الأعمال) ؛ كأنّها جمع سوء _ بالفتح، أو بالضمّ _ على غير قياس، كالمحامد جمع حمد، أو جمع مَسأة .

قال الجوهري : «سأه يسوؤه سَوءا _ بالفتح _ ومساءة وسائية: نقيض سرّه. والاسم: السُوء بالضمّ. وقرئ : «عليهم دائرة السوء»؛ يعني الهزيمة والشرّ . ومن فتح، فهو من المساءة» (2).

وفي المصباح: «المساءة: نقيض المسرّة. وأصله: مَسوءة، على مَفْعلة بفتح الميم والعين ويكسر الواو في الجمع، فيقال: المساوي ، لكن استعملوا الجمع مخفّفا» (3). انتهى .

يعني أنّ أصله المساوئ بالهمزة، التي هي لام الفعل، فخفّفت بقلبها ياء .

(ومكاره الآمال) .

في القاموس : «الكرُه، ويضمّ: الإباء، والمشقّة. أو بالضمّ: ما أكرهت نفسك عليه، وبالفتح: ما أكرهك غيرك عليه. كرهه _ كسمعه _ كَرْها، ويضمّ، وكراهةً وكراهية ومَكرَهة، وتضمّ راؤه، وشيء كَرْهٌ بالفتح، وكخجل، وأمير : مكروه، وما كان كريها فكره ، ككرم»(4).

وفيه: «الأمل، كحبل ونجم وشبر: الرجاء. والجمع: آمال» (5).

والمراد هنا الطمع والرجاء في الاُمور الدنيويّة زائدا على قدر الكفاف .

(والهجوم في الأهوال) .

هجم عليه _ كنصر _ هجوما: انتهى إليه بغتةً، أو دخل فلانا أدخله. وهاله هولاً: أفزعه.

والهَوْل: المخافة من الأمر لا يُدرى ما يهجمُ عليه منه، وجمعه: أهوال .

(ومشاركة أهل الريب) .

لعلّ المراد بهم الذين يرتاب الناس فيهم بالخيانة والسرقة ونحوهما من الفسوق والمعاصي ، أو الذين يوقعون الناس في الشكّ والارتياب في اُمور الدِّين اُصولاً وفروعا، وبمشاركتهم مجالستهم، أو معاملتهم أو معاونتهم ومظاهرتهم في دينهم .

ص: 577


1- الصحاح ، ج 1 ، ص 212 (كسب)
2- الصحاح ، ج 1 ، ص 55 (سوأ)
3- المصباح المنير، ص 121(سوأ)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 291 (كره)
5- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 330 (أمل)

والظاهر أنّ قوله : (بغير الحقّ) تأكيدا لعمل الفجّار. والتقييد محتمل بعيد .

وقوله : (وسَنّوا سنّتك) أي ساروا على سيرتك، أو أحسنوا القيام عليها، أو امتثلوا بها .

في القاموس : «سنّ السكّين: أحدَّه، وصقّله. وسنّ المال: أرسله في الرعي، أو أحسن القيام عليه حتّى كأنّه صقّله. والشيء: صوّره. والطريقة: سارَ فيها. والسنّة، بالضمّ: السيرة» (1).

متن الحديث الخامس والتسعين والمائة

اشارة

الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيُّ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَشَّاءِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ:

سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ: «لِكُلِّ مُؤْمِنٍ حَافِظٌ وَسَائِبٌ».

قُلْتُ: وَمَا الْحَافِظُ، وَمَا السَّائِبُ يَا أَبَا جَعْفَرٍ؟

قَالَ: «الْحَافِظُ مِنَ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى، حَافِظٌ مِنَ الْوَلَايَةِ يَحْفَظُ بِهِ الْمُؤْمِنَ أَيْنَمَا كَانَ، وَأَمَّا السَّائِبُ فَبِشَارَةُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله يُبَشِّرُ اللّهُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ بِهَا الْمُؤْمِنَ أَيْنَمَا كَانَ، وَحَيْثُمَا كَانَ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (وما الحافظ) .

في بعض النسخ: «وأمّا الحافظ»، وكأنّه من طغيان القلم، وعلى تقدير صحّته جواب «أمّا» محذوف؛ أي أمّا الحافظ فقد عرفته، أو ظاهر، أو نحوهما .

وقوله : (الحافظ من اللّه _ عزّ وجلّ _ حافظ من الولاية) .

«من» الاُولى ابتدائيّة على الظاهر . ويحتمل كونها بيانيّة . وأمّا الثانية، فقد قيل: إنّها تعليليّة؛ أي لا حافظ من البلايا بسبب الولاية، أي ولاية أئمّة الحقّ، أو له حافظ بسبب الولاية ليحرس ولايته، لئلّا تضيع وتذهب بتشكيكات أهل الباطل. أو صلة للحفظ؛ إمّا بتقدير مضاف، أي يحفظ من ضياع الولاية وذهابها، أو بأن يكون المراد ولاية غير أئمّة الحقّ . أو

ص: 578


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 237 (سنن) مع التلخيص

بيانيّة؛ أي الحافظ هي الولاية تحفظه عن البلايا والفتن (1).

(يحفظ به المؤمن).

المستتر في «يحفظ» عائد إلى اللّه ، والضمير المجرور إلى ذلك الحافظ؛ أي يحفظ به من الخروج عن الولاية والشكّ فيها .

(أينما كان) من الشرق والغرب، والبرّ والبحر، والعمران والخراب .

(وأمّا السائب) ؛ كأنّه من السيب .

في القاموس: «السيب: العطاء، مصدر ساب: جَرى ومشى مُسرِعا» (2)

وقيل : يحتمل كونه من السائبة التي لا مالك لها بخصوصه ؛ أي سيّب لجميع المؤمنين(3).

ولا يخفى بُعده ، على أنّ المعروف من إطلاقات العرف وتصريحات أهل اللّغة عدم استعمال السائبة بهذا المعنى مجرّدا عن التاء . فليتأمّل .

(فبشارة محمّد) ؛ إضافة المصدر إلى الفاعل، أو لأدنى ملابسة ، والمراد بها القرآن، أو عند حضور الموت بالسعادة والكرامة .

وقيل : يحتمل بعيدا أن يكون المراد بها الرؤيا الحسنة . قال الجوهري : «بشره يَبشرُهُ من البشرى ، وكذا أبشر وبشر، والاسم: البشارة» (4).

وفي القاموس : «البشارة: الاسم، كالبُشرى، وما يُعطاه المُبشّر، ويضمّ فيهما» (5).

متن الحديث السادس والتسعين والمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنِ الْحَجَّالِ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنِ الْحَلَبِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:

«خَالِطِ النَّاسَ تَخْبُرْهُمْ، وَمَتى تَخْبُرْهُمْ تَقْلِهِمْ».

ص: 579


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 26 ، ص 63
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 84 (سيب)
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 26 ، ص 63
4- الصحاح ، ج 2 ، ص 590 (بشر)
5- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 373 (بشر)

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (خالط الناس تخبرهم) .

المخالطة: الممازجة . والمراد هنا المعاشرة والمصاحبة .

و«تَخبرهم» يحتمل كونه من التخبّر، وهو الاستخبار. أو من الخُبر _ بالضمّ _ وهو العلم بالشيء، وفعله كعلم. أو من الخبرة _ بالكسر _ بمعنى الامتحان والاختبار، وفعله كنصر .

وعلى التقادير يكون مجزوما لوقوعه جوابا للأمر .

وكذا قوله : (متى تَخبرهم) .

وقوله : (تَقْلهم) ؛ بكسر اللام وفتحها .

وهذا الكلام أمر في اللفظ، وخبر في المعنى ؛ يعني إن خالطت الناس، وجرّبتهم، تعرف حالهم في الحرص على جمع الدُّنيا، وصرف همّتهم بالكلّيّة على تحصيل زخارفها، وغفلتهم عن اللّه عزّ وجلّ وعن العمل للآخرة، وغيرها من أخلاقهم الذميمة وعقائدهم الخبيثة ، ومتى تعرفهم بتلك الحالة تعلمهم وتبغضهم أشدّ البغض، وتكرههم غاية الكراهة .

والغرض منه النهي عن المخالطة والمعاشرة الكثيرة بحيث تكون موجبة للاطّلاع على ما ذكره، وسببا للبغض والكراهة منهم .

قال الفيروزآبادي : «قلاه _ كرماه _ وقليه _ كرضيه _ قَلًى وقَلاءً ومَقْلِية: أبغضه، وكرهه غاية الكراهة، فتركه. أو قلاه في الهجر، وقَليه : في البغض» (1).

وقال : «لاُخبرنَّ خُبرك: لاُعلمنّ عِلمكَ . وَوَجدتُ الناس اُخبر تَقله؛ أي وجدتُهم مقولاً فيهم هذا؛ أي ما أحدٌ إلّا وهو مسخوط الفعل عند الخبرة» (2).

وقال الجزري: في حديث أبي الدرداء : وَجَدتُ الناس اُخبُرْ تقلِهْ. القلى: البغض. يُقال: قلاه يقليه قلًى وقِلًى، إذا أبغضه .

وقال الجوهري : «إذا فتحت مددت، ويقلاه لغة طيّ».

ص: 580


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 380 (قلي)
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 17 (خبر)

يقول : جرّب الناس؛ فإنّك إذا جرّبتهم قليتهم وتركتهم لما يظهر لك من بواطن سرائرهم . لفظه لفظُ الأمر، ومعناه الخبر؛ أي من جرَّبهم وخَبّرهم، أبغضهم وتركهم. والهاء في تَقله للسكت، ومعنى نظم الحديث: وجدت الناس مقولاً فيهم هذا القول . انتهى (1).

متن الحديث السابع والتسعين والمائة

اشارة

سَهْلٌ (2) ، عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ، رَفَعَهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:

«النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَمَنْ كَانَ لَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَصْلٌ، فَلَهُ فِي الْاءِسْلَامِ أَصْلٌ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (الناس معادن) إلى آخره .

روت العامّة عن النبيّ صلى الله عليه و آله : «الناس معادن كمعادن الذهب والفضّة، خيارهم في الجاهليّة خيارهم في الإسلام إذا فقّهوا» (3).

قال الجوهري : «عدنتُ البلد: توطّنته. وعدنت الإبل بمكان كذا: لَزِمَته، فلم تبرح . ومنه سمّي المعدِن _ بكسر الدال _ لأنّ الناس يقيمون فيه الصيف والشتاء . ومركز كلّ شيء: معدنه» انتهى (4).

وأصل الشيء: أسفله . ونقل عن الكسائي في قولهم : «لا أصل له، ولا فَصْل» : «الأصل: الحسب. والفصل: اللسان» .

وقيل : أصل كلّ شيء ما يستند إليه ذلك الشيء، كالأب للولد، والعِرق للشجر، والنهر للجدول (5).

ص: 581


1- النهاية ، ج 4 ، ص 105 (خبر) . وانظر أيضا : الصحاح ، ج 6 ، ص 2467 (قلو)
2- السند معلّق على سابقه
3- م مسند الشهاب ، ج 1 ، ص 145 ، ح 196 ؛ جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البرّ ، ج 1 ، ص 19 ؛ رياض الصالحين للنووي ، ص 220 ؛ كنزل العمّال ، ج 10 ، ص 149 ، ح 28761
4- الصحاح ، ج 6 ، ص 2162 (عدن) مع تلخيص
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 218

إذا عرفت هذا فنقول : لعلّ المراد أنّ الناس مختلفون في الاستعدادات والقابليّات، والعقول والأخلاق، كاختلاف المعادن؛ فإنّ بعضها ذهب، وبعضها فضّة، وبعضها غير ذلك، فمن كان يظهر منه في الجاهليّة آثار العقل والإنصاف والمروّة والأخلاق المرضيّة، فهو يسرع إلى قبول الحقّ في الإسلام، ويتّصف بمعالي الأخلاق، ويجتنب عن الأوصاف الرذيلة والأعمال الدنيّة بعد المعرفة بها .

ويحتمل أن يكون المراد أنّ الناس متفاوتون في شرافة النسب والحسب كاختلاف المعادن ؛ فمن كان في الجاهليّة من أهل بيت شرف ورفعة، فهو في الإسلام أيضا يكون من أهل الرفعة والشرف بقبول الدِّين وانقياد الحقّ والتخلّق بكرائم الأخلاق ، فشبّههم عليه السلام باعتبار قابليّتهم واستعدادهم في الجاهليّة بما يكون في المعدن قبل استخراجه، وبعد دخولهم في الإسلام بما يظهر من كمال المعدنيّات، ونقصها بعد العمل فيها .

وقيل : المراد أنّ فيهم مبدأ الإيمان والكفر، وأصل الطاعة والمعصية، وغير ذلك من الخواصّ والآثار، والخيرات والشرور، وهي فيه كالنخلة في النواة، والنار في الحجر ، كما أنّ في المعادن ذهبا وفضّة، وجيّدا ورديئا ، كلّ ذلك يظهر بالتمحيص والتجربة والامتحان . وهذا الوجه قريب بما ذكرناه أوّلاً .

وقيل : لعلّ المراد أنّ من له في علم اللّه أصل الإيمان، ومادّته في الجاهليّة، فله ذلك بعد الإسلام، وهو يؤمن به ، ومن له مادّة الكفر فيها، فله ذلك بعده، وهو يكفر به . والغرض إظهار البُعد بين حال المؤمن وحال الكافر .

قال : ويمكن أن يكون ذلك إشارة إلى تقدّم بني هاشم على غيرهم في الشرف والمنزلة في الجاهليّة والإسلام؛ فإنّ شرفهم في الجاهليّة أيضا مشهور، فمكارم أخلاقهم لا يدفعها دافع (1).

متن الحديث الثامن والتسعين والمائة

اشارة

سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ (2) ، عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ:

ص: 582


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 218
2- السند معلّق كسابقه

تَمَثَّلَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام بِبَيْتِ شِعْرٍ لأْنِ أَبِي عَقِبٍ:

«وَيُنْحَرُ بِالزَّوْرَاءِ مِنْهُمْ لَدَى الضُّحى***ثَمَانُونَ أَلْفا مِثْلُ مَا تُنْحَرُ الْبُدْنُ».

وَرَوى غَيْرُهُ: «الْبُزَّلُ».

ثُمَّ قَالَ لِي: «تَعْرِفُ الزَّوْرَاءَ؟» قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، يَقُولُونَ: إِنَّهَا بَغْدَادُ؟

قَالَ: «لَا»، ثُمَّ قَالَ عليه السلام : «دَخَلْتَ الرَّيَّ؟» قُلْتُ: نَعَمْ.

قَالَ: «أَتَيْتَ سُوقَ الدَّوَابِّ؟» قُلْتُ: نَعَمْ.

قَالَ: «رَأَيْتَ الْجَبَلَ الْأَسْوَدَ عَنْ يَمِينِ الطَّرِيقِ تِلْكَ الزَّوْرَاءُ، يُقْتَلُ فِيهَا ثَمَانُونَ أَلْفا (1) مِنْ وُلْدِ فُلَانٍ، كُلُّهُمْ يَصْلُحُ لِلْخِلَافَةِ؟» قُلْتُ: وَمَنْ يَقْتُلُهُمْ جُعِلْتُ فِدَاكَ؟

قَالَ: «يَقْتُلُهُمْ أَوْلَادُ الْعَجَمِ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (تمثّل أبو عبد اللّه عليه السلام ) .

في القاموس : «تمثّل بالشيء: ضربه مَثَلاً. وتمثّل: أنشد بيتا، ثمّ آخر ثمّ آخر» (2)

(ببيت شعر لابن أبي عَقِب) (3) ؛ بسكون القاف أو كسرها، وكأنّه سمع مضمونه من المعصوم، وأدرجه في سلك النظم.

وفيه دلالة على جواز التمثيل بالشعر وإنشاده إذا لم يتضمّن كذبا أو باطلاً .

(ويُنحر) ؛ على بناء المجهول، من النحر، وهو في الإبل بمنزلة الذبح في الشاة، وفعله كمنع . والمراد هنا القتل .

(بالزَّوراء) .

ص: 583


1- في كلتا الطبعتين وبعض نسخ الكافي : + «منهم ثمانون رجلاً»
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 49 (مثل)
3- .عبد اللّه بن أبي عقب الشاعر، الراوي عن الرسول وأمير المؤمنين عليه السلام ، وله كتاب أخبار وكتاب شعر ذكرهما النجاشي في رجاله، وهو الذي كتب عليّ عليه السلام على يده إلى الخوارج. وقيل: هو من جند إبراهيم بن الأشتر الذين بعثهم المختار لأخذ ابن زياد، ونقل لهم حديثا دالاًّ على غلبتهم. اُنظر: رجال النجاشي، ص 66؛ مستدركات علم رجال الحديث، ج 4، ص 471، الرقم 8022؛ و ص 490، الرقم 8113؛ معجم رجال الحديث، ج 7، ص 84

الباء بمعنى «في» . قال الفيروزآبادي :

الزوراء مال كان لاُحيحة، والبئر البعيدة، ودِجلة، وبغداد؛ لأنّ أبوابها الداخلة جُعلت مُزوّرة عن الخارجة، وموضع بالمدينة قرب المسجد، واسم لسوق المدينة، ودار كانت بالحيرة، والبعيدة من الأراضي، وأرض عند ذي خيم (1).

(منهم) أي من ولد فلان، كما سيجيء .

(لدى الضحى) .

ضَحوة النهار : بعد طلوع الشمس، ثمّ بعده الضُّحى، وهي حين تشرق .

وقوله : (ثمانون ألفا) قائم مقام فاعل «ينحر» .

(مثل ما تُنحر البُدْن) .

في القاموس: «البدنة، محرّكة: من الإبل والبقر، كالأضحية من الغنم، تُهدى إلى مكّة، للذكر والاُنثى. الجمع ككتب» (2).

وقال الجوهري : «جمعها بُدن _ بالضمّ وبضمّتين _ مثل عُسر وعُسُر» (3).

(وروى غيره) أي غير معاوية .

(البُزَّل) بدل «البدن».

وهذا كلام المصنّف، أو واحد من الرواة . والبازل من الإبل: ما طلع نابه، وذلك حين دخل في السنة التاسعة ، والذكر والاُنثى سواء. الجمع: بوازل، وبزل، كركع وكتب .

وقوله : (قال: لا) ؛ لعلّ المراد أنّ المقصود بالزوراء في هذا المقام ليس بغداد، إلّا أنّه لا يطلق عليها .

(ثمّ قال : دخلت الريّ) .

قيل : بين شطّ الفرات ودجلة موضع يُقال له: الريّ . وفي القاموس : «الريّ: بلدٌ معروف، والنسبة رازي» (4).

وقوله : (يُقتل فيها ثمانون ألفا من ولد فلان كلّهم يَصلح للخلافة) .

كلامه إشارة إلى واقعة تقع في عصر الصاحب عليه السلام ، أو قريب منه . ولعلّ «فلان» كناية عن

ص: 584


1- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 42 (زور)
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 200 (بدن)
3- الصحاح ، ج 5 ، ص 2077 (بدن)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 328 (ريي)

عبّاس؛ لما روي من استئصالهم في آخر الزمان، وصلاحيّتهم للخلافة؛ لكونهم من أولاد الخُلفاء، أو لرفعة شأنهم بحسب الدُّنيا .

وقيل : كأنّه أشار بذلك إلى قتال أمين مع المأمون؛ فإنّه وقع في الريّ ، وقتل عسكر أمين هناك، وكان عسكر مأمون من أهل خراسان وحواليها.

ويمكن أن يكون إشارة إلى قضيّة هلاكو (1).

انتهى .

متن الحديث التاسع والتسعين والمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْعَبَّاسِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ:سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْيانا» (2). ؟

قَالَ: «مُسْتَبْصِرِينَ لَيْسُوا بِشُكَّاكٍ».

شرح الحديث

السند ضعيف، أو مجهول .

قوله تعالى : «لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّا وَعُمْيَانا» .

قال صاحب الكشّاف : ليس بنفي للخرور، وإنّما هو إثبات له، ونفي للصمم والعمى، كما تقول : لا يلقاني زيد مُسِلما، هو نفي للسلام، لا للّقاء .

والمعنى: أنّهم إذا ذكّروا بها أكبّوا عليها حرصا على استماعها، وأقبلوا على المذكِّر بها، وهم في إكبابهم عليها سامعون بآذان واعية، مبصرون بعيون راعية، لا كالذين يذكرون بها، فتراهم مكبّين عليها، مقبلين على من يذكّر بها، مظهرين الحرص الشديد على استماعها، وهم كالصممم العميان، حيث لا يعونها ولا يتبصّرون ما فيها، كالمنافقين وأشباههم . انتهى (3).

ص: 585


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 219
2- الفرقان (25) : 73
3- الكشّاف ، ج 3 ، ص 102

وقال البيضاوي : «قيل : الهاء للمعاصي المدلول عليها باللغو» (1).

قال : (مستبصرين) أي أكبّوا، وأقبلوا عليها مستبصرين .

(ليسوا بشُكّاك)؛ يعني في تلك الآيات بإنكارها، أو بعدم معرفة حقّها .

ويحتمل تعميم الآيات بحيث يشمل الأئمّة عليهم السلام .

متن الحديث المائتين

اشارة

عَنْهُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ، (2) عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ، قَالَ:سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ فِي قَوْلِ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى: «وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ» (3) ، فَقَالَ: «اللّهُ أَجَلُّ وَأَعْدَلُ وَأَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِعَبْدِهِ عُذْرٌ لَا يَدَعُهُ يَعْتَذِرُ بِهِ، وَلكِنَّهُ فُلِجَ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ».

شرح الحديث

السند مجهول .

وفي بعض النسخ: «عن إسماعيل بن مهران»، وهو الظاهر ، وحينئذٍ يكون كالسند السابق .

قوله تعالى : «وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ» (4) .

قال البيضاوي : عطف «فيعتذرون» على «يؤذن» ليدلّ على نفي الإذن والاعتذار عقيبه مطلقا، ولو جعله جوابا لدلّ على أنّ عدم اعتذارهم لعدم الإذن، فأوهَم ذلك أنّ لهم عذرا، لكن لم يؤذن لهم فيه (5).

وقوله عليه السلام : (ولكنّه فُلج) بالجيم، على بناء المجهول من الفلج، وهو الفوز، والظفر، والغلبة . يُقال : فلج الرّجل على خصمه _ كنصر _ إذا ظفر به، وغلب عليه. والاسم:

ص: 586


1- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 229
2- في النسخة وبعض نسخ الكافي: «عن عليّ بن إسماعيل بن مهران». والظاهر أنّه سهو ؛ لأنّا لم نجد رواية هذا الرجل بهذا العنوان في الأسناد والكتب الرجاليّة ، ورواية إسماعيل عن حمّاد تكرّرت في الكافي
3- .المرسلات (77) : 36
4- المرسلات (77) : 36
5- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 436

الفلج، بالضمّ .

وفي بعض النسخ بالحاء المهملة، وكأنّه من الفلاح بمعنى الفوز . والمآل واحد .

وقيل : هو من الفَلح، بمعنى الشقّ والقطع؛ أي قطع وكسر، فلم يكن له عذر في ترك الحقّ (1).

متن الحديث الواحد والمائتين

اشارة

متن الحديث الواحد والمائتينعَلِيٌّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ مُحَمَّدٍ الْكُنَاسِيِّ، قَالَ:

حَدَّثَنَا مَنْ رَفَعَهُ إِلى أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ: «وَمَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ» (2) ، قَالَ: «هؤُلَاءِ قَوْمٌ مِنْ شِيعَتِنَا ضُعَفَاءُ، لَيْسَ عِنْدَهُمْ مَا يَتَحَمَّلُونَ بِهِ إِلَيْنَا، فَيَسْمَعُونَ حَدِيثَنَا، وَيَقْتَبِسُونَ مِنْ عِلْمِنَا، فَيَرْحَلُ قَوْمٌ فَوْقَهُمْ، وَيُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ، وَيُتْعِبُونَ أَبْدَانَهُمْ، حَتّى يَدْخُلُوا عَلَيْنَا، فَيَسْمَعُوا حَدِيثَنَا، فَيَنْقُلُوهُ (3). إِلَيْهِمْ، فَيَعِيهِ هؤُلَاءِ، وَيُضَيِّعُهُ (4) هؤُلَاءِ، فَأُولئِكَ الَّذِينَ يَجْعَلُ اللّهُ _ عَزَّ ذِكْرُهُ _ لَهُمْ مَخْرَجا، وَيَرْزُقُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُونَ».

وَفِي قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ» (5) ، قَالَ: «الَّذِينَ يَغْشَوْنَ الْاءِمَامَ» إِلى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: «لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ» (6). ، قَالَ: «لَا يَنْفَعُهُمْ، وَلَا يُغْنِيهِمْ، لَا يَنْفَعُهُمُ الدُّخُولُ، وَلَا يُغْنِيهِمُ الْقُعُودُ».

شرح الحديث

السند مرسل .

قوله تعالى في سورة الطلاق : «وَمَنْ يَتَّقِ اللّهَ» ؛ يعني بعدم إهمال حدوده، واجتناب ما نهى عنه .

«يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجا» ؛ من المضائق والهموم .

ص: 587


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 220
2- الطلاق (65) : 2 و 3
3- في الطبعة القديمة : «فينقلونه»
4- في الطبعة القديمة : «وتضيّعه»
5- الغاشية (88) : 1
6- الغاشية (88) : 7

«وَيَرْزُقْهُ» فرجا «مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ» من وجه لا يخطر بباله، ولم يتوقّع له، ولم يعتدّ به .

وقوله عليه السلام : (هؤلاء) إشارة إلى مَنْ الموصولة في الآية . والجمع باعتبار المعنى .

وقوله : (ضعفاء) ؛ يعني فقراء لا مال لهم، كما يدلّ عليه قوله : (ليس عندهم ما يتحمّلون به إلينا) ؛ يعني ليس عندهم شيء يتمكّنون به من الارتحال إلينا من الزاد والراحلة وسائر أسباب السفر .

قال الجوهري : «تحمّلوا واحتملوا بمعنى؛ أي ارتحلوا» (1).

وقوله : (فيسمعون حديثنا) ؛ متفرّع على المنفي .

(ويقتبسون من علمنا) .

اقتبس منه نارا وعلما؛ أي استفاده .

وقوله : (قوم فوقَهم) ؛ يعني بحسب المال والغناء .

وقيل : لعلّ المراد بالقوم أهل الخلاف كالزيديّة والإسماعيليّة ، ولو اُريد بهم الإماميّة فقط، أو الإماميّة أيضا، ينبغي حمل التضييع على تضييع العمل بالمروي، أو على الأعمّ منه ومن إنكاره إلّا أنّه يرد أنّ الإماميّة الناقلين إن عملوا به كانوا مندرجين تحت الآية كالضعفاء، بل هم أولى بالدخول، والضعفاء إن لم يعملوا كانوا خارجين عنها ، فالفرق بينهما بأنّ الناقلين خارجون، والمنقول إليهم داخلون غير واضح . فلتأمّل (2).

(وينفقون أموالهم) ؛ بتجهيز أسباب السفر .

(ويُتعبون أبدانهم) .

تَعِبَ تَعَبا ؛ أي أعيا، وأتعبه غيره .

وقوله : (فينقلوه) أي حديثنا .

(إليهم) أي إلى الضعفاء من الشيعة .

(فيَعيه هؤلاء) أي فيحفظه تلك الضعفاء . يُقال : وَعَيْت الحديثَ أعِيهِ وَعْيا، إذا حفظته .

(ويضيّعه هؤلاء) أي الأغنياء الناقلين .

ص: 588


1- الصحاح ، ج 4 ، ص 1677 (رحل)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 220

وقوله : (فأولئك) إلى قوله : (لا يحتسبون) ؛ يدلّ على أنّ المراد بالرزق في الآية الرزق الروحاني، وهو العلم بالشريعة والعمل به، وإن كان ظاهره الرزق الجسماني .

وبالجملة كما يتقوّى البدن بالرزق الجسماني، وتبقى حياته به، كذلك الروح يتقوّى وتبقى حياته بالأغذية الروحانيّة التي هي العلم والحكمة والإيمان والهداية ، وبدونها ميّت في صورة الأحياء، كما روي من أنّ فقد العلم فقد الحياة، ولا يقاس إلّا بالأموات .

فمراده عليه السلام كما دلّت الآية على أنّ التقوى سبب للرزق الجسمانيّة، وحصوله وتيسّره من غير احتساب، كذلك تدلّ على أنّها تصير سببا لحصول الرزق الروحاني وتيسّره، وهو العلم، وحكمة أهل العصمة من غير احتساب .

قوله تعالى : «هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ» (1) .

قال البيضاوي : «الغاشية: الداهية التي تغشى الناس بشدائدها؛ يعني يوم القيامة، أو النار، من قوله : «وَتَغْشى وُجُوهَهُمْ النَّارُ» (2) » (3).

وقال الجوهري : «الغاشية: القيامة؛ لأنّها تغشى بإفزاعها . الأصمعي : يقال: رماه اللّه بغاشية، وهي داء يأخذ في الجوف» (4).

وقوله عليه السلام : (الذين يَغشون الإمام) ؛ يحتمل أن يكون من الغشيان، أو الإغشاء، أو التغشية . قال الجوهري : «تقول : غشّيت الشيء تغشية، إذا غطّيته . وغَشيتَهُ غشيانا؛ أي جاءه. وأغشاه إيّاه غيره» (5). انتهى ؛ أي الذين يجيئون الإمام المنصوب من اللّه ورسوله بالسوء؛ أي يصيرون سببا لمجيء الناس إيّاهم به، أو الذين يسترون ويخفون فضله عليه السلام ، فالآية لبيان عقوباتهم الاُخرويّة .

وهنا احتمال آخر أدقّ، وهو أن يراد بالغاشية على هذا البطن الشيعة الخلّص الذين يغشون الإمام؛ أي يأتونه لتأدية حقّه، والاقتباس من علمه ، فقوله تعالى : «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ» إلى قوله : «لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ» (6) استئناف كلام لبيان حال مخالفيهم ومعانديهم، وعقوباتهم في الدُّنيا والآخرة .

ص: 589


1- الغاشية (88) : 1
2- إبراهيم (14) : 50
3- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 483
4- الصحاح ، ج 6 ، ص 2446 (غشا)
5- المصدر ، ص 2447
6- الغاشية (88) : 2 - 7

وقوله : «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ» (1) إلى قوله : «وَزَرَابِىُّ مَبْثُوثَةٌ» (2) ؛ رجوع إلى بيان حال الشيعة ومثوباتهم الاُخرويّة، واللّه يعلم .

وبالجملة هذا التأويل غير ما ذكر من أنّ الغاشية القائم المنتظر عليه السلام يغشاهم بالسيف إذا ظهر ، والتاء على بعض تلك الاحتمالات للمبالغة .

وقوله : «لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ» ؛ يفهم من كلام المفسّرين أنّه صفة ضريع، أو استئناف، كأنّه قيل : هل في أكل الضريع نفع مقصود من الطعام، وهو السمن، وإزالة الجوع ؟ فاُجيب بعدم النفع أصلاً .

في القاموس :

الضريع، كأمير: الشبرق، أو يبيسه، أو نبات رطبه يسمّى شِبرقا، ويابسه ضريعا، لا تقربه دابّة لخبثه، أو نبات في الماء الآجن له عروق لا تصل إلى الأرض، أو شيء في جهنّم أمرّ من الصبر وأنتن من الجيفة، وأحرّ من النار ونبات منتن يرمى به في البحر (3) انتهى .

والسمين: خلاف المهزول، وقد يكنّى به عن النفع . وأسمنه: جعله سمينا، أو أعطاه .

والجوع: ضدّ الشبع . وقيل : يُطلق على العطش، وعلى الاشتياق إلى الشيء أيضا (4).

(قال : لا ينفعهم، ولا يُغنيهم؛ لا ينفعهم الدخول، ولا يغنيهم القعود) .

الدخول: ضدّ الخروج، ويُقال : الدخول في الأمر: الأخذ فيه. والقعود: ضدّ القيام . ويُقال :

قعد عن الأمر، إذا تأخّر، وتباعد عنه. وقعد للأمر، إذا اهتمّ فيه .

إذا تمهّد هذا ، فنقول : يحتمل على تفسيره عليه السلام أن لا يكون قوله : «لا يسمن، ولا يُغني من جوع» صفة للضريع ، بل هو استئناف جواب سؤال ، والمستتر فيه راجع إلى الغشيان، كأنّه قيل : هل ينفع الغاشية ما قصدوه من إيصال الضرر إلى الإمام، وإطفاء نوره؟ فاُجيب بأنّه لا ينفعهم الدخول في أسباب الإضرار إليه، ولا ينفعهم القعود والاهتمام في ذلك .

هذا على بعض الاحتمالات التي ذكرناه في شرح قوله عليه السلام : «الذين يغشون الإمام»،

ص: 590


1- الغاشية (88) : 8
2- الغاشية (88) : 16
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 55 (ضرع)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 221

وأمّا على الاحتمال الأدقّ فجملة «لا يسمن» وما عطف عليها صفة ضريع، أو استئناف، كما نقلناه عن المفسّرين .

وعلى التقديرين الضمير المستتر راجع إلى الضريع .

وقال بعض الأفاضل :

فسّر عليه السلام الغاشية بالجماعة الغاشية الذين يغشون الإمام؛ أي يدخلون عليه من المخالفين، فلا ينفعهم الدخول عليه، ولا يُغنيهم القعود عنده؛ لعدم إيمانهم وجحودهم ، فالمراد بالطعام على هذا البطن الطعام الروحاني؛ أي ليس غذاؤهم الروحاني إلّا الشكوك والشُّبهات والآراء الفاسدة التي هي كالضريع في عدم النفع والإضرار بالروح .

فقوله تعالى : «لَا يُسْمِنُ» لا يكون صفة للضريع ، بل يكون الضمير راجعا إلى الغشيان، وتكون الجملة مقطوعة على الاستئناف .

ويحتمل أن يكون صفة للضريع أيضا، ويكون المراد أنّه لا يعلمهم الإمام لكفرهم وجحودهم، وعدم قابليّتهم إلّا ما هو كالضريع، ممّا يوافق آراءهم تقيّةً منهم ، كما أنّه تعالى يطعم أجسادهم الضريع في جهنّم؛ لعدم استحقاقهم غير ذلك .

ويحتمل أن يكون المراد: الذين يغشون؛ أي يحيطون بالقائم عليه السلام من المخالفين والمنافقين ، فالإمام يحكم فيهم بعلمه ويقتلهم، ويوصلهم إلى طعامهم المهيّأ لهم في النار من الضريع ، ولا ينفعهم الدخول في عسكر الإمام؛ لعلمه بحالهم، ولا القعود في بيوتهم؛ لعدم تمكينهم إيّاهم (1). انتهى كلامه .

متن الحديث الثاني والمائتين

اشارة

عَنْهُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (2) ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاّ هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاّ هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» (3) ، قَالَ:

«نَزَلَتْ هذِهِ الْايَةُ فِي فُلَانٍ وَفُلَانٍ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ الْجَرَّاحِ، وَعَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَوْفٍ، وَسَالِمٍ مَوْلى

ص: 591


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 26 ، ص 67 و 68
2- في الطبعة الجديدة وبعض نسخ الكافي : «الحسن»
3- المجادلة (58) : 7

أَبِي حُذَيْفَةَ، وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، حَيْثُ كَتَبُوا الْكِتَابَ بَيْنَهُمْ، وَتَعَاهَدُوا، وَتَوَافَقُوا لَئِنْ مَضى مُحَمَّدٌ، لَا تَكُونُ الْخِلَافَةُ فِي بَنِي هَاشِمٍ، وَلَا النُّبُوَّةُ أَبَدا، فَأَنْزَلَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ فِيهِمْ هذِهِ الْايَةَ».

قَالَ: قُلْتُ: قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: «أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرا فَإِنّا مُبْرِمُونَ * أَمْ يَحْسَبُونَ أَنّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ» (1) ؟ قَالَ: «وَهَاتَانِ الْايَتَانِ نَزَلَتَا فِيهِمْ ذلِكَ الْيَوْمَ» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «لَعَلَّكَ تَرى أَنَّهُ كَانَ يَوْمٌ يُشْبِهُ يَوْمَ كُتِبَ الْكِتَابُ، إِلَا يَوْمَ قُتِلَ الْحُسَيْنُ عليه السلام ، وَهكَذَا كَانَ فِي سَابِقِ عِلْمِ اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ الَّذِي أَعْلَمَهُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أَنْ إِذَا كُتِبَ الْكِتَابُ قُتِلَ الْحُسَيْنُ عليه السلام ، وَخَرَجَ الْمُلْكُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، فَقَدْ كَانَ ذلِكَ كُلُّهُ».

قُلْتُ: «وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ» (2) ؟ قَالَ: «الْفِئَتَانِ إِنَّمَا جَاءَ تَأْوِيلُ هذِهِ الْايَةِ يَوْمَ الْبَصْرَةِ، وَهُمْ أَهْلُ هذِهِ الْايَةِ، وَهُمُ الَّذِينَ بَغَوْا عَلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَكَانَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ قِتَالُهُمْ وَقَتْلُهُمْ، حَتّى يَفِيئُوا إِلى أَمْرِ اللّهِ، وَلَوْ لَمْ يَفِيئُوا لَكَانَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِيمَا أَنْزَلَ اللّهُ أَنْ لَا يَرْفَعَ السَّيْفَ عَنْهُمْ حَتّى يَفِيئُوا، وَيَرْجِعُوا عَنْ رَأْيِهِمْ؛ لأنَّهُمْ بَايَعُوا طَائِعِينَ غَيْرَ كَارِهِينَ، وَهِيَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالى، فَكَانَ الْوَاجِبَ عَلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام أَنْ يَعْدِلَ فِيهِمْ حَيْثُ كَانَ ظَفِرَ بِهِمْ، كَمَا عَدَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فِي أَهْلِ مَكَّةَ، إِنَّمَا مَنَّ عَلَيْهِمْ، وَعَفَا، وَكَذلِكَ صَنَعَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بِأَهْلِ الْبَصْرَةِ، حَيْثُ ظَفِرَ بِهِمْ مِثْلَ مَا صَنَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله بِأَهْلِ مَكَّةَ حَذْوَالنَّعْلِ بِالنَّعْلِ».

قَالَ: قُلْتُ: قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: «وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى» (3). ؟

قَالَ: «هُمْ أَهْلُ الْبَصْرَةِ، هِيَ الْمُؤْتَفِكَةُ».

قُلْتُ: «وَالْمُؤْتَفِكاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ» (4). ؟

قَالَ: «أُولئِكَ قَوْمُ لُوطٍ ائْتَفَكَتْ عَلَيْهِمُ انْقَلَبَتْ عَلَيْهِمْ».

شرح الحدیث

السند ضعيف .

ص: 592


1- الزخرف (43) : 79 و 80
2- الحجرات (49) : 9
3- النجم (53) : 53
4- التوبة (9) : 70

قوله تعالى : «مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلَاثَةٍ» .

قال البيضاوي :

ما يقع من تناجي ثلاثة، ويجوز أن يقدّر مضاف، أو يؤوّل «نجوى» بمتناجين، ويجعل «ثلاثة» صفة لها، واشتقاقها من النجوة، وهي ما ارتفع من الأرض؛ فإنّ السرّ أمرٌ مرفوع إلى الذهن، لا يتيسّر لكلّ أحد أن يطّلع عليه .

«إِلَا هُوَ رَابِعُهُمْ» ؛ إلّا اللّه ، يجعلهم أربعة من حيث إنّه يشاركهم في الاطّلاع عليها، والاستثناء من أعمّ الأحوال .

«وَلَا خَمْسَةٍ» ؛ ولا نجوى خمسة .

«إِلَا هُوَ سَادِسُهُمْ» ؛ وتخصيص العددين إمّا لخصوص الواقعة؛ فإنّ الآية نزلت في تناجي المنافقين، أو لأنّه وترٌ يحبّ الوتر ، والثلاثة أوّل الأوتار ، أو لأنّ التشاور لابدّ له من اثنين يكونان كالمتنازعين، وثالث يتوسّط بينهما .

«وَلَا أَدْنى مِنْ ذَلِكَ» ؛ ولا أقلّ ممّا ذكر كالواحد والاثنين .

«وَلَا أَكْثَرَ إِلَا هُوَ مَعَهُمْ» ؛ يعلم ما يجري بينهم .

«أَيْنَ مَا كَانُوا» ؛ فإنّ علمه بالأشياء ليس لقرب مكاني حتّى يتفاوت باختلاف الأمكنة .

«ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ؛ تفضيحا لهم، وتقريرا لما يستحقّونه من الجزاء .

«إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» ؛ لأنّ نسبة ذاته المقتضية للعلم إلى الكلّ على السواء (1).

وقوله : (فلان وفلان) ؛ يعني الأوّلين .

وقوله : (لا تكون الخلافة في بني هاشم ولا النبوّة) أي تعاقدوا في الكتاب على منع اجتماعهما في بني هاشم .

(فأنزل اللّه فيهم هذه الآية) المذكورة توبيخا لهم، ووعيدا على سوء صنيعهم .

وقوله تعالى : «أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرا» .

قال البيضاوي :

يعني أبرموا أمرا في تكذيب الحقّ وردّه، ولم يقتصروا على كراهته .

ص: 593


1- تفسير البيضاوي ، ج 5 ء ص 310 و 311 ملخّصا

«فَإِنَّا مُبْرِمُونَ» (1) أمرا في مجازاتهم، أو أم أحكم المشركون أمرا من كيدهم بالرسول، فإنّا مبرمون كيدنا .

ويؤيّده قوله : «أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ» حديث أنفسهم بذلك.

«وَنَجْوَاهُمْ» وتناجيهم .

«بَلى» نسمعها.

«وَرُسُلُنَا» والحَفَظة مع ذلك.

«لَدَيْهِمْ» تلازم لهم.

«يَكْتُبُونَ» (2) ذلك (3). انتهى .

وعلى تفسيره عليه السلام يكون المراد أنّهم أبرموا أمر التعاهد والتعاقد في ردّ الخلافة ومنعها عن بني هاشم، وأحكموا ذلك الأمر بزعمهم ، وهو سبحانه أبرَمَ في مجازاتهم، وأحكم أمر الخلافة في أهلها .

وقوله : (يُشبه) من الإشباه، أو التشبيه على بناء المفعول . يُقال : أشبهه؛ أي ماثله. وشبّهه إيّاه، وبه تشبيها: مثّله، وجعله مثله .

(يوم) ؛ منصوب على التقديرين.

وقوله : (كُتب الكتاب) يحتمل كونه على صيغة الفعل المجهول، أو المصدر .

(إلّا يوم قُتل الحسين عليه السلام ) .

التشبيه باعتبار كونهما مصيبة عظيمة وبليّة شديدة لأهل البيت عليهم السلام وشيعتهم؛ لكون الأوّل أصلاً وسببا للثاني .

وقوله : (فقد كان ذلك كلّه).

كلمة «كان» تامّة؛ أي فقد تحقّق ووقع كلّ من كتب الكتاب في قتل الحسين عليه السلام ، وخروج المُلك من بني هاشم، كما أخبر اللّه نبيّه .

وقيل : ناقصة، وخبرها محذوف ؛ أي في علم اللّه تعالى (4).

ص: 594


1- الزخرف (43) : 79
2- الزخرف (43) : 80
3- تفسير البيضاوي، ج 5، ص 154
4- احتمله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 222

وقوله تعالى : «وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا» أي تقاتلوا .

قال الجوهري : «تقاتل القوم واقتتلوا بمعنى، ولم يدغم؛ لأنّ التاء غير لازمة»(1) والجمع باعتبار المعنى؛ فإنّ كلّ طائفة جمع، والتركيب من قبيل : «وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ» (2) .

«فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا» بالنصح، والدعاء إلى حكم اللّه .

«فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا» ؛ فإن تعدّت إحدى الطائفتين .

«عَلَى الْأُخْرى» ؛ فطلبت ما ليست بمستحقّة له .

«فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي» أي تتعدّى في القتال، أو بالعدول عن الصلح .

«حَتّى تَفِى ءَ إِلى أَمْرِ اللّهِ» ؛ ترجع إلى حكمه، أو إلى ما اُمرت به من ترك القتال والبغي .

وقيل: إلى كتاب اللّه ، وسنّة نبيّه . والمآل واحد .

«فَإِنْ فَاءَتْ» أي رجعت بعد القتال إلى أمر اللّه .

«فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ» (3) .

قال البيضاوي : «بفصل ما بينهما على ما حكم اللّه ، وتقييد الإصلاح بالعدل هاهنا لأنّه مظنّة الحيف من حيث إنّه بعد المقاتلة» (4). انتهى .

وقال بعض المفسّرين :

الآية تدلّ على جواز قتال الباغي بالسلاح ، وعلى أنّه إذا قَبَض عن الحرب تُرِك، كما جاء في الحديث؛ لأنّه فاء إلى أمر اللّه ، وأنّه يجب معاونة من يُبغى عليه بعد تقديم النصح والسعي في المصالحة، وأنّ الباغي مؤمن .

وروي عن عليّ عليه السلام : «إخوانُنا بَغَوا علينا» (5) والصحيح أنّ الباغية في حال بغيها ليست بمؤمنة، فسمّاهم المؤمنين باعتبار كونهم مؤمنين قبل البغي، ونظيره قوله تعالى : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ» (6). ، وليس بمؤمن حالة الارتداد (7).

ص: 595


1- الصحاح ، ج 5 ، ص 1799 (قتل)
2- التوبة (9) : 6
3- الحجرات (49) : 9
4- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 216
5- .قرب الإسناد ، ص 94 ، ح 318 . وعنه في وسائل الشيعة ، ج 15 ، ص 83 ، ح 20033
6- المائدة (5) : 54
7- اُنظر: تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 216

وقوله عليه السلام : (الفئتان) ؛ كأنّه تفسير للطائفتين في الآية، كأنّ سائلاً سأل عن الطائفتين، فقال : الفئتان .

واللّام للعهد؛ أي هما الفئتان اللتان تعرفهما؛ يعني أصحاب عليّ عليه السلام ، وأصحاب الجمل، كما صرّح به في قوله عليه السلام : (إنّما جاء تأويل هذه الآية) أي تفسيرها، وبيان موردها.

والتأويل: تفسير ما يؤول إليه الشيء .

(يوم البصرة) أي يوم بغى أهلها على أمير المؤمنين عليه السلام ، وقتالهم معه .

وقوله : (لأنّهم بايعوا) ؛ يعني أمير المؤمنين عليه السلام .

(طائعين) أي منقادين .

(غير كارهين) ؛ قيل : هذا بيان لكفرهم وبغيهم على جميع المذاهب؛ فإنّ مذهب المخالفين أنّ مدار وجوب الطاعة على البيعة ، فهم بايعوا غير مكرَهين، فإذا نكثوا فهم على مذهبهم أيضا من الباغين (1).

(وهي) أي الطائفة المذكورة؛ يعني أهل البصرة .

(الفئة الباغية) أي المسمّاة بهذا الاسم في عرف الشرع .

(كما قال اللّه عزّ وجلّ) ؛ يعني بيّنهم وبيّن حكمهم في الآية السابقة .

(فكان الواجب) أي بحكم الآية .

وقوله : (حيث كان) ؛ كلمة تدلّ على المكان ؛ لأنّها ظرف في الأمكنة بمنزلة حين في الأزمنة .

وقيل : يجوز إطلاقها على الزمان مجازا .

وقوله : (إنّما منَّ عليهم وعفا) أي عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله على أهل مكّة بعد الظفر عليهم، وعفا عنهم ما صنعوا به من الإيذاء والإهانة والتكذيب .

وقوله : (حَذْو النعل بالنعل) أي صنع أمير المؤمنين عليه السلام بأهل البصرة مثل ما صنع رسول اللّه صلى الله عليه و آله بأهل مكّة، كما تقطع إحدى النعلين على قدر الاُخرى . يُقال : حذوت النعل بالنعل، إذا قرّبت كلّ واحدةٍ على صاحبتها وقطعتها بقدرها .

ص: 596


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 26 ، ص 70

وأنت خبير بأنّ ظاهر التشبيه لا يدلّ على المماثلة من جميع الوجوه، حتّى يجوز سَبْي ذراري البُغاة، ونهب أموالهم كالمشركين، بل التشبيه في أصل المنّ والعفو .

وقوله تعالى في سورة النجم : «وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادا الْأُولى * وَثَمُودَ فَمَا أَبْقى * وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى * وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى» (1)

قال البيضاوي : «أي والقُرى التي ائتفكت بأهلها؛ أي انقلبت، وهي قرى قوم لوط، أهوى بعد أن رفعها ، فقلبها» (2) انتهى .

وأقول : الإهواء: الإسقاط من علوّ إلى سفل . ويحتمل أن تكون «المؤتفكة» معطوفة على «عادا الاُولى» ، أو جملة حاليّة، والعائد إلى ذي الحال محذوفا؛ أي أهواها .

ويحتمل كون «المؤتفكة» مفعول «أهوى»، والجملة معطوفة على «أهلك» . قال الفيروزآبادي : «أفكه ، وعنه، يأفكه إفكا: صرفه، وقلبه. والمؤتفكات : مدائن قلبت على قوم لوط عليه السلام ، وائتفكت البلدة: انقلبت» (3).

وقال : «هَوَى الشيء: سقط، كأهوى، وانهوى. وفلان: مات، وهويّا، بالفتح والضمّ [وهويانا]: سقط من علوّ إلى سفل» (4).

وقوله : (هم أهل البصرة) ؛ كأنّ المراد أهل المؤتكفة أهل البصرة، بأن يقدر في الآية مضاف، أو يُراد بالمؤتفكة أهلها مجازا .

(هي المؤتفكة) .

اللّام للعهد، وفسّر عليه السلام المؤتفكة في هذه الآية بالبصرة ، ويؤيّده ما رواه عليّ بن إبراهيم في تفسيره: «أنّها ائتفكت بأهلها مرّتين، وعلى اللّه تمام الثالثة، وتمام الثالثة في الرجعة» (5) وعن أمير المؤمنين عليه السلام في بعض خطبه في ذمّ أهل البصرة : «يا أهل المؤتفكة، ائتفكت بأهلها انقلبت بهم ثلاثا، وعلى اللّه تمام الرابعة» (6).

ومثله طرق العامّة . قال ابن الأثير: «في حديث أنس : البصرة إحدى المؤتفكات؛ يعني

ص: 597


1- النجم (53) 50 - 53
2- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 261
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 292 (أفك)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 404 (هوي)
5- تفسير القمّي ، ج 2 ، ص 339 . وعنه في بحار الأنوار ، ج 11 ، ص 28 ، ح 17
6- تأويل الآيات ، ص 689

أنّها غرقت مرّتين، فشبّه غرقها بانقلابها» (1) انتهى .

وأنت خبير بأنّه يمكن حمله ائتكافها على الحقيقة، كما هو ظاهر الأخبار .

(قلت : والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبيّنات) .

قال اللّه _ عزّ وجلّ _ في سورة التوبة : «أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ» (2) .

قال البيضاوي :

المؤتفكات: قُريات قوم لوط ائتفكت بهم؛ أي انقلبت بهم، فصارَ عاليها سافلها، واُمطروا حجارةً من سجّيل .

وقيل : قُرَيات المكذّبين المتمرّدين، وائتفاكهنّ انقلاب أحوالهنّ من الخير إلى الشرّ (3). انتهى .

متن الحديث الثالث والمائتين

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيى، عَنْ حَنَانٍ، قَالَ:سَمِعْتُ أَبِي يَرْوِي عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ:

«كَانَ سَلْمَانُ جَالِسا مَعَ نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَأَقْبَلُوا يَنْتَسِبُونَ وَيَرْفَعُونَ فِي أَنْسَابِهِمْ حَتّى بَلَغُوا سَلْمَانَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَخْبِرْنِي مَنْ أَنْتَ، وَمَنْ أَبُوكَ، وَمَا أَصْلُكَ؟

فَقَالَ: أَنَا سَلْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، كُنْتُ ضَالًا، فَهَدَانِي اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله وَكُنْتُ عَائِلاً، فَأَغْنَانِي اللّهُ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وَكُنْتُ مَمْلُوكا، فَأَعْتَقَنِي اللّهُ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ؛ هذَا نَسَبِي، وَهذَا حَسَبِي».

قَالَ: «فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَسَلْمَانُ _ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ _ يُكَلِّمُهُمْ، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: يَا رَسُولَ اللّهِ، مَا لَقِيتُ مِنْ هؤُلَاءِ جَلَسْتُ مَعَهُمْ، فَأَخَذُوا يَنْتَسِبُونَ وَيَرْفَعُونَ فِي أَنْسَابِهِمْ حَتّى إِذَا بَلَغُوا إِلَيَّ، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: مَنْ أَنْتَ، وَمَا أَصْلُكَ، وَمَا حَسَبُكَ؟

فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : فَمَا قُلْتَ لَهُ يَا سَلْمَانُ؟

ص: 598


1- النهاية ، ج 1 ، ص 56 (أفك)
2- التوبة (9) : 70
3- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 157

قَالَ: قُلْتُ لَهُ: أَنَا سَلْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، كُنْتُ ضَالاًّ، فَهَدَانِي اللّهُ _ عَزَّ ذِكْرُهُ _ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وَكُنْتُ عَائِلاً، فَأَغْنَانِي اللّهُ _ عَزَّ ذِكْرُهُ _ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وَكُنْتُ مَمْلُوكا، فَأَعْتَقَنِي اللّهُ _ عَزَّ ذِكْرُهُ _ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ؛ هذَا نَسَبِي، وَهذَا حَسَبِي.

فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنَّ حَسَبَ الرَّجُلِ دِينُهُ، وَمُرُوءَتَهُ خُلُقُهُ، وَأَصْلَهُ عَقْلُهُ، وَقَالَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «إِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوبا وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ» (1) .

ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله لِسَلْمَانَ: لَيْسَ لأحَدٍ مِنْ هؤُلَاءِ عَلَيْكَ فَضْلٌ إِلَا بِتَقْوَى اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنْ كَانَ التَّقْوى لَكَ عَلَيْهِمْ، فَأَنْتَ أَفْضَلُ».

شرح الحديث

السند مجهول .

قوله : (كنتُ مملوكا، فأعتقني اللّه ). روي: أنّه كان مملوكا ليهوديّة، فاشتراه رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأعتقه .

وإرادة العتق من قيد النفس الأمّارة بعيد .

وقوله : (حسب الرجل دينه) .

قال الفيروزآبادي : الحَسَب: ما تعدّه من مفاخر آبائك، أوالمال، أوالدِّين، أو الكرم، أو الشرف في الفعل، أو الفعال الصالح، أو الشرف الثابت في الآباء. والحَسَب والكرم قد يكونان لمن لا آباء له شُرفاء، والشرف والمجد لا يكونان إلّا بهم. وقد حَسب حسابة _ كخطُب خطابة _ وحَسَبا، محرّكة، فهو حسيب من حُسَباء (2)

وقال : «الدِّين، بالكسر: الإسلام، والعادة، والعبادة، والطاعة، والذلّ، والسيرة، والتوحيد، واسم لجميع ما يُتعَبّد اللّه به، والمللة، والورع» (3).

(ومروّته في خلقه) .

في المصباح: «المروّة: آداب نفسانيّة يحمل الإنسان مراعاتها على الوقوف عند محاسن

ص: 599


1- الحجرات (49) : 13
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 54 (حسب)
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 225 (دين)

الأخلاق وجميل العادات .

يُقال : مَرُءَ الإنسان، فهو مَرِيءٌ، مثل قرب، فهو قريب؛ أي ذو مُروءة» (1)

وقال الجوهري : «المروءة: الإنسانيّة، ولك أن تشدّد» (2).

وفي القاموس : «الخلق، بالضمّ وبضمّتين: السجيّة، والطبع، والمروّة، والدِّين» (3).

(وأصله عقله) .

الأصل معروف، ويُطلق على جودة الرأي، وعلى الثبوت والرسوخ، وعلى الحسب .

ولعلّ الحمل هنا من قبيل حمل السبب على المسبّب؛ لكمال مدخليّته في السببيّة ، وقد أشار عليه السلام إلى أنّ هذه الثلاثة منشأ مزيّة الإنسان، لا شرف الآباء والنسب، واستشهد بقوله تعالى : «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثى» من آدم وحوّاء ؛ أي جميعكم بنو أب واحد، واُمّ واحدة .

أو المراد بهما الأب والاُمّ لكلّ واحد؛ أي خلقنا كلّ واحدٍ منكم من أب واُمّ، فالكلّ سواء في ذلك، فلا وجه للتفاخر بالنسب .

«وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبا وَقَبَائِلَ» .

قيل : الشعب، بالفتح: الجمع العظيم المنسوبون إلى أصل واحد. والجمع: شُعوب، من شعبت القوم _ كمنعت _ شَعْبا، إذا جمعهم، وفرّقهم، ضدّ، وهو يجمع القبائل، والقبيلة تجمع العمائر ، والعمارة معا _ بالفتح والكسر _ تجمع البطون، والبطن يجمع الأفخاذ، والفَخْذ يجمع الفضائل ، فأنساب العرب لها ستّ مراتب، فالشعب هو النسب الأوّل _ كخزيمة وعدنان _ وهو بمنزلة الجنس يندرج فيه سائر المراتب (4).

والقبيلة ما انقسم فيه أنساب الشعب، مثل كنانة . والعمارة ما انقسم فيه أنساب القبيلة، كقريش . والبطن ما انقسم فيه أنساب العمارة، كقُصيّ . والفخذ ما انقسم فيه أنساب بطن، كهاشم . والفصيلة ما انقسم فيه أنساب الفخذ، كعبّاس .

وقيل : الشعوب: عَرَب اليمن بن قحطان، والقبائل ربيعة ومُضرّ وسائر عدنان .

وقيل : الشعوب بطون العجم، والقبائل بطون العرب .

ص: 600


1- المصباح المنير، ص 569 (مرء)
2- الصحاح ، ج 1 ، ص 72 (مرأ)
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 229 (خلق)
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 26 ، ص 72

وقيل : الشعوب بالمدينة والبلد، مثل مكّيّ ومدنيّ . والقبائل باعتبار الآباء، كالهاشمي مثلاً (1).

«لِتَعَارَفُوا» أي ليعرف بعضكم بعضا ؛ فإنّ بني آدم مع كثرتهم لو كانوا نوعا واحدا، ولم يختلفوا بأصناف القبائل ، والسودان والبيضان ، والعرب والعجم ، لم يحصل كمال التعارف والتمييز بينهم ، فهذا الاختلاف لتحقّق التعارف والتميّز، لا للتفاخر بالآباء والقبائل .

«إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ» (2). ؛ فإنّ التقوى بها تكمل النفوس، ويتفاضل الأشخاص، فمن أراد شرفا وفضلاً فليلتمس منها .

وقيل : المراد بالأتقى هنا من يكون دينه ومروّته وعقله على حدّ الكمال (3).

متن الحديث الرابع والمائتين

اشارة

عَلِيٌّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:«لَمَّا وَلِيَ عَلِيٌّ عليه السلام ، صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللّهَ، وَأَثْنى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:

إِنِّي وَاللّهِ لَا أَرْزَؤُكُمْ مِنْ فَيْئِكُمْ دِرْهَما، مَا قَامَ لِي عِذْقٌ بِيَثْرِبَ، فَلْيَصْدُقْكُمْ أَنْفُسُكُمْ، أَ فَتَرَوْنِي مَانِعا نَفْسِي وَمُعْطِيَكُمْ».

قَالَ: «فَقَامَ إِلَيْهِ عَقِيلٌ، فَقَالَ لَهُ: وَاللّهِ لَتَجْعَلَنِّي وَأَسْوَدَ بِالْمَدِينَةِ سَوَاءً؟

فَقَالَ: اجْلِسْ، أَ مَا كَانَ هَاهُنَا أَحَدٌ يَتَكَلَّمُ غَيْرُكَ، وَمَا فَضْلُكَ عَلَيْهِ إِلَا بِسَابِقَةٍ أَوْ بِتَقْوى».

شرح الحديث

السند حسن .

قوله : (لا أرزؤكم) إلى قوله : (بيثرب) .

في القاموس : «رَزَأهُ ماله _ كجعله وعلمه _ رَزْءً بالضمّ: أصاب منه شيئا . ورزأه رزءً ورَزئةً: أصاب منه خيرا.

والشيء: نقصه»(4).

ص: 601


1- اُنظر : شرح المازندراني ، ج 12 ، ص 226
2- الحجرات (49) : 13
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 226
4- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 16 (رزأ)

وفيه: «الفيء: الغنيمة، والخراج»(1).

وفيه: «العَذْق: النخلة بحملها. وبالكسر: القِنو منها ، والعنقود من العنب، أو إذا أكل ما عليه» (2). انتهى .

ويثرب مدينة الرسول صلى الله عليه و آله ، والظاهر أنّ تعليق عدم النقص من خرائجهم ونخيلهم ببقاء عذق له بيثرب كناية عن الدوام، أو عن تملّك شيءٍ، وإن قلّ . ولعلّ الثاني أظهر .

(فليصدقكم أنفسكم) ؛ يُقال : صدق في الحديث، وصَدّقه الحديث _ من باب قصر _ أي قال له صِدقا.

ولعلّ معناه: ارجعوا إلى أنفسكم، وأنصفوا، وليقل أنفسكم لكم صدقا في ذلك .

ويحتمل أن يكون من التصديق؛ أي فلتكن قلوبكم موافقة ألسنتكم في الجواب، ولا تقولوا بأفواهكم ما ليس في قلوبكم .

(أفتروني) . يحتمل كونه بسكون الواو وتخفيف النون، أو بضمّ الواو وتشديد النون، من الرؤية، أو من الرأي .

ويحتمل كونه من الإراءة على البناء للمفعول، بمعنى الظنّ؛ أي تظنّونني .

(مانعا نفسي ومعطيكم) ؛ كأنّ المراد مانعا نفسي من أخذ الغنيمة والخراج، زائدا عن النصيب، أو مطلقا، ومعطيكم أنصباءكم منهما؛ يعني ما زلتُ كذلك ، فالاستفهام للتقرير. أو مانعا نفسي من إحقاق الحقّ، وقانون الشرع، ومعطيكم على ما تشتهون من الجور والتفاضل في القسمة؛ أي لستُ كذلك ، فالاستفهام للإنكار والتوبيخ .

وفيه قطع لطمعهم عن الجور في القسمة .

وقوله : (لتجعلنّي وأسود) .

قيل : أراد به من أعتقه عمّار، فأعطاه أمير المؤمنين عليه السلام ثلاثة دنانير، كما أعطى سائر المسلمين (3).

وقوله ؛ (وما فضلك عليه) أي على الأسود.

ص: 602


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 24 (فيأ)
2- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 262 (عذق)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 227

(إلّا بسابقة) من الأعمال، أو الإيمان أيضا .

(أو بتقوى) ؛ كأنّ المراد إثبات السابقة التقوى له، ونفي كونهما صالحين بسببيّة الافتخار، وتوفير الفيء والقسمة أو نفيهما عنه رأسا .

والحاصل أنّه لمّا افتخر عقيل رضى الله عنه بشرف النسب وكرم الأصل، زجره عليه السلام عن ذلك، وأشار إلى التفاضل والافتخار إنّما هو بالسابقة في الإيمان والصالحات، أو بتقوى اللّه الذي يحصل في ترك الدُّنيا، والإعراض عن الأهواء النفسانيّة .

متن الحديث الخامس والمائتين

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ:

«قَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلَى الصَّفَا، فَقَالَ: يَا بَنِي هَاشِمٍ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ، وَإِنِّي شَفِيقٌ عَلَيْكُمْ، وَإِنَّ لِي عَمَلِي، وَلِكُلِّ رَجُلٍ مِنْكُمْ عَمَلَهُ، لَا تَقُولُوا: إِنَّ مُحَمَّدا مِنَّا، وَسَنَدْخُلُ مَدْخَلَهُ، فَلَا وَاللّهِ، مَا أَوْلِيَائِي مِنْكُمْ وَلَا مِنْ غَيْرِكُمْ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِلَا الْمُتَّقُونَ.

أَلَا فَلَا أَعْرِفُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَأْتُونَ تَحْمِلُونَ الدُّنْيَا عَلى ظُهُورِكُمْ، وَيَأْتُونِيَ (1). النَّاسُ يَحْمِلُونَ الْاخِرَةَ.

أَلَا إِنِّي قَدْ أَعْذَرْتُ إِلَيْكُمْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، وَفِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ فِيكُمْ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (ألا فلا أعرفكم يوم القيامة تأتون تحملون الدُّنيا على ظهوركم) .

الغرض منه النهي عن كونهم من أهل الدُّنيا والراغبين إليها ؛ أي لا تكونوا كذلك حتّى أعرفكم يوم القيامة، أو في الدُّنيا بهذه الصفة .

ويوم القيامة ظرف للمعرفة، أو للإتيان .

وجملة «تحملون» حال عن ضمير الجمع . والمراد

ص: 603


1- في الطبعة القديمة : «ويأتون»

بحمل الدُّنيا على الظهور الرغبة بزخارفها، والاشتغال بجمعها وتحصيلها، والتزيّن بزينتها .

وفي بعض النسخ: «أفلا أعرفكم» ؛ لعلّ المراد: تكونون كذلك، وأنّي لا أعرفكم .

وقيل : الهمزة حينئذٍ للاستفهام الإنكاري؛ أي بلى أعرفكم . فتأمّل (1).

(ويأتوني الناس) ؛ من قبيل «أكلوني البراغيث» .

وفي بعض النسخ: «ويأتيني الناس»، وهو أظهر . والمراد بالناس غير بني عبد المطّلب .

(يحملون الآخرة) على ظهورهم ؛ أي يتزيّنون بزينتها، وحبّ أعمالها، ويُعدَّون من أهلها .

وبالجملة نهاهم عن كونهم من أهل الدُّنيا، وغيرهم من أهل الآخرة .

وقوله : (قد أعذرت إليكم ...) ؛ لعلّ المراد إنّي قد أبديت عذرا، وبالغت فيه بحيث انتفى عنّي اللّوم .

(فيما بيني وبينكم) ؛ بإتمام الحجّة عليكم، وأنّ القرابة لا تنفعكم بدون العمل .

(وفيما بيني وبين اللّه ) من تبيلغ أحكامه إليكم، وأمركم بالتقوى والعمل للآخرة .

متن الحديث السادس والمائتين

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنِ الْحَلَبِيِّ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ:«رَأَيْتُ كَأَنِّي عَلى رَأْسِ جَبَلٍ، وَالنَّاسُ يَصْعَدُونَ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ حَتّى إِذَا كَثُرُوا عَلَيْهِ، تَطَاوَلَ بِهِمْ فِي السَّمَاءِ، وَجَعَلَ النَّاسُ يَتَسَاقَطُونَ عَنْهُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ حَتّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَا عِصَابَةٌ يَسِيرَةٌ، فَفُعِلَ ذلِكَ خَمْسَ مَرَّاتٍ، فِي كُلِّ ذلِكَ يَتَسَاقَطُ عَنْهُ النَّاسُ، وَيَبْقَى تِلْكَ الْعِصَابَةُ؛ أَمَا إِنَّ قَيْسَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَجْلَانَ فِي تِلْكَ الْعِصَابَةِ».

قَالَ: «فَمَا مَكَثَ بَعْدَ ذلِكَ إِلَا نَحْوا مِنْ خَمْسٍ حَتّى هَلَكَ».

شرح الحديث

السند صحيح على تقدير توثيق محمّد بن خالد، وإلّا فضعيف .

قوله : (رأيتُ) ؛ من الرؤيا .

ص: 604


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 26 ، ص 73

قال الجوهري : «رأى في منامه رؤيا _ على فعلى _ بلا تنوين» (1).

وقوله : (تطاول بهم في السماء) .

الضمير المستتر راجع إلى «ذلك الجبل». والتطاول: الامتداد، والارتفاع. والباء للتعدية، و«في» بمعنى «إلى» .

(وجعل الناس يتساقطون عنه) أي عن ذلك الجبل .

وقيل : كأنّه عليه السلام أخبر بخروج كثير ممّن توسّل به عن الدين بعد موته عليه السلام (2).

قوله : (أما إنّ قيس بن عبداللّه بن عَجلان في تلك العصابة) .

في الصحاح : «العصابة من الرجال: ما بين العشرة إلى الأربعين» (3).

وقيس بن عبداللّه بن عجلان غير مذكور في كتب الرجال . روى الكشّي بإسناده عن ميسّر بن عبد العزيز، قال : قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام : «رأيت كأنّي على جبل، فيجيء الناس فيركبونه، فإذا ركبوا عليه تصاعد بهم الجبل (4). ، فيسقطون، فلم يبق معي إلّا عصابة يسيرة أنت منهم، وصاحبك الأحمر؛ يعني عبداللّه بن عجلان» (5) وروى أيضا عن حمدويه، عن محمّد بن عيسى، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبيّ، عن ابن مسكان، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام : أنّه رأى نحو ذلك (6). ، وميسّر وابن عجلان فيمن يبقى .

وروى أيضا عن حمدويه بن نصر، عن محمّد بن عيسى، عن النضر مثله، وفيه: «أمّا إنّ ميسّر بن عبد العزيز وعبد اللّه بن عجلان في تلك العصابة، فما مكث بعد ذلك إلّا نحوا من سنتين حتّى هلك صلوات اللّه عليه» (7) انتهى .

ويفهم منه أنّ المستتر في قوله : (فما مكث) راجع إلى أبي جعفر عليه السلام ؛ أي فما عاش.

(بعد ذلك) أي بعد أن يرى تلك الرؤيا .

(إلّا نحو) .

ص: 605


1- الصحاح ، ج 6 ، ص 2349 (رأى)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 12 ، ص 228
3- الصحاح ، ج 1 ، ص 182 (عصب)
4- في المصدر : + «فينتثرون عنه»
5- رجال الكشّي ، ج 2 ، ص 512 ، ح 443
6- المصدر ، ح 444
7- المصدر

كذا في النسخ ، والظاهر «نحوا» بالنصب، كما في الكشّي (1).

(من خمس) أي خمس سنين .

(حتّى هلك) أي مات صلوات اللّه عليه .

متن الحديث السابع والمائتين

اشارة

عَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَصِيرٍ، قَالَ:سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ: «إِنَّ رَجُلاً كَانَ عَلى أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَرَأى فِي مَنَامِهِ، فَقِيلَ لَهُ: انْطَلِقْ، فَصَلِّ عَلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ؛ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تُغَسِّلُهُ فِي الْبَقِيعِ، فَجَاءَ الرَّجُلُ، فَوَجَدَ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام قَدْ تُوُفِّيَ».

شرح الحديث

السند صحيح .

وضمير «عنه» راجع إلى أحمد بن محمّد بن خالد .

متن الحديث الثامن والمائتين

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام فِي قَوْلُهُ تَعَالى: «وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها (2) (بِمُحَمَّدٍ)» :«هكَذَا وَاللّهِ نَزَلَ بِهَا جَبْرَئِيلُ عليه السلام عَلى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ».

شرح الحديث

السند مرسل ؛ لأنّ محمّد بن خالد ليس من رجال الصادق ، ويدلّ عليه أيضا ما وقع في بعض النسخ بعد قوله : «عن أبيه»: «عن محمّد بن سليمان الديلمي، عن أبيه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام » ، ورواه العيّاشي أيضا هكذا (3).

ص: 606


1- المصدر ، ح 443
2- آل عمران (3) : 103
3- تفسير العيّاشي ، ج 1 ، ص 194 ، ح 124

قوله تعالى : «وَكُنْتُمْ عَلى شَفَا حُفْرَةٍ» .

شفا كلّ شيء: طرفه؛ أي كنتم على طرفها، ومشرفا على السقوط فيها بسبب الكفر والمعاصي .

متن الحديث التاسع والمائتين

اشارة

عَنْهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ ظَبْيَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : « «لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتّى تُنْفِقُوا (ما) تُحِبُّونَ» (1). ،هكَذَا فَاقْرَأْهَا».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (ما تحبّون) .

كذا في كثير من نسخ الكتاب، وهو الصحيح. وما وقع في بعضها: «ممّا تحبّون» لا يناسب قوله عليه السلام : «هكذا فاقرأها» ، وإن كان مطابقا للفظ القرآن .

قال البيضاوي :

«لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ» أي لن تبلغوا حقيقة البرّ الذي هو كمال الخير، أو لن تنالوا برّ اللّه الذي هو الرحمة والرضا والجنّة. «حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّونَ» أي من المال، أو ما يعمّه وغيره كبذل الجاه في معاونة الناس ، والبدن في طاعة اللّه ، والمهجة في سبيله (2).

وقال: «الآية تعمّ الإنفاق الواجب والمستحبّ . وقرأ بعض : «ما تحبّون»، وهو يدلّ على أنّ «من» للتبعيض . ويحتمل التبيين» (3). انتهى .

وأقول : في هذا الخبر دلالة على جواز القراءة والتلاوة على غير القراءات المشهورة، لكنّه ضعيف السند . فالأحوط عدم التعدّي عنها؛ لما ورد في الأخبار الكثيرة من تقرير أصحاب العصمة عليهم السلام أصحابهم على القراءات المشهورة، وترغيبهم بها حتّى يظهر القائم عليه السلام .

ص: 607


1- آل عمران (3) : 92 . وفيه : «ممّا» بدل «ما»
2- تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 64
3- المصدر ، ص 65

وقيل : المراد بقوله: «هكذا فاقرأها» أنّها هكذا في المعنى والإرادة دون اللفظ والقراءة.

وهو كما ترى (1).

ص: 608


1- تنبيه: نلفت أنظار القرّاء الأعزّاء إلى أنّنا عثرنا على نسخة كاملة لهذا الأثر القيّم بعد إتمام العمل في المجلّدين الأوّلين معتمدين على نسخة ناقصة، ونأسف لعدم الاستعانة بهذه النسخة الكاملة في تصحيح المجلّدين الأوّلين، إلّا أنّنا سنعتمدها _ إن شاء اللّه _ في تصحيح باقي هذا الشرح، ونعد المشتاقين بأنّنا سننشر بقيّة مجلّداتها عن قريبٍ إن شاء اللّه تعالى

الفهرس

الصورة

ص: 609

الصورة

ص: 610

الصورة

ص: 611

الصورة

ص: 612

الصورة

ص: 613

الصورة

ص: 614

الصورة

ص: 615

الصورة

ص: 616

الصورة

ص: 617

الصورة

ص: 618

الصورة

ص: 619

الصورة

ص: 620

الصورة

ص: 621

الصورة

ص: 622

الصورة

ص: 623

الصورة

ص: 624

المجلد 3

هویة الکتاب

سرشناسه : قاریاغدی، محمدحسین، توشیحگر

عنوان قراردادی : الکافی. روضه. شرح

عنوان و نام پديدآور : البضاعةالمزجاة: شرح کتاب الروضه من الکافی/ محمدحسین قاریاغدی ؛ تحقیق حمید الاحمدی الجلفائی.

مشخصات نشر : قم: موسسه دارالحدیث العلمیه والثقافیه، مرکز للطباعه والنشر؛ تهران: کتابخانه٬ موزه و مرکز اسناد مجلس شورای اسلامی،1430ق.= 1388 -

مشخصات ظاهری : ج.

فروست : الشروح والحواشی علی الکافی؛ 14.

مرکز بحوث دارالحدیث؛ 156.

مجموعه آثارالموتمرالدولی الذکری ثقةالاسلام الکلینی(ره)؛ 24 ، 25

شابک : دوره: 978-964-493-329-5 ؛ 70000 ریال: ج. 1 : 978-964-493-319-6

يادداشت : عربی.

يادداشت : کتاب حاضر شرحی بر کتاب "اصول الکافی" تالیف "محمدبن یعقوب کلینی" است.

یادداشت : کتابنامه.

عنوان دیگر : شرح کتاب الروضه من الکافی.

موضوع : کلینی، محمد بن یعقوب - 329ق. . الکافی. روضه -- نقد و تفسیر

موضوع : احادیث شیعه -- قرن 4ق.

شناسه افزوده : احمدی جلفایی، حمید، 1357 -

شناسه افزوده : کلینی، محمد بن یعقوب - 329ق. . الکافی. روضه. شرح

شناسه افزوده : ایران. مجلس شورای اسلامی. کتابخانه، موزه و مرکز اسناد

شناسه افزوده : دار الحدیث. مرکز چاپ و نشر

رده بندی کنگره : BP129/ک8ک240216 1388

رده بندی دیویی : 297/212

شماره کتابشناسی ملی : 1852989

ص: 1

اشاره

مرکز البحوث

موسسة دارالحديث العلمیة الثقافیة

ص: 2

البضاعَةُ الْمُزْجَاةُ

(شرح کتاب الروضة من الكافي)

مُحَمَّدْ حُسَيْنُ بْنُ قَارُ يَا غَدِي

(م 1089 ق.)

المجلد الثالث

تَحْقِيقُ

حَمِيدِ الْأَحْمَدِي الْجُلْفَائِيِّ

مجموعة آثار المؤتمر الدولي لذكرى الشيخ ثقة الإسلام الكليني - ٢٤

ص: 3

البضاعة المزجاة /

محمد حسين بن قارياغدي

تحقيق : حميد الأحمدي الجلفائي

الإخراج الفنى : محمد كريم صالحي ، مجيد بابكي

الناشر : دار الحديث للطباعة والنشر

الطبعة : الأولى ، ١٤٢٩ ق / ١٣٨٧ ش

المطبعة : دار الحديث

الكمية : ؟؟؟؟

الثمن : ؟؟؟؟

دار الحديث للطباعة والنشر

مؤسسة دار الحديث العلمية الثقافية

دارالحديث للطباعة والنشر : قم ، شارع معلّم ، قرب ساحة الشهداء ، الرقم ١٢٥

الهاتف : ٠٢١٧٧٤١٦٥٠ - ٠٢٥١٧٧٤٠٥٢٣ ص ب : ٤٤٦٨ / ٣٧١٨٥

hadith@hadith.net

http://www.hadith.net

ص: 4

ص: 1

ص: 2

ص: 3

ص: 4

متن الحديث العاشر و المائتين

اشارة

[بسم اللّه الرحمن الرحيم]

عَنْهُ عَنْ أبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبي حَمَزة، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ:

عَنْ أبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ» وَسَلِّمُوا لِلْاءِمَامِ تَسْلِيما «أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَ_رِكُم» رِضا لَهُ «مَّا فَعَلُوهُ إِلَا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ» أَنَّ أَهْلَ الْخِلَافِ «فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا» (1) وَفِي هذِهِ الْايَةِ: «ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ» مِنْ (2) أَمْرِ الْولِي «وَيُسَلِّمُوا» لِلّهِ الطَّاعَةَ «تَسْلِيمًا» (3) ».

شرح الحديث

قوله تعالى: «وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا» الآية.

اعلم أنّ الآيات المذكورة في هذا الخبر وتالييه في سورة النساء، ولنذكر قبل الخوض فيما هو المقصود من شرح الحديث ترتيب تلك الآيات وما قبلها وما بعدها، وقول بعض المفسِّرين في تفسيرها؛ ليزداد بصيرة في المقصود. وقال عزّ وجلّ: «إِنَّ اللّه َ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّه َ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللّه َكَانَ سَمِيعا بَصِيرا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» . (4).

قال البيضاوي: يريد [بهم] أمراء المسلمين في عهد الرسول وبعده، ويندرج فيهم الخلفاء والقضاة واُمراء السريّة، أمر الناس بطاعتهم بعدما أمرهم بالعدل منبّها على أنّ وجوب

ص: 5


1- . النساء (4): 66.
2- . في بعض نسخ الكافي: «في».
3- . النساء (4): 65.
4- . النساء (4): 58 و 59.

طاعتهم ما داموا على الحقّ.

وقيل: علماء الشرع؛ لقوله تعالى: «وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي اْلأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ» (1).

«فَإِن تَنَ_زَعْتُمْ» أنتم واُولوا الأمر منكم «فِى شَىْ ءٍ» من اُمور الدّين، وهو يؤيّد الوجه الأوّل؛ إذ ليس للمقلِّد أن ينازع المجتهد في حكمه بخلاف المرؤوس، إلّا أن يُقال: الخطاب لاُولي الأمر على طريقة الالتفات. «فَرُدُّوهُ» فراجعوا فيه «إِلَى اللَّهِ» إلى كتابه «وَالرَّسُولِ» بالسؤال عنه في زمانه والمراجعة إلى سنّته بعده.

واستدلّ به منكروا القياس، وقالوا: إنّ اللّه تعالى أوجب ردّ المختلف إلى الكتاب والسنّة دون القياس. واُجيب: بأنّ ردّ المختلف إلى المنصوص عليه إنّما يكون بالتمثيل والبناء عليه، وهو القياس، ويؤيّد ذلك الأمر به بعد الأمر بطاعة اللّه وطاعة الرسول؛ فإنّه يدلّ على أنّ الأحكام ثلاثه؛ مثبت بالكتاب، ومثبت بالسنّة، ومثبت بالردّ إليهما على وجه القياس.

«إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْأَخِرِ» ؛ فإنّ الإيمان يوجب ذلك.

«ذَ لِكَ» أي الردّ «خَيْرٌ» خيرٌ لكم «وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً» : عاقبة، أو أحسن تأويلاً من تأويلكم بلا ردّ.

«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ» (2). عن ابن عبّاس رضى الله عنه: أنّ منافقا خاصم يهوديّا، فدعاه اليهودي إلى النبيّ صلى الله عليه و آله ، ودعاه المنافق إلى كعب بن الأشرف، ثمّ إنّهما احتكما إلى النبيّ صلى الله عليه و آله ، فحكم لليهودي، فلم يرض المنافق، وقال: نتحاكم إلى عمر، فقال اليهودي لعمر: قضى لي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلم يرض بقضائه، وخاصم إليك، فقال عمر للمنافق: أكذلك؟ فقال: نعم، فقال: مكانكما حتّى أخرج إليكما، فدخل، فأخذ سيفه، ثمّ خرج، فضرب عنق المنافق حتّى بَرَد، وقال: هكذا أقضي لمَن لم يرض بقضاء اللّه ورسوله، فنزلت، وقال جبرئيل: إنّ عمر فرّق بين الحقّ والباطل، فسُمّي الفاروق والطاغوت على هذا كعب بن الأشرف(3). وفي معناه من يحكم بالباطل، ويؤثر لأجله يسمّى بذلك لفرط طغيانه، أو للتشبّه بالشيطان، أو لأنّ التحاكم إليه

ص: 6


1- . . النساء (4): 83
2- النساء (4): 60
3- اُنظر: تفسير الآلوسي، ج 18، ص 194؛ أحكام القرآن لابن عربي، ج1، ص 577

تحاكم إلى الشيطان من حيث إنّه الحامل عليه، كما قال: «وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالاً بَعِيدا» (1). وقرئ: «أن يكفروا بها» (2). على أنّ الطاغوت جمع كقوله تعالى: «أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ» (3). «لوَ إِذَا [قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَآ أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ» و قرئ: «تعالوا» بضمّ اللام، على أنّه حذف لام الفعل اعتباطا، ثمّ ضمّ اللام لواو الضمير. «رَأَيْتَ الْمُنَ_فِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا» (4). مصدر، أو اسم للمصدر وهو الصدّ، والفرق بينه وبين السدّ أنّه غير محسوس، والسدّ محسوس. و«يصدّون» في موقع الحال، «فَكَيْفَ» يكون حالهم «إِذَآ أَصَ_بَتْهُم مُّصِيبَةُ» كقتل عمر المنافق، أو النقمة من اللّه «بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ» من التحاكم إلى غيرك، وعدم الرِّضا بحكمك «ثُمَّ جَآءُوكَ» حين يصابون للاعتذار، عطف على «أصابتهم». وقيل: على «يصدّون»، وما بينهما اعتراض. «يَحْلِفُونَ بِاللّه ِ» تعالى «إِنْ أَرَدْنَا إِلَا إِحْسَانا وَتَوْفِيقا» (5). ما أردنا بذلك إلّا الفصل بالوجه الأحسن، والتوفيق بين الخصمين، ولم نرد مخالفتك. وقيل: جاء أصحاب القتيل طالبين بدمه وقالوا: ما أردنا بالتحاكم إلى عمر إلّا أن يحسن إلى صاحبنا، ويوفّق بينه وبين خصمه(6).

«أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّه ُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ» من النفاق، فلا يُغني عنهم الكتمان والحلف الكاذب من العقاب.

«فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ» أي عن عقابهم؛ لمصلحة في استبقائهم، وعن قبول معذرتهم. «وَعِظْهُمْ» بلسانك، وكفّهم عمّا هم عليه.

«وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ» أي في معنى أنفسهم، أو خاليا بهم؛ فإنّ النصح في السرّ أنجع.

«قَوْلاً بَلِيغا» (7) يبلغ منهم ويؤثّر فيهم؛ أمّرَه بالتجافي عن ذنوبهم، والنصح لهم،

ص: 7


1- النساء (4): 60
2- . حكي عن عبّاس بن المفضل. اُنظر: الكشّاف، ج 1، ص 536؛ تفسير أبي السعود، ج 2، ص 195
3- .البقرة (2): 257
4- النساء (4): 61
5- . النساء (4): 62
6- اُنظر: تفسير الآلوسي، ج 5، ص 69؛ التفسير الكبير، ج 5، ص 204
7- . النساء (4): 63

والمبالغة فيه بالترغيب والترهيب؛ وذلك [مقتضي] (1) شفقة الأنبياء وتعليق الظرف ب «بليغا» على معنى بليغا في أنفسهم مؤثّرا فيها ضعيف؛ لأنّ معمول الصفة لا يتقدّم الموصوف، والقول البليغ في الأصل هو الذي يطابق مدلوله المقصود به.

«وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّه ِ» بسبب إذنه في طاعته، وأمره المبعوث إليهم بأن يطيعوه، وكأنّه احتجّ بذلك على أنّ الذي لم يرض بحكمه وإن أظهر الإسلام كان كافرا مستوجب القتل.

«وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ» بالنفاق، أو التحاكم إلى الطاغوت.

«جَاءُوكَ» تائبين من ذلك، وهو خبر «إنّ»، و «إذ» متعلّق بقوله: «فَاسْتَغْفَرُوا اللّه َ» بالتوبة والإخلاص.

«وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ» ؛ وإنّما عدل عن الخطاب تفخيما لشأنه، وتنبيها على أنّ من حقّ الرسول أن يقبل اعتذار التائب وإن عظُم جرمه، ويشفع له، ومن منصبه أن يشفع في كبائر الذنوب.

«لَوَجَدُوا اللّه َ تَوَّابا رَحِيما» (2) يعلمون قابلاً لتوبتهم، متفضّلاً عليهم بالرحمة، وإن فسّر وجد بصادف كان «تَوَّابا» حالاً.

«فَلَا وَرَبِّكَ» أي فوربّك، و«لا» مزيدة لتأكيد القسم، لا لتظاهر لا في قوله: «لَا يُؤْمِنُونَ» ؛ لأنّها تزاد في الإثبات، كقوله: «لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ» (3).

«حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ» فيما اختلف بينهم واختلط، ومنه الشجر لتداخل أغصانه.

«ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجا مِمَّا قَضَيْتَ» ضيقا ممّا حكمت به، أو من حكمك، أو شكّا من أجله؛ فإنّ الشاكّ في ضيق من أمره.

«وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيما» (4) وينقادوا لك انقيادا بظاهرهم وباطنهم.

«وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنْ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ» ؛ تعرّضوا بها للقتل في الجهاد، أو اقتلوها كما قتل بنو إسرائيل، و«أن» مصدريّة، أو مفسّرة؛ لأنّ «كتبنا» في معنى «أمرنا».

«أَوْ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَا قَلِيلٌ مِنْهُمْ» إلّا اُناس قليل منهم وهم المخلصون لما بيّن أنّ إيمانهم لا يتمّ إلّا بأن يسلّموا حقّ التسليم، نبّه على قصور

ص: 8


1- . أثبتناه من المصدر
2- . النساء (4): 64
3- البلد (90): 1
4- . النساء (4): 65

أكثرهم ووهن إيمانهم.

«وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ» من متابعة الرسول ومطاوعته طوعا ورغبةً.

«لَكَانَ خَيْرا لَهُمْ» في عاجلهم وآجلهم «وَأَشَدَّ تَثْبِيتا» (1). في دينهم؛ لأنّه أشدّ في تحصيل العلم ونفي الشكّ، وتثبيتا لثواب أعمالهم، ونصبه على التمييز.

«وَإِذا لَاتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرا عَظِيما» (2). جواب لسؤال مقدّر، فكأنّه قيل: وما يكون لهم بعد التثبيت؟ فقال: وإذا لو ثبتوا لآتيناهم؛ لأنّ «إذا» جواب وجزاء «لَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطا مُسْتَقِيما» (3). يصِلون بسلوكه جناب القدس، وتفتح لهم أبواب الغيب، انتهى(4).

وإذا تمهّد هذا فلنرجع على شرح الحديث. قوله تعالى: «وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ» ؛ قيل: أي على أهل النفاق والتحاكم إلى الطاغوت وأهل الخلاف المنكرين لوالي الحقّ «أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ» ؛ أي أنفسكم الأمّارة بالسياسات العقليّة والآداب الشرعيّة(5).

والظاهر من هذا الخبر أنّ قوله: «وَيُسَلِّمُوا» للإمام «تَسْلِيمًا» (6) كان داخلاً في القرآن في قراءتهم عليهم السلام ، ويحتمل كونه من كلامه عليه السلام للبيان والتفسير؛ أي المراد بالقتل في هذه الآية القتل الذي يكون في أمر التسليم للإمام، والاحتمالان جاريان فيما يذكر بعدُ في هذا الخبر وفي الأخبار الآتية.

«أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَ_رِكُم» ؛ قيل: للجهاد ولقاء العدوّ المحتاج إلى قطع المسافة(7).

(رضا له) مفعول له، أو تمييز؛ أي يكون خروجكم لرضاء الإمام، أو على وفق رضائه لا لطلب الدُّنيا وحيازتها.

«مَّا فَعَلُوهُ إِلَا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ» (8).

في بعض: «قليلاً» بالنصب، (9). وكأنّه من طغيان القلم.

ص: 9


1- . النساء (4): 66
2- . النساء (4): 67
3- . النساء (4): 68
4- تفسير البيضاوي، ج 2، ص 205 _ 213 (مع اختلاف في اللفظ والتلخيص)
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 240 (مع اختلاف يسير)
6- . النساء (4): 65
7- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 240
8- النساء 04): 66
9- . نُقل عن مصاحف أهل الشام. اُنظر: مجمع البيان، ج 5، ص 222

(ولو أنّ أهل الخلاف)؛ هم المكتوب عليهم. ولعلّه بيان لمرجع الضمير في قوله تعالى: «وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ» ممّا فيه صلاحهم في الدارين «لَكَانَ خَيْرا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتا» كلّ من لفظي الخير والشرّ إمّا مجرّد عن معنى التفضيل، أو مبنيّ على فرض الفضل في المفضل عليه.

وفي هذه الآية عطف على قوله: «وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ» أي وفي تفسير هذه الآية: «ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجا» (1). قال الجوهري:

مَكان حَرِجٌ و حَرَجٌ، أي ضيّق كثير الشجر، لا يصل إليه الراعية. و قرئ: «يَجْعَلْ صَدْرَهُو ضَيِّقًا حَرَجًا» (2). و «حرجا» وقد حرج صدره يحرج حرجا(3).

(من أمر الوالي) أي في نصبه، والتنصيص بولايته، وأمر الناس بإطاعته.

«وَيُسَلِّمُوا» للّه الطاعة «تَسْلِيمًا» ؛ يحتمل أن يكون الجار متعلّقا بالتسليم، أو بالطاعة، ويكون اللّام للتعليل، أو الصلة، ويكون الطاعة للّه ، أو للإمام.

متن الحديث الحادي عشر والمائتين

اشارة

عَلِيٌّ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ أَبِي جُنَادَةَ الْحُصَيْنِ بْنِ الْمُخَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ وَرْقَاءَ بْنِ حَبَشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ السَّلُولِيِّ صَاحِبِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله :

عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ ما فِى قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ» : «فَقَدْ سَبَقَتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ الشَّقَاءِ ، وَسَبَقَ لَهُمُ الْعَذَابُ «وَقُلْ لَهُمْ فِى أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغا» (4). » .

شرح الحديث

السند ضعيف، وجُنادة بضمّ الجيم.

وقال الجوهري:

سلول: قبيلة من هوازن وهم بنو مرّة بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن. وسلول: اسم اُمّهم نسبوا إليها(5).

ص: 10


1- النساء (4): 65
2- الأنعام (6): 125
3- الصحاح، ج 1، ص 305 (حرج) مع التلخيص
4- . النساء (4): 63
5- الصحاح، ج 5، ص 1731 (سلل)

وقال العلّامة رحمه الله في الإيضاح:

حُصَيْن، بالحاء المهملة المضمومة والصّاد المهملة المفتوحة وإسكان الياء والنون، أخيرا ابن المخارق بالخاء المعجمة بعد الميم والراء بعد الألف والقاف، أخيرا ابن عبد الرحمن بن ورقاء ممدوودا _ ابن حُبشي _ بضمّ الحاء المهملة، وإسكان الباء المنقّطة تحتها نقطة، وكسر الشين المعجّمة. وحُبشي، صاحب النبي صلى الله عليه و آله ، روى عنه ثلاثة أحاديث؛ أحدها: «عليٌ منّي وأنا منه»(1).

وقال في الخلاصة:

الحُضين _ بضمّ الحاء، وفتح الضاد المعجمة _ : ابن المخارق بن عبد الرحمن بن ورقاء بن حبشي بن جنادة أبو جنادة السلولي. وقيل في حصين بعض القول، وضُعّف بعض التضعيف، انتهى(2). وكذا في النجاشي(3).

وفي نسخ الكتاب: «الحصين» بالحاء المهملة موافق للإيضاح.

قوله: تعالى: «الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّه ُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ» . المشار إليهم بأولئك هم المنافقون المتحاكمون إلى الطاغوت المعتذرون بأنّهم ما أرادوا بذلك «إِلَا إِحْسَ_نًا وَتَوْفِيقًا» (4) الحالفون على ذلك حلفا كاذبا.

وقوله: (فقد سبقت...) يحتمل التنزيل والتفسير كما أشرنا إليه.

والشقاء _ والشقاوة _ بالفتح نقيض السعادة: هي إنّما أمر اللّه تعالى بالإعراض عنهم؛ لسبق علمه تعالى بشقائهم، وسبق تقديرات العذاب بسوء اختيارهم. ولعلّ المراد بالإعراض لعدم المبالغة والاهتمام في دعوتهم، وعدم الحزن على امتناعهم من القبول، أو عدم جبرهم على الإسلام.

«وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغا» (5) كان إسقاط قوله تعالى وعظهم، وعدم التعرّض لذكره للظهور، أو لعدمه في قراءتهم:، ويحتمل كونه من النسّاخ.

ص: 11


1- إيضاح الاشتباه، ص 165، الرقم 236
2- الخلاصة، ص 342
3- رجال النجاشي، ص 376، الرقم 1416
4- . النساء (4): 62
5- . النساء (4): 63

متن الحديث الثاني عشر والمائتين

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، قَالَ :

تَلَا أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ» (1) فَإِنْ خِفْتُمْ تَنَازُعا فِى الْأَمْرِ فَأَرْجِعُوهُ إِلَى اللّهِ وَإِلى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ. ثُمَّ قَالَ : «كَيْفَ يَأْمُرُ بِطَاعَتِهِمْ وَيُرَخِّصُ فِي مُنَازَعَتِهِمْ؟ إِنَّمَا قَالَ ذلِكَ لِلْمَأْمُورِينَ الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ : أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ» .

شرح الحديث

السند حسن.

قوله: (فأرجعوه).

قال الجوهري: «رجع بنفسه رجوعا ورجوع غيره، وهذيل تقول: أرجعه غيره(2).

وقوله: «فَإِنْ خِفْتُمْ» إلى قوله: «وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» ، فيه الاحتمالان السابقان، والغرض أنّه ليس المراد بالتنازع تنازع اُولي الأمر بينهم، ولا تنازع الرعيّة معهم كما ذهب إليه العامّة، (3).

بل هو خطاب للرعيّة خاصّة، كما أشار إليه بقوله: (كيف يأمر بطاعتهم)؛ أي في طاعة اُولي الأمر. والاستفهام للإنكار.

(ويرخّص في منازعتهم) أي ويرخّص الناس المأمورين بطاعتهم في أن ينازعوا معهم، بل إنّما قال ذلك إشارة إلى قوله: «فَإِنْ خِفْتُمْ» إلى آخره.

(للمأمورين الذين قيل لهم: أطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول).

والحاصل: أنّه إن اشتبه عليكم أمر، وخفتم فيه تنازعا؛ لعدم علمكم بحقيقته، فردّوه إلى اللّه وإلى الرسول واُولي الأمر منكم.

ويظهر من كثير من الأخبار أنّ قوله: «وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» كان داخلاً هنا في التنزيل، فأسقط.

ص: 12


1- . النساء (4): 59
2- الصحاح، ج 3، ص 1216 (رجع)
3- اُنظر: الكشّاف، ج 1، ص 535؛ أحكام القرآن للشافعي، ج 1، ص 29؛ جامع البيان، ج 5، ص 205

متن الحديث الثالث عشر و المأتين

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ : «إِنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله سَأَلَ جَبْرَئِيلَ عليه السلام : كَيْفَ كَانَ مَهْلَكُ قَوْمِ صَالِحٍ عليه السلام ؟

فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّ صَالِحا بُعِثَ إِلى قَوْمِهِ وَهُوَ ابْنُ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً ، فَلَبِثَ فِيهِمْ حَتّى بَلَغَ عِشْرِينَ وَمِائَةَ سَنَةٍ لَا يُجِيبُونَهُ إِلى خَيْرٍ» .

قَالَ : «وَكَانَ لَهُمْ سَبْعُونَ صَنَما يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَلَمَّا رَأى ذلِكَ مِنْهُمْ قَالَ : يَا قَوْمِ ، بُعِثْتُ إِلَيْكُمْ وَأَنَا ابْنُ سِتَّ عَشَرَ سَنَةً ، وَقَدْ بَلَغْتُ عِشْرِينَ وَمِائَةَ سَنَةٍ وَأَنَا أَعْرِضُ عَلَيْكُمْ أَمْرَيْنِ : إِنْ شِئْتُمْ فَاسْأَلُونِي حَتّى أَسْأَلَ إِلهِي فَيُجِيبَكُمْ فِيمَا سَأَلْتُمُونِي السَّاعَةَ ، وَإِنْ شِئْتُمْ سَأَلْتُ آلِهَتَكُمْ ، فَإِنْ أَجَابَتْنِي بِالَّذِي أَسْأَلُهَا خَرَجْتُ عَنْكُمْ ، فَقَدْ سَئِمْتُكُمْ وَسَئِمْتُمُونِي . قَالُوا : قَدْ أَنْصَفْتَ يَا صَالِحُ ؛ فَاتَّعَدُوا لِيَوْمٍ يَخْرُجُونَ فِيهِ» .

قَالَ : «فَخَرَجُوا (1) بِأَصْنَامِهِمْ إِلى ظَهْرِهِمْ ، ثُمَّ قَرَّبُوا طَعَامَهُمْ وَشَرَابَهُمْ ، فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا ، فَلَمَّا أَنْ فَرَغُوا دَعَوْهُ ، فَقَالُوا : يَا صَالِحُ سَلْ ، فَقَالَ لِكَبِيرِهِمْ : مَا اسْمُ هذَا؟ قَالُوا : فُلَانٌ ، فَقَالَ لَهُ صَالِحٌ : يَا فُلَانُ ، أَجِبْ ، فَلَمْ يُجِبْهُ ، فَقَالَ صَالِحُ : مَا لَهُ لَا يُجِيبُ؟ قَالُوا : ادْعُ غَيْرَهُ» .

قَالَ : «فَدَعَاهَا كُلَّهَا بِأَسْمَائِهَا ، فَلَمْ يُجِبْهُ مِنْهَا شَيْءٌ ، فَأَقْبَلُوا عَلى أَصْنَامِهِمْ ، فَقَالُوا لَهَا : مَا لَكِ لَا تُجِيبِينَ صَالِحا؟ فَلَمْ تُجِبْ ، فَقَالُوا : تَنَحَّ عَنَّا ، وَدَعْنَا وَآلِهَتَنَا سَاعَةً، ثُمَّ نَحَّوْا بُسُطَهُمْ وَفُرُشَهُمْ وَنَحَّوْا ثِيَابَهُمْ، وَتَمَرَّغُوا عَلَى التُّرَابِ ، وَطَرَحُوا التُّرَابَ عَلى رُؤُوسِهِمْ ، وَقَالُوا لِأَصْنَامِهِمْ : لَئِنْ لَمْ تُجِيبِي صَالِحا الْيَوْمَ لَتُفْضَحِي» .

قَالَ : «ثُمَّ دَعَوْهُ ، فَقَالُوا : يَا صَالِحُ ادْعُهَا ، فَدَعَاهَا فَلَمْ تُجِبْهُ ، فَقَالَ لَهُمْ : يَا قَوْمِ ، قَدْ ذَهَبَ صَدْرُ النَّهَارِ وَلَا أَرى آلِهَتَكُمْ يُجِيبُونِي ، فَاسْأَلُونِي حَتّى أَدْعُوَ إِلهِي فَيُجِيبَكُمُ السَّاعَةَ ، فَانْتَدَبَ لَهُ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا مِنْ كُبَرَائِهِمْ وَالْمَنْظُورِ إِلَيْهِمْ مِنْهُمْ ، فَقَالُوا : يَا صَالِحُ ، نَحْنُ نَسْأَلُكَ ، فَإِنْ أَجَابَكَ رَبُّكَ اتَّبَعْنَاكَ وَأَجَبْنَاكَ وَيُبَايِعُكَ (2). جَمِيعُ أَهْلِ قَرْيَتِنَا ، فَقَالَ لَهُمْ صَالِحٌ عليه السلام : سَلُونِي مَا شِئْتُمْ ، فَقَالُوا : تَقَدَّمْ بِنَا

ص: 13


1- . في النسخة: «فخرج»
2- . في بعض النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة: «و بايعك»

إِلى هذَا الْجَبَلِ _ وَكَانَ الْجَبَلُ قَرِيبا مِنْهُمْ _ فَانْطَلَقَ مَعَهُمْ صَالِحٌ ، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى الْجَبَلِ، قَالُوا: يَا صَالِحُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِنْ هذَا الْجَبَلِ السَّاعَةَ نَاقَةً حَمْرَاءَ شَقْرَاءَ وَبْرَاءَ عُشَرَاءَ بَيْنَ جَنْبَيْهَا مِيلٌ ، فَقَالَ لَهُمْ صَالِحٌ : لَقَدْ سَأَلْتُمُونِي شَيْئا يَعْظُمُ عَلَيَّ ، وَيَهُونُ عَلى رَبِّي جَلَّ وَعَزَّ» .

قَالَ : «فَسَأَلَ اللّهَ تَعَالى [صَالِحٌ] ذلِكَ ، فَانْصَدَعَ الْجَبَلُ صَدْعا كَادَتْ تَطِيرُ مِنْهُ عُقُولُهُمْ لَمَّا سَمِعُوا ذلِكَ ، ثُمَّ اضْطَرَبَ ذلِكَ الْجَبَلُ اضْطِرَابا شَدِيدا كَالْمَرْأَةِ إِذَا أَخَذَهَا الْمَخَاضُ ، [ثُمَّ] لَمْ يَفْجَأْهُمْ إِلَا رَأْسُهَا قَدْ طَلَعَ عَلَيْهِمْ مِنْ ذلِكَ الصَّدْعِ ، فَمَا اسْتُتِمَّتْ رَقَبَتُهَا حَتّى اجْتَرَّتْ ، ثُمَّ خَرَجَ سَائِرُ جَسَدِهَا ، ثُمَّ اسْتَوَتْ قَائِمَةً عَلَى الْأَرْضِ ، فَلَمَّا رَأَوْا ذلِكَ ، قَالُوا : يَا صَالِحُ ، مَا أَسْرَعَ مَا أَجَابَكَ رَبُّكَ؟ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا فَصِيلَهَا ، فَسَأَلَ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ ذلِكَ ، فَرَمَتْ بِهِ فَدَبَّ حَوْلَهَا ، فَقَالَ لَهُمْ : يَا قَوْمِ ، أَبَقِيَ شَيْءٌ؟ قَالُوا : لَا ، انْطَلِقْ بِنَا إِلى قَوْمِنَا نُخْبِرْهُمْ بِمَا رَأَيْنَا وَيُؤْمِنُونَ بِكَ» .

قَالَ : «فَرَجَعُوا فَلَمْ يَبْلُغِ السَّبْعُونَ إِلَيْهِمْ حَتّى ارْتَدَّ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ رَجُلًا ، وَقَالُوا : سِحْرٌ وَكَذِبٌ ، قَالَ : فَانْتَهُوا إِلَى الْجَمِيعِ ، فَقَالَ السِّتَّةُ : حَقٌّ ، وَقَالَ الْجَمِيعُ : كَذِبٌ وَسِحْرٌ» .

قَالَ : «فَانْصَرَفُوا عَلى ذلِكَ ، ثُمَّ ارْتَابَ مِنَ السِّتَّةِ وَاحِدٌ ، فَكَانَ فِيمَنْ عَقَرَهَا» .

قَالَ ابْنُ مَحْبُوبٍ : فَحَدَّثْتُ بِهذَا الْحَدِيثِ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِنَا يُقَالُ لَهُ : سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ رَأَى الْجَبَلَ الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ بِالشَّامِ ، قَالَ : فَرَأَيْتُ جَنْبَهَا قَدْ حَكَّ الْجَبَلَ ، فَأَثَّرَ جَنْبُهَا فِيهِ وَجَبَلٌ آخَرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هذَا مِيلٌ .

شرح الحديث

السند حسن.

قوله: (مهلك قوم صالح) بفتح الميم؛ أي سبب هلاكهم، ليطابق الجواب السؤال، فتدبّر.

في الصحاح: «هلك الشيء يهلك هلاكا وهلوكا ومهلكا ومَهْلُكا وتهلكة، والاسم الهُلك بالضمّ»(1).

وقوله: (سئمتكم).

في القاموس: «سئم الشيء ومنه _ كقرح _ سئما وساما وسأمة وسَآمة: ملّ فهو سؤوم، وأسأمته»(2).

ص: 14


1- الصحاح، ج 4، ص 1616 (هلك)
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 127 (سأم)

وقوله: (فاتّعدوا).

في القاموس: «تواعدوا واتّعدوا، والأولى في الخير، والثانية في الشرّ»(1).

وقوله: (فخرجوا بأصنامهم إلى ظهرهم).

في بعض النسخ: «على ظهورهم». والباء للتعدية، ولعلّ المراد بظهرهم ظهر بلدهم.

في القاموس: الظهر: خلاف البطن، وطريق البرّ، وما غلظ من الأرض وارتفع، الجمع: أظهر وظهور وظهران(2).

وقوله: (فقال لكبيرهم: ما اسمُ هذا).

الظاهر أنّه قال لكبير القوم ورئيسهم مشيرا إلى بعض الأصنام: ما اسم هذا الصنم.

وقيل: المراد بالكبير كبير الأصنام، وإرجاع ضمير ذوي العقول إليها بناءً على زعمهم، وفيه تكلّف على أنّ كون اللّام صلة للقول مانع من إرادة هذا المعنى(3).

وقوله: (تمرّغوا).

يُقال: مرغ الدابّة في التراب تمريغا، أي قلّبها، وتمرّغ: تقلّب.

وقوله: (لتفضحي) في بعض النسخ: «لتفضحني». وفي بعضها: «لفضحني». وفي بعضها: «لتفتضحني». وفي بعضها: «لتفضحنا». وفي بعضها: «لتفضحن». يُقال: فضحه _ كمنعه _ : إذا كشف مساويه فافتضح، والاسم: الفضيحة.

وقوله: (دعوه).

الضمير للصالح.

وقوله: (فانتدب له).

ندبه لأمرٍ فانتدب له؛ أي دعاه فأجابه سريعا.

وقوله: (شقراء وبرآء وعشرآء).

ص: 15


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 346 (وعد)
2- القاموس المحيط، ج 2، ص 82 (ظهر)
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 78

قال الجوهري: الشقرة لون الأشقر، وهي في الإنسان حمرة صافية وبشرته مائلة إلى البياض. وفي الخيل يحمّر معها العرف والذنب.

وفي البعير شدّة الحمرة(1). وقال: «وبر البعير فهو وِبَر، إذا كان كثير الوبر»(2).

وقال الفيروزآبادي: «الوبر _ محرّكة _ : صوف الإبل والأرنب ونحوها، وهو وَبِرٌ، وهي وَبِرَة وبراء»(3).

وقال: العشراء من النوق: التي لحملها عشرة أشهر، أو ثمانية، أو هي كالنفساء من النساء، الجمع: عشراوات وعشار(4).

وفي النهاية:

العُشراء _ بالضمّ وفتح الشين والمدّ _ : التي أتى على حملها عشرة أشهر، ثمّ اتّسع فيه، فقيل: لكلّ حامل عشراء، وأكثر ما يطلق على الإبل والخيل(5).

(بين جنبيها ميل) أي يكون عرضها مقدار ميل، وهو ثُلث فرسخ.

(ويهون على ربّي).

الظاهر أنّ «يهون» على صيغة المجرّد، و«على» حرف جرّ. ويحتمل أن يكون من التهوين، و«عليَّ» بتشديد الياء. في الصحاح: «الهَوْن، مصدر هانَ عليه الشيء، أي خفّ. وهوّنه اللّه عليه، أي سهّله وخفّفه»(6).

وقوله: (فانصدع الجبل) إلى قوله: (المخاض).

الصدع: الشقّ. والانصداع: الانشقاق. والمَخاض _ بالفتح _ : وجع الولادة.

(ثمّ لم يفجأهم) أي لم يظهر لهم فجأة شيء؛ يُقال: فجأه _ كمنعه وسمعه _ : إذا هجم عليه.

وقوله: (طلع) أي ظهر وخرج.

ص: 16


1- الصحاح، ج 2، ص 701 (شقر) مع اختلاف يسير و تلخيص
2- الصحاح، ج 2، ص 842 (وبر)
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 151 (وبر)
4- القاموس المحيط، ج 2، ص 90 (عشر)
5- النهاية، ج 3، ص 240 (عشر)
6- الصحاح، ج 6، ص 2218 (هون)

وقوله: (فما استمّت رقبتها).

أتمّه وتمّمه واستتمّه بمعنى.

ورقبتها _ بالرفع، أو بالنصب _ أي فما اُكملت رقبتها الخروج، أو فما اُكملت تلك الناقة إخراج رقبتها من ذلك بالصدع، ولم تخرجها بتمامها.

(حتّى اجترّت).

قال الجزري: «الجرّة: ما يخرجه البعير من بطنه ليمضغه ثمّ يبتلعه. يُقال: اجترّ البعير يجترّ»(1).

وقوله: (فصيلها).

في الصحاح: «الفصيل: ولد الناقة إذا فصل عن اُمّه. والجمع: فُصلان، وفصال»(2).

والباء في قوله: (فرمت به) للتعدية؛ أي ألقت تلك الناقة فصيلها وطرحته.

(فدبّ حولها) أي فمشى ذلك الفصيل حول الناقة؛ يُقال: دبّ الصبيّ، أو الشيخ، أي مشى مشيا رويدا.

و قوله: (إلي الجميع).

في الصحاح: «الجميع: ضدّ المتفرّق. والجميع: الجيش. والجميع: الحيّ المجتمع»(3).

وقوله: (جنبها) مبتدأ، و(قد حكّ الجبل) خبره. وكون الأوّل مفعول «رأيت»، والثاني حالاً عنه، أو كونهما مفعولين له بعيد.

وقوله: (وجبل آخر بينه وبين هذا ميل).

حاصله أنّه رأى جبلين بينهما قدر ميل بقدر عرض تلك الناقة، وكان في كلّ من الجبلين أثر جنبها.

متن الحديث الرابع عشر و المأتين

اشارة

عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْعَبَّاسِ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ :

ص: 17


1- النهاية، ج 1، ص 259 (جرر)
2- الصحاح، ج 5، ص 1791 (فصل)
3- الصحاح، ج 3، ص 1200 (جمع)

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : «كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ * فَقالُوا أَ بَشَرا مِنّا واحِدا نَتَّبِعُهُ إِنّا إِذا لَفِى ضَلالٍ وَسُعُرٍ * أَ أُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذّابٌ أَشِرٌ» (1). ؟

قَالَ : «هذَا كَانَ بِمَا (2) كَذَّبُوا (3). صَالِحا ، وَمَا أَهْلَكَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ قَوْما قَطُّ حَتّى يَبْعَثَ إِلَيْهِمْ قَبْلَ ذلِكَ الرُّسُلَ ، فَيَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ ، فَبَعَثَ اللّهُ إِلَيْهِمْ صَالِحا ، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللّهِ ، فَلَمْ يُجِيبُوهُ (4). وَعَتَوْا عَلَيْهِ ، (5). وَقَالُوا : لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى تُخْرِجَ لَنَا مِنْ هذِهِ الصَّخْرَةِ نَاقَةً عُشَرَاءَ ، وَكَانَتِ الصَّخْرَةُ يُعَظِّمُونَهَا وَيَعْبُدُونَهَا ، وَيُذَبِّحُونَ عِنْدَهَا فِي رَأْسِ كُلِّ سَنَةٍ ، وَيَجْتَمِعُونَ عِنْدَهَا ، فَقَالُوا لَهُ : إِنْ كُنْتَ كَمَا تَزْعُمُ نَبِيّا رَسُولًا ، فَادْعُ لَنَا إِلهَكَ حَتّى يُخْرِجَ (6). لَنَا مِنْ هذِهِ الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ نَاقَةً عُشَرَاءَ ، فَأَخْرَجَهَا اللّهُ كَمَا طَلَبُوا مِنْهُ .

ثُمَّ أَوْحَى اللّهُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ إِلَيْهِ أَنْ يَا صَالِحُ ، قُلْ لَهُمْ : إِنَّ اللّهَ قَدْ جَعَلَ لِهذِهِ النَّاقَةِ مِنَ الْمَاءِ (7) شِرْبَ يَوْمٍ ، وَلَكُمْ شِرْبَ يَوْمٍ ، فَكَانَتِ (8). النَّاقَةُ إِذَا كَانَ يَوْمُ شِرْبِهَا شَرِبَتِ الْمَاءَ ذلِكَ الْيَوْمَ ، فَيَحْلُبُونَهَا ، فَلَا يَبْقى صَغِيرٌ وَلَا كَبِيرٌ إِلَا شَرِبَ مِنْ لَبَنِهَا يَوْمَهُمْ ذلِكَ ، فَإِذَا كَانَ اللَّيْلُ وَأَصْبَحُوا غَدَوْا إِلى مَائِهِمْ ، فَشَرِبُوا مِنْهُ ذلِكَ الْيَوْمَ ، وَلَمْ تَشْرَبِ النَّاقَةُ ذلِكَ الْيَوْمَ ، فَمَكَثُوا بِذلِكَ مَا شَاءَ اللّهُ .

ثُمَّ إِنَّهُمْ عَتَوْا عَلَى اللّهِ ، وَمَشى بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ ، وَقَالُوا : اعْقِرُوا هذِهِ النَّاقَةَ وَاسْتَرِيحُوا مِنْهَا ، لَا نَرْضى أَنْ يَكُونَ لَنَا شِرْبُ يَوْمٍ ، وَلَهَا شِرْبُ يَوْمٍ .

ثُمَّ قَالُوا : مَنِ الَّذِي يَلِي قَتْلَهَا ، وَنَجْعَلَ لَهُ جُعْلًا مَا أَحَبَّ؟ فَجَاءَهُمْ (9) رَجُلٌ أَحْمَرُ أَشْقَرُ أَزْرَقُ وَلَدُ زِنًى لَا يُعْرَفُ لَهُ أَبٌ ، يُقَالُ لَهُ : قُدَارٌ ، شَقِيٌّ مِنَ الْأَشْقِيَاءِ مَشْؤُومٌ عَلَيْهِمْ ، فَجَعَلُوا لَهُ جُعْلًا ، فَلَمَّا تَوَجَّهَتِ النَّاقَةُ إِلَى الْمَاءِ الَّذِي كَانَتْ تَرِدُهُ ، تَرَكَهَا حَتّى شَرِبَتِ الْمَاءَ ، وَأَقْبَلَتْ رَاجِعَةً ، فَقَعَدَ لَهَا فِي طَرِيقِهَا ، فَضَرَبَهَا بِالسَّيْفِ ضَرْبَةً ، فَلَمْ تَعْمَلْ شَيْئا ، فَضَرَبَهَا ضَرْبَةً أُخْرى ، فَقَتَلَهَا وَخَرَّتْ إِلَى الْأَرْضِ عَلى جَنْبِهَا ، وَهَرَبَ فَصِيلُهَا حَتّى صَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ ، فَرَغى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إِلَى السَّمَاءِ ، وَأَقْبَلَ قَوْمُ

ص: 18


1- . القمر (54): 23 _ 25
2- . في بعض النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة والوافي: «فيما»
3- . في الطبعة القديمة: + «به»
4- . في كلتا الطبعتين وبعض نسخ الكافي: «فلم يجيبوا»
5- . في أكثر النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة: + «عتوّا»
6- . في بعض نسخ الكافي والطبعة القديمة: «تخرج»
7- . في بعض نسخ الكافي وشرح المازندراني والبحار: - «من الماء»
8- . في الطبعة القديمة: «وكانت»
9- . في النسخة: «فجاء»

صَالِحٍ ، فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْهُمْ (1) إِلَا شَرِكَهُ فِي ضَرْبَتِهِ ، وَاقْتَسَمُوا لَحْمَهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ صَغِيرٌ وَلَا كَبِيرٌ إِلَا أَكَلَ مِنْهَا .

فَلَمَّا رَأى ذلِكَ [صَالِحٌ] أَقْبَلَ إِلَيْهِمْ ، فَقَالَ : يَا قَوْمِ ، مَا دَعَاكُمْ إِلى مَا صَنَعْتُمْ؟ أَ عَصَيْتُمْ رَبَّكُمْ؟

فَأَوْحَى اللّهُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ إِلى صَالِحٍ عليه السلام أَنَّ قَوْمَكَ قَدْ طَغَوْا وَبَغَوْا ، وَقَتَلُوا نَاقَةً بَعَثْتُهَا إِلَيْهِمْ حُجَّةً عَلَيْهِمْ ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ فِيهَا ضَرَرٌ ، وَكَانَ لَهُمْ مِنْهَا أَعْظَمُ الْمَنْفَعَةِ ، فَقُلْ لَهُمْ : إِنِّي مُرْسِلٌ عَلَيْكُمْ عَذَابِي إِلى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، فَإِنْ هُمْ تَابُوا وَرَجَعُوا ، قَبِلْتُ تَوْبَتَهُمْ ، وَصَدَدْتُ عَنْهُمْ ، وَإِنْ هُمْ لَمْ يَتُوبُوا وَلَمْ يَرْجِعُوا ، بَعَثْتُ عَلَيْهِمْ عَذَابِي فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ .

فَأَتَاهُمْ صَالِحٌ عليه السلام ، فَقَالَ لَهُمْ : يَا قَوْمِ ، إِنِّي رَسُولُ رَبِّكُمْ إِلَيْكُمْ وَهُوَ يَقُولُ لَكُمْ : إِنْ أَنْتُمْ تُبْتُمْ وَرَجَعْتُمْ وَاسْتَغْفَرْتُمْ ، غَفَرْتُ لَكُمْ وَتُبْتُ عَلَيْكُمْ ، فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ ذلِكَ كَانُوا أَعْتى مَا كَانُوا وَأَخْبَثَ ، وَقَالُوا : يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ .

قَالَ : يَا قَوْمِ ، إِنَّكُمْ تُصْبِحُونَ غَدا وَوُجُوهُكُمْ مُصْفَرَّةٌ ، وَالْيَوْمَ الثَّانِيَ وُجُوهُكُمْ مُحْمَرَّةٌ ، وَالْيَوْمَ الثَّالِثَ وُجُوهُكُمْ مُسْوَدَّةٌ .

فَلَمَّا أَنْ كَانَ أَوَّلُ يَوْمٍ، أَصْبَحُوا وَوُجُوهُهُمْ مُصْفَرَّةٌ، فَمَشى بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ، وَقَالُوا : قَدْ جَاءَكُمْ مَا قَالَ لَكُمْ صَالِحٌ ، فَقَالَ الْعُتَاةُ [مِنْهُمْ] : لَا نَسْمَعُ قَوْلَ صَالِحٍ ، وَلَا نَقْبَلُ قَوْلَهُ وَإِنْ كَانَ عَظِيما .

فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّانِي ، أَصْبَحَتْ وُجُوهُهُمْ مُحْمَرَّةً ، فَمَشى بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ ، فَقَالُوا : يَا قَوْمِ ، قَدْ جَاءَكُمْ مَا قَالَ لَكُمْ صَالِحٌ ، فَقَالَ الْعُتَاةُ مِنْهُمْ : لَوْ أُهْلِكْنَا جَمِيعا مَا سَمِعْنَا قَوْلَ صَالِحٍ ، وَلَا تَرَكْنَا آلِهَتَنَا الَّتِي كَانَ آبَاؤُنَا يَعْبُدُونَهَا ، وَلَمْ يَتُوبُوا وَلَمْ يَرْجِعُوا .

فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ ، أَصْبَحُوا وَ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ ، فَمَشَى بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ وَقَالُوا (2) : يَا قَوْمِ ، أَتَاكُمْ مَا قَالَ لَكُمْ صَالِحٌ ، فَقَالَ الْعُتَاةُ [مِنْهُمْ] : قَدْ أَتَانَا مَا قَالَ لَنَا صَالِحٌ .

فَلَمَّا كَانَ نِصْفُ اللَّيْلِ ، أَتَاهُمْ جَبْرَئِيلُ عليه السلام ، فَصَرَخَ بِهِمْ صَرْخَةً خَرَقَتْ تِلْكَ الصَّرْخَةُ أَسْمَاعَهُمْ ، وَفَلَقَتْ قُلُوبَهُمْ ، وَصَدَعَتْ أَكْبَادَهُمْ ، وَقَدْ كَانُوا فِي تِلْكَ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ (3) قَدْ تَحَنَّطُوا وَتَكَفَّنُوا ، وَعَلِمُوا

ص: 19


1- . في بعض نسخ الكافي: - «منهم»
2- . في النسخة وأكثر النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة والبحار: «فقالوا»
3- . في أكثر نسخ الكافي والبحار: «أيّام»

أَنَّ الْعَذَابَ نَازِلٌ بِهِمْ ، فَمَاتُوا أَجْمَعِينَ (1) فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ : صَغِيرُهُمْ وَكَبِيرُهُمْ ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ نَاعِقَةٌ وَلَا رَاغِيَةٌ وَلَا شَيْءٌ إِلَا أَهْلَكَهُ اللّهُ ، فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ وَمَضَاجِعِهِمْ مَوْتى أَجْمَعِينَ ، ثُمَّ أَرْسَلَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مَعَ الصَّيْحَةِ النَّارَ مِنَ السَّمَاءِ ، فَأَحْرَقَتْهُمْ أَجْمَعِينَ ؛ وَكَانَتْ هذِهِ قِصَّتَهُمْ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: «كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ» (2) .

قال البيضاوي: «بالإنذارات والمواعظ والرسل»(3). وأقول: كأنّه جعل النذر جمع النذير، كرغف جمع رغيف.

وفي القاموس:

نذر بالشيء _ كفرح _ : عَلِمَه فحذّره. وأنذره بالأمر إنذارا ونذيرا: أعلمه، وحذّره، وخوّفه في إبلاغه. والاسم النذر بضمّتين، ومنه: «فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ» (4). (5).

وفي الصحاح: «ثمود: قبيلة من العرب الاُولى، وهم قوم صالح عليه السلام ، يصرف ولا يصرف»(6).

«فَقَالُوا أَبَشَرا مِنَّا» أي من جنسنا وجملتنا، لا فضلَ له علينا، وانتصابه بفعل يفسّره ما بعده.

«وَاحِدا» : منفردا لا تبع له، أو من آحادهم دون أشرافهم. وقيل: الاستفهام للإنكار والتوبيخ(7).

«نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ» (8).

قال البيضاوي: «كأنّهم عكسوا عليه، فرتّبوا على اتّباعهم إيّاه ما رتّبه على ترك اتّباعهم له»(9).

وقيل: السعر: الجنون، ومنه ناقةٌ مسعورة(10).

ص: 20


1- . في الطبعة القديمة والوافي: «أجمعون»
2- . القمر (54): 23
3- تفسير البيضاوي، ج 5، ص 267
4- . القمر (54): 16
5- القاموس المحيط، ج 2، ص 140 (نذر) مع التلخيص
6- الصحاح، ج 2، ص 451 (ثمد)
7- ذهب إليه الزمخشري في الكشّاف، ج 4، ص 39؛ والسمعاني في تفسيره، ج 5، ص 313؛ والبيضاوي في تفسيره، ج 5، ص 267
8- القمر (54): 24
9- تفسير البيضاوي، ج 5، ص 267
10- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 80

«أَؤُلْقِىَ الذِّكْرُ» الكتاب والوحي «عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا» وفينا من هو أحقّ بذلك.

وقيل: كأنّهم ظنّوا أنّ البشريّة مانعة للرسالة، وإلّا لجاز اتّصاف كلّ أحد بها، ولم يعلموا أنّها متوقّفة على صفات لا توجد في كلّ أحد(1). «بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ» (2).

الأشر _ محرّكة _ : البطر، والكبر، والحيرة. أَشِرَ _ كفرح _ فهو أشر ككتف؛ يعني حَملَه بطره على الترفّع علينا بادّعائه الرسالة ومبالغته في الكذب.

(وعتوا عليه عتوّا)(3).

يُقال: عتا عتوّا وعتيّا، أي استكبر، وجاوز الحدّ، فهو عات.

وقوله: (الصمّاء) أي الصلبة المصمّمة.

وقوله: (شرب يوم الشرب) بالكسر: الحظّ، والنصيب من الماء.

قيل: إذا كان يوم شربها ما ترفع رأسها من البئر حتّى تشرب كلّ ماء فيها(4).

وقوله: (اعقروا هذه الناقة).

العقر: الجرح، وفعله كضرب، والمراد هنا النحر.

نقل البيضاوي أنّها كانت تصيف بظهر الوادي، فتهرب منها أنعامهم إلى بطنه، وتشتدّ ببطنه، فتهرب مواشيهم إلى ظهره، فشقَّ ذلك عليهم ودعاهم إلى عقرها(5).

فقوله: (لا نرضى أن يكون لنا شرب يوم) علّة وداعية اُخرى لعقرها.

وقوله: (جُعْلًا).

قال الجزري: الجعل: الاسم بالضمّ، والمصدر بالفتح. يُقال: جعلت لك كذا جَعْلاً وجُعلاً، وهو الاُجرة على الشيء قولاً وفعلاً(6).

وقوله: (أشقر).

ص: 21


1- قاله المحقّق المازندارني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 246
2- القمر (54): 25
3- في المتن الذي ضبطه المصنّف رحمه الله سابقا: - «عتوّا»
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 246
5- تفسير البيضاوي، ج 3، ص 267
6- النهاية، ج 1، ص 277 (جعل)

قال الجوهري: الشقرة: لون الأشقر، وهي في الإنسان حمرة صافية، وبشرته مائلة إلى البياض. وفي الخيل يحمّر منها العرف والذنب. وفي البعير شدّة الحمرة(1).

وقوله: (أزرق).

يعني أزرق العين.

وقوله: (لا يعرف له أب).

في القاموس: «قُدار: كهما بن سالف عاقر الناقة»(2). ومثله قال بعض المفسّرين(3).

وقيل: إنّما كان ينسب إلى سالف؛ لأنّه ولد على فراشه(4).

وقوله: (مشؤمٌ عليهم).

أي يعدّونه بينهم شؤما، أو يرى شأمته إليهم حيث عقر الناقة، وصار ذلك سببا لاستئصالهم.

في القاموس: الشؤم _ بالهمزة _ : ضدّ اليُمن. وشؤم عليهم _ ككرم، وعُتيَ _ : صار شؤما عليهم ورجلٌ مشؤم ومشوم(5).

وقوله: (فرغى).

في القاموس: «رغا البعير والضبع والنعام رُغاءً _ بالضمّ _ : صوّتت، فضجّت»(6).

وقال بعض المفسّرين: لأنّ فصيلها كان شبيها بها في العظم، فلمّا عقروا اُمّها رقى جبلاً اسمها قارة فرغى ثلاثا، فقال صالح: أدركوا الفصيل، عسى أن يرفع عنكم العذاب، فلم يقدروا عليه فإذا انفجرت الصخرة بعد رغائه فدخلها(7).

وقوله: (صددت عنهم) أي صرفت عنهم العذاب؛ يُقال: صدَّه عن الأمر _ كمدّه _ صدّا، أي

ص: 22


1- الصحاح، ج 2، ص 701 (شقر) مع الاختلاف و التلخيص
2- القاموس المحيط، ج 2، ص 114 (قدر) مع التلخيص
3- اُنظر: تفسير البيضاوي، ج 5، ص 497
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 81
5- القاموس الميحط، ج 4، ص 134 (شأم)
6- القاموس المحيط، ج 4، ص 335 (رغا)
7- قاله البيضاوي في تفسيره، ج 3، ص 37 (مع اختلاف في اللفظ)

منعه، وصرفه عنه.

وقوله: (فصرخ بهم) إلى قوله: (في طرفة عين).

الصرخة: الصيحة الشديدة.

والخرق: المزق، والشقّ.

والإسماع: جمع السمع. والفلق: الشقّ. والصدع: الشقّ في شيء صلب.

والأكباد: جمع الكبد، بالفتح والكسرككتف.

والحنوط _ بالفتح _ : كلّ طيب يحنّط للميّت. والتحنّط: استعماله.

وطرف بصره، أي أطبق أحد جفنيه على الآخر، والمرّة منه طَرفة بالفتح.

وقوله: (فلم يبق لهم ناعقة ولا راغية).

هذا الكلام يجري مجرى الأمثال، ضربٌ للمبالغة في إحاطة الهلاك وشمول العذاب بحيث لا يبقى أحد. قال الجوهري:

النعيق: صوت الراعي لغنمه. ينعق بالكسر نعيقا ونعاقا، أي صاح بها، وزجرها. وحكى ابن كيسان نعق الغراب أيضا بعين غير معجمة؛ أي صاح، انتهى.

والراعية: الماشية.

وفي بعض النسخ: «فلم يبق منهم ثاغية ولا راغية». قال الجوهري:

الثغاء: صوت الشاة والمعز وما شاكلها. والثاغية: الشاة. وقد ثغت تثغو ثغاية، أي صاحت، يُقال: ما له ثاغية ولا راغية. فالثاغية: الشاة. والراغية: البعير، وما بالدار ثاغ ولا راغ، أي أحد، انتهى(1).

متن الحديث الخامس عشر والمائتين

اشارة

متن الحديث الخامس عشر والمائتين8813.

حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكِنْدِيِّ ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، قَالَ : حَدَّثَنِي فَرْوَةُ :عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : ذَاكَرْتُهُ شَيْئا مِنْ أَمْرِهِمَا ، فَقَالَ : «ضَرَبُوكُمْ عَلى دَمِ عُثْمَانَ ثَمَانِينَ سَنَةً وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ كَانَ ظَالِما ، فَكَيْفَ يَا فَرْوَةُ إِذَا ذَكَرْتُمْ صَنَمَيْهِمْ؟» .

ص: 23


1- الصحاح، ج 6، ص 2293 (ثغو)

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (شيئا من أمرهما) أي أمر العمرين، وظلمهما على أهل البيت عليهم السلام .

(فقال: ضربوكم على دم عثمان).

يحتمل كونه من الضرب. أو التضريب. قال الفيروزآبادي: «ضرب على يديه: أمسك. والشيء: خلط. كضربه وضاربه، فضربه كنصره عليه في الضرب»(1).

وفي بعض النسخ: «على قتل عثمان».

(ثمانين سنة)؛ هي مدّة ملك بني اُميّة تقريبا.

وهذه الكلام صدر منه عليه السلام في أواسط عمره؛ لأنّه عليه السلام ولد في سبع و خمسين، وقبض سنة أربع عشر ومائه، وله سبع وخمسون سنة.

وقوله: (صنميهم) أي معبوديهم وشيخيهم اللذين يطيعونهما و يوّقرونهما، كعبدة الأصنام، فتعصّبهم لهما أشدّ من تعصّبهم لعثمان.

والغرض من هذا الحديث الحثّ والترغيب على التقيّة.

متن الحديث السادس عشر والمائتين

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُسْكَانَ ، عَنْ سَدِيرٍ ، قَالَ :

كُنَّا عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَذَكَرْنَا مَا أَحْدَثَ النَّاسُ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ صلى الله عليه و آله ، وَاسْتِذْلَالَهُمْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَقَالَ (2). رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ (3). : أَصْلَحَكَ اللّهُ ، فَأَيْنَ كَانَ عِزُّ بَنِي هَاشِمٍ وَمَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْعَدَدِ؟ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «وَمَنْ (4). كَانَ بَقِيَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ؟ إِنَّمَا كَانَ جَعْفَرٌ وَ حَمْزَةُ ، فَمَضَيَا ، وَبَقِيَ مَعَهُ رَجُلَانِ ضَعِيفَانِ ذَلِيلَانِ ، حَدِيثَا عَهْدٍ بِالْاءِسْلَامِ : عَبَّاسٌ وَعَقِيلٌ ، وَكَانَا مِنَ الطُّلَقَاءِ ، أَمَا وَاللّهِ لَوْ أَنَّ حَمْزَةَ وَجَعْفَرا كَانَا بِحَضْرَتِهِمَا [مَا وَصَلَا إِلى] مَا وَصَلَا إِلَيْهِ ، وَلَوْ كَانَا شَاهِدَيْهِمَا لَأَتْلَفَا نَفْسَيْهِمَا» (5).

ص: 24


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 96 (ضرب) مع التلخيص
2- . في بعض نسخ الكافي: + «له»
3- . في بعض نسخ الكافي: - «من القوم»
4- . في بعض نسخ الكافي: «من» بدون الواو
5- في بعض نسخ الكافي والوافي: «أنفسهما»

شرح الحديث

السند حسن.

قوله: (من العدد) بفتح العين، أو بضمّها جمع عدّة بالضمّ.

قال الجوهري:

عددت الشيء عدّا: أحصيته، والاسم: العدد. والعُدّة _ بالضمّ _ : الاستعداد، ويُقال: كونوا على عُدّة. والعُدّة أيضا: ما أعددته لحوادث الدهر من المال والسلاح(1).

وقوله: (وكانا من الطلقاء) بضمّ الأوّل وفتح الثاني، جمع طليق، كأمير، وهو الأسير اُطلق عنه أساره، فعيل بمعنى مفعول، وكان النبيّ صلى الله عليه و آله أسرهما في غزاة بدر، وأخذ منهما الفداء وأطلقهما ولم يسترقهما.

وقوله: (بحضرتهما) أي حاضرين عند العمر بن حصين، أرادا ما أرادا. وحضرة الرجل _ بالفتح _ : قربه وفِناءه. قاله الجوهري(2).

وفي القاموس: «كان بحضرته _ مثلّثة _ وحضرته _ محرّكة ومحضره بمعنى»(3).

وقوله: (ما وصلا إلى ما وصلا إليه) أي لم يتمكّنا من الوصول إلى ما وصلا إليه من غصب الخلافة وإجراء الظلم والجور على أهل بيت العصمة عليهم السلام وشيعتهم.

وقوله: (لأتلفا نفسيهما).

المناسب للسياق إرجاع الضمير في «نفسيهما» إلى العمرين، لا إلى حمزة وجعفر، أي لقتلاهما.

وفي بعض النسخ: «نفسهما».

متن الحديث السابع عشر والمائتين

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ :

ص: 25


1- الصحاح، ج 2، ص 505 (عدد) مع التلخيص
2- الصحاح، ج 2، ص 632 (حضر)
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 10 (حضر)

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «مَنِ اشْتَكَى الْوَاهِيَةَ ، (1). أَوْ كَانَ بِهِ صُدَاعٌ أَوْ غَمَرَهُ (2). بَوْلِهِ ، (3). فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلى ذلِكَ الْمَوْضِعِ ، وَلْيَقُلْ : اسْكُنْ سَكَّنْتُكَ بِالَّذِي سَكَنَ لَهُ مَا فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» .

شرح الحديث

السند ضعيف إن كان «إسماعيل بن مسلم» هو السكوني، وإلّا فمجهول.

قوله: (اشكتى الواهية)(4).

يُقال: شكوت فلانا: إذا أخبرت عنه بسوء فعله بك. واشكتى فلان عضوا من أعضائه. وقيل: «الواهية _ بالياء المثنّاة التحتانيّة _ : الجراحة، والدُمل، والخراج، ونحوهما ممّا يخرج في البدن»(5). وفي القاموس: الوهى: الشقّ في الشيء، وهي كوعى وولّى، تخرّق وانشقّ واسترخى رباطه»(6).

وفي بعض النسخ: «الواهنة» بالنون. قال الفيروزآبادي:

الواهنة: ريح تأخذ في المنكبين أو في العضدين أو في الأخدعين عند الكبر، والقُصرى، وفقرة في القفا والعضد(7). وقال: «الأخدع: عرق في المحجمتين، وهو شعبة من الوريد»(8).

وقال: القيصري: أسفل الأضلاع، أو آخر ضلع في الجنب وأصل العنق»(9).

وفي بعضها: «الداهية». وكأنّ المراد بها مطلق المرض والألم. قال الجوهري: «الداهية: الأمر العظيم. ودواهي الدهر: ما يُصيب الناس من عظيم نُؤبه»(10).

(أو كان به صداع).

الهمزة ليست في بعض النسخ. والصّداع _ بالضمّ _ : وجع الرأس.

ص: 26


1- . في كلتا الطبعتين: «الواهنة»
2- في كلتا الطبعتين: «عمزة». وفي الوافي والبحار: «غمزة»
3- . في كلتا الطبعتين: «بولٍ». وفي بعض نسخ الكافي: «تؤلمه»
4- في كلتا الطبعتين: «الواهنة»
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 248
6- القاموس المحيط، ج 4، ص 402 (وهي)
7- القاموس المحيط، ج 4، ص 276 (وهن)
8- القاموس المحيط، ج 3، ص 17 (خدع)
9- القاموس المحيط، ج 2، ص 118 (قصر)
10- الصحاح، ج 6، ص 2344 (دهو)

(أو غمره بوله).

«غمر» على صيغة الفعل، و«بوله» فاعله.

في القاموس: «غمر الماء غمارة: كثر. وغمرة الشيء: شدّته، ومزدحمه»(1).

وفي بعض النسخ: «غمرة بوله» على الإضافة. وفي بعضها: «غمرة بول». وفي بعضها: «غمزه» بالزاء من الغمز وهو العصر. ولعلّ المراد على بعض التقادير احتباس البول، وعلى بعضها حرقة، وعلى بعضها سَلَسَهُ، فتدبّر.

(فليضع يده).

قيل: الأولى وضع اليمنى(2).

وقوله: (بالذي سكن له) أي لأمره وحكمه.

قيل: الباء للقسم متعلّق «سكن» و«سكّنتك» على التنازع. وذكر الموصول للإشعار بصلته إلى المقصود، والرغبة في حصوله. وفي ذكر هذين الوصفين له تعالى ترغيب للمخاطب بعدم ردّ مطلوبه بعد تذكيره بأنّه تعالى يسمع ويعلم ما جرى بينهما. وربما يستبعد الخطاب إلى الجوع، ودفع بأنّه _ عزّ وجلّ _ قادر على إسماعه وإفهامه، وهو على كلّ شيء قدير(3).

ثمّ اعلم أنّ هذه الفقرة إشارة إلى قوله تعالى: «وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» (4) . قال البيضاوي:

«سكن» من السّكنى، وتعديته ب «في» كما في قوله: «وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا» (5) .

والمعنى: واشتملا عليه، أو من السكون؛ أي ما سكن فيهما، أو تحرّك واكتفى بأحد الضدّين عن الآخر(6).

متن الحديث الثامن عشر والمائتين

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ (7). وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ

ص: 27


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 104 (غمر)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 248
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 248
4- . الأنعام (6): 13
5- . إبراهيم (14): 45
6- تفسير البيضاوي، ج 2، ص 395.
7- . في بعض نسخ الكافي: «أحمد بن محمّد، عن ابن أبي نصر «بدل» أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر»

بْنِ فَضَّالٍ ، عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «الْحَزْمُ فِي الْقَلْبِ ، وَالرَّحْمَةُ وَالْغِلْظَةُ فِي الْكَبِدِ ، وَالْحَيَاءُ فِي الرِّيَةِ» .

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ لِأَبِي جَمِيلَةَ : «الْعَقْلُ مَسْكَنُهُ فِي الْقَلْبِ» .

شرح الحديث

السند ضعيف، والحسن عطف على ابن أبي نصر.

قوله: (الحزم في القلب).

في الصحاح:

حزمت الشيء حزما: شددته. والحزم: ضبط الرجل أمره، وأخذه بالثقة. وقد حَزُمَ الرجل _ بالضمّ _ حزامة، فهو حازم(1).

ولعلّ نسبة الحزم إلى القلب لأنّ المراد به الجسم الصنوبري الثابت في داخل الصدر، ولقوّته مدخل في حسن التدبير، أو لأنّ المراد به النفس، والتعبير به عنهما شايع باعتبار شدّة تعلّقها به.

(والرحمة، والغلظة في الكبد).

في القاموس: «الكبد _ بالفتح والكسر، وككتف _ معروف، وقد يذكّر»(2).

وفيه: «الغلظة _ مثلّثة _ والغِلاظة بالكسر، وكعِنَب: ضدّ الرقّة»(3).

وفيه: «الرحمة _ وتحرّك _ : الرقّة، والمغفرة، والتعطّف»(4).

ولعلّ نسبتهما إلى الكبد لأنّهما يتكوّنان من الأخلاط المتولّدة فيه، كما قيل(5).

ويحتمل أن يكون لبعض خواصّه مدخلاً في حصولهما.

(والحياء في الرية).

الحياء _ بالمدّ _ : الخجل، والانقباض، وعرّفوه بأنّه حالة للنفس مانعة من القبائح خوفا من اللؤم.

والرئة _ بالهمزة _ : موضع النفس والريح من الحيوان. قال الجوهري في

ص: 28


1- الصحاح، ج 5، ص 1898 (حزم)
2- القاموس المحيط، ج 1، ص 331 (كبد)
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 397 (غلظ)
4- القاموس المحيط، ج 4، ص 117 (رحم)
5- ذهب إليه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 85

الناقص المهموز العين: «بالرئة: السّحر، مهموزة، وتُجمع على رئين، والهاء عوض من الياء» انتهى(1).

وقوله: (العقل مسكنة في القلب).

قال الفاضل الإسترآبادي في شرح هذا الحديث: كان المراد أن لا يفيض من المبدء حالة على الأرواح المخزونة في تلك الأعضاء، ويتسبّب ذلك فيضان تلك الاُمور على الناطقة(2).

متن الحديث التاسع عشر والمائتين

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ ، عَنْ مُوسَى بْنِ بَكْرٍ ، قَالَ :

اشْتَكى غُلَامٌ إِلى أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ، (3). فَسَأَلَ عَنْهُ ، فَقِيلَ : إِنَّ (4). بِهِ طُحَالًا .

فَقَالَ : «أَطْعِمُوهُ الْكُرَّاثَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، فَأَطْعَمُوهُ (5) إِيَّاهُ ، فَقَعَدَ الدَّمُ ، ثُمَّ بَرَأَ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

والطحال _ بالكسر، والتخفيف _ : لحمة معروفة فارسيّه «سپرز».

والكرّاث _ كرمّان وكتّان _ : بقل، يقال بالفارسيّة: «كندنا».

وقوله: (فقعد الدم ثمّ برأ).

القعود: السكون. والبراء من المرض بالضمّ والفتح، وفعله كمنع وعلم، ولعلّ طحاله كان من فساد الدم وهيجانه، فلمّا سكن برأ.

وقيل: يحتمل أن يكون المراد أنّه انفصل عنه الدم فبرأ، أو أنّهم ظنّوا أنّه الطحال فأخطأوا(6). وكلاهما بعيد.

ص: 29


1- الصحاح، ج 6، ص 2349 (رأي)
2- نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 249
3- . في بعض نسخ الكافي والوافي والوسائل: «لأبي الحسن» بدل «إلى أبي الحسن»
4- . في الطبعة القديمة: «إنّه»
5- . في الطبعة القديمة: «فأطعمناه»
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 86

متن الحديث العشرين والمائتين

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ :

سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام ، وَشَكَوْتُ إِلَيْهِ ضَعْفَ مَعِدَتِي ، فَقَالَ : «اشْرَبِ الْحَزَاءَ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ» فَفَعَلْتُ ، فَوَجَدْتُ مِنْهُ مَا أُحِبُّ .

شرح الحديث

السند مجهول.

وفي القاموس: الحزاء _ بالحاء المهملة والزاء المعجمة، يمدّ ويقصّر _ : منبت. الواحدة: حزاة، و حزاءة. وغلط الجوهري فذكره بالخاء(1).

وقال الجزري: «الحزاة: نبت بالبادية يشبه الكرفس إلّا أنّه أعرض ورقا منه، والحزاء جنس لها»(2).

وأقول: هو نبت يسمّى بزوفرا، وله نور أصفر، وأكثر ما يكون في همدان وما والاها، وأهلها يسمّونه گل «ش ماست» به، (3). ويوضع في الخلّ.

متن الحديث الواحد والعشرين والمائتين

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى، عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ، قَالَ:

سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ الْأَوَّلَ عليه السلام يَقُولُ : «مِنَ (4) الرِّيحِ الشَّابِكَةِ (5). وَالْحَامِ وَالْاءِبْرِدَةِ فِي الْمَفَاصِلِ تَأْخُذُ كَفَّ حُلْبَةٍ وَكَفَّ تِينٍ يَابِسٍ تَغْمُرُهُمَا (6). بِالْمَاءِ ، وَتَطْبُخُهُمَا فِي قِدْرٍ نَظِيفَةٍ ، ثُمَّ تُصَفِّي ، ثُمَّ تُبَرِّدُ ، ثُمَّ تَشْرَبُهُ يَوْما وَتَغِبُّ يَوْما حَتّى تَشْرَبَ مِنْهُ تَمَامَ أَيَّامِكَ قَدْرَ قَدَحٍ رَوِيٍّ» .

ص: 30


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 317 (حزي)
2- النهاية، ج 1، ص 381 (حزي)
3- . كذا في النسخة
4- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «مَن به»
5- في بعض نسخ الكافي: «الشاكية». وفي بعضها وشرح المازندراني: «الشايكة»
6- . في بعض نسخ الكافي: «تغمزها». وفي بعضها: «تغمرها»

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (الريح الشابكة) بالباء الموحّدة في النسخ التي رأيناه.

قال الجوهري: «الشبك: الخلط، والتداخل، ومنه تشبيك الأصابع»(1).

وقال في المغرب: «شبكتهم الريح، أي جعلتهم كالشبكة في تداخل الأعضاء او انقباضها» انتهى(2).

فلعلّ المراد التي تحدث في الجلد فتشبك اللّحم والجلد.

وبعض الشارحين ضبطهما بالياء المثنّاة التحتانيّة، وفسّرها بالشديدة الحديدة، وقال: «إنّها من الشوكة، وهي الشدّة والحدّة، وهو داء معروف، وحمرة تعلو الوجه والجسد» (3). انتهى.

و«الحام» كأنّه بتخفيف الميم: الدّوار، وهو بالضمّ والفتح شبه الدوران يأخذ في الرأس، من قولهم حام الطاير وغيره حول الشيء يحوم حوما: إذا دار. قال الفيروزآبادي: «الحوم: التي تدور في الرأس»(4).

ويحتمل كونه من حَمِي النهار كرضي، وحِمى التنّور، أي شدّة حرّه، والمصدر فيهما الكِمى بالكسر.

وقيل: الحامّ _ بتشديد الميم _ الحارّ، كالريح الحارّة من الحمّة وهي الحرارة»(5).

و(الإبردة) في المفاصل. قال في النهاية: «الإبردة _ بكسر الهمزة والراء _ : علّة معروفة من غلبة البرد والرطوبة يفتر عن الجماع» انتهى(6).

و(المفاصل): جمع مفصل، وهو كلّ ملتقى عظمين من الجسد.

وقوله: (حُلبة) بالضمّ: نبت نافع للصدر والسعاد والربو والبلغم والبواسير والظهر والكبد والمثانة والباه.

كذا في القاموس(7).

ونقل عن طريق العامّة: «لو يعلم الناس ما في الحُلبة لاشتروها ولو بوزنها ذهبا».

ص: 31


1- الصحاح، ج 4، ص 1593 (شبك)
2- المغرب، ص 244 (شبك)
3- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 249
4- القاموس المحيط، ج 4، ص 102 (حوم)
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 249
6- النهاية، ج 1، ص 14 (برد)
7- القاموس المحيط، ج 1، ص 58 (حلب)

واعلم أنّ المراد بالحُلبة هنا ما يسمّيه أهل الفرس: شنبليلة»(1). وأمّا الحُلبة بمعنى العرقج، أو ثمرة العضاة، فليست بمقصودة هنا.

(ثمّ تشربه يوما، وتَغبّ يوما).

قال الجوهري: الغبّ: أن ترد الإبل الماء يوما وتدعه يوما، تقول: غبّ الإبل تغبّ غبّا. قال الكسائي: أغببت القوم، وغببت عنهم أيضا: إذا جئت يوما وتركت(2).

(حتّى تشرب منه تمام أيّامك قدر قدح).

القَدح _ بالتحريك _ : الآنية تروى الرجلين، أو اسم لجميع الصغار والكبار.

وقال [الفيروزآبادي]: «مآء روي وروى وروا كغني وإلى وسماء: كثير مُروٍ» (3). ؛ أي دافع للعطش.

ولعلّ وصف القدح بالروي كناية عن تملّئه، أو عن كبره. ويحتمل أن يكون المشروب في كلّ مرّة قدحا، أو تفريق قدح على الأيّام.

وقيل: الظاهر أنّ أيّام الشرب ثلاثة؛ لأنّها أقلّ الجمع، (4). وعندي فيه تأمّل.

متن الحديث الثاني والعشرين والمائتين

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ نُوحِ بْنِ شُعَيْبٍ ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ :عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ، قَالَ : «مَنْ تَغَيَّرَ عَلَيْهِ مَاءُ الظَّهْرِ ، فَلْيَنْفَعْ لَهُ اللَّبَنُ الْحَلِيبُ وَالْعَسَلُ» .

شرح الحديث

السند مجهول. وقيل: ضعيف(5).

قوله عليه السلام : (من تغيّر عليه ماء الظهر).

أنّ المراد بماء الظهر المني، كما هو المتعارف عند الأطبّاء، وبتغييره قلّته، وضعفه

ص: 32


1- اُنظر: لسان العرب، ج 1، ص 333 (حلب)
2- الصحاح، ج 1، ص 190 (غبب)
3- . القاموس المحيط، ج 4، ص 337 (روي)
4- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 250
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 95

الموجب لقلّة الباه.

وقيل: أي ينقطع الولد من مائه(1).

(فلينفع له اللبن الحليب والعسل).

الضمير المجرور في الموضعين عائد إلى الموصول. ويحتمل عود الثاني إلى ماء الظهر.

قال الفيروزآبادي:

الحلب _ ويحرّك _ : استخراج ما في الضرع من اللّبن. والحليب: اللّبن المحلوب، أو الحليب: ما لم يتغيّر طعمه(2).

أقول: لعلّ المراد بالحليب هنا المعنى الثاني، أو يكون وصف اللبن به احتراز من المصنوع؛ إذ قد يطلق اللبن على المصنوع منه أيضا.

وقوله عليه السلام : «لينفع» بالفاء في النسخ التي رأيناه. ويحتمل كون اللام للتأكيد، وكونه لام الأمر.

وقرأ بعض الأفاضل: «لينقع» بالقاف، وقال: الإنقاع: الجمع، والخلط، وكلّ ما اُلقي في ماء فقد أنقع. والنقوع _ بالفتح _ : ما ينقع في الماء ليلاً ليشرب نهارا من غير طبخ وبالعكس، انتهى(3).

ويحتمل على هذه النسخة كونه من النقع. يُقال: دواء ناقع ونقع، أي نافع ومؤثّر.

متن الحديث الثالث والعشرين والمائتين

اشارة

الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ ، (4). عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ ، عَنْ حُمْرَانَ ، قَالَ :

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «فِيمَ يَخْتَلِفُ النَّاسُ؟» .

قُلْتُ : يَزْعُمُونَ أَنَّ الْحِجَامَةَ فِي يَوْمِ الثَّلَاثَاءِ أَصْلَحُ .

قَالَ : فَقَالَ لِي (5) : «وَإِلى مَا يَذْهَبُونَ فِي ذلِكَ؟» .

ص: 33


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 95
2- القاموس المحيط، ج 1، ص 57 (حلب)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 250
4- في كثير من نسخ الكافي: «عليّ بن محمّد». والظاهر أنّه سهو؛ لكثرة روايات الحسين بن محمّد عن معلّى بن محمّد من جهة، وكثرة روايات هذا المعلّى عن محمّد بن جمهور من جهة اُخرى. اُنظر: معجم رجال الحديث، ج 6، ص 343 _ 348
5- . في أكثر نسخ الكافي: - «لي»

قُلْتُ : يَزْعُمُونَ أَنَّهُ يَوْمُ الدَّمِ .

قَالَ : فَقَالَ : «صَدَقُوا ، فَأَحْرى أَنْ لَا يُهَيِّجُوهُ فِي يَوْمِهِ ، أَمَا عَلِمُوا أَنَّ فِي يَوْمِ الثَّلَاثَاءِ سَاعَةً مَنْ وَافَقَهَا لَمْ يَرْقَ دَمُهُ حَتّى يَمُوتَ ، أَوْ مَا شَاءَ اللّهُ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله عليه السلام : (فيمَ يختلف الناس).

الاختلاف: ضدّ الاتّفاق. والاختلاف أيضا: التردّد. يُقال: اختلف: إذا جاء وذهب.

ولعلّه على الثاني عبارة عن التعارف والشيوع، وكثرة الأخذ والاستعمال.

والظاهر أنّ المراد بالناس المخالفون.

وقوله: (قلت: يزعمون أنّ الحجامة يوم الثلاثاء أصلح) جواب عن بعض موارد الاختلاف.

والزعم _ مثلّثة _ : القول، والدعوى حقّا كان أو باطلاً، وفعله كنصر.

وقال الجوهري:

الحجم: فعل الحاجم. وقد [حجمه] يحجمه فهو محجوم، والاسم: الحجامة. والمحجم والمحجمة قاروته، وقد احتجمت من الدم، ابن السكيت. يُقال: ما حجم الصبي ثَدي اُمّه، أي ما مصّه(1).

قال: (فقال: وإلى ما يذهبون في ذلك؟) أي إلى أيّ شيء يستندون في هذا الزعم؟

قلت: (يزعمون أنّه يوم الدم).

روى الصدوق بإسناده عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: «يوم الثلاثاء يوم حرب ودم»(2).

قال بعض الفضلاء: «يمكن حمله على أنّ المراد يوم غليان ودم»(3). فعلى هذا قوله عليه السلام : (فأحرى) _ أي أجدر وأليق، (أن لا يهيّجوه)، يُقال: يهيّجه تهييجا، أي أثاره في يومه _ معناه: أنّ الدم إذا غلى في ذلك اليوم، واختلطه فاسده الذي ينتفع بإخراجه، بغير فاسده الذي يضرّ إخراجه فينبغي أن لا يهيّجوه ولا يخرجوه من موضعه، ونظيره ما قال الأطبّاء: إنّ إخراج الدم

ص: 34


1- الصحاح، ج 5، ص 1894 (حجم)
2- رواه في الخصال، ص 384؛ وعلل الشرائع، ج 2، ص 598
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 87

في وقت امتزاج الفضلين لا ينفع، بل ربما يضرّ لاختلاط الدم في ذلك الوقت وامتزاجه.

(أما علموا أنّ في يوم الثلاثاء ساعة من وافقها).

قال الجوهري: «وافقته، أي صادفته»(1). وقال: «صادفت فلانا: وجدته»(2). والمراد مصادفة الاحتجام في تلك الساعة.

(لم يَرق دمه حتّى يموت).

قال الجوهري في المهموز اللام: «رقأ الدمع يرقأ رقوءا: أسكن، وكذلك الدم. وأرقأ اللّه دمعه: سكّنه»(3).

ولعلّ المراد عدم انقطاع الدم على أن يموت بكثرة سيلانه.

وقيل: يحتمل أن يكون كناية عن سرعة ورود الموت بسبب ذلك؛ أي يموت في أثناء الحجامة(4).

(أو ما شاء اللّه )

لعلّ المراد أنّه لم ينقطع إلى زمانٍ طويل وإن لم يمت. ويحتمل أن يكون الترديد من الراوي.

وقيل: أي ما شاء اللّه من بلاءٍ عظيم، ومرض يعسُر علاجه(5).

قال بعض الشارحين: دلَّ هذا الخبر على كراهة الحجامة في يوم الثلاثاء، (6) وحمله على التحريم باعتبار أنّه مظنّة الوقوع إلى التهلكة، بعيد.

متن الحديث الرابع والعشرين والمائتين

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْكُوفِيِّينَ ، عَنْ أَبِي عُرْوَةَ أَخِي شُعَيْبٍ ، أَوْ عَنْ شُعَيْبٍ الْعَقَرْقُوفِيِّ ، قَالَ :

دَخَلْتُ عَلى أَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ عليه السلام وَهُوَ يَحْتَجِمُ (7). يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ فِي الْحَبْسِ ، فَقُلْتُ لَهُ : إِنَّ هذَا يَوْمٌ يَقُولُ النَّاسُ : إِنَّ مَنِ احْتَجَمَ فِيهِ أَصَابَهُ الْبَرَصُ؟

ص: 35


1- الصحاح، ج 4، ص 1567 (وفق)
2- الصحاح، ج 4، ص 1384 (صدف)
3- الصحاح، ج 1، ص 53 (رقأ)
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 87
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 87
6- . ذهب إليه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 87
7- . في أكثر نسخ الكافي: «محتجم»

فَقَالَ : «إِنَّمَا يُخَافُ ذلِكَ عَلى مَنْ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ فِي حَيْضِهَا» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله عليه السلام : (إنّما يخاف ذلك على من حملته اُمّه في حيضها).

الظاهر أنّ المشار إليه بذلك كون الاحتجام في يوم الأربعاء سببا لإصابة البرص.

وقال بعض الفضلاء: «المشار إليه البرص مطلقا، لا مع الاحتجام في ذلك اليوم» (1). فتأمّل.

متن الحديث الخامس والعشرين والمائتين

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ ، عَنْ صَالِحِ بْنِ عُقْبَةَ ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَا تَحْتَجِمُوا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ مَعَ الزَّوَالِ ؛ فَإِنَّ مَنِ احْتَجَمَ مَعَ الزَّوَالِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَأَصَابَهُ شَيْءٌ ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَا نَفْسَهُ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله عليه السلام : (لا تحتجموا في يوم الجمعة مع الزوال) إلى آخره.

اختلف الأخبار في الاحتجام في يوم الجمعة وفي بعض أيّام الاُسبوع، ولنذكر هنا نبذة منها ممّا يتعلّق بكلّ يوم من أيّام الاُسبوع؛ أمّا يوم الجمعة فهذا الخبر يدلّ على كراهة الاحتجام فيها مع الزوال، ومثله ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام : «أنّ في الجمعة ساعة لا يحتجم [فيها] أحدٌ إلّا مات»(2).

وروى الصدوق بإسناده عن محمّد بن رياح القلّاء، قال: رأيت أبا إبراهيم عليه السلام يحتجم يوم الجمعة، فقلت: جعلت فداك، تحتجم يوم الجمعة؟ قال: «اقرأ آية الكرسي، فإذا هاج بك الدم _ ليلاً كان أو نهارا _ فاقرأ آية الكرسي واحتجم»(3).

ص: 36


1- . قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 90
2- تحف العقول، ص 124؛ الخصال، ج 2، ص 636، ضمن الحديث 10
3- الخصال، ج 2، ص 390، ح 83. و عنه في بحار الأنوار، ج 62، ص 109، ح 6

وروى عن عبد الرحمان بن عمرو بن أسلم، قال: رأيت أبا الحسن موسى عليه السلام احتجم يوم الأربعاء وهو محموم فلم تتركه الحمّى(1).

وروى بإسناده عن مقاتل بن مقاتل، قال: رأيت أبا الحسن الرضا عليه السلام في يوم الجمعة في وقت الزوال على ظهر الطريق يحتجم وهو محرم(2).

أقول: يمكن حمل هذه الأخبار على الضرورة في بعضها إيماء على ذلك، وأمّا يوم السبت فقد روي في طبّ الأئمّة عن طلحة بن زيد، قال: سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الحجامة يوم السبت ويوم الأربعاء وحدّثته بالحديث [الذي] ترويه العامّة عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فأنكره وقال: (3) الصحيح عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قال: «إذا تبيغ بأحدكم الدم، فليحتجم، لا يقتله، ثمّ قال: ما علمت أحدا من أهل بيتي يرى به بأسا»(4).

أقول: الظاهر حمل هذا الخبر على الضرورة كما يشعر بها التبيّغ، قال الجوهري:

تبيّغ أي هاج به. وحكى ابن السكّيت عن الفرّاء: تبوّغ الرجل بصاحبه [فغلبه، وتبوّغ الدم بصاحبه]، وفي الحديث: «عليكم بالحجامة لا يتبيّغ بأحدكم الدم فيقتله، أي لا يتهيّج، ويقال: أصله يتبغّى من البغي، فقلب مثل، جذب وجبذ(5).

وأمّا يوم الأحد فقد روى الصدوق رحمه الله بإسناده عن خلف بن حمّاد، عن رجل، عن أبي عبداللّه عليه السلام : أنّه مرَّ بقومٍ يحتجمون، فقال: «ما عليكم لو أخّرتموه إلى عشيّة الأحد، فكان يكون أنزل للداء»(6).

وأمّا يوم الاثنين فقد روى الصدوق بإسناده عن يونس بن يعقوب، قال: سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول: «احتجم رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم الاثنين وأعطى الحجّام برّا»(7). وروى بإسناد آخر عنه عليه السلام ، قال: «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يحتجم يوم الاثنين بعد العصر»(8).

وروى بإسناد آخر عنه عليه السلام ، قال: «الحجامة يوم الاثنين من آخر النهار تسلّ الداء سلّاً من البدن»(9).

ص: 37


1- الخصال، ج 2، ص 386، ح 71
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 2، ص 16، ح 38. وعنه في بحار الأنوار، ج 59، ص 32، ح 2
3- . في المصدر: «وأنكروه وقالوا»
4- طبّ الأئمّة، ص 56؛ بحار الأنوار، ج 63، ح 118، ح 36
5- الصحاح، ج 4، ص 1317 (بوغ)
6- الخصال، ص 383، ح 60
7- الخصال، ص 384، ح 63
8- الخصال، ص 384، ح 64
9- الخصال، ص 385، ح 65

وروى في طبّ الأئمّة عن الرضا عليه السلام أنّه قال: «حجامة الاثنين لنا، والثلاثاء لبني اُميّة»(1). وأمّا يوم الثلاثاء، فالخبر الذي تقدّم ذكره في الكتاب، وهو الذي نقلناه من طبّ الأئمّة يدلّ على مرجوحيّة الحجامة فيه، ويعارضهما أخبار اُخر فيما رواه الصدوق رحمه الله في كتاب الخصال بإسناده عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «من احتجم يوم الثلاثاء لسبع عشرة، أو أربع عشرة، (2) أو لإحدى وعشرين من الشهر، كانت له شفاء [من كلّ داء] من أدواء السنة كلّها، وكانت لما سوى ذلك شفاء من وجع الرأس والأضراس والجنون والجذام والبرص»(3).

قيل: يمكن حمله على التقيّة، مع كون أكثر رجاله من العامّة(4).

ومنها: ما روي في طبّ الأئمّة مرسلاً عن أبي عبداللّه عليه السلام : أوّل ثلاثاء تدخل في شهر آذار بالروميّة الحجامة فيه مصحّة سنة بإذن اللّه »(5).

وروى أيضا مرسلاً عنهم عليهم السلام : «أنّ الحجامة يوم الثلاثاء لسبعة عشر من الهلال مصحّة سنة»(6).

قال بعض الفضلاء: «يمكن الجمع مع تكافؤ الأسانيد بتخصيص خبر أبي سعيد بهذين الخبرين» (7). فتأمّل.

ومنها: ما نقلناه سابقا أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال: «يوم الثلاثاء يوم حربٍ ودم». وقد ذكرنا هناك ما يصلح كونه وجها للجمع، فتذكّر.

وأمّا يوم الأربعاء، فقد روى الصدوق رحمه الله في كتاب الخصال بإسناده عن أبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليهم السلام ، قال: «توقّوا الحجامة يوم الأربعاء والنورة؛ فإنّ يوم الأربعاء يوم نحس مستمرّ، وفيه خلقت جهنّم»(8).

وروى في الفقيه في خبر مناهي النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه نهى عن الحجامة يوم الأربعاء(9).

ص: 38


1- طبّ الأئمّة، ص 139
2- . في المصدر: «أو تسع عشرة»
3- الخصال، ص 385، ح 68
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 87
5- طبّ الأئمّة، ص 56
6- نفس المصدر
7- . قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 88
8- الخصال، ص 387، ح 76
9- الفقيه، ج 4، ص 10، ح 4968

فهذان الخبران يدلّان على مرجوحيّة الحجامة فيه.

وما روي في نفي البأس عن الاحتجام فيه، لا ينافي الكراهة، مثل خبر شعيب العقرقوفي المتقدّم ذكره في الكتاب، وخبر مفضّل بن عمر المذكور فيما يتعلّق بالسبت.

وما رواه الصدوق بإسناده عن يعقوب بن يزيد، عن بعض أصحابنا، قال: دخلت على أبي الحسن العسكري عليه السلام يوم الأربعاء وهو يحتجم، فقلت له: إنّ أهل الحرمين يروون عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قال: «مَن احتجم يوم الأربعاء، فأصابه بياض، فلا يلومنَّ إلّا نفسه»؟ فقال: «كذبوا، إنّما يُصيب ذلك من حملته اُمّه من طمث»(1).

وروى بإسناده عن محمّد بن أحمد الدقّاق البغدادي، قال: كتبت إلى أبي الحسن الثاني عليه السلام أسأله عن الحجامة يوم الأربعاء لا يدور، فكتب عليه السلام : من احتجم يوم الأربعاء لا يدور خلافا على أهل الطيرة عُوفي من كلّ آفة، ووُقي من كلّ عاهة، ولم تخضرّ محاجمه»(2).

وروى بإسناده عن حذيفة بن منصور، قال: رأيت أبا عبداللّه عليه السلام احتجم يوم الأربعاء بعد العصر(3).

ويمكن حمل هذا الخبر على الضرورة.

وأمّا يوم الخميس فقد روى الصدوق رحمه الله في الخصال عن معتب بن المبارك، قال: دخلت على أبي عبداللّه عليه السلام في يوم خميس وهو يحتجم، فقلت له: يابن رسول اللّه أتحتجم في يوم الخميس؟ قال: «نعم، من كان [منكم] محتجما فليحتجم يوم الخميس؛ فإنّ كلّ عشيّة جمعة يبتدر [الدم] فرقا من القيامة، ولا يرجع إلى وكره إلى غداة الخميس» إلى أن قال: وقال أبو عبداللّه عليه السلام : «من احتجم في آخر خميس من الشهر في أوّل النهار سُلَّ منه الداء سلّاً»(4).

وروى بإسناده عن سليمان الجعفري، قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: «قلّموا أظفاركم يوم الثلاثاء، واستحمّوا الأربعاء، وأصيبوا من الحجامة حاجتكم يوم الخميس، وتطيّبوا بأطيب طيبكم يوم الجمعة»(5).

ص: 39


1- الخصال، ص 386، ح 70
2- الخصال، ص 387، ح 72
3- الخصال، ص 387، ح 75
4- الخصال، ص 389، ح 79
5- الخصال، ص 389، ح 79

متن الحديث السادس والعشرين و المائتين

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ مُعَتِّبٍ :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «الدَّوَاءُ أَرْبَعَةٌ : السَّعُوطُ ، وَالْحِجَامَةُ ، وَالنُّورَةُ ، وَالْحُقْنَةُ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (الدواء أربعة).

لعلّ اختصاصها بالذكر لكونها معظم الأدوية وأنفعها في الأمراض المخصوصة، فكان غيرها من الأدوية بالنسبة إليها ليست بدواء. قال الفيروزآبادي: «الدّواء _ مثلّثة _ : ما داويت به، وبالقصر: المرض»(1).

(السعوط)

في القاموس: سعطه الدواء _ كمنعه ونصره _ وأسعطه إيّاه: أدخله في أنفه. والسّعوط _ كصبور _ : ذلك الدواء. والمُسعط بالضمّ وكمنبر _ : ما يجعل فيه ويصبّ منه في الأنف(2).

(والحجامة) بالكسر.

(والنورة) بالضمّ.

(والحقنة).

في القاموس: حقنه: حبسه، كاحتقنه. واللّبن في السّقاء: صبّته، ليخرج زبدته. والحُقنة _ بالضمّ _ : كلّ داء يُحقنُ به المريض(3).

متن الحديث السابع و العشرين و المائتين

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ ، قَالَ :

ص: 40


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 329 (دوي)
2- القاموس المحيط، ج 2، ص 364 (سعط)
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 216 (حقن) مع التلخيص

شَكَا رَجُلٌ إِلى أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام السُّعَالَ وَأَنَا حَاضِرٌ ، فَقَالَ لَهُ : «خُذْ فِي رَاحَتِكَ شَيْئا مِنْ كَاشِمٍ وَمِثْلَهُ مِنْ (1). سُكَّرٍ ، فَاسْتَفَّهُ يَوْما أَوْ يَوْمَيْنِ» . قَالَ ابْنُ أُذَيْنَةَ : فَلَقِيتُ الرَّجُلَ بَعْدَ ذلِكَ ، فَقَالَ : مَا فَعَلْتُهُ إِلَا مَرَّةً وَاحِدَةً (2). حَتّى ذَهَبَ .

شرح الحديث

السند حسن.

قوله: (شكا رجل إلى أبي عبداللّه عليه السلام السُّعال).

في القاموس: سعل _ كنصر _ سُعالاً وسُعلة _ بضمّهما _ ، وهي حركة تدفع بها الطبيعة أذى عن الرية والأعضاء التي تتّصل بها(3).

(خُذ في راحتك شيئا من كاشم).

قال الجوهري: «الراح: جمع راحة، وهي الكفّ»(4).

وفي القاموس: «الكاشم: الأنجذان الرومي»(5).

قال صاحب الاختيارات: «الأنجدان، يُقال له بالفارسيّة: انگُدان، وانگوان، وهو شجرة الحثيث، والحلتيث صمغها». وقال: «الأنجدان الرومي، يسمّى سياليوس، وبرزه يسمّى كاشم، والأنجدان الخراساني يسمّى أصله اشترغاز» انتهى(6).

(فاستفّه يوما أو يومين).

قال الجوهري: سفِفت الدواء _ بالكسر _ وأسففته بمعنى: إذا أخذته غير ملتوت. وكذلك السويق، وكلّ دواء يؤخذ غير معجون، فهو سفوف بفتح السّين(7).

متن الحديث الثامن و العشرين والمائتين

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جَنَاحٍ ، عَنْ رَجُلٍ :

ص: 41


1- . في بعض نسخ الكافي: - «من»
2- . في بعض نسخ الكافي: - «واحدة»
3- القاموس المحيط، ج 3، ص 395 (سعل)
4- الصحاح، ج 1، ص 356 (روح)
5- القاموس المحيط، ج 4، ص 171 (كشم)
6- لم نعثر عليه
7- الصحاح، ج 4، ص 1374 (سفف)

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ عليه السلام شَكَا إِلى رَبِّهِ تَعَالَى الْبِلَّةَ وَالرُّطُوبَةَ ، فَأَمَرَ (1). اللّهُ تَعَالى أَنْ يَأْخُذَ الْهَلِيلَجَ (2). وَالْبِلِيلَجَ وَالْأَمْلَجَ ، فَيَعْجِنَهُ بِالْعَسَلِ وَيَأْخُذَهُ» . ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «هُوَ الَّذِي يُسَمُّونَهُ عِنْدَكُمُ الطَّرِيفِلَ (3). » .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (شكا إلى ربّه البلّة).

قال الجوهري: «ريح بلّة: فيها بَلَلٌ. والبُلّة _ بالضمّ _ : ابتلال الرطب. والبِلّة _ بالكسر _ : النداوة»(4).

يحتمل هنا إرادة كلّ من المعاني الثلاثة، أي الرياح الباردة المماثلة في العروق، وابتلال اللحم والرطوبات الفصليّة فيه، أو في الأحشاء، أو في المزاج. وعلى الأخير يكون عطف قوله: «والرطوبة» للتفسير.

قال الجوهري: «الرّطب: خلاف اليابس، تقول: رطبَ الشيء رطوبة، فهو رطب»(5).

(فأمره اللّه أن يأخذ الهليلج).

معرّب هليله. وفي بعض النسخ: «الإهليلج». قال الفيروزآبادي: «الإهليلج _ وقد يكسر اللام الثانية، والوحدة بهاء _ : ثمر معروف»(6).

(والبليلج) معرّب بليلة.

(والأملج) معرّب الأمله.

(فيعجنه بالعسل)؛ الضمير للمأخوذ.

وفي القاموس: عجنه يعجُنَه ويعجِنه فهو معجون وعجين: اعتمد عليه بجميع كفّه يغمزه»(7).

(ويأخذه) أي يتناوله ويأكله.

والضمير للمعجون.

ص: 42


1- . في بعض نسخ الكافي: «فأمره»
2- . في بعض نسخ الكافي: «الإهليلج»
3- . في بعض نسخ الكافي: «اطريفل»
4- الصحاح، ج 4، ص 1638 (بلل)
5- الصحاح، ج 1، ص 136 (رطب)
6- القاموس المحيط، ج 1، ص 213 (هللج)
7- القاموس المحيط، ج 4، ص 246 (عجن)

(ثمّ قال أبو عبداللّه عليه السلام : هو الذي يسمّونه عندكم الطّريفل).

وفي بعض النسخ: «اطريفل».

أقول: هذا هو الذي يسمّيه الأطبّاء بالأطريفل الصغير، ويقولون: إنّه نافع من استرخاء المعدة ورطوبتها، ومن رياح البواسير، ويصفّي الذهن، وصفته وكيفيّة أعماله عندهم أن يؤخذ هليلج أصفر وأسود وكابلي وقشر الأملج من كلّ واحد عشرة دراهم يدقّ وينخل ويليت بدهن اللّوز ويعجن بالعسل، وبعضهم اعتبر في العسل كونه منزوعة الرغوة، وكونه ثلاثة أمثال الأجزاء المذكورة، وقالوا: إنّه يستعمل بعد مضيّ شهرين، وإنّ قوّته تبقى على سنتين، والشربة منه مثقال على مثقالين.

وقيل: ثلاث دراهم.

متن الحديث التاسع و العشرين و المائتين

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيى ، عَنْ أَخِيهِ الْعَلَاءِ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْحَسَنِ الْمُتَطَبِّبِ ، قَالَ :

قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : إِنِّي رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ ، وَلِيَ بِالطِّبِّ بَصَرٌ ، وَطِبِّي طِبٌّ عَرَبِيٌّ ، وَلَسْتُ آخُذُ عَلَيْهِ صَفَدا . فَقَالَ : «لَابَأْسَ» .

قُلْتُ : إِنَّا نَبُطُّ الْجُرْحَ ، وَنَكْوِي بِالنَّارِ؟ قَالَ : «لَا بَأْسَ» .

قُلْتُ : وَنَسْقِي هذِهِ السُّمُومَ الْأَسْمَحِيقُونَ وَالْغَارِيقُونَ؟ قَالَ : «لَا بَأْسَ» .

قُلْتُ : إِنَّهُ رُبَّمَا مَاتَ؟ قَالَ : «وَإِنْ مَاتَ» .

قُلْتُ : نَسْقِي عَلَيْهِ النَّبِيذَ؟

قَالَ : «لَيْسَ فِي حَرَامٍ شِفَاءٌ ، قَدِ اشْتَكى رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ : بِكَ ذَاتُ الْجَنْبِ ، فَقَالَ : أَنَا أَكْرَمُ عَلَى اللّهِ مِنْ أَنْ يَبْتَلِيَنِي بِذَاتِ الْجَنْبِ» قَالَ : «فَأَمَرَ ، فَلُدَّ بِصَبِرٍ» .

شرح الحديث

السند مجهول وضعيف.

قوله: (عن إسماعيل بن الحسن المتطبّب).

العلاء وإسماعيل مجهولان.

ص: 43

وقال الفيروزآبادي:

الطبّ _ مثلّثة الطّاء _ : علاج الجسم والنفس، يطبّ ويطبّب، وبالفتح، أي هو الحاذق بعلمه كالطبيب. والمتطبّب: المتعاطي علم الطبّ(1).

(ولي بالطبّ بصر).

أي علمٌ وبصيرة. قال في القاموس:

البصر _ محرّكة _ : حسّ العين. ومن القلب: نظره، وخاطره. وبَصُرَ _ ككرم وفرح _ بَصَرا وبصارة، ويكسر: صار مُبصِرا. والبصير: المُبصِر، والعالم. وبالهاء: عقيدة القلب، والفطنة(2).

(وطبّي طبٌّ عربيّ).

قيل: الغرض من هذا الكلام إشعاره بكونه ماهرا بمعنى الأدوية المعروفة بين مَهَرة العرب(3).

(ولستُ آخذ عليه صفدا).

قال الجوهري: «الصَفَد _ بالتحريك _ : العطاء. والصَّفد: الوِثاق»(4). والمراد به هنا الأخير إمّا مطلقا أو مع الشرط.

(قلت: إنّا نبطّ الجرح).

بطُّ الجراحة: شقّها، وفعله كذا.

وقال الجوهري: «جرحه جرحا، والاسم: الجرح بالضمّ، والجمع: جروح»(5).

(ونكوي بالنار).

في القاموس: «كواه يكويه كيّا: أحرق جلده بحديدة ونحوها، وهي الكِواة»(6).

(قال: لا بأس).

قيل: نفى البأس من الكيّ مقيّد بما إذا ظنّت منفعته ودعت إليه الحاجة، والنهي عنه في بعض المواضع هو إذا وجد عنه غنى، وينبغي أن يؤخّر العلاج به حتّى تدعو الضرورة إليه

ص: 44


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 96 (طبب)
2- القاموس المحيط، ج 1، ص 372 (بصر)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 252
4- الصحاح، ج 2، ص 498 (صفد)
5- الصحاح، ج 358 (جرح)
6- القاموس المحيط، ج 4، ص 384 (كوه)

لما فيه من استعجال الألم الشديد في دفع ألم قد يكون أضعف منه، ومن المشهور: «آخر الدواء الكيّ».

(قلت: ونسقي هذه السموم الأسمحيقون).

كذا في نسخ الكتاب، ولم نره في كتب اللغة. وأمّا في كتب الطبّ: «الأصطمخيقون» من الحبوبات المركّبة، دواء نافع للأمراض البلغميّة والسوداويّة، ومفتح للقولنج. ولعلّ ما في نسخ الكتاب تصحيف.

(والغاريقون).

في القاموس: غاريقون أو أغاريقون: أصل نبات أو شيء يتكوّن في الأشجار المسوّسة، ترياق للسموم، مفتح مسهّل للخلط الكدر، مفرّح صالح للنساء والمفاصل، ومن عتق عليه، لا يلسعه عقرب(1).

(قال: وإن مات).

قيل: فيه تجويز للطبيب الحاذق علما [و عملاً] في المعالجة وإن انجرّت إلى الموت، لكن بشرط تشخيص المرض وسببه، مع عدم التقصير في تحقيق أحوال المريض واستعماله الأدوية على القوانين المعتبرة، ولا ينافي الجواز ضمانه المشهور بين الأصحاب، وتفصيل الاختلاف في الضمان ومواضع عدمه في كتب الفروع(2).

(قلت: فسقى عليه النبيذ).

لعلّ كلمة «على» زائدة، والضمير عائد إلى المريض.

وفي القاموس: سقاه يسقيه وأسقاه وسقّاه»(3).

والنبيذ: ما نبُذ من عصير ونحوه من الأشربة المسكرة، سواء اتّخذ من التمر أو الزبيب أو العسل أو النارجيل أو غيرها. وقال في النهاية: «يُقال للخمر المتّخذ (4). من العنب نبيذ، كما يقال للنبيذ خمر»(5).

ص: 45


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 271 (غرق)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 253
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 343 (سقي)
4- . في المصدر: «المعتصر»
5- النهاية، ج 5، ص 7 (نبذ)

(قال: ليس في حرام شفاء).

ظاهره منع التداوي بالمحرم مطلقا أكلاً وشربا وطلاءً وضمادا واستحالاً، مفردا أو مركّبا، اختيارا أو اضطرارا. ويؤيّده كثير من الأخبار، منها ما روي: «أنّ اللّه تعالى لم يجعل في شيء ممّا حرّم اللّه دواء ولا شفاء»(1). و«أنّ من اكتحل بميل من مسكر كحّله اللّه بميل من نار»(2).

ولكن مذهب كثير من الأصحاب جوازه اضطرارا، وحملوا أخبار المنع على الاختيار، وحملها بعضهم على طلب الصحّة لا طلب السلامة من التلف.

وقيل: الرواية دلّت على أنّه ليس فيما اتّصف بالحرمة شفاء، والحرام عند الضرورة وكونه دواء ليس بحرام، بل هو حينئذٍ حلال(3).

وهذا القول مع كون قائله غير معلوم بعيد جدّا؛ لأنّ الأخبار صريحة في منع استعماله للتداوي.

وقال العلّامة في كتاب الإرشاد: يباح للمضطرّ، وهو خائف التلف لو لم يتناول، أو المرض، أو عسر علاجه، أو الضعف عن مصاحبة الرفقة مع خوف العطب عند التخلّف، أو من الركوب المؤدّي إلى الهلاك، تناول كلّ المحرّمات إلّا الباغي، وهو الخارج على الإمام والعادي، وهو قاطع الطريق.

ثمّ قال: ولا يجوز التداوي بشيء من الأنبذة ولا بشيء من الأدوية معها شيء من المسكر، أكلاً وشربا، ويجوز عند الضرورة التداوي به للعين(4).

أقول: كان كلامه الأخير استثناء عن الأوّل.

وقال بعض الأفاضل: الظاهر أنّ كلامه الثاني لكونه دالّاً على عدم جواز استعماله أكلاً وشربا عند

ص: 46


1- لم نعثر على مصدره، و نقله أيضا المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 252
2- الكافي، ج 6، ص 414، ح 7؛ الفقيه، ج 3، ص 570، ح 4947؛ التهذيب، ج 9، ص 114، ح 492؛ ثواب الأعمال، ص 243
3- نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 253
4- إرشاد الأذهان، ج 2، ص 114

الضرورة في غير العين، ينافي الأوّل لدلالته على جواز تناول كلّ المحرّمات عند الضرورة من غير فرق بين الخمر وغيرها من المحرّمات، والقول بأنّه رجوع عن الأوّل بعيد، وحمل كلّ المحرّمات على غير الأنبذة أبعد، انتهى(1).

وعلى ما قلنا فلا إشكال. وقال الشهيد الثاني:

جواز تناول المحرّمات غير الخمر عند الاضطرار موضع وفاق، وأمّا الخمر فقد قيل بالمنع مطلقا. وقيل بالجواز مع عدم قيام غيرها مقامها وهو ظاهر عبارة العلّامة في الإرشاد، انتهى(2).

وقيل: كأنّه أراد بهما العبارة الاُولى، فتأمّل(3).

ومصرّح الدروس جواز استعمالها للضرورة مطلقا(4).

(قد اشتكى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ).

قال الجوهري: شكوت فلانا: إذا أخبرت عنه بسوء فعله بك. واشتكيته، مثل شكوته، واشتكى عضوا من أعضائه، وتشكّى بمعنى(5).

قيل: لعلّه استشهاد للتداوي بالدواء المرّ(6).

(فقالت له عائشة: بك ذات الجَنب).

هو ورم في الغشاء المستبطن لأضلاع الصدر الملبس عليها من داخل الصدر؛ فإنّ الصدر مركّب من أربعة عشر ضلعا، من كلّ جانب سبعة، وبين كلّ اثنين منهما عضل به يكون انبساط الصدر وانقباضه؛ فإنّه يحيط بهذه الأضلاع والعضلات كما تدور وتنحني من داخل غشاء واحد، فإذا عرض في هذا الغشاء ورم سمّاه الأطبّاء بذات الجَنب الخالص والصحيح، أو ورم في الحجاب الحاجز بين آلات الغذاء وآلات النَفَس، إمّا في الجانب الأيمن منهما، إمّا في الجانب الأيسر، أو في الجانبين جميعا، لكن هذا الأخير يعدمه من أقسام ذات الصدر، وقد يحدث هذا الورم في العضلات التي بين الأضلاع، وفي الغشائيّة

ص: 47


1- لم نعثر على قائله
2- الروضة البهيّة، ج 2، ص 114
3- اُنظر: إرشاد الأذهان، ج 2، ص 114
4- اُنظر: الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 23
5- الصحاح، ج 6، ص 2394 (شكي)
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 93

المجلّل للأضلاع من خارج، إمّا بمشاركته الجلد، أو بغير مشاركته، ويسمّى هذا القسم بذات الجَنب الغير الخالص والغير الصحيح.

(فقال: أنا أكرم على اللّه من أن يبتليني بذات الجنب)

قيل: لعلّه لاستلزام ذلك المرض من اختلال العقل وتشوّش الدماغ غالبا(1).

وقيل: لأنّ هذه العلّة قاتلة، أو لأنّه عليه السلام أطهر من أن يُبتلى بها ويتدنّس بقيحها، أو لغير ذلك.

(قال) الصادق عليه السلام : (فأمر) رسول اللّه صلى الله عليه و آله (فَلُدَّ بصبر).

«لُدَّ» على البناء للمفعول. قال في القاموس: اللدود _ كصبور _ :

ما يصبّ بالمسعط من الدواء في أحد شقّي الفم. وقد لدّه لدّا ولدودا، ولدّه إِيّاه، وألدّه، ولُدَّ فهو ملدود(2).

وقال: «الصبر ككتف، ولا يسكن إلّا في ضرورة الشّعر»(3).

متن الحديث الثلاثين و المائتين

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ ، قَالَ :

قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : الرَّجُلُ يَشْرَبُ الدَّوَاءَ ، وَيَقْطَعُ الْعِرْقَ ، وَرُبَّمَا انْتَفَعَ بِهِ ، وَرُبَّمَا قَتَلَهُ؟ قَالَ : «يَقْطَعُ وَيَشْرَبُ» .

شرح الحديث

السند حسن وموثّق.

قوله: (يقطع ويشرب).

فيه دلالة على جواز التداوي بالأدوية وارتكاب الاُمور الخطيرة للمعالجة، ولكن ينبغي أن يقيّد بحذاقة المعالج.

وقيل: المراد بقطع العِرق: فصدُه، وهو شقّه(4).

أقول: لعلّ المراد ما هو أعمّ من ذلك.

ص: 48


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 93
2- القاموس المحيط، ج 1، ص 335 (لدد)
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 67 (صبر)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 254

متن الحديث الواحد والثلاثين والمائتين

اشارة

أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مِسْكِينٍ ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ الطَّيَّارِ ، قَالَ :

كُنْتُ عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ عليه السلام ، فَرَآنِي أَتَأَوَّهُ ، فَقَالَ : «مَا لَكَ؟» قُلْتُ : ضِرْسِي ، فَقَالَ : «لَوِ احْتَجَمْتَ» فَاحْتَجَمْتُ فَسَكَنَ ، فَأَعْلَمْتُهُ ، (1) فَقَالَ لِي (2) : «مَا تَدَاوَى النَّاسُ بِشَيْءٍ خَيْرٍ مِنْ مَصَّةِ دَمٍ ، أَمْ مُزْعَةِ (3). عَسَلٍ» .

قَالَ : قُلْتُ (4) : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، مَا الْمُزْعَةُ (5). عَسَلٍ؟

قَالَ : «لَعْقَةُ عَسَلٍ» .

شرح الحديث

السند مجهول، والمشهور أنّ حمزة الطيّار مات في حياة الصادق عليه السلام ، فروايته عن أبي الحسن عليه السلام كان في زمن حياة أبيه عليه السلام .

قوله: (عن حمزة بن الطيّار).

روى الكشّي ما يدلّ على وفاته في حياة الصادق عليه السلام ، (6) فلعلّ روايته عن أبي الحسن عليه السلام كان في زمن حياة أبيه عليه السلام .

(فرآني أتأوّه).

قال الجوهري: أَوْهِ من كذا، ساكنة الواو، إنّما هو توجّع. وبعضهم يقول: آوّه بالمدّ والتشديد وفتح الواو وساكنة الهاء، وتأوّه تأوّها: إذا قال أوه(7).

(قلت: ضِرسي) أي ضرسي وجع، أو اشتكى ضرسي، ونحو ذلك.

وفي القاموس: «الضِرس _ بالكسر _ : السِّنّ، مذكّر»(8).

ص: 49


1- . في أكثر نسخ الكافي: «وأعلمته»
2- . في بعض نسخ الكافي: - «لي»
3- . في بعض نسخ الكافي: «مرغة» بتقديم الراء المهملة
4- . في بعض نسخ الكافي: «فقلت»
5- . في بعض نسخ الكافي: «المرغة»
6- . اُنظر: رجال الكشّي، ص 349، الرقم 651
7- الصحاح، ج 6، ص 2225 (أوه)
8- القاموس المحيط، ج 2، ص 224 (ضرس)

(فقال: لو احتجمت).

كلمة «لو» للتمنّي، أو للشرط بتقدير الجزاء؛ أي كان حسنا، أو شفاء، ونحوهما.

(أو مزعة عسل).

المزعة، بالراء المعجمة والعين المهملة. قال الجوهري:

المُزْعة _ بالضمّ _ : قطعة لحم. يُقال: ما عليه مزعة لحم، وما في الإناء مزعة من الماء؛ أي جرعة. والمِزعة _ بالكسر _ من الريش والقطن، مثل المزقة من الخرق(1).

(قال: لَعقة عسل).

في القاموس: لعِقَهُ _ كسمعه _ لعقة، ويضمّ: لحسه. واللعقة: المرّة الواحدة. وبالضمّ: ما تأخذه في الملعقة(2).

متن الحديث الثاني و الثلاثين و المائتين

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ جَعْفَرٍ الْجَعْفَرِيِّ ، قَالَ :سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام يَقُولُ : «دَوَاءُ الضِّرْسِ تَأْخُذُ حَنْظَلَةً فَتُقَشِّرُهَا ، ثُمَّ تَسْتَخْرِجُ دُهْنَهَا ، فَإِنْ كَانَ الضِّرْسُ مَأْكُولًا مُنْحَفِرا ، تُقَطِّرُ فِيهِ قَطَرَاتٍ ، وَتَجْعَلُ مِنْهُ فِي قُطْنَةٍ (3) شَيْئا ، وَتَجْعَلُ فِي جَوْفِ الضِّرْسِ ، وَيَنَامُ صَاحِبُهُ مُسْتَلْقِيا ، يَأْخُذُهُ ثَلَاثَ لَيَالٍ ، فَإِنْ كَانَ الضِّرْسُ لَا أَكْلَ فِيهِ وَكَانَتْ رِيحا ، قَطِّرْ فِي الْأُذُنِ الَّتِي تَلِي ذلِكَ الضِّرْسَ لَيَالِيَ ، كُلَّ لَيْلَةٍ قَطْرَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَ قَطَرَاتٍ ، يَبْرَأْ بِإِذْنِ اللّهِ» .

قَالَ : وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : «لِوَجَعِ الْفَمِ وَالدَّمِ _ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الْأَسْنَانِ _ وَالضَّرَبَانِ وَالْحُمْرَةِ الَّتِي تَقَعُ فِي الْفَمِ تَأْخُذُ حَنْظَلَةً رَطْبَةً قَدِ اصْفَرَّتْ ، فَيَجْعَلُ (4). عَلَيْهَا قَالَبا مِنْ طِينٍ ، ثُمَّ يَثْقُبُ رَأْسَهَا ، وَيُدْخِلُ سِكِّينا جَوْفَهَا ، فَيَحُكُّ جَوَانِبَهَا بِرِفْقٍ ، ثُمَّ يَصُبُّ عَلَيْهَا خَلَّ خَمْرٍ حَامِضا شَدِيدَ الْحُمُوضَةِ ، ثُمَّ يَضَعُهَا عَلَى النَّارِ ، فَيُغْلِيهَا غَلَيَانا شَدِيدا ، ثُمَّ يَأْخُذُ صَاحِبُهُ مِنْهُ كُلَّمَا احْتَمَلَ ظُفُرُهُ ، فَيَدْلُكُ بِهِ فِيهِ ، (5) وَيَتَمَضْمَضُ بِخَلٍّ ، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُحَوِّلَ مَا فِي الْحَنْظَلَةِ فِي زُجَاجَةٍ أَوْ بُسْتُوقَةٍ فَعَلَ ، وَكُلَّمَا فَنِيَ خَلُّهُ

ص: 50


1- الصحاح، ج 3، ص 1284 (مزع)
2- القاموس المحيط، ج 3، ص 280 (لعق) مع التلخيص
3- . في بعض نسخ الكافي: «قطن»
4- . في الطبعة الجديدة: «فتجعل» و كذا في الأفعال الآتية
5- . في بعض نسخ الكافي و الوافي: «فمه»

أَعَادَ مَكَانَهُ ، وَكُلَّمَا عَتَقَ كَانَ خَيْرا لَهُ إِنْ شَاءَ اللّهُ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (تأخذ حنظلة).

الحنظل _ كجعفر _ : معروف، الواحدة: حنظلة. ويُقال له الشَّرى والعلقم أيضا.

(فتقشّرها).

القشر _ بالكسر _ : غشاء الشيء خلقة أو عرضا، وكلّ ملبوس. يقال: قَشَرَ العود _ كضرب _ وقشّره تقشيرا: إذا نزع عنه القشر.

(ثمّ تستخرج دهنها).

قال الجوهري:

الدهن: معروف. والدهّان أيضا: المطر الضعيف، واحدها: دُهن بالضمّ، عن أبي زيد. ودَهَن المطر الأرض: إذا بلّها بلّاً يسيرا(1).

أقول: لعلّ المراد بالدّهن هنا الدّهن المعروف وهو ما يستخرج من الأجسام من الدسومات، إمّا بنفسها، أو بعلاج، كدهن اللّوز ودهن الورد.

وقيل: المراد به هنا الرطوبة والبلّة، واستشهد بقول الفيروزآبادي: «دهن رأسه وغيره دهنا ودهنة: بلّه. والاسم: الدُّهن بالضمّ» (2). فتأمّل(3).

(فإن كان الضرس مأكولاً منحفرا).

قال الجوهري: «حفرت السنّ حَفرا: فَسَدَتْ اُصولها»(4). وقيل: سنّ محفور وبه حَفَرٌ(5).

وفي القاموس: الحَفَر _ بالتحريك _ : سلاق في اُصول الأسنان، أو صفرة تعلوها، ويسكّن، والفعل كعني وضرب وسمع(6).

(تقطر فيه قطرات).

ص: 51


1- الصحاح، ج 5، ص 2116 (دهن)
2- . القاموس المحيط، ج 4، ص 224 (دهن)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 255
4- الصحاح، ج 2، ص 635 (حفر) مع اختلاف
5- لم نعثر على قائله
6- القاموس المحيط، ج 2، ص 12 (حفر)

في القاموس: قطر الماء والدمع قطرا وقطورا وقطرانا _ محرّكة _ وقطره اللّه وأقطره [وقطّره].

والقطر: ما قطر. الواحدة: قطرة(1). وقال الجوهري: «التقطير: الإسالة قطرة قطرة»(2).

(وكانت ريحا).

لعلّ المستتر في «كانت» راجع إلى العلّة، أو إلى الوجع. والتأنيث باعتبار الخبر ف «قَطّر» بصيغة الأمر، أو بصيغة الماضي المجهول.

(والضَّرَبان) محرّكة: اختلاج الجرح أو العرق واضطرابهما من الوجع، وفعله كضرب.

(فيجعل عليها قالبا من طين) أي يطلي أطرافها الخارجة بالطين لئلّا تفسدها النار بعد وضعها عليها، ولئلّا يخرج منها شيء بالثقب والخرق.

والمستتر في «يجعل» راجع إلى الأخذ. وفي بعض النسخ: «تجعل» بصيغة الخطاب، وكذا في الأفعال الآتية.

قال الجوهري: «القالَب _ بالفتح _ : قالب الخفّ. والقالِب _ بالكسر _ : البسر الأحمر»(3).

وفي القاموس: «القالبُ: البسر الأحمر، وكالمثال تفرغ فيه الجواهر، وفتح لامه أكثر»(4).

(ثمّ يصبّ عليها خلّ خمر).

الظاهر أنّ المراد به الخلّ العنبي، وإضافته إلى الخمر للتمييز بين سائر أقسام الخلّ، كخلّ العنصل مثلاً.

وقال بعض الفضلاء: «المراد به الخلّ الذي كان خمرا، وصارت بالعلاج خلّاً»(5).

(فيغليها غَلَيانا شديدا).

في القاموس: «غلت القدر تغلي غليا وغليانا، وأغلاها وغلّاها»(6).

(وان أحبّ أن يحول ما في الحنظلة) أي يهريقه.

ص: 52


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 119 (قطر)
2- الصحاح، ج 2، ص 796 (قطر) مع اختلاف في اللفظ
3- الصحاح، ج 1، ص 206 (قلب)
4- القاموس المحيط، ج 1، ص 119 (قلب)
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 95
6- القاموس المحيط، ج 4، ص 371 (غلي)

(في زجاجة).

في القاموس: «الزجاج معروف، ويثلّث»(1).

(أو بستوقة فَعَل).

قال في المغرب: «البستوقة _ بالضمّ _ : من الفخار، معرّب بستود»(2).

في القاموس: «الفخارة _ كجبانة _ : الجرّة. الجمع: الفخار، أو هو الخزف»(3).

(وكلّ ما عتق كان خيرا له).

العتيق: القديم من كلّ شيء. والعتيق: الكريم من كلّ شيء، والخيار من كلّ شيء. والفعل من الكلّ ككرم أو كضرب ونصر أيضا. والمصدر من الأوّل العتاقة، ومن الأخيرين العتق. والظاهر أنّ المستتر في «عتق» راجع إلى الخلّ.

متن الحديث الثالث والثلاثين والمائين

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَسْبَاطٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ سَيَابَةَ ، قَالَ :

قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : جُعِلْتُ لَكَ الْفِدَاءَ ، (4) إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ : إِنَّ النُّجُومَ لَا يَحِلُّ النَّظَرُ فِيهَا وَهِيَ تُعْجِبُنِي ، فَإِنْ كَانَتْ تُضِرُّ بِدِينِي ، فَلَا حَاجَةَ لِي فِي شَيْءٍ يُضِرُّ بِدِينِي ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُضِرُّ بِدِينِي ، فَوَ اللّهِ إِنِّي لَأَشْتَهِيهَا ، وَأَشْتَهِي النَّظَرَ فِيهَا .

فَقَالَ : «لَيْسَ كَمَا يَقُولُونَ ، لَاتُضِرُّ (5) بِدِينِكَ» .

ثُمَّ (6) قَالَ : «إِنَّكُمْ تَنْظُرُونَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا كَثِيرُهُ لَا يُدْرَكُ ، وَقَلِيلُهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ ، تَحْسُبُونَ (7) عَلى طَالِعِ الْقَمَرِ» .

ثُمَّ قَالَ : «أَتَدْرِي كَمْ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَالزُّهَرَةِ مِنْ دَقِيقَةٍ؟».

ص: 53


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 191 (زجج)
2- لم نعثر عليه في المغرب، لكن اُنظر: القاموس المحيط، ج 2، ص 1153 (بستق)
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 108 (فخر)
4- . في أكثر نسخ الكافي: - «إنّ»
5- . في بعض نسخ الكافي و الوافي: «لا يضرّ»
6- . في بعض نسخ الكافي: - «ثمّ»
7- . في بعض نسخ الكافي: «يحسبون»

قُلْتُ : لَا وَاللّهِ .

قَالَ : «أَ فَتَدْرِي كَمْ بَيْنَ الزُّهَرَةِ وَبَيْنَ الْقَمَرِ مِنْ دَقِيقَةٍ؟» .

قُلْتُ : لَا .

قَالَ : «أَفَتَدْرِي كَمْ بَيْنَ الشَّمْسِ وَبَيْنَ السُّنْبُلَةِ مِنْ دَقِيقَةٍ؟» .

قُلْتُ : لَا وَاللّهِ ، مَا سَمِعْتُ (1) مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْمُنَجِّمِينَ قَطُّ .

قَالَ : «أَفَتَدْرِي كَمْ بَيْنَ السُّنْبُلَةِ (2) وَبَيْنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مِنْ دَقِيقَةٍ؟» .

قُلْتُ : لَا وَاللّهِ ، مَا سَمِعْتُهُ مِنَ مُنَجِّمٍ قَطُّ .

قَالَ : «مَا بَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلى صَاحِبِهِ سِتُّونَ (3) أَوْ تِسْعُونَ (4) دَقِيقَةً» شَكَّ عَبْدُ الرَّحْمنِ .

ثُمَّ قَالَ : «يَا عَبْدَ الرَّحْمنِ ، هذَا حِسَابٌ إِذَا حَسَبَهُ الرَّجُلُ وَوَقَعَ عَلَيْهِ ، عَرَفَ الْقَصَبَةَ الَّتِي وَسَطَ الْأَجَمَةِ ، وَعَدَدَ مَا عَنْ يَمِينِهَا ، وَعَدَدَ مَا عَنْ يَسَارِهَا ، وَعَدَدَ مَا خَلْفَهَا ، وَعَدَدَ مَا أَمَامَهَا حَتّى لَا يَخْفى عَلَيْهِ مِنْ قَصَبِ الْأَجَمَةِ وَاحِدَةٌ» .

شرح الحديث

السند مجهول كالحسن.

قوله عليه السلام : (لا تضرّ بدينك).

لعلّ عدم الإضرار بالدِّين باعتبار عدم الاختلال العقائد الدينيّة بحيث يعدّ من الكفّار، وهذا لا ينافي كراهة تحصيلها، أو حرمته، كما ذهب إليه بعض الأصحاب.

وقال بعض الشارحين: لأنّها لا تنافيه ولا يستلزم ما ينافيه، وما ورد في بعض الروايات من ذمّها وذمّ أهلها، وهو مستمسك مَن قال: لا يحلّ النظر فيها، محمول على أنّه علمٌ لا يدرك كلّه، فيظنّ أهله أنّ الحكم مترتّب على المدرك، وأنّه مستقلّ فيه، والحال أنّه مترتّب على مجموع المدرك وغير المدرك، أو أنّ غير المدرك مانع منه، وهذا جهل، ولهذا يتخلّف الحكم في كثير من المواضع، أو على أنّ ذلك إذا اعتقد أنّ الآثار الفلكيّة علّة

ص: 54


1- . في أكثر نسخ الكافي: «ما سمعته»
2- . في أكثر نسخ الكافي والوافي: «السكينة»
3- . في أكثر نسخ الكافي: «ستّين»
4- . في أكثر نسخ الكافي: «تسعين»

مستقلّة على ما يترتّب عليها، وأمّا إذا اعتقد أنّ ذلك من الفاعل الحقيقي عند تلك الآثار [فلا تضرّ]، أو على أنّها ليست من العلوم الدينيّة المطلوبة للشارع، النافعة في الآخرة، فصرف الفكر في تحصيله المانع من صرفه في تحصيل تلك العلوم موجب لذمّها، انتهى(1).

وقال الشهيد رحمه الله في الدروس:

يحرم اعتقاد تأثير النجوم مستقلّة أو بالشركة، والأخبار عن الكائنات بسببها، أمّا لو أخبر بجريان العادة أنّ اللّه يفعل كذا عند كذا لم يحرم، وإن كره على أنّ العادة [فيها ]لا تطرد إلّا فيما قلّ.

أمّا علم النجوم فقد حرّمه بعض الأصحاب، ولعلّه لما فيه من التعرّض للمحظور من اعتقاد التأثير، أو لأنّ أحكامه تخمينيّة.

وأمّا علم هيئة الأفلاك فليس حراما، بل ربّما كان مستحبّا؛ لما فيه من الاطّلاع على حكمة اللّه وعظمة قدرته، انتهى(2).

وسيجيء لهذا زيادة تحقيق إن شاء اللّه تعالى.

(كثيره لا يُدرك)؛ لأنّ العقول قاصرة عن الوصول إليه لكونه من العلوم الغيبيّة التي استأثر اللّه تعالى بها، ولا يظهر عليه إلّا من ارتضى من رسولٍ ومَن يَحذو حذوه.

(وقليله) الذي يستقلّ العقول بإدراكه.

(لا يُنْتَفَعُ به)؛ لأنّ اُصوله وقواعده مستندة بعضها إلى بعض، بحيث لا يمكن الانتفاع بها، ولا الوصول إلى ما هو مقصود منها إلّا بإدراك جميعها، وإذا لم يمكن إدراك الجميع لأحد فلا ينتفع بالبعض المُدرك منها، وناهيك منه أنّهم رصدوا من الثوابت بعضها، وعيّنوا بزعمهم مواضعها ومواقعها، ورتّبوا عليها أحكاما، ولم يحط علمهم بغير المرصّدة منها باعترافهم، فلعلّ الأحكام المرتّبة على المرصودة منها على تقدير تمامها مشروطة بعدم اقتضاء الغير المرصودة نقيضها، فلا يمكن لهم القطع بل الظنّ بترتّب الأحكام عليها.

(تحسبون على طالع القمر).

ص: 55


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 256 و 257
2- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 165

قال الجوهري: حسبته أحسبه _ بالضمّ _ حسبا وحسابا [وحسبانا] وحسابة: إذا عددته. وحَسبتُه صالحا أحسبه _ بالفتح _ محسَبة ومحسِبة وحِسابا _ بالكسر _ : أي ظننته. ويقال: أحسبه _ بالكسر _ وهو شاذّ(1).

وفي القاموس: «طلع الكواكب _ كمنع _ طلوعا: ظهر. وطلع فلان علينا _ كمنع ونصر _ : أتانا. وعنهم: غاب، ضدّ»(2).

أي أنّكم تعدّون وتظنّون وتبنون كثيرا من أحكامكم على طالع القمر، وملاحظة نظراته مع السيّارات، من التسديس والتربيع والتثليث والمقابلة والمقارنة وتحت الشعاع وخروج الشعاع، وكونه طالعا أو غاربا، وترتّبون على تلك الأوضاع أحكاما كثيرة، مع أنّ أوضاعه مع السيّارات بل مع الثوابت أيضا غير متناهية، ويترتّب على كلّ منها أحكاما كثيرة، وأنتم تغفلون عنها.

ولعلّ تخصيص طالع القمر بالذِّكر لكونه عمدة في أحكامهم.

وقيل: يظهر منه أنّه كان مدار أحكام هؤلاء على القمر، وكانوا لا يلتفتون إلى أوضاع الكواكب الاُخر، (3) فتأمّل.

(ثمّ قال: أتدري كم بين المشتري والزهرة من دقيقة) إلى قوله عليه السلام : (ما بين كلّ واحدٍ منهما إلى صاحبه ستّون أو تسعون دقيقة).

قيل: الظاهر أنّه أراد بهذه النسب المذكورة النسب الواقعة عند السؤال، وإلّا فالظاهر أنّها تزيد وتنقص وتنتفي بحسب التفاوت في القُرب والبُعد والاجتماع، وأنّ الأحكام تختلف باختلافهما(4). وما قيل من أنّه يحتمل أن يكون المراد بعد فلك أحدهما عن فلك الآخر، (5) فبُعده أظهر من أن يخفى.

ص: 56


1- الصحاح، ج 1، ص 110 _ 112 (حسب) مع التلخيص
2- القاموس المحيط، ج 3، ص 59 (طلع)
3- . قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 95
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 257
5- . قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 95

وفي بعض النسخ: «السكينة» بدل «السنبلة»، ولعلّ السكينة اسم كوكب غير معروف.

(شكّ عبد الرحمان)؛ يحتمل كونه بصيغة الفعل، أو بصيغة المصدر؛ أي هذا الشكّ شكّ عبد الرحمن.

(ثمّ قال: يا عبد الرحمن، هذا الحساب) المذكور، حساب (إذا حَسَبَه الرجل) وعدّه (ووقع عليه) أي وصل إليه، وأحاط به.

قال الجوهري: «وقع الشيء وقوعا: سقط»(1).

(عرف القصبة التي وسط الأجمة).

قال في القاموس: «القصب _ محرّكة _ : كلّ نبات ذي أنابيب. الواحدة قَصَبَة»(2).

و«الأجَمَة» _ محرّكة _ : القَصَب الكثير الملتفّ. الجمع: أجم _ بالضمّ وبضمّتين وبالتحريك _ والآجام وإجام وأجَمات. قال بعض الشارحين: المراد بالرجل الماهر العالم بعلم النجوم، المحيط علمه بحقائقها؛ فإنّه إذا عرف النِّسب المخصوصة والمناسبة بينها، وحسب بالحساب المعلوم عنده، ينتقل ذهنه اللّطيف منها إلى ما في اللوح المحفوظ من صور الكائنات وترتيبها ومواضعها وأعدادها وكيفيّاتها وسائر أحوالها المثبتة فيه، حتّى لا يخفى عليه ما في وسط الأجمة، انتهى(3).

أقول: ممّا يناسب هذا المقام ذكر نبذة من الأخبار الواردة في علم النجوم والأخبار بعلمه وتعلّمه وتعليمه، وذكر جملة من كلام أصحابنا _ رضوان اللّه عليهم _ في هذا الباب.

أمّا الأخبار، فمنها ما تقدّم ذكره آنفا.

ومنها: ما سيجيء في الكتاب، ونتكلّم عليها هناك إن شاء اللّه تعالى.

ومنها: أخبار اُخر نذكر منها هنا اثنين وثلاثين خبرا:

الأوّل منها: ما رواه الصدوق في كتاب الخصال بإسناده عن عبداللّه بن عوف، قال: لمّا أراد أمير المؤمنين عليه السلام المسير إلى النهروان أتاه مُنجِّمٌ فقال له: يا أمير المؤمنين، لما

ص: 57


1- الصحاح، ج 3، ص 1302 (وقع)
2- القاموس المحيط، ج 1، ص 116 (قصب)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 257

تَسرْ في هذه الساعة، وسِر في ثلاث ساعات يمضين من النهار.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : «ولِمَ ذاك؟».

قال: لأنّك إن سرت في هذه الساعة أصابك وأصاب أصحابك أذىً وضرٌّ شديد، وإن سرت في الساعة التي أمرتك ظفرت وظهرت وأصبت كلّ ما طلبت.

فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : «أتدري ما في بطن هذه الدابّة، أذكرٌ أم اُنثى؟».

قال: إن حسبتُ علمتُ.

فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : «مَن صدّقك على هذا القول كذّب بالقرآن: «إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَ يَعْلَمُ مَا فِى الْأَرْحَامِ وَ مَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَ مَا تَدْرِى نَفْسُ بِأَىِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرُ» ، (1). ما كان محمّد صلى الله عليه و آله يدّعي ما ادّعيت، أتزعَم أنّك تهتدي إلى الساعة التي من سار فيها صرف عنه السوء، والساعة التي من سار فيها حاق به الضرّ، مَن صدّقك بهذا استغنى بقولك عن الاستعانة باللّه _ عزّ وجلّ _ في ذلك الوجه، وأحوج إلى الرغبة إليك في دفع المكروه عنه، وينبغي [له] أن يُولِيَك الحمد دون ربّه عزّ وجلّ، فمَن آمَن لك بهذا فقد اتّخذك من دون اللّه ندّا وضدّا». ثمّ قال عليه السلام : «اللَّهُمَّ لا طير إلّا طيرك، ولا ضير إلّا ضيرك، ولا خير إلّا خيرك، ولا إله غيرك، بل نكذّبك ونخالفك، ونسير في الساعة التي نهيت عنها»(2).

أقول: الطير _ بالفتح اسم من التطيّر، وهو التشأمّ بالفأل الرديء. وهذا الخبر صريح في عدم جواز العمل بقول المنجِّم واختياراته، وفي لزوم مخالفته.

ومنها: ما رواه السيّد الرضيّ رضى الله عنه في نهج البلاغة قال:

ومن كلامٍ له قال لبعض أصحابه لمّا عزم على المسير إلى الخوارج، فقال له: يا أمير المؤمنين، إن سرت في هذا الوقت، خشيت أن لا تظفر بمرادك من طريق علم النجوم.

فقال له عليه السلام : «أتزعَم أنّك تهدي إلى الساعة التي من سار فيها صرف عنه السوء، وتخوّف الساعة التي من سار فيها حاق به الضرّ، فمن صدّقك بهذا فقد كذّب القرآن، واستغنى عن

ص: 58


1- . لقمان (31): 34
2- لم نعثر على الحديث في الخصال، ولكن رواه في أماليه، ص 415، المجلس 64، ح 16

الاستعانة باللّه في نيل المحبوب ودفع المكروه، وينبغي في قولك للعامل بأمرك أن يُولِيَك الحمد دون ربّه؛ لأنّك بزعمك أنت هديته إلى الساعة التي نال فيها النفع وأمِنَ الضرّ».

ثمّ أقبل عليه السلام على الناس، فقال: «أيُّها الناس، إيّاكم وتعلّم النجوم إلّا ما يُهتدى به في برّ أو بحر؛ فإنّها تدعو إلى الكهانة، [و] المنجّم كالكاهن، والكاهن كالساحر، والساحر كالكافر، والكافر في النار، سِيرُوا على اسم اللّه سبحانه وعونه»(1).

وروى الشيخ الطبرسي في كتاب الاحتجاج مثله عنه عليه السلام (2).

أقول: دلَّ هذا الخبر بمثل ما دلّ عليه سابقه مع التحذير عن تعلّم النجوم.

منها: رواه الصدوق رحمه الله في الخصال بإسناده عن أبان بن تغلب، قال:

كنت عند أبي عبداللّه عليه السلام إذ دخل عليه رجلٌ من أهل اليمن، فسلّم عليه، فردَّ السلام عليه.

فقال له: «مرحبا بك يا سعد».

فقال له الرجل: بهذا الاسم سمّتني اُمّي، وما أقلّ من يعرفني به!

فقال له أبو عبداللّه عليه السلام : «صدقت يا سعد المولى».

فقال له الرجل: جُعلت فداك، بهذا كنت اُلقّب!

فقال له أبو عبداللّه عليه السلام : «لا خير في اللّقب؛ إنّ اللّه _ تبارك وتعالى _ يقول في كتابه: «وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْاءِيمَانِ» (3). ، ما صناعتك يا سعد؟».

فقال: جُعلت فداك، إنّا من أهل بيت ننظر في النجوم لا نقول: إنّ باليمن أحدا أعلم بالنجوم منّا.

فقال له أبو عبداللّه عليه السلام : «فأسألك؟».

فقال اليماني: سَلْ عمّا أحببت من النجوم؛ فإنّي اُجيبك عن ذلك بعلم.

فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «كم ضوء الشمس على ضوء القمر درجة؟»

فقال اليماني: لا أدري.

فقال له أبو عبداللّه عليه السلام : «صدقت، فكم ضوء القمر على ضوء الزهرة درجة؟»

ص: 59


1- نهج البلاغة، ص 105، الكلام 79
2- الاحتجاج، ج 1، ص 239
3- . الحجرات (49): 11

فقال اليماني: لا أدري.

فقال له أبو عبداللّه عليه السلام : «صدقت، فكم ضوء المشتري على ضوء عطارد درجة؟»

فقال اليماني: لا أدري.

فقال له أبو عبداللّه عليه السلام : «صدقت، فما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت الإبل؟».

فقال اليماني: لا أدري.

فقال له أبو عبداللّه عليه السلام : «صدقت، فما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت البقر؟».

فقال اليماني: لا أدري.

فقال له أبو عبداللّه عليه السلام : «صدقت، فما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت الكلاب؟».

فقال اليماني: لا أدري.

فقال له أبو عبداللّه عليه السلام : «صدقت في قولك لا أدري، فما زحل عندكم في النجوم؟».

فقال اليماني: نجمٌ نحس.

فقال له أبو عبداللّه عليه السلام : «مَه، لا تقولنّ هذا؛ فإنّه نجم أمير المؤمنين عليه السلام وهو نجم الأوصياء عليهم السلام ، وهو النجم الثاقب الذي قال اللّه _ عزّ وجلّ _ في كتابه».

فقال له اليماني: فما يعني بالثاقب؟

قال: «إنّ مطلعه في السماء السابعة، وأنّه ثقب بضوءه حتّى ضاء في سماء الدُّنيا، فمن ثمّ سمّاه اللّه _ عزّ وجلّ _ النجم الثاقب. يا أخا اليمن، عندكم علماء؟»

فقال اليماني: نعم جعلت فداك، إنّ باليمن قوما ليسوا كالأحد من الناس في علمهم.

فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «وما يبلغ مِن علم عالمهم؟»

فقال له اليماني: إنّ عالمهم ليزجر الطير ويقفوا الأثر في الساعة الواحدة مسيرة شهر للراكب المجدّ.

فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «فإنّ عالم المدينة أعلم من عالم اليمن».

فقال اليماني: ما بلغ من علم عالم المدينة؟

فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «إنّ عالم المدينة ينتهي إلى حيث لا يقفو الأثر، ويزجر الطير، ويعلم ما في اللحظة الواحدة مسيرة الشمس تقطع اثني عشر برجا واثني عشر برّا واثني عشر بحرا واثني عشر عالما».

ص: 60

قال: فقال اليماني: جُعلت فداك، ما ظننت أنّ أحدا يعلم هذا، أو يدري ما كُنهه!

قال: ثمّ قام اليماني، فخرج(1).

وهذا الحديث رواه أبو طالب الطبرسي في كتاب الاحتجاج بتفاوت ما عن أبان بن تغلب عنه عليه السلام ، (2).

وفيه دلالة باختصاص علم النجوم بأهل البيت عليهم السلام .

قال في القاموس: «زجر الطير: تفاءل به وتطيّر. والزجر: العيافة، والتكهّن»(3).

وقال:

عفت الطير أعفيها عيافة: زجرتها، وهو أن تعتبر بأسمائها ومساقطها وأنواعها، فتتسعّد أو تتشأم. والعائف: المتكهّن بالطير أو غيرها(4).

ثمّ منها ما رواه في كتاب الاحتجاج عن هشام بن الحكم في خبر الزنديق الذي سأل أبا عبداللّه عليه السلام فكان فيما سأله: ما تقول فيمن زعم أنّ هذا التدبير الذي يظهر في هذا العالم تدبير النجوم السبعة؟

قال عليه السلام : «يحتاجون إلى دليل أنّ هذا العالم الأكبر والعالم الأصغر من تدبير النجوم التي تسبح في الفلك، وتدور حيث دارت، متعبة لا تفتر، وسائرة لا تقف». ثمّ قال: «إنّ لكلّ نجم منها موكّل مدبّر، فهي بمنزلة العبيد المأمورين المنهيّين، فلو كانت قديمة أزليّة لا تتغيّر من حال إلى حال.

ثمّ قال: فما تقول في علم النجوم؟

قال: «هو علم قلّت منافعه، وكثُرت مضرّاته، لأنّه لا يدفع به المقدور، ولا يتّقى به المحذور، إن أخبر المنجّم بالبلاء لم ينجه التحرّز من القضاء، وإن أخبر هو بخير لم يستطع تعجيله، وإن حدث به سوء لم يمكنه صرفه، والمنجّم يضادّ اللّه في علمه بزعمه أنّه يردّ قضاء اللّه عن خلقه»(5).

قيل: هذا الخبر وإن كان فيه إشعار بكونها علامات، لكن يدلّ على نفي تأثيرها، وعدم جواز الاعتماد [عليها] حتّى في اختيارات الساعة(6).

منها: ما رواه الصدوق في الخصال بإسناده عن أبي الحصين، قال: سمعت أبا عبداللّه عليه السلام

ص: 61


1- الخصال، ج 2، ص 489، ح 68
2- الاحتجاج، ج 2، ص 352
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 38 (زجر)
4- القاموس المحيط، ج 3، ص 179 (عوف)
5- الاحتجاج، ج 2، ص 93
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 470

يقول: «سئل رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن الساعة، فقال: عند إيمان بالنجوم، وتكذيب بالقدر»(1).

ومنها: ما رواه في الخصال أيضا بإسناده عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ عليهم السلام ، قال: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أربعة لا تزال في اُمّتي إلى يوم القيامة: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة» (2). الحديث.

أقول: المراد الاستسقاء بتأثيرات النجوم.

قيل: هذان الخبران يدلّان على عدم جواز الاعتقاد بأحكام النجوم، ويحتمل أن يكون المراد اعتقاد تأثيرها(3).

منها: ما رواه أيضا بإسناده عن الباقر، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام ، قال: «نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن خصال _ إلى أن قال _ : وعن النظر في النجوم»(4).

أقول: لعلّ المراد بالنظر التأمّل في استخراج الأحكام منها، ويحتمل إرادة الأعمّ منه ومن تعليمها وتعلّمها، وظاهر النهي الحرمة.

ومنها: ما رواه أيضا بإسناده عن نصر بن قابوس، قال: سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول: «المنجّم ملعون، والكاهن والساحر ملعون، والمغنّية ملعونة، ومن آواها وأكل كسبها ملعون».

وقال عليه السلام : «المنجّم كالكاهن، والكاهن كالساحر، والساحر كالكافر، والكافر في النار»(5).

وقال الصدوق رحمه الله بعد ذكر هذا الخبر: «المنجّم الملعون هو الذي يقول بقدم الفلك، ولا يقول بمفلكه وخالقه عزّ وجلّ»(6).

منها: ما رواه السيّد ابن طاووس رحمه الله في كتاب فتح الأبواب، قال:

ذكر الشيخ الفاضل محمّد بن علي بن محمّد في كتابٍ له في العمل ما هذا لفظه: دعاء الاستخارة عن الصادق عليه السلام تقوله بعد فراغك من صلاة الاستخارة، تقول: «اللَّهُمَّ إنّك خلقت أقواما يلجئون إلى مطالع النجوم لأوقات حركاتهم وسكونهم

ص: 62


1- الخصال، ج 1، ص 62، ح 87
2- . الخصال، ج 1، ص 226، ح 60
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 470
4- الخصال، ج 1، ص 417، ح 10
5- الخصال، ج 1، ص 297، ح 67
6- نفس المصدر، ذيل الحديث

وتصرّفهم وعقدهم، وخلقتني أبرأُ إليك من اللّجإ إليها، ومن طلب الاختيارات بها، وأيقن أنّك لم تطلع أحدا على غيبك في مواقعها، ولم تسهّل له السبيل إلى تحصيل أفاعيلها، وأنّك قادرٌ على نقلها في مدارتها في مسيرها عن السّعود العامّة والخاصّة إلى النحوس، ومن النحوس الشاملة والمفردة إلى السعود؛ لأنّك تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك اُمّ الكتاب، ولأنّها خلقٌ من خلقك، وصنعةٌ من صنيعك (1). ، وما أسعدت من اعتمد على مخلوقٍ مثله، واستمدّ الاختيار لنفسه، وهم اُولئك، ولا أشقيت من اعتمد على الخالق الذي أنت هو، لا إله إلّا أنت وحدك لا شريك لك، وأسألُك بما تملكه وتقدر عليه، وأنت به ملي وعنه غنيّ، وإليه غير محتاج، وبه غير مكترث، من الخيرة الجامعة للسلامة والعافية والغنيمة لعبدك» إلى آخر الدّعاء(2).

منها: ما رواه السيّد أيضا في كتاب فرج المهموم بإسناده عن محمّد بن يعقوب الكليني _ طاب ثراه _ وأنّه قال في كتاب تعبير الرؤيا بإسناده عن محمّد بن غانم، قال: قلتُ أبو عبداللّه عليه السلام : قومٌ يقولون: إنّ النجوم أصحّ من الرؤيا؟ [فقال عليه السلام :] «وذلك كان صحيح حين لم ترد الشمس على يوشع بن نون وعلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فلمّا ردّ اللّه _ عزّ وجلّ _ الشمس عليهما، ضلَّ فيهما علماء النجوم، فمنهم مُصيبٌ ومنهم مخطئ»(3).

منها: ما رواه السيّد أيضا من كتاب نوادر الحكمة تأليف محمّد بن أحمد بن عبداللّه القمّي، رواه عن الرضا عليه السلام ، قال: قال أبو الحسن عليه السلام للحسن بن سهل: «كيف حسابك للنجوم؟» فقال: ما بقي منها شيء إلّا وقد تعلّمته.

فقال أبوالحسن عليه السلام : «كم لنور الشمس على نور القمر فضل درجة، وكم لنور القمر على نور المشتري فضل درجة، وكم لنور المشتري على نور الزهرة فضل درجة؟».

فقال: لا أدري.

فقال: «ليس في يدك شيء، [إنّ] هذا أيسره»(4).

قيل: يفهم منه أنّ لأمثال هذه مدخلاً في الأحكام النجوميّة، والمنجّمون لا يعرفونها، فلا يجوز إخبارهم بما لا يعرفون حقيقتها(5).

ص: 63


1- . في المصدر: «صنعتك»
2- فتح الأبواب، ص 198
3- فرج المهموم، ص 87
4- فرج المهموم، ص 93
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 474

منها: ما رواه السيّد من كتاب التوقيعات للحميري، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، بإسناده قال: كتب مصقلة بن إسحاق إلى عليّ بن جعفر رقعة يعلمه فيها أنّ المنجّم كتب ميلاده، ووقّت عمره وقتا، وقد قارب ذلك الوقت وخاف على نفسه، فأوصل عليّ بن جعفر رقعته إلى الكاظم عليه السلام ، فكتب عليه السلام إليه رقعة طويلة أمره فيها بالصوم والصِّلة والبرّ والصدقة والاستغفار، وكتب في آخرها: «فقد واللّه ساءنا أمره فوق ما أصف، على أنّي أرجو أن يزيد اللّه في عمره، ويبطل قول المنجّم فيما اطّلعه على الغيب، والحمدُ للّه »(1).

منها: ما رواه الصدوق في الفقيه بسندٍ صحيح عن ابن أبي عمير أنّه قال: كنت أنظر في النجوم وأعرفُها وأعرف الطالع، فيدخلني من ذلك شيء، فشكوت ذلك إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليهماالسلام، فقال: «إذا وقع في نفسك شيء، فتصدّق على أوّل مسكين، ثمّ امض؛ فإنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ يدفع عنك»(2).

أقول: هذا الخبر كسابقه يدلّ على أنّ تأثيرها من حيث تأثّر النفس بها، وأنّه يمكن دفع هذا الأثر بالصدقة.

منها: ما رواه في الفقيه أيضا بسندٍ حَسن عن عبد الملك بن أعين، قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إنّي قد ابْتُليتُ بهذا العلم، فاُريد الحاجة، فإذا نظرت إلى الطالع ورأيت الطالعَ الشرّ، جلست ولم أذهب فيها؛ وإذا رأيت الطالع الخير، ذهبت في الحاجة؟

فقال لي: «تقضي؟» قلت: نعم. قال: «أحرقْ كُتُبَك»(3).

قال بعض العلماء:

وذلك لأنّ كثيره لا يدرك، وقليله لا ينفع، ولأنّ حكمة اللّه تقتضي أن لا يعلم الناس الاُمور قبل وقوعها؛ لأنّ العلم بها قبل وقوعها يؤدّي في الأكثر إلى الفساد إلّا لأهل التّقى، وقليلٌ ما هم، ولهذا حرّم الكهانة ونحوها، انتهى(4).

وأقول: الظاهر أنّ قوله عليه السلام : «تُقضى» بالبناء للمفعول، والمستتر فيه راجع إلى الحاجة، واحتمال كونه بصيغة المخاطب المعلوم؛ أي تحكم للناس بأمثال ذلك، وتخبرهم بأحكام

ص: 64


1- فرج المهموم، ص 114
2- الفقيه، ج 2، ص 269، ح 2406
3- الفقيه، ج 2، ص 269، ح 2406
4- قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي، ج 26، ص 521

النجوم وسعدها ونحسها، بعيد جدّا، كما أنّ تأويل الخبر بأنّ المراد تحكم بأنّ للنجوم تأثيرا تعسّف وتحكّم.

منها: ما رواه عليّ بن إبراهيم في تفسيره، بإسناده عن أبي عبد الرحمن السلمي: أنّ عليّا عليه السلام قرأ بهم الواقعة: «وتجعلون شكركم أنّكم تكذّبون»، فلمّا انصرف قال: «إنّي قد عرفت أنّه سيقول قائل: لِمَ قرأ هكذا قرأتها؛ لأنّي سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقرؤها كذلك، وكانوا إذا أمطروا قالوا: أمطرنا بنَوء كذا وكذا، فأنزل اللّه : وتجعلون شكركم أنّكم تكذّبون»(1).

أقول: في هذا الخبر دلالة صريحة بعدم جواز استثناد الحوادث على تأثيرات النجوم وأوضاعها.

قال الجوهري: النّوء: سقوط نجم من المنازل في المغرب مع الفجر، وطلوع رقيبه من المشرق، يقابله من ساعته في كلّ ليلة إلى ثلاثة عشر يوما، وهكذا كلّ نجم منها إلى انقضاء السنة، ما خلا الجبهة، فإنّ لها أربعة عشر يوما.

قال أبو عبيد: ولم نسمع في النّوء أنّه السقوط إلّا في هذا الموضع، وكانت العرب تضيف الأمطار والرياح والحرّ والبرد إلى الساقط منها.

وقال الأصمعي: إلى الطالع منها [في سلطانه] فتقول: مطرنا بنوء كذا. والجمع: أنواء، ونواءن، مثل عبد وعبدان، وبطن وبطنان(2).

منها: ما رواه الصدوق في معاني الأخبار بإسناده عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال: «ثلاثة من عمل الجاهليّة: الفخر بالأنساب، والطعن في الأحساب، والاستسقاء [بالأنواء]»(3).

منها: ما رواه العيّاشي مرسلاً عن يعقوب بن شعيب، قال: سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن قوله تعالى: «وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّه ِ إِلَا وَهُمْ مُشْرِكُونَ» ؟ (4). قال: «كانوا يمطرون (5). بنوء كذا وبنوء كذا، ومنهم أنّهم كانوا يأتون الكهّان، فيصدّقونهم بما يقولون»(6).

ص: 65


1- تفسير القمّي، ج 2، ص 349
2- الصحاح، ج 1، ص 79 (نوأ)
3- معاني الأخبار، ص 326، ح 1
4- . يوسف (12): 106
5- . في المصدر: «يقولون نمطر «بدل» يمطرون»
6- تفسير العيّاشي، ج 2، ص 199، ح 91

منها: ما رواه الكليني عن أبا عبداللّه عليه السلام : كان بيني وبين رجلٍ قسمة أرض، وكان الرجل صاحب نجوم، وكان يتوخّى ساعة السّعود، فيخرج فيها، وأخرج أنا في ساعة النحوس، فاقتسمنا، فخرج لي خير القسمين، فضرب الرجل يده اليُمنى على اليُسرى، ثمّ قال: ما رأيت كاليوم قطّ. قلت: ما ذاك؟ قال: إنّي صاحب نجوم، أخرجتُك في ساعة النحوس، وخرجتُ أنا في ساعة السعود، ثمّ قسمنا فخرج لك خيرُ القسمين.

فقلت: ألا اُحدّثك بحديث حدّثني أبي، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «من سَرّه أن يدفع اللّه عنه نحس يومه فليفتتح يومه بصدقة يُذهب اللّه بها [عنه] نحس يومه، ومَن أحبّ أن يذهب اللّه عنه نحس ليلته فليفتتح ليلته بصدقة يدفع اللّه عنه بليلته». فقلت: إنّي افتتحتُ خروجي بصدقة، فهذا خيرٌ لك من النجوم(1).

قيل: هذا الخبر يدلّ على أنّه لو كان لها نحوسة، فهي تدفع بالصدقة، وأنّه لا ينبغي مراعاتها، بل ينبغي التوسّل في دفع أمثال ذلك بما ورد عن المعصومين عليهم السلام من الدّعاء والصدقة والتوكّل على اللّه (2).

منها: ما رواه السيّد ابن طاووس، قال: وجدت في أصل من اُصول أصحابنا اسمه كتاب التجمّل، بإسناده عن جميل، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال: «كان قد علم نبوّة نوح عليه السلام بالنجوم»(3).

قال بعض الأفاضل:

هذا الخبر مرسلاً ويدلّ على أنّه يمكن أن يعرف بعض الأشياء بالنجوم، ولا يدلّ على جواز النظر في علمها، واستخراج الأحكام منها، وكذا الأخبار التي أوردها بأنّ ولادة إبراهيم عليه السلام عُرفت بالنجوم، وكذا بعثة النبيّ صلى الله عليه و آله وغيرها من الحوادث، إذ شيء منها لا يعارض أخبار المنع ولا ينافيها(4).

أقول: وكذا لا يدلّ هذه الأخبار وأمثالها على كون النجوم مؤثّرة، إذ يجوز كونها علامات لحدوث تلك الآثار، كما سنبيّنه فيما بعد إن شاء اللّه .

منها: ما رواه السيّد أيضا في رسالة النجوم، قال:

وجدتُ في كتاب عتيق عن عطاء، قال: قيل لعليّ بن أبي طالب عليه السلام : هل كان للنجوم

ص: 66


1- الكافي، ج 4، ص 6، ح 9
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 480
3- فرج المهموم، ص 24
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 470

أصل؟ قال: «نعم، نبيّ من الأنبياء قال له قومه: إنّا لا نؤمن لك حتّى تعلّمنا بدء الخلق وآجالها، فأوحى اللّه _ عزّ وجلّ _ إلى غمامة فأمطرتهم، واستنقع حول الجبل ماءً صافيا، ثمّ أوحى اللّه _ عزّ وجلّ _ إلى الشمس والقمر والنجوم أن تجري في ذلك الماء، ثمّ أوحى اللّه إلى ذلك النبيّ عليه السلام أن يرتقي هو وقومه على الجبل، فارتقوا الجبل فقاموا على الماء حتّى عرفوا بدء الخلق وآجالهم بمجاري الشمس والقمر والنجوم وساعات الليل والنهار، وكان أحدهم يعلم من يموت، ومتى يمرض، ومن ذا الذي يولد له، ومن ذا الذي لا يولد له، فبقوا كذلك برهة من دهرهم، ثمّ إنّ داود عليه السلام قاتلهم على الكفر، فأخرجوا على داود عليه السلام في القتال من لم يحضر أجله ومن حضر أجله خلّفوه في بيوتهم، فكان يقتل أصحاب داود عليه السلام ، ولا يقتل من هؤلاء أحدٌ، فقال داود عليه السلام : ربِّ اُقاتل على طاعتك، ويُقاتل هؤلاء على معصيتك، يقتل أصحابي ولا يقتل من هؤلاء أحد، فأوحى اللّه _ عزّ وجلّ _ : إنّي كنت علّمتهم بدء الخلق والآجال، إنّما أخرجوا إليك من لم يحضر أجله ومن حضر أجله خلّفوه في بيوتهم، فمن ثمّ يقتل من أصحابك ولا يقتل منهم أحد. قال داود عليه السلام : يا ربِّ، ماذا علّمتهم؟ قال: على مجاري الشمس والقمر والنجوم وساعات الليل والنهار». قال: «فدعا اللّه _ عزّ وجلّ _ فحبس الشمس عليهم، فزاد في النهار واختلطت الزيادة بالليل والنهار، فلم يعرفوا قدر الزيادة فاختلط حسابهم». وقال عليّ عليه السلام : «فمن ثمّ كره النظر في علم النجوم»(1).

قال بعض الأفاضل: هذا الحديث مع إرساله وضعفه يدلّ على أنّ لهذا العلم كانت حقيقة، فبطلت في الآن، وظاهر التعليل والتفريع أن تكون الكراهة هنا بمعنى الحرمة، انتهى(2).

وفيه نظر.

منها: ما رواه في نهج البلاغة في ذيل خطبة الأشباح في صفة السماء: «وجعل شمسها آية مبصرة لنهارها، وقمرَها آية مَمْحوّة من ليلها _ إلى أن قال: _ وأجراها على أذلال تَسخيرها من ثَبات ثابتهاء ومسير سائرها، وهبوطها وصعودها، ونحوسها وسعودها»(3).

ص: 67


1- فرج المهموم، ص 22 (مع اختلاف في بعض الألفاظ)
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 473
3- نهج البلاغة، ص 127، الخطبة 91

قال الجوهري: «يُقال: دَعْهُ على أذلاله، أي على حاله. واُمور اللّه جارية على أذلالها، أي على مجاريها وطرقها»(1).

أقول: فيه دلالة على أنّ للكواكب سعدا ونحسا، ولا يدلّ على إمكان إحاطة علم غير المعصوم بهما، فلا منافاة بينه وبين الأخبار السابقة.

منها: ما رواه ابن طاووس رحمه الله قال: رويت بعدّة طرق إلى يونس بن عبد الرحمن في جامعه الصغير قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : جُعلت فداك، أخبرني عن علم النجوم ما هو؟

قال: «هو علمٌ من علم الأنبياء».

قال: فقلت: أ كان عليّ بن أبي طالب عليه السلام يعلمه؟ فقال: «كان أعلم الناس به»(2).

منها: ما رواه السيّد أيضا في كتاب مسائل الصباح بن نضر الهندي، ورواية أبي العبّاس بن نوح، ومحمّد بن أحمد الصفواني، بالإسناد المتّصل فيه عن الريّان بن الصلت: أنّ الصباح سأل الرضا عليه السلام عن علم النجوم، فقال: «هو علمٌ في أصل صحيح، ذكروا [أنّ] أوّل كلّ من تكلّم في النجوم إدريس عليه السلام ، وكان ذو القرنين به ماهرا، وأصل هذا العلم من عند اللّه عزّ وجلّ، ويُقال: إنّ اللّه بعث المنجّم الذي يُقال له: «المشتري» إلى الأرض في صورة رجل، فأتى بلد العجم، فعلّمهم في حديثٍ طويل، فلم يستكملوا ذلك، فأتى بلد الهند، فعلّم رجلاً منهم، فمن هناك صار علم النجوم بها.

وقد قال قوم: هو علمٌ من علم الأنبياء، وخصّوا به لأسبابٍ شتّى، فلم يتدرك المنجّمون الدقيق منها، فشابوا الحقّ بالكذب»(3).

أقول: آخر هذا الخبر صريح باختصاص هذا العلم بالأنبياء عليهم السلام ، وإن كان في بعض فقراته إشعارٌ بخلاف ذلك، لكن فيها شائبة من التقيّة، كما لا يخفى على مَن له معرفة بأساليب الأخبار الواردة عن أهل البيت عليهم السلام ، سيّما ورود هذا الخبر في زمن استيلاء المأمون وخوضه وولوعه بفنون الفلسفة، واهتمامه في ترويجها فيما بين الناس مشهور، وفي كتب السِّير مسطور.

منها: ما رواه السيّد المذكور في كتاب فرج المهموم عن كتاب نزهة الكرام وبستان العوام تأليف محمّد بن الحسين بن الحسن المرادي: أنّ هارون الرشيد أنفذ على موسى بن

ص: 68


1- الصحاح، ج 4، ص 1702 (ذلل)
2- فرج المهموم، ص 23
3- فرج المهموم، ص 94

جعفر عليهماالسلام فأحضره، فلمّا حضر عنده قال: إنّ الناس ينسبونكم يا بني فاطمة إلى علم النجوم، وإنّ معرفتكم بها معرفةٌ جيّدة، وفقهاء العامّة يقولون: إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال: إذا ذكر أصحابي فاسكتوا، وإذا ذكر القدر فاسكتوا، وإذا ذكر النجوم فاسكتوا، وأمير المؤمنين [عليٌّ ]كان أعلم الخلائق بعلم النجوم وأولادُه وذرّيّته، الذين تقول الشيعة بإمامتهم كانوا عارفين بها، فقال له الكاظم عليه السلام : هذا حديثٌ ضعيف، وإسناده مطعون فيه، واللّه _ تبارك وتعالى _ قد مدح النجوم، ولولا أنّ النجوم صحيحة ما مدحها اللّه عزّ وجلّ، والأنبياء عليهم السلام كانوا عاملين بها، وقد قال اللّه تعالى في حقّ إبراهيم خليل الرحمن: «وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ» »(1). وقال في موضعٍ آخر: «فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ» (2). ، وقال: «إدريس عليه السلام كان أعلم زمانه بالنجوم، واللّه تعالى قد أقسم بها وقال: «فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ* وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ» (3). ، وقال في موضعٍ [آخر]: «وَالنَّازِعَاتِ غَرْقا» (4). مع قوله: «فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرا» (5). ويعني بذلك اثني عشر برجا، وسبعة سيّارات، والذي يظهر بالليل والنهار [هي] بأمر اللّه عزّ وجلّ، وبعد علم القرآن ما يكون أشرف من علم النجوم، وهو علم الأنبياء والأوصياء وورثة الأنبياء، الذين قال اللّه عزّ وجلّ: «وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ» (6). ، ونحن نعرف هذا العلم وما ننكره».

فقال له هارون: باللّه عليك يا موسى، هذا العلم لا تظهروه عند الجهّال وعوامّ الناس حتّى لا يشقون عليك ويفتتن العوام به، وغطّ هذا العلم، وارجع إلى حرم جدّك(7).

أقول: هذا الخبر مع إرسال سنده لا ينافي اختصاص هذا العلم بأهل العصمة عليهم السلام ، وفي قوله عليه السلام : «ونحن نعرف هذا العلم وما ننكره» إيماء إلى ذلك، كما لا يخفى.

منها: ما رواه السيّد عن كتاب معاوية بن حكيم، عن محمّد بن زياد، عن محمّد بن يحيى الخثعمي، قال: سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن النجوم [أ] حقٌّ هي؟ قال لي: «نعم». فقلت له: وفي الأرض مَن يعلمها؟ قال: «نعم، في الأرض من يعلمها»(8).

ص: 69


1- الأنعام (6): 75
2- الصافّات (37): 88 _ 89
3- . الواقعة (56): 75 _ 76
4- . النازعات (79): 1
5- . النازعات (79): 5
6- . النحل (16): 16
7- فرج المهموم، ص 108 (مع تلخيص واختلاف في اللفظ)
8- فرج المهموم، ص 91

أقول: الكلام في هذا الخبر كالكلام في سابقه.

منها: ما رواه السيّد عن الكتاب المذكور مرسلاً عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال: «في السماء أربعة نجوم ما يعلمها إلّا أهل بيتٍ من العرب وأهل بيتٍ من الهند، يعرفون منهما نجما واحدا، فلذلك قام حسابهم»(1).

أقول: أنت خبير بأنّ كون أهل بيت من الهند عارفا بنجمٍ واحد من الأربعة، لا يدلّ على إحاطة علمهم بالنجوم وكونهم كاملين فيها، بل يدلّ على خلاف ذلك، وأيضا لا دلالة فيه على جواز النظر فيها، والعمل بها، والإخبار بأحكامها.

منها: ما رواه السيّد عن كتاب الدلائل لعبداللّه بن جعفر الحميري، بإسناده عن بيّاع السابري، قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إنّ لي في النظرة في النجوم لذّة، وهي معيبة عند الناس، فإن كان فيها إثم تركت ذلك، وإن لم يكن فيها إثم فإنّ لي فيها لذّة؟

قال: فقال: «تعدّ الطّوالع؟»

قلت: نعم، فعددتها له.

فقال: «كم تسقى الشمس من نورها القمر؟»

قلت: هذا شيء لم أسمعه قطّ.

فقال: «وكم تسقى الزهرة الشمس من نورها؟»

قلت: ولا هذا.

قال: «فكم تسقى الشمس من اللّوح المحفوظ من نوره؟».

قلت: وهذا شيءٌ ما أسمعه قطّ.

قال: فقال: «هذا شيء إذا عرفه الرجل عرف أوسط قصبة في الاجمة». ثمّ قال: «ليس يعلم النجوم إلّا أهل بيتٍ من قريش وأهل بيت من الهند»(2).

منها: ما رواه السيّد من كتاب التجمّل، بإسناده عن حفص بن البختري، قال: ذكرت النجوم عند أبي عبداللّه عليه السلام فقال: «ما يعلمها إلّا أهل بيت بالهند وأهل بيت من العرب»(3).

منها: ما رواه السيّد من الكتاب المذكور عن محمّد وهارون ابني أبي سهل، أنّهما كتبا إلى

ص: 70


1- فرج المهموم، ص 91
2- فرج المهموم، ص 97
3- فرج المهموم، ص 100

أبي عبداللّه عليه السلام : أنّ أبانا وجدّنا كانا ينظران في النجوم، فهل يحلّ النظر فيها؟ قال: «نعم»(1).

وفيه أيضا أنّهما كتبا إليه: نحن وُلد نوبخت المنجّم، وقد كتبنا إليك: هل يحلّ النظر فيها؟

فكتبت: نعم. والمنجِّمون يختلفون في صفة الفلك؛ فبعضهم يقول: إنّ الفلك فيه النجوم والشمس والقمر معلّق [بالسماء] وهو دون السماء، وهو الذي يدور بالنجوم والشمس والقمر، وأنّها لا تتحرّك ولا تدور. و[بعضهم] يقولون: دوران الفلك تحت الأرض، وإنّ الشمس تدور مع الفلك تحت الأرض فتغيب في المغرب تحت الأرض، وتطلع بالغداة من المشرق، فكتب عليه السلام : «نعم، ما لم يخرج من التوحيد»(2).

أقول: الظاهر أنّ المراد بالنجوم في هذا الخبر علم الهيئة، لا الأحكام النجومي، فيدلّ على جواز النظر في الهيئة ما لم يخلّ بالتوحيد.

منها: ما رواه السيّد عن الكتاب المذكور هكذا: أبو محمّد، عن الحسن بن عمر، عن أبيه، (3). عن أبي عبداللّه عليه السلام في قوله تعالى: «يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ» ، (4). قال: «كان القمر منحوسا بزحل»(5).

هذا الخبر يدلّ على نحوسة بعض أوضاع الكواكب ونظراتها، ولا يدلّ على نحوسة زحل، فلا ينافي ما مرّ من خبر أبان بن تغلب.

منها: ما رواه محمّد بن شهرآشوب في كتاب المناقب مرسلاً عن أبي بصير، قال: رأيت رجلاً يسأل أبا عبداللّه عليه السلام عن النجوم، فلمّا خرج من عنده قلت له: هذا علمٌ له أصل؟ قال: «نعم».

قلت: حدِّثني عنه؟ قال: «اُحدّثك عنه [بالصعب] يا سعد، ولا اُحدّثك بالنحس، إنّ اللّه _ جلّ اسمه _ فرض صلاة الفجر لأوّل ساعة، فهو فرض، وهي سعد، وفرض الظهر لسبع ساعات وهو فرض، وهي سعد، وجعل العصر لتسع ساعات، وهو فرض، وهي سعد»(6).

قال بعض الأفاضل: «يدلّ هذا الخبر على أنّ له أصل، ولا ينبغي طلبه وتحصيله والنظر فيه إلّا بقدر ما يعلم به أوقات الفرائض»(7).

ص: 71


1- فرج المهموم، ص 100
2- فرج المهموم، ص 100
3- . في المصدر: - «عن أبيه»
4- . القمر : 19
5- فرج المهموم، ص 100 و 101
6- المناقب، ج 4، ص 265
7- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 477

أقول: هذه جملة من الأخبار الوارده في هذا الباب، وتركنا بعضها خوفا من الإطناب، ونرجو من اللّه سبحانه أن يكون فيما أوردناه هنا مع ما يتعلّق بكلّ منها غنىً وكفاية لطالبي الحقّ والصواب، ولنذكر نبذة من مذهب الأصحاب لتكون تبصرةً وذكرى لاُولي الألباب.

قال الشيخ المفيد _ قدّس اللّه روحه _ في كتاب المقالات على ما نقل عنه السيّد ابن طاووس رحمه الله:

أقول: إنّ الشمس والقمر وسائر النجوم أجسام ناريّة، لا حياة لها ولا موت، خلقها اللّه تعالى لينتفع بها عباده، وجعلها زينة لسماواته، وآية من آياته، كما قال سبحانه: «هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّه ُ ذَلِكَ إِلَا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْايَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ» (1). ، وقال تعالى: «وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ» (2). ، وقال تعالى: «وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ» (3). ، فأمّا الأحكام على الكائنات بدلالتها والكلام على مدلول حركاتها، فإنّ العقل لا يمنع منه، ولسنا ندفع أن يكون اللّه تعالى أعلمه بعض أنبيائه وجعله علما له على صدقه، (4). غير انّا لا نقطع عليه، ولا نعتقد استمراره في الناس إلى هذه الغاية، وأمّا ما نجده من أحكام المنجِّمين في هذا الوقت وإصابة بعضهم فيه، فإنّه لا ينكر أن يكون ذلك بضرب من التجربة وبدليل عادة، وقد يختلف أحيانا، ويخطئ المعتمد عليه كثيرا، ولا تصحّ إصابته فيه أبدا؛ لأنّه ليس بجارٍ مجرى دلائل العقول ولا براهين الكتاب و[لا ]أخبار الرسول صلى الله عليه و آله ، وهذا مذهب جمهور المتكلِّمين من متكلِّمي أهل العدل، وإليه ذهب بنو نوبخت _ رحمهم اللّه _ من الإماميّة، وأبو القاسم، وأبو عليّ من المعتزلة، انتهى(5).

وقال السيّد المرتضى رضى الله عنه في جواب المسائل السلّاريّة بعدما أبطل كونها مؤثّرة بالأدلّة والبراهين:

وأمّا الوجه الآخر، وهو أن يكون اللّه تعالى أجرى العادة بأن يفعل أفعالاً مخصوصة عند طلوع كوكب أو غروبه واتّصاله أو مفارقته. وقد بيّنا أنّ ذلك ليس بمذهب

ص: 72


1- . يونس (10): 5
2- . النحل (16): 16
3- . فصّلت (41): 12
4- . في المصدر: - «ولسنا _ إلى قوله: - على صدقه»
5- اوائل المقالات، ص 264؛ فرج المهموم، ص 38

المنجِّمين البتّة، وإنّما يتجمّلون الآن بالظاهر، وأنّه قد كان جائزا أن يجري اللّه العادة بذلك، لكن لا طريق إلى العلم بأنّ ذلك قد وقع وثبت.

ومن أين لنا طريق أنّ اللّه تعالى أجرى العادة بأن يكون زحل والمرّيخ إذا كان في درجة الطالع كان نحسا، وأنّ المشتري إذا كان كذلك كان سعدا؟! وأيّ سمع مقطوع به جاء بذلك؟! وأيّ بنيّ خبّر به واستفيد من جهته؟! فإن عوّلوا في ذلك على التجربة بأنّا جرّبنا ذلك ومن كان قبلنا، فوجدناه على هذه الصفة، وإذا لم يكن موجبا فيجب أن يكون معتادا. قلنا: ومن سلّم لكم صحّة هذه التجربة وانتظامها واطّرادها، وقد رأينا خطأكم فيها أكثر من صوابكم، وصدقكم أقلّ من كذبكم، فألّا نسبتم الصحّة إذا اتّفقت منكم إلى الاتّفاق الذي يقع من المخمّن والمرجّم. فقد رأينا من يصيب من هؤلاء أكثر ممّا يخطئ، وهو على غير أصلٍ معتمد ولا قاعدة صحيحة. فإن قلتم: سبب خطأ المنجّم زلل دخل عليه في أخذ الطالع أوّل سير الكواكب.

قلنا: ولِمَ لا كانت أصابته سببها الاتّفاق والتخمين، وإنّما كان يصحّ لكم هذا التأويل والتخريج لو كان على صحّة أحكام النجوم دليلٌ قاطع هو غير إصابة المنجّم، فأمّا إذا كان دليل صحّة الأحكام الإصابة، فألّا كان دليل فسادها الخطأ [فما أحدهما في المقابلة إلّا كصاحبه].

[و]ممّا أفحم به القائلون بصحّة الأحكام، ولم يتحصّل عنه منهم جواب، إن قيل لهم في شيء بعينه: خذوا الطالع، واحكموا هل يؤخذ أو يُترك، فإن حكموا إمّا بالأخذ أو الترك خُولفوا خلاف ما خبّروا به، وقد أعضلتهم هذه المسألة والتعريف.

ثمّ قال رحمه الله ما معناه: إنّ معجزات الأنبياء عليهم السلام إخبارهم بالغيوب، فكيف يقدر عليها غيرهم؟ فيصير ذلك مانعا أن يكون ذلك معجزا لهم.

ثمّ قال رحمه الله:

والفرق بين ذلك وبين ما يخبرون به من تأثير الكواكب في أجسامنا، فالفرق بين الأمرين أنّ الكسوفات واقترانات الكواكب وانفصالها طريقه الحساب وسير الكواكب، وله اُصول صحيحة وقواعد سديدة. وليس كذلك ما يدّعونه من تأثير الكواكب الخير والشرّ والنفع والضرّ.

ولو لم يكن في الفرق بين الأمرين إلّا الإصابة الدائمة المتّصلة في الكسوفات وما يجري مجراها، فلا يكاد يبيّن [فيهما ]خطأ البتّة، فإنّ الخطأ المعهود الدائم إنّما هو

ص: 73

في الأحكام الباقية، حتّى أنّ الصواب هو العزيز فيها، وممّا يتّفق فيها من إصابة فقد يتّفق من المخمّن أكثر منه، فحمل أحد الأمرين على الآخر قلّة دين وحياء(1).

وقال رضى الله عنه في كتاب الغرر والدرر نحوا من ذلك وأشبع القول فيه، وقال في تضاعيف ما استدلّ به على عدم كون الكواكب مؤثّرة:

وأقوى من ذلك كلّه في نفي كون الفلك وما فيه من شمس وقمر وكوكب أحياءا، السمع والإجماع، وأنّه لا خلاف بين المسلمين في ارتفاع الحياة عن الفلك وما يشتمل عليه من الكواكب، وأنّها مسخّرة مدبّرة مصرّفة، وذلك معلوم من دين رسول اللّه صلى الله عليه و آله ضرورة(2).

وقال في آخر كلامه:

قد أجمع المسلمون قديما وحديثا على تكذيب المنجّمين والشهادة بفساد مذاهبهم وبطلان أحكامهم، ومعلوم من دين الرسول صلى الله عليه و آله ضرورة التكذيب بما يدّعيه المنجّمون، والإزراء عليهم والتعجيز لهم، وفي الروايات عنه صلى الله عليه و آله من ذلك ما لا يُحصى كثرةً، وكذا عن علماء أهل البيت عليهم السلام وخيار أصحابه، فما زالوا يبرؤون من مذاهب المنجّمين ويعدّونها ضلالاً ومحالاً، وما اشتهر هذه الشهرة في دين الإسلام كيف يغتر بخلافه منتسب إلى الملّة، ومصلّ إلى القبلة، انتهى(3).

وأمّا السيّد ابن طاووس رحمه الله فقد عمل في هذا الباب رسالة، وبالغ فيها في الإنكار على كون النجوم ذوات إرادة أو فاعلة أو مؤثّرة، واستدلّ عليه بدلائل، ونقل كلام جماعة من الأفاضل تأييدا لما ذهب إليه، لكن أثبت كونها علامات ودلالات على ما يحدث من الحوادث والكائنات، بحيث يجوز للقادر الحكيم أن يغيّرها ويبدّلها لأسبابٍ ودواعي على وفق إرادته وحكمته، وجوّز تعليمها وتعلّمها والنظر فيها(4).

وقال العلّامة رحمه الله في كتاب منتهى المطلب:

التنجيم حرام، وكذا تعلّم النجوم مع اعتقاد أنّها مؤثّرة، أو أنّ لها مدخلاً في التأثير بالنفع والضرّ.

ص: 74


1- رسائل المرتضى، ج 2، ص 304 _ 311
2- نقل عنه العلّامة المجلسي رحمه الله في بحار الأنوار، ج 55، ص 282 _ 290
3- بحار الأنوار، ج 55، ص 289
4- اُنظر: فرج المهموم، ص 1 _ 260

وبالجملة: كلّ من لم يعتقد ربط الحركات النفسانيّة والطبيعيّة بالحركات الفلكيّة والاتّصالات [الكوكبيّة] كامز، وأخذ الاُجرة على ذلك حرام، وأمّا من يتعلّم النجوم ليعرف قدم سير الكواكب وبعده وأحواله من الربيع والخريف وغيرهما فإنّه لا بأس به(1). ونحوه قال في التحرير (2). والقواعد(3). وقال الشهيد رحمه الله في قواعده: كلّ من اعتقد في الكواكب أنّها مدبّرة لهذا العالم، وموجدة ما فيه، فلا ريب أنّه كافر. وإن اعتقد أنّها تفعل الآثار المنسوبة إليها، واللّه سبحانه هو المؤثّر الأعظم، كما يقوله أهل العدل، فهو مخطئ؛ إذ لا حياة لهذه الكواكب ثابتة بدليل عقلي ولا نقلي. وبعض الأشعريّة يكفّرون هذا، كما يكفّرون الأوّل(4). وأوردوا على أنفسهم عدم إكفار المعتزلة، وكلّ من قال بفعل العبد. وفرّقوا بأنّ الإنسان وغيره من الحيوان يوجد فعله مع أنّ التذلّل ظاهر عليه، (5). فلا يحصل منه اهتضام لجانب الربوبيّة، بخلاف الكواكب؛ فإنّها غائبة عنه، فربما أدّى ذلك إلى اعتقاد استقلالها وفتح باب الكفر.

وأمّا ما يُقال من أنّ استناد الأفعال إليها كاستناد الإحراق إلى النار وغيرها من العاديّات؛ بمعنى أنّ اللّه تعالى أجرى عادته أنّها إذا كانت [على شكل ]مخصوص، أووضع مخصوص، تفعل ما ينسب إليها، ويكون ربط المسبّبات بها كربط مسبّبات الأدوية والأغذية بها مجازا، باعتبار الربط العادي، لا الفعل الحقيقي، فهذا لا يكفر معتقده، ولكنّه مخطئ أيضا، وإن كان أقلّ خطأً من الأوّل؛ لأنّ وقوع هذه الآثار عندها ليس بدائم ولا أكثري، انتهى(6).

وقد نقلنا كلامه رحمه اللهمن الدروس في ضمن شرح الحديث، فتذكّر.

وقال المحقّق الشيخ عليّ رحمه الله:

التنجيم: الإخبار عن أحكام النجوم باعتبار الحركات الفلكيّة والاتّصالات الكوكبيّة التي مرجعها إلى القياس والتخمين _ إلى أن قال: _ وقد ورد عن صاحب الشرع

ص: 75


1- منتهى المطلب، ج 2، ص 1014
2- . اُنظر: تحرير الأحكام، ج 2، ص 261
3- اُنظر: قواعد الأحكام، ج 2، ص 9
4- حكي عن بعض الفقهاء المعاصرين للشيخ عزّ الدين بن عبد السلام (م 660ه). اُنظر: الفروق اللغويّة، ج 1، ص 126
5- . في المصدر: «التذلّل والعبوديّة ظاهرة عليه»
6- القواعد والفوائد، ج 2، ص 35 و 36

النهي عن تعلّم النجوم بأبلغ وجوهه، حتّى قال أمير المؤمنين عليه السلام : «إيّاكم وتعلّم النجوم إلّا ما يهتدى به في برٍّ أو بحر؛ فإنّها تدعو إلى الكهانة، والمنجّم كالكاهن، والكاهن كالساحر، والساحر كالكافر، والكافر في النار»(1).

إذا تقرّر ذلك فاعلم أنّ التنجيم مع اعتقاد أنّ للنجوم تأثيرا في الموجودات السفليّة ولو على جهة المدخليّة حرام، وكذا تعلّم النجوم على هذا الوجه، بل هذا الاعتقاد كفرٌ في نفسه، نعوذ باللّه منه.

أمّا التنجيم لا على هذا الوجه مع التحرّز عن الكذب فإنّه جائز، فقد ثبت كراهيّة التزويج وسفر الحجّ في العقرب، وذلك من هذا القبيل. نعم، هو مكروه، لأنّه ينجرّ إلى الاعتقاد الفاسد، وقد ورد النهي عنه مطلقا حسما للمادّة(2).

وقال الشيخ البهائي رحمه الله:

ما يدّعيه المنجّمون من ارتباط بعض الحوادث السفليّة بالأجرام العلويّة إن زعموا أنّ تلك الأجرام هي العلّة المؤثّرة في تلك الحوادث بالاستقلال، أو أنّها شريكة في التأثير، فهذا لا يحلّ للمسلم اعتقاده. وعلم النجوم المبتني على هذا كفر، والعياذ باللّه ، وعلى هذا حمل ما ورد في الحديث من التحذير من علم النجوم والنهي عن اعتقاد صحّته.

وإن قالوا: إنّ اتّصالات تلك الأجرام وما يعرض لها من الأوضاع علامات على بعض حوادث هذا العالم ممّا يوجده اللّه سبحانه بقدرته وإرادته، كما أنّ حركات النبض واختلافات أوضاعه علامات يستدلّ بها الطبيب على ما يعرض للبدن من قرب الصحّة واشتداد المرض ونحو ذلك، وكما يستدلّ باختلاج [بعض] الأعضاء على بعض الأحوال المستقبلة، فهذا لا مانع منه، ولا حرج في اعتقاده.

وما روي من صحّة علم النجوم وجواز تعلّمه محمولٌ على هذا المعنى، انتهى(3). ثمّ اعلم يا أخي _ وفّقك اللّه للرّشاد والسداد _ أنّ ما رويناه من الأخبار، منه آياتٌ محكمات هُن اُمّ الكتاب، واُخر متشابهات، فإن أمعنت النظر في محكماته، ورددت إليها متشابهاته، واتّبعت سبيل المؤمنين، ولم تشقّ عصا المسلمين، وقلت «لَا أُحِبُّ الْافِلِينَ»، (4). و

ص: 76


1- نهج البلاغة، ج 1، ص 129، الكلام 79
2- جامع المقاصد، ج 4، ص 32
3- الحديقة الهلاليّة، ص 139 و 140
4- الأنعام (6): 76

«يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِى ءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ* إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ» (1). كنت من المتّقين الموحِّدين، الذين طوبى لهم وحسن مآب، «جَنَّ_تِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَ بُ» ، (2). وأمّا «الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَ_بَهَ مِنْهُ ابْتِغَآءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَآءَ تَأْوِيلِهِ» ، (3). بل «عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * أَجَعَلَ الْالِهَةَ إِلَها وَاحِدا إِنَّ هَذَا لَشَىْ ءٌ عُجَابٌ * وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَىْ ءٌ يُرَادُ* مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْاخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَا اخْتِلَاقٌ» ، (4). «أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ* أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ* جُندٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنْ الْأَحْزَابِ * كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ* وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ أُوْلَئِكَ الْأَحْزَابُ* إِنْ كُلٌّ إِلَا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ» (5).

متن الحديث الرابع والثلاثين والمائتين

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ قِرْوَاشٍ الْجَمَّالُ ، قَالَ :

سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام عَنِ الْجِمَالِ يَكُونُ بِهَا الْجَرَبُ : أَعْزِلُهَا مِنْ إِبِلِي مَخَافَةَ أَنْ يُعْدِيَهَا جَرَبُهَا ، وَالدَّابَّةِ رُبَّمَا صَفَرْتُ لَهَا حَتّى تَشْرَبَ الْمَاءَ؟

فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «إِنَّ أَعْرَابِيّا أَتى رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللّهِ ، إِنِّي أُصِيبُ الشَّاةَ وَالْبَقَرَةَ وَالنَّاقَةَ بِالثَّمَنِ الْيَسِيرِ وَبِهَا جَرَبٌ ، فَأَكْرَهُ شِرَاءَهَا مَخَافَةَ أَنْ يُعْدِيَ ذلِكَ الْجَرَبُ إِبِلِي وَغَنَمِي؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : يَا أَعْرَابِيُّ ، فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : لَا عَدْوى ، وَلَا طِيَرَةَ ، وَلَا هَامَةَ ، وَلَا شُؤْمَ ، وَلَا صَفَرَ ، وَلَا رَضَاعَ بَعْدَ فِصَالٍ ، وَلَا تَعَرُّبَ بَعْدَ هِجْرَةٍ ، (6) وَلَا صَمْتَ يَوْما إِلَى اللَّيْلِ ، وَلَا طَلَاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ ، وَلَا عِتْقَ قَبْلَ مِلْكٍ ، وَلَا يُتْمَ بَعْدَ إِدْرَاكٍ» .

ص: 77


1- الأنعام (6): 78 و 79
2- ص (38): 50
3- آل عمران (3): 7
4- ص (38): 4 _ 7
5- ص (38): 9 _ 14
6- . في بعض نسخ الكافي: «الهجرة»

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (النضر بن قِرواش).

في القاموس: «القِرواش _ بالكسر _ : الطفيلي، والعظيم الرأس»(1).

(عن الجمال يكون بها الجرب).

هو بالتحريك: داءٌ معروف.

(أعزلها) عن أهلي (مخافة أن يُعديها جربُها).

الضمير الأوّل والثالث للجمال، والثاني للإبل.

و«جرب» فاعل «يُعدّي».

في القاموس: «أعدى الأمر: جاوز غيره إليه»(2).

وقال الجوهري:

«العَدْوى: ما يُعدى من جرب وغيره، وهي مجاوزته من صاحبه إلى غيره. يقال: أعدى فلان فلانا من خلقه، أو من علّةٍ به، أو جرب. وفي الحديث: لا عَدوى، أي لا يعدى شيء شيئا(3).

(والدابّة ربّما صفرت لها حتّى تشرب الماء)

هذا سؤال آخر؛ يعني هل يجوز الصفر للدابّة أم لا؟ في القاموس: «الصفير من الأصوات، وقد صفره يصفر صفيرا وصفر وبالحمار: دعاه للماء»(4).

وفي النهاية: «الصّفير: هو الصوت بالفم والشفتين»(5).

(يا أعرابي، فمن أعدى الأوّل).

المستتر في «أعدى» راجع إلى الموصول، و«الأوّل» مفعوله، أي ممّن حصل فيه الجرب.

توهّم الأعرابي أنّ المرض يتعدّى بنفسه، فردّ عليه السلام ما توهّمه، وأعلمه بأنّه ليس كذلك، بل

ص: 78


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 284 (قرش)
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 360 (عدو)
3- الصحاح، ج 6، ص 2421 (عدو)
4- القاموس المحيط، ج 2، ص 71 (صفر)
5- النهاية، ج 3، ص 36 (صفر)

هو بمشيئة اللّه عزّ وجلّ، ومنه الدّاء والشفاء.

وقوله: (لا عدوى).

قال في النهاية:

فيه: لا عدوى، ولا صفر. العدوى: اسم من الإعداء، كالرعوى والبقوى من الإرعاء والابقاء. يُقال: أعداه الداء يُعديه إعداء، وهو أن يصيبه مثل ما بصاحب الدّاء، وذلك أن يكون ببعير جرب مثلاً فتّتقي مخالطته بإبل اُخرى، حذرا أن يتعدّى إليها ما به من الجرب، فيصيبها ما أصابه. وقد أبطله الإسلام؛ لأنّهم كانوا يظنّون أنّ المرض بنفسه يتعدّى، فأعلمهم النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه ليس الأمر كذلك، وإنّما اللّه تعالى هو الذي يُمرض ويُنزل الداء، ولهذا قال في بعض الأحاديث: فمن أعدى الأوّل، أي من أين صار فيه الجرب، انتهى(1).

وقال الطّيبي:

العدوى: مجاوزة العلّة، أو الخلق إلى الغير، وهو بزعم أهل الطبّ في سبع: الجذام، والجرب، والجدري، والحصبة، والبخر، والرمد، والأمراض الوبائيّة. فأبطله الشرع، أي لا تسري علّته إلى شخص. وقيل: بل نفى استقلال تأثيره، بل هو متعلّق بمشيئة اللّه تعالى، ولذا منع من مقاربته كمقاربة الجدار المائل والسفينة المعيبة. وأجاب الأوّلون: بأنّ النهي عنها للشفقة خشية أن يعتقد حقّيّته إن اتّفق إصابة عاهة(2).

أقول: توضيح المقام ما قيل إنّه اختلف في قوله عليه السلام : «لا عدوى»، فحمله الأكثر على أنّ المراد به إبطاله في نفسه كما هو الظاهر.

وقيل: ليس المراد إبطاله في نفسه، وقد قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «فرّ من المجذوم فرارك من الأسد»، وإنّما المراد نفي ما يعتقدونه من أنّ تلك العلل المعدية مؤثّرة بنفسها مستقلّة في التأثير، فأعلمهم أنّ الأمر ليس كذلك، وإنّما هو بمشيئته _ عزّ وجلّ _ وفعله، وبيّن بقوله: «فرّ من المجذوم» أنّ مخالطة ذي العلّة أحد أسباب العلّة، فليتّق كما يتّقى الجدار المائل(3). وقد يرجّح الثاني لما فيه من التوفيق بين الأحاديث والاُصول الطبيّة التي ورد الشرع باعتبارها على وجه لا يناقض اُصول التوحيد. وأجاب

ص: 79


1- النهاية، ج 3، ص 192 (عدو)
2- نقل عنه العلّامة المجلسي رحمه الله في بحار الأنوار، ج 55، ص 319
3- ذهب إليه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 246 و 247

الأوّلون عن حديث الفرار بأنّه عليه السلام أمر بالفرار من المجذوم خوفَ أن يقع في العلّة اتّفاقا، فيعتقد أنّ العدوى حقّ وله حقيقة(1).

وبالجملة: المراد نفي استقلال العدوى بدون مدخليّة مشيئة اللّه عزّ وجلّ، بل مع الاستعاذة باللّه لصرفه عنه، فلا ينافي الأمر بالفرار من المجذوم وأمثاله لعامّة الناس الذين لضعف يقينهم لا يستعيذون به تعالى، وتتأثّر نفوسهم بأمثاله.

وقد روي أنّ عليّ ابن الحسين عليهماالسلام أكل مع المجذومين، ودعاهم إلى طعامه، وشاركهم في الأكل(2).

وقيل: الجذام مستثنى من هذه الكلّيّة(3).

(ولا طيرة).

هذه كسابقها يحتمل الوجهين. وقيل: المراد أنّه لا يجوز التطيّر، أي الفأل الرديء والتشاؤم به بتأثير الاُمور على الاستقلال، بل مع قوّة النفس وعدم التأثّر بها والتوكّل على اللّه تعالى يرتفع تأثيرها، ويؤيّده ما ورد في بعض الأدعية من الاستعاذة منها(4).

قال ابن الأثير:

فيه: لا عدوى، ولا طيرة؛ الطيرة _ بكسر الطاء وفتح الياء، وقد تسكن _ : هي التشاؤم بالشيء، وهو مصدر تطير طيرة، وتخير خيرة، ولم يجئ من المصادر هكذا غيرهما، وأصله فيما يقال: التطيّر بالسوانح والبوارح من الطير والظباء وغيرهما. وكان ذلك يصدّهم عن مقاصدهم، فنفاه الشرع، وأبطله ونهى عنه، وأخبر أنّه ليس له تأثير في جلب نفع أودفع ضرّ(5).

وقال الجوهري: برح الظبي بالفتح بروحا: إذا أولاك مياسره يمرّ من ميامنك إلى مياسرك، والعرب تتطيّر بالبارح وتتفاءل بالسانح؛ لأنّه لا يمكنك أن ترميه حتّى تنحرف(6).

وقال:

السنيح والسانح: ما ولّاك ميامنه من ظبي أو طائر أو غيرهما. تقول: سنح لي

ص: 80


1- . ولا يخفى على ذي قريحة أنّ هذا التأويل ركيك، ومعنى الحديث ما قالوا، واللّه أعلم
2- اُنظر: بحار الأنوار، ج 55، ص 319
3- نقله العلّامة المجلسي رحمه الله في بحار الأنوار، ج 55، ص 319
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 97
5- النهاية، ج 3، ص 152 (طير)
6- الصحاح، ج 1، ص 356 (برح)

الظبي يسنح سنوحا: إذا مرَّ مياسرك إلى إلى ميامنك. [والعرب] تتيمّنَ بالسانح وتتشاءم بالبارح(1).

(ولا هامة).

قال في النهاية:

فيه: لا عدوى، ولا هامة. الهامة: الرأس، واسم طائر. وهو المراد في الحديث؛ وذلك أنّهم كانوا يتشاءمّون بها، وهي من طير الليل. وقيل: هي البومة. وقيل: إنّ العرب كانت تزعم أنّ روح القتيل الذي لا يدرك بثأره تصير هامة، فتقول: أسقوني أسقوني، فإذا أدرك بثأره طارت. وقيل: كانوا يزعمون أنّ عظام الميّت. وقيل: روحه تصير هامة فتطير، ويسمّونه الصدى، فنفاه الإسلام ونهاهم عنه. وذكره الهروي في الهاء والواو، وذكره الجوهري في الهاء والياء، انتهى(2).

ونقل عن المازري: أنّ المشهور في الهامة تخفيف الميم. وقيل بالتشديد، واختلف في تأويلها، ثمّ ذكر الأقوال التي ذكرها ابن الأثير، ثمّ قال: «البومة هي الطائر المعروف، وكانوا يرون أنّها إذا سقطت على دار أحد يراها ناعية لنفسه، أو لبعض أهله»(3).

(ولا شؤم).

الشؤم _ بالضمّ وسكون الهمزة _ : نقيض اليُمن. وهذا كالتأكيد للسابق.

وقيل: كانوا يعتقدون أنّ هذه الدار شؤم: يعني أنّ سكناها سببٌ للضرر والهلاك إذا شاهدوا ذلك مرارا، وأنّ هذا الرجل [والمرأة ]والغلام والفرس شؤم لعدم الفوز بالمطالب، أو وجدان الضرر عند رؤيتهم، أو لغير ذلك، فنفاه عليه السلام ؛ لأنّه أمرٌ وهمي لا تأثير له في نفس الأمر، ولو فرض تأثير ما، فإنّما هو مستند إلى التوهّم، ولو أرادوا بشؤم الدار ضيقها وسوء جيرانها أو غير ذلك من الاُمور التي توجب نقصان الميل إليها، وبشؤم الفرس نقص كماله، وبشؤم الغلام والمرأة عدم موافقتهما إلى غير ذلك من الاُمور المنفّرة للطبع، فلذلك أمر آخر أذن الشارع لمَن كره شيئا منها أن يتركه ويستبدل منه ما تطيب به نفسه.

ص: 81


1- الصحاح، ج 1، ص 356 (برح)
2- النهاية، ج 5، ص 283 (هوم)
3- نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 260

فإن قلت: الفاختة شؤم، لقول الصادق عليه السلام لابنه إسماعيل حين رآها في بيته: «هذا الطير المشؤوم أخرجوه؛ فإنّه يقول فقدتكم، فافقدوه قبل أن يفقدكم، فكيف يصحّ [نفي] الشوم على الإطلاق؟ قلت: شؤم الفاختة لأمر محقّق وهو الدّعاء على صاحب البيت بالهلاك. والمقصود نفي الشؤم المستند إلى مجرّد التوهّم وسوء الظنّ(1).

(ولا صفر).

قال في النهاية: فيه: لا عدوى، ولا هامة، ولا صفر. كانت العرب تزعم أنّ في البطن حيّة يُقال لها الصَفَر، تصيب الإنسان إذ جاع وتؤذيه، وأنّها تعدي، فأبطل الإسلام ذلك. وقيل: أراد به النسئ الذي كانوا يفعلونه في الجاهليّة، وهو تأخير المحرّم إلى صفر، ويجعلون الصفر هو الشهر الحرام، فأبطله، انتهى(2).

وقيل: المراد الشهر المعروف، كانوا يتشاءمون بدخوله؛ لزعمهم أنّه تكثر فيه الدواهي والفتن، فنفاه الشارع(3).

وقال في القاموس:

الصفر _ بالتحريك _ : داءٌ في البطن يصفر الوجه، وتأخير المحرّم إلى صفر، ومنه: «لا صفر»، أو من الأوّل لزعمهم أنّه يعدي، وحيّة في البطن تلزق بالضلوع فتعضها، أو دابّة تعض الضلوع والشراسيف، أو دود في البطن، كالصُّفار بالضم، والجوع.

وصفر: الشهر بعد المحرّم، وقد يمنع، انتهى(4).

وقيل: يحتمل أن يكون المراد هنا النهي عن الصفير للدابّة، (5) وهو بعيد جدّا. والظاهر أنّ جوابه سقط من الرواية، ويظهر من بعض الأخبار كراهته.

(ولا رَضاع بعد فصال).

قال الجوهري: «فصلتُ الرضيع عن اُمّه فصالاً: إذا فطمته» (6). أي لا حكم للرِّضاع بعد

ص: 82


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 260. والحديث المذكور رواه الكليني رحمه الله في الكافي، ج 6، ص 551
2- النهاية، ج 3، ص 35 (صفر)
3- قاله الطريحي رحمه الله في مجمع البحرين، ج 3، ص 367 (صفر)
4- القاموس المحيط، ج 2، ص 71 (صفر) مع التلخيص
5- . حكاه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 258
6- . الصحاح، ج 5، ص 1790 (فصل)

انقضاء المدّة التي يتحقّق فيها الرضاع شرعا، وهي حولان كاملان، فلو حصل الحدّ المعتبر في الرضاع كلّاً أو بعضا بعد تلك المدّة لم ينشر حرمته. ونقل عن الشهيد الإجماع على ذلك، (1).

وخلاف ابن الجنيد لا يقدح لتأخّره عنه(2).

(ولا تعرّب بعد هجرة).

قال في النهاية:

التعرّب: هو أن يعود إلى البادية ويُقيم مع الأعراب بعد أن كان مهاجرا، و كان من رجع بعد الهجرة إلى موضعه من غير عذر يعدّونه كالمرتدّ(3). وقال الجوهري: «الهجرة والمهاجرة من أرض إلى أرض: تركَ الاُولى للثانية»(4).

وقال بعض الشارحين:

الهجرة تُطلق على معان:

الأوّل: الانتقال من البَدْو والقرى وغيرها من المساكن إلى مدينة الرسول صلى الله عليه و آله لنصرته، وهي تنقسم إلى قسمين:

الأوّل إنشاؤها قبل الفتح. ولا خلاف في وجوبها، وتحريم التعرّب بعدها وقبل الفتح عند الخاصّة والعامّة. قال الصادق عليه السلام : «التعرّب بعد الهجرة من الكبائر»(5). وأمّا تعرّبه بعد الفتح، فالظاهر أنّه أيضا حرام للاستصحاب، ولظاهر ما نقلناه عن الصادق عليه السلام . ويحتمل عدمه؛ لكثرة الناصر وقوّة الدِّين بعد الفتح احتمالاً بعيدا. والعامّة اختلفوا في تحريمه بعده؛ قال الآبي: «المجمع على حرمته من التعرّب ما كان في زمن النبيّ صلى الله عليه و آله قبل الفتح، وأمّا بعده فقيل: يسقط فرض المقام بالمدينة(6).

وثانيهما إنشاؤها بعد الفتح في حياة النبيّ صلى الله عليه و آله ووجوب الهجرة وتحريم التعرّب بعدها محتمل لتحقّق كثرة الناصر، ولم يحضرني الآن قول من علمائنا وحديث من رواياتنا في ذلك، واختلفت العامّة فيه. قال القرطبي: «الهجرة بعد الفتح، قيل: إنّها واجبة. وقيل: مندوبة»(7). أقول: يدلّ على الثاني ما رواه مسلم عنه صلى الله عليه و آله أنّه قال: «لا

ص: 83


1- . اُنظر: الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 225
2- اُنظر: مختلف الشيعة، ج 2، ص 633
3- النهاية، ج 3، ص 202 (عرب)
4- الصحاح، ج 2، ص 851 (هجر)
5- اُنظر: بحار الأنوار، ج 85، ص 60
6- لم نعثر على قوله
7- تفسير القرطبي، ج 5، ص 308

هجرة بعد الفتح»؛ (1). إذ الظاهر أنّ معناه لا إنشاء هجرة بعده، ويبقى النظر في إدامتها على ما مرّ.

الثاني: الانتقال من دار الكفر إلى الإسلام.

قال الشهيد الثاني: «هذا الحكم باقٍ إلى اليوم؛ إذ لم تنقطع الهجرة بعد الفتح عندنا»(2).

أقول: قوله «عندنا» يشعر بانقطاع الهجرة بهذا المعنى عند العامّة، وليس كذلك. قال المارزي: «قال العلماء: إنّ الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام واجبة إلى قيام الساعة، وعلى هذا لا يجوز للمسلم دخول بلد الكفر إلّا لضرورة في الدِّين كالدخول لفداء المسلم»، (3). وقد أبطل مالك شهادة من دخل دار الحرب للتجارة، هذا كلامه.

الثالث: الانتقال من البَدو والقرى إلى الأمصار لتحصيل علوم الدِّين؛ فإنّ الغالب من أهل القرى والبَدْو الجفاء والغلظة، لكن في تحريم التعرّب بعد الهجرة وتكميل النفس محلّ كلام، انتهى(4).

(ولا صمت يوما إلى الليل) أي لا يجوز التعبّد بصوم الصمت، وهو أن ينوي الصوم ساكتا إلى الليل، وهو حرام في شرعنا، لا الصوم ساكتا بدون جعله وصفا للصوم بالنيّة.

(ولا طلاق قبل نكاح).

كأن يقول: إذا زوّجت فلانة فهي طالق، فلا يقع هذا الطلاق ولا حكم له.

وقس عليه قوله صلى الله عليه و آله : (ولا عتق قبل ملك، ولا يُتْمَ بعد إدراك) أي بلوغ.

يُقال: أدرك الغلام: إذا بلغ. وفي القاموس:

اليُتُم _ بالضمّ _ : فقدان الأب، ويُحرّك. وفي البهائم: فقدان الاُمّ. وقد يتم _ كضرب وعلم _ يتما، ويفتح، وهو يتيم ويتمان: ما لم يبلغ الحُلم، انتهى(5). أي يرتفع الأحكام المتعلّقة باليتيم من كونه محجورا عليه، ومولّى عليه، ونحوهما بعد بلوغه.

ص: 84


1- صحيح مسلم، ج 6، ص 28
2- مسالك الأفهام، ج 1، ص 316
3- . لم نعثر على قوله في موضع
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 261 (مع التلخيص)
5- القاموس المحيط، ج 4، ص 193 (تيم)

متن الحديث الخامس و الثلاثين و المائتين

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ (1) ، قَالَ :قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «الطِّيَرَةُ عَلى مَا تَجْعَلُهَا، إِنْ هَوَّنْتَهَا تَهَوَّنَتْ ، وَإِنْ شَدَّدْتَهَا تَشَدَّدَتْ ، وَإِنْ لَمْ تَجْعَلْهَا شَيْئا لَمْ تَكُنْ شَيْئا» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (الطيرة على ما تجعلها، إن هوّنتها) _ أي سهّلتها، وخففتها (تهوّنت، وإن شددتها تشدّدت).

التشديد: خلاف التخفيف.

(وإن لم تجعلها شيئا لم تكن شيئا).

فيه دلالة على أنّ الطيرة لا حقيقة لها، بل هو أمرٌ وهمي، فمن كانت له نفس قويّة ولم يَعْتَنِ بها وبتأثيرها لم يتأثّر أصلاً، ومَن كانت نفسه ضعيفة واعتنى بها وعدّها شيئا، فربّما يتأثّر منها.

متن الحديث السادس والثلاثين و المائتين

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّوْفَلِيِّ ، عَنِ السَّكُونِيِّ :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : كَفَّارَةُ الطِّيَرَةِ التَّوَكُّلُ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (كفّارة الطيرة التوكّل).

لعلّ المراد أنّ التوكّل على اللّه تعالى وتفويض الاُمور إليه يدفع تأثير الطيرة في النفس والأهل والمال، كما ترفع الكفّارة تأثير الذنب، أو أنّ التوكّل عليه تعالى يكفّر ذنب ما خطر

ص: 85


1- هو عمرو بن حريث الصيرفي. اُنظر: رجال النجاشي، ص 289، الرقم 775

بالبال من التشاءمّ بالأشياء التي نهى عن التشاءم بها.

قال ابن الأثير في النهاية: ومنه الحديث: الطيرة شرك، وما منّا ولكنّ اللّه يذهبه بالتوكّل. كذا جاء في الحديث مقطوعا، ولم يذكر المستثنى؛ أي إلّا وقد يعتريه التطيّر وتسبق إلى قلبه الكراهة. فحذف اختصارا واعتمادا على فهم السامع. وإنّما جعل الطيرة من الشرك؛ لأنّهم كانوا يعتقدون أنّ التطيّر يجلب لهم نفعا، أو يدفع عنهم ضرّا إذا عملوا بموجبه، فكأنّهم أشركوه مع اللّه تعالى في ذلك.

وقوله: «ولكن اللّه يذهبه بالتوكّل» معناه إذا خطر له عارض التطيّر، فتوكّل على اللّه تعالى، وسلّم إليه، ولم يعمل بذلك الخاطر غفره اللّه له، ولم يؤاخذه به، انتهى(1).

متن الحديث السابع و الثلاثين و المائتين

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ وَغَيْرِهِ ، عَنْ بَعْضِهِمْ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ؛ وَبَعْضِهِمْ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام :فِي قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ» (2).

فَقَالَ : «إِنَّ هؤُلَاءِ أَهْلُ مَدِينَةٍ مِنْ مَدَائِنِ الشَّامِ ، وَكَانُوا سَبْعِينَ أَلْفَ بَيْتٍ ، وَكَانَ الطَّاعُونُ يَقَعُ فِيهِمْ فِي كُلِّ أَوَانٍ ، فَكَانُوا إِذَا أَحَسُّوا بِهِ خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ الْأَغْنِيَاءُ لِقُوَّتِهِمْ ، وَبَقِيَ فِيهَا الْفُقَرَاءُ لِضَعْفِهِمْ ، فَكَانَ الْمَوْتُ يَكْثُرُ فِي الَّذِينَ أَقَامُوا ، وَيَقِلُّ فِي الَّذِينَ خَرَجُوا ، فَيَقُولُ الَّذِينَ خَرَجُوا : لَوْ كُنَّا أَقَمْنَا لَكَثُرَ فِينَا الْمَوْتُ ، وَيَقُولُ الَّذِينَ أَقَامُوا : لَوْ كُنَّا خَرَجْنَا لَقَلَّ فِينَا الْمَوْتُ» .

قَالَ : «فَاجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ جَمِيعا أَنَّهُ إِذَا وَقَعَ الطَّاعُونُ فِيهِمْ وَأَحَسُّوا بِهِ خَرَجُوا كُلُّهُمْ مِنَ الْمَدِينَةِ ، فَلَمَّا أَحَسُّوا بِالطَّاعُونِ خَرَجُوا جَمِيعا ، وَتَنَحَّوْا عَنِ الطَّاعُونِ حَذَرَ الْمَوْتِ ، فَسَارُوا فِي الْبِلَادِ مَا شَاءَ اللّهُ .

ثُمَّ إِنَّهُمْ مَرُّوا بِمَدِينَةٍ خَرِبَةٍ قَدْ جَلَا (3) أَهْلُهَا عَنْهَا ، وَأَفْنَاهُمُ الطَّاعُونُ ، فَنَزَلُوا بِهَا ، فَلَمَّا حَطُّوا رِحَالَهُمْ وَاطْمَأَنُّوا بِهَا ، (4) قَالَ لَهُمُ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ : مُوتُوا جَمِيعا ، فَمَاتُوا مِنْ سَاعَتِهِمْ ، وَصَارُوا رَمِيما يَلُوحُ (5) ، وَكَانُوا عَلى طَرِيقِ الْمَارَّةِ ، فَكَنَسَتْهُمُ الْمَارَّةُ ، فَنَحَّوْهُمْ وَجَمَعُوهُمْ فِي مَوْضِعٍ ، فَمَرَّ بِهِمْ

ص: 86


1- النهاية، ج 3، ص 152 (طير) مع التلخيص
2- . البقرة (2): 243
3- . في بعض نسخ الكافي: «قد خلا»
4- . في بعض نسخ الكافي: - «بها»
5- . في أكثر نسخ الكافي والوافي: «تلوح»

نَبِيٌّ مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهُ : حِزْقِيلُ ، (1). فَلَمَّا رَأى تِلْكَ الْعِظَامَ بَكى وَاسْتَعْبَرَ ، وَقَالَ : يَا رَبِّ ، لَوْ شِئْتَ لَأَحْيَيْتَهُمُ السَّاعَةَ كَمَا أَمَتَّهُمْ ، فَعَمَرُوا بِلَادَكَ ، وَوَلَدُوا عِبَادَكَ ، وَعَبَدُوكَ مَعَ مَنْ يَعْبُدُكَ مِنْ خَلْقِكَ . فَأَوْحَى اللّهُ تَعَالى إِلَيْهِ : أَفَتُحِبُّ ذلِكَ؟ قَالَ : نَعَمْ يَا رَبِّ فَأَحْيِهِمْ» (2).

قَالَ : «فَأَوْحَى اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ إِلَيْهِ (3) : أَنْ قُلْ كَذَا وَكَذَا ، فَقَالَ الَّذِي أَمَرَهُ (4). اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ أَنْ يَقُولَهُ» فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «وَهُوَ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ ، فَلَمَّا قَالَ حِزْقِيلُ (5) ذلِكَ الْكَلَامَ ، نَظَرَ إِلَى الْعِظَامِ يَطِيرُ بَعْضُهَا إِلى بَعْضٍ ، فَعَادُوا أَحْيَاءً يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ ، يُسَبِّحُونَ اللّهَ _ عَزَّ ذِكْرُهُ _ وَيُكَبِّرُونَهُ وَيُهَلِّلُونَهُ ، فَقَالَ حِزْقِيلُ (6). عِنْدَ ذلِكَ : أَشْهَدُ أَنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» .

قَالَ عُمَرُ بْنُ يَزِيدَ : فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «فِيهِمْ نَزَلَتْ هذِهِ الْايَةُ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله تعالى: «أَلَمْ تَرَ» .

قال البيضاوي: تعجيب وتقرير لمَن سمع بقصّتهم من أهل الكتاب وأرباب التواريخ، وقد يخاطب به من لم ير ولم يسمع؛ فإنّه صار مثلاً في التعجّب.

«إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ» ؛ يريد أهل داوردان قرية قبل واسط وقع فيها طاعون، فخرجوا هاربين، فأماتهم اللّه ثمّ أحياهم ليعتبروا ويتيقّنوا أن لا مفرّ من قضاء اللّه وقدره.

وقيل: إنّ (7) قوما من بني إسرائيل دعاهم ملكهم إلى الجهاد، فهربوا حذر الموت، فأماتهم اللّه ثمانية أيّام ثمّ أحياهم.

«وَهُمْ أُلُوفٌ» ؛ أي ألوف كثيرة. قيل: عشرة. وقيل: ثمانون(8). وقيل: سبعون. [وقيل: ]متألّفون، جمع إلف وآلف، كقاعد وقعود، والواو للحال.

ص: 87


1- . في بعض نسخ الكافي: «حزقيل» بتقديم الخاء المعجمة
2- في بعض نسخ الكافي: «فأحياهم اللّه » بدل «فأحيهم»
3- . في بعض نسخ الكافي: - «إليه»
4- . في بعض نسخ الكافي: «أمر»
5- . في بعض نسخ الكافي: «خرقيل»
6- . في بعض نسخ الكافي: «خرقيل»
7- . في المصدر: «أو» بدل «و قيل: إنّ»
8- في المصدر: «ثلاثون»

«حَذَرَ الْمَوْتِ» ، مفعول له.

«فَقَالَ لَهُمْ اللّه ُ مُوتُوا» ؛ أي قال لهم اللّه : موتوا، فماتوا، كقوله: «كُنْ فَيَكُونْ» (1).

و إنّما لم يقل: «فأماتهم اللّه » للدلالة على أنّهم ماتوا ميتة رجل واحد من غير علّة بمشيئته وأمره، وتلك ميتة خارجة عن العادة، كأنّهم اُمروا بشيء فامتثلوه امتثالاً من غير إباء ولا توقّف، كقوله: «كُنْ فَيَكُونْ» .

وقيل (2) : ناداهم به ملك، وإنّما أسند إلى اللّه تخويفا وتهويلاً.

«ثُمَّ أَحْيَاهُمْ» . قيل: مرَّ حزقيل عليه السلام على أهل داوردان، وقد عريت عظامهم، وتفرّقت أوصالهم، فتعجّب وحمد اللّه ، فأوحى اللّه إليه ناد فيهم: أن قوموا بإذن اللّه ، فنادى، فقاموا يقولون: سبحانك اللّهمّ وبحمدك، لا إله إلّا أنت.

وفائدة القصّة تشجيع المسلمين على الجهاد، والتعرّض للشهادة، وحثّهم على التوكّل والاستسلام لقضاء اللّه ، انتهى(3).

وقال الشيخ الطبرسي في تفسير هذه الآية:

«أَلَمْ تَرَ)؛ أي ألم تعلم يا محمّد، أو يا أيّها السامع، أولم ينته علمك إلى خبر هؤلاء.

«الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ» ؛ قيل: هم قوم من بني إسرائيل فرّوا من طاعون وقع بأرضهم، عن الحسن.

وقيل: فرّوا من الجهاد، وقد كتب عليهم، عن الضحّاك ومقاتل. واحتجّا بقوله عقيب الآية: «وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّه ِ» .

وقيل: هم قوم حزقيل، وهو ثالث خلفاء بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام ؛ وذلك أنّ القيّم بأمر بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام كان يوشع بن نون، ثمّ كالب بن يوقنا، ثمّ حزقيل.

وقد كان يُقال له ابن العجوز؛ وذلك أنّ اُمّه كانت عجوزا، فسألت اللّه الولد، وقد كَبَرَت وعَقَمت، فوهب اللّه سبحانه لها.

وقال الحسن: هو ذو الكفل، وإنّما سمّي حزقيل ذا الكفل؛ لأنّه كفل سبعين نبيّا نجّاهم من القتل، وقال لهم: اذهبوا فإنّي إن قُتلت كان خيرا من أن تقتلوا جميعا، فلمّا جاء اليهود وسألوا حزقيل عن الأنبياء السبعين، قال: إنّهم ذهبوا فلا أدري أين

ص: 88


1- تفسير البيضاوي، ج 1، ص 541
2- . إدامة قول البيضاوي فى تفسيره
3- تفسير البيضاوى، ج 1، ص 541 و 542

هُم، ومنع اللّه ذا الكفل منهم.

«وَهُمْ أُلُوفٌ» ؛ أجمع أهل التفسير على أنّ المراد بألوف [هنا] كثرة العدد، إلّا ابن يزيد؛ فإنّه قال: معناه: خرجوا مؤتلفي القلوب لم يخرجوا عن تباغض، فجعله جمع آلف، مثل قاعد وقعود وشاهد وشهود.

واختلف من قال المراد به العدد الكثير، فقيل: كانوا ثلاثة آلاف، عن عطاء الخراساني. وقيل: ثمانية آلاف، عن مقاتل والكلبي. وقيل: عشرة آلاف، عن أبي روق. وقيل: بضعة وثلاثين ألفا، عن السدّي، وقيل: أربعين ألفا، عن ابن عبّاس وابن جريج. وقيل: سبعين ألفا، عن عطاء بن أبي رياح. وقيل: كانوا عددا كثيرا، عن الضحّاك. والذي: يقتضي [به] الظاهر أنّهم كانوا أكثر من عشرة آلاف؛ لأنّ بناء «فعول» للكثرة، وهو ما زاد على العشرة وما نقص عنها، يُقال: فيه عشرة آلاف، ولا يُقال: فيه عشرة ألوف.

«حَذَرَ الْمَوْتِ» ؛ أي من خوف الموت.

«فَقَالَ لَهُمْ اللّه ُ مُوتُوا» ؛ قيل في معناه قولان؛

أحدهما: أنّ معناه: أماتهم اللّه ، كما يُقال: قالت السماء، فهطلت. معناه: فهطلت السماء. وقلت برأيي كذا، ومعناه: أشرت برأسي وبيدي. وذلك لما كان القول في الأكثر استفتاحا للفعل، كالقول الذي هو تسمية وما جرى مجراه ممّا كان يستفتح به الفعل، صار معناه: قالت السماء فهطلت، أي استفتحت بالهَطل (1) ، كذلك معناه هاهنا: فاستفتح اللّه بإماتتهم.

والثاني: أنّ معناه: أماتهم اللّه بقول سمعته الملائكة لضرب من العبرة. ثُمَّ أَحْيَاهُمْ اللّه بدعاء نبيّهم حزقيل، عن ابن عبّاس، وقيل: إنّه شمعون نبيّ من أنبياء بني إسرائيل، انتهى(2).

(وصاروا رميما يلوح).

الجملة صفة «رميما»، أي: صاروا عظاما بالية خالية من الجلد واللحم، ظاهرة مكشوفة أو متلألاة.

قال الجوهري: الرمّة _ بالكسر _ : العظام البالية. والجمع: رِمَم ورِمام. تقول منه: رمّ العظم يَرِمّ _

ص: 89


1- . في المصدر: «بالهطلان»
2- تفسير مجمع البيان، ج 2، ص 132 و 133

بالكسر _ رمّة، أي بلى، فهو رميم. وإنّما قال تعالى: «مَنْ يُحْىِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ» (1). ؛ لأنّ فعيلاً وفعولاً قد يستوي فيهما المذكّر والمؤنّث والجمع، مثل رسول وعدوّ وصديق(2)

وفي القاموس: «أ لاح: بدا. وسُهَيْل: تلألأ»(3).

وفي بعض النسخ: «عظاما» بدل «رميما».

(يُقال له حزقيل) بتقديم الحاء المهملة على الزاء المعجمة.

وفي القاموس: «حِزقِل [أو حزقيل] _ كزبرج وزنبيل _ : اسم نبيّ من الأنبياء عليهم السلام »(4).

(قال: نعم يا ربّ، فأحيهم).

وفي بعض النسخ: «فأحياهم اللّه » بدل «فأحيهم». وحينئذٍ يكون قوله: «فأوحى اللّه _ عزّ وجلّ _ إليه»؛ بيانا وتفصيلاً للإحياء.

قال بعض الأفاضل:

هذه الآية مع الخبر دلالة على مدح التوكّل على اللّه وذمّ الفرار من قضاء اللّه ومن الطاعون، وقد ورد بعض الأخبار بجواز الفرار من الطاعون ونفى البأس عنه(5).

متن الحديث الثامن و الثلاثين و المائتين

اشارة

ابْنُ مَحْبُوبٍ ، (6) عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ يَعْقُوبَ عليه السلام لِبَنِيهِ : «اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ» (7) أَ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ حَيٌّ وَقَدْ فَارَقَهُ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً؟ قَالَ : «نَعَمْ» .

قَالَ : قُلْتُ : كَيْفَ عَلِمَ؟

قَالَ : «إِنَّهُ دَعَا فِي السَّحَرِ ، وَسَأَلَ اللّهَ أَنْ يَهْبِطَ عَلَيْهِ مَلَكُ الْمَوْتِ ، فَهَبَطَ عَلَيْهِ بُرْيَالُ وَهُوَ مَلَكُ الْمَوْتِ ، فَقَالَ لَهُ بريالُ : مَا حَاجَتُكَ يَا يَعْقُوبُ؟ قَالَ : أَخْبِرْنِي عَنِ الْأَرْوَاحِ تَقْبِضُهَا مُجْتَمِعَةً أَوْ

ص: 90


1- . يس (36): 78
2- الصحاح، ج 5، ص 1937 (رمم)
3- القاموس المحيط، ج 5، ص 1937 (لوح)
4- القاموس المحيط، ج 3، ص 357 (حزقل)
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 103
6- . السند معلّق على سابقه، و يروي عن ابن محبوب عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد
7- . يوسف (12): 87

مُتَفَرِّقَةً؟ قَالَ : بَلْ أَقْبِضُهَا مُتَفَرِّقَةً ، رُوحا رُوحا ، قَالَ لَهُ (1) : فَأَخْبِرْنِي هَلْ مَرَّ بِكَ رُوحُ يُوسُفَ فِيمَا مَرَّ بِكَ؟ قَالَ (2) : لَا ، فَعَلِمَ يَعْقُوبُ أَنَّهُ حَيٌّ ، فَعِنْدَ ذلِكَ قَالَ لِوُلْدِهِ : «اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ» » .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله تعالى: «اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ» .

قال البيضاوي: «يعني فتعرّفوا منهما، وتفحّصوا عن حالهما. والتحسّس: طلب الإحساس»(3).

وقال الجوهري: «تحسّس من الشيء: تخبّر خبره»(4).

(فهبط عليه بُرْيال).

يفهم من كلام صاحب القاموس (5) أنّه بضمّ الباء وسكون الراء.

(تقبضها مجتمعة أو متفرِّقة).

قيل: لعلّ السؤال عن الاجتماع والتفرّق في الأخذ لأنّه إذا قبضها مجتمعة يمكن أن يغفل عن خصوص كلّ واحد بخلاف ما إذا أخذ روحا روحا، أو لأنّه إذا قبضها مجتمعة يمكن أن تسلّم إليه بعد مرور الأيّام ليجتمع عدد كثير منها، ولمّا يصل إليه روح يوسف عليه السلام بعدُ لذلك، وهذا الملك إمّا عزرائيل ويقبض الأرواح من أعوانه، وإمّا غيره فيقبض منه، والأخير أظهر(6).

متن الحديث التاسع و الثلاثين و المائتين

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُصَيْنِ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ الْقُمِّيِّ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ :

ص: 91


1- . في بعض نسخ الكافي والوافي: - «له»
2- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «فقال»
3- تفسير البيضاوي، ج 3، ص 306
4- الصحاح، ج 3، ص 918 (حسس) مع اختلاف في اللفظ
5- . لم نعثر على كلام في القاموس يفهم منه هذا، ولم نعثر على قول آخر من أهل اللغة يؤيّد في ضبطه إلّا ما صرّح به ابن حجر العسقلاني (م 852ه) في كتابه تبصير المنتبه، ج 1، ص 219 بأنّه يقرأ بضمّ الباء و سكون الراء
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 104

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَحَسِبُوا أَلّا تَكُونَ فِتْنَةٌ» قَالَ : «حَيْثُ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ «فَعَمُوا وَصَمُّوا» حَيْثُ قُبِضَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله «ثُمَّ تابَ اللّهُ عَلَيْهِمْ» حَيْثُ قَامَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، قَالَ : «ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا» (1) إِلَى السَّاعَةِ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله تعالى: «وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ» .

قال البيضاوي:

أي وحسب بنو إسرائيل أن لا يصيبهم بلاء وعذاب بقتل الأنبياء وتكذيبهم.

«فَعَمُوا» عن الدِّين، أو الدلائل والهدى.

«وَصَمُّوا» عن استماع الحقّ، كما فعلوا حين عبدوا العجل.

«ثُمَّ تَابَ اللّه ُ عَلَيْهِمْ» ، أي ثمّ تابوا فتاب اللّه عليهم.

ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا» كرّة اُخرى، انتهى(2).

اعلم أنّ هذه الآية مع عدّة آيات قبلها في سورة المائدة هكذا: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّه ُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللّه َ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ * قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْاءِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرا مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانا وَكُفْرا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ* إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّه ِ وَالْيَوْمِ الْاخِرِ وَعَمِلَ صَالِحا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنفُسُهُمْ فَرِيقا كَذَّبُوا وَفَرِيقا يَقْتُلُونَ * وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللّه ُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللّه ُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ» (3). ، وظاهر السياق يكون ضمير الجمع في «حسبوا» وفيما بعده راجعا على بني إسرائيل، كما نقلنا عن البيضاوي. وعلى تفسيره عليه السلام تكون ضمائر الجمع راجعة إلى الصحابة

ص: 92


1- . المائدة (5): 71
2- تفسير البيضاوي، ج 2، ص 351
3- المائدة (5): 67 _ 71

الذين خالفوا أمير المؤمنين عليه السلام ثمّ بايعوه ثمّ نكثوا، فبناء هذا التفسير إمّا على تفسير بطن الآية، أو على إرجاع الضمائر إلى الناس، أو إلى القوم الكافرين المذكورين في الآية السابقة، فتدبّر.

فعلى هذا، المراد بالفتنة في قوله تعالى: «وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ» الفتنة في الدِّين، والخروج من قوانيه، حيث كان النبيّ صلى الله عليه و آله بين أظهرهم؛ أي عند حياته عليه السلام وكونه بينهم. قال في القاموس: «هو بين ظهريَهْم وظهرانَيهم _ ولا تكسر النون _ وبين أظهرهم، أي وسطهم وفي معظمهم»(1).

ويحتمل أن يكون «حيث» ظرفا للحسبان، فتكون الفتنة هي الفتنة التي حدثت بعد قبض النبيّ صلى الله عليه و آله ، أو يكون ظرفا له وللفتنة معا، والأوّل أظهر.

«فَعَمُوا» عن دين الحقّ «وَصَمُّوا» ؛ عن استماعه وقبوله.

(حيث قُبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله ) أي بعد قبضه ووفاته.

(ثمّ تاب اللّه عليهم).

في القاموس: «تاب اللّه عليه: وفّقه للتوبة، أو رجع به من التشديد إلى التخفيف، أو رجع عليه بفضله وقبوله»(2).

(حيث قام أمير المؤمنين عليه السلام ) أي عند قيامه عليه السلام بالخلافة.

(ثمّ عموا وصمّوا إلى الساعة) إلى قيام القائم عليه السلام .

قال بعض الشارحين: المقصود أنّ حكم الآية كلّي صادق على [كلّ] من كان على الحقّ فرجع عنه ثمّ عاد إليه ثمّ رجع عنه، والمذكورون في هذه الآية من جملتهم فلا يرد أنّ الآية في ذمّ بني إسرائيل بقرينة السابق واللّاحق(3).

متن الحديث الأربعين و المائتين

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنِ ابْنِ رِئَابٍ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ الْحَذَّاءِ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِى إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ

ص: 93


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 82 (ظهر)
2- القاموس المحيط، ج 1، ص 40 (توب)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 264

داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ» (1). قَالَ : «الْخَنَازِيرُ عَلى لِسَانِ دَاوُدَ ، وَالْقِرَدَةُ عَلى لِسَانِ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ عليهماالسلام» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: «لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ» .

قال البيضاوي: أي لعنهم اللّه في الزبور والإنجيل على لسانهما. وقيل: [إنّ] أهل أيلة لمّا اعتدوا في السبت لعنهم [اللّه على لسان] داود، فمسخهم اللّه قردة، وأصحاب المائدة لمّا كفروا دعا عليهم عيسى ولُعنوا فأصبحوا خنازير، وكانوا خمسة آلاف رجل(2).

وقال الشيخ الطبرسي: قيل في معناه أقوال، أحدها: أنّ معناه لعنوا على لسان داود فصاروا قردة، وعلى لسان عيسى فصاروا خنازير. عن الحسن ومجاهد وقتادة.

وقال أبو جعفر الباقر عليه السلام : «أمّا داود، فإنّه لعن أهل أيلة لمّا اعتدوا في سبتهم، وكان اعتداؤهم في زمانه، فقال: [اللّهمّ] ألبسهم اللعنة مثل الرداء، ومثل المنطقة على الحقوين، فمسخهم اللّه قردة.

وأمّا عيسى، فإنّه لعن الذين اُنزلت عليهم المائدة، ثمّ كفروا بعد ذلك».

وثانيها ما قاله ابن عبّاس: أنّه يريد في الزبور والإنجيل. ومعنى هذا أنّ اللّه تعالى لعن في الزبور من يكفر من بني إسرائيل، وفي الإنجيل كذلك، فلذلك قيل: على لسان داود وعيسى.

وثالثها أن يكون عيسى وداود علما أنّ محمّدا نبيٌّ مبعوث، ولعنا من يكفر به. عن الزجاج.

والأوّل أصحّ(3).

(قال: الخنازير على لسان داود، والقردة على لسان عيسى بن مريم).

كذا في تفسير العيّاشي وتفسير عليّ بن إبراهيم، لكن المشهور فيما بين المفسّرين

ص: 94


1- . المائدة (5): 87
2- تفسير البيضاوي، ج 2، ص 355
3- تفسير مجمع البيان، ج 3، ص 396

والمؤرِّخين وفي كثير من أخبارنا عكس ذلك، أعني أنّهم مسخوا قردة على لسان داود، ومسخوا خنازير على لسان عيسى بن مريم، ويؤيّد المشهور ظاهر قوله تعالى في قصّة أصحاب السبت: «فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً» (1). قال بعض الأفاضل:

يمكن توجيه الأوّل بوجهين: الأوّل: أن لا يكون هذا الخبر إشارة إلى قصّة أصحاب السبت، بل يكون مسخهم في زمان داود عليه السلام مرّتين.

والثاني أن يكونوا مسخوا في زمان النبيّين معا قردة وخنازير، ويكون المراد في الآية جعل بعضهم قردة(2).

متن الحديث الواحد و الأربعين والمائتين

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ عِمْرَانَ (3). بْنِ مِيثَمٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «قَرَأَ رَجُلٌ عَلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : «فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظّالِمِينَ بِآياتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ» (4) » فَقَالَ : «بَلى وَاللّهِ لَقَدْ كَذَّبُوهُ أَشَدَّ التَّكْذِيبِ ، وَلكِنَّهَا مُخَفَّفَةٌ «لا يُكْذِبُونَكَ» : لَا يَأْتُونَ بِبَاطِلٍ يُكَذِّبُونَ بِهِ حَقَّكَ» .

شرح الحديث

السند صحيح على الظاهر.

قوله عليه السلام : (قرأ رجلٌ على أمير المؤمنين عليه السلام ).

قيل: الظاهر أنّ الرجل أراد بآيات اللّه أمير المؤمنين عليه السلام والأئمّة عليهم السلام ، وقد روي تفسيرها بهم، ولا ينافيه صدقها على آيات القرآن أيضا(5).

(فإنّهم لا يكذّبونك).

قال البيضاوي:

يعني أنّهم لا يكذّبونك في الحقيقة. وقرأ نافع والكسائي: «لا يكذّبونك» من

ص: 95


1- البقرة (2): 65
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 105
3- . في تفسير العيّاشي، ج 1، ص 359: «عمّار»
4- . الأنعام (6): 33
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 264

الكذب، إذا وجده كاذبا، أو نسبة إلى الكذب.

«وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّه ِ يَجْحَدُونَ» ولكنّهم يجحدون بآيات اللّه ويكذبونها، فوضع الظالمين موضع الضمير للدلالة على أنّهم ظلموا بجحودهم، أو جحدوا لتمرّنهم على الظلم، والباء لتضمين الجحود معنى التكذيب(1).

قال الشيخ الطبرسي رحمه الله: قرأ نافع والكسائي والأعشى عن أبي بكر: «لا يكذبونك» بالتخفيف، وهو قراءة علي عليه السلام ، والمرويّ عن جعفر الصادق عليه السلام والباقون: «يكذّبونك» بفتح الكاف والتشديد.

فمن ثقّل فهو من «فعّلته» إذا نسبته إلى الفعل، مثل زنّيته وفسّقته، إذا نسبته إلى الزنا، وقد جاء في هذا المعنى: «أفعلته»، يُقال: أسقيته، أي قلت له: سقاك اللّه ، فيجوز على هذا أن يكون معنى القرائتين واحدا، ويجوز أن يكون «لا يكذبونك» [أي] لا يصادفونك كاذبا، كما تقول: أحمدته، إذا أصبته محمودا.

قال أحمد بن يحيى: كان الكسائي يحكي عن العرب: أكذبت الرجل، إذا أخبرت أنّه جاءك بكذب. وكذبته: إذا أخبرت أنّه كذّاب(2).

ثمّ قال:

واختلف في معناه على وجوه:

أحدها: أنّ معناه: لا يكذبونك بقلوبهم اعتقادا، وإن كانوا يظهرون بأفواههم التكذيب عنادا، وهو قول أكثر المفسّرين، عن أبي صالح، وقتادة، والسدي، وغيرهم، قالوا: يريد أنّهم يعلمون أنّك رسول، ولكن يجحدون بعد المعرفة، ويشهد لهذا الوجه ما روى سلام بن مسكين عن أبي يزيد المدني: أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لقي أبا جهل، فصافحه أبو جهل، فقيل له في ذلك، فقال: واللّه إنّي لأعلم أنّه صادق، ولكنّا متى كنّا تبعا لعبد مناف، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية.

وقال السّدي؛ التقى أخنس بن شريق وأبو جهل بن هشام، فقال له: يا أبا الحكم، أخبرني عن محمّد أصادقٌ هو أم كاذب؟ فإنّه ليس هنا أحد غيري وغيرك يسمع كلامنا.

فقال أبوجهل: ويحك، واللّه إنّ محمّدا لصادق، وما كذب قطّ، ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والحجابة والسقاية والنبوّة، فما يكون لسائر قريش؟

ص: 96


1- تفسير البيضاوي، ج 2، ص 404
2- تفسير مجمع البيان، ج 4، ص 41 و 42 (مع التلخيص)

وثانيها: أنّ المعنى لا يكذبوك بحجّة، ولا يتمكّنون من إبطال ما جئت به ببرهان، ويدلّ عليه ما روي عن عليّ عليه السلام أنّه كان يقرأ: «لا يكذبونك» ويقول: «إنّ المراد بها أنّهم لا يأتون بحقّ هو أحقّ من حقّك».

وثالثها: إنّ المراد: لا يصادفونك كاذبا، تقول العرب: قاتلناكم فما أجبناكم، أي ما أصبناكم جبناء. ولا يختصّ هذا الوجه بالقراءة بالتخفيف دون التشديد؛ لأنّ أفعلت وفعلت يجوزان في هذا الموضع، وأفعلت هو الأصل فيه، ثمّ يشدّد تأكيدا مثل: أكرمت وكرّمت، وأعظمت وعظّمت، إلّا أنّ التخفيف أشبه بهذا الوجه.

ورابعها: إنّ المراد لا ينسبونك إلى الكذب فيما أتيت به؛ لأنّك كنت عندهم أمينا صدوقا، وإنّما يدفعون ما أتيت به، ويقصدون التكذيب بآيات اللّه . ويقوّي هذا الوجه قوله: «وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّه ِ يَجْحَدُونَ» وقوله: «وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ» (1). ولم يقل: وكذبك قومك. وما روي أنّ أبا جهل قال للنبيّ صلى الله عليه و آله : ما نتّهمك ولا نكذّبك، ولكنّا نتّهم الذي جئت به ونكذّبه.

وخامسها: أنّ المراد أنّهم لا يكذبونك بل يكذّبونني؛ فإنّ تكذيبك راجع اليّ، ولست مختصّا به؛ لأنّك رسول [اللّه ]، فمن ردّ عليك فقد ردّ عليَّ، ومَن كذّبك فقد كذّبني، وذلك تسليةً منه تعالى للنبيّ صلى الله عليه و آله .

وقوله: «وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّه ِ» أي بالقرآن والمعجزات «يَجْحَدُونَ» بغير حجّة، سفها وجهلاً وعنادا، ودخلت الباء في «بِآيَاتِ اللّه ِ» والجحد يتعدّى بغير الجار [والمجرور]؛ لأنّ معناه هنا التكذيب، أي يكذبون بآيات اللّه .

وقال أبو علي: الباء تتعلّق بالظالمين، والمعنى: ولكن بردّ آيات اللّه ، أو إنكار آيات اللّه ، يجحدون ما عرفوه من صدقك وأمانتك(2).

(فقال: بلى، ولكن (3) كذّبوه أشدّ التكذيب).

لعلّ المراد أنّ التكذيب النسبة إلى الكذب، ولا شكّ في وقوعه في حقّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلا معنى لنفيه؛ لأنّه خلاف الواقع، فينبغي قرائتها بالتخفيف، كما أشار إليه بقوله: (ولكنّها مخفّفة).

ص: 97


1- . الأنعام (6): 66
2- تفسير مجمع البيان، ج 4، ص 42 _ 44 (مع التلخيص)
3- في المتن الذي ضبطه الشارح رحمه الله سابقا: «واللّه لقد» بدل «ولكن»

ضمير التأنيث لكلمة «لا يكذّبونك» أو لصيغته أو للآية، والتخفيف باعتبار بعضها، وقوله عليه السلام : (لا يُكْذبونك) بيان للتخفيف؛ يعني أنّها من أكذبه لا من كذّبه.

وقوله عليه السلام : (لا يأتون بباطل يكذّبون به حقّك) تفسير لقوله: «لا يُكذبونك» بالتخفيف.

قال الجوهري:

أكذبت الرجل: ألفيته كاذبا. وكذّبته: إذا قلت له: كذبتَ.

قال الكسائي: أكذبته: إذا أخبرت أنّه جاء بالكذب ورواه. وكذّبته: إذا أخبرت أنّه كاذب.

وقال ثعلب: أكذبه وكذبه بمعنى، وقد يكون أكذبه بمعنى بيّن كذبه، وقد يكون بمعنى حمله على الكذب، وبمعنى وجده كاذبا، انتهى(1).

أقول: لعلّ المراد: أنّهم لا يقدرون بإتيان شبهة باطلة وأمارة كاذبة، بحيث يمكنهم أن ينسبوا حقّك إلى الكذب، أو يبيّنون كذبه، أو يصادفونه ويجدونه كاذبا. ويمكن قراءة قوله عليه السلام : «لا يكذبون به حقّك» بالتشديد والتخفيف.

متن الحديث الثاني و الأربعين والمائتين

اشارة

أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيى ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ :

عَنْ أَحَدِهِمَا عليهماالسلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِبا أَوْ قالَ أُوحِىَ إِلَىَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَىْ ءٌ» (2) ؟

قَالَ : «نَزَلَتْ فِي ابْنِ أَبِي سَرْحٍ الَّذِي كَانَ عُثْمَانُ اسْتَعْمَلَهُ عَلى مِصْرَ ، وَهُوَ مِمَّنْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ هَدَرَ (3) دَمَهُ ، وَكَانَ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَإِذَا أَنْزَلَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ : «أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» (4). كَتَبَ : إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ، فَيَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : دَعْهَا ، فَإِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي سَرْحٍ يَقُولُ لِلْمُنَافِقِينَ : إِنِّي لَأَقُولُ مِنْ نَفْسِي مِثْلَ مَا يَجِيءُ بِهِ ، فَمَا يُغَيِّرُ عَلَيَّ ، فَأَنْزَلَ اللّهُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ فِيهِ الَّذِي أَنْزَلَ» .

ص: 98


1- الصحاح، ج 1، ص 210 (كذب)
2- . الأنعام (6): 93
3- . في بعض نسخ الكافي: «نذر»
4- . البقرة (2): 220؛ الأنفال (8): 10

شرح الحديث

السند صحيح على المشهور.

قوله تعالى: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللّه ِ كَذِبا أَوْ قَالَ أُوحِىَ إِلَىَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَىْ ءٌ» .

تتمّة الآية في سورة الأنعام هكذا: «وَمَنْ قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللّه ُ» .

قال الشيخ الطبرسي: اختلفوا فيمن نزلت هذه الآية؛ فقيل: نزلت في مُسَيْلَمة حيث ادّعى النبوّة، إلى قوله: «وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَىْ ءٌ» ، و قوله: «سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللّه ُ» في عبداللّه بن سعيد بن أبي سرح؛ فإنّه كان يكتب الوحي للنبيّ صلى الله عليه و آله ، فكان إذا قال له: اكتب عليما حكيما، كتب غفورا رحيما، وإذا قال له: اكتب غفورا رحيما، كتب عليما حكيما، وارتدّ ولحق بمكّة، وقال: إنّي اُنزل مثل ما أنزل اللّه . عن عكرمة، وابن عبّاس، ومجاهد، والسّدي، وإليه ذهب الفرّاء، والزجّاج، والجبائي، وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام . وقال قوم: نزلت في ابن أبي سرح خاصّة.

وقال قوم: نزلت في مُسَيلمة خاصّة(1).

ثمّ قال:

هذا استفهام في معنى الإنكار، أي لا أحد أظلم ممّن كذب على اللّه ، فادّعى أنّه نبيّ، وليس بنبنيّ.

«أَوْ قالَ أُوحِىَ إِلَىَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَىْ ءٌ» أي يدّعي الوحي ولا يأتيه، ولا يجوز في حكمة اللّه سبحانه أن يبعث كذّابا، وهذا وإن كان داخلاً في الافتراء، فإنّما أفرد بالذكر تعظيما.

«وَمَنْ قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللّه ُ» . قال الزجاج: هذا جواب لقولهم: ولو نشاء لقلنا مثل هذا، فادّعوا، ثمّ لم يفعلوا، وبذلوا النفوس والأموال، واستعملوا سائر الحيل في إطفاء نور اللّه ، وأبى اللّه إلّا أن يتمّ نوره.

وقيل: المراد به عبداللّه بن سعد بن أبي سرح، أملى عليه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذات يوم: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْاءِنسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ» إلى قوله: «ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقا آخَرَ» ، (2) فجرى على لسان ابن أبي سرح: «فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَ__لِقِينَ» ، فأملاه عليه،

ص: 99


1- تفسير مجمع البيان، ج 4، ص 111 و 112
2- . المؤمنون (40): 12 _ 14

وقال: هكذا أنزل، فارتدّ عدوّ اللّه .

وقال: لئن كان محمّد صادقا، فلقد اُوحي إليَّ كما اُوحي إليه، ولئن كان كاذبا، فلقد قلت كما قال، وارتدّ عن الإسلام، وهَدرَ رسول اللّه صلى الله عليه و آله دَمَهُ، فلمّا كان يوم الفتح جاء [به] عثمان وقد أخذ بيده ورسول اللّه صلى الله عليه و آله في المسجد، فقال: يا رسول اللّه ، اُعف عنه، فسكت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ثمّ أعاد فسكت، ثمّ أعاد فقال: هو لك، فلمّا مرّ قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ألم أقل مَن رآه فليقتله، فقال عبّاد بن بشر: كانت عيني إليك يا رسول اللّه أن تشير إليَّ فأقتله، فقال صلى الله عليه و آله : الأنبياء لا يقتلون بالإشارة(1).

(قال: نزلت في ابن أبي سرح) بفتح السين وسكون الراء.

واسمه عبداللّه بن سعد بن أبي سرح، كما مرّ.

(الذي كان عثمان استعمله على مصر).

هذا من جملة مطاعن عثمان حيث سلّطه على المسلمين مع أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أهدر دمه.

وقيل: قد احتجّوا عليه في ذلك وشنّعوه به حين أرادوا قتله(2).

(وهو ممّن كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم فتح مكّة هدر دمه).

في القاموس: الهَدر _ محرّكة _ : ما يبطل من دم وغيره، هَدَرَ يَهْدِرُ ويهدُر هَدَرا وهَدِرا وهدرته، لازم متعد وأهدرته، فعل وأفعل بمعنى(3).

(فيقول له رسول اللّه صلى الله عليه و آله : دعها) أي الآية.

ولعلّ المراد: اُتركها ولا تكتبها كما كتبت، بل اكتبها كما اُنزل، أو اسقطها وغيّرها، واكتب مكانها كما اُنزل.

قيل: معناه: دعها بحالها؛ فإنّها سترجع إلى ما اُنزل بأمر اللّه تعالى، وأيّده بما ذكر بعض المفسّرين أنّه قد يتغيّر من الغيب بقدرة اللّه تعالى لفظ عليم بلفظ عزيز من غير أن يكتبه كاتب(4).

ص: 100


1- تفسير مجمع البيان، ج 4، ص 112
2- ذهب إليه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 111
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 159 (هدر)
4- نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 265 بعنوان «قيل»

(فإنّ اللّه عليمٌ حكيم)؛ يعني هذا كلام حقّ، ولكن ليس هنا موضع ذكره، فاكتب هنا: أنّ اللّه عزيزٌ حكيم؛ لأنّه هو المنزل هنا.

(وكان ابن أبي سرح يقول للمنافقين: إنّي لأقول من نفسي) أي من عندي (مثل ما يجيءُ به).

الضمير المستتر لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ، والبارز للموصول، فما يغيّر عليَّ هذا الأخبار على ما قلنا في شرح قوله صلى الله عليه و آله : «دعها» يكون افتراء منه لرسول اللّه صلى الله عليه و آله .

وقيل: يمكن أن يكون إشارة إلى ما جرى على لسانه، ونزل الوحي مطابقا كما مرّ في قوله تعالى: «فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَ__لِقِينَ» (1).

وأمّا على ما قيل من أنّ معناه: دعها بحالها، إلى آخره، فلا إشكال.

(فأنزل اللّه _ تبارك وتعالى _ فيه) أي في ابن أبي سرح (الذي أنزل).

الظاهر أنّ الموصول إشارة إلى قوله تعالى: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى..» الآية.

متن الحديث الثالث و الأربعين و ا لمائتين

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، قَالَ :

قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : قَوْلُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَقاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّهِ» (2).

فَقَالَ : «لَمْ يَجِئْ تَأْوِيلُ هذِهِ الْايَةِ بَعْدُ ، إِنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله رَخَّصَ لَهُمْ لِحَاجَتِهِ وَحَاجَةِ أَصْحَابِهِ ، فَلَوْ قَدْ جَاءَ تَأْوِيلُهَا لَمْ يَقْبَلْ مِنْهُمْ ، وَلكِنَّهُمْ (3) يُقْتَلُونَ حَتّى يُوَحَّدَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَحَتّى لَا يَكُونَ شِرْكٌ» .

شرح الحديث

السند حسن.

قوله تعالى: «وَقَاتِلُوهُمْ» .

قال الطبرسي رحمه الله: هذا خطاب للنبيّ صلى الله عليه و آله والمؤمنين أن يقتلوا الكفّار.

ص: 101


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 111
2- الأنفال (8): 39
3- . في الطبعة القديمة: «لكنّهم» بدون الواو

«حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ» أي شرك، عن ابن عبّاس والحسن. ومعناه: حتّى لا يكون كافر بغير عهد؛ لأنّ الكافر إذا كان بغير عهد كان عزيزا في قومه، يدعو الناس إلى دينه، فتكون الفتنة في الدِّين. وقيل: حتّى لا يفتن مؤمن عن دينه.

«وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للّه ِِ» (1). ؛ أي ويجتمع أهل الحقّ وأهل الباطل على الدِّين الحقّ فيما يعتقدونه، ويعملون به، فيكون الدِّين حينئذٍ كلّه للّه باجتماع الناس عليه.

وروى زرارة وغيره عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال: لم يجي تأويل هذه الآية، ولو قد قام قائمنا بعد، سيرى من يدركه ما يكون من تأويل هذه الآية، وليبلّغنّ دين محمّد صلى الله عليه و آله ما بلغ الليل حتّى لا يكون مشرك على ظهر الأرض(2).

(لم يجئ تأويل هذه الآية بَعدُ).

بل يجئ تأويلها عند قيام القائم عليه السلام ، وأشار إلى عدم مجي تأويله في زمن حياة رسول اللّه صلى الله عليه و آله بقوله: (إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله رخّص لهم)؛ أي لأهل الكتاب، ولبعض أهل الشرك والنفاق في نفاقهم على نحلتهم بقبول الجزية من أهل الكتاب، والفداء من المشركين وإظهار الإسلام من المنافقين.

قال الجوهري: «رخّص: أي لم يستقص»(3).

(لحاجتة).

اللّام تعليل للترخيص.

(وحاجه أصحابه) إلى أخذ الجزية والفدية لإصلاح حالهم، وقبول إظهار الإسلام من أهل النفاق، لظهور الكثرة في المسلمين، وغيره من المصالح.

وقوله عليه السلام : (ولكنّهم يُقتلون) على البناء للمفعول، وضمير الجمع عائد إلى فرق الباطل.

(حتّى يوحّد اللّه عزّ وجلّ) إلى آخره، إشارة إلى مجي تأويلها بعد ظهور دولة الحقّ.

متن الحديث الرابع والأربعين والمائتين

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ :

ص: 102


1- الأنفال (8): 39
2- تفسير مجمع البيان، ج 4، ص 467
3- الصحاح، ج 3، ص 1041 (رخص)

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي هذِهِ الْايَةِ «يا أَيُّهَا النَّبِىُّ قُلْ لِمَنْ فِى أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللّهُ فِى قُلُوبِكُمْ خَيْرا يُؤْتِكُمْ خَيْرا مِمّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ» (1).

قَالَ : «نَزَلَتْ فِي الْعَبَّاسِ وَعَقِيلٍ وَنَوْفَلٍ» .

وَقَالَ (2) : «إِنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله نَهى يَوْمَ بَدْرٍ أَنْ يُقْتَلَ أَحَدٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ ، فَأُسِرُوا ، فَأَرْسَلَ عَلِيّا عليه السلام ، فَقَالَ : انْظُرْ مَنْ هاهُنَا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ؟» .

قَالَ : «فَمَرَّ عَلِيٌّ عليه السلام عَلى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ _ كَرَّمَ اللّهُ وَجْهَهُ _ فَحَادَ عَنْهُ ، فَقَالَ لَهُ عَقِيلٌ : يَا ابْنَ أُمِّ، عَلَيَّ ، أَمَا وَاللّهِ لَقَدْ رَأَيْتَ مَكَانِي» .

قَالَ : «فَرَجَعَ إِلى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَقَالَ : هذَا أَبُو الْفَضْلِ فِي يَدِ فُلَانٍ ، وَهذَا عَقِيلٌ فِي يَدِ فُلَانٍ ، وَهذَا نَوْفَلُ بْنُ الْحَارِثِ فِي يَدِ فُلَانٍ ، فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله حَتّى انْتَهى إِلى عَقِيلٍ ، فَقَالَ لَهُ : يَا أَبَا يَزِيدَ ، قُتِلَ أَبُو جَهْلٍ ، فَقَالَ (3). : إِذا لَا تُنَازَعُونِي (4). فِي تِهَامَةَ ، فَقَالَ : إِنْ كُنْتُمْ أَثْخَنْتُمُ الْقَوْمَ ، وَإِلَا فَارْكَبُوا أَكْتَافَهُمْ . قَالَ (5). : فَجِيءَ بِالْعَبَّاسِ ، فَقِيلَ لَهُ : افْدِ نَفْسَكَ ، وَافْدِ ابْنَ أَخِيكَ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، تَتْرُكُنِي أَسْأَلُ قُرَيْشا فِي كَفِّي ، فَقَالَ : أَعْطِ مِمَّا (6). خَلَّفْتَ عِنْدَ أُمِّ الْفَضْلِ ، وَقُلْتَ لَهَا : إِنْ أَصَابَنِي فِي وَجْهِي هذَا شَيْءٌ فَأَنْفِقِيهِ عَلى وُلْدِكِ وَنَفْسِكِ ، فَقَالَ لَهُ : يَا ابْنَ أَخِي مَنْ أَخْبَرَكَ بِهذَا؟ فَقَالَ : أَتَانِي بِهِ جَبْرَئِيلُ عليه السلام مِنْ عِنْدِ اللّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ ، فَقَالَ: وَمَحْلُوفِهِ (7). مَا عَلِمَ بِهذَا أَحَدٌ إِلَا أَنَا وَهِيَ ، أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللّهِ» .

قَالَ : «فَرَجَعَ الْأَسْرى كُلُّهُمْ مُشْرِكِينَ إِلَا الْعَبَّاسُ وَعَقِيلٌ وَنَوْفَلٌ كَرَّمَ اللّهُ وُجُوهَهُمْ ، وَفِيهِمْ نَزَلَتْ هذِهِ الْايَةُ «قُلْ لِمَنْ فِى أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللّهُ فِى قُلُوبِكُمْ خَيْرا» إِلى آخِرِ الْايَةِ» .

شرح الحديث

السند حسن.

قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ» .

قال الشيخ الطبرسي قدس سره : «إنّما ذكر الأيدي لأنّ من كان في وثاقهم فهو بمنزلة من يكون

ص: 103


1- الأنفال (8): 70. وفي بعض نسخ الكافي والوافي: - «ويغفر لكم»
2- . في بعض نسخ الكافي: «ثمّ قال»
3- . في بعض نسخ الكافي: - «فقال»
4- . في بعض نسخ الكافي و الطبعة القديمة والوافي: «لا تنازعون»
5- . في بعض نسخ الكافي والطبعة القديمة: «فقال»
6- . في أكثر نسخ الكافي: «ما»
7- . في بعض نسخ الكافي: «ومخلوقه»

في أيديهم؛ لاستيلائهم عليه»(1).

«مِنْ الْأَسْرَى» في بعض نسخ الكتاب: «الأسارى» وهو قراءة أبي عمر. وقال الطبرسي:

يعني اسراء بدر الذين أخذ منهم الفداء.

«إِنْ يَعْلَمْ اللّه ُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرا» أي إسلاما وإخلاصا، أو رغبة في الإيمان، وصحّة نيّة.

«يُؤْتِكُمْ» أي يعطيكم خيرا.

«مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ» من الفداء، إمّا في الدُّنيا [والآخرة]، وإمّا في الآخرة.

«وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّه ُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» (2) .

روي عن العبّاس بن عبد المطّلب أنّه قال: نزلت هذه الآية فيَّ وفي أصحابي، كان معي عشرون أوقية ذهبا، فأخذت منّي، فأعطاني اللّه مكانها عشرين عبدا، كلّ منهم يضرب بمال كثير، وأدناهم يضرب بعشرين ألف درهم مكان العشرين أوقية، وأعطاني زمزم، وما أحبّ أنّ لي بها جميع أموال أهل مكّة، وأنا أنتظر المغفرة من ربّي.

قال قتادة: ذكر لنا أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لمّا قدم عليه مال البحرين ثمانون ألفا، وقد توضّأ لصلاة الظهر، فما صلّى يومئذٍ حتّى فرّقه، وأمر العبّاس أن يأخذ منه ويحثي، فأخذ، فكان العبّاس يقول: هذا خيرٌ ممّا اُخذ منّا، وأرجو المغفرة(3).

(قال: نزلت في العبّاس) بن عبد المطّلب (وعقيل) بن أبي طالب بن عبد المطّلب (ونوفل) بن جعفر بن الحارث بن عبد المطّلب.

(وقال: إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله نهى يوم بدر أن يقتل) على البناء للمفعول.

وقوله: (أحد من بني هاشم)؛ قائم مقام فاعله.

وقوله: (وأبو البختري) بفتح الباء، عطف على «أحد»، وليس هو من بني هاشم.

وقيل: اسمه العاص بن هشام بن الحرب بن أسد(4).

وضمير الجمع في قوله: (فاُسروا) على صيغة المجهول راجع إلى بني هاشم فقط؛ لأنّ أبا البختري لمّا لم يقبل أمان النبيّ صلى الله عليه و آله ذلك اليوم قُتل في المعركة، ولم يكن من الاُسراء.

ص: 104


1- مجمع البيان، ج 4، ص 495
2- . الأنفال (8): 70
3- مجمع البيان، ج 4، ص 495 و 496 (مع تلخيص)
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 112

قال ابن أبي الحديد:

قال الواقدي: نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن قتل أبي البختري وكان قد لبس السلاح بمكّة يوما قبل الهجرة في بعض ما كان ينال النبيّ صلى الله عليه و آله من الأذى، وقال: لا يعرض أحد لمحمّد بأذى إلّا وضعت فيه السلاح، فشكر ذلك له النبيّ صلى الله عليه و آله .

وقال أبو داود المازني: فلحقته يوم بدر، فقلت له: إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله نهى عن قتلك إن أعطيت بيدك، قال: وما تريد إلى أن كان قد نهى عن قتلي، فقد كنت أبليته ذلك، فإمّا أن أعطي بيدي، فواللّات والعزّى لقد علمت نسوة بمكّة أنّي لا أعطي بيدي، وقد عرفت أنّك لا تدعني، فافعل الذي تريد، فرماه أبو داود بسهم، وقال: اللَّهُمَّ سهمك، وأبو البختري عبدك، فَضَعهُ في مقتله، وأبو البختري دارع، ففتق السهم الدرع فقتله.

قال الواقدي: ويُقال: إنّ المجذر بن ذياد قتل أبا البختري ولا يعرفه، وقال المجذر في ذلك شعرا عرف منه أنّه قاتله.

وفي رواية محمّد بن إسحاق أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله نهى يوم بدر عن قتل أبي البختري، واسمه الوليد بن هشام بن الحرث بن أسد بن عبد العزّى؛ لأنّه كان أكفّ الناس عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله بمكّة، كان لا يؤذيه ولا يبلغه عنه شيء يكرهه، وكان فيمن قام في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش على بني هاشم، فلقيه المجذر بن ذياد البلوي حليف الأنصار، فقال له: إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله نهانا عن قتلك، ومع أبي البختري زميل له خرج معه من مكّة يقال له جنادة بن مليحة، فقال أبو البختري وزميلي: قال المجذر: واللّه ما نحن بتاركي زميلك، ما نهانا رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلّا عنك وحدك، قال: إذا واللّه لأموتنّ أنا وهو جميعا، لا تتحدّث عنّي نساء أهل مكّة أنّي تركت زميلي حرصا على الحياة، فنازله المجذر وارتجز أبو البختري، فقال:

لن يسلّم ابن حرّة زميله***حتّى يموت أو يرى سبيله

ثمّ اقتتلا، فقتله المجذر، وجاء إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأخبره، وقال: والذي بعثك بالحقّ، لقد جهدت أن يستأسر فآتيك به، فأبى إلّا القتال، فقاتلته فقتلته.

ثمّ قال: قال محمّد بن إسحاق: وقد كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله في أوّل الوقعة نهى أن يقتل أحدٌ من بني هاشم(1).

ص: 105


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 114، ص 133 و 134. وانظر: مغازي الواقدي، ص 75

وروى بإسناده عن ابن عبّاس أنّه قال: قال النبيّ صلى الله عليه و آله لأصحابه: «إنّي قد عرفت أنّ رجلاً من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرها، لا حاجة لنا بقتلهم، فمن لقى منكم أحدا من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقى أبا البختري فلا يقتله، ومن لقى العبّاس بن عبد المطّلب عمّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله فلا يقتله، فإنّما اُخرج مستكرها»(1).

(فحادَ عنه).

قال الجوهري: «حاد عن الشيء يحيد: مالَ عنه وعدل»(2).

وقال في المصباح: «حادَ عن الشيء: تنحّى وبَعُدَ»(3).

(فقال له عقيل: يابن اُمّ، عَلَيَ) أي أقبل عليَّ، يُقال: أقبل عليه بوجهه. وذكر الاُمّ للترقيق والاستعطاف.

(واللّه لقد رأيت مكاني).

المكان: الموضع، وكنّى عن الحالة، وهنا كناية عن ذلّ الحبس والأسر.

وقيل: إرادة المنزلة والقرابة منه عليه السلام من المكان، محتمل بعيده(4).

(وقال: هذا أبو الفضل).

هو كنية العبّاس.

(فقال له) رسول اللّه صلى الله عليه و آله : (يا أبا يزيد، قتل أبو جهل).

لعلّ تخصيصه بالذِّكر كونه من أعظم أهل العناد والفساد.

(إذا لا تُنازعوني في تهامة).

في القاموس: «تِهامة _ بالكسر _ : مكّة شرّفها اللّه ، وأرض معروف لا بلد، ووهم الجوهري» (5) .

(فقال).

قيل: المستتر فيه راجع إلى عقيل، (6) والظاهر إرجاعه إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

ص: 106


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 14، ص 183
2- الصحاح، ج 2، ص 467 (حيد)
3- المصباح المنير، ص 158 (حاد)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 268
5- . القاموس الرجال، ج 4، ص 84 (تهم)
6- . لم نعثر على قائله

(إن كنتم أثخنتم القوم).

قال الجوهري: «أثخنته الجراحة: أوهنته»(1).

وفي القاموس:

أثخن في العدوّ: بالغ الجراحة فيهم. وفلانا: أوهنه. «حَتَّى إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ» (2) : أي غلبتموهم وكثر فيهم الجراح(3).

(وإلّا فاركبوا أكتافهم).

لعلّه كناية عن شدّهم وإمساكهم وقفلهم عن الفرار. قال الجوهري: «ركبَ ركوبا، وركَبَه يركُبَهُ مثال كتب يكتب، إذا ضربه بركبته، وكذلك إذا ضرب ركبته»(4).

وقال:

الكِتْف والكَتِف، مثال كِذب وكَذِب، والجمع: الأكتاف. وكتفت الرجل: أي شددت يديه إلى خلف بالكتاف، وهو حبل يشدّ به، انتهى(5).

وقيل: ركوب الأكتاف كناية عن شدّة وثاقهم، أي إن ضعفوا بالجراحات، ولا يقدرون على الهرب، فخلّوهم، وإلّا فشدّوهم لئلّا يهربوا، وتكونوا راكبين على أكتافهم، أي مسلّطين عليهم(6).

(فقيل له: افد نفسك).

في القاموس: «فداه يفديه فداء وفِدىً: أعطى شيئا فأنقذه. والفِداء _ ككساء، وكعلى، وإلى: ذلك المعطى»(7).

(وَافْد ابن أخيك).

أي عقيلاً. ويحتمل أن يُراد بابن الأخ الجنس الشامل له ولنوفل. وفي بعض النسخ: «ابني أخيك» أي ابني أخويك: عقيلاً ونوفلاً.

(فقال: يا محمّد، تتركني أسأل قريشا في كفّي)؛ لتحصيل الفداء، أو لأنّي إذا فاديت نفسي فلا يبقى لي شيء من المال، فأحتاج إلى السؤال بالكفّ.

ص: 107


1- الصحاح، ج 5، ص 2087 (ثخن)
2- . محمّد (47): 4
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 206 (ثخن)
4- الصحاح، ج 1، ص 139 (ركب) مع التلخيص
5- الصحاح، ج 4، ص 1420 (كتب) مع التلخيص
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 114
7- القاموس المحيط، ج 4، ص 373 (فدي)

(فقال: اعط ما (1) خلّفت عند اُمّ الفضل).

قيل: هي زوجة العبّاس(2).

(فقال: ومحلوفه).

ولعلّ للقسم. وفي كثير من النسخ: «ومحلوفة» بالتاء. قال الفيروزآبادي:

حلف يحلف حلفا _ ويكسر _ وحلفا ككتف، ومحلوفا ومحلوفة. ويقال: لا ومحلوفائه _ بالمدّ _ ومحلوفة باللّه : أي أحلف محلوفة، أي قسما، انتهى(3).

وقيل: الظاهر أنّه حلف باللّات والعزّى، فكره صلى الله عليه و آله التكلّم به، فعبّر عنه بمحلوفه، أي بالذي حلف به. وفي الكشّاف: «أنّه حلف باللّه » (4). (5).

وفي بعض النسخ: «ومخلوفه». وفي بعضها: «ومخلوفة» بالخاء المعجمة فيهما، ولعلّهما تصحيف.

(ما علم بهذا أحد إلّا أنا وهي) أي اُمّ الفضل.

(أشهدُ أنّك رسول اللّه ).

قال ابن أبي الحديد:

قال محمّد بن إسحاق: فلمّا قدم بالأسارى إلى المدينة، قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : افد نفسك يا عبّاس وابني أخويك عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث بن عبد المطّلب وحليفك عقبة بن عمرو، فإنّك ذو مال، فقال العبّاس: يا رسول اللّه ، إنّي كنت مسلما، ولكن القوم استكرهوني. فقال صلى الله عليه و آله : اللّه أعلم بإسلامك، إن يكن ما قلت حقّا فإنّ اللّه يجزيك، وأمّا ظاهر أمرك فقد كان علينا، فافتد نفسك، وقد كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله أخذ منه عشرين أوقية من ذهب أصابها معه حين اُسِرَ. فقال العبّاس: يا رسول اللّه ، احسبها لي من فدائي. فقال صلى الله عليه و آله : ذاك شيء أعطانا اللّه منك. فقال: يا رسول اللّه ، فإنّه ليس لي مالٌ. فقال: أين المال الذي وضعته بمكّة حين خرجت من عند اُمّ الفضل بنت الحارث، وليس معكما أحدٌ، ثمّ قلت: إن اُصبت في سفري هذا

ص: 108


1- هكذا في أكثر نسخ الكافي. وفي المتن الذي ضبطه الشارح رحمه الله سابقا وكلتا الطبعتين: «ممّا»
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 268
3- القاموس المحيط، ج 3، ص 129 (حلف)
4- . الكشّاف، ج 1، ص 298 و 386
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 115

فللفضل كذا وكذا، ولعبداللّه كذا وكذا، ولقثم كذا وكذا؟ فقال العبّاس: والذي بعثك بالحقّ يا رسول اللّه ، ما علم بهذا أحدٌ غيري وغيرها، وإنّي لأعلم أنّك رسول اللّه ، ثمّ فدى نفسه وابني أخويه [وحليفه](1).

(وفيهم نزلت هذه الآية: «قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنْ الْأَسْارَى» .

في بعض النسخ: «الأسرى» كما في صدر الحديث.

وفي القاموس: «الأسير: الأخيذ، والمقيّد، والمسجون. والجمع: أُسراء، واُسارى، وأَسارى، وأسرى»(2).

متن الحديث الخامس والأربعين والمائتين

اشارة

أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيى ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ :

عَنْ أَحَدِهِمَا عليهماالسلام فِي قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الْاخِرِ» (3) : «نَزَلَتْ فِي حَمْزَةَ وَعَلِيٍّ وَجَعْفَرٍ وَ الْعَبَّاسِ وَشَيْبَةَ ، إِنَّهُمْ فَخَرُوا بِالسِّقَايَةِ وَالْحِجَابَةِ ، فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ «أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الْاخِرِ» وَكَانَ عَلِيٌّ وَحَمْزَةُ (4) وَجَعْفَرٌ _ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيْهِمُ _ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الْاخِرِ ، وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللّهِ» .

شرح الحديث

السند صحيح على المشهور.

قوله تعالى: «أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ» الآية.

قال الشيخ الطبرسي:

قيل: إنّها نزلت في عليّ بن أبي طالب وعبّاس بن عبد المطّلب وطلحة بن شيبة، وذلك أنّهم افتخروا، فقال طلحة: أنا صاحب البيت، وبيدي مفتاحه، ولو أشاء بتُّ فيه. وقال العبّاس: أنا صاحب السِّقاية، والقائم عليها.

ص: 109


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 14، ص 184
2- القاموس المحيط، ج 1، ص 364 (أسر)
3- . التوبة (9): 19
4- . في تفسير العيّاشي، ج 2، ص 83، ح 35: + «والعبّاس»

وقال عليّ عليه السلام : «لا أدري ما تقولان، لقد صلّيت إلى القبلة ستّة أشهر قبل الناس، وأنا صاحب الجهاد». عن الحسن والشعبي ومحمّد بن كعب.

وقيل: إنّ عليّا عليه السلام قال للعبّاس: «يا عمّ، ألا تهاجر، وألا تلحق برسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟»

فقال: ألستُ في أفضل من الهجرة اُعمّر المسجد الحرام، وأسقي حاجّ بيت اللّه ؟

فنزلت: «أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ» . عن ابن سيرين ومرّة الهمداني.

وروى الحاكم أبو القاسم الحسكاني بإسناده عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: بينا شيبة والعبّاس يتفاخران إذ مرَّ بهما عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فقال: «بماذا تتفاخران؟»

فقال العبّاس: لقد اُوتيت من الفضل ما لم يؤت أحدٌ: سقاية الحاجّ.

وقال شيبة: اُوتيت عمارة المسجد الحرام، فقال عليّ عليه السلام : «استحييت لكما، فقد اُوتيتُ على صغري ما لم تؤتيا».

فقالا: وما اُوتيت يا عليّ؟

قال: «ضربت خراطيمكما بالسيف حتّى آمنتما باللّه ورسوله».

فقام العبّاس مغضبا يجرّ ذيله حتّى دخل على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقال: أما ترى إلى ما يستقبلني به عليّ؟ فقال صلى الله عليه و آله : «ادعو لي عليّا» فدُعيَ له، فقال: «ما حملك على ما استقبلت به عمّك؟» فقال: «يا رسول اللّه ، صدمته بالحقّ، فمن شاء فليغضب، ومن شاء فليرض». فنزل جبرئيل وقال: «يا محمّد، إنّ ربّك يقرأك السلام ويقول: اُتل عليهم: «أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ» الآيات، انتهى(1).

وقال البيضاوي:

السقاية والعمارة مصدر أسقى وعَمَر، فلا يشبّهان بالجثث، بل لابدّ من إضمار تقديره: أجعلتم أهل سقاية الحاجّ كمَن آمن، أو: أجعلتم سقاية الحاجّ كإيمان من آمن.

ويؤيّد الأوّل قراءة من قرأ: «سقاة الحاجّ وعمرة المسجد»، والمعنى إنكار أن يشبّه المشركون وأعمالهم المحبطة بالمؤمنين وأعمالهم المثبتة، ثمّ قرّر ذلك بقوله تعالى: «لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللّه ِ» وبيّن عدم تساويهم بقوله: «وَاللّه ُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» (2).

ص: 110


1- مجمع البيان، ج 5، ص 27 و 28
2- تفسير البيضاوي، ج 3، ص 136

(إنّهم فخروا بالسقاية والحجابة).

ضمير الجمع راجع إلى العبّاس وتبعته في السقاية، وإلى شيبة وسدنته. قال الفيروزآبادي: «الحاجب: البوّاب. الجمع: حجبة، وحجّاب. وخطّته: الحجابة»(1). وقال: «الخطّة _ بالضمّ _ : الأمر»(2).

متن الحديث السادس و الأربعين و المائتين

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ ، عَنْ عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ ، قَالَ :

سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّهِ عَزَّوَجَلَّ : «وَإِذا مَسَّ الْاءِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيبا إِلَيْهِ» قَالَ : «نَزَلَتْ فِي أَبِي الْفَصِيلِ، (3) إِنَّهُ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عِنْدَهُ سَاحِرا ، فَكَانَ إِذَا مَسَّهُ الضُّرُّ _ يَعْنِي السُّقْمَ _ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبا إِلَيْهِ _ يَعْنِي تَائِبا إِلَيْهِ _ مِنْ قَوْلِهِ فِي رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مَا يَقُولُ «ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ» يَعْنِي الْعَافِيَةَ «نَسِىَ ما كانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ» يَعْنِي نَسِيَ التَّوْبَةَ إِلَى اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ مِمَّا كَانَ يَقُولُ فِي رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إِنَّهُ سَاحِرٌ ، وَلِذلِكَ قَالَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ : «قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النّارِ» (4). يَعْنِي إِمْرَتَكَ عَلَى النَّاسِ بِغَيْرِ حَقٍّ مِنَ اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ وَمِنْ رَسُولِهِ صلى الله عليه و آله » .

قَالَ : ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «ثُمَّ عُطِفَ الْقَوْلُ مِنَ اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ فِي عَلِيٍّ عليه السلام يُخْبِرُ بِحَالِهِ وَفَضْلِهِ عِنْدَ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى ، فَقَالَ : «أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِدا وَقائِما يَحْذَرُ الْاخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ» أَنَّ مُحَمَّدا رَسُولُ اللّهِ «وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ» أَنْ مُحَمَّدا رَسُولُ اللّهِ ، وَأَنَّهُ سَاحِرٌ كَذَّابٌ «إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ» (5). » .

قَالَ : ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «هذَا تَأْوِيلُهُ يَا عَمَّارُ» .

شرح الحديث

السند موثّق على المشهور.

ص: 111


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 52 (حجب)
2- القاموس المحيط، ج 2، ص 358 (خطط)
3- . في بعض نسخ الكافي: «أبي الفضل»
4- . الزمر (39): 8
5- . الزمر (39): 9

قوله عزّ وجلّ: «وَإِذَا مَسَّ الْاءِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبا إِلَيْهِ» ؛ قال البيضاوي:

لزوال ما ينازع العقل في الدلالة على أنّ مبدأ الكلّ منه.

«ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ» أعطاه من الخول وهو التعهّد، أو الخول وهو الافتخار.

«نِعْمَةً مِنْهُ» من اللّه .

«نَسِىَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ» أي الضرّ الذي كان يدعو اللّه إلى كشفه، أو ربّه الذي كان يتضرّع إليه.

و «مَا» مثل الذي في قوله: «وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى» (1) .

«مِنْ قَبْلُ» : من قبل النعمة.

«وَجَعَلَ للّه ِ أَنْدَادا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ» وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ورويس بفتح الياء.

والضلال والإضلال لما كانا نتيجة جعله صحّ تعليله بهما، وإن لم يكونا غرضين.

«قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً» أمر تهديد فيه إشعار بأنّ الكفر نوع تشهٍّ لا سند له، وإقناط للكافرين من التمتّع في الآخرة، ولذلك علّل بقوله: «إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» ؛ على سبيل الاستئناف للمبالغة.

«أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ» : قائم بوظائف الطاعات.

«آنَاءَ اللَّيْلِ» : ساعاته. و«أم» متّصلة بمحذوف تقديره: الكافر [خير] أم من هو قانت. أو منقطعة، والمعنى: بل أمّن هو قانت كمن هو ضدّه. وقرأ الحجازيّان وحمزة بتخفيف الميم بمعنى: أَمَنْ هو قانت [للّه ] كمَن جعل له أندادا.

«سَاجِدا وَقَائِما» ؛ حالان من ضمير «قانت». وقرئا بالرفع على الخبر بعد الخبر، والواو للجمع بين الصفتين.

«يَحْذَرُ الْاخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ» ؛ في موقع الحال، أو الاستئناف للتعليل.

«قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ» ؛ نفى لاستواء الفريقين باعتبار القوّة العمليّة بعد نفيه باعتبار القوّة العمليّة على وجه أبلغ لمزيد [فضل] العلم.

وقيل: تقرير للأوّل على سبيل التشبيه، أي كما لا يستوي العالمون والجاهلون لا يستوي القانتون والعاصون.

«إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ» بأمثال هذه البيانات(2).

ص: 112


1- الليل (92): 3
2- تفسير البيضاوي، ج 5، ص 59 و 60

(قال: نزلت في أبي الفصيل).

في القاموس: «الفصيل: ولد الناقة إذا فصل عن اُمّه. الجمع: فُصلان بالضمّ والكسر وككتاب» انتهى(1).

والمراد به هنا أبو بكر بن أبي قحافة. وقيل: هذا التعبير إمّا من الإمام عليه السلام ، أو من أحد الرواة تقيّة(2).

وقال بعض الأفاضل: «إنّ اسم أبا بكر عبد العزّى وكنيته أبو الفصيل، فسمّاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله عبداللّه وكنّاه أبو بكر»(3).

وقيل: هو كناية عن أبي بكر، لأنّ الفصيل _ كما عرفت _ ولد الناقة، والبكر الفتى من الإبل، فهما متقاربان معنى. وروي أنّ أبا سفيان قال يوم غصب الخلافة: لأملأنّها على أبي فصيل خيلاً ورجلاً. وذكر السيّد الشريف في بعض حواشيه، وقد يعتبر في الكنى المعاني الأصليّة، كما روي أنّ في بعض الغزوات نادى بعض المشركين أبا بكر أبا الفصيل(4).

(إنّه كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله عنده ساحرا).

الضمير في الموضعين راجع إلى أبي الفصيل، وهذه الرواية كغيرها من الروايات المتكثّرة صريح في كونه منافقا، وفي ارتداده مرّةً بعد اُخرى.

(من قوله في رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ما يقول) من أنّه ساحر أو الأعمّ منه.

(يعني إمرتك على الناس) تفسير وبيان لقوله تعالى: «بِكُفْرِكَ» ، أو للتمتّع بالكفر.

قال الفيروزآبادي: «الأمر: مصدر أمّر علينا _ مثلّثة _ إذا ولّي. والاسم: الإمرة بالكسر. وقول الجوهري: مصدر وهم»(5).

وقوله عليه السلام : (بغير حقّ) متعلّق بالإمرة. والباء للتلبّس، أو حال عنها.

وقوله: (من اللّه ومن رسوله صلى الله عليه و آله ) متعلّق بالحقّ. و«من» للابتداء، أو صفة له.

وقوله عليه السلام : (عُطف القول) على البناء للمفعول.

وكلمة «في» في قوله: (في عليّ عليه السلام ) إمّا تعليليّة، أو بمعنى «إلى».

ص: 113


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 30 (فصل)
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 118
3- لم نعثر على قائله
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 118
5- القاموس المحيط، ج 1، ص 365 (أمر)

«ساجِدا وَقائِما» .

قيل: تقديم السجود والاهتمام به لكونه أرفع منازل العابدين(1).

«يَحْذَرُ الْاخِرَةَ» الآية.

أي عقوباتها وأهوالها. قال بعض الشارحين:

هو استيناف للتعليل، كأنّه [قيل:] ما سبب قنوته وقيامه وسجوده؟ فاُجيب ببيان سببها. أو في موضع النصب على الحال، ولعلّ النكتة في إيراد بعض الأحوال جملة وبعضها مفردة هي التنبيه على استمرار الحذر والرجاء ووجود كلّ منهما في زمان وجود الآخر بخلاف السجود والقيام، وإنّما آثر الحذر على الخوف مع أنّ الخوف في مقابل الرجاء لكونه أبلغ من الخوف؛ إذ هو خوف مع الاحتراز(2).

(وأنّه ساحرٌ كذّاب) على قوله تعالى: «لَا يَعْلَمُونَ» ، بتقدير فعل، أي: يقولون أو يعتقدون أنّه ساحرٌ كذّاب.

متن الحديث السابع و الأربعين و المائتين

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ :

عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ ، قَالَ : تَلَوْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام «ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ» (3).

فَقَالَ : «ذُو عَدْلٍ مِنْكُمْ ، هذَا مِمَّا أَخْطَأَتْ فِيهِ الْكُتَّابُ» .

شرح الحديث

السند حسن.

قوله تعالى: «ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ» .

قال اللّه _ عزّ وجلّ _ في سورة المائدة: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ» (4) .

(فقال: ذو عدل منكم) يعني أنّ المنزل: «ذو عدل» بلفظ الإفراد، ولعلّ المراد به حينئذٍ

ص: 114


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في بحار الأنوار، ج 66، ص 304
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 129 (مع اختلاف يسير في اللفظ)
3- المائدة (5): 95 و 106
4- . المائدة (5): الآية 95

النبيّ والإمام.

وقيل: على قراءة التثنية أيضا يحتمل أن يكون المراد النبيّ والإمام جميعا(1).

قال الشيخ الطبرسي رحمه الله: وقراءة محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام وجعفر بن محمّد الصادق عليه السلام : «يحكم به ذو عدل منكم»(2).

وقال البيضاوي: «وقرئ «ذو عدل» على إرادة الجنس، أو الإمام»(3).

متن الحديث الثامن والأربعين والمائتين

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ ، عَنْ رَجُلٍ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : « «لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ» لَمْ تُبْدَ لَكُمْ «إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ» (4) » .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله تعالى: «لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ» .

جملة «لم تبد لكم» صفة للأشياء، ولعلّ هذه الزيادة موجودة في مصحفهم عليهم السلام . ويحتمل أن يكون ذكرها عليه السلام تفسيرا، لا تنزيلاً.

«إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ» .

قال اللّه _ عزّ وجلّ _ في سورة المائدة: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ» (5).

قال البيضاوي: الشرطيّة، وما عطف عليها صفتان لأشياء، والمعنى: لا تسألوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن أشياء إن تظهر لكم تغمّكم، وإن تسألوا عنها في زمان الوحي تظهر [لكم]، وهما كمقدّمتين تنتجّان ما يمنع السؤال، وهو أنّه ممّا يغمّهم، والعاقل لا يفعل ما يغمّه. «عَفَا اللّه ُ عَنْهَا» صفة اُخرى، أي عن أشياء عفا اللّه عنها، ولم يكلّف بها؛ إذ روي أنّه

ص: 115


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 271
2- مجمع البيان، ج 3، ص 416
3- تفسير البيضاوي، ج 2، ص 367
4- . المائدة (5): 101
5- المائدة (5): 101

لمّا نزلت «وَللّه ِِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ» (1) قال سراقة بن مالك: أكلّ عام؟ فأعرض عنه رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتّى أعادها ثلاثا، فقال: «لا، ولو قلت: نعم، لوجبت، ولو وجبت ما استطعتم، ولو تركتم لكفرتم، فاتركوني ما تركتكم» فنزلت. أو استئناف، أي عفا اللّه عمّا سلف من مسألتكم، فلا تعودوا إلى مثلها.

«وَاللّه ُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» لا يعاجلكم بعقوبة ما يفرط منكم، ويعفو عن كثير.

وعن ابن عبّاس رضى الله عنه أنّه عليه السلام يخطب ذات يوم غضبان من كثرة ما يسألون عنه ممّا لا يعنيهم، فقال: «لا اُسئل عن شيء إلّا واُجيب» فقال رجل: أين أبي؟ فقال: «في النار».

وقال آخر: مَن أبي؟ فقال: «حذافة» وكان يُدعى لغيره، فنزلت، انتهى(2)

وقيل في سبب نزول هذه الآية: أنّه كان قوم يسألون رسول اللّه صلى الله عليه و آله استهزاءً مرّة وامتحانا مرّة، فيقول له بعضهم: مَن أبي؟ ويقول الآخر: أين أبي؟ ويقول الآخر إذا ضلّت ناقته: أين ناقتي؟ فأنزل اللّه _ عزّ وجلّ _ هذه الآية. وهذه الرواية مرويّة عن ابن عبّاس. وقيل: نزلت حين سألوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله . عن البَحِيرَة وَالسَائِبَة وَالوَصِيلَة والحامي(3).

متن الحديث التاسع والأربعين والمائتين

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الْبَرْقِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ ، قَالَ :

تَلَا أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ» الْحُسْنى «صِدْقا وَعَدْلًا» (4) » فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنَّمَا نَقْرَؤُهَا «وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقا وَعَدْلًا» ؟ فَقَالَ : «إِنَّ فِيهَا الْحُسْنى» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله عزّ وجلّ: «وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ (الحسنى) صِدْقا وَعَدْلاً» .

هذه الآية في سورة الأنعام هكذا: «وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقا وَعَدْلاً لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» (5) . وقرئ: «كلمات ربّك». وقال البيضاوي في تفسيرها:

ص: 116


1- . آل عمران (3): 97
2- تفسير البيضاوي، ج 2، ص 470 و 471 (مع التلخيص)
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 120
4- . الأنعام (6): 115
5- الأنعام (6): 115

«وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ» بلغت الغاية أخباره ومواعيده وأحكامه «صِدْقا» في الأخبار والمواعيد «وَعَدْلاً» في الأقضية والأحكام، ونصبهما يحتمل التمييز والحال والمفعول له «لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ» لا أحد يبدّل شيئا منها بما هو صدق وعدل، أو لا أحد يقدر أن يحرّفها شايعا ذايعا كما فعل بالتوراة، على أنّ المراد بها القرآن؛ ليكون ضمانا لها من اللّه بالحفظ لقوله تعالى: «وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ» (1). أو لا نبيّ ولا كتاب بعدها ينسخها ويبدّل أحكامها.

وقرأ الكوفيّون ويعقوب: «كلمة ربّك» أي ما تكلّم به، أو القرآن. «وَهُوَ السَّمِيعُ» بما يقولون «الْعَلِيمُ» بما يضمرون، فلا يهملهم، انتهى(2).

أقول: يفهم من بعض الأخبار أنّ المراد بالكلمة إمام الحقّ. ويحتمل أن يُراد بها ما شرّع اللّه لعباده من الدِّين.

وقال بعض الفضلاء:

كان المراد بالكلمة الإمام الذي يتعلّق حكم اللّه بوجوده عينا، وبتمامها كون وجوده العيني على نحو وجوده في العلم الأوّلي، وبالصدق مطابقة الوجود العيني للوجود العلمي، وبالعدل عدم الجور في هذا الحكم، والتقدير: بل هو محض العدل، وبالسماع سماع ما يقول ويقولون فيه، وبالعلم العلم بما يعتقد ويعتقدون فيه(3).

(فقلت: جعلت فداك إنّما نقرأها: «وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقا وَعَدْلاً» .

هذه الفقرة ليست في بعض النسخ.

(فقال: إنّ فيها الحسنى).

دلّ بظاهره على أنّه كان فيها لفظ «الحسنى» فتركت، فتأمّل.

متن الحديث الخمسين والمائتين

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَمُّونٍ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ الْأَصَمِّ ، (4) عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْقَاسِمِ الْبَطَلِ :

ص: 117


1- الحجر (15): 9
2- تفسير البيضاوي، ج 2، ص 445 مع اختلاف يسير فى اللفظ
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 6، ص 357 مع اختلاف يسير فى اللفظ
4- . في بعض نسخ الكافي: - «الأصمّ»

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ (1) تَعَالى : «وَقَضَيْنا إِلى بَنِى إِسْرائِيلَ فِى الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِى الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ» قَالَ : «قَتْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام وَطَعْنُ الْحَسَنِ عليه السلام . «وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرا» قَالَ : «قَتْلُ الْحُسَيْنِ عليه السلام . «فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما» : فَإِذَا جَاءَ نَصْرُ دَمِ الْحُسَيْنِ عليه السلام «بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِبادا لَنا أُولِى بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ» ؛ قَوْمٌ يَبْعَثُهُمُ اللّهُ قَبْلَ خُرُوجِ الْقَائِمِ عليه السلام ، فَلَا يَدَعُونَ وِتْرا لآِلِ مُحَمَّدٍ إِلَا قَتَلُوهُ . «وَكانَ وَعْدا مَفْعُولًا» : خُرُوجُ الْقَائِمِ عليه السلام . «ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ» (2). : خُرُوجُ الْحُسَيْنِ عليه السلام فِي سَبْعِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ ، عَلَيْهِمُ الْبَيْضُ الْمُذَهَّبُ ، لِكُلِّ بَيْضَةٍ وَجْهَانِ ، الْمُؤَدُّونَ إِلَى النَّاسِ أَنَّ هذَا الْحُسَيْنَ قَدْ خَرَجَ حَتّى لَا يَشُكَّ الْمُؤْمِنُونَ فِيهِ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِدَجَّالٍ وَلَا شَيْطَانٍ ، وَالْحُجَّةُ الْقَائِمُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ ، فَإِذَا اسْتَقَرَّتِ الْمَعْرِفَةُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ الْحُسَيْنُ عليه السلام ، جَاءَ الْحُجَّةَ الْمَوْتُ ، فَيَكُونُ الَّذِي يُغَسِّلُهُ وَيُكَفِّنُهُ وَيُحَنِّطُهُ وَيَلْحَدُهُ فِي حُفْرَتِهِ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عليهماالسلام ، وَلَا يَلِي الْوَصِيَّ إِلَا الْوَصِيُّ (3). » .

شرح الحديث

السند ضعيف. و«شمون» بفتح الشين المعجمة وضمّ الميم المشدّدة.

قوله تعالى: «وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ» .

قال البيضاوي:

وأوحينا إليه وحيا [مقضيّا] مبتوتا.

«فِي الْكِتَابِ» : في التوراة.

«لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ» جواب قسم محذوف، أو قضينا على إجراء القضاء المبتوت مجرى القسم.

«مَرَّتَيْنِ» : إفسادتين؛ اُولاهما مخالفة أحكام التوراة وقتل شعياء وارمياء، وثانيهما: قتل زكريّا ويحيى، وقصد مثل عيسى عليه السلام .

«وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّا كَبِيرا» (4) ولتستكبرنّ عن طاعة اللّه ، أو لتظلمنّ بالناس.

«فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا» : وعد عقاب اُولاهما «بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادا لَنَا» بخت نصر عامل لهراسف على بابل وجنوده.

ص: 118


1- . في بعض نسخ الكافي: «قول اللّه »
2- . الإسراء (17): 4 _ 6
3- . في بعض نسخ الكافي: «وصّى»
4- الإسراء(17): 4

وقيل: جالوت الجزري. وقيل: سنحاريب من أهل نينوى.

«أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ» : ذوي قوّة وبطش في الحرب شديد «فَجَاسُوا» : تردّدوا لطلبكم. وقرئ بالحاء، وهما اخوان. «خِلَالَ الدِّيَارِ» : وسطها للقتل والغارة، فقتلوا كبارهم، وسبّوا صغارهم، وحرقوا التوراة، وخرّبوا المسجد.

والمعتزلة لمّا منعوا تسليط [اللّه ] الكافر على ذلك أوّلوا البعث بالتخلية وعدم المنع.

«وَكَانَ وَعْدا مَفْعُولاً» : وكان وعد عقابهم لابدّ أن يفعل.

«ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّةَ» أي الدولة والغلبة «عَلَيْهِمْ» على الذين بعثوا عليكم، وذلك بأن ألقى اللّه في قلب بهمن بن اسفنديار لمّا ورث الملك من جدّه كشتاسف بن لهراسف شفقة عليهم، فردّ اُسراءهم على الشام وملك دانيال عليهم فاستولوا على من كان فيها من أتباع بخت نصر، أو بأن سلّط داود على جالوت فقتله.

«وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرا» ممّا كنتم، والنفير من ينفر مع الرجل من قومه. وقيل: جمع نفر، وهم المجتمعون للذهاب إلى العدوّ(1).

(قال: قتل عليّ بن أبي طالب عليه السلام وطعن الحسن عليه السلام ).

في القاموس: «طعنه بالرمح _ كمنعه ونصره _ طعنا: ضربه ووخزه، فهو مطعون وطعين.

وفيه بالقول طعنا وطعنانا»(2) أقول: الظاهر أنّه إشارة إلى ما فعل جرّاح بن قبيصة الأسدي الخارجي من طعنه عليه السلام بالعصا في ساباط المداين. ويحتمل أن يكون كناية عن قتله عليه السلام ، واحتمال إرادة ما وقع من الناس من الطعن والسبّ والإيذاء والإهانة بالنسبة إليه عليه السلام بعد صلحه مع معاوية، بعيد.

فإن قلت: ظاهر الآية في قصّة بني إسرائيل، فما وجه تفسيره عليه السلام الآية بما فسّره؟

قلت: لعلّ الوجه ما أفاده بعض الأفاضل: أنّه تعالى لما قال قبل هذه الآية: «وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللّه ِ تَبْدِيلاً» (3). ، وبيّن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّ كلّما وقع في بني إسرائيل يقع مثله في هذه الاُمّة بما سيقع من نظيره فيهم، فإفساد هذه الاُمّة مرّتين إشارة إلى قتل أمير المؤمنين عليه السلام ، وطعن الحسن عليه السلام (4).

ص: 119


1- تفسير البيضاوي، ج 3، ص 422 و 423
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 244 (طعن)
3- . الآية في سورة الأحزاب (33): 62؛ والفتح (48): 23، ولم يذكر في المصدر أنّ الآية قبل هذه الآية المذكورة، والظاهر أنّ «قبل هذه الآية» سهو من الشارح رحمه الله
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 122

وقيل: لما كانت بنو اُميّة وقريش وأكثر العرب من أولاد إسرائيل يعقوب عليه السلام ، فمن شاركهم في الإفساد المذكور من غيرهم فحكمه حكمهم، فهو داخل فيهم من باب التغليب(1).

( «وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّا كَبِيرا» قال: قتل الحسين عليه السلام ).

قال الجوهري: علا في المكان يعلو علوّا، وعلى في الشرف يعلى علاءً، ويقال: علا أيضا _ بالفتح _ يعلى، وعلوتُ الرّجل: غلبته. وعلوته بالسيف: ضربته. وعلا في الأرض: تكبّر، علوّا في هذا كلّه، انتهى(2).

ويحتمل هنا إرادة كلّ من المعاني الثلاثة الأخيرة، وأمّا الأوّلان فلا يناسبان المقام إلّا بتكلّف، بل ربّما يدّعى امتناع إرادة الثاني، فتدبّر.

«فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا» .

يحتمل على تفسيره عليه السلام إرجاع ضمير التثنية إلى الطائفتين اللّتين وعد اللّه سبحانه بتسلّطهما على المفسدين، ونصرتهما للمظلومين، من آل سيّد المرسلين، المفهومتين من قوله تعالى: «لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ» ؛ فإنّه كما فهم منه الظالمون القاهرون، كذلك فهم منه المظلومون المقهورون، فافهم.

فعلى هذا يكون قوله عليه السلام : (فإذا جاء نصر دم الحسين عليه السلام ) إشارة إلى الغرض الأصلي من بعث هذه الطائفة، وبيان سببه مدح المخاطبون في قوله تعالى: «بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ» الظالمون وتبعتهم ومن رضى بفعالهم، هذا ما خطر بالبال، وهو عليه السلام أعلم بمراده وأعرف بحقيقة الحال.

«عِبَادا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ» .

قال الجوهري: «البأس: العذاب، والشدّة في الحرب. بؤس [الرجل] فهو بئيس: أي شديد. والبئيس: الشجاع أيضا»(3).

«فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ» .

في القاموس: «الجوس: طلب الشيء بالاستقصاء، والتردّد خلال [الدور و] البيوت في

ص: 120


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 273
2- الصحاح، ج 6، ص 2435 (علو) مع التلخيص
3- القاموس المحيط، ج 3، ص 906 (بأس) مع التلخيص

الغارة، والطواف فيها»(1).

وقال: «خلال الدِّيار: ما حوالي حدودها، وما بين بيوتها»(2).

(قومٌ يبعثهم اللّه قبل خروج القائم عليه السلام ) خبر مبتدأ محذوف، أي هم أو تلك العباد قوم، ولعلّ المراد بهم أبو مسلم والمسيّب والمختار وأتباعهم وأضرابهم.

(فلا يدعون) أي لا يتركون، من قولهم: دَعْ ذا، أي اُتركه.

(وترا لآل محمّد إلّا قتلوه).

قال في القاموس: «الوتر _ [بالكسر] ويفتح _ : الفرد، أو ما لم يتشفّع من العدد، والذحل، أو الظلم فيه. ووتره ماله: نقصه إيّاه»(3).

وقال: الذحل: الثأر، أو طلب مكافأة بجناية جنيت عليك، أو عداوة اُتيت إليك، أو هو العداوة والحقد(4).

أقول: يحتمل هنا إرادة المعنى الأوّل، أي لا يتركون أحدا ممّن ظلم آل محمّد إلّا ينتقمون منه ويقتلونه.

والأظهر إرادة المعاني الاُخر، أي لا يتركون صاحب وتر، وذحل، أو ظلم، أو نقص، لحقّ آل محمّد إلّا قتلوه.

«وَكَانَ وَعْدا مَفْعُولاً» .

خروج القائم عليه السلام . الظاهر أنّ خروج القائم اسم «كان».

وفي تفسير العيّاشي: «قبل خروج القائم»، (5) ولعلّه أظهر، وحينئذٍ اسم «كان» ضمير القوم المبعوثين.

«ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ» .

في القاموس: «الكرّة: المرّة، والحملة» انتهى(6). وقيل: هي الرجعة(7) وقد نقلنا من

ص: 121


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 205 (جوس)
2- القاموس المحيط، ج 3، ص 370 (خلل)
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 152 (وتر) مع التلخيص
4- القاموس المحيط، ج 3، ص 379 (ذحل)
5- . تفسير العيّاشي، ج 2، ص 281
6- القاموس المحيط، ج 2، ص 126 (كرر)
7- اُنظر: شرح المازندراني، ج 12، ص 378

البيضاوي تفسيرها بالدولة والغلبة(1).

(خروج الحسين عليه السلام ).

الظاهر أنّه تفسير للكرّة، وأنّ المخاطبين هنا غير المخاطبين سابقا.

وقال بعض الأفاضل: يحتمل على بُعد أن يكون الخِطاب في صدر الآية إلى الشيعة الذين قصّروا في نصرة أئمّة الحقّ حتّى ظلموا وقتلوا، فسلّط اللّه عليهم من خرج بعد قتل الحسين عليه السلام كالحجّاج وأبي مسلم وبني العبّاس، فالكرّة لأئمّة هؤلاء المخاطبين على المخالفين.

ثمّ قال: «والظاهر أنّه عليه السلام فسّر الكرّة بالرجعة» انتهى(2).

والظاهر أنّ كلمة «في» في قوله عليه السلام : (في سبعين من أصحابه) بمعنى «مع»، وأنّ المراد بالسبعين أصحابه الذين استشهدوا معه عليه السلام .

(عليهم البيض المذهّب).

البيض _ بالفتح _ جمع بيضة: الحديد. وفي القاموس: «الذهب: التبر. وأذهبه: طلاه به، كذهّبه، فهو مُذَّهَبٌ، وذهيب، ومذهب»(3).

(لكل بيضة وجهان).

قيل: لعلّ المراد أنّها صُقِلَت وذُهِبَتْ في موضعين: أمامها وخلفها(4).

(المؤدّون إلى الناس) خبر مبتدأ محذوف، أي هم المؤدّون. والجملة حال عن الأصحاب.

(والحجّة القائم بين أظهرهم).

الواو للحال.

(جاء الحجّة الموت).

هو فاعل «جاء»، و«الحجّة» مفعول، والمراد به القائم عليه السلام .

(فيكون الذي يغسّله ويكفّنه ويحنّطه ويلحده).

ص: 122


1- تفسير البيضاوي، ج 3، ص 432
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 123
3- القاموس المحيط، ج 1، ص 70 (ذهب)
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 123

في القاموس: «اللّحد _ ويضمّ _ : الشقّ يكون في عرض [القبر]. ولحد القبر _ كمنع _ وألحده: عمل له لحدا. والميّت: دفنه»(1).

(في حفرته) أي في قبره، وهو بضمّ الحاء وسكون الفاء بدليل جمعه على حُفَر.

(الحسين عليه السلام بن عليّ عليه السلام ).

قيل: إنّما يغسله الحسين عليه السلام ؛ لأنّه من بين الأئمّة شهيد في المعركة، لا يجب عليه الغسل، وإن مات بعد الرجعة أيضا (2).

متن الحديث الواحد و الخمسين والمائتين

اشارة

سَهْلٌ ، (3) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَفْصٍ التَّمِيمِيِّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الْخَثْعَمِيُّ ، قَالَ :قَالَ : «لَمَّا سَيَّرَ عُثْمَانُ أَبَا ذَرٍّ إِلَى الرَّبَذَةِ ، شَيَّعَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَعَقِيلٌ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عليهم السلام وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ ، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الْوَدَاعِ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : يَا أَبَا ذَرٍّ ، إِنَّكَ إِنَّمَا غَضِبْتَ لِلّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ فَارْجُ مَنْ غَضِبْتَ لَهُ ، إِنَّ الْقَوْمَ خَافُوكَ عَلى دُنْيَاهُمْ ، وَخِفْتَهُمْ عَلى دِينِكَ ، فَأَرْحَلُوكَ عَنِ الْفِنَاءِ ، وَامْتَحَنُوكَ بِالْبَلَاءِ ، وَ وَاللّهِ لَوْ كَانَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ عَلى عَبْدٍ رَتْقا ، ثُمَّ اتَّقَى اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ، جَعَلَ لَهُ مِنْهَا مَخْرَجا ، فَلَا يُؤْنِسْكَ إِلَا الْحَقُّ ، وَلَا يُوحِشْكَ إِلَا الْبَاطِلُ .

ثُمَّ تَكَلَّمَ عَقِيلٌ ، فَقَالَ : يَا أَبَا ذَرٍّ ، أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّا نُحِبُّكَ ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّكَ تُحِبُّنَا ، وَأَنْتَ قَدْ حَفِظْتَ فِينَا مَا ضَيَّعَ النَّاسُ إِلَا الْقَلِيلَ ، فَثَوَابُكَ عَلَى اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَلِذلِكَ أَخْرَجَكَ الْمُخْرِجُونَ ، وَسَيَّرَكَ الْمُسَيِّرُونَ ، فَثَوَابُكَ عَلَى اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَاتَّقِ اللّهَ ، وَاعْلَمْ أَنَّ اسْتِعْفَاءَكَ الْبَلَاءَ مِنَ الْجَزَعِ ، وَاسْتِبْطَاءَكَ الْعَافِيَةَ مِنَ الْيَأْسِ (4) ، فَدَعِ الْيَأْسَ (5) وَالْجَزَعَ ، وَقُلْ : حَسْبِيَ اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ .

ثُمَّ تَكَلَّمَ الْحَسَنُ عليه السلام ، فَقَالَ : يَا عَمَّاهْ ، إِنَّ الْقَوْمَ قَدْ أَتَوْا إِلَيْكَ مَا قَدْ تَرى ، وَإِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ بِالْمَنْظَرِ الْأَعْلى ، فَدَعْ عَنْكَ ذِكْرَ الدُّنْيَا بِذِكْرِ فِرَاقِهَا وَشِدَّةِ مَا يَرِدُ عَلَيْكَ لِرَخَاءِ (6) مَا بَعْدَهَا ، وَاصْبِرْ حَتّى تَلْقى نَبِيَّكَ _ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ _ وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ إِنْ شَاءَ اللّهُ .

ص: 123


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 335 (لحد) مع التلخيص
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 123
3- . السند معلّق على سابقه، ويروي سهل عن العدّة
4- . في بعض نسخ الكافي وشرح المازندراني والوافي: «الإياس»
5- . في شرح المازندراني وبعض نسخ الكافي: «الإياس»
6- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «لرجاء»

ثُمَّ تَكَلَّمَ الْحُسَيْنُ عليه السلام ، فَقَالَ : يَا عَمَّاهْ ، إِنَّ اللّهَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ قَادِرٌ أَنْ يُغَيِّرَ مَا تَرى ، وَهُوَ كُلَّ يَوْمٍ فِي شَأْنٍ ، إِنَّ الْقَوْمَ مَنَعُوكَ دُنْيَاهُمْ ، وَمَنَعْتَهُمْ دِينَكَ ، فَمَا أَغْنَاكَ عَمَّا مَنَعُوكَ ، وَمَا (1) أَحْوَجَهُمْ إِلى مَا مَنَعْتَهُمْ ، فَعَلَيْكَ بِالصَّبْرِ ؛ فَإِنَّ (2) الْخَيْرَ فِي الصَّبْرِ ، وَالصَّبْرَ مِنَ الْكَرَمِ ، وَدَعِ الْجَزَعَ ؛ فَإِنَّ الْجَزَعَ لَا يُغْنِيكَ .

ثُمَّ تَكَلَّمَ عَمَّارٌ _ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ _ فَقَالَ : يَا أَبَا ذَرٍّ ، أَوْحَشَ اللّهُ مَنْ أَوْحَشَكَ ، وَأَخَافَ مَنْ أَخَافَكَ ، إِنَّهُ وَاللّهِ مَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يَقُولُوا الْحَقَّ (3).

إِلَا الرُّكُونُ إِلَى الدُّنْيَا وَالْحُبُّ لَهَا ، أَلَا إِنَّمَا الطَّاعَةُ مَعَ الْجَمَاعَةِ ، وَالْمُلْكُ لِمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ ، وَإِنَّ هؤُلَاءِ الْقَوْمَ دَعَوُا النَّاسَ إِلى دُنْيَاهُمْ ، فَأَجَابُوهُمْ إِلَيْهَا ، وَوَهَبُوا لَهُمْ دِينَهُمْ ، فَخَسِرُوا الدُّنْيَا وَالْاخِرَةَ ، وَذلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ .

ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ ، فَقَالَ : عَلَيْكُمُ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ ، بِأَبِي وَأُمِّي هذِهِ الْوُجُوهُ ، فَإِنِّي إِذَا رَأَيْتُكُمْ ذَكَرْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِكُمْ ، وَمَا لِي بِالْمَدِينَةِ شَجَنٌ وَلَا سَكَنٌ (4) غَيْرُكُمْ ، وَإِنَّهُ ثَقُلَ عَلى عُثْمَانَ جِوَارِي بِالْمَدِينَةِ ، كَمَا ثَقُلَ عَلى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ ، فَآلى أَنْ يُسَيِّرَنِي إِلى بَلْدَةٍ ، فَطَلَبْتُ إِلَيْهِ أَنْ يَكُونَ ذلِكَ إِلَى الْكُوفَةِ ، فَزَعَمَ أَنَّهُ يَخَافُ أَنْ أُفْسِدَ عَلى أَخِيهِ النَّاسَ بِالْكُوفَةِ ، وَآلى بِاللّهِ لَيُسَيِّرُنِي إِلى بَلْدَةٍ لَا أَرى فِيهَا (5) أَنِيسا ، وَلَا أَسْمَعُ بِهَا حَسِيسا ، وَإِنِّي وَاللّهِ مَا أُرِيدُ إِلَا اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ صَاحِبا ، وَمَا لِي مَعَ اللّهِ وَحْشَةٌ ، حَسْبِيَ اللّهُ ، لَا إِلهَ إِلَا هُوَ ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ، وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، وَصَلَّى اللّهُ عَلى سَيِّدِنَا (6). مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّيِّبِينَ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (لمّا سيَّر عثمانُ أبا ذرّ إلى الربذة).

التسيير: الحمل على السّير، والذهاب، والإخراج من البلد.

وأبو ذرّ _ بتشديد الرّاء _ : كنية جندب بن جنادة الغفاري. والغفار _ ككتاب _ : قبيلة من كنانة.

ص: 124


1- . في أكثر نسخ الكافي وشرح المازندراني: - «ما»
2- . في أكثر نسخ الكافي والوافي: «وإنّ»
3- . في بعض نسخ الكافي وشرح المازندراني: - «الحقّ»
4- . في الطبعة القديمة: «لأسكن بدل «ولا سكن»
5- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «بها»
6- . في بعض نسخ الكافي: - «سيّدنا»

وفي القاموس: «الرَبَذَة _ بالتحريك _ : مدفن أبي ذرّ الغفاري قُرب المدينة»(1).

(فلمّا كان عند الوداع).

قال الجوهري: «هي التوديع عند الرحيل، والاسم: الوداع بالفتح»(2).

(قال أمير المؤمنين عليه السلام : يا أبا ذرّ، [إنّك] إنّما غضبتَ للّه عزّ وجلّ) على البناء للفاعل، أو للمفعول؛ يعني بأنّ إنكارك وغضبك بما كنت أنكرت من أمر عثمان حتّى صرت عنده مغضوبا مبغوضا إنّما هو لوجه اللّه .

وكذا قوله عليه السلام : (فَارْجُ من غضبتَ له) يحتمل الوجهين.

(إنّ القوم خافوك على دنياهم) لئلّا تفسدها عليهم، وتنفّر الناس عنهم.

(وخِفْتَهم على دينك) لئلّا يفسدوه عليك، ويردّوك على أعقابك بالطمع في دنياهم، والمداراة والمماشاة معهم، كما فعلوا بكثير من الناس، فضلّوا وأضلّوا.

(فأرحلوك عن الفناء).

قال الجوهري: «رحلته: إذا أعطيته راحلة. ورحّلته بالتشديد: إذا أظعنته من مكانه، وأرسلته»(3).

وقال: «فناء الدار: ما امتدّ من جوانبها» انتهى(4).

أقول: لعلّ الإرحال هنا بمعنى الترحيل، أو كناية عنه. والمراد بالفناء، إمّا فناء دارهم وجوارهم، أو فناء دار أبي ذرّ، أو فناء المدينة، أو فناء الروضة المقدّسة.

(وامتحنوك بالبلاء).

قال الجوهري: «محنته وامتحنته: أي أختبرته. والاسم: المحنة»(5).

وفي القاموس: «محنه _ كمنعه _ : ضربه، واختبره، كامتحنه»(6). ولعلّ المراد هنا: أوقعوك في محنة البلاء.

(واللّه لو كانت السماوات والأرض على عبدٍ رتقا).

قال الجوهري: «الرتق: ضدّ الفتق. وقد رتقت الفتق أرتقه، فارتتق، أي التأم، ومنه قوله

ص: 125


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 353 (ربذ)
2- الصحاح، ج 3، ص 1295 (رحل)
3- الصحاح، ج 6، ص 2457 (فني)
4- القاموس المحيط، ج 6، ص 2457 (فني)
5- الصحاح، ج 6، ص 2201 (محن)
6- القاموس المحيط، ج 4ف ص 270 (محن)

تعالى: «كَانَتَا رَتْقا فَفَتَقْنَاهُمَا» (1). (2).

(ثمّ اتّقى اللّه جعل له [منها] مخرجا).

لعلّ ضمير «منها» راجع إلى التقوى، و«من» للتعليل، أو للابتداء. ويحتمل إرجاعه إلى السماوات والأرض، وإرادة رتقهما، أي جعل له من رتقهما مخرجا.

قيل: هذا الكلام بشارة لأبي ذرّ بخلاصه ممّا هو فيه من ضيق الحال بسبب الإخراج، وشرطه في ذلك تقوى اللّه إشارة إلى قوله تعالى: «وَمَنْ يَتَّقِ اللّه َ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجا» (3). الآية.

وكنّى عليه السلام برتق السماوات والأرض على العبد عن غاية الشدّة مبالغة لبيان فضل التقوى(4).

(وأنت قد حفظت فينا ما ضيّع الناس إلّا القليل) استثناء من تضييع الناس، لا من حفظ أبي ذرّ.

ثمّ رغّبه في الصبر على البلاء، وتلقّيه بالقبول، وتوقّع حضور العافية وعدم اليأس منها، فقال: (واعلم أنّ استغفاءك البلاء من الجزع، واستبطاءك [العافية] من اليأس).

في بعض النسخ: «من الإياس».

قال في القاموس: «أيِسَ _ كسمعَ _ إياسا: قنط»(5).

وقال: «الاستعفاء: طلبك ممّن يكلفّك أن يعفيك منه»(6).

وقوله: «من الجزع» خبر «أنَّ». وكذا قوله: «من اليأس».

(فدَع اليأس).

في بعض النسخ: «الإياس».

(ثمّ تكلّم الحسن عليه السلام ، فقال: يا عمّاه).

العمّ: أخو الأب. والمراد هنا الإخوة في الدِّين.

(إنّ القوم قد أتوا إليك ما قد ترى).

من الإيذاء، والإهانة، والإخراج من البلد. قال في القاموس: «أتى إليه الشيء: ساقه»(7).

ص: 126


1- الأنبياء (21): 30
2- الصحاح، ج 4، ص 480 (رتق)
3- الطلاق (65): 2
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 275
5- القاموس المحيط، ج 2، ص 199 (أيس)
6- القاموس المحيط، ج 4، ص 364 (عفو)
7- القاموس المحيط، ج 4، ص 297 (أتي)

(وإنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ بالمنظر الأعلى).

كناية عن علمه تعالى بما يصدر عنهم، وأنّه لا يعزب عنه شيء في الأرض ولا في السماء.

قال في القاموس: نظره _ كنصره، وسمعه _ وإليه نظرا، أو منظرا، أو نظرانا، ومنظرة: تأمّله بعينه. والمنظر والمنظرة: ما نظرت إليه، فأعجبك أو ساءك(1).

(ثمّ تكلّم الحسين عليه السلام ) إلى قوله: (قادر أن يغيّر ماترى).

لعلّ الموصول إشارة إلى استخفافهم بأبي ذرّ، وعدم رعاية حقوقه، أو إلى ضعف أهل الحقّ وقوّة أهل الباطل.

(وهو كلّ يوم في شأن).

في القاموس: «الشأن: الخطب، والأمر»(2).

وقال البيضاوي في تفسير قوله تعالى: «كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ» : (3).

كلّ وقت يحدث أشخاصا، ويجدّد أحوالاً على ما سبق به قضاؤه. وفي الحديث: من شأنه أن يغفر ذنبا، ويفرّج كربا، ويرفع قوما، ويضع آخرين. وهو ردّ لقول اليهود: إنّ اللّه لا يقض يوم السبت شيئا، انتهى(4).

(فما أغناك عمّا منعوك) من دنياهم (وما أحوجهم إلى ما منعتهم) من دينك.

وكلمة «ما» في الموضعين للتعجّب.

(أوحش اللّه مَنْ أوحشك).

قال الجوهري: «الوحشة: الخلوة، والهمّ. أوحشه فاستوحش»(5).

(ما منع الناس أن يقولوا الحقّ).

لفظ «الحقّ» ليس في بعض النسخ، لكنّه مراد.

وقيل على هذه النسخة: يعني يتكلّموا في نصرتك، ودفع الظلم عنك(6).

(إلّا الركون) أي الميل والسكون.

ص: 127


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 144 (نظر) مع التلخيص
2- القاموس المحيط، ج 2، ص 248 (شأن)
3- الرحمن (55): 29
4- تفسير البيضاوي، ج 5، ص 276
5- الصحاح، ج 3، ص 1025 (وحش)
6- قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي، ج 26، ص 396

(إلى الدُّنيا والحبّ لها، ألا إنّما الطاعة مع الجماعة).

لعلّ المراد أنّ طاعة اللّه لا يتيسّر إلّا مع جماعة أهل الحقّ، وهم الأئمّة عليهم السلام وشيعتهم. أو المراد أنّ أكثر الناس يتّبعون الجماعات، ولا يلحظون في ذلك كونه حقّا أو باطلاً.

ويؤيّد الثاني قوله: (والملك لمَن غلب عليه)؛ أي السلطنة الدنيويّة لمن غلب عليها وقهر الناس بقبولها، وإن كان على الباطل.

(فخسروا الدُّنيا) بذهاب عصمتهم (والآخرة) بحبوط عملهم.

(وذلك هو الخسران المبين)؛ إذ لا خسران مثله. قال الجوهري: «بانَ الشيء بيانا: اتّضح، فهو بيِّن. وكذلك أبان الشيء، فهو مبين. وأبنته أنا: أوضحته»(1).

(بأبي واُمّي هذه الوجوه).

إشارة إلى وجوه الحاضرين، أو إلى أشخاصهم وأعيانهم. قال في القاموس: «الوجه: معروف، ومستقبل كلّ شيء. الجمع: أوجه، ووجوه، وأجوه، ونفس الشيء، وسيّد القوم، الجمع: وجوه»(2).

(وما لي بالمدينة شجنٌ ولا سكن غيركم).

قال في القاموس: «الشجن _ محرّكة _ : الهمّ، والحزن، والحاجة حيث كانت. الجمع: شجون، وأشجان»(3).

وقال: «سكن إليه سكونا: قرَّ. والاسم: السّكن _ محرّكة _ [والسكنى] وكبشرى. والسّكن: أهل الدار، وبالتحريك: ما يسكن إليه»(4).

(فآلى أن يسيّرني إلى بلدة).

في القاموس: «آلى وائتلى وتألّى: أقسم»(5).

(أن أفسد على أخيه الناس بالكوفة).

المراد بأخيه الوليد بن عقبة أخو عثمان لاُمّه، وكان عثمان ولّاه الكوفة. وذكر الزمخشري وغيره: أنّه صلّى بالناس وهو سكران صلاة الفجر أربعا، ثمّ قال: هل أزيدكم، انتهى(6).

ص: 128


1- الصحاح، ج 5، ص 2083 (بين)
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 295 (وجه)
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 239 (شجن)
4- القاموس المحيط، ج 4، ص 235 (سكن)
5- القاموس المحيط، ج 4، ص 300 (ألو)
6- اُنظر: الكشّاف، ج 3، ص 559؛ الكامل لابن الأثير، ج 2، ص 52؛ أسد الغابة للجزري، ج 5، ص 91

(لا أرى فيها).

في بعض النسخ: «بها».

(أنيسا، ولا أسمع بها حسيسا).

قال الجوهري: «الحسّ والحسيس: الصوت الخفيّ»(1).

متن الحديث الثاني والخمسين والمائتين

اشارة

أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ وَالْحَجَّالِ جَمِيعا ، عَنْ ثَعْلَبَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ مَسْلَمَةَ (2). الْجَرِيرِيِّ ، قَالَ :

قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : يُوَبِّخُونَّا وَيُكَذِّبُونَّا إِنَّا نَقُولُ : إِنَّ صَيْحَتَيْنِ تَكُونَانِ ، يَقُولُونَ : مِنْ أَيْنَ تُعْرَفُ (3) الْمُحِقَّةُ مِنَ الْمُبْطِلَةِ إِذَا كَانَتَا؟

قَالَ : «فَمَا ذَا تَرُدُّونَ عَلَيْهِمْ؟» .

قُلْتُ : مَا نَرُدُّ عَلَيْهِمْ شَيْئا .

قَالَ : «قُولُوا : يُصَدِّقُ بِهَا _ إِذَا كَانَتْ _ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِهَا مِنْ قَبْلُ ، إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ يَقُولُ : «أَفَمَنْ يَهْدِى إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّى إِلّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ» (4). » .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : يوبّخونا) أي المخالفون لنا. والتوبيخ: اللؤم، والتأنيب.

(ويكذّبونا) فيما نقول، وهو (إنّا نقول: إنّ صيحتين تكونان): تقعان، وتوجدان عند ظهور القائم عليه السلام ؛ صيحة في أوّل اليوم بأنّ فلان بن فلان وشيعته هم الفائزون، وصيحة في الآخرة بأنّ عثمان وشيعته هم الفائزون، كما سيأتي.

(يقولون: من أين تعرف) على البناء للمفعول.

ص: 129


1- الصحاح، ج 3، ص 916 (حسس)
2- . المذكور في رجال الطوسي، ص 265، ح 3803 هو عبد الرحمن بن سلمة الجريري، وفي رجال البرقي، ص 24 هو عبد الرحمن بن مسلمة الحريري
3- . في بعض نسخ الكافي: «يعرف»
4- . يونس (10): 35

(المحقّة من المبطلة) أي الصيحة المحقّة من الصيحة المبطلة، واتّصافهما بالإحقاق والإبطال باعتبار اتّصاف صاحبها وهو المنادي بهما، والحقّ ضدّ الباطل.

والإحقاق: الإيجاب، والإثبات، والغلبة على الحقّ، والتثبيت عليه، ويقابله الإبطال.

(إذا كانتا) أي وقعتا.

(قال: فما ذا تردّون عليهم؟).

قال الجوهري: «ردّ عليه الشيء: إذا لم يقبله. وكذلك إذا أخطأه. وردّ إليه جوابا: أي رجع»(1).

(قال: قولوا يصدّق بها) أي بالمحقّة.

(إذا كانت) أي وقعت.

و«يصدّق» على البناء للفاعل. وقوله: (من كان يؤمن بها) فاعله.

(من قبل) أي من قبل وقوعها.

والمراد: أنّه يؤمن بتلك الصيحة المحقّة من علم بأخبار الأئمّة الحقّ أنّ المنادي الأوّل هو المحقّ لا غير.

(إنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ يقول) في سورة يونس: «قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلْ اللّه ُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَا أَنْ يُهْدَى» (2).

قال البيضاوي:

أي أم الذي لا يهتدي إلّا أن يهدى، أو لا يهدي غيره إلّا أن يهديه اللّه ، وهذا حال أشراف شركائهم كالملائكة والمسيح وعزير. وقرأ ابن كثير وورش عن نافع وابن عامر: «يهدّى» بفتح الهاء وتشديد [الدال]، ويعقوب وحفص بالكسر والتشديد، والأصل: «يهتدي» فاُدغم وفتحت الهاء بحركة التاء وكسرت لالتقاء الساكنين.

«فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ» بما يقتضي صريح العقل بطلانه، انتهى(3).

وأقول: بناء هذا التفسير على كون الموصول الأوّل عبارة عن اللّه سبحانه، والموصول الثاني عبارة عن أشراف آلهة المشركين كالملائكة والمسيح وعزير، فإنّهم لا يهتدون بأنفسهم إلّا أن يهديهم اللّه .

ويؤيّد أوّل الآية، وقد مرّ في كتاب الحجّة تفسير الموصول الأوّل بأمير المؤمنين عليه السلام والثاني بالثلاثة.

ص: 130


1- الصحاح، ج 2، ص 473 (ردد)
2- يونس (10): 35
3- تفسير البيضاوي، ج 3، ص 197 (مع التلخيص)

إذا تمهّد هذا فنقول: لعلّ وجه انطباق الآية على ما ذكر أنّه لابدّ من تصديق أهل العصمة في كلّ ما يخبرون به؛ لأنّهم هم الهادون إلى الحقّ لهداية اللّه _ عزّ وجلّ _ والعالمون بجميع ما يحتاج إليه من أمر الدِّين والدُّنيا، بخلاف غيرهم من الجهلة.

وقيل في وجه الانطباق: إنّ الموصول في الآية مَن له الصيحة الاُولى، والموصول الثاني مَن له الصيحة الثانية، والأوّل أحقّ بالاتّباع، وليس ذلك إلّا لظهور الحقّ في قلوب المستعدّين لقبوله(1).

وقيل: يحتمل أن يكون المراد منه بعد ظهور من ينادي _ أي القائم عليه السلام _ يعلم حقّيّته بعلمه الكامل، كما قال تعالى: «أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ» الآية. أو المراد أنّه يظهر من الآية أنّ للحقّ ظهورا، حيث قال في مقام الاحتجاج على الكفّار: «أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ» ، فالحقّ ظاهر، لكن يتعامى عنه بعض الناس(2).

متن الحديث الثالث والخمسين والمائتين

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ وَالْحَجَّالِ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ فَرْقَدٍ ، قَالَ :

سَمِعَ رَجُلٌ مِنَ الْعِجْلِيَّةِ هذَا الْحَدِيثَ قَوْلَهُ : «يُنَادِي مُنَادٍ : أَلَا إِنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ وَشِيعَتَهُ هُمُ الْفَائِزُونَ أَوَّلَ النَّهَارِ ، وَيُنَادِي آخِرَ النَّهَارِ : أَلَا إِنَّ عُثْمَانَ وَشِيعَتَهُ هُمُ الْفَائِزُونَ». قَالَ : «وَيُنَادِي أَوَّلَ النَّهَارِ (3) مُنَادِي آخِرِ النَّهَارِ».

فَقَالَ الرَّجُلُ : فَمَا يُدْرِينَا أَيُّمَا الصَّادِقُ مِنَ الْكَاذِبَ؟

فَقَالَ : «يُصَدِّقُهُ عَلَيْهَا مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِهَا قَبْلَ أَنْ يُنَادِيَ ، إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ يَقُولُ : «أَ فَمَنْ يَهْدِى إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّى إِلّا أَنْ يُهْدى» (4) الْايَةَ» .

شرح الحديث

السند صحيح، وضمير «عنه» راجع إلى أبي عليّ الأشعري.

قوله: (العجليّة).

ص: 131


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 277
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 126
3- . في الوافي + «غير»
4- . يونس (10): 35

كان منسوب إلى طائفة من بني عجل. قال الجوهري: «عجل: قبيلة من ربيعة، وهو عجل بن لجيم بن صعب علي بن بكر بن وائل»(1).

وما قيل من أنّه يحتمل أن يكون كناية عمّن قدّم عجل هذه الاُمّة، وسامريّها على أمير المؤمنين عليه السلام ، (2) فبعيد جدّا.

قوله: (هذا الحديث قوله: ينادي مناد).

الظاهر أنّ «قوله» بالنصب بيان أو بدل ل«هذا الحديث»، وأنّ الضمير راجع إلى المعصوم وأنّه أبو عبداللّه عليه السلام .

(ألّا إنّ فلان بن فلان وشيعته هم الفائزون).

يظهر من بعض الأخبار أنّ المراد بفلان بن فلان القائم عليه السلام . روى الصدوق رحمه الله في كتاب كمال الدِّين بإسناده عن زرارة، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال: «ينادي مناد باسم القائم عليه السلام ». قلت: خاصّ أو عامّ؟ قال: «عامّ يسمع كلّ قوم بلسانهم». قلت: فمن يخالف القائم عليه السلام وقد نودي باسمه؟ قال: «لا يدعهم إبليس ينادي في آخر الليل ليشكّك (3). الناس»(4).

(قال: وينادي أوّل النهار منادي آخر النهار).

الظاهر أنّ القائل هو الإمام عليه السلام ، وهذا بظاهره يدلّ على اتّحاد المناديين، وهو مخالف لما رواه في كتاب كمال الدِّين وتمام النعمة بإسناده عن المعلّى بن خنيس، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال: «صوت جبرئيل من السماء، وصوت إبليس من الأرض، فاتّبعوا الصوت الأوّل، وإيّاكم [والأخير] أن تفتتنوا به»، (5). وما رويناه سابقا من ذلك الكتاب أيضا يوهم المخالفة. ويمكن أن يقال: إنّ ما رواه الصدوق من الخبرين لا يدلّان إلّا على اختلاف المناديين في الجملة، لا على اختلافهما في أوّل النهار وآخره، فلا منافاة.

وقال بعض الأفاضل في وجه التوفيق: لعلّ المراد أنّ منادي النهار ومنادي آخره شبيهان بحسب الصوت. أو المراد أنّ منادي آخر النهار ينادي أوّل النهار أيضا، إمّا موافقا للمنادي

ص: 132


1- الصحاح، ج 5، ص 1759 (عجل)
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 127
3- . في المصدر: «ويشكّك»
4- كمال الدين، ص 65، ح 8. وعنه في بحار الأنوار، ج 52، ص 205، ح 35
5- . كمال الدين، ص 652، ح 13

الأوّل، أو كما ينادي آخر النهار.

قال: ويحتمل أن يقرأ على البناء للمجهول، أي يخبر منادي أوّل النهار عن منادي آخر النهار، ويقول: إنّه شيطان، فلا تتّبعوه كما اُفيد، انتهى(1).

وقيل: هذا الخبر يعني الخبر المذكور في الكتاب من باب الاستفهام الإنكاري، والتقدير: ولا ينادي، كما في قول الهذلي: «تاللّه يبقى على الأيّام ذو حياة». قال الجواهري: أي لا يبقى، انتهى(2).

ولا يخفى عليك ما في هذه التوجيهات من التكلّفات البعيدة، والظاهر ما قلناه أوّلاً، واللّه تعالى أعلم.

(فقال) أي الإمام، أو الراوي الذي يناظر العجلي، والأوّل أنسب.

(يصدّقه) أي الصادق، أو المنادي.

(عليها) أي على الصيحة الاُولى.

وقوله: (من كان يؤمن بها) فاعل «يصدّق».

متن الحديث الرابع والخمسين والمائتين

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَا تَرَوْنَ مَا تُحِبُّونَ حَتّى يَخْتَلِفَ بَنُو فُلَانٍ فِيمَا بَيْنَهُمْ ، فَإِذَا اخْتَلَفُوا طَمِعَ النَّاسُ ، وَتَفَرَّقَتِ (3) الْكَلِمَةُ ، وَخَرَجَ السُّفْيَانِيُّ» .

شرح الحديث

السند حسن، أو موثّق.

قوله: (لا ترون ما تحبّون)؛ يعني ظهور دولة الحقّ ورواجها.

(حتّى يختلف بنو فلان).

ص: 133


1- القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 127
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 278
3- . في بعض نسخ الكافي: «وتفرّق»

قيل: المراد بهم بنو العبّاس. والظاهر أنّ [المراد] بالاختلاف ضدّ الاتّفاق، والمراد ظهور الهرج منهم، أو كناية عن زوال ملكهم وذهاب دولتهم. وفسّره بعض بمجيء بعضهم عقيب بعض حتّى ينتهي دولتهم(1).

وقوله: (طمع الناس)؛ يعني في الملك والسلطنة، وقامت من كلّ ناحية فرقة، واختلفت الروايات، كما يدلّ عليه بعض الروايات.

(وتفرّقت الكلمة).

هي اللفظة من القول، وقد تطلق على الأمر والحكم والعهد والبيعة والشأن والحال.

(وخرج السفياني).

قيل: الدجّال(2).

وقال الأمين الإسترآبادي رحمه الله: المراد أنّ بعد بني العبّاس لم يتّفق الملوك على خليفة، وهذا معنى تفرّق الكلمة، ثمّ تمضي بعد ذلك مدّة مديدة إلى خروج السفياني، ثمّ إلى ظهور المهدي عليه السلام (3).

متن الحديث الخامس والخمسين و المائتين

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ وَغَيْرِهِ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الصَّبَّاحِ ، قَالَ : سَمِعْتُ شَيْخا يَذْكُرُ عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ ، قَالَ :

كُنْتُ عِنْدَ أَبِي الدَّوَانِيقِ ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ ابْتِدَاءً مِنْ نَفْسِهِ : يَا سَيْفَ بْنَ عَمِيرَةَ ، لَا بُدَّ مِنْ مُنَادٍ يُنَادِي بِاسْمِ رَجُلٍ مِنْ وُلْدِ أَبِي طَالِبٍ .

قُلْتُ : يَرْوِيهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ؟

قَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَسَمِعَتْ أُذُنِي مِنْهُ يَقُولُ : لَا بُدَّ مِنْ مُنَادٍ يُنَادِي بِاسْمِ رَجُلٍ (4).

قُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّ هذَا الْحَدِيثَ مَا سَمِعْتُ بِمِثْلِهِ قَطُّ .

ص: 134


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 278
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 279
3- نقل عنه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 128
4- في أكثر نسخ الكافي: - «قلت: يرويه _ إلى قوله: _ ينادي باسم رجل»

فَقَالَ لِي : يَا سَيْفُ ، إِذَا كَانَ ذلِكَ فَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يُجِيبُهُ ، أَمَا إِنَّهُ أَحَدُ بَنِي عَمِّنَا .

قُلْتُ : أَيُّ بَنِي عَمِّكُمْ؟

قَالَ : رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ عليهاالسلام .

ثُمَّ قَالَ : يَا سَيْفُ ، لَوْ لَا أَنِّي سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ يَقُولُهُ (1) ثُمَّ حَدَّثَنِي بِهِ أَهْلُ الْأَرْضِ مَا قَبِلْتُهُ مِنْهُمْ ، وَلكِنَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عليهماالسلام .

شرح الحديث

السند مجهول.

ولا يخفى أنّ المناسب ذكر هذا العنوان قبل الخبرين السابقين.

قوله: (باسم رجل من ولد أبي طالب)

قد مرّ أنّه الصاحب عليه السلام .

وقوله: (قلت يرويه) إلى آخره، قوله: (باسم رجل) ليس في بعض النسخ.

وضمير «منه» راجع إلى محمّد بن علي عليهماالسلام؛ بقرينة المقام، أو لكونه معهودا، كما يفهم من آخر الحديث.

وفي بعض النسخ: «منها» بدل «منه». ولعلّ الضمير حينئذٍ راجع إلى الحكاية، أو الرواية المسموعة. وذكر «الاُذن» للإشعار بأنّه سمع منه بلا واسطة.

وقوله: (فنحن أوّل من يجيبه) كذب عدوّ اللّه إلّا أن يجيب نداء أخيه، ووليّه الشيطان.

وقوله: (أما إنّة) أي الذي ينادي باسمه.

وقوله: (ولكنّه محمّد بن عليّ عليهماالسلام).

غرضه منه التنبيه بأنّ قوله عليه السلام حقّ، وأنّه لا يخفى صدق حديثه وجلالة قدره على الخاصّ والعامّ.

متن الحديث السادس و الخمسين والمائتين

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ :

ص: 135


1- . في بعض نسخ الكافي: «يقول»

كُنْتُ مَعَ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام جَالِسا فِي الْمَسْجِدِ إِذْ أَقْبَلَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ وَسُلَيْمَانُ بْنُ خَالِدٍ (1). وَأَبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو الدَّوَانِيقِ ، فَقَعَدُوا نَاحِيَةً مِنَ الْمَسْجِدِ ، فَقِيلَ لَهُمْ : هذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ جَالِسٌ ، فَقَامَ إِلَيْهِ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ وَسُلَيْمَانُ بْنُ خَالِدٍ ، وَقَعَدَ أَبُو الدَّوَانِيقِ مَكَانَهُ حَتّى سَلَّمُوا عَلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَقَالَ لَهُمْ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «مَا مَنَعَ جَبَّارَكُمْ مِنْ (2) أَنْ يَأْتِيَنِي؟» فَعَذَّرُوهُ عِنْدَهُ .

فَقَالَ عِنْدَ ذلِكَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عليهماالسلام : «أَمَا وَاللّهِ ، لَا تَذْهَبُ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامُ حَتّى يَمْلِكَ مَا بَيْنَ قُطْرَيْهَا ، ثُمَّ لَيَطَأَنَّ الرِّجَالُ عَقِبَهُ ، ثُمَّ لَيَذِلَّنَّ (3) لَهُ رِقَابُ الرِّجَالِ ، ثُمَّ لَيَمْلِكَنَّ مُلْكا شَدِيدا» .

فَقَالَ لَهُ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ : وَإِنَّ مُلْكَنَا قَبْلَ مُلْكِكُمْ؟

قَالَ : «نَعَمْ يَا دَاوُدُ ، إِنَّ مُلْكَكُمْ قَبْلَ مُلْكِنَا ، وَسُلْطَانَكُمْ قَبْلَ سُلْطَانِنَا» .

فَقَالَ لَهُ (4) : أَصْلَحَكَ اللّهُ ، فَهَلْ لَهُ مِنْ مُدَّةٍ؟

فَقَالَ (5) : «نَعَمْ يَا دَاوُدُ ، وَاللّهِ لَا يَمْلِكُ بَنُو أُمَيَّةَ يَوْما إِلَا مَلَكْتُمْ مِثْلَيْهِ ، وَلَا سَنَةً إِلَا مَلَكْتُمْ مِثْلَيْهَا ، وَلَيَتَلَقَّفُهَا (6) الصِّبْيَانُ مِنْكُمْ كَمَا تَلَقَّفُ (7) الصِّبْيَانُ الْكُرَةَ» .

فَقَامَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ مِنْ عِنْدِ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فَرِحا يُرِيدُ أَنْ يُخْبِرَ أَبَا الدَّوَانِيقِ بِذلِكَ ، فَلَمَّا نَهَضَا جَمِيعا هُوَ وَسُلَيْمَانُ بْنُ مُجَالِدٍ نَادَاهُ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام مِنْ خَلْفِهِ : «يَا سُلَيْمَانَ بْنَ مُجَالِدٍ ، لَا يَزَالُ الْقَوْمُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ مُلْكِهِمْ مَا لَمْ يُصِيبُوا مِنَّا دَما حَرَاما _ وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلى صَدْرِهِ _ فَإِذَا أَصَابُوا ذلِكَ الدَّمَ ، فَبَطْنُ الْأَرْضِ خَيْرٌ لَهُمْ مِنْ ظَهْرِهَا ، فَيَوْمَئِذٍ لَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ نَاصِرٌ ، وَلَا فِي السَّمَاءِ عَاذِرٌ» .

ثُمَّ انْطَلَقَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُجَالِدٍ ، فَأَخْبَرَ أَبَا الدَّوَانِيقِ ، فَجَاءَ أَبُو الدَّوَانِيقِ إِلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ أَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ لَهُ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ وَسُلَيْمَانُ بْنُ خَالِدٍ .

فَقَالَ لَهُ : «نَعَمْ يَا أَبَا جَعْفَرٍ ، دَوْلَتُكُمْ قَبْلَ دَوْلَتِنَا ، وَسُلْطَانُكُمْ قَبْلَ سُلْطَانِنَا ، سُلْطَانُكُمْ شَدِيدٌ عَسِرٌ لَا يُسْرَ فِيهِ ، وَلَهُ مُدَّةٌ طَوِيلَةٌ ، وَاللّهِ لَا يَمْلِكُ بَنُو أُمَيَّةَ يَوْما إِلَا مَلَكْتُمْ مِثْلَيْهِ ، وَلَا سَنَةً إِلَا مَلَكْتُمْ مِثْلَيْهَا

ص: 136


1- في الطبعة الجديدة و بعض نسخ الكافي: «مجالد» بدل «خالد»، وهكذا فيما بعد. و مجالد كان أخا أبي جعفر المنصور الدوانيقي من الرضاعة، وكان معه بالحميمة، فلمّا أفضى الأمر إلى المنصور ولّاه الريّ، وكان يلي له الخزائن أيضا. اُنظر: تاريخ مدينة دمشق، ج 22، ص 365، الرقم 2700
2- في بعض نسخ الكافي: - «من»
3- . في كلتا الطبعتين وأكثر نسخ الكافي: «لتذلّنَّ»
4- . في الطبعة القديمة وبعض نسخ الكافي: + «داود»
5- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «قال»
6- . في بعض نسخ الكافي: «ولتتلقّفها»
7- . في بعض نسخ الكافي و شرح المازندراني والوافي: «يتلقّف»

، وَلَيَتَلَقَّفُهَا (1) صِبْيَانٌ مِنْكُمْ فَضْلًا عَنْ رِجَالِكُمْ كَمَا يَتَلَقَّفُ (2) الصِّبْيَانُ الْكُرَةَ ، أَفَهِمْتَ؟» .

ثُمَّ قَالَ : «لَا تَزَالُونَ (3) فِي عُنْفُوَانِ الْمُلْكِ تَرْغُدُونَ فِيهِ مَا لَمْ تُصِيبُوا مِنَّا دَما حَرَاما ، فَإِذَا أَصَبْتُمْ ذلِكَ الدَّمَ غَضِبَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ عَلَيْكُمْ ، فَذَهَبَ بِمُلْكِكُمْ وَسُلْطَانِكُمْ ، وَذَهَبَ بِرِيحِكُمْ ، وَسَلَّطَ اللّهُ عَلَيْكُمْ عَبْدا مِنْ عَبِيدِهِ أَعْوَرَ _ وَلَيْسَ بِأَعْوَرَ مِنْ آلِ أَبِي سُفْيَانَ _ يَكُونُ اسْتِيصَالُكُمْ عَلى يَدَيْهِ وَأَيْدِيْ أَصْحَابِهِ» ثُمَّ قَطَعَ الْكَلَامَ .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (داود بن عليّ).

هو داود بن عليّ بن عبداللّه بن عبد المطّلب عمّ الدوانيقي.

(وسليمان بن خالد).

في بعض النسخ: «بن مجالد» هنا وفي المواضع الآتية.

(وأبو جعفر عبداللّه بن محمّد).

ابنُ عليّ بن عبداللّه بن عبّاس بن عبد المطّلب، ثاني خلفاء العبّاسيّة.

وقيل: لُقِّبَ بأبي الدوانيق لنجله(4).

و(الجبّار): المتمرّد، والعاتي. والمراد به هنا أبو الدوانيق.

وقوله: (فعذّروه عنده).

في القاموس:

العذر: معروف. عَذِرَه يعذِره عذرا، وأعذره. والاسم: المعذرة، مثلّثة الذال. وأعذر: أبدى عذرا، وأحدث، وثبت له عذر. وقوله تعالى: «وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ» (5). بتشديد الذالّ المكسورة، أي المعتذرون الذين لهم عذر، وقد يكون المعذر غير محقّ، فالمعنى المقصّرون بغير عذر، انتهى(6).

وأقول: يحتمل أن يكون «عذروه» هنا بالتخفيف، أي جعلوه معذورا عنده، أو بالتشديد

ص: 137


1- . في بعض نسخ الكافي: «ولتتلقّفها»
2- . في بعض نسخ الكافي: «تتلقّف»
3- . في بعض نسخ الكافي: «لا يزالون»
4- اُنظر: مرآة العقول، ج 26، ص 129
5- التوبة (9): 90
6- القاموس المحيط، ج 2، ص 87 (عذر)

بكلّ من المعنيين اللّذين ذكرهما في القاموس، وتخصيصه بالمعنى الثاني لا وجه له؛ لاحتمال أن يكون له عذر في الواقع.

(أما واللّه ، لا تذهب الليالي والأيّام) كناية عن القرب.

(حتّى يملك ما بين قطريها).

القطر _ بالضمّ _ : الناحية، والجانب.

والمستتر في «يملك» راجع إلى أبي الدوانيق. والبارز في «قطريها» إلى الأرض. ولعلّ مالكيّته كناية عن غاية التسلّط على أهل الأرض، فتأمّل.

(ثمّ ليطأنّ الرِّجال عقبه). أي يمشون خلفه.

والوطأ: وضع القدم على الأرض. والعقب _ ككتف _ : مؤخّر القدم، وهو كناية عن كثرة الأتباع والأشياع.

(ثمّ ليذلّنّ له رقاب الرجال).

في بعض النسخ: «ثمّ يتذلّلن». وهذا كناية عن نفاذ أمره عليهم بحيث لا يتمكّنون من الامتناع عن حكمه.

(لا يملك بنو اُميّة يوما إلّا ملكتم مثليه، ولا سنة إلّا ملكتم مثليها).

قال الجوهري: «المثل: كلمة تسوية. يقال: هذا مِثْلُهُ ومَثَلُهُ، كما يُقال: شِبْهُهُ وشَبَهَهُ بمعنى»(1). ولعلّ المراد هنا إثبات أصل الكثرة والزيادة، لا الضعيف الحقيقي، كما قيل في لبّيك وفي قوله تعالى: «ثُمَّ ارْجِعْ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ» (2)

والحاصل: أنّ إثبات زيادة المثل لا ينافي ثبوت زيادة الأكثر منه إلّا بمفهوم اللقب، وهو ليس بحجّة اتّفاقا، فلا يرد أنّ عدّة ملك بني اُميّة ثلاثة وثمانون سنة وأربعة أشهر، أو ثمانون سنة وأربعة أشهر، أو ثمانون سنة _ أو أحد وتسعون سنة على اختلاف الأقوال، والقول الأوّل موافق لكثير من الأخبار _ ومدّة ملك بني عبّاس خمسمائة سنة، أو خمسمائة وثلاثة وعشرون سنة.

وقيل: لعلّ النكتة في الاقتصار على المثلين بيان أصل الزيادة، لا قدرها، أو التنبيه على سرعة زوال ملكهم، (3). فتأمّل.

ص: 138


1- الصحاح، ج 5، ص 1816 (مثل)
2- الملك (67): 4
3- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 280

وفي هذا الإبهام فوائد كثيرة، منها عدم اغترارهم وطغيانهم، ومنها عدم يأس أهل الحقّ.

(وليتلقّفها الصبيان منكم كما تلقّف الصبيان الكرة).

عند اللقب، أي يسهل لكم تناول السلطنة والخلافة بحيث يتيسّر لصبيانكم بلا معارض ولا منازع.

قال الجوهري: «لقفت الشيء _ بالكسر _ ألقفه لقفا، وتلقّفته أيضا، أي تناولته بسرعة»(1).

وقال: «الكرة: التي تضرب بالصَوْلجان، وأصلها: كروٌ، والهاء عوض»(2).

(لا يزال القوم في فُسحة من ملكهم).

في القاموس: «الفسحة _ بالضمّ _ : السّعة»(3).

(ما لم يصيبوا) أي لم يجدوا، ولم يصلوا ولم، يبلغوا.

(منّا دما حراما).

قال الفاضل الإسترآبادي: يمكن أن يكون المراد ما فعله هارون قتل في ليلة واحدة كثيرا من السادات. ويمكن أن يكون المراد قتلهم بالمقتولين بفخ، وهو موضع قرب مكّة(4).

أقول: ظاهر قوله: (وأومأ بيده على صدره) يأبى عن هذا التوجيه، ولعلّ المراد بإصابة الدم الحرام ارتكاب قتلهم عليهم السلام كيف كان.

(فإذا أصابوا ذلك الدّم).

في بعض النسخ: «ذلك اليوم».

(فبطن الأرض خيرٌ لهم من ظهرها)؛ يعني موتهم خيرٌ من حياتهم.

(فيومئذٍ لا يكون لهم في الأرض ناصرٌ، ولا في السماء عاذر) أي ناصر، أو من يعذرهم ويعفو عنهم، ويدفع عنهم اللؤم والعذاب، وهو اللّه تعالى، فيكون من قبيل قوله تعالى: «وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ» (5). قال الفيروزآبادي: «العذير: العاذر، والحال التي تحاولها تُعْذَر عليها، والنصير»(6).

ص: 139


1- الصحاح، ج 4، ص 1428 (لقف)
2- القاموس المحيط، ج 6، ص 2473 (كري)
3- القاموس المحيط، ج 1، ص 240 (فسح)
4- حكاه عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 319
5- الزخرف (43): 84
6- القاموس المحيط، ج 2، ص 86 (عذر)

وفي بعض النسخ: «عاذر» بتقديم الزاي المعجمة على المهملة. قال الفيروزآبادي: «التعزير: الإعانة، كالعزر، والتقوية، والنصر»(1).

(ثمّ قال: لا يزالون)(2).

كذا في النسخ التي رأيناه، والظاهر: «لا تزالون» بالتاء؛ بقرينة ما بعده، وارتكاب الالتفات هنا ممّا لا يلتفت إليه.

(في عنفوان الملك).

في القاموس: «عنفوان الشيء _ بالضمّ _ وعنفوهّ، مشدّدة: أوّله، أو أوّل بهجته»(3).

(ترغدون فيه) أي تتوسّعون في الملك والسلطان.

وفي القاموس: «عيشه رَغدٌ ويحرّك: واسعة طيّبة. والفعل كسمع وكرم»(4).

(وذهب بريحكم).

قال الجوهري: «وقد تكون الريح بمعنى الغلبة والقوّة، ومنه قوله تعالى: «وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ» (5). (6).

(وسلّط عليكم عبدا من عبيده أعور).

قيل: أي الدنيء الأصل سيّء الخُلق، وهو إشارة إلى هلاكو خان، وكان رديئا في المذهب والسيرة والأخلاق(7).

قال في النهاية فيه: لمّا اعترض أبو لهب على النبيّ صلى الله عليه و آله عند إظهاره الدعوة، قال له أبو طالب: يا أعور، ما أنت وهذا، لم يكن أبو لهب أعور، ولكن العرب تقول للذي ليس له أخ من أبيه واُمّه أعور. وقيل: إنّهم يقولون للرديء من كلّ شيء من الاُمور والأخلاق أعور، وللمؤنّث عوراء(8).

ص: 140


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 88 (عزر)
2- في المتن الذي ضبطه المؤلّف رحمه الله سابقا: «لاتزالون»
3- القاموس المحيط، ج 3، ص 178 (عنف)
4- القاموس المحيط، ج 1، ص 295 (رغد)
5- الأنفال (8): 46
6- الصحاح، ج 1، ص 368 (روح)
7- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 280
8- النهاية، ج 3، ص 319 (عور)

(وليس بأعور من آل أبي سفيان)؛ يعني ليس ذلك الأعور من آل أبي سفيان، بل من طائفة الترك.

متن الحديث السابع و الخمسين و المائتين

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ مَزْيَدٍ (1) :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ أَيَّامَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَلِيٍّ : قَدِ اخْتَلَفَ هؤُلَاءِ فِيمَا بَيْنَهُمْ .

فَقَالَ : «دَعْ ذَا عَنْكَ ، إِنَّمَا يَجِيءُ فَسَادُ أَمْرِهِمْ مِنْ حَيْثُ بَدَا صَلَاحُهُمْ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (قلت له: أيّام عبداللّه بن علي).

اعلم أنّ اسم السفّاح أوّل خلفاء العبّاسيّة، واسم أخيه الدوانيقي، كلاهما عبداللّه بن محمّد بن عليّ بن عبداللّه بن عبّاس بن عبد المطّلب، ولهما عمّ اسمه عبداللّه بن عليّ بن عبداللّه بن عبّاس، وكان واليا من قِبل السفّاح بمصر والشام، وخرج على الدوانيقي بعد موت السفّاح، وانهزم، ثمّ قتل، فلعلّ المراد بعبداللّه بن علي في هذا الخبر عمّ السفّاح. ويحتمل أن يكون المراد أحد الأوّلين، ونسب إلى جدّه لا إلى أبيه. والأوّل أظهر بقرينة قوله: (قد اختلف هؤلاء فيما بينهم)؛ لأنّ الاختلاف والتنازع إنّما نشأ من قِبل عمّهما لا منهما.

ولعلّ مقصود الراوي من هذا الكلام تطميعه عليه السلام وتعريضه بالخروج عليهم؛ لأنّ الاختلاف والتنازع دليل الفساد وزوال الملك غالبا، كما يشعر به قوله عليه السلام في جوابه: (دَعْ ذا عنك، إنّما يجي فساد أمرهم من حيث بَدا صلاحهم)؛ يعني كما جاءت دولتهم من جهة المشرق بمعونة أبي مسلم المروزي، كذا يجي نكبتهم من تلك الجهة بغلبة هلاكو واستيلائه عليهم.

متن الحديث الثامن و الخمسين و المائتين

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ ، عَنْ

ص: 141


1- في بعض نسخ الكافي: «يزيد». وفي بعضها: «زيد»

بَدْرِ بْنِ الْخَلِيلِ الْأَزْدِيِّ ، قَالَ :

كُنْتُ جَالِسا عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَقَالَ : «آيَتَانِ تَكُونَانِ (1) قَبْلَ قِيَامِ (2) الْقَائِمِ عليه السلام لَمْ تَكُونَا (3) مُنْذُ هَبَطَ آدَمُ إِلَى الْأَرْضِ : تَنْكَسِفُ الشَّمْسُ فِي النِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ ، وَالْقَمَرُ فِي آخِرِهِ» .

فَقَالَ رَجُلٌ : يَا ابْنَ رَسُولِ اللّهِ ، تَنْكَسِفُ الشَّمْسُ فِي آخِرِ الشَّهْرِ وَالْقَمَرُ فِي النِّصْفِ؟

فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «إِنِّي أَعْلَمُ مَا تَقُولُ ، وَلكِنَّهُمَا آيَتَانِ لَمْ تَكُونَا (4) مُنْذُ هَبَطَ آدَمُ عليه السلام » .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (تنكسف الشمس في النصف من رمضان، والقمر في آخره).

قيل: لعلّ الكسوف حينئذٍ أثر يخلقه اللّه تعالى [في] جرمهما من غير سبب ولا ربط، كما هو مذهب طائفة في انكسافهما، أو لإزالة الفلك من مجراه، فيدخل الشمس والقمر في البحر الذي بين السماء والأرض، فيطمس ضوؤها، كما نقل ذلك عن سيّد العابدين عليه السلام (5).

(إنّي أعلم ما تقول) من أنّ هذا خلاف المعهود والمرصود.

(ولكنّهما) أي الكسوفان على النحو المذكور.

(إتيان لم تكونا منذ هبط آدم عليه السلام )؛ يعني أنّهما من الآيات الغريبة التي لم يعهد مثلها في تلك المدّة.

متن الحديث التاسع و الخمسين و المائتين

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي الْمِقْدَامِ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ : «خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي حَتّى إِذَا كُنَّا بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ إِذَا هُوَ بِأُنَاسٍ مِنَ الشِّيعَةِ ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ ، ثُمَّ قَالَ : إِنِّي وَاللّهِ لَأُحِبُّ رِيَاحَكُمْ وَأَرْوَاحَكُمْ ، فَأَعِينُونِي (6) عَلى ذلِكَ بِوَرَعٍ وَاجْتِهَادٍ ، وَاعْلَمُوا أَنَّ وَلِايَتَنَا لَا تُنَالُ إِلَا بِالْوَرَعِ وَالِاجْتِهَادِ، وَ مَنِ (7) ائْتَمَّ مِنْكُمْ بِعَبْدٍ فَلْيَعْمَلْ بِعَمَلِهِ ،

ص: 142


1- . في بعض نسخ الكافي: «يكونان»
2- . في بعض نسخ الكافي: - «قيام»
3- . في بعض نسخ الكافي: «لم يكونا»
4- . في بعض نسخ الكافي: «لم يكونا»
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 281
6- . في بعض نسخ الكافي: «فأعينوا»
7- . في بعض نسخ الكافي: «من» بدون الواو

أَنْتُمْ شِيعَةُ اللّهِ ، وَأَنْتُمْ أَنْصَارُ اللّهِ ، وَأَنْتُمُ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ ، وَالسَّابِقُونَ الْاخِرُونَ ، وَالسَّابِقُونَ فِي الدُّنْيَا ، وَالسَّابِقُونَ فِي الْاخِرَةِ إِلَى الْجَنَّةِ، قَدْ ضَمِنَّا لَكُمُ الْجَنَّةَ بِضَمَانِ اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ وَضَمَانِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَاللّهِ مَا عَلى دَرَجَةِ الْجَنَّةِ أَكْثَرُ أَرْوَاحا مِنْكُمْ ، فَتَنَافَسُوا فِي فَضَائِلِ الدَّرَجَاتِ ، أَنْتُمُ الطَّيِّبُونَ ، وَنِسَاؤُكُمُ الطَّيِّبَاتُ ، كُلُّ مُؤْمِنَةٍ حَوْرَاءُ عَيْنَاءُ ، وَكُلُّ مُؤْمِنٍ صِدِّيقٌ ، وَلَقَدْ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام لِقَنْبَرٍ : يَا قَنْبَرُ ، أَبْشِرْ وَبَشِّرْ وَاسْتَبْشِرْ ، فَوَ اللّهِ لَقَدْ مَاتَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَهُوَ عَلى أُمَّتِهِ سَاخِطٌ إِلَا الشِّيعَةَ .

أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ عِزّا ، وَعِزُّ الْاءِسْلَامِ الشِّيعَةُ .

أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ دِعَامَةً ، وَدِعَامَةُ الْاءِسْلَامِ الشِّيعَةُ .

أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ ذِرْوَةً ، وَذِرْوَةُ الْاءِسْلَامِ الشِّيعَةُ .

أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ شَرَفا ، وَشَرَفُ الْاءِسْلَامِ الشِّيعَةُ (1).

أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ سَيِّدا ، وَسَيِّدُ الْمَجَالِسِ مَجَالِسُ الشِّيعَةِ .

أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ إِمَاما ، وَإِمَامُ الْأَرْضِ أَرْضٌ تَسْكُنُهَا الشِّيعَةُ ، وَاللّهِ لَوْ لَا مَا فِي الْأَرْضِ مِنْكُمْ مَا رَأَيْتَ بِعَيْنٍ عُشْبا أَبَدا ، وَاللّهِ لَوْ لَا مَا فِي الْأَرْضِ مِنْكُمْ مَا أَنْعَمَ اللّهُ عَلى أَهْلِ خِلَافِكُمْ وَلَا أَصَابُوا الطَّيِّبَاتِ ، مَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَا لَهُمْ فِي الْاخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ .

كُلُّ نَاصِبٍ وَإِنْ تَعَبَّدَ وَاجْتَهَدَ مَنْسُوبٌ إِلى هذِهِ الْايَةِ «عامِلَةٌ ناصِبَةٌ * تَصْلى نارا حامِيَةً» (2) فَكُلُّ نَاصِبٍ مُجْتَهِدٍ فَعَمَلُهُ هَبَاءٌ .

شِيعَتُنَا يَنْطِقُونَ بِنُورِ اللّهِ (3) عَزَّ وَجَلَّ ، وَمَنْ يُخَالِفُهُمْ يَنْطِقُونَ (4) بِتَفَلُّتٍ .

وَاللّهِ مَا مِنْ عَبْدٍ مِنْ شِيعَتِنَا يَنَامُ إِلَا أَصْعَدَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ رُوحَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَيُبَارِكُ عَلَيْهَا ، فَإِنْ كَانَ قَدْ أَتى عَلَيْهَا أَجَلُهَا ، جَعَلَهَا فِي كُنُوزِ (5) رَحْمَتِهِ ، وَفِي رِيَاضِ جَنَّتِهِ ، (6) وَفِي ظِلِّ عَرْشِهِ ، وَإِنْ كَانَ أَجَلُهَا مُتَأَخِّرا ، بَعَثَ بِهَا مَعَ أَمَنَتِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لِيَرُدُّوهَا (7) إِلَى الْجَسَدِ الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ لِتَسْكُنَ فِيهِ .

ص: 143


1- في كثير من نسخ الكافي: - «ألا و إنّ لكلّ شيء شرفا، وشرف الإسلام الشيعة»
2- . الغاشية (88): 3 و 4
3- . في بعض نسخ الكافي: «بأمر اللّه »
4- . في بعض نسخ الكافي و شرح المازندراني والوافي: «ينطق»
5- . في بعض نسخ الكافي: + «من»
6- . في الطبعة القديمة وبعض نسخ الكافي: «جنّة»
7- . في بعض نسخ الكافي و شرح المازندراني: «ليردّها»

وَاللّهِ إِنَّ حَاجَّكُمْ وَعُمَّارَكُمْ لَخَاصَّةُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنَّ فُقَرَاءَكُمْ لَأَهْلُ الْغِنى ، وَإِنَّ أَغْنِيَاءَكُمْ لَأَهْلُ الْقَنَاعَةِ ، وَإِنَّكُمْ كُلَّكُمْ لَأَهْلُ دَعْوَتِهِ وَأَهْلُ إِجَابَتِهِ» .

شرح الحديث

السند حسن على قول . وقيل: ضعيف(1).

قوله عليه السلام : (إنّي واللّه لأحبّ رياحكم).

جمع الريح. والمراد بالريح [الريح] الطيّبة اللّازمة للإيمان، وإرادة الغلبة والقوّة والنصرة والدولة من الريح (2) هنا بعيد.

(وأرواحكم).

يحتمل كونه جمع الرُّوح بالضمّ _ بمعنى النفس، أو جمع الرَّوح _ بالفتح _ بمعنى نسيم الريح. وقيل: أو الراحة، (3) وفيه ما فيه.

(فأعينوني على ذلك) أي على الحبّ، أو ما يستلزمه من الشفاعة. والأوّل أقرب لفظا، والثاني معنى.

(بورع).

وهو الكفّ عن المحارم، أو عمّا لا ينبغي مطلقا.

(واجتهاد).

هو بذل الوسع والجدّ في الأعمال الصالحة مطلقا، وطلب الإعانة منهم بالأمرين؛ إمّا لكونهما أدخل في رسوخ محبّته عليه السلام ، أو لتحصيل ما يلازمهما من الشفاعة؛ فإنّه عليه السلام لمّا كان متكفّلاً بنجاتهم عن العقوبات الاُخرويّة، وكان للأمرين كمال مدخليّة في ذلك، كان تحصيل النجاة بهما أيسر وأسهل.

(من ائتمّ منكم بعبدٍ فليعمل بعمله)؛ ليتحقّق حقيقة الائتمام، ويرتفع توهّم الاستبراء والنفاق.

ص: 144


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 132
2- . احتمله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 132
3- . احتمله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 132

(أنتم شيعة اللّه ).

قال الجوهري: «شيعة الرجل: أتباعه وأنصاره»(1) ولعلّ المراد هنا شيعة حجج اللّه وأتباع دين اللّه ، والإضافة للملابسة. وكذا قوله عليه السلام : (وأنتم أنصار اللّه ).

وأمّا قوله: (وأنتم السابقون الأوّلون _ إلى قوله: _ إلى الجنّة).

فقيل: لعلّ المراد: وأنتم السابقون الأوّلون إلى قبول الولاية والتصديق بها عند التكليف الأوّل في عالم الأرواح، وأنتم السابقون الآخرون إلى قبولها عند التكليف الثاني في عالم الذرّ، والسابقون في الدُّنيا على الوفاء بالعهد [والمتابعة]، (2) والسابقون في الآخرة إلى دخول الجنّة، وقيل: السابقون الأوّلون [إشارة إلى قوله تعالى: «وَ السَّ_بِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَ_جِرِينَ وَالْأَنصَارِ» (3) ، والسابقون الآخرون] (4) إشارة إلى قوله تعالى: «وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ» ؛ (5). أي الذين اتّبعوا السابقين الأوّلين بإحسان(6).

وقيل: السابقون الأوّلون أي في صدر الإسلام بعد فوت النبيّ صلى الله عليه و آله سَبَق من كان [منكم ]من الشيعة إلى اتّباع الوصيّ الحقّ، (7) أو في زمن الرسول صلى الله عليه و آله سبقوا إلى قبول ما قاله في وصيّته(8).

(قد ضمنّا لكم الجنّة بضمان اللّه وضمان رسول اللّه صلى الله عليه و آله ).

ولعلّ الباء للسببيّة؛ أي بسبب أنّ اللّه ورسوله ضمنا لكم الجنّة، أو ضمنّاها لكم من قِبَل اللّه ورسوله وبأمرهما. ويحتمل كونه بمعنى «مع».

(واللّه ما على درجة الجنّة أكثر أرواحا منكم).

لعلّ الأكثريّة بالإضافة إلى الاُمم السابقة، فيدلّ على أنّ الشيعة أكثر منهم في الجنّة، أو بالنسبة إلى جماعة ماتوا حتف أنفهم، أو استشهدوا في حياة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؛ لعدم إطلاق اسم الشيعة عليهم، أو بالنسبة إلى المستضعفين مطلقا.

ص: 145


1- الصحاح، ج 3، ص 1240 (شيع)
2- . أضفناه من المصدر
3- . التوبة (9): 100
4- . أضفناه من المصدر
5- التوبة (9): 100
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 283 مع تفاوت يسير في اللفظ
7- . في المصدر: «حقّا»
8- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 132 و 133

(فتنافسوا في فضائل الدرجات).

في القاموس: «ونافس فيه: رغب على [وجه] المباراة في الكرم، كتنافس»(1).

(أنتم الطيّبون، ونساءكم الطيّبات).

الطيّب: خلاف الخبيث، وتعريف المسند للدلالة على الحصر، وفيه تعريض لغيرهم بالخباثة، وإشارة إلى قوله تعالى: «الطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ» (2) على احتمال، بل إلى سابقه أيضا.

(كلّ مؤمنة حوراء عيناء)؛ يعني أنّهنّ في الجنّة على صفة الحوراء في الحُسن والجمال. قال في النهاية: «الحور العين: نساء أهل الجنّة، واحدتهنّ: حوراء، وهي الشديدة بياض العين والشديدة سوادها»(3).

وقال الجوهري:

رجلٌ أعين: واسع العين، بيِّن العين، والجمع: عين. وأصله: فُعل _ بالضمّ _ ومنه قيل لبقر الوحش: عين، والثور: أعين، والبقرة عيناء(4).

(وكلّ مؤمن صدِّيق).

قال الجوهري: «الصدِّيق، مثال الفسّيق: الدائم التصديق، ويكون للذي يصدّق قوله بالعمل»(5).

(يا قنبر، أبشر وبشّر واستبشر).

يحتمل أن يكون البُشر من المجرّد، أو المزيد من باب الإفعال. يُقال: بشرت به _ كعلم، وضرب _ : أي صرت مسرورا. وبشّرني بوجه حسن: أي لقيني حسن البشر طلق الوجه. والإبشار: الفرح، والإخبار بالبشارة. والتبشير: التفريح، والإخبار بما يوجب السرور. والاستبشار: السرور مع إظهاره.

(ألا وأنّ لكلّ شيء عزّا، وعزّ الإسلام الشيعة).

العزّ _ بالكسر _ : خلاف الذلّ، والقوّة، والغلبة. ولعلّ المراد هنا ما يصير سببا للعزّ.

قال: في القاموس: عزّ يعزّ عزّا وعزّة _ بكسرهما _ وعزازة: صار عزيزا، كتعزّز، وقوي

ص: 146


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 200 (نفس)
2- النور (24): 26
3- النهاية، ج 1،، ص 458 (حور)
4- الصحاح، ج 6، ص 2172 (عين)
5- الصحاح، ج 4، ص 1506 (صدق)

بعد ذلّة. وعزّه _ كمدّه _ : غلب في المُعازّة. والاسم: العزّة، بالكسر(1).

(ألا وأنّ لكلّ شيء دعامة، ودعامة الإسلام الشيعة).

في القاموس: «الدعمة والدعامة والدعام _ بكسرهنّ _ : عِماد البيت، والخشب المنصوب للتعريش»(2).

(ألا أنّ لكلّ شيء ذروة، وذروة الإسلام الشيعة).

في القاموس: «ذروة الشيء _ بالضمّ والكسر: أعلاه» (3). ؛ يعني أنّ الشيعة أشرف مواضع الإسلام وأعلى درجاته».

(ألا وأنّ لكلّ شيء شرفا، وشرف الإسلام الشيعة).

في القاموس: «الشرف _ محرّكة _ العلوّ، والمكان العالي، والمجد. ومن البعير: سنامه. وشُرفة القصر _ بالضمّ _ معروفة. الجمع: [شُرَف] كصُرَد. وشرفة المال: خياره»(4).

أقول: لا يبعد هنا إرادة المعنيين الأخيرين أيضا.

(ألا وأنّ لكلّ شيء سيّدا، وسيّد المجالس مجالس الشيعة).

قيل: السيّد: الشريف، والفاضل، والكريم، والرئيس، والمقدّم، والفضيلة (5) وكلّ هذه الخصال لمجالس الشيعة باعتبار أهلها(6).

(ألا وأنّ لكلّ شيء إماما، وإمام الأرض تسكنها الشيعة)؛ لأنّ أشرف المكان بالمكين.

ويحتمل قراءة الإمام بالفتح والكسر. قال الجوهري: «الإمام: الذي يُقتدى به. وتقول: كنت أمامه، أي قدّامه»(7).

(واللّه لولا ما في الأرض منكم).

يحتمل كلمة «ما» موصولة، أو موصوفة. وعلى التقديرين تكون إشارة إلى أعيان الشيعة وأشخاصهم، أو إلى إيمانهم وطاعتهم وعبادتهم. ويحتمل كونها زائدة.

ص: 147


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 182 (عزز) مع التلخيص
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 112 (دعم)
3- . القاموس المحيط، ج 4، ص 330 (ذرو)
4- القاموس المحيط، ج 3، ص 157 (شرف) مع التلخيص
5- . في المصدر: «ذو الفضيلة»
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 283
7- الصحاح، ج 5، ص 1865 (أمم) مع التلخيص

(ما رأيت بعين).

كلمة «ما» للنفي. و«رأيت» بصيغة التكلّم، أي ما رأيت بعيني. ويحتمل كونه بصيغة الخطاب العامّ، أي ما رأيت أيّها الرائي.

(عُشبا أبدا).

في القاموس: «العشب _ بالضمّ _ : الكلاء الرطب»(1). وقال الجوهري: «لا يقال له حشيش حتّى يهيج»(2).

(واللّه لولا ما في الأرض منكم) إلى قوله: (من نصيب).

وهو الحظّ من الشيء. والمراد بالطيّبات الطيّبات من الأرض.

وقوله: (ما لهم في الدُّنيا).

يحتمل كونه جملة حاليّة من أهل الخلاف، أي لم يصيبوا الطيّبات حال كونهم محرومين من نصيب الدُّنيا، كحرمانهم من نصيب الآخرة.

ويحتمل كونها استئنافيّة، كأنّ سائلاً سأل: أنّهم إذا لم يصيبوا الطيّبات، فما حالهم؟ فأجاب: بذلك.

وقيل: هي جملة مستقلّة لا تعلّق لها بما قبلها، والمعنى: لا نصيب لهم في الدُّنيا بالذات، كما أنّه لا نصيب لهم في الآخرة. أو جملة دعائيّة(3).

ولا يخفى ما في الوجهين من التكلّف.

(كلّ ناصب).

من أهل الخلاف مطلقا، وهو اسم فاعل من نصبت فلانا نصبا: إذا عاديته. أو من نصب الرجل _ كعلم _ نَصَبا محرّكة: إذا تَعِبَ. والثاني أنسب بقوله عليه السلام : (وإن تعبّد واجتهد) في العبادة بحسب الكمّ والكيف، فهو (منسوب إلى هذه الآية)؛ أي تكون مصداقها، وبقوله: «عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ» .

أي تعمل ما تتعب فيه من غير ثمرة، ولا ينفعها يوم ينفع العالمين أعمالهم.

«تَصْلَى نَارًا» : تداخلها.

ص: 148


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 104 (عشب)
2- الصحاح، ج 1، ص 182 (عشب)
3- ذهب إليه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 284

«حَامِيَةً» : متناهية في الحرارة بالغة غايتها، من قولهم: حمى النهار _ كرضى _ وحمى التنوّر حميا: إذا اشتدّ حرّه. وبقوله عليه السلام : (فكلّ ناصبٍ مجتهد) في العبادة.

(فعمله هباء).

هذا كالنتيجة السابقة. قال الجوهري:

الهباء: الشيء المنبثّ الذي تراه في البيت من ضوء الشمس. والهباء: دقاق التراب. ويُقال له إذا ارتفع هبا يهبو هبوا وهيبة. إلى آخره، انتهى(1).

شبّه أعمالهم به في الانتشار وعدم الانتفاع بها.

(شيعتنا ينطقون).

في كلّ ما له تعلّق بالنطق، حذف المفعول لإفادة التعميم.

(بنور اللّه عزّ وجلّ).

الذي ألقاه في قلوبهم من العلم الذي أخذوه من معدنه.

وفي بعض النسخ: «بأمر اللّه ».

وفي بعضها: «بأمور اللّه ».

(ومن يخالفهم ينطقون) في كلّ أمرٍ.

وفي بعض النسخ: «ينطق».

(بتفلّت) أي من عند أنفسهم بلا رؤية وتدبّر وسماع عن صادق.

قال الجوهري: «يُقال: كان ذلك الأمر فلتة، أي فجأة»(2).

(واللّه ما من عبد)إلى قوله عليه السلام : (فيبارك عليها) أي على تلك الروح.

قال الجوهري: «الرّوح يذكّر ويؤنّث»(3).

وقال: «البركة: النّماء، والزيادة. ويقال: بارك اللّه لك وفيك وعليك وباركك»(4).

وفي القاموس: «البركة _ محرّكة _ : النّماء، والزيادة، والسعادة. وبارك على محمّد وآل محمّد: أَدِم له ما أعطيته من التشريف والكرامة»(5).

(فإن كان قد أتى عليها أجلها، جعلها في كنوز رحمته).

ص: 149


1- الصحاح، ج 6، ص 2532 (هبا) مع اختلاف يسير في اللفظ
2- الصحاح، ج 1، ص 260 (فلت)
3- الصحاح، ج 1، ص 367 (روح)
4- الصحاح، ج 4، ص 1575 (برك)
5- القاموس المحيط، ج 3، ص 293 (برك) مع التلخيص

قيل: أي مدّخرة تحت رحمته؛ ليردّها عليه يوم البعث، كما يدّخر المال تحت الأرض(1).

(وفي رياض جنّته).

الروضة: البستان، ومستنقع الماء من العشب والكلاء. الجمع: روض ورياض.

والجنّة: الحديقة ذات النخل والشجر، وهي كلّ بستان عليه حائط، أو مطلق. الجمع: ككتاب.

والإضافة مباينة. ويحتمل كونها لاميّة. والمراد بالجنّة إمّا جنّة الدُّنيا، أو الجنّة المعروفة. والاُولى أنسب؛ لما روي: أنّ أرواح المؤمنين في جنّة الدُّنيا(2) والثاني أنسب بقوله: (وفي ظلّ عرشه) إن اُريد به العرش الجسماني؛ لما روي: أنّ تلك الجنّة فوق أطباق السماوات تحت العرش(3).

وقيل: يحتمل أن يُراد بالعرش هنا الرحمة والكنف والحماية، فيكون ظلّ العرش كناية عن القُرب، حتّى كان الرحمة ألقت بالظلّ عليها(4).

وقال الفيروزآبادي:

العرش: عرش اللّه تعالى، وسرير الملك، والعِزّ، وقوام الأمر، وركن الشيء. ومن البيت: سقفه، والخيمة، والبيت الذي يستظلّ به. ومن القوم: رئيسهم المدبّر لأمرهم والقصر، والملك(5).

(وإن كان أجلها متأخّرا، بعث بها).

يُقال: بعثه، أي أرسله. فالباء للتقوية، لا للتورية.

(مع أمنيته من الملائكة).

في بعض النسخ: «اَمَنته»(6). قال الفيروزآبادي:

الأمن: ضدّ الخوف. أَمِنَ _ كفرح _ أمنا وأمانا _ بفتحهما _ وأَمَنا، وأَمَنَتَهُ _ محرّكة _

ص: 150


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 285 مع اختلاف يسير في اللفظ
2- لم نعثر على عين ألفاظه، لكن نقل مضمونه في بعض الروايات. اُنظر الكافي، ج 3، ص 247، باب جنّة الدنيا، ح 1
3- روي ما يقرب من هذا عن أنس بن مالك. اُنظر: تفسير الثعلبي، ج 3، ص 149؛ تفسير الرازي، ج 9، ص 6
4- ذهب إليه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 284
5- القاموس المحيط، ج 2، ص 277 (عرش) مع التلخيص
6- في المتن الذي ضبطه الشارح رحمه الله سابقا: «أمنته»

وإمنا بالكسر، فهو أَمينٌ، فهو أمنٌ. ورجلٌ أمنة _ كهمزة، ويحرّك _ يأمَنَهُ كلّ أحد في كلّ شيء. والأمانة والأمنة: ضدّ الخيانة. وقد أمِنَه _ كسمع _ وأمنّه تأمينا، وائتمنه، واستأمن. وقد أَمَنَ _ ككرم _ فهو أمين، وأمّان كرمّان، مأمون به، ثقة، انتهى(1).

أقول: يحتمل أن يكون «أمنته» هنا جمع آمن، كطلبته جمع طالب. ويحتمل كونه صفة مشبّهة، وكون «من» للتبعيض. ويحتمل كونه مصدرا مبالغة.

وما قيل من أنّ الأمنة جمع الأمين وهو الحافظ، (2) ففساده ظاهر، فتأمّل.

(ليردّوها إلى الجسد الذي خرجت منه لتسكن فيه).

في بعض النسخ: «فيها». ولعلّ التأنيث باعتبار الجنّة.

(وإنّ فقراءكم لأهلُ الغِنى).

لعلّ المراد غنى النفس والاستغناء عن الخلق بتوكّلهم على ربّهم، وهم الفُقَرَاء الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللّه ِ يَحْسَبُهُمْ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنْ التَّعَفُّفِ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافا(3). ويحتمل أن يُراد به الغنى في الحقائق والمعارف الدينيّة والقوّة النظريّة والعمليّة، لتحلّيهم بالفضائل، وتخلّيهم عن الرذائل. أو المراد أنّهم أهل الغنى في الدار العُقبى؛ لاقتائهم أسبابها.

(وأنّ أغنياءكم لأهل القناعة).

لعلّ المراد أنّهم يقنعون في الإنفاق بالكفاف، لا يسرفون ولا يفترون، ويبذلون أفضل أموالهم في المحتاجين، أو في الاكتساب أيضا بحيث لا يضيّعون أوقات عمرهم في تحصيل الزيادة. أو المراد أنّ غناهم ليس بالمال، بل بالقناعة؛ فإنّ من قنع يشبع. وهاتين الفقرتين إمّا إخبار عن الواقع، أو تعليم لما ذكر وترغيب فيه.

(وإنّكم كلّكم لأهلُ دعوته وأهل إجابته) أي دعاكم اللّه إلى دينه وعبادته، فاجتمعوه فيهما بخلاف مخالفيكم؛ فإنّهم وإن كانوا من أهل الدعوة، لكن ليسوا من أهل الإجابة.

قال الجوهري: «الدعوة إلى الطعام بالفتح، وهو في الأصل مصدر يريدون الدّعاء إلى الطعام»(4).

ص: 151


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 197 (أمن) مع التلخيص
2- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 284
3- اقتباس من الآية 273 من سورة البقرة (2)
4- الصحاح، ج 6، ص 2336 (دعا) مع التلخيص

وفي القاموس: «الدعوة: الدُّعاء إلى الطعام، ويضمّ.

ولهم الدعوة على غيرهم، أي يبدأ بهم في الدُّعاء»(1).

متن الحديث الستّين والمائتين

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَمُّونٍ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْقَاسِمِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي الْمِقْدَامِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام مِثْلَهُ، وَزَادَ فِيهِ :«أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ جَوْهَرا ، وَجَوْهَرُ وُلْدِ آدَمَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله وَنَحْنُ وَشِيعَتُنَا بَعْدَنَا ، حَبَّذَا شِيعَتُنَا مَا أَقْرَبَهُمْ مِنْ عَرْشِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَأَحْسَنَ صُنْعَ اللّهِ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَاللّهِ لَوْ لَا أَنْ يَتَعَاظَمَ النَّاسُ ذلِكَ أَوْ يَدْخُلَهُمْ زَهْوٌ لَسَلَّمَتْ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ قُبُلًا .

وَاللّهِ مَا مِنْ عَبْدٍ مِنْ شِيعَتِنَا يَتْلُو الْقُرْآنَ فِي صَلَاتِهِ قَائِما إِلَا وَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ مِائَةُ حَسَنَةٍ ، وَلَا قَرَأَ فِي صَلَاتِهِ (2) جَالِسا إِلَا وَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ خَمْسُونَ حَسَنَةً ، وَلَا فِي غَيْرِ صَلَاةٍ (3) إِلَا وَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ ، وَإِنَّ لِلصَّامِتِ مِنْ شِيعَتِنَا لَأَجْرَ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ مِمَّنْ خَالَفَهُ ، أَنْتُمْ وَاللّهِ عَلى فُرُشِكُمْ نِيَامٌ لَكُمْ أَجْرُ الْمُجَاهِدِينَ ، وَأَنْتُمْ وَاللّهِ فِي صَلَاتِكُمْ لَكُمْ أَجْرُ الصَّافِّينَ (4) فِي سَبِيلِهِ ، أَنْتُمْ وَاللّهِ الَّذِينَ قَالَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ : «وَنَزَعْنا ما فِى صُدُورِهِمْ مِنْ غِلًّ إِخْوانا عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ» (5).

إِنَّمَا شِيعَتُنَا أَصْحَابُ الْأَرْبَعَةِ الْأَعْيُنِ : عَيْنَانِ فِي الرَّأْسِ ، وَعَيْنَانِ فِي الْقَلْبِ ، أَلَا وَالْخَلَائِقُ كُلُّهُمْ كَذلِكَ إِلَا أَنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ فَتَحَ أَبْصَارَكُمْ وَأَعْمى أَبْصَارَهُمْ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (شمّون) بالشين والميم المشدّدة.

كذا في الإيضاح، (6) وزاد فيه.

(ألا وأنّ لكلّ شيء جوهرا).

في القاموس: «الجوهر: كلّ حجر يستخرج منه شيء ينتفع به. ومن الشيء: ما وضعت

ص: 152


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 328 (دعو) مع التلخيص
2- . في الطبعة القديمة: «صلواته»
3- . في بعض نسخ الكافي: «صلاته»
4- . في بعض نسخ الكافي: «الصادقين»
5- الحجر (15): 47
6- . إيضاح الاشتباه للعلّامة الحلّي، ص 262، الرقم 547

عليه جبلّته»(1).

وقال الجوهري: «معرّب الواحدة جوهرة»(2).

وقال بعض الشارحين:

الجوهر من كلّ شيء: ما له فضيلة كاملة، ومزيّة زائدة، وخصلة راجحة واضحة، بها يمتاز ويصطفى من غيره من أفراد ذلك الشيء، كالياقوت في الأحجار مثلاً(3).

(وجوهر ولد آدم محمّد صلى الله عليه و آله ، ونحن وشيعتنا بعدنا).

لعلّ المراد أنّ جبلّة الإنسانيّة الحقيقيّة فيهم ومن سواهم أشباه الناس، وليسوا بإنسان حقيقةً.

وقيل: أي كما أنّ الجواهر ممتازة من سائر أجزاء الأرض بالحسن والبهاء والنفاسة والندرة، فكذا هم بالنسبة إلى سائر ولد آدم(4) وعلى التقديرين يدخل في شيعتهم سائر الأنبياء والأوصياء وتابعيهم.

(حبّذا شيعتنا).

في بعض النسخ: «نحن وشيعتنا» بعد «يا حبّذا شيعتنا».

قال الجوهري:

الأصمعي: قولهم حبّ بفلان، معناه: ما أحبّه إليّ. وقال الفرّاء: معناه حَبُبَ بضمّ الباء، ثمّ اُسكنت واُدغمت في الثانية، ومنه قولهم: حبّذا زيد، ف «حبّ» فعل ماض لا يتصرّف، وأصله: حَبُبَ على ما قال الفرّاء، و«ذا» فاعله، وهو اسم مبهم من أسماء الإشارة، جُعِلا شيئا واحدا، فصارا بمنزلة اسم يرفع ما بعده، وموضعه رفع بالابتداء، وزيد خبره، ولا يجوز أن يكون بدلاً من ذا؛ لأنّك تقول: حبّذا امرأة، ولو كان بدلاً لقلت: حبّذه المرأة(5).

(ما أقربهم من عرش اللّه عزّ وجلّ).

كلمة «ما» للتعجّب. و«من» للصلة بمعنى الباء.

ص: 153


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 395 (جهر)
2- الصحاح، ج 2، ص 619 (جهر)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 285 مع اختلاف يسير في اللفظ
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 134
5- الصحاح، ج 1، ص 105 (حبب) مع التلخيص

(وأحسن) عطف على «أقرب».

(صنعَ اللّه إليهم يوم القيامة).

قال الجوهري: «الصنع _ بالضمّ _ : مصدر قولك صنع إليه معروفا»(1).

(واللّه لولا أن يتعاظم الناس ذلك).

في القاموس: «تعاظمه: عظم عليه. وأمر لا يتعاظمه شيء: لا يعظم، بالإضافة إليه»(2).

وقيل: المراد بتعاظمهم اتّخاذهم الشيعة أنبياء ورسلاً(3).

(أو يدخلهم زَهو). ضمير الجمع للشيعة على الظاهر. ويحتمل بعيدا عوده إلى الناس.

قال في القاموس: «الزُّهاء: الباطل، والكذب، والاستخفاف، كالزُّهُوّ، والكِبر والتيه، والفخر. وقد زُهيَ كعُتِيَ، وكدعا قليلة» انتهى(4).

وقوله: «وذلك» إشارة إلى قوله: (لَسلّمت عليهم الملائكة قبلاً).

في القاموس: «رايته قَبُلاً _ محرّكة، وبضمّتين، وكصُرد وعنب _ وقَبَليّا _ محرّكة _ وقبيلاً، كأمير: أي عيانا ومقابلة»(5).

(وإنّ للصامت من شيعتنا لأجر من قرأ القرآن ممّن خالفه).

لعلّ المراد أنّ الأصل قراءة القرآن أجرا مع قطع النظر عن القارئ، فإذا قرأه المخالف يكتب ذلك الأجر للشيعة.

ويحتمل أن يكون المراد أنّه لو فرض أنّ لهذا المخالف القارئ أجرا في قراءته، كان مثله للشيعة الساكت.

أو أنّ له في حال سكوته أجر قراءة المخالف بأحد الوجهين، مع قطع النظر عن وقوع تلك القراءة؛ فإنّه لو فرض عدم صدور قراءة عن مخالف أصلاً كان للشيعة أجر قراءته بتقدير صدورها منه.

(أنتم واللّه على فُرُشكم).

الفُرُش _ بضمّتين _ جمع الفرش، بالكسر، وهو ما يفرش.

ص: 154


1- الصحاح، ج 3، ص 1245 (صنع)
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 152 (عظم)
3- ذهب إليه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 285
4- القاموس المحيط، ج 4، ص 340 (زهو) مع التلخيص
5- القاموس المحيط، ج 4، ص 34 (قبل)

(نيام).

هو ككتاب. وقيل: بتشديد الياء أيضا جمع نائم(1). وهو خبر لقوله: «وعلى فرشكم» متعلّق به.

والظاهر أنّ قوله عليه السلام : (لكم أجر المجاهدين) صفة «نيام».

وقيل: سرّ ذلك أنّهم ينامون على نيّة أن يتقوّوا به على الطاعة، فإذا هم حال النوم في [عين] الطاعة»(2).

(وأنتم واللّه في صلاتكم).

الظرف متعلّق بقوله: (لكم أجر الصافيّن في سبيله).

أي المصطفين القائمين صفوفا في الجهاد، أو أعمّ منه.

(أنتم واللّه الذين قال اللّه عزّ وجلّ).

في سورة الحجر: «إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ* وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ* لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ» (3) .

قال الجوهري: «الغلّ _ بالكسر _ : الغشّ، والحقد أيضا. وقد غلّ صدره يغلّ _ بالكسر _ غلّاً: إذا كان ذا غشّ، أو ضغن وحقد»(4).

وقال البيضاوي:

«وَنَزَعْنَا» أي في الدُّنيا بما ألّف بين قلوبهم، أو في الجنّة، بتطييب نفوسهم «مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ» من حقد كان في الدُّنيا. أو من التحاسد على درجات الجنّة ومراتب القُرب «إِخْوَانا» حال من ضمير «فِي جَنَّاتٍ» ، أو فاعل «ادْخُلُوهَا» ، أو الضمير في «آمِنِينَ» ، أو الضمير المضاف إليه، والعامل فيها معنى الإضافة. وكذا قوله: «عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ» .

ويجوز أن يكون صفتين لإخوانا، أو حالين من ضميره؛ لأنّه بمعنى متصافّين، وأن

ص: 155


1- ذكره في القاموس المحيط، ج 4، ص 183 (نوم)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 285 مع اختلاف يسير في اللفظ
3- الحجر (15): 45 _ 48
4- الصحاح، ج 5، ص 1783 (غلل)

يكون «مُتَقَابِلِينَ» حالاً من المستتر في «عَلَى سُرُرٍ» (1).

(إنّما شيعتنا أصحاب الأربعة الأعين) وهي (عينان في الرأس).

يرون بهما ظواهر المصنوعات.

(وعينان في القلب) يرون بهما حقائق الموجودات والمعارف المتعلِّقة بالمعقولات، ويميّزون بهما بين الصحيح والسقيم من النظريّات، ويدركون بهما طريق العلم بقواعد العمليّات.

(ألا والخلائق كلّهم كذلك) أي لكلّ منهم تلك الأربعة الأعين.

(إلّا أنّ اللّه عزّ وجلّ) استثناء متّصل. ويحتمل كونه منقطعا، أي لكنّ اللّه عزّ وجلّ.

(فتح أبصاركم) الأربعة، معاشر الشيعة تنتفعون بها جميعا.

(وأعمى أبصارهم) أي أبصار مخالفيكم، فلا ينتفعون بها أصلاً؛ لعدم صرفها فيما هو الغرض الأصلي من خلقها. وبعض الأفاضل خصّ فتح الأبصار وعماها بإبصار القلوب، (2). ولا وجه له.

متن الحديث الواحد و الستّين والمائتين

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ يُونُسَ ، عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ مُصْعَبٍ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ : «أَشْكُو إِلَى اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ وَحْدَتِي وَتَقَلُّقِي (3) بَيْنَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حَتّى تَقْدَمُوا ، وَأَرَاكُمْ وَآنَسَ بِكُمْ ، فَلَيْتَ هذَا (4). الطَّاغِيَةَ أَذِنَ لِي ، فَأَتَّخِذَ قَصْرا فِي الطَّائِفِ ، فَسَكَنْتُهُ وَأَسْكَنْتُكُمْ مَعِيَ ، وَأَضْمَنَ لَهُ أَنْ لَا يَجِيءَ مِنْ نَاحِيَتِنَا مَكْرُوهٌ أَبَدا» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

ص: 156


1- تفسير البيضاوي، ج 3، ص 372 مع التلخيص و اختلاف يسير في اللفظ
2- . ذهب إليه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 136
3- . في كلتا الطبعتين و أكثر نسخ الكافي: «تقلقلي»
4- . في كلتا الطبعتين و أكثر نسخ الكافي: «هذه»

قوله عليه السلام : (أشكو إلى اللّه عزّ وجلّ وحدتي).

لعلّه كناية عن قلّة الناصر والأصدقاء، وكثرة الأعداء وتوحّشه منهم.

(وتقلّقي بين أهل المدينة).

في بعض النسخ: «وتقلقلي»(1).

قال الجوهري: «القَلَق: الانزعاج. وباتَ قلقا وأقلقه غيره»(2).

وقال: «أزعجه: أقلقه، وقلعه من مكانه. وانزعج بنفسه»(3). وقال: «قلقله [قلقلة] وقلقالاً فتقلقل: أي حرّكه، فتحرّك واضطرب»(4).

(حتّى تقدِموا) أي تجيئوا من الكوفة وغيرها للحجّ.

قال الفيروزآبادي: «قَدِمَ من سفره _ كعَلِمَ _ قدوما وقدمانا، بالكسر: آب، فهو قادم»(5).

(وأراكم وآنس بكم).

في القاموس: «الاُنسة _ محرّكة _ : ضدّ الوحشة. وقد أنس به، مثلّثة النون»(6).

(فليت هذا (7) الطاغية).

التاء للمبالغة، وأراد به السفّاح، أو أخاه الدوانيقي.

قال الجوهري: «طغى يطغي ويطغو طغيانا: أي جاوز الحدّ. وكلّ مجاوز حدّه في العصيان طاغٍ. وطغى يطغى مثله. والطاغية: ملك الروم»(8).

(أذن لي فأتّخذ قصرا).

في القاموس: «القصر: المنزل، أو كلّ بيت من حجر»(9).

(في الطائف).

قال الجوهري: «الطائف: بلاد ثقيف»، (10). وهو أبو قبيلة من هوازن(11).

ص: 157


1- هكذا في كلتا الطبعتين و أكثر نسخ الكافي
2- الصحاح، ج 4، ص 1548 (قلق) مع اختلاف يسير في اللفظ
3- الصحاح، ج 1، ص 319 (زعج)
4- الصحاح، ج 5، ص 1804 (قلل)
5- القاموس المحيط، ج 4، ص 162 (قدم)
6- القاموس المحيط، ج 2، ص 198 (أنس)
7- . في كلتا الطبعتين وأكثر نسخ الكافي: «هذه»
8- الصحاح، ج 6، ص 2412 (طغا) مع التلخيص
9- القاموس المحيط، ج 2، ص 117 (قصر) مع التلخيص
10- . الصحاح، ج 4، ص 1397 (طوف)
11- اُنظر: الصحاح، ج 4، ص 11334 (ثقف)

متن الحديث الثاني و الستّين والمائتين

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ ، قَالَ :

أَنْشَدَ الْكُمَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام شِعْرا ، فَقَالَ :

أَخْلَصَ اللّهُ لِي هَوَايَ فَمَا***أُغْرِقُ نَزْعا وَلَا تَطِيشُ سِهَامِي

فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «لَا تَقُلْ هكَذَا : فَمَا أُغْرِقُ نَزْعا ، وَلكِنْ قُلْ : فَقَدْ أُغْرِقَ نَزْعا وَلَا تَطِيشُ (1) سِهَامِي» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (أنشد الكميت).

مصغّرا، اسم شاعر من أصحاب الباقر عليه السلام ، ومات في حياة أبي عبداللّه عليه السلام .

روى الكشّي بإسناده عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال للكميت: «لا تزال مؤيّدا بروح القدس ما دمتَ تقول فينا»(2).

وبإسناده عنه عليه السلام أنّه قال له: «لا يزال معك روح القدس ما ذببتَ عنّا»(3).

وقال العلّامة في الخلاصة: «الكميت بن زيد الأسدي رحمه الله مشكور» انتهى(4).

وإنشاد الشعر: قراءته، وهو يتعدّى إلى مفعولين. يُقال: استنشدته الشعر فأنشدنيه. فقوله: (أبا عبداللّه عليه السلام ) مفعوله الأوّل، وقوله: (شعرا) مفعوله الثاني.

(أخلص اللّه لي هواي) أي جعل محبّتي خالصة لكم أهل البيت. وفي قوله «الهوى» بالقصر: العشق، تكون في الخير والشرّ وإرادة النفس.

(فما اُغرق نزعا ولا تطيشُ سهامي).

قال في القاموس: اُغرق النازع في القوس: استوفى مدّها، كغرق تغريقا»(5).

ص: 158


1- . في بعض نسخ الكافي: «فلا تطيش»
2- رجال الكشّي، ص 208، ح 366
3- لم نعثر على قوله عليه السلام للكميت هكذا، بل يوجد نحوه في رجال الكشّي، ص 207، ح 365 عن لسان الرسول صلى الله عليه و آله لحسّان بن ثابت
4- الخلاصة الرجال، ص 135، الرقم 3
5- القاموس المحيط، ج 3، ص 271 (غرق)

وقال: «نزع في القوس: مدّها»(1).

وقال: «الطيش: جواز السهم الهدف. طاش يطيش، فهو طائش. وأطاشه: أَمالَهُ عن الهدف»(2).

وقال الجوهري: «طاش السهم [عن الهدف]: عدل، وأطاشه الرامي»(3).

وفي المصباح: «طاش السهم عن الهدف طيشا أيضا: انحرف عنه، فلم يصبه»(4).

وقال في النهاية:

في حديث عليّ عليه السلام : لقد أغرق في النزع، أي بالغ في الأمر، وانتهى فيه. وأصله من نزع القوس ومدّها، ثمّ استعير لمن بالغ في كلّ شيء، انتهى(5).

وقال بعض الأفاضل: «يعني فصار تأييده تعالى سببا لأن لا أخطئ الهدف، واُصيب كلّما اُريد من مدحكم، وإن لم أبالغ فيه»(6).

وقيل: لعلّ المراد بالقوس قوس المحبّة، وبالسهم سهمهما على سبيل التشبيه(7).

إذا عرفت هذا فنقول: هذا الكلام يحتمل وجهين:

الأوّل: أن يكون الواو لعطف النفي على النفي، فدلّ بحسب المنطوق على عدم الإغراق في نزع قوس المحبّة، وعدم المبالغة فيها، وعدم طيش سهم المحبّة عن الهدف، وبحسب المفهوم على أنّه لو أغرق طاش سهم المحبّة عن الهدف، فلذلك لم يغرق.

الثاني: أن يكون الواو للحال عن فاعل «اُغرق»، ويكون النفي راجعا إلى القيد، فيدلّ على أنّه غرق، وطاش السهم لأجل إغراقه.

ولمّا كان في الأوّل نقص في إظهار المحبّة من وجهين: الأوّل عدم المبالغة في المحبّة، والثاني في جواز سهم المحبّة عن الهدف على تقدير المبالغة فيها، وفي الثاني نقص بالوجه الثاني، غيّر عليه السلام عبارته؛ ليندفع كلا النقصين، وقال: (لا تقل هكذا).

وقوله: (فما اُغرق نزعا) بيان لقوله: «هكذا» أو بدل منه.

ص: 159


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 88 (نزع)
2- القاموس المحيط، ج 2، ص 277 (طيش) مع التلخيص
3- الصحاح، ج 3، ص 1009 (طيش)
4- المصباح المنير، ص 383 (طيش)
5- النهاية، ج 3، ص 361 (غرق)
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 137 مع اختلاف يسير في اللفظ
7- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 287

(ولكن قل: فقد اُغرق نزعا ولا تطيش سهامي).

ولا يخفى أبلغيّة هذا الوجه، وأكمليّته في مقام إظهار المحبّة، حيث دلّ على عدم طيش سهمها مع المبالغة فيها، ومدّ قوسها على وجه الكمال.

وقال بعض الأفاضل:

إنّما نهاه عليه السلام عن ذلك؛ لإيهامه بتقصير، أو عدم اعتناء في مدحهم عليهم السلام ، وهذا لا يناسب مقام المدح. أو لأنّ الإغراق في النزع لا مدخل له في إصابة الهدف، بل الأمر بالعكس، مع أنّ فيما ذكره عليه السلام معنىً لطيفا كاملاً، وهو أنّ المدّاحين إذا بالغوا في مدح ممدوحهم خرجوا عن الحقّ، وكذبوا فيما أثبتوا للممدوح، كما أنّ الرامي إذا أغرق نزعا أخطأ الهدف، وإنّي في مدحكم كلّما اُبالغ في المدح لا يخرج سهمي عن هدف الحقّ والصدق، ويكون مطابقا للواقع، انتهى(1).

متن الحديث الثالث والستّين والمائتين

اشارة

سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ (2) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ الْمُسْتَرِقِّ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ مُصْعَبٍ الْعَبْدِيِّ ، قَالَ :

دَخَلْتُ عَلى أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، فَقَالَ : «قُولُوا لِأُمِّ فَرْوَةَ : تَجِيءُ فَتَسْمَعُ مَا صُنِعَ بِجَدِّهَا» .

قَالَ : فَجَاءَتْ فَقَعَدَتْ خَلْفَ السِّتْرِ ، ثُمَّ قَالَ : «أَنْشِدْنَا» ، قَالَ : فَقُلْتُ :

فَرْوَ جُودِي بِدَمْعِكِ الْمَسْكُوبِ[........................]

قَالَ : فَصَاحَتْ وَصِحْنَ النِّسَاءُ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «الْبَابَ الْبَابَ» فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَلَى الْبَابِ ، قَالَ : فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «صَبِيٌّ لَنَا غُشِيَ عَلَيْهِ ، فَصِحْنَ النِّسَاءُ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (سفيان بن مصعب العبدي).

هو من شعراء الكوفة، وكان من أصحابه عليه السلام .

ص: 160


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 137
2- . السند معلّق على سابقه، ويروي عن سهل، عدّة من أصحابنا

روى الكشّي بإسناده عن سفيان بن مصعب العبدي قال: قال أبو عبداللّه عليه السلام : «قل شعرا تنوح به النساء»(1).

وبإسناده عن سماعة، قال: قال أبو عبداللّه عليه السلام : «يا معشر الشيعة، علّموا أولادكم شعر العبدي؛ فإنّه على دين اللّه »(2).

(فقال: قولوا لاُمّ فروة: تجيء).

قال الفاضل الإسترآبادي: اُمّ فروة من بنات الصادق عليه السلام (3). ؛ صرّح به إعلام الورى (4).

وغيره.

أقول: اُمّ فروة أيضا كنية لاُمّ الصادق عليه السلام ، وهي بنت القاسم الفقيه بن محمّد بن أبي بكر، لكن المراد هنا بنته عليه السلام ، واحتمال إرادة اُمّه عليه السلام وكون المراد بجدّها محمّد بن أبي بكر، بعيد.

(فتسمع ما صُنع) على البناء للمفعول.

(بجدّها)؛ يعني الحسين عليه السلام ، على الظاهر.

(ثمّ قال)؛ يعني: ثمّ قال لي أبو عبداللّه عليه السلام .

(أنشدنا) أي اقرأ لنا شعرا.

(قال) سفيان: (فقلت: فرو جُودي بدمعك المسكوب).

أصله بعد حذف المضاف لضرورة الشعر: يا فروة. فحذف حرف النداء تخفيفا، والهاء ترخيما، والباء للتعدّي. و«جُودي» إمّا من الجود بمعنى السّخاء، أو من قولهم: جادت العين جَوْدا وجُودا: إذا كثُر دمعها. وكونه من جاد بنفسه: إذا قارب الموت، احتمالٌ بعيد.

وقال الجوهري: «سكبت الماء سكبا: أي صببته. وماء مسكوب: [أي] يجري على وجه الأرض من غير حفر»(5).

(قال: فصاحت)؛ يعني اُمّ فروة.

(وصِحن النساء) من قبيل: «أكلوني البراغيث».

ص: 161


1- رجال الكشّي، ص 401، ح 747
2- رجال الكشّي، ص 401، ح 748
3- لم نعثر على قوله. وانظر: قاموس الرجال، ج 12، ص 212، الرقم 45
4- . إعلام الورى، ج 1، ص 546
5- الصحاح، ج 1، ص 148 (سكب)

(فقال أبو عبداللّه عليه السلام : الباب الباب) منصوب بفعل مضمر، والتكرير للتأكيد؛ أي اغلقوا الباب، أو اضبطوه، أو احرسوه؛ لئلّا يهجم الناس.

(فاجتمع أهل المدينة على الباب، قال: فبعث إليهم) أي إلى المجتمعين بالباب.

(أبو عبداللّه عليه السلام : صبيٌّ لنا غُشي عليه) على البناء للمفعول.

(فصحن النساء).

فيه دلالة على جواز التورية عند التقيّة. ويحتمل كونه إخبارا عن الواقع بأن يكون صبيّ غشي عليه من صياح النساء، أو لغير ذلك في ذلك اليوم، أو قبله، فورّي عليه السلام بذلك في ذلك المقام.

وقيل: يحتمل أن يكون المراد بالصبيّ الصبيّ الذي استشهد بكربلاء في حِجر الحسين عليه السلام بسهم العدوّ(1).

وأيضا في هذا الخبر دلالة على جواز استماع النساء أصوات الرجال إلّا أن يُقال أمثال هذه المقامات تعدّ من الضروريّات، وعلى استحباب إنشاد المراثي للحسين عليه السلام .

متن الحديث الرابع والستّين والمائتين

اشارة

سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ (2) ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا حَفَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله الْخَنْدَقَ مَرُّوا بِكُدْيَةٍ ، فَتَنَاوَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله الْمِعْوَلَ مِنْ يَدِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، أَوْ مِنْ يَدِ سَلْمَانَ _ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ _ فَضَرَبَ بِهَا ضَرْبَةً ، فَتَفَرَّقَتْ بِثَلَاثِ فِرَقٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : لَقَدْ فُتِحَ عَلَيَّ فِي ضَرْبَتِي هذِهِ كُنُوزُ كِسْرى وَقَيْصَرَ ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : يَعِدُنَا بِكُنُوزِ كِسْرى وَقَيْصَرَ وَمَا يَقْدِرُ أَحَدُنَا أَنْ يَخْرُجَ يَتَخَلّى» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (لمّا حفر رسول اللّه صلى الله عليه و آله الخندق).

ص: 162


1- ذهب إليه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 287
2- . السند معلّق، ويروي سهل عن العدّة

في القاموس: «خندق _ كجعفر _ : حفير حول أسوار المدن، معرّب كَنْده»(1).

(مرّوا بكدية).

في القاموس: «الكدية: قطعة غليظة صلبة لا يعمل فيها الفأس»(2).

(فتبادل رسول اللّه صلى الله عليه و آله المعول).

في القاموس: المِعوَل _ كمنبر _ : الحديدة ينقر بها الجبال»(3).

(من يد أمير المؤمنين عليه السلام ، أو من يد سلمان رضى الله عنه).

الترديد من الراوي. وقيل: يحتمل أن يكون الإمام عليه السلام أشار بذلك إلى اختلاف روايات العامّة، (4). وهو بعيد.

(فضرب بها) أي بتلك الكدية، والباء للتقوية. أو بذلك المِعْوَل، والباء للدلالة، والتأنيث باعتبار الحديدة، أو الآلة ضربة.

(فتفرّقت) الكدية.

(بثلاث فرق) كعنب، جمع فرقة، وهي الطائفة من الشيء.

(فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لقد فتح) على البناء للمفعول.

(عليَّ في ضربتي هذه كنوز كسرى وقيصر).

قال في القاموس: كِسرى _ ويفتح _ : ملك الفرس، معرّب خسرو، أي واسع الملك»(5).

وقال: «قيصر: لقب [من] ملك الروم»(6).

(فقال أحدهما)؛ يعني أبا بكر.

(لصاحبه)؛ يعني لعمر، ويحتمل العكس.

(يَعِدُنا بكنوز كسرى وقيصر).

في القاموس: «وعده الأمر وبه [يعد] عدة ووعدا وموعدا»(7).

ص: 163


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 229 (خندق)
2- لم نعثر عليه في القاموس، وورد بعينه في النهاية لابن الأثير، ج 4، ص 156 (كدا)
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 23 (عول)
4- . قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 139 (مع اختلاف يسير في اللفظ)
5- القاموس المحيط، ج 2، ص 127 (كسر)
6- القاموس المحيط، ج 2، ص 118 (قصر)
7- القاموس المحيط، ج 1، ص 346 (وعد)

وقال الجوهري:

الوعد: مستعمل في الخير والشرّ. يُقال: وعده خيرا ووعده شرّا. وإذا اُسقط الخير والشرّ، قالوا: في الخير وعد وعدة، وفي الشرّ إيعاد ووعيد(1).

(وما يقدر أحدنا يخرج يتخلّى).

أصل التخلّي: التفرّغ. والمراد هنا الدخول إلى الخلاء، وهو المتوضّأ. وهذا الكلام كناية عن غاية الخوف.

واعلم أنّ مضمون هذا الحديث مشهور في روايات العامّة والخاصّة باختلاف الألفاظ والزيادة والنقصان. روى الصدوق رحمه الله بإسناده عن البراء بن عازب، قال: لمّا أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله بحفر الخندق، عرضت له صخرة عظيمة شديدة في عرض الخندق، لا تأخذ منها المعاول، فجاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلمّا رآها وضع ثوبه وأخذ المِعْول وقال: «بسم اللّه »، وضربه ضربةً فكسر ثلثها. وقال: «اللّه أكبر، اُعطيت مفاتيح الشام، واللّه إنّي لأبصر قصورها الحمراء الساعة. ثمّ ضرب الثانية وقال: «بسم اللّه »، ففلق ثلثا الآخر، فقال: «اللّه أكبر اُعطيت مفاتيح فارس، واللّه إنّي لأبصر قصور المدائن الأبيض». ثمّ ضرب الثالثة، ففلق بقيّة الحجر، وقال: «اللّه أكبر، اُعطيت مفاتيح اليمن، واللّه إنّي لأبصر أبواب الصنعاء مكاني هذا»(2).

وروى عليّ بن إبراهيم في تفسيره، قال: فلمّا كان في اليوم الثاني بكّروا إلى الحفر، وقعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله في مسجد الفتح، فبينا المهاجرون [والأنصار] يحفرون إذ عرض لهم جبل لم يعمل المعاول فيه، فبعثوا جابر بن عبداللّه الأنصاري إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله يُعلمه ذلك. قال جابر: فجئت إلى المسجد، ورسول اللّه صلى الله عليه و آله مستلق على قفاه، ورداءه تحت رأسه، وقد شدّ على بطنه حجرا، فقلت: يا رسول اللّه ، إنّه قد عرض لنا جبلٌ لا يعمل المعاول فيه. فقام مسرعا حتّى جاءه، ثمّ دعا بماء في إناء، وغسل وجهه وذراعيه، ومسح على [رأسه و ]رجليه، ثمّ شرب، ومجَّ ذلك الماء في فيه، ثمّ صبّه على ذلك الحجر، ثمّ أخذ معولاً، فضرب ضربةً، فبرقت برقة نظرنا فيها إلى قصور الشام، ثمّ ضرب اُخرى فبرقت برقة نظرنا فيها إلى

ص: 164


1- الصحاح، ج 2، ص 551 (وعد) مع التلخيص واختلاف يسير في اللفظ
2- الخصال، ج1، ص 162، باب الثلاثة، ح 212؛ الأمالي للصدوق، ص 313، المجلس 51، ح 13 مع اختلاف يسير في اللفظ

قصور المدائن، ثمّ ضرب اُخرى فبرقت برقة نظرنا فيها إلى قصور اليمن، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «أما إنّه سيفتح عليكم هذه المواطن التي برقت فيها البرق» ثمّ انهال الجبل علينا كما ينهال الرمل(1).

متن الحديث الخامس والستّين والمائتين

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ أَبِي يَحْيَى الْوَاسِطِيِّ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ لِلّهِ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ رِيحا يُقَالُ لَهَا : الْأَزْيَبُ ، لَوْ أَرْسَلَ مِنْهَا مِقْدَارَ مَنْخِرِ ثَوْرٍ لَأَثَارَتْ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، وَهِيَ الْجَنُوبُ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (يقال لها الأزيب).

قال في القاموس: «الأزيب _ كالأحمر _ : الجنوب، أو النكباء تجري بينها وبين الصبا، والعداوة، والأمر المنكر، والفزع، والداهية»(2).

وقال: «النكباء: ريح انحرفت ووقعت بين ريحين، أو بين الصبا والشمال»(3).

وقال ابن الأثير في النهاية:

في حديث الريح: اسمها عند اللّه الأزيب وعندكم الجنوب. الأزيب: من أسماء ريح الجنوب، وأهل مكّة يستعملون هذا الاسم كثيرا(4).

(لو أرسل منها مقدار منخر ثور).

في القاموس: المنخر _ بفتح الميم والخاء، وبكسرهما، وبضمّتين، وكمجلس _ : الأنف»(5).

(لأثارت) أي هيّجت تلك الريح الغبار.

(ما بين السماء والأرض) أي فيما بينهما، أو أطارت ما بينهما من أيّ شيء كان كالغبار.

ص: 165


1- تفسير القمّي، ج 2، ص 178
2- القاموس المحيط، ج 1، ص 80 (زيب)
3- القاموس المحيط، ج 1، ص 134 (نكب)
4- النهاية، ج 2، ص 324 (زيب)
5- القاموس المحيط، ج 3، ص 129 (نخر) مع اختلاف يسير في اللفظ

قال الجوهري: «ثار الغبار يثور ثورا وثورانا: سطع، وأثاره غيره»(1).

(وهي الجنوب) أي تلك الريح المسمّاة بالأزيب هي الريح التي تسمّى بالجنوب، وهو بالفتح: ريح يخالف الشمال مهبّه من مطلع سهيل إلى مطلع الثريّا.

متن الحديث السادس والستّين والمائتين

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ صَالِحِ بْنِ السِّنْدِيِّ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِيرٍ ، عَنْ رُزَيْقٍ (2). أَبِي الْعَبَّاسِ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «أَتى قَوْمٌ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ ، إِنَّ بِلَادَنَا قَدْ قُحِطَتْ ، وَتَوَالَتِ السِّنُونَ عَلَيْنَا ، فَادْعُ اللّهَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِالْمِنْبَرِ ، فَأُخْرِجَ وَاجْتَمَعَ النَّاسُ ، فَصَعِدَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَدَعَا ، وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يُؤَمِّنُوا ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ (3). هَبَطَ جَبْرَئِيلُ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، أَخْبِرِ النَّاسَ أَنَّ رَبَّكَ قَدْ وَعَدَهُمْ أَنْ يُمْطَرُوا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا ، وَسَاعَةَ كَذَا وَكَذَا ، فَلَمْ يَزَلِ النَّاسُ يَنْتَظِرُونَ ذلِكَ الْيَوْمَ وَتِلْكَ السَّاعَةَ حَتّى إِذَا كَانَتْ تِلْكَ السَّاعَةُ ، أَهَاجَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ رِيحا ، فَأَثَارَتْ سَحَابا ، وَجَلَّلَتِ السَّمَاءَ ، وَأَرْخَتْ عَزَالِيَهَا ، فَجَاءَ أُولئِكَ النَّفَرُ بِأَعْيَانِهِمْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ ، ادْعُ اللّهَ (4). أَنْ يَكُفَّ السَّمَاءَ عَنَّا ، فَإِنَّا (5) كِدْنَا أَنْ نَغْرَقَ ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ وَدَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ، وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يُؤَمِّنُوا عَلى دُعَائِهِ ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ النَّاسِ : يَا رَسُولَ اللّهِ ، أَسْمِعْنَا ، فَإِنَّ كُلَّ مَا تَقُولُ لَيْسَ نَسْمَعُ ، فَقَالَ : قُولُوا : اللّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا ، اللّهُمَّ صُبَّهَا فِي بُطُونِ الْأَوْدِيَةِ ، وَفِي نَبَاتِ الشَّجَرِ ، وَحَيْثُ يَرْعى أَهْلُ الْوَبَرِ ، اللّهُمَّ اجْعَلْهَا رَحْمَةً ، وَلَا تَجْعَلْهَا عَذَابا» .

شرح الحديث

السند مجهول كالحسن.

قوله: (عن رزيق أبي العبّاس).

ص: 166


1- الصحاح، ج 2، ص 606 (ثور) مع اختلاف يسير في اللفظ
2- في أكثر نسخ الكافي: «زريق» بتقديم الزاي المعجمة، ويؤيّده ضبط الطوسي رحمه الله في الفهرست، ص 208، الرقم 310؛ والبرقي في رجاله، ص 43. وما في المتن موافق لضبط النجاشي رحمه الله في رجاله، ص 168، الرقم 442؛ والطوسي في رجاله، ص 205، الرقم 2636 و 2638
3- في بعض نسخ الكافي: «إذ»
4- في الطبعة القديمة: + «لنا»
5- في أكثر نسخ الكافي: + «قد»

رزيق _ بالراء المهملة المضمومة، والزاء المعجمة المفتوحة _ وهو ابن الزبير الخلقاني، مجهول. وفي بعض النسخ بتقديم المعجمة على المهملة.

(إنّ بلادنا قد قحطت).

في القاموس: «القحط: احتباس المطر قحط العام _ كمنع وفرح وعُني _ قَحْطا وقَحِطا وقحوطا»(1).

(وتوالت) أي تتابعت.

(السنون علينا).

قال الجوهري:

قال أبو عبيد: [يقال:] أرض بني فلان سِنة: إذا كانت مجدبة. وإذا جمعت بالواو والنون كسرت السين، فقلت: سنون. وبعضهم يقول: سُنُون، بالضمّ(2).

(فادع اللّه _ تبارك وتعالى _ يرسل السماء علينا).

في القاموس: «السماء: السحاب، والمطر، والمطرة الجيّدة»(3).

(فأمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالمنبر، فاُخرج).

يدلّ على استحباب إخراج المنبر في صلاة الاستسقاء، كما هو مذهب جماعة من الأصحاب، خلافا لابن الجنيد، حيث قال: «الأظهر في الروايات أن لا ينقل المنبر، بل يكون كمنبر العيد معمولاً من طين»(4).

وقال بعض الفضلاء: «الروايات التي رأيناها لا تدلّ على ذلك»(5). ويدلّ هذا الخبر على استحباب دعاء أهل الخصب لأهل الجدب.

(وأمر الناس أن يؤمِّنوا) أي يقولوا: آمين.

قال الجوهري: «وآمين في الدّعاء يمدّ ويقصر، ويشدّد الميم، (6). ويقال معناه كذا،

ص: 167


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 378 (قحط) مع التلخيص
2- الصحاح، ج 6، ص 2236 (سنه) مع التلخيص
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 344 (سمو) مع التلخيص واختلاف يسير في اللفظ
4- راجع: السرائر، ج 1، ص 325
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 289 (مع اختلاف يسير في اللفظ)
6- . في المصدر: «وتشديد الميم خطأ»

فليكن، وتقول منه: أمّن فلان تأمينا»(1). (فلم يلبث) إلى قوله: (أن يمطروا) على البناء للمفعول.

قال الفيروزآبادي: «المطر: ماء السّحاب. ومطرتهم السماء مطرا _ ويحرّك _ : أصابتهم بالمطر. وأمطرهم اللّه ، ولا يقال إلّا في العذاب»(2).

(أهاج اللّه _ عزّ وجلّ _ ريحا).

كذا فيما رأيناه من النسخ، والمناسب هنا: «هاج» بدون الهمزة.

قال الجوهري: «هاج الشيء يهيج هيجا وهياجا وهيجانا، واهتاج وتهيّج: أي ثار. وهاجه غيره يتعدّى ولا يتعدّى». ثمّ قال: «أهاجت الريح النبت: أيبسته» انتهى(3).

وقريب منه في القاموس(4).

ولا يخفى عدم مناسبة «أهاج» بالمعنى الذي ذكره الجوهري وغيره بهذا المقام، فتأمّل.

(فأثارت سحابا).

في القاموس: «الثور: الهَيجان، والوثب، والسطوع، وأثاره غيره»(5).

(وجلّلت السماء).

قال الجوهري: «جلّل الشيء تجليلاً: عمّ. والمجلّل: السّحاب الذي يجلّل الأرض بالمطر، أي يعمّ. وتجليل الفرس: أن تُلبِسه الجُلّ»(6).

أقول: الأنسب هنا إرادة المعنى الأوّل، وكون السماء مرفوعا فاعلاً لقوله: «جلّلت»، وكونها بمعنى السّحاب أو المطر.

ويحتمل إرادة المعنى الثاني، أعني التغطية، وكون المستتر في قوله: «جلّلت» راجعا إلى الريح والسماء بالنصب على المفعوليّة. وهذا الأخير أنسب بالسياق السابق، والأوّل ألصق بقوله عليه السلام : (وأرخت)، أي السّماء على الظاهر.

(عزاليها).

ص: 168


1- الصحاح، ج 5، ص 2072 (أمن) مع التلخيص واختلاف يسير في اللفظ
2- القاموس المحيط، ج 2، ص 135 (مطر) مع التلخيص
3- الصحاح، ج 1، ص 352 (هيج)
4- القاموس المحيط، ج 1، ص 213 (هيج)
5- القاموس المحيط، ج 1، ص 383 (ثور) مع التلخيص
6- الصحاح، ج 4، ص 1660 (جلل)

قال الجوهري: «أرخيت الستر وغيره: إذا أرسلته»(1).

وقال: «العزلاء: فم المزادة الأسفل. والجمع: العزالى، بكسر اللام. وإن شئت فتحت، مثل الصحارى والصحاري»(2).

(فجاء اُولئك النفر) الذين أتوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله للاستقاء. قال في القاموس: «النَّفَر: الناس كلّهم، وما دون العشرة من الرجال»(3).

(بأعيانهم) أي بأنفسهم وأشخاصهم، وعين الشخص نفسه.

(ادع اللّه أن يكفّ السماء) أي المطر (عنّا).

في القاموس: «كففته عنه: صرفته، ودفعته، فكفّ، هو لازم متعدّ»(4).

(فإنّا كدنا) أي قاربنا وأشرفنا.

(أن نغرق) على البناء للمفعول، من الإغراق، أو التغريق. أو على البناء للفاعل من الغرق.

قال الجوهري: «غَرِقَ في الماء غَرقَا، فهو غَرِقٌ وغارق أيضا، وأغرقه غيره، وغرّقه هو مغرّق وغريق»(5).

(فاجتمع الناس ودعا النبيّ صلى الله عليه و آله ، وأمر الناس أن يؤمِّنوا على دعائه).

يدلّ على استحباب الدّعاء لدفع المطر مع الخوف. قال الشهيد رحمه الله في الدروس: «لو كثر الغيث وخيف منه، استحبّ الدّعاء بإزالته»(6).

(اللَّهُمَّ حوالينا ولا علينا).

قال في النهاية:

في حديث الاستسقاء: اللَّهُمَّ حوالينا ولا علينا. يُقال: رأيت الناس حَولَه وحوالَيه، أي مطيفين به من جوانبه، يريد: اللَّهُمَّ انزل الغيث في مواضع النبات، لا في مواضع الأبنية(7). وقال الجوهري: «يُقال: قعدوا حوله وحوالَهُ [وحَوْلَيْه] وحوالَيه، ولا تقل: حواليه بكسر اللام»(8).

ص: 169


1- الصحاح، ج 6، ص 2354 (رخا)
2- الصحاح، ج 5، ص 1763 (عزل)
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 146 (نفر)
4- القاموس المحيط، ج 3، ص 191 (كفف) مع التلخيص
5- الصحاح، ج 4، ص 1536 (غرق)
6- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 197، الدرس 50
7- النهاية، ج 1، ص 464 (حول)
8- الصحاح، ج 4، ص 1679 (حول)

وفي القاموس: «هو حواليه وحوله وحَولَيه وحواله وأحوله بمعنى»(1).

أقول: هذا صريح في أنّ «حوالى» كأخواته مفرد لا جمع. وفي كلام الجوهري أيضا إيماء إلى ذلك، فتدبّر.

وقال بعض الفضلاء:

في هذا الكلام دلالة على كمال أدبه عليه السلام ، حيث لم يدع برفعه بالكليّة، لأنّه رحمة، بل دعا بكشف ما يضرّهم، وإنزاله إلى حيث يبقى نفعه، ولا يتصوّر ضرره(2).

(وحيث يرعى أهل الوبر).

قال الفيروزآبادي: «رعت الماشية ترعى رعيا، وارتعت ورعاها وأرعاها، وأرعاه المكان: جعله له مرعى»(3).

وقال الجوهري: «أرعى اللّه الماشية: أي أنبت لها ما ترعاه»(4).

وفي القاموس: «الوبَر _ محرّكة _ : صوف الإبل، والأرنب، ونحوها، وهو وِبَرٌ»(5).

أقول: يحتمل هاهنا إرادة كلّ من المعاني المذكورة للرعي والإرعاء، وكون أهل الوبر كناية عن سكّان البادية، أو عن المال السائمة.

وقال بعض الأفاضل في شرح هذا الكلام: «أي حيث يرعى سكّان البادية أنعامهم؛ فإنّهم يسكنون في خيام الوبر في بيوت المدر، ولا يضرّهم كثرة المطر» انتهى(6). فتدبّر.

متن الحديث السابع والستّين والمائتين

اشارة

جَعْفَرُ بْنُ بَشِيرٍ (7). ، عَنْ رُزَيْقٍ (8). :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «مَا أَبْرَقَتْ قَطُّ فِي ظُلْمَةِ لَيْلٍ وَلَا ضَوْءِ نَهَارٍ إِلَا وَهِيَ مَاطِرَةٌ» .

ص: 170


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 363 (حول)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 289 (مع اختلاف في اللفظ)
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 335 (رعى) مع التلخيص
4- الصحاح، ج 6، ص 2359 (رعى)
5- القاموس المحيط، ج 2، ص 151 (وبر) مع التلخيص واختلاف يسير في اللفظ
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 141
7- . السند معلّق على سابقه، ويروي عن جعفر، عليّ بن إبراهيم عن صالح بن السندي
8- . في بعض نسخ الكافي: «زريق» بتقديم الزاي المعجمة. وتقدّم في ذيل السند السابق ماحوله

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله عليه السلام : (ما أبرقت قطّ) إلى آخره.

الظاهر أنّ المستتر في «أبرقت» راجع إلى السماء، بقرينة المقام وتقدّم الذكر. ويحتمل بعيدا رجوعه إلى «البروق» أو «البرقة».

وحاصل المعنى على التقديرين أنّ البرق يلزمه المطر، وإن لم يمطر في كلّ موضع يظهر فيه البرق.

قال في القاموس: البرق، واحد بروق: السحاب، أو ضرب ملك السحاب. وتحريكه إيّاه لينساق فترى النيران. وبرقت السماء بروقا وبرقانا: لمعت، أو جاءت ببرق. والبرق بدا، والرجل تهدّد وتوعّد كأبرق. وأرعدوا وأبرقوا: أصابهم رعدٌ وبرق. والسماء: أتت بهما(1).

متن الحديث الثامن والستّين والمائتين

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنِ ابْنِ الْعَرْزَمِيِّ رَفَعَهُ ، قَالَ :

قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَسُئِلَ عَنِ السَّحَابِ : أَيْنَ يَكُونُ؟

قَالَ : «يَكُونُ عَلى شَجَرٍ عَلى كَثِيبٍ عَلى شَاطِئِ الْبَحْرِ يَأْوِي إِلَيْهِ ، فَإِذَا أَرَادَ اللّهُ _ عَزَّ وَ جَلَّ _ أَنْ يُرْسِلَهُ أَرْسَلَ رِيحا ، فَأَثَارَتْهُ ، وَوَكَّلَ بِهِ مَلَائِكَةً (2) يَضْرِبُونَهُ (3) بِالْمَخَارِيقِ ، وَهُوَ الْبَرْقُ ، فَيَرْتَفِعُ» ثُمَّ قَرَأَ هذِهِ الْايَةَ « «وَاللّهُ الَّذِى أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحابا فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ» (4) الْايَةَ ، وَالْمَلَكُ اسْمُهُ الرَّعْدُ» .

شرح الحديث

السند مجهول مرفوع.

قوله: (العرزمي) بتقديم المهملة على المعجمة.

ص: 171


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 211 (برق) مع التلخيص
2- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «ملائكته»
3- . في الطبعة القديمة: «يضربوه»
4- . فاطر (35): 9

وقوله: (على كثيب).

الكثيب: الرّمل من كثب، أي اجتمع. وكلّ ما انصبّ في شيء، فقد انكثب فيه. ومنه سمّي الكثيب من الرمل؛ لأنّه انصبّ في مكان واجتمع فيه. والجمع: الكثبان، وهي تلال الرمل.

وفي النهاية: «الكثيب: الرمل المستطيل المحدودب»(1).

(على شاطئ البحر).

شاطئ النهر _ بالهمزة _ : جانبه، وشفيره.

(يأوي إليه).

في القاموس: «أويت منزلي وإليه اُويّا _ بالضمّ، ويكسر _ : نزلته بنفسي، وسكنته»(2).

قيل: يحتمل أن يكون نوع من السّحاب كذلك، وأن يكون كناية عن انبعاثه من البحر وحواليه(3).

(ووكّل به ملائكة يضربونه بالمخاريق).

قال في النهاية: في حديث علي عليه السلام : البرق مخاريق الملائكة. هي جمع مخراق، وهو في الأصل ثوب يلفّ ويضرب به الصبيان بعضهم بعضا، أراد آلة تزجر بها الملائكة السحاب وتسوقه، ويفسّره حديث ابن عبّاس: البرق سوط من نور تزجر بها الملائكة السِّحاب(4).

(وهو البرق).

الظاهر إرجاع الضمير إلى المخراق المفهوم من «المخاريق».

(فيرتفع) السحاب من موضعه.

(ثمّ قرأ هذه الآية) في سورة فاطر: «وَاللّه ُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابا» ؛ قال البيضاوي في وجه الإتيان بصيغة المضارع في الفعل الثاني: «إنّه على حكاية الحال الماضية، استحضارا لتلك الصورة البديعة الدالّة على كمال الحكمة». ثمّ قال: «ويجوز أن يكون

ص: 172


1- النهاية، ج 4، ص 152 (كتب)
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 301 (أوى)
3- القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 142
4- النهاية، ج 2، ص 26 (خرق)

اختلاف الأفعال للدلالة على استمرار الأمر»(1).

«فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ» (2).

المشهور بين المفسّرين أنّ الموت هنا كناية عن اليبس وفقدْ النبات.

قال في القاموس: «الميّت: ضدّ الحيّ. ومات: سكن، ونام، وبلى»(3).

وقال: «البلد: كلّ قطعة من الأرض مستحيزة عامرة، أو غامرة، والتراب»(4).

(والملك) المذكور (اسمه الرعد).

متن الحديث التاسع والستّين والمائتين

اشارة

متن الحديث التاسع والستّين والمائتين8988.

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ ، عَنْ مُثَنًّى الْحَنَّاطِ وَمُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، قَالَا :قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «مَنْ صَدَقَ لِسَانُهُ زَكَا عَمَلُهُ ، وَمَنْ حَسُنَتْ نِيَّتُهُ زَادَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ فِي رِزْقِهِ ، وَمَنْ حَسُنَ بِرُّهُ بِأَهْلِهِ زَادَ اللّهُ فِي عُمُرِهِ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله عليه السلام : (من صدق لسانه زكا عمله).

قال الجوهري: «زكّى نفسه تزكيةً: مدحها». وقوله تعالى: «وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا» ؛ (5). قالوا:

تطهّرهم بها. وزكا الزرع يزكو زكاء _ ممدود _ أي نما. وزكا الرجل يزكو زكُوّا: إذا تنعّم وكان في خِصب»(6).

وقال في القاموس: «زكا يزكو زكاءً وزكوا: نما. وزكّاه اللّه والرجل. وزكى _ كرضي _ : نما، وزاد»(7).

ص: 173


1- تفسير البيضاوي، ج 4، ص 412
2- . فاطر (35): 9
3- القاموس المحيط، ج 1، ص 158 (موت) مع اختلاف يسير في اللفظ
4- القاموس المحيط، ج 1، ص 278 (بلد)
5- . التوبة (9): 103
6- لم نعثر عليه، وانظر قول الجوهري ذيل مادّة «زكا» في الصحاح، ج 6، ص 2368
7- القاموس المحيط، ج 4، ص 339 (زكى)

أقول: يحتمل أن يكون «زكا» هنا من باب «علم» على البناء للفاعل. وأمّا احتمال كونه من باب «نصر» فلا يساعده رسم الخطّ، أي من كان صادقا في أقواله نما عمله وزاد.

وقيل: أي طهر عمله من الرِّياء والعُجب وسائر الآفات؛ فإنّ كلّاً منها نوعٌ من الكذب ويستلزمه(1).

وأنت خبير بما فيه من التعسّف.

ويحتمل كونه على البناء للمفعول، من التزكية، أي طهّر اللّه عمله، أو أنماه، أو أصلحه، أو مدحه. وعلى التقادير يكون كناية عن القبول.

وقال بعض الشارحين في وجه كون صدق اللِّسان مستلزما لزكاء العمل:

إنّ استقامة اللِّسان تابعة لاستقامة القلب، وهي تقتضي استقامة جميع الجوارح، وزكاء جميع الأعمال الصادرة منها. أو لأنّ أعمال اللِّسان أعظم وأكثر من أعمال جميع الجوارح؛ إذ هي يحكي عن جميع أعمال الظواهر، ويخبر عن أسرار الضمائر، فإذن استقامته إنّما تكون استقامة جميع الأعمال، وتوجب زكاءها(2).

(ومن حسن (3). نيّته).

في بعض النسخ: «حسنت».

ولعلّ المراد بحسن النيّة صحّة العزيمة على الخيرات، ويلزمها الكدّ والاجتهاد في الأعمال والأخلاق، وطيب المكاسب، وعدم التساهل والتكاهل فيها وتحصيلها عن الشوائب.

وقيل: النيّة قد تُطلق على الغاية الباعثة على الفعل وعلى العزم عليه أيضا(4).

وقال الفيروزآبادي: «نوى الشيء ينويه نيّة _ ويخفّف _ : قصده. واللّه فلانا: حفظه. والنيّة: الوجه الذي يذهب فيه»(5).

وقال الجوهري: «نويت نيّة ونواة: أي عزمت»(6).

ص: 174


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 142
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 290
3- . في المتن الذي ضبطه المصنّف رحمه الله سابقا: «حسنت»
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 143
5- القاموس المحيط، ج 4، ص 397 (نوى) مع التلخيص
6- الصحاح، ج 6، ص 2516 (نوى)

(زاد اللّه في رزقه).

قيل: لأنّه متّق، والمتّقي مرزوق من حيث لا يحتسب(1).

(ومن حَسُنَ) من المجرّد، أو المزيد.

(برّه).

في القاموس: «البرّ: الصِّلة، والاتّساع في الإحسان، والصدق، والطاعة، وضدّ العقوق»(2).

(زاد اللّه في عمره).

في القاموس: «العمر _ بالفتح [و] الضمّ وبضمّتين _ : الحياة. وبالفتح: الدين، قيل: ومنه: لعمري، ويحرّك»(3).

وقال الجوهري: «عَمِرَ عَمرا وعُمرا: عاش [زمانا] طويلاً»(4).

متن الحديث السبعين والمائتين

اشارة

الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيُّ ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْهَاشِمِيِّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، قَالَ : حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ :

عَنْ عَلِيٍّ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : يَقُولُ اللّهُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ لِابْنِ آدَمَ : إِنْ نَازَعَكَ بَصَرُكَ إِلى بَعْضِ مَا حَرَّمْتُ عَلَيْكَ ، فَقَدْ أَعَنْتُكَ عَلَيْهِ بِطَبَقَيْنِ ، فَأَطْبِقْ وَلَا تَنْظُرْ ، وَإِنْ نَازَعَكَ لِسَانُكَ إِلى بَعْضِ مَا حَرَّمْتُ عَلَيْكَ ، فَقَدْ أَعَنْتُكَ عَلَيْهِ بِطَبَقَيْنِ ، فَأَطْبِقْ وَلَا تَكَلَّمْ (5) ، وَإِنْ نَازَعَكَ فَرْجُكَ إِلى بَعْضِ مَا حَرَّمْتُ عَلَيْكَ ، فَقَدْ أَعَنْتُكَ عَلَيْهِ بِطَبَقَيْنِ ، فَأَطْبِقْ وَلَا تَأْتِ حَرَاما» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (عن أحمد بن محمّد بن عيسى).

الظاهر أنّه غير أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري القمّي وأحمد بن محمّد بن عيسى

ص: 175


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 290
2- القاموس المحيط، ج 1، ص 370 (بدر) مع التلخيص
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 95 (عمر) مع التلخيص
4- الصحاح، ج 2، ص 756 (عمر) مع التلخيص
5- . في بعض نسخ الكافي: «ولا تتكلّم»

القسري؛ لأنّ الأوّل من أصحاب الرضا عليه السلام والجواد عليه السلام والهادي عليه السلام ، والثاني ذكره الشيخ فيمن لم يرو عن الأئمّة، ولم يلق أحدا منهم(1). وأمّا أحمد بن محمّد بن عيسى الذي يروي عن جعفر بن محمّد عليهماالسلام مشافهةً، فغير مذكور في الرجال. وقيل: ذكره هنا زيادة النسّاخ، (2). واللّه أعلم.

(إن نازعك بصرك).

قال الجوهري: «نازعته منازعة: إذا جاذبته في الخصومة. والتنازع: التخاصم. ونازعت النفس إلى كذا، أي اشتاقت»(3).

أقول: احتمال إرادة المعنى الأخير هنا لا يخلو عن تكلّف، فتأمّل.

(إلى بعض ما حرّمت عليك) ممّا يتعلّق بالأبصار.

(فقد أعنتك عليه بطبقين).

في القاموس: «الطبق _ محرّكة _ : غطاء كلّ شيء»(4).

(فاطبق ولا تنظر).

قال الجوهري: «أطبقت الشيء: أي غطّيته، وجعلته مطبقا، فتطبّق هو»(5).

(وإن نازعك فرجك) إلى قوله: (بطبقين).

قيل: لعلّ المراد بالطبقين هنا الفخذان. ويحتمل أن يكون المراد جفني العينين، وهما غطاءهما من الأعلى والأسفل؛ فإنّه ما لم تر العين لا تشتهي النفس(6).

(فأطبق ولا تأت حراما).

حاصل الفقرات أنّه تعالى مكَّن الإنسان من ترك المحرّمات المتعلِّقة بتلك الأعضاء بخلق آلات الاحتراز والاجتناب عنها، وعمّا يؤدّى ويوصل إليهما، ولم يجعله مجبورا على فعلها حتّى يكون له عذر في ذلك.

متن الحديث الواحد والسبعين والمائتين

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ ، عَنْ مَوْلًى لِبَنِي هَاشِمٍ :

ص: 176


1- اُنظر: رجال الطوسي، ص 413، الرقم 5982
2- . لم نعثر على قائله
3- الصحاح، ج 3، ص 1289 (نزع) مع التلخيص
4- القاموس المحيط، ج 3، ص 256 (طبق)
5- الصحاح، ج 4، ص 1512 (طبق)
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 143

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ فَلَا يُرْجَ خَيْرُهُ : مَنْ لَمْ يَسْتَحِ مِنَ الْعَيْبِ ، وَيَخْشَ اللّهَ بِالْغَيْبِ ، وَيَرْعَوِ عِنْدَ الشَّيْبِ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (من لم يستح من العيب).

الحياء: الانقباض، والعار.

والعيب: النقص، وما يفتضح به.

وعدم الاستحياء منه عدم المبالاة بفعل القبائح عند الناس، وعدم الحياء بنقلها، وعدم الاهتمام بإزالتها عنه.

(ويخش اللّه بالغيب) على النفي، أي لم يخش اللّه بالغيب، أي بالقلب، أو حال كونه متلبِّسا بالغيبة عن الناس، بل يظهر الخشية والخوف من اللّه تعالى، يحذر الناس رياءً، ولا يبالي بفعل القبائح في الخلوات.

ويحتمل كون الباء للسببيّة، والمراد بالغيب الغيبة عن أحوال الآخرة وشدائدها، أي يكون عدم خوفه منه تعالى بسبب كون تلك الأحوال غائبا عن نظرها، ولم يبال بإخبار الأنبياء عنها.

(ويرعو) أي لم يرعو، ولم يكفّ عن المحرّمات.

(عند الشيب).

الشيب _ بالفتح _ : بياض الشعر. والمراد هنا أوان الشيخوخة، وانقضاء دواعي الشهوة؛ فإنّ ارتكاب المحرّمات حينئذٍ يكون أقبح.

قال الفيروزآبادي: «الإرعواء: النزوع عن الجهل، وحسن الرجوع عنه، وقد ارعوى»(1).

وقال في النهاية:

فيه: شرّ الناس رجلٌ يقرأ كتاب اللّه لا يرعوي على شيء منه، أي لا ينكفّ، ولا ينزجر، من رعا يرعو: إذا كفّ عن الاُمور. وقد ارعوى عن القبيح يرعوي إرعواءً

ص: 177


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 335 (رعي) مع التلخيص

وقيل: الارعواء: الندم على الشيء، والانصراف عنه، وتركه(1).

متن الحديث الثاني والسبعين والمائتين

اشارة

أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ ، عَنِ الْحَجَّالِ ، قَالَ :

قُلْتُ لِجَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ : قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : «إِذَا أَتَاكُمْ شَرِيفُ قَوْمٍ ، فَأَكْرِمُوهُ» .

قَالَ : نَعَمْ .

قُلْتُ لَهُ : وَ مَا الشَّرِيفُ؟

قَالَ : قَدْ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام عَنْ ذلِكَ ، فَقَالَ : «الشَّرِيفُ مَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ».

قُلْتُ (2) : فَمَا الْحَسِيبُ (3) ؟

قَالَ : «الَّذِي يَفْعَلُ الْأَفْعَالَ الْحَسَنَةَ بِمَالِهِ وَغَيْرِ مَالِهِ» .

قُلْتُ : فَمَا الْكَرَمُ؟ قَالَ : «التَّقْوى» .

شرح الحديث

السند صحيح.

قوله عليه السلام : (الشريف من كان له مال) إلى آخره، بيان ما هو المقصود في هذا الخبر، لا بيان حقيقة الشريف؛ فإنّه يطلق على من كان له شرف بحسب الدِّين أيضا.

قال في القاموس:

الشرف _ محرّكة _ : العلوّ، والمكان العالي، والمجد، أو لا يكون إلّا بالآباء، أوعلوّ الحسب. وشرف _ ككرم _ شرفا، محرّكة: علا في دين أو دُنيا(4).

(قلت: فما الحسيب؟ قال: الذي يفعل الأفعال الحسنة بماله وغير ماله).

كالحسنات الصادرة عن الجوارح مثلاً. وهذا الخبر نظير ما روي من: «أنّ حسب الرجل دينه ومروءته»(5).

ص: 178


1- النهاية، ج 2، ص 236 (رعي) مع التلخيص
2- . في بعض نسخ الكافي والطبعة القديمة: «قال: قلت»
3- . في بعض نسخ الكافي: «الحسب»
4- القاموس المحيط، ج 3، ص 157 (شرف) مع التلخيص
5- المروي هكذا: «إنّ حسب الرجل دينه، و مروءته خُلُقه». اُنظر: الكافي، ج 8، ص 181، ح 203

قال في القاموس:

الحسب: ما تعدّه من مفاخر آبائك، والمال، والدِّين، أو الكرم، أو الشرف في الفعل، أو الفعال الصالح، أو الشرف الثابت في الآباء والبال والحسب والكرم. وقد يكونان لمن لا آباء له شرفاء، والشرف والمجد لا يكونان إلّا بهم. وقد حسب حسابه _ كخطب خطابة _ وحسبا محرّكة، فهو حسيب من حسباء(1).

(الكرم. [قال:] التقوى).

هي اسم من الاتّقاء، بمعنى التحرّز، والتحفّظ عن المحرّمات، أو عمّا لا ينبغي مطلقا.

وهذا الكلام إشارة إلى قوله عزّ وجلّ: «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّه ِ أَتْقَاكُمْ» (2) . قال البيضاوي في تفسيره:

فإنّ التقوى بها تكمل النفوس، وتفاضل الأشخاص، فمَن أراد شرفا فليلتمس منها، كما قال عليه السلام : «مَن سرّه أن يكون أكرم فليتّق اللّه ». [وقال صلى الله عليه و آله :] يا أيّها الناس، إنّما الناس رجلان: مؤمنٌ تقيٌّ كريم على اللّه ، وفاجرٌ شقيّ هيّنٌ على اللّه ، انتهى(3).

ولعلّ الغرض بيان ما هو الأهمّ من معاني الكرم، لا حصره فيها؛ فإنّ الكرم في الأصل ضدّ اللؤم، ويطلق على الشرف في الدِّين، وسعة الخلق، والصفح، والسخاء، والعطاء أيضا.

متن الحديث الثالث والسبعين والمائتين

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّوْفَلِيِّ ، عَنِ السَّكُونِيِّ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مَا أَشَدَّ حُزْنَ النِّسَاءِ ، وَ أَبْعَدَ فِرَاقَ الْمَوْتِ ، وَأَشَدُّ مِنْ ذلِكَ كُلِّهِ (4) فَقْرٌ يَتَمَلَّقُ صَاحِبُهُ ، ثُمَّ لَا يُعْطى شَيْئا» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله عليه السلام : (ما أشدّحزن النساء).

ص: 179


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 54 (حسب)
2- الحجرات (49): 13
3- تفسير البيضاوي، ج 5، ص 219 مع اختلاف يسير في اللفظ
4- . في بعض نسخ الكافي: - «كلّه»

كلمة «ما» للتعجّب. ولعلّ وجه أشدّيّة حزنهنّ أنّ الزاجر من الحزن على واردات الدهر ونوائبه هو الصبر عليها، ومنع النفس عن الجزع بها، وهو من ثمرات قوّة العقل والتثبّت، وليست لهنّ تلك القوّة، فيغلب عليهنّ الحزن والجزع بأدنى واردة منها.

(وأبعد فراق الموت).

قيل: أي المفارقة الواقعة بالموت بعيدة عن المواصلة(1) فالمراد التعجّب من طول المفارقة بسبب الموت.

وقيل: [لعلّ] المراد أنّ الفراق عن الموت بعيد، والفرار منه صعبٌ شديد؛ لكونه قريبا ضروريّ الوقوع(2).

وقيل: يمكن أن يكون المعنى: ما أبعد الصبر على الفراق الذي يحصل بسبب الموت موت الأحبّاء(3).

(وأشدّ من ذلك كلّه).

لفظة «كلّه» ليست في كثير من النسخ.

(فقر يتملّق صاحبه) لأن يُعطى شيئا.

(ثمّ لا يُعطى شيئا).

قال الجوهري: «تملّق [له] تملّقا: أي تودّد إليه، وتلطّف له. ورجلٌ ملَقٌ: يعطي بلسانه ما ليس في قلبه»(4).

وقال في النهاية: «المَلَق _ بالتحريك _ : الزيادة في التودّد والدّعاء، والتضرّع فوق ما ينبغي»(5).

متن الحديث الرابع والسبعين والمائتين

اشارة

(حَدِيثُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ)

الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيُّ ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ

ص: 180


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 144
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 292
3- نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 292
4- الصحاح، ج 4، ص 1556 (ملق) مع التلخيص
5- النهاية، ج 4، ص 358 (ملق)

الْعَلَاءِ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ :

سُئِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام عَنِ الْخَلْقِ ، فَقَالَ : «خَلَقَ اللّهُ أَلْفا وَمِائَتَيْنِ فِي الْبَرِّ ، وَأَلْفا وَمِائَتَيْنِ فِي الْبَحْرِ ، وَأَجْنَاسُ بَنِي آدَمَ سَبْعُونَ جِنْسا ، وَالنَّاسُ وُلْدُ آدَمَ مَا خَلَا يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قال البيضاوي:

يأجوج ومأجوج قبيلتان من وُلد يافث بن نوح. وقيل يأجوج من الترك، ومأجوج من الجيل، وهما اسمان أعجميّان بدليل مع التصرّف. وقيل: عربيّان من أجّ الظليم: إذا أسرع، وأصلهما الهمز، كما قرأ عاصم، ومنع صرفهما للتعريف والتأنيث(1).

وقال الجوهري: قال الأخفش: من همز يأجوج و مأجوج، ويجعل الألف من الأصل، يقول: يأجوج يفعول، ومأجوج مفعول، كأنّه من أجيج النّار. قال: ومن لا يهمز ويجعل الألفين زائدتين، يقول: [يأجوج من يججت](2).

قيل: إنّهم في الكشرة بحيث يمرّ أولّهم ببحيرة طبريّة، فيشر بونها، ويمرّ آخرهم فيقولون: كان في هذا مآء(3).

وقيل: إنّ الواحد منهم ذكرا كان أو اُنثى لايموت حتى يلد ألفا، فإذا ولدها كان ذلك علامة موته. ويقال: إنّهم يتسافدون في الطرقات كالبهائم، وإنّ في خلقهم تشويها، فمنهم من أفرط في الطول، كالنخلة، أو في القصر كالبشر ودونه، ومنهم صنف طوال الاُذن، ويقال: إنّهم يأكلون الناس ويأكل بعضهم بعضا. ومسكنهم وراء السدّ بين الجبلين. قيل: طوله مائة فرسخ، وعرضه خمسون فرسخا. وقيل: طوله سبعمائة فرسخ، وينتهي إلى البحر المظلم(4).

قوله: (خلق اللّه ألفا ومأتين في البرّ، وألفا ومأتين في البحر).

ص: 181


1- تفسير البيضاوي، ج 3، ص 522
2- الصحاح، ج 1، ص 298 (أجج)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 293
4- اُنظر في الأقوال: شرح المازندراني، ج 12، ص 293

قيل: كان المراد بها الأصناف؛ بقرينة قوله: (وأجناس بني آدم سبعون جنسا)؛ إذ المراد بها الأصناف(1).

(والناس) كلّهم (ولد آدم).

والظاهر أنّ قوله عليه السلام : (ما خلا يأجوج ومأجوج) استثناء من الأخير؛ أعني كون الناس من ولد آدم، فيدلّ على أنّ يأجوج ومأجوج ليسا من ولد آدم.

ويحتمل أن يكون استثناء من حصر أجناس بني آدم في السبعين، فيدلّ على أنّ كونهما من أولاده؛ إذ المعنى حينئذٍ: أنّ أجناس بني آدم مع قطع النظر عنها سبعون جنسا.

وعلى الثاني لا ينافي هذا الخبر ما رواه الصدوق رحمه الله في كتاب العلل بإسناده عن عبد العظيم الحسني، عن عليّ بن محمّد العسكري عليه السلام : أنّ جميع الترك والصقالبة يأجوج ومأجوج والصين من ولد (2). يافث(3).

وأمّا على الأوّل فبين الخبرين منافاة، والجمع بينهما حينئذٍ لا يخلو عن تكلّف.

وقال بعض الأفاضل:

إنّ هذا الخبر _ يعني ما رواه الصدوق في العلل _ عندي أنقى (4) سندا من خبر المتن، فيمكن حمله على أنّ المراد: أنّهم ليسوا من الناس، وإن كانوا من ولد آدم(5).

وهو كما ترى.

ونقل عن بعض العامّة أنّه قال: احتلم آدم عليه السلام ، فاختلطت نطفته بالتراب، فكان ذلك يأجوج ومأجوج(6). وردّه بعضهم بأنّ الأنبياء لا يحتلمون(7) ونقل عن بعضهم إنّهما اُمّةٌ من الترك، (8) واللّه أعلم.

ص: 182


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 293
2- . في المصدر: - «ولد»
3- علل الشرائع، ج 1، ص 32، ح 1
4- . في المصدر: «أقوى»
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 145 مع اختلاف يسير في اللفظ
6- نقله القرطبي عن كعب الأحبار في تفسيره، ج 11، ص 56
7- الرادّ هو نفس القرطبي في المصدر المذكور
8- نقل عن المقاتل. اُنظر: شرح المازندراني، ج 12، ص 293

متن الحديث الخامس والسبعين والمائتين

اشارة

الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ (1) ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَشَّاءِ ، عَنْ مُثَنًّى ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ (2) النَّاسَ طَبَقَاتٌ ثَلَاثٌ : طَبَقَةٌ هُمْ مِنَّا وَنَحْنُ مِنْهُمْ ، وَطَبَقَةٌ يَتَزَيَّنُونَ بِنَا ، وَطَبَقَةٌ يَأْكُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضا بِنَا» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (الناس طبقات ثلاث).

قال الجوهري: «طبقات الناس: مراتبهم»(3).

(طبقة همّ منّا).

لعلّ المراد أنّهم من عِدادنا، وفي زمرتنا؛ لقبولهم هدايتنا وإرشادنا، واقتفائهم آثارنا، وهم خلّص الشيعة.

(ونحنُ منهم) من عِدادهم، وفي زمرتهم.

وهذا كناية عن كمال القُرب والاتّحاد. ويحتمل أن يكون إشارة إلى اتّحاد الطينة، كما مرّ في كتاب الإيمان والكفر.

(وطبقة يتزيّنون بنا).

لعلّ المراد أنّهم يجعلون انتسابهم بنا، واتّصافهم بحبّنا، واكتسابهم علومنا وأحاديثنا زينةً لهم عند الناس، ولا يكون غرضهم من ذلك طلب مرضاة اللّه وابتغاء وجهه، بل تحصيل الجاه والاعتبار، وهم ضعفاء الشيعة.

وقيل: المراد بهم أهل الإسلام المنتسبون إلى أجداده عليهم السلام ؛ لأنّ الإسلام منهم، وهم مباديه، وإن لم تكن الزينة نافعة لهم يوم القيامة؛ لتركهم أعظم أركان الإسلام(4).

ص: 183


1- . في الطبعة القديمة: + «الأشعري»
2- . في أكثر نسخ الكافي والوافي: - «إنّ»
3- الصحاح، ج 4، ص 1512 (طبق)
4- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 294 مع اختلاف يسير في اللفظ

(وطبقة يأكل بعضهم بعضا بنا).

قيل: أي يأخذ بعضهم، أموال بعضهم ويأكلونهما بإظهار مودّتنا ومدحنا وعلومنا، أو ينازع بعضهم بعضا فيها؛ لأنّ غرضهم التوسّل بها إلى الدُّنيا، أو يسعى بعضهم في قتل بعضهم بذكر محبّتهم وولايتهم لها عند حكّام الجور(1).

وقال بعض الشارحين: «أي يهلك بعضهم بعضا بوضع قوانين الشرك والكفر، أو يلعن بعضهم بعضا يوم القيامة كما قيل، وهم سائر الناس» (2). انتهى، فتأمّل.

متن الحديث السادس والسبعين والمائتين

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ مُعَلًّى ، عَنِ الْوَشَّاءِ ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ مَرْوَانَ (3). ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ ، قَالَ :

قَالَ (4) أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «إِذَا رَأَيْتَ الْفَاقَةَ وَالْحَاجَةَ قَدْ كَثُرَتْ ، وَأَنْكَرَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضا (5) ، فَانْتَظِرْ أَمْرَ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ» .

قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، هذِهِ الْفَاقَةُ وَالْحَاجَةُ (6) قَدْ عَرَفْتُهُمَا ، فَمَا إِنْكَارُ النَّاسِ بَعْضُهُمْ بَعْضا؟

قَالَ : «يَأْتِي الرَّجُلُ مِنْكُمْ أَخَاهُ ، فَيَسْأَلُهُ الْحَاجَةَ ، فَيَنْظُرُ إِلَيْهِ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ ، وَيُكَلِّمُهُ بِغَيْرِ اللِّسَانِ الَّذِي كَانَ يُكَلِّمُهُ بِهِ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله عليه السلام : (إذا رأيت الفاقة [والحاجة] قد كثُرت).

ص: 184


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 146
2- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 294
3- . الظاهر وقوع التحريف في العنوان عن «محمّد بن مروان» بعمّار بن مروان؛ لأنّا لم نجد رواية عمّار عن الفضيل في أيّة رواية، ويؤيّده تكرار رواية محمد بن مروان عنه في مواضع كثيرة، اُنظر على سبيل المثال: الكافي، ح 955 و ح 2228 و ح 12255 و ح 12290 في الطبعة الجديدة؛ التهذيب، ج 9، ص 169، ح 691؛ والمحاسن، ص 155، ح 85
4- . في بعض نسخ الكافي: + «لي»
5- . في الطبعة القديمة والوافي: + «فعند ذلك»
6- . في بعض نسخ الكافي: «الحاجة والفاقة»

في القاموس: «الفاقة: الفقر، والحاجة»(1).

(وأنكر الناس بعضهم بعضا).

قيل: لعلّ المراد الفاقة والإنكار فيما ين الشيعة، ويحتمل الأعمّ(2).

(فانتظر أمر اللّه عزّ وجلّ) أي ظهور دولة الحقّ؛ لأنّها إنّما تظهر عند شدّة الزمان بين الأنام، وظهور الفساد في الخاصّ والعامّ.

(قال: يأتي الرجل منكم أخاه) في الدِّين (فيسأله الحاجة، فينظر) المسؤول عنه (إليه)، أي إلى السائل (بغير الوجه الذي كان ينظر إليه) قبل إظهار الحاجة.

(ويكلِّمه بغير اللِّسان الذي كان يكلّمه به) قبل ذلك.

ويظهر من هذا البيان أنّ المراد بالإنكار هنا ضدّ المعرفة؛ أي عدم معرفة حقّ الاُخوّة.

ويحتمل كونه من المنكر ضدّ المعروف، أو من التنكّر بمعنى التغيّر. قال في القاموس:

«أنكره: جهله. والمنكر: ضدّ المعروف. والنكير أيضا: الإنكار. والتنكّر: التغيّر عن حال تسرّك إلى حال تكرهها، والاسم: النكيرة»(3).

متن الحديث السابع والسبعين والمائتين

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ يَحْيى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، قَالَ :

«قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : وُكِّلَ الرِّزْقُ بِالْحُمْقِ ، وَوُكِّلَ الْحِرْمَانُ بِالْعَقْلِ ، وَوُكِّلَ الْبَلَاءُ بِالصَّبْرِ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله عليه السلام : (وكّل الرزق) على البناء للمفعول من المجرّد.

(بالحمق).

قال الفيروزآبادي: «وكل باللّه يكل: استسلم إليه. وكّل إليه الأمر وكلاً ووكولاً: سلّمه وتركه»(4).

ص: 185


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 278 (فوق)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 294
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 148 (نكر) مع التلخيص
4- القاموس المحيط، ج 4، ص 66 (وكل) مع التلخيص

وقال: «حمق _ ككرم _ حمقا _ بالضمّ وبضمّتين _ وحماقة، فهو أحمق: قليل العقل»(1).

(ووكّل الحرمان بالعقل).

في القاموس: «حرمه الشيء _ كضربه، وعلمه _ حرمانا بالكسر: منعه. والمحروم: الممنوع عن الخير»(2).

ولعلّ المراد بالفقرتين أنّ الأحمق في غالب الأحوال مرزوق موسّعٌ عليه، والعاقل ممنوع مقتّرٌ عليه.

وقيل: لعلّ السرّ فيه أنّ الأحمق يطلب الدُّنيا، فيجدها كما قال تعالى: «مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْأَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِى حَرْثِهِ» (3). ، والعاقل يترك الدُّنيا ويطلب الآخرة، فيُصيب من الدُّنيا بقليل(4).

(ووكّل البلاء بالصبر)

لعلّ المراد أنّ البلاء والصبر مقرونان، فلو لم يخلق الصبر لم يخلق البلاء، كما رُوي: «لولا أنّ الصبر خُلق قبل البلاء لتفطّر المؤمن، كما يتفطّر البيضة على الصفار» (5). والمقصود من هذا الكلام الترغيب بالتزام الصبر عند الابتلاء.

متن الحديث الثامن والسبعين والمائتين

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْعَطَّارِ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ ، عَنْ عُمَرَ أَخِي عُذَافِرٍ ، قَالَ :

دَفَعَ إِلَيَّ إِنْسَانٌ سِتَّمِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ سَبْعَمِائَةِ دِرْهَمٍ لِأَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، فَكَانَتْ فِي جُوَالِقِي ، فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى الْحَفِيرَةِ شُقَّ جُوَالِقِي ، وَذُهِبَ بِجَمِيعِ مَا فِيهِ ، وَوَافَقْتُ عَامِلَ الْمَدِينَةِ بِهَا ، فَقَالَ : أَنْتَ الَّذِي شُقَّتْ زَامِلَتُكَ ، وَذُهِبَ بِمَتَاعِكَ؟ فَقُلْتُ (6) : نَعَمْ ، فَقَالَ : إِذَا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَأْتِنَا حَتّى أُعَوِّضَكَ .

قَالَ : فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ ، دَخَلْتُ عَلى أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، فَقَالَ : «يَا عُمَرُ ، شُقَّتْ زَامِلَتُكَ ، وَذُهِبَ بِمَتَاعِكَ؟» فَقُلْتُ : نَعَمْ ، فَقَالَ : «مَا أَعْطَاكَ اللّهُ خَيْرٌ مِمَّا أُخِذَ مِنْكَ ، إِنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ضَلَّتْ

ص: 186


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 224 (حمق) مع التلخيص
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 94 (حرم) مع التلخيص
3- . الشورى (42): 20
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 295
5- الكافي، ج 2، ص 92، ح 20
6- . في بعض نسخ الكافي: «قلت»

نَاقَتُهُ ، فَقَالَ النَّاسُ فِيهَا : يُخْبِرُنَا عَنِ السَّمَاءِ ، وَلَا يُخْبِرُنَا عَنْ نَاقَتِهِ ، فَهَبَطَ عَلَيْهِ جَبْرَئِيلُ عليه السلام ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، نَاقَتُكَ فِي وَادِي كَذَا وَكَذَا ، مَلْفُوفٌ خِطَامُهَا بِشَجَرَةِ كَذَا وَكَذَا» .

قَالَ : «فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ ، فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنى عَلَيْهِ ، وَقَالَ : يَا (1) أَيُّهَا النَّاسُ ، أَكْثَرْتُمْ عَلَيَّ فِي نَاقَتِي ، أَلَا وَمَا أَعْطَانِي اللّهُ خَيْرٌ مِمَّا أُخِذَ مِنِّي ، أَلَا وَإِنَّ نَاقَتِي فِي وَادِي كَذَا وَكَذَا ، مَلْفُوفٌ خِطَامُهَا بِشَجَرَةِ كَذَا وَكَذَا ، فَابْتَدَرَهَا النَّاسُ فَوَجَدُوهَا كَمَا قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ».

قَالَ : ثُمَّ قَالَ : «ائْتِ عَامِلَ الْمَدِينَةِ ، فَتَنَجَّزْ مِنْهُ مَا وَعَدَكَ ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ دَعَاكَ اللّهُ إِلَيْهِ لَمْ تَطْلُبْهُ مِنْهُ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (فكانت في جُوالقي).

قال الفيروزآبادي: الجوالق _ بكسر الجيم واللّام، وضمّ الجيم وفتح اللّام، وكسرها _ : وعاء معروف.

الجمع: جوالق، كصحائف، وجواليق، وجوالقات(2).

(فلمّا انتهت إلى الحفيرة).

قيل: هي موضع بين ذي الحليفة ومكّة، يسلكه الحاج(3).

وفي القاموس: «الحفيرة: مصغّرة، موضع بالعراق»(4).

(شُقّ جوالقي) على صيغة المجهول، من الشقّ، بمعنى الصّدع.

(وذُهب بجميع ما فيه).

يحتمل كون «ذهب» على البناء للمفعول، ويحتمل كونه على البناء للفاعل والمستتر فيه راجعا إلى الشقّ، أو على الجوالق مجازا.

(ووافقت عامل المدينة بها) أي في الحضيرة.

وفي القاموس: «وافقت فلانا: صادفته»(5).

ص: 187


1- . في بعض نسخ الكافي والوافي: - «يا»
2- القاموس المحيط، ج 3، ص 218 (جلق)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 296
4- القاموس المحيط، ج 2، ص 12 (حفر)
5- القاموس المحيط، ج 3، ص 290 (وفق) مع التلخيص

وفي بعض النسخ: «واقفت» بتقديم القاف على الفاء. قال في القاموس: «المواقفة: أن تقف معه ويقف معك في حرب أو خصومة. وواقفته على كذا واستوقفته: سألته الوقوف عليه»(1) (فقال: أنت الذي شُقّت زاملتك، وذُهب بمتاعك). قال الجوهري: «الزاملة: بعير يستظهر به الرجل يحمل متاعه وطعامه عليه»(2). والمراد بها هنا الجوالق مجازا، تسميته لأحد المجاورين باسم صاحبه.

(فقال: ما أعطاك اللّه خيرٌ ممّا اُخذ منك).

لعلّ المراد بما أعطاه اللّه دين الحقّ وولاية أهل البيت عليهم السلام .

وقيل: أو الثواب في الآخرة، أو ما يعطيك عامل المدينة باعتبار أنّه أكثر على احتمال بعيد، وفيه تسلية وترغيب له في الشكر(3).

(ملفوف خِطامها بشجرة كذا وكذا).

اللّفّ: ضدّ النشر.

وخِطام _ ككتاب _ : الزمام، وهو الخيط الذي يشدّ في البُرَة، (4) ثمّ يشدّ في طرفه المِقود، وقد سمّي المقود زماما.

(وقال: يا أيّها الناس، أكثرتم عليَّ في ناقتي).

يُقال: أكثر فلان: أي أتى بكثير. والمراد هنا الإكثار من القول، وهو قولهم: (يخبرنا من السماء) إلى آخره.

(ألا وما أعطاني اللّه ) من النبوّة، وما يتبعها من العلم والكمال.

(خيرٌ ممّا اُخذ منّي) من الناقة، أو أعمّ منها.

(فابتدرها الناس).

يُقال: ابتدره، أي عاجله، وتسارع إلى أخذه.

ص: 188


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 206 (وقف). وفيه: - «عليه»
2- الصحاح، ج 4، ص 1718 (زمل)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 296
4- . البُرَة: الحلقةُ في أنف البعير. لسان العرب، ج 14، ص 71 (بري)

(ثمّ قال: انتِ عامل المدينة، فتنجّز منه ما وعدك).

«تنجّز» بصيغة الأمر. قال الفيروزآبادي: «استنجز حاجته، وتنجّزها: استنجحها. والعدّة: سأل إنجازها»(1).

وقال في المصباح: «تنجّز فلان حاجته: إذا طلب قضاءها ممّن وعده إيّاها»(2).

(فإنّما هو شيء دعاك اللّه إليه).

هو من الدعوة إلى الطعام.

(لم تطلبه منه) أي يسّره اللّه ، وساقه إليك من غير طلبك إيّاه.

متن الحديث التاسع والسبعين والمائتين

اشارة

سَهْلٌ (3) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ شُعَيْبٍ الْعَقَرْقُوفِيِّ (4). ، قَالَ :

قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : شَيْءٌ يُرْوى عَنْ أَبِي ذَرٍّ _ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ _ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : ثَلَاثٌ يُبْغِضُهَا النَّاسُ وَأَنَا أُحِبُّهَا : أُحِبُّ الْمَوْتَ ، وَأُحِبُّ الْفَقْرَ ، وَأُحِبُّ الْبَلَاءَ .

فَقَالَ : «إِنَّ هذَا لَيْسَ عَلى مَا يَرْوُونَ (5) ، إِنَّمَا عَنَى الْمَوْتُ فِي طَاعَةِ اللّهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الْحَيَاةِ فِي مَعْصِيَةِ اللّهِ ، وَالْبَلَاءُ فِي طَاعَةِ اللّهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الصِّحَّةِ فِي مَعْصِيَةِ اللّهِ ، وَالْفَقْرُ فِي طَاعَةِ اللّهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الْغِنى فِي مَعْصِيَةِ اللّهِ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (ثلاث يبغضها الناس وأنا اُحبّها).

في القاموس: البغض _ بالضمّ _ : ضدّ الحبّ. والبِغضة _ بالكسر _ والبغضاء: شدّته. وبغض _ ككرم، ونصر، وفرح _ وأبغضه، ويبغضني _ بالضمّ لغة رديئة، وأبغضوه: مقتوه(6).

ص: 189


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 193 (نجز)
2- المصباح المنير، ص 595 (نجز) مع اختلاف في اللفظ
3- . السند معلّق على سابقه، ويروي عن سهل عدّة من أصحابنا
4- . في الطبعة القديمة: «العقرقوقي»
5- . في أكثر النسخ الكافي والوافي: «ما تروون»
6- القاموس المحيط، ج 2، ص 325 (بغض)

وقال الجوهري: الحُبّ: المحبّة. وكذلك الحِبّ بالكسر. يُقال: أحبّه فهو محبّ. وحبّه يحبّه _ بالكسر _ فهو محبوب. وهذا شاذّ؛ لأنّه لا يأتي في المضاعف «يفعل» بالكسر إلّا ويشركه «يفعلُ» بالضمّ إذا كان متعدّيا، ما عدا هذا الحرف(1).

(فقال: إنّ هذا ليس على ما يروون).

هذا الكلام يحتمل وجهين:

أحدهما: أنّ أبا ذرّ لم يقل كذلك، وهم يحرّفون قوله عن وجهه، ولا يروونه كما قال.

وثانيهما: أنّه قال، ولكنّهم لم يفهموا غرضه من ذلك، ويبقونه على إطلاقه.

ويؤيّد الثاني قوله عليه السلام : (إنّما عنى) إلى آخره.

متن الحديث الثمانين والمائتين

اشارة

سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ (2) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى الْقَمَّاطِ ، عَنْ عَمِّهِ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ : «هَبَطَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام عَلى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله كَئِيبٌ حَزِينٌ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللّهِ ، مَا لِي أَرَاكَ كَئِيبا حَزِينا؟

فَقَالَ : إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا .

قَالَ : وَمَا الَّذِي رَأَيْتَ؟

قَالَ : رَأَيْتُ بَنِي أُمَيَّةَ يَصْعَدُونَ الْمَنَابِرَ ، وَيَنْزِلُونَ مِنْهَا .

قَالَ (3). : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيّا (4). مَا عَلِمْتُ بِشَيْءٍ مِنْ هذَا .

وَصَعِدَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام إِلَى السَّمَاءِ ، ثُمَّ أَهْبَطَهُ اللّهُ _ جَلَّ ذِكْرُهُ _ بِآيٍ مِنَ الْقُرْآنِ يُعَزِّيهِ بِهَا : قَوْلِهِ : «أَ فَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ * ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ» (5) وَأَنْزَلَ اللّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ : «إِنّا أَنْزَلْناهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» (6). لِلْقَوْمِ ، فَجَعَلَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لِرَسُولِهِ (7) خَيْرا مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» .

ص: 190


1- الصحاح، ج 1، ص 105 (حبب)
2- . السند معلّق كسابقه
3- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «فقال»
4- . في بعض نسخ الكافي: - «نبيّا»
5- . الشعراء (26): 205 _ 207
6- . القدر (97): 1 _ 3
7- . في بعض نسخ الكافي: - «لرسوله»

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (ورسول اللّه صلى الله عليه و آله كئيب حزين).

قال الجوهري: الكآبة: سوء الحال، والإنكسار من الحزن. وقد كئب الرجل يكأب [كأبة و] كآبة، مثل رأفة ورآفة، ونشأة ونشاءة، فهو كئيب(1).

(ثمّ أهبط اللّه _ جلّ ذكره _ بآي من القرآن).

قال في القاموس: «الآية: العلامة، والشخص، وزنها: فعلة بالفتح، أو فعلة محرّكة، أو فاعلة. الجمع: آيات، وآي. [و] من القرآن: كلام متّصل على انقطاعه»(2).

(يعزّيه بها) أي يسلّيه بتلك الآي، ويحمله على الصبر.

وفي القاموس: «العزاء: الصبر. عزى _ كرضى _ عزاء، وعزّاه تعزية»(3).

قوله: «آي» وهي قوله تعالى، ويحتمل كونه بالجرّ على البدليّة من الآي.

«أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ» .

قيل: أي تركناهم ينتفعون، أو أبقيناهم وعمّرناهم(4).

قال في القاموس: «أمتعه اللّه بكذا: أبقاه، وأنشأه إلى أن ينتهي شبابه، كمتّعه»(5).

«ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ» .

قيل: هو قيام الساعة(6). وقيل: الإهلاك والاستيصال والعقاب(7). وفسّر في بعض الأخبار بقيام القائم عليه السلام (8).

«مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ» .

ص: 191


1- الصحاح، ج 1، ص 207 (كأب)
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 301 (أوى) مع التلخيص
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 362 (عزى) مع التلخيص
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 297
5- القاموس المحيط، ج 3، ص 83 (متع)
6- نقله العلّامة المجلسي رحمه الله عن الأكثر في مرآة العقول، ج 26، ص 148
7- ذهب إليه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 297
8- راجع: البرهان، ج 4، ص 185، ح 7940

قال البيضاوي: «أي لم يُغن [عنهم] تمتّعهم المتطاول في دفع العذاب وتخفيفه»(1).

وقال الجوهري: «أغنيت عنك مُغنى فلان، أي أجزأت عنك مُجْزأه. ويُقال: ما يُغني عنك هذا، أي ما يجزئ عنك، وما ينفعك»(2).

(وأنزل اللّه جلَّ ذكره) أيضا في تسليته صلى الله عليه و آله .

«إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ» .

قال البيضاوي: الضمير [للقرآن] فخّمه بإضماره من غير ذكر شهادة له بالنباهة المغنية عن التصريح، كما عظّمه بأن أسند نزوله إليه، وعظّم الوقت الذي أُنزل فيه بقوله: «وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» وإنزاله فيها بأن ابتدأ بإنزاله فيها، أو أنزله جملة من اللّوح إلى السماء الدُّنيا على السفرة، ثمّ كان جبرئيل عليه السلام ينزل على رسول اللّه صلى الله عليه و آله نجوما، وتسميتها بذلك لشرفها، أو لتقدير الاُمور فيها؛ لقوله تعالى: «فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ» (3). وذكر الألف إمّا للتكثير، أو لما روي أنّه عليه السلام ذكر إسرائيليّا لبس السلاح في سبيل اللّه ألف شهر، فتعجّب المؤمنون، وتقاصرت إليهم أعمالهم، فأعطوا ليلة القدر، وهي خيرٌ من مدّة ذلك الغازي، انتهى(4).

ويفهم من بعض الأخبار أنّ العبادة فيها خيرٌ من العبادة في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر(5).

والظاهر أنّ قوله عليه السلام : «للقوم» صفة لألف شهر، والمراد بالقوم حينئذٍ بنو اُميّة، وبألف شهر مدّة ملكهم. ويحتمل بعيدا تعلّق الظرف بخير، وحمل القوم على المؤمنين.

(فجعل اللّه _ عزّ وجلّ _ ليلة القدر [لرسوله] خيرا من ألف شهر).

قال بعض الأفاضل: يحتمل أن يكون المراد من هذا الخبر أنّ اللّه تعالى سلب فضل ليلة القدر في مدّة ملك بني اُميّة عن العالمين، كما هو ظاهر خبر الصحيفة، فعبادة ليلة القدر أفضل من

ص: 192


1- تفسير البيضاوي، ج 4، ص 254
2- الصحاح، ج 6، ص 2449 (غنى) مع التلخيص
3- . الدخان (44): 4
4- تفسير البيضاوي، ج 5، ص 514، مع التلخيص واختلاف يسير في اللفظ
5- اُنظر: الكافي، ج 5، ص248، ح 4

عبادة تلك المدّة؛ لعدم كون ليلة القدر فيها.

أو أنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ سلب فضلها عن بني اُميّة، فالمراد بالعبادة العبادة التقديريّة، لعدم صحّة عبادتهم؛ أي لو كانت مقبولة، لكانت عبادة ليلة القدر أفضل منها؛ لسلب فضيلة ليلة القدر عنهم. أو المراد أنّ الثواب الذي يمنحه اللّه على العمل فيها خيرٌ من سلطنة بني اُميّة وشوكتهم واقتدارهم في تلك المدّة.

فإن قلت: فعلى هذا، لا يظهر فضل كثير لليلة القدر؛ إذ كلّ ثواب من المثوبات الاُخرويّة _ وإن كانت قليلة لبقائها وأبديّتها _ خيرٌ من جميع الدُّنيا وما فيها؟

قلت: المراد على هذا: أنّ ثواب ليلة القدر بالنظر إلى سائر المثوبات الاُخرويّة أشدّ امتيازا وعلوّا من شوكتهم وملكهم بالنظر إلى ملك الدُّنيا وعزّها(1).

متن الحديث الواحد والثمانين والمائتين

اشارة

سَهْلٌ (2) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلى ، قَالَ :

سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» (3) قَالَ : «فِتْنَةٌ فِي دِينِهِ ، أَوْ جِرَاحَةٌ لَا يَأْجُرُهُ اللّهُ عَلَيْهَا» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله تعالى في سورة النور: «فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ» .

قال البيضاوي:

أي يخالفون أمره بترك مقتضاه، ويذهبون سَمتا خلاف سمته، وتعديته ب«عن» لتضمّنه معنى الإعراض، أو يصدّون عن أمره دون المؤمنين، من: خالفه عن الأمر: إذا صدّ عنه دونه، وحذف المفعول؛ لأنّ المقصود بيان المخالف والمخالف عنه، والضمير للّه ؛ فإنّ الأمر له في الحقيقة، أو للرسول؛ فإنّه المقصود بالذِّكر.

«أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ» : محنة في الدُّنيا.

«أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» في الآخرة. انتهى(4).

ص: 193


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 150، مع اختلاف يسير في اللفظ
2- . السند معلّق كسابقه
3- . النور (24): 63
4- تفسير البيضاوي، ج 4، ص 204 مع اختلاف يسير في اللفظ

وقال الفيروزآبادي: «العذاب: النكال»(1).

وقال: «نكّل به تنكيلاً: صنع به صنيعا يحذر غيره. والنكال: ما نكلت به غيرك كائنا ما كان»(2).

وقال الشيخ الطبرسي رحمه الله: «المراد بالفتنة هنا بليّة تظهر ما في قلوبهم من النفاق. وقيل: عقوبة الدُّنيا»(3).

(قال: فتنة في دينه).

في القاموس: الفتنة _ بالكسر _ : الخِبْرَة، والضلال، والإثم، والكفر، والفضيحة، والعذاب، وإذابة الذهب، والفضّة، والإضلال، والجنون، والمحنة، واختلاف الناس في الآراء(4).

(أو جراحة) بكسر الجيم.

(لا يأجره اللّه عليها).

الأجر: الجزاء على العمل، والذِّكر الحسن. وفعله كسفر.

والظاهر أنّ هذه الفقرة تفسير للعذاب، مع احتمال كونها تفسيرا للفتنة أيضا.

وقيل: لعلّ ذكر الفتنة في الدِّين والجراحة من باب التمثيل(5).

متن الحديث الثاني والثمانين والمائتين

اشارة

سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ (6) ، عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلى ، قَالَ :

قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : إِنَّ شِيعَتَكَ قَدْ تَبَاغَضُوا وَشَنِئَ بَعْضُهُمْ بَعْضا ، فَلَوْ نَظَرْتَ _ جُعِلْتُ فِدَاكَ _ فِي أَمْرِهِمْ .

فَقَالَ : «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَكْتُبَ كِتَابا لَا يَخْتَلِفُ عَلَيَّ مِنْهُمُ اثْنَانِ» .

قَالَ : فَقُلْتُ : مَا كُنَّا قَطُّ أَحْوَجَ إِلى ذلِكَ مِنَّا الْيَوْمَ .

ص: 194


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 102 (عذب)
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 60 (نكل) مع التلخيص
3- مجمع البيان، ج 7، ص 277 (مع اختلاف يسير في اللفظ)
4- القاموس المحيط، ج 4، ص 255 (فتن) مع التلخيص
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 298
6- . السند معلق كسابقة

قَالَ : ثُمَّ قَالَ : «أَنّى (1) هذَا وَمَرْوَانُ وَابْنُ ذَرًّ» .

قَالَ : فَظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ مَنَعَنِي ذلِكَ ، قَالَ : فَقُمْتُ مِنْ عِنْدِهِ ، فَدَخَلْتُ عَلى إِسْمَاعِيلَ ، فَقُلْتُ : يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ، إِنِّي ذَكَرْتُ لِأَبِيكَ اخْتِلَافَ شِيعَتِهِ وَتَبَاغُضَهُمْ ، فَقَالَ : «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَكْتُبَ كِتَابا لَا يَخْتَلِفُ عَلَيَّ مِنْهُمُ اثْنَانِ» قَالَ : فَقَالَ مَا قَالَ مَرْوَانُ وَابْنُ ذَرٍّ؟ قُلْتُ : بَلى ، قَالَ : يَا عَبْدَ الْأَعْلى ، إِنَّ لَكُمْ عَلَيْنَا لَحَقّا كَحَقِّنَا عَلَيْكُمْ ، وَاللّهِ مَا أَنْتُمْ إِلَيْنَا بِحُقُوقِنَا أَسْرَعَ مِنَّا إِلَيْكُمْ، ثُمَّ قَالَ : سَأَنْظُرُ ، ثُمَّ قَالَ : يَا عَبْدَ الْأَعْلى ، مَا عَلى قَوْمٍ إِذَا كَانَ أَمْرُهُمْ أَمْرا وَاحِدا مُتَوَجِّهِينَ إِلى رَجُلٍ وَاحِدٍ يَأْخُذُونَ عَنْهُ أَلَا يَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ ، وَيُسْنِدُوا أَمْرَهُمْ إِلَيْهِ ، يَا عَبْدَ الْأَعْلى ، إِنَّهُ لَيْسَ يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ _ وَقَدْ (2).

سَبَقَهُ أَخُوهُ إِلى دَرَجَةٍ مِنْ دَرَجَاتِ الْجَنَّةِ _ أَنْ يَجْذِبَهُ عَنْ مَكَانِهِ الَّذِي هُوَ بِهِ ، وَلَا يَنْبَغِي لِهذَا الْاخَرِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَدْفَعَ فِي صَدْرِ الَّذِي لَمْ يَلْحَقْ بِهِ ، وَلكِنْ يَسْتَلْحِقُ إِلَيْهِ وَيَسْتَغْفِرُ اللّهَ .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (إنّ شيعتك قد تباغضوا وشَنى ء بعضهم بعضا).

شنأه _ كمنعه، وسمعه _ : أبغضه. والعطف للتفسير.

(فلو نظرت _ جعلت فداك _ في أمرهم).

في القاموس: «النظر _ محرّكة _ : الفكر في الشيء يقدّره ويقيسه، والحكم بين القوم، والإعانة، والفعل كنصر»(3).

وكلمة «لو» للتمنّي، أو للشرط، والجزاء محذوف.

(فقال: لقد هممتُ) أي قصدت.

(أن أكتب) إليهم (كتابا).

الكتاب: ما يكتب فيه، والصحيفة، والحكم.

(لا يختلف عليَّ منهم) أي من الشيعة. والاختلاف: ضدّ الاتّفاق.

(اثنان).

ص: 195


1- . في أكثر نسخ الكافي: «أيّ»
2- . في بعض نسخ الكافي: «قد» بدون الواو
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 144 (نظر) مع اختلاف يسير في اللفظ

لعلّ ذكر الاثنين لكونهما أقلّ عدد يصلح محلّاً للتنازع، فيكون كناية عن رفع الاختلاف والتنازع رأسا.

(قال: قلت: ما كنّا قطّ).

في القاموس: ما رأيته قطّ _ ويضمّ، ويخفّفان _ وقطّ مشدّدة مجرورة بمعنى الدهر، مخصوص بالماضي، [أي] فيما مضى من الزمان، أو فيما انقطع من عمري(1).

(أحوج إلى ذلك) إشارة إلى رفع الاختلاف، أو إلى المكاتبة لذلك.

(منّا اليوم)؛ لكثرة الاختلاف في ذلك الوقت وشدّته، وكونه منشأً للفتنة على زعمه.

(قال) عبد الأعلى.

(ثمّ قال) أبو عبداللّه عليه السلام : (أيّ (2) هذا) بتشديد الياء، أو بتخفيفها على أن يكون حرف النداء.

وفي بعض النسخ: «أنّى هذا».

(مروان (3) ) في بعض النسخ: «ومروان» بالواو، ولعلّهما للحال، أي والحال أنّ مروان.

(وابن ذرّ) موجودان.

وفي بعض النسخ: «وأبي ذرّ». وفي بعضها: «وأبو ذرّ».

قال بعض الأفاضل: فحينئذٍ يحتمل أن يكون المراد: أنّ مع غلبة أهل الجور والكفر لا ينفع الكتاب، ألم تسمع قصّة أبي ذرّ حيث طرده عثمان، وكان ممّن يحبّه اللّه ورسوله، ومروان حيث آواه وكان هو وأبوه طريدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فإذا خُولف الرسول صلى الله عليه و آله في مثل ذلك ولم ينكر، فكيف يطيعوني؟ (4).

أقول: لعلّ المراد: أنّى يمكن هذا الكتاب مع وجود مروان وابن ذرّ؟ أي لا ينفع هذا في رفع منازعتهما واختلافهما.

والظاهر أنّ المراد بهما رجلان من أصحابه عليه السلام ، وكان بينهما خصومة ومنازعة شديدة في فهم المسائل وحلّها، فأخبر عليه السلام أنّ الكتاب لا يرفع الاختلاف الذي منشأه سوء الفهم أو النفسانيّة.

ص: 196


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 380 (قطط)
2- . في المتن الذي ضبطه المصنّف رحمه الله سابقا: «أنّى»
3- . في المتن الذي ضبطه المصنّف رحمه الله سابقا: «ومروان»
4- . قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 151

ويمكن أن يكون المراد بابن ذرّ، عمرو بن ذرّ القاضي العامّي، وقد روي أنّه دخل على الصادق عليه السلام وناظره، (1) فيكون المراد حينئذٍ: أنّ هذا لا يمكن أن يكون سببا لرفع النزاع بين الأصحاب والمخالفين، بل يصير النزاع بذلك أشدّ، ويصير سببا لتضرّر الشيعة بذلك.

أقول: فيه نظر؛ لأنّ صدر الحديث صريح في أنّ المقصود رفع الاختلاف من بين الشيعة، لا من بينهم وبين المخالفين.

ويحتمل أن يكون الإمام عليه السلام يتّقي من هذين الرجلين.

وبالجملة اعتذر عليه السلام ممّا سأله عبد الأعلى. ومنعه من هذا السؤال مرّةً اُخرى، كما يدلّ عليه قوله: (قال: فظننتُ أنّه قد منعني ذلك) السؤال، أو إجابته.

(قال) عبد الأعلى: (فقمتُ من عنده عليه السلام ) بعد اليأس، وعدم الظفر بالحاجة.

(فدخلتُ على إسماعيل) بن الصادق عليه السلام .

(فقلت: يا أبا محمّد) إلى قوله: (قال فقال).

الظاهر أنّ فاعل الأوّل عبد الأعلى، وفاعل الثاني إسماعيل.

(ما قال مروان وابن ذرّ).

في بعض النسخ: «وأبي ذرّ». وفي بعضها: «وأبو ذرّ».

وكلمة «ما» للنفي بتقدير الاستفهام، أي قال عبد الأعلى: (فقال) لي إسماعيل بعدما ذكرت له ما جرى بيني وبين أبيه عليه السلام إلى قوله: (لا يختلف عليَّ منهم اثنان)، أما قال أبي في جوابك قصّة مروان وابن ذرّ؟ (قلت: بلى) يكون.

قوله: (يا عبد الأعلى) إلى آخر الحديث، من كلام إسماعيل.

وقال بعض الأفاضل:

إنّ فاعل «قال» في قوله «قال: فقال» عبد الأعلى، وفاعل «فقال» الصادق عليه السلام ، أي قال عبد الأعلى: فقال الصادق عليه السلام .

وذكر ما جرى بين مروان وابن ذرّ من المخاصمة، فصدّقه الراوي على ذلك، وقال:

ص: 197


1- . اُنظر: الكافي، ج 2، ص 285، ح 22

بلى جرى بينهما ذلك، وهذا يحتمل أن يكون في وقت آخر أتاه عليه السلام ، أو في هذا الوقت الذي كان يكلّم إسماعيل سمع عليه السلام كلامه، فأجابه. انتهى(1).

وأنت خبير بأنّ هذا الاحتمال بعيد من سياق الكلام غاية البُعد.

وقال الفاضل الإسترآبادي: في بعض النسخ: «وأبو ذرّ» في الموضعين. وفي العبارة سهو، وكان قصده عليه السلام من ذكر ما قال مروان وأبو ذرّ أنّ المسلمين ليسوا بسواء، وأنّ درجات أصحابنا ومراتب أذهانهم متفاوتة، وكلٌّ ميسّر لما خُلق له، فينبغي أن يعمل كلّ بما أخذه، ولا ينبغي أن يخاصم بعضهم بعضا في الفتاوى، وربّما يكون الأصلح في حقّ بعض أن يعمل بالتقيّة، فأفتاه الإمام بالتقيّة دون بعض، فأفتاه الإمام بالحقّ، وربّما يصل ذهن بعضهم إلى الدقائق الكلاميّة المسموعة من الإمام دون بعض، فلا ينبغي أن يحمل على شيء أحد لا يقدر عليه(2).

(إنّ لكم علينا لحقّا).

هو النصيحة والدلالة على ما فيه صلاحكم من اُمور الدِّين والدُّنيا، والعدل في الأحكام، وغيرها.

(كحقّنا عليكم) من الانقياد، والأخذ، والقبول، والتسليم، والرِّضا، ومعرفة الإمام.

(واللّه ما أنتم إلينا) متعلّق بقوله: أسرع (بحقوقنا)؛ أي برعايتها وأدائها.

(أسرع منّا) في رعاية الحقوق وأدائها.

(إليكم)؛ يعني إنّ اهتمامنا بذلك أشدّ وأكثر. فعلم منه أنّ منع الكتاب إنّما هو لمانع منه.

(ثمّ قال) إسماعيل، (سأنظر) فيما سألت من أمر الكتاب.

وقوله: «وأشاور معه عليه السلام ، فلعلّه يكتب أيّ رأي فيه صلاحا» (3). ليس في كثير من النسخ.

وعلى هذه النسخة، يسقط الاحتمال الذي نقلناه سابقا عن بعض الأفاضل من إرجاع الضمير، «فقال» أي الصادق عليه السلام ، فتأمّل.

(ثمّ قال) أبي عبداللّه : (يا عبد الأعلى، ما على قوم) كلمة «ما» استفهاميّة، تتضمّن نوع

ص: 198


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 151 (مع اختلاف في اللفظ)
2- نقله عنه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 151 و 152
3- . لم يضبط هذه العبارة في المتن الذي كتبه سابقا

شكاية من الشيعة على سبيل اللّوم والتوبيخ والتعجّب.

(إذا كان أمرهم أمرا واحدا)؛ يعني كانوا متّفقين على دين واحد.

(متوجّهين إلى رجلٍ واحد).

هو الإمام الحقّ الذي (يأخذون عنه) دينهم بعدما كان يدعوهم إليه.

(أن لا يختلفوا عليه).

فيما يأخذون عنه؛ بل يعمل كلٌّ منهم بما يأخذ عنه، ولم ينكر على الآخر على ما في يده، وإن كان مخالفا لما في يد الأوّل بحسب الظاهر؛ فإنّه ربّما كان له وجوه ومحامل لا يبلغ إليها فهمه.

(ويسندوا أمرهم إليه).

الإسناد في الحديث: رفعه إلى قائله، ونسبته إليه؛ أي يسند كلّ منهم أمره إلى إمامه، ولا يتعرّض له الآخر لا يردّه.

(يا عبد الأعلى، إنّه ليس ينبغي للمؤمن).

لعلّ المراد أنّ اختلافهم لما كان بسبب اختلاف درجاتهم، وهم يكلِّمون الناس على قدر عقولهم، فلا ينبغي للمؤمن الناقص، والحال أنّه (قد سبقه أخوه) الكامل (إلى درجة من درجات الجنّة) التي هي مسبّبة من درجات الفضل والكمال والعلم والعمل.

(أن يجذبه عن مكانه الذي هو به) أي يكلّفه بأن يعتقد ويعمل على وفق فهمه الناقص؛ فإنّ هذا التكليف بمنزلة جذبه عن مكانه، ودفعه عن المرتبة الكاملة إلى المرتبة الناقصة.

(ولا ينبغي لهذا الآخر الذي لم يبلغ) على البناء للمفعول من الإبلاغ، أو من البلوغ. أي الذي كان بحيث لم يبلغ إليه أخوه، ولم ينل درجته بعدُ.

ويحتمل كونه على البناء للفاعل من البلوغ، أي الذي لم يبلغ إلى غاية درجات الكمال، وإن كان سابقا على الآخر. ففيه إيماء بأنّه أيضا ناقص بالنسبة إلى من سبقه، فينبغي أن يكون معاملته مع من هو دونه بما يجب أن يعامل معه من هو فوقه، فلا ينبغي له (أن يدفع في صدر الذي لم يلحق به) بعد، بأن يمنعه عن الوصول إليه؛ إمّا بأن يترك إعانته وإرشاده إلى طريق الوصول إلى ذلك المكان الذي هو فيه، أو بتكليفه الصعود إليه دفعة مع عدم أسبابه ومقدّماته؛ فإنّ هذا التكليف ربما يوجب إنكار تلك المرتبة بالنسبة إلى الناقص؛ لعدم تمكّنه

ص: 199

من فهمها وإدراكها، فيصير سببا لحرمانه منها، فكأنّه دفع في صدره، ومنعه عن الوصول إليه.

(ولكن يستلحق إليه) أي يجتهد في طلب لحوق الآخر إليه بالرّفق واللّطف والمداراة والهداية إلى أسباب اللّحوق والوصول، لا بالخرق والعنف والمناقشة.

(ويستغفر اللّه ) لنفسه ولأخيه.

أمّا الأوّل فلأنّ استغفاره شاهد صدق على أنّه لا يبرئ نفسه من العيوب والنقص والتقصير، وإن بلغ درجة الكمال.

وأمّا الثاني فلأنّ استغفاره له ربما يصير سببا لبلوغه إلى تلك المرتبة، بل إلى ما فوقها.

ويحتمل أن يُراد باستغفاره لأخيه سعيه في تحصيل ما يوجب المغفرة له.

هذا وحمل بعض الشارحين قوله: «أن لا يختلفوا» على الاختلاف فيما بينهم بالتباغض والتحاسد، وقوله: «أن يسندوا أمرهم إليه» على عدم التجاوز عمّا أراد منهم من التعاون وترك التباغض والتناقض، وقوله: «أن يجذبه عن مكانه الذي هو به» بأن ينقص حقّه من التعليم والتوفير، وينكر فضله ويحسده ويبغضه، وقوله: «أن يدفع في صدره» بأن يذمّه ويلومه ويعيّره ولا يعينه.

ثمّ قال: والغرض أنّه ينبغي لكلّ واحدٍ أن يعرف حقّ الآخر، فالمفضول يقرّ بفضل الأفضل، والأفضل يعين المفضول ويسعى في ترقّيه حتّى يستقرّ بالهم وينتظم حالهم، انتهى(1) فتأمّل.

متن الحديث الثالث والثمانين والمائتين

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْكَابُلِيِّ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «ضَرَبَ اللّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَما لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا» (2) قَالَ : «أَمَّا الَّذِي فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ ، فَلِأَنَّ الْأَوَّلَ يَجْمَعُ الْمُتَفَرِّقُونَ وَلَايَتَهُ ، وَهُمْ فِي ذلِكَ يَلْعَنُ بَعْضُهُمْ بَعْضا ، وَيَبْرَأُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ، فَأَمَّا رَجُلٌ سَلَمٌ لِرَجُلٍ (3) ، فَإِنَّهُ الْأَوَّلُ حَقّا وَشِيعَتُهُ» .

ص: 200


1- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 299، مع اختلاف في اللفظ
2- . الزمر (39): 29
3- . في الطبعة القديمة: «رجل»

ثُمَّ قَالَ : «إِنَّ الْيَهُودَ تَفَرَّقُوا مِنْ بَعْدِ مُوسى عليه السلام عَلى إِحْدى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، مِنْهَا فِرْقَةٌ (1) فِي الْجَنَّةِ ، وَسَبْعُونَ فِرْقَةً فِي النَّارِ ، وَتَفَرَّقَتِ النَّصَارى بَعْدَ عِيسى عليه السلام عَلَى (2) اثْنَتَيْنِ (3) وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، فِرْقَةٌ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ ، وَإِحْدى وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ ، وَتَفَرَّقَتْ هذِهِ الْأُمَّةُ بَعْدَ نَبِيِّهَا صلى الله عليه و آله عَلى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، اثْنَتَانِ (4) وَسَبْعُونَ فِرْقَةً فِي النَّارِ ، وَفِرْقَةٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَمِنَ الثَّلَاثِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ثَلَاثَ عَشْرَةَ فِرْقَةً تَنْتَحِلُ وَلَايَتَنَا وَمَوَدَّتَنَا ، اثْنَتَا عَشْرَةَ فِرْقَةً مِنْهَا فِي النَّارِ ، وَفِرْقَةٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَ سِتُّونَ فِرْقَةً مِنْ سَائِرِ النَّاسِ فِي النَّارِ» .

شرح الحديث

السند مجهول كالحسن.

قوله تعالى في سورة الزمر: «ضَرَبَ اللّه ُ مَثَلاً» .

قال الجوهري: «وضرب اللّه مثلاً: أي وصف، وبيّن»(5).

وفي القاموس: «المثل _ محرّكة _ : الحجّة، والحديث، والصِّفة»(6).

«رَجُلاً» .

قال البيضاوي: هو بدل من «مثلاً»، وهذا مثل للمشرك والموحّد.

«فِيهِ» صلة.

«شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ» ؛ التشاكس: الاختلاف.

«وَرَجُلاً سَلَما لِرَجُلٍ» ؛ مثل المشترك ما يقتضيه مذهبه من أن يدّعي كلّ من معبود عبوديّته، ويتنازعون فيه بعبد يتشارك فيه جمع يتجاذبونه ويتعاورونه في مهامّهم المختلفة في تخيّره، وتوزّع قلبه، وللموحّد بمن خلص لواحد ليس لغيره عليه سبيل.

وقرأ نافع وابن عامر والكوفيّون: «سَلَما» بفتحتين. وقرئ بفتح السين وكسرها مع

ص: 201


1- . في بعض نسخ الكافي: «فرقة منها»
2- . في بعض نسخ الكافي: - «على»
3- . في الطبعة القديمة وأكثر نسخ الكافي والوافي: «اثنين»
4- . في بعض نسخ الكافي: «اثنان»
5- الصحاح، ج 1، ص 168 (ضرب)
6- القاموس المحيط، ج 4، ص 49 (مثل)

سكون العين، وثلاثها مصادر «سلم» نعت بها، أو حذف منها ذا(1).

«هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً» أي صفة وحالاً، ونصب على التمييز، ولذلك وحدّه.

وقال الفيروزآبادي: «السلم _ بالكسر _ المسالم، والصلح. وبالتحريك: الاستسلام. وقال: سالَما: صالَحا»(2).

وقال الشيخ الطبرسي رحمه الله:

ضرب اللّه سبحانه مثلاً للكافر وعبادته للأصنام، فقال: «ضَرَبَ اللّه ُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ» ؛ أي مختلفون سيّئوا الأخلاق [متنازعون]، وإنّما ضرب هذا المثل لسائر المشركين، ولكنّه ذكر رجلاً واحدا وصفه بصفة موجودة في سائر المشركين، فيكون المثل المضروب له مضروبا لهم جميعا.

ويعني بقوله: «رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ» أي يعبدون آلهة مختلفة، وأصناما كثيرة، وهم متشاجرون متعاسرون، هذا يأمره وهذا ينهاه، ويريد كلّ واحد منهم أن يفرده بالخدمة، ثمّ يكل كلّ منهم أمره إلى الآخر، فيبقى هو خاليا عن المنافع، وهذا حال من يخدم جماعة مختلفة الآراء والأهواء.

هذا مثل الكافر، ثمّ ضرب مثل المؤمن الموحِّد، فقال: «وَرَجُلاً سَلَما لِرَجُلٍ» ؛ أي خالصا يعبد مالكا واحدا، لا يشوب بخدمته خدمة غيره، ولا يأمل سواه، ومن كان بهذه الصفة نال ثمرة خدمته، لا سيّما إذا كان المخدوم حكيما قادرا كريما.

وروى الحاكم أبو القاسم الحسكاني بالإسناد عن عليّ عليه السلام بأنّه قال: «أنا ذلك الرجل السلم لرسول اللّه صلى الله عليه و آله »(3). وروى العيّاشي بإسناده عن أبي خالد، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال الرجل: «السّلم للرجل عليّ حقّا وشيعته (4). »(5).

(قال: أمّا الذي) أي الرجل الذي، (فيه) أي في ذلك الرجل.

(شركاء متشاكسون، فلأنّ الأوّل)؛ يعني أبا بكر.

(يجمع المتفرّقون ولايته)؛ يعني أنّه لضلالته وعدم ابتناء طريقته على أصل، وعدم متابعته

ص: 202


1- نقل بالمعنى. اُنظر: تفسير البيضاوي، ج 5، ص 65 و 66
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 129 و 130 (سلم) مع التلخيص
3- عنه في بحار الأنوار، ج 24، ص 161، ح 10
4- لم نعثر على الرواية في تفسير العيّاشي. لكن روى عنه العلّامة رحمه الله في بحار الأنوار، ج 24، ص 161، ح 11
5- مجمع البيان، ج 8 ، ص 397 و 398 مع اختلاف يسير في اللفظ

لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ، اختلف المشركون في ولايته ومحبّته على أهواء مختلفة وآراء متشتّتة.

(وهم في ذلك) الجمع والتفرّق.

(يلعن بعضهم بعضا، ويبرأ بعضهم من بعض).

كما هو معروف من طريقة أهل الخلاف، واختلاف الأشاعرة والمعتزلة في الاُصول، وفقهائهم الأربعة في الفروع، بل في الاُصول أيضا، بحيث يبرأ كلّ منهم من معتقد الآخر، ومع ذلك يقولون كلّهم على الحقّ، وأنّهم جميعا من أهل الجنّة؛ وهل هذا إلّا الاعتراف بالجمع بين المتناقضات، كما لا يخفى على العارف المتدرّب بكتبهم الكلاميّة وغيرها؟!

وقيل: المراد أنّهم يوم القيامة يتبرّأ بعضهم من بعض، ويلعن بعضهم بعضا، حين رأوا ضلالتهم، وإحاطة العذاب بهم.

والحاصل أنّه عليه السلام فسّر رجلاً بأبي بكر، وشركاء بمواليه، والتشاكس بتلاعنهم، وتبرّأ بعضهم من بعض. وهذا التفسير إمّا من بطون الآية، أو لأنّها بإطلاقها، أو عمومها صادق عليهم، أو بيان لمورد نزولها، والغرض الأصلي منها، وكذا قوله عليه السلام : (فأمّا رجلٌ سلم لرجل، فإنّه الأوّل حقّا)؛ يعني أمير المؤمنين عليه السلام ؛ فإنّه الإمام الأوّل حقّا، وشيعته فإنّهم راضون عنه، مستسلمون له، وهو راضٍ عنهم.

وقال بعض الأفاضل:

هذا الرجل يحتمل وجهين؛ الأوّل: أن يكون المراد بالرجل الأوّل في قوله تعالى: «وَرَجُلاً سَلَما لِرَجُلٍ» أمير المؤمنين عليه السلام ، وبالرجل الثاني رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ويؤيّده ما مرّ من رواية الحاكم، فالمقابلة بين الرجل باعتبار أنّ المتشاكس بين الأتباع إنّما حصل لعدم كون متبوعهم سلما للرسول صلى الله عليه و آله ، ولم يأخذ عنه صلى الله عليه و آله . والثاني أن يكون المراد بالرجل الأوّل كلّ واحد من الشيعة، وبالرجل الثاني أمير المؤمنين عليه السلام ، والمعنى: أنّ الشيعة لكونهم سلما لإمامهم، لا منازعة بينهم في أصل الدِّين، فيكون قوله عليه السلام . «الأوّل حقّا» بيانا للرجل الثاني، وشيعته بيانا للرجل الأوّل، والمقابلة في الآية تكون بين رجل فيه شركاء، وبين الرجل الثاني من الرجلين المذكورين ثانيا. والأوّل أظهر في الخبر، والثاني أظهر في الآية(1).

ص: 203


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 154 و 155 (مع التلخيص واختلاف في اللفظ)

(ثمّ قال: إنّ اليهود تفرّقوا) إلى قوله عليه السلام : (تنتحل ولايتنا ومودّتنا) في القاموس: «انتحله وتنحّله: ادّعاه لنفسه، وهو لغيره»(1).

ولعلّ نسبة الانتحال إلى الجميع باعتبار التغليب، نظرا إلى أنّ أكثرهم يدّعون الولاية والمودّة من غير أن يكون له حقيقة، أو تقول: إنّ المراد بالانتحال هنا الادّعاء والانتساب مطلقا، كما أشار إليه بقوله: (اثنتا عشرة فرقة منها في النار، وفرقة في الجنّة). ولعلّ المراد بالفِرَق المنتحلين ما يعمّ الغُلاة، فتأمّل.

متن الحديث الرابع والثمانين والمائتين

اشارة

وَعَنْهُ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سِنَانٍ :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَمْ تَزَلْ دَوْلَةُ الْبَاطِلِ طَوِيلَةً ، وَدَوْلَةُ الْحَقِّ قَصِيرَةً» .

شرح الحديث

السند صحيح.

قوله عليه السلام : (لم تزل دولة الباطل طويلة، ودولة الحقّ قصيرة).

قيل: مدّة الباطل وإن كانت قصيرة، ومدّة الحقّ طويلة؛ فإنّ الباطل يزهق، والحقّ يبقى، لكن دولة الباطل و[هي] ظهوره وشيوعه بين الخلق أكثر من دولة الحقّ، وظهوره بينهم؛ لكثرة أهل الباطل، وقلّة أهل الحقّ، فيصير الباطل مشهورا بينهم، والحقّ مغمورا مستورا(2).

متن الحديث الخامس والثمانين والمائتين

اشارة

وَعَنْهُ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ يَعْقُوبَ السَّرَّاجِ ، قَالَ :

قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : مَتى فَرَجُ شِيعَتِكُمْ؟

قَالَ : فَقَالَ : «إِذَا اخْتَلَفَ وُلْدُ الْعَبَّاسِ ، وَوَهى سُلْطَانُهُمْ ، وَطَمِعَ فِيهِمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ يَطْمَعُ فِيهِمْ ، وَخَلَعَتِ الْعَرَبُ أَعِنَّتَهَا ، وَرَفَعَ كُلُّ ذِي صِيصِيَةٍ صِيصِيَتَهُ ، وَظَهَرَ الشَّامِيُّ ، وَأَقْبَلَ الْيَمَانِيُّ ، وَتَحَرَّكَ

ص: 204


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 55 (نحل)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 284

الْحَسَنِيُّ ، وَخَرَجَ صَاحِبُ هذَا الْأَمْرِ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلى مَكَّةَ بِتُرَاثِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله » .

فَقُلْتُ : مَا تُرَاثُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟

قَالَ : «سَيْفُ رَسُولِ اللّهِ وَدِرْعُهُ وَعِمَامَتُهُ وَبُرْدُهُ وَقَضِيبُهُ وَرَايَتُهُ وَلَامَتُهُ وَسَرْجُهُ حَتّى يَنْزِلَ مَكَّةَ ، فَيُخْرِجَ السَّيْفَ مِنْ غِمْدِهِ ، وَيَلْبَسَ الدِّرْعَ ، وَيَنْشُرَ الرَّايَةَ وَالْبُرْدَةَ وَالْعِمَامَةَ ، وَيَتَنَاوَلَ الْقَضِيبَ بِيَدِهِ ، وَيَسْتَأْذِنَ اللّهَ فِي ظُهُورِهِ ، فَيَطَّلِعُ عَلى ذلِكَ بَعْضُ مَوَالِيهِ ، فَيَأْتِي الْحَسَنِيَّ ، فَيُخْبِرُهُ الْخَبَرَ ، فَيَبْتَدِرُ الْحَسَنِيُّ إِلَى الْخُرُوجِ ، فَيَثِبُ عَلَيْهِ أَهْلُ مَكَّةَ ، فَيَقْتُلُونَهُ وَيَبْعَثُونَ بِرَأْسِهِ إِلَى الشَّامِيِّ ، فَيَظْهَرُ عِنْدَ ذلِكَ صَاحِبُ هذَا الْأَمْرِ ، فَيُبَايِعُهُ النَّاسُ وَيَتَّبِعُونَهُ ، وَيَبْعَثُ الشَّامِيُّ عِنْدَ ذلِكَ جَيْشا إِلَى الْمَدِينَةِ ، فَيُهْلِكُهُمُ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ دُونَهَا ، وَيَهْرُبُ (1) يَوْمَئِذٍ مَنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ مِنْ وُلْدِ عَلِيٍّ عليه السلام إِلى مَكَّةَ ، فَيَلْحَقُونَ بِصَاحِبِ هذَا الْأَمْرِ ، وَيُقْبِلُ صَاحِبُ هذَا الْأَمْرِ نَحْوَ الْعِرَاقِ ، وَيَبْعَثُ جَيْشا إِلَى الْمَدِينَةِ ، فَيَأْمَنُ أَهْلُهَا وَيَرْجِعُونَ إِلَيْهَا» .

شرح الحديث

السند صحيح على الأصحّ.

قوله: (متى فرج شيعتكم) أي بظهور القائم عليه السلام واستيلائه. والفرج _ بالتحريك _ : كشف الغمّ، كالتفريج، وفعله كضرب. وقيل: كنصر.

(قال: فقال: إذا اختلفت ولد العبّاس).

في القاموس: «اختلف: ضدّ اتّفق. وفلانا: صار خليفته(2).

وفي تاج اللغة: «الاختلاف: به نزد كسى آمد وشد كردن».

وقيل: المراد هنا المعنى الثاني، أو الأخير جاء بعضهم بعد بعض، وقام بأمر الإمارة والسلطنة(3) ويحتمل إرادة المعنى الأوّل.

(ووَهى سلطانهم).

قال الجوهري: «وَهَى الحائط: إذا ضعف، وهمَّ بالسقوط»(4).

ص: 205


1- . في بعض نسخ الكافي: «فتأمن»
2- القاموس المحيط، ج 3، ص 139 (خلف)
3- ذهب إليه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 301
4- الصحاح، ج 6، ص 2531 (وهي)

وقال الفيروزآبادي: «الوهَى: الشقّ في الشيء. وَهِيَ _ كوَعِيَ، ووَليَ _ : تخرّق، وانشقّ، واسترخى رباطه»(1).

وقال:

السلطان: الحجّة، وقدرة الملك، وتضمّ لامه. والوالي، مؤنّث؛ لأنّه جمع سليط للدهن، كأنّ به يضيئ المُلك، أو لأنّه بمعنى الحجّة. وقد يذكر ذهابا إلى معنى الرجل. والسلطان من كلّ شيء: شدّته(2).

(وطمع فيهم) أي في مملكتهم، وهدم دولتهم.

(من لم يكن يطمع فيهم).

وهو هلاكو.

(وخلعت العرب أعنّتها).

قال في القاموس: «الخلع _ كالمنع _ : النزع، إلّا أنّ في الخلع مهلة»(3).

وقال: «العنان _ ككتاب _ : سير اللِّجام الذي تمسك به الدابّة. الجمع: أعنّة»(4).

قيل: كان خلعها كناية عن الذلّ والانكسار والوحشة والفرار(5).

وقيل: كناية عن طغيانهم ومخالفتهم للسلطان(6).

وأقول: يحتمل قراءة «خُلِعَت» على صيغة المجهول، و«أعنّتها» بالرفع على كونها بدل الاشتمال من «العرب»، من قبيل: خلع عمرو ثوبه. أو بالنصب على الحذف والإيصال، ويكون كناية عن فقدان قائدهم وسائسهم، وزوال السلطنة والحكومة من بينهم، كما هو الواقع بعد انقراض ملك بني العبّاس.

(ورفع كلّ ذي صيصة صيصته).

قيل: أي أظهر كلّ ذي قوّة قوّته وقدرته(7).

ص: 206


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 402 (وهي)
2- القاموس المحيط، ج 2، ص 365 (سلط) مع التلخيص
3- القاموس المحيط، ج 3، ص 18 (خلع)
4- القاموس المحيط، ج 4، ص 249 (عنن)
5- ذهب إليه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 301
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 156
7- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 156 مع اختلاف يسير في اللفظ

وفي القاموس: الصيصة _ بالكسر _ : شوكة الحائك يسوّي بها السدي واللحمة، وشوكة الديك، وقرن البقر، والظبا، والحصن وكلّ ما امتنع به الجمع صياصي، والراعي الحسن القيام على ماله(1).

وقال الجوهري: «صياصي البقر: قرونها. وربما كانت تركّب في الرماح مكان الأسنّة»(2).

وفي النهاية:

فيه: أنّه ذكر فتنة في الأرض تكون في أقطارها، كأنّها صياصي بقر؛ أي قرونها، واحدها صيصة، شبّه الفتنة بها لشدّتها وصعوبتها. وكلّ شيء امتنع وتحصّن، فهو صيصية. ومنه قيل للحصون: الصياصي. وقيل: شبه الرّماح التي تشرع في الفتنة وما يشبهها من سائر السلاح بقرون بقر مجتمعة(3).

(وظهر الشامي).

قيل: هو السفياني الدجّال(4).

(وأقبل اليماني) إلى العراق.

(وتحرّك الحسني) من مكّة بإرادة الخروج.

(وخرج صاحب هذا الأمر) جواب قوله: «إذا اختلفت».

وقوله: (من المدينة إلى مكّة) متعلّق ب «خرج»، وكذا قوله عليه السلام : (بتراث رسول اللّه صلى الله عليه و آله ).

الباء للتسلسل وللمصاحبة. و«التراث» بالضمّ: الميراث. وأصل التاء فيه واو، صرّح به الجوهري(5).

(قال: سيف رسول اللّه صلى الله عليه و آله ودرعه).

في القاموس: «درع الحديد _ بالكسر _ قد يذكّر، ومن المرأة: قميصها، مذكّر»(6).

أقول: المناسب هنا المعنى الأوّل.

(وعمامته).

ص: 207


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 307 (صيص)
2- الصحاح، ج 3، ص 1044 (صيص)
3- النهاية، ج 3، ص 67 (صيص)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 301
5- راجع: الصحاح، ج 1، ص 295 (ورث)
6- القاموس المحيط، ج 3، ص 20 (درع)

في القاموس: «العِمامة _ بالكسر _ : المِغفر، والبيضة، وما يلفّ على الرّأس»(1).

(وبرده).

في القاموس: «البرد _ بالضمّ _ : ثوب مخطّط. الجمع: أبراد، وأبرد، وبرود، وأكيسة تلتحف بها الواحدة بهاء»(2).

(وقضيبه).

في القاموس: القضب: ما قطعت من الأغصان للسّهام، أو القسي. والقضيب: الناقة لم ترض، والغصن، واللطيف من السيوف، والقوس عملت من قضب، أو من غصن غير مشقوق، والسيف القطّاع(3).

(ورايته).

الراية _ بغير همز _ : العلم.

(ولامته).

قال الفيروزآبادي: في المهموز العين: «اللّامة: الدرع. وجمعها: لأم [ولُؤَم]، كصُرَد»(4).

وقال في المصباح: «اللأمة _ بهمزة ساكنة، ويجوز تخفيفها _ : الدرع. والجمع: لأَْم، مثل تَمْرة وتَمْر»(5).

وقال في النهاية: «اللأمة _ مهموزة _ : الدرع. وقيل: السلاح»(6).

(فيخرج السيف من غمده).

الغمد _ بالكسر _ : غلاف السيف. والظاهر أنّ قوله: «يخرج» من الإخراج، وفاعله الصاحب عليه السلام .

وقيل: يمكن أيضا كونه من الخروج، وفاعله «السيف»، فيكون ذلك علامة لظهوره عليه السلام (7).

ص: 208


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 154 (عمم)
2- القاموس المحيط، ج 1، ص 277 (برد)
3- القاموس المحيط، ج 1، ص 117 (قضب)
4- القاموس المحيط، ج 4، ص 174 (لأم) مع اختلاف في اللفظ
5- المصباح المنير، ص 560 (لأم)
6- النهاية، ج 4، ص 220 (لأم)
7- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 301

(ويلبس الدرع، وينشر الراية).

النشر: الإذاعة، والإفشاء. والنشر أيضا: خلاف الطيّ. والنشر: الإحياء. وفعل الكلّ كنصر وضرب.

(والبردة والعمامة).

قيل: الأنسب أنّه عطف على الدرع، فيدلّ على جواز العطف على جزء جملة بعد الفصل بجملة اُخرى، والعطف على الراية بعيد(1).

أقول: بل الظاهر أنّها عطف على الراية، فيُراد بنشر البردة خلاف طيّها، وهو كناية عن لبسها وابتذالها، وكذا العمامة، فلا يحتاج إلى التكلّف.

وفي بعض النسخ: «ويتعمّم بالعمامة» بدل «والعمامة».

(ويتناول القضيب بيده) أي يأخذه بها.

(ويستأذن اللّه في ظهوره).

يُقال: استأذنه، أي طلب منه الإذن.

(فيطّلع على ذلك) أي على ظهوره عليه السلام .

(بعض مواليه).

الظاهر عود الضمير إلى الصاحب عليه السلام .

وقيل: الأنسب عوده إلى الحسنيّ المذكور سابقا، وعوده إلى الصاحب بعيد جدّا(2).

أقول: أنت خبير بأنّ الأمر بالعكس.

(فيأتي) ذلك البعض.

(الحسني) مفعول «يأتي».

(فيخبره الخبر) أي يخبر ذلك البعض الحسني خبر ظهور الصاحب عليه السلام .

(فيبتدر الحسني إلى الخروج).

يُقال: ابتدره، أي تسارع إلى أخذه.

ص: 209


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 301
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 301

(فيثب عليه) أي على الحسني.

(أهل مكّة).

الوثوب: الطفرة. ويطلق على الحملة، والهجوم، والاستيلاء. يُقال: توثّب عليه: إذا استولى ظلما.

(فيقتلونه ويبعثون برأسه) أي يرسلونه.

(إلى الشام)(1).

في بعض النسخ: «إلى الشامي».

(فيظهر عند ذلك صاحب هذا الأمر).

روى الصدوق رحمه الله في كتاب كمال الدِّين بإسناده عن أبي بصير، قال: قال أبو جعفر عليه السلام : «يخرج القائم عليه السلام يوم السبت، يوم عاشوراء، اليوم الذي قُتل فيه الحسين عليه السلام »(2).

(ويبعث الشامي عند ذلك جيشا إلى المدينة، فيهلكهم اللّه _ عزّ وجلّ _ دونها).

أي قبل الوصول إلى المدينة بالبيداء، يخسف اللّه به وبجيشه الأرض، كما وردت به الأخبار.

(ويقبل) أي يتوجّه.

(صاحب هذا الأمر نحو العراق).

قيل: أي نحو الكوفة مع عصا موسى والحجر الذي انبجست منه اثنتا عشرة عينا، ومنه طعامهم وشرابهم، كما روي(3).

(ويبعث) صاحب هذا الأمر.

(جيشا إلى المدينة) المشرّفة.

(فيأمن أهلها) بنيل الأمان منه عليه السلام .

(ويرجعون إليها) أي إلى المدينة آمنين.

ص: 210


1- في المتن الذي ضبطه المصنّف رحمه الله سابقا: «الشامي»
2- كمال الدين، ص 654، ح 19
3- الكافي، ج 1، ص 231، باب ما عند الأئمّة من آيات الأنبياء عليهم السلام ، ح 3؛ كمال الدين، ص 143، ذيل ح 10؛ الخرائج والجرائح، ج 2، ص 690

متن الحديث السادس والثمانين والمائتين

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ عَطِيَّةَ :

عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : خَرَجَ إِلَيْنَا أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام وَهُوَ مُغْضَبٌ ، فَقَالَ : «إِنِّي خَرَجْتُ آنِفا فِي حَاجَةٍ ، فَتَعَرَّضَ لِي بَعْضُ سُودَانِ الْمَدِينَةِ ، فَهَتَفَ بِي : لَبَّيْكَ يَا جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ لَبَّيْكَ ، فَرَجَعْتُ عَوْدِي عَلى بَدْئِي (1) إِلى مَنْزِلِي خَائِفا ذَعِرا مِمَّا قَالَ حَتّى سَجَدْتُ فِي مَسْجِدِي لِرَبِّي ، وَعَفَّرْتُ لَهُ وَجْهِي ، وَذَلَّلْتُ لَهُ نَفْسِي ، وَبَرِئْتُ إِلَيْهِ مِمَّا هَتَفَ بِي ، وَلَوْ أَنَّ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ عَدَا مَا قَالَ اللّهُ فِيهِ ، إِذا لَصَمَّ صَمّا (2) لَا يَسْمَعُ بَعْدَهُ أَبَدا ، وَعَمِيَ عَمًى لَا يُبْصِرُ بَعْدَهُ أَبَدا ، وَخَرِسَ خَرْسا لَا يَتَكَلَّمُ بَعْدَهُ أَبَدا» ثُمَّ قَالَ : «لَعَنَ اللّهُ أَبَا الْخَطَّابِ ، وَقَتَلَهُ بِالْحَدِيدِ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (وهو مغضب).

يقال: أغضبته فتغضّب، فهو مغضَب _ بفتح الضاد _ ومتغضّب، بكسرها.

(فقال: إنّي خرجت آنفا).

في القاموس: «قَالَ ءَانِفًا» (3) _ كصاحب، وكتف، وقرئ بهما _ أي مذ ساعة، أي في أوّل وقت يقرب منّا»(4).

(في حاجة، فتعرّض لي بعض سودان المدينة).

التعرّض: التصدّي.

و«سودان» بالضمّ، جمع أسود، وكأنّه كان غاليا، وكان من أصحاب أبي الخطّاب محمّد بن المقلاص، وهو من الغُلاة المشهورين، وكان يدّعي الربوبيّة للصادق عليه السلام ، والبنوّة لنفسه على أهل الكوفة.

ويدلّ على كون هذا الأسود من الغلاة أنّه ناداه عليه السلام بما ينادى به الربّ، كما يفهم من قوله عليه السلام : (فهتف) أي صاح (بي: لبّيك يا جعفر بن

ص: 211


1- . في بعض نسخ الكافي: «يدي»
2- . في أكثر نسخ الكافي وشرح المازندراني والوافي: «صمما»
3- . محمّد (47): 16
4- القاموس المحيط، ج 3، ص 119 (أنف)

محمّد لبّيك) وهو نظير ما يُقال في إحرام الحجّ: «لبّيك اللَّهُمَّ لبّيك» بقرينة ما سيأتي.

ويحتمل أنّه ناداه عليه السلام بهذه العبارة، أو قال: «لبّيك اللَّهُمَّ يا جعفر بن محمّد لبّيك» فحذف عليه السلام لفظ «اللَّهُمَّ» لاستكراهه عنه في هذا المقام، ولو على سبيل الحكاية.

قال الفيروزآبادي:

ألبّ: أقام، كلبّ. ومنه لبّيك، أي أنا مقيم على طاعتك إلبابا بعد إلباب وإجابةً بعد إجابة. أو معناه: اتّجاهي وقصدي لك، من: داري تلبّ داره، أي تواجهها. أو معناه: محبّتي لك، من: امرأة لُبّة: محبّة لزوجها. أو معناه: إخلاصي لك، من لبّ الشيء، وهو خالصه، انتهى(1).

(فرجعت عودي على بدئي).

قال الجوهري: «يُقال: رجع عوده على بدءه: إذا رجع في الطريق الذي جاء منه»(2).

قال الشيخ الرضيّ رضى الله عنه:

قولهم: «على بدئه» متعلّق بعوده، أو برجع، والحال مؤكّدة. والبدء مصدر بمعنى الابتداء، وجعل بمعنى المفعول، أي عائدا على ما ابتدأ، أو يجوز أن يكون عوده مفعولاً مطلقا لرجع، أي رجع على بدئه عوده المعهود، وكأنّه عهد منه أن لا يستقرّ على ما ينتقل إليه، بل يرجع على ما كان عليه قبل، فيكون نحو قوله تعالى: «وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ» (3). (4).

وقال التفتازاني في شرح تلخيص المفتاح:

وإن كانت الجملة إسميّة، فالمشهور جواز ترك الواو، بعكس ما مرّ في الماضي المثبت لدلالة الاسميّة على المقارنة لكونها مستمرّة، لا على حصول صفة غير ثابتة، نحو: كلّمته فوه [إلى] فيّ، ورجع عوده على بدئه فيمن رفع هذه، وعوده على الابتداء(5).

(إلى منزلي خائفا ذعرا).

بفتح الذال وكسر العين، أو سكونهما.

ص: 212


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 127 (لبب) مع التلخيص واختلاف يسير في اللفظ
2- الصحاح، ج 1، ص 35 (بدأ)
3- . الشعراء (26): 19
4- شرح الكافية للرضي، ج 2، ص 17 مع اختلاف في اللفظ
5- راجع: مختصر المعاني، ص 165

قال في القاموس: «الذُعْر _ بالضمّ _ : الخوف. وذعر _ كعنى _ فهو مذعور، وبالفتح: التخويف، كالإذعار، والفعل كجعل، [و] بالتحريك: الدهش، وكصُرَد: الأمر المخوف»(1).

قيل: خوفه عليه السلام من اللّه كخوف الوزير من غيرة السلطان ومؤاخذته عند نسبة الرعيّة إليه السلطنة، [وتسميته سلطانا] وإن لم يكن له تقصير فيه(2).

(ممّا قال) أي من قول الأسود، وهو: «لبّيك يا جعفر بن محمّد لبّيك».

(حتّى سجدتُ في مسجدي) أي مصلّاي.

(لربّي) أي لتعظيمه وتنزيهه.

(وعفّرت له وجهي).

في القاموس: «العَفَر _ محرّكة _ : ظاهر التراب، ويسكّن. وعفره في التراب يعفِره وعفّره: مرّغه فيه، أو دسّه وضرب به الأرض»(3).

(وذلّلت له نفسي) أي جعلتها ذليلاً، أو نسبتها إلى الذلّ وهو _ بالضمّ _ : خلاف العزّ.

(وبرئتُ إليه) أي إلى ربّي. و«برئت» كعلمت من البراءة.

وكلمة «ما» في قوله: (ممّا هتف بي) مصدريّة، أو موصولة، والعائد محذوف.

(ولو أنّ عيسى بن مريم عدا) أي تعدّى وجاوز. يُقال: عدا الأمر وعنه: أي جاوزه، وتركه، كتعدّاه.

(ما قال اللّه فيه) من النبوّة، والعبوديّة إلى ادّعاء الإلوهيّة والربوبيّة.

(إذا لصمّ صمّا لا يسمع بعده أبدا).

في القاموس: «الصمم _ محرّكة _ : انسداد الاُذن، وثقل السمع. صمّ يصمّ _ بفتحهما _ وصِمَم بالكسر، نادر، صمّا وصَمَا وأصمّ وأصمّه اللّه ، فهو أصمّ»(4).

قيل: الظاهر منه ومن نظائره المعنى الحقيقي، مع احتمال حمله على المعنى المجازي، وهو على الأوّل مختصّ بأهل الكمال عند تجاوزهم عن حدّهم؛ بدليل بعض الجهلة ادّعى الربوبيّة لنفسه، ولم يصمّ ولم يعمّ ولم يخرس حقيقةً(5).

ص: 213


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 34 (ذعر)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 302
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 92 (عفر) مع التلخيص
4- القاموس المحيط، ج 4، ص 140 (صمم)
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 302

(وعمي عمى لا يبصر بعده أبدا).

قال في القاموس: «عَمِيَ _ كرضي _ عمىً: ذهب بصره كلّه. والعمى أيضا: ذهاب بصر القلب»(1).

وقال: «البصر _ محرّكة _ : حسّ العين. ومن القلب: نظره، وخاطره. وبصر به _ ككرم وفرح _ بصرا وبصارة، ويكسر: صار مبصرا. وأبصره وتبصّره: نظره ببصره»(2).

(وخرس خرسا لا يتكلّم بعده أبدا).

في القاموس: «خرس _ كفرح _ صار أخرس. بيِّن الخرس من خُرس وخُرسان، أي منعقد اللِّسان عن الكلام، وأخرسه اللّه »(3).

(ثمّ قال: لعن اللّه أبا الخطّاب).

اسمه محمّد بن مقلاص الأسدي _ كما مرّ _ وهو غال ملعون، وإنّما ذكره عليه السلام هنا ولعنه؛ لأنّه كان مخترع هذا المذهب الباطل، أو لأنّ الأسود الهاتف كان من أصحابه.

(وقتله بالحديد) كالسيف والسكّين وأمثالهما. وقد استجاب اللّه تعالى دعاءه عليه السلام .

روى الكشّي: أنّ سالم بن مكرم الجمّال كان من أصحاب أبي الخطّاب، وكان في المسجد يوم بعث عيسى بن موسى بن علي [بن عبد اللّه بن العبّاس]، وكان عامل المنصور على الكوفة إلى أبي الخطّاب وأصحابه، لمّا بلغه أنّهم قد أظهروا الإباحات، ودعوا الناس إلى نبوّة أبي الخطّاب، وأنّهم يجتمعون في المسجد، ولزموا الأساطين يورونَ الناس أنّهم قد لزموها للعبادة، وبعث إليهم [رجلاً] فقتلهم جميعا، لم يفلت منهم إلّا رجل واحد أصابته جراحات، فسقط بين القتلى يعدّ فيهم، فلمّا جنّه اللّيل خرج من بينهم، فتخلّص، وهو أبو سلمة سالم بن مكرم الجمّال الملقّب بأبي خديجة(4). وروي: أنّهم كانوا سبعين رجلاً(5).

ص: 214


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 366 (عمى) مع التلخيص
2- القاموس المحيط، ج 1، ص 373 (بصر) مع اختلاف يسير فياللفظ
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 210 (خرس) مع التلخيص
4- رجال الكشّي، ص 353، ح 661
5- لم نعثر عليه

متن الحديث السابع والثمانين والمائتين

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ جَهْمِ بْنِ أَبِي جُهَيْمَةَ (1). :

عَنْ بَعْضِ مَوَالِي أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ، قَالَ : كَانَ عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَجَعَلَ يَذْكُرُ قُرَيْشا وَالْعَرَبَ .

فَقَالَ لَهُ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام عِنْدَ ذلِكَ : «دَعْ هذَا ، النَّاسُ ثَلَاثَةٌ: عَرَبِيٌّ، وَمَوْلًى، وَعِلْجٌ؛ فَنَحْنُ الْعَرَبُ ، وَشِيعَتُنَا الْمَوَالِي ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ عَلى مِثْلِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ (2) فَهُوَ عِلْجٌ» .

فَقَالَ الْقُرَشِيُّ : تَقُولُ هذَا يَا أَبَا الْحَسَنِ ، فَأَيْنَ (3) أَفْخَاذُ قُرَيْشٍ وَالْعَرَبِ؟

فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : «هُوَ مَا قُلْتُ لَكَ» .

شرح الحديث

السند مجهول. وفي بعض النسخ: «جهمة» بدل «جهيمة».

(فجعل) أي شرع ذلك الرجل. في القاموس: «جعل يفعل كذا: أقبلَ، وأخذ»(4).

(يذكر قريشا والعرب) أي يذكر فضائلهم، ويتفاخر بالانتساب بهم، كما هو شأن الجاهليّة وأهلها.

(فقال له أبو الحسن عليه السلام عند ذلك: دَعْ هذا) أي اتركه؛ فإنّ الافتخار والامتياز ليس بما ذكرت، بل الكمال والشرافة الموجبة للافتخار والمزيّة إنّما هو بالدِّين والانتساب بأهله، كما أشار إليه بقوله: (الناس ثلاثة) أصناف: (عربي).

قال الجوهري: «العرب: جيلٌ من الناس، والنسبة إليهم عربيّ، وهم أهل الأمصار.

والأعراب منهم: سكّان البادية خاصّة»(5).

(ومولى).

هو من لم يكن عربيّا صلبيّا، ولكن صار حليفا، ودخل بينهم وخلط بهم بحيث يعدّ منهم ويجري مجراهم.

ص: 215


1- في بعض نسخ الكافي: «أبي جهمة» وفي بعضها: «أبي جهيم»
2- . في بعض نسخ الكافي: «فيه»
3- . في بعض نسخ الكافي: «وأين»
4- القاموس المحيط، ج 3، ص 348 (جعل)
5- الصحاح، ج 1، ص 178 (عرب)

(وعلج).

في القاموس: «العلج _ بالكسر _ : العِير، والحمار الوحش السّمين القويّ. والرجل: من كفّار العجم»(1).

والظاهر هنا إرادة المعنى الأخير.

هذا، واعلم أنّ الغرض من هذا التقسيم ليس ما يفهم من ظاهره، بل المراد بالعربيّ اللّسن الفصيح الذي يفهم المقاصد، ويعرف المراشد، ولا يشتبه عليه الاُمور، ويكون مهبطا للوحي والإلهام، مقنّنا للقوانين الدينيّة للأنام، مُوضحا لما يشكل على الخاصّ والعامّ، وهو النبيّ صلى الله عليه و آله وأوصياءه عليهم السلام . وبالمولى مَن تبعهم وأحبّهم، واستسلم أمرهم، واقتفى سيرتهم، وهم مواليهم وشيعتهم. وبالعلج من لا يقدر على التكلّم بما ينفعه من الكلام، ولو خُوطب به لا يتمكّن أن يميّز بين صحيحه وسقيمه، إلّا أن يفرّق بين حقّه وباطله، بل مثل الذي ينعق به كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلّا دعاء ونداء، وهو من لا يكون هذا ولا ذاك، كما أشار عليه السلام بقوله: (فنحن العرب) إلى قوله: (فهو علج).

ولمّا لم يفهم الرجل القرشيّ غرضه عليه السلام ، واستبعد من هذا التقسيم؛ لكونه غير حاصر على زعمه، قال على سبيل التعجّب والاستفهام الإنكاري: (تقول هذا يا أبا الحسن، وأين (2) أفخاذ قريش والعرب).

الأفخاذ: جمع الفخذ، ككتف، أو بسكون الخاء وفتح الفاء وكسرها، وهو حيّ الرجل إذا كان من أقرب عشيرته.

وقيل: هو دون القبيلة وفوق البطن. وقيل بالعكس(3) وقد نقلنا سابقا ما يتعلّق بهذا المقام، فتذكّر.

متن الحديث الثامن والثمانين والمائتين

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنِ الْأَحْوَلِ ، عَنْ سَلَامِ بْنِ الْمُسْتَنِيرِ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يُحَدِّثُ : «إِذَا قَامَ الْقَائِمُ عَرَضَ الْاءِيمَانَ عَلى كُلِّ نَاصِبٍ ، فَإِنْ دَخَلَ فِيهِ

ص: 216


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 200 (علج) مع التلخيص
2- . في المتن الذي ضبطه المصنّف رحمه الله سابقا: «فأين»
3- راجع: المصباح المنير، ص 464؛ القاموس المحيط، ج 1، ص 356 (فخذ)

بِحَقِيقَةٍ ، وَإِلَا ضَرَبَ عُنُقَهُ ، أَوْ يُؤَدِّيَ الْجِزْيَةَ كَمَا يُؤَدِّيهَا الْيَوْمَ أَهْلُ الذِّمَّةِ ، وَيَشُدُّ عَلى وَسَطِهِ الْهِمْيَانَ ، وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الْأَمْصَارِ إِلَى السَّوَادِ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (عرض الإيمان على كلّ ناصب).

الظاهر أنّ المراد بالناصب هنا المخالف مطلقا.

(فإن دخل فيه) أي في الإيمان وقبله.

(بحقيقته) (1) أي بحقيقة الإيمان، وهي الإيمان الخالص الذي لا يشوبه النفاق.

(وإلّا) أي وإن لا يدخل فيه كذلك (ضُرب عنقه).

وقوله: (أو يؤدّي الجزية كما يؤدّيها اليوم أهل الذمّة).

يدلّ على أنّه عليه السلام يقبل منهم الجزية أن لا يقبلوا الإيمان. وهو ينافي ظاهر كثير من الأخبار الدالّة على أنّه عليه السلام لم يقبل إلّا الإيمان أو القتل. وفي طريق هذا الخبر سلام بن المستنير، وهو مجهول، فيمكن إطراحه.

وقيل: يمكن الجمع بتخصيص الخبر بأوائل زمان ظهوره عليه السلام (2).

وقيل: لعلّ الجمع بينه وبين ما روي من أنّه عليه السلام يضع الجزية عند ظهوره، (3). أنّه يضعها عن أهل الكتاب؛ فإنّهم بمنزلة الحربي لا يرفع عنهم السيف حتّى يؤمنوا أو يُقتلوا(4).

(ويشدّ على وسطه الهميان).

ضمير «وسطه» راجع إلى كلّ ناصب.

وفي القاموس: «الهميان _ بالكسر _ : شداد السراويل، ووعاء الدراهم، ويثلّث»(5).

وأقول: إن اُريد هنا المعنى الأوّل، فهو كناية عن التشمّر والتهيّؤ للإخراج والإجلاء، [و ]إن اُريد المعنى الثاني، فهو كناية عن إعطائهم النفقة ليتزوّدوا بها في الطريق.

ص: 217


1- . في المتن الذي ضبطه المصنّف رحمه الله سابقا: «بحقيقة»
2- ذهب إليه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 160
3- اُنظر: الخصال، ج 2، ص 579، ح 1
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 304
5- القاموس المحيط، ج 4، ص 404 (همي) مع التلخيص

وقيل: هو كناية عن الزنّار(1).

(ويخرجهم من الأمصار إلى السواد).

في القاموس: «السواد من البلدة: قراها»(2).

متن الحديث التاسع والثمانين والمائتين

اشارة

الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيُّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِدٍ (3) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ غَزْوَانَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بُنَانٍ ، عَنْ أَبِي مَرْيَمَ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ أَبِي يَوْما وَعِنْدَهُ أَصْحَابُهُ : مَنْ فِيكُمْ (4) تَطِيبُ نَفْسُهُ أَنْ يَأْخُذَ جَمْرَةً فِي كَفِّهِ فَيُمْسِكَهَا حَتّى تَطْفَأَ؟» .

قَالَ : «فَكَاعَ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَنَكَلُوا ، فَقُمْتُ وَقُلْتُ (5) : يَا أَبَةِ ، أَ تَأْمُرُ أَنْ أَفْعَلَ؟ فَقَالَ : لَيْسَ إِيَّاكَ عَنَيْتُ ، إِنَّمَا أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ بَلْ إِيَّاهُمْ أَرَدْتُ (6). ، وَكَرَّرَهَا ثَلَاثا ، ثُمَّ قَالَ: مَا أَكْثَرَ الْوَصْفَ وَأَقَلَّ الْفِعْلَ ، إِنَّ أَهْلَ الْفِعْلِ قَلِيلٌ ، إِنَّ أَهْلَ الْفِعْلِ قَلِيلٌ ، أَلَا وَإِنَّا لَنَعْرِفُ أَهْلَ الْفِعْلِ وَالْوَصْفِ مَعا ، وَمَا كَانَ هذَا مِنَّا تَعَامِيا عَلَيْكُمْ بَلْ لِنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ، وَنَكْتُبَ آثَارَكُمْ».

فَقَالَ : «وَاللّهِ لَكَأَنَّمَا مَادَتْ بِهِمُ الْأَرْضُ حَيَاءً مِمَّا قَالَ حَتّى إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى الرَّجُلِ مِنْهُمْ يَرْفَضُّ عَرَقا مَا يَرْفَعُ عَيْنَيْهِ مِنَ الْأَرْضِ ، فَلَمَّا رَأى ذلِكَ مِنْهُمْ ، قَالَ : رَحِمَكُمُ اللّهُ ، فَمَا أَرَدْتُ إِلَا خَيْرا ، إِنَّ الْجَنَّةَ دَرَجَاتٌ ، فَدَرَجَةُ أَهْلِ الْفِعْلِ لَا يُدْرِكُهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْقَوْلِ ، وَدَرَجَةُ أَهْلِ الْقَوْلِ لَا يُدْرِكُهَا غَيْرُهُمْ» .

قَالَ : «فَوَ اللّهِ لَكَأَنَّمَا نُشِطُوا مِنْ عِقَالٍ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

ص: 218


1- نقله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 160 بعنوان «قيل»
2- القاموس المحيط، ج 1، ص 304 (سود) مع التلخيص
3- . في بعض نسخ الكافي و الطبعة القديمة: «سعيد»
4- . في كلتا الطبعتين: «منكم»
5- . في أكثر نسخ الكافي والوافي: «فقلت»
6- . في بعض نسخ الكافي والطبعة القديمة والوافي: + «قال»

قوله: (عن محمّد بن مسلم بن أبي سلمة).

كذا في كثير من النسخ، وهو غير مذكور في كتب الرجال. وفي بعضها: «سالم» بدل «مسلم»، وهو الموافق للنجاشي، (1) ولعلّ ما في الأصل تصحيف.

(من فيكم تطيب نفسه).

يحتمل كون «تطيب» من المجرّد، أو المزيد. وفي القاموس: «طاب يطيب طابا وطيبا: لذَّ، وزكا. وطيّب الشيء: وجده طيّبا، كأطيبه»(2).

(أن يأخذ) أي بأن يأخذ.

(جمرة في كفّه فيمسكها حتّى تطفأ) تلك الجمرة.

قال في القاموس: «الجمرة: النار المتّقدة. الجمع: جمر»(3).

وقال: «الكفّ: اليد»(4).

وقال: «طفئت النار _ كسمع _ طفوء: ذهب لهبها، كانطفأت»(5).

وإنّما كلّفهم عليه السلام بذلك؛ ليبلوهم في قوّة إيمانهم، وضعفه بإطاعتهم، مثل تلك التكاليف، أو عصيانهم.

(قال) أبو جعفر عليه السلام : (فكاع الناس كلّهم ونكلوا).

في القاموس: «كِعْتُ عنه أكيع وأكاع كيعا وكيعوعة: إذا هِبْته، وجبنت عنه»(6).

وقال: «نكل عنه _ كضرب، ونصر، وعلم _ نكولاً: نكص، وجبن»(7).

(ثمّ قال: ما أكثر الوصف وأقلّ الفعل) أي الواصف نفسه بالإيمان والصلاح ومتابعة أئمّة الحقّ كثير، ولكن العامل بلوازمها يسير، وليس ذلك إلّا لعدم رسوخهم فيما ذكر، بل يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم، ولم يعلموا أنّ نور الإيمان والمحبّة يطفئ نار الجمرة، بل نيران الخطيئة والزلّة.

(ألا وإنّا لنعرف أهل الفعل والوصف معا).

ص: 219


1- . اُنظر: رجال النجاشي، ص 322، الرقم 877؛ و ص 362، الرقم 974
2- القاموس المحيط، ج 1، ص 98 (طيب) مع التلخيص
3- القاموس المحيط، ج 1، ص 393 (جمر)
4- القاموس المحيط، ج 3، ص 190 (كفف)
5- القاموس المحيط، ج 1، ص 22 (طفأ)
6- القاموس المحيط، ج 3، ص 81 (كيع)
7- القاموس المحيط، ج 4، ص 60 (نكل)

الظاهر أنّ قوله: «معا» قيدٌ للفعل والوصف، أي المتّصف بهما جميعا.

وقيل: قيد لمعرفتهما؛ لإفادة أنّ معرفة أحدهما لا يمنع معرفة الآخر، فإنّ العلم الحصولي إذا كمل يصير بمنزلة العلم الحضوري(1).

ثمّ أكّده بقوله: (وما كان هذا)، أي التكليف بإمساك الجمرة.

(منّا تعاميا عليكم).

قيل: أي جهلاً منّا بأحوالكم الماضية والحاضرة والآتية، وطلبا لحصول العلم؛ إذ هي معلومة لنا(2).

قال الجوهري: «العمى: ذهاب البصر. وتعامى [الرجل]: أرى من نفسه ذلك»(3).

(بل لنبلو أخباركم).

قيل: أي لنختبر أحوالكم وأخباركم من الإيمان والطاعة وموالاتكم لنا(4).

وقيل: ما يخبر به عن أعمالكم، أو ما تخبرون أنتم عن إيمانكم(5).

(ونكتب آثاركم).

في القاموس: «الأثر _ محرّكة _ : بقيّة الشيء. والجمع: آثار، وأثور، والخبر. والآثار: الأعلام. والأثر: نقل الحديث وروايته»(6).

أقول: لعلّ المراد بالآثار هنا الأعمال الحسنة أو السيّئة، ويحتمل تخصيص الأخبار بالأعمال الصادرة حال الحياة، والآثار بما يبقى أثره بعد الممات. ولعلّ المراد بالكتابة الحفظ والضبط، أو العلم والمعرفة. قال الجوهري: «الكاتب عندهم: العالم، قال اللّه تعالى: «أَمْ عِنْدَهُمْ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ» (7). »(8).

ويحتمل أن يُراد بها الحظّ، أي تصير سببا ومنشأً لكتابة أعمالكم.

ص: 220


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 304
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 304
3- الصحاح، ج 6، ص 2439 (عمى)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 305 مع اختلاف في اللفظ
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 161
6- القاموس المحيط، ج 1، ص 362 (أثر) مع التلخيص
7- الطور (52): 41
8- الصحاح، ج 1، ص 208 (كتب)

وبالجملة: المراد بالاختبار والامتحان هنا ظهور قابليّة هؤلاء لأنفسهم، لا للأئمّة عليهم السلام ، بقرينة قوله عليه السلام : (وما كان هذا منّا تعاميا عليكم).

وهنا احتمال آخر وهو: أن يكون المراد بنفي التعامي الإشعار بأنّ مثل تلك التكاليف لا يصدر عنهم عليهم السلام سفها وعبثا، بل لحكمة ومصلحة، وهي اختبار أخبارهم، وكتابة آثارهم.

(فقال) أبو جعفر عليه السلام : (واللّه لكأنّما مادت بهم الأرض).

الميد: التحرّك، والاضطراب، والتمايل. يُقال: مادت الأغصان، أي تمايلت. وهنا كناية عن تزلزلهم، وشدّة حالهم، كأنّ الأرض تنقلب، أو تزلزل بهم.

(حياءً ممّا قال).

قيل: الحياء: تغيّر وانكسار تلحق من فعل ما يذمّ به، أو تركه، وهو هاهنا حصل لهم ممّا قال عليه السلام من كثرة الوصف وقلّة الفعل، وهو في الحقيقة ذمّهم بأنّهم ليسوا من أهل الفعل، فحصل لهم انقباض واضطراب، ويأسهم من كونهم من أهل الجنّة؛ لما فهموا من أنّ أهل الجنّة أهل الفعل(1).

(حتّى إنّي لأنظر إلى الرجل منهم).

الظاهر أنّ المراد كلّ واحد منهم.

(يرفض عرقا).

قال الجوهري: «رفض الدمع: ترشش»(2).

وقال في النهاية: «ارفض عرقا، أي جرى عرقه وسال»(3).

(ما يرفع عينيه من الأرض).

من غاية الحيرة، ونهاية الدهشة الحاصلة من الاستحياء، فلمّا رأى عليه السلام ذلك منهم ترحّم بهم.

(قال: رحمكم اللّه ، فما أردت إلّا خيرا).

أي ما أردت ممّا قلت: إنّ أهل الوصف وأهل الفعل في الجنّة، كما أشار إليه بقوله: (إنّ

ص: 221


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 305 مع اختلاف في اللفظ
2- اُنظر: الصحاح، ج 3، ص 1079 (رفض)
3- النهاية، ج 2، ص 243 (رفض) مع التلخيص

الجنّة درجات).

(قال: فواللّه لكأنّما أنشطوا من عقال).

في بعض النسخ: «نشطوا».

قال في النهاية:

في حديث السحر: فكأنّما أنشط من عقال؛ أي حلّ. وقد تكرّر في الحديث وكثيرا ما يجيء في الرواية: كأنّما نشط من عقال. وليس بصحيح؛ يقال: نشطت العقدة: إذا عقدتها. وأنشطتها: إذا حللتها(1).

وقال الجوهري: «عقلت البعير أعقله عقلاً، وهو أن تثنّى وظيفه مع ذراعه، فتشدّهما جميعا في وسط الذراع، وذلك الحبل هو العقال. الجمع: عقل»(2).

والحاصل أنّه عليه السلام لمّا بشّرهم بذلك حصل لهم الانبساط والسرور، وحلّ عنهم عقد اليأس والقنوط.

متن الحديث التسعين والمائتين

اشارة

وَبِهذَا الْاءِسْنَادِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الصُّوفِيِّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ بَكْرٍ الْوَاسِطِيُّ ، قَالَ :

قَالَ لِي أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : «لَوْ مَيَّزْتُ شِيعَتِي مَاوَجَدْتُهُمْ (3) إِلَا وَاصِفَةً ، وَلَوِ امْتَحَنْتُهُمْ لَمَا وَجَدْتُهُمْ إِلَا مُرْتَدِّينَ ، وَلَوْ تَمَحَّصْتُهُمْ لَمَا خَلَصَ مِنَ الْأَلْفِ وَاحِدٌ ، وَلَوْ غَرْبَلْتُهُمْ غَرْبَلَةً لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَا مَا كَانَ لِي ، إِنَّهُمْ طَالَمَا اتَّكَوْا عَلَى الْأَرَائِكِ ، فَقَالُوا : نَحْنُ شِيعَةُ عَلِيٍّ ، إِنَّمَا شِيعَةُ عَلِيٍّ مَنْ صَدَّقَ قَوْلَهُ فِعْلُهُ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (عن محمّد بن سليمان).

في بعض النسخ: «عن محمّد بن مسلم»، وهو أظهر؛ بالنظر إلى ما عرف من طور

ص: 222


1- النهاية، ج 5، ص 57 (نشط)
2- الصحاح، ج 5، ص 1771 (عقل)
3- . في الطبعة القديمة: «لم أجدهم»

المصنّف في المواضع التي أشار فيها إلى الإسناد السابق، لكن قد عرفت أنّ الظاهر فيما سبق: «محمّد بن سالم»، وعلى الأوّل الظاهر أنّه مكان «محمّد بن مسلم» في المرتبة.

(لو ميّزت شيعتي)؛ يعني عن غيرهم من المخالفين. والتميّز: العزل، والإفراز.

(ما وجدتهم إلّا واصفة).

الجماعة الذين يصفون التشيّع بألسنتهم، ويقولون به، لكن لا يعمل أكثرهم بمقتضاه، فامتيازهم عن غيرهم باعتبار هذا الوصف.

(ولو امتحنتهم) أي لو اختبرت أحوال تلك الواصفة.

(لما وجدتم) أي ما وجدت أكثرهم (إلّا مرتدّين).

يحتمل كونه تخفيف الدال من الرداءة، وهي الفساد، وعدم الخلوص. أو من الردى، وهي الهلاك. أو بتشديد الدال من الارتداد، وهو الرجوع عن الحقّ، والميل عنه.

(ولو تمحّصتهم).

كذا في النسخ، والظاهر: «محّصتم». قال الفيروزآبادي: «محّص الذهب بالنار: أخلصه ممّا يشوبه. والتمحيص: الابتلاء، والاختبار»(1).

(لما خلص) من الغشّ (من الألف واحد).

كناية عن القلّة، ثمّ الخالصون، وهم الأقلّون.

(ولو غربلتهم غربلة) أي نخلتهم وقطعتهم، وأخرجت نخالتهم وصفيّتهم، وهي كناية عن الامتحان والابتلاء بالمحن والشدائد.

(لم يبق منهم إلّا ما كان لي).

وهو من أخذ بسيرته عليه السلام من أهل بيته وخلّص أصحابه.

(إنّهم طالما اتّكَوْا على الأرائك).

الاتّكاء: الاعتماد، من الوكاء بهمز اللّام.

وقال الفيروزآبادي:

الأريكة _ كسفينة _ : سرير في حجلة، أو كلّ ما يتّكأ عليه من سرير، ومنصّة، وفراش، أو سرير منجّد مزيّن في قبّة أو بيت. الجمع: أرائك، وأريك(2).

ص: 223


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 318 (محص) مع التلخيص
2- القاموس المحيط، ج 3، ص 292 (أرك) مع التلخيص

ولعلّه هنا كناية عن الاتّكاء بالأماني والغرور، وبيان لغفلتهم وعدم خوفهم وكمال اعتنائهم بما وصفوا بألسنتهم من التشيّع.

(فقالوا: نحن شيعة عليّ) ولا يعملون بلوازمه ومقتضاه.

(إنّما شيعة عليّ من صدق قوله فعله) بالعمل لسيرته، واتّباع طريقته.

والظاهر قراءة «قوله» بالرفع، و«فعله» بالنصب؛ لكونهما معرفتين، وحينئذٍ يكون إشارة إلى أصالة القول (1) ، وفرعيّة الفعل، ويحتمل العكس، وهو أقرب.

متن الحديث الواحد والتسعين والمائتين

اشارة

حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكِنْدِيِّ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْمِيثَمِيِّ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلى مَوْلى آلِ سَامٍ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ : «تُؤْتى (2). بِالْمَرْأَةِ الْحَسْنَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّتِي قَدِ افْتُتِنَتْ فِي حُسْنِهَا ، فَتَقُولُ : يَا رَبِّ ، حَسَّنْتَ خَلْقِي حَتّى لَقِيتُ مَا لَقِيتُ ، فَيُجَاءُ بِمَرْيَمَ عليه السلام ، فَيُقَالُ : أَنْتِ أَحْسَنُ أَوْ (3). هذِهِ؟ قَدْ حَسَّنَّاهَا فَلَمْ تُفْتَتَنْ ، وَيُجَاءُ بِالرَّجُلِ الْحَسَنِ الَّذِي قَدِ افْتُتِنَ فِي حُسْنِهِ ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ ، حَسَّنْتَ خَلْقِي حَتّى لَقِيتُ مِنَ النِّسَاءِ مَا لَقِيتُ ، فَيُجَاءُ بِيُوسُفَ عليه السلام ، فَيُقَالُ: أَنْتَ أَحْسَنُ أَوْ هذَا؟ قَدْ حَسَّنَّاهُ فَلَمْ يُفْتَتَنْ ، وَيُجَاءُ بِصَاحِبِ الْبَلَاءِ الَّذِي قَدْ أَصَابَتْهُ الْفِتْنَةُ فِي بَلَائِهِ ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ ، شَدَّدْتَ عَلَيَّ الْبَلَاءَ حَتّى افْتُتِنْتُ ، فَيُؤْتى بِأَيُّوبَ عليه السلام ، فَيُقَالُ : أَ بَلِيَّتُكَ أَشَدُّ ، أَوْ بَلِيَّةُ هذَا؟ فَقَدِ ابْتُلِيَ فَلَمْ يُفْتَتَنْ» .

شرح الحديث

السند حسن موثّق.

قوله: (تؤتى بالمرأة الحسناء يوم القيامة).

«تؤتى» على البناء للمفعول، والباء للتعدية.

وقال الجوهري:

تقول: رجلٌ حسن، وامرأة حسنة. وقالوا: امرأة حسناء، ولم يقولوا: رجلٌ أحسن،

ص: 224


1- . في النسخة: «الفعل»، وهو سهو واضح
2- . في الطبعة الجديدة وأكثر نسخ الكافي: «يؤتى»
3- . في بعض نسخ الكافي: «أم»

وهو اسم اُنّث من غير تذكير، كما قالوا: غلامٌ أمرد، ولم يقولوا: جارية مرداء، فهو يذكّر من غير تأنيث(1).

(التي قد افتتنت) بالبناء للفاعل، أو للمفعول.

(في حسنها).

في القاموس: «فَتَنَهُ يفتنه: أوقعه في الفتنة، كفتّنه، وأفتنه: وقع فيها، لازم متعدّ، كافتتن فيهما، أو إلى النساء فتونا، وفتن إليهنّ _ بالضمّ _ : أراد الفجور بهنّ»(2).

أقول: لعلّ المراد بافتتانها وقوعها في الزنا ومياديها بسبب حسنها. وقيل: يمكن أن يكون الظرف حالاً من المرأة، أي تؤتى بها كائنة على حسنها التي كانت لها في الدُّنيا، وكذا يجري الاحتمالان في سائر الفقرات(3).

(فتقول: يا ربّ حسّنت) بصيغة الخطاب، من التحسين.

(خَلقي) بالفتح، وهو في الأصل مصدر استعمل بمعنى الخليقة، وهي السجيّة والطبيعة.

(حتّى لقيت) أي من الرجال.

(ما لقيت) من الفجور.

(فيؤتى بأيّوب عليه السلام ، فيُقال) لصاحب البلاء.

(أبليّتك أشدّ).

الهمزة للاستفهام. والبليّة: اسم من البلو، وهو الامتحان، والاختبار.

(فقد ابتلي) بالبناء للمفعول، والمستتر فيه لأيّوب عليه السلام .

(فلم يفتتن) بصيغة المعلوم، أو المجهول. والغرض من هذا الخبر أنّه ليس لأحد عذر ولا حجّة على اللّه تعالى يوم القيامة، بل له الحجّة عليهم «لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ» (4).

ص: 225


1- الصحاح، ج 5، ص 2099 (حسن) مع التلخيص واختلاف يسير في اللفظ
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 255 (فتن) مع التلخيص
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 164 مع اختلاف في اللفظ
4- الأنفال (8): 42

متن الحديث الثاني والتسعين والمائتين

اشارة

وَبِهذَا الْاءِسْنَادِ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْبَصْرِيِّ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ : «تَقْعُدُونَ فِي الْمَكَانِ ، فَتُحَدِّثُونَ وَتَقُولُونَ مَا شِئْتُمْ، وَتَتَبَرَّؤُونَ (1) مِمَّنْ شِئْتُمْ ، وَتَوَلَّوْنَ مَنْ شِئْتُمْ؟» قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : «وَهَلِ الْعَيْشُ إِلَا هكَذَا» .

شرح الحديث

الظاهر أنّ إسماعيل البصري هو إسماعيل بن الفضل بن يعقوب الهاشميّ الثقة، فالسند موثّق.

(وهل العيش إلّا هكذا).

فيه ترغيب في المجالسة والمخالطة والمحادثة بما يتعلّق بفضائل أهل البيت عليهم السلام ، ورذائل مخالفيهم، والتولّي لأهل الولاية، والتبرّي عن أهل الغواية.

متن الحديث الثالث والتسعين والمائتين

اشارة

حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ وُهَيْبِ بْنِ حَفْصٍ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ : «رَحِمَ اللّهُ عَبْدا حَبَّبَنَا إِلَى النَّاسِ وَلَمْ يُبَغِّضْنَا إِلَيْهِمْ ، أَمَا وَاللّهِ لَوْ يَرْوُونَ مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَكَانُوا بِهِ أَعَزَّ ، وَمَا اسْتَطَاعَ أَحَدٌ أَنْ يَتَعَلَّقَ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ ، وَلكِنْ أَحَدُهُمْ يَسْمَعُ الْكَلِمَةَ ، فَيَحُطُّ إِلَيْهَا (2) عَشْرا» .

شرح الحديث

السند موثّق.

قوله عليه السلام : (حبّبنا إلى الناس ولم يبغّضنا إليهم).

يُقال: حبّبني إليه، أي جعلني بحيث يحبّني.

ص: 226


1- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «وتبرّؤون»
2- في بعض نسخ الكافي: «لها». وفي بعضها: «بها» وفي بعضها: «عليها»

وقيل: المراد بالناس المخالفون وأصحاب الدولة الباطلة، ولابدّ للمؤمن في حفظه وحفظ إمامه إن تكلّم عندهم في اُمور الدِّين، من أن يتكلّم بما يوجب حبّهم لا بغضهم وعداوتهم؛ فإنّ فيه هلاكه وهلاك إمامه، انتهى(1).

أقول: لا وجه لتخصيص الناس بالمخالفين، كما لا يخفى.

(أما واللّه لو يروون محاسن كلامنا) أي يروونه على وجهه، ولا يغيّرونه بالزيادة والنقصان.

قال الجوهري: «الحسن: نقيض القبح.والجمع: محاسن، على غير قياس، كأنّه جمع محسن»(2).

أقول: يحتمل كون إضافة المحاسن إلى الكلام من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف، أو بيانيّة، والحمل للمبالغة فيهما.

وقيل: يحتمل كونها بتقدير «في»(3).

واعلم أنّ كلمة «لو» اختصّت من بين حروف الشرط بعدم انجزام المضارع بها، سواء كان للشرط، أو للتمنّي، أو للوصل؛ لأنّها تدخل غالبا على الماضي لفظا أو معنىً، فلو وقع المضارع بعدها صورة، فهو بحكم الماضي.قال ابن مالك:

وإنّ مضارع تلاها صُرِفا***إلى المضيّ نحو لو يفي كفى (4).

وقال عزّ وجلّ: «لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ» (5). الآية، وقال: «وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّه ُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ» (6). ، وقال: «وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ» (7). ، وقال: «وَلَوْ تَرَى» (8).

وبهذا ظهر فساد ما قيل من أنّ عدم انجزام «يروون» ب«لو» في هذا الخبر، على مذهب من قد لا يجزم بها، (9).فتأمّل.

(لكانوا به) أي بذلك الكلام المروي على وجهه، أو بروايته (أعزّ) عند الناس؛ لاشتمالهم عليهم السلام على لطائف البلاغة وأسرارها، ومتضمّنا لغوامض الحكم ومصالحها، فحيث

ص: 227


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 307
2- الصحاح، ج 5، ص 2099 (حسن)
3- ذهب إليه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 307
4- . شرح ابن عقيل، ج 2، ص 388
5- .التوبة (9): 57
6- النحل (16): 61
7- .النساء (4): 89
8- الأنعام (6): 27
9- . قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 163

يؤدّي على وجهه يوجب اعتراف الناس بفضلهم وحبّهم إيّاهم، أو لتضمّنه وجوها ومحامل على وجه لا يترتّب عليه الفساد.

وعلى الثاني يكون قوله عليه السلام : (وما استطاع أحد أن يتعلّق عليهم بشيء) تفسيرا وبيانا للسابق؛ إذ ليس في كلامهم ما يوجب طعن الناس صريحا، بل قد يكون له وجوه يمكن التخلّص بها.

(ولكن أحدهم) أي أحد الرّواة الحاملين للحديث.

(يسمع الكلمة) أي كلمة واحدة.

(فيحطّ) أي يزيد ويضيف.

(إليها عشرا) من عند نفسه.

والحطّ في الأصل: الوضع، والإسقاط، والإنزال.يُقال: حطَّ عنه، أي أسقط، وأطرح.

وحطّ إليه، أي أنزل إليه، وأضاف.ومثل هذا الكلام من المشهورات المبتذلة بين الأنام.

وقال بعض الشارحين:

ذلك التغيير قد يقع عمدا لغرض من الأغراض، وقد يقع سهوا، وقد يقع باعتبار فهم المخاطب من كلام له وجوه.ونقل ما هو المقصود منها كما إذا قال عليه السلام : لعن اللّه الأوّل، فيروى أنّه قال: لعن اللّه أبا بكر.قال: وينبغي أن يعلم أنّ كلامهم عليهم السلام قسمان؛ قسمٌ من باب الأسرار، فلا يجوز نقله لغير أهله أصلاً، وقسمٌ يجوز نقله مطلقا، وهذا القسم ينبغي نقله عندهم على الوجه المسموع من غير تغيير يوجب طعنهم.والمراد بالكلام هنا هو هذا القسم، وهو لكونه من الحكيم، غير مشتمل على ما يوجب طعنهم.والمراد بالكلام هنا هو هذا القسم، وبغضهم صريحا، انتهى(1).

وفي بعض النسخ: «فيحطّ لها عشرا».ولعلّ اللّام بمعنى «إلى».وقيل على هذه النسخة: يحتمل معنى آخر بأن يكون الضمير في قوله: «أحدهم» راجعا إلى الناس، أي العامّة، أي يسمع أحدهم الكلمة الرديّة ممّا أضافه الراوي إلى كلامنا، فيصير سببا لأن يحطّ ويطرح عشرا من كلامنا بسببها، ولا يقبلها لانضمام تلك الكلمة إليها(2).

أقول: يمكن حمل نسخة الأصل أيضا على هذا المعنى، لكن بنوع من التقريب.

ص: 228


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 307
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 164

متن الحديث الرابع والتسعين والمائتين

اشارة

وُهَيْبٌ (1)، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ» (2)؟

قَالَ : «هِيَ شَفَاعَتُهُمْ وَرَجَاؤُهُمْ ، يَخَافُونَ أَنْ تُرَدَّ (3)عَلَيْهِمْ أَعْمَالُهُمْ أَنْ لَمْ يُطِيعُوا اللّهَ _ عَزَّ ذِكْرُهُ _ وَيَرْجُونَ أَنْ يَقْبَلَ (4)مِنْهُمْ» .

شرح الحديث

السند موثّق.

قوله: (وهيب).

في بعض النسخ: «وهيب بن حفص».

(عن أبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: سألته).

في بعض النسخ: «سألت».

(عن قول اللّه عزّ وجلّ) في سورة المؤمنون «وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا» .

قال البيضاوي: «أي يعطون ما أعطوه من الصدقات.وقرئ: «يأتون ما أتوا»، أي يفعلون ما فعلوا من الطاعات»(5)

«وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ» : خائفة، أن لا تقبل منهم، ولا يقع على الوجه اللّائق، فيؤاخذ به.

«أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ» ؛ لأنّ مرجعهم إليه، أو من أنّ مرجعهم إليه وهو يعلم ما يخفى عليهم.

أقول: قد مرَّ سابقا في ذيل حديث نادر قبيل حديث رسول اللّه صلى الله عليه و آله برواية حفص بن غياث عن أبي عبداللّه عليه السلام ، إلى أن قال: «ألا ومن عرف حقّنا، أو رجا الثواب بنا، ورضى بقوته

ص: 229


1- . السند معلّق على سابقه، ويروي عن وهيب، حميد بن زياد عن الحسن بن محمّد
2- . المؤمنون (23): 60
3- . في بعض نسخ الكافي: «أن يردّ»
4- . في بعض نسخ الكافي: «أن تقبل»
5- تفسير البيضاوي، ج 4، ص 160

نصف مدّ كلّ يوم، و[ما] يستر به عورته، وما أكنّ به رأسه، وهم مع ذلك واللّه خائفون وجِلون.ودّوا أنّه حظّهم من الدُّنيا، وكذلك وصفهم اللّه _ عزّ وجلّ _ حيث يقول: «وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ» ما الذي أتوا به؟ أتوا واللّه بالطاعة مع المحبّة والولاية، وهم مع ذلك خائفون بأن لا يقبل منهم، وليس واللّه خوفهم خوف شكّ فيما هم فيه من إصابة الدِّين، ولكن خافوا أن يكونوا مقصّرين في محبّتنا وطاعتنا» الحديث(1).

ولهذا قال بعض الأفاضل: «الظاهر أنّ قوله: (هي شفاعتهم) كان في الأصل شفقتهم، أي خوفهم، فصحّف»(2).

وقيل: لعلّ المراد بشفاعتهم دعاؤهم وتضرّعهم، كأنّهم شفعوا لأنفسهم، أو طلب الشفاعة من غيرهم، فيقدّر فيه مضاف.قال: ويحتمل أن يكون المراد بالشفاعة مضاعفة أعمالهم.قال الفيروزآبادي: «الشفع: خلاف الوتر، وهو الزوج.وقد شفعه: كمنعه»(3).

وقوله تعالى: و «مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً» (4). أي يزد عملاً إلى عمل(5).

(ورجاؤهم) عطف على «شفاعتهم».

(يخافون أن ترد عليهم أعمالهم) أي لم تكن مقبولة.

(أن لم يطيعوا اللّه عزّ وجلّ).

يحتمل كون «أن» بفتح الهمزة وكسرها.وقال بعض الشارحين:

ضمير التأنيث في قوله: «هي شفاعتهم» راجع إلى «ما»، والتأنيث لرعاية المعنى، أو باعتبار الخبر.والمراد بشفاعتهم ورجاءهم شفاعة الأئمّة لهم، ورجاؤهم لها، وبقبول الأعمال لمحبّتهم.فالآية في وصف المحبّين للأوصياء عليهم السلام ، بأنّهم مع ذلك يخافون أن تردّ عليهم أعمالهم؛ لأجل أنّهم لم يطيعوا اللّه _ عزّ وجلّ _ في الأمر بمحبّتهم وطاعتهم كما هي.(ويرجون) مع ذلك (أن يقبل منهم أعمالهم) باعتبار الانتساب إليهم، والإقرار بولايتهم(6).

ص: 230


1- الكافي، ج 8، ص 128، ح 98
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 164 مع اختلاف في اللفظ
3- القاموس المحيط، ج 3، ص 45
4- النساء (4): 85
5- القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 164
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 307 مع اختلاف يسير في اللفظ

متن الحديث الخامس والتسعين والمائتين

اشارة

وُهَيْبُ بْنُ حَفْصٍ (1)، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ :

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «مَا مِنْ عَبْدٍ يَدْعُو إِلى ضَلَالَةٍ إِلَا وَجَدَ مَنْ يُتَابِعُهُ» .

شرح الحديث

السند موثّق.

قوله عليه السلام : (إلّا وجد من يتابعه).

قيل: ذلك لكثرة الجهَلَة، وميل طباعهم إلى الباطل، ولذلك كانت دولة الباطل أشدّ وأدوم من دولة الحقّ _ كما مرّ _ وفيه تسلية لأهل الحقّ في قلّتهم، وحثّ على الصبر عليه(2).

متن الحديث السادس والتسعين والمائتين

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الصَّلْتِ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَلْخَ ، قَالَ :

كُنْتُ مَعَ الرِّضَا عليه السلام فِي سَفَرِهِ إِلى خُرَاسَانَ ، فَدَعَا يَوْما بِمَائِدَةٍ لَهُ ، فَجَمَعَ عَلَيْهَا مَوَالِيَهُ مِنَ السُّودَانِ وَغَيْرِهِمْ ، فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، لَوْ عَزَلْتَ لِهؤُلَاءِ مَائِدَةً ، فَقَالَ : «مَهْ ؛ إِنَّ الرَّبَّ (3)._ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ وَاحِدٌ (4).، وَالْأُمَّ وَاحِدَةٌ ، وَالْأَبَ وَاحِدٌ ، وَالْجَزَاءَ بِالْأَعْمَالِ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (فدعا يوما بمائدة له).

قال الجوهري في الأجوف اليائي: «المائدة: خوان عليه طعام»(5).

ص: 231


1- . السند معلّق كسابقه
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 307 مع اختلاف يسير في اللفظ
3- . في بعض نسخ الكافي: «اللّه »
4- . في بعض نسخ الكافي و شرح المازندراني والوافي: + «والدين واحد»
5- الصحاح، ج 2، ص 541 (ميد)

وفي القاموس: «المائدة: الطعام، والخوان عليه الطعام»(1).

فقال: (مه).

قال الجوهري: «مَه: كلمة بنيت على السكون، وهو اسم سمّى به الفعل، ومعناه: أكفف؛ لأنّه زجر، فإن وصلت نوّنت فقلت: مَهٍ مَهٍ»(2).

وفي بعض النسخ بعد قوله: «والأب واحد»: «والدِّين واحد».

وفي هذا الخبر دلالة على استحباب الأكل [مع] العبيد والموالي، والجلوس معهم على المائدة، وترغيب في حُسن المعاشرة مع الخلق، وإن كانوا عبيدا، وإشعار بأنّ الشرف بالتقوى، لا بالأنساب والأحساب.

متن الحديث السابع والتسعين والمائتين

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ ، قَالَ :سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام يَقُولُ : «طَبَائِعُ الْجِسْمِ عَلى أَرْبَعَةٍ : فَمِنْهَا الْهَوَاءُ الَّذِي لَا تَحْيَا النَّفْسُ إِلَا بِهِ وَبِنَسِيمِهِ ، وَيُخْرِجُ مَا فِي الْجِسْمِ مِنْ دَاءٍ وَعُفُونَةٍ ؛ وَالْأَرْضُ الَّتِي قَدْ تُوَلِّدُ الْيُبْسَ وَالْحَرَارَةَ ؛ وَالطَّعَامُ وَمِنْهُ يَتَوَلَّدُ الدَّمُ ، أَ لَا تَرى أَنَّهُ يَصِيرُ إِلَى الْمَعِدَةِ ، فَتُغَذِّيهِ حَتّى يَلِينَ ، ثُمَّ يَصْفُوَ فَتَأْخُذُ الطَّبِيعَةُ صَفْوَهُ دَما ، ثُمَّ يَنْحَدِرُ الثُّفْلُ ؛ وَالْمَاءُ وَهُوَ يُوَلِّدُ الْبَلْغَمَ» .

شرح الحديث

السند ضعيف على الظاهر.

قوله عليه السلام : (طبائع الجسم) أي البدن (على أربعة).

قال في القاموس:

الطبع والطبيعة والطِّباع _ بالكسر _ : السجيّة، جُبل عليها الإنسان.والطّباع: ما ركّب فينا من المطعم والمشرب وغير ذلك من الأخلاق التي لا تزايلنا، كالطابع، كصاحب(3).

ص: 232


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 339 (ميد)
2- الصحاح، ج 6، ص 2250 (مهه)
3- القاموس المحيط، ج 3، ص 58 (طبع) مع اختلاف يسير في اللفظ

أقول: يحتمل أن يكون الطبائع جمع الطّباع، كشمائل وشمال، وأن يكون جمع الطبيعة كصبائح وصبيحة، وكونها جمع طابع على خلاف القياس، كفوارس في جمع فارس بعيد.فإن اُريد بالطبائع هنا المعنى الأوّل _ أعني السجيّة والجبلّة _ يُراد بكونها على أربعة أنّ حقيقتها أربعة اُمور.وإن اُريد بها المعنى الثاني، يُراد به أنّ بناءها أو قوامها تحصّلها، أو صلاحها على أربعة اُمور، وهاهنا كلام ستطّلع عليه إن شاء اللّه .

وممّا يلزم أن نشتغل به هنا قبل الشروع في المقصود، تمهيد مقدّمات يسهل بتصويرها تصوّر ما أردناه من شرح هذا الحديث وفهمه:

المقدّمة الاُولى: في كيفيّة تولّد الأخلاط.

قال ابن سينا: «الخِلط جسمٌ رطب سيّال يستحيل إليه الغذاء أوّلاً»(1).

وقال:

إنّ الغذاء له انهضام ما بالمضغ، ثمّ إذا ورد على المعدة انهضم الانهضام التامّ، فإذا انهضم الغذاء أوّلاً صار بذاته في كثير من الحيوانات، وبمعونة ما يخالطه من الماء المشروب في أكثرها كيلوسا، وهو جوهر سيّال شبيه بماء الكشك الثخين، ثمّ إنّه بعد ذلك ينجذب لطيفه من المعدة ومن الأمعاء أيضا، فيندفع في العروق المسمّاة ماساريقا، وهي عروق دقاق صلاب متّصل بالأمعاء كلّها، فإذا اندفع فيها صار إلى العرق المسمّى باب الكبد، ونفذ في الكبد في أجزاء وفروع للباب، فإذا تفرّق في ليف هذه العروق صار كأنّ الكبد بكلّيّتها ملاقيه لكلّيّة هذا الكيلوس، وكان لذلك فعلها فيه أشدّ وأسرع، وحينئذٍ ينطبخ [وفي كلّ] انطباخ لمثله شيء كالرغوة، وشيء كالرسوب، وربّما كان معهما إمّا شيء إلى الاحتراق إن أفرط الطبخ، أو شيء كالفج إن قصر الطّبخ، فالرغوة هي الصفراء، والرسوب هي السوداء، وهما طبيعيّان، والمحترق لطيفة صفراء مخترقة، وكثيفة سوداء رديّة غير طبيعيّين، والفج هو البلغم، وأمّا الشيء المتصفّى من هذه الجملة فهو الدّم، إلّا أنّه بعدما دام في الكبد يكون أرقّ ممّا ينبغي فضل المائيّة المحتاج إليها، ولكن هذا الذي هو الدّم إذا انفصل من الكبد، فكما ينفصل عنها يتصفّى أيضا من المائيّة الفضليّة التي إنّما احتيج إليها بسبب، وقد ارتفع فتنجذب هي عنه في عرق نازل إلى الكليتين،

ص: 233


1- القانون، ج 1، ص 13

وتحمل مع نفسها من الدم ما يكون بكمّيّته وكيفيّته صالحا لغذاء الكليتين، فيغذو الكليتين الدسومة والدمويّة من تلك المائيّة، ويندفع باقيها مع المثانة، وإلى الإحليل، وأمّا الدّم الحسن القوام فيندفع في العِرق العظيم الطالع من حدبة الكبد فيسلك في الأوردة المتشعّبة منه، ثمّ في جداول الأوردة، ثمّ في سواقي الجداول، ثمّ في رواضع السواقي، ثمّ في العروق الليفيّة الشعريّة، ثمّ يرشّح من فوهاتها في الأعضاء بتقدير العزيز الحكيم، فسبب الدم الفاعلي هو حرارة معتدلة، وسببه المادّي هو المعتدل من الأغذية والأشربة الفاضلة، وسببه الصوريّ النضج الفاضل، وسببه التمامي تغذية البدن.والصفراء سببها الفاعلي، إمّا الطبيعي منها الذي هو رغوة الدّم فحرارة معتدلة، وإمّا المحترقة منها فالحرارة الناريّة المفرطة، وخصوصا [في الكبد]، وسببها المادّي هو اللطيف الحارّ والحلو والدسم والحريق من الأغذية، وسببها الصوري مجاوزة النضج إلى الإفراط، وسببها التمامي الضرورة والمنفعة المذكورتان.والبلغم سببه الفاعلي حرارة مقتصرة، وسببه المادّي الغليظ البارد والرطب اللزج من الأغذية، وسببه الصوري قصور النضج، وسببه التمامي الضرورة والمنفعة المذكورتان.والسوداء سببها الفاعلي، إمّا الرسوبي منها فحرارة معتدلة، وإمّا المحترق منها فحرارة مجاوزة الاعتدال، وسببها المادّي الشديد الغليظ القليل الرطوبة من الأغذية والحار منها أقوى في ذلك، وسببها الصوري الثفل المترتّب على أحد الوجهين، فلا سبيل، ولا يتحلّل، وسببها التمامي ضرورتها ومنفعتها المذكورتان(1).

ثمّ قال: واعلم أنّ الحرارة والبرودة سببان لتولّد الأخلاط مع سائر الأسباب، لكن الحرارة المعتدلة تولّد الدّم، والمفرطة تولّد الصفراء، والمفرطة جدّا تولّد السوداء بفرط الإحراق، والبرودة تولّد البلغم، والمفرطة جدّا تولّد السوداء بفرط الإجماد(2).

ثمّ قال: ويجب أن يعلم أنّ الدّم وما يجري معه [في العروق] هضما ثالثا، وإذا توزّع على الأعضاء فليصب كلّ عضو عنده هضم رابع، ففضل الهضم الأوّل وهو في المعدة

ص: 234


1- القانون، ج 1، ص 17 و 18 مع التلخيص واختلاف يسير في اللفظ
2- القانون، ج 1، ص 18 مع اختلاف يسير في اللفظ

يندفع من طريق الأمعاء، وفضل الهضم الثاني وهو في الكبد يندفع أكثره بالبول، وباقية من جهة الطحال والمرارة، وفضل الهضمين الباقيين يندفع [بالتحلّل الذي لا يحسّ و] بالعرق وبالوسخ الخارج بعضه من منافذ محسوسة كالأنف والصماخ، أو غير محسوسة كالمسام، أو خارجة عن الطبع كالأورام المنفجرة، أو لما ينبت من زوائد البدن كالشعر والظفر(1).

المقدّمة الثانية: في طبايع الأخلاط.

الدم حارّ رطب، والبلغم بارد رطب، والصفراء حارّة يابسة، والسوداء باردة يابسة.

المقدّمة الثالثة: قال الأطبّاء: الأسباب الضروريّة المغيّرة لبدن الإنسان والحافظة له ستّة اُمور.

أحدها: الهواء المحيط بالأبدان.قالوا: ويضطرّ إليه لتعديل الروح بالاستنشاق، وإخراج فضلاته بردّ النَفَس، ويعنون بالروح هنا جوهرا لطيفا بخاريّا يتولّد من بخاريّة الأخلاط ولطافتها.قالوا: المراد بتعديل الروح تعديل سخونته؛ فإنّه خُلِقَ حارّا جدّا، ليكون سريع النفوذ في الأعضاء؛ فإنّ البرد يوجب الثقل والكثافة والغلظة، وكلّ هذه مانعة من النفوذ ومن سرعته، ويزداد حرّه باحتقان الأبخرة الدخانيّة، وبكثرة حركته وسرعتها، وباستعمال المسخّنات، فاحتيج إلى تحصيل اعتدال لائق به، وقولهم بالاستنشاق يريدون به جذب الهواء من الريّة، ومن مسام الجلد المتّصلة بمسام منافس الشرايين؛ فإنّ الهواء وإن كان حارّا في طبعه لكنّه بارد بالقياس إلى مزاج الروح الخالي عن الأبخرة الدخانيّة، فكيف إلى مزاج الروح الذي خلطت به الأجزاء الدخانيّة، وتسخّنت بالحركة وغيرها من المسخّنات، فإذا وصل إليه بردّه ومنعه عن الاشتعال والاستحالة مع الناريّة المؤدّية إلى فساد مزاجه، المانع من قبول الحسّ والحركة، وعن قبول الحياة، والمؤدّية إلى تحلّل جوهره، وعلى احتراقه الموجب لنقصان جوهره أيضا، وأرادوا بالفضلات الأبخرة الدخانيّة المتولّدة عند طبخ الروح التي ينبتها إلى الروح نسبة الخلط الفضلي إلى البدن، وذلك باستصحاب الهواء المندفع.

وقولهم: بردّ النَفَس، أرادوا به أنّ الهواء عند وروده بارد، فإذا طال مكثه في الباطن

ص: 235


1- القانون، ج 1، ص 19 و 20 مع اختلاف يسير في اللفظ

تسخّن؛ لمصاحبته بالروح، وبطلت فائدته، فاحتيج إلى هواء جديد يدخل ويقوم مقام الهواء الأوّل، فاحتيج إلى إخراج الأوّل المتسخّن ليخلو المكان للثاني؛ إذ لو بقي محتبسا، لضيّق المكان، وزاحم الروح والحرارة الغريزيّة، وليندفع معه الأبخرة الدخانيّة التي لو بقيت لسخنت الروح والعرقيّة، لأنّها حارّة حادّة يزداد حرارة الروح باختلاطهما.

وثانيها: ما يؤكل ويشرب، ووجه الاضطرار إليه أنّ البدن دائم التحلّل بالأسباب الداخلة والخارجة، فلو لم يرد عليه غذاء، يقوم بدل ما يتحلّل منه، لم يبق مدّة تكوّنه، فاضطرّ لذلك إلى المأكول.وأمّا الاضطرار إلى المشروب، فلطبخ المأكول، وترقيقه وتنفيذه، فهو متمّم لأمر الغذاء.

وقالوا: إنّ الماء لا يغذو البدن لبساطته، والمغتذي مركّب ذو مزاج، والغاذي يجب أن يكون شبيها بالمغتذي، لكنّه إذا انطبخ مع الغذاء كيلوسا صار جميع ذلك غازيّا، لا ما فيه من الأجزاء الغذائيّة فقط، والذى ينفصل عنه من المائيّة، ويخرج من البدن القدر الزائد على ما ينبغي أن يكون في الغذاء، والذي يدلّ على ذلك أنّ مرقة اللّحم يغذو البدن، ولو كان الغذاء ما فيها من الأجزاء اللّحميّة بدون المرقة، ما يحصل بالمرقة وليس كذلك.

وثالثها: الحركة والسكون البدنيّان.

ورابعها: الحركة والسكون النفسانيّان، أي الصادران عن قوى النفس؛ فإنّ النفس لا حركة لها، ولا سكون، وتلك الحركة كالشهوة والغضب وسكونها إنّما تصدران عن قواها.

وخامسها: النوم واليقظة.

وسادسها: الاستفراغ والاحتباس.قالوا: ويضطرّ إلى الاستفراغ؛ لأنّ بقاء البدن بدون الغذاء محال، وليس غذاء يستحيل بجملته إلى مشابهة جوهر الأعضاء، بل لابدّ أن يبقى منه عند كلّ هضم فضلة، وتلك الفضول إن بقيت في البدن، ولم يستفرغ، وأفسدت ما يصل إليه من الغذاء الجديد، فيجب أن يستفرغ ويخرج من البدن، وإلى الاحتباس؛ لأنّ البدن دائم التحلّل، فيحتاج دائما إلى بدل ما يتحلّل منه، ولا يمكن استعمال الغذاء دائما مستمرّا، فاحتيج بالضرورة إلى أن يحتبس الغذاء عند الأعضاء إلى أن يرد الغذاء الجديد، ولو أمكن استعمال الغذاء دائما لم يستغن عن هذا الاحتباس والادّخار؛ لأنّ الغذاء ليس شبيها

ص: 236

بالأعضاء، فاحتيج في استحالته على مشابهتها على زمان طويل جدّا؛ ليتمّ انهضامه، ويتهيّأ استحالته إلى جوهرها، فاحتيج لذلك إلى الاحتباس(1).

المقدّمة الرابعة: قال جالينوس ومن تبعه: أنّ الروح يتولّد من الهواء المستنشق؛ فإنّه يروّح الحرارة الغريزيّة، ويردّها، ويكتسب هو أيضا منها حرارة يصير بذلك روحا ينفذ في الشرايين إلى الأعضاء، وهي الروح الحيواني، وجزء صالح منه يصعد إلى الدماغ، ويصير روحا نفسانيّا، وجزء ينفذ في شعبة من الأبهر النازل إلى جانب الكبد، ويصير روحا طبيعيّا(2).

إذا عرفت هذا فنقول: لعلّ المراد بالطباع الأخلاط الأربعة، ويحتمل أن يراد ما يعمّ منها ومن الأسباب الضروريّة، والثاني أنسب بقوله عليه السلام : (فمنها الهواء).

أي الأولى من هذه الأربعة (الهواء الذي لا تحيا النفس إلّا به).

أي بذلك الهواء.

وقوله: «تحيا» من الحياة، والنفس _ بسكون الفاء _ : الروح، والجسد.

وفي بعض النسخ: «لا تجي» بالجيم، والمناسب حينئذٍ أن يكون النَفَس بالتحريك، وهو اسم وضع موضع المصدرين.نفّس تنفيسا ونفسا: أي فرح تفريحا.

(وبنسيمه).

قال الجوهري: «النسيم: الريح الطيّبة.ونسم الريح: أوّلها حين تقبل بلين قبل أن تشتدّ»(3).

أقول: المراد بنسيم الهواء التنفّس به والتروّح منه.

(ويخرج ما في الجسم من داء وعفونة).

في القاموس: «عَفِنَ الحبل _ كفرح _ عفنا وعفونةً: فسد، فتفتّت عند مسّه»(4).

وأنت إذا أحطت خبرا بما ذكرنا في المقدّمة الثانية والرابعة، لم يخف عليك كيفيّة النفس وما يترتّب عليه من الفوائد والآثار، وإن اُريد بالطبائع الأخلاط، فذكر الهواء وعدّه من الأربعة باعتبار أنّ له تأثيرا كاملاً في تولّد الأخلاط، وتكوينها، وحفظها إلى أن يترتّب المنافع المقصودة منها عليها، فكأنّه واحد منها، وقس عليه الأرض والطعام والماء.

ص: 237


1- راجع: القانون، ج 1، ص 79 ومابعدها
2- اُنظر: القانون، ج 1، ص 12
3- الصحاح، ج 5، ص 2040 (نسم) مع التلخيص
4- القاموس المحيط، ج 4، ص 249 (عفن) مع التلخيص

(والأرض) أي الثانية من الأربعة الأرض.

ولعلّ المراد بها الأرض المجاورة للبدن.ويحتمل أن يكون المراد الأرض التي هي من جملة عناصر البدن وأركانه، أو الأرضيّة الداخلة في الأغذية الواردة عليه.

(التي قد تولّد اليبس والحرارة).

يُقال: ولدت المرأة توليدا، فولدت هي، والتوليد أيضا: التربية.ولعلّ تينك الكيفيّتين كناية عنهما؛ فإنّهما جميعا يابستان، وإن كانت الحرارة مختصّة بالصفراء، فتأمّل.

وحينئذٍ يكون المراد: أنّ الأرض متولّدة لتينك المرّتين.

هذا، واعلم أنّ الأرض لمّا كانت باردة يابسة، فتوليدها اليبس بطبعها في الأبدان وغيرها ظاهر.وأمّا توليدها الحرارة فيها، فقيل: إنّه لانعكاس أشعّة الشمس منهما على البدن(1).

وقيل: لأنّ اليبوسة توجب جمود البدن المقتضي لاحتباس الحرارة الغريزيّة، وهي موجبة لقوّة المزاج.

وأقول: لا نزاع في أنّ الأرض التي تلينا خرجت عن البساطة الصّرفة، واختلطت بالأجزاء الهوائيّة والبخاريّة، بل قيل باختلاطها بالأجزاء الناريّة المكمونة فيها أيضا، فلعلّ استفادة الحرارة منها باعتبار تلك الأجزاء، مع أنّه لا دليل لهم على برودة الأرض سوى قولهم: إنّها لو خلّيت وطبعها، ولم تسخن بسبب غريب، ظهر منها برد محسوس، وقولهم: إنّها كثيفة، وما ذاك إلّا برودتها.

وردّ الأوّل بأنّه لا دليل لهم عليه، والتجربة لا تفي بذلك؛ إذ لائم خلوّ الأرض في زمانٍ من الأزمنة عمّا يبرّدها، وفرض الخلوّ لا يفيد.ودفع الثاني بأنّه يجوز أنّ كثافتها ليبوستها، على أنّ البرودة لا تنافي الحرارة الطبيعيّة كما في العسل، فحينئذٍ يجوز أن تتولّد الحرارة من الأرض بطبعها، كاليبوسة.

(والطعام) أي الثالث من الأربعة الطعام.

(ومنه يتولّد الدم) إشارة إلى السبب المادّي للدم، وكون الطعام مادّة لسائر الأخلاط أيضا، لا ينافي تخصيص بعضها بالذِّكر باعتبار كمال مدخليّته ذلك البعض أو استقلاله في تغذية

ص: 238


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 165

البدن وبقاء الحياة وتكوّن الروح. أو نقول: وجه إفراده بالذِّكر باعتبار أنّه أوّل ما يتولّد من الغذاء، ثمّ يتولّد منه الصفراء والسوداء، كما يفهم من المقدّمة الاُولى.

فإن قلت: البلغم أيضا كذلك، فما وجه تخصيص الدّم بذلك؟

قلت: هذا الإيراد لا يرد على الوجه الأوّل أصلاً، وأمّا على الثاني فنقول: البلغم وإن تولّد أوّلاً إلّا أنّ مادّته الماء لا الغذاء، كما سيجيء، مع أنّه مولّد للسوداء فقط؛ فإنّها تتولّد من أيّ خلط كان حتّى من السوداء نفسها.

(ألاترى) من الرؤية القلبيّة، أي ألا تعلم بالأمارات المفيدة لليقين.

(أنّه) أي الطعام.

(يصير إلى المعدة) أي يرد عليها، ويدخل فيها.

قال الفيروزآبادي: «المِعدة [ككلمة و] _ بالكسر _ : موضع الطعام قبل انحداره إلى الأمعاء، وهو لنا بمنزلة الكرِش للأظلاف والأخفاف.الجمع: مَعِد، ككَتِف، وعِنَب»(1).

(فتغذّيه).

الضمير المستتر للمعدة، والبارز للطعام.والتغذية: التربية.

(حتّى يلين) من اللّين، على صيغة المعلوم؛ أو من التليين، على صيغة المجهول؛ أي حتّى يصير ذلك الطعام كيلوسا.

(ثمّ يصفو) أي يلطف ذلك الكيلوس.

(فتأخذ الطبيعة) أي تتناول، وتنجذب من ماساريقا.

(صفوه).

الصفو _ بالفتح _ : نقيض الكدر، والضمير للطعام الكيلوسي.

(دما) حال من الصفو، أو تمييز.

والمعنى أنّه في حالة أخذ الطبيعة له تصير دما بالتفصيل الذي مرّ في المقدّمة الاُولى، لا أنّه دم في أوّل أخذه.

(ثمّ ينحدر الثفل) من المَعِدة على الأمعاء.

ص: 239


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 338

قال في القاموس: «الثفل _ بالضمّ _ والثافل: ما استقرّ تحت الشيء من كدره.والثافل: الرجيع»(1).

وفي بعض النسخ: «الثقل» بالقاف.

(والماء) أي الرابع من تلك الأربعة الماء.

(وهو يولّد البلغم).

ظاهره أنّ الماء سبب مادّي للبلغم، والاستعاد في ذلك، كما يظهر ممّا نقلناه في الثانية من الأسباب الضروريّة الستّة، وإن أبيت فنقول: إنّ للماء مدخليّة تامّة في حصوله.

واعلم أنّ الظاهر من ذكر هذه الطبائع الأربع أن يطلب بعد الاطّلاع عليها ما هو الأوفق من الأهوية والأراضي والأغذية والأشربة، واُدخل في تعديل الروح ليكون حافظا للصحّة إن كانت، أو محدثا لهما إن لم تكن، وتفصيلها مسطور في الكتب الطبّيّة، فليراجع إليها مَن أراد الاطّلاع عليها، ففيه إشارة إجماليّة إلى الاحتياج بعلم الطبّ.

متن الحديث الثامن والتسعين والمائتين

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ يَزِيدَ النَّوْفَلِيِّ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَعْيَنَ أَخُو مَالِكِ بْنِ أَعْيَنَ ، قَالَ :

سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ : جَزَاكَ اللّهُ خَيْرا : مَا يَعْنِي بِهِ؟

قَالَ (2)أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «إِنَّ خَيْرا نَهَرٌ فِي الْجَنَّةِ ، مَخْرَجُهُ مِنَ الْكَوْثَرِ ، وَالْكَوْثَرَ مَخْرَجُهُ مِنْ سَاقِ الْعَرْشِ ، عَلَيْهِ مَنَازِلُ الْأَوْصِيَاءِ وَشِيعَتِهِمْ ، عَلى حَافَتَيْ ذلِكَ النَّهَرِ حَوَارِي (3)نَابِتَاتٌ ، كُلَّمَا قُلِعَتْ وَاحِدَةٌ نَبَتَتْ أُخْرى ، سُمِّيَ بِذلِكَ النَّهَرُ ، وَذلِكَ قَوْلُهُ عَزَّوَجَلَّ : «فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ» (4)فَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِصَاحِبِهِ : جَزَاكَ اللّهُ خَيْرا ، فَإِنَّمَا يَعْنِي بِذلِكَ تِلْكَ الْمَنَازِلَ الَّتِي (5)أَعَدَّهَا اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ لِصَفْوَتِهِ وَخِيَرَتِهِ مِنْ خَلْقِهِ» .

ص: 240


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 342 (ثفل) مع التلخيص
2- . في الطبعة الجديدة وأكثر نسخ الكافي: «فقال»
3- . في كلتا الطبعتين وجميع النسخ الكافي التي قوبلت في الطبعة الجديدة: «جواري» بالجيم المعجمة
4- . الرحمن (55): 70
5- . في الطبعة القديمة وبعض نسخ الكافي: + «قد»

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (ما يعنى به) على البناء للمفعول، أو للفاعل، والأوّل أولى.

(قال أبو عبداللّه عليه السلام : إنّ خيرا نهر في الجنّة).

في القاموس: «النهر ويحرّك مجرى الماء»(1).

وفيه: الخير ما يرغب فيه الكلّ(2).

ولعلّ المراد أنّه ينبغي أن يقصده القائل؛ لأنّه الفرد الكامل من أفراد الخير.

وقال بعض الأفاضل: يحتمل أن يكون أصل استعمال هذه الكلمة كان ممّن عرف [هذا] المعنى، وإرادة من لا يعرف غيره لا ينافيه، على أنّه يحتمل أن يكون المراد أنّ الجزاء الخير هو هذا، وينصرف واقعا إليه، وإن لم يعرف ذلك من يتكلّم بهذه الكلمة(3).

(مخرجه) أي منبعه ومادّته.

(من الكوثر).

في القاموس: «الكوثر: نهرٌ في الجنّة تتفجّر منه جميع أنهارها»(4). وقال البيضاوي:

روي عنه عليه السلام : أنّه نهرٌ في الجنّة، وَعَدنيهِ ربّي، فيه خير كثير أحلى من العسل، وأبيض من اللبن، وأبرد من الثلج، وألين من الزبد، حافتاه الزبرجد، وأوانيه من فضّة لا يظمأ مَن شرب منه(5)وقيل: حوضٌ فيها، (6)انتهى.

(والكوثر مخرجه) ومنبعه (من ساق العرش).

الظاهر أنّه العرش الجسماني، وساقه قائمته.

قال الجوهري: «الساق: ساق القدم.وساق الشجرة: جذعها»(7).

ص: 241


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 150 (نهر)
2- لم نعثر عليه في القاموس
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 166
4- القاموس المحيط، ج 2، ص 125 (كثر) مع التلخيص
5- روي الخبر في: صحيح مسلم، ج 2، ص 13 و 14؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 423، ح 4747؛ التمهيد، ج 5، ص 219 (مع اختلاف في اللفظ)
6- . تفسير البيضاوي، ج 5، ص 536
7- الصحاح، ج 4، ص 1498 (سوق) مع التلخيص

(عليه منازل الأوصياء وشيعتهم).

الظاهر أنّ الضمير في «عليه» راجع إلى الكوثر، مع احتمال رجوعه إلى «النهر»، وأنّ المراد بالأوصياء أوصياء محمّد صلى الله عليه و آله .

(على حافّتي ذلك النهر حواري).

قال الفيروزآبادي في الأجوف الواوي: «حافّتا الوادي وغيره: جانباه.الجمع: حافّات»(1). وقيل: «الحواري» يحتمل أن يكون بتخفيف الياء، جمع حوراء، (2).وفيه نظر؛ لأنّ فعلا الصفة يجمع على فِعال وفُعل .وفي القاموس: «الحُور _ بالضمّ _ : جمع أحْوْرَ، وحَوْراء»(3).

أقول: يحتمل كونه بتشديد الياء بمعنى المرأة البيضاء.قال الجوهري: «تحوير الثياب: تبييضها.والنساء حواريّات لبياضهنّ»(4). وفي القاموس: «الحواريات: نساء الأمصار»(5).

وفي بعض النسخ: «الجواري» بالجيم، جمع جارية.

(نابتات) كالشجر (كلّما قلعت) على البناء للمفعول.وفي بعض النسخ: «قطعت».

(نبتت اُخرى) من تلك الحواري.

(سمّي بذلك النهر).

قال بعض الأفاضل: «كذا في أكثر النسخ، والظاهر: «سمّين»، ويمكن أن يقرأ على البناء للمفعول، (6)أي سمّاهن اللّه بها في قوله: «خَيْرَاتٌ» ».قال: «ويحتمل أن يكون المشار إليه النابت، أي سمّي النهر باسم ذلك النابت، أي الجواري؛ لأنّ اللّه سمّاهنّ خيرات»(7).

أقول: كلام هذا الفاضل لا يخلو عن اضطراب وتكلّف، كما لا يخفى، ويخطر بالبال أن يكون سمّى على البناء للمفعول، والمستتر فيه راجعا إلى الحواري، وعدم التأنيث باعتبار المذكور، والنهر بالجرّ بدلاً أو صفة من ذلك؛ أي سمّى المذكور من الحواري باسم ذلك

ص: 242


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 130 (حوف)
2- احتمله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 310
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 15 (حور) مع التلخيص
4- الصحاح، ج 2، ص 639 (حور) مع التلخيص واختلاف في اللفظ
5- القاموس المحيط، ج 2، ص 15 (حور)
6- . في المصدر: «المعلوم»
7- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 166

للنابتة على حافّتيه.وعلى التقديرين يكون قوله عليه السلام : (وذلك قوله) إشارة إلى تلك التسمية.

وهنا احتمال آخر، وهو أن يكون النهر بالرفع قائما مقام الفاعل سمّي واسم الإشارة في قوله: «بذلك» إشارة إلى الخير؛ أي سمّي النهر المذكور بهذا الاسم، ولكن وقع التسمية لما في حافّتيه مجازا، واسم الإشارة في قوله: «هو ذلك» إشارة إلى التسمية المجازيّة.

«فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ» (1).

حسان: جمع حسناء، كبطاح [و] بطحاء.

وقال البيضاوي:

ضمير فيهنّ راجع إلى الجنان المفهوم من قوله تعالى: «وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ» (2). إلى قوله: «وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ» ؛ (3). فإنّ جنّتان يدلّ على جنان هي للخائفين، أو فيما فيهما من الأماكن والقصور، أو في الآلاء المعدودة من الجنّتين والعينين والفاكهة والفرش(4).

وقال: «خيرات: مخفّف خيّرات؛ لأنّ خير الذي بمعنى أخير لا تجمع.وقد قرئ على الأصل، والمراد بالحسان حسان الخَلق والخُلق»(5).

وقال الجوهري: «الخيرة: الفاضلة من كلّ شيء.الجمع: خيرات»(6).

(فإذا قال الرجل لصاحبه: جزاك اللّه خيرا، فإنّما يعني) أي يقصد.

وقد مرّ في صدر الحديث ما يتعلّق بهذا المقام، فتذكّر.

(بذلك) أي بالخير.

(تلك المنازل) المذكورة.

(التي أعدّها اللّه عزّ وجلّ) أي هيّأها.

(لصفوته).

في القاموس: «صفوة الشيء _ مثلّثة _ : ما صفا منه»(7).

ص: 243


1- الرحمن (55): 70
2- .الرحمن (55): 46
3- .الرحمن (55): 54
4- تفسير البيضاوي، ج 5، ص 281 مع اختلاف في اللفظ
5- تفسير البيضاوي، ج 5، ص 281 مع اختلاف في اللفظ
6- الصحاح، ج 2، ص 652 (خير) مع اختلاف في اللفظ
7- القاموس المحيط، ج 4، ص 352 (صفو)

(وخيرته).

الخيرة _ بالكسر، وكعنبة _ : الاسم من الاختيار، من اخترته منهم وعليهم خيرة، أي فضّلته.

(من خلقه) متعلّق بالصفوة والخيرة، أو بيان لهما.

متن الحديث التاسع والتسعين والمائتين

اشارة

وَعَنْهُ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ نَهَرا حَافَتَاهُ حُورٌ نَابِتَاتٌ ، فَإِذَا مَرَّ (1)الْمُؤْمِنُ بِإِحْدَاهُنَّ فَأَعْجَبَتْهُ اقْتَلَعَهَا ، فَأَنْبَتَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ مَكَانَهَا» .

شرح الحديث

السند صحيح.

قوله عليه السلام : (إنّ في الجنّة نهرا حافتاه) بتخفيف الفاء، أي جانباه.

(حُورٌ).

هو بالضمّ، جمع حوراء، كما مرّ.وهي من نساء أهل الجنّة، من الحَور _ بالتحريك _ وهي شدّة بياض العين في شدّة سوادها.

(نابتات) صفة «حور».

(فإذا مرّ المؤمن بإحداهنّ) من تلك الحور.

(فأعجبته).

يُقال: أعجبني هذا الشيء لحسنه، أي أدخلني وأوقعني في العجب، وهو _ بالتحريك _ أمرٌ يُستغرَب، أو يستحسن، أو يسرّ.

(اقتلعها) جواب «إذا».يقال: قلعه _ كمنعه _ واقتلعه، أي انتزعه من أصله.

(فأنبت اللّه _ عزّ وجلّ _ مكانها).

الفاء فصيحة، أو عاطفة، والأوّل أنسب.

ص: 244


1- . في بعض نسخ الكافي: «أمرّ»

متن الحديث الثلاثمائة (حَدِيثُ الْقِبَابِ)

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْوَشَّاءِ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ، قَالَ :قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام لَيْلَةً وَ أَنَا عِنْدَهُ ، وَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ ، فَقَالَ (1): «يَا أَبَا حَمْزَةَ ، هذِهِ قُبَّةُ أَبِينَا آدَمَ عليه السلام ، وَإِنَّ لِلّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ سِوَاهَا تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ قُبَّةً ، فِيهَا خَلْقٌ مَا عَصَوُا اللّهَ طَرْفَةَ عَيْنٍ» .

شرح الحديث

السند صحيح.

قوله: (القباب).

مِن القُبّة _ بالضمّ _ من البناء، والجمع: قُبب كصُرَد، وقِباب ككتاب.

وقوله: (ونظر إلى السماء، فقال: يا أبا حمزة، هذه قبّة أبينا آدم عليه السلام ).

قيل: كأنّه أشار بهذه إلى السماء الدُّنيا، وعندها قبّة آدم باعتبار أنّها خلقت له ولذرّيّته، كما نطقت به الآيات والروايات، أو باعتبار أنّه لم تكن له عليه السلام قبّة سواها.أو أشار إلى قبّته عليه السلام في الجنّة، وأراد بتسعة وثلاثين قبّة القباب التي فيها.والجنّة موجودة في السماء، كما ذهب إليه أهل الحقّ، انتهى(2).

(وإنّ للّه _ عزّ وجلّ _ سواها) أي سوى هذه القبّة.

(تسعة وثلاثين قبّة).

قيل: أراد بها ما فوق السماء الدُّنيا من السماوات، ولا دليل عقلاً ولا نقلاً على انحصار السماوات في تسع، بل يجوّز العقل الأقلّ والأكثر(3).

أقول: روى محمّد بن الحسن الصفّار في كتاب بصائر الدرجات بإسناده عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال: «إنّ [من] وراء عين شمسكم هذه أربعين عين شمس فيها خلقٌ كثير، وأنّ [من] وراء قمركم أربعين قمرا، فيها خلقٌ كثير لا يدرون أنّ اللّه خلق آدم أم لم يخلقه إليهم، ألهموا إلهاما لعنة فلان وفلان»(4).

ص: 245


1- . في الطبعة القديمة: «قال»
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 311 مع التلخيص
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 311 مع التلخيص
4- بصائر الدرجات، ص 510، الباب 14، ح 3

وروى بإسناده عن الحسن بن عليّ عليهماالسلام، قال: «إنّ للّه مدينتين: إحداهما بالمشرق، والاُخرى بالمغرب، عليهما سور من حديد، وعلى كلّ مدينة منهما سبعون ألف ألف مصراع من ذهب، وفيها سبعون ألف ألف لغة يتكلّم كلّ لغة بخلاف لغة صاحبها، وأنا أعرف جميع اللّغات وما فيهما وما بينهما وما عليهما حجّةٌ غيري وغير الحسين أخي»(1).

وروى بإسناده عن أبي عبداللّه ، عن أبيه، عن عليّ بن الحسين، عن أمير المؤمنين عليهم السلام ، قال: «إنّ للّه بلدة خلف المغرب يُقال لها: جابلقا، وفي جابلقا سبعون ألف اُمّة ليس منها اُمّة إلّا مثل هذه الاُمّة، فما عصوا اللّه طرفة عين، فما يعملون من عمل ولا يقولون قولاً إلّا الدّعاء على الأوّلين، والبراءة منهما. والولاية لأهل بيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله »(2).

وبإسناده عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال: «[إنّ] من وراء أرضكم هذه أرضا بيضاء ضوءها منها، فيها خلقٌ يعبدون اللّه لا يشركون به شيئا، يتبرّؤون من فلان وفلان»(3).

وبإسناده عن أبي جعفر عليه السلام ، قال: «إنّ اللّه خلق جبلاً محيطا بالدُّنيا من زبرجد أخضر، وإنّ خضرة السماء من خضرة ذلك الجبل، وخلق خلفه خلقا لم يفترض عليهم شيئا ممّا افترض على خلقه من صلاة وزكاة، وكلّهم يلعن رجلين من هذه الاُمّة وسمّاهما»(4).

وأنت إذا أعطيت النظر حقّه، يظهر لك من فحوى هذه الأخبار، وكذا من الخبر الآتي أنّ تلك القباب لا يحيط بعضها ببعضه، كما يظهر من كلام القائل، وأنّ قوله: «أو أشار إلى قبّته عليه السلام في الجنّة» لا وجه له، كما لا يخفى.

(فيها خلقٌ).

قيل: أراد بالخلق الملائكة، أو الأعمّ الشامل للأنبياء والأوصياء أيضا»(5).

أقول: يظهر من الخبر الآتي وكذا من الأخبار السابقة أنّ هذا الخلق ليس من جنس بني آدم، بل ربّما يفهم منها عدم كونه من جنس الملائكة أيضا.

(ما عصوا اللّه طرفة عين).

ص: 246


1- بصائر الدرجات، ص 514، الباب 15، ح 11
2- بصائر الدرجات، ص 510، الباب 14، ح 1
3- بصائر الدرجات، ص 510، الباب 14، ح 2
4- بصائر الدرجات، ص 510، الباب 14، ح 6 (مع اختلاف يسير في اللفظ)
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 311

قال الجوهري:

طَرَفَ بصره يطرف طرفا: إذا أطبق أحد جفنيه على الآخر.الواحدة من ذلك: طَرْفة.

يُقال: أسرع من طرفة عين(1).

متن الحديث الواحد والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِي يَحْيَى الْوَاسِطِيِّ ، عَنْ عَجْلَانَ بْنِ صَالِحٍ (2).، قَالَ :

دَخَلَ رَجُلٌ عَلى أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، فَقَالَ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، هذِهِ قُبَّةُ آدَمَ عليه السلام ؟

قَالَ : «نَعَمْ ، وَلِلّهِ قِبَابٌ كَثِيرَةٌ ، أَلَا إِنَّ خَلْفَ مَغْرِبِكُمْ هذَا تِسْعَةً وَثَلَاثُونَ (3)مَغْرِبا أَرْضا بَيْضَاءَ مَمْلُوَّةً خَلْقا ، يَسْتَضِيئُونَ بِنُورِهِ ، لَمْ يَعْصُوا اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ طَرْفَةَ عَيْنٍ ، مَا يَدْرُونَ خُلِقَ آدَمُ أَمْ لَمْ يُخْلَقْ ، يَبْرَؤُونَ مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانٍ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (عجلان بن صالح).

كذا في النسخ التي رأيناها، والمذكور في كتب الرجال: «عجلان أبو صالح»(4).

(ألا إنّ خلف مغربكم هذا) إشارة إلى المغرب المعهود.

(تسعة وثلاثون).

وفي بعض النسخ: «وثلاثين»، وهو أظهر.

(مغربا).

يُقال: غربت الشمس _ من باب نصر _ غروبا، وغرب الرجل أيضا: أي بعُد.واسم المكان منهما: مغرب، بكسر الراء.

ص: 247


1- الصحاح، ج 4، ص 1395 (طرف)
2- هكذا أيضا في أكثر نسخ الكافي.لكن في بعض نسخ الكافي وكلتا الطبعتين: «عجلان أبي صالح»، وهو الظاهر.اُنظر: رجال البرقي، ص 43؛ رجال الكشّي، ص 411، الرقم 772
3- . في كلتا الطبعتين وبعض نسخ الكافي: «وثلاثين»
4- اُنظر: رجال البرقي، ص 43؛ رجال الكشّي، ص 411، الرقم 772

وفي القاموس: «المغرب _ بفتح الراء _ : الصبح، وكلّ شيء أبيض»(1).وإن اُريد بالمغرب هنا المعنى الأوّل، فلعلّ المراد به المشرق والمغرب كناية أو مشاكلة.وأوّله بعضهم بالمشارق والمغارب باعتبار البقاع والآفاق، وهو تكلّف بعيد مع عدم الحاجة إليه.

(أرضا) بدل، أو صفة لقوله: «مغربا».ويحتمل كونه منصوبا بتقدير «أعني».

(بيضاء).

الظاهر أنّه من البياض ضدّ السواد.وقيل: الأرض البيضاء: الملساء(2).

(مملوّة خلقا، يستضيؤون بنوره).

لعلّ الضمير راجع إلى «المغرب» باعتبار المكان، أي استضاءتهم في ذلك المكان بنور يختفى به من نور الشمس والقمر المختفَين به غير شمسنا وقمرنا.ويؤيّده الحديث الأوّل الذي نقلناه من كتاب البصائر(3).

وإرجاعها إلى الأرض، وجعل التذكير باعتبار كونها مؤنّثا غير حقيقي بعيد.لكن يؤيّده ما نقلناه من الكتاب المذكور في الحديث الرابع من قوله عليه السلام : «إنّ من وراء أرضكم هذه أرضا بيضاء ضؤها منها»(4). وقيل: الظاهر إرجاعه إلى اللّه ، والمراد به العلم الفائض عليهم من الأنوار المعنويّة والاهتداء بالأئمّة عليهم السلام »(5).

(يَبْرَؤُون من فلان وفلان)؛ يعني أبا بكر وعمر.قيل: براءتهم منهما باعتبار أنّه تعالى ألهمهم خبث ذواتهما وقبح صفاتهما، ولا يتوقّف ذلك على علمهم بنسبهما، وأنّهما من ولد آدم، فلا ينافي قوله: «ما يدرون خُلِق آدم أم لم يخلق» (6).

وقيل: إنّما يتبرّؤون منهما؛ لأنّهم مجبولون على الخير، فلا محالة يبرؤون من منبع الشرّ(7).

ص: 248


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 111 (صبح)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 311
3- بصائر الدرجات، ص 510، الباب 14، ح 3
4- بصائر الدرجات، ص 510، الباب 14، ح 2
5- ذهب إليه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 311
6- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 311
7- قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي، ج 26، ص 480، ذيل ح 25557

واعلم أنّ التصديق بظواهر أمثال تلك الأحاديث والأخبار المنقولة في الكتب المعتبرة عن أهل البيت الأطهار من أعظم سير الديّانين بالأخبار، وتأويلها بمجرّد الاستبعادات الواهية، والاستناد إلى اُصول الفلاسفة والمتصوّفة من غير ضرورة، دعت إليه من أطوار الأشرار المنتحلين بالدِّين المتّصفين المحرّفين للكلم عن مواضعه.

قال بعضهم في شرح هذا الحديث: كان ذلك إشارة إلى عالم المثال؛ فإنّه عالم نورانيّ نوره من [نور] نفسه، ولذا قال: «يستضيئون بنوره» أي بنور ذلك العالم(1). قال: ونقل عن الحكماء الأقدمين أنّ في الوجود عالما مقداريّا غير العالم الحسّي، لا تتناهى عجائبه، ولا تحصى مدُنُه، من جملة تلك المُدن جابلقا وجابرصا، وهما مدينتان عظيمتان، لكلّ منهما ألف باب، لا يحصى ما فيهما من الحدائق (2).

قال: وقال بعض أهل العلم: في كلّ نفس خلق اللّه عوالم «يُسَبِّحُونَ الَّيْلَ وَ النَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ» (3)وخلق اللّه من جملة عوالمها عالما على صورتا إذا أبصرها العارف يشاهد نفسه فيها.

ثمّ قال: وكلّ ما فيها حيّ ناطق، وهي باقية لا تُفنى ولا تتبدّل، وإذا دخلها العارفون إنّما يدخلون بأرواحهم لا بأجسامهم، فيتركون هياكلهم في هذه الأرض الدُّنيا ويجرّدون، وفيها مدائن لا تُحصى، بعضها يسمّى «مدائن النور» لا يدخلها من العارفين إلّا كلّ مصطفىً مختار، وكلّ حديث وآية وردت عندنا، فصرفها العقل عن ظاهرها وجدناها على ظاهرها في هذه الأرض، وكلّ جسدٍ يتشكّل فيه الروحاني من مَلكٍ وجنّ في كلّ صورة يرى الإنسان فيها نفسه في النوم، فمن أجساد هذه الأرض، انتهى(4).

متن الحديث الثاني والثلاثمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي حَمَّادٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْمُبَارَكِ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَبَلَةَ ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ (5):

ص: 249


1- قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي، ج 26، ص 480، ذيل ح 25557
2- في المصدر: «الخلائق»
3- . الأنبياء (21): 20
4- الوافي، ج 26، ص 480، ذيل ح 25557
5- . في أكثر نسخ الكافي: - «عن إسحاق بن عمّار»

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «مَنْ خَصَفَ نَعْلَهُ وَرَقَّعَ ثَوْبَهُ وَحَمَلَ سِلْعَتَهُ ، فَقَدْ بَرِئَ مِنَ الْكِبْرِ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله عليه السلام : (من خصف نعلَه).

خَصْفُ النعل كناية عن لبس النّعل الخلق البالية.يُقال: خصف نعله _ كضرب _ : أي خرزها.وخَصَفَ الوَرق على بدنه: ألزَقَها، وأطبقها عليه وَرَقةً وَرَقةً.

والنعل: كلّ ما وقيت به القدم من الأرض، مؤنّثة.كذا في القاموس (1).:

(ورقّع ثوبه).

قال الجوهري: «الرُقعة: الخرقة، تقول منه: رقعت الثوب بالرقاع.وترقيع الثوب: أن يرقعه في مواضع»(2).

وفي القاموس: «رقع الثوب _ كمنع _ : أصلحه بالرقاع، كرقّعه»(3).

(وحَمَلَ سِلعَتَه).

السِلعة _ بالكسر _ : المتاع؛ أي حمل ما يشتريه لنفسه أو لأهله من الأمتعة، برأسه أو ظهره أو يده، ولا يستنكف منه.

ويفهم من بعض الأخبار اختصاص هذا الحكم واستحبابه بما إذا لم يشنّعه الناس، ولم يستسخروا منه.

(فقد برئ من الكبر).

البريء _ ككريم _ المتبرّئ من العيوب، والمطهّر منها.تقول: برئ _ كعلم _ براءة، فهو بريء.

قال الفيروزآبادي:

الكِبر _ بالكسر _ : معظم الشيء، والشرف.ويضمّ فيهما، والإثم الكبير، والرفعة في الشرف والعظمة والتجبّر، كالكبرياء، وقد تكبّر واستكبر، انتهى(4).

ص: 250


1- . اُنظر: القاموس المحيط، ج 3، ص 134 (خصف)؛ و ج 4، ص 58 (فعل)
2- الصحاح، ج 3، ص 1221 (رقع) مع التلخيص
3- القاموس المحيط، ج 3، ص 31 (رقع)
4- القاموس المحيط، ج 2، ص 124 (كبر) مع التلخيص

أقول: الأنسب هنا المعنى الأخير، ويحتمل حمله على المعاني الاُخر بتقدير مثل معنى الطلب أو الارتكاب، فتدبّر.

وقيل: هذا إذا كان من باب القناعة والخلوص للّه ، وأمّا إذا كان لصرف وجوه الناس إليه، فهو من أسباب الكبر، كالمال والجاه ونحوهما(1).

متن الحديث الثالث والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ صَالِحٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُورَمَةَ ، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ ، عَنِ الْمُفَضَّلِ (2)، قَالَ :

كُنْتُ أَنَا وَالْقَاسِمُ شَرِيكِي وَنَجْمُ بْنُ حَطِيمٍ وَصَالِحُ بْنُ سَهْلٍ بِالْمَدِينَةِ ، فَتَنَاظَرْنَا فِي الرُّبُوبِيَّةِ ، قَالَ : فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ : مَا تَصْنَعُونَ بِهذَا؟ نَحْنُ بِالْقُرْبِ مِنْهُ ، وَلَيْسَ مِنَّا فِي تَقِيَّةٍ ، قُومُوا بِنَا إِلَيْهِ .

قَالَ : فَقُمْنَا ، فَوَ اللّهِ مَا بَلَغْنَا الْبَابَ إِلَا وَقَدْ خَرَجَ عَلَيْنَا بِلَا حِذَاءٍ وَلَا رِدَاءٍ ، قَدْ قَامَ كُلُّ شَعْرَةٍ مِنْ رَأْسِهِ مِنْهُ ، وَهُوَ يَقُولُ : «لَا ، لَا ، يَا مُفَضَّلُ وَيَا قَاسِمُ وَيَا نَجْمُ ، لَا ، لَا «بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ» (3).» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (اُوْرمة) بضمّ الهمزة وإسكان الواو وفتح الراء.كذا في الإيضاح(4).

(عن المفضّل)؛ هو المفضّل بن عمر.

(قال: كنت أنا والقاسم شريكي)؛ هو القاسم بن عبد الرحمن الصيرفي.

(ونجم بن حطيم).

في القاموس: «حُطَيم _ كزُبير _ : تابعي»(5).

(فتناظرنا في الربوبيّة) أي في ربوبيّة الصادق عليه السلام ، أو جميع الأئمّة عليهم السلام .

ولعلّ بناء المناظرة أنّ بعضهم أو جميعهم قال بربوبيّته عليه السلام .وقال الفاضل الإسترآبادي: كان بعض الشيعة [من] ضعفاء العقول بعدما شاهدوا ظهور بعض الخوارق عن

ص: 251


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 312
2- . في الطبعة القديمة: + «بن عمر»
3- . الأنبياء (21): 25 و 26
4- إيضاح الاشتباه، ص 271، الرقم 587
5- القاموس المحيط، ج 4، ص 98 (حطم) مع التلخيص

الأئمّة عليهم السلام ، وسوس الشيطان في قلوبهم أنّ اللّه فوّض كائنات الجوّ إلى محمّدٍ وعليّ وأولادهما الطاهرين عليهم السلام بعد أن خلقهم، كما في آخر شرح المواقف (1)، واشتهر ذلك جماعة من الغُلاة في حقّ أمير المؤمنين عليه السلام (2).

(قال: فقال بعضنا لبعض: ما تصنعون بهذا)، إشارة إلى التناظر المذكور.

(نحن بالقُرب منه).

لعلّ الضمير للصادق عليه السلام .ويحتمل كونه للباقر عليه السلام ، بقرينة أنّ الرجال المذكورين كانوا من أصحابهما.وكذا المستتر في قوله: (ليس منّا في تقيّة).وكذا البارز في قوله: (قوموا بنا إليه).

وحاصله: أنّه عليه السلام قريبٌ منّا وليس بيننا وبينه مسافة كثيرة، ومعلوم أنّه لا يفتينا تقيّةً، فنتحاكم إليه، ونستفتيه في الأمر المتنازع فيه، فما حكم به فالحكم حكمه.

والباء في قوله: «بنا» للتعدية، أو للمصاحبة، والظرف متعلّق ب«قوموا» بتضمين مثل معنى التوجّه أو التحاكم.

(قال: فقمنا) إلى قوله: (بلا حِذاء ولا رداء) يدلّ على اضطرابه عليه السلام وخروجه عن البيت في غاية السرعة، والحِذاء _ بالكسر _ : النعل.

(قد قام كلّ شعرة من رأسه منه) غضبا عليهم، أو مخافةً من اللّه .

(وهو يقول: لا لا) إنكار لتوهّمهم ربوبيّته.

وقوله عليه السلام : «بَلْ عِبَادٌ» [الآية]، أي بل نحن عباد، اقتباس من قوله _ عزّ وجلّ _ في سورة الأنبياء: «وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ» (3).الآية.

قال البيضاوي:

«نزلت في خزاعة حيث قالوا: الملائكة بنات اللّه ».وقال: معنى قوله: «بَلْ عِبَادٌ» : بل هم عباد، من حيث إنّهم مخلوقون، وليسوا بأولاد.«مُكْرَمُونَ» : مقرّبون.وفيه تنبيه على مدحض القوم.وقرئ بالتشديد.«لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ» : لا يقولون شيئا حتّى كما يقوله، كما هو ديدن العبيد المؤدّبين، وأصله: لا يسبق قولهم قوله، فنسب

ص: 252


1- . شرح المواقف، ج 8، ص 388
2- نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 313
3- .الأنبياء(21): 26

[السبق إليه و] إليهم، وجعل القول محلّه وأداته تنبيها على استهجان المنسبق المعرّض به للقائلين على اللّه ما لم يقله، واُنيب اللّام عن الإضافة اختصارا وتجافيا عن تكرير الضمير، وقرئ: «لا يُسبقونه» بالضمّ، من سابقته فسبقته أسبقه.«وَ هُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ» لا يعملون قطّ ما لم يأمرهم به، انتهى(1).

متن الحديث الرابع والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ صَالِحٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ لِاءِبْلِيسَ عَوْنا يُقَالُ لَهُ : تَمْرِيجٌ (2)، إِذَا جَاءَ اللَّيْلُ مَلَأَ مَا بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (إنّ لإبليس عونا).

في القاموس: «العون: الظهير، للواحد والجمع والمؤنّث»(3).

(يُقال له تمريج).

يحتمل كونه اسم علم لذلك الشيطان، أو مصدر وُصِفَ به للمبالغة، من المرج.

قال الجوهري:

المَرَج _ بالتحريك _ مصدر قولك: مرج الخاتم في إصبعي _ بالكسر _ أي قلق.

ومرجت أمانات الناس أيضا: فَسدَتْ.ومرج الدين والأمر: اختلط، واضطرب.

ومنه الهرج والمرج، يُقال: إنّما يسكّن المرج لأجل الهرج ازدواجا للكلام، وأمر مريج، أي مختلط(4).

وفي بعض النسخ: «تمريح» بالحاء المهملة.قال الجوهري:

المَرَحُ: شدّة الفرح، والنشاط.

وقد مرِح _ بالكسر _ ومرحت عينه أيضا مَرَحانا:

ص: 253


1- تفسير البيضاوي، ج 4، ص 90
2- في كلتا الطبعتين وأكثر نسخ الكافي: «تمريح» بالحاء المهملة.وفي بعض نسخ الكافي: «تمريخ» بالخاء المعجمة
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 251 (عون)
4- الصحاح، ج 1، ص 341 (مرج) مع التلخيص

فَسَدَتْ، وهاجَتْ.ومرّحت القِربة: أي سرّبتها، وهو أن تملأها ماءً لتنسد عيون الخزر.ويقال للرامي إذا أصاب: مرحى، وإذا أخطأ: برحى(1).

وفي بعض النسخ بالخاء المعجمة.قال الجوهري: «مرخت جسدي بالدهن مرخا، ومرّخته تمريخا، وأمرخت العجين: إذا أكثرت ماءه حتّى رقّ» انتهى(2).

فلعلّ تسميته بالتمريخ لأنّه يمرّخ الإنسان، ويدنّسه بالمعاصي، أو يليّنه لقبولها، أو يخلط أمره، وألقاه في الشبهة.ويجوز على هذه النسخة أيضا كونه من المَرَخ وهو شجر سريع الورى يتّخذ منه ومن شجر آخر، يُقال له: العفار الزند، ويقدح بهما النار.

(إذا جاء الليل ملأ ذلك).

العون من عساكره.

(ما بين الخافقين) لإضلال بني آدم وإضرارهم، ولوسوستهم في المنام.

قال الفيروزآبادي:

خفقت الراية: اضطربت، وتحرّكت.والخافقان: المشرق والمغرب أو اُفقهما؛ لأنّ الليل والنهار يختلفان فيهما، أو طرفا السماء والأرض، أو منتهاهما، انتهى(3).

روى الصدوق رحمه الله في أماليه بإسناده عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال: سمعته يقول: «إنّ لإبليس شيطانا يُقال له هزع، يملأ [ما بين] المشرق والمغرب في كلّ ليلة يأتي الناس في المنام»(4).

متن الحديث الخامس والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ صَالِحٍ ، عَنِ الْوَشَّاءِ ، عَنْ كَرَّامٍ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ طَلْحَةَ ، قَالَ :

سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام عَنِ الْوَزَغِ ؟

فَقَالَ : «رِجْسٌ وَهُوَ مَسْخٌ كُلُّهُ ، فَإِذَا قَتَلْتَهُ فَاغْتَسِلْ» .

وَقَالَ (5).: «إِنَّ أَبِي كَانَ قَاعِدا فِي الْحِجْرِ وَمَعَهُ رَجُلٌ يُحَدِّثُهُ ، فَإِذَا هُوَ بِوَزَغٍ يُوَلْوِلُ بِلِسَانِهِ ، فَقَالَ أَبِي

ص: 254


1- الصحاح، ج 1، ص 404 (مرح) مع التلخيص
2- الصحاح، ج 1، ص 430 (مرخ)
3- القاموس المحيط، ج 3، ص 228 (خفق) مع التلخيص
4- الأمالي للصدوق، ص 210، ح 239
5- . في الطبعة القديمة: «فقال»

لِلرَّجُلِ : أَتَدْرِي مَا يَقُولُ هذَا الْوَزَغُ؟ قَالَ (1): لَا عِلْمَ لِي بِمَا يَقُولُ ، قَالَ : فَإِنَّهُ يَقُولُ ، وَاللّهِ لَئِنْ ذَكَرْتُمْ عُثْمَانَ بِشَتِيمَةٍ لَأَشْتِمَنَّ عَلِيّا حَتّى تَقُومَ (2)مِنْ هاهُنَا» .

قَالَ : «وَقَالَ أَبِي : لَيْسَ يَمُوتُ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ مَيِّتٌ إِلَا مُسِخَ وَزَغا» .

قَالَ : «وَقَالَ : إِنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ لَمَّا نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ مُسِخَ وَزَغا ، فَذَهَبَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ ، وَكَانَ عِنْدَهُ وُلْدُهُ ، فَلَمَّا أَنْ فَقَدُوهُ عَظُمَ ذلِكَ عَلَيْهِمْ ، فَلَمْ يَدْرُوا كَيْفَ يَصْنَعُونَ ، ثُمَّ اجْتَمَعَ أَمْرُهُمْ عَلى أَنْ يَأْخُذُوا جِذْعا ، فَيَصْنَعُوهُ كَهَيْئَةِ الرَّجُلِ» قَالَ : «فَفَعَلُوا ذلِكَ ، وَأَلْبَسُوا الْجِذْعَ دِرْعَ حَدِيدٍ ، ثُمَّ أَلْقَوْهُ (3)فِي الْأَكْفَانِ ، فَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ إِلَا أَنَا وَوُلْدُهُ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الوزغ فقال: رجس وهو مسخ كلّه) أي بجميع أنواعه.

قال الفيروزآبادي: «الوزغة _ محرّكة _ : سامّ أبرص، سمّيت بها لخفّتها وسرعة حركتها.

الجمع: «وزغ»(4). وقال: «الرجس _ بالكسر _ : القذر، ويحرّك، وتفتح الراء وتكسر الجيم»(5).

وقال: «مسخه _ كمنعه _ : حوّل صورته إلى اُخرى أقبح، ومسخه اللّه قِردْا، فهو مسخ ومسيخ»(6).

(فإذا قتلته فاغتسل).

قال بعض الأفاضل:

المشهور بين الأصحاب استحباب ذلك الغسل، واستندوا في ذلك بما ذكره الصدوق رحمه الله في الفقيه حيث قال: وروي: «أنّ من قتل وزغا فعليه الغسل».وقال بعض مشايخنا: إنّ العلّة في ذلك أنّه يخرج من ذنوبه، فيغتسل منها(7). وقال المحقّق في المعتبر: وعندي [أنّ] ما ذكره ابن بابويه ليس بحجّة، وما ذكره

ص: 255


1- . في أكثر نسخ الكافي: «فقال»
2- . في كلتا الطبعتين: «يقوم»
3- . في الطبعة القديمة: «لفّوه»
4- القاموس المحيط، ج 3، ص 115 (وزغ)
5- القاموس المحيط، ج 2، ص 219 (رجس)
6- القاموس المحيط، ج 1، ص 270 (مسخ)
7- الفقيه، ج 1، ص 78، ح 174 وذيله

المعلّل ليس طائلاً(1).

ثمّ قال الفاضل المذكور: أقول: لعلّهم غفلوا عن هذا الخبر؛ إذ لم يذكروه في مقام الاحتجاج، فتأمّل(2).

(وقال: إنّ أبي كان قاعدا في الحجر) بكسر الحاء المهملة وسكون الجيم.

(ومعه رجلٌ يحدّثه).

قال الجوهري: «حجر الكعبة: ما حوله من الحطيم المدار بالبيت جانب الشمال، وكلّ ما حجرته من حائط فهو حجر»(3).

وقال: «الحطيم: جدار حجر الكعبة»(4).

(فإذا هو بوزغ يولول بلسانه).

في القاموس: «الولوال: الدعاء بالويل.وولولت القوس: صوّتت.والمرأة ولوالاً: أعولت»(5).

(واللّه لئن ذكرتم عثمان بشتيمة لأشتمنّ عليّا).

في القاموس: «شتمه يشتِمه ويشتُمه شتما: سبّه.والاسم: الشتيمة»(6).

(حتّى تقوم من هاهنا) أي حتّى تنتقل من هذا المكان، و«حتّى» غاية لزمان شتمه عليّا عليه السلام ، أو تعليل له.

قال بعض الشارحين:

علم ذلك الوزغ بأنّه عليه السلام كان على الحقّ، وعثمان على الباطل، لا ينافي عداوته؛ فإنّ العداوة بين المؤمن والكافر لا تزول في البرزخ، بل في القيامة أيضا، كما قال خليل الرحمن: «وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ» (7)إلى يوم القيامة(8).

(قال: وقال أبي: ليس يموت من بني اُميّة) من بيان لقوله: (ميّت).

وهو اسم «ليس» وفاعل «يموت» على سبيل التنازع.

ص: 256


1- المعتبر، ج 1، ص 360
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 170
3- الصحاح، ج 2، ص 624 (حجر) مع اختلاف يسير في اللفظ
4- الصحاح، ج 1901 (حطم) مع التلخيص
5- القاموس المحيط، ج 4، ص 66 (ولول) مع التلخيص
6- القاموس المحيط، ج 4، ص 135 (شتم) مع التلخيص
7- . الممتحنة (60): 4
8- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 314

(إلّا مسخ) على البناء للمفعول، والمستتر فيه راجع إلى الميّت.

وقوله: (وزغا) مفعول ثان للمسخ، فيفهم من ظاهر العبارة أنّه مسخ بعد موته.ويحتمل حملها على المجاز المشارفة، فتدبّر.

قال بعض الأفاضل:

مسخه وزغا، إمّا بمسخه قبل موته، أو بتعلّق روحه بجسد مثالي على صورة الوزغ، أو بتغيير جسده الأصلي على تلك الصورة، كما هو ظاهر آخر الخبر._ قال: _ ولكن يشكل تعلّق الروح قبل الرجعة والبعث، ويمكن أن يكون قد ذهب بجسده إلى الجحيم، أو أحرق وتصوّر لهم جسده المثالي، واللّه يعلم، انتهى كلامه(1).

وقال بعض الشارحين:

قد تكثّرت الأخبار من طرق الخاصّة والعامّة على انتقال الروح الإنساني من بدن إلى بدن آخر، إمّا في هذا العالم، أو عالم آخر.ومن هذا القبيل مسخ بعض الاُمم الماضية، كما نطق به القرآن الكريم، وتعلّق الروح بعد مفارقة البدن بمثال شبيه به بحيث لو رأيته لقلت: هذا ذاك، وليس قولاً بالتناسخ الذي أبطله المسلمون، وذهب إليه الملاحدة، وقسّموه إلى أربعة أقسام: النسخ، والفسخ، والرسخ، والمسخ؛ وذهبوا إلى أنّ الأرواح في هذا العالم دائما تنتقل من محلّ إلى محلّ، ومن بدن إلى بدن بلا انقطاع، وأنكروا النشأة الأخرويّة، وإعادة الأجسام فيها وسائر أحوالاتها، وقالوا بقِدم العالم، والتناسخ بهذا المعنى باطل عند أهل الإسلام، وحكموا بكفر القائل به.وأمّا ما تعلّق الروح ببدن آخر إلى أن تقوم القيامة، وتعود إلى البدن الأصلي، فهو عند أهل الشرع ليس من باب التناسخ، وإن سمّيته به، فلا مشاحة في التسمية إلّا أنّ الأولى عدم هذه التسمية؛ لئلّا يقع الالتباس(2).

(قال: وقال إنّ عبد الملك بن مروان).

هو رابع خلفاء بني اُميّة، ونسبه هكذا عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن اُميّة بن عبد الشمس بن عبد مناف.

(لمّا نزل به الموت مسخ وزغا) قبل أن يموت، أو بعده، كما مرّ.

ص: 257


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 170 (مع اختلاف يسير في اللفظ)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 315 (مع اختلاف يسير في اللفظ)

(فذهب من بين يَدَي من كان عنده) إلى قوله: (أن يأخذوا جذعا).

في القاموس: «الجذع _ بالكسر _ : ساق النخلة»(1).

(وألبسوا الجذع درع حديد).

درع الحديد _ بالكسر _ : معروف.ولعلّ إلباسه ليصير ثقيلاً على حامليه.

وقيل: أو لأنّه إن مسّه أحد فوق الكفن، لا يحسّ بأنّه خشب(2).

متن الحديث السادس والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ صَالِحٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مِهْرَانَ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ بَشِيرٍ ، عَنْ عُثَيْمِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِذَا تَمَنّى أَحَدُكُمُ الْقَائِمَ فَلْيَتَمَنَّهُ فِي عَافِيَةٍ ؛ فَإِنَّ اللّهَ بَعَثَ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله رَحْمَةً ، وَيَبْعَثُ الْقَائِمَ نَقِمَةً» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (إذا تمنّى أحدكم القائم فليتمنّه في عافية).

قال في القاموس: «تمنّاه: أي أراده»(3).

وقال: «العافية: دفاع اللّه عن العبد»(4).

والظاهر أنّ المراد بالعافية هنا كونه على دين الحقّ واقعا متابعة من يجب متابعته ظاهرا وباطنا.

(فإنّ اللّه بعث محمّدا صلى الله عليه و آله رحمةً) بالمداراة مع المنافقين، والمماشاة مع أهل الذمّة وأهل الأمان، والعمل بظاهر الشرع في الحكومات وغيرها.

(ويبعث القائم نقمة)حيث إنّه عليه السلام لم يقبل إلّا الإيمان ظاهرا وباطنا، ولم يقرّر أحد على الباطل، ولم يقبل الجزية، بل يجاهد الكفرة إلى أن يؤتوا إلى الحقّ، أو تقتلوا ولم يعمل في الحكومات إلّا بالواقع.

ص: 258


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 12 (جذع)
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 170
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 392 (مني)
4- القاموس المحيط، ج 4، ص 365 (عفو)

متن الحديث السابع والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ صَالِحٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ بَشِيرٍ :عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ (1).

عليه السلام ، قَالَ : «كَانَ الْحَسَنُ (2).

عليه السلام أَشْبَهَ النَّاسِ بِمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ مَا بَيْنَ رَأْسِهِ إِلى سُرَّتِهِ ، وَإِنَّ الْحُسَيْنَ (3).

عليه السلام أَشْبَهُ النَّاسِ (4).

بِمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ إِلى قَدَمِهِ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (قال كان الحسن عليه السلام أشبه الناس بموسى بن عمران ما بين سرّته إلى قدمه)(5).

كذا في بعض النسخ، وفي بعضها: «قال: كان الحسين عليه السلام أشبه الناس بموسى بن عمران ما بين رأسه إلى سرّته، وأنّ الحسن عليه السلام أشبه الناس بموسى بن عمران ما بين سرّته إلى قدمه».

وفي بعضها ذكر الحسن عليه السلام قبل الحسين عليه السلام .

متن الحديث الثامن والثلاثمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، قَالَ :

سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : كَمْ كَانَ طُولُ آدَمَ عليه السلام حِينَ هُبِطَ بِهِ إِلَى الْأَرْضِ؟ وَكَمْ كَانَ طُولُ حَوَّاءَ؟

قَالَ : «وَجَدْنَا فِي كِتَابِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (6)عليه السلام أَنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ لَمَّا أَهْبَطَ آدَمَ وَزَوْجَتَهُ (7)حَوَّاءَ عليهماالسلام إِلَى الْأَرْضِ ، كَانَتْ رِجْلَاهُ بِثَنِيَّةِ الصَّفَا ، وَرَأْسُهُ دُونَ أُفُقِ السَّمَاءِ ، وَأَنَّهُ شَكَا إِلَى اللّهِ عَزَّوَجلَّ مَا يُصِيبُهُ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ ، فَأَوْحَى اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ إِلى جَبْرَئِيلَ عليه السلام أَنَّ آدَمَ قَدْ شَكَا مَا يُصِيبُهُ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ ، فَاغْمِزْهُ غَمْزَةً ، وَصَيِّرْ طُولَهُ سَبْعِينَ ذِرَاعا بِذِرَاعِهِ ، وَاغْمِزْ حَوَّاءَ غَمْزَةً ، فَيَصِيرَ (8)طُولُهَا خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ ذِرَاعا بِذِرَاعِهَا» .

ص: 259


1- . في بعض نسخ الكافي: - «الأوّل»
2- . في بعض نسخ الكافي: «الحسين»
3- . في بعض نسخ الكافي: «الحسن»
4- . في بعض نسخ الكافي: - «الناس»
5- في المتن الذي ضبطه المصنّف رحمه الله سابقا: «ما بين رأسه إلى سرّته»
6- . في بعض نسخ الكافي والوافي: - «بن أبي طالب»
7- . في بعض نسخ الكافي: «وزوجه»
8- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «فصيّر»

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (كم كان طول آدم عليه السلام حين هبط به إلى الأرض).

«هبط» على البناء للمفعول، والباء للتعدية، أو للتقوية.قال الجوهري: «هبط هبوطا: نزل.وهبطا: أنزله، يتعدّى ولا يتعدّى»(1).

(كانت رجلاه بثنيّة الصّفا).

في القاموس: «الثنيّة: العقبة، أو طريقها، أو الجبل، أو الطريقة فيه أو إليه»(2).

وقال في النهاية: «الثنيّة في الجبل كالعقبة فيه.وقيل: هو الطريق العالي فيه.وقيل: أعلى المسيل في رأسه» انتهى(3).

(ورأسه دون اُفق السماء) أي عنده أو قريبا منه.

وفي القاموس: «الاُفق _ بالضمّ، وبضمّتين _ : الناحية.الجمع: آفاق»(4).

(وأنّه شكى إلى اللّه تعالى).

الغمز: العصر الشديد، والإشارة بالعين والجفن والحاجب، وفعله كضرب.

وفي القاموس: «الذراع _ بالكسر _ : من طرف المرفق إلى طرف الإصبع الوسطى والسّاعد.وقد يذكّر فيهما.الجمع: أذرع، وذُرعان بالضمّ»(5).

وقال الجوهري: «الصفاة: صخرة ملساء.والجمع: صفا، مقصور.والصفا: موضع بمكّة»(6).

وقال بعض الأعلام: اعلم أنّ هذا الخبر من المعضلات التي صيّرت أفهام الناظرين والعويصات التي رجعت عنها بالخيبة أحلام الكاملين والقاصرين، والإشكال فيه من وجهين:

أحدهما: أنّ قصر القامة كيف يصير سببا لرفع التأذّي بحرّ الشمس.

والثاني: أنّ كونه عليه السلام سبعين ذراعا بذراعه يستلزم عدم استواء خلقته، وأن يعسر عليه كثير من الاستعمالات الضروريّة، وهذا ممّا لا يناسب رتبة النبوّة وما منَّ اللّه عليه من إتمام النعمة.

ص: 260


1- الصحاح، ج 3، ص 1169 (هبط)
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 310 (ثنى)
3- النهاية، ج 1، ص 226 (ثنا)
4- القاموس المحيط، ج 3، ص 209 (أفق)
5- القاموس المحيط، ج 3، ص 23 (ذرع)
6- الصحاح، ج 6، ص 2401 (صفا) مع التلخيص

فأمّا الجواب عن الإشكال الأوّل فمن وجهين:

الأوّل: أنّه يمكن أن يكون للشمس حرارة من غير جهة الانعكاس أيضا، ويكون قامته عليه السلام طويلة جدّا بحيث لا يتجاوز الطبقة الزمهريريّة، (1).

ويتأذّى من تلك الحرارة.

ويؤيّده ما روى في بعض الأخبار العامّيّة في قصّة عوج بن عناق أنّه كان يرفع السمك إلى عين الشمس ليشويه بحرارتها(2)والثاني: أنّه لطول قامته كان لا يمكنه الاستظلال ببناء ولا جبل ولا شجر، فكان يتأذّى من حرارة الشمس لذلك، وبعد قصر قامته ارتفع ذلك، وكان يمكنه الاستظلال بالأبنية وغيرها.

وأمّا الثاني فقد اُجيب عنه بوجوهٍ شتّى:

الأوّل: ما ذكره بعض الأفاضل من مشايخنا: إنّ استواء الخلقة ليس منحصرا فيما هو معهود الآن؛ فإنّ اللّه تعالى قادر على خلق الإنسان على هيئات اُخر، كلّ منها فيه استواء الخلقة، ومن المعلوم أنّ أعضاءنا الآن ليست بقدر أعضاء آدم عليه السلام ، وقامتنا ليست كقامته، فالقادر على خلقنا دونه وعلى تقصير طوله عن الأوّل قادر على أن يجعل بعض أعضائه مناسبا للبعض بغير المعهود، وذراع آدم عليه السلام يمكن أن يكون قصيرا مع طول العضد وجعله ذا مفاصل، أو ليّنا بحيث يحصل الارتفاق به، والحركة كيف شاء، كما يمكن بهذا الذراع والعضد.

والثاني: ما ذكره الفاضل المذكور أيضا، وهو أن يكون المراد بالسبعين سبعين قدما أو شبرا، وترك ذكر القدم أو الشبر؛ لما هو متعارف شايع من كون الإنسان غالبا سبعة أقدام، أو أنّ بقرينة المقام كان يعلم ذلك، كما إذا قيل: طول الإنسان سبعة، تبادر منه الأقدام، فيكون المراد أنّه صار سبعين قدما أو شبرا بالأقدام المعهود في ذلك الزمان، كما إذا قيل: غلام خماسي؛ فإنّه يتبادر منه خمسة أشبار لتداول مثله واشتهاره.وعلى هذا يكون قوله: «ذراعا» بدلاً من «السبعين» بمعنى أنّ طوله الآن، وهو السبعون بقدر ذراعه قبل ذلك.وحينئذٍ فائدة قوله: (ذراعا بذراعه) معرفة طوله أوّلاً؛ فإنّ من كون الذراع سبعين قدما مع كونه قدمين، والقدمان سبعا القامة يعلم منه طوله الأوّل، فذكره لهذه الفائدة على أنّ السؤال الواقع بقول السائل كم كان طول آدم حين هبط إلى الأرض يقتضي جوابا يطابقه.وكذا قوله: (كم كان طول

ص: 261


1- . في المصدر: «الزمهرير»
2- اُنظر: تفسير القرطبي، ج 6، ص 126

حوّاء)، فلولا قوله: (ذراعا بذراعه) و(ذراعا بذراعها) لم يكن الجواب مطابقا؛ لأنّ قوله: (دون اُفق السماء) مجمل، فأفاده عليه السلام الجواب عن السؤال مع إفادة ما ذكره معه من كونه صار هذا القدر.وأمّا ما ورد في حوّاء عليهاالسلام، فالمعنى: أنّه جعل [طول] حوّاء خمسة وثلاثين قدما بالأقدام المعهودة الآن، وهي ذراع بذراعها الأوّل، فبالذراع يظهر أنّها كانت على النصف من آدم، ولا بُعد في ذلك؛ فإنّه ورد في الحديث ما معناه: أن يختار الرجل امرأة دونه في الحسب والمال والقامة، لئلّا تفتخر المرأة على الزوج بذلك وتعلو عليه، فلا بُعد في كونه أطول منها.

الثالث: ما ذكره الفاضل المذكور أيضا بأن يكون «سُبعين» بضمّ السين تثنية سُبع، والمعنى: أنّه صيّر طوله بحيث صار سُبعي الطول الأوّل، والسّبعان ذراع من حيث اعتبار الإنسان سبعة أقدام كلّ قدمين ذراع، فيكون الذراع بدلاً، أو مفعولاً، بتقدير «أعني»، وفي ذكر «ذراعا بذراعه» حينئذٍ الفائدة المتقدِّمة لمعرفة طوله أوّلاً في الجملة؛ فإنّ سؤال السائل عن الطول الأوّل فقط.

وأمّا حوّاء عليهاالسلام، فالمعنى أنّه جعل طولها خُمسه _ بضمّ الخاء _ أي خُمس ذلك الطول، وثلاثين تثنية ثلث؛ أي ثلثي الخمس، فصارت خمسا وثلثي خمس، وحينئذٍ التفاوت بينهما قليل؛ لأنّ السبعين في آدم [أربعة من] أربعة عشر والخمس، وثلثا خمس في حوّاء خمسة من خمسة عشر، فيكون التفاوت بينهما يسيرا، وإن كان الطولان الأوّلان متساويين، وإلّا فقد لا يحصل تفاوت، والفائدة في قوله: «ذراعا بذراعها» كما تقدّم؛ فإنّ السؤال وقع بقوله: «وكم كان طول حوّاء».ويحتمل بعيدا عود ضمير «خمسه» و«ثلثيه» إلى آدم، والمعنى: أنّها صارت خُمس طول آدم الأوّل وثلثيه، فتكون أطول منه؛ أو خُمسُه وثُلثيه بعد القصر، فتكون أقصر.والأوّل أربط وأنسب بما قبله مع مناسبة تقديم الخمس ومناسبة الثلاثين له.ويقرّب الثاني قلّة التفاوت الفاحش على أحد الاحتمالين.

فإن قلت: ما ذكرت من السبعين من الأذرع والأقدام ينافي ما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال: «إنّ أباكم [كان] طوالاً كالنخلة السّحوق في ستّين ذراعا»(1).

قلت: يمكن الجواب بأنّ ستّين ذراعا راجع إلى النخلة، لا إلى آدم؛ فإنّه أقرب لفظا ومعنىً من حيث أنّ السحوق هي الطويلة ونهاية طولها، لا يتجاوز الستّين غالبا،

ص: 262


1- بحار الأنوار، ج 11، ص 115، ح 41

فقد شبّه طوله عليه السلام بالنخلة التي هي في نهاية الطول، ولا ينافي هذا كونه أطول منها؛ فإنّ التشبيه أن يشبه شيء بشيء بحيث يكون المشبّه به مشهودا متعارفا في جهة من الجهات، فيُقال: فلان مثل النخلة، ويُراد به مجرّد الطول والاستقامة مع أنّه أقصر منها، وقد يعكس.ويحتمل أن يكون المراد أنّ آدم صار ستّين ذراعا، وهذا التفاوت قد يحصل في الأذرع، وهو ما بين الستّين والسبعين، أو لأنّ الذراع كما يطلق على المرفق إلى طرف الإصبع الوسطى، قد يُطلق على الساعد ولو مجازا، وعلى تقدير تثنية «سبع» يستقم، سواء رجع إلى آدم، أو إلى النخلة.

أقول: يرد على الثالث أنّ الخمس وثلثي الخمس يرجع إلى الثلث، ونسبة التعبير عن الثلث بهذه العبارة إلى أفصح الفصحاء، بعيد عن العلماء.

الرابع: ما يروى عن شيخنا البهائي قدس سره من أنّ في الكلام استخداما، بأن يكون المراد بآدم حين إرجاع الضمير إليه آدم ذلك الزمان من أولاده عليه السلام .ولا يخفى بُعده عن استعمالات العرب ومحاوراتهم مع أنّه لا يجري ذلك في حوّاء إلّا بتكلّف ركيك.نعم، يمكن إرجاعهما إلى الرجل والمرأة بقرينة المقام، لكنّه بعيد أيضا غاية البُعد.الخامس: ما خطر بالبال بأن يكون إضافة الذراع إليهما على التوسعة والمجاز، بأن نسب ذراع جنس آدم عليه السلام وجنس حوّاء إليها، وهو قريب ممّا سبق.

السادس: ما حلَّ ببالي أيضا، وهو أن يكون المراد بذراعه الذراع الذي قرّره عليه السلام لمساحة الأشياء، وهذا يحتمل وجهين؛ أحدهما: أن يكون الذراع الذي عمله آدم عليه السلام مخالفا للذراع الذي عملته حوّاء عليهاالسلام.وثانيهما: أن يكون الذراع المعمول في هذا الزمان واحدا، لكن نسب في بيان كلّ منهما إليه لقرب المرجع.

السابع: ما سمحت به قريحتي، (1)وهو أن يكون المراد تعيين حدّ الغمز لجبرئيل عليه السلام ، بأن يكون المعنى: اجعل طول قامته بحيث يكون بعد تناسب الأعضاء طوله الأوّل سبعين ذراعا بذراع الذي حصل له بعد القصر والغمز، فيكون المراد بطوله طوله الأوّل، ونسبة التصيير إليه باعتبار أنّ كونه سبعين ذراعا إنّما يكون بعد خلق ذلك الذراع، فيكون في الكلام شبه قلب، أي: اجعل ذراعيه بحيث يكون جزء من سبعين جزءا من طول قامته قبل الغمز، ومثل هذا الكلام قد يكون في المحاورات، وليس تكلّفه أكثر من بعض الوجوه التي ذكرها الأفاضل الكرام، وبه يتّضح النسبة

ص: 263


1- . في المصدر: + «وإن أتت ببعيد عن الأفهام»

بين القامتين؛ إذ طول قامة مستوى الخلقة ثلاثة أذرع ونصف تقريبا، فإذا كان طول قامته الاُولى سبعين بذلك الذراع تكون نسبة القامة الثانية إلى الاُولى نسبة الواحد إلى عشرين، أي نصف عشر.

وينطبق الجواب على السؤال؛ إذ الظاهر منه أنّ غرض السائل استعلام طول قامته الاُولى، فلعلّه كان يعرف طول قامته الثانية؛ لاشتهاره بين أهل الكتاب، أو المحدِّثين من العامّة بما رووا عن الرسول صلى الله عليه و آله من ستّين ذراعا، (1)فمع صحّة تلك الرواية يعلم بانضمام ما أوردناه في حلّ خبر الكتاب أنّه عليه السلام كان طول قامته أوّلاً ألفا ومأتي ذراع بذراع من كان في زمن الرسول صلى الله عليه و آله ، أو بذراع من كان في زمن آدم عليه السلام من أولاده.

الثامن: ما خطر ببالي أيضا، لكن وجدته بعد ذلك منسوبا إلى بعض الأفاضل من مشايخنا رحمه الله، وهو أنّ الباء في قوله: «بذراعه» للملابسة؛ يعني: صيّر طول آدم سبعين ذراعا بملابسة ذراعه، أي كما قصر من طوله قصر من ذراعه؛ لتناسب أعضائه، وإنّما خصّ بذراعه؛ لأنّ جميع الأعضاء داخلة في الطول بخلاف الذراع.والمراد حينئذٍ بالذراع في قوله عليه السلام : (سبعين ذراعا) إمّا ذراع من كان في زمن آدم عليه السلام ، أو من كان في زمان من صدر عنه الخبر، وهذا وجهٌ قريب.

التاسع: أن يكون الضمير في قوله: «بذراعه» راجعا إلى جبرئيل عليه السلام ، أي بذراعه عند تصوّره بصورة رجل ليغمزه.ولا يخفى بُعده من وجهين:

أحدهما: عدم انطباقه على ما ذكر في هذا الكتاب؛ إذ الظاهر أنّ «صيّر» هنا بصيغة الأمر، فكان الظاهر على هذا الحلّ أن يكون بذراعك.ويمكن توجيهه؛ إذ قرئ بصيغة الماضي بتكلّف تامّ.

وثانيهما: عدم جريانه في أمر حوّاء لتأنيث الضمير إلّا أن يتكلّف بإرجاع الضمير إلى اليد.ولا يخفى ركاكته وتعسّفه.

العاشر: أن يكون الضمير راجعا إلى الصادق عليه السلام ، أي أشار عليه السلام إلى ذراعه، فقال: صيّره سبعين ذراعا بهذا الذراع، أو إلى عليّ عليه السلام ؛ لما سبق أنّه كان في كتابه.وهذا إنّما يستقيم على ما في بعض النسخ؛ فإنّ فيها في الثاني أيضا: «بذراعه».وعلى تقديره يندفع الإشكال الأخير في الحلّ السابق أيضا، لكن البُعد عن العبارة باقٍ .

ثمّ اعلم أنّ الغمز يمكن أن يكون باندماج الأجزاء وتكاثفها(2).

ص: 264


1- . مسند أحمد، ج 2، ص 231 و 253 و 535؛ كنز العمّال، ج 15، ص 606، ح 42408
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 171 _ 177

متن الحديث التاسع والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، قَالَ :

سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام عَنْ رَجُلٍ أَصَابَ أَبَاهُ سَبْيٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ كَانَ أَصَابَ أَبَاهُ سَبْيٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِلَا بَعْدَ مَا تَوَالَدَتْهُ الْعَبِيدُ فِي الْاءِسْلَامِ وَأُعْتِقَ ؟

قَالَ : فَقَالَ : «فَلْيُنْسَبْ إِلى آبَائِهِ الْعَبِيدِ فِي الْاءِسْلَامِ ، ثُمَّ هُوَ يُعَدُّ (1)مِنَ الْقَبِيلَةِ الَّتِي كَانَ أَبُوهُ سُبِيَ فِيهَا إِنْ كَانَ (2)مَعْرُوفا فِيهِمْ ، وَيَرِثُهُمْ وَيَرِثُونَهُ» .

شرح الحديث

السند حسن.

قوله: (عن رجل أصاب أباه) أي أحدا من أجداده.

(سبي في الجاهليّة) أي في الكفر.

في القاموس: «سبى العدوّ سَبيا وسِبا: أسَرَه»(3).

(فلم يعلم) ذلك الرجل (أنّه كان أصاب أباه سبي في الجاهليّة إلّا بعدما توالدته العبيد في الإسلام).

الضمير المنصوب في «توالدته» راجع إلى الرجل.

وقوله: (واُعتق) على البناء للمفعول، عطف على «توالدته»، والمستتر فيه أيضا راجع إلى الرجل.

وحاصل السؤال: أنّ رجلاً مسلما كان جدّه من أهل قبيلة، ثمّ سباه رجلٌ من أهل قبيلة اُخرى في الجاهليّة، ثمّ ولد من جدّ هذا الرجل، أي من جدّه المسبي أولاد عبيد، ثمّ أسلموا جميعا، أو بعضهم، أو ولد منه عبيد في الإسلام أيضا، ثمّ ولد هذا الرجل المسلم من تلك العبيد في الإسلام، ثمّ اُعتق، فهل ينسب ذلك الرجل الأخير إلى آبائه مطلقا، أو على آبائه المسلمين فقط، أو إلى السابي، وهل يثبت التوارث بينه وبين قبيلة جدّه المسبي أم لا؟

ص: 265


1- . في بعض نسخ الكافي: «بعد»
2- . في كلتا الطبعتين وبعض نسخ الكافي: + «أبوه»
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 340 (سبي)

والباعث على هذا السؤال توهّم كون المسبي مانعا من الانتساب والتوارث.

فأجاب عليه السلام عن كلا شقّي السؤال، (فقال: فلينسب) أي ذلك الرجل (إلى آبائه العبيد في الإسلام) دون آبائه العبيد في الكفر ودون السابي.

أمّا الثاني فظاهر، وأمّا الأوّل؛ فلعدم صلاحيّة انتساب المسلم إلى الكفّار.

وقيل: لعلّه على سبيل الفضل والأولويّة(1).

(ثمّ يعدّ) هو (من القبيلة التي كان أبوه) أي جدّه المسبي من بني تميم مثلاً، يُقال لذلك الرجل: تميمي، وهكذا (إن كان معروفا فيهم) أي عدّه من تلك القبيلة مشروط بما إذا كان ذلك الرجل أو أبوه معروفا مشهورا في كونه من تلك القبيلة، وإلّا فلا يعدّ منهم، وكذا يثبت التوارث بينه وبين أهل تلك القبيلة بالقرابة الموجبة للإرث مع شرائطه، كما أشار إليه بقوله:

(ويرثهم ويرثونه).

والحاصل: أنّ هذا السبي لا يقطع الانتساب، ولا يمنع التوارث، كما كان قبل السبي.

متن الحديث العاشر والثلاثمائة

اشارة

ابْنُ مَحْبُوبٍ (2)، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ ، عَنْ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْأَنْصَارِيِّ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ اللّهَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ أَعْطَى الْمُؤْمِنَ ثَلَاثَ خِصَالٍ : الْعِزَّ فِي الدُّنْيَا وَالْاخِرَةِ ، وَالْفَلْحَ (3)فِي الدُّنْيَا وَالْاخِرَةِ ، وَالْمَهَابَةَ فِي صُدُورِ الظَّالِمِينَ» .

شرح الحديث

السند حسن.

قوله عليه السلام : (أعطى المؤمن ثلاث خصال).

في القاموس: «الخصلة: الخلّة الفضيلة، أو الرذيلة، وقد غلب على الفضيلة.الجمع: خصال»(4).

ص: 266


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 178
2- . السند معلّق على سابقه، ويروي عن ابن محبوب، عليّ بن إبراهيم عن أبيه
3- . في كلتا الطبعتين: «الفلج» بالجيم المعجمة
4- القاموس المحيط، ج 3، ص 368 (خصل)

(العزّ في الدُّنيا والآخرة).

العزّ _ بالكسر _ : خلاف الذلّ.يُقال: عزّ يعزّ _ كفرّ يفرّ _ عِزّا وعزّة _ بكسرهما _ وعزازة، أي صار عزيزا، وقوي بعد ذلّة.والعزّ أيضا: القوّة، والغلبة، ويفتح في الأخير.ويُقال: عزّه عزّا _ كمدّه مدّا _ وعِزّا بالكسر، أي غلبه في الخصومة والمحاجّة.والعزّ أيضا: الشدّة.يُقال: عزّ عَليَّ أن تفعل كذا عِزّا _ بالكسر _ ، أي اشتدّ.

ولعلّ المراد: أنّ المؤمن عزيز عند اللّه ، أو عند أوليائه، أو أمر اللّه تعالى عباده وكلّفهم بإعزازه وإكرامه.أو المراد: أنّه غالب في الحجّة على أعداء الدِّين؛ فإنّ للعالم حجّة على الجاهل، والجاهل لا حجّة له.أو المراد: أنّ المؤمنين أشدّاء على الكفّار.

(والفلح) بالحاء المهملة: الفوز، والبقاء والنجاة.

وفي بعض النسخ بالجيم.قال الجوهري: «الفلج أيضا: الظفر، والفوز.وأفلجه اللّه عليه.

والاسم: الفُلج، بالضمّ»؛ (1)يعني أنّ من خصال المؤمن الفوز، والفلاح، والبقاء على الخير، والنجاة من درك الشفاء، والظفر بالمقصود.

(في الدُّنيا) بالصراط المستقيم.

(والآخرة) بجنّات النعيم.

(والمهابة في صدور الظالمين) أي في قلوبهم.

قال الجوهري: «المهابة: الإجلال، والمخافة»(2).

وفي القاموس: «الهيبة: المخافة، والتقيّة، كالمهابة.وهابه يهابه هَيْبا ومَهابَةً: خافه، وهو هائب، وهيوب: يخاف الناس، ومهوب ومهيب: يخافه الناس»(3).

متن الحديث الحادي عشر والثلاثمائة

اشارة

ابْنُ مَحْبُوبٍ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سِنَانٍ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ : «ثَلَاثٌ هُنَّ فَخْرُ الْمُؤْمِنِ وَزَيْنُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْاخِرَةِ : الصَّلَاةُ فِي آخِرِ اللَّيْلِ ، وَيَأْسُهُ مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ ، وَوَلَايَتُهُ الْاءِمَامَ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله » .

ص: 267


1- . الصحاح، ج 1، ص 335 (فلج) مع التلخيص
2- الصحاح، ج 1، ص 239 (هيب) مع التلخيص
3- القاموس المحيط، ج 1، ص 141 (هيب)

قَالَ : «وَثَلَاثَةٌ هُمْ شِرَارُ الْخَلْقِ ابْتُلِيَ بِهِمْ خِيَارُ الْخَلْقِ : أَبُو سُفْيَانَ أَحَدُهُمْ قَاتَلَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَعَادَاهُ ، وَمُعَاوِيَةُ قَاتَلَ عَلِيّا عليه السلام وَعَادَاهُ ، وَيَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ _ لَعَنَهُ اللّهُ _ قَاتَلَ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عليه السلام وَعَادَاهُ حَتّى قَتَلَهُ» .

شرح الحديث

السند حسن.

قوله عليه السلام : (ثلاث هنّ فخر المؤمن).

في القاموس: «الفخر _ ويحرّك _ : التمدّح بالخصال كالافتخار» (1)انتهى.

وقيل: ادّعاء الكبر، والعظم، والشرف(2).

ولعلّ المراد أنّه يترتّب على تلك الثلاث فوائد الافتخار والثمرات المترتّبة عليها من الشرف والعزّة ونحوهما، كما يفهم من قوله عليه السلام : (وزينه في الدُّنيا والآخرة)، لا أنّ المؤمن يفتخر بتلك الخصال؛ لأنّ الافتخار مذموم مطلقا.

وقيل: لعلّ المراد أنّ الثلاثة زينة كاملة للمؤمن، صالحة للفخر بها، لو جاز الفخر، ولو ذكرها المؤمن من حيث إنّها نِعَم جليلة أعطاه اللّه إيّاها ووفّقه لها، فهو جائزٌ، بل هو شكرٌ، كما قال سيّد المرسلين صلى الله عليه و آله : «أنا سيّد ولد آدم، ولا فخر» (3)أي لا أقوله تكبّرا وتعظّما، بل شكرا وتحدّثا بنعمته تعالى.

(الصلاة في آخر الليل).

الظاهر أنّ المراد بها نافلة الليل، ويحتمل الأعمّ.

(ويأسه ممّا في أيدي الناس) كناية عن التوسّل إلى الحقّ، وقطع الطمع عن الخلق، والاستغناء عنهم.

قال الفيروزآبادي: «اليأس: القنوط، ضدّ الرّجاء، أو قطع الأمل»(4).

(وولايته الإمام من آل محمّد صلى الله عليه و آله ).

ص: 268


1- . القاموس المحيط، ج 2، ص 108 (فخر) مع التلخيص
2- قاله ابن الأثير في النهاية، ج 3، ص 418 (فخر)
3- . وسائل الشيعة، ج 25، ص 23، الباب 10، ح 31038
4- القاموس المحيط، ج 2، ص 260 (يأس) مع التلخيص

قال الجوهري:

الوِلاية _ بالكسر _ : السلطان.عن ابن السكّيت: الوَلاية والوِلاية: النصرة.يُقال: هم على ولاية، أي مجتمعون على النصرة.قال سيبويه: الولاية بالفتح المصدر والولاية بالكسر [الاسم] مثل الإمارة والنقابة لأنّه اسم لما تولّيته وقمت به، فإذا أرادوا المصدر فتحوا(1).

(وثلاثة هم شرار الخلق).

الشرار _ بالكسر _ : جمع الشرّير، وهو كثير الشرّ.ولعلّ تخصيص الثلاثة بالذِّكر؛ لأنّهم أهل المقاتلة والمحاربة، فتأمّل.

(ابتُلي بهم خيار الخلق).

المستتر في «ابتلي» راجع إلى اللّه بقرينة المقام، أي اختبر وامتحن بتلك الثلاث خيار خلقه؛ ليظهر أنّهم كيف يصبرون على الأذى في سبيل اللّه .

متن الحديث الثاني عشر والثلاثمائة

اشارة

ابْنُ مَحْبُوبٍ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ عَطِيَّةَ ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ :

عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهماالسلام ، قَالَ : «لَا حَسَبَ لِقُرَشِيٍّ وَلَا لِعَرَبِيٍّ إِلَا بِتَوَاضُعٍ ، وَلَا كَرَمَ إِلَا بِتَقْوى ، وَلَا عَمَلَ إِلَا بِالنِّيَّةِ ، وَلَا عِبَادَةَ إِلَا بِالتَّفَقُّهِ ، أَلَا وَإِنَّ أَبْغَضَ النَّاسِ إِلَى اللّهِ مَنْ يَقْتَدِي بِسُنَّةِ إِمَامٍ وَلَا يَقْتَدِي بِأَعْمَالِهِ» .

شرح الحديث

السند حسن.

قوله: (لا حسب لقرشيّ).

منسوب إلى قبيلة قريش بغير قياس، وقد جاء قريشي أيضا على القياس.

قال الجوهري: الحسب: ما يعدّه الإنسان من مفاخر آبائه، ويُقال: حَسَبُهُ دينهُ، ويُقال: ماله، والرجل

ص: 269


1- الصحاح، ج 6، ص 2530 (ولى) مع التلخيص واختلاف يسير في اللفظ

حسيبٌ.وقد حَسبَ _ بالضمّ حسابة _ مثل [خطب] خطابة.قال ابن السكيت: الحسب والكرم يكونان في الرجل وإن لم يكن له آباء لهم شرف، قال: والشرف والمجد لا يكونان إلّا بالآباء(1).

(ولا لعربيّ) تعميم بعد التخصيص.

(إلّا بتواضع) أي تذلّل وتخاشع للّه ولرسوله وأوليائه، والتسليم لأوامره، والانقياد لأحكامه، فمن تواضع لهم رفعه اللّه ، فهو رفيع شريف؛ ومَن تكبّر عليهم وضعه اللّه ، فهو وضيع خسيس.

(ولا كرم إلّا بتقوى).

الكرم _ محرّكة _ : ضدّ اللؤم.والتقوى: اسم من الاتّقاء، وهو الحذر.

(ولا عمل إلّا بالنيّة) أي لا يقبل العمل إلّا بتخليص النيّة للّه ، والإعراض عن الأغراض الفاسدة.أو المراد: أنّه لا يجزي عمل إلّا بالنيّة وتخليصها من الرِّياء، وأمثالها من المفسدات؛ لأنّ عمل القلب والجوارح تابع للنيّة، فإن صحّت صحَّ، وإن فسدت فسد.

(ولا عبادة إلّا بالتفقّه)؛ لأنّ الإتيان بالعبادة المطلوبة شرعا لا يتيسّر إلّا بمعرفة حقيقتها والتفقّه في أحكامها.

قال الجوهري: «الفقه: الفهم، ثمّ سمّي (2)به علم الشريعة، والعالم به فقيه.وتفقّه: إذا تعاطى ذلك»(3).

(ألا وأنّ أبغض الناس إلى اللّه من يقتدي) أي يتّبع (بسنّة إمام) أي بسيرته وطريقته.

(ولا يقتدى بأعماله) ولا يعمل بشريعته.

والحاصل: أنّه لا يكفيه أن يقول: اُحبّ عليّا وأتولّاه، ثمّ لا يكون عاملاً بما عمله عليّ عليه السلام .

متن الحديث الثالث عشر والثلاثمائة

اشارة

ابْنُ مَحْبُوبٍ ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ دَخَلَ الْمَدِينَةَ وَهُوَ يُرِيدُ الْحَجَّ ، فَبَعَثَ إِلى رَجُلٍ

ص: 270


1- الصحاح، ج 1، ص 110 (حسب)
2- . في المصدر: «خصّ»
3- الصحاح، ج 6، ص 2243 (فقه)

مِنْ قُرَيْشٍ ، فَأَتَاهُ ، فَقَالَ لَهُ يَزِيدُ : أَ تُقِرُّ لِي أَنَّكَ عَبْدٌ لِي إِنْ شِئْتُ بِعْتُكَ ، وَإِنْ شِئْتُ اسْتَرْقَبْتُكَ؟ (1)فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ : وَاللّهِ يَا يَزِيدُ مَا أَنْتَ بِأَكْرَمَ مِنِّي فِي قُرَيْشٍ حَسَبا ، وَلَا كَانَ أَبُوكَ أَفْضَلَ مِنْ أَبِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْاءِسْلَامِ ، وَمَا أَنْتَ بِأَفْضَلَ (2)مِنِّي فِي الدِّينِ ، وَلَا بِخَيْرٍ مِنِّي ، فَكَيْفَ أُقِرُّ لَكَ بِمَا سَأَلْتَ؟ فَقَالَ لَهُ يَزِيدُ : إِنْ لَمْ تُقِرَّ لِي وَاللّهِ قَتَلْتُكَ ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ : لَيْسَ قَتْلُكَ إِيَّايَ بِأَعْظَمَ مِنْ قَتْلِكَ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عليهماالسلامابْنَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ (3)» «ثُمَّ أَرْسَلَ إِلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهماالسلام ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَقَالَتِهِ لِلْقُرَشِيِّ ، فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهماالسلام : «أَ رَأَيْتَ إِنْ لَمْ أُقِرَّ لَكَ ، أَ لَيْسَ تَقْتُلُنِي كَمَا قَتَلْتَ الرَّجُلَ بِالْأَمْسِ؟ فَقَالَ لَهُ يَزِيدُ _ لَعَنَهُ اللّهُ _ : بَلى ، فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهماالسلام : قَدْ (4)أَقْرَرْتُ لَكَ بِمَا سَأَلْتَ ، أَنَا عَبْدٌ مُكْرَهٌ ، فَإِنْ شِئْتَ فَأَمْسِكْ ، وَإِنْ شِئْتَ فَبِعْ ، فَقَالَ لَهُ يَزِيدُ _ لَعَنَهُ اللّهُ _ : أَوْلى لَكَ ؛ حَقَنْتَ دَمَكَ ، وَلَمْ يَنْقُصْكَ ذلِكَ مِنْ شَرَفِكَ» .

شرح الحديث

السند حسن.

قوله: (إن شئت بعتك، وإن شئت استرقبتك).

الرقبة _ محرّكة _ : المملوك.واسترقبه، أي طلب أن يكون مملوكا له.

وفي بعض النسخ: «استرققتك»، وفي بعضها: «استرقيتك».بالياء، كأنّه تصحيف.

وقيل: أصله: «استرققتك»، فاُبدل القاف الثاني ياء(5).

(فقال له يزيد لعنه اللّه : أولى لك).

كان مراد الملعون: أنّ هذا أولى لك، وأحرى من تركه، أو ممّا صنع القريشي.قال الجوهري: «فلان أولى بكذا، أي أحرى، وأجدر.وقولهم: أولى لك: تهدّد ووعيد.قال الأصمعي: معناه قاربه ما يهلكه، أي نزل به» انتهى(6).

ولا يخفى عدم مناسبة المعنيين والأخيرين بهذا المقام إلّا أن يتكلّف ويُقال: إنّ الملعون بعد في مقام التهديد، ولم يَرْضَ عنه عليه السلام بهذا القول.

ص: 271


1- . في كلتا الطبعتين وأكثر نسخ الكافي: «استرقيتك»
2- . في بعض نسخ الكافي: «أفضل» بدون الباء
3- . في الطبعة القديمة وأكثر نسخ الكافي: + «حديث عليّ بن الحسين عليهماالسلام مع يزيد لعنه اللّه »
4- . في بعض نسخ الكافي: - «قد»
5- لم نعثر على القائل
6- الصحاح، ج 6، ص 2531 (ولي) مع التلخيص

(حَقَنْتَ دَمَكَ).

قال الجوهري: «حَقنت دمه: منعت أن يسفك»(1).

متن الحديث الرابع عشر والثلاثمائة

اشارة

الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيُّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ غَزْوَانَ (2).، قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْمُغِيرَةِ ، قَالَ :

قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ عليه السلام : إِنَّ لِي جَارَيْنِ : أَحَدُهُمَا نَاصِبٌ ، وَالْاخَرُ زَيْدِيٌّ ، وَلَا بُدَّ مِنْ مُعَاشَرَتِهِمَا ، فَمَنْ أُعَاشِرُ؟

فَقَالَ : «هُمَا سِيَّانِ ، مَنْ كَذَّبَ بِآيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللّهِ ، فَقَدْ نَبَذَ الْاءِسْلَامَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ ، وَهُوَ الْمُكَذِّبُ بِجَمِيعِ الْقُرْآنِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ» .

قَالَ : ثُمَّ قَالَ : «إِنَّ هذَا نَصَبَ لَكَ، وَهذَا الزَّيْدِيُّ نَصَبَ لَنَا» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (محمّد بن سعيد، عن غزوان).

كذا في نسخ الكتاب، ولعلّه تصحيف ابن ب«عن»، وفي النجاشي محمّد بن سعيد بن غزوان، من أصحاب الباقر عليه السلام ، له كتاب روى عنه ابنه غزوان، وقد تقدّم أيضا محمّد بن سالم بن أبي سلمة عن محمّد بن سعيد بن غزوان»(3).

(أحدهما ناصب) أي مخالف، أو مُعاند لأهل البيت عليهم السلام ، والأوّل أنسب بآخر الحديث؛ يُقال: نصبت لفلان نصيبا: إذا عاديته.

(فقال: هما سيّان) بكسر السين وتشديد الياء: مثلان، وواحدها: سيٌّ.

(فقد نبذ الإسلام وراء ظهره) كناية عن خروجه عن الإسلام؛ يُقال: نبذه _ كضربه _ ، أي ألقاه من يده، وطرحه.وقد جاء «نبّذ» أيضا بالتشديد للمبالغة.

ص: 272


1- الصحاح، ج 5، ص 2103 (حقن)
2- هكذا في أكثر نسخ الكافي.وفي الطبعة الجديدة وبعض نسخ الكافي: «عن محمّد بن سعيد بن غزوان»
3- رجال النجاشي، ص 372، الرقم 1017

(وهو المكذّب بجميع القرآن والأنبياء والمرسلين) صريح في كفر غير الشيعة الاثني عشريّة.وفي كثير من الأخبار أيضا دلالة على ذلك.

(قال: ثمّ قال: هذا نصب لك، وهذا الزيدي نصبٌ لنا).

يظهر منه أنّ المراد بالناصب المخالف، كما مرّ الإشارة إليه؛ فإنّهم يبغضون أهل البيت، بل يعادون القائل بإمامتهم بخلاف الزيديّة؛ فإنّهم كانوا يعادون أهل البيت ممّن لم يخرج منهم بالسيف ويحكمون بفسقهم.

متن الحديث الخامس عشر والثلاثمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ (1)، قَالَ : حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ عُرْوَةَ ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ ، عَنْ أَبِيهِ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «مَنْ قَعَدَ فِي مَجْلِسٍ يُسَبُّ فِيهِ إِمَامٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ يَقْدِرُ عَلَى الِانْتِصَافِ ، فَلَمْ يَفْعَلْ ، أَلْبَسَهُ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ الذُّلَّ فِي الدُّنْيَا ، وَعَذَّبَهُ فِي الْاخِرَةِ ، وَسَلَبَهُ صَالِحَ مَا مَنَّ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ مَعْرِفَتِنَا» .

شرح الحديث

السند مجهول كالحسن.

وقيل: ضعيف، وفيه نظر(2).

قوله عليه السلام : (يقدر على الانتصاف) أي الانتقام.

قال الفيروزآبادي: «انتصف منه: استوفى حقّه منه كاملاً» انتهى(3).

ويتصوّر الانتصاف بوجوه: إمّا بزجره، أو إلزامه بالحجّة، أو ضربه، أو إظهار معايبه وكفره على الناس، أو قتله مع القدرة إمّا مباشرةً أو تسبيبا.

وقيل: لو قدّر على إلزامه بالحجّة، وصرفه عن الباطل، وعلى قتله، فالراجح الأوّل؛ فإنّ فيه إحياء النفس عن الموت الحقيقي، ولو لم يقدر على شيء فلا يبعد القول بوجوب القيام عليه، كما يدلّ عليه ظاهر بعض الروايات، انتهى، (4).فتأمّل.

ص: 273


1- . هو محمّد بن سعيد بن غزوان، فعلى هذا يكون السند معلّقا على سابقه
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 182
3- القاموس المحيط، ج 3، ص 200 (نصف)
4- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 321

متن الحديث السادس عشر والثلاثمائة

اشارة

أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ابْنِ أَخِي أَبِي شِبْلٍ ، عَنْ أَبِي شِبْلٍ ، قَالَ :قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ابْتِدَاءً مِنْهُ : «أَحْبَبْتُمُونَا وَأَبْغَضَنَا النَّاسُ ، وَصَدَّقْتُمُونَا وَكَذَّبَنَا النَّاسُ ، وَوَصَلْتُمُونَا وَجَفَانَا النَّاسُ ، فَجَعَلَ اللّهُ مَحْيَاكُمْ مَحْيَانَا ، وَمَمَاتَكُمْ مَمَاتَنَا ، أَمَا وَاللّهِ مَا بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ أَنْ يُقِرَّ اللّهُ عَيْنَهُ إِلَا أَنْ تَبْلُغَ نَفْسُهُ هذَا الْمَكَانَ» وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلى حَلْقِهِ ، فَمَدَّ الْجِلْدَةَ ، ثُمَّ أَعَادَ ذلِكَ ، فَوَ اللّهِ مَا رَضِيَ حَتّى حَلَفَ لِي ، فَقَالَ : «وَاللّهِ الَّذِي لَا إِلهَ إِلَا هُوَ لَحَدَّثَنِي أَبِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عليهماالسلامبِذلِكَ ؛ يَا أَبَا شِبْلٍ ، أَ مَا تَرْضَوْنَ أَنْ تُصَلُّوا وَيُصَلُّوا ، فَيُقْبَلَ مِنْكُمْ وَلَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ؟ أَ مَا تَرْضَوْنَ أَنْ تُزَكُّوا وَيُزَكُّوا ، فَيُقْبَلَ مِنْكُمْ وَلَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ؟ أَ مَا تَرْضَوْنَ أَنْ تَحُجُّوا وَيَحُجُّوا ، فَيَقْبَلَ اللّهُ _ جَلَّ ذِكْرُهُ _ مِنْكُمْ وَلَا يَقْبَلَ مِنْهُمْ؟ وَاللّهِ مَا تُقْبَلُ الصَّلَاةُ إِلَا مِنْكُمْ ، وَلَا الزَّكَاةُ إِلَا مِنْكُمْ ، وَلَا الْحَجُّ إِلَا مِنْكُمْ ، فَاتَّقُوا اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، فَإِنَّكُمْ فِي هُدْنَةٍ ، وَأَدُّوا الْأَمَانَةَ ، فَإِذَا تَمَيَّزَ النَّاسُ فَعِنْدَ ذلِكَ ذَهَبَ كُلُّ قَوْمٍ بِهَوَاهُمْ ، وَذَهَبْتُمْ بِالْحَقِّ مَا أَطَعْتُمُونَا ، أَ لَيْسَ الْقُضَاةُ وَالْأُمَرَاءُ وَأَصْحَابُ الْمَسَائِلِ مِنْهُمْ؟» .

قُلْتُ : بَلى .

قَالَ : «فَاتَّقُوا اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، فَإِنَّكُمْ لَا تُطِيقُونَ النَّاسَ كُلَّهُمْ ، إِنَّ النَّاسَ أَخَذُوا هاهُنَا وَهاهُنَا ، وَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمْ حَيْثُ أَخَذَ اللّهُ ، إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَ جَلَّ _ اخْتَارَ مِنْ عِبَادِهِ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله ، فَاخْتَرْتُمْ خِيَرَةَ اللّهِ ، فَاتَّقُوا اللّهَ ، وَأَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى الْأَسْوَدِ وَالْأَبْيَضِ ، وَإِنْ كَانَ حَرُورِيّا ، وَإِنْ كَانَ شَامِيّا» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (إبراهيم بن أخي أبي شبل) بكسر الشين وسكون الباء.

(قال: قال لي أبي عبداللّه عليه السلام ابتداء منه) أي من غير سبق سؤال.

(ووصلتمونا وجفانا الناس).

قال الجوهري: «الوصل: ضدّ الهجران»(1).

ص: 274


1- الصحاح، ج 5، ص 1842 (وصل)

وقال: «الجفاء _ ممدودا _ : خلاف البِرّ.وقد جفوت الرجل أجفوه جفاء، ولا تقل: جفيت»(1).

(فجعل اللّه محياكم محيانا) أي كمحيانا في التوفيق والهداية والرحمة والاستقامة والإرشاد.

قال الجوهري: «الحياة: ضدّ الموت.والمحيا مَفعل من الحياة، تقول: محياي ومماتي»(2).

(ومماتكم مماتنا) أي كمماتنا على الحقّ والسّد والوصول إلى السعادة التي ما لها من نفاذ.ويحتمل أن يُراد من المحيا والممات المصدر، أو الزمان، أو المكان.

(أما واللّه ما بين الرجل) أي الرجل منكم.

(وبين أن يقرّ اللّه عينه) أي يسرّه برؤية مكانه في الجنّة، ومشاهدة النبيّ صلى الله عليه و آله والأئمّة عليهم السلام ، وسماع البشارات منهم.

قال الفيروزآبادي: «قرّت عينه تقِرّ _ بالكسر والفتح _ قَرَّةً، وتضمّ وقرورا: بردت، وانقطع بكاءها، أو رأت ما كانت متشوّقة إليه.وأقرّ اللّه عينه وبعينه»(3).

(إلّا أن تبلغ نفسه) بسكون الفاء، أي روحه.

(هذا المكان، وأومأ بيده إلى حلقه) أي حلقومه.

(فمدّ الجلدة) أي جلدة حلقه بمدّ العنق، أو بأخذها بإصبعيه ومدّها.

(ثمّ أعاد ذلك) أي كرّر مدّ الجلدة.ويحتمل بعيد أن يكون ذلك إشارة إلى الجلدة، لا على مدّها.

(فواللّه ما رضي حتّى حلف لي).

هذه الفقرة كلام أبي الشبل، والمستتر في «رضي» ويرجع إلى أبي عبداللّه عليه السلام ، أي ما اكتفى بإسناد هذا الحديث إلى نفسه مجرّدا عن الحلف والقسم، بل سنده إلى أبيه وأكّده بالقسم: (فقال: واللّه الذي لا إله إلّا هو لحدّثني أبي محمّد بن عليّ عليه السلام بذلك) الحديث.

(يا أبا الشِبل، أما ترضون) إلى قوله: (ولا الحجّ إلّا منكم).

فيه تسلية للشيعة، وشفاء لصدره؛ إذ إنّ هلاك مخالفيهم يشفي غيظ صدورهم، كذلك

ص: 275


1- الصحاح، ج 6، ص 2303 (جفا) مع التلخيص
2- الصحاح، ج 6، ص 2324 (حيا) مع التلخيص
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 115 (قرر) مع التلخيص

بقاء تلك المخالفين على أعمالهم الفاسدة وأفعالهم الكاسدة، وحرمانهم من الأجر والثواب، وقبول أعمال المؤمنين، وكونهم مثابين بها، يشفي غيظ صدورهم.

(فاتّقوا اللّه عزّ وجلّ) في ارتكاب المناهي، وترك الأوامر خصوصا التقيّة.

وقوله: (فإنكم في هدنة) تعليل للأمر بالاتّقاء المتضمّن للأمر بالتقيّة؛ يعني أنّكم في مصالحة مع مخالفيكم إلى زمان ظهور دولة الحقّ، فلا يسوغ لكم الآن إظهار مخالفتهم.

قال الجوهري: «هَدَنَ يَهْدُنُ هدونا: سكن.وهدنه، أي سكنه، يتعدّى ولا يتعدّى.وهادنه: صالحه.والاسم منهما: الهُدنة، بالضمّ»(1).

(وأدّوا الأمانة) إلى أهلها، وإن كان مخالفا أو كافرا، كما هو مفاد عموم الآية، ويدلّ عليه آخر الخبر، ويجيء أيضا من الأخبار ما يدلّ على ذلك.

(فإذا تميّز الناس) أي اختلاف آراؤهم عند مضلّات الفتن.

(فعند ذلك ذهب كلّ قوم بهواهم، وذهبتم بالحقّ).

الباء في الموضعين للتعدية، أو بمعنى «مع».ويحتمل بعيدا كونها بمعنى «إلى».والمراد بكلّ قوم أهل الخلاف.

(ما أطعتمونا) أي ما دمتم مطيعين لنا.والظرف متعلّق ب«ذهبتم».

والظاهر أنّ المراد بالإطاعة الإطاعة في الأعمال والعقائد جميعا، لا الثاني فقط، ولا مجرّد الإقرار.

(ليس القضاة والاُمراء وأصحاب المسائل) أي الفقهاء وأهل الإفتاء.

(منهم) أي من المخالفين والاستفهام للتقرير.

وفيه إيماء إلى شدّتهم وكثرتهم، وظهور شوكتهم، فهو بمنزلة تعليل آخر للأمر بالاتّقاء، أو تعليل للهدنة، والغرض الترغيب في المماشاة والمداراة معهم، والتقيّة منهم لقوّتهم وكثرتهم، وضعف أهل الحقّ وقلّتهم.

(فإنّكم لا تطيقون الناس) أي المخالفين.

(كلّهم).

والمراد عدم الإطاقة في إظهار خصومتهم ومنازعتهم، وعدم إمكان مقاومتهم؛ لما ذكر.

ص: 276


1- الصحاح، ج 6، ص 2217 (هدن)

(إنّ الناس أخذوا ههنا وههنا) إشارة إلى عدم استناد بأخذهم على أصل صحيح، وخروجهم عن جادّة الحقّ وطريق الهداية، وتفرّقهم إلى اليمين والشمال، وسلوكهم طريق الغواية والضلالة.

(وإنّكم أخذتم حيث أخذ اللّه ) أي موضع اختاره اللّه ، وأمر عباده بالأخذ منها، وهو النبيّ صلى الله عليه و آله ، والحجج عليهم السلام ، وأهل الذِّكر الذين أمر اللّه بسؤالهم، واُولي الأمر الذين أمر بإطاعتهم، والصادقين الذين أمر بالكون معهم.

قال الفيروزآبادي: الأخذ: التناول، والسيرة، وذهبوا ومن أخذ أخذهم بكسر الهمزة وفتحها، ورفع الدالّ ونصبها، ومن أخذه أخذهم ويكسر، أي سار بسيرتهم، وتخلّق بخلائقهم(1).

وقوله عليه السلام : (إنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ اختار من عباده محمّدا صلى الله عليه و آله ) كالتفسير والبيان لقوله: «حيث أخذ اللّه ».وقوله: (فاخترتم خيرة اللّه ) لقوله: «وإنّكم أخذتم».

وقوله: (فاتّقوا اللّه ، وأدّوا الأمانات) كالتأكيد للأمر بأداء الأمانة.

والحروري: من الخوارج، منسوب إلى الحروراء _ بالمدّ، وقد يقصّر _ وهي قرية قرب الكوفة، كان أوّل اجتماعهم بها، فنسبوا إليها.والمراد بالشامي نواصب الشام مطلقا، أو بنو اُميّة أيضا.

شرح الحديث

السند ضعيف.

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ابْنِ أَخِي أَبِي شِبْلٍ ، عَنْ أَبِي شِبْلٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام مِثْلَهُ .

متن الحديث السابع عشر والثلاثمائة

اشارة

سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ (2)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ كَثِيرٍ ، قَالَ :

ص: 277


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 350 (أخذ) مع التلخيص
2- . السند معلّق على سابقه، ويروي عن سهل عدّة من أصحابنا

نَظَرْتُ إِلَى الْمَوْقِفِ وَالنَّاسُ فِيهِ كَثِيرٌ ، فَدَنَوْتُ إِلى أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام فَقُلْتُ لَهُ : إِنَّ أَهْلَ الْمَوْقِفِ لَكَثِيرٌ .

قَالَ : فَصَرَفَ (1)بِبَصَرِهِ ، فَأَدَارَهُ فِيهِمْ ، ثُمَّ قَالَ : «ادْنُ مِنِّي ، يَا أَبَا عَبْدِ اللّهِ ، غُثَاءٌ يَأْتِي بِهِ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ ، لَا وَاللّهِ مَا الْحَجُّ إِلَا لَكُمْ ، لَا (2)وَاللّهِ مَا يَتَقَبَّلُ (3)اللّهُ إِلَا مِنْكُمْ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (نظرت إلى الموقف).

هو موضع الوقوف مطلقا، وغلب استعماله في موقف العرفات.

(ثمّ قال: ادن) من الدنوّ، وهو القُرب.

(منّي يا أبا عبداللّه ).

يظهر منه أنّ معاذ بن كثير يكنّى بأبي عبداللّه ، ولم يذكر في كتب الرجال بهذه الكنية، فتأمّل.

(غثاء) أي هم أو هؤلاء غثاء.

وفيه إيجاز الحذف، أي فدنوت منه، فقال: غثاء.

قال في النهاية: «الغثاء _ بالضمّ والمدّ _ : ما يجيء فوق السيل ممّا يحتمله من الزَبَد والوسخ وغيره»(4).

متن الحديث الثامن عشر والثلاثمائة

اشارة

الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيُّ ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَشَّاءِ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ :

كُنْتُ جَالِسا عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام إِذْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ (5)أُمُّ خَالِدٍ _ الَّتِي كَانَ قَطَعَهَا يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ _ تَسْتَأْذِنُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «أَ يَسُرُّكَ أَنْ تَسْمَعَ كَلَامَهَا؟» فَقُلْتُ : نَعَمْ ، فَقَالَ : «أَمَّا الْانَ» فَأَذِنَ لَهَا ، قَالَ : وَأَجْلَسَنِي مَعَهُ عَلَى الطِّنْفِسَةِ ، ثُمَّ دَخَلَتْ فَتَكَلَّمَتْ ، فَإِذَا امْرَأَةٌ بَلِيغَةٌ ، فَسَأَلَتْهُ عَنْهُمَا ،

ص: 278


1- . في بعض نسخ الكافي: «فضرب»
2- . في بعض نسخ الكافي: - «لا»
3- . في بعض نسخ الكافي: «يقبل»
4- النهاية، ج 3، ص 343 (غثا)
5- . في بعض نسخ الكافي: - «عليه»

فَقَالَ لَهَا : «تَوَلَّيْهِمَا» قَالَتْ : فَأَقُولُ لِرَبِّي إِذَا لَقِيتُهُ : إِنَّكَ أَمَرْتَنِي بِوَلَايَتِهِمَا ، قَالَ : «نَعَمْ» قَالَتْ : فَإِنَّ هذَا الَّذِي مَعَكَ عَلَى الطِّنْفِسَةِ يَأْمُرُنِي بِالْبَرَاءَةِ مِنْهُمَا ، وَكَثِيرٌ النَّوَّاءُ يَأْمُرُنِي بِوَلَايَتِهِمَا ، فَأَيُّهُمَا خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ (1): «هذَا وَاللّهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَثِيرٍ النَّوَّاءِ وَأَصْحَابِهِ ؛ إِنَّ هذَا يُخَاصِمُ ، فَيَقُولُ : «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» ، (2). «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الكافِروُنَ» ، (3). «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ» (4)» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

و قد مضى هذا الحديث بعينه متنا و سندا في الحادي والسبعين، و قد شرحناه هناك.

متن الحديث التاسع عشر والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنِ الْمُعَلّى (5)، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ أَبَانٍ ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ ، قَالَ :

لَمَّا أُخْرِجَ بِعَلِيٍّ عليه السلام خَرَجَتْ فَاطِمَةُ عليهاالسلام وَاضِعَةً قَمِيصَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلى رَأْسِهَا ، آخِذَةً بِيَدَيِ (6)ابْنَيْهَا ، فَقَالَتْ : «مَا لِي وَمَا (7)لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ تُرِيدُ أَنْ تُؤَتِّمَ ابْنَيَّ ، وَتُرْمِلَنِي مِنْ زَوْجِي ، وَاللّهِ لَوْ لَا أَنْ يَكُونَ (8)سَيِّئَةٌ ، لَنَشَرْتُ شَعْرِي ، وَلَصَرَخْتُ إِلى رَبِّي» .

فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ : مَا تُرِيدُ إِلى هذَا؟ ثُمَّ أَخَذَتْ بِيَدِهِ ، فَانْطَلَقَتْ بِهِ .

شرح الحديث

السند الضعيف.

قوله: (لمّا اُخرج بعليّ).

الباء للتقوية، أي أخرج عليّ عليه السلام من بيته قهرا ليبايع أبا بكر.والقائل بهذا الكلام أبو هاشم

ص: 279


1- . في بعض نسخ الكافي: «قالت»
2- المائدة (5): 45.وفي الطبعة القديمة وجميع النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة: «الكافرون»
3- المائدة (5): 44
4- .المائدة (5): 47
5- . في أكثر نسخ الكافي: «معلّى»
6- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «بيد»
7- . في بعض نسخ الكافي والوافي: - «ما»
8- . في كلتا الطبعتين: «أن تكون»

على الظاهر، لكن سمعه من أبي جعفر عليه السلام ، كما يفهم من الحديث الآتي.

(تريد أن تؤتمّ ابنيّ) بصيغة الخطاب من الإيتام مصدر باب الإفعال.

قال في تاج اللغة: «الإيتام: يتيم كردن، وخداند شدن».لكن الجوهري لم يصرّح بالمعنى الأوّل في هذا الباب؛ فإنّه قال: اليتيم، جمعه: أيتام، ويتامى.وقد يَتِمَ الصبيّ _ بالكسر _ أيتم يُتما ويَتْما، بالتسكين فيهما.واليتيم في الناس من قِبل الأب، وفي البهائم من قِبل الاُمّ.يقال: أيتمت المرأة، فهو مؤتمّ، أي صار أولادها أيتاما، ويتّمهم اللّه تيتيما: جعلهم أيتاما(1).

(وترملني من زوجي).

قال الجوهري: «الأرملة: المرأة التي لا زوج لها.وقد أرملت المرأة: إذا مات عنها زوجها» (2)انتهى.

فعلى هذا قولها عليهاالسلام: «وترمّلني» من باب الحذف والإيصال.

(واللّه لولا أن يكون سيّئة).

لعلّ المستتر في «يكون» راجع إلى الفعل المجمل المبهم المفسّر بنشر الشعر، و«سيّئة» بالنصب خبر «يكون».

وفي بعض النسخ: «تكون» بالتاء، وعلى هذا «تكون» تامّة، و«سيّئة» بالرفع فاعلها.

وقيل: المراد بالسيئة هلاكهم، ونزول البلاء عليهم، أو نشر الشعر(3).

وقيل: أي مكافأة السيّئة بالسيّئة ليست من دأب الكرام، فيكون إطلاق السيئة عليها مجازا.أو المراد مطلق الأضرار.ويحتمل أن يكون المراد المعصية، أي نُهيتُ عن ذلك، ولا يجوز لي فعله(4).

(لنشرت شعري) أي شعر رأسي.

والنشر: خلاف الطيّ، وفعله كنصر، وكذا التنشير.

(ولصرخت إلى ربّي).

ص: 280


1- الصحاح، ج 5، ص 2064 (تيم) مع التلخيص
2- . الصحاح، ج 4، ص 1713 (رمل)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 324
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 183

الصّراخ _ كغراب _ : الصوت، أو شديده، والفعل منه كنصر، وتعديته ب«إلى» بتضمين مثل معنى الاستقامة والتوجّه.

(فقال رجلٌ من القوم) المجتمعين.

(ما تريد إلى هذا).

لعلّ كلمة «ما» للاستفهام الإنكاري، وتريد خطاب لأبي بكر أو عمر، و«إلى» بمعنى «من»، وهذا إشارة إلى عليّ عليه السلام .ويحتمل أن يكون تعديته بتضمين معنى القصد، ويكون هذا إشارة إلى سوء معاملتهم مع عليّ عليه السلام ، أي أيّ شيءٍ تريد بقصدك على هذا الفعل الشنيع، أتريد أن ينزل العذاب على هذه الاُمّة؟

وفي بعض النسخ: «يريد» بالياء، ولعلّ المستتر فيه راجع إلى أحد من العمرين.وفي بعضها: «ما تريد إلّا هذا» فحينئذٍ «ما» نافية، وهذا إشارة إلى ما قالته فاطمة عليهاالسلام، أو إلى عليّ عليه السلام على احتمال؛ والخطاب أو الغيبة بحالهما.

(ثمّ أخذت بيده) أي بعد سماعهم هذا الكلام من الرجل خلّوا سبيل أمير المؤمنين عليه السلام ، فأخذت فاطمة عليهاالسلامبيده عليه السلام .

(فانطلقت به).

الباء للتعدية، أو للمصاحبة.روى مسلم: «أنّ فاطمة عليهاالسلام بقيت بعد أبيها ستّة أشهر، وبايع علي عليه السلام مع أبي بكر بعد وفاتها»(1). وقال شارحه أبو عبداللّه الآبي: «كان لعليّ في حياتها وجهٌ من الناس، فلمّا ماتت فاطمة استنكر وجوههم، فأخذوا منه البيعة»(2).

أقول: هذا الكلام صريح في اعترافهم بتأخّر بيعته عليه السلام مع أبي بكر في تلك المدّة، بل في أنّ صدور البيعة بعدها لم يكن عن طوع ورغبة منه عليه السلام ، بل وقعت إجبارا وإكراها، كما لا يخفى.وبهذا يختلّ أركانهم، وينهدم بنيانهم من إسنادهم إمامة أبي بكر إلى إجماع الاُمّة؛ فإنّ الإجماع لم ينعقد باعترافهم في تلك المدّة، لعدم دخول أمير المؤمنين عليه السلام فيه، وكذا بعض الصحابة مثل سلمان وأبي ذرّ وغيرهما، كما صرّحوا به، بل بعد تلك المدّة أيضا؛ لأنّ البيعة

ص: 281


1- صحيح مسلم بشرح الآبي، ج 5، ص 154
2- نفس المصدر

لا تعتبر في مثل ذلك الأمر إلّا مع الاختيار، مع أنّ فاطمة عليهاالسلاملم ترض بها، وبعض الصحابة لم يبايع مطلقا اتّفاقا، وقضيّة أبي ذرّ ومخالفته مع الثلاثة مشهورة، وفي كتب السيِّر وأخبار الخاصّة والعامّة مسطورة.

وأجاب بعضهم عن تأخّر بيعته عليه السلام بأنّ ذلك لم يكن عن شقاق ومخالفة، وإنّما كان لعذر وطروّ أمر، انتهى(1).

وأنت خبير بأنّ مثل هذا الجواب لا يصدر عن عاقل فضلاً عن فاضل، وإنّما نشأ من محض التعصّب والعناد، ومجرّد الانحراف عن منهج الحقّ والسّداد؛ فإنّ امتناعه عليه السلام عن البيعة وإباؤه عنها مع كمال مبالغتهم في ذلك، حتّى فعلوا به ما فعلوا، وأضرموا في بيته النار، وفيه فاطمة عليهاالسلاموجماعة من بني هاشم، وأحرقوا بابه، وأخرجوه عليه السلام ، وضربوا فاطمة عليهاالسلام، فألقت جنينا اسمه محسن، وأمثال ذلك من القبائح التي بلغت في الاشتهار كالشمس في رابعة النهار، صريح في أنّ تأخّره عليه السلام عن البيعة لم يكن لعذر، وكلام الآبي أيضا صريحٌ في ذلك على أنّه عليه السلام شديد الاهتمام في تشييد أركان الدِّين، وتمهيد قواعد الإسلام والمسلمين، كما يرشد إليه مسابقته ومسارعته في قبول دعوة سيّد المرسلين، وكثرة جهاده مع المشركين والقاسطين والناكثين والمارقين، وعظم بلائه في وقائع النبيّ صلى الله عليه و آله والمسلمين، ولم يبلغ أحدٌ من الصحابة علوّ درجته ونيل رتبته في غزوة بدر، مع قلّة المؤمنين وكثرة الكافرين، حتّى باشر بنفسه النفيسة قتل نصف المشركين، وكذا في غزاة اُحُد ويوم الأحزاب، حتّى قال النبيّ صلى الله عليه و آله : «لضربة عليّ خيرٌ من عبادة الثقلين»، (2)وفي غزاة خيبر وحنين وسائر الغزوات في أيّام حياة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وبعد وفاته، وكونه أزهد الناس وأعبدهم بعد النبيّ صلى الله عليه و آله ، وإعراضه عن أعراض الدُّنيا وأغراضها، واتّصافه بالكمالات الخلقيّة والخُلقيّة أكملها وأسناها، فكيف يتصوّر من مثله التأخّر عن هذا الأمر العظيم والخطب الجسيم لو كان حقّا، وأيّ عذرٍ يتخيّل في ذلك؟! ولكن من أضلّه اللّه وأعمى بصيرته، استوخم الحقّ، فلم يستعذبه.

ومن يك ذا مخ مُرٍّ مريض***يجد مرّا به الماء الزلالا

ص: 282


1- المجيب هو المحقّق القوشجي، ولكن لم يحضر عندنا شرحه
2- عوالي اللآلي، ج 4، ص 86، ح 102

ثمّ اعلم أنّ القصّة المذكورة في الكتاب من المشهورات المرويّة من طرق الخاصّة والعامّة بأسانيد متكثّرة، بحيث يجري مضمونه مجرى المتواترات، ونحن نذكر هنا نبذة من الطريقين؛ ليكون كالتفسير والتأييد لما في الكتاب، وتذكرة لاُولي الألباب، وحسما لمادّة شبهات أهل الارتياب.

أمّا الخاصّة فمنها: ما رواه الشيخ الطبرسي رحمه الله في كتاب الاحتجاج عن سليم بن قيس الهلالي، عن سلمان الفارسي رضى الله عنه أنّه قال: لمّا بايع القوم أبا بكر وكان، الليل، حمل عليّ عليه السلام فاطمة عليهاالسلامعلى حمار، وأخذ بيد ابنيه حسن وحسين، فلم يدَع أحدا من أهل بدر من المهاجرين ولا من الأنصار إلّا أتاه في منزله، وذكّره حقّه، ودعاه إلى نصرته، فما استجاب له من جميعهم إلّا أربعة وعشرون (1)رجلاً، فأمرهم أن يصبحوا بكرة محلّقين رؤوسهم، معهم سيوفهم، قد بايعوه على الموت، فأصبح ولم يوافه منهم أحد غير أربعة _ فقلت لسلمان: ومَن الأربعة؟ قال: أنا وأبو ذرّ والمقداد والزبير بن العوّام _ ثمّ أتاهم من الليل، (2)فناشدهم فقالوا: نصبحك بكرة، فما منهم أحدٌ وافى غيرنا.ثمّ الليلة الثالثة فما وافى غيرنا.فلمّا رأى علي عليه السلام غدرهم، وقلّة وفائهم، لزم بيته، وأقبل على القرآن يؤلّفه ويجمعه، فلم يخرج حتّى جمعه كلّه، فكتبه على تنزيله والناسخ والمنسوخ، فبعث إليه أبو بكر أن اُخرج فبايع، فبعث إليه: إنّي مشغول، فقد آليت بيمين أن لا أرتدي برداء إلّا للصلاة حتّى اُؤلّف القرآن فأجمعه، فجمعه في ثوب، فختمه، ثمّ خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فنادى عليّ عليه السلام بأعلى صوته: «أيّها الناس، إنّي لم أزل منذ قبض النبيّ صلى الله عليه و آله مشغولاً بغسله، ثمّ بالقرآن، حتّى جمعته كلّه في هذا الثوب، فلم ينزل اللّه على نبيّه صلى الله عليه و آله آية من القرآن إلّا وقد جمعتها، وليست منه آية إلّا وقد أقرأنيها رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأعلمني تأويلها».[فقالوا: لا حاجة لنا به، عندنا مثله].ثمّ دخل بيته، فقال عمر لأبي بكر: أرسل إلى عليّ فليبايع، فإنّا لسنا في شيء حتّى يبايع، ولو قد بايع أمنّاه [وغائلته]، فأرسل أبو بكر رسولاً أن أجب خليفة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فأتاه الرسول فأخبره بذلك، فقال عليّ عليه السلام : «ما أسرع ما كذبتم على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، إنّه ليعلم ويعلم الذين حوله أنّ اللّه ورسوله لم يستخلفا غيري».

ص: 283


1- . في المصدر: «وأربعون»
2- . في المصدر: «من الليلة الثانية»

فذهب الرسول، فأخبره بما قال، فقال: اذهب فقُل: أجب أمير المؤمنين أبا بكر.فأتاه فأخبره بذلك، فقال عليّ عليه السلام : «سبحان اللّه ، ما طال العهد فينسى، وأنّه ليعلم أنّ هذا الاسم لا يصلح إلّا لي، ولقد أمره رسول اللّه صلى الله عليه و آله سابع سبعة: فسلّموا عليَّ بإمرة المؤمنين، فاستفهمه هو وصاحبه عمر من بين السبعة فقالا: أمِن اللّه ، أو من رسوله؟ فقال لهما رسول اللّه صلى الله عليه و آله : نعم، حقّا من اللّه ومن رسوله؛ إنّه أمير المؤمنين، وسيّد المسلمين، وصاحب لواء الغرّ المحجّلين، يقعده اللّه يوم القيامة على الصراط، فيدخل أولياءه الجنّة، وأعداءه النار».

فانطلق الرسول إلى أبي بكر، وأخبره بما قال، فكفّوا عنه يومئذٍ، فلمّا كان الليل حمل فاطمة عليهاالسلام على حمار، ثمّ دعاهم إلى نصرته، فما استجاب له رجلٌ غيرنا أربعة، فإنّا حلقنا رؤوسنا، وبذلنا له نصرتنا، وكان عليّ عليه السلام لمّا رأى خذلان الناس له وتركهم لنصرته واجتماع كلمة الناس مع أبي بكر وطاعتهم له وتعظيمهم له، جلس في بيته، وقال عمر لأبي بكر: ما منعك أن تبعث إليه فيبايع؛ فإنّه لم يبق أحد إلّا وقد بايع غير هؤلاء الأربعة معه، وكان أبو بكر أرقّ الرجلين وأرفقهما وأدهاهما وأبعدهما غورا، والآخر أفظّهما وأغلظهما وأجفاهما.فقال: مَن نرسل إليه؟ قال: أرسل إليه قنفذا، وكان رجلاً فظّا غليظا جافيا من الطُّلقاء أحد بني تميم، فأرسله وأرسل معه أعوانا، فانطلق، فاستأذن، فأبى عليّ عليه السلام أن يأذن له، فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر وعمر، وهما في المسجد والناس حولهما، فقالوا: لم يأذن لنا.فقال عمر: إن هو أذِنَ لكم، وإلّا فادخلوا عليه بغير إذنه.فانطلقوا، فاستأذنوا، فقالت فاطمة عليهاالسلام: «احرج عليكم أن تدخلوا بيتي بغير إذن».

فرجعوا، وثبت قنفذ، فقالوا: إنّ فاطمة عليهاالسلام قالت كذا وكذا، فحرجتنا أن ندخل عليهما [البيت] بغير إذن، فغضب عمر فقال: ما لنا وللنساء، ثمّ أمر اُناسا حوله، فحملوا حَطَبا، وحمل معهم عمر، فجعلوه حول منزله، وفيه عليّ عليه السلام وفاطمة وابناهما عليهم السلام ، ثمّ نادى عمر حتّى أسمعَ عليّا عليه السلام : واللّه لتخرجنّ ولتبايعنّ خليفة رسول اللّه ، أو لأضرمنّ عليك بيتك نارا، ثمّ رجع فقعد إلى أبي بكر، وهو يخاف أن يخرج إليه عليّ عليه السلام بسيفه لما يعرف من بأسه وشدّته.ثمّ قال لقنفذ: إن خرج، وإلّا فاقتحم عليه؛ فإن امتنع، فاضرم عليهم بيتهم نارا.

فانطلق قنفذ، فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن، وبادر عليّ إلى سيفه [ليأخذه]، فسبقوه إليه، فتناول بعض سيوفهم، فكثروا [عليه]، فضبطوه، وألقوا في عنقه حبلاً، وحالت فاطمة عليهاالسلام بين

ص: 284

زوجها وبينهم عند باب البيت، فضربها قنفذ بالسوط على عضدها، وأنّ بعضدها مثل الدملوج من ضرب قنفذ إيّاها، فأرسل أبو بكر إلى قنفذ: اضربها، فالجأ عليه السلام إلى عضادة باب بيتها، فدفعها، فكسر ضلعا من جنبها، وألقت جنينا من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتّى ماتت من ذلك شهيدة صلوات اللّه عليها.

ثمّ انطلقوا بعليّ عليه السلام حتّى انتهوا به إلى أبي بكر، وعمر قائم بالسيف على رأسه، وخالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجرّاح وسالم والمغيرة بن شعبة وأسيد بن حصين وبشير بن سعد، وساير الناس قعود حول أبي بكر عليهم السلاح وهو يقول: «أما واللّه ، لو وقع سيفي بيدي، لعلمتم أنّكم لن تصلوا إلى هذا [جزاء] منّي، وباللّه ما ألوم نفسي في جهد، ولو كنت في أربعين رجلاً لفرّقت جماعتكم، فلعن اللّه قوما بايعوني ثمّ خذلوني».فانتهره عمر فقال: بايع.

فقال: «فإن لم أفعل؟» قال: إذا نقتلك ذُلّاً وصِغارا.

فقال: «إذا تقتلون عبداللّه وأخا رسول اللّه صلى الله عليه و آله »؟

فقال أبو بكر: أمّا عبداللّه فنعم، وأمّا أخا رسول اللّه فلا نقرّ لك به.

فقال: «أتجحدون أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله آخا بين نفسه وبيني» فأعادوا عليه بذلك ثلاث مرّات، ثمّ أقبل عليّ عليه السلام فقال: «يا معشر المهاجرين والأنصار، أنشدكم باللّه ، أسمعتم رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول يوم غدير كذا وكذا، وفي غزوة تبوك كذا وكذا»، فلم يدَع شيئا قاله فيه عليه السلام علانية للعامّة إلّا ذكر، فقالوا: اللَّهُمَّ نعم، فلمّا أن خاف أبو بكر أن ينصروه، وأن يمنعوه، بادَرَهُم، فقال: كلّما قلت قد سمعناه بآذاننا ووعته قلوبنا، ولكن سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول بعد هذا: إنّا أهل بيت اصطفانا اللّه ، وأكرمنا، واختار لنا الآخرة على الدُّنيا، وأنّ اللّه لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوّة والخلافة.

فقال عليّ عليه السلام : «أما أحدٌ من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله شهد هذا معك؟»

فقال عمر: صدق خليفة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، قد سمعت هذا منه كما قال.وقال أبو عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل: صدق، قد سمعنا ذلك من رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

فقال لهم: «لشدّ ما وفيتم بصحيفتكم الملعونة التي تعاقدتم عليها في الكعبة إن قتل اللّه محمّدا أو أماته أن تزووا هذا الأمر منّا أهل البيت».

ص: 285

فقال أبو بكر: وما علمك بذلك ما أطلعناك عليها؟

فقال عليّ عليه السلام : «يا زبير، ويا سلمان، وأنت يا مقداد، اُذكّركم باللّه والإسلام، أسمعتم رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول ذلك لي: إنّ فلانا وفلانا _ حتّى عدّ هؤلاء [الخمسة] _ قد كتبوا بينهم كتابا، وتعاهدوا وتعاقدوا على ما صنعوا؟»

قالوا: اللَّهُمَّ قد سمعناه يقول ذلك لك.فقلت: بأبي أنت [واُمّي] يا رسول اللّه ، فما تأمرني أفعل إذا كان ذلك؟ فقال: «إن وجدت عليهم أعوانا، فجاهدهم ونابذهم؛ وإن لم تجد أعوانا، فبايعهم واحقن دمك».

فقال عليّ عليه السلام : «أما واللّه ، لو أنّ اُولئك الأربعين رجلاً الذين بايعوني ووفوا لي جاهدتك واللّه ، أما واللّه لا ينالها أحدٌ من عقبكم إلى يوم القيامة».

ثمّ نادى قبل أن يبايع: «قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِى وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِى» ، (1).ثمّ تناول يد أبي بكر فبايعه كرها.فقال للزبير: بايع [الآن، فأبى]، قال: فوثب إليه عمر وخالد بن الوليد وابن شعبة في اُناس، فانتزعوا سيفه، فضربوا به الأرض حتّى كسر، فقال الزبير وعمر على صدره: يابن صهّاك، أما واللّه لو أنّ سيفي في يدي لَحدثَ عنّي، ثمّ بايع.

قال سلمان: ثمّ أخذوني، فوجؤوا عنقي حتّى تركوها مثل السلعة، ثمّ فتلوا يدي، فبايعت.ثمّ بايع أبو ذرّ والمقداد مكرهين، وما من الاُمّة أحدٌ بايع مكرها غير علي عليه السلام وأربعتنا، ولم يكن أحدٌ منّا أشدّ قولاً من الزبير(2).

أقول: الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

وروي عن الصادق عليه السلام أنّه [قال:] لمّا استخرج أمير المؤمنين عليه السلام من منزله خرجت فاطمة عليهاالسلام، فما بقيت امرأة هاشميّة إلّا خرجت معها حتّى انتهت قريبا من القبر، فقالت: خلّوا عن ابن عمّي، فوالذي بعث محمّدا بالحقّ، إن لم تخلّوا عنه، لأنشرنّ شعري، ولأضعنّ قميص رسول اللّه صلى الله عليه و آله على رأسي، ولأصرخنّ إلى اللّه تبارك وتعالى، [فما صالح بأكرم على اللّه من أبي]، فما ناقة صالح بأكرم على اللّه منّي، ولا الفصيل بأكرم على اللّه من ولدي.

ص: 286


1- . الأعراف (7): 150
2- الاحتجاج، ج 1، ص 107 _ 111 مع اختلاف يسير في اللفظ

قال سلمان رضى الله عنه: كنتُ قريبا منها، فرأيت واللّه أساس حيطان مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله تقلّعت من أسفلها حتّى لو أراد رجل أن ينفذ من تحتها نفذ، فدنوت منها، وقلت: يا سيّدتي ومولاتي، إنّ اللّه _ تبارك وتعالى _ بعث أباكِ رحمةً، فلا تكوني نقمة.فرجعت، ورجعت الحيطان إلى الأرض، حتّى سطعت الغبرة من أسفلها، فدخلت في خياشيمنا، انتهى(1).

وأمّا الروايات العامّيّة، فمنها: ما رواه ابن أبي الحديد عن أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري بإسنادٍ ذكره، عن سلمة بن عبد الرحمن، قال: لمّا جلس أبو بكر على المنبر، كان عليّ عليه السلام والزّبير واُناس من بني هاشم في بيت فاطمة عليهاالسلام، فجاء عمر إليهم، فقال: والذي نفسي بيده، لتخرجنّ إلى البيعة، أو لأحرقنّ البيت عليكم، فخرج الزبير مُصلتا سيفه، فاعتنقه رجلٌ من الأنصار وزياد بن وليد، (2)فدقّ به، فبدر السيف من يده، فصاح به أبو بكر وهو على المنبر: اضرب به على الحجر.قال أبو عمرو بن عماس: فلقد رأيت الحجر فيه تلك الضربة، ويقال: هذه ضربة سيف الزبير.ثمّ قال أبو بكر: دعوهم، فسيأتي اللّه بهم، قال: فخرجوا إليه بعد ذلك، فبايعوه.قال أبو بكر: وقد روى في رواية اُخرى أنّ سعيد بن أبي وقّاص كان معهم في بيت فاطمة عليهاالسلام، والمقداد ابن أسود أيضا، وأنّهم اجتمعوا أن يبايعوا عليّا عليه السلام ، فأتاهم عمر ليحرق عليهم البيت، فخرج إليه الزبير بالسيف، وخرجت فاطمة عليهاالسلامتبكي وتصيح، إلى آخر ما ذكره(3).

وروي أيضا عن أحمد بن إسحاق، عن أحمد بن سيّار، عن سعيد بن كثير الأنصاري في أثناء ذكر خبر السقيفة بطوله، وذهب عمر ومعه عصابة إلى بيت فاطمة عليهاالسلام منهم أسيد بن حضير وسلمة بن أسلم، فقال لهم: انطلقوا فبايعوا: فأبوا عليه، وخرج الزبير بسيفه، فقال عمر: عليكم الكلب، فوثب عليه سلمة بن أسلم، فأخذ السيف من يده فضرب به الجدار، فانطلقوا به وبعليّ ومعهما بنو هاشم وعليٌّ يقول: «أنا عبداللّه ، وأخو رسوله» حتّى انتهوا [به ]إلى أبي بكر، فقيل له بايع، فقال: «أنا أحقُّ بهذا الأمر منكم لا اُبايعكم، وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار، واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول اللّه ، فأعطوكم [المقادة ]

ص: 287


1- الاحتجاج، ج 1، ص 114 مع اختلاف يسير في اللفظ
2- في المصدر: «لبيد»
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 2، ص 56، ذيل الخطبة 26 مع تفاوت يسير في اللفظ

وسلّموا اليكم الإمارة، وأنا أحتجّ عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار، فانصفونا إن كنتم تخافون اللّه من أنفسكم، واعرفوا الناس [من ]الأمر مثل ما عرفت الأنصار لكم، وإلّا فبؤوا بالظلم وأنتم تعلمون».

فقال عمر: إنّك لست متروكا حتّى تبايع.فقال له عليّ عليه السلام : «احلب يا عمر حلبا لك شطره أشدد له اليوم أمره ليردّ عليك غدا، لا واللّه لا أقبل قولك ولا اُبايعه».فقال له أبو بكر: فإن لم تبايعني لم أكرهك.فقال له أبو عبيدة: يا أبا الحسن، إنّك حديث السنّ، وهؤلاء مشيخة قريش قومك، وليس لك تجربتهم ومعرفتهم بالاُمور، ولا أرى أبا بكر إلّا أقوى على هذا الأمر منك، وأشدّ احتمالاً له، واضطلاعا به، فسلِّم هذا الأمر، وارضَ؛ فإنّك إن تعش ويطل عمرك فأنت بهذا الأمر خليق، وبه حقيق، في فضلك وقرابتك وسابقتك وجهادك.فقال عليّ: «يا معشر المهاجرين، اللّه اللّه ، لا تخرجوا سلطان محمّد عن داره وبيته إلى بيوتكم ودوركم، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقّه، فواللّه يا معشر المهاجرين، لنحن أهل البيت] أحقّ [بهذا الأمر منكم؛ أما كان منّا القارئ لكتاب اللّه الفقيه في دين اللّه العالم بالسنّة المضطلع بأمر الرعيّة، واللّه إنّه لفيتا، فلا تتّبعوا الهوى فتزدادوا من الحقّ بُعدا».فقال بشير بن سعد: لو كان هذا الكلام سمِعتْهُ منك الأنصار يا عليّ قبل بيعتهم لأبي بكر ما اختلف عليك اثنان، ولكنّهم قد بايعوا، وانصرف عليّ إلى منزله، ولم يُبايع، ولزم بيته حتّى ماتت فاطمة عليهاالسلام، فبايع(1).

وروي أيضا عن أحمد بن عبد العزيز، قال: أخبرني أبو بكر الباهلي وإسماعيل بن مجالد، عن الشعبي، قال: قال أبو بكر: ياعمر، أين خالد بن الوليد؟ قال: هو هذا.فقال: انطلقا إليهما _ يعني عليّا والزبير _ فأتياني بهما.فدخل عمر، ووقف خالد على الباب من خارج، فقال عمر للزبير: ما هذا السيف؟ قال: أعددتهُ لاُبايع عليّا، قال: وكان في البيت ناس كثير منهم المقداد بن الأسود وجمهور الهاشميّين، فاخترط عمر السيف فضرب به صخرة في البيت فكسره ثمّ أخذ بيد الزبير فأقامه ثمّ دفعه فأخرجه، وقال: يا خالد، دونك هذا، فأمسكه خالد، وكان خارج الباب مع خالد جمعٌ كثير من الناس بعثهم أبو بكر ردءا لهما، ثمّ دخل

ص: 288


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 6، ص 12، ذيل الخطبة 66 مع تفاوت يسير في اللفظ

عمر فقال لعليّ: قُم فبايع، فتلكأ، واحتبس، فأخذ بيده، فقال: قُم، فأبى أن يقوم، فحمله ودفعه كما دفع الزبير، ثمّ أمسكهما خالد، وساقهما عمر ومن معه سوقا عنيفا، واجتمع الناس ينظرون، وامتلأت شوارع المدينة بالرِّجال، ورأت فاطمة ما صنع عمر، فصرخت، وولولت، واجتمعت معها نساء كثير من الهاشميّات وغيرهنّ، فخرجت إلى باب حجرتها، ونادت: «يا أبا بكر، ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، واللّه لا اُكلّم عمر حتّى ألقى اللّه ».

قال: فلمّا بايع عليّ عليه السلام والزبير، وهدأت تلك الفورة مشى إليها أبو بكر بعد ذلك، فشفع لعمر، وطلبه إليها، فرضيت عنه(1).

ثمّ قال ابن أبي الحديد بعد ذكره بعض الأخبار في ذلك:

والصحيح عندي: إنّها ماتت وهي واجدة على أبي بكر وعمر، وإنّها أوصت أن لا يصلّيا عليها، وذلك عند أصحابنا من الأهواء المغفورة لهما، وكان الأولى لهما إكرامها واحترام منزلها(2).

ثمّ روى بإسناده عن ابن عبّاس: أنّ عمر قال له: أما واللّه إنّ صاحبك هذا لأولى الناس بالأمر بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلّا إنّا خفناه على ثنتين؛ على حداثة سنّه، وحبّه بني عبد المطلّب(3). وقد أورد ابن قتيبة أكثر هذه الواقعة الشنيعة، وذكر أنّه هدّد أبو بكر عليّا عليه السلام بالقتل إن لم يُبايع، فأتى قبر النبيّ صلى الله عليه و آله باكيا وقال: «يا ابن اُمّ، إنّ القوم استضعفوني، وكادوا يقتلونني» انتهى(4).

أقول: والحمد للّه أجرى الحقّ على لسان أعدائه، ليكون حجّة عليهم لأوليائه، ليحاجّوهم به عند ربّهم وعند خاتم أنبيائه، فليتدبّر المنصف الطالب للحقّ والرّشاد، هل يظهر من تلك الأخبار بغض هؤلاء الكفرة ومعاندتهم لأهل بيت النبوّة وارتدادهم عن الدِّين، وشقّهم عصا المسلمين، وظلمهم لأئمّة الدِّين، وغصب حقّ سلالة سيِّد المرسلين، وجرءتهم على اللّه في هتك حرمة أهل بيت احترمهم روح الأمين مع أنّهم رووا أخبار متكثّرة: «أنّ حبّهم إيمان،

ص: 289


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 6، ص 49، ذيل الخطبة 66
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 6، ص 50، ذيل الخطبة 66
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 6، ص 51، ذيل الخطبة 66 مع التلخيص
4- الإمامة والسياسة، ج 1، ص 20

وبغضهم كفر ونفاق»؟ (1).وهل يتبيّن له منها مفارقتهم عن أمير المؤمنين عليه السلام ومفارقته عنهم، مع أنّهم رووا بأسانيده جمّة: «أنّ عليّا مع الحقّ، والحقّ مع عليّ حيث ما دار»؟ (2).وهل يبقى مجال تأمّل لذي مسكة أنّ مثل هذه القبائح الفضيحة _ بل أقلّ قليل منها _ سبب لإيذائه وإيذاء آل بيته عليهم السلام .وقد روى أحمد بن حنبل وغيره من محدّثيهم أنّه صلى الله عليه و آله قال: من آذى عليّا فقد آذاني»(3). ورووا أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال لفاطمة عليهاالسلام: «يا فاطمة، إنّ اللّه يغضب لغضبك، ويرضى لرضاك»(4).

وأنّه صلى الله عليه و آله قال: «فاطمة بضعةٌ منّي، مَن آذاها فقد آذاني، ومَن آذاني فقد آذى اللّه »(5).

وقد قال اللّه تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّه َ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللّه ُ فِي الدُّنْيَا وَالْاخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابا مُهِينا» (6).وهل يجوّز من له أدنى تمييز كون مثل تلك البيعة منشأً وسببا لرئاسة الدِّين والدُّنيا؟ أم كيف يفوّض مصالح المسلمين إلى هؤلاء الكفرة الفجرة؟ وأيّ مصلحة للمسلمين تعارض مثل هذه المفاسد الشنيعة؟ وأيّة مفسدة كانت أقبح وأعظم من الاقتحام في حرم خير الأنام، وهتك حرمتهم، وكشف سترهم، وزجرهم، وإهانتهم، ودفعهم، وإلجاء بضعة رسول اللّه وحبيبته وقرّة عينه إلى الخروج من بيتها، وإلى الظلم والبكاء والنياح والصياح في مجامع الكفرة والفسقة، وتسليط الكفّار والأشرار وحمَلَة الأوزار على أهل بيت النبيّ صلى الله عليه و آله المختار، حتّى آل الأمر إلى أن قتلوهم وشردّوهم؟ وهل كان هذا مقتضى وصيّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله فيهم في مواطن كثيرة ومواضع عديدة؟ فلبئس ما آجروا نبيّهم، وبئس ما غرّوا أهل بيته في مصيبته، وساء ما جبروا وَهْنَهم في رزيّته، إنّ اللّه سائلهم عن ذلك سؤالاً حثيثا، ومعذّبهم عذابا أليما.

ص: 290


1- . راجع: كاسح الألفام الكفريّة، ص 25؛ سبل الهدى والرشاد، ج 11، ص 8
2- . مجمع الزوائد للهيثمي، ج 7، ص 235؛ المعيار والموازنة، ص 36؛ سنن الترمذي، ج 5، ص 297، ح 3798
3- مسند أحمد، ج 3، ص 483؛ المستدرك للحاكم، ج 3، ص 122
4- المستدرك للحاكم، ج 3، ص 154؛ المعجم الكبير، ج 1، ص 108، ح 182؛ مجمع الزوائد للهيثمي، ج 9، ص 203؛ سبل الهدى والرشاد، ج 11، ص 44
5- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد، ج 16، ص 273، ذيل الخطبة 45
6- .الأحزاب (33): 57

متن الحديث العشرين والثلاثمائة

اشارة

أَبَانٌ (1).، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ الطَّائِيِّ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «وَاللّهِ لَوْ نَشَرَتْ شَعْرَهَا مَاتُوا طُرّا» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله عليه السلام : (ماتوا طُرّا) بالضمّ.

قال الجوهري: «جاؤوا طرّا: أي جميعا»(2).

متن الحديث الواحد والعشرين والثلاثمائة

اشارة

أَبَانٌ (3).، عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ ، قَالَ :

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «إِنَّ وَلَدَ الزِّنى يُسْتَعْمَلُ ، إِنْ عَمِلَ خَيْرا جُزِئَ بِهِ ، وَإِنْ عَمِلَ شَرّا جُزِئَ بِهِ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله عليه السلام : (إنّ ولد الزنى يستعمل).

على البناء للمفعول؛ أي يطلب منه العمل بالتكاليف الشرعيّة مثل سائر المكلّفين.

(إن عمل خيرا جزئ به، وإن عمل شرّا جزئ به) في الموضعين على البناء للمفعول، من الجزاء، وهو المكافأة على العمل، وفعله كرمى؛ يُقال: جزاه به وعليه جزاء.

واعلم أنّ أصحابنا اختلفوا في إسلام ولد الزنا وكفره قبل البلوغ، أو بعده، مع إظهاره الإسلام، ومرادهم بكفره أو إسلامه قبل البلوغ إجراء حكم المسلمين أو الكفّار عليه.

فالمشهور الأوّل، ومستندهم هذا الخبر وأمثالها؛ فإنّ مفادها أنّه لا يحكم بكفره من حيث إنّه ولد الزنا، بل يكلّف كغيره بالأعمال، ويجازى على وفقه إن خيرا فخيرا وإن شرّا فشرّا.

ص: 291


1- . السند معلّق على سابقه، ويروي عن أبان، الحسين بن محمّد الأشعري عن معلّى بن الحسن
2- الصحاح، ج 2، ص 725 (طرر)
3- . السند معلّق كسابقه

وذهب السيّد المرتضى رحمه الله، (1)وابن إدريس (2)._ على ما نقل عنه _ إلى الثاني، كما ورد في بعض الأخبار أنّه فعل باختياره ما يستوجب به دخول النار(3). ولقوله عليه السلام : «ولد الزنا لا يدخل»(4).وأجاب الأوّلون بحملهما على الغالب، أو بحمل خبر الكتاب على ظاهر حاله، وهذين الخبرين على ما يؤول إليه أمره.وقال بعض الأفاضل: يمكن حمل خبر الكتاب على مذهب السيّد بالجزاء على الأجر المنقطع الذي يكون الكفّار أيضا، لا على الثواب الدائم» (5).وفيه ما فيه.

متن الحديث الثاني والعشرين والثلاثمائة

اشارة

أَبَانٌ (6)، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللّهِ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ : «خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِنْ حُجْرَتِهِ وَمَرْوَانُ وَأَبُوهُ يَسْتَمِعَانِ إِلى حَدِيثِهِ ، فَقَالَ لَهُ : الْوَزَغُ ابْنُ الْوَزَغِ.

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «فَمِنْ يَوْمِئِذٍ يَرَوْنَ أَنَّ الْوَزَغَ يَسْمَعُ الْحَدِيثَ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (خرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله من حجرته).

الحجرة _ بالضمّ _ : معروفة، وأصلها: حظيرة الإبل.

(ومروان وأبوه)؛ هو الحكم بن العاص.

(يستمعان إلى حديثه).

في القاموس: «استمع له وإليه: أصغى»؛ (7)أي يتوجّهان إلى سماع حديث رسول اللّه صلى الله عليه و آله ممّا يخبر به، ويحكيه مع أهله وأزواجه؛ ليطّلعا على أسراره، أو ليخبرا به المنافقين.

ص: 292


1- . الانتصار، ص 544، المسألة 305
2- . السرائر، ج 1، ص 357
3- المصدر
4- المصنّف للصنعاني، ج 7، ص 455، ح 13866
5- . قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 194 مع اختلاف في اللفظ
6- . السند معلّق كسابقه
7- . القاموس المحيط، ج 3، ص 42 (سمع)

(فقال له) أي لمروان، أو لكلّ منهما.والأوّل أظهر.

(الوزغ ]ابن] الوزغ).

سمّاهما وزغان؛ لأنّ الوزغ نمّام يستمع إلى الحديث، ولأنّ بني اُميّة يمسخون وزغا عند الموت _ كما مرّ _ فشبّههما به لذلك.والأوّل أنسب بقوله صلى الله عليه و آله : (فمن يومئذٍ يرون).

في بعض النسخ: «يروون».والأوّل من الرؤية بمعنى العلم، والثاني من الرواية، وضمير الجمع للناس.

(أنّ الوزغ يسمع الحديث)؛ لفهمهم أنّ وجه التشبيه استماع الحديث.

متن الحديث الثالث والعشرين والثلاثمائة

اشارة

أَبَانٌ (1)، عَنْ زُرَارَةَ ، قَالَ :سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «لَمَّا وُلِدَ مَرْوَانُ عَرَضُوا بِهِ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله أَنْ يَدْعُوَ لَهُ ، فَأَرْسَلُوا بِهِ إِلى عَائِشَةَ لِيَدْعُوَ لَهُ ، فَلَمَّا قَرَّبَتْهُ مِنْهُ قَالَ : أَخْرِجُوا عَنِّي الْوَزَغَ ابْنَ الْوَزَغِ» .قَالَ زُرَارَةُ : وَلَا أَعْلَمُ إِلَا أَنَّهُ قَالَ وَلَعَنَهُ .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله عليه السلام : (لمّا ولد مروان عرضوا به لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ).

يحتمل كون الباء للتقوية، من قولهم: عرض الشيء له، أي أظهره له.ويحتمل كونها للتعدية، من قولهم: عرض له كذا، أي ظهر وبدا.

(أن يدعو له).

قيل: كانوا يعرضون الطفل على له صلى الله عليه و آله ، ليدعو له، ويحنّكه، لأن يكون أوّل ما دخل في جوفه ما أدخله رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وطلبا للتبرّك به.وفيه دلالة على حسن عشرته لاُمّته بالتأليف والتودّد، وجرى هذا الأمر في جميع الأعصار تأسّيا، فأهل كلّ عصر تأدّبوا بمثل هذا الأدب

ص: 293


1- . السند معلّق كسابقيه

من التبرّك بآثار الصالحين، فحملوا بالولد عند الولادة إليهم يحنّكونه ويدعون له.

(فأرسلوا به) أي بمروان.

(إلى عائشة ليدعو له).

المستتر في «يدعو» راجع إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله .وفي الكلام حذف، أي: ارسلوا إليها لتعرضه على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فيدعو له.

(فلمّا قرّبته) عائشة.

(منه) أي من رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

(قال) رسول اللّه صلى الله عليه و آله : (أخرجوا عنّي الوزغ ابن الوزغ).

شبّهه بالوزغ، كما مرّ.

(قال زرارة: ولا أعلم إلّا أنّه قال) أي أظنّ أنّ أبا جعفر عليه السلام قال: (ولعنه) أي لعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله مروان.

متن الحديث الرابع والعشرين والثلاثمائة

اشارة

أَبَانٌ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللّهِ ، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الْمَكِّيِّ، قَالَ:

سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ عُمَرَ لَقِيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَقَالَ : أَنْتَ الَّذِي تَقْرَأُ هذِهِ الْايَةَ «بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ» (1).تَعَرُّضا بِي وَبِصَاحِبِي؟

قَالَ : أَ فَلَا أُخْبِرُكَ بِآيَةٍ نَزَلَتْ فِي بَنِي أُمَيَّةَ؟ «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِى الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ» (2).

فَقَالَ : كَذَبْتَ ، بَنُو أُمَيَّةَ أَوْصَلُ لِلرَّحِمِ مِنْكَ ، وَلكِنَّكَ أَبَيْتَ إِلَا عَدَاوَةً لِبَنِي تَيْمٍ وَعَدِيٍّ وَبَنِي أُمَيَّةَ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

وقد مرَّ هذا الحديث متنا وسندا في السادس والسبعين.

ص: 294


1- . القلم (68): 6
2- . محمّد (47): 22

متن الحديث الخامس والعشرين والثلاثمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «كَانَ عَلِيٌّ عليه السلام يَقُومُ فِي الْمَطَرِ أَوَّلَ مَا يَمْطُرُ حَتّى يَبْتَلَّ رَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ وَثِيَابُهُ ، فَقِيلَ لَهُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، الْكِنَّ الْكِنَّ ، فَقَالَ : إِنَّ هذَا مَاءٌ قَرِيبُ الْعَهْدِ (1)بِالْعَرْشِ ، ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُ ، فَقَالَ : إِنَّ تَحْتَ الْعَرْشِ بَحْرا فِيهِ مَاءٌ يُنْبِتُ أَرْزَاقَ الْحَيَوَانَاتِ ، فَإِذَا أَرَادَ اللّهُ _ عَزَّ ذِكْرُهُ _ أَنْ يُنْبِتَ بِهِ مَا يَشَاءُ لَهُمْ رَحْمَةً مِنْهُ لَهُمْ أَوْحَى اللّهُ إِلَيْهِ ، فَمَطَرَ مَا شَاءَ مِنْ سَمَاءٍ إِلى سَمَاءٍ حَتّى يَصِيرَ (2)إِلى سَمَاءِ الدُّنْيَا _ فِيمَا أَظُنُّ _ فَيُلْقِيَهُ إِلَى السَّحَابِ ، وَالسَّحَابُ بِمَنْزِلَةِ الْغِرْبَالِ ، ثُمَّ يُوحِي (3)إِلَى الرِّيحِ أَنِ اطْحَنِيهِ ، وَأَذِيبِيهِ ذَوَبَانَ الْمَاءِ ، ثُمَّ انْطَلِقِي بِهِ إِلى مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا ، فَامْطُرِي عَلَيْهِمْ ، فَيَكُونَ كَذَا وَكَذَا عُبَابا وَغَيْرَ ذلِكَ ، فَتَقْطُرُ عَلَيْهِمْ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي يَأْمُرُهَا بِهِ ، فَلَيْسَ مِنْ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ إِلَا وَمَعَهَا مَلَكٌ حَتى يَضَعَهَا مَوْضِعَهَا ، وَلَمْ يَنْزِلْ مِنَ السَّمَاءِ قَطْرَةٌ مِنْ مَطَرٍ إِلَا بِعَدَدٍمَعْدُودٍ ، وَ وَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَا مَا كَانَ مِنْ يَوْمِ الطُّوفَانِ عَلى عَهْدِ نُوحٍ عليه السلام ؛ فَإِنَّهُ نَزَلَ مَاءٌ مُنْهَمِرٌ بِلَا وَزْنٍ وَلَا عَدَدٍ» .

قَالَ (4): وَحَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ لِيَ أَبِي عليه السلام : قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ جَعَلَ السَّحَابَ غَرَابِيلَ لِلْمَطَرِ هِيَ تُذِيبُ الْبَرَدَ حَتّى يَصِيرَ مَاءً لِكَيْ لَا يُضِرَّ بِهِ (5)شَيْئا يُصِيبُهُ ، وَالَّذِي (6)تَرَوْنَ فِيهِ مِنَ الْبَرَدِ وَالصَّوَاعِقِ نَقِمَةٌ مِنَ اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ» .

ثُمَّ قَالَ : «قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : لَا تُشِيرُوا إِلَى الْمَطَرِ وَلَا إِلَى الْهِلَالِ ؛ فَإِنَّ اللّهَ يَكْرَهُ ذلِكَ» .

شرح الحديث

السند ضعيف معتمد.

قوله عليه السلام : (كان عليّ عليه السلام يقوم في المطر أوّل ما يمطر).

المطر _ بالتحريك _ : ماء السماء.والمطر _ بالتسكين، وقد يحرّك _ : إصابة المطر،

ص: 295


1- . في الطبعة القديمة وبعض نسخ الكافي والوافي: «قريب عهد»
2- . في بعض نسخ الكافي: «تصير»
3- . في الطبعة القديمة والوافي والمرآة: + «اللّه »
4- . الضمير المستتر في «قال» راجع إلى مسعدة بن صدقة
5- . في أكثر نسخ الكافي: - «به»
6- . في الطبعة القديمة: «والذي» بدون الواو

ونزوله، يتعدّى ولا يتعدّى، وفعله كنصر.

يُقال: مطرتهم السماء مطرا، أي أصابتهم بالمطر، وأمطرهم اللّه .وقيل: لا يُقال الإمطار إلّا في العذاب(1).

والظاهر أنّ المراد بأوّل ما يمطر أوّل نزول كلّ مطر.ويحتمل بعيد إرادة المطر أوّل السنة.

(فقيل: يا أمير المؤمنين، لكنّ الكنّ) أي ادخل الكنّ، أو اطلبه.

والكِنّ _ بالكسر _ : وقاء كلّ شيء، وسترتَهُ، وما يرد الحرّ والبرد من الأبنية والمساكن، الجمع: أكنان.وكنَنتُ الشيء كَنّا _ بالفتح _ : أي سترته.

(فقال: إنّ هذا ماء قريب العهد بالعرش) إلى قوله: (ينبت أرزاق الحيوانات).

الظاهر المراد بالعرش العرش الجسماني.وقيل: يحتمل أن يُراد به الإرادة، ومعنى قرُب عهده بها قرب عهده بتعلّقها، وإلّا فإرادته تعالى قديمة، وأن يُراد بها الرحمة.قال: والحديث حجّة لمن رجّح ماء المطر على مياه الأرض.وقال: يفهم منه استحباب التبرّك بالمطر، سيّما قبل استقراره في الأرض التي عُبدَ عليها غيره تعالى، وقبل أن يمسّه الأيدي الخاطئة؛ لأنّ المطر رحمةً لقوله تعالى: «بُشْرا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ» (2). ، ومباركٌ لقوله عزّ وجلّ: «مَاءً مُبَارَكا» (3). ، وقريب عهد من محلّ رحمته وهو العرش، انتهى(4).

واعلم أنّ هذا الخبر صريح في أنّ المطر ينزل من السماء، كما يفهم من ظاهر الآية، فلا عبرة بقول الطبيعيّن الفلاسفة بنزوله ممّا يتصاعد من بخارات الأرض، وما استدلّوا به على ذلك لا حجّة فيه؛ لكونه ظنّيّا، (5)وما ادّعوا من المشاهدة والتجربة على تقدير تسليمه لا يفيد الكلّيّة.ويظهر من بعض الأخبار أنّ المطر منه ما ينزل من السماء، ومنه ما يتصاعد من الأرض ثمّ ينزل.

وقوله: (فيما أظنّ) كلام الراوي؛ أي أظنّ أنّه عليه السلام ذكر سماء الدُّنيا.

(والسّحاب بمنزلة الغربال).

الغربال _ بالكسر _ : ما ينخل به.

ص: 296


1- قاله الفيروزآبادي في القاموس المحيط، ج 2، ص 135 (مطر)
2- . الأعراف (7): 57
3- ق (50): 9
4- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 326
5- . راجع: الشفاء (الطبيعيّات)، ج 1، ص 73

(ثمّ يوحي) بالبناء للفاعل، والمستتر فيه راجع إلى اللّه .

والوحي: الإشارة، والإلهام، والكلام الخفيّ.وأوحى إليه: بعثه، وألهمه.

(إلى الريح أن إطحنيه، وأذيبيه).

الطحن: جعل التبر دقيقا، وفعله كمنع.

وذاب يذوب ذوبا وذوبانا _ محرّكة _ : ضدّ جمد، وأذابه غيره.

(ذوبان الماء) أي كذوبانه، فهو مفعول مطلق للتشبيه.

وفي بعض النسخ: «ذوبان الملح في الماء».ويفهم من ظاهره أنّ المطر في الأصل بَردٌ، أو ثلج، وآخر الخبر صريح في الأوّل.

وقيل: يحتمل أن يكون الطحن والإذابة كنايتين عن تفريق الماء في السّحاب؛ لئلّا ينزل دفعة، ولا في بعض المواضع أكثر من بعض، فيكون اللّام في قوله عليه السلام : «الماء» للعهد، أي ماء المطر، لكن ما سيأتي لا يقبل هذا الحمل(1).

(فيكون كذا وكذا عُبابا).

قال الفيروزآبادي: «كذا: اسم مبهم، وقد يجري مجرى كم، فينصب ما بعده على التمييز»(2). وقال: «العُباب _ كغراب _ : معظم السيل، وارتفاعه، وكثرته، أو موجه»(3).

والمراد بقوله: (وغير ذلك) سائر مراتب قلّة العُباب وكثرته على ما يقتضيه المصلحة الإلهيّة.

(إلّا ما كان من يوم الطوفان على عهد نوح عليه السلام ).

قال في القاموس: الطوفان _ بالضمّ _ : المطر الغالب، والماء الغالب يغشى كلّ شيء، والموت الذريع الجارف، والقتل الذريع، والسيل المغرق»(4). وقال: «العهد: الزمان» انتهى(5).

وكلمة «من» يحتمل أن تكون بيانا للموصول، ويحتمل أن يكون الموصول عبارة عن المطر.

ص: 297


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 196
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 410 (كذا)
3- القاموس المحيط، ج 1، ص 99 (عبب) مع التلخيص
4- القاموس المحيط، ج 3، ص 170 (طوف)
5- القاموس المحيط، ج 1، ص 320 (عهد)

(فإنّه نزل ماءً منهمر).

في القاموس: «وانهمر الماء: انسكب، وسال»(1).

والضمير المنصوب ليوم الطوفان، أو للشأن، أي ينزل فيه ماء منسكب سائل، أي من غير تقاطر، أو كثير من غير أن يعلم وزنه وعدده الملائكة، كما أشار إليه بقوله: (بلا وزن ولا عدد)؛ يعني في علم الملائكة وضبطهم، لا في الواقع.

(جعل السحاب غرابيل للمطر هي تذيب البرد).

في بعض النسخ: «حتّى» بدل «هي».والغرابيل: جمع غربال _ بالكسر _ ، و«البرد» محرّكة: حبّ الغمام.

وقوله عليه السلام : (يُصيب بها) أي بتلك النقمة (من يشاء من عباده) إشارة إلى قوله _ عزّ وجلّ _ في سورة النور: «أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللّه َ يُزْجِي سَحَابا» (2).قال البيضاوي:

أي يسوق «ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ» بأن يكون قزعا، فينضمّ بعضه إلى بعض، وبهذا الاعتبار صحّ مبناه؛ إذ المعنى بين أجزائه، ثمّ يجعل ركوما متراكما بعضه فوق بعض، «فَتَرَى الْوَدْقَ» أي المطر «يَخْرُجُ مِنْ خِلَ__لِهِ» من فتوقه، جمع خلل، كجبال وجبل «وَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّمَآءِ» من الغمام، وكلّ ما علاك فهو سماء «مِن جِبَالٍ فِيهَا» من قطع عظام تشبه الجبال في عظمها أو جمودها «مِن بَرَدٍ» بيان للجبال والمفعول محذوف، أي ينزّل مبتديا «مِنَ السَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ» بَردا، ويجوز أن تكون «من» الثانية والثالثة للتبعيض واقعة موقع المفعول.وقيل: المراد بالسماء المظلّة، وفيها جبال من برد، كما في الأرض جبال من حجر، وليس في العقل قاطع يمنعه، والمشهور أنّ الأبخرة إذا تصاعدت ولم تحلّلها حرارة، فبلغت الطبقة الباردة من الهواء، وقوى البرد هناك اجتمع، وصار سحابا، فإن لم يشتدّ البرد تقاطر مطرا، وإن اشتدّ فإن وصل إلى الأجزاء البخاريّة قبل اجتماعها نزل ثلجا، وإلّا نزل بَردا.

وقد يبرد الهواء بردا مفرطا، فينقبض وينعقد سحابا، وينزل منه المطر أو الثلج، وكلّ ذلك لابدّ وأن يستند إلى إرادة الواجب الحكيم؛ لقيام الدليل على أنّها الموجبة لاختصاص الحوادث بمحالّها وأوقاتها، وأشار إليه بقوله: «فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ» ، والضمير للبرد «يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ

ص: 298


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 162 (همر)
2- .النور (24): 42

بِالْأَبْصَارِ» (1). بأبصار الناظرين إليه من فرط الإضاءة، انتهى(2).

(قال: ثمّ قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لا تشيروا إلى المطر ولا إلى الهلال؛ فإنّ اللّه يكره ذلك).

في القاموس: «أشار إليه: أومأ.ويكون بالكفّ والعين والحاجب»(3).

والظاهر أنّ المراد كراهة الإشارة إليهما باليد.وقيل: يحتمل أن يكون المراد الإشارة إلى كيفيّة حدوثهما من دون رمز؛ فإنّ ذلك يضرّ باعتقاد العامّة، واستشهد له بقول اللّه عزّ وجلّ: «يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ» (4). فعدل عمّا سألوه إلى أمرٍ آخر، انتهى(5)وقيل: يمكن أن يكون كناية عن نسبة منافعهما إليهما، لا إليه تعالى.قال: ولو قرئ بالتاء المثنّاة الفوقانيّة من شتر به _ كفرح _ : إذا سبّه.أو من شتر فلانا: إذا غتّه، وجرحه.وجعل «إلى» بمعنى الباء، أو زائدة لكان له وجه، انتهى(6).

وقيل: لعلّ المراد الإشارة إليهما على سبيل المدح، كأن يقول: ما أحسن هذا الهلال، وما أحسن هذا المطر، أو أنّه ينبغي عند رؤية الهلال ونزول المطر الاشتغال بالدّعاء، لا الإشارة إليهما كما هو عادة السفهاء، أو أنّه لا ينبغي عند رؤيتهما التوجّه إليهما عند الدعاء والتوسّل بهما، كما أنّ بعض الناس يظنّون أنّ الهلال له مدخليّة في نظام العالم، فيتوسّلون به ويتوجّهون إليه.

قال: وهذا أظهر بالنسبة إلى الهلال، وأيّده بما رواه الصدوق في الفقيه عن الصادق عليه السلام أنّه قال: إذا رأيت هلال شهر رمضان، فلا تشر إليه، ولكن استقبل القبلة، وارفع يديك إلى اللّه _ عزّ وجلّ _ وخاطب الهلال، الخبر، (7).انتهى(8).

أقول: ليت شعري ما حملهم على صرف العبارة عن ظاهرها، وارتكاب أمثال تلك التوجيهات البعيدة المتعسّفة، وأيّ استبعاد في تعلّق الكراهة بمجرّد الإشارة، كما قلنا.

ص: 299


1- .النور (24): 43
2- تفسير البيضاوي، ج 4، ص 194 و 195
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 65 (شور) مع اختلاف في اللفظ
4- .البقرة (2): 189
5- قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي، ج 26، ص 500، ذيل ح 25582 مع اختلاف في اللفظ
6- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 327
7- . اُنظر: الفقيه، ج 2، ص 100، ذيل ح 1846
8- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 198

متن الحديث السادس والعشرين والثلاثمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ رَفَعَهُ ، قَالَ :كَتَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ : «أَمَّا بَعْدُ ، فَقَدْ يَسُرُّ الْمَرْءَ مَا لَمْ يَكُنْ لِيَفُوتَهُ ، وَيَحْزُنُهُ مَا لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ أَبَدا وَإِنْ جَهَدَ ، فَلْيَكُنْ سُرُورُكَ بِمَا قَدَّمْتَ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ أَوْ حُكْمٍ أَوْ قَوْلٍ ، وَلْيَكُنْ أَسَفُكَ فِيمَا فَرَّطْتَ فِيهِ مِنْ ذلِكَ ، وَدَعْ مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا ، فَلَا تُكْثِرْ عَلَيْهِ حَزَنا ، وَمَا أَصَابَكَ مِنْهَا فَلَا تَنْعَمْ بِهِ سُرُورا ، وَلْيَكُنْ هَمُّكَ فِيمَا بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَالسَّلَامُ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله عليه السلام : (فقد يسرّ المرء).

«يسرّ» من السرور، و«المرء» مفعوله.وقوله: (ما لم يكن ليفوته) فاعله.

(ويحزنه ما لم يكن ليصيبه أبدا).

الحزن: خلاف السرور.وحزنه _ كنصر _ : جعله حزينا.

(وإن جهد) أي وإن بذل وسعه في تحصيله، وبلغ غاية مجهوده.

والحاصل: أنّ المقدّر لا يفوت، وغير المقدّر لا يُدرك، فلا ينبغي السرور بحصول الأوّل، والحزن بفوات الثاني.هذا إذا كان الحاصل، أو الفائت من اُمور الدُّنيا والنافعة فيها، وأمّا إذا كان من الاُمور والمنافع المتعلّقة بالآخرة، فينبغي له أن يسرّ بحصوله، ويحزن بفواته، كما أشار إليه بقوله: (فليكن سرورك بما قدّمت من عملٍ صالح أو حكم).

الحكم _ بالضمّ _ : القضاء.والمراد هنا الحكومة بالعدل بين الناس.والحكم أيضا: الحكمة، وهي بالكسر: العدل، والعلم.والحكم، والحِكم _ كعنب _ : جمع الحكمة.

(أو قول) أي كلام نافع، وهو القول الحقّ.

(وليكن أسفك فيما فرّطت فيه).

الأسف _ محرّكة _ : أشدّ الحزن، وفعله كفرح.

وفرّط الشيء، وفيه تفريطا: ضيّعه.وقدّم العجز فيه وقصّر.

ص: 300

وكلمة «من» في قوله عليه السلام : (من ذلك) بيان للموصول الثاني، وذلك إشارة إلى الحكم وتالييه (ودع) أي اترك.

(ما فاتك من الدُّنيا) ولا تهتمّ بتحصيله.

(فلا تكثر عليه) أي على فواته.

(حزنا).

يُقال: أكثر، أي أتى بكثير.

والحُزن _ بالضمّ، وبالتحريك _ : الهمّ، نصبه على التمييز.

وكلمة «ما» في قوله: (وما أصابك منها) شرطيّة، وجوابه قوله: (فلا تنعم به سرورا) قال الفيروزآبادي: التنعّم: الترفّه، والاسم: النعمة بالفتح.نعم _ كسمع، ونصر، وضرب، ومَنزلٌ ينعمهم _ مثلّثة _ وينعمهم، كيكرمهم.والمنعّمة، كمعظّمة: الحسنة العيش.والغذاء والنعمة بالكسر: المسرّة.ونعم اللّه بك _ كسمع _ ونعمك، وأنعم بك عينا: أقرَّ بك عين مَن تحبّه، أو أقرَّ عينك بمَن تحبّه.ونعم العود _ كفرح _ : أخضرّ، ونضر.وأنعم أن يحسن: زاد.وفي الأمر: بالغ.وأنعم اللّه صباحك من النُعُومة(1).

ولك تطبيق عبارة الحديث بكلّ من تلك المعاني بنوع من التقريب.

ونصب «سرورا» على بعض الاحتمالات بالمصدريّة، وعلى بعضها بالتميز، وحاصل الجمع: إنّك إذا أصبت من الدُّنيا شيئا، فلا تتلذّذ منه كلّ اللّذّة، ولا تتملّاء منه كلّ التملّئ، ولا تعتن بها وبزخارفها، واصرف همّك في تحصيل الآخرة ونعيمها، كما قال: (وليكن همّك فيما بعد الموت).

وقال بعض الأفاضل: قوله عليه السلام : «فقد يسرّ المرء» إلى آخره، إشارة إلى قوله تعالى: «مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللّه ِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللّه ُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ» (2).

ص: 301


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 181 _ 183 (نعم) مع التلخيص
2- الحديد (57): 22 و 23

قال: ولعلّ المراد بالآية والخبر نفي الأسى المانع عن التسليم لأمر اللّه ، والفرح الموجب للبطر والاختيال بقرينة ذكر الاختيال والفخر في الآية.ويحتمل أن يكون المراد نفي الحزن الناشئ من توهّم أنّه كان يمكنه دفع ذلك عن نفسه، والفرح الناشئ من توهّم أنّه حصل ذلك بكدّه وسعيه وتدبيره، وعلى التقديرين يستقيم التعليل والتفريع المستفادان من الآية.

قال: وأمّا ما ذكره الشيخ الطبرسي والذي يوجب نفي الأسى والفرح من هذا أنّ الإنسان إذا علم أنّ ما فات منها ضمن اللّه تعالى العوض عليه في الآخرة، فلا ينبغي أن يحزن لذلك، وإذا علم أنّ ما ناله منها كلّف الشكر عليه والحقوق الواجبة فيه، فلا ينبغي أن يفرح به.وأيضا إذا علم أنّ شيئا منها لا يبقى، فلا ينبغي أن يهتمّ له، بل يجب أن يهتمّ لأمر الآخرة التي تدوم ولا تبيد، (1).فلا مدخل لوجهيه في تصحيح التعليل إلّا أن يتكلّف في أوّلهما بأنّ التقدير يستلزم ضمان العوض وإيجاب الشكر، ولذلك صار علّة لعدم الحزن والفرح، انتهى(2).

متن الحديث السابع والعشرين والثلاثمائة

اشارة

سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ (3)، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ كَرَّامٍ ، عَنْ أَبِي الصَّامِتِ :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «مَرَرْتُ أَنَا وَأَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام عَلَى الشِّيعَةِ وَهُمْ مَا بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ ، فَقُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : شِيعَتُكَ وَمَوَالِيكَ جَعَلَنِيَ اللّهُ فِدَاكَ؟ قَالَ : أَيْنَ هُمْ؟ فَقُلْتُ : أَرَاهُمْ مَا بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ ، فَقَالَ : اذْهَبْ بِي إِلَيْهِمْ ، فَذَهَبَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ ، ثُمَّ قَالَ : وَاللّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ رِيحَكُمْ وَأَرْوَاحَكُمْ ، فَأَعِينُوا مَعَ هذَا بِوَرَعٍ وَاجْتِهَادٍ ، إِنَّهُ لَا يُنَالُ مَا عِنْدَ اللّهِ إِلَا بِوَرَعٍ وَاجْتِهَادٍ ، وَإِذَا ائْتَمَمْتُمْ بِعَبْدٍ فَاقْتَدُوا بِهِ ، أَمَا وَاللّهِ إِنَّكُمْ لَعَلى دِينِي وَدِينِ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ ، وَإِنْ كَانَ هؤُلِاءِ عَلى دِينِ أُولئِكَ ، فَأَعِينُونِي (4)عَلى هذَا بِوَرَعٍ وَاجْتِهَادٍ» .

ص: 302


1- . مجمع البيان، ج 9، ص 400
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 199
3- . السند معلّق على سابقه، و يروي عن سهل بن زياد عدّة من أصحابنا
4- . في كلتا الطبعتين ومعظم نسخ الكافي: «فأعينوا»

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله عليه السلام : (اذهب بي إليهم).

قيل: أمره بذلك؛ لأنّه عليه السلام كان بدنا عظيم الجثّة متّكئا عليه(1).

(فذهب فسلّم عليهم، ثمّ قال: واللّه إنّي لأحبّ ريحكم).

قد مرَّ مثله في التاسع والخمسين والمأتين، وإن كان هؤلاء على دين اُولئك.

قيل: لعلّه لما خصّص من بين الآباء إبراهيم وإسماعيل لبيان أنّ جميع الأنبياء مشاركون لنا في الدِّين، وكان هذا التخصيص يوهم إمّا الحصر، أو كونهم أفضل من آبائه الأكرمين محمّد وأهل بيته عليهم السلام ، استدرك عليه السلام ذلك بأنّ النبيّ وأهل بيته عليهم السلام هم الأصل في دين الحقّ، وسائر الأنبياء على دينهم ومن أتباعهم، فقوله عليه السلام : (هؤلاء) إشارة إلى إبراهيم وإسماعيل وغيرهم من الأنبياء الماضية، و(اُولئك) اشارة إلى آبائه الأقربين من النبيّ والأئمّة الطاهرين عليهم السلام .ويحتمل أن يكون سقط العاطف من النسّاخ، ويكون في الأصل: «وإبراهيم» فيستقم من غير تكلّف.ويمكن أن يكون «هؤلاء» إشارة إلى المخالفين، و«اُولئك» إلى أئمّتهم الغاوين، كما اُفيد.ويحتمل أيضا أن يكون «هؤلاء» إشارة إلى المخالفين، و«اُولئك» إلى الآباء، ويكون المراد منهم وإن كانوا يدّعون أنّهم على دين آبائي، لكنّهم برآء منه، وأنتم على دينهم، أو يكون الغرض أنّ دين آبائي دينٌ لا ينكره أحدٌ، وكلّ ذي دين يطلب أن يكون عليه(2).

(فأعينوني على هذا بورعٍ واجتهاد).

«هذا» إشارة إلى الدِّين، والباء للسببيّة، أو للتسليس متعلّق بالإعانة.و«على» بمعنى «مع» بقرينة ما قبله، وهو أيضا متعلّق بالإعانة.ويحتمل كونه للتعليل، كما قيل في قوله تعالى: «وَلِتُكَبِّرُوا اللّه َ عَلَى مَا هَدَاكُمْ» (3)أي لكونكم على هذا الدِّين، ويحتمل كونه ظرف مستقرّ منصوب المحلّ على الحاليّة، أي حال كونكم على دين الحقّ، والمراد بالورع الاجتناب عن المحرّمات وبالاجتناب السعي والكدّ في الطاعات.

ص: 303


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 199
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 200
3- البقرة (2): 185

متن الحديث الثامن والعشرين والثلاثمائة

اشارة

أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْكُوفِيِّ ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَامِرٍ ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُسْلِيِّ ، عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ الشَّامِيِّ ، قَالَ :سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ قَائِمَنَا إِذَا قَامَ مَدَّ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ لِشِيعَتِنَا فِي أَسْمَاعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ حَتّى لَا يَكُونَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقَائِمِ بَرِيدٌ يُكَلِّمُهُمْ ، فَيَسْمَعُونَ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَهُوَ فِي مَكَانِهِ» .

شرح الحديث

السند كالصحيح.

قوله عليه السلام : (مدَّ اللّه _ عزّ وجلّ _ لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم).

في القاموس: المدّ: البسط، وطموح البصر إلى الشيء»؛ (1)أي قوّتهم السامعة والباصرة.

(حتّى يكون بينهم وبين القائم بريد).

في القاموس: البريد: الرسول، وفرسخان، أو اثنى عشر ميلاً»(2).والمناسب هنا أحد المعنيين الأخيرين.

وفي بعض النسخ: «لا يكون»، فالمناسب حينئذٍ المعنى الأوّل.

(يكلّمهم) في مثل تلك المسافة البعيدة، أو بعدم توسّط رسول.

(فيسمعون) كلماته؛ لقوّة أسماعهم.

(وينظرون إليه وهو عليه السلام في مكانه)؛ لقوّة إبصارهم.

متن الحديث التاسع والعشرين والثلاثمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسى ، عَنْ هَارُونَ بْنِ خَارِجَةَ :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «مَنِ اسْتَخَارَ اللّهَ رَاضِيا بِمَا صَنَعَ اللّهُ لَهُ ، خَارَ اللّهُ لَهُ حَتْما» .

ص: 304


1- . القاموس المحيط، ج 1، ص 337 (مدد) مع التلخيص
2- القاموس المحيط، ج 1، ص 277 (برد) مع التلخيص

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله عليه السلام : (من استخار اللّه ).

الاستخارة: طلب الخيرة، وهي _ كعنبة _ اسم من قولك: اخترته منهم وعليهم.

(راضيا بما صنع اللّه له) أي فعله، ويسّر اللّه له، خار اللّه له.

في القاموس: «خار اللّه لك في الأمر: جعل لك فيه الخير»(1).

(حتما).

في القاموس: «الحَتم: القضاء، وإيجابه، وإحكام الأمر.وقد حتمه يحتمه»(2).

والحاصل: أنّ من طلب في كلّ أمرٍ يريده ويأخذ فيه، أو تمنّى حصوله، أن ييسّر اللّه له ما هو أصلح بحاله وخيرٌ له في دنياه وآخرته، ثمّ يكون راضيا غير ساخط بصنع اللّه وفعله له، يأت اللّه تعالى بخيره، والظاهر أنّ المراد بالاستخارة هنا غير الاستخارة بالمصحف وذات الرقاع وأمثالهما مع التعميم.

متن الحديث الثلاثين والثلاثمائة

اشارة

سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ (3)، عَنْ دَاوُدَ بْنِ مِهْرَانَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْمِيثَمِيِّ ، عَنْ رَجُلٍ ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ بْنِ مُسْهِرٍ ، قَالَ :

اشْتَدَدْتُ خَلْفَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَقَالَ لِي : «يَا جُوَيْرِيَةُ ، إِنَّهُ لَمْ يَهْلِكْ هؤُلَاءِ الْحَمْقى إِلَا بِخَفْقِ النِّعَالِ خَلْفَهُمْ ، مَا جَاءَ بِكَ؟» .

قُلْتُ : جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ : عَنِ الشَّرَفِ ، وَعَنِ الْمُرُوءَةِ ، وَعَنِ الْعَقْلِ ؟

قَالَ : «أَمَّا الشَّرَفُ ، فَمَنْ شَرَّفَهُ السُّلْطَانُ شَرُفَ ؛ وَأَمَّا الْمُرُوءَةُ ، فَإِصْلَاحُ الْمَعِيشَةِ ؛ وَأَمَّا الْعَقْلُ ، فَمَنِ اتَّقَى اللّهَ عَقَلَ» .

ص: 305


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 25 (خير)
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 93 (حتم) مع التلخيص
3- . السند معلّق على سابقه

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (أشتددت خلف أمير المؤمنين عليه السلام ).

الاشتداد: العَدو، كالشدّ.

(فقال لي: يا جويرية، إنّه لم يهلك هؤلاء الحَمقى).

الحُمُق _ بالضمّ، وبضمّتين _ : قلّة العقل.وقد حمق _ ككرم _ حماقة، فهو أحمق، وهي حمقاء _ بالمدّ _ ونسوة وقوم حمقى، بالفتح والقصر، فتدبّر.

ولعلّ هؤلاء إشارة إلى أئمّة الجور، ويحتمل شموله لأهل التكبّر والتجبّر مطلقا.

(إلّا بخفق النّعال خلفهم).

في القاموس: «الخفق: صوت النعل»(1).

وقيل: الغرض: أنّ خفق النعال سبب للفخر والكبر، فيكون الغرض تعليم الناس بترك ذلك، وإن كان في شأنه عليه السلام لا تحتمل هذه المفسدة، أو [أنّ] أئمّة الضلال إنّما هلكوا بحبّهم الفخر والعلوّ وكثرة الأتباع، وخفق النّعال خلفهم، وأمّا أنا فلا أحبّ ذلك، فلِمَ تمشي خلفي؟ (2).

(أمّا الشرف، فمن شرّفه السلطان شرف).

الشرف _ محرّكة _ : العلوّ والمجد.وقد شرف _ ككرم _ فهو شريف، وشرّفته تشريفا: جعلته شريفا.

ويفهم من هذا الخبر أنّ الشرف لا يلزم أن يكون بالآباء.

ولعلّ المراد بالسلطان إمام العدل، ويُراد بالشرف حينئذٍ شرف الدارين.ويحتمل الأعمّ، فالمراد به شرف الدُّنيا.

(وأمّا المروءة، فإصلاح المعيشة).

في القاموس: العيش: الحياة.عاش يعيش عيشا ومعاشا ومعيشا ومعيشةً وعيشةً بالكسر.

ص: 306


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 228 (خفق) مع التلخيص
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 203

والمعيشة: التي تعيش بها من المطعم والمشرَب، وما تكون به الحياة، وما يُعاش به أو فيه.الجمع: معايش، انتهى(1).

ولعلّ المراد بإصلاحها أن يكون مدخلها ومخرجها على قانون الشرع والتوسّط بين الإسراف والتقتير.ويحتمل أن يُراد به استثمار المال، كما مرّ في كتاب العقل من أنّ استثمار المال تمام المروءة.ويحتمل أن يكون المراد اتّخاذ الكسب وتحصيل المعاش المؤدّي إلى الاستغناء عمّا في أيدي الناس.

(وأمّا العقل، فمن اتّقى اللّه عقل)؛ يعني أنّ العقل ما يقتضي القيام بوظائف طاعة اللّه ، والاحتراز عن مخالفته ومساخطته.وهذا نظير ما مرّ في كتاب العقل من أنّه: «ما عُبدَ به الرحمان، واكتُسب به الجنان»(2).

متن الحديث الواحد والثلاثين والثلاثمائة

اشارة

سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ (3)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي النَّوَارِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، قَالَ :قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، لِأَيِّ شَيْءٍ صَارَتِ الشَّمْسُ أَشَدَّ حَرَارَةً مِنَ الْقَمَرِ؟ فَقَالَ : «إِنَّ اللّهَ خَلَقَ الشَّمْسَ مِنْ نُورِ النَّارِ وَصَفْوِ الْمَاءِ ، طَبَقا مِنْ هذَا وَطَبَقا مِنْ هذَا ، حَتّى إِذَا كَانَتْ سَبْعَةَ أَطْبَاقٍ أَلْبَسَهَا لِبَاسا مِنْ نَارٍ ، فَمِنْ ثَمَّ صَارَتْ أَشَدَّ حَرَارَةً مِنَ الْقَمَرِ» .

قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، وَالْقَمَرُ؟

قَالَ : «إِنَّ اللّهَ _ تَعَالى ذِكْرُهُ _ خَلَقَ الْقَمَرَ مِنْ ضَوْءِ نُورِ النَّارِ وَصَفْوِ الْمَاءِ ، طَبَقا مِنْ هذَا وَطَبَقا مِنْ هذَا ، حَتّى إِذَا كَانَتْ سَبْعَةَ أَطْبَاقٍ أَلْبَسَهَا لِبَاسا مِنْ مَاءٍ ، فَمِنْ ثَمَّ صَارَ الْقَمَرُ أَبْرَدَ مِنَ الشَّمْسِ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله عليه السلام : (إنّ اللّه خلق الشمس من نور النار) الحديث.

قيل: يحتمل أن يكون المراد أنّ الطبقة السابعة فيها من نار، فيكون حرارتها لجهتين:

ص: 307


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 280 (عيش)
2- الكافي، ج 1، ص 11، ح 3
3- . السند معلّق كسابقه

إحداهما كون طبقات النار أكثر بواحدة، والاُخرى كون الطبقة العُليا من النار.

قال: ويحتمل أن يكون لباس النار طبقة ثامنة، فتكون الحرارة للجهة الثانية فقط، وكذا في القمر.

ثمّ إنّه يحتمل أن يكون خلقهما من الماء والنار الحقيقيّين من صفوهما وألطفهما، وأن يكون المراد جوهرين لطيفين [مشابهين] لهما في الكيفيّة، ولم يثبت امتناع كون العنصريّات في الفلكيّات ببرهان، وقد دلّ الشرع على خلافه في مواضع كثيرة، انتهى(1).

وقال بعض المنتسبين إلى العلماء: شبّه الصورة النوعيّة الشمسيّة بالنار، حيث قال: ألبسها لباسا من نار لإضاءتها، وشبّه مادّتها بالماء [لما مرّ بيانه]، وعبّر عن صفاء صورتها بنور النار، وعبّر عن صفاء مادّتها ب(صفو الماء)، وعن شدّه نورها كونه أضعاف نور النار بالطبقات السبع، وشبّه الصورة النوعيّة القمريّة بالماء حيث قال: (ألبسها لباسا من ماء) لصقالتها، وشبّه مادّته بالماء، وعبّر عن صفاء ضوئه بضوء نور النار؛ لأنّ نوره مستفاد من الشمس، وعبّر عن شدّته بالطبقات.

ولمّا كانت الكيفيّات تابعة للصّور، فرّع كلّاً من الحرارة والبرودة على ما شبّه الصورة به.

ثمّ قال: هذا ما خطر بالبال في توجيه الحديث على قانون الحكمة(2).

متن الحديث الثاني والثلاثين والثلاثمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْهَيْثَمِ ، عَنْ زَيْدٍ أَبِي الْحَسَنِ (3).، قَالَ :سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ : «مَنْ كَانَتْ لَهُ حَقِيقَةٌ ثَابِتَةٌ ، لَمْ يَقُمْ عَلى شُبْهَةٍ هَامِدَةٍ حَتّى يَعْلَمَ مُنْتَهَى الْغَايَةِ ، وَيَطْلُبَ الْحَادِثَ مِنَ النَّاطِقِ عَنِ الْوَارِثِ ، وَبِأَيِّ شَيْءٍ جَهِلْتُمْ مَا أَنْكَرْتُمْ ، وَبِأَيِّ شَيْءٍ عَرَفْتُمْ مَا أَبْصَرْتُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» .

ص: 308


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 29 و 30
2- قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي، ج 26، ص 485، ذيل ح 25559
3- . في بعض نسخ الكافي: «زيد بن الحسن»

شرح الحديث

السند مقطوع مجهول.

قوله عليه السلام : (من كانت له حقيقة ثابتة).

لعلّ المراد بالحقيقة الإيمان الخالص الذي يحقّ أن يقال: إنّه إيمان، من قولهم: هو حقيقٌ به؛ أي جدير.

أو من الحقيقة، ضدّ المجاز.

أو من: حَقَّ الأمر حقّة _ بالفتح _ أي وجب، ووقع بلا شكّ.

والمراد بالثابتة الراسخة التي لا تتغيّر ولا تتبدّل عند عروض الشبهات المظلمة ووقوع الفتن المضلّة.

قال في النهاية فيه: «لا يبلغ المؤمن حقيقة الإيمان حتّى لا يعيب مسلما بعيب هو فيه.

يعني: خالص الإيمان ومحضه وكنهه» (1).انتهى.

وقيل: هو من رَسَخَتْ له حقيقة العهد الأوّل المأخوذ عليه بالولاية، [أو حقيقة الإيمان]، أو من كان طبعه مستقيما على فطرته الأصليّة(2).

(لم يقم على شبهة هامدة).

قال الفيروزآبادي: الهامد: البالي المسودّ المتغيّر واليابس [من النبات].

ومن المكان: ما لا نبات به.

والهمود: الموت، وطفوء النار، أو ذهاب حرارتها، وتقطّع الثوب من طول الطيّ، انتهى(3).

ولعلّ المراد بالشبهة شبهات أهل التشكيك في اُصول الدِّين، أو مطلقا.

ووصفها بالهامدة؛ لكونها باطلة عاطلة لا حقيقة لها، ولا يترتّب ثمرة عليها ولا ينتفع بها.

وقيل: المراد بها كلّ أمرٍ مشتبه في دينه لم يعلم حقيقته(4).

وعلى التقديرين المراد بعدم الإقامة عليها الكدّ والاهتمام في دفعها وإزالتها، أو طلب ما هو اليقين الحقّ فيها، والوصول إلى كنهها وغورها، كما أشار إليه بقوله: (حتّى يعلم منتهى الغاية).

ص: 309


1- . النهاية، ج 1، ص 415 (حقق)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 331
3- القاموس المحيط، ج 1، ص 348 و 349 (همد) مع التلخيص والتقدّم و التأخّر
4- ذهب إليه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 203

الغاية: المَدى، والنهاية.وعلى الأوّل الإضافة لاميّة، أي غاية امتداد ذلك الأمر.وعلى الثاني بيانيّة، أي غاية ذلك الأمر.

والحاصل: أنّ الشبهات كثيرا ما تعتري الإنسان في طريق الحقّ، فإذا وقف عندها ولم يجتهد في دفعها، لم يصل إلى ما هو الحقّ الحقيق بالاتّباع، وإذا تأمّل فيها وتجاوز عنها بقوّة فكره وتأييد ربّه ونور عقله، وصل إليه وانتفع به.

ثمّ أشار إلى مأخذ العلم بمنتهى الغاية وطريق الوصول إليه بقوله: (ويطلب الحادث من الناطق عن الوارث).

الظرف الأوّل متعلّق بالحادث، أو بالطلب، والثاني بالناطق.ولعلّ المراد بالحادث الحكم والأمر الذي حدث في أيّ واقعة كان من الاُمور الدينيّة، وبالناطق الراوي، وبالوارث الإمام المعصوم الذي هو وارث علوم النبي صلى الله عليه و آله ، أي وصيّ يطلب ذلك الأمر الذي يحدث ويصدر من الراوي الذي ينطق ويخبر عن الإمام الوارث.

ويحتمل أن يكون المراد بالناطق الإمام الذي ينطق عن إمام آخر هو وارث علم النبيّ صلى الله عليه و آله .

ولا يبعد أن يُراد بالناطق الإمام مطلقا، وبالوارث رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؛ فإنّه وارث علوم سائر الأنبياء والمرسلين.

وقيل: المراد بالوارث هو اللّه تعالى؛ فإنّه سبحانه هو الباقي بعد فناء كلّ شيء(1).

(وبأيّ شيء جهلتم ما أنكرتم، وبأيّ شيء عرفتم ما أبصرتم).

يحتمل كون الواو الاُولى للاستئناف؛ لإفادة أنّ الطالب المذكور هو الذي يصل إلى ما هو الحقّ والصواب من الجهل والإنكار بما يجب إنكاره، والعلم واليقين ممّا يجب معرفته والتصديق به.يُقال: جهله _ كسمعه _ ضدّ علمه.وكونه بالتشديد من التجهيل، وهو النسبة إلى الجهل، محتمل بعيد.والإنكار: ضدّ الإقرار.والإنكار أيضا: عدم المعرفة.

والحاصل: أنّكم بطلب العلم من مأخذه أنكرتم طرق الضلال والغواية وعرفتم سُبل الرّشاد والهداية.

ص: 310


1- ذهب إليه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 331

وقيل: يحتمل أن يكون المراد بالإنكار عدم المعرفة، أي فارجعوا إلى أنفسكم، وتفكّروا في أنّ ما جهلتموه؟ لأيّ شيء جهلتموه ليس جهلكم إلّا من تقصيركم في الرجوع إلى أئمّتكم، وفي أنّ ما عرفتموه لأيّ شيء عرفتموه؟ لم تعرفوا إلّا بما وصل إليكم من علومهم(1).

وقال بعض الشارحين: الظاهر أنّ قوله: «وبأيّ شيء جهلتم ما أنكرتم» عطف على «منتهى الغاية»؛ أي حتّى يعلم بأيّ سبب أنكرتم ما أنكرتم من ولاية الظالمين، وهو كونهم جاهلين غاصبين للولاية، غير منصوبين من قبل اللّه ورسوله؟ وبأيّ شيء عرفتم ما أبصرتم من ولاية الإمام العادل العالم المنصوب بأمر اللّه تعالى(2).

(إن كنتم مؤمنين) بكسر الهمزة، أي إن كنتم آمنتم بهم، عرفتم ذلك، وعلمتم أنّه لا شكّ فيه.

وقيل: التقدير: فتمسّكوا بعروة اتّباعهم إن أحببتم أن تكونوا من المؤمنين، (3)وهو بعيد.

ويحتمل فتح الهمزة بتقدير اللّام تعليلاً للإنكار والمعرفة.

وقال الفاضل الإسترآبادي:

هذا الحديث الشريف ناظر إلى ما في توقيع المهدي عليه السلام ، وما في كلام آبائه الطاهرين عليهم السلام من قوله عليه السلام : «أمّا الوقائع الحادثة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا؛ فإنّهم حجّتي عليكم، وأنا حجّة اللّه عليهم».وقولهم عليهم السلام «نحن العلماء، وشيعتنا المتعلّمون»(4).

ومعنى الحديث: من كانت له رغبة تامّة في الدِّين لم يقع بالاُمور الظنّيّة، ويطلب ويسعى حتّى يحصل له اليقين بالجماعة المنصوبين من عنده تعالى لحفظه كلّ ما جاء به النبي صلى الله عليه و آله ، ثمّ يطلب الواقعة الحادثة من الناطق عن وارث العلم، أي من راوي أحاديث الأئمّة عليهم السلام .وأمّا قوله عليه السلام : «وبأيّ شيء» فمعناه: بأيّ شيء أنكرتم ما أنكرتموه؟ أي طريق العامّة.وبأيّ شيء

ص: 311


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 204
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 331 مع اختلاف يسير في اللفظ
3- . قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 204
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 204

عرفتم ما عرفتموه؟ أي طريقة الخاصّة.

وهو أنّه لابدّ من اليقين في اُمور الدِّين كلّها، ولا يقين إلّا في طريقة الخاصّة «إن كنتم مؤمنين»: تعرفون هذا.

متن الحديث الثالث والثلاثين والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ (1)، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ رَفَعَهُ ، قَالَ :قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «لَيْسَ مِنْ بَاطِلٍ يَقُومُ بِإِزَاءِ الْحَقِّ إِلَا غَلَبَ الْحَقُّ الْبَاطِلَ ، وَذلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : «بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ» (2).» .

شرح الحديث

السند مرسل.

قوله: (ليس من باطل يقوم بإزاء الحقّ إلّا غلب الحقّ الباطل).

لكون الحقّ أظهر وأبين وأقوى دليلاً، وبذلك يتمّ الحجّة في كلّ حقّ على الخلق.

(وذلك قوله تعالى) في سورة الأنبياء: «لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ» .

قال البيضاوي: إضراب عن اتّخاذ اللّهو، وتنزيه لذاته من اللّعب، أي بل من شأننا أن نغلب الحقّ الذي من جملته الجدّ على الباطل الذي من عداده اللّهو(3).

«فَيَدْمَغُهُ» : فيمحقه.

وإنّما استعار لذلك القذف _ وهو الرمي البعيد المستلزم لصلابة المرمى _ والدمغ الذي هو كسر الدماغ بحيث يشقّ غشاءه المؤدّي إلى زهوق الروح؛ لتصوير الإبطال، ومبالغة فيه.

«فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ» : هالك.

والزهوق: ذهاب الروح.وذكره لترشيح المجاز.

ص: 312


1- . الضمير راجع إلى أحمد بن محمّد بن خالد المذكور في السند السابق
2- الأنبياء (21): 17
3- تفسير البيضاوي، ج 4، ص 86

متن الحديث الرابع والثلاثين والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلًا ، قَالَ :

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «لَا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ وَلِيجَةً ، فَلَا تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ؛ فَإِنَّ كُلَّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ وَقَرَابَةٍ وَوَلِيجَةٍ وَبِدْعَةٍ وَشُبْهَةٍ مُنْقَطِعٌ مُضْمَحِلٌّ كَالْغُبَارِ (1) الَّذِي يَكُونُ عَلَى الْحَجَرِ الصَّلْدِ إِذَا أَصَابَهُ الْمَطَرُ الْجَوْدُ إِلَا مَا أَثْبَتَهُ الْقُرْآنُ» .

شرح الحديث

السند مرسل.

قوله: (لا تتّخذوا من دون اللّه وليجة).

قال الجوهري: «وليجة الرجل: خاصّته، وبطانته»(2). ولعلّ المراد بقوله: «من دون اللّه » غير من كان منصوبا من قِبل اللّه ، كما يرشد إليه قوله تعالى في سورة التوبة: «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمْ اللّه ُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللّه ِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً» (3).

قال البيضاوي: «أي بطانة يوالونهم ويفشون إليهم أسرارهم»(4).

ويفهم من الخبر كالآية أنّ من اتّخذ معتمدا عليه في الدِّين، وأمينا وصاحب سرّ فيه، وإماما لم يأذن اللّه تعالى في اتّخاذه، ويكون غرضه من ذلك الاتّخاذ إرضاؤه تعالى وسلوك طريقته، فهو خارج عن ربقة المؤمنين، كما صرّح به عليه السلام بقوله: (فلا تكونوا مؤمنين) ثمّ أشار إلى علّة كون ذلك الاتّخاذ منشئا وسببا للخروج من عِداد أهل الإيمان بقوله: (فإنّ كلّ سبب ونسب)..

السبب: الحيل، وكلّ ما يتوصّل به إلى غيره، وتعلّق قرابة.

والنسب _ محرّكة _ والنِسبة، بالكسر وبالضمّ: القرابة مطلقا، أو من جانب الأب خاصّة.

والقرابة _ بالفتح _ : القُرب في النسب.

ص: 313


1- . في الطبعة القديمة: «كما يضمحلّ الغبار»
2- الصحاح، ج 1، ص 348 (ولج)
3- .التوبة (9): 16
4- تفسير البيضاوي، ج 3، ص 135

وقيل: النسب بالولادة، والقرابة بالرحم، وعطفها عليه إمّا للتفسير، أو من باب عطف العامّ على الخاصّ إن خصّ النسب بالأب وعمّمت القرابة بالأب والاُمّ، أو بالعكس إن خصّصت القرابة بالأقرب وعمّم النسب بالأقرب والأبعد(1).

وقال الفيروزآبادي: «البدعة _ بالكسر _ : الحدث في الدِّين بعد الإكمال، أو ما استحدث بعد النبيّ صلى الله عليه و آله من الأهواء والأعمال»(2).

وقال: «الشُّبهة _ بالضمّ _ : الالتباس، والمثل» (3)انتهى.

وقيل: الشبهة كلّ باطل مُزج بالحقّ، وأخذه الوهم بصورة الحقّ وجعله مثله(4).

وفي القاموس: «اضمحل: ذهب، وانحلّ»(5).

وقال: «الصّلد _ ويكسر _ : الصلب الأملس»(6).

وقال: «الجود: المطر الغزير، أو ما لا مطر فوقه»(7).

(إلّا ما أثبته القرآن).

لعلّ الاستثناء منقطع، أي لكن ما أثبته القرآن من متابعة المعصومين المنصوبين من قِبل اللّه تعالى ورسوله بقوله تعالى: «أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» (8). وقوله تعالى: «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللّه ُ» (9). الآية، وقوله سبحانه: «كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ» (10)ونظائرها ثابت لا ينقطع ولا يزول.ويحتمل كونه متّصلاً ويكون استثناء من غير الآخرين، ويكون حاصل المعنى _ كما قيل (11)._ : إنّ جميع هذه الاُمور ومنافعها لكونها من الاُمور الإضافيّة والاعتبارات الوضعيّة منقطعة بانقطاع الدُّنيا وفانية بفناء الأبدان، فمن اعتمد عليها، وركن إليها، وغفل عن الحقّ، بعد من الإيمان، واستحقّ الخسران، كما قال تعالى: «وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الْأَسْبَابُ» (12).

ص: 314


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 322 مع اختلاف في اللفظ
2- القاموس المحيط، ج 3، ص 4 (بدع)
3- . القاموس المحيط، ج 4، ص 386 (شبه)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 332
5- القاموس المحيط، ج 4، ص 5 (ضمحل)
6- القاموس المحيط، ج 1، ص 308 (صلد)
7- القاموس المحيط، ج 1، ص 285 (جود)
8- النساء (4): 59
9- المائدة (5): 55
10- التوبة (9): 119
11- . القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 332
12- البقرة (2): 166

وقال: «فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ» (1). ، وقال: «يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ* وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ» (2). «وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ» (3)، إلى غير ذلك من الآيات والروايات إلّا ما أثبته القرآن منها؛ فإنّه ثابت أبدا، ومنافعها باقية غير منقطعة بانقطاع الدُّنيا ومفارقة النفوس من الأبدان، فيجب على المؤمن الطالب للخيرات الأبديّة والنجاة من العقوبات الاُخرويّة أن لا يتمسّك بالأسباب والأنساب والولائج التي تدعو إلى النار.

متن الحديث الخامس والثلاثين والثلاثمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ حَمَّادٍ ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «نَحْنُ أَصْلُ كُلِّ خَيْرٍ ، وَمِنْ فُرُوعِنَا كُلُّ بِرٍّ ، فَمِنَ الْبِرِّ التَّوْحِيدُ وَالصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَكَظْمُ الْغَيْظِ وَالْعَفْوُ عَنِ الْمُسِيءِ وَرَحْمَةُ الْفَقِيرِ وَتَعَهُّدُ الْجَارِ وَالْاءِقْرَارُ بِالْفَضْلِ لِأَهْلِهِ؛ وَعَدُوُّنَا أَصْلُ كُلِّ شَرٍّ ، وَمِنْ فُرُوعِهِمْ كُلُّ قَبِيحٍ وَفَاحِشَةٍ ، فَمِنْهُمُ الْكَذِبُ وَالْبُخْلُ وَالنَّمِيمَةُ وَالْقَطِيعَةُ وَأَكْلُ الرِّبى وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ بِغَيْرِ حَقِّهِ وَتَعَدِّي الْحُدُودِ الَّتِي أَمَرَ اللّهُ وَرُكُوبُ الْفَوَاحِشِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالزِّنى وَ السَّرِقَةُ وَكُلُّ مَا وَافَقَ ذلِكَ مِنَ الْقَبِيحِ ، فَكَذَبَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مَعَنَا وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِفُرُوعِ غَيْرِنَا» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (نحن أصل كلّ خير، و[من] فروعنا كلّ برّ).

قال في القاموس: «الخير: ما يرغب فيه الكلّ، كالعقل والعدل مثلاً»(4).

وقال: «البرّ: الصّلة، والجنّة، والاتّساع في الإحسان، والحجّ، والصّدق، والطاعة، وضدّ العقوق» (5).انتهى.

وقيل: لعلّ المراد بالخير العلم، وبالبرّ العمل الصالح المتفرّع عليه(6).

ص: 315


1- المؤمنون (23): 101
2- عبس (80): 34 _ 36
3- المعارج (70): 13
4- لم نعثر عليه في القاموس
5- القاموس المحيط، ج 1، ص 370 (برد) مع التلخيص
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 323

وقيل: أي جميع الخيرات كانت فيهم، ومنهم وصلت إلى الخلق(1).

(فمن البرّ التوحيد) إلى قوله: (والإقرار بالفضل لأهله).

نبّه عليه السلام بأنّ المراد بالبرّ هنا ما يعمّ الاُصول والفروع جميعا.

(وعدوّنا أصل كلّ شرّ).

في القاموس: «الشرّ _ ويضمّ _ : نقيض الخير»(2).

(ومن فروعهم كلّ قبيح).في القاموس: «القُبح: ضدّ الحسن، ويفتح.قبح _ ككرم _ فهو قبيح، وقبّحه اللّه : نحّاه عن الخير»(3).

(وفاحشة).

الفاحشة: الزنا، وما يشدّ قبحه من الذنوب، وكلّ ما نهى اللّه _ عزّ وجلّ _ عنه.

(فمنهم الكذب والبخل والنميمة).

في القاموس: «النمّ: التوريش، والإغراء، ورفع الحديث إشاعة له، وإفساد أو تزيين الكلام بالكذب، يَنِمُّ وَيُنمُّ.والنميمة: الاسم»(4).

(والقطيعة).

القطيعة _ كشريعة _ : ضدّ الهجران، كالقطع، ويُقال: قطع رحمه _ كمنع _ قطيعة: إذا لم توصل.

(وتعدّي الحدود التي أمر اللّه ) بفعلها، أو بتركها، أو كليهما.

قال الجوهري: «الحدّ: الحاجز بين الشيئين.وحدّ الشيء: منتهاه.والحدّ: المنع»(5).

(وركوب الفواحش) كأنّه تفسير للسابق، أو المراد بالأوّل أصل الفاحشة ومنشأها، وبالثاني فعلها وعملها.

قال الفيروزآبادي: «ركبه _ كسمعه _ ركوبا ومركبا: علاه، كارتكبه.والذنب: اقترفه، كارتكبه»(6).

ص: 316


1- ذهب إليه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 206
2- القاموس المحيط، ج 2، ص 57 (شرر)
3- القاموس المحيط، ج 1، ص 241 (قبح) مع التلخيص
4- القاموس المحيط، ج 4، ص 183 (نمم) مع التلخيص
5- الصحاح، ج 2، ص 462 (حدد) مع التلخيص
6- القاموس المحيط، ج 1، ص 75 (ركب)

(ما ظهر منها وما بطن).

لعلّ المراد تركها في العلانية والسرّ، أو ما ظهر قبحه على عامّة الناس، وما خفي عليهم ولم يعلم قبحه إلّا الخواصّ وما يصدر عن الجوارح، وما يتعلّق بالقلب.ويظهر من بعض الأخبار أنّ ما ظهر منها ما ظهر من القرآن، وما بطن ما يفهم من بطنه.

(والزّنا والسرقة).

هذه الفقرة ليست في بعض النسخ.

وفي القاموس:

سرق منه الشيء يسرق سرقا _ محرّكة، وككتف _ وسرقة محرّكة، وكفرحة، وسرقا بالفتح [واسترقه]: جاء مستترا إلى حرز، فأخذ مال غيره.والاسم: السرقة، بالفتح وكفرحة وكتف(1).

(وكلّ ما وافق ذلك) المذكور (من القبيح) بيان للموصول.والموافقة: الاتّفاق، والمصادقة.

(فكذب من زعم) أي ادّعى.

(أنّه مَعَنا) أي من شيعتنا.

(وهو متعلّق) أي متشبّث ومتمسّك.

(بفروع غيرنا) أي بما يتفرّع بأعمال عدوّنا وأفعاله.

وحاصل الخبر: أنّ جميع الخيرات والطاعات من فروع شجرة طيّبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء، تُؤتي اُكلها كلّ حينٍ بإذن ربّها، وهي شجرة أهل بيت النبوّة، فمن تعلّق بغصن من أغصانها قاده إلى الأصل ووصل إليه.وجميع الشرور والمعاصي من فروع شجرة خبيثة اجتثّت من فوق الأرض ما لها من قرار، وهي شَوحَطَ أعدائهم وحنظلة مخالفيهم، فمَن تشبّث بفرع من تلك الفروع قاده وأوصله لا محالة إلى الاُصول.

متن الحديث السادس والثلاثين والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ ، وَعَنْ غَيْرِهِ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسى ، عَنْ خَالِدِ بْنِ نَجِيحٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ لِرَجُلٍ : «اقْنَعْ بِمَا قَسَمَ اللّهُ لَكَ ، وَلَا تَنْظُرْ إِلى مَا عِنْدَ غَيْرِكَ ، وَلَا

ص: 317


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 244 (سرق)

تَتَمَنَّ مَا لَسْتَ نَائِلَهُ ، فَإِنَّهُ مَنْ قَنِعَ شَبِعَ ، وَمَنْ لَمْ يَقْنَعْ لَمْ يَشْبَعْ ، وَ خُذْ حَظَّكَ مِنْ آخِرَتِكَ» .

فَقَالَ (1)أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «أَنْفَعُ الْأَشْيَاءِ لِلْمَرْءِ سَبْقُهُ النَّاسَ إِلى عَيْبِ نَفْسِهِ ، وَأَشَدُّ شَيْءٍ مَؤُونَةً إِخْفَاءُ الْفَاقَةِ ، وَأَقَلُّ الْأَشْيَاءِ غَنَاءً النَّصِيحَةُ لِمَنْ لَا يَقْبَلُهَا وَمُجَاوَرَةُ الْحَرِيصِ ، وَأَرْوَحُ الرَّوْحِ الْيَأْسُ مِنَ النَّاسِ» .

وَقَالَ : «لَا تَكُنْ ضَجِرا وَلَا غَلِقا ، وَذَلِّلْ نَفْسَكَ بِاحْتِمَالِ مَنْ خَالَفَكَ مِمَّنْ هُوَ فَوْقَكَ وَمَنْ لَهُ الْفَضْلُ عَلَيْكَ ، فَإِنَّمَا أَقْرَرْتَ بِفَضْلِهِ لِئَلَا تُخَالِفَهُ ، وَمَنْ لَا يَعْرِفْ لِأَحَدٍ الْفَضْلَ فَهُوَ الْمُعْجَبُ بِرَأْيِهِ» .

وَقَالَ لِرَجُلٍ : «اعْلَمْ أَنَّهُ لَا عِزَّ لِمَنْ لَا يَتَذَلَّلُ لِلّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى ، وَلَا رِفْعَةَ لِمَنْ لَمْ يَتَوَاضَعْ لِلّهِ عَزَّ وَ جَلَّ» .

وَقَالَ لِرَجُلٍ : «أَحْكِمْ أَمْرَ دِينِكَ كَمَا أَحْكَمَ أَهْلُ الدُّنْيَا أَمْرَ دُنْيَاهُمْ ، فَإِنَّمَا جُعِلَتِ الدُّنْيَا شَاهِدا يُعْرَفُ بِهَا مَا غَابَ عَنْهَا مِنَ الْاخِرَةِ ، فَاعْرِفِ الْاخِرَةَ بِهَا ، وَلَا تَنْظُرْ إِلَى الدُّنْيَا إِلَا بِاعْتِبَارِ (2)» .

شرح الحديث

السند مجهول، أو ضعيف.

قوله: (اقنع بما قسم اللّه لك).

القناعة _ بالفتح _ : الرِّضا بالقسم والنصيب.وقيل: باليسير من الرزق.وقد قنع _ كعلم _ يقنع قناعة.والقنوع _ بالضمّ _ : السؤال، والتذلّل.وقد يكون بمعنى الرضا ضدّ، وفعله كمنع فيهما.

(ولا تنظر إلى ما عند غيرك) من حطام الدُّنيا وزخارفها.

والنظر: التأمّل بالعين، ولعلّه هنا كناية عن الطمع إليه، أو تمنّيه الموجبين لعدم الرضا بالنصيب أو ذلّ السؤال والطلب.

(ولا تتمنّ ما لست نائله).

النيل: الوجدان، والإصابة.وفعله كعلم، أي ما لم يقدر لك؛ لأنّه لا يصل اليك، وإن بذلت جهدك في تحصيله.

ص: 318


1- . في كلتا الطبعتين: «وقال»
2- . في كلتا الطبعتين: «بالاعتبار»

ويحتمل أن يُراد به ما يستحيل نيله وإصابته مطلقا.والأوّل أظهر وأنسب بالسياق.

(فإنّه من قنع) بما قسم اللّه له.

(شبع).

الشبع _ كعنب _ نقيض الجوع.والفعل منه كعلم.والمراد به هنا شبع العين والقلب الموجب لعدم النظر إلى ما في أيدي الناس والرِّضا بالنصيب المقدّر له.

(ومن لم يقنع لم يشبع).

لا بالقليل ولا بالكثير.وفي هاتين الفقرتين وذكرهما معا تنبيه على التلازم بين الشبع والقناعة، كالتلازم بين نقيضهما.

(وخُذ حظّك من آخرتك).

في القاموس: «الحظّ: النصيب، والجدّ، أو خاصّ بالنصيب من الخير والفضل»(1).

ولعلّ كلمة «من» للتعليل والتقدير من العمل لآخرتك، ويُراد بالآخرة العمل المتعلّق بها مجازا.

وقيل: فيه إشارة إلى أنّ القناعة لا توجب الكمال كلّ الكمال حتّى تقترن بالأعمال(2).

(فقال أبو عبداللّه عليه السلام ).

في بعض النسخ: «وقال».

(أنفع الأشياء للمرء سبقه الناس إلى عيب نفسه).

الظاهر أنّ المراد أن يطّلع على عيب نفسه قبل اطّلاع غيره عليه.ويحتمل بعيد أن يطّلع على عيب نفسه قبل أن يرى عيب غيره.

وقيل في وجه كون ذلك أنفع الأشياء: إنّ النافع ما يوجب السعادة الاُخرويّة، والتقرّب من الحقّ، وهو إمّا التخلية عن العيوب والرذائل، أو التحلية بالأعمال الصالحة والفضائل.

والأوّل أنفع وأقدم من الثاني، مع أنّه أيضا معين لسائر الأعمال في النفع والتأثير في الترقّي إلى المقامات العالية(3).

ص: 319


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 394 (حظظ)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 334
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 334 مع اختلاف يسير في اللفظ

(وأشدّ شيء مؤونة) أي أصعب الأشياء، وأقواها، وأسرعها من حيث الثقل وعدم التحمّل.

(إخفاء الفاقة) عن الناس وعدم إظهارها عندهم.

وقيل: لعلّ السرّ فيه أنّ المطلوب كلّما كان أقوى كان فراقه أشدّ، ومن البيّن أنّ أقوى مطالب النفس التذاذها بالغنى والراحة، وكلّ ذلك مفقود عند الفاقة، فهي أشدّ، وإخفاؤها أشدّ من غيرها(1).

(وأقلّ الأشياء غناء).

في بعض النسخ: «غنى».

قال الفيروزآبادي: «الغِنى _ كإلى _ : ضدّ الفقر، وإذا فتح مدّ»(2).

وقال الجوهري: «الغناء _ بالفتح _ : النفع»(3).

(النصيحة لمن لا يقبلها).

قيل: لأنّه لا نفع في هذه النصيحة للمنصوح أصلاً، ولا للناصح؛ لأنّ النفع المقصود له أصالة تسديد المنصوح، وهو لم يقبله وإن كان له نفع من حيث إنّه ناصح، ولكنّه غير مقصود أصالة، ولهذا حكم بالقلّة.

(ومجاورة الحريص) بالجيم.

وفي بعض النسخ بالحاء المهملة.

يُقال: جاوره مجاورة، وجُوار _ بالضمّ والكسر _ أي صار جاره.والمحاورة: المجاوبة، ومراجعة النطق.

(وأروح الروح) أي أكثر الأشياء راحة للنفس والبدن.

(اليأس) أي قطع الأمل، وعدم الرّجاء (من الناس) والتوصّل إلى اللّه تعالى.

(وقال: لا تكن ضجرا) بكسر الجيم، أي متبرّما سئما عند المصائب والبلايا، يُقال: ضجرَ منه وبه _ كفرح _ وتضجّر، أي تبرّم، وقلق، من الهمّ، فهو ضجر، ككتف.

ص: 320


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 334
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 371 (غني) مع التلخيص
3- الصحاح، ج 6، ص 2449 (غني)

(ولا غلقا) بكسر اللّام.

قال في النهاية: «الغلق _ بالتحريك _ : ضيق الصدر، وقلّة الصبر.ورجلٌ غلق: سيّء الخلق»(1).

(وذلّل نفسك باحتمال من خالفك).

الذلّ _ بالكسر والضمّ _ : اللّين، وهو ضدّ الصعوبة.

والاحتمال: تحمّل الأذى والمكروه من الغير.

(ممّن هو فوقك) بالقدرة والاستيلاء.

(ومن له الفضل عليك) بالعلم والكمال، وأقدمهم وأشرفهم الأئمّة عليهم السلام ؛ فإنّ مخالفة هذين الصنفين توجب هلاك الدُّنيا في الاُولى، وهلاك الآخرة في الثاني.

وقيل: الظاهر أنّ المراد بمَن خالفه من كان فوقه بالعلم والكمال من الأئمّة عليهم السلام والعلماء من اتّباعهم، وما يأمرون به غالبا مخالف لشهوات الخلق، فالمراد بالاحتمال قبول قولهم، وترك الإنكار لهم، وإن خالف عقله.ويحتمل أن يكون المراد بمَن خالفه سلاطين الجور، وبمَن له الفضل أئمّة العدل، فالمراد احتمال أذاهم وترك مخالفتهم، (2)فتأمّل.

ثمّ اعلم أنّه يحتمل أن يكون قوله: «ومن له الفضل» عطفا على قوله: «من خالفك»، ويكون قوله: (فإنّما أقررت بفضله لئلّا تخالفه) تفريعا على المعطوف، تنبيها على أنّ تذليل النفس بالنسبة إلى الفرقة الثانية إنّما هو الإقرار بفضلها المستلزم لعدم مخالفتها.ويحتمل كونه مبتدأ، وقوله: «فإنّما أقررت» خبره.ولا يبعد على التقديرين كون «إنّما» مع في حيّزه إنشاء بصورة الإخبار.

(ومن لا يعرف) أي لا يقرّ (لأحد) ممّن له الفضل عليه.

(الفضل) مفعول «لا يعرف».

قال الفيروزآبادي: «عرف له، أي أقرَّ»(3).

(فهو المعجَب) بفتح الجيم (برأيه) أي عدَّ رأيه وتخيّلاته الفاسدة حسنا، وتوهّماته الباطلة الناقصة كاملاً، كالمتصنّعين من علماء المخالفين.

ص: 321


1- النهاية، ج 3، ص 380 (غلق)
2- . قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 209
3- القاموس المحيط، ج 3، ص 173 (عرف)

قال الجوهري: «أعجبني هذا الشيء لحسنه، وقد أعجب فلان بنفسه، فهو مُعجَبٌ برأيه وبنفسه، والاسم: العُجب بالضمّ»(1).

وقال الفيروزآبادي: «اُعجب به عجب وسرّ كأعجبه»(2).

(وقال) أي أبو عبداللّه عليه السلام (لرجل: أحكم أمر دينك كما أحكم أهل الدُّنيا أمر دنياهم).

إحكام الأمر: إتقانه.وأمثال هذا التشبيه مَثَلٌ يُضرب لإكثار الأمر والمبالغة فيه كقوله: تعالى: «فَاذْكُرُوا اللّه َ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرا» (3)، أحكم أمر دينك، وبالغ فيه بتحصيل العقائد الحقّة اليقينيّة والأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة واقتناء ذخائر الآخرة، إحكاما كإحكام أهل الدُّنيا أمر دنياهم بتحصيل المعرفة بطرق تحصيلها وصرف الهمّة باكتسابها وجمعها وضبطها وسدّ طرق طريان المفاسد عليها.

(فإنّما جعلت الدُّنيا).

«جعلت» على البناء للمفعول، أي صيّرت.

وقوله عليه السلام : (شاهدا) مفعوله الثاني.وقوله: (يُعرف بها ما غاب عنها من الآخرة) صفة «شاهدا».و«من» بيان للموصول.

ولعلّ المراد: انظروا إلى نِعم الدُّنيا الفانية الزائلة، وحسنها وبهجتها ونضارتها، ولذّتها مع فنائها، وشوبها بالآلام والأسقام، واعرف بها قياسا عليها نِعَم الآخرة وأمتعتة الآخرة ولذّاتها الباقية الدائمة التي لا يحدّ ولا يوصف؛ فإنّ فيها ما لا عينٌ رأت، ولا اُذنٌ سمعت، ولا خطرَ على قلب بشر.

ويحتمل أن يكون المراد _ كما قيل _ كما أنّ زخارف الدُّنيا ومتشهياتها لا تحصل إلّا بالأسباب وتحمّل المشاق، كذلك نعيم الآخرة والنجاة من شدائدها وأهوالها لا تنال إلّا بالأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة.

(فاعرف الآخرة بها) أي مقته إلى الدُّنيا؛ فإنّها وما فيها معيار لمعرفة الآخرة ونعيمها.

(ولا تنظر إلى الدُّنيا إلّا باعتبار).

في بعض النسخ: «بالاعتبار».

قال الفيروزآبادي: «العبرة _ بالكسر _ : العَجَب.واعتبر منه: تعجّب»(4).

ص: 322


1- الصحاح، ج 1، ص 177 (عجب)
2- القاموس المحيط، ج 1، ص 101 (عجب)
3- البقرة (2): 200
4- القاموس المحيط، ج 2، ص 83 (عبر)

وقال بعض الشارحين:

قد تكرّر الأمر بالاعتبار في الأحاديث والأخبار، وهو من وجوه؛ فمنها: النظر إلى الدُّنيا وتغيّر أحوالها في أنفسها؛ فإنّه يوجب الانقطاع منها إلى الآخرة.ومنها: النظر إلى شدائدها الزائلة؛ فإنّه يوجب الانتقال إلى شدائد الآخرة الباقية، والتحرّز عمّا يوجبها.ومنها: النظر إلى نعيمها وزينتها الداثرة مع كونها مبغوضة؛ فإنّه يوجب الانتقال إلى كمال نعيم الآخرة وزينتها الدائمة والاجتهاد لها.ومنها: النظر إلى أحوال الماضين، وما كانوا فيه من نضرة الأحوال، وسعة الأرزاق والأموال، وقطع أيديهم منها اضطرارا بالموت، وسكونهم في التراب، وفراقهم من الأحباب، واشتغالهم بما معهم من الخير والشرّ، والثواب والعقاب؛ فإنّه يوجب تبرّد القلب منها، والميل إلى دار القرار والعمل لها.ومن ثمّ قيل: الدُّنيا واعظة لمَن اتّعظ منها، فمَن لم يتّعظ منها ولم يجعلها دليلاً على الآخرة فهو كالأنعام بل أضلّ(1).

متن الحديث السابع والثلاثين والثلاثمائة

اشارة

متن الحديث السابع والثلاثين والثلاثمائة9129.

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ؛ وَعَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ جَمِيعا ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ ، قَالَ :سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ لِحُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ : «يَا حُمْرَانُ ، انْظُرْ إِلى مَنْ هُوَ دُونَكَ فِي الْمَقْدُرَةِ ، وَلَا تَنْظُرْ إِلى مَنْ هُوَ فَوْقَكَ فِي الْمَقْدُرَةِ ؛ فَإِنَّ ذلِكَ أَقْنَعُ لَكَ بِمَا قُسِمَ لَكَ ، وَأَحْرى أَنْ تَسْتَوْجِبَ الزِّيَادَةَ مِنْ رَبِّكَ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَمَلَ الدَّائِمَ الْقَلِيلَ عَلَى الْيَقِينِ أَفْضَلُ عِنْدَ اللّهِ _ جَلَّ ذِكْرُهُ _ مِنَ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ عَلى غَيْرِ يَقِينٍ ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا وَرَعَ أَنْفَعُ مِنْ تَجَنُّبِ مَحَارِمِ اللّهِ ، وَالْكَفِّ عَنْ أَذَى الْمُؤْمِنِينَ وَاغْتِيَابِهِمْ ، وَلَا عَيْشَ أَهْنَأُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ ، وَلَا مَالَ أَنْفَعُ مِنَ الْقُنُوعِ بِالْيَسِيرِ الْمُجْزِي ، وَلَا جَهْلَ أَضَرُّ مِنَ الْعُجْبِ» .

شرح الحديث

السند حسن.

قوله: (عليّ بن إبراهيم) عطف [على] «عدّة».

(عن أبيه): إبراهيم بن هاشم.

ص: 323


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 335 مع اختلاف يسير في اللفظ

(جميعا)؛ يعني سهل بن زياد وإبراهيم بن هاشم، رويا جميعا عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم بن سالم.

وقوله: (انظر إلى من هو دونك) أي أدنى منك، أي ضعف.

(في المقدرة) بتثليث الدال، أي الغنى، والقوّة، واليسار.

(ولا تنظر إلى من [هو] فوقك) أي أعلى منك وأقوى.

(في المقدرة؛ فإنّ ذلك) أي النظر إلى الأوّل، والإغماض من الثاني.

(أقنع لك) أي أدخل في الرِّضا بالقسم والنصيب.

(وأحرى) أي أليق.

(أن تستوجب الزيادة من ربّك) أي بأن تستحقّ زيادة النعمة منه تعالى.

قيل: السرّ في ذلك أنّ الرضا بالنعمة الواصلة ومعرفة قدرها تعظيم للمنعم، وهو شكر له، وهو يوجب الزيادة بخلاف نظرك إلى الفوق؛ فإنّه يوجب عدم القناعة والرضا بما في يديك، وهو كفران يوجب زوال النعمة وسخط المُنعم(1).

(واعلم أنّ العمل الدائم القليل على اليقين).

قيل: المراد اليقين بالقضاء والقدر، أو باُمور الآخرة، أو بجميع ما يجب الإيمان [به]، وقد اُطلق على جميع ذلك في الأخبار(2).

وعرّفوا اليقين بأنّه العلم الجازم الثابت الراسخ المطابق للواقع.وبعبارة اُخرى العلم بالحقّ مع العلم بأنّه لا يكون خلافه، فهو في الحقيقة مركّب من علمين، كما صرّح به بعض المحقّقين، (3)فيندرج فيه العلم بالمبدأ والمعاد والنبوّة والإمامة وغيرها ممّا جاء به النبيّ صلى الله عليه و آله .

واعتبر بعضهم [في] التعريف ظهور آثاره على الجوارح، وقال: «اليقين: هو العلم الكامل الثابت في القلب الذي ظهرت آثاره على الجوارح»، (4)وكأنّه من قبيل تعريف الشيء بأخذ لازمه بمنزلة ذاتيّاته، تنبيها على شدّة الاتّصال بينهما.

ص: 324


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 336 مع التلخيص و اختلاف يسير فى اللفظ
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 209
3- . هو المحقّق الطوسي رحمه الله، صرّح به في أوصاف الأشرف، ص 77
4- . قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 209

(أفضل عند اللّه _ جلّ ذكره _ من العمل الكثير على غير يقين).

قيل: لابدّ من تقييد العمل الكثير بالدوام؛ ليتحقّق أنّ الفضل من جهة اليقين(1).

(واعلم أنّه لا ورعَ أنفع من تجنّب محارم اللّه ).

لعلّ المراد أنّ هذا الورع أنفع من ورع من يجتنب المكروهات والشُّبهات، ولا يبالي بارتكاب المحرّمات.والورع _ بالتحريك _ : التحرّج، والتضيّق، والجبن، والكفّ، هذا أصله.وقيل: هو في الأصل الكفّ عن محارم اللّه ، ثمّ استُعير للكفّ عن المباح كالشبهات، وعن الحلال الذي يتخوّف منه أن ينجرّ إلى الحرام، وعمّا سوى اللّه تعالى للتحرّز عن صرف العمر ساعة فيما لا يفيد زيادة القُرب والأوّل أعني الكفّ عن المحارم أنفع، والعقوبة على ارتكابها أشدّ بخلاف البواقي، (2)انتهى.

وقوله عليه السلام : (الكفّ عن أذى المؤمنين واغتيابهم) من قبيل عطف الخاصّ على العامّ؛ للاهتمام لكونهما أشدّ قبحا، وأقوى فسادا، وأبعد عفوا، وأصعب توبة.

(ولا عيش أهنى من حُسن الخلق).

في بعض النسخ: «أهنأ»، وهو الظاهر؛ لأنّ الهمزة تكتب بجنس حركة ما قبلها.قال الجوهري في المهموز: «كلّ أمرٍ يأتيك من غير تعب، فهو هنيء»(3).

وفي القاموس: «العيش: الحياة، وما يعاش به»(4).

وقيل: المقصود أنّ حسن خلق الرجل مع بني نوعه أدخل في نضارة عيشه من المال ونحوه؛ لأنّه يوجب ميلهم إليه، ونصرتهم له، بخلاف سوء خلقه؛ فإنّه يوجب تنفّرهم عنه، وإضرارهم له.وكلّ ذلك يوجب تكدّر عيشه وإن كان ذا مال(5).

(ولا مال أنفع من القنوع) بالضمّ، أي القناعة والرِّضا.

(باليسير) أي القليل، أو الهيّن.

(المجزي).

قال الفيروزآبادي في المهموز: «أجزأ الشيء [إيّاىِ]، أي كفاني.وأجزأت عنك مجزأ

ص: 325


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 336
2- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 336 مع التلخيص و اختلاف في اللفظ
3- الصحاح، ج 1، ص 84 (هنأ)
4- القاموس المحيط، ج 2، ص 280 (عيش) مع التلخيص
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 336 مع تلخيص و اختلاف يسير في اللفظ

فلان، ومجزأته، ويضمّان: أغنيت عنك مغناه»(1).

وقال في الناقص: «أجزى كذا عن كذا: قام مقامه ولم يكف.وأجزى عنه مجزئ ومجزأته _ بضمّهما وفتحهما _ : أغنى عنه، لغة في الهمزة» (2).انتهى.

وقال بعض الشارحين:

شبّه القنوع باليسير المجزي _ وهو الكفاف بالمال في النفع وتنظيم الأحوال وعدّه أنفع [أفراده] لأنّ الأقلّ والأكثر منه يشوّش القلب ويفسده، ويُتعب البدن، ويضرّ بالدِّين ويبطله، كما أنّ الماء الذي يكفي في تعمير الأرض يعمرها، والأقلّ والأكثر منه يفسدها(3).

(ولا جهل أضرّ من العجب).

العُجب _ بالضمّ _ : اسم من قولهم: أعجب فلان بنفسه وبرأيه، على البناء للمفعول، أي عَجِبَ وسُرّ.ويعدّ بأنّه حالة نفسانيّة تنشأ من تصوّر الكمال، واستعظامه، وإخراج النفس عن حدّ النقص والتقصير، وهو يتعلّق بجميع الخصال مثل العلم والعبادة والجود والمال والنسب والجمال وغير ذلك.

والجهل في الأصل: عدم العلم.وكثيرا ما يُطلق على الآثار الناشئة منه.والمراد من الجهل هنا المعنى الأخير؛ لأنّ العجب من الآثار التي تنشأ من الجهل لعيوب النفس ونقايصها.وقيل في توجيه هذا الكلام: العجب والجهل سواء في الأصل الإضرار والإهلاك وفساد القلب، إلّا أنّ العجب أقوى في ذلك وأضرّ من الجهل؛ لأنّ تفويت المنافع الحاصلة أشدّ وأصعب وأدخل في الحزن من عدم تحصيلها ابتداءً، ولأنّ فكر الجاهل في التندّم من الجهل، وفكر المعجب في التبختر والتعظّم وادّعاء الشركة بالباري، ومن ثمّ روي: «أنّ الذنب خيرٌ من العجب، وأنّه لولا العجب لما أخلا اللّه تعالى بين عبده المؤمن وبين الذنب أبدا»، (4).فجعل الذنب فداء من العجب؛ لكونه أشدّ منه(5).

ص: 326


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 10 (جزأ)
2- . القاموس المحيط، ج 4، ص 312 (جزي)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 337
4- . اُنظر: عدّة الداعي، ج 2، ص 95
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 337 مع اختلاف يسير في اللفظ

متن الحديث الثامن والثلاثين والثلاثمائة

اشارة

ابْنُ مَحْبُوبٍ (1)، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ غَالِبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ، قَالَ :

سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَقَالَ : أَخْبِرْنِي _ إِنْ كُنْتَ عَالِما _ عَنِ النَّاسِ ، وَعَنْ أَشْبَاهِ النَّاسِ ، وَعَنِ النَّسْنَاسِ .

فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : يَا حُسَيْنُ ، أَجِبِ الرَّجُلَ .

فَقَالَ الْحُسَيْنُ عليه السلام : أَمَّا قَوْلُكَ : أَخْبِرْنِي عَنِ النَّاسِ ، فَنَحْنُ النَّاسُ ، وَلِذلِكَ قَالَ اللّهُ _ تَعَالى ذِكْرُهُ _ فِي كِتَابِهِ : «ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النّاسُ» (2)فَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله الَّذِي أَفَاضَ بِالنَّاسِ .

وَأَمَّا قَوْلُكَ : أَشْبَاهُ النَّاسِ ، فَهُمْ شِيعَتُنَا وَ هُمْ مَوَالِينَا وَهُمْ مِنَّا ، وَلِذلِكَ قَالَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام : «فَمَنْ تَبِعَنِى فَإِنَّهُ مِنِّى» (3).

وَأَمَّا قَوْلُكَ : النَّسْنَاسُ، فَهُمُ السَّوَادُ الْأَعْظَمُ ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلى جَمَاعَةِ النَّاسِ ، ثُمَّ قَالَ : «إِنْ هُمْ إِلَا كَالْأَنْعَ_مِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً» (4)» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله عليه السلام : (أخبرني إن كنت عالما عن الناس).

في القاموس: «الناس يكون من الإنس، ومن الجنّ، جمع إنس، أصله: اُناس، جمع عزيز أدخل عليه ال»(5).

(وعن أشباه الناس).

في القاموس: «الشبه _ بالكسر، وبالتحريك، وكأمير _ : المثل.الجمع: أشباه»(6).

(وعن النسناس).

في القاموس: النسناس _ ويكسر _ : جنس من الخلق يثب أحدهم على رجل واحدة، وفي

ص: 327


1- . السند معلّق كسابقه
2- . البقرة (2) 199
3- . إبراهيم (14): 36
4- . الفرقان (25): 44
5- القاموس المحيط، ج 2، ص 261 (نوس)
6- القاموس المحيط، ج 4، ص 286 (شبه)

الحديث: «إنّ حيّا من عاد عصوا رسولهم، فمسخهم اللّه نسناسا، لكلّ إنسان منهم يد ورجل من شقّ واحد، ينقزون كما ينقز الطائر، ويرعون كما ترعى البهائم»(1). وقيل: اُولئك انقرضوا، والموجود على تلك الخلقة خلق على حدة، أو هم ثلاثة أجناس: ناس ونسناس ونسانس، أو النسانس الإناث منهم، أو هم أرفع قدرا من النسناس، أو هم يأجوج ومأجوج، أو هم قومٌ من بني آدم، أو خلق على صورة الناس وخالفوهم في أشياء وليسوا منهم، انتهى(2).

ومثله في النهاية، إلّا أنّ فيه: «ونونها مكسورة، وقد تُفتح»(3).

(فقال أمير المؤمنين عليه السلام ) إلى قوله: (فنحن الناس).

اُريد بالناس هنا من استكمل فيه الخصال اللائقة، وكملت صورته الظاهرة والباطنة، وبلغ أقصى غاية الكمال.

(ولذلك) أي ولأنّ إطلاق الناس الموصوفين بالصِّفات المذكورة مختصّ بأهل العصمة عليهم السلام ورأسهم ورئيسهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

(قال اللّه _ تبارك وتعالى ذكره _ في كتابه) في بعض النسخ: «في الكتاب» «ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ» .

في القاموس: «أفاض الناس [من عرفات]: دفعوا، أو رجعوا وتفرّقوا، أو أسرعوا منها إلى مكانٍ آخر، وكلّ دفعة إفاضة»(4).

وقال بعض المفسّرين:

إنّ معنى الإفاضة الدفع بكثرة، من أفضت الماء: إذا صببته بكثرة، وإنّ الأصل في «أفيضوا»: أفيضوا أنفسكم، فحذف المفعول كما حذف في «دفعت من البصرة»، وإنّ المراد بقوله تعالى: «مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ» من عرفة، لا من مزدلفة، وأنّ الخطاب مع قريش كانوا يقفون بجمع، وسائر الناس يقفون بمزدلفة، يرون ذلك ترفّعا عليهم، فاُمروا بأن يساووهم._ قال: _ وقيل: من مزدلفة إلى منى بعد الإفاضة من عرفة إليها، والخطاب عام، وقرى الناس _ بكسر السين _ أي الناسي يريد آدم من

ص: 328


1- الفائق، ج 3، ص 293 (نسنس)؛ كشف الخفاءللعجلوني، ج 1، ص 418
2- القاموس المحيط، ج 2، ص 254 (نسس)
3- النهاية، ج 5، ص 50 (نسنس)
4- القاموس المحيط، ج 2، ص 341 (فيض)

قوله: فنسي، والمعنى: أنّ الإفاضة من عرفة شرعٌ قديم، فلا تغيّروه(1).

(فرسول اللّه صلى الله عليه و آله الذي أفاض الناس).

قال بعض الأفاضل: الظاهر أنّ المراد بالناس هنا غير ما هو المراد به في الآية على هذا التفسير، والمراد أنّ الناس رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأهل بيته عليهم السلام ؛ لأنّ اللّه تعالى قال في تلك الآية مخاطبا لعامّة الخلق: «ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ» أي من حيث يفيض منه الناس، وهم إنّما أطاعوا هذا الأمر بأن أفاضوا مع الرسول صلى الله عليه و آله ، فهم الناس حقيقةً.ويحتمل على بُعد أن يكون المراد بالناس هنا وفي الآية آل البيت عليهم السلام ، فيكون قد أمر الرسول صلى الله عليه و آله بالإفاضة مع أهل بيته.وأبعد منه أن يأوّل على نحو ما ذكره جماعة من المفسّرين بأن يكون المراد بالناس إبراهيم وسائر الأنبياء عليهم السلام ، ويكون استدلاله عليه السلام بأنّ الرسول أفاض بالناس، أي معهم، لا معيّة زمانيّة، بل في أصل الفعل، فالمراد أنّ الناس اُطلق هنا على الأنبياء والأوصياء، فنحن منهم(2).

(وأمّا قولك: أشباه الناس، فهم شيعتنا، وهم موالينا، وهم منّا).

أفاد عليه السلام أنّ المراد بأشباه الناس هنا من اقتدى بسنّتهم، واقتفى أثرهم، وذهب معهم حيثما ذهبوا، فحصلت له بذلك المشابهة بهم عليهم السلام .

(ولذلك) أي ولأجل أنّ شيعة كلّ أحد وتابعيه يعدّ منه.

(قال إبراهيم عليه السلام ): «فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي» .

قيل: أي لا ينفكّ عنّي في أمر الدِّين(3).

(وأمّا قولك: النسناس، فهم السواد الأعظم).

قال الفيروزآبادي: «السواد: الشخص، والعدد الكثير.ومن الناس: عامّتهم»(4).

(وأشار بيده إلى جماعة الناس)؛ يعني أراد بالسواد الأعظم تلك الجماعة، ووصفهما بالأعظم باعتبار الكثرة.

ص: 329


1- اُنظر: الكشّاف، ج 1، ص 349؛ تفسير البيضاوي، ج 1، ص 487؛ تفسير السمعاني، ج 1، ص 202؛ البحر المحيط، ج 2، ص 109
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 210
3- قاله البيضاوي في تفسيره، ج 3، ص 351
4- القاموس المحيط، ج 1، ص 305 (سود)

ثمّ قال: «إِنْ هُمْ» أي المشار إليهم.«إِلَا كَالْأَنْعَامِ» .

في القاموس: ا«لنَعَم وقد تسكّن عينه _ : الإبل، والشاة، أو خاصّ بالإبل.الجمع: أنعام»(1).

وقال بعض المفسّرين:

إنّ تشبيههم بالأنعام في عدم الفقه والإبصار للاعتبار، والاستماع للتدبّر؛ أو في أنّ مشاعرهم وقواهم متوجّهة إلى أسباب التعيّش مقصورة عليهم(2).

«بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً» .

قيل: وجه الأضلّية إبطالهم الفطرة الأصليّة بخلاف الأنعام(3).

وقيل: لأنّ الأنعام اُلهمت منافعها ومضارّها، وهي لا تفعل ما يضرّها، وهؤلاء عرفوا على طريق الهلاك والنجاة، وسعوا في هلاك أنفسهم، وأيضا تنقاد لمَن يتعهّدها، ويميّز من يحسن إليها ممّن يسيء إليها، وهؤلاء لا ينقادون لربّهم، ولا يفرّقون إحسانه من إساءة الشيطان، ولا يطلبون الثواب الذي هو من أعظم المنافع، ولا يتحرّزون عن العقاب الذي هو أشدّ المضارّ.أو لأنّها إن لم تعتقد حقّا، ولم تكسب خيرا لم تعتقد باطلاً، ولم تكسب شرّا بخلاف هؤلاء، وأيضا جهالتها لا تضرّ بأحد، وجهالة هؤلاء تؤدّي إلى هيجان الفتن وصدّ الناس عن الحقّ.أو لأنّها تعرف ربّها، ولها تسبيح وتقديس كما وردت به الأخبار.

وقيل: المراد: إن شئت شبّهتهم بالأنعام فلكَ ذلك، بل لك أن تشبّههم بأضلّ منها كالسِّباع(4).

متن الحديث التاسع والثلاثين والثلاثمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ ؛ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ ، عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ (5)، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ :

سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْهُمَا ، فَقَالَ : «يَا أَبَا الْفَضْلِ ، مَا تَسْأَلُنِي عَنْهُمَا ، فَوَ اللّهِ مَا مَاتَ مِنَّا مَيِّتٌ قَطُّ إِلَا سَاخِطا عَلَيْهِمَا ، وَمَا مِنَّا الْيَوْمَ إِلَا سَاخِطا عَلَيْهِمَا ، يُوصِي بِذلِكَ الْكَبِيرُ مِنَّا الصَّغِيرَ ، إِنَّهُمَا ظَلَمَانَا

ص: 330


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 182 (نعم)
2- قاله البيضاوي في تفسيره، ج 3، ص 77 مع اختلاف في اللفظ
3- ذهب إليه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 337
4- القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 211 و 212
5- . في أكثر نسخ الكافي: - «ومحمّد بن يحيى _ إلى قوله: _ عن حنان بن سدير»

حَقَّنَا ، وَمَنَعَانَا فَيْئَنَا ، وَكَانَا أَوَّلَ مَنْ رَكِبَ أَعْنَاقَنَا ، وَبَثَقَا عَلَيْنَا بَثْقا فِي الْاءِسْلَامِ ، لَا يُسْكَرُ (1)أَبَدا حَتّى يَقُومَ قَائِمُنَا ، أَوْ يَتَكَلَّمَ مُتَكَلِّمُنَا» .ثُمَّ قَالَ : «أَمَا وَاللّهِ لَوْ قَدْ قَامَ قَائِمُنَا ، وَتَكَلَّمَ (2).مُتَكَلِّمُنَا ، لَأَبْدى مِنْ أُمُورِهِمَا مَا كَانَ يُكْتَمُ ، وَلَكَتَمَ مِنْ أُمُورِهِمَا مَا كَانَ يُظْهَرُ ، وَاللّهِ مَا أُسِّسَتْ مِنْ بَلِيَّةٍ وَلَا قَضِيَّةٍ تَجْرِي عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ إِلَا هُمَا أَسَّسَا أَوَّلَهَا (3)، فَعَلَيْهِمَا لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ».

شرح الحديث

السند ضعيف.

في بعض النسخ: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه؛ ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل، عن حنان بن سدير، عن أبيه».

والسند على التقديرين حسن على احتمال.

(قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عنهما) أي عن أبي بكر وعمر.

(فقال: يا أبا الفضل).

هو كُنية سدير الصّيرفي.

(ما تسألني عنهما).

لعلّ كلمة «ما» نافية بتقدير حرف الاستفهام تقريرا للسؤال السابق.

(إنّهما ظلمانا حقّنا، ومنعانا فيئنا).

قال الجوهري: فاء يفيء فيئا: رجع.وأفاءه غيره.والفيء: الخراج، والغنيمة.تقول منه: أفاء اللّه على المسلمين مال الكفّار يفيء إفاءة(4).

أقول: لعلّ ذكر الفيء بعد الحقّ تخصيص بعد التعميم للاهتمام والتأكيد.وقيل: لعلّ المراد بالحقّ الخلافة، وبالفيء الغنيمة والخمس والأنفال؛ لأنّ الفيء في الأصل الرجوع، والأموال كلّها للإمام، فما كان في يد غيره إذا خرج إليه بقتال فهو غنيمة، وما رجع إليه بغير

ص: 331


1- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «لا يسكن»
2- . في الطبعة القديمة والوافي: «أو تكلّم»
3- . في بعض نسخ الكافي: «أوّلهما»
4- الصحاح، ج 1، ص 63 (فيأ)

قتال فهو أنفال(1).

(وكانا أوّل من ركب أعناقنا).

ركوب الأعناق كناية عن القهر والغلبة، وإيصال المكروه والشدّة.

(وبثقا علينا في الاسلام بَثْقا لا يسكر أبدا).

في بعض النسخ: «لا يسكن أبدا».

قال الفيروزآبادي: بثق النهر بَثْقا وبَثِقا وبَثَقا كسر شطّه ليبثق الماء كبثّقه واسم ذلك الموضع: البثق، ويكسر.الجمع: بثوق.والعين: أسرع دمعها.وانبثق انفجر.والسيل عليهم أقبل ولم يحتسبوه(2).

وقال الجوهري: «بثق السيل موضع كذا يَنْبثقُ بُثقا وبَثِقا عن يعقوب، أي خرقه وشقّه»(3).

وقال: «السَكْر _ بالإسكان _ مصدر سكرت: النهر.أسكره سكرا: إذا سددته.وسكرت الريح تسكر سكورا: سكنت بعد الهبوب.وليلةٌ ساكرة: ساكنة»(4).

أقول: قوله عليه السلام : «لا يسكر» بالبناء للمفعول إن اُريد المعنى الأوّل، وللفاعل إن اُريد المعنى الثاني، والأوّل أظهر.

وقيل: فيه مكنيّة بتشبيههما بالسّيل، وتخييليّة بإثبات البثق لهما، وترشيح بذكر السِكر(5).

(حتّى يقوم قائمنا، أو تكلّم متكلّمنا).

لعلّ الترديد من الراوي، أو يكون كلمة «أو» بمعنى الواو بقرينة ذكره ثانيا بالواو.

ونقول: المراد بالقائم المهدي عليه السلام ، كما هو المتبادر، وبالمتكلِّم مَن تصدّى لذلك قبله منهم عليهم السلام (ثمّ قال: أما واللّه لو قد قام قائمنا، وتكلّم متكلِّمنا لأبدى) أي أظهر.

(من اُمورهما ما كان يُكتم) على البناء للمفعول.

ولعلّ المراد بهذا المكتوم قبائحهما ونفاقهما وكفرهما، وهذه وإن كانت ظاهرة عند أهل

ص: 332


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 338
2- القاموس المحيط، ج 3، ص 310 (بثق)
3- الصحاح، ج 4، ص 1448 (بثق)
4- الصحاح، ج 2، ص 688 (سكر)
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 338

الحقّ قبل قيامه عليه السلام ، لكنّها مكتومة عند تابعيهما ومعتقديهما بشبهات عرضت لهم، فأظهرها عليه السلام لهم بإزالة تلك الشبهات ودفعها.

(ولكتَمَ) أي أخفى.

(من اُمورهما ما كان يظهر).

لعلّ المراد أنّه عليه السلام يبطل ويزيل ما كان أتباعهما يظهرونه من استحقاقهما للخلافة وعدلهما، فيكون الكتمان كناية عن المحو والإبطال، أو أنّ بعض أهل النفاق إذا اعتقدوا ذلك كتموها، ولم يجترؤوا على إظهارها خوفا منه عليه السلام .

(واللّه ما اُسّست) على البناء للمفعول.

في بعض النسخ: «ما أمْسَست».والتأسيس: وضع الأساس، وهو أصل البناء، وبيان حدود الدار، ورفع قواعدها.

وقوله عليه السلام : (من بليّة) قائم مقام فاعل «أسّست».

قال الجوهري: «البليّة والبلوى (1)والبلاء واحد، وبلوته بلوا جرّبته واختبرته.وبلاه اللّه بلاءً: أي اختبره»(2).

وفي القاموس: «بلوته بلوا وبلاءً: اختبرته، وامتحنته.والاسم: البلوى، والبليّة»(3).

(ولا قضيّة).

في القاموس: «القضاء _ ويقصر _ : الحكم.قضى عليه يقضي قَضْيا وقضاءً وقضيّة، وهي الاسم أيضا، والصّنع والحتم والبيان(4).

أقول: لعلّ المراد بتأسيس البليّة بناء الظلم والجور، وإيصال الأذى والمكروه والمحنة والمصيبة إلى أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم، وبتأسيس البليّة لقضيّة أحكامهم المبتدعة، وأهوائهم المخترعة، وآراءهم المموّهة في اُمور الدِّين، وصنايعهم القبيحة في نظام الإسلام، وتبدّد انتظام أحوال المسلمين، بحيث يؤدّي إلى تنفير الحقّ، عن متابعة أئمّة الحقّ وقطع يدهم عن التصرّف في اُمور الدُّنيا والدِّين، بل إلى قتلهم وتشريدهم، فقوله عليه السلام : (تجري علينا أهل البيت) صفة للبليّة والقضيّة جميعا.

ص: 333


1- . في المصدر: - «والبلوى»
2- الصحاح، ج 6، ص 2284 (بلا)
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 305 (بلي) مع التصرّف
4- القاموس المحيط، ج 4، ص 378 (قضي)

(إلّا هما أسّسا أوّلها) أي أوّل تلك البليّة والقضيّة.

(فعليهما لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين).

قال الجوهري: «اللّعن: الطّرد، والإبعاد من الخير.واللعنة الاسم»(1).

متن الحديث الأربعين والثلاثمائة

اشارة

حَنَانٌ ، عَنْ أَبِيهِ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «كَانَ النَّاسُ أَهْلَ رِدَّةٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله إِلَا ثَلَاثَةً».

فَقُلْتُ : وَمَنِ الثَّلَاثَةُ؟

فَقَالَ : «الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَأَبُو ذَرٍّ الْغِفَارِيُّ وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ رَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْهِمْ ، ثُمَّ عَرَفَ أُنَاسٌ بَعْدَ يَسِيرٍ».

وَقَالَ : «هؤُلَاءِ الَّذِينَ دَارَتْ عَلَيْهِمُ الرَّحى ، وَأَبَوْا أَنْ يُبَايِعُوا حَتّى جَاؤُوا بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام مُكْرَها فَبَايَعَ ، وَذلِكَ قَوْلُ اللّهِ عَزَّوَجَلَّ : «وَما مُحَمَّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئا وَسَيَجْزِى اللّهُ الشّاكِرِينَ» (2).» .

شرح الحديث

قوله: (حنان، عن أبيه)؛ يعني بالإسناد السابق إلى حنان بن سدير، عن أبيه.

(عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان الناس أهل ردّة بعد النبيّ صلى الله عليه و آله إلّا ثلاثة).

في القاموس: «الردّة: القبح وبالكسر: الاسم من الارتداد»(3).

وقال بعض الأفاضل: قد روى ارتداد الصحابة جميع المخالفين في كتب أخبارهم، ثمّ حكموا بأنّ الصحابة كلّهم عدول، وقد روى في المشكوة وغيره من كتبهم عن ابن عبّاس عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال: «إنّ اُناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: أصحابي أصحابي، فيُقال: إنّهم لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم، فأقول كما قال

ص: 334


1- الصحاح، ج 6، ص 2196 (لعن)
2- . آل عمران (3): 144
3- القاموس المحيط، ج 1، ص 294 (ردد)

العبد الصالح: «وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدا مَا دُمْتُ فِيهِمْ..

إلى قوله: الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» (1). (2).

(فقلت: ومَن الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الأسود وأبو ذرّ الغفاري) بكسر الغين (وسلمان الفارسي رحمة اللّه وبركاته عليهم).

روى القرطبي من العامّة في شرح مسلم قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إنّ اللّه أمرني أن اُحِبّ أربعة، وأخبرني أنّه يحبّهم: عليّ وأبو ذرّ والمقداد وسلمان»(3).

وروى الكشّي عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي، قال: قال أبو جعفر عليه السلام : «ارتدّ الناس إلّا ثلاثة نفر: سلمان وأبو ذرّ والمقداد» فقلت: فعمّار؟ قال: «[قد ]كان جاض جيضة، ثمّ رجع» ثمّ قال: «إن أردت الذي لم يشكّ ولم يدخله شيء فالمقداد»(4).

(ثمّ عرف اُناس) أي صاروا عارفا بأنّ الحقّ مع عليّ عليه السلام ، أو أقرّوا بإمامته.

قال الفيروزآبادي: «عرف له: أقرّ» (5)انتهى.والاُناس _ بالضمّ _ لغة في الناس.

(بعد يسير).

الظاهر أنّ «بعد» منصوب على الظرفيّة، و«يسير» مجرور بالإضافة، أي بعد زمانٍ قليل.

ويحتمل كون «بعد» مبنيّا على الضمّ، و«يسير» بالرفع على أنّه صفة «اُناس»، أي قليل من الناس.

(وقال: هؤلاء الذين).

لفظ «الذين» ليست في بعض النسخ.

(دارت عليهم الرّحى) أي استدار عليهم رحى الإيمان والإسلام ونصرة الحقّ، شبّههم بقطب الرحى في توقّف نظام الدِّين، وانتظام أحوال المسلمين بوجودهم، وهذا مثلٌ ساير يُضرب للرونق والرواج.

ويحتمل أن يكون المراد رحى نظام العالم لكونهم من الأوتاد.

(وأَبَوْاِ) تلك الثلاثة (أن يبايعوا) مع أبي بكر (حتّى جاؤوا) أي أصحاب أبي بكر (بأمير المؤمنين عليه السلام مُكرها) بفتح الراء، فبايع عليه السلام .

ص: 335


1- .المائدة (5): 117 _ 118.والخبر في: صحيح البخاري، ج 4، ص 110؛ عمدة القاري، ج 15، ص 241، ح 9433
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 214
3- لم نعثر على الشرح المذكور
4- رجال الكشي، ص 11، ح 24
5- . القاموس المحيط، ج 3، ص 173 (عرف) مع التلخيص

والحاصل: أنّهم امتنعوا من المبايعة مع أبا بكر حتّى أكرهوا أمير المؤمنين عليه السلام عليها، فلمّا بايع مُكرها بايع الثلاثة بعده مُكرهين.

(وذلك) أي ارتداد أكثر الاُمّة بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه و آله ، وبقاء قليل منهم على الإيمان إقرارا بنعمة الولاية وشكرا عليها.

(قول اللّه عزّ وجلّ) في سورة آل عمران: «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ» .

قال البيضاوي:

يعني فسيخلوا، كما خلوا بالموت، أو القتل.

«أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ» إنكار لارتدادهم وانقلابهم على أعقابهم عن الدِّين؛ لخلوّه بموت، أو قتل، بعد علمهم بخلوّ الرُّسل قبله، وبقاء دينهم متمسّكا به.

وقيل: الباء للسببيّة، والهمزة لإنكار أن يجعلوا خلوّ الرسل قبله سببا لانقلابهم على أعقابهم بعد وفاته.

وروي: أنّه لمّا رمى عبداللّه بن قميئة الحارثي رسول اللّه صلى الله عليه و آله بحجر، فكسر رباعيّته، وشجّ وجهه، فذبّ عنه مصعب بن عمير، وكان صاحب الراية، حتّى قتله ابن قميئة، وهو يرى أنّه قتل النبي صلى الله عليه و آله ، فقال: قد قتلت محمّدا صلى الله عليه و آله ، وصرخ صارخٌ: ألا أنّ محمّدا قد قُتل.فانكفأ الناس، وجعل الرسول صلى الله عليه و آله يدعو إلى عباد اللّه ، فانحاز إليه ثلاثون من أصحابه، وحَمَوهُ حتّى كشفوا عنه المشركين وتفرّق الباقون.وقال بعضهم: ليت ابن اُبيّ يأخذ لنا أمانا من أبي سفيان.وقال اُناس من المنافقين: لو كان نبيّا لما قُتل ارجعوا إلى إخوانكم ودينكم.فقال أنس بن النضر عمّ أنس بن مالك: يا قوم، إن كان قُتل محمّد، فإنّ ربّ محمّد حيٌّ لا يموت، وما تصنعون بالحياة بعده؟ فقاتلوا على ما قاتل عليه.ثمّ قال: اللَّهُمَّ إنّي أعتذرُ إليك ممّا يقولون وأبرأُ منه.وشدَّ بسيفه، فقاتل حتّى قُتِل، فنزلت: «وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّه َ شَيْئا» ؛ بارتداده، بل يضرّ نفسه.

«وَسَيَجْزِي اللّه ُ الشَّاكِرِينَ» على نعمة الإسلام بالثبات عليه، كأنس وأضرابه(1).

انتهى كلام البيضاوي.

ص: 336


1- تفسير البيضاوي، ج 2، ص 98 و 99

وأقول: يفهم من هذا الخبر ويستفاد أيضا من بعض الأخبار أنّ قوله تعالى: «انْقَلَبْتُمْ» استفهام في معنى الإخبار.

متن الحديث الواحد والأربعين والثلاثمائة

اشارة

حَنَانٌ ، عَنْ أَبِيهِ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «صَعِدَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله الْمِنْبَرَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ ، فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ اللّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ نَخْوَةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَتَفَاخُرَهَا بِآبَائِهَا ، أَلَا إِنَّكُمْ مِنْ آدَمَ عليه السلام وَآدَمُ مِنْ طِينٍ ، أَلَا إِنَّ خَيْرَ عِبَادِ اللّهِ عَبْدٌ اتَّقَاهُ ، إِنَّ الْعَرَبِيَّةَ لَيْسَتْ بِأَبٍ وَالِدٍ ، وَلكِنَّهَا لِسَانٌ نَاطِقٌ ، فَمَنْ قَصَرَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُبْلِغْهُ حَسَبُهُ ، أَلَا إِنَّ كُلَّ دَمٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ إِحْنَةٍ _ وَالْاءِحْنَةُ الشَّحْنَاءُ _ فَهِيَ تَحْتَ قَدَمِي هذِهِ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» .

شرح الحديث

السند كسابقيه.

قوله: (إنّ اللّه قد أذهب عنكم) أي رفع من بينكم بأن نهاكم وأمركم بالكفّ.

(نخوة الجاهليّة وتفاخرها بآبائها) وجعل الشرف والمجد بالإسلام.

قال الفيروزآبادي: «نخا ينخو نخوة: افتخر، وتعظّم، كنُخى [وانتخى] كعُنَى، وفلانا: مدحه»(1).

وقال: «الفخر _ ويحرّك _ : التمدّح بالخصال.وتفاخروا: فخر بعضهم على بعض»(2).

(ألّا إنّكم من آدم عليه السلام ، وآدم من طين).

فمن كان أصله من طين، فاللّائق بحاله مقتضاه، وهو السكينة والتواضع.

وقيل: الظاهر أنّ كلّ واحد من هذين يقتضي انتفاء كلّ واحد من النخوة والتفاخر، وتخصيص الأوّل بالأوّل والثاني بالثاني بعيد(3).ولما نفى كون الانتساب بالآباء منشأ للتفاخر والتعظّم أراد أن يشير إلى ما هو سبب قريب موجب تامّ للتشرّف والخيريّة الكاملة من عند اللّه حثّا عليه وترغيبا في تحصيله، فقال: (ألّا أنّ خير عباد اللّه عبدٌ اتّقاه).

ص: 337


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 394 (نخو)
2- القاموس المحيط، ج 2، ص 108 (فخر)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 1، ص 339

أي التزم طاعته واحترز من معصيته؛ فإنّ كمال النفوس وخيريّتها وتفاضل الأشخاص إنّما هو بالتقوى، فمن أراد شرفا فليلتمس منها.

(إنّ العربيّة ليست بأب ووالد).

لعلّ الباء للسببيّة، والمراد بالعربيّة الشرف والمجد والعلوّ الحاصلة بالانتساب بالعرب، أو بالملّة النبويّة العربيّة؛ يعني: أنّها ليست بمجرّد الانتماء بالأب، ومن جهة الاغتراء إليه حتّى تكون سببا للتفاخر ومنشأً له.

ويحتمل كون الباء زائدة؛ يعني: أنّها ليست أبا ووالدا لأحد حتّى يتفاخر بالانتساب إليها، وكونه متولّدا منها.

(ولكنّها) أي العربيّة.

(لسان ناطق) بالشهادتين، والإقرار والاعتراف بدين الحقّ، فالعرب من كان على الدِّين القويم، وإن كان من العجم، كما مرّ في السابع والثمانين والمائتين، وبهذه الحيثيّة يصير من أهل الشرف والتفاخر.

وقيل: يحتمل أن يُراد بالعربيّة، اللغة العربيّة والانتساب إلى إبراهيم عليه السلام ، فيكون ردّا على مشركي العرب وأضرابهم ممّن يتفاخر بها على غيرهم بأنّ المنتسب إليه كلّ من تكلّم بالحقّ وإن لم يكن من أولاده(1).

(فمن قصر به عمله).

الباء للتعدية، أو للتقوية، أي كان عمله ناقصا.قال الفيروزآبادي:

القصر والقِصَر _ كعِنب _ : خلاف الطول.وقصر _ ككرم _ فهو قصير.والقصر: خلاف المدّ، واختلاط الظلام، والحبس.وقصر عن الأمر قصورا وقصّر: انتهى.وعنه: عجز.وقصّر عنه: تركه، وهو لا يقدر عليه(2).

(لم يبلغه حسبه) أي لم يصل إليه حسبه، ولم ينفعه مفاخر آبائه، ولم يؤثّر في كماله.

وفي بعض النسخ: «لم يبلغ»، وهو إمّا بتقدير لم يبلغه، أو معناه: لم يبلغ إلى الكمال، والمآل واحد.

والحاصل: أنّ الشرف والكمال يكون بالأعمال، لا بالآباء، ومضمون هذه الفقرات

ص: 338


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 339
2- القاموس المحيط، ج 2، ص 117 (قصر) مع التلخيص

الشريفة إشارة إلى قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّه ِ أَتْقَاكُمْ» (1).

(ألا إنّ كلّ دم في الجاهليّة أو إحنة).

في القاموس: «الإحنة _ بالكسر _ : الحقد، والغضب.والجمع كعِنَب.وقد أحِنَ _ كسمع _ فيهما»(2).

(والإحِنة الشحناء).

في القاموس: «الشحناء: العداوة.وشحن عليه _ كفرح _ : حقد»(3).

(فهي تحت قدمي) بسكون الياء، بقرينة قوله: (هذه إلى يوم القيامة).

في القاموس: «القدم _ محرّكة _ : الرِّجل، مؤنّثة، ووضع القدم مثلٌ للردع والقمع»(4).

وقال ابن الأثير: يُقال للأمر تريد إبطاله: وضعته تحت قدمي.ومنه الحديث: ألا إنّ كلّ دم ومأثرة في الجاهليّة (5).تحت قدمي هاتين.أراد إخفائها وإعدامها، وإذلال أمر الجاهليّة ونقض سنّتها (6)، انتهى.

وقيل: يحتمل أن يكون المراد أنّ القتل الذي وقع في الجاهليّة يبطل حكمه في الإسلام، ويكون هذا مختصّا بصدر الإسلام، ويحتمل اطّراده.أو المراد إبطال الدِّماء التي كانت بين القبائل، وكانوا يقاتلون عليها أعواما كثيرة، وكانوا يقتلون لدمٍ واحد آلافا، ولا يقنعون بقتل واحد ولا بالدية(7).

متن الحديث الثاني والأربعين والثلاثمائة

اشارة

حَنَانٌ ، عَنْ أَبِيهِ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : مَا كَانَ وُلْدُ يَعْقُوبَ أَنْبِيَاءَ؟

قَالَ : «لَا ، وَلكِنَّهُمْ كَانُوا أَسْبَاطَ أَوْلَادِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَلَمْ يَكُنْ يُفَارِقُوا الدُّنْيَا إِلَا سُعَدَاءَ ، تَابُوا

ص: 339


1- الحجرات (49): 13
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 195 (أحن)
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 239 (شحن) مع التلخيص و التصرّف
4- القاموس المحيط، ج 4، ص 161 (قدم) مع التلخيص
5- . في المصدر: - «في الجاهليّة»
6- . النهاية، ج 4، ص 25 (قدم)
7- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 215

وَتَذَكَّرُوا مَا صَنَعُوا ، وَإِنَّ الشَّيْخَيْنِ فَارَقَا الدُّنْيَا وَلَمْ يَتُوبَا وَلَمْ يَتَذَكَّرَا مَا صَنَعَا بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَعَلَيْهِمَا لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» .

شرح الحديث

السند كما عرفت.

قوله: (قال لا).

فيه ردّ على بعض المخالفين الذين قالوا بنبوّتهم، وما ورد في بعض أخبارنا موافقا لهم فمحمول على التقيّة.

(ولكنّهم كانوا أسباط أولاد الأنبياء) لعلّ إضافة الأسباط إلى الأولاد بيانيّة.وقال في القاموس: «السبط _ بالكسر _ : ولد الولد، وقبيلة من اليهود.الجمع: أسباط» (1).انتهى.

وقيل: المراد بالأسباط هنا الأشراف من الأولاد(2).

(ولم يكن يفارقوا الدُّنيا) بالموت (إلّا سعداء، تابوا) ممّا فعلوا بيوسف عليه السلام وأبيه.

(وتذكّروا ما صنعوا) بهما.

وذكر الشيء بالقلب حفظه، وباللِّسان إجراؤه عليه، والتنطّق به، والذكرى: العبرة، والتوبة.

وذكّره وتذكّره بمعنى.

(وإنّ الشيخين) أي العمرين.

(فارقا الدُّنيا) بالموت.

(ولم يتوبا) من قبيح فعلهما.

(ولم يتذكّرا) ولم يراجعا، بل نسيا.

(ما صنعا بأمير المؤمنين عليه السلام ) من الظلم، والجور، وغصب حقّه، والاستخفاف به وبأهل بيته (فعليهما لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين).

متن الحديث الثالث والأربعين والثلاثمائة

اشارة

حَنَانٌ ، عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ :

ص: 340


1- . القاموس المحيط، ج 2، ص 363 (سبط)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 340

عَنْ عَبْدٍ صَالِحٍ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ النَّاسَ أَصَابَهُمْ قَحْطٌ شَدِيدٌ عَلى عَهْدِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عليه السلام ، فَشَكَوْا ذلِكَ إِلَيْهِ ، وَطَلَبُوا إِلَيْهِ أَنْ يَسْتَسْقِيَ لَهُمْ» .

قَالَ : «فَقَالَ لَهُمْ : إِذَا صَلَّيْتُ الْغَدَاةَ مَضَيْتُ ، فَلَمَّا صَلَّى الْغَدَاةَ مَضى وَمَضَوْا ، فَلَمَّا أَنْ كَانَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ إِذَا هُوَ (1)بِنَمْلَةٍ رَافِعَةٍ يَدَهَا إِلَى السَّمَاءِ وَاضِعَةٍ قَدَمَيْهَا إِلَى الْأَرْضِ وَهِيَ تَقُولُ : اللّهُمَّ إِنَّا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِكَ ، وَلَا غِنى بِنَا عَنْ رِزْقِكَ ، فَلَا تُهْلِكْنَا بِذُنُوبِ بَنِي آدَمَ» .

قَالَ : «فَقَالَ سُلَيْمَانُ عليه السلام : ارْجِعُوا فَقَدْ سُقِيتُمْ بِغَيْرِكُمْ» قَالَ : «فَسُقُوا فِي ذلِكَ الْعَامِ وَلَمْ يُسْقَوْا (2)مِثْلَهُ قَطُّ» .

شرح الحديث

السند ضعيف؛ لأنّ الظاهر أنّ أبا الخطّاب هو محمّد بن مقلاص، غالٍ ملعون، كما تقدّم.قوله: (إنّ الناس أصابهم قحطٌ شديد).

في القاموس: «القحط: احتباس المطر»(3).

(على عهد سليمان بن داود عليهماالسلام) أي في زمانه وعصره.

(فشكوا ذلك إليه).

قال الجوهري: «شكوتُ فلانا أشكوه شكوى وشكاية: إذا أخبرت عنه بسوء فعله بك»(4).

(وطلبوا إليه).

طلب إلى: أي رغب.

(أن يستسقى لهم) بأن يستسقى ويطلب من اللّه لهم إنزال الغيث.

(إذا هو بنملة).

في القاموس: «النمل [مؤنّثة] واحدته: نملة وقد تُضمّ الميم.الجمع: نمال»(5).

(رافعة يدها) أي قائمة من قوائمها التي على رأسها إلى السماء.

ص: 341


1- . في بعض نسخ الكافي: «هم»
2- . في الطبعة القديمة وبعض نسخ الكافي: «وما لم يسقوا»
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 378 (قحط) مع التلخيص
4- الصحاح، ج 6، ص 2394 (شكا)
5- القاموس المحيط، ج 4، ص 60 (نمل)

(واضعة قدميها إلى الأرض).

روى الصدوق رحمه الله في الفقيه هذا الحديث عن أبي عبداللّه عليه السلام ، إلى أن قال: «فوجد نملة قد رفعت قائمة من قوائمها إلى السماء»(1).

(فقد سقيتم) على البناء للمفعول، أي سوف تسقون.

(بغيركم) أي بدعاء غيركم.

والإتيان بالماضي لتيقّن الوقوع، أو معناه: استُجيب دعاء غيركم.

(قال) العبد الصالح عليه السلام : (فسُقوا في ذلك العام ولم يسقوا مثله قطّ).

الواو للحال، أي والحال أنّهم لم يسقوا سقيا مثل السقي في ذلك العام في الكثرة والانتفاع.

قال بعض الأفاضل: هذا الخبر يدلّ على أنّ الحيوانات لها شعور، وهي تعرف ربّها، وتتضرّع إليه في الحوائج، ولا استبعاد في ذلك، وقد نطق بمثله القرآن الكريم، وهذا لا يدلّ على كونها مكلّفة كالإنس والجنّ، على أنّه لا استبعاد في أن تكون مكلّفة ببعض التكاليف يجري عقابهم على تركها في الدُّنيا كما ورد أنّ الطير لا تُصاد إلّا بترك تسبيحها، وكثير من المكلّفين يعدّون استبعادات الوهم فيما يخالف العادات برهانا، ويأوّلون لذلك الآيات والأخبار، بل يطرحون كثيرا من الأخبار المستفيضة، وليس هذا إلّا للاتّكال على عقولهم، وعدم التسليم لأئمّتهم عليهم السلام (2).

متن الحديث الرابع والأربعين والثلاثمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ خَلَفِ بْنِ عِيسى ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ الْمَدَائِنِيِّ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ لِلّهِ _ تَعَالى ذِكْرُهُ _ عِبَادا مَيَامِينَ مَيَاسِيرَ يَعِيشُونَ وَيَعِيشُ النَّاسُ فِي أَكْنَافِهِمْ، وَهُمْ فِي عِبَادِهِ بِمَنْزِلَةِ الْقَطْرِ ، وَلِلّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ عِبَادٌ مَلَاعِينُ مَنَاكِيرُ لَا يَعِيشُونَ وَلَا يَعِيشُ النَّاسُ فِي أَكْنَافِهِمْ، وَهُمْ فِي عِبَادِهِ بِمَنْزِلَةِ الْجَرَادِ لَا يَقَعُونَ عَلى شَيْءٍ إِلَا أَتَوْا عَلَيْهِ» .

ص: 342


1- الفقيه، ج 1، ص 524، ح 1490
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 215 مع اختلاف يسير في اللفظ

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (إنّ للّه _ تبارك وتعالى _ عبادا ميامين) جمع ميمون (ومياسير) جمع موسر.

قال الفيروزآبادي: «اليُمن _ بالضمّ _ : البركة، كالميمنة.يمن _ كعلم وعنى وجعل وكرم _ فهو ميمون.الجمع: أيامن، وميامين»(1).

وقال: «اليُسر _ بالضمّ وبضمّتين _ واليسار: السهولة، والغنى.وأيسر إيسارا ويسرا: صار ذا غنى، فهو موسر.الجمع: مياسير.واليُسر: ضدّ العُسر»(2).

(يعيشون ويعيش الناس في أكنافهم).

قال في القاموس: «العيش: الحياة.عاش يعيش عيشا ومعاشا.ورجلٌ عايش: له حالة حسنة»(3).

وقال: «أنت في كنف اللّه _ محرّكة _ : في حِرزه، وستره، وهو الجانب، والظلّ، والناحية.

ومن الطير: جناحه»(4).

(وهم في عباده بمنزلة القطر).

القطر _ بالفتح _ : المطر.الجمع: قطار.والقطر أيضا: ما قطرع جمع قطرة.شبّههم بالمطر، أو الماء المتقاطر في النفع وإيصال الخير.

(وللّه _ عزّ وجلّ _ عباد ملاعين) جمع ملعون.

(مناكير) جمع منكر، بفتح الكاف.

وقيل: المراد به هنا الشديد الغيظ الذي يتنفّر عنه الناس(5).

وقال في القاموس: «لعنه _ كجعله (6)._ : طرده، وأبعده، فهو لعين وملعون.الجمع: ملاعين»(7).

ص: 343


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 278 (يمن) مع التلخيص
2- القاموس المحيط، ج 2، ص 163 (يسر) مع التلخيص
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 280 (عيش) مع التلخيص
4- القاموس المحيط، ج 3، ص 192 (كنف) مع التلخيص
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 323
6- في المصدر: «كمنعه»
7- القاموس المحيط، ج 4، ص 267 (لعن)

وقال: «أنكره: جهله.والمنكر: ضدّ المعروف.وقال: المنكر، كمكرم، جمعه مناكير»(1).

(وهم في عباده بمنزلة الجراد) بفتح الجيم.

وتشبيههم بالجراد في الإضرار وإيصال المكروه.

قال الجوهري: «الجراد: معروف.الواحدة: جرادة، يقع على الذكر والاُنثى.وليس الجراد [بذكر] للجرادة، وإنّما هو اسم جنس كالبقر والبقرة»(2).

(لا يقعون) أي لا يسقطون.

(على شيء إلّا أتوا عليه) أي ضيّعوه وأهلكوه وأفسدوه.

قال الفيروزآبادي: «أتى عليه الدهر: أهلكه»(3).

والحاصل: أنّ الناس مختلفون متفاوتون في اليُمن واليُسر، والبركة، وإيصال النفع إلى أنفسهم وإلى الخلق، وأضدادها، فمنهم أهل الخير والنفع، كقطر المطر يوسّع اللّه عليهم في المعيشة، يتوسّعون بها ويوسّعون على الناس، ويعيش الخلق في كنفهم وحمايتهم، ومنهم من هو بضدّ ذلك الأخير، فيهم مطرودون مبعدون من رحمته تعالى، لا يتأتّى منهم المعروف، لا لأنفسهم ولا لغيرهم.والغرض من هذا الحديث ليس مجرّد الإخبار، بل الترغيب والتحريص في الاتّصاف بصفات الفرقة الاُولى، والتأسّي بهم، والتحلّي بكمالاتهم وفضائلهم، والتحذير عن التدنّس بأدناس الفرقة الثانية، والاحتراز منهم، والتخلّي عن نقائصهم ورذائلهم.

متن الحديث الخامس والأربعين والثلاثمائة

اشارة

الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى (4)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ (5)بْنِ شَاذَانَ الْوَاسِطِيِّ ، قَالَ :

ص: 344


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 148 (نكر) مع التلخيص
2- الصحاح، ج 2، ص 456 (جرد)
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 297 (أتى) مع التلخيص
4- . في الطبعة القديمة: + «جميعا» والمتكرّر في الأسناد رواية الحسين بن محمّد بن يحيى، عن عليّ بن محمّد بن سعد، عن محمّد بن سالم بن أبي سلمة
5- . في بعض نسخ الكافي: «الحسين»، والرجل مجهول

كَتَبْتُ إِلى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام أَشْكُو جَفَاءَ أَهْلِ وَاسِطٍ وَحَمْلَهُمْ عَلَيَّ ، وَكَانَتْ عِصَابَةٌ مِنَ الْعُثْمَانِيَّةِ تُؤْذِينِي .

فَوَقَّعَ بِخَطِّهِ : «إِنَّ اللّهَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ أَخَذَ مِيثَاقَ أَوْلِيَائِنَا عَلَى الصَّبْرِ فِي دَوْلَةِ الْبَاطِلِ ، فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ، فَلَوْ قَدْ قَامَ سَيِّدُ الْخَلْقِ لَقَالُوا : «يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ» (1)» .

شرح الحديث

السند مجهول مع احتمال الضعف.

وفي بعض النسخ: «مسلم» بدل «سالم».

قوله: (أشكو جفاء أهل واسط).

قال الفيروزآبادي: «الجفاء: نقيض الصِّلة، ويقصر.جفاه يجفوه جفوا وجفاءً»(2).

وقال: «واسط _ مذكّرا مصروفا، وقد يمنع _ : بلد بالعراق»(3).

وعدّه أيضا اسما لقرى كثيرة.

(وحملهم عليّ).

في القاموس: «حمله على الأمر يحمله فانحمل: أغراه به.والحملة: الكرّة في الحرب»(4).

وقال الجوهري: «حملت على بني فلان: إذا أرّشت بينهم.وحمل على نفسه في السير، أي جهدها فيه»(5).

وقال: «أرّش بين القوم: أفسد»(6).

(وكانت عصابة من العثمانيّة تؤذيني).

العِصابة _ بالكسر _ من الرِّجال: ما بين العشرة إلى الأربعين، والجماعة من الناس.

(فوقّع بخطّه).

توقيع الكتاب: ما يوقع فيه.

ص: 345


1- . يس (36): 52
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 313 (جفو)
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 291 (وسط)
4- القاموس المحيط، ج 3، ص 361 (حمل)
5- الصحاح، ج 4، ص 1677 (حمل)
6- الصحاح، ج 3، ص 995 (أرش) مع اختلاف في اللفظ

(إنّ اللّه _ جلّ ذكره _ أخذ ميثاق أوليائنا).

الميثاق: العهد، وأصله: موثاق، صارت الواو ياء؛ لانكسارها قبلها.

(على الصبر) على الإيذاء والمصائب.

(في دولة الباطل) أي في زمان غلَبَة أهل الباطل، وشوكتهم، وتسلّطهم على الحقّ.

(فاصبر لحكم ربّك) بالصبر، أو بتسليط أهل الباطل، والفاء فصيحة.

(فلو قد قام سيّد الخلق).

الظاهر أنّ المراد به القائم عليه السلام .

وقيل: المراد به النبيّ صلى الله عليه و آله ، والقيامة قيامه في القيامة لمحاسبة الخلق(1).

وقيل: يحتمل أن يُراد به اللّه تعالى، وبقيامه قيامه لحشر الخلائق وإرادته إيّاه(2).

وقال بعض الشارحين في جمع لفظة «لو» و«قد»:

جمع بين الضدّين، فالاُولى للإشارة على أنّ أكثر الخلق لغفلتهم كأنّهم ينكرون القيام، والثانية للدلالة على تحقّقه ووقوعه(3).

(لقالوا «وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا» .

في القاموس: الويل: حلول الشرّ، وبهاء الفضيحة، أو تفجيع.يُقال: ويله وويلك وويلي، وفي الندبة: ويلاه وويله.وويل: كلمة عذاب، وواد في جهنّم، أو بئر، أو باب لها(4).

وقال الجوهري:

ويل: كلمة [مثل] ويح، إلّا أنّها كلمة عذاب، وتقول: ويلٌ لزيد، وويلاً لزيد فالنصب على إضمار الفعل، والرفع على الابتداء، وهذا إذا لم تضفه، فأمّا إذا [أضفت] فليس إلّا النصب؛ لأنّك لو رفعته لم يكن له خبر.قال عطاء بن يسار: الويل وادٍ في جهنّم لو أرسلت فيها الجبال لماعَتْ من حرّها، انتهى(5).

وقيل: الويل: الحزن، والهلاك، والمشقّة من العذاب، والنداء للتحيّر والتحزّن، والمعنى: يا

ص: 346


1- نقله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 217 بعنوان «قيل»
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 341
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 341
4- القاموس المحيط، ج 4، ص 67 (ويل) مع التلخيص
5- الصحاح، ج 5، ص 1846 (ويل) مع التلخيص

ويلنا أحضر فهذا [وقتك و] أوان حضورك(1).

وقال الجوهري: «بعثت الناقة: أثرتها.وبعثه اللّه من منامه: أهبّه.وبعث الموتى: نشرهم ليوم البعث»(2).

وقال: «هبّ من نومه يهبّ: استيقظ، وأهببته أنا»(3).

وقال: «الرّقاد: النوم، والمرقد: المضجع.وأرقده: أنامه.وأرقد بالمكان: أقام به»(4).

وقال البيضاوي: «فيه ترشيح ورمز وإشعار بأنّهم لاختلاط عقولهم يظنّون أنّهم كانوا نياما»(5).

(هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) مبتدأ وخبر.

و«ما» مصدريّة، أو موصولة محذوفة الراجع، أو «هذا» صفة ل«مرقدنا»، و«ما وعد» خبر محذوف، أو مبتدأ خبر محذوف، أي وَعْدُ الرحمن وصدق المرسلين حقّ، وهو من كلامهم.

وقيل: جواب للملائكة، أو المؤمنين، عن سؤالهم معدول عن سننه، تذكيرا لكفرهم، وتقريعا لهم، وتنبيها بأنّ الذي يهمّهم هو السؤال عن البعث دون الباعث، كأنّهم قالوا: بعثكم الرحمن الذي وعدكم البعث، وأرسل إليكم الرُّسل، فصدّقوكم، وليس الأمر كما تظنّونه؛ فإنّه ليس يبعث النائم، فيهمّكم السؤال عن الباعث، وإنّما هو البعث الأكبر ذو الأهوال(6).

متن الحديث السادس والأربعين والثلاثمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ (7). بْنِ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الرَّيَّانِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي فَضْلِ مَعْرِفَةِ اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ مَا مَدُّوا أَعْيُنَهُمْ إِلى مَا مَتَّعَ (8)اللّهُ بِهِ الْأَعْدَاءَ مِنْ زَهْرَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَنَعِيمِهَا ، وَكَانَتْ دُنْيَاهُمْ أَقَلَّ عِنْدَهُمْ مِمَّا يَطَؤُونَهُ

ص: 347


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 341
2- الصحاح، ج 1، ص 273 (بعث)
3- الصحاح، ج 1، ص 246 (هبب)
4- الصحاح، ج 2، ص 476 (رقد) مع التلخيص
5- تفسير البيضاوي، ج 4، ص 436
6- نقله البيضاوي في تفسيره، ج4، ص 437 بعنوان «قيل»
7- في كلتا الطبعتين و بعض نسخ الكافي: «سالم».وفي بعضها: «سلم» والسند معلّق على سابقه
8- في بعض نسخ الكافي والوافي: - «اللّه »

بِأَرْجُلِهِمْ ، وَلَنُعِّمُوا بِمَعْرِفَةِ اللّهِ _ جَلَّ وَعَزَّ _ وَتَلَذَّذُوا بِهَا تَلَذُّذَ مَنْ لَمْ يَزَلْ فِي رَوْضَاتِ الْجِنَانِ مَعَ أَوْلِيَاءِ اللّهِ .

إِنَّ مَعْرِفَةَ اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ آنِسٌ مِنْ كُلِّ وَحْشَةٍ ، وَصَاحِبٌ مِنْ كُلِّ وَحْدَةٍ ، وَنُورٌ مِنْ كُلِّ ظُلْمَةٍ ، وَقُوَّةٌ مِنْ كُلِّ ضَعْفٍ ، وَشِفَاءٌ مِنْ كُلِّ سُقْمٍ» .

ثُمَّ قَالَ : «وَقَدْ كَانَ قَبْلَكُمْ قَوْمٌ يُقْتَلُونَ وَيُحْرَقُونَ وَيُنْشَرُونَ بِالْمَنَاشِيرِ ، وَتَضِيقُ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِرُحْبِهَا ، فَمَا يَرُدُّهُمْ عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنْ غَيْرِ تِرَةٍ وَتَرُوا مَنْ فَعَلَ ذلِكَ بِهِمْ وَلَا أَذًى، بَلْ مَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ، فَاسْأَلُوا رَبَّكُمْ دَرَجَاتِهِمْ ، وَاصْبِرُوا عَلى نَوَائِبِ دَهْرِكُمْ تُدْرِكُوا سَعْيَهُمْ» .

شرح الحديث

السند كسابقه.

قوله: (محمّد بن مسلم بن أبي سلمة).

هكذا في كثير من النسخ، والظاهر: «محمّد بن سالم» كما مرّ في بعضها، وقد مرَّ مرارا، فيكون إشارة إلى الإسناد السابق، فتأمّل.

وقوله: (لو يعلم الناس) إلى قوله: (ممّا يطؤونه بأرجلهم).

قال في القاموس: «الزهرة _ ويحرّك _ : النبات، ونوره.من الدُّنيا: بهجتها، ونضارتها، وحسنها»(1).

وقال: «النعيم والنعمى _ بالضمّ _ : الخفض، والدِعة، والمال، كالنقمة بالكسر»(2).

وضمير «دنياهم» راجع إلى الأعداء، وضمير «عندهم» وتالييه إلى الناس، والمراد ب«ما يطؤونه» بأرجلهم التراب وما يشبهه في الحقارة.

وقال بعض الأفاضل: دلّ هذا على أنّ الواغلين في زهرات الدُّنيا كلّهم أعداء اللّه تعالى لربط قلوبهم بها فهم عنه تعالى، وعن الآخرة غافلون، والمراد بمعرفته تعالى معرفته الكاملة بقرينة أنّ أصل المعرفة حاصلة للناس إلّا مَن شذّ، مع أنّ أكثرهم مادّون أعينهم إلى الزهرات،

ص: 348


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 43 (زهر) مع التلخيص
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 181 (نعم)

وإنّما يتحقّق تلك المعرفة بمعرفته تعالى _ كما ينبغي _ ومعرفة رسوله وما جاء به، ومعرفة أوصيائه، والتسليم لهم في الأوامر والنواهي(1).

(ولنعّموا بمعرفة اللّه عزّ وجلّ).

في بعض النسخ: «لتنعّموا».

قال الفيروزآبادي: التنعّم: الترفّه.ونعم اللّه بك _ كسمع _ ونعمك وأنعم اللّه بك عينا: أقرَّ بك عين مَن تحبّه، أو أقرَّ عينك بمَن تحبّه.ونعم العود _ كفرح _ : اخضرّ، ونضر(2).

(وتلذّذوا بها تلذّذ) أي كتلذّذ.

(من لم يزل في روضات الجنان).

الإضافة بيانيّة، أو لاميّة.

(مع أولياء اللّه ).

اللّذة: نقيض الألم.وتلذّذ به والتذّ، أي وجده لذيذا.

وقيل: الوجه في المشبّه به أشهر، وإن كان في المشبّه أقوى وأوفر؛ لأنّ التلذّذ الروحاني أقوى وأكمل من التلذّذ الجسماني، والنسبة بينهما كالنسبة بين الروح والبدن(3).

(إنّ معرفة اللّه آنس من كلّ وحشة).

الاُنس _ بالضمّ، وبالتحريك _ مصدر أنس به _ مثلّثة النون _ وهو ضدّ الوحشة، ثمّ استعمل بمعنى الأنيس أو المؤنس.

والوحشة: الهمّ، والخلوة، والخوف.

(وصاحب) أي مصاحب معاشر.

(من كلّ وحدة، ونورٌ من كلّ ظلمة).

في القاموس: «النور _ بالضمّ _ : الضوء أيّا كان أو شعاعه، وقد نار نورا وأنار واستنار وتنوّر»(4).

ص: 349


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 342
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 181 مع التلخيص
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 342
4- القاموس المحيط، ج 2، ص 149 (نور) مع التلخيص

(وقوّة من كلّ ضعف).

في القاموس: «الضعف _ ويضمّ، ويحرّك _ : ضدّ القوّة»(1)(وشفاء من كلّ سقم) بالكسر: الدواء.ويُقال: شفاه اللّه من مرضه شفاءً _ بالكسر والمدّ _ أي أبرأه منه.والسقم _ بالضمّ وبالتحريك _ : المرض.

وقيل: كلمة «من» في المواضع المذكورة مرادفة (2)«عند»، كما في قوله تعالى: «لَنْ تُغْنِىَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنْ اللّه ِ شَيْئا» ، (3)وفيه ترغيب في تحصيل المعرفة بذكر بعض فوائدها:

الاُولى: أنّها أنيس عند كلّ وحشة، لا يستوحش العارف بشيء من الوحشة وأسبابها.

الثانية: أنّها صاحب عند كلّ وحدة؛ إذ العارف مع اللّه ومع الرسول والأوصياء والعلماء وما كان معه من المعارف فلا تؤثّر فيه الوحدة واعتزال الناس، بل هو مستوحش منهم.

الثالثة: أنّها نورٌ يهتدى به عند كلّ ظلمة نفسانيّة، وهي الحجب المانعة من الوصول إلى الحقّ وسلوك سبيله، كالجهالات، والمهويّات النفسانيّة والشيطانيّة، والشبهات المؤدّية إلى الكفر والضلالة.

الرابعة: أنّها قوّة عند كلّ ضعف؛ إذ العارف لا يدخل الضعف في قلبه لقوّته في المعارف، ولا في بدنه لقوّته في الأعمال، ولا في نطقه لقوّته في الأقوال.

الخامسة: أنّها شفاء عند كلّ سقم نفساني وبدني؛ إذ لا يتطرّق إليه الأمراض القلبيّة والبدنيّة مثل العقائد الفاسدة والأخلاق الذميمة والأعمال القبيحة(4).

(ثمّ قال عليه السلام ) للترغيب في الصبر على الصلاح والسَّداد والمصائب الشاقّة على النفس: (قد كان قبلكم قومٌ) من الأنبياء والأوصياء والعلماء.

(يُقتلون) على البناء للمفعول.وكذا قوله: (ويحرقون) من الإحراق، أو التحريق.

(ويُنشرون بالمناشير) جمع منشار، وهو ما يقطع به الخشب.ويقال: نشر الخشب _ كنصر _ أي قطعه بالمنشار.

ص: 350


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 765 (ضعف)
2- . في المصدر: «مرافقة»
3- آل عمران (3): 10
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 342 مع التلخيص

(وتضيق عليهم الأرض برحبها).

الباء للمصاحبة، كما قيل في قوله تعالى: «اهْبِطْ بِسَلَامٍ» (1). أي معه(2).

والرُّحب _ بالضمّ _ : السّعة.وضيق الأرض كناية عن غاية الشدّة ونهاية المشقّة.

(فما يردّهم عمّا هم عليه) من دينهم الحقّ.

(شيء ممّا هم فيه) من الشدائد والعقوبات.

(من غير ترة وتروا).

الجارّ متعلّق ب«يقتلون» وما عطف عليه، والموصول مع صلته في قوله عليه السلام : (من فعل ذلك بهم) مفعول «وتروا»، أي من غير مكروه أو نقص حقّ أوقعوا، ومن غير خيانة جنوا على من فعل ذلك العقوبات المذكورة بهم.

قال في النهاية: «الترة: النقص.وقيل: التبعة، والهاء فيه عوض عن الواو المحذوفة، مثل وعدته عدة»(3).

وقال في القاموس: «الوتر: الذحل، أو الظلم فيه كالتره، وقد وتره يتره وترا وترة.والرجل: أفزعه، وأدركه بمكروه.ووتره ماله: نقصه إيّاه»(4).

وقال: «الذحل: الثأر، أو طلب مكافأة جنيت عليك، أو عداوة أتيت اليك، أو هو العداوة والحقد»(5).

(و لا أذى) من قبيل التعميم بعد التخصيص.

(بل «مَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللّه ِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ» (6).

إشارة إلى قوله تعالى في قصّة أصحاب الإخدود: «مَا نَقَمُوا مِنْهُمْ» .قال البيضاوي:

أي ما أنكروا إلّا أن يؤمنوا باللّه العزيز الحميد، استثناء على طريقة قوله:

ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم***بهنَّ فلول من قراع الكتائب

ووصفه بكونه عزيزا غالبا يخشى عقابه حميدا مُنعما يُرجى ثوابه، انتهى(7).

ص: 351


1- هود (11): 48
2- اُنظر: مغني اللبيب، ج 1، ص 103؛ عمدة القارى، ج 1، ص 163؛ البحر الرائق، ج 1، ص 27
3- الصحاح، ج 1، ص 189 (تره)
4- القاموس المحيط، ج 2، ص 152 (وتر) مع التلخيص
5- القاموس المحيط، ج 3، ص 379 (ذحل)
6- البروج (85): 8
7- تفسير البيضاوي، ج 5، ص 474

وقال صاحب الكشّاف: «معناه: ما عابوا منهم، وما أنكروا إلّا الإيمان»(1).

وقال الفيروزآبادي: «نقم منه _ كضرب وعلم _ نَقْما وانتقم، أي عاقبه.والأمر: كرهه»(2).

وقال بعض الأفاضل: «يحتمل أن يكون «ما نقموا» من الانتقام، أي لم يكن انتقامهم لجناية ومكروه، بل لأنّهم آمنوا باللّه »(3).

(فاسألوا) بتخفيف الهمزة.

(ربّكم درجاتهم) بالدّعاء، والأعمال الموجبة لها، أو الصبر على النوائب، كما أشار إليه بقوله عليه السلام : (واصبروا على نوائب دهركم).

قال الجوهري: «النائبة: المصيبة.واحدة نوائب الدهر»(4).

(تدركوا سعيهم).

السعي: الكسب، والعمل، والطلب، والقصد.ولعلّ المراد: تنالوا سعيا واجتهادا مثل سعيهم، أو ثمرة سعيهم، وما يترتّب عليه من المثوبات.

متن الحديث السابع والأربعين والثلاثمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جَنَاحٍ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «مَا خَلَقَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ خَلْقا أَصْغَرَ مِنَ الْبَعُوضِ ، وَالْجِرْجِسُ أَصْغَرُ مِنَ الْبَعُوضِ ، وَالَّذِي نُسَمِّيهِ نَحْنُ الْوَلَعَ أَصْغَرُ مِنَ الْجِرْجِسِ ، وَمَا فِي الْفِيلِ شَيْءٌ إِلَا وَفِيهِ مِثْلُهُ ، وَفُضِّلَ عَلَى الْفِيلِ بِالْجَنَاحَيْنِ» .

شرح الحديث

السند مرسل.

قوله: (ما خلق اللّه خلقا أصغر من البعوض).

وفي القاموس: «البعوضة: البقّة.الجمع: بعوض»(5).

ص: 352


1- الكشّاف، ج 4، ص 238
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 183 (نقم) مع التلخيص
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 218 مع التلخيص
4- الصحاح، ج 1، ص 229 (نوب)
5- القاموس المحيط، ج 2، ص 325 (بعض)

(والجرجس) بكسر الجيمين وسكون الرّاء، وهو البعوض الصغار (أصغر من البعوض).

(والذي نسمّيه نحن الولع أصغر من الجرجس).

لا يخفى ما في ظاهر الكلام من التدافع، بل خلاف الواقع، فقيل في توجيهه: لعلّ مراده عليه السلام بقوله: «والجرجس أصغر من البعوض» أي من سائر أنواعه، ليستقيم قوله عليه السلام : «ما خلق اللّه خلقا أصغر من البعوض» ويوافق كلام أهل اللغة، على أنّه يحتمل أن يكون الحصر في الاُولى إضافيّا، كما أنّ الظاهر أنّه لابدّ من تخصيصه بالطيور؛ إذ قد يحس من الحيوانات ما هو أصغر من البعوض، إلّا أن يُقال: يمكن أن يكون للبعوض أنواع صغار لا يكون شيء من الحيوان أصغر منها(1).

أقول: في التوجيه الأخير نظر، فتأمّل.

والولع بالمعنى الذي يناسب المقام غير مذكور في الكتب المشهورة من اللّغة، ولعلّه أيضا صنف من البعوض، كما يشعر به قوله عليه السلام : (وما في الفيل شيء إلّا وفيه) أي في الولع (مثله).

(مثله وفضّل) على البناء للمفعول من التفضيل، وضميره للولع.

(على الفيل بالجناحين).

والغرض من هذا البيان الترغيب في التفكّر في أمثاله ليحصل بمعونته التنبّه بكمال عظمة الخالق وقدرته وعلمه وإتقانه؛ فإنّ آثار القدرة في الأشياء الصغار أظهر منها في الكبائر، كما هو المعروف بين أهل الصنايع منّا.

متن الحديث الثامن والأربعين والثلاثمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ وَالْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ جَمِيعا ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ ، عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُسْكَانَ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ الْوَلِيدِ الْخَثْعَمِيِّ ، عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ الشَّامِيِّ ، قَالَ :

سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ» (2)

ص: 353


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 219
2- . الأنفال (8): 24

قَالَ : «نَزَلَتْ فِي وَلَايَةِ عَلِيٍّ عليه السلام » .

قَالَ : وَسَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِى ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلّا فِى كِتابٍ مُبِينٍ» (1)؟

قَالَ : فَقَالَ : «الْوَرَقَةُ السِّقْطُ ، وَالْحَبَّةُ الْوَلَدُ ، وَظُلُمَاتُ الْأَرْضِ الْأَرْحَامُ ، وَالرَّطْبُ مَا يَحْيى مِنَ النَّاسِ ، وَالْيَابِسُ مَا يُقْبَضُ ، وَكُلُّ ذلِكَ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ» .

قَالَ : وَسَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «قُلْ سِيرُوا فِى الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ» (2)؟

فَقَالَ : «عَنى بِذلِكَ أَيِ انْظُرُوا فِي الْقُرْآنِ ، فَاعْلَمُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا أَخْبَرَكُمْ عَنْهُ» .

قَالَ: فَقُلْتُ: فَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : «وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ» (3)؟

قَالَ: «تَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ فِي الْقُرْآنِ ، إِذَا قَرَأْتُمُ الْقُرْآنَ تَقْرَأُ مَا قَصَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ مِنْ خَبَرِهِمْ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن قول اللّه تعالى) في سورة الأنفال: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للّه ِِ وَلِلرَّسُولِ» بالطاعة.يُقال: استجابه واستجاب له، بمعنى أجابه.

«إِذَا دَعَاكُمْ» .

قال البيضاوي:

وحّد الضمير فيه؛ لأنّ المراد من الآية الأمر باستجابة الرسول، وذكر استجابة اللّه للتوطية والتنبيه على أنّ استجابة اللّه هي استجابة الرسول، ولأنّ دعوة اللّه تسمع من الرسول.

«لِمَا يُحْيِيكُمْ» (4). من العلوم الدينيّة؛ فإنّها حياة القلب، والجهل موته، أو ممّا يورثكم الحياة الأبديّة والنعيم الدائم من العقائد والأعمال، أو من الجهاد؛ فإنّه سبب بقائكم؛

ص: 354


1- . الأنعام (6): 59
2- الروم (30): 42.و في الطبعة القديمة: «من قبلكم»
3- . الصافّات (37): 137 و 138
4- الأنفال (8): 24

إذ لو تركوه لغلبهم العدوّ وقتلهم، أو الشهادة لقوله تعالى: «بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ» (1). (2).

انتهى، وفسّرها عليه السلام بالولاية.

(قال نزلت) أي هذه الآية.

(في ولاية عليّ عليه السلام ) أي في إمامته ورئاسته العامّة في اُمور الدِّين والدُّنيا؛ إذ هي أصل وموجب للحياة الأبديّة للقلب والعقل بالعلم والإيمان والمعرفة والهداية.ولا يخفى أنّ نزولها في الولاية لا ينافي شمولها لغيرها تبعا ممّا يوجب الحياة، كما في سائر الآيات.

(قال: وسألته عن قول اللّه عزّ وجلّ) في سورة الأنعام: «وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَا يَعْلَمُهَا» .

قال البيضاوي: هذا مبالغة في إحاطة علمه بالجزئيّات.

«وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ» معطوفات على ورقة.

وقوله: «إِلَا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ» (3). بدل من الاستثناء الأوّل بدل الكلّ، على أنّ الكتاب المبين علم اللّه ، أو بدل الاشتمال إن اُريد به اللّوح، وقرئت بالرفع للعطف على محلّ «ورقة»، أو رفعا على الابتداء، والخبر «إلّا في كتاب مبين» انتهى(4).

وقال الشيخ الطبرسي:

وقال الزجّاج: معنى «إلّا يعلمها» أنّه يعلمها ساقطة وثابتة، فأنت تقول: ما يجيئك أحد إلّا وأنا أعرفه، فليس تأويله إلّا وأنا أعرفه في حال مجيئه فقط.وقيل: يعلم ما سقط من ورق الأشجار وما بقى، ويعلم كيف انقلبت ظهر البطن عند سقوطها.«وَلَا حَبَّةٍ فِى ظُ_لُمَ_تِ الْأَرْضِ» معناه: وما تسقط من حبّة في باطن الأرض إلّا يعلمها، وكنّى بالظلمة عن باطن الأرض؛ لأنّه لا يدرك كما لا يدرك ما حصل في الظلمة.

وقال ابن عبّاس: يعني تحت الصخرة وأسفل الأرضين السبع، أو تحت حجر أو شيء.

«وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ» قد جمع الأشياء كلّها في قوله: «وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ» ؛ لأنّ

ص: 355


1- .آل عمران (3): 169
2- تفسير البيضاوي، ج 3، ص 99 مع التلخيص
3- الأنعام (6): 59
4- تفسير البيضاوي، ج 2، ص 416

الأجسام كلّها لا تخلو من أحد هذين، وهو بمنزلة قولك: ولا مجتمع ولا متفرّق؛ لأنّ الأجسام كلّها لا تخلو من أن تكون مجتمعة أو متفرّقة.وقيل: أراد ما ينبت وما لا ينبت.عن ابن عبّاس.

وعنه أيضا: إنّ الرطب الماء واليابس النار.

وقيل: الرطب الحيّ، واليابس الميّت.

وروي عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «الورقة السقط، والحبّة الولد، وظلمات الأرض الأرحام، والرطب ما يحيى، واليابس ما يغيض».«إِلَا فِى كِتَ_بٍ مُّبِينٍ» معناه: إلّا وهو مكتوبٌ في كتابٍ مبين، أي في اللّوح المحفوظ(1).

(قال: فقال: الورقة السقط) الورق من الشجر.والكتاب معروف، واحدته بهاء، وما استدار من الدم على الأرض، أو ما سقط من الجراحة.[و] من القوم: أحداثهم، أو الضعاف من الفتيان، وبهاء الخسيس.كذا في القاموس(2)وفسّرها عليه السلام بالسقط، وهو مثلّثة الجنين يسقط من بطن اُمّه قبل تمامه، ولعلّه على الاستعارة والتشبيه في السقوط وأمثاله، فتأمّل.

(والحبّة الولد).

الحبّة: واحدة الحبّ.الجمع: حبّات، فسّرها عليه السلام بالولد، ولعلّه أيضا على التشبيه في النموّ والنبات.

(وظلمات الأرض الأرحام).

في القاموس: «الرحِم _ بالكسر، وككتف _ : بيت منبت الولد ووعاؤه.الجمع: أرحام»(3).

ولعلّ إضافة الظلمات بالأرض لأدنى ملابسة، أي الظلمات المجاورة للأرض، ولذا فسّرها عليه السلام بالأرحام.

وقيل: شبّه الأرحام بالظلمات في الظلمة، أو بالأرض في كونه محلّاً للنبات.قال: والأوّل أنسب لظاهر العبارة(4).

(والرطب ما يحيى) من الحياة، أو يصير حيّا من الناس بيان للموصول.

ص: 356


1- مجمع البيان، ج 4، ص 72 مع اختلاف في اللفظ
2- القاموس المحيط، ج 3، ص 288 مع التلخيص
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 118 مع التلخيص
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 344 مع اختلاف في اللفظ

وفي بعض النسخ: «ما يجيء»، ولعلّ المراد ما يجيء ويأتي على الدُّنيا، ويصير في زمرة الأحياء، فمآل النسختين واحد.

(واليابس ما يقبض) على البناء للمفعول، أي يتوفّى ويموت بقرينة المقابلة.

والحاصل: أنّه تعالى يعلم الحيّ من الناس والميّت منهم.وفي تفاسير العيّاشي وعليّ بن إبراهيم والطبرسي: «ما يغيض» بالغين المعجمة وبعدها الياء المثنّاة التحتانيّة(1).قال الفيروزآبادي: «غاض الماء يغيض غيضا: قلَّ، ونقص.«وَ مَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ» أي ما تنقص عن تسعة أشهر.والغيض: السقط الذي لم يتمّ خلقه»(2).

قال بعض الأفاضل: يحتمل حينئذٍ أن يكون المراد بالسقط ما يسقط قبل حلول الروح، أو قبل خلق أجزاء البدن أيضا، والمراد بالحبّة ما يكون في علم اللّه أنّه تحلّ فيه الروح، وهو ينقسم إلى قسمين؛ فإمّا أن ينزل في أوانه، ويعيش خارج الرحم، وهو الرطب.وإمّا أن ينزل قبل كماله، فيفوت إمّا في الرحم، أو في خارجها، وهو اليابس(3).

وأيّده بما رواه العيّاشي عن الحسين بن خالد، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن قول اللّه : «وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَا يَعْلَمُهَا» الآية؟ فقال: «الورق: السقط يسقط من بطن اُمّه من قبل أن يهلّ الولد» قال: فقلت: وقوله: «وَلَا حَبَّةٍ» ؟ قال: «يعني الولد في بطن اُمّه إذا أهلّ وسقط من قبل الولادة» قال: قلت: قوله: «وَلَا رَطْبٍ» ؟ قال: «يعني المضغة إذا استكنت في الرحم قبل أن يتمّ خلقها وقبل أن ينتقل» قال: قلت: قوله: «وَلَا يَابِسٍ» ؟ قال: «الولد التامّ» وقال: قلت: «فِي كِتَابٍ مُبِينٍ» ؟ قال: «في إمامٍ مبين»(4).

(وكلّ ذلك في إمامٍ مبين) أي معرّف للأشياء ومبيّن لها، أو بيّن ومتّضح بنفسه.ويحتمل كونه من الإبانة، بمعنى الفصل والتفريق، أي مفرّق بين الحقّ والباطل.

قال الفيروزآبادي: بيّنته وتبيّنته وأبنته واستبنته: أوضحته، وعرّفته، فبانَ وبيّن وتبيّن وأبان واستبان،

ص: 357


1- راجع: تفسير العيّاشي، ج 1، ص 361، ح 28؛ تفسير القمّي، ج 1، ص 202 (وفيه: تغيض)؛ مجمع البيان، ج 4، ص 72
2- القاموس المحيط، ج 2، ص 339 (غيض) مع التلخيص
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 221
4- تفسير العيّاشي، ج 1، ص 361، ح 29

كلّها لازمة متعدّية.وضربه فأبان رأسه، فهو مبين ومبين، كمحسن، انتهى(1).

أقول: الظاهر أنّ هذه الفقرة بجملتها تفسير لقوله تعالى: «فِي كِتَابٍ مُبِينٍ» وأنّ المراد بإمامٍ مبين أمير المؤمنين عليه السلام وأولاده المعصومين عليهم السلام ؛ لأنّ فيهم علوم الأوّلين والآخرين، وعلم اللّوح والقرآن الكريم، يدلّ على ذلك ما رواه الخاصّة والعامّة في تفسير قوله تعالى: «وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ» : (2). أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أشار إلى أمير المؤمنين عليه السلام بعد نزولها وقال: «هذا هو الإمام المبين»(3).

(قال: وسألته عن قول اللّه عزّ وجلّ: «سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ (قبلكم)» ).

كذا في نسخ الكتاب، ولعلّه اشتباه من الراوي، أو تغيير من النسّاخ، ويحتمل بعيد أن يكون هكذا في مصحفهم عليهم السلام ؛ فإنّ هذا المضمون ورد في مواضع كثيرة من القرآن، لكن ليس في شيء منها لفظ «من قبلكم»؛ ففي سورة الروم: «قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ» (4). ، وفي موضع آخر منها: «أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ» (5).، وقريب منهما في سورة الأنعام ويوسف والنحل والنمل والعنكبوت والروم وفاطر والمؤمن في الموضعين، ثمّ المشهور بين المفسّرين في تفسير مضمون تلك الآيات أنّ اللّه تعالى أمر أهل مكّة بالمسافرة في الأرض على وجه التدبّر والاعتبار، والتفكّر في آثار ديار المكذّبين من الاُمم السابقة والقرون الماضية؛ فإنّ رسومها كانت باقية، وأخبار أهاليها شايعة، وما نزل عليهم من الخسف والهلاك بأنواع العقوبات ذايعة، فإذا ساروا في الأرض وسمعوا أخبارهم وعاينوا آثارهم ساقهم ذلك إلى التصديق والإيمان، وزجرهم عن التكذيب والطغيان.

(فقال: عنى بذلك) أي أراد بالسير والنظر.

(أي انظروا في القرآن).

كذا في النسخ، والظاهر إسقاط لفظ «أي»، أو تبديلها ب«أن».

ص: 358


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 204 (بين) مع التلخيص
2- يس (36): 12
3- اُنظر: الأمالي للصدوق، ص 170، المجلس 32، ح 5؛ معاني الأخبار، ص 95، ح 1؛ مناقب آل أبي طالب عليه السلام ، ج 3، ص 64 و 65
4- .الروم (30): 42
5- .الروم (30): 9

(فاعلموا كيف كان عاقبة الذين من قبلكم وما أخبركم عنه).

المستتر في «أخبركم» راجع إلى القرآن، وحاصل تفسيره عليه السلام : أنّ هذا خطاب للعلماء، وأمرٌ لهم بالسير المعنوي في الأرض، والتفكّر في أخبار القرآن، ليحصل لهم العبور الروحاني بأحوال أهلها وكيفيّة عاقبتهم وسوء خاتمتهم بالتكذيب والمخالفة لأنبياء اللّه وأوليائه؛ فإنّ القرآن متضمّن لجميع ذلك جملةً وتفصيلاً.وقريب منه ما رواه الطبرسي عن ابن عبّاس، قال: «من قرأ القرآن وعلمه، سار في الأرض لأنّ فيه أخبار الاُمم»(1).

(قال: فقلت: فقوله تعالى) في سورة الصافّات: «وَإِنَّكُمْ» .

قال البيضاوي: الخطاب لأهل مكّة.

«لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ» أي على منازلهم في متاجركم إلى الشام؛ فإنّ سدوم في طريقه.

«مُصْبِحِينَ» : داخلين في الصباح.

«وَبِاللَّيْلِ» ؛ أي مساءً أو نهارا وليلاً، ولعلّها وقعت قريب منزل يمرّ بهما المرتجل عنه صباحا، والقاصد لهما مساءً.

«أَفَلَا تَعْقِلُونَ» (2). أليس فيكم عقلٌ تعتبرون به، انتهى(3).

وفسّره عليه السلام بالمرور العقلي على أحوالهم والعبور الفكري لسوء عاقبتهم عند تلاوة القرآن بالليل والنهار.

(قال تمرّون عليهم) أي على أخبارهم وقصصهم في القرآن.

(إذا قرأتم القرآن) قراءة فهم وتدبّر (تقرأ ما قصّ اللّه عليكم من خبرهم).

القراءة: التلاوة.

قال الفيروزآبادي: «قصّ أثره قصّا وقصصا: تتبّعه.والخبر: أعلمه.و «نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ» : (4).نبيِّن لك أحسن البيان.والقاصّ: من يأتي بالقصّة»(5).

أقول: الظاهر أنّ «قرأ» على البناء للفاعل، وفاعله القرآن، وإسناد القراءة إليه مجاز.

ص: 359


1- مجمع البيان، ج 8، ص 66
2- .الصافّات (37): 137 _ 138
3- تفسير البيضاوي، ج 5، ص 26 مع اختلاف يسير في اللفظ
4- يوسف (12): 3
5- القاموس المحيط، ج 2، ص 313 (قصص) مع التلخيص

وقال بعض الأفاضل:

«فقرئ» على البناء للمفعول، أي إذا قرأت القرآن فكأنّ اللّه قرأ عليك ما قصّ في كتابه من خبرهم، فقوله: «عليكم» متعلّق ب«قرئ» و«قصّ» على التنازع(1).

أقول: أنت خبير بأنّ هذا الاحتمال لا يساعده رسم الخطّ.

ثمّ قال الفاضل المذكور:

ويحتمل على بُعد أن يكون المراد قراءة الإمام، وإن كان بعض مشايخنا يقرأ «قرأ» على المعلوم، أي قَرَأ القارئ منكم وممّن عاصرنا كان صحّف فقرأ: «فاقرأ» على صيغة الأمر، وهو مع عدم استقامته لا يساعده رسم الخطّ أيضا، والصواب ما ذكرناه أوّلاً(2).

انتهى كلامه، وقد عرفت ما فيه.

متن الحديث التاسع والأربعين والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ (3)، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَبَلِ لَمْ يُسَمِّهِ ، قَالَ :

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «عَلَيْكَ بِالتِّلَادِ ، وَإِيَّاكَ وَكُلَّ مُحْدَثٍ لَا عَهْدَ لَهُ وَلَا أَمَانَةَ وَلَا ذِمَّةَ وَلَا مِيثَاقَ ، وَكُنْ عَلى حَذَرٍ مِنْ أَوْثَقِ النَّاسِ فِي نَفْسِكَ ؛ فَإِنَّ النَّاسَ أَعْدَاءُ النِّعَمِ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (عنه) أي عن يحيى الحلبي.

(عن ابن مسكان، عن رجل من أهل الجبل لم يسمّه).

الضمير المستتر لابن مسكان، والبارز للرجل.

قال في القاموس: «بلاد الجبل: مُدُن بين أذربايجان وعراقي العرب وخوزستان وفارس وبلاد الديلم»(4).

ص: 360


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 223
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 223 مع اختلاف في اللفظ
3- . الضمير راجع إلى يحيى الحلبيّ المذكور في السند السابق
4- القاموس المحيط، ج 3، ص 344 (جبل)

وقوله: (بالتلاد) بكسر التاء.

قال الجوهري: «التالد: المال القديم الأصلي الذي ولد عندك، وهو نقيض الطارف، وكذلك التِلاد والإتلاد.وأصل التاء فيه واو، وتقول منه: تلد المال يتّلد ويتلد تلودا» (1).

(وإيّاك وكلّ محدث لا عهد له ولا أمانة ولا ذمّة ولا ميثاق).

الحدوث: كون الشيء لم يكن، وأحدثه اللّه فهو مُحدَث.

والعهد: الوصيّة، والموثّق، واليمين، والحفاظ، ورعاية الحرمة، والأمان، والالتقاء، والمعرفة، والوفاء، والضمان.

والأمانة: ضدّ الخيانة.

والذمّة _ بالكسر _ : العهد، والكفالة.

والميثاق: العهد، وأصل الياء فيه واو.

ولعلّ المراد: عليك بمصاحبة الصاحب القديم المجرّب الذي جرّبته مرّةً بعد اُخرى، وبينك وبينه ذِممٌ وعهود ومواثيق، وتحقّق لك وثبت عندك أمانته، واحذر عن مصاحبة كلّ صاحب جديد لا عهد له معك، ولم تعرف له أمانة، ولم يحصل بينك وبينه ذمّة ولا ميثاق.

وقيل: يحتمل أن يكون أخذ التالد كناية عن متابعة أئمّة الهُدى عليهم السلام ؛ فإنّ حقّهم وحرمتهم وأمانتهم ووجوب متابعتهم وعلمهم وكمالهم كلّها تالد قديم، ورثوا عن آبائهم الكرام إلى آدم عليهم السلام ، والمحدث عبارة عن أئمّة الجور الذين لم يعهد خلافتهم عن الرسول صلى الله عليه و آله ، وإنّما حدثت بعده صلى الله عليه و آله باتّفاق أهل الحيل، فلا عهد لهم من الرسول صلى الله عليه و آله على الناس فيهم، وليس لهم أمانة يصلحون لأن يؤتمنوا على أديان المسلمين وأحكامهم، ولا ذمّة، أي حرمة، أي لا يفون بذمام وأمان، ولا ميثاق أخذ اللّه لهم على الخلق، كما أخذ لأئمّة الحقّ، أو لا يفون بميثاق.

أو المراد بالتالد ما وافق من الأديان والشرائع وأحكام الكتاب والسنّة، وبالمحدث كلّ ما ابتدع من ذلك، وتطبيق باقي الفقرات عليه ظاهر، بما مرّ من التقريب، انتهى(2).

وقال بعض الشارحين: هذه النصيحة يندرج فيها اُمور، منها: التمسّك بالأحكام الشرعيّة، والخلافة النبويّة،

ص: 361


1- . الصحاح، ج 2، ص 450 (تلد)
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 224 مع اختلاف يسير في اللفظ

والولاية الإماميّة الثابتة بالنصّ والوحي في عهد النبيّ صلى الله عليه و آله ، وترك ما سواها ممّا حدث بعده صلى الله عليه و آله بالآراء البشريّة(1).

وقال:

الفرق بين العهد وما عطف عليه دقيق.ولعلّ المراد بالعهد تذكّر الحقوق ورعايتها والأمر بها، وبالأمانة ردّ حقّ الغير إليه، وبالذمّة حفظ ما يجب حفظه، وبالميثاق الوفاء بالعهود والأيمان وغيرها.ثمّ أمر عليه السلام بالحذر والتحرّز من أشدّ الناس وثوقا ائتمانا فضلاً عن غيره، وأمر بكتمان الأسرار والعقائد والضمائر وغيرها ممّا يكون في إظهاره وإفشائه مفسدة دنيّة أو دنيويّة(2).

وقال: (وكُن على حذرٍ من أوثق الناس في نفسك) أي في قلبك وخاطرك، أو عندك.

وقال البيضاوي في تفسير قوله تعالى: «تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِى وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ» (3). : «تعلم ما أخفيه في نفسي، ولا أعلم ما تخفيه من معلوماتك»(4).

وقال الفيروزآبادي: «النفس: العند.«تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِى وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ» أي ما عندي وما عندك»(5).

ثمّ علّل الأمر بالحذر بقوله: (فإنّ الناس أعداء النِّعم) جمع النِعمة، بالكسر؛ أي يريدون زوالها حسدا، ويجتهدون فيه، ويتعاونون عليه، أو يفعلون ما يوجب زوالها، وإن كان بجهالتهم، ولذلك ينبغي أن يكون الإنسان محترزا من أصدقائه؛ إذ لعلّه يكون فيه هذه السجيّة الذميمة، فيخدعه، ويدلّه على ما يوجب زوال نعمته، وربّما يغويه بجهالته عن طريق الرّشد والصواب، ويفسد أمره ويرى أنّه مصلح.

متن الحديث الخمسين والثلاثمائة

اشارة

يَحْيَى الْحَلَبِيُّ (6)، عَنْ أَبِي الْمُسْتَهِلِّ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ ، قَالَ :

ص: 362


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 345
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 345 مع التصرّف واختلاف في اللفظ
3- المائدة (5): 116
4- تفسير البيضاوي، ج 2، ص 483 مع التلخيص
5- القاموس المحيط، ج 2، ص 255 (نفس) مع التلخيص
6- . السند معلّق، ويروي عن يحيى الحلبي محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن خالد و الحسين بن سعيد جميعا عن النضر بن سويد

سَأَلَنِي أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، فَقَالَ : «مَا دَعَاكُمْ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي وَضَعْتُمْ فِيهِ زَيْدا؟».

قَالَ : قُلْتُ : خِصَالٌ ثَلَاثٌ ، أَمَّا إِحْدَاهُنَّ فَقِلَّةُ مَنْ تَخَلَّفَ مَعَنَا ، إِنَّمَا كُنَّا ثَمَانِيَةَ نَفَرٍ ، وَأَمَّا الْأُخْرى فَالَّذِي تَخَوَّفْنَا مِنَ الصُّبْحِ أَنْ يَفْضَحَنَا ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَإِنَّهُ كَانَ مَضْجَعَهُ الَّذِي كَانَ (1)سَبَقَ إِلَيْهِ .

فَقَالَ : «كَمْ إِلَى الْفُرَاتِ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي وَضَعْتُمُوهُ فِيهِ؟».

قُلْتُ : قَذْفَةُ حَجَرٍ .

فَقَالَ : «سُبْحَانَ اللّهِ ، أَفَلَا كُنْتُمْ أَوْقَرْتُمُوهُ حَدِيدا وَقَذَفْتُمُوهُ فِي الْفُرَاتِ وَكَانَ أَفْضَلَ؟».

فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، لَا وَ اللّهِ مَا طُقْنَا لِهذَا .

فَقَالَ : «أَيَّ شَيْءٍ كُنْتُمْ يَوْمَ خَرَجْتُمْ مَعَ زَيْدٍ؟» قُلْتُ (2): مُؤْمِنِينَ .

قَالَ : «فَمَا كَانَ عَدُوُّكُمْ؟» قُلْتُ : كُفَّارا ، قَالَ : «فَإِنِّي أَجِدُ فِي كِتَابِ اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا «فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمّا فِداءً حَتّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها» (3)فَابْتَدَأْتُمْ أَنْتُمْ بِتَخْلِيَةِ مَنْ أَسَرْتُمْ ، سُبْحَانَ اللّهِ، مَا اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَسِيرُوا بِالْعَدْلِ سَاعَةً» .

شرح الحديث:

قوله: (يحيى الحلبي) بالإسناد السابق.

(عن أبي المستهلّ).

الظاهر أنّه الكميت، وهو ممدوح، فالسند حسن، بعيد أن يُراد به حمّاد بن أبي العطّار، أو سلمة، وهما مجهولان، فالسند مجهول.

(عن سليمان بن خالد).

قال العلّامة رحمه الله في الخلاصة: سليمان بن خالد بن دهقان بن نافلة، مولى عفيف أبو الربيع الأقطع، خرج مع زيد، فقطعت إصبعه، ولم يخرج من أصحاب أبي جعفر عليه السلام غيره ثقة صاحب قرآن.

وقال البرقي: سليمان بن خالد البجلي الأقطع، كوفي، كان خرج مع زيد بن علي، فأفلت.

ص: 363


1- . في بعض نسخ الكافي و شرح المازندراني والوافي: - «كان»
2- . في بعض نسخ الكافي: «فقلت»
3- . محمّد (47): 4

وفي كتاب سعد: أنّه خرج مع زيد فأفلت، فمنَّ اللّه عليه وتاب ورجع بعد [ذلك]، وكان فقيها وجيها، روى عن الصادق عليه السلام والباقر عليه السلام : وكان الذي قطع يده يوسف بن عمر بنفسه.وقال النجاشي: «فقطعت يده بدل إصبعه، وقال: إنّه ثقة، مات في حياة أبي عبداللّه عليه السلام ، فتوجّع لفقده، ودعى لولده، وأوصى بهم أصحابه(1).

(قال: سألني أبو عبداللّه عليه السلام فقال: ما دعاكم إلى الموضع الذي وضعتم فيه زيدا)أي دفنتم فيه جثّة زيد بن عليّ بن الحسين عليهم السلام .وهذا الاستفهام منه عليه السلام من باب التعيير والتوبيخ لهم على ذلك؛ لأنّه آل إلى أن أخرجوه وأحرقوه.

روى بعض الأفاضل عن السُّدّي عن أشياخه: أنّ زيد بن عليّ ومحمّد بن عُمَر بن عليّ بن أبي طالب وداود بن عليّ بن عبداللّه بن العبّاس دخلوا على خالد بن عبداللّه القسري _ وهو وال على العراق _ فأكرمهم، وأجازهم، ورجعوا إلى المدينة، فلمّا ولّى يوسف بن عُمَر (2)العراق، وعُزِل خالد، كتب إلى هشام بن عبد الملك يخبره بقدومهم على خالد، وأنّه أحسن جوائزهم، وابتاع من زيد أرضا بعشرة آلاف دينار، ثمّ ردَّ الأرض إليه، فكتب هشام إلى واليه بالمدينة أن يسرّحهم إليه ففعل، فلمّا دخلوا عليه سألهم عن القصّة، فقالوا: أمّا الجوائز فنعم، وأمّا الأرض فلا، فأحلفهم فحلفوا له، فصدّقهم وردّهم مكرمين، وقال وهب بن منبّة: جرت بين زيد بن علي وبين عبداللّه بن الحسن بن الحسن خشونة تسابّا فيها، وذكرا اُمّهات الأولاد، فقدم زيد على هشام بهذا السبب، فقال له هشام: بلغني أنّك تذكر الخلافة ولست هناك؟ فقال: ولِمَ؟ فقال: لأنّك ابن أَمَة، فقال: قد كان إسماعيل عليه السلام ابن أَمَة، فضربه هشام ثمانين سوطا.وذكر ابن سعد عن الواقدي: إنّ زيد بن عليّ قدم على هشام، ورفع إليه دينارا كثيرا وحوائج، ولم يقض منها شيئا، فأسمعه هشام كلاما غليظا، فخرج من عند هشام وقال: ما أحبَّ أحدٌ الحياة إلّا ذلّ.ثمّ مضى إلى الكوفة، وبها يوسف بن عمر عامل هشام.قال الواقدي: وكان دَينه خمسمائة آلاف درهم، فلمّا قُتل قال هشام: ليتنا قضيناها فكان أهون ممّا صار إليه.قال الواقدي: وبلغ هشام بن عبد الملك مقام زيد بالكوفة، فكتب إلى يوسف بن عمر: أن أشخص زيد إلى المدينة، فإنّي أخاف أن يخرجه أهل الكوفة؛ لأنّه حُلْو الكلام

ص: 364


1- خلاصة الأقوال، ص 153، الرقم 2.وانظر: رجال النجاشي، ص 183، الرقم 484
2- . في المصدر: «عمرو»

لَسِنٌ مع ما فيه من قرابة رسول اللّه صلى الله عليه و آله .فبعث يوسف بن عمر إلى زيد يأمره بالخروج إلى المدينة، وهو يتعلّل عليه، والشيعة تتردّد إليه، فأقام زيد بالكوفة خمسة أشهر ويوسف بن عمر مُقيم بالحيرة، فبعث إليه يقول: لابدّ من إشخاصك، فخرج يريد المدينة وتبعه الشيعة يقولون: أين تذهب ومعك منّا مائة ألف يضربون دونك بسيوفهم، ولم يزالوا به حتّى رجع إلى الكوفة، فبايعه جماعة منهم سلمة بن كهيل ومنصور بن خزيمة في آخرين، فقال له داود بن علي: يابن عمّ، لا يغرنّك هؤلاء من نفسك، ففي أهل بيتك لك أتمّ العبرة، وفي خذلانهم إيّاهم كفاية، ولم يزَل به حتّى شخص إلى القادسيّة، فتبعه جماعة يقولون له: ارجع فأنت المهديّ، وداود يقول: لا تفعل، فهؤلاء قتلوا أخاك وإخوتك وفعلوا ما فعلوا، فبايعه خمسة عشر ألفا على [نصر] كتاب اللّه وسنّة رسوله وجهاد الظالمين ونصر المظلومين وإعطاء المحرومين ونصرة أهل البيت على عدوّهم، فأقام مختفيا على هذا سبعة عشر شهرا، والناس ينتابونه من الأمصار والقرى، ثمّ أذِنَ للناس بالخروج، فتقاعد عنه ممّن بايعه وقالوا: إنّ الإمام جعفر بن محمّد بن علي، فواعد مَن وافقه على الخروج في أوّل ليلة من صفر سنة اثنتين وعشرين ومائة، فخرج فوافى إليه مائتا رجل وعشرون رجلاً، فقال: سبحان اللّه أين القوم؟ فقالوا: في المسجد محصورون.وجاء يوسف بن عُمر في جُموع أهل الشام، فاقتتلوا، فهزمهم زيد ومن معه، فجاءه سهمٌ في جبهته، فوقع، فأدخلوه بيتا، ونزعوا السهم من وجهه، فمات، وجاؤوا به إلى نهر، فأسكروا الماء، وحفروا له ودفنوه، وأجروا عليه الماء، وتفرّق الناس، وتوارى ولده يحيى بن زيد، فلمّا سكن الطلب خرج في نفر من الزيديّة إلى خراسان، وجاء واحد ممّن حضر دفن زيد إلى يوسف بن عمر، فدلّه على قبره، فنبشه وقطع رأسه، وبعث به إلى هشام، فنصبه على باب دمشق، ثمّ أعاده إلى المدينة ونصبه بها، ونصب يوسف بن عُمَر بدنه بالكوفة حتّى مات هشام بن عبد الملك، وقام الوليد فأمر به فاُحرق.

وقيل: إنّ هشاما أحرقه، فلمّا ظهر بنو العبّاس على بني اُميّة نبش عبد الصمد بن علي.وقيل: عبداللّه بن علي هشام بن عبد الملك، فوجده صحيحا، فضربه ثمانين سوطا، وأحرقه بالنار، كما فعل بزيد، وكان سنّه يوم قُتِلَ اثنين وأربعين سنة.

وقيل: إنّ مقتله كان سنة اثنتين وعشرين ومائة.وقال الواقدي: سنة ثلاث وعشرين ومائة

ص: 365

يوم الاثنين لليلتين خلتا من صفر.وقيل: سنة عشرين.وقيل: سنة إحدي وعشرين(1).

(قال: قلت: خصال ثلاث، أمّا إحداهنّ فقلّة من تخلّف) أي تأخّر وبقى.

(معنا) أي من أتباع زيد؛ لأنّ بعضهم قُتل وبعضهم هرب.

(إنّما كنّا) مع جنازته (ثمانية نفر).

(وأمّا الاُخرى) أي الخصلة الأُخرى من الثلاث.

(فالذي تخوّفنا) أي الذي خفناه عليه وعلى أنفسنا.

وقوله: (من الصبح) أي من طلوعه، بيان للموصول.قال الجوهري: «تخوّفت عليه الشيء أي خفت»(2).

وقوله: (أن يفضحنا) أي بأن يفضحنا، وكشف سرّنا، معلّق بالتخوّف.يُقال: فضحه فافتضح: إذا انكشفت مساويه.والاسم: الفضيحة.

(وأمّا الثالثة فإنّه) أي المدفن الذي دفنّاه فيه.

(كان مضجعه الذي كان سبق إليه).

في بعض النسخ: «سيقَ إليه» بالياء المثنّاة التحتانيّة، ولعلّ المراد أنّ هذا المضجع والمدفن هو المنزل الذي نزل فيه أوّلاً، أو مقتله الذي كان قُتل فيه، أو أنّه كان مضجعه ومدفنه في العلم الأزلي، وسبق ذلك في علم اللّه ، أي هكذا قدّر وقضى.

(فقال: كم إلى الفرات) من المسافة.

والفرات _ كغراب _ : نهرٌ بالكوفة.

(من الموضع الذي وضعتموه فيه) أي دفنتم زيدا في ذلك الموضع.

(قلت: قذفة حجر) إلى قوله: (كان أفضل).

القذف بالحجر: الرمي به.والمرّة: قذفة.

والوِقر _ بالكسر _ : الحِمل الثقيل، أو الأعمّ.ومنه أوقر الدابّة إيقارا، أي ثقل حملها.

(فقلت: جُعلت فداك، لا واللّه ما طقنا) أي ما قدرنا.

ص: 366


1- الناقل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 225 _ 227
2- الصحاح، ج 4، ص 1359 (خوف)

(لهذا) إشارة إلى ما ذكر من الإيقار بالحجر، والقذف في الفرات.قال الفيروزآبادي في الأجوف الواوي: «الإطاقة: القدرة على الشيء.وقد طاقه طوقا وأطاقه عليه، والاسم: الطاقة»(1).

وبهذا ظهر فساد ما قيل من أنّ الظاهر: «ما أطقنا» بالهمزة، ثمّ أراد عليه السلام أن ينبّه بتخطئة من خرج مع زيد، وأنّهم خالفوا حكم كتاب اللّه بتخلية الاُسراء في أثناء الحرب، أو بأنّهم لم يكونوا مستأهلين للخروج؛ لجهلهم، كما يستفاد من أخبار اُخر(2).

(فقال: أيّ شيء كنتم) أي على أيّة حالة وأيّة صفة كنتم.

(يوم خرجتم مع زيد)؛ لمحاربة بني اُميّة.

(قلت: مؤمنين) أي كنّا يومئذٍ مؤمنين.

(قال: فما كان عدوّكم) أي فما كان حالهم وصفتهم.

(قلت: كفّارا) أي كانوا كفرة.

(قال: فإنّي أجد في كتاب اللّه عزّ وجلّ).

الفاء فصيحة.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذا لَقِيْتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا).

كذا في النسخ، وفي سورة القتال صدر الآية: «فَإِذا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا» (3)، فلعلّ تقديرها هنا ب«يا أيّها الذين آمنوا» لبيان أنّ هذا الخطاب مع المؤمنين، ويحتمل أن يكون في مصحفهم عليهم السلام كذلك.وقيل: لعلّه من النسّاخ(4).

هذا والمشهور بين المفسّرين أنّ المراد بلقاء الكفّار لقاؤهم في القتال(5).

وقيل: في دار الحرب(6).

«فَضَرْبَ الرِّقَابِ» .

قيل: أي فاضربوا أعناقهم(7).

ص: 367


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 261 (طوق)
2- اُنظر: مرآة العقول، ج 26، ص 228
3- . محمّد (47): 4
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 228
5- اُنظر: الكشّاف، ج 3، ص 530؛ تفسير البيضاوي، ج 5، ص 189
6- ذهب إليه النيسابوري في تفسير غرائب القرآن، ج 6، ص 129
7- ذهب إليه الشيخ الطوسي رحمه الله في التبيان، ج 9، ص 291

وقيل: هذا تعليم القتل، وكناية عنه، والتعبير به عن القتل إشعارٌ بأنّه ينبغي أن يكون بضرب الرقبة حيث أمكن، وتصوير له بأشنع صورة(1).

وقيل: كناية عن القتل بالسلاح وضرب الرِّقاب، مصدر مضاف إلى المفعول، وأصله: فاضربوا الرِّقاب ضربا، فحذف الفعل، واُقيم المصدر مقامه، واُضيف إلى المفعول اختصارا(2).

«حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ» أي ظفرتم بهم، وأكثرتم القتل فيهم وأغلظتموه.

قال الفيروزآبادي:

ثخن _ ككرم _ ثخونة وثخانة وثَخَنا، وكعنب، غلظ، وصلب، فهو ثخين.وأثخن في العدوّ: بالغ الجراحة فيهم.وفلانا: أوهنه.و «حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ» أي غلبتموهم، وكثر فيهم الجراح(3).

«فَشُدُّوا الْوَثَاقَ» أي فأسروهم، واحفظوهم، وشدّوهم بالحبال والسّيور المُحكمة الوثيقة.

والوثاق _ بالفتح والكسر _ : ما يوثق به.

«فَإِمَّا مَنّا بَعْدُ» أي بعد شدّ الوثاق.

«وَإِمَّا فِدَاءً» أي: وإمّا أن تمنّوا عليهم منّا بعفو من غير عوض، وإمّا أن تفادوهم أو تفدوهم فداءً بمال.وقيل: منّا بالعتق أو فداء بالبيع(4).والفداء هاهنا مصدر فادى، فهو ممدود مكسور، وإن كان مِن فديته جاز فيه المدّ مفتوحا ومكسورا ومضموما، وجاز القصر مفتوحا لا غير، وقد قرئ فَدا كعصا.

«حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا» .

في القاموس: «الوِزر _ بالكسر _ : الإثم، والثقل، والسلاح، والحمل الثقيل.الجمع: «أوزار»(5).

وقال البيضاوي:

آلاتها وأثقالها التي لا تقوم إلّا بهما، كالسلاح والكراع، أي ينقضي الحرب ولم يبق إلّا مسلم أو مسالم.وقيل: آثامها.والمعنى: حتّى تضع أهل الحرب شركهم ومعاصيهم، وهو غاية للضرب، أو الشداد، أو المنّ والفداء، أو للمجموع، بمعنى أنّ

ص: 368


1- ذهب إليه الزمخشري في الكشّاف، ج 3، ص 530؛ والبيضاوي في تفسيره، ج 5، ص 189
2- ذهب إليه الشيخ الطبرسي رحمه الله في مجمع البيان، ج 9، ص 160
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 206 (ثخن)
4- ذهب إليه الطبرسي رحمه الله في جامع البيان، ج 26، ص 26
5- القاموس المحيط، ج 2، ص 154 (وزر)

هذه الأحكام جارية فيها حتّى لا يكون حرب مع المشركين بزوال شوكتهم.وقيل: فيها عيسى، انتهى(1).

وقال بعض المفسّرين: «الحرب هنا جمع حارب، فلا يحتاج حينئذٍ إلى إضمار الأهل»(2).

وقال:

في النسخ أقوال؛ قال بعضهم: الآية منسوخة وهي في أهل الأوثان لا تجري؛ لأنّه لا يجوز أن يفادوا، ولا أن يمنّ عليهم، والناسخ لها: اقتلوا المشركين.وقال بعضهم: هي ناسخة، ولا يجوز أن يقتلوا الأسير، ولكن يمنّ عليه أو يُفادى.وقال بعضهم: لا يجوز الأسر إلّا بعد الإثخان أو القتل، فإذا أسر العدوّ بعد ذلك فللإمام أن يحكم فيه بما يرى من قتل أو منّ أو مفاداة(3).

وقال الشهيد رحمه الله في الدروس:

أمّا الأسارى فالإناث والأطفال يملكون بالسبي مطلقا، والذكور البالغون يُقتلون حتما إن اُخذوا، ولمّا تضع الحرب أوزارها إلّا أن يسلموا، وإن اُخذوا بعد الحرب تخيّر الإمام فيهم بين المنّ والفداء والاسترقاق.ومنع في المبسوط (4).من استرقاق مَن لا يقرّ على دينه، كما لو ثنى، بل يمنّ عليه أو يُفادى، وتبعه الفاضل (5)(6).

(فابتدأتم أنتم بتخلية من أسرتم) أي كان حكم اللّه أن تقتلوا مَنْ أسرتم في أثناء الحرب، وأنتم خلّيتموهم بعد الأسر، والحرب قائمة، ولم تقتلوهم، ولذلك ظفروا عليكم، وصرتم مغلوبين.ثمّ قال عليه السلام على سبيل التعجّب: (سبحان اللّه ، ما استطعتم أن تسيروا بالعدل ساعة).

المراد بالعدل الحقّ الذي لا إفراط فيه ولا تفريط أصلاً.

متن الحديث الواحد والخمسين والثلاثمائة

اشارة

يَحْيَى الْحَلَبِيُّ (7)، عَنْ هَارُونَ بْنِ خَارِجَةَ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ أَعْفى نَبِيَّكُمْ أَنْ يَلْقى مِنْ أُمَّتِهِ مَا لَقِيَتِ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ

ص: 369


1- تفسير البيضاوي، ج 5، ص 189
2- ذهب إليه الثعلبي في تفسيره، ج 9، ص 30
3- اُنظر: التبيان، ج 9، ص 291؛ معالم التنزيل، ج 4، ص 209
4- . المبسوط، ج 2، ص 20
5- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 422 و 423
6- الدروس الشرعيّة، ج 2، ص 36، الدرس 130
7- . السند معلّق كسابقه

أُمَمِهَا ، وَجَعَلَ ذلِكَ عَلَيْنَا» .

شرح الحديث

السند صحيح على المشهور.

قوله: (إنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ أعفى نبيّكم) أي أعطاه العافية والبراءة.

قال الفيروزآبادي: «أعفاه من الأمر، أي برّأه»(1).

وقال الجوهري: «يُقال: أعفني من الخروج معك، أي دعني [منه]»(2).

(أن يلقى من اُمّته ما لقيت الأنبياء من اُممها)

من الإيذاء، والإهانة، والقتل، والإجلاء، وأمثالها؛ فإنّ بعضها وإن وقع من اُمّته بالنسبة إليه عليه السلام لكن لم يقع جميعها، وما وقع منها لم يكن في الشدّة والكثرة مثل ما وقع على سائر الأنبياء.

(وجعل ذلك) المذكور (علينا).

لعلّ الغرض منه إظهار شكر نعمته تعالى؛ فإنّ العافية والبلاء كليهما نعمة لأولياء اللّه وأحبّائه.

متن الحديث الثاني والخمسين والثلاثمائة

اشارة

يَحْيى ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُسْكَانَ ، عَنْ ضُرَيْسٍ ، قَالَ :

تَمَارَى النَّاسُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : حَرْبُ عَلِيٍّ شَرٌّ مِنْ حَرْبِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : حَرْبُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله شَرٌّ مِنْ حَرْبِ عَلِيٍّ عليه السلام .

قَالَ : فَسَمِعَهُمْ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَقَالَ : «مَا تَقُولُونَ؟».

فَقَالُوا : أَصْلَحَكَ اللّهُ ، تَمَارَيْنَا فِي حَرْبِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَفِي حَرْبِ عَلِيٍّ عليه السلام ، فَقَالَ بَعْضُنَا : حَرْبُ عَلِيٍّ عليه السلام شَرٌّ مِنْ حَرْبِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَقَالَ بَعْضُنَا : حَرْبُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله شَرٌّ مِنْ حَرْبِ عَلِيٍّ عليه السلام .

فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «لَا، بَلْ حَرْبُ عَلِيٍّ عليه السلام شَرٌّ مِنْ حَرْبِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ».

ص: 370


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 364 (عفو)
2- الصحاح، ج 6، ص 2432 (عفا)

فَقُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، أَحَرْبُ عَلِيٍّ عليه السلام شَرٌّ مِنْ حَرْبِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟

قَالَ : «نَعَمْ ، وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ ذلِكَ ؛ إِنَّ حَرْبَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَمْ يُقِرُّوا بِالْاءِسْلَامِ ، وَإِنَّ حَرْبَ عَلِيٍّ عليه السلام أَقَرُّوا بِالْاءِسْلَامِ ، ثُمَّ جَحَدُوهُ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (يحيى) الحلبي، هو الحلبي المذكور.

وقوله: (تمارى الناس عند أبي جعفر عليه السلام ).

التماري: الشكّ، والخصومة.

(فقال بعضهم: حرب عليّ شرٌّ من حرب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ).

في القاموس: «الحرب: معروف، وقد تذكّر.الجمع: الحروب.ورجلٌ حرب، أي عدوٌّ محارب، وإن لم يكن محاربا، للذّكر والاُنثى، والجمع والواحد»(1).

أقول: الظاهر هنا إرادة المعنى الثاني بقرينة قوله عليه السلام : (إنّ حرب رسول اللّه صلى الله عليه و آله لم يقرّوا بالإسلام)، ويظهر من هذا الخبر أنّ مخالفة الحقّ مع العلم ومعاندته أشدّ قبحا من مخالفته ومحاربة أهله جهلاً وضلالاً.

متن الحديث الثالث والخمسين والثلاثمائة

اشارة

يَحْيَى بْنُ عِمْرَانَ ، عَنْ هَارُونَ بْنِ خَارِجَةَ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ» (2).قُلْتُ : وُلْدُهُ كَيْفَ أُوتِيَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ؟

قَالَ : «أَحْيَا لَهُ مِنْ وُلْدِهِ الَّذِينَ كَانُوا مَاتُوا قَبْلَ ذلِكَ بِآجَالِهِمْ مِثْلَ الَّذِينَ هَلَكُوا يَوْمَئِذٍ» .

شرح الحديث

السند صحيح على المشهور.

ص: 371


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 53 (حرب) مع التلخيص
2- . الأنبياء (21): 84

قوله: (يحيى بن عمران).

هو الحلبي المتقدّم ذكره في الأسانيد.

وقوله: (عن أبي عبداللّه عليه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ) في سورة الأنبياء: «وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ» (1).

قال البيضاوي: كان أيّوب روميّا من ولد عيص بن إسحاق، استنبأه اللّه تعالى وكثّر أهله وماله، وابتلاه بهلاك أولاده بهدم بيت عليهم وذهاب أمواله والمرض في بدنه ثماني عشرة سنة، أو ثلاث عشرة، أو سبعا وسبعة أشهر وسبع ساعات.وروي أنّ امرأته ماخير بنت ميشا ابن يوسف أو رحمة بنت افراثيم بن يوسف، قالت له يوما: لو دعوتَ اللّه ، فقال: كم كانت مدّة الرخاء؟ فقالت: ثمانين سنة.فقال: أستحي من اللّه أن أدعوه، وما بلغت مدّة بلائي مدّة رخائي، «فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ» بالشفاء من مرضه(2).

«وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ» (3)بأن ولد له ضعف ما كان، أو إحياء ولده، وولد له منهم نوافل.

وقال الشيخ الطبرسي رحمه الله: قال ابن عبّاس وابن مسعود: ردَّ اللّه سبحانه عليه أهله الذين هلكوا بأعيانهم، وأعطاه مثلهم معهم، وكذلك ردَّ اللّه عليه أمواله ومواشيه بأعيانها، وأعطاه مثلها معها.وبه قال الحسن وقتادة، وهو المروي عن أبي عبداللّه عليه السلام .وقيل: [إنّه] خيّر أيّوب فاختار إحياء أهله في الآخرة ومثلهم في الدُّنيا، واُوتي على ما اختار، عن عكرمة ومجاهد.قال وهب: وكان له سبع بنات وثلاثة بنين، وقال ابن يسار: سبعة بنين وسبع بنات(4).

وروى عليّ بن إبراهيم بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبداللّه عليه السلام في حديثٍ طويل _ إلى أن قال: _ «فردّ اللّه عليه أهله الذين ماتوا بعدما أصابهم البلاء (5).كلّهم أحياهم اللّه له فعاشوا

ص: 372


1- الأنبياء (21): 83
2- تفسير البيضاوي، ج 4، ص 104 مع اختلاف يسير في اللفظ
3- .الأنبياء (21): 84
4- مجمع البيان، ج 7، ص 106
5- في المصدر: «قبل البلاء، وردّ عليه أهله الذين ماتوا بعد ما أصابه البلاء» بدل «ما أصابهم البلاء»

معه.وسئل أيّوب بعدما عافاه اللّه : أيّ شيء كان أشدُّ عليك ممّا مرّ عليك؟ قال: شماتة الأعداء، قال: فأمطر اللّه عليه في داره فراش الذهب، وكان يجمعه، فإذا ذهب الرّيح منه بشيء عدا خلفه [فردّه] فقال له جبرئيل: أما تشبع يا أيّوب؟ قال: ومن يشبع [من] رزق ربّه»(1).(قال: أحيا له) إلى قوله: (هلكوا يومئذٍ) أي يوم نزول البليّة بهم.

وحاصل المعنى على تفسيره عليه السلام : أنّ اللّه أحيا له ولده الذين ماتوا قبل نزول البليّة بالتفريق بآجالهم وولده الذين هلكوا دفعة بعده.

متن الحديث الرابع والخمسين والثلاثمائة

اشارة

يَحْيَى الْحَلَبِيُّ ، عَنِ الْمُثَنّى ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ (2)عَزَّ وَجَلَّ : «كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِما» (3)قَالَ : «أَ مَا تَرَى الْبَيْتَ إِذَا كَانَ اللَّيْلُ كَانَ أَشَدَّ سَوَادا مِنْ خَارِجٍ ، فَكَذلِكَ (4)هُمْ يَزْدَادُونَ سَوَادا» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (عن أبي عبداللّه عليه السلام في قوله عزّ وجلّ) في سورة يونس: «وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا» .

قال البيضاوي: «الَّذِينَ» مبتدأ، والخبر «جَزَاءُ سَيِّئَةٍ» على تقدير «وجزاء الذين كسبوا السيّئات جزاء سيّئة بمثلها»، أي [أن] يجازي سيّئة بسيّئة مثلها لا يزاد عليها.أو «كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ» أو «أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ» ، وما بينهما اعتراض، «جَزَآءُ سَيِّئَةِ» مبتدأ خبره محذوف، أي فجزاء سيّئة بمثلها واقع، أو بمثلها، على زيادة الباء، أو تقدير مقدّر بِمِثْلِهَا.«وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنْ اللّه ِ مِنْ عَاصِمٍ» : ما من أحد يعصمهم من سخط اللّه ، أو من جهة اللّه ومن عنده كما يكون للمؤمنين كذلك.

«كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعا مِنْ اللَّيْلِ مُظْلِما» ؛ لفرط سوادها وظلمتها،

ص: 373


1- تفسير القمّي، ج 2، ص 242
2- . في الطبعة القديمة وبعض نسخ الكافي: «قول اللّه »
3- . يونس (10): 27
4- . في الطبعة القديمة: «فذلك»

و «مُظْلِما» حال من الليل، والعامل فيه «أُغْشِيَتْ» ؛ لأنّه العامل في «قِطَعا» ، وموصوف بالجار والمجرور، والعامل في الموصوف عامل في الصفة، أو معنى الفعل في «مِنْ اللَّيْلِ» .وقرأ ابن كثير والكسائي ويعقوب: «قِطْعا» بالسكون، فعلى هذا يصحّ أن يكون «مُظْلِما» صفة أو حالاً منه، انتهى(1).

وقال الفيروزآبادي: «القِطع _ بالكسر _ : ظلمة آخر الليل، أو القطعة منه كالقطع كعنب، أو من أوّله إلى ثلثه.والقطعة _ بالكسر _ : الطائفة من الشيء»(2).

(قال: أما ترى البيت).

«كان» الاُولى تامّة، والثانية ناقصة.وكان غرضه عليه السلام بيان فائدة إيراد هذا الحال _ أعني مظلما _ بأنّ الليل وإن كان مستلزما للظلمة، لكن يكون بعض المواضع فيه أشدّ ظلمة من بعض، كداخل البيت بالنسبة على خارجه _ مثلاً _ خشية سواد وجوههم بما اُلبست عليه قطع من الليل الموصوفة بزيادة الظلمة.

وقيل: تمثيله عليه السلام بالبيت لإيضاح المقصود والتنبيه على أنّ في وجوههم أفراد من السواد بعضا فوق بعض، وفيه تنفير عن السيّئة الموجبة لهذه البليّة الشديدة التي تتنفّر عنها الطبائع(3).

بقي شيء، وهو أنّ آخر الآية _ وهو قوله تعالى: «أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» _ يدلّ على خلود أهل المعاصي في النار، كما ذهب إليه الوعيديّة، (4). واُجيب بتخصيص السيّئات بإنكار الحقّ وجحوده، ومخالفة أهله في العقائد والأعمال(5).

وأجاب بعضهم: بأنّ الآية في الكفّار لاشتمال السيّئات على الشرك والكفر، ولأنّ الذين أحسنوا في قوله تعالى قبل هذه الآية: «لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى» (6). يتناول أصحاب الكبيرة من أهل القبلة، فلا يتناول بهم قسميه(7).

وأنت إذا أعطيت النظر حقّه ظهر لك الفرق بين الجوابين، وما فيهما من التكلّف والتحكّم، ويمكن حمل الخلود على طول المكث واللّبث، أو المراد بأهل السيّئة المقرّين

ص: 374


1- تفسير البيضاوي، ج 3، ص 194 مع التلخيص واختلاف يسير في اللفظ
2- القاموس المحيط، ج 3، ص 70 (قطع) مع التلخيص
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 347
4- اُنظر: الملل والنحل للشهرستاني، ج 1، ص 114؛ كشف المراد، ص 562
5- هو ظاهر شرح المازندراني، ج 12، ص 347
6- يونس (10): 26
7- قاله البيضاوي في تفسيره، ج 3، ص 195

عليها، والاستبعاد في خلودهم في النار، كما يستفاد من ظاهر كثير من الآيات والأخبار.

متن الحديث الخامس والخمسين والثلاثمائة

اشارة

الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْمُعَلَّى (1)بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْوَشَّاءِ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، قَالَ :

سَمِعْتُ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ أَعْيَنَ يَسْأَلُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، فَلَمْ يَزَلْ يُسَائِلُهُ حَتّى قَالَ : فَهَلَكَ النَّاسُ إِذا ، قَالَ : «إِي وَاللّهِ يَا ابْنَ أَعْيَنَ ، فَهَلَكَ النَّاسُ أَجْمَعِينَ (2)».

قُلْتُ : مَنْ فِي الْمَشْرِقِ ، وَمَنْ فِي الْمَغْرِبِ؟

قَالَ : «إِنَّهَا فُتِحَتْ بِضَلَالٍ ، إِي وَاللّهِ ، لَهَلَكُوا إِلَا ثَلَاثَةً» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (قال: سمعت عبد الملك بن أعين يسأل أبا عبداللّه عليه السلام ).

الظاهر من السِّياق أنّه جرى الكلام فيما وقع بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه و آله من افتتان الخلق وارتدادهم وكفرهم وصيّته وإعراضهم من وصيّته.

(فلم يزل يسائله) فيما ذكر.

(حتّى قال) عبد الملك على سبيل الاستبعاد والاستعظام: (فهلك الناس إذا) أي فعلى ما تقول يلزم كفر النار، وارتدادهم جميعا، وهلاكتهم بعد الرسول صلى الله عليه و آله .فأجابه عليه السلام مؤكّدا بالقسم، وقال: (إي واللّه يا بن أعين، فهلك الناس أجمعين).

في بعض النسخ: «أجمعون» وهو الظاهر، ولعلّه على نسخة الأصل منصوب على الحال وبتقدير «أعني».

ثمّ كرّر السائل الاستبعاد في التعميم، وقال: (مَن في المشرق، ومَن في المغرب).

أي هلك من فيهما جميعا، أو من فيهما هالك أيضا؟ فأجاب عليه السلام بما يرفع استبعاده ويزيل شكّه، وقال: (إنّهما فتحت بضلال).

ص: 375


1- . في بعض نسخ الكافي: «معلّى»
2- . في كلتا الطبعتين وبعض نسخ الكافي: «أجمعون»

يعني: أنّ البلاد الشرقيّة والغربيّة التي فتحت في عهد أئمّة الضلال، إنّما فتحت بجهاد أهل الضلال، فقهروا أهلها بما كانوا فيه من مخترعاتهم وبدعهم، فلا استبعاد في ضلالة المقهورين وهلاكتهم، بل الأمر بالعكس.

وقيل: يحتمل بعيدا أن يكون المراد أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله فتحها حين كون أهلها في الضلالة، فلا استبعاد في رجوعهم إليها بعده؛ لعدم استقرار الإيمان في قلوبهم(1).

ثمّ أكّد عليه السلام ذلك الحكم، واستثنى من الهالكين ثلاثة نفر، وهم سلمان وأبو ذرّ والمقداد _ كما مرّ _ وقال: (إي واللّه ، اهلكوا إلّا ثلاثة).

قال بعض الأفاضل:

إنّما لم يستثنهم عليه السلام أوّلاً؛ لكون المراد بالناس هناك المخالفين، ولما عمّهم ثانيا في السؤال ب«مَن في المشرق والمغرب» فكان يشمل هؤلاء أيضا، فاستثناهم(2).

وقال بعض الشارحين:

لا حاجة إلى استثناء أهل البيت عليهم السلام ، كما زعم؛ لأنّ هلاك الناس [بهم و] بترك محبّتهم، فهم غير داخلين في الموضوع.ولا إلى استثناء من رجع عن الباطل ثانيا؛ لأنّ المقصود إثبات الهلاك في الجملة، وغير الثلاثة ارتدّوا بعده، وإن رجع قليلٌ منهم [فتاب]، كما مرّ(3).

متن الحديث السادس والخمسين والثلاثمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَزِيدَ (4)، عَنْ مِهْرَانَ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ وَعِدَّةٍ قَالُوا :

كُنَّا عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام جُلُوسا ، فَقَالَ عليه السلام : «لَا يَسْتَحِقُّ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الْاءِيمَانِ حَتّى يَكُونَ الْمَوْتُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الْحَيَاةِ ، وَيَكُونَ الْمَرَضُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الصِّحَّةِ ، وَيَكُونَ الْفَقْرُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الْغِنى، فَأَنْتُمْ كَذَا؟».

ص: 376


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 348
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 234 مع اختلاف يسير في اللفظ
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 348
4- . في بعض نسخ الكافي: «زيد»

فَقَالُوا : لَا وَاللّهِ، جَعَلَنَا اللّهُ فِدَاكَ .وَسُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ ، وَوَقَعَ الْيَأْسُ فِي قُلُوبِهِمْ .

فَلَمَّا رَأى مَا دَاخَلَهُمْ (1)مِنْ ذلِكَ ، قَالَ : «أَ يَسُرُّ أَحَدَكُمْ أَنَّهُ عُمِّرَ مَا عُمِّرَ (2)، ثُمَّ (3).يَمُوتُ عَلى غَيْرِ هذَا الْأَمْرِ ، أَوْ يَمُوتُ عَلى مَا هُوَ عَلَيْهِ؟».

قَالُوا : بَلْ يَمُوتُ عَلى مَا هُوَ عَلَيْهِ السَّاعَةَ .

قَالَ : «فَأَرَى الْمَوْتَ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ الْحَيَاةِ» .

ثُمَّ قَالَ : «أَ يَسُرُّ أَحَدَكُمْ أَنْ بَقِيَ مَا بَقِيَ لَا يُصِيبُهُ شَيْءٌ مِنْ هذِهِ الْأَمْرَاضِ وَالْأَوْجَاعِ حَتّى يَمُوتَ عَلى غَيْرِ هذَا الْأَمْرِ؟».

قَالُوا : لَا ، يَا ابْنَ رَسُولِ اللّهِ .

قَالَ : «فَأَرَى الْمَرَضَ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ الصِّحَّةِ» .

ثُمَّ قَالَ : «أَ يَسُرُّ أَحَدَكُمْ أَنَّ لَهُ مَا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَهُوَ عَلى غَيْرِ هذَا الْأَمْرِ؟».

قَالُوا : لَا ، يَا ابْنَ رَسُولِ اللّهِ .

قَالَ : «فَأَرَى الْفَقْرَ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ الْغِنى» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (وعدّة) أي عدّة من الأصحاب، وهو معطوف على «أبان».

(قالوا) أي أبان وتلك العدّة.

(كنّا عند أبي عبداللّه عليه السلام جلوسا) أي جالسين.

(فقال: لا يستحقّ عبد حقيقة الإيمان) قيل: اُريد بحقيقة الإيمان الإيمان الكامل بأركانه وشرائطه التي من جملتها الأعمال الصالحة، أو الإيمان الثابت المستقرّ الذي ليس بمستودع، أو الثواب الجزيل المترتّب عليه، ويؤيّده لفظ الاستحقاق(4).

(وسُقط في أيديهم).

في القاموس: «سقط في يده وأسقط _ مضمومتين _ أي زلّ، وأخطأ، وندم، وتحيّر»(5).

ص: 377


1- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «ما دخلهم»
2- . في بعض نسخ الكافي: «عمّرتم»
3- . في بعض نسخ الكافي: - «ثمّ»
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 348
5- القاموس المحيط، ج 2، ص 365 (سقط)

وقال الزمخشري في تفسير قوله عليه السلام : «وَلَمَّا سُقِطَ فِى أَيْدِيهِمْ» (1). : أي لمّا اشتدّ ندمهم وحسرتهم على عبادة العجل؛ لأنّ من شأن من اشتدّ ندمه وحسرته أن يعضّ يده غمّا، فتصير يده مسقوطا فيهما؛ لأنّ فاه قد وقع فيها، «وسقط» مسند إلى «في أيديهم» وهو من باب الكناية(2).

وقال البيضاوي: قرئ: «سقط» على بناء الفاعل؛ (3)يعني: وقع العضّ فيها.وقيل: معناه سقط الندم في أنفسهم»(4)

متن الحديث السابع والخمسين والثلاثمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ حَمَّادٍ اللَّحَّامِ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام أَنَّ أَبَاهُ قَالَ : «يَا بُنَيَّ ، إِنَّكَ إِنْ خَالَفْتَنِي فِي الْعَمَلِ ، لَمْ تَنْزِلْ مَعِيَ غَدا فِي الْمَنْزِلِ» ثُمَّ قَالَ : «أَبَى اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ أَنْ يَتَوَلّى قَوْمٌ قَوْما يُخَالِفُونَهُمْ فِي أَعْمَالِهِمْ يَنْزِلُونَ مَعَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَلَا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (خالفتني في العمل لم تنزل معي غدا) أي يوم القيامة في المنزل.لعلّ المراد بالمخالفة قلّة العمل والتقصير فيه، وبالمنزل درجة الأئمّة عليهم السلام ، كما يستفاد من قوله عليه السلام : «معي»، وهذا ظاهر؛ لأنّ قليل العمل لا ينزل منزلة كثير العمل، فليس المراد نفي دخول الجنّة مطلقا إلّا أن يكون المخالفة على وجه المعاندة والإنكار.ويحتمل أن يُراد المخالفة في جميع الأعمال، أو أنّه لا ينزل معه ابتداءً قبل الخروج عن عهدة التقصير، أو إذا لم تدركه الشفاعة أو الرحمة، وكذا قوله عليه السلام : (أبى اللّه عزّ وجلّ) [إلى آخره].

متن الحديث الثامن والخمسين والثلاثمائة

اشارة

الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيُّ ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْوَشَّاءِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ ، عَنْ أَبِي

ص: 378


1- الأعراف (7): 149
2- الكشّاف، ج 2، ص 118
3- . في المصدر: «الفعل للفاعل» بدل «الفاعل»
4- تفسير البيضاوي، ج 3، ص 60

حَمْزَةَ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «مَا أَحَدٌ مِنْ هذِهِ الْأُمَّةِ يَدِينُ بِدِينِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام إِلَا نَحْنُ وَشِيعَتُنَا ، وَلَا هُدِيَ مَنْ هُدِيَ مِنْ هذِهِ الْأُمَّةِ إِلَا بِنَا ، وَلَا ضَلَّ مَنْ ضَلَّ مِنْ هذِهِ الْأُمَّةِ إِلَا بِنَا» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (ما أحد من هذه الاُمّة يدين بدين إبراهيم عليه السلام إلّا نحن وشيعتنا).

قال الجوهري: «الدِّين: الطاعة.ودانَ له، أي أطاعه؛ ومنه الدّين.والجمع: الأديان، يُقال: دان بكذا ديانة وتديّن به، فهو ديِّن ومتديِّن»(1).

ولعلّ المراد بدين إبراهيم عليه السلام اُصول دينه التي لا نسخ فيه من التوحيد، وتنزيه ذات الحقّ عمّا لا يليق بجناب قدسه، وعدم خلوّ عصر من الأعصار من نبيّ أو وصيّ ونحوهما ممّا يتغيّر في شرع وملّة.

(ولا هُدِيَ) على البناء للمفعول.

وكذا قوله عليه السلام : (مَن هُدِي من هذه الاُمّة إلّا بنا) أي بهدايتنا وبالتسليم لأمرنا.

(ولا ضلَّ مَن ضلّ من هذه الاُمّة إلّا بنا) أي بمخالفتنا، وجحود أمرنا.

متن الحديث التاسع والخمسين والثلاثمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَطِيَّةَ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَهُ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ يَجِيءُ مِنْهُ الشَّيْءُ عَلى حَدِّ الْغَضَبِ يُؤَاخِذُهُ اللّهُ بِهِ ؟

فَقَالَ : «اللّهُ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَسْتَغْلِقَ (2)عَبْدَهُ» .

وَفِي نُسْخَةٍ: «أَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ عليه السلام »؛ «يَسْتَقْلِقَ (3)عَبْدَهُ» .

ص: 379


1- الصحاح، ج 5، ص 2119 (دين) مع التلخيص
2- . في بعض نسخ الكافي وشرح المازندراني: «يستعلق»
3- في بعض نسخ الكافي: «يستغلق».وفي بعضها: «يتغلّق».وفي الوافي: «يستعلن»

شرح الحديث

السند حسن.

قوله: (يواخذه اللّه به).

الأخذ: التساؤل، والعقوبة.يُقال: أخذه بذنبه مؤاخذة.

(فقال: اللّه أكرم من أن يستغلق عبده).

بالغين المعجمة، أي يجبره فيما لم يكن له فيه اختيار، ويكلّفه به، أو يشكل عليه أمره.

وقال الفيروزآبادي: «استغلقني في بيعته: لم يجعل لى خيارا في ردّه.وعليه الكلام: ارتجّ.وكلام غلق _ ككتف _ : مشكل»(1).

وقال الجزري: «فيه (2): شفاعة النبيّ صلى الله عليه و آله لمَن أوثق نفسه، وأغلق ظهره.يُقال: غلق ظهر البعير: إذا دبّر.وأغلقه صاحبه: إذا أثقل حمله حتّى يدبر»(3).

وفي بعض النسخ: «يستقلق» بالقافين، وهو من القلق _ بالتحريك _ بمعنى الانزعاج والانقلاع، والظاهر أنّه تصحيف؛ لعدم المغايرة حينئذٍ بينه وبين ما سيجيء، فتأمّل.

وضبط بعضهم بالعين المهملة، وقال: «إنّه من العلق _ محرّكة _ وهو الخصومة، أي يخاصمه بزلّاته، ولم يجعل له بابا لنجاته، وهو التوبة»(4).

وفي نسخة: «أبي الحسن [الأوّل]»؛ «يستقلق عبده» بالقافين، والمآل واحد.

ولعلّ الحديث كان في بعض كتب الاُصول مرويّا عن أبي الحسن عليه السلام ، ولذا نسب النسخة إليه.

متن الحديث الستّين والثلاثمائة

اشارة

عَلِيٌّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إِنَّ لَكُمْ فِي حَيَاتِي خَيْرا ، وَفِي مَمَاتِي خَيْرا».

ص: 380


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 273 (غلق) مع التلخيص
2- في المصدر: «في حديث جابر»
3- النهاية، ج 3، ص 38 (غلق)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 350 مع التقديم و التأخير في العبارة

قَالَ : «فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللّهِ ، أَمَّا حَيَاتَكَ فَقَدْ عَلِمْنَا ، فَمَا لَنَا فِي وَفَاتِكَ؟ (1).

فَقَالَ : أَمَّا فِي حَيَاتِي ، فَإِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ قَالَ : «وَما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ» (2)وَأَمَّا فِي مَمَاتِي ، فَتُعْرَضُ عَلَيَّ أَعْمَالُكُمْ ، فَأَسْتَغْفِرُ لَكُمْ» .

شرح الحديث

السند حسن.

قوله: (فإنّ اللّه عزّ وجلّ قال) في سورة الأنفال: «وَمَا كَانَ اللّه ُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ» (3).

قال البيضاوي: «اللّام لتأكيد النفي، والدلالة على أنّ تعذيبهم عذاب استئصال، والنبيّ بين أظهرهم خارج عن عادته غير مستقيم في قضائه»(4).

(وأمّا في مماتي، فيعرض عليَّ أعمالكم، فأستغفر لكم).

قيل: عرض الأعمال عليه صلى الله عليه و آله متّفقٌ عليه بين الاُمّة، لكن في وقت العرض وتفصيله خلاف(5).

متن الحديث الواحد والستّين والثلاثمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ ، قَالَ :قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «إِنَّ مِمَّنْ يَنْتَحِلُ هذَا الْأَمْرَ لَيَكْذِبُ حَتّى إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَحْتَاجُ إِلى كَذِبِهِ» .

شرح الحديث

السند حسن.

قوله: (إنّ ممّن ينتحل) أي يدّعي من غير أن يتّصف في الواقع.

(هذا الأمر) أي أمر التشيّع.ويحتمل أن يُراد به ادّعاء الإمامة بغير حقّ.

(ليكذب) بتخفيف الذال.

(حتّى إنّ الشيطان ليحتاج إلى كذبه) أي هو من أعوان الشيطان، بل أشدّ ضلالاً منه.

ص: 381


1- . في بعض نسخ الكافي: «مماتك»
2- . الأنفال (8): 33
3- الأنفال (8): 33
4- تفسير البيضاوي، ج 3، ص 105
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 350

متن الحديث الثاني والستّين والثلاثمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي حَمَّادٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ عَطِيَّةَ ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ، قَالَ :

إِنَّ أَوَّلَ مَا عَرَفْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليه السلام أَنِّي رَأَيْتُ رَجُلًا دَخَلَ مِنْ بَابِ الْفِيلِ ، فَصَلّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ، فَتَبِعْتُهُ حَتّى أَتى بِئْرَ الزَّكَاةِ وَهِيَ عِنْدَ دَارِ صَالِحِ بْنِ عَلِيٍّ، وَإِذَا بِنَاقَتَيْنِ مَعْقُولَتَيْنِ وَمَعَهُمَا غُلَامٌ أَسْوَدُ ، فَقُلْتُ لَهُ : مَنْ هذَا؟ فَقَالَ (1): هذَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام ، فَدَنَوْتُ إِلَيْهِ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، وَقُلْتُ لَهُ : مَا أَقْدَمَكَ بِلَادا قُتِلَ فِيهَا أَبُوكَ وَجَدُّكَ؟

فَقَالَ : «زُرْتُ أَبِي ، وَصَلَّيْتُ فِي هذَا الْمَسْجِدِ» ثُمَّ قَالَ : «هَا (2).هُوَ ذَا وَجْهِي، صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (دخل من باب الفيل) من أبواب مسجد الكوفة.

قيل: كان هذا الباب مشتهرا بباب الثعبان؛ لدخول الثعبان الذي كلَّم أمير المؤمنين عليه السلام منه، وحكايته مشهورة بين الخاصّة والعامّة مسطورة في كتب الفريقين(3). ثمّ إنّ بني اُميّة لإخفاء معجزته عليه السلام ربطوا هناك فيلاً فاشتهر بذلك(4).

(حتّى أتى بئر الزكاة) بالزاي المعجمة.وفي بعض النسخ بالرّاء المهملة.

(وإذا بناقتين معقولتين) أي وإذا أنا بناقيتين مشدودتين، والظاهر لعليّ بن الحسين عليهماالسلام.

(ثمّ قال) يعني عليّ بن الحسين عليهماالسلام: (ها هو ذا وجهي) كلمة تنبيه.

وقوله: «هو» ضمير الشأن، والجملة بعده مفسّرة له، و«ذا» إشارة إلى طريق المدينة.

ووجه كلّ شيء: مستقبله.والوجه أيضا: الجهة.والمعنى: إنّي أتوجّه إلى المدينة، ولا أتوقّف هنا.

ص: 382


1- . في بعض نسخ الكافي: «قال»
2- . في بعض نسخ الكافي والوافي ومرآة العقول: - «ها»
3- اُنظر: الإرشاد للمفيد، ج 1، ص 349؛ عيون المعجزات، ص 7؛ مطالب السؤول، ص 409؛ الدرّ النظيم، ص 303
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 237

وأمّا قوله: (صلّى اللّه عليه) فالظاهر أنّه من كلام الراوي.

وقيل: يحتمل أن يكون من كلامه عليه السلام ، حيث أشار إلى طريق المدينة، فصلّى على النبيّ صلى الله عليه و آله (1).

متن الحديث الثالث والستّين والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ صَالِحٍ ، عَنِ الْحَجَّالِ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوما فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطانا فَلا يُسْرِفْ فِى الْقَتْلِ» (2)؟

قَالَ : «نَزَلَتْ فِي الْحُسَيْنِ عليه السلام ، لَوْ قُتِلَ أَهْلُ الْأَرْضِ بِهِ مَا كَانَ سَرَفا» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (قال: سألته عن قول اللّه عزّ وجلّ) في سورة بني إسرائيل: «وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوما» .

قال البيضاوي:

أي غير مستوجب للقتل «فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ» للّذي يلي أمره بعد وفاته وهو الوارث «سُلْطَانا» : تسلّطا بالمؤاخذة بمقتضى القتل على من عليه، أو بالقصاص على القاتل؛ فإنّ قوله: «مظلوما» يدلّ على أنّ القتل عمدا [عدوان]؛ فإنّ الخطأ لا يسمّى ظلما.

«فَلَا يُسْرِفْ» أي القاتل.

«فِي الْقَتْلِ» بأن يقتل من لا يستحقّ قتله؛ فإنّ العاقل لا يفعل ما يعود عليه بالهلاك، أو الوليّ بالمثلة، أو قتل غير القاتل.

«إِنَّهُ كَانَ مَنصُورا» علّة النهي على الاستئناف.والضمير إمّا للمقتول؛ فإنّه منصور في الدُّنيا بثبوت القصاص بقتله وفي الآخرة بالثواب، وإمّا لوليّه؛ فإنّ اللّه نصره حيث أوجب القصاص له، وأمر الولاة بمعونته، وإمّا للّذي يقتله الوليّ إسرافا

ص: 383


1- نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 351 بعنوان «قيل»
2- . الإسراء (17): 33

بإيجاب القصاص أو التعزير، والوزر على المسرف(1).

(قال: نزلت في الحسين عليه السلام ، لو قُتل) على البناء للمفعول.

(أهل الأرض به) أي بسبب قتله.

(ما كان سرفا).

في القاموس: «السَرَف _ محرّكة _ : ضدّ القصد، والإغفال، والخطأ.سرفه _ كفرح _ : أغفله، وجهله»(2).

ولعلّ في قراءتهم عليهم السلام : «لا يسرف» بالرفع، بأن تكون «لا» نافية، أي لا يسرفُ وليّ دم الحسين عليه السلام لو قتل أهل الأرض جميعا بدمه.

ولعلّ المراد بأهل الأرض العصابة التي اجتمعت على حربه وقتله، والتي سمعت بذلك فرضيت به.

وقيل: على تقدير كون «لا» في «لا يسرف» للنهي لا يبعد أن يحمل الإنشاء على الخبر، كما يحمل الخبر على الإنشاء في كثير من المواضع(3).

وقال بعض الأفاضل:

لعلّ مراده عليه السلام إثبات المعنى الأوّل _ الذي نقلناه عن البيضاوي في تفسير «فَلَا يُسْرِف فِّى الْقَتْلِ» _ ونفى المعنى الثاني، أي ليس في القصاص هاهنا إسراف، وإن قتل جميع الناس به، بل سمّى اللّه قتله إسرافا(4).

متن الحديث الرابع والستّين والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ صَالِحٍ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ بَشِيرٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ الْحُوتَ الَّذِي يَحْمِلُ الْأَرْضَ أَسَرَّ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ إِنَّمَا يَحْمِلُ الْأَرْضَ بِقُوَّتِهِ (5)، فَأَرْسَلَ اللّهُ _ عَزَّوَجَلَّ _ إِلَيْهِ حُوتا أَصْغَرَ مِنْ شِبْرٍ وَأَكْبَرَ مِنْ فِتْرٍ ، فَدَخَلَتْ (6).فِي خَيَاشِيمِهِ ،

ص: 384


1- تفسير البيضاوي، ج 3، ص 444 مع التلخيص
2- القاموس المحيط، ج 3، ص 151
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 351 مع اختلاف يسير في اللفظ
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 238
5- . في بعض نسخ الكافي: «بقرنه»
6- في بعض نسخ الكافي والوافي: «فدخل».و في بعضها: «فتدخل»

فَصَعِقَ، فَمَكَثَ بِذلِكَ أَرْبَعِينَ يَوْما ، ثُمَّ إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ رَأَفَ بِهِ وَرَحِمَهُ وَخَرَجَ ، فَإِذَا أَرَادَ اللّهُ _ جَلَّ وَعَزَّ _ بِأَرْضٍ زَلْزَلَةً ، بَعَثَ ذلِكَ الْحُوتَ إِلى ذلِكَ الْحُوتِ ، فَإِذَا رَآهُ اضْطَرَبَ ، فَتَزَلْزَلَتِ الْأَرْضُ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (أسرَّ في نفسه) أي كتم وأخفى، وأضمر في قلبه.

(إنّما يحمل الأرض) إلى قوله عليه السلام : (وأكبر من فتر).

الفتر _ بالكسر _ : ما بين طرف الإبهام والسبّابة إذا فتحهما.

(فدخلت) ذلك الحوت الصغير.

(في خياشيمه).

جمع خيشوم، وهو أقصى الأنف.

(فصعق).

في القاموس: «صعق _ كسمع _ صَعْقا، ويحرّك، فهو صَعِقٌ _ ككتف _ : غُشِيَ عليه.

والصعق _ محرّكة _ : شدّة الصوت»(1).

(فمكث بذلك) أي بتلك الحالة.

(أربعين يوما) حيّا (ثمّ إنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ رأف به ورحمه وخرج) أي الحوت الصغير من أنفه.

قال الفيروزآبادي: «الرأفة: أشدّ الرحمة، أو أرقّها.رأف اللّه بك مثلّثة»(2).

(فإذا أراد اللّه _ عزّ وجلّ _ بأرض زلزلة) أي تحريكا.يُقال: زلزلة وزلزالاً _ مثلّثة _ أي حركة.

(بعث) أي أرسل.

(ذلك الحوت) الصغير.

(إلى ذلك الحوت) الذي حمل الأرض.

ص: 385


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 253 (صعق) مع التلخيص
2- القاموس المحيط، ج 3، ص 143 (رأف)

وقوله: «إلى ذلك الحوت» ليس في بعض النسخ.

(فإذا رآه اضطرب، فتزلزلت الأرض).

فيه إشارة إلى سبب الزلزلة، وإلى أنّ التكبير والعجب يوجبان المذلّة وسخطه تعالى، واعلم أنّ الزلزلة قد يكون بأسباب اُخر أيضا؛ منها: ما رواه الصدوق رحمه الله في الفقيه عن الصادق عليه السلام أنّه قال: «إنّ ذا القرنين لمّا انتهى إلى السدّ، جاوزه، فدخل في الظلمات، فإذا هو بملك قائم على جبل طوله خمسمائة ذراع، فقال له الملك: يا ذا القرنين، أما كان خلفك مسلك؟ فقال له ذو القرنين: مَن أنت؟ قال: أنا ملكٌ من ملائكة الرحمن، موكّل بهذا الجبل، وليس من جبل خلقه اللّه إلّا وله عرق متّصل بهذا الجبل، فإذا أراد اللّه _ عزّ وجلّ _ أن يزلزل مدينة أوحى إليَّ فزلزلتها»(1).

قال: وقال الصادق عليه السلام : «إنّ اللّه _ تبارك وتعالى _ أمر الحوت على الأرض (2).وكلّ بلد من البلدان على فلس من فلوسه، فإذا أراد اللّه أن يزلزل أرضا أمر الحوت أن يحرّك ذلك الفلس فيحرّكه، ولو رفع الفلس لانقلبت الأرض بإذن اللّه تعالى».ثمّ قال الصدوق رحمه الله: «والزلزلة تكون من هذه الوجوه، وليست هذه الأخبار بمختلفة»(3).

متن الحديث الخامس والستّين والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ صَالِحٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَضْرَمِيِّ ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ حَاتِمٍ ، قَالَ :

كُنَّا مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَاضْطَرَبَتِ الْأَرْضُ ، فَوَحَاهَا (4)بِيَدِهِ ، ثُمَّ قَالَ لَهَا : «اسْكُنِي ، مَا لَكِ؟» ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا ، وَقَالَ : «أَمَا إِنَّهَا لَوْ كَانَتِ الَّتِي قَالَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ لَأَجَابَتْنِي ، وَلكِنْ (5)لَيْسَتْ بِتِلْكَ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

ص: 386


1- الفقيه، ج 1، ص 542، ح 1511
2- في المصدر: «بحمل الأرض»
3- الفقيه، ج 1، ص 543، ح 1513
4- . في الوافي: «فدحاها»
5- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «ولكنّها»

قوله: (فوحاها بيده).

لعلّه من باب الحذف والإيصال، أي أشار إليها.قال الجوهري: «الوحي: الإشارة، والكتابة، والرسالة، والإلهام، والكلام الخفيّ، وكلّ ما ألقيته إلى غيرك.يُقال: وحيت إليه الكلام، وأوحيتُ، وهو أن تكلّمه بكلام تخفيه»(1).

وفي بعض النسخ: «فوجأها» بالجيم، قال الفيروزآبادي في باب المهموز: «وجأه باليد والسّكين، كوضعه: ضربه»(2).

(ثمّ قال لها: اسكني ما لكِ)

كلمة «ما» استفهاميّة، والظاهر أنّها سكنت بعد هذا القول، ولكنّها لم تجب عنه.

(ثمّ التفت إلينا وقال) أي بيّن علّة عدم إجابتها بقوله: (أمّا إنّها) أي الأرض (لو كانت التي قال اللّه لأجابتني) الجملة الشرطيّة خبر «إنّ» أي لو كانت الأرض على الحالة التي خبّر اللّه _ عزّ وجلّ _ عنها بقوله: «إِذَا زُلْزِلَتْ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا» إلى قوله: «يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا» (3)لأجابتني بلسان القال.

(ولكن ليست) الأرض بعدُ (بتلك) الحالة، وهي زلزلة القيامة.

ويستفاد من هذا الخبر أنّ المراد بالإنسان في قوله تعالى: «وَقَالَ الْاءِنسَانُ مَا لَهَا» أمير المؤمنين عليه السلام ، وفي بعض الأخبار (4)تصريح بذلك، وأنّ المراد بقوله: «تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا» التحدّث بما لأجله زلزالها، وأنّ التحدّث بلسان القال لا بلسان الحال.

وقيل: إنّها تحدّث بما لأجله إخراج أثقالها(5). وقيل: ينطقها اللّه ، فتخبر بما عمل عليها(6).

روى الصدوق رحمه الله في كتاب العلل بإسناده عن هارون بن خارجة، رفعه إلى فاطمة عليهاالسلام، قالت: «أصاب الناس زلزلة على عهد أبي بكر، وفزع الناس إلى أبي بكر وعمر، فوجدوهما

ص: 387


1- الصحاح، ج 6، ص 2519 (وحي)
2- القاموس المحيط، ج 1، ص 31 (وجأ)
3- .الزلزلة (99): 1 _ 4
4- . اُنظر: تفسير القمّي، ج 2، ص 433؛ الخرائج والجرائح، ج 1، ص 177
5- نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 334
6- نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 334

قد خرجا فزعين إلى عليّ عليه السلام ، فتبعهما الناس إلى أن انتهوا إلى باب عليّ عليه السلام ، فخرج إليهم عليّ عليه السلام غير مكترث لما هم فيه، فمضى وتبعه الناس حتّى انتهى إلى تلعة، فقعد عليها وقعدوا حوله، وهم ينظرون إلى حيطان المدينة ترتجّ جائيةً وذاهبة، فقال لهم عليّ عليه السلام : كأنّكم قد هالكم ما ترون؟ قالوا: وكيف لا يهوّلنا ولم نرَ مثلها قطّ.قالت: فحرَّك شفتيه، ثمّ ضرب الأرض بيده، ثمّ قال: ما لكِ اسكني! فسكنت، فعجبوا من ذلك أكثر من تعجّبهم أوّلاً حيث خرج إليهم، قال لهم: فإنّكم قد عجبتم من صنيعي؟ قالوا: نعم، فقال: أنا الرجل الذي قال اللّه : «إِذَا زُلْزِلَتْ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتْ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْاءِنسَانُ مَا لَهَا» فأنا الإنسان الذي يقول لها ما لكِ: «يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا» إيّاي تحدّث»(1).

متن الحديث السادس والستّين والثلاثمائة

اشارة

أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيى ، عَنْ أَبِي الْيَسَعِ ، عَنْ أَبِي شِبْلٍ ، قَالَ صَفْوَانُ : وَلَا أَعْلَمُ إِلَا أَنِّي قَدْ سَمِعْتُ مِنْ أَبِي شِبْلٍ، قَالَ :قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «مَنْ أَحَبَّكُمْ عَلى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ كَمَا تَقُولُونَ» .

شرح الحديث

السند صحيح على الظاهر.

قوله: (قال صفوان: ولا أعلم إلّا أنّي قد سمعت من أبي شبل)؛ يعني قال صفوان بن يحيى: وأظنّ أنّي قد سمعت هذا الحديث من أبي شبل أيضا من غير واسطة.

(قال: قال أبو عبداللّه عليه السلام : من أحبّكم على ما أنتم عليه) مِن حبّ عليّ عليه السلام وأولاده المعصومين عليهم السلام ، ومتابعتهم، والتبرّي من أعدائهم.

(دخل الجنّة).

ولا شكّ في أنّ مَن أحبَّ أحدا على ولاية أهل البيت عليهم السلام كان معتقدا بها مذعنا إيّاها، وإن لم يظهرها باللِّسان، ولم يعمل بمقتضاها، ويلزمه دخول الجنّة بالعفو أو الشفاعة أو التوبة مع بقائه بتلك الحالة.

ص: 388


1- علل الشرائع، ج 2، ص 556، الباب 343، ح 8

وأمّا قوله عليه السلام : (وإن لم يقل كما تقولون).

فيمكن حمله على القول باللِّسان.

وقال بعض الأفاضل: «يمكن حمله على المستضعفين _ كما هو الظاهر _ ويكون موافقا لبعض الأخبار الدالّة على أنّه يمكن أن يدخل بعض المستضعفين الجنّه».قال: ويحتمل أن يكون المراد المستضعفين من الشيعة، بأن يكون «على» في قوله عليه السلام : «على ما أنتم عليه» تعليليّة، أي من أحبّكم لهذا الدِّين، وهذا يستلزم القول بحقّيّته، وحينئذٍ يكون المراد بقوله: «وإن لم يقل كما تقولون»: وان لم يستدلّ كما تستدلّون على مذهبكم، بل قال به على سبيل التقليد(1).

متن الحديث السابع والستّين والثلاثمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ (2)أَبِي جَعْفَرٍ الْأَحْوَلِ ، عَنْ سَلَامِ بْنِ الْمُسْتَنِيرِ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ : «إِنَّ (3)أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام لَمَّا انْقَضَتِ الْقِصَّةُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَعَائِشَةَ بِالْبَصْرَةِ ، صَعِدَ الْمِنْبَرَ ، فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنى عَلَيْهِ ، وَصَلّى عَلى رَسُولِ اللّهِ عليه السلام ، ثُمَّ قَالَ : يَا (4)أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ تَفْتِنُ النَّاسَ بِالشَّهَوَاتِ ، وَتُزَيِّنُ لَهُمْ بِعَاجِلِهَا ، وَايْمُ اللّهِ إِنَّهَا لَتَغُرُّ مَنْ أَمَّلَهَا ، وَتُخْلِفُ مَنْ رَجَاهَا ، وَسَتُورِثُ (5)أَقْوَاما النَّدَامَةَ وَالْحَسْرَةَ بِإِقْبَالِهِمْ عَلَيْهَا ، وَتَنَافُسِهِمْ فِيهَا، وَحَسَدِهِمْ وَبَغْيِهِمْ عَلى أَهْلِ الدِّينِ وَالْفَضْلِ فِيهَا ظُلْما وَعُدْوَانا وَبَغْيا وَأَشَرا وَبَطَرا ، وَبِاللّهِ إِنَّهُ مَا عَاشَ قَوْمٌ قَطُّ فِي غَضَارَةٍ مِنْ كَرَامَةِ نِعَمِ اللّهِ فِي مَعَاشِ دُنْيَا ، وَلَا دَائِمِ تَقْوى فِي طَاعَةِ اللّهِ وَالشُّكْرِ لِنِعَمِهِ ، فَأَزَالَ ذلِكَ عَنْهُمْ، إِلَا مِنْ بَعْدِ تَغْيِيرٍ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، وَتَحْوِيلٍ عَنْ طَاعَةِ اللّهِ ، وَالْحَادِثِ مِنْ ذُنُوبِهِمْ ، وَقِلَّةِ مُحَافَظَةٍ ، وَتَرْكِ مُرَاقَبَةِ اللّهِ _ جَلَّ وَ عَزَّ _ وَتَهَاوُنٍ بِشُكْرِ نِعَمِ (6)اللّهِ ؛ لِأَنَّ

ص: 389


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 240
2- . في أكثر نسخ الكافي: «نعمان»
3- . في بعض نسخ الكافي: - «إنّ»
4- . في بعض نسخ الكافي: - «يا»
5- . في بعض نسخ الكافي: + «غدا»
6- . في كلتا الطبعتين: «نعمة»

اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ يَقُولُ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ : «إِنَّ اللّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوْءا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ» (1)

وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْمَعَاصِي وَكَسَبَةَ الذُّنُوبِ إِذَا هُمْ حَذِرُوا زَوَالَ نِعَمِ (2)اللّهِ وَ حُلُولَ نَقِمَتِهِ وَتَحْوِيلَ عَافِيَتِهِ ، أَيْقَنُوا أَنَّ ذلِكَ مِنَ اللّهِ _ جَلَّ ذِكْرُهُ _ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيهِمْ ، فَأَقْلَعُوا وَتَابُوا وَفَزِعُوا إِلَى اللّهِ _ جَلَّ ذِكْرُهُ _ بِصِدْقٍ مِنْ نِيَّاتِهِمْ ، وَإِقْرَارٍ مِنْهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَإِسَاءَتِهِمْ ، لَصَفَحَ لَهُمْ عَنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، وَإِذا لَأَقَالَهُمْ كُلَّ عَثْرَةٍ ، وَلَرَدَّ عَلَيْهِمْ كُلَّ كَرَامَةِ نِعْمَةٍ ، ثُمَّ أَعَادَ لَهُمْ مِنْ صَلَاحِ (3)أَمْرِهِمْ ، وَمِمَّا كَانَ أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ كُلَّ مَا زَالَ عَنْهُمْ وَأَفْسَدَ (4)عَلَيْهِمْ ؛ فَاتَّقُوا اللّهَ أَيُّهَا النَّاسُ حَقَّ تُقَاتِهِ ، وَاسْتَشْعِرُوا خَوْفَ اللّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ ، وَأَخْلِصُوا الْنَّفْسَ (5)، وَتُوبُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبِيحِ مَا اسْتَفَزَّكُمُ الشَّيْطَانُ مِنْ قِتَالِ وَلِيِّ الْأَمْرِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ بَعْدَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَمَا تَعَاوَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ تَفْرِيقِ الْجَمَاعَةِ وَتَشَتُّتِ (6)الْأَمْرِ وَفَسَادِ صَلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ ؛ إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ ، وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ (7)، وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

(إنّ الدُّنيا حُلْوة خضرة).

قال الفيروزآبادي: «الحلو _ بالضم _ : ضدّ المرّ»(8).

وقال:

الخضرة: لونٌ معروف.خضر الزرع _ كفرح _ فهو أخضر وخضور وخَضِر.والخضر _ ككتف _ : الغصن، والزرع، والبقلة الخضراء كالخضرة، والمكان الكثير الخُضرة.وبالتحريك: النعومة، كالخُضرة.وأخذه خِضَرا مِضرا _ بكسرهما، وككتف _ أي بغير ثمن، أو غضّا طريّا، انتهى(9).

ص: 390


1- . الرعد (13): 11
2- . في بعض نسخ الكافي وشرح المازندراني والوافي: «نعمة»
3- . في بعض نسخ الكافي: «يصلح»
4- . في الطبعة الجديدة وجميع النسخ التي قوبلت فيها: «وفسد»
5- . في كلتا الطبعتين: «اليقين»
6- . في بعض نسخ الكافي وشرح المازندراني والوافي: «وتشتيت»
7- . في أكثر نسخ الكافي: «السيّئة»
8- القاموس المحيط، ج 4، ص 319 (حلو)
9- القاموس المحيط، ج 2، ص 21 (خضر) مع التلخيص

وإنّما وصف عليه السلام الدُّنيا بها؛ لميل أكثر الطباع إليها.

(تفتن الناس بالشهوات).

«تفتن» _ بكسر التاء الثانية _ على بناء الفاعل من المجرّد، أو مزيد الإفعال والتفعيل.

قال الفيروزآبادي:

الفتنة _ بالكسر _ : الخبرة، وإعجابك بالشيء، والضلال، والإثم، والكفر، والفضيحة، والعذاب، والإضلال، والمحنة، واختلاف الناس في الآراء.فتنه يفتنه: أوقعه في الفتنة، كفتنه وأفتنه(1).

(وتزيّن لهم بعاجلها).

العاجل: ضدّ الآجل في كلّ شيء.والمراد هنا زهراتها الحاضرة المنقطعة التي تشغل القلوب الناقصة عن التوجّه إلى تحصيل السعادة الدائمة.ويحتمل كون «تزيّن» على بناء الفاعل من التزيين.وفاعله الدُّنيا، أي تزيّن لهم نفسها بعاجل نعيمها، وحينئذٍ يحتمل كون الباء للسببيّة، أو للإلصاق.ويحتمل كونها زائدة، فلا يحتاج إلى المفعول.

ويحتمل وجوه اُخر، منها كون «تزيّن» على بناء المفعول من التزيين، والمستتر فيه راجع إلى الدُّنيا، أي تزيينها النفس والشيطان بنعيمها العاجل الذي يؤول إلى الخيبة والخسران.

ومنها كونه على بناء المجرّد المعلوم.ومنها كونه من التفعّل، بحذف إحدى التائين، أو بتشديد الزاء مضارع «ازّيّنت».ومنها كونه من باب الإفعال.ومنها كونه بتشديد النون من باب الإفعلال.

وعلى التقادير لا يحتاج إلى تكلّف في الباء.

قال الفيروزآبادي: «الزين: ضدّ الشين.وزانه وأزانه وزيّنه وأَزْيَنَه، فتزيّن هو، وازدان وازّيّن وازيّان وأزيّن»، (2)ثمّ أشار عليه السلام إلى ما يوجب التنفّر عنها مؤكّدا عنها بوجوه شتّى.

قال: (وايم اللّه ).

قال الجوهري: أيمن اللّه : اسم وضع للقسم، هكذا بضمّ [الميم] والنون، وألفه ألف الوصل عند أكثر النحويّين، ولم تجي في الأسماء ألف الوصل مفتوحة غيرها.وربّما حذفوا منه

ص: 391


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 255 (فتن) مع التلخيص
2- . القاموس المحيط، ج 4، ص 233 (زين)

النون، فقالوا: ايم اللّه ، وايم اللّه أيضا بكسر الهمزة(1).

(إنّها لتغرّ مَن أمّلها).

يُقال: غرّه _ كمدّه _ غرّا وغَرورا وغِرّة، أي خدعه، وأطمعه بالباطل.

والأمل: الرّجاء.أمل خيره _ كنصر _ أملاً وأمّله تأميلاً، أي رجاه.

(وتُخلف من رجاها) أي لم يف بوعد من رجا التمتّع منها.

قال الجوهري: «خلفه ما وعده، وهو أن يقول شيئا ولا يفعله على الاستقبال»(2).

وفي القاموس: «الخُلف _ بالضمّ _ : الاسم من الإخلاف، وهو في المستقبل كالكذب في الماضي، أو هو أن تعد عدة ولا تنجزها»(3).

(وستورث) أي الدُّنيا.

(أقواما الندامة والحسرة بإقبالهم عليها).

يُقال: ورثه الشيء أبوه، أي خلّفه له ميراثا.ولعلّ تنكير «أقواما» للتكثير، والباء للسببيّة.

وفي بعض النسخ: «وستورث غدا أقواما» والمراد به يوم القيامة، أو يوم الموت وما بعده، أو ما قبله أيضا.

وقوله: (وتنافسهم) أي رغبتهم.

(فيها) عطف على «إقبالهم».

وكذا قوله: (وحسدهم وبغيهم) أي تعدّيهم، واستطالتهم، وظلمهم.

(على أهل الدِّين والفضل) الذين رأسهم ورئيسهم أهل البيت عليهم السلام .

والظاهر أنّ قوله: (فيها) أي في الدُّنيا، متعلّق بالحسد والبغي.ويحتمل بعيدا تعلّقه بالدِّين والفضل.

(ظلما وعدوانا وبغيا).

هذه الثلاثة متقاربة المعنى.

(أشرا وبطرا).

قال الفيروزآبادي: «أشر _ كفرح _ : مرح»(4). وقال: «مرح _ كفرح _ : أشر، وبطر، واختال،

ص: 392


1- الصحاح، ج 6، ص 2222 (يمن) مع التلخيص
2- الصحاح، ج 4، ص 1357 (خلف)
3- القاموس المحيط، ج 3، ص 136 (خلف)
4- القاموس المحيط، ج 1، ص 364 (أشر) مع التلخيص

ونشط، وتبختر»(1).

وقال:

البطر _ محرّكة _ : النشاط، والأشر، وقلّة احتمال النّعمة، والدهش، والحيرة، أو الطغيان بالنعمة، وكراهية الشيء من غير أن يستحقّ الكراهة.وفعل الكلّ كفرح.

وبطر الحقّ: أن يتكبّر عنده فلا يقبله(2).

وقال بعض الشارحين: كان هذه الاُمور متعلّقة بالاُمور السابقة على الترتيب، ف«ظلما» علّة لإقبالهم على الدُّنيا، لظلمهم على أنفسهم، وعدولهم عن طريق الآخرة إلى الدنيا، و«عدوانا» علّة لتنافسهم فيها لتجاوزهم عن حدّ الحقّ، ودخولهم في حدّ الباطل، و«بغيا» علّة لحسدهم على أهل الدِّين والفضل لتجاوزهم عن حدّهم، فخرجوا عن طاعة الإمام العادل وحسدوا عليه، و«أشرا وبطرا» علّة لبغيهم عليهم، وجعل كلّ واحدٍ متعلّقا بكلّ واحد، أو بحسدهم وبغيهم محتمل، لكن يأباه قوله: «بغيا» في الجملة، فليتأمّل، انتهى(3).

(وباللّه إنّه ما عاش قومٌ قطّ في غضارة) أي نعمة وسعة وخصب وخير.

وكلمة «من» في قوله: (من كرامة نِعم اللّه ) بيانيّة.ويحتمل الابتدائيّة، أي غضارة ناشئة منها، فإضافة «كرامة» إلى «نِعَم اللّه » بيانيّة، أو لاميّة.

وقوله: (في معاش دنيا).

يحتمل تعلّقه بكلّ من العيش والغضارة والكرامة والنِعَم.

وقوله: (ولا دائم تقوى) عطف على الغضارة.

ويحتمل عطفه على الكرامة، وعلى المعاش.والأوّل أولى.والإضافة من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف.

وقوله: (في طاعه اللّه ) متعلّق بدوام التقوى.

و«في» للظرفيّة مجازا، أو للتعليل، والثاني أنسب.

وقوله: (والشكر لنعمه) عطف على طاعة اللّه .

ص: 393


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 248 (مرح)
2- القاموس المحيط، ج 1، ص 374 (بطر)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 353

وقوله: (فأزال ذلك) المذكور (عنهم) تفريع على المنفي.

وقوله: (إلّا من بعد تغيير من أنفسهم) استثناء من النفي، وكلمة «من» ابتدائيّة.

وقوله: (وتحويل) أي تحويل أنفسهم، وتحويل بعضهم بعضا.

(عن طاعة اللّه ) عطف على تغيير.

وكذا قوله: (والحادث من ذنوبهم).

وكلمة «من» بيانيّة.

وكذا قوله: (وقلّة محافظة) أي لأمر اللّه وحكمه وكذا.

(وترك مراقبة اللّه عزّ وجلّ).

قال الجوهري: «راقب اللّه في أمره، أي خافه»(1).

وكذا قوله: (وتهاون بشكر نِعَم).

قال الجوهري: «تهاون به، أي استحقره»(2).

والحاصل: أنّ اللّه تعالى لا يُغيِّر النِّعم الظاهرة من السِّعة والخصب والفراغ والأمن والصحّة والعافية، ولا النِّعم الباطنة من التوفيق للطاعات والعصمة من السيّئات وتحصيل ما يوجب مزيد النِّعم والوصول بأنواع السعادات إلّا من بعد تغيير نيّاتهم من الصلاح إلى الفساد، أو انتقالهم من الأحوال الحسنة إلى ضدّها، وبعد تحوّلهم من طاعة اللّه إلى معصيته وكفرانهم واستحقارهم لنعمه.

وبعبارة اُخرى: كلّ من له نعمة وطيب عيش وطاعة للّه ثمّ سلبت منه تلك النعمة واُزيلت عنه تلك الفضيلة لم يكن له سبب إلّا تغييرهم ما بأنفسهم، وتحويلهم من الطاعة إلى خلافها، وقلّة محافظة ما أراد اللّه تعالى منهم، وأمرهم به، وكلّفهم عليه، وترك مراقبته وخوفه في مقام المعصية.

(لأنّ اللّه تعالى يقول في محكم كتابه) في سورة الرعد: «إِنَّ اللّه َ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ» ؛ من النعمة والعافية.

«حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ» .

ص: 394


1- الصحاح، ج 1، ص 138 (رقب)
2- الصحاح، ج 6، ص 2218 (هون)

قيل: من الأحوال الجميلة بالأحوال القبيحة(1).

«وَإِذَا أَرَادَ اللّه ُ» إرادة حتم.

«بِقَوْمٍ سُوءا» .

قيل: أي عذابا، وإنّما سمّاه سوءا؛ لأنّه يسوء(2).

«فَلَا مَرَدَّ لَهُ» أي فلا مدفع، أو فلا ردّ له.

وقيل: أي إذا أراد اللّه بقومٍ بلاء من مرض وسقم فلا مردّ لبلائه(3).

وقال البيضاوي: «العامل في «إذا» ما دلّ عليه الجواب»(4).

«وَمَا لَهُمْ» أي لتلك القوم.

«مِنْ دُونِهِ» أي من دون اللّه .

«مِنْ وَالٍ» أي من يَلي صلاح أمرهم، ويدفع السوء عنهم.

(ولو أنّ أهل المعاصي وكسبة الذنوب).

العطف للتفسير، و«كسبة» جمع كاسب من الكسب، وهو الجمع.

(إذا [هم] حذروا زوال نِعَم اللّه وحلول نقمته وتحويل عافيته)

«إذا» ظرف للإيقان.و«حذِروا» بكسر الذال المخفّفة من الحذر _ بالكسر وبالتحريك _ بمعنى الاحتراز، ويحتمل كونه من التحذير، وهو التخويف.

وقوله: (أيقنوا أنّ ذلك) أي زوال نِعَم اللّه وتالييه.

(من اللّه _ جلَّ ذكره _ بما كسبت أيديهم) خبر «أن».

وقوله: (فاقعلوا) عطف على «أيقنوا».ويحتمل كونه جواب «إذا».

قال الجوهري: «الإقلاع عن الأمر: الكفّ عنه.يُقال: أقلع فلان عمّا كان عليه»(5).

وقوله: (وتابوا وفزعوا إلى اللّه جلّ ذكره) عطف على «أقلعوا».

و«إلى» متعلّق بكلّ من التوبة والفزع.

ص: 395


1- قاله البيضاوي في تفسيره، ج 3، ص 321
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 242
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 242
4- تفسير البيضاوي، ج 3، ص 321
5- الصحاح، ج 3، ص 1270 (قلع)

قال الفيروزآبادي: «فزع إليه _ كفرح _ : لجأ»(1).

وقوله: (بصدق من نيّاتهم) متعلّق بكلّ من الإقلاع وتالييه.

وصدق النيّة: عدم الرجوع إلى المعاصي أبدا، وعدم الإصرار عليها.

وقوله: (وإقرار منهم بذنوبهم) عطف على «صدق»، واحتمال عطف على «نيّاتهم» بعيد.

وقوله: (وإساءتهم) عطف على «ذنوبهم»، ولعلّه من قبيل عطف العام على الخاصّ، والإقرار بالذنوب والإساء يكون إجمالاً وتفصيلاً.

وقوله: (لصَفَحَ لهم عن كلّ ذنب) جواب «لو»، والضمير المستتر فيه راجع إلى اللّه تعالى.يُقال: صفح عن فلان _ كمنع _ صفحا، أي أعرض عن ذنبه وعفاه.

وقوله: (وإذا لأقالهم كلّ عثرة) عطف على «صفح» للتفسير، أو التأكيد، أو التعميم بعد التخصيص؛ لأنّ العثرة _ وهي الزلّة _ أعمّ من الذنب.

والإقالة في الأصل: فسخ البيع، وشاع استعماله في عفو الزلّة.يُقال: أقال اللّه عثرتك وأقالكها.

و«إذا» جواب وجزاء، والتقدير: إذا كان الأمر على ما ذكر من الإيقان، وما عطف عليه، أو من الإقلاع وما أتبع به، لأقالهم.

(ولردّ عليهم كلّ كرامة نعمة) اُزيلت عنهم.

ولعلّ الإضافة بيانيّة.

(ثمّ أعاد لهم من صالح)(2).

في بعض النسخ: «من صلاح».

(أمرهم) في دينهم ودُنياهم.

وقيل: في «ثمّ» إشعار بأنّ التفضيل في الثاني أبلغ وأكمل من الأوّل(3).

أقول: ويحتمل أن يكون للتعجّب من لطفه تعالى بعباده، وكلمة «من» ابتدائيّة وتعليليّة.

ويحتمل التبعيض والتبيين، كما قيل في قولهم: ربّ من مطر.وعلى مذهب من يجوز زيادة «من» في الاثبات، فلا يحتاج إلى تلك التكلّفات.

ص: 396


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 63 (فزع) مع التلخيص
2- في المتن الذي ضبطه المصنّف رحمه الله سابقا: «صلاح»
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 354 مع اختلاف يسير في اللفظ

وهنا احتمال آخر، وهو أن يكون «كلّ» في قوله: «كلّ ما زال عنهم» مفعول الإعادة، و«من» بيانا له، وهو أقرب الاحتمالات؛ إذ لا يحتاج حينئذٍ إلى تكلّف بجعل الكلّ بدلاً من الضمير المجرور في قوله: (وممّا كان أنعم به عليهم)، أو خبرا لمبتدأ محذوف.والإنعام يتعدّى بنفسه وبالياء.يُقال: أنعمه اللّه ، وأنعم به.

(كلّ ما زال عنهم) بسبب العصيان والطغيان.

(وأفسد عليهم) على بناء المفعول، أو الفاعل.

وفي بعض النسخ: «فسد»، وهو أنسب بالسياق.

وفي نهج البلاغة: «وايم اللّه ما كان قوم قطّ في غضّ نعمة من عيش، فزال عنهم إلّا بذنوب اجترحوها؛ لأنّ اللّه تعالى ليس بظلّامٍ للعبيد، ولو أنّ الناس حين تنزّل بهم النقم وتزول عنهم النِّعم، فزعوا إلى ربّهم بصدق من نيّاتهم، ووله من قلوبهم، لردّ عليهم كلّ شارد، وأصلح لهم كلّ فاسد»(1).

(فاتّقوا اللّه أيّها الناس).

الفاء فصيحة، وللتفريع على المواعظ السابقة.

(حقّ تقاته) منصوب على المصدريّة.يُقال: اتّقيته تقىً وتقيّة اتّقاه، وتقاء _ ككساء _ أي حذّرته.والاسم: التقوى.

وقيل: هي التجنّب عن كلّ ما يوجب سخطه تعالى، والتمسّك بكلّ ما يوجب رضاه مع نيّة خالصة(2).

(واستشعروا خوف اللّه عزّ وجلّ).

قيل: كأنّه من الشعور، وهو العلم.أو من الشعار، وهو الثوب الملاصق للبدن المحيط.أو العلامة التي يُعرف بها صاحبه(3).

وقال الجوهري: «استشعر خوفا، أي أضمره»(4).

ص: 397


1- نهج البلاغة، ج 2، ص 98، الخطبة 178
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 355
3- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 355 مع اختلاف في اللفظ
4- الصحاح، ج 2، ص 699 (شعر)

(وأخلصوا النفس).

النفس: الرّوح، والجسد، وعين الشيء.

ولعلّ المراد بإخلاصها تخليتها من الرذائل، وتحليتها بالفضائل أيضا.

وفي بعض النسخ: «اليقين» بدل «النفس».

قال الفيروزآبادي: «يقن الأمر _ كفرح _ يقنا، ويحرّك، وأيقنه، وبه، وتيقّنه، واستيقنه، وبه: علمه، وتحقّقه.

واليقين: إزاحة الشكّ»(1).

قيل: ولعلّ المراد بإخلاصه العمل بمقتضاه؛ لأنّ العامل بخلاف مقتضاه كأنّ له شكّ، فلا يكون له يقين خالص(2).

(وتوبوا إليه من قبيح ما استفزّكم الشيطان).

لعلّ الإضافة بيانيّة، أو من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف.

قال الفيروزآبادي: «فزّ فلانا عن موضعه فزّا: أزعجه.واستفزّه: استخفّه، وأخرجه من داره، وأزعجه»(3).

وقوله: (من قتال وليّ الأمر) بيان للموصول، أو للقبيح، وأراد بوليّ الأمر نفسه القدسيّة.

وقوله: (وأهل العلم) عطف على «وليّ الأمر» من قبيل عطف العامّ على الخاصّ.

وقوله: (بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ) متعلّق ب «وليّ الأمر»، وتعلّقه بالقتال بعيد.

وقوله: (وما تعاونتم عليه) عطف على القتال.

وقوله: (من تفريق الجماعة) أي جماعة المسلمين، بيان للموصول.

(وتشتّت الأمر) أي تفرّق أمر الدِّين ونظام المؤمنين.

وفي بعض النسخ: «تشيّت الأمر».

قال الفيروزآبادي: «شتّ يشتّ شتّا وشتيتا: فرّق، وافترق.وتشتّت وشتّته اللّه »(4).

وقال الجوهري: «شتّ الأمر شتّا وشتاتا: تفرّق.وكذلك التشتّت.وشتّته تشتيتا: فرّقه»(5).

ص: 398


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 278 (يقن) مع التلخيص
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 355
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 186 (فزز) مع التلخيص
4- القاموس المحيط، ج 1، ص 151 مع التلخيص
5- الصحاح، ج 1، ص 254 (شتت)

(وفساد صلاح ذات البين).

البين: الوصل، والوسط.قال في القاموس: « «ذَاتَ بَيْنِكُمْ» (1).أي حقيقة وصلكم، أو ذات البين: الحالة التي بها يجمع المسلمون»(2).

وقوله: (إنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ يقبل التوبة).

في بعض النسخ: «عن عباده» بعد «التوبة».

(ويعفو عن السيّئات).

في بعض النسخ: «السيّئة» تعليل للأمر بالتوبة، وترغيب فيها.

وقيل: فيه دلالة على أنّ قبول التوبة من باب التفضّل _ وقيل: من باب الوجوب _ وعلى أنّ توبة المرتدّ مقبولة مطلقا هو الخلاف في الفطري مشهور(3).

(ويعلم ما تفعلون).

قيل: فيه وعدٌ ووعيدٌ للمطيع والعاصي بالثواب والعقاب؛ لأنّ العلم بأنّ للعمل رقيبا حافظا يبعث على فعل الحسن وترك القبيح(4).

متن الحديث الثامن والستّين والثلاثمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عُثْمَانَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللّهِ الْمَدَائِنِيُّ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ خَلَقَ نَجْما فِي الْفَلَكِ السَّابِعِ ، فَخَلَقَهُ مِنْ مَاءٍ بَارِدٍ ، وَسَائِرَ النُّجُومِ السِّتَّةِ الْجَارِيَاتِ مِنْ مَاءٍ حَارٍّ، وَهُوَ نَجْمُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْصِيَاءِ، وَهُوَ نَجْمُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، يَأْمُرُ بِالْخُرُوجِ مِنَ الدُّنْيَا وَالزُّهْدِ فِيهَا ، وَيَأْمُرُ بِافْتِرَاشِ التُّرَابِ وَتَوَسُّدِ اللَّبِنِ وَلِبَاسِ الْخَشِنِ وَأَكْلِ الْجَشِبِ ، وَمَا خَلَقَ اللّهُ نَجْما أَقْرَبَ إِلَى اللّهِ مِنْهُ» .

ص: 399


1- . الأنفال (8): 1
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 409 (ذوت) مع اختلاف يسير في اللفظ
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 355 مع اختلاف في اللفظ
4- ذهب إليه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 355

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (قال: إنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ خلق نجما في الفلك السابع).

الظرف متعلّق ب«خلق»، أو صفة لقوله «نجما».والظاهر أنّه زحل؛ لكونه في الفلك السابع، ولقوله عليه السلام : «وهو نجم الأنبياء» كما سيأتي.

روى الصدوق رحمه الله في الخصال، والشيخ الطبرسي في كتاب الاحتجاج عن أبي عبداللّه عليه السلام ، في حديث اليماني، إلى أن قال: فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «فما زحل عندكم في النجوم؟» فقال اليماني: نجمٌ نحس، فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «لا تقُل هذا؛ فإنّه نجم أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو نجم الأوصياء، وهو النجم الثاقب الذي قال اللّه في كتابه» الحديث(1).

(فخلقه من ماءٍ بارد).

قيل: إذا كان الماء أصل كلّ شيء من الأجسام _ كما مرّ _ لم يبعد ذلك، ويمكن أن يكون كناية عن لينة طبعه ولطفه بالسفليّات، (2)انتهى.

(وسائر النجوم الستّه الجاريات) أي السيّارات.

(من ماءٍ حارّ).

فيه دلالة على أنّ طبيعة زحل بارد رطب، وسائر السيّارات حارّ رطب، وأنّ المنجّمين أخطأوا في طبايعها؛ فإنّ زحل على مذهبهم بارد يابس، والمشتري حارّ رطب، والمريّخ حار يابس، وكذا الشمس، والزهرة بارد رطب، وعطارد معتدل، والقمر بارد رطب.

(وهو نجم الأنبياء والأوصياء، وهو نجم أمير المؤمنين عليه السلام ).

فيه دلالة على أنّ أهل التنجيم أخطأوا في المنسوبين إلى السيّارات أيضا؛ فإنّهم ينسبون الدهاقين والضياع والعقار على زحل، وأئمّة الدِّين والقضاة والصدور إلى المشتري.

(يأمر بالخروج من الدُّنيا) أي باستعداد الخروج منها، وعدم الرغبة في نعيمها وزخارفها.

فقوله: (والزهد فيها) تفسير وبيان للخروج منها.

(ويأمر بافتراش التراب) أي يجعله فراشا للقعود والنوم عليها.قال الفيروزآبادي:

ص: 400


1- الخصال، ص 489، ح 68؛ الاحتجاج، ج 2، ص 101
2- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 355

«افترشه: وطئه.وذراعيه: بَسَطَهُما على الأرض»(1).

وفي بعض النسخ: «الثرى» بدل «التراب».قال: «الثرى: التراب النديّ»(2).

(وتوسّد اللّبن) الوسادة _ مثلّثة _ : المتّكأ، والمخدّة.وتوسّده، أي جعله وسادة.

قال الجوهري: «اللبنة: التي يبنى بها.والجمع: لبن، مثال كلمة وكلم.قال ابن السكيت: ومن العرب من يقول: لبنَة ولِبْن، مثل لبْدة ولِبْد»(3).

وفي القاموس: «اللِبَن _ ككتف _ : المضروب من الطين مربّعا، وكإبل لغةً»(4).

(ولباس الخشن).

اللباس _ بالكسر _ : ما يلبس.

والخشن _ ككتف _ : الغليظ، من الخشونة، وهي ضدّ اللّين.

(وأكل الجشب).

في القاموس: «جشب الطعام _ كنصر وسمع _ فهو جَشْب وجَشِب، أي غليظ، أو بلا أَدْم»(5).

قال بعض الأفاضل:

لعلّ المراد بأمره بالاُمور المذكورة أنّ من ينسب إليه هكذا حاله، أو أنّ من كان هذا الكوكب طالع ولادته يكون كذلك، أو المنسوبون إلى هذا الكوكب يأمرون بذلك(6).

وقال بعض الشارحين: أمره للناس بما ذكر إمّا بالتأثير في المستعدّين الراغبين في الآخرة، أو بالقول وسماع الكاملين له، وإخبارهم عليهم السلام به، يكفي في لزوم التصديق به [لو كان النقل صحيحا]، وكونه نجم الأنبياء باعتبار أنّ تأثيره لهم وسماعهم لأمره أظهر، هذا ويمكن أن يُراد به النبيّ صلى الله عليه و آله ، وحينئذٍ جميع ما ذكر ظاهر، ويؤيّده ما روي عن أبي عبداللّه عليه السلام في قوله تعالى: «وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ» (7). ، قال: «النجم رسول

ص: 401


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 283 (فرش)
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 308 (ثرى)
3- الصحاح، ج 6، ص 2192 (لبن) مع التلخيص
4- القاموس المحيط، ج 4، ص 265 (لبن) مع التلخيص
5- القاموس المحيط، ج 1، ص 46 (جشب) مع التلخيص
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 243
7- النحل (16): 16

اللّه صلى الله عليه و آله ، والعلامات هم الأئمّة عليهم السلام » (1). انتهى، فتأمّل(2).

(وما خلق اللّه نجما أقرب إلى اللّه منه).

يدلّ على ما سبق على خطأ أهل التنجيم في سعود الكواكب ونحوسها أيضا؛ فإنّ زحل عندهم نحس مطلقا.وما قيل من أنّه مطابق لما يراه المنجِّمون من نحوسة زحل، وذلك لأنّ نظرهم مقصور على النشأة الفانية، والدُّنيا والآخرتان ضرّتان لا تجتمعان، (3).ففساده من أن يحتاج إلى البيان.

متن الحديث التاسع والستّين والثلاثمائة

اشارة

الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلَالٍ ، عَنْ يَاسِرٍ الْخَادِمِ ، قَالَ :قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام : رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ كَأَنَّ قَفَصا فِيهِ سَبْعَةَ عَشَرَ قَارُورَةً، إِذْ وَقَعَ الْقَفَصُ ، فَتَكَسَّرَتِ الْقَوَارِيرُ .

فَقَالَ: «إِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاكَ ، يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَمْلِكُ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْما ، ثُمَّ يَمُوتُ».فَخَرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بِالْكُوفَةِ مَعَ أَبِي السَّرَايَا ، فَمَكَثَ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْما ، ثُمَّ مَاتَ .

شرح الحديث

قوله: (الحسين بن أحمد، عن أحمد بن هلال).

كذا في أكثر النسخ، وهو غير مذكور، والظاهر أنّه تصحيف من النسّاخ، والصواب: الحسين بن أحمد بن هلال، كما في بعض النسخ، ويدلّ عليه السند الآتي بعد هذا الحديث، وحينئذٍ يحتمل أن يكون ابن محمّد الأشعري أو ابن أحمد، وعلى هذا يكون السند ضعيفا بأحمد بن هلال، وعلى ما في الأصل يكون مجهولاً.

قوله: (رأيت في النوم كأنّ قفصا) إلى قوله: (فتكسّرت القوارير).

قال الفيروزآبادي: «القفص _ بالتحريك _ : محبس الطير»(4).

ص: 402


1- الكافي، ج 1، ص 206، ح 1
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 356
3- . قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 524
4- القاموس المحيط، ج 2، ص 314 (قفص) مع التلخيص

وقال: «القارورة: ما قرّ فيه الشراب ونحوه، أو يخصّ بالزجاج»(1).

(فقال: إن صدقت) بسكون التاء.

(رؤياك) أي لم تكن من أضغاث الأحلام التي لا تعبير لها، أو كنت في نقلها صادقا، ولعلّ الأوّل أظهر.

(يخرج رجلٌ من أهل بيتي) أي من بني فاطمة عليهاالسلام.

(يملك سبعة عشر يوما، ثمّ يموت).

يُقال: ملك _ كضرب _ مُلكا، بالضمّ، أي صار ملكا.وملِكا _ بالكسر _ ، أي صار مالكا.

ولعلّ المراد هنا المعنى الأوّل.

(فخرج محمّد بن إبراهيم بالكوفة) وهو محمّد بن إبراهيم طباطبا ابن إسماعيل بن إبراهيم بن حسن بن حسن بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام .

(مع أبي السرايا).

أبو السرايا كان في أوّل أمره من عمّال هرثمة بن أعين، فهرب منه إلى الكوفة، واختصّ بمزيد التقرّب عند محمّد بن إبراهيم، وصار أمير جنده، ولمّا مات محمّد بن إبراهيم بايع محمّد بن محمّد بن زيد.

وقال الطبري في تأريخه: اسم أبي السرايا سرى بن منصور، وكان من أولاد هاني بن قبيصة الذي عصى على كسرى أبرويز، وكان أبو السرايا من اُمراء المأمون، ثمّ عصى في الكوفة على أمير العراق، وبايع محمد بن محمّد بن زيد بن عليّ بن الحسين عليهم السلام ، ثمّ أرسل إليه حسن بن سهل أمير العراق جند فقاتلوه، واُسِر فقُتِل(2).

متن الحديث السبعين والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلَالٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ، قَالَ :

قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام فِي أَيَّامِ هَارُونَ : إِنَّكَ قَدْ شَهَرْتَ نَفْسَكَ بِهذَا الْأَمْرِ ، وَجَلَسْتَ مَجْلِسَ أَبِيكَ ، وَسَيْفُ هَارُونَ يُقَطِّرُ الدَّمَ .

ص: 403


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 116 (قرر) مع التلخيص
2- تاريخ الطبري، ج 7، ص 117 مع اختلاف في اللفظ

فَقَالَ : «جَرَّأَنِي عَلى هذَا مَا قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إِنْ أَخَذَ أَبُو جَهْلٍ مِنْ رَأْسِي شَعْرَةً ، فَاشْهَدُوا أَنِّي لَسْتُ بِنَبِيٍّ.وَأَنَا أَقُولُ لَكُمْ : إِنْ أَخَذَ هَارُونُ مِنْ رَأْسِي شَعْرَةً ، فَاشْهَدُوا أَنِّي لَسْتُ بِإِمَامٍ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (إنّك قد شهرت نفسك).

في القاموس: «الشهرة _ بالضمّ _ : ظهور الشيء في شنعة شهره _ كمنعه _ وشهّره واشتهره، فاشتهر»(1).

(بهذا الأمر) أي بأمر الخلافة.

(وجلست مجلس أبيك) يعني دعوت الناس إلى متابعتك مثل أبيك.

(وسيف هارون يقطّر الدم).

الواو للحال.وهذا كناية عن سوطته وقهره وغضبه على مَن ادّعى هذا الأمر.يُقال: قطر الماء _ كنصر _ قطرانا، وقطرته أيضا قطرا، وقطّرته تقطيرا.

(فقال: جرّأني على هذا).

في القاموس: الجرأة _ كالجرعة _ : الشجاعة.جرؤ _ ككرم _ فهو جريء، وجرّأته عليه تجريئا فاجترأ»(2).

و قيل: في هذا الخبر دلالة على أنّه كان يختلف أحوالهم عليهم السلام في التقيّة وعدمها بحسب ما كانوا يعلمون بما يختصّهم من العلوم من إمكان تسلّط خلفاء الجور عليهم وعدمه(3).

متن الحديث الواحد والسبعين والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ أَحْمَدَ ، عَنْ زُرْعَةَ (4)، عَنْ سَمَاعَةَ ، قَالَ :تَعَرَّضَ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِجَارِيَةِ رَجُلٍ عَقِيلِيٍّ ، فَقَالَتْ لَهُ : إِنَّ هذَا الْعُمَرِيَّ قَدْ

ص: 404


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 65 (شهر)
2- القاموس المحيط، ج 1، ص 10 (جرأ) مع التلخيص
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 244
4- . في أكثر نسخ الكافي: «عن أحمد بن زرعة» بدل «عن أحمد، عن زرعة»

آذَانِي ، فَقَالَ لَهَا : عِدِيهِ وَأَدْخِلِيهِ الدِّهْلِيزَ ، فَأَدْخَلَتْهُ فَشَدَّ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ وَأَلْقَاهُ فِي الطَّرِيقِ ، فَاجْتَمَعَ الْبَكْرِيُّونَ وَالْعُمَرِيُّونَ وَالْعُثْمَانِيُّونَ ، وَقَالُوا : مَا لِصَاحِبِنَا كُفْوٌ ، لَنْ نَقْتُلَ بِهِ إِلَا جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، وَمَا قَتَلَ صَاحِبَنَا غَيْرُهُ ، وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام قَدْ مَضى نَحْوَ قُبَا ، فَلَقِيتُهُ بِمَا اجْتَمَعَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : «دَعْهُمْ».قَالَ (1): فَلَمَّا جَاءَ وَرَأَوْهُ وَثَبُوا عَلَيْهِ وَقَالُوا : مَا قَتَلَ صَاحِبَنَا أَحَدٌ غَيْرُكَ ، وَمَا نَقْتُلُ بِهِ أَحَدا غَيْرَكَ ، فَقَالَ : «لِيُكَلِّمْنِي (2)مِنْكُمْ جَمَاعَةٌ» فَاعْتَزَلَ قَوْمٌ مِنْهُمْ ، فَأَخَذَ بِأَيْدِيهِمْ ، فَأَدْخَلَهُمُ (3)الْمَسْجِدَ ، فَخَرَجُوا وَهُمْ يَقُولُونَ : شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللّهِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، مَعَاذَ اللّهِ أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ يَفْعَلُ هذَا وَلَا يَأْمُرُ بِهِ ، انْصَرِفُوا (4).

قَالَ : فَمَضَيْتُ مَعَهُ ، فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، مَا كَانَ أَقْرَبَ رِضَاهُمْ مِنْ سَخَطِهِمْ؟

قَالَ : «نَعَمْ ، دَعَوْتُهُمْ ، فَقُلْتُ : أَمْسِكُوا ، وَإِلَا أَخْرَجْتُ الصَّحِيفَةَ».

فَقُلْتُ : وَمَا هذِهِ الصَّحِيفَةُ، جَعَلَنِيَ اللّهُ فِدَاكَ؟

فَقَالَ : «إِنَّ (5)أُمَّ الْخَطَّابِ كَانَتْ أَمَةً لِلزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، فَسَطَّرَ (6)بِهَا نُفَيْلٌ ، فَأَحْبَلَهَا ، فَطَلَبَهُ الزُّبَيْرُ ، فَخَرَجَ هَارِبا إِلَى الطَّائِفِ ، فَخَرَجَ الزُّبَيْرُ خَلْفَهُ ، فَبَصُرَتْ بِهِ ثَقِيفٌ ، فَقَالُوا : يَا أَبَا عَبْدِ اللّهِ ، مَا تَعْمَلُ هاهُنَا؟ قَالَ : جَارِيَتِي سَطَّرَ (7)بِهَا نُفَيْلُكُمْ ، فَهَرَبَ مِنْهُ إِلَى الشَّامِ ، وَخَرَجَ الزُّبَيْرُ فِي تِجَارَةٍ لَهُ إِلَى الشَّامِ ، فَدَخَلَ عَلى مَلِكِ الدُّومَةِ ، فَقَالَ لَهُ : يَا أَبَا عَبْدِ اللّهِ ، لِي إِلَيْكَ حَاجَةٌ ، قَالَ : وَمَا حَاجَتُكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ؟ فَقَالَ : رَجُلٌ مِنْ أَهْلِكَ قَدْ أَخَذْتَ وَلَدَهُ فَأُحِبُّ أَنْ تَرُدَّهُ عَلَيْهِ ، قَالَ (8): لِيَظْهَرْ لِي حَتّى أَعْرِفَهُ ، فَلَمَّا أَنْ كَانَ مِنَ الْغَدِ دَخَلَ إِلَى (9)الْمَلِكِ ، فَلَمَّا رَآهُ الْمَلِكُ ضَحِكَ ، فَقَالَ : مَا يُضْحِكُكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ؟ قَالَ : مَا أَظُنُّ هذَا الرَّجُلَ وَلَدَتْهُ عَرَبِيَّةٌ ، لَمَّا رَآكَ قَدْ دَخَلْتَ لَمْ يَمْلِكِ اسْتَهُ أَنْ جَعَلَ يَضْرِطُ ، فَقَالَ : أَيُّهَا الْمَلِكُ ، إِذَا صِرْتُ إِلى مَكَّةَ قَضَيْتُ حَاجَتَكَ ، فَلَمَّا قَدِمَ الزُّبَيْرُ تَحَمَّلَ عَلَيْهِ بِبُطُونِ قُرَيْشٍ كُلِّهَا أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ ابْنَهُ فَأَبى ، ثُمَّ تَحَمَّلَ عَلَيْهِ بِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، فَقَالَ : مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ عَمَلٌ ، أَ مَا عَلِمْتُمْ مَا فَعَلَ فِي ابْنِي فُلَانٍ؟ وَلكِنِ امْضُوا أَنْتُمْ إِلَيْهِ ، فَقَصَدُوهُ وَكَلَّمُوهُ ، فَقَالَ لَهُمُ الزُّبَيْرُ : إِنَّ الشَّيْطَانَ لَهُ دَوْلَةٌ ، وَإِنَّ ابْنَ هذَا

ص: 405


1- . في بعض نسخ الكافي والوافي: - «قال»
2- . في أكثر نسخ الكافي: «لتكلّمني»
3- . في بعض نسخ الكافي: «واُدخلهم»
4- . في بعض نسخ الكافي: «فانصرفوا»
5- . في بعض نسخ الكافي: - «إنّ»
6- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «فشطر»
7- . في بعض نسخ الكافي: «شطّر»
8- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «فقال»
9- . في الطبعة القديمة والوافي: «على»

ابْنُ الشَّيْطَانِ ، وَلَسْتُ آمَنُ أَنْ يَتَرَأَّسَ عَلَيْنَا ، وَلكِنْ أَدْخِلُوهُ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ عَلَيَّ عَلى أَنْ أُحْمِيَ لَهُ حَدِيدَةً ، وَأَخُطَّ فِي وَجْهِهِ خُطُوطا ، وَأَكْتُبَ عَلَيْهِ وَعَلى ابْنِهِ : أَلَا يَتَصَدَّرَ فِي مَجْلِسٍ ، وَلَا يَتَأَمَّرَ عَلى أَوْلَادِنَا ، وَلَا يَضْرِبَ مَعَنَا بِسَهْمٍ .

قَالَ : فَفَعَلُوا ، وَخَطَّ وَجْهَهُ بِالْحَدِيدَةِ ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ وَذلِكَ الْكِتَابُ عِنْدَنَا ، فَقُلْتُ لَهُمْ : إِنْ أَمْسَكْتُمْ ، وَإِلَا أَخْرَجْتُ الْكِتَابَ ، فَفِيهِ فَضِيحَتُكُمْ ، فَأَمْسَكُوا» .

وَتُوُفِّيَ مَوْلًى لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَمْ يُخَلِّفْ وَارِثا ، فَخَاصَمَ فِيهِ وُلْدُ الْعَبَّاسِ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، وَكَانَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَدْ حَجَّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ ، فَجَلَسَ لَهُمْ ، فَقَالَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ : الْوَلَاءُ لَنَا ، وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «بَلِ الْوَلَاءُ لِي».

فَقَالَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ : إِنَّ أَبَاكَ قَاتَلَ مُعَاوِيَةَ .

فَقَالَ : «إِنْ كَانَ أَبِي قَاتَلَ مُعَاوِيَةَ ، فَقَدْ كَانَ حَظُّ أَبِيكَ فِيهِ الْأَوْفَرَ ، ثُمَّ فَرَّ بِجِنَايَتِهِ (1)» وَقَالَ : «وَاللّهِ لَأُطَوِّقَنَّكَ غَدا طَوْقَ الْحَمَامَةِ ».

فَقَالَ لَهُ (2)دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ : كَلَامُكَ هذَا أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ بَعْرَةٍ فِي وَادِي الْأَزْرَقِ .

فَقَالَ : «أَمَا إِنَّهُ وَادٍ لَيْسَ لَكَ وَلَا لِأَبِيكَ فِيهِ حَقٌّ» .

قَالَ : فَقَالَ هِشَامٌ : إِذَا كَانَ غَدا جَلَسْتُ لَكُمْ ، فَلَمَّا أَنْ كَانَ مِنَ الْغَدِ خَرَجَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام وَمَعَهُ كِتَابٌ فِي كِرْبَاسَةٍ ، وَجَلَسَ لَهُمْ هِشَامٌ ، فَوَضَعَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام الْكِتَابَ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَلَمَّا أَنْ قَرَأَهُ قَالَ: ادْعُوا لِي جَنْدَلَ الْخُزَاعِيَّ وَعُكَّاشَةَ الضَّمِيرِيَّ (3)_ وَكَانَا شَيْخَيْنِ قَدْ أَدْرَكَا الْجَاهِلِيَّةَ _ فَرَمى بِالْكِتَابِ إِلَيْهِمَا ، فَقَالَ : تَعْرِفَانِ هذِهِ الْخُطُوطَ؟ قَالَا : نَعَمْ ، هذَا خَطُّ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ ، وَهذَا خَطُّ فُلَانٍ وَفُلَانٍ لِفُلَانٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَهذَا خَطُّ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ .

فَقَالَ هِشَامٌ : يَا أَبَا عَبْدِ اللّهِ ، أَرى خُطُوطَ أَجْدَادِي عِنْدَكُمْ؟ فَقَالَ : «نَعَمْ».قَالَ : فَقَدْ (4).قَضَيْتُ بِالْوَلَاءِ لَكَ .

قَالَ : فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ :

إِنْ عَادَتِ الْعَقْرَبُ عُدْنَا لَهَا***وَكَانَتِ النَّعْلُ لَهَا حَاضِرَةْ

ص: 406


1- . في الطبعة القديمة ومرآة العقول: «بخيانته»
2- . في بعض نسخ الكافي: - «له»
3- . في كلتا الطبعتين وبعض نسخ الكافي: «الضمريّ»
4- . في بعض نسخ الكافي: «قد»

قَالَ : فَقُلْتُ : مَا هذَا الْكِتَابُ جُعِلْتُ فِدَاكَ؟

قَالَ : «فَإِنَّ نَثِيلَةَ (1). كَانَتْ أَمَةً لِأُمِّ الزُّبَيْرِ وَلِأَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللّهِ ، فَأَخَذَهَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ ، فَأَوْلَدَهَا فُلَانا ، فَقَالَ لَهُ الزُّبَيْرُ : هذِهِ الْجَارِيَةُ وَرِثْنَاهَا مِنْ أُمِّنَا ، وَابْنُكَ هذَا عَبْدٌ لَنَا ، فَتَحَمَّلَ عَلَيْهِ بِبُطُونِ قُرَيْشٍ ، قَالَ : فَقَالَ (2): قَدْ أَجَبْتُكَ عَلى خَلَّةٍ عَلى أَنْ لَا يَتَصَدَّرَ ابْنُكَ هذَا فِي مَجْلِسٍ ، وَلَا يَضْرِبَ مَعَنَا بِسَهْمٍ ، فَكَتَبَ عَلَيْهِ كِتَابا ، وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ ، فَهُوَ هذَا الْكِتَابُ» .

شرح الحديث

السند ضعيف على الظاهر.

قوله: (قال: تعرّض رجل من ولد عمر بن الخطّاب).

التعرّض: التصدّي، والتوجّه.وهاهنا كناية عن المراودة، وإرادة الفجور.

(بجارية رجل عقيلي) أي من ولد عقيل بن أبي طالب.

والجارية: الفتيّة من النساء، وقد تُطلق على الأمَة.

(فقالت) الجارية (له) أي للعقيلي.

(إنّ هذا العمري قد آذاني).

الإيذاء في الأصل: إيصال المكروه.

(فقال لها: عِديه) أمر من الوعد.

(وأدخليه الدهليز).

في القاموس: «الدهليز: ما بين الباب والدار»(3).

(فأدخلته) أي العمري.

(فشدَّ عليه) أي فحمل العقيلي على العمري.يُقال: شدَّ عليه في الحرب يشدّ، كيمدّ.

وقيل: كيفرّ أيضا، أي حمل.

(فقتله وألقاه في الطريق، فاجتمع البكريّون) أي المنسوبون إلى أبي بكر من ولده، أو تبعته، أو كليهما.

ص: 407


1- في الطبعة الجديدة وبعض نسخ الكافي: «نتيلة».وفي بعضها: «نفيلة»
2- في بعض نسخ الكافي والوافي: + «له»
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 176 (دهلز)

وكذا قوله: (والعمريّون والعثمانيّون، وقالوا: ما لصاحبنا) المقتول (كفو) أي مثل، حتّى نقتله بدمه.

(لن نقتل به).

الباء للمقابلة، أو للسببيّة.وفي بعض النسخ: «لن نقبل» بالباء الموحّدة.

(إلّا جعفر بن محمّد) أي الصادق عليه السلام .

(وما قتل صاحبنا غيره، وكان أبو عبداللّه عليه السلام قد مضى نحو قبا).

النحو: الطريق، والجهة.

و«قبآء» بالضمّ والمدّ، وقد تقصر، وتذكّر وتؤنّث: موضع بالحجاز.

(فلقيته بما اجتمع القوم عليه) أي قال سماعة: فذهبت إليه، ولقيته، وأخبرته بالأمر الذي اجتمع القوم عليه.

(فقال: دَعهم) إلى قوله: (معاذ اللّه أن يكون مثله يفعل هذا).

نفوا الفعل عنه عليه السلام كناية.قال الفيروزآبادي: «العوذ: الالتجاء، كالمعاذ.ومعاذ اللّه ، أي أعوذ باللّه معاذا»(1).

(ولا يأمر به).

كلمة «لا» لتأكيد النفي المستفاد من الكلام السابق ضمنا.

(فقال: إنّ اُمّ الخطّاب).

لفظة «إنّ» ليست في بعض النسخ.

(كانت أَمَة للزبير بن عبد المطّلب، فسطّر بها نفيل) كزبير، اسم رجل.

قال في النهاية: «سطّر فلان على فلان: إذا زخرف له الأقاويل، ونمّقها، وتلك الأقاويل الأساطير»(2).

وفي القاموس: «الأساطير: الأحاديث، لا نظام لها.جمع: إسطار وإسطير _ بكسرهما _ واُسطُور، وبالهاء في الكلّ.وسطّر تسطيرا: ألّف.وعلينا: أتانا بالأساطير»(3).

ص: 408


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 356 (عوذ) مع التلخيص
2- النهاية، ج 2، ص 365 (سطر)
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 48 (سطر)

وفي بعض النسخ: «فشطّر بها» بالشين المعجمة.قال في القاموس:

الشطر: الجهة، والناحية، وإذا كان بهذا المعنى فلا يتصرّف الفعل منه.أو يُقال: شطر شطره، أي قصد قصده.وشطر بصره شطورا، كأنّه ينظر إليك وإلى آخر.والشاطر: من أعيا أهله خبثا.وقد شطر _ كنصر وكرم _ شطارة فيهما(1).

(فأحبلها).

الحبل _ بالتحريك _ : الحمل.وحبلت المرأة فهي حبلى، وأحبلتها أنا.قال الآبي من العامّة في كتاب إكمال الإكمال: «نسب عمر هكذا يكنّى أبا حفص، وهو ابن الخطّاب بن نفيل بن عبد العزّى بن رياح بن عبداللّه بن قرط بن زيد بن عدي بن كعب بن لؤي»(2).

(فطلبه الزبير) إلى قوله: (فبصرت به) أي بالزبير (ثقيف).

قال الفيروزآبادي: «الطائف: بلاد ثقيف»(3).

وقال: «الثقيف _ كأمير _ : أبو قبيلة من هوازن»(4).

وقال: «البصر _ محرّكة _ : حسّ العين.بصر به _ ككرم وفرح _ أي صار مبصرا»(5).

(فقالوا: يا أبا عبداللّه ).

في بعض النسخ: «يا عبداللّه ».

(ما تعمل هاهنا) أي ما تصنع في الطائف.

(قال: جاريتي سطّر بها نفيلكم) فجئت تطلبه.وإضافة النفيل إليهم إمّا لكونه منهم، أو لكونه في ذلك فيهم.

(فهرب منه إلى الشام) أي لمّا سمع نفيل قدوم الزبير هرب منه.

(إلى الشام، فدخل) يعني الزبير.

(على ملك الدومة في).

في المغرب: «دومة الجندل _ بالضمّ، والمحدّثون على الفتح، وهو خطأ عن ابن دريد _

ص: 409


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 59 (شطر)
2- اُنظر: إكمال الكمال (لابن ماكولا)، ج 4، ص 15؛ تهذيب الكمال للمزي، ج 21، ص 316؛ سير أعلام النبلاء للذهبي، ج 1، ص 124
3- القاموس المحيط، ج 3، ص 170 (طوف)
4- القاموس المحيط، ج 3، ص 169 (ثقف) مع التلخيص
5- القاموس المحيط، ج 1، ص 373 (بصر) مع التلخيص

وهو حصن على خمس عشرة ليلة من المدينة، ومن الكوفة على عشر مراحل»(1).

(فقال) الملك (له) أي للزبير: (يا أبا عبداللّه ، لي إليك حاجة) إلى قوله: (ليظهر) على صيغة أمر الغايب (لي).

(حتّى أعرفه، فلمّا أن) بفتح الهمزة (كان من الغد دخل) الزبير (إلى الملك) إلى قوله: (ما أظنّ)؛ يعني نفيلاً.(ولدته عربيّة) أي امرأة عربيّة.

وقيل: إنّما شكّ في اُمّه؛ لعلمه بأنّ أباه كان من العرب، وقال ذلك لأنّ الضرطة عيبٌ وعار خصوصا عند العرب، ولأنّها نشأت من الخوف والجبن، والشجاعة معروفة في العرب(2).

(لمّا رآك قد دخلت لم يملك إسْتَه) بكسر الهمزة.

قال الجوهري: «الإست»: العجز، وقد يُراد [به] حلقة الدِّبر.وأصلها: سَتَهٌ، على فعل بالتحريك يدلّ على ذلك أنّ جمعه أستاه، مثل جمل وأجمال»(3).

(أن جعل يضرط) بكسر الراء.

قال الفيروزآبادي: «جعل يفعل كذا: أقبل، وأخذ»(4).

(فقال: أيّها الملك، إذا صرت إلى مكّة) أي بلغت إليها.

(قضيت حاجتك) بردّ ولده (فلمّا قدم الزبير) مكّة، ورجع نفيل إليها.

(تحمّل) أي استشفع نفيل (عليه) أي على الزبير.

(ببطون قريش كلّها) قال الجوهري: «البطن: دون القبيلة»(5).

وقال الجزري: «في حديث قيس قال: تحمّلت بعليّ على عثمان في أمر، أي استشفعت به إليه»(6).

(أن يدفع الزبير إليه ابنه فأبى) الزبير من ذلك (ثمّ تحمّل عليه بعبد المطّلب).

الظاهر أنّه لمّا يئس من تأثير شفاعة بطون القريش استشفع بعبد المطّلب إلى الزبير في ردّ ولده.

ص: 410


1- المغرب، ص 170 (دوم)
2- ذهب إليه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 358
3- الصحاح، ج 6، ص 2233 (سته)
4- القاموس المحيط، ج 3، ص 348 (جعل)
5- الصحاح، ج 5، ص 2079 (بطن)
6- النهاية، ج 1، ص 443 (حمل)

(فقال) أي عبد المطّلب: (ما بيني وبينه عمل) أي معاملة واُلفة.

ثمّ أشار إلى سبب نفي الاُلفة بينهما، وقال: (أما علمتم ما فعل) الزبير (في أبي فلان).

أشار بذلك إلى ما سيجيء في آخر الحديث من قصّة عبّاس.

(ولكن امضوا أنتم).

الخطاب لبطون قريش ممّن حضر منهم عنده مع نفيل.

(إليه) أي إلى الزبير.

(فقال لهم الزبير) إلى قوله: (أن يترأّس علينا).

في القاموس: «الرأس: سيّد القوم.ورأّسته ترئيسا: [إذا] جعلته رئيسا.وارتأس: صار رئيسا، كترأّس.وزيدا: شغله.وأصله أخذ بالرقبة، وخفضها إلى الأرض»(1).

(ولكن أدخلوه) أي ابن نفيل.

(من باب المسجد) أي المسجد الحرام.

(عليَّ على أن اُحمي له حديدة) لأكويه بها.وكلمة «على» تعليليّة.و«أحمي» على صيغة المزيد من باب الإفعال.قال الجوهري: «حمى النهار _ بالكسر _ وحمى التنّور حِمْيا فيهما، أي اشتدّ حرّه.واُحميت الحديد في النار فهو مُحمىً، ولا يُقال: حميته»(2).

(وأخطّ) بضمّ الحاء، أي أكتب.

(في وجهه خطوطا) كأنّ المراد نقش ما يدلّ على عبوديّته في الكيّ، ثمّ إحراق وجهه به؛ ليؤثّر فيه، ويبقى علامته.

(وأكتب عليه) أي على نفيل.

(وعلى ابنه) أي أكتب عليهما مجلّة وموثقا بالمضامين الآتية، وهي ب(ألّا يتصدّر) ابنه، أو كلّ منهما.والأوّل أظهر.

(في مجلس) أي لا يجلس في صدره.يُقال: تصدّر، أي جلس في صدر المجلس وأعلاه.

(ولا يتأمّر على أولادنا) قال الجوهري: «تأمّر [عليهم]، أي تسلّط»(3).

ص: 411


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 218 (رأس) مع التلخيص
2- الصحاح، ج 6، ص 2320 (حمى)
3- الصحاح، ج 2، ص 582 (أمر)

(ولا يضرب معنا بسهم).

في القاموس: «هو يضرب المجد، أي يكسبه، ويطلبه»(1).

ولعلّ المراد هنا عدم الشركة في شيء من الغنيمة والميراث ونحوهما، وقيل: يمكن أن يُراد به سهم الميسر؛ لأنّهم كانوا يعملونه مع الأكفّاء(2).

(قال) أبو عبداللّه عليه السلام : (ففعلوا وخطّ وجهه بالحديدة، وكتب عليه الكتاب) أي فعل القوم ما شرطه الزبير عليهم من إدخاله من باب المسجد، وأحماه الحديدة له، إلى آخر ما قال.

وقوله: (وذلك الكتاب عندنا) إلى قوله: (فأمسكوا) من كلام أبي عبداللّه عليه السلام .أو «امسكوا» على صيغة المضيّ.ويحتمل كونه على صيغة الأمر.

والظاهر أنّ قوله: (وتوفّي مولى لرسول اللّه صلى الله عليه و آله لم يخلّف وارثا) من كلام سماعة، ورواية بالإسناد المتقدّم، وأنّ المراد بالمولى هنا العبد المُعتق.

(فخاصم فيه) أي في ميراثه.

(ولد العبّاس أبا عبداللّه عليه السلام ) وهم كابروا في ذلك؛ لأنّ الولاء للمعتق وأولاده.

(فقال داود بن عليّ) هو عمّ السفّاح، كما مرّ.

(الولاء لنا) قال الجوهري: «يُقال: بينهما ولاء _ بالفتح _ ، أي قرابة.والولاء: ولاء المعتق»(3).

(وقال أبو عبداللّه عليه السلام : بل الولاء لي).

قال المحقّق رحمه الله في شرائعه:

لو عُدِم المنعم.قال ابن بابويه: يكون الولاء للأولاد الذكور والإناث، وهو حسن، ومثله في الخلاف لو كان رجلاً(4). وقال المفيد رحمه الله: الولاء للأولاد الذكور دون الإناث رجلاً كان المُنعم أو امرأة(5)وقال الشيخ رحمه الله في النهاية: يكون للأولاد الذكور دون الإناث إن كان المعتق رجلاً، ولو كان امرأة كان الولاء لعصبتها(6). وبقوله رحمه الله: تشهد الروايات، ويقوم أولاد الأولاد مقام آبائهم عند عدمهم، ويأخذ كلّ منهم نصيب من

ص: 412


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 96 (ضرب)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 359
3- الصحاح، ج 6، ص 2530 (ولي)
4- الخلاف، ج 4، ص 79 _ 81، المسألة 84 و 86
5- المقنعة، ص 694
6- النهاية، ص 547 و 548

يتقرّب به كالميراث في غير الولاء، انتهى(1).

أقول: في هذا الخبر دلالة على أنّه يرث الولاء أولاد البنت، وأنّهم يحجبون أولاد العمّ.

وقال بعض الأفاضل: «يحتمل أن يكون لخصوص الواقعة مدخل في الحكم للولاية العامّة أو الإمامة»(2).

أقول: يؤيّد هذا الاحتمال قوله عليه السلام : «بل الولاء لي حيث لم يقل لنا».

(فقال داود بن علي: إنّ أباك قاتل معاوية) لمّا لم يكن لداود [حجّة] (3)للغلبة قال ذلك إغراءً لهشام على منعه عليه السلام وإيذائه، والحكم عليه لا له.

(فقال) أي أبو عبداللّه عليه السلام : (إن كان أبي قاتل معاوية، فقد كان حظّ أبيك) يعني عبداللّه بن عبّاس (فيه الأوفر).

ضمير «فيه» راجع إلى القتال.

والحظّ: النصيب.ولعلّ وجه كونه في أبيه أوفر أنّه أخذ من غنائم تلك الغزوة نصيبا وافرا، وكان من شركاء تلك الغزوة، ومن أعوان أمير المؤمنين عليه السلام .

وقيل: لأنّه قاتله بنصره، وهو أقبح في العرف(4).

(ثمّ فرَّ بجنايته) في بعض النسخ: «بخيانته».وفي بعضها: «بجناحيه».

قال في القاموس: «جنى الذنب عليه يجنيه جناية: جرّه إليه»(5). وقال بعض الأفاضل: هذا إشارة إلى خيانة عبداللّه في بيت مال البصرة، كما رواه الكشّي بإسناده عن الزهري، قال: سمعت الحارث يقول: استعمل عليّ عليه السلام على البصرة عبداللّه بن عبّاس، فحمل كلّ مال [في] بيت المال بالبصرة، ولحق بمكّة، وترك عليّا عليه السلام ، وكان مبلغه ألف ألف درهم، فصعد عليّ عليه السلام المنبر حين بلغه ذلك، فبكى، فقال: «هذا ابن عمّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله في علمه وقدره يفعل مثل هذا، فكيف يؤمن مَن كان دونه، اللّهُمَّ

ص: 413


1- شرائع الإسلام، ج 4، ص 836 مع التلخيص واختلاف يسير في اللفظ
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 247
3- . أثبتناه من شرح المازندراني
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 359
5- القاموس المحيط، ج 4، ص 314 (جني)

إنّي قد مللتهم، فأرحني منهم، واقبضني إليك غير عاجز ولا ملول»(1).

وقد روى رواية اُخرى عن الشبعي، (2)فيها طول تشتمل على مراسلاته في ذلك، وما أجاب ابن عبّاس عنها، وهي تشتمل على قدح عظيم فيه، والأخبار الدالّة على ذمّه كثيرة، انتهى(3).

وقال بعض الفضلاء: «ما ذكره الكشّي من الطعن فيه خمسة أحاديث كلّها ضعيف السند، واللّه أعلم بحاله»(4). وقيل: معنى قوله: «ثمّ فرَّ بجنايته» أنّه عليه السلام انتقل من هذا الكلام إلى كلام آخر(5).

(وقال) أبو عبداللّه عليه السلام : (واللّه لأطوّقنّك غدا طوق الحمامة).

إشارة إلى ما سيأتي من إبرازه عليه السلام كتابا يشتمل على قصّة أبي عبّاس، وفيها فضيحة بيّنة.

والطوق: كلّ [ما] استدار بشيء، وقد طوّقته فتطوّق، أي ألبسته الطوق فلبسه.ولعلّ المراد: إنّي اُطوّقك واُلبسك طوقا لازما في عنقك بحيث لا يفارقك عاره، كما لا يفارق عنق الحمامة طوقها.

وقيل: هذا مثلٌ يُضرب لإيصال المكروه إلى أحد من حيث لا يعلم(6).

(فقال له داود بن عليّ: كلامك هذا) إشارة إلى قوله عليه السلام : «واللّه لاُطوّقنّك».

(أهون عليَّ) أي أذلّ وأحقر عندي.

(من بعرة في وادي الأزرق) أي لا اُبالي من كلامك هذا.

قال الفيروزآبادي: «البعر _ ويُحرّك _ : رجيع الخفّ والظلف، واحدته بهاء الجمع: أبعار» انتهى(7).

والأزرق بتقديم المهملة على المعجمة فيما رأيناه من النسخ.وقيل: هو وادٍ وسيع كانت ترعى فيه الأنعام والأباعر(8).

ص: 414


1- رجال الكشّي، ص 60، ح 109
2- . رجال الكشّي، ص 60 _ 63، ح 110
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 247 و 248
4- قاله الشهيد الثاني رحمه الله. راجع: رسائل الشهيد الثاني، ج 2، ص 1018، ذيل الرقم 235
5- لم نعثر على قائله
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 359
7- القاموس المحيط، ج 1، ص 375 (بعر)
8- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 359

(فقال: أما إنّه واد ليس لك ولا لأبيك فيه حقّ).

قيل: أي وإلّا ادّعيت بعرة ذلك الوادي، وأخذتها ولم تتركها.ويحتمل أن يكون اسما لواد كان بينه عليه السلام وبينه، فيه أيضا منازعة، فأجاب عليه السلام عن سفهه بكلام حقّ مفيد في الحِجاج(1).

قال بعض الشارحين: في هذا الكلام تحقيرٌ له، وإنّما قال ذلك مع كمال حلمه؛ لما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام ، قال: «الشرّ يدفعه الشرّ» وقال: «ردّوا الحجر من حيث جاء» (2).ولما اشتهر مع أنّ الحلم مع الأحمق.السفيه حُمق، قال: وفيه دلالة على جواز أمثال ذلك في جواب الخصم المعتدي(3).

وقوله: (في كرباسة).بكسر الكاف وسكون الرّاء: ثوب من القطن الأبيض، معرّب كَرباس بالفتح.

(قال: ادعوا لي جندل الخزاعي) جندل _ كجعفر، وبكسر الدّال، وكعُلَيط _ : اسم رجل، وأصله الموضع الذي تجتمع فيه الحجارة.

وخزاعة _ بالضمّ وتخفيف الراء _ : أبو حيّ.

(وعُكّاشة الضميري) عكاشة _ وبتشديد الكاف _ : اسم رجل، وأصله العنكبوت، أو ذكورها، أو بيتها.وفي القاموس: «الضمير _ كأمير _ : بلد من عمّان.وكُزُبير: موضع قرب دمشق، وجبل بالشام»(4).

(وهذا خطّ فلان وفلان لفلان من قريش).

في القاموس: «فلان وفلانة _ مضمومتين _ : كناية عن أسمائنا، وبأل من غيرنا» (5).انتهى.

وهاهنا شيء يظهر بالتأمّل، أي سماعة.

(فخرج) أي أبو عبداللّه عليه السلام .

(وهو يقول) أي ينشد هذا الشعر:

(إن عادت العقرب عدنا لها***وكانت النعل لها حاضرة)

ص: 415


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 248
2- الحديث هكذا: «ردّ الحجر من حيث جاءك؛ فإنّه لا يردّ الشرّ إلّا بالشرّ».راجع: غرر الحكم، ص 334، الرقم 7695
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 359
4- القاموس المحيط، ج 2، ص 76 (ضمر) مع التلخيص
5- . القاموس المحيط، ج 4، ص 256 (فلن)

قيل: هذا مثل لدفع الخصم المؤذي بما أمكن وقت الحاجة إليه(1).

(قال: فإنّ نثيلة) بفتح النون، وكسر الثاء المثلّثة، وهي في الأصل تراب البئر، واللّحم الثمين، وبغير هاء: الروث.

(كانت) اُمّه (أَمَة لاُمّ الزبير ولأبي طالب) كأنّه عطف على الاُمّ.وكذا قوله: (وعبداللّه ).

ويحتمل عطفهما على الزبير.وعلى الأوّل معنى كونها لهما أنّهما ورثاها من اُمّهما كما سيصرّح به، وهذه الثلاثة بنو عبد المطّلب، واُمّهم واحدة، وهي فاطمة بنت عمرو بن مخزوم، وكانت شريفة في قومها.

وقيل: كانت نثيلة بنت ملك بن حبّاب، وكان تُعان في الجاهليّة(2).

وفي بعض النسخ: «نفيلة» بالنون والفاء.

(فأخذها عبد المطّلب، فأولدها فلانا).

في بعض النسخ: «غلاما».

وعلى التقديرين يكون المراد به عبّاس بن عبد المطّلب.

قال بعض الأفاضل: «الظاهر أنّه أخذها برضا مولاتها، وكان نزاع الزبير معه على سبيل الجهل؛ لأنّ جلالة عبد المطّلب تمنع أن يُنسب إليه غير ذلك»(3).

(قال) أبو عبداللّه عليه السلام : (فقال) أي فقال الزبير لعبد المطّلب.

(قد أجبتك) في عتق عبّاس وعدم استرقاقه.

(على خلّة) الخلّة _ بالفتح _ : الخصلة، وهي هاهنا (أن لا يتصدّر) إلى آخره.

متن الحديث الثاني والسبعين والثلاثمائة

اشارة

الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ النَّهْدِيِّ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُكَيْمٍ ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ ، عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ بِجَادٍ :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَأَمّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ * فَسَلامٌ لَكَ مِنْ

ص: 416


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 359
2- نقله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 249 بعنوان «قيل»
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 249

أَصْحابِ الْيَمِينِ» (1).

فَقَالَ : «قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِعَلِيٍّ عليه السلام : هُمْ شِيعَتُكَ ، فَسَلِمَ وُلْدُكَ مِنْهُمْ أَنْ يَقْتُلُوهُمْ» .

شرح الحديث

السند مقطوع، وضعيف على قول.

(النّهد) بالفتح: قبيلة باليمن.

و(بجاد) بالباء الموحّدة المكسورة والجيم.

قوله: (في قول اللّه عزّ وجلّ): «فَأَمَّا» (إِنْ كَانَ) أي المتوفّى.

وفي سورة الواقعة: «وأمّا» بالواو.

«مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ» .

قيل: هم أصحاب المنزلة السّنيّة، وأصحاب الشمال أصحاب المنزلة الدنيّة.أو الذين يؤتون صحائفهم بأيمانهم، والذين يؤتونها بشمائلهم.أو أصحاب [البركة] وأصحاب الشّوم؛ فإنّ السعداء ميامين على أنفسهم بطاعتهم، والأشقياء بخلاف ذلك.أو الذين يسلكون في أيمانهم إلى الجنّة عن يمين الناس، والذين يسلكون في شمائلهم إلى النار؛ لأنّ النار عن شمالهم.أو الذين أوجدهم اللّه تعالى في عالم الذرّ بجنب اليمين من آدم عليه السلام ، والذين أوجدهم بجنب الشمال منه.أو الذين مقامهم على يمين العرش، والذين مقامهم على شماله.وقيل: لا يبعد الإيراد مَن خُلق من التراب الذي في يمين جبرئيل عليه السلام ، ومَنْ خُلِقَ من التراب الذي في شماله عليه السلام (2).

«فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ» قيل: الخطاب في «لك» لصاحب اليمين؛ يعني: يا صاحب اليمين، سلامٌ لك من أصحاب اليمين، أي من إخوانك يُسلِّمون عليك(3)

وقال الشيخ الطبرسي: معنى قوله تعالى: «فَسَلَامٌ لَكَ» فترى فيهم ما تحبّ لهم من السلامة من المكاره والخوف.وقيل: معناه: فسلامٌ لك أيّها الإنسان الذي هو من أصحاب اليمين من

ص: 417


1- . الواقعة (56): 90 و 91
2- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 360 مع التلخيص و اختلاف في اللفظ
3- قاله البيضاوي في تفسيره، ج 5، ص 294 مع تفاوت في اللفظ

عذاب اللّه ، وسلّمت عليك ملائكة اللّه ، عن قتادة.

وقيل: معناه: فسلامٌ لك منهم في الجنّة؛ لأنّهم يكونون معك، ويكون «لك» بمعنى «عليك» انتهى(1).

(فقال) أبو عبداللّه عليه السلام .

(قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعليٍّ عليه السلام : هم)؛ يعني أصحاب اليمين.

(شيعتك، فسلم) كفرح (ولدك منهم) أي من شيعتك.

(أن يقتلوهم).

حاصل تفسيره عليه السلام : أنّ المراد بالسلام السّلامة من القتل، والخطاب في ذلك للنبيّ صلى الله عليه و آله أو لعليّ عليه السلام ، وأصحاب اليمين شيعته ومواليه.

قال بعض الأفاضل: يحتمل أن يكون ذكر خصوص القتل على سبيل المثال، فيكون المعنى حينئذٍ: أنّه إن كان المتوفّى من أصحاب اليمين، فحاله ظاهر في السعادة؛ لأنّه كان بحيث سلم أهل بيتك من يده ولسانه، وكان معاونا لهم، فاُقيم علّة الجزاء مقامه(2).

متن الحديث الثالث والسبعين والثلاثمائة

اشارة

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ صَفْوَانَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادِ بْنِ عِيسى ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُصْعَبٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : كُنْتُ أُبَايِعُ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله (3).

عَلَى الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ ، وَالْبَسْطِ وَالْكُرْهِ إِلى أَنْ كَثُرَ الْاءِسْلَامُ وَكَثُفَ» قَالَ : «وَأَخَذَ عَلَيْهِمْ عَلِيٌّ عليه السلام أَنْ يَمْنَعُوا مُحَمَّدا وَذُرِّيَّتَهُ مِمَّا يَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَهُمْ وَذَرَارِيَّهُمْ ، فَأَخَذْتُهَا عَلَيْهِمْ ؛ نَجَا مَنْ نَجَا ، وَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (كنت اُبايع لرسول اللّه صلى الله عليه و آله على العُسر).والعسر _ بالضمّ، وبضمّتين، وبالتحريك _ : ضدّ اليُسر.

ص: 418


1- مجمع البيان، ج 9، ص 380 مع التلخيص
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 250
3- . في بعض نسخ الكافي: «رسول اللّه »

(واليُسر) بالضمّ وبضمّتين: السهولة، والغنى.

(والبسط) في القاموس: «بسطه: نشره.ويده: مدّها.وفلانا: سرّه.

والمكان القوم: وسعهم.واللّه فلانا عليَّ: فضّله.وفلان من فلان: أزال منه الاحتشام.والعذر: قبله»(1).

(والكره).

في القاموس:

الكره _ ويُضمّ _ : الإباء، والمشقّة.أو بالضمّ: ما اُكرهت نفسك عليه، وبالفتح: ما أكرهك غيرك عليه.كرهه _ كسمعه _ كرها، ويضمّ.وشيء كره _ بالفتح وكحجل _ : مكروه.والكره: الحمل الشديد.والكريهة: الشدّة في الحرب(2).

(إلى أن كثر الإسلام وكثف).

في القاموس: «الكثف: الجماعة.وكسحابة: الغلظ.كثف _ ككرم _ فهو كثيف، والكثرة»(3).

(قال) أي أبو عبداللّه عليه السلام : (وأخذ عليهم عليّ عليه السلام ) أي على الشيعه عند بيعتهم له.

(أن يمنعوا محمّدا) لعلّ المراد منع دينه، أو عرضه، وما لا يليق بجنابه.

(وذرّيّته) أي أهل بيته، أو مطلقا.

(ممّا يمنعون منه أنفسهم وذَراريهم) بفتح الذال.

وقوله: (فأخذتها عليهم) من كلام أبي عبداللّه عليه السلام ، أي فأخذت أنا أيضا من شيعتي هذه البيعة والعهد.

وقيل: كأنّه كان في الأصل قال: خُذ عليهم أن يمنعوا، فصحّف على ما ترى.فقوله: «فأخذتها» من كلام أمير المؤمنين عليه السلام ، وفاعل «قال» رسول اللّه صلى الله عليه و آله (4).

وفي بعض النسخ: «وأخذ عليهم أن يمنعوا».قيل: الظاهر حينئذٍ أن يكون فاعل «قال» رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وفاعل «وأخذ» بصيغة الأمر عليّ عليه السلام ، ومفعوله «البيعة»(5).

أقول: لا يخفى بُعد هذا التوجيه، ولعلّ فاعل «قال» حينئذٍ أمير المؤمنين عليه السلام ، وفاعل

ص: 419


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 350 (بسط) مع التلخيص
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 291 (كره) مع التلخيص
3- القاموس المحيط، ج 3، ص 189 (كثف) مع التلخيص
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 250
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 360

«أخذ» بصيغة المضيّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

وقوله: «فأخذتها عليهم» من كلام أمير المؤمنين عليه السلام ، وضمير «عليهم» في الأوّل لأصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وفي الثاني لأصحاب عليّ عليه السلام .

(نجا مَن نجا).

في القاموس: «[نجا] نجوا ونجاء ونجاة ونجاية: خلص»(1).انتهى.أي خلص من الهلاك والعقوبة بسبب الوفاء بتلك البيعة كلّ من نجا.

(وهلك) بنقض تلك البيعة كلّ (من هلك).

وابتلي بعقوبة اللّه وسخطه.

وأصل الهلاك: الموت.

متن الحديث الرابع والسبعين والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِي يَحْيَى الْوَاسِطِيِّ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ مِنْ وَرَاءِ الْيَمَنِ وَادِيا يُقَالُ لَهُ : وَادِي بَرَهُوتَ ، وَلَايُجَاوِرُ (2)ذلِكَ الْوَادِيَ إِلَا الْحَيَّاتُ السُّودُ ، وَالْبُومُ مِنَ الطَّيْرِ (3)، فِي ذلِكَ الْوَادِي بِئْرٌ يُقَالُ لَهَا (4): بَلَهُوتُ ، يُغْدى وَيُرَاحُ إِلَيْهَا بِأَرْوَاحِ الْمُشْرِكِينَ ، يُسْقَوْنَ مِنْ مَاءِ الصَّدِيدِ ، خَلْفَ ذلِكَ الْوَادِي قَوْمٌ يُقَالُ لَهُمُ : الذَّرِيحُ (5).، لَمَّا أَنْ بَعَثَ اللّهُ _ عَزَّوَجَلَّ _ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله صَاحَ عِجْلٌ لَهُمْ فِيهِمْ ، وَضَرَبَ بِذَنَبِهِ ، فَنَادى فِيهِمْ : يَا آلَ الذَّرِيحِ (6)_ بِصَوْتٍ فَصِيحٍ _ أَتى رَجُلٌ بِتِهَامَةَ يَدْعُو إِلى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلهَ إِلَا اللّهُ .قَالُوا : لِأَمْرٍ مَا أَنْطَقَ اللّهُ هذَا الْعِجْلَ؟

قَالَ : «فَنَادى فِيهِمْ ثَانِيَةً ، فَعَزَمُوا عَلى أَنْ يَبْنُوا سَفِينَةً ، فَبَنَوْهَا وَنَزَلَ فِيهَا سَبْعَةٌ مِنْهُمْ ، وَحَمَلُوا مِنَ الزَّادِ مَا قَذَفَ اللّهُ فِي قُلُوبِهِمْ ، ثُمَّ رَفَعُوا شِرَاعَهَا (7)، وَسَيَّبُوهَا فِي الْبَحْرِ ، فَمَا زَالَتْ تَسِيرُ بِهِمْ حَتّى رَمَتْ بِهِمْ بِجُدَّةَ ، فَأَتَوُا النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله ، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : أَنْتُمْ أَهْلُ الذَّرِيحِ (8)، نَادى فِيكُمُ الْعِجْلُ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، قَالُوا : اعْرِضْ عَلَيْنَا يَا رَسُولَ اللّهِ الدِّينَ وَالْكِتَابَ ، فَعَرَضَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله الدِّينَ وَالْكِتَابَ وَالسُّنَنَ وَالْفَرَائِضَ وَالشَّرَائِعَ كَمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ، وَوَلّى عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنْ بَنِي

ص: 420


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 393 (نجو)
2- . في كلتا الطبعتين: «ولا يجاوز» بالزاي المعجمة
3- . في الطبعة القديمة: «الطيور»
4- . في بعض نسخ الكافي: «له»
5- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «الدريج»
6- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «الدريج»
7- . في بعض نسخ الكافي: «شراعا»
8- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «الدريج»

هَاشِمٍ سَيَّرَهُ مَعَهُمْ ، فَمَا بَيْنَهُمُ اخْتِلَافٌ حَتَّى السَّاعَةَ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (إنّ من وراء اليمن وادٍ يُقال له: وادي برهوت).

في القاموس: «الوادي: مفرج [ما] بين جبال أو تلال أو آكام»(1).

وقال: «برهوت _ كسُبروت، ورهبوت _ : بئرٌ، أو وادي»(2).

وقال الجوهري:

برهوت _ على مثال رهبوت _ : بئر بحضرموت، يُقال: فيها أرواح الكفّار.وفي الحديث: «خير بئر في الأرض زمزم، وشرّ بئرٍ في الأرض برهوت»(3). ويُقال: بُرْهوت، كسُبْرُوت(4).

(ولا يجاور) بالراء المهملة.

(ذلك الوادي إلّا الحيّات السّود) بضمّ السين وسكون الواو: جمع أسود، ضدّ أبيض.

ويحتمل كونه جمع أسود، بمعنى الحيّة العظيمة للمح الوصفيّة.

(والبوم) بالضمّ: طائر.

وقوله: (من الطير) حال منه للكشف والإيضاح.

(في ذلك الوادي [بئر] يُقال لها: بلهوت) كأنّه على وزان «برهوت».

(يُغدى ويُراح إليها بأرواح المشركين).

قيل: أي إذا ماتوا يؤتى بأرواحهم إليها كلّ صباحٍ ومساء.أو إن ماتوا صباحا يُؤتى بهم صباحا، وإن ماتوا مساءً يؤتى بهم مساءً، ثمّ يكونون دائما في ذلك الوادي(5).

قال الفيروزآبادي: «الغُدوة _ بالضمّ _ : البكرة، أو ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس،

ص: 421


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 399 (ودي)
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 281 (بره) مع تفاوت يسير في اللفظ
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 19، ص 128
4- الصحاح، ج 6، ص 2227 (بره)
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 251

كالغداة.وغدا عليه غدّوا وغدوة _ بالضمّ _ : بكّر»(1).

وقال: «الرواح: العشيّ، أو من الزوال إلى الليل.ورحنا: سرنا فيه، وعملنا فيه.ورحْتُ القوم وإليهم وعندهم روحا ورواحا: ذهبت إليهم رواحا»(2).

(يسقون من ماء الصديد).

قال الجوهري: «صديد الجُرح: ماؤه الرقيق المختلط بالدّم قبل أن تغلظ المدّة»(3).

وقال الفيروزآبادي: «الصديد: ماء الجرح الرقيق، والحميم اُغلي حتّى خثر» (4).انتهى.

ولعلّ المراد هنا صديد أهل النار، كما يظهر من بعض الأخبار.

ويحتمل أن يُراد به ماء تلك البئر الشبيه بالصديد.

(خلف ذلك الوادي قومٌ يُقال لهم: الذريح).

في القاموس: «الذريح: أبو حيّ»(5).

(لمّا أن بعث اللّه محمّدا صلى الله عليه و آله صاح عجل لهم).

في القاموس: «العجل _ بالكسر _ : ولد البقرة»(6).

وقوله: (فيهم) متعلّق ب «صاحَ».

(وضرب بذنبه).

قيل: يمكن أن يُراد بالضرب معناه الظاهري، وأن يُراد به الإشارة إلى تهامة، وأن يُراد به المشي إليها ليريهم سمتها، يُقال: ضرب فلانٌ بذنبه: إذا أسرع الذهاب في الأرض، كما صرّح به في النهاية (7).(8).

(فنادى فيهم: يا آل الذريح _ بصوتٍ فصيح) متعلّق ب «نادى».

وقيل: يحتمل أن يكون متعلّقا بفعل محذوف، أي أقول مثلاً(9).

ص: 422


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 368 (غدو) مع التلخيص
2- القاموس المحيط، ج 1، ص 225 (روح) مع التلخيص
3- الصحاح، ج 2، ص 496 (صدد)
4- القاموس المحيط، ج 1، ص 307 (صدد)
5- القاموس المحيط، ج 1، ص 221 (ذرح) مع التلخيص
6- القاموس المحيط، ج 4، ص 13 (عجل) مع التلخيص
7- . النهاية، ج 3، ص 79 (ضرب)
8- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 361
9- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 251

والمراد بالصوت الفصيح الصوت الخالص المبيّن للمقصود، كما يتكلّم به الفصحاء من الناس.

(أتى رجل بتهامة).

في القاموس: «تهامة _ بالكسر _ : مكّة شرّفها اللّه تعالى، وأرضٌ معروف، لا بَلَد.ووهم الجوهري» (1).انتهى(2).

وقيل: هي ما بين ذات عرق على مرحلتين من وراء [مكّة](3).

(قالوا: لأمرٍ ما أنطق اللّه هذا العجل).

كلمة «ما» صفة أي لأمرٍ عظيم أنطقه اللّه .

(وحملوا من الزاد ما قذف اللّه في قلوبهم) أي ألقاه فيها ورماه بها.

(ثمّ رفعوا شراعها).

في القاموس: «شراع _ ككتاب _ : كالمِلأَة الواسعة فوق خشبة تصفقه الريح، فقضى بالسفينة.الجمع: أشرعة، وشُرع، بضمّتين»(4).

(وسيّبوها في البحر).

قال الجوهري: «ساب الماء يسيب: أي جرى.وسيّبت الدابّة: تركتها تسيب حيث شاءت»(5).

(فما زالت) أي السفينة.

(تسير بهم حتّى رمت بهم بجدّة).

الباء في «بهم» في الموضعين للتعدية.

قال الفيروزآبادي: «جدّة _ بالضمّ _ : ساحل البحر بمكّة.وجُدّة: لموضع بعينه، وجانب كلّ شيء»(6).

ص: 423


1- . الصحاح، ج 5، ص 1878 (تهم)
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 84 (تهم)
3- نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 361 بعنوان «قيل»
4- القاموس المحيط، ج 3، ص 44 (شرع)
5- الصحاح، ج 11، ص 150 (سيب) مع التلخيص
6- القاموس المحيط، ج 1، ص 280 (جدد)

متن الحديث الخامس والسبعين والثلاثمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ حَدِيدٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله أَصْبَحَ فَقَعَدَ فَحَدَّثَهُمْ بِذلِكَ ، فَقَالُوا لَهُ : صِفْ لَنَا بَيْتَ الْمَقْدِسِ».

قَالَ : «فَوَصَفَ (1)لَهُمْ ، وَإِنَّمَا دَخَلَهُ لَيْلًا فَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ النَّعْتُ ، فَأَتَاهُ جَبْرَئِيلُ عليه السلام ، فَقَالَ : انْظُرْ هاهُنَا ، فَنَظَرَ إِلَى الْبَيْتِ ، فَوَصَفَهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ ، ثُمَّ نَعَتَ لَهُمْ مَا كَانَ مِنْ عِيرٍ لَهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الشَّامِ ، ثُمَّ قَالَ : هذِهِ (2)عِيرُ بَنِي فُلَانٍ تَقْدَمُ مَعَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، يَتَقَدَّمُهَا جَمَلٌ أَوْرَقُ أَوْ أَحْمَرُ» .

قَالَ : «وَبَعَثَ قُرَيْشٌ رَجُلًا عَلى فَرَسٍ لِيَرُدَّهَا» قَالَ : «وَبَلَغَ مَعَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ، قَالَ قُرْطَةُ بْنُ عَبْدِ (3)عَمْرٍو : يَا لَهْفا (4)أَلَا أَكُونَ لَكَ جَدَعا (5)حِينَ تَزْعُمُ أَنَّكَ أَتَيْتَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ ، وَرَجَعْتَ مِنْ لَيْلَتِكَ» .

شرح الحديث

السند موثّق.

قوله: (عن حديد).

هو حديد بن حكيم الأزدي الثقة.

وقوله: (لمّا اُسري برسول اللّه صلى الله عليه و آله ).

الباء للتعدية.قال الجوهري: «سريت سُرَى ومَسْرَىً وَأَسْرَيتُ بمعنى: إذا سرت ليلاً.

وبالألف لغة أهل الحجاز»(6).

(فقالوا [له]: صِفْ لنا بيت المقدس).

في القاموس: «بيت المقدس، كمجلس ومعظّم»(7).

(فوصف وهو ينظر إليه).

قيل: يحتمل أن يكون ذلك بخلق اللّه تعالى مثله قريبا منه، أو بنقله إلى قريب، أو بإزالة

ص: 424


1- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «فوصفه»
2- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «هذا»
3- . في بعض نسخ الكافي: - «عبد»
4- . في بعض نسخ الكافي والوافي: + «من»
5- . في كلتا الطبعتين: «جدعا» بالدال المهمة»
6- الصحاح، ج 6، ص 2376 (سرا)
7- القاموس المحيط، ج 2، ص 239 (قدس)

الحجاب بينه وبينه(1).

(ثمّ نعت لهم) أي وصف للناس.

(ما كان من عير لهم فيما بينهم وبين الشام).

في القاموس: «العير _ بالكسر _ : القافلة، مؤنّثة، أو الإبل تحمل الميرة بلا واحد من لفظها، أو كلّ ما امتير عليه، إبلاً كانت أو حميرا» (2)انتهى.

وقيل: العير اسم للإبل التي عليها الأحمال؛ لأنّها تعير، أي تردّد.فقيل لأصحابها، ثمّ تجوّز به لقافلة الحمير، ثمّ استعير لكلّ قافلة(3).

(ثمّ قال: هذه عير بني فلان تقدّم) بصيغة المضارع، وفاعله «العير».يُقال: قدم من سفره _ كعلم _ أي ورد.وقدم _ كنصر _ أي تقدّم.

(مع طلوع الشمس) أي حين طلوعها.

(يتقدّمها) أي العير.

(جمل أورق) في بعض النسخ: «أزرق».

قال الجوهري: قال الأصمعي:

الأورق من الإبل الذي في لونه بياض إلى سواد، وهو أطيب الإبل لحما، وليس بمحمود عندهم في عمله وسيره.وقال أبو زيد: هو الذي يضرب لونه إلى الخضرة(4).

(أو أحمر) الترديد من الراوي.

(قال) أبو عبداللّه عليه السلام : (وبعث قريش رجلاً على فرس).أي راكبا عليه.

(ليردّها) أي ليردّ ذلك الرجل العير، ويمنعها من القدوم حين طلوع الشمس، لئلّا يظهر معجزة رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

(قال) أبو عبداللّه عليه السلام : (وبلغ مع طلوع الشمس).

لعلّ المراد أنّه بلغ ذلك الرجل العير حين قدموا مع طلوع الشمس فلم يمكنه ردّها، أو

ص: 425


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 362
2- . القاموس المحيط، ج 2، ص 98 (عير) مع التلخيص
3- قاله البيضاوي في تفسيره، ج 3، ص 300 مع التلخيص واختلاف يسير في اللفظ
4- الصحاح، ج 4، ص 1565 (ورق) مع التلخيص

بلغ العير مع طلوع الشمس قبل بلوغ ذلك الرجل إليها، والتذكير باعتبار اللفظ، وعلى التقديرين يكون معجزة اُخرى.

(قال قرطة بن عبد عمرو).

ويحتمل أن يكون «قرطة» كهمزة، أو كعنبة.

(يا لهفا ألّا أكون لك جدعا).

قال الجوهري: «قولهم: يا لهف فلان، كلمة يتحسّر بها على ما فات»(1).

وقال الفيروزآبادي: «يُقال: يا لهفي عليك، ويا لَهْف ويا لَهفا ويا لهفاه» انتهى(2).

وقيل: يا لهفا، أصله: يا لهفي، (3)ولم يثبت.

وقوله: «أن لا أكون» بتقدير «لأن لا أكون» أو «على أن لا أكون».

و«جدعا» بالدال المهملة على ما رأيناه من النسخ، ولعلّه هنا بكسر الدال، على أن يكون صفة مشبّهة، أو بسكونها على أن يكون مصدرا.والحمل على المبالغة.وعلى الثاني يحتمل كونه صفة مشبّهة أيضا.ولعلّه كناية عن الإذلال، وعن القتل.

وقيل: هو من المجادعة، بمعنى المخاصمة(4).

قال الفيروزآبادي: الجدع _ كالمنع _ : الحبس، والسّجن، وقطع الأنف أو الاُذن أو اليد أو الشفة.جدعه فهو أجدع، بيِّن الجدع _ محرّكة _ وكلأ جداع كغراب: فيه جدع لمن رعاه، أي وبيل وخم، ومنه الجداع للموت.وصبيّ جدع _ ككتف _ : سيّئ الغذاء.وقد جدع كفرح، وجدعته اُمّه _ كمنع _ : أساءت [غذاءه]، وكسحاب: السنة الشديدة تجدع بالمال وتُذهِب به.وجدعا له: ألزمه اللّه الجدع.وجادع مجادعة: شاتم وخاصم، انتهى(5).

وقرأه بعض الأفاضل بالذال المعجمة، وقال: يحتمل أن يكون كلامه _ لعنه اللّه _ جاريا على سبيل الاستهزاء، ويكون مراده: يا ليتني كنت شابّا قويّا على نصرتك، حين ظهر لي أنّك

ص: 426


1- الصحاح، ج 4، ص 1429 (لهف)
2- القاموس المحيط، ج 3، ص 197 (لهف) مع التلخيص
3- . قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 252
4- ذهب إليه المحقّق الفيض رحمه الله في الوافى، ج 26، ص 362، ذيل ح 25459
5- القاموس المحيط، ج 3، ص 11 (جدع) مع التلخيص

أتيت بيت المقدس، ورجعت من ليلتك.ويحتمل أن يكون مراده: يا لهفا على أن كبُرت وضعفت، ولا أقدر على إضرارك حين سمعتك تقول هذا(1).

قال الجزري في حديث المبعث: «إنّ ورقة بن نوفل قال: يا ليتني فيها جذعا.الضمير في قوله: «فيها» للنبوّة، أي ليتني كنتُ شابّا عند ظهورها حتّى اُبالغ في نصرتها وحمايتها»(2).

متن الحديث السادس والسبعين والثلاثمائة

اشارة

حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مِسْكِينٍ ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ صُهَيْبٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : إِنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أَقْبَلَ يَقُولُ لِأَبِي بَكْرٍ فِي الْغَارِ : اسْكُنْ فَإِنَّ اللّهَ مَعَنَا ، وَقَدْ أَخَذَتْهُ الرِّعْدَةُ وَهُوَ لَا يَسْكُنُ ، فَلَمَّا رَأى رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله حَالَهُ قَالَ لَهُ : تُرِيدُ أَنْ أُرِيَكَ أَصْحَابِي مِنَ الْأَنْصَارِ فِي مَجَالِسِهِمْ يَتَحَدَّثُونَ ، فَأُرِيَكَ (3) جَعْفَرا وَأَصْحَابَهُ فِي الْبَحْرِ يَغُوصُونَ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَمَسَحَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِيَدِهِ عَلى وَجْهِهِ ، فَنَظَرَ إِلَى الْأَنْصَارِ يَتَحَدَّثُونَ ، وَنَظَرَ إِلى جَعْفَرٍ عليه السلام وَأَصْحَابِهِ فِي الْبَحْرِ يَغُوصُونَ ، فَأَضْمَرَ تِلْكَ السَّاعَةَ أَنَّهُ سَاحِرٌ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (يقول لأبي بكر في الغار).

الغار: الكهف في الجبل.

(اسكن فإنّ اللّه معنا) بالعصمة والمعونة.وهذا إشارة إلى قوله تعالى: «ثَانِىَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ» (4).الآية.

(وقد أخذته الرعدة) الضمير لأبي بكر.وقال الفيروزآبادي: «ارتعد: اضطرب.والاسم: الرعدة، بالكسر والفتح»(5).

ص: 427


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 251
2- النهاية، ج 1، ص 250 (جذع)
3- . في أكثر نسخ الكافي والوافي: «واُريك»
4- التوبة (9): 40
5- القاموس المحيط، ج 1، ص 295 (رعد)

(وهو) أي أبو بكر.

(لا يسكن) أي لا يستقرّ، ولا يطمأنّ من الخوف والاضطراب.

(فلمّا رأى رسول اللّه صلى الله عليه و آله حاله) من الاضطراب وعدم السكون.

(قال له: تريد).

قال الجوهري: «الإرادة: المشيّة، وأصلها الواو»(1).

(أن اُريك أصحابك من الأنصار) جمع ناصر.وغلب على جماعة من أهل مدينة بايعوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وآمنوا به بمكّة، ثمّ آووه ونصروه بعد مهاجرته صلى الله عليه و آله بمدينته.

(في مجالسهم) بمدينة (يتحدّثون، فاُريك جعفرا)؛ هو جعفر بن أبي طالب بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف.

(وأصحابه) هم الذين هاجروا معه إلى حبشة.

(في البحر يغوصون) أصل الغوص النزول تحت الماء.والمراد هاهنا المسافرة في البحر.

(فأضمر) أي أخفا أبو بكر في ضميره وخاطره.

(أنّه) يعني رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

(ساحر).

في القاموس: «السّحر _ بالكسر _ : كلّ ما لطُف مأخذه ودقّ.والفعل كمنع.وسحر _ كمنع _ : خَدَعَ»(2).

واعلم أنّ العامّة استدلّوا بآية الغار على فضيلة أبي بكر على سائر الأصحاب بوجوه ركيكة واهية، منها: أنّ اللّه تعالى سمّاه صاحب رسول اللّه صلى الله عليه و آله .ومنها: قوله تعالى: «إِنَّ اللّه َ مَعَنَا» ، ومنها قوله: «فَأَنزَلَ اللّه ُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ» .

قال البيضاوي: «السكينة» الأمنة التي يسكن عندها القلوب، وضمير «عليه» راجع إلى النبيّ صلى الله عليه و آله ، أو إلى صاحبه.قال: والثاني أظهر؛ لأنّه كان منزعجا»(3).

أقول: إنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ سمّى الكافر صاحبا للنبيّ صلى الله عليه و آله في قوله تعالى: «يَا صَاحِبَىِ

ص: 428


1- الصحاح، ج 2، ص 295 (رود)
2- القاموس المحيط، ج 2، ص 45 (سحر) مع التلخيص
3- تفسير البيضاوي، ج 3، ص 146 مع اختلاف في اللفظ

السِّجْنِ» (1).

وللمؤمن في قوله: «فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ» (2). ، وسمّى المؤمن صاحبا للكافر في قوله جلّ طوله: «قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ» (3).

الآية.وقد اشتهر في العرف تسمية الحمار والجمار والكلب وأمثالها صاحبا، فظهر أن ليس في لفظ الصاحب دلالة على أصل إيمانه فضلاً عن فضله وإيقانه.وكذا في قوله: «معنا».قال اللّه تعالى: «مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (4)، وإرجاعهم ضمير «عليه» إلى أبي بكر خطأ فاحش خارج عن اُسلوب العربيّة؛ فإنّ الضمائر قبله وبعده تعود إلى النبيّ صلى الله عليه و آله جزما واتّفاقا، وهي قوله تعالى سابقا: «إِلَا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّه ُ» (5).وقوله: «إِذْ أَخْرَجَهُ» وقوله: «لِصَاحِبِهِ» وقوله فيما بعده: «وَأَيَّدَهُ» .فكيف يجوز أن يتخلّل بينها ما يعود إلى غيره؟ بل الآية تدلّ على عدم إيمانه دلالة ظاهرة؛ لأنّ اللّه تعالى كلّما ذكر إنزال السكينة على الرسول صلى الله عليه و آله ضمّ إليه المؤمنين، ففي سورة التوبة في قصّة حنين: «ثُمَّ أَنزَلَ اللّه ُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ» (6).وهم أمير المؤمنين عليه السلام والذين ثبتوا معه تحت الراية.وقيل: إنّهم ثمانون رجلاً، وقد ثبت عند الفريقين أنّ العمرين ليسا منهم، بل كانا من المنهزمين.

وفي سورة الفتح: «فَأَنْزَلَ اللّه ُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ» (7). ، فظهر أنّ تخصيص الرسول هنا بإنزال السكينة حيث لم يقل عليهما، أو ما يجري مجراه، إنّما هو لعدم إيمانه، (8).وأيضا خوفه واضطرابه يدلّ على عدم إيقانه بما وعد اللّه رسوله من النجاة والفتح والنصرة، بل كان ذلك إضرارا وتخويفا للنبيّ صلى الله عليه و آله لولا ما أنزل اللّه على رسوله من السكينة.وأيضا أيّ فضيلة لمَن هرب من الجهاد خوفا على نفسه وترك رسول اللّه صلى الله عليه و آله وخذله؟ وهل يقابل عاقل بين ما فعل أمير المؤمنين عليه السلام في وقائع كثيرة حيث فدى بمهجته، ووقا رسول اللّه صلى الله عليه و آله بنفسه، ولم يهرب ولم ينهزم قطّ من حضرته؟ وما يتذكّر إِلَا اُولُوا الاَلْباب.

ص: 429


1- .يوسف (12): 39
2- .الكهف (18): 34
3- .الكهف (18):37
4- المجادلة (58): 7
5- التوبة (9): 40
6- التوبة (9): 26
7- .الفتح (48): 26
8- .اُنظر: مرآة العقول، ج 26، ص 255

متن الحديث السابع والسبعين والثلاثمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَمَّا خَرَجَ مِنَ الْغَارِ مُتَوَجِّها إِلَى الْمَدِينَةِ ، وَقَدْ كَانَتْ قُرَيْشٌ جَعَلَتْ لِمَنْ أَخَذَهُ مِائَةً مِنَ الْاءِبِلِ ، فَخَرَجَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ (1). فِيمَنْ يَطْلُبُ ، فَلَحِقَ بِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : اللّهُمَّ اكْفِنِي شَرَّ سُرَاقَةَ بِمَا شِئْتَ ، فَسَاخَتْ قَوَائِمُ فَرَسِهِ ، فَثَنى رِجْلَهُ ، ثُمَّ اشْتَدَّ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، إِنِّي عَلِمْتُ أَنَّ الَّذِي أَصَابَ قَوَائِمَ فَرَسِي إِنَّمَا هُوَ مِنْ قِبَلِكَ ، فَادْعُ اللّهَ أَنْ يُطْلِقَ لِي فَرَسِي ، فَلَعَمْرِي إِنْ لَمْ يُصِبْكُمْ مِنِّي خَيْرٌ ، لَمْ يُصِبْكُمْ مِنِّي شَرٌّ ، فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَأَطْلَقَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ فَرَسَهُ ، فَعَادَ فِي طَلَبِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله حَتّى فَعَلَ ذلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، كُلَّ ذلِكَ يَدْعُو رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَتَأْخُذُ الْأَرْضُ قَوَائِمَ فَرَسِهِ ، فَلَمَّا أَطْلَقَهُ فِي الثَّالِثَةِ قَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، هذِهِ إِبِلِي بَيْنَ يَدَيْكَ ، فِيهَا غُلَامِي ، فَإِنِ (2).احْتَجْتَ إِلى ظَهْرٍ أَوْ لَبَنٍ فَخُذْ مِنْهُ ، وَهذَا سَهْمٌ مِنْ كِنَانَتِي عَلَامَةً ، وَأَنَا أَرْجِعُ فَأَرُدُّ عَنْكَ الطَّلَبَ ، فَقَالَ : لَا حَاجَةَ لَنَا فِيمَا عِنْدَكَ» .

شرح الحديث

السند حسن.

قوله: (وقد كانت قريش جعلت) أي شارطت.

(لمن أخذه مائة من الإبل).

الأخذ: التناول.

والضمير لرسول اللّه صلى الله عليه و آله .

قال الفيروزآبادي: «جعل له كذا، على كذا: شارطه عليه»(3).

وقال الجوهري: «جعله نبيّا: أي صيّره.وجعلوا الملائكة إناثا: أي سمّوهم»(4).

(فخرج سراقة بن مالك بن جعشم) بتقديم العين المهملة على الشين المعجمة.

ص: 430


1- في أكثر نسخ الكافي والوافي: «جشعم» بتقديم الشين المعجمة.وفي بعض نسخ الكافي: «خثعم»
2- في بعض نسخ الكافي والوافي: «وإن»
3- القاموس المحيط، ج 3، ص 348 (جعل) مع التلخيص
4- الصحاح، ج 4، ص 1656 (جعل)

قال في القاموس: «سراقة _ كثمامة _ : ابن مالك صحابي.وقول الجوهري: ابن جعشم، (1)وهمٌ، إنّما هو جدّه»(2).

وقال: «الجُعشم _ كقنفذ، وجندب _ : القصير الغليظ الشديد [و] الطويل الجسم، ضدّ»(3).

وفي بعض النسخ: «خثعم» بدل «جعشم».وفي بعضها: «جشعم».

(فساخت قوائم فرسه).

قال الجوهري: «ساخت قوائمه في الأرض، تسوخ وتسيخ: دخلت فيها وغابت»(4).

(فثنى رجله، ثمّ اشتدّ).

الثني: العطف، والصرف.وفعله كرمى.

والاشتداد: العَدْو، وهو سرعة السير.

ولعلّ المراد أنّه نزل من نزل من فرسه، وجعل يعدو إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

(فقال: يا محمّد) إلى قوله: (إنّما هو من قبلك).

يُقال: لي قِبَل فلان حقّ _ بكسر القاف وفتح الباء _ أي عنده.

(فإن احتجت إلى ظهر أولبن فخُذ منه).

الضمير للغلام أو لكلّ من الظهر واللبن.

قال الفيروزآبادي: «الظهر: الركاب»(5).

وقال: «الركاب _ ككتاب _ : الإبل.واحدتها: راحلة.الجمع ككتب»(6).

(وهذا سهم من كنانتي).

الكنانة _ بالضمّ والتخفيف _ : ما يُجعل فيه السهام.وقال الفيروزآبادي: «هي جعبة من جلد، لا خشب فيها، أو بالعكس»(7).

(علامة) أي سمته لغلماني بأنّي أذِنتُ لهم، وأمرتهم أن يعطوك ما تطلب من الظهر واللبن، وأنا اُراجع.

ص: 431


1- . اُنظر: الصحاح، ج 4، ص 1496 (سرق)
2- القاموس المحيط، ج 3، ص 245 (سرق) مع اختلاف في اللفظ
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 91 (جعشم) مع التلخيص
4- الصحاح، ج 1، ص 424 (سوخ)
5- القاموس المحيط، ج 2، ص 82 (ظهر) مع التلخيص
6- القاموس المحيط، ج 1، ص 75 (ركب)
7- القاموس المحيط، ج 4، ص 264 (كنن)

(فأردّ عنك الطلب) بفتحتين، أي طلب الناس إيّاك؛ يعني أمنعهم من طلبك.

ويحتمل كونه جمع طالب.قال الفيروزآبادي: «طلبه طلبا _ محرّكة _ : حاول وجوده وأخْذَه، وهو طالب.الجمع: طلّاب، وطُلَّب، وطَلَبَه، وطَلَب»(1).

متن الحديث الثامن والسبعين والثلاثمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «لَا تَرَوْنَ الَّذِي تَنْتَظِرُونَ حَتّى تَكُونُوا كَالْمِعْزَى الْمَوَاتِ الَّتِي لَا يُبَالِي الْخَابِسُ (2). أَنْ (3)يَضَعُ يَدَهُ فِيهَا ، لَيْسَ لَكُمْ شَرَفٌ تَرْقَوْنَهُ ، وَلَا سِنَادٌ تُسْنِدُونَ إِلَيْهِ أَمْرَكُمْ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (لا ترون الذي تنتظرون) من ظهور دولة الحقّ (حتّى تكونوا كالمعزى).

(أن يضع).

وفي بعضها: «الموات التي لا يبالى الخايس أن يضع يده فيها».

في بعض النسخ: «أين يضع».وفي بعضها: «منها» بدل «فيها».

ولعلّ هذا الكلام تمثيل لضعف الشيعة، وحقارتهم وذلّهم، وقوّة أعدائهم، وشوكتهم وبطشهم، واستيلائهم على أهل الحقّ، وتمكّنهم من نيل المراد ممّا أرادوا منهم.

قال الجوهري: «المعز _ من الغنم _ : خلاف الضّأن.[وكذلك] المعيز والمعزى والمعز.وواحد [ماعز] للذكر والاُنثى.

الجمع: مواعيز»(4).

وقال: «الموات _ كسحاب _ : ما لا روح فيه، وأرض لا مالك فيها»(5).

وقال:

خبس الشيء بكفّه: أخذه.وفلانا: حقّه ظلمه وغشمه.والخبوس: الظلوم.

ص: 432


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 97 (طلب) مع التلخيص
2- في بعض نسخ الكافي: «الخاسر».وفي بعضها: «الجالس».وفي بعضها: «الخائن».وفي شرح المازندراني: «الحابس»
3- في كلتا الطبعتين: «أين»
4- الصحاح، ج 3، ص 896 (معز) مع اختلاف في اللفظ
5- الصحاح، ج 1، ص 267 (موت) مع اختلاف في اللفظ

واختبسه: أخذه مغالبة.وماله: ذهب به.والأسد كالخابس والخبوس والخبّاس، وما تخبّست من شيء ما اغتنمت، انتهى(1).

وفي بعض النسخ: «الجآسّ» من الجسّ، وهو المسّ باليد.

قال بعض الأعلام في شرح هذا الكلام: «أي حتّى تكونوا في الذلّة والصِّغار، واستيلاء الظَلَمة عليكم، كالمعز الميّت الذي لا يبالي الأسد افتراس أيّ عضوٍ من أعضائه أراد»(2).

وقال بعض الشارحين: لعلّ المراد بالخابس هنا الآخذ، لا يكره من يأخذ الشيء بكفّه أن يرفع يده منها؛ لكونها في غاية السقوط.أو المراد به الظالم، وبوضع اليد منها أو فيها على اختلاف النسخ إيصال الأذى، والقتل، وبعدم المبالاة عدم الخوف من المؤاخذة؛ لعدم وجود الناصر للمظلوم ظاهرا(3).

(ليس لكم شرف ترقونه) الجملة حاليّة.

والشرف _ محرّكة _ : العلوّ، والمكان العالي، والمجد.

والرقيّ _ كالمضيّ _ : الصعود.فعله كرضى.فإن اُريد بالشرف العلوّ والمجد، فلعلّ المراد: لا يكون لكم في تلك الحال شرف بين الناس ترتفعون لأجله، وتدفعون أذى الأعادي عن أنفسكم بارتقائه.وإن اُريد به المكان العالي فالمراد: أنّه لا يكون لكم حينئذٍ مأوى وملجأ للاحتياز عن سيول الفتن والنوائب.

وعلى التقديرين يكون كناية عن فقد الحامي والباعث لدفع شرّ الأشرار عنهم، وضيق الأرض عليهم.

وكذا قوله عليه السلام : (ولا سناد تسندون إليه أمركم).

قال الجوهري: «فلان سَنَد، أي معتمد.وسندت إلى الشيء أَسْنُدُ سُنُودا واستندت بمعنى، وأسندت غيري.والسّناد: الناقة الشديدة الخلق»(4).

ص: 433


1- هذه عبارة القاموس المحيط، ج 2، ص 210 (خبس) مع تلخيص
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 256
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 365 مع التلخيص واختلاف يسير في اللفظ
4- الصحاح، ج 2، ص 490 (سند) مع التلخيص

وفي القاموس: «السِّناد _ بالكسر _ : الناقة القويّة»(1).

قيل: لعلّ المراد به الأمير العادل القويّ على دفع الأعداء، وهذا من أعظم أسباب ضعفهم ونزول البلاء والنّكال من الأعداء إليهم(2).

وقيل: السّناد _ بالكسر _ : ما يستند إليه ويُعتمد عليه.والمراد: ما يستند إليه في اُمور الدِّين والدنيا، أو الأعمّ(3).

متن الحديث التاسع والسبعين والثلاثمائة

اشارة

وَعَنْهُ (4)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ مِثْلُهُ .

قَالَ : قُلْتُ لِعَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ : مَا الْمَوَاتُ مِنَ الْمَعْزِ؟

قَالَ : الَّتِي قَدِ اسْتَوَتْ لَا يَفْضُلُ بَعْضُهَا عَلى بَعْضٍ .

شرح الحديث

السند ضعيف، وضمير «عنه» لأحمد بن محمّد.

قوله: (قلت لعليّ بن الحكم).

فاعل «قال» إلى حدّ لا يلتفت إليها أحد لغاية الاحتقار كالميتة.

أقول: توضيح المقام أنّ الموات في اللغة ما لا روح فيه _ كما مرّ _ فلعلّ الراوي بنى حاصل المعنى على التشبيه بالميّت في أنّه لا يتحرّك ولا يتأثّر إذا وضعت يدك على أيّ جزء منه.

وقال بعض الأفاضل:

يحتمل على تفسير الراوي أن يكون التشبيه لمجموع الشيعة بقطيع معز ضعفاء، أو بمعز ميّت، فالمراد أن يكون كلّهم متساوين في الضعف والعجز، فيكون قوله عليه السلام : «ليس لكم شرف» كالتفسير بوجه التشبيه، فلا تغفل(5).

ص: 434


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 304 (سند)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 365
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 257
4- . الضمير راجع إلى أحمد بن محمّد المذكور في السند السابق
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 257 مع اختلاف يسير في اللفظ

متن الحديث الثمانين والثلاثمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيى ، عَنْ عِيصِ بْنِ الْقَاسِمِ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ : «عَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَانْظُرُوا لِأَنْفُسِكُمْ ، فَوَ اللّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَكُونُ لَهُ الْغَنَمُ فِيهَا الرَّاعِي ، فَإِذَا وَجَدَ رَجُلًا هُوَ أَعْلَمُ بِغَنَمِهِ مِنَ الَّذِي هُوَ فِيهَا يُخْرِجُهُ ، وَيَجِيءُ بِذلِكَ الرَّجُلِ (1)الَّذِي هُوَ أَعْلَمُ بِغَنَمِهِ مِنَ الَّذِي كَانَ فِيهَا ، وَاللّهِ لَوْ كَانَتْ لِأَحَدِكُمْ نَفْسَانِ يُقَاتِلُ (2). بِوَاحِدَةٍ يُجَرِّبُ بِهَا ، ثُمَّ كَانَتِ الْأُخْرى بَاقِيَةً ، فَعَمِلَ (3). عَلى مَا قَدِ اسْتَبَانَ لَهَا ، وَلكِنْ لَهُ نَفْسٌ وَاحِدَةٌ إِذَا ذَهَبَتْ فَقَدْ وَاللّهِ ذَهَبَتِ التَّوْبَةُ (4). ، فَأَنْتُمْ (5). أَحَقُّ أَنْ تَخْتَارُوا لِأَنْفُسِكُمْ ، إِنْ أَتَاكُمْ آتٍ مِنَّا ، فَانْظُرُوا عَلى أَيِّ شَيْءٍ تَخْرُجُونَ ، وَلَا تَقُولُوا : خَرَجَ زَيْدٌ ؛ فَإِنَّ زَيْدا كَانَ عَالِما وَكَانَ صَدُوقا ، وَلَمْ يَدْعُكُمْ إِلى نَفْسِهِ ، إِنَّمَا دَعَاكُمْ إِلَى الرِّضَا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ عليهم السلام ، وَلَوْ ظَهَرَ لَوَفى بِمَا دَعَاكُمْ إِلَيْهِ ، إِنَّمَا خَرَجَ إِلى سُلْطَانٍ مُجْتَمِعٍ لِيَنْقُضَهُ ، فَالْخَارِجُ مِنَّا الْيَوْمَ إِلى أَيِّ شَيْءٍ يَدْعُوكُمْ؟ إِلَى الرِّضَا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ عليهم السلام ، فَنَحْنُ نُشْهِدُكُمْ أَنَّا لَسْنَا نَرْضى بِهِ ، وَهُوَ يَعْصِينَا الْيَوْمَ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ ، وَهُوَ (6). إِذَا كَانَتِ الرَّايَاتُ وَالْأَلْوِيَةُ أَجْدَرُ أَنْ لَا يَسْمَعَ مِنَّا (7). إِلَا (8)مَنِ اجْتَمَعَتْ بَنُو فَاطِمَةَ مَعَهُ ، فَوَ اللّهِ مَا صَاحِبُكُمْ إِلَا مَنِ اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ إِذَا كَانَ رَجَبٌ ، فَأَقْبِلُوا عَلَى اسْمِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَإِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ تَتَأَخَّرُوا إِلى شَعْبَانَ فَلَا ضَيْرَ ، وَإِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ تَصُومُوا فِي أَهَالِيكُمْ فَلَعَلَّ ذلِكَ أَنْ يَكُونَ أَقْوى لَكُمْ ، وَكَفَاكُمْ بِالسُّفْيَانِيِّ عَلَامَةً» .

شرح الحديث

السند حسن.

قوله: (وانظروا لأنفسكم).

قال الفيروزآبادي: «نظره _ كنصره وسمعه _ وإليه نظرا: تأمّله بعينه.ولهم: رثى لهم، وأعانهم»(9).

ص: 435


1- . في بعض نسخ الكافي: - «الرجل»
2- في بعض نسخ الكافي: «فيقاتل»وفي بعضها: «فتقاتل»
3- في بعض نسخ الكافي: «تعمل»
4- في الوافي: «النوبه» بالنون
5- في بعض نسخ الكافي: «وأنتم»
6- في بعض نسخ الكافي والوافي: «فهو»
7- في الوافي وشرح المازندراني عن بعض النسخ: + «لا تخرج»
8- .في كلتا الطبعتين: + «مع»
9- القاموس المحيط، ج 2، ص 144 (نظر) مع التلخيص

وقال: «رثى له: رحمه، ورقَّ له»(1).

أقول: لعلّ المراد: اُنظروا في اُمور أنفسكم، وفي صلاحها، وما يوجب هدايتها، ويمنع غوايتها وضلالتها، من متابعة من يجب عليكم متابعته.أو: رقّوا لأنفسكم، وارحموها، وأعينوها بالبرّ والتقوى، وطاعة من أوجب اللّه طاعته ومخالفة مَنْ أوجبَ مخالفته.

والظاهر أنّ قوله عليه السلام : (فواللّه إنّ الرجل ليكون له الغنم) إلى قوله: (من الذي كان فيها) تمثيل لحال الإمام والرعيّة؛ لكون الإمام بمنزلة الراعي، والرعيّة بمنزلة الغنم، فكما أنّ الإنسان لا يختار لغنمه إلّا من كان أرعى وأصلح لها، فكذلك لا ينبغي أن يقتدي إلّا بمَن كان أعلم بمصالحه، وأهدى له إلى مسالكه، وأمنع له من مهالكه.

وقيل: هذا التمثيل غاية للنظر المأمور به؛ لأنّ النظر الصحيح يحكم بأنّه حقٌّ لا ريب فيه(2).

(واللّه لو كانت لأحدكم) أي لكلّ واحدٍ منكم.

(نفسان) أي روحان.

(يُقاتل بواحدة يجرّب بها).

قيل: أي يجتهد بواحدة في تحصيل العلوم والتجربيّات، والتمييز بين الحقّ والباطل والخير والشرّ(3).

قال الجوهري:

قتلتُ الشيء خُبْرا.قال اللّه تعالى: «وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينا» (4)أي لم يحيطوا به علما.

وقتلت الشراب، أي مزجته بالماء.والمقاتلة: القتال.ورجلٌ مُقتَّل، أي مجرّب.

وقلبٌ مقتل أي مذلَّل قتله العشق(5).

أقول: يمكن تطبيق عبارة الحديث بكلّ من تلك المعاني بنوع من التقريب.

وقال الفيروزآبادي: «جرّبه تجربةً: اختبره.ورجلٌ مجرّب _ كمعظّم _ : بلي ما [كان ]عنده.ومجرّب عرف الاُمور»(6).

ص: 436


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 333 (رثي)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 366
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 366
4- النساء (4): 157
5- الصحاح، ج 5، ص 1798 (قتل) مع التلخيص
6- القاموس المحيط، ج 1، ص 46 (جرب)

(ثمّ كانت الاُخرى باقية) مع فناء الاُولى على الظاهر.وقيل: مع بقائها أيضا(1).

(فعمل) بالنفس الباقية (على ما قد استبان لها).

أي على وفق ما ظهر للنفس الاُخرى بتجربة الاُولى.والظاهر أنّ قوله عليه السلام : «فعمل» مع متعلّقاته جزاء الشرط، وحاصل المعنى حينئذٍ: أنّه لو تحقّق ما ذكر، لأمكن له العمل بالنفس الاُخرى، وتدارك ما فات بالاُولى؛ لاشتغالها بالتجربة.واحتمال كون «يقاتل» جزاء الشرط بعيد.

وقيل: الجزاء محذوف بقرينة السِّياق، (2)والتقدير: لأمكن له حينئذٍ ترك العمل والتوبة من التقصير فيه في زمان الاُولى توقّعا لتداركها بالثانية.

ثمّ اعلم أنّ المقرّر عند المنطقيّين أنّ استثناء نقيض امتناني يتبع رفع المقدّم؛ لأنّ العلم بانتفاء اللّازم يوجب العلم بانتفاء الملزوم، من غير عكس؛ لجواز كون اللّازم أعمّ، وأمّا على قانون اللّغة فاستثناء نقيض الشرط ينتجّ رفع الجزاء، نظرا إلى قصدهم منه الدلالة، على أنّ علّة انتفاء الجزاء في الخارج انتفاء الشرط.تقول: إن جئتني لأكرمتك، لكنّك لم تجي تريد به انتفاء الإكرام في الخارج بسبب انتفاء المجيء.

قال الحمّاسي:

ولو طار ذو حافرٍ قبلها***لطارت ولكنّه لم يطِر (3).

يعني: إنّ عدم طيران تلك الفرس بسبب أنّه لا يطير ذو حافر.فقوله عليه السلام : (ولكن له نفس واحدة) جارٍ على قانون اللّغة.

(إذا ذهبت) تلك النفس الواحدة (فقد [واللّه ] ذهبت التوبة) وتدارك ما فات، وانقطع العمل لما هو آتٍ، فوجب لكلّ أحد المسارعة في الخيرات والمبادرة إلى الصالحات قبل ذهابها وفنائها.

(فأنتم أحقّ أن تختاروا لأنفسكم) الخيرات.

الخطاب للشيعة؛ أي أنتم أحقّ وأجدر من غيركم بأن تختاروا لأنفسكم ما هو خيرٌ لكم

ص: 437


1- ذهب إليه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 366
2- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 366
3- . راجع: مختصر المعاني، ص 95

من الائتمام بالأئمّة المعصومين، والاهتمام بأعمال شرايع الدِّين، واغتنام الفرصة منذ درك ما فرّطتم فيه بالتوبة والإنابة.

واعلم أنّ قوله عليه السلام : «فأنتم أحقّ» مبتدأ وخبر.وإفراد المسند هنا؛ لأنّ أفعل التفضيل إذا استعمل بمَن، فهو مفرد مذكّر، لا غير، سواء كان مسندا للمفرد المذكّر، أو المؤنّث، أو التثنية، أو الجمع؛ لكراهتهم لحوق أداة التأنيث والتثنية والجمع المختصّة بالآخر بما هو في حكم الوسط باعتبار امتزاجه بمَن التفضيليّة؛ لكونها الفارقة بينه وبين «أفعل» الصّفة، فكأنّها من تمام الكلمة.

(إن أتاكم آتٍ منّا).

لعلّ المراد: إن دعاكم داعٍ من بني هاشم، أو العلويّين إلى الخروج معه.

(فانظروا على أيّ شيء تخرجون).

الظاهر أنّ كلمة «على» تعليليّة؛ أي لا تخرجوا معه بلا رويّة وتأمّل، بل انظروا إلى السبب المجوّز، أو الموجب للخروج معه، وهو كونه من أهل الدعوة والخلافة.

(ولا تقولوا: خرج زيد) فيجوز الخروج لنا مع كلّ من يخرج من الفاطميّين كائنا مَن كان.

(فإنّ زيدا كان عالما) بمَن يستحقّ الخلافة.

(صُدوقا) أي كثير الصدق في أقواله وأفعاله.

(لم يدعكم) من الدعوة.

(إلى نفسه) بأن تقرّوا بإمامته وخلافته، بل (إنّما دعاكم إلى الرِّضا من آل محمّد).

لعلّ المراد إلى الرضيّ والمختار من آل محمّد صلى الله عليه و آله ، وهو من يستحقّ الإمامة منهم.أو إلى مَن فيه رضاهم.وقيل: إلى أن يعمل بما يرضى به جميع آل محمّد(1).

(ولو ظهر لوفى بما دعاكم إليه).

يُقال: ظهر عليه، أي غلبه، وتسلّط به، يعني: لو غلب زيد على بني اُميّة لوفى بما وعدكم، ودعاكم إليه من تفويض الإمامة والإمارة لأهلها، والإطاعة والانقياد له.

(إنّما خرج على سلطان مجتمع).

ص: 438


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 258

قال الفيروزآبادي:

السلطان: قدرة الملك _ وتضمّ لامه _ والوالي، مؤنّث؛ لأنّه جمع سليط للدهن، كأنّه به يضيء الملك، أو لأنّه بمعنى الحجّة، وقد يُذكّر ذهابا على معنى الرجل وسلطان تبيغه، ومن كلّ شيء: شدّته(1).

وقال: «اجتمع: ضدّ تفرّق، كتجمّع، واستجمع.والرجل: بلغ أشدّه، واستوت لحيته.واستجمع السيل: اجتمع من كلّ موضع.وله اُموره: اجتمع له كلّ ما يسرّه.والفرس جريا: بالغ»(2).

أقول: يحتمل كون «مجتمع» هنا بصيغة اسم الفاعل، أي خرج على سلطان شديد محكم بالغ غاية الإحكام والإبرام، فلذا لم يظفر به.

وقيل: أو بصيغة اسم المفعول، أي من يجتمع له جنود الشياطين وأهل الجور(3).

(لينقضه).

النقض: ضدّ الإبرام.ونقض البناء: هدمه، وكسره، أي ليفرّق جمعه، ويشتّت شمله، ويرجع الحقّ إلى أهله.

قال بعض الشارحين: لا دلالة فيه على أنّ الإذن أو الرِّضا بخروجه، فلا ينافي الأخبار الدالّة على عدمهما(4).

(فالخارج منّا اليوم)؛ يعني قبل ظهور القائم عليه السلام .

(إلى أيّ شيء) متعلّق بالخروج، أي لأيّ غرض من الأغراض؟

(يدعوكم) الجملة حال من الخارج.

وقوله عليه السلام : (إلى الرضا من آل محمّد عليه السلام )، متعلّق بالدعوة.

ولعلّ المراد أنّ ذلك الخارج خارج عن أمرنا، مخالف لحكمنا، سواءً دعا أتباعه إلى الرِّضا من آل محمّد أو إلى نفسه أو إلى غير ذلك.أو تقول: إنّ ذكره بعد قوله: «إلى أيّ شيء» من قبيل ذكر الخاصّ بعد العامّ؛ لدفع توهّم جواز الخروج لهذا الغرض الخاصّ.ومنشأ

ص: 439


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 308 (سلط)
2- القاموس المحيط، ج 3، ص 15 (جمع)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 367 مع اختلاف في اللفظ
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 367

التوهّم قوله عليه السلام سابقا: «بل إنّما دعاكم إلى الرضا من آل محمّد».

(فنحن نشهدكم) من الإشهاد.

(أنّا لسنا نرضى به) أي بذلك الخارج، أو بخروجه.

وفي بعض النسخ: «إنّا لا نرضى به».ولعلّ عدم رضائه عليه السلام بذلك عدم ترتّب الفائدة عليه؛ لعدم انقضاء مدّة سلطان الجور بَعدُ، أو لمصلحةٍ اُخرى.

(وهو) أي ذلك الخارج.

(يعصينا اليوم).

العصيان: خلاف الطاعة.

(وليس معه أحد).

الواو للحال.

وقيل: المراد ليس معه أحدٌ ينصره، ويوجب قوّته وسطوته(1).

أقول: لعلّ المراد عدم رضائنا بذلك الخارج، وكونه من أهل المعاصي مقصور بتلك الحالة، وهي أن لا يكون معه أحدٌ من بني فاطمة، كما يُشعر به قوله عليه السلام فيما بعد: «إلّا من اجتمعت بنو فاطمة عليهاالسلام معه».

(وهو) أي ذلك الخارج والعاصي.

(إذا كانت) أي وجدت معه.

(الرايات والألوية) كناية عن كونه من أهل الغلبة والشوكة.

قال الفيروزآبادي في اللفيف المقرون اليائي: «الراية: العَلَم.الجمع: رايات»(2).

وقال في اللفيف: الواوي: «اللِواء _ بالمدّ _ واللوآئ: العلم.الجمع: ألوية» (3)، انتهى.

والظرف أعني «إذا» متعلّق بقوله: «أحد» وهو خبر لقوله: «هو».والمفضّل عليه محذوف، أي هو أولى من غيره.

(أن لا يسمع منّا) أي بأن لا يقبل أمرنا، ولا يقرّ بولايتنا؛ لكون الشوكة والسلطنة مانعة عنه.

ص: 440


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 367 مع اختلاف في اللفظ
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 338 (ريي)
3- . القاموس المحيط، ج 4، ص 337 (لوي)

(إلّا من اجتمعت بنو فاطمة معه) أي لسنا نرضى بذلك الخارج إلّا بمَن كان كذلك.أو لا تطيعوا إلّا من كان كذلك.

وقال بعض الشارحين:

في بعض النسخ: «إلّا مع من».والاستثناء على الأوّل من قوله: «فالخارج منّا اليوم لا نرضى به».وعلى الثاني ممّا استفيد من الكلام السابق، أي لا تخرجوا إلّا مع من.وفي بعض النسخ: «لا تخرج إلّا مع من» ولو كان بدله: لا تخرجوا، لكان أنسب بالسابق واللّاحق، لكنّه لم يثبت، (1)انتهى.

(فواللّه ما صاحبكم) الذي يجب طاعته والخروج معه.

(إلّا من اجتمعوا) أي بنو فاطمة (عليه).

قد مرَّ أنّ بني فاطمة والعلويّين يلتجأون إلى الصاحب عليه السلام ، ويجتمعون عليه عند ظهوره.

(إذا كان رجب، فأقبلوا على اسم اللّه عزّ وجلّ)(2).

قيل: أي فاقبلوا إلينا مع اسم اللّه ، أو متبرّكين به.ف«على» للمصاحبة ك«مع» أو بمعنى الباء.

وقال بعض الأفاضل:

ظاهر هذا الكلام أنّ خروج القائم عليه السلام يكون في رجب، ويحتمل أن يكون المراد أنّه مبدأ ظهور علامات خروجه، فاقبلوا إلى مكّة في ذلك الشهر، لتكونوا شاهدين هناك عند خروجه عليه السلام .ويؤيّد ذلك توسيعه عليه السلام وتجويز التأخير إلى شعبان وإلى رمضان.وعلى الأوّل يدلّ على عدم وجوب مبادرة أهل الأمصار، وهو بعيد.ويحتمل على بُعد أن يكون المراد حثّهم على الإتيان إليه عليه السلام في كلّ سنة، لتعلّم المسائل، والفوز بالحجّ والعمرة مكان الجهاد الذي كانوا يتهالكون فيه؛ فإنّ الحجّ جهاد الضعفاء، ولقاء الإمام عليه السلام أفضل من الجهاد(3).

وقال بعض الشارحين: لم يرد أنّ ظهوره عليه السلام في رجب، بل المراد أنّ فيه بعض علامات ظهوره، كخروج السفياني، ونحوه من الاُمور الغريبة الدالّة على قُرب ظهوره عليه السلام .من ثمّ قيل: عِشْ رَجَبا ترى عَجَبا.ويؤيّده آخر الحديث، وخبر سدير، فلا ينافي ما رواه الصدوق رحمه الله في

ص: 441


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 367
2- قاله المحقق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 367
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 258 و 259 مع اختلاف يسير في اللفظ

كتاب كمال الدِّين بإسناده عن أبي جعفر عليه السلام ، قال: يخرج القائم يوم السبت، يوم عاشوراء، اليوم الذي قُتل فيه الحسين عليه السلام (1)(2).

متن الحديث الواحد والثمانين والثلاثمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسى ، عَنْ رِبْعِيٍّ :رَفَعَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهماالسلام ، قَالَ : «وَاللّهِ لَا يَخْرُجُ وَاحِدٌ مِنَّا قَبْلَ خُرُوجِ الْقَائِمِ عليه السلام إِلَا كَانَ مَثَلُهُ مَثَلَ (3)فَرْخٍ طَارَ مِنْ وَكْرِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوِيَ جَنَاحَاهُ ، فَأَخَذَهُ الصِّبْيَانُ ، فَعَبِثُوا بِهِ» .

شرح الحديث

السند مرسل.

قوله: (إلّا كان مثله) بالتحريك، أي صفته.

(مثل فرخ طار من وكره).

قال في القاموس: «الفرخ: ولد الطائر، وكلّ صغير من الحيوان»(4).

وقال: «الوكر: عشّ الطائر، وإن لم يكن فيه»(5).

(قبل أن يستوي) أي يستقرّ، ويعتدل، ويكمل.

(جناحاه، فأخذه الصبيان، فعبثوا به).

في القاموس: «عبث _ كفرح _ : لعب.وكضرب: خلط»(6).

متن الحديث الثاني والثمانين والثلاثمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسى ، عَنْ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ سَدِيرٍ ، قَالَ :

قَالَ (7)أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «يَا سَدِيرُ ، الْزَمْ بَيْتَكَ ، وَكُنْ حِلْسا مِنْ أَحْلَاسِهِ ، وَاسْكُنْ مَا سَكَنَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ، فَإِذَا بَلَغَكَ أَنَّ السُّفْيَانِيَّ قَدْ خَرَجَ ، فَارْحَلْ إِلَيْنَا وَلَوْ عَلى رِجْلِكَ» .

ص: 442


1- . كمال الدين، ص 653، ح 19
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 367
3- . في بعض نسخ الكافي: «كمثل»
4- القاموس المحيط، ج 1، ص 266 (فرخ)
5- القاموس المحيط، ج 2، ص 156 (وكر)
6- القاموس المحيط، ج 1، ص 170 (عبث)
7- . في بعض نسخ الكافي والوافي: + «لي»

شرح الحديث

السند حسن موثّق على الأصحّ.

قوله: (الزم بيتك، وكُن حلسا من أحلاسه).

الحِلس: ما يُفرش في البيت تحت الفروش النفيسة، والتشبيه باعتبار اللّزوم.

قال الفيروزآبادي: «الحِلس _ بالكسر _ : كِساء على ظهر البعير تحت البرذعة، ويبسط في البيت تحت حرّ الثياب، ويحرّك»(1). وفي الحديث: «كُن حِلس بيتك» (2)أي لا تبرح.

متن الحديث الثالث والثمانين والثلاثمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ كَامِلِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْجُعْفِيِّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي ، قَالَ :

دَخَلْتُ عَلى أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، فَقَالَ لِي (3): «مَا لِي أَرَاكَ سَاهِمَ الْوَجْهِ؟».

فَقُلْتُ : إِنَّ بِي حُمَّى الرِّبْعِ .

قَالَ (4): «فَمَا (5)يَمْنَعُكَ مِنَ الْمُبَارَكِ الطَّيِّبِ؟ اسْحَقِ السُّكَّرَ ، ثُمَّ امْخُضْهُ بِالْمَاءِ ، وَاشْرَبْهُ عَلَى الرِّيقِ وَعِنْدَ الْمَسَاءِ».

قَالَ : فَفَعَلْتُ ، فَمَا عَادَتْ إِلَيَّ .

شرح الحديث

السند مجهول.

(إنّ بي حمّى الربع).

في القاموس:

ربع عليه الحمّى _ كمنع _ : جاءته رِبعا بالكسر.وقد ربع _ كعُنِيَ _ واُرْبِع بالضمّ، فهو

ص: 443


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 208 (حلس)
2- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 14، ص 48؛ عوالي اللآلي، ج 1، ص 38، ح 31
3- . في الطبعة القديمة والوافي: - «لي»
4- . في كلتا الطبعتين: «فقال»
5- .في الطبعة القديمة: «ماذا».وفي الطبعة الجديدة والوافي: «ما» بدون الفاء

مربوع ومُربع، وهي أن تأخذ يوما وتدع يومين، ثمّ تجيء في اليوم الرابع(1).

(قال: فما يمنعك من المبارك الطيّب) أي من استعمال دواء مبارك طيّب.البركة: النماء، والزيادة.والطيّب: خلاف الخبيث.يُقال: طاب يطيب طيبا وطابا: إذا لذَّ، وزكا.

(اسحق السكّر، ثمّ امخضه بالماء).

قال الفيروزآبادي: «سحقه _ كمنعه _ : سَهكَه، أو دقّه، أو دون الدقّ»(2).

وقال: «السكّر _ بالضمّ وشدّ الكاف _ : معرّب شكر، واحدته بهاء»(3).

وقال: «مخضه يمضخه _ مثلّثة _ الآتي حركّه شديدا»(4).

وقال الجوهري: «قولهم: أتيته على ريق نفسي، أي لم أطعم شيئا»(5).

متن الحديث الرابع والثمانين والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، قَالَ :

شَكَوْتُ إِلى أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام الْوَجَعَ .

فَقَالَ : «إِذَا أَوَيْتَ إِلى فِرَاشِكَ ، فَكُلْ سُكَّرَتَيْنِ».

قَالَ : فَفَعَلْتُ فَبَرَأْتُ ، وَأَخْبَرْتُ بِهِ بَعْضَ الْمُتَطَبِّبِينَ _ وَكَانَ أَفْرَهَ أَهْلِ بِلَادِنَا _ فَقَالَ : مِنْ أَيْنَ عَرَفَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام هذَا؟ هذَا مِنْ مَخْزُونِ عِلْمِنَا ، أَمَا إِنَّهُ صَاحِبُ كُتُبٍ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَصَابَهُ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ .

شرح الحديث

السند مرسل.

قوله: (شكوت إلى أبي عبداللّه عليه السلام الوجع).

في القاموس: «الوجع _ محرّكة _ : المرض»(6).

(فقال: إذا أَويت) بفتح الهمزة من غير مدّ، أي نزلت وسكنت.

ص: 444


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 25 (ربع) مع التلخيص
2- القاموس المحيط، ج 3، ص 244 (سحق)
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 50 (سكر)
4- القاموس المحيط، ج 2، ص 338 (مخض) مع التلخيص
5- الصحاح، ج 4، ص 1488 (ريق)
6- القاموس المحيط، ج 3، ص 91 (وجع)

(إلى فراشك) بكسر الفاء.

(فكُل سكّرتين).

الظاهر أنّها بضمّ السّين وشدّ الكاف، أي قطعتين من السكّر، والمراد منها ذو حبّ نبات، ولا يخفى بُعده.

وقال بعض الأفاضل: «يدلّ هذا الكلام [على] أنّه كان لمعمول السكّر في ذلك الزمان مقدار صغير معلوم»(1).

أقول: يحتمل بعيدا كون السُّكّرة _ بالتحريك _ وهو الشلَم بفتح اللّام، ويُقال له: الروان، وهو الملك؛ ويقال له: حبّ الجلبان.

(قال: ففعلت فبرأت) بفتح الراء.ويكسر من البُرْء _ بالضمّ _ وهو التخلّص من المرض.

(وأخبرت به بعض المتطبّبين) أي المتعاطين لعلم الطبّ.

(وكان) ذلك، أي المتطبّب (أَفْرَه أهل بلادنا).

في القاموس: «فَرُه _ ككرم _ فراهة وفراهيّة: حَذقَ، فهو فاره»(2).

متن الحديث الخامس والثمانين والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ يَحْيَى الْخُزَاعِيِّ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ يُونُسَ ، عَنْ رَجُلٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ لِرَجُلٍ : «بِأَيِّ شَيْءٍ تُعَالِجُونَ مَحْمُومَكُمْ إِذَا حُمَّ؟».

قَالَ : أَصْلَحَكَ اللّهُ ، بِهذِهِ الْأَدْوِيَةِ الْمُرَّةِ : بَسْفَايَجٍ ، وَالْغَافِتِ (3)، وَ مَا أَشْبَهَهُ .

فَقَالَ : «سُبْحَانَ اللّهِ ، الَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُبْرِئَ بِالْمُرِّ يَقْدِرُ أَنْ يُبْرِئَ بِالْحُلْوِ».

ثُمَّ قَالَ : «إِذَا حُمَّ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْخُذْ إِنَاءً نَظِيفا ، فَيَجْعَلَ فِيهِ سُكَّرَةً وَ نِصْفا ، ثُمَّ يَقْرَأَ عَلَيْهِمَا (4)مَا حَضَرَ مِنَ الْقُرْآنِ ، ثُمَّ يَضَعَهَا تَحْتَ النُّجُومِ ، وَيَجْعَلَ عَلَيْهَا حَدِيدَةً ، فَإِذَا كَانَ فِي الْغَدَاةِ (5)صَبَّ عَلَيْهَا الْمَاءَ ،

ص: 445


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 260 مع اختلاف يسير في اللفظ
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 289
3- في كلتا الطبعتين: «والغافث» بالثاء المثلّثة.وفي بعض نسخ الكافي: «والقافث»
4- . في كلتا الطبعتين وجميع النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة: «عليه»
5- . في أكثر نسخ الكافي والوافي: «بالغداة»

وَمَرَسَهُ بِيَدِهِ ، ثُمَّ شَرِبَهُ ، فَإِذَا كَانَ لَيْلَةُ (1)الثَّانِيَةُ زَادَهُ سُكَّرَةً أُخْرى ، فَصَارَتْ سُكَّرَتَيْنِ وَنِصْفا ، فَإِذَا كَانَ لَيْلَةُ (2)الثَّالِثَةُ زَادَهُ سُكَّرَةً أُخْرى ، فَصَارَتْ ثَلَاثَ سُكَّرَاتٍ وَنِصْفا» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (قال لرجلٍ: بأيّ شيءٍ تعالجون) أي الأطبّاء.

(محمومكم إذا حُمَّ).

يُقال: حُمَّ فلان _ بالضمّ والتشديد _ : إذا أصابته الحمّى، فهو محموم.

(قال: أصلحك اللّه ، بهذه الأدوية المرّة) وقوله: (بسفايج، والغافت، وما أشبهه) بيان للمشار إليه، أو بدل من الأدوية.

و«بسفايج» بفتح الباء الموحّدة، والسين الساكنة، والفاء والياء المثنّاة التحتانيّة قبل الجيم.

ويُقال: له أضراس الكلب، وثاقب الحجر، وكثير الأرجل.

قال الفيروزآبادي: «هو عروق في داخله شيء كالفستق له عفوصة، وحلاوة نافع للماليخوليا والجذام»(3).

ونقل عن منهاج الأدوية:

أنّه عودٌ لونه يميل إلى السواد القليل مع الحمرة القليلة، وله طعم كطعم القرنفل، ولمّا يُكسر فَلَونُ وسطه أخضر كالفستق، ولذا يسمّى بسفايج الفستق، حارّ مسهل للسوداء، انتهى(4).

والغافت _ بالغين المعجمّة، والفاء والتاء المثنّاة الفوقانية _ : وردٌ لازوردي اللّون، طويل الشكل، له أغصان دقاق بقدر شبر، أو أقلّ، وهو أمرّ من الصبر، وكذا ورقه وأغصانه.ونقل عن منهاج الأدوية:

أنّه نبت يشبه ورقه بورق حبّة الخضراء _ يعني شاهدانج _ له قبوضة ومرارة كمرارة الصبر، لونه يميل إلى السواد، يُجاء به من نواحي الرّوم وجبال الفارس، أيضا [حارّ ]

ص: 446


1- . في كلتا الطبعتين وبعض نسخ الكافي: «كانت الليلة»
2- . في كلتا الطبعتين وبعض نسخ الكافي: «كانت الليلة»
3- القاموس المحيط، ج 1، ص 179 (بسفج)
4- نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 369

يابس.وقيل: معتدل لطيف، انتهى(1).

(فليأخذ إناء) بكسر الهمزة.

(نظيفا) من الأدناس، أو من الأرجاس، أو هما معا.

(فيجعل فيه سكّرة ونصفا).

الظاهر هنا عدم اعتبار السّحق، بل اعتبار عدمه.

(ثمّ يقرأ عليهما) أي على السّكّرتين، أو على الإناء والسُكّرة.

وفي بعض النسخ: «عليه» أي على الإناء.

(ما حضر من القرآن) أي ما خطر بباله كائنا ما كان.

(ثمّ يضعها) الضمير للسّكرة باعتبار الجنس.

(تحت النجوم) بلا ستر وحائل، وإن كان غيما.ويحتمل بعيدا أن يُراد تحت السماء مطلقا.

(ويجعل) أي يضع.

(عليها حديدة).

الظاهر وضعها على السُّكّرة على وجه التماسّ.ويحتمل وضعها على حافات الإناء محاذية لها.

(فإذا كان في الغداة) أي صبيحة تلك الليلة التي عمل فيها العمل المذكور.

وفي بعض النسخ: «بالغداة».وفي بعضها: «فإذا كان الغداة».

(صبّ عليها الماء، ومرسه).

الضمير للماء، باعتبار مزجه بالسُكّرة.ويحتمل عوده على الإناء.يُقال: مرس التمر في الماء _ كنصر _ : إذا نقعه، وأذابه.ومرسه باليد: إذا دلكه بيده.

(ثمّ شربه، فإذا كان ليلة الثانية) على الإضافة، أي ليلة الغداة الثانية.وكلمة «كان» تامّة.

(زاده سكّرة اُخرى).

الظاهر عود الضمير في الموضعين إلى الإناء، وأنّه يفعل في الأخيرتين مثل ما فعل في الاُولى.

ص: 447


1- نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 369

متن الحديث السادس والثمانين والثلاثمائة

اشارة

أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ (1)بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ ، عَنْ هَارُونَ :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ لِي : «كَتَمُوا بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، فَنِعْمَ وَاللّهِ الْأَسْمَاءُ كَتَمُوهَا ، كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إِذَا دَخَلَ إِلى (2)مَنْزِلِهِ ، وَاجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ قُرَيْشٌ ، يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، وَيَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ ، فَتُوَلِّي قُرَيْشٌ فِرَارا ، فَأَنْزَلَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ فِي ذلِكَ : «وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِى الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُورا» » .

شرح الحديث

السند مجهول.

وقيل: صحيح(3)وفيه نظر.

قوله: (كتموا بسم اللّه الرحمن الرحيم).

الظاهر أنّ ضمير الجمع عائد إلى العامّة، وأنّ الجملة استفهاميّة على اللّوم والتوبيخ وإخبار بالواقع.وأنّ المراد بكتمان البسملة تركها في السّور وعدم القول بجزئيّتها؛ إذ كثير من العامّة لم يجعلوها منها.

ويحتمل أن يُراد بكتمانها عدم الإجهار بها، أو أعمّ منه وممّا ذُكر.

(فنعم واللّه الأسماء كتموها).

«الأسماء» فعل «نِعْمَ».وجملة «كتموها» حال عنه، أو صفة له على احتمال.والقسم معرض بين فعل المدح وفاعله، والمخصوص بالمدح محذوف، والتقدير: واللّه نِعْمَ الأسماء الأسماء التي كتموها، وهي الأسماء المذكورة في البسملة.

(كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذا دخل إلى منزله، واجتمعت عليه قريش).

قيل: كان اجتماعهم عليه لقصد الأذى والإضرار به(4).

ص: 448


1- . في بعض نسخ الكافي ومرآة العقول: «الحسين»
2- . في بعض نسخ الكافي: - «إلى»
3- اُنظر: مرآة العقول، ج 26، ص 261
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 369

(يجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم).

قال الفيروزآبادي: «جهر _ كمنع _ : عَلَن.والكلام وبه: أعلن [به]، كأجهر»(1).

(ويرفع بها) أي بالبسملة، أو بقراءتها.

(صوته، فتولّي قريش فرارا).

قال الفيروزآبادي: «ولّى تولية: أدبر، كتولّى.والشيء، وعنه: أعرض، أو نأى»(2).

(فأنزل اللّه تعالى في ذلك) أي فيما ذكر من اجتماع قريش، وإجهاره صلى الله عليه و آله بالبسملة، وتولّيهم عنه.

«وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ» .

قال البيضاوي: أي واحدا غير مشفوع به آلهتهم، مصدر وقع موقع الحال، وأصله يحد وحده، أو بمعنى واحدا وحده.

«وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورا» (3)هربا من استماع التوحيد، ونفرةً، أو توليةً.ويجوز أن يكون جمع نافر، كقاعد وقعود، انتهى(4).

وفي القاموس: «النفر: التفرّق.نفرت الدابّة تنفّر وتنفر نفورا: ونفارا جزعت، وتباعدت»(5).

وقيل: نفورهم عند سماع التسمية لكراهة استماعها، أو لكونها رجما لهم، كما أنّ الاستعاذة رجمٌ للشياطين، وهي المراد بالقرآن في الآية المذكورة، فيتمّ الاستشهاد بها على أنّها قرآن(6).

متن الحديث السابع والثمانين والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ (7)، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ ، عَنْ أَبِي هَارُونَ الْمَكْفُوفِ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : كَانَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام إِذَا ذَكَرَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، قَالَ : «بِأَبِي وَأُمِّي

ص: 449


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 394 (جهر)
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 402 (ولي) مع التلخيص
3- .الإسراء(17): 46
4- تفسير البيضاوي، ج 3، ص 450
5- القاموس المحيط، ج 2، ص 146 (نفر) مع التلخيص
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 369
7- . الضمير راجع إلى على بن الحسن بن عليّ المذكور في السند السابق

وَقَوْمِي وَعَشِيرَتِي ، عَجَبٌ (1)لِلْعَرَبِ كَيْفَ لَا تَحْمِلُنَا عَلى رُؤُوسِهَا وَاللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ : «وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها» (2)؟ فَبِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يُنْقِذُونَ (3).» .

شرح الحديث

السند ضعيف على رواية.

قوله: (بأبي واُمّي وقومي وعشيرتي).

الباء للتفدية، أي أفديه بهؤلاء.

قال الفيروزآبادي: «القوم: الجماعة من الرِّجال والنساء معا، أو الرِّجال خاصّة، أو تدخله النساء على التبعيّة»(4).

وقال: «عشيرة الرجل: بنو أبيه الأدنون، أو قبيلته، والجمع: العشاير»(5).

(عجبٌ للعرب).

لعلّ اللّام بمعنى «من» أي عجبٌ لي من العرب، أو هذا الذي يذكر عجب منها.

وفي بعض النسخ: «عجبا» بتقدير الناصب، أي عجبت عجبا.

قال في القاموس: «العَجْب: إنكار ما يرد عليك، كالعَجَب _ محرّكة _ وأمر عَجبٌ وعجيب وعجاب»(6).

وقال: «العرب _ بالتحريك _ : خلاف العجم، مؤنّث، وهم سكّان الأمصار، أو عامّ»(7).

(كيف لا تحملنا على رؤوسها).

الضمير للعرب.والحمل على الرؤوس كناية عن غاية التعظيم، ونهاية التكريم.

(واللّه _ عزّ وجلّ _ يقول في كتابه: «وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا» (8).).

قال الجوهري: «شفا كلّ شيء: حرفه.قال [اللّه ]تعالى: «وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ» »(9).

وفي القاموس: «النقذ: التخليص، كالإنقاذ»(10).

ص: 450


1- . في بعض نسخ الكافي: «عجبا»
2- . آل عمران (3): 103
3- . في كلتا الطبعتين: «اُنقذوا»
4- القاموس المحيط، ج 4، ص 148 (قوم)
5- القاموس المحيط، ج 2، ص 90 (عشر)
6- القاموس المحيط، ج 1، ص 101 (عجب) مع التلخيص
7- القاموس المحيط، ج 1، ص 103 (عرب)
8- .آل عمران (3): 103
9- الصحاح، ج 6، ص 2394 (شفى)
10- القاموس المحيط، ج 1، ص 360 (نقذ) مع التلخيص

(فبرسول اللّه صلى الله عليه و آله ينقذون).

في بعض النسخ: «اُنقذوا».ولعلّ الفاء للتفسير والإيماء إلى أنّه تفسير لقوله تعالى: «فَأَنْقَذَكُمْ» .

والظاهر أنّ الغرض من هذا الحديث بيان أنّهم بسبب الرسول صلى الله عليه و آله أنقذهم اللّه من النار وهم لا يحفظون حرمته في أهل بيته.

وقيل: يحتمل أن يكون المراد أنّ اللّه تعالى به صلى الله عليه و آله عرّضهم لأن ينقذوا أنفسهم من النار، وهم يتركون ذلك بمخالفة أهل البيت عليهم السلام (1).

متن الحديث الثامن والثمانين والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ (2)، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي سَمَّالٍ (3).، عَنْ دَاوُدَ بْنِ فَرْقَدٍ ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلى مَوْلى آلِ سَامٍ :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : «قُلِ اللّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِى الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ» (4). أَ لَيْسَ قَدْ آتَى اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ بَنِي أُمَيَّةَ الْمُلْكَ؟ قَالَ : «لَيْسَ حَيْثُ تَذْهَبُ إِلَيْهِ (5). ؛ إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ آتَانَا الْمُلْكَ ، وَأَخَذَتْهُ بَنُو أُمَيَّةَ ؛ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ الثَّوْبُ (6)، فَيَأْخُذُهُ الْاخَرُ ، فَلَيْسَ هُوَ لِلَّذِي أَخَذَهُ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (أبي سمال) بتخفيف الميم.وقيل بتشديدها(7)وفي بعض النسخ: «سمّاك» بالكاف.

وقوله تعالى: «قُلْ اللَّهُمَّ» .

قال البيضاوي:

الميم عوض من ياء، ولذلك لا يجتمعان، وهو من خصائص هذا الاسم؛ كدخول

ص: 451


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 262
2- . الضمير راجع إلى عليّ بن الحسن بن علي، وهو ابن فضّال
3- . في الطبعة القديمة وبعض نسخ الكافي: «سمّاك» بالكاف
4- آل عمران (3): 26.وفي بعض نسخ الكافي: + «وتعزّ من تشاء»
5- في بعض نسخ الكافي: - «إليه»
6- في بعض نسخ الكافي: «التور» وهو إناء يشرب فيه
7- نُسب إلى البعض في رجال ابن داود، ص 415، ذيل الرقم 4

ياء عليه مع لام التعريف وقطع همزته وقيل: أصله «يا اللّه آمنّا بخير» فخفّف بحذف حرف النداء ومتعلّقات الفعل وهمزته.

«مَالِكَ الْمُلْكِ» تتصرّف فيما يمكن التصرّف فيه تصرّف الملّاك فيما يملكون، وهو نداء ثان عند سيبويه؛ فإنّ الميم عنده تمنع الوصفيّة.

«تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ» ؛ تُعطي منه ما تشاء مَن تشاء وتستردّ، فالملك الأوّل عامّ والآخران بعضان منه.وقيل: المراد بالملك النبوّة، ونزعها نقلها من قومٍ إلى قوم.

«وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ» في الدُّنيا أو الآخرة، أو فيهما، بالنصر والإدبار والتوفيق والخذلان، انتهى(1).

(أليس قد آتى اللّه _ عزّ وجلّ _ بني اُميّة المُلك).

«آتى» بمدّ الألف من الإيتاء.وغرض السائل تقرير المنفي لزعمه أنّه من قِبل اللّه تعالى ورضائه.فردّه عليه السلام : وقال: (ليس حيث تذهب)، ودفع شبهته بقوله: (إنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ آتانا الملك، وأخذته بنو اُميّة).

وحاصل الجواب: تقرير النفي والتنبيه على أنّ المراد بالمُلك النبوّة والإمامة والرئاسة العامّة، وعلى أنّ ذلك حقٌّ لهم عليهم السلام بأمر اللّه تعالى وحكمه، وإنّما أخذته بنو اُميّة منهم غصبا وعدوانا وظلما.

واعلم أنّه اختلف في أنّ المراد بالملك في الآية هل هو السلطنة الحقّة الواقعيّة كالنبوّة والإمامة، أو الأعمّ منها ومن الرئاسات الباطلة كرئاسة ملوك الجور وخلفاء الضلالة، أو الأعمّ منهما ومن ملك العلم والدِّين والعقل والصحّة والأمن والأخلاق المحمودة وملك القدرة والقوّة وملك الأموال والأولاد وملك محبّة القلوب وما أشبه ذلك.فذهب قوم إلى الأوّل، كما يدلّ عليه هذا الخبر؛ لأنّه عليه السلام بيّن أنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ إنّما أعطى الملك وملّكه أهله من أئمّة العدل، وهؤلاء الجائرين غصبوا حقّهم، وانتزعوه منهم بغير حقّ لهم فيه.وذهب جماعة إلى أحد من الأخيرين نظرا إلى عموم اللفظ لغةً وعرفا.وقال الأوّلون: كيف يجوز أن يعطي اللّه سبحانه الملك للجائر، وقد أمر بقصر يده، ونهاه عن التصرّف فيه(2).

ص: 452


1- تفسير البيضاوي، ج 2، ص 24
2- راجع: مجمع البيان، ج 2، ص 270 و 271

وقال بعض الأفاضل: مع قطع النظر عن الخبر لا استبعاد في الأخيرين عقلاً؛ إذ يحتمل أن يكون المراد بالإيتاء إقداره وتمكينه عليه، وإن كان نهاه عن ارتكابه، كما أنّه تعالى أقدر الزاني على الزِّنا ونهاه عنه، وأعطى القاتل اليد والسيف ونهاه عن القتل بغير حقّ، على أنّه قد ينسب في كثير من الآيات والروايات الأفعال إلى اللّه تعالى باعتبار تخليته بين العبد وإرادته وعدم صرفه عنها.

لكن الأوّل أظهر وأنسب بسياق الآية، وبما روي في سبب نزولها من أنّها نزلت فيما وعد اللّه بنبيّه صلى الله عليه و آله من الملك يوم الخندق، أو في [يوم] فتح مكّة(1).

ثمّ مثّل عليه السلام لما ذكر بقوله بمنزلة الرجل (يكون له الثوب).

في بعض النسخ: «التور» بالتاء المثنّاة الفوقانيّة، وهو إناء يشرب فيه.

متن الحديث التاسع والثمانين والثلاثمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الصَّلْتِ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الصَّلْتِ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ مُحَمَّدٍ الْحَلَبِيِّ :أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يُحْىِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها» (2)؟

قَالَ : «الْعَدْلَ بَعْدَ الْجَوْرِ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (أنّه سأل أبا عبداللّه عليه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ) في سورة الحديد: «اعْلَمُوا أَنَّ اللّه َ يُحْىِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا» .

قال المفسّرون: يعني أتيت فيها أنواع النبات بعد يبسها(3). وقال بعضهم: إنّه تمثيل لإحياء القلوب القاسية بالذِّكر والتلاوة(4).

ص: 453


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 262
2- الحديد (57): 17
3- اُنظر: مجمع البيان، ج 9، ص 395
4- قاله البيضاوي في تفسيره، ج 5، ص 300

وقال: (العدل بعد الجور) أي ظهور العدل بقيام الصاحب عليه السلام ، ومطلقا بعد انتشار الجور والميل من القصد.

ولعلّ المراد أنّها شاملة لهذا الإحياء أيضا، وتخصيصه بالذِّكر باعتبار أنّه الفرد الكامل الأكمل من بين أفراد الأحياء، فلا ينافي قول المفسّرين.

متن الحديث التسعين والثلاثمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدَ بْنِ أَشْيَمَ (1)، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيى، قَالَ :سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام عَنْ ذِي الْفَقَارِ سَيْفِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟

فَقَالَ : «نَزَلَ بِهِ جَبْرَئِيلُ عليه السلام مِنَ السَّمَاءِ ، وَكَانَتْ حَلْقَتُهُ فِضَّةً» .

شرح الحديث

السند مجهول؛ لأنّ عليّ بن محمّد بن أشيم غير مذكور في كتب الرجال، والمذكور: عليّ بن أحمد بن أشيم، وهو مجهول الحال.

قوله: (عن ذي الفقار سيف رسول اللّه صلى الله عليه و آله ).

قال الفيروزآبادي: «ذو الفقار _ بالفتح _ سيف العاصم بن منيّة، (2)قُتل يوم بدر كافرا، فصار إلى النبيّ صلى الله عليه و آله ، ثمّ صار إلى عليّ عليه السلام » (3).انتهى.

وقيل: سمّي به لأنّه كان فيه حُفَر صغار حِسان(4).

(فقال: نزل به جبرئيل عليه السلام من السماء).

يدلّ هذا الخبر كغيره من الأخبار أنّ ذو الفقار نزل من السماء، ولم يكن من صنع البشر، وهو ردّ على أهل السِّير واللغويّين من العامّة أنّه كان سيف العاصم بن منّية، كما مرّ.

ص: 454


1- في كلتا الطبعتين: «عليّ بن أحمد بن أشيم»والمتكرّر في الأسناد رواية أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن أحمد بن أشيم.راجع: معجم رجال الحديث، ج 11، ص 501 _ 503
2- . في المصدر: «العاص بن منبه»
3- . القاموس المحيط، ج 2، ص 111 (فقر)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 371

(وكان حلقته فضّة).

في بعض النسخ «حليته» بدل «حلقته».

قال الفيروزآبادي: «حلقة الباب والقوم قد تفتح لامها ويُكسر» (1)انتهى.

والحِلية _ بالكسر والفتح _ : ما يزيّن به من مصنوع المعدنيّات أو الحجارة.ويفهم من كلام الجوهري أنّ حِلية السيف بالكسر لا غير(2).

وفي هذا الخبر دلالة على جواز كون حلقة السيف أو حليته.قال الشهيد رحمه الله في الدروس: وروي جواز تحلية السيف والمصحف بالذهب والفضّة، (3)ويفهم منه توقّفه في ذلك(4).

متن الحديث الواحد والتسعين والثلاثمائة

اشارة

حَدِيثُ نُوحٍ عليه السلام يَوْمَ الْقِيَامَةِ

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ (5)، قَالَ :

كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ذَاتَ يَوْمٍ ، فَقَالَ لِي : «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَجَمَعَ اللّهُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ الْخَلَائِقَ ، كَانَ نُوحٌ _ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ _ أَوَّلَ مَنْ يُدْعى بِهِ ، فَيُقَالُ لَهُ : هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ ، فَيُقَالُ لَهُ : مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ : مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ».

قَالَ : «فَيَخْرُجُ نُوحٌ عليه السلام ، فَيَتَخَطَّى النَّاسَ حَتّى يَجِيءَ إِلى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله وَهُوَ عَلى كَثِيبِ الْمِسْكِ وَمَعَهُ عَلِيٌّ عليه السلام ، وَهُوَ قَوْلُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «فَلَمّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا» (6).فَيَقُولُ نُوحٌ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله : يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّ اللّهَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ سَأَلَنِي : هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَقُلْتُ : نَعَمْ ، فَقَالَ : مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَقُلْتُ : مُحَمَّدٌ ، فَيَقُولُ : يَا جَعْفَرُ ، وَيَا حَمْزَةُ (7)، اذْهَبَا وَاشْهَدَا لَهُ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ».

فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «فَجَعْفَرٌ وَحَمْزَةُ هُمَا الشَّاهِدَانِ لِلْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام بِمَا بَلَّغُوا».

فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَعَلِيٌّ عليه السلام أَيْنَ هُوَ؟

ص: 455


1- . القاموس المحيط، ج 3، ص 222 (حلق)
2- راجع: الصحاح، ج 6، ص 2318 (حلا)
3- . الكافي، ج 6، ص 474 و 475، ح 5 _ 7
4- اُنظر: الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 128، ذيل الدرس 21
5- . في بعض نسخ الكافي: «أبي سعيدة»
6- . الملك (67): 27
7- . في الطبعة القديمة: «يا حمزة» بدون الواو

فَقَالَ : «هُوَ أَعْظَمُ مَنْزِلَةً مِنْ ذلِكَ» .

شرح الحديث

السند ضعيف؛ إذ الظاهر أنّ القاسم بن محمّد هو الجوهري الضعيف.

وقال الجوهري: «نوح، ينصرف مع العجمة والتعريف، وكذلك كلّ اسم على ثلاثة أحرف أوسطه ساكن مثل لوط؛ لأنّ خفّته عادلت أحد الثقلين»(1).

قوله: (كان نوح أوّل من يدعى).

«يدعى» على صيغة المجهول من الدعوة، والضمير للموصول، والظرف قائم مقام فاعل «يدعى».

(فيُقال [له]: هل بلّغت) من التبليغ، وهو الإيصال، والمفعول محذوف، أي هل بلّغت رسالة اللّه .

(فيقول: نعم، فيُقال له: مَن يشهد لك؟ فيقول: محمّد بن عبداللّه صلى الله عليه و آله ).

قيل: كما يطلب منه الشاهد على تبليغ الرسالة، يُطلب من غيره من الأنبياء أيضا، كما يدلّ عليه آخر الحديث.

ولعلّ الغرض منه إسكات اُممهم، وإكمال الحجّة عليهم، وإظهار شرف نبيّنا صلى الله عليه و آله (2).

(قال: فيخرج نوح، فيتخطّى الناس).

قال في القاموس: «تخطّى الناس واختطأهم: ركبهم، وجاوزهم»(3).

(حتّى يجيّ إلى محمّد صلى الله عليه و آله وهو) أي محمّد صلى الله عليه و آله (على كثيب المسك).

قال في القاموس: «الكثيب: التلّ من الرمل»(4).

وقال: «المسك _ بالكسر _ : طيبٌ معروف.الجمع كعنب»(5).

(ومعه) أي مع محمّد صلى الله عليه و آله (عليّ عليه السلام ، وهو) أي كون علي عليه السلام يومئذٍ بتلك المنزلة (قول اللّه عزّ وجلّ: «فَلَمَّا رَأَوْهُ» ).

ص: 456


1- الصحاح، ج 1، ص 414 (نوح)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 372 مع اختلاف في اللفظ
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 324 (خطو)
4- القاموس المحيط، ج 1، ص 122 (كتب)
5- القاموس المحيط، ج 3، ص 318 (مسك) مع التلخيص

قال المفسّرون: الضمير عائد إلى الوعد بمعنى الموعود في قوله تعالى: «وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ» (1).

وقيل: يظهر من تفسيره عليه السلام أنّه راجع إلى أمير المؤمنين عليه السلام (2).

أقول: لا يبعد إرجاع الضمير بهذا التفسير أيضا إلى الوعد، كما يقتضيه سياق الآية، ويكون الوعد عبارة عن رفعة درجة أمير المؤمنين عليه السلام وقُرب منزلته يوم القيامة مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

«زُلْفَةً» أي ذا زُلفة وقُرب.أو الحمل على سبيل المبالغة.وفي القاموس: «الزلفة _ بالضمّ _ : القُربة، والمنزلة»(3).

«سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا»

في القاموس: «سآءه سَوْءا وسُوءا وسُوءةً ومساءة: فعل به ما يكره.وسآء سواء، كسحاب: قبح» (4)انتهى.

أي ساءت رؤية تلك المنزلة وجوه معانديه ومُنكريه عليه السلام ، وبانَ عليها الكآبة وسوء الحال.

(فيقول) أي رسول اللّه صلى الله عليه و آله : (يا جعفر، ويا حمزة، اذهبا واشهدا له) أي لنوح عليه السلام (أنّه قد بلّغ).

يظهر منه بعض تأويلات ما ورد في الآيات والأخبار من أنّ هذه الاُمّة شهداء على الخلق.

متن الحديث الثاني والتسعين والثلاثمائة

اشارة

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، عَنْ جَمِيلٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقْسِمُ لَحَظَاتِهِ بَيْنَ أَصْحَابِهِ : يَنْظُرُ إِلى ذَا وَيَنْظُرُ إِلى ذَا بِالسَّوِيَّةِ» .

ص: 457


1- يونس (10): 48.وانظر: الكشّاف، ج 4، ص 139؛ تفسير الرازي، ج 30، ص 74؛ تفسير البيضاوي، ج 5، ص 366
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 312 مع اختلاف في اللفظ
3- القاموس المحيط، ج 3، ص 149 (زلف) مع التلخيص
4- . القاموس المحيط، ج 1، ص 18 (سوء)

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (يقسم لحظاته) جمع لحظة، وهي النظر بمؤخّر العينين.يُقال: لحظه _ كمنعه _ لحظا ولحظانا محرّكة، والمرّة منه لحظة بين أصحابه.

وقوله عليه السلام : (ينظر إلى ذا وينظر إلى ذا بالسويّة) بيان لقسمة النظر، ويظهر منه استحباب تسوية النظر سيّما للعلماء والاُمراء والحكّام ومن يرجع إليه الناس في الاُمور، وهو من الاُمور المرغوبة المستحسنة في المجالسة والمصاحبة، وفيه فوائد كثيرة منها الاستئناس وجلب مودّة القلوب وعدم انكسارها ورفع التحاسد والتعاند ونحوها.

متن الحديث الثالث والتسعين والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، قَالَ :قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «مَا كَلَّمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله الْعِبَادَ بِكُنْهِ عَقْلِهِ قَطُّ ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إِنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا أَنْ نُكَلِّمَ النَّاسَ عَلى قَدْرِ عُقُولِهِمْ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (ما كلّم رسول اللّه صلى الله عليه و آله العباد بكنه عقله قطّ).

قال الفيروزآبادي: «كلّمه تكليما وتكلّم تكلّما: تحدّث»(1).

وقال: «الكُنه _ بالضمّ _ : جوهر الشيء، وغايته، وقدره، ووجهه»(2).

قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : (إنّا معاشر الأنبياء اُمرنا) على البناء للمفعول (أن نُكلِّم الناس على قدر عقولهم).

في كثير من النسخ: «معشر الأنبياء».

في القاموس: «المعشر _ كمقعد (3)_ : الجماعة»(4).

ص: 458


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 172 (كلم) مع التلخيص
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 292 (كنه)
3- . في المصدر: «كمسكن»
4- القاموس المحيط، ج 2، ص 90 (عشر)

وأقول: قوله عليه السلام : «إنّا» مبتدأ، وقوله: «اُمرنا» مع ما يتعلّق به خبره، وقوله: «معاشر الأنبياء» منصوب على الاختصاص، والمراد أنّه صلى الله عليه و آله ما كلّم أحدا ممّن لم يكن أهلاً لجميع الأسرار والغوامض بقدر ما بلغه عقله الشريف وغايته؛ لأنّ عقول أكثر العباد قاصرة عنه كعقول الأطفال مثلاً بالنسبة إلى عقول الكاملين من العلماء، فيكون التكلّم بالأسرار المعضلة والمسائل المشكلة الدقيقة معهم سببا لحيرتهم وضلالتهم.

ويفهم من هذا الخبر كيفيّة التعليم، ووجوب رعاية حال المتعلِّم في التفهيم، وأنّه لابدّ أن يخفى عن الناس ما لا يصل إليه عقولهم ولا يقبله أحلامهم، وأنّ الحكيم هو الذي يعرف موارد الكلام، فيأتي به على وفق مقتضى المقام.ويظهر من كثير من الأخبار أنّ هذا الحكم مقصور على غير أهل بيت العصمة عليهم السلام ، وأنّه صلى الله عليه و آله كلّمهم ما بلغ إليه عقله.

متن الحديث الرابع والتسعين والثلاثمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ؛ وَعِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ جَمِيعا ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ عَطِيَّةَ ، قَالَ :

قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : إِنِّي رَجُلٌ مِنْ بَجِيلَةَ ، وَأَنَا أَدِينُ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ بِأَنَّكُمْ مَوَالِيَّ ، وَقَدْ يَسْأَلُنِي بَعْضُ مَنْ لَا يَعْرِفُنِي ، فَيَقُولُ لِي : مِمَّنِ الرَّجُلُ؟ فَأَقُولُ لَهُ : أَنَا رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ ، ثُمَّ مِنْ بَجِيلَةَ ، فَعَلَيَّ فِي هذَا إِثْمٌ حَيْثُ (1)لَمْ أَقُلْ : إِنِّي مَوْلًى لِبَنِي هَاشِمٍ؟

فَقَالَ : «لَا ، أَلَيْسَ هَوَاكَ وَ قَلْبُكَ (2)مُنْعَقِدا عَلى أَنَّكَ مِنْ مَوَالِينَا؟».

فَقُلْتُ : بَلى وَاللّهِ .

فَقَالَ : «لَيْسَ عَلَيْكَ فِي أَنْ تَقُولَ : أَنَا مِنَ الْعَرَبِ ، إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْعَرَبِ فِي النَّسَبِ وَالْعَطَاءِ وَالْعَدَدِ وَالْحَسَبِ ، فَأَنْتَ (3)فِي الدِّينِ وَمَا حَوَى الدِّينُ بِمَا تَدِينُ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ بِهِ مِنْ طَاعَتِنَا ، وَ الْأَخْذِ بِهِ مِنَّا مِنْ مَوَالِينَا وَمِنَّا وَإِلَيْنَا» .

ص: 459


1- . في بعض نسخ الكافي وشرح المازندراني والوافي: + «إنّي»
2- . في كلتا الطبعتين: «قلبك وهواك»
3- . في الطبعة الجديدة وأكثر نسخ الكافي: «وأنت»

شرح الحديث

السند صحيح.

قوله: (إنّي رجلٌ من بجيلة).

في القاموس: «البجيلة _ كسفينة _ : حيّ باليمن من مَعدٍ، والنسبة بجليّ محرّكة»(1).

(وأنا أدين اللّه عزّ وجلّ) أي أطيعه وأعبده.

(بأنّكم مواليّ) جمع المولى بمعنى المالك، أو المعتق بكسر التاء، أو الصاحب، أو المُنعم، أو الناصر؛ لأنّهم عليهم السلام ملوك أهل الأرض، وملّاك رِقابهم والمعتقين رقابهم من النار والمُنعمين لهم بالنِّعم الحسّيّة والعقليّة في هذا الدار وفي دار القرار، والناصر لهم في اُمور الدِّين والدُّنيا، والشافعين لهم عند الملك.

(وقد يسألني بعض من لا يعرفني) بالنسب.

(فيقول [لي]ممّن الرجل) أي من أيّ طائفة وقبيلة هذا الرجل، وكان فيه التفات.

(فأقول له: أنا رجلٌ من العرب، ثمّ من بجيلة، فعليّ في هذا إثم) أي ذنب وحرج.

قيل: كأنّ وجه السؤال أنّ العرب وبجيلة من المخالفين لأهل البيت عليهم السلام معاندين لهم، فتوهّم أنّ نسبته إليهم توجب التحرّج والإثم(2).

أقول: لا يخفى بُعد هذا التوجيه، بل الظاهر أنّ توهّم الحرج والإثم باعتبار عدم انتسابه إلى أهل البيت عليهم السلام ؛ فإنّ الانتساب إليهم هو النسب الحقيقي الواقعي، كما أشار إليه بقوله: (حيث لم أقل: إنّي مولى لبني هاشم)؛ يظهر من السِّياق أنّ المراد ببني هاشم هنا الأئمّة عليهم السلام ، والمراد بالمولى هنا العبد والمُعتَق بفتح التاء، أو المُنْعَم، أو المحبّ، أو التابع.

(فقال: لا) أي لا إثم عليك في هذا القول.

(أليس هواك).

الهوى _ بالقصر _ : العشق، وإرادة النفس.

(وقلبك منعقدا).

في بعض النسخ: «منعقد» بالرفع.قيل: يمكن أن يُقال حينئذٍ: إنّ اسم «ليس» ضمير راجع

ص: 460


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 367 (بجل)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 374 مع اختلاف في اللفظ

إلى القول المذكور، وقوله: «هواك» خبره، و«قلبك منعقد» مبتدأ وخبر، والواو للحال، والمعنى: أليس ذلك القول هواك ومحض إرادتك الإخبار بالنسب، والحال أنّ قلبك منعقد على موالاتنا(1).

(فقلت: بلى، فقال: ليس عليك) أي إثم، أو بأس (في أن تقول: أنا من العرب).

ثمّ أشار عليه السلام إلى وجه نفي البأس من هذا القول بقوله: (إنّما أنت (2)في النسب).

كذا في كثير من النسخ، وفي بعضها: «إنّما أنت من العرب في النسب».

وعلى النسخة الاُولى يكون قوله: «من العرب» مقدّرا، أي إنّما أنت داخلٌ فيهم في الانتساب إلى قبيلتهم.

(و)في (العطاء) أي تعدّ من جملتهم في الوقف عليهم، وفي النذر لهم، ونحوهما من وجوه الصدقات والعطيّات المختصّة بهم.

(و)في (العدد) أي في عدادهم وزمرتهم، أو في أتباعهم وأعوانهم.

(و)في (الحسب).

هو بالتحريك: ما يعدّه الإنسان من مفاخر آبائه.ويحتمل أن يُراد به المعدود والمحسوب، فالعطف حينئذٍ للتفسير.والحاصل: أنّ النسب وما عطف عليه لا يختلف باختلاف المنسوب والمنسوب إليه.

([فأنت] في الدِّين).

والظاهر أنّ قوله: «فأنت» مبتدأ، وقوله: «في الدِّين» خبره.

(وما حوى الدّين) عطف على الدّين، ولعلّ المراد بالدين اُصوله وما حواه فروعه.

والباء في قوله: (بما تدين اللّه _ عزّ وجلّ _ به) للسببيّة، والضمير للموصول.

وقوله: (من طاعتنا) بيان للموصول.

وقوله: (والأخذ به) عطف على الطاعة، والضمير للدّين.

وقوله: (منّا) متعلّق بالأخذ.

ص: 461


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 374 مع اختلاف في اللفظ
2- . في المتن الذي ضبطه الشارح رحمه الله سابقا: + «من العرب»

ويحتمل أن يكون قوله: (من موالينا) خبرا آخر للمبتدأ، ويحتمل كونه حالاً عن فاعل «تدين».

قوله (منّا) عطف عليه، وكذا قوله: (وإلينا).

ولعلّ المراد: إنّك خُلِقْتَ من طينتنا، ومرجعك ومعادك إلينا في النسب الواقعي والحسب الحقيقي، أو في الدُّنيا والآخرة.

متن الحديث الخامس والتسعين والثلاثمائة

اشارة

حَدَّثَنَا ابْنُ مَحْبُوبٍ (1)، عَنْ أَبِي يَحْيى كَوْكَبِ الدَّمِ :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ حَوَارِيَّ عِيسى عليه السلام كَانُوا شِيعَتَهُ ، وَإِنَّ شِيعَتَنَا حَوَارِيُّونَا ، وَمَا كَانَ حَوَارِيُّ عِيسى بِأَطْوَعَ لَهُ مِنْ حَوَارِيِّنَا لَنَا ، وَإِنَّمَا قَالَ عِيسى عليه السلام لِلْحَوَارِيِّينَ : «مَنْ أَنْصارِى إِلَى اللّهِ» (2)؟ قالَ الْحَوارِيُّونَ : نَحْنُ أَنْصارُ اللّهِ ، فَلَا وَاللّهِ مَا نَصَرُوهُ مِنَ الْيَهُودِ ، وَلَا قَاتَلُوهُمْ دُونَهُ ، وَشِيعَتُنَا وَاللّهِ لَمْ يَزَالُوا مُنْذُ قَبَضَ اللّهُ _ عَزَّ ذِكْرُهُ _ رَسُولَهُ (3)صلى الله عليه و آله يَنْصُرُونَّا ، وَيُقَاتِلُونَ دُونَنَا ، وَيُحْرَقُونَ وَيُعَذَّبُونَ ، وَيُشَرَّدُونَ فِي الْبُلْدَانِ ، جَزَاهُمُ اللّهُ عَنَّا خَيْرا ، وَقَدْ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : وَاللّهِ لَوْ ضَرَبْتُ خَيْشُومَ مُحِبِّينَا بِالسَّيْفِ مَا أَبْغَضُونَا ، وَ وَاللّهِ لَوْ أَدْنَيْتُ إِلى مُبْغِضِينَا وَحَثَوْتُ لَهُمْ مِنَ الْمَالِ مَا أَحَبُّونَا» .

شرح الحديث

السند حسن؛ إذ قوله: (حدّثنا) القائل به أحمد بن محمّد وسهل بن زياد، كما يظهر من السند السابق، وأبو يحيى ممدوح.

قوله: (إنّ حواري عيسى عليه السلام كانوا شيعته).

قال في النهاية:

فيه: حواريّ من اُمّتي، أي خاصّتي من أصحابي وناصريّ.ومنه الحواريّون أصحاب عيسى عليه السلام ، أي خلصاؤه وأنصاره، وأصله من التحوير: التبييض.وقيل:

ص: 462


1- . السند معلّق على سابقه
2- . آل عمران (3): 52؛ الصفّ (61): 14
3- . في بعض نسخ الكافي: «رسول اللّه »

إنّهم كانوا قصّارين يحوّرون الثياب، أي يبيّضونها.

ومنه: الخبز الحواري، للذي نُخِلَ مرّةً بعد اُخرى.قال الأزهري: الحواريّون، خلصاء الأنبياء، وتأويله الذين اُخلِصوا ونُقّوا من كلّ عيب(1). وفي القاموس: «شيعة الرجل _ بالكسر _ : أتباعه وأنصاره»(2).

(وإنّما قال عيسى للحواريّين: «مَنْ أَنصَارِى إِلَى اللَّهِ» ).

قال البيضاوي: أي ملتجأ إلى اللّه ، أو ذاهبا، أو راغبا إليه.ويجوز أن يتعلّق الجار بأنصاري متضمّنا معنى الإضافة؛ أي من الذين يضيفون أنفسهم إلى اللّه في نصري.وقيل: إلى هاهنا بمعنى مع، أو في، أو اللّام(3).

(قال الحواريّون).

حواري الرجل: خاصّته، من الحور، وهو البياض الخالص، سمّي به أصحاب عيسى عليه السلام ؛ لخلوص نيّتهم ونقاء سريرتهم.

وقيل: كانوا ملوكا يلبسون البيض استنصربهم عيسى من اليهود.وقيل: قصّارون يحوّرون الثياب، أي يبيّضونها(4).

(نحن أنصار اللّه ) أي أنصار دينه.

(فلا واللّه ، ما نصروه من اليهود) أي ما نصر الحواريّون عيسى، وما دفعوا عنه شرّ اليهود.

(ولا قاتلوهم دونه) أي ولا قاتل الحواريّون اليهود عند عيسى عليه السلام وتحت رايته.

ودون من الظروف يكون بمعنى أمام، ووراء، ونقيض الفوق.

(وشيعتنا واللّه لم يزالوا) إلى قوله: (يحرقون) على بناء المفعول.

قال الفيروزآبادي: «حرقه بالنار يحرقه وأحرقه وحرّقه بمعنى، فاحترق وتحرّق»(5).

(ويعذّبون) من الأعداء.

(ويشرّدون في البلدان).

التشريد: الطرد، والتفريق.وأشرده: جعله شريدا، أي طريدا.

ص: 463


1- النهاية، ج 1، ص 458 (حور) مع التلخيص و اختلاف في اللفظ
2- القاموس المحيط، ج 3، ص 47 (شيع)
3- تفسير البيضاوي، ج 2، ص 44 مع اختلاف في اللفظ
4- تفسير البيضاوي، ج 2، ص 44 معع التلخيص
5- القاموس المحيط، ج 3، ص 220 (حرق)

(واللّه لو ضربت) على صيغة المتكلّم.

(خيشوم محبّينا) كناية عن غاية الإيذاء.قال الجوهري: «الخيشوم: أقصى الأنف»(1).

(ما أبغضونا، وواللّه لو أدنيت) أي قرّبتُ وأكرمت.

(إليّ) بتشديد الياء.

(مبغضينا وحثوت لهم من المال ما أحبّونا).

الحثو: إهالة التراب وتفريقها، والإعطاء باليسير.والظاهر أنّ المراد به هنا تكثير الإعطاء.

متن الحديث السادس والتسعين والثلاثمائة

اشارة

ابْنُ مَحْبُوبٍ ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ ، قَالَ :

سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «ألم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِى أَدْنَى الْأَرْضِ» (2)؟

قَالَ : فَقَالَ : «يَا أَبَا عُبَيْدَةَ ، إِنَّ لِهذَا تَأْوِيلًا لَا يَعْلَمُهُ إِلَا اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيْهِمْ ، إِنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ ، وَأَظْهَرَ (3)الْاءِسْلَامَ ، كَتَبَ إِلى مَلِكِ الرُّومِ كِتَابا ، وَبَعَثَ بِهِ مَعَ رَسُولٍ يَدْعُوهُ إِلَى الْاءِسْلَامِ ، وَكَتَبَ إِلى مَلِكِ فَارِسَ كِتَابا يَدْعُوهُ إِلَى الْاءِسْلَامِ ، وَبَعَثَهُ إِلَيْهِ مَعَ رَسُولِهِ (4)، فَأَمَّا مَلِكُ الرُّومِ ، فَعَظَّمَ كِتَابَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَأَكْرَمَ رَسُولَهُ ، وَأَمَّا مَلِكُ (5)فَارِسَ ، فَإِنَّهُ اسْتَخَفَّ بِكِتَابِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَمَزَّقَهُ وَاسْتَخَفَّ بِرَسُولِهِ ، وَكَانَ مَلِكُ فَارِسَ يَوْمَئِذٍ يُقَاتِلُ مَلِكَ الرُّومِ ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَهْوَوْنَ أَنْ يَغْلِبَ مَلِكُ الرُّومِ مَلِكَ فَارِسَ ، وَكَانُوا لِنَاحِيَتِهِ أَرْجى مِنْهُمْ لِمَلِكِ فَارِسَ ، فَلَمَّا غَلَبَ مَلِكُ فَارِسَ مَلِكَ الرُّومِ ، كَرِهَ ذلِكَ الْمُسْلِمُونَ وَاغْتَمُّوا بِهِ ، فَأَنْزَلَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ بِذلِكَ كِتَابا قُرْآنا «الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِى أَدْنَى الْأَرْضِ» يَعْنِي غَلَبَتْهَا فَارِسُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهِيَ الشَّامَاتُ وَمَا حَوْلَهَا ، «وَهُمْ» يَعْنِي وَفَارِسُ «مِن بَعْدِ غَلَبِهِمْ» الرُّومَ «سَيَغْلِبُونَ» يَعْنِي يَغْلِبُهُمُ الْمُسْلِمُونَ «فِى بِضْعِ سِنِينَ لِلّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ» (6)عَزَّ وَجَلَّ ، فَلَمَّا غَزَا الْمُسْلِمُونَ فَارِسَ وَافْتَتَحُوهَا ، فَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِنَصْرِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ» .

ص: 464


1- الصحاح، ج 5، ص 1912 (خشم)
2- . الروم (30): 1 _ 3
3- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «وظهر»
4- . في بعض نسخ الكافي: «رسول»
5- . في بعض نسخ الكافي: «لملك»
6- . الروم (30): 1 _ 5

قَالَ : قُلْتُ : أَ لَيْسَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ يَقُولُ : «فِى بِضْعِ سِنِينَ» وَقَدْ مَضى لِلْمُؤْمِنِينَ سِنُونَ كَثِيرَةٌ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَفِي إِمَارَةِ أَبِي بَكْرٍ ، وَإِنَّمَا غَلَبَ الْمُؤْمِنُونَ فَارِسَ فِي إِمَارَةِ عُمَرَ؟

فَقَالَ : «أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ : إِنَّ لِهذَا تَأْوِيلًا وَتَفْسِيرا ، وَالْقُرْآنُ _ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ _ نَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ ، أَمَا تَسْمَعُ لِقَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «لِلّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ» يَعْنِي إِلَيْهِ الْمَشِيئَةُ فِي الْقَوْلِ أَنْ يُؤَخِّرَ مَا قَدَّمَ ، وَيُقَدِّمَ مَا أَخَّرَ فِي الْقَوْلِ إِلى يَوْمٍ يَحْتِمُ الْقَضَاءَ بِنُزُولِ النَّصْرِ فِيهِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ، فَذلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : «وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللّهِ» أَيْ يَوْمَ يَحْتِمُ الْقَضَاءَ بِالنَّصْرِ» .

شرح الحديث

السند صحيح.

قوله: (سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول اللّه عزّ ذكره: «الم * غُلِبَتْ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ» ).

قال البيضاوي:

أي أدنى أرض العرب منهم؛ لأنّها الأرض المعهودة عندهم، أو في أدنى أرضهم من العرب، واللّام بدل من الإضافة.

«وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ» .«من» إضافة المصدر إلى المفعول.

«سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ» .روي أنّ فارس غزوا الروم، فوافوهم بأذرعات وبُصرى، وقيل بالجزيرة، وهي أدنى أرض الروم من الفرس، فغلبوا عليهم، وبلغ الخبر مكّة، ففرح المشركون، وشَمِتوا بالمسلمين وقالوا: أنتم والنصارى أهل كتاب، ونحن وفارس اُميّون، وقد ظهر إخواننا على إخوانكم، ولنظهرنّ عليكم، فنزلت، فقال لهم أبو بكر: لا يقرنّ اللّه أعينكم، فواللّه لتظهرنّ الروم على فارس بعد بضع سنين، فقال له اُبيّ بن خلف: كذبت، اجعل بيننا أجلاً اُنَاحِبُكَ عليه، فناحبه على عشر قلائص من كلّ واحد منهما، وجعل الأجل ثلاث سنين، فأخبر أبو بكر رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال: البضع ما بين الثلاث إلى التسع، فزايده في الخطر ومادّة في الأجل، فجعلاه مائة قلوص إلى تسع سنين، ومات اُبيّ من جرح رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعد قُفُوله من اُحد، وظهرت الروم على الفارس يوم الحديبيّة، فأخذ أبو بكر الخطر من ورثة اُبيّ، وجاء به إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال: تصدّق به، والآية من دلائل النبوّة؛ لأنّها إخبار عن الغيب.

وقرئ: «غَلَبَتْ» بالفتح، و«سيُغلَبون» بالضمّ، ومعناه: أنّ الروم غلبوا على ريف الشام

ص: 465

والمسلمون سيغلبوهم، وفي السنة التاسعة من نزوله غزاهم المسلمون وفتحوا بعض بلادهم، وعلى هذا تكون إضافة الغَلَب إلى الفاعل.

«للّه ِِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ» ؛ من قبل كونهم غالبين وهو وقت كونهم مغلوبين، ومن بعد كونهم مغلوبين وهو وقت كونهم غالبين، أي له الأمر حين غلبوا وحين يغلبون، ليس شيء منهما إلّا بقضائه.وقرئ: «من قبلٍ ومن بعدٍ» من غير تقدير مضاف إليه، كأنّه قيل: قبلاً وبعدا، أي أوّلاً وآخرا.

«وَيَوْمَئِذٍ» يوم يغلب الروم.

«يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللّه ِ» من له كتاب على من لا كتاب له، لما فيه من انقلاب التفّاؤل وظهور صدقهم فيما أخبروا به المشركين، وغلبتهم في رهانهم، وازدياد يقينهم وثباتهم في دينهم.وقيل: بنصر اللّه المؤمنين بإظهار صدقهم، أو بأن وَلَى بعض أعدائهم بعضا حتّى تفانوا.

«يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ» ؛ فينصر هؤلاء مرّة وهؤلاء اُخرى(1).

انتهى كلام البيضاوي.

وروي عن البغوي أنّه قال: كان سبب غلبة الروم فارس _ على ما قال عكرمة _ : أنّ شهريراز رئيس كسرى بعدما غلبت الروم لم يزل ليطأهم، ويخرّب مدائنهم، حتّى بلغ الخليج، فبينما أخوه فرخان جالس ذات يوم يشرب قال فرخان لأصحابه: لقد رأيت كأنّي جالس على سرير كسرى فبلغت كلمته كسرى فكتب إلى شهريار: إذا أتاك كتابي فابعث إليَّ برأس فرخان، فكتب إليه: أيّها الملك إنّك لن تجد مثل فرخان إنّ له قوّةً وصوتا في العَدْو فلا تغفل، فكتب إليه أنّ في رجال فارس أعلى منه، فعجِّل عليَّ برأسه، فراجعه، فغضب كسرى ولم يجبه، وبعث بريدا إلى أهل فارس إنّي قد نزعت عنكم شهريراز واستعملت عليكم فرخان، ثمّ دفع إلى البريد صحيفة صغيرة وأمره فيها بقتل شهريراز، فقال: إذا ولّى فرخان الملك فأعطه، فلمّا قرأ شهريراز الكتاب قال: سمعا وطاعة، ونزل عن سريره وجلس فرخان ورفع إليه الصحيفة، فقال: ايتوني بشهريراز، فقدّمه ليضرب عنقه.فقال: لا تعجل، وأعطاه ثلاث صحائف، وقال: كلّ هذا رجعت فيك كسرى، وأنت تريد أن تقتلني

ص: 466


1- تفسير البيضاوي، ج 4، ص 327 مع التلخيص

بكتابٍ واحد، فردّ المُلك إلى أخيه، وكتب شهريراز إلى قيصر ملك الروم: إنّ لي إليك حاجة، لا تحملها البُردُ، ولا تبلغهما الصُحُف، فالقني في خمسين روميّا؛ فإنّي ألقاك في خمسين فارسيّا.فالتقيا في قبّة ديباج ضُربت لهما، ومع كلّ واحد منهما سكّين، فدَعَيا بترجمان بينهما، فقال شهريراز: إنّ الذين خرّبوا مدائنك أنا وأخي بكيدنا وشجاعتنا، وإنّ كسرى حسدنا وأراد أن أقتل أخي، فأبيت، ثمّ أمر أخي أن يقتلني، فقد خلعناه جميعا، فنحن نقاتله معك.

قال: قد أصبتما، ثمّ أشار أحدهما إلى صاحبه أنّ السرّ إذا جاوز اثنين فشا، فقتلا الترجمان معا بسكّينهما، فأديلت الروم عند ذلك [على فارس]، فاتّبعوهم، فقتلوهم، فمات كسرى، وجاء الخبر إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم الحديبيّة، ففرح من معه بذلك(1).

(قال: فقال أبا عبيدة، إنّ لهذا) أي لهذه الآية، والتذكير باعتبار القول.

(تأويلاً) أي تفسيرا ومرجعا.

(لا يعلمه إلّا اللّه والراسخون في العلم) أي الذين تثبّتوا وتمكّنوا فيه، يُقال: رسخ الشيء _ كمنع _ رسوخا، أي ثبت، واستحكم.

وقوله عليه السلام : (من آل محمّد صلى الله عليه و آله ) بيان للراسخين في العلم.

ثمّ أراد عليه السلام أن يبيّن تأويله على وفق تنزيله بقوله: (إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لمّا هاجر إلى المدينة) من مكّة (وأظهر الإسلام).

في بعض النسخ: «وظهر» بدون الألف.

(كتب إلى ملك الروم) وكان اسمه: هرقل، وزان بِسجلَ وزبرج.

(كتابا، وبعث به)؛ الباء للتعدية.

(مع رسول) وكان اسمه: دحية بن خليفة الكلبي.

(يدعوه) أي يدعو رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، أو ذلك الرسول ملك الروم.

(إلى الإسلام).

روي أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لمّا بعث دحية الكلبي أمره أن يأتي حاكم بُصرى، ويسأل منه أن

ص: 467


1- اُنظر: تفسير البغوي، ج 3، ص 475 و 476

يبعث معه من يوصله إلى هرقل، وكان هرقل أتى لزيارة بيت المقدس إلى الشام، فأرسل معه رجلاً حتّى أوصله إلى هرقل(1).

وقال قطب الدِّين الراوندي: روي أنّ دحية الكلبي قال: بعثني رسول اللّه صلى الله عليه و آله بكتاب إلى قيصر، فأرسل إلى الاُسقف، فأخبره بمحمّد صلى الله عليه و آله وكتابه، فقال: هذا النبيّ الذي كنّا ننتظره بشّرنا به عيسى بن مريم، وقال الاُسقف: أمّا أنا فمصدّقه ومتّبعه، فقال قيصر: أمّا أنا إن فعلت ذلك ذهب ملكي.

ثمّ قال قيصر: التمسوا من قومه هاهنا أحدا أسأله عنه، وكان أبو سفيان وجماعة من قريش دخلوا الشام تجّارا فأحضرهم وقال: ليدن منّي أقربكم نسبا به، فأتاه أبو سفيان فقال: أنا سائلٌ عن هذا الرجل الذي يقول إنّه نبيّ، ثمّ قال لأصحابه: إن كذب فكذّبوه، قال أبو سفيان: لو لا حيائي أن يأثر أصحابي عنّي الكذب أخبرته بخلاف ما هو عليه، فقال: كيف نسبه فيكم؟

قلت: ذو نَسَب.

قال: هل قال هذا القول فيكم أحد؟

قلت: لا.

قال: فهل كنتم تتّهمونه بالكذب قبلُ؟

قلت: لا.

قال: فهل أشراف الناس اتّبعوه أو ضعفاؤهم؟

قلت: ضعفاؤهم.

قال: فهل يزيدون، أو ينقصون؟

قلت: يزيدون.

قال: يرتدّ أحدٌ منهم سخطا لدينه؟

قلت: لا.

قال: فهل قاتلتموه؟

قلت: نعم.

ص: 468


1- اُنظر: الطبقات الكبرى، ج 1، ص 259

قال: فكيف حربكم وحربه؟

قلت: ذو سجال مرّة له ومرّة عليه.

قال: هذه آية النبوّة.

قال: فما يأمركم؟ قلت: يأمرنا أن نعبداللّه وحده ولا نُشرك به شيئا، وينهانا عمّا كان يعبدُ آباؤنا، ويأمرنا بالصلاة والصوم والعفاف والصدق وأداء الأمانة والوفاء بالعهد.

قال: هذه صفة نبيّ، وقد كنتُ أعلم أنّه يخرج لم أظنّ أنّه منكم، فإنّه يوشك أن يملك ما تحت قدميّ هاتين، ولو أرجو أن أخلص إليه لتجشّمت لقاءه، ولو كنتُ عنده لقبّلت قدميه، وأنّ النصارى اجتمعوا على الاُسقف ليقتلوه.

فقال: اذهب إلى صاحبك، فاقرأ عليه سلامي، وأخبره أنّي أشهدُ أن لا إله إلّا اللّه وأنّ محمّدا رسول اللّه ، وأنّ النصارى أنكروا ذلك عليَّ.

ثمّ خرج إليهم، فقتلوه(1).

قال: وروي أنّ هرقل بعث رجلاً من غسّان وأمره أن يأتيه بخبر محمّد وقال: احفظ لي من أمره ثلاثة؛ اُنظر على أيّ شيء تجده جالسا، ومَن على يمينه، فإن استطعت أن تنظر إلى خاتم النبوّة فافعل.فخرج الغسّاني حتّى أتى النبيّ صلى الله عليه و آله فوجده جالسا على الأرض، ووجد عليّ بن أبي طالب عليه السلام على يمينه، وجعل رجليه في ماء يفور، فقال: مَن هذا على يمينه؟

قيل: ابن عمّه.

فكتب ذلك، ونسى الغسّاني الثالثة، فقال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله : تعال، فانظر إلى ما أمرك به صاحبك.فنظر إلى خاتم النبوّة، فانصرف الرجل إلى هرقل، ثمّ قال: ما صنعت؟

قال: وجدته جالسا على الأرض، والماء تفور تحت قدميه، ووجدتُ عليّا ابن عمّه على يمينه، ونسيت ما قلت لي في الخاتم، فدعاني فقال: هلمّ إلى ما أمرك به صاحبك، فنظرت إلى خاتم النبوّة.فقال هرقل: هذا الذي بشّر به عيسى بن مريم، إنّه يركب البعير، فاتّبعوه وصدّقوه.

ص: 469


1- راجع: الخرائج والجرائح، ج 1، ص 131، ح 217

ثمّ قال للرسول: اخرج إلى أخي، فاعرض عليه؛ فإنّه شريكي في الملك، فقال له: ما طاب نفسه عن ذهاب ملكه(1).

(وكتب إلى ملك فارس كتابا يدعوه إلى الإسلام).

«فارس» كصاحب الفُرس أو بلادهم ينصرف ولا ينصرف.والمراد بملكهم هنا «خسرو بن پرويز بن انوشيروان».

(وبعث إليه)؛ الضمير الأوّل للكتاب والثاني لملك فارس.

(مع رسوله).اسم ذلك الرسول عبداللّه بن حذافة السهمي.ذكر ابن شهرآشوب نقلاً عن كتاب المجالس لمهدي (2)المامطيري:

أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كتب إلى كسرى:

«من محمّد رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى كسرى بن هرمز؛ أمّا بعد، فأسلم تسلم، وإلّا فأذن بحربٍ من اللّه ورسوله، والسلام على مَن اتّبع الهدى».

فلمّا وصل إليه الكتاب مزّقه واستخفّ به، وقال: من هذا الذي يدعوني إلى دينه ويبدأ باسمه قبل اسمي، وبعث إليه بتراب، فقال صلى الله عليه و آله : «مزّق اللّه ملكه كما مزّق كتابي، أما أنّكم ستمزّقون ملكه، وبعث إليّ بتراب، أما أنّكم ستملكون أرضه».فكان كما قال.

وقال الماوردي في أعلام النبوّة: إنّ كسرى بعث في الوقت إلى عامله في اليمن اسمه بازان ويكنّى أبا مهران: أن احمل اليّ هذا الذي يذكر أنّه نبيّ، وبدأ باسمه قبل اسمي، ودعاني إلى غير ديني.فبعث إليه فيروز الديلمي في جماعة مع كتاب يذكر فيه ما كتب به كسرى، فأتاه فيروز بمَن معه فقال له: إنّ كسرى أمرني أن أحملك إليه فاستنظره ليلة، فلمّا كان من الغد حضر فيروز مستحشا، فقال له النبيّ صلى الله عليه و آله : أخبرني ربّي أنّه قتل ربّك البارحة سلّط اللّه عليه ابنه شيرويه على سبع ساعات من الليل.فأمسك حتّى يأتيك الخبر، فراع ذلك فيروز وهاله وعاد إلى بازان، فأخبره، فقال له بازان: كيف وجدت نفسك حين دخلت عليه؟ فقال: واللّه ما هبتُ أحدا كهيبة هذا الرجل.فوصل الخبر بقتله في تلك الليلة من تلك الساعة، فأسلما جميعا، وظهر العنسي وما افتراه من الكذب، فأرسل صلى الله عليه و آله إلى فيروز: اقتُله قتله اللّه ، فقتله(3).

ص: 470


1- راجع: الخرائج والجرائح، ج 1، ص 104، ح 169
2- . في المصدر: «لابن المهدي»
3- مناقب آل أبي طالب، ج 1، ص 70 مع اختلاف يسير في اللفظ

وروى عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: بعث اللّه إلى كسرى ملكا وقت الهاجرة وقال: يا كسرى، تسلم أو أكسر هذه العصا، فقال: بهل بهل، فانصرف عنه، فدعا حُرّاسه وقال: من أدخل هذا الرجل عليَّ؟ فقالوا: ما رأيناه.ثمّ أتاه في العام المقبل ووقته فكان كما كان أوّلاً، ثمّ أتاه في العام الثالث فقال: تسلم أو أكسر هذه العصا؟ فقال: بهل بهل.فكسر العصا، ثمّ خرج، فلم يلبث أن وثب عليه ابنه فقتله، انتهى(1).

ثمّ اعلم أنّ المشهور بين أهل السِّير أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أرسل ستّ مكاتيب إلى ستّة ملوك يدعوهم إلى الإسلام، وذلك في سنة ستّ من الهجرة؛ اثنتان منها إلى كسرى وقيصر _ كما مرّ _ وكتابا إلى النجاشي ملك الحبشة بيد عمرو بن اُميّة الصميري، وكتابا إلى مقوقس حاكم إسكندريّة بيد حاطب بن أبي بلتعة، وكتابا إلى حارث بن أبي شمر الغسّاني ملك الشام بيد شجاع بن وهب الأسدي، وكتابا إلى موزة بن علا الحنفي والي اليمامة بيد سليط بن عمرو، وزاد بعضهم مكاتبة اُخرى إلى منذر بن الساوي ملك بحرين بيد علاء الحضرمي، ولم يؤمن من هؤلاء ظاهرا إلّا النجاشي ومنذر.

(وكان المسلمون يهوون) أي يحبّون.يُقال: هويه _ كرضيه _ هوى، أي أحبّه.

(أن يغلب ملك الروم ملك فارس) أي يصير ملك الروم غالبا، وملك فارس مغلوبا.

(وكانوا) أي المسلمون.

(لناحيته) أي لجانب ملك الروم.

(أرجى منهم لملك فارس).

ولعلّ المراد أنّ رجاءهم لقبول الإسلام من ناحية ملك الروم ومن جهته.

(فأنزل اللّه _ عزّ وجلّ _ بذلك) أي بما مرّ من قوله: «وكان ملك فارس يومئذٍ».

(كتابا قرآنا)؛ يحتمل كون «قرآنا» صفة «كتابا»، أي كتابا مقروءا، أو يحتمل كونه بدلاً منه.

قال الجوهري:

قرأت الشيء: جمعته، وضممت بعضه إلى بعض.وقرأت الكتاب قراءة وقرآنا، ومنه سمّي القرآن.وقال أبو عبيدة: سمّي القرآن؛ لأنّه يجمع السُوَر فيضمّها(2).

«ألم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ» .

ص: 471


1- رواه ابن شهر آشوب في المناقب، ج 1، ص 25
2- الصحاح، ج 1، ص 65 (قرأ) مع التلخيص

يعني غلبتها فارس.الظاهر كون «غَلَبَت» بصيغة الفعل، و«فارس» بالرفع على الفاعليّة، فيكون قوله تعالى: «غُلِبَتِ الرُّومُ» على البناء للمفعول، ويحتمل بعيدا كون غلبتها بصيغة المصدر، وإضافتها إلى الضمير إضافة إلى المفعول، أو إلى الفاعل، وكون «غلبت» في الآية على البناء للفاعل.

(فِي أَدْنَى الْأَرْضِ و هي الشامات و[ما] حولها)؛ فإنّها أدنى الأرض من العرب.

قال الفيروزآبادي في المهموز العين:

الشأم بلاد عن مشأمة القبلة، وسمّيت لذلك.أو لأنّ قوما من بني كنعان تشاءموا إليها، أي تياسروا.أو سمّي بسأم بن نوح؛ فإنّه بالشين في السريانيّة.أو لأنّ أرضها شامات بيض وحمر وسود، وعلى هذا لا تهمز، وقد تذكّر.انتهى(1).

والظاهر أنّ قوله عليه السلام : (يعني وفارس) تفسير لضمير «هم» في الآية.

«مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ» الروم.

قال الجوهري: غلبه غَلْبا وغلبة وغَلَبا أيضا، قال اللّه تعالى: «وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ» وهو من مصادر المضموم العين مثل الطلب.قال الفرّاء: هذا يحتمل أن يكون غلبة، فحذفت الهاء عند الإضافة، كما قال الشاعر: وأخلفوك عدا الأمر الذي وعدوا، أراد عدة الأمر، فحذف الهاء عند الإضافة(2).

«سَيَغْلِبُونَ» على البناء للمفعول، بقرينة قوله عليه السلام : (يعني يغلبهم المسلمون)، ويظهر منه أنّه كان في قراءتهم عليهم السلام : «غلبت» و«سيغلبون» على البناء للمفعول في كليهما، وأنّ إضافة «غلبهم» إضافة المصدر إلى فاعله.

«فِي بِضْعِ سِنِينَ» .

في القاموس:

البضع _ بالكسر و _ بفتح _ : ما بين الثلاث إلى التسع، أو إلى الخمس، أو ما بين الواحد إلى الأربعة، أو من أربع إلى تسع، أو هو سبع، وإذا جاوزت لفظ العشر ذهب البضع(3).

ص: 472


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 134 (شأم)
2- الصحاح، ج 1، ص 195 (غلب) مع التلخيص
3- القاموس المحيط، ج 3، ص 5 (بضع) مع التلخيص

أقول: لمّا كان البضع يطلق على ما دون العشرة، وكان تمام غلبة أهل الإسلام على فارس في أواخر السنة السادس عشر، أو أوائل السبع عشر من الهجرة، وكان نزول الآية _ على ما يفهم من ظاهر الخبر _ في السنة السادس منها بعد مراسلة كسرى وقيصر، وعلى المشهور بين المفسّرين كان نزولها بمكّة قبل الهجرة، (1).وعلى التقديرين الزمان الموعود على البضع اعترض السائل عليه بقوله: (أليس اللّه عزّ وجلّ يقول: «فِي بِضْعِ سِنِينَ» فأجاب عليه السلام بقوله: (ألم أقل لكم أنّ لهذا تأويلاً وتفسيرا)، وحاصل الجواب: أنّ في الآية إشعارا باحتمال وقوع البداء، حيث قال: «للّه ِِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ» ، أي للّه أن يقدّم الأمر قبل البضع وأن يؤخّره بعده.

وقال بعض المحقّقين: الفرق بين التأويل والتفسير أنّ التأويل صرف الكلام عن معناه الظاهر إلى الأخفى منه، والتفسير كشف معناه وإظهاره وبيان المراد منه(2).

وقوله عليه السلام : (والقرآن يا أبا عبيدة ناسخٌ ومنسوخ) إشارة إلى توضيح التأويل على وجه يندفع عنه الإيراد.

وقوله عليه السلام : (أن يؤخّر ما قدّم، ويقدّم ما أخّر) بدل أو بيان للقول.

وقال بعض الشارحين:

توضيحه: أنّ وعد النصر في البضع منسوخ إلى الأزيد منه بدليل ما بعده _ قال: _ ويمكن أيضا أن يُراد به أنّ حقيقة البضع، وهو قطعة معيّنة من العدد _ نسخت واُزيلت بإرادة المجاز منه، وهو قطعة أزيد منه وقع القضاء والحتم فيها، [والقرينة عليه ما بعده] وهذا بناءً على ما ذهب إليه جميع المحقّقين من أنّ الكلام لا يُصرف إلى الحقيقة ولا إلى المجاز، ولا يستقرّ شيء منهما إلّا بعد تمامه والفراغ من متعلّقه، فإن ذكرت قرينة المجاز حمل عليه وإلّا فعلى الحقيقة(3).

ص: 473


1- راجع: التبيان، ج 8، ص 227؛ الكشّاف، ج 3، ص 213؛ مجمع البيان، ج 8، ص 42
2- حكاه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 376 عن البعض
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 377 مع اختلاف يسير في اللفظ

متن الحديث السابع والتسعين والثلاثمائة

اشارة

ابْنُ مَحْبُوبٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي الْمِقْدَامِ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ :

قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : إِنَّ الْعَامَّةَ يَزْعُمُونَ أَنَّ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ حَيْثُ اجْتَمَعَ النَّاسُ كَانَتْ رِضًا لِلّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ ، وَمَا كَانَ اللّهُ لِيَفْتِنَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله مِنْ بَعْدِهِ؟

فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «أَوَمَا يَقْرَؤُونَ كِتَابَ اللّهِ؟ أَوَلَيْسَ اللّهُ يَقُولُ : «وَما مُحَمَّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئا وَسَيَجْزِى اللّهُ الشّاكِرِينَ» (1)؟» .

قَالَ : فَقُلْتُ لَهُ : إِنَّهُمْ يُفَسِّرُونَ عَلى وَجْهٍ آخَرَ .

فَقَالَ : «أَ وَلَيْسَ قَدْ أَخْبَرَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ عَنِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ أَنَّهُمْ قَدِ اخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ حَيْثُ قَالَ : «وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ» (2)وَفِي هذَا مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلى أَنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله قَدِ اخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (وما كان اللّه لفيتن اُمّة محمّد صلى الله عليه و آله من بعده) أي يوقعهم في الفتنة.وغرضهم أنّه تعالى يحفظهم منها.

والفتنة: الحيرة، والضلال، والكفر، والفضيحة، والعذاب، والإضلال، واختلاف الناس في الآراء.فتنه _ كضربه _ : أوقعه في الفتنة.

(فقال أبو جعفر عليه السلام : أوما يقرؤون كتاب اللّه )؛ ليظهر لهم بطلان زعمهم: أوليس اللّه يقول في سورة آل عمران: «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَا رَسُولٌ» يعني لا يتجاوز عن صفة الرسالة إلى البراءة عن الموت أو القتل.

ص: 474


1- . آل عمران (3): 144
2- . البقرة (2): 253

«قَدْ خَلَتْ» أي مضت.قال الجوهري: «وقوله تعالى: «وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ» (1) أي مضى وأرسل»(2).

وفي القاموس: «خلا مكانه: مات، ومضى»(3).

«مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ» فسيخلو كما خلوا بالموت أو القتل.

«أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ» .

قال البيضاوي: هو إنكار لارتدادهم وانقلابهم على أعقابهم عن الدِّين؛ لخلوّه بموت، وقتل بعد علمهم بخلوّ الرّسل قبله، وبقاء دينهم متمسّكا به.وقيل: الفاء للسببيّة، والهمزة لإنكار أن يجعلوا خلوّ الرّسل قبله سببا لانقلابهم على أعقابهم بعد وفاته(4).

«وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ» أي يرتدّ عن الدِّين.

«فَلَنْ يَضُرَّ اللّه َ شَيْئا» بارتداده، بل يضرّ نفسه.

«وَسَيَجْزِي اللّه ُ الشَّاكِرِينَ» على نعمة الإسلام بالثبات عليه.والآية متضمّنة للوعد والوعيد.

قال: (فقلت له: إنّهم يفسّرون على وجه آخر).

وهو أنّه كلام على وجه الاستفهام، أو الشرط، ونهى عن ارتدادهم، وشيء منها لا يستلزم وقوعه.

والجواب أنّه تعريض وتوبيخ للقوم بما صدر عنهم بعد وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؛ بقرينة التهديد والوعيد، وهو تابع لوقوعه، ولما روي في سبب نزول الآية على ما ذكره البيضاوي (5)وغيره: (6).أنّه لمّا رمى عبداللّه بن قمئة الحارثي رسول اللّه صلى الله عليه و آله بحجر، فكسر رباعيّته، وشجّ وجهه، فذبّ عنه مصعب بن عمير _ وكان صاحب الراية _ حتّى قتله ابن قمئة وهو يرى أنّه قتل النبيّ صلى الله عليه و آله ، فقال: قد قتلت محمّدا صلى الله عليه و آله ، وصرخ صارخٌ: ألا أنّ محمّدا قد قُتل، فانكفأ

ص: 475


1- .فاطر (35): 24
2- الصحاح، ج 6، ص 2330 (خلا)
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 425 (خلو)
4- تفسير البيضاوي، ج 2، ص 98 مع اختلاف يسير في اللفظ
5- . اُنظر: تفسير البيضاوي، ج 2، ص 98
6- . اُنظر: الكشّاف، ج 1، ص 467؛ مجمع البيان، ج 2، ص 403 _ 406

الناس وجعل الرسول صلى الله عليه و آله يدعو: أين عباد اللّه ؟ فانحاز إليه ثلاثون من أصحابه وحَمَوهُ حتّى كشفوا عنه المشركين وتفرّق الباقون.وقال بعضهم: ليت ابن اُبيّ يأخذ لنا أمانا من أبي سفيان.وقال اُناس من المنافقين: لو كان نبيّا لما قُتل ارجعوا إلى إخوانكم ودينكم.فقال أنس بن النضر عمّ أنس بن مالك: يا قوم، إن كان قُتل محمّد، فإنّ ربّ محمّد حيٌّ لا يموت، وما تصنعون بالحياة بعده؟ فقاتلوا على ما قاتل عليه.ثمّ قال: اللَّهُمَّ إنّي أعتذرُ إليك ممّا يقولون، وأبرأُ منه! وشدَّ بسيفه، فقاتل حتّى قُتِل، فنزلت.

ولا يخفى أنّه صريح فيما قلناه، وقد اُجيب عنه أيضا بأنّ النهي عن الشيء يستلزم إمكان وقوعه في نفس الأمر، وهم يزعمون أنّ وقوعه ممتنع بالغير؛ لأنّه تعالى حفظهم عنه.

ثمّ إنّه عليه السلام لم يتعرّض للجواب؛ إمّا لظهوره، أو لأنّ الخصم مكابر متعنّت، وعدل في الاستدلال بما هو أوضح منه.

(فقال: أوليس قد أخبر اللّه _ عزّ وجلّ _ عن الذين من قبلهم من الاُمم) كاليهود والنصارى ومن يحذو حذوهما.

(أنّهم قد اختلفوا) في أمر الدِّين.

(من بعدما جاءتهم البيّنات) أي الآيات الواضحات، والمعجزات الباهرات، الدالّة على الحقّ، الفارقة بينه وبين الباطل.

(حيث قال) في سورة البقرة: «تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللّه ُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ» .

أي قوّيناه، من الأيد، بمعنى القوّة.

«بِرُوحِ الْقُدُسِ» .

قال البيضاوي:

أي الروح المقدّسة، كقولك: حاتم الجود، ورجل صدق أراد به جبرئيل.

وقيل: روح عيسى، ووصفها به؛ لطهارته عن مسّ الشيطان، أو لكرامته على اللّه ، ولذلك أضافها إلى نفسه.أو لأنّه لم تضمّنه الأصلاب والأرحام الطوامث، أو الإنجيل، أو اسم اللّه الأعظم الذي كان يُحيي به الموتى، انتهى(1)

ص: 476


1- تفسير البيضاوي، ج 1، ص 357 مع اختلاف يسير في اللفظ

ويظهر من أخبار الأئمّة الأطهار أنّ الروح ليس من جنس الملائكة، بل هو مخلوقٌ آخر كان مع الأنبياء يحدّثهم ويسدّدهم.

وقيل: خصّص عيسى عليه السلام بالذِّكر؛ لإفراط اليهود والنصارى في تحقيره وتعظيمه، وجعل معجزاته سبب تفضّله؛ لأنّه آيات واضحة، ومعجزات عظيمة، لم يستجمعها غيره(1).

«وَلَوْ شَاءَ اللّه ُ» أن يهدي الناس جميعا جبرا، ويلزمهم الإيمان قهرا، ويمنعهم الضلالة والغواية كرها.

«مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ» أي بعد الرسل.

وقيل: المراد بالاقتتال هنا الاختلاف(2).

«مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَاتُ» ؛ لكونهم حينئذٍ مجبورين على الإيمان والثبات عليه، ولا يتمكّنون من الارتداد والاختلاف.

«وَلكِنْ اخْتَلَفُوا» باختيارهم؛ لعدم تعلّق المشيّة الإجباريّة بعدم الاختلاف.

ثمّ أشار سبحانه إلى تفصّل ذلك الآيات بقوله: «فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ» .أي ثبت على الإيمان بتوفيقه تعالى.

«وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ» وارتدّ عن الدِّين بخذلانه.

«وَلَوْ شَاءَ اللّه ُ مَا اقْتَتَلُوا» .

قال البيضاوي: «كرّره للتأكيد»(3).

«وَلَكِنَّ اللّه َ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ» (4)فيوفّق من يشاء فضلاً، ويخذل مَنْ يشاء عدلاً، ولا يفعل ما ذكر من الجبر على الإيمان والثبات عليه، ولكن يفعل ما يريد من إقدارهم عليه وعلى ضدّه تحقيقا لمعنى التكليف.

(وفي هذا ما يستدلّ به).

قال بعض الأفاضل: يمكن الاستدلال بها من وجوه: الأوّل: إنّ ضمير الجمع في قوله تعالى: «مِنْ بَعْدِهِمْ» راجع إلى الرسل، فيدلّ بعمومه

ص: 477


1- تفسير البيضاوي، ج 1، ص 550 مع اختلاف يسير في اللفظ
2- ذهب إليه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 377
3- تفسير البيضاوي، ج 1، ص 550
4- .البقرة (2): 253

على أنّ جميع الرسل يقع الاختلاف بعدهم، فيكون في اُممهم كافر ومؤمن، ونبيّنا صلى الله عليه و آله من جملة الرسل، فيلزم صدور ذلك من اُمّته أيضا.

والثاني: أنّ الآية تدلّ على وقوع الاختلاف والارتداد بعد عيسى وكثير من الأنبياء في اُممهم، وقد قال تعالى: «وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللّه ِ تَبْدِيلاً» (1). ، وقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «يكون في اُمّتي ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل»، (2)فيلزم صدور ذلك من هذه الاُمّة أيضا.

والثالث: أن يكون الغرض رفع الاستبعاد الذي بنى القائل كلامه عليه، بأنّه إذا جاز وقوع ذلك بعد كثير من الأنبياء، فلِمَ لم يجز وقوعه بعد نبيّنا صلى الله عليه و آله ، فيكون سندا لمنع المقدّمة التي أوردها بقوله: «وما كان اللّه ليفتن».

والثاني أظهر الوجوه، كما لا يخفى.

متن الحديث الثامن والتسعين والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ (3)، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ ، قَالَ :

دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ ، فَرَأَيْتُ مَوْلًى لِأَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، فَمِلْتُ إِلَيْهِ لِأَسْأَلَهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، فَإِذَا أَنَا بِأَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام سَاجِدٌ (4)، فَانْتَظَرْتُهُ طَوِيلًا ، فَطَالَ سُجُودُهُ عَلَيَّ ، فَقُمْتُ وَصَلَّيْتُ رَكَعَاتٍ (5).وَانْصَرَفْتُ وَهُوَ بَعْدُ سَاجِدٌ ، فَسَأَلْتُ مَوْلَاهُ : مَتى سَجَدَ؟ فَقَالَ : مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا .

فَلَمَّا سَمِعَ كَلَامِي رَفَعَ رَأْسَهُ ، ثُمَّ قَالَ : «أَبُو مُحَمَّدٍ (6)، ادْنُ مِنِّي» فَدَنَوْتُ مِنْهُ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، فَسَمِعَ صَوْتا خَلْفَهُ ، فَقَالَ : «مَا هذِهِ الْأَصْوَاتُ الْمُرْتَفِعَةُ؟» فَقُلْتُ : هؤُلَاءِ قَوْمٌ مِنَ الْمُرْجِئَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ ، فَقَالَ : «إِنَّ الْقَوْمَ يُرِيدُونِّي ، فَقُمْ بِنَا» فَقُمْتُ مَعَهُ ، فَلَمَّا أَنْ رَأَوْهُ نَهَضُوا نَحْوَهُ ، فَقَالَ لَهُمْ : «كُفُّوا أَنْفُسَكُمْ عَنِّي ، وَلَا تُؤْذُونِي وَتَعْرِضُونِي (7)لِلسُّلْطَانِ ؛ فَإِنِّي لَسْتُ بِمُفْتٍ لَكُمْ» ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي وَتَرَكَهُمْ وَمَضى .

ص: 478


1- .الأحزاب (33): 26
2- كفاية الأثر، ص 15؛ مناقب آل أبي طالب، ج 1، ص 258 و فيهما: «كائن» بدل «يكون»
3- . الضمير راجع إلى ابن محبوب المذكور في السند السابق
4- . في الطبعة القديمة وبعض نسخ الكافي «ساجدا»
5- . في بعض نسخ الكافي: «ركعتين»
6- . في كلتا الطبعتين: «أبا محمّد»
7- . في بعض نسخ الكافي ومرآة العقول: «و لا تعرضوني»

فَلَمَّا خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ قَالَ لِي : «يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ، وَاللّهِ لَوْ أَنَّ إِبْلِيسَ سَجَدَ لِلّهِ _ عَزَّ ذِكْرُهُ _ بَعْدَ الْمَعْصِيَةِ وَالتَّكَبُّرِ عُمُرَ الدُّنْيَا ، مَا نَفَعَهُ ذلِكَ وَلَا قَبِلَهُ اللّهُ _ عَزَّ ذِكْرُهُ _ مَا لَمْ يَسْجُدْ لآِدَمَ كَمَا أَمَرَهُ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ أَنْ يَسْجُدَ لَهُ ، وَكَذلِكَ هذِهِ الْأُمَّةُ الْعَاصِيَةُ الْمَفْتُونَةُ بَعْدَ نَبِيِّهَا صلى الله عليه و آله ، وَبَعْدَ تَرْكِهِمُ الْاءِمَامَ الَّذِي نَصَبَهُ نَبِيُّهُمْ صلى الله عليه و آله لَهُمْ ، فَلَنْ يَقْبَلَ اللّهُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ لَهُمْ عَمَلًا وَلَنْ يَرْفَعَ لَهُمْ حَسَنَةً حَتّى يَأْتُوا اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ ، وَيَتَوَلَّوُا الْاءِمَامَ الَّذِي أُمِرُوا بِوَلَايَتِهِ ، وَيَدْخُلُوا مِنَ الْبَابِ الَّذِي فَتَحَهُ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ وَرَسُولُهُ لَهُمْ .

يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ، إِنَّ اللّهَ افْتَرَضَ عَلى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله خَمْسَ فَرَائِضَ : الصَّلَاةَ ، وَالزَّكَاةَ ، وَالصِّيَامَ ، وَالْحَجَّ ، وَوَلَايَتَنَا؛ فَرَخَّصَ لَهُمْ فِي أَشْيَاءَ مِنَ الْفَرَائِضِ الْأَرْبَعَةِ ، وَلَمْ يُرَخِّصْ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي تَرْكِ وَلَايَتِنَا ، لَا وَاللّهِ مَا فِيهَا رُخْصَةٌ» .

شرح الحديث

السند صحيح على الظاهر.

قوله: (عنه).

الضمير لابن محبوب.

قوله: (ثمّ قال أبو محمّد) أي أنت أبو محمّد.وفي بعض النسخ: «أبا محمّد» بتقدير حرف النداء.

(ولا تؤذوني وتعرضوني للسلطان).

يُقال: عرضه له _ كضرب وسمع _ أي أظهره له.وعرضت الشيء للشيء تعريضا، أي جعلته عرضا له؛ يعني لا تجعلوني عرضة لإيذاء السلطان وإضراره باجتماعكم عليَّ وسؤالكم عنّي.

وفي بعض النسخ: «للشيطان» والمآل واحد.

(فإنّي لستُ بمفت لكم) من الإفتاء، وهذا القول منه عليه السلام للتقيّة.

(لو أنّ إبليس سجد للّه _ عزّ وجلّ _ بعد المعصية) أي بعد امتناعه من السجود لآدم عليه السلام .

(والتكبّر) له (عمر الدُّنيا) منصوب على الظرف، أي سجد للّه بقاء مدّة الدُّنيا.

قال الفيروزآبادي: «العمر _ بالفتح، وبالضمّ، وبضمّتين _ : الحياة»(1).

ص: 479


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 95 (عمر)

(يا أبا محمّد، إنّ اللّه افترض)؛ يعني أوجب بعد الإقرار بالتوحيد والرسالة، كما يشعر به قوله على اُمّة محمّد صلى الله عليه و آله ؛ لأنّه لا يعدّ أحدٌ من اُمّته عليه السلام إلّا بعد الإقرار بهما.

(فرخّص لهم في أشياء من الفرائض الأربعة).

يُقال: رخّص له في كذا ترخيصا؛ أي لم يستقص؛ يعني جوّز لهم تركها رأسا وتخفيفا عند عروض عذر أو مانع، كقصر الصلاة في السفر وتركها للحائض والنفساء والفاقد الطهورين على قول، وترك كثير من أركانها عند الضرورة، والخوف والقتال، وكترك الصيام في السفر والمرض والكبر وغيرها، وكترك الحجّ والزكاة مع عدم تحقّق الاستطاعة والنصاب.(ولم يرخّص لأحدٍ من المسلمين في ترك ولايتنا) في حال من الأحوال.

ثمّ أكّد ذلك بقوله: (لا واللّه ما فيها).أي في ترك الولاية.

(رخصة).

في القاموس: «الرخصة _ بالضمّ، وبضمّتين _ : ترخيص اللّه العبد فيما يخفّفه عليه، والتسهيل»(1).

وقال بعض الشارحين:

يمكن أن يكون الترخيص هنا كناية عن عدم العقوبة بتركها بالعفو أو الشفاعة أو نحوهما، بخلاف الولاية؛ فإنّ تاركها معاقب أبدا.قال: ويقرب منه قول من قال: الرخصة عبارة عن عدم الحكم بكفر تاركها، وعدم الرخصة عبارة عن الحكم بكفره(2).

متن الحديث التاسع والتسعين والثلاثمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسى ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْجُرْجَانِيِّ :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ جَعَلَ لِمَنْ جَعَلَ لَهُ سُلْطَانا أَجَلًا وَمُدَّةً مِنْ لَيَالٍ وَأَيَّامٍ وَسِنِينَ وَشُهُورٍ ، فَإِنْ عَدَلُوا فِي النَّاسِ أَمَرَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ صَاحِبَ الْفَلَكِ أَنْ يُبْطِئَ بِإِدَارَتِهِ ، فَطَالَتْ أَيَّامُهُمْ وَلَيَالِيهِمْ وَسِنِينُهُمْ وَشُهُورُهُمْ ، وَإِنْ جَارُوا فِي النَّاسِ وَلَمْ يَعْدِلُوا أَمَرَ اللّهُ _ تَبَارَكَ

ص: 480


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 305 (رخص)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 382 مع اختلاف في اللفظ

وَتَعَالى _ صَاحِبَ الْفَلَكِ ، فَأَسْرَعَ (1)بِإِدَارَتِهِ (2)، فَقَصُرَتْ لَيَالِيهِمْ وَأَيَّامُهُمْ وَسِنِينُهُمْ وَشُهُورُهُمْ ، وَقَدْ وَفى لَهُمْ _ عَزَّ وَجَلَّ _ بِعَدَدِ اللَّيَالِي وَالشُّهُورِ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

وقد مرَّ مثل هذا الحديث مع شرحه في [الحديث] 157 في ذيل «حديث الناس يوم القيامة».

قوله: (فإن عدلوا في الناس).

قيل: المراد بالعدالة هنا عدالة السلطان العادل، وهو المعصوم؛ إذ غيره لا يكون عادلاً حقيقيّا، ولأنّ المطلق ينصرف إليه، ولما ذكره المحقّق الطوسي من أنّ العدالة استقامة القوّة العقليّة والشهويّة والغضبيّة وجميع القوى البدنيّة، واستقرارها في الوسط، وعدم انحرافها إلى طرف الإفراط والتفريط أصلاً.والعدالة بهذا المعنى لا يتحقّق إلّا في المعصوم.وأمّا العدالة المشهورة بين الناس، فهي أمرٌ إضافيّ لا تخلو من جورٍ ما قطعا(3).

(أمر اللّه _ عزّ وجلّ _ صاحب الفلك).

لعلّ المراد بصاحب الفلك الموكّل به، وقال بعض الأفاضل: هذا من قبيل الاستعارة والكناية، والمراد أنّ العادل ينتفع بإمامته [وسلطنته، ويصلح أمر دنياه و آخرته فيها، وأنّ الجائر لا ينتفع بإمامته وسكره] (4)فإنّما قصرت.قال: وإنّما [لم] نحمله على الحقيقة، لا لما ذكره الطبيعيّون من عدم اختلاف في دور الفلك، بل لأنّا نعلم أنّه قد يكون في قطر من الأرض ذو سلطان عادل وفي قطر آخر ذو سلطان جائر، انتهى(5).

متن الحديث الأربعمائة

اشارة

أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ ، عَنِ الْعَرْزَمِيِّ ، قَالَ :

ص: 481


1- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «فأسرع»
2- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «في إدارته»
3- نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 382 مع اختلاف في اللفظ
4- . أثبتناه من المصدر
5- نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 382 عن البعض

كُنْتُ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام جَالِسا فِي الْحِجْرِ تَحْتَ الْمِيزَابِ وَرَجُلٌ يُخَاصِمُ رَجُلًا ، وَأَحَدُهُمَا يَقُولُ لِصَاحِبِهِ : وَاللّهِ مَا تَدْرِي مِنْ أَيْنَ تَهُبُّ الرِّيحُ ، فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَيْهِ ، قَالَ (1)أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «فَهَلْ تَدْرِي أَنْتَ؟» قَالَ : لَا ، وَلكِنِّي أَسْمَعُ النَّاسَ يَقُولُونَ .

فَقُلْتُ أَنَا لِأَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، مِنْ أَيْنَ تَهُبُّ الرِّيحُ؟

فَقَالَ : «إِنَّ الرِّيحَ مَسْجُونَةٌ تَحْتَ هذَا الرُّكْنِ الشَّامِيِّ ، فَإِذَا أَرَادَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ أَنْ يُخْرِجَ مِنْهَا شَيْئا ، أَخْرَجَهُ إِمَّا جُنُوبٌ فَجَنُوبٌ، وَإِمَّا شِمَالٌ فَشَمَالٌ ، وَ صَبًا فَصَبًا ، وَدَبُورٌ فَدَبُورٌ».

ثُمَّ قَالَ : «مِنْ آيَةِ ذلِكَ أَنَّكَ لَا تَزَالُ تَرى هذَا الرُّكْنَ مُتَحَرِّكا أَبَدا فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ ، وَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ» .

شرح الحديث

السند مقطوع، والعرزمي بتقديم المهملة على المعجمة اسمه عبد الرحمن بن محمّد، ثقة.

قال الفيروزآبادي: «العرزم: الشديد المجتمع، وعَلَم، ومنه جبّانة عرزم بالكوفة»(2).

قوله: (ولكنّي أسمع الناس يقولون) أي يقولون: إنّ مهبّ الريح كذا وكذا.

(إنّ الريح مسجونة تحت هذا الركن الشامي).

لعلّه كناية عن قيام الملائكة الذين بهم تهبّ تلك الرياح فوقه عند إرادة ذلك، كما مرّ.

(إمّا جنوب فجنوب).

التقدير: إن كان الجنوب هو المأمور بالخروج فالخارج جنوب، والتركيب من قبيل «إن خير فخير»، لكن عوّض هنا كلمة «ما» عن كلمة «كان» مثل: «أما أنت مطلقا انطلقت»، قال ابن مالك:

وبعد أن تعويض ما عنها ارتكب***كمثل أما أنت برّا فاقترب (3).

وعليه فقس البواقي.

(ثمّ قال: من آية ذلك) أي علامة كون الريح مسجونة تحت هذا الركن.

ص: 482


1- . في بعض نسخ الكافي والوافي: + «له»
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 149 (عرزم)
3- . شرح ابن عقيل، ج 1، ص 297

(أنّك لا تزال ترى هذا الركن متحرِّكا).

إن كان «ترى» من الرؤية بمعنى العلم _ كما هو الظاهر؛ لتعديته هنا إلى المفعولين _ فالمراد: أنّك تعلم ذلك يا جبّار الصادقين.

وإن كان بمعنى الإبصار؛ على أن يكون هذا الركن مفعوله و«متحرّكا» حالاً عنه، فلعلّ المراد حركة الثوب المعلّق عليه.

متن الحديث الواحد والأربعمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ؛ وَعَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ (1)جَمِيعا ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ دَاوُدَ الرَّقِّيِّ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَيْسَ خَلْقٌ أَكْثَرَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، إِنَّهُ لَيَنْزِلُ كُلَّ لَيْلَةٍ مِنَ السَّمَاءِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ ، فَيَطَّوَّفُونَ بِالْبَيْتِ الْحَرَامِ لَيْلَتَهُمْ ، وَكَذلِكَ فِي كُلِّ يَوْمٍ» .

شرح الحديث

السند صحيح على تقدير توثيق داود، وإلّا فضعيف.

وفي بعض النسخ: «وعليّ بن إبراهيم عن أبيه»، وهو الظاهر؛ لأنّ رواية عليّ بن إبراهيم عن ابن محبوب غير معروف، فالسند حسن، أو ضعيف.

قوله: (إنّه لينزل كلّ ليلة) إلى قوله عليه السلام : (وكذلك كلّ يوم).

المتبادر أنّ نزولهم كذلك من حين خلق الكعبة إلى آخر الدهر، وعدم تكرّرهم في شيء من الأيّام والليالي، كما يظهر من أخبار اُخر.

متن الحديث الثاني والأربعمائة

اشارة

حَدَّثَنَا ابْنُ مَحْبُوبٍ (2)، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ طَلْحَةَ رَفَعَهُ ، قَالَ :قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : «الْمَلَائِكَةُ عَلى ثَلَاثَةِ أَجْزَاءٍ : جُزْءٌ لَهُ جَنَاحَانِ ، وَجُزْءٌ لَهُ ثَلَاثَةُ أَجْنِحَةٍ ، وَجُزْءٌ لَهُ أَرْبَعَةُ أَجْنِحَةٍ» .

ص: 483


1- . في بعض نسخ الكافي: - «عن أبيه»
2- . السند معلّق على سابقه

شرح الحديث

السند مرفوع، والقائل ب «حدّثنا» سهل بن زياد وعليّ بن إبراهيم.

قوله: (الملائكة على ثلاثة أجزاء).

في القاموس: «الجزء: البعض، ويفتح.الجمع: أجزاء» (1)، والمراد هنا بالأجزاء الأصناف.

(جزءٌ له جناحان).

يدلّ على تجسّم الملائكة، كما يفهم من ظواهر الآيات المتكثّرة والأخبار المتواترة، وهو إشارة إلى قوله تعالى: «أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ» (2).

قال البيضاوي:

أي ذوي أجنحة متعدّدة متفاوتة بتفاوت ما لهم من المراتب ينزلون بها ويعرجون، أو يسرعون بها نحو ما وكّلهم اللّه عليه فيتصرّفون على ما أمرهم به، ولعلّه لم يرد [به] خصوصيّة الأعداد، ونفي ما زاد عليها؛ لما روي: أنّه عليه السلام رأى جبرئيل عليه السلام ليلة المعراج وله ستّمائة جناح (3)، انتهى(4).

أقول: يمكن حمل هذا الخبر أيضا على عدم إرادة خصوصيّة ما ذكر من الأعداد، بأن يُراد في النصف الثالث ما له أربعة أجنحة فما زاد.

متن الحديث الثالث والأربعمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ مَيْسَرَةَ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ نَهَرا يَغْتَمِسُ فِيهِ جَبْرَئِيلُ عليه السلام كُلَّ غَدَاةٍ ، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهُ فَيَنْتَفِضُ ، فَيَخْلُقُ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ مِنْ كُلِّ قَطْرَةٍ تَقَطَّرُ (5)مِنْهُ مَلَكا» .

ص: 484


1- . القاموس المحيط، ج 1، ص 10 (جزء)
2- فاطر (35): 1
3- . التوحيد، ص 116، ح 18؛ الطرائف، ص 13؛ مسند أحمد بن حنبل، ج 1، ص 395؛ صحيح البخاري، ج 6، ص 51
4- تفسير البيضاوي، ج 4، ص 409
5- . في بعض نسخ الكافي وشرح المازندراني: «يقطر»

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (فينتفض).

في بعض النسخ: «فينتقض».قال الجوهري: «نفض الثوب والشجر ونفّضه: حرّكه لينتفض»(1).

(فيخلق اللّه من كلّ قطرة تقطّر).

يحتمل كونه من المجرّد والمزيد.يُقال: قطر الماء والدمع _ كنصر _ قطرا وقطورا وقَطَرانا _ محرّكة _ وتقطّر.

(منه) أي من جبرئيل.

(ملكا).

قيل: الظاهر أنّ هذا من خواصّ جبرئيل، وأنّه تعالى يخلق بعض الملائكة من شيء، وبعضها لا من شيء(2).

أقول: في ظهور الأوّل خفاء، كيف وقد روى الصدوق رحمه الله في ثواب وضوء أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: «مَن توضّأ مثل وضوئي وقال مثل قولي، خلق اللّه _ عزّ وجلّ _ من كلّ قطرة ملكا يقدّسه ويسبّحه ويكبّره، ويكتب اللّه [تعالى له] ثواب ذلك [إلى يوم] القيامة» (3)، ولعلّ هذا القائل أراد بالاختصاص من الاغتماس في ذلك النهر كلّ غداة مع ما يتبعه.

متن الحديث الرابع والأربعمائة

اشارة

عَنْهُ (4)، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ ، عَنْ زِيَادٍ الْقَنْدِيِّ ، عَنْ دُرُسْتَ بْنِ أَبِي مَنْصُورٍ ، عَنْ رَجُلٍ :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ لِلّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ مَلَكا مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ : خَفَقَانِ الطَّيْرِ» .

ص: 485


1- الصحاح، ج 3، ص 1109 (نقض) مع اختلاف في اللفظ
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 384
3- ثواب الأعمال، ص 16
4- . الظاهر رجوع ضمير «عنه» إلى أحمد بن محمّد المذكور في السند السابق

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (عنه).

الضمير لأحمد بن محمّد.

وقوله عليه السلام : (إنّ للّه _ عزّ وجلّ _ ملكا) يدلّ أيضا على تجسّم الملائكة.

قال الفيروزآبادي: «خفقت الراية تخفُقُ خَفْقا وخَفَقانا _ محرّكة _ : اضطربت، وتحرّكت.وخفق الطائر: طار»(1).

متن الحديث الخامس والأربعمائة

اشارة

الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْوَشَّاءِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ لِلّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ دِيكا رِجْلَاهُ فِي الْأَرْضِ السَّابِعَةِ ، وَعُنُقُهُ مُثْبَتَةٌ (2)تَحْتَ الْعَرْشِ، وَجَنَاحَاهُ فِي الْهَوى ، إِذَا كَانَ فِي نِصْفِ اللَّيْلِ أَوِ الثُّلُثِ (3).الثَّانِي مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ ، ضَرَبَ بِجَنَاحَيْهِ وَصَاحَ (4): سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ ، رَبُّنَا اللّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ الْمُبِينُ ، فَلَا إِلهَ غَيْرُهُ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ ، فَتَضْرِبُ الدِّيَكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا وَتَصِيحُ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (إنّ للّه _ عزّ وجلّ _ ديكا).

يظهر من بعض الأخبار أنّه ملك بصورة الديك ولعلّه من حَمَلَة العرش.قال الفيروزآبادي: الديك بالكسر معروف الجمع ديوك وأدياك وديكة كقردة.

(إذا كان [في] نصف الليل أو الثلث الثاني).

في بعض النسخ: «الباقي»، ولعلّ الترديد على سبيل منع الخلوة، ويحتمل بعيدا كونه من الراوي.

ص: 486


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 228 (خفق) مع التلخيص
2- . في بعض نسخ الكافي: «مثنّية»
3- . في بعض نسخ الكافي: «أو في الثلث»
4- . في بعض نسخ الكافي: + «وقال»

(ضرب بجناحيه).

وفي أكثر النسخ: «بجناحه».وضرب الجناح كناية عن التحريك، أو ضرب أحدهما على الاُخرى.

(وصاح: سبّوحٌ قدّوس).

قال في النهاية: «يرويان بالضمّ والفتح، والفتح أقيس، والضمّ أكثر استعمالاً، وهو من أبنية المبالغة، والمراد بهما التنزيه»(1).

قال صاحب العدّة:

السبّوح هو المنزّه عن كلّ ما لا ينبغي أن يوصف به، وهو حرف مبني على فعول، وليس في كلام العرب بضم الفاء إلّا سبّوح وقدّوس، ومعناهما واحد(2).

وقال:

القدوس: فعول من القدس، وهو الطهارة.والقدّوس: الطاهر من العيوب المنزّه عن الأنداد والأولاد.وقد قيل: القدّوس [اسم] من أسماء اللّه _ عزّ وجلّ _ في الكتب(3).

وقال الجوهري:

سبّوح: من صفات اللّه تعالى.قال ثعلب: كلّ اسم على فعول فهو مفتوح الأوّل إلّا السبّوح والقدّوس؛ فإنّ الضمّ فيهما أكثر، وكذلك الذروح.وقال سيبويه: ليس في الكلام فعول بواحدة(4).

(ربّنا اللّه ).

قيل: قدّم الخبر للحصر (5)، وفيه نظر.

(الملك الحقّ المبين).

قال صاحب العدّة: «الملك: التامّ الملك الجامع لأصناف المملوكات»(6).

وقال: «الحقّ: [هو] المتحقّق كونه ووجوده، وكلّ شيء يصحّ وجوده وكونه حقّ، كما يُقال: الجنّة حقّ كائنة، والنار حقّ كائنة»(7).

ص: 487


1- النهاية، ج 2، ص 332 (سبح)
2- عدّة الداعي، ص 305، الرقم 43
3- عدّة الداعي، ص 307، الرقم 59 مع التلخيص
4- الصحاح، ج 1، ص 372 (سبح)
5- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 385
6- عدّة الداعي، ص 307، الرقم 58
7- عدّة الداعي، ص 302، الرقم 24

وقال: «المبين: الظاهر البين بآثار قدرته وآياته، المظهر حكمته بما أبان من تدبيره وأوضح من بيانه»(1).

وقال بعض الأفاضل: «المبين: مُظهر الأشياء بخلقها، والمعارف بإفاضتها»(2).

(فلا إله غيره).

قيل: هو متفرّع على الحصر المذكور، أو على سبّوح وقدّوس؛ لأنّ تنزّهه عن جميع المعايب والنقايص يقتضي تفرّده بالإلهيّة وتنزّهه عن نقص الشركة، (3)فتأمّل.

(فتضرب الديكة بأجنحتها وتصيح).

الديكة _ كعنبة _ جمع الديك كما مرّ، أي سائر الديوك.

قيل: دلّ هذا الخبر على جواز الاعتماد بهذه الصيحة على معرفة انتصاف الليل، وقد روى مثل ذلك في معرفة الزوال، والحقّ جوازه عند عدم إمكان المعرفة بأدلّة أقوى منها خصوصا مع تجربة صدقها (4)، انتهى.

متن الحديث السادس والأربعمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنِ الْحَجَّالِ ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ ، عَنْ عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ ، قَالَ :

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «مَا يَقُولُ مَنْ قِبَلَكُمْ فِي الْحِجَامَةِ؟».

قُلْتُ : يَزْعُمُونَ أَنَّهَا عَلَى الرِّيقِ أَفْضَلُ مِنْهَا عَلَى الطَّعَامِ .

قَالَ : «لَا ، هِيَ عَلَى الطَّعَامِ أَدَرُّ لِلْعُرُوقِ ، وَأَقْوى لِلْبَدَنِ» .

شرح الحديث

السند موثّق على المشهور.

قوله: (لا، هي على الطعام) أي بعد أكل شيء من الطعام.

ص: 488


1- عدّة الداعي، ص 310، الرقم 70
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 278
3- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 386
4- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 386

(أدرّ للعروق).

«أدرّ» على صيغة أفعل التفضيل، أي أشدّ إدرارا.يُقال: أدرّت الريح السِّحاب، أي استحلبته.والدرّة _ بالكسر _ : سيلان اللبن وكثرته.ودرّ العرق: سال.وكذا السماء بالمطر.

ووجه كونه أدرّ أنّه بعد الطعام تمتلي العروق وتتقوّى، ويخرج منها أكثر ممّا إذا كان على الريق.

وقيل: لأنّ جاذبة كلّ عضو لجذبها الغذاء إليه تميل الدم إلى ظاهر البدن، فإذا ضمّ إليه جذب الحجّام يخرج الدم بسهولة، ولعلّ حكم الفصد حكم الحجامة في ذلك(1).

(وأقوى للبدن)؛ لتحفظه من الفتور حينئذٍ.

متن الحديث السابع والأربعمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ الْحَجَّاجِ :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «اقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ ، وَاحْتَجِمْ أَيَّ يَوْمٍ شِئْتَ ، وَتَصَدَّقْ ، وَاخْرُجْ أَيَّ يَوْمٍ شِئْتَ» .

شرح الحديث

السند صحيح.

قوله: (عنه) أي محمّد بن أحمد بن محمّد بن عيسى.

وقوله: (قال: إقرأ آية الكرسي).

فيه دلالة على أنّه تدفع نحوسة الأيّام الواقعيّة والوهميّة للحجامة بآية الكرسي، وللسفر بالصدقة.

متن الحديث الثامن والأربعمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُكَيْمٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ عُثْمَانَ الْأَحْوَلَ يَقُولُ :سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام يَقُولُ : «لَيْسَ مِنْ دَوَاءٍ إِلَا وَهُوَ يُهَيِّجُ دَاءً ، وَلَيْسَ شَيْءٌ فِي الْبَدَنِ أَنْفَعَ مِنْ

ص: 489


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 386

إِمْسَاكِ الْيَدِ إِلَا عَمَّا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (ليس من دواء إلّا وهو يهيّج داء).

الدواء _ مثلّثة وبالمدّ _ : ما داويت وعالجت به، والداء: المرض.

والتهييج: الإثارة.ونِعْمَ ما قيل: الدواء كالحاكم الجائر، يدفع جور الغير عن الرعيّة، ويجور هو عليهم.

(وليس شيء في البدن أنفع) خبر «ليس»، والجار متعلّق به.

(من إمساك اليد إلّا عمّا يحتاج إليه) من المأكل والمشرب والحركات والسكنات والمعالجات والنوم واليقظة ونحوها ممّا ينتفع الإنسان بحسب مزاجه بقدر منه، ويتضرّر بالإفراط والتفريط.

متن الحديث التاسع والأربعمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ :رَفَعَهُ إِلى أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «الْحُمّى تَخْرُجُ فِي ثَلَاثٍ : فِي الْعَرَقِ (1)، وَالْبَطْنِ ، وَالْقَيْءِ» .

شرح الحديث

السند مرفوع.وقيل ضعيف(2). قوله: (الحمّى تخرج) بصيغة اسم المفعول (3)من الخروج، أو المجهول من الإخراج.

(في ثلاث) أي تدفع في ضمن ثلاث معالجات.ويحتمل كون «في» للسببيّة.(في العرق) بالتحريك، وهو رشح جلد الحيوان، ونفعه للمحموم مجرّب.

وقيل: يحتمل أن يكون «العرق» هنا بالكسر، بأن يكون المراد به الفصد والأعمّ منه ومن الحجامة(4).

ص: 490


1- . في بعض نسخ الكافي: «العروق»
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 279
3- في حاشية الأصل: «المعلوم»
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 279 مع اختلاف يسير في اللفظ

(والبطْن) بالتسكين، وهو في الأصل خلاف الظهر، ومصدر بطنته: إذا ضربت بطنه، واُريد هنا شرب المسهل والاحتقان.

(والقيء) بهمز اللّام، مصدر قاء يقيء قيئا.

متن الحديث العاشر والأربعمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ ، عَنْ سَيْفٍ التَّمَّارِ ، عَنْ أَبِي الْمُرْهِفِ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «الْغَبَرَةُ عَلى مَنْ أَثَارَهَا، هَلَكَ الْمَحَاضِيرُ (1).».

قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، وَمَا الْمَحَاضِيرُ (2)؟

قَالَ : «الْمُسْتَعْجِلُونَ؛ أَمَا إِنَّهُمْ لَنْ يُرِيدُوا إِلَا مَنْ يَعْرِضُ لَهُمْ».

ثُمَّ قَالَ : «يَا أَبَا الْمُرْهِفِ ، أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوكُمْ بِمُجْحِفَةٍ إِلَا عَرَضَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ لَهُمْ بِشَاغِلٍ».

ثُمَّ نَكَتَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام فِي الْأَرْضِ ، ثُمَّ قَالَ : «يَا أَبَا الْمُرْهِفِ» قُلْتُ : لَبَّيْكَ ، قَالَ : «أَ تَرى قَوْما حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى اللّهِ _ عَزَّ ذِكْرُهُ _ لَا يَجْعَلُ اللّهُ لَهُمْ فَرَجا ، بَلى وَاللّهِ لَيَجْعَلَنَّ (3)اللّهُ لَهُمْ فَرَجا» .

شرح الحديث

السند مجهول، وحكم بعض الأفاضل (4)بضعفه؛ إذ محمّد بن علي هو أبو سمينة، فيلتأمّل.

قوله: (الغبرة على من أثارها).

الغبرة _ بالتحريك _ : الغبار، كالغُبرة بالضمّ.والغبرة أيضا: لونه، أي يعود ضرر الغبار على مَن أثاره.

وقيل: هذا مثلٌ لمَن تعرّض أمرا يوجب ضرره(5).

وقيل: تشبيه وتمثيل لبيان أنّ مثير الفتنة يعود ضررها إليه أكثر من غيره(6).

ص: 491


1- . في أكثر نسخ الكافي وشرح المازندراني والوافي: «المحاصير» بالضاء المهملة
2- . في أكثر نسخ الكافي وشرح المازندراني والوافي: «المحاصير» بالضاء المهملة
3- . في بعض نسخ الكافي: «ليجعل»
4- . قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 280
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 387
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 280

ويفهم من السياق أنّ المقصود من هذا الكلام زجر الشيعة عن التعرّض للمخالفين في زمن استيلائهم وشوكتهم.

وقوله عليه السلام : (هلك المحاضير) تحذير من العجلة، وترغيب في الصبر على الأذى والتقيّة، وكأنّه جمع المحضير أو المِحضار، وهو الفرس الذي يرتفع في عَدْوه ويسرع فيه، واُريد منها (المستعجلون) في ظهور دولة الحقّ قبل أوانها، كالزيديّة وأضرابهم.

وفي بعض النسخ: «المحاصير» بالمهملتين.وقيل: هي جمع محصور، كالميامين، وهو صاحب الصدر الضيّق الذي لا يصبر على شيء(1).

(أما أنّهم لن يريدوا إلّا من يعرض لهم).

يُقال: عرض له كذا _ كضرب _ أي ظهر عليه، وبدا، كعرض وعلم، والشى له: أظهره له؛ يعني أنّ أهل الخلاف وخلفائهم لا يتعرّضون للقتل والأذى إلّا لمن عرض لهم وتصدّى لمحاربتهم، أو ذمّهم على باطلهم، أو للطعن والسبّ لأئمّتهم، أو ترك التقيّة التي أمر اللّه _ عزّ وجلّ _ بها.

وفي كثير من النسخ: «لن يريدوا الأمر يعرض لهم» وكأنّه تصحيف، ويحتمل أن يقرأ حينئذ: «الامرء» بالهمزة.

(أما أنّهم لم يريدوكم بمجحفة) بتقديم الجيم على الحاء المهملة.

قال الفيروزآبادي: «المجحفة: الداهية.واجتحفه استلبه»(2).

(إلّا عرض اللّه لهم بشاغل).

الباء للتعدية، أي أظهر اللّه وأبدا لهم شاغلاً ومانعا من نقيل مرادهم، فلولا فضله ورحمته ووقايته لن ينجو من دواهيهم وشرورهم أحد من الشيعة.

(قال: أترى قوما حبسوا أنفسهم على اللّه ) أي ألزموا على أنفسهم طاعة أمر اللّه ، وملازمة دينه، ومجانبة معاصيه، طلبا لما عنده من جزيل المثوبات.

(لا يجعل اللّه لهم فرجا) ممّا هم فيه من الضيق والضنك وشرّ الأعداء والأسقام للتقرير.

ص: 492


1- ذهب إليه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 388
2- القاموس المحيط، ج 3، ص 122 (جحف)

ثمّ أكّد ذلك بقوله: (بلى [واللّه ] ليجعلن اللّه لهم فرجا)، وهذا إشارة إلى قوله تعالى: «وَمَنْ يَتَّقِ اللّه َ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجا» (1).

متن الحديث الحادي عشر والأربعمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي هَاشِمٍ ، عَنِ الْفَضْلِ الْكَاتِبِ ، قَالَ :

كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، فَأَتَاهُ كِتَابُ أَبِي مُسْلِمٍ ، فَقَالَ : «لَيْسَ لِكِتَابِكَ جَوَابٌ ، اخْرُجْ عَنَّا».

فَجَعَلْنَا يُسَارُّ بَعْضُنَا بَعْضا ، فَقَالَ : «أَيَّ شَيْءٍ تُسَارُّونَ يَا فَضْلُ ، إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ ذِكْرُهُ _ لَا يَعْجَلُ لِعَجَلَةِ الْعِبَادِ ، وَلَاءِزَالَةُ جَبَلٍ عَنْ مَوْضِعِهِ أَيْسَرُ مِنْ زَوَالِ مُلْكٍ لَمْ يَنْقَضِ أَجَلُهُ» ثُمَّ قَالَ : «إِنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ» حَتّى بَلَغَ السَّابِعَ مِنْ وُلْدِ فُلَانٍ .

قُلْتُ : فَمَا الْعَلَامَةُ (2)فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ جُعِلْتُ فِدَاكَ؟

قَالَ : «لَا تَبْرَحِ الْأَرْضَ يَا فَضْلُ حَتّى يَخْرُجَ السُّفْيَانِيُّ ، فَإِذَا خَرَجَ السُّفْيَانِيُّ فَأَجِيبُوا إِلَيْنَا _ يَقُولُهَا ثَلَاثا _ وَهُوَ مِنَ الْمَحْتُومِ» .

شرح الحديث

السند موثّق.

قوله: (فأتاه كتاب أبي مسلم).

هو المروزي.وقيل: كان اسمه إبراهيم، وكنيته أبو إسحاق، ثمّ غيّرهما بأمر إبراهيم الملقّب بالإمام، وتسمّى بعبد الرحمن، وتكنّى بأبي مسلم.واختلف في اسم أبيه، فقيل: اسمه مسلم.وقيل: عثمان.وقال بعض أهل السِّير: إنّ أبا مسلم كان من آل حمزة بن عمارة، وينتهي نسبه إلى كودرز بن كشواد، ورفع بعضهم نسبه إلى الحكيم أبو زرجمهر.وقيل: إنّه كان لعبداللّه بن عبّاس بن عبد المطّلب جارية، فقاربها مرّة، ثمّ زوّجها من عبد، فولدت سليطا، وكان أبو مسلم من أولاد سليط، وكان ولادته في بلدة إصفهان سنة مائة هجريّة، ولمّا كان ابتداء خروجه على بني اُميّة من بلدة مرو نسب إليها، وقيل له: المروزي(3).

ص: 493


1- الطلاق (65): 2
2- . في أكثر نسخ الكافي: «فالعلامة» بدل «فما العلامة»
3- اُنظر: الأخبار الطوال، ص 337 _ 339؛ تاريخ مدينة دمشق، ج 35، ص 408 _ 428، الرقم 3961

(فقال: ليس لكتابك جواب، اُخرج عنّا).

الخطاب في الموضعين لرسول أبي مسلم.واعلم أنّ أبا مسلم كان واليا في خراسان من قِبل إبراهيم بن عبداللّه بن محمّد بن علي بن عبداللّه بن عبّاس بن عبد المطّلب الملقّب بالإمام، فلمّا أمر مروان الحمار بقتل إبراهيم، وفرّ أخواه السفّاح والدوانيقي إلى الكوفة، وتوجّه أبو مسلم وعساكره إليها، أرسل إلى المدينة رسولاً وكتب ثلاث مكاتيب إحداها إلى جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام ، واستدعاه قبول أمر الخلافة، واُخرى إلى عبداللّه بن الحسن بن الحسن بن عليّ عليه السلام ، واُخرى إلى عمر بن عليّ بن عليّ بن الحسين عليه السلام .وأمّا الصادق عليه السلام فأحرق كتابه قبل أن يطالعه، وأمّا عبداللّه بن الحسن وعمر بن علي فإنّهما شاروا معه عليه السلام في ذلك، فلم يشر إليهما ولم يرخّص لهما، فلمّا يأس الرسول رجع إلى الكوفة وكان قبل وصوله إليها انعقدت بيعة أهل خراسان واُمراءهم مع السفّاح، وكان من أمرهم ما كان.

(فجعلنا يسارّ بعضنا بعضا).

يُقال: جعل يفعل كذا، أي أقبل وأخذ.والمسارّة: المناجاة.

قيل: الظاهر أنّ مسارّتهم كان اعتراضا عليه عليه السلام بأنّه لِمَ لم يقبل ذلك لحرصهم على ظهور دين الحقّ واستعجالهم فيه(1).

(فقال: أيّ شيء تسارّون).

الظاهر أنّ الاستفهام للتوبيخ والتقريع، كما يدلّ عليه قوله عليه السلام : (يا فضل، إنّ اللّه _ عزَّ ذكره _ لا يعجل لعجلة العباد).

في القاموس: «العجل والعجلة _ محرّكتين _ : السرعة، وفعلهما كعلم» (2)؛ يعني أنّ اللّه تعالى لا يقدّم لاستعجال العباد ما حكم بتأخيره حتما.

(ولإزالة جبل عن موضعه أيسر من زوال ملك) أي ذهابه واستحالته.

(لم ينقض أجله).

الأجل _ محرّكة _ : مدّة الشيء.

ص: 494


1- القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 282
2- . القاموس المحيط، ج 4، ص 12 (عجل) مع التلخيص والتصرّف

وقال بعض الشارحين: الزوال هنا بمعنى الإزالة.تقول: أزلته وزولته وزلته بالكسر، فلا يرد أنّ الصحيح هو الإزالة خصوصا مع رعاية التقابل، (1)انتهى.

أقول: فيه نظر؛ لأنّ الزوال مصدر زُلت _ بالضم _ وهو لازم، وأمّا زِلته _ بالكسر _ بمعنى أزلته، فمصدره الإزالة أو الزيل.قال الفيروزآبادي في الأجوف الواوي:

الزوال: الذهاب، والاستحالة.زال [يزول] ويزال قليلة، عن أبي علي.زوالاً وزوولاً [وزويلاً و زولاً] وزَوَلانا وأزلته وزوّلته [وزلته] بالكسر: أزالة وأزيله، وزلت عن مكاني _ بالضمّ _ زوالاً وزوولاً(2).

فتدبّر.ثمّ أشار عليه السلام إلى تفصيل ما ذكره مجملاً من إبرام سلطان العبّاسيّة قبل سلطان أهل البيت عليهم السلام .

(ثمّ قال: إنّ فلان بن فلان) خبره محذوف، أي يحفظون، أو يملكون، أو نحو ذلك.

(حتّى بلغ السابع من ولد فلان).

لعلّ المقصود أنّه عليه السلام عدَّ سبعة من ولد عبّاس بأسمائهم وأسماء آبائهم حتّى بلغ سابعهم، وبيّن أنّ ملك هؤلاء قبل ملكنا وقيام ائمّتنا، فكيف يمكننا الخروج ولم ينقض ملك هؤلاء بعدُ.

وقيل: إنّما لم يذكر البواقي؛ لأنّ المقصود بيان أنّ هذا الزمان ليس زمان ظهور دولة الحقّ، وذكر هذا القدر كافٍ في بيانه، وربما يتوهّم أنّ الابتداء في العدّ من آخرهم وهو المستعصم إلى الأوّل وهو السفّاح، لكن يندفع بأنّ الأوّل ليس هو السابع من ولد عبّاس، بل هو رابعهم، كما مرَّ مرارا(3).

وقيل: يبعد أن يُراد بقوله: إنّ فلان بن فلان الصاحب عليه السلام ، وبيان نسبه إلى نفسه المقدّسة، وأنّه الذي يُظهر دين الحقّ، ويعود إليه الخلافة، وإن كان هذا أنسب بقوله: (قلت: فما العلامة فيما بيننا وبينك) (4)أي علامة خروجكم وقيام قائمكم وظهور دولتكم.

ص: 495


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 389
2- القاموس المحيط، ج 3، ص 391 (زول)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 389 مع اختلاف في اللفظ
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 389

(قال: لا تبرح الأرض).

في المصباح (1): «برح الشيء يبرح _ من باب تعب _ براحا: زال من مكانه»(2)والظاهر أنّ «تبرح» بصيغة الغائبة، واحتمال كونه للخطاب بعيد، أي لا تزول الأرض عن هيئتها وحالها بقيام الساعة.

(حتّى يخرج السفياني).

في القاموس: «سفيان _ مثلّثة _ اسم»(3).

وروى الصدوق رحمه الله بإسناده عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «إنّ أمر السفياني من الأمر المحتوم، وخروجه في رجب»(4).

وفي حديث آخر: «يخرج ابن آكلة الأكباد، وهو رجلٌ [ربعة وحش الوجه] ضخم الهامة، بوجهه أثر الجدري، إذا رأيته حسبته أعور، اسمه عثمان، وأبوه عنبسة، وهو من ولد أبي سفيان»(5).

وفي آخر: «إنّك لو رأيت [السفياني] لرأيت أخبث الناس أشقر أحمر أزرق»(6).

وفي حديث آخر: «يملك (7)كور الشام الخمس ودمشق وحمص وفلسطين وقنسرين والأردن، فتوقّعوا عند ذلك الفرج»(8)

(وهو) أي خروج السفياني.

(من المحتوم) أي من القضاء المُبرم الذي لا يجري فيه البداء.

متن الحديث الثاني عشر والأربعمائة

اشارة

أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَدِيدٍ ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ ، قَالَ :سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام عَنْ إِبْلِيسَ : أَ كَانَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، أَمْ كَانَ يَلِي شَيْئا مِنْ أَمْرِ السَّمَاءِ؟

ص: 496


1- . في النسخة: «ية» والظاهر أنّ الشارح رحمه الله قد أراد منها كتاب النهاية لابن الأثير، لكن لم نجد المنقول إلّا في كتاب المصباح المنير
2- المصباح المنير، ص 42 (برح)
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 343 (سفي)
4- كمال الدين، ص 650، ح 5
5- كمال الدين، ص 651، ح 9
6- كمال الدين، ص 651، ح 10
7- . في المصدر: «إذا ملك»
8- كمال الدين، ص 652، ح 11

فَقَالَ : «لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، وَلَمْ يَكُنْ يَلِي شَيْئا مِنْ أَمْرِ السَّمَاءِ، وَلَا كَرَامَةَ».

فَأَتَيْتُ الطَّيَّارَ ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا سَمِعْتُ ، فَأَنْكَرَهُ (1)وَقَالَ : وَكَيْفَ (2)لَا يَكُونُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَاللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ يَقُولُ : «وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِادَمَ فَسَجَدُوا إِلّا إِبْلِيسَ» (3)».

فَدَخَلَ عَلَيْهِ الطَّيَّارُ ، فَسَأَلَهُ (4)وَأَنَا عِنْدَهُ ، فَقَالَ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، رَأَيْتَ (5)قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» (6)فِي غَيْرِ مَكَانٍ مِنْ مُخَاطَبَةِ الْمُؤْمِنِينَ ، أَيَدْخُلُ فِي هذَا الْمُنَافِقُونَ؟

قَالَ : «نَعَمْ ، يَدْخُلُ فِي هذَا الْمُنَافِقُونَ وَالضُّلَالُ وَكُلُّ مَنْ أَقَرَّ بِالدَّعْوَةِ الظَّاهِرَةِ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن إبليس).

في القاموس: «البلس _ محرّكة _ : من لا خير عنده، أو عنده إبلاس وشرّ.وأبلس: يئس، وتحيّر، ومنه إبليس، أو هو عجمي»(7).

(هل كان (8)من الملائكة، أم كان يلي شيئا من أمر السماء) بأن يكون من المدبّرات فيها كسائر الملائكة، أو يكون ممّن يلي أمر الملائكة، كما قالت العامّة: إنّه كان يلي أمرهم ويعظهم.

(فقال: لم يكن من الملائكة، ولم يكن يلي شيئا من أمر السماء، ولا كرامة).

الكرم _ محرّكة _ : ضدّ اللؤم.كَرُمَ _ بضمّ الراء _ كرامة وكرما؛ يعني: ليس له شرف ولا قدر عند اللّه تعالى أصلاً.

واعلم أنّه اختلف في أنّ إبليس هل كان من جنس الملائكة أم لا، وهذا الخبر وغيره من الأخبار صريح في أنّه ليس من الملائكة، وهو مذهب أكثر الإماميّة (9)وأكثر المتكلِّمين من

ص: 497


1- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «فأنكر»
2- . في أكثر نسخ الكافي والوافي: «كيف» بدون الواو
3- . البقرة (2): 34؛ الإسراء (17): 61؛ ومواضع اُخر
4- . في بعض نسخ الكافي: «وسأله»
5- . في بعض نسخ الكافي: «أرأيت»
6- . جاءت هذه العبارة في تسعة وثمانين موضعا من المصحف الشريف
7- القاموس المحيط، ج 2، ص 201 (بلس) مع التلخيص
8- في المتن الذي ضبطه الشارح رحمه الله سابقا: «أكان»
9- . اُنظر: أوائل المقالات، ص 133؛ مفاتيح الغيب لصدر المتألّهين، ص 192 و 223 _ 228؛ المبدأ والمعاد له، ص 203

العامّة سيما المعتزلة (1)، وذهب طائفة من المتكلِّمين وكثير من فقهاء الجمهور إلى أنّه منهم (2)، واختاره الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه اللهوقال: «هو المروي عن أبي عبداللّه عليه السلام ، والظاهر في تفاسيرنا»(3)ثمّ اختلف من قال إنّه كان من الملائكة؛ فمنهم من قال: إنّه كان خازنا على الجنان، ومنهم من قال: إنّه كان له سلطان سماء الدُّنيا وسلطان الأرض، ومنهم من قال: إنّه يوسوس ما بين السماء والأرض.واحتجّ الأوّلون بوجوه؛ منها: قوله تعالى: «إِلَا إِبْلِيسَ كَانَ مِنْ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ» (4).

قالوا: ومتى أطلق لفظ الجنّ لم يخبر أن يعني به إلّا الجنس المعروف الذي يقابل بالإنس في الكتاب الكريم.

ومنها: قوله تعالى: «لَا يَعْصُونَ اللّه َ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ» (5)فنفى عن الملائكة المعصية نفيا عامّا، فوجب أن لا يكون منهم.

ومنها: إنّ إبليس له نسل وذرّية، كما قال تعالى: «أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ» والملائكة لا ذرّيّة لهم؛ لأنّه ليس فيهم اُنثى؛ لقوله تعالى: «وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثا» (6)والذرّيّة إنّما تحصل من الذكر والاُنثى.

ومنها: أنّ الملائكة رسل اللّه ؛ لقوله تعالى: «جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً» (7). ورسل اللّه معصومون؛ لقوله تعالى: «اللّه ُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ» ، (8)ولا يجوز على رسل اللّه الكفر والعصيان، ملائكة كانوا أم بشرا.

وذكروا وجوها اُخر تركناها مع ما يرد عليها مخافة الإطناب.

واحتجّ الآخرون بوجهين: الأوّل: إنّ اللّه تعالى استثناه من الملائكة، والاستثناء يفيد إخراج ما لولاه لدخل، وذلك يوجب كونه من الملائكة.

واُجيب: بأنّ الاستثناء هنا منقطع، وهو مشهور في كلام العرب وكثير في كلامه تعالى،

ص: 498


1- . اُنظر: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 6، ص 435؛ المواقف، ج 3، ص 452؛ فيض القدير، ج 4، ص 425
2- . اُنظر: تفسير الرازي، ج 2، ص 213؛ تفسير البيضاوي، ج 1، ص 294
3- التبيان، ج 1، ص 153
4- الكهف (18): 50
5- التحريم (66): 6
6- .الزخرف (43): 19
7- .فاطر (35): 1
8- .الأنعام (6): 124

وأيضا فلأنّه كان جنّيّا واحدا مغمورا بين الاُلوف من الملائكة غلّبوا عليه في قوله: «فَسَجَدُوا» ثمّ استثني هو منهم استثناءً واحدا منهم، وقد كان مأمورا بالسجود معهم، فلمّا دخل معهم في الأمر جاز إخراجه منهم بالاستثناء.

الثاني: إنّه لو لم يكن من الملائكة لما كان قوله تعالى: «وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ» (1) متناولاً له، فلا يكون تركه للسجود إباءً واستكبارا ومعصيةً، ولما استحقّ الذمّ والعقاب، فعلم أنّ الخطاب كان متناولاً له ولا يتناوله الخطاب، وأيضا يجوز أن يكون مأمورا بالسجود بأمرٍ آخر ويكون قوله تعالى: «مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ» (2). إشارة إلى ذلك الأمر(3).

(فأتيت الطيّار).

هو محمّد الطيّار.ويحتمل أن يُراد ابنه حمزة.

(فأخبرته بما سمعت، فأنكره).

لعلّه أنكر ثبوت الإخبار عن المعصوم، لا إخباره بعد ثبوته.

(وقال: وكيف لا يكون من الملائكة واللّه _ عزّ وجلّ _ يقول: «وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَا إِبْلِيسَ» ).

مبنى هذا الاستدلال على أحد من الوجهين السابقين، وقد عرفت جوابهما، وما قيل: من أنّه غفل عن قوله تعالى: «كَانَ مِنْ الْجِنِّ» فعلاً ومن الملائكة نوعا.وأيضا روي عن ابن عبّاس أنّ من الملائكة ضربا يتوالدون يُقال لهم الجنّ ومنهم إبليس.

(فدخل عليه الطيّار) إلى قوله: (رأيت قوله عزّ وجلّ).

كذا في كثير من النسخ، وفي بعضها: «أرأيت»، وهو أظهر.

( «يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا» في غير مكان) أي في مواضع عديدة من القرآن.

وقوله: (من مخاطبة المؤمنين) بيان للقول: (أيدخل في هذا المنافقون).

الظاهر أنّ غرضه الاستدلال بأنّه تعالى لمّا أمر الملائكة بالسجود وعصى إبليس بتركه، فيكون من الملائكة؛ لشمول الأمر المتوجّه إلى الملائكة له، فلو لم يكن منهم لم يشمله

ص: 499


1- .البقرة (2) 34
2- .الأعراف (7): 12
3- راجع في الأقوال: مرآة العقول، ج 26، ص 281 _ 284

ذلك الخطاب، كما أنّ الخطاب بقوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» لا يشمل المنافقين.

هذا، وإنّما سأله هكذا ولم يصرّح بمطلوبه؛ لأنّه يحصل بذلك المطلوب مع زوال الشبهة، فأجاب عليه السلام : (قال: نعم يدخل في هذا).

وحاصل الجواب: أنّ كلّ من اختلط بجماعة، ولم يتميّز منهم عرفا، فالخطاب المتوجّه إليهم يشمله، فالخطاب بقوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» يشمل المنافقين وغيرهم ممّن أقرّ بالدعوة الظاهرة وإن لم يكن مؤمنا حقيقةً، وخطاب الملائكة يشمل إبليس؛ لأنّه كان مختلطا بهم ظاهرا.

وقيل: الفرق بين المؤمن والمنافق والضالّ أنّ المقرّ بالدعوة إلى الولاية مثلاً إن أقرَّ بها ظاهرا لا باطنا فهو منافق، وإن أقرَّ باطنا أيضا فإن بقى عليه بعد النبيّ صلى الله عليه و آله فهو مؤمن، وإلّا فهو ضالّ؛ لأنّه [خرج] عن الطريق(1).

متن الحديث الثالث عشر والأربعمائة

اشارة

عَنْهُ (2)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَدِيدٍ ، عَنْ مُرَازِمٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «أَنَّ رَجُلًا أَتى رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللّهِ ، إِنِّي أُصَلِّي ، فَأَجْعَلُ بَعْضَ صَلَاتِي لَكَ ، فَقَالَ : ذلِكَ (3)خَيْرٌ لَكَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللّهِ ، فَأَجْعَلُ نِصْفَ صَلَاتِي لَكَ ، فَقَالَ : ذلِكَ (4)أَفْضَلُ لَكَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللّهِ ، فَإِنِّي أُصَلِّي ، فَأَجْعَلُ كُلَّ صَلَاتِي لَكَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إِذا يَكْفِيَكَ اللّهُ مَا أَهَمَّكَ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاكَ وَآخِرَتِكَ».

ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «إِنَّ اللّهَ كَلَّفَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله مَا لَمْ يُكَلِّفْ (5)أَحَدا مِنْ خَلْقِهِ ، كَلَّفَهُ أَنْ يَخْرُجَ عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ وَحْدَهُ بِنَفْسِهِ إِنْ لَمْ يَجِدْ فِئَةً تُقَاتِلُ مَعَهُ ، وَلَمْ يُكَلِّفْ هذَا أَحَدا مِنْ خَلْقِهِ (6)وَلَا بَعْدَهُ» ثُمَّ تَلَا هذِهِ الْايَةَ: «فَقاتِلْ فِى سَبِيلِ اللّهِ لا تُكَلَّفُ إِلّا نَفْسَكَ» (7).

ص: 500


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 391 مع اختلاف في اللفظ
2- . الضمير راجع إلى محمّد بن عبد الجّبار المذكور في السند السابق
3- . في بعض نسخ الكافي: «ذاك»
4- . في بعض نسخ الكافي: «ذاك»
5- . في كلتا الطبعتين: «لم يكلّفه»
6- . في كلتا الطبعتين: + «قبله»
7- النساء (4): 84

ثُمَّ قَالَ : «وَجَعَلَ اللّهُ لَهُ (1). نْ يَأْخُذَ لَهُ مَا أَخَذَ لِنَفْسِهِ ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : «مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها» وَجُعِلَتِ (2)الصَّلَاةُ عَلى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِعَشْرِ حَسَنَاتٍ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (عنه).

الضمير راجع إلى محمّد بن عبد الجبّار.

وقوله: (إنّي اُصلّي، فأجعل بعض صلاتي لك)؛ قد مرَّ تفسير ذلك في كتاب الدّعاء في ما رواه المصنّف رحمه الله عن عليّ بن إبراهيم بإسناده عن أبي عبداللّه عليه السلام ، إلى أن قال: فقال له رجل: أصلحك اللّه ، كيف يجعل صلاته له؟ فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «لا يسأل اللّه _ عزّ وجلّ _ إلّا بدأَ بالصلاة على محمّد وآله»(3).

وروي أيضا عن محمّد بن يحيى بإسناده، عن أبي بصير، قال: سألنا أبا عبداللّه عليه السلام : ما معنى أجعل صلاتي كلّها لك؟ فقال: «يقدّمه بين يدي كلّ حاجة، فلا يسأل اللّه _ عزّ وجلّ _ شيئا حتّى يبدأ بالنبيّ صلى الله عليه و آله ، فيُصلّي عليه، ثمّ يسأل اللّه حوائجه»(4).

أقول: يظهر منه تفسير المصنّف والبعض أيضا وهو أن يصلّي على النبيّ صلى الله عليه و آله في بعض أدعيته أو نصفها، وأنّ المراد بالصلاة الدّعاء، ويجعلها له تصديرها بالصلاة عليه؛ لأنّه لمّا جعل دعاءه تابعا للصلاة عليه وعظّمه بتصدير دعائه بها فكأنّه جعل دعواته كلّها له.

وروى العامّة بإسنادهم عن اُبي بن كعب أنّه قال: قلت: يا رسول اللّه ، إنّي اُكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: «ما شئت»، قلت: الرّبع؟ قال: «ما شئت، فإن زدت فهو خيرٌ لك»، قلت: النصف؟ قال: «ما شئت، فإن زدت فهو خيرٌ لك»، قلت: فالثُّلثين؟ قال: «ما شئت، فإن زدت فهو خيرٌ لك»، قلت: أجعل لك صلاتي كلّها، قال: «إذا تكفى همّك، ويكفّر لك ذنبك»(5).

ص: 501


1- في كلتا الطبعتين: - «له»
2- في بعض نسخ الكافي: «وجعل»
3- الكافي، ج 2، ص 493، باب الصلاة على النبي محمّد و أهل بيته عليهم السلام ، ح 12
4- الكافي، ج 2، ص 492، باب الصلاة على النبي محمّد و أهل بيته عليهم السلام ، ح 4
5- سنن الترمذي، ج 4، ص 53، ح 2574؛ كنز العمّال، ج 2، ص 276، ح 3997

قال الطيّبي في شرح المشكوة (1)في قوله: «كم أجعل لك من صلاتي»: هي هنا الدّعاء والورد؛ يعني أيّ زمان أدعو فيه لنفسي، فكم أعرف من ذلك الزمان في الدعاء لك؟

قوله: (أجعل لك صلاتي كلّها) أي اُصلّي عليك بدل ما أدعو به لنفسي.

وفيه أنّ الصلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله أفضل من الدّعاء لنفسه؛ لأنّ فيه ذكر اللّه وتعظيم النبيّ صلى الله عليه و آله ، ومن شغله ذكره عن مسألته أعطى أفضل، ويدخل فيه كفاية ما يهمّه في الدارين، انتهى.

(ثمّ قال أبو عبداللّه عليه السلام : إنّ اللّه كلّف رسول اللّه صلى الله عليه و آله ما لم يكلّف).

في بعض النسخ: «ما لم يكلّفه».

(أحدا من خلقه).

قال في القاموس: «التكليف: الأمر بما يشقّ عليك»(2).

ثمّ أخذ في بيان المكلّف به، أو بيان بعض أفراده، وقال: (كلّفه أن يخرج على الناس) أي على الكفّار للجهاد.

(كلّهم وحده بنفسه إن لم يجد فئة) أي طائفة (تقاتل) تلك الطائفة (معه ولم يكلّف هذا أحدا من خلفه ولا بعده).

في بعض النسخ: «قبله ولا بعده» وهو أظهر.

(ثمّ تلا هذه الآية: «فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّه ِ لَا تُكَلَّفُ إِلَا نَفْسَكَ» (3)).

قال البيضاوي: «أي إلّا فعل نفسك لا يضرّك مخالفتهم وتقاعدهم، فتقدّم إلى الجهاد وإن لم يساعدك أحد؛ فإنّ اللّه ناصرك لا بالجنود»(4).

(ثمّ قال) أي أبو عبداللّه عليه السلام : (وجعل اللّه له أن يأخذ له ما أخذ لنفسه).

ضمير «له» في الموضعين راجع إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، والمستتر في «يأخذ» و«أخذ» والبارز في «لنفسه» عائد إلى اللّه ؛ أي يأخذ العهد من الخلق في مضاعفة الأعمال له صلى الله عليه و آله مثل ما أخذ في المضاعفة لنفسه، أو يأخذ العهد بتعظيمه صلى الله عليه و آله مثل ما أخذ لنفسه.

وقوله عليه السلام : «مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا» (5).بيان للجعل المذكور.

ص: 502


1- لم نعثر عليه
2- القاموس المحيط، ج 3، ص 192 (كلف)
3- .النساء (4): 84
4- تفسير البيضاوي، ج 2، ص 227
5- الأنعام (6): 160

وقال البيضاوي في تفسير هذه الآية: أي عشر حسنات أمثالها فضلاً من اللّه ، وهذا أقلّ ما وعد من الأضعاف، وقد جاء الوعد بسبعين وسبعمائة وبغير حساب، ولذلك قيل: المراد بالعشر الكثرة دون العدد، انتهى(1).

وقوله: (وجعلت الصلاة على رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعشر حسنات).يحتمل وجهين:

الأوّل: أن يكون المراد أنّه جعل تعظيمه والصلاة عليه من طاعاته التي يضاعف لها الثواب عشرة أضعاف.

والثاني: أن يكون المراد أنّه ضاعف لنفسه الصلاة لكونها عبادة له عشرة أضعاف، ثمّ ضاعف له صلى الله عليه و آله لكونها متعلّقة به لكلّ حسنة عشرة أضعافها، فصارت الصلاة واحدة مائة حسنة.

متن الحديث الرابع عشر والأربعمائة

اشارة

عَنْهُ (2)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَدِيدٍ ، عَنْ مَنْصُورٍ بُزُرْجَ (3)، عَنْ فُضَيْلٍ الصَّائِغِ ، قَالَ :سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ : «أَنْتُمْ وَاللّهِ نُورٌ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ ، وَاللّهِ إِنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ لَيَنْظُرُونَ إِلَيْكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ كَمَا تَنْظُرُونَ أَنْتُمْ إِلَى الْكَوْكَبِ الدُّرِّيِّ فِي السَّمَاءِ ، وَإِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَقُولُ لِبَعْضٍ : يَا فُلَانُ ، عَجَبا لِفُلَانٍ كَيْفَ أَصَابَ هذَا الْأَمْرَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عليه السلام : وَاللّهِ مَا أَعْجَبُ مِمَّنْ هَلَكَ كَيْفَ هَلَكَ ، وَ لكِنْ أَعْجَبُ مِمَّنْ نَجَا كَيْفَ نَجَا» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (أنتم واللّه نورٌ في ظلمات الأرض).

النور _ بالضمّ _ : الضوء، وهو سبب لظهور الأشياء، ولذا يطلق على العلم والإيمان والكمالات.ولمّا كانت تلك الاُمور إنّما تظهر من الشيعة في الأرض أطلق عليهم النور.

ص: 503


1- تفسير البيضاوي، ج 2، ص 471 مع التلخيص
2- . الضمير راجع إلى محمّد بن عبد الجبّار
3- . في الطبعة القديمة وأكثر نسخ الكافي: «منصور بن روح»

(كما تنظرون أنتم إلى الكوكب الدرّيّ في السماء).

قال في النهاية:

فيه: كما ترون الكوكب الدرّيّ في اُفق السماء، أي الشديد الإنارة كأنّه نسب إلى الدرّ تشبيها بصفائه.وقال الفرّاء: الكوكب الدرّيّ عند العرب هو العظيم المقدار.وقيل: هو أحد الكواكب الخمسة السيّارة(1).

(كيف أصاب هذا الأمر).

الإصابة: البلوغ، والإدراك، والإتيان بالصواب، أي كيف أدرك المعرفة والولاية مع انهماك الناس في الجهالة والضلالة.

(ما أعجب ممّن هلك كيف هلك)؛ لأنّ أكثر الناس كذلك ودائما يسعون في ذلك؛ لكثرة دواعي الهلاك والضلال.

متن الحديث الخامس عشر والأربعمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حُمْرَانَ ، عَنْ أَبِيهِ :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «مَنْ سَافَرَ أَوْ تَزَوَّجَ وَالْقَمَرُ فِي الْعَقْرَبِ ، لَمْ يَرَ الْحُسْنى» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (من سافر أو تزوّج والقمر في العقرب).

الزوج يحتمل العقد والزّفاف أو الأعمّ، ولعلّ المراد بالعقرب هنا شكلها لا برجها.

(لم ير الحسنى) أي العافية، أو الخيرة الحسنى، أو نحوهما.

قال بعض الأفاضل:

هذا الخبر يدلّ على رجحان إيقاع هذين الأمرين في غير تلك الساعة، ولا يدلّ على رجحان رعاية السّاعات في جميع الاُمور، ولا غير هذه الساعة في هذين

ص: 504


1- النهاية، ج 2، ص 113 (درر)

الأمرين أيضا، وقد مضى في السفر أنّه مع التصدّق لا بأس به في أيّ يوم كان وأيّة ساعة اتّفق(1).

متن الحديث السادس عشر والأربعمائة

اشارة

عَنْهُ (2)، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ، عَنْ عُبَيْسِ بْنِ هِشَامٍ ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَطَاءٍ يَقُولُ :

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «قُمْ ، فَأَسْرِجْ دَابَّتَيْنِ : حِمَارا وَبَغْلًا» فَأَسْرَجْتُ حِمَارا وَبَغْلًا ، فَقَدَّمْتُ إِلَيْهِ الْبَغْلَ ، وَرَأَيْتُ أَنَّهُ أَحَبُّهُمَا إِلَيْهِ ، فَقَالَ : «مَنْ أَمَرَكَ أَنْ تُقَدِّمَ إِلَيَّ هذَا الْبَغْلَ؟» قُلْتُ : اخْتَرْتُهُ لَكَ ، قَالَ (3): «وَأَمَرْتُكَ أَنْ تَخْتَارَ لِي» ثُمَّ قَالَ : «إِنَّ أَحَبَّ الْمَطَايَا إِلَيَّ الْحُمُرُ».

قَالَ : فَقَدَّمْتُ إِلَيْهِ الْحِمَارَ ، وَأَمْسَكْتُ لَهُ بِالرِّكَابِ ، فَرَكِبَ فَقَالَ : «الْحَمْدُ (4)لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا بِالْاءِسْلَامِ ، وَعَلَّمَنَا الْقُرْآنَ ، وَمَنَّ عَلَيْنَا بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وَالْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هذَا ، وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ، وَإِنَّا إِلى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (5)، وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» .

وَسَارَ وَسِرْتُ حَتّى إِذَا بَلَغْنَا مَوْضِعا آخَرَ ، قُلْتُ لَهُ : الصَّلَاةَ جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَقَالَ : «هذَا وَادِي النَّمْلِ لَا يُصَلّى فِيهِ» حَتّى إِذَا بَلَغْنَا مَوْضِعا آخَرَ ، قُلْتُ لَهُ مِثْلَ ذلِكَ ، فَقَالَ : «هذِهِ الْأَرْضُ مَالِحَةٌ لَا يُصَلّى فِيهَا».

قَالَ : حَتّى نَزَلَ هُوَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ ، فَقَالَ لِي : «صَلَّيْتَ أَوْ تُصَلِّي _ سُبْحَتَكَ؟».

قُلْتُ : هذِهِ صَلَاةٌ يُصَلِّيهَا (6)أَهْلُ الْعِرَاقِ الزَّوَالَ .

فَقَالَ : «أَمَا هؤُلَاءِ الَّذِينَ يُصَلُّونَ هُمْ شِيعَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام ، وَهِيَ صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ».

فَصَلّى وَصَلَّيْتُ ، ثُمَّ أَمْسَكْتُ لَهُ بِالرِّكَابِ ، ثُمَّ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ فِي بِدَايَتِهِ (7)، ثُمَّ قَالَ : «اللّهُمَّ الْعَنِ

ص: 505


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 287
2- . الضمير راجع إلى أحمد بن محمّد المذكور في السند السابق
3- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «فقال»
4- . في الطبعة القديمة: «الحمد» بدون الواو
5- . اقتباس من الآية 13 و 14 من سورة الزخرف (43)
6- في كلتا الطبعتين: «تسمّيها».وفي بعض نسخ الكافي: «يسمّيها»
7- . في بعض نسخ الكافي: «بدأته»

الْمُرْجِئَةَ ؛ فَإِنَّهُمْ أَعْدَاؤُنَا فِي الدُّنْيَا وَالْاخِرَةِ».

فَقُلْتُ لَهُ : مَا ذَكَّرَكَ _ جُعِلْتُ فِدَاكَ _ الْمُرْجِئَةَ؟

فَقَالَ : «خَطَرُوا عَلى بَالِي» .

شرح الحديث

السند مجهول على قول ضعيف.

قوله: (عنه).

الضمير لأحمد بن محمّد.

وقوله: (وأمرتك أن تختار لي).

يحتمل كون الجملة استفهاميّة إنكاريّة وكونها خبريّة، وعلى الثاني فلعلّ المراد: أمرتك أن تختار ما هو مختار لي.وقيل: أي تفوّض الاختيار برأيي.

(ثمّ قال: إنّ أحبّ المطايا اليَّ الحُمُر) بضمّتين، جمع حمار.

قال الفيروزآبادي: «مطا: جدَّ في السَّير وأسرع، والمطيّة: الدابّة، تمطو في سيرها.الجمع: مطايا، ومطن»(1).

«وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ» (2).

في القاموس: «أقرن للأمر: أطاقه، وقوى عليه» انتهى(3).وقيل: أصله وجد قرينة؛ إذ الصعب لا يكون قرينة الضعيف(4).

«وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ» (5).أي راجعون.

وقيل: اتّصاله بما قبله؛ لأنّ الركوب للتنقّل، والنقلة العظمى هي الانقلاب إلى اللّه ، فينبغي للراكب أن لا يغفل عنه ويستعدّ للقاء اللّه (6).

(قلت له: الصلاة جعلتُ فداك) أي حضرت الصلاة، أو الصلاة حاضرة، أو حضر الصلاة.

ص: 506


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 391 (مطو) مع التلخيص
2- الزخرف (43): 13
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 259 (قرن)
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 288
5- .الزخرف (43): 14
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 288 مع اختلاف في اللفظ

(فقال: هذا وادي النمل) يدلّ على كراهيّة الصلاة في الوادي التي فيها قرى النمل، كما هو مذهب الأصحاب.

(فقال: هذه الأرض (1)مالحة) يدلّ على كراهيّة الصلاة في السبخة.

(فقال لي: صلّيت) بصيغة الخطاب.

(أو تصلّي) الترديد من الراوي.

وقوله: (سبحتك) بالنصب، مفعول الفعلين على سبيل التنازع.والسبحة _ بالضمّ _ : التطوّع من الذِّكر والصلاة.

(قلت: هذه صلاة يصلّيها).

في بعض النسخ: «يسمّيها» بدل «يصلّيها».

(أهل العراق الزوال) أي نافلة الزوال، أو صلاته.

(فقال: أمّا هؤلاء الذين يصلّون) أي تلك الصلاة.

(هم شيعة عليّ بن أبي طالب عليه السلام وهي صلاة الأوّابين).

قيل: يمكن أن يكون قاله استخفافا، فعظّمها عليه السلام وبيّن فضلها.أو المراد: أنّ هذه صلاة يصلّيها أهل العراق قريبا من الزوال قبله _ يعني صلاة الضحى _ فالمراد بالجواب أنّ من يصلّيها بعد الزوال كما نقول فهو شيعة عليّ عليه السلام (2).

(ثمّ قال: اللَّهُمَّ العن المرجئة).

لعلّ المراد بهم هنا من أخّرَ عليّا عليه السلام من مرتبته.

قال الفيروزآبادي في المهموز:

أرجأ الأمر: أخّره، وترك الهمزة لغة، ومنه سمّيت المرجئة، وإذا لم تهمز فرجل مرجّى بالتشديد، وإذا همزت فرجل مرجئ _ كمرجع _ لا مرج، كمعط.ووهم الجوهري (3)وهم المرجئة بالهمز والمرجية بالياء مخفّفة(4). وقال في الناقص: «الإرجاء: التأخير، والمرجئة في رجأ سمّوا لتقديمهم القول وإرجائهم العمل» (5)انتهى.

ص: 507


1- . في كثير من نسخ الكافي والوافي: «هذه أرض»
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 288
3- . اُنظر: الصحاح، ج 6، ص 2352 (رجا)
4- القاموس المحيط، ج 1، ص 16 (رجأ)
5- القاموس المحيط، ج 4، ص 333 (رجو)

وقال محمّد الشهرستاني في كتاب الملل والنحل: الإرجاء على معنيين: أحدهما التأخير.قال تعالى: «أَرْجِهِ» أي امهله «وَأَخَاهُ» (1).

والثاني إعطاء الرجاء.

أمّا إطلاق اسم المرجئة على الجماعة بالمعنى الأوّل صحيح؛ لأنّهم كانوا يؤخّرون العمل عن النيّة والعقد، وأمّا بالمعنى الثاني فظاهر؛ فإنّهم كانوا يقولون: لا تضرّ مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة.

وقيل: الإرجاء تأخير حكم صاحب الكبيرة إلى القيامة، فلا يقضي عليه بحكم ما في الدُّنيا بكونه من أهل الجنّة أو من أهل النار، فعلى هذا المرجئة والوعيديّة فرقتان مقابلتان، وقيل: الإرجاء تأخير عليّ عليه السلام عن الدرجة الاُولى إلى الدرجة الرابعة(2)

(فقلت له: ما ذكّرك) من التذكير.

وقوله: (المرجئة).مفعول الثاني.

(فقال: خطروا على بالي).

يُقال: خطر الشيء ببالي، وعلى بالي _ كنصر وضرب _ أي ذكرته بعد نسيان.

وقال الجوهري: «البال: القلب؛ تقول: ما يخطر فلان ببالي.والبال: الحال؛ يُقال: ما بالك»(3). وقال الفيروزآبادي: «البال: الحال، والخاطر»(4).

متن الحديث السابع عشر والأربعمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ؛ وَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا أَرَادَتْ قُرَيْشٌ قَتْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، قَالَتْ : كَيْفَ لَنَا بِأَبِي لَهَبٍ ؟ فَقَالَتْ أُمُّ جَمِيلٍ : أَنَا أَكْفِيكُمُوهُ ، أَنَا أَقُولُ لَهُ : إِنِّي أُحِبُّ أَنْ تَقْعُدَ الْيَوْمَ فِي الْبَيْتِ نَصْطَبِحُ ، فَلَمَّا أَنْ كَانَ مِنَ الْغَدِ وَتَهَيَّأَ الْمُشْرِكُونَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، قَعَدَ أَبُولَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ (5)يَشْرَبَانِ ، فَدَعَا أَبُو طَالِبٍ عَلِيّا عليه السلام ، فَقَالَ لَهُ : يَا

ص: 508


1- .الشعراء (26): 36
2- الملل والنحل، ج 1، ص 139 مع التلخيص واختلاف يسير في اللفظ
3- الصحاح، ج 4، ص 1642 (بول) مع التلخيص
4- القاموس المحيط، ج 3، ص 339 (بول)
5- . في بعض نسخ الكافي: «واُمّ جميل» بدل «وامرأته»

بُنَيَّ اذْهَبْ إِلى عَمِّكَ أَبُو لَهَبٍ (1)، فَاسْتَفْتِحْ عَلَيْهِ ، فَإِنْ فُتِحَ لَكَ فَادْخُلْ ، وَإِنْ لَمْ يُفْتَحْ لَكَ فَتَحَامَلْ عَلَى الْبَابِ وَاكْسِرْهُ وَادْخُلْ عَلَيْهِ ، فَإِذَا دَخَلْتَ عَلَيْهِ فَقُلْ لَهُ : يَقُولُ لَكَ أَبِي : إِنَّ امْرَأً عَمُّهُ عَيْنُهُ فِي الْقَوْمِ فَلَيْسَ (2)بِذَلِيلٍ» .

قَالَ : «فَذَهَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَوَجَدَ الْبَابَ مُغْلَقا ، فَاسْتَفْتَحَ فَلَمْ يُفْتَحْ لَهُ ، فَتَحَامَلَ عَلَى الْبَابِ وَكَسَرَهُ وَ دَخَلَ ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو لَهَبٍ قَالَ لَهُ : مَا لَكَ يَا ابْنَ أَخِي؟ فَقَالَ لَهُ : إِنَّ (3)أَبِي يَقُولُ لَكَ : إِنَّ امْرَأً عَمُّهُ عَيْنُهُ فِي الْقَوْمِ لَيْسَ بِذَلِيلٍ ، فَقَالَ لَهُ : صَدَقَ أَبُوكَ ، فَمَا ذلِكَ يَا ابْنَ أَخِي؟ فَقَالَ لَهُ : يُقْتَلُ ابْنُ أَخِيكَ وَأَنْتَ تَأْكُلُ وَتَشْرَبُ؟ فَوَثَبَ وَأَخَذَ (4)سَيْفَهُ ، فَتَعَلَّقَتْ بِهِ أُمُّ جَمِيلٍ ، فَرَفَعَ يَدَهُ وَلَطَمَ وَجْهَهَا لَطْمَةً ، فَفَقَأَ عَيْنَهَا فَمَاتَتْ وَهِيَ عَوْرَاءُ ، وَخَرَجَ أَبُو لَهَبٍ وَمَعَهُ السَّيْفُ ، فَلَمَّا رَأَتْهُ قُرَيْشٌ عَرَفَتِ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ ، فَقَالَتْ : مَا لَكَ يَا أَبَا لَهَبٍ؟ فَقَالَ : أُبَايِعُكُمْ عَلَى ابْنِ أَخِي ، ثُمَّ تُرِيدُونَ قَتْلَهُ؟ وَاللَاتِ وَالْعُزّى لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أُسْلِمَ ، ثُمَّ تَنْظُرُونَ مَا أَصْنَعُ ، فَاعْتَذَرُوا إِلَيْهِ وَرَجَعَ» .

شرح الحديث

السند صحيح.

قوله: (كيف لنا بأبي لهب) أي كيف نصنع به وهو مانع من قتله؟! والترهيب من قبيل: بحسبك درهم.

(فقالت اُمّ جميل) هي زوجة أبي لهب اُخت أبي سفيان، وهي التي وصفها اللّه تعالى بحمّالة الحطب.

(أنا أكفيكموه) إلى قوله: (نصطبح).

قال الجوهري: «الصبوح: الشّرب بالغداة، وهو خلاف الغبوق.واصطبح الرجل: شرب صبوحا»(5).

وفي النهاية: «الاصطباح: أكل الصبوح وهو الغداء»(6).

والاغتباق: أكل الغبوق، وهو العشاء، وأصلهما في الشرب، ثمّ استعملا في الأكل.

ص: 509


1- . في كلتا الطبعتين وجميع نسخ الكافي: «أبي لهب»
2- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «ليس»
3- . في بعض نسخ الكافي: _ «إنّ»
4- . في بعض نسخ الكافي: «فأخذ»
5- الصحاح، ج 1، ص 380 (صبح) مع التلخيص
6- النهاية، ج 3، ص 6 (صبح)

(فلمّا أن كان من الغد).

كلمة «من» زائدة على قول، والتركيب: قد كان من مطر.

(وتهيّأ المشركون للنبيّ صلى الله عليه و آله ) أي لقتله.

(قعد أبو لهب وامرأته).

في بعض النسخ: «واُمّ جميل» بدل «وامرأته».

(اذهب إلى عمّك أبو لهب).

كذا في بعض النسخ، وفي كثير منها: «أبي لهب» وهو أظهر.

قال البيضاوي في قوله تعالى: «تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ» (1). : «قرئ: أبو لهب، كما قيل: عليّ بن أبو طالب»(2).

أقول: بناء هذه القراءة على إجراء الكُنى مجرى الأسماء.

(وإن لم يفتح لك فتحامل على الباب واكسره).

قال الجوهري: «تحامل عليه، أي مال.وتحاملت على نفسي: إذا تكلّفت الشيء على مشقّة»(3).

(إنّ امرأً عمّه عينه في القوم فليس بذليل).

«عمّه» مبتدأ، و«عينه» خبره، والجملة خبر «إنّ»، والفاء فصيحة أو للتفريع.

وفي بعض النسخ: «ليس بذليل» بدون الفاء، فحينئذٍ يكون «ليس» خبر «إنّ»، والجملة قبلها صفة لاسم «إنّ».

قال الجوهري: «العين: الدّيدبان، والجاسوس.وعين الشيء: خياره.وأعيان القوم: أشرافهم، ويقال: أنت على عيني في الإكرام والحفظ جميعا»(4). وفي القاموس: «العين: الباصرة، وأهل البلد _ ويحرّك _ وأهل الدار، والحاضر من كلّ شيء، والسيّد، ونفس الشيء»(5).

أقول: يحتمل هنا إرادة كلّ من هذه المعاني بنوع من التقريب، والإضافة في بعضها لأدنى

ص: 510


1- المسد (111): 1
2- تفسير البيضاوي، ج 5، ص 544
3- الصحاح، ج 4، ص 1677 (حمل)
4- الصحاح، ج 6، ص 2171 (عين) مع التلخيص
5- القاموس المحيط، ج 4، ص 251 (عين) مع التلخيص

ملابسة، والمردّد إمّا أبو لهب أو أبو طالب، ولعلّ الأوّل أظهر؛ إذ الظاهر أنّ الغرض حمله على الحميّة.

والحاصل: أنّ من كان عمّه سيّد القوم وخيارهم، أو رقيبه وحافظه، والدافع عنه، لا يكون ذليلاً بينهم.

(فتعلّقت به اُمّ جميل).

التعلّق: التثبيت.يُقال: تعلّقه وتعلّق به.

(فرفع يده ولطم وجهها لطمة).

اللّطم: ضرب الخدّ، وصفحة الجسد بالكفّ مفتوحة، وفعله كضرب.

(ففقأ عينها).

يُقال: فقأ عينه _ كمنع _ وفقّأها تفقئة: أي قلعها، وأعورها.

(فماتت وهي عوراء) أي ماتت من ساعتها، أو بعد حين.

(فقال: اُبايعكم على بن أخي، ثمّ تريدون قتله).

قال الجوهري: «المبايعة (1)من البيع والبيعة جميعا»(2).

أقول: المراد هنا المعنى الثاني؛ يعني مبايعتي معكم مشروط على ترك إيذائه ورعايته، وأنتم تريدون قتله، فلا مبالغة بيني وبينكم.

وقال بعض الأفاضل: «أي مبايعتي معكم على إيذائه وإهانته، لا على قتله، وأنتم تفرّطون في ذلك، وتريدون قتله»(3)ولا يخفى بُعده.

متن الحديث الثامن عشر والأربعمائة

اشارة

عَنْهُ (4)، عَنْ أَبَانٍ ، عَنْ زُرَارَةَ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «كَانَ إِبْلِيسُ يَوْمَ بَدْرٍ يُقَلِّلُ الْمُسْلِمِينَ فِي أَعْيُنِ الْكُفَّارِ ، وَيُكَثِّرُ الْكُفَّارَ

ص: 511


1- . في المصدر: «بابعته»
2- الصحاح، ج 3، ص 1189 (بيع)
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 290 مع اختلاف في اللفظ
4- . الضمير راجع إلى ابن أبي عمير المذكور في السند السابق

فِي أَعْيُنِ الْمُسْلِمِينَ ، فَشَدَّ النَّاسِ (1)عَلَيْهِ جَبْرَئِيلُ عليه السلام بِالسَّيْفِ ، فَهَرَبَ مِنْهُ وَهُوَ يَقُولُ : يَا جَبْرَئِيلُ ، إِنِّي مُؤَجَّلٌ إِنِّي مُؤَجَّلٌ حَتّى وَقَعَ فِي الْبَحْرِ».

قَالَ زُرَارَةُ : فَقُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : لِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يَخَافُ وَهُوَ مُؤَجَّلٌ؟

قَالَ : «يَقْطَعُ بَعْضَ أَطْرَافِهِ» .

شرح الحديث

السند صحيح.

قوله: (عنه)؛ الضمير لابن أبي عمير.

وقوله: (كان إبليس يوم بدر يقلّل المسلمون في أعين الكفّار، ويكثر الكفّار في أعين الناس) أي المسلمين أو أعمّ.

ويحتمل أن يكون هذا التقليل والتكثير بحيلولته بين أبصار الكفّار وبين بعض المسلمين، أو بقوله لهم: إنّ هؤلاء شرذمةٌ قليلون، أو بوسوسته إيّاهم، أو بإدخال جنوده في عسكر الكفّار.

وقيل: هذا نوعٌ من السحر والشعبذة (2)قال الشيخ الطبرسي رحمه الله:

اختلف في ظهور الشيطان يوم بدر كيف كان؛ فقيل: إنّ قريشا لمّا أجمعت المسير ذكرت الذي بينها وبين بني بكر بن عبد مناف بن كنانة من الحرب، فكاد ذلك أن يُثنيهم، فجاء إبليس في جُند من الشيطان، فتبدّى لهم في صورة سراقة بن مالك بن جشعم الكناني ثمّ المدلجي _ وكان من أشراف كنانة _ فقال لهم: «لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّى جَارٌ لَّكُمْ» أي مُجير لكم من كنانة، فلمّا رأى إبليس الملائكة نزلوا من السماء [و] علم أنّه لا طاقة له بهم نكص على عقبيه.عن ابن عبّاس والسدّي والكلبي وغيرهم.

وقيل: إنّهم لمّا التقوا كان إبليس في صفّ المشركين آخذا بيد الحارث بن هشام، فنكص على عقبيه، فقال له الحارث: يا سراقة، إلى أين، أتخذلنا على هذه الحالة؟ فقال له: إنّي أرى ما لا ترون، فقال: واللّه ما ترى إلّا جواسيس (3)يثرب، فدفع في صدر الحارث، وانطلق وانهزم الناس، فلمّا قدِموا مكّة قالوا: هزم الناس سراقة،

ص: 512


1- . في كلتا الطبعتين: «المسلمين»
2- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 393
3- . في المصدر: «جعاسيس»

فبلغ ذلك سراقة، فقال: واللّه ما شعرت بمسيركم حتّى بلغني هزيمتكم، قالوا: إنّك أتيتنا يوم كذا، فحلف لهم فلمّا أسلموا علموا أنّ ذلك كان الشيطان.عن الكلبي، وروي عن أبي جعفر عليه السلام وأبي عبداللّه عليه السلام .

وقيل: إنّ إبليس لا يجور أن يقدر على خلع صورته ولبس صورة سراقة، ولكنّ اللّه جعل [إبليس] في صورة سراقة، وإنّما فعل ذلك؛ لأنّه علم أنّه لو لم يدع المشركين إنسان إلى قتال المسلمين؛ فإنّهم لا يخرجون من ديارهم حتّى يقاتلوهم المسلمون؛ لخوفهم من بني كنانة، فصوّره بصورة سراقة حتّى تمّ المراد في إعزاز الدِّين.عن الجبائي وجماعة.

وقيل: إنّ إبليس لم يتصوّر في صورة إنسان، وإنّما قال لهم على وجه الوسوسة.عن الحسن، واختاره البلخي.

والأوّل هو المشهور في التفاسير(1).

(فشدّ عليه جبرئيل عليه السلام بالسيف).

الشدّ _ بالفتح _ : الحملة في الحرب.والشدّ أيضا: العَدْو، وفعلهما كنصر وضرب.

والباء في قوله: «بالسيف» للمصاحبة، ويحتمل كونه للتعدية.

(فهرب منه وهو يقول: يا جبرئيل، إنّي مؤجّل) وهو إشارة إلى قوله: «إِنَّكَ مِنْ الْمُنظَرِينَ» (2).

وقال الفيروزآبادي: «الأجل _ محرّكة _ : غاية الوقت في الموت، والتأجيل: تحديد الأجل»(3).

(قال: يقطع بعض أطرافه).

في القاموس: الطرف _ محرّكة _ : الطائفة من الشيء.والأطراف الجمع.ومن البدن: اليدان، والرجلان، والرأس، ولا يدرى أيّ طرفيه أطول، أي ذكره ولسانه(4).

متن الحديث التاسع عشر والأربعمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ ،

ص: 513


1- مجمع البيان، ج 4، ص 478 مع التلخيص
2- .الأعراف (7): 15
3- القاموس المحيط، ج 3، ص 327 (أجل) مع التلخيص
4- القاموس المحيط، ج 3، ص 168 (طرف) مع التلخيص

عَمَّنْ حَدَّثَهُ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «قَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلَى التَّلِّ الَّذِي عَلَيْهِ مَسْجِدُ الْفَتْحِ فِي غَزْوَةِ الْأَحْزَابِ فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ قَرَّةٍ ، فَقَالَ : مَنْ يَذْهَبُ فَيَأْتِيَنَا بِخَبَرِهِمْ وَلَهُ الْجَنَّةُ؟ فَلَمْ يَقُمْ أَحَدٌ ، ثُمَّ أَعَادَهَا ، فَلَمْ يَقُمْ أَحَدٌ» _ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام بِيَدِهِ : «وَمَا أَرَادَ الْقَوْمُ؟! أَرَادُوا أَفْضَلَ مِنَ الْجَنَّةِ؟!» _ «ثُمَّ قَالَ : مَنْ هذَا؟ فَقَالَ : حُذَيْفَةُ ، فَقَالَ : أَ مَا تَسْمَعُ كَلَامِي مُنْذُ اللَّيْلَةِ وَلَا تَكَلَّمُ؟ اقْتَرَتَ (1)فَقَامَ حُذَيْفَةُ وَهُوَ يَقُولُ : الْقُرُّ وَالضُّرُّ _ جَعَلَنِيَ اللّهُ فِدَاكَ _ مَنَعَنِي أَنْ أُجِيبَكَ .

فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : انْطَلِقْ حَتّى تَسْمَعَ كَلَامَهُمْ وَتَأْتِيَنِي بِخَبَرِهِمْ ، فَلَمَّا ذَهَبَ ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : اللّهُمَّ احْفَظْهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ ، وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ حَتّى تَرُدَّهُ ، وَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : يَا حُذَيْفَةُ ، لَا تُحْدِثْ شَيْئا حَتّى تَأْتِيَنِي ، فَأَخَذَ سَيْفَهُ وَقَوْسَهُ وَحَجَفَتَهُ .

قَالَ حُذَيْفَةُ : فَخَرَجْتُ وَمَا بِي (2)مِنْ ضُرٍّ وَلَا قُرٍّ ، فَمَرَرْتُ عَلى بَابِ الْخَنْدَقِ وَقَدِ اعْتَرَاهُ الْمُؤْمِنُونَ وَالْكُفَّارُ .

فَلَمَّا تَوَجَّهَ حُذَيْفَةُ ، قَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَنَادى : يَا صَرِيخَ الْمَكْرُوبِينَ ، وَيَا مُجِيبَ الْمُضْطَرِّينَ اكْشِفْ هَمِّي وَغَمِّي وَكَرْبِي ، فَقَدْ تَرى حَالِي وَحَالَ أَصْحَابِي.

فَنَزَلَ عَلَيْهِ جَبْرَئِيلُ عليه السلام ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللّهِ ، إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ ذِكْرُهُ _ قَدْ سَمِعَ مَقَالَتَكَ وَدُعَاءَكَ ، وَقَدْ أَجَابَكَ وَكَفَاكَ هَوْلَ عَدُوِّكَ .

فَجَثَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلى رُكْبَتَيْهِ وَبَسَطَ يَدَيْهِ وَأَرْسَلَ عَيْنَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : شُكْرا شُكْرا كَمَا رَحِمْتَنِي وَرَحِمْتَ أَصْحَابِي ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : قَدْ بَعَثَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ عَلَيْهِمْ رِيحا مِنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا فِيهَا حَصًى ، وَرِيحا مِنَ السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ فِيهَا جَنْدَلٌ .

قَالَ حُذَيْفَةُ : فَخَرَجْتُ فَإِذَا أَنَا بِنِيرَانِ الْقَوْمِ ، وَأَقْبَلَ جُنْدُ اللّهِ الْأَوَّلُ رِيحٌ فِيهَا حَصًى، فَمَا تَرَكَتْ لَهُمْ نَارا إِلَا أَذْرَتْهَا، وَلَا خِبَاءً إِلَاطَرَحَتْهُ، وَلَا رُمْحا إِلَا أَلْقَتْهُ حَتّى جَعَلُوا يَتَتَرَّسُونَ مِنَ الْحَصى ، فَجَعَلْنَا نَسْمَعُ وَقْعَ الْحَصى فِي الْأَتْرِسَةِ ، فَجَلَسَ حُذَيْفَةُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَامَ إِبْلِيسُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ مُطَاعٍ فِي الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّكُمْ قَدْ نَزَلْتُمْ بِسَاحَةِ هذَا السَّاحِرِ الْكَذَّابِ ، أَلَا وَإِنَّهُ

ص: 514


1- . في كلتا الطبعتين: «أقبرت» بدل «اقترب»
2- . في بعض نسخ الكافي: «لي»

لَنْ يَفُوتَكُمْ مِنْ أَمْرِهِ شَيْءٌ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ سَنَةَ مُقَامٍ ، قَدْ هَلَكَ الْخُفُّ وَالْحَافِرُ ، فَارْجِعُوا وَلْيَنْظُرْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ مَنْ جَلِيسُهُ .

قَالَ حُذَيْفَةُ : فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي ، فَضَرَبْتُ بِيَدِي ، فَقُلْتُ : مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ : مُعَاوِيَةُ ، فَقُلْتُ لِلَّذِي عَنْ يَسَارِي : مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ : سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو .

قَالَ حُذَيْفَةُ : وَأَقْبَلَ جُنْدُ اللّهِ الْأَعْظَمُ ، فَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ إِلى رَاحِلَتِهِ ، ثُمَّ صَاحَ فِي قُرَيْشٍ : النَّجَاءَ النَّجَاءَ ، وَقَالَ طَلْحَةُ الْأَزْدِيُّ : لَقَدْ رَادَكُمْ (1)مُحَمَّدٌ بِشَرٍّ ، ثُمَّ قَامَ إِلى رَاحِلَتِهِ وَصَاحَ فِي بَنِي أَشْجَعَ : النَّجَاءَ النَّجَاءَ ، وَفَعَلَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ (2)مِثْلَهَا ، ثُمَّ فَعَلَ الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ الْمَرِّيِّ (3)مِثْلَهَا ، ثُمَّ فَعَلَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ مِثْلَهَا ، وَذَهَبَ الْأَحْزَابُ وَرَجَعَ حُذَيْفَةُ إِلى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ».

وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «إِنَّهُ كَانَ لَيُشْبِهُ يَوْمَ (4)الْقِيَامَةِ» .

شرح الحديث

السند مرسل.

قوله: (قام رسول اللّه صلى الله عليه و آله على التلّ الذي عليه مسجد الفتح).

ويقال: مسجد الأحزاب، وهو المسجد الذي فتح اللّه على رسوله صلى الله عليه و آله بقتل عمرو بن عبد ودّ.

والتلّ من التراب: معروف، والتلّ أيضا: ما ارتفع من الأرض.

(في غزوة الأحزاب).

قال الجوهري: «الحزب: الطائفة.والأحزاب: الطوائف التي تجتمع على محاربة الأنبياء»(5).

أقول: المراد بالأحزاب هنا طائفة تظاهروا على حرب النبيّ صلى الله عليه و آله وهم قريش وغطفان ويهود بني قريظة وبني النضير وكانوا اثنى عشر ألفا.

(في ليلةٍ ظلماء قرّة) أي باردة.يُقال: يوم قرّ وليلة قرّة، بالفتح فيهما.

ص: 515


1- . في كلتا الطبعتين: «زادكم» بالزاء المعجمة
2- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «حصين»
3- . في الطبعة القديمة: «المزني»
4- . في أكثر نسخ الكافي والوافي: «بيوم»
5- الصحاح، ج 1، ص 109 (حزب) مع التلخيص

قال في المصباح: «قرّ اليوم: برد.والاسم: القرّ _ بالضمّ _ فهو قرّ، تسمية بالمصدر، وقارّ على الأصل، أي بارد. وليلة قرّة وقارّة»(1).

وقال الجوهري: الظلمة: خلاف النور.والظلماء: الظلمة، وربما وصف بها، يُقال: ليلة ظلماء، أي مظلمة»(2).

(فقال) رسول اللّه صلى الله عليه و آله : (من يذهب فيأتينا بخبرهم) أي خبر الأحزاب.

(فقال أبو عبداللّه عليه السلام بيده): حرّك يده على سبيل التعجّب وأومأ بها.

قال في النهاية:

العرب تجعل القول عبارة عن جميع الأفعال وتطلقه على غير الكلام، فتقول: قال برجله، أي مشى.وقال برأسه، أي أومأ.وقال على يده، أي قلب.وكلّ ذلك على المجاز والاتّساع(3).

(وما أراد القوم) كلمة «ما» للاستفهام.

(أرادوا أفضل من الجنّة).

يعني ينبغي لهم أن يريدوا الجنّة ونعيمها لبقائها، لا الحياة الدُّنيا واستراحتها لفنائها.

(ثمّ قال: من هذا؟ فقال: حذيفة).

أشار بهذا إلى شبح شخص رآه في الظلمة.

(فقال: أما تسمع كلامي منذ الليلة).

قال الفيروزآبادي:

«منذ» مبنيّ على الضمّ، و«مذ» على السكون، وتكسر ميمهما، ويليهما اسم مجرور، وحينئذ حرفا جرّ بمعنى «من» في الماضي، و«في» [في] الحاضر، و«من» و«إلى» جميعا في المعدود، كما: رأيته مذ يوم الخميس، واسم مرفوع كمنذ يومان، وحينئذ مبتدأن ما بعدهما خبر، ومعناهما الأمد في الحاضر والمعدود، وأوّل المدّة في الماضي، أو ظرفان مخبر بهما عمّا بعدهما، ومعناهما بين وبين، كلقيته منذ يومان، أي بيني وبين لقائه يومان.و[تليهما] الجملة الفعليّة نحو: ما زال [مذ ]عقدت يداه

ص: 516


1- المصباح المنير، ص 496 (قرر)
2- الصحاح، ج 5، ص 1977 (ظلم) مع التلخيص و التصرّف
3- النهاية، ج 4، ص 124 (قول) مع التلخيص والتصرّف

إزاره، أو الاسميّة، وما زال أبغي المال منذ أنا يافع، وحينئذ ظرفان مضافان إلى الجملة، أو إلى زمان مضاف إليهما.

وقيل: مبتدآن، وأصل «مذ» منذ؛ لرجوعهم إلى ضمّ ذال، مذ عند ملاقاة الساكنين مذ اليوم، ولولا أنّ الأصل الضمّ لكسروا ولتصغيرهم إيّاه حينئذٍ، واذا كانت «مُذ» اسما فأصلها منذ وحرفا فهي أصل، ويقال: ما لقيته منذ اليوم ومذ اليوم، بفتح ذالهما(1).

(ولا تكلّم) بصيغة الخطاب بحذف إحدى التايين.

(اقترب) بصيغة الأمر.

وفي بعض النسخ: «أقبرت» على صيغة المخاطب المجهول من القبر، وهو الدفن إلى الأرض.

(فقام حذيفة وهو يقول: القرّ والضرّ _ جعلني اللّه فداك _ منعني _ أن اُجيبك).

الضرّ _ بالضمّ _ : الهزال، وسوء الحال.

(وقال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يا حذيفة لا تحدث شيئا حتّى تأتيني).

الظاهر أن لا تحدث من الإحداث.قال الجوهري: «الحدوث كون شيء لم يكن، وأحدثه اللّه فحدث»(2).

قال بعض الشارحين: «أمَرَه بأن لا يذعرهم خوفا عليه؛ لأنّه إذا ذَعَرهم تجسّسوا عليه، فيقع في الهلكة»(3).

(فأخذ سيفه وقوسه وحجفته) بتقديم المهملة على المعجمة.

قال الفيروزآبادي: «الحَجَف _ محرّكة _ : التروس من جلود بلا خشب ولا عقب، واحدتها: حجفة»(4).

(فمررت على باب الخندق وقد اعتراه) أي حلّه ونزله.والضمير للباب.

(المؤمنون والكفّار).

قال الفيروزآبادي: «خندق _ كجعفر _ : حفير حول أسوار المدن، معرّب كنده»(5).

ص: 517


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 359 (منذ) مع التلخيص واختلاف يسير في اللفظ
2- الصحاح، ج 6، ص 2447 (غشا)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 395
4- القاموس المحيط، ج 3، ص 126 (حجف)
5- القاموس المحيط، ج 3، ص 126 (حجف)

وقال الجوهري: «عراني هذا الأمر واعتراني: إذا غشيك»(1).

وقال: «غشيه غشيانا، أي جاءه»(2).

(فلمّا توجّه حذيفة) إلى الخندق أو إلى الأحزاب.

(قام رسول اللّه صلى الله عليه و آله ونادى: يا صريخ المكروبين).

في القاموس: «الصّارخ: المغيث، والمستغيث، ضدّ، كالصريخ فيهما»(3).

أقول: المراد هاهنا المغيث.

(فجثا رسول اللّه صلى الله عليه و آله على ركبتيه).

الجثو والجثّو على الركبتين: فركهما بعده، من باب التجريد.

(وبسط يديه).

يُقال: بسط يده، أي مدّها، ولعلّ المراد هنا رفعهما، أو جعل بطونهما إلى السماء وأرسل.

(وأرسل عينيه).

لعلّ المراد إرسال دموعهما بالبكاء.وقيل: أي ألقاهما إلى الأرض تخشّعا(4).

(ثمّ قال) رسول اللّه صلى الله عليه و آله _ إلى قوله _ (فيها جندل).

الحصى _ بالفتح _ : صغار الحجارة.الواحدة: حصاة.الجمع: حصيّات.

وجندل _ كجعفر، ويكسر الدال _ : الحجارة.

(قال حذيفة: فخرجت) إلى قوله: (نسمع وقع الحصى في الأترسة).

النيران _ كغلمان _ جمع النار.

وذرّت الريح الشيء ذَرْوا وأذرته وذرّته، أي أطارته، وأذهبته، وفرّقته.

والخِباء _ بالكسر، وقيل، بالفتح _ بناء من وبر أو صوف أو شعر.والجمع: أخبية.

والترس: من التستّر بالترس وهو _ بالضمّ _ معروف، والمشهور في كتب اللغة أنّ جمعه أتراس والترسة والتروس والتِراس(5)وأمّا جمعه على أترسة فخالف للقياس.

ص: 518


1- الصحاح، ج 6، ص 2423 (عرا)
2- الصحاح، ج 6، ص 2447 (غشا)
3- القاموس المحيط، ج 1، ص 262 (صرخ)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 396
5- اُنظر: الصحاح، ج 3، ص 910؛ القاموس المحيط، ج 2، ص 202 (ترس)

والوقع _ بالتسكين _ : صَدْمَة الضرب بالشيء بعد صدمته.

(فقام إبليس في صورة رجل مطاع) أي شيخ يطيعه الناس وينقادون له.

(ألا وإنّه لن يفوتكم من أمره شيء) أي لا تعجلوا الآن في قتاله واستئصاله؛ فإنّه لن يفوتكم من ذلك شيء.

(فإنّه ليس سنة مقام) أي ليس لكم في هذه السنة مكان إقامة ومجال توقّف هنا.

ثمّ أشار إلى سبب عدم المقام بقوله: (قد هلك الخفّ والحافر).

الخفّ _ بالضمّ _ واحد أخفاف البعير.والحافر واحد حوافر الدابّة، وقد يستعار للقدم.

والمراد هنا ذو الخفّ وذو الحافر.

وقيل: إنّما قال الخبيث (1)ذلك؛ لعلمه بأنّه من عذاب اللّه تعالى على الأحزاب لو أقام، فخاف أن يهلكوا جميعا، ويستولي أهل الإسلام على جميع البلاد بلا منازع ولا مكابر، فأمرهم بالارتحال طمعا لحياتهم ووقوع الاجتماع والكرّة مرّةً اُخرى(2).

(ولينظر كلّ رجل منكم من جليسه).

إنّما قال ليظهر للكفّار بعد التفتيش والسؤال أنّ بينهم عين، فتنبّه حذيفة، وبادر إلى السؤال لئلّا يسأله أحد: مَن أنت، ويظنّوا أنّه منهم.

(ثمّ صاح في قريش: النجاء النجاء).

في القاموس: «نجا نَجْوا ونجاءً ونجاةً ونجاية: خلص.والنجاءك النجاءك _ ويقصّران _ أي أسرع [أسرع]»(3).

وقال في النهاية: فيه: فالنجاء النجاء، أي انجوا بأنفسكم، وهو مصدر منصوب بفعل مضمر، أي انجوا النجاء، وتكراره للتأكيد.والنجاء: السرعة.يُقال: نجا ينجو نجاءً: إذا أسرع.ونجا من الأمر: إذا خلص، وأنجاه غيره(4).

(وقال طلحة الأزدي: لقد رادكم محمّد بشرّ).

الباء للتعدية، أي طلب الشرّ لكم.

ص: 519


1- . أي إبليس
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 396
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 393 (نجو)
4- النهاية، ج 5، ص 26 (نجو)

قال الجوهري: «راد الكلاء يروده رودا وريادا وارتاده ارتيادا بمعنى، أي طلبه»(1).

(ثمّ فعل الحارث بن عوف المرّي مثلها).

في بعض النسخ: «ابن عوق» بالقاف.قال الفيروزآبادي: «مُرّة بن كعب: أبو قبيلة من قريش، وأبو قبيلة من قيس عيلان، ومُرّ بن عمرو من طي (2).

(وقال أبو عبداللّه عليه السلام : إنّه كان ليشبه بيوم القيامة).

كذا في كثير ممّا رأيناه من النسخ المصحّحة، والظاهر: «شبيها» بالنصب كما في بعضها.وفي بعض النسخ: «الشبيه» أي نزل بالكفّار من هبوب الرِّياح العاصفة، وما حصى الحجارة، وما كانوا فيه من الخوف والاضطراب والحيرة، يشبه بآيات القيامة وأهوالها، أو كان الزمان الذي وقع بهم تلك الشدائد شبيها بيوم القيامة.ويحتمل أن يكون لغرض بيان شدّة أحوال المسلمين قبل نزول هذا الفتح والظفر من الجوع والخوف.

متن الحديث العشرين والأربعمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ هِشَامٍ الْخُرَاسَانِيِّ ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ :كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام بِالْكُوفَةِ أَيَّامَ قَدِمَ عَلى أَبِي الْعَبَّاسِ ، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى الْكُنَاسَةِ قَالَ : «هَاهُنَا صُلِبَ عَمِّي زَيْدٌ رَحِمَهُ اللّهُ».

ثُمَّ مَضى حَتَّى انْتَهى إِلى طَاقِ الزَّيَّاتِينَ وَهُوَ آخِرُ السَّرَّاجِينَ ، فَنَزَلَ ، وَقَالَ : «انْزِلْ ؛ فَإِنَّ هذَا الْمَوْضِعَ كَانَ مَسْجِدَ الْكُوفَةِ الْأَوَّلَ الَّذِي خَطَّهُ آدَمُ عليه السلام وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ أَدْخُلَهُ رَاكِبا» .

قَالَ : قُلْتُ : فَمَنْ غَيَّرَهُ عَنْ خِطَّتِهِ؟

قَالَ : «أَمَّا أَوَّلُ ذلِكَ الطُّوفَانُ فِي زَمَنِ نُوحٍ عليه السلام ، ثُمَّ غَيَّرَهُ أَصْحَابُ كِسْرى وَنُعْمَانَ (3)، ثُمَّ غَيَّرَهُ بَعْدُ زِيَادُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ» .

فَقُلْتُ : وَكَانَتِ الْكُوفَةُ وَمَسْجِدُهَا فِي زَمَنِ نُوحٍ عليه السلام ؟

ص: 520


1- الصحاح، ج 2، ص 478 (رود)
2- القاموس المحيط، ج 2، ص 133 (مدر) مع التقديم والتأخير في العبارة
3- . في بعض نسخ الكافي والوافي ومرآة العقول: «والنعمان»

فَقَالَ لِي (1): «نَعَمْ يَا مُفَضَّلُ ، وَكَانَ مَنْزِلُ نُوحٍ وَقَوْمِهِ فِي قَرْيَةٍ عَلى مَنْزِلٍ مِنَ الْفُرَاتِ مِمَّا يَلِي غَرْبِيَّ الْكُوفَةِ» .

قَالَ : «وَكَانَ نُوحٌ عليه السلام رَجُلًا نَجَّارا ، فَجَعَلَهُ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ نَبِيّا وَانْتَجَبَهُ ، وَنُوحٌ عليه السلام أَوَّلُ مَنْ عَمِلَ سَفِينَةً تَجْرِي عَلى ظَهْرِ الْمَاءِ» .

قَالَ : «وَلَبِثَ نُوحٌ عليه السلام فِي قَوْمِهِ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَا خَمْسِينَ عَاما، يَدْعُوهُمْ إِلَى اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَيَهْزَؤُونَ بِهِ وَيَسْخَرُونَ مِنْهُ ، فَلَمَّا رَأى ذلِكَ مِنْهُمْ دَعَا عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ : «رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيّارا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلّا فاجِرا كَفّارا» (2)فَأَوْحَى اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ إِلى نُوحٍ : أَنِ اصْنَعْ سَفِينَةً وَأَوْسِعْهَا وَعَجِّلْ عَمَلَهَا ، فَعَمِلَ نُوحٌ سَفِينَةً فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ بِيَدِهِ ، فَأَتى بِالْخَشَبِ مِنْ بُعْدٍ حَتّى فَرَغَ مِنْهَا» .

قَالَ الْمُفَضَّلُ : ثُمَّ انْقَطَعَ حَدِيثُ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ ، فَقَامَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ ، ثُمَّ انْصَرَفَ مِنَ الْمَسْجِدِ ، فَالْتَفَتَ عَنْ يَسَارِهِ ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلى مَوْضِعِ دَارِ الدَّرَّارِبِينَ (3). _ وَهُوَ مَوْضِعُ دَارِ ابْنِ حَكِيمٍ وَذَاكَ فُرَاتٌ الْيَوْمَ _ فَقَالَ لِي : «يَا مُفَضَّلُ ، وَهَاهُنَا (4)نُصِبَتْ أَصْنَامُ قَوْمِ نُوحٍ عليه السلام : يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرا» ثُمَّ مَضى حَتّى رَكِبَ دَابَّتَهُ .

فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فِي كَمْ عَمِلَ نُوحٌ سَفِينَتَهُ حَتّى فَرَغَ مِنْهَا؟

قَالَ : «فِي دَوْرَيْنِ».قُلْتُ : وَكَمِ الدَّوْرَيْنِ؟ قَالَ : «ثَمَانِينَ سَنَةً» .

قُلْتُ : وَإِنَّ الْعَامَّةَ يَقُولُونَ : عَمِلَهَا فِي خَمْسِمِائَةِ عَامٍ .

فَقَالَ : «كَلَا ، كَيْفَ وَاللّهُ يَقُولُ : «وَوَحْيِنا» (5)» .

قَالَ : قُلْتُ : فَأَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «حَتّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ» (6)فَأَيْنَ كَانَ مَوْضِعُهُ؟ وَكَيْفَ كَانَ؟

فَقَالَ : «كَانَ التَّنُّورُ فِي بَيْتِ عَجُوزٍ مُؤْمِنَةٍ فِي دُبُرِ قِبْلَةِ مَيْمَنَةِ الْمَسْجِدِ» .

ص: 521


1- . في بعض نسخ الكافي: - «لي»
2- . نوح (71): 26 و 27
3- في كلتا الطبعتين: «الداريّين».وفي بعض نسخ الكافي: «الداربين»
4- في بعض نسخ الكافي: «هاهنا» بدون الواو
5- . هود (11): 37؛ المؤمنون (23): 27
6- . هود (11): 40

فَقُلْتُ لَهُ : فَإِنَّ ذلِكَ مَوْضِعُ زَاوِيَةِ بَابِ الْفِيلِ الْيَوْمَ ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ : وَكَانَ بَدْءُ خُرُوجِ الْمَاءِ مِنْ ذلِكَ التَّنُّورِ؟

فَقَالَ : «نَعَمْ ، إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ أَحَبَّ أَنْ يُرِيَ قَوْمَ نُوحٍ آيَةً ، ثُمَّ إِنَّ اللّهَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ أَرْسَلَ عَلَيْهِمُ الْمَطَرَ يُفِيضُ فَيْضا ، وَفَاضَ الْفُرَاتُ فَيْضا ، وَالْعُيُونُ كُلُّهُنَّ فَيْضا ، فَغَرَّقَهُمُ اللّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ ، وَأَنْجى نُوحا وَمَنْ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ» .

فَقُلْتُ لَهُ : كَمْ لَبِثَ نُوحٌ فِي السَّفِينَةِ حَتّى نَضَبَ الْمَاءُ وَخَرَجُوا مِنْهَا؟

فَقَالَ : «لَبِثُوا فِيهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا ، وَطَافَتْ بِالْبَيْتِ أُسْبُوعا ، ثُمَّ اسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ، وَهُوَ فُرَاتُ الْكُوفَةِ» .

فَقُلْتُ لَهُ : إِنَّ مَسْجِدَ الْكُوفَةِ قَدِيمٌ؟

فَقَالَ : «نَعَمْ ، وَهُوَ مُصَلَّى الْأَنْبِيَاءِ صَلَّى الّلهُ عَلَيْهِمْ ، وَلَقَدْ صَلّى فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله حِينَ أُسْرِيَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ ، فَقَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ : يَا مُحَمَّدُ ، هذَا مَسْجِدُ أَبِيكَ آدَمَ عليه السلام ، وَمُصَلَّى الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام ، فَانْزِلْ فَصَلِّ فِيهِ ، فَنَزَلَ فَصَلّى فِيهِ ، ثُمَّ إِنَّ جَبْرَئِيلَ عليه السلام عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ» .

شرح الحديث

السند ضعيف على الأصحّ.

قوله: (أيّام قدم على أبي العبّاس) أي في أيّام قدومه عليه السلام على أبي العبّاس السفّاح أوّل الخلفاء العبّاسيّة.

(فلمّا انتهينا إلى الكناسة) بالضمّ: موضع بالكوفة.

(قال: هاهنا صلب عمّي زيد) إلى قوله: (زياد بن أبي سفيان).

الطاق: ما عُطِف من الأبنية.والخِطّة _ بالكسر _ : الأرض يختطّها الرجل ويعلمها لنفسه.

وكسرى _ بالكسر، ويفتح _ : ملك الفرس، معرّب خسرو، أي واسع الملك.ونعمان بن المنذر: أحد ملوك العرب.

(فقال: «رَبِّ لَا تَذَرْ» ) أي لا تَدع من قولهم: ذَرْه، أي دعه.

«عَلَى الْأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّارا» .

قال البيضاوي: أي أحدا، وهو ممّا يستعمل في النفي العام فيُعال: من الدار أو الدور، أصله دَيْوار،

ص: 522

ففعل به ما فعل بأصل سيّد الأفعال، وإلّا لكان دوّارا(1).

«إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ» الآية.

قال: ذلك لمّا جرّبهم واستقرء أحوالهم في ألف سنة إلّا خمسين عاما، فعرف شيمهم وطبائعهم(2).

(وأشار بيده إلى موضع دار الدرّابين).

الدرّاب: فعّال من الدّرب، وهو باب السكّة الواسع، والباب الأكبر، وأصله المضيق في الجبال، وفسّر بعضهم الدّرّابين بالعشّارين.

وفي بعض النسخ: «الدّاريين».وفي بعضها: «الداربين» وهو فاعل من الدرب.ويحتمل كونه باليايين.

قال الفيروزآبادي: الداري: العطّار، منسوب إلى دارين فرضة بالبحرين، بها سوق يحمل المسك من الهند إليها، وربّ النعم، والملّاح الذي يلي الشراع(3).

(وذاك فرات اليوم) أي الجدول الذي يجيء من الفرات إلى الكوفة.

(فقال لي: يا مفضّل، وهاهنا نصبت أصنام قوم نوح عليه السلام ).

وقوله: (يغوث ويعوق ونسرا) بدل من الأصنام، أو خبر مبتدأ محذوف.

قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى: «وَلَا تَذَرُنَّ وَدّا وَلَا سُوَاعا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرا» : (4).

قيل: هي أسماء رجال صالحين كانوا بين آدم ونوح عليهماالسلام، فلمّا ماتوا صوّروا تبرّكا بهم، فلمّا طال الزمان عُبِدوا وقد انتقلت إلى العرب، وكان ودّ لكلب، وسواع لهمدان، ويغوث لمذحج، ويعوق لمُراد، ونسر لحمير(5).

(فقال: كلّا، [كيف] واللّه يقول: «وَوَحْيِنَا» ).

قال اللّه عزّ وجلّ: «وَاصْنَعْ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا» .قال البيضاوي وغيره: أي بوحينا

ص: 523


1- تفسير البيضاوي، ج 5، ص 395
2- تفسير البيضاوي، ج 5، ص 395
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 32 (دور)
4- نوح (71): 23
5- تفسير البيضاوي، ج 5، ص 395

إليك كيف تصنعها(1).

وقال الشيخ الطبرسي رحمه الله: «معناه: وعلى ما أوحينا إليك من صفتها وحالها.[عن أبي مسلم] وقيل: المراد بوحينا [إليك] أن أصنعها» انتهى(2).

أقول: غرضهم أنّ المراد بالوحي هنا الإرشاد والتعليم.وقال الجوهري:

الوحي: الكتاب.والوحي أيضا: الإشارة، والكتابة، والرسالة، والإلهام، والكلام الخفي، وكلّ ما ألقيته إلى غيرك.يُقال: وحيت إليه الكلام وأوحيت، وهو أن تكلّمه بكلام تخفيه.والوحا: السرعة، يمدّ ويقصّر.وتوح يا هذا، أي اسرع.ووحّاه توحية، أي عجّله.والوحي _ على فعيل _ : السريع(3).

وفي القاموس: «الوحي: العجلة، والإسراع، ويمدّ.ووحى وتوحّى: أسرع.ووحّاه توحيةً: عجّله»(4).

إذا تمهّد هذا فنقول: الظاهر أنّه عليه السلام فسّر الوحي هنا بالسرعة، وقد عرفت أنّ الوحي بهذا المعنى بالقصر أو بالمدّ، ويمكن أن يقال: إنّ الوحي _ بالتسكين _ أيضا جاء بهذا المعنى، وإلّا لم يذكره أهل اللغة كما يجيء في سائر تصاريفه بهذا المعنى.

وقيل: يحتمل أن يكون في قراءتهم عليهم السلام : «وحانا» بالقصر، أو يكون المراد أنّ ما أوحاه اللّه وأمره به لا يناسب فيه هذا المعنى التأخير(5)ولا يخفى بُعد كلا التوجيهين، فتأمّل.

(قال: قلت: فأخبرني عن قول اللّه عزّ وجلّ) في سورة هود: «حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا» .

قال البيضاوي:

غاية لقوله: «وَ يَصْنَعُ الْفُلْكَ» وما بينهما حال من الضمير فيه، أو حتّى هي التي يبتدأ بعدها الكلام.

«وَفَارَ التَّنُّورُ» (6).؛ نبع الماء منه، وارتفع كالقدر تفور.والتنوّر: تنوّر الخبز، ابتدأ منه النبوع على خرق العادة، وكان في الكوفة في موضع مسجدها، أو في الهند، أو بعين وردة من أرض الجزيرة.

وقيل: التنوّر: وجه الأرض، أو أشرف موضع فيها(7).

ص: 524


1- اُنظر: الكشّاف، ج 3، ص 30؛ تفسير الرازي، ج 17، ص 223؛ تفسير البيضاوي، ج 4، ص 152
2- مجمع البيان، ج 5، ص 271
3- الصحاح، ج 6، ص 2520 مع التلخيص
4- القاموس المحيط، ج 4، ص 399 (وحي)
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 297
6- .هود (11): 40
7- تفسير البيضاوي، ج 3، ص 234

انتهى كلام البيضاوي.

وقال الرازي في تفسيره: الأكثرون على أنّه التنوّر المعروف.

روي أنّه قيل لنوح: إذا رأيت الماء يفور من التنوّر فاركب ومَن معك السفينة، فلمّا فار الماء من التنوّر أخبرته من امرأته فركب.وقيل: كان هو تنوّر آدم، وكان من حجارة فصار إلى نوح، واختلفوا في مكانه؛ فعن الشعبي في مسجد الكوفة عن يمين الداخل ما يلي باب كندة، وكان نوح عمل السفينة في وسط المسجد.

وقيل: بالشام بموضع يُقال له عين وردة.

وقيل: بالهند.

والقول الثاني أنّ التنوّر وجه الأرض، عن ابن عبّاس.

والثالث: أنّه أشرف موضع في الأرض، أي أعلاه.عن قتادة.

والرابع: فار التنوّر، أي طلع الفجر.عن عليّ عليه السلام .وقيل: إنّ فوران التنوّر عند طلوع الفجر.

والخامس: هو مثل كقولهم حمى الوطيس.

والسادس: أنّه الموضع المنخفض من السفينة التي يسيل الماء إليه.عن الحسن.

والقول الأوّل هو الصواب(1).

(أرسل عليهم المطر؛ يفيض فيضا).

قال الجوهري: «فاض الماء فيضا وفيضوضة: كثر حتّى سال على ضفّة الوادي»(2).

وقال: «الضفّة _ بالكسر _ جانب النهر»(3).

(نضب الماء).

نضب الماء _ كنصر _ نضوبا، أي غار في الأرض، وسَفُلَ.والناضب: البعيد.ومنه قيل للماء إذا ذهب: نصب، أي بَعُد.

(وطافت بالبيت اُسبوعا).

قيل: المراد منه فعل كلّ الأفعال حتّى طواف النساء(4).

ص: 525


1- تفسير الرازي، ج 23، ص 94 مع اختلاف يسير في اللفظ
2- الصحاح، ج 3، ص 1099 (فيض)
3- الصحاح، ج 4، ص 1399 (ضفف)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 398

(ثمّ استوت على الجودي).

قال الجوهري: «استوى على ظهر دابّته، أي استقرّ»(1).

وقال: الجودي جبل بأرض الجزيرة استوت عليه سفينة نوح عليه السلام وقرأ الأعمش: واستوت على الجودى بإرسال الياء، وذلك جائز للتخفيف، أو يكون سمّى بفعل الاُنثى مثل حُطّى، ثمّ أدخل عليه الألف واللّام عن الفرّاء(2).

وقال البيضاوي: «الجودى: جبل بالمَوْصِلْ.وقيل: بالشام.وقيل: بآمل» انتهى(3).

وقيل: هو اسم لكلّ جبل وأرض صلبة(4).

وقيل: هو جبل في نجف أمير المؤمنين عليه السلام (5).ويدلّ على هذا الأخير قوله عليه السلام : (وهو فرات الكوفة).

لعلّ الضمير راجع إلى الجودي، وحمل الفرات عليه باعتبار كونه قريبا منه.

وقيل: يحتمل أن يكون في الأصل قريب الكوفة، فصحّف؛ إذ قد ورد في الأخبار أنّه نجف الكوفة(6).

وقال بعض الشارحين: يحتمل إرجاع الضمير إلى الفرات المذكور سابقا في قوله: (وفاض الفرات فَيْضا) (7).ولا يخفى بُعده.

متن الحديث الواحد والعشرين والأربعمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْأَسَدِيِّ :

عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ : «إِنَّ نُوحا _ صَلَّى اللّه ُ عَلَيْهِ _ لَمَّا فَرَغَ مِنَ السَّفِينَةِ وَكَانَ مِيعَادُهُ فِيمَا

ص: 526


1- الصحاح، ج 6، ص 2385 (سوى)
2- الصحاح، ج 2، ص 461 (جود)
3- تفسير البيضاوي، ج 3، ص 237
4- نقله الطبرسي رحمه الله في مجمع البيان، ج 5، ص 281 عن أبي مسلم
5- نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 398 بعنوان «قيل»
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 298
7- لم نعثر على قائله

بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ فِي إِهْلَاكِ قَوْمِهِ أَنْ يَفُورَ التَّنُّورُ فَفَارَ ، فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ : إِنَّ التَّنُّورَ قَدْ فَارَ ، فَقَامَ إِلَيْهِ فَخَتَمَهُ ، فَقَامَ الْمَاءُ ، وَأَدْخَلَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ ، وَأَخْرَجَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ ، ثُمَّ جَاءَ إِلى خَاتَمِهِ فَنَزَعَهُ ، يَقُولُ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ : «فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونا فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ» (1)قَالَ : «وَكَانَ نَجَرَهَا فِي وَسَطِ مَسْجِدِكُمْ ، وَلَقَدْ نَقَصَ عَنْ ذَرْعِهِ سَبْعُمِائَةِ ذِرَاعٍ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (فقام إليه) أي إلى التنوّر، أو الماء الذي فارَ منه.

(فختمه).

سيأتي في الحديث الآتي أنّه جعل الطبق عليه وختمه بخاتمه.

(فقام الماء) أي مكث واستقرّ، ولم يتعدّ عن حدّ التنوّر.

(وأدخل) في السفينة.

(من أراد أن يدخل).

المستتر في «أراد» عائد إلى نوح عليه السلام ، أو إلى الموصول.وعلى الأوّل يدخل من الإدخال، وعلى الثاني من الدخول، وقس عليه.

قوله: (وأخرج من أراد أن يخرج).

والظاهر أنّ المراد بالإخراج ما يعمّ عدم الإدخال رأسا.

(ثمّ جاء إلى خاتمه) أي بعدما فرغ من أمر السفينة وساكنيه.

(فنزعه) أي فضّه، وكشف الطبق، ففار الماء.

(يقول اللّه عزّ وجلّ) في سورة القمر: «وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونا» : وجعلنا الأرض كلّها كأنّها عيون منفجرة، وأصله وفجّرنا عيون الأرض، فغيّر للمبالغة.

«فَالْتَقَى الْمَاءُ» ؛ ماء السماء وماء الأرض.وقرئ الماءان لاختلاف النوعين، والماوان بقلب الهمزة واوا.

ص: 527


1- . القمر (54): 11 _ 13

«عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ» على حال قدّرها اللّه في الأزل من غير تفاوت، أو على حال قدّرت وسوّيت، وهو أن قدّر ما أنزل من السماء على قدر ما أخرج، أو على أمرٍ قدّره اللّه ، وهو هلاك قوم نوح بالطوفان.

«وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ» : ذات أخشاب عريضة.

«وَدُسُرٍ» ومسامير جمع دسار من الدسر، وهو الدفع الشديد، وهي صفة للسفينة اُقيمت مقامهما من حيث إنّها كالشرح لها يؤدّي مؤدّاها، انتهى.

وقال الفيروزآبادي:

الدسر: الطعن، والدفع، وإصلاح السفينة بالدسار للمسمار، وإدخال الدسار في شيء بقوّة.والدسار: خيط من ليف يشدّ به ألواحها.الجمع: دُسر ودُسُر.والدسر: السفن تدرس الماء بصدورها، الواحدة: دَسراء(1).

قال: (وكان نجرها).

النجر: تحت الخشب، وفعله كنصر.

(في وسط مسجدكم) يعني مسجد الكوفة.

(ولقد نقص عن ذرعه سبعمائة ذراع).

الظاهر عود الضمير المجرور إلى المسجد، وكذا المستتر في «نقص»، والغرض رفع الاستبعاد عن عمل سفينة في المسجد طولها ألف ومائتا ذراع كما سيجيء، أي نقصوا المسجد عمّا كان عليه في زمن نوح سبعمائة ذراع، وفي بعض الأخبار أيضا دلالة على أصل النقص.

متن الحديث الثاني والعشرين والأربعمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «جَاءَتِ امْرَأَةُ نُوحٍ عليه السلام وَهُوَ يَعْمَلُ السَّفِينَةَ ، فَقَالَتْ لَهُ : إِنَّ التَّنُّورَ قَدْ خَرَجَ مِنْهُ مَاءٌ ، فَقَامَ إِلَيْهِ مُسْرِعا حَتّى جَعَلَ الطَّبَقَ عَلَيْهِ وَخَتَمَهُ بِخَاتَمِهِ ، فَقَامَ الْمَاءُ ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ السَّفِينَةِ جَاءَ إِلَى الْخَاتَمِ فَفَضَّهُ ، وَكَشَفَ الطَّبَقَ ، فَفَارَ الْمَاءُ» .

ص: 528


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 29 (دسر) مع التلخيص

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (حتّى جعل الطبق عليه).

قال في القاموس: «الطبق _ محرّكة _ : غطاء كلّ شيء.

والطبق أيضا من كلّ شيء: ما ساواه، والذي يؤكل عليه»(1).

وقال: «الفضّ: الكسر بالتفرقة، وفكّ خاتم الكتاب»(2).

وقال: «فار فورا وفؤورا [بالضمّ] وفورانا: جاش.

والعِرق فَوَرانا: «هاج، ونَبَعَ»(3).

متن الحديث الثالث والعشرين والأربعمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْجُعْفِيِّ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «كَانَتْ شَرِيعَةُ نُوحٍ عليه السلام أَنْ يُعْبَدَ اللّهُ بِالتَّوْحِيدِ وَالْاءِخْلَاصِ وَخَلْعِ الْأَنْدَادِ ، وَهِيَ الْفِطْرَةُ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ، وَأَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَهُ عَلى نُوحٍ وَعَلَى النَّبِيِّينَ عليهم السلام أَنْ يَعْبُدُوا اللّهَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا ، وَأَمَرَ بِالصَّلَاةِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ ، وَلَمْ يَفْرِضْ عَلَيْهِ أَحْكَامَ حُدُودٍ ، وَلَا فَرَضَ (4)مَوَارِيثَ ، فَهذِهِ شَرِيعَتُهُ ، فَلَبِثَ فِيهِمْ نُوحٌ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَا خَمْسِينَ عَاما يَدْعُوهُمْ سِرّا وَعَلَانِيَةً ، فَلَمَّا أَبَوْا وَعَتَوْا قَالَ : رَبِّ إِنِّى مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ، فَأَوْحَى اللّهُ _ جَلَّ وَعَزَّ _ إِلَيْهِ : «أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ» (5)، فَلِذلِكَ قَالَ نُوحٌ عليه السلام : «وَلا يَلِدُوا إِلّا فاجِرا كَفّارا» (6)فَأَوْحَى اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ إِلَيْهِ : «أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ» (7).» .

شرح الحديث

السند مجهول.

وما قيل من أنّه حسن أو موثّق، ففيه نظر.

ص: 529


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 255 (طبق)
2- القاموس المحيط، ج 2، ص 340 (فضض)
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 112 (فود) مع التلخيص
4- . في بعض نسخ الكافي: «فرائض»
5- . هود (11): 36
6- . نوح (71): 27
7- . المؤمنون (23): 27

قوله: (كانت شريعة نوح عليه السلام أن يعبداللّه بالتوحيد) أي الإقرار بوحدانيّته تعالى، ونفي شركة الغير معه في الوجوب الذاتي، وقد يُطلق التوحيد على ما يعمّ سائر الصفات الكماليّة والجلاليّة.

(والإخلاص) هو ترك الرياء في العمل، وقد يحدّ بأنّه تنزيه النيّة والعمل عن أن يكون لغيره تعالى نصيب فيهما.

(وخلع الأنداد).

في القاموس: «الخلع _ كالمنع _ : النزع إلّا أنّ في الخلع مهلة»(1).

والأنداد: جمع ندّ _ بالكسر _ وهو المثل.

وقيل: الندّ: المثل المنادى، أي المضادّ والمعادي، من ندّ ندودا: إذا نفر.وناددتُ الرجل:

خالفته، خصّ بالمخالف المماثل في الذات، كما خصّ المساوي للمماثل في القدر(2).

(وهي) أي العبادة بالتوحيد وتالييه أو أصل التوحيد، والتأنيث باعتبار الخبر.

(الفطرة التي فطر الناس عليها) إشارة إلى قوله _ عزّ وجلّ _ في سورة الروم: «فِطْرَةَ اللّه ِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا» (3)وأنّ المراد بالفطرة تمكّنهم من إدراك الحقّ وقبولهم له.

وقال بعضهم: هي العهد المأخوذ من آدم وذرّيّته(4). وذهب بعضهم إلى أنّ المراد بها ما سبق في العلم الأزلي من السعادة والشقاوة(5).

وأراد بقوله: (وأخذ اللّه ميثاقه) إلى قوله: (والحلال والحرام) أنّ هذه طريقة مستمرّة وسنّة جارية في جميع الملل والأديان.

(ولم يفرض عليه) أي على نوح (أحكام حدود).

الإضافة بيانيّة، أو لاميّة.ولعلّ المراد بالحدود تأديبات المذنب بما يمنعه وغيره من الذنب، كحدّ الشارب والسارق مثلاً.

(فلمّا أبوا وعتوا).

أبى الشيء يأباه وإباءة: كرهه، وامتنع منه.وعتا عتوّا: استكبر، وجاوز الحدّ.

ص: 530


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 19 (خلع)
2- ذهب إليه الزمخشري في الكشّاف، ج 1، ص 237
3- .الروم (30): 30
4- نقله البيضاوي في تفسيره، ج 4، ص 335 بعنوان «قيل»
5- نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 400 عن البعض

(قال: ربِّ إنّي مغلوب) أي غلبني قومي.

(فانتصر) أي فانتقم لي منهم.

(فأوحى اللّه _ عزّ وجلّ _ إليه: «أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ» ).

كذا في النسخ.وفي سورة هود: «بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ» ، فتأمّل.

الابتئاس: الحزن، والكراهة، والغرض من هذا الكلام إقناطه عليه السلام من إيمان قومه، ونهيه عن الاغتمام بما فعلوه من التكذيب والإيذاء.

متن الحديث الرابع والعشرين والأربعمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ أَبِيهِ ؛ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ جَمِيعا ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْجُعْفِيِّ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ نُوحا عليه السلام لَمَّا غَرَسَ النَّوى مَرَّ عَلَيْهِ قَوْمُهُ ، فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ وَيَسْخَرُونَ ، وَيَقُولُونَ : قَدْ قَعَدَ غَرَّاسا ، حَتّى إِذَا طَالَ النَّخْلُ _ وَكَانَ جَبَّارا طُوَالًا _ قَطَعَهُ ثُمَّ نَحَتَهُ ، فَقَالُوا : قَدْ قَعَدَ نَجَّارا ، ثُمَّ أَلَّفَهُ فَجَعَلَهُ سَفِينَةً ، فَمَرُّوا عَلَيْهِ فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ وَيَسْخَرُونَ ، وَيَقُولُونَ : قَدْ قَعَدَ مَلَاحا فِي فَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ، حَتّى فَرَغَ مِنْهَا» .

شرح الحديث

السند مجهول؛ لاشتراك إسماعيل.

قوله: (لمّا غرس النوى).

الغرس: إنبات الشجر في الأرض، وفعله كضرب.

والنوى، جمع نواة: التمر.ونسبة الغرس إليها باعتبار ما يؤول إليه.

وقعد بمعنى صار.

قال الفيروزآبادي: «حدّد شفرته حتّى قعدت كأنّها حربة، أي صارت، وثوبك لا تقعد تطير به الريح؛ أي لا تصير الريح طائرة به»(1).

ص: 531


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 329 (قعد)

وقال: «الجبّار: العظيم القوي الطويل، والنخلة الطويلة الفتيّة، ويضمّ»(1).

وقال: «طال طولاً _ بالضمّ _ : امتدّ، فهو طويل.وطُوال _ كغُراب _ وهي بهاء الجمع طوال، بالكسر وكرمّان: المفرط الطول»(2).

وقوله: (قعد ملّاحا في فلاة) أي مفازة لا ماء فيها.

(من الأرض).

قيل: الظاهر أنّهم لم يعرفوا قبل ذلك ملّاحا، ولم يروا سفينة جرت على الماء، فكأنّهم علموا ذلك بإخبار نوح عليه السلام [عنه] حين أراد نجر السفينة(3).

متن الحديث الخامس والعشرين والأربعمائة

اشارة

عَلِيٌّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ الثَّوْرِيِّ :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «كَانَ طُولُ سَفِينَةِ نُوحٍ عليه السلام أَلْفَ ذِرَاعٍ وَمِائَتَيْ ذِرَاعٍ، وَعَرْضُهَا ثَمَانُمِائَةِ ذِرَاعٍ ، وَطُولُهَا فِي السَّمَاءِ ثَمَانِينَ ذِرَاعا (4)، وَسَعَتْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، وَطَافَتْ بِالْبَيْتِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ ، ثُمَّ اسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (وسعت) من السعي.

(بين الصفا والمروة، وطافت بالبيت سبعة أشواط).

قيل: الظاهر أنّ «سبعة أشواط» متعلّق بالسّعي والطواف على سبيل التنازع، والواو لا يدلّ على الترتيب، فلا ينافي تأخّر السّعي عن طواف الزيارة.ويمكن أن يُراد بالطواف طواف النساء؛ فإنّه متأخّر عن السّعي لطواف الزيارة(5).

قال بعض الأفاضل: «لا ينافي عظم السفينة سعيها بين الصفا والمروة؛ لما سيأتي من

ص: 532


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 384 (جبر)
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 9 (طول) مع التلخيص
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 400
4- . في أكثر نسخ الكافي: - «ذراعا»
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 400 مع اختلاف يسير في اللفظ

ارتفاع الماء عن الجبلين».

قال: «ويحتمل أن يكون سعيها بحذائهما بأن لا يدخل بينهما، أو بأن يدخل مؤربا من أحد جانبي [أحد] الجبلين، ويخرج من الجانب الآخر [من الجبل الآخر]» (1).

متن الحديث السادس والعشرين والأربعمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللّهِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْجُعْفِيِّ وَعَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو وَعَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ أَبِي الدَّيْلَمِ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «حَمَلَ نُوحٌ عليه السلام فِي السَّفِينَةِ الْأَزْوَاجَ الثَّمَانِيَةَ الَّتِي قَالَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ : «ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ [..] وَمِنَ الْاءِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ» (2)فَكَانَ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ : زَوْجٌ دَاجِنَةٌ يُرَبِّيهَا النَّاسُ ، وَالزَّوْجُ الْاخَرُ الضَّأْنُ الَّتِي تَكُونُ فِي الْجِبَالِ الْوَحْشِيَّةُ أُحِلَّ لَهُمْ صَيْدُهَا ؛ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ : زَوْجٌ دَاجِنَةٌ يُرَبِّيهَا (3)النَّاسُ ، وَالزَّوْجُ الْاخَرُ الظَّبْيُ الَّتِي تَكُونُ فِي الْمَفَاوِزِ ؛ وَمِنَ الْاءِبِلِ اثْنَيْنِ : الْبَخَاتِيُّ (4)وَالْعِرَابُ ؛ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ : زَوْجٌ دَاجِنَةٌ لِلنَّاسِ ، وَالزَّوْجُ الْاخَرُ الْبَقَرُ الْوَحْشِيَّةُ ، وَكُلُّ طَيْرٍ طَيِّبٍ وَحْشِيٍّ أَوْ إِنْسِيٍّ ، ثُمَّ غَرِقَتِ الْأَرْضُ» .

شرح الحديث

السند ضعيف، والظاهر أنّ محمّد بن أبي عبداللّه محمّد بن جعفر بن محمّد بن عون الأسدي الثقة.

قوله: (قال: حمل نوح عليه السلام في السفينة الأزواج الثمانية التي قال اللّه عزّ وجلّ) في سورة الأنعام: «وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ» إلى قوله: «وَمِنْ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللّه ُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ» (5).

«ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ» .

قال البيضاوي:

هو بدل من «حَمُولَةً» و «فَرْشا» ، [أو مفعول] «كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللّه ُ» .و «لَا

ص: 533


1- . القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 302
2- . الأنعام (6): 143 و 144
3- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «تربّيها»
4- . في بعض نسخ الكافي: «النجاتي»
5- .الأنعام (6): 141 _ 142

تَتَّبِعُوا» معترض بينهم، أو فعل دلَّ عليه، أو حال ممّا والزوج ما معه آخر من جنسه يزاوجه، وقد يُقال لمجموعهما، والمراد الأوّل.

«مِنْ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ» ؛ زوجين اثنين: الكبش والنعجة، وهو بدل من «ثَمَانِيَةَ» .

«وَمِنْ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ» أي التيس والعنز.

«قُلْ أَالذَّكَرَيْنِ» ذكر الضأن وذكر المعز.

«حَرَّمَ أَمْ الْأُنْثَيَيْنِ» أم انثييهما، ونصب الذكرين والانثيين بحرّم.

«أَمَّا اشْتَمَلَتْ» أرحام الانثيين، أو ما حملت إناث الجنسين ذكرا كان أو اُنثى.

«نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ» بأمر معلوم يدلّ على أنّه حرّم شيئا من ذلك.

«إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ» في دعوى التحريم عليه.

«وَمِنْ الْاءِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنْ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ أَالذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمْ الْأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنثَيَيْنِ» (1). كما سبق، والمعنى إنكار أنّ اللّه حرّم من الأجناس الأربعة، ذكرا أو اُنثى، أو ما تحمل إناثها ردّا عليهم؛ فإنّهم كانوا يحرّمون ذكور الأنعام تارةً وذكور الإناث تارةً، وأولادها كيف كانت تارةً زاعمين أنّ اللّه حرّمها، انتهى(2).

(وكان من الضأن اثنين زوج واُخته).

المراد بالزوج هنا خلاف الفرد، ويقال للاثنين: هما زوجان وهما زوج.

والداجنة: الأهليّة، وهي خلاف الوحشيّة.

قال في النهاية: «الداجن: الشاة التي يعلفها الناس في منازلهم؛ يُقال: شاة داجنه»(3).

وقال الجوهري: «دجن بالمكان دجونا: أقام به.ابن السكّيت: شاة داجن: إذا ألفت البيوت واستأنست.قال: ومن العرب من يقولها بالهاء، وكذلك غير الشاة» انتهى(4).

والظباء: جمع الظبي، وهو معروف.والظاهر أنّ المراد بها هنا المعز الوحشيّة بقرينة قَرْينيه.

وقال الفيروزآبادي: «وهي البخت _ بالضمّ _ : الإبل الخراسانيّة، كالبختيّة.الجمع بخاتي وبخاتي وبخات»(5).

ص: 534


1- الأنعام (6): 144
2- تفسير البيضاوي، ج 2، ص 459 مع التلخيص واختلاف في اللفظ
3- النهاية، ج 2، ص 102 (دجن)
4- الصحاح، ج 2، ص 102 (دجن)
5- القاموس المحيط، ج 1، ص 142 (بخت) مع اختلاف في اللفظ

وقال الجوهري: البخت من الإبل معرّب، وبعضهم يقول: عربيّ، الواحد: بختي، والاُنثى: بختيّة، وجمعه: بخاتي، غير مصروف؛ لأنّه بزنة جمع الجمع، ولك أن تخفّف الياء فتقول: البخاتي(1).

وقال: «الإبل العراب والخيل العراب خلاف البخاتي والبراذين»(2).

وفي القاموس: «الإنس: البشر.والاُنس _ بالضمّ، وبالتحريك _ والاُنسة محرّكة: ضدّ الوحشة»(3). إذا عرفت هذا فنقول: اختلف القرّاء في قراءة قوله تعالى في سورة هود: «قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا» (4)في السفينة من كلّ نوع من الحيوانات المنتفع بها زوجين اثنين ذكرا أو اُنثى، وحمل القراءة الثانية معناه اثنين من كلّ زوجين من كلّ صنف ذكر وصنف اُنثى، ولا يذهب عليك أنّ تفسيره عليه السلام على القراءتين جميعا من غير ارتكاب تكلّف.

متن الحديث السابع والعشرين والأربعمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي يَزِيدَ ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «ارْتَفَعَ الْمَاءُ عَلى كُلِّ جَبَلٍ وَعَلى كُلِّ سَهْلٍ خَمْسَةَ عَشَرَ ذِرَاعا» .

شرح الحديث

السند مرسل.

قوله: (ارتفع الماء على كلّ جبل وعلى كلّ سهل خمسة عشر ذراعا)؛ يعني في طوفان نوح عليه السلام .

والظاهر أنّ المراد بالذراع ذراع المحدثين، وأنّ ارتفاع الماء عن أرفع الجبال هذا المقدار، ثمّ يزيد الارتفاع بحسب انخفاض المواضع.

والحاصل أنّ ارتفاع هذا المقدار بعدما استوى على الجميع وخفي فيه كلّ سهل وجبل، وما قيل: إنّه يحتمل أن يكون المراد أنّه ارتفع الماء عن كلّ مرتفع ومنخفض خمسة عشر

ص: 535


1- الصحاح، ج 1، ص 243 (بخت) مع التلخيص
2- الصحاح، ج 1، ص 179 (عرب)
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 198 (أنس)
4- هود (11): 40

ذراعا، بأن يكون سطح الماء كسطح الأرض في عدم الاستواء، (1).

ففيه أنّه يلزم حينئذٍ تفاوت سطح الماء في الارتفاع والانخفاض تفاوتا فاحشا مستبعد طبعا وعادةً مانعا من جري السفينة على سطحه إلّا على خرق العادة.

متن الحديث الثامن والعشرين والأربعمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «عَاشَ نُوحٌ عليه السلام أَلْفَيْ سَنَةٍ وَثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ ، مِنْهَا ثَمَانُمِائَةٍ (2)وَخَمْسُونَ (3)سَنَةً قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ ، وَأَلْفُ سَنَةٍ إِلَا خَمْسِينَ عَاما وَهُوَ فِي قَوْمِهِ يَدْعُوهُمْ ، وَخَمْسُمِائَةِ عَامٍ بَعْدَ مَا نَزَلَ مِنَ السَّفِينَةِ ، وَنَضَبَ الْمَاءُ، فَمَصَّرَ الْأَمْصَارَ ، وَأَسْكَنَ وُلْدَهُ الْبُلْدَانَ .

ثُمَّ إِنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ جَاءَهُ وَهُوَ فِي الشَّمْسِ ، فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكَ ، فَرَدَّ عَلَيْهِ نُوحٌ عليه السلام ، قَالَ (4): مَا جَاءَ بِكَ يَا مَلَكَ الْمَوْتِ؟ قَالَ : جِئْتُكَ لِأَقْبِضَ رُوحَكَ ، قَالَ : دَعْنِي أَدْخُلْ مِنَ الشَّمْسِ إِلَى الظِّلِّ ، فَقَالَ لَهُ : نَعَمْ ، فَتَحَوَّلَ ، ثُمَّ قَالَ : يَا مَلَكَ الْمَوْتِ ، كُلُّ مَا مَرَّ بِي مِنَ الدُّنْيَا مِثْلُ تَحْوِيلِي (5)مِنَ الشَّمْسِ إِلَى الظِّلِّ ، فَامْضِ لِمَا أُمِرْتَ بِهِ ، فَقَبَضَ رُوحَهُ عليه السلام » .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (وألف سنة إلّا خمسين عاما).

قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى: «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَا خَمْسِينَ عَاما» : (6).

لعلّ اختيار هذه العبارة للدلالة على كمال العدد؛ فإنّ تسعمائة وخمسين قد يطلق على ما يقرب منه ولما ذكر في الألف من تخييل طول المدّة إلى السامع؛ فإنّ المقصود من القصّة تسلية رسول اللّه صلى الله عليه و آله وتثبيته على ما يكابد من الكفرة،

ص: 536


1- . قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 303 مع اختلاف في اللفظ
2- . في كثير من نسخ الكافي: + «سنة»
3- . في الطبعة القديمة: «وخمسين»
4- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «فقال»
5- . في بعض نسخ الكافي: «تحوّلي»
6- .العنكبوت (29): 14

واختلاف المميّزين لما في التكرير من البشاعة(1).

(فمصّر الأمصار).

في القاموس: «المصر _ بالكسر _ : الحاجز بين الشيئين، والحدّ بين الأرضين والكورة.

ومصّروا المكان تمصيرا: جعلوه مصرا»(2).

(مثل تحويلي من الشمى إلى الظلّ).

قال بعض الشارحين:

المماثلة في القلّة والنقصان وعدم الاعتداد به، وهذا من باب المبالغة في التعبير عن التعلّق بالرذائل، أو باعتبار أنّ الزيادة والنقصان في الماضي أمرٌ وهمي اعتباري، وفيه زجر لكلّ أحد عن التمسّك بالدّنيا وإن رجا طول العمر فكيف مع قصره، انتهى(3).

واعلم أنّه اختلف الأخبار وأقوال أهل السِّير والمفسّرين في مدّة عمر نوح عليه السلام ، وأنّه في كم بعث، وكم عاش بعد الطوفان، مع اتّفاق الكلّ في أنّه لبث في قومه ألف سنة إلّا خمسين عاما _ كما نطق به الكتاب العزيز (4) _ ففي بعض أخبارنا ما عرفت، وفي بعضها أنّه عاش ألفي سنة وخمسمائة سنة(5).

وروى الصدوق رحمه الله في الحسن بإسناده عن هشام بن سالم عن الصادق عليه السلام قال: «عاش نوح ألفي سنة، وخمسمائة سنة، منها ثمانمائة سنة وخمسون سنة قبل أن يبعث، وألف سنة إلّا خمسين عاما وهو في قومه يدعوهم، ومائتا سنة في عمل السفينة، وخمسمائة عام بعدما نزل من السفينة» (6)وساق الخبر نحو ما مرّ في الكتاب.

وقال بعض الأفاضل: لعلّه سقط بعض فقرات تلك الرواية من خبر الكتاب، واللّه أعلم(7).

ورواه أيضا في الصحيح بإسناده عن عليّ بن الحكم(8).

ص: 537


1- تفسير البيضاوي، ج 4، ص 310
2- القاموس المحيط، ج 2، ص 134 (مصر) مع التلخيص
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 401
4- العنكبوت (29): 14
5- الأمالي للصدوق، ص 602، المجلس 77، ح 836؛ علل الشرائع، ج 1، ص 32، ح 1
6- . الأمالي للصدوق، ص 602، المجلس 77، ح 836
7- ذهب إليه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 303
8- كمال الدين، ص 523، ح 1

وروى أيضا عن أبيه، بإسناده عن عليّ بن الحكم، عن بعض أصحابنا مثله.وروى عن عليّ بن أحمد، عن محمّد بن جعفر الأسدي، عن سهل بن زياد، عن عبد الظيم بن عبد اللّه الحسني، قال: سمعت عليّ بن محمّد العسكري عليه السلام يقول: «عاش نوح عليه السلام ألفين وخمسمائة سنة»(1).

وروى في الصحيح عن محمّد بن يوسف، عن الصادق عليه السلام ، عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال: «عاش نوح ألفي سنة وأربعمائة سنة وخمسين سنة»(2).

وقال بعض أهل السّير: ولد نوح عليه السلام بعد وفاة آدم عليه السلام بستّة وعشرين ومائة سنة، وبعث وله مائة وخمسون سنة.وقال بعضهم: مائتان وخمسون سنة.وبعضهم: ثلاثمائة وخمسون سنة.وعاش بعد الطوفان مائتين وخمسين، أو ثلاثمائة وخمسين سنة.وقيل: بُعث وله أربعمائة وخمسون سنة، وعاش بعد هلاك قومه خمسين سنة(3).

وقال البيضاوي: «روي أنّه بعث على رأس أربعين، ودعا قومه تسعمائة وخمسين، وعاش بعد الطوفان ستّين سنة»(4).

متن الحديث التاسع والعشرين والأربعمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللّهِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ وَعَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو وَعَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ أَبِي الدَّيْلَمِ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «عَاشَ نُوحٌ عليه السلام بَعْدَ الطُّوفَانِ (5)خَمْسَمِائَةِ سَنَةٍ (6)، ثُمَّ أَتَاهُ جَبْرَئِيلُ عليه السلام ، فَقَالَ : يَا نُوحُ (7)، قَدِ انْقَضَتْ نُبُوَّتُكَ (8). ، وَاسْتَكْمَلْتَ أَيَّامَكَ ، فَانْظُرْ إِلَى الِاسْمِ الْأَكْبَرِ وَمِيرَاثِ الْعِلْمِ وَآثَارِ عِلْمِ النُّبُوَّةِ الَّتِي مَعَكَ ، فَادْفَعْهَا إِلى ابْنِكَ سَامٍ ، فَإِنِّي لَا أَتْرُكُ الْأَرْضَ إِلَا وَفِيهَا عَالِمٌ تُعْرَفُ بِهِ طَاعَتِي ، وَيُعْرَفُ بِهِ هَوَايَ (9)، وَيَكُونُ نَجَاةً فِيمَا بَيْنَ مَقْبِضِ النَّبِيِّ وَمَبْعَثِ النَّبِيِّ الْاخَرِ ، وَلَمْ أَكُنْ أَتْرُكُ

ص: 538


1- علل الشرائع، ج 1، ص 32، ح 1
2- كمال الدين، ص 523، ح 3
3- اُنظر في الأقوال: تاريخ الطبري، ج 1، ص 118 _ 133؛ الكامل في التاريخ، ج 1، ص 67 _ 77
4- تفسير البيضاوي، ج 4، ص 310 مع اختلاف يسير في اللفظ
5- . في كثير من نسخ الكافي: - «بعد الطوفان»
6- . في بعض نسخ الكافي: «عام»
7- . في الطبعة القديمة والوافي: «إنّه»
8- في بعض نسخ الكافي: «نوبتك».وفي بعضها: «توبتك»
9- في كلتا الطبعتين: «هداي»

النَّاسَ بِغَيْرِ حُجَّةٍ لِي وَدَاعٍ إِلَيَّ وَهَادٍ إِلى سَبِيلِي وَعَارِفٍ بِأَمْرِي ، فَإِنِّي قَدْ قَضَيْتُ أَنْ أَجْعَلَ لِكُلِّ قَوْمٍ هَادِيا أَهْدِي بِهِ السُّعَدَاءَ ، وَيَكُونُ حُجَّةً لِي عَلَى الْأَشْقِيَاءِ» .

قَالَ : «فَدَفَعَ نُوحٌ عليه السلام الِاسْمَ الْأَكْبَرَ وَمِيرَاثَ الْعِلْمِ وَآثَارَ عِلْمِ النُّبُوَّةِ إِلى سَامٍ ، وَأَمَّا حَامٌ وَيَافِثُ ، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمَا عِلْمٌ يَنْتَفِعَانِ بِهِ» .

قَالَ : «وَبَشَّرَهُمْ نُوحٌ بِهُودٍ عليه السلام ، وَأَمَرَهُمْ بِاتِّبَاعِهِ ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَفْتَحُوا الْوَصِيَّةَ فِي كُلِّ عَامٍ ، وَيَنْظُرُوا فِيهَا ، وَيَكُونُ عِيدا لَهُمْ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (ويعرف به هواي) أي ما أهواه وأحبّه.

وفي بعض النسخ: «هداي».

متن الحديث الثلاثين والأربعمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْعَبَّاسِ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : إِنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَفْتَرُونَ وَيَقْذِفُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ .

فَقَالَ (1): «الْكَفُّ عَنْهُمْ أَجْمَلُ» ثُمَّ قَالَ : «وَاللّهِ يَا أَبَا حَمْزَةَ ، إِنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ أَوْلَادُ بَغَايَا مَا خَلَا شِيعَتَنَا» .

قُلْتُ : كَيْفَ لِي بِالْمَخْرَجِ مِنْ هذَا؟

فَقَالَ لِي : «يَا أَبَا حَمْزَةَ ، كِتَابُ اللّهِ الْمُنْزَلُ يَدُلُّ عَلَيْهِ ، إِنَّ اللّهَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ جَعَلَ لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ سِهَاما ثَلَاثَةً فِي جَمِيعِ الْفَيْءِ ، ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : «وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ» (2)فَنَحْنُ أَصْحَابُ الْخُمُسِ وَالْفَيْءِ ، وَقَدْ حَرَّمْنَاهُ عَلى جَمِيعِ النَّاسِ مَا خَلَا شِيعَتَنَا ، وَاللّهِ يَا أَبَا حَمْزَةَ ، مَا مِنْ أَرْضٍ تُفْتَحُ وَلَا خُمُسٍ يُخْمَسُ فَيُضْرَبُ عَلى شَيْءٍ مِنْهُ إِلَا كَانَ حَرَاما عَلى مَنْ يُصِيبُهُ، فَرْجا كَانَ أَوْ مَالًا ، وَلَوْ قَدْ ظَهَرَ

ص: 539


1- . في كلتا الطبعتين: + «لي»
2- . الأنفال (8): 41

الْحَقُّ لَقَدْ بِيعَ الرَّجُلُ الْكَرِيمَةُ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِيمَنْ لَا يُرِيدُ (1)حَتّى أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ لَيَفْتَدِي بِجَمِيعِ مَالِهِ ، وَيَطْلُبُ النَّجَاةَ لِنَفْسِهِ ، فَلَا يَصِلُ إِلى شَيْءٍ مِنْ ذلِكَ ، وَقَدْ أَخْرَجُونَا وَشِيعَتَنَا مِنْ حَقِّنَا ذلِكَ بِلَا عُذْرٍ وَلَا حَقٍّ وَلَا حُجَّةٍ» .

قُلْتُ : قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : «هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ» (2)؟

قَالَ : «إِمَّا مَوْتٌ فِي طَاعَةِ اللّهِ ، أَوْ إِدْرَاكُ ظُهُورِ إِمَامٍ ، وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِهِمْ مَعَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنَ الشِّدَّةِ أَنْ يُصِيبَهُمُ اللّهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ : هُوَ الْمَسْخُ، أَوْ بِأَيْدِينَا وَهُوَ الْقَتْلُ ، قَالَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله : قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ .وَالتَّرَبُّصُ انْتِظَارُ وُقُوعِ الْبَلَاءِ بِأَعْدَائِهِمْ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (إنّ بعض أصحابنا) يعني من المخالفين.

(يفترون) يُقال: افترى كذبا: إذا اختلقه.والاسم: الفرية، وما قيل في معناه، أي يلومونهم أو يقطعونهم قطعة قطعة بنسبة القبائح إليهم بالهجو ونحوه، من فَري فلانا كرضي: إذا لامه، أو من فراه يفريه: إذا شقّه وقطعه على جهة الإفساد (3)، فبعيد غاية البُعد؛ لأنّ اشتقاق الافتراء من الفري بهذين المعنيين لم يعهد في كلامهم.

(ويقذفون) أي يرومونهم وينسبونهم بالزنيّة؛ يُقال: قذف المحصنة _ كضرب _ : إذا رماها بزنية.

وقوله: (من خالفهم) مفعول الفعلين على سبيل التنازع.

(فقال: الكفّ عنهم أجمل) أي أحسن وأولى للتقيّة.

(ثمّ قال: [واللّه ] يا أبا حمزة، إنّ الناس) أي المخالفين من العامّة أو مطلقا، والأوّل أظهر.

(كلّهم أولاد بغايا).

قال الجوهري: «بغت المرأة بِغاء _ بالكسر والمدّ _ أي زنت، فهي بغيّ، والجمع: بغايا.

والأمَة يُقال لها بغي، وجمعها: البغايا»(4).

ص: 540


1- . في كلتا الطبعتين: «لا يزيد» بالزاء المعجمة
2- . التوبة (9): 52
3- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 402
4- الصحاح، ج 6، ص 2282 (بغي) مع التلخيص

وقوله عليه السلام : (ما خلا شيعتنا) استثناء منقطع، ويحتمل الاتّصال.

(قلت: كيف لي بالمخرج من هذا) أي ما الدليل على ذلك حتّى أستدلّ به، وأحتجّ على مَن أنكره.

(جعل لنا أهل البيت سهاما ثلاثة) وهي سهم اللّه وسهم الرسول وسهم ذوي القربى.

(في جميع الفي ).

الفيء: الخراج، والغنيمة.

(ثمّ قال عزّ وجلّ) في سورة الأنفال: «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ» .

قال البيضاوي: أي الذي أخذتموه من الكفّار قهرا.

«مِنْ شَيْءٍ» ممّا يقع عليه اسم الشيء حتّى الخيط.

«فَأَنَّ للّه ِ خُمُسَهُ» مبتدأ خبره محذوف، أي فثابت أنّ للّه خمسه.وقرئ: «فإن» بالكسر، والجمهور إن ذكر اللّه للتعظيم كما في قوله: «وَاللّه ُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ» (1)وأنّ المراد قسّم الخمس على الخمسة المعطوفين.

«وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ» (2). ؛ فكأنّه قال: فإنّ للّه خمسه يُصرف على هؤلاء الأخصّين(3).

(ولا خمس يخمس) بصيغة المجهول، أي يؤخذ.

قال الفيروزآبادي: «خمّستهم اُخمّسهم _ بالضمّ _ : أخذت خمس أموالهم»(4).

(فيُضرَبُ على شيء منه).

قيل: معناه فيمسك، من قولهم ضرب على يده: إذا أمسك، (5)أو فيمنع شيء من أهله.

وفي القاموس: «وضربنا على آذانهم: منعناهم أن يسمعوا»(6).

وقيل: يحتمل أن يكون من قولهم: ضربت عليهم خراجا: إذا جعلته وظيفة؛ أي ضرب خراج على شيء من هذه المأخوذات من الأرضين سواء أخذوها على وجه الخمس أو

ص: 541


1- .التوبة (9): 62
2- .الأنفال (8): 41
3- تفسير البيضاوي، ج 3، ص 108
4- القاموس المحيط، ج 2، ص 211 (خمس)
5- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 403
6- القاموس المحيط، ج 1، ص 96 (ضرب)

غيره.أو من قولهم: ضرب بالقداح: إذا ساهم بها وأخرجها، فيكون كناية عن القسمة، أي قسّم شيء من الخمس بين جماعة، وهو عليهم حرام(1).

(ولو قد ظهر الحقّ) أي دولة الحقّ.

(لقد بيع الرجل الكريمة) أي العزيزة المكرّمة.

(عليه نفسه).

الظاهر أنّ «بيع» على البناء للمفعول من المجرّد، و«الرجل» مرفوع به، و«نفسه» مبتدأ، و«الكريمة» خبره، والجملة صفة الرجل.

وكلمة «في» في قوله: (فيمن لا يريد) مرادفة الباء.ولا «يريد» بالراء المهملة، والمستتر فيه للموصول أو للرجل.

وفي بعض النسخ بالزاء المعجمة، أي يبيع الإمام، أو من يأذن له الرجل المخالف الذي يولّف من مال الخمس والفيء مع كونه عزيزا شريفا عند نفسه بمن لا يريد شراءه؛ لكثرة أمثاله، أو لهواته وحقارته عند المشتري، أو لا يزيد أحد على ثمنه لما ذكر هذا على تقدير إرجاع ضمير «لا يزيد» إلى الموصول.

وعلى تقدير إرجاعه إلى الرجل معناه: أنّ ذلك الرجل لا يريد أن يباع بذلك المشتري؛ لاستنكافه منه.

وقال الفاضل الإسترآبادي:

المراد أنّ ما يؤخذ باسم الخراج أو المقاسمة أو الخمس أو الضريبة حرام على آخذيه، ولو قد ظهر الحقّ لباع الرجل نفسه العزيزة عليه فيمن لا يريد _ بالراء بدون نقطة _ وفي ذكر «لا» هنا مبالغة لطيفة.وفي اختيار لفظ «بيع» من باب التفعيل على باع مبالغة اُخرى لطيفة، انتهى(2).

ويظهر من كلامه أنّه قرأ «الكريمة» بالنصب على أنّه مفعول «بيع»، وجعل «نفسه» بدلاً من «الكريمة»، أو عطف بيان له.

والأظهر ما ذكرناه، واللّه أعلم.

(حتّى أنّ الرجل منهم) أي من المخالفين.

ص: 542


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 306 مع اختلاف يسير في اللفظ
2- نقل عنه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 306 و 307

(ليفتدى بجميع ماله).

في القاموس: «فداه يفديه فدا وفداءً _ ويفتح _ وافتدى به وفاداه: أعطى شيئا فأنقذه»(1).

(قلت: قوله عزّ وجلّ) في سورة براءة: «قُلْ هَلْ تَتَربَّصُونَ بِنَا» .

في المصباح: «تربّصت الأمر بفلان: توقّعت نزوله به»(2).

وقال البيضاوي:

أي هل تنتظرون بنا.

«إِلَا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ» إلّا إحدى العاقبتين اللّتين كلّ منهما حسنى العواقب النصرة والشهادة.

«وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ» أيضا إحدى السوأيين «أَنْ يُصِيبَكُمْ اللّه ُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ» بقارعة من السماء «أَوْ بِأَيْدِينَا» أو بعذاب بأيدينا، وهو القتل على الكفر.

«فَتَرَبَّصُوا» ما هو عاقبتنا «إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ» ما هو عاقبتكم، انتهى(3).

وفسّر الحسنين بقوله: (إمّا موتٌ في طاعة اللّه ) بيد المخالفين، أو بالأجل الموعود.

(أو إدراك ظهور إمام).

ولعلّ بناء هذا التفسير واختصاصه بالشيعة أنّ نظير مورد الآية وشبيهه جارٍ في الشيعة، وما يرد عليهم من الشدائد بسبب المخالفين.أو محمول على أنّ ظاهر الآية متوجّه على هؤلاء وباطنها على الشيعة في زمن عدم استيلاء الحقّ وظهور دولته؛ فإنّهم حينئذٍ أيضا بين إحدى الحسنين.وقس عليه قوله عليه السلام : (ونحن نتربّص بهم مع ما نحن فيه من الشدّة).

متن الحديث الواحد والثلاثين والأربعمائة

اشارة

وَبِهذَا الْاءِسْنَادِ :عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِهِ (4)عَزَّ وَجَلَّ : «قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ إِنْ هُوَ إِلّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ» (5)

قَالَ (6): «أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام » «وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ» (7)قَالَ : «عِنْدَ خُرُوجِ

ص: 543


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 373 (فدي)
2- المصباح المنير، ص 215 (ربص)
3- تفسير البيضاوي، ج 3، ص 150
4- . في بعض نسخ الكافي: «قوله اللّه »
5- . ص (38): 86 و 87
6- . في كلتا الطبعتين: + «هو»
7- . ص (38): 88

الْقَائِمِ عليه السلام » .

وَفِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ» (1)قَالَ : «اخْتَلَفُوا كَمَا اخْتَلَفَتْ هذِهِ الْأُمَّةُ فِي الْكِتَابِ ، وَسَيَخْتَلِفُونَ فِي الْكِتَابِ الَّذِي مَعَ الْقَائِمِ الَّذِي يَأْتِيهِمْ بِهِ حَتّى يُنْكِرُهُ نَاسٌ كَثِيرٌ ، فَيُقَدِّمُهُمْ، فَيَضْرِبُ أَعْنَاقَهُمْ» .

وَأَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : «وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» (2)قَالَ : «لَوْ لَا مَا تَقَدَّمَ فِيهِمْ مِنَ اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ مَا أَبْقَى الْقَائِمُ عليه السلام مِنْهُمْ وَاحِدا» .

وَفِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ» (3)قَالَ : «بِخُرُوجِ الْقَائِمِ عليه السلام ».

وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَاللّهِ رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ» (4)قَالَ : «يَعْنُونَ بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ عليه السلام » .

وَفِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ» (5)قَالَ : «إِذَا قَامَ الْقَائِمُ عليه السلام ، ذَهَبَتْ دَوْلَةُ الْبَاطِلِ» .

شرح الحديث:

قوله تعالى في سورة ص: «قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ» ؛ أي على القرآن أو تبليغ الوحي.

«وَمَا أَنَا مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ» أي المتّصفين بما ليسوا من أهله على ما عرفتم من حالي، فأنتحل النبوّة وأتقوّل القرآن.كذا ذكره البيضاوي(6).

وقال الجوهري: «تكلّفت الشيء: تجشّمته.والتكليف: العريض لما لا يعينه»(7).

«إِنْ هُوَ» أي القرآن، أو تبليغ الوحي.

«إِلَا ذِكْرٌ» أي مذكّر وعظة.

«لِلْعَالَمِينَ» .

قال المفسّرون: المراد بالعالمين هنا الثقلان(8).

ص: 544


1- . هود (11): 110؛ فصّلت (41): 45
2- . الشورى (42): 21
3- . المعارج (70): 26
4- . الأنعام (6): 23
5- . الإسراء (17): 81
6- تفسير البيضاوي، ج 5، ص 56
7- الصحاح، ج 4، ص 1424 (كلف)
8- راجع: جامع البيان، ج 23، ص 224؛ الكشّاف، ج 3، ص 385؛ تفسير البيضاوي، ج 5، ص 56

(قال: أمير المؤمنين عليه السلام ).

في بعض النسخ: «هو أمير المؤمنين عليه السلام ».والظاهر أنّه تفسير لمرجع «هو» في الآية، فعلى هذا التفسير يكون معنى قوله تعالى: «وَمَا أَنَا مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ» : إنّي لا أقول في أمير المؤمنين عليه السلام ما لم يوحَ إليّ إلّا هو _ أي أمير المؤمنين عليه السلام _ أو ما نزل فيه من القرآن إلّا ذكرٌ للعالمين.

«وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ» .

قال البيضاوي: «أي نبأ القرآن، وهو ما فيه من الوعد والوعيد أو صدقه بإتيان ذلك»(1).

وأقول: يحتمل أن يُراد نبأ الرسول وصدقه فيما أتى به سيّما في أمير المؤمنين عليه السلام .

«بَعْدَ حِينٍ» .

قال الفيروزآبادي: الحين _ بالكسر _ : الدهر، أو وقت مبهم يصلح لجميع الأزمان _ طال أو قصُر _ يكون سنة و أكثر، أو كلّ غدوة وعشيّة، ويوم القيامة، والمدّة.وقوله تعالى: «فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ» (2). أي حتّى تنقضي المدّة التي أهملوها(3).

وقال البيضاوي: «المراد بالحين هنا يوم القيامة، أو بعد الموت، أو عند ظهور الإسلام، وفيه تهديد»(4).

(قال: عند خروج القائم عليه السلام ).

الظاهر أنّه تفسير حين، أي لتعلمنّ نبأ أمير المؤمنين عليه السلام وصدقه وعلوّ شأنه، أو صدق القرآن فيما نطق بذلك عند ظهور دولة الحقّ.

(وفي قوله عزّ وجلّ) في سورة فصّلت: «وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ» يعني التوراة «فَاخْتُلِفَ فِيهِ» (5).

(كما اختلفت هذه الاُمّة في الكتاب) أي القرآن.

(وأمّا قوله عزّ وجلّ) في سورة الشورى: «وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ» .

ص: 545


1- تفسير البيضاوي، ج 5، ص 56
2- الصافّات (37): 174
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 217 (حين) مع التلخيص
4- اُنظر: تفسير البيضاوي، ج 5، ص 56
5- .فصّلت (41): 45

قال البيضاوي:

أي القضاء السابق بتأجيل الجزاء، أو العدّة، بأنّ الفصل يكون يوم القيامة.

«لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ» بين الكافرين والمؤمنين، أو المشركين وشركائهم.

«وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» .وقرئ: «أنّ» بالفتح عطفا على كلمة «الفصل» أي لولا كلمة الفصل وتقدير عذاب الظالمين في الآخرة لقضي بينهم في الدُّنيا؛ فإنّ العذاب الأليم غالب في عذاب الآخرة، انتهى(1).

(قال عليه السلام ) في تفسيرها: (لولا ما تقدّم فيهم) بأنّه سيجزيهم يوم القيامة، أو يولد منهم مؤمن.

(ما أبقى القائم عليه السلام منهم واحدا) بل قتلهم جميعا.

ولا يبعد أن يُراد بالقائم هنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله والأئمّة عليهم السلام مطلقا، فتأمّل.

وقيل: يحتمل أن يكون «ما أبقى القائم» بيانا لما تقدّم فيهم، أي لولا أن قدّر اللّه أن يكون قتلهم على يد القائم لأهلكهم اللّه وعذّبهم قبل ذلك، ولم يمهلهم، ولا يخفى بُعده(2).

(وفي قوله عزّ وجلّ) في سورة المعارج: «وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ» (3).تصديقا بأعمالهم، وهو أن يتعب نفسه ويصرف ماله طمعا في المثوبة الاُخرويّة، ولذلك ذكر الدِّين.

كذا ذكره البيضاوي(4).

والظاهر أنّ قوله عليه السلام : «بخروج القائم عليه السلام » تفسير ليوم الدِّين؛ فإنّ كثيرا من الآيات الواردة في القيامة الكبرى ظاهرا فسّر في أخبار أهل البيت عليهم السلام باطنا بالرجعة التي هي القيامة الصغرى، ولما كان في زمن القائم عليه السلام يردّ بعض الكفّار والمخالفين والمنافقين، ويجازون ببعض أعمالهم، سمّى تلك الزمان بيوم الدِّين، وقد شاع إطلاق اليوم على مقدار من الزمان وإن كان كثيرا، على أنّه يمكن أن يُراد باليوم هنا يوم رجعتهم.

(وقوله عزّ وجلّ) في سورة الأنعام: «وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمْ» .

قال البيضاوي: أي آلهتكم التي جعلتموها شركاء اللّه .

ص: 546


1- تفسير البيضاوي، ج 5، ص 127
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 309
3- .المعارج (70): 26
4- تفسير البيضاوي، ج 5، ص 390

«الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ» أنّهم شركاء (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ» أي كفرهم، والمراد عاقبته.

وقيل: معذرتهم التي يتوهّمون أن يتخلّصوا بها من فتنة الذهب إذا خلصته.

وقيل جوابهم: وإنّما سمّاه فتنة؛ لأنّه كذب، أو لأنّهم قصدوا به الخلاص.

«إِلَا أَنْ قَالُوا وَاللّه ِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ» (1)يكذبون ويحلفون مع علمهم بأنّه لا ينفع من فرط الحيرة والدهشة، كما يقولون: «رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا» وقد أيقنوا بالخلود.

وقيل: معناه: ما كنّا مشركين عند أنفسنا، وهو لا يوافق قوله: «انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ» (2)أي بنفي الشرك عنها، وحمله على كذبهم في الدُّنيا تعسّف يخلّ بالنظم، ونظير ذلك قوله: «يَوْمَ يَبْعَثُهُمْ اللّه ُ جَمِيعا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ» (3).وقرأ حمزة والكسائي: «ربّنا» بالنصب على النداء، أو المدح «وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ» من الشركاء.انتهى كلام البيضاوي(4)

قال عليه السلام في تفسير قوله: «مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ» : (يعنون) أي يقصون بهذا القول ما كنّا مشركين.

(بولاية عليّ عليه السلام ).

ويظهر منه أنّ المراد بالشركاء في قوله تعالى: «أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمْ» حلفاء الباطل، أو المعنى العامّ الشامل لهم ولغيرهم ممّا عبد من دون اللّه .

(وفي قوله عزّ وجلّ) في سورة الإسراء: «قُلْ جَاءَ الْحَقُّ» .

قال البيضاوي:

أي الإسلام.«وَزَهَقَ الْبَاطِلُ) ذهب وهلك الشرك، من زهق روحه: إذا خرج.«إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقا» (5). مضمحلّاً غير ثابت، انتهى(6).

وفسّر عليه السلام الحقّ بقيام القائم عليه السلام ، والباطل بذلّة الباطل.

(قال: إذا قام القائم عليه السلام ذهبت دولة الباطل).

فعلى تفسيره عليه السلام الإتيان بالفعلين بصيغة المضيّ لتحقّق وقوعه وتيقّنه، فكأنّه قد وقع.

ص: 547


1- .الأنعام (6): 22 و 23
2- .الأنعام (6): 24
3- المجادلة (58): 6
4- تفسير البيضاوي، ج 2، ص 398 و 399 مع التلخيص والتصرّف في العبارة
5- الإسراء (17): 81
6- تفسير البيضاوي، ج 3، ص 463

متن الحديث الثاني والثلاثين والأربعمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ عَلِيٍّ ، عَنِ الْحَسَنِ (1). ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ يُونُسَ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : «فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» ؟ (2).

فَقَالَ : «يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ، يُسَلَّطُ _ وَاللّهِ _ مِنَ الْمُؤْمِنِ عَلى بَدَنِهِ ، وَلَا يُسَلَّطُ عَلى دِينِهِ ، قَدْ سُلِّطَ عَلى أَيُّوبَ عليه السلام فَشَوَّهَ خَلْقَهُ ، وَلَمْ يُسَلَّطْ عَلى دِينِهِ ، وَقَدْ يُسَلَّطُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى أَبْدَانِهِمْ ، وَلَا يُسَلَّطُ عَلى دِينِهِمْ» .

قُلْتُ لَهُ (3): قَوْلُهُ عَزَّوَجَلَّ : «إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ» ؟ (4).

قَالَ : «الَّذِينَ هُمْ بِاللّهِ مُشْرِكُونَ يُسَلَّطُ عَلَى أَبْدَانِهِمْ وَعَلى أَدْيَانِهِمْ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (قلت له) يعني سألته عن تفسير قوله تعالى في سورة النحل: «فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ» .

قال البيضاوي:

إذا أردت قراءته كقوله: «إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ» (5).

«فَاسْتَعِذْ بِاللّه ِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» ؛ فاسئل اللّه أن يُعيذك من وساوسه لئلّا يوسوسك في القراءة.

«إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ» ؛ تسلّط وولاية.

«عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» على أولياء اللّه المؤمنين به والمتوكلّين عليه؛ فإنّهم لا يطيعون أوامره، ولا يقبلون وساوسه إلّا على نُدور وغفلة، ولذلك

ص: 548


1- هكذا في النسخة و معظم نسخ الكافي.و في الطبعة القديمة: «عليّ بن الحسن» بدل «علي، عن الحسن» ولم يثبت رواية من يسمّى بعليّ بن الحسن عن منصور بن يونس في موضع
2- النحل (16): 98 و 99
3- . في الطبعة القديمة والوافي: - «له»
4- . النحل (16): 100
5- المائدة (5): 6

اُمروا بالاستعاذة، فذكر السلطنة بعد الأمر بالاستعاذة لئلّا يتوهّم منه أنّ له سلطانا، انتهى(1).

وقال بعض المحقّقين:

لمّا كانت الاستعاذة [الكاملة] ملزومة للإيمان الكامل باللّه وقدرته وعلمه وكماله، والإقرار بعجز نفسه، وافتقاره في جميع الاُمور إلى معونته تعالى، وتوكّله في جميع أحواله عليه، فلذا ذكر بعد الاستعاذة أنّه ليس له سلطنة واستيلاء «عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» فالمستعيذ به تعالى في أمانه وحفظه إذا راعى شرائط الاستعاذة(2).

(فقال: يا أبا محمّد)؛ هو كنية أبي بصير.

(يسلّط) على البناء للمفعول، والمستتر فيه راجع إلى الشيطان.

(واللّه ، من المؤمن على بدنه) بتسليط الأمراض والأسقام ونحوهما عليه.

(ولا يسلَّط) بفتح اللام.

(على دينه) أي في اُصول عقائده.

وقيل: يحتمل الأعمّ منها ومن الأعمال؛ فإنّه إذا كان على حقيقة الإيمان وارتكب بإغوائه بعض المعاصي، فاللّه _ عزّ وجلّ _ يوفّقه للتوبة والإنابة، ويصير ذلك سببا لمزيد رفعته في الإيمان وبُعده عن وساوس الشيطان(3).

(قد سلّط على أيّوب فشوّه خَلقه) بفتح الخاء.

قال الجوهري: «شاهت الوجوه تشوه شوها: قبحت.وشوّهه اللّه تعالى، فهو مشوّه»(4).

«إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ» أي يحبّونه ويطيعونه «وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ» .

(قال الذين هم باللّه مشركون) إشارة إلى أنّ الضمير المجرور عائد إلى اللّه .

وقال بعض المفسّرين: إنّه راجع إلى الشيطان بتقدير مضاف، أي بسبب الشيطان، (5)وهو بعيد.

ص: 549


1- تفسير البيضاوي، ج 3، ص 419 مع التلخيص
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 310
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 311
4- الصحاح، ج 6، ص 2238 (شوه)
5- . ذهب إليه الزمخشري في الكشّاف، ج 2، ص 428

متن الحديث الثالث والثلاثين والأربعمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ عَلِيٍّ ، عَنِ الْحَسَنِ (1). ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ حَرِيزِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، عَنِ الْفُضَيْلِ ، قَالَ :دَخَلْتُ مَعَ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَيَّ ، فَنَظَرَ إِلَى النَّاسِ وَنَحْنُ عَلى بَابِ بَنِي شَيْبَةَ ، فَقَالَ : «يَا فُضَيْلُ ، هكَذَا كَانَ (2). يَطُوفُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، لَا يَعْرِفُونَ حَقّا ، وَلَا يَدِينُونَ دِينا ؛ يَا فُضَيْلُ ، أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ مُكِبِّينَ (3)عَلى وُجُوهِهِمْ ، لَعَنَهُمُ اللّهُ مِنْ خَلْقٍ مَسْخُورٍ بِهِمْ، مُكِبِّينَ عَلى وُجُوهِهِمْ» .

ثُمَّ تَلَا هذِهِ الْايَةَ : « «أَ فَمَنْ يَمْشِى مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِى سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» (4)يَعْنِي وَاللّهِ عَلِيّا عليه السلام وَالْأَوْصِيَاءَ عليهم السلام ».

ثُمَّ تَلَا هذِهِ الْايَةَ : «فَلَمّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِى كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ» (5)أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام .

يَا فُضَيْلُ ، لَمْ يَتَسَمَّ (6)بِهذَا الِاسْمِ غَيْرُ عَلِيٍّ عليه السلام إِلَا مُفْتَرٍ كَذَّابٌ إِلى يَوْمِ النَّاسِ (7)هذَا ، أَمَا وَاللّهِ يَا فُضَيْلُ مَا لِلّهِ _ عَزَّ ذِكْرُهُ _ حَاجٌّ غَيْرَكُمْ ، وَ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَا لَكُمْ ، وَلَا يَتَقَبَّلُ إِلَا مِنْكُمْ ، وَإِنَّكُمْ لَأَهْلُ هذِهِ الْايَةِ: «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيما» (8).

يَا فُضَيْلُ ، أَ مَا تَرْضَوْنَ أَنْ تُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَتُؤْتُوا الزَّكَاةَ ، وَتَكُفُّوا أَلْسِنَتَكُمْ وَتَدْخُلُوا الْجَنَّةَ؟» ثُمَّ قَرَأَ : « «أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ» (9)أَنْتُمْ وَاللّهِ أَهْلُ هذِهِ الْايَةِ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (ونحن على باب بني شيبة).

ص: 550


1- هكذا في النسخة ومعظم نسخ الكافي.وفي الطبعة القديمة: «عليّ بن الحسن» بدل «علي عن الحسن»، ولاحظ ما قلنا ذيل سند الحديث السابق
2- في بعض نسخ الكافي: «كانوا»
3- في بعض نسخ الكافي: «منكبين»
4- . الملك (67): 22
5- . الملك (67): 27
6- . في بعض نسخ الكافي: «لم يسمّ»
7- . في الطبعة القديمة: «يوم البأس»
8- النساء (4): 31
9- . النساء (4): 77

هم أولاد شيبة بن عثمان الجحني، ومفتاح الكعبة مسلّم إليهم، وباب بني شيبة الآن في داخل المسجد بسبب توسعته بإزاء باب السلام عند الأساطين.

(يا فضيل، اُنظر إليهم) على صيغة الأمر، ويحتمل أن يكون على صيغة التكلّم.

(مكبّين على وجوههم).

في بعض النسخ: «منكبين».

قال الجوهري: «كبّه لوجهه، أي صرعه، فأكبّ هو على وجهه، وهذا من النوادر أن يُقال: افعلتُ أنا وفعلتُ غيري، وأكبَّ فلان وانكبّ بمعنى»(1).

(لعنهم اللّه من خلقٍ مسخور بهم مكبّين على وجوههم) من السخريّة؛ يعني كلّ من يراهم سخر منهم ومن أوضاعهم وأطوارهم وسنّتهم وسيرتهم.وكلمة «من» للتبيين، أو للتبعيض.وقيل: لعلّه إشارة إلى قوله تعالى: «سَخِرَ اللّه ُ مِنْهُمْ» (2) ، أو المراد استهزاء المؤمنين بهم في القيامة(3).

وفي بعض النسخ: «لعنهم اللّه من خلق مسخورا أراهم منكبّين على وجوههم».

وقال بعض الشارحين: «الانكباب محمول على الحقيقة؛ لأنّه عليه السلام رآهم على الصور المبدّلة المسخيّة، وحمله على التشبيه محتمل»(4).

(ثمّ تلا هذه الآية: «أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى» ).

قال البيضاوي:

إنّه يعثر كلّ ساعة ويخرّ على وجهه؛ لوعورة طريقه واختلاف أجزائه، ولذلك قابل بقوله: «أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّا» : قائما سالما من العثار.

(عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»: مستوي الأجزاء و الجهة.والمراد تمثيل المشرك والموحّد بالسالكين واللدّينين بالمسلكين، ولعلّ الاكتفاء بما في الكبّ من الدلالة على حال المسلك للإشعار بأنّ ما عليه المشرك لا يستأهل أن يسمّى طريقا كمشي المتعسّف في مكان معتاد غير مستو.

وقيل: المراد بالمكبّ الأعمى؛ فإنّه يتعسّف فينكبّ، وبالسوي البصير.

ص: 551


1- الصحاح، ج 1، ص 207 (كبب) مع التلخيص
2- .التوبة (9): 79
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 311 مع اختلاف يسير في اللفظ
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 405

وقيل: من يمشي مكبّا هو الذي يحشر على وجهه إلى النار، ومن يمشي سويّا الذي يحشر [على] قدميه إلى الجنّة، انتهى(1).

والظاهر أنّ قوله عليه السلام : (يعني واللّه عليّا عليه السلام والأوصياء عليهم السلام ) تفسير للموصول الثاني، ويحتمل أن يكون تفسيرا ل«صراط مستقيم».

(ثمّ تلا هذه الآية: «فَلَمَّا رَأَوْهُ» قال البيضاوي:

أي الوعد بمعنى الموعود.

«زُلْفَةً» ذا زلفة، أي قُرب.

«سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا» : بانَ علّتها الكآبة، وساءتها رؤية العذاب.

«وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ» به تطلبون وتستعجلون تفتعلون من الدّعاء، أو تدّعون أن لا بعث فهو من الدعوى، انتهى(2).

والظاهر أنّ قوله عليه السلام : (أمير المؤمنين) تفسير لمرجع الضميرين، وبيان للمشار إليه، فمعنى الآية على هذا التفسير: فلمّا رأوا أمير المؤمنين عليه السلام ذا قُرب ومنزلة عند ربّه في القيامة، ظهر أثر الحزن والكآبة في وجوه الذين كفروا بولايته، وقال لهم قائل بأمر اللّه مشيرا إليه عليه السلام : هَذَا الَّذِي كُنتُمْ تَدَّعُونَ منزلته ومكانه وتسميتهم باسمه الخاصّه به، وهو أمير المؤمنين، أو تستعجلون على سبيل الإنكار ظهور منزلته عند اللّه التي أخبركم بها رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

قال عليّ بن إبراهيم: إذا كان يوم القيامة، ونظر أعداء أمير المؤمنين عليه السلام إلى ما أعطاه اللّه من المنزلة الشريفة العظيمة، وبيده لواء الحمد، وهو على الحوض يسقي ويمنع، تسودّ وجوه أعدائه، فيُقال لهم: «هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ» منزلته وموضعه واسمه(3).

(يا فضيل، لم يتسمّ).

في بعض النسخ: «لم يسمّ».

(بهذا الاسم) يعني أمير المؤمنين.

(غير عليّ عليه السلام إلّا مفترٍ كذّاب إلى يوم الناس هذا) أو يوم القيامة، أو زمان التكلّم بهذا الحديث.

ص: 552


1- تفسير البيضاوي، ج 5، ص 365
2- تفسير البيضاوي، ج 5، ص 366
3- تفسير القمّي، ج 2، ص 379 مع التلخيص

وفيه دلالة على عدم جواز إطلاق هذا الاسم على سائر الأئمّة عليهم السلام أيضا.

(أما واللّه يا فضيل، ما للّه _ عزّ وجلّ _ حاجّ غيركم).

كلمة «ما» نافية، والحاجّ اسم فاعل من الحجّ.

قال الجوهري: «حججت البيت أحجّه حجّا، فأنا حاجّ»(1)وكونه من الحجّه مع عدم مناسبته للمقام لم يعهد من اللغة.

(وإنّكم لأهل هذه الآية) باعتبار العمل بمضمونها، والانتفاع بالثمرة المترتّبة عليه؛ لأنّ التديّن بالولاية رأس اجتناب الكبائر وأصله.

«إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ» أي كبائر الذنوب التي نهاكم اللّه ورسوله عنها.

«نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ» .

قيل: أي نغفر لكم صغائركم، ونمحها عنكم.

«وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيما» (2).قرأ نافع بفتح الميم، والباقون بالضمّ، وهما يحتملان المصدر والمكان، أي إدخالاً مقرونا بالكراهة، أو الجنّة وما وعد فيه من الثواب.

(يا فضيل، أما ترضون أن تقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة، وتكفّوا ألسنتكم) عن المخالفين (وتدخلوا الجنّة؟).

(ثمّ قرأ قوله تعالى) في سورة النساء: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ» يعني عن القتال «وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ» واستقبلوا بما اُمرتم به.وتتمّة الآية: «فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّه ِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْاخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنْ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً» (3).

(أنتم واللّه أهل هذه الآية) المشار إليه بهذه الفقرة الاُولى من الآية لا تمامها؛ يعني أنتم معاشر الشيعة مكلّفون بمضمونها، وينبغي أن تعلوا به في زمن استيلاء أهل الجور.

هذا، ويفهم من هذا الخبر أنّ المراد بكفّ الأيدي في الآية ما يعمّ كفّ الألسن، فتدبّر.

ص: 553


1- الصحاح، ج 1، ص 303 (حجج)
2- النساء (4): 31
3- .النساء (4): 77

متن الحديث الرابع والثلاثين والأربعمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ (1). الْأَزْدِيِّ ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ :عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : « «وَإِذا تَوَلّى سَعى فِى الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ» بِظُلْمِهِ وَسُوءِ سِيرَتِهِ «وَاللّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ» (2)» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (بظلمه وسوء سيرته).

اعلم أنّ هذه الآية وما فيها وما بعدها في سورة البقرة هكذا: «وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّه َ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّه ُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ* وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّه َ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْاءِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ» (3)، ولعلّ هذه الزيادة كانت في قراءتهم عليهم السلام ، ويحتمل أن يكون إيرادها لبيان مضمون الآية وموردها، والغرض منها تعريضا على خلفاء الجور بأنّ الآية نزلت فيهم.

قال عليّ بن إبراهيم: «إنّها نزلت في الثاني.ويُقال: في معاوية»(4).

وقال البيضاوي: إنّ الآية وما قبلها وما بعدها إلى قوله تعالى: «وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ» نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي، وكان حسن المنظر حلو المنطق يوالي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ويدّعي الإسلام.

وقيل: في المنافقين كلّهم، «وَإِذَا تَوَلَّى» أدبر وانصرف عنك، وإذا غلب وصار واليا «سَعَى فِى الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ» كما فعل

ص: 554


1- في الطبعة القديمة: «سلمان».والمذكور في رجال الطوسي، ص 283، الرقم 4102 هو محمّد بن سليمان الأزدي، ولم نجد لمحمّد بن سلمان الأزدي ذكرا في موضع
2- البقرة (2): 205
3- .البقرة (2): 204 _ 206
4- تفسير القمّي، ج 1، ص 71

الأخنس بثقيف؛ إذ بيّتهم، وأحرق زروعهم، وأهلك مواشيهم.

أو كما يفعله ولاة السوء بالقتل والإتلاف، أو بالظلم، حتّى يمنع اللّه بشؤمه القطر، فيهلك الحرث والنسل.

«وَاللّه ُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ» لا يرتضيه، فاحذروا غضبه عليه(1).

متن الحديث الخامس والثلاثين والأربعمائة

اشارة

سَهْلٌ (2)، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنِ ابْنِ رِئَابٍ ، عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ :عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : «وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّوَاغِيتُ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (أولياؤهم الطاغوت).

هذا الخبر كغيره من الأخبار الآتية وغيرها يدلّ ظاهرا على وقوع التحريف في القرآن (3)، لكن أكثرها ضعيف المسند، وبعضها قابل للتوجيه، واللّه يعلم.

وفسّر الطاغوت بالشيطان، أو المضلّات من الهوى والشيطان وغيرهما.

متن الحديث السادس والثلاثين والأربعمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ أَبِي جَرِيرٍ الْقُمِّيِّ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ _ وَفِي نُسْخَةٍ : عَبْدِ اللّهِ _ :عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام : « «لَهُ ما فِى السَّمواتِ وَما فِى الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى» (4).

عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ «مَنْ ذَا الَّذِى يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلّا بِإِذْنِهِ» (5).» .

ص: 555


1- تفسير البيضاوي، ج 1، ص 491 مع اختلاف يسير في اللفظ
2- في الطبعة القديمة: + «بن زياد».والسند معلّق على سابقه
3- . إشارة إلى الآية 257 من سورة البقرة (2)
4- . طه (20): 6
5- . البقرة (2): 255

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (وفي نسخة عبد اللّه )؛ يحتمل كونه كلام المصنّف، أي في نسخة من نسخ الرواة كذا، ويحتمل كونه كلام أحد رواة الكافي، أي كان في بعض نسخ الكافي هكذا.

والأوّل أظهر.

«لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ» .

فيه دلالة على سقوط بعض الفقرات من آية الكرسي، وقد ورد في بعض الأدعية أنّه يكتب آية الكرسي على التنزيل، وهو إشارة إلى هذا.وفي تفسير عليّ بن إبراهيم:

وأمّا آية الكرسي فإنّه حدّثني أبي، عن الحسين بن خالد، أنّه قرأ أبو الحسن الرضا عليه السلام : «اللّه ُ لَا إِلَهَ إِلَا هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ _ أي نعاس (1)لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ [وَمَا فِىِ الأرْضِ] وَمَا بينهما وما تحت الثرى عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ» .

قال: أمّا «مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ» فاُمور الأنبياء وما كان، و «وَمَا خَلْفَهُمْ» أي ما لم يكن بعد.قوله: «إِلَا بِمَا شَاءَ» ؛ أي [بما] يوحي إليهم «وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا» أي لا يثقل عليه حفظ ما في السماوات وما في الأرض.

قوله: «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ» أي لا يكره أحد على دينه إلّا بعد أن «قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَىِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللّه ِ» ؛ وهم الذين غصبوا آل محمّد حقّهم.

قوله: «فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى» ؛ يعني الولاية، «لَا انفِصَامَ لَهَا» ؛ أي حبل لا انقطاع لها.

«اللّه ُ وَلِىُّ الَّذِينَ آمَنُوا» يعني أمير المؤمنين والأئمّة عليهم السلام .

«يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا [أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّ_غُوتُ] وهم الظالمون آل محمّد والذين اتّبعوا من غصبهم «يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» والحمد للّه ربّ العالمين، كذا نزلت(2).

ص: 556


1- . في المصدر: - «أي نعاس»
2- تفسير القمّي، ج 1، ص 85 مع التلخيص واختلاف يسير في اللفظ

متن الحديث السابع والثلاثين والأربعمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ (1)، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبَّادٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : « «وَلا يُحِيطُونَ بِشَىْ ءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلّا بِما شاءَ» (2)وَآخِرُهَا : «وَهُوَ الْعَلِىُّ الْعَظِيمُ» (3)وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَآيَتَيْنِ بَعْدَهَا» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (وآيتين بعدها) أي ذكر آيتين بعدها، وعدّهما أيضا من آية الكرسي تكون ثلاث آيات.

وإطلاق الآية على إرادة الجنس أو على التغليب، وتظهر الفائدة فيما إذا وردت مطلقة في الأخبار والأدعية؛ فإنّها تحمل على الثلاث.

وقيل: المراد أنّه عليه السلام ذكر آيتين بعد «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَ__لَمِينَ» من سورة الحمد.وقيل: المراد أنّ العامّة غيّروا آيتين بعد آية الكرسي أيضا، ولا يخفى بُعد التوجيهين سيما الأخير(4).

متن الحديث الثامن والثلاثين والأربعمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَيْفٍ ، عَنْ أَخِيهِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، قَالَ :سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقْرَأُ : «وَزُلْزِلُوا (ثُمَّ زُلْزِلُوا) حَتّى يَقُولَ الرَّسُولُ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (عن أبي بكر بن محمّد).

ص: 557


1- . السند معلّق على سابقه، ويروي عن محمّد بن خالد، عليّ بن إبراهيم عن أحمد بن محمّد
2- . البقرة (2): 255
3- . البقرة (2): 255
4- القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 315

قيل: الظاهر أنّه كان بكر بن محمّد، ولفظ «أبي» من زيادات النسّاخ(1).

(قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقرأ: «وَزُلْزِلُوا (ثُمَّ زُلْزِلُوا) حَتّى يَقُولَ الرَّسُولُ» ).

في سورة البقرة: «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّه ِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللّه ِ قَرِيبٌ» (2)، ويدلّ هذا الخبر على أنّه سقط منها: «ثمّ زلزلوا».

متن الحديث التاسع والثلاثين والأربعمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : « «وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ» (3)بِوَلَايَةِ الشَّيَاطِينِ «عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ» ».

وَيَقْرَأُ أَيْضا : « «سَلْ بَنِى إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ» فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَحَدَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَقَرَّ ، وَمِنْهُمْ مَنْ بَدَّلَ «وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ» (4)» .

شرح الحديث

السند ضعيف على الظاهر.

قوله: «وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ» .

قال البيضاوي: عطف على «نبذ»، أي نبذوا كتاب اللّه واتّبعوا كتب السّحر التي تقرؤها، أو تتّبعها الشياطين من الجنّ، أو الإنس، أو منهما(5).

«عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ» .

قال الزمخشري: «أي على عهد ملكه وفي زمانه»(6).

ص: 558


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 316
2- البقرة (2): 214
3- . البقرة (2): 211
4- . البقرة (2): 211
5- تفسير البيضاوي، ج 1، ص 371
6- الكشّاف، ج 1، ص 301

وقال بعض المحشّين: يعني أنّه على حذف المضاف، وليست على صلة التلاوة، بل من قولهم: كان هذا على عهد فلان، أي في وقته وزمانه(1).

وقال البيضاوي: «تتلو» حكاية حال ماضية.قيل: كانوا يسترقون السمع، ويضمّون إلى ما سمعوا أكاذيب، ويلقونها إلى الكهنة، وهم يدوّنونها ويعلّمون الناس، وفشى ذلك في عهد سليمان حتّى قيل: إنّ الجنّ يعلم الغيب، وأنّ ملك سليمان تمَّ بهذا العلم، وأنّه تسخّر به الإنس والجنّ والريح [له].

«وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ» تكذيب لمن زعم ذلك، وعبّر عن السحر بالكفر؛ ليدلّ على أنّه كفر، وأنّ من كان نبيّا كان معصوما عنه.

«وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا» باستعماله.

«يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ» إغواءً وإضلالاً، انتهى(2).

والظاهر أنّ قوله عليه السلام : (بولاية الشياطين) كان من القرآن، فلعلّ المراد بالشياطين الأوّل حينئذٍ شياطين الإنس أي الكهنة، والمعنى: اتّبعوا ما كانت الكهنة تتلوه عليهم بسبب استيلاء الشياطين على عهد سليمان واستراقهم السمع، أو بسبب استيلائهم على ملكه بعده وافترائهم عليه.

روى عليّ بن إبراهيم بإسناده عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال: «لمّا هلك سليمان وضع إبليس السّحر، وكتبه في كتاب ثمّ طواه وكتب على ظهره: هذا ما وضعه آصف بن برخيا لملك سليمان بن داود عليهماالسلام من ذخائر كنوز [الملك و] العلم، من أراد كذا فليفعل كذا وكذا، ثمّ دفنه تحت السرير، ثمّ استشار لهم فقرأه فقال الكافرون: ما كان [يغلبنا] سليمان إلّا بهذا، وقال المؤمنون: بل هو عبد اللّه ونبيّه، فقال اللّه جلّ ذكره: «وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ» الآية»(3).

وقال بعض الأفاضل: فعلى هذا يحتمل أن يكون الظرف في قوله: «عَلَى مُلْكِ» ، متعلّقا بقوله: «تتلو» وبقوله: «بولاية».ويحتمل أيضا أن يكون «بولاية» بيانا لما كانوا يتلونه، أي اتّبعوا

ص: 559


1- لم نعثر على القائل
2- تفسير البيضاوي، ج 1، ص 371 مع التلخيص
3- تفسير القمّي، ج 2، ص 200 مع اختلاف يسير في اللفظ

واعتقدوا ما كان يقوله الشياطين من أنّ الجنّ والشياطين كانوا مسلّطين على ملك سليمان، وإنّما كان يستقيم ملكه بسحرهم(1).

(ويقرأ أيضا: «سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ» ).

في سورة البقرة: «سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّه ِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللّه َ شَدِيدُ الْعِقَابِ» (2).

وهذا الخبر يدلّ ظاهرا على سقوط بعض فقرات هذه الآية، مع احتمال كون تلك الفقرات تأويلاً لا تنزيلاً.

متن الحديث الأربعين والأربعمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ حَمَّادٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَيْضِ ، قَالَ :

قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : يَمْرَضُ مِنَّا الْمَرِيضُ، فَيَأْمُرُهُ (3)الْمُعَالِجُونَ بِالْحِمْيَةِ .

فَقَالَ : «لكِنَّا أَهْلُ الْبَيْتِ (4)لَا نَحْتَمِي إِلَا مِنَ التَّمْرِ ، وَنَتَدَاوى بِالتُّفَّاحِ وَالْمَاءِ الْبَارِدِ».

قُلْتُ : وَلِمَ تَحْتَمُونَ مِنَ التَّمْرِ؟

قَالَ : «لِأَنَّ نَبِيَّ اللّهِ حَمى عَلِيّا عليه السلام فِي مَرَضِهِ عَنْهُ (5).» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (يمرض منّا المريض فيأمره المعالجون بالحميّة) بالكسر وتخفيف الياء.

يُقال: حميتُ المريض ما يضرّه حميته وحموة، أي منعته إيّاه، فاحتمى هو، وتحمّى: امتنع.

(فقال: لكنّا أهل البيت لا نحتمي) إلى آخره.

لعلّه بعد سبعة أيّام، كما يدلّ عليه الخبر الآتي.أو محمول على التخفيف في الأكل كما

ص: 560


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 317
2- .البقرة (2): 211
3- في كلتا الطبعتين: «فيأمر»
4- . في كلتا الطبعتين: «أهل بيت»
5- في كلتا الطبعتين: «منه في مرضه» بدل «فى مرضه عنه».وفي بعض نسخ الكافي: «في مرضه منه»

يفهم من الخبر الثالث.ولا يبعد أن يكون عدم الاحتماء من خصائصهم عليهم السلام ، أو بالنسبة إلى الأهوية والأمكنة والأشخاص.

قال الصدوق رحمه الله في اعتقاداته:

اعتقادنا في الأخبار الواردة في الطبّ أنّها على وجوه؛ منها: ما قيل على هواء مكّة والمدينة، فلا يجوز استعماله في سائر الأهوية.ومنها: ما أخبر به العالم عليه السلام على ما عرف من طبع السائل، ولم يتعدّ موضعه؛ إذ كان أعرف بطبعه منه.ومنها: ما دلّسه المخالفون في الكتب لتقبيح صورة المذهب عند الناس.ومنها: ما وقع منهم فيه سهو من نافله.ومنها: ما حفظ بعضه ونسي بعضه.وما روي في العسل: «أنّه شفاء من كلّ داء» (1).فهو صحيح، ومعناه أنّه شفاء من كلّ داء بارد.وما روي في الاستنجاء بالماء البارد لصاحب البواسير؛ (2).فإنّ ذلك إذا كان بواسيره من حرارة.وما روي في الباذنجان من الشفاء؛ (3).فإنّه في وقت إدراك الرطب لمن يأكل الرطب دون غيره من سائر الأوقات(4).

متن الحديث الواحد والأربعين والأربعمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ أَحْمَدَ ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنِ ابْنِ رِئَابٍ ، عَنِ الْحَلَبِيِّ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ : «لَا تَنْفَعُ الْحِمْيَةُ لِمَرِيضٍ بَعْدَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ» .

شرح الحديث

السند صحيح.

متن الحديث الثاني والأربعين والأربعمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ مُوسَى بْنِ بَكْرٍ :

عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام ، قَالَ : «لَيْسَ الْحِمْيَةُ أَنْ تَدَعَ الشَّيْءَ أَصْلًا لَا تَأْكُلَهُ ، وَلكِنَّ الْحِمْيَةَ أَنْ تَأْكُلَ مِنَ الشَّيْءِ وَتُخَفِّفَ» .

ص: 561


1- . المحاسن، ج 2، ص 499، ح 613
2- . اُنظر: الخصال، ص 612، ح 400؛ تحف العقول، ص 102
3- . اُنظر: المحاسن، ج 2، ص 526؛ الكافي، ج 6، ص 373، باب الباذنجان
4- الاعتقادات للصدوق، ص 115 و 116

شرح الحديث

السند ضعيف.

متن الحديث الثالث والأربعين والأربعمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ أَبِي يَحْيَى الْوَاسِطِيِّ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، قَالَ :قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «إِنَّ الْمَشْيَ لِلْمَرِيضِ نُكْسٌ ، إِنَّ أَبِي عليه السلام كَانَ إِذَا اعْتَلَّ جُعِلَ فِي ثَوْبٍ ، فَحُمِلَ لِحَاجَتِهِ يَعْنِي الْوُضُوءَ ، وَذَاكَ (1)أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : إِنَّ الْمَشْيَ لِلْمَرِيضِ نُكْسٌ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

(إنّ المشي للمريض نكس).

«المشي» بسكون الشين وتخفيف الياء.

قال الفيروزآبادي: «النكس _ بالضم _ عود المرض بعد النقه»(2). وقال: «نقه من مرضه _ كفرح ومنع _ نقها ونقوها: صحَّ، وفيه ضعف، أو أفاق»(3).

متن الحديث الرابع والأربعين والأربعمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ :

أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ عَلى أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، فَقَالَ : رَأَيْتُ كَأَنَّ الشَّمْسَ طَالِعَةٌ عَلى رَأْسِي دُونَ جَسَدِي .

فَقَالَ : «تَنَالُ أَمْرا جَسِيما وَنُورا سَاطِعا وَدِينا شَامِلًا ، فَلَوْ غَطَّتْكَ لَانْغَمَسْتَ فِيهِ ، وَلكِنَّهَا غَطَّتْ رَأْسَكَ ، أَ مَا قَرَأْتَ «فَلَمّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّى» (4)فَلَمّا أَفَلَتْ تَبَرَّأَ مِنْهَا إِبْرَاهِيمُ عليه السلام » .قَالَ : قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنَّهُمْ يَقُولُونَ : إِنَّ الشَّمْسَ خَلِيفَةٌ أَوْ مَلِكٌ؟

فَقَالَ : «مَا أَرَاكَ تَنَالُ الْخِلَافَةَ ، وَلَمْ يَكُنْ فِي آبَائِكَ وَأَجْدَادِكَ مَلِكٌ ، وَأَيُّ خِلَافَةٍ وَمُلُوكِيَّةٍ أَكْبَرُ (5)

ص: 562


1- . في بعض نسخ الكافي: «وذلك»
2- القاموس المحيط، ج 2، ص 256 (نكس)
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 294 (فقه)
4- . الأنعام (6): 78
5- . في بعض نسخ الكافي: «أكثر»

مِنَ الدِّينِ وَالنُّورِ تَرْجُو بِهِ دُخُولَ الْجَنَّةِ ؛ إِنَّهُمْ يَغْلَطُونَ».

قُلْتُ : صَدَقْتَ، جُعِلْتُ فِدَاكَ .

شرح الحديث

السند حسن.

قوله: (تنال أمرا جسيما ونورا ساطعا ودينا شاملاً).

قال الجوهري: «جَسُمَ الشيء، أي عَظُمَ، فهو جسيم»(1).

وقال: «سطع الغبار والرائحة والصبح يسطع سطوعا: إذا ارتفع»(2).

وقيل: كان المراد بالأمر الجسيم أمر من اُمور الدُّنيا وإرشاد الخلق، وبالنور الساطع العلم، وبالدين الشامل العمل به(3).

(أما قرأت: «فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً» ).

قال الجوهري: «بزغت الشمس بزوغا، أي طلعت»(4).

وقال الفيروزآبادي: «بزغت الشمس بزغا وبزوغا: شرقت.والبزوغ: ابتداء الطلوع»(5).

«قَالَ هَذَا رَبِّي» على الاستفهام الإنكاري.

قال البيضاوي: «ذكر اسم الإشارة لتذكير الخبر، وصيانة للربّ عن شبهة التأنيث»(6).

«فَلَمَّا أَفَلَتْ» أي غابت.

(تبرّأ منها إبراهيم عليه السلام ) أي صار بريئا، أو أظهر البراءة من ربوبيّتها.

ولعلّ موضع الاستشهاد أنّ إبراهيم عليه السلام بعد رؤية الشمس وطلوعها واُفولها واختلاف أوضاعها وأحوالها استدلّ على معرفة الربّ، وهدى قومه إلى التوحيد، فطلوع الشمس على رأس الرائي دليل وعلامة لاهتدائه إلى ما ذكر من نيل الأمر الجسيم وتالييه.

ويحتمل أن يُراد أنّ الشمس لمّا كانت في عالم الشهود أضوء ضياء وأكثر نورا وأظهر ظهورا مع وصفها بالكبر والعظم، وفي الرؤيا يتمثّل الاُمور بالاُمور المناسبة لها، فينبغي أن

ص: 563


1- الصحاح، ج 5، ص 1887 (جسم)
2- الصحاح، ج 3، ص 1229 (سطع)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 407 مع اختلاف يسير في اللفظ
4- الصحاح، ج 4، ص 1315 (بزغ)
5- القاموس المحيط، ج 3، ص 102 (بزغ)
6- تفسير البيضاوي، ج 2، ص 424

يكون هذا النور الطالع على رأس الرائي في المنام أضوء الأنوار المعنويّة وهو الدِّين الحقّ.

والأوّل أوفق بالعبارة، والثاني أقرب إلى التحقيق.

(قلت: جعلت فداك، إنّهم) أي المعبّرين.

(يقولون: إنّ الشمس خليفة أو ملِك) بكسر اللام.

والخليفة: السلطان الأعظم ذو الملك.ولعلّ الترديد من الراوي محتمل.قيل: كأنّهم عبّروا رؤياه بأنّه يصير خليفة وذا ملك باعتبار أنّ الشمس خليفة على الكواكب يجري أثرها عليها واحتياجها في كسب الضوء إليها(1).

(فقال عليه السلام : ما أراك أن (2)تنال الخلافة).

يدلّ على أنّ تعبير الرؤيا يختلف بحسب اختلاف الأشخاص، وأنّ ذلك الرائي لو كان من أهل بيت الخلافة لأمكن ذلك.

وقيل: يحتمل أن يكون الغرض بيان خطأ أصل تعبيرهم بأنّ ذلك غير محتمل، لا أنّ هذا غير مستقيم في خصوص تلك المادّة(3)ولا يخفى بُعده.

وقال الفيروزآبادي: «الغَلط _ محرّكة _ : أن تعيا بالشيء فلا تعرف وجه الصواب فيه.وقد غلط _ كفرح _ في الحساب وغيره، أو خاصّ بالمنطق»(4).

متن الحديث الخامس والأربعين والأربعمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ رَجُلٍ رَأى كَأَنَّ الشَّمْسَ طَالِعَةٌ عَلى قَدَمَيْهِ دُونَ جَسَدِهِ ، قَالَ :«مَالٌ يَنَالُهُ مَنْ نَبَاتِ (5)الْأَرْضِ مِنْ بُرٍّ أَوْ تَمْرٍ يَطَؤُهُ بِقَدَمَيْهِ وَيَتَّسِعُ فِيهِ، وَهُوَ حَلَالٌ إِلَا أَنَّهُ يَكُدُّ فِيهِ كَمَا كَدَّ آدَمُ عليه السلام » .

شرح الحديث:

قوله: (عنه).

الظاهر أنّ الضمير عائد إلى ابن اُذينة، ويحتمل إرجاعه إلى عليّ بن إبراهيم وإرسال السند.

ص: 564


1- ذهب إليه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 407
2- في المتن الذي ضبطه الشارح رحمه الله سابقا: - «أن»
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 319
4- القاموس المحيط، ج 2، ص 376 (غلط)
5- . في الطبعة القديمة: «نبات من» بدل «من نبات»

قال: (مال يناله) إلى آخره.

لعلّ فاعل «قال» أبو عبد اللّه عليه السلام .والكدّ: الشدّة في العمل، والإلحاح في الطلب.وقد كدّ في الكسب _ كمدّ _ وكدّه: أتعبه، لازم متعدّ.

وقيل: المراد بالكدّ فيه التعب في تحصيله، أو في ضبطه، أو في كليهما، أو لأمرٍ يؤول إليه بسببه كما هو شأن أهل الدُّنيا(1).

متن الحديث السادس والأربعين والأربعمائة

اشارة

عَلِيٌّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الصَّائِغِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، قَالَ :

دَخَلْتُ عَلى أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام وَعِنْدَهُ أَبُو حَنِيفَةَ ، فَقُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، رَأَيْتُ رُؤْيَا عَجِيبَةً .

فَقَالَ (2): «يَا ابْنَ مُسْلِمٍ هَاتِهَا ، فَإِنَّ الْعَالِمَ بِهَا جَالِسٌ» وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلى أَبِي حَنِيفَةَ .

قَالَ : فَقُلْتُ : رَأَيْتُ كَأَنِّي دَخَلْتُ دَارِي وَإِذَا أَهْلِي قَدْ خَرَجَتْ عَلَيَّ ، فَكَسَّرَتْ جَوْزا كَثِيرا ، وَنَثَرَتْهُ عَلَيَّ ، فَتَعَجَّبْتُ مِنْ هذِهِ الرُّؤْيَا .

فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : أَنْتَ رَجُلٌ تُخَاصِمُ وَتُجَادِلُ لِئَاما فِي مَوَارِيثِ أَهْلِكَ ، فَبَعْدَ نَصَبٍ شَدِيدٍ تَنَالُ حَاجَتَكَ مِنْهَا إِنْ شَاءَ اللّهُ .

فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «أَصَبْتَ وَاللّهِ يَا أَبَا حَنِيفَةَ».

قَالَ : ثُمَّ خَرَجَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ عِنْدِهِ ، فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنِّي كَرِهْتُ تَعْبِيرَ هذَا النَّاصِبِ .

فَقَالَ : «يَا ابْنَ مُسْلِمٍ لَا يَسُؤْكَ اللّهُ ، فَمَا يُوَاطِي تَعْبِيرُهُمْ تَعْبِيرَنَا ، وَلَا تَعْبِيرُنَا تَعْبِيرَهُمْ ، وَلَيْسَ التَّعْبِيرُ كَمَا عَبَّرَهُ» .

قَالَ : فَقُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَقَوْلُكَ : أَصَبْتَ (3)وَتَحْلِفُ عَلَيْهِ وَهُوَ مُخْطِئٌ؟

قَالَ : «نَعَمْ ، حَلَفْتُ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَصَابَ الْخَطَأَ» .

قَالَ : فَقُلْتُ لَهُ : فَمَا تَأْوِيلُهَا؟

قَالَ : «يَا ابْنَ مُسْلِمٍ ، إِنَّكَ تَتَمَتَّعُ بِامْرَأَةٍ ، فَتَعْلَمُ بِهَا أَهْلُكَ ، فَتُمَزِّقُ عَلَيْكَ ثِيَابا جُدُدا ، فَإِنَّ الْقِشْرَ كِسْوَةُ اللُّبِّ» .

ص: 565


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 407
2- . في كلتا الطبعتين: + «لي»
3- . في بعض نسخ الكافي والوافي: + «واللّه »

قَالَ ابْنُ مُسْلِمٍ : فَوَ اللّهِ مَا كَانَ بَيْنَ تَعْبِيرِهِ وَتَصْحِيحِ الرُّؤْيَا إِلَا صَبِيحَةُ الْجُمُعَةِ ، فَلَمَّا كَانَ غَدَاةُ الْجُمُعَةِ أَنَا جَالِسٌ بِالْبَابِ إِذْ مَرَّتْ بِي جَارِيَةٌ ، فَأَعْجَبَتْنِي ، فَأَمَرْتُ غُلَامِي فَرَدَّهَا ، ثُمَّ أَدْخَلَهَا دَارِي ، فَتَمَتَّعْتُ بِهَا ، فَأَحَسَّتْ بِي وَبِهَا أَهْلِي ، فَدَخَلَتْ عَلَيْنَا الْبَيْتَ ، فَبَادَرَتِ الْجَارِيَةُ نَحْوَ الْبَابِ وَبَقِيتُ أَنَا ، فَمَزَّقَتْ عَلَيَّ ثِيَابا جُدُدا كُنْتُ أَلْبَسُهَا فِي الْأَعْيَادِ .

وَجَاءَ مُوسَى الزَّوَّارُ الْعَطَّارُ إِلى أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، فَقَالَ لَهُ : يَا ابْنَ رَسُولِ اللّهِ ، رَأَيْتُ رُؤْيَا هَالَتْنِي ، رَأَيْتُ صِهْرا لِي مَيِّتا وَقَدْ عَانَقَنِي ، وَقَدْ خِفْتُ أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ قَدِ اقْتَرَبَ .

فَقَالَ : «يَا مُوسى ، تَوَقَّعِ الْمَوْتَ صَبَاحا وَمَسَاءً ، فَإِنَّهُ مُلَاقِينَا ، وَمُعَانَقَةُ الْأَمْوَاتِ لِلْأَحْيَاءِ أَطْوَلُ لِأَعْمَارِهِمْ ، فَمَا كَانَ اسْمُ صِهْرِكَ؟» قَالَ : حُسَيْنٌ ، فَقَالَ : «أَمَا إِنَّ رُؤْيَاكَ تَدُلُّ عَلى بَقَائِكَ وَزِيَارَتِكَ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، فَإِنَّ كُلَّ مَنْ عَانَقَ سَمِيَّ الْحُسَيْنِ يَزُورُهُ إِنْ شَاءَ اللّهُ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (رأيت رؤيا عجيبة).

قال الفيروزآبادي: «رأى في منامه رؤيا، على فعلى بلا تنوين»(1).

(فقال: يابن مسلم، هاتها).

فقال: هات يا رجل _ بكسر التاء _ أي أعطني، والتاء من جزء الكلمة.

(فإنّ العالم بها جالس).

سمّاه عالما تهكّما أو تقيّةً.

(فكسّرت جوزا كثيرا، ونثرته عليّ).

فاعل «كسّرت» و«نثرت» الأهل.والجوز _ بالفتح _ : ثمر معروف، وهو معرّب كوز.

والنثر: رمي الشيء متفرّقا كثيرا.

(وتجادل لئاما) جمع اللئيم، وهو الدنيّ الأصل والشحيح النفس.

وفي بعض النسخ: «اُناسا» بدل «لئاما».

(فبعد نَصَب شديد) أي تعب.

ص: 566


1- لم نعثر عليه في القاموس

(تنال حاجتك منها) أي من تلك المواريث.

(فقال: يابن مسلم، لا يسؤك اللّه ) على صيغة النهي؛ أي لا يحزنك اللّه .

قال الجوهري: «ساءه يسوءه سوءا _ بالفتح _ نقيض سرّه»(1).

(فما يواطئ تعبيرهم تعبيرنا).

المواطئة: الموافقة.

(قال: نعم، حلفت عليه أنّه أصاب الخطأ).

يُقال: أصابه، أي وجده.وأصابته مصيبة، أي بلغته ووصلت إليه.وأصاب في قوله، أي قال صوابا.فغرضه عليه السلام : إنّي أردت بالإصابة أحد المعنيين الأوّلين، لا المعنى الثالث.

(فتمزّق عليك ثيابا جُددا).

مزقّت الثوب اُمزّقه من باب ضرب، ومزّقته تمزيقا، أي فرّقته.والتمزيق أيضا: التفريق.

وجُدُد _ بضمّتين _ : جمع جديد، كسُرر جمع سرير، ونُذُر جمع نذير.

(فإنّ القشر كسوة اللبّ).

القشر _ بالكسر _ : غثاء الشيء خلقة أو عَرَضا، وكلّ ملبوس.

والكسوة _ بالضمّ ويكسر _ : الثوب _ إلى قوله: (كنت ألبسها في الأعياد).

الصبيحة: الفجر، وأوّل النهار.وأحْسَسْتُ وأحَسَّتُّ، أي ظننت، ووجدت، وأبصرت، وعلمت.والشيء: وجدت حسّه وحركته.والنحو: الطريق، والجهة.

قيل: ظاهر الحديث ينافي ما سيجيء عن أبي الحسن عليه السلام ، قال: «الرؤيا على ما تعبّر» (2).

ونحوه من الأخبار، واُجيب بأنّ الرؤيا تجيء على وفق ما يعبّر في بعض الأحيان؛ لأنّ التعبير قد يؤثّر في النفس من باب التطيّر لا دائما، فلا منافاة(3).

(وجاء موسى الزوّار العطّار) إلى آخره.

الظاهر أنّه أيضا من كلام محمّد بن مسلم، وكان الزوّار _ بتشديد الواو _ لقب موسى.

قال الفيروزآبادي: «الصِهر _ بالكسر _ : القرابة، والختن، وزوج بنت الرجل، وزوج اُخته»(4).

ص: 567


1- الصحاح، ج 1، ص 55 (سوأ) مع التلخيص
2- . الكافي، ج 8، ص 335، ح 527 و 528
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 408 مع التلخيص واختلاف يسير في اللفظ
4- القاموس المحيط، ج 2، ص 72 (صهر) مع التصرّف

متن الحديث السابع والأربعين والأربعمائة

اشارة

إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْقُرَشِيُّ ، قَالَ :

أَتى إِلى أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام رَجُلٌ ، فَقَالَ لَهُ : يَا ابْنَ رَسُولِ اللّهِ ، رَأَيْتُ فِي مَنَامِي كَأَنِّي خَارِجٌ مِنْ مَدِينَةِ الْكُوفَةِ فِي مَوْضِعٍ أَعْرِفُهُ ، وَكَأَنَّ شَبَحا مِنْ خَشَبٍ أَوْ رَجُلًا مَنْحُوتا مِنْ خَشَبٍ عَلى فَرَسٍ مِنْ خَشَبٍ يُلَوِّحُ بِسَيْفِهِ ، وَأَنَا أُشَاهِدُهُ (1)فَزِعا مَرْعُوبا .

فَقَالَ لَهُ عليه السلام : «أَنْتَ رَجُلٌ تُرِيدُ اغْتِيَالَ رَجُلٍ فِي مَعِيشَتِهِ ، فَاتَّقِ اللّهَ الَّذِي خَلَقَكَ ثُمَّ يُمِيتُكَ» .

فَقَالَ الرَّجُلُ : أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ أُوتِيتَ عِلْما ، وَاسْتَنْبَطْتَهُ مِنْ مَعْدِنِهِ ، أُخْبِرُكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللّهِ عَمَّا قَدْ (2)فَسَّرْتَ لِي ، إِنَّ رَجُلًا مِنْ جِيرَانِي جَاءَنِي وَعَرَضَ عَلَيَّ ضَيْعَتَهُ ، فَهَمَمْتُ أَنْ أَمْلِكَهَا بِوَكْسٍ كَثِيرٍ ، لِمَا عَرَفْتُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا طَالِبٌ غَيْرِي .

فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «وَصَاحِبُكَ يَتَوَلَانَا ، وَيَبْرَأُ مِنْ عَدُوِّنَا؟».

فَقَالَ : نَعَمْ يَا ابْنَ رَسُولِ اللّهِ ، رَجُلٌ جَيِّدُ الْبَصِيرَةِ ، مُسْتَحْكَمُ الدِّينِ ، وَأَنَا تَائِبٌ إِلَى اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ وَإِلَيْكَ مِمَّا هَمَمْتُ بِهِ وَنَوَيْتُهُ ، فَأَخْبِرْنِي يَا ابْنَ رَسُولِ اللّهِ لَوْ كَانَ نَاصِبا (3)حَلَّ لِي اغْتِيَالُهُ؟

فَقَالَ : «أَدِّ الْأَمَانَةَ لِمَنِ ائْتَمَنَكَ وَ أَرَادَ مِنْكَ النَّصِيحَةَ وَلَوْ إِلى قَاتِلِ الْحُسَيْنِ عليه السلام » .

شرح الحديث

السند مرسل.

قوله: (وكان شَبَحَا من خشب).

في القاموس: «الشَبَح _ محرّكة _ : الشخص، ويسكّن»(4).

(أو رجلاً)؛ كان الترديد من الراوي.

(يلوّح بسيفه).

في القاموس: «لاح بسيفه: لمع به، كلوّح»(5)وفي تاج اللغة: «التلويح: الإشارة».

ص: 568


1- . في بعض نسخ الكافي: «شاهده»
2- . في بعض نسخ الكافي والوافي: - «قد»
3- . في بعض نسخ الكافي: «ناصبيّا»
4- القاموس المحيط، ج 1، ص 230 (شبح)
5- القاموس المحيط، ج 1، ص 248 (لوح) مع التلخيص

(وأنا اُشاهده فزعا مرعوبا).

الفزع _ محرّكة _ : الخوف، وفعله كعلم، وهو فزع ككتف.والرعب: الإخافة.

(فقال له عليه السلام : أنت رجلٌ تريد اغتيال رجلٌ في معيشته).

قال الفيروزآبادي: «غاله: أهلكه، كاغتاله، وأخذه من حيث لم يدرِ»(1).

وقال: «العيش: الحياة.عاش يعيش عيشا ومعيشةً.والمعيشة: التي تعيّش بها من المطعم والمشرب، وما تكون به الحياة، وما يُعاش به أو فيه»(2).

(فهممت أن أملكها بوكس كثير).

قال في القاموس: «الوكس _ كالوعد _ : النقصان، والتنقيص، لازم متعدّ»(3).

وقال: «نصحه وله _ كمنعه _ نصحا، والاسم: النصيحة.ونصح: خلص»(4).

وقال بعض الشارحين:

كأنّه عليه السلام أوّل رؤياه بالإلهام والتعليم الربّاني، ويحتمل أنّه استنبط أنّ ذلك الرائي منافق يريد اغتيال غيره من قوله تعالى: «كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ» (5)وقد فسّر بعض المعبّرين الخشب بالمنافق نظرا إلى هذه الآية، فذلك الشبح الخشبي كان مثاله، وذلك الفرش الخشبي كان نفاقه، وكما أنّ المنافق في ترويج أمره راكب على فرس النفاق الذي لا يكون أمره رائجا، ولا يوصل صاحبه إلى منزل، كذلك [الفرس ]الخشبي وسيف ذلك الشبح قصد الرائي إهلاك غيره.وأمّا كون الاغتيال في أمر المعيشة فيحتمل أنّه مستنبط من ركوبه على الفرس؛ لأنّ الفرس قد يأوّل بالدُّنيا وسعة المعاش [و]لأنّه سبب لازدياد الرزق والتوسعة في المعيشة وطلب الدُّنيا، كما ورد في بعض الروايات، واللّه يعلم(6).

متن الحديث الثامن والأربعين والأربعمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ ، عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَضْرَمِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَعْيَنَ ، قَالَ :

ص: 569


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 27 (غول)
2- القاموس المحيط، ج 2، ص 280 (عيش) مع التلخيص
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 258 (وكس)
4- القاموس المحيط، ج 1، ص 252 (نصح) مع التلخيص
5- المنافقون (63): 4
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 409

قُمْتُ مِنْ عِنْدِ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَاعْتَمَدْتُ عَلى يَدِي فَبَكَيْتُ ، فَقَالَ : «مَا لَكَ؟» فَقُلْتُ : كُنْتُ أَرْجُو أَنْ أُدْرِكَ هذَا الْأَمْرَ وَبِيَ قُوَّةٌ .

فَقَالَ : «أَ مَا تَرْضَوْنَ أَنَّ عَدُوَّكُمْ يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضا وَأَنْتُمْ آمِنُونَ فِي بُيُوتِكُمْ؟ إِنَّهُ لَوْ قَدْ كَانَ ذلِكَ ، أُعْطِيَ الرَّجُلُ مِنْكُمْ قُوَّةَ أَرْبَعِينَ رَجُلًا ، وَجُعِلَتْ قُلُوبُكُمْ كَزُبَرِ الْحَدِيدِ ، لَوْ قُذِفَ بِهَا الْجِبَالَ لَقَلَعَتْهَا ، وَكُنْتُمْ قِوَامَ الْأَرْضِ وَجِيرَانُهَا (1)» .

شرح الحديث

السند حسن على الظاهر.

قوله: (إنّه لو قد كان ذلك) أي ظهور هذا الأمر.

(وجعلت قلوبكم كزبر الحديد).

في القاموس: «الزبرة _ بالضم _ : القطعة من الحديد، الجمع: زُبَر وزُبْر»(2).

(لو قذف بها الجبال لقلعتها).

القذف: الرمي بالحجارة.والظاهر أنّ ضمير «بها» راجع إلى القلوب، ويحتمل إرجاعه إلى زبر الحديد، والمآل واحد.وأمّا إرجاعه إلى القوّة _ كما قيل (3)_ فلا يخفى بُعده.

ويحتمل أن يكون المقذوف القلوب، والمقذوف إليه الجبال، ويكون الغرض بيان شدّتها وقوّتها وصلابتها بأنّها لو اُلقيت على الجبال لقلعتها عن مكانها.أو يكون الغرض بيان شدّة عزمها، ويكون قذفها على الجبال كناية عن تعلّق عزمها بقلعها.ويحتمل أن يكون المقذوف الجبال، وتكون الباء بمعنى «في» أي لو قذف في تلك القلوب قلع الجبال لقلعتها.

(وكنتم قوام الأرض).

قال الفيروزآبادي: «قام قياما: انتصب، فهو قائم، من قُوَم وقُيّمَ وقُوّام وقُيّام.والقوام _ كسحاب _ : العدل، وما يعاش به.وبالكسر: نظام الأمر وعماده وملاكه»(4).

أقول: يحتمل هنا إرادة كلّ من هذه المعاني بنوع من التقرّب.وقيل: المراد بقوام الأرض

ص: 570


1- هكذا في النسخة و معظم نسخ الكافي ومرآة العقول.وفي كلتا الطبعتين: «وخزّانها»
2- القاموس المحيط، ج 3، ص 37 (زبر) مع التلخيص
3- . نسبه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 322 إلى القيل
4- القاموس المحيط، ج 4، ص 168 (قوم) مع التلخيص

القائمون باُمور الخلق والحكّام عليهم في الأرض(1).

(وجيرانها).

قيل: أي تجيرون الناس من الظلم وتنصرونهم.

في القاموس: «الجار: المجاور، والذي أجرته من أن يظلم، والمجير، والمستجير، والمقاسم، والحليف، والناصر.الجمع: جيران، وجيرة، وأجوار»(2).

وفي بعض النسخ: «خزّانها».ولعلّ المراد خزّان رحمة اللّه في الأرض.وقيل: المراد أنّ الإمام يجعل ضبط أموال المسلمين إليكم ليقسّمها بينهم(3).

متن الحديث التاسع والأربعين والأربعمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي هَاشِمٍ ، عَنْ سُفْيَانَ الْحَرِيرِيِّ (4)، عَنْ أَبِي مَرْيَمَ الْأَنْصَارِيِّ ، عَنْ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَهُوَ يَقُولُ ، وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ ، ثُمَّ قَالَ : «تَفَرَّجِي تَضَيَّقِي ، وَتَضَيَّقِي تَفَرَّجِي».

ثُمَّ قَالَ : «هَلَكَتِ الْمَحَاضِيرُ (5)، وَنَجَا الْمُقَرَّبُونَ ، وَثَبَتَ الْحَصى عَلى أَوْتَادِهِمْ ، أُقْسِمُ بِاللّهِ قَسَما حَقّا إِنَّ بَعْدَ الْغَمِّ فَتْحا عَجَبا» .

شرح الحديث

السند مجهول.وقيل: ضعيف، وفيه نظر.

قوله: (وشبّك أصابعه بعضها في بعض) أي أدخل أصابع إحدى اليدين على الاُخرى، وكأنّه عليه السلام يدخلها إلى اُصولها، ثمّ يخرجها إلى رؤوسها؛ تشبيها لتضيّق الدُّنيا وتفرّجها بتينك الحالتين.

ص: 571


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 322 مع اختلاف في اللفظ
2- القاموس المحيط، ج 1، ص 394 (جور) مع التلخيص
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 322 مع اختلاف في اللفظ
4- . في الطبعة القديمة وأكثر نسخ الكافي: «الجريري» بالجيم المعجمة
5- . في بعض نسخ الكافي وشرح المازندراني والوافي: «المحاصير» بالصاد المهملة

قال الجوهري: «الشَبْك: الخَلْط، والتداخل، ومنه تشبيك الأصابع»(1).

(ثمّ قال: تفرّجي تضيّقي، وتضيّقي تفرّجي)؛ يحتمل كونها على صيغة المصدر المضاف إلى ياء المتكلّم، وحمل أحدهما على الآخر للمبالغة، والمراد أنّ تضيّق الأمر وشدّته في الدُّنيا يستلزم التفرّج والسهولة، وتستعقب الراحة، كما قال تعالى: «إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرا» (2)، وكذا العكس.

وقيل: يمكن أن يكون المراد أنّ الشدّة لي راحة لما أَعَلَم مَن رضِي ربّي فيها، ولا أحبّ الراحة في الدُّنيا لما يستلزمها غالبا من الغفلة والبُعد عن اللّه تعالى، انتهى(3)وأنت خبير بأنّ هذا التوجيه بعيد غاية البُعد.

ويحتمل كونهما بصيغة الأمر والخطاب إلى الأصابع.وقيل: إلى الدُّنيا (4)، فيكونا إخبارين بصورة الإنشاء، والغرض بيان اختلاف أحوال الدُّنيا، وأنّ في بؤسها وضرّائها يرجى نعيمها ورخاؤها، وفي عيشها ورفاهها يحذر بلاؤها وشدّها، والمقصود تسلية الشيعة وترجّيهم للفرج، وتبعيد عن اليأس والقنوط والافتتان بتأخير الفرج وطول مدّة دولة الباطل.

(ثمّ قال: هلكت المحاضير) أي المستعجلون في ظهور الأمر قبل أوانه.

(ونجا) المقرّبون _ بكسر الرّاء _ وهم الذين يرجون الفرج صباحا ومساءً على سبيل التسليم، لا الاستعجال.وبفتحها، وهم الذين تقرّبوا بجناب الحقّ بسبب التسليم والرضا وترك الاستعجال.

(وثبت الحصى على أوتادهم).

قيل: لعلّ المراد بيان استحكام أمرهم وشدّة سلطانهم وتيسّر أسباب ملكهم [لهم]، فلا ينبغي التعرّض لهم؛ فإنّ ثبوت الحصى واستقرارها على الوتد أمرٌ نادر؛ أي تهيّأت لهم نوادر الاُمور وصعابها، فلا ينفع السعي في إزالة ملكهم، ويحتمل أن يكون المراد بثبوت الحصى على أوتادهم دوام دقّها بالحصى ليثبت، فيكون كناية عن تزائد استحكام ملكهم يوما فيوما، وتضاعف أسباب سلطنتهم ساعة فساعة، كالوتد الذي لا ترفع الحصاة عن دقّهما.وقيل:

ص: 572


1- الصحاح، ج 4، ص 1593 (شبك)
2- .الشرح (94): 6
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 323 مع اختلاف في اللفظ
4- . ذهب إليه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 323

الأوتاد مجاز عن أشرافهم وعظمائهم؛ أي ثبت وقدّر في علمه تعالى تعذيبهم برجم أوتادهم ورؤسائهم بالحصا حقيقةً أو مجازا(1).

وقيل: هذا كناية عن ثباتهم في مقام الصبر على أذى الأعداء، وتحمّلهم مكاره الضيق وشدائد البلاء حتّى لا تسقط خيام صبرهم بصرصر الشبهات، ولا تتحرّك أوتادها بحصيّات المفتريات، وهذه العبارة كالمثل للثبات في مقام الشدائد(2).

أقول: مبنى التوجيهات الاُول إرجاع ضمير «أوتادهم» على المنكرين؛ لظهور هذا الأمر المستعجلين به المفهومين من المحاضير، وبناء التوجيه على إرجاعه إلى المقرّبين.

(اُقسم اللّه قسما حقّا..) تأكيد للكلام السابق.

ولعلّ المراد بالقسم المطلق الشامل لما لحق أهل الحقّ في زمن استيلاء أهل الباطل، وبالفتح: العجيب، وزوال الغمّ والشداد بظهور دولة الحقّ واستيلاء أهله.

متن الحديث الخمسين والأربعمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُقْبَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ مُيَسِّرٍ :عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «يَا مُيَسِّرُ ، كَمْ بَيْنَكَ (3)وَبَيْنَ قِرْقِيسِيَا (4)؟».

قُلْتُ : هِيَ قَرِيبٌ عَلى شَاطِئِ الْفُرَاتِ .

قَالَ (5): «أَمَا إِنَّهُ سَيَكُونُ بِهَا وَقْعَةٌ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهَا مُنْذُ خَلَقَ اللّهُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ، وَلَا يَكُونُ مِثْلُهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ، مَأْدُبَةٌ الطَّيْرِ (6)تَشْبَعُ (7)مِنْهَا سِبَاعُ الْأَرْضِ وَطُيُورُ السَّمَاءِ ، يُهْلَكُ فِيهَا قَيْسٌ ، وَلَا يَدَّعِي لَهَا دَاعِيَةٌ» .

قَالَ : وَرَوى غَيْرُ وَاحِدٍ ، وَزَادُوا (8)فِيهِ : «وَيُنَادِي مُنَادٍ : هَلُمُّوا إِلى لُحُومِ الْجَبَّارِينَ» .

ص: 573


1- القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 324 مع اختلاف يسير في اللفظ
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 410 مع اختلاف يسير في اللفظ
3- . في كلتا الطبعتين: «بينكم»
4- . في كلتا الطبعتين: «قرقيسا»
5- . في كلتا الطبعتين: «فقال»
6- . في كلتا الطبعتين: «للطير»
7- . في كثير من نسخ الكافي والوافي: «يشبع»
8- . في كلتا الطبعتين: «وزاد»

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (يا ميسّر، كم بينك) أي بين منزلك.

وفي بعض النسخ: «بينكم».

(وبين قرقيسيا).

في بعض النسخ: «قرقيسا» بياء واحدة.

قال الفيروزآبادي: «قرقيسا _ بالكسر، ويقصر _ : بلد على الفرات سمّي بقرقيسا ابن طهمورث»(1).

(قلت: هي قريب على شاطئ الفرات).

شاطئ الوادي _ بهمز اللّام _ : جانبه.

(قال: أما) بتخفيف الميم.

(أنّه سيكون بها وقعة).

في القاموس: الوقعة في الحرب: (2).صَدْمة بعد صدمة والاسم: الوقيعة»(3).

قيل: كأنّها ما وقع بين أبي مسلم ومروان الحمار وعساكره واستئصالهم، أو ما وقع بين هلاكو والمستعصم واستئصاله بني عبّاس(4).

أقول: قوله عليه السلام : (لم يكن مثلها منذ خلق اللّه سبحانه السماوات والأرض) يأبى ظاهرا عن هذا التوجيه إلّا أن يحمل على المبالغة، أو عدم وقوع وقعة مثلها في تلك البلدة.

(مأدَبَة الطير تشبع منها سباع الأرض وطيور السماء) أي تكون تلك الأرض لكثرة لحوم القتلى فيها مأدبة للطيور والسباع.

قال الجوهري: «الأدَب أيضا مصدر أَدَبَ القوم يأدبهم _ بالكسر _ : إذا دعاهم إلى طعامه، واسم الطعام المأدُبَة والمأدَبَة»(5).

وأقول: يحتمل أن يكون مأدبة خبر قوله: «والأرض»، أو خبر مبتدأ محذوف، وما قيل من

ص: 574


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 240 (قرقس)
2- . في المصدر: «بالحرب»
3- القاموس المحيط، ج 3، ص 96 (وقع)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 411
5- الصحاح، ج 1، ص 86 (أدب) مع التلخيص

أنّها صفة وقعة، (1)فبعيد لفظا ومعنىً.

(يهلك فيها قيس) أي أهل قبيلة.

(ولا يدّعى لها داعية).

الظاهر أنّ الواو للحال، و«يدّعى» على بناء المجهول، وضمير «لها» راجع إلى «قيس»، والتأنيث باعتبار القبيلة، و«داعية» صفة موصوف مقدّر؛ أي لا تنسب إليها نفس داعية تدعو الانتساب إليها؛ قال في النهاية: «يدعى له، أي ينسب إليه، فيُقال: فلان بن فلان»، (2)أو لا تبقى لها بقيّة؛ قال الفيروزآبادي: «داعية اللبن بقيّته التي في الضرع بعد الحلب (3)تدعو سائره، ودعا في الضرع: أبقاها فيه»(4).

وقيل: معناه: لا تطلب لها خيول صارخة ومن يقوم بطلب دمائهم لعدم وجوده(5).

قال الفيروزآبادي: «الداعية: صريخ الخيل في الحروب»(6).

وقيل: أي لا يدعو أحد لنصر تلك القبيلة نفسا أو فئة تدعو الناس إلى نصرهم، أو تشفع عند القائلين، أو تدعوهم إلى رفع القتل.وقيل: يمكن أن يقرأ بتشديد الدال على بناء المعلوم، أي لا تدعى بعد قتلهم فئة تقوم وتطلب ثأرهم، وتدعو الناس إلى ذلك(7).

وقيل: يحتمل أن يكون ضمير «لها» للوقعة، والواو للعطف(8).

(قال: وروى غير واحد).

لعلّ المستتر في «قال» راجع إلى محمّد بن يحيى.

(وزادوا فيه: وينادى مناد).

لعلّ المنادى مَلَكٌ.

(هلمّوا إلى لحوم الجبّارين).

الخطاب للطيور والسباع، ولعلّ ضمير العقلاء باعتبار تشبيهما بقوم يدعون إلى الطعام.

ص: 575


1- ذهب إليه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 411
2- . النهاية، ج 2، ص 122 (دعا)
3- . في المصدر: - «في الضرع بعد الحلب»
4- القاموس المحيط، ج 4، ص 328 (دعو)
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 411
6- القاموس المحيط، ج 4، ص 328 (دعو)
7- قائل القولين هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 325
8- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 411

قال الجوهري:

هلمّ يا رجل _ بفتح الميم _ بمعنى تعالَ.قال الخليل: أصله لَمَّ من قولهم: لمَّ اللّه شعثه، أي جمعه، كأنّه أراد لمّ نفسك إلينا، أي اقرب.وها للتنبيه، وإنّما حذفت ألفها لكثرة الاستعمال، وجعلا اسما واحدا يستوي فيه الواحد والجمع والتأنيث في لغة أهل الحجاز، قال اللّه تعالى: «وَالْقَائِلِينَ لِاءِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا» (1). وأهل نجد يصرفونها فيقولون للاثنين: هلمّا، وللجمع: هلمّوا، وللنساء: هلممن، والأوّل أفصح(2).

متن الحديث الواحد والخمسين والأربعمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسى ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْمُخْتَارِ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «كُلُّ رَايَةٍ تُرْفَعُ قَبْلَ قِيَامِ الْقَائِمِ فَصَاحِبُهَا طَاغُوتٌ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ» .

شرح الحديث

السند موثّق كالصحيح.

قوله: (عنه) أي عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أحمد بن محمّد، أي ابن عيسى.

قوله: (كلّ راية ترفع قبل قيام القائم).

لعلّ رفع الراية كناية عن ادّعاء السلطنة والخلافة وتهيئة أسبابها، سواء كان ذلك المدّعي يدعو إلى دين الحقّ والباطل.

(فصاحبها طاغوت).

قال الجوهري: الطاغوت: الكاهن، والشيطان، وكلّ رأس في الضلالة، قد يكون واحدا، قال اللّه : «يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ» (3)وقد يكون جمعا، قال اللّه تعالى: «وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ» (4). وطاغوت وإن

ص: 576


1- .الأحزاب (33): 18
2- الصحاح، ج 5، ص 2060 (هلم) مع التلخيص
3- النساء (4): 60
4- .البقرة (2): 257

جاء على وزن لاهوت، فهو مقلوب؛ [لأنّه] من طغى، ولاهوت غير مقلوب؛ لأنّه من لاه بمنزلة الرغَبَوت والرَّهبوت، والجمع: الطواغيت(1).

وقال الفيروزآبادي: «الطاغوت: اللّات والعزّى، والأصنام، وكلّ ما عبد من دون اللّه » (2)انتهى.

والظاهر أنّ قوله عليه السلام : (يعبد من دون اللّه عزّ وجلّ) على البناء للمفعول، والجملة صفة لطاغوت، واحتمال كونه على صيغة المعلوم وكون الجملة حالاً عن صاحبها بعيد.

متن الحديث الثاني والخمسين والأربعمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ أَحْمَدَ (3)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ ، عَنْ شِهَابِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ ، قَالَ :قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «يَا شِهَابُ ، يَكْثُرُ الْقَتْلُ فِي أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ قُرَيْشٍ حَتّى يُدْعَى الرَّجُلُ مِنْهُمْ إِلَى الْخِلَافَةِ فَيَأْبَاهَا» ثُمَّ قَالَ : «يَا شِهَابُ ، وَلَا تَقُلْ : إِنِّي عَنَيْتُ بَنِي عَمِّي هؤُلَاءِ».

قَالَ شِهَابٌ : أَشْهَدُ أَنَّهُ قَدْ عَنَاهُمْ .

شرح الحديث

السند حسن كالصحيح.

قوله: (ولا تقل: إنّي عنيت) أي قصدت.

(بني عمّي هؤلاء).

الظاهر أنّ المشار إليهم بنو الحسن؛ لما ذكره عليه السلام من كثرة القتل، لكن ما في قول شهاب (أشهد أنّه قد عناهم) من حمل كلامه عليه السلام على التقيّة يشعر بأنّ المراد بهم بنو العبّاس؛ فإنّه قد وقع فيهم أيضا كثرة القتل في أواخر دولتهم.

متن الحديث الثالث والخمسين والأربعمائة

اشارة

حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكِنْدِيِّ ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنِ الْفُضَيْلِ ، عَنْ زُرَارَةَ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ النَّاسَ لَمَّا صَنَعُوا مَا صَنَعُوا إِذْ بَايَعُوا أَبَا بَكْرٍ ، لَمْ يَمْنَعْ أَمِيرَ

ص: 577


1- الصحاح، ج 6، ص 2413 (طغا)
2- . القاموس المحيط، ج 4، ص 357 (طغو) مع التلخيص
3- . في الطبعة القديمة: + «بن محمّد»

الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام مِنْ أَنْ يَدْعُوَ إِلى نَفْسِهِ إِلَا نَظَرا لِلنَّاسِ وَتَخَوُّفا عَلَيْهِمْ أَنْ يَرْتَدُّوا عَنِ الْاءِسْلَامِ ، فَيَعْبُدُوا الْأَوْثَانَ ، وَلَا يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلهَ إِلَا اللّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَكَانَ الْأَحَبَّ إِلَيْهِ أَنْ يُقِرَّهُمْ عَلى مَا صَنَعُوا مِنْ أَنْ يَرْتَدُّوا عَنْ جَمِيعِ الْاءِسْلَامِ ، وَإِنَّمَا هَلَكَ الَّذِينَ رَكِبُوا مَا رَكِبُوا ، فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَصْنَعْ ذلِكَ وَدَخَلَ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ عَلى غَيْرِ عِلْمٍ وَلَا عَدَاوَةٍ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَإِنَّ ذلِكَ لَا يُكْفِرُهُ وَلَا يُخْرِجُهُ مِنَ الْاءِسْلَامِ ، فَلِذلِكَ (1)كَتَمَ عَلِيٌّ عليه السلام أَمْرَهُ ، وَبَايَعَ مُكْرَها حَيْثُ لَمْ يَجِدْ أَعْوَانا» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (إلّا نظرا للناس).

قال الفيروزآبادي: نظر لهم: رثى لهم، وأعانهم.والنظر _ محرّكة _ : الفكر في الشيء يقدّره ويقيسه، (2)والانتظار»(3). وقال: «رثى له: رحمه، ورقّ له»(4).

(وتخوّفا عليهم أن يرتدّوا عن الإسلام) عن ظاهره بأن لا يقرّوا به أصلاً، كما أشار إليه بقوله: (فيعبدوا الأوثان، ولا يشهدوا أن لا إله إلّا اللّه ، وأنّ محمدا رسول اللّه )، فأبقاهم على ظاهر الإسلام، وأصلح بحال الاُمّة من أن يرتدّوا فيه رأسا، كما يفهم من قوله عليه السلام : (وكان الأحبّ إليه)؛ لأنّ في ذلك الإبقاء كان لهم طريق إلى قبول الحقّ، وقرب إلى الدخول في الإيمان، فلا تنافي بين هذا الخبر وبين ما ورد من الأخبار أنّ الناس ارتدّوا بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلّا ثلاثة (5)؛ لأنّ المراد بها ارتدادهم عن الدِّين واقعا، وبهذا الخبر ارتدادهم عنه ظاهرا وإن كانوا في كثير من الأحكام مشاركين مع الكفّار، بل هم أشدّ كفرا ونفاقا.

(وإنّما هلك الذين ركبوا ما ركبوا) من مبايعتهم أبا بكر مع علمهم ببطلانها، ومعاونتهم على الإثم والعدوان.

(فأمّا مَن لم يصنع ذلك) إلى قوله: (ولا يخرجه من الإسلام).

قال الفاضل الأردبيلي:

المخالف الجاهل المحض الذي لم يعرف الحقّ بحيث لا يعدّ مقصّرا لو وجد، أو

ص: 578


1- . في كلتا الطبعتين: «ولذلك»
2- . في المصدر: «تقدّره وتقيسه»
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 144 (نظر) مع التلخيص
4- القاموس المحيط، ج 4، ص 333 (رثي)
5- . راجع: الاختصاص، ص 6 و 10

عدّ مقصّرا في الجملة حيث دلّ عقله على التفتيش، وما فعل لتقصير أو لجهل ترجى له الجنّة في الجملة، ووجدت قريبا إلى هذا المعنى في بعض الأخبار أنّه لو كان ممّن لم يبرأ وليس بعدوانا ترجى له الجنّة، وليس ببعيد من كرم اللّه وكرمهم عليهم السلام ، وأمّا الذين يموتون على غير الإيمان فالكافر منهم مخلّد في النار، وعبادتهم غير مقبولة عند اللّه ، ويحتمل حصول عوض له بسبب بعض أفعاله الحسنة من اللّه إمّا في الدُّنيا أو في الآخرة بتخفيف عقاب ما، كما قيل فيمن لم يستحقّ دخول الجنّة والثواب فيها، وكذا من كان معاندا ومقلّدا للآباء، أو لمن تقدّمه من العلماء مع معرفته للحقّ في الجملة، كما حكي بعض الفقهاء منهم أنّ هذا حقّ، ولكن العلماء المتقدِّمين هكذا كانوا، وكذا من اطّلع على الحقّ بالعقل والنقل متهاونا في الدِّين ومتغافلاً عن الحقّ وعن التأمّل فيه لقلّة التقييد به، ولهذا نجد نقل العلماء والعظماء منهم حكايات وأخبار دالّة على خلاف مقصدهم مثل ما يروون من الأخبار في الصحاح أنّ الأئمّة إثنى عشر (1)وما نقلوا في آية التطهير (2).من حصر أهلها في آل العبا (3).وآية المباهلة (4)وخبر: إنّي تاركٌ فيكم الثقلين (5)، وأنّه لابدّ في كلّ زمان أن يكون فيه إمام (6)، وأنّه من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهليّة (7)، وأنّ القياس في الاُصول لا يجري، وأنّ الإجماع لا يكون حجّة إلّا إذا كان له مستند، وأنّ القياس له شرائط، وفيه الاختلافات الكثيرة والاعتراضات العظيمة، وكذلك في الإجماع، ومع ذلك يسندون أصلهم _ وهو خلافة الأوّل _ على إجماع مستند إلى قياس، وهو أنّه صلى الله عليه و آله يرضى بالصلاة خلفه، وأنّه أمرٌ اُخروي، والإمامة أمرٌ دنيوي، فيرضى به أيضا، مع أنّهم صرّحوا في بابها بأنّها رئاسة عامّة في الدِّين والدّنيا مع

ص: 579


1- . راجع: صحيح مسلم، ج 6، ص 3 و 4؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 309، ح 4280
2- . هي الآية 33 من سورة الأحزاب (33)
3- . راجع: مسند أحمد، ج 3، ص 285؛ وج 5، ص 107؛ و ج 6، ص 292؛ صحيح مسلم، ج 7، ص 130؛ سنن الترمذي، ج 5، ص 30 و 31، ح 3258 و 3259
4- . هي الآية 61 من سورة آل عمران (3)
5- . مسند أحمد، ج 3، ص 14؛ وج 5، ص 182؛ سنن الترمذي، ج 5، ص 329، ح 3876؛ المستدرك للحاكم، ج 3، ص 110
6- . راجع: تفسير الرازي، ج 20، ص 98
7- . اُنظر: المعجم الكبير، ج 10، ص 289، ح 10687؛ المعجم الاُوسط، ج 3، ص 361؛ مسند أحمد، ج 1، ص 275؛ وج 2، ص 296

تجويزهم الصلاة خلف كلّ فاسق وفاجر، ويتركون ما نقلوه من النصوص بسبب ذلك مع نقلهم أنّ عليّا عليه السلام ما بايع إلّا بعد موت فاطمة عليهاالسلام(1). وبالجملة مَن تفكّر فيما قالوا فقط من غير شيء آخر مذكور في طرقنا يجزم بقلّة مبالاتهم أو بتيقّنهم، ومثل ما روي: «أنّ ضربة عليّ يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين» (2)، وهم يقولون؛ قد يكون غيره أفضل منه بمعنى أكثر ثوابا.

ومثل ما قال شارح التجريد: إنّ معنى قول عمر: بيعة أبي بكر فلتة من عاد إلى مثلها فاقتلوه؛ أنّه من عاد إلى خلاف كاد أن يظهر عندها فاقتلوه(3)وهل يمكن مثل هذا التقدير في الكلام مع أنّه ينافي معنى الفلتة، وهو ظاهر لا خفاء فيه؟!

ومثل ما قال السيّد الشريف في إلهيّات شرح المواقف: الاجتهاد قد يكون صوابا، وقد يكون خطأً، وليس فيه عقاب وقصور، مثل تخلّف الأوّل والثاني عن جيش اُسامة حين أمرهم النبيّ صلى الله عليه و آله بالرواح معه وقالوا: ليس مصلحة في أن نترك النبيّ صلى الله عليه و آله في تلك الحالة التي يمكن مفارقته الدُّنيا ونخلّي المدينة(4). ومثل ما قالوا في توجيه قول الثاني حين قال النبيّ صلى الله عليه و آله في حال الموت: «إيتوني بالدواة والقلم» الحديث، فقال الثاني: إنّ الرجل ليهذر، حسبنا كتاب اللّه ، (5). فقالوا: إنّ ذلك القول منه من باب الاجتهاد، (6)ولم يعلموا أنّ قول الرسول صلى الله عليه و آله والعمل بخلافه كفرٌ محض.

ومثل ما قال العضدي في توجيه إنكار الثاني العدول من الافراد إلى التمتّع حين أمر النبيّ صلى الله عليه و آله ومن لم يسق الهدي بذلك مع عدم سياقه، وقال: نغتسل والنبى صلى الله عليه و آله أغبر، فقال العضدي: إنّه دليل على تقديم فعله صلى الله عليه و آله على قوله عند التعارض، وما علم أن لا تعارض هنا؛ لأنّ فعله وعدم عدوله صلى الله عليه و آله لأنّه ساق الهدي، وقوله: وأمره بالعدول لمن لم يسبقه، فكان فرضه غير فرضهم، ومثل ما بالغ ابن أبي الحديد في كون

ص: 580


1- اُنظر: المصنّف للصنعاني، ج 5، ص 473، ح 9774؛ السنن الكبرى، ج 6، ص 300
2- المستدرك للحاكم، ج 3، ص 32؛ الفردوس، ج 3، ص 455، ح 5406؛ كنز العمّال، ج 12، ص 623، ح 33035
3- لم نعثر عليه
4- لم نعثر على هذا القول في شرح المواقف، لكن نقل فيه عن الآمدي ما يقرب من ذلك.راجع: شرح المواقف، ج 8، ص 372
5- روي بعبارات مختلفة في: مسند أحمد، ج 1، ص 325 و 336؛ صحيح البخاري، ج 5، ص 138؛ وج 7، ص 9؛ صحيح مسلم، ج 5، ص 76؛ السنن الكبرى، ج 3، ص 433، ح 5852
6- اُنظر: صحيح مسلم بشرح النووي، ج 11، ص 91؛ المواقف، ج 3، ص 650

الخطبة الشقشقيّة منه عليه السلام وقال: إنّ كونها منه مثل ضوء النهار، (1)وقد اطّلع على الشكاية التي فيها حتّى قال: فيشكل الأمر علينا لا على الشيعة.ثمّ أجاب بأنّه وقع على ترك الأولى، (2)وهل يقع من العاقل مثل هذه الأقاويل التي لا يعذر صاحبها أصلاً، فهؤلاء وأمثالهم مخلّدون في النار.ويمكن حمل الأخبار الواردة في عدم قبول طاعاتهم وعباداتهم على هؤلاء(3).

(فلذلك) أي لما ذكر من قوله: «نظرا للناس» إلى آخره.

(كتم عليّ عليه السلام أمره) وترك دعوة الناس إلى نفسه.

(وبايع) أبا بكر.

(مكرها) لا طوعا ورغبةً.

وكلمة «حيث» في قوله: (حيث لم يجد أعوانا) ظرف زماني أو مكاني للمبايعة والإكراه، ويحتمل كونها تعليلاً لهما.

قال بعض الأفاضل: اعلم أنّه قد دلّت الأدلّة العقليّة ووردت الأخبار المتواترة في أنّ الأنبياء عليهم السلام والأئمّة عليهم السلام لا يفعلون شيئا من الاُمور لا سيّما اُمور الدِّين إلّا بما أمرهم اللّه تعالى، ولا يتكلّمون في شيء من اُمورهم على الرأي والهوى؛ «إِنْ هُوَ إِلَا وَحْىٌ يُوحَى» (4).

وقد مضت الأخبار في كتاب الحجّة أنّ اللّه أنزل صحيفة من السماء مختومة بخواتيم، وكان كلّ إمام يفضّ الخاتم المتعلّق به ويعمل بما تحته، (5).

وقد ورد في الأخبار المستفيضة ممّا روته الخاصّة والعامه أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أمره بالكفّ عنهم حين أخبرهم بظلمهم، فالاعتراض عليهم فيما يصدر عنهم ليس إلّا من ضعف اليقين وقلّة المعرفة بشأن أئمّة الدِّين.

وقد روى الشيخ أبو طالب الطبرسي في كتاب الاحتجاج: أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان جالسا في بعض مجالسه بعد رجوعه من النهروان، فجرى الكلام حتّى قيل له: لِمَ لا حاربت

ص: 581


1- نقل بالمعنى.اُنظر: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي، ج 1، ص 205
2- نقل بالمعنى.اُنظر: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي، ج 1، ص 157
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 412 _ 414 (مع اختلاف في اللفظ».وانظر: مجمع الفائدة والبرهان للمحقق الأردبيلي، ج 3، ص 215 _ 220
4- النجم (53): 4
5- اُنظر: الكافي، ج 1، ص 279 _ 284، باب أن الأئمّة عليهم السلام لم يفعوا شيئا..

أبا بكر وعمر كما حاربت طلحة والزبير ومعاوية؟ فقال عليه السلام : «إنّي كنت لم أزَل مظلوما مستأثرا على حقّي».

فقام إليه أشعث بن قيس فقال: يا أمير المؤمنين، لِمَ لم تضرب بسفيك وتطلب بحقّك؟ فقال: «يا أشعث، قد قلت قولاً فاسمع الجواب، وعِه واستشعر الحجّة، إنّ لي اُسوة لستّة من الأنبياء عليهم السلام أوّلهم نوح عليه السلام حيث قال: «أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ» (1)، فإن قال قائل: إنّه قال لغير خوف فقد كفر، وإلّا فالوصي أعذر، وثانيهم لوط عليه السلام حيث قال: «لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ» (2)فإن قال قائل: إنّه قال هذا لغير خوف فقد كفر، وإلّا فالوصي أعذر، وثالثهم إبراهيم خليل اللّه حيث قال: «وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّه ِ» (3)فإن قال قائل: إنّه قال هذا لغير خوف فقد كفر، وإلّا فالوصيّ أعذر.ورابعهم موسى عليه السلام حيث قال: «فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ» (4)فإن قال قائل: إنّه قال هذا لغير خوف فقد كفر، وإلّا فالوصيّ أعذر.وخامسهم أخوه هارون عليه السلام حيث قال: «ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي» (5)فإن قال قائل: إنّه قال [هذا] لغير خوف فقد كفر، وإلّا فالوصيّ أعذر.وسادسهم أخي محمّد سيّد البشر صلى الله عليه و آله حيث ذهب إلى الغار ونوّمني على فراشه، فإن قال قائلٌ: إنّه ذهب إلى الغار لغير خوف فقد كفر، وإلّا فالوصيّ أعذر» فقام إليه الناس بأجمعهم فقالوا: يا أمير المؤمنين عليه السلام ، قد علمنا أنّ القول قولك، ونحن المذنبون التائبون، وقد عذرك اللّه (6).

وروي أيضا عن إسحاق بن موسى، عن [أبيه موسى بن] جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن آبائه عليهم السلام قال: «خطب أمير المؤمنين عليه السلام خطبة بالكوفة، فلمّا كان في آخر كلامه قال: إنّي أولى الناس بالناس، وما زلتُ مظلوما منذ قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقام الأشعث بن قيس _ لعنه اللّه _ فقال: يا أمير المؤمنين، لم تخطبنا خطبة منذ قدمت العراق إلّا وقلت: واللّه إنّي لأولى الناس، بالناس وما زلتُ مظلوما منذ قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ولمّا ولّي تيم وعديّ، ألا ضربت بسيفك دون ظلامتك؟ فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : يابن الخمّارة، قد قلت قولاً فاستمع، واللّه ما منعني الجبن، ولا كراهيّة الموت، ولا منعني ذلك إلّا عهد أخي رسول اللّه صلى الله عليه و آله خبّرني وقال: يا أبا الحسن، إنّ الاُمّة ستغدر بك، وتنقض عهدي، وإنّك منّي بمنزلة

ص: 582


1- . القمر (54): 10
2- . هود (11): 80
3- . مريم (19): 48
4- . الشعراء (26): 21
5- . الأعراف (7): 150
6- الاحتجاج، ج 1، ص 279 و 280

هارون من موسى، فقلت: يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فما تعهد إليّ إذا كان كذلك؟ فقال: إن وجدت أعوانا فبادر إليهم، وجاهدهم، وإن لم تجد أعوانا فكفّ يدك، واحقن دمك حتّى تلحق بي مظلوما، فلمّا توفّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله اشتغلت بدفنه والفراغ من شأنه، ثمّ ألَيتُ يمينا أنّي لا أرتدي إلّا للصلاة حتّى أجمع القرآن، ففعلت، ثمّ أخذت بيد فاطمة وابني الحسن والحسين، ثمّ بادرت على أهل بدر وأهل السابقة، فناشدتهم حقّي، ودعوتهم لنصرتي، فما أجابني منهم إلّا أربعة رهط: سلمان، وعمّار، والمقداد، وأبو ذرّ، وذهب من كنت أعتضد بهم على دين اللّه من أهل بيتي، وبقيت بين خفيرتين قريبي العهد بجاهليّة عقيل والعبّاس.

فقال له الأشعث: يا أمير المؤمنين، كذلك كان عثمان [لّما] لم يجد أعوانا كفَّ يده حتّى قُتل مظلوما؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام : يابن الخمّارة، ليس كما قِست؛ إنّ عثمان لمّا جلس جلس في غير مجلسه، وارتدى بغير ردائه، وصارع الحقّ فصرعه الحقّ، والذي بعث محمّدا بالحقّ، لو وجدت يوم بُويع أخو تيم أربعين رجلاً لجاهدتهم في اللّه إلى أن أبلي عذري، ثمّ قال: أيّها الناس، إنّ الأشعث لا يوزن عند اللّه جناح بعوضة، وإنّه أقلّ في دين اللّه من عفطة عنز»(1).

وروي أيضا عن اُمّ سلمة زوجة رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّها قالت: كنّا عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله تسع نسوة، وكانت ليلتي ويومي من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فأتيت الباب فقلت: أدخل يا رسول اللّه ؟ فقال: «لا».

قالت: فكبوت كبوة شديدة مخافة أن يكون ردّني من سخطة أو نزل فيَّ شيء من السماء، ثمّ لم ألبث أن أتيت الباب ثانيةً فقلت: أدخل يا رسول اللّه ؟ فقال صلى الله عليه و آله : «لا».

قالت: فكبوت كبوةً أشدّ من الاُولى، ثمّ لم ألبث أن أتيت الباب ثالثة فقلت: أدخل يا رسول اللّه ؟ فقال: «اُدخلي يا اُمّ سلمة».

فدخلت وعليّ عليه السلام جاثٍ بين يديه وهو يقول: «فداك أبي واُمّي يا رسول اللّه ، إذا كان كذا وكذا فما تأمرني؟».

قال: «آمرُك بالصبر».

ص: 583


1- الاحتجاج، ج 1، ص 280 و 281

ثمّ أعاد عليه القول ثانيةً، فأمره بالصبر، ثمّ أعاد عليه القول ثالثةً فقال له: «يا علي، يا أخي، إذا كان ذلك منهم، فسل سيفك وضعه على عاتقك، واضرب قدما قدما حتّى تلقاني، وسيفك شاهر يقطر من دمائهم».

ثمّ التفت إليّ وقال: «ما هذه الكآبة يا اُمّ سلمة؟» قلت: للذي كان من ردّك إيّاي يا رسول اللّه ، فقال لي: «واللّه ، ما رددتك لشيء خيرٌ من اللّه ورسوله، ولكن أتيتني وجبرئيل عليه السلام يخبرني بالأحداث التي تكون بعدي، وأمرني أن اُوصي بذلك عليّا.

يا اُمّ سلمة، اسمعي واشهدي، هذا عليّ بن أبي طالب [وزيري في الدنيا ووزيري في الآخرة.يا اُمّ سلمة، اسمعي واشهدي، هذا عليّ بن أبي طالب] (1)وصيّي وخليفتي من بعدي، وقاضي عداتي، والرائد عن حوضي، يا اُمّ سلمة، اسمعي واشهدي، هذا عليّ بن أبي طالب سيّد المسلمين، وإمام المتّقين، وقائد الغرّ المحجّلين، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين».

قلت: يا رسول اللّه ، مَن الناكثون؟

قال: «الذين يبايعونه بالمدينة، وينكثون ويقاتلونه بالبصرة».

قلت: مَن القاسطون؟

قال: «معاوية وأصحابه من أهل الشام».

قلت: مَن المارقين؟ قال: «أصحاب النهروان»(2).

وروى الصدوق في كتاب العيون والعلل بإسناده عن الهيثم بن عبد اللّه الرمّاني، قال: سألت الرضا عليه السلام فقلت له: يابن رسول اللّه ، أخبرني عن عليّ عليه السلام لمَ لم يجاهد أعداءه خمسا وعشرين سنة بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ثمّ جاهد في أيّام ولايته؟

فقال: «لأنّه اقتدى برسول اللّه صلى الله عليه و آله في تركه جهاد المشركين بمكّة بعد النبوّة ثلاث عشر سنة، وبالمدينة تسعة عشر شهرا، وذلك لقلّة أعوانه عليهم، وكذلك عليّ عليه السلام ترك مجاهدة أعدائه لقلّة أعوانه عليهم، فلمّا لم تبطل نبوّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله مع تركه الجهاد ثلاث عشر سنة وتسعة عشر شهرا، كذلك لم تبطل إمامة عليّ عليه السلام مع تركه الجهاد خمسا وعشرين سنة إذا كانت العلّة لهما من الجهاد واحدة»(3).

ص: 584


1- . أثبتناه من المصدر
2- الاحتجاج، ج 1، ص 288 و 289
3- عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 2، ص 81، ح 16؛ علل الشرائع، ج 1، ص 148، ح 5

وروي في إكمال الدين و العلل بإسناده عن إبراهيم الكرخي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام ، أو قال له رجل: أصلحك اللّه ، ألم يكن عليّ عليه السلام قويّا في دين اللّه عزّ و جلّ؟ قال: «بلى».

قال: فيكف ظهر عليه القوم؟ وكيف لم يدفعهم، وما منعه من ذلك؟

قال: «آية في كتاب اللّه منعته».قال: قلت: وأيّ آية؟ قال: «قوله: «لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا» (1)؛ إنّه كان للّه _ عزّ و جلّ _ ودائع مؤمنين في أصلاب قوم كافرين ومنافقين، فلم يكن عليّ عليه السلام ليقتل الآباء حتّى تخرج الودائع، فلمّا خرجت الودائع ظهر على من ظهر، فقاتله.وكذلك قائمنا أهل البيت لن يظهر أبدا حتّى تظهر ودائع اللّه عزّ و جلّ، فإذا ظهرت ظهر على من ظهر فقتله»(2).

وروي أيضا بإسناده عن منصور، عن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال في قول اللّه عزّ و جلّ: «لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا» : «لو أخرج اللّه ما في أصلاب المؤمنين من الكافرين، وما في أصلاب الكافرين من المؤمنين، لعذّب الذين كفروا»(3).

وروي في العلل بإسناده عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا أنّه سئل أبو عبد اللّه عليه السلام : ما بال أمير المؤمنين عليه السلام لم يقاتلهم؟ قال: «الذي سبق في علم اللّه أن يكون وما كان له أن يقاتلهم، وليس معه إلّا ثلاثة رهط من المؤمنين»(4).

ص: 585


1- . الفتح (48): 25
2- كمال الدين، ج 2، ص 141؛ علل الشرائع، ج 1، ص 147، ح 3
3- كمال الدين، ج 2، ص 642؛ علل الشرائع، ج 1، ص 147، ح 4
4- علل الشرائع، ج 1، ص 148، ح 6.وعنه في وسائل الشيعة، ج 15، ص 88، ح 20045

ص: 586

فهرس المطالب

الصورة

ص: 587

الصورة

ص: 588

الصورة

ص: 589

الصورة

ص: 590

الصورة

ص: 591

الصورة

ص: 592

الصورة

ص: 593

الصورة

ص: 594

الصورة

ص: 595

الصورة

ص: 596

الصورة

ص: 597

الصورة

ص: 598

الصورة

ص: 599

الصورة

ص: 600

الصورة

ص: 601

الصورة

ص: 602

الصورة

ص: 603

الصورة

ص: 604

الصورة

ص: 605

الصورة

ص: 606

الصورة

ص: 607

المجلد 4

هویة الکتاب

سرشناسه : قاریاغدی، محمدحسین، توشیحگر

عنوان قراردادی : الکافی. روضه. شرح

عنوان و نام پديدآور : البضاعةالمزجاة: شرح کتاب الروضه من الکافی/ محمدحسین قاریاغدی ؛ تحقیق حمید الاحمدی الجلفائی.

مشخصات نشر : قم: موسسه دارالحدیث العلمیه والثقافیه، مرکز للطباعه والنشر؛ تهران: کتابخانه٬ موزه و مرکز اسناد مجلس شورای اسلامی،1430ق.= 1388 -

مشخصات ظاهری : ج.

فروست : الشروح والحواشی علی الکافی؛ 14.

مرکز بحوث دارالحدیث؛ 156.

مجموعه آثارالموتمرالدولی الذکری ثقةالاسلام الکلینی(ره)؛ 24 ، 25

شابک : دوره: 978-964-493-329-5 ؛ 70000 ریال: ج. 1 : 978-964-493-319-6

يادداشت : عربی.

يادداشت : کتاب حاضر شرحی بر کتاب "اصول الکافی" تالیف "محمدبن یعقوب کلینی" است.

یادداشت : کتابنامه.

عنوان دیگر : شرح کتاب الروضه من الکافی.

موضوع : کلینی، محمد بن یعقوب - 329ق. . الکافی. روضه -- نقد و تفسیر

موضوع : احادیث شیعه -- قرن 4ق.

شناسه افزوده : احمدی جلفایی، حمید، 1357 -

شناسه افزوده : کلینی، محمد بن یعقوب - 329ق. . الکافی. روضه. شرح

شناسه افزوده : ایران. مجلس شورای اسلامی. کتابخانه، موزه و مرکز اسناد

شناسه افزوده : دار الحدیث. مرکز چاپ و نشر

رده بندی کنگره : BP129/ک8ک240216 1388

رده بندی دیویی : 297/212

شماره کتابشناسی ملی : 1852989

ص: 1

اشاره

مرکز البحوث

موسسة دارالحديث العلمیة الثقافیة

ص: 2

البضاعَةُ الْمُزْجَاةُ

(شرح کتاب الروضة من الكافي)

مُحَمَّدْ حُسَيْنُ بْنُ قَارُ يَا غَدِي

(م 1089 ق.)

المجلد الرابع

تَحْقِيقُ

حَمِيدِ الْأَحْمَدِي الْجُلْفَائِيِّ

مجموعة آثار المؤتمر الدولي لذكرى الشيخ ثقة الإسلام الكليني - ٢٤

ص: 3

البضاعة المزجاة /

محمد حسين بن قارياغدي

تحقيق : حميد الأحمدي الجلفائي

الإخراج الفنى : محمد كريم صالحي ، مجيد بابكي

الناشر : دار الحديث للطباعة والنشر

الطبعة : الأولى ، ١٤٢٩ ق / ١٣٨٧ ش

المطبعة : دار الحديث

الكمية : ؟؟؟؟

الثمن : ؟؟؟؟

دار الحديث للطباعة والنشر

مؤسسة دار الحديث العلمية الثقافية

دارالحديث للطباعة والنشر : قم ، شارع معلّم ، قرب ساحة الشهداء ، الرقم ١٢٥

الهاتف : ٠٢١٧٧٤١٦٥٠ - ٠٢٥١٧٧٤٠٥٢٣ ص ب : ٤٤٦٨ / ٣٧١٨٥

hadith@hadith.net

http://www.hadith.net

ص: 4

ص: 1

ص: 2

ص: 3

ص: 4

[بسم اللّه الرحمن الرحيم]

متن الحديث الرابع والخمسين والأربعمائة

اشارة

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُسْكَانَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْقَصِيرِ ، قَالَ :

قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : إِنَّ النَّاسَ يَفْزَعُونَ إِذَا قُلْنَا : إِنَّ النَّاسَ ارْتَدُّوا .

فَقَالَ : «يَا عَبْدَ الرَّحِيمِ ، إِنَّ النَّاسَ عَادُوا بَعْدَ مَا قُبِضَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ ، إِنَّ الْأَنْصَارَ اعْتَزَلَتْ ، فَلَمْ تَعْتَزِلْ بِخَيْرٍ ، جَعَلُوا يُبَايِعُونَ سَعْدا وَ هُمْ يَرْتَجِزُونَ ارْتِجَازَ الْجَاهِلِيَّةِ ؛ يَا سَعْدُ ، أَنْتَ الْمُرَجّى ، وَشَعْرُكَ الْمُرَجَّلُ ، وَفَحْلُكَ الْمُرَجَّمُ» .

شرح

السند مجهول.

قوله: (إنّ الناس يفزعون) أي يخافون، وهو كناية عن شدّة إنكارهم ارتداد الصحابة، فأجاب عليه السلام: لا استبعاد في ذلك؛ فإنّ التخلّف عن وصيّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله، والاعتزال عن وصيّه، وتعيين سعد للإمامة بأهوائهم وآرائهم، وارتجاز الجاهليّة، دليلٌ على أنّهم عادوا بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله أهل جاهليّة.

(إنّ الأنصار اعتزلت، فلم تعتزل بخير).

لعلّ المراد أنّهم وإن اعتزلوا ابتداء عن مبايعة أبي بكر، لكن لم يكن اعتزالهم لاختيار الحقّ، أو ترك الباطل، بل اختاروا باطلاً مكان باطل آخر.

وقيل: المراد أنّهم اعتزلوا عن الدِّين، أو عن أمير المؤمنين، أو عن المهاجرين.(1)

ص: 5


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 416.

وقوله عليه السلام: (جعلوا يبايعون سعدا) بيان للاعتزال، أو لعودهم أهل جاهليّة، أو للجميع.

وسعد بن عبادة من أشراف الأنصار.

(وهم يرتجزون ارتجاز الجاهليّة).

قال الفيروزآبادي:

الرَّجَز _ بالتحريك _ : ضرب من الشعر، وزنه مستفعلن ستّ مرّات، سمّي لتقارب أجزائه، وقلّة حروفه. وزعم الخليل أنّه ليس بشعر، وإنّما هو أنصاف أبيات وأثلاث، والاُرجوزة: والقصيدة، منه الجمع: أراجيز. وقد رجز وارتجز ورجزبه ورجّزه: أنشده اُرجوزة.(1)

(يا سعد، أنت المُرجّى، وشعرك المرجّل، وفحلك المرجّم).

المرجّى _ بتشديد الجيم _ من الرّجاء، وهو الأمل. قال الجوهري: «رجوتُ فلانا ورجيته ترجية بمعنى».(2)

وقال: «شعر رجل ورجل: إذا لم يكن شديد الجعودة، ولا سَبِطا، تقول منه: رجّل شعره ترجيلاً».(3)

وقال:

الرُّجمة _ بالضمّ _ واحدة الرجم والرِجام، وهي حجارة ضخام دون الرضام، وربما جمعت على القبر ليسنّم.

وقال عبد اللّه مغفّل في وصيّته: لا ترجموا قبري؛ أي لا تجعلوا عليه الرجم، أراد بذلك تسوية قبره [بالأرض] وأن لا يكون مسنّما مرتفعا، انتهى.(4)

أقول: لعلّ المراد: يا سعد، أنت مرتجى للناس مرجوّ منك حصول مقاصدهم، وشعرك مسرّح منظّف محسّن، وفحلك _ أي خصمك _ المدّعي للغلبة، مرجّم القبر، غير داخل في سلك الأحياء.

وقيل: أي خصمك مرجوم مطرود.(5)

وقيل: المرجم إمّا من جعل على قبره الرجمة، أو من رجم في المعارك ورمى فيها،

ص: 6


1- . القاموس المحيط، ج 2، ص 176 رجز مع التلخيص.
2- . لم نعثر عليه في الصحاح.
3- . الصحاح، ج 4، ص 1706 رجل.
4- . الصحاح، ج 5، ص 1928 رجم.
5- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه اللهفي مرآة العقول، ج 26، ص 335.

أو من لا يوقف على حقيقة أمره لفخامته. والفحل على الأوّل الخصم المدّعي للغلبة أو المساواة، وعلى الأخيرين أبو المخاطب، أو [هو] على سبيل الكناية كما في قولك: مثلك لا يبخل.(1)

متن الحديث الخامس والخمسين والأربعمائة

اشارة

حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكِنْدِيِّ ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْأَحْوَلِ وَ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ زَكَرِيَّا النَّقَّاضِ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : «النَّاسُ صَارُوا بَعْدَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِمَنْزِلَةِ مَنِ اتَّبَعَ هَارُونَ عليه السلام وَمَنِ اتَّبَعَ الْعِجْلَ ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ دَعَا ، فَأَبى عَلِيٌّ عليه السلام إِلاَّ الْقُرْآنَ ، وَإِنَّ عُمَرَ دَعَا ، فَأَبى عَلِيٌّ عليه السلام إِلاَّ الْقُرْآنَ ، وَإِنَّ عُثْمَانَ دَعَا ، فَأَبى [عَلِيٌّ] عليه السلام إِلاَّ الْقُرْآنَ ، وَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَدْعُو إِلى أَنْ يَخْرُجَ الدَّجَّالُ إِلاَّ سَيَجِدُ مَنْ يُبَايِعُهُ ، وَمَنْ رَفَعَ رَايَةَ ضَلاَلٍ(2) فَصَاحِبُهَا طَاغُوتٌ».

شرح

السند مجهول.

قوله: (وأنّ أبا بكر دعا، فأبى علي عليه السلام إلاّ القرآن).

يعني أنّه دعا عليّا عليه السلام والناس جميعا على بيعته وموافقته في بدعته، فلم يعمل علي عليه السلام في زمن استيلائه وغلبته إلاّ بالقرآن، ولم يعمل بأهوائهم، وكذا في زمن استيلاء عمر وعثمان.

(وإنّه ليس من أحد يدعو) أي يدعو الناس إلى بدعته وضلالته؛ بقرينة السابق واللاّحق.

(إلى أن يخرج الدجّال).

قيل: أي إلى زمان خروجه. والمراد به جميع زمانه المتّصل آخره بزمان نزول عيسى وظهور الصاحب عليه السلام، فلا يرد أن «إلى» تفيد خروج ما بعدها عن الحكم المذكور، وليس كذلك.(3)

ص: 7


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 417.
2- . هكذا أيضا في أكثر نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: «ضلالة».
3- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 417.

(إلاّ سيجد من يبايعه).

قيل: السين هنا لمجرّد التأكيد، كما صرّح به صاحب الكشّاف في قوله تعالى: «سَنَكْتُبُ

مَا قَالُوا»(1).(2)

متن الحديث السادس والخمسين والأربعمائة

اشارة

(حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ)

أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ سَلَمَةَ اللُّؤلُؤيِّ ، عَنْ رَجُلٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «أَ لاَ أُخْبِرُكُمْ كَيْفَ كَانَ إِسْلاَمُ سَلْمَانَ وَأَبِي ذَرٍّ؟».

فَقَالَ الرَّجُلُ _ وَأَخْطَأَ _ : أَمَّا إِسْلاَمُ سَلْمَانَ فَقَدْ عَرَفْتُهُ ، فَأَخْبِرْنِي بِإِسْلاَمِ أَبِي ذَرٍّ .

فَقَالَ : «إِنَّ أَبَا ذَرٍّ كَانَ فِي بَطْنِ مَرٍّ يَرْعى غَنَما لَهُ ، فَأَتى ذِئْبٌ عَنْ يَمِينِ غَنَمِهِ ، فَهَشَّ بِعَصَاهُ عَلَى الذِّئْبِ ، فَجَاءَ الذِّئْبُ عَنْ شِمَالِهِ ، فَهَشَّ عَلَيْهِ أَبُو ذَرٍّ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ أَبُو ذَرٍّ : مَا رَأَيْتُ ذِئْبا أَخْبَثَ مِنْكَ وَلاَ شَرّا ، فَقَالَ لَهُ الذِّئْبُ : شَرٌّ _ وَاللّهِ _ مِنِّي أَهْلُ مَكَّةَ ؛ بَعَثَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ إِلَيْهِمْ نَبِيّا ، فَكَذَّبُوهُ وَشَتَمُوهُ ، فَوَقَعَ فِي أُذُنِ أَبِي ذَرٍّ ، فَقَالَ لاِمْرَأَتِهِ : هَلُمِّي مِزْوَدِي وَإِدَاوَتِي وَعَصَايَ ، ثُمَّ خَرَجَ عَلى رِجْلَيْهِ يُرِيدُ مَكَّةَ لِيَعْلَمَ خَبَرَ الذِّئْبِ وَمَا أَتَاهُ بِهِ(3) حَتّى بَلَغَ مَكَّةَ ، فَدَخَلَهَا فِي سَاعَةٍ حَارَّةٍ وَقَدْ تَعِبَ وَنَصِبَ ، فَأَتى زَمْزَمَ وَقَدْ عَطِشَ ، فَاغْتَرَفَ دَلْوا فَخَرَجَ لَبَنا(4) ، فَقَالَ فِي نَفْسِهِ : هذَا وَاللّهِ يَدُلُّنِي عَلى [أَنَّ] مَا خَبَّرَنِي(5) الذِّئْبُ وَمَا جِئْتُ لَهُ حَقٌّ ، فَشَرِبَ وَجَاءَ إِلى جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِ الْمَسْجِدِ ، فَإِذَا حَلْقَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ ، فَرَآهُمْ يَشْتِمُونَ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله كَمَا قَالَ الذِّئْبُ ، فَمَا زَالُوا فِي ذلِكَ مِنْ ذِكْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وَالشَّتْمِ لَهُ حَتّى جَاءَ أَبُو طَالِبٍ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : كُفُّوا فَقَدْ جَاءَ عَمُّهُ .

قَالَ : فَكَفُّوا ، فَمَا زَالَ يُحَدِّثُهُمْ وَيُكَلِّمُهُمْ حَتّى كَانَ آخِرُ النَّهَارِ ، ثُمَّ قَامَ وَقُمْتُ عَلى أَثَرِهِ ، فَالْتَفَتَإِلَيَّ فَقَالَ(6) : اذْكُرْ حَاجَتَكَ ، فَقُلْتُ : هذَا النَّبِيُّ الْمَبْعُوثُ فِيكُمْ؟ قَالَ : وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قُلْتُ : أُومِنُ بِهِ وَأُصَدِّقُهُ وَأَعْرِضُ عَلَيْهِ نَفْسِي ، وَلاَيَأْمُرُنِي بِشَيْءٍ إِلاَّ أَطَعْتُهُ ، فَقَالَ : وَتَفْعَلُ؟ فَقُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ :

ص: 8


1- . آل عمران 3: 181.
2- . لم نعثر عليه في الكشّاف.
3- . في بعض نسخ الكافي والوافي: + «فمشى».
4- . في كلتا الطبعتين: «لبن».
5- . في بعض نسخ الكافي: «أخبرني».
6- . في بعض نسخ الكافي: «وقال».

فَتَعَالَ(1) غَدا فِي هذَا الْوَقْتِ إِلَيَّ حَتّى أَدْفَعَكَ إِلَيْهِ .

قَالَ : «فَبِتُّ(2) تِلْكَ اللَّيْلَةَ فِي الْمَسْجِدِ حَتّى إِذَا كَانَ الْغَدُ جَلَسْتُ مَعَهُمْ ، فَمَا زَالُوا فِي ذِكْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وَشَتْمِهِ حَتّى إِذَا(3) طَلَعَ أَبُو طَالِبٍ ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : أَمْسِكُوا قَدْ(4) جَاءَ عَمُّهُ ، فَأَمْسَكُوا ،فَمَا زَالَ يُحَدِّثُهُمْ حَتّى قَامَ، فَتَبِعْتُهُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : اذْكُرْ حَاجَتَكَ ، فَقُلْتُ : النَّبِيُّ الْمَبْعُوثُ فِيكُمْ؟ قَالَ : وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ فَقُلْتُ(5) : أُومِنُ بِهِ وَأُصَدِّقُهُ ، وَأَعْرِضُ عَلَيْهِ نَفْسِي(6) ، وَلاَ يَأْمُرُنِي بِشَيْءٍ إِلاَّ أَطَعْتُهُ، قَالَ : وَتَفْعَلُ؟ قُلْتُ : نَعَمْ ، فَقَالَ : قُمْ مَعِي ، فَتَبِعْتُهُ، فَدَفَعَنِي إِلى بَيْتٍ فِيهِ حَمْزَةُ عليه السلام ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَجَلَسْتُ ، فَقَالَ لِي : مَا حَاجَتُكَ؟ فَقُلْتُ : هذَا النَّبِيُّ الْمَبْعُوثُ فِيكُمْ؟ فَقَالَ : وَمَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ؟ قُلْتُ : أُومِنُ بِهِ وَأُصَدِّقُهُ ، وَأَعْرِضُ عَلَيْهِ نَفْسِي ، وَلاَ يَأْمُرُنِي بِشَيْءٍ إِلاَّ أَطَعْتُهُ ، فَقَالَ : تَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّاللّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدا رَسُولُ اللّهِ ، قَالَ : فَشَهِدْتُ .

قَالَ : فَدَفَعَنِي حَمْزَةُ إِلى بَيْتٍ فِيهِ جَعْفَرٌ عليه السلام ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَجَلَسْتُ ، فَقَالَ لِي جَعْفَرٌ عليه السلام : مَا حَاجَتُكَ؟ فَقُلْتُ : هذَا النَّبِيُّ الْمَبْعُوثُ فِيكُمْ؟ قَالَ : وَمَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ؟ فَقُلْتُ(7) : أُومِنُ بِهِ وَأُصَدِّقُهُ ،وَأَعْرِضُ عَلَيْهِ نَفْسِي(8) ، وَلاَ يَأْمُرُنِي بِشَيْءٍ إِلاَّ أَطَعْتُهُ ، فَقَالَ : تَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ .

قَالَ: فَشَهِدْتُ ، فَدَفَعَنِي إِلى بَيْتٍ فِيهِ عَلِيٌّ عليه السلام ، فَسَلَّمْتُ وَجَلَسْتُ ، فَقَالَ : مَا حَاجَتُكَ؟ فَقُلْتُ(9) :هذَا النَّبِيُّ الْمَبْعُوثُ فِيكُمْ؟ قَالَ : وَمَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ؟ قُلْتُ : أُومِنُ بِهِ وَأُصَدِّقُهُ ، وَأَعْرِضُ عَلَيْهِ نَفْسِي(10) ، وَلاَ يَأْمُرُنِي بِشَيْءٍ إِلاَّ أَطَعْتُهُ ، فَقَالَ : تَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدا رَسُولُ اللّهِ .

قَالَ : فَشَهِدْتُ ، فَدَفَعَنِي إِلى بَيْتٍ فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَسَلَّمْتُ وَجَلَسْتُ ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مَا حَاجَتُكَ؟ قُلْتُ : النَّبِيُّ الْمَبْعُوثُ فِيكُمْ؟ قَالَ : وَمَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ؟ قُلْتُ : أُومِنُ بِهِ وَ أُصَدِّقُهُ ، وَلاَ يَأْمُرُنِي بِشَيْءٍ إِلاَّ أَطَعْتُهُ، فَقَالَ(11) : تَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدا رَسُولُ اللّهِ ، فَقُلْتُ : أَشْهَدُ

ص: 9


1- . في بعض نسخ الكافي: «فقال: تعالى» بدل «قال: فتعال».
2- . في الطبعة القديمة وبعض نسخ الكافي: «بتّ».
3- . في كثير من نسخ الكافي: - «إذا».
4- . في الطبعة القديمة وبعض نسخ الكافي والوافي: «فقد».
5- . في بعض نسخ الكافي: «قلت».
6- . في بعض نسخ الكافي: «نفسي عليه».
7- . في بعض نسخ الكافي: «قلت». وفي بعضها: + «له».
8- . في بعض نسخ الكافي: «نفسي عليه».
9- . في بعض نسخ الكافي: «قلت»
10- . في بعض نسخ الكافي: «نفسي عليه».
11- . في بعض نسخ الكافي: «قال». وفي بعضها: + «له».

أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدا رَسُولُ اللّهِ ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : يَا أَبَا ذَرٍّ انْطَلِقْ إِلى بِلاَدِكَ ، فَإِنَّكَ تَجِدُ ابْنَ عَمٍّ لَكَ قَدْ مَاتَ ، وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُكَ ، فَخُذْ مَالَهُ ، وَأَقِمْ عِنْدَ أَهْلِكَ حَتّى يَظْهَرَ أَمْرُنَا .

قَالَ : فَرَجَعَ أَبُو ذَرٍّ ، فَأَخَذَ(1) الْمَالَ ، وَأَقَامَ عِنْدَ أَهْلِهِ حَتّى ظَهَرَ أَمْرُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ».

فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «هذَا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ وَإِسْلاَمِهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ ، وَأَمَّا حَدِيثُ سَلْمَانَ ، فَقَدْ سَمِعْتَهُ» .

فَقَالَ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، حَدِّثْنِي بِحَدِيثِ سَلْمَانَ .

فَقَالَ : «قَدْ سَمِعْتَهُ» وَلَمْ يُحَدِّثْهُ لِسُوءِ أَدَبِهِ .

شرح

السند مجهول.

قوله: (وأخطأ) يعني ذلك الرجل في قوله.

(إمّا إسلام سلمان فقد عرفته).

ادّعى علمه بكيفيّة إسلام سلمان، وهذا خطأ منه؛ لسوء الأدب، وقد حرم عن معرفة كيفيّة إسلامه، كما سيجيء في آخر الحديث.(2)

(أنّ أبا ذرّ كان في بطن مرّ) بفتح الميم.

قال الفيروزآبادي: «بطن مرٍّ، ويُقال له: مرّ الظهران، موضع على مرحلة من مكّة».(3)

(فهشّ بعصاه على الذئب).

قال في القاموس: «هشّ الورق يهشّه ويهشّه: خبطه بعصا ليتحات».(4)

وقال: «خبطه [يخبطه] : ضربه شديدا».(5)

(فقال لامرأته: هلمّي مزودي وإداوتي).

قال في القاموس: «المِزود، كمنبر: وعاء الزاد».(6)

وقال: «الإداوة _ بالكسر _ : المطهرة»(7).

ص: 10


1- . في بعض نسخ الكافي: «وأخذ».
2- . في حاشية النسخة: «الخبر _ خ ل».
3- . القاموس المحيط، ج 2، ص 133 مرر.
4- . القاموس المحيط، ج 2، ص 293 هشش.
5- . القاموس المحيط، ج 2؛ ص 356 خبط.
6- . القاموس المحيط، ج 1، ص 293 زود.
7- . القاموس المحيط، ج 4، ص 298 أدو.

(فقال: اذكر حاجتك، فقلت: [هذا] النبيّ المبعوث فيكم) أي حاجتي لقاء النبيّ المبعوث فيكم، أو لقاؤه حاجتي، أو النبيّ المبعوث فيكم أين هو.

وأمّا كيفيّة إسلام سلمان، فقد روى الصدوق رحمه الله في كتاب الإكمال _ بسند فيه إرسال _ عن موسى بن جعفر عليهماالسلام، قال: قلت: يابن رسول اللّه ، ألا تخبرنا كيف كان سبب إسلام سلمان الفارسي؟

قال: «نعم(1)، حدّثني أبي عليه السلام أنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام وسلمان الفارسي وأبا ذرّ وجماعة من قريش كانوا مجتمعين عند قبر النبيّ صلى الله عليه و آله، فقال أمير المؤمنين عليه السلام لسلمان: يا أبا عبد اللّه ، ألا تخبرنا بمبدأ أمرك؟ فقال سلمان: واللّه يا أمير المؤمنين، لو أنّ غيرك سألني ما أخبرته؛ أنا كنت رجلاً من أهل شيراز من أبناء الدهاقين، وكنت عزيزا على والديّ، فبينا أنا سائر مع أبي في عيدٍ لهم إذا أنا بصومعة، وإذا فيهما رجل ينادي: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ عيسى روح اللّه ، وأنّ محمّدا حبيب اللّه ، فرصف حبّ(2) محمّد في لحمي ودمي فلم يهنئني طعام ولا شراب، فقالت لي اُمّي: يا بنيّ، ما لكَ اليوم لم تسجد لمطلع الشمس؟ قال: فكابرتهاحتّى سكتت، فلمّا انصرفت إلى منزلي إذا أنا بكتاب معلّق في السقف، فقلت لاُمّي: ما هذا الكتاب؟ فقالت: يا روزبه، إنّ هذا كتاب لمّا رجعنا من عيدنا رأيناه معلّقا، فلا تقرب ذلك المكان؛ فإنّك إن قربته قتلك أبوك. قال: فجاهدتها حتّى جنَّ الليل ونام أبي واُمّي، فقمتُ وأخذت الكتاب فإذا فيه: بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا عهد من اللّه إلى آدم أنّه خلق من صلبه نبيّا يُقال له محمّد، يأمر بمكارم الأخلاق، وينهى عن عبادة الأوثان. يا روزبه، أنت وصيّ عيسى فآمن واترك المجوسيّة.

قال: فصعقت صعقةً وزادني شدّة، قال: فعلم أبي واُمّي بذلك، فأخذوني وجعلوني في بئر عميقة وقالوا لي: إن رجعت [وإلاّ] قتلناك، فقلت لهم: افعلوا بي ما شئتم، حبّ محمّد لا يذهب من صدري! قال سلمان: واللّه (3) ما كنت أعرف العربيّة قبل قراءتي الكتاب، ولقد

ص: 11


1- . في المصدر: - «نعم».
2- . في المصدر: «فرسخ وصف محمّد» بدل «فرصف حبّ محمّد». والرصف: ضمّ الشيء إلى الشيء ونظمه، والرَّصيف: المحكم الرصين. اُنظر: لسان العرب، ج 9، ص 121 رصف.
3- . في المصدر: - «واللّه ».

فهّمني اللّه العربيّة من ذلك اليوم، قال: فبقيت في البئر، فجعلوا ينزلون إليَّ قرصا(1) صغارا،[قال: ]فلمّا طال أمري رفعت يدي إلى السماء، فقلت: يا ربّ، إنّك حبّبت محمّدا ووصيّه إليّ، فبحقّ وسيلته، عجّل فرجي، وأرحني ممّا أنا فيه، فأتاني آتٍ وعليه ثياب بيض فقال: قُم يا روزبه، فأخذ بيدي وأتى بي [إلى] الصومعة، فأنشأت أقول: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ عيسى روح اللّه ، وأنّ محمّدا حبيب اللّه ، فأشرف عليَّ الديراني فقال: أنت روزبه؟ فقلت:

نعم، فقال: اصعد، فأصعدني إليه وخدمته حولين كاملين، فلمّا حضرته الوفاة قال: إنّي ميّت،فقلت له: فعلى مَن تخلّفني؟ فقال: لا أعرف أحدا يقول بمقالتي [هذه] إلاّ راهبا بإنطاكية، فإذا لقيته فاقْرأْه منّي السلام، وادفع إليه هذا اللّوح، وناولني لوحا، فلمّا مات غسّلته وكفّنته [ودفنته ]وأخذت اللوح وسرت به إلى إنطاكية، وأتيت الصومعة وأنشأت أقول: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ عيسى روح اللّه ، وأنّ محمّدا حبيب اللّه . فأشرف عليَّ الدِّيراني فقال لي: أنت روزبه؟ فقلت: نعم، فقال: اصعد، فصعدت إليه فخدمته حولين كاملين، فلمّا حضرته الوفاة قال لي: إنّي ميّت، فقلت: على مَن تخلفني؟ فقال: لا أعرف يقول بمقالتي [هذه] إلاّ راهبا بالإسكندريّة، فإذا أتيته فأقرئه منّي السلام، وادفع إليه هذا اللوح، فلمّا توفّي غسّلته وكفّنته ودفنته، وأخذت اللّوح، وأتيت الصومعة، وأنشأت أقول: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ عيسى روح اللّه ، وأنّ محمّدا حبيب اللّه . فأشرف عليَّ الديراني فقال: أنت روزبه؟ فقلت: نعم، فقال: اصعد، فصعدت إليه وخدمته حولين كاملين، فلمّا حضرته الوفاة قال لي: إنّي ميّت، قلت:

على مَن تخلفني؟ فقال: لا أعرف أحدا يقول بمقالتي [هذه] في الدُّنيا، وأنّ محمّد بن عبد اللّه بن عبد المطّلب(2) قد حانت ولادته، فإذا أتيته فأقرئه منّي السلام، وادفع إليه هذا اللوح، [قال:] فلمّا توفّي غسّلته وكفّنته ودفنته، وأخذت اللّوح، وخرجت فصحبت قوما، فقلت لهم: يا قوم، اكفوني الطعام والشراب أكفكم الخدمة، قالوا: نعم، قال: فلمّا أرادوا أن يأكلوا شدّوا على شاة، فقتلوها بالضرب، ثمّ جعلوا بعضها كبابا وبعضها شواءً، فامتنعت من الأكل،فقالوا: كُل، فقلت: إنّي غلام ديراني، وأنّ الديرانيّين لا يأكلون اللّحم، فضربوني وكادوايقتلونني، فقال بعضهم: امسكوا عنه حتّى يأتيكم شراب وأنّه(3) لا يشرب، فلمّا أتوا بالشّراب

ص: 12


1- . في المصدر: «أقراصا».
2- . في المصدر: «عبد الملك».
3- . في المصدر: «شرابكم فإنّه» بدل «شراب وأنّه».

قالوا: اشرب، فقلت: إنّي غلامٌ ديراني وأنّ الديرانيّين لا يشربون الخمر، فشدّوا عليَّ وأرادوا قتلي، فقلت لهم: يا قوم، لا تضربوني ولا تقتلوني؛ فإنّي أقرّ لكم بالعبوديّة، فأقررتُ لواحدٍ منهم، فأخرجني وباعني بثلاثمائة درهم من رجلٍ يهودي، قال: فسألني عن قصّتي، فأخبرته وقلت له: ليس لى ذنب إلاّ أن أحببت محمّدا ووصيّه، فقال اليهودي: وإنّي لأبغضك وأبغض محمّدا، ثمّ أخرجني إلى خارج داره، فإذا رمل كثير على بابه، فقال: واللّه يا روزبه، لئن أصبحت ولم تنقل هذا الرمل كلّه من هذا الموضع لأقتلنّك، قال: فجعلت أحمل طول ليلتي،فلمّا أجهدني التعب رفعت يدي إلى السماء وقلت: يا ربّ، إنّك حبّبت محمّدا ووصيّه إليَّ،

فبحقّ وسيلته، عجِّل فرجي، وأرحني ممّا أنا فيه، فبعث اللّه _ عزّ وجلّ _ ريحا فقلعت ذلك الرمل من مكانه إلى المكان الذي قال اليهودي، فلمّا أصبح نظر إلى الرمل قد نُقِل كلّه، فقال: يا روزبه، أنت ساحر وأنا لا أعلم، فلاُخرجنّك من هذه القرية لئلاّ تهلكها، قال: فأخرجني وباعني من امرأة سليميّة،(1) فأحبّتني حبّا شديدا، وكان لها حائط، فقالت: هذا الحائط لك، كُل منه [ماشئت ]وهَب وتصدّق، قال: فبقيت في ذلك الحائط ما شاء اللّه ، فبينا أنا ذات يوم في الحائط إذا أنا بسبعة [رهط] قد أقبلوا [تظلّهم غمامة، فقلت في نفسي: واللّه ما هؤلاء كلّهم أنبياء، ولكنّ فيهم نبيّا قال: فأقبلوا] حتّى دخلوا الحائط والغمامة تسير معهم، فلمّا دخلوا إذا فيهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأمير المؤمنين عليه السلاموأبو ذرّ والمقداد وعقيل بن أبي طالب وحمزة بن عبد المطّلب وزيد بن حارثة، فدخلوا الحائط، فجعلوا يتناولون من حشف النخل ورسول اللّه صلى الله عليه و آلهيقول لهم: كُلوا الحشف ولا تفسدوا على القوم شيئا، فدخلت على مولاتي، فقلت لها: يا مولاتي هيّئي(2) لي طبقا من رطب، فقالت: لك ستّة أطباق، قال: فجئت فحملت طبقا من رطب، فقلت في نفسي: إن كان فيهم نبيّ؛ فإنّه لا يأكل الصدقة ويأكل الهديّة، فوضعته بين يديه فقلت: هذه صدقة، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: كُلوا، وأمسك رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأمير المؤمنين وعقيل بن أبي طالب وحمزة بن عبد المطّلب، وقال لزيد: مدّ يدك وكُل، فأكلوا،(3) فقلت في نفسي: هذه علامة، فدخلت على مولاتي فقلت لها: [هبي لي] طبقا آخر، فقالت:[لك] ستّة أطباق، قال: جئت فحملت طبقا من رطب، فوضعته بين يديه فقلت: هذه هديّة،

ص: 13


1- . في المصدر: «سلميّة».
2- . في المصدر: «هبي».
3- . في المصدر: - «فأكلوا».

فمدَّ يده وقال: بسم اللّه كُلوا، ومدّ القوم جميعا أيديهم وأكلوا، فقلت في نفسي: هذه أيضا علامة. قال: فبينا أنا أدور خلفه إذ حانت من النبيّ صلى الله عليه و آلهالتفاتة، فقال: يا روزبه، تطلب خاتم النبوّة؟ فقلت: نعم، فكشف عن كتفيه فإذا أنا بخاتم النبوّة معجوم بين كتفيه عليه شعرات،قال: فسقطتُ على قدم رسول اللّه صلى الله عليه و آله اُقبّلها، فقال لي: يا روزبه، ادخل على هذه المرأة وقُل لها: يقول لكِ محمّد بن عبد اللّه تبيعينا هذا الغلام، فدخلتُ فقلت لها: يا مولاتي إنّ محمّد بن عبد اللّه يقول لك: تبيعينا هذا الغلام؟ فقالت: قُل له: لا اُبيعك إلاّ بأربع مائة نخلة مائتي نخلة منها صفراء، ومأتي نخلة منها حمراء، قال: فجئت إلى النبيّ صلى الله عليه و آلهفأخبرته، فقال: ما أهون ما سألتْ، ثمّ قال: قُم يا علي فاجمع هذا النوى كلّه، فأخذهُ وغرسهُ وقال(1): اسقه فسقاه أمير المؤمنين عليه السلام، فما بلغ آخره حتّى خرج النخل ولحق بعضه بعضا، فقال لي: ادخل فيها وقل لها: يقول لك محمّد بن عبد اللّه : خُذي شيئك وادفعي إلينا شيئنا، قال: فدخلتُ عليها وقلت ذلك، فخرجت ونظرت إلى النخل فقالت: واللّه لا أبيعكه إلاّ بأربعمائة نخلة كلّها صفراء. قال: [فهبط ]جبرئيل عليه السلام، فمسح جناحه على النخل، فصار كلّه أصفر [قال:] ثمّ [قال لي:] قُل لها: إنّ محمّدا يقول لكِ: خذي شيئك وادفعي إلينا شيئنا، [قال:] فقلت لها [ذلك] فقالت: واللّه لنخلة من هذه أحبُّ إليَّ من محمّد ومنك، فقلت لها: واللّه ليومٌ مع محمّد أحبُّ منك ومن كلّ شيء [أنت] فيه. فأعتقني رسول اللّه صلى الله عليه و آلهوسمّاني سلمان.

قال الصدوق رحمه الله: كان اسم سلمان روزبه بن خشبوذان، وما سجد قطّ لمطلع الشمس، وإنّما كان يسجد للّه _ عزّ وجلّ _ وكانت القبلة التي أمر بالصلاة إليها شرقيّة، وكان أبواه يظنّان أنّه إنّما يسجد لمطلع الشمس كهيئتهم، وكان سلمان وصيّ وصيّ عيسى عليه السلام في أداء ما حمل إلى من انتهت إليه الوصيّة من المعصومين وهو آبي عليه السلام، وقد ذكر قوم أنّ آبي هو أبو طالب، وإنّما اشتبه الأمر به؛ لأنّ أمير المؤمنين عليه السلامسئل عن آخر أوصياء عيسى عليه السلام فقال: آبي، فضعفه الناس فقالوا أبى، ويقال له بردة أيضا.(2)

متن الحديث السابع والخمسين والأربعمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ زُرَارَةَ :

ص: 14


1- . في المصدر: «فجمعه وأخذه فغرسه، ثمّ قال».
2- . كمال الدين، ص 161، ح 21 و ذيله.

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : «أَنَّ ثُمَامَةَ بْنَ أُثَالٍ أَسَرَتْهُ خَيْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آلهقَالَ : اللّهُمَّ أَمْكِنِّي مِنْ ثُمَامَةَ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إِنِّي مُخَيِّرُكَ وَاحِدَةً مِنْ ثَلاَثٍ : أَقْتُلُكَ ، قَالَ : إِذا تَقْتُلَ عَظِيما(1) ؛ أَوْ أُفَادِيكَ ، قَالَ : إِذا تَجِدَنِي غَالِيا ؛ أَوْ أَمُنُّ عَلَيْكَ ، قَالَ : إِذا تَجِدَنِي شَاكِرا ، قَالَ : فَإِنِّي قَدْ مَنَنْتُ عَلَيْكَ ، قَالَ : فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللّهُ ، وَأَنَّكَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّهِ ، وَقَدْ وَاللّهِ عَلِمْتُ أَنَّكَ رَسُولُ اللّهِ حَيْثُ رَأَيْتُكَ ، وَمَا كُنْتُ لِأَشْهَدَ بِهَا وَأَنَا فِي الْوَثَاقِ» .

شرح

السند حسن موثّق.

قوله: (إنّ ثمامة بن أثال).

قال الفيروزآبادي: «ثمام _ كغراب _ : نبت، واحدته بهاء. وثُمامة بن اُثال صحابيّ».(2)

وقال: «الاُثال _ كسحاب وغراب _ : المجد، والشرف».(3)

وفي المُغرب: الاُثال _ بالضمّ _ : المجد، والمال، وبه سمّي والد ثمامة بن اُثال الحنفي، واُبال تصحيف».(4)

(أسرته خيل النبيّ صلى الله عليه و آله)

قال الجوهري: «الخيل: الفرسان».(5)

(قال: إذا تجدني غاليا).

الغالي: ضدّ الرخيص، أي يلزم عليَّ إذا أن اُعطيك فداءً عظيما.

(وما كنت لأشهد بها) أي بالشهادة المذكورة.

(وأنا في الوثاق).

في القاموس: «الوثاق _ ويكسر _ : ما يشدّ به».(6)

وذكرت العامّة في كتب رجالهم أنّ ثمامة بن اُثال ابن النعمان الحنفي سيّد أهل الميامة

ص: 15


1- . في بعض نسخ الكافي: + «قال».
2- . القاموس المحيط، ج 4، ص 84 ثمم مع التلخيص والتصرّف.
3- . القاموس المحيط، ج 3، ص 327 أثل.
4- . المغرب، ص 19 أثل.
5- . الصحاح، ج 4، ص 1691 خيل.
6- . القاموس المحيط، ج 3، ص 288 وثق.

كان أسير، فأطلقه النبيّ صلى الله عليه و آله، فمضى، وغسل ثيابه، واغتسل، ثمّ أتى النبيّ صلى الله عليه و آله وحسُن إسلامه.(1)

وفي بعض كتب السِّير: أنّه خرج معتمرا، فاُسر بنجد، فجاؤوا به، فأصبح مربوطا باُسطوانة عند باب رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فرآه فقال له: إنّي مخيّرك واحدة من ثلاث.(2)

متن الحديث الثامن والخمسين والأربعمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبَانٍ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا وُلِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلى مَلاَءٍ مِنْ قُرَيْشٍ فِيهِمْ هِشَامُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَالْعَاصُ بْنُ هِشَامٍ وَأَبُو وَجْزَةَ بْنُ أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ وَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، فَقَالَ : أَ وُلِدَ فِيكُمْ مَوْلُودٌ اللَّيْلَةَ؟ فَقَالُوا : لاَ ، قَالَ : فَوُلِدَ إِذا بِفِلَسْطِينَ غُلاَمٌ اسْمُهُ أَحْمَدُ بِهِ شَامَةٌ كَلَوْنِ الْخَزِّ الْأَدْكَنِ ، وَيَكُونُ هَلاَكُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْيَهُودِ عَلى يَدَيْهِ ، قَدْ أَخْطَأَكُمْ وَاللّهِ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ .

فَتَفَرَّقُوا وَسَأَلُوا فَأُخْبِرُوا أَنَّهُ وُلِدَ لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ غُلاَمٌ ، فَطَلَبُوا الرَّجُلَ فَلَقُوهُ ، فَقَالُوا : إِنَّهُ قَدْ وُلِدَ فِينَا وَاللّهِ غُلاَمٌ ، قَالَ : قَبْلَ أَنْ أَقُولَ لَكُمْ ، أَوْ بَعْدَ مَا قُلْتُ لَكُمْ؟ قَالُوا : قَبْلَ أَنْ تَقُولَ لَنَا ، قَالَ : فَانْطَلِقُوا بِنَا إِلَيْهِ حَتّى نَنْظُرَ إِلَيْهِ .

فَانْطَلَقُوا حَتّى أَتَوْا أُمَّهُ ، فَقَالُوا : أَخْرِجِي ابْنَكِ حَتّى نَنْظُرَ إِلَيْهِ ، فَقَالَتْ : إِنَّ ابْنِي وَاللّهِ لَقَدْ سَقَطَ ، وَمَا سَقَطَ كَمَا تَسْقُطُ(3) الصِّبْيَانُ ، لَقَدِ اتَّقَى الْأَرْضَ بِيَدَيْهِ ، وَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ نُورٌ حَتّى نَظَرْتُ إِلى قُصُورِ بُصْرى ، وَسَمِعْتُ هَاتِفا فِي الْجَوِّ يَقُولُ : لَقَدْ وَلَدْتِيهِ سَيِّدَ الْأُمَّةِ ، فَإِذَا وَضَعْتِيهِ(4) ، فَقُولِي : أُعِيذُهُ بِالْوَاحِدِ مِنْ شَرِّ كُلِّ حَاسِدٍ ، وَسَمِّيهِ مُحَمَّدا .

قَالَ الرَّجُلُ : فَأَخْرِجِيهِ ، فَأَخْرَجَتْهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ، ثُمَّ قَلَّبَهُ ، وَنَظَرَ إِلَى(5) الشَّامَةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ ، فَخَرَّ مَغْشِيّا عَلَيْهِ ، فَأَخَذُوا الْغُلاَمَ ، فَأَدْخَلُوهُ إِلى أُمِّهِ ، وَقَالُوا : بَارَكَ اللّهُ لَكِ فِيهِ ، فَلَمَّا خَرَجُوا أَفَاقَ ، فَقَالُوا لَهُ : مَا لَكَ وَيْلَكَ؟ قَالَ(6) : ذَهَبَتْ نُبُوَّةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، هذَا وَاللّهِ مَنْ(7) يُبِيرُهُمْ.

ص: 16


1- . اُنظر: الثقات لابن حبان، ج 1، ص 280 و 281؛ شرح السير الكبير، ج 1، ص 130، الرقم 125؛ اُسد الغابة، ج 1، ص 246 و 247؛ الإصابة لابن حجر، ج 1، ص 525، الرقم 962.
2- . اُنظر: الاستيعاب لابن عبد البرّ، ج 1، ص 214؛ الطبقات الكبرى، ج 5، ص 550؛ السيرة النبويّة لابن هشام، ج 4، ص 1053.
3- . في كلتا الطبعتين: «يسقط».
4- . في بعض نسخ الكافي: «وضعته».
5- . في بعض نسخ الكافي: - «إلى».
6- . في بعض نسخ الكافي: «فقال».
7- . في كثير من نسخ الكافي: - «من».

فَفَرِحَتْ قُرَيْشٌ بِذلِكَ ، فَلَمَّا رَآهُمْ قَدْ فَرِحُوا ، قَالَ : قَدْ(1) فَرِحْتُمْ ، أَمَا وَاللّهِ لَيَسْطُوَنَّ بِكُمْ سَطْوَةً يَتَحَدَّثُ بِهَا أَهْلُ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ، وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ يَقُولُ : يَسْطُو بِمِصْرِهِ؟!» .

شرح

السند حسن موثّق.

قوله: (إلى ملأٍ من قريش).

في القاموس: «الملأ كجبل الجماعة».(2)

وقال البيضاوي: «الملأ: الجماعة يجتمعون للتشاور، لا واحد له كالقوم، وأبو وجزة بالزاء المعجمة».(3)

(وعتبة بن ربيعة) بضمّ العين وسكون التاء.

(فقال أوُلِد)؛ الهمزة للاستفهام.

(قال: فولد إذا بفلسطين غلام اسمه أحمد).

قال الفيروزآبادي:

فلسطون وفلسطين _ وقد تفتح فاؤهما _ : كورة بالشام، وبلد بالعراق، تقول في حال الرفع بالواو، وفي النصب والجرّ بالياء، أو تلزمها الياء في كلّ حال».(4)

أقول: المراد هنا بفلسطين سرّ من رأى، ولعلّ المراد بالمولود فيها صاحب الزمان عليه السلام، فتأمّل.

وقال الفاضل الإسترآبادي:

مذكور في الكتب المنزلة على الأنبياء المتقدِّمين عليهم السلام أنّه يولد في مكّة رجلٌ معصوم اسمه أحمد، كنيته أبو القاسم، وكذلك في قرية من قرى العراق أحدهما نبيّ والآخر إمام، ومذكور فيها الليلة التي يولد فيها أحد الأحمدين.(5)

(به شامة كلون الخزّ الأدكن).

الشامة _ بتخفيف الميم _ : الخال، وهو علامة تخالف لون البدن التي هي فيه، وأصلها:

ص: 17


1- . في بعض نسخ الكافي: - «قد».
2- . القاموس المحيط، ج 1، ص 28 ملأ مع التلخيص.
3- . تفسير البيضاوي، ج 1، ص 539.
4- . القاموس المحيط، ج 2، ص 378 فلسط.
5- . نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 421.

شَيَمَة، قُلبت الياء ألفا. والظاهر أنّه أراد بها خاتم النبوّة، كما سيجيء في أواخر الخبر.

والخزّ من الثياب معروف. والدكنة _ بالضمّ _ : لون يضرب إلى السواد، وقد دكن الثوب _ كفرح _ دكنا، وهو أدكن.

(قد أخطأكم واللّه يا معشر قريش).

يمكن قراءة «أخطأ» بالخاء المعجمة، من الخطو، وهو المشي والتجاوز. أو من الخطأ، وهو ضدّ الصواب. يُقال: أخطأ فلان، أي سلك سبيل الخطأ.

والمستتر فيه راجع إلى أحمد، أو المولود يعني أنّه مضى عنكم، وانتقل إلى فلسطين؛ لأنّ الأمر كان مردّدا بين أن يكون فيكم أو فيهم، فلمّا قلتم: لم يولد فينا، ظهر أنّه ولد بفلسطين؛ لأنّه قد ولد الليلة البتّة.

وقيل: معناه: قد جاوزكم خبره، ولم يصل اليكم بعد. أو جاوزكم أمره، ولا محيص لكم منه.(1)

ويمكن أن يقرأ بالحاء المهملة والظاء المعجمة من الحظوة _ بالضمّ والكسر _ وهي المكانة، والمنزلة الرفيعة، والحظّ من الرزق. يُقال: أحظيته على فلان: إذا فضّلته عليه؛ أي جعلكم ذوي فضل على الناس، واُولي منزلةٍ رفيعة عندهم.

(فقالت: إنّ ابني واللّه لقد سقط).

يُقال: سقط الولد من بطن اُمّه سقوطا: إذا خرج. ولا يُقال: وقع.

ثمّ بيّنت كيفيّة سقوطه وقالت: (وما سقط كما تسقط الصبيان) على النحو المعهود، بل سقوطه خارق للعادة، وهو أنّه (لقد اتّقى الأرض بيديه) أي وضع يديه على الأرض حين سقوطه اتّقاءً وحذرا من أذيّتها.

وفي بعض النسخ: «ألقى» بدل «اتّقى».

(حتّى نظرت إلى قصور بُصرى).

القصر من البناء معروف، والجمع: قصور.

وبُصرى _ كحُبلى _ : بلد بالشام، وقرية ببغداد قريب عكبراء. والمراد هنا الأوّل، كما روي

ص: 18


1- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 356 مع تفاوت يسير في اللفظ.

في بعض الأخبار أنّها قالت: «رأيت قصور الشامات كأنّها شعلة نار نورا».(1)

(وسمعت هاتفا في الجوّ).

الجوّ: الهواء، وما بين السماء والأرض.

(هذا واللّه من يبيرهم).

الضمير لبني إسرائيل. والإبارة: الإهلاك.

(أما واللّه ليسطونّ بكم).

في القاموس: «سطا عليه وبه سطوا وسطوة: صال، أو قهر بالبطش».(2)

(وكان أبو سفيان يقول: يسطو بمصره) كأنّه استفهام إنكاري؛ أي لا يسطو بأهل مصره وبلده وعشيرته؟!

وقيل: قاله على الهزء والإنكار؛ أي كيف يقدر أن يسطو بمصره؟!

ويحتمل أن يكون قال ذلك على سبيل الإذعان في ذلك الوقت، أو كان يقول ذلك بعد خبر الراهب.

وفيما رواه قطب الدِّين الراوندي في كتاب الخرائج: فكان أبو سفيان يقول: إنّما يسطو بمضر،(3) أي بقبيلة مضر، أو بها وبأضرابها من القبائل الخارجة عن مكّة.(4)

ثمّ اعلم أنّه يفهم من ظاهر هذا الخبر أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله مختومٌ بخاتم النبوّة حين ولادته.

وقيل: في بعض روايات العامّة(5) دلالة واضحة على أنّه [لم] يولد به، بل حصل بعد

شقّ الصدر.(6)

وقيل: إنّما سمّيت تلك الشامة بخاتم النبوّة لأنّها إحدى العلامات التي يعرف بها علماء أهل الكتاب.(7)

ص: 19


1- . الأمالي للصدوق، ص 337، المجلس 45، ح 392؛ مناقب آل أبي طالب، ج 1، ص 28.
2- . القاموس المحيط، ج 4، ص 342 سطو.
3- . الخرائج والجرائح، ج 1، ص 71، ح 129.
4- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 356 و 357 مع التلخيص.
5- . اُنظر: مسند أحمد، ج 3، ص 149 و 288؛ صحيح مسلم، ج 1، ص 101؛ المستدرك للحاكم، ج 2، ص 528.
6- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 422 مع اختلاف في اللفظ.
7- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 421 مع اختلاف في اللفظ.

وقيل: إنّ موضعه كان بين الكتفين. ومن طرق العامّة أنّه كان عند ناغض كتفه اليسرى.(1) وفسّر الناغض من الإنسان بأصل عنقه حيث يبغض رأسه.(2)

وقال بعض الشارحين: أمّا مقداره فلم أجد في كلام الأصحاب تقديره. وفي بعض أخبار العامّة: أنّه كان مثل التفّاحة.(3)

وفي بعضها: مثل بيضة الحمامة.(4) وفي بعضها: مثل بيضة الحجلة.(5) وفي بعضها: مثل الجمع.(6) وقيل: الجمع: الكفّ إذا جمع. يقال: ضربته بجمع كفى: إذا جمع كفّه فضربه بها.(7)قال السهيلي: حكمة وضع الخاتم أنّه لمّا شقّ صدره واُزيل مغمز الشيطان مُلئ قلبه حكمةً وإيمانا، فختم عليه كما يختم على الإناء المملوّ، ووضعه عند نغض الكتف؛ لأنّه المحلّ الذي يوسوس الشيطان منه.(8) وقد ذكروا في كتبهم أنّ شقّ الصدر كان بعدما كان قادرا على المشي مع الأطفال، فرأوا رجلين أخذاه، وشقّا صدره، فنادوا: قُتِل محمّد.

أقول: يظهر من كثير من أخبارنا أنّ شقّ الصدر والختم بخاتم النبوّة كليهما حين الولادة، منها: ما رواه الصدوق رحمه الله في أماليه بإسناده عن ابن عبّاس قال: سمعت أبي العبّاس يحدّث _ إلى أن قال: _ فحدّثتني آمنة وقالت لي: إنّه لمّا أخذني الطلق، واشتدّ بي الأمر، سمعت جلبة وكلاما لا يشبه كلام الآدميّين، ورأيت علما من سندس على قضيب من ياقوت قد ضرب بين السماء والأرض، ورأيت نورا يسطع من رأسه حتّى بلغ السماء، ورأيت قصور الشامات كأنّها شعلة نار نورا، ورأيت حولي من القطاة أمرا عظيما وقد نشرت أجنحتها حولي، ورأيت رجلاً شابّا من أتمّ الناس طولاً وأشدّهم بياضا وأحسنهم ثيابا ما ظننته إلاّ عبدالمطّلب قد دنا منّي، فأخذ المولود، فتفل في فيه، ومعه طست من ذهب مضروب بالزمرّد، ومشط من ذهب، فشقّ بطنه شقّا، ثمّ أخرج قلبه، فشقّه، فأخرج منه نكتة سوداء، فرمى بها،

ص: 20


1- . اُنظر: صحيح مسلم، ج 7، ص 87؛ وج 15، ص 98؛ مسند أحمد، ج 5، ص 82 و 83.
2- . إلى هنا كلام المحقّق المازندرانى رحمه الله.
3- . مسند أحمد، ج 4، ص 163؛ سنن الترمذي، ج 5، ص 250، ح 3699.
4- . سنن الترمذي، ج 5، ص 263، ح 3724؛ المصنّف لابن أبي شيبة، ج 7، ص 446، ح 170؛ المعجم الكبير، ج 2، ص 220.
5- . صحيح مسلم، ج 15، ص 99.
6- . السنن الكبرى للنسائي، ج 6، ص 460، ح 11496.
7- . اُنظر: صحيح مسلم بشرح النووي، ج 15، ص 98.
8- . نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 421.

ثمّ أخرج صرّة من حريرة خضراء، ففتحها، فإذا فيها كالذريرة البيضاء، فحشاه، ثمّ ردّه إلى ما كان، ومسح على بطنه فاستنطقه فنطق، فلم أفهم ما قال، إلاّ أنّه قال: في أمان اللّه وحفظه وكلأته، قد حشوت قلبك إيمانا وعلما وحلما ويقينا وعقلاً وشجاعةً، أنت خير البشر، طوبى لمَن اتّبعك، وويلٌ لمَن تخلّف عنك.

ثمّ أخرج صرّةً اُخرى من حريرة بيضاء، ففتحها، فإذا فيها خاتم، فضرب على كتفيه، ثمّ قال: أمرني ربّي أن أنفخ فيك من روح القدس، فنفخ فيه وألبسه قميصا، وقال: هذا أمانك من آفات الدُّنيا. فهذا ما رأيت يا عبّاس بعيني. قال العبّاس: وأنا يومئذٍ أقرأ، فكشفت عن ثوبه، فإذا خاتم النبوّة بين كتفيه، فلم أزَل أكتم شأنه، وأنسيت الحديث، فلم أذكره إلى يوم إسلامي حتّى ذكّرني رسول اللّه صلى الله عليه و آله.(1)

متن الحديث التاسع والخمسين والأربعمائة

اشارة

حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ أَسْبَاطِ بْنِ سَالِمٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «كَانَ حَيْثُ طُلِقَتْ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ وَأَخَذَهَا الْمَخَاضُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله حَضَرَتْهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدٍ امْرَأَةُ أَبِي طَالِبٍ ، فَلَمْ تَزَلْ مَعَهَا حَتّى وَضَعَتْ ، فَقَالَتْ إِحْدَاهُمَا لِلْأُخْرى : هَلْ تَرَيْنَ مَا أَرى؟ فَقَالَتْ : وَمَا تَرَيْنَ؟ قَالَتْ : هذَا النُّورَ الَّذِي قَدْ سَطَعَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ، فَبَيْنَمَا(2) هُمَا كَذلِكَ إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِمَا أَبُو طَالِبٍ ، فَقَالَ لَهُمَا : مَا لَكُمَا؟ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَعْجَبَانِ؟ فَأَخْبَرَتْهُ فَاطِمَةُ بِالنُّورِ الَّذِي قَدْ(3) رَأَتْ ، فَقَالَ لَهَا أَبُو طَالِبٍ : أَ لاَ أُبَشِّرُكِ؟ فَقَالَتْ : بَلى ، فَقَالَ : أَمَا إِنَّكِ سَتَلِدِينَ غُلاَما يَكُونُ وَصِيَّ هذَا الْمَوْلُودِ» .

شرح

السند مجهول.

قوله: (حيث طلقت آمنة بنت وهب) بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب.

الطلق والمخاض: وجع الولادة، يُقال: طلِقَت الحامل على ما لم يسمّ فاعله تُطلق طلقا،

ص: 21


1- . الأمالي للصدوق، ص 337، المجلس 45، ح 392 مع التلخيص.
2- . في بعض نسخ الكافي: «فبينا».
3- . في بعض نسخ الكافي: - «قد».

أي أصابها وجع الولادة.

فقوله: (وأخذها المخاض بالنبيّ صلى الله عليه و آله) كالتفسير للسابق.

(حضرتها فاطمة بنت أسد) بن هاشم بن عبد مناف (امرأة أبي طالب) وهي اُمّ أمير المؤمنين عليه السلام.

(فلم تزَل معها حتّى وضعت، فقالت إحداهما).

يعني فاطمة، كما يظهر من قوله: (فأخبرته فاطمة بالنور الذي قد رأت).

وقوله: (فقال لها أبو طالب) إلى آخره، يدلّ على كمال فضل أبي طالب وعلمه وإيمانه برسول اللّه صلى الله عليه و آلهقبيل البعثة فكيف بعدها، وانعقد عليه إجماع الشيعة، ويدلّ على ذلك أخبار متكثّرة من طرق الخاصّة(1) والعامّة(2) حتّى قيل: إنّه من آخر أوصياء عيسى عليه السلام،(3) وفي بعض الأخبار(4) دلالة عليه أيضا، وخلاف أهل الخلاف في ذلك ليس بشيء.

متن الحديث الستّين والأربعمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الصَّلْتِ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ(5) عَبْدِ الْعَزِيزِ [بْنِ] الْمُهْتَدِي ، عَنْ رَجُلٍ :

عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْمَاضِي عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالى : «مَنْ ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضا حَسَنا فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ»(6) قَالَ : «صِلَةُ الاْءِمَامِ فِي دَوْلَةِ الْفَسَقَةِ(7)» .

شرح

السند مجهول.

قوله: (محمّد بن أحمد) لا أعرفه.

وقيل: لا يبعد أن يكون محمّد بن أحمد بن علي بن الصّلت القمّي الذي ذكره الصدوق

ص: 22


1- . اُنظر: الأمالي للصدوق، ص 597، المجلس 76، ح 825؛ وص 712، المجلس 89، ح 979 و 981؛ روضة الواعظين، ص 139؛ الأمالي للطوسي، ص 305، المجلس 11، ح 612.
2- . اُنظر: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 14، ص 65 _ 84.
3- . اُنظر: شرح المازندراني، ج 12، ص 423؛ مرآة العقول، ج 26، ص 353.
4- . اُنظر: كمال الدين، ص 166، ح 21؛ روضة الواعظين، ص 278.
5- . في الطبعة الجديدة: «وعن».
6- . الحديد 57: 11.
7- . في بعض نسخ الكافي: «الفسقاء».

في كتاب إكمال الدِّين من أنّ أباه كان يروي عنه، وأثنى عليه،(1) وقد روى عنه في عرض هذا الكتاب كثيرا.

وقوله: (في قوله تعالى) في سورة الحديد: «مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّه َ قَرْضا حَسَنا».

قال البيضاوي:

من ذا الذي ينفق ماله في سبيله رجاء أن يعوّضه؛ فإنّه كمَن يقرضه، وحسن الإنفاق بالإخلاص فيه، وتحرّى أكرم المال، وفضل الجهات له.(2)

«فَيُضَاعِفَهُ لَهُ» أي يعطى أجره أضعافا.

«وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ» أي وذلك الأجر المضموم إليه الأضعاف كريم في نفسه ينبغي أن يتوخّى، وإن لم يضاعف، فكيف وقد يضاعف أضعافا.

(قال: صلة الإمام في دولة الفسقاء).(3)

في بعض النسخ: «الفسقة». ظاهره اختصاص الأقراض هنا بصلة الإمام، ويحتمل أن يكون المراد أنّها أفضل أفراده. وأصل الصلة البلوغ والانتهاء والاتّصال، ويستعمل في أنواع البرّ من إيصال المال، وترفيه الحال، والمحبّة، والطاعة، ونحوها.

متن الحديث الواحد والستّين والأربعمائة

اشارة

يُونُسُ(4) ، عَنْ سِنَانِ بْنِ طَرِيفٍ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ : «يَنْبَغِي لِلْمُؤمِنِ أَنْ يَخَافَ اللّهَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ خَوْفا كَأَنَّهُ مُشْرِفٌ عَلَى النَّارِ ، وَيَرْجُوَهُ رَجَاءً كَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ».

ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِهِ، إِنْ خَيْرا فَخَيْرا، وَإِنْ شَرّا فَشَرّا».

شرح

السند مجهول.

قوله: (ينبغي للمؤمن) إلى قوله: (من أهل الجنّة).

ص: 23


1- . كمال الدين، ص 3.
2- . تفسير البيضاوي، ج 5، ص 298.
3- . في المتن الذي ضبطه الشارح رحمه الله سابقا: «الفسقة».
4- . السند معلّق على سابقه، ويروي عن يونس، محمّد بن أحمد عن عبد اللّه بن الصلت.

قيل: دلَّ على أنّه ينبغي المساواة بين الخوف والرجاء، والنظر في الأوّل إلى جواز التقصير في الأعمال القلبيّة والبدنيّة مع ملاحظة عظمة الربّ وقهره على جميع الممكنات وغنائه(1) عنها. وفي الثاني إلى العجز والمسكنة مع ملاحظة بسط نعمه وسعة كرمه ورحمته، وغنائه عن تعذيب العباد وعبادتهم، وإنعامه عليهم في هذه الدار بلا سبق استحقاق، فلا يبعد أجرا أعظم منها في دار القرار، فمن نظر إلى هذا تارةً وإلى ذاك اُخرى حصلت له مَلَكَة الخوف وملكة الرجاء، وهو متحيّر بين الحالتين ومتردّد بين المنزلتين، ومن علاماته الزهد في الدُّنيا، وترك ما لا ينبغي، والرغبة في الآخرة، وطلب ما ينبغي، كما روي: «من رجا شيئا طلبه، ومن خاف من شيء هرب منه(2)».(3)

(ثمّ قال: إنّ اللّه تبارك وتعالى).

في أكثر النسخ: «عزّ وجلّ».

(عند ظنّ عبده، إن خيرا فخيرا، وإن شرّا فشرّا).

قال الفاضل الإسترآبادي:

إن قلت: هذا مناف لما تقدّم من تساوي الخوف والرجاء؟

قلت: غير مناف؛ لأنّ المراد أنّه ينبغي أن يكون اجتناب المؤمن عن المحرّمات اجتناب من أشرف على النار، وأن يكون اشتغاله بالعبادات اشتغال من علم أنّه من أهل الجنّة. وبالجملة: ما تقدّم ناظر إلى العمل، وما تأخّر ناظر إلى الاعتقاد والاعتماد على أنّ كرمه تعالى ورحمته أزيد من تقصرات العبد(4) بمراتب لا تحصى، وعلى أنّ رحمته سبقت غضبه، انتهى.(5)

وقال بعض الشارحين:

نظير هذا الخبر من طرق الخاصّة كثير، وفي كتب العامّة موجود؛ روى مسلم عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال: يقول اللّه عزّ وجلّ: «أنا عند ظنّ عبدي بي».(6) قال: قلت: هل فيه دلالة

ص: 24


1- . في المصدر: «بغنائه».
2- . الكافي، ج 2، ص 68؛ ح 5؛ تحف العقول، ص 212.
3- . القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 423.
4- . في المصدر: «العباد».
5- . نقل عنه العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 383.
6- . صحيح مسلم، ج 8، ص 62 و ص 66.

على ما ينافي صدر الحديث من [أنّ] الرجاء ينبغي أن يكون غالبا على الخوف، قلت: لا لوجوه:

الأوّل: أنّ فيه ترغيبا في رجاء المغفرة، وزجرا عن القنوط عند فعل المعصية، فالخير هو الرجاء، والشرّ هو القنوط، والقنوط كفر، وإليه أشار القابسي في حلّ حديث مسلم.

الثاني: أنّه تعالى عند ظنّ عبده في حسن عمله وسوء عمله؛ لأنّ من حسن عمله حسن ظنّه، ومن ساء عمله ساء ظنّه، وإليه أشار الخطابي في حلّه.

الثالث: أنّ ظنّ الخير _ المترتّب عليه جزاء الخير(1) أن يرجو العبد رحمة اللّه من فضله، ولا يتّكل على عمله، ولا يخاف إلاّ من ذنبه، لا من ذاته تعالى؛ لأنّه ليس بظلاّم للعبيد. وظنّ الشرّ _ المترتّب عليه جزاء الشرّ _ أن يرجو من عمله، ويخاف منه تعالى، لا من ذنبه. واستفدت هذا من كلام مولانا الصادق عليه السلام قال: «حسن الظنّ باللّه أن لا ترجو إلاّ اللّه ، ولا تخاف إلاّ من ذنبك».(2)

الرابع: أنّ ظنّ الخير مركّب من الرجاء والخوف المتساويين، وظنّ الشرّ [ما] ليس كذلك، وهو على أربعة أقسام. وهذا استفدته من قول إمامنا أمير المؤمنين عليه السلام حيث قال: «العبد إنّما يكون حسن ظنّه بربّه على قدر خوفه من ربّه، وأنّ أحسن الناس ظنّا باللّه أشدّهم خوفا للّه ».(3)

وقوله عليه السلام«على قدر خوفه من ربّه»(4) معناه على قدر خوفه من عذاب ربّه لأجل ذنبه. وقيل: ظنّ الخير أن يظنّ المغفرة إذا استغفر، وظنّ قبول التوبة إذا تاب، و[ظنّ] قبول العمل الصالح إذا عمله؛ وظنّ الشرّ أن يأتي بهذه الأشياء ويظنّ أنّها لا تقبل ولا تنفعه، وذلك قنوط.(5)

متن الحديث الثاني والستّين والأربعمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ ، قَالَ :

ص: 25


1- . في المصدر: - «المترتّب عليه جزاء الخير».
2- . الكافي، ج 2، ص 72، ح 4؛ وسائل الشيعة، ج 15، ص 230، ح 20351.
3- . نهج البلاغة، ج 3، ص 29.
4- . في المصدر: - «وإنّ أحسن الناس» إلى هنا.
5- . القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 424.

كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام بِمَكَّةَ إِذْ جَاءَهُ رَسُولٌ مِنَ الْمَدِينَةِ ، فَقَالَ لَهُ : «مَنْ صَحِبْتَ؟» قَالَ(1) : مَا صَحِبْتُ أَحَدا ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «أَمَا لَوْ كُنْتُ تَقَدَّمْتُ(2) إِلَيْكَ لَأَحْسَنْتُ أَدَبَكَ» ثُمَّ قَالَ : «وَاحِدٌ شَيْطَانٌ ، وَاثْنَانِ شَيْطَانَانِ ، وَثَلاَثةٌ(3) صَحْبٌ ، وَأَرْبَعَةٌ رُفَقَاءُ» .

شرح

السند ضعيف.

قوله: (أما لو كنت تقدّمت إليك لأحسنت أدبك).

لعلّ المراد: لو كنت نصحتك وأوصيت إليك قبل هذا، وأعلمتك أنّه لا ينبغي الوحدة في السفر، ثمّ خالفت أمري، ولم تعمل بوصيّتي، لضربتك تأديبا. قال الفيروزآبادي: «تقدّم إليه في كذا: أمره، وأوصاه به».(4)

أو المراد: لو كنت أدركتك عند خروجك من المدينة لأخبرتك أنّه لا ينبغي ذلك.

وقيل: أي لو جئتك لأحسنت أدبك بالضرب، وأمّا إذا جئتني فلا أضربك؛ لقبح ضرب الضيف والزائر.(5)

(ثمّ قال: واحد شيطان، واثنان شيطانان).

قال صاحب النهاية:

فيه: الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب؛ يعني الانفراد والذهاب في الأرض على سبيل الوحدة من فعل الشيطان، أو [شيء] يحمله عليه الشيطان، وكذلك الراكبان، وهو حثّ على اجتماع الرفقة في السفر.(6)

وقيل: لعلّ المراد أنّ المتفرّد في السفر والذاهب على الأرض وحده أو مع واحد شيطان؛ أي متمرّد عات بعيد عن اللّه تعالى؛ لأنّه يوقع نفسه في الضرر والوحشة والهلكة.وأيضا إن مات لم يوجد من يجهّزه ويدفنه، ويوصل خبره إلى أهله، فيشكل عليهم أمر التزويج والإرث.(7)

ص: 26


1- . في أكثر نسخ الكافي والوافي: «فقال».
2- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «لقدّمت».
3- . في الطبعة القديمة وبعض نسخ الكافي: «وثلاث».
4- . القاموس المحيط، ج 4، ص 162 قدم.
5- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 424.
6- . النهاية، ج 2، ص 475 شطن.
7- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 424.

وقيل: يحتمل أن يكون المراد أنّ الشيطان يستولي عليه، ويعبث به، ويلقي عليه الوساوس والمخاوف، كما يومي إليه ما سيأتي.(1)

(وثلاثة صحب).

في القاموس: «صحبه _ كسمعه _ صحابة، ويكسر، وصحبة: عاشره، وهم أصحاب وصحب».(2)

(وأربعة رفقاء).

يفهم منه أنّ بالثلاثة يخرج من الكراهة، لكن لا يحصل العمل بالمستحبّ من الرفقة إلاّ بالأربعة، وأنّ الثلاثة أقلّ مراتب الاستحباب، والأربعة فما زاد أكمله وأتمّه.

متن الحديث الثالث والستّين والأربعمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ أَحْمَدَ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَيْفٍ ، عَنْ أَخِيهِ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى ، قَالَ : حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، قَالَ :

حَدَّثَنِي(3) أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أَحَبُّ الصَّحَابَةِ إِلَى اللّهِ أَرْبَعَةٌ ، وَمَا زَادَ قَوْمٌ عَلى سَبْعَةٍ إِلاَّ كَثُرَ لَغَطُهُمْ» .

شرح

السند مجهول على الأصحّ.

قوله: (أحبّ الصحابة إلى اللّه أربعة).

قال الجوهري: «الصحابة _ بالفتح _ : الأصحاب، وهي في الأصل مصدر».(4)

(وما زاد قوم على سبعة إلاّ كثر لغطهم).

قيل: المقصود أنّ أكثر كلامهم لغو باطل منحرف عن الصواب،(5) وفيه نظر ظاهر.

ص: 27


1- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 384.
2- . القاموس المحيط، ج 1، ص 91 صحب مع التلخيص.
3- . في كلتا الطبعتين: «حدّثنا».
4- . الصحاح، ج 1، ص 161 صحب.
5- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 425.

والظاهر أنّ هذا الحكم يعمّ السفر والحضر. قال الفيروزآبادي: «اللغط _ ويحرّك _ : الصوت، والجلبة، أو أصوات مبهمة لا تُفهم، لغطوا كمنعوا ولغطّوا وألغطوا».(1)

متن الحديث الرابع والستّين والأربعمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ أَبِيهِ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ :

عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ عليهماالسلام فِي وَصِيَّةِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آلهلِعَلِيٍّ عليه السلام : «لاَ تَخْرُجْ فِي سَفَرٍ وَحْدَكَ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ ، وَهُوَ مِنَ الاِثْنَيْنِ أَبْعَدُ ؛ يَا عَلِيُّ ، إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا سَافَرَ وَحْدَهُ فَهُوَ غَاوٍ ، وَالاِثْنَانِ غَاوِيَانِ ، وَالثَّلاَثَةُ نَفَرٌ».

قَالَ : وَرَوى بَعْضُهُمْ : «سَفْرٌ» .

شرح

السند مرسل، مع احتمال الضعف.

قوله: (فإنّ الشيطان مع الواحد) يوسوسه ويخيّله التخييلات الشيطانيّة، ويفزعه في النوم واليقظة.

(يا علي، إنّ الرجل إذا سافر وحده فهو غاوٍ).

قال الجوهري: «الغيّ: الضلال، والخيبة أيضا. وقد غوى _ بالفتح _ يغوي غيّا وغواية، فهو غاوٍ».(2)

ولعلّ المقصود هنا أنّه ضالّ عن طريقه الذي أراد سلوكه، وخائب عن نيل مقصوده. ويحتمل أن يُراد الغواية عن طريق الحقّ، أو الأعمّ.

(والثلاثة نفر) أي جماعة يصحّ أن يجتزى بهم في السفر، ولا يطلب الأكثر.

قال في المصباح: «النفر _ بفتحتين _ : جماعة الرجال من ثلاثة إلى عشرة. وقيل إلىسبعة. ولا يُقال: نفر فيما زاد على العشرة».(3)

ص: 28


1- . القاموس المحيط، ج 2، ص 383 لغط مع التلخيص.
2- . الصحاح، ج 6، ص 2450 غوى.
3- .المصباح المنير، ص 617 نفر.

وفي القاموس: «النفر: الناس كلّهم، وما دون العشرة من الرجال، كالنفير. الجمع: أنفار».(1)

(قال).

القائل أحد الرواة.

(وروى بعضهم: سفر) بدل نفر، المآل واحد.

السفر: جمع السافر، بمعنى المسافر، كصاحب وصحب. قال بعض الأفاضل: «اعلم أنّ ظاهر بعض الأخبار أنّ المراد رفيق الزاد، وظاهر بعضها رفيق السير، فلا تغفل».(2)

متن الحديث الخامس والستّين والأربعمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقَاسَانِيِّ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسى :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «فِي وَصِيَّةِ لُقْمَانَ لاِبْنِهِ : يَا بُنَيَّ ، سَافِرْ بِسَيْفِكَ وَخُفِّكَ وَعِمَامَتِكَ وَخِبَائِكَ وَسِقَائِكَ وَإِبْرَتِكَ وَخُيُوطِكَ وَمِخْرَزِكَ ، وَتَزَوَّدْ مَعَكَ مِنَ الْأَدْوِيَةِ مَا تَنْتَفِعُ بِهَا أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ ، وَكُنْ لِأَصْحَابِكَ مُوَافِقا إِلاَّ فِي مَعْصِيَةِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ» .

شرح

السند ضعيف.

قوله: (خبائك وسقائك) إلى آخره.

قال الفيروزآبادي: «الخباء _ ككساء _ من الأبنية، يكون من وبر، أو صوف، أو شعر».(3)

وقال: «السّقاء _ ككساء _ : جلد النخلة إذا أجذع، يكون للماء واللّبن. الجمع: أسقية، وأسقيات».(4)

وإبرة الحديد _ بالكسر _ معروفة، وجمعها: إبَر، كعِنب.والخرز: كتب الخفّ والقربة ونحوهما، وهو جمعها وخياطتها، والمِخرز _ بالكسر _ : ما يخرز به، وهو أعمّ من الإبرة، الضخم والآلة التي يسمّونه أهل الفرس درفش، ولعلّ المراد

ص: 29


1- . القاموس المحيط، ج 2، ص 146 نفر.
2- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 385.
3- . القاموس المحيط، ج 4، ص 323 خبى.
4- . القاموس المحيط، ج 4، ص 343 سقى.

هنا الأخير؛ لتقدّم ذكر الإبرة.

والتزوّد: أخذ الزاد وحمله.

متن الحديث السادس والستّين والأربعمائة

اشارة

عَلِيٌّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّوْفَلِيِّ ، عَنِ السَّكُونِيِّ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، عَنْ آبَائِهِ عليهم السلام ، قَالَ : «قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مِنْ شَرَفِ الرَّجُلِ أَنْ يُطَيِّبَ زَادَهُ إِذَا خَرَجَ فِي سَفَرِهِ» .

شرح

السند ضعيف.

قوله: (من شرف الرجل) أي علوّه ونجابته ومجده.

(أن يطيّب زاده) بتخفيف الياء، أو تشديدها، والثاني أظهر.

يُقال: طاب الشيء يطيب طيبا، أي لذّ، وزكا، وهو طيّب، وطيّبته أنا، والطيب أيضا: الحلال. والطيّب: خلاف الخبيث.

والظاهر أنّ المراد بتطييب الزاد ما يعمّ الكمّ والكيف، ولا يعدّ إسرافا مع المكنة. وقيل: بشرط أن لا يبلغ حدّ التكلّف المشعر بالإدلال والتفاخر.(1)

وقوله: (إذا خرج في سفره) يدلّ بمفهومه على عدم استحباب التطييب في غير السفر. ولعلّ دلالة المفهوم غير معتبرة هاهنا، أو نقول: إنّ الزاد طعام يتّخذ للسفر، فالتقييد من باب التوضيح لا غير.

متن الحديث السابع والستّين والأربعمائة

اشارة

عَلِيٌّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سِنَانٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهماالسلام إِذَا سَافَرَ إِلَى الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ تَزَوَّدَ مِنْ أَطْيَبِ الزَّادِ : مِنَ اللَّوْزِ وَالسُّكَّرِ وَالسَّوِيقِ الْمُحَمَّصِ وَالْمُحَلّى» .

ص: 30


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 426.

شرح

السند حسن.

قوله: (والسويق المحمّص والمحلّى).

السويق: معروف. والمحمّص، بالصّاد المهملة فيما رأيناه من النسخ. قال الفيروزآبادي: «حبّ محمّص _ كمعظّم _ : مقلوّ».(1)

وفي نسخ الفقيه بالضاد المعجمة، وهو أظهر؛ فإنّهم قد يحمّضون السّويق تحميضا بالسّماق ونحوه، وقد يحلّونه تحلية بالسكر والعسل وغيرهما. وعلى ما في نسخ الكتاب يكون تقييد السويق وتوصيفه بالمحمّض للتوضيح؛ لأنّ السويق هو الدقيق المتّخذ من الحبّ المشويّ. قال الجوهري: «حلّيت الطعام: جعلته حلوا. وربّما قالوا: حلأت السويق،همزوا ما ليس بمهموز»(2) انتهى.

متن الحديث الثامن والستّين والأربعمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ صَبِيحٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ : دَخَلْتُ عَلَيْهِ يَوْما ، فَأَلْقى إِلَيَّ ثِيَابا ، وَقَالَ : «يَا وَلِيدُ ، رُدَّهَا عَلى مَطَاوِيهَا» فَقُمْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «رَحِمَ اللّهُ الْمُعَلَّى بْنَ خُنَيْسٍ».

فَظَنَنْتُ أَنَّهُ شَبَّهَ قِيَامِي بَيْنَ يَدَيْهِ بِقِيَامِ الْمُعَلّى بَيْنَ يَدَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : «أُفٍّ لِلدُّنْيَا، أُفٍّ لِلدُّنْيَا ؛ إِنَّمَا الدُّنْيَا دَارُ بَلاَءٍ يُسَلِّطُ اللّهُ فِيهَا عَدُوَّهُ عَلى وَلِيِّهِ ، وَإِنَّ بَعْدَهَا دَارا لَيْسَتْ هكَذَا».

فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، وَأَيْنَ تِلْكَ الدَّارُ؟

فَقَالَ : «هاهُنَا» وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْأَرْضِ .

شرح

السند حسن.

قوله: (ردّها على مطاويها) أي اطوِها على ما كانت قبل نشرها.

قال الفيروزآبادي: «مطاوي الحيّة والأمعاء والبطن [والحشم] والثوب: اطواءها، الواحد:

ص: 31


1- . القاموس المحيط، ج 2، ص 299 حمص.
2- . الصحاح، ج 6، ص 2319 حلا.

مطوي. والإطواء في الناقة: طرائق شحم سنامها».(1)

(فقمت بين يديه): لأمتثل ما أمرني من طيّ الثياب.

(فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: رحم اللّه المعلّى بن خنيس)؛ كان من موالي أبا عبداللّه عليه السلامومن قوّامه، قتله داود بن علي والي المدينة، كما مرّ في كتاب الدُّعاء من الاُصول.(2)

(ثمّ قال: اُفٍّ للدُّنيا).

«أفّ» كلمة تكرّه واستقذار. قال الجوهري: «يُقال: أُفّا له، وإفّة له، أي قذرا له. والتنوين للتنكير، وفيه ستّ لغات حكاها الأخفش: اُفَّ، اُفِّ، اُفُّ، اُفّا، اُفٌ»(3).

وقوله عليه السلام: (يسلّط اللّه فيها عدوّه على وليّه) مع ما مرّ من الترحّم يدلّ على مدح عظيم للمعلّى، والأخبار في مدحه وقدحه متعارضة، واللّه أعلم بحاله.

(وأشار بيده إلى الأرض).

لعلّه إشارة إلى القبر، وهو جنّة للدنيا ونارها اللّتان فيهما أرواح المؤمنين والكفّار المسمّى بالبرزخ.

وقيل: يحتمل أن يكون إشارة إلى الأرض في زمن القائم عليه السلام، أو أرض القيامة،(4) فتأمّل.

متن الحديث التاسع والستّين والأربعمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الصَّلْتِ ، عَنْ يُونُسَ ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ :

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ، إِنَّ لِلّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ مَلاَئِكَةً يُسْقِطُونَ الذُّنُوبَ عَنْ ظُهُورِ شِيعَتِنَا كَمَا تُسْقِطُ(5) الرِّيحُ الْوَرَقَ مِنَ الشَّجَرِ فِي أَوَانِ سُقُوطِهِ ، وَذلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ : «يُسَبِّحُونَبِحَمْدِ رَبِّهِمْ [...] وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا»(6) وَاللّهِ مَا أَرَادَ(7) غَيْرَكُمْ» .

ص: 32


1- . القاموس المحيط، ج 4، ص 358 طوي مع التقديم والتأخير في العبارة.
2- . الكافي، ج 2، ص 513، ح 5.
3- . الصحاح، ج 4، ص 1331 أفف.
4- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 387 مع التلخيص واختلاف يسير في اللفظ.
5- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «يسقط».
6- . الغافر 40: 7.
7- . في الطبعة القديمة: + «بهذا».

شرح

السند مقطوع.

قوله: (يسقطون الذنوب عن ظهور شيعتنا)؛ يعني بالاستغفار لهم، كما يدلّ عليه الاستشهاد بالآية، كما تسقط الريح الورق من الشجر في أوان سقوطه.

قال الجوهري: «الأوان: الحين. والجمع: آونة، مثل زمان وأزمنة».(1)

(واللّه ما أراد) اللّه _ عزّ وجلّ _ بقوله: «الَّذِينَ آمَنُوا» (غيركم)؛ الخطاب للشيعة.

متن الحديث السبعين والأربعمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ ، عَنْ زُرَارَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو الْخَطَّابِ فِي أَحْسَنِ مَا يَكُونُ حَالاً ، قَالَ :

سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَإِذا ذُكِرَ اللّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤمِنُونَ بِالاْخِرَةِ»(2)؟

فَقَالَ : «إِذا(3) ذُكِرَ اللّهُ وَحْدَهُ بِطَاعَةِ مَنْ أَمَرَ اللّهُ بِطَاعَتِهِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ، اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لاَ يُؤمِنُونَ بِالاْخِرَةِ، وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ لَمْ يَأْمُرِ اللّهُ بِطَاعَتِهِمْ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ» .

شرح

السند ضعيف. وقيل: يمكن عدّه في الحسان لروايته عن أبي الخطّاب في حال استقامته.(4)

قوله: «اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤمِنُونَ بِالاْخِرَةِ» أي انقبضت وانكسرت لكراهة التوحيد في سمعهم.

قال الفيروزآبادي: «اشمأزّ: انقبض، واقشعرّ، أو ذعر، والشيء: كرهه».(5)(فقال: إذا ذكر اللّه وحده بطاعة من أمر اللّه بطاعته من آل محمّد).

الظرف الأوّل متعلّق بالذكر، والثاني بالأمر، والثالث بيان للموصول. وقوله: «اشمأزّت»

ص: 33


1- . الصحاح، ج 5، ص 2076 أون.
2- . الزمر 39: 45.
3- . في الطبعة القديمة: «وإذا».
4- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 387.
5- . القاموس المحيط، ج 2، ص 179 شمز.

جواب الشرط.

وقوله: (وإذا ذكر الذين لم يأمر اللّه بطاعتهم) تأويل لقوله تعالى: «وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ»، فأوّل عليه السلام ذكر اللّه وحده بطاعة من أمر اللّه بطاعته، وذكر الذين من دونه بالذين لم يأمر بطاعتهم.

وقال بعض المحقّقين في توجيه هذا التأويل:

لمّا كان ترك طاعة من أمر اللّه [بطاعته] بمنزلة الشرك باللّه حيث لم يطع اللّه في ذلك وأطاع شياطين الجنّ والإنس، فلذا عبّر عن طاعة وليّ الأمر بذكر اللّه وحده، أو لأنّ توحيده تعالى لمّا لم يعلم إلاّ بالأخذ عنهم سمّى ولايتهم توحيدا.(1)

وقس عليه قرينه.

متن الحديث الواحد والسبعين والأربعمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ صَاحِبِ الشَّعِيرِ ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ كَلْثَمَةَ :

عَنْ أَحَدِهِمَا عليهماالسلام فِي قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ»(2) قَالَ : «لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ،سُبْحَانَكَ اللّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ عَمِلْتُ سُوءا ، وَظَلَمْتُ نَفْسِي ، فَاغْفِرْ لِي وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ؛ لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ، سُبْحَانَكَ اللّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ عَمِلْتُ سُوءا ، وَظَلَمْتُ نَفْسِي ، فَاغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَأَنْتَ(3) أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ؛ لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ، سُبْحَانَكَ اللّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ عَمِلْتُ سُوءا ، وَظَلَمْتُ نَفْسِي ، فَتُبْ عَلَيَّ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ» .

وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرى: وَ فِي(4) قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : «فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ» قَالَ : «سَأَلَهُ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَفَاطِمَةَ، صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِمْ» .

شرح

السند مجهول.

قوله: «فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ».

ص: 34


1- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 387 و 388.
2- . البقرة 2: 37.
3- . في بعض نسخ الكافي: «إنّك أنت» بدل «وأنت».
4- . في كلتا الطبعتين: «في» بدون الواو.

قال الجوهري: «تلقّاه، أي استقبله، وقوله تعالى: «إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ»(1) أي يأخذه بعض عن بعض».(2)

وقال البيضاوي:

أي استقبلها بالأخذ والقبول والعمل بها حين عُلّمها. وقرأ ابن كثير بنصب «آدم» ورفع الكلمات، على أنّها استقبلته وبَلَغَتْه، وهي قوله تعالى: «رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا»(3)

الآية. وقيل: سبحانك اللَّهُمَّ وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، لا إله إلاّ أنت، ظلمتُ نفسي، فاغفر لي، إنّه لا يغفر الذنوب إلاّ أنت.(4)

وعن ابن عبّاس قال: يا ربّ ألم تخلقني بيدك؟ قال: بلى، قال: يا ربِّ، ألم تنفخ فيّ الروح من روحك؟ قال: بلى، قال: ألم تسبق رحمتُك غَضَبَك؟ قال: بلى، قال: ألم تسكنّي جنّتك؟ قال: بلى، قال: يا ربّ، إن تبت وأصلحت أراجعي أنت إلى الجنّة؟ قال: نعم، انتهى.(5)

وقيل: تنكير كلمات للتعظيم.

(قال: لا إله إلاّ أنت، سبحانك [اللّهمّ] وبحمدك).

قيل: الظاهر أنّ الواو للحال، أي وأنا متلبّس بحمدك على التوفيق على التنزيه، أو على إعطاء هذه الكلمات، أو في جميع الأحوال.(6)

وفي رواية اُخرى... يمكن الجمع بين الروايتين بجمعه عليه السلام بينهما؛ لما روى أنّ الدُّعاء المقرون بالتوسّل بهؤلاء الطاهرين مقرون بالإجابة(7) على أنّه يجوز تعدّد الأسباب لمسبّبٍ واحد.

متن الحديث الثاني والسبعين والأربعمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ؛ وَ(8) عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ،

ص: 35


1- . النور 24: 15.
2- . الصحاح، ج 6، ص 2478 لقى.
3- الأعراف 7: 23.
4- . نقله الزمخشري في الكشّاف، ج 1، ص 274 عن ابن مسعود.
5- . تفسير البيضاوي، ج 1، ص 299.
6- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 427.
7- . اُنظر: عوالي اللآلي، ج 2، ص 38، ح 98.
8- . في السند تحويل بعطف «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه» على «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى».

عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْخَرَّازِ(1) ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا رَأى إِبْرَاهِيمُ عليه السلام مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، الْتَفَتَ فَرَأى رَجُلاً يَزْنِي ، فَدَعَا عَلَيْهِ فَمَاتَ ، ثُمَّ رَأى آخَرَ ، فَدَعَا عَلَيْهِ فَمَاتَ حَتّى رَأى ثَلاَثَةً ، فَدَعَا عَلَيْهِمْ فَمَاتُوا ، فَأَوْحَى اللّهُ _ عَزَّ ذِكْرُهُ _ إِلَيْهِ : يَا إِبْرَاهِيمُ ، إِنَّ دَعْوَتَكَ مُسْتَجَابَةٌ(2) ، فَلاَ تَدْعُ عَلى عِبَادِي ، فَإِنِّي لَوْ شِئْتُ لَمْ أَخْلُقْهُمْ ، إِنِّي خَلَقْتُ خَلْقِي عَلى ثَلاَثَةِ أَصْنَافٍ : عَبْدا يَعْبُدُنِي لاَ يُشْرِكُ بِي شَيْئا فَأُثِيبُهُ ، وَعَبْدا يَعْبُدُ غَيْرِي فَلَنْ يَفُوتَنِي ، وَعَبْدا عَبَدَ غَيْرِي فَأُخْرِجُ مِنْ صُلْبِهِ مَنْ يَعْبُدُنِي ، ثُمَّ الْتَفَتَ فَرَأى جِيفَةً عَلى سَاحِلِ الْبَحْرِ ، نِصْفُهَا فِي الْمَاءِ وَنِصْفُهَا فِي الْبَرِّ، تَجِيءُ سِبَاعُ الْبَحْرِ ، فَتَأْكُلُ مَا فِي الْمَاءِ ، ثُمَّ تَرْجِعُ ، فَيَشُدُّ بَعْضُهَا عَلى بَعْضٍ ، فَيَأْكُلُ(3) بَعْضُهَا بَعْضا ، وَتَجِيءُ سِبَاعُ الْبَرِّ ، فَتَأْكُلُ مِنْهَا ، فَيَشُدُّ بَعْضُهَا عَلى بَعْضٍ ، فَيَأْكُلُ بَعْضُهَا بَعْضا .

فَعِنْدَ ذلِكَ تَعَجَّبَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلاممِمَّا رَأى ، وَقَالَ : «رَبِّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْىِ الْمَوْتى»؟ قَالَ : كَيْفَ تُخْرِجُ مَا تَنَاسَلَ الَّذِي(4) أَكَلَ بَعْضُهَا بَعْضا؟ «قالَ أَ وَلَمْ تُؤمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِى» يَعْنِي حَتّى أَرى هذَا كَمَا رَأَيْتُ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا «قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءا» فَقَطِّعْهُنَّ ، وَاخْلِطْهُنَّ كَمَا اخْتَلَطَتْ هذِهِ الْجِيفَةُ فِي هذِهِ السِّبَاعِ الَّتِي أَكَلَ بَعْضُهَا بَعْضا ، فَخَلَّطَ، «ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيا»(5) فَلَمَّا دَعَاهُنَّ أَجَبْنَهُ ، وَكَانَتِ الْجِبَالُ عَشَرَةً» .

شرح

السند صحيح.

قوله: (لمّا رأى إبراهيم عليه السلام ملكوت السماوات والأرض) إشارة إلى قوله تعالى: «وَكَذَلِكَ

نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ»(6).

قال الجوهري:

الملكوت من الملك كالرهبوت من الرهبة، يُقال: له ملكوت العراق، ومَلكوةُ

ص: 36


1- . في الطبعة القديمة: «الخزّاز».
2- . في كلتا الطبعتين: «مجابة».
3- . في بعض نسخ الكافي: «وتأكل».
4- . في كلتا الطبعتين: «التي».
5- . البقرة 2: 260.
6- . الأنعام 6: 75.

العراق أيضا، مثال الترقوة، وهو الملك والعزّ.(1)

وقال المفسّرون: المراد إراءة عجائبها وبدائعها وآثار صنائعها الدالّة على كمال السلطنة والربوبيّة،(2) ثمّ اختلفوا في كيفيّة هذه الإراءة على قولين؛ فقيل: إنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ أراه الملكوت بحسّ العين، وشقّ له السماوات حتّى رأى العرش والكرسي، وإلى حيث ينتهي إليه العالم الجسماني من جهة الفوق، وشقّ له الأرض إلى حيث ينتهي إلى السطح الآخر من العالم الجسماني، فرأى ما في السماوات والأرض من العجائب والبدائع.

وقيل: هذه الإراءة كانت بعين البصيرة والعقل، لا بالحسّ الظاهر.(3) ويؤيّد الأوّل خبر الكتاب، وما رووا عن ابن عبّاس نحوا من ذلك،(4) وما رواه الصفّار في كتاب البصائر بإسناده عن جابر عن أبي جعفر عليه السلامقال: سألته عن قول اللّه عزّوجلّ: «وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ» الآية، قال: فكنت مطرقا إلى الأرض، فرفع يده إلى فوق، ثمّ قال لي: «ارفع [رأسك]»، فرفعت رأسي، فنظرت إلى السقف قد انفجر حتّى خلص بصري إلى نور ساطع حار بصري دونه، قال: ثمّ قال لي: «رأى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض هكذا»(5) الحديث.

والظاهر أنّ قوله عليه السلام: (عبدا يعبدني) بالنصب على البدليّة من «خلقي»، ويحتمل انتصابه بتقدير: أعني.

(ثمّ التفت) يعني إبراهيم عليه السلام (فرأى جيفة) هي بالكسر حبّة الميّت.

وقيل: كانت تلك الجيفة جثّة حمار.(6)

(فعند ذلك تعجّب إبراهيم عليه السلام ممّا رأى وقال: «رَبِّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْىِ الْمَوْتى»).

يدلّ على أنّ سبب هذا السؤال رؤية تلك الجيفة.

ص: 37


1- . الصحاح، ج 4، ص 1610 ملك.
2- . اُنظر: تفسير البيضاوي، ج 2، ص 423.
3- . نقل الرازي كلا القولين مع الحجج في تفسيره، ج 13، ص 42 _ 45.
4- . المصنّف لابن أبي شيبة، ج 7، ص 448، ح 8؛ وج 8، ص 105، ح 4؛ جامع البيان، ج 7، ص 319، ح 10481؛ تفسير الرازي، ج 13، ص 43.
5- . بصائر الدرجات، ص 422، ح 4.
6- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 428 عن ابن جريح.

وقال بعض المفسّرين: «إنّما سأل ذلك ليصير علمه عيانا».(1) وقال بعضهم: إنّه مع مناظرته مع نمرود قال: ربّي يُحيي ويُميت، قال: أنا اُحيي واُميت، فأطلق محبوسا وقتلرجلاً، فقال إبراهيم: ليس هذا بإحياء وإماتة، بل إحياء بردّ الروح إلى بدن الموتى، فقال نمرود: وهل عاينته؟ فلم يقدر أن يقول: نعم، وانتقل إلى تقرير آخر، ثمّ سأل ربّه أن يريه ليطمئنّ قلبه على الجواب إن سُئلَ عنه مرّةً اُخرى.(2)

وقيل: قال عند ذلك: ربِّ أرني كيف تحيي الموتى لتنكشف هذه المسألة عند نمرود وأتباعه.(3)

وقيل: روي بأنّه قال نمرود لإبراهيم عليه السلام: قل لربّك حتّى يُحيي وإلاّ قتلتك، فسأل ذلك.

وقوله: «لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِى» بقوّة حجّتي وبرهاني، وأنّ عدولي منها إلى غيرها ما كان بسبب ضعف تلك الحجّة، بل كان بسبب جهل المستمع.(4)

وروى الصدوق رحمه الله في كتاب العيون عن الرضا عليه السلام أنّه قال له المأمون: أخبرني عن قول إبراهيم عليه السلام: «رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى» الآية، قال الرضا عليه السلام: «إنّ اللّه _ تبارك وتعالى _ كان أوحى إلى إبراهيم عليه السلام: إنّي متّخذ من عبادي خليلاً إن سألني إحياء الموتى أجبته، فوقع في نفس إبراهيم عليه السلام أنّه ذلك الخليل، فقال: «رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى»، «قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ»، «قَالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي» على الخلقة.(5)

وروى بعض المفسّرين قريبا من ذلك عن ابن عبّاس وسعيد بن جبير والسّدي.(6) وقال بعضهم: إنّه عليه السلام إنّما سأل ذلك لقومه، وذلك أنّ [أتباع] الأنبياء كان يطالبوهم بأشياء تارةً باطلة وتارةً حقّة، كقولهم لموسى: «اجْعَل لَّنَآ إِلَ_هًا كَمَا لَهُمْ ءَالِهَةٌ»(7) فسأل ذلك إبراهيم. والمقصود أن يشاهده قومه فيزول الإنكار عن قلوبهم.(8)

ص: 38


1- . تفسير البيضاوي، ج 1، ص 562.
2- . عن محمّد بن إسحاق والقاضي. اُنظر: تفسير الرازي، ج 7، ص 41؛ تفسير البيضاوي، ج 1، ص 562.
3- . اُنظر: تفسير البيضاوي، ج 7، ص 41.
4- . تفسير الرازي، ج 7، ص 41 مع اختلاف في اللفظ.
5- . عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج 2، ص 176، ح 1 مع التلخيص.
6- . تفسير الرازي، ج 7، ص 41.
7- . الأعراف 7: 138.
8- . نسبه الرازي في تفسيره، ج 1، ص 41 إلى القيل.

ونقل الرازي في تفسيره عن الحسن والضحّاك وقتادة وابن جريح وعطاء أنّه عليه السلام رأى جيفة مطروحة في شطّ البحر، فإذا مدّ البحر أكل منها دوات البحر، وإذا جزر البحر جاءت السباع وأكلت، وإذا ذهبت السباع جاءت الطيور وأكلت وطارت، فقال إبراهيم: ربِّ أرني كيف تجمع أجزاء الحيوان من بطون السباع والطيور ودوابّ البحر؟ فقيل: أوَلَم تؤمن؟ قال:بلى، ولكن المطلوب من السؤال أن يصير العلم الاستدلالي ضروريّا.(1)

أقول: هذا الوجه الأخير قريب ممّا ذكر في الكتاب، وأنت خبير بأنّ اتّحاد المسبّب لا يوجب اتّحاد السبب.

وقوله: (قال: كيف تخرج ما تناسل الذي أكل بعضها بعضا) تفسير لقوله تعالى: «كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى».

قال الفيروزآبادي: «النسل: الخلق، والولد. نَسَلَ: وَلَدَ، كأنسل. وتناسلوا: أنسل بعضهم بعضا»(2) انتهى.

وفي بعض النسخ: «التي أكل»، وهو الظاهر؛ فإنّ في إرجاع ضمير «بعضها» على نسخة الأصل إلى الموصول إشكال، فتأمّل جدّا.

والمستتر في «قال» لإبراهيم عليه السلام، و«تخرج» بصيغة الخطاب من الإخراج، وكلمة «ما» موصولة، و«تناسل» على نسخة الأصل بصيغة الماضي، وفاعله «الذي»، وعائد الموصول محذوف، وعلى ما في بعض النسخ بصيغة المضارع بحذف إحدى التائين، وكلمة «ما» عبارة عن أجزاء تلك الجيفة التي صارت في بدن الآكل منيّا وكوّن منه حيوان آخر.

وحاصل السؤال أنّه إذا أكل بعض تلك الحيوانات بعضا، وتولّد من تلك الأجزاء الغذائيّة مني وصار مادّة لحيوان آخر، فتلك الأجزاء مع أيّ من تلك الأبدان تعود وتحيى.

وقال بعض العلماء: «التي» بدل من «ما تناسل».(3)

أقول: كلمة «ما» حينئذٍ عبارة عن الحيوانات الآكلة والمأكولة بعينها، لا ما تولّد منها. نعم،يفهم إخراج النسل منه التزاما، كما لا يخفى.

ص: 39


1- . تفسير الرازي، ج 7، ص 40.
2- . القاموس المحيط، ج 4، ص 57 نسل مع التلخيص.
3- . لم نعثر على قائله.

إذا عرفت هذا فنقول: لعلّه عليه السلام أراد بهذا السؤال أن يظهر للناس دفع شبهة بعض الملاحدة وتشكيكهم في المعاد، وتقريرها أنّ المعاد الجسماني غير ممكن؛ لأنّه لو أكل إنسان إنسانا حتّى صار جزء بدن المأكول جزء بدن الآكل، فهذا الجزء إمّا أن لا يعاد أصلاً وهو المطلوب، أو يُعاد في كلّ منهما، وهو محال؛ لاستحالة أن يكون جزء واحد بعينه في آنٍ واحد في شخصين متبائنين، أو يُعاد في أحدهما وحده فلا يكون الآخر معادا بعينه، وهذا مع إفضائه إلى الترجيح بلا مرجّح يثبت مقصودنا، وهو أنّه لا يمكن إعادة جميع الأبدان بأعيانها كما زعمتم.

واُجيب بأنّ المعاد هو الأجزاء الأصليّة، وهي الباقية من أوّل العمر إلى آخره، لا جميع الأجزاء على الإطلاق، وهذا الجزء فضلٌ في الإنسان الآكل، فلا يجب إعادته فيه. ثمّ إن كان من الأجزاء الأصليّة للمأكول أُعيد فيه وإلاّ فلا.

واُورد عليه بأنّه يجوز أن يصير تلك الأجزاء الأصليّة للمأكول الفضليّة في الأكل نطفة وأجزاء أصليّة لبدن آخر، فيعود المحذور.

وردّ بأنّه لعلّ اللّه تعالى يحفظها من أن تصير جزءا لبدن آخر، فضلاً عن أن تصير جزءا أصليّا، وظاهر الآية على هذا التقصير إشارة إلى هذا السؤال والجواب.

والحاصل: أنّه تعالى يحفظ أجزاء المأكول الأصليّة في بدن الآكل وغيره، ويعود في المعاد إلى بدن المأكول، كما اُخرج تلك الأجزاء المختلطة والأعضاء الممتزجة من تلك الطيور الأربعة وميّز بينها.

ثمّ اعلم أنّ القول في المعاد الجسماني من ضروريّات أديان الشرايع والملل، وإنكاره صريحا أو ضمنا كفرٌ وزندقة عند الجميع، والآيات المتظافرة في الكتب السماويّة صريحة في ذلك بحيث لا تقبل التأويل أصلاً، والأخبار المتواترة عند أرباب الملل في ذلك إلى حيث لا تُعدّ ولا تحصى، وقد نفاه كثيرٌ من الفلاسفة صريحا، وبعضهم وإن تلقّاه بالقبول والاعتراف ظاهرا لكن يلزم من كلامه أشدّ الإنكار، وتمسّك النافون بوجوه سخيفة واهية مموّهة؛ منها: ما ذكر، ومنها: امتناع إعادة المعدوم، مع أنّهم لم يقيموا عليه دليلاً، بل ادّعوا تارةً البداهة في ذلك، وتارةً تمسّكوا بشبهات مزيّفة واهنة

ص: 40

كغزل العنكبوت؛ «وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ».(1)

ثمّ اختلف المثبتون في كيفيّته، فمنهم من قال بإعادة البدن المعدوم بعينه، ومنهم من قال بأنّه يجمع اللّه سبحانه أجزاءه المتفرّقة كما كانت أوّلاً.

وقيل: هم الذين ينكرون جواز إعادة المعدوم موافقة للفلاسفة.(2)

قال المحقّق الدواني:

لا يُقال: لو ثبت استحالة إعادة المعدوم لزم بطلان الوجه الثاني أيضا؛ لأنّ أجزاء بدن الشخص _ كبدن زيد مثلاً _ وإن لم يكن لها جزء صوري، لا يكون بدن زيد إلاّ بشرط اجتماع خاصّ وشكل معيّن، فإذا تفرّق أجزاؤه وانتفى الاجتماع والشكل المعيّنان، لمَ يقال: بدن زيد؟ ثمّ إذا اُعيد، فإمّا أن يعاد ذلك الاجتماع والشكل بعينهما، أو لا. وعلى الأوّل يلزم إعادة المعدوم، وعلى الثاني لا يكون المعاد بعينه

هو البدن الأوّل، بل مثله، ويكون حينئذٍ تناسخا، ومن ثمّة قيل: ما من مذهب إلاّ وللتناسخ فيه قدم راسخ؛ لأنّا نقول: إنّما يلزم التناسخ لو لم يكن البدن المحشور مؤلّفا من الأجزاء الأصليّة للبدن، وأمّا إذا كان كذلك، فلا تستحيل إعادة الروح إليه،وليس ذلك من التناسخ، وإن سمّي ذلك تناسخا كان مجرّد اصطلاح؛ فإنّ الذي دلّ على استحالته الدليل هو تعلّق نفس زيد ببدن آخر، لا يكون مخلوقا من أجزاء بدنه. وأمّا تعلّقه بالبدن المؤلّف من أجزائه الأصليّة بعينها مع تشكّلها بشكل مثل السابق، فهو الذي نعنيه بالحشر الجسماني، وكون الشكل والاجتماع [بالشخص] غير الشكل الأوّل والاجتماع السابق، لا يقدح في المقصود، وهو حشر الأشخاص الإنسانيّة بأعيانها؛ فإنّ زيدا _ مثلاً _ شخص واحد محفوظ وحدته الشخصيّة من أوّل العمر إلى آخره بحسب العرف والشرع، ولذلك يؤاخذ شرعا بعد التبدّل بما لزمه قبله، فكما لا يتوهّم أنّ في ذلك تناسخا لا ينبغي أن يتوهّم في هذه الصورة أيضا، وإن كان الشكل الثاني مخالفا للشكل الأوّل، كما ورد في الحديث: «أنّه يحشر المتكبّرون كأمثال الذرّ»،(3) وأنّ «ضرس الكافر مثل اُحُد»،(4) وأنّ «أهل

ص: 41


1- . العنكبوت 29: 41.
2- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 395.
3- . ثواب الأعمال، ص 222 مع اختلاف في اللفظ.
4- . مسند أحمد، ج 32، ص 537؛ سنن الترمذي، ج 4، ص 105، ح 2704.

الجنّة جردٌ مردٌ مكتحلون».(1)

والحاصل: أنّ المعاد الجسماني عبارة عن عود النفس إلى بدن، وهو ذلك البدن بحسب العرف والشرع، ومثل ذلك التبدلاّت والمغايرات التي لا يقدح في الوحدة بحسب العرف والشرع لا يقدح في كون المحشور هو المبدأ، فافهم، انتهى.(2)

وقال بعض الأفاضل:

خلاصة القول في ذلك أنّ للناس في تفرّق الجسم واتّصاله مذاهب؛ فالقائلون بالهيولى يقولون بانعدام الصورة الجسميّة والنوعيّة عند تفرّق الجسم، والنافون للهيولى كالمحقّق الطوسي(3) يقولون ببقاء الصورة الجسميّة في الحالين، لكن لا ينفعهم ذلك في التفصّي عن القول بإعادة المعدوم؛ إذ ظاهر أنّه إذا اُحرق جسد زيد وذرّت الرياح رماده في المشرق والمغرب، لا يبقى تشخّص زيد، بل لابدّ من عود تشخّصه بعد انعدامه.

والقائلون بالجزء أيضا ظنّوا أنّهم قد فرّوا من ذلك؛ لأنّهم يقولون بتفرّق الأجزاء واتّصالها من غير أن يعدم شيء من الأجزاء، ويلزمهم ما يلزم الآخرين بعينه، كما ذكره المحقّق الدواني.

نعم، ذكر بعض المتكلّمين أنّ تشخّص الشخص إنّما هو بالأجزاء الأصليّة المخلوقة من المني، وتلك الأجزاء باقية في مدّة حياة الشخص وبعد موته وتفرّق أجزائه، فلا يعدم التشخّص أصلاً،(4) وربّما يستدلّ عليه ببعض النصوص، وعلى هذا لو عدم بعض العوارض الغير المشخّصة، واُعيد بدلها، لا يقدح في كون الشخص باقيا بعينه.

إذا عرفت هذا، فاعلم أنّ القول بالمعاد على تقدير عدم القول بامتناع إعادة المعدوم حيث لم يتمّ الدليل عليه بيّن لا إشكال فيه، وعلى القول به يمكن أن يُقال: يكفي في المعاد كونه مأخوذا من تلك المادّة بعينها، أو من تلك الأجزاء بعينها، مع كونه شبيها بذلك الشخص في الصفات والعوارض، بحيث لو رأيته لقلت: فلان؛ إذ مدار اللّذات والآلام على الروح، ولو بواسطة الآلات، وهو باقٍ بعينه، ولا يدلّ النصوص

ص: 42


1- . مستدرك الوسائل، ج 8، ص 411، ح 9826.
2- . نقل عنه العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 395 و 396.
3- . اُنظر: كشف المراد، ص 229.
4- . اُنظر: كشف المراد، ص 549؛ بحار الأنوار، ج 7، ص 43، ذيل ح 21.

إلاّ على إعادة ذلك الشخص، بمعنى أنّه يحكم عليه عرفا أنّه ذلك الشخص، وربما يعضد ذلك قوله تعالى: «أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ»(1) وقوله تعالى: «كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ»(2).

وسأل ابن أبي العوجاء أبا عبداللّه عليه السلام عن الآية الأخيرة وقال: ما ذنب الغير؟ فقال عليه السلام: «ويحك هي هي، وهي غيرها». قال: فمثّل لي ذلك شيئا من أمر الدُّنيا؟ قال: «نعم، أرأيت لو أنّ رجلاً أخذ لبنة، فكسرها، ثمّ ردّها في ملبنها، فهي هي وهي غيرها»(3)

على أنّا لم نكلّف إلاّ بالتصديق بالحشر الجسماني مجملاً، ولم نكلّف بالعلم بكيفيّتها، وربّما يؤدّي التفكّر في ذلك [إلى القول] بشيء مخالف للواقع، ولم نكن معذورين في ذلك وبعدما علم أصل الحشر بالنصوص القطعيّة وضرورة الدِّين، فلا يجوز للعاقل أن يصغي إلى شبه الملحدين.(4)

«قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ» بأنّي قادر على ذلك الإحياء بإعادة التركيب والحياة، وإنّما قال له ذلك مع علمه تعالى بأنّه أعرف الناس في الإيمان؛ ليجيب بما أجاب، فيعلم السامعون غرضه من هذا السؤال.

«قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي».

قال البيضاوي: «أي بلى آمنت، ولكن سألت لأزيد بصيرة وسكون قلب بمضامّة العيان الفطري والاستدلال النظري».(5)

وقال بعض الشارحين:

أي ليطمئنّ قلبي بحصول المطلوب عيانا؛ فإنّ القلب إذا طلب شيئا ولم يجده اضطرب، فإذا وجده اطمأنّ.

قال:

وهذا أحسن ممّا قاله بعض المفسّرين من زيادة البصيرة وسكون القلب؛ لأنّ

ص: 43


1- . يس 36: 81.
2- . النساء 4: 56.
3- .الاحتجاج، ج 2، ص 104.
4- . القائل هو العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 396 و 397.
5- . تفسير البيضاوي، ج 1، ص 563 مع اختلاف في اللفظ.

بصيرته كانت تامّة في غاية الكمال، ولم يكن فيها نقص أصلاً حيث تكمل بمشاهدة العيان _ قال: _ وإلى ما ذكرنا أشار عليه السلام بقوله (يعني حتّى أرى هذا كما رأيت الأشياء كلّها) حيث دلّ على أنّ مقصوده مجرّد الرؤية، كما في المشبّه به، وانطباق علمه بالمعلوم، فإنّما علمه بالقدرة في الحالين على السواء، وإليه أشار أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: «لو كشف الغطاء ما ازددتُ يقينا»(1).(2)

انتهى كلامه. وفيه نظر يُعرف بأدنى التفات.

«قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنْ الطَّيْرِ».

روى الصدوق رحمه الله في كتاب العيون: «أنّ الطيور الأربعة كانت نسرا وبطّا وطاووسا وديكا».(3)

وقال بعض المفسّرين: «إنّها كانت طاووسا وديكا وغرابا وحمامة».(4) ومنهم من ذكر النسر بدل الحمامة.(5)

«فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ».

في القاموس: «صار الشيء صورا: أماله، أو هدّه. وصَوِرَ _ كفرح _ : مال. وصار وجهه يصوره ويصيره: أقبل به، والشيء: قطعه، وفصله».(6)

وقال البيضاوي:

معناه: فأمّلهنّ واضممهنّ إليك لتتأمّلها، وتعرف شأنها وحالها، لئلاّ يلتبس عليك بعد الإحياء. وقرأ حمزة ويعقوب: «فصِرهنّ» بالكسر، وهما لغتان.

«ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءا» أي ثمّ جَزّءهُنّ، وفرّق أجزائهنّ على الجبال التي بحضرتك. قيل: كانت أربعة. وقيل: سبعة، انتهى.(7)

أقول: قال بعض مفسّري العامّة: إنّ المراد جميع جبال الدُّنيا بحسب الإمكان،(8) وسيجيء

ص: 44


1- . غررالحكم، ص 199، ح 2086؛ عيون الحكم والمواعظ، ص 415؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 7، ص 253؛ و ج 10، ص 142؛ وج 11، ص 179.
2- . القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 429 مع اختلاف في اللفظ.
3- . عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج 2، ص 176، ح 1.
4- . جامع البيان، ج 3، ص 81.
5- . نقله الرازي عن ابن عبّاس في تفسيره، ج7، ص 43.
6- . القاموس المحيط، ج 2، ص 73 صور مع التلخيص.
7- . تفسير البيضاوي، ج 1، ص 563.
8- . اُنظر: تفسير الرازي، ج 7، ص 46.

أنّه كان الجبال عشرة، وأخبار أهل البيت عليهم السلام في ذلك مستفيضة،(1) وعليه فرّعوا أنّ لو أوصى رجل بجزء ماله أنّه ينصرف إلى العشر.

والظاهر أنّ قوله: (فقطّعهن واخلطهن) تفسير لقوله تعالى: «فَصُرْهُنَّ».

وروت العامّة أيضا عن ابن عبّاس ومجاهد وابن جبير والحسن: أنّ «صرهنّ إليك» معناه قطّعهنّ،(2) ويحتمل كونه بيانا لحاصل المعنى، فلا ينافي تفسيره بالإمالة والضمّ، كما مرّ.

(كما اختلطت هذه الجيفة في هذه السباع التي أكل بعضها بعضا) قد مرّ آنفا ما ينفع في هذا المقام.

قال الفاضل الإسترآبادي:

فيه إشارة إلى أنّ الخلط في الصورتين على نهج واحد، وفيه تنبيه على أنّ اللّه تعالى قدّر أن لا يصير الأجزاء الأصليّة لحيوان جزء لحيوان آخر، وكأنّه أراد أنّه لا يجب إعادة الفواضل، وفي بعض الأخبار دلالة على إعادتها.(3)

(فخلّط).

الظاهر أنّه بصيغة المضي، وفاعله «إبراهيم عليه السلام» أي فخلّط بالدقّ ونحوه أجزاء الطيور بعضها في بعض كما اُمِرَ.

ويحتمل كونه بصيغة الأمر من التخليط فيكون تكرار لما سبق لما فيه من المبالغة.

ثمّ شرع عليه السلام في بيان تتمّة الآية بإعادة بعض فقراتها السابقة وقال: «ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءا». ويحتمل كون هذه الفقرة من تتمّة البيان.

وفي بعض النسخ: «ثمّ جعل»، فتأمّل.

«ثُمَّ ادْعُهُنَّ».

قال البيضاوي: «أي قُل لهنّ تعالين بإذن اللّه «يَأْتِينَكَ سَعْيا» ساعيات مسرعات طيرانا أو مشيا».(4)

ص: 45


1- . التوحيد، ص 132، ح 14؛ الخصال، ص 264، ح 146؛ علل الشرائع، ج 2، ص 586، ح 32.
2- . نقل عنهم الرازي في تفسيره، ج 7، ص 44.
3- . نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 429.
4- . تفسير البيضاوي، ج 1، ص 564.

(فلمّا دعاهنّ أجبنه).

روى الصدوق رحمه الله عن الرضا عليه السلام: «إنّ إبراهيم عليه السلام أخذ نسرا وبطّا وطاووسا وديكا، فقطّعهنّ وخلّطهنّ، ثمّ جعل على كلّ جبلٍ من الجبال التي حوله، وكانت عشرة منهنّ جزءا، وجعل مناقيرهنّ بين أصابعه، ثمّ دعاهنّ بأسمائهنّ، ووضع عنده حبّا وماءً، فتطايرت الأجزاء بعضها على بعض حتّى استوت الأبدان، وجاء كلّ بدن حتّى انضمّ إلى رقبته ورأسه، فخلّى إبراهيم عليه السلام من مناقيرهنّ، فطِرن، ثمّ وقعن وشربن من ذلك الماء، والتقطن من ذلك الحبّ، وقلن: يا

نبيّ اللّه ، أحييتنا أحياك اللّه ، فقال إبراهيم: بل اللّه يُحيي ويُميت، وهو على كلّ شيء قدير».(1)

متن الحديث الثالث والسبعين والأربعمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ عَطِيَّةَ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ ، قَالَ :

سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام عَنِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ مِمَّا يَكُونَانِ؟

فَقَالَ(2) لِي : «يَا أَبَا أَيُّوبَ ، إِنَّ الْمِرِّيخَ كَوْكَبٌ حَارٌّ ، وَزُحَلَ كَوْكَبٌ بَارِدٌ ، فَإِذَا بَدَأَ الْمِرِّيخُ فِي الاِرْتِفَاعِ انْحَطَّ زُحَلُ ، وَذلِكَ فِي الرَّبِيعِ ، فَلاَ يَزَالاَنِ كَذلِكَ كُلَّمَا ارْتَفَعَ الْمِرِّيخُ دَرَجَةً انْحَطَّ زُحَلُ دَرَجَةً ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ حَتّى يَنْتَهِيَ الْمِرِّيخُ فِي الاِرْتِفَاعِ ، وَيَنْتَهِيَ زُحَلُ فِي الْهُبُوطِ ، فَيَجْلُوَ الْمِرِّيخُ ، فَلِذلِكَ يَشْتَدُّ الْحَرُّ ، فَإِذَا كَانَ فِي آخِرِ الصَّيْفِ وَأَوَّلِ الْخَرِيفِ ، بَدَأَ زُحَلُ فِي الاِرْتِفَاعِ ، وَبَدَأَ الْمِرِّيخُ فِي الْهُبُوطِ ، فَلاَ يَزَالاَنِ كَذلِكَ كُلَّمَا ارْتَفَعَ زُحَلُ دَرَجَةً انْحَطَّ الْمِرِّيخُ دَرَجَةً حَتّى يَنْتَهِيَ الْمِرِّيخُ فِي الْهُبُوطِ ، وَيَنْتَهِيَ زُحَلُ فِي الاِرْتِفَاعِ ، فَيَجْلُوَ زُحَلُ ، وَذلِكَ فِي أَوَّلِ الشِّتَاءِ وَآخِرِ الْخَرِيفِ ، فَلِذلِكَ يَشْتَدُّ الْبَرْدُ ، وَكُلَّمَا ارْتَفَعَ هذَا هَبَطَ هذَا ، وَكُلَّمَا هَبَطَ هذَا ارْتَفَعَ هذَا(3) ، فَإِذَا كَانَ فِي الصَّيْفِ يَوْمٌ بَارِدٌ ، فَالْفِعْلُ فِي ذلِكَ لِلْقَمَرِ ، وَإِذَا كَانَ فِي الشِّتَاءِ يَوْمٌ حَارٌّ ، فَالْفِعْلُ فِي ذلِكَ لِلشَّمْسِ ، هذَا تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ، وَأَنَا عَبْدُ رَبِّ الْعَالَمِينَ» .

شرح

السند حسن.

ص: 46


1- . عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج 2، ص 176، ح 1 مع اختلاف يسير في اللفظ.
2- . في أكثر نسخ الكافي: «قال».
3- . في بعض نسخ الكافي: - «وكلّما هبط هذا ارتفع هذا».

قوله: (إنّ المرّيخ كوكب حارّ، وزحل كوكب بارد)؛ لعل المراد ما ذهب إليه أهل التنجيم من أنّ المرّيخ بالطبع حارّ يابس، وزحل بالطبع بارد يابس. ويحتمل أن يُراد أنّهما كذلك بالخاصّية والتأثير، لا بالذات.

(فإذا بدأ المريّخ) أي ابتدأ وشرع.

(في الارتفاع انحطّ زحل).

يفهم من السياق أن ليس المراد بالارتفاع كون الكوكب في الاُفق الشرقي وطلوعه منه وميله إلى دائرة نصف النهار، بل وكونه في البروج الشماليّة وانتقاله من نقطة الاعتدال الربيعي إلى الانقلاب الصيفي، وهناك غاية ارتفاعه، وأمّا انتقاله من نقطة الانقلاب الصيفي إلى الاعتدال الخريفي ففي حكم الأوّل ومن توابعه، وكذا المراد بالانحطاط ليس باعتبار ميله عن دائرة نصف النهار إلى الاُفق الغربي، بل باعتبار كونه في البروج الجنوبيّة وانتقاله من نقطة الاعتدال الخريفي إلى الانقلاب الشتوي، وهناك غاية انحطاطه، وأمّا انتقاله منه إلى الاعتدال الربيعي فعلى قياس ما مرّ.

هذا ما يتعلّق بالمقام بالنظر إلى ظاهر ما يفهم من الكلام، لكن يلزم منه مقارنة المرّيخ مع الشمس دائما، ومقابلته زحل دائما، وليس كذلك، فلابدّ من ارتكاب أحد من التوجيهين؛ أحدهما أن يُراد بالارتفاع كون الكوكب في ذروة التدوير أو قريبا منها، وبالانحطاط كونه في حقيقته أو قريبا منه، والآخر ما قاله بعض الأفاضل من أنّ المراد بالارتفاع الترقّي في مراتب التسخين والتبريد، وبالانحطاط التنزّل في مراتب أحدهما.(1) والثاني أقرب إلى التحقيق، وسيأتي لهذا زيادة تحقيق إن شاء اللّه تعالى.

(وذلك) أي ما ذكر من ارتفاع المرّيخ وانحطاط زحل.

(في الربيع) يعني بلوغ الشمس إلى الحمل، وميلها إلى شمال المعدّل، وحينئذٍ يعيّن تسخين الشمس باعتبار مسامته سمت الرأس أو قربها منه تسخين المرّيخ.

(فلا يزالان كذلك).

يرتقي المريخ في ارتفاعه في التسخين، ويتنزّل زحل في انحطاطه في التبريد.

ص: 47


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 430 مع اختلاف في اللفظ.

(كلّما ارتفع المرّيخ درجة) من الارتفاع.

(انحطّ زحل درجة) من الانحطاط.

(ثلاثة أشهر) شمسيّة، وهي أربعة وتسعون يوما تقريبا.

(حتّى ينتهي المرّيخ في الارتفاع) في التسخين، وهو أوان وصول الشمس إلى الانقلاب الصيفي، وبلوغ تسخينها حدّ الكمال.

(وينتهي زحل) حينئذٍ (في الهبوط) من التبريد، ويبلغ غاية النقصان في ذلك.

(فيجلو المريخ) أي ينكشف ويتّضح تسخينه كمال الانكشاف، أو يفارق عن مكانه في الانحطاط، ويبلغ كمال الارتفاع.

قال الجوهري:

الجلاء _ بالفتح والمدّ _ : الأمر الجليّ، تقول منه: جلا الأمر،(1) أي وضح. والجلاء أيضا: الخروج من البلد، وقد جلوا عن أوطانهم وجلوتهم أنا، يتعدّى ولا يتعدّى.(2)

(فلذلك يشتدّ الحرّ)؛ لكمال سببه من غير مانع.

وكما بيَّن عليه السلام سبب الحرارة أراد أن يبيّن سبب البرد، فقال: (فإذا كان آخر الصيف وأوّل الخريف) عند بلوغ الشمس أوّل الميزان، وميلها إلى الجنوب من المعدّل.

(بدأ زحل في الارتفاع) والترقّي في التبريد.

(وبدأ المرّيخ في الهبوط) والتنزّل في التسخين.

(فلا يزالان كذلك) يوما فيوما وساعةً فساعة.

(كلّما ارتفع زحل درجة) في التبريد.

(انحطّ المرّيخ درجة) في التسخين.

(حتّى ينتهي المرّيخ في الهبوط) ويصير مغلوبا، ويبلغ تأثيره غاية النقصان.

(وينتهي زحل في الارتفاع) والترقّي في التبريد.

(فيجلو زحل)؛ لأنّه حينئذٍ في حدّ الكمال في اقتضائه.

وفي بعض النسخ: «فيعلو زحل».

ص: 48


1- . في المصدر: «جلا لي الخبر» بدل «جلا الأمر».
2- . الصحاح، ج 6، ص 2303 جلا مع التلخيص.

(وذلك في أوّل الشتاء وآخر الخريف) حين بلوغ الشمس أوّل الجدي.

(فلذلك يشتدّ البرد) لكمال سببه في السببيّة من غير مانع من الاقتضاء.

(وكلّما ارتفع هذا هبط هذا، وكلّما هبط ارتفع هذا).

هذا تأكيد لجميع ما تقدّم.

وهاهنا مظنّة سؤال، وهو أنّه يلزم على هذا لأن يكون أيّام الصيف حارّا دائما، وأيّام الشتاء باردا دائما، وليس كذلك؟!

فأجاب عليه السلامبقوله: (فإذا كان في الصيف يوم بارد، فالفعل في ذلك للقمر)؛ لأنّه بارد رطب كما مرّ، ولذا قالوا: إنّ قوّته وارتفاعه يوجب زيادة البرد والرطوبات، ولا يمكن استناد البرودة حينئذٍ إلى الشمس، ولا إلى المرّيخ؛ لأنّهما حارّان يابسان، ولا إلى زحل نفسه؛ لكونه مغلوبا في الصيف.

(وإذا كان في الشتاء يوم حارّ، فالفعل في ذلك للشمس) لا لزحل؛ لكونه بارد كالقمر، ولا للمرّيخ لكونه مغلوبا حينئذٍ.

وأمّا تأثير الشمس في هذا وتأثير القمر في ذاك دون سائرهما فلزوال المانع من تأثيرهما فيهما ووجوده في غيرهما، هذا الذي ذكر من الجري على هذا التقدير.

([هذا] تقدير العزيز): الغالب بقدرته على كلّ مقدور.

(العليم): المحيط علمه بكلّ معلوم، وبأحوال العباد ومصالحهم، وبأوضاع البلاد وأهلها ومرافقهم.

(وأنا عبد ربّ العالمين).

فيه إظهار للعجز والمسكنة، ودفع لما يتوهّم من استناد التأثيرات إلى الكواكب استقلالاً، من غير استنادها إلى ربٍّ مدبّر لها.

وقيل: لعلّه كان في المجلس من يذهب مذهب الغلاة، أو علم عليه السلام أنّ في قلب السامع(1) شيئا من ذلك، فنفاه، وأذعن بعبوديّته نفسه، وأنّ اللّه هو ربّ العالمين.(2)

واعلم أنّ لبعض الأفاضل هنا تحقيقا دقيقا هو كالتفصيل لما أجملناه سابقا، قال:

ص: 49


1- . في المصدر: «الراوي».
2- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 399.

وإنّما حمل الارتفاع والانحطاط على مراتب التسخين والتبريد ولم نحمله على ظاهره الدالّ على أنّ الحرارة والبرودة منهما فقط، لا من الشمس بسبب القُرب والبعد، وعلى تساويهما في الحركة وتقابلهما في الوضع ودورهما في سنة؛ لأنّ الكلّ مناف لما هو المقرّر عند الرياضيّين، أو حركة التدوير للمرّيخ في يوم وليلة سبعة وعشرون دقيقة تقريبا، ولزحل سبعة وخمسون دقيقة تقريبا، وحركة الحامل للأوّل إحدى وثلاثون دقيقة تقريبا، وللثاني دقيقتان، فلا تساوي ولا تقابل، ولا دورة في سنة فيهما، لا باعتبار حركة التدوير، ولا باعتبار حركة الحامل وزيادة تدوير، أو خارج مركز لكلّ منهما مع اعتبار حركة الزائد على وجه توافق مجموع حركته، وحركة المزيد عليه حركة خارج مركز الشمس، وهي في كلّ يوم بليلة تسع وخمسون دقيقة بحيث يتحقّق المساواة في الحركة وتتميم الدورة في سنة مناف للمحسوس والمرصود، ومع ذلك لا يرفع الاختلاف بالكلّية، فليتأمّل فإنّه دقيق جدّا،(1) انتهى.

ثمّ اعلم أنّ هذا الخبر لا ينافي حدوث الحرارة في الصيف بارتفاع الشمس وتأثيرها، والبرودة في الشتاء بانخفاضها؛ لجواز أن يكون لكلا الأمرين مدخلاً في ذلك، بأن يكون

أحدهما سببا جليّا، والآخر سببا خفيّا. وتعرّضه عليه السلام بالخفي لخفائه دون الجليّ لجلائه.

متن الحديث الرابع والسبعين والأربعمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَيْمُونٍ الْقَدَّاحِ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : يَا عَلِيُّ ، مَنْ أَحَبَّكَ ثُمَّ مَاتَ فَقَدْ قَضى نَحْبَهُ ، وَمَنْ أَحَبَّكَ وَلَمْ يَمُتْ فَهُوَ يَنْتَظِرُ ، وَمَا طَلَعَتْ شَمْسٌ وَلاَ غَرَبَتْ إِلاَّ طَلَعَتْ عَلَيْهِ بِرِزْقٍ وَإِيمَانٍ» . وَفِي نُسْخَةٍ : «نُورٍ» .

شرح

السند ضعيف.

قوله: (يا علي، من أحبّك ثمّ مات فقد قضى نحبه، ومن أحبّك ولم يمت فهو ينتظر) إشارة

ص: 50


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 431 مع اختلاف في اللفظ.

إلى قوله تعالى في سورة الأحزاب: «مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللّه َ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً»(1).

قال الجوهري: «النحب: النذر. والنحب: المدّة، والوقت. يُقال: قضى فلان نحبه، إذا مات»(2) انتهى.

وقال البيضاوي في تفسير هذه الآية:

إنّ المراد بصدقهم ما عاهدوا اللّه عليه الثبات مع الرسول والمقاتلة لأعداء الدِّين، من صدقني: إذا قال لك الصدق؛ فإنّ العاهد إذا وفي بعهده فقد صدق فيه.(3)

وقال الشيخ الطبرسي رحمه الله:

أي بايعوا أن لا يفرّوا، فصدقوا في لقائهم العدوّ، «فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ»أي مات، أو قتل في سبيل اللّه ، فأدرك ما تمنّى، فذلك قضاء النحب.

وقيل: «قَضَى نَحْبَهُ» معناه: فرغ من عمله، ورجع إلى ربّه؛ يعني من استشهد يوم اُحد. عن محمّد بن إسحاق.

وقيل: معناه: قضى أجله على الوفاء والصدق. عن الحسن.

وقال ابن قتيبة: أهل النحب النذر، وكان قوم نذروا أن يلقوا العدوّ وأن يقاتلوا حتّى يُقتلوا أو يفتح اللّه ، فقُتلوا، فقيل: فلان قضى نحبه: إذا قتل.

وقال ابن إسحاق: «فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ» من استشهد يوم بدر واُحد «وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ» ما وعد اللّه من نصرة أو شهادة على ما مضى عليه أصحابه، «وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً» أي ما غيّروا العهد الذي عاهدوا ربّهم كما غيّر المنافقون.

قال ابن عبّاس: «مَنْ قَضَى نَحْبَهُ» حمزة بن عبد المطّلب ومن قتل معه وأنس بن النضر وأصحابه.

وقال الكلبي: ما بدّلوا العهد بالصبر، ولا نكثوه بالفرار.

وروى أبو القاسم الحسكاني بالإسناد عن عمرو بن ثابت، عن أبي إسحاق، عن عليّ عليه السلام، قال: «فينا نزلت «رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللّه َ عَلَيْهِ»فأنا واللّه المنتظر، وما بدّلت تبديلاً» انتهى.(4)

ص: 51


1- . الأحزاب 33 23.
2- . الصحاح، ج 1، ص 222 نحب مع التلخيص.
3- . تفسير البيضاوي، ج 4، ص 370 مع اختلاف في اللفظ.
4- . مجمع البيان، ج 8، ص 145.

ولعلّ غرض رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّ شيعة أمير المؤمنين عليه السلام داخلون في عموم هذه الآية حيث صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه من ولاية أئمّة الحقّ ونصرتهم، فمن بات منهم وفي بنذره وعهده، حيث كان ثابتا في دين الحقّ متهيّئا لمعاونة إمام الحقّ، حيث أمكن غير ناكث ولا مبدِّل على أن يموت، ومن لم يمت فهو ينتظر دولة الحقّ واستيلاء القائم عليه السلام ونصرته.

(وما طلعت شمس ولا غربت إلاّ طلعت عليه برزقٍ وإيمان) يعني في كلّ صباحٍ ومساء يأتي اللّه برزقه، ولا يكله إلى غيره، ويزيد في إيمانه ويقينه ويثبّته عليه.

(وفي نسخة: نور) يعني بدل «إيمان» أي يفيض اللّه عليه كلّما يصبح ويُمسي نورا من الإيمان والعلم.

متن الحديث الخامس والسبعين والأربعمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّوْفَلِيِّ ، عَنِ السَّكُونِيِّ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : سَيَأْتِي عَلى أُمَّتِي زَمَانٌ تَخْبُثُ فِيهِ سَرَائِرُهُمْ وَتَحْسُنُ فِيهِ عَلاَنِيَتُهُمْ طَمَعا فِي الدُّنْيَا ، وَلاَ يُرِيدُونَ بِهِ مَا عِنْدَ اللّهِ رَبِّهِمْ ، يَكُونُ دِينُهُمْ رِيَاءً ، لاَ يُخَالِطُهُمْ خَوْفٌ ، يَعُمُّهُمُ اللّهُ مِنْهُ بِعِقَابٍ ، فَيَدْعُونَهُ دُعَاءَ الْغَرِيقِ ، فَلاَ يَسْتَجِيبُ لَهُمْ» .

شرح

السند ضعيف.

قوله: (يعمّهم اللّه منه بعقاب) كاستيلاء الظلمة وأهل الشبهة والبدعة وغيبة إمام الحقّ ونحو ذلك ممّا ابتلي به الناس في تلك الأزمنة.

متن الحديث السادس والسبعين والأربعمائة (حَدِيثُ الْفُقَهَاءِ وَالْعُلَمَاءِ)

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّوْفَلِيِّ ، عَنِ السَّكُونِيِّ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ أَمِيرُ الْمُؤمِنِينَ عليه السلام : كَانَتِ الْفُقَهَاءُ وَالْعُلَمَاءُ إِذَا كَتَبَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ ، كَتَبُوا بِثَلاَثَةٍ لَيْسَ مَعَهُنَّ رَابِعَةٌ : مَنْ كَانَتْ هِمَّتُهُ آخِرَتَهُ ، كَفَاهُ اللّهُ هَمَّهُ مِنَ الدُّنْيَا ؛ وَمَنْ أَصْلَحَسَرِيرَتَهُ ، أَصْلَحَ اللّهُ عَلاَنِيَتَهُ ؛ وَمَنْ أَصْلَحَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَصْلَحَ اللّهُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _

ص: 52

فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ» .

شرح

السند ضعيف.

قوله: (حديث الفقهاء والعلماء).

قيل: العالم أعمّ من الفقيه، باعتبار أنّ الفقه يتعلّق بالأحكام، والعلم يتعلّق بها وبغيرها. أو باعتبار أنّ الفقه في عرف المحدّثين المتقدّمين _ كما صرّح به جماعة من المحقّقين _ بصيرة قلبيّة تامّة في الدِّين تابعة للإدراك توجب الميل إلى الآخرة ورفض الدُّنيا ومقت أهلها في ذات اللّه تعالى، والعلم أعمّ منها ومن الإدراك، وإن اُريد بالعلم أيضا في عرفهم تلك البصيرة _ كما صرّح به بعض الأكابر _ كانت بينهما مساواة، والعطف للتفسير. ثمّ المراد بهم إمّا فقهاء هذه الاُمّة وعلماؤهم، أو الأعمّ الشامل للاُمم السابقة.(1)

وقوله: (ليس معهنّ رابعة) أي مضمون مكاتيبهم منحصر بهذه الثلاثة، حيث إنّها جامعة لمصالح الدِّين والدّنيا.

(من كانت همّته)

في بعض النسخ: «همّه».

(آخرته، كفاه اللّه همّه من الدُّنيا).

في القاموس: «الهمّ: الحزن، وما همَّ به في نفسه. والهِّمة _ بالكسر، ويفتح _ : ما همّ به من أمر ليفعل، والهوى».(2) أي من كانت قصده وإرادته أو حزنه لأمر آخرته والكدّ في تحصيله كفاه اللّه همّه ومؤونته من الدُّنيا، كما ورد: «من كان للّه كان اللّه له»،(3) و«من أصلح اُمور دينه أصلح اللّه اُمور دنياه».(4)

(ومن أصلح سريرته) أي قلبه وخاطره وبواطن اُموره. وأصل السريرة: ما يكتم.

ص: 53


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 433.
2- . القاموس المحيط، ج 4، ص 192 همم مع التلخيص.
3- . بحار الأنوار ج 79، ص 197.
4- . اُنظر: نهج البلاغة، ج 4، ص 40، الحكمة 89؛ وسائل الشيعة، ج 15، ص 298، ح 20563.

(أصلح اللّه علانيته) أي ظاهره. يُقال: علن الأمر _ كنصر وضرب وكرم وفرح _ علنا وعلانية، أي ظهر. وعلنته وبه: أظهرته.

قيل: إصلاح السريرة _ وهو تنزيه القلب عن الرذائل، وتزيينه بالفضائل، وربطه بالعقائد الحقّة، يوجب صلاح الظاهر؛ لأنّ الظاهر تابع للباطن، ولو صدر منه ما لا ينبغي نادرا، أو مال إليه، أصلح اللّه له بالعفو والتفضّل، ووفّقه للصرف عنه.(1)

(ومن أصلح فيما بينه وبين اللّه ) بامتثال أوامره، والانزجار عن زواجره، والتأدّب بآدابه.

(أصلح اللّه _ تبارك وتعالى _ فيما بينه وبين الناس) بصرف قلوبهم إليه بالمودّة والمحبّة والإتيان بما فيه صلاح حاله.

ولعلّ الغرض من نقل مكاتبتهم هو الحثّ على الاتّعاظ بموعظتهم، والتأسّي بسنّتهم.

متن الحديث السابع والسبعين والأربعمائة

اشارة

الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيُّ ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ ، عَنْ سَعْدَانَ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «كَانَ رَجُلٌ بِالْمَدِينَةِ يَدْخُلُ مَسْجِدَ الرَّسُولِ صلى الله عليه و آله ، فَقَالَ : اللّهُمَّ آنِسْ وَحْشَتِي ، وَصِلْ وَحْدَتِي ، وَارْزُقْنِي جَلِيسا صَالِحا ، فَإِذَا [هُوَ] بِرَجُلٍ فِي أَقْصَى الْمَسْجِدِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، وَقَالَ لَهُ : مَنْ أَنْتَ يَا عَبْدَ اللّهِ؟ فَقَالَ : أَنَا أَبُو ذَرٍّ ، فَقَالَ الرَّجُلُ : اللّهُ أَكْبَرُ اللّهُ أَكْبَرُ ، فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ : [وَ] لِمَ تُكَبِّرُ يَا عَبْدَ اللّهِ؟ فَقَالَ : إِنِّي دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَدَعَوْتُ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ أَنْ يُؤنِسَ وَحْشَتِي ، وَأَنْ يَصِلَ وَحْدَتِي ، وَ أَنْ يَرْزُقَنِي جَلِيسا صَالِحا ، فَقَالَ لَهُ أَبُو ذَرٍّ : أَنَا أَحَقُّ بِالتَّكْبِيرِ مِنْكَ إِذْ(2) كُنْتُ ذلِكَ الْجَلِيسَ ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقُولُ : أَنَا وَأَنْتُمْ عَلى تُرْعَةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتّى يَفْرُغَ النَّاسُ مِنَ الْحِسَابِ ، قُمْ يَا عَبْدَ اللّهِ ، فَقَدْ نَهَى السُّلْطَانُ عَنْ مُجَالَسَتِي» .

شرح

السند ضعيف.

قوله: (أنا وأنتم على ترعة يوم القيامة) إلى آخره.

ص: 54


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 433.
2- . في كلتا الطبعتين: «إذا».

في القاموس: «الترعة _ بالضم _ : الباب، والدرجة، والروضة في مكان مرتفع، ومقام الشاربة على الحوض، والمرقاة من المنبر، وفوهة الجدول».(1)

وفي النهاية:

فيه: [إنّ] منبري على ترعة من ترع الجنّة. الترعة في الأصل: الروضة على المكان المرتفع خاصّة، فإذا كانت في المطمئن فهي روضة. وقيل: الترعة: الدرجة. وقيل: الباب.(2)

أقول: لعلّه صلى الله عليه و آلهمخاطبا لقوم كان أبو ذرّ رحمه اللهفيهم، وإنّما ذكر أبو ذرّ هذا الحديث في هذا المقام لتأييد كلام الرجل، وأراد بالسلطان عثمان بن عفّان.

وقيل: في هذا الحديث دلالة على أنّه ليس على خواصّ الشيعة حساب، وعليه روايات اُخر مرَّ ذكر بعضها.(3)

متن الحديث الثامن والسبعين والأربعمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّوْفَلِيِّ ، عَنِ السَّكُونِيِّ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ أَمِيرُ الْمُؤمِنِينَ عليه السلام : قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لاَ يَبْقى مِنَ الْقُرْآنِ إِلاَّ رَسْمُهُ ، وَمِنَ الاْءِسْلاَمِ إِلاَّ اسْمُهُ ، يُسَمَّوْنَ بِهِ وَهُمْ أَبْعَدُ النَّاسِ مِنْهُ ، مَسَاجِدُهُمْ عَامِرَةٌ وَهِيَ خَرَابٌ مِنَ الْهُدى ، فُقَهَاءُ ذلِكَ الزَّمَانِ شَرُّ فُقَهَاءَ تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ ، مِنْهُمْ خَرَجَتِ الْفِتْنَةُ وَإِلَيْهِمْ تَعُودُ» .

شرح

السند ضعيف.

قوله: (لا يبقى من القرآن إلاّ رسمه).

في القاموس: «الرسم: الأثر، أو بقيّته، أو ما لا شخص له من الآثار».(4)

ص: 55


1- . القاموس المحيط، ج 3، ص 9 ترع مع التلخيص.
2- . النهاية، ج 1، ص 187 ترع مع التلخيص.
3- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 424.
4- . القاموس المحيط، ج 4، ص 120 رسم مع التلخيص.

(ومن الإسلام إلاّ اسمه).

والغرض أنّ أهل ذلك الزمان لا ينتفعون بالإسلام، ولا بالقرآن، وإن وصفوا أنفسهم بكونهم من أهلها، كما أشار إليه بقوله: (يسمّون) على البناء للمفعول.

(به) أي بالإسلام، وهم أبعد الناس منه. الواو للحال، والضمير المجرور للإسلام.

(مساجدهم عامرة) بالاجتماع بها في أوقات الصلاة.

(وهي خرابٌ من الهدى) لتركهم ما هو الأصل والعمدة في قبول الصلاة، بل في أجزائها وهي الولاية.

(فقهاء ذلك الزمان شرّ فقهاء تحت ظلّ السماء).

قيل: ما أخبر به عليه السلاممن باب الإعجاز؛ فإنّه أخبر بما سيقع، وقد وقع؛ فإنّ زمان موته عليه السلامإلى الآن هو عين ذلك الزمان، إذ أكثر الصحابة ومن بعدهم من المخالفين وفقهائهم إلى يومنا هذا موصوفون بالصفات المذكورة، بل لا يبعد أن يدخل في الذمّ من كان في زماننا هذا من بعض الشيعة وعلمائهم؛ فإنّ أكثرهم(1) راغبون إلى الدُّنيا والفتنة، ساعون إلى الجبابرة والظلمة، لا يعملون بما في القرآن، ويظهرون الإسلام بمجرّد اللسان، وقلوبهم مملوّة من نفاق المؤمنين، وضمائرهم محشوّة بعداوة المسلمين، إلاّ من شذّ وقليلٌ ما هم.(2)

(منهم خرجت الفتنة) والضلالة وشقّ عصا المسلمين.

(وإليهم تعود).

ضرر تلك الفتنة وثمرتها أكثر من غيرهم؛ لأنّهم متّصفون بالضلال والإضلال جميعا، أو تنسب إليهم فتنة من افتتن بهم أو الفتنة تأوي إليهم وتستقرّ فيهم، وهم مرجعها ومآبها، وبهم بقاؤها ودوامها.

متن الحديث التاسع والسبعين والأربعمائة

اشارة

الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيُّ ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِيَزِيدَ ، قَالَ :

ص: 56


1- . في المصدر: «كلّهم».
2- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 434 مع التلخيص.

سَمِعْتُ الرِّضَا عليه السلام بِخُرَاسَانَ وَهُوَ يَقُولُ : «إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ وَرِثْنَا الْعَفْوَ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ، وَوَرِثْنَا الشُّكْرَ مِنْ آلِ دَاوُدَ».

وَزَعَمَ أَنَّهُ كَانَ كَلِمَةً أُخْرى وَنَسِيَهَا مُحَمَّدٌ ، فَقُلْتُ لَهُ : لَعَلَّهُ قَالَ(1) : وَوَرِثْنَا الصَّبْرَ مِنْ آلِ أَيُّوبَ؟ فَقَالَ : يَنْبَغِي .

قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَسْبَاطٍ : وَإِنَّمَا قُلْتُ ذلِكَ لِأَنِّي سَمِعْتُ يَعْقُوبَ بْنَ يَقْطِينٍ يُحَدِّثُ عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ ، قَالَ : لَمَّا قَدِمَ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ الْمَدِينَةَ سَنَةَ قَتْلِ مُحَمَّدٍ وَإِبْرَاهِيمَ ابْنَيْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَسَنِ ، الْتَفَتَ إِلى عَمِّهِ عِيسَى بْنِ عَلِيٍّ ، فَقَالَ لَهُ : يَا أَبَا الْعَبَّاسِ ، إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤمِنِينَ قَدْ رَأى أَنْ يَعْضِدَ شَجَرَ الْمَدِينَةِ ، وَأَنْ يُعَوِّرَ(2) عُيُونَهَا ، وَأَنْ يَجْعَلَ أَعْلاَهَا أَسْفَلَهَا ، فَقَالَ لَهُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤمِنِينَ ، هذَا ابْنُ عَمِّكَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ بِالْحَضْرَةِ، فَابْعَثْ إِلَيْهِ فَسَلْهُ(3) عَنْ هذَا الرَّأْيِ ، قَالَ : فَبَعَثَ إِلَيْهِ ، فَأَعْلَمَهُ عِيسى، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ لَهُ : «يَا أَمِيرَ الْمُؤمِنِينَ ، إِنَّ دَاوُدَ عليه السلام أُعْطِيَ فَشَكَرَ ، وَإِنَّ أَيُّوبَ عليه السلامابْتُلِيَ فَصَبَرَ ، وَإِنَّ يُوسُفَ عليه السلام عَفَا بَعْدَ مَا قَدَرَ، فَاعْفُ ؛ فَإِنَّكَ مِنْ نَسْلِ أُولئِكَ» .

شرح

السند ضعيف.

قوله: (التفت إلى عمّه عيسى بن علي).

المستتر في «التفت» والبارز في «عمّه» لأبي جعفر المنصور.

(فقال له: يا أبا العبّاس، إنّ أمير المؤمنين)؛ أراد نفسه الخبيثة.

(قد رأى) أي تعلّق رأيه.

(أن يعضد شجر المدينة).

قال الجوهري: «عضدت الشجر أعضده _ بالكسر _ أي قطعته بالمعضد».(4)

(وأن يعوّر) بالعين المهملة (عيونها).

قال الجزري: «عوّرت الركيّة وأعرتها وعُرتها: إذا طممتها، وسددت أعينها التي ينبع

ص: 57


1- . في كثير من نسخ الكافي: - «قال».
2- . في بعض نسخ الكافي: «أن تغوّر». وفي بعضها: «أن تعوّر».
3- . في بعض نسخ الكافي: «فسأله». وفي الوافي: «فاسأله».
4- . الصحاح، ج 2، ص 509 عضد.

منها الماء».(1)

وقال الفيروزآبادي: «عاره يعوره ويعيره: أخذه، وذهب به، أو أتلفه».(2)

وفي بعض النسخ: «يغور» بالغين المعجمة، من التغوير، وأصله الإتيان بالغور، وهو قعر الشيء والأرض المطمئن، وذهاب الماء في الأرض، والمراد هنا إذهابه وإعدامه عن وجهها، وكأنّه على الحذف والإيصال.

(فإنّك من نسل اُولئك).

قيل: أي من نسل أضرابهم وأشباههم من الأنبياء؛ أي هكذا كان فعال الأنبياء، وأنت من نسل الأنبياء، فينبغي أن يكون فعالك كفعالهم؛ إذ لم يكن من نسل هؤلاء الأنبياء بأعيانهم،لأنّه كان من ولد إسماعيل.(3)

متن الحديث الثمانين والأربعمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ ، عَنْ زُرْعَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا»(4) فَقَالَ : «كَانَتِ الْيَهُودُ تَجِدُ فِي كُتُبِهَا أَنَّ مُهَاجَرَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله مَا بَيْنَ عَيْرٍ وَأُحُدٍ ، فَخَرَجُوا يَطْلُبُونَ الْمَوْضِعَ ، فَمَرُّوا بِجَبَلٍ يُسَمّى حَدَاد(5) ، فَقَالُوا : حَدَادٌ وَأُحُدٌ سَوَاءٌ ، فَتَفَرَّقُوا عِنْدَهُ ، فَنَزَلَ بَعْضُهُمْ بِتَيْمَاءَ ، وَبَعْضُهُمْ بِفَدَكَ ، وَبَعْضُهُمْ بِخَيْبَرَ ، فَاشْتَاقَ الَّذِينَ بِتَيْمَاءَ إِلى بَعْضِ إِخْوَانِهِمْ ، فَمَرَّ بِهِمْ أَعْرَابِيٌّ مِنْ قَيْسٍ فَتَكَارَوْا مِنْهُ ، وَقَالَ لَهُمْ : أَمُرُّ بِكُمْ مَا بَيْنَ عَيْرٍ وَأُحُدٍ ، فَقَالُوا لَهُ : إِذَا مَرَرْتَ بِهِمَا فَآذِنَّا(6) بِهِمَا ، فَلَمَّا تَوَسَّطَ بِهِمْ أَرْضَ الْمَدِينَةِ قَالَ لَهُمْ : ذَاكَ عَيْرٌ وَهذَا أُحُدٌ ، فَنَزَلُوا عَنْ ظَهْرِ إِبِلِهِ ، وَقَالُوا : قَدْ أَصَبْنَا بُغْيَتَنَا ، فَلاَ حَاجَةَ لَنَا فِي إِبِلِكَ ، فَاذْهَبْ حَيْثُ شِئْتَ .

ص: 58


1- . النهاية، ج 3، ص 319 (عور).
2- . القاموس المحيط، ج 2، ص 97 عور.
3- . ذهب إليه العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 403.
4- .البقرة 2: 89.
5- . في كلتا الطبعتين وجميع النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة: «حدادا».
6- . في الطبعة القديمة: «آذنّا» بدون الفاء.

وَكَتَبُوا إِلى إِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ بِفَدَكَ وَخَيْبَرَ : أَنَّا قَدْ أَصَبْنَا الْمَوْضِعَ ، فَهَلُمُّوا إِلَيْنَا ، فَكَتَبُوا إِلَيْهِمْ : أَنَّا قَدِ اسْتَقَرَّتْ بِنَا الدَّارُ ، وَاتَّخَذْنَا الْأَمْوَالَ ، وَمَا أَقْرَبَنَا مِنْكُمْ ، فَإِذَا كَانَ ذلِكَ فَمَا أَسْرَعَنَا إِلَيْكُمْ ، فَاتَّخَذُوا بِأَرْضِ الْمَدِينَةِ الْأَمْوَالَ ، فَلَمَّا كَثُرَتْ أَمْوَالُهُمْ بَلَغَ تُبَّعَ ، فَغَزَاهُمْ فَتَحَصَّنُوا مِنْهُ ، فَحَاصَرَهُمْ وَكَانُوا يَرِقُّونَ لِضُعَفَاءِ أَصْحَابِ تُبَّعٍ ، فَيُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِاللَّيْلِ التَّمْرَ وَالشَّعِيرَ ، فَبَلَغَ ذلِكَ تُبَّعَ ، فَرَقَّ لَهُمْ وَآمَنَهُمْ فَنَزَلُوا إِلَيْهِ ، فَقَالَ لَهُمْ : إِنِّي قَدِ اسْتَطَبْتُ بِلاَدَكُمْ ، وَلاَ أَرَانِي إِلاَّ مُقِيما فِيكُمْ ، فَقَالُوا لَهُ(1) : إِنَّهُ لَيْسَ ذَاكَ لَكَ(2)، إِنَّهَا مُهَاجَرُ نَبِيٍّ ، وَلَيْسَ ذلِكَ لِأَحَدٍ حَتّى يَكُونَ ذلِكَ ، فَقَالَ لَهُمْ : إِنِّي(3) مُخَلِّفٌ فِيكُمْ مِنْ أُسْرَتِي مَنْ إِذَا كَانَ ذلِكَ سَاعَدَهُ وَنَصَرَهُ ، فَخَلَّفَ حَيَّيْنِ : الْأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ ، فَلَمَّا كَثُرُوا بِهَا(4) كَانُوا يَتَنَاوَلُونَ أَمْوَالَ الْيَهُودِ ، وَكَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ لَهُمْ : أَمَا لَوْ قَدْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ لَيُخْرِجَنَّكُمْ(5) مِنْ دِيَارِنَا وَأَمْوَالِنَا ، فَلَمَّا بَعَثَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آلهآمَنَتْ بِهِ الْأَنْصَارُ ، وَكَفَرَتْ بِهِ الْيَهُودُ ، وَهُوَ قَوْلُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكافِرِينَ»(6)» .

شرح

السند موثّق.

قوله: «وَكانُوا» أي اليهود.

«مِنْ قَبْلُ» أي قبل بعثة رسول اللّه صلى الله عليه و آله.

«يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا».

قال البيضاوي:

أي يستنصرون على المشركين، ويقولون: اللَّهُمَّ انصرنا بنبيّ آخر الزمان المنعوت في التوراة، أو يفتحون عليهم ويعرّفونهم أنّ نبيّا يُبعث منهم، وقد اقترب(7) زمانه،

ص: 59


1- . في بعض نسخ الكافي: - «له».
2- . في بعض نسخ الكافي: «ذلك». وفي بعضها: «إنّ ذلك ليس» بدل «إنّه ليس ذلك».
3- . في بعض نسخ الكافي: «فإنّي». وفي الوافي: «فإنّني».
4- . في بعض نسخ الكافي: «فيها». وفي بعضها: - «بها».
5- . في بعض نسخ الكافي: «لنخرجنّكم».
6- . البقرة 2: 89.
7- . في المصدر: «قرب».

والسين للمبالغة والإشعار بأنّ الفاعل يسأل ذلك عن نفسه.(1)

وقال الشيخ الطبرسي رحمه الله:

قال ابن عبّاس: كانت اليهود يستفتحون، أي يستنصرون على الأوس والخزرج برسول اللّه صلى الله عليه و آله قبل مبعثه، فلمّا بعثه اللّه من العرب، ولم يكن من بني إسرائيل، كفروا به، وجحدوا ما كانوا يقولون فيه، فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء بن معرور: يا معشر اليهود، اتّقوا اللّه وأسلموا، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمّد، ونحن أهل الشرك، وتصفونه، وتذكرون أنّه مبعوث، فقال سلام بن مشكم أخو بني النضير: ما جاء بشيء نعرفه، وما بالذي كنّا نذكر لكم، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية.(2)

ثمّ قال في تفسير الاستفتاح:

فيه وجوه:

أحدها: أنّ معناه يستنصرون، أي يقولون [في الحروب]: اللَّهُمَّ افتح علينا وانصرنا بحقّ النبيّ الاُمّي، اللَّهُمَّ انصرنا بحقّ النبيّ المبعوث إلينا، فهم يسألون الفتح الذي هو النصر.

وثانيها: أنّهم كانوا يقولون لمن ينابذهم: هذا نبيّ قد أطلَّ زمانه ينصرنا عليكم.

وثالثها: [أنّ] معنى يستفتحون يستعلمون من علمائهم صفة نبيّ يبعث من العرب، فكانوا يصفونه لهم، فلمّا بُعث أنكروه.(3)

(ما بين عَير) بالفتح (واُحُد) بضمّتين، وهما جبلان بالمدينة.

(فمرّوا بجبل يسمّى حداد).

كذا في أكثر النسخ، وفي بعضها: «حدادا» بالنصب، وهو الظاهر، ولعلّه على نسخة الأصل غير منصرف.

قال الفيروزآبادي: «حَدَد _ محرّكة _ : جبل بتيماء».(4)

وقال بعض الأفاضل: «لعلّه زيد ألف حداد من النسّاخ، أو كان ذلك الجبل يسمّى بكلّ منهما».(5)

ص: 60


1- . تفسير البيضاوي، ج 1، ص 359.
2- . مجمع البيان، ج 1، ص 299.
3- . مجمع البيان، ج 1، ص 300.
4- . القاموس المحيط، ج 1، ص 287 حدد.
5- . القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 436.

(فقالوا: حداد واُحد سواء) يعني أنّهم توهّموا اتّحادهما.

(فتفرّقوا عنده) أي عند حداد.

(فنزل بعضهم بتيماء) إلى قوله: (فاتّخذوا بأرض المدينة الأموال).

قال الجوهري: «التيماء: الفلاة. وتيماء: اسم موضع».(1)

وقال الفيروزآبادي: «فدك _ محرّكة _ : قرية بخيبر».(2)

وقال: «خيبر: حصن معروف».(3)

وقال: «آذنه الأمر وبه: أعلمه. وأذّن تأذينا: أكثر الإعلام».(4)

وقال: «بغيته أبغيته بغيةً _ بالضمّ والكسر _ : طلبته. والبغيّة _ كرضيّة _ : ما ابتغى بالبغية، بالكسر والضمّ».(5)

(فلمّا كثرت أموالهم بلغ تبّع، فغزاهم).

قيل: تُبَّع: ملكٌ في الزمان الأوّل اسمه أسعد أبو كرب.(6)

وفي القاموس: «التبابعة: ملوك اليمن، الواحد كسكّر، ولا يسمّى به إلاّ إذا كانت له حِمير وحضرموت».(7)

(وكانوا يرقّون) إلى قوله: (وكفرت به اليهود).

في القاموس: «الرقّة _ بالكسر _ : الرحمة، رققت له أرِقُ».(8)

وفيه: «استطاب الشيء: وجده طيّبا».(9)

وفيه: «الاُسرة من الرجل: الرّهط الأدنون».(10)

وقولهم: (ليس ذاك لك) أي لا يمكنك الإقامة فيها على جهة السلطنة؛ فإنّ غرضه من النزول فيها على تلك الجهة.

ص: 61


1- . الصحاح، ج 5، ص 1880 تيم.
2- . القاموس المحيط، ج 3، ص 315 فدك.
3- . القاموس المحيط، ج 2، ص 17 خبر.
4- . القاموس المحيط، ج 4، ص 195 أذن.
5- . القاموس المحيط، ج 4، ص 304 بغي مع التلخيص.
6- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 436.
7- . القاموس المحيط، ج 3، ص 8 تبع.
8- . القاموس المحيط، ج 3، ص 237 رقق.
9- . القاموس المحيط، ج 1، ص 99 طيب مع التلخيص.
10- . القاموس المحيط، ج 1، ص 364 أسر مع التلخيص.

(وهو قول اللّه عزّ وجلّ: «وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا») من الحقّ.

«كَفَرُوا بِهِ) حسدا وخوفا على الرئاسة.

«فَلَعْنَةُ اللّه ِ عَلَى الْكَافِرِينَ».

مقتضى الظاهر عليهم والإتيان بالمظهر للدلالة على أنّهم لعنوا لكفرهم، فيكون اللاّم للعهد. ويجوز أن يكون للجنس ويدخلوا فيه دخولاً أوّليّا؛ لأنّ الكلام فيهم.

متن الحديث الواحد والثمانين والأربعمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبيه ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيى ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ ، قَالَ :

سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى : «وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ»(1) قَالَ : «كَانَ قَوْمٌ فِيمَا بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَعِيسى صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِمَا ، وَكَانُوا يَتَوَعَّدُونَ أَهْلَ الْأَصْنَامِ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، وَيَقُولُونَ : لَيَخْرُجَنَّ نَبِيٌّ، فَلَيُكَسِّرَنَّ أَصْنَامَكُمْ، وَلَيَفْعَلَنَّ بِكُمْ وَ لَيَفْعَلَنَّ ، فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله كَفَرُوا بِهِ».

شرح

السند حسن موثّق.

قوله: (كان قوم) إلى آخره.

قيل: كأنّهم المذكورون مع احتمال غيرهم؛ لكثرة أهل الاستفتاح قبل بعثته صلوات اللّه عليه.

وقال الجوهري: «توعّد: تهدّد».(2)

متن الحديث الثاني والثمانين والأربعمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْخَرَّازِ(3) ، عَنْ

ص: 62


1- . البقرة 2: 89.
2- . الصحاح، ج 2، ص 552 وعد مع اختلاف يسير في اللفظ.
3- . في الطبعة القديمة وبعض نسخ الكافي: الخزّاز».

عُمَرَ بْنِ حَنْظَلَةَ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ : «خَمْسُ عَلاَمَاتٍ قَبْلَ قِيَامِ الْقَائِمِ : الصَّيْحَةُ ، وَالسُّفْيَانِيُّ ، وَالْخَسْفُ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الزَّكِيَّةِ ، وَالْيَمَانِيُّ».

فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنْ خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ قَبْلَ هذِهِ الْعَلاَمَاتِ أَ نَخْرُجُ مَعَهُ؟

قَالَ : «لاَ» .

فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ ، تَلَوْتُ هذِهِ الاْيَةَ «إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ»(1) فَقُلْتُ لَهُ : أَهِيَ الصَّيْحَةُ؟

فَقَالَ : «أَمَا لَوْ كَانَتْ ، خَضَعَتْ أَعْنَاقُ أَعْدَاءِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ».

شرح

السند حسن على الأصحّ.

قوله: (خمس علامات قبل قيام القائم عليه السلام).

يظهر من الأخبار أنّ العلامات في ذلك كثيرة، فلعلّ تخصيص هذه الخمس بالذِّكر للاهتمام، أو لأنّها العمدة من بين سائر العلامات، أو لغرض آخر.

(الصيحة) كأنّها النداء الذي يأتي في الخبر الآتي، وقد مرّ سابقا أيضا.

(والسفياني) أي خروجه.

(والخسفة) أي خسف جيش السفياني بالبيداء.

(وقتل النفس الزكيّة) كأنّه الحسني.

(فقلت له: أهي) أي الآية المذكورة في الآية.

(الصيحة؟ فقال: أما لو كانت) أي حين وجدت تلك الآيُة.

(خضعت أعناق أعداء اللّه عزّ وجلّ).

الظاهر أنّه عليه السلام قرّره على أنّ المراد بها الصيحة، وبيّن أنّ الصيحة تصير سببا لخضوعأعناق أعداء اللّه دون أوليائه.

ص: 63


1- . الشعراء: 26: 4.

متن الحديث الثالث والثمانين والأربعمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ، عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْحَلَبِيِّ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ : «اخْتِلاَفُ بَنِي الْعَبَّاسِ مِنَ الْمَحْتُومِ ، وَالنِّدَاءُ مِنَ الْمَحْتُومِ ، وَخُرُوجُ الْقَائِمِ مِنَ الْمَحْتُومِ» .

قُلْتُ : وَكَيْفَ النِّدَاءُ؟

قَالَ : «يُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَوَّلَ النَّهَارِ : أَلاَ إِنَّ عَلِيّا وَشِيعَتَهُ هُمُ الْفَائِزُونَ» قَالَ : «وَيُنَادِي مُنَادٍ آخِرَ النَّهَارِ : أَلاَ إِنَّ عُثْمَانَ وَشِيعَتَهُ هُمُ الْفَائِزُونَ» .

شرح

السند ضعيف.

قوله: (اختلاف بني العبّاس) أي ملوكهم وذهاب بعضهم ومجيء آخر، وقد مرّ مثل هذا الحديث مرارا.

متن الحديث الرابع والثمانين والأربعمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ زَيْدٍ الشَّحَّامِ ، قَالَ :

دَخَلَ قَتَادَةُ بْنُ دِعَامَةَ عَلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَقَالَ : «يَا قَتَادَةُ ، أَنْتَ فَقِيهُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ؟».

فَقَالَ : هكَذَا يَزْعُمُونَ .

فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «بَلَغَنِي أَنَّكَ تُفَسِّرُ الْقُرْآنَ؟».

فَقَالَ(1) [لَهُ] قَتَادَةُ : نَعَمْ .

[فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «بِعِلْمٍ تُفَسِّرُهُ أَمْ بِجَهْلٍ؟».

ص: 64


1- . في أكثر نسخ الكافي والوافي: «قال».

قَالَ : لاَ ، بِعِلْمٍ] .

فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «فَإِنْ كُنْتَ تُفَسِّرُهُ بِعِلْمٍ ، فَأَنْتَ أَنْتَ وَأَنَا أَسْأَلُكَ».

قَالَ(1) قَتَادَةُ : سَلْ .

قَالَ(2) : «أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ فِي سَبَإٍ : «وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِىَ وَأَيّاما آمِنِينَ»(3)».

فَقَالَ قَتَادَةُ : ذَاكَ(4) مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ بِزَادٍ حَلاَلٍ(5) ، وَرَاحِلَةٍ وَكِرَاءٍ(6) حَلاَلٍ يُرِيدُ هذَا الْبَيْتَ ، كَانَ آمِنا حَتّى يَرْجِعَ إِلى أَهْلِهِ .

فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «نَشَدْتُكَ اللّهَ يَا قَتَادَةُ ، هَلْ تَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ يَخْرُجُ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ بِزَادٍ حَلاَلٍ(7) وَكِرَاءٍ حَلاَلٍ يُرِيدُ هذَا الْبَيْتَ ،فَيُقْطَعُ عَلَيْهِ الطَّرِيقُ ، فَتُذْهَبُ نَفَقَتُهُ ، وَيُضْرَبُ مَعَ ذلِكَ ضَرْبَةً فِيهَا اجْتِيَاحُهُ».

قَالَ قَتَادَةُ : اللّهُمَّ نَعَمْ .

فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «وَيْحَكَ يَا قَتَادَةُ ، إِنْ كُنْتَ إِنَّمَا فَسَّرْتَ الْقُرْآنَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِكَ ، فَقَدْ هَلَكْتَ[وَأَهْلَكْتَ ، وَإِنْ كُنْتَ قَدْ أَخَذْتَهُ مِنَ الرِّجَالِ ، فَقَدْ هَلَكْتَ وَأَهْلَكْتَ] .

وَيْحَكَ يَا قَتَادَةُ ، ذلِكَ مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ بِزَادٍ وَرَاحِلَةٍ وَكِرَاءٍ حَلاَلٍ يَرُومُ هذَا الْبَيْتَ عَارِفا بِحَقِّنَا ، يَهْوَانَا قَلْبُهُ، كَمَا قَالَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ : و «اجْعَلْ(8) أَفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ»(9) وَلَمْ يَعْنِ الْبَيْتَ فَيَقُولَ : إِلَيْهِ ، فَنَحْنُ وَاللّهِ دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام الَّتِي مَنْ هَوَانَا قَلْبُهُ قُبِلَتْ حَجَّتُهُ ، وَإِلاَّ فَلاَ .

يَا قَتَادَةُ ، فَإِذَا كَانَ كَذلِكَ ، كَانَ آمِنا مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».قَالَ(10) قَتَادَةُ : لاَ جَرَمَ وَاللّهِ لاَ فَسَّرْتُهَا إِلاَّ هكَذَا .

فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «وَيْحَكَ يَا قَتَادَةُ ، إِنَّمَا يَعْرِفُ الْقُرْآنَ مَنْ خُوطِبَ بِهِ» .

ص: 65


1- . في بعض نسخ الكافي: «فقال».
2- . في بعض نسخ الكافي: «فقال».
3- . سبأ 34: 18.
4- . في كلتا الطبعتين: «ذلك».
5- . في أكثر نسخ الكافي: - «حلال».
6- . في أكثر نسخ الكافي: «أو كراء».
7- . في بعض نسخ الكافي: - «حلال». وفي معظمها وكلتا الطبعتين: + «وراحلة».
8- . في المصحف الكريم والطبعة الجديدة: «فاجعل».
9- . إبراهيم 14: 37.
10- . في بعض نسخ الكافي: «فقال».

شرح

السند ضعيف.

قوله: (قال: دخل قتادة بن دعامة) بكسر الدال، وهو من مشاهير مفسّري العامّة ومحدِّثيهم، روى عن أنس بن مالك، وأبي الطفيل، وسعيد بن المسيّب، والحسن البصري.

(فقال له أبو جعفر عليه السلام: فإن كنت تفسّره بعلم، فأنت أنت) أي فأنت العالم المفسِّر الذي لا يحتاج إلى المدح والوصف، وينبغي أن يرجع إليك في العلم لتوحيدك وكمالك فيه.

وفي بعض النسخ: «فقال له أبو جعفر عليه السلام: بعلم تفسّره أم بجهل؟ قال: لا بعلم» [بدل:].

«فقال له أبو جعفر عليه السلام: فإن كنت تفسّره بعلم، فأنت أنت».

(قال: أخبرني عن قول اللّه _ عزّ وجلّ _ في سبأ).

قال الفيروزآبادي: «سَبَأ _ كجبل، ويمنع _ : بلدة بلقيس، ولقب ابن يشجب بن يعرب بن قحطان، واسمه عبد شمس، يجمع قبائل اليمن عامّة».(1)

أقول: سمّي تلك البلدة بهذا الاسم؛ لكون أهلها من أولاد سبأ. وجوّز بعضهم قلب همزته ألفا.

«وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ».

الضمير للقرى. وقال البيضاوي:

تقدير السير فيها بحيث يقبل الغادي في قرية، ويبيت الرائح في قرية، إلى أن يبلغ الشام.

«سِيرُوا فِيهَا» على إرادة القول بلسان الحال، أو المقال.

«لَيَالِي وَأَيَّاما» متى شئتم من ليل أو نهار.

«آمِنِينَ»؛ لا يختلف الأمن فيها باختلاف الأوقات، أو سيروا آمنين وإن طالت مدُّة سفركم فيها، أو سيروا فيها ليالي أعماركم وأيّامها لا تلقون فيها إلاّ الأمن، انتهى.(2)

ويفهم منه ومن كلام كثير من المفسّرين أنّ الأمر في قوله: «سيروا» متوجّه إلى أهل سبأ،(3) ويظهر من كثير من أخبارنا توجّهه إلى خصوص هذه الاُمّة، أو كونه خطابا عامّا بحيث

ص: 66


1- . القاموس المحيط، ج 1، ص 17 سبأ.
2- . تفسير البيضاوي، ج 4، ص 398 مع اختلاف في اللفظ.
3- . اُنظر: الكشّاف، ج 3، ص 286؛ مجمع البيان، ج 8، ص 210.

يشملهم أيضا لكن على وجه كما ستعرفه.

(فقال قتادة: ذاك من خرج من بيته) إلى قوله عليه السلام: (فيها اجتياحه).

الكرا _ بالكسر والقصر _ : أجر المستأجر. وبالمدّ: مصدر كاريته مكاراة، وكِراءٌ.

قال في القاموس: «الجوح: الإهلاك، والاستئصال، كالإجاحة والاجتياح».(1)

(فقال أبو جعفر عليه السلام: ويحك يا قتادة، إن كنت إنّما فسّرت القرآن من تلقاء نفسك، فقد هلكت وأهلكت)؛ صريح في عدم جواز تفسير القرآن بالرأي مطلقا، ويدلّ عليه أخبار اُخر، والأكثرون حملها على المتشابهات.

(يهوانا قلبه).

قال الجوهري: «هوى _ بالكسر _ يهوى هوى، أي أحبّ. الأصمعي: هوى _ بالفتح _ [يهوي] هويّا، أي سقط إلى أسفل، قال: وكذلك الهُويّ [في السير] إذا مضى».(2)

(كما قال اللّه عزّ وجلّ: و «اجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ».

في سورة إبراهيم: «فَاجْعَلْ» بالفاء. قال البيضاوي:

أي أفئدة من أفئدة الناس، و«من» للتبعيض، ولذلك [قيل:] لو قال: أفئدة الناس لازدحمت عليهم فارس والروم ولحجّت اليهود والنصارى، أو للابتداء كقولك: القلب منّي سقيم [أي أفئدة] ناس. «تَهْوِي إِلَيْهِمْ»: تسرع إليهم شوقا وودادا. وقرئ: «تهوى» على البناء للمفعول، من أهوى إليه غيره، وتهوى من هوى يهوى: إذا أحبّ، وتعديته ب«إلى» لتضمّن معنى النزوع، انتهى.(3)

أقول: قوله عليه السلام سابقا «يهوانا قلبه» يُشعر بالقراءة الأخيرة، وقوله فيما بعد: (هوانا قلبه) يومي بالقراءة الاُولى، فتأمّل.

(ولم يعن البيت فيقول: إليه).

العناية: الإرادة. يُقال: عنيت بالقول كذا، أعنيه به، يعني أنّ إبراهيم عليه السلام لم يرد بقوله «تهوى إليهم» البيت، بأن يكون المراد ميل القلوب ونزوعها إلى البيت، وإلاّ لقال: «إليه» بدل «إليهم»،بل أراد أن يجعل اللّه ذرّيّته الذين أسكنهم عند بيت اللّه المحرّم أنبياء وأوصياء وأئمّة

ص: 67


1- . القاموس المحيط، ج 1، ص 219 جوح مع التلخيص.
2- . الصحاح، ج 6، ص 2537 هوى.
3- . تفسير البيضاوي، ج 3، ص 352.

يهوى إليهم قلوب الناس، فالحجّ وسيلة للوصول إليهم، ومعرفة حقّهم، وأخذ الأحكام الدينيّة عنهم.

(فنحن واللّه دعوة إبراهيم عليه السلام)؛ يعني نحن الذرّيّة الذين استجاب اللّه تعالى دعاء إبراهيم عليه السلام فينا أهل البيت.

قال الجوهري:

الدعوة إلى الطعام بالفتح. يُقال: كنّا في دعوة فلان ومدعاة فلان، وهو في الأصل مصدر يريدون الدُّعاء إلى الطعام. والدِعوة _ بالكسر _ : في النسب. ثمّ نقل عن بعض العرب أنّهم يفتحون الدال في النسب، ويكسرونها في الطعام.(1)

وقال الفيروزآبادي: «إنّ الدعوة في الطعام قد يضمّ».(2)

وقال صاحب النهاية: «ومنه الحديث: وسأخبركم بأوّل أمري دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى قوله: «مُبَشِّرا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ»(3)».(4)

(قال قتادة: لا جرم واللّه لا فسّرتها) أي لا أفسّرها بعد (إلاّ هكذا).

قال الجوهري:

وقولهم: لا جرم. قال الفرّاء: هي كلمة كانت في الأصل بمنزلة لابدّ ولا محالة، فجرت على ذلك وكثرت حتّى تحوّلت إلى معنى القسم، وصارت بمنزلة حقّا، فلذلك يُجاب عنه باللاّم، كما يُجاب بها عن القسم، ألا تراهم يقولون: لا جرم لآتينّك. قال: وليس قول من قال جرمت: حقّقت بشيء.(5)

وقال صاحب النهاية:

هي كلمة ترد بمعنى لابدّ، ثمّ استعملت في معنى حقّا. وقيل: جرم بمعنى كسب. وقيل: بمعنى وجب، وحقّ. و«لا» ردّ لما قبلها من الكلام. ثمّ يبتدأ بها كقوله تعالى: «لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمْ النَّارَ»(6) أي ليس الأمر كما قالوا، ثمّ ابتدأ فقال: وجب لهم النار، انتهى.(7)

ص: 68


1- . الصحاح، ج 6، ص 2336 دعا.
2- . القاموس المحيط، ج 4، ص 328 دعو مع اختلاف في اللفظ.
3- . الصفّ 61: 6.
4- . النهاية، ج 2، ص 122 دعا مع التلخيص.
5- . الصحاح، ج 5، ص 1886 جرم.
6- . النحل 16: 62.
7- . النهاية، ج 1، ص 263 جرم مع التلخيص.

واعلم أنّ الصدوق رحمه الله ذكر في كتاب العلل لهذه الآية تأويلاً آخر، وهو أنّه دخل أبو حنيفة على أبي عبد اللّه عليه السلام، فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام: «أخبرنا عن قول اللّه عزّ وجلّ: «سِيرُوا فِيهَا لَيَالِي وَأَيَّاما آمِنِينَ»(1) أين ذلك من الأرض؟».

قال: حسبته ما بين مكّة والمدينة. فالتفت أبو عبد اللّه عليه السلام إلى أصحابه فقال: «تعلمون أنّ الناس يقطع عليهم بين المدينة ومكّة، فتؤخذ أموالهم ولا يأمنون على أنفسهم ويقتلون؟».

قالوا: نعم. فسكت أبو حنيفة، فلمّا خرج سأله أبو بكر الحضرمي عن ذلك، فقال: «يا أبا بكر، «سِيرُوا فِيهَا لَيَالِي وَأَيَّاما آمِنِينَ»»، فقال: «مع قائمنا أهل البيت»،(2) والخبر طويل أخذنا موضع الحاجة.

متن الحديث الخامس والثمانين والأربعمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ مُفَضَّلِ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ جَابِرٍ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : أَخْبَرَنِي الرُّوحُ الْأَمِينُ أَنَّ اللّهَ لاَ إِلهَ غَيْرُهُ إِذَا وَقَفَ الْخَلاَئِقَ وَجَمَعَ الْأَوَّلِينَ وَالاْخِرِينَ ، أُتِيَ بِجَهَنَّمَ تُقَادُ بِأَلْفِ زِمَامٍ أَخَذَ بِكُلِّ زِمَامٍ مِائَةُ أَلْفِ مَلَكٍ مِنَ الْغِلاَظِ الشِّدَادِ ، وَلَهَا هَدَّةٌ وَتَحَطُّمٌ وَزَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ، وَإِنَّهَا(3) لَتَزْفِرُ الزَّفْرَةَ ، فَلَوْ لاَ أَنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ أَخَّرَهَا إِلَى الْحِسَابِ لَأَهْلَكَتِ الْجَمِيعَ ، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهَا عُنُقٌ يُحِيطُ بِالْخَلاَئِقِ : الْبَرِّ مِنْهُمْ وَالْفَاجِرِ ، فَمَا خَلَقَ اللّهُ عَبْدا مِنْ عِبَادِهِ مَلَكٍ وَلاِ نَبِيٍّ إِلاَّ وَيُنَادِي(4) : يَا رَبِّ ، نَفْسِي نَفْسِي ، وَأَنْتَ تَقُولُ : يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي ، ثُمَّ يُوضَعُ(5) عَلَيْهَا صِرَاطٌ أَدَقُّ مِنَ الشَّعْرِ ، وَأَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ ، عَلَيْهِ ثَلاَثُ قَنَاطِرَ : الْأُولى عَلَيْهَا الْأَمَانَةُ وَالرَّحْمَةُ ، وَالثَّانِيَةُ عَلَيْهَا الصَّلاَةُ ، وَالثَّالِثَةُ عَلَيْهَا رَبُّ الْعَالَمِينَ لاَ إِلهَ غَيْرُهُ ، فَيُكَلَّفُونَ الْمَمَرَّ عَلَيْهَا ، فَتَحْبِسُهُمُ الرَّحْمَةُ وَالْأَمَانَةُ ، فَإِنْ نَجَوْا مِنْهَا حَبَسَتْهُمُ الصَّلاَةُ ، فَإِنْ نَجَوْا مِنْهَا كَانَ الْمُنْتَهى إِلى رَبِّ الْعَالَمِينَ جَلَّ ذِكْرُهُ ، وَهُوَ قَوْلُ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى : «إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ»(6) وَالنَّاسُ عَلَى

ص: 69


1- . سبأ 34: 18.
2- . علل الشرايع، ج 1، ص 90 و 91، ح 5 مع اختلاف يسير في اللفظ.
3- . في كثير من نسخ الكافي: «إنّها» بدون الواو.
4- . في كثير من نسخ الكافي: «ينادي» بدون الواو.
5- . في أكثر نسخ الكافي: «ثمّ وضع».
6- . الفجر 89: 14.

الصِّرَاطِ ، فَمُتَعَلِّقٌ تَزِلُّ قَدَمُهُ ، وَتَثْبُتُ قَدَمُهُ وَالْمَلاَئِكَةُ حَوْلَهَا يُنَادُونَ : يَا حَلِيمُ يَا كَرِيمُ(1) ، اعْفُ وَاصْفَحْ ، وَعُدْ بِفَضْلِكَ وَسَلِّمْ ، وَالنَّاسُ يَتَهَافَتُونَ فِيهَا كَالْفَرَاشِ ، فَإِذَا نَجَا نَاجٍ بِرَحْمَةِ اللّهِ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ نَظَرَ إِلَيْهَا ، فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي نَجَّانِي مِنْكِ بَعْدَ يَأْسٍ بِفَضْلِهِ وَمَنِّهِ ، إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ» .

شرح

السند ضعيف.

(إذا وقف الخلائق).

المستتر في «وقف» عائد إلى اللّه ، و«الخلائق» بالنصب على المفعوليّة.

قال الجوهري: «يُقال: وقفت الدابّة يقف وقوفا ووقفتها أنا وقفا، يتعدّى ولا يتعدّى»(2) وكذا قوله عليه السلام: (وجمع الأوّلين والآخرين).

وقوله: (اُتي بجهنّم) _ على البناء للمفعول _ جواب «إذا»، واحتمال كونه بصيغة المعلوم بعيد.

(تُقاد بألف زِمام) بالكسر.

قال الجوهري: «الزِمام: الخيط الذي يشدّ في البُرَة، أو في الخشاش، ثمّ يشدّ في طرفه المقود، وقد يسمّى المِقْود زماما».(3)

(ولها هدّة وتحطّم).

قال الجوهري: «هدّ البناء يهدّه هدّا: كسره. والهدّة: صوت وقع الحائط ونحوه».(4)

وفي القاموس: «الحطم: الكسر، أو خاصّ باليابس. حطمه [يحطمه] وحطّمه [فانحطم] وتحطّم. تحطّم غيظا: تلظّى».(5)

(وزفير وشهيق).

قال الفيروزآبادي: «زفر يزفِر زفرا وزفيرا: أخرج نفسه بعد مدّة إيّاه. والنار: سُمِعَ

ص: 70


1- . في الطبعة القديمة: «يا كريم يا حليم».
2- . الصحاح، ج 4، ص 1440 وقف.
3- . الصحاح، ج 5، ص 1944 زمم.
4- . الصحاح، ج 2، ص 555 هدد مع التلخيص.
5- . القاموس المحيط، ج 4، ص 97 و 98 حطم مع التلخيص.

لتوقّدها صوت».(1)

وقال: «شهق _ كمنع وضرب وسمع _ شهيقا: تردّد البكاء في صدره. وشهيق الحمار: نهاقه».(2)

وقال الجوهري: «شهيق الحمار: آخر صوته. وزفيره: أوّله، ويُقال: الشهيق: ردّ النَفَس. والزفير: إخراجه».(3)

(فلولا أنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ أخّرها إلى الحساب).

الضمير لجهنّم، ولعلّ المراد أنّه لولا أنّه تعالى أخّر أمرها من الإحراق والإهلاك إلى أن ينقضي محاسبة أهل العرصات.

(لأهلكت الجميع) أي جميع أهل المحشر.

(ثمّ يخرج منها عنق) إلى قوله: (يا ربّ اُمّتي اُمّتي).

قال الفيروزآبادي: «العنق _ بالضمّ وبضمّتين، وكأمير، وصُرَد _ : الجيد، ويؤنّث، والجماعة من الناس. ومن الخبز: القطعة منه».(4)

وقال الجزري: «فيه: يخرج عنق من النار. أي طائفة منها».(5)

وقوله: (نفسي نفسي) منصوب بتقدير الناصب، أي أنج، أو خلّص، أو نحوهما، ويحتمل رفعه بتقدير الخبر أو المبتدأ، وكذا قوله: (اُمّتي اُمّتي) والتكرير فيهما للمبالغة.

(ثمّ يوضع عليها) أي على جهنّم.

(صراط أدقّ من الشعر، وأحدّ من السيف).

في القاموس: «الصراط _ بالكسر _ : الطريق، وجسر ممدود على متن جهنّم منعوت في الحديث الصحيح».(6)

أقول: اتّفق المسلمون على حمله على الظاهر من غير تأويل. وقيل: ظاهر قوله «ثمّ وضع» أنّه يخلق في الوقت الموعود، ويحتمل كونه مخلوقا مع جهنّم، والوضع كناية عن

ص: 71


1- . القاموس المحيط، ج 2، ص 39 زفر مع التلخيص.
2- . القاموس المحيط، ج 3، ص 252 شهق مع التلخيص.
3- . الصحاح، ج 4، ص 1505 شهق مع التلخيص.
4- . القاموس المحيط، ج 3، ص 269 عنق مع التلخيص.
5- . النهاية، ج 3، ص 310 عنق.
6- . القاموس المحيط، ج 2، ص 370 صراط.

الإذن على المرور.(1)

(عليه ثلاث قناطر) جمع قنطرة، وهي الجسر الذي يُعبرُ عليه، وما ارتفع من البنيان.

ولعلّ المراد أنّ على ذلك الصرط ثلاث حدود، أو أنّ عليه ثلاث مواضع مرتفعة متبائنة في الوضع من سائر مواضعه.

(الاُولى عليها الأمانة والرحمة).

الأمانة: ضدّ الخيانة، وقد تحدّ بأنّها أداء الحقوق إلى الخالق والخلق وعدم الخيانة فيها.

وقال الفيروزآبادي في قوله تعالى: «إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ»(2):

أي الفرائض المفروضة، أو النيّة التي يعتقدها في ما يظهره باللِّسان من الإيمان، ويؤديّة جميع الفرائض في الظاهر؛ لأنّه تعالى ائتمنه عليها ولم يظهرها لأحد من خلقه، فمن أضمر من التوحيد مثل ما أظهر فقد أدّى الأمانة، انتهى.(3)

والرحمة _ بسكون الحاء، وقد يحرّك _ : الرقّة، والمغفرة، والتعطّف، وقد تحدّ بأنّها الترحّم على عباد اللّه وترك ظلمهم وإعانتهم ودفع المضارّ عنهم.

وقيل: الأولى الولاية؛ لقوله تعالى: «إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ» الآية، والثانية الرسالة لقوله تعالى: «وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ»(4).(5) وفي رواية الصدوق في أماليه(6): «والرحم» بدون التاء، فيمكن قراءته بكسر الحاء بمعنى صلة الرحم.

(والثانية عليها الصلاة).

قيل: تخصيصها بالذكر لأنّها عمود الدين، إن قبلت قبل ماسواها. أو لأنّ سائر الفرائض الضروريّة مندرجة فيها.(7)

(والثالثة عليها ربّ العالمين).

قيل: لعلّ المراد أنّه تعالى يسأله هناك عن سائر أعماله، أو يقضي هناك بعلمه فيما كان

ص: 72


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 439 مع اختلاف في اللفظ.
2- . الأحزاب 33: 72.
3- . القاموس المحيط، ج 4، ص 197 أمن.
4- . الأنبياء 21: 108.
5- . القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 439.
6- . الأمالي للصدوق، ص 242، المجلس 33، ح 256.
7- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 439.

بينه وبين اللّه ، ولم يطّلع عليه غيره تعالى، أو يسأل عنه فيما كان من حقوقه تعالى دون حقوق الناس.(1)

وفي رواية الصدوق: «فعليها عدل ربّ العالمين»(2) والمآل واحد.

(وهو قول اللّه تبارك وتعالى: «إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ»(3)).

وقال الفيروزآبادي: «رصَدَه رَصْدا ورَصَدا: رقّبه، كترصّده. والمرصاد: الطريق، والمكان يرصد فيه العدوّ».(4)

وقال البيضاوي: «هو تمثيل لإرصاده العصاة بالعقاب».(5)

(والناس على الصراط). ثمّ أشار إلى أنّ كونهم على الصراط على أنحاء مختلفة بقوله: (فمتعلّق تزلّ قدمه) أي فبعضهم متشبّث، أو معلّق عليه لا تثبت قدمه، وبعضهم (تثبت قدمه والملائكة حولها)؛ الضمير لجهنّم، أو للصراط باعتبار كونه قنطرة أو طريقا.

(ينادون: يا حليم يا كريم).

الحليم: ذو الصفح والأناة الذي لا يعيّره جهل جاهل ولا غضب مغضب ولا عصيان عاص. والكريم: الجواد المفضل.

وقيل: العزيز، كما يُقال: فلان أكرم عليَّ من فلان، أي أعزّ منه.

(أعف) أي تجاوز عن جرائم عبادك.

(واصفح) أي أعرض عن ذنوبهم.

(وعُد بفضلك) أمر من العود، بمعنى الرجوع من النقمة إلى الرحمة. و أو بمعنى العائدة، وهي العطف والمنفعة.

(وسلّم) أي أعطهم سلامة من المكاره والآفات.

(والناس يتهافتون فيها) أي في جهنّم (كالفراش) بالفتح.

قال الجوهري: «التهافت: التساقط قطعة قطعة. وتهافت الفَراش في النار، أي تساقط».(6)

ص: 73


1- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 411.
2- . الأمالي للصدوق، ص 242، المجلس 33، ح 256.
3- . الفجر 89: 14.
4- . القاموس المحيط، ج 1، ص 294 رصد مع التلخيص.
5- . تفسير البيضاوي، ج 5، ص 488.
6- . الصحاح، ج 1، ص 271 هفت.

قال الفيروزآبادي: «الفراشة: التي تهافتُ في السّراج. الجمع: فراش».(1)

(الحمد للّه الذي نجّاني منك) بكسر الكاف، خطاب إلى جهنّم.

(بعد يأسٍ) من النجاة (بفضله) أي بمجرّد إحسانه من غير أن أستحقّه بعملي.

(ومنّه).

المنّ: اصطناع المعروف. ومنّه تعالى: إعطاؤه وإنعامه ابتداءً.

(إنّ ربّنا لغفورٌ شكور) أي غفور للمذنبين، وشكور للمطيعين، وكأنّه إشارة إلى قوله تعالى حكايةً عن أهل الجنّة: «الْحَمْدُ للّه ِِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ»(2).

متن الحديث السادس والثمانين والأربعمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ يُونُسَ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعا»(3) قَالَ : «الْخَيْرَاتُ الْوَلاَيَةُ ، وَقَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى : «أَيْنَما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعا»

يَعْنِي أَصْحَابَ الْقَائِمِ : الثَّلاَثَمِائَةِ وَالْبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً» قَالَ : «وَهُمْ وَاللّهِ الْأُمَّةُ الْمَعْدُودَةُ» قَالَ : «يَجْتَمِعُونَ وَاللّهِ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ قَزَعٌ كَقَزَعِ الْخَرِيفِ» .

شرح

السند حسن موثّق على المشهور.

قول: (عن أبي جعفر عليه السلام في قول اللّه _ عزّ وجلّ _) في سورة البقرة: «وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا».

«فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ».

قال البيضاوي: «المراد بالخيرات أمر القبلة وغيره ممّا ينال به سعادة الدارين، أوالفاضلات من الجهات، وهي المسامتة للكعبة».(4)

ص: 74


1- . القاموس المحيط، ج 2، ص 282 فرش.
2- . فاطر 35: 34.
3- . البقرة 2: 148.
4- . تفسير البيضاوي، ج 1، ص 426.

«أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمْ اللّه ُ جَمِيعا» في أيّ موضع تكونوا من موافق ومخالف مجتمع الأجزاء أو مفترقها يحشركم اللّه إلى المحشر للجزاء، أو أينما تكونوا من أعماق الأرض وقُلَل الجبال يقبض أرواحكم، أو أينما تكونوا من الجهات المتقابلة يأت بكم اللّه جميعا ويجعل صلواتكم كأنّها إلى جهة واحدة.

وقال الشيخ الطبرسي رحمه الله:

«فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ» معناه: سارعوا إلى الخيرات [عن الربيع] و [الخيرات] هي الطاعات للّه تعالى.

وقيل: معناه: بادروا إلى القبول من اللّه _ عزّ وجلّ _ فيما يأمركم به مبادرة من طلب السبق إليه. عن الزجاج.

وقيل: معناه: تنافسوا فيما رغبتم من الخير، فلكلّ عندي ثوابه. عن ابن عبّاس.

وقوله: «أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمْ اللّه ُ جَمِيعا» أي حيثما مِتُّم من بلاد اللّه سبحانه يأت بكم اللّه إلى المحشر يوم القيامة.

وروي في أخبار أهل البيت عليهم السلام: أنّ المراد به أصحاب المهدي في آخر الزمان؛ قال الرضا عليه السلام: «وذلك واللّه ، أن لو قام قائمنا يجمع اللّه إليه جميع شيعتنا من جميع البلدان»(1) انتهى.(2)

(قال: وهم واللّه الاُمّة المعدودة) أي الذين ذكرهم اللّه تعالى في سورة هود بقوله: «وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمْ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون»(3).

قال الشيخ الطبرسي:

ولئن أخّرنا عن هؤلاء الكفّار عذاب الاستئصال إلى أجلٍ مسمّى ووقتٍ معلوم. والاُمّة: الحين.

وقيل: إلى اُمّة، أي إلى جماعة يتعاقبون، فيصرّون على الكفر، ولا يكون فيهم من يؤمن كما فعلنا بقوم نوح.

وقيل: معناه: إلى اُمّة بعد هؤلاء نكلّفهم، فيعصون، فيقتضي الحكمة إهلاكهم

ص: 75


1- . تفسير العياشي، ج 1، ص 67، ح 117.
2- . مجمع البيان، ج 1، ص 429.
3- . هود 11: 8.

وإقامة القيامة.

وقيل: إنّ الاُمّة المعدودة هم أصحاب المهدي عليه السلام في آخر الزمان ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً كعدّة أهل بدر، يجتمعون في ساعةٍ واحدة، كما يجتمع قزع الخريف، وهي المروي عن أبي جعفر عليه السلاموأبي عبد اللّه عليه السلام، انتهى.(1)

وقال البيضاوي [في] تفسير هذه الآية:

«وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمْ الْعَذَابَ» الموعود «إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ»: إلى جماعة من الأوقات قليلة «لَيَقُولُنَّ» استهزاء «مَا يَحْبِسُهُ»: ما يمنعه من الوقوع «أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ» كيوم بدر «لَيْسَ مَصْرُوفا عَنْهُمْ»: ليس العذاب مدفوعا عنهم.

و«يوم» منصوب بخبر «ليس» مقدّم عليه، وهو دليل على جواز تقديم خبرها عليها.

«وَحَاقَ بِهِمْ»: وأحاط بهم، وضع الماضي موضع المستقبل تحقيقا ومبالغةً في التهديد. «مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون» أي العذاب الذي كانوا [به] يستعجلون، فوضع «يستهزؤن» موضع يستعجلون؛ لأنّ استعجالهم كان استهزاء، انتهى.(2)

وقوله عليه السلام: (قزع) بالرفع على الظاهر، على أنّه خبر مبتدأ محذوف؛ أي هم قزع، ويحتمل كونه خبرا آخر لقوله: «وهم واللّه ».

(كقزع الخريف).

قال الفيروزآبادي: «[القزع] محرّكة: قطع من السحاب، الواحدة بهاء».(3)

وقال صاحب النهاية:

في حديث عليّ عليه السلام: «فيجتمعون إليه كما تجتمع قزع الخريف» أي قطع السحاب المتفرّقة، وإنّما خصّ الخريف؛ لأنّه أوّل الشتاء، والسحاب يكون فيه متفرّقا غير متراكم ولا مطبق، ثمّ يجتمع بعضه إلى بعض بعد ذلك.(4)

متن الحديث السابع والثمانين والأربعمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ ، عَنْ مُنْذِرِ بْنِ جَيْفَرٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ ، قَالَ :

ص: 76


1- . مجمع البيان، ج 5، ص 246 مع التلخيص.
2- . تفسير البيضاوي، ج 3، ص 223.
3- .القاموس المحيط، ج 3، ص 68 قزع.
4- . النهاية، ج 4، ص 59 قزع.

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ : «سِيرُوا الْبَرْدَيْنِ».

قُلْتُ : إِنَّا نَتَخَوَّفُ(1) الْهَوَامَّ .

فَقَالَ : «إِنْ أَصَابَكُمْ شَيْءٌ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ، مَعَ أَنَّكُمْ مَضْمُونُونَ» .

شرح

السند مجهول، ويمكن عدّه في الحسان.

قوله: (سيروا البردين).

قال الجوهري: «البردان: الغداة، والعشي، ويُقال: ظلاّهما وكذلك الأبردان».(2)

(قلت: إنّا نتخوّف الهوامّ).

قال الجوهري: «تخوّفت عليه الشيء، أي خفت».(3)

وقال: «الهامّة _ بالتشديد _ واحدة الهوامّ، ولا يقع هذا الاسم إلاّ على المخوف من الأحناش».(4)

وفي القاموس: «الحنش _ محرّكة _ : الحيّة، وحشرات الأرض، أو ما أشبه رأسه رأس الحيّات، الجمع: أحناش».(5)

أقول: يحتمل كون الهوام هنا بتشديد الواو وتخفيف الميم.

قال الفيروزآبادي: «الهوام _ كشدّاد _ : الأسد».(6)

(فقال: إن أصابكم شيء) من أذيّة الهوام وغيرها (فهو خيرٌ لكم) مع أنّكم مأجورون في ذلك.

وقيل في توجيه قوله عليه السلام: (مع أنّكم مضمونون): يعني أنتم معشر الشيعة ضمن اللّه لكم حفظكم، أي غالبا، أو مع التوكّل والتفويض العامّ.(7)

وقيل: لمّا أظهر السائل الخوف عن الهوامّ في البردين أجاب عليه السلام بأنّ المصاب مأجور،

ص: 77


1- .هكذا في النسخة ومعظم نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: + «من».
2- . الصحاح، ج 2، ص 446 برد مع اختلاف في اللفظ.
3- . الصحاح، ج 4، ص 1359 خوف.
4- . الصحاح، ج 5، ص 2062 همم.
5- .القاموس المحيط، ج 2، ص 270 حنش مع التلخيص.
6- . القاموس المحيط، ج 4، ص 192 هوم.
7- .قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 414.

والمسافر في ضمان اللّه تعالى وحمايته، قال: ولعلّ المراد بالخوف التوهّم، وإلاّ فالاجتناب واجب؛ لدلالة الآية والرواية عليه.(1)

متن الحديث الثامن والثمانين والأربعمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّوْفَلِيِّ ، عَنِ السَّكُونِيِّ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : عَلَيْكُمْ بِالسَّفَرِ بِاللَّيْلِ ، فَإِنَّ الْأَرْضَ تُطْوى بِاللَّيْلِ» .

شرح

السند ضعيف.

قوله: (فإنّ الأرض تطوى بالليل).

قيل: أي في آخره كما سيجيء.(2)

أقول: لا حاجة إلى هذا التقييد، كما ستعرفه. قال صاحب النهاية:

ومنه الحديث: إنّ الأرض لتطوى بالليل ما لا تطوى بالنهار. أي تقطع مسافتها؛ لأنّ الإنسان فيه انشطّ من النهار، وأقدر على المشي والسير لعدم الحرّ وغيره.(3) انتهى.

وحاصل توجيهه: أنّ حمل الحديث على أنّه كناية عن سهولة السير، ولا يبعد حمله على الحقيقة كما يدلّ عليه الخبر الآتي.

متن الحديث التاسع والثمانين والأربعمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ ، عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ ، عَنْ بَشِيرٍ النَّبَّالِ ، عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ ، قَالَ :

قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : يَقُولُ النَّاسُ : تُطْوى لَنَا الْأَرْضُ بِاللَّيْلِ ، كَيْفَ تُطْوى؟

قَالَ : «هكَذَا» ثُمَّ عَطَفَ ثَوْبَهُ .

ص: 78


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 440.
2- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 440.
3- . النهاية، ج 3، ص 147 طوا.

شرح

السند مختلفٌ فيه.

قوله: (قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: يقول الناس) إلى آخره.

هذا صريح فيما قلناه من حمل الطيّ على الحقيقة.

وقال بعض المحقّقين:

لا بُعد في ذلك؛ لأنّه ممكن، واللّه تعالى قادر على الممكنات، ومن ثمّ ذهب جماعة إلى تحقّق القبض والبسط في المكان والزمان، وأنّ ذلك يختلف باختلاف الأشخاص؛ فقد يكون قبض بالنسبة إلى شخص وبسط بالنسبة إلى آخر في زمان واحد ومكان واحد، ولابدّ أن يقع ذلك، وإن استبعده الوهم؛ لعدم المشاهدة فيما إذا دفن ميّتان في قبر واحد في آن واحد يستحقّ أحدهما الضغطة دون الآخر.(1)

متن الحديث التسعين والأربعمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «الْأَرْضُ تُطْوى فِي آخِرِ اللَّيْلِ» .

شرح

السند حسن.

قوله: (الأرض تطوى في آخر الليل).

لعلّ المراد أنّ الطّي وسهولة السير في آخر الليل أكثر من سائره، فلا يدلّ على اختصاص هذا الحكم بآخره.

متن الحديث الواحد والتسعين والأربعمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسى ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْخَرَّازِ ، قَالَ :

أَرَدْنَا أَنْ نَخْرُجَ ، فَجِئْنَا نُسَلِّمُ عَلى أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، فَقَالَ : «كَأَنَّكُمْ طَلَبْتُمْ بَرَكَةَ الاْءِثْنَيْنِ» فَقُلْنَا :

ص: 79


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 440.

نَعَمْ ، فَقَالَ : «وَأَيُّ يَوْمٍ أَعْظَمُ شُؤما مِنْ يَوْمِ الاْءِثْنَيْنِ : يَوْمٍ فَقَدْنَا فِيهِ نَبِيَّنَا ، وَارْتَفَعَ الْوَحْيُ عَنَّا؟ لاَ تَخْرُجُوا ، وَاخْرُجُوا يَوْمَ الثَّلاَثَاءِ» .

شرح

السند موثّق، أو ضعيف. ورواه الصدوق رحمه الله في الفقيه(1) بسند صحيح.

قوله: (أيّ يوم أعظم شؤما من يوم الاثنين) إلى آخره، يدلّ كغيره من الأخبار الصحيحة المتكثّرة على شؤم يوم الاثنين وكراهة السفر، بل غيره من الاُمور والحوائج المحدثة فيه،وعلى استحباب إنشاء السفر في يوم الثلاثاء.

متن الحديث الثاني والتسعين والأربعمائة

اشارة

عَنْهُ(2) ، عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْجَعْفَرِيِّ :

عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام ، قَالَ : «الشُّؤمُ لِلْمُسَافِرِ فِي طَرِيقِهِ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ : الْغُرَابُ النَّاعِقُ عَنْ يَمِينِهِ وَالنَّاشِرُ لِذَنَبِهِ ، وَالذِّئْبُ الْعَاوِي الَّذِي يَعْوِي فِي وَجْهِ الرَّجُلِ وَهُوَ مُقْعٍ عَلى ذَنَبِهِ يَعْوِي ثُمَّ يَرْتَفِعُ ثُمَّ يَنْخَفِضُ ثَلاَثا ، وَالظَّبْيُ السَّانِحُ مِنْ يَمِينٍ إِلى شِمَالٍ ، وَالْبُومَةُ الصَّارِخَةُ ، وَالْمَرْأَةُ الشَّمْطَاءُ تُلْقى فَرْجَهَا(3) ، وَالْأَتَانُ الْعَضْبَاءُ يَعْنِي الْجَدْعَاءَ(4) ، فَمَنْ أَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ مِنْهُنَّ شَيْئا فَلْيَقُلْ : اعْتَصَمْتُ بِكَ يَا رَبِّ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ فِي نَفْسِي» قَالَ : «فَيُعْصَمُ مِنْ ذلِكَ» .

شرح

السند ضعيف على الظاهر، ورواه الصدوق في الفقيه(5) بسند صحيح. والظاهر إرجاع ضمير «عنه» إلى أحمد، ويؤيّده أنّ الصدوق رحمه الله رواه في الخصال عن محمّد بن الوليد، عن الصفّار، عن أحمد بن محمّد، عن بكر بن صالح،(6) ويحتمل بعيدا إرجاعه إلى

ص: 80


1- .الفقيه، ج 2، ص 267، ح 2400.
2- . الضمير راجع إلى أحمد بن محمّد بن خالد المذكور في السند السابق.
3- هكذا في النسخة وكثير من نسخ الكافي والوافي والمرآة. وفي كلتا الطبعتين: «تلقاء».
4- في بعض نسخ الكافي: «الجذعاء» بالذال المعجمة.
5- .الفقيه، ج 2، ص 268، ح 2403.
6- . الخصال، ص 272، ح 14.

إبراهيم بن هاشم؛ لما ذكره الشيخ من روايته عنه.

قوله: (الشؤم للمسافر في طريقه).

لعلّ المراد ما يتشاءم به الناس، لا أنّها شؤم، ولها تأثير في نفس الأمر؛ لما مرّ من إبطال حكم الطيرة. نعم، ربّما يؤثّر ذلك بتأثّر النفس بها، ويدفع ذلك التأثّر بالصدقة والتوكّل والدّعاء المذكور هنا وفي غيره من الأخبار.(1)

(خمسة أشياء).

كذا في الخصال وفي أكثر نسخ الفقيه. وفي بعضها: «ستّة». وفي بعضها: «سبعة». وهذان موافقان لما في التفصيل.

وقيل: لعلّ الخمسة من تصحيف النسّاخ، أو مبنيّ على عدّ الثلاثة المنصوصة واحدا، أو عدّ الذئب والكلب كما في بعض النسخ واحدا؛ لأنّهما من السباع، وكذا البومة والغراب؛

لأنّهما من الطير، أو عطف المرأة والأتان على الخمسة فيكون أفراد الخمسة لشهرتها بينهم أو لزيادة شؤمها.(2)

(الغراب الناعق).

يُقال: نعق الغراب _ كمنع _ أي صاح.

(عن يمينه).

الظاهر إرجاع الضمير إلى المسافر، ويحتمل إرجاعه إلى الغراب.

(والناشر لذنبه).

الظاهر أنّه عطف على الناعق، فيكون نوعا آخر من شؤم الغراب.

وفي كتاب المحاسن(3) بدون الواو، فيكون صفة اُخرى للغراب.

وفي نسخ الفقيه(4): «والكلب الناشر لذنبه».

وفي القاموس: «النشر: خلاف الطيّ. والنشر: التفريق».(5)

ص: 81


1- . راجع: المحاسن، ج 2، ص 348، ح 21؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 363، ح 15024.
2- قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 416 مع اختلاف في اللفظ.
3- . المحاسن، ج 2، ص 348، ح 21.
4- . الفقيه، ج 2، ص 268، ح 2403.
5- . القاموس المحيط، ج 2، ص 142 نشر مع التلخيص.

(والذئب العاوي الذي يعوي في وجه الرجل).

عوى الكلب والذئب وابنُ آوى يعوي عُواء _ بالضمّ _ أي صاح.

(وهو مُقْع على ذنبه يعوي).

قال الجوهري: «أقعى الكلب: إذا جلس على استه مفترشا رجليه وناصبا يديه».(1)

(ثمّ يرتفع وينخفض ثلاثا).

قيد لكلّ من الارتفاع والانخفاض، والظاهر عود المستتر في الفعلين إلى الذئب، ويُقال: إنّ هذا دأبه غالبا، يفعل ذلك لإثارة الغبار في وجه الإنسان. وقيل: بعودهما إلى صوته، أو إلى ذنبه.(2)

(والظبي السانح من يمين إلى شمال).

قال في النهاية:

السانح: ما مرّ من الطير والوحش بين يديك من جهة يسارك إلى يمينك، والعرب يتيمّن به؛ لأنّه أمكن للرمي. والصيد البارح ما مرّ من يمينك إلى يسارك، والعرب يتطيّر به؛ لأنّه لا يمكنك أن ترميه حتّى تنحرف.(3)

وقال الكفعمي رحمه الله: «منهم من يتيمّن بالبارح ويتشاءم بالسانح كأهل الحجاز، وأمّا النجديّون فهم على العكس من ذلك».(4)

أقول: لعلّ المراد بالسانح في هذا الخبر العارض من قولهم: سنح لي هذا الأمر، أي عرض. وفي بعض النسخ: «السايح» بالياء من السياحة بمعنى الذهاب في الأرض.

(والبومة الصارخة).

قال الجوهري: «البوم والبومة: طائر يقع على الذكر والاُنثى».(5)

(والمرأة الشمطاء).

قال الجوهري: «الشَمَط: بياض شعر الرأس يخالط سواده، والرجل أشمط

ص: 82


1- . الصحاح، ج 6، ص 2465 قعا.
2- . نقله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 416 بعنوان «قيل».
3- . النهاية، ج 1، ص 114 برح مع اختلاف يسير في اللفظ.
4- . نقل عنه العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 417.
5- . الصحاح، ج 5، ص 1875 بوم.

والمرأة شمطاء».(1)

وقيل: هو بياض شعر الرأس في مكان واحد والباقي أسود.(2)

(تلقى فرجها).

اللقاء: للرؤية، وفعله كسمع، و«تلقى» يحتمل الخطاب والغيبة.

وقال بعض الأفاضل: الظاهر أنّه كناية عن استقبالها إيّاك، ومجيئها من قبل وجهك؛ فإنّ فرجها من قدّامها؛(3) أي تلقاها أنت، أو تلقاك هي مواجهة بفرجها.

وقال الفاضل الإسترآبادي: الظاهر أنّ المراد من قوله: «تلقاء فرجها» أن تستقبلك بفرج خمارها فتعرف أنّها شمطاء،(4) ولا يخفى بُعده، وكذا ما قيل من أنّه يحتمل أن يكون المراد افتراشها على الأرض من الإلقاء،(5) وما قيل يحتمل أن يكون كناية عن كونها زانية، ويحتمل أن يكون تتلقّى بحذف إحدى التائين، فالمراد مواجهتها لفرجها بأن تكون جالسة بحيث يواجه الشخص فرجها.(6)

(والأتان العضباء).

قيل: الواو بمعنى «مع»، يعني أنّ الشمطاء شؤم إذا كانت مصاحبة مع الأتان.(7)

وقال الجوهري: «الأتان: الحمارة، ولا تقل: الأتانة، وثلاث اُتُن، مثل عَناق وعُنُق»(8) انتهى.

وقيل: الأتان يقع على الذكر والاُنثى، والأتانة مختصّة بالاُنثى لكنّها قليلة.(9)

وقال الجوهري: «عضبه عضبا، أي قطعه. وناقةٌ عضباء، أي مشقوقة الاُذن، وكذلك الشاة».(10)

ص: 83


1- . الصحاح، ج 3، ص 1138 شمط مع التلخيص.
2- .نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 441 بعنوان «قيل».
3- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 417.
4- . نقل عنه العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 417.
5- . نقله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 417.
6- . نقله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 417.
7- . نقله المحقّق المازندراني رحمه الله عن بعض العلماء في شرحه، ج 12، ص 441.
8- . الصحاح، ج 5، ص 2067 أتن.
9- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 441.
10- . الصحاح، ج 1، ص 183 و 184 عضب مع التلخيص.

وقال الفيروزآبادي: «العضباء: الناقة المشوقة الاُذن، ومن أذان الخيل التي جاوز القطع ربعها».(1)

أقول: لمّا كان المراد هنا المقطوعة الاُذن فسّره بقوله: (يعني الجدعاء) لئلاّ يتوهّم أنّ المراد مشقوقتها.

قال الجوهري: «الجدع: قطع الأنف، وقطع الاُذن أيضا، وقطع الشفة واليد. تقول منه: جدعته، فهو أجدع، والاُنثى: جدعاء».(2)

(فمن أوجس في نفسه) أي أحسّ وأضمر.

(منهنّ) أي من إحداهنّ شيئا من الخوف والكراهة والشّؤم.

متن الحديث الثالث والتسعين والأربعمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْخَطَّابِ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْقَاسِمِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي الْمِقْدَامِ ، قَالَ :

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «إِنَّ اللّهَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ زَيَّنَ شِيعَتَنَا بِالْحِلْمِ ، وَغَشَّاهُمْ بِالْعِلْمِ ؛ لِعِلْمِهِ بِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ آدَمَ عليه السلام» .

شرح

السند ضعيف.

قوله: (وغشّاهم) أي غطّاهم (بالعلم؛ لعلمه بهم) أي بمآل حالهم، وأنّهم يصيرون من شيعة الأئمّة من أهل البيت عليهم السلام ومواليهم.

(قبل أن يخلق آدم عليه السلام).

يحتمل تعلّقه بالعلم، أو به وبالتزيّن على التنازع.

قيل: لعلّ المراد أنّ الشيعة لمّا كانوا في العلم الأزلي من خواصّه وأوليائه، وكانت قلوبهم صافية بنور اللّه ، جعل العلم والحلم زينة لهم، كالحلي واللّباس الفاخرة للصور الحسنة،

ص: 84


1- .القاموس المحيط، ج 1، ص 105 عضب.
2- . القاموس المحيط، ج 3، ص 1193 جدع مع التلخيص.

وعلى هذا لا يرد أنّ غير الشيعة أيضا قد يتّصف بالحلم والعلم؛ لأنّ ذلك ليس زينة لهم، بل هو كتعليق الجواهر على أعناق الخنازير.(1)

متن الحديث الرابع والتسعين والأربعمائة

اشارة

أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ ؛ وَعِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ جَمِيعا ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ ، عَنِ الصَّبَّاحِ بْنِ سَيَابَةَ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ الرَّجُلَ لَيُحِبُّكُمْ وَمَا يَدْرِي مَا تَقُولُونَ ، فَيُدْخِلُهُ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ الْجَنَّةَ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُبْغِضُكُمْ وَمَا يَدْرِي مَا تَقُولُونَ ، فَيُدْخِلُهُ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ النَّارَ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ لَيُمْلِي(2) صَحِيفَتُهُ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ» .

قُلْتُ : وَكَيْفَ يَكُونُ ذلِكَ؟

قَالَ : «يَمُرُّ بِالْقَوْمِ يَنَالُونَ مِنَّا ، فَإِذَا رَأَوْهُ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : كُفُّوا ؛ فَإِنَّ هذَا الرَّجُلَ مِنْ شِيعَتِهِمْ ، وَيَمُرُّ بِهِمُ الرَّجُلُ مِنْ شِيعَتِنَا فَيَهْمِزُونَهُ ، وَيَقُولُونَ فِيهِ ، فَيَكْتُبُ اللّهُ لَهُ بِذلِكَ حَسَنَاتٍ حَتّى يَمْلَأَ(3) صَحِيفَتَهُ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ» .

شرح

السند مجهول.

قوله عليه السلام: (أنّ الرجل ليحبّكم وما يدري ما تقولون، فيدخله اللّه الجنّة).

قيل: أي ما يدري ما تقولون بالاستدلال، بل قال به على سبيل التقليد؛ لحسن ظنّه بكم وحبّه لكم. ويمكن حمله على المستضعفين من المخالفين.(4)

وقيل: كان المراد أنّ من يحبّ الشيعة للتشيّع أو لا من هذه الحيثيّة ولا يعرف الحقّ والولاية ولا ينكرهما، وهو المراد بقوله: «وما يدري ما يقولون يدخل الجنّة، أمّا الأوّل فلأنّه داخل في المستضعفين من الشيعة، وهم يدخلون الجنّة. وأمّا الثاني فلأنّه داخل في

ص: 85


1- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 442.
2- .في كلتا الطبعتين: «لتملأ».
3- . في كثير من نسخ الكافي: «تملأ».
4- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 418.

المستضعفين من أهل الإسلام، وهم وإن كانوا في المشيّة إلاّ أنّهم بسبب هذه المحبّة يدخلون الجنّة.(1)

(وأنّ الرجل ليبغضكم) إلى آخره، أي يبغضكم من أجل التشيّع، أو لا من أجله، والأوّل ناصبي يدخل النار، والثاني مستضعف يدخلها بسبب البغض.

وقوله عليه السلام: (ليملى صحيفته) يحتمل كونه من المهموز، أو الناقص.

قال الفيروزآبادي في المهموز: «ملأه _ كمنع _ مَلأً ومِلاءة، بالفتح والكسر، وملّأه تملئة».(2)

وقال الجوهري: «أمليت الكتاب وأمليته لغتان جيّدتان».(3)

وقوله: (فيهمزونه) أي يعيبونه.

والضمير في قوله: «فيه» و«له» و«صحيفته» راجع إلى كلّ الرجلين.

متن الحديث الخامس والتسعين والأربعمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي الْجَهْمِ ، عَنْ أَبِي خَدِيجَةَ ، قَالَ :

قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «كَمْ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْبَصْرَةِ؟».

قُلْتُ : فِي الْمَاءِ خَمْسٌ إِذَا طَابَتِ الرِّيحُ ، وَعَلَى الظَّهْرِ ثَمَانٍ وَنَحْوُ ذلِكَ .

فَقَالَ : «مَا أَقْرَبَ هذَا : تَزَاوَرُوا تَعَاهَدُوا(4) بَعْضُكُمْ بَعْضا ؛ فَإِنَّهُ لاَ بُدَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ كُلُّ إِنْسَانٍ بِشَاهِدٍ يَشْهَدُ لَهُ عَلى دِينِهِ».

وَقَالَ : «إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا رَأى أَخَاهُ ، كَانَ حَيَاةً لِدِينِهِ إِذَا ذَكَرَ اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ» .

شرح

السند مجهول.

قوله: (وعلى الظهر) يعني طريق البرّ.

ص: 86


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 442 مع التلخيص.
2- . القاموس المحيط، ج 1، ص 28 ملأ.
3- . الصحاح، ج 6، ص 2497 ملا مع اختلاف في اللفظ والتلخيص.
4- . هكذا في النسخة وبعض نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: «ويتعاهد».

وقوله عليه السلام: (تزاوروا) إلى آخره، يدلّ على استحباب التزاور من المؤمنين والتعاهد والتفقّد، وإن كان من بلد إلى بلد، ولا ينبغي أن يجعل بُعد المسافة سببا لترك شيء من ذلك، وفيه فوائد كثيرة منها الفائدتان المذكورتان في هذا الخبر.

وقوله عليه السلام: (إذا ذكر اللّه عزّ وجلّ) على البناء للفاعل، وفاعله ذلك المسلم، أو الأخ. ويحتمل البناء للمفعول، فيشملهما جميعا.

متن الحديث السادس والتسعين والأربعمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسى ، عَنْ رِبْعِيًّ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «وَاللّهِ لاَ يُحِبُّنَا مِنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ إِلاَّ أَهْلُ الْبُيُوتَاتِ وَالشَّرَفِ وَالْمَعْدِنِ ، وَلاَ يُبْغِضُنَا مِنْ هؤلاَءِ وَهؤلاَءِ إِلاَّ كُلُّ دَنَسٍ مُلْصَقٍ» .

شرح

السند حسن على الظاهر.

قوله: (أهل البيوتات والشرف والمعدن).

قال الفيروزآبادي: «البيت من الشعر والمدر معروف، الجمع: أبيات، وبيوت، وجمع الجمع: أباييت، وبيوتات، وأبياوات، والشرف والشريف».(1)

وقال: «الشرف _ محرّكة _ : العلوّ، والمكان العالي، والمجد، أو لا يكون إلاّ بالآباء، أو علوّ الحسب».(2)

وقال:

العدن بالبلد، عَدَن: أقام. والمَعْدِن _ كمجلس _ : منبت الجواهر من ذهبٍ ونحوه لإقامة أهله فيه دائما، أو لإنبات اللّه تعالى إيّاه فيه، ومكان كلّ شيء فيه أصله.(3)

أقول: لعلّ المراد بأهل البيوتات هنا ذوي الأحساب والأنساب الشريفة، وعطف الشرف عليها للتفسير، أو يُراد بأحدهما الشرف في النسب وبالآخر الشرف في الحسب، والمراد

ص: 87


1- . القاموس المحيط، ج 144 بيت مع التلخيص.
2- . القاموس المحيط، ج 3، ص 157 شرف.
3- . القاموس المحيط، ج 4، ص 247 عدن مع التلخيص.

بالمعدن الاُصول التي ينسبون إليها ويتفاخرون بها.

وقيل: الأصل الثابت الذي لا كلام في أصالته.(1)

(ولا يبغضنا من هؤلاء وهؤلاء) أي العرب والعجم.

(إلاّ كلّ دنس ملصق).

الدنِس _ بكسر النون _ : الدنيّ النسب، أو الأخلاق، الذي لا قدر له.

قال الفيروزآبادي: «الدنس _ محرّكة _ : الوسخ. دنس الثوب والعرض والخُلق _ كفرح _ دنسا، فهو دنس: اتّسخ»(2) انتهى.

والملصق على صيغة اسم المعفول من التفعيل، أو اسم الفاعل من الافعال: الدعيّ، كالغنيّ، وهو المتّهم في نسبه، والرجل المقيم في الحيّ، وليس منهم ينسب.

وقيل: لعلّ المراد به هنا من ليس له أب.(3) وقد تظافرت الأخبار عن أهل بيت الأطهار أنّ حبّهم عليهم السلام دليلٌ على طيب الولادة، كما أنّ بغضهم علامة خُبثها.(4)

متن الحديث السابع والتسعين والأربعمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ وَالْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ ، عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِيِّ ، عَنْ هَارُونَ بْنِ خَارِجَةَ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكا قالُوا أَنّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ» قَالَ : «لَمْ يَكُنْ مِنْ سِبْطِ النُّبُوَّةِ ، وَلاَ مِنْ سِبْطِ الْمَمْلَكَةِ، قالَ : «إِنَّ اللّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ»(5) وَقَالَ : «إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ»(6) فَجَاءَتْ بِهِ الْمَلاَئِكَةُ تَحْمِلُهُ ، وَقَالَ اللّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ : «إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّى وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّى»(7) فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ ثَلاَثَمِائَةٍ

ص: 88


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 443 مع اختلاف في اللفظ.
2- .القاموس المحيط، ج 2، ج 217 دنس مع اختلاف في اللفظ.
3- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 443.
4- . اُنظر: المحاسن، ج 1، ص 138 - 141، ح 22 _ 34.
5- البقرة 2: 247.
6- . البقرة 2: 248.
7- .البقرة 2: 249.

وَثَلاَثَةَ عَشَرَ رَجُلاً ، مِنْهُمْ مَنِ اغْتَرَفَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَشْرَبْ ، فَلَمَّا بَرَزُوا قَالَ الَّذِينَ اغْتَرَفُوا : «لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ» وَقَالَ الَّذِينَ لَمْ يَغْتَرِفُوا : «كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصّابِرِينَ»(1)» .

شرح

السند صحيح على المشهور.

قوله: (عن أبي جعفر عليه السلام في قول اللّه _ عزّ وجلّ _) في سورة البقرة: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِىٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّه ِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّه ِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللّه ُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّه َ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكا».

قال البيضاوي: «طالوت [علم] عبريّ [كداود]، وجعله فعلوتا من الطول تعسّف يدفعه منع الصرف».(2)

«قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا» أي من أين يكون له ذلك ويستأهل؟!

«وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنْ الْمَالِ» والواو الاُولى للحال، والثانية لعطف الجملة على الجملة الواقعة حالاً وليتطابقا في الحالية، أي والحال إنّا أحقّ منه بالملك وراثةً ومكنة وأنّه فقير لا مال له يعتضد به، وإنّما قالوا ذلك؛ لأنّ طالوت كان فقيرا راعيا أو سقّاءً أو دبّاغا من أولاد بنيامين، ولم يكن فيه النبوّة ولا الملك، وإنّما كانت النبوّة في أولاد لاوي بن يعقوب، والملك في أولاد يهود.

(قال لم يكن من سبط النبوّة، ولا من سبط المملكة) ظاهر ممّا سبق.

قال الفيروزآبادي: «السِّبط _ بالكسر _ : ولد الولد، والقبيلة من اليهود».(3)

وقال: «ملكه يملكه مُلكا مثلّثة وملكة محرّكة ومملكة، ويضمّ اللاّم أو يثلّث: احتواه

ص: 89


1- . البقرة 2: 249.
2- . تفسير البيضاوي، ج1، ص 543 مع اختلاف يسير في اللفظ.
3- . القاموس المحيط، ج 2، ص 362 سبط مع التلخيص.

قادرا على الاستبداد به».(1)

«قَالَ إِنَّ اللّه َ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّه ُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللّه ُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ»(2).

قال البيضاوي:

لمّا استبعدوا تملّكه لفقره، وسقوط نسبه، ردَّ عليهم ذلك أوّلاً: بأنّ العمدة فيه اصطفاء اللّه ، وقد اختاره عليكم وهو أعلم بالمصالح منكم.

وثانيا: بأنّ الشرط فيه وفور العلم ليتمكّن به من معرفة الاُمور السياسيّة، وجسامة البدن ليكون أعظم خطرا في القلوب وأقوى على مقاومة العدوّ ومكابدة الحرب، لا ما ذكرتم، وقد زاده اللّه فيهما.

وثالثا: بأنّه تعالى مالك الملك على الإطلاق، فله أن يؤتيه مَن يشاء.

ورابعا: بأنّه واسع الفضل يوسع على الفقير ويُغنيه، عليم بمن يليق بالملك من النسيب وغيره.(3)

«وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ» لمّا طلبوا منه الحجّة على أنّه سبحانه اصطفى طالوت وملّكه عليهم: «إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ».

قال الجوهري في الأجوف الوادي: «التابوت، أصله تابُوَة مثل ترقوة، وهو فعلوة، فلمّا سكّنت الواو وانقلبت هاء التأنيث تاء».(4)

وقال البيضاوي:

التابوت: الصندوق، فعلوت من التوب، [وهو الرجوع] فإنّه لا يزال يرجع إلى ما يخرج منه، وليس بفاعول يريد به صندوق التوراة، وكان من خشب الشمشاد مموّها بالذهب نحوا من ثلاثة أذرع في ذرعين.(5)

«فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ».

الضمير للإتيان، أي في إتيانه سكونٌ لكم وطمأنينة. أو للتابوت، أي يودع فيه ما تسكنون إليه، وهو التوراة، ولأنّ موسى عليه السلام إذا قاتل قدّمه فتسكن بني إسرائيل ولا يفرّون.

ص: 90


1- .القاموس المحيط، ج 3، ص 320 ملك.
2- . البقرة 2: 245 _ 247.
3- . تفسير البيضاوي، ج 1، ص 543 و 544 مع التلخيص.
4- . الصحاح، ج 1، ص 92 توب.
5- . تفسير البيضاوي، ج 1، ص 544 مع التلخيص.

وقيل: صورة كانت فيه من زبرجد أو ياقوت، لها رأس وذنب كرأس الهرّة وذَنَبها، وجناحان فتئن فيزفّ التابوت نحو العدوّ، وهم يتبعونه، فإذا استقرّ ثبتوا وسكنوا ونزل النصر. وقيل: صور الأنبياء من آدم إلى محمّد صلى الله عليه و آله. وقيل: التابوت هو القلب، والسكينة ما فيه من العلم والإخلاص، وإتيانه مصير قلبه مقرّا للعلم والوقار بعد أن لم يكن.

«وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ» رضاض الألواح، وعصا موسى، وثيابه، وعمامة هارون، وآلهما أبناؤهما أو أنفسهما، والآل مقحم لتفخيم شأنهما، أو أنبياء بني إسرائيل؛لأنّهم أبناء عمّهما.(1)

وقوله عليه السلام: (فجاءت به الملائكة تحمله) إشارة إلى قوله تعالى: «تَحْمِلُهُ الْمَلاَئِكَةُ».

قال البيضاوي:

قيل: رفعه اللّه بعد موسى، فنزلت به الملائكة وهم ينظرون إليه. وقيل: كان بعده مع أنبيائهم يستفتحون به حتّى أفسدوا، فغلبهم الكفّار عليه، وكان في أرض جالوت إلى [أن] ملك اللّه طالوت، فأصابهم ببلاء حتّى هلكت خمس مدائن، فتشأّموا بالتابوت، فوضعوه على ثورين، فساقتهما الملائكة إلى طالوت، انتهى.(2)

وسيجيء لهذا زيادة تحقيق إن شاء اللّه تعالى.

وقال بعض الأفاضل:

في الآية رمز إلى أنّ سبط النبيّ والملك أولى بالملك والخلافة إلاّ أن يختار اللّه تعالى غيره، ويتحقّق الآية فيه، فكيف يجوز ردّ الملك والخلافة عن أسباط خاتم الأنبياء مع تحقّق الاختيار والآية فيهم؟ انتهى.(3)

ثمّ قال اللّه عزّ وجلّ: «إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ* فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ».

قال البيضاوي:

انفصل بهم عن بلده لقتال العمالقة، وأصله فصل نفسه عنه، ولكن لمّا كثر حذف مفعوله صار كاللازم. روي أنّه قال لهم: لا يخرج معي إلاّ الشابّ النشيط الفارغ، فاجتمع إليه ممّن اختاره ثمانون ألفا، وكان الوقت قيظا، فسلكوا مفازة، وسألوا أن يجري اللّه نهرا.

ص: 91


1- .من قوله: «وقيل: صورة» إلى هنا كلام البيضاوي.
2- . تفسير البيضاوى، ج 1، ص 544 و 545.
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 445.

«قَالَ إِنَّ اللّه َ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ» أي يعاملكم معاملة المختبر بما اقترحتموه.(1)

قال الشيخ الطبرسي رحمه الله:

اختلف في النهر الذي ابتلوا به؛ قيل: هو نهر بين الاُردن وفلسطين. عن قتادة والربيع. وقيل: هو نهر فلسطين. عن ابن عبّاس والسّدي،(2) انتهى.

اعلم أنّ الظاهر من السياق والمشهور بين المفسّرين أنّ فاعل «قال» طالوت، وروى علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه، عن الحسين بن خالد، عن الرضا عليه السلام إلى أن قال: ««وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ»: يا بني إسرائيل: «إِنَّ اللّه َ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ» في هذه المفازة».(3)

وسنذكر الخبر بتمامه إن شاء اللّه تعالى.

ويمكن الجمع بينهما على القول بنبوّة طالوت _ كما ذهبت إليه جماعة _ بأنّه علم ذلك بالوحي. وأمّا على القول بعدمها فيمكن أن يُقال بصدور هذا القول من نبيّهم ومن طالوت

أيضا بأخبار النبيّ.

«فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي».

قال البيضاوي:

أي فليس من أشياعي، أو ليس بمتّحد معي.

«وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي» أي من لم يذقه، من طعم الشيء: إذا ذاقه مأكولاً أو مشروبا.

«إِلاَّ مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ» استثناء من قوله: «فمن شرب»، وإنّما قدّمت عليه الجملة الثانية للعناية بها، والمعنى الرخصة في القليل دون الكثير.(4)

وقوله عليه السلام: (فشربوا منه إلاّ ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، منهم مَن اغترف، ومنهم من لم يشرب) تفسير لقوله تعالى: «فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ» أي أفرطوا في الشرب، وتجاوزا عن حدّ الرخصة، وهو الغرفة.

قال البيضاوي:

القليل كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً. وقيل: ألفا. وقيل: ثلاثة آلاف. روي أنّ من

ص: 92


1- .تفسير البيضاوي، ج 1، ص 545.
2- مجمع البيان، ج 2، ص 147.
3- . تفسير القمّي، ج 1، ص 82 و 83.
4- .تفسير البيضاوي، ج 1، ص 545 مع التلخيص.

اقتصر على الغرفة كفته لشربه وإداوته، ومن لم يقتصر غلب عليه واسودّت شفته ولم يقدر أن يمضي، وهكذا [الدنيا] لقاصد الآخرة.

ثمّ قال اللّه عزّ وجلّ: «فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ» أي القليل الذين لم يخالفوه.

«قَالُوا» أي بعضهم لبعض.

«لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ» لكثرتهم وقوّتهم.

«وَقَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُو اللّه ِ» أي قال الخلّص منهم الذين تيقّنوا لقاء اللّه وتوقّعوا ثوابه، أو علموا أنّهم يستشهدون عمّا قريب فيلقون اللّه . وقيل: هم القليل الذين ثبتوا معه. والضمير في «قالوا» للكثير المنخذلين عنه اعتذارا في التخلّف وتخذيلاً للقليل، وكأنّهم تقاولوا به والنهر بينهما: «كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّه ِ» بحكمه وتيسيره، و«كم» تحتمل الخبر والاستفهام، و«من» مزيدة أو مبيّنة، والفئة: الفرقة من الناس.

«وَاللّه ُ مَعَ الصَّابِرِينَ» بالنصر والإثابة.

«وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ» أي ظهروا لهم ودنوا منهم.

«قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ» التجأوا إلى اللّه بالدّعاء.(1)

كذا ذكره البيضاوي.

إذا عرفت فاعلم أنّ قوله عليه السلام: (فلمّا برزوا قال الذين اغترفوا: «لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ» إشارة إلى أنّ الضمير في قوله تعالى: «قالوا» راجع إلى الذين اغترفوا غرفة بقدر الرخصة، لا إلى الكثير المنخذلين الشاربين زائدا على قدر الرخصة، كما نقلنا آنفا عن البيضاوي.

وقوله: (وقال الذين لم يغترفوا) إلى آخره، إشارة إلى تفسير قوله تعالى: «وَقَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُو اللّه ِ» الآية، وأنّهم هم الذين لم يشربوا أصلاً، فتأمّل.

وروى علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن

ص: 93


1- . تفسير البيضاوي، ج 1، ص 547 و 548 مع التلخيص.

هارون بن خارجة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام: «إنّ بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام عملوا بالمعاصي، وغيّروا دين اللّه ، وعتوا عن أمر ربّهم، وكان فيهم نبيّ يأمرهم وينهاهم فلم

يطيعوه _ وروي أنّه ارميا النبيّ _ فسلّط اللّه عليهم جالوت وهو من القبط، فأذلّهم، وقتل رجالهم، وأخرجهم من ديارهم وأموالهم، واستعبد نساءهم، ففزعوا إلى نبيّهم وقالوا: سل اللّه أن يبعث لنا ملكا نقاتل في سبيل اللّه ، وكانت النبوّة في بني إسرائيل في بيت، والملك والسلطان في بيت آخر، لم يجمع اللّه لهم النبوّة والملك في بيت [واحد]، فمن ذلك [قالوا: ]«ابْعَثْ لَنَا مَلِكا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّه ِ» فقال لهم نبيّهم: «هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّه ِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا» وكان كما قال اللّه تبارك وتعالى:

«فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ»«فَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّه َ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكا»فغضبوا من ذلك و «قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنْ الْمَالِ» وكانت النبوّة في ولد لاوي، والملك في ولد يوسف، وكان طالوت من ولد ابن يامين أخي يوسف لاُمّه لم يكن من بين النبوّة ولا من بيت المملكة، فقال لهم نبيّهم: «إِنَّ اللّه َ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّه ُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللّه ُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ»وكان أعظمهم جسما، وكان شجاعا قويّا، وكان أعلمهم إلاّ أنّه كان فقيرا، فعابوه بالفقر، فقالوا: لم يؤت سعةً من المال، فقال لهم نبيّهم: «إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلاَئِكَةُ»(1) وكان التابوت الذي أنزله اللّه على اُمّ موسى فوضعته فيه اُمّه وألقته في اليمّ، فكان في بني إسرائيل يتبرّكون به، فلمّا حضر موسى الوفاة وضع فيه الألواح وذرعَهُ وما كان عنده من آيات النبوّة، وأودعه يوشع وصيّه، فلم يزل التابوت بينهم حتّى استخفّوا به، وكان الصبيان يلعبون به في الطرقات، فلم يزَل بنو إسرائيل في عزّ وشرف ما دام التابوت عندهم، فلمّا عملوا بالمعاصي واستخفّوا بالتابوت رفعه اللّه عنهم، فلمّا سألوا النبيّ بعث اللّه إليهم طالوت ملكا(2) يقاتل معهم ردّ اللّه عليهم التابوت»(3) كما

ص: 94


1- . البقرة 2: 246 _ 248.
2- . في المصدر: «بعث اللّه طالوت عليهم» بدل «بعث اللّه إليهم طالوت ملكا».
3- . تفسير القمّي، ج 1، ص 81 و 82.

قال اللّه : «إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلاَئِكَةُ»وقال: البقيّة ذرّية الأنبياء. قوله: «فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ»؛ فإنّ التابوت كان يوضع بين يدي العدوّ وبين المسلمين، فيخرج منه ريحٌ طيّبة لها وجه كوجه الإنسان.

حدّثني أبي، عن الحسن بن خالد، عن الرضا عليه السلام أنّه قال: «السكينة ريح من الجنّة لها وجه كوجه الإنسان، فكان إذا وضع التابوت بين يدي المسلمين والكفّار فإن تقدّم التابوت رجل لا يرجع حتّى يُقتل أو يُغلب، ومَن رجع عن التابوت كفر وقتله الإمام، فأوحى اللّه إلى نبيّهم أنّ جالوت يقتله من يستوي عليه دِرع موسى عليه السلام، وهو رجل من ولد لاوي بن يعقوب عليه السلاماسمه داود بن آسي، وكان آسي راعيا، وكان له عشرة بنين أصغرهم داود، فلمّا بعث طالوت إلى بني إسرائيل وجمعهم لحرب جالوت بعث إلى آسي أن أحضِر ولدك، فلمّا حضروا دعا واحدا واحدا من ولده فألبسه درع موسى عليه السلام، فمنهم من طالت عليه، ومنهم مَن قصرت عنه، فقال لآسي: هل خلّفت من ولدك أحدا؟ قال: نعم، أصغرهم تركته في الغنم راعيا،(1) فبعث إليه فجاء به فلمّا [دعا] أقبل ومعه مقلاع، قال فنادته ثلاث صخرات في طريقه فقالت: يا داود، خذنا، فأخذها في مخلاته، وكان شديد البطش قويّا في بدنه شجاعا،فلمّا جاء إلى طالوت ألبسه درع موسى فاستوت عليه، ف_ «فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ» وقال لهم نبيّهم: يا بني إسرائيل «إِنَّ اللّه َ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ» في هذه المفازة «فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ» فليس من اللّه ، ومن لم يشرب فهو من اللّه «إِلاَّ مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ» فلمّا وردوا النهر أطلق اللّه لهم أن يغرف كلّ واحد غرفة، «فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ» فالذين شربوا كانوا ستّين ألفا، وهذا امتحان امتحنوا به كما قال اللّه ».(2)

وروي عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «الذين لم يشربوا ولم يغترفوا ثلاثمائة وثلاث عشر رجلاً، فلمّا جاوزوا النهر ونظروا إلى جنود جالوت قال الذين شربوا: «لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ» وقال الذين لم يشربوا: «قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ» فجاء داود عليه السلام، فوقف بحذاء جالوت [وكان جالوت] على

ص: 95


1- . في المصدر: «يرعاها».
2- . تفسير القمّي، ج 1، ص 81 و 82 مع اختلاف يسير في اللفظ.

الفيل، وعلى رأسه التاج، وفي جبهته ياقوتة يلمع نورها، وجنوده بين يديه، فأخذ داود من تلك الأحجار حجرا فرمى به في ميمنة جالوت، فمرَّ في الهواء ووقع فيهم(1) فانهزموا، وأخذ

حجرا اُخرى فرمى به في ميسرة جالوت فانهزموا، فرمى جالوت بحجر [ثالث] فصكّ الياقوتة في جبهته، ووصل إلى دماغه، ووقع إلى الأرض ميّتا، وهو قوله: «فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللّه ِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ»».(2)

وروى الحميري في كتاب قرب الإسناد عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن اسباط، عن أبي الحسن عليه السلام أنّه قال: «السكينة ريح تخرج من الجنّة، لها صورة كصورة الإنسان، ورائحة طيّبة، وهي التي اُنزلت على إبراهيم عليه السلام، فأقبلت تدور حول أركان البيت، وهي يضع الأساطين من التي قال: «فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ»» قال: «تلك السكينة كانت في التابوت، وكانت فيها طست تغسل فيها قلوب الأنبياء، وكانت التابوت يدور في بني إسرائيل مع الأنبياء عليهم السلام».(3)

وقال ابن الأثير في الكامل وغيره من المؤرِّخين والمفسِّرين:

إنّ بني إسرائيل لمّا طال عليهم البلاء، وطمع فيهم الأعداء، وأخذ التابوت منهم، فصاروا بعده لا يلقون ملكا إلاّ خائفين، فقصدهم جالوت،(4) وكان ملكه ما بين مصر وفلسطين، فظفر بهم، وضرب عليهم الجزية، وأخذ منهم التوراة، فدعوا اللّه أن يبعث لهم نبيّا يقاتلون معه، فبعث اللّه إليهم اشمويل، فدعاهم فكذّبوه، ثمّ أطاعوه، فأقام يدبّر أمرهم عشر سنين، وقيل: أربعين سنة، وكانت العمالقة مع مَلِكهم جالوت، وقد عظمت نكايتهم في بني إسرائيل حتّى كادوا يهلكونهم، فلمّا رأى بنو إسرائيل ذلك قالوا: «ابْعَثْ لَنَا مَلِكا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّه ِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّه ِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا»، فدعا اللّه فأرسل إليه عصا وقرنا فيه دهن، وقيل له: إنّ صاحبكم يكون طوله طول هذه العصا، فإن ادخل عليك رجل فنشّ الدّهن الذي في القرن، فهو

ص: 96


1- . في المصدر: «عليهم».
2- . تفسير القمّي، ج 1، ص 82 و 83 مع اختلاف يسير في اللفظ.
3- . قرب الإسناد، ص 372 و 373، ح 1327 مع التلخيص واختلاف يسير في اللفظ.
4- . في المصدر: + «ملك الكتعانيّين».

ملك بني [إسرائيل] فادّهن رأسه به وملّكه عليهم، فقاسوا أنفسهم بالعصار، فلم يكونوا مثلها، وقيل: كان طالوت دبّاغا، وقيل: كان سقّاء يسقي الماء ويبعيه، فضلّ حماره، فانطلق يطلبه، فلمّا اجتاز بالمكان الذي فيه اشمويل دخل يسأله أن يدعو له ليردّ اللّه حماره، فلمّا دخل نشّ الدّهن، فقاسوه بالعصا فكان مثلها، فقال لهم نبيّهم: «إِنَّ اللّه َ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكا» وهو طالوت، وبالسريانيّة شاول بن قيس بن أنمار بن ضرار بن يحرف بن يفتح بن أيش بن بنيامين بن يعقوب بن إسحاق، فقالوا له: ما كنت قطّ أكذب منك الساعة ونحن من سبط المملكة، ولم يؤت طالوت سعةً من المال فنتّبعه، فقال اشمويل: «قَالَ إِنَّ اللّه َ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ»فقالوا: إن كنت صادقا فأتِ بآية، فقال: «إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلاَئِكَةُ»والسكينة رأس هرّ، وقيل: طست من ذهب يغسل فيه قلوب الأنبياء، وقيل غير ذلك، وفيه الألواح وهي من درّ وياقوت وزبرجد. وأمّا البقيّة فهي عصا موسى ورضاضة الألواح، فحملته الملائكة، وأتت به إلى طالوت نهارا بين السماء والأرض والناس ينظرون، فأخرجه طالوت إليهم، فأقرّوا بملكه ساخطين، وخرجوا معه كارهين وهم ثمانون ألفا، فلمّا خرجوا قال لهم طالوت: «إِنَّ اللّه َ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي»وهو نهر فلسطين، وقيل: هو الأردن، فشربوا [منه] إلاّ قليلاً وهم أربعة آلاف، فمن شرب منه عطش، ومَنْ لم يشرب منه إلاّ غرفةً روى، «فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ» لقيهم جالوت وكان ذا بأسٍ شديد، فلمّا رأوه رجع أكثرهم وقالوا: «لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ»، ولم يبق معه غير ثلاثمائة وبضعة عشرة عدّة أهل بدر، فلمّا رجع من رجع قالوا: «كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّه ِ وَاللّه ُ مَعَ الصَّابِرِينَ» وكان فيهم يشا أبو داود ومن معه من أولاده ثلاثة عشر إبنا، وكان داود أصغر بنيه، وقد خلّفه يرعى لهم ويحمل إليهم الطعام، وكان قد قال لأبيه ذات يوم: يا أبتاه، ما أرمي بقذافتي شيئا إلاّ صرعته، وقال له: لقد دخلت بين الجبال، فوجدتُ تسدا(1) رابضا، فركبتُ عليه وأخذتُ بإذنه فلم أخفه، ثمّ أتاه يوما آخر فقال: إنّي لأمشي بين الجبال، فاُسبِّح فما يبقى جبل إلاّ سبّحَ معي. قال: أبشر فإنّ هذا خيرٌ أعطاكه اللّه ،

ص: 97


1- . في المصدر: «أسدا».

فأرسل اللّه تعالى إلى النبيّ الذي مع طالوت قرنا فيه دهن وتنوّرا من حديد، فبعث اللّه إلى طالوت وقال: إنّ صاحبكم الذي يقتل جالوت يوضع هذا الدّهن على رأسه؛ ليغلي حتّى يسيل من القرن، ولا يتجاوز رأسه إلى وجهه، ويبقى على رأسه(1) كهيئة الإكليل، ويدخل في هذا التنوّر فيملأه، فدعا طالوت بني إسرائيل فجرّ بهم فلم يوافقه منهم أحد، فأحضر داود من رعيه، فمرّ في طريقه بثلاثة أحجار، فكلّمته وقلن: خُذنا يا داود، فاقتل جالوت. فأخذهنّ وجعلهنّ في مخلاته، وكان طالوت قد قال: من قتل جالوت زوّجته ابنتي، وأجريت خاتمه في مملكتي.

فلمّا جاء داود وضعوا القرن على رأسه، فغلى حتّى ادّهن منه، ولبس التنوّر فملاءه، وكان داود مسقاما أزرق مصفارا، فلمّا دخل في التنوّر تضايق عليه حتّى ملأه، وفرح اشمويل وطالوت وبنو إسرائيل بذلك، وتقدّموا إلى جالوت، وتصفّفوا للقتال، وخرج داود نحو جالوت، وأخذ الأحجار ووضعها في قذافته ورمى بها جالوت، فوقع الحجر بين عينيه، فثقب رأسه وقتله، ولم يزل الحجر يقتل كلّ من أصابه ينفذ منه إلى غيره، فانهزم عسكر جالوت بإذن اللّه تعالى، ورجع طالوت، فأنكح ابنته داود، وأجرى خاتمه في ملكه،(2) انتهى.

وقال الشيخ الطبرسي:

قيل: كان التابوت هو الذي أنزل اللّه على اُمّ موسى. وقيل: كان التابوت الذي أنزله اللّه على آدم فيه صور الأنبياء، فتوارث من آدم عليه السلام، وكان في بني إسرائيل يستفتحون به.

وقال قتادة: كان في بريّة التيه خلفه هناك يوشع بن نون تحمله الملائكة إلى بني إسرائيل.

وقيل: كان قدر التابوت ثلاثة أذرع في ذراعين عليه صفائح الذهب، وكان من شمشار، وكانوا يقدّمونه في الحروب ويجعلونه أمام جندهم، فإذا سمع من جوفه أنين زفّ التابوت _ أي سار _ وكان الناس يسيرون خلفه، فإذا سكن الأنين وقف، فوقفوا بوقوفه.

«فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ». قيل: في التابوت نفسه. وقيل: فيما في التابوت. واختلف

ص: 98


1- . في المصدر: - «ليغلي حتّى يسيل _ إلى _ ويبقى على رأسه».
2- . الكامل في التاريخ، ج 1، ص 217 _ 220 مع التلخيص واختلاف في اللفظ.

في السكينة فقيل: إنّ السكينة التي كانت فيه ريح هفافة من الجنّة لها وجه كوجه الإنسان، عن عليّ عليه السلام. وقيل: كان لها جناحان ورأس كرأس الهرّة من الزبرجد والزمرّد، عن مجاهد. وروى ذلك في أخبارنا، وقيل: كان فيه آية يسكنون إليها، عن عطاء. وقيل: روح من اللّه يكلّمهم بالبيان عند وقوع الاختلاف، عن وهب.

«وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ». قيل: إنّها عصا موسى ورضاض الألواح، عن ابن عبّاس وقتادة والسدي، وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام. وقيل: هي التوراة وشيء من ثياب موسى عليه السلام، عن الحسن. وقيل: كان فيه لوحان أيضا من التوراة وقفيز من [المنّ] الذي كان ينزل عليهم ونعلا موسى وعمامة هارون وعصاه.

هذه أقوال أهل التفسير في السكينة والبقيّة، والظاهر أنّ السكينة أَمَنة وطمأنينة جعلها اللّه سبحانه فيه ليسكن إليه بنو إسرائيل، والبقيّة جاز أن يكون بقيّة من العلم، أو شيئا من علامات الأنبياء، وجاز أن يتضمّنهما جميعا على ما قاله الزجاج.

«تَحْمِلُهُ الْمَلاَئِكَةُ» قيل: حملته الملائكة بين السماء والأرض حتّى رآه بنو إسرائيل عيانا، عن ابن عبّاس والحسن. وقيل: لمّا غلب الأعداء على التابوت أدخلوه بيت الأصنام، فأصبحت أصنامهم منكبة، فأخرجوه ووضعوه ناحية من المدينة، فأخذهم وجع في أعناقهم، وكلّ موضع وضعوه فيه ظهر فيه بلاء وموت ووباء، فاُشير عليهم بأن يخرجوا التابوت، فأجمع رأيهم على أن يأتوا به، ويحملوه على عجلة، ويشدّوها إلى ثورين، ففعلوا ذلك، وأرسلوا الثورين، فجاءت الملائكة، وساقوا الثورين إلى بني إسرائيل، فعلى هذا يكون معنى «تحمله الملائكة»: تسوقه، كما تقول: حملتُ متاعي إلى مكّة، ومعناه: كنت سببا لحمله إلى مكّة.(1)

متن الحديث الثامن والتسعين والأربعمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ ، عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام أَنَّهُ قَرَأَ : «إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ»(2) قَالَ : «كَانَتْ تَحْمِلُهُ فِي صُورَةِ الْبَقَرَةِ»

.

ص: 99


1- .مجمع البيان، ج 2، ص 144 و 145 مع التلخيص واختلاف يسير في اللفظ.
2- . البقرة 2: 248.

شرح

السند مجهول.

قوله: (كانت تحمله في صورة البقرة) يدلّ على أنّ الملائكة الحاملين له كانوا على صورة البقرة؛ ليشبّه على الناس أمرهم، أو لحكمةٍ اُخرى.

متن الحديث التاسع والتسعين والأربعمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسى ، عَنْ حَرِيزٍ ، عَمَّنْ أَخْبَرَهُ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : فِي قَوْلِ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى : «أَنْ يَأْتِيَكُمُ التّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ» قَالَ : «رَضَاضُ(1) الْأَلْوَاحِ فِيهَا الْعِلْمُ وَالْحِكْمَةُ» .

شرح

السند مرسل.

قوله: (رضاض الألواح) بالضمّ.

وفي بعض النسخ: «رضراض» بالضادين المعجمتين. وفي بعضها بالمهملتين.

وعلى التقادير المراد جزاؤها المنكسرة. قال الجوهري: «الرّض _ بالكسر _ :

الدّق: والرضراض: ما دقّ من الحصى، والأرض المرضوضة بالأحجار.(2) ورضاض الشيء:

فتاته».(3)

وقال: «الرّضّ والترضيض: إلصاق الشيء بالشيء».(4)(فيها العلم والحكمة)؛ الضمير للألواح، ولعلّ المراد بالعلم علم الشرائع والأحكام، وبالحكمة ما يعمّ ذلك، أو بالعكس. ويحمل كون العطف للتفسير.

ص: 100


1- . هكذا في النسخة وشرح المازندراني ومرآة العقول. وفي كلتا الطبعتين وأكثر نسخ الكافي: «رضراض». وفي بعض نسخ الكافي: «رصراص». وفي بعضها: «رضراص».
2- . في المصدر: «بالحجارة».
3- . الصحاح، ج 3، ص 1077 و 1078 رضض مع التلخيص.
4- . لم نعثر عليه في الصحاح.

متن الحديث الخمسمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ ظَرِيفٍ(1) ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ بَشِيرٍ ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ لِي(2) أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «يَا أَبَا الْجَارُودِ ، مَا يَقُولُونَ لَكُمْ فِي الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ عليهماالسلام؟» .

قُلْتُ : يُنْكِرُونَ عَلَيْنَا أَنَّهُمَا ابْنَا رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله .

قَالَ : «فَأَيَّ شَيْءٍ احْتَجَجْتُمْ عَلَيْهِمْ؟» .

قُلْتُ : احْتَجَجْنَا عَلَيْهِمْ بِقَوْلِ اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عليهماالسلام : «وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيّا وَيَحْيى وَعِيسى»(3) فَجَعَلَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ مِنْ ذُرِّيَّةِ نُوحٍ عليه السلام» .

قَالَ : «فَأَيَّ شَيْءٍ قَالُوا لَكُمْ؟»

قُلْتُ : قَالُوا : قَدْ يَكُونُ وَلَدُ الاِبْنَةِ مِنَ الْوَلَدِ ، وَلاَ يَكُونُ مِنَ الصُّلْبِ .

قَالَ : «فَأَيَّ شَيْءٍ احْتَجَجْتُمْ عَلَيْهِمْ؟»

قُلْتُ : احْتَجَجْنَا عَلَيْهِمْ بِقَوْلِ اللّهِ تَعَالى لِرَسُولِهِ(4) صلى الله عليه و آله : «فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ» .(5)

قَالَ : «فَأَيَّ شَيْءٍ قَالُوا؟»

قُلْتُ : قَالُوا : قَدْ يَكُونُ فِي كَلاَمِ الْعَرَبِ أَبْنَاءُ رَجُلٍ ، وَآخَرُ يَقُولُ : أَبْنَاؤنَا .

قَالَ : فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «يَا أَبَا الْجَارُودِ ، لَأُعْطِيَنَّكَهَا مِنْ كِتَابِ اللّهِ _ جَلَّ وَتَعَالى _ أَنَّهُمَا مِنْ صُلْبِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آلهلاَ يَرُدُّهَا(6) إِلاَّ كَافِرٌ(7)» .

قُلْتُ : وَأَيْنَ ذلِكَ، جُعِلْتُ فِدَاكَ؟

ص: 101


1- في بعض نسخ الكافي: «طريف» بالطاء المهملة.
2- .في أكثر نسخ الكافي: - «لي».
3- . الأنعام 6: 84 و 85.
4- .في أكثر نسخ الكافي: «لرسول اللّه ».
5- . آل عمران 3: 61.
6- .في بعض نسخ الكافي: «لا يردّهما».
7- . في الطبعة القديمة: «الكافر».

قَالَ : «مِنْ حَيْثُ قَالَ اللّهُ تَعَالى : «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ»الاْيَةَ إِلى أَنِ انْتَهى إِلى قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى : «وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ»(1) فَسَلْهُمْ يَا أَبَا الْجَارُودِ : هَلْ كَانَ يَحِلُّ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آلهنِكَاحُ حَلِيلَتَيْهِمَا؟ فَإِنْ قَالُوا : نَعَمْ ، كَذَبُوا وَفَجَرُوا ، وَإِنْ قَالُوا : لاَ ، فَهُمَا ابْنَاهُ لِصُلْبِهِ» .

شرح

السند ضعيف.

قوله: (ينكرون علينا أنّهما ابنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله).

اعلم أنّه لا خلاف في جواز إطلاق الابن والبنت والولد والذرّية على ولد البنت، إنّما النزاع في أنّ هذا الإطلاق هل هو من باب الحقيقة، أو المجاز، وفرّعوا عليه استحقاق الخمس وحرمة الزكاة على من كانت اُمّه هاشميّة دون أبيه، والنذر للأولاد، أو لأولاد الأولاد والوقف عليهم؛ فذهب طائفة منهم السيّد المرتضى رحمه الله(2) إلى الأوّل، لقول النبيّ صلى الله عليه و آله للحسنين عليهماالسلام: «هذان ابناي إمامان قاما أو قعدا»(3) فأطلق عليهما الابن، والأصل في الإطلاق الحقيقة، ومالَ إليه الشيخ الطبرسي رحمه الله حيث قال:

وإذا جعل اللّه سبحانه عيسى من ذرّية إبراهيم أو نوح، ففي ذلك دلالة واضحة وحجّة قاطعة على أنّ أولاد الحسن والحسين عليهماالسلامذرّيّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله على الإطلاق،وأنّهما ابنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله، وقد صحَّ في الحديث أنّه قال لهما عليهماالسلام: «إبناي هذان إمامان قاما أو قعدا»(4) وقال للحسن: «إنّ ابني هذا سيّد».(5) وأنّ الصحابة كانت تقول لكلّ منهما ومن أولادهما: يابن رسول اللّه ، انتهى.(6)

وذهب جماعة جمهور العامّة وأكثر أصحابنا إلى الثاني،(7) واحتجّوا بأنّه إنّما تصدق

ص: 102


1- . النساء 4: 23.
2- . اُنظر: رسائل الشريف المرتضى، ج 3، ص 264، المسألة 44؛ وج 4، ص 328، المسألة 4.
3- . عوالي اللآلي، ج 3، ص 130، ح 14.
4- . المناقب، ج 3، ص 141.
5- . المناقب، ج 3، ص 185؛ عوالي اللآلي، ج 1، ص 102، ح 30.
6- . مجمع البيان، ج 4، ص 104.
7- . اُنظر: الخلاف، ج 4، ص 5 _ 11، المسألة 2؛ غنية النزوع، ص 299؛ السرائر، ج 3، ص 157؛ المجوع للنووي، ج 16، ص 55 _ 57؛ فتح الباري، ج 12، ص 23 _ 25.

الانتساب حقيقةً إذا كانت من جهة الأب عرفا، فلا يُقال تميميّ إلاّ لمَن انتسب إلى تميم بالأب، ولا حارثي إلاّ لمَن انتسب إلى حارث بالأب، وأيّدوه بقول الشاعر:

بنونا بنو أبناءنا وبناتُنا***بنوهنَّ أبناء الرجال الأباعدا

وبما رواه حمّاد بن عيسى مرسلاً عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام أنّه قال: «مَن كانت اُمّه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش فإنّ الصدقة تحلّ له، وليس له من الخمس شيء؛ لأنّ اللّه يقول: «ادْعُوهُمْ لاِبَائِهِمْ»(1).(2)

ويدلّ على المذهب الأوّل أخبار كثيرة منها: خبر الكتاب، وضعفه بأبي الجارود لا يضرّ؛ لأنّ التمسّك هو الآية، فتدبّر حتّى يظهر لك قوّة المذهب الأوّل، واستناد الآخرين على اللغة والعرف مدخول، واحتمال التجوّز غير قادح.

قال الفيروزآبادي: «ولدك من دَمي عقبيك، أي من نفست به فهو ابنك».(3)

ومرسلة حمّاد معارضة بما هو أكثر وأقوى منها.

ثمّ اعلم أنّ دلالة الآية الثانية على المطلوب ظاهر كالثالثة، وأمّا دلالة الآية الاُولى عليه ففيها خفاء؛ إذ الاستدلال بها إنّما ينفع فيما ورد بلفظ الذرّيّة، ويمكن تطبيقها على المطلوب بانضمام عدم القول بالفصل، أو ادّعاء أنّ من كان ذرّيّة حقيقة فهو ولد حقيقة بشهادة العرف واللّغة.

هذا ويحتمل أن يُراد بقولهم: (قد يكون ولد الابنة من الولد، ولا يكون من الصلب) نفي الحقيقة، وحمل الآية على المجاز، وأنّه إنّما يكون حقيقة إذا كان من الصلب. ويحتمل أن يكون غرضهم تسليم كونه ولدا على الإطلاق، ومنع كونه ولدا من الصلب، لكن الاستدلال بالآية الثانية لدفع هذا المنع لا وجه له، ولذا استدلّ عليه السلام بالآية الثالثة لإثبات ما منعوه بقولهم: (وآخر يقول: أبناءنا) يعني مجازا، فحملوا الآية على المجاز على أنّ هذا المنع لا وجه له؛ إذ مبنى الاستدلال على أنّ الأصل في الإطلاق الحقيقة، فالحمل على التجوّز يحتاج إلى دليل.

والضمير في قوله عليه السلام: (لأعطينكّها) راجع إلى الحجّة.

ص: 103


1- . الأحزاب 33: 5.
2- . تهذيب الأحكام، ج 4، ص 129، ح 366.
3- . القاموس المحيط، ج 1، ص 347 ولد.

وقال البيضاوي في تفسير قوله تعالى: «وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمْ»: «زوجاتهم، سمّيت الزوجة حليلة لحلّها، أو لحلولها مع الزوج». وقال: «إنّ قوله: « الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ»احتراز عن المتبنّين لا عن أبناء الولد».(1)

وقال بعض الأفاضل:

هذا الاستدلال مبنيّ على تسليم الخصم، بل اتّفاق العلماء على دخول أولاد الأولاد مطلقا تحت هذه الآية كما صرّح به أكثر المفسّرين؛ قال الرازي: «اتّفقوا على أنّ هذه الآية تقتضي تحريم حليلة ولد الولد على الجدّ، وهذا يدلّ على أنّ ولد الولد يطلق عليه أنّه من صلب الجدّ، وفيه دلالة على أنّ ولد الولد منسوب إلى الجدّ بالولادة»(2).(3)

متن الحديث الواحد والخمسمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ(4) أَبِي الْعَلاَءِ الْخَفَّافِ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا انْهَزَمَ النَّاسُ يَوْمَ أُحُدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، انْصَرَفَ إِلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ وَهُوَ يَقُولُ : أَنَا مُحَمَّدٌ ، أَنَا رَسُولُ اللّهِ ، لَمْ أُقْتَلْ وَلَمْ أَمُتْ ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ ، فَقَالاَ : الاْنَ يَسْخَرُ بِنَا أَيْضا وَقَدْ هُزِمْنَا وَبَقِيَ مَعَهُ عَلِيٌّ عليه السلاموَسِمَاكُ(5) بْنُ خَرَشَةَ أَبُو دُجَانَةَ رَحِمَهُ اللّهُ ، فَدَعَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ، فَقَالَ : يَا أَبَا دُجَانَةَ ، انْصَرِفْ وَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْ بَيْعَتِكَ ، فَأَمَّا عَلِيٌّ فَهُوَ أَنَا هُوَ وَأَنَا هُوَ(6) ، فَتَحَوَّلَ وَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وَبَكى ، وَقَالَ : لاَ وَاللّهِ ، وَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ : لاَ وَاللّهِ ، لاَ جَعَلْتُ نَفْسِي فِي حِلٍّ مِنْ بَيْعَتِي ، إِنِّي بَايَعْتُكَ ، فَإِلى مَنْ أَنْصَرِفُ يَا رَسُولَ اللّهِ : إِلى زَوْجَةٍ تَمُوتُ ، أَوْ وَلَدٍ يَمُوتُ ، أَوْ دَارٍ تَخْرَبُ ، وَمَالٍ يَفْنى ، وَأَجَلٍ قَدِ اقْتَرَبَ ، فَرَقَّ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ، فَلَمْ يَزَلْ يُقَاتِلُ حَتّى أَثْخَنَتْهُ الْجِرَاحَةُ وَهُوَ فِي وَجْهٍ ، وَعَلِيٌّ عليه السلام فِي وَجْهٍ .

ص: 104


1- . تفسير البيضاوي، ج 2، ص 168.
2- . تفسير الرازي، ج 10، ص 35. وراجع: الكشّاف، ج 1، ص 517؛ التبيان، ج 3، ص 158؛ مجمع البيان، ج 3، ص 56.
3- . القائل هو العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 432.
4- . في الطبعة القديمة: - «بن».
5- . في بعض نسخ الكافي: «وشمال».
6- . هكذا في النسخة وبعض نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: «فأنا هو وهو أنا» بدل «فهو أنا وأنا هو».

فَلَمَّا أُسْقِطَ احْتَمَلَهُ عَلِيٌّ عليه السلام ، فَجَاءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، فَوَضَعَهُ عِنْدَهُ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللّهِ ، أَوَفَيْتُ بِبَيْعَتِي؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله خَيْرا ، وَكَانَ النَّاسُ يَحْمِلُونَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله الْمَيْمَنَةَ ، فَيَكْشِفُهُمْ عَلِيٌّ عليه السلام ، فَإِذَا كَشَفَهُمْ أَقْبَلَتِ الْمَيْسَرَةُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، فَلَمْ يَزَلْ كَذلِكَ حَتّى تَقَطَّعَ سَيْفُهُ بِثَلاَثِ قِطَعٍ ، فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَطَرَحَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَقَالَ : هذَا سَيْفِي قَدْ تَقَطَّعَ ، فَيَوْمَئِذٍ أَعْطَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ذَا الْفَقَارِ .

وَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله اخْتِلاَجَ سَاقَيْهِ مِنْ كَثْرَةِ الْقِتَالِ ، رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ يَبْكِي ، وَقَالَ : يَا رَبِّ ، وَعَدْتَنِي أَنْ تُظْهِرَ دِينَكَ ، وَإِنْ شِئْتَ لَمْ يُعْيِكَ ، فَأَقْبَلَ عَلِيٌّ عليه السلامإِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللّهِ ، أَسْمَعُ دَوِيّا شَدِيدا ، وَأَسْمَعُ أَقْدِمْ حَيْزُومُ ، وَمَا أَهُمُّ أَضْرِبُ أَحَدا إِلاَّ سَقَطَ مَيِّتا قَبْلَ أَنْ أَضْرِبَهُ ، فَقَالَ : هذَا جَبْرَئِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَإِسْرَافِيلُ فِي الْمَلاَئِكَةِ .

ثُمَّ جَاءَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام ، فَوَقَفَ إِلى جَنْبِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّ هذِهِ هِيَ(1) الْمُوَاسَاةُ ، فَقَالَ : إِنَّ عَلِيّا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ ، فَقَالَ(2) جَبْرَئِيلُ : وَأَنَا مِنْكُمَا ، ثُمَّ انْهَزَمَ النَّاسُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِعَلِيٍّ عليه السلام : يَا عَلِيُّ ، امْضِ بِسَيْفِكَ حَتّى تُعَارِضَهُمْ ، فَإِنْ رَأَيْتَهُمْ قَدْ رَكِبُوا الْقِلاَصَ وَجَنَبُوا الْخَيْلَ فَإِنَّهُمْ يُرِيدُونَ مَكَّةَ ، وَإِنْ رَأَيْتَهُمْ قَدْ رَكِبُوا الْخَيْلَ وَهُمْ يَجْنُبُونَ الْقِلاَصَ فَإِنَّهُمْ يُرِيدُونَ الْمَدِينَةَ ، فَأَتَاهُمْ عَلِيٌّ عليه السلام ، فَكَانُوا عَلَى الْقِلاَصِ ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ لِعَلِيٍّ عليه السلام : يَا عَلِيُّ ، مَا تُرِيدُ؟ هُوَ ذَا نَحْنُ ذَاهِبُونَ إِلى مَكَّةَ ، فَانْصَرِفْ إِلى صَاحِبِكَ ، فَأَتْبَعَهُمْ جَبْرَئِيلُ عليه السلام ، فَكُلَّمَا سَمِعُوا وَقْعَ حَوَافِرِ(3) فَرَسِهِ جَدُّوا فِي السَّيْرِ وَكَانَ يَتْلُوهُمْ ، فَإِذَا ارْتَحَلُوا قَالَ(4) : هُوَ ذَا عَسْكَرُ مُحَمَّدٍ قَدْ أَقْبَلَ ، فَدَخَلَ أَبُو سُفْيَانَ مَكَّةَ ، فَأَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ .

وَجَاءَ الرُّعَاةُ(5) وَالْحَطَّابُونَ ، فَدَخَلُوا مَكَّةَ ، فَقَالُوا : رَأَيْنَا عَسْكَرَ مُحَمَّدٍ ، كُلَّمَا رَحَلَ أَبُو سُفْيَانَ نَزَلُوا يَقْدُمُهُمْ فَارِسٌ عَلى فَرَسٍ أَشْقَرَ يَطْلُبُ آثَارَهُمْ ، فَأَقْبَلَ أَهْلُ مَكَّةَ عَلى أَبِي سُفْيَانَ يُوَبِّخُونَهُ ، وَ رَحَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وَالرَّايَةُ مَعَ عَلِيٍّ عليه السلاموَهُوَ بَيْنَ يَدَيْهِ .

فَلَمَّا أَنْ أَشْرَفَ بِالرَّايَةِ مِنَ الْعَقَبَةِ وَرَآهُ النَّاسُ ، نَادى عَلِيٌّ عليه السلام : أَيُّهَا النَّاسُ ، هذَا مُحَمَّدٌ لَمْ يَمُتْ وَلَمْ يُقْتَلْ ، فَقَالَ صَاحِبُ الْكَلاَمِ الَّذِي قَالَ : الاْنَ يَسْخَرُ بِنَا وَقَدْ هُزِمْنَا : هذَا عَلِيٌّ وَالرَّايَةُ بِيَدِهِ حَتّى

ص: 105


1- . في كلتا الطبعتين: «لهي».
2- في بعض نسخ الكافي: «قال».
3- . هكذا في النسخة وبعض نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: «حافر».
4- . هكذا في النسخة وأكثر نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: «قالوا».
5- . في بعض نسخ الكافي: «الرعاء».

هَجَمَ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وَنِسَاءُ الْأَنْصَارِ فِي أَفْنِيَتِهِمْ عَلى أَبْوَابِ دُورِهِمْ ، وَخَرَجَ الرِّجَالُ إِلَيْهِ يَلُوذُونَ بِهِ وَيَتُوبُونَ(1) إِلَيْهِ ، وَالنِّسَاءُ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ قَدْ خَدَشْنَ الْوُجُوهَ ، وَنَشَرْنَ الشُّعُورَ ، وَجَزَزْنَ النَّوَاصِيَ ، وَخَرَقْنَ الْجُيُوبَ ، وَحَزَمْنَ(2) الْبُطُونَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، فَلَمَّا رَأَيْنَهُ قَالَ لَهُنَّ خَيْرا ، وَأَمَرَهُنَّ أَنْ يَسْتَتِرْنَ وَيَدْخُلْنَ مَنَازِلَهُنَّ ، وَقَالَ : إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ وَعَدَنِي أَنْ يُظْهِرَ دِينَهُ عَلَى الْأَدْيَانِ كُلِّهَا ، وَأَنْزَلَ اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله : «وَما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئا»(3) الاْيَةَ» .

شرح

السند حسن كالصحيح.

قوله: (يوم اُحد) هي الغزوة التي وقعت في الاُحُد، وهو بضمّتين اسم جبل بالمدينة.

قيل: سمّي [اُحد] لتوحّده وانقطاعه عن جبال اُخر.(4) وروي: أنّ سبب انهزامهم نداء إبليس فيهم أنّ محمّدا قد قُتل، وكان النبيّ صلى الله عليه و آلهحينئذٍ في زخام الناس، يقاتل وكانوا لا يرونه.(5)

(فالتفت إليه فلان وفلان) كناية عن العمرين.

(فقالا: الآن يسخر بنا أيضا) أي كما سخر قبل مرارا.

(وقد هزمنا) على البناء للمفعول، والواو للحال (وبقي معه علي عليه السلام).

(وسِماك) بكسر السين.

(بن خرشة) بالتحريك.

(أبو دُجانة) بضمّ الدال وتخفيف الجيم.

وفي بعض النسخ: «سمال» باللاّم، وفي بعضها: «شمال» بالشين المعجمّة واللاّم، وكلاهما تصحيف.

(فأمّا عليّ عليه السلام فهو أنا وأنا هو).

في بعض النسخ: «فأنا هو وهو أنا».

ص: 106


1- . في كلتا الطبعتين: «يثوبون» بالثاء المثلّثة.
2- . النسخ في ضبط الكلمة مختلفة سيأتي في متن الشرح.
3- .آل عمران 3: 144.
4- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 447.
5- . راجع: مجمع البيان، ج 2، ص 405؛ تفسير البيضاوي، ج 2، ص 98؛ الصافي، ج 1، ص 377.

(فتحوّل) يعني أبو دُجانة.

(وجلس بين يدي النبيّ صلى الله عليه و آله) إلى قوله عليه السلام: (حتّى أثخنته الجراحة).

قيل: بايعت، مفاعلة من البيع، وكانوا إذا بايعوا أحدا قبضوا على يده اليمنى توكيدا للأمر، فأشبه ذلك فعل البايع والمشتري، فجاءت المفاعلة في بايعت من ذلك. وأمّا البيعة، فهي عرفا معاهدته على تسليم النظر في كلّ الاُمور إليه على وجه لا ينازع ولا ينصرف عنه ولو قتل.(1)

وقال الفيروزآبادي: «أثخن في العدوّ: بالغ الجراحة فيهم. وفلانا: أوهنه».(2)

(وهو في وجه، وعليّ عليه السلام في وجه).

الوجه والجهة بمعنى.

(فلمّا اُسقِطَ) على البناء للمفعول.

(احتمله) أي حمله عليّ عليه السلام، إلى قوله: (وقال له النبيّ صلى الله عليه و آله خيرا).

قيل: يدلّ ظاهر هذا على أنّ أبا دجانة استشهد يوم اُحُد، لكن صرّح بعض العامّة ببقائه بعد النبيّ صلى الله عليه و آله(3)، فلا ينافي بقاءه بعد النبيّ صلى الله عليه و آله. وقيل: استشهد يوم اليمامة،(4) وهذا هو الأشهر.

قال أنس: رمى بنفسه في الحديقة التي كان فيها مسيلمة، فانكسرت رجله، فقاتل حتّى قتل.(5)

وقيل: إنّه شارك وحشيّا في قتل مسيلمة.(6)

وذكر ابن عبد البرقي في كتاب الاستيعاب أنّه شهد مع أمير المؤمنين عليه السلام في بعض غزواته. وقيل: إنّه عاش حتّى حضر معه عليه السلام بصفّين.(7)

(ولمّا رأى النبيّ صلى الله عليه و آله اختلاج ساقيه) أي اضطرابهما وارتعاشهما.

(وإن شئت لم يعيك) من الإعياء، أي لم يعجزك.

قال في القاموس: «عيّ بالأمر، وعيي بالأمر _ كرضي _ وتعايا واستعيا وتعيّا: لم يهتد لوجه مراده، أو عجز منه، ولم يطق إحكامه. وأعيا السير البعير: أكلّه».(8)

ص: 107


1- . القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 449.
2- . القاموس المحيط، ج 4، ص 206 ثخن.
3- . اُنظر: الإصابة، ج 6، ص 438، ذيل الرقم 2029.
4- . اُسد الغابة، ج 2، ص 353.
5- . الاستيعاب، ج 2، ص 652، الرقم 1060.
6- . اُسد الغابة، ج 5، ص 184.
7- . الاستيعاب، ج 2، ص 652، الرقم 1060.
8- . القاموس المحيط، ج 4، ص 368 عيي مع التلخيص.

(فقال: يا رسول اللّه ، أسمع دويّا شديدا).

قال الجزري: «الدويّ: صوت ليس بعال، كصوت النحل ونحوه».(1)

(وأسمع أقدم حيزوم).

في القاموس: «أقدم على الأمر: شجع. والمقدام: الكثير الإقدام. وقد قدم _ كنصر وعلم _ وأقدم وتقدّم».(2)

وقال الجوهري:

أقدم على الأمر إقداما، والإقدام: الشجاعة، ويُقال: أقدم، وهو زجر للخيل(3) كأنّه يؤمر بالإقدام. وفي حديث المغازي: إقدم حيزوم، بالكسر، والصواب فتح الهمزة.(4)

وقال الجزري: «في حديث بدر: أقدم حيزوم، جاء في التفسير أنّه اسم فرس جبرئيل عليه السلام، أراد أقدم يا حيزوم، فحذف حرف النداء، والياء فيه زائدة».(5)

وقال بعض الشارحين:

ولعلّ ركوب الملائكة وقتالهم على الوجه المعتاد، وإلاّ فأقلّ حركتهم كافية في إهلاكهم كما اتّفق في إهلاك الاُمم السابقة، لا يُقال: الوجه المعتاد يقتضي أن يروهم؛ لأنّا نقول: ليس هنا ما يدلّ على أنّهم لم يروهم، ولعلّهم رأوهم وظنّوا أنّهم من العساكر المنصورة. وقال بعض] العامّة]: إنّ إظهارهم للمشركين عند آخر القتال واحتضار [الموت] كما قال تعالى: «يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلاَئِكَةَ لاَ بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرا مَحْجُورا»(6). وقال بعضهم: يجوز أن يروهم، وإنّما لم يموتوا بلاغا للأعذار وزيادة في إقامة الحجّة عليهم.(7)

(وما أهمّ أضرب أحدا إلاّ سقط ميّتا قبل أن أضربه).

قال في المصباح: «هممت بالشيء من باب قتل: إذا أردته ولم تفعله».(8)

ص: 108


1- .النهاية، ج 2، ص 143 دوا.
2- . القاموس المحيط، ج 4، ص 162 (قدم) مع التلخيص.
3- . في المصدر: «للفرس».
4- . الصحاح، ج 5، ص 2007 قدم.
5- . النهاية، ج 1، ص 467 حيزم.
6- . الفرقان25: 22.
7- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 449.
8- . المصباح المنير، ص 641 (همم).

وقوله: (أضرب) بالنصب أو الرفع، بتقدير «أنّ» وإعمالها أو إهمالها.

(فقال: يا محمّد، إنّ هذه هي المواساة).

«هذه» إشارة إلى كثرة مقاتلة عليّ عليه السلام وثبات قدمه بعد انهزام الناس، والمراد بالمواساة معاونته ونصرته ومواطاته بنفسه وماله، من قولهم: واساه بماله مواساة، أي أناله منه.

وقال في النهاية: «المواساة: المشاركة، والمساهمة في المعاش والرزق، وأصلها الهمز، فقُلبت واوا تخفيفا».(1)

(فقال: إنّ عليّا منّي وأنا منه).

قيل: الغرض من هذا الكلام الدلالة على شدّة الاتّصال وتمازج الأهواء واتّحاد المذهب.(2)

قال في الفائق: «يُقال: هو منّي، أي هو بعضي».(3)

وقال الصدوق رحمه الله في كتاب العلل:

قول جبرئيل: (أنا منكما) تمنّي منه لأن يكون منهما، فلو كان أفضل منهما لم يقل ذلك ولم يتمنّ أن ينحطّ عن درجته إلى أن يكون ممّن دونه، وإنّما قال: أنا منكما ليصير ممّن هو أفضل منه، فيزداد محلاًّ إلى محلّه وفضلاً إلى فضله.(4)

(ثمّ انهزم الناس) أي المشركون.

(فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعليّ عليه السلام: يا علي، امض بسيفك حتّى تعارضهم).

في القاموس:

عارضه: جانَبه، وعدل عنه، وسار حياله. والكتاب: قابله، وأخذ في عروض من الطرق. والجنازة: أتاها معترضا في بعض الطريق، ولم يتبعها من منزله. وفلانا بمثل صنيعة: أتى إليه مثل ما أتى، ومنه المعارضة.(5)

(فإن رأيتهم قد ركبوا القِلاص).في القاموس:

القلوص من الإبل: الشابّة، أو الباقية على السير، أو أوّل ما يركب من إناثها على أنّ

ص: 109


1- .النهاية، ج 1، ص 50 أسا.
2- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 449.
3- . الفائق، ج 1، ص 143 ثبج.
4- . علل الشرائع، ج 1، ص 8، ذيل ح 3.
5- . القاموس المحيط، ج 2، ص 336 عرض.

تثنّى، ثمّ هي ناقة، والناقلة الطويلة القوائم خاصّ بالإناث، الجمع: قلائص، وقَلَص،وجمع الجمع: قِلاص.(1)

(وجنبوا الخيل).

في القاموس: «جنّبه جنبا _ محرّكة _ ومجنبا: قاده إلى جنبه، فهو جنيب ومجنوب ومجنّب».(2)

(فكلّما سمعوا وقع حوافر فرسه).

الوقع _ بالتسكين _ : صوتٌ يسمع من ضرب حافر الدابّة بالحجارة، أو الأرض الغليظة. والحافر: الوقيع الذي أصابته الحجارة فرقّقته.

(وكان يتلوهم، فإذا ارتحلوا قال: هو ذا عسكر محمّد) اسم «كان» وفاعل «يتلوه».

(وقال) جبرئيل عليه السلام. ويحتمل أن يكون القائل أبا سفيان.

(فقالوا: رأينا عسكر محمّد) إلى قوله: (يوبّخونه).

إنّما قالوا ذلك لمّا رأوا من عسكر الملائكة المتمثّلين بصورة المسلمين، وإقبال أهل مكّة على توبيخ أبي سفيان؛ لهربه عن ذلك العسكر.

وقوله: (يقدمهم) بضمّ الدالّ، أي تقدّم بهم.

(فارس على فرس أشقر).

قال الفيروزآبادي: «الأشقر من الدوابّ: الأحمر في مُغرة [حمرة] يحمّر منها العرف والذنب».(3)

وقال: «المَغَر _ محرّكة _ والمُغْرَة بالضمّ: لون ليس بناصع الحمرة، أو شقرة بكدرة».(4)

(فقال صاحب الكلام الذي قال: الآن يسخر بنا وقد هزمنا).

لعلّ القائل أحدهما، أو كلاهما بأن يُراد بصاحب الكلام الجنس الشامل للاثنين.

وقوله: (هذا عليّ والراية بيده) مقول القول، والواو للعطف، ويحتمل كونها للحال، وذو الحال فاعل «نادى».

ص: 110


1- . القاموس المحيط، ج 2، ص 314 قلص.
2- . القاموس المحيط، ج 1، ص 48 جنب.
3- . القاموس المحيط، ج 2، ص 62 شقر.
4- . القاموس المحيط، ج 2، ص 135 مغر.

والأوّل أقرب لفظا، والثاني معنى.

(حتّى هجم عليهم النبيّ صلى الله عليه و آله).

في القاموس: «هجم عليه هجوما: انتهى إليه بغتة، أو دخل».(1)

(ونساء الأنصار في أفنيتهم).

فناء الدار _ بالكسر _ : ما اتّسع من أمامِها. وقيل: ما امتدّ من جوانبها، والجمع: أفنية.

(وخرج الرجال إليه يلوذون به).

يُقال: لاذَ به يلوذ لياذا أو لوذا _ مثلّثة _ أي لجأ إليه، أو أحاط به.

(ويتوبون إليه).

التوبة: الرجوع من الذنب والمعصية. ولعلّ المراد هنا أنّهم يعتذرون من الهزيمة، أو من القعود عن الحرب والقتال.

وفي بعض النسخ: «يثوبون» بالثّاء المثلّثة. قال الجوهري: «ثاب الرجل يثوب ثوبا وثَوَبانا: رجع بعد ذهابه. وثاب الناس: اجتمعوا وجاؤوا».(2)

(والنساء) مبتدأ. و (نساء الأنصار) بدل منه، أو عطف بيان له.

وقوله: (قد خدشن الوجوه) خبر المبتدأ.

وخدش الوجه: خمشه، وبالفارسيّة: «خراشيدن»، وفعله كضرب.

(ونشرن الشعور) أي فرّقنها.

(وجززن النواصي).

الجزّ: القطع. والنواصي: جمع ناصية، وهي قصاص الشعر.

(وخرقن الجيوب).

خرق الثوب _ كضرب _ أي شقّه. وجيب القميص ونحوه _ بالفتح _ : طوقه، والجمع: جيوب.

(وخرمن البطون).

في بعض النسخ بالحاء والصاد المهملتين على وزن التفعيل من الحرص _ بالكسر _ أي

ص: 111


1- . القاموس المحيط، ج 4، ص 188 هجم.
2- . الصحاح، ج 1، ص 94 ثوب.

جعلنها حريصة على الأكل والشرب، وهو كناية عن غاية الجوع والعطش. أو من الحرص _ بالفتح _ وهو الشقّ، يُقال: حرص القصّار الثوب _ كضرب _ أي أحرقه بالدّق. ولعلّ المراد حينئذٍ شقّ الثوب الملاصق للبطن وخرقه. ويحتمل أن يكون كناية أيضا عمّا ذكرناه من الجوع والعطش.

وفي بعض النسخ بالحاء المهملة والضاد المعجمة، ولعلّه من التحريض بمعنى الحثّ والترغيب، فحاله يرجع إلى التحريض. ويحتمل كونه من الحرض _ بالتحريك _ وهو الفساد في البدن وفي المذهب، والرجل المريض الفاسد. والحارض: المشرف على الهلاك، ومن لا خير عنده، أو لا يرجى خيره ولا يخاف شرّه، ومن أذابه العشق، أو الحزن، والساقط الذي لا يقدر على النهوض، والمُضنى مرضا وسقما. وحرض نفسه يحرضها، أي أفسدها. وحرض _ ككرم وفرح _ : طال همّه وسقمه. وأحرضه المرض: إذا أفسد بدنه وأشفى على الهلاك.

والحاصل أنّهنّ جهلن بطونهنّ حارضة بأحد من تلك المعاني من الحزن أو من الجوع.

وفي بعضها: «خرمن» بالخاء المعجمة والرّاء المهملة، وكأنّه من الخرم، من النقص، أو القطع.

وفي بعضها بالحاء المهملة والزاء المعجمة، يُقال: خرمت الشيء خرما: إذا شددته، ولعلّ المراد أنّهنّ شددن بطونهنّ وأوباطهنّ من الجوع كما هو المتعارف.

وقيل: أي كُنّ شددن بطونهنّ لئلاّ تبدو عوراتهن لشقّ الجيوب،(1) وهو بعيد.

وفي بعضها: «حرمن» بالمهملتين، أي منعنها من الطعام والشراب، يُقال: حرمه الشيء _ كضرب _ : إذا منعه إيّاه.

متن الحديث الثاني والخمسمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ وَغَيْرِهِ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ(2) صلى الله عليه و آله فِي غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ ، خَرَجَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ ،

ص: 112


1- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 437.
2- . في بعض نسخ الكافي: «النبي».

فَلَمَّا انْتَهى إِلَى الْمَكَانِ(1) الَّذِي أَحْرَمَ فِيهِ ، أَحْرَمُوا وَلَبِسُوا السِّلاَحَ ، فَلَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَدْ أَرْسَلُوا إِلَيْهِ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ لِيَرُدَّهُ ، قَالَ : ابْغُونِي رَجُلاً يَأْخُذُنِي عَلى غَيْرِ هذَا الطَّرِيقِ ، فَأُتِيَ بِرَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةَ أَوْ مِنْ جُهَيْنَةَ ، فَسَأَلَهُ فَلَمْ يُوَافِقْهُ ، فَقَالَ : ابْغُونِي رَجُلاً(2) غَيْرَهُ ، فَأُتِيَ بِرَجُلٍ آخَرَ ، إِمَّا مِنْ مُزَيْنَةَ وَإِمَّا مِنْ جُهَيْنَةَ» .

قَالَ : «فَذَكَرَ لَهُ فَأَخَذَهُ مَعَهُ حَتَّى انْتَهى إِلَى الْعَقَبَةِ ، فَقَالَ : مَنْ يَصْعَدْهَا حَطَّ اللّهُ عَنْهُ كَمَا حَطَّ اللّهُ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَقَالَ لَهُمُ : «ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّدا [...] نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ»(3)» .

قَالَ : «فَابْتَدَرَهَا خَيْلُ الْأَنْصَارِ : الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ» قَالَ(4) : «وَكَانُوا أَلْفا وَثَمَانَمِائَةٍ .

فَلَمَّا هَبَطُوا إِلَى الْحُدَيْبِيَةِ إِذَا امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنُهَا عَلَى الْقَلِيبِ ، فَسَعَى ابْنُهَا هَارِبا ، فَلَمَّا أَثْبَتَتْ أَنَّهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، صَرَخَتْ بِهِ هؤلاَءِ الصَّابِئُونَ : لَيْسَ عَلَيْكَ مِنْهُمْ بَأْسٌ ، فَأَتَاهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَأَمَرَهَا فَاسْتَقَتْ دَلْوا مِنْ مَاءٍ ، فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آلهفَشَرِبَ ، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ، فَأَخَذَتْ فَضْلَتَهُ فَأَعَادَتْهُ فِي الْبِئْرِ ، فَلَمْ تَبْرَحْ(5) حَتَّى السَّاعَةِ .

وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ أَبَانَ بْنَ سَعِيدٍ فِي الْخَيْلِ ، فَكَانَ بِإِزَائِهِ ، ثُمَّ أَرْسَلُوا الْحُبَيْشَ(6) ، فَرَأَى الْبُدْنَ وَهِيَ تَأْكُلُ(7) بَعْضُهَا أَوْبَارَ بَعْضٍ ، فَرَجَعَ وَلَمْ يَأْتِ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَقَالَ لِأَبِي سُفْيَانَ : يَا أَبَا سُفْيَانَ ، أَمَا وَ اللّهِ مَا عَلى هذَا حَالَفْنَاكُمْ عَلى أَنْ تَرُدُّوا الْهَدْيَ عَنْ مَحِلِّهِ .

فَقَالَ : اسْكُتْ ، فَإِنَّمَا أَنْتَ أَعْرَابِيٌّ ، فَقَالَ : أَمَا وَاللّهِ لَتُخَلِّيَنَّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَمَا أَرَادَ ، أَوْ لَأَنْفَرِدَنَّ فِي الْأَحَابِيشِ .

فَقَالَ : اسْكُتْ حَتّى نَأْخُذَ مِنْ مُحَمَّدٍ وَلْثا .(8)

فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ عُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ وَقَدْ كَانَ جَاءَ إِلى قُرَيْشٍ فِي الْقَوْمِ الَّذِينَ أَصَابَهُمُ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ كَانَ خَرَجَ مَعَهُمْ مِنَ الطَّائِفِ وَكَانُوا تُجَّارا ، فَقَتَلَهُمْ وَجَاءَ بِأَمْوَالِهِمْ إِلى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَأَبى رَسُولُ

ص: 113


1- . في بعض نسخ الكافي: «الموضع».
2- . في بعض نسخ الكافي: - «رجلاً».
3- .البقرة 2: 58.
4- . في بعض نسخ الكافي: + «قال».
5- . في بعض نسخ الكافي: «فلم يبرح». وفي بعضها: «فلم تنزح».
6- . هكذا في النسخة. وفي كلتا الطبعتين: «الحليس». وفي بعض نسخ الكافي وشرح المازندراني: «الجيش». وفي بعضها والوافي: «الخليس». وفي بعضها: «الحبش».
7- في بعض نسخ الكافي: «يأكل».
8- . في بعض نسخ الكافي: «وليا».

اللّهِ صلى الله عليه و آله أَنْ يَقْبَلَهَا ، وَقَالَ : هذَا غَدْرٌ وَلاَ حَاجَةَ لَنَا فِيهِ .

فَأَرْسَلُوا إِلى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ ، هذَا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ قَدْ أَتَاكُمْ وَهُوَ يُعَظِّمُ الْبُدْنَ ، قَالَ : فَأَقِيمُوهَا ، فَأَقَامُوهَا .

فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، مَجِيءَ مَنْ جِئْتَ؟

قَالَ : جِئْتُ أَطُوفُ بِالْبَيْتِ ، وَأَسْعى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، وَأَنْحَرُ هذِهِ الاْءِبِلَ ، وَأُخَلِّي عَنْكُمْ وَعَنْ(1) لُحْمَانِهَا .

قَالَ : لاَ ، وَاللاَّتِ وَالْعُزَّى ، فَمَا رَأَيْتُ مِثْلَكَ رُدَّ عَمَّا جِئْتَ لَهُ ، إِنَّ قَوْمَكَ يُذَكِّرُونَكَ اللّهَ وَالرَّحِمَ أَنْ تَدْخُلَ عَلَيْهِمْ بِلاَدَهُمْ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ ، وَأَنْ تَقْطَعَ أَرْحَامَهُمْ ، وَأَنْ تُجَرِّيَ عَلَيْهِمْ عَدُوَّهُمْ .

فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مَا أَنَا بِفَاعِلٍ حَتّى أَدْخُلَهَا» .

قَالَ : «وَكَانَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ حِينَ كَلَّمَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله تَنَاوَلَ لِحْيَتَهُ وَالْمُغِيرَةُ قَائِمٌ عَلى رَأْسِهِ ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ .

فَقَالَ : مَنْ هذَا يَا مُحَمَّدُ؟

فَقَالَ : هذَا ابْنُ أَخِيكَ الْمُغِيرَةُ .

فَقَالَ : يَا غُدَرُ ، وَاللّهِ مَا جِئْتَ إِلاَّ فِي غَسْلِ سَلْحَتِكَ .

قَالَ : فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ ، فَقَالَ لِأَبِي سُفْيَانَ وَأَصْحَابِهِ : لاَ وَاللّهِ ، مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مُحَمَّدٍ ، رُدَّ عَمَّا جَاءَ لَهُ ، فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو وَحُوَيْطِبَ بْنَ عَبْدِ الْعُزّى ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَأُثِيرَتْ فِي وُجُوهِهِمُ الْبُدْنُ، فَقَالاَ : مَجِيءَ مَنْ جِئْتَ؟

قَالَ : جِئْتُ لِأَطُوفَ بِالْبَيْتِ ، وَأَسْعى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، وَأَنْحَرَ الْبُدْنَ ، وَأُخَلِّيَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ لُحْمَانِهَا .

فَقَالاَ : إِنَّ قَوْمَكَ يُنَاشِدُونَكَ اللّهَ وَالرَّحِمَ أَنْ تَدْخُلَ عَلَيْهِمْ بِلاَدَهُمْ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ ، وَتَقْطَعَ أَرْحَامَهُمْ ، وَتُجَرِّيَ عَلَيْهِمْ عَدُوَّهُمْ» .

قَالَ : «فَأَبى عَلَيْهِمَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إِلاَّ أَنْ يَدْخُلَهَا .

وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أَرَادَ أَنْ يَبْعَثَ عُمَرَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللّهِ ، إِنَّ عَشِيرَتِي قَلِيلٌ ، وَإِنِّي فِيهِمْ

ص: 114


1- .هكذا في النسخة وكثير من نسخ الكافي والوافي. وفي كلتا الطبعتين: «عن» بدون الواو.

عَلى مَا تَعْلَمُ ، وَلكِنِّي أَدُلُّكَ عَلى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ .

فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقَالَ : انْطَلِقْ إِلى قَوْمِكَ مِنَ الْمُؤمِنِينَ ، فَبَشِّرْهُمْ بِمَا وَعَدَنِي رَبِّي مِنْ فَتْحِ مَكَّةَ ، فَلَمَّا انْطَلَقَ عُثْمَانُ لَقِيَ أَبَانَ بْنَ سَعِيدٍ ، فَتَأَخَّرَ عَنِ السَّرْجِ(1) ، فَحَمَلَ عُثْمَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَدَخَلَ عُثْمَانُ فَأَعْلَمَهُمْ ، وَكَانَتِ الْمُنَاوَشَةُ ، فَجَلَسَ سُهَيْلُ

بْنُ عَمْرٍو عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله، وَجَلَسَ عُثْمَانُ فِي عَسْكَرِ الْمُشْرِكِينَ، وَبَايَعَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آلهالْمُسْلِمِينَ ، وَضَرَبَ بِإِحْدى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرى لِعُثْمَانَ ، وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ : طُوبى لِعُثْمَانَ قَدْ طَافَ بِالْبَيْتِ ، وَسَعى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، وَأَحَلَّ ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مَا كَانَ لِيَفْعَلَ ، فَلَمَّا جَاءَ عُثْمَانُ ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أَطُفْتَ بِالْبَيْتِ؟ فَقَالَ : مَا كُنْتُ لِأَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَمْ يَطُفْ بِهِ ، ثُمَّ ذَكَرَ الْقِصَّةَ وَمَا كَانَ فِيهَا .

فَقَالَ لِعَلِيٍّ عليه السلام : اكْتُبْ : بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ .

فَقَالَ سُهَيْلٌ : مَا أَدْرِي مَا الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ إِلاَّ أَنِّي أَظُنُّ هذَا الَّذِي بِالْيَمَامَةِ ، وَلكِنِ اكْتُبْ كَمَا نَكْتُبُ : بِاسْمِكَ اللّهُمَّ .

قَالَ ، وَاكْتُبْ : هذَا مَا قَاضى(2) رَسُولُ اللّهِ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو .

فَقَالَ سُهَيْلٌ : فَعَلى مَا نُقَاتِلُكَ يَا مُحَمَّدُ؟!

فَقَالَ : أَنَا رَسُولُ اللّهِ وَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ .

فَقَالَ النَّاسُ : أَنْتَ رَسُولُ اللّهِ .

قَالَ : اكْتُبْ ، فَكَتَبَ: هذَا مَا قَاضى عَلَيْهِ(3) مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ . فَقَالَ النَّاسُ : أَنْتَ رَسُولُ اللّهِ .

وَكَانَ فِي الْقِصَّةِ(4) أَنَّ مَنْ كَانَ مِنَّا أَتى إِلَيْكُمْ رَدَدْتُمُوهُ إِلَيْنَا وَرَسُولُ اللّهِ غَيْرُ مُسْتَكْرِهٍ عَنْ دِينِهِ ، وَمَنْ جَاءَ إِلَيْنَا مِنْكُمْ لَمْ نَرُدَّهُ إِلَيْكُمْ .

فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : لاَ حَاجَةَ لَنَا فِيهِمْ ، وَعَلى أَنْ يُعْبَدَ اللّهُ فِيكُمْ عَلاَنِيَةً غَيْرَ سِرٍّ وَإِنْ كَانُوا لَيَتَهَادَوْنَ السُّيُورَ فِي الْمَدِينَةِ إِلى مَكَّةَ ، وَمَا كَانَتْ قَضِيَّةٌ أَعْظَمُ بَرَكَةً مِنْهَا ، لَقَدْ كَادَ أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلى أَهْلِ مَكَّةَ الاْءِسْلاَمُ ، فَضَرَبَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلى أَبِي جَنْدَلٍ ابْنِهِ ، فَقَالَ : أَوَّلُ مَا قَاضَيْنَا عَلَيْهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : وَهَلْ قَاضَيْتُ عَلى شَيْءٍ؟ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، مَا كُنْتَ بِغَدَّارٍ .

ص: 115


1- . هكذا في النسخة وأكثر نسخ الكافي ومرآة العقول وشرح المازندراني. وفي كلتا الطبعتين: «السرح» بالحاء المهملة.
2- . هكذا في النسخة وأكثر نسخ الكافي والوافي. وفي كلتا الطبعتين: + «عليه».
3- .في بعض نسخ الكافي: - «عليه».
4- . في كلتا الطبعتين: «القضيّة».

قَالَ : فَذَهَبَ بِأَبِي جَنْدَلٍ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللّهِ تَدْفَعُنِي إِلَيْهِ؟ قَالَ : وَلَمْ أَشْتَرِطْ لَكَ ، قَالَ : وَقَالَ : اللّهُمَّ اجْعَلْ لِأَبِي جَنْدَلٍ مَخْرَجا» .

شرح

السند حسن.

قوله: (في غزوة الحديبيّة) بضمّ الحاء وفتح الدال.

قال الجزري: «فيه: ذكر الحديبيّة [كثيرا] وهي قرية قريبة من مكّة سمّيت باسم بئر هناك(1)، وهي مخفّفة، وكثير من المحدِّثين يشدّدونها»(2) انتهى.

وقيل: كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله محرما بعمرة فصدّه المشركون، فصالحهم، ورجع ولم يدخل مكّة في ذلك العام، ودخلها في العام المقبل، وإنّما سمّيت هذه الرحلة غزوة مع أنّها كانت للعمرة لا للغزاء؛ لأنّها كانت في صورة الغزوة أو لقصدها على تقدير منع المشركين وعدم وقوع الصلح.(3)

(خرج في ذي القعدة) إلى قوله: (ولبسوا السلاح).

وذلك في سنة ستّ من الهجرة. وقيل: اتّفق ذلك في يوم الاثنين غرّة هذا الشهر، وساق معه الهدي، وأحرم بالعمرة من ذي الحليفة _ كما قيل _ ليأمن الناس من حربه، وليعلموا أنّه خرج زائرا.(4)

(قال: أبغوني رجلاً).

قال الفيروزآبادي: «بغيته أبغيه بُغاء وبُغا وبُغيَةً _ بضمّهنّ _ وبغيته بالكسر: طلبته، كابتغيته. وأبغاه الشيء: طلبه [له] كبغاه إيّاه كرماه، أو أعانه على طلبه».(5)

وقال الجزري: «يُقال: أبغني كذا _ بهمزة الوصل _ أي اطلب لي، وابغني _ بهمزة القطع _ أي أعنّي على الطلب».(6)

ص: 116


1- . في المصدر: «فيها».
2- . النهاية، ج 1، ص 349 حدب.
3- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 452 مع اختلاف في اللفظ.
4- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 452.
5- . القاموس المحيط، ج 4، ص 304 بغى مع التلخيص.
6- . النهاية، ج 1، ص 143 بغي.

(يأخذني على غير هذا الطريق) أي يدلّني على غير الطريق الذي كنت أردت سلوكه، ولعلّ غرضه صلى الله عليه و آله من هذا أن لا يصادفه خالد.

(فاُتي برجلٍ من مزينة أو من جُهينة).

لعلّ الترديد من الراوي. و«مزينة» بضمّ الميم وفتح الزاء: قبيلة من مضر. و«جهينة» بالضمّ أيضا: اسم قبيلة.

(قال) أبو عبد اللّه عليه السلام: (فذكر له) أي ذكر ذلك الرجل لرسول اللّه صلى الله عليه و آله.

(فأخذه معه) وسارَ به (حتّى انتهى إلى العقبة) التي كانت هناك، والعقبة _ بالتحريك _ : مرقى صعب في الجبال.

(فقال: من يصعدها) أي العقبة.

(حطّ اللّه عنه) أي وضع ومحى عنه ذنوبه.

(كما حطَّ اللّه عن بني إسرائيل) أي عن طائفة منهم.

(فقال لهم: «ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ»).

قال اللّه عزّ وجلّ: «وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ» يعني بيت المقدس. وقيل: أريحا، اُمروا به بعد التيه.(1) «فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدا وَادْخُلُوا الْبَابَ». قيل: أي باب القرية أو القبّة التي كانوا يصلّون إليها، فإنّهم لم يدخلوا بيت المقدس في حياة موسى عليه السلام.

«سُجَّدا»: متطامنين مخبتين، أو ساجدين للّه شكرا على إخراجكم من التيه.

«وَقُولُوا حِطَّةٌ» أي مسألتنا أو أمرك حطّة، وهي فعلة من الحطّ، كالجلسة.

وقيل: هي اسم من استحطّني وزره، أي سألني أن أحطّ عنه. وقيل: معناه: أمرنا حطّة، أي أن نحطّ في هذه القرية ونُقيم بها.(2)

«نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ» بسجودكم ودعائكم.

(فابتدرها) أي عاجل وأسرع إلى تلك العقبة.

(خيل) من (الأنصار).

الخيل _ بالفتح _ : الفرسان.

ص: 117


1- . نقله البيضاوي في تفسيره، ج 1، ص 327 بعنوان «قيل».
2- .اُنظر: تفسير البيضاوي، ج 1، ص 328.

وقوله: (الأوس والخزرج) بدل من الأنصار، أو من الخيل.

(قال: وكانوا ألفا وثمانمائة).

قال بعض العامّة: كانوا ألفا وأربعمائة.(1) وفي بعض رواياتهم: ألف وخمسمائة.(2) وفي بعضها: ألف وثلاثمائة.(3)

(فلمّا هبطوا إلى الحديبيّة إذا امرأة معها ابنها على القليب).

في القاموس: «القليب: البئر، أو العادية القديمة منها ويؤنّث».(4)

(فسعى ابنها) أي عدا وأسرع في المشي.

(هاربا) خوفا وفَرَقا.

(فلمّا أثبتت أنّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله) أي عرفته حقّ المعرفة.

(صرخت به) أي صاحت بابنها.

(هؤلاء الصابئون).

قال الجوهري في باب المهموز:

صبأ الرجل صبوء: إذا خرج من دين إلى دين. قال أبو عبيدة: صبأ من دينه إلى دينٍ آخر كما تصبأ النجوم، أي تخرج من مطالعها. وصبأ أيضا: إذا صار صابئا. والصّابئون جنس من أهل الكتاب.(5)

وقال الجزري: «وكانت العرب تسمّي النبيّ صلى الله عليه و آله الصابي؛ لأنّه خرج من دين قريش إلى دين الإسلام».(6)

(ليس عليك منهم بأس) فلا تخف ولا تهرب.

(فأتاها رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فأمرها فاستقت دلوا من ماء).

ضمير التأنيث في الموضعين عائد إلى المرأة، ويحتمل عود الأوّل إلى القليب. وإرجاعه إلى الحديبيّة بعيد.

ص: 118


1- حكي عن جابر بن عبد اللّه . اُنظر: صحيح البخاري، ج 5، ص 63؛ وج 6، ص 45؛ صحيح مسلم، ج 6، ص 25 و 26.
2- . اُنظر: سنن أبي داود، ج 1، ص 622، ح 2736؛ سنن الدارقطني، ج 4، ص 60، ح 4134.
3- . اُنظر: السنن الكبرى للبيهقي، ج 5، ص 235؛ كنز العمّال، ج 10، ص 480، ح 30150.
4- . القاموس المحيط، ج 1، ص 119 قلب.
5- . الصحاح، ج 1، ص 59 صبأ.
6- .النهاية، ج 3، ص 3 صبأ.

(فأخذت فضلته فأعادته في البئر) أي أخذت تلك المرأة فضلة ذلك الماء، أو فضلة الغسل والشرب، فأعادت تلك الفضلة في البئر. وتذكير الضمير باعتبار الماء.

(فلم تبرح حتّى الساعة) أي لم يزل الماء من تلك البئر إلى الآن.

وفي كتب السِّير: أنّه صلى الله عليه و آلهلمّا نزل بالحديبيّة أخرج سهما من كنانته، فأعطاه رجلاً من أصحابه، فنزل في قليب من تلك القُلُب، فغرزه في جوفه، فجاش الماء بالريّ حتّى ضرب الناس فيه بعطن، وكان اسم الذي أخذ السهم ناجية بن عمر وسائق بُدن النبيّ صلى الله عليه و آله.(1)

وذكر بعضهم أنّ جريان الماء بين أصابعه صلى الله عليه و آله أيضا كان في تلك الغزوة.(2)

(وخرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله) من الحديبيّة (فأرسل إليه المشركون أبان بن سعيد في الخيل) أي مع فرسانهم وعسكرهم.

(فكان بإزائه) محلّ، المراد أنّه كان بإزاء النبيّ صلى الله عليه و آلهومقابلته ليمنعه من الوصول إلى مكّة.

وقيل: معناه: أنّه أتى حتّى قام بحذاء النبيّ صلى الله عليه و آله. أو المراد: أنّه كان قائد عسكر المشركين، كما أنّه صلى الله عليه و آله كان قائد عسكر المسلمين.(3)

(ثمّ أرسلوا الحُبَيش) مصغّر حبش، وهو الحبيش بن علقمة الكناني سيّد الأحابيش.

وفي بعض النسخ: «الحبش». وفي بعضها: «الحليس» بالحاء المهملة. وفي بعضها بالخاء المعجمة. وفي بعضها: «جليس» بالجيم. وهذا الأخير موافق لكتب السِّير.

والغرض من إرساله إلى المسلمين ليعلم حالهم واستعدادهم، وأنّهم هل جاؤوا محاربين، أو زائرين؟

(فرأى البُدن).

في القاموس: «البدنة _ محرّكة _ من الإبل والبقر كالأضحية من الغنم، تُهدى إلى مكّة، للذكر والاُنثى. الجمع: ككتب».(4)

ص: 119


1- . راجع: السيرة النبويّة لابن هشام، ج 3، ص 776؛ الكامل في التاريخ، ج 2، ص 200 و 201؛ السيرة النبويّة لابن كثير، ج 3، ص 314.
2- . حكي عن جابر بن عبد اللّه . اُنظر: مسند أحمد، ج 3، ص 353؛ دلائل النبوّة، ج 3، ص 1057.
3- . القائل هو العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 440.
4- . القاموس المحيط، ج 4، ص 201 بدن.

وقال الجوهري: «جمع البدنة: بدن بالضمّ وبضمّتين».(1)

(وهي تأكل بعضها أوبار بعض).

الوبر _ محرّكة _ : صوف الإبل والأرنب ونحوهما، وجمعه: أوبار. ولعلّه كناية عن عضّ بعضها ظهر بعض، ويكون المقصود تجرّدها عن القتب والجهاز ونحوهما، وهو علامة الهدي؛ لأنّ الإبل تُساق كذلك إذا كانت للهدي.

والحاصل: أنّه لمّا رأى البُدن في البادية كذلك علم أنّها هدي، وأنّ النبيّ صلى الله عليه و آلهجاء زائرا ناسكا ولا يريد القتال.

(فرجع) قبل الوصول.

(ولم يأت رسول اللّه صلى الله عليه و آله) إلى قوله: (ما على هذا حالفناكم).

يُقال: حالفه إذا عاهده، ولازمه.

وقوله: (على أن تردّوا الهدي عن محلّه) بدل من قوله: «على هذا» وبيان للمشار إليه.

وغرضه: أنّا عاهدناكم على أن نردّ عنكم عدوّكم المحارب؛ لأنّ الناسك والزائر للبيت.

وقيل: إنّما قال ذلك؛ لأنّ المشركين كانوا يعظّمون البيت والزائرين له، وكان الصدّ والمنع من بلوغ الهدي محلّه مستقبحا عندهم.(2)

(فقال) يعني أبا سفيان: (اسكت، فإنّما أنت أعرابي).

قال الجوهري:

العرب: جيلٌ من الناس، والنسبة إليه عربيّ. والأعراب منهم: سكّان البادية خاصّة. والنسبة إلى الأعراب أعرابي؛ لأنّه لا واحد له، وليس الأعراب جمعا لعرب، كما كان الأنباط جمعا لنِبَطٍ، وإنّما العرب اسم جنس.(3)

أقول: غرض أبي سفيان من هذا الكلام أنّه لا علم للمخاطب بالخيل ودفع العدوّ وتدبير القتال كما هو شأن الأعراب.

(فقال) يعني الحبيش لأبي سفيان.

(أما واللّه لتخلّينّ عن محمّد وما أراد) من دخول مكّة، وإيقاع المناسك.

ص: 120


1- . الصحاح، ج 5، ص 2077 بدن.
2- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 453.
3- . الصحاح، ج 1، ص 178 عرب مع التلخيص.

(أو لأنفردنّ في الأحابيش) أي أعتزل عنكم معهم، وأمنعهم عن معاونتكم.

قال الفيروزآبادي:

حبشي _ بالضمّ _ : جَبَلٌ بأسفل مكّة، ومنه أحابيش قريش؛ لأنّهم تحالفوا باللّه أنّهم لَيَدٌ على غيرهم ما يسجى ليل ووضح نهار، وما رسى حُبَيش.(1)

وقال صاحب النهاية:

الأحابيش: أحياء [من القارة] انضمّوا إلى بني ليث في محاربتهم قريشا. والتحبّش: التجمّع. وقيل: حالفوا قريشا تحت جبل يسمّى حبشيّا فسمّوا بذلك.(2)

(فقال) أبو سفيان: (اسكت حتّى نأخذ من محمّد ولثا).

قال الجوهري: «الولث: العهد من القوم يقع من غير قصد، أو يكون غير مؤكّد. يُقال: وَلَثَ له عَقْدا».(3)

(فأرسلوا إليه عروة بن مسعود) يعني أرسله مشركي مكّة إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله.

وقال بعض الشارحين: الغرض من قوله عليه السلام: (وقد كان جاء إلى قريش) إلى قوله: (ولا حاجة لنا فيه) بيان سبب انضمام عروة بن مسعود إلى قريش، وحاصله: أنّ قوما من التجّار _ وفيهم عروة _ خرجوا من الطائف، وخرج معهم المغيرة بن شعبة، فقتلهم غيلةً، وهرب عروة إلى قريش وكان بينهم.(4)

أقول: هذا غلط صريح وخطأ فاحش، بل هو تمهيد لما سيذكر بعدُ من قوله: «واللّه ما جئت إلاّ في غسل سلحتك».

وملخّص هذه القصّة على ما نقل عن الواقدي: أنّه ذهب مع ثلاثة عشر رجلاً عن بني مالك إلى مقوقس ملك إسكندريّة، وفضّل مقوقس بني مالك على المغيرة في العطاء، فلمّا رجعوا وكانوا في الطريق شرب بنو ملك خمرا وسكروا، فقتلهم المغيرة حسدا، وأخذ أموالهم، وأتى النبيّ صلى الله عليه و آله وأسلم، فقبل عليه السلام إسلامه، ولم يقبل من ماله شيئا، ولم يأخذ منه الخُمس لغدره، فلمّا بلغ ذلك أبا سفيان أخبر عروة بذلك، فأتى عروة رئيس بني مالك _

ص: 121


1- . القاموس المحيط، ج 2، ص 261 حبش.
2- . النهاية، ج 1، ص 330 حبش.
3- . الصحاح، ج 1، ص 296 ولث.
4- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 451 مع اختلاف في اللفظ.

وهو مسعود بن عمرة _ فكلّمه في أن يرضى بالدية، فلم يرض بنو مالك بذلك، وطلبوا القصاص من عشائر المغيرة، واشتعلت بينهم نائرة الحرب، فأطفأها عروة بلطائف حيله، وضمن دية الجماعة من ماله.(1)

فنقول: قوله: «جاء إلى قريش» يعني عروة، وكلمة «في» في قوله: «في القوم» تعليليّة، أي جاء لأن يتكلّم ويشفع في أمر المقتولين الذين أصابهم وقتلهم المغيرة.

وقوله: (كان خرج) أي المغيرة، وضمير الجمع في «معهم» وما بعده راجع إلى القوم، والمستتر في «قتلهم» إلى المغيرة.

وقوله عليه السلام: (فأرسلوا إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله) تكرار لما سبق لتحقّق الربط بعد التوسيط بالقصّة المذكورة.

(فقالوا) أي جماعة من الصحابة.

(هذا عروة بن مسعود قد أتاكم وهو) أي عروة.

(يعظّم البدن) ويعلم مكانها، ولا يرضى بردّ من جاء بها.

(قال) يعني رسول اللّه صلى الله عليه و آله.

(فأقيموها) أي البدن.

(فأقاموها).

قيل: لعلّ الغرض من إقامتها أن يعلم أنّها هدي، وأنّه صلى الله عليه و آله جاء زائرا، لا محاربا، فيخبر قومه إذا رجع.(2)

(واُخلّي عنكم وعن لحمانها) يعني أتركها لكم وأرجع. واللُّحمان _ بالضمّ _ : جمع اللّحم كاللّحوم.

(قال: لا، واللاّت والعزّى).

كلمة «لا» مزيدة لتأكيد القسم. قال الفيروزآبادي: «اللاّت _ مشدّدة [التاء] _ : صنم، وقرأ بها ابن عبّاس وعكرمة وجماعة، سمّى بالذي كان يلت عنده السويق بالسمن، ثمّ خفّف».(3)

ص: 122


1- .نقل عنه العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 441 مع اختلاف يسير في اللفظ.
2- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 453.
3- . القاموس المحيط، ج 1، ص 156 لتت.

وقال: «العزّى: صنم، أو سمرة عبدتها غطفان».(1)

(فما رأيت مثلك ردّ) على صفة المجهول.

(عمّا جئت له).

مراده بالمثل مريد النسك وسائق الهدي.

وقيل: قال هذا على سبيل التعجّب، أي كيف يكون مثلك في الشرافة وعظم الشأن مردودا عن مثل هذا المقصد الذي لا يصلح أن يردّ عنه أحد.(2)

والحاصل: أنّك في جلالتك ينبغي أن لا تردّ عن أيّ مقصد قصدته ومقصدك في الخيريّة بحيث لا ينبغي أن يمنع عنه أحد، ومع اجتماعهما يريد قومك أن يصدّوك عن ذلك.

(إنّ قومك يذكّرونك اللّه والرحم) بالنصب عطف على اللّه .

و«يذكّرونك» من التذكير، أي ينشدونك باللّه ، ويقسمونك به وبالرّحم أن تتجنّب عن اُمور ولا ترتكبها، وهي: (أن تدخل عليهم بلادهم بغير إذنهم، وأن تقطع أرحامهم، و[أن] تجرّي عليهم عدوّهم).

يقال: جرّأته عليه تجرئة، أي شجّعته عليه، وأغريته به. وكلّ سائق من الاُمور الثلاث علّة للاحقه؛ لأنّ الدخول عليهم عنفا سبب لقطع الرحم، وهما سببان لجرأة سائر الأعداء عليهم.

وقيل: يحتمل أن يكون «تجرى [بالياء] من الإجراء، وأن يُراد بالعدوّ من كان معه صلى الله عليه و آله من أهل الإسلام.(3)

(فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: ما أنا بفاعل حتّى أدخلها) أي لا أفعل شيئا سوى الدخول؛ يعني لابدّ من ذلك بحيث لا يقع نقيضه، فالحصر إضافي.

(قال) أبو عبد اللّه عليه السلام: (وكان عروة بن مسعود حين كلّم رسول اللّه صلى الله عليه و آله) أي حدّثه، (تناول لحيته) أي لحية رسول اللّه صلى الله عليه و آله.

قيل: كانت عادتهم ذلك فيما بينهم عند مكالمتهم، ولجهله بشأنه صلى الله عليه و آله وعدم إيمانه لم

ص: 123


1- . القاموس المحيط، ج 2، ص 182 عزز مع التلخيص.
2- . القائل هو العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 442.
3- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 453.

يعرف أنّ ذلك لا يليق بجنابه صلى الله عليه و آله.(1)

قال شارح صحيح مسلم:

إنّ المشركين بعثوا عروة بن مسعود الثقفي إليه صلى الله عليه و آله، فلمّا جلس بين يديه قال: يا محمّد، أجمعت أوباش الناس وجئت إلى بيضتك لتفتضّها بهم _ إلى قال: _ ثمّ جعل عروة يتناول لحية رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو يكلّمه، والمغيرة بن شعبة واقف على رسول اللّه صلى الله عليه و آله في الحديد، وجعل يقرع يده إذا فعل ذلك ويقول: كفّ يدك عن وجه رسول اللّه صلى الله عليه و آله، انتهى.(2)

أقول: يظهر من هذا ما ذكرناه من إرجاع الضمير في «لحيته» إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله، وكذا الضمير البارز في قوله: (والمغيرة قائم على رأسه)، وأنّ المستتر في قوله: (فضرب) راجع إلى المغيرة، والبارز في (بيده) إلى عروة.

(فقال) أي عروة.

(من هذا) الذي ضرب بيدي (يا محمّد؟ فقال) رسول اللّه صلى الله عليه و آله: (هذا ابن أخيك المغيرة).

(فقال) عروة للمغيرة: (يا غُدر) بضمّ الغين المعجمة وفتح الدال المهملة.

قال الجوهري:

الغَدر: ترك الوفاء، وقد غدر به فهو غادر و غُدر، وأكثر ما يستعمل هذا في النداء بالشتم، يُقال: يا غُدر. وفي الحديث: «يا غدر، ألست أسعى في غدرتك؟».(3)

قال الجزري:

في حديث الحديبيّة: قال عروة بن مسعود للمغيرة: يا غُدَر، هل غسلت غدرتك إلاّ بالأمس. غُدَر معدول عن غادر للمبالغة، يُقال للذكر: غدر، وللاُنثى: غدار _ كقطام _ وهما مختصّان بالنداء في الغالب.(4)

(واللّه ما جئت إلاّ في غسل سلحتك).

السلح _ بالفتح _ : التغوّط. والسُّلاح _ بالضمّ _ : النجو. وجمعه: سِلحة _ بالكسر _ كغُلام وغِلمة.

ص: 124


1- .قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 442.
2- . نقله المحقّق المازندراني رحمه الله عنه في شرحه، ج 12، ص 454.
3- . الصحاح، ج 2، ص 766 غدر.
4- . النهاية، ج 3، ص 345 غدر.

والظاهر أنّ كلمة «في» للتعليل، وأنّ قوله: «ما جئت» بصيغة المتكلِّم، أي جئت الآن. أو قيل ذلك عند إطفاء نائرة الفتنة لإصلاح فسادك ودفع جرائمك، ويحتمل كونه بصيغة الخطاب، أي لم يكن مجيئك إلى النبيّ صلى الله عليه و آله وتوسّلك به للإسلام، بل للهرب ممّا صنعت من الجناية، وأتيت به من الجناية.

(قال) أبو عبد اللّه عليه السلام: (فرجع) عروة (إليهم) أي إلى المشركين.

(فاُثيرت في وجوههم البدن).

اُثيرت _ بالثاء المثلّثة _ من الإثارة، وهي التهييج، والإزعاج، والإنهاض. و«في» بمعنى «إلى»، أو للظرفيّة مجازا.

(إنّ قومك يناشدونك اللّه والرحم) إلى قوله: (وتجرّي عليهم عدوّهم).

يُقال: ناشده مناشدة ونشادا، أي حلفه؛ يعني أنّهم يسألونك ويقسمون عليك باللّه وبالرحم وبالقرابة التي بينك وبينهم في ترك تلك الاُمور وعدم ارتكابها.

وقوله: (إنّي فيهم على ما تعلم) من الحقارة والدناء والمذلّة، وقد مرّ في حديث نفيل والخطّاب نسبه وحسبه.

قال الجزري: «فيه: كان عمر في الجاهليّة مبرطشا، وهو الساعي بين البايع والمشتري شبه الدلاّل. ويروى بالسين المهملة بمعناه».(1)

وفي القاموس: «المبرطس: الذي يكتري للناس الإبل والحمير ويأخذ عليه جعلاً».(2)

وقوله: (لقى أبان بن سعيد)؛ هو أبان بن سعيد بن العاص بن اُميّة بن عبد شمس الأموي.

(فتأخّر عن السّرج) أي تأخّر أبان عن سرج دابّته، وأركب عثمان وركب خلفه تعظيما له ورعايةً لحقّ القرابة.

(وكانت المناوشة).

قال الجزري: «المناوشة في القتال: تداني الفريقين وأخذ بعضهم بعضا».(3)

وقال الجوهري: «ناوشه: أخذ برأسه ولحيته، ومنه المناوشة في القتال»(4)؛ أي كان

ص: 125


1- . النهاية، ج 1، ص 119 برطش.
2- . القاموس المحيط، ج 2، ص 200 برطس.
3- . النهاية، ج 5، ص 128 نوش.
4- . الصحاح، ج 3، ص 1024 نوش مع التلخيص.

المشركين والمسلمون حينئذٍ في تهيئة القتال والجدال، ووقع بينهم محاربة كما نقل.

(وبايع رسول اللّه صلى الله عليه و آله المسلمين).

قيل: هذه البيعة يسمّونها بيعة الرضوان وبيعة تحت الشجرة، وحكى بعض العامّة أنّ سبب هذه البيعة أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قصد مكّة ليعتمر، فصدّه المشركون، ولمّا نزل الحديبيّة وهي على عشرة أميال من مكّة، وظهر صدّ المشركين، أرسل إليهم خِداش الخزاعي يعلمهم أنّه لا يريد الحرب، وإنّما جاء معتمرا، فعقروا به الجمل وأرادوا قتله، فمنعه الأحابيش، فبلغ ذلك النبيّ صلى الله عليه و آله، فأراد أن يبعث عمر فقال: يا رسول اللّه ، قد علمت فظاظتي على قريش وهم يبغضونني، وليس بمكّة من بني عدي [بن] كعب من يمنعني، ولكن ابعث عثمان. فبعثه فلقيه أبان بن عثمان بن العاص، فنزل عن دابّته وحمله عليها، وأجاه حتّى أتى قريشا فأخبرهم، فقالوا: يا عثمان، إن أردت أن تطوف بالبيت فطف، وأمّا دخولكم علينا فلا سبيل إليه، فقال: ما كنت لأطوف حتّى يطوف رسول اللّه صلى الله عليه و آله، وصرخ صارخٌ في عسكر رسول اللّه صلى الله عليه و آله: قُتل عثمان، فقال المسلمون: إن يكن حقّا فلا نبرح حتّى نلقى القوم، فدعا رسول اللّه صلى الله عليه و آلهإلى البيعة، ونادى مناديه: البيعة البيعة، نزل روح القدس. فما تخلّف عن البيعة إلاّ [ابن] قيس الأنصاري المنافق، جعل رسول اللّه صلى الله عليه و آله يده وقال: «هذه يد عثمان، وهي خير من يد عثمان» فبايعوا على السمع والطاعة والصبر وعدم الفرار وعلى أن لا ينازعوا الأمر أهله.(1)

(وضرب بإحدى يديه على الاُخرى لعثمان).

قيل: فعل هذا ليتأكّد عليه الحجّة والعهد والميثاق، فيستوجب بنكثه أشدّ العذاب، كما قال تعالى فيه وفي أخويه وأضرابهم: «فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ»(2)،(3) فتأمّل.

(ثمّ ذكر القصّة وما كان فيها).

في القاموس: «القِصّة _ بالكسر _ : الأمر، والذي يكتب.(4) الجمع: كعنب».(5)

ص: 126


1- . القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 454 و 455 مع اختلاف يسير في اللفظ. وراجع أيضا: المحرّر الوجيز، ج 5، ص 133؛ البحر المحيط، ج 8، ص 95.
2- . الفتح 48: 10.
3- . القائل هو العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 444.
4- . في المصدر: «والتي تكتب».
5- . القاموس المحيط، ج 2، ص 313 قصص.

وقال الجوهري: «القِصة: الأمر، والحديث»،(1) رواه على وجهه؛ يعني ذكر عثمان ما جرى بينه وبين قريش من حبسه ومنعه عن الرجوع، أو من طلبهم الصلح، أو إصرارهم على المنع من دخوله صلى الله عليه و آله مكّة.

وقيل: قوله: «ثمّ ذكر» كلام الراوي، أي ثمّ ذكر الصادق عليه السلام القصّة وما جرى فيها، وترك الراوي، ذكرها اختصارا».(2)

(إلاّ أنّي أظنّ) أي الرحمان الرحيم.

(هذا الذي باليمامة).

أراد مسيلمة الكذّاب، وكان أهل اليمامة يسمّونه رحمان اليمامة. قال الجوهري:

اليمامة: اسم جارية زرقاء، كانت تبصر الراكب من مسيرة ثلاثة أيّام. واليمامة: بلاد، وكان اسمها الجوّ، فسمّيت باسم تلك الجارية لكثرة ما اُضيف إليها. وقيل: جوّ اليمامة.(3)

(ولكن اكتب كما نكتب).

في بعض النسخ: «يكتب» بالياء.

(باسمك اللَّهُمَّ).

نقل عن كتاب إكمال الدِّين(4) عن السهيلي أنّه قال: باسم اللَّهُمَّ، كانت قريش تقولها، وأوّل من قالها اُميّة بن أبي الصلت، ومنه تعلّموها وتعلّمها، هو رجلٌ من الجنّ في خبرٍ طويلٌ ذكره.

(هذا ما قاضى رسول اللّه صلى الله عليه و آله سهيل بن عمرو).

والقضاء: الحكم، والفصل.

قال في المصباح: «قاضيته: حاكمته. وقاضيته على مال: صالحته عليه».(5)

وقيل: هذا يدلّ على أنّه يجوز في الصلح الاختصار بالاسم أو اللقب المختصّ، خلافا

ص: 127


1- . الصحاح، ج 3، ص 1051 قصص.
2- . نقله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 444 بعنوان «قيل».
3- . الصحاح، ج 5، ص 2065 يمم مع التلخيص.
4- . كذا. والظاهر: «إكمال الإكمال». اُنظر: شرح المازندراني، ج 12، ص 455.
5- . المصباح المنير، ص 507 قضي.

لبعض العامّة؛ فإنّه قال: لابدّ فيه من ذكر أربعة أسماء: اسمه، واسم أبيه، وجدّه، وكنيته.(1)

(فقال سهيل: فعلى ما نقاتلك يا محمّد).

كلمة «ما» للاستفهام؛ يعني: ما قبلنا أنّك رسول اللّه ، وما اعترفنا به، ولو كنّا قبلنا ذلك ما نقاتلك.

(فقال) رسول اللّه صلى الله عليه و آله: (أنا رسول اللّه وأنا محمّد بن عبد اللّه ، فقال الناس) أي المسلمون تصديقا له صلى الله عليه و آله: (أنت رسول اللّه ).

(قال) رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعليّ عليه السلام: (اكتب، فكتب: هذا ما قاضى عليه محمّد بن عبد اللّه ).

روي أنّه صلى الله عليه و آله قال: «يا عليّ، امحُ لفظ الرسول واثبت مكانه: ابن عبد اللّه ». فقال عليّ عليه السلام: «لا يساعدني يدي على محو صفة الرسالة عن اسمك» فقال: «ضع يدي على تلك الكلمة فوضعها عليها فمحاها». ثمّ قال: «يا عليّ، سيكون لك أيضا مثل هذا» وهو إشارة إلى ما وقع بينه عليه السلام وبين معاوية.(2)

وقيل: مساعدته صلى الله عليه و آله على ذلك هي رغبة في إتمام الصلح الذي علم أنّ عاقبته الغلبة، وليس عدم كتب ما ذكر من الرسالة ضارّا، وإنّما الضارّ كتب ما لا يحلّ اعتقاده من ذكر آلهتهم وشركهم ونحوها، وسنذكر بعض فوائده.(3)

(فقال الناس: أنت رسول اللّه ) أي كرّر الصحابة وأعادوا هذا القول ردّا على مَن أنكره.

(وكان في القصّة) أي في قصّة الصلح والمقاضاة.

وفي بعض النسخ: «في القضيّة» وهو بمعنى القضاء.

(أنّ من كان منّا) أي من المشركين.

(أتى إليكم) أي إلى المسلمين مسلما.

(رددتموه إلينا).

قيل: يعني أن طلبناه منكم.(4)

ص: 128


1- . القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 455.
2- . روي قريب منه في: الإرشاد للمفيد، ج 1، ص 120 و 121؛ تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 54؛ السنن الكبرى للنسائي، ج 5، ص 167 و 168، ح 8576 _ 8578؛ صحيح مسلم، ج 5، ص 174.
3- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 455.
4- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 455.

أقول: لا قرينة على اعتبار هذا القيد.

(ورسول اللّه صلى الله عليه و آله غير مستكره عن دينه).

قال في تاج اللّغة: «الاستكراه بمعنى الإكراه». ولعلّ المراد أنّه صلى الله عليه و آله لا يكره أحد أن يرجع عن دينه ولا يجبره على الإسلام.

وقال بعض الشارحين: «أي غير مستكره عن قضائه وحكمه بالردّ إلينا، والدين هنا القضاء والحكم، ومنه الديّان من أسمائه تعالى؛ لأنّه القاضي والحاكم»(1) انتهى كلامه، وهو كما ترى.

(ومن جاء إلينا) أي إلى الكفّار (منكم) يعني من المسلمين مرتدّا عن الإسلام.

(لم نردّه إليكم).

قيل: يعني إن طلبتموه،(2) وقد مرّ مثله.

(فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: لا حاجة لنا فيهم) أي فيمن جاء إليكم مرتدّا عن الإسلام.

(وعلى أن يعبد اللّه فيكم علانية غير سرّ) أي أخذ رسول اللّه صلى الله عليه و آلهالعهد عليهم أن لا يؤذوا أحدا من المسلمين في مكّة وغيرها، ولا يمنعوهم أن يعبدوا اللّه بينهم جهارا من غير تقيّة ولا مانع.

(وإن كانوا ليتهادون السيور في المدينة إلى مكّة).

هذا كلام الصادق عليه السلام لبيان فوائد تلك المصالحة وثمرتها، بأنّها صارت موجبة لأمن المسلمين وأمانهم بحيث كانوا يتهادون، أي يبعثون الهدايا من المدينة إلى مكّة من غير مانع ولا خوف، كما أشار إليه بقوله: (وما كانت قضيّة أعظم بركة منها).

والسّيور _ بالياء المثنّاة التحتانيّة _ جمع السَّير بالفتح، وهو الذي يقدّ من الجلود.

وقيل: لعلّ المراد بها الحصر المدنيّة؛ لأنّها كانت تنسج من السّيور.(3)

ويحتمل أن يُراد بها نوعا من الثياب. قال الجوهري: «السَّير من الثياب: الذي فيه خطوط كالسّيور».(4)

ص: 129


1- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 455.
2- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 455.
3- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 456.
4- . الصحاح، ج 2، ص 691 سير.

وفي بعض النسخ: «الستور» بالتاء المثنّاة الفوقانيّة، وهي جمع الستر، وهو ما يعلّق على الأبواب وغيرها.

(لقد كاد أن يستولي على أهل مكّة الإسلام) أي أهل الإسلام، أو قبول دين الإسلام.

والاستيلاء: الغلبة، والظفر. وهذا يدلّ على أنّ للإمام أن يعقد الصلح على ما رآه مصلحة لعامّة المسلمين، وأن يظهر تلك المصلحة في بادئ الرأي، وخفى سرّها للبعض وظنّوا احتمال المفسدة فيها.

وروي أنّه لمّا وقع الصلح اختلط الناس بعضهم ببعض، واختلفوا إلى المدينة، وسمعوا من المسلمين أحكام الدِّين، ووقفوا على حُسن سيرة سيّد المرسلين ومعجزاته وأعلام نبوّته، وعاينوا كثيرا من ذلك مشافهةً، وصار ذلك سببا لميلهم إلى الإسلام، ودخلوا في دين اللّه أفواجا.(1)

(فضرب سهيل بن عمرو على أبي جندل ابنه).

يُقال: ضرب على يديه، أي أمسكه.

روي أنّ أبا جندل أسلم بمكّة، فحبسه أبوه سهيل، وكبّله وزجره ليرتدّ عن الإسلام.(2)

وقال الشيخ الطبرسي رحمه الله في مجمع البيان:

فقال سهيل: على أنّه لا يأتيك منّا رجلٌ، وإن كان على دينك إلاّ رددته إلينا، ومَن جاءنا ممّن معك لم نردّه عليك، فقال المسلمون: سبحان اللّه ، كيف يردّ إلى المشركين وقد جاء مسلما؟ فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: «من جاءهم منّا فأبعده اللّه ، ومَن جاءنا منهم رددناه إليهم، فلو علم اللّه الإسلام من قلبه جعل له مخرجا» _ إلى أن قال:

_ فبينا هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده قد خرج من أسفل مكّة حتّى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل: هذا يا محمّد، أوّل ما اُقاضيك عليه أن تردّه، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله: «إنّا لم نقض بالكتاب بعدُ». قال: واللّه إذا لا اُصالحك على شيء! فقال النبيّ صلى الله عليه و آله: «فأجره لي» فقال: ما أنا بمجيره لك. قال: «بلىفافعل». قال: وما أنا بفاعل. قال مكرز: قد أجرناه. قال أبو جندل بن سهيل: معاشر

ص: 130


1- . حكي عن بعض العلماء، ولم نجد حديثا عن المعصوم عليه السلام. اُنظر: صحيح مسلم بشرح النووي، ج 12، ص 140.
2- . راجع: المستدرك للحاكم، ج 3، ص 277؛ الاستيعاب، ج 4، ص 11621، الرقم 2898؛ اُسد الغابة، ج 5، ص 160.

المسلمين، اُردّ إلى المسلمين(1) وقد جئت مسلما، ألا ترون ما قد لقيت، وكان قد عُذِّب عذابا شديدا؟!(2)

وقال الشيخ المذكور في كتاب إعلام الورى:

فجاء أبو جندل إلى النبيّ صلى الله عليه و آله حتّى جلس إلى جنبه، فقال أبوه سهيل: ردّه عليَّ، فقال المسلمون: لا نردّه، فقام صلى الله عليه و آله وأخذ بيده فقال: «اللَّهُمَّ إن كنت تعلم أنّ أبا جندل لصادق فاجعل له فرجا ومخرجا!» ثمّ أقبل على الناس وقال: ليس عليه بأس إنّما يرجع إلى أبيه واُمّه، وأنّي اُريد أن أتمّ لقريش شرطها. ورجع رسول اللّه صلى الله عليه و آلهإلى المدينة، وأنزل اللّه في الطريق سورة الفتح: «إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحا مُبِينا»(3).

قال الصادق عليه السلام: «فما انقضت تلك المدّة حتّى كاد الإسلام يستولي على أهل مكّة، ولمّا رجع رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى المدينة انفلت أبو بصير بن أسيد ابن جارية الثقفي من المشركين، وبعث الأخنس بن شريق في أثره رجلين، فقتل أحدهما وأتى رسول اللّه صلى الله عليه و آله مسلما مهاجرا، فقال [له] مسعر بن حرب: لو كان معه أحد، ثمّ قال: شأنك بسلب صاحبك، واذهب حيث شئت، فخرج أبو بصير ومعه خمسة نفر كانوا قدموا معه مسلمين حتّى كانوا بين العيض وذي المروة من أرض جهينة على طريق عيرات قريش ممّا يلي سيف البحر، وانفلت أبو جندل بن سهيل بن عمرو في سبعين [رجلاً] راكبا أسلموا، فلحق بأبي بصير، واجتمع إليهم ناس من غفار وأسلم وجهينة حتّى بلغوا ثلاثمائة مقاتل وهم مسلمون لا تمرّ بهم عير لقريش إلاّ أخذوها وقتلوا أصحابها، فأرسلت قريش أبا سفيان بن حرب إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله يسألونه ويتضرّعون إليه أن يبعث إلى أبي بصير وأبي جندل ومن معهم، فيقدّموا عليه وقالوا: من خرج منّا إليك فامسكه غير حرج أنت فيه، فعلم الذين كانوا أشاروا على رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يمنع أبا جندل من أبيه بعد القضيّة أنّ طاعة رسول اللّه صلى الله عليه و آلهخيرٌ لهم فيما أحبّوا وفيما كرهوا،(4) انتهى.

وقال صاحب معارج النبوّة(5): لمّا رجع رسول اللّه صلى الله عليه و آله من منزل الحديبيّة إلى المدينة فرّ أبو بصير من مكّة _ وكان أسلم _ وأتى المدينة راجلاً في سبعة أيّام، فكتب أخنس بن شريق

ص: 131


1- . في المصدر: «أ اُردّ إلى المشركين».
2- . مجمع البيان، ج 9، ص 198.
3- . الفتح 48: 1.
4- . إعلام الورى، ج 1، ص 205 و 206.
5- . لم نعثر عليه.

وأزهر بن عبد عوف إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله بيد رجلين أحدهما من بني عامر والآخر اسمه كوثر، فقرأ اُبيّ بن كعب مكتوب المشركين على رسول اللّه صلى الله عليه و آله التمسوا فيه ردّ أبي بصير إلى مكّة بمقتضى صلح الحديبيّة، فسلّم رسول اللّه صلى الله عليه و آله أبا بصير إلى الرسولين، فقال: يا رسول اللّه ، تردّني إلى المشركين ليفتنوني في ديني؟ فقال صلى الله عليه و آله: «أنت تعلم إنّا عاهدنا قريشا، وليس في ديننا غدرا ولا نقض عهد» وقال له: «اذهب سيجعل اللّه لك ولمَن أسلم بمكّة فرجا ومخرجا.

فأخذاه وانطلقا إلى مكّة، فلمّا بلغوا إلى ذي الحليفة فنزلوا فيه ليستريحوا، فدخل أبو بصير مسجدا كان هناك وصلّى فيه ركعتين، ثمّ أخرج زاده الذي كان معه، فدعا صاحبيه إلى الطعام، فأبيا وقالا: لا حاجة لنا إلى طعامك، فقال أبو بصير بالرفق والملاطفة: لو كنتما دعوتماني إلى طعامكما؟! فأكلوا جميعا واستأنسوا، فسأل أبو بصير عن العامري اسمه ونسبه، وقال له: إنّ سيفك يروق في عيني، فسلَّ العامري سيفه وقال: نعم إنّ سيفي حسن صارم وقد جرّبته مرارا، فقال أبو بصير: أرنيه حتّى أنظر، فناوله إيّاه فتناوله أبو بصير وقتل العامري بذلك السيف، فلمّا رأى كوثر أنّه قتله هرب منه إلى المدينة، وجاء إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقال: إنّ صاحبي قد قتل وأنا أيضا لا آمن منه، فبينا هو كذلك إذ جاء أبو بصير على إثره راكبا على فرس العامري، ودخل في مجلس رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقال: يا رسول اللّه ، إنّك قد وفيت بعهدك ولم تنقضه، وجعل اللّه لي مخرجا ونجّاني.

فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: «إنّ أبا بصير لبَطَلٌ لو كان معه أحد» وأشعر بذلك إلى فرار أبي بصير من المدينة، وأن يلحق به المسلمون المحصورون بمكّة، واشتغلوا بإيذاء المشركين، فتفطّن

أبو بصير غرضه صلى الله عليه و آله، فأقبل يهرب، ولم يقف في موضع حتّى بلغ منزل عيس بسيف البحر، فكتب طائفة من الصحابة إلى مسلمي أهل مكّة وأخبروهم بالواقعة وبما قال النبيّ صلى الله عليه و آله في

شأن أبي بصير، فلمّا سمع أبو جندل بن سهيل ذلك انفلت من المشركين، ولحق أبا بصير، ثمّ لحق بهما المسلمون واحدا بعد واحد حتّى اجتمع سبعون رجلاً منهم _ وعلى رواية ثلاثمائة _ فلمّا ذلك الموضع مختلف عير قريش وممرّها انتهزوا فرصة واشتغلوا بقتلها ونهب أموالها، وضيّقوا الأمر على المشركين، فأرسلوا سفيان بن حرب إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله

ص: 132

يناشدونه باللّه والرحم أن يطلب أبا بصير وأصحابه إلى المدينة ويمنعهم من فعلهم، فجاء أبو سفيان وقال: يا رسول اللّه ، إنّ قريشا قالوا: من خرج إليك منّا إليك فامسكه من غير حرج، وقد أقلنا هذا الشرط ولا نناقش فيه بعدُ، فكتب رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى أبي بصير وأصحابه يدعوهم إلى المدينة، فبلغ مكتوبه صلى الله عليه و آله إلى أبي بصير وهو في حالة السّياق يجود بنفسه، فلمّا رأى الكتاب أخذه ومسح به وجهه حتّى مات رحمه الله، فاشتغل أبو جندل ومن معه من المسلمين بتجهيزه وتكفينه ودفنه، فلمّا فرغوا توجّهوا إلى المدينة، وقيل نزل في تلك القضيّة قوله تعالى: «هُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ»(1) الآية.

(فقال: أوّل ما قضينا عليه).

في بعض النسخ: «أوّل ما قاضينا عليه»، أي هذا أوّل ما حكمنا وصالحنا عليه فيلزمكم ردّه إلينا.

(فقال رسول اللّه : وهل قاضيت على شيء؟).

الاستفهام للإنكار، ولعلّ المراد أنّه لم يتمّ الكتاب بَعدُ، ولم ينعقد عقد الصلح، فليس علينا أن نردّه. صرّح به كثيرٌ من أهل السِّير، ويفهم أيضا ممّا نقلناه عن الشيخ الطبرسي رحمه الله.

وقيل: معناه: لم نحكم على كلّ شيء حتّى يدخل فيه هذا.(2)

وقيل: يعني ما قاضيت فيه على شيء كيف وهو مسلم وهو عندنا وليس ممّن جاء إليكم مرتدّا.(3)

وقيل: الظاهر «إن قاضيت» على صيغة المتكلّم، أي هل نقضي لك شيئا من المال ليكون هو عندنا إلاّ أنّه عبّر عن المستقبل بصيغة الماضي للدلالة على ترقّب وقوعه، فلم يرض سهيل بن عمرو.(4)

وقال الفاضل الإسترآبادي:

قصده صلى الله عليه و آله أنّه ما قاضينا على شيء نافع لك؛ فإنّه كان عالما بأنّ أبا بصير بن أسيد

ص: 133


1- . الفتح 48: 24.
2- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 447 و 448.
3- . ذهب إليه المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي، ج 26، ص 375، ذيل ح 25468.
4- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 457.

وأبا جندل يتقلّبان من المشركين في سبعين راكبا يسلمون على يد أبي جندل، ويجتمع عليهم ناس من غفار وأسلم وجهينة على يده حتّى يبلغوا ثلاثمائة مقاتل كلّهم مسلمون، لا يمرّ عليهم عير لقريش إلاّ أخذوها وقتلوا أصحابها، وهو ما فهم قصد النبيّ صلى الله عليه و آله، انتهى.(1)

وأنت خبير بما في هذه التوجيهات من التعسّف، والظاهر ما قلناه أوّلاً؛ لا يقال: يلزم على ما ذكرت أن لا يردّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أبا جندل ولا يدفعه إلى المشركين، لأنّا نقول: لمّا كانت تلك المصالحة لمصالح عامّة المسلمين _ كما عرفت _ ولابدّ من وقوعها البتّة، وتوقّف إيقاعها بردّه كما مرّ من عدم رضاء سهيل بالصلح إلاّ به، فلا جرم ردّه إليه لئلاّ تفوت تلك المصلحة.

(فقال: يا محمّد، ما كنت) على صيغة الخطاب.

(بغدّار).

الغدر: ضدّ الوفاء.

(قال: فذهب بأبي جندل).

الباء للتعدية، أي فردّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فذهب به سهيل.

(فقال) أي أبو جندل.

(تدفعني إليه) استفهام أو إنكار.

(قال) رسول اللّه صلى الله عليه و آله: (ولم أشترط لك) أي ما كنت اشترطت استثناءك حين العقد وغيره.

وقيل: أي ليس هذا شرطا يخصّك، بل هذا شرط قاضينا عليه لمصلحة عامّة المسلمين، ولابدّ من ذلك. أو المراد: لم تكن أنت داخلاً في هذا الشرط؛ لمجيئك قبل تمام الكتاب،لكن هؤلاء يجبروننا عليه. قال: ويحتمل على بُعدٍ أن يكون إشارة إلى ما وعده عليه السلامبالخلاص والنجاة على سبيل الاستفهام الإنكاري، أي ألم أشترط لك بالنجاة؟!(2)

(وقال: اللَّهُمَّ اجعل لأبي جندل مخرجا) أي من الضيق والشدّة.

قال ابن الأثير في الكامل:

فبينا رسول اللّه صلى الله عليه و آله يكتب الكتاب إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في

ص: 134


1- . نقله العلاّمة المجلسي رحمه الله عنه في مرآة العقول، ج 26، ص 448.
2- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 448.

الحديد قد انفلت إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فلمّا رأى سهيل ابنه أخذه وقال: يا محمّد، قد تمّت القضيّة بينك وبيني قبل أن يأتيك هذا، قال: صدقت، وأخذه ليردّه إلى قريش، فصاح أبو جندل: يا معشر المسلمين أردّ إلى المشركين ليفتنوني عن ديني، فقال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله: «احتسب؛ فإنّ اللّه جاعل لك ولمَن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا، إنّا قد أعطينا القوم عهودنا على ذلك فلا نغدر بهم».(1)

متن الحديث الثالث والخمسمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ ، عَنْ أَبَانٍ ، عَنِ الْفَضْلِ أَبِي الْعَبَّاسِ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «أَوْ جاؤكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ»(2) قَالَ : «نَزَلَتْ فِي بَنِي مُدْلِجٍ ؛ لِأَنَّهُمْ جَاوُوا إِلى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقَالُوا : إِنَّا قَدْ حَصِرَتْ صُدُورُنَا أَنْ نَشْهَدَ أَنَّكَ رَسُولُ اللّهِ ، فَلَسْنَا مَعَكَ وَلاَ مَعَ قَوْمِنَا عَلَيْكَ» .

قَالَ : قُلْتُ : كَيْفَ صَنَعَ بِهِمْ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله؟

قَالَ: «وَاعَدَهُمْ(3) إِلى أَنْ يَفْرُغَ مِنَ الْعَرَبِ، ثُمَّ يَدْعُوهُمْ ، فَإِنْ أَجَابُوا، وَإِلاَّ قَاتَلَهُمْ».

شرح

السند موثّق.

(قوله: عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ) في سورة النساء: «وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلاَ تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللّه ِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيّا وَلاَ نَصِيرا * إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ»(4) وينتهون إلى قوم عاهدوكم وتفارقوا محاربتكم، والقوم هم خزاعة.

وقيل: هم الأسلميّون؛ فإنّه عليه السلاموادعَ وقت خروجه إلى مكّة هلال بن عويم السلمي على أن لا يعينه ولا يعين عليه، ومن لجأ إليه فله من الجوار مثل ما له.(5)

ص: 135


1- .الكامل في التاريخ، ج 2، ص 205.
2- . النساء 4: 90.
3- . في كثير من نسخ الكافي والوافي وشرح المازندراني: «وادعهم» بتقديم الدال المهملة.
4- . النساء 4: 89 و 90.
5- . قاله الزمخشري في الكشّاف، ج 1، ص 551 مع اختلاف في اللفظ.

وقيل: بنو بكر بن زيد بن مناة.(1)

«أَوْ جَاءُوكُمْ»عطف على الصلة، أي الذين جاءوكم كافّين عن قتالكم وقتال قومهم، استثنى عن المأمور بأخذهم وقتلهم من ترك المحاربين، فلحق بالمعاهدين، وأتى الرسول وكفّ عن قتال الفريقين، أو على صفة قوم وكأنّه قيل: إلاّ الذين يصلون إلى قوم معاهدين،أو قوم كافّين عن القتال لكم وعليم، والأوّل أظهر لقوله: «فَإِنْ اعْتَزَلُوكُمْ».

«حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ» حال بإضمار «قد»، ويدلّ عليه «أن». قرى: «حَصِرَةٌ صدورهم» و«حصرات». أو بيان ل «جاؤكم».

وقيل: صفة محذوف، أي جاؤوكم قوما حصرت صدورهم، وهم بنو مدلج (جاؤوا

رسول اللّه صلى الله عليه و آله) غير مقاتلين، والحصر: الضيق، والانقباض.(2)

«أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ» أي عن أنْ، أو لإنْ، أو كراهة أن يقاتلوكم.

(قال: نزلت في بني مدلج) بضمّ الميم وكسر اللاّم: قبيلة من كنانة.

وقد يترائى أنّ قوله: (إنّا قد حصرت صدورنا) يكون تفسيرا لقوله تعالى: «حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ» فلا تغفل.

والحصر _ بالتحريك _ : ضيق الصدر، وفعله كعلم.

وقوله عليه السلام: (واعدهم) من المواعدة، وهي أن يعد بعضهم بعضا.

وفي بعض النسخ: «وادعهم» من الموادعة، وهي المهادنة، والمصالحة.

وقوله: (ثمّ يدعوهم) يعني إلى الإسلام.

متن الحديث الرابع والخمسمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي يَزِيدَ وَهُوَ فَرْقَدٌ ، عَنْ أَبِي يَزِيدَ الْحَمَّارِ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ اللّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالى بَعَثَ أَرْبَعَةَ أَمْلاَكٍ فِي إِهْلاَكِ قَوْمِ لُوطٍ :

ص: 136


1- . نقله الرازي عن ابن عبّاس في تفسيره، ج 10، ص 222.
2- . نقله الزمخشري عن المبرد في الكشّاف، ج 1، ص 552.

جَبْرَئِيلَ ، وَمِيكَائِيلَ ، وَإِسْرَافِيلَ ، وَكَرُوبِيلَ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِمْ ، فَمَرُّوا بِإِبْرَاهِيمَ عليه السلام وَهُمْ مُعْتَمُّونَ ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ ، فَلَمْ يَعْرِفْهُمْ وَرَأى هَيْئَةً حَسَنَةً ، فَقَالَ : لاَ يَخْدُمُ هؤلاَءِ أَحَدٌ إِلاَّ أَنَا بِنَفْسِي وَكَانَ صَاحِبَ أَضْيَافٍ ، فَشَوى لَهُمْ عِجْلاً سَمِينا حَتّى أَنْضَجَهُ ، ثُمَّ قَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ «فَلَمَّا»وَضَعَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ «رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً»(1).

فَلَمَّا رَأى ذلِكَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام ، حَسَرَ الْعِمَامَةَ عَنْ وَجْهِهِ وَعَنْ رَأْسِهِ ، فَعَرَفَهُ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام ، فَقَالَ : أَنْتَ هُوَ؟ فَقَالَ : نَعَمْ ، وَمَرَّتِ امْرَأَتُهُ سَارَةُ ، فَبَشَّرَهَا بِإِسْحَاقَ ، وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ، فَقَالَتْ : مَا قَالَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، فَأَجَابُوهَا(2) بِمَا فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ .

فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام لَهُمْ : فِيمَا ذَا جِئْتُمْ؟ قَالُوا لَهُ : فِي إِهْلاَكِ قَوْمِ لُوطٍ ، فَقَالَ لَهُمْ : إِنْ كَانَ فِيهَا مِائَةٌ مِنَ الْمُؤمِنِينَ تُهْلِكُونَهُمْ؟ فَقَالَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام : لاَ ، قَالَ : فَإِنْ كَانُوا خَمْسِينَ؟ قَالَ : لاَ ، قَالَ : فَإِنْ كَانُوا ثَلاَثِينَ؟ قَالَ : لاَ ، قَالَ : فَإِنْ كَانُوا عِشْرِينَ؟ [قَالَ : لاَ ، قَالَ : فَإِنْ كَانُوا عَشَرَةً؟ قَالَ : لاَ ، قَالَ ، فَإِنْ كَانُوا خَمْسَةً؟] قَالَ : لاَ ، قَالَ : فَإِنْ كَانُوا وَاحِدا؟ قَالَ : لاَ ، قالَ : إِنَّ(3) فِيها لُوطا ، قالُوا : «نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ»(4) ، ثُمَّ مَضَوْا» .

وَقَالَ الْحَسَنُ الْعَسْكَرِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ : «لاَ أَعْلَمُ ذَا الْقَوْلَ إِلاَّ وَ هُوَ يَسْتَبْقِيهِمْ ، وَهُوَ قَوْلُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ :

«يُجادِلُنا فِى قَوْمِ لُوطٍ»(5) فَأَتَوْا لُوطا وَهُوَ فِي زِرَاعَةٍ لَهُ قُرْبَ الْمَدِينَةِ ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ وَهُمْ مُعْتَمُّونَ ، فَلَمَّا رَآهُمْ رَأى هَيْئَةً حَسَنَةً ، عَلَيْهِمْ عَمَائِمُ بِيضٌ ، وَثِيَابٌ بِيضٌ ، فَقَالَ لَهُمُ : الْمَنْزِلَ ، فَقَالُوا : نَعَمْ ، فَتَقَدَّمَهُمْ وَمَشَوْا خَلْفَهُ ، فَنَدِمَ عَلى عَرْضِهِ عَلَيْهِمُ الْمَنْزِلَ ، وَقَالَ : أَيَّ شَيْءٍ صَنَعْتُ ، آتِي بِهِمْ قَوْمِي وَأَنَا أَعْرِفُهُمْ؟ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِمْ ، فَقَالَ : إِنَّكُمْ تَأْتُونَ شِرَارَ خَلْقِ اللّهِ ،(6) وَقَدْ قَالَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام : لاَ تَعْجَلُ(7) عَلَيْهِمْ حَتّى يَشْهَدَ ثَلاَثَ شَهَادَاتٍ ، فَقَالَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام : هذِهِ وَاحِدَةٌ .

ثُمَّ مَشى سَاعَةً ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْهِمْ ، فَقَالَ : إِنَّكُمْ تَأْتُونَ شِرَارَ خَلْقِ اللّهِ ، فَقَالَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام : هذِهِاثْنَتَانِ .

ثُمَّ مَضى ، فَلَمَّا بَلَغَ بَابَ الْمَدِينَةِ الْتَفَتَ إِلَيْهِمْ ، فَقَالَ : إِنَّكُمْ تَأْتُونَ شِرَارَ خَلْقِ اللّهِ ، فَقَالَ

ص: 137


1- . هود 11: 70.
2- . في بعض نسخ الكافي: «وأجابوها».
3- . في بعض نسخ الكافي: «فإنّ».
4- . العنكبوت 29: 32.
5- . هود 11: 70.
6- . في بعض نسخ الكافي: «شرارا من خلق اللّه ».
7- . هكذا في النسخة وكثير من نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: «لا نعجل».

جَبْرَئِيلُ عليه السلام : هذِهِ ثَالِثَةٌ .

ثُمَّ دَخَلَ وَدَخَلُوا مَعَهُ ، فَلَمَّا رَأَتْهُمُ امْرَأَتُهُ رَأَتْ هَيْئَةً حَسَنَةً ، فَصَعِدَتْ فَوْقَ السَّطْحِ ، وَصَفَّقَتْ(1) فَلَمْ يَسْمَعُوا فَدَخَّنَتْ .

فَلَمَّا رَأَوُا الدُّخَانَ أَقْبَلُوا يُهْرَعُونَ إِلَى الْبَابِ ، فَنَزَلَتْ إِلَيْهِمْ ، فَقَالَتْ : عِنْدَهُ قَوْمٌ مَا رَأَيْتُ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُمْ هَيْئَةً ، فَجَاؤُوا إِلَى الْبَابِ لِيَدْخُلُوهَا(2) ، فَلَمَّا رَآهُمْ لُوطٌ قَامَ إِلَيْهِمْ ، فَقَالَ : يَا قَوْمِ اتَّقُوا اللّهَ «وَلا تُخْزُونِ فِى ضَيْفِى أَ لَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ»فَقَالَ : «هؤلاَءِ بَنَاتِى هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ»(3) فَدَعَاهُمْ إِلَى الْحَلاَلِ ، فَقَالُوا : «لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِى بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ»(4) ، فَقالَ : «لَوْ أَنَّ لِى بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِى إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ»(5) فَقَالَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام : لَوْ يَعْلَمُ أَيُّ قُوَّةٍ لَهُ .

فَكَاثَرُوهُ حَتّى دَخَلُوا الْبَيْتَ».

قَالَ : «فَصَاحَ بِهِمْ(6) جَبْرَئِيلُ : يَا لُوطُ ، دَعْهُمْ يَدْخُلُونَ ، فَلَمَّا دَخَلُوا أَهْوى جَبْرَئِيلُ نَحْوَهُمْ بِإِصْبَعِهِ(7) ، فَذَهَبَتْ أَعْيُنُهُمْ، وَهُوَ قَوْلُهُ : «فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ»(8) .

ثُمَّ نَادى جَبْرَئِيلُ ، فَقَالَ : «إِنّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ»(9) وَقَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ : إِنَّا بُعِثْنَا فِي إِهْلاَكِهِمْ ، فَقَالَ : يَا جَبْرَئِيلُ عَجِّلْ ، فَقَالَ : «إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَ لَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ»(10)».

قَالَ : «فَأَمَرَهُ فَتَحَمَّلَ وَ مَنْ مَعَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ».

قَالَ : «ثُمَّ اقْتَلَعَهَا جَبْرَئِيلُ بِجَنَاحِهِ(11) مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ ، ثُمَّ رَفَعَهَا حَتّى سَمِعَ أَهْلُ سَمَاءِ الدُّنْيَا نُبَاحَ الْكِلاَبِ وَ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ ، ثُمَّ قَلَبَهَا وَأَمْطَرَ عَلَيْهَا وَعَلى مَنْ حَوْلَ الْمَدِينَةِ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ» .

ص: 138


1- .هكذا في النسخة وكثير من نسخ الكافي. وفي الطبعة القديمة: «وصعدت». وفي الطبعة الجديدة: «وصفّقت».
2- . في بعض نسخ الكافي: «ليدخلوا».
3- . هود 11: 78.
4- . هود 11: 79.
5- . هود 11: 80.
6- . هكذا في النسخة وكثير من نسخ الكافي والوافي. وفي كلتا الطبعتين: «به».
7- .هكذا في النسخة وكثير من نسخ الكافي والوافي. وفي كلتا الطبعتين: «بإصبعه نحوهم».
8- . القمر 54: 37.
9- . هود 11: 81.
10- . هود 11: 81.
11- . في الطبعة القديمة: «بجناحيه».

شرح

السند مجهول.

قوله: (أربعة أملاك) كأنّه جمع ملك، كجمل وأجمال.

وقوله: (وهم معتمّون) من الاعتمام وهو لبس العمامة.

وقوله: (كان صاحب أضياف) جمع الضيف، أي يدعوهم إلى طعامه كثيرا ويكرمهم ويحبّهم.

وقوله: «نَكِرَهُمْ» بكسر الكاف، أي لم يعرفهم.

«وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً».

الإيجاس: إضمار الخيفة في النفس، من الوجس، وهو فزعة القلب.

ويفهم من هذا الخبر أنّ خوفه منهم لعدم علمه بكونهم ملائكة. وقيل: لأنّه لمّا رآهم شبّانا أقوياء، وكان ينزل طرفا من البلد، وكانوا يمتنعون من تناول طعامه، لم يأمن أن يكون ذلك لبلاء؛ وذلك أنّ أهل ذلك الزمان إذا أكل بعضهم طعام بعض أمِنَه صاحب الطعام على نفسه وماله.

وقيل: إنّه ظنّهم لصوصا يريدون به سوء.

وقيل: علم أنّهم ملائكة، فخاف أن يكون نزولهم لعذاب قومه حتّى «قَالُوا لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ»(1) بالعذاب والإهلاك، لا على قومك.(2)

(فلمّا رأى ذلك) الإيجاس.

(جبرئيل عليه السلام، حسر العمامة عن وجهه وعن رأسه).

يقال: حسرت العمامة عن رأسي والثوب عن بدني _ كنصرت وضربت _ أي كشفتها.

(فعرفه إبراهيم عليه السلام، فقال: أنت هو؟ فقال: نعم).

وقال بعض المفسّرين: «إنّهم دعوا اللّه فأحيى العجل الذي كان ذبحه إبراهيم عليه السلام وشواه فطفر ورعى، فعلم حينئذٍ أنّهم رسل اللّه ».(3)

ص: 139


1- . هود 11: 70.
2- . نقل الأقوال في مجمع البيان، ج 5، ص 306 و 307 مع اختلاف في اللفظ وتلخيص.
3- . نقله الطبرسي رحمه الله في مجمع البيان، ج 5، ص 307 بعنوان «قيل».

(ومرّت امرأته)؛ الضمير لإبراهيم.

وقوله: (سارة) عطف بيان لإمرأته، أو بدل منها.

(فبشّرها بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب).

قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى: «فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ»:(1)

نصب يعقوب ابن عامر وحمزة وحفص بفعل يفسّره ما دلّ عليه الكلام، وتقديره: ووهبناها من وراء إسحاق يعقوب. وقيل: إنّه معطوف بموضع «بإسحاق» أو على لفظ إسحاق، وفتحته للجرّ؛ فإنّه [غير مصروف] ورد الفصل بينه وبين ما عطف عليه بالظرف، وقرأ الباقون بالرفع على أنّه مبتدأ وخبره الظرف، أي [ويعقوب] مولود من بعده. وقيل: الوراء ولد الولد، سمّي به لأنّه بعد الولد.(2)

(فقالت ما قال اللّه عزّ وجلّ) وهو قوله تعالى: «قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخا إِنَّ هَذَا لَشَىْ ءٌ عَجِيبٌ».(3)

قيل: يا ويلتي بمعنى يا عجبا، وأصله في الشرّ، فاُطلق في كلّ أمرٍ فظيع، وقرئ بالياء على الأصل.(4)

(فأجابوها) أي الملائكة.

(بما في الكتاب العزيز) وهو قوله عزّ وجلّ: «قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّه ِ رَحْمَةُ اللّه ِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»(5).

(فقال [لهم]: إن كان فيها) أي في قرية قوم لوط.

(مائة من المؤمنين تهلكونهم) إلى قوله: (إن فيها لوطا).

الظاهر أنّ الضمير المنصوب في «تهلكونهم» راجع إلى المائة، لا إلى قوم لوط.

وقيل: إنّما لم يكتف عليه السلامأوّلاً بذكر الواحد؛ ليحتجّ عليهم بأنّ حرمة المؤمن الواحد حرمة الكثير، فإذا لم تهلكهم مع فرض وجود الكثير فيهم، فكيف تهلكونهم مع وجود الواحد،قال ذلك شفاعة وشفقة على عباد اللّه ، وتوهّم أنّ إهلاكهم في معرض البداء، فلذلك مدحه

ص: 140


1- .هود 11: 71.
2- . تفسير البيضاوي، ج 3، ص 245.
3- . هود 11: 72.
4- . تفسير البيضاوي، ج 3، ص 245.
5- . هود 11: 73.

تعالى وقال: «فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا»(1) أي يجادل رسلنا في قوم لوط، ومجادلته قوله: «إِنَّ فِيهَا لُوطا». «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ»(2).(3)

«إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنْ الْغَابِرِينَ».(4)

قال الجوهري: «غَبَرَ يغبر: بقى ومضى، فهو غابر: ماض وباق».(5)

وقال بعض المفسّرين في تفسير قوله تعالى: «كَانَتْ مِنْ الْغَابِرِينَ»: «أي من الذين بقوا في ديار قوم لوط، وتخلّفوا عن لوط فهلكوا، والتذكير لتغليب الذكور. وقيل: معناه كانت من الباقين في عذاب اللّه ».(6)

(ثمّ مضوا) أي الملائكة، لا هلاك قوم لوط.

(وقال الحسن العسكري أبو محمّد عليه السلام: لا أعلم ذا القول) أي قول إبراهيم عليه السلام أنّ فيها لوطا.

(إلاّ وهو) أي إبراهيم عليه السلام.

(يستبقيهم).

الضمير المنصوب لقوم لوط، أي يطلب بقاءهم ويسعى في استدفاع العذاب عنهم والشفاعة لهم.

واعلم أنّ الظاهر أنّ قوله: (وقال الحسن العسكري) إلى آخره من كلام المصنّف رحمه الله، بأن كان روى للحديث السابق تتمّة عن العسكري عليه السلام بحذف الإسناد، أو من كلام محمّد بن يحيى ذكره في أثناء الرواية لتوضيحها، وهذا مع وضوحه خفي على بعض الأفاضل، وقال:

الظاهر أنّ العسكري من طغيان قلم النسّاخ، وفي تفسير العيّاشي(7): وقد مضى في كتاب الطلاق من هذا الكتاب أيضا «الحسن بن علي» بدون أبي محمّد، فالظاهر حينئذٍ أنّ المراد الحسن بن علي بن فضّال، بأن يكون ذكر هذا في أثناء رواية الحديث على وجه التفسير والتبيين، وكنيته أيضا أبو محمّد، فلا ينافيه إن كان في الخبر. ويحتمل أيضا أن يكون من كلام الصادق عليه السلام راويا عن

ص: 141


1- . هود 11: 74.
2- . هود 11: 75.
3- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 460 مع التلخيص.
4- .العنكبوت 29: 32.
5- . الصحاح، ج 2، ص 765 غبر مع اختلاف في اللفظ.
6- . مجمع البيان، ج 4، ص 299 مع اختلاف في اللفظ.
7- . تفسير العيّاشي، ج 2، ص 153، ح 46.

الحسن بن علي بن أبي طالب، وهو بعيد.(1)

هذا كلامه وهو كما ترى.

(وهو قول اللّه عزّ وجلّ: «يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ»)(2)

أي يجادل رسلنا، ويسائلهم في استخلاص قوم لوط، ولمّا سألهم مستقصيا سمّى ذلك السؤال الشفاعة جدالاً.

قال الجوهري: «جادله، أي خاصمه، مجادلة وجِدالاً، والاسم الجدل، وهو شدّة الخصومة. وجدلت الحبل أجدله جدلاً، أي فتلته فتلاً محكما».(3)

وقوله عليه السلام: (المنزل) منصوب بتقدير مثل معنى الإتيان والنزول، ويحتمل رفعه على الابتدائيّة أو الخبريّة، والمراد أنّه عرض عليهم المنزل، والتمس منهم الإتيان إليها والنزول بها.

(وقال: أيّ شيء صنعت).

كلمة «أيّ» للاستفهام، أي ما صنعت شيئا حسنا؟

(أتى بهم قومي).

الباء للتعدية، و«أتى» على صيغة المتكلّم.

(وأنا أعرفهم) بالشرارة وعلى الفاحشة.

وقوله: (وقد قال جبرئيل عليه السلام: لا تعجل) على صيغة المتكلّم، أي قال ذلك في نفسه، أو لأصحابه من الملائكة في أثناء الطريق.

وفي بعض النسخ بصيغة الخطاب، وكأنّه تصحيف، وعلى تقدير صحّته يحتمل كونه خطابا لمن معه، أو لنفسه.

وقوله: (فصعقت) من الصّعق _ محرّكة _ وهو شدّة الصوت، وفعله كمنع.

وفي بعض النسخ: «فصفقت» من الصّفق، وهو ضرب يسمع له صوت، وفعله كضرب. يُقال: صفق على يده صفقا وصفقة، أي ضرب يده على يده عند البيع ونحوه. أو من التصفيق، وهو الضرب بباطن الراحة على الاُخرى.

ص: 142


1- . القائل هو العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 452.
2- . هود 11: 74.
3- . الصحاح، ج 4، ص 1653 جدل.

وقوله: (فدخّنت) من الدخن كالنصر، أو من التدخين. يُقال: دخنت النار دخنا ودخونا ودخّنته تدخينا: إذا ألقيت عليها حطبا ليهيج لها دخان.

(فلمّا رأوا) أي قوم لوط.

(الدخان أقبلوا يهرعون إلى الباب) أي يسرعون إلى بابه لطلب الفاحشة من أضيافه.

قال الجوهري: «الإهراع: الإسراع. وقوله تعالى: «وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ»(1). قال أبو عبيدة: يستحثّون إليه كأنّه يحثّ بعضهم بعضا».(2)

وفي القاموس: «الهرع _ محرّكة، وكغراب _ : مشي في اضطراب وسرعة، وأقبل يهرع بالضمّ، وفي التنزيل: «يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ»».(3)

(فنزلت) امرأة لوط.

(إليهم) من السطح.

(فقالت: عنده) أي عند لوط.

(قوم) إلى قوله: «وَلاَ تُخْزُونِ» أي لا تفضحونِ، أو لا تخجلوني، بأن يكون من الخزي أو من الخزاية بمعنى الحياء.

«فِي ضَيْفِي» أي في شأنهم؛ فإنّ إخزاء ضيف رجل إخزاؤه.

«أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ» يهتدي إلى الحقّ، ويرعوي(4) عن القبيح.

وقيل: أي ليس في جملتكم رجلٌ قد أصاب الرُّشد، فيزجر هؤلاء عن قبيح فعلهم. وقيل: رشيد هنا بمعنى المرشد.(5)

(فقال) بعدما نصحهم ولم يقبلوا نُصحه.

«هَؤُلاَءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ».

الطهر والنزاهة والنظافة في المفضل محقّق، وفي المفضل عليه موهوم مقدّر، أو محقّق بزعمهم. ويحتمل استعمال «أطهر» هنا بمجرّد الفعل، لا للتفضيل.

ص: 143


1- . هود 11: 78.
2- . الصحاح، ج 3، ص 1306 هرع.
3- . القاموس المحيط، ج 3، ص 98 هرع.
4- . ارعوى عن القبيح يرعوي، أي انكفّ عنه و انزجر منه. اُنظر: لسان العرب، ج 14، ص 328 رعي.
5- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 453 مع اختلاف يسير في اللفظ.

وقال بعض المفسّرين:

اختلف في ذلك، فقيل: أراد بناته لصلبه. وقيل: أراد النساء من اُمّته؛ لأنّهنّ كالبنات له، فإنّ كلّ نبيّ أبو اُمّته وأزواجه اُمّهاتهم. واختلف أيضا في كيفيّة عرضهنّ، فقيل بالتزويج، وكان يجوز في شرعه تزويج المؤمنة من الكافر، وكذا كان يجوز أيضا في بدأ الإسلام، وقد زوّج النبيّ صلى الله عليه و آله بنته من أبي العاص بن الربيع قبل أن يسلم، وقد نسخ ذلك. وقيل: أراد التزويج بشرط الإيمان، وكانوا يخطبون بناته فلا يزوّجهنّ منهم لكفرهم. وقيل: إنّه كان لهم سيّدان مطاعان فيهم، فأراد أن يزوّجهما بنتيه زعوراء، ورتياء.(1)

وقوله: (فدعاهم إلى الحلال) يحتمل تلك الوجوه، أي لم يدعهم حين دعاهم إلى بناته إلى الحرام والزنا، بل دعاهم إلى الحلال والتزويج.

فقالوا: «لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ».

قيل: من حاجة.(2) وقيل: من إرادة وشهوة.(3) وقيل: هذا بناء على أنّهم اتّخذوا نكاح الإناث شرعا باطلاً، وإتيان الذكران مذهبا حقّا.(4)

«وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ» وهو إتيان الذكران؛ فإنّ عادتهم القبيحة مشهورة.

واعلم أنّ في سورة هود: «يَا قَوْمِ هَؤُلاَءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللّه َ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي»، فتغيير الترتيب في الخبر إمّا بناءً على النقل بالمعنى لاتّصال جوابهم بالسؤال، أو لبيان أنّ ما هو المقدَّم في الآية كان مؤخّرا في كلام لوط، أو لأنّه كان في قرائتهم عليهم السلامكذلك.

(فقال: «لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ»).(5)

قال صاحب الكشّاف: «المعنى: لو قويت عليكم بنفسي، أو آوي(6) إلى قويّ أستند إليه، وأتمنّع به، فيحميني منكم، فشبّه القوي العزيز بالركن من الجبل في شدّته ومنعته»(7) انتهى.

ص: 144


1- . مجمع البيان، ج 5، ص 314 مع التلخيص واختلاف يسير في اللفظ.
2- . تفسير البيضاوي، ج 3، ص 248.
3- . تفسير السمعاني، ج 2، ص 447.
4- . تفسير النسفي، ج 2، ص 166 مع اختلاف في اللفظ.
5- . هود 11: 81.
6- . في المصدر: «آويت».
7- . الكشّاف، ج 2، ص 283.

قيل: كلمة «لو» للتمنّي.(1) وقيل: للشرط، والجواب محذوف، تقديره: لدفعتكم.(2)

وقيل: أراد بالركن العشيرة جريا على سنّة الناس في الاعتصام بالعشيرة في دفع الأعداء.(3)

وقال بعض العامّة: «أنساه ضيق صدره من قومه اللجاء إلى اللّه الذي هو أشدّ الأركان».(4)

وقال بعض الأفاضل:

الحقّ أنّه عليه السلام لم ينس اللجاء إلى اللّه في هذه القضيّة، وإنّما قال ذلك تطييبا لنفوس الأضياف، وإبداءً للعذر لهم بحسب ما اُلِف في العادة من أنّ الدفع إنّما يكون بقوّة أو عشيرة.(5)

(فقال جبرئيل عليه السلام: لو يعلم أيّ قوّة له).

كلمة «لو» هنا أيضا يحتمل الوجهين.

(فكاثروه).

في القاموس: «كاثروهم فكثروهم: غالبوهم في الكثرة فغلبوهم».(6)

(حتّى دخلوا البيت).

روت العامّة أنّ لوط عليه السلام أغلق بابه دون أضيافه، وأخذ يجادلهم من وراء الباب، فتسوّروا الجدار، فلمّا رأت الملائكة ما على لوط من الكرب قالوا: «يَا لُوطٍ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ»(7) الآية.

(قال: فصاح بهم).

في بعض النسخ: «به» وهو الظاهر. قال (جبرئيل عليه السلام) بعد مشاهدة ما به من الكرب: (يا لوط، دَعْهُم) أي اتركهم. (يدخلون، فلمّا دخلوا) البيت (أهوى جبرئيل عليه السلام نحوهم بإصبعه).

قال الجوهري: «قال الأصمعي: أهويت بالشيء: إذا أومأتَ به. ويُقال: أهويتُ له بالسيف».(8)

ص: 145


1- . احتمله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 461.
2- . تفسير البيضاوي، ج 3، ص 248.
3- . نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 461 بعنوان «قيل».
4- . تأويل مختلف الحديث، ص 92 مع اختلاف في اللفظ.
5- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 461.
6- . القاموس المحيط، ج 2، ص 125 كثر.
7- . هود 11: 81.
8- . الصحاح، ج 6، ص 2538 هوي.

(فذهبت أعينهم) وعموا جميعا.

(وهو قوله: «فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ»)؛ الظاهر أنّ ضمير «قوله» راجع إلى اللّه تعالى، وكأنّ هذه الفقرة كانت في قراءتهم عليهم السلام.

قال الفيروزآبادي: «الطموس: الدروس، والإمحاء. وطمستُ الشيء طمسا: استأثرت أثره. ورجلٌ مطموس: ذاهب البصر».(1)

وقيل: معنى «طمسنا أعينهم»: مسخناها، وسوّيناها بسائر الوجه.(2)

وقال البيضاوي في تفسير قوله تعالى: «إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ»: «لن يصلوا [إلى] إضرارك بإضرارنا».(3)

«فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ» في السُرى _ كهدى _ مسير عامّة الليل. سرى يسري سُرىً وأسرى وأسرّى، وسرى به، وأسراه، وبه، وأسرى بعبده ليلاً تأكيدا، ومعناه سيره «بِقِطْعٍ مِنْ اللَّيْلِ» أي بطائفةٍ منه.

قال الفيروزآبادي: «القِطع _ بالكسر _ : ظلمة آخر الليل، أو القطعة منه، كالقطع كعنب، أو من أوّله إلى ثلثه».(4)

«إِنَّ مَوْعِدَهُمْ الصُّبْحُ».

قال البيضاوي: «كأنّه علّة من الأمر بالإسراء».(5)

«أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ»(6) جواب لاستعجال لوط واستبطائه العذاب.

وقال الزمخشري: «روى أنّه قال لهم: متى موعد هلاكهم؟ قالوا: الصبح، فقال: أريد أسرع من ذلك، فقالوا: أليسَ الصبح بقريب» انتهى.(7)

ويظهر من هذا الخبر أنّه جواب لقوله: «عجّل»، ولا يخفى على المتأمّل ما بين هذاالتفسير وبين ما نقلناه من الزمخشري من الفرق، وأنّ ما ذكره عليه السلام هو الصواب، فإنّه يبعد من

ص: 146


1- . القاموس المحيط، ج 2، ص 227 طمس مع التلخيص.
2- . تفسير البيضاوي، ج 3، ص 248.
3- . تفسير البيضاوي، ج 3، ص 249.
4- . القاموس المحيط، ج 3، ص 70 قطع مع التلخيص.
5- . تفسير البيضاوي، ج 3، ص 250.
6- . هود 11: 81.
7- . الكشّاف، ج 2، ص 284.

نبيّ اللّه وخالصته أن يستعجل فيما علم أنّ اللّه تعالى أمر بتأخيره.

(قال: فأمره) يعني جبرئيل عليه السلام بالخروج من القرية الظالمة أهلها.

(فتحمّل ومن معه إلاّ امرأته).

التحمّل: الاحتمال، والنفر والتنقّل، أي ارتحل أو احتمل متاعه. والواو بمعنى «مع» لا للعطف؛ لأنّه يلزم على الأوّل العطف على الضمير المرفوع المتّصل من غير فصل ولا تأكيد، وعلى الثاني العطف على المحذوف.

قيل: فيه دلالة واضحة على أنّه عليه السلام لم يخرج معه امرأته، بل خلّفها مع قومها، وهذا أحد القولين للمفسّرين. وقيل: أخرجها وأمر أن لا يلتفت منهم أحد إلى وراءه، فلمّا سمعت في الطريق هدّة العذاب وصوت وقع الأرض التفتت إلى الخلف وقالت: يا قوماه، فأدركها حجر فقتلها.(1)

(قال: ثمّ اقتلعها) إلى آخره.

الاقتلاع: الاستلاب. ونباح الكلب _ بالضمّ _ : تصويته.

قال الزمخشري:

سجّيل: كلمة معرّبة «سنك كل» بدليل قوله: «حِجَارَةً مِنْ طِينٍ».(2) وقيل: هي من أسجله: إذا أرسله؛ لأنّها تُرسل على الظالمين. ويدلّ عليه قوله: «لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً». [و] قيل: ممّا كتب اللّه أن يعذّب به من السجلّ وسجّل لفلان.(3)

متن الحديث الخامس والخمسمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ أَبِي الصَّبَّاحِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «وَاللّهِ لَلَّذِي(4) صَنَعَهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عليهماالسلام كَانَ خَيْرا لِهذِهِ الْأُمَّةِ مِمَّا

ص: 147


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 462. ونسب الزمخشري كلا القولين إلى الرواية في الكشّاف، ج 2، ص 284.
2- . الذاريات 51: 33.
3- . الكشّاف، ج 2، ص 284 مع اختلاف يسير في اللفظ.
4- . في بعض نسخ الكافي وشرح المازندراني ومرآة العقول: «الذي».

طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ ، وَوَاللّهِ(1) لَقَدْ نَزَلَتْ هذِهِ الاْيَةُ : «أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ» إِنَّمَا هِيَ طَاعَةُ الاْءِمَامِ ، وَطَلَبُوا الْقِتَالَ ، فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ مَعَ الْحُسَيْنِ عليه السلام ، قالُوا : «رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ»(2) نُجِبْ دَعْوَتَكَ ، وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ ، أَرَادُوا تَأْخِيرَ ذلِكَ إِلَى الْقَائِمِ عليه السلام» .

شرح

السند ضعيف.

قوله: (واللّه للذي صنعه الحسن بن عليّ عليهماالسلام) من الصلح مع معاوية.

(كان خيرا لهذه الاُمّة ممّا طلعت عليه الشمس)؛ إذ به كانت نجاتهم من القتل، والاستئصال في زمن دولة الباطل، وبه بقاء دين الحقّ وأهله.

(وواللّه لقد نزلت هذه الآية)؛ قال اللّه _ عزّ وجلّ _ في سورة النساء: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ» أي عن القتال مع الكفّار.

«وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ» واشتغلوا بهما وبما اُمرتم به من الطاعات. «فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّه ِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلاَ أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالاْخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنْ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً».(3)

قال البيضاوي في قوله تعالى: «لَوْلاَ أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ»: «استزادة في مدّة الكفّ عن القتال حذر الموت، ويحتمل أنّهم ما تفوّهوا به، ولكن قالوه في أنفسهم، فحكى اللّه عنهم»(4) انتهى.

وقال اللّه سبحانه في سورة إبراهيم عليه السلام: «وَأَنذِرْ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ الْعَذَابُ».(5)قال البيضاوي:

يعني يوم القيامة، أو يوم الموت؛ فإنّه أوّل أيّام عذابهم، وهو مفعول ثان ل «أنذر».

ص: 148


1- . هكذا في النسخة وبعض نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: «واللّه » بدون إحدى الواوين.
2- . النساء 4: 77.
3- . النساء 4: 77.
4- . تفسير البيضاوي، ج 2، ص 220.
5- . إبراهيم 14: 44.

«فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَ_لَمُوا» بالشرك والتكذيب: «رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ»: أخِّر العذاب عنّا، أو ردّنا إلى الدُّنيا وأخّرنا إلى حدّ من الزمان قريب، أو أخّر آجالنا وأبقنا مقدار ما نؤمن بك. «نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعْ الرُّسُلَ»جواب للأمر.(1)

إذا عرفت هذا فاعلم أنّه ذهب أكثر المفسّرين إلى أنّ الآية نزلت في قوم من المسلمين يلقون من المشركين أذىً شديدا بمكّة قبل الهجرة إلى المدينة، فشكوا إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقالوا: ائذن لنا في قتال هؤلاء؛ فإنّهم قد آذونا، فلمّا اُمروا بالقتال بعد الهجرة وبالمسير إلى بدر شقَّ ذلك على بعضهم.(2) وفسّروا الأجل القريب بالموت بآجالهم،(3) وعلى تفسيره عليه السلام يكون المراد بها ذمّ الاُمّة، بأنّ الإمام إذا أمر بترك القتال طلبوه، وإذا أمر بالقتال استوخموه، والظاهر أنّ الضمير في قوله عليه السلام: «إنّما هي طاعة الإمام» عائد إلى الآية؛ يعني الغرض الأصلي فيها طاعة الإمام الذي ينهى عن القتال، لعدم كونه مأمورا به، ويأمر بالصلاة والزكاة وسائر أنواع الطاعات، وأنّ جواب القسم محذوف، أي نزلت هذه الآية في الحثّ على طاعة الإمام، وأنّ الذكور أعني قوله: (إنّما هي) قائم مقام المحذوف وقرينة عليه.

وحاصل قوله عليه السلام: (وطلبوا القتال) إلى آخره، أنّ أصحاب الحسن عليه السلامكانوا مأمورين بحكم هذه الآية بطاعة إمامهم في ترك القتال، فلم يطيعوه، ولم يرضوا به، وطلبوا القتال،فلمّا كتب عليهم القتال مع الحسين عليه السلامقالوا: «رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلاَ أَخَّرْتَنَآ إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ» أي قيام القائم عليه السلام.

فإن قلت: أيّ سرّ في وصل آخر الآية الثانية بالآية السابقة؟

قلت: لعلّه عليه السلامأشار به إلى أنّ الآيتين نزلتا لبيان حال تلك الطائفة، أو أضاف الثانية وهي قوله: «نُجِبْ دَعْوَتَكَ» إلى الاُولى للتفسير والبيان، وأنّ غرضهم: إن أخّرتنا إلى ذلك الأجل نجب دعوتك. ويحتمل أن يكون في قراءتهم عليهم السلام هكذا.

متن الحديث السادس والخمسمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْخَطَّابِ ؛ وَعِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ جَمِيعا ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ

ص: 149


1- . تفسير البيضاوي، ج 3، ص 354 مع التلخيص.
2- . راجع: الكشّاف، ج 3، ص 15؛ مجمع البيان، ج 3، ص 134؛ تفسير الرازي، ج 10، ص 184.
3- . راجع: التبيان، ج 3، ص 262؛ مجمع البيان، ج 3، ص 135.

حَسَّانَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَطِيَّةَ الزَّيَّاتِ ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ ، قَالَ :

سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام عَنِ النُّجُومِ : أَحَقٌّ هِيَ؟

فَقَالَ : «نَعَمْ ، إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ بَعَثَ الْمُشْتَرِيَ إِلَى الْأَرْضِ فِي صُورَةِ رَجُلٍ ، فَأَخَذَ رَجُلاً مِنَ الْعَجَمِ ، فَعَلَّمَهُ النُّجُومَ حَتّى ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ بَلَغَ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : انْظُرْ أَيْنَ الْمُشْتَرِي؟ فَقَالَ : مَا أَرَاهُ فِي الْفَلَكِ ، وَمَا أَدْرِي أَيْنَ هُوَ؟» .

قَالَ : «فَنَحَّاهُ وَأَخَذَ بِيَدِ رَجُلٍ مِنَ الْهِنْدِ ، فَعَلَّمَهُ حَتّى ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ بَلَغَ، وَقَالَ : انْظُرْ إِلَى الْمُشْتَرِي أَيْنَ هُوَ؟ فَقَالَ : إِنَّ حِسَابِي لَيَدُلُّ عَلَى أَنَّكَ أَنْتَ الْمُشْتَرِي» .

قَالَ : «وَشَهَقَ(1) شَهْقَةً فَمَاتَ ، وَوَرِثَ عِلْمَهُ أَهْلُهُ ، فَالْعِلْمُ هُنَاكَ» .

شرح

السند ضعيف.

قوله: (أحقٌّ هي؟ فقال: نعم) إلى آخره.

فيه دلالة على أنّ النجوم علامات للكائنات يعرفها أهله، لا أنّه يجوز تعليمه وتعلّمه واستخراج الأحكام منه لغير أهل العصمة عليهم السلام.

وقد ذكرنا سابقا ما يتعلّق بهذا الباب بما لا مزيد عليه.

وقوله: (في صورة رجل) يمكن أن يُراد به أنّ اللّه سبحانه جعله في ذلك الوقت حيّا عالما، وبعثه إلى الأرض لمصلحة، ولا استبعاد في ذلك بالنظر إلى القدرة القاهرة كما في جعل العصا حيّة، وإخراج الناقة من الجبل، ولا دلالة فيه على أنّ للسماويّات حياةً وشعورا،فلا ينافي ما نقله السيّد رحمه الله الإجماع على عدم شعورها وحياتها.(2)

متن الحديث السابع والخمسمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ صَالِحٍ ، عَمَّنْ أَخْبَرَهُ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : سُئِلَ عَنِ النُّجُومِ ؟

قَالَ(3) : «مَا يَعْلَمُهَا إِلاَّ أَهْلُ بَيْتٍ مِنَ الْعَرَبِ ، وَأَهْلُ بَيْتٍ مِنَ الْهِنْدِ» .

ص: 150


1- . في بعض نسخ الكافي: «وقال: فشهق».
2- . اُنظر: بحار الأنوار، ج 54، ص 128.
3- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «فقال».

شرح

السند مرسل.

قوله: (أهل بيتٍ من العرب) وهم أهل بيت العصمة عليهم السلام.

متن الحديث الثامن والخمسمائة

اشارة

حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ ، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ أَحْمَدَ الدِّهْقَانِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الطَّاطَرِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ بَيَّاعِ السَّابِرِيِّ ، عَنْ أَبَانٍ ، عَنْ صَبَّاحِ بْنِ سَيَابَةَ ، عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ ، قَالَ :

ذُهِبَ(1) بِكِتَابِ عَبْدِ السَّلاَمِ بْنِ نُعَيْمٍ وَسَدِيرٍ وَكُتُبِ غَيْرِ وَاحِدٍ إِلى أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلامحِينَ ظَهَرَتِ الْمُسَوِّدَةُ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ وُلْدُ الْعَبَّاسِ بِأَنَّا قَدْ قَدَّرْنَا أَنْ يَؤُولَ هذَا الْأَمْرُ إِلَيْكَ ، فَمَا تَرى؟

قَالَ : فَضَرَبَ بِالْكُتُبِ الْأَرْضَ ، ثُمَّ قَالَ : «أُفٍّ أُفٍّ ، مَا أَنَا لِهؤلاَءِ بِإِمَامٍ ، أَمَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ إِنَّمَا يَقْتُلُ السُّفْيَانِيَّ؟» .

شرح

السند مجهول.

قوله: (قال ذهب) على البناء للمفعول وقوله: (بكتاب عبد السلام بن نعيم وسدير) قائم مقام فاعله.

(وكتب غير واحد) من الشيعة، وكتب بضمّتين عطف على الكتاب، واحتمال كونه على صيغة الفعل عطفا على «ذهب» بعيد.

(حين ظهرت المسوِّدة).

يظهر من كلام صاحب القاموس أنّ المسوِّدة لقب بني العبّاس، وأنّها بتشديد الواو المكسورة؛ فإنّه قال: «المبيّضة _ كمحدّثة _ : فرقة من الثنويّة؛ لأنّهم يبيّضون ثيابهم، مخالفة للمسوِّدة من العبّاسيّين».(2)أقول: يحتمل أن يكون «المسوّدة» هنا بتشديد الدالّ، والظاهر أنّ المراد بهم

ص: 151


1- . هكذا في النسخة وبعض نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: «ذهبت».
2- . القاموس المحيط، ج 2، ص 326 بيض مع اختلاف يسير في اللفظ.

أبو مسلم المروزي وعساكره، لا بنو العبّاس، بقرينة قوله: (قبل أن يظهر ولد العبّاس).

وقوله: (بأنّا قد قدّرنا) إلى آخره، بيان لمضمون الكتب.

و«قدّرنا» بتشديد الدال، أي قدّرنا ذلك في أنفسنا، أو بتخفيفها من القدرة، أي قدرنا على ذلك بكثرة الأعوان.

ولعلّ المراد بقوله عليه السلام: (ما أنا لهؤلاء بإمام) أنّهم لاستعجالهم ظهور هذا الأمر قبل أوانه وعدم تسليمهم لإمامهم خارجون عن عِداد المؤتمّين بهم والمقتفين لآثارهم، أما يعلمون أنّه إنّما يقتل السفياني، أي من علامات ظهور دولة الحقّ قتل السفياني بعد خروجه، وهو لم يخرج بعدُ، ولم يُقتل، فكيف يصحّ لنا الخروج؟!

متن الحديث التاسع والخمسمائة

اشارة

أَبَانٌ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ :

سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «فِى بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ»(1)؟

قَالَ : «هِيَ بُيُوتُ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله» .

شرح

السند مجهول.

وحكم بعض الأفاضل بتوثيقه،(2) وهو سهو، قال اللّه عزّ وجلّ: «اللّه ُ نُورُ السَّمَوَاتِ

وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ» إلى قوله تعالى: «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّه ُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالاْصَالِ * رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّه ِ»(3) الآية.

قال البيضاوي:

«فِى بُيُوتٍ» بيوت متعلّق بما قبله، أي كمشكاة في بعض بيوت، أو توقد في بيوت، فيكون تقييدا للمثل [به] بما يكون تحبيرا ومبالغة فيه؛ فإنّ قناديل المساجد تكون أعظم، أو بما بعده وهو يسبّح، وفيها تكرير مؤكّد لا يذكر؛ لأنّه من صلة «أن» فلا

ص: 152


1- . النور 24: 36.
2- . هو العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 482.
3- . النور 24: 35 _ 37.

يعمل فيما قبله وبمحذوف مثل سبّحوا في بيوت، والمراد بها المساجد؛ لأنّ الصفات تلائمها. وقيل: المساجد الثلاث. والتنكير للتعظيم _ وقال: _ المراد بالرفع رفعها بالبناء، والعظيم والذِّكر عامّ فيما يتضمّن ذكره حتّى المذاكرة في أفعاله والمباحثة في أحكامه.(1)

(قال: هي بيوت النبيّ صلى الله عليه و آله).

قد تكرّر في الأخبار تفسير البيوت في هذه الآية وغيرها ببيوت الأئمّة عليهم السلام،(2) ولعلّ في جمع البيوت المضافة إلى النبيّ صلى الله عليه و آله إيماءً إلى ذلك فافهم. وقد روى المصنّف في كتاب الحجّة بإسناده عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال في قول اللّه عزّ وجلّ: «اللّه ُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ»: « فاطمة عليهاالسلام «فِيهَا مِصْبَاحٌ»: الحسن «مِصْبَاحٌ فِي زُجَاجَةٍ»: الحسين «الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّىٌّ»؛ فاطمة كوكبٌ درّي بين نساء أهل الدُّنيا» الحديث.(3)

أقول: المراد بالآية على هذا التفسير مدح أهل البيت عليهم السلام، والحثّ على اتّباعهم والاقتباس من آثارهم.

متن الحديث العاشر والخمسمائة

اشارة

أَبَانٌ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي الْعَلاَءِ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ : «دِرْعُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ذَاتُ الْفُضُولِ ، لَهَا حَلْقَتَانِ مِنْ وَرِقٍ فِي مُقَدَّمِهَا ، وَحَلْقَتَانِ مِنْ وَرِقٍ فِي مُؤخَّرِهَا» وَقَالَ : «لَبِسَهَا عَلِيٌّ عليه السلام يَوْمَ الْجَمَلِ» .

شرح

السند مجهول.

قوله: (درع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذات الفضول).

قال الجزري: «فيه: إنّ اسم درعه صلى الله عليه و آله كان ذات الفضول. وقيل: ذو الفضول؛ لفضلة كان فيها وسعة».(4)

ص: 153


1- . تفسير البيضاوي، ج 4، ص 191 مع التلخيص واختلاف في اللفظ.
2- . اُنظر: الكافي، ج 4، ص 559؛ كامل الزيارات، ص 119، ح 130؛ مجمع البيان، ج 7، ص 253.
3- . الكافي، ج 1، ص 195، ح 5.
4- . النهاية، ج 3، ص 456 فضل.

أقول: قوله عليه السلام: «درع رسول اللّه صلى الله عليه و آله» مبتدأ، و«ذات الفضول» بدل منها، أو صفتها.

وقوله: (لها حلقتان) خبر المبتدأ، والضمير للدرع؛ لأنّ درع الحديد مؤنّثة.

وقوله: (من ورق) بيان لحلقتان.

والورق _ مثلّثة وككتف وجبل _ : الدراهم المضروبة، والمراد هنا الفضّة.

متن الحديث الحادي عشر والخمسمائة

اشارة

أَبَانٌ ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ شُعَيْبٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : شَدَّ عَلِيٌّ عليه السلام عَلى بَطْنِهِ يَوْمَ الْجَمَلِ بِعِقَالٍ أَبْرَقَ نَزَلَ بِهِ جَبْرَئِيلُ عليه السلام مِنَ السَّمَاءِ ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَشُدُّ بِهِ عَلى بَطْنِهِ إِذَا لَبِسَ الدِّرْعَ» .

شرح

السند مجهول.

قوله: (بعقال ابرق).

قال الجوهرى: «العقال _ بالكسر _ : الحبل الذي يعقل به».(1)

وقال: «الأبرق: الحبل الذي فيه لونان، وكلّ شيء اجتمع فيه سواد و بياض فهو ابرق».(2)

متن الحديث الثاني عشر والخمسمائة

اشارة

أَبَانٌ ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ عُثْمَانَ قَالَ لِلْمِقْدَادِ : أَمَا وَاللّهِ لَتَنْتَهِيَنَّ أَوْ لَأَرُدَّنَّكَ إِلى رَبِّكَ

الْأَوَّلِ؟» .

قَالَ : «فَلَمَّا حَضَرَتِ الْمِقْدَادَ الْوَفَاةُ ، قَالَ لِعَمَّارٍ : أَبْلِغْ عُثْمَانَ عَنِّي أَنِّي قَدْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّيَ الْأَوَّلِ» .

شرح

السند مجهول.

ص: 154


1- . الصحاح، ج 5، ص 1771 عقل مع اختلاف يسير في اللفظ.
2- . الصحاح، ج 4، ص 1449 برق.

قوله: (لتنتهينّ) أي لتكفّن عمّا كنت تقول في ولاية عليّ عليه السلام وأحقّيته بالخلافة والإمامة،وعن القول في ذمّ الثلاثة وكفرهم وبدعهم.

وفي بعض النسخ: «لتنهينّ» من المجرّد المجهول.

قال الفيروزآبادي: «نهى وانتهى ونهي وأنهي _ مضمومتين _ ونَهى كسعى قليلة».(1)

وقوله: (أو لأردّنّك إلى ربّك الأوّل) تهديد له بالقتل مع عدم انتهائه عمّا ذكر، وكأنّه أراد بالربّ الأوّل ربّ العالمين، أو النبيّ صلى الله عليه و آله، فيكون تعريضا له بأنّ له ربّا ثانيا وهو أمير المؤمنين عليه السلام على سبيل التهكّم والتخطية.

وقيل: يحتمل أن يكون مراده بالربّ الأوّل الصنم الذي كانوا يعبدونه قبل الإسلام،(2) وهو كما ترى.

متن الحديث الثالث عشر والخمسمائة

اشارة

أَبَانٌ ، عَنْ فُضَيْلٍ وَعُبَيْدٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا حَضَرَ مُحَمَّدَ بْنَ أُسَامَةَ الْمَوْتُ ، دَخَلَتْ عَلَيْهِ بَنُو هَاشِمٍ ، فَقَالَ لَهُمْ : قَدْ عَرَفْتُمْ قَرَابَتِي وَمَنْزِلَتِي مِنْكُمْ ، وَعَلَيَّ دَيْنٌ ، فَأُحِبُّ أَنْ تَضْمَنُوهُ عَنِّي .

فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهماالسلام : أَمَا وَاللّهِ(3) ثُلُثُ دَيْنِكَ عَلَيَّ ، ثُمَّ سَكَتَ وَسَكَتُوا ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهماالسلام : عَلَيَّ دَيْنُكَ كُلُّهُ ، ثُمَّ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهماالسلام : أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَضْمَنَهُ أَوَّلاً إِلاَّ كَرَاهَةَ(4) أَنْ يَقُولُوا : سَبَقَنَا» .

شرح

السند مجهول.

قوله: (محمّد بن اُسامة)؛ كأنّه ابن اُسامة بن زيد بن شرحبيل الكلبي مولى رسول اللّه صلى الله عليه و آله.

وقوله: (قرابتي)؛ كأنّه أراد القرابة المعنويّة بسبب الإسلام.

وفي هذا الخبر [دلالة] على استحباب إجابة المؤمن وعلى صحّة ضمان البرى ء

ص: 155


1- . القاموس المحيط، ج 4، ص 398 نهي.
2- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 483.
3- . في بعض نسخ الكافي والوافي: - «أما واللّه ».
4- . في الطبعة القديمة: «كراهيّة».

وترك المبادرة في الخيرات والاستبداد بها إذا أمكن أن يكون للجلساء والأصدقاء أيضا فيها نصيب.

متن الحديث الرابع عشر والخمسمائة

اشارة

أَبَانٌ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «كَانَتْ نَاقَةُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله الْقَصْوى(1)، إِذَا نَزَلَ عَنْهَا عَلَّقَ عَلَيْهَا زِمَامَهَا» .

قَالَ : «فَتَخْرُجُ فَتَأْتِي الْمُسْلِمِينَ(2)، فَيُنَاوِلُهَا الرَّجُلُ الشَّيْءَ ، وَيُنَاوِلُهُ(3) هذَا الشَّيْءَ ، فَلاَ تَلْبَثُ أَنْ تَشْبَعَ» .

قَالَ : «فَأَدْخَلَتْ رَأْسَهَا فِي خِبَاءِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ ، فَتَنَاوَلَ عَنَزَةً ، فَضَرَبَ بِهَا عَلى رَأْسِهَا ، فَشَجَّهَا ، فَخَرَجَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، فَشَكَتْهُ» .

شرح

السند مجهول.

قوله: (القصوى) كذا في النسخ، والموافق للقياس وتصريح أهل اللّغة(4) القصواء بالمدّ،وهو عطف بيان للناقة، أو صفة.

قال الجزري:

في الحديث: إنّه خطب على ناقته القصواء، وهو لقب ناقة رسول اللّه صلى الله عليه و آله. والقصواء:

الناقة التي قطع طرف اُذنها، وكلّ ما قطع من الاُذن فهو جدع، فإذا بلغ الربع فهو قصو، وإذا جاوز فهو عضب. ولم تكن ناقة النبيّ صلى الله عليه و آله قصواء، وإنّما كان هذا لقبا لها.

وقيل: كانت مقطوعة الاُذن.(5) انتهى.

و(سُمرة) بالضمّ، و(جندب) كقنفذ ودرهم.

ص: 156


1- . في كلتا الطبعتين: «القصواء» بالمدّ.
2- . في الطبعة القديمة: + «قال».
3- . في كثير من نسخ الكافي والوافي: «ويناولها».
4- . اُنظر: الصحاح، ج 6، ص 2463؛ النهاية، ج 4، ص 75 قصا؛ القاموس المحيط، ج 4، ص 378 (قصو).
5- . النهاية، ج 4، ص 75 قصا مع التلخيص.

وقيل: كان سمرة منافقا.(1)

و(العنزة) _ بالتحريك _ : رميح بين العصا والرّمح فيه زُجٌّ.

وقوله: (فشكته) إمّا بالإشارة، أو بالقول واللّسان. وعلى التقديرين هو من معجزاته صلى الله عليه و آله.

متن الحديث الخامس عشر والخمسمائة

اشارة

أَبَانٌ ، عَنْ رَجُلٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ مَرْيَمَ عليه السلام حَمَلَتْ بِعِيسى عليه السلام تِسْعَ سَاعَاتٍ كُلُّ سَاعَةٍ شَهْرا» .

شرح

السند مجهول.

قوله: (حملت لعيسى) إلى آخره.

قال البيضاوي: «كانت مدّة حملها سبعة أشهر. وقيل: ثمانية. ولم يعش مولود وضع لثمانية غيره. وقيل: ساعة، كما حملته نبذته»(2) انتهى.

والظاهر أنّ المراد بقوله عليه السلام: (كلّ ساعة شهر)؛ لأنّ كلّ ساعة كانت بمنزلة شهر يربّى فيها مثل ما يربّى الجنين الآخر في شهر، ولعلّ نصب «شهرا» على الخبريّة ل «كان» المقدّرة.

وقال بعض الشارحين:

الظاهر أن يكون «شهر» مرفوعا على الخبر، أي كلّ ساعة لها شهر لغيرها ولكنّه في النسخ التي رأيناها منصوب، فكان ناصبه مقدّرا، أي كلّ ساعة تعدّ أو تماثل شهرا، أو بدل عن «تسع ساعات»؛ أي حملت شهرا في كلّ ساعة.(3)

ثمّ الظاهر [أنّ] حمله على الظاهر و حمله على القبض والبسط في الزمان بأن يكون زمان حملها تسعة أشهر لغيرها، وتسع ساعات لها، على نحو ما مرّ سابقا في المكان،بعيد جدّا.

ص: 157


1- . نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 469 بعنوان «قيل».
2- . تفسير البيضاوي، ج 4، ص 10.
3- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 470.

متن الحديث السادس عشر والخمسمائة

اشارة

أَبَانٌ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ ، قَالَ :

قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : إِنَّ الْمُغَيِّرَةَ(1) يَزْعُمُونَ أَنَّ هذَا الْيَوْمَ لِهذِهِ اللَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ ، فَقَالَ : كَذَبُوا ، هذَا الْيَوْمُ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ ؛ إِنَّ أَهْلَ بَطْنِ نَخْلَةَ حَيْثُ رَأَوُا الْهِلاَلَ قَالُوا : قَدْ دَخَلَ الشَّهْرُ الْحَرَامُ» .

شرح

السند مجهول.

قوله: (إنّ المغيِّرة) كأنّه بكسر الياء المشدّدة اسم فاعل من التغيير، أو المراد الفرقة أو الطائفة المغيّرة لأحكام الدِّين؛ يعني العامّة.

وروي عن الصادق عليه السلام: «أنّهم غيّروا كلّ شيء من أحكام الدِّين إلاّ استقبال الكعبة في الصلاة».(2)

وفي بعض النسخ: «المغيريّة» وهم أتباع المغيرة بن سعيد.

قال العلاّمة في الخلاصة: «إنّ أبا جعفر عليه السلام قال: إنّه [كان] يكذب علينا، وكان يدعو إلى محمّد بن عبد اللّه بن الحسن في أوّل أمره».(3)

(يزعمون أنّ هذا اليوم) إشارة إلى اليوم الحاضر.

(لهذه الليلة المستقبلة).

قيل: كان بناء هذا الزعم على أنّ النهار مقدَّم على الليل.

(فقال: كذبوا) إلى آخره.

لا يبعد أن يتمسّك بمثل هذا الخبر على تقدّم الليل على النهار.

وقوله: (إنّ أهل بطن نخلة) إلى آخره، إشارة إلى وضوح ذلك عند الناس، وبيانه ما روي: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آلهبعث عبد اللّه بن جحش ابن عمّته مع ثمانية _ وقيل: إثنى عشر _ من المهاجرين،

ص: 158


1- . هكذا في النسخة وبعض نسخ الكافي و شرح المازندراني. وفي كلتا الطبعتين: «المغيريّة».
2- . روي قريب منه في: المحاسن، ج 1، ص 156، ح 89؛ الفصول المهمّة، ج 1، ص 578، ح 884.
3- . خلاصة الأقوال، ص 411، الرقم 9.

وأمره أن ينزل بطن نخلة بين مكّة والطائف، فيرصد عير قريش، وكان ذلك في شهر جمادى الآخرة من شهور سنة اثنين من الهجرة قبل بدر بشهرين، فانطلقوا حتّى هبطوا بطن نخلة، فوجدوا بها عمرو بن الحضرمي في عير تجّار قريش في غرّة رجب، وكانوا يرون أنّه من جمادى الآخرة، وقد طلبوا الهلال في الليلة الماضية، فلم يروه، فاختلفوا لذلك وتردّدوا،فقال قائلٌ منهم: لا ندري أنّ هذا اليوم من الشهر الحرام أم لا، وهذا غنم رزقتموه. وقال بعضهم: لا نعلم هذا اليوم إلاّ من الشهر الحرام، ولا نرى أن تستحلّوه لطمع أشفيتم عليه. ثمّ اتّفقوا بعد الاختلاف على قطع العير، فشدّوا على ابن الحضرمي فقتلوه، وساقوا العير وغنموها، فقال أهل بطن نخلة: إنّا قد رأينا الهلال في الليلة الماضية، وشنّعوا على المسلمين باستحلال القتال في الشهر الحرام، فلمّا بلغ ذلك مشركي مكّة، وقد رهط منهم إلى النبيّ صلى الله عليه و آله، فيسألونه عن القتال في الشهر الحرام، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: «يَسْأَلُونَكَ عَنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللّه ِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللّه ِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنْ الْقَتْلِ»(1) أي ما يرتكبونه من إخراج أهل المسجد الحرام وهم المؤمنون والنبيّ، والشرك باللّه وتعذيب أهل الإيمان وصدّهم عن دين اللّه أفظع وأشنع من قتل ابن الحضرمي.(2)

واختلفت الروايات في قبول تلك الغنيمة وردّها؛ ففي بعضها: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آلهأخذ تلك الغنيمة وأخرج منها الخمس، وقسّم الباقي بين أصحاب السّريّة.(3) وفي بعضها: أنّه صلى الله عليه و آله ردّها إلى أهلها.(4) وفي بعضها: أنّها قسّمت بعد وقعة بدر مع غنائمه،(5) واللّه أعلم.

متن الحديث السابع عشر والخمسمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَلاَّرٍ أَبِي عَمْرَةَ ، عَنْ أَبِي مُرٍّ(6) الثَّقَفِيِّ ،

ص: 159


1- . البقرة 2: 217.
2- . راجع: تفسير القمّي، ج 1، ص 71؛ مجمع البيان، ج 2، ص 74؛ الكشّاف، ج 1، ص 356؛ تفسير الرازي، ج 6، ص 31؛ تفسير البيضاوي، ج 1، ص 500.
3- . راجع: تفسير الثعلبي، ج 2، ص 140؛ أسباب نزول الآيات للواحدي، ص 43؛ تفسير البغوي، ج 1، ص 189.
4- . نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 471 بعنوان «قيل».
5- . نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 471 بعنوان «قيل».
6- . في الطبعة القديمة: «أبي مريم».

عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ ، قَالَ :

بَيْنَا أَنَا عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله إِذْ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : «إِنَّ الشِّيعَةَ الْخَاصَّةَ الْخَالِصَةَ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ» .

فَقَالَ عُمَرُ : يَا رَسُولَ اللّهِ ، عَرِّفْنَاهُمْ حَتّى نَعْرِفَهُمْ .

فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله: «مَا قُلْتُ لَكُمْ إِلاَّ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُخْبِرَكُمْ» ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله: «أَنَا الدَّلِيلُ عَلَى اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ وَعَلِيٌّ نَصْرُ الدِّينِ ، وَمَنَارُهُ أَهْلُ الْبَيْتِ ، وَهُمُ الْمَصَابِيحُ الَّذِينَ يُسْتَضَاءُ بِهِمْ» .

فَقَالَ عُمَرُ : يَا رَسُولَ اللّهِ ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ قَلْبُهُ مُوَافِقا لِهذَا؟

فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : «مَا وُضِعَ الْقَلْبُ فِي ذلِكَ الْمَوْضِعِ إِلاَّ لِيُوَافِقَ أَوْ لِيُخَالِفَ ، فَمَنْ كَانَ قَلْبُهُ مُوَافِقا لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ كَانَ نَاجِيا ، وَمَنْ كَانَ قَلْبُهُ مُخَالِفا لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ كَانَ هَالِكا» .

شرح

السند مجهول.

قوله صلى الله عليه و آله: (إنّ الشيعة الخاصّة الخالصة) هم الذين يتابعونه صلى الله عليه و آله في أفعاله وأقواله جميعا.

وقوله: (منّا أهل البيت) خبر «إنّ».

وفي هذا تصريح بأنّ خلّص الشيعة في عداد أهل بيت النبوّة.

وقوله: (عليّ نصرالدِّين) يعني أنّه عليه السلام ناصر الدِّين ومُعين أهله، والحمل على المبالغة؛ لكونه عليه السلام كاملاً في أحكام الدِّين، مروّجا له، دافعا عنه باللِّسان والسّنان، حافظا له من الزيادة والنقصان.

(ومناره) بالهاء. وفي بعض النسخ بالتاء.

والمنار والمنارة: موضع النور، والمسرجة، أي ما يوضع فيه السّراج، والمراد أنّه عليه السلام محلّ أنوار العلوم الإلهيّة التي يهتدى ويستضاء بها.

(أهل البيت) خبر مبتدأ محذوف، أو منصوب بتقدير «أعني». وعلى نسخة التاء مجرور على الإضافة.

ولعلّ المراد بأهل البيت حينئذٍ الشيعة الخلّص المذكورون، أو ما يعمّ الأئمّة عليهم السلام.

(وهم المصابيح الذين يُستضاء بهم).

ضمير الجمع في الموضعين راجع إلى أهل البيت بأحد المعنيين، والظاهر أنّ الموصول

ص: 160

مع صلته خبر آخر لقوله: «هم»، وأنّه إشارة إلى وجه التشبيه لتشبيههم بالمصابيح؛ يعني هم الذين يستضيء بهم سائر الخلق في ظلمات الجهل، كما يستضيؤون بأنوار المصابيح في ظلمات الليل.

وقوله عليه السلام: (إلاّ ليوافق أو ليخالف) أي ليختبر فيظهر موافقته أو مخالفته.

متن الحديث الثامن عشر والخمسمائة

اشارة

أَحْمَدُ(1) ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ قُتَيْبَةَ الْأَعْشى ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ : «عَادَيْتُمْ فِينَا الاْبَاءَ وَالْأَبْنَاءَ وَالْأَزْوَاجَ ، وَثَوَابُكُمْ عَلَى اللّهِ عَزَّوَجَلَّ، أَمَا إِنَّ أَحْوَجَ مَا تَكُونُونَ إِذَا بَلَغَتِ الْأَنْفُسُ إِلى هذِهِ» وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلى حَلْقِهِ .

شرح

السند صحيح.

قوله: (أحوج ما تكونون) يعني في وقت تكون حاجتكم إلينا وإلى ولايتنا أشدّ وأكثر.

قال الفيروزآبادي: «الحوج: السلامة، والاحتياج. وقد حاج واحتاج. وبالضم: الفقر. والحاجة معروف»(2) انتهى.

وقال بعض الشارحين:

أي أسلم وقت تكونون فيه وقت بلوغ النفس إلى الحلق، فإنّكم ترون فيه من الروح والراحة ما لا يخطر على قلب بشر، أو أشدّ وقت تكونون محتاجين إلى الثواب والكرامة هو هذا الوقت، فلذا أخّره إليه، انتهى، فتأمّل.(3)

متن الحديث التاسع عشر والخمسمائة

اشارة

عَنْهُ(4) ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيًّ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْحَمَّارِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ

ص: 161


1- . السند معلّق على سابقه، ويروي عن أحمد، محمّد بن يحيى.
2- . القاموس المحيط، ج 1، ص 184 حوج مع التلخيص.
3- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 471.
4- . الضمير راجع إلى محمّد بن يحيى المذكور في سند الحديث 517.

يَسَارٍ(1) ، قَالَ :

اسْتَأْذَنَّا عَلى أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام أَنَا وَالْحَارِثُ بْنُ الْمُغِيرَةِ النَّصْرِيُّ(2) وَمَنْصُورٌ الصَّيْقَلُ ، فَوَاعَدْنَا دَارَ طَاهِرٍ مَوْلاَهُ ، فَصَلَّيْنَا الْعَصْرَ ، ثُمَّ رُحْنَا(3) إِلَيْهِ، فَوَجَدْنَاهُ(4) مُتَّكِئا عَلى سَرِيرٍ قَرِيبٍ مِنَ الْأَرْضِ ، فَجَلَسْنَا حَوْلَهُ ، ثُمَّ اسْتَوى جَالِسا ، ثُمَّ أَرْسَلَ رِجْلَيْهِ حَتّى وَضَعَ قَدَمَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ ، ثُمَّ قَالَ : «الْحَمْدُ لِلّهِ(5) ذَهَبَ النَّاسُ يَمِينا وَشِمَالاً : فِرْقَةٌ مُرْجِئَةٌ ، وَفِرْقَةٌ خَوَارِجُ ، وَفِرْقَةٌ قَدَرِيَّةٌ ، وَسُمِّيتُمْ أَنْتُمُ التُّرَابِيَّةَ» . ثُمَّ قَالَ بِيَمِينٍ مِنْهُ : «أَمَا وَاللّهِ، مَا هُوَ إِلاَّ اللّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَرَسُولُهُ وَآلُ رَسُولِهِ صلى الله عليه و آلهوَشِيعَتُهُمْ كَرَّمَ اللّهُ وُجُوهَهُمْ ، وَمَا كَانَ سِوى ذلِكَ فَلاَ ، كَانَ عَلِيٌّ وَاللّهِ أَوْلَى النَّاسِ بِالنَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله» يَقُولُهَا ثَلاَثا .

شرح

السند موثّق على الظاهر. وفي بعض النسخ: «سعيد بن بشّار»، فالسند مجهول.

قوله: (استأذنا على أبي عبد اللّه عليه السلام) يعني أردنا أن نروح إلى بابه، ونطلب الإذن في الدخول عليه.

وقوله: (رُحْنا).

في القاموس: «الرواح: العشي، أو من الزوال إلى الليل. ورحنا رواحا: سرنا فيه».(6)

وقوله: (الترابيّة) أي المنسوبين إلى أبي تراب.

والضمير في قوله: (ثمّ قال بيمين منه) لأبي عبد اللّه عليه السلام.

وقوله: (أما واللّه ) بيان لليمين.

ولعلّ الضمير المرفوع في قوله: (ما هو إلاّ اللّه ) راجع إلى المعبود بالحقّ، والذي يدلّ إليهويعمل له الذي ينبغي أن يتديّن به ويقتدى له.

وقيل: إلى الشيء الموصوف بحقيقة الشيئيّة، أو إلى الموجود بالحقيقة بقرينة المقام.(7)

ص: 162


1- .في بعض نسخ الكافي: «بشار».
2- . في بعض نسخ الكافي: «النضري».
3- . في بعض نسخ الكافي: «رجعنا».
4- . في الطبعة القديمة: «فوجدنا».
5- . في الطبعة القديمة: + «الذي».
6- . القاموس المحيط، ج 1، ص 225 روح.
7- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 472.

وقوله: (وما كان سوى ذلك فلا) أي فلا خير في التديّن به والاقتداء له.

و(كان عليّ واللّه ) إلى آخره، استئناف من كلام منه عليه السلام.

متن الحديث العشرين والخمسمائة

اشارة

عَنْهُ(1) ، عَنْ أَحْمَدَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُسْتَوْرِدِ النَّخَعِيِّ ، عَمَّنْ رَوَاهُ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ(2) الدُّنْيَا لَيَطَّلِعُونَ عَلَى(3) الْوَاحِدِ وَالاِثْنَيْنِ وَالثَّلاَثَةِ ، وَهُمْ يَذْكُرُونَ فَضْلَ آلِ مُحَمَّدٍ عليهم السلام ، فَيَقُولُونَ : أَ مَا تَرَوْنَ هؤلاَءِ فِي قِلَّتِهِمْ وَكَثْرَةِ عَدُوِّهِمْ يَصِفُونَ فَضْلَ آلِ مُحَمَّدٍ عليهم السلام؟ فَتَقُولُ(4) الطَّائِفَةُ الْأُخْرى مِنَ الْمَلاَئِكَةِ : ذلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ» .

شرح

السند مرسل .

متن الحديث الواحد والعشرين والخمسمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَنْظَلَةَ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «يَا عُمَرُ ، لاَ تَحْمِلُوا عَلى شِيعَتِنَا ، وَارْفُقُوا بِهِمْ ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لاَ يَحْتَمِلُونَ مَا تَحْمِلُونَ» .

شرح

السند حسن كالصحيح.

قوله: (لا تحملوا على شيعتنا) إلى آخره.

يُقال: حمله على الأمر _ كضربه _ : إذا أغراه به. وحمل على نفسه في السّير: إذا أجهدها فيه. وحمّله الأمر تحميلاً، أي كلّفه حمله.

ص: 163


1- . الضمير حاله كحال الضمير في «عنه» في السند السابق.
2- . في الطبعة القديمة: «سماء».
3- . في أكثر نسخ الكافي والوافي: «إلى».
4- . في بعض نسخ الكافي: «فيقول».

والرفق: ضدّ العنف. وقيل: رفق به كنصر.

ولعلّ المراد بالشيعة هنا ضعفاؤهم، أو أوساطهم، أي لا تكلّفونهم بما يشقّ عليهم في العلم والعمل؛ فإنّهم لا يقدرون على احتمال ما يحتمله الكمّل من العلماء والأقوياء، بل ادعوهم إلى العلم والعمل برفق ليكملوا.

روى المصنّف رحمه الله في الاُصول عن أبي جعفر عليه السلام: «أنّ المؤمنين على منازلهم؛ منهم على واحدة، ومنهم على اثنين، ومنهم على ثلاث _ حتّى عدّ إلى السبع _ فلو ذهبت تحمل على صاحب الواحدة اثنتين لم يقو، وعلى صاحب الثنتين ثلاثا لم يقو _ حتّى عدّ إلى السبع _ وعلى هذه الدرجات»(1).

وفي حديث آخر: «إذا رأيت من هو أسفل منك بدرجة فارفعه إليك برفق، ولا تحملن عليه ما لا يطيق فتكسره، ومن كسر مؤمنا فعليه جبره»(2).

وقيل في شرح حديث الكتاب: المراد التحريض على التقيّة؛ أي لا تحمّلوا الناس بترك التقيّة على رقاب شيعتنا.

(وارفقوا بهم) أي بالمخالفين؛ فإنّهم لا يصبرون على أذاكم كما تصبرون عنهم، ولا يخفى بُعده من العبارة.(3)

متن الحديث الثاني والعشرين والخمسمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُمِّيُّ ، عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الصَّلْتِ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ حُسَيْنٍ الْجَمَّالِ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى : «رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاّنا مِنَ الْجِنِّ وَالاْءِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ»(4) قَالَ : «هُمَا» ثُمَّ قَالَ : «وَكَانَ فُلاَنٌ شَيْطَانا» .

ص: 164


1- . الكافي، ج 2، ص 45، ح 3 مع التلخيص واختلاف يسير في اللفظ.
2- . الكافي، ج 2، ص 45، ح 2.
3- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 487.
4- . فصّلت 41: 29.

شرح

السند مجهول، أو موثّق على أن يكون حسين الجمّال ابن أبي سعيد المكاري.

قوله: (في قول اللّه عزّ وجلّ) في سورة حم فصّلت: «وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا» أي يقولون في القيامة.

«رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنْ الْجِنِّ وَالاْءِنْسِ».

قال البيضاوي: «يعني شيطاني النوعين الحاملين على الضلالة والعصيان. وقيل: هما إبليس وقابيل؛ فإنّهما سنّا الكفر والقتل».(1)

«نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا».

قيل: أي ندسّهما ونطأهما انتقاما منهما وإذلالاً لهما.(2)

وقيل: نجعلهما في الدرك الأسفل.(3)

«لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ».

قيل: يعني أسفل منّا مكانا أو ذلاًّ.(4)

وعن ابن عبّاس: ليكونا أشدّ عذابا منّا.(5)

(قال هما) يعني أبا بكر وعمر، والظاهر أنّه تفسير للجنّ والإنس.

وقوله: (وكان فلان شيطانا)؛ يعني أنّ عثمان أيضا كان شيطانا، فيندرج في الجنّ.

وقيل: الظاهر أنّه عليه السلام فسّر الإنس بهما والجنّ بالثالث.(6)

وقيل: المراد بفلان عمر، أي الجنّ المذكور في الآية عمر، وإنّما سمّي به لأنّه كان شيطانا؛ إمّا لأنّه كان شرك شيطان لكونه ولد زنا، أو لأنّه في المكر والخديعة كالشيطان،وعلى الأخير يحتمل العكس بأن يكون المراد بفلان أبا بكر،(7) انتهى.

أقول: يفهم من هذا الخبر أنّ المراد بالآية التالية لهذه الآية عليّ عليه السلام وشيعته.

ص: 165


1- . تفسير البيضاوي، ج 5، ص 114.
2- . اُنظر: مجمع البيان، ج 9، ص 20.
3- . نقله البيضاوي في تفسيره، ج 5، ص 114 بعنوان «قيل».
4- . تفسير البيضاوي، ج 5، ص 114.
5- . نقل عنه الطبرسى رحمه الله في مجمع البيان، ج 9، ص 20.
6- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 473.
7- . القائل هو العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 488.

متن الحديث الثالث والعشرين والخمسمائة

اشارة

يُونُسُ ، عَنْ سَوْرَةَ بْنِ كُلَيْبٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى : «رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاّنا مِنَ الْجِنِّ وَالاْءِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ»(1) قَالَ : «يَا سَوْرَةُ ، هُمَا وَاللّهِ هُمَا» ثَلاَثا «وَاللّهِ يَا سَوْرَةُ ، إِنَّا لَخُزَّانُ عِلْمِ اللّهِ فِي السَّمَاءِ ، وَإِنَّا لَخُزَّانُ عِلْمِ اللّهِ فِي الْأَرْضِ» .

شرح

السند مجهول.

قوله: (إنّا لخزّان علم اللّه في السماء).

قيل: أي بين أهل السماء والأرض، أو العلوم السماويّة والأرضيّة.(2)

وقيل: اُمور السماء واُمور الأرض، أو حال كوننا في السماء وفي الأرض؛ يعني في عالم المثال وعالم الشهود.(3)

متن الحديث الرابع والعشرين والخمسمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْجَعْفَرِيِّ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام يَقُولُ فِي قَوْلِ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى : «إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ»(4) قَالَ : «يَعْنِي فُلاَنا وَفُلاَنا وَأَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ» .

شرح

السند صحيح.

ص: 166


1- . فصّلت 41: 29.
2- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 488.
3- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 473.
4- . النساء 4: 108.

قوله: «إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنْ الْقَوْلِ».

قال الجوهري: «بيّت أمرا، أي دبّره ليلاً، ومنه قوله تعالى: «إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنْ الْقَوْلِ»»(1).

وقوله: (يعني فلانا وفلانا وأبا عبيدة بن الجرّاح) تفسير لمرجع ضمير الجمع في الآية، وهو إشارة إلى ما دبّر العمران وأبو عبيدة، وشاركهم عبد الرحمن بن عوف وسالم مولى أبي حذيفة والمغيرة بن شعبة في أن يخرجوا الخلافة من آل الرسول، وكتبوا بذلك صحيفة عند الكعبة وتعاقدوا على ذلك، فأخبر اللّه تعالى نبيّه بذلك.(2)

متن الحديث الخامس والعشرين والخمسمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ مُحَمَّدِ(3) بْنِ إِسْمَاعِيلَ وَغَيْرِهِ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ يُونُسَ ، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ النَّجَاشِيِّ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ فِي قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ ما فِى قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِى أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغا»(4) : «يَعْنِي وَاللّهِ فُلاَنا وَفُلاَنا؛ «وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوّابا رَحِيما»(5)

[يَعْنِي وَاللّهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آلهوَعَلِيّا عليه السلام مِمَّا صَنَعُوا ، يَعْنِيْ(6) لَوْ جَاؤُوكَ بِهَا يَا عَلِيُّ ، فَاسْتَغْفَرُوا اللّهَ مِمَّا صَنَعُوا ، وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ ، لَوَجَدُوا اللّهَ تَوَّابا رَحِيما]».

«فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ» فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «هُوَ وَاللّهِ عَلِيٌّ بِعَيْنِهِ «ثُمَّ لا يَجِدُوا فِى أَنْفُسِهِمْ حَرَجا مِمّا قَضَيْتَ» عَلى لِسَانِكَ يَا رَسُولَ اللّهِ، يَعْنِي بِهِ مِنْ وَلاَيَةِ عَلِيٍّ «وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيما»(7) لِعَلِيٍّ» .

ص: 167


1- . الصحاح، ج 1، ص 245 بيت.
2- . راجع: الصراط المستقيم، ج 3، ص 153.
3- . في الطبعة القديمة: «ومحمّد» بدل «عن محمّد».
4- . النساء 4: 63.
5- . النساء 4: 64.
6- . هكذا في النسخة وبعض نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: «أي».
7- . النساء 4: 65.

شرح

السند مجهول.

قوله: (قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول في قول اللّه عزّ وجلّ؛ «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ _ إلى قوله تعالى: _ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّه ُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ».

قال البيضاوي:

يعني من النفاق، فلا يُغني عنهم الكتمان والحلف الكاذب من العقاب.

«فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) أي عن عقابهم؛ لمصلحة في استبقائهم، أو عن قبول معذرتهم.

«وَعِظْهُمْ» بلسانك، وكفّهم عمّا هم عليه.

«وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ» في معنى أنفسهم، أو خاليا بهم؛ فإنّ النصح في السرّ أنجع.

«قَوْلاً بَلِيغا»(1) يبلغ منهم، ويؤثّر فيهم أمرهم بالتجافي عن ذنوبهم والنصح لهم، والمبالغة فيه بالترغيب والترهيب؛ وذلك [مقتضى] شفقة الأنبياء، وتعليق الظرف ب «بليغا» على معنى بليغا في أنفسهم مؤثّرا فيها ضعيف؛ لأنّ معمول الصفة لا يتقدّم [على] الموصوف، والقول البليغ في الأصل هو الذي يطابق مدلوله المقصود به.(2)

وقوله عليه السلام: (يعني واللّه فلانا وفلانا) تفسير للمشار إليهم ب «اُولئك»، وأنّ العمرين ومشاركيهما هم المنافقون المذكورون.

«وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّه ِ» بسبب إذنه في طاعته، وأمره المبعوث إليهم بأن يطيعوه.

«وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ» بالنفاق، أو التحاكم إلى الطاغوت.

«جَاءُوكَ» تائبين من ذلك، وهو خبر «أنّ»، و«إذ» متعلّق بقوله: «فاسْتَغْفَرُوا اللّه َ» بالتوبة والإخلاص.

«وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ» واعتذروا إليك حتّى نصبت لهم شفيعا، وإنّما عدل عنالخطاب تفخيما لشأنه وتنبيها على أنّ من حقّ الرسول أن يقبل اعتذار التائب وإن عظم جرمه ويشفع له.

ص: 168


1- . النساء 4: 60 _ 63.
2- . تفسير البيضاوي، ج 2، ص 209.

«لَوَجَدُوا اللّه َ تَوَّابا رَحِيما»(1) لعلموه قابلاً لتوبتهم متفضّلاً عليهم بالرحمة، وإن فسّر وجد بصادف كان «توّابا» حالاً و«رحيما» بدل منه، هكذا ذكره المفسّرون.(2)

والظاهر أنّ قوله عليه السلام: (يعني واللّه النبيّ صلى الله عليه و آله وعليّا عليه السلام) تفسير للرسول، والخطاب في «جاؤوك» وقوله: (ممّا صنعوا) تفسير لقوله تعالى: «إِذْ ظَلَمُوا»؛ يعني أنّ المراد بظلمهم ما صنعوا بهما عليهماالسلاممن ردّ أمر الرسول صلى الله عليه و آلهوإنكار ولاية عليّ عليه السلاموتعاهدهم على ردّ الخلافة عنه، ولمّا كان ثمرة الظلم عائدة إلى أنفسهم نسب إليها.

وقوله (يعني لو جاؤك بها يا عليّ) إلى آخره، بيان لحاصل المعنى ولفظة «بها» ليست في تفسير علي بن إبراهيم(3) وهو أظهر. وعلى ما في نسخ الكتاب لعلّ الباء للتعدية، والضمير عائد إلى الخلافة.

«فَلاَ وَرَبِّكَ».

قال البيضاوي:

أي فوربّك، و«لا» مزيدة لتأكيد القسم، لا لتظاهر «لا» في قوله: «لاَ يُؤْمِنُونَ»؛ لأنّها تزاد [أيضا] في الإثبات كقوله تعالى: «لاَ أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ»(4).(5)

«حَتَّى يُحَكِّمُوكَ» أي يجعلوك حاكما.

قال الجوهري: «يُقال: حكمته في مالي تحكيما: إذا جعلت إليه الحكم [فيه]».(6)

«فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ» أي فيما اختلف منهم واختلط. يُقال: شجر الأمر بينهم _ كنصر _ شجورا: إذا تنازعوا واختلفوا فيه. قيل: ومنه الشجر؛ لتداخل أغصانه.(7)

(فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: هو واللّه علي بعينه).

الظاهر أنّ الضمير المرفوع راجع إلى المخاطب.

ص: 169


1- . النساء 4: 64.
2- . تفسير البيضاوي، ج 2، ص 210. وراجع: الكشّاف، ج 1، ص 538؛ مجمع البيان، ج 1، ص 467؛ تفسير أبي السعود،ج 2، ص 197.
3- . تفسير القمّي، ج 1، ص 142.
4- . البلد 90: 1.
5- . تفسير البيضاوي، ج 2، ص 210.
6- . الصحاح، ج 5، ص 1902 حكم. وليس فيه: «تحكيما».
7- . راجع: الكشّاف، ج 1، ص 538؛ تفسير البيضاوي، ج 2، ص 211.

وقيل: يحتمل أن يُراد به أنّ المراد بما شجر بينهم ما شجر بينهم في أمر عليّ عليه السلام وخلافته عليه السلام.(1)

«ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجا مِمَّا قَضَيْتَ».

قال البيضاوي: «أي ضيّقا ممّا حكمت به، أو من حكمك، أو شكا من أجله؛ فإنّ الشاكّ في ضيق من أمره».(2)

وظاهر قوله عليه السلام: (على لسانك يا رسول اللّه ) أنّه كان قراءتهم عليهم السلام قضيت على صيغة التكلّم. ويحتمل كونه بيانا لحاصل المعنى؛ أي المراد بقضاء الرسول صلى الله عليه و آله ما يقضي اللّه على لسانه.

والضمير في قوله: (يعني به) للموصول.

وكلمة «من» في قوله: (من ولاية عليّ عليه السلام) للتبيين.

(«وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيما» لعليّ عليه السلام) أي ينقادون له أو لك فيما أمرتهم من ولايته عليه السلامانقيادا بظاهرهم وباطنهم.

وقيل: يحتمل أن يُراد بالتسليم هنا الإخبات، وهو الخشوع والتواضع.(3) وورد في بعض الأخبار تفسيره بذلك،(4) وروى عليّ بن إبراهيم بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك يا عليّ فاستغفروا اللّه واستغفر لهم الرسول لوجدوا اللّه توّابا رحيما، هكذا نزلت». ثمّ قال: «فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ(5) فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ» يعني فيما تعاهدوا وتعاقدوا عليه بينهم من خلافك وغصبك، «ثُمَّ لا يَجِدُوا فِى أَنْفُسِهِمْ حَرَجا مِمّا قَضَيْتَ» عليهم يا محمّد على لسانك من ولايته «وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيما» لعليّ عليه السلام».(6)

متن الحديث السادس والعشرين والخمسمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ مُعَمَّرِ بْنِ خَلاَّدٍ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام يَقُولُ : «رُبَّمَا رَأَيْتُ الرُّؤيَا فَأُعَبِّرُهَا ، وَالرُّؤيَا عَلى مَا تُعَبَّرُ» .

ص: 170


1- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 490 مع اختلاف في اللفظ.
2- . تفسير البيضاوي، ج 2، ص 210.
3- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 475.
4- . الكافي، ج 1، ص 491، ح 3.
5- . في المصدر: + «يا علي».
6- . تفسير القمّي، ج 1، ص 142.

شرح

السند صحيح.

قوله: (ربّما رأيت الرؤيا فاُعبّرها).

قيل: دلّ على أنّ الرؤيا ينبغي أن لا يعبّرها إلاّ عالم،(1) فتأمّل.

(والرؤيا على ما تُعَبَّر) أي تقع مطابقة لما عبّرت به.

متن الحديث السابع والعشرين والخمسمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ جَهْمٍ(2) ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام يَقُولُ : «الرُّؤيَا عَلى مَا تُعَبَّرُ».

فَقُلْتُ لَهُ : إِنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا رَوى أَنَّ رُؤيَا الْمَلِكِ كَانَتْ أَضْغَاثَ أَحْلاَمٍ .

فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : «إِنَّ امْرَأَةً رَأَتْ عَلى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله أَنَّ جِذْعَ بَيْتِهَا قَدِ(3) انْكَسَرَ ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقَصَّتْ عَلَيْهِ الرُّؤيَا ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : يَقْدَمُ زَوْجُكِ وَيَأْتِي وَهُوَ صَالِحٌ ، وَقَدْ كَانَ زَوْجُهَا غَائِبا ، فَقَدِمَ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله .

ثُمَّ غَابَ عَنْهَا(4) زَوْجُهَا غَيْبَةً أُخْرى ، فَرَأَتْ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ جِذْعَ بَيْتِهَا قَدِ انْكَسَرَ ، فَأَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله فَقَصَّتْ عَلَيْهِ الرُّؤيَا ، فَقَالَ لَهَا : يَقْدَمُ زَوْجُكِ وَيَأْتِي صَالِحا ، فَقَدِمَ عَلى مَا قَالَ .

ثُمَّ غَابَ زَوْجُهَا ثَالِثَةً ، فَرَأَتْ فِي مَنَامِهَا أَنَّ جِذْعَ بَيْتِهَا قَدِ انْكَسَرَ ، فَلَقِيَتْ رَجُلاً أَعْسَرَ ، فَقَصَّتْ عَلَيْهِ الرُّؤيَا ، فَقَالَ لَهَا الرَّجُلُ السَّوْءُ : يَمُوتُ زَوْجُكِ» قَالَ(5) : «فَبَلَغَ ذلِكَ(6) النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله ، فَقَالَ : أَلاَّ كَانَ عَبَّرَ لَهَا خَيْرا» .

شرح

السند موثّق على الظاهر.

قوله: (أنّ رؤيا الملك كانت أضغاث أحلام) أي لم تكن لها حقيقة، ولا يصحّ تعبيرها

ص: 171


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 474.
2- . في بعض نسخ الكافي: «الجهم».
3- . في أكثر نسخ الكافي: - «قد».
4- . في بعض نسخ الكافي: - «عنها».
5- . في بعض نسخ الكافي: - «قال».
6- . في بعض نسخ الكافي: - «ذلك».

لاختلاطها، وإنّما وقعت على وفق تعبير يوسف عليه السلام لها، لا لأنّ لها حقيقة في الواقع.

وأصل الضغث _ بالكسر _ : قبضة حشيش مختلطة الرطب باليابس، فاستعير لها للرؤيا الكاذبة، وإنّما جمع للمبالغة في وصف الحلم بالبطلان، كقولهم فلان يركب الخيل، أو لتضمّنه أشياء مختلفة.

والظاهر أنّ المراد بالملك ملك مصر. وقيل: يحتمل أن يُراد به هنا أيّ ملك كان لتشويش خواطر الملوك وتكثر خيالاتهم، فتكون رؤياهم مختلطة غالبا،(1) ولا يخفى بُعده.

ولعلّ الراوي أورد هذه الرواية تأييدا لما ذكره عليه السلام: (إنّ امرأة رأت على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله) أي في عصره وزمانه.

(أنّ جذع بيتها قد انكسر).

الجذع _ بالكسر _ : ساق النخلة. والمراد هنا ركن بيتها وعمودها.

(فأتت رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فقصّت عليه الرؤيا، فقال لها النبيّ صلى الله عليه و آله: يقدم) بفتح الياء والدال.

(زوجك [يأتى] وهو صالح).

في القاموس: «الصلاح ضدّ الفساد، كالصلوح. صلح _ كمنع وكرم _ وهو صَلح وصالح وصليح».(2)

أقول: لعلّه عليه السلامعبّر انكسار ركن بيتها بفوات ما كان لها من التمكّن فيه، واستقلالها بالتصرّف في اُموره عند غيبة زوجها.

وقوله: (فلقيت رجلاً أعسر).

قال الفيروزآبادي: «العُسر: ضدّ اليُسر. ويومٌ عسر وعسير وأعسر: شديد، أو شؤم».(3)

وقال الجوهري: «رجل أعسر: بيِّن العسر [للذي] يعمل بيساره».(4)

أقول: [يمكن] أن يُراد هنا كلاًّ من هذه المعاني، وعلى الأخير يكون كناية عن الشؤم، أو الضعيف الرأي والعاجز. ويظهر من بعض روايات العامّة أنّ ذلك الرجل الأعسر هو أبو بكر، ولعلّه عليه السلام لم يصرّح باسمه تقيّةً.

ص: 172


1- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 476 مع اختلاف يسير في اللفظ.
2- . القاموس المحيط، ج 1، ص 235 صلح.
3- . القاموس المحيط، ج 2، ص 88 عسر.
4- . الصحاح، ج 2، ص 745 عسر.

قال ابن الأثير في النهاية:

فيه أنّ امرأة أتت النبيّ صلى الله عليه و آله فقالت: رأيت [في المنام] كأنّ جائز بيتي انكسر، فقال: يردّ اللّه غائبك، فرجع زوجها ثمّ غاب، فرأت مثل ذلك، فأتت النبيّ صلى الله عليه و آله فلم تجده ووجدت أبا بكر فأخبرته، فقال: يموت زوجك، فذكرت ذلك لرسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال: هل قصصتها على أحد؟ قالت: نعم، قال: هو كما قال لك. الجائز الخشبة التي توضع عليها أطراف العوارض في سقف البيت،(1) انتهى.

(فقال لها الرجل السوء) بالفتح.

قال الجوهري:

سآءه يسؤه سوءا _ بالفتح _ ومساءة ومسايئة: نقيض سرّه، والاسم: السوء بالضمّ. وقرئ: «عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ»(2) يعني الهزيمة والشرّ، ومن فتح فهو من المساءة وتقول: هذا رجل سوء بالإضافة، ثمّ تدخل عليه الألف واللاّم فتقول: هذا رجل السّوء.

قال الأخفش: ولا يُقال: الرجل السّوء، ويُقال: الحقّ اليقين وحقّ اليقين جميعا؛ لأنّ السوء ليس بالرجل، واليقين هو الحقّ. قال: ولا يُقال: هذا رجل السوء بالضمّ،(3) انتهى.

أقول: هذا الخبر يدلّ على ردّ قول الأخفش، فتأمّل.

وقال بعض المفسّرين في تفسير قوله تعالى: «عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ»: «أي يدور عليهم ويعود إليهم ضرر ما دبّروا ويقع الفساد والهلاك بهم».(4)

السّوء _ بالضمّ _ المصدر، ويصلح للاسم، لقد جاء مجموعا نحو الأسواء. والسّوء _ بالفتح _ : النعت. وظنّ السوء، أي ظنّ الأمر السوء، فيكون من باب مسجد الجامع وصلاة الاُولى.

وقوله: (ألاّ كان) بتشديد اللاّم على أن يكون حرف التخصيص.

قال بعض الشارحين:

في هذا الخبر وما قبله دلالة واضحة على أنّ الرؤيا لأوّل عابرٍ وعلى نحو ما وقع به

ص: 173


1- . النهاية، ج 1، ص 314 جوز.
2- . التوبة 9: 98؛ الفتح (48): 6.
3- . الصحاح، ج 1، ص 56 سوأ.
4- . كشف الأسرار، ج 9، ص 209.

العبارة أوّلاً، إن خيرا فخيرا وإن شرّا فشرّا، وهذا ينافي ما مرّ من أنّ أبا حنيفة عبّر رؤيا محمّد بن مسلم على خلاف ما هو في الواقع، ثمّ عبّرها أبو عبد اللّه عليه السلامبما هو في الواقع، وقد وقع ما عبّره عليه السلام،(1) ولا يمكن الجمع بينهما بأنّ الرؤيا لأوّل عابرٍ إذا أصاب وجه العبارة، وإلاّ فهي لمن أصابها بعده، بل الجمع بينهما أنّ ذلك محمول على الإيجاب الجزئي؛ إذ قد يؤثّر التعبير في النفس قبضا أو انبساطا من باب التطيّر أو التفاؤل، فيؤثّر لأجل ذلك كما قال نظير ذلك [في المسحور] من قال السحر لا حقيقة له، وقد ورد في بعض الروايات أنّ الطيرة لا أثر لها،(2) مع أنّه ورد في بعضها كيفيّة الاستعاذة منها؛ ليتخلّص من شرّها من يجد في نفسه منها شيئا.(3)

وبالجملة: لأمثال ذلك قد يكون تأثيرا في النفوس، وقد لا يكون، لا يقال: الرؤيا لا تغيّرها عبارة عابر، وكيف يغيّر ما جاءت نسخته من اللّوح المحفوظ بفعل أحد، أو قوله: لأنّا نقول ذلك ممنوع؛ إذ يمحو اللّه ما يشاء ويثبت.

وبالجملة: تغييرها مثل البلايا والأمراض ونحوهما بالدّعاء والصّدقة، فإن قلت: قد سمعت هذه المرأة تعبير رؤياها من النبيّ صلى الله عليه و آله مرّتين، فلِمَ قصّت على رجل أعسر؟ قلت: بعثها ذلك طلب السرور والشغف؛ لظنّها أنّ ذلك الرجل يعبّر لها كما عبّر لها النبيّ صلى الله عليه و آله، أو اعتقدت أنّ الرؤيا الواحدة قد يختلف تعبيرها بحسب الأوقات المختلفة، أو كان قصدها مجرّد الإخبار دون الاستعبار.(4)

متن الحديث الثامن والعشرين والخمسمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ؛ وَعَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ جَمِيعا ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ غَالِبٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : «أَنَّ رَسُولَ اللّهِ كَانَ يَقُولُ : إِنَّ رُؤيَا الْمُؤمِنِ تُرِفُّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ عَلى رَأْسِ صَاحِبِهَا حَتّى يُعَبِّرَهَا لِنَفْسِهِ ، أَوْ يُعَبِّرَهَا لَهُ مِثْلُهُ ، فَإِذَا عُبِّرَتْ لَزِمَتِ الْأَرْضَ ، فَلاَ تَقُصُّوا رُؤيَاكُمْ إِلاَّ عَلى مَنْ يَعْقِلُ» .

ص: 174


1- . الكافي، ج 8، ص 292، ح 447.
2- . الكافي، ج 8، ص 196، ح 234؛ دعائم الإسلام، ج 2، ص 141، ح 495.
3- . راجع: مكارم الأخلاق، ص 350.
4- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 476 مع اختلاف في اللفظ.

شرح

السند حسن.

قوله: (ترفّ بين السماء والأرض).

في بعض النسخ: «ترفرف» وهو أظهر.

قال الفيروزآبادي:

رفّ الطائر يُرفُّ ويَرِف: بسط جناحيه، كرفرف. والثلاثي غير مستعمل. والرفرفة: تحريك الظليم جناحيه حول الشيء يريد أن يقع عليه.(1)

أقول: في تشبيه الرؤيا بالتطيّر وترشيه بالرفرفة وبلزوم الأرض والقصّ لطائف، ومثله ما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله: «لا يزال المنام طائرا حتّى يقصّ، فإذا قصّ وقع».(2)

(فلا تقصّوا رؤياكم إلاّ على من يعقل).

قيل: المراد بالعاقل العالم بالتعبير القادر على الانتقال من الأصل إلى الفرع ومن الجلي إلى الخفي ومن الظاهر إلى الباطن، أو الأعمّ من ذلك، وذلك لئلاّ يعبّرها [له] بما يحزنه، وقد تخرج الرؤيا على نحو ما تعبّر، كما تدلّ عليه الحديث السابق.

وبالجملة: الرؤيا تنقسم إلى ما هو حسن في الظاهر والباطن، وإلى ما هو مكروه فيهما، وإلى ما هو حسن في الظاهر ومكروه في الباطن، وإلى عكسه، والمعبِّر لابدّ أن يكون عاقلاً عالما بطرق التعبير؛ إمّا بالتجربة، أو بالإلهام، أو بالسماع من أهل التجربة والإلهام.

وقال علماء التعبير: طرق التعبير أربعة:

الأوّل: الاشتقاق كاشتقاق العاقبة من رؤية العقبة، والرفعة من رؤية الرافع.

الثاني: ما يعبّر بمثاله في الشكل، أو في الصفة، مثل أن يعبّر الرطب بالدين لحلوّه في القلوب، ولأنّ الدِّين كمل بعد تدريج كما أنّ الرطب كمل بعد تدريج من الطلع إلى أن صار حلوا.

الثالث: تعبيره بالمعنى المقصود من ذلك الشيء المرئي كدلالة فعل السوق على المعيشة، وفعل الدار على الزوجة والجارية.

ص: 175


1- . القاموس المحيط، ج 3، ص 146 رفف.
2- . نقله الطريحى رحمه الله في مجمع البحرين، ج 4، ص 496 نوم بدون الإسناد.

الرابع: التعبير بما تقدّم له ذكر في القرآن والسنّة والشّعر، أو كلام العرب وأمثالها، أو كلام الناس وأمثالهم، أو خبر معروف، أو كلمة حكمة، وذلك كتعبير الخشبة بالمنافق لقوله تعالى: «كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ»(1)، وتعبير الفأرة بالفاسق؛ لأنّها تسمّى في الحديث فويسقة، وتعبير الزجاجة بفم المرأة لتشبيه الشعراء إيّاه بذلك، إلى غير ذلك من الاعتبارات والمناسبات التي لا يقدر على استنباطها الجاهل، فربّما يكون الرؤيا مكروهة في الظاهر حسنا في الباطن، والرائي محزون بمراعاة ظاهرها، فإذا عبّرها الجاهل نظرا إلى ظاهرها زاده غمّا إلى غمّ، ومع ذلك قد يؤثّر تأويله بصرفه إلى المكروه، فيقع الرائي في مكروه بمقتضى تأويله.(2)

متن الحديث التاسع والعشرين والخمسمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : الرُّؤيَا لاَ تُقَصُّ إِلاَّ عَلى مُؤمِنٍ خَلاَ مِنَ الْحَسَدِ وَالْبَغْيِ» .

شرح

السند مجهول.

قوله: (الرؤيا لا تقصّ إلاّ على مؤمن خلا من الحسد والبغي) ليعبّرها بخير؛ فإنّ الغالب في المتّصف بأحدهما أنّه يعبّر الرؤيا بما يوجب كراهة الرائي وضرره وتشويش خاطره؛ لأنّ النفس معتادة بالانقباض عند سماع ما لا يلائم طبعها، وأيضا فربّما يقع ذلك التعبير أوّله مدخل عظيم في وقوعه كما عرفت.

متن الحديث الثلاثين والخمسمائة

اشارة

حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكِنْدِيِّ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْمِيثَمِيِّ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ رَجُلٍ :

ص: 176


1- . المنافقون 63: 4.
2- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 477.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ: «كَانَ عَلى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: ذُو النَّمِرَةِ، وَكَانَ مِنْ أَقْبَحِ النَّاسِ ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ ذُو النَّمِرَةِ(1) مِنْ قُبْحِهِ ، فَأَتى النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللّهِ ، أَخْبِرْنِي : مَا فَرَضَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ عَلَيَّ؟

فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : فَرَضَ اللّهُ عَلَيْكَ سَبْعَةَ عَشَرَ(2) رَكْعَةً فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، وَصَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ إِذَا أَدْرَكْتَهُ ، وَالْحَجَّ إِذَا اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ، وَالزَّكَاةَ ، وَفَسَّرَهَا لَهُ .

فَقَالَ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيّا مَا أَزِيدُ رَبِّي عَلى مَا فَرَضَ عَلَيَّ شَيْئا .

فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : وَلِمَ يَا ذَا النَّمِرَةِ؟

فَقَالَ كَمَا خَلَقَنِي قَبِيحا» .

قَالَ : «فَهَبَطَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللّهِ ، إِنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُبَلِّغَ ذَا النَّمِرَةِ عَنْهُ السَّلاَمَ ، وَتَقُولَ لَهُ : يَقُولُ لَكَ رَبُّكَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ أَ مَا تَرْضى أَنْ أَحْشُرَكَ عَلى جَمَالِ جَبْرَئِيلَ عليه السلام يَوْمَ الْقِيَامَةِ .

فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : يَا ذَا النَّمِرَةِ ، هذَا جَبْرَئِيلُ يَأْمُرُنِي أَنْ أُبَلِّغَكَ السَّلاَمَ ، وَيَقُولُ لَكَ رَبُّكَ : أَمَا تَرْضى أَنْ أَحْشُرَكَ عَلى جَمَالِ جَبْرَئِيلَ .

فَقَالَ ذُو النَّمِرَةِ : فَإِنِّي قَدْ رَضِيتُ يَا رَبِّ ، فَوَ عِزَّتِكَ لَأَزِيدَنَّكَ حَتّى تَرْضى» .

شرح

السند ضعيف على الظاهر، ومرسل على احتمال قوله: «ذو الهمزة».

قال الفيروزآبادي:

النمرة _ بالضمّ _ : النكتة من أيّ لون كان. والأنمر: ما كان فيه نمرة بيضاء سوداء وهي النمراء. والنِمر _ ككتف، وبالكسر _ : سبع معروف سمّي للنُمَر التي فيه. ونمر _ كفرح _ ونمّر وتنمّر: غضب، وساء خلقه.(3)

(وكان من أقبح الناس، وإنّما سمّي ذو النمرة من قبحه) وكان قبحه لعلامات كانت في وجهه، أو لتشوّه خلقه.

ص: 177


1- . في بعض نسخ الكافي: «ذا النمرة».
2- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «سبع عشرة».
3- . القاموس المحيط، ج 2، ص 148 نمر.

متن الحديث الواحد والثلاثين والخمسمائة

اشارة

(حَدِيثُ الَّذِي أَحْيَاهُ عِيسى عليه السلام)

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ وَغَيْرِهِ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام أَنَّهُ سُئِلَ : هَلْ كَانَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ أَحْيَا أَحَدا بَعْدَ مَوْتِهِ حَتّى كَانَ لَهُ أَكْلٌ وَرِزْقٌ وَمُدَّةٌ وَوَلَدٌ؟

فَقَالَ : «نَعَمْ ، إِنَّهُ كَانَ لَهُ صَدِيقٌ مُوَاخٍ لَهُ فِي اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى ، وَكَانَ عِيسى عليه السلاميَمُرُّ بِهِ وَيَنْزِلُ عَلَيْهِ ، وَإِنَّ عِيسى غَابَ عَنْهُ حِينا ، ثُمَّ مَرَّ بِهِ لِيُسَلِّمَ عَلَيْهِ ، فَخَرَجَتْ إِلَيْهِ أُمُّهُ فَسَأَلَهَا عَنْهُ ، فَقَالَتْ : مَاتَ يَا رَسُولَ اللّهِ ، فَقَالَ : أَتُحِبِّينَ(1) أَنْ تَرَيْهِ؟ قَالَتْ : نَعَمْ ، فَقَالَ لَهَا : فَإِذَا(2) كَانَ غَدا فَآتِيكِ(3) حَتّى أُحْيِيَهُ [لَكِ] بِإِذْنِ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَاهَا ، فَقَالَ لَهَا : انْطَلِقِي مَعِي إِلى قَبْرِهِ ، فَانْطَلَقَا حَتّى أَتَيَا قَبْرَهُ ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ عِيسى عليه السلام ، ثُمَّ دَعَا اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، فَانْفَرَجَ الْقَبْرُ وَخَرَجَ ابْنُهَا حَيّا ، فَلَمَّا رَأَتْهُ أُمُّهُ وَرَآهَا بَكَيَا ، فَرَحِمَهُمَا عِيسى عليه السلام ، فَقَالَ لَهُ عِيسى : أَتُحِبُّ أَنْ تَبْقى مَعَ أُمِّكَ فِي الدُّنْيَا؟ فَقَالَ : يَا نَبِيَّ اللّهِ ، بِأَكْلٍ وَرِزْقٍ وَمُدَّةٍ، أَمْ بِغَيْرِ أَكْلٍ وَلاَ رِزْقٍ وَلاَ مُدَّةٍ؟ فَقَالَ لَهُ عِيسى عليه السلام : بِأَكْلٍ وَرِزْقٍ وَمُدَّةٍ ، وَتُعَمَّرُ(4) عِشْرِينَ سَنَةً ، وَتَزَوَّجُ وَيُولَدُ لَكَ ، قَالَ : نَعَمْ إِذا».

قَالَ : «فَدَفَعَهُ عِيسى إِلى أُمِّهِ ، فَعَاشَ عِشْرِينَ سَنَةً ، [وَتَزَوَّجَ] وَوُلِدَ لَهُ» .

شرح

السند ضعيف.

قوله: (أتحبّين أن تريه) بفتح التاء والراء وسكون الياء على صيغة الواحدة المخاطبة بحذف النون للناصب، وفي المشهور عدم إشباع الضمير كما في إليه وعليه. وقيل: الإشباع طريق ابن كثير.(5)

والظاهر أنّ قوله: (أم بغير أكل ولا رزق ولا مدّة) كناية عن قلّة زمان البقاء والحياة.

ص: 178


1- . في كلتا الطبعتين: «أفتحبّين».
2- . في بعض نسخ الكافي: «إذا».
3- . في كلتا الطبعتين: «آتيك».
4- . في بعض نسخ الكافي: «تعمّر» بدون الواو.
5- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 493.

متن الحديث الثاني والثلاثين والخمسمائة

اشارة

ابْنُ مَحْبُوبٍ(1) ، عَنْ أَبِي وَلاَّدٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ»(2) فَقَالَ : «مَنْ عَبَدَ فِيهِ غَيْرَ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَوْ تَوَلّى فِيهِ غَيْرَ أَوْلِيَاءِ اللّهِ ، فَهُوَ مُلْحِدٌ بِظُلْمٍ ، وَعَلَى اللّهِ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ أَنْ يُذِيقَهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ» .

شرح

السند صحيح.

قوله: (ومن يرد فيه).

الضمير للمسجد الحرام. وقيل: المسجد الحرام هنا الحرم كلّه.(3)

قال البيضاوي: «ترك مفعول «يرد» ليتناول كلّ متناول، وقرئ بالفتح من الورود».(4)

وقال الزمخشري: «الإرادة بمعنى الهمّ، أي من همّ بإلحاد».(5)

وقيل: الباء زائدة كما في قوله تعالى: «تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ»(6).(7)

والإلحاد هو العدول عن القصد. وقيل: هو الشرك،(8) وهو توبيخٌ لمشركي العرب. وقيل: هو القتل.(9) وقيل: هو استحلال الحرام.(10) وقيل: هو الاحتكار بمكّة.(11) وقيل: هو ظلم الناس.(12) وقيل: الإلحاد في اللّغة هو الميل، وفي الشرع الميل عن الحقّ إلى الباطل، فكان عامّا

ص: 179


1- . السند معلّق على سابقه. ويروي عن ابن محبوب، محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى.
2- . الحجّ 22: 40.
3- . أحكام القرآن للجصّاص، ج 3، ص 300 و 301.
4- . تفسير البيضاوي، ج 4، ص 132.
5- . لم نعثر عليه.
6- . المؤمنون 23: 20.
7- . زاد المسير، ج 3، ص 230.
8- . حكي عن مجاهد وقتادة. اُنظر: مجمع البيان، ج 7، ص 144؛ كشف الأسرار، ج 6، ص 353.
9- . حكي عن ابن عبّاس. اُنظر: كشف الأسرار، ج 6، ص 353.
10- . حكي عن عطاء. اُنظر: كشف الأسرار، ج 6، ص 353.
11- . حكي عن حبيب بن ثابت. اُنظر: كشف الأسرار، ج 6، ص 353.
12- . حكي في عمدة القاري، ج 9، ص 226 بعنوان «قيل».

للشرك ولكلّ معصية.(1)

(بظلم) أي بغير حقّ.

قيل: الباء للتعدية.(2) وقيل: هو بيان الوجه، أي على وجه الظلم.(3)

وقال البيضاوي: «هما حالان مترادفان، أو الثاني بدل من الأوّل بإعادة الجار، أو صلة له، أي ملحدا بسبب الظلم كالإشراك واقتراف الآثام».(4)

(فقال: من عبد فيه غير اللّه ) إلى آخره، لعلّ المراد أنّهما من أشدّ أفراد الإلحاد والظلم وأقبحها، فلا ينافي ما ورد أنّ ضرب الخادم من ذلك.

متن الحديث الثالث والثلاثين والخمسمائة

اشارة

ابْنُ مَحْبُوبٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْأَحْوَلِ ، عَنْ سَلاَّمِ بْنِ الْمُسْتَنِيرِ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى : «الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللّهُ»(5) قَالَ : «نَزَلَتْ فِي رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آلهوَعَلِيٍّ وَحَمْزَةَ وَجَعْفَرٍ وَجَرَتْ فِي الْحُسَيْنِ عليهم السلام أَجْمَعِينَ» .

شرح

السند مجهول.

قوله: (عن أبي جعفر عليه السلام في قول اللّه تبارك وتعالى) في سورة الحجّ: «الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ».

قال البيضاوي:

يعني مكّه «بِغَيْرِ حَقٍّ» بغير موجب استحقّوا به «إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللّه ُ»على طريقةقول النابغة:

ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم***بهنّ فلول من قراع الكتائب

ص: 180


1- . راجع: أحكام القرآن لابن العربي، ج 3، ص 1276.
2- . مجمع البيان، ج 7، ص 143.
3- . راجع: التبيان، ج 7، ص 307؛ مجمع البيان، ج 7، ص 142.
4- . تفسير البيضاوي، ج 4، ص 122.
5- .الحجّ 22: 40.

وقيل: منقطع.(1)

(قال: نزلت في رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعليّ وحمزة وجعفر) حيث اُخرجوا من مكّة. ولعلّ اختصاص النزول بهم؛ لكونهم الأصل والعمدة بين المهاجرين.

(وجرت في الحسين عليه السلام) استتباعا.

متن الحديث الرابع والثلاثين والخمسمائة

اشارة

ابْنُ مَحْبُوبٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ ، عَنْ بُرَيْدِ(2) الْكُنَاسِيِّ ، قَالَ :

سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا»(3)؟

قَالَ : فَقَالَ : «إِنَّ لِهذَا تَأْوِيلاً يَقُولُ : مَا ذَا أُجِبْتُمْ فِي أَوْصِيَائِكُمُ الَّذِينَ خَلَّفْتُمُوهُمْ عَلى أُمَمِكُمْ؟ قَالَ : فَيَقُولُونَ : لاَ عِلْمَ لَنَا بِمَا فَعَلُوا مِنْ بَعْدِنَا» .

شرح

السند مجهول.

قوله: (سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ) في سورة المائدة: «وَاتَّقُوا اللّه َ وَاسْمَعُوا وَاللّه ُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ»(4).

قال البيضاوي:

أي فإن لم تتّقوا ولم تسمعوا كنتم قوما فاسقين «وَاللّه ُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ».

فقوله: «يَوْمَ يَجْمَعُ اللّه ُ الرُّسُلَ» ظرف له. وقيل: بدل من مفعول «واتّقوا» بدل الاشتمال، أو مفعول «واسمعوا» على حذف المضاف، أي واسمعوا خبر يوم جمعهم، أو منصوب بإضمار «اذكر».

«فَيَقُولُ» أي للرسل: «مَاذَا أُجِبْتُمْ» أي إجابة أجبتُم على أنّ ماذا في موضع المصدر، أو بأيّ شيء أجبتم، فحذف الجار، وهذا السؤال لتوبيخ قومهم، كما أنّ سؤال

ص: 181


1- . تفسير البيضاوي، ج 4، ص 128.
2- . في الطبعة الجديدة: «يزيد».
3- . المائدة 5: 109.
4- . المائدة 5: 108.

الموؤدة لتوبيخ الوائد، ولذلك قالوا: «لاَ عِلْمَ لَنَا» أي لا علم لنا بما لست تعلّمه.

«إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ»(1) فتعلم ما نعلم ممّا أضمروا في قلوبهم، وفيه التشكّي منهم، وردّ الأمر إلى علمه بما كابدوا منهم.وقيل: المعنى: لا علم لنا إلى جنب علمك، أو لا علم لنا بما أحدثوا بعدنا، وإنّما الحكم للخاتمة،(2) انتهى.

وقال الشيخ الطبرسي في تفسير قوله تعالى: «لاَ عِلْمَ لَنَا»:

فيه أقوال:

أحدها: أنّ للقيامة أحوالاً حتّى تزول القلوب عن مواضعها، فإذا رجعت القلوب إلى مواضعها شهدوا لمن صدّقهم وعلى من كذّبهم، يريد أنّهم عزبت عنهم أفهامهم من هول يوم القيامة، فقالوا: لا علم لنا. عن عطاء عن ابن عبّاس، والحسن ومجاهد والسّدي والكلبي، وهو اختيار الفرّاء.

وثانيها: أنّ المراد: لا علم لنا كعلمك؛ لأنّك تعلم غيبهم وباطنهم، ولسنا نعلم غيبهم وباطنهم، وذلك هو الذي يقع عليه الجزاء. عن الحسن في رواية اُخرى، واختاره الجبّائي، وأنكر القول الأوّل وقال: كيف يجوز ذهولهم عن هول يوم القيامة مع قوله سبحانه: «لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ اْلأَكْبَرُ»(3) وقوله: «لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ»(4).

وثالثها: أنّ معناه: لا حقيقة لعلمنا؛ إذ كنّا نعلم جوابهم وما كان من أفعالهم وقت حياتنا، ولا نعلم ما كان منهم بعد وفاتنا، وإنّما الثواب والجزاء يستحقّان بما تقع به الخاتمة ممّا يموتون عليه، عن ابن الانباري.

ورابعها: أنّ المراد: لا علم لنا إلاّ ما علّمتنا، فحذف لدلالة الكلام عليه. عن ابن عبّاس في رواية اُخرى.

وخامسها: أنّ المراد به تحقيق فضيحتهم، أي أنت أعلم بحالهم منّا، ولا تحتاج في ذلك إلى شهادتنا «إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ».(5)

وقال بعض الشارحين:

الظاهر أنّ الرسل في قوله تعالى: «يَوْمَ يَجْمَعُ اللّه ُ الرُّسُلَ»يشمل رسولنا صلى الله عليه و آله، فحينئذٍ قوله: (فيقولون «لاَ عِلْمَ لَنَا») ينافي الأخبار الدالّة على عرض الأعمال

ص: 182


1- . المائدة 5: 109.
2- . تفسير البيضاوي، ج 2، ص 378.
3- . الأنبياء 21: 103.
4- . البقرة 2: 38.
5- . مجمع البيان، ج 3، ص 446 و 447 مع التلخيص.

عليه صلى الله عليه و آله،(1) والأخبار الدالّة على أنّه صلى الله عليه و آلهأخبر وصيّه بما يفعلون به بعده،(2) فلابدّ من تخصيص الرّسل بغيره صلى الله عليه و آله، أو تخصيص العلم المنفّى بالعلم المخصوص وهو العلم بطريق المشاهدة والعيان، أو يكون نفي العلم كناية عن كثرة مخالفة الاُمّة وعدم متابعتهم للأوصياء بحيث لا يحيط به العلم والبيان،(3) أو القول بأنّ ذلك القول منهم تخشّع وتذلّل وإظهار للعجز بمشاهدة جلال اللّه مع علمه الشامل لكلّ صغير وكبير، فكان علمهم في جنبه ليس بعلم. وأمّا القول بأنّ العرض عليه عرض مجمل، فيقال: عملت اُمّتك كذا، أو عرض من غير تعيين العامل، فبعيد جدّا، يظهر ذلك لمن تأمّل في الأخبار الدالّة على العرض.(4)

متن الحديث الخامس والثلاثين والخمسمائة

اشارة

(حَدِيثُ إِسْلاَمِ عَلِيٍّ عليه السلام)

ابْنُ مَحْبُوبٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ، قَالَ :

سَأَلْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليهماالسلام : ابْنُ كَمْ كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام يَوْمَ أَسْلَمَ؟

فَقَالَ : «أَوَ كَانَ كَافِرا قَطُّ؟ إِنَّمَا كَانَ لِعَلِيٍّ عليه السلامحَيْثُ بَعَثَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ رَسُولَهُ صلى الله عليه و آلهعَشْرُ سِنِينَ ، وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ كَافِرا ، وَلَقَدْ آمَنَ بِاللّهِ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ وَرَسُولِهِ صلى الله عليه و آله(5) ، وَسَبَقَ النَّاسَ كُلَّهُمْ إِلَى الاْءِيمَانِ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ صلى الله عليه و آله وَإِلَى الصَّلاَةِ بِثَلاَثِ سِنِينَ ، وَكَانَتْ أَوَّلُ صَلاَةٍ صَلاَّهَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ ، وَكَذلِكَ فَرَضَهَا اللّهُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ عَلى مَنْ أَسْلَمَ بِمَكَّةَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آلهيُصَلِّيهَا بِمَكَّةَ رَكْعَتَيْنِ ، وَيُصَلِّيهَا عَلِيٌّ عليه السلام مَعَهُ بِمَكَّةَ رَكْعَتَيْنِ مُدَّةَ عَشْرِ سِنِينَ، حَتّى هَاجَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آلهإِلَى الْمَدِينَةِ ، وَخَلَّفَ عَلِيّا عليه السلامفِي أُمُورٍ لَمْ يَكُنْ يَقُومُ بِهَا أَحَدٌ غَيْرُهُ ، وَكَانَ خُرُوجُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِنْ مَكَّةَ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ ، وَذلِكَ يَوْمُ الْخَمِيسِ مِنْ سَنَةِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ مِنَ الْبَعْثِ(6) ، وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ لاِثْنَيْ عَشَرَ(7) لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مَعَ زَوَالِ الشَّمْسِ ، فَنَزَلَ بِقُبَا ،

ص: 183


1- . الكافي، ج 1، ص 219 و 220، باب عرض الأعمال على النبي صلى الله عليه و آله والأئمّة عليهم السلام.
2- . الكافي، ج 1، ص 281 و 282، باب أنّ الأئمّة عليهم السلام لم يفعلوا... ، ح 4.
3- . في المصدر: - «أو يكون نفي العلم كناية» إلى هنا.
4- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 480 مع التلخيص.
5- . في كلتا الطبعتين: «وبرسوله».
6- . في كلتا الطبعتين: «المبعث».
7- . في كلتا الطبعتين: «لأثنتي عشرة».

فَصَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ مُقِيما يَنْتَظِرُ عَلِيّا عليه السلام يُصَلِّي الْخَمْسَ صَلَوَاتٍ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ ، وَكَانَ نَازِلاً عَلى عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، فَأَقَامَ عِنْدَهُمْ بِضْعَةَ عَشَرَ يَوْما يَقُولُونَ لَهُ : أَ تُقِيمُ عِنْدَنَا فَنَتَّخِذَ لَكَ مَنْزِلاً وَ مَسْجِدا؟ فَيَقُولُ : لاَ ، إِنِّي أَنْتَظِرُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَقَدْ أَمَرْتُهُ أَنْ يَلْحَقَنِي ، وَلَسْتُ مُسْتَوْطِنا مَنْزِلاً حَتّى يَقْدَمَ عَلِيٌّ ، وَمَا أَسْرَعَهُ إِنْ شَاءَ اللّهُ ، فَقَدِمَ عَلِيٌّ عليه السلام وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه و آله فِي بَيْتِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، فَنَزَلَ مَعَهُ .

ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَمَّا قَدِمَ(1) عَلِيٌّ عليه السلام تَحَوَّلَ مِنْ قُبَا إِلى بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ وَعَلِيٌّ عليه السلاممَعَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَعَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ، فَخَطَّ لَهُمْ مَسْجِدا ، وَنَصَبَ قِبْلَتَهُ ، فَصَلّى بِهِمْ فِيهِ الْجُمُعَةَ رَكْعَتَيْنِ وَخَطَبَ خُطْبَتَيْنِ ، ثُمَّ رَاحَ مِنْ يَوْمِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ عَلى نَاقَتِهِ الَّتِي كَانَ قَدِمَ عَلَيْهَا وَعَلِيٌّ عليه السلام مَعَهُ لاَ يُفَارِقُهُ، يَمْشِي بِمَشْيِهِ ، وَلَيْسَ يَمُرُّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آلهبِبَطْنٍ مِنْ بُطُونِ الْأَنْصَارِ إِلاَّ قَامُوا إِلَيْهِ يَسْأَلُونَهُ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِمْ ، فَيَقُولُ لَهُمْ : خَلُّوا سَبِيلَ النَّاقَةِ فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ ، فَانْطَلَقَتْ بِهِ وَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آلهوَاضِعٌ لَهَا زِمَامَهَا، حَتّى انْتَهَتْ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي تَرى _ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلى بَابِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله الَّذِي يُصَلّى عِنْدَهُ بِالْجَنَائِزِ _ فَوَقَفَتْ عِنْدَهُ ، وَبَرَكَتْ وَوَضَعَتْ جِرَانَهَا عَلَى الْأَرْضِ ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَأَقْبَلَ أَبُو أَيُّوبَ مُبَادِرا حَتَّى احْتَمَلَ رَحْلَهُ ، فَأَدْخَلَهُ مَنْزِلَهُ ، وَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آلهوَعَلِيٌّ عليه السلاممَعَهُ حَتّى بُنِيَ لَهُ مَسْجِدُهُ، وَبُنِيَتْ(2) لَهُ مَسَاكِنُهُ وَمَنْزِلُ عَلِيٍّ عليه السلام ، فَتَحَوَّلاَ إِلى مَنَازِلِهِمَا» .

فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهماالسلام : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، كَانَ أَبُو بَكْرٍ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آلهحِينَ أَقْبَلَ إِلَى الْمَدِينَةِ ، فَأَيْنَ فَارَقَهُ؟

فَقَالَ : «إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إِلى قُبَا ، فَنَزَلَ بِهِمْ يَنْتَظِرُ قُدُومَ عَلِيٍّ عليه السلام ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ : انْهَضْ بِنَا إِلَى الْمَدِينَةِ ، فَإِنَّ الْقَوْمَ قَدْ فَرِحُوا بِقُدُومِكَ وَهُمْ يَسْتَرِيثُونَ إِقْبَالَكَ إِلَيْهِمْ ، فَانْطَلِقْ بِنَا ، وَلاَ تَقُمْ هاهُنَا تَنْتَظِرُ عَلِيّا ، فَمَا أَظُنُّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكَ إِلى شَهْرٍ . فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : كَلاَّ مَا أَسْرَعَهُ ، وَلَسْتُ أَرِيمُ حَتّى يَقْدَمَ ابْنُ عَمِّي وَأَخِي فِي اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ وَأَحَبُّ أَهْلِ بَيْتِي إِلَيَّ ، فَقَدْ وَقَانِي بِنَفْسِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ» .

قَالَ : «فَغَضِبَ عِنْدَ ذلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَاشْمَأَزَّ ، وَدَاخَلَهُ مِنْ ذلِكَ حَسَدٌ لِعَلِيٍّ عليه السلام ، وَكَانَ ذلِكَ أَوَّلَعَدَاوَةٍ بَدَتْ مِنْهُ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آلهفِي عَلِيٍّ عليه السلام ، وَأَوَّلَ خِلاَفٍ عَلى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَانْطَلَقَ حَتّى دَخَلَ

ص: 184


1- . في كلتا الطبعتين: + «عليه».
2- . في الطبعة القديمة: «بنيت» بدون الواو.

الْمَدِينَةَ ، وَتَخَلَّفَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِقُبَا يَنْتَظِرُ عَلِيّا عليه السلام» .

قَالَ : فَقُلْتُ لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهماالسلام : فَمَتى زَوَّجَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَاطِمَةَ مِنْ عَلِيٍّ عليهماالسلام؟

فَقَالَ : «بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ وَكَانَ لَهَا يَوْمَئِذٍ تِسْعُ سِنِينَ» .

قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهماالسلام : «وَلَمْ يُولَدْ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِنْ خَدِيجَةَ عليهاالسلام عَلى فِطْرَةِ الاْءِسْلاَمِ إِلاَّ فَاطِمَةُ عليه السلام ، وَقَدْ كَانَتْ خَدِيجَةُ مَاتَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ ، وَمَاتَ أَبُو طَالِبٍ بَعْدَ مَوْتِ خَدِيجَةَ بِسَنَةٍ ، فَلَمَّا فَقَدَهُمَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله سَئِمَ الْمُقَامَ بِمَكَّةَ ، وَدَخَلَهُ حُزْنٌ شَدِيدٌ ، وَأَشْفَقَ عَلى نَفْسِهِ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ ، فَشَكَا إِلى جَبْرَئِيلَ عليه السلامذلِكَ ، فَأَوْحَى اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ إِلَيْهِ : اخْرُجْ مِنَ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا ، وَهَاجِرْ إِلَى الْمَدِينَةِ ، فَلَيْسَ لَكَ الْيَوْمَ بِمَكَّةَ نَاصِرٌ ، وَانْصِبْ لِلْمُشْرِكِينَ حَرْبا ، فَعِنْدَ ذلِكَ تَوَجَّهَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إِلَى الْمَدِينَةِ» .

فَقُلْتُ لَهُ : فَمَتى فُرِضَتِ الصَّلاَةُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عَلى مَا هُمْ عَلَيْهِ الْيَوْمَ؟

فَقَالَ : «بِالْمَدِينَةِ حِينَ ظَهَرَتِ الدَّعْوَةُ ، وَقَوِيَ الاْءِسْلاَمُ ، وَكَتَبَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْجِهَادَ ، وَزَادَ(1) رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فِي الصَّلاَةِ سَبْعَ رَكَعَاتٍ : فِي الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ ، وَفِي الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ ، وَفِي الْمَغْرِبِ رَكْعَةً ، وَفِي الْعِشَاءِ الاْخِرَةِ رَكْعَتَيْنِ ، وَأَقَرَّ الْفَجْرَ عَلى مَا فُرِضَتْ ؛ لِتَعْجِيلِ نُزُولِ مَلاَئِكَةِ النَّهَارِ مِنَ السَّمَاءِ ، وَلِتَعْجِيلِ عُرُوجِ مَلاَئِكَةِ اللَّيْلِ إِلَى السَّمَاءِ ، وَكَانَ مَلاَئِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةُ النَّهَارِ يَشْهَدُونَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله صَلاَةَ الْفَجْرِ، فَلِذلِكَ قَالَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ : «وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُودا»(2) يَشْهَدُهُ الْمُسْلِمُونَ ، وَيَشْهَدُهُ(3) مَلاَئِكَةُ النَّهَارِ وَمَلاَئِكَةُ اللَّيْلِ» .

شرح

السند مختَلفٌ فيه للاختلاف في مدح سعيد بن المسسيّب وذمّه، ولعلّ الثاني أرجح، واللّه أعلم.

قوله: (أو كان كافرا قطّ) إلى قوله: (ولقد آمن باللّه _ تبارك وتعالى _ ورسوله).

قال بعض الشارحين:

أفاد عليه السلام أنّ إيمانه التكليفي كان متّصلاً بإيمانه الفطري، ولم يكن مسبوقا بالكفر

ص: 185


1- . في كثير من نسخ الكافي والوافي: «زاد» بدون الواو.
2- . الإسراء 17: 78.
3- . في بعض نسخ الكافي: «وتشهده».

أصلاً، فاندفع به ما ذهب إليه بعض النواصب من أنّ إسلامه لم يكن معتبرا؛ لكونه قبل البلوغ.

وتوضيح الدفع أنّه عليه السلام إن [كان] بالغا حين آمن وهو ممكن في عشر سنين سيّما في البلاد الحارّة فقد حصل الغرض واندفع ما ذكروا، وإن لم يكن بالغا فلا يتصوّر الكفر في حقّه عليه السلام؛ لكونه عليه السلام مولودا على الفطرة المستقيمة داخلاً في طاعة اللّه وطاعة رسوله مستمرّا عليها على وجه الكمال، فإيمانه التكليفي وارد على نفسه القدسيّة غير متدنّسة بأدناس الجاهليّة وعبادة الأصنام، ولا ريب في أنّ هذا الإيمان أفضل من إيمان من آمن بعد علوّ السنّ وعبادة الأصنام وشرب المسكّرات، ولا يقدم إلى إنكار ذلك إلاّ جاهل متعصّب،(1) انتهى.

واعلم أنّ العامّة اختلفت في سنّه عليه السلام حين آمن، فقال الكلبي: كان ابن تسع سنين.(2) وقال مجاهد ومحمّد بن إسحاق: كان ابن عشر سنين.(3) وقيل: كان ابن أربع عشر سنة.(4) وقيل: إحدى عشر.(5) وقيل: اثنتي عشر.(6) وقال شارح كتاب مسلم: «اختلف في سنّه رضى الله عنه حين أسلم، فقيل: خمس سنين. وقيل: ثمان وقيل: اثنى عشر».(7)

(وسبق الناس كلّهم إلى الإيمان باللّه وبرسوله).

لا خلاف عند علماء الشيعة في ذلك، وأمّا العامّة فذهب كثير منهم إلى ذلك أيضا، وفيه أخبار كثيرة. وقال بعضهم: أوّل مَن أسلم خديجة،(8) وذهب بعض المعاندين منهم إلى أنّه أبو بكر.(9)

قال شارح مسلم:

علي رضى الله عنه أوّل من أسلم؛ لحديث «أوّلكم واردا عليَّ الحوض أوّلكم إسلاما علي بن أبي طالب عليه السلام».

وعن عليّ رضى الله عنه قال: «عبدتُ اللّه قبل أن يعبده أحد من هذه الاُمّة بخمس سنين». وعنه: «ما كان يصلّي مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله غيري وغير خديجة».(10)

ص: 186


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 482 و 483 ملخّصا.
2- . نقل عنه الثعلبي في تفسيره، ج 5، ص 84.
3- . نقل عنه الثعلبي في تفسيره، ج 5، ص 84.
4- . تاريخ مدينة دمشق، ج 42، ص 26.
5- . السنن الكبرى للبيهقي، ج 6، ص 206.
6- . الاستيعاب، ج 3، ص 1093، ذيل ح 1855.
7- . لم نعثر عليه.
8- . الإقناع للشربيني، ج 2، ص 210.
9- . حكي عن إبراهيم النخعي في الكامل، ج 2، ص 59.
10- . لم نعثر عليه.

وقال ابن الأثير في الكامل:

اختلف العلماء في أوّل مَن أسلم مع الاتّفاق على أنّ خديجة أوّل خلق اللّه إسلاما، فقال قوم: أوّل ذَكر آمن عليّ.

روى عن عليّ رضى الله عنه: «أنا عبد اللّه ، وأخو رسوله، وأنا الصدِّيق الأكبر، لا يقولها بعدي إلاّ كاذب مفترٍ، صلّيت مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله قبل الناس بسبع سنين».

وقال ابن عبّاس: أوّل من صلّى عليّ.

وقال جابر بن عبد اللّه : بعث النبيّ صلى الله عليه و آله يوم الاثنين، وصلّى عليّ عليه السلاميوم الثلاثاء.

وقال زيد بن أرقم: أوّل من أسلم مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليّ عليه السلام.

وقال عفيف الكندي: كنت امرءا تاجرا فقدمتُ مكّة أيّام الحجّ، فأتيت العبّاس، فبينا نحن إذ خرج رجل فقام تجاه الكعبة يصلّي، ثمّ خرجت امرأة فقامت تصلّي معه، ثمّ خرج غلام فقام يُصلّي معه، فقلت: يا عبّاس، ما هذا الدِّين؟ قال: هذا محمّد بن عبد اللّه ابن أخي، زعم أنّ اللّه أرسله، وأنّ كنوز قيصر وكسرى تُفتح عليه، وهذه امرأته خديجة آمنت به، وهذا [الغلام] عليّ ابن أخي أبي طالب آمن به، وايم اللّه ما أعلم على ظهر الأرض على هذا الدِّين غير هؤلاء الثلاثة. قال عفيف: ليتني كنت رابعا.

وقال محمّد بن المنذر وربيعة بن أبي عبد الرحمن وأبو حازم المدني والكلبي: وأوّل من أسلم عليّ. قال الكلبي: كان عمره تسع سنين، وقال: إحدى عشرة سنة. وقال ابن إسحاق: أوّل من أسلم عليّ، وعمره إحدى عشرة سنة. وقيل: أوّل من أسلم أبو بكر.

وقال إبراهيم النخعي: [أبو بكر أوّل من أسلم. وقيل]: أوّل من أسلم زيد بن حارثة. وقال ابن إسحاق: أوّل ذكر أسلم بعد [النبيّ] عليّ [و] زيد بن حارثة، ثمّ أسلم أبو بكر وأظهر الإسلام.(1)

انتهى كلام ابن الأثير.

وقوله عليه السلام: (مدّة عشر سنين) يعني بها بعد ثلاث سنين التي سبق الناس فيها، لئلاّ ينافي قوله: (وكان خروج رسول اللّه صلى الله عليه و آله من مكّة في أوّل يوم من ربيع الأوّل، وذلك يوم الخميس من سنة ثلاث عشرة من البعث).

قيل: يفهم منه ومن قوله: (وقدم المدينة لإثنى عشر ليلة خلت من شهر ربيع الأوّل مع زوال

ص: 187


1- . الكامل، ج 2، ص 59 مع التلخيص واختلاف يسير في اللفظ.

الشمس) أنّه دخل يوم الاثنين عند زوال الشمس.(1)

(فنزل بقبا).

قال الجوهري: «قُباء _ ممدود _ موضع بالحجاز، يذكّر ويؤنّث».(2)

قال الفيروزآبادي: «قباء _ بالضم ويذكّر ويقصّر _ : بلد بفرغانة».(3)

(فأقام عندهم) أي عند أهل قبا.

(بضعة عشر يوما).

في القاموس:

البضع _ بالكسر ويفتح _ : ما بين الثلاث إلى التسع، أو إلى الخمس، أو ما بين الواحد إلى الأربعة، أو من أربع إلى تسع، أو هو سبع. والبضع: ما بين العقدين من واحد إلى عشرة، ومن أحد عشر إلى عشرين، ومع المذكّر بها، ومعها بغيرها.(4)

أقول: يفهم من نزوله صلى الله عليه و آله بقبا يوم الاثنين كما مرّ، وممّا سيأتي من قوله: (تحوّل من قبا إلى بني سالم بن عوف وعليّ عليه السلام معه يوم الجمعة) أنّ مدّة إقامته صلى الله عليه و آله بقبا سبعة عشر يوما، مع احتمال كونها أحد عشر، فتدبّر.

وقيل: روى مسلم عن أنس بن مالك: أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قدم المدينة، فنزل في علو المدينة في حيّ يُقال لهم بنو عمرو بن عوف، فأقام فيهم أربع عشرة ليلة(5)، فلمّا ذكره ابن إسحاق في سِيَره أنّه أقام فيهم أربعة أيّام: الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، وأسّس مسجدهم، ورحل عنهم يوم الجمعة، فأدركته الصلاة في بني سالم بن عوف، فصلّى بهم الجمعة، ليس بشيء؛ لأنّه مخالف لما رواه العامّة والخاصّة.(6)

وقوله عليه السلام: (وضعت جِرانها) بكسر الجيم وتخفيف الرّاء مقدم عنق البعير من مذبحه إلى منحره، وجمعه: «جُرُن» بضمّتين.

وقوله: (وهم يستريثون إقبالك إليهم) بالياء المثنّاة التحتانيّة والثاء المثلّثة، أي يستبطؤونه.

ص: 188


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 483 مع اختلاف في اللفظ.
2- . الصحاح، ج 6، ص 2459 قبا.
3- . القاموس المحيط، ج 4، ص 376 قبو.
4- . القاموس المحيط، ج 3، ص 5 بضع.
5- . صحيح مسلم، ج 2، ص 65.
6- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 484.

قال في القاموس: «الريث: الإبطاء، كالتريّث. واستراث: استبطأ».(1)

وضبطه بعض الأفاضل بالباء الموحّدة. قال الفيروزآبادي: «الربث عن الحاجة: الحبس عنها، كالتربيث وارباث: احتبس. وأمرهم: ضعف، وأبطأ حتّى تفرّقوا».(2)

وقوله: (ولست أريم) أي لا أبرح مكاني ولا أزول، يُقال: رامه يريمه رَيْما: إذا برحه.

وقوله: (اشمأزّ) أي انقبض وكره.

وقوله: (وتخلّف رسول اللّه صلى الله عليه و آله بقبا) أي بقي هناك بعد ذهاب أبي بكر، يُقال: خلّفت فلانا ورائي فتخلّف عنّي، أي تأخّر.

وقوله: (بعد الهجرة بسنة) أي في السنة الثانية من الهجرة، وكان لها يومئذ تسع سنين، هذا موافق لما مرّ في الاُصول من أنّها _ صلوات اللّه عليها _ ولدت بعد المبعث بخمس سنين.(3)

وقال بعض العامّة: «كان سنّها يومئذٍ خمس عشرة سنة وخمسة أشهر ونصف».(4)

وقوله: (على فطرة الإسلام) أي بعد بعثته صلى الله عليه و آله.

وقوله: (فقال: بالمدينة) إلى قوله: (وفي العشاء الآخرة ركعتين).

قال بعض الفضلاء:

هكذا ذكره الصدوق أيضا في الفقيه،(5) وهو صريح في أنّ ثالثة المغرب زيدت في المدينة، وهذا ينافي ما رواه الصدوق أيضا في الفقيه مرسلاً عن الصادق عليه السلام: «أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لمّا صلّى المغرب بلغه مولد فاطمة عليهاالسلام، فأضاف إليها ركعة شكرا للّه عزّ وجلّ؛(6) فإنّها صريحة في أنّها زيدت بمكّة، وتخصيص الزيادة في مكّة به صلى الله عليه و آله وإيجاب الأمر بها في المدينة وإن كان ممكنا لكن لم نقف فيه على قول من الأصحاب.(7)

(وأقرّ الفجر على ما فرض(8)).

في بعض النسخ: «على ما فرضت».

ص: 189


1- . القاموس المحيط، ج 1، ص 168 ريث.
2- . القاموس المحيط، ج 1، ص 167 ربث.
3- . الكافي، ج 1، ص 459، ح 10.
4- . نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 484 عن عياض.
5- . الفقيه، ج 1، ص 456، ح 1319.
6- . الفقيه، ج 1، ص 454، ح 1317.
7- . شرح المازندراني، ج 12، ص 484 مع اختلاف يسير في اللفظ.
8- .في المتن الذي ضبطه الشارح رحمه الله سابقا: «فرضت».

(لتعجيل نزول ملائكة النهار من السماء، ولتعجيل عروج ملائكة الليل إلى السماء).

تعليل عدم الزيادة في الفجر بتعجيل عروج ملائكة الليل ظاهر، وأمّا تعليله بتعجيل نزول ملائكة النهار خفيّة خفاء، وقد يوجّه بوجوه:

الأوّل: أنّ صلاة الفجر إذا كانت قصيرة يعجلون في النزول ليدركوه بخلاف ما إذا كانت طويلة؛ لإمكان تأخيرهم النزول إلى الركعة الثالثة أو الرابعة، وهو كما ترى؛ فإنّه إنّما يستقيم لو لم يكن يلزم شهودهم من أوّل الصلاة وهو غير معلوم، بل الظاهر اللّزوم.

الثاني: أن يقال: اقتضت الحكمة عدم اجتماع ملائكة الليل والنهار كثيرا في الأرض، فيكون تعجيل عروج ملائكة الليل أمرا مطلوبا في نفسه، ومعلّلاً أيضا بتعجيل نزول ملائكة النهار.

الثالث: أن يكون شهود ملائكة النهار لصلاة الفجر في الهواء، ويكون المراد بنزولهم نزولهم إلى الأرض، فلا ينزلون إلاّ مع عروج ملائكة الليل.

الرابع: أنّه لمّا كانت ملائكة النهار تنزل بالتعجيل لأجل فعل ما هي مأمورة به في الأرض من كتابة الأعمال وغيرها، وكان ممّا يتعلّق بها أوّل النهار ناسب ذلك تخفيف الصلاة ليشتغلوا بما اُمروا به، كما أنّ ملائكة الليل تتعجّل العروج إمّا لمثل ما ذكر من كونها تتعلّق بها اُمور بحيث تكون من أوّل الليل كعبادة ونحوها، بل لو لم يكن إلاّ أمرها بالعروج إذا انقضت مدّة عملها لكفى، فتعجيل النزول للغرض المذكور علّة للتخفيف، كما أنّ تعجيل العروج علّة له مع تحصيلهم جميعا الصلاة معه، ولا يضرّ كون التعجيل في الأوّل علّة العلّة.

الخامس: أنّ تعجيل الروح لانقضاء النوبة بطلوع الفجر وتعجيل النزول متلازمان؛ لئلاّ يبقى المكلّف بلا حَفَظَةٍ ولو في آن، وتعجيل العروج مستلزم لعدم الزيادة؛ لاستحالة تخلّف المعلول عن العلّة، كذلك يمكن أن يُقال: تعجيل النزول مستلزم له؛ لاستحالة تخلّف أحد المتلازمين عن الآخر.

وقال بعض الأعلام في توجيه هذا الكلام:

اعلم أنّه ورد في الفقيه والعلل هكذا: «وأقرّ الفجر على ما فرضت بمكّة لتعجيل عروج ملائكة الليل إلى السماء ولتعجيل نزول ملائكة النهار إلى الأرض، فكانت ملائكة الليل وملائكة النهار يشهدون»(1)، فعلى هذا يحتمل أن يكون قصر الصلاة معلّلاً بتعجيل العروج فقط، وأمّا تعجيل النزول فيكون علّة لما بعده، أعني شهود

ص: 190


1- . الفقيه، ج 1، ص 455، ح 1319؛ علل الشرائع، ج 2، ص 324، ح 1.

ملائكة الليل والنهار جميعا، فإن قلت: مدخول الفاء لا يعمل فيما قبله، قلت: قد ورد في القرآن كثيرا كقوله تعالى: «وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ»(1).(2)

انتهى، ولا يخفى بُعده.

متن الحديث السادس والثلاثين والخمسمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «مَا أَيْسَرَ مَا رَضِيَ بِهِ النَّاسُ عَنْكُمْ ، كُفُّوا أَلْسِنَتَكُمْ عَنْهُمْ» .

شرح

السند حسن.

قوله: (كفّوا ألسنتكم عنهم) بيان وتفسير لما قبله.

متن الحديث السابع والثلاثين والخمسمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ؛ وَأَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ جَمِيعا ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَدِيدٍ ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ ، عَنْ زُرَارَةَ ، قَالَ :

كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، فَذَكَرَ بَنِي أُمَيَّةَ وَدَوْلَتَهُمْ ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ : إِنَّمَا نَرْجُو أَنْ تَكُونَ صَاحِبَهُمْ ، وَأَنْ يُظْهِرَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ هذَا الْأَمْرَ عَلى يَدَيْكَ .(3)

فَقَالَ : «مَا أَنَا بِصَاحِبِهِمْ ، وَلاَ يَسُرُّنِي أَنْ أَكُونَ صَاحِبَهُمْ ، إِنَّ أَصْحَابَهُمْ أَوْلاَدُ الزِّنى ، إِنَّ اللّهَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ لَمْ يَخْلُقْ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ سِنِينَ وَلاَ أَيَّاما أَقْصَرَ مِنْ سِنِينِهِمْ وَأَيَّامِهِمْ ، إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ يَأْمُرُ الْمَلَكَ الَّذِي فِي يَدِهِ الْفَلَكُ ، فَيَطْوِيهِ طَيّا» .

شرح

السند ضعيف.

قوله: (ترجو أن تكون صاحبهم).

ص: 191


1- . المدّثر 74: 3 و 4.
2- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 501.
3- . في كثير من نسخ الكافي والوافي: «يدك».

الظاهر أنّ المراد بالصاحب هنا من يقتلهم ويستأصلهم بقرينة ما بعده، فالمراد بالأصحاب في قوله: (إنّ أصحابهم أولاد الزنى) بنو العبّاس وأتباعهم. ولعلّ وجه كونهم أولاد الزنا أنّ مهور نسائهم واُمّهات أولادهم من مال الإمام وهم غصبوه.

والضمير في قوله عليه السلام: (من سنينهم) لبني اُميّة، أو لبني العبّاس، والأوّل أظهر.

وفي بعض النسخ: «سِنيهم» وهو أولى.

وأمّا قوله عليه السلام: (إنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ يأمر الملك) إلى آخره، فقد مرّ مرارا وتكلّمنا عليه هناك، ونقول هنا: يحتمل أن يكون هذا الفلك غير الأفلاك المشهورة، واللّه يعلم.

متن الحديث الثامن والثلاثين والخمسمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «وُلْدُ الْمِرْدَاسِ مَنْ تَقَرَّبَ مِنْهُمْ أَكْفَرُوهُ ، وَمَنْ تَبَاعَدَ مِنْهُمْ أَفْقَرُوهُ ، وَمَنْ نَاوَاهُمْ قَتَلُوهُ ، وَمَنْ تَحَصَّنَ مِنْهُمْ أَنْزَلُوهُ ، وَمَنْ هَرَبَ مِنْهُمْ أَدْرَكُوهُ حَتّى تَنْقَضِيَ(1) دَوْلَتُهُمْ» .

شرح

السند حسن.

قوله: (ولد المرداس).

قال الفيروزآبادي:

رَدس القوم: رماهم بحجر. والحائط والأرض: دكّه بشيء صلِب عريض يُقال له المُردس والمِرداس. وردس الحجر بالحجر يردسه ويردسه: كسره وبالشيء ذهب به. والمِرداس: الرأس. وعبّاس بن مرداس السلمي صحابي شاعر شجاع سخيّ.(2)

أقول: الظاهر أنّ المراد بالمرداس هنا عبّاس بن عبد المطّلب إمّا كناية باعتبار كونه سمي عبّاس بن مرداس السّلمي، فينتقل الذهن منه إليه، وإمّا استعارة باعتبار كلّ واحد من المعاني المذكورة بنوع من التقريب، ولا يبعد أن يُراد به الدوانيقي بالاعتبار الثاني. وما قيل من أنّه اُريد به السفّاح، وهو أوّل خليفة من ولد العبّاس، وإطلاقه عليه من باب

ص: 192


1- . في بعض نسخ الكافي: «ينقضي».
2- . القاموس المحيط، ج 2، ص 219 ردس.

الاستعارة،(1) ففيه أنّ ولد العبّاس لم يملكوا الخلافة، بل سائر الخلفاء العبّاسيّة من ولد الدوانيقي أخي السفّاح، فتأمّل.

(من تقرّب منهم أكفروه).

في القاموس: «أكفره، أي دعاه كافرا».(2) ولعلّ المراد هنا: جعلوه كافرا.

(ومن ناواهم) أي عاداهم.

(قتلوه).

قال الفيروزآبادي في المهموز: «نأواه مناوأة ونواءً: فاخره وعاداه».(3)

(ومَن تحصّن) أي تحفّظ في الحصن وتوقّى به.

(منهم أنزلوه) أي عن حصنه وحرزه، أو عن رتبته ومنزلته.

متن الحديث التاسع والثلاثين والخمسمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ؛ وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُمَرَ(4) بْنِ أَيْمَنَ جَمِيعا ، عَنْ مُحَسِّنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُعَاذٍ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ بَشِيرٍ النَّبَّالِ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «بَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله جَالِسا إِذْ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ ، فَرَحَّبَ بِهَا ، وَأَخَذَ بِيَدِهَا وَأَقْعَدَهَا ، ثُمَّ قَالَ : ابْنَةُ نَبِيٍّ ضَيَّعَهُ قَوْمُهُ خَالِدِ بْنِ سِنَانٍ ، دَعَاهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُؤمِنُوا ، وَكَانَتْ نَارٌ يُقَالُ لَهَا : نَارُ الْحَدَثَانِ ، تَأْتِيهِمْ كُلَّ سَنَةٍ ، فَتَأْكُلُ بَعْضَهُمْ ، وَكَانَتْ تَخْرُجُ فِي وَقْتٍ مَعْلُومٍ ، فَقَالَ لَهُمْ : إِنْ رَدَدْتُهَا عَنْكُمْ تُؤمِنُونَ؟ قَالُوا : نَعَمْ».

قَالَ : «فَجَاءَتْ فَاسْتَقْبَلَهَا بِثَوْبِهِ فَرَدَّهَا ، ثُمَّ تَبِعَهَا حَتّى دَخَلَتْ كَهْفَهَا ، وَدَخَلَ مَعَهَا ، وَجَلَسُوا عَلى بَابِ الْكَهْفِ وَهُمْ يَرَوْنَ أَلاَّ يَخْرُجَ أَبَدا ، فَخَرَجَ وَ هُوَ يَقُولُ : هذَا هذَا ، وَكُلُّ هذَا مِنْ ذَا ،(5) زَعَمَتْ(6) بَنُوعَبْسٍ(7) أَنِّي لاَ أَخْرُجُ وَجَبِينِي يَنْدى ، ثُمَّ قَالَ : تُؤمِنُونَ بِي؟ قَالُوا : لاَ [قَالَ :] فَإِنِّي مَيِّتٌ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا ،

ص: 193


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 485 مع التلخيص.
2- . القاموس المحيط، ج 2، ص 129 كفر.
3- . القاموس المحيط، ج 1، ص 31 نوأ.
4- . في الطبعة القديمة وأكثر نسخ الكافي: «عمرو».
5- . في بعض نسخ الكافي وشرح المازندراني والوافي: «من مؤذ».
6- . في بعض نسخ الكافي وشرح المازندراني: «أزعمت».
7- . في بعض نسخ الكافي: «بنو عيس».

فَإِذَا أَنَا مِتُّ ، فَادْفِنُونِي ؛ فَإِنَّهُ(1) سَتَجِيءُ عَانَةٌ مِنْ حُمُرٍ يَقْدُمُهَا عَيْرٌ أَبْتَرُ حَتّى يَقِفَ عَلى قَبْرِي ، فَانْبُشُونِي وَسَلُونِي عَمَّا شِئْتُمْ .

فَلَمَّا مَاتَ دَفَنُوهُ ، وَكَانَ ذلِكَ الْيَوْمُ إِذْ جَاءَتِ الْعَانَةُ اجْتَمَعُوا ، وَجَاؤُوا يُرِيدُونَ نَبْشَهُ ، فَقَالُوا : مَا آمَنْتُمْ بِهِ فِي حَيَاتِهِ ، فَكَيْفَ تُؤمِنُونَ بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ(2)؟ وَلَئِنْ نَبَشْتُمُوهُ لَيَكُونَنَّ سُبَّةً عَلَيْكُمْ ، فَاتْرُكُوهُ ، فَتَرَكُوهُ» .

شرح

السند مجهول.

قوله: (فرحّب بها) أي قال لها: مرحبا.

قيل: فيه دلالة على جواز أن يقول الرجل للمرأة: مرحبا،(3) ولعلّه مقيّد بكونها مسنّة، أو إذا كان الرجل صالحا مأمونا كما نقل إنّها أتت النبيّ في كبر السّن، وعلى جواز قعودها مع الرجال إذا لم يكونوا من أهل ريبة، وعلى استحباب تعظيم شخص لأجل شرافة الآباء والأجداد.

وقوله: (ابنة نبيّ) خبر مبتدأ محذوف، أي هذه ابنة نبيّ.

وجملة (ضيّعه قومه) صفة نبي، وقوله: (خالد بن سنان) عطف بيان له.

وقوله: (دعاهم فأبوا) إلى آخره، بيان للتضييع، وذكروا أنّ خالد بن سنان كان في الفترة في أيّام سلطنة أنوشيروان من ملوك العجم، واختلف في نبوّته، وهذا الخبر يدلّ على أنّه كان نبيّا، والمشهور أنّ نسبه ينتهي إلى عدنان من أجداد رسول اللّه صلى الله عليه و آله.

(وكانت نار يُقال لها: نار الحدثان).

في القاموس: «حِدثان الأمر _ بالكسر _ : أوّله وابتداؤه».(4)

وقال السيوطي في شرح شواهد المغني ناقلاً عن العسكري في ذكر أقسام النّار:

نار الحرّتين كانت في بلاد عَبس تخرج من الأرض، فتؤذّي مَن مرّ بها، وهي التي

ص: 194


1- . في الطبعة القديمة وبعض نسخ الكافي: «فإنّها».
2- . في بعض نسخ الكافي: «وفاته».
3- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 486.
4- . القاموس المحيط، ج 1، ص 164 حدث.

دفنها خالد بن سنان النبيّ صلى الله عليه و آله. قال خليد:

كنار الحرّتين لها زفير*** تصمّ مسامع الرجل السميع.(1)

وقال بعض الفضلاء: لعلّ الحدثان في هذا الخبر تصحيف الحرّتين.(2)

(فخرج وهو يقول: هذا هذا).

لعلّه مبتدأ وخبر، والأوّل مبتدأ، والثاني تأكيد له، والخبر محذوف، أي هذا شأني وإعجازي، أو ضيعي أو خروجي.

وقيل: الظاهر أنّ الأوّل إشارة إلى الردّ، والثاني إلى الدخول؛ أي ردّها الذي ضمنت لكم دخولها في الكهف.(3)

(وكلّ هذا من ذا).

قيل: أي كلّ واحد من مجيء النار وردّها ودخولها في الكهف ودخولي فيه وخروجي عنه من اللّه تعالى.(4)

وقيل: أي كلّ هذا ممّا ادّعيت من قوّة نبوّتي التي أعطاها اللّه تعالى.(5)

وفي بعض النسخ: «مُؤذٍ» بدل من «ذا»، فحينئذٍ يكون «هذا» إشارة إلى كلّ واحد من الجالسين على باب الكهف، وحكم عليه بأنّه مؤذ مثل هذه النار.

(زعمت بنو عَبْس أنّي لا أخرج) يعني من الكهف.

و«عبس» بفتح العين وسكون الباء الموحّدة: أبو قبيلة.

وقيل: يحتمل أن يكون مخفّف عبد قيس.(6)

وفي بعض النسخ: «أزعمت» بهمزة الاستفهام للتوبيخ والإنكار.

(وجبيني يندى) كيرضى، أي يبتلّ ويعرق.

وقيل: الظاهر أنّ الواو للحال، أي والحال أنّ جبيني لم يجف من العرق، فكيف يتصوّر

ص: 195


1- . لم نعثر عليه.
2- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 503.
3- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 486.
4- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 486.
5- . لم نعثر عليه.
6- . نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 486 بعنوان «قيل».

في حقّي الإحراق؟! أو عطف على اسم «أنّ» فهو داخل تحت توبيخهم بما زعموا أنّ النار تحرقه، أو توجب مشقّته، وتؤثّر فيه ولو بعرق الجبين.

(فإنّه سيجئعانة من حُمُر يقدمها عير أبتر).

في القاموس: «العانة: الأتان، والقطيع من حُمُر الوحش. الجمع: عون، بالضمّ».(1)

وحُمُر _ بالضمّتين _ حمار، ويطلق على الإنسي والوحشي.

والعَيْر _ بالفتح _ : الحمار، وغلّب على الوحشي.

والأبتر: المقطوع الذنب.

وقوله: (فانبشوني) من النبش، وهو إبراز المستور، وكشف الشيء عن الشيء، وفعله كنصر.

وقوله: (ليكون(2) سبّة عليكم) بفتح اللاّم.

وقال الجوهري: «يُقال: صار هذا الأمر سُبّة عليه _ بالضمّ _ أي عارا يُسَبّ به. ورجلٌ سُبَّة: أي يسبّه الناس»(3) انتهى. أي هذا عار عليكم أن تحبّوه ولا تؤمنوا به، أو هو يسبّكم بترك الإيمان والكفر، أو يكون هذا النبش عارا لكم عند العرب فيقولون: نبشوا قبر نبيّهم. ويؤيّد الأخير ما ذكره ابن الأثير قال: «فأرادوا نبشه، فكره ذلك بعضهم وقالوا: نخاف إن نبشناه أن تسبّنا العرب بأنّا نبشنا ميّتا لنا، فتركوه».(4)

متن الحديث الأربعين والخمسمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسى ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ الْيَمَانِيِّ ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْهِلاَلِيِّ ، قَالَ :

سَمِعْتُ سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ _ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ _ يَقُولُ : لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَصَنَعَ النَّاسُ مَا صَنَعُوا ، وَخَاصَمَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ الْأَنْصَارَ ، فَخَصَمُوهُمْ بِحُجَّةِ عَلِيٍّ عليه السلام قَالُوا : يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ ، قُرَيْشٌ أَحَقُّ بِالْأَمْرِ مِنْكُمْ ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آلهمِنْ قُرَيْشٍ ، وَالْمُهَاجِرِينَ مِنْهُمْ ، إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ ذِكْرُهُ _ بَدَأَ بِهِمْ فِي كِتَابِهِ وَفَضَّلَهُمْ ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» .

ص: 196


1- . القاموس المحيط، ج 4، ص 251 عون.
2- . في المتن الذي ضبطه الشارح رحمه الله سابقا: «ليكونّن».
3- . الصحاح، ج 1، ص 145 سبب.
4- . الكامل، ج 1، ص 476.

قَالَ سَلْمَانُ _ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ _ : فَأَتَيْتُ عَلِيّا عليه السلام وَهُوَ يُغَسِّلُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا صَنَعَ النَّاسُ ، وَقُلْتُ : إِنَّ أَبَا بَكْرٍ السَّاعَةَ عَلى مِنْبَرِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَاللّهِ مَا يَرْضى أَنْ يُبَايِعُوهُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ ، إِنَّهُمْ لَيُبَايِعُونَهُ بِيَدَيْهِ جَمِيعا بِيَمِينِهِ وَشِمَالِهِ .

فَقَالَ لِي : «يَا سَلْمَانُ ، هَلْ تَدْرِي مَنْ أَوَّلُ مَنْ بَايَعَهُ عَلى مِنْبَرِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله؟» .

قُلْتُ : لاَ أَدْرِي، إِلاَّ أَنِّي رَأَيْتُ فِي ظُلَّةِ بَنِي سَاعِدَةَ حِينَ خَصَمَتِ الْأَنْصَارُ ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ بَايَعَهُ بَشِيرُ(1) بْنُ سَعْدٍ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ ، ثُمَّ عُمَرُ ، ثُمَّ سَالِمٌ .

قَالَ : «لَسْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ هذَا ، وَلكِنْ تَدْرِي أَوَّلَ مَنْ بَايَعَهُ حِينَ صَعِدَ عَلى مِنْبَرِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله؟» .

قُلْتُ : لاَ ، وَلكِنِّي رَأَيْتُ شَيْخا كَبِيرا مُتَوَكِّئا عَلى عَصَاهُ ، بَيْنَ عَيْنَيْهِ سَجَّادَةٌ شَدِيدُ التَّشْمِيرِ ، صَعِدَ إِلَيْهِ أَوَّلَ مَنْ صَعِدَ وَهُوَ يَبْكِي ، وَيَقُولُ : الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يُمِتْنِي مِنَ الدُّنْيَا حَتّى رَأَيْتُكَ فِي هذَا الْمَكَانِ ، ابْسُطْ يَدَكَ ، فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعَهُ ، ثُمَّ نَزَلَ فَخَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ .

فَقَالَ عَلِيٌّ عليه السلام : «أ تَدْرِي(2) مَنْ هُوَ؟» .

قُلْتُ : لاَ ، وَلَقَدْ سَاءَتْنِي مَقَالَتُهُ كَأَنَّهُ شَامِتٌ بِمَوْتِ النَّبِيِّ(3) صلى الله عليه و آله .

فَقَالَ : «ذَاكَ [إِبْلِيسُ] لَعَنَهُ اللّهُ ، أَخْبَرَنِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أَنَّ إِبْلِيسَ وَرُؤسَاءَ أَصْحَابِهِ شَهِدُوا نَصْبَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آلهإِيَّايَ لِلنَّاسِ بِغَدِيرِ خُمٍّ بِأَمْرِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَأَخْبَرَهُمْ أَنِّي أَوْلى بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُبَلِّغَ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ ، فَأَقْبَلَ إِلى إِبْلِيسَ أَبَالِسَتُهُ وَمَرَدَةُ أَصْحَابِهِ ، فَقَالُوا : إِنَّ هذِهِ أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ وَمَعْصُومَةٌ ، وَمَا لَكَ وَلاَ لَنَا عَلَيْهِمْ سَبِيلٌ ، قَدْ أُعْلِمُوا إِمَامَهُمْ وَمَفْزَعَهُمْ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ ، فَانْطَلَقَ إِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللّهُ كَئِيبا حَزِينا .

وَأَخْبَرَنِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أَنَّهُ لَوْ قُبِضَ أَنَّ النَّاسَ يُبَايِعُونَ أَبَا بَكْرٍ فِي ظُلَّةِ بَنِي سَاعِدَةَ بَعْدَ مَا يَخْتَصِمُونَ ، ثُمَّ يَأْتُونَ الْمَسْجِدَ ، فَيَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُبَايِعُهُ عَلى مِنْبَرِي إِبْلِيسُ _ لَعَنَهُ اللّهُ _ فِي صُورَةِ رَجُلٍ شَيْخٍ مُشَمِّرٍ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَيَجْمَعُ شَيَاطِينَهُ وَأَبَالِسَتَهُ ، فَيَنْخُرُ وَيَكْسَعُ ، وَيَقُولُ : كَلاَّ زَعَمْتُمْ أَنْ لَيْسَ لِي عَلَيْهِمْ سَبِيلٌ ، فَكَيْفَ رَأَيْتُمْ مَا صَنَعْتُ بِهِمْ حَتّى تَرَكُوا أَمْرَ اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ وَطَاعَتَهُ وَمَا أَمَرَهُمْ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله» .

ص: 197


1- . في أكثر نسخ الكافي والوافي: «بشر».
2- . في كلتا الطبعتين وأكثر نسخ الكافي: «هل تدري».
3- . في بعض نسخ الكافي: «رسول اللّه ».

شرح

السند حسن على الأصحّ.

قوله: (فخصموهم بحجّة عليّ عليه السلام) أي غلب هؤلاء الثلاثة على الأنصار بحجّة هي عليّ عليه السلام، أي تدلّ على أحقّيته عليه السلام بالخلافة؛ لأنّ خلاصة تلك الحجّة قرابتهم من رسول اللّه صلى الله عليه و آله، كما يدلّ عليه قولهم: (يا معشر الأنصار) إلى قولهم: (وقد قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: الأئمّة من قريش).

وقد روى في أخبار متكثّرة مستفيضة أنّه عليه السلاماحتجّ عليهم بهذه الحجّة في مواضع؛ منها: ما ذكره الشيخ الطبرسي رحمه الله في كتاب الاحتجاج: أنّ أمير المؤمنين عليه السلاملمّا اُحضر لبيعة أبي بكر قالوا له: بايع أبا بكر، فقال عليّ عليه السلام: «أنا أحقُّ بهذا الأمر منه، وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار، واحتجتم عليهم بالقرابة من رسول اللّه صلى الله عليه و آله، وأخذتموها(1) منّا أهل البيت غصبا، ألستم زعمتم للأنصار أنّكم أولى بهذا الأمر منهم بمكانكم من رسول اللّه صلى الله عليه و آله؟! فأعطوكم المقادة وسلّموا لكم الإمارة، وأنا احتججت عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار، أنا أولى برسول اللّه صلى الله عليه و آله حيّا وميّتا، وأنا وصيّه ووزيره، ومستودع سرّه وعلمه، وأنا الصدِّيق الأكبر، وأنا [الفاروق الأعظم] أوّل من آمن به وصدّقه، وأحسنكم بلاءً في جهاد المشركين، وأعرفكم بالكتاب والسنّة، وأفقهكم في الدِّين، وأعلمكم بعواقب الاُمور، وأذربكم لسانا، وأثبتكم جنانا، فعلى ما تنازعونا هذا الأمر، إنصفونا إن كنتم تخافون اللّه من أنفسكم، واعرفوا لنا من(2) الأمر مثل ما عرفته الأنصار لكم، وإلاّ فبوؤا بالظلم [والعدوان] وأنتم تعلمون».(3) الخبر.

(ما يرضى أن يبايعوه).

في كتاب الاحتجاج: «ما يرضى الناس أن يبايعوه».(4)

وقوله: (في ظلّة بني ساعدة).

الظلّة _ بالضمّ _ : ما يستظلّ به. والظلّة أيضا: شيء كهيئة الصّفة يستتر به من الحرّ والبرد.

وقوله: (بين عينيه سجّادة) بفتح السّين وتشديد الجيم: أثر السجود في الجبهة.

ص: 198


1- . في المصدر: «وتأخذونه».
2- . في المصدر: - «من».
3- . الاحتجاج، ج 1، ص 95.
4- . الاحتجاج، ج 1، ص 106. وفيه: «أن يبايعوا له».

(شديد التشمير).

يُقال: شمّر الثوب تشميرا: إذا رفعه. وشمّر في الأمر: إذا خفّ فيه. وتشمّر للأمر: تهيّأ له. والمراد هنا شدّة الاجتهاد في العبادة.

وقوله: (كأنّه شامت) على صيغة اسم الفاعل من الشماتة، وهي الفرح ببليّة العدوّ.

وقوله: (فينخر ويكسع).

قال في القاموس: «نخر ينخُر وينخِر نخيرا: مدّ الصوت في خياشيمه».(1)

وقال: «كسعه _ كمنعه _ : ضرب دبره بيده، أو بصدر قدمه».(2)

وأقول: الظاهر أنّ هذا منه حقيقة؛ لأنّه جسم، وإنّما فعل ذلك فرحا وشعفا.

وقيل: يحتمل أن يكون استعارة على سبيل التمثيل.(3)

متن الحديث الواحد والأربعين والخمسمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ حَمْدَانَ(4) بْنِ سُلَيْمَانَ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْيَمَانِيِّ ، عَنْ مَنِيعِ بْنِ الْحَجَّاجِ ، عَنْ صَبَّاحٍ الْحَذَّاءِ ، عَنْ صَبَّاحٍ الْمُزَنِيِّ ، عَنْ جَابِرٍ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا أَخَذَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِيَدِ عَلِيٍّ عليه السلام يَوْمَ الْغَدِيرِ ، صَرَخَ إِبْلِيسُ فِي جُنُودِهِ صَرْخَةً ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ فِي بَرٍّ وَلاَ بَحْرٍ إِلاَّ أَتَاهُ ، فَقَالُوا : يَا سَيِّدَهُمْ وَمَوْلاَهُمْ ، مَا ذَا دَهَاكَ ، فَمَا سَمِعْنَا لَكَ صَرْخَةً أَوْحَشَ مِنْ صَرْخَتِكَ هذِهِ؟ فَقَالَ لَهُمْ : فَعَلَ هذَا النَّبِيُّ فِعْلاً إِنْ تَمَّ لَمْ يُعْصَ اللّهُ أَبَدا ، فَقَالُوا : يَا سَيِّدَهُمْ ، أَنْتَ كُنْتَ لآِدَمَ .

فَلَمَّا قَالَ الْمُنَافِقُونَ : إِنَّهُ يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ، وَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : أَمَا تَرى عَيْنَيْهِ تَدُورَانِ فِي رَأْسِهِ كَأَنَّهُ مَجْنُونٌ يَعْنُونَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، صَرَخَ إِبْلِيسُ صَرْخَةً بِطَرَبٍ(5) ، فَجَمَعَ أَوْلِيَاءَهُ ، فَقَالَ : أَ مَا عَلِمْتُمْ أَنِّي كُنْتُ لآِدَمَ مِنْ قَبْلُ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، قَالَ : آدَمُ نَقَضَ الْعَهْدَ ، وَلَمْ يَكْفُرْ بِالرَّبِّ ، وَ هؤلاَءِ نَقَضُوا الْعَهْدَ ، وَكَفَرُوا بِالرَّسُولِ .

فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَأَقَامَ النَّاسُ غَيْرَ عَلِيٍّ ، لَبِسَ إِبْلِيسُ تَاجَ الْمُلْكِ ، وَنَصَبَ مِنْبَرا وَ قَعَدَ

ص: 199


1- . القاموس المحيط، ج 2، ص 139 نخر.
2- . القاموس المحيط، ج 3، ص 78 كسع.
3- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 489.
4- . في الطبعة القديمة: «أحمد».
5- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «يطرب».

فِي الْزِّنْيَةِ(1) ، وَجَمَعَ خَيْلَهُ وَرَجْلَهُ ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ : اطْرَبُوا ؛ لاَ يُطَاعُ اللّهُ حَتّى يَقُومَ الاْءِمَامُ(2)» .

وَتَلاَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاّ فَرِيقا مِنَ الْمُؤمِنِينَ»(3) قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «كَانَ تَأْوِيلُ هذِهِ الاْيَةِ لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَالظَّنُّ مِنْ إِبْلِيسَ حِينَ قَالُوا لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إِنَّهُ يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ، فَظَنَّ بِهِمْ إِبْلِيسُ ظَنّا ، فَصَدَّقُوا ظَنَّهُ» .

شرح

السند مجهول.

قوله: (يا سيّدهم ومولاهم).

مقتضى الظاهر: قالوا: يا سيّدنا ومولانا، وإنّما غيّره عليه السلاملئلاّ يوهم انصرافه إليه، وهذا شايع في كلام البلغاء في نقل أمر لا يرضى القائل إضافته إلى نفسه، وإن كان حكاية، كما قيل في قوله تعالى: «أَنَّ لَعْنَةَ اللّه ِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ»(4).(5)

(ماذا دهاك) أي أيّ داهيةٍ أصابك.

قال الجوهري: «الدّاهية: الأمر العظيم. وما دهاك، أي ما أصابك».(6)

(فقالوا: يا سيّدهم أنت كنت لآدم) أي قال شياطينه تسليةً له: أنت الذي كنت خصما لآدم ومغويا له مع وفور علمه وكماله وعقله وفهمه، فإغواء هؤلاء الجهلة الحمقاء ليس ببديع عندك.

وقوله: (وقال أحدهما لصاحبه) يعني أبا بكر وعمر.

وقوله: (وهؤلاء نقضوا العهد، وكفروا بالرسول)؛ فإنّهم نقضوا ميثاقه، وأنكروا رسالته، ونسبوا قوله إلى الهوى والجنون.

قيل: وإنّما لم يقل: وكفروا بالرّبّ، مع أنّه الأنسب بالسابق؛ للإشعار بأنّ الكفر بالرسول كفرٌ بالربّ.(7)

ص: 200


1- . هكذا في النسخة وكثير من نسخ الكافي. وفي بعض نسخ الكافي: «الزبية». وفي كلتا الطبعتين: «الوثبة».
2- . في كثير من نسخ الكافي: «إمام».
3- . سبأ 34: 20.
4- . النور 24: 7.
5- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 507.
6- . الصحاح، ج 6، ص 2344 دهي مع التلخيص.
7- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 489.

وقوله: (وقعد في الزنية).

في بعض النسخ: «الوثبة» بدل «الزنية» وفسّرت بالوسادة.

قال الجوهري: «الوِثاب _ بكسر الواو _ : المقاعد. وتقول: وثّبه توثيبا، أي أقعده على وسادةٍ، وربّما قالوا: وثّبه وسادة: إذا طرحها ليقعد عليها».(1)

وفي بعضها: «الزُبية» بضمّ الزاء وسكون الباء الموحّدة وتخفيف الياء، وهي حفرة في موضع عال يصاد بها الذئب أو الأسد.

(ثمّ قال لهم: اطربوا) من الطرب _ بالتحريك _ وهو خفّة تُصيب الإنسان لشدّة حزن أو سرور، وفعله كعلم.

ويحتمل كونه من الإطراب، أي وليُطرِب بعضكم بعضا.

«وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ» أي حقّق ظنّه فيهم بتكذيب الرسول وردّ الخلافة عن أهلها، أو وجده صادقا.

«فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ» لم يتّبعوه في العصيان وهم المخلصون.

متن الحديث الثاني والأربعين والخمسمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَدِيدٍ ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ ، عَنْ زُرَارَةَ :

عَنْ أَحَدِهِمَا عليهماالسلام ، قَالَ : «أَصْبَحَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَوْما كَئِيبا حَزِينا ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام : مَا لِي أَرَاكَ يَا رَسُولَ اللّهِ كَئِيبا حَزِينا؟ فَقَالَ : وَكَيْفَ لاَ أَكُونُ كَذلِكَ وَ قَدْ رَأَيْتُ فِي لَيْلَتِي هذِهِ أَنَّ بَنِي تَيْمٍ وَبَنِي عَدِيٍّ وَبَنِي أُمَيَّةَ يَصْعَدُونَ مِنْبَرِي هذَا يَرُدُّونَ النَّاسَ عَنِ الاْءِسْلاَمِ الْقَهْقَرى . فَقُلْتُ : يَا رَبِّ ، فِي حَيَاتِي أَوْ بَعْدَ مَوْتِي؟ فَقَالَ : بَعْدَ مَوْتِكَ» .

شرح

السند ضعيف.

قوله: (كئيبا حزينا).

ص: 201


1- . الصحاح، ج 1، ص 231 وثب مع التلخيص.

الحزن: خلاف السرور. والكآبة: سوء الحال، والانكسار من الحزن، وفعله كفرح.

وقوله: (أنّ بني تيم) هم بني تَيم بن مرّة رهط أبي بكر.

(وبني عديّ) كغنيّ: رهط عمر.

(وبني اُميّة) رهط عثمان.

وقوله: (القهقرى) هي الرجوع إلى خلفٍ من غير التوجّه إلى جهة المشي.

وقيل: فيه تنبيه على أنّ ارتدادهم عن الإسلام بنحو خاصّ، وهو خروجهم منه مع ادّعائهم له وعدم صرف وجههم عنه بالمرّة.(1)

متن الحديث الثالث والأربعين والخمسمائة

اشارة

جَمِيلٌ(2) ، عَنْ زُرَارَةَ :

عَنْ أَحَدِهِمَا عليهماالسلام ، قَالَ : «قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : لَوْ لاَ أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ مُحَمَّدا اسْتَعَانَ بِقَوْمٍ حَتّى إِذَا ظَفِرَ بِعَدُوِّهِ قَتَلَهُمْ ، لَضَرَبْتُ أَعْنَاقَ قَوْمٍ كَثِيرٍ» .

شرح

السند ضعيف.

قوله: (لضربت أعناق قوم كثير) هم المنافقون الذين سبق ذكرهم.

متن الحديث الرابع والأربعين والخمسمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ الدِّهْقَانِ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْقَاسِمِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ(3) ، عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «كَانَ الْمَسِيحُ عليه السلام يَقُولُ : إِنَّ التَّارِكَ شِفَاءَ الْمَجْرُوحِ مِنْ جُرْحِهِ شَرِيكٌ لِجَارِحِهِ لاَ مَحَالَةَ ، وَذلِكَ أَنَّ الْجَارِحَ أَرَادَ فَسَادَ الْمَجْرُوحِ ، وَالتَّارِكَ لاِءِشْفَائِهِ لَمْ يَشَأْ صَلاَحَهُ ، فَإِذَا(4) لَمْ

ص: 202


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 490.
2- . السند معلّق على سابقه، ويروي عن جميل، محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن حديد.
3- . في بعض نسخ الكافي: «عبد اللّه بن القاسم بن أبي نجران».
4- . في بعض نسخ الكافي: «وإذا».

يَشَأْ صَلاَحَهُ فَقَدْ شَاءَ فَسَادَهُ اضْطِرَارا ، فَكَذلِكَ لاَ تُحَدِّثُوا بِالْحِكْمَةِ غَيْرَ أَهْلِهَا فَتَجْهَلُوا ، وَلاَ تَمْنَعُوهَا أَهْلَهَا فَتَأْثَمُوا ، وَلْيَكُنْ أَحَدُكُمْ بِمَنْزِلَةِ الطَّبِيبِ الْمُدَاوِي : إِنْ رَأى مَوْضِعا لِدَوَائِهِ ، وَإِلاَّ أَمْسَكَ» .

شرح

السند ضعيف.

قوله: (أنّ التارك شفاء المجروح).

الشفاء _ بالكسر والمدّ _ : الدواء، يُقال: شفاه اللّه من مرضه، أي الذي ترك معالجة المجروح ومداواه مع قدرته عليه، من جرحه الجرح _ بالفتح _ مصدر جرحه، كمنعه: إذا كلّمه. وبالضمّ: الاسم منه.

وكلمة «من» تعليليّة، كما قيل في قوله تعالى: «خَاشِعا مُتَصَدِّعا مِنْ خَشْيَةِ اللّه ِ»(1).

ولعلّ المراد بالجرح ما يعمّ الأمراض والآلام والمصاب.

(شريك لجارحه لا محاله) بفتح الميم، أي لابدّ. وأصل المَحالة الحيلة.

وقوله عليه السلام: (والتارك لإشفائه).

قال الجوهري: «شفاه اللّه من مرضه شفاءً _ ممدود _ وأشفيتك الشيء: أعطيتكه تستشفي به. ويقال: أشفاه اللّه عسلاً: إذا جعل له شفاء، حكاه أبو عبيد».(2)

وقوله: (اضطرارا) أي ضرورة وبديهة، أو البتّة.

وقوله: (فتجهّلوا) يحتمل كونه من الجهل، أي تكوّتوا، أو تصيّروا جهلة، أو من التجهيل على بناء المفعول.

قال الفيروزآبادي: «جهله _ كسمعه _ جهلاً: ضدّ علمه. وعليه: أظهر الجهل. وجهّله تجهيلاً: نسبه إلى الجهل».(3)

وقيل: لعلّ المراد بالجهل أو التجهيل وضع الحكمة في غير موضعها وتضييعها.(4)

وقوله: (فليكن أحدكم) أي كلّ واحد منكم.

وفي هذا الخبر دلالة على جواز معالجة المريض وحثّ عليه، بل على وجوبها

ص: 203


1- . الحشر 59: 21.
2- . الصحاح، ج 6، ص 2394 شفي مع التلخيص.
3- . القاموس المحيط، ج 3، ص 353 جهل.
4- . لم نعثر على قائله.

كفاية، وعلى وجوب تعليم الجاهل إن كان أهلاً له، وهداية الضالّ، وعلى جواز كتمان العلم

من غير أهله.

متن الحديث الخامس والأربعين والخمسمائة

اشارة

سَهْلٌ(1) ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ :

دَخَلْتُ عَلى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام أَنَا وَحُسَيْنُ بْنُ ثُوَيْرِ بْنِ أَبِي فَاخِتَةَ ، فَقُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنَّا كُنَّا فِي سَعَةٍ مِنَ الرِّزْقِ وَغَضَارَةٍ مِنَ الْعَيْشِ ، فَتَغَيَّرَتِ الْحَالُ بَعْضَ التَّغْيِيرِ(2) ، فَادْعُ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ أَنْ يَرُدَّ ذلِكَ إِلَيْنَا .

فَقَالَ : «أَيَّ شَيْءٍ تُرِيدُونَ ، تَكُونُونَ مُلُوكا؟ أَيَسُرُّكَ أَنْ تَكُونَ مِثْلَ طَاهِرٍ وَهَرْثَمَةَ ، وَإِنَّكَ عَلى خِلاَفِ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ؟». قُلْتُ : لاَ وَ اللّهِ ، مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِيَ الدُّنْيَا بِمَا فِيهَا ذَهَبا وَفِضَّةً وَإِنِّي عَلى خِلاَفِ مَا أَنَا عَلَيْهِ .

قَالَ : فَقَالَ : «فَمَنْ أَيْسَرَ مِنْكُمْ فَلْيَشْكُرِ اللّهَ ، إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ يَقُولُ : «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ»(3) وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى : «اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْرا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِىَ الشَّكُورُ»(4) وَأَحْسِنُوا الظَّنَّ بِاللّهِ ؛ فَإِنَّ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلامكَانَ يَقُولُ : مَنْ حَسُنَ ظَنُّهُ بِاللّهِ ، كَانَ اللّهُ عِنْدَ ظَنِّهِ بِهِ ، وَمَنْ رَضِيَ بِالْقَلِيلِ مِنَ الرِّزْقِ ، قَبِلَ اللّهُ مِنْهُ الْيَسِيرَ مِنَ الْعَمَلِ ، وَمَنْ رَضِيَ بِالْيَسِيرِ مِنَ الْحَلاَلِ ، خَفَّتْ مَؤُونَتُهُ ، وَتَنَعَّمَ(5) أَهْلُهُ ، وَبَصَّرَهُ اللّهُ دَاءَ الدُّنْيَا وَدَوَاءَهَا ، وَأَخْرَجَهُ مِنْهَا سَالِما إِلى دَارِ السَّلاَمِ» .

قَالَ : ثُمَّ قَالَ : «مَا فَعَلَ ابْنُ قِيَامَا؟».

قَالَ : قُلْتُ : وَاللّهِ إِنَّهُ لَيَلْقَانَا فَيُحْسِنُ اللِّقَاءَ .

فَقَالَ : «وَأَيُّ شَيْءٍ يَمْنَعُهُ مِنْ ذلِكَ؟» ثُمَّ تَلاَ هذِهِ الاْيَةَ «لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِى بَنَوْا رِيبَةً فِى قُلُوبِهِمْ إِلاّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ».(6)

قَالَ : ثُمَّ قَالَ : «تَدْرِي لِأَيِّ شَيْءٍ تَحَيَّرَ ابْنُ قِيَامَا؟» قَالَ : قُلْتُ : لاَ ، قَالَ : «إِنَّهُ تَبِعَ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام ،فَأَتَاهُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ وَهُوَ يُرِيدُ مَسْجِدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام ،

ص: 204


1- . السند معلّق على سابقه، ويروي عن سهل، عدّة من أصحابنا.
2- . في بعض نسخ الكافي: «التغيّر».
3- . إبراهيم 14: 7.
4- . الإسراء 17: 13.
5- . في بعض نسخ الكافي: «ونعّم».
6- . التوبة 9: 110.

فَقَالَ : مَا تُرِيدُ، حَيَّرَكَ اللّهُ؟» .

قَالَ : ثُمَّ قَالَ : «أَرَأَيْتَ لَوْ رَجَعَ إِلَيْهِمْ مُوسى فَقَالُوا(1) : لَوْ نَصَبْتَهُ لَنَا فَاتَّبَعْنَاهُ وَاقْتَصَصْنَا أَثَرَهُ ، أَ هُمْ كَانُوا أَصْوَبَ قَوْلاً ، أَوْ مَنْ قَالَ : «لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى»(2)؟» .

قَالَ : قُلْتُ : لاَ ، بَلْ مَنْ قَالَ : لَوْ(3) نَصَبْتَهُ لَنَا فَاتَّبَعْنَاهُ وَ اقْتَصَصْنَا أَثَرَهُ .

قَالَ : فَقَالَ : «مِنْ هاهُنَا أُتِيَ ابْنُ قِيَامَا وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ» .

قَالَ : ثُمَّ ذَكَرَ ابْنَ السَّرَّاجِ ، فَقَالَ : «إِنَّهُ قَدْ أَقَرَّ بِمَوْتِ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ، وَذلِكَ أَنَّهُ أَوْصى عِنْدَ مَوْتِهِ ، فَقَالَ : كُلُّ مَا خَلَّفْتُ مِنْ شَيْءٍ حَتّى قَمِيصِي هذَا الَّذِي فِي عُنُقِي لِوَرَثَةِ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ، وَلَمْ يَقُلْ : هُوَ لِأَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ، وَهذَا إِقْرَارٌ ، وَلكِنْ أَيُّ شَيْءٍ يَنْفَعُهُ مِنْ ذلِكَ ، وَمِمَّا قَالَ» ثُمَّ أَمْسَكَ .

شرح

السند ضعيف على الظاهر، وأمّا على نسخة سهل بن عبيد اللّه فمجهول، والظاهر أنّه تصحيف، والصحيح: سهل عن عبيد اللّه ، كما في بعض النسخ.

قوله: (وغضارة من العيش).

الغضارة _ بالفتح _ : طيب العيش، والسِّعة والنعمة، والخصب.

وقوله: (طاهر وهرثمة)؛ هما من اُمراء المأمون، وفي غاية العداوة لأهل البيت عليهم السلام.

وقوله عليه السلام: (فمن أيسر منكم)؛ استفهام إنكاري.

وفي القاموس: «اليسر _ بالضم _ وبضمّتين _ واليسار واليسارة واليسر مثلّثة السين: السهولة والغنى»(4) انتهى.

وأقول: الغنى كما يكون بالمال يكون بالكمال وصحّة العقائد والأعمال، بل الثاني هو اليسر والغنى في الحقيقة؛ إذ به يتحقّق غناء الأبد.

وقوله: (فتشكر(5) اللّه ) بصيغة الخطاب.

ص: 205


1- . في بعض نسخ الكافي: + «له».
2- . طه 20: 91.
3- . هكذا في النسخة وبعض نسخ الكافي والوافي وشرح المازندراني. وفي كلتا الطبعتين: - «لو».
4- . القاموس المحيط، ج 2، ص 163 سير مع التلخيص.
5- . في كلتا الطبعتين وجميع النسخ والمتن الذي ضبطه الشارح رحمه الله سابقا: «فليشكر».

وفي بعض النسخ بصيغة الغيبة. وقيل: هو حينئذٍ خبر للموصول،(1) وفيه تأمّل.

وقوله: (إنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ يقول: «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ» تعليل للأمر بالشكر.

وقوله: (وقال سبحانه وتعالى: «اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرا») الآية، تعليل آخر له.

و«آل داود» منادى بتقدير حرف النداء. وقال البيضاوي:

«شكرا» نصب على العلّة، أي اعملوا له، واعبدوه شكرا، أو المصدر؛ لأنّ العمل له شكرا، والوصف، أو الحال، أو المفعول به.

«وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ» أي المتوفّر على أداء الشكر بقلبه ولسانه وجوارحه أكثر أوقاته، ومع ذلك لا يوفّى حقّه؛ لأنّ توفيقه للشكر نعمة تستدعي شكرا آخر لا إلى نهاية، ولذلك قيل: الشكور من يرى عجزه عن الشكر.(2)

وقوله: (وكان اللّه عند ظنّه به) أي يعامل معه على طبق ظنّه به وبحسبه.

(ومن رضى بالقليل من الرزق قبل اللّه منه اليسير من العمل).

قيل: هذا من حسن المعاملة بين العبد والرّبّ؛ لأنّ الرزق حقّ العبد على اللّه ، والعمل حقّ اللّه على العبد، فحسن المعاملة يقتضي قبول اليسير مع القليل.(3)

(ومَن رضى باليسير من الحلال خفّت مؤونته).

الظاهر أنّ المراد باليسير من الحلال قدر الكفاف منه، ولا شكّ أنّ الاكتفاء به وترك طلب الزيادة يوجب خفّة المؤونة في الدُّنيا والآخرة.

(وتنعّم أهله)؛ فإنّ الكفاف كاف في التنعّم والترفّه وخصب العيش.

(وبصّره اللّه داء الدُّنيا ودواءها).

التبصير: التعريف، والإيضاح. والدواء _ بالمدّ، مثلّثة الفاء _ : ما يداوى به.

وقيل: المراد بداء الدُّنيا كلّ ما يمنعه من السّير إلى اللّه ، والميل إلى الآخرة، والعمل لها كالغضب والحسد والبغي وغيرها من أنواع المعاصي، وبدوائها كلّ ما يدفع به تلك الأمراض من الكمالات النفسانيّة والعقائد الحقّة والأعمال الصالحة.(4)

ص: 206


1- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 509.
2- . تفسير البيضاوي، ج 4، ص 394.
3- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 493.
4- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 493.

(قال: ثمّ قال: ما فعل ابن قياما).

هو الحسين بن قياما، واقفيّ خبيث، ولعلّ السؤال عن كيفيّة خلطته مع الشيعة وطهور ملاقاته إيّاهم بقرينة الجواب.

وقيل: قوله: (إنّه ليلقانا فيحسن اللِّقاء) محمول على التهكّم، كأنّه إذا قال: رآنا يتهكّم بنا ويستهزئ. ويحتمل أن يكون محمولاً على ظاهره، ويكون غرضه عليه السلاممن قوله: (وأيّ شيء يمنعه من ذلك) الإيماء بنفاقه؛ فإنّ المنافقين يكونون في حالة الملاقاة مع المؤمنين في غاية الملاطفة، أي أنّه يفعل هذا لينتفع منكم ولا يتضرّر بكم.

وقيل: معناه: أيّ شيء يمنعه من ذلك الأمر والإقرار بالإمام بعد موسى بن جعفر عليهماالسلام.(1)

ثمّ استشهد عليه السلام لحاله بما ذكره اللّه تعالى في شأن المنافقين إمّا بتشبيه حاله بحالهم، أو لاندراجه فيهم، وتلا هذه الآية في سورة التوبة: «لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمْ». الضمير للّذين اتّخذوا مسجدا ضرارا، أو لمن أسّس بنيانه على شفا جرفٍ هار، والحال واحد.

«الَّذِي بَنَوْا».

قال البيضاوي:

أي بناؤهم الذي بنوه، والبنيان مصدر اُريد به المفعول، وليس بجمع، ولذلك تدخله التاء ووصف بالمفرد، وأخبر عنه بقوله: «رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ» أي شكّا ونفاقا. والمعنى: أنّ بناءهم هذا لا يزال سبب شكّهم وتزائد نفاقهم؛ فإنّه حملهم على ذلك، ثمّ لمّا هدمه الرسول صلى الله عليه و آله رسخ ذلك في قلوبهم، وازداد بحيث لا يزول وَسْمُه عن قلوبهم.

«إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ» قطعا بحيث لا يبقى لها قابليّة الإدراك والإضمار، وهو في غاية المبالغة والاستثناء من أعمّ الأزمنة.

وقيل: المراد بالتقطّع ما هو كائن بالقتل، أو في القبر، أو في النار. وقيل: التقطّع بالتوبة نَدَما وأسَفَا.(2)

وقال الشيخ الطبرسي رحمه الله:أي لا يزال بناء المبنيّ الذي بنوه شكّا في قلوبهم فيما كان من إظهار إسلامهم وثباتا

ص: 207


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 493.
2- . تفسير البيضاوي، ج 3، ص 174.

على النفاق.

وقيل: إنّ معناه حزازة في قلوبهم، وقيل: حسرةً في قلوبهم يتردّدون فيها «إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ» معناه إلاّ أن يموتوا. والمراد بالآية أنّهم لا ينزعون عن الخطيئة، ولا يتوبون حتّى يموتوا على نفاقهم وكفرهم، فإذا ماتوا عرفوا بالموت ما كانوا تركوه من الإيمان وأخذوا به من الكفر. وقيل: معناه إلاّ أن يتوبوا توبةً تنقطع بها قلوبهم نَدَما وأَسَفَا على تفريطهم.(1)

وقوله: (إنّه تبع أبا الحسن عليه السلام) أي الكاظم عليه السلام.

وإنّما دعى عليه السلام عليه بالحيرة بقوله: (حيّرك اللّه ) لما علم بما في قلبه من الشكّ والنفاق وبسوء خاتمته، فاستجاب اللّه _ عزّ وجلّ _ دعاءه عليه السلام فيه.

(قال: ثمّ قال) لذمّ ابن قياما ومَن تبعه ومدح من لم يتّبعه من الاثنى عشريّة.

(أرأيت) أخبرني (لو رجع إليهم موسى) إلى قوله: «حَتّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى».

لعلّ المراد هنا بموسى في الموضعين الكاظم عليه السلام اقتباسا من الآية. وقيل: أراد به موسى بن عمران عليه السلام بتشبيهه عليه السلام قصّة الواقفيّة بقصّة من عبد العجل، حيث ترك موسى عليه السلام هارون بينهم، فلم يطيعوه وعبدوا العجل، ولم يرجعوا بقوله عن ذلك وقالوا: «لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى»، وكذا موسى بن جعفر عليهماالسلام خلّف الرضا عليه السلامبينهم عند ذهابه إلى العراق ونصّ عليه، فلمّا توفّى عليه السلام تركوا وصيّته ولم يطيعوه، واختاروا الوقف عليه، وقالوا: «لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى»؛ فإنّه غاب ولم يمت،(2) انتهى.

وفاعل «قالوا» في قوله: (فقالوا لو نصبته لنا) على الأوّل الذين لم يتّبعوا الواقفيّة وأقرّوا بإمامة الرضا عليه السلام، والضمائر في قوله: «نصبته» وتالييه لابن قياما، أو من يحذو حذوه من رؤساء الوقف، وعلى الثاني من لم يتّبع السامري ولم يعبد العجل، والضمائر الباقية للسامري بقرينة المقام.

ثمّ اعلم أنّ كلمة «لو» في قوله: «لو نصبته» ليس في بعض النسخ، وحينئذٍ ضمير «نصبته» وما بعده راجع إلى الرضا عليه السلام، أو إلى هارون عليه السلام، ويؤيّد هذه النسخة قوله: (بل من قال: نصبته لنا).

ص: 208


1- . مجمع البيان، ج 5، ص 127.
2- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 510 مع اختلاف في اللفظ.

وقوله عليه السلام: (من هاهنا) إشارة إلى استبداد ابن قياما برأيه وعدم اتّباع أثَر إمامته.

(أُتي ابن قياما ومن قال بقوله) في الوقف. و«اُتي» على البناء للمفعول، أي أشرف عليه الشيطان وأغواه.

قال الفيروزآبادي: «اُتي [فلان] كعُني: أشرف عليه العدوّ».(1)

وقيل: أي هلك هو ومَن تبعه حيث لم ينصبه عليه السلام للاقتداء به.(2)

وفي القاموس: «اُتي عليه الدهر: أهلكه»(3) انتهى. وفيه شيء يظهر بأدنى التفات.

(قال: ثمّ ذكر ابن السرّاج) كأنّه أحمد بن بشر السرّاج كان من الواقفة.

وقوله: (لورثة أبي الحسن) أي الكاظم عليه السلام.

وقوله: (وهذا إقرار) يعني أنّ قوله لورثة أبي الحسن عليه السلام لا لأبي الحسن إقرار منه بموت موسى بن جعفر عليهماالسلام.

(ولكن أيّ شيء ينفعه)؛ يعني لا ينتفع بذلك الإقرار إمّا لعدم إقراره بإمامة الرضا عليه السلام، أو لإضلاله كثيرا من الناس، وتوبة المضلّ أن يهدى من أضلّه حيّا وميّتا، وهو محال عادةً.

وقيل: عدم نفعه لأنّ توبة العالم بالشيء المنكر له في هذا الوقت لا ينفعه».(4)

ولعلّ كلمة «من» في قوله: (من ذلك) بيان للشيء، و«ذلك» إشارة إلى الإقرار المفهوم من تلك الوصيّة.

والموصول في قوله: (ممّا قال) عبارة عن الوصيّة المذكورة. ويحتمل كون «من» صلة للنفع، ولا يبعد كون العطف للتفسير.

(ثمّ أمسك) أي ثمّ احتبس الرضا عليه السلام عن الكلام.

متن الحديث السادس والأربعين والخمسمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْمِنْقَرِيِّ ، عَنْ حَمَّادٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ : إِذَا سَافَرْتَ مَعَ قَوْمٍ فَأَكْثِرِ اسْتِشَارَتَكَ إِيَّاهُمْ فِي

ص: 209


1- . القاموس المحيط، ج 4، ص 298 أتي.
2- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 493.
3- . القاموس المحيط، ج 4، ص 297 أتي مع التلخيص.
4- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 493.

أَمْرِكَ وَأُمُورِهِمْ ، وَأَكْثِرِ التَّبَسُّمَ فِي وُجُوهِهِمْ ، وَكُنْ كَرِيما عَلى زَادِكَ ، وَإِذَا دَعَوْكَ فَأَجِبْهُمْ ، وَإِذَا اسْتَعَانُوا بِكَ فَأَعِنْهُمْ وَاغْلِبْهُمْ بِثَلاَثٍ : بِطُولِ الصَّمْتِ ، وَكَثْرَةِ الصَّلاَةِ ، وَسَخَاءِ النَّفْسِ بِمَا مَعَكَ مِنْ دَابَّةٍ أَوْ مَالٍ أَوْ زَادٍ ، وَإِذَا اسْتَشْهَدُوكَ عَلَى الْحَقِّ فَاشْهَدْ لَهُمْ ، وَاجْهَدْ رَأْيَكَ لَهُمْ إِذَا اسْتَشَارُوكَ ، ثُمَّ لاَ تَعْزِمْ حَتّى تَثَبَّتَ وَتَنْظُرَ ، وَلاَ تُجِبْ فِي مَشُورَةٍ حَتّى تَقُومَ فِيهَا وَتَقْعُدَ وَتَنَامَ وَتَأْكُلَ وَتُصَلِّيَ وَأَنْتَ مُسْتَعْمِلٌ فِكْرَكَ وَحِكْمَتَكَ فِي مَشُورَتِهِ ؛ فَإِنَّ مَنْ لَمْ يُمْحِضِ النَّصِيحَةَ لِمَنِ اسْتَشَارَهُ ، سَلَبَهُ اللّهُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ رَأْيَهُ ، وَنَزَعَ عَنْهُ الْأَمَانَةَ ، وَإِذَا رَأَيْتَ أَصْحَابَكَ يَمْشُونَ فَامْشِ مَعَهُمْ ، وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ يَعْمَلُونَ فَاعْمَلْ مَعَهُمْ ، وَإِذَا تَصَدَّقُوا وَأَعْطَوْا قَرْضا فَأَعْطِ مَعَهُمْ، وَاسْمَعْ لِمَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْكَ سِنّا ، وَإِذَا أَمَرُوكَ بِأَمْرٍ وَسَأَلُوكَ، فَقُلْ : نَعَمْ ، وَلاَ تَقُلْ : لاَ ؛ فَإِنَّ «لاَ» عِيٌّ وَلُؤمٌ .

وَإِذَا تَحَيَّرْتُمْ فِي طَرِيقِكُمْ فَانْزِلُوا ، وَإِذَا شَكَكْتُمْ فِي الْقَصْدِ فَقِفُوا وَتَآمَرُوا ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ شَخْصا وَاحِدا فَلاَ تَسْأَلُوهُ عَنْ طَرِيقِكُمْ وَلاَ تَسْتَرْشِدُوهُ ؛ فَإِنَّ الشَّخْصَ الْوَاحِدَ فِي الْفَلاَةِ مُرِيبٌ لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عَيْنا لِلُّصُوصِ ، أَوْ يَكُونَ هُوَ الشَّيْطَانَ الَّذِي حَيَّرَكُمْ ، وَاحْذَرُوا الشَّخْصَيْنِ أَيْضا إِلاَّ أَنْ تَرَوْا مَا لاَ أَرى ؛ فَإِنَّ الْعَاقِلَ إِذَا أَبْصَرَ بِعَيْنِهِ شَيْئا عَرَفَ الْحَقَّ مِنْهُ ، وَالشَّاهِدُ يَرى مَا لاَ يَرَى الْغَائِبُ .

يَا بُنَيَّ ، وَإِذَا(1) جَاءَ وَقْتُ الصَّلاَةِ فَلاَ تُؤخِّرْهَا لِشَيْءٍ ، وَصَلِّهَا وَاسْتَرِحْ مِنْهَا ، فَإِنَّهَا دَيْنٌ ، وَصَلِّ فِي جَمَاعَةٍ وَلَوْ عَلى رَأْسِ زُجٍّ ، وَلاَ تَنَامَنَّ عَلى دَابَّتِكَ ؛ فَإِنَّ ذلِكَ سَرِيعٌ فِي دَبَرِهَا ، وَلَيْسَ ذلِكَ مِنْ فِعْلِ الْحُكَمَاءِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ فِي مَحْمِلٍ يُمْكِنُكَ التَّمَدُّدُ لاِسْتِرْخَاءِ الْمَفَاصِلِ ، وَإِذَا قَرُبْتَ مِنَ الْمَنْزِلِ فَانْزِلْ عَنْ دَابَّتِكَ ، وَابْدَأْ بِعَلْفِهَا قَبْلَ نَفْسِكَ ، وَإِذَا أَرَدْتَ النُّزُولَ فَعَلَيْكَ مِنْ بِقَاعِ الْأَرْضِ بِأَحْسَنِهَا لَوْنا ، وَأَلْيَنِهَا تُرْبَةً ، وَأَكْثَرِهَا عُشْبا ، وَإِذَا نَزَلْتَ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تَجْلِسَ ، وَ إِذَا أَرَدْتَ قَضَاءَ حَاجَةٍ فَأَبْعِدِ الْمَذْهَبَ فِي الْأَرْضِ ، وَإِذَا ارْتَحَلْتَ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ ، وَوَدِّعِ الْأَرْضَ الَّتِي حَلَلْتَ بِهَا ، وَسَلِّمْ عَلَيْهَا وَعَلى أَهْلِهَا ؛ فَإِنَّ لِكُلِّ بُقْعَةٍ أَهْلاً مِنَ الْمَلاَئِكَةِ ، وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لاَ تَأْكُلَ طَعَاما حَتّى تَبْدَأَ فَتَتَصَدَّقَ(2) مِنْهُ فَافْعَلْ .

وَعَلَيْكَ بِقِرَاءَةِ كِتَابِ اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ مَا دُمْتَ رَاكِبا ، وَعَلَيْكَ بِالتَّسْبِيحِ مَا دُمْتَ عَامِلاً، وَعَلَيْكَ بِالدُّعَاءِ مَا دُمْتَ خَالِيا، وَإِيَّاكَ وَالسَّيْرَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَعَلَيْكَ بِالتَّعْرِيسِ وَالدَّلْجَةِ مِنْ لَدُنْ نِصْفِ اللَّيْلِ إِلى آخِرِهِ ، وَإِيَّاكَ وَرَفْعَ الصَّوْتِ فِي مَسِيرِكَ».

ص: 210


1- . في كثير من نسخ الكافي: «فإذا».
2- . في أكثر نسخ الكافي والوافي: «فتصدّق».

شرح

السند ضعيف على الظاهر.

قوله: (واُمورهم).

قيل: أي استشارك أحد منهم، أو عَرَض له أمر وأنت تعلم، فاستشر في أمره غيرك، ثمّ أعلمه ذلك.(1)

وقيل: أي اكثر استشارتك إيّاهم بحملهم على المشاورة أو بالفكر لو استشاروك، أو المراد الاستخارة؛ فإنّها استشارة من اللّه تعالى، وقد وردت بهذا اللّفظ في الأخبار.(2)

قوله عليه السلام: (لا تعزم حتّى تثبّت وتنظر).

يُقال: عزمت على كذا _ كضربت _ : إذا أردت فعله وقطعت عليه. وتثبت في الأمر: إذا تأنّى فيه. ويحتمل أن يكون «تنظّر» من النظر وهو التأمّل، أو من التنظّر وهو التأنّي.

وقوله: (من لم يمحض النصيحة) من الإمحاض، أو التمحيض.

قال الفيروزآبادي: «أمحضه الودّ: أخلصه، كمحّضه».(3)

(سلبه اللّه _ تبارك وتعالى _ رأيه، ونزع عنه الأمانة).

[الأمانة:] الرأي، والاعتقاد، والتدبير. والأمانة: ضدّ الخيانة، أو الثقة، أو الفرائض المفروضة، أو النيّة التي يعتقدها ممّا يظهره باللسان من الإيمان وتأدية جميع الفرائض في الظاهر.

وقيل: الأمانة: الدِّين، والولاية، والطاعة.(4) ولعلّ المراد بها هنا كونه من أهل الرأي والمشورة ثقة ومعتمدا فيهما.

(واسمع لمن هو أكبر منك سنّا).

قيل: أي اصغ لقوله، أو أجب ما يقول؛ تعظيما له، أو لكونه من أهل التجربة.(5)

ص: 211


1- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 511.
2- . نقله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 511 عن والده.
3- . القاموس المحيط، ج 2، ص 344 محض.
4- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 494 مع التلخيص.
5- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 494 مع التلخيص.

(وإذا أمروك بأمرٍ وسألوك فقل: نعم، ولا تقُل: لا).

الظاهر أنّه نشر على ترتيب اللّف.

(فإنّ «لا» عيّ ولؤم).

العِيّ _ بالكسر _ : خلاف البيان. والعيّ أيضا: الجهل. يقال: عيّ بالأمر وعِيي _ كرضى _ : إذا لم يهتد لوجه مراده، أو عجز منه، ولم يطق أحكامه.

واللؤم _ بالضمّ _ : ضدّ الكرم، وفعله ككرم، فهو لئيم.

وحكي أنّ أهل الفضل والمروّة إن قدروا بادروا، وإن لم يقدروا قالوا: يكون إن شاء اللّه .

(وإذا تحيّرتم في طريقكم فانزلوا، وإذا شككتم في القصد) أي في استقامة الطريق (فقفوا وتآمروا).

والتآمر: التشاور. ولعلّ المراد بالتحيّر عدم ظهور الطريق أصلاً، وبالشكّ ما إذا عرض طريق أو طريقان ولم يعلم وجه المقصود.

وقوله: (فإنّ الشخص الواحد في الفلاة مريب) أي شكّاك.

قال الفيروزآبادي: «الفلاة: القفر، أو المفازة لا ماء فيها».(1)

وقال: «أربته: جعلت فيه ريبة. وربته: أوصلتها إليه. وأرابني: ظننت ذلك به، وجعل في الريبة، أو أوهمني الريبة».(2)

وقال الجوهري: «الريبة _ بالكسر _ : التهمة، والشكّ».(3)

(وصلِّ في جماعة ولو على رأس زجّ).

الزّج _ بالضمّ _ : الحديدة في أسفل الرمح ونصل السهم. وفيه مبالغة في إيقاع الصلاة بالجماعة.

وقيل: يمكن أن يكون كناية عن وقت المحاربة.(4)

وقوله: (في دبرها) أي قرحة ظهرها.

قال الفيروزآبادي: «الدَّبَرة _ بالتحريك _ : قرحة الدابّة، والجمع: دَبَرٌ، وأدبار. دِبَر _ كفرح _فهو دِبَر».(5)

ص: 212


1- . القاموس المحيط، ج 4، ص 375 فلو.
2- . القاموس المحيط، ج 1، ص 77 ريب.
3- . الصحاح، ج 1، ص 141 ريب.
4- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 495.
5- . القاموس المحيط، ج 2، ص 26 دبر.

(إلاّ أن تكون في محمل يمكنك التمدّد لاسترخاء المفاصل).

المحمِل _ كمجلس _ : المعتمد، وواحد محامل الحاجّ. والتمدّد: التمطّي. واسترخاء المفاصل: استرسالها ووهنها من الكسل والتعب.

وقوله: (فأبعد المذهب).

قال الفيروزآبادي: «ذهب _ كمنع _ ذهابا وذهوبا ومذهبا: سار، أو مرّ. والمذهب: المتوضّأ».(1)

وقوله: (ما دمت عاملاً) أي مشغولاً بعمل بعد النزول، أو مطلقا، كوضع الرِّحال، وضرب الخيام، ونحوهما.

وقوله: (ما دمت خاليا) أي فارغا من العمل، وكنت في الخلوة. يُقال: خلا المكان خلاء وخُلُوّا وخَلْوا: إذا فرغ من شاغل. وخلا: وقع في موضع خال لا يزاحم فيه.

وقوله: (عليك بالتعريس).

قال في النهاية: «التعريس: نزول المسافر آخر الليل نزلة للنوم والاستراحة».(2)

وقيل: هو النزول أيّ وقت كان من ليل أو نهار.

وقيل: لا يبعد أن يُراد بالتعريس هنا النزول أوّل الليل.(3)

(والدّلجة من لدن نصف الليل إلى آخره).

أراد بالدلجة سير الليل، وقيّده يكون السير في نصفه الآخر؛ لأنّه مكروه في أوّله، كما مرّ.

قال في النهاية:

فيه: عليكم بالدّلجة. هو سير الليل. يُقال: أدلج _ بالتخفيف _ : إذا سار من أوّل الليل. وادّلج _ بالتشديد _ : إذا سار من آخره، والاسم منهما الدُّلجة والدَلجة _ بالضمّ والفتح _ ومنهم من يجعل الادّلاج لليل كلّه، وكأنّه المراد في الحديث؛ لأنّه عقّبه بقوله: «فإنّ الأرض تطوى بالليل» ولم يفرّق بين أوّله وآخره، وأنشدوا لعليّ عليه السلام:

اصبر على السّير والادّلاج في السّحر ***وفي الرّواح على الحاجات والبُكَر فجعل الادّلاج في السّحر،(4) انتهى.

ص: 213


1- . القاموس المحيط، ج 1، ص 69 ذهب مع التلخيص.
2- . النهاية، ج 3، ص 207 عرس.
3- . نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 495 عن أبي زيد.
4- . النهاية، ج 2، ص 129 دلج مع التلخيص.

متن الحديث السابع والأربعين والخمسمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ يَزِيدَ النَّوْفَلِيِّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ دَاوُدَ الْيَعْقُوبِيِّ ، عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْعَلَوِيِّ ، قَالَ : وَحَدَّثَنِي الْأُسَيْدِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُبَشِّرٍ:

أَنَّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ نَافِعٍ الْأَزْرَقَ كَانَ يَقُولُ : لَوْ أَنِّي عَلِمْتُ أَنَّ بَيْنَ قُطْرَيْهَا أَحَدا تُبْلِغُنِي إِلَيْهِ الْمَطَايَا يَخْصِمُنِي أَنَّ عَلِيّا عليه السلامقَتَلَ أَهْلَ النَّهْرَوَانِ وَهُوَ لَهُمْ غَيْرُ ظَالِمٍ لَرَحَلْتُ إِلَيْهِ ، فَقِيلَ لَهُ : وَلاَ وَلَدَهُ؟ فَقَالَ : أَ فِي وُلْدِهِ عَالِمٌ؟ فَقِيلَ لَهُ : هذَا أَوَّلُ جَهْلِكَ ؛ وَهُمْ يَخْلُونَ مِنْ عَالِمٍ؟! قَالَ : فَمَنْ عَالِمُهُمُ الْيَوْمَ؟ قِيلَ : مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليهم السلام .

قَالَ : فَرَحَلَ إِلَيْهِ فِي صَنَادِيدِ أَصْحَابِهِ حَتّى أَتَى الْمَدِينَةَ ، فَاسْتَأْذَنَ عَلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَقِيلَ لَهُ : هذَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ نَافِعٍ .

فَقَالَ : «وَمَا يَصْنَعُ بِي وَهُوَ يَبْرَأُ مِنِّي وَمِنْ أَبِي طَرَفَيِ النَّهَارِ؟»

فَقَالَ لَهُ أَبُو بَصِيرٍ الْكُوفِيُّ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنَّ هذَا يَزْعُمُ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّ بَيْنَ قُطْرَيْهَا أَحَدا تُبْلِغُهُ الْمَطَايَا إِلَيْهِ يَخْصِمُهُ أَنَّ عَلِيّا عليه السلام قَتَلَ أَهْلَ النَّهْرَوَانِ وَهُوَ لَهُمْ غَيْرُ ظَالِمٍ لَرَحَلَ إِلَيْهِ .

فَقَالَ لَهُ(1) أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «أَ تَرَاهُ جَاءَنِي مُنَاظِرا؟» قَالَ(2) : نَعَمْ ، قَالَ : «يَا غُلاَمُ ، اخْرُجْ فَحُطَّ رَحْلَهُ ، وَقُلْ لَهُ : إِذَا كَانَ الْغَدُ فَأْتِنَا».

قَالَ : فَلَمَّا أَصْبَحَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ نَافِعٍ ، غَدَا فِي صَنَادِيدِ أَصْحَابِهِ ، وَبَعَثَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلامإِلى جَمِيعِ أَبْنَاءِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَجَمَعَهُمْ ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ فِي ثَوْبَيْنِ مُمَغَّرَيْنِ ، وَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ كَأَنَّهُ فِلْقَةُ قَمَرٍ ، فَقَالَ :

«الْحَمْدُ لِلّهِ مُحَيِّثِ الْحَيْثِ ، وَمُكَيِّفِ الْكَيْفِ ، وَمُؤيِّنِ الْأَيْنِ ؛ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ ، لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ _ إِلى آخِرِ الاْيَةِ(3) _ وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللّهُ ،(4) وَأَشْهَدُ أَنَّمُحَمَّدا صلى الله عليه و آله عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ .

الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي أَكْرَمَنَا بِنُبُوَّتِهِ ، وَاخْتَصَّنَا بِوَلاَيَتِهِ ، يَا مَعْشَرَ أَبْنَاءِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ، مَنْ

ص: 214


1- . في بعض نسخ الكافي والوافي: - «له».
2- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «فقال».
3- . البقرة 2: 255.
4- . في الطبعة القديمة: + «وحده لا شريك له».

كَانَتْ عِنْدَهُ مَنْقَبَةٌ فِي عَلِيِّ(1) بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام فَلْيَقُمْ وَلْيَتَحَدَّثْ» .

قَالَ : فَقَامَ النَّاسُ ، فَسَرَدُوا تِلْكَ الْمَنَاقِبَ .

فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ : أَنَا أَرْوى لِهذِهِ الْمَنَاقِبِ مِنْ هؤلاَءِ ، وَإِنَّمَا أَحْدَثَ عَلِيٌّ الْكُفْرَ بَعْدَ تَحْكِيمِهِ الْحَكَمَيْنِ.

حَتّى انْتَهَوْا فِي الْمَنَاقِبِ إِلى حَدِيثِ خَيْبَرَ: «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدا رَجُلاً يُحِبُّ اللّهَ وَرَسُولَهُ ، وَيُحِبُّهُ اللّهُ وَرَسُولُهُ ، كَرَّارا غَيْرَ فَرَّارٍ ، لاَيَرْجِعُ حَتَّى يَفْتَحَ اللّهُ عَلى يَدَيْهِ» . فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «مَا تَقُولُ فِي هذَا الْحَدِيثِ؟».

فَقَالَ : هُوَ حَقٌّ لاَ شَكَّ فِيهِ ، وَلكِنْ أَحْدَثَ الْكُفْرَ بَعْدُ .

فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ ، أَخْبِرْنِي عَنِ اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ أَحَبَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ(2) يَوْمَ أَحَبَّهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَقْتُلُ أَهْلَ النَّهْرَوَانِ ، أَمْ لَمْ يَعْلَمْ؟» .(3)

قَالَ(4) : «فَإِنْ(5) قُلْتَ : لاَ ، كَفَرْتَ» .

قَالَ : فَقَالَ : قَدْ عَلِمَ .

قَالَ : «فَأَحَبَّهُ اللّهُ عَلى أَنْ يَعْمَلَ بِطَاعَتِهِ ، أَوْ عَلى أَنْ يَعْمَلَ بِمَعْصِيَتِهِ؟».

فَقَالَ : عَلى أَنْ يَعْمَلَ بِطَاعَتِهِ .

فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «فَقُمْ مَخْصُوما».

فَقَامَ وَهُوَ يَقُولُ : حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ، اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالاَتِهِ .

شرح

السند مجهول.

ص: 215


1- . في أكثر نسخ الكافي والوافي: «لعليّ».
2- . في بعض نسخ الكافي وشرح المازندراني والوافي: «عليّا» بدل «عليّ بن أبي طالب».
3- . هكذا في النسخة وبعض نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: + «قال ابن نافع: أعد عليّ، فقال له أبو جعفر عليه السلام: أخبرني عن اللّه _ جلّ ذكره _ أحبّ عليّ بن أبي طالب يوم أحبّه، وهو يعلم أنّه يقتل أهل النهروان، أم لم يعلم».
4- . في بعض نسخ الكافي: - «قال».
5- . هكذا في النسخة وبعض نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: «إن» بدون الفاء.

قال الفيروزآبادي: «اُسَيد _ كزبير _ : اسم جماعة من الصحابة، أو كأمير».(1)

وقال: «يعقوبا: قرية ببغداد»(2) انتهى.

وقيل: سمّيت باسم بانيها أبي يعقوب.(3)

قوله: (أنّ عبد اللّه بن نافع الأزرق).

في القاموس: «الأزارقة من الخوارج نُسبوا إلى نافع بن الأزرق».(4)

والضمير في قوله: (بين قطريها) إلى الأرض، والقُطر بالضمّ: الناحية، والجانب.

(تبلغني إليه) أي إلى ذلك الأحد.

(المطايا) جمع المطيّة، وهي دابّة تمطو في سيرها، أي تجدّ وتسرع فيه، وغرض الملعون: لو وجد أحد في وجه الأرض بحيث يمكنني الوصول إليه ولو بالمطايا.

(يخصمني) أي يغلبني في الخصومة، ويُجيبني عن هذه المسألة وهي: (أنّ عليّا عليه السلام قتل أهل النهروان) من الخوارج (وهو لهم غير ظالم).

الواو للحال.

وقوله: (لرحلت إليه) جواب «لو».

قال الجوهري:

الخصم: معروف. وخاصمت فلانا فخصمته، أخصمه _ بالكسر _ ولا يقال بالضمّ، وهو شاذّ، ومنه قرأ حمزة: «وهم يخصمون»؛ لأنّ ما كان من قولك فاعلته ففعلته، فإنّ يفعل منه يردّ إلى الضمّ إذا لم يكن فيه حرف من حروف الحلق من أيّ باب كان من الصحيح، تقول: عالمته فعلمته أعلمه بالضمّ، وفاخرته ففخرته أفخره بالفتح، لأجل حرف الحلق. وأمّا ما كان من المعتل مثل وجدت وبعت ورميت وسعيت، فإنّ جميع ذلك يردّ إلى الأصل إلاّ ذوات الواو؛ فإنّها ترد إلى الضمّ، تقول: راضيته فرضوته أرضوه، وخاوفني فخفته أخوفه، وليس في كلّ شيء يقال هذا، لا يقال: نازعته فنزعته؛ لأنّهم استغنوا عنه بغلبته.(5)

ص: 216


1- . القاموس المحيط، ج 1، ص 274 أسد مع اختلاف في اللفظ.
2- . القاموس المحيط، ج 1، ص 107 عقب.
3- . نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 496 بعنوان «قيل».
4- . القاموس المحيط، ج 3، ص 240 (زرق).
5- . الصحاح، ج 5، ص 1912 و 1913 خصم مع التلخيص.

(فقيل له) أي لعبد اللّه .

(ولا ولده) كان معطوف على ما تضمّنه شرطيّة السابقة، كأنّه قال: لا يخصمني أحدٌ فيما ذكر، فقيل له: ولا يخصمك ولد عليّ عليه السلام أيضا على سبيل الاستفهام الإنكاري.

وقيل: كأنّه عطف على أحد بحسب المعنى، أي ما علمت بين قطريها أحدا ولا ولده.(1)

قوله: (وهم يخلون من عالم) من الخلو، و«عالم» بكسر اللاّم، والجملة استفهام إنكاري، أي لا يخلون من وجود عالم أبدا.

وقيل: يحتمل بعيد أن يكون عالم بفتح اللاّم من باب القلب، والجملة إخبار بحسب اللّفظ ونفى بحسب المعنى، أي لا يخلون منه الحليم أو الجواد أو الشريف.(2)

و«الصناديد» أيضا جماعة العسكر.

وقوله: (فحطّ رحله) أي أنزله.

وقوله: (في ثوبين ممغّرين).

في القاموس: «المغرة _ ويحرّك _ : طين أحمر. والممغّر: لمظم المصبوع بها».(3)

وقوله: (كأنّه فلقة قمر) أي قطعة منه.

قال الجوهري: «الفِلقة _ بالكسر _ : الكِسرة، يُقال: أعطني فلقة الجفنة، أي نصفها».(4)

(فقال: الحمد للّه محيّث الحيث) أي جاعل المكان مكانا فلا حيث له.

قال الجوهري: «حيث: كلمة تدلّ على المكان؛ لأنّه ظرف في الأمكنة بمنزلة حين في الأزمنة»(5) انتهى.

ويحتمل أن يكون المعنى جاعل الدهر والزمان وموجدهما. قال ابن هشام: «قال الأخفش: وقد ترد حيث للزمان».(6)

وقيل: يحتمل أن يكون «حيث» تعليليّة، أي هو علّة العلل وجاعل العلل عللاً.(7)

ص: 217


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 496.
2- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 496.
3- . القاموس المحيط، ج 2، ص 135 مغر.
4- . الصحاح، ج 4، ص 1544 فلق مع اختلاف يسير في اللفظ.
5- . الصحاح، ج 1، ص 280 حيث.
6- . مغني اللبيب، ج 1، ص 131.
7- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 514.

(ومكيّف الكيف) فلا كيف له.

و«كيف» للاستفهام عن الأحوال. وكيّفه تكييفا، أي قطعه.

(ومؤيّن الأين) فلا أين له.

وأصل «أين» للسؤال عن المكان، ويجيء بمعنى «حين». يقال: آن أينك، أي حان حينك.

(الحمد للّه الذي لا تأخذه سِنةٌ ولا نوم).

قال البيضاوي:

السنة: فتور يتقدّم النوم، والنوم حال يعرض للحيوان من استرخاء أعصاب الدماغ من رطوبات الأبخرة المتصاعدة بحيث تقف الحواسّ الظاهرة عن الإحساس رأسا، وتقديم السنة عليه وقياس المبالغة عكسه على ترتيب الوجود.(1)

(الحمد للّه الذي أكرمنا بنبوّته) أي بتوفيقنا للإقرار بنبوّته، وجعلنا من اُمّته.

(واختصّنا بولايته) أي بمحبّته، أو بالإذعان برئاسته وإمارته.

وقيل: أي بأن جعل ولايتنا ولايته، أو بأن جعلنا وليّ مَن كان وليّه.(2) ولا يخفى بُعده من العبارة.

وقوله: (فسردوا تلك المناقب) إشارة إلى ما روي في مفاخرة عليّ عليه السلام عن النبيّ صلى الله عليه و آله.

قال الجوهري: «فلان يسرد الحديث سردا: إذا كان جيّد السياق له».(3)

وقال: «المنقبة: ضدّ المثلبة».(4)

وقال: «المثالب: العيوب. الواحدة: مثلبة».(5)

وفي القاموس: «المنقبة: المفخرة».(6)

(فقال عبد اللّه ) بن نافع: (أنا أروي) أي أكثر رواية.

(لهذه المناقب) المذكورة (من هؤلاء) المحدِّثين.

ص: 218


1- . تفسير البيضاوي، ج 1، ص 553 مع التلخيص.
2- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 514 و 515.
3- . الصحاح، ج 2، ص 487 سرد.
4- . الصحاح، ج 1، ص 227 نقب.
5- . الصحاح، ج 1، ص 94 ثلب.
6- . القاموس المحيط، ج 1، ص 134 نقب.

(وإنّما أحدث عليّ الكفر بعد تحكيمه الحكمين).

يُقال: حكمته في مالي تحكيما: إذا جعلت إليه الحكم فيه. وغرضه _ لعنه اللّه _ أنّ الحكم في الإمامة إنّما هو للّه تعالى، فجعْلَهُ للخلق كفرٌ.

واُجيب: بأنّه عليه السلام لم يرض بالتحكيم، بل حرّضهم على القتال حتّى رجعوا عنه، وأجبروه على قبوله، فتقبّله كرها بشرط أن لا يتجاوز من إليه الحكم عن كتاب اللّه وسنّة نبيّه صلى الله عليه و آله.(1)

وقوله: (كرّارا).

في القاموس: «الكرّة: الحملة».(2)

وقوله عليه السلام: (ثكلتك اُمّك).

قال الفيروزآبادي: «الثكل _ بالضمّ _ : الموت، والهلاك، وفقدان الحبيب أو الولد، ويحرّك. وقد ثكله كفرح».(3)

وكلمة «على» في قوله: (على أن يعمل بطاعته) تعليليّة، كما قيل في قوله تعالى: «وَلِتُكَبِّرُوا اللّه َ عَلَى مَا هَدَاكُمْ»(4).

والحاصل: أنّه تعالى إنّما يحبّ من يعمل بطاعته لأجل هذا العمل، فكيف يجوز أن يحبّ من يعلم أنّه على زعمك الفاسد سيكفر ويحبط جميع أعماله؟!

وفي بعض النسخ بعد قوله: «فقال علي أن يعمل بطاعته هكذا»: «قال ابن نافع: أعِدْ عَلَيَّ، فقال له أبو جعفر عليه السلام: أخبرني عن قول اللّه تعالى أحبّ عليّا يوم أحبّه وهو يعلم أنّه يقتل أهل النهروان أم لم يعلم» وليس هذا في أكثر النسخ.

(فقال أبو جعفر عليه السلام: فقم مخصوما) أي مغلوبا بالخصومة.

وقيل: وجه كونه مخصوما أنّه إذا سلّم أنّه تعالى أحبّه وهو يعلم أنّه عليه السلام يقتل أهل النهرون، وسلّم أنّ سبب محبّته إنّما هو أن يعمل بطاعته، لزمه الإقرار بأنّ قتل أهل النهروان طاعة لا معصية، وإلاّ لزم وجود المسبّب بدون السبب، وهو باطل.

لا يُقال: إنّه تعالى يحبّ عبده العاصي، لأنّا نقول: لا يرد هذا بعد الاعتراف بأنّ سبب

ص: 219


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 497 مع اختلاف في اللفظ.
2- . القاموس المحيط، ج 2، ص 126 كرر مع التلخيص.
3- . القاموس المحيط، ج 3، ص 343 ثكل.
4- . البقرة 2: 185.

المحبّة هو العمل بالطاعة، على أنّ لنا أن نقول: إنّه يحبّ العاصي إذا تاب، لا مطلقا؛ لقوله تعالى: «إِنَّ اللّه َ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ»(1) والتوبة طاعة، فسبب المحبّة هو الطاعة وغفران ذنوبه تفضّلاً، لا يوجب المحبّة.

لا يُقال: لو تمّ ما ذكرتم، لزم أن تكون خلافة الأوّل حقّا وطاعة؛ لأنّه تعالى رضي عنه حيث قال: «لَقَدْ رَضِىَ اللّه ُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ»(2) وهو كائن داخلاً فيهم، فحينئذٍ يُقال: أخبرني عن اللّه _ عزّ وجلّ _ رضي عنه يوم رضي، وهو يعلم أنّه يدّعي الخلافة ويحملها أم لم يعلم، إلى آخر ما ذكر.

لأنّا نقول: دخوله في المؤمنين ممنوع، بل هو أوّل البحث، ولو سلّم فالرضا دائر مع الإيمان وجودا وعدما، ومثله لا يجري في المحبّة؛ لأنّ قوله صلى الله عليه و آله: يحبّ اللّه ورسوله ويحبّه اللّه ورسوله يفيد استمرار المحبّة، وهو لا يتحقّق إلاّ باستمرار سببه، بخلاف الرِّضا، فليتأمّل.(3)

متن الحديث الثامن والأربعين والخمسمائة

اشارة

أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ جَمِيعا ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ التَّيْمِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْخَطَّابِ الْوَاسِطِيِّ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْحَلَبِيِّ ، عَنْ حَمَّادٍ الْأَزْدِيِّ ، عَنْ هِشَامٍ الْخَفَّافِ ، قَالَ :

قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «كَيْفَ بَصَرُكَ بِالنُّجُومِ؟» .

قَالَ : قُلْتُ : مَا خَلَّفْتُ بِالْعِرَاقِ أَبْصَرَ بِالنُّجُومِ مِنِّي .

فَقَالَ : «كَيْفَ دَوَرَانُ الْفَلَكِ عِنْدَكُمْ؟» .

قَالَ : فَأَخَذْتُ قَلَنْسُوَتِي عَنْ رَأْسِي فَأَدَرْتُهَا .

قَالَ : فَقَالَ : «فَإِنْ(4) كَانَ الْأَمْرُ عَلى مَا تَقُولُ ، فَمَا بَالُ بَنَاتِ النَّعْشِ(5) وَالْجَدْيِ وَالْفَرْقَدَيْنِ لاَ يُرَوْنَ

ص: 220


1- . البقرة 2: 222.
2- . الفتح 48: 18.
3- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 499.
4- . هكذا في النسخة وبعض نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: «إن» بدون الفاء.
5- . في بعض نسخ الكافي: «بنات نعش».

يَدُورُونَ يَوْما مِنَ الدَّهْرِ فِي الْقِبْلَةِ؟» .

قَالَ : قُلْتُ : هذَا وَاللّهِ(1) شَيْءٌ لاَ أَعْرِفُهُ ، وَلاَ سَمِعْتُ أَحَدا مِنْ أَهْلِ الْحِسَابِ يَذْكُرُهُ .

فَقَالَ لِي : «كَمِ السُّكَيْنَةُ مِنَ الزُّهَرَةِ جُزْءا فِي ضَوْئِهَا؟» .

قَالَ : قُلْتُ : هذَا _ وَاللّهِ _ نَجْمٌ، مَا سَمِعْتُ بِهِ وَلاَ سَمِعْتُ أَحَدا مِنَ النَّاسِ يَذْكُرُهُ .

فَقَالَ : «سُبْحَانَ اللّهِ ، فَأَسْقَطْتُمْ نَجْما بِأَسْرِهِ ، فَعَلى مَا تَحْسُبُونَ؟» .

ثُمَّ قَالَ : «فَكَمِ الزُّهَرَةُ مِنَ الْقَمَرِ جُزْءا فِي ضَوْئِهِ؟»

قَالَ : فَقُلْتُ(2) : هذَا شَيْءٌ لاَ يَعْلَمُهُ إِلاَّ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ .

قَالَ : «فَكَمِ الْقَمَرُ جُزْءا مِنَ الشَّمْسِ فِي ضَوْئِهَا؟» .

قَالَ : قُلْتُ : مَا أَعْرِفُ هذَا .

قَالَ : «صَدَقْتَ» ، ثُمَّ قَالَ : «مَا بَالُ الْعَسْكَرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ، فِي هذَا حَاسِبٌ ، وَفِي هذَا حَاسِبٌ ، فَيَحْسُبُ هذَا لِصَاحِبِهِ بِالظَّفَرِ ، وَيَحْسُبُ هذَا لِصَاحِبِهِ بِالظَّفَرِ ، ثُمَّ يَلْتَقِيَانِ ، فَيَهْزِمُ أَحَدُهُمَا الاْخَرَ ، فَأَيْنَ كَانَتِ النُّجُومُ(3)؟».

قَالَ : فَقُلْتُ : لاَ وَاللّهِ مَا أَعْلَمُ ذلِكَ ، قَالَ : فَقَالَ : «صَدَقْتَ ؛ إِنَّ أَصْلَ الْحِسَابِ حَقٌّ ، وَلكِنْ لاَ يَعْلَمُ ذلِكَ إِلاَّ مَنْ عَلِمَ مَوَالِيدَ الْخَلْقِ كُلِّهِمْ» .

شرح

السند مجهول.

قوله: (فأدَرْتُها).

قيل: كأنّه زعم أنّ حركة الفلك في جميع الآفاق دحويّة(4).

(قال: فقال: فإن كان الأمر على ما تقول) إلى قوله: (في القبلة).

قيل: المراد بالأمر دور الفلك المبيّن بإدارة القلنسوة، وكأنّه أدارها مثل دورعرض تسعين، كما هو المتعارف في إدارة القلنسوة، ولذا قال عليه السلام: كما تقول، ولم يقل

ص: 221


1- . في بعض نسخ الكافي: «واللّه هذا».
2- . هكذا في النسخة وبعض نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: «قلت» بدون الفاء.
3- . هكذا في النسخة وأكثر نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: «النحوس».
4- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 516.

كما يقولون، إشارة إلى أنّه غلط منه لا من جميع أهل النجوم؛ فإنّ الفلك في الآفاق المائلة يدور دور الوراب.(1)

واعترض عليه بوجهين: أمّا أوّلاً: فبأنّه خلاف المحسوس؛ إذ كلّ ذي حسّ يعلم أنّ القطب في جميع العروض ليس في سمت الرأس. وأمّا ثانيا: فإنّه في غاية البُعد؛ إذ ذلك المنجّم ادّعى أنّه كامل في علم النجوم، فكيف يدّعي ذلك ويقع في هذا الغلط الفاحش، فالأصوب أنّ المراد بالأمر أمر المنجّم وشأنه، أي إن كان أمرك وشأنك على ما تقول من أنّك أعرف أهل النجوم بالعراق، فما بال الكواكب المذكورة مثلاً لا تدور في سمت القبلة قطّ؟! وهذا الاحتمال وإن كان أيضا بعيدا؛ لأنّ سببه مذكور في علم النجوم يعرفه مَن له أدنى معرفة به، لكن ذلك المنجّم لم يكن عارفا به، وكان دعواه كمال المعرفة محض غلط، انتهى كلام المعترض.(2)

وأقول: لعلّه أشار بإدارة القلنسوة إلى دوران الفلك على النحو المعروف في الآفاق المائلة، لكنّه عليه السلام سأل عن وجه اختصاص الفلك بالدوران المذكور واختصاص الكواكب المذكورة بالمواضع المعلومة من الفلك مع كون أجزاء الفلك متشابهة، ولا ينافي عدم معرفته بذلك كمال معرفته في قواعد علم النجوم، كما لا يخفى.

وقوله عليه السلام: (لا يرون) على البناء للمفعول من الرؤية.

وقوله: (يدورون) أيضا على صيغة المجهول من التدوير.

وفي كثير من النسخ: «يدرون» وفيه كلام.

وقوله عليه السلام: (صدقت) يعني في قولك: لا أدري، وقد مرّ مثله في حديث المنجّم اليماني.

وقوله: (ما بال العسكرين يلتقيان) يعني للمحاربة والمجادلة.

(في هذا) أي في أحد العسكرين.

(حاسب) أي منجّم يرصد سعودهم ونحوسهم بالحساب.

(وفي هذا) أي في العسكر الآخر.

ص: 222


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 500.
2- . المعترض هو نفس المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 501 مع اختلاف في اللفظ.

(حاسب فيحسُب) بضمّ السين، أي يعدّ.

(هذا) أي أحد الحاسبين.

(لصاحبه بالظفر) فيحكم بقواعده الحسابيّة أنّه يظفر على الآخر.

(ويحسب هذا) أي الحاسب الآخر.

(لصاحبه بالظفر) أيضا.

(ثمّ يلتقيان) للمحاربة.

(فيهزم أحدهما الآخر).

يُقال: هزم فلان العدوّ _ كضرب _ أي كسرهم وفلّهم، والاسم: الهزيمة.

(فأين كانت النجوم؟) قيل: هذا بيان لخطأ المنجّمين؛ فإنّ كلّ يحكم لمن يريد ظفره بالظفر، ويزعم أنّ السّعد الذي رآه يتعلّق به، وهذا لعدم إحاطتهم بارتباط النجوم بالأشخاص.(1)

ولعلّ المراد بقوله عليه السلام: (إلاّ من علم مواليد الخلق كلّهم) أنّ من أحاط بعلم النجوم يعلم مواليد الخلق، ولمّا يعلم المنجّمون المواليد كلاًّ علم أنّهم لا يحيطون به علما.

أو المراد أنّه يشترط في الإحاطة به العلم بجميع المواليد وارتباط النجوم بها، ولا يتيسّر ذلك إلاّ للأنبياء والأئمّة عليهم السلام.

وعلى التقديرين يدلّ على أنّ أصل هذا العلم وإن كان حقّا لكن لا يجوز النظر فيه واستنباط الأحكام منه لغير أصحاب الوحي ومَن يحذو حذوهم، ويمكن أن يُراد بالعلم بمواليد الخلق العلم بكيفيّة تأثيرات الأجرام العلويّة والأوضاع الفلكيّة بتقدير العزيز العليم في حدوث الحوادث اليوميّة والمواليد العنصريّة في الأوقات المعيّنة بكيفيّات مخصوصة، وفي ترتّب الآثار والخواصّ الفائضة إليهما من المبدأ، ونسبة بعضها إلى بعض، وكيفيّة التيامها وافتراقها، ومدّة بقائها ووقت فنائها، إلى غير ذلك ممّا لا يمكن الاطّلاع على تفاصيلها كما ينبغي، إلاّ لعالم الغيب، أو من يظهره عليه ممّن ارتضى من رسولٍ أو من يسلك به رشدا.

ص: 223


1- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 516.

متن الحديث التاسع والأربعين والخمسمائة (خُطْبَةٌ لِأَمِيرِ الْمُؤمِنِينَ عليه السلام)

اشارة

عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ(1) الْمُؤدِّبُ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ؛ وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ التَّيْمِيِّ جَمِيعا ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْحَارِثِ ، عَنْ جَابِرٍ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «خَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤمِنِينَ عليه السلام النَّاسَ بِصِفِّينَ ، فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، وَصَلّى عَلى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، ثُمَّ قَالَ :

أَمَّا بَعْدُ ، فَقَدْ جَعَلَ اللّهُ تَعَالى لِي عَلَيْكُمْ حَقّا بِوَلاَيَةِ أَمْرِكُمْ وَمَنْزِلَتِيَ الَّتِي أَنْزَلَنِي اللّهُ _ عَزَّ ذِكْرُهُ _ بِهَا مِنْكُمْ ، وَلَكُمْ عَلَيَّ(2) مِنَ الْحَقِّ مِثْلُ الَّذِي لِي عَلَيْكُمْ ، وَالْحَقُّ أَجْمَلُ الْأَشْيَاءِ فِي التَّرَاصُفِ(3) ، وَأَوْسَعُهَا فِي التَّنَاصُفِ ، لاَ يَجْرِي لِأَحَدٍ إِلاَّ جَرى عَلَيْهِ ، وَلاَ يَجْرِي عَلَيْهِ إِلاَّ جَرى لَهُ ، وَلَوْ كَانَ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْرِيَ ذلِكَ لَهُ ، وَ لاَ يَجْرِيَ عَلَيْهِ ، لَكَانَ ذلِكَ لِلّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ خَالِصا دُونَ خَلْقِهِ ؛ لِقُدْرَتِهِ عَلى عِبَادِهِ ، وَلِعَدْلِهِ فِي كُلِّ مَا جَرَتْ عَلَيْهِ ضُرُوبُ قَضَائِهِ ، وَلكِنْ(4) جَعَلَ حَقَّهُ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يُطِيعُوهُ ، وَجَعَلَ كَفَّارَتَهُمْ عَلَيْهِ بِحُسْنِ(5) الثَّوَابِ، تَفَضُّلاً مِنْهُ،(6) وَتَوَسُّعا بِمَا هُوَ مِنَ الْمَزِيدِ لَهُ أَهْلاً.

ثُمَّ جَعَلَ مِنْ حُقُوقِهِ حُقُوقا فَرَضَهَا لِبَعْضِ النَّاسِ عَلى بَعْضٍ ، فَجَعَلَهَا تَتَكَافى فِي وُجُوهِهَا ،وَيُوجِبُ(7) بَعْضُهَا بَعْضا ، وَلاَ يُسْتَوْجَبُ بَعْضُهَا إِلاَّ بِبَعْضٍ ، فَأَعْظَمُ مِمَّا(8) افْتَرَضَ اللّهُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ مِنْ تِلْكَ الْحُقُوقِ حَقُّ الْوَالِي عَلَى الرَّعِيَّةِ ، وَحَقُّ الرَّعِيَّةِ عَلَى الْوَالِي، فَرِيضَةٌ فَرَضَهَا اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ لِكُلٍّ عَلى كُلٍّ ، فَجَعَلَهَا نِظَامَ أُلْفَتِهِمْ(9) ، وَعِزّا لِدِينِهِمْ ، وَقِوَاما لِسَيْرِ(10) الْحَقِّ فِيهِمْ ، فَلَيْسَتْ تَصْلُحُ الرَّعِيَّةُ إِلاَّ بِصَلاَحِ الْوُلاَةِ ، وَلاَ تَصْلُحُ الْوُلاَةُ إِلاَّ بِاسْتِقَامَةِ الرَّعِيَّةِ .فَإِذَا أَدَّتِ الرَّعِيَّةُ إِلَى(11) الْوَالِي حَقَّهُ، وَأَدّى إِلَيْهَا الْوَالِي كَذلِكَ، عَزَّ الْحَقُّ بَيْنَهُمْ، فَقَامَتْ مَنَاهِجُ

ص: 224


1- . في الطبعة القديمة: «الحسن».
2- . في بعض نسخ الكافي: - «عليّ».
3- . هكذا في النسخة وبعض نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: «التواصف» بالواو.
4- . في بعض نسخ الكافي: «ولكنّه».
5- . في بعض نسخ الكافي: «حسن» بدون الباء.
6- . هكذا في النسخة وبعض النسخ الكافي، وفي كلتا الطبعتين: + «وتطوّلاً بكرمه».
7- . في بعض نسخ الكافي: «توجب».
8- . في الطبعة الجديدة والوافي: «ما».
9- . في بعض نسخ الكافي: «نظاما لاُلفتهم».
10- . في بعض نسخ الكافي: «لسنن».
11- . في بعض نسخ الكافي: «من».

الدِّينِ ، وَاعْتَدَلَتْ(1) مَعَالِمُ الْعَدْلِ ، وَجَرَتْ عَلى أَذْلاَلِهَا(2) السُّنَنُ ، قَصَلَحَ(3) بِذلِكَ الزَّمَانُ ، وَطَابَ بِهَا(4) الْعَيْشُ ، وَطُمِعَ فِي بَقَاءِ الدَّوْلَةِ ، وَيَئِسَتْ مَطَامِعُ الْأَعْدَاءِ.

وَإِذَا غَلَبَتِ الرَّعِيَّةُ(5) وَالِيَهُمْ ، وَعَلاَ الْوَالِي الرَّعِيَّةَ ، اخْتَلَفَتْ هُنَالِكَ الْكَلِمَةُ ، وَظَهَرَتْ مَطَالِعُ(6) الْجَوْرِ ، وَكَثُرَ الاْءِذْعَارُ(7) فِي الدِّينِ ، وَتُرِكَتْ مَعَالِمُ السُّنَنِ ، فَعُمِلَ بِالْهَوى ، وَعُطِّلَتِ الاْثَارُ ، وَكَثُرَ(8) عِلَلُ النُّفُوسِ ، وَلاَ يُسْتَوْحَشُ لِجَسِيمِ حَدٍّ عُطِّلَ ، وَلاَ لِعَظِيمِ بَاطِلٍ أُثِّلَ ، فَهُنَالِكَ تَذِلُّ الْأَبْرَارُ ، وَتَعِزُّ الْأَشْرَارُ ، وَتَخْرَبُ الْبِلاَدُ ، وَتَعْظُمُ تَبِعَاتُ اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ عِنْدَ الْعِبَادِ .

فَهَلُمَّ أَيُّهَا النَّاسُ إِلَى التَّعَاوُنِ عَلى طَاعَةِ اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ وَالْقِيَامِ بِعَدْلِهِ ، وَالْوَفَاءِ بِعَهْدِهِ ، وَالاْءِنْصَافِ لَهُ فِي جَمِيعِ حَقِّهِ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ الْعِبَادُ إِلى شَيْءٍ أَحْوَجَ مِنْهُمْ إِلَى التَّنَاصُحِ فِي ذلِكَ ، وَحُسْنِ التَّعَاوُنِ عَلَيْهِ ، وَلَيْسَ أَحَدٌ _ وَ إِنِ اشْتَدَّ عَلَى رِضَا اللّهِ حِرْصُهُ ، وَطَالَ فِي الْعَمَلِ اجْتِهَادُهُ _ بِبَالِغٍ حَقِيقَةَ مَا أَعْطَى اللّهُ مِنَ الْحَقِّ أَهْلَهُ ، وَلكِنْ مِنْ وَاجِبِ حُقُوقِ اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ عَلَى الْعِبَادِ النَّصِيحَةُ لَهُ بِمَبْلَغِ جُهْدِهِمْ ، وَالتَّعَاوُنُ عَلى إِقَامَةِ الْحَقِّ فِيهِمْ(9) . ثُمَّ لَيْسَ(10) امْرُؤ _ وَإِنْ عَظُمَتْ فِي الْحَقِّ مَنْزِلَتُهُ، وَجَسُمَتْ فِي الْحَقِّ فَضِيلَتُهُ _ بِمُسْتَغْنٍ عَلى(11) أَنْ يُعَاوَنَ(12) عَلى مَا حَمَّلَهُ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ مِنْ حَقِّهِ ، وَلاَ لاِمْرِىًٔمَعَ ذلِكَ خَسَأَتْ(13) بِهِ الْأُمُورُ وَاقْتَحَمَتْهُالْعُيُونُ بِدُونِ مَا أَنْ يُعِينَ عَلى ذلِكَ وَيُعَانَ عَلَيْهِ ، وَأَهْلُ الْفَضِيلَةِ فِي الْحَالِ وَأَهْلُ النِّعَمِ الْعِظَامِ أَكْثَرُ فِيذلِكَ حَاجَةً ، وَكُلٌّ فِي الْحَاجَةِ إِلَى اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ شَرَعٌ سَوَاءٌ .

ص: 225


1- . في بعض نسخ الكافي: «واعتدل».
2- . في بعض نسخ الكافي: «إدلالها». وفي بعضها: «إخلالها».
3- . هكذا في النسخة وبعض نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: «فصلح».
4- . هكذا في النسخة وبعض نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: «به».
5- . في بعض نسخ الكافي وشرح المازندارني: + «على».
6- . هكذا في النسخة وبعض نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: «مطامع».
7- . هكذا في النسخة وبعض نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: «الإدغال».
8- . هكذا في النسخة وبعض نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: «كثرت».
9- . في بعض نسخ الكافي: «بينهم». وفي بعضها: «منهم».
10- . هكذا في النسخة وبعض نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: «ثمّ ليس».
11- . هكذا في النسخة. وفي كلتا الطبعتين و جميع النسخ: «عن».
12- . هكذا في النسخة وبعض نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: «أن يعان».
13- . في بعض نسخ الكافي: «حسبت». وفي بعضها: «حبست».

فَأَجَابَهُ رَجُلٌ مِنْ عَسْكَرِهِ لاَ يُدْرى مَنْ هُوَ، وَيُقَالُ : إِنَّهُ لَمْ يُرَ فِي عَسْكَرِهِ قَبْلَ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلاَ بَعْدَهُ ، فَقَامَ(1) وَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ عَلَى اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ بِمَا أَبْلاَهُمْ ، وَأَعْطَاهُمْ مِنْ وَاجِبِ حَقِّهِ عَلَيْهِمْ ، وَالاْءِقْرَارَ بِمَا(2) ذَكَرَ مِنْ تَصَرُّفِ الْحَالاَتِ بِهِ وَ بِهِمْ .

ثُمَّ قَالَ : أَنْتَ أَمِيرُنَا ، وَنَحْنُ رَعِيَّتُكَ ، بِكَ أَخْرَجَنَا اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ مِنَ الذُّلِّ ، وَبِإِعْزَازِكَ أَطْلَقَ عِبَادَهُ مِنَ الْغُلِّ ، فَاخْتَرْ عَلَيْنَا فَأَمْضِ(3) اخْتِيَارَكَ ، وَائْتَمِرْ فَأَمْضِ ائْتِمَارَكَ ، فَإِنَّكَ الْقَائِلُ(4) الْمُصَدَّقُ ، وَالْحَاكِمُ الْمُوَفَّقُ ، وَالْمَلِكُ الْمُخَوَّلُ، لاَ نَسْتَحِلُّ فِي شَيْءٍ مَعْصِيَتَكَ ، وَلاَ نَقِيسُ عِلْما بِعِلْمِكَ ، يَعْظُمُ عِنْدَنَا فِي ذلِكَ خَطَرُكَ ، وَيَجِلُّ عَنْهُ فِي أَنْفُسِنَا فَضْلُكَ .

فَأَجَابَهُ أَمِيرُ الْمُؤمِنِينَ عليه السلام [فَقَالَ :] إِنَّ مِنْ حَقِّ مَنْ عَظُمَ جَلاَلُ اللّهِ فِي نَفْسِهِ ، وَجَلَّ مَوْضِعُهُ مِنْ قَلْبِهِ، أَنْ يَصْغُرَ عِنْدَهُ _ لِعِظَمِ ذلِكَ _ كُلُّ مَا سِوَاهُ ، وَإِنَّ مِنْ(5) أَحَقَّ مَنْ كَانَ كَذلِكَ لَمَنْ عَظُمَتْ نِعَمُ(6) اللّهِ عَلَيْهِ ، وَلَطُفَ إِحْسَانُهُ إِلَيْهِ ، فَإِنَّهُ لَمْ تَعْظُمْ(7) نِعَمُ(8) اللّهِ عَلى أَحَدٍ إِلاَّ زَادَ حَقُّ اللّهِ عَلَيْهِ عِظَما ، وَإِنَّ مِنْ أَسْخَفِ(9) حَالاَتِ الْوُلاَةِ عِنْدَ صَالِحِ النَّاسِ أَنْ يُظَنَّ بِهِمْ حُبُّ الْفَخْرِ ، وَيُوضَعَ أَمْرُهُمْ عَلَى الْكِبْرِ ، وَقَدْ كَرِهْتُ أَنْ يَكُونَ جَالَ فِي ظَنِّكُمْ أَنِّي أُحِبُّ الاْءِطْرَاءَ وَاسْتِمَاعَ الثَّنَاءِ ، وَلَسْتُ بِحَمْدِ اللّهِ كَذلِكَ .

وَلَوْ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ يُقَالَ ذلِكَ لَتَرَكْتُهُ انْحِطَاطا لِلّهِ سُبْحَانَهُ عَنْ تَنَاوُلِ مَا هُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنَ الْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ ، وَرُبَّمَا اسْتَحْلَى النَّاسُ الثَّنَاءَ بَعْدَ الْبَلاَءِ ، فَلاَ تُثْنُوا عَلَيَّ بِجَمِيلِ ثَنَاءٍ ؛ لاِءِخْرَاجِي نَفْسِي إِلَى اللّهِ وَإِلَيْكُمْ مِنَ الْبَقِيَّةِ(10) فِي حُقُوقٍ لَمْ أَفْرُغْ مِنْ أَدَائِهَا ، وَفَرَائِضَ لاَ بُدَّ مِنْ إِمْضَائِهَا ، فَلاَ تُكَلِّمُونِي بِمَاتُكَلَّمُ بِهِ الْجَبَابِرَةُ ، وَلاَ تَتَحَفَّظُوا مِنِّي بِمَا يُتَحَفَّظُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَادِرَةِ ، وَلاَ تُخَالِطُونِي بِالْمُصَانَعَةِ ، وَلاَتَظُنُّوا بِي اسْتِثْقَالاً فِي حَقٍّ قِيلَ لِي ، وَلاَالْتِمَاسَ إِعْظَامٍ لِنَفْسِي لِمَا لاَ يَصْلُحُ(11) ؛ فَإِنَّهُ مَنِ اسْتَثْقَلَ

ص: 226


1- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «فقال».
2- . هكذا في النسخة وبعض نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: «بكلّ ما» بدل «بما».
3- . هكذا في النسخة وبعض نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: «وأمض».
4- . في شرح المازندراني: «العامل».
5- . هكذا في النسخة وبعض نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: - «مِنْ».
6- . هكذا في النسخة وبعض نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: «نعمة».
7- . في بعض نسخ الكافي: «لم يعظم».
8- . هكذا في النسخة وبعض نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: «نعمة».
9- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «استخفّ».
10- . في بعض نسخ الكافي: «التقيّة».
11- . هكذا في النسخة وكثير من نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: + «لي».

الْحَقَّ أَنْ يُقَالَ لَهُ ، أَوِ الْعَدْلَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ ، كَانَ الْعَمَلُ بِهِمَا أَثْقَلَ عَلَيْهِ ، فَلاَتَكُفُّوا عَنْ(1) مَقَالَةً بِحَقٍّ ، أَوْ مَشُورَةً بِعَدْلٍ ، فَإِنِّي لَسْتُ فِي نَفْسِي بِفَوْقِ(2) أَنْ أُخْطِئَ ، وَلاَ آمَنُ ذلِكَ مِنْ فِعْلِي، إِلاَّ أَنْ يَكْفِيَ اللّهُ مِنْ نَفْسِي مَا هُوَ أَمْلَكُ بِهِ مِنِّي ، فَإِنَّمَا أَنَا وَأَنْتُمْ عَبِيدٌ مَمْلُوكُونَ لِرَبٍّ لاَ رَبَّ غَيْرُهُ ، يَمْلِكُ مِنَّا مَا لاَنَمْلِكُ مِنْ أَنْفُسِنَا ، وَأَخْرَجَنَا مِمَّا كُنَّا فِيهِ إِلى مَا صَلَحْنَا عَلَيْهِ ، فَأَبْدَلَنَا بَعْدَ الضَّلاَلَةِ بِالْهُدى ، وَأَعْطَانَا الْبَصِيرَةَ بَعْدَ الْعَمى .

فَأَجَابَهُ الرَّجُلُ الَّذِي أَجَابَهُ مِنْ قَبْلُ ، فَقَالَ : أَنْتَ أَهْلُ مَا قُلْتَ ، وَاللّهِ وَاللّهِ أهْلُ(3) فَوْقِ مَا قُلْتَهُ ، فَبَلاَؤهُ عِنْدَنَا مَا لاَيُكْفَرُ(4) ، وَقَدْ حَمَّلَكَ اللّهُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ رِعَايَتَنَا ، وَوَلاَّكَ سِيَاسَةَ أُمُورِنَا ، فَأَصْبَحْتَ عَلَمَنَا الَّذِي نَهْتَدِي بِهِ ، وَإِمَامَنَا الَّذِي نَقْتَدِي بِهِ ، وَأَمْرُكَ كُلُّهُ رُشْدٌ ، وَقَوْلُكَ كُلُّهُ أَدَبٌ ، قَدْ قَرَّتْ بِكَ فِي الْحَيَاةِ أَعْيُنُنَا ، وَامْتَلَأَتْ مِنْ سُرُورٍ بِكَ قُلُوبُنَا ، وَتَحَيَّرَتْ مِنْ صِفَةِ مَا فِيكَ مِنْ بَارِعِ الْفَضْلِ عُقُولُنَا ، وَلَسْنَا نَقُولُ لَكَ : أَيُّهَا الاْءِمَامُ الصَّالِحُ تَزْكِيَةً لَكَ ، وَلاَ نُجَاوِزُ(5) الْقَصْدَ فِي الثَّنَاءِ عَلَيْكَ ، وَلَمْ يُكَنَّ(6) فِي أَنْفُسِنَا طَعْنٌ عَلى يَقِينِكَ ، أَوْ غِشٌّ فِي دِينِكَ ، فَنَتَخَوَّفَ أَنْ تَكُونَ أَحْدَثْتَ بِنِعْمَةِ اللّهِ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ تَجَبُّرا ، أَوْ دَخَلَكَ كِبْرٌ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ لَكَ مَا قُلْنَا تَقَرُّبا إِلَى اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ بِتَوْقِيرِكَ ، وَتَوَسُّعا بِتَفْضِيلِكَ ، وَشُكْرا بِإِعْظَامِ أَمْرِكَ ، فَانْظُرْ لِنَفْسِكَ وَ لَنَا ، وَآثِرْ أَمْرَ اللّهِ عَلى نَفْسِكَ وَعَلَيْنَا ، فَنَحْنُ طُوَّعٌ فِيمَا أَمَرْتَنَا ، نَنْقَادُ مِنَ الْأُمُورِ مَعَ ذلِكَ فِيمَا يَنْفَعُنَا .

فَأَجَابَهُ أَمِيرُ الْمُؤمِنِينَ عليه السلام ، فَقَالَ : وَأَنَا أَسْتَشْهِدُكُمْ عِنْدَ اللّهِ عَلى نَفْسِي ؛ لِعِلْمِكُمْ فِيمَا وُلِّيتُ بِهِ مِنْ أُمُورِكُمْ ، وَعَمَّا قَلِيلٍ يَجْمَعُنِي وَإِيَّاكُمُ الْمَوْقِفُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَالسُّؤالُ عَمَّا كُنَّا فِيهِ ، ثُمَّ يَشْهَدُ بَعْضُنَا عَلى بَعْضٍ ، فَلاَ تَشْهَدُوا الْيَوْمَ بِخِلاَفِ مَا أَنْتُمْ شَاهِدُونَ غَدا ، فَإِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ لاَيَخْفى(7) عَلَيْهِ خَافِيَةٌ ، وَلاَيَجُوزُ عِنْدَهُ إِلاَّ مُنَاصَحَةُ الصُّدُورِ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ .

فَأَجَابَهُ الرَّجُلُ ، وَيُقَالُ : لَمْ يُرَ الرَّجُلُ بَعْدَ كَلاَمِهِ هذَا لِأَمِيرِ الْمُؤمِنِينَ عليه السلام ، فَأَجَابَهُ وَقَدْ عَالَ الَّذِي

ص: 227


1- . هكذا في النسخة وبعض نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: «عنّي».
2- . في الطبعة القديمة والوافي: + «ما».
3- . هكذا في النسخة وبعض نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: - «أهل».
4- . في بعض نسخ الكافي: «لانكفر».
5- . في بعض نسخ الكافي: «ولا تجاوز».
6- . في الطبعة الجديدة و معظم نسخ الكافي: «ولن يكنّ».
7- . في بعض نسخ الكافي وشرح المازندراني: «لا تخفى».

فِي صَدْرِهِ ، فَقَالَ وَالْبُكَاءُ يَقْطَعُ مَنْطِقَهُ ، وَغُصَصُ الشَّجَا تَكْسِرُ(1) صَوْتَهُ إِعْظَاما لِخَطَرِ مَرْزِئَتِهِ ، وَ وَحْشَةً مِنْ كَوْنِ فَجِيعَتِهِ .

فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنى عَلَيْهِ ، ثُمَّ شَكَا إِلَيْهِ هَوْلَ مَا أَشْفى عَلَيْهِ مِنَ الْخَطَرِ الْعَظِيمِ ، وَ الذُّلِّ الطَّوِيلِ فِي فَسَادِ زَمَانِهِ ، وَانْقِلاَبِ جَدِّهِ(2) ، وَانْقِطَاعِ مَا كَانَ مِنْ دَوْلَتِهِ ، ثُمَّ نَصَبَ الْمَسْأَلَةَ إِلَى اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ بِالاِمْتِنَانِ عَلَيْهِ ، وَالْمُدَافَعَةِ عَنْهُ بِالتَّفَجُّعِ ، وَحُسْنِ الثَّنَاءِ ، فَقَالَ : يَا رَبَّانِيَّ الْعِبَادِ ، وَيَا سَكَنَ(3) الْبِلاَدِ ، أَيْنَ يَقَعُ قَوْلُنَا مِنْ فَضْلِكَ؟ وَأَيْنَ يَبْلُغُ وَصْفُنَا مِنْ فِعْلِكَ؟ وَأَنّى نَبْلُغُ حَقِيقَةَ حُسْنِ ثَنَائِكَ ، أَوْ نُحْصِي جَمِيلَ بَلاَئِكَ؟ فَكَيْفَ(4) وَ بِكَ جَرَتْ نِعَمُ اللّهِ عَلَيْنَا ، وَعَلى يَدِكَ اتَّصَلَتْ أَسْبَابُ الْخَيْرِ إِلَيْنَا؟ أَلَمْ تَكُنْ لِذُلِّ الذَّلِيلِ مَلاَذا ، وَلِلْعُصَاةِ الْكُفَّارِ إِخْوَانا؟ فَبِمَنْ إِلاَّ بِأَهْلِ بَيْتِكَ وَبِكَ أَخْرَجَنَا اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ مِنْ فَظَاعَةِ تِلْكَ الْخَطَرَاتِ؟ أَوْ بِمَنْ فَرَّجَ عَنَّا غَمَرَاتِ الْكُرُبَاتِ؟ وَ بِمَنْ إِلاَّ بِكُمْ أَظْهَرَ اللّهُ مَعَالِمَ دِينِنَا ، وَاسْتَصْلَحَ مَا كَانَ فَسَدَ مِنْ دُنْيَانَا حَتَّى اسْتَبَانَ بَعْدَ الْجَوْرِ ذِكْرُنَا ، وَقَرَّتْ مِنْ رَخَاءِ الْعَيْشِ أَعْيُنُنَا ؛ لِمَا وَلَّيْتَنَا بِالاْءِحْسَانِ جَهْدَكَ ، وَ وَفَيْتَ لَنَا بِجَمِيعِ(5) عَهْدِكَ ، فَكُنْتَ شَاهِدَ مَنْ غَابَ مِنَّا ، وَخَلَفَ أَهْلِ الْبَيْتِ لَنَا ، وَكُنْتَ عِزَّ ضُعَفَائِنَا ، وَثِمَالَ فُقَرَائِنَا ، وَعِمَادَ عُظَمَائِنَا ، يَجْمَعُنَا مِنَ(6) الْأُمُورِ عَدْلُكَ ، وَيَتَّسِعُ لَنَا فِي الْحَقِّ تَأَنِّيكَ ، فَكُنْتَ لَنَا أُنْسا إِذَا رَأَيْنَاكَ ، وَسَكَنا إِذَا ذَكَرْنَاكَ ، فَأَيَّ الْخَيْرَاتِ لَمْ تَفْعَلْ؟ وَأَيَّ الصَّالِحَاتِ لَمْ تَعْمَلْ؟ وَلَوْ لاَ(7) أَنَّ الْأَمْرَ الَّذِي نَخَافُ عَلَيْكَ مِنْهُ يَبْلُغُ تَحْرِيكَهُ(8) جُهْدُنَا ، وَتَقْوى لِمُدَافَعَتِهِ طَاقَتُنَا ، أَوْ يَجُوزُ الْفِدَاءُ عَنْكَ مِنْهُ بِأَنْفُسِنَا ، وَ بِمَنْ نَفْدِيهِ بِالنُّفُوسِ مِنْ أَبْنَائِنَا ، لَقَدَّمْنَا أَنْفُسَنَا وَ أَبْنَاءَنَا قِبَلَكَ ، وَلَأَخْطَرْنَاهَا وَقَلَّ خَطَرُهَا دُونَكَ ، وَلَقُمْنَا بِجُهْدِنَا فِي مُحَاوَلَةِ مَنْ حَاوَلَكَ ، وَفِي مُدَافَعَةِ مَنْ نَاوَاكَ ، وَلكِنَّهُ سُلْطَانٌ لاَ يُحَاوَلُ ، وَعِزٌّ لاَ يُزَاوَلُ ، وَرَبٌّ لاَ يُغَالَبُ ، فَإِنْ يَمْنُنْ عَلَيْنَا بِعَافِيَتِكَ ، وَيَتَرَحَّمْ عَلَيْنَابِبَقَائِكَ ، وَيَتَحَنَّنْ عَلَيْنَا بِتَفْرِيحِ(9) هذَا مِنْ حَالِكَ إِلى سَلاَمَةٍ مِنْكَ لَنَا ، وَبَقَاءٍ مِنْكَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا ، نُحْدِثْ لِلّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ بِذلِكَ شُكْرا نُعَظِّمُهُ ، وَذِكْرا نُدِيمُهُ ، وَنَقْسِمْ أَنْصَافَ أَمْوَالِنَا صَدَقَاتٍ ، وَأَنْصَافَ رَقِيقِنَا

ص: 228


1- . في بعض نسخ الكافي: «يكسر».
2- . في الطبعة الجديدة وأكثر نسخ الكافي: «حدّه» بالحاء المهملة.
3- . في الطبعة الجديدة: «سكن».
4- . في أكثر نسخ الكافي: «وكيف».
5- . هكذا في النسخة وأكثر نسخ الكافي وشرح المازندراني. وفي كلتا الطبعتين: + «وعدك، وقمت لنا على جميع».
6- . هكذا في النسخة وكثير من نسخ الكافي وشرح المازندراني. وفي كلتا الطبعتين: «في».
7- . في كثير من نسخ الكافي: «ولو».
8- . في الطبعة القديمة والوافي «تحويله».
9- . هكذا في النسخة وفي جميع نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: «بتفريج» بالجيم المعجمة.

عُتَقَاءَ ، وَنُحْدِثْ لَهُ تَوَاضُعا فِي أَنْفُسِنَا ، وَ نَخْشَعْ فِي جَمِيعِ أُمُورِنَا ، وَإِنْ يَمْضِ بِكَ إِلَى الْجِنَانِ ، وَيُجْرِي عَلَيْكَ حَتْمَ سَبِيلِهِ ، فَغَيْرُ مُتَّهَمٍ فِيكَ قَضَاؤهُ ، وَلاَ مَدْفُوعٍ عَنْكَ بَلاَؤهُ ، وَلاَ مُخْتَلِفَةٍ مَعَ ذلِكَ قُلُوبُنَا بِأَنَّ اخْتِيَارَهُ لَكَ مَا عِنْدَهُ عَلى مَا كُنْتَ فِيهِ ، وَلكِنَّا نَبْكِي مِنْ غَيْرِ إِثْمٍ لِعِزِّ هذَا السُّلْطَانِ أَنْ يَعُودَ ذَلِيلاً ، وَلِلدِّينِ وَالدُّنْيَا أَكِيلاً ، فَلاَ نَرى لَكَ خَلَفا نَشْكُو إِلَيْهِ ، وَلاَ نَظِيرا نَأْمُلُهُ وَلاَ نُقِيمُهُ» .

شرح

السند ضعيف؛ لكون عبد اللّه بن الحارث مذموما على رواية، وفيها كلام.

قوله: (خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام) يذكر فيها الحقّ الذي به يتحقّق نظام الدِّين والدّنيا وكمال النفس ونجاة الأخرويّة بوجه كلّي، والسند ضعيف.

وقيل: أحمد بن محمّد معطوف على عليّ بن الحسن وهو العاصمي، والتيمي هو ابن فضّال، وقلَّ من تفطّن لذلك.(1)

وقوله: (خطب أمير المؤمنين عليه السلام الناس بصفّين).

قيل: كانت هذه بعد رجوع جمّ غفير من عسكره عن بيعته.(2)

قال الفيروزآبادي:

صفّين _ كسجّين _ : موضع قرب الرّقة بشاطئ الفرات، كانت به الوقعة العظمى بين عليّ ومعاوية غرّة صفر سنة 37، فمن ثمّ احترز الناس السفر في صفر.(3)

وقوله: (فقد جعل اللّه تعالى لي عليكم حقّا بولاية أمركم).

الباء للسببيّة، يُقال: ولّى الوالي البلد وفلان البيع ولاية _ بالفتح والكسر _ : إذا تولاّه، وقام به.

وقيل: الولاية _ بالفتح _ : مصدر، وبالكسر: الإمارة، والسلطان.(4) ولعلّ المراد أنّ اللّه تعالى جعل لي عليكم حقّ الطاعة؛ لأنّه سبحانه جعلني واليا عليكم متولّيا لاُموركم.

(ومنزلتي التي أنزلني اللّه _ عزّ ذكره _ بها) أي بتلك المنزلة (منكم).

الباء بمعنى «في»، وكلمة «من» بمعنى عند، أو مرادفة «في»، والمنزلة: المرتبة، والدرجة،

ص: 229


1- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 517.
2- . لم نعثر على قائله.
3- . القاموس المحيط، ج 4، ص 242 (صفن).
4- . اُنظر: الكشّاف، ج 2، ص 486.

والجملة عطف على الولاية، أي ولأنّه تعالى أنزلني منزلة عظيمة هي منزلة الإمارة والإمامة ووجوب الطاعة.

(ولكم عليَّ من الحقّ مثل الذي لي عليكم).

قيل: المراد بالمثل المماثلة في جنس الحقّ وإن كان الحقّان متغايران في النوع؛ لأنّ حقّنا عليه الإرشاد والأمر، وحقّه علينا الطاعة والانقياد مثلاً.(1)

(والحقّ أجمل الأشياء في التراصف) أي في النضد والالتيام، أو إحكام الاُمور وإتقانها.

قال الجوهري: «تراصف القوم في الصف، أي قام بعضهم إلى لزق بعض».(2)

وقال في النهاية: «الرّصف: الشدّ والضم. والرصافة: الرفق في الاُمور. والتراصف: تنضيد الحجارة التي يرصف بعضها إلى بعض في مسيل فيجتمع فيها ماء المطر».(3)

وفي بعض النسخ: «التواصف» بالواو. وقيل: أي وصفه حسن، وذكره جميل.(4)

وقيل: أي في أن يصفه بعضهم لبعض، ويذكر كلّ واحد للآخر نعته ليرغب فيه.(5)

قال الفيروزآبادي: «تواصفوا الشيء: وصفه بعضهم لبعض».(6)

(وأوسعها للتناصف).(7)

في القاموس: «تناصفوا: أنصف بعضهم بعضا».(8)

ولعلّ المراد أنّه إذا أنصف الناس بعضهم لبعض كانوا في فسحة وسعة في أمر الدِّين والدُّنيا، ولا يقعون في العمل بالإنصاف في مضيق؛ لأنّ الإنصاف حقّ، والحقّ أوسع الأشياء وأسبغها.

وفي نهج البلاغة: «والحقّ أوسع الأشياء في التواصف، وأضيقها في التناصف»(9) أي إذا أخذ الناس في وصف الحقّ وبيانه كان لهم في ذلك مجال واسع؛ لسهولته على ألسنتهم، وإذا حضر التناصف بينهم فطلب منهم ضاق عليهم المجال؛ لشدّة العمل بالحقّ وصعوبة

ص: 230


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 504 مع اختلاف يسير في اللفظ.
2- . الصحاح، ج 4، ص 1365 رصف.
3- . النهاية، ج 2، ص 227 و 228 رصف مع التلخيص.
4- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 517.
5- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 504.
6- . القاموس المحيط، ج 3، ص 204 وصف.
7- . في المتن الذي ضبطه الشارح رحمه الله سابقا: «فى التناصف».
8- . القاموس المحيط، ج 3، ص 200 نصف.
9- . نهج البلاغة، ج 2، ص 198، الخطبة 216.

الإنصاف به، لاستلزامه فوات بعض أغراضهم ومقاصدهم المرغوبة عندهم.

(لا يجري) يعني الحقّ (لأحد إلاّ جرى ذلك) الحقّ (عليه) أي على ذلك الأحد.

ولعلّ هذه الفقرة مع بعض الفقرات التالية لها تأكيد لقوله: «فقد جعل اللّه تعالى لي عليكم حقّا» بأنّ سنّة اللّه جارية على أنّ مَن له حقّا على الغير كان لذلك الغير أيضا حقٌّ عليه.

والضمائر البارزة والمستترة في قوله: (ولا يجري عليه إلاّ جرى به)(1) على سياق السابق.

وفي بعض النسخ: «له» بدل «به» وهو أظهر.

وقيل: الحصر الأوّل إشارة إلى أنّ كون الحقّ لأحد لا يفارق من كونه عليه تقريرا للحقّ وتوطينا لنفوس السامعين على الوفاء به؛ إذ كما يجب لذلك الأحد أن لا يترك حقّهم كذلك يجب عليهم أن لا يتركوا حقّه، والحصر الثاني إشارة إلى عكس الأوّل تسكينا لنفوسهم بذكر الحقّ لهم، فأفاد بالحصرين التلازم بين الحقّين.

ثمّ احتجّ لإثبات الحصرين بقياس استثنائي متّصلة استثنى نقيض التالي؛ لينتجّ نقيض المقدّم، فقوله عليه السلام: (لو كان لأحد أن يجري ذلك) أي الحقّ (له، ولايجرى عليه لكان ذلك للّه _ عزّ وجلّ _ خالصا دون خلقه) إشارة إلى القياس المذكور.

ووجه خلوصه له تعالى دون خلقه أنّ الخلق لعجزهم يحتاج كلّ منهم إلى آخر، فلا محالة إذا كان لأحدهم حقّ على الغير كان لذلك الغير أيضا حقٌّ عليه.(2)

وقوله: لقدرته على عباده [ولعدله] في كلّ ما جرت عليه ضروب قضائه) إشارة إلى بيان الملازمة. وضروب قضائه أنواعه المتغيّرة المتوالية، وقضاؤه حكمه.

وفي بعض النسخ: «صروف قضائه» والمآل واحد، أي لكونه قادرا على عباده بإبقائهم وإفنائهم، وعلى الانتصاف منهم، وأخذ حقّه عنهم «لاَ يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ»(3)، مع

أنّه لا حقّ للعباد عليه تعالى لعدله فيهم في كلّ ما جرت به مقاديره التي هي ضروب قضائه مثل الغنى والفقر والصحّة والمرض والعافية والابتلاء وأمثالها؛ فإنّ القضاء بجميع ذلك

ص: 231


1- . في المتن الذي ضبطه الشارح رحمه الله سابقا: «له».
2- . القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 505.
3- . الأنبياء 21: 23.

مصلحة وحقّ عليهم، وليس لهم في مقابله حقٌّ عليه.

وقوله: (ولكن جعل حقّه على العباد أن يطيعوه) إلى قوله: (أهلاً) إشارة إلى استثناء نقيض التالي باستثناء ملزومه، و«جعلت»(1) على البناء للمفعول.

وفي بعض النسخ: «وجعل» وهو أظهر، والمستتر فيه عائد إلى اللّه .

(كفّارتهم عليه) أي على نفسه تعالى، أو على حقّه على العباد.

ولعلّ المراد بالكفّارة جزاء الطاعة سمّاه كفّارة لكفره وستره ثقل عملهم حيث لم يكن له في جنبه قدر، فكأنّه قد محاه وستره. ويؤيّده ما وقع في نهج البلاغة من قوله: «وجعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب».(2)

ويظهر منه أنّ المراد بقوله: (بحسن الثواب) الثواب الكامل المضاعف.

الباء للتضعيف، فإنّ ما جعل جزاءهم بعض من حسن الثواب. ويحتمل كونها زائدة، ويؤيّده ما في بعض النسخ: «حسن الثواب» بدون الباء، وما نقلناه من النهج أيضا. ويحتمل كونها للمصاحبة، بأن يُراد بالكفّارة ما يكفّر سيّئاتهم كالتوبة وسائر الكفّارات، أي أوجب على نفسه قبول كفّارتهم وتوبتهم مع حسن الثواب.

وحاصل الاستثناء أنّه تعالى جعل لنفسه على عباده حقّا هو طاعتهم له، وجعل على نفسه لهم حقّا هو جزاء طاعتهم له، فقد ثبت أنّ ذلك لم يخلص للّه تعالى أيضا، بل كما أوجب على عباده حقّا له أوجب لهم على نفسه بذلك حقّا، فإذن لا يجري لأحد حقّ إلاّ جرى عليه، وهو نقيض المقدّم.

وقوله: (تفضّلاً منه) تعليل لقوله: «وجعل كفّارتهم» إلى آخره.

(وتوسّعا بما هو من المزيد له أهلاً).

ضمير «هو» مبتدأ راجع إلى الموصول، و«له» خبره، وضميره راجع إلى اللّه ، واحتمال العكس بعيد.

وكلمة «من» بيان للموصول، و«أهلاً» نصب على التمييز، أو الحال.

وفي بعض النسخ «أهل» بالرفع على أنّه خبر المبتدأ، و«له» متعلّق به؛ لأنّه بمعنى

ص: 232


1- .في المتن الذي ضبطه الشارح رحمه الله سابقا: «جعل».
2- . نهج البلاغة، ج 2، ص 198، الخطبة 216.

مستوجب، وحينئذٍ يتعيّن إرجاع ضمير «هو» إليه تعالى، وضمير «له» إلى الموصول. وفي هذا الكلام إشعار بأنّ ما جعله اللّه سبحانه لهم من حسن الثواب ليس حقّا واجبا عليه تعالى، بل محض تفضّل منه وتوسعة عليهم بما هو أهله من مزيد النِّعم، ليقابلوا ذلك التفضّل بمزيد الشكر، وليتأدّبوا بآداب اللّه ، ويتخلّقوا بأخلاقه في أداء ما وجب عليهم من حقّ الغير، ولو لم يكن لذلك الغير حقٌّ عليه.

(ثمّ جعل من حقوقه حقوقا فرضها لبعض الناس على بعض).

في بعض النسخ: «فأفرضها» بدل «فرضها».

قال الفيروزآبادي: «أفرضه: أعطاه. وله: جعل له فريضة، كفرض له فرضا».(1) وهذا كالمقدّمة لما يريد أن يبيّنه من كون حقّه عليهم واجبا من قِبل اللّه تعالى، وهو حقٌّ من حقوقه، ليكون أدعى لهم على أدائه، وبيّن أنّ حقوق الخلق بعضهم على بعض هي من حقوق اللّه تعالى، من حيث إنّ حقّه على عباده هو الطاعة، وأداء تلك الحقوق طاعة للّه تعالى، كحقّ الوالد على ولده وبالعكس، وحقّ الزوج على الزوجة وبالعكس، وحقّ الوالي على الرعيّة وبالعكس.

(فجعلها تتكافى في وجوهها).

قال الجوهري: «التكافؤ: الاستواء. يُقال: المسلمون تتكافأ دماؤهم، وكلّ شيء ساوى شيئا حتّى يكون مثله فهو مكافئ له»(2) أي جعل الحقوق التي فرضها لبعض الناس على بعض يتساوى في وجوهها، بأن جعل كلّ وجه من تلك الحقوق مقابلاً بمثله؛ فحقّ الوالي هو الطاعة من الرعيّة، مقابل بمثله منه وهو العدل فيهم وحسن السيرة.

(ويوجب بعضها بعضا).

هذا كالتأكيد لسابقه.

وكذا قوله: (ولا يستوجب بعضها إلاّ ببعض).

يُقال: استوجبه، أي استحقّه؛ يعني لا يتحقّق كلّ من الحقّين، ولا يستحقّ الوجوب إلاّ بأن يتحقّق الآخر في مقابله، كما أنّ الوالي إذا لم يعدل لم يستحقّ الطاعة.

ص: 233


1- . القاموس المحيط، ج 2، ص 340 فرض.
2- . الصحاح، ج 1، ص 68 كفأ مع التلخيص والتقديم والتأخير في العبارة.

وقوله: (فأعظم ممّا افترض) بعضها (اللّه _ تبارك وتعالى _ من تلك الحقوق حقّ الوالي على الرعيّة، وحقّ الرعيّة على الوالي) إشارة إلى بيان ما هو المقصود الأصلي في هذا المقام؛ لأنّ ذينك الحقّين يدور عليهما سائر الحقوق، ونظام المعاش والمعاد، ولفظ «بعضها» ليس في بعض نسخ الكتاب ونسخ النهج، وهو أظهر.

وقوله: (فريضة فرضها اللّه ) نصب على الحال، أو بتقدير أعني. ويحتمل الرفع على الخبريّة من مبتدأ محذوف.

(لكلّ على كلّ) أي لكلّ واحد منهما على الآخر.

ثمّ رغّب في حفظ تلك الفريضة ومراعاتها بقوله: (فجعلها)؛ الضمير للفريضة، أو للحقوق.

(نظام اُلفتهم).

وفي بعض نسخ الكتاب وفي نهج البلاغة: «نظاما لاُلفتهم» أي جعلها سبب اجتماعهم في دفع الأعداء وفي أمر الدِّين وعدم تفرّقهم فيه.

(وعزّا لدينهم) أي سببا لغلبة دينهم على الأديان الباطلة، وعدم مقهوريّته منها.

(وقواما لسير الحقّ فيهم).

وفي بعض النسخ: «لسنن الحقّ» بالنونين.

والقوام _ بالكسر _ : النظام، والعماد. وقوام الأمر أيضا: ما يقوم به ذلك الأمر.

والسَّير _ بالفتح _ : الذهاب. ويمكن قراءته بكسر السين وفتح الياء، على أن يكون جمع السيرة، وهو السنّة والطريقة.

وحاصل المعنى: أنّه تعالى جعل تلك الفريضة ما يقوم به جريان الحقّ فيهم وبينهم؛ إذ بها تجري سائر الفرائض والحقوق فيما بينهم، ولو عطّلت عطّل جميعها.

(فليست تصلح الرعيّة إلاّ بصلاح الولاة).

وصلاح الرعيّة: انتظام اُمورهم في الدِّين والدُّنيا، وكونهم على الحدود الشرعيّة. وصلاح الولاة: حسن السيرة فيهم، والاقتدار على إجراء الأحكام والحدود فيما بينهم.

(ولا تصلح الولاة إلاّ باستقامة الرعيّة)؛ لأنّ اقتدار الولاة يتوقّف على استقامة الرعيّة وانقيادهم لهم بالضرورة.

ص: 234

(فإذا أدّت الرعيّة إلى الوالي حقّه).

في بعض النسخ: «من الوالي». والمراد بحقّه طاعتهم له، وانقيادهم، واستسلامهم لأمره، واتّعاظهم بمواعظه، وانزجارهم عن زواجره.

(وأدّى إليه الوالي كذلك) أي حقّهم من النصيحة والإرشاد والهداية إلى ما فيه صلاحهم. وفي النّهج: «وأدّى إليهما حقّهما».

(عزّ الحقّ بينهم) أي غلب، أو صار عزيزا قويّا. يُقال: عزّه _ كمدّه _ : إذا غلبه. وعزّ _ كفرّ _ عزّا وعزّة بكسرهما: صار عزيزا وقويّا بعد ذلّة.

وفي بعض النسخ: «عنّ الحقّ» بالنون. يُقال: عنّ الشيء _ كفرّ ومدّ _ عنّا: إذا ظهر أمامك واعترض. والعَنُون: الدابّة المتقدّمة في السير. وعننتُ الفرس، أي حبسته بعنانه. وعننت اللِّجام: إذا جعلت له عنانا.

(فقامت) أي انتصبت، أو صارت رائجة غير كاسدة. يُقال: قامت السوق: إذا نفقت.

(مناهج الدِّين) أي طرقه ومعالمه وقوانينه، جمع المنهج، وهو الطريق الواضح.

(واعتدلت معالم العدل).

يقال: عدّلته فاعتدل، أي أقمته فاستقام. والاعتدال: توسّط حال بين حالين في كمّ أو كيف، وكلّ ما يناسب فقد اعتدل.

ومعلم الشيء _ كمقعد _ : مظنّته، وما يستدلّ به.

والعدل: ضدّ الجور. وعرّف بأنّه حالة نفسانيّة تنشأ من اعتدال القوّة العقليّة والشهويّة والغضبيّة، ولعلّ المراد بمعالم الدِّين مكانه ومظنّته، أو العلامات التي نصبت في طريق العدل لسالكيه، أو طرقه الموصلة إليه من الشرائع النبويّة، وحدوده المضروبة عليه كمعالم الحرم مثلاً، وباعتدال تلك المعالم استقامتها وتوسّطها بين الإفراط والتفريط، واستقرارها على سوقها. ومن البيّن أنّه لو وقع الاختلاف في أداء الحقّين لاختلّ جميع ذلك، وفشا الجور، ووقع الهرج والمرج.

(وجرت على أذلالها السّنن).

إذلال بالذال المعجمة وفتح الهمزة، وضمير التأنيث عائد إلى السنن؛ لتقدّمها رتبةً، أي جرت سنّة اللّه على مسالكها وطرقها ووجوه استقامتها.

ص: 235

قال الفيروزآبادي:

الذلّ _ بالضمّ والكسر _ : ضدّ الصعوبة. وذلّ الطريق _ بالكسر _ : محجّته، والرفق والرحمة، ويضمّ، واُمور اللّه جارية إذلالها وعلى إذلالها، أي مجاريها، جمع ذلّ، بالكسر. ودَعْه على إذلاله: على حاله، بلا واحد. وجاء على إذلاله، أي وجهه.(1)

وقال: «السنّة _ بالضمّ _ : الوجه، والسيرة، والطبيعة. ومن اللّه : حكمه، وأمره، ونهيه. وسنن الطريق _ مثلّثة وبضمّتين _ : نهجه، وجهته».(2)

وفي بعض النسخ: «على إدلالها» بالدال المهملة. قال في النهاية: «فيه يمشي على الصراط مُدِّلاً، أي منبسطا لا خوف عليه، وهو من الادّلال».(3)

أقول: يحتمل كونه بفتح الهمزة جمع دلّ _ بالضمّ _ وهو الغنج.

(وصلح بذلك) أي بأداء الحقّين.

(الزمان) بفقد الجور فيه وارتفاعه عنه.

(وطاب بها) أي بالاُمور المذكورة، أو بتأدية الحقّين. وفي بعض النسخ: «به» وهو أظهر.

(العيش)؛ لزوال البركة، وتحقّق الالتيام والاُلفة.

(وطمع) على البناء للمفعول، وقوله: (في بقاء الدولة) قائم مقام فاعله.

وقيل: يحتمل كونه على البناء للفاعل، والمستتر فيه راجع إلى المطامع، أو إلى كلّ أحد بقرينة المقام.

والدولة _ بالفتح وقد يضمّ _ : ما يتداول من المال فيكون لقوم دون قوم، أو الضمّ فيه والفتح الغلبة في الحرب، أو هما سواء فيهما، أو الضمّ في الآخرة والفتح في الدُّنيا.

(يئست مطامع الأعداء).

في القاموس: «مطمع _ كمقعد _ : ما يطمع فيه، وبهاء: ما طمعت [من أجله]».(4)

قيل: اليأس حقيقة للأعداء إلاّ أنّه نسب إلى مطامعهم مجازا للمبالغة في تحقّقه.(5)

ص: 236


1- . القاموس المحيط، ج 3، ص 379 ذلل مع التلخيص واختلاف يسير في اللفظ.
2- . القاموس المحيط، ج 4، ص 237 سنن مع التلخيص.
3- . النهاية، ج 2، ص 131 دلل.
4- . القاموس المحيط، ج 3، ص 60 طمع مع التلخيص.
5- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 506.

ثمّ أشار إلى مفاسد ترك الحقّين بقوله: (وإذا غلبت الرعيّة واليهم) أي قهرته بالمنازعة والمخالفة وترك الطاعة.

(وعلا الوالي الرعيّة) أي استطال عليهم، وركبهم، وتجبّر بهم، ولم يراع حقوقهم.

وفي النهج: «وأجحف الوالي برعيّته».(1) الإجحاف _ بتقديم المعجمة _ : المبالغة في النقصان.

(اختلفت هنالك الكلمة) أي كلمات الناس وأقوالهم، أو آراؤهم، أو كلاهما، وهو يستلزم انحرافهم عن المنهج القويم.

(وظهرت مطالع الجور).

لعلّ المراد مصادره. وقيل: معالمه وآثاره، ومواضع استقراره من كلّ جانب.(2)

وفي بعض النسخ: «مطامع الجور». وفي النهج: «معالم الجور».(3)

(وكثر الإذعار في الدِّين) أي في أهله؛ لاختلاف الأهواء والآراء، وافتراقها عن رأي الوالي، وأخذ كلّ من الرعيّة فيما يشتهيه.

والاذعار _ بكسر الهمزة _ مصدر، وبفتحها جمع ذعر بالضمّ كطهر وأطهار، أو بالتحريك كبطل وإبطال، أو بضمّ الفاء وفتح العين كرطب وأرطاب.

قال الفيروزآبادي: «الذّعر _ بالضمّ _ : الخوف. وبالفتح: التخويف، كالإذعار. وبالتحريك: الدهش. وكصرد: الأمر المخوف».(4)

وفي كثير من النسخ: «الإدغال» وهو موافق لنسخ النهج.

قال الجوهري: «الدَغَل _ بالتحريك _ : الفساد. يقال: أدغل في الأمر: إذا اُدخل فيه ما يخالفه ويفسده. والدواغل: الدواهي».(5)

وفي بعض النسخ: «الأوغار».وقال الفيروزآبادي: «الوغر _ ويحرّك _ : الحقد، والضغن، والعداوة، والتوقّد من الغيظ. وقد وغر صدره، كوعد ووجل».(6)

ص: 237


1- . نهج البلاغة، ج 2، ص 199، الخطبة 216.
2- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 507.
3- . نهج البلاغة، ج 2، ص 199، الخطبة 216.
4- . القاموس المحيط، ج 2، ص 34 ذعر مع التلخيص.
5- . الصحاح، ج 4، ص 1697 دغل مع التلخيص.
6- . القاموس المحيط، ج 2، ص 155 وغر.

(وتركت معالم السّنن) أي طرقها ومصادرها ومظانّها.

(فعمل بالهوى) أي بمشتهيات النفس والرأي والقياس في أحكام الدِّين.

(وعطّلت الآثار) أي لم يتعهّد الآثار النبويّة.

والتعطيل: الإهمال. وتعطّل الرجل، أي بقي بلا عمل. والأثر _ محرّكة _ : بقيّة الشيء، والجمع: آثار. والآثار أيضا: الأعلام.

(وكثر علل النفوس).

في النهج: «كثرت».(1)

قيل: علل النفوس: أمراضها بملكات السوء، كالغلّ، والحسد، والعداوة، والعجب، والكبر، ونحوها. وقيل: عللها وجوه ارتكاباتها للمنكرات، فتأتي في كلّ منكر بوجه وعلّة

ورأي فاسد.(2)

(ولا يستوحش) على البناء للمفعول.

(لجسيم حدّ) أي حدّ عظيم من حدود اللّه .

(عطّل) أي أهمل ولم يراع.

قال الفيروزآبادي: «الوحشة: الهمّ، والخلوة، والخوف، واستوحش: وجد الوحشة».(3)

وفي بعض النسخ: «لجسيم حقّ». وفي النهج: «لعظيم حقّ».

(ولا لعظيم باطل اُثّل).

قيل: أي عظّم، أو جعل أصلاً يرجع إليه.

قال الجزري: «يُقال: مال مؤثّل، ومجدٌ مؤثّل، أي مجموع ذو أصل. وأثلّ الشيء: أصّله وزكّاه».(4)

وقال الفيروزآبادي: «أصّله: عظّمه».(5)

وقيل: إنّما خصّ الجسيم والعظيم بالذِّكر للمبالغة في فساد الدِّين، والإشعار بأنّ الحقيرأولى بما ذكر.(6)

ص: 238


1- . نهج البلاغة، ج 2، ص 199، الخطبة 216.
2- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 520.
3- . القاموس المحيط، ج 2، ص 292 وحش مع التلخيص.
4- . النهاية، ج 1، ص 23 أثل.
5- . القاموس المحيط، ج 3، ص 327 أثل.
6- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 507.

وفي نهج البلاغة: «ولا لعظيم باطل فُعل».(1)

(فهنالك تذلّ الأبرار).

الذلّة: الحقّ المعطّل الذي هم أهله وكان عزّهم بعزّه.

(وتعُزّ) بضمّ العين وكسرها.

(الأشرار)؛ لعزّة الباطل الذي هم عليه.

(وتخرب) بفتح الراء.

(البلاد)؛ لشيوع الفتن والجور فيها.

(وتعظيم تبعات اللّه _ عزّ وجلّ _ عند العباد).

قيل: هي المعاصي. وقيل: ما يتبع أعمال العباد من العقاب وسوء العاقبة.(2)

وقيل: التبعة كفرجة، والتباعة _ ككتابة _ اسم للشيء الذي لك بغيته، شبه ظلامة ونحوها.(3)

(فهلمّ أيّها الناس).

قيل: الفاء للتفريع، أي إذا عرفتم ما ذكر من فوائد أداء الحقوق ومفاسد تركها فهلمّ.(4)

قال الجوهري:

هلمّ يا رجل _ بفتح الميم _ بمعنى تعال. قال الخليل: أصله لم، من قولهم: لمَّ اللّه شعثه، أي جمعه، كأنّه أراد: لمّ نفسك إلينا، أي اقرب، وها للتنبيه، وإنّما حذفت ألفها لكثرة الاستعمال، وجعل اسما واحدا، يستوي فيه الواحد والجمع والتأنيث في لغة أهل الحجاز، قال اللّه تعالى: «وَالْقَائِلِينَ لاِءِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا»(5)، وأهل نجد يصرفونها فيقولون للاثنين: هلمّا، وللجمع: هلمّوا، وللنساء هلممن، والأوّل أفصح.(6)

(إلى التعاون على طاعة اللّه عزّ وجلّ).

لا ريب في أنّ الطاعة بأسرها مفتقرة إلى التعاون، سواء تعلّقت باُمور الدِّين والدّنيا واجبة

ص: 239


1- . نهج البلاغة، ج 2، ص 199، الخطبة 216.
2- . قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي، ج 26، ص 73، ذيل ح 25371.
3- . قاله الخليل في العين، ج 2، ص 78 تبع.
4- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 507.
5- . الأحزاب 33: 18.
6- . الصحاح، ج 5، ص 2060 هلم. وانظر أيضا: العين، ج 1، ص 244 (هلم).

كانت أو مندوبة مختصّة بكلّ أحد أو مشتركة، ومن ثمّ قيل: الإنسان مدنيّ بالطبع، يحتاج إلى التعاون في أمر المعاش والمعاد.

(والقيام بعدله).

لعلّ المراد بالعدل هنا رعاية قوانين الشرع مطلقا، كما ينبغي على جادّة الوسط بحيث لا إفراط فيها ولا تفريط، أو الإمام العدل؛ فإنّ أمر الاجتماع والتعاون إنّما يتحقّق بهما والقيام بحقّهما.

(والوفاء بعهده).

لعلّ المراد به الإيمان باللّه ورسوله، وبما جاء به، وبالولاية لوليّ الأمر، والقيام بما كلّف به.

قال الفيروزآبادي: «العهد: الوصيّة، والتقدّم إلى المرء في الشيء، والموثّق، واليمين، والحفاظ، ورعاية الحرمة، والأمان، والذمّة، والمعرفة».(1)

(والإنصاف له في جميع حقّه).

الإنصاف: العدل. والحقّ يعمّ التصديق والعمل على وجه لا جور فيه بقدر الوسع والطاقة.

ثمّ أشار عليه السلام إلى علّة الأمر بالتعاون بقوله: (فإنّه ليس العباد إلى شيء أحوج) أي أكثر حاجة (منهم).

(إلى التناصح) أي نصيحة بعضهم بعضا.

(في ذلك).

قيل: أي في التعاون.(2)

أقول: الظاهر أنّه إشارة إلى المذكور من الطاعة وما بعده.

والبارز في قوله: (وحسن التعاون عليه) راجع إليه، وعلى ما قيل(3) راجع إلى التناصح. وفيه حينئذٍ إيماء إلى أنّ التناسخ أيضا من طاعة اللّه التي يجب التعاون عليها.

ص: 240


1- . القاموس المحيط، ج 1، ص 320 عهد مع التلخيص.
2- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 507.
3- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 507.

(وليس أحد وإن اشتدّ على رضا اللّه ) أي على ما يوجب رضاه تعالى، واشتدّ كمده وجهده.

(وطال في العمل) الصالح (اجتهاده) أي بذل وسعه وطاقته.

(ببالغ حقيقة ما أعطى اللّه من الحقّ أهله) أي أعطاه اللّه أهله من الحقّ.

فكلمة «من» بيان للموصول، والضمير للحقّ. وقيل: أو للموصول.(1)

وقال بعض الأفاضل:

معنى «حقيقة ما أعطى اللّه » جزاء ما أعطى أهل الحقّ من الدِّين المبين وسائر ما هداهم اللّه إليه، بأن يكون المراد بالحقيقة الجزاء مجازا، أو يكون [في] الكلام تقدير مضاف، أي حقيقة جزاء ما أعطى اللّه ، أو يكون المراد بالبلوغ إليها كونه بإزائها ومكافأة لها.(2)

وقال بعض الشارحين في قوله:

«وليس أحد» إلى قوله: «من الحقّ أهله» إشارة إلى أنّ العبد وإن بذل جهده في طاعة اللّه تعالى وفي التعاون والتناصح فيهما لم يبلغ بعدما هو سبحانه أهله من الطاعة تحذيرا للسامعين من التقصير والمساهلة وبذل الجهد.

ثمّ قال:

لعلّ المراد به هو التنبيه على أنّ كلّ من صدر عنه الحقّ _ وإن اجتهد أن يبلغ حقيقته ويأتي به كما ينبغي _ لا يقدر عليه؛ لأنّ الإتيان به إنّما يتحقق بالإتيان به وبلوازمه وآثاره، ولا ريب في أنّ ذلك الحقّ الصادر منه نعمة وعطيّة من اللّه تعالى، ومن لوازمها الشكر، وهو نعمةٌ اُخرى، وهكذا إلى ما لا يحصى، وإذا لم يقدر على الإتيان بحقيقة حقّ واحد فكيف بالحقوق المتكثّرة جدّا؟! انتهى كلامه.(3)

وفي النهج: «ببالغ حقيقة ما اللّه أهله من الطاعة له».(4) وقيل: في بعض النسخ القديمة من الكتاب: «حقيقة ما الحقّ من اللّه أهله».(5)

(ولكن من واجب حقوق اللّه _ عزّ وجلّ _ على العباد النصيحة له). أي للّه ، أو للإمام، أو

ص: 241


1- . اُنظر: شرح المازندراني، ج 12، ص 508.
2- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 521.
3- . القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 508.
4- . نهج البلاغة، ج 2، ص 200، الخطبة 216.
5- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 521.

نصيحة بعضهم لبعض للّه تعالى بأن لا يكون النظر صلة للنصيحة. ويؤيّد الأخير ما وقع في النهج النصيحة.

(بمبلغ جهدهم) دون الصّلة.

قيل: في الإتيان ب «من» التبعيضيّة ولفظ الواجب إشارة إلى أنّ حقوقه تعالى غير منحصرة في الواجب وأنّ حقّه الواجب، غير منحصر في النصيحة.(1)

وقال صاحب النهاية:

النصيحة: الخلوص. يُقال: نصحته ونصحت له. ومعنى نصيحة اللّه صحّة الاعتقاد في وحدانيّته، وإخلاص النيّة في عبادته. والنصيحة لكتاب اللّه هو التصديق به، والعمل بما فيه. ونصيحة رسول اللّه صلى الله عليه و آله التصديق بنبوّته ورسالته، والانقياد لما أمر به ونهى عنه. ونصيحة الأئمّة أن يطيعهم في الحقّ. ونصيحة عامّة المسلمين إرشادهم إلى مصالحهم بمبلغ جهدهم، أي بغاية طاقتهم ونهاية سعيهم.(2)

(والتعاون على إقامة الحقّ فيهم).

في بعض نسخ الكتاب والنهج: «بينهم» بدل «فيهم».

ثمّ أراد عليه السلامأن يشير إلى أنّ أصناف الناس عموما يحتاجون إلى المتعاون، سواء في ذلك الوالي والرعيّة؛ فإنّه عليه السلام مع كمال منزلته وعلوّ درجته في أداء الحقوق يحتاج إلى إجراء الأحكام وإقامة الحدود وغيرها إلى إعانة الرعيّة، وكذا الرعيّة كانوا أقوياء أو ضعفاء يحتاج بعضهم إلى بعض في الامتثال بأداء الحقوق، فقال: (وليس امرؤ).

في بعض النسخ: «ثمّ» بدّل الواو.

(وإن عظمت في الحقّ منزلته) بسبب رعايته كما ينبغي.

(وجسمت) بضمّ السين، أي عظمت.

(في الحقّ فضيلته)؛ لإحاطة علمه بحقوق اللّه تعالى.

وحاصل الفقرتين أنّه وإن كان كاملاً في القوّة العمليّة والنظريّة (بمستغن على أن يعاون) _ في بعض النسخ: «عن» بدل «على». وفي بعضها: «يعان» بدون الواو و (على ما حمّله اللّه

ص: 242


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 508.
2- . النهاية، ج 5، ص 63 نصح مع التلخيص.

_ عزّ وجلّ _ من حقّه) الضمير المجرور للّه ، ووجه عدم استغنائه ظاهر _ أنّ إجراء حقوق اللّه _ عزّ وجلّ _ في الخلق لا يمكن بدون القدرة والغلبة عليهم، ولا يمكن الغلبة عليهم بدون

ناصر ومُعين بالضرورة.

وقوله: (ولا لإمرىٍٔ) عطف على قوله: «أمر» وكان اللاّم زائدة، ويؤيّده ما وقع في النهج: «ولا امرء» بدون اللاّم.

(مع ذلك) كأنّه إشارة إلى ما حمّله اللّه من حقّه.

وما قيل من أنّه إشارة إلى عدم الاستغناء عن الاستعانة،(1) ففيه: أنّ قوله فيما بعد «بدون ما أن يعين على ذلك ويعاون» يستلزم التكرار مع الاختلال بسلاسة النظم.

وقال بعض الأفاضل:

كان قوله: «ولا لإمرىٍٔمع ذلك» راجع إلى ما حمل اللّه على الوالي، أو إلى الوالي الذي اُشير إليه سابقا؛ أي لا يجوز، أو لابدّ لإمرء مع الوالي، أو مع كون واليه مكلّفا بالجهاد

وغيره من اُمور الدِّين، وإن كان ذلك المرء ضعيفا محقّرا بدون أن يعين على إقامة الدِّين ويعينه الناس أو الوالي عليه.(2)

هذا كلامه وهو كما ترى.

(خسأت به الاُمور).

الظاهر أنّ الجملة صفة لإمرئ، والضمير المجرور راجع إليه. يُقال: خسأت الكلب _ كمنعت _ خسأ، أي طردته، وأبعدته. وخسأ الكلب بنفسه، يتعدّى ولا يتعدّى. نصّ عليه الجوهري.(3)

وقيل: يُقال في المتعدّي: خَسَأ خَسْأً. وفي اللاّزم: خسأ خُسُوء.(4)

وقال الفيروزآبادي:

خسأ الكَلبَ _ كمنع _ خسأ وخسوء: طرده. والكلبُ: بَعُدَ. وخسئ البصر: كَلَّ.

ص: 243


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 508.
2- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 508.
3- . الصحاح، ج 1، ص 47 خسأ مع اختلاف في اللفظ.
4- . لم نعثر على قائله.

والخاسئ من الكلاب والخنازير: المبعد لا يترك أن يدنو من الناس. وتخاسئوا: تراموا بينهم بالحجارة.(1)

أقول: إن اُريد بالخسأ هنا البُعد فالباء للتعدية، أي طردته الاُمور وأعجزته عن نيل المقصود، أو أذلّته في أعين الناس. وإن اُريد به الإبعاد فالباء للتقوية.

وقيل: يحتمل كونها للسببيّة، أي بعدت بسببه الاُمور.(2)

وفي بعض النسخ: «حبست» أي منعت. وفي بعضها: «حسبت» وكأنّه تصحيف. ويحتمل كونه من الحُسب، أي بمعنى العذاب، فتأمّل.

وعلى أيّ تقدير فالمراد أنّه يكون بحيث لا يتمشّى أمر من اُموره، ولا ينتفع بالسعي في تحصيل أمر من الاُمور.

(واقتحمته العيون).

في بعض النسخ: «واقتحمت العيون».

قال الجوهري: «اقتحمته عيني: ازدرته».(3)

وقال: «ازدريته: حقّرته».(4)

والظاهر أنّ كلمة «ما» في قوله: (بدون ما أن يعين) زائدة.

(على ذلك) أي على أداء حقوق اللّه تعالى.

(ويعان).

في بعض النسخ: «ويعاون عليه»، أي على ما ذكر من أداء الحقوق؛ يعني أنّ المرء وإن اتّصف العجز والحقارة فليس يوجد بدون أن يعين هو غيره على طاعة اللّه وأداء حقّه، ولو بأخذ الصدقات من ذلك الغير والحقوق الماليّة ونحوها، وأن يعان عليه ولو بإعطاء ما يسدّ خلّته ويدفع ضرورته وحاجته.

وحاصل الفقرتين: أنّ الشريف والوضيع جميعا محتاجون في أداء الحقوق إلى إعانة بعضهم بعضا، واستعانة بعضهم ببعض.

ص: 244


1- . القاموس المحيط، ج 1، ص 13 خسأ مع التلخيص واختلاف يسير في اللفظ.
2- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 522 مع اختلاف في اللفظ.
3- . الصحاح، ج 5، ص 2006 قحم.
4- . الصحاح، ج 6، ص 2368 زرى.

وفي نهج البلاغة: «وليس امرئ وإن عظمت في الحقّ منزلته، وتقدّمت في الدِّين فضيلته، بفوق أن يعان على ما حمّله اللّه من حقّه، ولا امرىٍٔوإن صغّرته النفوس واقتحمته العيون بدون أن يعين على ذلك، أو يُعان عليه» انتهى.(1)

ثمّ إنّه عليه السلام أشار إلى كلّ من كانت النعمة عليه أعظم فاحتياجه في ذلك أكثر؛ لأنّ الحقوق عليه أوفر؛ لازدياد الحقوق بحسب ازدياد النِّعم، فقال: (وأهل الفضيلة في الحال وأهل النِّعم العظام أكثر في ذلك) أي في الاحتياج إلى الإعانة والاستعانة في أداء الحقوق.

وفي بعض النسخ من ذلك فلعلّ كلمة من للصلة أو للتفضيل.

و«ذلك» إشارة إلى أهل الحقارة.

وقوله: (حاجة) نصب على التميز عن النسبة في أكثر.

وقيل: المراد بأهل الفضيلة الأئمّة والولاة والاُمراء والعلماء، وكذا أهل النعم العظام؛ فإنّهم لكونهم مكلّفين بعظائم الاُمور كالجهاد في سبيل اللّه وإقامة الحدود والشرائع والأحكام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهم إلى إعانة الخلق أحوج.(2)

وقيل: لعلّ المراد بأهل الفضيلة العلماء المروّجون للحقّ؛ فإنّهم يحتاجون فيما حمّل عليهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى أعوان، ولا أقلّ إلى من يؤمر وينهى. والمراد بأهل النعم العظام أصحاب النعم والأموال والأحوال من الأغنياء والأقوياء؛ لأنّ ما حمّل عليهم من الحقوق أكثر كأداء الخمس والزكاة، فهم يحتاجون إلى الفقير القابل لها،وإلى الشهود، وإلى غير ذلك،(3) انتهى.

وما قلناه أوّلاً من أنّ المراد بهم أهل الشرف مطلقا أظهر.

وبالجملة: الناس أصناف ثلاثة: إمّا وال، أو رعيّة، والرعيّة فيهم أقوياء وضعفاء، والكلّ يحتاج إلى إقامة حقّه تعالى وفي الامتثال به إلى الإعانة والاستعانة، وإن كانت مراتب الاحتياج متفاوتة.

(وكلّ) من الأصناف (في الحاجة إلى اللّه _ عزّ وجلّ _ شرعٌ سواء).

يُقال: الناس في هذا شرع _ بالتحريك، والتسكين _ أي سواء، فوصفه به للبيان والتأكيد.

ص: 245


1- . نهج البلاغة، ج 2، ص 200، الخطبة 216.
2- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 522.
3- . القائل أيضا هو العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 523.

وقال الجوهري: «يستوي فيه الواحد والمؤنّث والجمع».(1)

والسّواء: العدل، والمستوي. وإنّما ذكر عليه السلامذلك لئلاّ يتوهّم يستغنون بإعانة بعضهم بعضا عن ربّهم، بل هو الموفّق والمُعين لهم في جميع اُمورهم، ولا يستغنون بشيء عنه سبحانه، وإنّما كلّفهم بذلك ليختبر طاعتهم ويُثيبهم على ذلك، ولأنّ حكمته البالغة اقتضت أن يجري الأشياء بأسبابها، وهو المسبّب لها والقادر على إمضائها بلا سبب.

(فأجابه رجلٌ من عسكره) لعلّه الخضر عليه السلام.

ويظهر من الروايات(2) أنّه قد جاء في مواطن كثيرة، وكلّمه عليه السلام لإتمام الحجّة على الحاضرين، وقد أتى بعد وفاته عليه السلام وقام على باب داره فبكى وأبكى، وخاطبه عليه السلام بأمثال تلك الكلمات، ثمّ خرج وغاب عن الناس.

وقوله: (بما أبلاهم) أي أنعمهم وأحسن إليهم، أو اختبرهم بالتكليف.

(وأعطاهم من واجب حقّه) أي حقّ أمير المؤمنين عليه السلام، أو حقّ اللّه عزّ وجلّ، والأوّل أظهر.

والظاهر أنّ قوله: (والإقرار) عطف على الثناء، وأنّ قوله: (بما ذكر) على البناء للفاعل، أي أقرّ إقرارا حسنا بأشياء ذكرها ذلك الرجل، وأجمل عليه السلام ذكرها، ولم يذكرها مفصّلاً اختصارا أو تقيّةً.

ويحتمل عطف على واجب حقّه، وقراءة «ذكر» على البناء للمفعول.

والضمير المفرد في قوله: (من تصرّف الحالات به وبهم) عائد إلى أمير المؤمنين عليه السلام، وضمير الجمع إلى أصحابه وعساكره.

ويحتمل بعيدا عود الضمير المفرد إلى ذلك الرجل. وكأنّ المراد بتصرّف الحالات تغييرها من استيلاء أئمّة الجور عليه عليه السلام ومظلوميّته، وتغيير أحوال رعيّته من تقصيرهم في حقّه وطاعته، أو ما وقعت فيهم من التنازع والتخالف والتحكيم، وبناء هذا التوجيه على قراءة «ذكر» على صيغة المعلوم، ولو قرئ على صيغة المجهول فالمراد بتلك الحالات ما ذكره عليه السلام من حالات الولاة والرعيّة.

وقوله: (بك أخرجنا اللّه من الذلّ) أي من مذلّة الجهل والكفر إلى عزّة العلم والإيمان.

ص: 246


1- . الصحاح، ج 3، ص 1236 شرع.
2- . اُنظر: الكافي، ج 1، ص 525 و 526؛ الاحتجاج، ج 1، ص 266 و 267؛ الأمالي للطوسي، ص 51، ح 67.

وقوله: (من الغلّ) إمّا بالضمّ، وهو الحديدة التي تجمع يد الأسير في عنقه، أو بالكسر وهو الغش والحقد، فلو اُريد الأوّل _ كما هو الظاهر _ فالمراد أغلال الكفر والشرك والمعاصي، أو يكون إشارة إلى قوله تعالى: «وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ»(1) أي يخفّف عنهم ما كلّفوا به من التكاليف الشاقّة.

(فاختر علينا) ما شئت (فامض اختيارك) أي أنفذه علينا وأجره فلك الإمضاء وعلينا التسليم.

(وائتمر فأمض ائتمارك).

الائتمار: المشاورة، وقبول الأمر، فمعناه على الأوّل: شاور نفسك أو مَن شئت في أمرنا، فأمض ما اخترت في مشورتك علينا لما فيه مصلحة ديننا ودُنيانا. وعلى الثاني قيل: معناه:افعل ما أمرك اللّه به فأمضه علينا.(2)

(فإنّك القائل).

في بعض النسخ: «العامل».

(المصدّق) بفتح الدال.

(والحاكم الموفّق) بفتح الفاء، أي وفّقك اللّه للإصابة في الحكم، أو لجميع الخيرات.

(والمِلك) بكسر اللاّم.

(المخوّل) بفتح الواو.

ويقال: خوّله اللّه المال، أي ملّكه وأعطاه إيّاه مفضّلاً، يعني أنّك المملّك والمنعم عليه الذي أعطاك اللّه رئاسة الدارين والإمرة علينا، وجعلنا مواليك وشيعتك.

وفي بعض النسخ: «المحوّل» بالحاء المهملة، وكأنّه على صيغة اسم المفعول [من] الحول بمعنى القوّة، أو بمعنى الحذق وجودة النظر. ويحتمل كونه اسم الفاعل من التحويل بمعنى المتصرّف في الاُمور كيف شاء، أو بمعنى التحوّل وهو الحذق والمهارة.

(لا نستحلّ في شيء من(3) معصيتك).

قال الجوهري: «استحلّ الشيء، أي عدّه حلالاً».(4) وتعديته ب «في» لتضمين مثل معنى الدخول.

ص: 247


1- . الأعراف 7: 157.
2- . اُنظر: مرآة العقول، ج 26، ص 524.
3- . في المتن الذي ضبطه الشارح رحمه الله سابقا: - «من».
4- . الصحاح، ج 4، ص 1675 حلل.

وقيل: يحتمل أن يكون «منتحلّ» من الحلول وهو النزول، وهذا أنسب بلفظة «في»(1) انتهى، فتأمّل.

وفي بعض النسخ: «ولا نستحيل». قال الفيروزآبادي: «كلّ ما تحوّل أو تغيّر من الاستواء إلى العوج فقد حال واستحال».(2)

وفي بعض النسخ: «لا نستحلّ في شيء معصيتك».

والظاهر أنّ قوله: (يعظم عندنا) على صيغة المجرّد.

(في ذلك) أي في العلم. وكلمة «في» تعليليّة.

وقيل: يحتمل أن تكون إشارة إلى ما دلّ عليه الكلام من إطاعته عليه السلام.(3)

(خطرك).

قال الفيروزآبادي: «بالفتح _ : الشرف، ويحرّك وبالتحريك: قدر الرجل».(4)

(ويجلّ عنه في أنفسنا فضلك).

قال الجوهري: «جلّ فلان يجلّ _ بالكسر _ جلالة، أي عظم قدره، فهو جليل».(5)

وكلمة «عن» للتعليل، كما قيل(6) في قوله عزّ وجلّ: «وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لاَِبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ»(7)، ويحتمل إرجاع ضمير «عنه» إلى العلم، أو إلى الخطر؛ أي يعظم بسبب ذلك العلم الخطر في أنفسنا فضلك أو كمالك أو شرفك على جميع الخلق، ولا يبعد إرجاعه إلى القياس بمعنى أنّ فضلك أجلّ في أنفسنا من أن يُقاس بفضل أحدٍ من قولهم: جلّ عن كذا:إذا لم يتّصف به.

(فأجابه أمير المؤمنين عليه السلام) زجرا له عن مدحه وتنفيرا للممدوح عن حبّ المدح والسرور به ودخول العُجب والفخر في قلبه.

(إنّ من حقّ من عظم) من المجرّد ككرم، أو من المزيد.

ص: 248


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 509.
2- . القاموس المحيط، ج 3، ص 363 حلل.
3- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 524.
4- . القاموس المحيط، ج 2، ص 22 خطر مع التلخيص.
5- . الصحاح، ج 4، ص 1660 جلل.
6- . نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 509 بعنوان «قيل».
7- . التوبة 9: 114.

وقوله: (جلال اللّه ) منصوب على الثاني، ومرفوع على الأوّل.

وقوله: (في نفسه) متعلّق بالعظم، أو التعظيم.

(وجلّ موضعه) أي موضع اللّه ومنزلته، أو موضع جلاله.

(من قلبه) أي في قلبه.

(أن يصغر) من الصغر، وكونه من التصغير محتملٌ بعيد (عنده).

(لعظم ذلك) الجلال (كلّ ما سواه)؛ يعني أنّ ممّا يليق أو يجب على من عظّم جلال اللّه وعظمته في نفسه وجعل موضعه في قلبه أن يصغر عنده كلّ ما سوى اللّه تعالى؛ لما ظهر له من عظم جلال اللّه _ عزّ وجلّ _ ؛ إذ يرى حينئذٍ كلّ ما سواه محتاجا إليه تعالى خاضعا بين يديه، وعظمة كلّ شيء مضمحلّة في جنب عظمته.

(وإنّ من أحقّ من كان كذلك) أي يصغر عنده لعظيم جلال اللّه كلّ ما سواه.

(لمن عظمت).

كلمة «من» للموصول، أي للذي عظمت.

(نعم اللّه ).

في بعض النسخ: «نعمة اللّه ».

(عليه) دينيّة كانت أو دنيويّة.

ولعلّ قوله: (ولطف إحسانه) أي برّه (إليه) على صيغة المصدر معطوف على قوله: «نِعم اللّه ». ويحتمل كونه على صيغة الفعل عطفا على عظمت.

قال الفيروزآبادي: «لطف _ كنصر _ لطفا بالضمّ، أي رأف،(1) ودنا. واللّه لك: أوصل إليك مرادك بلطف. وككرم لطفا ولطافة: صغر ودقّ».(2)

وقال بعض الأفاضل:

إنّ أحقّ من كان كذلك أئمّة الحقّ؛ لعظم نعم اللّه عليهم وكمال معرفتهم بجلال ربّهم، فحقّ اللّه تعالى عليهم أعظم منه على غيرهم، فينبغي أن يصغر عندهم أنفسهم فلا يحبّوا الفخر والإطراء في المدح، أو يجب أن يضمحلّ في

ص: 249


1- . في المصدر: «رفق».
2- . القاموس المحيط، ج 3، ص 195 لطف.

جنب جلال اللّه عندهم غيره تعالى، فلا يكون غيره منظورا لهم في أعمالهم ليطلبوا رضى الناس ومدحهم.(1)

(فإنّه لم تعظم نِعَم اللّه ).

في بعض النسخ: «نعمة اللّه ».

(على أحد إلاّ زاد حقّ اللّه عليه عظما)، ومن أعظم أفراد حقّه حصر العظمة عليه، ومشاهدة كلّ ما سواه صغيرا لديه.

قال الفيروزآبادي: «العِظم _ بكسر العين _ : خلاف الصغر. عظم _ كصغر _ عظما وعظامة. واستعظمه: رآه عظيما، كأعظمه، وأخذ معظمه. والاسم: العظم، بالضمّ».(2)

(وإنّ من أسخفّ حالات الولاة) أي أردأها وأقبحها.

في القاموس: «السخف _ بالضم والفتح _ : رقّة العيش. وكقرصة وسحابة: رقّة العقل وغيره. سَخُفَ ككرم، أو السخف في العقل والسخافة في كلّ شيء».(3)

وفي كثير من النسخ: «من استخفّ» وكأنّه تصحيف، ونسخة الأصل موافق للنهج.(4)

(عند صالح الناس أن يظنّ) على صيغة المجهول.

(بهم) أي بالولاة.

(حبّ الفخر) بسكون الخاء، ويحرّك، أي التمدّح بالخصال.

(ويوضع) عطف على «يظنّ».

(أمرهم على الكبر).

والحاصل أنّ أسوء أحوال الولاة عند الرعيّة أن يكونوا متّهمين عندهم بهذه الخصلة المذمومة؛ لأنّها مع إيجاب الشركة مع الواجب تعالى يوجب البُعد والتنفير وفشوّ الجور وعدم تمشّي الاُمور والأحكام على قانون الشرع.

وقيل: إنّما قال عند صالح الناس؛ إذ لا اعتداد بظنّ فاسقهم وطالحهم، وفيه تنبيه

ص: 250


1- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 525.
2- . القاموس المحيط، ج 4، ص 152 عظم مع التلخيص.
3- . القاموس المحيط، ج 3، ص 151 سخف مع التلخيص.
4- . نهج البلاغة، ج 2، ص 200، الخطبة 216.

على أكثر الملوك؛ إذ هم على هذا السلوك فليدرؤا عن أنفسهم الموت وسائر النوائب إن كانوا صادقين.(1)

(وقد كرهت أن يكون جال) كقال من الجَوَلان، أي دار وطاف. ويحتمل أن يكون كسال.

قال الفيروزآبادي: «جأل _ كمنع _ : ذهب وجاء».(2)

وفي بعض النسخ: «ذا» بدل «جال».

(في ظنّكم أنّي اُحبّ الإطراء واستماع الثناء). في القاموس: «أطراه: أحسن الثناء عليه».(3)

وفي النهاية: «الإطراء: مجاوزة الحدّ في المدح والكذب فيه».(4)

(ولستُ بحمد اللّه كذلك)؛ إذ لم يكن في قلبه المطهّر سوى اللّه سبحانه، ومن كان كذلك فكيف يتصوّر فيه محبّة الإطراء واستماع الثناء، ووضع أمره على الكبر مع علمه بأنّ شيئا من ذلك لا يليق إلاّ بجناب الحقّ الذي ليس فيه شائبة الشركة؟!

(ولو كنت اُحبّ أن يُقال ذلك)؛ يعني على تقدير أن أكون محبّا لأن يُقال ذلك فيَّ؛ لما فيه من اللذّة الوهميّة المعتبرة عند الجهّال.

(لتركته) أي استماع الثناء والإطراء.

(انحطاطا): وتواضعا وتصاغرا (للّه سبحانه عن تناول ما هو أحقّ به).

وقوله: (من العظمة والكبرياء) بيان للموصول.

وفيه تنبيه على أنّ حبّ استماع الإطراء يستلزم التكبّر والتعظّم، وهما في حدّ الشرك باللّه .

وفي بعض النسخ العتيقة: «ولو كنت اُحبّ أن يُقال ذلك لتناهيت له، أغنانا اللّه وإيّاكم عن تناول ما هو أحقّ به من التعاظم وحسن الثناء».

(وربّما استحلى الناس الثناء) أي وجدوه أو جعلوه حلوا.

ويحتمل أن يكون الثناء فاعل «استحلى» و«الناس» مفعوله. قال في تاج اللّغة: «الاستحلاء: شيرين آمدن».

ص: 251


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 510 مع اختلاف في اللفظ.
2- . القاموس المحيط، ج 3، ص 344 جأل.
3- . القاموس المحيط، ج 4، ص 356 طرو.
4- . النهاية، ج 3، ص 123 طرى.

(بعد البلاء) أي الفعل الحسن الجميل.

وأصل البلاء: الامتحان، والاختيار. قال ابن ميثم:

هذا يجري مجرى تمهيد العذر لمن أثنى عليه، فكأنّه يقول: وأنت معذور في ذلك حيث رأيتني اُجاهد في اللّه وأحثّ الناس على ذلك، ومن عادة الناس أن يستحلّوا الثناء عند أن يبلوا بلاءً حسنا في جهادٍ أو غيره من سائر الطاعات.

ثمّ أجاب عن هذا العذر في نفسه بقوله: (فلا تثنوا عليَّ بجميل ثناء) أي لا تثنوا عليَّ لأجل ما ترونه منّي من طاعة اللّه ؛ فإنّ ذلك إنّما هو (لإخراجي نفسي إلى اللّه ) أي إخراجٌ لنفسي إليه تعالى من حقوقه الباقية عليّ.

(لم أفرغ) بعد (من أدائها) وهي حقوق نعمه وفرائضه التي لابدّ من المضيّ فيها.

وكذلك إليكم من الحقوق التي أوجب اللّه عليّ من النصيحة في الدِّين والإرشاد إلى الطريق الأفضل والتعليم لكيفيّة سلوكه.

وفي خطّ الرضيّ رحمه الله: «من التقيّة» بالتاء، والمعنى: فإنّ الذي أفعله من طاعة اللّه إنّما هو إخراجٌ لنفسي إلى اللّه وإليكم من تقيّة الخلق فيما يجب عليَّ من الحقوق، إذ كان عليه السلامإنّما يعبد اللّه للّه غير ملتفت في شيء من عبادته وأداء واجب حقّه إلى أحدٍ سواه خوفا منه أو رغبةً إليه، وكأنّه قال: لم أفعل شيئا إلاّ وهو ذا حقّ واجب عليَّ. فإذا كان كذلك، فكيف أستحقّ أن يُثنى عليَّ لأجل إتيان الواجب بثناء جميل واُقابل بهذا التعظيم؟! وهذا من باب التواضع منه وتعليم كيفيّته و كسر للنفس عن محبّة الباطل والميل إليه، انتهى.(1)

وقال ابن أبي الحديد:

معنى قوله عليه السلام: «لإخراجي نفسي إلى اللّه وإليكم» أي لاعترافي بين يدي اللّه وبمحضر منكم أنّ عليَّ حقوقا في إيالتكم ورياستي عليكم لم أقِم بها بعدُ، وأرجو من اللّه القيام بها، انتهى.(2)

وقال بعض الأفاضل بعد نقل كلام ابن أبي الحديد:

كأنّه جعل قوله: «لإخراجي» تعليلاً لترك الثناء، لا مثنيّا عليه. ولا يخفى بُعده _ ثمّ قال: _ اعلم أنّه يحتمل أن يكون المراد بالبقيّة الإبقاء والترحّم كما قال [اللّه ] تعالى:

ص: 252


1- . شرح نهج البلاغة لابن ميثم، ج 4، ص 46 و 47، ذيل الخطبة 207.
2- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 11، ص 107، ذيل الخطبة 210.

«أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنْ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ»(1) أي إخراجي نفسي من أن أبقى وأترحّم مداهنة (في حقوق لم أفرغ من أدائها).(2)

قال الفيروزآبادي: ««أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ» أي إبقاء أو فهم. وأبقيت ما بيننا: لم أبالغ في إفساده. والاسم: «البقيّة».(3)

(فلا تكلّموني بما تكلّم به) على البناء للمفعول من باب التفعيل.

(الجبابرة) جمع جبّار، وهو المتكبّر الذي لا يرى لأحدٍ عليه حقّا، وكلّ عاتٍ، والقتال في غير حقّ.

أي لا تثنوا عليَّ كما تثني على أهل الجبروت من الملوك خوفا من سطوتهم.

(ولا تتحفّظوا منّي بما يتحفّظ به عند أهل البادرة).

التحفّظ: الاحتراز، والاحتياط.

والبادرة: ما يبدو من الحدّة في الغضب من قولٍ أو فعلٍ. يُقال: أخشى بادرته وبدر منه بوادر، أي غضب.

ولعلّ المراد: ولا تحتشموا منّي كما تحتشم من السلاطين والاُمراء من أهل الجور، كترك المسارّة والحديث إجلالاً وخوفا، وترك مشاورتهم، أو إعلامهم ببعض الاُمور، وعرض الأحوال عليهم، وترك الانبساط معهم، والقيام بين أيديهم، إلى غير ذلك.

قيل: إنّما نهى عنه؛ لأنّه يوجب عُجب النفس وكبرها، ولأنّه يفوت به كثير من المصالح الدينيّة والدنيويّة.(4)

(ولا تخالطوني بالمصانعة).

في القاموس: «المصانعة: الرشوة، والمداراة، والمداهنة».(5)

ولعلّ المراد: لا تداهنوني بالمدح والإطراء وأمثالهما كما يداهن به كثيرٌ من الاُمراء والولاة الذين يستفزّهم المدح ويستخفّهم الإطراء، فيغمضون عن كثيرٍ من الحقوق مكافأة للمادح لما صنع من التزكية وإن كان نفاقا.

ص: 253


1- . هود 11: 116.
2- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 527.
3- . القاموس المحيط، ج 4، ص 304 بقي مع اختلاف في اللفظ.
4- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 511 مع اختلاف في اللفظ.
5- . القاموس المحيط، ج 3، ص 53 صنع.

(ولا تظنّوا بي استثقالاً في حقٍّ قيل لي).

يُقال: استثقله، أي عدّه ثقيلاً. وجملة «قيل لي» صفة حقّ، أي لا تظنّوا بي أنّي أعدّ ثقيلاً ما قيل لي، أو ألتمس منّي في أمر حقّ من فعلٍ أو قول أو غيرهما، وإنّما نهى عنه لأنّ طبعه عليه السلام كان مجبولاً على سماع الحقّ وقبوله وإن كان مرّا.

(ولا التماس إعظام لنفسي).

يُقال: أعظمه إعظاما، أي فخّمه وكبّره، كعظّمه تعظيما؛ أي لا تظنّوا بي ذلك لأنّي لا ألتمسه ولا أطلبه؛ لأنّ أهل العظام هو اللّه _ عزّ وجلّ _ وأنا لا اُنازعه في كبريائه، ولا أشرك نفسي معه أبدا.

ثمّ علّل عليه السلام النهي عن هذا الظنّ بقوله: (فإنّه من استثقل الحقّ أن يُقال له، أو العدل أن يعرض عليه، كان العمل بهما) أي بالحقّ والعدل (أثقل عليه) ممّن لا يستثقله.

قيل: هذا بمنزلة قياس استثنائي يستثنى منه نقيض التالي لينتج نقيض المقدّم وهو المطلوب، تقريره: كلّ من استثقل أن يُقال له الحقّ، أو يعرض عليه العدل، كان العمل بهما أثقل عليه بالضرورة، ولكن العمل بهما ليس بثقيل عليَّ، فينتجّ أنّ كلاًّ من قول الحقّ لي وعرض العدل عليَّ ليس بثقيل.

ثمّ فرّع على قوله: «لا تظنّوا» قوله: (فلا تكفّوا) عندي (عن مقالة بحقّ، أو مشورة بعدل)؛ فإنّ في الكفّ عنهما مفاسد لا تُحصى.(1)

(فإنّي لستُ في نفسي بفوق أن اُخطى ء).

الباء زائدة، و«فوق» مضاف إلى قوله «أن أخطئ» أي لست عند نفسي في مرتبة فوق مرتبة الخطأ بأن أعتقد استحالة صدور الخطأ منّي.

(ولا آمن ذلك) أي صدور الخطأ (من فعلي).

هذا الكلام من قبيل التواضع وهضم النفس الباعث لهم على الانبساط معه عليه السلام بقول الحقّ، وعدم الاحتشام منه في ذلك، وليس اعترافا بعدم العصمة، بل عدّ نفسه من المقصّرين في مقام العبوديّة والإقرار بأنّ عصمته من نعمه تعالى، كما أشار إليه بقوله: (إلاّ أن

ص: 254


1- . القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 511.

يكفي اللّه من نفسي) أي يعصمني ويدفع عنّي.

(ما هو أملك به منّي) أي أقدر على دفعه.

والموصول عبارة عن خطيئات النفس وشرورها، وهذا نظير قول يوسف عليه السلام: «إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي»(1)، وفيه إشارة إلى إسناد عصمته إلى اللّه تعالى.

وفي النهج: «إلاّ أن يكفي اللّه »(2) إلى آخره، وهو أظهر. يُقال: كفاه مؤونته.

ثمّ أشار عليه السلام إلى سبب كونه تعالى أملك وأقدر بقوله: (فإنّما أنا وأنتم) إلى قوله: (بعد العمى).

وفيه ترغيب للتمسّك بذيل ربوبيّته للارتقاء من حضيص النقص إلى أوج الكمال.

وقوله عليه السلام: (وأخرجنا) أي بإرسال الرسل وإنزال الكتب (ممّا كنّا فيه) من الجهالة وعدم العلم والمعرفة (إلى ما صَلحنا عليه) بسكون الحاء.

والصلاح: ضدّ الفساد. صلح كمنع وكرم، وتعديته ب «على» بتضمين مثل معنى الورود. والموصول عبارة عن شرف الكمال والعلم والإيمان والهداية.

(فأبدلنا بعد الضلالة) عن طريق الهدى وسبيل الحقّ (بالهدى) إليه (وأعطانا البصيرة) القلبيّة التي بها يدرك الحقّ وتميّز بينه وبين الباطل (بعد العمى) أي عمى القلب عن إدراك الحقّ؛ إذ الجهالة والضلالة كانت فاشية في أهل الأرض قبل بعثة نبيّنا صلى الله عليه و آله، وفيه حثّ على أداء شكر تلك النعمة العظيمة.

قال ابن أبي الحديد:

[ليس] هذا إشارة إلى خاصّ نفسه عليه السلام؛ لأنّه لم يكن كافرا فأسلم، ولكنّه كلام يقوله ويشير به إلى القوم الذين يخاطبهم من أفناء الناس، فيأتي بصيغة الجمع الداخلة فيها نفسه توسّعا، ويجوز أن يكون معناه: لولا ألطاف اللّه تعالى ببعثة محمّد صلى الله عليه و آله لكنت أنا وغيري على مذهب الأسلاف، انتهى.(3)

(فأجابه الرجل الذي أحابه من قبل) تصديقا لما قال عليه السلام، وإبداءً بأنّ ثناءنا عليك لما أوجب اللّه تعالى علينا من توقيرك وتعظيمك وأداءً لشكر نعمه الجليلة التي هي أنّه جعلك إمامنا

ص: 255


1- . يوسف 12: 53.
2- . نهج البلاغة، ج 2، ص 202، الخطبة 216.
3- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 11، ص 108.

وهادينا ومالك سياسة اُمورنا.

(فقال: أنت أهل ما قلت) بصيغة الخطاب (واللّه ).

والموصول عبارة عن قوله عليه السلامسابقا من أنّه لا يحبّ الفخر والكبر لنفسه تعظيما لربّه، ولا يثقل قول الحقّ وعرض العدل عليه، إلى آخر ما قاله عليه السلام.

(واللّه أهل فوق ما قلته)؛ لأنّ صفاتك الجميلة وكمالاتك الجزيلة لا تبلغها الأوهام ولا تحيط بها الأفهام.

وفي بعض النسخ: «أنت أهل ما قلت واللّه فوق ما قلته».

(فبلاؤه) أي نعمه وإحسانه تعالى وحسن صنيعه.

(عندنا) بسبب وجودك وبسبب جودك.

(ما لا يكفر) بالياء على البناء للمفعول.

وفي بعض النسخ بالنون. قال الفيروزآبادي: «كفر نعمة اللّه وبها كفورا وكفرانا: جحدها، وسترها»(1) أي نعمته تعالى عندنا وافرة بحيث لا نستطيع جحدها وسترها، ولا يجوز كفرانها وترك شكرها.

(وقد حمّلك اللّه _ تبارك وتعالى _ رعايتنا).

حمّلته الرسالة تحميلاً: إذا كلّفته حملها.

وراعيته، أي لاحظته محسنا إليه. ورعيته رعاية _ بالكسر _ أي حفظته. ورعى الأمير رعيّته رعاية _ بالكسر _ أيضا: إذا حفظهم من الوقوع في الضلالة والمهلكة. والراعي: كلّ من ولّى أمر قوم وحفظهم عمّا يضرّهم أو يهلكهم.

(وولاّك) أي جعلك واليا.

(سياسة اُمورنا).

في القاموس: «سُسْتُ الرعيّة سياسة: أمرتها ونهيتها»(2) انتهى. وقيل: أصل السياسة الحفظ.

(فأصبحت علمنا الذي نهتدي به).

العلم _ بالتحريك _ : العلامة المنصوبة في الطريق ليُهتدى بها.

ص: 256


1- . القاموس المحيط، ج 2، ص 128 كفر.
2- . القاموس المحيط، ج 2، ص 222 سوس.

(وأمرك كلّه رشد) أي هداية إلى سبيل الخير، وإرشادٌ لنا إلى مصالحنا.

في القاموس: «رشد _ كنصر وفرح _ رَشَدا ورُشْدا ورَشادا: اهتدى».(1)

(وقولك كلّه أدب).

الأدب _ محرّكة _ : حسن التناول، والكياسة. وأدّبه: علّمه؛ يعني أنّ قولك كلّه جارٍ على وفق الآداب الشرعيّة والنواميس الإلهيّة، أو سبب لأدب النفس وتأدّبها بالآداب المستحسنة عقلاً وشرعا.

(قد قرّت بك [في] الحياة أعيننا).

يحتمل أن يكون «قرّت» قرور العين وهو سرورها. يُقال: قرّت عينه تقرّ _ بكسر القاف وفتحها _ قرّا وقرّة، وهو نقيض: سخنت عينه. وإن يكون من القرار. يُقال: قرّ بالمكان يقرّ بالفتح والكسر _ قرارا: إذا ثبت وسكن. وأقرَّ اللّه عينه: أعطاه متمنّاه حتّى تقرّ عينه، فلا تطمح إلى من هو فوقه، أي استقرّت بوجودك وبالاقتداء بك أعيننا، فلا تطمح إلى غيرك، ولا تنظر إلى الجوانب طلبا للمغيث والمنعين؛ لعدم الحاجة إليه.

(وتحيّرت من صفة ما فيك) أي من وصفه.

وقوله: (من بارع الفضل) بيان للموصول.

وقوله: (عقولنا) فاعل «تحيّرت».

واُريد بالفضل البارع الفضل الفائق على فضل الخلائق، أو الغالب على العقول لعجزها عن إدراكه الموجب لتحيّرها.

قال الجوهري: «بَرَع الرجل وبَرُعَ _ أيضا بالضمّ _ براعة، أي فاق أصحابه في العلم وغيره، فهو بارع».(2)

وقال الفيروزآبادي: «برع _ ويثلّث _ براعة وبروعا: فاق أصحابه في العلم وغيره، أو تمّ في كلّ فضيلة وجمال، فهو بارع، وهي بارعة. وبرع صاحبه: غلبه».(3)

(ولسنا نقول لك) ما قلنا من المدح والثناء.

(أيّها الإمام الصالح تزكيةً لك)؛ لعدم شائبة نقص فيك حتّى تحتاج إلى التزكية.

ص: 257


1- . القاموس المحيط، ج 1، ص 294 رشد.
2- . الصحاح، ج 3، ص 1184 برع.
3- . القاموس المحيط، ج 3، ص 4 برع.

قال الجوهري: «زكّى نفسه تزكيه: مدحها. وقوله تعالى: «وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا»(1) قالوا: تطهّرهم بها».(2)

(ولا نجاوز القصد في الثناء عليك).

في القاموس: «القصد: استقامة الطريق، وضدّ الإفراط، كالاقتصاد»(3) أي لا نجاوز في مدحك طريق الاقتصاد كما يجاوزه الغلاة، فتمنعنا منه.

(ولم يكنّ في أنفسنا طعن على يقينك) إلى قوله: (أو دخلك كِبر).

يحتمل قراءة «يكُنّ» على بناء المجهول من كننت الشيء: إذا سترته، ومعناه: لا يخطر ببالنا أبدا أنّ في يقينك ضعفا، وفي دينك غشّا ونفاقا، فنخاف بما قلنا فيك من المدح والثناء أن يدخل في قلبك تجبّر وتكبّر، كما يدخلان بهما في قلب ضعيف اليقين ناقص الدِّين.

ويحتمل قراءته بفتح الياء وكسر الكاف من الوكن. قال الفيروزآبادي: «وكن الطائر بيضه [وعليه] يكَنَهُ: حضنه. وتوكّن: تمكّن. والوكن: عشّ الطائر، والسير الشديد، والجلوس»(4) انتهى.

وفي بعض النسخ: «لم يكن» وفي بعضها: «لن يكون».

ثمّ أشار إلى أنّ ثمرة ذلك القول ليست راجعة إليك حيث إنّه لا يوجب رفعا لدرجتك، بل هي راجعة إلينا؛ لأنّه يوجب قربنا إلى اللّه وتوسّعنا في الثواب وأداء شكره تعالى بإعظام أمرك بقوله: (ولكنّا نقول لك ما قلنا) من المدح والثناء (تقرّبا إلى اللّه _ عزّ وجلّ _ بتوقيرك) أي تعظيمك وتبجيلك وترزينك، حيث إنّه من أعظم القربات.

(وتوسّعا) في الفضل والثواب.

(بتفضيلك) أي بإقرارنا بفضلك على جميع الاُمّة.

(وشكرا) للّه عزّ وجلّ (بإعظام أمرك)؛ فإنّه نعمة جليلة من اللّه تعالى علينا بها.

ثمّ أشار إلى أنّه مقام التسليم له عليه السلام في جميع الاُمور بقوله: (فانظر) إلى ما ترى فيه

ص: 258


1- . التوبة 9: 103.
2- . لم نعثر عليه في الصحاح، وجاءت العبارة بعينها في مختار الصحاح، ص 148 زكى.
3- . القاموس المحيط، ج 1، ص 327 قصد مع التلخيص.
4- . القاموس المحيط، ج 4، ص 276 وكن مع التلخيص والتقديم والتأخير في العبارة.

صلاحا (لنفسك ولنا) من أمر الدِّين والدّنيا.

(وآثر) أي اختر من الإيثار (أمر اللّه ) وحكمه.

(على نفسك وعلينا، فنحن طَوّع فيما أمرتنا).

الطوع _ كركع _ : جمع طائع، وهو السلس القياد الذي لا يتأتّى ما يراد منه.

(ننقاد من الاُمور مع ذلك) أي مع طاعتنا لك.

(فيما ينفعنا)؛ يعني أنّ نفس الطاعة أمرٌ مرغوبٌ فيه، ومع ذلك موجب لحصول ما ينفعنا، وهو خيرٌ لنا في عاجلنا وآجلنا.

وقال بعض الشارحين:

أي ننقاد لك فيما ينفعنا من الاُمور بالعمل به مع الطّوع والرغبة، وعدم الكراهة منه، في الفقرة الاُولى إشارة إلى الانقياد قلبا، وفي الثاني على الانقياد عملاً، وكلّ ما أمر به عليه السلام فهو نافع، فقوله: «فيما ينفعنا» لبيان الواقع لا للتقييد.(1)

(فأجابه أمير المؤمنين عليه السلام فقال: أنا أستشهدكم).

قال الجوهري: «استشهدت فلانا: سألته أن يشهد».(2)

(عند اللّه على نفسي) بحسن السياسة، والشفقة، والموعظة الحسنة، والنصيحة الخالصة لكم.

وقوله: (لعلمكم فيما ولّيت به من اُموركم) تعليل لتخصيص الاستشهاد بالحاضرين، ضرورة أنّ الشهادة بالشيء موقوفة على العلم بذلك الشيء، كذا قيل،(3) وعندي في ذلك نظر، وظنّي أنّ الخطاب هنا كالخطاب في قوله تعالى: «وَلَوْ تَرَى إِذْ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ»(4)، والمقصود كلّ من يصحّ منه العلم بالمشهود به، وكلمة «في» للظرفيّة توسّعا بمعنى الباء، و«ولّيت» على البناء للمفعول من التولية.

(وعمّا قليل يجمعني وإيّاكم الموقف بين يديه).

كلمة «ما» زائدة غير كافّة، كما في قوله تعالى: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللّه ِ»(5)، وإسناد الجمع على الموقف مجاز.

ص: 259


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 513.
2- . الصحاح، ج 2، ص 494 شهد.
3- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 513.
4- . السجدة 32: 12.
5- . آل عمران 3: 159.

وقوله: (السؤال عمّا كنّا فيه) عطف على الموقف.

(ثمّ يشهد بعضنا على بعض) بما صدر منه من رعاية الحقوق بالنسبة إلى الخالق والمخلوق، ولما كانت الشهادة في الدُّنيا قد يقع على خلاف الواقع لغرض من الأغراض بخلاف الآخرة.

قال: (فلا تشهدوا اليوم) أي في الدُّنيا (بخلاف ما أنتم شاهدون) به (غدا) أي في الآخرة.

واستعمل اسم الفاعل هنا للاستقبال.

وقيل: «شاهدون» في موضع «تشهدون»، عدل عنه تصويرا لما يقع بصورة الواقع.

(فإنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ لا يخفى عليه خافيةٌ) أي سريرة.

قال الفيروزآبادي: «الخافية: ضدّ العلانية، والشيء الخفي، كالخافي».(1)

(ولا يجوز عنده إلاّ مناصحة الصدور في جميع الاُمور).

مناصحة الصدور: خلوصها عن غشّ النفاق، بأن يضمر فيها خلاف ما يظهر، أو نصح الإخوان لا بمجرّد اللّسان بل نصحا مستقرّا في الصدور، وهذه المناصحة في جميع الاُمور دينيّة كانت أو دنيويّة، شهادة كانت أو عبادة.

وقيل: هذه الفقرة تعليل لقوله: «فلا تشهدوا» إلى آخره، تقريره: أنّ شهادة الآخرة من صميم القلب قطعا، وشهادة الدُّنيا إذا كانت بخلافه كانت بمجرّد اللسان مع مخالفة القلب، واللّه سبحانه عالم بما في القلوب لا يخفى عليه خافية، فلا يجوز عنده من الشهادة منّا لا يوافق القلب، بل هي نفاق وشهادة زور.(2)

وقوله: (وقد عال الذي في صدره) أي اشتدّ وتفاقم.

وفي بعض النسخ: «وقد عاله» أي غلبه، وثقل عليه، وأهمّه.

قال الفيروزآبادي: «عال أمرهم: اشتدّ وتفاقم. والشيء فلانا: غلبه، وثقل عليه، وأهمّه».(3) انتهى.

والمراد بالذي في صدره اشتداد حزنه من ضعف الدِّين وأهله، وتشتّت أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام واختلاف كلمتهم.

ص: 260


1- . القاموس المحيط، ج 4، ص 324 خفي.
2- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 514.
3- . القاموس المحيط، ج 4، ص 22 عول مع التلخيص.

(فقال والبكاء يقطع منطقه) أي كلامه.

ووضع «يقطع» في موضع «قطع»؛ للدلالة على الاستمرار التجدّدي.

(وغصص الشجا تكسر صوته).

قال الفيروزآبادي: «الغصّة _ بالضمّ _ : الشجا. الجمع: غصص. وما اعترض في الحلق فأشرق. وأغصّ علينا الأرض: ضيّقها».(1)

وقال:

شجاه: حزنه. وأشجاه: قهره، وغلبه، وأوقعه في حزن. والشجا: ما اعترض في الحلق من عظم ونحوه. شجي _ كرضى _ شجىً، ومفازة شجواء: صعبة.(2)

أقول: إضافة الغصص إلى الشجا على بعض هذه المعاني بيانيّة، وعلى بعضها لاميّة. و«تكسر» _ من الكسر، أو من التكسير _ للمبالغة.

وقوله: (إعظاما) مفعول ل «أجابه» حتّى يكون فعلاً لفاعل الفعل المعلّل به، لا ل «يقطع» ولا ل «عال» لاختلاف الفاعل.

(لخطر مرزئته) أي لعظم مصيبته.

والخطر _ بالتحريك وتقديم المعجمة _ : القدر، والمنزلة، والرفعة والإشراف على الهلاك.

والمرزئة _ بفتح الميم وتقديم المهملة وهمز اللاّم _ : المصيبة.

والضمير راجع إلى أمير المؤمنين عليه السلام، ويحتمل بعيدا إرجاعه إلى القائل، وكذا ضمير «فجيعته» في قوله: (ووحشته)(3) أي همّه أو خوفه، والضمير للقائل (من كون فجيعته) أي من حصول مصيبة ووقوعها.

والفجيعة: المصيبة. ويقال: فجعه _ كمنعه _ : إذا أوجعه. وتفجّع: توجّع للمصيبة. ولعلّ تلك المرزئة والمصيبة لكون ذلك القائل عالما بقرب زمان شهادته عليه السلام، أو لما رآه من اختلاف أصحابه عليه السلامورجوع أكثرهم عنه.

وقوله: (ثمّ شكا إليه) أي إلى اللّه تعالى.

ص: 261


1- . القاموس المحيط، ج 2، ص 310 غصص مع التلخيص.
2- . القاموس المحيط، ج 4، ص 347 شجو مع التلخيص.
3- . في كلتا الطبعتين والمتن الذي ضبطه الشارح رحمه الله سابقا: «ووحشة».

(هول ما أشفى عليه) أي خوف ما أشرف أمير المؤمنين عليه السلام عليه.

قال الجوهري: «أشفى على الشيء: أشرف [عليه]. وأشفى المريض على الموت».(1)

وقوله: (من الخطر العظيم) بيان للموصول، والمراد بذلك الخطر غلبة معاوية، أو شهادته عليه السلام.

(والذلّ الطويل) عطف على «الخطر العظيم».

والذلّ _ بالضمّ _ : الهوان، ولعلّ المراد به قلّة أعوانه عليه السلام.

(في فساد زمانه) بما صنع أصحاب الجمل ومعاوية وعمرو بن العاص. والضمير لأمير المؤمنين عليه السلام.

(وانقلاب جدّه).

في القاموس: «الجدّ: البخت، والحظّ، والرزق، والعظمة».(2)

وفي بعض النسخ: «حدّه» بالحاء المهملة. قال الجوهري: «الحدّ: المنع. والمحدود: الممنوع من البخت وغيره».(3)

وفي القاموس: «الحدّ من كلّ شيء: حدّته. ومنك: بأسك»(4) انتهى.

ومنهم من فسّر الحد هنا بالمرتبة.(5)

(ثمّ نصب المسألة إلى اللّه تعالى) أي أقام، أو رفع إليه حاجته.

وقوله: (بالامتنان عليه) متعلّق بالمسألة، والضمير لأمير المؤمنين عليه السلام؛ أي بأن يمتنّ ويمنع عليه.

(والمدافعة عنه) عطف على الامتنان.

قال الفيروزآبادي: «المدافعة: المماطلة، والدفع، ومنه: «إِنَّ اللّه َ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا»(6).(7)

(بالتفجّع).

الظرف حال عن فاعل «نصب». والتفجّع: التوجّع للمصيبة.

ص: 262


1- . الصحاح، ج 6، ص 2394 شفى.
2- . القاموس المحيط، ج 1، ص 281 جدد مع التلخيص.
3- . الصحاح، ج 2، ص 462 حدد مع التلخيص.
4- . القاموس المحيط، ج 1، ص 286 حدد.
5- . هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 514.
6- . الحجّ 22: 38.
7- . القاموس المحيط، ج 1، ص 286 حدد.

(وحسن الثناء) عطف على التفجّع، أي الثناء على اللّه ، أو على أمير المؤمنين عليه السلام.

والحاصل: أنّه سأل اللّه على وجه التفجّع والتضرّع دفع هذا البلاء الذي قد ظنّ وقوعها عنه عليه السلام.

(فقال) مخاطبا له عليه السلام: (يا ربّانيّ العباد).

قال الجزري:

الربّاني: منسوب إلى الربّ بزيادة الألف والنون للمبالغة. وقيل: هو من الرّبّ بمعنى التربية، كانوا يربّون المتعلّمين بصغار العلوم. وقيل: كبارها. والربّاني: العالم الراسخ في العلم، والدّين، أو الذي يطلب بعلمه وجه اللّه تعالى. وقيل: العالم المعلّم.(1)

(ويا ساكن البلاد).

[هكذا] في كثير من النسخ، وهو أظهر. قال الفيروزآبادي: «السّكَن: أهل الدار. وبالتحريك: [النار، و] ما يسكن إليه، والبركة».(2)

وقوله: (وبك جرت نِعَم اللّه علينا) أي بوجودك واجتهادك ومساعيك الجميلة في إعلاء الدِّين وتشييد أركان الإسلام والمسلمين جرت واستقرّت نِعَم اللّه علينا من الوجود والكمالات اللاّحقة به مطلقا.

(ألم تكن) بصيغة المتكلّم، والاستفهام للتقرير.

وفي بعض النسخ: «تكن» بصيغة الخطاب، والاُولى أظهر.

(لذلّ الذليل ملاذا) بتخفيف الذال وهو الملجأ، أو بتشديدها من اللذّة. والأوّل أنسب.

ولعلّ معناه على النسخة الاُولى: أنّه كان ينزل بنا ذلّ كلّ ذليل، أي كنّا في الجاهليّة وما في حكمها نذلّ بكلّ ذلّة وهوان، أو كنّا قبل أن نهتدي إلى الإسلام بهداك ملجأً وظهيرا ومحاميا للكفرة الأذلاّء. وعلى النسخة الثانية قيل: تقرير وتصديق بأنّه عليه السلام كان ملجأً للأذلاّء بالفقر أو الجهل أو الجور عليهم، حيث إنّه يدفع عنهم الذلّ بهذه المعاني.(3)

(وللعصاة الكفّار إخوانا).

الأخ من النسب معروف، ويجيء بمعنى الصديق والصاحب، والجمع: إخوان، بالكسر والضمّ.

ص: 263


1- . النهاية، ج 2، ص 181 ريب مع اختلاف يسير في اللفظ.
2- . القاموس المحيط، ج 4، ص 235 سكن.
3- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 514.

قال الجوهري: «أكثر ما يستعمل الإخوان في الأصدقاء، والإخوة في الولادة».(1)

ومعناه على النسخة الاُولى ظاهر، وعلى الثانية قيل: معناه: كنت تعاشر من يعصيك ويكفر نعمتك معاشرة الإخوان شفقةً منك عليهم، أو المراد الشفقة على الكفّار والعصاة والاهتمام في هدايتهم، ويحتمل أن يكون المراد المنافقين الذين كانوا في عسكره،وكان يلزمه رعايتهم بظاهر الشرع. وقيل: المراد بالإخوان الخِوان، وهو المائدة التي يؤكل عليها الطعام.(2)

قال صاحب النهاية: «الإخوان: لغة قليلة في الخِوان الذي يوضع عليه الطعام عند الأكل».(3)

وأقول: يؤيّد هذا التوجيه أنّه وقع في بعض النسخ: «خوانا» بدل «إخوانا»، وكأنّه على النسخة الثانية شبّه أمير المؤمنين عليه السلامبالمائدة في أنّ العصاة والكفّار يأخذون من مائدة علومه فيصيرون مؤمنين.

وقيل: على النسخة الثانية الإخوان بمعنى الأسد،(4) ولم يثبت مجيئه بهذا المعنى، نعم ذكر الجوهري: «الخوان: الأسد»(5) فتأمّل.

(فبمن إلاّ بأهل بيتك وبك أخرجنا اللّه _ جلّ وعزّ _ من فظاعة تلك الخطرات).

كلمة «من» استفهاميّة. والفظاعة: الشناعة. يُقال: فظع الأمر _ ككرم _ أي اشتدّت شناعته، وجاوز المقدار في ذلك.

وفي الكلام تقديم وتأخير، أي بمن أخرجنا اللّه من شناعة تلك الاُمور الخطيرة إلاّ بك وبأهل بيتك، ولعلّ المراد بتلك الخطرات المعصية والكفر وتعاون أهلهما، ويحتمل بعيد أن يُراد بها خطرات يوم القيامة؛ لتبادرها وإن لم يسبق لها ذكرا.

(وبمن فرّج عنّا غمرات الكربات).

الغمرة: الشدّة. والكربة _ بالضمّ _ : الغمّ، والحزن الذي يأخذ بالنفس.

وقيل: الظاهر أنّ فيه حذفا، وهو الأبكم بقرينة السابق واللاّحق.(6)

ص: 264


1- . الصحاح، ج 6، ص 2264 أخا.
2- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 531.
3- . النهاية، ج 1، ص 30 أخا.
4- . اُنظر: شرح المازندراني، ج 12، ص 514.
5- . الصحاح، ج 5، ص 2109 خون.
6- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 514.

وقال: الغمرة في الأصل ما يغمرك من الماء ويغطّيك، ثمّ كثر استعماله في الشدّة مطلقا،(1) والإضافة على تقدير إرادة الماء من الغمرة من قبيل لجين الماء، والوجه الإهلاك، وعلى

تقدير إرادة الشدّة منها لامية.

(وبمَن إلاّ بكم أظهر اللّه معالم ديننا) أي مواضع العلوم الدينيّة، وهي الشرائع النبويّة.

(واستصلح ما كان فسد من دنيانا) بسبب فساد الناس وفشوّ الجور والظلم بينهم قبل الوحي وبعد انقطاعه.

(حتّى استبان بعد الجور ذكرنا) أي نكون في عداد المذكورين بالخير والصلاح والشرف والفلاح بعد الكفر والشرّ والفساد قبل بعثة النبيّ صلى الله عليه و آله وبعد قبضه.

وفي بعض النسخ: «الحور» بالحاء المهملة. قال الفيروزآبادي: «الحَور: الرجوع، والنقصان. وبالضمّ: الهلاك، والنقص».(2)

(وقرّت من رخاء العيش أعيننا).

لا ريب أنّ القوانين العدليّة في العيش قامت بهم _ صلوات اللّه عليهم _ وارتفع كلّ ما هو سبب لضيق العيش من الجور والظلم والبغي والقتل والنهب وغيرها ممّا يخلّ بالنظام ويبدّد جمع الأنام.

قال الفيروزآبادي: «الرّخاء _ بالفتح _ : سعة العيش. رخو ككرم ودعا ورعا ورضى».(3)

والظاهر أنّ قوله: (لما ولّيتنا بالإحسان جهدك) تعليل لقوله: «أخرجنا اللّه من فظاعة تلك الخطرات» وما عطف عليه، و«ما» مصدريّة.

والتولية إمّا بمعنى الاستقبال، والباء للتعدية، أي جعلت الإحسان مستقبلاً إلينا بجهدك. قال الجوهري: «قوله تعالى: «وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا»(4) أي مستقبلها بوجهه».(5)أو بمعنى التقريب، والباء للسببيّة، أي قرّبت إلينا اجتهادك في إرشادنا لإرادتك الإحسان إلينا.

ص: 265


1- . شرح المازندراني، ج 12، ص 514.
2- . القاموس المحيط، ج 2، ص 15 حور مع التلخيص.
3- . القاموس المحيط، ج 4، ص 333 رخو مع التلخيص.
4- . البقرة 2: 148.
5- . الصحاح، ج 6، ص 2529 ولى.

وقيل: أو بمعنى الإعطاء، من قولهم: أوليت معروفا، أي أعطيته.(1) وفيه نظر.

قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى: «فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا»(2): «أي فلنمكنّنك من استقبالها، من قولك: ولّيته كذا: إذا صيّرته واليا. أو فلنجعلنّك تلي جهتها» انتهى.(3)

وقال الجوهري:

الجَهد والجُهد: الطاقة. قال الفرّاء: الجُهد _ بالضمّ _ : الطاقة؛ والجَهد _ بالفتح _ من قولك: أجهد جهدك في هذا الأمر، أي ابلغ غايتك. ولا يُقال: أجهد جُهدك. والجَهْد؛ المشقّة،(4) انتهى.

والمراد بالجهد هنا الاجتهاد في جميع الاُمور المتعلّقة بالدّين أو الدُّنيا بقرينة المقام وحذف المتعلّق.

(ووفيت لنا بجميع عهدك).

العهد: الوصيّة، والموثّق، ورعاية الحرمة، والأمان، والذمّة، والحفاظ، والمعرفة. ولعلّ المراد هنا جميع ما اُمِرَ عليه السلامبتبليغه وإرشاده إلى الاُمّة.

(فكنت شاهد من غاب عنّا).

قيل: هو النبيّ صلى الله عليه و آله، أي تشهد له علينا بما جاء به، أو المراد بالشاهد الحاضر يعني أنّك قائم مقامه.(5)

(وخلف أهل البيت لنا).

يحتمل قراءة «خلّف» بالتشديد فعل ماض من التخليف على أن يكون معطوفا على «شاهد»، ويراد بأهل البيت حينئذٍ النبيّ وفاطمة عليهماالسلام. قال الجوهري:

الخَلْف والخَلَف: ما جاء من بعد، يُقال: هو خَلف سوء من أبيه، وخَلَف صدق من أبيه _ بالتحريك _ : إذا قام مقامه. قال الأخفش: هما سواء منهم من يحرّك ومنهم من يسكّن فيهما جميعا إذا أضاف.(6)

(وكنت عزّ ضعفائنا) أي سبب عزّهم؛ فإنّ الذي ضعف حاله وقلّ ماله من مواليه عليهم السلام

ص: 266


1- . لم نعثر على قائله.
2- . البقرة 2: 144.
3- . تفسير البيضاوي، ج 1، ص 420.
4- . الصحاح، ج 2، ص 460 جهد مع التلخيص.
5- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 515 مع التلخيص.
6- . الصحاح، ج 4، ص 1354 خلف.

وعجز عن المدافعة عن نفسه وعرضه عزيز عنده يدفع عنه ما يوجب ضعفه وعجزه، ويجلب إليه ما يوجب قوّته وعزّه.

(وثمال فقرائنا).

في القاموس: «ثمال _ ككتاب _ : الغياث الذي يقوم بأمر قومه. وكمنزل: الملجأ. وثملهم: أطعمهم، وسقاهم، وقام بأمرهم».(1)

(وعماد عظمائنا) في الحال والشرف والمال؛ لأنّ بقاء عظمتهم به عليه السلاموبنصره كبقاء الخيام والبيوت بالعمود. قال الفيروزآبادي: «العمود: معروف، كالعِماد بالكسر».(2)

(يجمعنا من الاُمور عدلك).

كلمة «من» بمعنى «في» كما قيل(3) في قوله تعالى: «أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنْ الْأَرْضِ»(4)، وفي قوله عزّ وجلّ: «إِذَا نُودِي لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ»(5).

ويحتمل كونها للتبعيض، أي عدلك سبب لاجتماع اُمورنا وعدم تفرّقنا في جميع الاُمور أو من بين سائر الاُمور، أو هو يحيط بجميعنا في جميع الاُمور والخيرات الدينيّة والدنيويّة،والحاصل: أنّه لولا عدلك لانتثرت اُمورنا، وتفرّق جمعنا.

(ويتّسع لنا في الحقّ تأنّيك) أي تثبّتك في الاُمور ومداراتك فيها وعدم مبادرتك في الحكم علينا بما نستحقّه سبب لتوسعة الحقّ علينا وعدم تضيّق الاُمور بنا؛ إذ الحاكم إذا كان عجولاً غضوبا يبطل نظامه ونظام الرعيّة، ويضيق عليهم اُمورهم.

(فكنت لنا اُنسا إذا رأيناك).

الاُنس _ بالضمّ وبالتحريك _ : ضدّ الوحشة، والحمل للمبالغة، أو يراد من الاُنس الأنيس، ولعلّ سبب الاُنس به أنّه عليه السلامكان في غاية الكمال في الإنسانيّة، فكانت القلوب تأنس إليه، وتفرح بمشاهدته.

(ولولا أنّ الأمر الذي نخاف عليك منه) من الموت، أو القتل، أو المغلوبيّة من الأعداء.

ص: 267


1- . القاموس المحيط، ج 3، ص 344 ثمل مع التلخيص.
2- . القاموس المحيط، ج 1، ص 317 عمد مع التلخيص.
3- . راجع: تفسير البغوي، ج 4، ص 341؛ تفسير القرطبي، ج 3، ص 90؛ و ج 18، ص 97.
4- . فاطر 35: 40.
5- . الجمعة 62: 9.

(يبلغ تحريكه) أي صرفه وإزالته وتغييره.

وفي بعض النسخ: «تحويله».

(جهدنا) أي طاقتنا، أو اجتهادنا.

(وتقوى لمدافته طاقتنا) أي قدرتنا.

قيل: أشار إلى أنّ الدفع من الطرفين إلاّ أنّ المقدّر لكونه محتوما غالب.(1)

وقوله: (ولأخطرناها) أي لأوقعنا أنفسنا وأبناءنا في الخطر والهلاك.

وقيل: أو صيّرناها خطرا ورهنا وعوضا لك.(2)

قال الجزري:

فيه: فإنّ الجنّة لا خطر لها، أي لا عوض لها ولا مثل. والخطر _ بالتحريك _ في الأصل: الرهن، وما يخاطر عليه، ومثل الشيء، وعدله، ولا يقال إلاّ في الشيء الذي له قدر ومزيّة. ومنه الحديث: إلاّ رجل يخاطر بنفسه وماله، أي يلقيهما في الهلكة بالجهاد. ومنه حديث النعمان: أنّ هؤلاء _ يعني المجوس _ قد أخطروا لكم رثة ومتاعا، وأخطرتم لهم الإسلام، المعنى أنّهم قد شرطوا لكم ذلك، وجعلوه رهنا من جانبهم، وجعلتم رهنكم دينكم.(3)

(وقلَّ خطرها دونك) أي ليس لهلاكها عند بقائك وعافيتك قدر محسوس.

(ولقُمنا بجهدنا في محاولة مَن حاولك).

المحاولة: الروم، والطلب.

(وفي مدافعة مَن ناواك).

قال الجوهري: «ناواه: عاداه، وأصله الهمز؛ لأنّه من النّوء، وهو النهوض».(4)

(ولكنّه) أي الربّ تبارك وتعالى.

(سلطانٌ) أي ملك، أو ذو سلطنة.

(لا يحاول) بفتح الواو، أي ليس لأحد أن يطلب سلطنته، أو يمنع ممّا أراده.قال الفيروزآبادي: «حاوله حِوالاً ومحاولة: رامه.

ص: 268


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 516.
2- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 532.
3- . النهاية، ج 2، ص 46 خطر مع التلخيص.
4- . الصحاح، ج 6، ص 2517 نوى.

وكلّ ما حجز بين شيئين فقد حال بينهما».(1)

(وعزّ) أي ذو عزّ وغلبة.

(لا يزاول) على البناء للمفعول.

قال الفيروزآبادي: «زاوله مزاولة وزوالاً: عاجله، وحاوله، وطالبه».(2)

وفي هذه الفقرات إشارة إلى أنّ تلك الاُمور بقضاء اللّه وقدره، ومن سعى في رفعها وبالغ فيه فقد أراد مغالبة اللّه في تقديراته، وهو محال.

(ويتحنّن علينا بتفريح هذا من حالك).

التحنّن: الترحّم. والتفريح من الفرح بمعنى السرور.

وفي بعض النسخ بالجيم من الفرج، وهو كشف الغمّ وإزالته. وهذا إشارة إلى البلاء المظنون نزوله، أو إلى ما ذكر من العافية والبقاء.

وقوله: (بين أظهرنا) أي في وسطنا.

وقوله: (نحدث) من الإحداث.

وقوله: (نعظّمه) صفة «شكرا»، والضمير له، أو للّه .

وقوله: (نديمه) من الإدامة، والضمير للذكر.

(ونقسم) من القسمة، أو من التقسيم. يُقال: قسمه يقسمه وقسّمه، أي جزّأه.

والرقيق المملوك للواحد والجمع.

وقوله: (وإن يمض بك إلى الجنان).

«إن» بكسر الهمزة، و«يمض» من المضيّ والباء للتعدية، أو من الإمضاء والباء للتقوية.

وقوله: (ويجري عليك) من الجري، أو الإجراء.

وقوله: (حتم سبيله) مرفوع على الأوّل، ومنصوب على الثاني.

وقوله: (بلاؤه) يحتمل النعمة أيضا.

وقوله: (ولا مختلفة) أي وغير متفرّقة.

ص: 269


1- . القاموس المحيط، ج 3، ص 363 حول مع التلخيص.
2- . القاموس المحيط، ج 3، ص 391 زول.

(مع ذلك) أي إمضائك إلى الجنان وما ذكر بعده.

(قلوبنا بأنّ اختياره لك ما عنده).

الظاهر أنّ الباء للتعليل لقوله: «ولا مختلفة»، وخبر «إنّ» محذوف، أي خيرٌ لك، أو لخبر قوله: «ما عنده»، والموصول عبارة عن المقامات العالية؛ يعني أنّه لا تختلف قلوبنا، بل تتّفق على أنّ اللّه تعالى اختار لك بإمضائك إلى نعيم الجنّة والراحة الأبديّة.

(على ما كنت فيه) من المشقّة، والجهد، والعناء، والجار متعلّق بالاختيار.

(ولكنّا نبكي من غير إثم) أي لا نأثم ولا نتحرّج على هذا البكاء؛ فإنّه من أفضل الطاعات، أو لا نقول ما يوجب الإثم وسخط الربّ.

وقوله: (لعزّ هذا السلطان) متعلّق بالبكاء وتعليل له.

وقوله: (أن يعود) بدل اشتمال له، أي نبكي لتبدّل عزّ هذا السلطان ذلاًّ. والمراد بهذا السلطان السلطنة والخلافة، أو أمير المؤمنين عليه السلام.

(وللدِّين والدُّنيا أكيلاً).

الأكيل: فعيل بمعنى الفاعل، أي نبكي لتبدّل هذا السلطان الحقّ بسلطان الجور، فيكون أكلاً للدِّين والدّنيا، فقوله: «أكيلاً» عطف على قوله: «ذليلاً»، و«للدّين» متعلّق بالأكيل.

وقيل: الأكيل بمعنى المأكول، أي مأكولاً للفاسقين، و«للدّين» عطف على قوله: «لعزّ»، و«أكيلاً» منصوب بفعل مقدّر يدلّ عليه المذكور،(1) انتهى.

وفي بعض النسخ: «لعن اللّه هذا السلطان» فلا يكون المشار إليه سلطنته عليه السلام، بل جنسها الشامل للباطل أيضا، أي لعن اللّه السلطنة التي لا تكون أنت صاحبها.

وقيل: يحتمل أن يكون اللّعن مستعملاً في أصل معناه لغةً، وهو الإبعاد، أي أبعد اللّه هذا السلطان عن أن يعود ذليلاً، ولا يخفى ما فيه من البُعد.(2)

(ولا نرى لك خلفا) أي من بين السلاطين.

(نشكوا إليه) لخروج السلطنة عن أهل البيت عليهم السلام.

ص: 270


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 516 مع اختلاف في اللفظ.
2- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 534.

(ولا نظيرا نأمله).

قال الجوهري: «الأمل: الرجاء. يُقال: أمل خيره يأمله أملاً، وكذلك التأميل».(1)

وقوله: (ولا نقيمه) عطف على نأمله.

و«لا» مزيدة لتأكيد النفي، أي لا نرى لك نظيرا نقيمه مقامك.

متن الحديث الخمسين والخمسمائة

اشارة

(خُطْبَةٌ لِأَمِيرِ الْمُؤمِنِينَ عليه السلام)

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ جَمِيعا، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ؛

وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ التَّيْمِيِّ ؛

وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ جَمِيعا ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ ، عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ جَيْفَرٍ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ ظُهَيْرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَرِيرٍ الْعَبْدِيِّ ، عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ ، قَالَ :

أَتى أَمِيرَ الْمُؤمِنِينَ عليه السلام عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ وَ وُلْدُ أَبِي بَكْرٍ ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ يَطْلُبُونَ مِنْهُ التَّفْضِيلَ لَهُمْ ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ وَمَالَ النَّاسُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ :

«الْحَمْدُ لِلّهِ وَلِيِّ الْحَمْدِ ، وَمُنْتَهَى الْكَرَمِ ، لاَ تُدْرِكُهُ الصِّفَاتُ ، وَلاَيُحَدُّ بِاللُّغَاتِ ، وَلاَ يُعْرَفُ بِالْغَايَاتِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَ أَنَّ مُحَمَّدا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آلهنَبِيُّ الْهُدَى ، وَمَوْضِعُ التَّقْوَى ، وَرَسُولُ الرَّبِّ الْأَعْلَى ، جَاءَ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِ الْحَقِّ ، لِيُنْذِرَ بِالْقُرْآنِ الْمُبِينِ(2) ، وَالْبُرْهَانِ الْمُسْتَنِيرِ(3) ، فَصَدَعَ بِالْكِتَابِ الْمُبِينِ ، وَمَضَى عَلَى مَا مَضَتْ عَلَيْهِ الرُّسُلُ الْأَوَّلُونَ .

أَمَّا بَعْدُ ، أَيُّهَا النَّاسُ فَلاَ تَقُولَنَّ(4) رِجَالٌ قَدْ كَانَتِ الدُّنْيَا غَمَرَتْهُمْ ، فَاتَّخَذُوا الْعَقَارَ ، وَفَجَّرُوا الْأَنْهَارَ ، وَرَكِبُوا أَفْرَهَ الدَّوَابِّ ، وَلَبِسُوا أَلْيَنَ(5) الثِّيَابِ ، فَصَارَ ذلِكَ عَلَيْهِمْ عَارا وَشَنَارا إِنْ لَمْ يَغْفِرْ لَهُمُ الْغَفَّارُ ، إِذَا مَنَعْتُهُمْ مَا كَانُوا فِيهِ يَخُوضُونَ ، وَصَيَّرْتُهُمْ إِلى مَا يَسْتَوْجِبُونَ ، فَيَفْقِدُونَ ذلِكَ فَيَسْأَلُونَ وَيَقُولُونَ : ظَلَمَنَا ابْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَحَرَمَنَا وَمَنَعَنَا حُقُوقَنَا ، فَاللّهُ عَلَيْهِمُ الْمُسْتَعَانُ ؛ مَنِ اسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا ، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا ، وَآمَنَ بِنَبِيِّنَا ، وَشَهِدَ شَهَادَتَنَا ، وَدَخَلَ فِي دِينِنَا ، أَجْرَيْنَا عَلَيْهِ حُكْمَ

ص: 271


1- . الصحاح، ج 4، ص 1627 أمل.
2- . في الطبعة القديمة: «المنير».
3- في حاشية النسخة: «المستبين».
4- . هكذا في النسخة وكثير من نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: «فلا يقولنّ».
5- . في بعض نسخ الكافي: «ليّن».

الْقُرْآنِ وَحُدُودَ الاْءِسْلاَمِ .

لَيْسَ لِأَحَدٍ عَلى أَحَدٍ فَضْلٌ إِلاَّ بِالتَّقْوى ، أَلاَ وَ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ اللّهِ تَعَالى أَفْضَلَ الثَّوَابِ ، وَأَحْسَنَ الْجَزَاءِ وَالْمَآبِ ، لَمْ يَجْعَلِ اللّهُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ الدُّنْيَا لِلْمُتَّقِينَ ثَوَابا ، وَمَا عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ ، انْظُرُوا أَهْلَ دِينِ اللّهِ فِيمَا أَصَبْتُمْ فِي كِتَابِ اللّهِ ، وَتَرَكْتُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَجَاهَدْتُمْ بِهِ فِي ذَاتِ اللّهِ ، أَ بِحَسَبٍ ، أَمْ بِنَسَبٍ ، أَمْ بِعَمَلٍ ، أَمْ بِطَاعَةٍ ، أَمْ زَهَادَةٍ ، وَفِيمَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ رَاغِبِينَ ، فَسَارِعُوا إِلى مَنَازِلِكُمْ _ رَحِمَكُمُ اللّهُ _ الَّتِي أُمِرْتُمْ بِعِمَارَتِهَا ، الْعَامِرَةِ الَّتِي لاَ تَخْرَبُ ، الْبَاقِيَةِ الَّتِي لاَ تَنْفَدُ ، الَّتِي دَعَاكُمْ إِلَيْهَا ، وَحَضَّكُمْ عَلَيْهَا ، وَرَغَّبَكُمْ فِيهَا ، وَجَعَلَ الثَّوَابَ عِنْدَهُ عَنْهَا ، فَاسْتَتِمُّوا نِعَمَ اللّهِ _ عَزَّ ذِكْرُهُ _ بِالتَّسْلِيمِ لِقَضَائِهِ ، وَالشُّكْرِ عَلى نَعْمَائِهِ ، فَمَنْ لَمْ يَرْضَ بِهذَا فَلَيْسَ مِنَّا وَلاَ إِلَيْنَا ، وَإِنَّ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ بِحُكْمِ اللّهِ ، وَلاَ خَشْيَةَ عَلَيْهِ مِنْ ذلِكَ ، أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ».

وَ فِي نُسْخَةٍ : «وَلاَ وَحْشَةَ ، وَأُولئِكَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَهُمْ يَحْزَنُونَ».

وَقَالَ : «وَقَدْ عَاتَبْتُكُمْ بِدِرَّتِيَ الَّتِي أُعَاتِبُ بِهَا أَهْلِي فَلَمْ تُبَالُوا ، وَضَرَبْتُكُمْ بِسَوْطِيَ الَّذِي أُقِيمُ بِهِ حُدُودَ رَبِّي فَلَمْ تَرْعَوُوا ، أَ تُرِيدُونَ أَنْ أَضْرِبَكُمْ بِسَيْفِي؟ أَمَا إِنِّي أَعْلَمُ الَّذِي تُرِيدُونَ ، وَيُقِيمُ أَوَدَكُمْ ، وَلكِنْ لاَ أَشْتَرِي صَلاَحَكُمْ بِفَسَادِ نَفْسِي ، بَلْ يُسَلِّطُ اللّهُ عَلَيْكُمْ قَوْما ، فَيَنْتَقِمُ لِي مِنْكُمْ ، فَلاَ دُنْيَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا ، وَلاَ آخِرَةَ صِرْتُمْ إِلَيْهَا ، فَبُعْدا وَسُحْقا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ» .

شرح

السند مجهول.

قوله: (ولد أبي بكر) الظاهر أنّه عبد الرحمن بن الملعون.

(يطلبون منه التفضيل لهم) أي على سائر الناس في العطايا وغيره.

(الحمد للّه وليّ الحمد).

الوليّ: ضدّ العدوّ. وقيل: المراد بوليّ الحمد هنا مستحقّ حقيقة الحمد، أو جميع أفراده؛ لأنّ المحامد كلّها له، أو منه.(1)

وقيل: أي الأولى به، أو المتولّي لحمد نفسه، كما ينبغي له بإيجاد ما يدلّ على كماله

ص: 272


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 518.

واتّصافه بجميع المحامد، وبتلقين ما يستحقّ من الحمد أنبيائه وحججه عليهم السلام، وإلهام محبّيه وتوفيقهم للحمد.(1)

(ومنتهى الكرم).

قيل: أي الشرف، وكونه منتهاه لأنّ الشرف كلّه ينتهي إليه؛ أمّا شرف الذات والصفات والوجود على الإطلاق فظاهر، وأمّا الشرف بالإضافة فهو منه وإليه.(2)

وقيل: أي ينتهي إليه كلّ جود وكلّ كرم؛ لأنّه موجد النِّعم، والموفّق لبذلها، أو هو المتّصف بأعلى مراتب الكرم والمولي بجلائل النِّعم، ويحتمل أن يكون الكرم بمعنى الكرامة والجلالة على الوجهين السابقين.(3)

(لا تدركه الصفات).

لعلّ المراد توصيفات الواصفين، أو صفات المخلوقين.

وقيل: عدم إدراك الصفات له لأنّه تعالى لا صفة له زائدة على ذاته، وكلّ ما له من صفات الكمال فهو راجع إلى سلب ضدّه عنه.(4)

(ولا يحدّ باللّغات)؛ إذ ليس له حدّ حقيقي ولا رسمي، فلا يمكن حدّه باللّغات المختلفة والألفاظ المتفاوتة جدّا المترقّية على حدّ الكمال.

وقيل: يمكن أن يكون إشارة إلى أنّ الأسماء الحسنى غيره، كما مرّ في الاُصول.(5)

(ولا يعرف بالغايات) أي النهايات، والحدود الجسمانيّة أو العقليّة، أو ليس له نهاية لا في وجوده ولا في علمه وقدرته ولا في سائر صفاته، أو لا يعرف بما هو غاية أفكار المتفكّرين.

وقيل: يمكن أن يكون الغرض سلب الإمكان الخاصّ عنه تعالى بناءً على أنّ لوجود كلّ ممكن غاية مقصودة، وهو بدونها ليس هو، وليس لوجود الواجب غاية.(6)

(نبيّ الهدى) أي بعث للهداية والإرشاد وموضع التقوى؛ لكونه صلى الله عليه و آلهمنبعها ومعدنها.

ص: 273


1- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 535.
2- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 518.
3- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 535.
4- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 518.
5- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 518.
6- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 518.

(ورسول الرّب الأعلى) من إدراك العقول ذاته ونيل الأوهام صفاته، أو من حيث الرتبة والشرف.

(فصدع بالكتاب المبين).

قال الجوهري:

الصّدع: الشقّ. وصدعت الشيء: أي أظهرته، وبيّنته. ويُقال: صدعت بالحقّ: إذا تكلّمت به جهارا. وقوله تعالى: «فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ»(1). قال الفرّاء: أراد فاصدع بالأمر، أي أظهر دينك.(2)

وقال الفيروزآبادي:

قوله تعالى: «فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ»أي شقّ جماعاتهم بالتوحيد، أو أجهر بالقرآن، أو أظهر، أو احكم بالحقّ، وافصل بالأمر، أو اقصد بما تؤمر، أو افرق [به] بين الحقّ والباطل.(3)

وقال الجوهري: «بانَ الشيء بيانا: اتّضح. وكذلك أبان الشيء فهو مبين. وأبنته أنا: أي أوضحته».(4)

وقوله: (فلا تقولنّ رجال).

قيل: الظاهر أنّ قوله: «رجال» فاعل «لا تقولنّ» وما ذكر بعده إلى قوله عليه السلام: «ويقولون»صفات تلك الرجال، وقوله: «ظلمنا ابن أبي طالب» مقول القول، وقوله: «يقولون» تأكيد للقول المذكور في أوّل الكلام، وإنّما أتى به لكثرة الفاصلة بين العامل والمعمول.

ويحتمل أن يكون مقول القول محذوفا يدلّ عليه قوله: «ظلمنا ابن أبي طالب».

وقال الفاضل الإسترآبادي:

مفعوله محذوف بتقدير الكلام: فلا تقولنّ ما قلتم من طلب التفضيل وغيره (رجال كانت الدُّنيا غمرتهم) في زمن الخلفاء الثلاثة إذا منعتهم ما كانوا يأخذون، وأعطيتهم ما يستوجبون، فيصرفون ما أعطيتهم، ويسألون الزيادة عليه، ويقولون: ظلمنا ابن أبي طالب، انتهى.(5)

ص: 274


1- . الحجر 15: 94.
2- . الصحاح، ج 3، ص 1241 صدع مع التلخيص.
3- . القاموس المحيط، ج 3، ص 49 صدع.
4- . الصحاح، ج 5، ص 2083 بين مع التلخيص.
5- . نقله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 536.

وأقول: يمكن أن ينزّل «يقولّن» منزلة اللاّزم، ويكون المقصود النهي عن حقيقة القول. ويحتمل كونه من التقوّل بحذف إحدى التائين. قال الجوهري: «تقوّل عليه: أي كذب».(1)

وفي بعض النسخ: «رجالاً» بالنصب. قيل: ولعلّ فيه حينئذٍ حذفا، أي لا تقولنّ أنتم نعتقد أو نتولّى رجالاً صفتهم كذا وكذا.(2)

(قد كانت الدُّنيا غمرتهم).

يقال: غمره الماء كنصر غمرا، أي غطّاه. وغمرة الشيء: شدّته، ومزدحمه.

(فاتّخذوا العقار) بالفتح، وهو الأرض، والضياع، والنخل، ومتاع البيت.

(وركبوا أفره الدوابّ).

قال الجزري: «دابّة فارهة، أي نشيطة حادّة قويّة».(3)

(ولبسوا ألين الثياب).

قال الجوهري: «اللّين: ضدّ الخشونة. وشيء ليّن ولَيْن مخفّف منه».(4)

وقوله: (عارا وشنارا).

العار: كلّ شيء لزم به عيب. والشنار _ بالفتح _ : أقبح العيب والعار، وأمر المشهور بالشنعة.

(إذا منعتهم) بصيغة المتكلّم، والظرف متعلّق ب «لا تقولنّ»، أو بصيغة الغائبة، والمستتر فيها للدّنيا. و«إذا» ظرف لقوله: «لم يغفر»، أو لمتقدّر. وكذا «صيّرتهم».

(ما كانوا فيه يخوضون) من أمر الدُّنيا، وطلب الزيادة في قسمة الأموال والعطايا.

وأصل الخوض الدخول في الماء، والاقتحام في الغمرات. وقالوا في قوله تعالى: «وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ»(5) أي في الباطل.(6)

(وصيّرتهم إلى ما يستوجبون).

إن قرئ «صيّرتهم» بصيغة المتكلّم، فالمراد بالموصول ما يستحقّون من التأديب،

ص: 275


1- . الصحاح، ج 5، ص 1807 قول.
2- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 536.
3- . النهاية، ج 3، ص 441 فره.
4- . الصحاح، ج 6، ص 2198 لين مع التلخيص.
5- . المدّثر 74: 45.
6- . راجع: التبيان، ج 10، ص 186؛ مجمع البيان، ج 10، ص 187؛ تفسير البيضاوي، ج 5، ص 417.

والأمر بالإعراض عن زخارف الدُّنيا، والإقبال على الآخرة وأسبابها، والرضا بالقسمة في السّهام والعطايا.

وإن قرئ بصيغة الغيبة، فالموصول عبارة عمّا يستحقّون من التعذيب في العُقبى.

هذا، ولكن التفريع بقوله: (فيفقدون ذلك فيسألون) يؤيّد الأوّل. يُقال: فقده _ كضربه _ : إذا عدمه.

ولعلّ ذلك إشارة إلى ما يشتهون من طلب الفضل، وكونهم مغمورين في الدُّنيا ومشتهياتها، فلا يقبلون ما ذكر ممّا يستوجبون، وفي السؤال عمّا يشتهيهم يبالغون.

(فاللّه عليهم المستعان) فيما يقولون، وما يفترون.

ثمّ أشار عليه السلام من باب الاستئناف بقوله: (من استقبل قبلتنا) إلى قوله: (وحدود الإسلام) إلى أنّه عليه السلام يجري عليهم أحكام القرآن وحدود الإسلام البتّة شاؤوا أو أبوا، والمراد بالشهادة في قوله: (وشهد شهادتنا) المشهود به، أو شهد كشهادتنا.

ثمّ دفع ما توهّموه من فضلهم على غيرهم بقوله: (ليس لأحد على أحد فضل إلاّ بالتقوى)، فالتقيّ وإن كان عبدا حبشيّا أفضل من غيره وإن كان سيّدا قرشيّا.

وقوله: (ألا وأنّ للمتّقين عند اللّه أفضل الثواب) حثّ على التقوى وترك سنن الجاهليّة لا حقيقة لها.

(وأحسن الجزاء والمآب) كما قال عزّ وجلّ: «وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ * جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمْ الْأَبْوَابُ جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمْ الْأَبْوَابُ»(1) الآية.

ثمّ أشار إلى تسلية المتّقين تعريضا على الفاسقين بقوله: (لم يجعل اللّه _ تبارك وتعالى _ الدُّنيا للمتّقين ثوابا)؛ لاحتقارها وقلّتها وعدم بقائها.

(وما عند اللّه ) من الأجر الجليل والثواب الجزيل الدائم بدوام الأبد (خيرٌ للأبرار) ممّا ركن إليه الأشرار من الزهرات الحاضرة الفانية القليلة السريعة الزوال.

والحاصل: أنّه ليس الفضل والكرم عن اللّه إلاّ بالتقوى، وجزاء التقوى ليس إلاّ في العُقبى، ولم يجعل اللّه جزاء عمل المتّقين التفضيل في القسم وعطايا الدُّنيا.

ص: 276


1- . ص 38: 49 و 50.

(انظروا أهل دين اللّه ) أي إلى أهل دين اللّه .

قال الفيروزآبادي: «نظره _ كضربه(1) وسمعه _ وإليه نظرا: تأمّله بعينه»(2) انتهى. فلا حاجة إلى ما ارتكبه بعضهم من أنّ التقدير: يا أهل دينه.

وفي بعض النسخ: «إلى أهل دين اللّه »، وهو يؤيّد ما ذكرناه.

(فيما) قيل: أي السّهام والعطايا والأموال التي (أصبتم) أي أخذتم وتملّكتم كما فرض وقرّر لكم من غير زيادة ونقصان.

(في كتاب اللّه ) أي في القرآن، أو في حكم اللّه وتقديره.

قال الفيروزآبادي: «الكتاب: ما يكتب فيه، والفرض، والحكم، والقَدَر».(3)

(وتركتم عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله) أي وانظروا في الأموال التي تركتموها عند رسول اللّه صلى الله عليه و آلهولم تأخذوها؛ لعدم نصيبكم فيها، أو لمصلحةٍ اُخرى.

وقيل: المراد بقوله: «فيما أصبتم في كتاب اللّه » نعوت الأنبياء والأولياء الذين ذكرهم اللّه في القرآن، أو مواعيده الصادقة على الأعمال الصالحة، وبقوله: (تركتم عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله) صفاته الحسنة وصفات أصحابه وما كان يرتضيه صلى الله عليه و آله من ذلك له ضمان الرسول لهم المثوبات على الصالحات كأنّه وديعة لهم عنده صلى الله عليه و آله.(4)

(وجاهدتم به).

قيل: أي انظروا فيما جاهدتم به من أموالكم وأنفسكم وأنصبائكم التي أنفقتموها.(5)

(في ذات اللّه ) وطلب مرضاته.

وقيل: أي فيما جاهدتم بسببه، وهو ما رأيتم من فضله وكماله صلى الله عليه و آله، أو ما سمعتم من المثوبات عليه.(6)

وقوله: (أبحسب، أم بنسب) إلى آخره، استفهام إنكار، أي لم تكن تلك الاُمور بالحسب

ص: 277


1- . في المصدر: «كنصره».
2- . القاموس المحيط، ج 2، ص 144 نظر مع التلخيص.
3- . القاموس المحيط، ج 1، ص 121 كتب مع التلخيص.
4- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 537.
5- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 519 مع اختلاف في اللفظ.
6- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 537.

والنسب، بل بالعمل والطاعة والزهادة.

قال الفيروزآبادي: «زهد فيه _ كمنع وسمع وكرم _ ضدّ رغب، زهدا وزهادة، أو الزهادة في الدُّنيا والزهد في الدِّين».(1)

(وفيما أصبحتم فيه راغبين).

قيل: أي انظروا فيما أصبحتم وصرتم راغبين فيه، هل يشبه ما رأيتم وعهدتم ممّا تقدّم ذكره، أو انظروا أيّهما أصلح لأن يرغب فيه.(2)

وقيل: أي انظروا أيضا فيما أصبحتم فيه راغبين هل هو ذاك الذي أصبتم في كتاب اللّه ؛ يعني ليس هو بذاك وإنّما هو الدُّنيا وزهرتها.(3)

وقيل: أي انظروا أيضا في الحالة والطريقة التي أصبحتم اليوم فيه راغبين، وادّعيتم غير سنّة الأوّلين، وهو التفاوت في الانصباء بالحسب والنسب.(4)

وبالجملة أحوالكم في هذا اليوم على خلافها في عهد النبيّ صلى الله عليه و آله، حيث إنّ ما أصبتم في عهده صلى الله عليه و آله من العطيّة، وما لم تصيبوا منها وتركتموه عنده إنّما كان باعتبار العمل للّه والطاعة له ولرسوله، لا باعتبار الحسب والنسب، وكذا ما أنفقتموه في الجهاد من أموالكم وأنفسكم كان لأجل زهادتكم في الدُّنيا، واليوم صرتم راغبين في طلب الزيادة والميل إلى الدُّنيا وترك الزهد فيها، فانظروا في التفاوت بين الحالتين، واختاروا ما هو خيرٌ لكم وأبقى، انتهى.(5)

(فسارعوا إلى منازلكم التي اُمرتم) في الدُّنيا (بعمارتها) بالأعمال الصالحة، والرفض عن زهرات الدُّنيا وزينتها الفانية؛ فإنّ السرعة إليها تستلزم السرعة إلى الأسباب المؤدّية إليها.

وقوله: (العامرة) بالجرّ صفة ل «منازلكم».

(التي لا تخرب) عمارتها.

وقوله: (وحضّكم عليها).

قال في النهاية: «الحضّ على الشيء: الحثّ عليه».(6)

ص: 278


1- . القاموس المحيط، ج 1، ص 298 زهد مع اختلاف في اللفظ.
2- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 537.
3- . قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي، ج 26، ص 77، ذيل ح 25372.
4- . قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي، ج 26، ص 77، ذيل ح 25372.
5- . اُنظر: شرح المازندراني، ج 12، ص 519.
6- . النهاية، ج 1، ص 400 حضض مع التلخيص.

وضمير التأنيث في قوله: (وجعل الثواب عنده عنها) راجع إلى المنازل. ولعلّ المراد بها الأعمال التي توصل إليها.

وقيل: لعلّ كلمة «عن» بمعنى «من» للتبعيض.(1)

(فاستتمّوا نِعَم اللّه عزّ ذكره).

في القاموس: «استتمّه: جعله تماما. واستتمّ النعمة: سأل إتمامها».(2)

والمراد بالنعم ما أنعم اللّه من الإقرار بالتوحيد والرسالة والولاية وغيرها من النِعَم الدينيّة والدنيويّة.

(بالتسليم لقضائه) أي الانقياد له، وعدم استثقاله وإن خفي سرّه، والشكر على نعمائه.

قال الجوهري: «النعمة: اليد، والصنيعة، والمنّة، وما أنعم به عليك، وكذلك النعمى، فإن فتحت النون مددت نقلت النعماء والنعيم مثله».(3)

(فمن لم يرض بهذا) أي بالتسليم بالقضاء، والشكر على النعماء.

(فليس منّا) أي من أهل ديننا وسنّتنا في الدُّنيا.

(ولا إلينا) أي ولا يرجع إلينا في الآخرة.

(وإنّ الحاكم) منّا أو الحاكم الكامل في الحكومة، والمآل واحد.

(يحكم بحكم اللّه )؛ فمن لم يرض بحكمه فليس من حزب ذلك الحاكم، فالفاء للتعليل.

(ولا خشية عليه من ذلك).

قيل: أي لا يخشى على الحاكم العدل _ أي الإمام _ أن يترك حكم اللّه ، ولا يجوز أن يظنّ ذلك به، أو لا يخشى الحاكم بسبب العمل بحكم اللّه من أحد، أو أن يكون معاقبا بذلك عند اللّه .(4)

وقيل: أي لا خشية على الحاكم من عدم الرضا بحكمه؛ إذ ضرره يعود إلى التارك، لا إليه.(5)

ص: 279


1- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 537.
2- . القاموس المحيط، ج 4، ص 83 تمم مع التلخيص.
3- . الصحاح، ج 5، ص 2041 نعم.
4- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 538.
5- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 519.

(اُولئك هم الملفحون) إشارة إلى المسارعين إلى الإجابة الراضين بقضائه، أو إلى الحكّام المفهوم من الحاكم.

(وفي نسخة: ولا وحشة) ومعناه أنّه إذا عمل الحاكم بحكم اللّه لا يستوحش من مفارقة رعيّته عنه بسبب ذلك، أو لا يستوحش لأجل تزلزله في حكمه وعدم رسوخه فيه.

والظاهر أنّ تلك النسخة إلى قوله: (اُولئك لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون) بدل من قوله:

«ولا خشية عليه من ذلك اُولئك هم المفلحون».

وقال بعض الشارحين: «إنّ تلك النسخة نسخة الجمع بعد قوله: هم المفلحون» وقال: «قوله: ولا وحشة، معطوف على قوله: ولا خشية».(1)

وقوله عليه السلام: (وقد عاتبتكم بدرّتي) إلى قوله: (أن أضربكم بسيفي).

العتاب: مذاكرة المُوجِدَة، وتواصف الغضب. والدِرّة _ بالكسر _ : التي يضرب بها.

وقال الفيروزآبادي: «السوط: الخَلط، والمقرعة؛ لأنّها تخلّط اللّحم بالدّم».(2)

أقول: يظهر من هذا الخبر أنّ السوط أعظم وأشدّ من الدرّة.

وقال الجزري:

فيه: لا يرعوى، أي لا ينكفّ ولا ينزجر. وقد ارعوى عن القبيح يرعوي إرعواء. وقيل: الإرعواء: الندم على الشيء، والانصراف عنه وتركه.(3)

وقوله عليه السلام: (ويقيم أودَكم) عطف على «تريدون».

الأوَد _ محرّكة _ : العوج. وبالتسكين: الإعوجاج. يُقال: أود الشيء _ كعلم _ أَودا: اعوجّ. وأداه: حناه، وعطفه.

(ولكن لا أشتري صلاحكم بفساد نفسي).

قال الفيروزآبادي: «شراه يشريه: ملكه بالبيع، وباعه، كاشترى، فيهما ضدّ».(4)

ولعلّ المراد بصلاحهم ما يرونه صلاحا بزعمهم عن مشتهيات أنفسهم، وبفساده عليه السلاممتابعتهم في ذلك والمجاراة والمماشاة معهم في ذلك وعدم منعهم منه. والحاصل أنّي لا أطلب صلاحكم بالظلم والجور وبما لم يأمرني ربّي، فأكون قد أصلحتكم بإفساد نفسي.

ص: 280


1- . لم نعثر على قائله.
2- . القاموس المحيط، ج 2، ص 367 سوط مع التلخيص.
3- . النهاية، ج 2، ص 236 رعى مع التلخيص.
4- . القاموس المحيط، ج 4، ص 347 شرى.

(بل يسلّط اللّه عليكم قوما فينتقم لي منكم) إشارة إلى تسليط الظلمة والجبابرة عليهم من بنى اُميّة والحجّاج وغيرهم حتّى فعلوا بهم ما فعلوا.

(فلا دنياكم استمتعتم بها)؛ لكونكم مغلوبين مقهورين في أيّام دولتهم، أو لأنّهم يقتلونكم فلا تستمتعون من العيش والدّنيا.

(ولا آخرة لكم صرتم إليها)؛ لعدم متابعتكم لحكم اللّه ، ومخالفتكم لوليّ الأمر، وذلك هو الخسران المبين.

(فبعدا وسحقا لأصحاب السعير).

قيل: أي هلاكا لهم. ونصبه بفعل من جنسه.

قال الفيروزآبادي: «البُعد: معروف، والموت، وفعلهما ككرم وفرح، بُعدا وبَعَدا له: أبعدهُ اللّه . والبُعد والبِعاد: اللّعن. وأبعده اللّه : نحّاه عن الخير، ولعنه».(1)

وقال البيضاوي في تفسير قوله تعالى: «فَسُحْقا لاَِصْحَابِ السَّعِيرِ»(2): «فأسحقهم اللّه سحقا، أي أبعدهم من رحمته».(3)

وقال الجوهري: «السُّحْق _ بالضمّ _ : البُعد. يُقال: سُحقا له، وكذلك السُّحُق مثل عُسر وعُسُر. وأسحقه اللّه ، أي أبعده»(4) انتهى.

والسّعير: النار، أو لهبها.

متن الحديث الواحد والخمسين والخمسمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى ؛ وَأَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ جَمِيعا ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَدِيدٍ ، عَنْ جَمِيلٍ ، عَنْ زُرَارَةَ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : سَأَلَهُ حُمْرَانُ ، فَقَالَ : جَعَلَنِيَ اللّهُ فِدَاكَ ، لَوْ حَدَّثْتَنَا مَتى يَكُونُ هذَا الْأَمْرُ فَسُرِرْنَا بِهِ؟

فَقَالَ : «يَا حُمْرَانُ ، إِنَّ لَكَ أَصْدِقَاءَ وَ إِخْوَانا وَمَعَارِفَ ، إِنَّ رَجُلاً كَانَ فِيمَا مَضى مِنَ الْعُلَمَاءِ ، وَكَانَ

ص: 281


1- . القاموس المحيط، ج 1، ص 278 بعد مع التلخيص.
2- . الملك 67: 11.
3- . تفسير البيضاوي، ج 5، ص 363.
4- . الصحاح، ج 4، ص 1495 سحق مع التلخيص.

لَهُ ابْنٌ لَمْ يَكُنْ يَرْغَبُ فِي عِلْمِ أَبِيهِ ، وَلاَ يَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ ، وَكَانَ لَهُ جَارٌ يَأْتِيهِ وَيَسْأَلُهُ وَيَأْخُذُ عَنْهُ ، فَحَضَرَ الرَّجُلَ الْمَوْتُ ، فَدَعَا ابْنَهُ ، فَقَالَ : يَا بُنَيَّ ، إِنَّكَ قَدْ كُنْتَ تَزْهَدُ فِيمَا عِنْدِي ، وَتَقِلُّ رَغْبَتُكَ فِيهِ ، وَلَمْ تَكُنْ تَسْأَلُنِي عَنْ شَيْءٍ ، وَلِي جَارٌ قَدْ كَانَ يَأْتِينِي وَيَسْأَلُنِي وَيَأْخُذُ مِنِّي وَيَحْفَظُ عَنِّي ، فَإِنِ احْتَجْتَ إِلى شَيْءٍ فَأْتِهِ ، وَعَرَّفَهُ جَارَهُ ، فَهَلَكَ الرَّجُلُ ، وَبَقِيَ ابْنُهُ .

فَرَأى مَلِكُ ذلِكَ الزَّمَانِ رُؤيَا ، فَسَأَلَ عَنِ الرَّجُلِ ، فَقِيلَ لَهُ : قَدْ هَلَكَ ، فَقَالَ الْمَلِكُ : هَلْ تَرَكَ وَلَدا؟ فَقِيلَ(1) لَهُ : نَعَمْ ، تَرَكَ ابْنا ، فَقَالَ : ائْتُونِي بِهِ ، فَبُعِثَ إِلَيْهِ لِيَأْتِيَ الْمَلِكَ ، فَقَالَ الْغُلاَمُ : وَاللّهِ ، مَا أَدْرِي لِمَا يَدْعُونِي الْمَلِكُ وَمَا عِنْدِي عِلْمٌ ، وَلَئِنْ سَأَلَنِي عَنْ شَيْءٍ لَأَفْتَضِحَنَّ ، فَذَكَرَ مَا كَانَ أَوْصَاهُ أَبُوهُ بِهِ(2) ، فَأَتَى الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ يَأْخُذُ الْعِلْمَ مِنْ أَبِيهِ ، فَقَالَ لَهُ : إِنَّ الْمَلِكَ قَدْ بَعَثَ إِلَيَّ يَسْأَلُنِي ، وَلَسْتُ أَدْرِي فِيمَ(3) بَعَثَ إِلَيَّ ، وَقَدْ كَانَ أَبِي أَمَرَنِي أَنْ آتِيَكَ إِنِ احْتَجْتُ إِلى شَيْءٍ .

فَقَالَ الرَّجُلُ : وَلكِنِّي أَدْرِي فِيمَا بَعَثَ إِلَيْكَ ، فَإِنْ أَخْبَرْتُكَ ، فَمَا أَخْرَجَ اللّهُ لَكَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ ، فَقَالَ : نَعَمْ ، فَاسْتَحْلَفَهُ وَاسْتَوْثَقَ مِنْهُ أَنْ يَفِيَ لَهُ ، فَأَوْثَقَ لَهُ الْغُلاَمُ .

فَقَالَ : إِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَسْأَلَكَ عَنْ رُؤيَا رَآهَا أَيُّ زَمَانٍ هذَا؟ فَقُلْ لَهُ : هذَا زَمَانُ الذِّئْبِ .

فَأَتَاهُ الْغُلاَمُ ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ : هَلْ تَدْرِي لِمَا(4) أَرْسَلْتُ إِلَيْكَ؟ فَقَالَ : أَرْسَلْتَ إِلَيَّ تُرِيدُ أَنْ تَسْأَلَنِي عَنْ رُؤيَا رَأَيْتَهَا أَيُّ زَمَانٍ هذَا؟ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ : صَدَقْتَ ، فَأَخْبِرْنِي أَيُّ زَمَانٍ هذَا؟ فَقَالَ لَهُ : زَمَانُ الذِّئْبِ ، فَأَمَرَ لَهُ بِجَائِزَةٍ ، فَقَبَضَهَا الْغُلاَمُ ، وَانْصَرَفَ إِلى مَنْزِلِهِ ، وَأَبى أَنْ يَفِيَ لِصَاحِبِهِ ، وَقَالَ : لَعَلِّي لاَ أُنْفِدُ هذَا الْمَالَ ، وَلاَ آكُلُهُ حَتّى أَهْلِكَ ، وَلَعَلِّي لاَ أَحْتَاجُ ، وَلاَ أُسْأَلُ عَنْ مِثْلِ هذَا الَّذِي سُئِلْتُ عَنْهُ ، فَمَكَثَ مَا شَاءَ اللّهُ .

ثُمَّ إِنَّ الْمَلِكَ رَأى رُؤيَا ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ يَدْعُوهُ ، فَنَدِمَ عَلى مَا صَنَعَ ، وَقَالَ : وَاللّهِ مَا عِنْدِي عِلْمٌ آتِيهِ بِهِ ، وَمَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ بِصَاحِبِي ، وَقَدْ غَدَرْتُ بِهِ وَلَمْ أَفِ لَهُ ، ثُمَّ قَالَ : لآَتِيَنَّهُ عَلى كُلِّ حَالٍ ، وَلَأَعْتَذِرَنَّ إِلَيْهِ ، وَلَأَحْلِفَنَّ لَهُ ، فَلَعَلَّهُ يُخْبِرُنِي .

فَأَتَاهُ ، فَقَالَ(5) : إِنِّي قَدْ صَنَعْتُ الَّذِي صَنَعْتُ ، وَلَمْ أَفِ لَكَ بِمَا كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ ، وَتَفَرَّقَ مَا كَانَ فِي

ص: 282


1- . في بعض نسخ الكافي: «قيل».
2- . في بعض نسخ الكافي: - «به».
3- . في بعض نسخ الكافي: «فيما».
4- . هكذا في النسخة وأكثر نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: «لم».
5- . هكذا في النسخة وبعض نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: + «له».

يَدِي وَقَدِ احْتَجْتُ إِلَيْكَ ، فَأَنْشُدُكَ اللّهَ أَنْ لاَ تَخْذُلَنِي(1) وَأَنَا أُوثِقُ لَكَ أَنْ لاَ يَخْرُجَ لِي شَيْءٌ إِلاَّ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيَّ الْمَلِكُ ، وَلَسْتُ أَدْرِي عَمَّا يَسْأَلُنِي .

فَقَالَ : إِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَسْأَلَكَ عَنْ رُؤيَا رَآهَا أَيُّ زَمَانٍ هذَا؟ فَقُلْ لَهُ : إِنَّ(2) هذَا زَمَانُ الْكَبْشِ .

فَأَتَى الْمَلِكَ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : لِمَا(3) بَعَثْتُ إِلَيْكَ ، فَقَالَ : إِنَّكَ رَأَيْتَ رُؤيَا ، وَإِنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَسْأَلَنِي : أَيُّ زَمَانٍ هذَا؟ فَقَالَ لَهُ : صَدَقْتَ ، فَأَخْبِرْنِي أَيُّ زَمَانٍ هذَا؟ فَقَالَ : هذَا زَمَانُ الْكَبْشِ ، فَأَمَرَ لَهُ بِصِلَةٍ ، فَقَبَضَهَا وَانْصَرَفَ إِلى مَنْزِلِهِ ، وَتَدَبَّرَ(4) رَأْيَهُ فِي أَنْ يَفِيَ لِصَاحِبِهِ أَوْ لاَ يَفِيَ(5) ، فَهَمَّ مَرَّةً أَنْ يَفْعَلَ ، وَمَرَّةً أَنْ لاَيَفْعَلَ ، ثُمَّ قَالَ : لَعَلِّي أَنْ لاَأَحْتَاجَ إِلَيْهِ بَعْدَ هذِهِ الْمَرَّةِ أَبَدا ، وَأَجْمَعَ رَأْيَهُ عَلَى الْغَدْرِ وَتَرْكِ(6) الْوَفَاءِ ، فَمَكَثَ مَا شَاءَ اللّهُ .

ثُمَّ إِنَّ الْمَلِكَ رَأى رُؤيَا ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ ، فَنَدِمَ عَلى مَا صَنَعَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِهِ ، وَقَالَ بَعْدَ غَدْرٍ مَرَّتَيْنِ : كَيْفَ أَصْنَعُ وَلَيْسَ عِنْدِي عِلْمٌ؟ ثُمَّ أَجْمَعَ رَأْيَهُ عَلى إِتْيَانِ الرَّجُلِ ، فَأَتَاهُ فَنَاشَدَهُ اللّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالى ، وَسَأَلَهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّ هذِهِ الْمَرَّةَ يَفِي لَهُ(7) ، وَأَوْثَقَ لَهُ ، وَقَالَ : لاَتَدَعْنِي عَلى هذِهِ الْحَالِ ، فَإِنِّي لاَأَعُودُ إِلَى الْغَدْرِ ، وَسَأَفِي لَكَ ، فَاسْتَوْثَقَ مِنْهُ . فَقَالَ : إِنَّهُ يَدْعُوكَ يَسْأَلُكَ عَنْ رُؤيَا رَآهَا أَيُّ زَمَانٍ هذَا؟ فَإِذَا سَأَلَكَ ، فَأَخْبِرْهُ أَنَّهُ زَمَانُ الْمِيزَانِ» . قَالَ : «فَأَتَى الْمَلِكَ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ لَهُ : لِمَ بَعَثْتُ إِلَيْكَ؟ فَقَالَ : إِنَّكَ رَأَيْتَ رُؤيَا ، وَتُرِيدُ أَنْ تَسْأَلَنِي : أَيُّ زَمَانٍ هذَا؟ فَقَالَ : صَدَقْتَ ، فَأَخْبِرْنِي أَيُّ زَمَانٍ هذَا؟ قَالَ(8) : هذَا زَمَانُ الْمِيزَانِ ، فَأَمَرَ لَهُ بِصِلَةٍ ، فَقَبَضَهَا ، وَانْطَلَقَ بِهَا إِلَى الرَّجُلِ ، فَوَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَقَالَ : قَدْ جِئْتُكَ بِمَا خَرَجَ لِي(9) ،فَقَاسِمْنِيهِ ، فَقَالَ لَهُ الْعَالِمُ : إِنَّ الزَّمَانَ الْأَوَّلَ كَانَ زَمَانَ الذِّئْبِ ، وَإِنَّكَ كُنْتَ مِنَ الذِّئَابِ ، وَإِنَّ الزَّمَانَ الثَّانِيَ كَانَ زَمَانَ الْكَبْشِ، يَهُمُّ وَلاَ يَفْعَلُ ، وَكَذلِكَ كُنْتَ أَنْتَ تَهُمُّ وَلاَتَفِي ، وَكَانَ هذَا زَمَانَ الْمِيزَانِ ، وَكُنْتَ فِيهِ عَلَى الْوَفَاءِ ، فَاقْبِضْ مَالَكَ ، لاَ حَاجَةَ لِي فِيهِ ، وَرَدَّهُ عَلَيْهِ» .

ص: 283


1- . في بعض نسخ الكافي: «أن تخذلني».
2- . في بعض نسخ الكافي والوافي: - «إنّ».
3- . في بعض نسخ الكافي: «لِمَ».
4- . في الطبعة القديمة والوافي: + «في».
5- . هكذا في النسخة وأكثر نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: + «له».
6- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «فترك».
7- . في الطبعة القديمة: «منه».
8- . في الطبعة القديمة: «فقال».
9- . في بعض نسخ الكافي: «إليّ».

شرح

السند ضعيف.

قوله: (متى [يكون] هذا الأمر) أي ظهور دولة الحقّ.

(فسُررنا به) على البناء للمفعول، أو للفاعل، أي جعلنا إخواننا مسرورين، والأوّل أظهر.

(فقال: يا حمران، [إنّ] لك أصدقاء وإخوانا ومعارف)؛ لعلّ الغرض من هذا الكلام وإيراد الحكاية أنّ هذا الزمان ليس زمان العدل والميزان، فأخاف أن لا يفي بعهد الكتمان، فإذا عرفت زمان ظهور هذا الأمر فلك معارف وإخوان، فتحدّثهم به، وينشأ منه المفاسد العظيمة، ومحض العهد بالكتمان لا ينفع؛ إذ لم يأت بعد زمان الميزان.

والحاصل: أنّ غالب أحوال الخلق في ذلك الزمان الغدر وعدم الوفاء بالعهد، وهذا يقتضي كتمان السرّ عنهم، فإذا اعتدل الزمان واعتدل أحوال أهله ينبغي إظهاره. أو المراد أنّ لك معارف وإخوانا تعاشرهم، ويمكنك استعلام زمان ظهور هذا الأمر من أطوارهم، فمهما رأيت منهم العزم على الانقياد والإطاعة والتسليم لإمامهم وكتمان السرّ فاعلم أنّه زمان ظهور القائم عليه السلام؛ فإنّ قيامه عليه السلاممشروط بذلك، وأهل كلّ زمان عامّتهم على وتيرة واحدة، وبذلك الذي ذكرناه من استعلام أحوال المعارف والإخوان نتمكّن من استعلام أحوال جميع أهل الزمان.

وقيل: كان المراد أنّهم وإن كانوا أصدقاء وإخوانا لك إلاّ أنّهم لا يصادقونك على أنفسهم وأموالهم، ولا يفون لك بعهود الاُخوّة؛ لأنّ الزمان لا يقتضي ذلك، ولذلك لا يظهر أمرنا؛ إذ لا يساعده الزمان، ولا يوجد عليه الأعوان؛ لأنّه زمان الذئب، أو الكبش، فإذا جاء زمان الميزان يظهر أمرنا.(1)

وقوله: (تزهد فيما عندي).

الزهد: خلاف الرغبة. يُقال: زهد في الشيء وعن الشيء _ كعلم _ أي لم يرغب فيه. وزَهَدَ _ كمنع _ لغة فيه.

وقوله: (وتقلّ) بكسر القاف.

ص: 284


1- . القائل هو المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي، ج 12، ص 357، ذيل ح 25455.

وقوله: (وعرّفه جاره) من التعريف بمعنى الإعلام، والضمير المنصوب للابن، والمجرور للرجل العالم، أو للابن أيضا.

والأظهر أن يكون الرجل في قوله: (فهلك الرجل) فاعل «عرّف»، وهلك على سبيل التنازع.

وقوله: (ولكنّي أدري).

قيل: لعلّ علمه كان بإخبار ذلك العالم، وكان العالم أخذه من الأنبياء، حيث أخبروا بوحي السماء أنّ هذا المِلك سيرى تلك الأحلام، وهذه تعبيرها، أو بأن أخذ من العالم نوعا من العلم يمكنه استنباط أمثال تلك الاُمور به، وكان ذلك من علوم الأنبياء، على أنّه يحتمل أن يكونا من الأنبياء.(1)

وقوله: (واستوثق منه أن يفي له، فأوثق له).

في القاموس: «أوثقه فيه: شدّه. واستوثق منه: أخذ الوثيقة».(2)

والمستتر في «استوثق» راجع إلى العالم، وضمير «منه» إلى الدِّين، وفي «أوثق له» بالعكس.

وقوله: (لا أنفد هذا المال) من الإنفاد، وهو الإفناء.

وقوله: (حتّى أهلك) من الإهلاك على صيغة الماضي المجهول، والمستتر فيه راجع إلى الرجل العالم.

وقوله: (ولا اُسئل عن مثل هذا الذي سُئلت عنه).

كلمة «عن» ليست في بعض النسخ، والفعلان على البناء للمفعول، وكونهما للفاعل محتمل.

وقوله: (زمان الكبش) بالتسكين، وهو الحمل إذا أثنى، أو إذا خرجت رباعيّته.

وقوله: (وأجمع رأيه على الغدر) برفع رأيه.

قال الجوهري: «أجمعت الأمر وعلى الأمر: إذا عزمت عليه. والأمر مجمع عليه، ويُقال أيضا: اجمع أمرك ولا تدعه منتشرا».(3)

وقوله: (فقاسمنيه).

يقال: قاسمه الشيء، أي أخذ كلّ قسمة. والقسم _ بالكسر _ : الحظّ، والنصيب من الخير.

ص: 285


1- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 539 _ 541.
2- . القاموس المحيط، ج 3، ص 288 وثق مع التلخيص.
3- . الصحاح، ج 3، ص 1199 جمع.

هذا، قيل في هذا الخبر فوائد:

الاُولى: أنّه ينبغي إظهار السرّ وتعليم العلوم الغريبة التي يحتاج إليها الخلق في بعض الأوقات لمن هو أهلٌ لها.

الثانية: أنّه لا يجوز تعليمها لمن ليس بأهل لها وإن كان ولدا.

الثالثة: أنّه ينبغي ترغيب الجاهل في الرجوع إلى العالم عند الحاجة.

الرابعة: أنّه يجب الوفاء بالعهد لئلاّ يؤدّي إلى الخجالة في وقت.

الخامسة: أنّه تعالى قد ينبّه الرجل بما فيه صلاحه وصلاح الخلق، كما نبّه الملك المذكور الذي وقع الجور في رعيّته، ولم يكن عالما به، فسئل في المنام: أيّ زمانٍ هذا؟ فعبّر بأنّه زمان الذئب، فتنبّه بأنّه وقع الجور وشاع بين الرعيّة، فاشتغل بالإصلاح حتّى رُفع بالكلّيّة،فسئل: أيّ زمانٍ هذا؟ فعبّر بأنّه زمان الميزان، أي زمان القسط والعدل، فعلم وتيقّن ارتفاع الجور بالمرّة، فاطمأنّ قلبه.

ثمّ قال: كأنّه أشار بزمان الذئب إلى زمان سلطان بني اُميّة، وبزمان الكبش إلى مدّة سلطان بني عبّاس؛ فإنّ بعضهم همَّ أن يدفع الأمر إلى صاحبه، ثمّ غدر كالمأمون، وبزمان الميزان زمان ظهور القائم عليه السلام؛ فإنّه زمان عدل يمكن إظهار السرّ فيه.(1)

متن الحديث الثاني والخمسين والخمسمائة

اشارة

أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْكُوفِيُّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ التَّيْمِيِّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَتِّبٌ أَوْ غَيْرُهُ ، قَالَ :

بَعَثَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْحَسَنِ إِلى أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : يَقُولُ لَكَ أَبُو مُحَمَّدٍ : أَنَا أَشْجَعُ مِنْكَ ، وَأَنَا أَسْخى مِنْكَ ، وَأَنَا أَعْلَمُ مِنْكَ .

فَقَالَ لِرَسُولِهِ : «أَمَّا الشَّجَاعَةُ ، فَوَ اللّهِ مَا كَانَ لَكَ مَوْقِفٌ يُعْرَفُ بِهِ(2) جُبْنُكَ مِنْ شَجَاعَتِكَ ؛ وَأَمَّا السَّخِيُّ(3) ، فَهُوَ الَّذِي يَأْخُذُ الشَّيْءَ مِنْ جِهَتِهِ ، فَيَضَعُهُ فِي حَقِّهِ ؛ وَأَمَّا الْعِلْمُ ، فَقَدْ أَعْتَقَ أَبُوكَ عَلِيُّ بْنُ

ص: 286


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 521 و 522 مع التلخيص.
2- . هكذا في النسخة وبعض نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: «فيه».
3- . هكذا في النسخة وبعض نسخ الكافي والوافي. وفي كلتا الطبعتين: «السخاء».

أَبِي طَالِبٍ عليه السلام أَلْفَ مَمْلُوكٍ ، فَسَمِّ لَنَا خَمْسَةً مِنْهُمْ وَأَنْتَ عَالِمٌ».

فَعَادَ إِلَيْهِ فَأَعْلَمَهُ ، ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ ، فَقَالَ لَهُ : يَقُولُ لَكَ : إِنَّكَ رَجُلٌ صَحَفِيٌّ .

فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «قُلْ لَهُ : إِي(1) وَاللّهِ، صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى وَرِثْتُهَا عَنْ آبَائِي عليهم السلام» .

شرح

السند مجهول.

قوله: (وأمّا السخيّ فهو الذي يأخذ الشيء من جهته) إلى آخره.

هذا تعريض له حيث إنّه أخذ أموال الإمام وصرفه في تحليل الخلافة لابنه محمّد.

وقوله: (يقول لك: إنّك رجلٌ صَحَّفي).

في بعض النسخ: «يقول لك: أنت رجلٌ صَحفّي».

قال في المصباح:

الصحيفة: قطعة من جلد أو قرطاس كتب فيه، وإذا نسب إليها قيل: رجل صحفي _ بفتحتين _ معناه: يأخذ العلم منها دون المشايخ، كما ينسب إلى بجيلة: بجلي، وما أشبه ذلك.(2)

وقال الفيروزآبادي: «الصحفي _ محرّكة _ : من يخطئ في قراءة الصحيفة. وبضمّتين: لحن».(3)

وقوله عليه السلام: (صحف إيراهيم وموسى وعيسى ورثتها) من باب ما تضمر عامله على شريطة التفسير.

متن الحديث الثالث والخمسين والخمسمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسى ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ الْيَمَانِيِّ ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى : «وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ

ص: 287


1- . في كثير من نسخ الكافي: «إنّي».
2- . المصباح المنير، ص 334 صحف مع التلخيص.
3- . القاموس المحيط، ج 3، ص 161 صحف.

رَبِّهِمْ»(1) فَقَالَ : «هُوَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله» .

شرح

السند مرسل.

قوله: (في قول اللّه تبارك وتعالى) في سورة يونس عليه السلام: «وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ».

قال الفيروزآبادي:

القدم _ محرّكة _ : السابقة [في الأمر]، والرجل له مرتبة في الخير وهي بهاء، والرِّجل مؤنّثة. وقول الجوهري: واحد الأقدام سهو، والصواب واحده والجمع أقدام، والشجاع، ورجل قدم محرّكة، وامرأة قدم من رجال ونساء قدم أيضا.(2)

وقال: «الصِدق _ بالكسر والفتح _ : ضدّ الكذب. والصّدق _ بالكسر _ : الشدّة. «وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ»(3): أنزلناهم منزلاً صالحا».(4)

وقال الجوهري:

القدم _ أيضا _ : السابقة في الأمر. يُقال: لفلان قدم صدق، أي إثرة حسنة. قال الأخفش: هو التقديم، كأنّه قدّم خيرا وكان له فيه تقديم.(5)

وقال البيضاوي:

«قَدَمَ صِدْقٍ» أي سابقة ومنزلة رفيعة سمّيت قدما؛ لأنّ السبق بها، كما سمّيت النعمة يدا؛ لأنّها تعطي باليد، وإضافتها إلى الصدق لتحقّقها، والتنبيه على أنّهم إنّما ينالونها بصدق القول والنيّة.(6)

وقال الشيخ الطبرسي رحمه الله:

قال الأزهري: القدم: الشيء [الذي] تقدّمه قدّامك ليكون عدّة لك حتّى تقدم عليه. وقيل: القدم: المقدم.

قال ابن الأعرابي: القدم: المتقدّم في الشرف.

وقال أبو عبيدة والكسائي: كلّ سابق في خير أو شرّ فهو عند العرب قدم.

ص: 288


1- . يونس 10: 2.
2- . القاموس المحيط، ج 4، ص 161 قدم مع التلخيص.
3- . يونس 10: 93.
4- . القاموس المحيط، ج 3، ص 252 صدق مع التلخيص.
5- . الصحاح، ج 5، ص 2007 قدم.
6- . تفسير البيضاوي، ج 3، ص 184.

ثمّ قال رحمه الله:

أي عرّفهم ما فيه الشرف والخلود في نعيم الجنّة على وجه الإكرام والإجلال لصالح الأعمال.

وقيل: إنّ لهم قدم صدق، أي أجرا حسنا ومنزلةً رفيعة بما قدّموا من أعمالهم، عن ابن عبّاس.

وروي عنه أيضا: أنّ المعنى سبقت لهم السعادة في الذكر الأوّل، ويؤيّده قوله: «إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى»(1) الآية.

وقيل: هو تقديم اللّه تعالى إيّاهم في البعث يوم القيامة، بيانه قوله صلى الله عليه و آله: «نحن الآخرون السابقون يوم القيامة».

وقيل: القدم اسم للحسنى من العبد، واليد اسمٌ للحسنى من السيّد للفرق بين السيّد والعبد.

وقيل: إنّ معنى «قدم صدق» شفاعة محمّد صلى الله عليه و آلهيوم القيامة. عن أبي سعيد الخدري، وهو المروي عن أبي عبد اللّه عليه السلام.(2)

(فقال: هو رسول اللّه صلى الله عليه و آله).

يحتمل إرجاع الضمير إلى القدم، بأن يراد به المتقدّم في الشرف، أي لهم شفيع متقدّم في الشرف، يشفع لهم عند ربّهم، وهو رسول اللّه صلى الله عليه و آله. أو بتقدير مضاف، أي شفاعة رسول اللّه صلى الله عليه و آله، كما روى الشيخ الطبرسي. أو ولايته وولاية أهل بيته عليهم السلام، كما مرّ في كتاب الحجّة حيث روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال في تفسير هذه الآية: «هو ولاية أمير المؤمنين عليه السلام».(3) ويؤيّد هذا التوجيه أنّ عليّ بن إبراهيم روى هذا الخبر في تفسيره بهذا السند وزاد في آخره: «والأئمّة عليهم السلام».(4)

وقيل: الضمير راجع إلى الموصول، والجمع للتعظيم، أو بانضمام الأئمّة عليهم السلام معه. وأنت خبير بأنّ الخطاب في بشّر يأباه، وما قيل من أنّه يجوز عوده إلى المبشّر المفهوم من بشر وتخصيص البشارة بوقت الاحتضار،(5) فبُعده ظاهر. وما يتوهّم من عوده إلى الربّ باعتبار

ص: 289


1- . الأنبياء 21: 101.
2- . مجمع البيان، ج 5، ص 153.
3- . الكافي، ج 1، ص 422، ح 50.
4- . لم نعثر عليه في تفسير عليّ بن إبراهيم.
5- . ذهب إليه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 522.

أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ربّاهم بالعلم والكمال،(1) ففيه أنّ الربّ إذا اُطلق أو اُضيف إلى العباد لا يراد به غيره تعالى.

قال الجوهري: «ربّ كلّ شيء: مالكه. والربّ: اسم من أسماء اللّه عزّ وجلّ، ولا يُقال في غيره إلاّ بالإضافة، وقد قالوه في الجاهليّة للملك».(2)

متن الحديث الرابع والخمسين والخمسمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ يَحْيَى الْكَاهِلِيِّ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَما تُغْنِى الاْياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤمِنُونَ»(3) قَالَ : «لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله أَتَاهُ جَبْرَئِيلُ بِالْبُرَاقِ ، فَرَكِبَهَا فَأَتى بَيْتَ الْمَقْدِسِ ، فَلَقِيَ مَنْ لَقِيَ مِنْ إِخْوَانِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام ، ثُمَّ رَجَعَ فَحَدَّثَ أَصْحَابَهُ أَنِّي أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَ رَجَعْتُ مِنَ اللَّيْلَةِ ، وَقَالَ(4) جَاءَنِي جَبْرَئِيلُ بِالْبُرَاقِ ، فَرَكِبْتُهَا ، وَآيَةُ ذلِكَ أَنِّي مَرَرْتُ بِعِيرٍ لِأَبِي سُفْيَانَ عَلى مَاءٍ لِبَنِي فُلاَنٍ ، وَقَدْ أَضَلُّوا جَمَلاً لَهُمْ أَحْمَرَ ، وَقَدْ هَمَّ الْقَوْمُ فِي طَلَبِهِ .

فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : إِنَّمَا جَاءَ الشَّامَ وَهُوَ رَاكِبٌ سَرِيعٌ ، وَلكِنَّكُمْ قَدْ أَتَيْتُمُ الشَّامَ وَعَرَفْتُمُوهَا ، فَسَلُوهُ عَنْ أَسْوَاقِهَا وَأَبْوَابِهَا وَتُجَّارِهَا .

فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ ، كَيْفَ الشَّامُ؟ وَكَيْفَ(5) أَسْوَاقُهَا؟».

قَالَ : «وَكَانَ(6) رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إِذَا سُئِلَ عَنِ الشَّيْءِ لاَيَعْرِفُهُ شُقَّ عَلَيْهِ حَتّى يُرى ذلِكَ فِي وَجْهِهِ».

قَالَ : «فَبَيْنَمَا هُوَ كَذلِكَ إِذْ أَتَاهُ جَبْرَئِيلُ عليه السلام ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللّهِ ، هذِهِ الشَّامُ قَدْ رُفِعَتْ لَكَ(7) ، فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَإِذَا هُوَ بِالشَّامِ بِأَبْوَابِهَا(8) وَأَسْوَاقِهَا وَتُجَّارِهَا ، فَقَالَ(9) : أَيْنَ السَّائِلُ عَنِالشَّامِ ، فَقَالُوا لَهُ : فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ ، فَأَجَابَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فِي كُلِّ مَا سَأَلُوهُ عَنْهُ ، فَلَمْ يُؤمِنْ مِنْهُمْ إِلاَّ

ص: 290


1- . استظهره المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 523.
2- . الصحاح، ج 1، ص 130 ربب.
3- . يونس 10: 101.
4- . في الطبعة القديمة: «وقد» بدل «وقال».
5- . في بعض نسخ الكافي: «كيف» بدون الواو. وفي بعضها: - «كيف».
6- . في الطبعة القديمة: «كان» بدون الواو.
7- . في بعض نسخ الكافي: «إليك».
8- . في بعض نسخ الكافي: «وأبوابها».
9- . في أكثر نسخ الكافي: «وقال».

قَلِيلٌ ، وَهُوَ قَوْلُ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى : «وَما تُغْنِى الاْياتُ وَ النُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤمِنُونَ»(1)».

ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «نَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ لاَنُؤمِنَ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ(2) ، آمَنَّا بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ صلى الله عليه و آله» .

شرح

السند حسن كالصحيح.

قوله: (في قول اللّه عزّ وجلّ) في سورة يونس عليه السلام: «وَمَا تُغْنِي الاْيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لاَ يُؤْمِنُونَ».

قال الفيروزآبادي:

نذر بالشي _ كفرح _ : علمه فحذّره. وأنذره بالأمر إنذارا ونَذرا _ ويضمّ وبضمّتين _ ونذيرا: أعلمه، وحذّره وخوّفه في إبلاغه. والاسم: النذري بالضمّ، والنُذُر بضمّتين. ومنه: «فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ»(3) أي إنذاري.(4)

وقال الشيخ الطبرسي رحمه الله:

معناه: ولا تغني هذه الدلالات والبراهين الواضحة مع كثرتها وظهورها ولا الرسل المخوّفة عن قوم لا ينظرون في الأدلّة تفكّرا وتدبّرا وما يريدون الإيمان.

وقيل: ما تُغني معناه: أيّ شيء تغني عنهم من اجتلاب نفع أو دفع ضرر إذا لم يستدلّوا بها، فيكون ما للاستفهام، انتهى.(5)

(قال: لمّا اُسري برسول اللّه صلى الله عليه و آله).

في القاموس:

السرى _ كهدى _ : سير عامّة الليل، سرى يسري سُرىً وأسرى واسترى وسرى به وأسراه وبه و «أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً» تأكيد، أو معناه سيّره.(6)أقول منه ومن كلام بعض الأفاضل(7): إنّ سرى وأسرى بمعنى، والباء في «أسرى به» إمّا للتعدية، أو للتقوية.

وقيل: المفعول في الآية محذوف، أي أسرى البراق بعبده، أي جعله يسري به، وإنّما

ص: 291


1- . يونس 10: 101.
2- . في أكثر نسخ الكافي: «ورسوله».
3- . القمر 54: 16.
4- . القاموس المحيط، ج 2، ص 140 نذر.
5- . مجمع البيان، ج 5، ص 234.
6- . القاموس المحيط، ج 4، ص 341 سري مع التلخيص.
7- . هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 524.

حذف لأنّ المقصود ذكر النبيّ صلى الله عليه و آله لا البُراق.(1)

(أتاه جبرئيل بالبراق).

هو اسم دابّة ركبها النبيّ صلى الله عليه و آله ليلة المعراج. وقيل: اشتقاقه من البرق لسرعته.(2) وقيل: يحتمل أنّه سمّي بذلك لأنّ فيه لونين، من قولهم شاة برقاء إذا كان في صوفها الأبيض طاقات سود، وتوصف بأبيض لأنّ الشاة البرقاء معدودة من البيض. وقيل: سمّي به لصفائه وبريقه.(3)

(فركبها فأتى بيت المقدس) بفتح الميم وسكون القاف وكسر الدال، أو بضمّ الميم وشدّ الدالّ المفتوحة. وعلى الأوّل إمّا مصدر كالمرجع، أو اسم مكان بمعنى المكان الذي فيه التقديس، أي الطهارة من الأصنام، أو من الذنوب.

واعلم أنّ الظاهر من هذا الخبر أنّ سيره صلى الله عليه و آله في ليلة المعراج كان في حال اليقظة، وبالجسم والبدن، وهو قول علمائنا(4) وأكثر العامّة(5)، واستدلّوا عليه بقوله تعالى: «سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ»(6) حيث لم يقل بروح عبده، ولأنّ تحريك الجسم إلى مساحة بعيدة في مدّة قليلة هو المستغرب الذي يحتاج إلى البيان دون تحريك الروح.

وقال بعض العامّة: إنّه كان بالروح فقط.(7)

وقيل: إنّه كان بالجسم إلى المسجد الأقصى، وبالروح إلى السماء؛(8) لأنّه لو كان بالجسم في حال اليقظة لقال: أسرى بعبده إلى السماء.

واُجيب بأنّ هذا لا يعارض إجماع الخاصّة بل إجماع العامّة أيضا؛ إذ الخلاف بينهم منسوب إلى بعض السلف منهم.

ص: 292


1- . نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 524 بعنوان «قيل».
2- . حكاه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 524 عن ابن دريد.
3- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 524.
4- . راجع: التبيان، ج 6، ص 446؛ مجمع البيان، ج 6، ص 215؛ بحار الأنوار، ج 18، ص 282 _ 291.
5- . راجع: البداية والنهاية، ج 3، ص 140؛ السيرة النبويّة لابن كثير، ج 2، ص 104؛ سبل الهدى والرشاد، ج 3، ص 67.
6- . الإسراء 17: 1.
7- . حكي عن عائشة وغيرها. راجع: الكشّاف، ج 2، ص 447؛ تفسير الرازي، ج 20، ص 145.
8- . حكي عن طائفة. اُنظر: سبل الهدى والرشاد، ج 3، ص 67.

واتّفق المتأخّرون من المحدّثين والفقهاء والمتكلّمين على ما ذكرنا. وقال بعضهم: إنّه كان مرّتين؛ مرّة بالروح، واُخرى بالجسم.(1)

وقيل: قوله عليه السلام: «ثمّ رجع» دلّ بظاهره على أنّ الإسراء وقع إلى بيت المقدس فقط، لا إلى السماء أيضا. وقال: يمكن حمله على ظاهره، ويكون الإسراء إلى السماء مرّةً اُخرى غير هذه المرّة، ويمكن أيضا حمله على الاختصار بذكر بعض أجزاء المسافة الذي تطرد [عير] أهل مكّة إليه شهرا ذاهبة وشهرا جائية؛ لأنّ هذه المسافة كانت مأنوسة عندهم، ومدّة السير فيها معلومة، فإذا علموا بأنّ سيره فيها ذهابا أو عودا وقع في بعض [الليل] واُقيم الشاهد على ذلك كان أدفع لإنكاره وأنفع لقبوله بخلاف الاُمور السماويّة؛ فإنّهم لم يعاينوها ولم يشاهدوها.(2)

وقوله: (أنّي مررت بعيرٍ لأبي سفيان).

في القاموس: «العير _ بالكسر _ : القافلة مؤنّثة، أو الإبل تحمل الميرة بلا واحد من لفظها، أو كلّ ما امتير عليه إبلاً كانت أو حميرا أو بغالاً».(3)

وقوله: (فقال بعضهم لبعض).

قيل: يحتمل أن يكون السائل بعض المؤمنين، ويدلّ عليه قوله: «فقالوا يا رسول اللّه » ويؤيّده ما قال بعض العامّة من أنّه ارتدّ بهذا الإخبار جمعٌ من المؤمنين، فقالوا: ما لهذا يدّعي أنّه خرج الليلة إلى الشام ورجع.

ويحتمل أن يكون على سبيل المرافقة والملاينة والقصد إلى تصديقه بعد التبيّن، ولذلك آمن قليلٌ منهم.(4)

(إنّما جاء بالشام وهو راكب سريع).

الظاهر أنّ المستتر في «جاء» عائد إلى النبيّ صلى الله عليه و آله، و«الشام» منصوب على المفعوليّة، أي أتاه.

وقيل: يحتمل أن يكون منصوبا بنزع الخافض، أي أتى منه.(5)

وفي بعض النسخ العتيقة: «إنّما جاءه راكب سريع». قيل: أي جبرئيل، وفيما رواه

ص: 293


1- . حكي عن السهيلي. اُنظر: شرح المازندراني، ج 12، ص 525.
2- . القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 525 مع اختلاف يسير في اللفظ.
3- . القاموس المحيط، ج 2، ص 98 عير مع التلخيص.
4- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 525 مع التلخيص.
5- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 544 مع اختلاف في اللفظ.

الشيخ الطبرسي والعيّاشي: «إنّما جاء راكب سريع» بدون الضمير.(1)

وقيل: يحتمل على النسخة العتيقة أن يكونوا أرادوا به أنّه اطّلع على ذلك من جهة راكب سريع أتاه فأخبره.(2)

وقوله: (شقّ عليه) على البناء للفاعل، أي صَعُبَ عليه، ولعلّه لمخافة تكذيب قومه إذا لم يعلم ذلك الشيء، أو أبطأ في الإخبار به.

وقوله: (حتّى يُرى ذلك في وجهه) على البناء للمفعول، و«ذلك» إشارة إلى أثر الصعوبة.

وقوله: (هذه الشام قد رفعت لك).

في بعض النسخ: «إليك».

قيل: يحتمل أن يكون صورة الشام ومثالها ظهرت له صلى الله عليه و آله، ويحتمل أنّ نفس هذه البلدة ظهرت له بإزالة الحائل بينه وبينها، أو بنقلها من محلّها إلى قريب منه.(3)

قال الفيروزآبادي:

رفعه _ كمنعه _ ضدّ وضعه. والبعير في سيره: بالغ. ورفعته أنا لازم متعدّ. والقوم: أصعدوا في البلاد. و«فُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ»، أي بعضها فوق بعض، أو مقرّبة لهم. ومنه رفعته إلى السلطان رفعانا بالضمّ.(4)

متن الحديث الخامس والخمسين والخمسمائة

اشارة

أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ التَّيْمِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ زُرَارَةَ(5) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ : «إِذَا قَالَ الْمُؤمِنُ لِأَخِيهِ : أُفٍّ ، خَرَجَ مِنْ وَلاَيَتِهِ ، وَإِذَا قَالَ : أَنْتَ عَدُوِّي ، كَفَرَ أَحَدُهُمَا ؛ لِأَنَّهُ لاَيَقْبَلُ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ مِنْ أَحَدٍ عَمَلاً فِي تَثْرِيبٍ عَلى مُؤمِنٍ نَصِيحَةً ،

ص: 294


1- . تفسير العياشي، ج 2، ص 137، ح 49، وفيه: «إنّما جاء راكبا سريعا». وفي مجمع البيان، ج 5، ص 235: «إنّما جاءه راكب سريع».
2- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 544.
3- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 525.
4- . القاموس المحيط، ج 3، ص 30 رفع مع التلخيص.
5- . في الطبعة الجديدة: «عن محمّد بن عبد اللّه بن زرارة».

وَلاَيَقْبَلُ مِنْ مُؤمِنٍ عَمَلاً وَهُوَ يُضْمِرُ فِي قَلْبِهِ عَلَى الْمُؤمِنِ سُوءا ، وَلَوْ كُشِفَ الْغِطَاءُ عَنِ النَّاسِ ، فَنَظَرُوا إِلى وَصْلِ مَا بَيْنَ اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ مَا(1) بَيْنَ الْمُؤمِنِ ، خَضَعَتْ لِلْمُؤمِنِينَ رِقَابُهُمْ ، وَتَسَهَّلَتْ لَهُمْ أُمُورُهُمْ ، وَلاَنَتْ لَهُمْ طَاعَتُهُمْ ، وَلَوْ نَظَرُوا إِلى مَرْدُودِ الْأَعْمَالِ مِنَ اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ لَقَالُوا : مَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ مِنْ أَحَدٍ عَمَلاً» .

وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ لِرَجُلٍ مِنَ الشِّيعَةِ : «أَنْتُمُ الطَّيِّبُونَ ، وَنِسَاؤكُمُ الطَّيِّبَاتُ ، كُلُّ مُؤمِنَةٍ حَوْرَاءُ عَيْنَاءُ ، وَكُلُّ مُؤمِنٍ صِدِّيقٌ» .

قَالَ : وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : «شِيعَتُنَا أَقْرَبُ الْخَلْقِ مِنْ عَرْشِ اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَعْدَنَا ، وَمَا مِنْ شِيعَتِنَا أَحَدٌ يَقُومُ إِلَى الصَّلاَةِ إِلاَّ اكْتَنَفَتْهُ فِيهَا عَدَدَ مَنْ خَالَفَهُ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ ، يُصَلُّونَ عَلَيْهِ جَمَاعَةً حَتّى يَفْرُغَ مِنْ صَلاَتِهِ ، وَإِنَّ الصَّائِمَ مِنْكُمْ لَيَرْتَعُ فِي رِيَاضِ الْجَنَّةِ تَدْعُو لَهُ الْمَلاَئِكَةُ حَتّى يُفْطِرَ» .

وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : «أَنْتُمْ أَهْلُ تَحِيَّةِ اللّهِ بِسَلاَمِهِ ، وَأَهْلُ أُثْرَةِ اللّهِ بِرَحْمَتِهِ ، وَأَهْلُ تَوْفِيقِ اللّهِ بِعِصْمَتِهِ ، وَأَهْلُ دَعْوَةِ اللّهِ بِطَاعَتِهِ ، لاَ حِسَابٌ عَلَيْكُمْ ، وَلاَ خَوْفٌ وَلاَ حُزْنٌ ، أَنْتُمْ لِلْجَنَّةِ ، وَالْجَنَّةُ لَكُمْ ، أَسْمَاؤكُمْ عِنْدَنَا الصَّالِحُونَ وَالْمُصْلِحُونَ ، وَأَنْتُمْ أَهْلُ الرِّضَا عَنِ اللّهِ _ جَلَّ ذِكْرُهُ _ بِرِضَاهُ عَنْكُمْ ، وَالْمَلاَئِكَةُ إِخْوَانُكُمْ فِي الْخَيْرِ ، فَإِذَا اجْتَهَدْتُمُ(2) ادْعُوا ، وَإِذَا غَفَلْتُمُ اجْهَدُوا(3) ، وَأَنْتُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ، دِيَارُكُمْ لَكُمْ جَنَّةٌ ، وَقُبُورُكُمْ لَكُمْ جَنَّةٌ ، لِلْجَنَّةِ خُلِقْتُمْ ، وَفِي الْجَنَّةِ نَعِيمُكُمْ ، وَإِلَى الْجَنَّةِ تَصِيرُونَ» .

شرح

السند مجهول.

قوله: (عن زرارة).

كذا في النسخ التي رأيناها، والظاهر: «ابن زرارة».

وقوله: (خرج من ولايته) أي ولاية ذلك الأخ المؤمن؛ يعني انقطع بينهما الولاية التي جعل اللّه بينهما بقوله تعالى: «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ»(4) ففيه حينئذٍ إيماء بأنّه خرج من الإيمان، أو المراد أنّه خرج عن ولاية اللّه حيث قال عزّ وجلّ:

ص: 295


1- . هكذا في النسخة و بعض نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: - «ما».
2- . هكذا في النسخة و أكثر نسخ الكافي والوافي. وفي كلتا الطبعتين: «جهدتم».
3- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «اجتهدوا».
4- . التوبة 9: 71.

«اللّه ُ وَلِىُّ الَّذِينَ آمَنُوا»(1)، والأوّل أظهر.

وقوله: (كفر أحدهما)؛ لأنّه إن كان صادقا فقد كفر أخوه بعداوته، وإن كان كاذبا فقد كفر القائل بالافتراء على أخيه.

ولعلّ المراد بالكفر هنا الكفر الذي يتّصف به أصحاب الكبائر، وهو الكفر في الفروع بترك أوامر اللّه تعالى وعدم رعاية حقوق الاُخوّة، لا الكفر الذي ينافي أصل الإيمان.

وقوله: (لا يقبل اللّه ) إلى آخره، تعليل للكفر؛ فإنّه إذا لم يقبل منه عملاً لأجل تلك الحالة فهو كافر، أو له وللخروج من الولاية أيضا.

وقوله: (في تثريب).

التثريب: التعيير، والتأنيب، والاستقصاء في اللؤم.

وقوله: (نصيحة) بدل أو بيان لقوله «عملاً»، أو مفعول له للتثريب، أي لا يقبل عملاً من أعماله إذا عيّره على وجه النصيحة، فكيف بدونها.

وقيل: يحتمل أن يكون المراد أن يعيّره؛ لكون ذلك المؤمن نصح للّه ، ولا يخفى بُعده من العبارة.(2)

(ولو كشف الغطاء) بالكسر، أي ما يغطّى به (عن الناس).

(فنظروا إلى وصل ما بين اللّه _ عزّ وجلّ _ وما بين المؤمن).

الوصل: ضدّ الهجران، والمراد هنا الروابط المعنويّة من القُرب والمحبّة والرحمة والهداية وغيرها.

(خضعت للمؤمنين رقابهم).

الخضوع: التطامن، والتواضع، والسكون، وفعله كمنع، والمراد هنا غاية التواضع وإظهار الذلّ والمسكنة كما هو المتعارف من فعل الناس بالنسبة إلى الملوك وأمثالهم.

(وتسهّلت لهم اُمورهم).

الضمير الأوّل للناظرين، والثاني للمؤمنين. ولعلّ المراد أنّه سهّلت لهم اُمور المؤمنين من إعانتهم وقضاء حوائجهم وخدمتهم.

ص: 296


1- . البقرة 2: 257.
2- . القائل العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 545.

وقيل: التسهّل إمّا من السهولة بمعنى اليُسر وعدم المشقّة، أو من السّهل بمعنى الحقير الدنيّ والرديّ.

فعلى الأوّل يكون قوله: «اُمورهم» عبارة عن الاُمور التكليفيّة من الطاعات والقربات التي صارت موجبة لحصول ما يشاهدونه بعد كشف الغطاء من وصل ما بينه تعالى وبين المؤمن، ويؤيّد قوله عليه السلام: (ولانت لهم طاعتهم).

وعلى الثاني عبارة عن اُمورهم التي تخالف اُمور المؤمنين من الركون إليها، وغاية الاهتمام إلى جمع زخارفها الفانية وما يتعلّق بها ممّا يمنع من الوصول إلى درجة المؤمن،فالضمير في «لهم» و«اُمورهم» عائد إلى الناظرين، وعوده إلى المؤمنين بعيد،(1) انتهى.

(ولانت لهم طاعتهم).

اللّين: ضدّ الخشونة. يُقال: إنّ الشيء يلين لينا، أي لانت للناظرين طاعة المؤمنين.

وعلى ما قلنا فهذا كالتأكيد للأوّل. وعلى ما قيل يكون بالطاعة الأمر والنهي، أي كانوا كالمجبورين في تلك الطاعات، ولذلك اقتضت الحكمة عدم كشف الغطاء تحقيقا لمعنى التكليف.

(ولو نظروا إلى مردود الأعمال من اللّه عزّ وجلّ) أي الأعمال التي ردّت ولم تُقبل مع كونها صالحة كاملة ظاهرا؛ لفسادها باطنا.

(لقالوا: ما يتقبّل اللّه من أحد عملاً) وهذا هو الذي أوقف المؤمن بين الخوف والرجاء.

وقوله: (كلّ مؤمنة حوراء عيناء) أي في الواقع، أو في الجنّة. ويؤيّد الأوّل قوله: (كلّ مؤمن صدّيق).

قال الجوهري: «الصدّيق، مثال الفسيّق: الدائم التصديق، ويكون الذي يصدّق قوله بالعمل».(2)

أقول: لعلّ المراد أنّهم عند اللّه منهم.

وقيل: أي ينزلون في الجنّة منازل الصدّيقين، ويكونون في درجاتهم.(3) وكأنّ هذا القائل خصّص الصدّيق بالنبيّ صلى الله عليه و آله والوصيّ.

ص: 297


1- . لم نعثر على قائله.
2- . الصحاح، ج 4، ص 1506 صدق.
3- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 546.

وقوله: (شيعتنا أقرب الخلق من عرش اللّه _ عزّ وجلّ _ يوم القيامة بعدنا).

المراد بالخلق من يتصوّر في حقّه القرب إلى رحمته تعالى من المؤمنين والصلحاء من هذه الاُمّة وغيرها من الاُمم، والمراد بالعرش العرش الجسماني كما هو الظاهر المتبادر.

وقيل: العرش: الرحمة، سمّيت به لاستقرار المؤمن فيها.(1)

وقوله عليه السلام: (عدد من خالفه) أي من فرق المسلمين، أو كلّ من خالفه في الدِّين من أيّ فرقة كان.

وقوله: (يصلّون عليه جماعة).

قيل: أي يدعون ويستغفرون له جماعة، أي مجتمعين أو يأتمّون به في الصلاة، وله ثواب إمام الجماعة، كما ورد: «أنّ صلاة المؤمن وحده جماعة»،(2) ويحتمل أن يكون«جماعة» فاعل «اكتنفته».(3)

وقوله: (ليرتع في رياض الجنّة) أي في القيامة. أو المراد أنّه يستوجب بذلك دخولها حتّى كأنّه يرتع فيها. أو المراد رياض القرب والوصال.

وقيل: أو ذكر اللّه تعالى، ويؤيّده ما رواه العامّة: «إذا مررتم برياض الجنّة فارتعوا»(4).(5)

قال الجزري: «الرتع: الاتّساع وفي الخصب والنّعم، وأراد برياض الجنّة ذكر اللّه تعالى، وشبّه الخوض فيه بالرتع في الخصب».(6)

وقوله: (أنتم أهل تحيّة اللّه بسلامه) أي يحيّيكم اللّه في الجنّة متلبّسا بسلامه.

والمراد أنّ الملائكة تسلّم عليكم فيها تحيّة من اللّه تعالى، قال اللّه عزّ وجلّ: «وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ»(7)، وقال: «وَالْمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ»(8)، فيقولون: «سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ»(9).

ص: 298


1- . ذهب إليه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 527.
2- . في الخبر: «إنّ المؤمن وحده جماعة». الكافي، ج 3، ص 371، ح 2.
3- . ذهب إليه العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 546.
4- . المعجم الكبير للطبراني، ج 11، ص 78؛ كنز العمّال، ج 1، ص 437، ح 1885.
5- . القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 527.
6- . النهاية، ج 2، ص 193 رتع مع التلخيص.
7- . الزمر 39: 73.
8- . الرعد 13: 23.
9- . الرعد 13: 24.

قال الجوهري: «التحيّة: المُلك، ويُقال: حيّاك اللّه ، أي ملّكك، والتحيّات للّه ».(1)

قال يعقوب: أي المُلك للّه .

وقال الفيروزآبادي: «التحيّة: السلام. وحيّاه تحيّة، والبقاء، والملك. وحيّاك اللّه ، أي أبقاك، أو ملّكك».(2)

وقال: «السلام: السلامة، والبراءة من العيوب».(3)

أقول: لعلّ المراد بالسلام هنا السلامة من المكاره والآفات.

(وأهل اُثرة اللّه ) أي أهل مكرمته متلبّسا (برحمته) أو اختاركم وآثركم على غيركم.

قال الفيروزآبادي: «الاُثرة _ بالضمّ _ : المكرمة المتوارثة، والبقيّة من العلم. وآثره: أكرمه. وآثر: اختار».(4)

(وأهل دعوة اللّه بطاعته).

قيل: أي دعاكم إلى الجنّة بسبب أنّكم أطعتموه في موالاة أئمّة الهدى، فقبل أعمالكم. أو أنّكم المقصودون في الدعاء؛ إلى الطاعة لعدم قبولها من غيركم.(5)

وأقول: لعلّ المراد أنّكم المنصوبون لدعوة الخلق إلى طاعة اللّه .

(لا حساب عليكم) يوم القيامة (ولا خوف) من العقاب (ولا حزن) بفوات الثواب؛ إذ العقاب غير واقع عليهم جزما، والثواب ثابت دائما أبدا.

(وأنتم أهل الرضا عن اللّه ) أي رضيتم عنه متلبّسا (برضاه عنكم) وهذا إشارة إلى قوله عزّ وجلّ: «رَضِىَ اللّه ُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ»(6).

وقيل: أي إنّما رضيتم عن اللّه لعلمكم بأنّه رضى عنكم، أو لرضاه عنكم جعلكم راضين عنه.(7)

وقال بعض المحقّقين:

رضا العبد عنه تعالى عبارة عن رفع الاختيار. وقيل: هو سكون النفس تحت مجاري القدر. وقيل: هو السرور بمرّ القضاء. والأوّلان تعريف لمبدئه، والأخير

ص: 299


1- . الصحاح، ج 6، ص 2325 حيا مع التلخيص.
2- . القاموس المحيط، ج 4، ص 322 حيي.
3- . القاموس المحيط، ج 4، ص 129 سلم.
4- . القاموس المحيط، ج 1، ص 362 أثر مع التلخيص.
5- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 547.
6- . المائدة 5: 119.
7- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 547.

تعريف لمنتهاه. ورضاه تعالى عن العبد عبارة عن إفاضته الخيرات في الدُّنيا والآخرة، ومنها تشريفهم بالقُرب.(1)

(فإذا اجتهدتم ادعوا).

لعلّ المراد إذا بالغتم في طاعة اللّه فاسألوه التوفيق للمزيد. وفي بعض النسخ: «فإذا جهدتم»، أي إذا وقعتم في الجهد والمشقّة فادعوا اللّه _ عزّ وجلّ _ لكشفها.

(دياركم لكم جنّة).

لعلّ المراد ديار الدُّنيا، أي أنتم فيها تكسبون الجنّة، فكأنّكم في الجنّة.

أو المراد الجنّة المعنويّة كما مرّ. ويحتمل أن يكون المراد ديار الآخرة، أي أنّها داركم التي خلقتم لها لا دار الدُّنيا.

متن الحديث السادس والخمسين والخمسمائة

اشارة

أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ النَّهْدِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ فُضَيْلٍ(2) :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آلهلِجَعْفَرٍ عليه السلام حِينَ قَدِمَ مِنَ الْحَبَشَةِ : أَيُّ شَيْءٍ أَعْجَبُ مَا رَأَيْتَ؟ قَالَ : رَأَيْتُ حَبَشِيَّةً مَرَّتْ(3) وَعَلى رَأْسِهَا مِكْتَلٌ ، فَمَرَّ رَجُلٌ ، فَزَحَمَهَا ، فَطَرَحَهَا وَوَقَعَ الْمِكْتَلُ عَنْ رَأْسِهَا ، فَجَلَسَتْ ، ثُمَّ قَالَتْ : وَيْلُكَ(4) مِنْ دَيَّانِ يَوْمِ الدِّينِ إِذَا جَلَسَ عَلَى الْكُرْسِيِّ ، وَأَخَذَ لِلْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ . فَتَعَجَّبَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله» .

شرح

السند ضعيف على قول الأكثر.

قوله: (وعلى رأسها مكتل).

المكتل _ كمنبر _ : زنبيل يسع خمسة عشر صاعا.

ص: 300


1- . القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 527.
2- . في الطبعة القديمة: «الفضيل».
3- . في بعض نسخ الكافي: + «عليّ».
4- . هكذا في النسخة و بعض نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: «ويل لك».

وقوله: (فزحمها).

في القاموس: «الزِحام _ بالكسر _ : المضايقة. زحمه _ كمنعه _ زَحْما وزحاما: ضايقه».(1)

وقوله: (من ديّان يوم الدِّين).

الدّيّان في صفته تعالى للمبالغة من الدَّين بمعنى الجزاء والمكافأة.

وقوله: (فتعجّب رسول اللّه صلى الله عليه و آله).

كان تعجّبه صلى الله عليه و آله من صدور مثل هذا الكلام الدالّ على كمال الإيمان بيوم الجزاء، أو على تهديد الظالم من خشيته في بلد الشرك. ويحتمل أن يكون تعجّبه صلى الله عليه و آله من جرأتها على نسبة الجلوس إليه تعالى.

متن الحديث السابع والخمسين والخمسمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْخَرَّازِ(2) ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ آزَرَ أَبَا إِبْرَاهِيمَ عليه السلام كَانَ مُنَجِّما لِنُمْرُودَ ، وَلَمْ يَكُنْ يَصْدُرُ إِلاَّ عَنْ أَمْرِهِ ، فَنَظَرَ لَيْلَةً فِي النُّجُومِ ، فَأَصْبَحَ وَهُوَ يَقُولُ لِنُمْرُودَ : لَقَدْ رَأَيْتُ عَجَبا ، قَالَ : وَمَا هُوَ؟ قَالَ : رَأَيْتُ مَوْلُودا يُولَدُ فِي أَرْضِنَا يَكُونُ هَلاَكُنَا عَلى يَدَيْهِ ، وَلاَ يَلْبَثُ إِلاَّ قَلِيلاً حَتّى يُحْمَلَ بِهِ» .

قَالَ : «فَتَعَجَّبَ مِنْ ذلِكَ ، وَقَالَ : هَلْ حَمَلَتْ بِهِ النِّسَاءُ؟ قَالَ : لاَ»

قَالَ : «فَحَجَبَ النِّسَاءَ عَنِ الرِّجَالِ ، فَلَمْ يَدَعِ امْرَأَةً إِلاَّ جَعَلَهَا فِي الْمَدِينَةِ لاَ يُخْلَصُ إِلَيْهَا ، وَوَقَعَ(3) آزَرُ بِأَهْلِهِ ، فَعَلِقَتْ بِإِبْرَاهِيمَ صلى الله عليه و آله ، فَظَنَّ أَنَّهُ صَاحِبُهُ ، فَأَرْسَلَ(4) إِلى نِسَاءٍ مِنَ الْقَوَابِلِ فِي ذلِكَ الزَّمَانِ لاَ يَكُونُ فِي الرَّحِمِ شَيْءٌ إِلاَّ عَلِمُوا(5) بِهِ ، فَنَظَرْنَ فَأَلْزَمَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ مَا فِي الرَّحِمِ(6) الظَّهْرَ ، فَقُلْنَ : مَا نَرى فِي بَطْنِهَا شَيْئا ، وَكَانَ فِيمَا أُوتِيَ مِنَ الْعِلْمِ أَنَّهُ سَيُحْرَقُ بِالنَّارِ ، وَلَمْ يُؤتَ عِلْمَ أَنَّ اللّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالى سَيُنْجِيهِ» .

ص: 301


1- . القاموس المحيط، ج 4، ص 124 زحم مع اختلاف في اللفظ.
2- . في الطبعة القديمة: «الخزّاز» بالزاي المعجمة، وهو سهو على التحقيق.
3- . في بعض نسخ الكافي: «وواقع».
4- . في كثير من نسخ الكافي: «فأرسلوا».
5- . هكذا في النسخة و كثير من نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: «علمن».
6- . في الطبعة القديمة: + «إلى».

قَالَ: «فَلَمَّا وَضَعَتْ أُمُّ إِبْرَاهِيمَ ، أَرَادَ آزَرُ أَنْ يَذْهَبَ بِهِ إِلى نُمْرُودَ لِيَقْتُلَهُ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: لاَتَذْهَبْ بِابْنِكَ إِلى نُمْرُودَ فَيَقْتُلَهُ، دَعْنِي أَذْهَبْ بِهِ إِلى بَعْضِ الْغِيرَانِ أَجْعَلْهُ فِيهِ حَتّى يَأْتِيَ عَلَيْهِ أَجَلُهُ، وَلاَتَكُونَ أَنْتَ الَّذِي تَقْتُلُ ابْنَكَ، فَقَالَ لَهَا: فَامْضِي بِهِ».

قَالَ : «فَذَهَبَتْ بِهِ إِلى غَارٍ ، ثُمَّ أَرْضَعَتْهُ ، ثُمَّ جَعَلَتْ عَلى بَابِ الْغَارِ صَخْرَةً ، ثُمَّ انْصَرَفَتْ عَنْهُ» .

قَالَ : «فَجَعَلَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ رِزْقَهُ فِي إِبْهَامِهِ ، فَجَعَلَ يَمَصُّهَا فَيَشْخُبُ لَبَنُهَا ، وَجَعَلَ يَشِبُّ فِي الْيَوْمِ كَمَا يَشِبُّ غَيْرُهُ فِي الْجُمْعَةِ ، وَيَشِبُّ فِي الْجُمْعَةِ كَمَا يَشِبُّ غَيْرُهُ فِي الشَّهْرِ ، وَيَشِبُّ فِي الشَّهْرِ كَمَا يَشِبُّ غَيْرُهُ فِي السَّنَةِ ، فَمَكَثَ مَا شَاءَ اللّهُ أَنْ يَمْكُثَ ، ثُمَّ إِنَّ أُمَّهُ قَالَتْ لِأَبِيهِ : لَوْ أَذِنْتَ لِي حَتّى أَذْهَبَ إِلى ذلِكَ الصَّبِيِّ فَعَلْتُ ، قَالَ : فَافْعَلِي ، فَذَهَبَتْ فَإِذَا هِيَ بِإِبْرَاهِيمَ عليه السلام ، وَإِذَا عَيْنَاهُ تَزْهَرَانِ كَأَنَّهُمَا سِرَاجَانِ» .

قَالَ : «فَأَخَذَتْهُ فَضَمَّتْهُ إِلى صَدْرِهَا وَأَرْضَعَتْهُ ، ثُمَّ انْصَرَفَتْ عَنْهُ ، فَسَأَلَهَا آزَرُ عَنْهُ ، فَقَالَتْ : قَدْ وَارَيْتُهُ فِي التُّرَابِ ، فَمَكَثَتْ تَفْعَلُ ، فَتَخْرُجُ فِي الْحَاجَةِ ، وَتَذْهَبُ إِلى إِبْرَاهِيمَ عليه السلام فَتَضُمُّهُ إِلَيْهَا(1) وَتُرْضِعُهُ ثُمَّ تَنْصَرِفُ ، فَلَمَّا تَحَرَّكَ أَتَتْهُ كَمَا كَانَتْ تَأْتِيهِ ، فَصَنَعَتْ بِهِ كَمَا كَانَتْ تَصْنَعُ ، فَلَمَّا أَرَادَتِ الاِنْصِرَافَ أَخَذَ بِثَوْبِهَا ، فَقَالَتْ لَهُ : مَا لَكَ؟ فَقَالَ لَهَا : اذْهَبِي بِي مَعَكِ ، فَقَالَتْ لَهُ : حَتّى أَسْتَأْمِرَ أَبَاكَ» .

قَالَ : «فَأَتَتْ أُمُّ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام آزَرَ ، فَأَعْلَمَتْهُ الْقِصَّةَ ، فَقَالَ لَهَا : ائْتِينِي بِهِ ، فَأَقْعِدِيهِ عَلَى الطَّرِيقِ ، فَإِذَا مَرَّ بِهِ إِخْوَتُهُ دَخَلَ مَعَهُمْ وَلاَيُعْرَفُ» .

قَالَ : «وَكَانَ إِخْوَةُ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام يَعْمَلُونَ الْأَصْنَامَ ، وَيَذْهَبُونَ بِهَا إِلَى الْأَسْوَاقِ وَيَبِيعُونَهَا» .

قَالَ : «فَذَهَبَتْ إِلَيْهِ، فَجَاءَتْ بِهِ حَتّى أَقْعَدَتْهُ عَلَى الطَّرِيقِ ، وَمَرَّ إِخْوَتُهُ فَدَخَلَ مَعَهُمْ ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُوهُ وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْمَحَبَّةُ مِنْهُ، فَمَكَثَ مَا شَاءَ اللّهُ» .

قَالَ : «فَبَيْنَمَا إِخْوَتُهُ يَعْمَلُونَ يَوْما مِنَ الْأَيَّامِ الْأَصْنَامَ إِذْ أَخَذَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلامالْقَدُومَ ، وَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَجَرَ مِنْهَا صَنَما لَمْ يَرَوْا قَطُّ مِثْلَهُ ، فَقَالَ آزَرُ لِأُمِّهِ : إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ نُصِيبَ خَيْرا بِبَرَكَةِ ابْنِكِ هذَا» .

قَالَ : «فَبَيْنَمَا هُمْ كَذلِكَ إِذَا أَخَذَ إِبْرَاهِيمُ _ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ _ الْقَدُومَ ، فَكَسَرَ الصَّنَمَ الَّذِي عَمِلَهُ ، فَفَزِعَ أَبُوهُ مِنْ ذلِكَ فَزَعا شَدِيدا ، فَقَالَ لَهُ : أَيَّ شَيْءٍ عَمِلْتَ؟ فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام : وَمَا تَصْنَعُونَ بِهِ؟ فَقَالَ آزَرُ : نَعْبُدُهُ ، فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام : «أَ تَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ»فَقَالَ آزَرُ لِأُمِّهِ : هذَا الَّذِي يَكُونُ ذَهَابُ مُلْكِنَا عَلى يَدَيْهِ» .

ص: 302


1- . في بعض نسخ الكافي: «إلى صدرها» بدل «إليها».

شرح

السند حسن.

قوله: (إنّ آزر أبا إبراهيم عليه السلام).

قال الفاضل الإسترآبادي:

هذا الحديث صريح في أنّ آزر كان أبا إبراهيم عليه السلام، وقد انعقد إجماع الفرقة المحقّة على أنّ أجداد نبيّنا صلى الله عليه و آلهكانوا مسلمين إلى آدم عليه السلام، وقد تواترت عنهم عليهم السلام: «نحن من الأصلاب الطاهرات، والأرحام المطهّرات، لم تدنّسهم الجاهليّة بأدناسها».(1) وفي كتب الشافعيّة كالقاموس وغيره: أنّ آزر كان عمّ إبراهيم عليه السلاموكان أبوه تارخ،ويمكن حمل هذا الحديث على التقيّة بأن يكون هذا مذهب أبي حنيفة،(2) انتهى.

وأقول: يحتمل أن يكون لفظ «آزر» علما لعمّ إبراهيم عليه السلام ولقبا لأبيه تارخ أيضا، فلا إشكال.

(كان منجّما لنمرود).

هو نمرود بن كنعان من أحفاد سام بن نوح.

وقيل: كان بينه وبين نوح آباء، وكان قد ملك الشرق والغرب وادّعى الاُلوهيّة، وأمر بعمل الأصنام على صورته ونشرها على البلاد ليعبدوها، ولم يكن في عهده موحّدا ظاهرا حتّى بعث الخليل.(3)

(ولم يكن يصدر إلاّ عن أمره).

يُقال: صدر عن الشيء كنصر _ وقيل: أو كضرب _ صدرا وصدورا، أي رجع.

وقوله: (حتّى يحمل به) على البناء للمفعول. يُقال: خلص فلان إلى فلان _ كنصر _ خلوصا، أي وصل إليه، وبلغه.

(ووقع آزر بأهله، فعلقت بإبراهيم عليه السلام).

علقت المرأة _ بالكسر _ أي حبلت. وفي معارج النبوّة جعلهنّ في المدينة ومنع الرجال

ص: 303


1- . راجع: تهذيب الأحكام، ج 6، ص 114، ح 201؛ إقبال الأعمال، ج 3، ص 103.
2- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 530 مع التلخيص. وانظر: القاموس المحيط، ج 1، ص 363 أزر، وفيه: «تارح» بالحاء.
3- . القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 529.

من الدخول فيها، ووكّل على أبواب المدينة اُمناء منهم آزر، فحضرت زوجته عنده، فواقعها، فحملت بإبراهيم عليه السلام.(1)

(فظنَّ) آزر (أنّه) أيّ إبراهيم عليه السلام (صاحبه) الذي أخبر به نمرود.

(فأرسل) أي نمرود، أو آزر.

وفي بعض النسخ: «فأرسلوا» أي اُمراء نمرود.

(لا يكون في الرحم) أي رحم اُمّ إبراهيم عليه السلام، أو مطلق النساء.

(شيء إلاّ علموا به).

في بعض النسخ: «إلاّ علمن به».

(فنظرن).

في بعض النسخ: «فنظرت» على البناء للمجهول، والمستتر فيه لاُمّ إبراهيم عليه السلام.

وقوله: (إلى بعض الغيران).

قال الفيروزآبادي:

الغَوْر: الكهف، كالمغارة، والغار. أو الغار كالبيت في الجبل، أو المنخفض فيه، أو كلّ مطمئنّ من الأرض أو الجحر يأوي إليه الوحشي، الجمع: أغوار، وغيران.(2)

وقوله: (يمصّها) بفتح الميم.

وقوله: (فيشخب لبنها) أي يسيل منها اللّبن.

قال الفيروزآبادي: «الشخب _ ويضمّ _ : ما خرج من الضرع من اللّبن. وشخب اللّبن _ كنصر ومنع _ فانشخب».(3)

وروى صاحب معارج النبوّة:

أنّه يشخب من إبهامه لبنٌ وعسل صاف، وقيل: إنّه يشخب من إحدى أصابعه ماء ومن الاُخرى لبن خالص ومن الاُخرى عسل مصفّى ومن الاُخرى تمر ومن الاُخرى سمن.(4)

ص: 304


1- . نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 529.
2- . القاموس المحيط، ج 2، ص 105 غور مع التلخيص.
3- . القاموس المحيط، ج 1، ص 86 شخب مع التلخيص.
4- . نقله المحقّق المازندراني رحمه الله عنه في شرحه، ج 12، ص 530 مع اختلاف يسير في اللفظ.

(وجعل يشبّ) إلى آخره.

يُقال: شبّ فلان يشِبّ _ بالكسر _ : إذا نما، وكبر، وارتفع. والمراد بالجمعة الاُسبوع تسمية للكلّ باسم الجزء. ويحتمل أن لا يكون بناء تلك التشبيهات على المساواة الحقيقيّة، بل على محض الإسراع في النموّ كما هو شايع في المحاورات.

وقوله: (تزهران) أي تضيئان. يُقال: زهرت النار والسراج _ كمنع _ زهورا: إذا أضاءت.

وقوله: (فمكثت تفعل) أي ما ذكر.

وقوله: (فتخرج في الحاجة) بيان للفعل.

وفي بعض النسخ: «تعتلّ» بدل «تفعل» وهو أظهر. وفي تاج اللّغة: «الاعتلال: بهانه آوردن».

وقوله: (فلمّا تحرّك) أي مشى.

وقوله: (فلمّا أرادت الانصراف أخذ بثوبها).

قال صاحب معارج النبوّة:

قال لاُمّه: هل غير هذه البقعة منزل آخر؟

قالت: نعم، أحسن وأوسع وأزين، وهذه البقعة ضيّقة، وإنّما أسكنتك خوفا من العدوّ وتحرّزا من قتلك. فالتمسها أن تخرجه معها، فلمّا أخرجته ليلاً رأى عليه السلام أرضا موضوعة مبسوطة وسماءً مرفوعة مزيّنة بزينة الكواكب، فقال ما حكاه جلّ شأنه عنه في القرآن الكريم: «فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبا»(1) الآية.(2)

وقوله: (القدوم) بفتح القاف.

قال الجوهري: «القدوم: التي ينحت بها مخفّفة. قال ابن السكّيت: ولا تقل: قدّوم بالتشديد. والجمع: قُدُم».(3)

وقال في النهاية: «القَدوم _ بالفتح وبالتخفيف والتشديد _ : قدوم النجّار».(4)

ص: 305


1- . الأنعام 6: 76.
2- . نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 530.
3- . الصحاح، ج 5، ص 2008 قدم.
4- . النهاية، ج 4، ص 27 قدم.

متن الحديث الثامن والخمسين والخمسمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ حُجْرٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «خَالَفَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام قَوْمَهُ ، وَعَابَ آلِهَتَهُمْ حَتّى أُدْخِلَ عَلى نُمْرُودَ ،فَخَاصَمَهُ ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام : «رَبِّىَ الَّذِى يُحْيِى وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِى وَأُمِيتُ»قَالَ إِبْرَاهِيمُ : «فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِى بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِى كَفَرَ وَاللّهُ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الظّالِمِينَ»(1)» .

وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «عَابَ آلِهَتَهُمْ ، «فَنَظَرَ نَظْرَةً فِى النُّجُومِ * فَقالَ إِنِّى سَقِيمٌ»(2)».

قَالَ(3) أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «وَاللّهِ مَا كَانَ سَقِيما وَمَا كَذَبَ .

فَلَمَّا تَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ إِلى عِيدٍ لَهُمْ ، دَخَلَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام إِلى آلِهَتِهِمْ بِقَدُومٍ ، فَكَسَرَهَا إِلاَّ كَبِيرا لَهُمْ ، وَوَضَعَ الْقَدُومَ فِي عُنُقِهِ ، فَرَجَعُوا إِلى آلِهَتِهِمْ ، فَنَظَرُوا إِلى مَا صُنِعَ بِهَا ، فَقَالُوا : لاَ وَاللّهِ ، مَا اجْتَرَأَ عَلَيْهَا وَلاَ كَسَرَهَا إِلاَّ الْفَتَى الَّذِي كَانَ يَعِيبُهَا وَيَبْرَأُ مِنْهَا ، فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ قِتْلَةً أَعْظَمَ مِنَ النَّارِ ، فَجُمِعَ لَهُ الْحَطَبُ وَاسْتَجَادُوهُ حَتّى إِذَا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي يُحْرَقُ فِيهِ بَرَزَ لَهُ نُمْرُودُ وَجُنُودُهُ، وَقَدْ بُنِيَ لَهُ بِنَاءٌ لِيَنْظُرَ إِلَيْهِ كَيْفَ تَأْخُذُهُ النَّارُ ، وَوُضِعَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام فِي مَنْجَنِيقٍ ، وَقَالَتِ الْأَرْضُ : يَا رَبِّ ، لَيْسَ عَلى ظَهْرِي أَحَدٌ يَعْبُدُكَ غَيْرُهُ يُحْرَقُ بِالنَّارِ ، قَالَ الرَّبُّ : إِنْ دَعَانِي كَفَيْتُهُ» .

فَذَكَرَ أَبَانٌ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ ، عَمَّنْ رَوَاهُ:

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : «أَنَّ دُعَاءَ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام يَوْمَئِذٍ كَانَ يَا أَحَدُ يَا أَحَدُ ، يَا صَمَدُ يَا صَمَدُ ، يَا مَنْ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوا أَحَدٌ ، ثُمَّ قَالَ : تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ ، فَقَالَ الرَّبُّ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ كَفَيْتُ ، فَقَالَ لِلنَّارِ : «كُونِى بَرْدًا» » .

قَالَ : «فَاضْطَرَبَتْ أَسْنَانُ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام مِنَ الْبَرْدِ حَتّى قَالَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ : «وَسَلاما عَلى إِبْراهِيمَ» وَانْحَطَّ جَبْرَئِيلُ عليه السلاموَإِذَا هُوَ جَالِسٌ مَعَ إِبْرَاهِيمَ عليه السلاميُحَدِّثُهُ فِي النَّارِ ، قَالَ نُمْرُودُ : مَنِ اتَّخَذَ إِلها ، فَلْيَتَّخِذْ مِثْلَ إِلهِ إِبْرَاهِيمَ» .

قَالَ : «فَقَالَ عَظِيمٌ مِنْ عُظَمَائِهِمْ : إِنِّي عَزَمْتُ عَلَى النَّارِ أَنْ لاَتُحْرِقَهُ» قَالَ : «فَأَخَذَ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ

ص: 306


1- . البقرة 2: 258.
2- . الصافّات 37: 88 و 89.
3- . في بعض نسخ الكافي: «فقال».

نَحْوَهُ حَتّى أَحْرَقَهُ» قَالَ : «فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ ، وَخَرَجَ مُهَاجِرا إِلَى الشَّامِ هُوَ وَسَارَةُ وَلُوطٌ» .

شرح

(حُجر) بضمّ الحاء المهملة وسكون الجيم: ابن زائدة الحضرمي، وثّقه النجاشي.(1) وروى الكشّي في مدحه رواية(2) وفي ذمّه اُخرى.(3) وعلى تقدير توثيقه فالسند حسن موثّق، وسيأتي لهذا زيادة تحقيق إن شاء اللّه تعالى.

قوله: (وعاب آلهتهم).

في معارج النبوّة:

لامَ إبراهيم عليه السلام لوما شديدا لعبدَة الأصنام، وعاب آلهتهم، فقد كان يقول: «إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّه ِ حَصَبُ جَهَنَّمَ»(4)، وكان يقول: «أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّه ِ مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئا وَلاَ يَضُرُّكُمْ»(5) الآية، وكان يقول: «أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللّه ُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ»(6)، وقد كان يقول: إنّ إلهكم جمادٌ لا يسمع ولا يُبصر ولا يعقل ولا يُغني عنكم شيئا.

وبالجملة: كان دائما يذمّ القوم وأصنامهم، وقد نقل أنّهم كانوا ينحتون الأصنام، ويبيعونها في الأسواق، ويقولون: مَن يشتري إلها وصفه كذا وكذا، ويعدّون من الأوصاف الحسنة، فأخذ إبراهيم عليه السلام يوما صنما وشدّ حبلاً على رِجله ويجرّه على الأرض القذرة والطين في الأسواق والسّكك ويقول: من يشتري ما لا يضرّه ولا ينفعه، ويغبن ويخسر في شرائه، وهكذا يعدّ جملة معائبه.(7)

(حتّى اُدخل على نمرود).

قيل: إدخاله عليه بعد كسر الأصنام، وأنّه دخل عليه ولم يسجد، وكان من دأبهم السجودله عند الدخول عليه، فغضب نمرود وقال: لِمَ لم تسجد؟ فقال عليه السلام: لا أسجد إلاّ لربّي، فقال نمرود: ومَن ربّك؟ فقال عليه السلام: «رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ»؛ فقال: «أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ»وأحضر

ص: 307


1- . رجال النجاشي، ص 148، الرقم 384.
2- . اختيار معرفة الرجال، ج 1، ص 43، ح 20.
3- . اختيار معرفة الرجال، ج 2، ص 612، ح 583.
4- . الأنبياء 21: 98.
5- . الأنبياء 21: 66.
6- . الصافّات 37: 95 و 96.
7- . نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 531 مع التلخيص واختلاف يسير في اللفظ.

رجلين فقتل أحدهما وأطلق الآخر، [و] زعم الأحمق أنّه أحياه وأماته.(1)

وقال: «أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ».

قال الشيخ الطبرسي رحمه الله:

أي فقال نمرود: أنا اُحيي بالتخلية من الحبس من وجب عليه القتل، واُميت بالقتل من شئت، أي ممّن هو حيّ. وهذا جهل من الكافر؛ لأنّه اعتمد في المعارضة على العبارة فقط دون المعنى، عادلاً عن وجه الحجّة بفعل الحياة للميّت، أو الموت للحيّ على سبيل الاختراع الذي ينفرد سبحانه به، ولا يقدر عليه سواه.

قَالَ إِبْرَاهِيمُ: «فَإِنَّ اللّه َ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ».

قيل في انتقاله من حجّة إلى حجّة اُخرى وجهان.

أحدهما: أنّ ذلك لم يكن انتقالاً وانقطاعا عن إبراهيم؛ فإنّه يجوز من كلّ حكيم إيراد حجّة اُخرى على سبيل التأكيد بعدما ابتدأ به من الحِجاج، وعلامة تمامه ظهوره من غير اعتراض عليه بشبهة لها تأثير عند التأمّل والتدبّر.

والثاني: أنّ إبراهيم عليه السلامإنّما قال ذلك ليبيّن أنّ من شأن من يقدر على إحياء الأموات وإماتة الأحياء أن يقدر على إتيان الشمس من المشرق، فإن كنت قادرا على ذلك فأت بها من المغرب. وإنّما فعل ذلك؛ لأنّه لو تشاغل معه بأنّي أردت اختراع الحياة والموت من غير سبب ولا علاج لاشتبه على كثير ممّن حضر، فعدل إلى ما هو أوضح؛ لأنّ الأنبياء عليهم السلام إنّما بُعثوا للبيان والإيضاح، وليست اُمورهم مبنيّة على لجاج الخصمين وطلب كلّ واحد منهما غلبة خصمه.

وقد روي عن الصادق عليه السلام: «أنّ ابراهيم عليه السلام قال له: إحي مَنْ قتلته إن كنت صادقا، ثمّ استظهر عليه بما قال له ثانيا.

«فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ» أي تحيّر عند الانقطاع بما بانَ له من ظهور الحجّة.

«وَاللّه ُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» بالمعونة على بلوغ البغية من الفساد.

وقيل: معناه: لا يهديهم إلى المحاجّة كما يهدي أنبياءه [أولياءه]. وقيل: معناه: لا يهديهم بألطافه وتأييده إذا علم أنّه لا لطف لهم. وقيل: لا يهديهم إلى الجنّة.(2)

انتهى كلام الطبرسي رحمه الله.

ص: 308


1- . اُنظر: شرح المازندراني، ج 12، ص 531.
2- . مجمع البيان، ج 2، ص 169 مع التلخيص.

قال الجوهري:

بهت الرجل _ بالكسر _ : إذا دهش وتحيّر. وبُهِت بالضمّ مثله. وأفصح منهما بُهِتَ، كما قال تعالى: «فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ»؛ لأنّه يقال: رجلٌ مبهوت، ولا يُقال: باهت ولا بَهيت.(1)

وقوله تعالى: «فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ».

كذا في سورة الصافّات. وفي نسخ الكتاب: «ونظر» بالواو.

وقال الشيخ الطبرسي رحمه الله:

اختلف في معناه على أقوال:

أحدها: أنّه عليه السلام نظر في النجوم واستدلّ بها على وقت حمّى كانت تعتوره، فقال: إنّي سقيم، أراد أنّه قد حضر وقت علّته وزمان نوبتها، فكأنّه قال: إنّي سأسقم لا محالة، وحان الوقت [الذي] يعتريني فيه الحمّى، وقد يسمّى المشارف للشيء باسم الداخل فيه، قال اللّه تعالى: «إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ»(2)، وليس نظره في النجوم على حسب ما ينظره المنجّمون طلبا للأحكام.

وثانيها: أنّه نظر في النجوم كنظرهم؛ لأنّهم كانوا يتعاظمون علم النجوم، فأوهمهم أنّه يقول بمثل قولهم، فقال عند ذلك: إنّي سقيم، فتركوه ظنّا منهم أنّ نجمه يدلّ على سقمه، ويجوز أن يكون اللّه علّمه بالوحي أنّه يسقمه في وقت مستقبل، وجعل العلامة على ذلك إمّا طلوع نجم على وجه مخصوص، أو اتّصاله بآخر على وجه مخصوص، فلمّا رأى إبراهيم عليه السلام تلك الأمارة قال: إنّي سقيم، تصديقا لما أخبره اللّه تعالى.

وثالثها: أنّ معناه: نظر في النجوم نظر تفكّر، فاستدلّ بها كما قصّه اللّه في سورة الأنعام على كونها محدثة غير قديمة ولا آلهة، وأشار بقوله: إنّي سقيم، إلى أنّه في حال مهلة النظر، وليس على يقين من الأمر ولا شفاء من العلم، وقد يسمّى الشكّ بأنّه سقم، كما يسمّى العلم بأنّه شفاء. عن أبي مسلم، وهو ضعيف.

ورابعها: أنّ معنى قوله: «إِنِّي سَقِيمٌ»، أي سقيم القلب، أو الرأي، حزنا من إصرار [القوم] على عبادة الأصنام، وهي لا تسمع ولا تبصر، ويكون على هذا معنى نظره

ص: 309


1- . الصحاح، ج 1، ص 244 بهت.
2- . الزمر 39: 30.

في النجوم: فكرته في أنّها محدثة مخلوقة مدبّرة، وتعجّبه كيف ذهب على العقلاء ذلك من حالها حتّى عبدوها.

وما رواه العيّاشي بإسناده عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهماالسلام أنّهما قالا: «واللّه ما كان سقيما وما كذب»،(1) فيمكن أن يحمل على أحد الوجوه التي ذكرناها، ويمكن أن يكون على وجه التعريض بمعنى أنّ كلّ من كتب عليه الموت فهو سقيم وإن لم يكن به سقم في الحال،(2) انتهى.

والباء في قبله «بقدوم» للمصاحبة، أو للتعدية.

وقوله: «إِلاَّ كَبِيرا لَهُمْ».

قيل: إنّه كان من الذهب على سرير من فضّة مكلّلاً بالجواهر، وعلى يمينه ستّة وثلاثون صنما، وكذا على يساره.(3)

وقوله: (فلم يجدوا قتلة أعظم من النار).

القِتل _ بالكسر _ : الهيئة. يُقال: قتله قتلة سوء. والقتلة _ بالفتح _ : المرّة.

(فجمع له الحطب) على البناء للمفعول.

(واستجادوه).

الضمير للحطب، أو لجمعه. قال الجوهري: «استجدت الشيء: عددته جيّدا».(4)

وقال الفيروزآبادي: «جاد وأجاد: أتى بالجيّد. واستجاده: وجده، أو طلبه جيّدا».(5)

وحكى صاحب معارج النبوّة أنّ نمرود أمر الصغير والكبير والوضيع والشريف والرّجال والنساء بجمع الحطب يوما إلى الليل، واجتمع الحطب أربعة فراسخ في أربعة فراسخ، وارتفاعه كارتفاع الجبل، وكان في نواحي كوفة، ورأى أهل الشام لسان النار وسمع صوتها من كان على مسافة يوم وليلة.(6)

وقوله: (ووضع إبراهيم عليه السلام في منجنيق).

في القاموس: «المنجنيق _ ويكسر الميم _ : آلة تُرمى بها الحجارة [كالمنجنوق] معرّبة،

ص: 310


1- . تفسير العيّاشي، ج 2، ص 184، ح 49.
2- . مجمع البيان، ج 8، ص 316 و 317 مع التلخيص.
3- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 532 مع اختلاف يسير في اللفظ.
4- . الصحاح، ج 2، ص 462 جود.
5- . القاموس المحيط، ج 1، ص 285 جيد مع التلخيص.
6- . نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 532.

وقد تذكر فارسيّتها: من چه نيك، أي أنا ما أجودني»(1) انتهى.

وقد نقل أنّهم لمّا أرادوا لقاءه في النار لم يقدر أحد من الوصول إلى حواليها لشدّة حرّها، فحضر إبليس في صورة رجل، فعلّمهم صنعة المنجنيق، ووضع الحجر فيه بعد تمامه، وألقاه في النار، فاستحسنه نمرود وقومه، ثمّ وضعوا فيه إبراهيم عليه السلام.

وحكى في معارج النبوّة:

أنّ أهل السماوات والأرضين وسكّان الجبال والبحار جميعا تضرّعوا وقالوا: يا ربّ، ليس في الأرض أحدٌ يعبدك ويوحّدك غيره، فاحفظه، وإن أذنتنا في نصرته نصرناه. قال: أذنتكم، فجاء ملك، فقال: [يا] إبراهيم، أنا موكّل على الرِّياح، فأرسل عليهم الريح العقيم. وجاء آخر فقال: أنا موكّل على الماء، فأغرقهم. وجاء آخر فقال: أنا موكّل على الأرض فأخسفهم. فقال عليه السلام: خلّوا بيني وبين خليلي حتّى يفعل بي ما يشاء؛ إن حفظني فمن فضله وإحسانه، وإن أهلكني فمن التقصير في عبوديّته. ثمّ توسّل بنور ذاته تعالى وقال: توكّلت على اللّه ، فلمّا رمى به تقرّب منه جبرئيل عليه السلامفي الهواء، فقال: يا إبراهيم، هل لك حاجة؟ قال: أمّا إليك فلا، قال: لِمَ لا تطلب حاجتك منه، وليست صعوبة أشدّ من هذه؟! فقال: علمه بحالي حسبي من سؤالي، ولمّا خرج عليه السلامبالكلّية عن مقتضى طبيعة الإنسانيّة الطالبة للأسباب أخرج اللّه النار عن طبيعتها المقتضية للإحراق.(2)

وقوله: (فذكر ابان) إلى آخره، كلام البزنطي، والخبر بهذا السند مرسل.

وأشار بقوله: (فاضطربت أسنان إبراهيم عليه السلام من البرد) إلى سرعة إجابة أمره تعالى حتّى بلغت البرودة من أوّل الخطاب إلى الغاية، ثمّ رجعت من آخره إلى الاعتدال.

(حتّى قال اللّه عزّ وجلّ: «وَسَلاَما عَلَى إِبْرَاهِيمَ»(3)).

قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى: «قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدا وَسَلاَما عَلَى إِبْرَاهِيمَ»:

«أي ذات برد وسلام، أي ابردي بردا غير ضارّ. وقيل: نصب سلاما بفعله، أي وسلّمنا سلاما عليه».(4)

ص: 311


1- . القاموس المحيط، ج 3، ص 218 جنق.
2- . نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 533 مع التلخيص واختلاف يسير في اللفظ.
3- . الأنبياء 21: 69.
4- . تفسير البيضاوي، ج 4، ص 100 مع التلخيص.

أقول: هذا الحديث صريح في أنّ نصب سلاما على العطف لا على تقدير الفعل كما لا يخفى.

حكى بعض المؤرّخين أنّ النار في حوالى إبراهيم عليه السلام صارت معتدلة بين الحرارة والبرودة في أربعين ذراعا _ أو في ثمانين على اختلاف الروايتين _ وصارت بستانا فيه أنواع من الأزهار وأنحاء من الأشجار والأثمار، واُتي له من الجنّة قبّة وسرير وطعام وشراب وأثواب، وجعل بين بستانه والنار ثلج لئلاّ تصل حرارة النار إليه، وجعلت الثلج لا يذوب بالنار، وجاء جبرئيل عليه السلاموميكائيل عليه السلام وجلسا عن يمينه وشماله وهو على السرير، وجاء ملك آخر بصورته يخدمه، وإسرافيل يجيء بطعامه وشرابه من الجنّة في الغداة والعشي، ورأى نمرود في المنام أنّه عليه السلام خرج من النار سالما، وكانت تلك الرؤيا بعد ثلاثة أيّام _ أو سبعة على اختلاف الروايتين _ فصعد منظرا عاليا ليرى حاله، فرآه في منزل مبارك مزيّن لم يُرَ مثله قط، ورأى رجلاً ماثلاً بين يديه، فتحيّر ونادى بصوت عال: يا إبراهيم، كيف نجوت من النار الشديدة ومن هو معك؟! قال: نجوت من فضل ربّي، وهذا ملك أرسله ربّي ليؤنسني ويخدمني. فقال نمرود: لقد اخترت ربّا عظيما له هذه القدرة، فهل تقدر أن تخرج من النار؟ فقام عليه السلام ومشى على النار إلى نمرود، فقام نمرود تعظيما له لمّا شاهد منه من الكرامة، فقال: يا إبراهيم، إنّي اُريد أن أتقرّب من ربّك بقربان!

فقال عليه السلام: إنّي ربّي لا يقبل منك حتّى تؤمن به وتقرّ بوحدانيّته.

فقال: إنّي لا أترك الملك والمال والعزّ والإقبال لكن أتقرّب إلى ربّك لمّا شهدت من آثار عظمته وقدرته فيك، فذبح أربعة آلاف _ وفي رواية _ أربعين الآف من البقر، وأربعة آلاف من الغنم والإبل.

وقيل: إنّه أراد أن يؤمن ووزيره هاران منعه، وقال له: إيمانك بربّ السماء أبعد إن كنت ربّ أهل الأرض، وتنزّلك من الربوبيّة إلى العبوديّة مذلّة ومنقصة لك، فأخذته العزّة وفسخ عزيمته، ثمّ إنّه تعالى منع إبراهيم عليه السلام عن صحبة نمرود ومجالسته، ولمّا شاهد الناس تلك المعجزة آمن به كثير منهم، ومنهم سارة بنت هاران بن عامر بن يقطر، وهاران هذا عمّ إبراهيم عليه السلام ووزير نمرود، ومنهم لوط عليه السلام.(1)

ص: 312


1- . اُنظر شرح المازندراني، ج 12، ص 533 و 534.

وقوله: (إنّي عزمت على النار أن لا تحرقه).

يحتمل كونه من العزيمة بمعنى القسم، أي أقسمتها. أو من الرقية.

قال الجوهري: «عزمت عليك، بمعنى أقسمت عليك».(1)

وقال الفيروزآبادي: «معزّم _ كمحدّث _ : الرّاقي».(2)

ويحتمل كونه من العزيمة بمعنى الإرادة، ويكون التفات، أي أردت أن أدخل النار وهي لا تحرقني وأفعل مثل فعل إبراهيم عليه السلام.

وقوله: (فأخذ عنق من النار) أي طائفة وقطعة منها.

قال الفيروزآبادي: «العنق _ بالضمّ وبضمّتين، وكصُرد _ : الجيد. ويؤنّث، والجماعة من الناس. ومن الخبز: القطعة منه».(3)

متن الحديث التاسع والخمسين والخمسمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ؛ وَعِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ جَمِيعا ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ الْكَرْخِيِّ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام كَانَ مَوْلِدُهُ بِكُوثى(4) رُبَا ، وَكَانَ أَبُوهُ مِنْ أَهْلِهَا ، وَكَانَتْ أُمُّ إِبْرَاهِيمَ وَأُمُّ لُوطٍ سَارَةَ وَوَرَقَةَ _ وَفِي نُسْخَةٍ : «رُقَيَّةَ» _ أُخْتَيْنِ وَهُمَا ابْنَتَانِ(5) لِلاَحِجٍ ، وَكَانَ اللاَّحِجُ نَبِيّا مُنْذِرا وَلَمْ يَكُنْ رَسُولاً ، وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلامفِي شَبِيبَتِهِ عَلَى الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ الْخَلْقَ عَلَيْهَا، حَتّى هَدَاهُ اللّهُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ إِلى دِينِهِ وَاجْتَبَاهُ ، وَإِنَّهُ تَزَوَّجَ سَارَةَ ابْنَةَ لاَحِجٍ وَهِيَ ابْنَةُ خَالَتِهِ ، وَكَانَتْ سَارَةُ صَاحِبَةَ مَاشِيَةٍ كَثِيرَةٍ وَأَرْضٍ وَاسِعَةٍ وَحَالٍ حَسَنَةٍ ، وَكَانَتْ قَدْ مَلَّكَتْ إِبْرَاهِيمَ عليه السلامجَمِيعَ مَا كَانَتْ تَمْلِكُهُ ، فَقَامَ فِيهِ وَأَصْلَحَهُ ، وَكَثُرَتِ الْمَاشِيَةُ وَالزَّرْعُ حَتّى لَمْ يَكُنّْ بِأَرْضِ كُوثى(6) رُبَا رَجُلٌ أَحْسَنُ حَالاً مِنْهُ ، وَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ عليه السلاملَمَّا كَسَرَ أَصْنَامَ نُمْرُودَ أَمَرَ بِهِ نُمْرُودُ ، فَأُوثِقَ وَعَمِلَلَهُ حَيْرا ، وَجَمَعَ لَهُ فِيهِ الْحَطَبَ ، وَأَلْهَبَ فِيهِ النَّارَ ، ثُمَّ قَذَفَ إِبْرَاهِيمَ عليه السلامفِي النَّارِ لِتُحْرِقَهُ(7) ، ثُمَّ

ص: 313


1- . الصحاح، ج 5، ص 1985 عزم.
2- . القاموس المحيط، ج 4، ص 150 عزم.
3- . القاموس المحيط، ج 3، ص 269 عنق مع التلخيص.
4- . في بعض نسخ الكافي: «بكوبى».
5- . في بعض نسخ الكافي: «بنتان».
6- . في بعض نسخ الكافي: «كوبى». وفي بعضها: «كوثاه».
7- . في بعض نسخ الكافي: «ليحرقه».

اعْتَزَلُوهَا حَتّى خَمَدَتِ النَّارُ ، ثُمَّ أَشْرَفُوا عَلَى الْحَيْرِ ، فَإِذَا هُمْ بِإِبْرَاهِيمَ عليه السلامسَلِيما مُطْلَقا مِنْ وَثَاقِهِ ، فَأُخْبِرَ نُمْرُودُ خَبَرَهُ ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَنْفُوا إِبْرَاهِيمَ عليه السلاممِنْ بِلاَدِهِ ، وَأَنْ يَمْنَعُوهُ مِنَ الْخُرُوجِ بِمَاشِيَتِهِ وَمَالِهِ ، فَحَاجَّهُمْ إِبْرَاهِيمُ عليه السلامعِنْدَ ذلِكَ ، فَقَالَ : إِنْ أَخَذْتُمْ مَاشِيَتِي وَمَالِي ، فَإِنَّ حَقِّي عَلَيْكُمْ أَنْ تَرُدُّوا عَلَيَّ مَا ذَهَبَ مِنْ عُمُرِي فِي بِلاَدِكُمْ ، وَاخْتَصَمُوا إِلى قَاضِي نُمْرُودَ ، فَقَضى عَلى إِبْرَاهِيمَ عليه السلامأَنْ يُسَلِّمَ إِلَيْهِمْ جَمِيعَ مَا أَصَابَ فِي بِلاَدِهِمْ ، وَقَضى عَلى أَصْحَابِ نُمْرُودَ أَنْ يَرُدُّوا عَلى إِبْرَاهِيمَ عليه السلام مَا ذَهَبَ مِنْ عُمُرِهِ فِي بِلاَدِهِمْ ، فَأُخْبِرَ بِذلِكَ نُمْرُودُ ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُخَلُّوا سَبِيلَهُ وَسَبِيلَ مَاشِيَتِهِ وَمَالِهِ وَ أَنْ يُخْرِجُوهُ ، وَقَالَ : إِنَّهُ إِنْ بَقِيَ فِي بِلاَدِكُمْ أَفْسَدَ دِينَكُمْ وَأَضَرَّ بِآلِهَتِكُمْ ، فَأَخْرَجُوا إِبْرَاهِيمَ وَلُوطا مَعَهُ _ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِمَا _ مِنْ بِلاَدِهِمْ إِلَى الشَّامِ ، فَخَرَجَ إِبْرَاهِيمُ وَمَعَهُ لُوطٌ لاَيُفَارِقُهُ وَسَارَةُ ، وَقَالَ لَهُمْ : «إِنِّى ذاهِبٌ إِلى رَبِّى سَيَهْدِينِ»(1) يَعْنِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ .

فَتَحَمَّلَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام بِمَاشِيَتِهِ وَمَالِهِ ، وَعَمِلَ تَابُوتا ، وَجَعَلَ فِيهِ سَارَةَ ، وَشَدَّ عَلَيْهَا الْأَغْلاَقَ غَيْرَةً مِنْهُ عَلَيْهَا ، وَمَضى حَتّى خَرَجَ مِنْ سُلْطَانِ نُمْرُودَ ، وَصَارَ إِلى سُلْطَانِ رَجُلٍ مِنَ الْقِبْطِ يُقَالُ لَهُ : عَرَارَةُ ، فَمَرَّ بِعَاشِرٍ لَهُ ، فَاعْتَرَضَهُ الْعَاشِرُ لِيَعْشُرَ مَا مَعَهُ ، فَلَمَّا انْتَهى إِلَى الْعَاشِرِ وَمَعَهُ التَّابُوتُ ، قَالَ الْعَاشِرُ لاِءِبْرَاهِيمَ عليه السلام : افْتَحْ هذَا التَّابُوتَ حَتّى نَعْشُرَ مَا فِيهِ ، فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام : قُلْ مَا شِئْتَ فِيهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ حَتّى نُعْطِيَ عُشْرَهُ وَلاَ نَفْتَحَهُ» .

قَالَ(2) : «فَأَبَى الْعَاشِرُ إِلاَّ فَتْحَهُ» .

قَالَ : «وَغَضِبَ(3) إِبْرَاهِيمَ عليه السلام عَلى فَتْحِهِ ، فَلَمَّا بَدَتْ لَهُ سَارَةُ _ وَكَانَتْ مَوْصُوفَةً بِالْحُسْنِ وَالْجَمَالِ _ قَالَ لَهُ الْعَاشِرُ : مَا هذِهِ الْمَرْأَةُ مِنْكَ؟ قَالَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام : هِيَ حُرْمَتِي وَابْنَةُ خَالَتِي ، فَقَالَ لَهُ الْعَاشِرُ : فَمَا دَعَاكَ إِلى أَنْ خَبَيْتَهَا فِي هذَا التَّابُوتِ؟ فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام : الْغَيْرَةُ عَلَيْهَا أَنْ يَرَاهَا أَحَدٌ . فَقَالَ لَهُ الْعَاشِرُ : لَسْتُ أَدَعُكَ تَبْرَحُ حَتّى أُعْلِمَ الْمَلِكَ حَالَهَا وَحَالَكَ» .

قَالَ : «فَبَعَثَ رَسُولاً إِلَى الْمَلِكِ فَأَعْلَمَهُ ، فَبَعَثَ الْمَلِكُ رَسُولاً مِنْ قِبَلِهِ لِيَأْتُوهُ بِالتَّابُوتِ ، فَأَتَوْا لِيَذْهَبُوا بِهِ ، فَقَالَ لَهُمْ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام : إِنِّي لَسْتُ أُفَارِقُ التَّابُوتَ حَتّى تُفَارِقَ رُوحِي جَسَدِي ، فَأَخْبَرُواالْمَلِكَ بِذلِكَ ، فَأَرْسَلَ الْمَلِكُ : أَنِ احْمِلُوهُ وَالتَّابُوتَ مَعَهُ ، فَحَمَلُوا إِبْرَاهِيمَ عليه السلام وَ التَّابُوتَ وَجَمِيعَ مَا كَانَمَعَهُ حَتّى أُدْخِلَ عَلَى الْمَلِكِ ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ : افْتَحِ التَّابُوتَ ، فَقَالَ لَهُ(4) إِبْرَاهِيمُ عليه السلام : أَيُّهَا الْمَلِكُ ، إِنَّ فِيهِ

ص: 314


1- . الصافّات 37: 99.
2- . في بعض نسخ الكافي: - «قال».
3- . في بعض نسخ الكافي: «وغصب» بالصاد المهملة.
4- . في الطبعة القديمة: - «له».

حُرْمَتِي وَابْنَةَ(1) خَالَتِي وَأَنَا مُفْتَدٍ فَتْحَهُ بِجَمِيعِ مَا مَعِي» .

قَالَ : «فَغَضِبَ(2) الْمَلِكُ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام عَلى فَتْحِهِ ، فَلَمَّا رَأى سَارَةَ ، لَمْ يَمْلِكْ حِلْمُهُ سَفَهَهُ أَنْ مَدَّ يَدَهُ إِلَيْهَا، فَأَعْرَضَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلامبِوَجْهِهِ عَنْهَا وَعَنْهُ غَيْرَةً مِنْهُ، وَقَالَ: اللّهُمَّ احْبِسْ يَدَهُ عَنْ حُرْمَتِي وَابْنَةِ خَالَتِي ، فَلَمْ تَصِلْ يَدُهُ إِلَيْهَا ، وَلَمْ تَرْجِعْ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ : إِنَّ إِلهَكَ هُوَ الَّذِي فَعَلَ بِي هذَا؟ فَقَالَ لَهُ : نَعَمْ ، إِنَّ إِلهِي غَيُورٌ يَكْرَهُ الْحَرَامَ ، وَهُوَ الَّذِي حَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ مَا أَرَدْتَ مِنَ الْحَرَامِ ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ : فَادْعُ إِلهَكَ يَرُدَّ عَلَيَّ يَدِي ، فَإِنْ أَجَابَكَ فَلَمْ(3) أَعْرِضْ لَهَا ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام : إِلهِي رُدَّ عَلَيْهِ يَدَهُ لِيَكُفَّ عَنْ حُرْمَتِي» .

قَالَ : «فَرَدَّ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ عَلَيْهِ يَدَهُ ، فَأَقْبَلَ الْمَلِكُ نَحْوَهَا بِبَصَرِهِ ، ثُمَّ عَادَ(4) بِيَدِهِ نَحْوَهَا ، فَأَعْرَضَ إِبْرَاهِيمُ عَنْهُ بِوَجْهِهِ غَيْرَةً مِنْهُ ، وَقَالَ : اللّهُمَّ احْبِسْ يَدَهُ عَنْهَا» .

قَالَ : «فَيَبِسَتْ يَدُهُ ، وَلَمْ تَصِلْ إِلَيْهَا ، فَقَالَ الْمَلِكُ لاِءِبْرَاهِيمَ عليه السلام : إِنَّ إِلهَكَ لَغَيُورٌ ، وَإِنَّكَ لَغَيُورٌ ، فَادْعُ إِلهَكَ يَرُدَّ عَلَيَّ يَدِي ، فَإِنَّهُ إِنْ فَعَلَ لَمْ أَعُدْ ، فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام : أَسْأَلُهُ ذلِكَ عَلى أَنَّكَ إِنْ عُدْتَ لَمْ تَسْأَلْنِي أَنْ أَسْأَلَهُ ، فَقَالَ لَهُ(5) الْمَلِكُ : نَعَمْ ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام : اللّهُمَّ إِنْ كَانَ صَادِقا فَرُدَّ عَلَيْهِ يَدَهُ ، فَرَجَعَتْ إِلَيْهِ يَدُهُ ، فَلَمَّا رَأى ذلِكَ الْمَلِكُ مِنَ الْغَيْرَةِ مَا رَأى ، وَرَأَى الاْيَةَ فِي يَدِهِ ، عَظَّمَ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام وَهَابَهُ وَأَكْرَمَهُ وَاتَّقَاهُ ، وَقَالَ لَهُ : قَدْ أَمِنْتَ مِنْ أَنْ أَعْرِضَ لَهَا أَوْ لِشَيْءٍ مِمَّا مَعَكَ ، فَانْطَلِقْ حَيْثُ شِئْتَ ، وَلكِنْ لِي إِلَيْكَ حَاجَةٌ ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام : مَا هِيَ؟ فَقَالَ لَهُ : أُحِبُّ أَنْ تَأْذَنَ لِي أَنْ أُخْدِمَهَا قِبْطِيَّةً عِنْدِي جَمِيلَةً عَاقِلَةً تَكُونُ لَهَا خَادِما» .

قَالَ: «فَأَذِنَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام، فَدَعَا بِهَا، فَوَهَبَهَا لِسَارَةَ، وَهِيَ هَاجَرُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ عليه السلام، فَسَارَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلامبِجَمِيعِ مَا مَعَهُ ، وَخَرَجَ الْمَلِكُ مَعَهُ يَمْشِي خَلْفَ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام إِعْظَاما لاِءِبْرَاهِيمَ عليه السلاموَهَيْبَةً لَهُ ، فَأَوْحَى اللّهُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ إِلى إِبْرَاهِيمَ أَنْ قِفْ ، وَلاَ تَمْشِ قُدَّامَ الْجَبَّارِ الْمُتَسَلِّطِ وَيَمْشِي هُوَخَلْفَكَ ، وَلكِنِ اجْعَلْهُ أَمَامَكَ ، وَامْشِ خَلْفَهُ(6) وَعَظِّمْهُ وَهَبْهُ ، فَإِنَّهُ مُسَلَّطٌ ، وَلاَ بُدَّ مِنْ إِمْرَةٍ فِي الْأَرْضِ،بَرَّةٍ أَوْ فَاجِرَةٍ .

فَوَقَفَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام ، وَقَالَ لِلْمَلِكِ : امْضِ ؛ فَإِنَّ إِلهِي أَوْحى إِلَيَّ السَّاعَةَ أَنْ أُعَظِّمَكَ وَأَهَابَكَ ،

ص: 315


1- . في بعض نسخ الكافي: «وبنت».
2- . في بعض نسخ الكافي: «فغصب» بالصاد المهملة.
3- . في بعض نسخ الكافي: «لم» بدون الفاء.
4- . في الطبعة القديم: «أعاد».
5- . في الطبعة القديمة: - «له».
6- . في الطبعة القديمة: - «خلفه».

وَأَنْ أُقَدِّمَكَ أَمَامِي ، وَأَمْشِيَ خَلْفَكَ إِجْلاَلاً لَكَ ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ : أَوْحى إِلَيْكَ بِهذَا؟ فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام : نَعَمْ ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ : أَشْهَدُ أَنَّ إِلهَكَ لَرَفِيقٌ حَلِيمٌ كَرِيمٌ ، وَإِنَّكَ تُرَغِّبُنِي فِي دِينِكَ» .

قَالَ : «وَوَدَّعَهُ الْمَلِكُ ، فَسَارَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام حَتّى نَزَلَ بِأَعْلَى الشَّامَاتِ ، وَخَلَّفَ لُوطا عليه السلامفِي أَدْنَى الشَّامَاتِ ، ثُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عليه السلاملَمَّا أَبْطَأَ عَلَيْهِ الْوَلَدُ ، قَالَ لِسَارَةَ : لَوْ شِئْتِ لَبِعْتِنِي هَاجَرَ لَعَلَّ اللّهَ أَنْ يَرْزُقَنَا مِنْهَا وَلَدا ، فَيَكُونَ لَنَا خَلَفا ، فَابْتَاعَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلامهَاجَرَ مِنْ سَارَةَ ، فَوَقَعَ عَلَيْهَا ، فَوَلَدَتْ إِسْمَاعِيلَ عليه السلام» .

شرح

السند مجهول.

قوله: (كان مولده بكوثى ربا).

كوثى، كطوبى _ بالثاء المثلّثة _ : قرية بالعراق.

وربى _ كهدى _ : اسم موضع، ولعلّ كوثى نُسبت إليه.

وفي بعض كتب القصص: كوثى ربا: أرض العراق، وهي أرض ذات أشجار وأنهار.(1)

وقال الجزري:

في حديث علي عليه السلام: قال له رجل: أخبرني يا أمير المؤمنين عن أصلكم معاشر قريش، فقال: نحن [قوم] من كوثى، أراد كوثى العراق وهي سرّة السواد، وبها ولد إبراهيم الخليل عليه السلام.(2)

وقال صاحب الكامل:

اختلف في الموضع الذي ولد فيه إبراهيم عليه السلام؛ فقيل: ولد بالسوس من أرض الأهواز. وقيل: ولد ببابل. وقيل: بكوثى. وقيل: بحرّان. ولكن أباه نقله.(3)

وفي بعض النسخ: «مولده بكوثى ربا» بالباء فيهما، وكأنّه تصحيف.

(وكان أبوه من أهلها) أي من أهل كوثى.

ص: 316


1- . حكاه العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 555.
2- . النهاية، ج 4، ص 207 كوث.
3- . الكامل في التأريخ، ج 1، ص 94 مع اختلاف يسير في اللفظ.

(وكانت اُمّ إبراهيم واُمّ لوط _ صلّى اللّه عليهما _ سارة وورقة).

الظاهر أنّ النشر على ترتيب اللّف. وقيل: اسم اُمّ إبراهيم عليه السلام نونا،(1) وذكر صاحب الكامل أنّ لوطا كان ابن أخي إبراهيم عليه السلام.(2) وفي بعض النسخ: «امرأة إبراهيم وامرأة [لوط]».

(وهما ابنتان للاحج) بتقديم المهملة على المعجمة.

وضبط في كثير من النسخ: «لاحج» كضارب، وفي بعضها: «الأحجّ» كالأشدّ.

(وكان إبراهيم عليه السلام في شبيبته على الفطرة) أي كان في أوّل العمر والشباب على فطرة الإسلام.

(التي فطر اللّه _ عزّ وجلّ _ الخلق عليها) لم يتدنّس بشيء من أدناس الكفر والشرك حتّى بلغ وبعث.

قال الجزري: «يُقال: شبّ يُشِبّ شبابا فهو شابّ، و[الجمع:] شببة وشبّان».(3)

وقال الفيروزآبادي: «الشباب: الفتا، كالشبيبة، وأوّل الشيء».(4)

(وأنّه تزوّج سارة ابنة لاحج) وهي غير سارة المذكورة.

(وهي ابنة خالته) وكانت سميّة لاُمّه وخالته هذه إمّا ورقة أو غيرها، ولا خفاء بالنظر إلى ما ذكره آنفا أنّ ابنة لاحج كانت خالته لا ابنة خالته، ففيه إمّا حذف _ أي ابنة ابنة لاحج _ أو كان الأصل هكذا فتوهّم النسّاخ التكرار فأسقطوا إحداهما؛ إذ اُريد بالابنة ابنة الابنة مجازا أو حقيقةً على اختلاف القولين.

وقوله: (قد ملّكت) من التمليك.

وقوله: (إبراهيم عليه السلام) مفعوله الأوّل، و(جميع ما كانت تملكه) مفعوله الثاني.

وقوله: (وعمل له حيرا).

الحَير _ بالفتح _ : شبه الحظيرة، والحمى، ومنه الحير بكربلاء.

وحكى بعض المؤرِّخين أنّ نمرود بعد المناظرة وعجزه عن الجواب أمر بحبسه في

ص: 317


1- . حكي عن وهب. اُنظر: عمدة القارئ، ج 15، ص 240.
2- . الكامل في التأريخ، ج 1، ص 100.
3- . النهاية، ج 2، ص 438 شبب.
4- . القاموس المحيط، ج 1، ص 85 شبب مع التلخيص.

السجن، وبقي فيه أربعين يوما _ وقيل: سبع سنين _ ثمّ أخرجه منه ليحرقه بعد تمام الحير، وجمع الحطب فيه، وبنى بناءً عاليا مشرفا عليه حتّى ينظر إلى إبراهيم عليه السلام وهو في النار.(1)

وقوله: (وألهب فيه النار) أي أوقدها.

وقوله: (من بلادهم) هي أرض بابل.

وَقَالَ [لهم:] «إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ»(2) إلى ما فيه صلاح ديني، أو إلى مقصدي.

(فتحمّل إبراهيم بماشيته وماله)؛ الباء للتعدية، أو للمصاحبة.

(وعمل تابوتا) أي صندوقا.

قال الجوهري: «التابوت، أصله تابُوَة، مثل ترقوة، وهو فعلوة، فلمّا سكنت الواو انقلبت هاء التأنيث تاء».(3)

(وشدّ عليها الأغلاق)؛ الضمير لسارة.

وفي بعض النسخ: «عليه» فالضمير للتابوت. والأغلاق: جمع غلق _ بالتحريك _ كجمل وإجمال. والغلق والمغلاق: ما يغلق به الباب.

(غيرةً منه عليها) يعني إنّما فعل ذلك لئلاّ يراها أحد.

وروي أنّها كانت في غاية الحسن وكمال الجمال حتّى أنّ حُسن يوسف عليه السلام كان سهمان من ستّة أسهم من حسنها، وكانت كصورة حوراء.(4)

(ومضى حتّى خرج من سلطان نمرود) أي مملكته، حيث يصل سلطنته إليها.

وفي هذا دلالة على أنّ نمرود لم يملك الأرض شرقها وغربها خلافا لبعض المؤرِّخين.(5)

(وصار إلى سلطان رجل من القبط) بالكسر، وهو أهل مصر.

(يُقال له: عرارة) بالعين المهملة والراي مهملتين بينهما ألف.

(فمرّ بعاشر له) أي لعرارة.

ص: 318


1- . نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 536 عن معارج النبوّة.
2- . الصافّات 37: 99.
3- . الصحاح، ج 1، ص 91 توب.
4- . نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 537 عن معارج النبوّة.
5- . نقله الطبري عن جماعة في الكامل، ج 11، ص 116.

(فاعترضه العاشر) أي وقع فيه، أو تصدّى له.

(ليعشر ما معه).

يقال: عشرهم _ كنصر _ عشرا: إذا أخذ عُشر أموالهم. والعاشر والعشار: قابضه.

وقوله: (وغضب إبراهيم عليه السلام على فتحه) بالضاد المعجمة فيما رأيناه من النسخ، وكأنّه على البناء للفاعل. وقيل: للمفعول. وقيل: كلمة «على» تعليليّة.

قال الفيروزآبادي: الغضب _ بالتحريك _ ضدّ الرضى. غَضِبَ عليه وله _ كسمع _ : إذا كان حيّا، وغضب به: إذا كان ميّتا»(1) فتأمّل.

وقراءة بعض الأفاضل بالصّاد المهملة وقال: «أي غصب العاشر إبراهيم عليه السلام»(2) على فتحه.

قال الفيروزآبادي: «غصب فلانا على الشيء: قهره».(3)

وقوله: (هي حرمتي).

قال الفيروزآبادي: «الحرمة _ بالضمّ وبضمّتين وكهمزة _ : ما لا يحلّ انتهاكه».(4)

وقال الجوهري: «حرمة الرجل: حرمه وأهله».(5)

وقوله: (فلم أعرض لها).

كان الأصل: لم أتعرّض لها، فصحّف.

قال الفيروزآبادي: «عرض له كذا يعرض: ظهر عليه وبدا، كعرض كسمع. والشيء له: أظهره له. وتعرّض له: تصدّى».(6)

وقال في تاج اللّغة: «العرض: فراميش آمدن، وآشكار كردن، وفعله كضرب».

وقوله: (أن اُخدمها قبطيّة).

قال الجوهري: «أخدمه، أي أعطاه خادما».(7)

وفي القاموس: «القِبط _ بالكسر _ : أهل مصر. ورجلٌ قبطي _ بالكسر _ وهي بهاء».(8)

ص: 319


1- . القاموس المحيط، ج 1، ص 111 غضب مع التلخيص.
2- . مرآة العقول، ج 26، ص 559.
3- . القاموس المحيط، ج 1، ص 111 غصب.
4- . القاموس المحيط، ج 4، ص 95 حرم.
5- . الصحاح، ج 5، ص 1895 حرم.
6- . القاموس المحيط، ج 2، ص 336 عرض مع التلخيص.
7- . الصحاح، ج 5، ص 1909 خدم.
8- . القاموس المحيط، ج 2، ص 378 قبط مع التلخيص.

وقوله: (فوهبها لسارة وهي هاجر اُمّ إسماعيل عليه السلام).

في القاموس: «هاجر _ بفتح الجيم _ : اُمّ إسماعيل عليه السلام، ويقال لها: آجر أيضا».(1)

وقال صاحب معارج النبوّة:

إنّ إبراهيم عليه السلاماشترى حمارا بعشرين درهما، وحمل عليها سارة حتّى بلغ حوالي مصر، وكان فيه ملك جبّار مشغوف بالنسوان، وكانت عادته أن كلّ امرأة كان لها حسن وجمال يأمر عمّاله بإحضارها عنده، فإن قبلها أخذها، وإلاّ ردّها إلى أهلها، وقد بالغ في ذلك حتّى أرسل أرقاما إلى جميع مملكته وعمّاله، فلمّا سمع إبراهيم عليه السلامذلك جعل سارة في صندوق، فلمّا بلغ إلى العاشر قصد فتحه، فقال عليه السلام: اعتبر ما فيه حريرا أو ديباجا وخُذ عشره، فأبى، فقال: اعتبره ذهبا وفضّة، فأبى، فقال: اعتبره جواهرا ولؤلؤا، فأبى إلاّ أن يفتح الصندوق، ففتحه ورآها، فتعجّب وتحيّر من حسنها، وكتب الواقعة إلى الملك، فأمر الملك بالإحضار، فلمّا رآها تحيّر ولم يرَ مثلها قطّ، فقال لإبراهيم: ما منزلتها منك؟

قال: اُختي؛ يعني في الدِّين ولم يقل: زوجتي، خوف أن يقصد قتله، أو يأمره بالطلاق.

وعند ذلك مدَّ يده إليها، فدعت سارة، فشلّت يده، ولم تتحرّك _ وقيل: عميت عيناه أيضا _ فقال: مَن أنتِ وما حالك؟

فقالت: أنا زوجة إبراهيم نبيّ اللّه .

قال: ادعي لي، ولن أفعل مثل ذلك بعد!

فدعت له، فلمّا رجعت يده إلى حالتها الأصليّة رجع إلى ما كان حتّى صدر منه ثلاث مرّات، فأخرج السوء عن خاطره [و] عظّمها وأعطاها جارية جميلة وقال: إنّها أجر دعائك. ومنه سمّيت هاجر. وقيل: أعطاها أغناما ومواشي أيضا.

وروي أنّها حين اُدخلت في القصر أمر بخروج إبراهيم عنه، فخرج مضطربا وتوسّل إلى اللّه ، ورفع اللّه _ عزّ وجلّ _ الحجاب تسلّيا [له عليه السلام] حتّى رأى جميع ما وقع فيه، فلمّا خرجت من القصر أخبرها بجميع ما مضى.(2)

ص: 320


1- . القاموس المحيط، ج 2، ص 159 هجر مع التلخيص.
2- . نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 537 مع اختلاف يسير في اللفظ.

وقوله: (وعظّمه وهَبْهُ).

قال الجوهري: «الهيبة: المهابة، وهي الإجلال، والمخافة. وقد هابه يهابه، والأمر منه: هب _ بفتح الهاء _ ؛ لأنّ أصله هاب، سقطت الألف لاجتماع الساكنين».(1)

(ولابدّ من إمرة في الأرض) أي ذو أمارة وولاية.

قال في القاموس: «أمر علينا _ مثلّثة _ : إذا ولّى. والاسم: الإمرة بالكسر».(2)

(أو فاجرة) أي لابدّ في نظام العالم من إحداهما، فإذا رفع الفاجر يد سلطان الحقّ عنها ينتظم الاُمور في الجملة، وإن عوقب بعدم تمكين العادل المحقّ.

متن الحديث الستّين والخمسمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ؛ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ جَمِيعا ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ الْمِنْقَرِيِّ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ ظَبْيَانَ ، قَالَ :

قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : أَ لاَ تَنْهى هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ عَنْ هذَا الرَّجُلِ .

فَقَالَ : «مَنْ هذَا الرَّجُلِ؟ وَمَنْ هذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ(3)؟»

قُلْتُ : أَ لاَ تَنْهى حُجْرَ بْنَ زَائِدَةَ وَعَامِرَ بْنَ جُذَاعَةَ عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ؟

فَقَالَ : «يَا يُونُسُ ، قَدْ سَأَلْتُهُمَا أَنْ يَكُفَّا عَنْهُ فَلَمْ يَفْعَلاَ ، فَدَعَوْتُهُمَا وَسَأَلْتُهُمَا وَكَتَبْتُ إِلَيْهِمَا ، وَجَعَلْتُهُ حَاجَتِي إِلَيْهِمَا ، فَلَمْ يَكُفَّا عَنْهُ ، فَلاَ غَفَرَ اللّهُ لَهُمَا ، فَوَ اللّهِ لَكُثَيِّرُ عَزَّةَ أَصْدَقُ فِي مَوَدَّتِهِ مِنْهُمَا فِيمَا يَنْتَحِلاَنِ مِنْ مَوَدَّتِي حَيْثُ يَقُولُ :

أَ لاَ زَعَمَتْ بِالْغَيْبِ أَلاَّ أُحِبَّهَا ***إِذَا أَنَا لَمْ يُكْرَمْ عَلَيَّ كَرِيمُهَا

أَمَا وَاللّهِ لَوْ أَحَبَّانِي لَأَحَبَّا مَنْ أُحِبُّ» .

شرح

السند ضعيف.

قوله: (ألاّ تنهى حُجر بن زائدة وعامر بن جذاعة عن المفضّل بن عمر).قال العلاّمة رحمه الله في كتاب الإيضاح: «حجر _ بضمّ الحاء المهملة وإسكان الجيم والراء

ص: 321


1- . الصحاح، ج 1، ص 239 هيب.
2- . القاموس المحيط، ج 1، ص 365 أمر.
3- . في بعض نسخ الكافي: «هذان الرجلان».

أخيرا _ : ابن زائدة _ بالزاء والدال المهملة _ الحضرمي، بالضاد المعجمة»(1) انتهى.

أقول: هذا الخبر صريح في ذمّهما ومدح المفضّل، لكنّه ضعيف بالحسين بن أحمد ويونس بن ظبيان، وكذا ما رواه الكشّي بسند فيه إرسال عن عبد اللّه بن الوليد، قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام: «ما تقول في مفضّل(2)؟» قلت: وما عسيت أن أقول [فيه] بعدما سمعت منك؟! فقال: «رحمه اللّه ، لكن عامر بن جذاعة وحجر بن زائدة أتياني فعاباه عندي، فسألتهما الكفّ عنه فلم يفعلا، ثمّ سألتهما أن يكفّا عنه وأخبرتهما بسروري بذلك فلم يفعلا، فلا غفر اللّه لهما»(3) لكنّه مرسل كما عرفت.

وقال النجاشي: «حُجر بن زائدة روى عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهماالسلام؛ ثقة صحيح المذهب، صالح من هذه الطائفة».(4)

وأمّا عامر بن جذاعة فالأصحاب وإن لم يصرّحوا بتوثيقه، إلاّ أنّه نقل عن الكشّي أنّه وحجر بن زائدة من الحواريّين للباقر والصادق عليهماالسلام.(5)

وبالجملة: سند الجرح مجروح، ومن ثمّ قال العلاّمة: «والتعديل أرجح».(6)

وقوله: (لكثيّر عزّة)؛ اللاّم للابتداء.

وكُثيّر _ بضمّ الكاف وفتح الثاء المثلّثة وكسر الياء المشدّدة _ : اسم شاعر، وكان موالي أهل البيت عليهم السلام. وعزّة _ بفتح العين المهملة والزاء المعجمة المشدّدة المفتوحة _ : محبوبة كثيّر، والإضافة للاختصاص.

وقال بعض العامّة: إنّما صغّر؛ لأنّه كان شديد القصر، واسمه عبد الرحمن، أحد عشّاق العرب، وهو صاحب عزّة بنت جميل، وأكثر شعره فيها، وكان رافضيّا شديد التعصّب لآل أبي طالب، وتوفّى سنة خمسين ومائة.(7)

وقوله:

(ألا زعمت بالغيب إلاّ أحبّها ***إذا أنا لم يكرم عليَّ كريمها)

ص: 322


1- . إيضاح الاشتباه، ص 168، الرقم 242.
2- . في المصدر: «المفضّل».
3- . اختيار معرفة الرجال، ج 2، ص 708.
4- . رجال النجاشي، ص 148، الرقم 384 مع التلخيص.
5- . اختيار معرفة الرجال، ج 1، ص 43، الرقم 20.
6- . خلاصة الأقوال، ص 218، الرقم 1.
7- . نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 538 بعنوان «قيل».

«ألا» حرف بيّنة، و«زعمت» على صيغة المؤنّث المغائبة، والمستتر فيهما عائد إلى المحبوبة.

و«بالغيب» منصوب المحلّ على الحاليّة، أي حال كونها غائبة عنّي.

و«إذا» جواب وجزاء، تأويلها: إن كان الأمر كما زعمت، وهذا دليل على فساد زعمها؛يعني الناصح زعمها لم يكن كريما من حيث هو كريمها وحبيبها مكرما عندي، ولكنّه عندي مكرّم فلم يصحّ زعمها.

والحاصل: إنّي إذا لم أكن محبّا لمن يحبّها لم أكن محبّا لها.

متن الحديث الحادي والستّين والخمسمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ ، عَنِ الْقَاسِمِ شَرِيكِ الْمُفَضَّلِ _ وَكَانَ رَجُلَ صِدْقٍ _ قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، يَقُولُ : «خَلْقٌ(1) فِي الْمَسْجِدِ يَشْهَرُونَّا وَيَشْهَرُونَ أَنْفُسَهُمْ ، أُولئِكَ لَيْسُوا مِنَّا ، وَلاَ نَحْنُ مِنْهُمْ ، أَنْطَلِقُ فَأُدَارِي(2) وَأَسْتُرُ ، فَيَهْتِكُونَ سِتْرِي، هَتَكَ اللّهُ سُتُورَهُمْ(3) ، يَقُولُونَ : إِمَامٌ ، أَمَا وَاللّهِ مَا أَنَا بِإِمَامٍ إِلاَّ مَنْ(4) أَطَاعَنِي ، فَأَمَّا مَنْ عَصَانِي فَلَسْتُ لَهُ بِإِمَامٍ ، لِمَ يَتَعَلَّقُونَ بِاسْمِي؟ أَ لاَ يَكُفُّونَ اسْمِي مِنْ أَفْوَاهِهِمْ؟ فَوَ اللّهِ لاَ يَجْمَعُنِي اللّهُ وَإِيَّاهُمْ فِي دَارٍ» .

شرح

السند حسن.

قوله: (خلق في المسجد) مبتدأ.

وفي بعض النسخ: «حلق» بالحاء المهملة، وهو _ بالتحريك وكبدَر _ جمع حلقة.

وقوله: (يشهرونّا) صفته، والخبر قوله: (اُولئك)، أو هو الخبر، و«اُولئك» مع ما بعده جملة مستأنفة.

ص: 323


1- . في بعض نسخ الكافي والطبعة القديمة: «حلق» بالحاء المهملة.
2- . هكذا في النسخة وكثير من نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: «فأواري».
3- . في بعض نسخ الكافي: «سترهم».
4- . هكذا في النسخة وبعض نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: «لمن».

قال الفيروزآبادي: «الشُهرة _ بالضمّ _ : ظهور الشيء في شنعه. شهره _ كمنعه _ وشهّره».(1)

وقوله: (ليسوا منّا) أي من حزبنا وفي عداد شيعتنا.

(ولا نحن منهم) أي من حزبهم وفي زمرة أئمّتهم؛ لبطلان الارتباط الدينيّة بيننا وبينهم. وهذا كالصريح في أنّ المذيع خارج عن دين اللّه .

(أنطلق) على صيغة المتكلّم.

وكذا قوله: (فاُداري) من المداراة وهي المدافعة والملائنة ضدّ، وأصله من الدرء.

وقوله: (يقولون: إمام) بالرفع، على أنّه خبر مبتدأ محذوف، أي الصادق عليه السلام إمام.

ويحتمل أن يُراد هذا اللّفظ، أي يتلفّظون بلفظ الإمام ولا يفهمون، معناه: ولا يعملون بمقتضاه. ويؤيّد الأوّل قوله: (ما أنا بإمام إلاّ مَن أطاعني).

في بعض النسخ: «إلاّ لمن».

وقوله: (لِمَ يتعلّقون باسمي).

«لِمَ» بكسر اللاّم وفتح الميم لفظ يستفهم به، وأصله «ما» وصلت باللاّم.

والتعلّق: التمسّك، والتشبّث.

وقوله: (ألا يكفّون)؛ الهمزة للاستفهام على سبيل اللؤم والتفريع، ولا للنفي، وفيه تعليم وترغيب على ترك تشهيره بذكر اسمه خصوصا لفظ الإمام، أو تنبيه على أنّه ليس لهم من التشيّع نصيب إلاّ القول، وهو بمجرّده لا ينفعهم.

متن الحديث الثاني والستّين والخمسمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ صَفْوَانَ ، عَنْ ذَرِيحٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا خَرَجَتْ قُرَيْشٌ إِلى بَدْرٍ ، وَأَخْرَجُوا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَعَهُمْ ، خَرَجَ طَالِبُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، فَنَزَلَ رُجَّازُهُمْ وَهُمْ يَرْتَجِزُونَ ، وَنَزَلَ طَالِبُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَرْتَجِزُ ، وَيَقُولُ :

يَا رَبِّ ، إِمَّا تُعَزِّزَنْ(2) بِطَالِبٍ ***فِي مِقْنَبٍ مِنْ هذِهِ الْمَقَانِبِ

ص: 324


1- . القاموس المحيط، ج 2، ص 65 شهر.
2- . في الطبعة القديمة: «يغزون».

فِي مِقْنَبِ الْمُغَالِبِ الْمُحَارِبِ(1)***بِجَعْلِهِ الْمَسْلُوبَ غَيْرَ السَّالِبِ

وَجَعْلِهِ الْمَغْلُوبَ غَيْرَ الْغَالِبِ

فَقَالتْ قُرَيْشٌ : إِنَّ هذَا لَيَغْلِبُنَا ، فَرَدُّوهُ» .

وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرى عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام: «أَنَّهُ كَانَ أَسْلَمَ» .

شرح

السند صحيح على الأصحّ.

(فنزل رجّازهم وهم يرتجزون).

في القاموس:

الرجز _ بالتحريك _ : ضربٌ من الشعر وزنهُ مستفعلن ستّ مرّات. وزعم الخليل أنّه ليس بشعر، وإنّما هو أنصاف أبيات وأثلاث. والاُرجوزة كالقصيدة منه الجمع أراجيز، وقد رجز وارتج،(2) انتهى.

وقيل: الرجز هو الكلام المفقور، كما صرّح ابن إسحاق في السيرة، واختلف أهل العروض في أنّ الرجز شعر أم لا، واحتجّ المانع بأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله ارتجز كما وقع في بعض الروايات للعامّة والشعر عليه حرام، قال اللّه : «وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي»(3)، واعترض بأنّه لو سلم ارتجازه فنقول: قد صرّح المازري بأنّهم اتّفقوا على أنّه ليس الشعر إلاّ ما قصد وزنه، فإن جرى على اللّسان من أن يقصد وزنه فليس بشعر، وعليه يحمل ما جاء من ذلك عنه صلى الله عليه و آله.(4)وقوله: (يا ربّ أما تعزّزن بطالب).

قال الفيروزآبادي:

عزّ يعزّ عزّا وعزّةً بكسرهما، وعزازة صار عزيزا، كتعزّز وقوى بعد ذلّة، وأعزّه وعزّزه، وعزّ عليَّ أن تفعل كذا: حقّ واشتدّ. وعززت عليه أعزّ: كرُمْتُ. وعزّه _ كمدّه _ : غلبه في المعازّة. ومن عزّ بزّ، أي من غَلَبَ سَلَبَ، انتهى.(5)

ص: 325


1- . في بعض نسخ الكافي: «المحارب المغالب».
2- . القاموس المحيط، ج 2، ص 176 رجز مع التلخيص واختلاف في اللفظ.
3- . يس 36: 69.
4- . القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 539.
5- . القاموس المحيط، ج 2، ص 182 و 183 عزز مع التلخيص.

والباء على بعض الاحتمالات للتعدية، وعلى بعضها للتقوية، فتدبّر.

(في مقنب من هذه المقانب).

هذه الفقرة صفة لطالب، والمشار إليه بهذه مقانب قريش وعساكرهم.

قال الفيروزآبادي: «المقنب _ كمنبر _ من الخيل: ما بين الثلاثين إلى الأربعين، أو زُهاء ثلاثمائة».(1)

وقال الجزري: «المقنب _ بالكسر _ : جماعة الخيل والفرسان. وقيل: هو دون المائة».(2)

والظرف في قوله: (في مقنب المغالب المحارب) متعلّق بقوله: «تعزّزن»، وكأنّ المراد بالقنب في هذه الفقرة مقنب المسلمين.

(بجعله المسلوب غير السالب).

قيل: الباء للسببيّة، والظرف متعلّق ب «تعزّزن»، والضمير راجع إلى «طالب»، والإضافة إلى الفاعل، والمسلوب: المختلس بصيغة اسم المفعول، والسالب: المختلس بصيغة اسم الفاعل، من السَلَب _ بالتحريك _ وهو ما يأخذه أحد الفريقين من الآخر في الحرب من ثياب القتيل وآلات الحرب كدرع وسلاح ومركوب وسرح ولجام وغير ذلك، وهما مفعولان لطالب،(3) وقس عليه.

قوله: (وجعله المغلوب غير الغالب).

قال بعض الشارحين:

كلامه ذو وجهين؛ لأنّه يحتمل أن يُراد بالمسلوب والمغلوب أهل الإسلام، وأن يراد بهما أهل الشرك، والثاني هو المراد بدليل قوله: (وفي رواية اُخرى: أنّه كان أسلم) فطلب من اللّه تعالى العزّة والغَلَبة، بأن يجعل المغلوب من اختلسه الشيطان غير سالب ومختلِس لأهل الإسلام، أو يجعل المغلوب بالهوى غير غالب على أهل الايمان. ولمّا كان المشركون من أهل اللسان فهموا مقصوده وإن كان مفادابالتورية، فلذلك اُمروا بردّه؛ لئلاّ يفسد عليهم، ويلحق بأهل الإسلام، ويوقع

ص: 326


1- . القاموس المحيط، ج 1، ص 120 قنب مع التلخيص.
2- . النهاية، ج 4، ص 111 قنب.
3- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 540 مع التلخيص واختلاف في اللفظ.

التفرقة بين المشركين،(1) انتهى.

وقال بعض الأفاضل: إنّ ارتجازه في بعض ما ظفرنا عليه من السير هكذا:

يا ربّ إمّا خرجوا بطالب ***في مقنب من هذه المقانب

فاجعلهم المغلوب غير غالب ***وارددهم المسلوب غير السّالب

وقال صاحب الكامل في ذكر قصّة بدر: وكان بين طالب ابن أبي طالب وهو في القوم وبين بعض قريش محاورة فقالوا: واللّه لقد عرفنا أنّ هواكم مع محمّد، فرجع طالب فيمن رجع إلى مكّة. وقيل: إنّه اُخرج كرها فلم يوجد في الأسرى ولا في القتلى ولا فيمن رجع إلى مكّة، وهو الذي يقول:

يا ربّ إمّا يعزّزن طالب ***في مقنب من هذه المقانب

فليكن المسلوب غير السالب وليكن المغلوب غير الغالب(2)

ثمّ قال الفاضل المذكور: أقول: على ما نقلناه من الكتابين ظهر أنّه لم يكن راضيا بهذه المقالة، وكان يريد ظفر النبيّ صلى الله عليه و آله إمّا لأنّه كان قد أسلم كما تدلّ عليه المرسلة، أو لمحبّة القرابة، فالذي يخطر بالبال في توجيه ما في الخبر أن يكون قوله: «بجعله» بدل اشتمال لقوله «بطالب» أي إمّا تجعل الرسول صلى الله عليه و آله غالبا بمغلوبيّة طالب حال كونه في مقانب عسكر مخالفيه الذين يطلبون الغلبة عليه، بأن تجعل طالبا مسلوب الثياب والسلاح غير سالب لأحد من عسكر النبيّ صلى الله عليه و آله، وبجعله مغلوبا منهم غير غالب عليهم.

وفي النسخة القديمة التي عندنا هكذا:

يا ربّ إمّا يغززن بطالب ***في مقنب من هذه المقانب

في مقنب المغالب المحارب *** فاجعله المسلوب غير السالب

واجعله المغلوب غير الغالب

وهو أظهر، ويوافق ما نقلناه من السِّير. ويؤيّد ما ذكرنا من البيان والتفسير كما لا يخفى،(3) انتهى.

ص: 327


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 540 مع التلخيص واختلاف في اللفظ.
2- . الكامل في التأريخ، ج 2، ص 121.
3- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 561 و 562 مع التلخيص.

وقوله: (إنّ هذا ليغلبنا) أي يريد غلبة الخصوم علينا، أو يصير تخاذله سببا لغلبتهم علينا.

وقيل: أي يفخر علينا ويظنّ أنّه إنّما يغلب عليهم بإعانته.(1)

متن الحديث الثالث والستّين والخمسمائة

اشارة

حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكِنْدِيِّ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْمِيثَمِيِّ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُفَضَّلِ(2) ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ : «جَاءَتْ فَاطِمَةُ عليهاالسلام إِلى سَارِيَةٍ فِي الْمَسْجِدِ وَهِيَ تَقُولُ _ وَتُخَاطِبُ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله _ :

قَدْ كَانَ بَعْدَكَ أَنْبَاءٌ وَهَنْبَثَةٌ ***لَوْ كُنْتَ شَاهِدَهَا لَمْ يَكْثُرِ(3) الْخَطْبُ

إِنَّا فَقَدْنَاكَ فَقْدَ الْأَرْضِ وَابِلَهَا***وَاخْتَلَّ قَوْمُكَ فَاشْهَدْهُمْ وَلاَ تَغِبُ» .

شرح

السند مجهول، وكونه موثّقا احتمال.

قوله: (سارية في المسجد) السارية: الاُسطوانة.

وقوله: (قد كان بعدك أنباءٌ وهنبثةٌ).

«أنباء» بتقديم النون على الباء جمع النبأ، والهنبثة: واحدة الهنابث، وهي الاُمور الشديدة المختلفة. والهنبثة: الاختلاط في القول، والنون زائدة.

(لو كنت شاهدها لم يكثر الخطب).

في بعض النسخ: «لم يكبر» بالباء الموحّدة.

الشاهد: الحاضر. والضمير راجع إلى هنبثة، أو على الأنباء أيضا.

وقال الجزري: «الخطب: الأمر الذي يقع فيه المخاطبة، والشأن، والحال، ومنه [قولهم:]جلّ الخطب، أي عظُم الأمر والشأن».(4)

ص: 328


1- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 561 و 562.
2- . في الطبعة الجديدة: «الفضل».
3- . في بعض نسخ الكافي: «لم تكثر».
4- . النهاية، ج 2، ص 45 خطب.

(إنّا فقدناك فقْدَ الأرض وابلها).

في القاموس: «الوابل: المطر الشديد الضخم القطر».(1)

(واختلّ قومك فاشهدهم ولا تغب).

في كشف الغمّة: «واختلّ قومك لما غِبْتَ وانقلبوا».(2)

متن الحديث الرابع والستّين والخمسمائة

اشارة

أَبَانٌ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : بَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فِي الْمَسْجِدِ إِذْ خُفِضَ لَهُ كُلُّ رَفِيعٍ ، وَرُفِعَ لَهُ كُلُّ خَفِيضٍ حَتّى نَظَرَ إِلى جَعْفَرٍ عليه السلام يُقَاتِلُ الْكُفَّارَ» قَالَ : «فَقُتِلَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : قُتِلَ جَعْفَرٌ ، وَأَخَذَهُ الْمَغْصُ فِي بَطْنِهِ» .

شرح

السند موثّق على احتمال.

قوله: (قال: فقتل).

فاعله أبو عبد اللّه عليه السلام.

(وأخذه المغص في بطنه).

في القاموس: «المغص _ ويحرّك _ : وجع في البطن. مَغَصَ _ كعنى _ فهو مغموص».(3)

والظاهر إرجاع الضميرين إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله أخذه هذا الداء للحزن والغمّ بما شاهد من قتل جعفر.

نقل عن القرطبي أنّه قال:

جعفر كان أكبر من علي بعشر سنين، وكان من المهاجرين الأوّلين، وهاجر إلىالحبشة، وقدم منها بعد فتح خيبر، فعانقه رسول اللّه وقال: «ما أدري بالهما أنا أشدّ فرحا بقدوم جعفر، أم بفتح خيبر، وكان قدومه في السنة السابعة من الهجرة، وقتل

ص: 329


1- . القاموس المحيط، ج 4، ص 63 وبل.
2- . كشف الغمّة، ج 2، ص 113.
3- . القاموس المحيط، ج 2، ص 318 مغص مع التلخيص.

في غزوة موتة.(1)

قال الجوهري: «الموتة _ بالهمزة _ : اسم أرض قتل فيها جعفر بن أبي طالب».(2)

متن الحديث الخامس والستّين والخمسمائة

اشارة

حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ(3) بْنِ أَحْمَدَ الدِّهْقَانِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الطَّاطَرِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ بَيَّاعِ السَّابِرِيِّ ، عَنْ أَبَانٍ(4) ، عَنْ عَجْلاَنَ أَبِي صَالِحٍ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ : «قَتَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام بِيَدِهِ يَوْمَ حُنَيْنٍ أَرْبَعِينَ» .

شرح

السند مجهول.

قوله: (قتل عليّ بن أبي طالب عليه السلام بيده يوم حنين أربعين).

كذا ذكره المفيد في إرشاده(5) وبعض أهل السِّير. قال الفيروزآبادي: «حُنَيْن _ كزُبَير _ : موضع بين الطائف ومكّة».(6)

متن الحديث السادس والستّين والخمسمائة

اشارة

أَبَانٌ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَطَاءٍ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : أَتى جَبْرَئِيلُ عليه السلام رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِالْبُرَاقِ أَصْغَرَ مِنَ الْبَغْلِ ، وَأَكْبَرَ مِنَ الْحِمَارِ، مُضْطَرِبَ الْأُذُنَيْنِ ، عَيْنُهُ(7) فِي حَافِرِهِ ، وَخُطَاهُ(8) مَدَّ بَصَرِهِ ، وَإِذَا انْتَهى إِلى جَبَلٍ قَصُرَتْ يَدَاهُ وَطَالَتْ رِجْلاَهُ ، فَإِذَا هَبَطَ طَالَتْ يَدَاهُ وَقَصُرَتْ رِجْلاَهُ ، أَهْدَبَ الْعُرْفِ الْأَيْمَنِ ، لَهُ جَنَاحَانِ مِنْ خَلْفِهِ» .

ص: 330


1- . نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 541.
2- . الصحاح، ج 1، ص 268 موت مع اختلاف يسير في اللفظ.
3- . في بعض نسخ الكافي: «عبد اللّه » و هو سهو.
4- . في الطبعة القديمة: - «عن أبان».
5- . الإرشاد، ج 1، ص 150.
6- . القاموس المحيط، ج 4، ص 217 حنن.
7- . هكذا في النسخة وكثير من نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: «عينيه».
8- . في بعض نسخ الكافي: «وخطامه».

شرح

السند مجهول.

قوله: (مضطرب الاُذنين).

هذه خلّة ممدوحة في الدّواب. قال الجوهري: «الموج يضطرب، أي يضرب بعضه بعضا. والاضطراب: الحركة».(1)

(عينه في حافره).

الحافر للدابّة كالقدم للإنسان، وهذا يحتمل أن يكون بيانا للواقع، أو كنايةً عن حدّة بصره ومعرفته بما يضع حافره عليه بحيث يرى ما تحت حافره كما يرى ما يقابله.

(وخطاه مدّ بصره).

قيل: كأنّ كون خطاه مدّ بصره كناية من كون قطعه الطريق على قدر معرفته به ورؤيته.(2)

أقول: لا مانع من حمله على ظاهره حقيقةً أو مبالغةً.

قال الجوهري: «الخُطوة _ بالضمّ _ : ما بين القدمين، وجمع القلّة: خطوات، والكثير: خُطىً».(3) وفي بعض النسخ: «خطامه» وكأنّه تصحيف. والخِطام _ بالكسر _ : الزِّمام.

(أهدب العرف الأيمن) أي طويل العرف، أو كثيره، أو هما معا، وكان مرسلاً في جانبه الأيمن.

قال الجوهري: «الأهدب: الرجل الكثير أشفار العين».(4)

وقال الجزري: «في صفته صلى الله عليه و آله: كان أهدف الأشفار، أي طويل شعر الأجفان».(5)

وقال الفيروزآبادي: «العُرف _ بالضمّ _ : شعر عنق الفرس، ويضمّ راؤه».(6)

متن الحديث السابع والستّين والخمسمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ صَالِحِ بْنِ السِّنْدِيِّ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِيرٍ ، عَنْ فَيْضِ بْنِ الْمُخْتَارِ ، قَالَ :

ص: 331


1- . الصحاح، ج 1، ص 168 ضرب.
2- . قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي، ج 26، ص 364، ذيل ح 25461 مع التلخيص.
3- . الصحاح، ج 6، ص 2328 خطا مع التلخيص.
4- . الصحاح، ج 1، ص 237 هدب.
5- . النهاية، ج 5، ص 249 هدب مع التلخيص.
6- . القاموس المحيط، ج 3، ص 173 عرف مع التلخيص.

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «كَيْفَ تَقْرَأُ(1) «وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا»(2)؟» قَالَ : «لَوْ كَانُوا(3) «خُلِّفُوا» لَكَانُوا(4) فِي حَالِ طَاعَةٍ(5) ، وَلكِنَّهُمْ خَالَفُوا : عُثْمَانُ وَصَاحِبَاهُ ، أَمَا وَاللّهِ مَا سَمِعُوا صَوْتَ حَافِرٍ ، وَلاَ قَعْقَعَةَ حَجَرٍ إِلاَّ قَالُوا : أُتِينَا ، فَسَلَّطَ اللّهُ عَلَيْهِمُ الْخَوْفَ حَتّى أَصْبَحُوا» .

شرح

السند مجهول.

قوله: (كيف تقرأ).

«كيف» للسؤال، أو للإنكار.

«وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا».

قال اللّه _ عزّ وجلّ _ في سورة التوبة: «لَقَدْ تَابَ اللّه ُ عَلَى النَّبِىِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لاَ مَلْجَأَ مِنْ اللّه ِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللّه َ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّه َ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ»(6).

قال بعض المفسّرين:

إنّ قوله تعالى: «وَعَلَى الثَّلاَثَةِ» عطف على قوله: «عَلَى النَّبِىِّ» أي تاب على الثلاثة، وهم كعب بن مالك، وهلال بن اُميّة، ومرارة بن الربيع.

وقوله: «خُلِّفُوا» أي تخلّفوا عن الغزو، أو خُلِّف أمرهم؛ فإنّهم المرجون لأمر اللّه .

وقوله: «إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ»أي برحبها لإعراض الناس عنهم بالكلّيّة، وهو مثل لشدّة الحيرة.

وقوله: «وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ» أي قلوبهم من فرط الوحشة والغمّ بحيث لا يسعها اُنس وسرور، وقوله: «ظَنُّوا»أي علموا «أَنْ لاَ مَلْجَأَ مِنْ اللّه ِ»أي من سخطه «إِلاَّ إِلَيْهِ»أي إلى استغفاره «ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ»بالتوفيق للتوبة «لِيَتُوبُوا»، أو أنزل

ص: 332


1- . في بعض نسخ الكافي: «تقرؤون».
2- . التوبة 9: 118.
3- . في الطبعة القديمة: «كان».
4- . في بعض نسخ الكافي: «كانوا».
5- . في بعض نسخ الكافي: «طاعته».
6- . التوبة 9: 117 _ 119.

قلوب توبتهم ليعدّوا من جملة التوّابين، أو رجع عليهم بالقبول والرحمة مرّة بعد اُخرى ليستقيموا على توبتهم.

«إِنَّ اللّه َ هُوَ التَّوَّابُ» لمن تاب، ولو عاد في اليوم مائة مرّة «الرَّحِيمُ»متفضّل عليهم بالنِّعم.(1)

وقال الشيخ الطبرسي:

القراءة المشهورة: الذين خلّفوا. وقرأ عليّ بن الحسين وأبو جعفر الباقر والصادق عليهم السلاموأبو عبد الرحمن السلمي: خالفوا. وقرأ عكرمة وزر بن حبيش وعمرو بن عبيد: خلفوا، بفتح الخاء واللاّم خفيفة.(2)

ثمّ قال:

نزلت في كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن اُميّة، وذلك أنّهم تخلّفوا عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ولم يخرجوا معه، لا عن نفاق، لكن عن توان، ثمّ ندموا، فلمّا قدم النبيّ صلى الله عليه و آلهالمدينة جاؤوا إليه واعتذروا، فلم يكلّمهم النبيّ، وتقدّم إلى المسلمين أن لا يكلّمهم أحد منهم، فهجرهم الناس حتّى الصبيان، وجاءت نساؤهم إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقلن: يا رسول اللّه ، نعتزلهم؟ فقال: لا، ولكن لا يقربوكنّ. فضاقت عليهم المدينة، وخرجوا إلى رؤوس الجبال، وكان أهاليهم يجيئون لهم بالطعام ولا يكلّمونهم، فقال بعضهم لبعض: قد هجرنا الناس ولا يكلّمنا أحد فهلاّ نتهاجر نحن أيضا، فتفرّقوا ولم يجتمع منهم اثنان، وبقوا على ذلك خمسين يوما يتضرّعون إلى اللّه ويتوبون إليه، فقبلَ اللّه توبتهم وأنزل فيهم هذه الآية.

ثمّ قال مجاهد(3): معناه: خلفوا عن غزوة تبوك لمّا تخلّفوا هم، وأمّا قراءة أهل البيت عليهم السلام«خالفوا» فإنّهم قالوا: لو كانوا خلّفوا لما توجّه عليهم العتب، ولكنّهم خالفوا،(4) انتهى.

إذا تمهّد هذا فنقول: ظاهر هذا الخبر أنّه عليه السلام خطأ قراءة التخليف وتفسير الثلاثة بما ذكر، فأشار إلى الأوّل بقوله: (لو كانوا خلفوا) أي لو كان خلّفهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله ورخّص لهم في

ص: 333


1- . تفسير البيضاوي، ج 3، ص 178 مع اختلاف في اللفظ.
2- . مجمع البيان، ج 5، ص 135.
3- . في المصدر: «قال الحسن وقتادة».
4- . مجمع البيان، ج 5، ص 137 و 138 مع التلخيص.

القعود، كما يدلّ عليه التخليف. (لكانوا في حال طاعة)؛ إذ التخليف يشعر بأنّه صلى الله عليه و آله خلّفهم، فكانوا في طاعته، فلا يتوجّه إليهم اللّوم والتوبيخ، وهذا يحتمل أن يكون تخطئة لأصل هذه القراءة، ويؤيّده قوله: (ولكنّهم خالفوا) أو لتفسيره بمعنى تخلّفوا؛ إذ لم ينقل من أهل اللّغة مجيء التخليف بمعنى التخلّف، ويلزم منه تخطئة القراءة أيضا كما لا يخفى.

وأشار إلى الثاني بقوله: (ولكنّهم خالفوا) أي الثلاثة المذكورين في الآية خالفوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله.

قيل: مخالفتهم في ادّعاء الولاية، وانتحال الخلافة.(1)

وأنت خبير بعدم ملائمته بقوله: (واللّه ما هو صوت حاف) إلى آخره، بل التحقيق ما ذكره بعض المحقّقين من أنّ هذا الخبر يدلّ على أنّ أبا بكر وصاحبيه كان وقع منهم أيضا تخلّف عند خروج النبيّ صلى الله عليه و آله إلى تبوك، فسلّط اللّه عليهم الخوف في تلك الليلة حتّى ضاقت عليهم الأرض برحبها وسعتها، وضاقت عليهم أنفسهم؛ لكثرة خوفهم وحزنهم، حتّى أصبحوا ولحقوا بالنبيّ صلى الله عليه و آله واعتذروا إليه.(2)

وبالجملة: المراد بمخالفتهم هنا تخلّفهم عن تلك الغزوة.

ثمّ أشار عليه السلام إلى تفسير الثلاثة بقوله: (عثمان وصاحباه) أي هم هذه الثلاثة.

وقوله عليه السلام: (أما واللّه ما سمعوا صوت حافر) إلى آخره، إشارة إلى تفسير قوله تعالى: «حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ»(3) الآية، وحاصله: أنّه حصل لهم بسبب تلك المخالفة خوفٌ عظيم ورعبٌ شديد.

وقوله: (ولا قعقعة حجر).

قال الفيروزآبادي: «القعقعة: حكاية صوت السلاح، وتحريك الشيء اليابس الصّلب مع صوت وطرد الثور بقع وقع».(4)

(إلاّ قالوا: اُتينا) على البناء للمفعول.

ص: 334


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 543 مع اختلاف في اللفظ.
2- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 565.
3- . التوبة 9: 118.
4- . القاموس المحيط، ج 3، ص 72 قعع مع التلخيص.

قال الفيروزآبادي: «أتى _ كعنى _ : أشرف عليه العدوّ. واُتي عليه الدهر: أهلكه».(1)

(فسلّط اللّه _ عزّ وجلّ _ عليهم الخوف حتّى أصبحوا).

قد عرفت سبب خوفهم.

وقال بعض الشارحين بعد تفسير قوله عليه السلام: «ولكنّهم خلفوا» بالمخالفة في ادّعاء الخلافة كما عرفت آنفا: أنّ تسليط الخوف عليهم في كلّ ليلة، خصوصا في ليلة القدر؛ لأنّ كلّ خائن خائف، وقد مرّ في تفسير «إنّا أنزلناه» في كتاب [الحجّة] عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديثٍ طويل قال: «إن كانا _ أي الأوّلان _ ليعرفان تلك الليلة، أي ليلة القدر بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله من شدّة ما تداخلهما من الرعب»(2) هذا كلامه،(3) فتأمّل.

ثمّ اعلم أنّه لا دلالة في الآية على قبول توبتهم؛ لما ذكرنا من الاحتمالات في تفسير قوله تعالى: «ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا».

متن الحديث الثامن والستّين والخمسمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : تَلَوْتُ «التّائِبُونَ الْعابِدُونَ»(4) فَقَالَ : «لاَ ، اقْرَأِ «التَّائِبِينَ الْعَابِدِينَ» إِلى آخِرِهَا ، فَسُئِلَ عَنِ الْعِلَّةِ فِي ذلِكَ ، فَقَالَ : اشْتَرى مِنَ الْمُؤمِنِينَ التَّائِبِينَ الْعَابِدِينَ» .

شرح

السند ضعيف.

قوله: (تلوت) أي قرأت.

«التّائِبُونَ الْعابِدُونَ».

قال اللّه _ عزّ وجلّ _ في سورة التوبة: «إِنَّ اللّه َ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ

ص: 335


1- . القاموس المحيط، ج 4، ص 297 أتى مع اختلاف في اللفظ.
2- . في الكافي، ج 2، ص 249، ح 5 عن أبي جعفر عليه السلام.
3- . القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 543.
4- . التوبة 9: 112.

لَهُمْ الْجَنَّةَ _ إلى قوله _ عزّ وجلّ: _ التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الاْمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنْ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّه ِ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ»(1)، قال البيضاوي:

«التائبون» رفع على المدح، أي هم التائبون، والمراد بهم المؤمنون المذكورون، ويجوز أن يكون مبتدأ خبره محذور تقديره: التائبون [من] أهل الجنّة وإن لم يجاهدوا، لقوله: «وَكُلاًّ وَعَدَ اللّه ُ الْحُسْنَى»(2)، أو خبره ما بعده، أي التائبون عن الكفر على الحقيقة هم الجامعون لهذه الخصال. وقرئ بالياء نصبا على المدح، أو جرّا صفة للمؤمنين،(3) انتهى.

ونسب الشيخ الطبرسي رحمه الله(4) وصاحب الكشّاف(5) قراءة «التابئين العابدين» إلى آخرها بالياء إلى عبد اللّه بن مسعود واُبيّ والأعمش.

(فقال لا) أي لا تقرأها بالواو، بل (اقرأ: التائبين العابدين، إلى آخرها) بالياء.

(فسئل عن العلّة في ذلك) أي عن سبب قراءتها بالياء.

(فقال عليه السلام: اشترى من المؤمنين التائبين العابدين) أي أنّها أوصاف للمؤمنين.

وفيه دلالة على جواز الفصل بين الصفة والموصوف بالاثنين.

متن الحديث التاسع والستّين والخمسمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْمُبَارَكِ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَبَلَةَ ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «هكَذَا أَنْزَلَ اللّهُ عَزَّوَجَلَّ : لَقَدْ جَاءَنَا رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِنَا عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتْنَا حَرِيصٌ عَلَيْنَا بِالْمُؤمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ» .

شرح

السند ضعيف.

ص: 336


1- . التوبة 9: 111 _ 112.
2- . النساء 4: 95.
3- . تفسير البيضاوي، ج 3، ص 175.
4- . مجمع البيان، ج 5، ص 128.
5- . الكشّاف، ج 2، ص 216.

قوله: (لقد جاءنا رسول من أنفسنا).

قيل: أي من جنسنا عربيّ مثلنا،(1) فيكون حكاية عن قول المؤمنين كقوله: «رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا»(2).

(عزيزٌ عليه) أي شديد شاقّ على ذلك الرسول.

(ما عنِتنا) أي عنتنا ولقاءنا المكروه لكمال شفقته علينا.

قال الفيروزآبادي: «العنت _ محرّكة _ : الفساد، والإثم، والهلاك، ودخول المشقّة على الإنسان، ولقاء الشدّة، والزنا، والوهي، والانكسار، واكتساب المآثم».(3)

(حريصٌ علينا) أي على إيماننا وصلاح شأننا.

(بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم).

قيل: الرأفة كون القلب بحيث يتأثّر عن وصول الأذى إلى الغير، والرحمة ميل القلب إلى الإحسان.(4)

وقال البيضاوي: «قدّم الأبلغ منهما وهو رؤوف؛ لأنّ الرأفة شدّة الرحمة محافظة على الفواصل».(5)

واعلم أنّ هذه القراءة مخالفة لما في أيدي الناس.

وقال بعض الأفاضل:

كأنّ المراد بقوله عليه السلام (هكذا أنزل اللّه ) أنّه تعالى أنزله ليقرأه بعد قراءة قوله تعالى: «لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ»الآية، تصديقا له.(6)

ولا يخفى بُعده، واللّه يعلم.

متن الحديث السبعين والخمسمائة

اشارة

مُحَمَّدٌ ، عَنْ أَحْمَدَ ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ :

عَنِ الرِّضَا عليه السلام : «فَأَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا» قُلْتُ : هكَذَا؟ قَالَ :

ص: 337


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 544.
2- . البقرة 2: 286.
3- . القاموس المحيط، ج 1، ص 153 عنت مع التلخيص.
4- . لم نعثر على قائله.
5- . تفسير البيضاوي، ج 3، ص 181 مع اختلاف يسير في اللفظ.
6- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 544 مع اختلاف في اللفظ.

«هكَذَا نَقْرَؤهَا ، وَهكَذَا تَنْزِيلُهَا» .

شرح

السند موثّق.

قوله: «فَأَنْزَلَ اللّه ُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ»(1) إلى آخره.

في سورة التوبة: «ثُمَّ أَنزَلَ اللّه ُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودا لَمْ تَرَوْهَا»(2)، وفي موضع آخر منها: «فَأَنزَلَ اللّه ُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا»(3)، والظاهر أنّ المراد هنا الثانية تبدّل قوله عليه وعلى رسوله.

متن الحديث الحادي و السبعين والخمسمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ وَالْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ ، عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِيِّ ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ سُوَيْدٍ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ فِي هذِهِ الاْيَةِ : «فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ»(4) فَقَالَ : «إِنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَمَّا نَزَلَ قُدَيْدَ قَالَ لِعَلِيٍّ عليه السلام : يَا عَلِيُّ ، إِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ يُوَالِيَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ فَفَعَلَ ، وَسَأَلْتُ رَبِّي أَنْ يُوَاخِيَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ فَفَعَلَ ، وَسَأَلْتُ رَبِّي أَنْ يَجْعَلَكَ وَصِيِّي فَفَعَلَ ، فَقَالَ رَجُلاَنِ مِنْ قُرَيْشٍ : وَاللّهِ لَصَاعٌ مِنْ تَمْرٍ فِي شَنٍّ بَالٍ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِمَّا سَأَلَ مُحَمَّدٌ رَبَّهُ ، فَهَلاَّ سَأَلَ رَبَّهُ مَلَكا يَعْضُدُهُ عَلى عَدُوِّهِ ، أَوْ كَنْزا يَسْتَغْنِي بِهِ عَنْ فَاقَتِهِ ، وَاللّهِ مَا دَعَاهُ إِلى حَقٍّ وَلاَ بَاطِلٍ إِلاَّ أَجَابَهُ إِلَيْهِ ، فَأَنْزَلَ اللّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى «فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ» إِلى آخِرِ الاْيَةِ» .

شرح

السند مجهول.

قوله: (في هذه الآية) في سورة هود عليه السلام: «فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ».

ص: 338


1- . الفتح 48: 26.
2- . التوبة 9: 26.
3- . التوبة 9: 40.
4- . هود 11: 12.

قال بعض المفسّرين:

أي تترك [تبليغ] بعض ما يوحى إليك، وهو ما يخالف رأي المشركين مخافة ردّهم واستهزائهم به، ولا يلزم من توقّع الشيء لوجود ما يدعو إليه وقوعه؛ لجواز أن يكون ما يصرف عنه، وهو عصمة الرسل عن الخيانة في الوحي مانعا «وَضائِقٌ بِهِ» أي بذلك البعض وتبليغه «صَدْرُكَ» وعارض لك أحيانا ضيق صدر مخافة «أَنْ يَقُولُوا»، أو لأن يقولوا:«لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ» ينفقه في الاستمتاع كالملوك «أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ» يصدّقه: وقيل: الضمير في «به» مبهم يفسّره «أن يقولوا».(1)

ورووا عن ابن عبّاس أنّ رؤساء مكّة من قريش أتوا رسول اللّه صلى الله عليه و آلهفقال: يا محمّد، إن كنت رسولاً فحوّل لنا جبال مكّة ذهبا، أو ائتنا بملائكة يشهدون لك بالنبوّة، فأنزل اللّه :

«فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ»(2) أي بعض القرآن، وهو ما فيه سبّ آلهتهم، فلا تبلّغهم إيّاه دفعا لشرّهم وخوفا منهم.

(فقال: إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لمّا نزل قديد) كزبير: اسم واد وموضع بين الحرمين.

وقوله: (في شنّ).

قال الفيروزآبادي: «الشن وهي بهاء القربة الخلق الصغيرة».(3)

وكان المراد بقوله: (واللّه ما دعاه) ما دعا رسول اللّه عليه السلام عليّا عليه السلام. (إلى حقّ ولا إلى باطل إلاّ أجابه إليه).

والحاصل: أنّه إنّما سأل تلك المنازل لعليّ عليه السلام لوفور محبّته له، وسبب تلك المحبّة كثرة انقياده له في كلّ ما دعاه إليه وأمره به، ولذا يختلق فيه تلك المفتريات. ويظهر من هذا التفسير أنّ المراد ببعض ما يوحى ما نزل في عليّ عليه السلام.

متن الحديث الثاني والسبعين والخمسمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سِنَانٍ ، قَالَ :

سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا

ص: 339


1- . تفسير البيضاوي، ج 3، ص 224 مع التلخيص واختلاف في اللفظ.
2- . مجمع البيان، ج 5، ص 249.
3- . القاموس المحيط، ج 4، ص 240 شنن.

يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ»(1)؟

فَقَالَ : «كَانُوا أُمَّةً وَاحِدَةً ، فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ لِيَتَّخِذَ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةَ» .

شرح

السند حسن.

قوله: (عن قول اللّه تعالى) في سورة هود عليه السلام: «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ»؛ مشيّة حتميّة وإرادة جبريّة.

«لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً» مسلمين كلّهم.

قال الجوهري:

الاُمّة: الجماعة. قال الأخفش: هو في اللّفظ واحد، وفي المعنى جمع. والاُمّة: الطريقة، والدِّين. يُقال: فلان لا اُمّة له، أي لا دين له، ولا نحلة. وقوله تعالى: «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ»(2) قال الأخفش: يريد أهل اُمّة، أي خير أهل دين.(3)

«وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ».

قال البيضاوي:

أي بعضهم على الحقّ، وبعضهم على الباطل «إِلاّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ» إلاّ ناسا هداهم اللّه من فضله، فاتّفقوا على ما هو اُصول دين الحقّ والعمدة فيه «وَ لِذَ لِكَ خَلَقَهُمْ»؛ إن كان الضمير للناس، فالإشارة إلى الاختلاف، واللاّم للعاقبة، أو إليه وإلى الرحمة، وإن كان ل «من» فإلى الرحمة.(4)

(فقال: كانوا اُمّة واحدة) في الباطل، كما قبل نوح وإبراهيم عليهماالسلام.

(فبعث اللّه النبيّين ليتّخذ عليهم الحجّة) فمن تبعهم فهو المرحوم.

والحاصل: أنّهم كانوا جميعا على الشرك والضلالة، ولو شاء لتركهم كذلك، ولكن أراد أن يتّخذ عليهم الحجّة، فبعث النبيّين.

وقيل: يحتمل أن يكون المراد أنّهم كانوا في زمن آدم عليه السلام في بدو التكليف كلّهم مؤمنين.(5)

ص: 340


1- . هود 11: 118 و 119.
2- . آل عمران 3: 110.
3- . الصحاح، ج 5، ص 1864 أمم مع التلخيص.
4- . تفسير البيضاوي، ج 3، ص 269 مع التلخيص.
5- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 568 و 569.

متن الحديث الثالث والسبعين والخمسمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْعَبَّاسِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَمَّادٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ ، عَنْ جَابِرٍ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْنا»(1) قَالَ : «مَنْ تَوَلَّى الْأَوْصِيَاءَ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ وَاتَّبَعَ آثَارَهُمْ ، فَذَاكَ يَزِيدُهُ وَلاَيَةَ مَنْ مَضى مِنَ النَّبِيِّينَ وَالْمُؤمِنِينَ الْأَوَّلِينَ حَتّى تَصِلَ وَلاَيَتُهُمْ إِلى آدَمَ عليه السلام ، وَهُوَ قَوْلُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها»(2) يُدْخِلُهُ(3) الْجَنَّةَ، وَهُوَ قَوْلُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ»» يَقُولُ : «أَجْرُ الْمَوَدَّةِ الَّذِي لَمْ أَسْأَلْكُمْ غَيْرَهُ ، فَهُوَ لَكُمْ تَهْتَدُونَ بِهِ ، وَتَنْجُونَ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ .

وَقَالَ لِأَعْدَاءِ اللّهِ أَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ أَهْلِ التَّكْذِيبِ وَالاْءِنْكَارِ : «قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ»(4) يَقُولُ مُتَكَلِّفا أَنْ أَسْأَلَكُمْ مَا لَسْتُمْ بِأَهْلِهِ .

فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ عِنْدَ ذلِكَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : أَمَا يَكْفِي مُحَمَّدا أَنْ يَكُونَ قَهَرَنَا عِشْرِينَ سَنَةً حَتّى يُرِيدُ أَنْ يُحَمِّلَ أَهْلَ بَيْتِهِ عَلى رِقَابِنَا ، فَقَالُوا : مَا أَنْزَلَ اللّهُ هذَا ، وَمَا هُوَ إِلاَّ شَيْءٌ يَتَقَوَّلُهُ يُرِيدُ أَنْ يَرْفَعَ أَهْلَ بَيْتِهِ عَلى رِقَابِنَا ، وَلَئِنْ قُتِلَ مُحَمَّدٌ أَوْ مَاتَ لَنَنْزِعَنَّهَا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ، ثُمَّ لاَ نُعِيدُهَا فِيهِمْ أَبَدا .

وَأَرَادَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ أَنْ يُعْلِمَ نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله الَّذِي أَخْفَوْا فِي صُدُورِهِمْ وَأَسَرُّوا بِهِ ، فَقَالَ فِي كِتَابِهِ عَزَّ وَجَلَّ : «أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِبا فَإِنْ يَشَإِ اللّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ»(5) يَقُولُ : لَوْ شِئْتُ حَبَسْتُ عَنْكَ الْوَحْيَ ، فَلَمْ تَكَلَّمْ بِفَضْلِ أَهْلِ بَيْتِكَ وَلاَ بِمَوَدَّتِهِمْ .

وَقَدْ قَالَ اللّهُ عَزَّ وَ جَلَّ : «وَيَمْحُ اللّهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ» يَقُولُ : الْحَقُّ لِأَهْلِ بَيْتِكَ الْوَلاَيَةُ «إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ» وَيَقُولُ بِمَا أَلْقَوْهُ فِي صُدُورِهِمْ مِنَ الْعَدَاوَةِ لِأَهْلِ بَيْتِكَ(6) وَالظُّلْمِبَعْدَكَ، وَهُوَ قَوْلُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَ فَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ».(7)

ص: 341


1- . الشورى 42: 23.
2- . النمل 27: 89.
3- . في بعض نسخ الكافي: «تدخله».
4- . ص 38: 86.
5- . الشورى 42: 24.
6- . في أكثر نسخ الكافي: «لأهل بيتك من العداوة».
7- . الأنبياء 21: 3.

وَفِي قَوْلِ اللّه ِ(1) عَزَّ وَجَلَّ : «وَالنَّجْمِ إِذا هَوى» قَالَ : أُقْسِمُ بِقَبْرِ(2) مُحَمَّدٍ إِذَا قُبِضَ «ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ»بِتَفْضِيلِهِ أَهْلَ بَيْتِهِ «وَما غَوى * وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى» يَقُولُ : مَا يَتَكَلَّمُ بِفَضْلِ أَهْلِ بَيْتِهِ بِهَوَاهُ وَهُوَ قَوْلُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى».(3) وَقَالَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله : «قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِى ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِىَ الْأَمْرُ بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ»(4) قَالَ : لَوْ أَنِّي أُمِرْتُ أَنْ أُعْلِمَكُمُ الَّذِي أَخْفَيْتُمْ فِي صُدُورِكِمْ مِنِ اسْتِعْجَالِكُمْ بِمَوْتِي لِتَظْلِمُوا أَهْلَ بَيْتِي مِنْ بَعْدِي ، فَكَانَ مَثَلُكُمْ كَمَا قَالَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ : «كَمَثَلِ الَّذِى اسْتَوْقَدَ نارا فَلَمّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ»(5) يَقُولُ : أَضَاءَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ مُحَمَّدٍ كَمَا تُضِيءُ الشَّمْسُ ، فَضَرَبَ(6) مَثَلَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آلهالشَّمْسَ ، وَمَثَلَ الْوَصِيِّ الْقَمَرَ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : «جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُورا»(7) وَقَوْلُهُ : «وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ»(8) وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : «ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِى ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ»(9) يَعْنِي قُبِضَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله وَظَهَرَتِ الظُّلْمَةُ ، فَلَمْ يُبْصِرُوا(10) فَضْلَ أَهْلِ بَيْتِهِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : «وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ».(11)ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَضَعَ الْعِلْمَ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ عِنْدَ الْوَصِيِّ ، وَهُوَ قَوْلُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «اللّهُ نُورُ السَّمواتِ وَالْأَرْضِ»(12) يَقُولُ : أَنَا هَادِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، مَثَلُ الْعِلْمِ الَّذِي أَعْطَيْتُهُ _ وَهُوَ نُورِيَ الَّذِي يُهْتَدى بِهِ _ مَثَلُ الْمِشْكَاةِ فِيهَا الْمِصْبَاحُ ، فَالْمِشْكَاةُ قَلْبُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وَالْمِصْبَاحُ النُّورُ الَّذِي فِيهِ الْعِلْمُ ، وَقَوْلُهُ : «الْمِصْباحُ فِى زُجاجَةٍ»يَقُولُ : إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَقْبِضَكَ ، فَاجْعَلِ الَّذِي عِنْدَكَ عِنْدَالْوَصِيِّ كَمَا يُجْعَلُ الْمِصْبَاحُ فِي الزُّجَاجَةِ «كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ»فَأَعْلَمَهُمْ فَضْلَ الْوَصِيِّ «يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ»(13) فَأَصْلُ الشَّجَرَةِ الْمُبَارَكَةِ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام ، وَهُوَ قَوْلُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «رَحْمَتُ اللّهِ

ص: 342


1- . هكذا في النسخة وبعض نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: «قوله» بدل «قول اللّه ».
2- .هكذا في النسخة وبعض نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: «بقبض».
3- . النجم 53: 1 _ 4.
4- . الأنعام 6: 58.
5- . البقرة 2: 17.
6- . هكذا في النسخة وبعض نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: + «اللّه ».
7- . يونس 10: 5.
8- . يس 36: 37.
9- . البقرة 2: 17.
10- . في بعض نسخ الكافي: «فلم تبصروا».
11- . الأعراف 7: 198.
12- . النور 24: 35.
13- . النور 24: 35.

وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»(1) وَهُوَ قَوْلُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحا وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ».(2) «لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ»يَقُولُ : لَسْتُمْ بِيَهُودٍ فَتُصَلُّوا قِبَلَ الْمَغْرِبِ ، وَلاَ نَصَارى فَتُصَلُّوا قِبَلَ الْمَشْرِقِ ، وَأَنْتُمْ عَلى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام ، وَقَدْ قَالَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ : «ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفا مُسْلِما وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ».(3)

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : «يَكادُ زَيْتُها يُضِى ءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِى اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ» يَقُولُ : مَثَلُ أَوْلاَدِكُمُ الَّذِينَ يُولَدُونَ مِنْكُمْ كَمَثَلِ الزَّيْتِ الَّذِي يُعْصَرُ مِنَ الزَّيْتُونِ «يَكادُ زَيْتُها يُضِى ءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِى اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ»يَقُولُ : يَكَادُونَ أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِالنُّبُوَّةِ وَلَوْ لَمْ يُنْزَلْ عَلَيْهِمْ مَلَكٌ» .

شرح

السند ضعيف.

قوله: (في قول اللّه عزّ وجلّ) في سورة الشورى: «قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنا»(4).

رووا عن ابن عبّاس في سبب نزول هذه الآية أنّ النبيّ صلى الله عليه و آلهلمّا قدم المدينة أتاه الأنصار وقالوا: إنّك ابن اُختنا، وقد هدانا اللّه على يديك، وتنوبك نوائب وحقوق، وليس لك عندها سعة، فرأينا أن نجمع لك من أموالنا شطرا، ونأتيك به وتستعين على ما ينوبك،فنزلت هذه الآية.(5)

قال قتادة: اجتمع المشركون في مجمع لهم، فقال بعضهم لبعض: أترون محمّدا يسأل على ما يتعاطاه أجرا، فأنزل اللّه هذه الآية.(6)واختلف المفسّرون في معناه على أربعة أقوال:

أحدها: أنّ معنى قوله «إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»: إلاّ أن تودّوني في نفسي لقرابتي منكم،

ص: 343


1- . هود 11: 73.
2- . آل عمران 3: 33 و 34.
3- . آل عمران 3: 67.
4- .الشورى 42: 23.
5- . شواهد التنزيل، ج 2، ص 202؛ فتح الباري، ج 8، ص 433؛ تفسير الثعلبي، ج 8، ص 310.
6- . تفسير الثعلبي، ج 8، ص 310؛ أسباب النزول للواحدي، ص 251.

وهذا لقريش خاصّة. وهو قول ابن عبّاس، وعِكرمة، ومجاهد.

الثاني: عن سعيد بن جبير: أنّه لمّا نزل هذه الآية قالوا: يا رسول اللّه ، من هؤلاء الذين نودّهم؟ قال: «عليّ وفاطمة وابناهما عليهم السلام».

الثالث: إنّ القربى التقرّب إلى اللّه ، أي إلاّ أن تودّوا اللّه ورسوله في تقرّبكم إليه بالطاعة والعمل الصالح.

الرابع: أن تودّوا أقرباءكم، وتصِلوا أرحامكم.

وفي الاستثناء قولان: أحدهما أنّه متّصل. والآخر أنّه منقطع؛ أي لا أسألكم أجرا البتّة، ولكن أسألكم المودّة في القربى.

وقالوا: الضمير في «عليه» راجع إلى التبليغ، ومعنى الأجر النفع. والاقتراف: الاكتساب. والحسنة: الطاعة، سيما حبّ آل الرسول.

ومعنى قوله: «نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنا»: نضاعفها له، والضمير يعود إلى الحسنة. وقيل: إلى الجنّة.

هذا خلاصة أقوال المفسّرين.(1)

(قال عليه السلام) في تفسير هذه الآية: (من تولّى) أي أحبّ (الأوصياء من آل محمّد واتّبع آثارهم، فذاك) التولّي والاتّباع (يزيده)؛ الضمير البارز للموصول، والمستتر للتولّي والاتّباع.

وقوله: (ولاية من مضى)؛ المفعول الثاني ليزيد.

وقوله: (من النبيّين والمؤمنين الأوّلين) بيان للموصول.

(حتّى تصل) من الوصل، أو الوصول.

(ولايتهم) إضافة المصدر إلى المفعول.

(إلى آدم عليه السلام) أي إلى ولايته.

والحاصل: أنّ مودّتهم مستلزمة لمودّة هؤلاء، أو لا تقبل مودّة هؤلاء إلاّ بمودّتهم، وهذا تأويل ما روي: أنّ من عرف الآخر عرف الأوّل، ومن أنكر الآخر أنكر الأوّل.(2)

ص: 344


1- . راجع: الكشّاف، ج 3، ص 466 _ 468؛ مجمع البيان، ج 9، ص 48 _ 50؛ تفسير القرطبي، ج 16، ص 21 _ 24.
2- . نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 547 بعنوان «نُقل».

ثمّ اعلم أنّ الأخبار من طرق الخاصّة والعامّة مستفيضة في نزول هذه الآية في مودّة أهل البيت عليهم السلام، ولنذكر طرفا منها؛ ذكر أبو حمزة الثمالي، عن السدّي، أنّه قال: اقتراف الحسنة المودّة لآل محمّد صلى الله عليه و آله.(1)

وصحَّ عن الحسن بن عليّ عليهماالسلام أنّه خطب الناس، فقال في خطبته: «إنّا من أهل البيت الذين افترض اللّه مودّتهم على كلّ مسلم» فقال: «قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنا»؛ فاقتراف الحسنة مودّتنا أهل البيت.(2)

وروى إسماعيل بن عبد الخالق عن أبي عبد اللّه عليه السلامأنّه قال: «إنّها نزلت فينا أهل البيت أصحاب الكساء».(3)

(وهو قول اللّه عزّ وجلّ) في سورة القصص: «مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا»(4) ذاتا ووصفا وقدرا.

والظاهر إرجاع الضمير في قوله: «وهو قول اللّه » إلى من تولّى الأوصياء من آل محمّد، ويحتمل إرجاعه إلى تولّيهم. وعلى هذا التفسير والمآل واحد؛ أي المراد بالحسنة فيها أيضا مودّة الأوصياء عليهم السلام؛ يعني أنّها نزلت فيها، أو هي الفرد الكامل من الحسنة التي يشترط قبول سائر الحسنات بها، فكأنّها منحصرة فيها.

ولعلّ معنى قوله: «فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا» أنّ تلك المودّة مستلزمة لسائر الولايات الواجبة والمندوبة من ولايات الأنبياء وسائر الأوصياء وغيرهم، وهذا المجموع خيرٌ من الأوّل؛لاشتماله عليه وعلى غيره.

وقوله: (يدخله الجنّة) إشارة إلى ثمرة هذه الحسنة، وكونه بيانا لقوله: خيرٌ منها، بعيد كما لا يخفى.

وقد روى محمّد بن العبّاس في تفسيره بإسناده عن أبي عبد اللّه الجدلي، عن أميرالمؤمنين عليه السلام، قال: قال: «هل تدري ما الحسنة التي من جاء بها هم من فزع يومئذٍ آمنون، ومن جاء بالسيّئة كُبَّتْ وجوههم في النار؟» قلت: لا، قال: «الحسنة مودّتنا أهل البيت،

ص: 345


1- . مجمع البيان، ج 9، ص 50.
2- . المصدر.
3- . المصدر.
4- . النمل 27: 89.

والسيّئة عداوتنا أهل البيت».(1)

وروى بإسناده عن عمّار الساباطي في قوله تعالى: «مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا»قال: «إنّما الحسنة معرفة الإمام وطاعته، وطاعته [من] طاعة اللّه ».(2)

وبإسناده عنه عليه السلام قال: «الحسنة ولاية أمير المؤمنين عليه السلام».(3)

وبإسناده عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر عليه السلام أنّه سأله عن هذه الآية، فقال: «الحسنة ولاية عليّ عليه السلام، والسيّئة بغضه وعداوته».(4)

(وهو) أيضا (قول اللّه عزّ وجلّ) في سورة سبأ: «قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا للّه ِِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ»(5).

قال البيضاوي:

أي أيّ شيء سألتكم من أجر على [الرسالة] «فَهُوَ لَكُمْ» والمراد نفي السؤال، كأنّه جعل النبيّ مستلزما لأحد الأمرين؛ إمّا الجنون وإمّا توقّع نفع؛ لأنّه إمّا أن يكون لغرض، أو غيره، وأيّا ما كان يلزم أحدهما، ثمّ نفى كلاًّ منهما.

وقيل: «ما» موصولة يُراد بها ما سألهم بقوله: «مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً»(6)، وقوله: «لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»(7) واتّخاذ السبيل ينفعهم وقرباؤهم قرباؤه،(8) انتهى.

(يقول) اللّه عزّ وجلّ: (أجر المودّة الذي لم أسألكم غيره) إشارة إلى قوله تعالى: «قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» وإضافة الأجر إلى المودّة بيانيّة، وضمير «غيره» راجع إلى الأجر.

(فهو) أي ذلك الأجر (لكم) أي لانتفاعكم وصلاح شأنكم وهو أنّه (تهتدون به) أي

ص: 346


1- . تأويل الآيات، ج 1، ص 410، ح 16؛ بحار الأنوار، ج 24، ص 41، ح 2؛ غاية المرام، ج 3، ص 309، ح 6.
2- . تأويل الآيات، ج 1، ص 411، ح 18؛ بحار الأنوار، ج 24، ص 42، ح 4؛ غاية المرام، ج 3، ص 310، ح 8.
3- . تأويل الآيات، ج 1، ص 411، ح 19؛ بحار الأنوار، ج 24، ص 42، ح 5؛ غاية المرام، ج 3، ص 310، ح 9.
4- . تأويل الآيات، ج 1، ص 411، ح 20؛ بحار الأنوار، ج 24، ص 42، ح 6؛ غاية المرام، ج 3، ص 310، ذيل ح 9.
5- . سبأ 34: 46 و 47.
6- . الفرقان 25: 57.
7- . الشورى 42: 23.
8- . تفسير البيضاوي، ج 4، ص 406.

بذلك الأجر الذي هو المودّة.

(وتنجون من عذاب يوم القيامة) إذا علمتم بمقتضاه ولوازمه.

وبناء هذا التفسير على جعل كلمة «ما» موصولة شرطيّة، واللاّم للانتفاع، ولا ريب أنّه وجهٌ حسن تامّ في الجمع بين الآيات الواردة في أجر الرسالة، وردّ على بعض متعصّبي إلى أنّ نفي طلب الأجر مطلقا في هذه الآية بالنسبة إلى الكفّار وأهل النفاق والإنكار، حيث إنّهم لم يقبلوا رسالته، فلم يطلب منهم أجر المودّة.(1)

وقوله تعالى في سورة ص: «قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ».

قال الشيخ الطبرسي:

أي على تبليغ الوحي والقرآن والدّعاء إلى اللّه سبحانه.

«مِنْ أَجْرٍ» أي مال تعطونيه.

«وَمَا أَنَا مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ»(2) لهذا القرآن من تلقاء نفسي. وقيل: معناه أي ما أتيتكم رسولاً من قبل نفسي ولم أتكلّف هذا الإتيان، بل اُمرت به. وقيل: معناه: لست ممّن يتعسّف في طلب الأمر الذي لا يقتضيه العقل،(3) انتهى.

وقوله عليه السلام: (يقول) أي يقول اللّه عزّ وجلّ:

(متكلّفا) أي لست متكلّفا.

(أن أسألكم ما لستُم بأهله) من أجر المودّة وعدم أهليّتهم لذلك يستلزم عدم سؤاله صلى الله عليه و آله عنهم؛ لانتفاء فائدته، ولا شكّ أنّ هذا التفسير أظهر وأوفق لفظا ومعنىً ممّا عرفت من أقوال المفسّرين.

وقوله: (وما هو إلاّ شيء يتقوّله).

قال الفيروزآبادي: «تقوّل قولاً: ابتدعه كذبا».(4)

وقوله: (فقال في كتابه _ عزّ وجلّ _) في سورة الشورى بعد قوله: «وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنا إِنَّ اللّه َ غَفُورٌ شَكُورٌ»: «أَمْ يَقُولُونَ».

قال البيضاوي: «بل يقولون: «افْتَرَى عَلَى اللّه ِ كَذِبا»: افترى محمّد بدعوى النبوّة والقرآن».(5)

ص: 347


1- . راجع: تفسير القرطبي، ج 16، ص 22.
2- ص 38: 86.
3- .مجمع البيان، ج 8، ص 380.
4- . القاموس المحيط، ج 4، ص 42 قول.
5- . تفسير البيضاوي، ج 5، ص 129.

أقول: يظهر من تفسيره عليه السلام أنّ المراد: افترى محمّد صلى الله عليه و آله بدعوى أنّ الولاية من الوحي.

«فَإِنْ يَشَأْ اللّه ُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ».(1)

قال البيضاوي:

هذا استبعاد للافتراء عن مثله بالإشعار على أنّه إنّما يجترئ عليه من كان مختوما على قلبه جاهلاً بربّه، فأمّا من كان ذا بصيرة ومعرفة [فلا] وكأنّه قال: إن يشأ اللّه خذلانك يختم على قلبك لتجترئ بالافتراء عليه.

وقيل: يختم على قلبك يمسك القرآن أو الوحي عنه، أو يربط عليه بالصبر فلا يشقّ عليك أذاهم،(2) انتهى.

وقال بعض المفسّرين: معنى قوله: «فَإِنْ يَشَأْ اللّه ُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ»: لأنساك ما أتاك من القرآن،(3) ولكنّه لم يشأ فأثبته فيه ابن عيسى، لو حدّثت نفسك أن تفتري على اللّه كذبا لطبع على قلبك.(4) وقيل: يجعل قلبك كالمختوم عليه لا يصل إليه شيء، ولا يخرج منه شيء.(5) وقيل: لأماتك.(6) فإن قلت: الميّت كالمختوم عليه، ومثله: «لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ»(7)، وفسّره عليه السلام بأنّه تعالى يقول: (لو شئت حبست عنك الوحي) أي الختم على القلب كناية عن حبس الوحي الدالّ على الولاية.

(فلم تكلّم) من التكليم، أو من التكلّم بحذف إحدى التائين.

(بفضل أهل بيتك ولا بمودّتهم) حيث إنّه لو حبس الوحي عنه صلى الله عليه و آله لم يتكلّم بشيء منهما.

(وقد قال اللّه عزّ وجلّ) في سورة الشورى بعد الآية السابقة بلا فصل: «وَيَمْحُ اللّه ُ الْبَاطِلَ».

قيل: أي يرفعه ويزيله.(8) وقيل: يهلك الشرك.(9)

وفي بعض المصاحف: «يمح» بسقوط الواو لا للجزم، بل لاتّباع اللّفظ، ومثله يدع الإنسان، وسندع الزبانية، هذا هو المشهور.

ص: 348


1- . الشورى 42: 24.
2- . تفسير البيضاوي، ج 5، 129.
3- . نقل عن قتادة في: جامع البيان، ج 25، ص 36، ح 2371 و 23711؛ تفسير الثعلبي، ج 8، ص 314؛ الدرّ المنثور، ج 6، ص 7 مع اختلاف في اللفظ.
4- . نقل عنه القرطبي في تفسيره، ج 16، ص 25.
5- . راجع: الكشّاف، ج 3، ص 468.
6- . مجمع البيان، ج 9، ص 50.
7- . الحاقّة 69: 46.
8- . مجمع البيان، ج 9، ص 50.
9- . تفسير السمرقندي، ج 3، ص 231.

وذهب أبو عليّ الجبائي إلى أنّ الواو حذف للجزم، وجعل معنى الآية: إن افتريت ختم على قلبك، ومحى الباطل المفترى، فعلى قوله «وَيُحِقُّ الْحَقَّ» استئناف، ومعناه يظهر الحقّ ويثبته.

«بِكَلِمَاتِهِ»: بالقرآن. وقيل: بصدق رسله بوحيه.(1) وقيل: بنصر دينه بوعده.(2)

قال الفيروزآبادي: «حقّه _ كمدّه _ : غلبه على الحقّ، كأحقّه. والشيء: أوجبه، كأحقّه وحقّقه».(3)

أقول: الأنسب بتفسيره عليه السلام أن يُراد بمحو الباطل محق ما قدّره المنافقون في أنفسهم من ردّ الولاية عن أهلها باختناق الحقّ إثبات ما هو الحقّ من ولاية أهل البيت عليهم السلام، نظير قوله تعالى: «يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللّه ِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللّه ُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ»(4).

وقال البيضاوي:

«وَيَمْحُ اللّه ُ الْبَاطِلَ» الآية استئناف لنفي الافتراء عمّا يقوله بأنّه لو كان مفترى لمحقه إذ من عادته تعالى محو الباطل وإثبات الحقّ بوحيه أو بقضائه أو بوعده بمحق باطلهم وإثبات حقّه بالقرآن أو بقضائه الذي لا مردّ له.(5)

وقوله: (يقول: الحقّ لأهل بيتك الولاية)؛ يعني أنّه تعالى أراد بالحقّ الولاية، بأن تكون الولاية خيرا للحقّ.

ويحتمل كونها بدلاً منه، والخبر قوله: «لأهل بيتك».

وفي بعض النسخ: «بقول الحقّ» بالباء الموحّدة.

«إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ»(6).

قيل: أي بضمائر القلوب.(7) فلو علم من قلبه أنّه همَّ بالافتراء العاجلة بالعقوبة، فكيف إذا نطق به وصرّح؟!

وقوله عليه السلام: (ويقول بما ألقوه في صدورهم) إلى آخره، تفسير لذات الصدور، فالظاهر

ص: 349


1- . ذهب إليه الزمخشري في الكشّاف، ج 3، 468.
2- . ذهب إليه السمرقندي في تفسيره، ج 2، ص 127.
3- . القاموس المحيط، ج 3، ص 221 حقق مع التلخيص.
4- . الصفّ 61: 8.
5- . تفسير البيضاوي، ج 5، ص 129 مع التلخيص و اختلاف يسير في اللفظ.
6- . الشورى 42: 24.
7- . مجمع البيان، ج 9، ص 50.

إسقاط الواو، لكن في النسخ التي رأيناها إثباته.

(وهو قول اللّه عزّ وجلّ) في سورة الأنبياء.

والمناسب إرجاع الضمير إلى قوله: «فقال المنافقون عند ذلك» إلى قولهم: «ثمّ لا نعيدها فيهم أبدا».

«وَأَسَرُّوا النَّجْوَى».

قال البيضاوي: «بالغوا في إخفائها وجعلوها بحيث خفي تناجيهم بها».(1)

«الَّذِينَ ظَلَمُوا» بدل من واو «أسرّوا» للإيماء بأنّهم ظلموا فيما أسرّوا به، أو فاعل له والواو لعلامة الجمع أو مبتدأ، أو الجملة المتقدّمة خبره، وأصله: وهؤلاء أسرّوا النجوى،فوضع الموصول موضعه تسجيلاً على فعلهم بأنّه ظلم، أو منصوب على الذمّ.

«هَلْ هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ»(2) بأسره في موضع النصب بدلاً من نجوى، أو مفعولاً لقول متقدّر، كأنّهم استدلّوا بكونه بشرا على كذبه في ادّعاء الرسالة؛

لاعتقادهم أنّ الرسول لا يكون إلاّ ملكا، واستلزموا ما جاء به من الخوارق كالقرآن أنّه سحر، وأنكروا حضوره، وإنّما أسرّوا به تشاورا في استنباط ما يهدم أمره ويظهر فساده للناس.

أقول: الغرض من ذكر الآية هنا أنّها نزلت في شأن هؤلاء المنافقين المنكرين لولاية أمير المؤمنين، الجاحدين نزولها من عند ربّ العالمين، وهم الذين تعاهدوا وتعاقدوا أن لا يردّوا الأمر إلى أمير المؤمنين عليه السلام، وهذه كانت نجواهم وظلمهم، وقالوا: ليس عليّ إلاّ بشرٌ مثلكم، وما جاء به محمّد صلى الله عليه و آله في أمره سحرٌ، أفتقبلون السحر وأنتم من أهل البصيرة، أو وأنتم تعلمون أنّه سحر؟

(وفي قول اللّه عزّ وجلّ: «وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى»(3).

قال البيضاوي:

أقسم بجنس النجوم أو الثّريا؛ فإنّه غلّب فيه إذا علا وصعد، أو بالنجم من نجوم القرآن إذا نزل، أو النبات إذا سقط على الأرض، أو إذا نما ارتفع.(4)

ص: 350


1- . لم نعثر عليه في تفسير البيضاوي.
2- . الأنبياء 21: 3.
3- . النجم 53: 1.
4- . تفسير البيضاوي، ج 5، ص 252 مع التلخيص.

وقال الفيروزآبادي:

هوى الشيء: سقط من علوّ إلى سفل. والرجل هوه _ بالضمّ _ : صعد وارتفع.

والهوى _ بالفتح _ للإصعاد، والهُوي _ بالضمّ _ للانحدار.(1)

(قال: اُقسم بقبر محمّد).

في بعض النسخ: «بقبض محمّد».

(إذا قبض) أي المراد بالنجم هنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله، وإطلاقه عليه من باب الاستعارة والتشبيه شائع في الأخبار والآيات، وقد مرّ في الاُصول في تفسير قوله تعالى: «وَعَلاَمَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ»(2) أنّ المراد بالعلامات أي الأئمّة عليهم السلام، وبالنجم رسول اللّه صلى الله عليه و آله، والمراد بهواه أي سقوطه وهبوطه وغروبه، أو صعوده موته صلى الله عليه و آله وغيبته في التراب، أو صعود روحه إلى الملكوت.

«مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ».

قال البيضاوي:

الخطاب لقريش، أي ما عدل محمّد صلى الله عليه و آله عن الطريق المستقيم.

«وَمَا غَوَى»: وما اعتقد باطلاً. والمراد نفي ما ينسبون إليه.

«وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى»؛ وما يصدر نطقه بالقرآن عن الهوى.

«إِنْ هُوَ» أي القرآن، أو الذي نطق به.

«إِلاَّ وَحْىٌ يُوحَى»(3) إلاّ وحي يوحيه اللّه .(4)

(وقال اللّه _ عزّ وجلّ _ لمحمّد صلى الله عليه و آله) في سورة الأنعام: «قُلْ لَوْ أَنَّ عِندِي» أي عند قدرتي ومكنتي.

«مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ» على تفسيره عليه السلام الموصول عبارة عن موته صلى الله عليه و آله، واستعجالهم به ليظلموا أهل بيته. وعلى قول المفسّرين(5) عبارة عمّا استعجلوا به من العذاب بقوله:

ص: 351


1- . القاموس المحيط، ج 4، ص 404 هوي مع التلخيص.
2- . النحل 16: 16.
3- . النجم 53: 2 _ 4.
4- . تفسير البيضاوي، ج 5، ص 525 مع تفاوت يسير في اللفظ.
5- . اُنظر: التبيان، ج 4، ص 153؛ الكشّاف، ج 2، ص 24؛ مجمع البيان، ج 4، ص 69.

«فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنْ السَّمَاءِ أَوْ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ»(1).

«لَقُضِىَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ»؛ أي لانقطع ما بيني وبينكم من الولاية، وأهلكتكم عاجلاً غضبا لربّي حيث ظهر كفركم ونفاقكم ووجوب قتلكم، وتتمّة الآية: «وَاللّه ُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ»(2).

قال البيضاوي:

هذا في معنى استدراك، كأنّه قال: ولكنّ الأمر إلى اللّه وهو أعلم بمَن ينبغي أن يؤخذ وبمن ينبغي أن يمهل.(3)

(قال: لو أنّي اُمرت أن اُعلمكم) من الإعلام.

(الذي أخفيتم في صدوركم من استعجالكم بموتي) من بيان للموصول.

(لتظلموا أهل بيتي من بعدي).

قيل: لعلّ على تأويله عليه السلام في الكلام تقدير، أي عندي الأخبار بما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم، ولم يفسّر عليه السلام الجزاء لظهوره.(4)

(فكان مثلكم)؛ الخطاب للمنافقين، والفاء للتفريع، والمقصود بيان ما يترتّب على ذهابه صلى الله عليه و آلهمن بينهم من غوايتهم وحيرتهم وضلالتهم.

(كما قال اللّه عزّ وجلّ) أي كالمثل الذي ضربه اللّه _ عزّ وجلّ _ في هذه الآية، حيث قال: «كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ»(5).

قال البيضاوي:

لمّا جاء اللّه بحقيقة حال المنافقين عقّبها بضرب المثل زيادة في التوضيح والتقرير؛ فإنّه أوقع في القلب وأقمع للخصم الألدّ لأنّه يريك المتخيّل محقّقا، والمعقول محسوسا، والمثل في الأصل بمعنى النظير، ثمّ استعير لكلّ حال أو قصّة أو صفة لهاشأن وفيها غرابة، والمعنى حالهم العجيبة الشأن حال من استوقد نارا، و«الذي»

ص: 352


1- . الأنفال 8: 32.
2- . الأنعام 6: 58.
3- . تفسير البيضاوي، ج 2، ص 415 مع اختلاف يسير في اللفظ.
4- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 574 مع اختلاف في اللفظ.
5- . البقرة 2: 17.

بمعنى الذين، كما في قوله: «وَخُضْتُمْ كَالَّذِى خَاضُوا»(1) إن جعل مرجع الضمير في «بنورهم»، أو قصد به جنس المستوقدين، أو الفوج الذي استوقدوا. والاستيقاد: طلب الوقود، والسعي في تحصيلها، وهو سطوع النار وارتفاع لهبها، «فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ» أي النار ما حول المستوقد إن جعلتها متعدّية، وإلاّ أمكن أن تكون مسندة إلى «ما» والتأنيث؛ لأنّ ما حوله أشياء وأماكن، أو إلى ضمير النار و«ما» موصولة في معنى الأمكنة نصب على الظرف أو مزيدة، و«حوله» ظرف. «ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ» جواب «لمّا».(2)

انتهى كلام البيضاوي.

فلنعد إلى شرح الحديث؛ فلمّا كان المشبّه به أمرا محسوسا ظاهرا لا حاجة فيه إلى توضيحه أشار عليه السلام إلى توضيح المشبّه بقوله: (أضاءت الأرض بنور محمّد صلى الله عليه و آله كما تضيء الشمس).

يحتمل أن يُراد بالأرض ما يعمّ قلوب المؤمنين، والمراد بالنور نور العلم والهداية، وحاصله: أنّ الأرض أشرقت بنور محمّد صلى الله عليه و آله، فلمّا قبض اظلّمت بظلمة النفاق والكفر، وذهب اللّه بنور هؤلاء المنافقين فهم لا يبصرون.

(فضرب مثل محمّد صلى الله عليه و آله الشمس، ومثل الوصيّ القمر)و يقال: ضرب فلان مثلاً، أي وصف وبيّن، وعدّى هنا إلى المفعول؛ لتضمّنه معنى جعل. والغرض من هذا التفريع الاستدلال على أنّ المراد بالضوء منها نور محمّد صلى الله عليه و آله، وبيانه: أنّه تعالى مثّل في القرآن الرسول صلى الله عليه و آله بالشمس ونسب إليها الضياء، والوصيّ بالقمر ونسب إليه النور، فعلم من ذلك أنّ الضوء للرسالة، والنور للإمامة، وربّما يستأنس لذلك بما ذكروه من أنّ ما بالذات ضوء وما بالعرض نور، ومن هنا ينسب النور إلى القمر؛ لأنّه يستفيد النور من الشمس، ولمّا كان نور الأوصياء مقتبسا من نور الرسول صلى الله عليه و آله، وعلمهم من علمه، عبّر عن علمهم وكمالهم بالنور، وعن علم الرسول صلى الله عليه و آله بالضياء.

(وهو قول اللّه (3) عزّ وجلّ) في سورة يونس عليه السلام: «هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً».

ص: 353


1- . التوبة 9: 69.
2- . تفسير البيضاوي، ج 1، ص 189 مع التلخيص.
3- . في المتن الذى ضبطه الشارح رحمه الله سابقا: «قوله».

قيل: أي ذات ضياء، أو الحمل للمبالغة.(1) وكذا قوله: «وَالْقَمَرَ نُورا».(2)قيل: النور أعمّ من الضوء.(3)

ثمّ أشار عليه السلام إلى تأويل آية اُخرى لإيضاح المدّعى فقال: (وقوله: «وَآيَةٌ لَهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ»).

قيل: أي نزيله ونكشف عن مكانه، مستعار من سلخ الجلد.

«فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ»(4) داخلون في الظلام،(5) إلاّ أن يستضيئوا بنور القمر.

وقيل: فيه استعارة تبعيّة، له وجهٌ ظاهر وتأويل؛ أمّا الظاهر فتشبيه إزالة النهار عن ظلمة الليل، بناءً على أنّ الظلمة أصل، والنهار طارٍ عليها ساتر لها بكشط الجلد وإزالته عن الشاة، والوجه هو ترتّب أمر على أمر، كترتّب ظهور الليل على إزالة النهار، وترتّب ظهور اللّحم على كشط الجلد. وأمّا التأويل _ وهو المراد هنا _ فتشبيه قبض محمّد صلى الله عليه و آلهوإزالة نوره عن ظلمة جهل المنافقين وعداوتهم ونفاقهم بالكشط المذكور، والوجه ظهور تلك الظلمة وبروزها.(6)

ثمّ ذكر عليه السلام تتمّة الآية السابقة بعد بيان أنّ المراد بالإضاءة إضاءة شمس الرسالة، فقال: (وقوله عزّ وجلّ: «ذَهَبَ اللّه ُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَ يُبْصِرُونَ»).

له أيضا ظاهر وتأويل مثل ما مرّ، وأشار إلى التأويل بقوله: (يعني قبض محمّد صلى الله عليه و آلهوظهرت الظلمة) أي ظلمة الكفر والجهل والنفاق، فالمراد بإذهاب النور قبض النبيّ صلى الله عليه و آله.

(فلم يبصروا فضل أهل بيته) لإحاطة الظلمة بهم.

(وهو) أي عدم إبصارهم فضل أهل بيته.

(قوله عزّ وجلّ) في سورة الأعراف: «وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَإِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ»(7) على تفسيره عليه السلام يكون المراد بالهدى الولاية خصوصا، أو لأنّها أعظم أفرادها ونفي السماع والإبصار عنهم؛ لأنّهم لم يعملوا بمقتضاهما.

ص: 354


1- . قاله البيضاوي في تفسيره، ج 3، ص 185.
2- . يونس 10: 5.
3- . قاله البيضاوي في تفسيره، ج 3، ص 186.
4- . يس 36: 37.
5- . قاله البيضاوي في تفسيره، ج 4، ص 433.
6- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 549.
7- . الأعراف 7: 198.

وقيل: يحتمل أن يكون المراد أنّ هذه الآية نزلت في شأن الاُمّة بعد موت النبيّ صلى الله عليه و آله وذهاب نورهم، فصاروا كمَن كان في ظلمات ينظر ولا يبصر شيئا.

ويحتمل أن يكون على سبيل التنظير، أي كما أنّ في زمان الرسول صلى الله عليه و آلهأخبر اللّه عن حال جماعة تركوا الحقّ واختاروا الضلالة، فأذهب اللّه نور الهدى عن أسماعهم وأبصارهم، فصاروا بحيث مع سماعهم الهدى كأنّهم لا يسمعون، ومع رؤيتهم الحقّ كأنّهم لا يبصرون،فكذا هؤلاء؛ لذهاب نور الرسالة من بينهم لا يبصرون الحقّ وإن كانوا ينظرون إليه.(1)

(ثمّ إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وضع العلم الذي كان عنده عند الوصي؛ وهو) أي علم رسول اللّه ووضعه عند الوصيّ (قول اللّه عزّ وجلّ: «اللّه ُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ»(2)).

قال البيضاوي:

النور في الأصل كيفيّة تدركها الباصرة أوّلاً، وبواسطتها سائر المبصرات كالكيفيّة الفائضة من النيّرين على الأجرام الكثيفة المحاذية لها، وهو بهذا المعنى لا يصحّ إطلاقه على اللّه تعالى إلاّ بتقدير مضاف، كقولك: زيد كرم، بعنى ذو كرم، أو على تجوّز إمّا بمعنى نور السماوات والأرض، وقد قرئ به؛ فإنّه تعالى نوّرها بالكواكب وما يفيض عنها من الأنوار، أو بالملائكة والأنبياء، أو مدبّرها من قولهم للرئيس الفائق في التدبير: نوّر القوم؛ لأنّهم يهتدون به في الاُمور، أو موجدها؛ فإنّ النور ظاهر بذاته مُظهر لغيره، وأصل الظهور هو الوجود، كما أنّ أصل الخفاء هو العدم، واللّه سبحانه موجود بذاته موجِد لما عداه، أو الذي به تدرك، أو يدرك أهلها من حيث إنّه يطلق على الباصرة؛ لتعلّقها به، أو لمشاركتها له في توقّف الإدراك عليه، ثمّ على البصيرة؛ لأنّها أقوى إدراكا، فإنّها تدرك نفسها وغيرها من الكلّيّات والجزئيّات الموجودات والمعدومات، وتتصرّف فيها بالتركيب والتحليل، ثمّ إنّ هذه الإدراكات ليست لذاتها، وإلاّ لما فارقتها، فهي إذن من سبب يفيضها عليها، وهو اللّه تعالى ابتداءً أو بتوسّط الملائكة والأنبياء، ولذلك سمّوا أنوارا، ويقرُب منه قول ابن عبّاس رضى الله عنه: معناه هادي من فيهما فهم بنوره يهتدون، انتهى.(3)

وأنت إذا أحطت خبرا بما حكيناه علمت أنّه يمكن تطبيق قوله عليه السلام: (يقول: أنا هادي

ص: 355


1- . القائل هو العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 575 و 576.
2- . النور 24: 35.
3- . تفسير البيضاوي، ج 4، ص 187 و 188.

السماوات والأرض) على كلّ من تلك الوجوه بضرب من التقريب، وعلمت أنّ تقدير المضاف _ أي هادي أهل السماوات والأرض _ غير محتاج إليه إلاّ على بعض الوجوه، ولعلّ حذف المفعول الثاني للهداية؛ ليدلّ على التعميم، ولئلاّ يتوهّم التخصيص ببعض دون بعض.

وقوله عليه السلام: (مثل العلم الذي أعطيته) تفسير لقوله تعالى: «مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ»وإشارة إلى أنّ النور هنا مستعار للعلم.

وقال البيضاوي في تفسير قوله تعالى: «مَثَلُ نُورِهِ»:

أي صفة نوره العجيبة الشأن، وإضافته إلى ضميره سبحانه دليل على أنّ إطلاقه عليه لم يكن على ظاهره: «كَمِشْكَاةٍ» أي كصفة مشكاة، وهي الكوّة الغير النافذة.(1)

وقال الشيخ الطبرسي رحمه الله:

«مَثَلُ نُورِهِ» فيه وجوه:

أحدها: أنّ معناه: مثل نور اللّه الذي هدى به المؤمنين و[هو] الإيمان في قلوبهم. عن اُبيّ بن كعب، والضحّاك، وكان اُبيّ يقرأ: «مثل نور من آمن».

والثاني: مثل نوره الذي هو القرآن في القلب. عن ابن عبّاس، والحسن، وزيد بن أسلم.

والثالث: أنّه عنى بالنور محمّدا صلى الله عليه و آله، وأضافه إلى نفسه تشريفا له. عن كعب، وسعيد بن جبير. فالمعنى مثل محمّد رسول اللّه صلى الله عليه و آله.

والرابع: أنّ نوره سبحانه الأدلّة الدالّة على توحيده، وعدله التي هي في الظهور والوضوح مثل النور. عن أبي مسلم.

والخامس: أنّ النور هنا الطاعة، أي مثل طاعة اللّه في قلب المؤمن. عن ابن عبّاس.

وفي رواية اُخرى: «كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ»؛ الْمِصْبَاحُ(2) هي الكوّة في الحائط يوضع عليها زجاجة، ثمّ يكون المصباح خلف تلك الزجاجة، ويكون للكوّة باب آخر يوضع المصباح فيه.

وقيل: المشكاة: عمود القنديل الذي فيه الفتيلة، وهو مثل الكوّة، والمصباح: السراج.

ص: 356


1- . تفسير البيضاوي، ج 4، ص 188.
2- . في المصدر: «المشكاة».

وقيل: المشكاة: القنديل، والمصباح: الفتيلة. عن مجاهد.

«الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ» أي ذلك السراج في زجاجة، وفائدة اختصاص الزجاجة بالذكر أنّه أصفى الجواهر، فالمصباح فيه أضوء.

«الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّىٌّ» أي تلك الزجاجة مثل الكوكب العظيم المضيء الذي يشبه الدّر في صفائه ونوره ونقائه، وإذا جعلته من الدرء _ وهو الدفع _ فمعناه المندفع السريع الوقع في الانقضاض، ويكون ذلك أقوى لضوئه.

«يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ» أي يشتعل ذلك السراج من دهن شجرة مباركة.

«زَيْتُونِةٍ» أراد بالشجرة المباركة [شجرة] الزيتون؛ لأنّ فيها أنواع المنافع، فإنّ الزيت يسرج به، وهو أدام ودهان ودباغ يوقد بحطب الزيتون وثفله، ويغسل برماده الإبريسم، ولا يحتاج في استخراج دهنه إلى إعصار.

وقيل: خصّ الزيتونة؛ لأنّ دهنها أصفى وأضوء. وقيل: لأنّها أوّل شجرة نبتت في الدُّنيا بعد الطوفان ومنبتها منزل الأنبياء. وقيل: لأنّه بارك فيها سبعون نبيّا منهم إبراهيم، فلذلك سمّيت مباركة.

«لاَ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ» أي لا يفيء عليها ظلّ شرق ولا غرب، فهي ضاحية للشمس، ولا يظلّها جبل ولا شجر ولا كهف، فزيتها يكون أصفى. عن ابن عبّاس، والكلبي، وعِكرمة، وقتادة.

فعلى هذا يكون المعنى أنّها ليست بشرقيّة لا تصيبها الشمس إذا [هي] غربت، ولا هي غربيّة لا تصيبها الشمس إذا طلعت، بل هي شرقيّة غربيّة أخذت بحظّها من الأمرين.

وقيل: معناه أنّها ليست من شجر الدُّنيا فتكون شرقيّة أو غربيّة. عن الحسن.

وقيل: معناه أنّها ليست في مقنوءة لا تصيبها الشمس، ولا هي بارزة للشمس لا يصيبها الظلّ. بل تصيبها الشمس والظلّ، عن السدّي.

وقيل: ليست من شجر الشرق ولا من شجر الغرب؛ لأنّ ما اختصّ بإحدى الجهتين كان أقلّ زيتا وأضعف ضوءا، لكنّها من شجر الشام، وهي ما بين المشرق والمغرب. عن ابن زيد.

«يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِى ءُ» من صفائه وفرط ضيائه.

«وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ» أي قبل أن تصيبه النار وتشتعل فيه. واختلف في هذا التشبيه

ص: 357

والمشبّه(1) على أقوال:

أحدها: أنّه مثل ضربه اللّه تعالى لنبيّه محمّد صلى الله عليه و آله، فالمشكوة صدره، والزجاة قلبه، والمصباح فيه النبوّة «لاَ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ» أي لا يهوديّة ولا نصرانيّة، «يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ» يعني شجرة النبوّة، وهي إبراهيم عليه السلام، يكاد نور محمّد صلى الله عليه و آله يتبيّن للناس ولو لم يتكلّم به، كما أنّ ذلك الزيت يكاد يضيء، ولو لم تمسسه نار، أي تصبه النار. عن كعب وجماعة من المفسّرين.

وقد قيل أيضا: إنّ المشكوة إبراهيم، والزجاجة إسماعيل، والمصباح محمّد، كما سمّي سراجا في موضع آخر من شجرة مباركة، يعني إبراهيم؛ لأنّ أكثر الأنبياء من صلبه «لاَ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ»: لا نصرانيّة ولا يهوديّة؛ لأنّ النصارى تصلّى إلى الشرق، واليهود إلى الغرب «يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِى ءُ» أي تكاد محاسن محمّد صلى الله عليه و آله تظهر قبل أن يوحى إليه.

«نُورٌ عَلَى نُورٍ» أي نبيّ من نسل نبيّ. عن محمّد بن كعب.

وقيل: إنّ المشكاة عبد المطّلب، والزجاجة عبد اللّه ، والمصباح هو النبيّ «لاَ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ» بل مكّية؛ لأنّ مكّة وسط الدُّنيا. عن الضحّاك.

وروي عن الرضا عليه السلام أنّه قال: نحن المشكاة، والمصباح محمّد صلى الله عليه و آلهيهدي اللّه لولايتنا مَن أحبّ.

وفي كتاب التوحيد لأبي جعفر بن بابويه رحمه الله بالإسناد عن عيسى بن راشد عن أبي جعفر الباقر عليه السلام في قوله: «كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ» قال: نور العلم في صدر النبيّ صلى الله عليه و آله. «الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ»؛ الزجاجة صدر عليّ عليه السلام، صار علم النبيّ صلى الله عليه و آله إلى صدر عليّ علَّم النبيّ عليّا. «يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ»: نور العلم. «لاَ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ»: لا يهوديّة ولا نصرانيّة. «يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ»، قال: يكاد العالم من آل محمّد صلى الله عليه و آله يتكلّم بالعلم قبل أن يُسأل.«نُورٌ عَلَى نُورٍ» أي إمام مؤيّد بنور العلم والحكمة في إثر إمام من آل محمّد وذلك من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة، فهؤلاء الأوصياء الذين جعلهم اللّه خلفاء في أرضه وحججه على خلقه، لا تخلو الأرض في كلّ عصر من واحدٍ منهم، ويدلّ عليه قول أبي طالب عليه السلام

ص: 358


1- . في المصدر: «في هذا المشبّه والمشبّه به».

في رسول اللّه صلى الله عليه و آله:

أنت الأمين محمّد ***قرم أغرّ مسود

لمسودين أطاهر ***كرموا وطاب المولد

أنت السعيد من السعو ***...د تكنفتك الأسعد

من لدن آدم لم يزل ***فينا وصيٌ مرشد

ولقد عرفتك صادقا ***والقول لا يتفنّد

ما زلت تنطق بالصواب ***وأنت طفلٌ أمرد(1)

وتحقيق هذه الجملة يقتضي أن تكون الشجرة المباركة المذكورة في هذه الآية هي دوحة التّقى والرضوان وعترة الهدى والإيمان، شجرةٌ أصلها النبوّة، وفرعها الإمامة، وأغصانها التنزيل، وأوراقها التأويل، وخدمها جبرئيل وميكائيل.

وثانيها أنّها مثلٌ ضربه اللّه للمؤمن، المشكاة نفسه، والزجاجة صدره، والمصباح الإيمان، والقرآن في قلبه، يوقد من شجرة مباركة هي الإخلاص للّه وحده لا شريك له، فهي خضراء ناعمة كشجرة التفّ بها الشجر، فلا يصيبها الشمس على أيّ حال كانت؛ لا إذا طلعت، ولا إذا غربت، وكذلك المؤمن قد احترز من أن يصيبه شيء من الفتن، فهو بين أربع خِلال؛ إن اُعطي شكر، وإن ابتُلي صبر، وإن حكمَ عدل، وإن قالَ صدق، فهو في سائر الناس كالرجل الحيّ يمشي بين قبور الأموات. «نُورٌ عَلَى نُورٍ»؛ كلامه نورٌ، وعمله نور، ومدخله نور، ومخرجه نور، ومصيره إلى نور يوم القيامة. عن اُبيّ بن كعب.

وثالثها: أنّ مثل القرآن في قلوب المؤمن فكما أنّ هذا المصباح يستضاء به، وهو كما هو لا ينقص، فكذلك [القرآن] يهتدى به ويعمل به، فالمصباح هو القرآن، والزجاجة قلب المؤمن، والمشكاة لسانه وفمه، والشجرة المباركة شجرة الوحي «يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ»؛ يكاد حجج القرآن يتّضح وإن لم يقرأ.

وقيل: يكاد حجج اللّه على خلقه تضيء لمن تفكّر فيها وتدبّرها، ولو لم ينزل القرآن «نُورٌ عَلَى نُورٍ»؛ يعني أنّ القرآن نورٌ مع سائر الأدلّة قبله، فازدادوا به نورا على نور. عن الحسن وابن زيد.

ص: 359


1- . التوحيد، ص 158، ح 4 مع التلخيص.

وعلى هذا فيجوز أن يكون المراد ترتّب الدلائل؛ لأنّ الدلائل يترتّب بعضها على بعض، ولا يكاد العاقل يستفيد منها إلاّ بمراعاة الترتيب، فمن ذهب عن الترتيب فقد ذهب عن طريق الاستفادة.

وقال مجاهد: ضوء نور السراج على ضوء الزيت على ضوء الزجاجة «يَهْدِي اللّه ُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ» أي يهدي لدينه وإيمانه من يشاء، بأن يفعل له لطفا يختار عنده الإيمان إذا علم أنّ له لطفا.

وقيل: معناه: يهدي اللّه لنبوّته وولايته من يشاء ممّن يعلم أنّه يصلح لذلك.

«وَيَضْرِبُ اللّه ُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ»؛ تقريبا إلى الأفهام، وتسهيلاً لدرك المرام.

«وَاللّه ُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ»(1) فيضع الأشياء مواضعها.(2)

انتهى كلامه رفع اللّه مقامه.

(وهو) أي العلم (نوري الذي يهتدى به).

وقوله: (مثل المشكاة) خبر للمثل الأوّل، وإشارة إلى أنّ المثل مقدّر لاحتياج التشبيه إلى تقديره.

والعلم في قوله: (والمصباح النور الذي فيه العلم) بدل من النور، والضمير المجرور للقلب، وإطلاق المصباح على العلم استعارة؛ إذ العلم سبب لظهور المعلومات، كما أنّ المصباح سببٌ لظهور المحسوسات.

وقوله: («الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ» يقول: إنّي اُريد أن أقبضك) أي أتوفّيك.

قال الفيروزآبادي: «قُبِضَ _ كعُني _ : مات».(3)

(فاجعل الدَّين عندك عند الوصيّ)؛ فحينئذٍ شبّه الوصيّ بالزجاج الذي فيه المصباح في شفّافيّته وإنارته وحياطته لمصابيح العلوم وأنوارها، كما يحصل المصباح في الزجاجة.

قيل: هذا إشارة إلى أنّ تلك الاستعارة تمثيليّة مبتنية على تشبيه المعقول بالمحسوس لقصد الإيضاح.(4)

ص: 360


1- . النور 24: 35.
2- . مجمع البيان، ج 7، ص 250 _ 253 مع اختلاف يسير في اللفظ.
3- . القاموس المحيط، ج 2، ص 341 قبض.
4- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 549.

«كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّىٌّ».

قال الفيروزآبادي: «الدُرّ _ بالضمّ _ : اللؤلؤة العظيمة، و «كَوْكَبٌ دُرِّىٌّ»، أي مضيء و يثلّث».(1)

وقال البيضاوي:

«كَوْكَبٌ دُرِّىٌّ»: مضيء متلألئ كالزهرة في صفائه وزهرته، منسوب إلى الدرّ، أو فعيل كمريق من الدرء؛ فإنّه يدفع الظلام بضوئه، أو بعض ضوئه بعضا من لمعانه، إلاّ أنّه قلبت همزته [ياء]، ويدلّ عليه قراءة حمزة وأبي بكر على الأصل، وقرأ أبو عمر والكسائي: درّي كشرّيب، وقد قرئ به مقلوبا.(2)

(فاعلمهم) على صيغة الأمر، عطفا على قوله «اجعل» والضمير للناس، ويمكن قراءته بصيغة المضيّ، أي فأعلمهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله.

(فضل الوصيّ) بجعل علمه فيه، ووصفه بما ذكر.

«يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ».

كلمة «من» للابتداء، أي ابتداء وقود المصباح من تلك الشجرة المتكاثر النفع.

قال البيضاوي:

في إبهام الشجرة ووصفها بالبركة ثمّ إبدال الزيتونة عنها تفخيم لشأنها. وقرأ نافع وابن عامر وحفص بالياء والبناء للمفعول من أوقد، وحمزة والكسائي وأبو بكر بالتاء كذلك على إسناده إلى الزجاجة بحذف المضاف.(3)

(وهو) أي كون عليه السلام أصل الشجرة المباركة، أو توقّد سيّد الأوصياء من تلك الشجرة، فافهم.

(قول اللّه عزّ وجلّ)؛ في سورة هود: «رَحْمَتُ اللّه ِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ»(4).

قال البيضاوي:

أهل البيت نصب على المدح أو النداء لقصد التخصيص كقولهم: اللَّهُمَّ اغفر لناأيّتها العصابة.

ص: 361


1- . القاموس المحيط، ج 2، ص 28 درر مع التلخيص.
2- . تفسير البيضاوي، ج 4، ص 188.
3- . تفسير البيضاوي، ج 4، ص 188.
4- . هود 11: 73.

«إِنَّهُ حَمِيدٌ» فاعل ما يستوجب به الحمد.

«مَّجِيدٌ»: كثير الخير والإحسان.(1)

ولعلّ بناء الاستشهاد بالآية أنّ هذا الخطاب وقع عند البشارة بإسحاق ويعقوب، فهما من أهل بيت إبراهيم عليه السلام وكذا إسماعيل وكذا أولادهم، وقد بُورك عليهم لكونهم من أهل بيت إبراهيم عليه السلام، فظهر أنّه أصل الشجرة المباركة.

(وهو قول اللّه عزّ وجلّ) في سورة آل عمران: «قُلْ أَطِيعُوا اللّه َ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللّه َ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ* إِنَّ اللّه َ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ».

قال البيضاوي:

أي اصطفاهم بالرسالة والخصائص الروحانيّة والجسمانيّة، ولذلك قوّوا على ما لم يقو عليه غيرهم؛ لما أوجب طاعة الرسول، وبيّن أنّها الجالبة لمحبّة اللّه عقّب ذلك ببيان مناقبهم تحريضا عليها، وبه استدلّ على فضلهم على الملائكة «وَآلَ إِبْرَاهِيمَ» [وإسماعيل] وإسحاق وأولائهما، وقد دخل فيهم الرسول صلى الله عليه و آله«وَآلَ عِمْرَانَ»موسى وهارون ابنا عمران، وينتهي نسبه إلى لاوي بن يعقوب أو عيسى، واُمّه مريم بنت عمران وينتهي نسبه إلى يهوذا ابن يعقوب، وكان بين العمرانين ألف وثمانمائة سنة.

«ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ» حال أو بدل من الآلين، أو منهما ومن نوح؛ أي أنّهم ذرّية واحدة متشعّبة بعضها من بعض.

وقيل: بعضها من بعض في الدِّين. والذرّيّة: الولد، يقع على الواحد والجمع، فعليّة من الذرّ، أو من الذرء. اُبدلت همزتها ياء، ثمّ قلبت الواو [ياء] واُدغمت.

«وَاللّه ُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»(2) بأقوال الناس وأعمالهم، فيصطفي من كان مستقيم القول والعمل، أو سميع بقول امرأة عمران، عليمٌ بنيّتها،(3) انتهى.

وأقول: الاستشهاد بالآيتين وقع في البين، ثمّ أشار عليه السلام إلى تفسير تتمّة آية النور وقال: («لاَ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ» يقول: لستم بيهود فتصلّوا قِبلَ المغرب، ولا نصارى فتصلّوا قبل المشرق).

قيل: الفاء في الموضعين تفريع على المنفي، والظاهر أنّ هذه الجملة صفة لشجرة؛ لأنّ

ص: 362


1- . تفسير البيضاوي، ج 3، ص 246.
2- . آل عمران 3: 32 _ 34.
3- . تفسير البيضاوي، ج 2، ص 29 مع التلخيص.

اتّصاف تلك الشجرة بهذا السلب مستلزم لاتّصافهم به، كما أشار إليه بقوله: (وأنتم على ملّة إبراهيم عليه السلام) وهو لم يكن يهوديّا ولا نصرانيّا.(1)

(وقد قال اللّه عزّ وجلّ)؛ الواو للحال، أي كيف يجوز ذلك، وقد قال اللّه _ عزّ وجلّ _ في سورة آل عمران: «مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّا وَلاَ نَصْرَانِيّا» تحقيق وتقرير للسلب المذكور.

«وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفا»: مائلاً عن العقائد الباطلة.

«مُسْلِما»: منقادا للّه .

قال البيضاوي:

ليس المراد أنّه كان على ملّة الإسلام، وإلاّ لاشترك الإلزام. «وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ»(2) تعريض بأنّهم مشركون لإشراكهم به عزيرا والمسيح، وردّ لادّعاء المشركين أنّهم كانوا على ملّة إبراهيم عليه السلام.(3)

(مثل أولادكم) إلى آخره، استعارة تمثيليّة، ولا يخفى لطفه، والظاهر أنّ الخطاب لرسول اللّه صلى الله عليه و آلهوأهل بيته عليهم السلام.

وقوله: (يكادون أن يتكلّموا) تفسيرا لقوله تعالى: «يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِى ءُ»، وضمير الجمع للأولاد.

متن الحديث الرابع والسبعين والخمسمائة

اشارة

أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِى الاْفاقِ وَفِى أَنْفُسِهِمْ حَتّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ»(4)؟

قَالَ : «نُرِيهِمْ(5) فِي أَنْفُسِهِمُ الْمَسْخَ ، وَنُرِيهِمْ(6) فِي الاْفَاقِ انْتِقَاضَ الاْفَاقِ عَلَيْهِمْ ، فَيَرَوْنَ قُدْرَةَ اللّهِ

ص: 363


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 550.
2- . آل عمران 3: 67.
3- . تفسير البيضاوي، ج 2، ص 50.
4- . فصّلت 41: 53.
5- . هكذا في النسخة وبعض نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: «يريهم».
6- . هكذا في النسخة وبعض نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: «ويريهم».

_ عَزَّ وَجَلَّ _ فِي أَنْفُسِهِمْ وَفِي الاْفَاقِ» .

قُلْتُ لَهُ : «حَتّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ»؟

قَالَ : «خُرُوجُ الْقَائِمِ هُوَ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، يَرَاهُ الْخَلْقُ لاَ بُدَّ مِنْهُ» .

شرح

السند ضعيف.

قوله: (عن قول اللّه تبارك وتعالى) في سورة حم فصّلت: «سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الاْفَاقِ».

قال البيضاوي:

يعني ما خبّرهم النبيّ صلى الله عليه و آله من الحوادث الآتية وآثار النوازل الماضية، وما يسّر اللّه له ولخلفائه من الفتوح والظهور على ممالك الشرق والغرب على وجه خارق للعادة.

«وَفِي أَنْفُسِهِمْ» ما ظهر فيما بين أهل مكّة وما حلّ بهم، أو ما في بدن الإنسان من عجائب الصنع الدالّة على كمال القدرة، «حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ»؛ الضمير للقرآن، أو الرسول، أو التوحيد، أو اللّه ،(1) انتهى.

وقال بعض المفسّرين: «آيات الآفاق هي الشمس والقمر والنجوم».(2)

وقيل: إنشقاق القمر.(3) ورووا أنّ أبا جهل قال للنبيّ صلى الله عليه و آله: ائتنا بعلامة، فانشقّ القمر بنصفين، فقال أبو جهل: يا معشر قريش، قد سحركم محمّد، فوجّهوا رسلكم في الآفاق هل عاينوا القمر كذلك، فإن عاينوا شيئا فهو آية وإلاّ فذلك سحر، فوجّهوا رسلهم في الأرض، فإذا الناس كلّهم يتحدّثون في انشقاق القمر، فقال أبو جهل: هذا سحرٌ مستمرّ، فنزلت هذه الآية.(4)

وقال بعضهم: المراد بآيات الأنفس خلقهم من تراب ثمّ من نطفة،(5) الآية. وقال بعضهم: الأمراض والبلايا.(6)

ص: 364


1- . تفسير البيضاوي، ج 5، ص 120.
2- . نقل عن عطاء وابن زيد. اُنظر: مجمع البيان، ج 9، ص 34؛ زاد المسير، ج 7، ص 69.
3- . نقل عن الضحّاك. اُنظر: تفسير السمرقندي، ج 3، ص 222.
4- . تفسير السمرقندي، ج 3، ص 222 مع اختلاف في اللفظ.
5- . حكي عن الزجاج. اُنظر: مجمع البيان، ج 9، ص 34؛ زاد المسير، ج 7، ص 69.
6- . حكي عن ابن عبّاس. اُنظر: تفسير الثعلبي، ج 8، ص 300؛ تفسير البغوي، ج 4، ص 118.

(قال: نريهم في أنفسهم المسخ) تفسير لآيات الأنفس.

(ونريهم في الآفاق انتقاض الآفاق).

يُقال: انتقض البناء والحبل والعهد وغيره، ضدّ إبرام، والانتقاض: الإنكاث.

قال الفاضل الإسترآبادي:

كأنّه ناظر إلى ما نطقت به الأخبار عنهم عليهم السلام من أنّ كلّ من مات من بني اُميّة _ لعنهم اللّه _ مسخ وزغا عند موته، وإلى غلبة بني العبّاس عليهم،(1) انتهى.

وقيل: الظاهر أنّه إشارة إلى ما يبتلى به المخالفون في زمان القائم، أي أنّهم يمسخون في أنفسهم ويبتلون بتضييق الآفاق عليهم بكثرة المصائب التي ترد عليهم وانسداد طرق النجاة عنهم.(2)

وقوله عليه السلام: (خروج القائم) التفسير لمرجع الضمير، وكان حقّ على هذا التفسير، غاية لما مرّ من المسخ وانتقاض الآفاق عليهم؛ يعني هاتان الآيتان مستمرّتان فيهم إلى أن يتبيّن لهم خروجه.

متن الحديث الخامس والسبعين والخمسمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى وَالْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ جَمِيعا ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ يَعْقُوبَ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ كَيْسَانَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ الْجُعْفِيِّ ، قَالَ :

قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عليهماالسلام : «كَمِ الرِّبَاطُ عِنْدَكُمْ؟» قُلْتُ : أَرْبَعُونَ ، قَالَ : «لكِنْ رِبَاطُنَا رِبَاطُ الدَّهْرِ ، وَمَنِ ارْتَبَطَ فِينَا دَابَّةً كَانَ لَهُ وَزْنُهَا وَوَزْنُ وَزْنِهَا مَا كَانَتْ عِنْدَهُ ، وَمَنِ ارْتَبَطَ فِينَا سِلاَحا كَانَ لَهُ وَزْنُهُ مَا كَانَ عِنْدَهُ ، لاَ تَجْزَعُوا مِنْ مَرَّةٍ ، وَلاَ مِنْ مَرَّتَيْنِ ، وَلاَ مِنْ ثَلاَثٍ ، وَلاَ مِنْ(3) أَرْبَعٍ ؛ فَإِنَّمَا مَثَلُنَا وَمَثَلُكُمْ مَثَلُ نَبِيٍّ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَأَوْحَى اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ إِلَيْهِ(4) : أَنِ ادْعُ قَوْمَكَ لِلْقِتَالِ ، فَإِنِّي سَأَنْصُرُكَ، فَجَمَعَهُمْ مِنْ رُؤُوسِ الْجِبَالِ وَمِنْ غَيْرِ ذلِكَ، ثُمَّ تَوَجَّهَ بِهِمْ، فَمَا ضَرَبُوا بِسَيْفٍوَلاَ طَعَنُوا بِرُمْحٍ حَتَّى انْهَزَمُوا ، ثُمَّ أَوْحَى اللّهُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالَى _ إِلَيْهِ : أَنِ ادْعُ قَوْمَكَ إِلَى الْقِتَالِ ، فَإِنِّي سَأَنْصُرُكَ ، فَجَمَعَهُمْ ، ثُمَّ تَوَجَّهَ بِهِمْ ، فَمَا ضَرَبُوا بِسَيْفٍ وَلاَ طَعَنُوا بِرُمْحٍ حَتّى انْهَزَمُوا ، ثُمَّ أَوْحَى اللّهُ إِلَيْهِ : أَنِ ادْعُ قَوْمَكَ إِلَى الْقِتَالِ ، فَإِنِّي

ص: 365


1- . نقل عنه العلاّمة المجلسي رحمه الله في¨ مرآة العقول، ج 26، ص 582.
2- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 582.
3- . في بعض نسخ الكافي: - «من».
4- . في بعض نسخ الكافي: - «إليه».

سَأَنْصُرُكَ ، فَدَعَاهُمْ ، فَقَالُوا : وَعَدْتَنَا النَّصْرَ ، فَمَا نُصِرْنَا ، فَأَوْحَى اللّهُ _ عَزَّوَجَّل _ إِلَيْهِ : إِمَّا أَنْ تَخْتَارُوا(1) الْقِتَالَ أَوِ النَّارَ ، فَقَالَ : يَا رَبِّ ، الْقِتَالُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ النَّارِ ، فَدَعَاهُمْ فَأَجَابَهُ مِنْهُمْ ثَلاَثُمِائَةٍ وَثَلاَثَةَ عَشَرَ عِدَّةَ أَهْلِ بَدْرٍ ، فَتَوَجَّهَ بِهِمْ ، فَمَا ضَرَبُوا بِسَيْفٍ وَلاَ طَعَنُوا بِرُمْحٍ حَتّى فَتَحَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ لَهُمْ» .

شرح

السند ضعيف، وأبو عبد اللّه الجعفي كنية لعمرو بن شمر.

قوله: (كم الرباط عندكم).

الرباط: الإرصاد في أطراف بلاد المسلمين للإعلام بأحوال المشركين على تقدير هجومهم، وهو مستحبّ استحبابا مؤكّدا دائما مع حضور الإمام وغيبته، وأقلّه ثلاثة أيّام، وأكثره أربعون يوما، فإن زاد ألحق بالجهاد في الثواب، لا أنّه يخرج عن وصف الرباط.

(قلت: أربعون) أي أربعون يوما.

(قال: لكن رباطنا رباط الدهر).

لعلّ المراد الرباط لنا، أو الرباط عندنا، والأوّل أنسب بما بعده.

وقال في القاموس: «الدهر: الزمان الطويل، وألف سنة _ وتفتح الهاء _ والنازلة، والهمّة، والغاية، والعادة، والغلبة».(2)

أقول: لعلّ المراد أنّه يجب على الشيعة أن يربطوا أنفسهم دائما على طاعة الإمام الحقّ، وانتظار فرجه، والتهيئ لنصرته، حاضرا كان أم غائبا. وقيل: كأنّه إشارة إلى إمهال الفرج.

وقوله: (كان له وزنها ووزن وزنها).

ولعلّ المراد مثلها وضعفها ثوابا؛ أي كان له كلّ يوم ثواب التصدّق بوزنها وضعفها ذهبا أو فضّة. وقيل: يحتمل أن يكون من قبيل تشبيه المعقول بالمحسوس، أي له من الثواب كمثلي وزن الدابّة.(3)

ص: 366


1- . في الطبعة القديمة: «أن يختاروا».
2- . القاموس المحيط، ج 2، ص 33 دهر مع التلخيص.
3- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في¨ مرآة العقول، ج 26، ص 582.

وكلمة «ما» في قوله: (ما كانت عنده) مصدريّة ظرفيّة.

(ومن ارتبط فينا سلاحا).

قال الفيروزآبادي: «ارتبط فرسا: اتّخذه للرباط».(1)

وقال: «السّلاح: آلة الحرب، أو حديدتها، ويؤنّث، والسيف والقوس بلا وتر، والعصا».(2)

ثمّ رغّب في الصبر وترك الجزع والقنوط بتأخير الفرج، فقال: (لا تجزعوا من مرّة) أي من عدم نزول النصرة إلينا وغلبة العدوّ علينا مرّة.

(ولا من مرّتين، ولا من ثلاث، ولا [من] أربع) كما في أمر الحسين عليه السلاموزيد بن علي،وكانصراف الأمر عند انقراض بني اُميّة إلى بني عبّاس، بل اصبروا؛ فإنّ اللّه يأتي بالفرج،والاُمور مرهونة بأوقاتها.

وقيل: كأنّ المرّة ناظرة إلى زمن عليّ عليه السلام، والثانية إلى زمن الحسن عليه السلام، والثالثة إلى زمن الحسين عليه السلام، والرابعة إلى زمن زيد؛ لأنّه لو غلب لردّ الحقّ إلى أهله كما مرّ، أو إلى زمن الرضا عليه السلام على احتمال، أو ذكرها من باب الاستطراد المعروف في الكلام.(3)

وقوله: (فما ضربوا بسيف ولا طعنوا برمح)؛ الظاهر أنّ الفعلين في المواضع على البناء للمجهول مع إمكان قراءتهما على صيغة المعلوم.

متن الحديث السادس والسبعين والخمسمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ وَالنَّوْفَلِيِّ وَغَيْرِهِمَا :

يَرْفَعُونَهُ إِلى أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لاَ يَتَدَاوى مِنَ الزُّكَامِ ، وَيَقُولُ : مَا مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَبِهِ عِرْقٌ مِنَ الْجُذَامِ ، فَإِذَا أَصَابَهُ الزُّكَامُ قَمَعَهُ» .

شرح

السند ضعيف.قوله: (لا يتداوى من الزكام).

ص: 367


1- . القاموس المحيط، ج 2، ص 361 ربط.
2- . القاموس المحيط، ج 1، ص 229 سلح مع التلخيص.
3- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 552 مع اختلاف يسير في اللفظ.

في القاموس: «الزكام _ بالضمّ _ تحلب فضول رطبة من بطني الدماغ المقدّمين إلى المنخرين. وقد زِكُم _ كعُنِي _ وأزكمه فهو مزكوم».(1)

وقوله: (قمعه) أي كسره، وذلّله.

قال الفيروزآبادي: «قمعه _ كمنعه _ : ضربه بالمقمعة، وقهره، وذلّله. وفلانا: صرفه عمّا يريد».(2)

متن الحديث السابع والسبعين والخمسمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : الزُّكَامُ جُنْدٌ مِنْ جُنُودِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، يَبْعَثُهُ(3) عَلَى الدَّاءِ ، فَيُزِيلُهُ(4)» .

شرح

السند صحيح.

قوله: (يبعثه على الداء فيزيله). وفي بعض النسخ: «يبعثه على الداء فينزله». ولعلّ المراد بالداء الجذام بقرينة الحديث السابق، ويحتمل الأعمّ، فافهم.

متن الحديث الثامن والسبعين والخمسمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ مُوسَى بْنِ الْحَسَنِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ :

بِإِسْنَادِهِ رَفَعَهُ إِلى أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ وُلْدِ آدَمَ إِلاَّ وَفِيهِ عِرْقَانِ : عِرْقٌ فِي رَأْسِهِ يُهَيِّجُ الْجُذَامَ ، وَعِرْقٌ فِي بَدَنِهِ يُهَيِّجُ الْبَرَصَ ، فَإِذَا هَاجَ الْعِرْقُ الَّذِي فِي الرَّأْسِ ، سَلَّطَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ عَلَيْهِ الزُّكَامَ حَتّى يَسِيلَ مَا فِيهِ مِنَ الدَّاءِ ، وَإِذَا هَاجَ الْعِرْقُ الَّذِي فِي الْجَسَدِ ، سَلَّطَ اللّهُ عَلَيْهِ الدَّمَامِيلَ حَتّى يَسِيلَ مَا فِيهِ مِنَ الدَّاءِ ، فَإِذَا رَأى أَحَدُكُمْ بِهِ زُكَاما وَدَمَامِيلَ ،

ص: 368


1- . القاموس المحيط، ج 4، ص 125 زكم مع التلخيص.
2- . القاموس المحيط، ج 3، ص 74 قمع مع التلخيص.
3- . في بعض نسخ الكافي: «فينزله».
4- . في الطبعة القديمة: + «اللّه ».

فَلْيَحْمَدِ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ عَلَى الْعَافِيَةِ».

وَقَالَ : «الزُّكَامُ فُضُولٌ فِي الرَّأْسِ» .

شرح

السند مرسل.

قوله: (يهيّج الجذام)؛ لعلّ المراد أنّه محلّ تولّده مادّة الجذام.

وقوله: (حتّى يسيل) من التسييل، أو الإسالة، وكونه من السيّلان بعيد.

وفي بعض النسخ: «يسلّ» من السّلّ، وهو انتزاعك الشيء وإخراجه برفق، وفعله كيمدّ.

متن الحديث التاسع والسبعين والخمسمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ رَجُلٍ ، قَالَ :

دَخَلَ(1) رَجُلٌ عَلى أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام وَهُوَ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ(2)، فَقَالَ لَهُ: «أَيْنَ أَنْتَ عَنْ هذِهِ الْأَجْزَاءِ الثَّلاَثَةِ : الصَّبِرِ ، وَالْكَافُورِ ، وَالْمُرِّ؟» فَفَعَلَ الرَّجُلُ ذلِكَ ، فَذَهَبَ عَنْهُ.

شرح

السند مجهول.

قوله: (الصبر، والكافور، والمرّ).

قال الفيروزآبادي: «الصبر _ ككتف، ولا يسكّن إلاّ في ضروره شعر _ : عصارة شجرة مرّة».(3)

وقال:

الكافور: طيبٌ معروف يكون من شجر بجبال بحر الهند والصين، وخشبه أبيض هشّ، ويوجد في أجوافه الكافور، وهو أنواع، ولونها أحمر، وإنّما يبيض بالتصعيد. والكَفَر _ بالتحريك _ : وعاء طلع النخل كالكافور.(4)

ص: 369


1- . في كثير من نسخ الكافي: - «رجل».
2- . في كثير من نسخ الكافي: «عينه».
3- . القاموس المحيط، ج 2، ص 67 صبر مع اختلاف في اللفظ.
4- . القاموس المحيط، ج 2، ص 128 كفر مع التلخيص.

وقال: «المرّ _ بالضمّ _ : دواء معروف نافع للسعال ولسع العقارب ولديدان الأمعاء»(1) انتهى.

وقيل: الكافور صمغ شجرة؛ وما كان منه جلال، وهو الكبار الذي لم يقع في التراب، لا حاجة له إلى النار، وهو الكافور الخام المستعمل في الحنوط، وما كان منه صغار ووقع في التراب جعل في قدر فيه ماء ويغلى ليتميّز. وقيل: هو نبت له نور كنور الأقحوان، أو غلاف الكرم قبل ظهور نوره، أو وعاء طلع النخل.(2)

وأقول: الظاهر أنّ المراد هنا الكافور المشهور.

متن الحديث الثمانين والخمسمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ أَحْمَدَ ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ صَالِحٍ ، قَالَ :

قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : إِنَّ لَنَا فَتَاةً كَانَتْ تَرَى الْكَوْكَبَ مِثْلَ الْجَرَّةِ .

قَالَ : «نَعَمْ ، وَتَرَاهُ مِثْلَ الْحُبِّ».

قُلْتُ : إِنَّ بَصَرَهَا ضَعُفَ .

فَقَالَ : «اكْحُلْهَا بِالصَّبِرِ وَالْمُرِّ وَالْكَافُورِ أَجْزَاءً سَوَاءً» فَكَحَلْنَاهَا بِهِ ، فَنَفَعَهَا .

شرح

السند صحيح.

قوله: (إنّ لنا فتاة).

الفتى: الشابّ، وهي فتاة.

ص: 370


1- . القاموس المحيط، ج 2، ص 132 مرر مع التلخيص.
2- . القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 553.

(مثل الحبّ)، وهو بالضمّ الخابية فارسي معرّب، ولعلّ المراد به تصديق قول القائل، أي نعم إنّي سمعت أو علمت أنّها كانت ترى الكوكب مثل الخابية أيضا.

وقال بعض الأفاضل: «معناه: نعم، تراه مثل الحبّ بعد ذلك إن لم تعالج، أو أنّها ترى في الحال مثل الحبّ»(1) هذا كلامه وهو كما ترى.

وقوله: (اكحلها) إلى قوله: (فكحلناها).

قال الفيروزآبادي: «الكحل _ بالضمّ _ : الأثمد، وكلّ ما وضع في العين يستشفى به. وكحل العين _ كمنع ونصر _ فهي مكحولة، وكحّلها».(2)

متن الحديث الحادي والثمانين والخمسمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ(3) ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَيْضِ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «كُنْتُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ _ يَعْنِي أَبَا الدَّوَانِيقِ _ فَجَاءَتْهُ خَرِيطَةٌ ، فَحَلَّهَا

وَنَظَرَ فِيهَا ، فَأَخْرَجَ مِنْهَا شَيْئا ، فَقَالَ : يَا أَبَا عَبْدِ اللّهِ ، أَتَدْرِي مَا هذَا؟

قُلْتُ : وَمَا(4) هُوَ؟ قَالَ : هذَا شَيْءٌ يُؤتى بِهِ مِنْ خَلْفِ إِفْرِيقِيَةَ مِنْ طَنْجَةَ أَوْ طِينَةٍ _ شَكَّ مُحَمَّدٌ _ .

قُلْتُ : مَا هُوَ؟ قَالَ : جَبَلٌ هُنَاكَ يَقْطُرُ مِنْهُ فِي السَّنَةِ قَطَرَاتٌ ، فَتَجْمُدُ(5) وَ هُوَ جَيِّدٌ لِلْبَيَاضِ يَكُونُ فِي الْعَيْنِ يُكْتَحَلُ بِهذَا ، فَيَذْهَبُ بِإِذْنِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ .

قُلْتُ : نَعَمْ ، أَعْرِفُهُ وَإِنْ شِئْتَ أَخْبَرْتُكَ بِاسْمِهِ وَحَالِهِ ، قَالَ : فَلَمْ يَسْأَلْنِي عَنِ اسْمِهِ ، قَالَ : وَمَا حَالُهُ؟

فَقُلْتُ : هذَا جَبَلٌ كَانَ عَلَيْهِ نَبِيٌّ مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ هَارِبا مِنْ قَوْمِهِ يَعْبُدُ اللّهَ عَلَيْهِ ، فَعَلِمَ بِهِ قَوْمُهُ ، فَقَتَلُوهُ ، فَهُوَ يَبْكِي عَلى ذلِكَ النَّبِيِّ عليه السلام ، وَهذِهِ الْقَطَرَاتُ مِنْ بُكَائِهِ ، وَلَهُ مِنَ الْجَانِبِ الاْخَرِ عَيْنٌ تَنْبُعُ مِنْ ذلِكَ الْمَاءِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، وَلاَ يُوصَلُ إِلى تِلْكَ الْعَيْنِ» .

ص: 371


1- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في¨ مرآة العقول، ج 26، ص 584 مع اختلاف في اللفظ.
2- . القاموس المحيط، ج 4، ص 43 و 44 كحل مع التلخيص.
3- . في الطبعة القديمة: - «بن محمّد».
4- . في الطبعة القديمة: «ما بدون الواو».
5- . في بعض نسخ الكافي: «فيمجد».

شرح

السند مجهول.

قوله: (فجاءته خريطة) هي وعاء من اُدم وغيره يشرج على ما فيه.

وقوله: (من خلف إفريقية).

وفي بعض النسخ: «افرنقية» بالنون بعد الراء، وكأنّه تصحيف.

(من طنجة أو طينة).

قال الفيروزآبادي: «إفريقيّة: بلاد واسعة قبالة الأندلس».(1)

وقال: «طنجة: بلد بشاطئ بحر المغرب».(2)

وقال: «طينة _ بمدّ _ : قرب دمياط».(3)

وقوله: (شكّ محمّد) خبر مبتدأ محذوف، أي الترديد، أو الشكّ المذكور شكّ محمّد بن الفيض.

وقوله: (وهو جيّد للبياض).

قيل: لعلّه هو المعروف بدمنه إفرنك.(4)

وقوله: (ولا يوصل إلى تلك العين) أي لا يمكن لأحد الوصول إليها.

متن الحديث الثاني والثمانين والخمسمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ سُلَيْمٍ مَوْلى عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ :

أَنَّهُ كَانَ يَلْقى مِنْ(5) عَيْنَيْهِ أَذًى ، قَالَ : فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام _ ابْتِدَاءً مِنْ عِنْدِهِ _ : «مَا يَمْنَعُكَ مِنْ كُحْلِ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : جُزْءُ كَافُورٍ رَبَاحِيٍّ(6) ، وَجُزْءُ صَبِرٍ أُصْقُوطْرى يُدَقَّانِ جَمِيعا ، وَيُنْخَلاَنِ بِحَرِيرَةٍ، يُكْتَحَلُ مِنْهُ مِثْلَ مَا يُكْتَحَلُ مِنَ الاْءِثْمِدِ الْكَحْلَةُ فِي الشَّهْرِ ، تَحْدُرُ(7) كُلَّ دَاءٍ فِي الرَّأْسِ ، وَتُخْرِجُهُ(8) مِنَ الْبَدَنِ» .

ص: 372


1- . القاموس المحيط، ج 3، ص 275 فرق.
2- . القاموس المحيط، ج 1، ص 198 طنج.
3- . القاموس المحيط، ج 4، ص 245 طين.
4- . لم نعثر على قائله.
5- . في الطبعة القديمة والوافي: + «رمد».
6- . في كثير من نسخ الكافي: «رياحي».
7- . في كثير من نسخ الكافي: «يحدر».
8- . في بعض نسخ الكافي: «ويخرجه».

قَالَ : فَكَانَ(1) يَكْتَحِلُ بِهِ ، فَمَا اشْتَكى عَيْنَيْهِ حَتّى مَاتَ .

شرح

السند حسن بناءً على إرجاع ضمير «قال» إلى ابن أبي عمير، كما هو الظاهر، وإلاّ فمجهول.

قوله: (رباحي) بالباء الموحّدة بعد الراء المفتوحة.

وفي بعض النسخ بالياء المثنّاة التحتانيّة، وكأنّه تصحيف.

في القاموس:

الرباح _ كسحاب _ : قلعة بالأندلس. والرباحي جنس من الكافور. وقول الجوهري: «الرباح: دويبة يجلب منها الكافور»(2) خلف، وأصلح في بعض النسخ وكتب «بلد» بدل «دويبة» وكلاهما غلط؛ لأنّ الكافور صمغ شجر يكون داخل الخشب، ويتخشخش فيه إذا حرّك، فينتشر ويستخرج.(3)

وقوله: (أصقوطرى).

كذا في نسخ الكتاب، وفي كتب الطبّ: أسقوطري» بالسين المهملة.(4)

وفي القاموس:

سُقُطرى _ بضمّ السّين والقاف ممدودة ومقصورة _ وأسقطرى: جزيرة ببحر الهند على يسار الجائي من بلاد الزنج، والعامّة تقول: سقوطرة، يجلب منها الصبر ودم الأخوين.(5)

وقوله: (ينخلان) على بناء المفعول.

ونخل الدقيق: غربلته، وتصفيته.

والإثمد _ بالكسر _ : حجر الكحل.

متن الحديث الثالث والثمانين والخمسمائة

اشارة

(حَدِيثُ الْعَابِدِ)مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ،

ص: 373


1- . في بعض نسخ الكافي: «وكان».
2- . الصحاح، ج 1، ص 363 ربح.
3- . القاموس المحيط، ج 1، ص 221 ربح.
4- . اُنظر: القانون، ج 1، ص 415؛ وج 3، ص 284 و 291 و 328؛ فردوس الحكمة، ص 454.
5- . القاموس المحيط، ج 2، ص 50 سقطر.

عَمَّنْ أَخْبَرَهُ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «كَانَ عَابِدٌ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يُقَارِفْ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا شَيْئا ، فَنَخَرَ إِبْلِيسُ نَخْرَةً ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ جُنُودُهُ ، فَقَالَ : مَنْ لِي بِفُلاَنٍ؟ فَقَالَ(1) بَعْضُهُمْ : أَنَا(2) ، فَقَالَ : مِنْ أَيْنَ تَأْتِيهِ ، فَقَالَ(3) : مِنْ نَاحِيَةِ النِّسَاءِ ، قَالَ : لَسْتَ لَهُ ، لَمْ يُجَرِّبِ النِّسَاءَ ، فَقَالَ لَهُ آخَرُ : فَأَنَا لَهُ(4) ، فَقَالَ(5) : مِنْ أَيْنَ تَأْتِيهِ؟ قَالَ : مِنْ نَاحِيَةِ الشَّرَابِ وَاللَّذَّاتِ ، قَالَ : لَسْتَ لَهُ ، لَيْسَ هذَا بِهذَا(6) ، قَالَ آخَرُ : فَأَنَا لَهُ ، قَالَ: مِنْ أَيْنَ تَأْتِيهِ؟ قَالَ : مِنْ نَاحِيَةِ الْبِرِّ ، قَالَ : انْطَلِقْ ، فَأَنْتَ صَاحِبُهُ ، فَانْطَلَقَ إِلى مَوْضِعِ الرَّجُلِ ، فَأَقَامَ(7) حِذَاهُ(8) يُصَلِّي» .

قَالَ : «وَكَانَ الرَّجُلُ يَنَامُ وَالشَّيْطَانُ لاَ يَنَامُ ، وَيَسْتَرِيحُ وَالشَّيْطَانُ لاَ يَسْتَرِيحُ ، فَتَحَوَّلَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ وَقَدْ تَقَاصَرَتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ ، وَاسْتَصْغَرَ عَمَلَهُ، فَقَالَ : يَا عَبْدَ اللّهِ، بِأَيِّ شَيْءٍ قَوِيتَ عَلى هذِهِ الصَّلاَةِ؟ فَلَمْ يُجِبْهُ ، ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ(9) ، فَلَمْ يُجِبْهُ ، ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللّهِ ، إِنِّي أَذْنَبْتُ ذَنْبا وَأَنَا تَائِبٌ مِنْهُ ، فَإِذَا ذَكَرْتُ الذَّنْبَ قَوِيتُ عَلَى(10) الصَّلاَةِ ، قَالَ : فَأَخْبِرْنِي بِذَنْبِكَ حَتّى أَعْمَلَهُ وَأَتُوبَ ، فَإِذَا فَعَلْتُهُ قَوِيتُ عَلَى الصَّلاَةِ ، قَالَ : ادْخُلِ الْمَدِينَةَ ، فَسَلْ عَنْ فُلاَنَةَ الْبَغِيَّةِ ، فَأَعْطِهَا دِرْهَمَيْنِ ، وَنَلْ مِنْهَا ، قَالَ : وَمِنْ أَيْنَ لِي دِرْهَمَيْنِ؟ مَا أَدْرِي مَا الدِّرْهَمَيْنِ؟ فَتَنَاوَلَ الشَّيْطَانُ مِنْ تَحْتِ قَدَمِهِ(11) دِرْهَمَيْنِ ، فَنَاوَلَهُإِيَّاهُمَا ، فَقَامَ فَدَخَلَ الْمَدِينَةَ بِجَلاَبِيبِهِ ، يَسْأَلُ عَنْ مَنْزِلِ فُلاَنَةَ الْبَغِيَّةِ ، فَأَرْشَدَهُ(12) النَّاسُ ، وَظَنُّوا أَنَّهُ جَاءَ يَعِظُهَا ، فَأَرْشَدُوهُ ، فَجَاءَ إِلَيْهَا فَرَمى إِلَيْهَا بِالدِّرْهَمَيْنِ ، وَقَالَ : قُومِي ، فَقَامَتْ فَدَخَلَتْ مَنْزِلَهَا ، وَقَالَتِ : ادْخُلْ ، وَقَالَتْ : إِنَّكَ جِئْتَنِي فِي هَيْئَةٍ لَيْسَ يُؤتى مِثْلِي فِي مِثْلِهَا ، فَأَخْبِرْنِي بِخَبَرِكَ ، فَأَخْبَرَهَا .

فَقَالَتْ لَهُ : يَا عَبْدَ اللّهِ ، إِنَّ تَرْكَ الذَّنْبِ أَهْوَنُ مِنْ طَلَبِ التَّوْبَةِ ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ طَلَبَ التَّوْبَةَ وَجَدَهَا ،

ص: 374


1- . في بعض نسخ الكافي: «قال».
2- . هكذا في النسخة وأكثر نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: + «له».
3- . في بعض نسخ الكافي: «قال».
4- . في بعض نسخ الكافي: - «له».
5- . في الطبعة القديمة والوافي: + «له».
6- . في بعض نسخ الكافي والوافي: + «علم».
7- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «فقام».
8- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «بحذائه».
9- . في بعض نسخ الكافي: _ «عليه».
10- . في بعض نسخ الكافي: + «هذه».
11- . في بعض نسخ الكافي: «قدميه».
12- . في أكثر نسخ الكافي: «فأرشدوه».

وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هذَا شَيْطَانا مُثِّلَ لَكَ، فَانْصَرِفْ ؛ فَإِنَّكَ لاَ تَرى شَيْئا ، فَانْصَرَفَ ، وَمَاتَتْ مِنْ لَيْلَتِهَا ، فَأَصْبَحَتْ فَإِذَا(1) عَلى بَابِهَا مَكْتُوبٌ : احْضُرُوا فُلاَنَةَ ؛ فَإِنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَارْتَابَ النَّاسُ ، فَمَكَثُوا ثَلاَثا لاَيَدْفِنُونَهَا(2) ارْتِيَابا فِي أَمْرِهَا ، فَأَوْحَى اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ إِلى نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ _ لاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ عليه السلام _ : أَنِ ائْتِ فُلاَنَةَ ، فَصَلِّ عَلَيْهَا ، وَمُرِ النَّاسَ أَنْ يُصَلُّوا عَلَيْهَا ؛ فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهَا ، وَأَوْجَبْتُ لَهَا الْجَنَّةَ بِتَثْبِيطِهَا عَبْدِي فُلاَنا عَنْ مَعْصِيَتِي» .

شرح

السند ضعيف.

قوله: (لم يقارف).

في الصحاح: «قارف فلان الخطيئة، أي خالطها».(3)

وقوله: (فنخر إبليس نخرة).

يُقال: نخر _ كضرب ونصر _ نخيرا: إذا مدّ الصوت في خياشيمه.

وقوله: (لم يجرّب النساء) أي لم يخالطهنّ، ولم يعرف طريق مباشرتهنّ.

في القاموس: «جرّبه تجربةً: اختبره. ورجلٌ مجرّب _ كمعظّم _ بُلي ما عنده. ومجرّب: عرف الاُمور».(4)

وفي بعض النسخ: «لم يحبّ النساء».

وقوله: (تقاصرت إليه نفسه) أي ظهر له تقصيرها.

في القاموس: «تقاصر: انتهى. وعنه: عجز».(5)

وقوله: (منها) أي من فلانة البغية.

قال الجوهري: «نال خيرا ينال نيلاً؛ أي أصاب، وأصله نيل ينيل مثل تعب يتعب، وأناله غيره، والأمر منه: نَل بفتح النون».(6)

وقوله: (بجلابيبه).

في القاموس: «الجلباب _ كسرداب وسنمار _ : القميص، وثوب واسع للمرأة دون

ص: 375


1- . في بعض نسخ الكافي: «وإذا».
2- . في الطبعة القديمة: «لم يدفنوها».
3- . الصحاح، ج 4، ص 1416 قرف.
4- . القاموس المحيط، ج 1، ص 45 جرب.
5- . القاموس المحيط، ج 2، ص 117 قصر.
6- . الصحاح، ج 5، ص 1837 نيل.

الملحفة، أو ما تغطّي به ثيابها من فوق كالملحفة، أو هو الخمار».(1)

وقوله: (مُثّل لك) على بناء المفعول. يُقال: مثّلت له كذا تمثيلاً: إذا صوّرت مثاله، كأنّه ينظر إليه.

وقوله: (لا أعلمه)؛ الشكّ من الراوي.

وقوله: (بتثبيطها عبدي).

ثبّطه عن الأمر تثبيطا: إذا شغله عنه، وعوّقه، وبطّأه عنه.

ووجه كون ترك الذنب أهون وأسهل من طلب التوبة أنّ النفس قبل ارتكابه أشدّ صفاءً منها بعده، ولا ريب أنّ العبادة مع صفاء النفس أسهل وأنفع من العبادة مع ظلمتها، على أنّ للتوبة أسبابا وشرائط قد لا يتحصّل، فليس كلّ من طلب التوبة وجدها.

وفي هذا الحديث دلالة على أنّ للشياطين تصرّفات غريبة في إغواء بني آدم وإضلاله، فيجب لكلّ أحد وإن بلغ غاية العبادة التيقّظ والتحرّز عن مكرهم وحيلهم.

وقيل: دلَّ هذا الحديث على أنّ من دلّ مؤمنا وهداه ونجّاه عن الضلالة فهو من أهل الجنّة، وإن كان فاسقا آكلاً أموال الناس حراما،(2) انتهى، فليتأمّل.

متن الحديث الرابع والثمانين والخمسمائة

اشارة

أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ زُرَارَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ عَابِدٌ ، وَكَانَ مُحَارَفا لاَيَتَوَجَّهُ إِلى(3) شَيْءٍ ، فَيُصِيبَ فِيهِ شَيْئا ، فَأَنْفَقَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ حَتّى لَمْ يَبْقَ عِنْدَهَا شَيْءٌ ، فَجَاعُوا يَوْما مِنَ الْأَيَّامِ ، فَدَفَعَتْ إِلَيْهِ نَصْلاً مِنْ غَزْلٍ ، وَقَالَتْ لَهُ : مَا عِنْدِي غَيْرُهُ ، انْطَلِقْ(4) فَبِعْهُ ، وَاشْتَرِ لَنَا شَيْئا نَأْكُلْهُ .

فَانْطَلَقَ بِالنَّصْلِ الْغَزْلِ(5) لِيَبِيعَهُ ، فَوَجَدَ السُّوقَ قَدْ غُلِقَتْ ، وَوَجَدَ الْمُشْتَرِينَ قَدْ قَامُوا وَانْصَرَفُوا ، فَقَالَ : لَوْ أَتَيْتُ هذَا الْمَاءَ ، فَتَوَضَّأْتُ مِنْهُ ، وَصَبَبْتُ عَلَيَّ مِنْهُ ، وَانْصَرَفْتُ ، فَجَاءَ إِلَى الْبَحْرِ وَإِذَا هُوَ

ص: 376


1- . القاموس المحيط، ج 1، ص 47 جلب.
2- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 555.
3- . هكذا في النسخة وبعض نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: «في».
4- . في بعض نسخ الكافي: «فانطلق».
5- . في بعض نسخ الكافي: - «الغزل».

بِصَيَّادٍ قَدْ أَلْقى شَبَكَتَهُ ، فَأَخْرَجَهَا وَلَيْسَ فِيهَا إِلاَّ سَمَكَةٌ رَدِيَّةٌ قَدْ مَكَثَتْ عِنْدَهُ حَتّى صَارَتْ رِخْوَةً مُنْتِنَةً ، فَقَالَ لَهُ : بِعْنِي هذِهِ السَّمَكَةَ ، وَأُعْطِيكَ هذَا الْغَزْلَ تَنْتَفِعُ بِهِ فِي شَبَكَتِكَ ، قَالَ : نَعَمْ ، فَأَخَذَ السَّمَكَةَ ، وَدَفَعَ إِلَيْهِ الْغَزْلَ ، وَانْصَرَفَ بِالسَّمَكَةِ إِلى مَنْزِلِهِ .

فَأَخْبَرَ زَوْجَتَهُ الْخَبَرَ ، فَأَخَذَتِ السَّمَكَةَ لِتُصْلِحَهَا ، فَلَمَّا شَقَّتْهَا ، بَدَتْ مِنْ جَوْفِهَا لُؤلُؤةٌ ، فَدَعَتْ زَوْجَهَا فَأَرَتْهُ إِيَّاهَا ، فَأَخَذَهَا فَانْطَلَقَ بِهَا إِلَى السُّوقِ ، فَبَاعَهَا بِعِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ ، وَانْصَرَفَ إِلى مَنْزِلِهِ بِالْمَالِ فَوَضَعَهُ ، فَإِذَا سَائِلٌ يَدُقُّ الْبَابَ ، وَيَقُولُ : يَا أَهْلَ الدَّارِ ، تَصَدَّقُوا رَحِمَكُمُ اللّهُ عَلَى الْمِسْكِينِ ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ : ادْخُلْ ، فَدَخَلَ ، فَقَالَ لَهُ : خُذْ إِحْدَى الْكِيسَيْنِ ، فَأَخَذَ إِحْدَاهُمَا ، وَانْطَلَقَ ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ : سُبْحَانَ اللّهِ بَيْنَمَا نَحْنُ مَيَاسِيرُ إِذْ ذَهَبْتَ بِنِصْفِ يَسَارِنَا ، فَلَمْ يَكُنْ ذلِكَ بِأَسْرَعَ مِنْ أَنْ دَقَّ السَّائِلُ الْبَابَ ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ : ادْخُلْ ، فَدَخَلَ فَوَضَعَ الْكِيسَ فِي مَكَانِهِ ، ثُمَّ قَالَ : كُلْ هَنِيئا مَرِيئا ، إِنَّمَا أَنَا مَلَكٌ مِنْ مَلاَئِكَةِ رَبِّكَ ، إِنَّمَا أَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُوَكَ ، فَوَجَدَكَ شَاكِرا ، ثُمَّ ذَهَبَ» .

شرح

السند مجهول.

قوله: (محارفا).

قال الجوهري: «رجلٌ محارف _ بفتح الراي _ أي محدود محروم، وهو خلاف قولك: مبارك».(1)

وقال الجزري:

المحارف _ بفتح الراء _ هو المحروم المحدود الذي إذا طلب فلا يُرزق. و[قد] حُورف كسب فلان: إذا شدّد عليه في معاشه وضيّق كأنّه ميلَ برزقه عنه من الانحراف عن الشيء، وهو الميل عنه.(2)

وقوله: (نصلاً من غزل).

قال الفيروزآبادي: «النصل: الغزل قد خرج من المغزل».(3)

وقال: «غزلت القطن تغزله، فهو غزل _ بالفتح _ أي مغزول».(4)

ص: 377


1- . الصحاح، ج 4، ص 1342 حرف.
2- . النهاية، ج 1، ص 370 حرف مع التلخيص.
3- . القاموس المحيط، ج 4، ص 57 نصل مع التلخيص.
4- . القاموس المحيط، ج 4، ص 24 غزل مع التلخيص.

وقوله: (فوجد السوق قد غلقت).

الضمير المستتر في «غلقت» راجع إلى السوق. قال الجوهري: «السّوق يُذكّر ويؤنّث».(1) وقال:

أغلقت الباب فهو مُغلَق، والاسم: الغلق. ومنه قول الشاعر: وبابٌ إذا ما مال للغلق يصرف.

ويقال: هذا من غلقت الباب غلقا وهي لغة [رديئة] متروكة، وغلّقت الأبواب شدّد للكثرة.(2)

وقوله: (رخوة منتنة).

شيء رَخو ورِخوة _ بكسر الراء وفتحها _ أي هشّ ليّن. وفرش رخوة، أي سهلة مسترسلة.

والنتن: الرائحة الكريهة. وأنتن الشيء فهو منتن.

وقوله: (نحن مياسير إذ ذهبت بنصف يسارنا).

الباء للتعدية، واليسار _ بالفتح _ : السهولة، والغنى. وأيسر يسارا: صار ذا غنىً، فهو موسر، والجمع: مياسير.

قيل: في الحديث فوائد:

الاُولى: أنّ الصبر على الفقر يوجب الفرج.

الثانية: أنّ ما وجد في جوف السمكة من اللؤلؤة ونحوها فهو لواجده لا للبايع.

الثالثة: أنّه لا ينبغي ردّ السائل عن النعمة المتجدّدة؛ إذ ربّما يكون اختبارا من اللّه تعالى.

الرابعة: أنّ إعطاء السائل شكر النعمة.(3)

متن الحديث الخامس والثمانين والخمسمائة

اشارة

(خُطْبَةٌ لِأَمِيرِ الْمُؤمِنِينَ عليه السلام)

أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ سَعِيدِ(4) بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْأَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ :

ص: 378


1- . الصحاح، ج 4، ص 1499 سوق مع التلخيص.
2- . الصحاح، ج 4، ص 1538 غلق مع التلخيص.
3- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 556.
4- . في الطبعة القديمة: «سعد».

خَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤمِنِينَ عليه السلام _ وَ رَوَاهَا غَيْرُهُ بِغَيْرِ هذَا الاْءِسْنَادِ ، وَذَكَرَ أَنَّهُ خَطَبَ بِذِي قَارٍ _ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنى عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ :

«أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ اللّهَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ بَعَثَ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله بِالْحَقِّ لِيُخْرِجَ عِبَادَهُ مِنْ عِبَادَةِ عِبَادِهِ إِلى عِبَادَتِهِ ، وَمِنْ عُهُودِ عِبَادِهِ إِلى عُهُودِهِ ، وَ مِنْ طَاعَةِ عِبَادِهِ إِلى طَاعَتِهِ ، وَمِنْ وَلاَيَةِ عِبَادِهِ إِلى وَلاَيَتِهِ ، بَشِيرا وَنَذِيرا وَدَاعِيا إِلَى اللّهِ بِإِذْنِهِ ، وَسِرَاجا مُنِيرا، عَوْدا وَبَدْءا، وَعُذْرا وَنُذْرا، بِحُكْمٍ قَدْ فَصَّلَهُ ، وَتَفْصِيلٍ قَدْ أَحْكَمَهُ ، وَفُرْقَانٍ قَدْ فَرَقَهُ ، وَقُرْآنٍ قَدْ بَيَّنَهُ؛ لِيَعْلَمَ الْعِبَادُ رَبَّهُمْ إِذْ جَهِلُوهُ ، وَلِيُقِرُّوا بِهِ إِذْ جَحَدُوهُ ، وَلِيُثْبِتُوهُ بَعْدَ إِذْ أَنْكَرُوهُ ، فَتَجَلّى لَهُمْ سُبْحَانَهُ فِي كِتَابِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا رَأَوْهُ ، فَأَرَاهُمْ حِلْمَهُ كَيْفَ حَلُمَ ، وَأَرَاهُمْ عَفْوَهُ كَيْفَ عَفَا ، وَأَرَاهُمْ قُدْرَتَهُ كَيْفَ قَدَرَ ، وَخَوَّفَهُمْ مِنْ سَطْوَتِهِ ، وَكَيْفَ خَلَقَ مَا خَلَقَ مِنَ الاْيَاتِ ، وَكَيْفَ مَحَقَ مَنْ مَحَقَ مِنَ الْعُصَاةِ بِالْمَثُلاَتِ ، وَاحْتَصَدَ مَنِ احْتَصَدَ بِالنَّقِمَاتِ ، وَكَيْفَ رَزَقَ وَهَدى وَأَعْطَى وَأَرَاهُمْ حُكْمَهُ ، كَيْفَ حَكَمَ وَصَبَرَ حَتّى يَسْمَعَ مَا يَسْمَعُ وَ يَرى .

فَبَعَثَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله بِذلِكَ .

ثُمَّ إِنَّهُ سَيَأْتِي عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي زَمَانٌ لَيْسَ فِي ذلِكَ الزَّمَانِ شَيْءٌ أَخْفَى مِنَ الْحَقِّ ، وَلاَ أَظْهَرَ مِنَ الْبَاطِلِ ، وَلاَ أَكْثَرَ مِنَ الْكَذِبِ عَلَى اللّهِ تَعَالى وَرَسُولِهِ صلى الله عليه و آله ، وَلَيْسَ عِنْدَ أَهْلِ ذلِكَ الزَّمَانِ سِلْعَةٌ أَبْوَرَ مِنَ الْكِتَابِ إِذَا تُلِيَ حَقَّ تِلاَوَتِهِ ، وَلاَ سِلْعَةٌ أَنْفَقَ بَيْعا وَلاَ أَغْلَى ثَمَنا مِنَ الْكِتَابِ إِذَا حُرِّفَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ، وَلَيْسَ فِي الْعِبَادِ وَلاَ فِي الْبِلاَدِ شَيْءٌ هُوَ أَنْكَرَ مِنَ الْمَعْرُوفِ ، وَلاَ أَعْرَفَ مِنَ الْمُنْكَرِ ، وَلَيْسَ فِيهَا فَاحِشَةٌ أَنْكَرَ وَلاَ عُقُوبَةٌ أَنْكى مِنَ الْهُدى عِنْدَ الضَّلاَلِ فِي ذلِكَ الزَّمَانِ ، فَقَدْ نَبَذَ الْكِتَابَ حَمَلَتُهُ ، وَتَنَاسَاهُ حَفَظَتُهُ، حَتّى تَمَالَتْ(1) بِهِمُ الْأَهْوَاءُ ، وَتَوَارَثُوا ذلِكَ مِنَ الاْبَاءِ ، وَعَمِلُوا بِتَحْرِيفِ الْكِتَابِ كَذِبا وَتَكْذِيبا ، فَبَاعُوهُ بِالْبَخْسِ ، وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ .

فَالْكِتَابُ وَأَهْلُ الْكِتَابِ فِي ذلِكَ الزَّمَانِ طَرِيدَانِ مَنْفِيَّانِ ، وَصَاحِبَانِ مُصْطَحِبَانِ فِي طَرِيقٍ وَاحِدٍ ، لاَيَأْوِيهِمَا مُؤوٍ(2) ، فَحَبَّذَا ذَانِكَ الصَّاحِبَانِ ، وَاها لَهُمَا وَلِمَا يَعْمَلاَنِ(3) لَهُ .

فَالْكِتَابُ وَأَهْلُ الْكِتَابِ فِي ذلِكَ الزَّمَانِ فِي النَّاسِ وَلَيْسُوا فِيهِمْ ، وَمَعَهُمْ وَلَيْسُوا مَعَهُمْ ، وَذلِكَ

ص: 379


1- . في بعض نسخ الكافي: «غالت». وفي حاشية بعض نسخه: «تمايلت».
2- . في بعض نسخ الكافي: «لا يؤدّيهما بمؤدّ».
3- . في أكثر نسخ الكافي ومرآة العقول: «يعمدان».

لِأَنَّ الضَّلاَلَةَ لاَتُوَافِقُ الْهُدى وَإِنِ اجْتَمَعَا ، وَقَدِ اجْتَمَعَ الْقَوْمُ عَلَى الْفُرْقَةِ ، وَافْتَرَقُوا عَلَى(1) الْجَمَاعَةِ ، قَدْ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ وَأَمْرَ دِينِهِمْ مَنْ يَعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَكْرِ وَالْمُنْكَرِ وَالرِّشَا وَالْقَتْلِ ، كَأَنَّهُمْ أَئِمَّةُ الْكِتَابِ ، وَلَيْسَ الْكِتَابُ إِمَامَهُمْ ، لَمْ يَبْقَ عِنْدَهُمْ مِنَ الْحَقِّ إِلاَّ اسْمُهُ ، وَلَمْ يَعْرِفُوا مِنَ الْكِتَابِ إِلاَّ خَطَّهُ وَزَبْرَهُ ، يَدْخُلُ الدَّاخِلُ لِمَا يَسْمَعُ مِنْ حِكَمِ الْقُرْآنِ ، فَلاَ يَطْمَئِنُّ جَالِسا حَتّى يَخْرُجَ مِنَ الدِّينِ ، يَنْتَقِلُ مِنْ دِينِ مَلِكٍ إِلى دِينِ مَلِكٍ ، وَمِنْ وَلاَيَةِ مَلِكٍ إِلى وَلاَيَةِ مَلِكٍ ، وَمِنْ طَاعَةِ مَلِكٍ إِلى طَاعَةِ مَلِكٍ ، وَمِنْ عُهُودِ مَلِكٍ إِلى عُهُودِ مَلِكٍ ، فَاسْتَدْرَجَهُمُ اللّهُ تَعَالى مِنْ حَيْثُ لاَيَعْلَمُونَ ، وَإِنَّ كَيْدَهُ مَتِينٌ بِالْأَمَلِ وَالرَّجَاءِ حَتّى تَوَالَدُوا فِي الْمَعْصِيَةِ ، وَدَانُوا بِالْجَوْرِ ، وَالْكِتَابُ لَمْ يَضْرِبْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ صَفْحا ضُلاَّلاً تَائِهِينَ ، قَدْ دَانُوا بِغَيْرِ دِينِ اللّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ ، وَأَدَانُوا لِغَيْرِ اللّهِ .

مَسَاجِدُهُمْ فِي ذلِكَ الزَّمَانِ عَامِرَةٌ مِنَ الضَّلاَلَةِ ، خَرِبَةٌ مِنَ الْهُدى(2) ، فَقُرَّاؤهَا وَعُمَّارُهَا أَخَائِبُ خَلْقِ اللّهِ وَخَلِيقَتِهِ ، مِنْ عِنْدِهِمْ جَرَتِ الضَّلاَلَةُ ، وَإِلَيْهِمْ تَعُودُ ، فَحُضُورُ مَسَاجِدِهِمْ وَالْمَشْيُ إِلَيْهَا كُفْرٌ بِاللّهِ الْعَظِيمِ إِلاَّ مَنْ مَشى إِلَيْهَا وَهُوَ عَارِفٌ بِضَلاَلَتِهِمْ(3) ، فَصَارَتْ مَسَاجِدُهُمْ مِنْ فِعَالِهِمْ عَلى ذلِكَ النَّحْوِ خَرِبَةً مِنَ الْهُدى ، عَامِرَةً مِنَ الضَّلاَلَةِ .

قَدْ بُدِّلَتْ سُنَّةُ اللّهِ ، وَتُعُدِّيَتْ حُدُودُهُ ، وَلاَ يَدْعُونَ(4) إِلَى الْهُدى ، وَلاَ يَقْسِمُونَ الْفَيْءَ ، وَلاَ يُوفُونَ بِذِمَّةٍ ، يَدْعُونَ الْقَتِيلَ مِنْهُمْ عَلى ذلِكَ شَهِيدا ، قَدْ أَتَوُا(5) اللّهَ بِالاِفْتِرَاءِ وَالْجُحُودِ ، وَاسْتَغْنَوْا بِالْجَهْلِ عَنِ الْعِلْمِ ، وَمِنْ قَبْلُ مَا مَثَّلُوا بِالصَّالِحِينَ كُلَّ مُثْلَةٍ ، وَسَمَّوْا صِدْقَهُمْ عَلَى اللّهِ فِرْيَةً ، وَجَعَلُوا فِي الْحَسَنَةِ الْعُقُوبَةَ السَّيِّئَةَ .

وَقَدْ بَعَثَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ إِلَيْكُمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤمِنِينَ رَؤفٌ رَحِيمٌ صلى الله عليه و آله ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابا عَزِيزا «لاَ يَأْتِيهِ الْبَ_طِ_لُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ»(6) ، قُرْآنا عَرَبِيّا(7) غَيْرَ ذِي عِوَجٍ؛ لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا ، وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ .

ص: 380


1- . هكذا في النسخة وبعض نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: «عن».
2- . في الطبعة القديمة: + «قد بدّل فيها من الهدى».
3- . هكذا في النسخة وبعض نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: «بضلالهم».
4- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «لا يدعون» بدون الواو.
5- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «فدانوا» بدل «قد أتوا».
6- . فصّلت 41: 42.
7- . في أكثر نسخ الكافي وشرح المازندراني: - «عربيّا».

فَلاَ يُلْهِيَنَّكُمُ الْأَمَلُ ، وَلاَيَطُولَنَّ عَلَيْكُمُ الْأَجَلُ ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَمَدُ أَمَلِهِمْ ، وَتَغْطِيَةُ الاْجَالِ عَنْهُمْ، حَتّى نَزَلَ بِهِمُ الْمَوْعُودُ الَّذِي تُرَدُّ عَنْهُ الْمَعْذِرَةُ ، وَتُرْفَعُ عَنْهُ التَّوْبَةُ ، وَتَحُلُّ مَعَهُ الْقَارِعَةُ وَالنَّقِمَةُ .

وَقَدْ أَبْلَغَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ إِلَيْكُمْ بِالْوَعْدِ ، وَفَصَّلَ لَكُمُ الْقَوْلَ ، وَعَلَّمَكُمُ السُّنَّةَ ، وَشَرَّعَ(1) لَكُمُ الْمَنَاهِجَ(2) لِيُزِيحَ الْعِلَّةَ ، وَحَثَّ عَلَى الذِّكْرِ ، وَدَلَّ عَلَى النَّجَاةِ ، وَإِنَّهُ مَنِ انْتَصَحَ لِلّهِ وَاتَّخَذَ قَوْلَهُ دَلِيلاً ، هَدَاهُ لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ، وَوَفَّقَهُ لِلرَّشَادِ ، وَسَدَّدَهُ وَيَسَّرَهُ لِلْحُسْنى ، فَإِنَّ جَارَ اللّهِ آمِنٌ مَحْفُوظٌ ، وَعَدُوَّهُ خَائِفٌ مَغْرُورٌ .

فَاحْتَرِسُوا مِنَ اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ بِكَثْرَةِ الذِّكْرِ ، وَاخْشَوْا مِنْهُ بِالتُّقى ، وَتَقَرَّبُوا إِلَيْهِ بِالطَّاعَةِ ، فَإِنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ ، قَالَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ : «وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِى وَلْيُؤمِنُوا بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ».(3)

فَاسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَآمِنُوا بِهِ ، وَعَظِّمُوا اللّهَ الَّذِي لاَيَنْبَغِي لِمَنْ عَرَفَ عَظَمَةَ اللّهِ أَنْ يَتَعَظَّمَ ، فَإِنَّ رِفْعَةَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ مَا عَظَمَةُ اللّهِ أَنْ يَتَوَاضَعُوا لَهُ ، وَعِزَّ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ مَا جَلاَلُ اللّهِ أَنْ يَذِلُّوا لَهُ ، وَسَلاَمَةَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ مَا قُدْرَةُ اللّهِ أَنْ يَسْتَسْلِمُوا لَهُ ، فَلاَ يُنْكِرُونَ أَنْفُسَهُمْ بَعْدَ حَدِّ الْمَعْرِفَةِ ، وَلاَ يَضِلُّونَ بَعْدَ الْهُدى ، فَلاَ تَنْفِرُوا مِنَ الْحَقِّ نِفَارَ الصَّحِيحِ مِنَ الْأَجْرَبِ ، وَالْبَارِىَٔمِنْ ذِي السُّقْمِ .

وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَنْ تَعْرِفُوا الرُّشْدَ حَتّى تَعْرِفُوا الَّذِي تَرَكَهُ ، وَلَنْ تَأْخُذُوا بِمِيثَاقِ الْكِتَابِ حَتّى تَعْرِفُوا الَّذِي نَقَضَهُ ، وَلَنْ تَمَسَّكُوا بِهِ حَتّى تَعْرِفُوا الَّذِي نَبَذَهُ ، وَلَنْ تَتْلُوا الْكِتَابَ حَقَّ تِلاَوَتِهِ حَتّى تَعْرِفُوا الَّذِي حَرَّفَهُ ، وَلَنْ تَعْرِفُوا الضَّلاَلَةَ حَتّى تَعْرِفُوا الْهُدى ، وَلَنْ تَعْرِفُوا التَّقْوى حَتّى تَعْرِفُوا الَّذِي تَعَدّى ؛ فَإِذَا عَرَفْتُمْ ذلِكَ ، عَرَفْتُمُ الْبِدَعَ وَالتَّكَلُّفَ ، وَرَأَيْتُمُ الْفِرْيَةَ عَلَى اللّهِ وَعَلى رَسُولِهِ ، وَالتَّحْرِيفَ لِكِتَابِهِ ، وَرَأَيْتُمْ كَيْفَ هَدَى اللّهُ مَنْ هَدى ، فَلاَيُجْهِلَنَّكُمُ الَّذِينَ لاَيَعْلَمُونَ ، إِنَّ عِلْمَ الْقُرْآنِ لَيْسَ يَعْلَمُ مَا هُوَ إِلاَّ مَنْ ذَاقَ طَعْمَهُ ، فَعُلِّمَ بِالْعِلْمِ جَهْلَهُ ، وَبُصِّرَ بِهِ عَمَاهُ ، وَسُمِّعَ بِهِ صَمَمَهُ ، وَأَدْرَكَ بِهِ عِلْمَ مَا فَاتَ ، وَحَيِيَ بِهِ بَعْدَ إِذْ مَاتَ .

وَأَثْبَتَ عِنْدَ اللّهِ _ عَزَّ ذِكْرُهُ _ الْحَسَنَاتِ ، وَمَحَا بِهِ السَّيِّئَاتِ ، وَأَدْرَكَ بِهِ رِضْوَانا مِنَ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى .

ص: 381


1- . هكذا في النسخة وبعض نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: «وشرح».
2- . في بعض نسخ الكافي: «المنهاج».
3- . البقرة 2: 186.

فَاطْلُبُوا ذلِكَ مِنْ عِنْدِ أَهْلِهِ خَاصَّةً ، فَإِنَّهُمْ خَاصَّةً نُورٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ ، وَأَئِمَّةٌ يُقْتَدى بِهِمْ ، وَهُمْ عَيْشُ الْعِلْمِ وَمَوْتُ الْجَهْلِ ، هُمُ الَّذِينَ يُخْبِرُكُمْ حُكْمُهُمْ عَنْ عِلْمِهِمْ ، وَصَمْتُهُمْ عَنْ مَنْطِقِهِمْ ، وَظَاهِرُهُمْ عَنْ بَاطِنِهِمْ ، لاَيُخَالِفُونَ الدِّينَ ، وَلاَيَخْتَلِفُونَ فِيهِ ، فَهُوَ بَيْنَهُمْ شَاهِدٌ صَادِقٌ ، وَصَامِتٌ نَاطِقٌ، فَهُمْ مِنْ شَأْنِهِمْ شُهَدَاءُ بِالْحَقِّ ، وَمُخْبِرٌ صَادِقٌ لاَيُخَالِفُونَ الْحَقَّ وَلاَيَخْتَلِفُونَ فِيهِ ، قَدْ خَلَتْ لَهُمْ مِنَ اللّهِ سَابِقَةٌ(1) ، وَمَضى فِيهِمْ مِنَ اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ حُكْمٌ صَادِقٌ ، وَفِي ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ ، فَاعْقِلُوا الْحَقَّ إِذَا سَمِعْتُمُوهُ عَقْلَ رِعَايَةٍ ، وَلاَتَعْقِلُوهُ عَقْلَ رِوَايَةٍ ؛ فَإِنَّ رُوَاةَ الْكِتَابِ كَثِيرٌ ، وَرُعَاتَهُ قَلِيلٌ ، وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ» .

شرح

السند مجهول.

قوله: (بذي قار).

في القاموس: «ذو قار: اسم(2) موضع بين الكوفة وواسط».(3)

وقوله: (بالحقّ) هو كلّ ما اُوحي إليه وجاء به، أو القرآن، أو هداية الخلق وإرشادهم.

(ليخرج عباده من عبادة عباده إلى عبادته).

المستتر في «يخرج» راجع إلى اللّه تعالى، أو إلى محمّد صلى الله عليه و آله. والأوّل أنسب بالسياق، والفرض أنّ الخلق قبل بعثته صلى الله عليه و آله كانوا يعبدون غيره تعالى كعزير وعيسى والملائكة والشمس والقمر والأصنام أيضا تغليبا، أو يتّبعون الشياطين والطواغيت، كقوله عزّ وجلّ: «لاَ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ».

وفي النهج: «من عبادة الأوثان إلى عبادته، ومن طاعة الشيطان إلى طاعته».(4)

(ومن عهود عباده إلى عهوده).

العهد: الوصيّة، والأمان، والذمّة، والحفاظ، ورعاية الحرمة. ولعلّ المراد بعهود العباد ما قرّروه بينهم وتعاهدوا عليه ممّا فيه سخط الربّ _ تبارك وتعالى _ كعهود الاُمراء والسلاطين من أهل الجور، أو الشياطين، أو المضلّين، ويعهد اللّه _ عزّ وجلّ _ كلّ ما قرّره عليهم ممّا فيه رضاه تعالى.

ص: 382


1- . في الطبعة القديمة: «السابقة».
2- . في المصدر: - «اسم».
3- . القاموس المحيط، ج 2، ص 123 قور.
4- . نهج البلاغة، ج 2، ص 30، الخطبة 147.

(ومن طاعة عباده إلى طاعته).

قيل: لعلّ المراد بطاعة العباد الانقياد لهم فيما لا يجوز عقلاً [ونقلاً]، وبطاعته تعالى الانقياد والتسليم له في كلّ ما أراد منهم.(1)

(ومن ولاية عباده إلى ولايته).

لعلّ المراد بولاية العباد محبّة الكفّار والفاسقين من حيث الكفر والفسق أو نصرتهم، وبولايته تعالى محبّته ومحبّة أوليائه أو نصرتهم؛ فإنّ الشرع نهى عن بعض الولايات وأمر ببعضها.

(وداعيا إلى اللّه ) أي إلى الإقرار به، وبتوحيده، وما يجب الإيمان به من صفاته.

(بإذنه).

الإذن: العلم، والإباحة، وقد فسّر بالأمر والوحي والتيسير.

(وسراجا منيرا) أي مضيئا مستضاء به عن ظلمات الجهالة.

وهذه الفقرات إشارة إلى قوله عزّ وجلّ: «يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدا وَمُبَشِّرا وَنَذِيرا * وَدَاعِيا إِلَى اللّه ِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجا مُنِيرا»(2).

(عودا وبدءا) منصوبان على الظرفيّة، أو الحاليّة، أو التميز.

وعلى التقادير يحتمل تعلّقهما بكلّ من البشارة والإنذار والدعوة إلى اللّه وكونه سراجا منيرا، أو بالجميع، أي هو كذلك أوّلاً وآخرا وفي جميع الأحوال، أو بادئا وعائذا.

قال الفيروزآبادي: «رجع عوده على بدئه، وفي عوده وبدئه، وفي عودته وبدأته، وعودا وبدءا، أي في الطريق الذي جاء منه»(3) انتهى.

وقيل: معناه أنّه صلى الله عليه و آله كان بهذين الوصفين في حال عوده إلى اللّه ، وابتداء وجوده من اللّه ، فبنوره اهتدى من اهتدى في الدُّنيا، ونجا من نجا في العقبى.(4)

وقيل: أي قبل هجرته عن مكّة وبعد عوده إليها.(5)

ص: 383


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 559.
2- . الأحزاب 33 46.
3- . القاموس المحيط، ج 1، ص 8 بدأ.
4- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 560.
5- . ذهب إليه العلاّمة المجلسي رحمه الله في¨ مرآة العقول، ج 26، ص 590.

وقيل: يعني عوده إلى الدعوة بعدما بدأ فيها، والمراد تكرير الدعوة.(1)

(عُذرا ونذرا).

قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى: «عُذْرا أَوْ نُذْرا»(2):

مصدران لعذر إذا محا الإساءة، وأنذر إذا خوّف، أو جمعان لعذير بمعنى المعذرة ونذير بمعنى الإنذار، أو بمعنى العاذر والمنذر، ونصبهما على الأوّلين بالعلّيّة، أي عذرا للمحقّين أو نذرا للمبطلين، أو البدليّة من ذكرا، وعلى الثالث بالحاليّة.(3)

أقول: يحتمل هنا نصبهما على العلّيّة من قوله: بعث، أو الحاليّة من فاعله، ويمكن أن يُراد بالأوّل أنّه بعثه لأجل أن يكون له عذرا في عقوبتهم وتعذيبهم، قال اللّه عزّ وجلّ: «وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً»(4).

وقوله عليه السلام: (بحكم قد فصّله) متعلّق بالبعث.

والمراد بالحكم ما يعمّ الشرعيّة والوضعيّة، وبتفصيله بيانه وإيضاحه بحيث يكون رافعا للاشتباه. والحاصل أنّه تعالى بعثه مع أحكام مفصّلة بيّنة.

(وتفصيل قد أحكمه) أي أتقنه على وجه لا يجوز تبديله، ولا أن يقال: خلافه أحسن منه.

وقيل: لعلّ التفصيل إشارة إلى أنواع الفقه مثل العبادات والعقود وغيرها.(5)

(وفرقان قد فرقه).

الفرقان في الأصل مصدر فرق بين الشيئين: إذا فصل بينهما، سمّي به القرآن لفصله بين الحقّ والباطل بتقريره، أو المحقّ والمبطل بإعجازه، أو لكونه مفصولاً بعضه عن بعض في الإنزال.

(ولعلّ) معنى «فرقه» بالتخفيف أنّه تعالى نزّله منجّما، أو فرق فيه الحقّ من الباطل، أو بالتشديد مبالغة في كثرة نجومه؛ فإنّه نزل في تضاعيف عشرين سنة ليكون أيسر للحفظوأعون في الفهم، ويحتمل أن يُراد بالتفريق تعليقه بالأحكام المتفرّقة.

ص: 384


1- . قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي، ج 26، ص 87، ذيل ح 25375.
2- . المرسلات 77: 6.
3- . تفسير البيضاوي، ج 5، ص 432.
4- . الإسراء 17: 15.
5- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 560 مع التلخيص.

(وقرآن قد بيّنه) أي أوضح ظاهره، بل باطنه أيضا لأهله، وعرّف محكمه ومتشابهه ومطلقه ومقيّده وعامّه وخاصّه وسائر ما فيه.

(ليعلم العباد ربّهم إذ جهلوه) تعليل للبعث.

وقيل: في ذكر الربّ توبيخ لهم على الغفلة؛ إذ جهل المربوب بربّه دليل واضح على حمقه.(1)

(وليقرّوا به إذ جحدوه).

قال الفيروزآبادي: «الإقرار: الإذعان للحقّ».(2)

وقال: «جحده حقّه وبحقّه _ كمنعه _ جحدا وجحودا: أنكره مع علمه».(3)

(وليثبتوه بعد إذ أنكروه).

في القاموس: «أثبته: عرفه حقّ المعرفة».(4)

وفيه: «أنكره، أي جهله».(5)

وقيل: الظاهر أنّ المراد بالعلم هنا العلم التصوّري، وبالإقرار التصديق بوجوده، وبالإثبات الإقرار بوجوده لسانا، ففيه إشعار بأنّ العباد قبل البعثة لكونهم داخلين في الجهالة لم يدخل في قلوبهم تصوّر الصانع فضلاً عن الآخرين.

ويحتمل أن يُراد بالعلم العلم لصفاته، وبالإقرار التصديق بوجود ذاته، وبالإثبات إثباتهما على نحو ما نطقت به [السنّة و] الشرع؛ إذ بمجرّد معرفة الذات والصفات بدون معرفة وجه الارتباط بينهما لا يتحقّق معرفة الصانع والتوحيد المطلق.(6)

(فتجلّى لهم سبحانه في كتابه) أي ظهر وانكشف لهم في القرآن.

(من غير أن يكونوا رأوه) بالبصر، بل بما ينبّههم عليه في كتابه من قصص الأوّلين وما حلَّ بهم من النقمات بمخالفة الرسل ومن يحذو حذوهم، كما سينبّه عليه، وتحقيقه ما ذكره بعض المحقّقين من أنّ معناه انكشف لهم في كتابه عن الحجب المظلمة الطبيعيّة

ص: 385


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 560.
2- . القاموس المحيط، ج 2، ص 116 قرر.
3- . القاموس المحيط، ج 1، ص 280 (جحد).
4- . القاموس المحيط، ج 1، ص 145 ثبت.
5- . القاموس المحيط، ج 2، ص 148 نكر.
6- . القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 560.

من غير أن يروه بالرؤية العينيّة؛ لأنّها عليه محال، بل ظهر فيه بسبب إظهار عظمته المطلقة وقدرته الكاملة وحكمته البالغة بذكر إيجاد الكائنات بعبارات شريفة ومعاني لطيفة متّصفة بالإيجاز والإعجاز.(1)

والحاصل: أنّه عليه السلام أشار إلى ظهوره تعالى لهم في تذكيره إيّاهم في كتابه ما أراهم من عجائب مصنوعاته، وبما خوّفهم به من وعيده، وبتذكيرهم أنّه كيف محق القرون الماضية بالنقمات واحتصدهم بالعقوبات، كلّ ذلك عبارة عن ظهوره وجلائه تعالى لخلقه من غير رؤية له بإدراك الحواسّ.

ونقل عن بعض الفضلاء أنّه قال: يحتمل أن يريد بتجلّيه في كتابه ظهوره في عجائب مصنوعاته ومكوّناته، ويكون لفظ الكتاب استعارة في العالم.(2)

(فأراهم حلمه كيف حلم).

الفاء لتفصيل مراتب تجلّياته تعالى في كتابه. والحِلم _ بالكسر _ : الأناة، والعقل. وقد حلم ككرم.

وقيل: حلمه تعالى عن عقوبة العبد مع استحقاقه لها إمّا لعلمه بأنّه سيرجع، أو بأنّه سيولد منه مؤمن، أو لاستدراجه.(3)

(وأراهم عفوه كيف عفا) عن ذنوبهم بالتوبة، أو الدعاء، أو الشفاعة، أو بدونها تفضّلاً في الجملة.

(وأراهم قدرته) أي آثارها.

(كيف قدر) على الممكنات وإيجادها وإبقاءها وإفنائها بمجرّد إرادة من غير رؤية وآلة.

(وخوّفهم من سطوته) عطف على «أراهم»، وعطفه على «قدر» بعيد.

قال الفيروزآبادي: «سطا عليه وبه سطوا وسطوة: صال، أو قهر بالبطش».(4)

(وكيف محق من محق من العصاة) كقوم نوح وعاد وثمود.

ص: 386


1- . القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 561 مع التلخيص و اختلاف يسير في اللفظ.
2- . نقله العلاّمة المجلسي رحمه الله في¨ مرآة العقول، ج 26، ص 590.
3- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 561 مع اختلاف في اللفظ.
4- . القاموس المحيط، ج 4، ص 342 سطو.

وقال الجوهري: «محقه يمحقه محقا، أي أبطله ومحاه».(1)

(بالمثلات).

قال الجوهري: «المثلة _ بفتح الميم وضمّ الثاء _ : العقوبة، الجمع: المثلات».(2)

(واحتصد من احتصد) أي أهلكهم واستأصلهم.

قال الفيروزآبادي: «حصد الزرع والنبات حصدا وحصادا: قطعه بالمنجل، كاحتصده».(3)

(بالنقمات).

قال الجوهري:

انتقم اللّه منه، أي عاقبه. والاسم منه: النقمة، والجمع: نقمات. ونقم مثل كلمة وكلمات وكلم، وإن شئت سكّنت القاف ونقلت حركتها إلى النون، فقلت: نقمة، والجمع: نقم، مثل نعمة ونِعَمْ.(4)

(وكيف رزق وهدى) إلى سبيل الرزق، أو طريق الحقّ أيضا.

(وأعطى) كلّ شيء خلقه وكماله اللاّئق به.

(وأراهم حكمه، كيف حكم).

في بعض النسخ القديمة: «حلمه كيف حلم» هنا، وفي السابق: «حكمه كيف حكم»، أي أراهم بما ركز فيهم من البصيرة العقليّة أنّ حكمه في كلّ شيء نافذ بلا مانع بمجرّد الإرادة والقضاء، فلا يشكل عليه شيء من حيث الإيجاد والإفناء.

(وصبر حتّى يسمع ما يسمع ويرى) من الأقوال الكاذبة، والأعمال الخاطئة القبيحة، والأخلاق الذميمة، ونحوها.

(فبعث اللّه _ عزّ وجلّ _ محمّدا صلى الله عليه و آله بذلك).

هذا كالتأكيد للسابق، وذلك إشارة إلى الحقّ.

(ثمّ إنّه سيأتي عليكم من بعدي زمان) كزمان استيلاء بني اُميّة وبني العبّاس وأضرابهم.

(وليس عند أهل ذلك الزمان سلعة أبور)؛ على صيغة أفعل التفضيل من البَور والبوار، وهو

ص: 387


1- . القاموس المحيط، ج 4، ص 1553 محق.
2- . الصحاح، ج 5، ص 1816 مثل.
3- . القاموس المحيط، ج 1، ص 288 حصد مع التلخيص.
4- . الصحاح، ج 5، ص 2045 نقم.

كساد السوق. والسِلعة _ بالكسر _ : المتاع ما يتّجر به.

(من الكتاب إذا تُليَ حقّ تلاوته).

لعلّ المراد بحقّ التلاوة رعاية لفظه ومعناه جميعا، والعمل بأحكامه، والاتّعاظ بمواعظه، والانزجار عن زواجره.

(ولا سلعة أنفق بيعا).

قال الجوهري: «نفق البيع نفاقا _ بالفتح _ أي راج».(1)

(ولا أغلى ثمنا) أي أعلى قيمة.

(من الكتاب إذا حرّف من مواضعه).

تحريف الكلام عن مواضعه تغييره وصرفه.

ونكيت العدوّ _ كرميت _ نكايةً بالكسر: إذا أكثرت فيهم الجراح أو القتل، فوهنوا لذلك، أو من النكاء بالهمز واللاّم؛ يُقال: نكأ القرحة _ كمنع _ : قشرها قبل أن تبرأ،فنديت، والعدوّ نكاهم.

وعلى أيّ تقدير المراد أنّ الهدى في ذلك الزمان أشدّ عقوبة مؤلمة.

والظاهر أنّ قوله عليه السلام: (عند الضلال) بالضمّ وتشديد اللاّم جمع الضالّ، ويحتمل أن يكون بالفتح والتخفيف على صيغة المصدر.

(فقد نبذ الكتاب حملته) جمع الحامل، أي ألقوه من أيديهم.

(وتناساه حفظته).

قال الجوهري: «تناساه: أرى من نفسه أنّه نسيه».(2)

(حتّى تمالت بهم الأهواء).

في بعض النسخ القديمة: «تمايلت» وهو أظهر، أي أمالتهم الأهواء والشهوات إلى الباطل.

وفي بعضها: «غالت» بالغين المعجمة أي أهلكت.

وفي بعضها بالعين المهملة، يقال: عال في الحكم، أي جار ومال. وعالني الشيء، أي

ص: 388


1- . الصحاح، ج 4، ص 1560 نفق.
2- . الصحاح، ج 6، ص 2508 نسا.

غلبني، وثقُل عليّ. وعال الأمر، أي اشتدّ وتفاقم.

ولعلّه على نسخة الأصل من التملية، أو التملّي.

قال الجوهري في الناقص: «ملاّك اللّه حبيبك، أي متّعك به، وأعاشك معه طويلاً. وتملّيت عمري: استمتعت منه».(1)

أو من الملو، قال الفيروزآبادي: «ملا يملو مَلْوا، أي سار شديدا أو عدا».(2)

والباء للتعدية، أي سيّرتهم الأهواء، وسارعت بهم إلى الضلالة.

وقيل: كأنّ «تمالت» أصله تمايلت بالنقل، كما في شاكي السلاح، ثمّ بالقلب والحذف، أو تمالأت بتخفيف الهمزة بمعنى تعاونت وتساعدت.

وقيل: يحتمل أن يكون بتشديد اللاّم تفاعلاً من الملال، أي بالغوا في متابعة الأهواء حتّى كأنّها ملّت بهم.

(وتوارثوا ذلك من الآباء) أي أنّ ذلك المذكور من الخصال الذميمة والفِعال الكريهة شنشنةٌ اتّخذها الأبناء من الآباء، واستمرّ بهم أزمنة متطاولة.

(وعملوا بتحريف الكتاب كذبا) على اللّه ورسوله، وفي ادّعاء العلم به.

(وتكذيبا) للراسخين في العلم ومَن يحذو حذوهم من حَمَلَة الكتاب وحَفَظته.

(فباعوه بالبخس) أي بزخارف الدُّنيا الفانية الزائلة.

قال الجوهري: «البخس: الناقص. ومصدر بخسه حقّه، أي نقصه».(3)

(وكانوا فيه) أي في الكتاب.

(من الزاهدين) أي الراغبين عنه؛ لجهلهم بقدره ومنزلته.

والزهد: خلاف الرغبة، يُقال: زهد في الشيء وعن الشيء. فقوله: «فيه» متعلّق بالزاهدين؛ لأنّ متعلّق الصلة يتقدّم على الموصول، والظاهر أنّ الظرف ممّا يكفيه رائحة من الفعل، فلا مانع من تعلّقه به مطلقا.

(فالكتاب وأهل الكتاب) أي حملته وحفظته، وهم أهل بيت العصمة عليهم السلام وشيعتهم.

ص: 389


1- . الصحاح، ج 6، ص 2496 ملا مع التلخيص.
2- . القاموس المحيط، ج 4، ص 391 ملو.
3- . الصحاح، ج 3، ص 908 بخس مع اختلاف في اللفظ.

(في ذلك الزمان) المذكور.

(طريدان منفيّان).

الطرد: الإبعاد. والنفي: التنحية. ولعلّ المراد بالأوّل التنزّه عن المعاشرة، وبالثاني الانتفاء عن البلد، أو بالعكس. ويحتمل التأكيد، وقس عليه قوله: (وصاحبان مصطحبان)؛ فإنّ الثاني إمّا تأكيد للأوّل، أو هو المعاشرة، والثاني المرافقة أو المحافظة؛ لأنّ كلاًّ منهما يحفظ الآخر عن الهلاك والضياع.

قال الفيروزآبادي:

صحبه _ كسمعه _ صحابة ويكسر، وصُحْبة: عاشره. وأصحبته الشيء: جعلته له صاحبا. وفلانا: حفظه، كاصطحبه، ومنعه. والرجل: صار ذا صاحب.(1)

(في طريق واحد) أي في طريق الحقّ، وهما على وتيرة واحدة في كونهما طريدين منفيّين.

(لا يأويهما مؤوٍ) أي لا ينزلهما أحد في منزله، أو لا يرقّ لهما ذو رقّة.

قال الجوهري: «آويته أنا إيواءا: إذا أنزلته بك. وأويت لفلان، أي أرثى له وأرقّ».(2)

وفي بعض النسخ: «لا يؤدّيهما مؤدّ».

وعلى التقديرين يكون كناية عن عدم الاهتمام بهما، وعدم الرجوع إليهما، وعدم المبالاة بتضييعهما.

(فحبّذا ذانك الصاحبان).

قال الجوهري:

ولقد حببت _ بالكسر _ أي صرت حبيبا الأصمعي قولهم: حبّ بفلان معناه: ما أحبّه إليّ. قال الفرّاء: معناه: حُبُبَ بضمّ الباء، ثمّ اُسكنت واُدغمت في الثانية. ومنه قولهم: حبّذا زيد فحبّ، فعل ماض لا يتصرّف، وأصله: حبب، على ما قال الفرّاء، وذا فاعله، وهو اسم مبهم من أسماء الإشارة، جعلا شيئا واحدا فصارا بمنزلة اسم يرفع ما بعده، وموضعه رفع بالابتداء، وزيد خبره، فلا يجوز أن يكون بدلاً من ذا؛ لأنّك

ص: 390


1- . القاموس المحيط، ج 1، ص 91 صحب مع التلخيص.
2- . الصحاح، ج 6، ص 2274 أوا مع التلخيص.

تقول: حبّذا امرأة، ولو كان بدلاً لقلت: حبّذة المرأة.(1)

(واها لهما).

قال الفيروزآبادي: «واها له _ وبترك تنوينه _ : كلمة تعجّب من كلّ شيء، وكلمة تلهّف».(2)

وقال الجزري:

فيه: من ابتلي [فصبر] واها واها. قيل: معنى هذه الكلمة التلهّف، وقد توضع موضع الإعجاب بالشيء. يُقال: واها له. وقد ترِد بمعنى التوجّع، يُقال: فيه آها. ومنه إن يكن خيرا فواها واها، وإن يكن شرّا فآها آها.(3)

(ولما يعملان له).

الموصول عبارة عن قرب الحقّ ومحبّته، والوصول إلى دار كرامته.

وفي كثير من النسخ المصحّحة: «لما يعمدان».

قال الجوهري:

عمدت للشيء، أعمد عمدا: قصدت له، أي تعمّدت، وهو نقيض الخط ء، وفعلت ذلك عمدا على عين وعمد عَين، أي بجدّ ويقين. وعمدت الشيء فانعمد، أي أقمته بعماد يعتمد عليه.(4)

(فالكتاب وأهل الكتاب في ذلك الزمان في الناس) بحسب الشخص والجسم.

(وليسوا فيهم) بحسب القلب والعمل، والاتّصاف بالكمالات الروحانيّة. وقس عليه قوله عليه السلام:

(ومعهم وليسوا معهم)؛ فإنّ المعيّة من حيث الخلطة والمعاشرة الظاهرة، ونفيها من حيث الاُلفة القلبيّة والاُنسة الباطنة، والإثبات في الموضعين من جهة والسلب من جهة اُخرى.

ثمّ أشار عليه السلام إلى دليل السّلب فقط؛ لاستغناء الإثبات عنه لظهوره، فقال: (وذلك لأنّ الضلالة لا توافق الهدى) يعني في الواقع.

(وإن اجتمعا) على الوجه المذكور؛ لامتناع اجتماع الضدّين، وكذا المتّصف بأحدهما مع الاتّصاف بالآخر.

ص: 391


1- . الصحاح، ج 1، ص 105 و 106 حبب مع التلخيص.
2- . القاموس المحيط، ج 4، ص 296 ووه.
3- . النهاية، ج 5، ص 144 واه مع التلخيص.
4- . الصحاح، ج 2، ص 511 عمد مع التلخيص.

وقوله: (قد اجتمع القوم على الفرقة) إشارة إلى بعض الخصال الذميمة لأهل ذلك الزمان.

والفُرقة _ بالضمّ _ : الاسم من فارقته مفارقةً وفِراقا، والمراد هنا مفارقة الحقّ وأهله من أئمّة العدل والمؤتمّين بهم.

(وافترقوا على الجماعة).

لعلّ كلمة «على» بمعنى «عن»، أو بتضمين معنى الاستيلاء والغلبة.

وعلى التقديرين معناه: أنّهم لم يكتفوا بالفرقة من أهل الحقّ وحدها، بل فرّقوا في أنفسهم فرقا مختلفة؛ فمنهم أشاعرة، ومنهم معتزلة، ومنهم مشبّهة، إلى غير ذلك من الفرق الضالّة.

وفي بعض النسخ المصحّحة: «عن الجماعة» وهو أظهر.

(قد ولّوا) أي أهل ذلك الزمان من الفرق الضالّة المضلّة.

(أمرهم) أي أمر نظام دنياهم.

(وأمر دينهم) المطلوب منهم.

واحتمال عود ضمائر الجمع إلى أهل الكتاب _ وهم الفرقة المحقّة _ بعيد.

وقوله: (من يعمل فيهم بالمكر والمنكر والرشا والقتل) مفعول ولّوا، أي جعلوه واليا لاُمورهم.

قال الجوهري: «الرشوة: معروفة. والرشوة _ بالضمّ _ مثله. والجمع: رِشىً ورُشى».(1)

وقال الفيروزآبادي: «الرشوة _ مثلّثة _ : الجعل».(2)

(كأنّهم أئمّة الكتاب).

ضمير الجمع لأهل الضلالة. وأئمّة الكتاب الراسخين في العلم العالمون ظاهره وباطنه والعاملون بأحكامه. وبالجملة يكون الكتاب إمامهم ومُقتداهم في الاُمور كلّها، ولذا صاروا أئمّة لمَن يأتمّ بهم، فالإضافة من قبيل إضافة المسبّب إلى السبب.

(وليس الكتاب إمامهم)؛ لأنّهم نبذوه وراء ظهورهم.

(لم يبق عندهم من الحقّ إلاّ اسمه)؛ إذ تركوا مدلوله ومسمّاه، وأجروا اسمه على ما هو ضدّه ونقيضه.

ص: 392


1- . الصحاح، ج 6، ص 2357 رشا.
2- . القاموس المحيط، ج 4، ص 334 رشو.

(ولم يعرفوا من الكتاب إلاّ خطّه وزبره) بسكون الباء، أو بضمّتين، جمع زبور.

قال الفيروزآبادي: «الخطّ: الكتب بالقلم وغيره».(1)

وقال: «الزبر _ بالفتح _ : الكتابة. وبالكسر: المكتوب. والزبور: الكتاب بمعنى المزبور، الجمع: زبر»(2).

(يدخل الداخل) يعني في الدِّين.

(لما يسمع) بتخفيف الميم وكسر اللاّم، أو بتشديدها وفتح اللاّم.

وقوله: (من حكم القرآن) بيان للموصول على الأوّل.

وكلمة «من» للتبعيض، أو زائدة على الثاني. ولعلّ المراد بحكم القرآن الداعي إلى الدخول فيه، ويحتمل الأعمّ.

(فلا يطمئن جالسا) أي لا يتمّ جلوسه بعد، وهذا كناية عن زمان الدخول.

(حتّى يخرج من الدِّين) فيكون دخوله فيه مقارنا لخروجه عنه؛ لما يرى من عدم عمل أهله به، وجورهم وبدعهم وإنكارهم لأعظم اُصوله.

(ينتقل من دين ملك إلى دين ملك).

فاعل «ينتقل» الداخل في الدِّين. وفيه إيماء إلى ما اشتهر من أنّ الناس على دين ملوكهم.

(فاستدرجهم اللّه [تعالى] من حيث لا يعلمون).

يُقال: استدرجه، أي أدناه منه على التدريج، أي أدناهم اللّه وقرّبهم من العذاب درجة درجة بالإمهال وإدامة الصحّة وازدياد النعمة من حيث لا يعلمون أنّه استدراج؛ لأنّهم حسبوه تفضيلاً لهم على المؤمنين.

(وإنّ كيده) أي مكره، والمراد جزاؤه لوقوعه في صحبته، من باب المشاكلة.

(متين) أي صلب مستحكم لا يدفع بشيء.

وقيل: إنّما سمّي إنعامه استدراجه بالكيد؛ لأنّه في صورته.(3)

ص: 393


1- . القاموس المحيط، ج 2، ص 357 خطط مع التلخيص.
2- . القاموس المحيط، ج 2، ص 37 زبر مع التلخيص.
3- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 563. وفيه: «صحبة» بدل «صورته».

ثمّ أشار إلى متعلّق الاستدراج بقوله: (بالأمل والرجاء)؛ العطف للتفسير، أي بأن أعطاهم ما يأملون ويرجون من أمتعة الدُّنيا وزخارفها.

وقال [بعض] الفضلاء: يحتمل أن يكون المراد أنّه تعالى وكَلَهم إلى أملهم ورجائهم، ولم يعذّبهم، ولم يبتليهم؛ لينصرفوا عنهما. قال: ويحتمل أن يكون بالأمل حالاً عن ضمير المفعول في استدراجهم، أو خبرا لمبتدأ محذوف، أي هم مشغولون بهما.(1)

(حتّى توالدوا بالمعصية) والكفر، فصارت جبليّا لأولادهم غالبا، كما يشاهد في أولاد سائر الكفّار.

(ودانوا بالجور) أي جعلوه دينهم.

والدين _ بالكسر _ : العادة، والعبادة، والشأن.

(والكتاب لم يضرب عن شيء منه صفحا).

الواو للحال، و«يضرب» على البناء للفاعل من الإضراب، وهو الإعراض. وضمير «منه» راجع إلى الجور. و«صفحا» مصدر، أو، حال، أو مفعول له؛ أي والحال أنّ الكتاب لم يعرض عن بيان شيء من الجور إعراضا أو معرضا.

ويجوز قراءة «لم يضرب» على بناء المجرّد؛ يُقال: ضربت عنه صفحا: إذا أعرضت عنه، وتركته، أي لم يدفع البيان عن شيء منه، كما قال عزّ وجلّ: «أَفَنَضْرِبُ عَنكُمْ الذِّكْرَ صَفْحا»(2).

وقال بعض الشارحين في شرح هذا الكتاب: أي الكتاب لم يصرفهم عن شيء من أفراد الجور صرفا لتماديهم في الغيّ وعدم انتفاعهم به.(3)

(ضُلاّلاً) جمع ضالّ.

(تائهين) أي متحيّرين في طريق الضلالة. يُقال: تاه في الأرض يتيه تيها: إذا ذهب متحيّرا.(قد دانوا بغير دين اللّه ) أي اتّخذوا غير دين اللّه دينا.

ص: 394


1- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في¨ مرآة العقول، ج 26، ص 593 مع اختلاف في اللفظ.
2- . الزخرف 43: 5.
3- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 564.

(وأدانوا لغير اللّه ).

«أدانوا» من باب الافعال، أو الافتعال. قال الجوهري: «أدان فلان إدانة: إذا باع إلى أجل فصار له عليهم دينٌ. يُقال(1): أدني عشرة دراهم، وأدّان: استقرض، وهو افتعل».(2)

ولعلّ المراد هنا أنّهم عبدوا غيره تعالى، أو أمروا بطاعة غيره؛ فإنّ من عمل للّه وأطاعه أو أمر غيره بطاعة اللّه فهو دين عليه تعالى يؤدّيه إليه وقت الحاجة، ومن عمل لغيره وكَلَه إلى ذلك الغير. ولا يبعد إرادة الحقيقة، أي معاملتهم في الإقراض والاستقراض ليس لطاعة اللّه ،بل لغرض آخر، كما يشاهد من أبناء هذا الزمان.

وفي بعض النسخ العتيقة: «وكانوا لغير اللّه ».

وقوله: (خربة من الهدى) بفتح الخاء وكسر الراء.

قال الجوهري: «الخراب: ضدّ العمارة. وقد خرب الموضع [بالكسر] فهو خرب، ودار خربة».(3)

(فقرّاؤها وعمّارها) جمع القارئ والعامر، والضمير لمساجد، والإضافة في الأوّل لأدنى ملابسة.

وقال الفيروزآبادي: «عَمَر اللّه منزلك عمارة، وأعمره: جعله آهلاً. والرجل ماله وبيته عمارة وعمورا: لزمه»(4) انتهى.

وقيل: لعلّ المراد بالقرّاء العلماء، وبالعمّار العبّاد، أو أعمّ منهم وممّن سعى في عمارة المساجد وترويجها.(5)

(أخائب خلق اللّه وخليقته).

«أخائب» جمع أخيب. والخلق في الأصل مصدر، ثمّ استعمل بمعنى الناس. والخليقة: الطبيعة، والخلائق. ولعلّ المراد بهما هنا غير الناس، أو البهائم.

(من عندهم جرت الضلالة) أي خرجت وصدرت.

ص: 395


1- . في المصدر: «تقول منه».
2- . الصحاح، ج 5، ص 2117 دين مع التلخيص.
3- . الصحاح، ج 1، ص 119 حزب.
4- . القاموس المحيط، ج 2، ص 95 عمر.
5- . ذهب إليه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 564.

(وإليهم تعود) وزرها؛ لعود الفروع إلى الاُصول، ورجوع كلّ بدعة إلى مبدعها ومخترعها من غير أن ينقص شيء من أوزار من عمل بهما وسلك سبيلهما.

(فحضور مساجدهم والمشي إليها كفرٌ باللّه العظيم).

الباء صلة للكفر، وكونه للقسم بعيد. ولعلّ المراد بالكفر هنا الكفر في الفروع.

(إلاّ من مشى إليها وهو عارف بضلالتهم)؛ لابدّ من ارتكاب تجوّز في المستثنى منه، أو تقدير في المستثنى ليصحّ الاستثناء.

(فصارت مساجدهم من فعالهم على ذلك النحو) المذكور.

والظاهر أنّ الظرف حال من الفعال.

وقوله: (ولا يقسمون الفيء)؛ يعني على الوجه المعهود في الشرع.

قال الجوهري: «الفيء: الخراج، والغنيمة».(1)

(ولا يوفون بذمّة) أي عهد للّه ولرسوله وللمؤمنين.

وقوله: (يدعون القتيل منهم) من الدّعاء بمعنى التسمية، وكونه من الادّعاء محتمل بعيد.

(على ذلك) أي على تلك العقائد المذكورة الباطلة، والأعمال القبيحة الفاسدة، من عدم القسمة للفيء، وعدم الوفاء بالعهد، ونحوها.

(شهيدا) مصادفا درجة الشهادة.

(قد أتوا اللّه بالافتراء) عليه وعلى رسوله.

وفي بعض النسخ: «فدانوا اللّه ».

(والجحود) أي الإنكار للحقّ وأهله.

(ومن قبل) بالبناء على الضمّ، أي من قبل هذا.

(ما مثّلوا بالصالحين) هو من قبيل قوله تعالى: «وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ»(2)، فيحتمل أن تكون كلمة «ما» مزيدة، أو مصدريّة في موضع النصب عطفا على مفعول «أتوا».

وقيل: متعلّق بالتمثيل.(3)

ص: 396


1- . الصحاح، ج 1، ص 63 فيأ.
2- . يوسف 12: 80.
3- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في¨ مرآة العقول، ج 26، ص 594.

ولا بأس بالفصل بين العاطف والمعطوف بالظرف، أو في موضع الرفع بالابتداء وخبره «من قبل»، أو موصولة في موضع الجرّ عطفا على الافتراء.

(كلّ مثلة).

قال الجزري:

مثلّث بالحيوان، أمثل به مثلاً: إذا قطعت أطرافه، وشوّهت به. ومثّلت بالقتيل: إذا جدعت أنفه، أو اُذنه، أو مذاكيره، أو شيئا من أطرافه. والاسم: المُثْلة بالضمّ. فأمّا مثّل بالتشديد فهو للمبالغة، انتهى.(1)

واحتمال كون «مَثُلة» هنا بفتح الميم وضمّ الثاء بمعنى العقوبة بعيد. حاصل المعنى على ما ذكره بعض الفضلاء:

أنّ هؤلاء الأشقياء الذين يفعلون بعدي تلك الأفعال الشنيعة قد فعل آباؤهم وأسلافهم مثل ذلك بالصالحين في زمن الرسول صلى الله عليه و آله كمحاربة أبي سفيان وأضرابه وتمثيلهم بحمزة وغيره، وإنّما نسب إليهم لرضاهم بفعال هؤلاء، وكونهم على دينهم وطريقتهم، كما نسب اللّه تعالى إلى اليهود فِعال آبائهم في مواضع من القرآن.

ويحتمل أن يكون المراد فعال هؤلاء في بدو أمرهم حتّى غلبوا بذلك على الناس واستقرّ أمرهم، انتهى.(2)

وقيل: كأنّه إشارة إلى ما فعلوا به عليه السلام وبسلمان وأبي ذرّ والمقداد(3) وأضرابهم من الصالحين بعد قبض الرسول صلى الله عليه و آله.(4)

وقال ابن ميثم: «هو إشارة إلى زمن بني اُميّة الكائن قبل زمن [من] يخبر عنهم».(5)

(وسمّوا صدقهم على اللّه فرية).

ضمير «صدقهم» للصالحين. والفِرية _ بالكسر _ : الكذب. وقال الجوهري: «هم اسم من قولك: افتراه، إذا اختلقه».(6)

ص: 397


1- . النهاية، ج 4، ص 294 مثل.
2- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في¨ مرآة العقول، ج 26، ص 594.
3- . في المصدر: + «وعمّار».
4- . القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 564.
5- . شرح نهج البلاغة لابن ميثم، ج 3، ص 201، ذيل الخطبة 146.
6- . الصحاح، ج 6، ص 2454 فرا مع اختلاف في اللفظ.

وقال ابن أبي الحديد:

قوله: «على اللّه » متعلّق ب «فِرية» لا ب «صدقهم»؛ أي سمّوا صدقهم فرية على اللّه ، فإن امتنع أن يتعلّق حرف الجرّ به لتقدّمه [عليه] وهو مصدر فليتعلّق بفعل مقدّر دلّ عليه هذا المصدر.(1)

أقول: لعلّ الباعث على هذا التكلّف عدم تعدية الصدق ب «على»، وأنت خبير بأنّ باب التضمين واسع، فليضمّن مثل معنى المعاهدة واللّزوم.

(وجعلوا في الحسنة) من العقائد والأعمال.

(العقوبة السيّئة) وهو ظاهر لمن نظر في معاملتهم بالشيعة من القتل والنهب وسائر أنواع العذيب والاستخفاف. وقوله: «السيّئة» صفة للعقوبة. وفي بعض الروايات: «عقوبة السيّئة»(2) بالإضافة.

(وقد بعث اللّه _ عزّ وجلّ _ إليكم رسولاً من أنفسكم) أي من جنسكم عربيّ مثلكم.

وقرئ: «من أنفسكم» بفتح الفاء، أي أشرفكم.

«عَزِيزٌ عَلَيْهِ»: شديد شاقّ.

«مَا عَنِتُّمْ» أي عنتكم ولقاءكم المكروه.

«حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ» أي على إيمانكم وصلاح شأنكم.

«بِالْمُؤْمِنِينَ» منكم ومن غيركم.

«رَءُوفٌ رَحِيمٌ»(3) قدّم الأبلغ منهما، وهو رؤوف لأنّ الرأفة شدّة الرحمة محافظة على الفواصل.

(وأنزل عليه كتابا عزيزا).

قيل: أي كثير النفع عديم النظير، أو منيع لا يتأتّى إبطاله وتحريفه.

«لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ» أي لا يتطرّق إليه الباطل من جهة من الجهات.

وإنّما خصّ هاتين الجهتين بالذِّكر؛ لأنّ الآتي يأتي منهما غالبا، أو ممّا فيه من الاُمورالماضية والاُمور الآتية.

ص: 398


1- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 9، ص 105، ذيل الخطبة 147 مع اختلاف يسير في اللفظ.
2- . نهج البلاغة، ج 2، ص 41، الخطبة 147.
3- . التوبة 9: 128.

«تَنزِيلٌ» رفع على المدح.

«مِنْ حَكِيمٍ»: ذي حكمة يعلم الأشياء كما هي، أو يضع كلّ شيء موضعه، أو لا يجوز في حكمه، أو لا يعجل في عقوبة العاصي.

«حَمِيدٍ»(1) يحمده كلّ مخلوق بما ظهر عليه من نعمه، أو يحمد هو ذاته بذاته كما هو أهله.

«قُرآنا» بدل من «كتابا»، أو عطف بيان له، أو منصور بتقدير أعني.

«غَيْرَ ذِي عِوَجٍ»: لا اختلال فيه بوجه.

وقيل: بالشكّّ.(2)

قال الجوهري:

العَوَج _ بالتحريك _ مصدر قولك: عِوَج الشيء بالكسر، فهو أعوج، والاسم: العِوَج، بكسر العين.

قال ابن السكّيت: وكلّ ما كان ينتصب كالحائط والعود قيل فيه العوج بالفتح. والعوج بالكسر: ما كان في أرض، أو دين، أو معاش. يقال: في دينه عوج.(3)

«لِيُنْذِرَ» أي القرآن، أو الرسول.

«مَنْ كَانَ حَيّا» أي عاقِلاً فَهِما قابلاً للإنذار مستعدّا لقبوله؛ فإنّ الغافل كالميّت، أو هو مؤمنا في علم اللّه ؛ فإنّ الحياة الأبديّة بالإيمان وتخصيص الإنذار به، لأنّه المنتفع به.

«وَيَحِقَّ الحقّ» ويجب كلمة العذاب.

قال الجوهري: «حقّ الشيء يحقّ _ بالكسر _ أي وجب».(4)

(على الكافرين) المصرّين على الكفر.

وجعلُهم في مقابلة من كان حيّا إشعار بأنّهم لكفرهم وسقوط حجّتهم وعدم تأمّلهم أموات بالحقيقة.

وقيل: في ذكر الكتاب ووصفه بما ذكر ترغيب في الاقتداء به، وعدم المخالفة له،

ص: 399


1- . فصّلت 41: 42.
2- . اُنظر: الكشّاف، ج 3، ص 396؛ تفسير البيضاوي، ج 5، ص 65.
3- . الصحاح، ج 1، ص 331 عوج.
4- . الصحاح، ج 4، ص 1461 حقق.

وعدم الغفلة من أمر الآخرة بالأمل في الدُّنيا، ولذلك فرّع عليه قوله: (فلا يلهينّكم) أي لا يشغلنّكم.(1)

(الأمل): الرجاء في زخارف الدُّنيا وحطامها.

(ولا يطولنّ عليكم الأجل) هو بالتحريك غاية الوقت في الموت، ومدّة عمر الشيء.

ولما كان الأمل ولوقع طول الأجل تابعين لحبّ الدُّنيا الذي هو رأس كلّ خطيئة وموجبين للغفلة عن الآخرة، قال: (فإنّما أهلك من كان قبلكم) من الاُمم السالفة والقرون الماضية.

(أمد أملهم) أي غاية رجائهم حيث جعلوه بعيدا.

والأمد _ محرّكة _ : الغاية، والمُنتهى.

(وتغطمة الآجال عنهم) أي أملوا اُمورا طويلة المدى تقصر عنها آجالهم، أو كناية عن الغفلة عنها.

(حتّى نزل بهم الموعود الذي تردّ) على البناء للمفعول.

(عنه المعذرة).

المراد بالموعود الموت؛ أي لا تقبل فيه معذرة معتذر. والمعذرة _ بكسر الذال _ مصدر عذره يعذره عذرا، وبتثلّثها اسم من الإعذار.

(وترفع) بضمّ التاء.

(عنه التوبة) أي تنسدّ بابها عند نزوله.

(وتحلّ معه القارعة والنقمة).

«تحلّ» من الحلول، وهو النزول، وفعله كنصر. والقارعة: الداهية، وهي الشديدة من شدائد الدهر.

وقيل: المصيبة التي تقرع، أي تلقى بشدّة وقوّة.(2)

والنقمة: العقوبة. والظاهر أنّ الضمائر للموصول، وكلمة «عن» للمجاوزة، أو للتعليل، أو

ص: 400


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 565.
2- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في¨ مرآة العقول، ج 26، ص 596.

مرادفة «بعد» كما قيل في قوله تعالى: «عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ»(1).

(وقد أبلغ اللّه _ عزّ وجلّ _ إليكم بالوعد).

الإبلاغ: الإيصال، والباء زائدة، أو للتبعيض، كما قيل في قوله تعالى: «عَيْنا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللّه ِ»(2).

وفي بعض النسخ: «بالوعيد». قال الجوهري: «الوعد يستعمل في الخير والشرّ. يُقال: وعده خير، أو وعده شرّا، وإذا اُسقط الخير والشرّ قالوا في الخير وعد وعِدة، وفي الشرّ إيعاد ووعيد».(3)

(وفصّل لكم القول) في المبدأ والمعاد والحلال والحرام وغيرها.

و«فصّل» من التفصيل، وهو الإظهار، والتمييز، والتقطيع، أو من الفصل.

(وعلّمكم السنّة) وهي الطريقة الشرعيّة والسيرة النبويّة الداعية إلى كلّ خير والزاجرة عن كلّ شرّ.

(وشرّع لكم المناهج) أي سنَّ وبيّن السّبل الواضحة والطرق المستقيمة. ويحتمل أن يُراد بالمناهج أهل البيت عليهم السلام.

(ليزيح العلّة) تعليل للأفعال السابقة؛ أي ليزيل عذر العباد في المعصية.

قال الجوهري: «زاح الشيء يزيح زَيْحا، أي بَعُدَ، وذهب. وأزاحه غيره».(4)

(وحثّ) أي رغّب.

(على الذِّكر) بالقلب واللِّسان في جميع الأحوال، سيما في موارد الأمر والنهي.

(ودلَّ على النجاة)؛ أي طريق النجاة من شدائد الآخرة وعقوباتها.

(وإنّه من انتصح للّه )؛ الظاهر كسر «إنّ» على الابتداء، والضمير للشأن. ويحتمل فتحها عطفا على النجاة.

قال الجوهري: «انتصح فلان، أي قبِلَ النصيحة. يُقال: انتصحني، فإنّي لك ناصح».(5)

وقيل: نصيحة اللّه عبارة عن إرادة الخير للعباد، وطلبه منهم، وقبول تلك النصيحة هو

ص: 401


1- . المؤمنون 23: 40.
2- . الإنسان 76: 6.
3- . الصحاح، ج 2، ص 551 وعد مع التلخيص و اختلاف في اللفظ.
4- . الصحاح، ج 1، ص 371 زيج.
5- . الصحاح، ج 1، ص 411 نصح.

القيام بوظائف الطاعات والخيرات.(1)

والحاصل: أنّه من أطاع اللّه فيما أمره به ونهاه عنه، وعلم أنّه تعالى إنّما يهديه إلى مصالحه ويردّه عن مفاسده.

(واتّخذ قوله دليلاً) على ما يُنجيه، صارفا عمّا يرديه، مُعرضا عن الآراء النفسانيّة والأهواء الشهوانيّة والتخيّلات الشيطانيّة.

(هداه) اللّه _ عزّ وجلّ _ أو اتّخاذ قوله دليلاً.

(للّتي هي أقوم) أي للطريقة، أو الحالة، أو الملّة التي هي أقوم الطرق، أو الحالات، أو الملل، أو اتّباعها وسلوكها أقوم.

(ووفّقه للرّشاد).

قال الجوهري: «الرّشاد: خلاف الغيّ».(2) والمراد به هنا سنن النبويّة الموصلة إلى السعادة الأبديّة.

(وسدّده).

التسديد: التوفيق للسّداد، وهو الصواب، والقصد من القول والعمل.

(ويسّره للحُسنى) أي وفّقه وهيّأه لتحصيل كلمة الحسنى، وهي الكلمة الدالّة على الحقّ تعالى، أو التوحيد، أو المثوبة الحسنى، أو الخصلة الحسنى.

وقوله: (فإنّ جار اللّه آمن محفوظ) تعليل لما قبله.

قال الفيروزآبادي: «الجار: المجاور، والذي أجرته من أن يُظلم»(3) انتهى.

وقيل: المراد بجار اللّه هنا القريب إلى اللّه بالطاعة، أو من آجره اللّه من عذابه.(4)

وقيل: من لجأ إليه، وتضرّع بين يديه، واعتمد في كلّ الاُمور عليه. ومَن كان كذلك فهو آمن من الآفات، أو الضلالة وموجباتها، محفوظٌ من الغواية وثمراتها.(5)

(وعدوّه خائف مغرور) أي عدوّ اللّه ، وهو من نكبَ عن منهج القويم، وتشبّث برأيه

ص: 402


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 566.
2- . الصحاح، ج 2، ص 474 رشد.
3- . القاموس المحيط، ج 1، ص 394 جور.
4- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في¨ مرآة العقول، ج 26، ص 597.
5- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 566 مع اختلاف يسير في اللفظ.

السقيم، خائف من كشف سريرته، أو من فوات منفعته، مغرورٌ بالدّنيا وزهراتها بجهالة النفس ومموّهاتها.

والغرّ _ بالكسر _ : الخدعة.

(فاحترسوا من اللّه عزّ وجلّ).

الاحتراس: التحفّظ، أي تحفّظوا من موجبات عقوبته وخذلانه واستدراجه.

(بكثرة الذِّكر) والدّعاء. قال اللّه تعالى: «وَاذْكُرُوا اللّه َ كَثِيرا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»(1).

(واخشوا منه) أي بأسه وتنكيله.

(بالتّقى): بالتوقّي والتحرّز عن مخالفته.

قال الفيروزآبادي: «اتّقيت الشيء وتقيته تقى وتقيّة وتقاء ككساء: حذرته، والاسم: التقوى».(2)

ولعلّ فيه إيماء إلى أنّ الخشية إنّما تحصل بالتّقى.

(وتقرّبوا إليه بالطاعة) ولرسوله ولاُولي الأمر.

وقيل: قد أشار عليه السلامإلى أمرين لابدّ منهما؛ أحدهما التقوى للنجاة من العقوبة الاُخرويّة، والآخر الطاعة للدخول في الرحمة والجنّة.(3)

(فإنّه قريبٌ مجيب) كأنّه تعليل لما سبق، وحثّ على القيام به؛ فإنّ العبد إذا علم أنّه تعالى قريبٌ يسمع ويرى، وأنّه مجيبٌ يقابل الدّعاء بالإجابة، والسؤال بالعطاء، والطاعة بالقبول والثواب، يبعثه ذلك على ملازمة الذكر والتقوى والطاعة.

ثمّ استشهد لذلك بقوله: (قال اللّه عزّ وجلّ: «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي») أقريبٌ أنا أم بعيد؟

«فَإِنِّي قَرِيبٌ».

قال البيضاوي:

أي فقُل لهم: إنّي قريب، وهو تمثيل لكمال علمه بأفعال العباد وأقوالهم، واطّلاعه بأحوالهم بحال من قرب مكانه منهم.

روي أنّ أعرابيّا قال لرسول اللّه صلى الله عليه و آله: أقريبٌ ربّنا فنناجيه، أم بعيد فنُناديه؟! فنزلت:

ص: 403


1- . الأنفال 8: 45.
2- . القاموس المحيط، ج 4، ص 401 وقي مع التلخيص.
3- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 566.

«أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِ» تقرير للقُرب، ووعدٌ للداعي بالإجابة.

«فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي» إذا دعوتهم للإيمان والطاعة، كما أجبتهم إذا دعوني لمهمّاتهم.

«وَلْيُؤْمِنُوا بِي» أمر بالثبات والمداومة عليه.

«لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ»(1): راجين إصابة الرشد، وهو إصابة الحقّ. وقرئ بفتح الشين وكسرها(2)، انتهى.

وقال الفيروزآبادي: «رشد _ كنصر وفرح _ رشدا ورشَدَا ورشادا: اهتدى».(3)

(فاستجيبوا للّه ) فيما أمركم به من الدّعاء، أو مطلقا.

(وآمنوا به) أي بوعده الاستجابة، أو مطلقا.

(وعظّموا اللّه الذي لا ينبغي لمن عرف عظمة اللّه ) وضع الظاهر موضع الضمير دلالة على كمال العظمة.

(أن يتعظّم) أي يتكبّر.

وقوله: (فإنّ رفعة الذين يعلمون) إلى قوله: (يستسلموا له) تعليل لنفي التعظيم عمّن عرف عظمته تعالى.

قال الفيروزآبادي: «رفع _ ككرم _ رفاعة: صار رفيع الصوت. ورفعة _ بالكسر _ : شرف وعلا قدره، فهو رفيع».(4)

وقال: «عزّ يعزّ عزّا وعِزّةً _ بكسرهما _ : صار عزيزا، وقوي بعد ذلّة»(5) انتهى.

والتواضع للّه تعالى شامل للتواضع لأوليائه، والجلال والعظمة متقاربان، ولعلّ الأوّل باعتبار التنزّه عن صفات النقص، والثاني باعتبار الاتّصاف بصفات الكمال، أو يُراد بالأوّل العظمة باعتبار الصفات، وبالثاني باعتبار الذات، والذلّة له تعالى إنّما يكون بالعبوديّة وإظهار العجز والمسكنة لديه، والمراد بالسلامة السلامة من الآفات والمكاره في الدارين ، وبالاستسلام الإذعان والانقياد له في الاُمور كلّها للعلم بأنّ قدرته قاهرة غالبة لا رادّ لها في الإثابة والتعذيب.

ص: 404


1- . البقرة 2: 186.
2- . تفسير البيضاوي، ج 1، ص 467.
3- . القاموس المحيط، ج 1، ص 294 رشد.
4- . القاموس المحيط، ج 3، ص 30 رفع.
5- . القاموس المحيط، ج 2، ص 182 عزز مع التلخيص.

والحاصل: أنّ من عرف عظمة اللّه وجلاله فينبغي له أن يعدّ حقيرا فيما ظهر من عظمته تعالى، أو يعلم أنّ العظمة مختصّة به تعالى، وأمّا غيره فإنّما يعدّ عظيما بما أعاره اللّه _ عزّ وجلّ _ من العظمة، فلا يجوز تعظيم أحد عليه، أو يُقال: إنّ غيره تعالى إنّما يكتسب العظمة بالتذلّل له والتواضع بين يديه والتقرّب إليه، فغاية العظمة والعزّة في العباد منوطة بنهاية التواضع والتذلّل منهم، ومن عرف قدرة اللّه علم أنّه لا تكون السلامة إلاّ بالانقياد له في جميع الاُمور.

(فلا ينكرون أنفسهم بعد حدّ المعرفة).

قال الفيروزآبادي: «نكر الأمر _ كفرح _ وأنكره: جهله».(1)

وقال: «الحدّ: منتهى الشيء، وتمييّز الشيء عن الشيء».(2)

ولعلّ المراد لا يجهلون أنفسهم ومعايبها وعجزها بعدما عرفوها، أو لا يجهلون أنّ اللاّئق بحالهم التواضع والمذلّة والاستسلام بعد معرفة عظمة اللّه وجلاله وقدرته.

وفي بعض النسخ: «فلا يتذكّرون أنفسهم بعد حدّ المعرفة» ولعلّ المراد بالتذكّر التزكّي.

(فلا تنفروا) بضمّ الفاء وكسرها، من النفار _ بالكسر _ والنفور، وهو الاستكراه، والتباعد عن الحقّ.

(نفار الصحيح من الأجرب) أي من به علّة الجرب.

(والبارئ) بهمز اللاّم.

(من ذي السقم).

قال الفيروزآبادي: «برأ المريض بُرءا _ بالضمّ _ ككرم وفرح: نَقَه. وأبرأه اللّه فهو بارئ وبرئ».(3)

وقال: «السقم _ كجبل وقفل _ : المرض».(4)

ولمّا كانت هناك اُمور مطلوبة يتحقّق وجودها واستقرارها باُمور مطلوبة اُخر وبها يتمّ

ص: 405


1- . القاموس المحيط، ج 2، ص 148 نكر مع التلخيص.
2- . القاموس المحيط، ج 1، ص 286 حدد.
3- . القاموس المحيط، ج 1، ص 8 برأ مع التلخيص.
4- . القاموس المحيط، ج 4، ص 129 سقم مع التلخيص.

نظام الدِّين والدنيا، وأشار عليه السلام إليها وحثّ عليها بقوله: (واعلموا أنّكم لن تعرفوا الرُّشد) بالضمّ وبالتحريك (حتّى تعرفوا الذي تركه)؛ الضمير للرشد، والموصول مفعول «تعرفوا».

قال بعض الشارحين:

لا يُقال: معرفة تارك الرشد متوقّف على معرفة الرشد، فلو انعكس لزم الدور؛ لأنّا نقول: المراد أنّ هاتين المعرفتين ينبغي أن تكونا معا إذ انتفاء الثانية يؤدّي إلى متابعة تارك الرشد غالبا، وذلك يوجب انتفاء الاُولى أيضا. أو نقول: معرفة الرشد كناية عن الثبات والاستمرار عليه، وهو متوقّف على معرفة تارك الرشد للتحرّز عن متابعته، وهذه المعرفة تتوقّف على معرفة الرشد لا على الثبات عليه، فلا دور، وقس عليه البواقي.(1)

(ولن تأخذوا بميثاق الكتاب حتّى تعرفوا الذي نقضه)؛ الضمير للميثاق، ويدخل في ميثاق الكتاب العهد بالولاية ومتابعة أهلها.

(ولن تمسّكوا به حتّى تعرفوا الذي نبذه)؛ الضمير في الموضعين للكتاب.

قال الجوهري: «أمسكت الشيء وتمسّكت به واستمسكت به كلّه بمعنى اعتصمت [به]، وكذلك مسّكت به تمسيكا».(2)

وقال: «نبذ ينبذ: ألقاه من يده. ونبّذه مبالغة».(3)

(ولن تعرفوا الضلالة) التي هي الضياع والهلاك بسبب التحيّر والخروج عن قصد السبيل.

(حتّى تعرفوا الهدى) أي الرشاد والاهتداء إلى الصراط المستقيم؛ ضرورة أنّ الخروج عن الشيء لا يعرف بدون معرفة ذلك الشيء.

وإنّما غيّر الاُسلوب للإشعار بأنّ عكس الفقرات السابقة واللاّحقة أيضا صحيح، وثمرة الإشعار إفادة التلازم بين المعرفتين.

(ولن تعرفوا التقوى حتّى تعرفوا الذي تعدّى)؛ لأنّ عدم معرفة المتعدّي عن حدود اللّه تؤدّي غالبا إلى الاقتداء به، وهو ينافي معرفة التقوى والثبات عليها.

(فإذا عرفتم ذلك) المذكور الذي هو تارك الرُّشد وأشباهه.

ص: 406


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 567 و 568.
2- . الصحاح، ج 4، ص 1608 مسك.
3- . الصحاح، ج 2، ص 571 نبذ.

(عرفتم البدع) بمعرفة من ترك الرشد؛ فإنّه أخذ بضدّه وهو البدع.

وعرفتم (التكلّف) بمعرفة ناقض الميثاق؛ فإنّه يتكلّف الوفاء بالميثاق ويتصنّع به، ويتعرّض لما لا يعنى وادّعى ما لا ينبغي، فإذا عرفته عرفت تكلّفه.

(ورأيتم الفرية على اللّه وعلى رسوله) بمعرفة من نبذ الكتاب؛ لأنّه من أهل الفرية عليهما، ورأيتم (التحريف لكتابه) بمعرفة مَن حرّفه؛ لأنّ معرفته بمعرفة تحريفه.

(ورأيتم كيف هدى اللّه مَن هدى) كأنّه ناظر إلى قوله: «ولن تعرفوا الضلالة» إلى قوله: «الذي تعدّى»، والمراد بمن هدى من هداه اللّه وأرشده إلى ما لابدّ له في نظامه وبقائه واستقامته، وبصّره بطريق معرفته ومعرفة أوليائه، ووفّقه للعمل بسنّته.

والحاصل: أنّه لا يعرف الكتاب، ولا يمكن العمل به وحفظه إلاّ بمعرفة حَمَلته ومعرفة مخالفيهم وأعدائهم المضيّعون له المتّصفون به، ولا تُعرف الهداية إلاّ بمعرفة أهلها ومعرفة الضلالة وأهلها؛ فإنّ الأشياء إنّما تُعرف بأضدادها، وعلامة معرفتها التمييز بينها وبين معارضاتها ومخالفاتها.

(فلا يجهلنّكم) على بناء النهي من التجهيل.

قال الجوهري: «التجهيل: أن تنسبه إلى الجهل».(1) ولعلّ المراد هنا: لا يجعلنّكم منسوبا إلى الجهل.

(الذين لا يعلمون) الكتاب والسنّة، أو الذين ليس لهم حقيقة العلم بجهلهم وضلالتهم.

(إنّ علم القرآن).

قيل المراد علم القرآن والسنّة، ولم يذكرها؛ لأنّ علمها علم القرآن، وهي مفسّرة له في الحقيقة.

(ليس يعلم ما هو إلاّ من ذاق طعمه) فعرف حقيقته وكيفيّته وأنواعه كما تعرف المذوقات وكيفيّاتها وأنواعها بالذوق.

وفيه استعارة تمثيليّة، أو مكنيّة وتخييليّة.(2)

ص: 407


1- . الصحاح، ج 4، ص 1663 جهل.
2- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 568 مع اختلاف يسير في اللفظ.

(فعلّم بالعلم جهله).

قيل: أي جهله بالشيء قبل العلم به، أو مجهوله أو باطله، وهو ضدّ الحقّ المعلوم.(1)

وقيل: أي ما جهله ممّا يحتاج إليه في جميع الاُمور، أو كونه جاهلاً قبل ذلك، أو كمل علمه حتّى أقرّ بأنّه جاهل؛ فإنّ غاية كلّ كمال في المخلوق الإقرار بالعجز عن استكماله،والاعتراف بثبوته كما ينبغي للربّ تعالى. أو يُقال: إنّ الجاهل لتساوي نسبة الأشياء إليه؛ لجهله بجميعها يدّعي علم كلّ شيء، وأمّا العالم فهو مميّز بين ما يعلمه وبين ما لا يعلمه،فبالعلم عرف جهله. ولا يخفى جريان الاحتمالات في الفقرتين التاليتين، وأنّ الأوّل أظهر في الجميع بأن يكون المراد بقوله: (وبصّر به) أي بالعلم (عماه)؛ أبصر به ما عمى عنه، أو تبدّلت عماه بصيرة.(2)

قال الفيروزآبادي: «بصر به _ ككرم وفرح _ بصرا وبصارة، ويكسر: صار مبصرا».(3)

وقال: «عمى _ كرضى _ عمى: ذهب بصره كلّه».(4)

أقول: المراد بالبصر الإدراك القلبي، وبالعمى الضلالة والجهالة.

(وسمّع به صممه).

قال الفيروزآبادي: «الصمم _ محرّكة _ : انسداد الاُذن، وثقل السمع. صَمَّ يَصمُّ _ بفتحهما _ وصَمِمَ بالكسر نادر».(5)

أقول: يحتمل قراءة «سمع» بالتخفيف، أي أدرك وأحسّ بالعلم الحاصل من جهة السماع ما كان صمّ عنه قبل حصول ذلك العلم، أو بالتشديد أي بدّل بسبب العلم صَمَمه بكونه سميعا.

قال الجوهري: «سمّع به: إذا رفعه من الخمول، ونشر ذكره. وسمّعه الصوت وأسمعه».(6)

(وأدرك به علم ما فات) أي علم ما جهل به قبل فتداركه.

(وحَيي به بعد إذ مات) أي مات قبله بالجهل. أو المراد الموت المعروف؛ فإنّ العلم سبب

ص: 408


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 568.
2- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في¨ مرآة العقول، ج 26، ص 599.
3- . القاموس المحيط، ج 1، ص 373 بصر.
4- . القاموس المحيط، ج 4، ص 366 عمى.
5- . القاموس المحيط، ج 4، ص 140 صمم.
6- . الصحاح، ج 3، ص 1232 سمع.

للحياة الأبديّة، والمؤمن حيّ في الدارين، ووجه تخصيص ما بعد الموت بالحياة ظاهر.

وفي بعض النسخ: «حيّ» بالإدغام.

(وأثبت) على البناء للفاعل بقرينة الفقرات السابقة واللاّحقة.

(عند اللّه _ عزّ ذكره _ به الحسنات)؛ ضمير «به» راجع إلى علم القرآن، وفيه دلالة على أنّ ثبوت الحسنات إنّما هو مع العلم بها، لا ما وقع اتّفاقا، ولا ما عدّه الجاهل حسنة.

وقيل: المراد هنا بالحسنات ما يوجب القرب منه تعالى والثواب عليه.(1)

وقال الجوهري: «الحسنة: خلاف السيّئة».(2)

(ومحى به السيّئات)؛ لأنّ العلم بأنّها سيّئات وموجبة لمقته تعالى سبب لمحوها، أي تركها، وإن اُريد بالمحو إزالة الأثر وإسقاط الثابت فالعلم بها سبب للتوبة الماحية لها على أنّ العلم سبب للحسنات وهي سبب لمحو السيّئات؛ لأنّ الحسنات يذهبن السيّات، فالعلم سبب لمحو السيّئات.

(وأدرك به رضوانا من اللّه تبارك وتعالى).

الرضوان _ بالكسر ويضمّ _ مصدر رضى عنه، ورضيه، ضدّ سخط، والعلم سبب لحصوله أوّلاً وبالذات، أو بتوسّط الصالحات.

(فاطلبوا ذلك) أي علم القرآن.

(من عند أهله خاصّة).

أراد بأهله نفسه القدسيّة ومَنْ يحذو حذوه من أولاده أهل بيت العصمة؛ يعني اطلبوا ذلك العلم من عندهم لا من عند المتكلّفين المتصنّعين من أعدائهم ومخالفيهم.

(فإنّهم خاصّة) دون غيرهم.

(نورٌ يُستضاء به) أي بذلك النور.

ولعلّ إتيان النور بلفظ الوحدة للإشعار بأنّهم نورٌ واحد، وأراد به الجنس، وإطلاق النور عليهم إمّا من قبيل الاستعارة والتشبيه في ظهوره بنفسه وإظهاره لغيره، أو حقيقته؛ فإنّهم في الحقيقة أنوارٌ إلهيّة.

ص: 409


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 569 مع اختلاف يسير في اللفظ.
2- . الصحاح، ج 5، ص 2099 حسن.

(هم الذين يخبركم حكمهم) بضمّ الحاء وسكون الكاف (عن علمهم).

الخطاب للعلماء؛ لأنّهم يعلمون أنّ حكمهم لكونه في غاية المتانة والإحكام، لا يمكن دفعه في مقام المناظرة، وبذلك يحصل لهم العلم الإجمالي بأنّ علومهم في غاية الكمال لايبلغها عقول غيرهم، وذلك _ كما يعلم الفصحاء _ إعجاز القرآن، ولا يقدرون على العلم بتفاصيله، ولا على الإتيان بمثله.

(وصمتهم عن منطقهم) أي يخبرهم سكوتهم عن اللغو والباطل عن حسن منطقهم؛ فإنّ لصمتهم وقتا وهيئة وحالة تكون قرائن دالّة على حسن منطقهم إذا نطقوا، وعلى أنّ سكوتهم ليس إلاّ لمصلحة دعتهم إليه.

وقيل: إنّما يخبر صمتهم عن منطقهم لأنّ صمت العارف أبلغ من نطق غيره.(1)

وقيل: أي يخبركم عن نطقهم وإدراكهم للحقّ، كما روي أنّ الصمت من علامات التفقّه، وأنّه باب من أبواب الحكمة،(2) وذلك لأنّ الفقه والحكمة لا يتمّان إلاّ بالتفكّر وهو لا يتمّ إلاّ بالصمت، ويحتمل أن يُراد بالنطق التكلّم بالحقّ باعتبار أنّ الصامت عن اللّغو محترز عن الإفراط والتفريط طالب للتوسّط _ وهو التكلّم بالحقّ _ أو عمّا لا ينفع، ويلزمه عادةً التعرّض لما ينفع.(3)

(وظاهرهم عن باطنهم) إذ استقامة الباطن وتخلّقه بالأخلاق الفاضلة والعقائد الحقّة موجب لاستقامة الظاهر، فالثاني دليل على الأوّل دلاله الأثر على المؤثّر.

(لا يخالفون الدِّين) أي في أمرٍ من اُموره، وحكمٍ من أحكامه؛ لأنّهم أربابه وقوّامه.

(ولا يختلفون فيه) أي لا يخالف بعضهم بعضا في شيء من اُموره، فحكم الأوّل وقوله مثل حكم الآخر وقوله، وبالعكس.

(فهو بينهم شاهد صادق).

ويحتمل عود الضمير إلى عدم المخالفة والاختلاف في الدِّين، أو إلى القرآن، أو إلى الدِّين، وكل منهما شاهد صدق للّه _ عزّ وجلّ _ بما أنزله على رسوله، وأنّ الحاكم في الدِّين

ص: 410


1- . قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي، ج 26، ص 88، ذيل ح 25375.
2- .اُنظر: الكافي، ج 1، ص 36، ح 4؛ قرب الإسناد، ص 369، ح 1321.
3- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 569.

أهل العلم عليهم السلام، أو أنّهم يأخذون بحكم الدِّين كما يؤخذ بحكم الشاهد الصادق.

(وصامت ناطق).

قيل: صامت بالنسبة إلى من لم يعرفه، حيث إنّ النطق معه عبث ناطق بالنسبة إلى من عرفه أعني أهل الذِّكر عليهم السلام. وقد روي عن الصادق عليه السلام في حديث طويل أنّه قال بعد وصف القرآن بما وصف: «ذلك القرآن فاستنطقوه فلن ينطق لكم أخبركم عنه، وفيه علم ما مضى وعلم ما يأتي إلى يوم القيامة، وحكم ما بينكم، وبيان ما أصبحتم فيه تختلفون، فلو سألتموني عنه لعلّمتكم».(1)

وقيل: كونه صامتا ناطقا لأنّه لا ينطق بنفسه، بل لابدّ له من مترجم، فهو صامت في الصورة، [هو] وفي المعنى أنطق الناطقين؛ لأنّ الأوامر والنواهي والآداب كلّها مبنيّة عليه ومتفرّعة [عنه].(2)

(فهم من شأنهم شهداء بالحقّ).

الشأن: الخطب، والأمر، والحال. ولعلّ كلمة «من» للتعليل والسببيّة، أي أنّهم لأجل شأنهم الرفيع شهداء للّه تعالى على الناس بالحقّ الذي أنزله إليهم.

وقيل: يعني أنّهم بسبب أطوارهم الحسنة وأخلاقهم الجميلة شهداء بالحقّ، أي على الحقّ، أو على الدين الذي يدعون إليه، والحاصل أنّ شؤونهم وأعمالهم وأخلاقهم تشهد بحقّيّة أقوالهم.(3)

(ومخبر صادق).

قيل: هو عطف على الحقّ، والمراد به الرسول أو اللّه عزّ وجلّ، وفيه إيماء إلى أنّ من خالفهم فهو منكر للرسالة أو الاُلوهيّة، ويعضده روايات اُخر.(4)

أقول: يمكن أن يتكلّف ويُقال: إنّه معطوف على قوله: «بالحقّ» بأن يُراد من يصدر منه الإخبار والصدق مع قطع النظر عن الوحدة.

ص: 411


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 570. وانظر: الكافي، ج 1، ص 61، ح 7.
2- . قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي، ج 26، ص 88، ذيل ح 25375.
3- .قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في¨ مرآة العقول، ج 26، ص 600.
4- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 570.

وفي بعض النسخ: «ويخبر» على صيغة الفعل، وكأنّه حينئذٍ عطف على قوله: «بالحقّ» بتقدير العايد، أي يخبر لهم صادق بكونهم شهداء.

(لا يخالفون ولا يختلفون فيه)؛ كأنّه تكرير للسابق تأكيد [له].

وقيل: يحتمل أن يكون هذا في الشهادة وذلك في الإخبار، أو التفاوت باعتبار اختلاف المشهود به ولو بحسب الاعتبار، أو هذا باعتبار العمل وذلك باعتبار الحكم.(1)

(قد خلت) أي مضت (لهم من اللّه ) أي في علمه تعالى وتقديره.

(سابقة) أي نعمة سابقة، وهي العصمه والحكمة والهداية والرئاسة العامّة ولوازمها.

(ومضى فيهم من اللّه _ عزّ وجلّ _ حكمٌ صادق) مطابق لما هو في الخارج؛ لوقوع المقدّر على طبق التقدير.

ولعلّ المراد بذلك الحكم ظفرهم ونصرتهم وحفظهم، أو ما ذكر من نعمة سابقة.

(وفي ذلك) أي فيما ذكر من جعل علم القرآن عند أهله وكونهم نورا وأئمّة إلى آخر ما ذكر من الأوصاف.

(ذكرى) أي تذكرة وعبرة.

(للذاكرين).

قال الفيروزآبادي:

تذكره، وأذكره إيّاه، وذكّره، والاسم: الذكرى. تقول: ذكرته ذكرى [غير مجراة]، وقوله تعالى: «ذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ»(2) اسم للتذكير «وَ ذِكْرَى لِأُوْلِى الْأَلْبَ_بِ»(3): عبرة لهم.(4)

(فاعقلوا الحقّ إذا سمعتموه عقل رعاية) أي حفظ وتعاهد بالاعتقاد والإذعان به إن كان اعتقاديّا، وبالعمل إن كان عمليّا.

(ولا تعقلوه عقل رواية)؛ إذ الرواية بدون الرعاية غير نافعة، بل توجب زيادة الحسرة والندامة.

ص: 412


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 570.
2- .الأعراف 7: 2؛ هود (11): 120.
3- . ص 38: 43؛ غافر (40): 54.
4- .القاموس المحيط، ج 2، ص 35 ذكر.

(فإنّ رواة الكتاب كثير، ورعاته قليل)؛ كأنّه تعليل للأمر والنهي، وتنبيه على أنّ ترك الرواية لا يضرّ كثيرا؛ لكثرة أهلها الحافظين لألفاظه وعباراته، وإنّما الأصل والأهمّ هو الرعاية لئلاّ يندرس المقصود لقلّة أهلها.

(واللّه المستعان) في جميع الاُمور.

متن الحديث السادس والثمانين والخمسمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ عَمِّهِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ ، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ : حَدَّثَنِي مَعْرُوفُ بْنُ خَرَّبُوذَ :

عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهماالسلام أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : «وَيْلُ أُمِّهِ فَاسِقا مَنْ لاَيَزَالُ مُمَارِئا ، وَيْلُ أُمِّهِ فَاجِرا مَنْ لاَيَزَالُ مُخَاصِما ، وَيْلُ اُمِّهِ آثِما مَنْ كَثُرَ كَلاَمُهُ فِي غَيْرِ ذَاتِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ» .

شرح

السند ضعيف.

قوله: (ويل اُمّه فاسقا من لا يزال ممارئا).

قال في النهاية:

فيه يقول: يا ويله. الويل: الحزن، والهلاك، والمشقّة من العذاب، وكلّ من في هلكة دعا بالويل، ومعنى النداء فيه: يا ويلي، ويا حزني، ويا عذابي، احضر فهذا وقتك وأوانك. وعدل عن [مكاية قول إبليس:] يا ويلي كراهة أن يضيف الويل إلى نفسه. وقد يرد الويل بمعنى التعجّب، ومنه الحديث: ويل اُمّة مسعر حرب، تعجّبا من شجاعته وحربه.(1)

وقال الجوهري: «ويل كلمة وَيْح إلاّ أنّها كلمة عذاب، وتقول: ويلٌ لزيد، وويلاً لزيد، فالنصب على إضمار الفعل، والرفع على الابتداء»(2) انتهى. وويل اُمّه هنا يحتمل أن يكون مرفوعا على الابتداء والخبر محذوف، وأن يكون منصوبا بتقدير حرف النداء، أو مفعولاً لفعل

ص: 413


1- . النهاية، ج 5، ص 236 ويل مع التلخيص و اختلاف في اللفظ.
2- . الصحاح، ج 5، ص 1846 ويل مع التلخيص.

مضمر، أي ألزم اللّه ويل اُمّه، وإنّما أضافه إلى الاُمّ للتعارف كما يُقال: ثكلتك اُمّك، أو للإشعار بأنّها سبب لفسقه لكونها مصدرا للخطأ، وضمير اُمّه مبهم يفسّره فاسقا، ونصبه على التميز.

وقيل: يحتمل أن تكون كلمة من مفسّرة للضمير المُبهم، ونصب فاسقا على الذمّ، أو على أن يكون حالاً عن فاعل «لا يزال»(1) فتأمّل حتّى يظهر لك ما فيه من التعسّف.

قال الفيروزآبادي: «المِرية _ بالكسر والضمّ: الشكّ، والجدل. وماراه مماراة ومِراء».(2)

[و]في تاج اللّغة: «المماراة والمراء مثل المعاندة والعناد».

ولعلّ المراد بالمماراة هنا المجادلة في أمر الدِّين، وبالمخاصمة المجادلة في أمر الدِّين، والمجادلة مذمومة مطلقا إلاّ ما هو إثبات حقّ أو ردّ باطل.

(ويل اُمّه فاجرا من لا يزال مخاصما).

في القاموس: «الخصومة: الجدل. خاصمه مخاصمة».(3)

وقيل: المراد بالمخاصمة هنا المعاداة لأهل الحقّ، وإظهار الخصومة والعداوة لهم، والفرق بين الفسق والفجور أنّ الأوّل الترك لأمر اللّه والخروج عن طريق الحقّ، والثانى الانبعاث في المعاصي والزنا، وكثيرا ما يطلق كلّ منهما على الآخر.(4)

(ويل اُمّه آثما من كثر كلامه في غير ذات اللّه عزّ وجلّ) أي في غير ما ينسب إلى اللّه ممّا يرضيه وينجى عن سخطه، سواء كان في اللّغو والمعاصي، أو في الطاعة والعبادة إذا لم تكن خالصا لوجهه الكريم.

قال الفيروزآبادي: «الإثم _ بالكسر _ : الذنب، والخمر، والقمار، وأن يعمل ما لا يحلّ».(5)

وفي بعض النسخ: «في عين ذات اللّه » أي في كنهها.

متن الحديث السابع والثمانين والخمسمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى ؛ وَعَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ جَمِيعا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ

ص: 414


1- . ذهب إليه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 571.
2- . القاموس المحيط، ج 4، ص 389 مري.
3- . القاموس المحيط، ج 4، ص 107 خصم.
4- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 571 مع اختلاف في اللفظ.
5- . القاموس المحيط، ج 4، ص 72 أثم.

مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ ، عَنْ نُعَيْمٍ الْقُضَاعِيِّ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ: «أَصْبَحَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام ، فَرَأى فِي لِحْيَتِهِ شَعْرَةً بَيْضَاءَ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الَّذِي بَلَّغَنِي هذَا الْمَبْلَغَ ، لَمْ أَعْصِ اللّهَ طَرْفَةَ عَيْنٍ» .

شرح

السند ضعيف.

قوله: (عن نعيم القضاعي).

قُضاعة _ بالضمّ _ : أبو حيّ من اليمن. كذا في الصحاح.(1)

متن الحديث الثامن والثمانين والخمسمائة

اشارة

أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ(2) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ ، عَمَّنْ رَوَاهُ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا اتَّخَذَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً ، أَتَاهُ بُشْرَاهُ بِالْخَلَّةِ ، فَجَاءَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ فِي صُورَةِ شَابٍّ أَبْيَضَ ، عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَبْيَضَانِ ، يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً وَدُهْنا ، فَدَخَلَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام

الدَّارَ ، فَاسْتَقْبَلَهُ خَارِجا مِنَ الدَّارِ ، وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلامرَجُلاً غَيُورا ، وَكَانَ إِذَا خَرَجَ فِي حَاجَةٍ أَغْلَقَ بَابَهُ وَأَخَذَ مِفْتَاحَهُ مَعَهُ ، ثُمَّ رَجَعَ فَفَتَحَ ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ أَحْسَنَ مَا يَكُونُ مِنَ الرِّجَالِ ، فَأَخَذَهُ(3) بِيَدِهِ ، وَقَالَ : يَا عَبْدَ اللّهِ ، مَنْ أَدْخَلَكَ دَارِي؟ فَقَالَ : رَبُّهَا أَدْخَلَنِيهَا ، فَقَالَ : رَبُّهَا أَحَقُّ بِهَا مِنِّي ، فَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ : أَنَا مَلَكُ الْمَوْتِ، فَفَزِعَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام، فَقَالَ: جِئْتَنِي لِتَسْلُبَنِي رُوحِي؟ قَالَ: لاَ ، وَلكِنِ اتَّخَذَ اللّهُ عَبْدا خَلِيلاً ، فَجِئْتُ لِبِشَارَتِهِ، قَالَ(4): فَمَنْ هُوَ لَعَلِّي أَخْدُمُهُ حَتّى أَمُوتَ، قَالَ: أَنْتَ هُوَ، فَدَخَلَ عَلى سَارَةَ عليهاالسلام ، فَقَالَ لَهَا: إِنَّ اللّهَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ اتَّخَذَنِي خَلِيلاً».

شرح

السند مجهول مرسل.

قوله: (لمّا اتّخذ اللّه إبراهيم خليلاً أتاه) من الإيتاء.

(بشراه) أي بشارته.

ص: 415


1- . الصحاح، ج 3، ص 1266 قضع.
2- . السند معلّق على سابقه.
3- . في أكثر نسخ الكافي والوافي: «فأخذ».
4- .في بعض نسخ الكافي: + «إبراهيم».

(بالخلّة).

قيل: الخلّة من الخلال؛ فإنّه ودّ تخلّل النفس وخاذلها. وقيل: من الخلل؛ لأنّ كلّ واحد من الخليلين يسدّ خلل الآخر، أو من الخلّ وهو الطريق في الرمل، فإنّهما يترافقان في الطريقة. أو من الخلّة بمعنى الخصلة؛ فإنّهما يتوافقان في الخصال.(1)

وقيل: الخليل من الخلّة _ بالفتح _ بمعنى الحاجة، وسمّي عليه السلام خليلاً لأنّه قصّر حاجته على اللّه عزّ وجلّ. وقيل: سمّي به لتخلّقه بأخلاق اختصّت به. وقيل: الخليل من لا يسع قلبه غير من فيه، وسمّي عليه السلام خليلاً لأنّ حبّ اللّه سبحانه لم يُبق في قلبه موضعا لغيره.(2)

وقيل: الخليل مشترك بين المحبّ والمحبوب، وكلاهما محتمل في خليل الرحمن.(3)

وقال الفيروزآبادي:

الخلّة: الحاجة، والفقر، والخصاصة. والخلّة: الخصلة. وبالضمّ: الصداقة المختصّة لا خلل فيها، أو الخليل الصادق، أو من أصفى المودّة وأصحّها وهي بهاء.(4)

وقوله: (فجاءه ملك الموت).

الفاء للتفسير. وقيل: لعلّ السرّ في تخصيص ملك الموت بالبشارة بالخلّة كونه سببا للقاء اللّه والوصول إليه، وبالبشارة بالخلّة يشتاق قلب الخليل إلى لقاء خليله ووصوله إليه.(5)

(يقطر رأسه ماءً ودهنا) كأنّه كناية عن غاية الصفاء ونهاية الطراوة، كما يشعر به كلام الجوهري.(6)

وقال الفيروزآبادي: «قوم مدّهنون كمعظّم عليهم آثار النعمة، وهو طيب الدُهنة _ بالضمّ _ أي الرائحة».(7)

وقوله: (فاستقبله) أي استقبل ملك الموت إبراهيم عليه السلام، أو بالعكس.

وقوله: (خارجا من الدار) حال عن ملك الموت.

ص: 416


1- . القائل هو العلاّمة المجلسي رحمه الله في¨ مرآة العقول، ج 26، ص 602 و 603.
2- . ناقل الأقوال هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 571.
3- . نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 572 عن إكمال الإكمال.
4- .القاموس المحيط، ج 3، ص 370 خلل مع التلخيص.
5- .قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي، ج 26، ص 333، ذيل ح 25442.
6- .الصحاح، ج 5، ص 2115 و 2116 دهن.
7- . القاموس المحيط، ج 4، ص 224 دهن مع التلخيص.

وقوله: (اتّخذ اللّه عبدا خليلاً) أي اصطفاه وخصّصه بكرامة تشبه كرامة الخليل عند خليله.

متن الحديث التاسع والثمانين والخمسمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ سُلَيْمٍ الْفَرَّاءِ ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام مِثْلَهُ إِلاَّ أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِهِ : «إِنَّ الْمَلَكَ لَمَّا قَالَ : أَدْخَلَنِيهَا رَبُّهَا ، عَرَفَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام أَنَّهُ مَلَكُ الْمَوْتِ عليه السلام ، فَقَالَ لَهُ : مَا أَهْبَطَكَ؟ قَالَ(1) : جِئْتُ أُبَشِّرُ رَجُلاً أَنَّ اللّهَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ اتَّخَذَهُ خَلِيلاً ، فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام : فَمَنْ هذَا الرَّجُلُ؟ فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ : وَمَا تُرِيدُ مِنْهُ؟ فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام : أَخْدُمُهُ أَيَّامَ حَيَاتِي ، فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ : فَأَنْتَ هُوَ» .

شرح

السند المرسل .

متن الحديث التسعين والخمسمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ عَطِيَّةَ ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : «أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام خَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ يَسِيرُ بِبَعِيرٍ ، فَمَرَّ بِفَلاَةٍ مِنَ الْأَرْضِ ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ يُصَلِّي قَدْ قَطَعَ الْأَرْضَ إِلَى السَّمَاءِ طُولُهُ وَلِبَاسُهُ شَعْرٌ».

قَالَ : «فَوَقَفَ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام ، وَعَجِبَ مِنْهُ ، وَجَلَسَ يَنْتَظِرُ فَرَاغَهُ ، فَلَمَّا طَالَ عَلَيْهِ حَرَّكَهُ بِيَدِهِ ، فَقَالَ لَهُ : إِنَّ لِي حَاجَةً فَخَفِّفْ» .

قَالَ : «فَخَفَّفَ الرَّجُلُ ، وَجَلَسَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام ، فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ : لِمَنْ تُصَلِّي؟ فَقَالَ : لاِءِلهِ إِبْرَاهِيمَ ،فَقَالَ لَهُ : وَمَنْ إِلهُ إِبْرَاهِيمَ؟ فَقَالَ : الَّذِي خَلَقَكَ وَخَلَقَنِي ، فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام : قَدْ أَعْجَبَنِي نَحْوُكَ ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أُوَاخِيَكَ فِي اللّهِ ، أَيْنَ مَنْزِلُكَ إِذَا أَرَدْتُ زِيَارَتَكَ وَلِقَاءَكَ؟ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ : مَنْزِلِي خَلْفَ هذِهِ النُّطْفَةِ _ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْبَحْرِ _ وَأَمَّا مُصَلاَّيَ فَهذَا الْمَوْضِعُ، تُصِيبُنِي فِيهِ إِذَا أَرَدْتَنِي إِنْ شَاءَ اللّهُ» .

ص: 417


1- .في بعض نسخ الكافي: «فقال».

قَالَ : «ثُمَّ قَالَ الرَّجُلُ لاِءِبْرَاهِيمَ عليه السلام : أَ لَكَ حَاجَةٌ؟ فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ : نَعَمْ ، فَقَالَ(1) : وَمَا هِيَ؟ قَالَ : تَدْعُو اللّهَ وَأُؤمِّنُ عَلى دُعَائِكَ ، وَأَدْعُو أَنَا فَتُؤمِّنُ عَلى دُعَائِي ، فَقَالَ الرَّجُلُ : فِيمَ(2) نَدْعُو(3) اللّهَ؟ فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام : لِلْمُذْنِبِينَ مِنَ الْمُؤمِنِينَ ، فَقَالَ الرَّجُلُ : لاَ ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام : وَلِمَ؟ فَقَالَ : لِأَنِّي قَدْ دَعَوْتُ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ مُنْذُ ثَلاَثِ سِنِينَ بِدَعْوَةٍ لَمْ أَرَ إِجَابَتَهَا حَتَّى السَّاعَةِ ، وَأَنَا أَسْتَحْيِي مِنَ اللّهِ تَعَالى أَنْ أَدْعُوَهُ حَتّى أَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ أَجَابَنِي ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام : فِيمَ(4) دَعَوْتَهُ؟ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ : إِنِّي فِي مُصَلاَّيَ هذَا ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ مَرَّ بِي غُلاَمٌ أَرْوَعُ ، النُّورُ يَطْلُعُ مِنْ جَبْهَتِهِ ، لَهُ ذُؤابَةٌ مِنْ خَلْفِهِ ، وَمَعَهُ بَقَرٌ يَسُوقُهَا كَأَنَّمَا دُهِنَتْ دَهْنا ، وَغَنَمٌ يَسُوقُهَا كَأَنَّمَا دُحِسَتْ دَحْسا(5) ، فَأَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْهُ ، فَقُلْتُ(6) لَهُ : يَا غُلاَمُ ، لِمَنْ هذَا(7) الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ؟ فَقَالَ لِي : لاِءِبْرَاهِيمَ عليه السلام(8) ، فَقُلْتُ : وَمَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ : أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمنِ ، فَدَعَوْتُ اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، وَسَأَلْتُهُ أَنْ يُرِيَنِي خَلِيلَهُ ، فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام : فَأَنَا إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمنِ ، وَذلِكَ الْغُلاَمُ ابْنِي ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ عِنْدَ ذلِكَ : الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي أَجَابَ دَعْوَتِي .

ثُمَّ قَبَّلَ الرَّجُلُ صَفْحَتَيْ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام وَعَانَقَهُ ، ثُمَّ قَالَ : أَمَّا الاْنَ فَقُمْ فَادْعُ حَتّى أُؤمِّنَ عَلى دُعَائِكَ ، فَدَعَا إِبْرَاهِيمُ عليه السلاملِلْمُؤمِنِينَ وَالْمُؤمِنَاتِ وَالْمُذْنِبِينَ مِنْ يَوْمِهِ ذلِكَ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرِّضَا عَنْهُمْ» . قَالَ : «وَأَمَّنَ الرَّجُلُ عَلى دُعَائِهِ».

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «فَدَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام بَالِغَةٌ لِلْمُؤمِنِينَ الْمُذْنِبِينَ مِنْ شِيعَتِنَا إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» .

شرح

السند حسن.

قوله: (قد قطع الأرض إلى السماء).

القطع: العبور.

ص: 418


1- .في الطبعة القديمة: + «له».
2- . هكذا في النسخة وأكثر نسخ الكافي والوافي. وفي كلتا الطبعتين: «فبم».
3- . في بعض نسخ الكافي: «تدعو».
4- . هكذا في النسخة وأكثر نسخ الكافي والوافي. وفي كلتا الطبعتين: «فبم».
5- . هكذا في النسخة وأكثر نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: «دخست دخسا» بالخاء المعجمة.
6- . في بعض نسخ الكافي: «قلت». وفي بعضها: «وقلت».
7- . في بعض نسخ الكافي: «هذه».
8- . في أكثر نسخ الكافي: - «لابراهيم عليه السلام».

وقوله: (طوله) فاعل «قطع».

وقوله: (نحوك) أي طريقتك في العبادة، أو مثلك، أو قصدك.

قال الفيروزآبادي: «النطفة _ بالضمّ _ : الماء الصافي _ قلَّ أو كثُر _ والبحر».(1)

وقال: «الأروع: من يعجبك لحسنه ومنظره، أو لشجاعته».(2)

وقوله: (له ذؤابة) بالضمّ وهمز العين وهي قصاص الشعر، ويطلق على شعر الرأس إذا كان متدلّيا مطلقا.

وقوله: (كأنّما دهنت دهنا) بفتح الدال. يُقال: دهن رأسه _ كنصر ومنع _ دهنا ودهنة: بلّه، والاسم: الدهن بالضمّ، وهو هنا كناية عن سمنتها، أي كأنّه ملئت دهنا؛ أو عن صفائها، أي كأنّه اطّليت به.

وقوله: (دحست دحسا) بالحاء المهملة في أكثر النسخ، من قولهم: دحس الشيء _ كمنع _ : إذا ملأه. ودحس السنبل: إذا امتلأت أكمته من الحبّ.

وفي بعضها بالخاء المعجمة. قال الجوهري: «الدخيس: اللحم المكتنز، وكلّ سمين».(3)

وعلى التقديرين يكون كناية عن غاية السمن.

وقوله: (من يومه ذلك)؛ كأنّ المراد إلى يوم القيامة، كما يستفاد من كلمة «من»، ويؤيّده ما رواه الصدوق رحمه الله في كتاب إكمال الدِّين.(4) واعلم أنّ هذه الرواية رواها صاحب كتاب معارج النبوّة(5) بوجه آخر، قال: أمر اللّه _ عزّ وجلّ _ إبراهيم عليه السلامأن يأتي جبل لبنان ليصادف خاصّا من خواصّه تعالى، فأتاه ورأى هناك رجلاً طويل القامة طوله خمسمائة ذراع، فسلّم عليه إبراهيم عليه السلام، فردّ عليه السلام، فقال: ما اسمُك؟ قال: أنا عبد اللّه هوذى بن سام بن نوح.

ثمّ قال لإبراهيم عليه السلام: من أنت؟ قال: عبدُ من عباد اللّه جئت لأزورك. قال هوذى: الحمد للّه الذي جاء بك في يوم إفطاري، فسأله إبراهيم عليه السلام عن صومه وإفطاره، فقال: أفطر في كلّ تسعين يوما مرّة، فتعجّب إبراهيم عليه السلام.

ص: 419


1- . القاموس المحيط، ج 3، ص 200 نطف مع التلخيص.
2- . القاموس المحيط، ج 3، ص 32 روع مع اختلاف في اللفظ.
3- . الصحاح، ج 3، ص 927 دخس و فيه: «وكّل ذي سمن دخيس».
4- . كمال الدين، ص 141، ح 8.
5- . لم نعثر عليه.

ثمّ أقبل هوذى بوجهه إلى السماء فقال: اللَّهُمَّ انزل عليَّ مائدةً من السماء لأكرم بها ضيفي، فنزلت مائدة من السماء في خِوانٍ أصله زبرجد، وشرفه من لؤلؤة بيضاء، وقوائمه من ياقوتة حمراء، وفي أحد أطرافه أربعة أرغفة، وفي طرفه الآخر سخلة مشويّة، وفي آخر ظروف من الذهب والفضّة فيها من ثمار الجنّة، وفي آخر ثلاثة أقداح صغار في أحدها عسل ممزوج بالدّهن، وفي آخر خردل، وفي آخر خلّ، وعليها غطاء أحد وجهيه أبيض، والآخر أخضر، فأكلا منها وشربا من أشربتها، فقال له إبراهيم عليه السلام: إنّ طعامك وشرابك في غاية الجودة، فأخبرني أين منزلك ومأواك؟

قال: خلف هذا البحر، قال: اُريد أن اُشاهده، قال: إنّ طريق منزلي وجه الماء، فقال إبراهيم عليه السلام: إنّي اُرافقك واتّبعك في هذا الطريق، قال: إنّ هذا البحر بعيد الغور جدّا حتّى مخنا سقط فيه من يد نوح عليه السلام حين اشتغاله بنجر السفينة، فلم يبلغ قعره منذ ألف سنة، فقال له إبراهيم عليه السلام: لعلّ اللّه يُعينني على ذلك.

ثمّ قال هوذى: إنّ في هذا الجبل _ يعني جبل لبنان _ غار، وفيه لبوة، ومعها شبلاها، وهي عظيمة الجثّة حتّى أنّ ما بين عنقها وذنبها خمسمائة ذراع، وما بين فخذيها مائتا ذراع، ومن الأرض إلى بطنها ثلاثمائة ذراع، وفمها كالوادي، وأسنانها كالاسطوانة، وعيناها كجمرتين

من نار، ولها صوتٌ شديد مهيل تزلزل منه الأرض فإذا رأيتها ولم تخفها وسمعت صوتها ولم ترتعش علمت أنّك تقدر على المرور على هذا البحر، فقال: أراني مكانها، فأراه إيّاه،

فلمّا سمعت صوته صوّتت صوتا شديدا تحرّكت واضطربت من هيبته الأرض والجبال، فزبرها إبراهيم عليه السلاموقال لها: اسكتي وإلاّ ضربتك بعصاي ولعنتك وأشبالك.

فقالت: يا إبراهيم، أنت أعظم من أن تتأذّى بي، وتواضعت له، فجاء إلى هوذى سالما، فقال له: الآن علمت أنّك تقدر على المرور معي في هذا البحر؟

ثمّ أخذ بيده ومشيا على وجه الماء حتّى بلغا منزله، فرأى إبراهيم عليه السلام وجنة قصعة وبورياء بالية وعصار منكسرة، فقال: هذه أثاث بيتك؟ فقال: نعم، قال: فما تصنع بها؟ قال:

أشرب من هذه القصعة، وأتوضّأ منها، وأغسل رأسي ولحيتي، وأمّا البورياء فهي مصلاّي ومتّكاي، وأمّا العصا فأغرزها على الأرض حتّى أثمرت، وأفطر من ثمارها إذا احتجت.

فقال إبراهيم عليه السلام: هذا أمرٌ غريب اُريد أن أُشاهده بعيني، وكان هناك صخرة فضرب عصاه

ص: 420

بها فدخل أسفلها فبها، واخضرّت في الحال وخرجت من أطرافها وجوانبها أربعة أغصان؛ في واحد منها الرطب، وفي آخر العنب، وفي آخر التين، وفي آخر الرمّان، فأكلا منها حتّى شبعا، ثمّ أخرج عصاه فعادت إلى سيرتها الاُولى.

ثمّ قال له إبراهيم عليه السلام: يا وليّ اللّه ، إنّ لي إليك حاجة؛ اُريد أن تقضيها لي! قال: وما حاجتك؟ قال: تدعو لي، قال: لا تظنّ بي استجابة دعائي؛ فإنّي سألت اللّه تعالى منذ أربعين سنة ولم يستحب لي حتّى الساعة، قال: وما هي؟ قال: سألته أن يشرّفني برؤية خليله إبراهيم، قال عليه السلام: من أين عرفت إبراهيم حتّى سألت اللّه لقاءه؟ قال: بينا أنا ذات يوم أمرّ على شاطئ هذا البحر إذ رأيت غلاما حسن الوجه وله ذؤابتان مرسلتان إلى حقويه وهو ينادي: اللَّهُمَّ شرّفني برؤية إبراهيم خليك، وعجِّل لي ذلك! فقلت له: مَن أنت؟ قال: أنا إسماعيل بن إبراهيم، أشتاق إلى طلعة أبٍ كريم. فقال هوذى: فأنا سألت اللّه لقاء إبراهيم عليه السلاممنذ أربعين سنة لم يستجب لي بعدُ.

فقال عليه السلام: يا هوذى، اعلم أنّي أنا إبراهيم خليل الرحمن، وقد استجاب اللّه دعاك. ففرح هوذى غاية الفرح، وعانقه، وأظهر كمال الاشتياق والمحبّة وبكيا، وهو أوّل معانة تحقّق بين الأصدقاء، ولم يكن قبل.

ثمّ قال عليه السلام: يا هوذى، وأنا أيضا أتمنّى طلعة ابني، فادع اللّه أن يطوي لي الأرض حتّى أسعد بطلعته عاجلاً، فدعا له فاستُجيب حتّى سمع إبراهيم عليه السلام من ساعته صوت إسماعيل عليه السلام، وسمع هو أيضا صوت أبيه، فالتقيا في ذلك المجلس، واعتنقا وبكيا حتّى ابتلّت الأرض من دموعهما واخضرّت بالنبات.(1)

متن الحديث الحادي والتسعين والخمسمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ رَفَعَهُ ، قَالَ :

كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهماالسلام إِذَا قَرَأَ هذِهِ الاْيَةَ «وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللّهِ لا تُحْصُوها»(2) يَقُولُ : «سُبْحَانَ مَنْ لَمْ يَجْعَلْ فِي

ص: 421


1- . اُنظر: شرح المازندراني، ج 12، ص 573 و 574.
2- .إبراهيم 14: 34؛ النحل (16): 18.

أَحَدٍ مِنْ مَعْرِفَةِ نِعَمِهِ إِلاَّ الْمَعْرِفَةَ بِالتَّقْصِيرِ عَنْ مَعْرِفَتِهَا ، كَمَا لَمْ يَجْعَلْ فِيأَحَدٍ مِنْ مَعْرِفَةِ إِدْرَاكِهِ أَكْثَرَ مِنَ الْعِلْمِ أَنَّهُ لاَيُدْرِكُهُ ، فَشَكَرَ _ جَلَّ وَعَزَّ _ مَعْرِفَةَ الْعَارِفِينَ بِالتَّقْصِيرِ عَنْ مَعْرِفَةِ شُكْرِهِ ، فَجَعَلَ مَعْرِفَتَهُمْ بِالتَّقْصِيرِ شُكْرا كَمَا عَلِمَ عِلْمَ الْعَالِمِينَ أَنَّهُمْ لاَيُدْرِكُونَهُ ، فَجَعَلَهُ إِيمَانا، عِلْما مِنْهُ أَنَّهُ قَدُّ وُسْعِ الْعِبَادِ ، فَلاَ يَتَجَاوَزُ ذلِكَ ، فَإِنَّ شَيْئا مِنْ خَلْقِهِ لاَيَبْلُغُ مَدى عِبَادَتِهِ، وَكَيْفَ يُبْلَغُ مَدى عِبَادَتِهِ مَنْ لاَ مَدى لَهُ وَلاَ كَيْفَ ، تَعَالَى اللّهُ عَنْ ذلِكَ عُلُوّا كَبِيرا» .

شرح

السند مرسل.

قوله تعالى: «وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللّه ِ لاَ تُحْصُوهَا» أي لا تضبطوا عددها فضلاً أن تطيقوا القيام بشكرها. يُقال: أحصاه، أي عدّه.

وقوله: (سبحان من لم يجعل) إلى آخره.

قيل نزّهه عن جميع النقائص للتنبيه على أنّ عدم الجعل ليس للنقص في إحسانه، بل لقصور البشر عن ادراك غير المحصور والإحاطة به. والظاهر أنّ الحكم شامل للأنبياء، وأنّ المراد بنعمته العموم والشمول؛ لوقوع النكرة في سياق النفي والإضافة، وأنّ المراد بمعرفة نعمه المعرفة التفصيليّة؛ إذ المعرفة الإجماليّة غير متعذّرة، وأنّ التقصير عن معرفتها لا يدلّ لغةً على أنّ معرفتها ممكنة لجواز خروجها عن القدرة البشريّة، وإن كانت في غاية الكمال،كما يدلّ عليه التشبيه في قوله: (كما لم يجعل) إلى قوله: (إنّه لا يدركه) أي لا يدرك حقيقة ذاته وصفاته؛ لأنّ إدراكها ممتنع، فكذا في المشبّه به.(1)

قوله: (فشكر) إلى قوله: (معرفة شكره) إشارة إلى ما يتفرّع على المشبّه، والاعتراف بهذا التقصير لازم للاعتراف بالتقصير عن معرفة نعمه.

(فجعل معرفتهم بالتقصير) عنهما (شكرا) وجزاهم جزاء الشاكرين.

ثمّ إنّه عليه السلامأراد أن يشير إلى ما يترتّب على المشبّه به، فقال: (كما علم علم العالمين) بكسر اللاّم، والفتح محتمل (أنّهم لا يدركونه، فجعله) أي جعل علم العالمين بأنّهم لا يدركونه.

(إيمانا) وجزاهم جزاء المؤمنين.

ص: 422


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 575.

(علما منه تعالى أنّه) أي عدم إدراكه.

(قدّ وسع العباد).

القدّ _ بالفتح وتشديد الدال المهملة _ : القدر، والقطع المستأصل، وقامة الرجل، وتقطيعه، واعتداله.

ثمّ اعلم أنّ قوله: «علما» تعليل للفقرات السابقة. وقيل: التعليل فيما سوى الأوّل أظهر،(1) فتأمّل.

والمستتر في قوله: (فلا يتجاوز ذلك) راجع على الوسع، و«ذلك» إشارة إلى اعتراف العارفين بالتقصير، وعلم العالمين أنّهم لا يدركونه، وإرجاع المستتر إليه تعالى والإشارة إلى الجعلين محتمل، وكان قوله: (فإنّ شيئا من خلقه لا يبلغ مدى عبادته) تعليل لكونه قدّ وسع العباد.

والمدى _ كالفتى _ : الغاية، أي غاية عبادته اللاّئقة به.

(وكيف يبلغ مدى عبادته).

كذا في النسخ، والظاهر «عبادة» بدون الضمير.

(من لا مدى له) أي لوجوده، أو لمعرفة ذاته وصفاته، أو لكمالاته.

(ولا كيف، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا)؛ لأنّ اللاّئق بمن ليس له مدى، وكيف عبادة خلت عنهما؛ إذ كلّ ما له أحدهما ممكن ناقص لا يليق بجنابه المتعالي عنهما، ولا ريب أنّ أحدا لا يبلغ مدى تلك العبارة الخالية عنهما؛ لأنّ البلوغ والقدرة عليها فرع الخلوّ عنهما، ولا يمكن ذلك في الممكن.

متن الحديث الثاني والتسعين والخمسمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي هَاشِمٍ ، عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ بِجَادٍ الْعَابِدِ ، عَنْ جَابِرٍ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : كُنَّا عِنْدَهُ وَذَكَرُوا سُلْطَانَ بَنِي أُمَيَّةَ ، فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «لاَيَخْرُجُ عَلى هِشَامٍ أَحَدٌ إِلاَّ قَتَلَهُ» .

ص: 423


1- . قاله العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 605.

قَالَ: وَذَكَرَ مُلْكَهُ عِشْرِينَ سَنَةً، قَالَ : فَجَزِعْنَا ، فَقَالَ : «مَا لَكُمْ؟ إِذَا أَرَادَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ أَنْ يُهْلِكَ سُلْطَانَ قَوْمٍ أَمَرَ الْمَلَكَ، فَأَسْرَعَ بِسَيْرِ(1) الْفَلَكِ ، فَقَدَّرَ عَلى مَا يُرِيدُ» .

قَالَ : فَقُلْنَا لِزَيْدٍ عليه السلام هذِهِ الْمَقَالَةَ ، فَقَالَ : إِنِّي شَهِدْتُ هِشَاما وَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آلهيُسَبُّ عِنْدَهُ ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذلِكَ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ ، فَوَ اللّهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ إِلاَّ أَنَا وَابْنِي لَخَرَجْتُ عَلَيْهِ» .

شرح

السند صحيح.

قوله: (لا يخرج على هشام)؛ يعني هشام بن عبد الملك بن مروان.

وقوله: (قال)؛ يعني جابر.

(فقلنا لزيد عليه السلام هذه المقالة)؛ يعني مقالة أبي جعفر عليه السلام.

(فقال)؛ يعني زيد.

(إنّي شهدت هشاما)؛ يعني حضرت مجلسه.

وقوله: (يسبّ) على البناء للمفعول.

وقوله: (فلم ينكر ذلك) أي فلم يمنع ذلك السبّ.

متن الحديث الثالث والتسعين والخمسمائة

اشارة

وَبِهذَا الاْءِسْنَادِ ، عَنْ عَنْبَسَةَ ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ ، قَالَ :

كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام إِذْ أَقْبَلَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ فَسَلَّمَ ، ثُمَّ ذَهَبَ ، فَرَقَّ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، وَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ ، فَقُلْتُ لَهُ : لَقَدْ رَأَيْتُكَ صَنَعْتَ بِهِ مَا لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُ؟

فَقَالَ : «رَقَقْتُ لَهُ لِأَنَّهُ يُنْسَبُ إِلى أَمْرٍ لَيْسَ لَهُ ، لَمْ أَجِدْهُ فِي كِتَابِ عَلِيٍّ عليه السلاممِنْ خُلَفَاءِ هذِهِ الْأُمَّةِ وَلاَ مِنْ مُلُوكِهَا» .

شرح

السند مختلفٌ فيه.

قوله: (محمّد بن عبد اللّه ) وهو محمّد بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي

ص: 424


1- . في بعض نسخ الكافي: «بالسير». وفي بعضها: «السير». وفي بعضها: «لسير».

طالب عليه السلام، وقد مرّ في كتاب الحجّة جملة من أحواله.

والرِّقة _ بالكسر _ : الرحمة، وفعله كفرّ.

وقوله: (إلى أمر) يعني الخلافة، أو المُلك والسلطنة.

متن الحديث الرابع والتسعين والخمسمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ رَفَعَهُ ، قَالَ :

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام لِرَجُلٍ : «مَا الْفَتى عِنْدَكُمْ؟».

فَقَالَ لَهُ : الشَّابُّ .

فَقَالَ : «لاَ ، الْفَتَى : الْمُؤمِنُ ، إِنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ كَانُوا شُيُوخا، فَسَمَّاهُمُ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ فِتْيَةً بِإِيمَانِهِمْ» .

شرح

السند مرفوع.

قوله: (ما الفتى عندكم).

قال الجوهري: «الفتى: الشابّ. والفتى: السخيّ الكريم»(1) انتهى.

ولمّا كان معنى الأوّل هو الشايع المتبادر أجاب المخاطب به، (فقال له: الشابّ)؛ فبيّن عليه السلامغرضه من هذا السؤال وأنّه لم يرد هذا المعنى، بل المعنى الذي ورد في كثير من الآيات والأخبار، وهو السخيّ الكريم الذي جاد بترك الدُّنيا وابتغاء الآخرة والإيمان.

(فقال: لا، الفتى: المؤمن).

وحاصله: أنّ المستحقّ بهذا الاسم أو الأولى به المؤمن الذي يبذل نفسه وماله في سبيل اللّه ، وقد روي أنّ النبيّ صلى الله عليه و آلهقال: «أنا الفتى بن الفتى أخو الفتى»(2) أي ابن إبراهيم عليه السلام، وأخو عليّ بن أبي طالب عليه السلام حيث قال فيه: لا فتى إلاّ عليّ.

ص: 425


1- . الصحاح، ج 6، ص 2452 فتى مع التلخيص.
2- .الأمالي للصدوق، ص 268، المجلس 36، ح 292.

متن الحديث الخامس والتسعين والخمسمائة

اشارة

مُحَمَّدٌ(1) ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ سَدِيرٍ ، قَالَ :

سَأَلَ رَجُلٌ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ»(2) فَقَالَ : «هؤلاَءِ قَوْمٌ كَانَتْ(3) لَهُمْ قُرًى مُتَّصِلَةٌ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ ، وَأَنْهَارٌ جَارِيَةٌ ، وَأَمْوَالٌ ظَاهِرَةٌ ، فَكَفَرُوا بِأَنْعُمِ اللّهِ ، وَغَيَّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ، فَأَرْسَلَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ ، فَغَرَّقَ قُرَاهُمْ ، وَأَخْرَبَ دِيَارَهُمْ ، وَأَذْهَبَ بِأَمْوَالِهِمْ ، وَأَبْدَلَهُمْ مَكَانَ جَنَّاتِهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ ، وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ، ثُمَّ قَالَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ : «ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِى إِلاَّ الْكَفُورَ»(4)» .

شرح

السند حسن على الأصحّ.

قوله تعالى: «فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا».

روي أنّه كان سفر أهل سبأ إلى الشام، وكان بين بلدهم وبين الشام قرى متواصلة، فآثروا الأغنياء النعمة وملّوا العافية، وسألوا اللّه أن يجعل بينهم وبين الشام مفاوزا؛ ليتفاخروا على الضعفاء، ويتطاولوا على الفقراء بركوب الرواحل وتزوّد الأزواد.(5)

«وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ» حيث بطروا النعمة ولم يعتدّوا بها.

(فقال عليه السلام: هؤلاء) القائلين (قومٌ كانت لهم قرى متّصلة) بعضها ببعض بحيث (ينظر بعضهم

إلى بعض).

(وأنهار جارية) في قراهم وبساتينهم ومنازلهم.

(وأموال ظاهرة) من الأنعام والمواضي وغيرها.

(فكفروا بأنعم اللّه ) بترك الشكر عليها.

ص: 426


1- . في بعض نسخ الكافي: + «بن يحيى».
2- . سبأ 34: 19.
3- . في الطبعة القديمة: «كان».
4- . سبأ 34: 17.
5- . راجع: تفسير البيضاوي، ج 4، ص 398؛ بحار الأنوار، ج 14، ص 147، ذيل ح 3.

(وغيّروا ما بأنفسهم) من العزم والقصد إلى طاعة اللّه وتصديق نبيّهم.

(فأرسل اللّه عليهم سيل العرم).

قال البيضاوي:

أي الصعب، من عرم الرجل فهو عارم، وعرم: إذا شرس خلقه [وصعب]، أو المطر الشديد، أو الجرذ أضاف إليه السيل؛ لأنّه نقب عليهم سكرا ضربته لهم بلقيس. أو المسناة التي عقدت سِكرا _ على أنّه جمع عرمة وهي الحجارة المركومة _ . وقيل: اسم واد جاء السيل من قِبله، وكان ذلك بين عيسى ومحمّد صلّى اللّه عليهما(1)، انتهى.

وقال الجوهري: «العرم: المسناة، لا واحد لها من لفظها، ويقال: واحدها عرمة».(2)

وفي القاموس:

العرمة _ كفرحة _ : سدّ يعترض به الوادي، الجمع: عرم، أو هو جمع بلا واحد، أو هو الأحباس تبنى في الأودية. والجرذ. الذكر، والمطر الشديد، وواد، وبكلّ فسّر قوله تعالى: «سَيْلَ الْعَرِمِ»(3).

(وأبدلهم مكان جنّاتهم).

قيل: كانت لهم جنّات كثيرة عن اليمين والشمال، وكانت من حيث الاتّصال بمنزلة جنّتين،(4) فلا تنافي بين قوله عليه السلام: «جنّاتهم» وبين قوله تعالى: «بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ»(5) أي مرّ بشع.

وقال الفيروزآبادي:

الخمط: الحامض، أو المرّ من كلّ شيء، وكلّ نبت أخذ طعما من مرارة، والحمل القليل من كلّ شجر، وشجر كالسدر، وشجر قاتل، أو كلّ شجر لا شوك له، وثمر الأراك.(6)

وقال: «الاُكل _ بالضمّ وبضمّتين _ : الثمر، والرزق، والحظّ من الدُّنيا».(7)

ص: 427


1- .تفسير البيضاوي، ج 4، ص 397 مع التلخيص.
2- . الصحاح، ج 5، ص 1983 عرم.
3- . القاموس المحيط، ج 4، ص 149 عرم مع التلخيص.
4- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 577.
5- .سبأ 34: 16.
6- . القاموس المحيط، ج 2، ص 359 خمط.
7- . القاموس المحيط، ج 3، ص 329 أكل.

«وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ»(1).

قال البيضاوي: «هما معطوفان على الاُكل، لا على «خمط» فإنّ الأثل هو الطرفاء و لا ثمر له».(2)

وقال الرازي: «قلّل السدر؛ لأنّه أكرم ما بدّلوا به».(3)

والأثل والسدر معطوفان على «اُكل» لا على خمط؛ لأنّ الأثل لا أكل له، وكذا السّدر.

«ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا» أي بكفرانهم النعمة، أو بكفرهم بالرُّسل؛ إذ روى أنّه بعث إليهم ثلاثة عشر نبيّا فكذّبوهم،(4) وتقديم المفعول للتعظيم لا للتخصيص.

«وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الْكَفُورَ»(5)؛ أي هل نجازي بذلك الجزاء، أو مطلقا إلاّ البليغ في الكفران، أو في الكفر المنهمك فيهما؟!

قيل: إنّما يفهم من ظاهر هذا الخبر أنّ تخريب قراهم بسبب كفرهم أو كفرانهم، وصرّح بعض المفسّرين بأنّ بلادهم خرّبت أوّلاً بسبب كفرهم، ثمّ بعد ذلك خرّبت القرى المتوسّطة بينهم وبين الشام بسبب كفرهم وطلب البُعد.(6)

متن الحديث السادس والتسعين والخمسمائة

اشارة

الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيُّ ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْوَشَّاءِ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ :

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام، وَأَتَاهُ رَجُلٌ ، فَقَالَ لَهُ : إِنَّكُمْ أَهْلُ بَيْتِ رَحْمَةٍ اخْتَصَّكُمُ اللّهُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ بِهَا .

فَقَالَ لَهُ : «كَذلِكَ نَحْنُ ، وَالْحَمْدُ لِلّهِ، لاَ نُدْخِلُ أَحَدا فِي ضَلاَلَةٍ ، وَلاَنُخْرِجُهُ مِنْ هُدًى ، إِنَّ الدُّنْيَا لاَتَذْهَبُ حَتّى يَبْعَثَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ رَجُلاً مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ ، يَعْمَلُ بِكِتَابِ اللّهِ ، لاَيَرى فِيكُمْ مُنْكَرا إِلاَّأَنْكَرَهُ» .

ص: 428


1- . سبأ 34: 16.
2- . تفسير البيضاوي، ج 4، ص 397.
3- . لم نعثر عليه في تفسير الرازي، لكن نقله الزمخشري في الكشّاف، ج 3، ص 285 عن الحسن.
4- .راجع: جامع البيان، ج 22، ص 96، ح 21985؛ الكشّاف، ج 3، ص 285.
5- . سبأ 34: 17.
6- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 578.

شرح

السند ضعيف.

قوله: (أهل بيت رحمة)؛ لعلّ المراد بالرحمة المعنى المعروف، وهو الرقّة على خلق اللّه ، والتعطّف بهم، والهداية والإرشاد لمراشدهم، أو النبيّ صلى الله عليه و آله؛ فإنّه رحمةٌ للعالمين. أو أهل بيت نزلت فيهم رحمة اللّه ولطفه وإحسانه ووحيه وعصمته.

وقوله: (لا ندخل أحدا في ضلالة) إلى آخره.

قيل: هذا تثبيت للرحمة، وتحريك على الاقتداء بهم، ونفي الرذيلتين إشارة إلى أنّهم قائمون على الهداية دائما من باب الكناية، وهي أبلغ من التصريح، وتعريض على الثلاثة وأضرابهم.(1)

وقوله: (رجلاً منّا)؛ يعني به المهدي الهادي المنتظر الذي بوجوده قامت الأرض والسماوات ومن فيهما ومَن عليهما، جعلنا اللّه من أنصاره وأعوانه وأوليائه، وأحضرنا تحت لوائه، ومتّعنا بلقائه، وصيّرنا في عِداد من انتقم به من أعدائه، بحرمة محمّد خير أنبيائه،

وعليّ أشرف أوصيائه، وعترته الهادين المهديّين خيرة أصفيائه، صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين، والحمد للّه ربّ العالمين.

قال الشارح الخاطئ الجاني «محمّد حسين بن قارياغدي» عفى اللّه عنه وعن والديه، ولا يُحزنهم يوم تُبلى السرائر لديه: هذا آخر ما تيسّر لنا في شرح روضة الكافي، تأليف محمّد بن يعقوب بن إسحاق أبي(2) جعفر الكليني _ نوّر اللّه مرقده الشريف _ وهو شيخ أصحابنا في وقته بالرّيّ ووجههم، وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم؛ قد صنّف كتاب الكافي في عشرين سنة، مات رحمه الله في شهر شعبان سنة تسع وعشرين _ وقيل: ثمان وعشرين وثلاثمائة _ ودُفن بباب الكوفة في مقبرتها، جزاه اللّه من الإسلام خيرا، آمين!

وقع الفراغ من تسويده في عصر يوم الأحد لأربع عشرة مضت من شهر محرّم الحرام من شهور سنة ثمان وتسعين بعد ألف من الهجرة النبويّة المصطفويّة، عليه ألف ألف من

ص: 429


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 578.
2- . في النسخة: «أبو» و هو سهو.

الثناء والتحيّة، والصلاة والسلام على آله خير البريّة.

المرجوّ من خلاّني وخلّص إخواني أن ينظروا فيه بعين العناية والإنصاف، ويعرضوا عن سنن الجور والاعتساف، وما اُبرئ نفسي فإنّ الإنسان توأم الخطأ والسهو والنسيان، وعلى اللّه سبحانه التكلان، إنّه نِعْمَ المُستعان.(1)

ص: 430


1- .كتب الناسخ في تتمّة النسخة هكذا: «قد فرغ من كتابته صفر عليّ بن مراد عليّ الدهاوندي الأصل، وبابلكناريّ المسكن، وقد شغل فيها مع كثرة اختلال في الحال وفرط ضيق في المآل في يوم الخميس قبل الزوال لثلاثة بقين من شهر رمضان المبارك من شهور سنة 1255 خمس وخمسين ومائتين بعد الألف من الهجرة النبويّة، على هاجرها ألف صلاة وتحيّة».

الفه_ارس الع_امّ_ة

1. فهرس الآيات··· 533

2. فهرس الأحاديث··· 583

3. فهرس الأعلام··· 594

4. فهرس الأماكن··· 620

5. فهرس الكتب الواردة في المتن··· 624

6. فهرس الفرق والمذاهب··· 629

7. فهرس الجماعات والقبائل··· 631

8. فهرس الأشعار··· 637

9. فهرس أسماء الآيات والسور الواردة في المتن··· 639

10. فهرس المنابع والمآخذ··· 641

11. فهرس المطالب··· 657

ص: 431

ص: 432

فهرس الآيات

متن الآيةرقم الآيةالصفحة

الفاتحة (1)

«الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَ__لَمِينَ» 3 / 557

«إِيَّاكَ نَعْبُدُ» 2 / 372

البقرة(2)

«لاَ رَيْبَ فِيهِ» 1 / 134

«أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ» 1 / 396

«وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الاْخَرِ» 1 / 390

«أُوْلئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلاَلَةَ بِالْهُدى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ» 1 / 513

«كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ...» 4 / 352، 353، 354

«صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ» 1 / 84

«لاَ يَرْجِعُونَ» 1 / 85

«أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ...» 1 / 270

«إِنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» 1 / 270؛ 2 / 326

«كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً» 1 / 374؛ 2 / 369

ص: 433

«ثُمَّ اسْتَوى» 2 / 419

«وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ» 3 / 499

«فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ» 4 / 34

«لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ» 4 / 182

«وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ» 4 / 148

«أَ تَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ» 1 / 487

«وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمْ الْبَحْرَ» 2 / 89

«وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً...» 1 / 349؛ 4 / 117

«فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ...» 1 / 350

«فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً» 3 / 95

«فَمَا جَزَآءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ...» 1 / 352

«وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا...» 4 / 59، 62

«وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ...» 3 / 558، 559

«إِنَّ اللّه َ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»و109 2 / 326

«وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ» 1 / 334

«أَرِنا مَناسِكَنَا» 1 / 322

«وَوَصّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ» 2 / 237

«فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا» 4 / 266

«وَلِكُلِّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا» 1 / 190؛ 4 / 265

«وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ...» 4 / 74، 75

«وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ...» 1 / 94

«إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنْ الَّذِينَ اتَّبَعُوا...» 1 / 507؛ 3 / 314

«صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ» 1 / 84، 85، 168

«فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفا» 1 / 455

«وَلِتُكَبِّرُوا اللّه َ عَلَى مَا هَدَاكُمْ» 3 / 303؛ 4 / 219

ص: 434

«وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ» 4 / 403

«أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي...» 4 / 404

«يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ...» 3 / 299

«تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى» 1 / 196

«وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ» 2 / 340

«ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ» 3 / 328، 329

«فَاذْكُرُوا اللّه َ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرا» 3 / 322

«وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّه َ...» 3 / 554

«وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ...» 3 / 554، 555

«وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّه َ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالاْءِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ» 1 / 254؛ 3 / 554

«سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ...» 3 / 560

«كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً» 2 / 62

«أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا...» 3 / 558

«يَسْأَلُونَكَ عَنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ...» 4 / 159

«إِنَّ اللّه َ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ» 4 / 220

«وَلاَ تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ» 1 / 130

«وَالصَّلاَةِ الْوُسْطى» 1 / 118؛ 2 / 41

«عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ» 1 / 164

«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ...» 3 / 87، 88، 89

«مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً» 1 / 128

«أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى...» 4 / 89

«ابْعَثْ لَنَا مَلِكا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّه ِ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ...» 4 / 94، 96

«وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّه َ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكا...» 4 / 89، 97

«وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ...» 4 / 90، 91، 94،

95، 96، 97، 98

ص: 435

«فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ» 4 / 91

«قَالَ إِنَّ اللّه َ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي...» 4 / 92، 97

«فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ...» 4 / 93

«وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ...» 4 / 99

«وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرا...» 4 / 93

«فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللّه ِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ...» 4 / 96

«تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللّه ُ...» 3 / 476، 477

«اللّه ُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ...»_257 3 / 7، 455، 456،

556، 557؛ 4/296

«رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ...» 4 / 307، 308

«فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ» 1 / 300؛ 4 / 309

«رَبِّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْىِ الْمَوْتى...» 2/463؛ 4 / 37،

38، 39، 43، 44، 45

«أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ...» 2 / 113

«رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا» 4 / 337

آل عمران (3)

«الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَ_بَهَ مِنْهُ...» 3 / 77

«لَنْ تُغْنِىَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِنْ اللّه ِ شَيْئا» 3 / 350

«قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ...» 3 / 451، 452

«يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرا وَمَا عَمِلَتْ...» 2 / 12

«قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ» 1 / 170، 305؛ 2/45

«قُلْ أَطِيعُوا اللّه َ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللّه َ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ» 4 / 362

«إِنَّ اللّه َ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ» 4 / 362 ؛ 2 / 241، 511

«ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ» 2 / 511

ص: 436

«فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ» 2 / 254

«أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ...» 2 / 327

«مَنْ أَنصَارِى إِلَى اللَّهِ» 3 / 463

«مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّا وَلاَ نَصْرَانِيّا...» 4 / 363

«لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّونَ» 2 / 607

«إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكا» 2 / 135

«وَللّه ِِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ» 3 / 116

«وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا» 1 / 601 ؛ 2 / 607؛

3 / 450، 451

«وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ...» 1 / 516

«كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ» 4 / 340

«وَاللّه ُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» 3 / 116

«وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ...» 1 / 130

«وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ» 1 / 166

«وَما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ...» 1 / 107، 163 ؛ 3 / 336،

337، 474، 475

«فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ» 1 / 161

«فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللّه ِ» 4 / 259

«وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّه ِ أَمْوَاتا بَلْ أَحْيَاءٌ...» 2 / 423، 461؛3 / 355

«فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللّه ُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ...» 2 / 461، 462

«سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا» 4 / 8

«فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاؤُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ...» 1 / 97

«لَتَبْلُوَنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُتُوا الْكِتَابَ...» 1 / 94

«الَّذِينَ... يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ» 1 / 266

ص: 437

النساء (4)

«فَإِنْ خِفْتُمْ» 3 / 12

«وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ» 4 / 104

«وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ» 1 / 524

«وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ» 1 / 112

«إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ...» 1 / 191؛ 3 / 553

«وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ» 1 / 190 ؛ 2 / 365

«إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ» 1 / 393

«فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكا عَظِيما» 2 / 244، 247

«كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ» 2 / 261؛ 4 / 43

«إِنَّ اللّه َ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ...» 3 / 5

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الْأَمْرِ...» 1 / 144، 154 ؛2 / 253 ؛

3 / 5، 6، 12، 314

«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ...» 3 / 6،7، 576؛ 4 / 168

«لوَ إِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَآ أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ...» 3 / 7

«فَكَيْفَ إِذَآ أَصَ_بَتْهُم مُّصِيبَةُ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ...» 3 / 7، 11

«أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّه ُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ...» 2 / 489؛ 3 / 7، 11، 168

«وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّه ِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا...» 3 / 8؛4 / 168، 169

«فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ...» 3 / 8 ، 9، 10؛

4 / 169 ، 170

«وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنْ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ...» 3 / 5، 8 ، 9، 10

«وَإِذا لاَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرا عَظِيما» 3 / 9

«لَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطا مُسْتَقِيما» 3 / 9

ص: 438

«وَمَنْ يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ...» 1 / 125، 126، 166،

394، 395؛ 2/314

«خُذُوا حِذْرَكُم» 2 / 14

«إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً» 1 / 135، 138

«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ...» 3 / 553؛ 4 / 148، 149

«مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ... فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً» 1 / 305

«وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي اْلأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ...» 3 / 6

«فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّه ِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ» 3 / 502

«مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً» 3 / 230

«وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً...» 1 / 137، 167؛ 3 / 227؛

4 / 135

«أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ...» 4 / 135، 136

«وَكُلاًّ وَعَدَ اللّه ُ الْحُسْنَى» 4 / 336

«إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ» 2 / 287

«خُذُوا حِذْرَكُم» 2 / 14

«كِتَاباً مَوْقُوتاً» 1 / 442

«إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنْ الْقَوْلِ» 4 / 167

«إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ...» 1 / 106، 163، 393

«وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزا» 1 / 455

«مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لاَ إِلى هؤُلاَءِ وَلاَ إِلى هؤُلاَءِ» 1 / 520

«إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ...» 1 / 134، 135، 167

«وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينا» 3 / 436

«وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ» 2 / 235

المائدة(5)

«وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الاْءِثْمِ وَالْعُدْوَانِ» 1 / 516؛ 2 / 61

ص: 439

«الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي...» 1 / 100، 313، 314، 323

«وَمَنْ يَكْفُرْ بِالاْءِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الاْخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ» 1 / 318

«إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ» 2 / 407 ؛ 3 / 548

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّه ِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا...» 2 / 297

«وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَىْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانا...» 1 / 117؛ 2 / 228

«فَبَعَثَ اللّه ُ غُرَابا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ» 2 / 229

«مُصَدِّقا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ...» 1 / 439 ؛ 2 / 555

«وَأَقْسَمُوا بِاللّه ِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ» 1 / 494

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ» 2 / 595

«إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا...» 1 / 154، 301 ؛

2 / 253 ؛ 3 / 314

«يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ...» 3 / 92

«قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَ...» 3 / 92

«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ...» 3 / 92

«لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا...» 3 / 92

«وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللّه ُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ...» 3 / 92، 93

«لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ...» 3 / 94

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ...» 3 / 114

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ...» 3 / 115

«ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ» 3 / 114

«وَاتَّقُوا اللّه َ وَاسْمَعُوا وَاللّه ُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ» 4 / 181

«يَوْمَ يَجْمَعُ اللّه ُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ...» 4 / 181 ، 182

«تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِى وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ» 2 / 372 ؛ 3 / 362

«وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدا مَا دُمْتُ فِيهِمْ» 3 / 335

«الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» 3 / 335

ص: 440

«رَضِىَ اللّه ُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ» 4 / 299

الأنعام (6)

«وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» 3 / 27

«قُلْ أَىُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلْ اللّه ُ» 2 / 326

«وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمْ» 3 / 546، 547

«الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا...» 3 / 547

«انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ» 3 / 547

«إِنْ هذَا إِلاّ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ» 1 / 540

«وَلَوْ تَرَى» 3 / 227

«وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّه ِ يَجْحَدُونَ» 3 / 96، 97

«وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ» 1 / 97

«وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» 1 / 170

«قُلْ لَوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ...» 4 / 351، 352

«وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ...» 2 / 527؛ 3 / 355،

356، 357، 358

«حَتّى إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ» 1 / 314

«ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللّه ِ... وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ» 1 / 314، 315

«وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ» 3 / 97

«وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ...» 1 / 290 ؛ 3 / 69 ؛

4 / 36، 37

«فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبا» 3 / 76؛ 4 / 305

«فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي...» 3 / 77، 563

«إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفا...» 3 / 77

«وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحا هَدَيْنَا...» 2 / 237، 238، 249

ص: 441

«وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصّالِحِينَ» 2 / 249

«وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطا وَكلاًّ فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ» 2 / 249

«وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ...» 2 / 249، 250

«ذلِكَ هُدَى اللّه ِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا» 2 / 250

«أُوْلئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا...» 2 / 250

«أُوْلئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّه ُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ» 2 / 250

«وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللّه ِ كَذِبا أَوْ قَالَ أُوحِىَ إِلَىَّ...» 3 / 99

«لاَ تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ» 1 / 367، 368

«وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّوا اللّهَ...» 1 / 114، 164

«وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقا وَعَدْلاً لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ...» 1 / 506 ؛3 / 116، 117

«وَذَرُوا ظَاهِرَ الاْءِثْمِ وَبَاطِنَهُ» 1 / 111، 163

«اللّه ُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ» 3 / 498

«يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرِجاً» 1 / 159 ؛ 3 / 10

«يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الاْءِ نْسِ» 1 / 136

«وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ» 2 / 155 ؛ 3 / 533

«وَمِنْ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللّه ُ وَلاَ تَتَّبِعُوا...» 3 / 533، 534

«مِنْ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنْ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ أَالذَّكَرَيْنِ...» 3 / 533، 534

«وَمِنْ الاْءِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنْ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ أَالذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمْ الْأُنثَيَيْنِ...» 3 / 534

«وَلاَ تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ» 1 / 128

«بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» 1 / 160

«مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا» 3 / 502

الأعراف (7)

«ذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ» 1 / 511 ؛ 4 / 412

«مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ» 3 / 499

ص: 442

«إِنَّكَ مِنْ الْمُنظَرِينَ» 3 / 513

«لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ» 2 / 420

«ثُمَّ لاَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ...» 2 / 420، 421

«رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا» 1 / 512 ؛ 4 / 35

«قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ» 1 / 111، 128، 166

«كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا» 1 / 507

«وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ» 2 / 562

«إِنَّ رَبَّكُمْ اللّه ُ الَّذِي خَلَقَ السَّموَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ» 2 / 26، 416

«إِنَّ رَحْمَةَ اللّه ِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ» 1 / 426

«وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها» 1 / 547

«هُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ» 2 / 116؛ 3 / 296

«وَإِلى عَادٍ أَخَاهُمْ» 2 / 237

«فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ» 1 / 347

«رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ» 1 / 544

«فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ» 1 / 347

«وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ» 1 / 390، 391

«وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ» 2 / 245، 547

«اجْعَل لَّنَآ إِلَ_هًا كَمَا لَهُمْ ءَالِهَةٌ» 4 / 38

«أُخْلُفْنِي فِي قَوْمِي» 1 / 312

«وَلَمَّا سُقِطَ فِى أَيْدِيهِمْ» 3 / 378

«قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِى وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِى» 3 / 286، 582

«وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ» 4 / 247

«وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ...» 2 / 472

«وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْما اللّه ُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ...» 2 / 472

«فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوءِ...» 2 / 472

ص: 443

«فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ» 2 / 472

«بَلى» 2 / 89

«أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ» 2 / 90

«فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ» 2 / 48

«مَنْ يُضْلِلِ اللّه ُ فَلاَ هَادِىَ لَهُ» 2 / 133

«وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ...» 4 / 354

«وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّه ِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» 2 / 21

«إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ» 2 / 21

«وَإِذَا قُرِءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا» 2 / 570

الأنفال (8)

«ذَاتَ بَيْنِكُمْ» 3 / 399

«وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ» 2 / 417

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للّه ِِ وَلِلرَّسُولِ» 3 / 354

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَخُونُوا اللّه َ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ» 2 / 278

«وَإِذْ قَالُوا اللّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ...» 1 / 540، 543؛ 4 / 352

«وَمَا كَانَ اللّه ُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ» 1 / 541؛ 3 / 381

«وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للّه ِِ» 1 / 446 ؛

2 / 531؛ 3 / 101، 102

«وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للّه ِ خُمُسَهُ...» 1 / 559، 562 ؛ 3 / 541

«لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ» 2 / 372 ؛ 3 / 225

«وَاذْكُرُوا اللّه َ كَثِيرا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» 4 / 403

«وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ» 3 / 140

«لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّى جَارٌ لَّكُمْ» 3 / 512

«ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلى قَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا...» 1 / 144

ص: 444

«فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ» 1 / 582

«يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ...» 3 / 103، 104، 109

التوبة(9)

«إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ» 1 / 81

«وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ» 2 / 595

«إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ» 1 / 81

«أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمْ اللّه ُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ...» 3 / 313

«أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ» 3 / 109 ، 110

«لاَ يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللّه ِ وَاللّه ُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» 3 / 110

«ثُمَّ أَنزَلَ اللّه ُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ...» 3 / 429؛4 / 338

«وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ » 1 / 368؛ 2 / 531

«فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الاْخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ» 2 / 155

«وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا» 2 / 139

«ثَانِىَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ» 3 / 427

«إِنَّ اللّه َ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّه ُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ» 3 / 428

«إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّه ُ إِذْ أَخْرَجَهُ» 3 / 429

«فَأَنزَلَ اللّه ُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا» 4 / 338

«وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ» 1 / 193

«قُلْ هَلْ تَتَربَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ» 3 / 543

«وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا...» 2 / 190، 191

«فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّه ُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا...» 2 / 191، 192 ؛ 2 / 516

«لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ» 3 / 227

«وَاللّه ُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ» 3 / 541

«نَسُوا اللّهَ فَنَسِيَهُمْ» 1 / 130

ص: 445

«وَخُضْتُمْ كَالَّذِى خَاضُوا» 4 / 353

«أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ...» 1 / 348؛ 2 / 598

«وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ» 4 / 295

«يَحْلِفُونَ بِاللّه ِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ...» 2 / 501

«سَخِرَ اللّه ُ مِنْهُمْ» 3 / 551

«وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ» 3 / 137

«وَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ» 1 / 194

«الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرا وَنِفَاقا» 1 / 537 ؛ 2 / 506

«عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ» 4 / 173

«وَ السَّ_بِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَ_جِرِينَ وَالْأَنصَارِ» 3 / 145

«وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا» 2 / 147 ؛ 3 / 173 ؛

4 / 258

«إِنَّ اللّه َ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ» 4 / 333

«عَلى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ» 1 / 601

«لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمْ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ» 4 / 207

«إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ» 4 / 208

«إِنَّ اللّه َ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ...» 4 / 335

«التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ...» 4 / 335، 336

«وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ» 1 / 303 ؛ 4 / 248

«لَقَدْ تَابَ اللّه ُ عَلَى النَّبِىِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ...» 4 / 332، 335

«وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الْأَرْضُ...» 4 / 332 ، 334

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّه َ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ» 4 / 314، 332

«لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ...» 4 / 337، 398

يونس(10)

«وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ» 4 / 288

ص: 446

«إِنَّ رَبَّكُمْ اللّه ُ الَّذِي خَلَقَ السَّموَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ» 2 / 26

«هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورا وَقَدَّرَهُ...» 3 / 72؛ 4 / 353، 354

«دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَ...» 2 / 158، 159 ،

259، 549

«افْتَرَى عَلَى اللّه ِ كَذِبا» 4 / 347

«وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا» 2 / 62

«لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ» 1 / 390

«جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ» 2 / 117

«إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ...» 2 / 27، 28

«لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى .... أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» 3 / 374

«وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا...» 3 / 373

«أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ» 3 / 131

«وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ» 1 / 513

«وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ» 3 / 457

«الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ» 2 / 97

«لَهُمْ الْبُشْرى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الاْخِرَةِ» 2 / 97

«وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ» 1 / 443 ؛ 4 / 288

«وَمَا تُغْنِي الاْيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لاَ يُؤْمِنُونَ» 4 / 291

هود(11)

«أَلاَ إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ» 2 / 414

«كَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَآءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً» 2 / 26، 128

«وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّموَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ...» 2 / 129 ، 138

«وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمْ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ...» 4 / 75 ، 76

«فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ...» 4 / 339

ص: 447

«أَ فَمَنْ كَانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ17 1 / 308

«وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى...» 3 / 101

«وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحا» 2 / 235

«أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ» 3 / 531

«وَاصْنَعْ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا» 3 / 523

«وَ يَصْنَعُ الْفُلْكَ» 3 / 524

«حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ» 3 / 524

«قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا» 3 / 535

«ارْكَبُوا فِيهَا» 1 / 132، 509

«اهْبِطْ بِسَلاَمٍ» 3 / 351

«قَالُوا لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ» 4 / 139

«نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً» 4 / 139

«فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ» 4 / 140

«قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخا...» 4 / 140

«قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّه ِ رَحْمَةُ اللّه ِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ...» 4 / 140، 361، 362

«فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا» 4 / 141

«يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ» 4 / 142

«إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ» 4 / 141

«وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ...» 4 / 143

«يَا قَوْمِ هَؤُلاَءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللّه َ...» 4 / 144

«لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ...» 4 / 144

«لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ» 3 / 582 ؛ 4 / 144

«يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ...» 4 / 145، 146

«بَقِيَّةُ اللّه ِ خَيْرٌ لَكُمْ» 2 / 245، 446

«وَيَا قَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ...» 2 / 238

ص: 448

«ذَ لِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ» 2 / 17

«يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ» 1 / 188

«وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا...» 2 / 29

«إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ» 1 / 485

«أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنْ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ» 2 / 245 ، 446؛ 4 / 253

«وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ» 1 / 541

«وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً...» 4 / 340

«وَ لِذَ لِكَ خَلَقَهُمْ إِلاّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ» 4 / 340

«لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةَ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» 1 / 155

«ذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ» 1 / 511 ؛ 4 / 412

يوسف(12)

«نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ» 2 / 569؛ 3/359

«وَاللّهُ الْمُسْتَعانُ» 1 / 109، 163

«يَا صَاحِبَىِ السِّجْنِ» 3 / 428

«ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ» 2 / 325

«إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي» 4 / 255

«فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ» 1 / 134

«أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ» 2 / 162

«مَّاذَا تَفْقِدُونَ» 2 / 163

«قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ» 2 / 163

«وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ» 2 / 366

«يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ» 2 / 132 ، 554

«وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ» 4 / 396

«اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ» 3 / 91

ص: 449

«يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ» 2 / 132 ، 554

«وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّه ِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ» 3 / 65

الرعد (13)

«رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا» 2 / 452

«وَ مَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ» 3 / 357

«إِنَّ اللّه َ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ...» 1 / 144؛ 3 / 394، 395

«اللّه ُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ» 2 / 326

«وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ» 1 / 186

«وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ» 1 / 78

«جَنَّاتُ عَدْنٍ» 1 / 370؛ 2 / 157، 384

«وَالْمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ» 2 / 153؛ 4 / 298

«سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ» 2 / 153؛ 4 / 298

«مَثَلُ الْجَنَّةُ الَّتِي» 1 / 143

«يَمْحُوا اللّه ُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ» 2 / 62

«عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ» 1 / 305

إبراهيم (14)

«لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ» 1 / 122؛ 2 / 303؛

4 / 206

«وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ» 1 / 543، 544

«وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ» 1 / 394

«فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ» 1 / 454

«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللّه ِ كُفْرا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ» 2 / 174

«جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ» 2 / 174

ص: 450

«فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي» 1 / 501

«وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللّه ِ لاَ تُحْصُوهَا» 4 / 422

«فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي» 3 / 329

«اجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ...» 4 / 67

«وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ الْعَذَابُ» 4 / 148

«فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَ_لَمُوا رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ» 4 / 149

«وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا» 3 / 27

«يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ» 2 / 260

«مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ» 1 / 305

«وَتَغْشى وُجُوهَهُمْ النَّارُ» 1 / 492 ؛ 2 / 589

الحجر(15)

«إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ» 2 / 562؛ 3 / 117

«وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ» 2 / 114

«إِلاَّ مَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْغَاوِينَ» 2 / 224

«إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ» 1 / 391

«اُدْخُلُوهَا بِسَلاَ مٍ آمِنِينَ» 1 / 391، 599

«وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ» 3 / 155، 156

«وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ» 1 / 584

«إِلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ» 2 / 516

«فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ» 4 / 274

النحل (16)

«وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِىَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ» 2 / 433

«وَعَلاَمَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ» 3 / 69، 72، 401؛

4 / 351

ص: 451

«وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللّه ِ لاَ تُحْصُوهَا» 4 / 422

«أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَما يَشْعُرُونَ» 1 / 193

«جَنَّاتُ عَدْنٍ» 1 / 370؛ 2 / 384

«وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ» 1 / 494

«فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ» 1 / 102 ؛ 2 / 253

«أَ فَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَات...» 2 / 22، 23

«فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ» 2 / 23

«أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ» 2 / 23

«فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ» 2 / 372

«وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّه ُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ» 3 / 227

«لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمْ النَّارَ» 4 / 68

«عَلَيْكَ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ» 1 / 305

«فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّه ِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» 3 / 548

«إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» 3 / 548، 549

«إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ...» 3 / 549

«إِلاَّ مَنْ اُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالاْءِيمَانِ» 1 / 78

«وَضَرَبَ اللّه ُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا...» 2 / 279

الإسراء(17)

«سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ» 4 / 291، 292

«وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِى الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِى الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ...» 3 / 118، 120

«فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاَهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادا لَنَا...» 3 / 118، 119، 120، 121

«ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ...» 3 / 119، 121

«إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأِنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها» 1 / 113، 164

«وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً» 4 / 384

ص: 452

«وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنى» 2 / 288

«وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوما فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ...» 3 / 383، 384

«وَإِنْ مِنْ شَيْ ءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ» 1 / 220

«وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ...» 3 / 449

«وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ» 3 / 499

«وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ» 1 / 523

«إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ» 1 / 394

«فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفا مِنْ الرِّيحِ» 2 / 117

«قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ» 3 / 547

«وَقُرْآنا فَرَقْنَاهُ» 1 / 446؛ 2 / 89

«الْحَمْدُ للّه ِ... وَلِىٌّ مِّنَ الذُّلِّ وَ كَبِّرْهُ تَكْبِيرَا» 2 / 122

الكهف(18)

«فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ» 3 / 429

«قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ» 3 / 429

«وَكانَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً» 1 / 201

«إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنْ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ...» 1 / 510؛ 3 / 498، 499

«آتِنَا غَدَاءَنَا» 2 / 548

«أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ» 1 / 265

مريم(19)

«وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ» 2 / 409

«وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِىَ الْأَمْرُ» 2 / 435

«وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّه ِ» 3 / 582

«تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّا» 2 / 548

ص: 453

«ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ» 2 / 278

«وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً» 1 / 223

«يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْدا» 2 / 145

«وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ...» 2 / 353

طه (20)

«لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ» 3 / 556

«أَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي» 1 / 110

«أُوتِيتَ سُؤْلَكَ» 1 / 274

«وَفَتَنَّاكَ فُتُونا» 1 / 511

«وَأَسَرُّوا النَّجْوَى» 4 / 350

«وَلَأُ صَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ» 71 1 / 189

«لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى» 4 / 208

«وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْما» 2 / 366

«وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ...» 1 / 130 ؛ 2 / 226

«وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى» 2 / 223

«وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ» 2 / 331

«وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجا مِنْهُمْ...» 2 / 516

«وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوى» 2 / 547

الأنبياء (21)

«الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ...» 4 / 350

«فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ» 2 / 253

«وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً...» 2 / 23

«فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ» 1 / 496، 497؛

2 / 23، 24

ص: 454

«وَارْجِعُوا إِلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ» 1 / 496

«لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ...» 2 / 24

«قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ» 2 / 24

«فَما زاَلَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ» 1 / 496 ؛ 2 / 24

«حَتّى جَعَلْناهُمْ حَصِيدا خَامِدِينَ» 2 / 25

«لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوا لاَتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ» 3 / 312

«بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ» 3 / 312

«فَيَدْمَغُهُ» 3 / 312

«يُسَبِّحُونَ الَّيْلَ وَ النَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ» 3 / 249

«لاَ يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ» 4 / 231

«وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ» 3 / 252

«لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ» 3 / 252، 253

«وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضى» 1 / 133

«أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا كَانَتَا رَتْقا فَفَتَقْنَاهُمَا...» 2 / 126، 134، 137

«وَلَ_ئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَ_وَيْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَ__لِمِينَ» 2 / 25

«وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ...» 2 / 26

«إِلاَّ كَبِيرا لَهُمْ» 4 / 310

«بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا... إنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ» 2 / 161، 162

«أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّه ِ مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئا وَلاَ يَضُرُّكُمْ» 4 / 307

«قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدا وَسَلاَما عَلَى إِبْرَاهِيمَ...» 4 / 311

«وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا» 1 / 153 ، 154، 161

«وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ» 3 / 372

«فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ» 3 / 372

«لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ» 1 / 512؛ 2 / 123

«فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤمِنِين» 2 / 123

ص: 455

«إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّه ِ حَصَبُ جَهَنَّمَ» 1 / 538 ؛ 4 / 307

«إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُوْلئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ» 1 / 553؛ 4 / 289

«لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ اْلأَكْبَرُ» 4 / 182

«إِنَّ فِي هذَا لَبَلاَغا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ» 2 / 564

«وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ» 2 / 379 ، 561 ؛ 4 / 72

الحج(22)

«إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْ ءٌ عَظِيمٌ» 2 / 337

«أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللّه َ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ...» 2 / 467، 468

«وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللّه » 2 / 195

«إِنَّ اللّه َ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا» 4 / 262

«الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ...» 4 / 180

«وَلَنْ يُخْلِفَ اللّهُ وَعْدَهُ» 1 / 294

«وَإِنَّ يَوْما عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ» 2 / 406

المؤمنون(23)

«وَلَقَدْ خَلَقْنَا الاْءِنسَانَ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طِينٍ...» 3 / 99

«ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَ__لِقِينَ» 3 / 99، 101

«تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ» 4 / 179

«وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحا» 2 / 235

«اصْنَعْ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا» 3 / 523

«عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ» 1 / 303 ، 341 ؛

2 / 566 ؛ 4 / 401

«ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً...» 2 / 240

«هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ» 1 / 456

ص: 456

«وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ» 2 / 301 ؛ 3 / 229 ، 230

«مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرا تَهْجُرُونَ» 2 / 377

«وَإِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالاْخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ» 1 / 319

«ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ» 1 / 78 ، 139 ؛ 2 / 496

«فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ» 3 / 315

«رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا» 3 / 547

النور (24)

«أَنَّ لَعْنَةَ اللّه ِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ» 4 / 200

«إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ» 4 / 35

«إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» 2 / 430

«الطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ» 3 / 146

«اللّه ُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ...» 4 / 152 ، 153، 355،

356، 357، 358، 359 ،

360، 361، 362، 363

«فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّه ُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا...» 2 / 248؛ 4 / 152

«رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّه ِ» 4 / 152

«أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللّه َ يُزْجِي سَحَابا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ...» 3 / 298، 454 ، 455

«فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ» 1 / 113

«فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ...» 2 / 82 ؛ 3 / 193

الفرقان (25)

«مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ» 1 / 305

«وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً» 1 / 318

«يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلاَئِكَةَ لاَ بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ...» 4 / 108

ص: 457

«وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلاَئِكَةُ تَنزِيلاً» 2 / 260

«يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ...» 1 / 318

«فُلاَناً» 1 / 318

«وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ...» 1 / 319

«إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعَامِ» 3 / 330

«مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً» 4 / 346

«خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ» 2 / 417

«فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللّه ُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ» 1 / 504؛ 2 / 261

«لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّا وَعُمْيَانا» 2 / 585

«قُلْ مَا يَعْبَؤُا بَكُمْ رَبِّي لَوْ لاَ دُعَاؤُكُمْ» 1 / 88

الشعراء(26)

«فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ» 2 / 19

«وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ» 3 / 212

«فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ» 3 / 582

«أَرْجِهِ وَأَخَاهُ» 3 / 508

«إِنَّا لَمُدْرَكوُنَ» 1 / 97

«قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ» 1 / 97

«وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الاْخِرِينَ» 2 / 333

«فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ» 1 / 120

«كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ» 2 / 236

«وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ» 2 / 236

«كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ» 2 / 237

«إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلاَ تَتَّقُونَ» 2 / 237

«كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ» 1 / 347

ص: 458

«إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبُ أَلاَ تَتَّقُونَ» 1 / 347

«فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِنَ السَّمَاءِ» 1 / 543

«فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابَ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ» 1 / 347

«أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ» 3 / 191

«ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ» 3 / 191

«مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ» 3 / 191

«وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ» 2 / 376

«وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ» 1 / 591

النمل(27)

«وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ» 2 / 15

«فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً» 2 / 272

«الْحَمْدُ للّه ِِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ» 2 / 304

«أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ...» 2 / 85

«مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا» 4 / 345 ، 346

القصص(28)

«وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ» 1 / 99، 154 ، 162

«وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدٍى مِنَ اللّهِ» 1 / 112

«وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ» 1 / 78

«إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَنْ يَشآءُ» 1 / 147

«وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ...» 1 / 585

«وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ» 3 / 547

«وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ» 2 / 245 ، 547

ص: 459

العنكبوت(29)

«وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللّه ِ فَإِذَا أُوذِىَ فِي اللّه ِ...» 1 / 532

«وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحا إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاما» 2 / 235، 236 ؛ 3 / 536

«وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ...» 2 / 238، 239

«فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلى رَبِّي...» 2 / 238، 239

«إِنَّ فِيهَا لُوطا... إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنْ الْغَابِرِينَ» 4 / 141

«فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ» 1 / 347

«فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً» 1 / 346

«وَما كانَ اللّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ» 1 / 348

«مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ...» 1 / 246

«وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ» 1 / 193

الروم (30)

«الم» 3 / 465 ، 471

«غُلِبَتْ الرُّومُ» 3 / 465 ، 471، 472

«فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ...» 3 / 465، 471، 472

«فِي بِضْعِ سِنِينَ للّه ِِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ...» 3 / 465، 466، 473

«بِنَصْرِ اللّه ِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ» 3 / 466

«أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ» 3 / 358

«فَسُبْحَانَ اللّه ِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ» 2 / 331

«وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى» 1 / 143 ، 161

«وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ» 2 / 554

«فِطْرَةَ اللّه ِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا» 3 / 530

«ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ...» 1 / 544؛ 2 / 475

ص: 460

«سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ...» 3 / 358

«وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ...» 2 / 116

لقمان (31)

«ما خَلَقَكُمْ وَلا بَعَثَكُمْ إِلاّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ» 1 / 355

«إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَ يَعْلَمُ...» 3 / 58

السجدة(32)

«خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ» 2 / 417

«ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ» 2 / 406

«وَلَوْ تَرَى إِذْ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ» 4 / 259

«لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةَ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» 1 / 155

(الأحزاب (33)

«مَا جَعَلَ اللّه ُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ» 2 / 362

«ادْعُوهُمْ لاِبَائِهِمْ» 4 / 103

«لاَ مَقَامَ لَكُمْ» 1 / 454

«وَالْقَائِلِينَ لاِءِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا» 3 / 576؛ 4 / 239

«لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّه ِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ» 2 / 309

«مِنَ الْمُؤمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا...» 1 / 389، 390؛ 4 / 51

«إِنَّمَا يُرِيدُ اللّه ُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ» 2 / 125

«وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ» 1 / 413

«وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ» 1 / 333

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللّهَ ذِكْراً كَثِيراً» 1 / 110؛ 3 / 499 ، 500

«يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدا وَمُبَشِّرا وَنَذِيرا» 4 / 383

ص: 461

«وَدَاعِيا إِلَى اللّه ِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجا مُنِيرا» 4 / 383

«إِنَّ اللّهَ وَمَلاَ ئِكَتُهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ...» 1 / 224

«إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّه َ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللّه ُ فِي الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ...» 3 / 290

«لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللّهِ تَبْدِيلاً» 1 / 124 ؛ 3 / 119 ، 478

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّه َ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدا» 2 / 194

«يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ» 2 / 194

«إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ» 1 / 334؛ 4 / 72

سبأ(34)

«اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ» 4 / 206

«فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتْ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ...» 2 / 413

«سَيْلَ الْعَرِمِ... بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ» 4 / 427

«وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ» 4 / 428

«ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الْكَفُورَ» 4 / 428

«وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِي وَأَيَّاما آمِنِينَ» 4 / 66 ، 69

«فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ» 4 / 426

«وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ» 2 / 421؛ 4 / 201

«وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ» 2 / 381

«قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا للّه ِِ مَثْنَى وَ...» 1 / 106؛4 / 346

«قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ» 4 / 346

فاطر(35)

«جَاعِلِ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً» 3 / 498

«أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ» 3 / 484

«وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ» 2 / 68

ص: 462

«وَاللّه ُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابا» 3 / 172

«فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ» 3 / 173

«إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ» 1 / 221

«وَلاَ الظِّلُّ وَلاَ الْحَرُورُ» 1 / 103

«وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ» 1 / 107 ؛ 3 / 475

«إِنَّمَا يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ» 1 / 185

«جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤءٍ ...» 2 / 150

«الْحَمْدُ للّه ِِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ» 4 / 74

«أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنْ الْأَرْضِ» 4 / 267

يس(36)

«أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ» 1 / 396

«وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ» 3 / 358

«وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ» 2 / 75

«وَآيَةٌ لَهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ» 4 / 354

«وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا» 3 / 346

«لاَ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ» 4 / 382

«وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي» 4 / 325

«لِيُنْذِرَ... وَيَحِقَّ الحقّ» 4 / 399

«مَنْ يُحْىِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ» 3 / 90

«أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ...» 4 / 43

الصافّات (37)

«أُوْلئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ» 2 / 159

«وَهُمْ مُكْرَمُونَ» 2 / 159

ص: 463

«عَلى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ» 1 / 301

«لِمِثْلِ هذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ» 1 / 88

«وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الاْخَرِيْنَ» 2 / 378

«فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ» 4 / 309

«فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ» 2 / 160؛ 4 / 309

«فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ» 2 / 147

«أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ» 4 / 307

«وَاللّه ُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ» 4 / 307

«إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ» 4 / 318

«وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الاْخَرِيْنَ» 2 / 378

«وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الاْخَرِيْنَ» 2 / 378

«وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ» 3 / 359

«وَبِاللَّيْلِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ» 3 / 359

«فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ» 2 / 120

«إِنَّ جُندَنَا لَهُمْ الْغَالِبُونَ» 2 / 139

«فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ» 3 / 545

«سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ» 2 / 132

ص(38)

«عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ» 3 / 77

«أَجَعَلَ الاْلِهَةَ إِلَها وَاحِدا إِنَّ هَذَا لَشَىْ ءٌ عُجَابٌ» 3 / 77

«وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ...» 3 / 77

«مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الاْخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاَقٌ» 3 / 77

«أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ» 3 / 77

«أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ» 3 / 77

ص: 464

«جُندٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنْ الْأَحْزَابِ» 3 / 77

«كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ» 3 / 77

«وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ أُوْلَئِكَ الْأَحْزَابُ» 3 / 77

«إِنْ كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ» 3 / 77

«وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ» 2 / 554

«وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً...» 1 / 142؛ 2 / 231

«أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ» 1 / 142 ، 160

«تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ» 1 / 316

«ارْكُضْ بِرِجْلِكَ» 1 / 497

«وَ ذِكْرَى لِأُوْلِى الْأَلْبَ_بِ» 1 / 511 ؛ 4 / 412

«وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ» 4 / 276

«جَنَّ_تِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَ بُ» 3 / 77؛ 4 / 276

«وَقَالُوا مَا لَنَا لاَ نَرى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنْ الْأَشْرَارِ» 1 / 395؛ 2 / 38، 399

«أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَ بْصارُ» 1 / 396

«إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ» 2 / 38

«قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ» 3 / 544، 545 ؛4 / 347

«إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ» 3 / 544

«وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ» 3 / 545

الزمر(39)

«وَإِذَا مَسَّ الاْءِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبا إِلَيْهِ...» 3 / 112، 113

«أَمَّنْ هوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الاْخِرَةَ...» 1 / 112 ، 392 ،508 ؛

3 / 114

«لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ» 2 / 149

«أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللّه َ أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ» 1 / 581

ص: 465

«قُرآنا... غَيْرَ ذِي عِوَجٍ» 4 / 399

«ضَرَبَ اللّه ُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ...» 3 / 201 ، 202

«إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ» 4 / 309

«اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤمِنُونَ بِالاْخِرَةِ» 4 / 33

«وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ» 4 / 34

«قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ...» 1 / 393، 394

«يَا حَسْرَتَى عَلى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّه ِ» 1 / 1902 / 365

«اللّه ُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ» 2 / 326

«وَمَا قَدَرُوا اللّه َ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ67 2 / 455

«فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّموَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ» 1 / 365

«وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ» 4 / 298

الغافر(40)

«الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ» 1 / 388

«وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْما» 2 / 526

«للَّذِينَ آمَنُوا» 4 / 33

«وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الاْزِفَةِ إِذْ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ» 2 / 18، 19

«وَ ذِكْرَى لِأُوْلِى الْأَلْبَ_بِ» 1 / 511 ؛ 4 / 412

«ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ» 1 / 88 ، 505

فصّلت(41)

«أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ» 1 / 265

«أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ» 2 / 417

«وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ» 2 / 418

«وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا...» 2 / 418

ص: 466

«ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ...» 2 / 134، 418

«فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ» 2 / 418

«وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ» 3 / 72

«وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا» 4 / 165

«رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنْ الْجِنِّ وَالاْءِنْسِ...» 4 / 165

«لاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ» 1 / 78

«ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» 2 / 496

«وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ» 2 / 562

«لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ...» 2 / 562؛ 4 / 398، 399

«وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ» 3 / 545

«سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الاْفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ...» 2 / 504 ؛ 4 / 364

الشورى(42)

«لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ» 2 / 572

«مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْأَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِى حَرْثِهِ» 3 / 186

«وَلَوْلاَ كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» 3 / 545، 546

«وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ22 1 / 74

«قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى...» 2 / 253 ، 345 ؛

4 / 343، 344 ، 346

«وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنا إِنَّ اللّه َ غَفُورٌ شَكُورٌ» 4 / 347

«وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ» 4 / 349

«فَإِنْ يَشَأْ اللّه ُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ...» 4 / 348، 349

«وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللّه ِ» 2 / 496

«وَكَذلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي» 2 / 389

ص: 467

الزخرف (43)

«أَفَنَضْرِبُ عَنكُمْ الذِّكْرَ صَفْحا» 4 / 394

«وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ» 3 / 506

«وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ» 3 / 506

«وَجَعَلُوا الْمَلاَئِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمنِ إِنَاثاً» 1 / 99 ؛ 3 / 498

«إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ» 1 / 521

«وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ» 1 / 317

«وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ» 1 / 317

«حَتّى إِذا جَائَنا قَالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ...» 1 / 317

«وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا» 1 / 538؛ 2 / 258

«وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً» 1 / 537

«إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ» 1 / 538

«وَقَالُوا أَ آلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً...» 1 / 538، 540

«إِنْ هُوَ إِلاّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ» 1 / 538 ، 539

«وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ...» 1 / 538 ، 539

«وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِي...» 1 / 538، 540

«بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ» 1 / 391

«أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرا...» 2 / 593، 594

«أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلى ...» 2 / 594

«وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ» 3 / 139

الدخان (44)

«فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ» 2 / 89 ؛ 3 / 192

«إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ» 1 / 392

ص: 468

«يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً» 1 / 392

«إِلاّ مَنْ رَحِمَ اللّهُ» 1 / 393

الجاثية (45)

«لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللّهِ شَيْئاً» 1 / 133

«هذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ» 1 / 490

«إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ» 2 / 131

الأحقاف (46)

«أَمْ يَقُولُونَ» 4 / 347

«قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعا مِنْ الرُّسُلِ» 2 / 553

«رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ» 2 / 113

«فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ...» 1 / 96 ، 97، 169

محمّد (47)

«فَإِذا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ» 3 / 367

«حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّا بَعْدُ...» 3 / 107، 368

«مَثَلُ الْجَنَّةُ الَّتِي» 1 / 143

«قَالَ ءَانِفًا» 3 / 211

«فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ» 2 / 173

الفتح(48)

«إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحا مُبِينا» 4 / 131

«وَللّه ِِ جُنُودُ السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ» 2 / 139

«عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ» 4 / 173

ص: 469

«وَللّه ِِ جُنُودُ السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ» 2 / 139

«يَدُ اللّه ِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ» 2 / 390

«فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ» 4 / 126

«لَقَدْ رَضِىَ اللّه ُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ» 4 / 220

«وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللّه ِ تَبْدِيلاً» 1 / 124 ؛ 3 / 119

«هُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ» 4 / 133

«لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا» 3 / 585

«فَأَنْزَلَ اللّه ُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ» 3 / 429؛ 4 / 338

«لَقَدْ صَدَقَ اللّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا» 1 / 275

الحجرات(49)

«حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الاْءِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ» 2 / 45

«وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا...» 2 / 595

«إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ» 1 / 389

«وَلاَ تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الاْءِيمَانِ» 1 / 381؛ 3 / 59

«لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّه ِ أَتْقَاكُمْ» 2 / 601؛ 3 / 179

«يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثى...» 2 / 600 ؛ 3 / 339

ق(50)

«مَاءً مُبَارَكا» 3 / 296

«وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ» 2 / 331

«وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ» 1 / 354

«يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ» 1 / 354

«ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ» 1 / 355

«إِنّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ» 1 / 355

ص: 470

«يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ» 1 / 355

«نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ...» 1 / 355

الذاريات (51)

«وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوا» 2 / 116

«وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ» 2 / 452

«لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ» 4 / 147

«وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ» 2 / 113، 116

«وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ» 2 / 557

«فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ» 2 / 176

«وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ» 2 / 177

«وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالاْءِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ» 1 / 98

الطور(52)

«أَمْ عِنْدَهُمْ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ» 3 / 220

النجم(53)

«وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى» 4 / 350

«مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى» 4 / 351

«وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى» 4 / 351

«إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْىٌ يُوحَى» 2 / 94، 581 ؛ 4 / 351

«فَأَعْرِضْ عَمَّنْ تَوَلّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا» 1 / 514

«ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنْ الْعِلْمِ» 1 / 514

«إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اهْتَدى» 2 / 569

«وَللّه ِِ مَا فِي السَّموَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِىَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا...» 2 / 569

ص: 471

«وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادا الْأُولى» 2 / 597

«وَثَمُودَ فَمَا أَبْقى» 2 / 597

«وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى» 2 / 597

«وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى» 2 / 597

القمر(54)

«يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ» 2 / 186

«خُشَّعا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنْ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنتَشِرٌ» 2 / 186

«مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هذَا يَوْمٌ عَسِرٌ» 2 / 186

«أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ» 3 / 582

«وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونا فَالْتَقَى الْمَاءُ...» 3 / 527، 528

«وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ» 3 / 528

«فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ» 3 / 20 ؛ 4 / 291

«كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ» 2 / 112

«إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحا صَرْصَرا فِي يَوْمِ نَحْسٍ...» 2 / 113؛ 3 / 71

«كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ» 3 / 20

«فَقَالُوا أَبَشَرا مِنَّا وَاحِدا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذا لَفِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ» 3 / 20

«أَؤُلْقِىَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ» 3 / 21

«فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ» 4 / 146

الرحمن (55)

«كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ» 3 / 127

«وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ» 2 / 154 ؛ 3 / 243

«وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ» 3 / 243

«فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ» 2 / 463 ؛ 3 / 242، 243

ص: 472

«حُورٌ مَقْصُورَاتٌ» 2 / 464

الواقعة(56)

«وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ» 1 / 140 ؛

2 / 149؛ 4 / 294

«إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً» 2 / 149

«فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارا» 2 / 149

«فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ» 2 / 207 ؛ 3 / 69

«وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ» 3 / 69

«فَسَلاَمٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ» 3 / 417

«وَأَمَّا... مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ» 3 / 417

الحديد (57)

«مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً...» 1 / 128؛ 4 / 23

«يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ...» 1 / 307

«اعْلَمُوا أَنَّ اللّه َ يُحْىِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا» 3 / 453

«مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلاَ فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي...» 3 / 301

«لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللّه ُ لاَ يُحِبُّ...» 3 / 301

المجادلة(58)

«يَوْمَ يَبْعَثُهُمْ اللّه ُ جَمِيعا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ» 3 / 547

«مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ...» 2 / 593 ؛ 3 / 429

«إِنَّمَا النَّجْوى مِنْ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا...» 2 / 98، 104، 401، 402

الحشر (59)

«مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» 1 / 305

ص: 473

«مَا أَفَاءَ اللّه ُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلّهِ وَلِلرَّسُولِ...» 1 / 563

«لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ» 2 / 475

«يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إلَيْهِمْ» 2 / 46

«خَاشِعا مُتَصَدِّعا مِنْ خَشْيَةِ اللّه ِ» 4 / 203

الممتحنة (60)

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ» 1 / 154

«وَبَدا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ» 1 / 79 ؛ 3 / 256

الصف(61)

«مُبَشِّرا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ» 4 / 68

«يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللّه ِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللّه ُ مُتِمُّ نُورِهِ...» 4 / 349

«وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّيْنِ كُلِّه» 1 / 368 ؛ 2 / 531

«مَنْ أَنصَارِى إِلَى اللَّهِ» 3 / 463

الجمعة(62)

«كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً» 1 / 507؛ 2 / 48

«إِذَا نُودِي لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ» 4 / 267

المنافقون(63)

«يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ» 1 / 246

«كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ» 2 / 48 ؛ 3 / 569 ؛

4 / 176

«وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ» 1 / 407

«وَلكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ » 1 / 408

ص: 474

التغابن (64)

«يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ» 2 / 17

الطلاق(65)

«فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ» 2 / 284، 285

«مَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً» 1 / 81 ، 122 ، 587 ؛

3 / 126 ، 493

«وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ» 1 / 122 ؛ 2 / 588

«لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ» 2 / 526

«اللّه ُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ...» 2 / 451، 453

التحريم(66)

«لاَ يَعْصُونَ اللّه َ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ» 3 / 498

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللّه ِ تَوْبَةً نَصُوحا» 1 / 505

«يَوْمَ لاَ يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ...» 1 / 307

الملك(67)

«مَا تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفَاوُتٍ» 1 / 216

«ثُمَّ ارْجِعْ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ» 3 / 138

«فَسُحْقا لاَِصْحَابِ السَّعِيرِ» 4 / 281

«أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّا...» 3 / 551

«فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا هَذَا الَّذِي كُنتُمْ...» 3 / 457، 552

القلم(68)

«ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ» 2 / 172

ص: 475

«فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ» 2 / 172

«بِأَيِّيكُمْ الْمَفْتُونُ» 2 / 172

«بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ» 2 / 173

الحاقّة (69)

«وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ» 2 / 116

«قُطُوفُهَا دَانِيَةً» 2 / 154

«لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ» 4 / 348

المعارج (70)

«سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ» 1 / 542

«لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ» 1 / 543

«مِنْ اللّه ِ ذِي الْمَعَارِجِ» 1 / 543

«تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ» 2 / 405، 406 ، 407

«فَاصْبِرْ صَبْرا جَمِيلاً» 2 / 405

«وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ» 3 / 315

«وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ» 3 / 546

نوح(71)

«وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّا وَلاَ سُوَاعا وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرا» 3 / 523

«رَبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّارا» 3 / 522

«إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّا وَلاَ سُوَاعا وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرا» 3 / 523

الجن (72)

«وَمَنْ يَعْصِ اللّه َ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ» 2 / 224

ص: 476

المزّمّل(73)

«إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئا وَأَقْوَمُ قِيلاً» 2 / 101

«يَوْما يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبا» 1 / 554

المدّثّر(74)

«وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ» 4 / 191

«وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ» 4 / 191

«كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ» 1 / 529

«إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ» 1 / 529

«وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ» 4 / 275

الإنسان (76)

«نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ» 1 / 450

«عَيْنا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللّه ِ» 4 / 401

«وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً» 2 / 154، 155

«وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيما وَمُلْكا كَبِيرا» 2 / 154

«وَاذْكُرْ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً» 2 / 331

المرسلات(77)

«وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرا» 2 / 116

«عُذْرا أَوْ نُذْرا» 4 / 384

«هذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ» 1 / 189

«وَلا يُؤذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ» 1 / 85 ، 168، 189 ؛

2 / 586

ص: 477

النبأ (78)

«عَمَّ يَتَسَائَلُونَ» 1 / 350

«عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ» 1 / 350

«الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ» 1 / 350

«ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ» 1 / 350

«وَالْجِبَالَ أَوْتَادا» 2 / 433

«لاَ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ» 1 / 188

النازعات (79)

«وَالنَّازِعَاتِ غَرْقا» 3 / 69

«فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرا» 3 / 69

«السَّمَاءُ بَنَاهَا» 2 / 136

«رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا» 2 / 135، 136

«وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا...» 2 / 136

«وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحَاهَا» 2 / 136

عبس (80)

«يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ» 3 / 315

«وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ» 3 / 315

«وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ» 3 / 315

تكوير (81)

«وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللّه ُ» 2 / 61

ص: 478

المطففّين(83)

«كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ» 2 / 261

«كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ» 2 / 261

«وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ» 1 / 88

البروج (85)

«مَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللّه ِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ» 3 / 351

«قُرْآنٌ مَجِيدٌ» 2 / 572

الطارق (86)

«إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ» 2 / 75

«يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ» 1 / 290

الأعلى(87)

«سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ» 2 / 206

الغاشية (88)

«هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ» 1 / 492 ؛ 2 / 589

«وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ» 1 / 493 ؛ 2 / 589

«عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ» 1 / 493 ؛ 2 / 484 ؛

3 /148

«تَصْلى نَارا حَامِيَةً» 1 / 493 ؛ 2 / 484؛

3 / 148 ، 149

«لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِنْ جُوعٍ» 2 / 589 ، 590، 591

ص: 479

«وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ» 2 / 590

«وَزَرَابِىُّ مَبْثُوثَةٌ» 2 / 590

«إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ» 1 / 315 ؛ 2 / 488

الفجر(89)

«إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ» 1 / 582

«إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ» 4 / 73

«يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ» 2 / 405

«ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً» 2 / 405

البلد(90)

«لاَ أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ» 3 / 8 ؛ 4 / 169

الشمس(91)

«وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا» 1 / 491؛ 2 / 136

«وَالنَّهارِ إِذا جَلاّها» 1 / 492

«وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها» 1 / 491

الليل (92)

«وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى» 3 / 112

«لاَ يَصْلاَهَا إِلاَّ الْأَشْقى» 2 / 554

«وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقى» 2 / 554

الضحى(93)

«أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيما فَآوى» 2 / 389، 390

ص: 480

«وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى» 2 / 389 ، 390

«وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنى» 2 / 389 ، 390

«فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ» 2 / 341

الشرح (94)

«إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً» 1 / 288 ؛ 3 / 572

العلق(96)

«كَلاّ إِنَّ الاْءِنْسَانَ لَيَطْغى» 1 / 255

«أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى» 1 / 255

القدر (97)

«إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ» 2 / 293؛ 3 / 192

«وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ» 3 / 192

«لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» 3 / 192

الزلزلة(99)

«إِذَا زُلْزِلَتْ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا» 3 / 387

«وَأَخْرَجَتْ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا» 3 / 387

«وَقَالَ الاْءِنسَانُ مَا لَهَا» 3 / 387 ، 388

«يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا» 3 / 387 ، 388

«فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرا يَرَهُ» 2 / 20

العاديات (100)

«إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ» 2 / 18

ص: 481

العصر (103)

«وَالْعَصْرِ» 2 / 570

«إِنَّ الاْءِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ» 2 / 570

«إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ...» 2 / 570

الفيل(105)

«وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرا أَبَابِيلَ» 2 / 69

«تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ» 2 / 70

الماعون(107)

«أَ رَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ» 1 / 319

المسد (111)

«تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ» 3 / 510

ص: 482

(2)

فهرس الأحاديث

الحديث المعصوم الصفحة

أتزعَم أنّك تهدي إلى الساعة التي من سار فيها صرف عنه السوء علي عليه السلام 3 / 58

اتّقوا فراسة المؤمن؛ فإنّه ينظر بنور اللّه النبي صلى الله عليه و آله 1 / 290

اجتناب ما تكرهه علي عليه السلام 1 / 264

احتبس القمر عن بني إسرائيل، فأوحى اللّه _ جلّ جلاله _ إلى موسى... الرضا عليه السلام 2 / 459

احتجم رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم الاثنين وأعطى الحجّام برّا الصادق عليه السلام 3 / 37

احتجم النبيّ صلى الله عليه و آله في رأسه وبين كتفيه وفي قفاه ثلاثا، سمّى واحدة النافعة... الصادق عليه السلام 2 / 482

احتسب؛ فإنّ اللّه جاعل لك ولمَن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا ... النبي صلى الله عليه و آله 4 / 135

احرج عليكم أن تدخلوا بيتي بغير إذن فاطمه عليهاالسلام 3 / 284

الاءحسان أن تعبد اللّه كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه... النبي صلى الله عليه و آله 1/ 473

أحسن زينة الرجل السكينة مع إيمان المعصوم عليه السلام 2 / 57

احلب يا عمر حلبا لك شطره أشدد له اليوم أمره ليردّ عليك غدا... علي عليه السلام 3 / 288

إخوانُنا بَغَوا علينا علي عليه السلام 2 / 595

إذا اقترب الزمان، لم تكن رؤيا المسلم... النبي صلى الله عليه و آله 2 / 92

إذا تبيغ بأحدكم الدم، فليحتجم، لا يقتله، ثمّ قال: ما علمت أحدا من¨... النبي صلى الله عليه و آله 3 / 37

إذا رأيت من هو أسفل منك بدرجة فارفعه إليك برفق، ولا تحملن عليه... المعصوم عليه السلام 4 / 164

إذا كان أوّل الشهر خميسين، فصوم آخرهما أفضل... الصادق عليه السلام 2 / 41

إذا مررتم برياض الجنّة فارتعوا الحديث القدسي 4 / 298

إذا وقع في نفسك شيء، فتصدّق على أوّل مسكين، ثمّ امض؛ فإنّ اللّه ... الكاظم عليه السلام 3 / 64

اذهب إلى هذا الوادي، فسيعرض لك من أعداء اللّه الجنّ علي عليه السلام 2 / 74

ص: 483

اذهب، فقل : إنّك لا تؤدّي الزكاة الصادق عليه السلام 2 / 110

أربعة لا تزال في اُمّتي إلى يوم القيامة: الفخر بالأحساب، والطعن في... النبي صلى الله عليه و آله 3 / 62

ارتدّ الناس إلاّ ثلاثة نفر: سلمان وأبو ذرّ والمقداد أبو جعفر عليه السلام 3 / 335

الأواحُ جُنودٌ مُجَنَّدة، فما تَعارف منها ائتَلف... المعصوم عليه السلام 1 / 79

أصاب الناس زلزلة على عهد أبي بكر، وفزع الناس إلى أبي بكر... فاطمة عليهاالسلام 3 / 387

أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا النبي صلى الله عليه و آله 2 / 93

أطعموا ثلاثه؛ إن شئتم أن تزدادوا، وإلاّ فقد أدّيتم حقّ يومكم الصادق عليه السلام 2 / 447

أفضل الأعمال أحمزها المعصوم عليه السلام 2 / 312

أفضل الصلاة طول القنوت المعصوم عليه السلام 1 / 333

اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر النبي صلى الله عليه و آله 1 / 340

أكثروا ذكر اللّه _ عزّ وجلّ _ في هاتين الساعتين، وتعوّذوا باللّه من... النبي صلى الله عليه و آله 2 / 331

ألا إنّ أبرار عترتي وأطائب اُرومتي أحلم الناس صغاراً... الصادق عليه السلام 1 / 609

الذي سبق في علم اللّه أن يكون وما كان له أن يقاتلهم، وليس معه إلاّ ثلاثة... الصادق عليه السلام 3 / 585

الذين لم يشربوا ولم يغترفوا ثلاثمائة وثلاث عشر رجلاً، فلمّا جاوزوا... الصادق عليه السلام 4 / 95

أمّا الذي بَرئ فرجل فقيه في دينه أبو جعفر عليه السلام 1 / 78

أمّا داود، فإنّه لعن أهل أيلة لمّا اعتدوا في سبتهم، وكان اعتداؤهم في زمانه... الباقر عليه السلام 3 / 94

أمرني ربّي بحبّ المساكين المسلمين منهم النبي صلى الله عليه و آله 1 / 164

أنا أحقُّ بهذا الأمر منه، وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر... علي عليه السلام 4 / 198

إنّ أبا بصير لبَطَلٌ لو كان معه أحد النبي صلى الله عليه و آله 4 / 132

إنّ أباكم كان طوالاً كالنخلة السّحوق في ستّين ذراعا النبي صلى الله عليه و آله 3 / 262

إنّ إبراهيم عليه السلام أخذ نسرا وبطّا وطاووسا وديكا، فقطّعهنّ وخلّطهنّ... الرضا عليه السلام 4 / 46

أنّ ابراهيم عليه السلام قال له: إحي مَنْ قتلته إن كنت صادقا، ثمّ استظهر عليه... الصادق عليه السلام 4 / 308

إنّ إبليس إنّما يبثّ جنود الليل من حين تغيب الشمس إلى مغيب الشفق... الباقر عليه السلام 2 / 331

أنّ ابن زياد بعثه إلى حرب الحسين عليه السلام في ألف فارس... الصادق عليه السلام 2 / 511

إن أسعده الرضا علي عليه السلام 1 / 253

أنا سيّد ولد آدم، ولا فخر النبي صلى الله عليه و آله 3 / 268

أنا عبد اللّه ، وأخو رسوله، وأنا الصدِّيق الأكبر، لا يقولها بعدي إلاّ... علي عليه السلام 4 / 187

أنا الفتى بن الفتى أخو الفتى النبي صلى الله عليه و آله 4 / 425

أنّ أفضل الأعمال ما أكرهتَ عليه نفسك المعصوم عليه السلام 2 / 312

ص: 484

أنّ الأرض على الديك، والديك على الصخرة، والصخرة على الحوت المعصوم عليه السلام 2 / 87

أنّ الاسم الأكبر هو الكتاب الذي يعلم به علم كلّ شيء، الذي كان مع الأنبياء الصادق عليه السلام 2 / 231

إنّ اللّه اصطفى بني كنانة من بني إسماعيل، واصطفى من... النبي صلى الله عليه و آله 1 / 331

إنّ اللّه اصطفى من العرب معدّاً، واصطفى من... النبي صلى الله عليه و آله 1 / 331

إنّ اللّه أمرني أن اُحِبّ أربعة، وأخبرني أنّه يحبّهم... النبي صلى الله عليه و آله 3 / 335

إنّ اللّه _ تبارك وتعالى _ أمر الحوت على الأرض... الصادق عليه السلام 3 / 386

إنّ اللّه _ تبارك وتعالى _ خلق العرش والماء والملائكة قبل خلق السماوات... الرضا عليه السلام 2 / 129

إنّ اللّه _ تبارك وتعالى _ كان أوحى إلى إبراهيم عليه السلام: إنّي متّخذ من... الرضا عليه السلام 4 / 38

إنّ اللّه _ تبارك وتعالى _ لمّا خلق نبيّه ووصيّه وابنته وابنيه... الصادق عليه السلام 1 / 225

إنّ اللّه خلق جبلاً محيطا بالدُّنيا من زبرجد أخضر، وإنّ خضرة السماء... أبو جعفر عليه السلام 3 / 246

إنّ اللّه خلق العقل، وهو أوّل خلق من الروحانيّين عن يمين العرش من نوره الصادق عليه السلام 2 / 128

إنّ اللّه خلق القلم من شجرة في الجنّة الصادق عليه السلام 2 / 131

إنّ اللّه ليدفع بالمؤمن الواحد عن القرية الفناء أبو جعفر عليه السلام 1 / 547

إنّا للّه ، وإنّا إليه راجعون، ما أنصفونا أن نكون اُخذنا بالعمل ووُضع عنهم... الصادق عليه السلام 2 / 193

إنّ اللّه يستحي من ذي الشيبة المسلم أن يعذّبه المعصوم عليه السلام 1 / 386

إنّ أمر السفياني من الأمر المحتوم، وخروجه في رجب الصادق عليه السلام 3 / 496

إنّ الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار الحَطَب الصادق عليه السلام 1 / 121

إنّ الدُّعاء يردّ القضاء ، وقد نزل من السماء... الصادق عليه السلام 2 / 118

إنّ دعوة المسلم المظلوم مستجابة النبي صلى الله عليه و آله 1 / 165

إنّ ذا القرنين لمّا انتهى إلى السدّ، جاوزه، فدخل في الظلمات... الصادق عليه السلام 3 / 386

إنّ الرؤيا ثلاث : فرؤيا صالحة بشرى من اللّه ، ورؤيا تُحزن من الشيطان ... النبي صلى الله عليه و آله 2 / 98

أنّ رؤيا المؤمن جزء من ستّة وأربعين جزءا من أجزاء النبوّة النبي صلى الله عليه و آله 2 / 95

إنّ شرّ الاُمور مُحدثاتها، وكلّ مُحدث بدعة، وكلّ بدعة ضلالة النبي صلى الله عليه و آله 1 / 116

إنّ شرّ الناس مَن باع الناس النبي صلى الله عليه و آله 2 / 37

أنّ الصراط صراطان: صراط في الدنيا، وصراط في الآخرة... العسكرى عليه السلام 1 / 223

إن ضحك لم يَعْلُ صوتُه النبي صلى الله عليه و آله 1/ 258

أنّ ضربة عليّ يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين النبي صلى الله عليه و آله 3 / 580

إنّ العباد إذا ناموا، خرجت أرواحهم إلى السماء... أبو جعفر عليه السلام 1 / 109

إنّ العرق ليذهب في الأرض سبعين باعا، وأنّه ليبلغ إلى... النبي صلى الله عليه و آله 2 / 183

ص: 485

أنّ عليّا مع الحقّ، والحقّ مع عليّ حيث ما دار المعصوم عليه السلام 3 / 290

أنّ في الجمعة ساعة لا يحتجم فيها أحدٌ إلاّ مات علي عليه السلام 3 / 36

أنّ قميص المؤمنين إلى نصف الساق، أو إلى الكعب؛ لئلاّ يتنجّس المعصوم عليه السلام 2 / 312

إنّك لو رأيت السفياني لرأيت أخبث الناس أشقر أحمر أزرق الصادق عليه السلام 3 / 496

إنّ لإبليس شيطانا يُقال له هزع، يملأ ما بين المشرق والمغرب... أبو جعفر عليه السلام 3 / 254

إنّ لإبليس شيطانا يُقال له: هُزَع، يملأ المشرق والمغرب... أبو جعفر عليه السلام 2 / 110

أنّ لكلّ مؤمن ألف نسوة من الآدميّين المعصوم عليه السلام 2 / 156

إنّ للّه بلدة خلف المغرب يُقال لها: جابلقا، وفي جابلقا سبعون ألف اُمّة... علي عليه السلام 3 / 246

إنّما اُمر الناس بالأذان لعلل كثيرة... الرضا عليه السلام 2 / 258

إنّما أنتم في هذه الدُّنيا غرض تنتضل فيه المنايا علي عليه السلام 2 / 538

إنّما الحسنة معرفة الإمام وطاعته، وطاعته من طاعة اللّه المعصوم عليه السلام 4 / 346

أنّ المراد بالعهد في هذه الآية العهد إلى آدم عليه السلام بخلافة المهديّ عليه السلام... أبو جعفر عليه السلام 2 / 227

إنّ معونة المسلم خير وأعظم أجراً من صيام شهر النبي صلى الله عليه و آله 1 / 165

إنّ من وراء أرضكم هذه أرضا بيضاء ضوءها منها، فيها خلقٌ يعبدون اللّه ... الصادق عليه السلام 3 / 246

إنّ المؤمن إذا نام خرجت من روحه حركة ممدودة صاعدة إلى السماء... الصادق عليه السلام 2 / 108

أنّ المؤمن شهيد، وإن مات على فراشه المعصوم عليه السلام 2 / 51

أنّ المؤمنين على منازلهم؛ منهم على واحدة، ومنهم على اثنين، ومنهم... أبو جعفر عليه السلام 4 / 164

أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لمّا صلّى المغرب بلغه مولد فاطمة عليهاالسلام... الصادق عليه السلام 4 / 189

أنّها جزء من سبعين جزءا من النبوّة النبي صلى الله عليه و آله 2 / 93

إنّها نزلت فينا أهل البيت أصحاب الكساء الصادق عليه السلام 4 / 345

أنّها هي البشارة عند الموت الصادق عليه السلام 2 / 97

أنّه بايع مع هذا الخارجي جماعة من الخوارج خارج الكوفة، وسمّوه... المعصوم عليه السلام 2 / 511

أنّه رأى نحو ذلك أبو جعفر عليه السلام 1 / 605

إنّه كان يكذب علينا، وكان يدعو إلى محمّد بن عبد اللّه بن الحسن في... أبو جعفر عليه السلام 4 / 158

إنّهم سرقوا يوسف من أبيه ؛ أ لا ترى أنّه قال لهم حين قالوا الصادق عليه السلام 2 / 163

أنّهم غيّروا كلّ شيء من أحكام الدِّين إلاّ استقبال الكعبة في الصلاة الصادق عليه السلام 4 / 158

أنّه من استوى يوماه، فهو مغبون المعصوم عليه السلام 2 / 300

أنّه الهداية إلى الجنّة في الآخرة بسبب إيمانه في الدنيا الرضا عليه السلام 1 / 158

أنّه يحشر الناس يوم القيامة حُفاة عُراة عُزلاً بهما جُردا مُردا النبي صلى الله عليه و آله 2 / 181

ص: 486

إنّه يدخل عليكم الساعة شبيه عيسى ابن مريم النبي صلى الله عليه و آله 1/ 539

إنّي اُباهي بكم الاُمم النبي صلى الله عليه و آله 1 / 224

إنّي أخشاكم للّه وأتقاكم له المعصوم عليه السلام 1 / 185

إنّي أمزح ، ولا أقول إلاّ حقّاً النبي صلى الله عليه و آله 1 / 258

إنّي قد عرفت أنّ رجلاً من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرها... النبي صلى الله عليه و آله 3 / 106

أوّل ثلاثاء تدخل في شهر آذار بالروميّة الحجامة فيه مصحّة سنة بإذن اللّه الصادق عليه السلام 3 / 38

أوّلكم واردا عليَّ الحوض أوّلكم إسلاما علي بن أبي طالب عليه السلام المعصوم عليه السلام 4 / 186

أوّل ما خلق اللّه القلم، فقال له : اُكتب، فكتب ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة الصادق عليه السلام 2 / 131

أوّل ما خلق اللّه النور علي عليه السلام 2 / 128

أوّل ما خلق اللّه نوري النبي صلى الله عليه و آله 2 / 128

إيّاكم وتعلّم النجوم إلاّ ما يهتدى به في برٍّ أو بحر علي عليه السلام 3 / 76

أيّكم أحسنُ عقلاً، وأورع من محارم اللّه ، وأسرع في طاعة اللّه النبي صلى الله عليه و آله 2 / 27

أيّها الناس، إنّي لم أزل منذ قبض النبيّ صلى الله عليه و آله مشغولاً بغسله ،... علي عليه السلام 3 / 283

أيُّها الناس، إيّاكم وتعلّم النجوم إلاّ ما يُهتدى به في برّ علي عليه السلام 3 / 59

تبدّل أرضا من فضّة، وسماوات من ذهب علي عليه السلام 2 / 261

تبدّل الأرض غير الأرض، فتبسط، وتُمدّ مدّ الأديم العكاظي المعصوم عليه السلام 2 / 261

تدقّهم الفتن دقّ الرحا بثفالها علي عليه السلام 1 / 555

تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق كمقدار ميل، فيكون الناس على... النبي صلى الله عليه و آله 2 / 183

التعرّب بعد الهجرة من الكبائر الصادق عليه السلام 3 / 83

تعلمون أنّ الناس يقطع عليهم بين المدينة ومكّة، فتؤخذ أموالهم... الصادق عليه السلام 4 / 69

تلك السكينة كانت في التابوت، وكانت فيها طست تغسل فيها... المعصوم عليه السلام 4 / 96

توقّوا الحجامة يوم الأربعاء والنورة؛ فإنّ يوم الأربعاء يوم نحس مستمرّ... علي عليه السلام 3 / 38

التي هي أحسن التقيّة المعصوم عليه السلام 1 / 78

ثلاثة أيّام في الشهر: الأربعاء، والخميس، والجمعة الرضا عليه السلام 2 / 40

ثلاثة من عمل الجاهليّة: الفخر بالأنساب، والطعن في الأحساب، والاستسقاء أبو جعفر عليه السلام 3 / 65

ثمّ مكث الربّ _ تبارك وتعالى _ ما شاء، فلمّا أراد أن يخلق السماء أمر الرِّياح... الصادق عليه السلام 2 / 135

حجامة الاثنين لنا، والثلاثاء لبني اُميّة الرضا عليه السلام 3 / 38

الحجامة على الرأس على شبر من طرف الأنف، وفتر من بين الحاجبين الصادق عليه السلام 2 / 482

الحجامة يوم الاثنين من آخر النهار تسلّ الداء سلاًّ من البدن الصادق عليه السلام 3 / 37

ص: 487

حجّة اللّه على العباد النبي صلى الله عليه و آله، والحجّة فيما بين العباد و... الصادق عليه السلام 1 / 353

حسن الظنّ باللّه أن لا ترجو إلاّ اللّه ، ولا تخاف إلاّ من ذنبك الصادق عليه السلام 4 / 25

الحسنة: التقيّة، والسيّئة: الإذاعة المعصوم عليه السلام 1 / 78

الحسنة مودّتنا أهل البيت، والسيّئة عداوتنا أهل البيت المعصوم عليه السلام 4 / 346

الحسنة ولاية أمير المؤمنين عليه السلام المعصوم عليه السلام 4 / 346

الحكمة ضالّة المؤمن، فخُذ الحكمة ولو من أهل النفاق علي عليه السلام 2 / 510

الحمّى من فيح جهنّم، فأبردوها بالماء النبي صلى الله عليه و آله 2 / 204

خُذ الحكمة أنّى كانت؛ فإنّ الحكمة تكون... علي عليه السلام 2 / 510

خميس بين أربعاءين، ثمّ أربعاء بين خميسين المعصوم عليه السلام 2 / 40

خير اُمّتي أبو بكر ثمّ عمر النبي صلى الله عليه و آله 1 / 340

ذلك القرآن فاستنطقوه فلن ينطق لكم أخبركم عنه، وفيه علم ما مضى... الصادق عليه السلام 4 / 411

رأى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض هكذا المعصوم عليه السلام 4 / 37

رأيت كأنّي على جبل، فيجيء الناس فيركبونه، فإذا ركبوا عليه تصاعد بهم الصادق عليه السلام 2 / 605

رُغم أنف رجل ذُكرتُ عنده، فلم يصلّ عليّ المعصوم عليه السلام 1 / 224

الرؤيا ثلاثة : رؤيا بشرى من اللّه ، ورؤيا ممّا النبي صلى الله عليه و آله 2 / 98

الرؤيا الصالحة من اللّه ، فإذا رأى أحدكم ما يحبّ، فلا يحدّث بها إلاّ مَن... النبي صلى الله عليه و آله 2 / 403

الرؤيا على ما تعبّر أبو الحسن عليه السلام 3 / 567

الرؤيا من اللّه ، والحُلُم من الشيطان النبي صلى الله عليه و آله 2 / 103

سئل رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن الساعة، فقال: عند إيمان بالنجوم، وتكذيب بالقدر الصادق عليه السلام 3 / 62

سألت رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن الرجل ينام فيرى الرؤيا، فربّما... علي عليه السلام 1 / 109

سبحان اللّه ، ما طال العهد فينسى، وأنّه ليعلم أنّ هذا الاسم لا يصلح إلاّ لي... علي عليه السلام 3 / 284

السعيد سعيد في بطن اُمّه، والشقيّ شقيّ في بطن اُمّه المعصوم عليه السلام 2 / 54

السكينة ريح تخرج من الجنّة، لها صورة كصورة الإنسان، ورائحة طيّبة... أبو الحسن عليه السلام 4 / 96

سمّت اليهوديّة النبيّ صلى الله عليه و آله في ذراع، وكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يحبّ الذراع... الصادق عليه السلام 2 / 385

سمّي عليّ عليه السلام أمير المؤمنين؛ لأنّه يميرهم العلم أبو الحسن عليه السلام 2 / 83

شرّ الرداء رداء الكذب المعصوم عليه السلام 2 / 55

شرّ الروايا روايا الكذب المعصوم عليه السلام 2 / 55

الشرّ يدفعه الشرّ علي عليه السلام 3 / 415

صم الأّل منهما ، فلعلّك لا تلحق الثاني المعصوم عليه السلام 2 / 41

ص: 488

صوت جبرئيل من السماء، وصوت إبليس من الأرض، فاتّبعوا الصوت الأوّل الصادق عليه السلام 3 / 132

عاش نوح ألفي سنة وأربعمائة سنة وخمسين سنة النبي صلى الله عليه و آله 3 / 538

عاش نوح ألفي سنة، وخمسمائة سنة، منها ثمانمائة سنة وخمسون... الصادق عليه السلام 3 / 537

عاش نوح عليه السلام ألفين وخمسمائة سنة العسكرى عليه السلام 3 / 538

العبد إنّما يكون حسن ظنّه بربّه على قدر خوفه من ربّه، وأنّ أحسن الناس... المعصوم عليه السلام 4 / 25

عبدتُ اللّه قبل أن يعبده أحد من هذه الاُمّة بخمس سنين علي عليه السلام 4 / 186

عجب للبخيل استعجل الفقر الذي منه هرب... علي عليه السلام 1 / 272

عرضه ما بين صنعاء إلى أيلة النبي صلى الله عليه و آله 2 / 385

علم أنّهم سيكفرون، فأراد الكفر لعلمه فيهم الصادق عليه السلام 2 / 514

العلم مقرون إلى العمل، فمن علم عمل، ومن عمل علم... الصادق عليه السلام 1 / 185

عليٌّ سيّد العرب... النبي صلى الله عليه و آله 1 / 449

عليكم بالدُّعاء؛ فإنّ الدُّعاء للّه ، والطلب إلى اللّه يَرُدُّ البلاء... الكاظم عليه السلام 2 / 119

عليٌ منّي وأنا منه المعصوم عليه السلام 3 / 11

فاطمة بضعةٌ منّي، مَن آذاها فقد آذاني، ومَن آذاني فقد آذى اللّه النبي صلى الله عليه و آله 3 / 290

فردّ اللّه عليه أهله الذين ماتوا بعدما أصابهم البلاء... الصادق عليه السلام 3 / 372

الفقر الموت الأحمر الصادق عليه السلام 1 / 249

فلسنا نتقدّم أبرار ولده، وأنت من أبرّهم الحديث القدسي 2 / 233

فما انقضت تلك المدّة حتّى كاد الإسلام يستولي على أهل مكّة... الصادق عليه السلام 4 / 131

فو الذي نفسي بيده، لو أنّ الناس سلكوا شعباً،... النبي صلى الله عليه و آله 1 / 620

في آخر الزمان لا تكذب رؤيا المؤمن النبي صلى الله عليه و آله 2 / 93

فيجتمعون إليه كما يجتمع قزع الخريف علي عليه السلام 1 / 577؛ 4 / 76

في السماء أربعة نجوم ما يعلمها إلاّ أهل بيتٍ من العرب وأهل بيتٍ من الهند الصادق عليه السلام 3 / 70

في كلّ عشرة أيّام يوما: خميس وأربعاء وخميس... الصادق عليه السلام 2 / 40

قال اللّه _ عزّ وجلّ _ لنبيّه محمّد صلى الله عليه و آله : الرضا عليه السلام 2 / 389

قالت الحواريّون لعيسى : يا روح اللّه مَن نجالِس؟ قال : من يذكّركم اللّه رؤيتُه النبي صلى الله عليه و آله 2 / 351

قد وعزّتك بلغ بي مَجهودي السجّاد عليه السلام 1 / 182

قل شعرا تنوح به النساء الصادق عليه السلام 3 / 161

قلّموا أظفاركم يوم الثلاثاء، واستحمّوا الأربعاء، وأصيبوا من الحجامة... أبو الحسن عليه السلام 3 / 39

القهقهة من الشيطان الصادق عليه السلام 1 / 258

ص: 489

كانت امرأة من الأنصار تُدعى حسرة ، تغشى آل محمّد، وتحنّ... الصادق عليه السلام 2 / 460

كانت الفترة بين عيسى وبين محمّد صلى الله عليه و آله أربعمائة سنة وثمانين سنة النبي صلى الله عليه و آله 2 / 257

كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذا رُئي في الليلة الظَّلماء، رُئي له نورٌ كأنّه شِقّة قمرٍ الصادق عليه السلام 2 / 378

كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يحتجم على رأسه، ويسمّيه المغيثة والمنقذة الصادق عليه السلام 2 / 482

كان سبب نزول هذه الآية أنّ فاطمة عليهاالسلام رأت في منامها... الصادق عليه السلام 2 / 401

كان قد علم نبوّة نوح عليه السلام بالنجوم أبو جعفر عليه السلام 3 / 66

كان القمر منحوسا بزحل الصادق عليه السلام 3 / 71

كان لم يزل حيّاً بلا كيف، ولم يكن له كان، ولا كان لكونه... أبو جعفر عليه السلام 1 / 360

كذبوا، إنّما يُصيب ذلك من حملته اُمّه من طمث النبي صلى الله عليه و آله 3 / 39

كفر باللّه من تبرّأ من نسب وإن دقّ الصادق عليه السلام 1 / 624

كفى بالمرء جَهلاً أن لا يعرف قدره علي عليه السلام 1 / 244

كلّ شيء خلقه اللّه تعالى في الكرسيّ، ما خلا عرشه؛ فإنّه أعظم... الصادق عليه السلام 2 / 456

لا تزال مؤيّدا بروح القدس ما دمتَ تقول فينا أبو جعفر عليه السلام 3 / 158

لا تسبّوا الأموات فتؤذوا الأحياء النبي صلى الله عليه و آله 1 / 618

لا تستحي من إعطاء القليل؛ فإنّ الحرمان أقلّ منه المعصوم عليه السلام 1 / 459

لأنّه خُلِقَ من طين الأرض وأديمها... النبي صلى الله عليه و آله 1 / 450

لا يجتمع اُمّتي على خطأ النبي صلى الله عليه و آله 1 / 340

لا يزال المنام طائرا حتّى يقصّ، فإذا قصّ وقع النبي صلى الله عليه و آله 4 / 175

لا يسأل اللّه _ عزّ وجلّ _ إلاّ بدأَ بالصلاة على محمّد وآله الصادق عليه السلام 3 / 501

لا يصيب قرية عذاب وفيها سبعة من المؤمنين أبو جعفر عليه السلام 1 / 547

لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يتقدّم عليه غيره النبي صلى الله عليه و آله 1 / 340

لضربة عليّ خيرٌ من عبادة الثقلين النبي صلى الله عليه و آله 3 / 282

لمّا استخرج أمير المؤمنين عليه السلام من منزله خرجت فاطمة عليهاالسلام، فما بقيت امرأة... الصادق عليه السلام 3 / 286

لمّا هلك سليمان وضع إبليس السّحر، وكتبه في كتاب ثمّ طواه... أبو جعفر عليه السلام 3 / 559

لم يبق من مبشّرات النبوّة إلاّ الرؤيا الصادقة يراها الرجل المسلم النبي صلى الله عليه و آله 2 / 94

لم يبق من النبوّة إلاّ المبشّرات النبي صلى الله عليه و آله 2 / 96

لو أخرج اللّه ما في أصلاب المؤمنين من الكافرين، وما في... الصادق عليه السلام 3 / 585

لو كان بعدي نبي، لكان عمر النبي صلى الله عليه و آله 1 / 340

لو كنت متّخذاً خليلاً دون ربّي ، لاتّخذت النبي صلى الله عليه و آله 1 / 340

ص: 490

ليس للمسلم أن يعسر مسلماً، ومن أنظر معسراً أظلّه اللّه يوم القيامة النبي صلى الله عليه و آله 1 / 165

ما أسرع ما كذبتم على رسول اللّه صلى الله عليه و آله، إنّه ليعلم ويعلم الذين حوله أنّ اللّه ... علي عليه السلام 3 / 283

ما أعجب رسول اللّه صلى الله عليه و آله شيءٌ من الدُّنيا إلاّ أن يكون فيها جائعا خائفا الصادق عليه السلام 2 / 308

ما تقول إذا جيء بأرض من فضّة وسماوات من فضّة... الصادق عليه السلام 2 / 262

ما ردّ اللّه العذاب إلاّ عن قوم يونس، وكان يونس يدعوهم إلى... الصادق عليه السلام 2 / 119

ما عليكم لو أخّرتموه إلى عشيّة الأحد، فكان يكون أنزل للداء الصادق عليه السلام 3 / 37

ما كان يصلّي مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله غيري وغير خديجة علي عليه السلام 4 / 186

ما من نبيّ ولا وصيّ نبيّ يبقى في الأرض أكثر من ثلاثة أيّام... الصادق عليه السلام 2 / 458

مبتدع الخلائق بعلمه بلا اقتداء ولا تعليم علي عليه السلام 1 / 219

مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح، من تمسّك بها نجا... النبي صلى الله عليه و آله 1 / 350

المداومة على العمل في اتّباع الآثار والسنن النبي صلى الله عليه و آله 1 / 164

مطلق الخميس والأربعاء في الأعشار الثلاثة المعصوم عليه السلام 2 / 40

مع قائمنا أهل البيت الصادق عليه السلام 4 / 69

معناه: خائفة أن لا تقبل منهم الصادق عليه السلام 2 / 302

من آذى عليّا فقد آذاني النبي صلى الله عليه و آله 3 / 290

من احتجم في آخر خميس من الشهر في أوّل النهار سُلَّ منه الداء سلاًّ الصادق عليه السلام 3 / 39

من احتجم يوم الثلاثاء لسبع عشرة، أو أربع عشرة النبي صلى الله عليه و آله 3 / 38

من أصبح يشكو مصيبة نزلت به، فإنّما يشكو ربّه علي عليه السلام 2 / 523

المنجّم كالكاهن، والكاهن كالساحر، والساحر كالكافر، والكافر في النار الباقر عليه السلام 3 / 62

من ذكرت عنده، فلم يصلّ عليّ، فدخل النار ، فأبعده اللّه ، المعصوم عليه السلام / 224

مَن رآني فقد رآني؛ فإنّ الشيطان لا يتمثّل بي المعصوم عليه السلام 2 / 106

من رجا شيئا طلبه، ومن خاف من شيء هرب منه المعصوم عليه السلام 4 / 24

من سَرّه أن يدفع اللّه عنه نحس يومه فليفتتح يومه بصدقة يُذهب اللّه بها... النبي صلى الله عليه و آله 3 / 66

من شكا الحاجة إلى مؤمن، فكأنّما شكا إلى اللّه علي عليه السلام 2 / 523

مَن قَنع شَبع المعصوم عليه السلام 1 / 76

مَن كانت اُمّه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش فإنّ الصدقة تحلّ له... أبو الحسن الأول 4 / 103

مَن كنت مولاه، فعليٌّ مولاه النبي صلى الله عليه و آله 2 / 172

المنيّة ولا الدنيّة علي عليه السلام 1 / 248

موتوا قبل أن تموتوا المعصوم عليه السلام 1 / 248، 464

ص: 491

المؤمن جمع إحسانا وشفقةً؛ أي خوفا... المعصوم عليه السلام 2 / 302

الناس معادن كمعادن الذهب والفضّة، خيارهم... النبي صلى الله عليه و آله 2 / 581

الناس نيام، فإذا ماتوا انتهبوا علي عليه السلام 2 / 332

نحن من الأصلاب الطاهرات، والأرحام المطهّرات، لم تدنّسهم الجاهليّة... المعصوم عليه السلام 4 / 303

نزلت في الأفجرين من قريش : من بني اُميّة، وبني المغيرة الصادق عليه السلام 2 / 174

نزلت في القائم عليه السلام، هو واللّه المضطرّ، إذا صلّى في المقام ركعتين الصادق عليه السلام 2 / 85

نعم حدّثني أبي عليه السلام أنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام وسلمان الفارسي الكاظم عليه السلام 4 / 11

نعم، كما يرى أحدكم الدراهم إذا اُلقيت من ماء صاف قدره قيد رمح الصادق عليه السلام 2 / 157

نعم، من كان منكم محتجما فليحتجم يوم الخميس؛ فإنّ كلّ عشيّة جمعة يبتدر الصادق عليه السلام 3 / 39

نعم، نبيّ من الأنبياء قال له قومه: إنّا لا نؤمن لك حتّى تعلّمنا علي عليه السلام 3 / 67

نهى آدم عن أكل الشجرة، وشاء أن يأكل منها، ولو لم يشأ لم يأكله الصادق عليه السلام 2 / 226

نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن خصال _ إلى أن قال _ : وعن النظر في النجوم الباقر عليه السلام 3 / 62

وآخر ذلك نار تخرج من قعر عدن تطرد الناس إلى محشرهم النبي صلى الله عليه و آله 2 / 182

واعبدني ليومٍ كألف سنة ممّا تعدّون الحديث القدسي 2 / 406

واللّه ما كان سقيما وما كذب أبو جعفر عليه السلام 4 / 310

وايم اللّه ما كان قوم قطّ في غضّ نعمة من عيش، فزال عنهم... علي عليه السلام 3 / 397

والحقّ أوسع الأشياء في التواصف، وأضيقها في التناصف علي عليه السلام 4 / 230

وذلك واللّه ، أن لو قام قائمنا يجمع اللّه إليه جميع شيعتنا من جميع البلدان الرضا عليه السلام 4 / 75

وشرّ الرواية رواية الكذب المعصوم عليه السلام 2 / 55

والصبر مفتاح الفرج المعصوم عليه السلام 1 / 289

ولا ابتدع لمكانه مكاناً أبو جعفر عليه السلام 1 / 361

ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك يا عليّ فاستغفروا اللّه واستغفر لهم... أبي جعفر عليه السلام 4 / 170

ويلك إنّه كلام اللّه النبي صلى الله عليه و آله 1 / 540

هذان ابناي إمامان قاما أو قعدا النبي صلى الله عليه و آله 4 / 102

هو علمٌ في أصل صحيح، ذكروا أنّ أوّل كلّ من تكلّم في النجوم الرضا عليه السلام 3 / 68

هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن، أو تُرى له النبي صلى الله عليه و آله 2 / 97

يا أبرش، هو كما وصف نفسه، كان عرشه على الماء، والماء على الهواء... الصادق عليه السلام 2 / 134

يا اُمّ بشر، ما زالت أكلة خيبر التي أكلتُ مع ابنك تعاودني... النبي صلى الله عليه و آله 2 / 385

يا أهل المؤتفكة، ائتفكت بأهلها انقلبت بهم ثلاثا، وعلى اللّه تمام الرابعة علي عليه السلام 2 / 597

ص: 492

يا صخر، الأمر من بعدي لمن هو منّي بمنزلة... النبى صلى الله عليه و آله 1 / 350

يا علي، إذا كان يوم القيامة أقعد أنا وأنت وجبرئيل عليه السلامعلى الصراط النبي صلى الله عليه و آله 1 / 223

يا عليّ، اكفني هذه الكتيبة النبي صلى الله عليه و آله 2 / 209

يا عليّ، امحُ لفظ الرسول واثبت مكانه: ابن عبد اللّه النبي صلى الله عليه و آله 4 / 128

يا عيسى آمرك أن تخبر به . قال عيسى : إلهي،... المعصوم عليه السلام 2 / 381

يا فاطمة، إنّ اللّه يغضب لغضبك، ويرضى لرضاك النبي صلى الله عليه و آله 3 / 290

يا معشر الشيعة، علّموا أولادكم شعر العبدي؛ فإنّه على دين اللّه الصادق عليه السلام 3 / 161

يا معشر المهاجرين، اللّه اللّه ، لا تخرجوا سلطان محمّد عن داره و... علي عليه السلام 3 / 288

يامعشر المهاجرين والأنصار، أنشدكم باللّه ، أسمعتم رسول اللّه صلى الله عليه و آلهيقول... علي عليه السلام 3 / 285

يحشر معهم النار، يبيت معهم حيث باتوا، ويقيل معهم حيث قالوا النبي صلى الله عليه و آله 2 / 181

يخرج ابن آكلة الأكباد، وهو رجلٌ ربعة وحش الوجه ضخم... الصادق عليه السلام 3 / 496

يخرج القائم عليه السلام يوم السبت، يوم عاشوراء، اليوم الذي قُتل فيه... أبو جعفر عليه السلام 3 / 210، 442

يعني من اتّخذ دينَه رأيَه بغير إمام من أئمّة الهدى أبو الحسن عليه السلام 1 / 112

يكون في اُمّتي ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل النبي صلى الله عليه و آله 3 / 478

يملك كور الشام الخمس ودمشق وحمص وفلسطين وقنسرين والأردن... الصادق عليه السلام 3 / 496

يؤتى بالموت، كأنّه كبشٌ أملح، فينادى، فيُقال : يا أهل الجنّة،... النبي صلى الله عليه و آله 2 / 435

يؤتى ما أتى، وهو خائف راج المعصوم عليه السلام 2 / 302

ص: 493

فهرس الأعلام

الف _ المعصومون والأنبياء عليهم السلام

رسول اللّه صلى الله عليه و آله، 1 / 95، 97، 102، 104، 105، 106،

108، 112، 115، 145، 157، 162، 164، 165،

183، 214، 224، 225، 258، 298، 299، 301،

302، 304، 305، 306، 307، 308، 309، 311،

312، 313، 315، 316، 328، 332، 334، 335،

337، 338، 339، 340، 341، 350، 355، 371،

374، 375، 395، 441، 449، 488، 490، 491،

491، 492، 504، 512، 520، 521، 522، 532،

538، 539، 540، 543، 545، 552، 555، 556،

558، 559، 560، 563، 568، 572، 587، 590،

597، 598، 603، 618، 621، 622؛ 2 / 21، 22،

29، 32، 36، 37، 45، 47، 73، 74، 75، 94، 96،

97، 114، 124، 125، 175، 183، 193، 209،

210، 213، 216، 217، 236، 241، 243، 253،

262، 269، 278، 281، 296، 297، 305، 308،

309، 310، 351، 355، 378، 385، 385، 401،

402، 407، 431، 453، 460، 482، 492، 496،

497، 500، 501، 504، 511، 516، 531، 564،

575، 594، 596، 599، 602؛ 3 / 5، 6، 37، 38،

39، 47، 48، 62، 65، 66، 69، 74، 79، 96، 97،

99، 100، 102، 104، 105، 106، 108، 109،

110، 113، 115، 116، 119، 145، 162، 163،

164، 167، 169، 191، 192، 196، 202، 203،

203، 207، 229، 246، 264، 282، 283، 284،

285، 286، 289، 290، 292، 293، 294، 299،

310، 328، 329، 335، 336، 361، 365، 371،

375، 398، 412، 413، 418، 419، 420، 424،

425، 428، 429، 430، 431، 448، 451، 454،

457، 458، 465، 467، 468، 469، 471، 475،

476، 501، 502، 503، 515، 516، 517، 518،

536، 546، 552، 554، 578، 582، 583، 584؛

4 / 5، 11، 13، 13، 14، 16، 19، 21، 22، 52،

59، 60، 102، 109، 116، 117، 118، 120،

121، 122، 123، 124، 124، 126، 127، 128،

129، 131، 132، 133، 134، 135، 149، 153،

154، 155، 156، 169، 170، 172، 173، 181،

187، 188، 189، 194، 198، 207، 242، 277،

289، 290، 291، 293، 301، 327، 329، 333،

334، 335، 339، 344، 351، 353، 355، 359،

361، 362، 363، 397، 403

الرسول الأمين، 1 / 349

ص: 494

النبيّ صلى الله عليه و آله، 1 / 79، 101، 114، 116، 137، 153،

178، 192، 222، 223، 224، 225، 258، 261،

265، 266، 301، 302، 307، 309، 321، 330،

331، 340، 354، 373، 380، 436، 449، 450،

491، 504، 520، 540، 541، 542، 554، 556،

558، 559، 560، 574، 595، 596، 607، 615،

617، 620، 625؛ 2 / 27، 45، 74، 92، 92، 94،

95، 96، 98، 103، 106، 123، 128، 171،

172، 181، 204، 234، 240، 251، 252، 253،

253، 257، 269، 284، 285، 295، 314، 331،

333، 378، 385، 403، 414، 435، 454، 460،

461، 500، 501، 502، 504، 510، 571، 581؛

3 / 6، 11، 25، 38، 66، 67، 79، 83، 93، 97،

99، 101، 104، 104، 105، 106، 115، 140،

145، 169، 216، 262، 275، 277، 282، 289،

303، 310، 311، 314، 324، 334، 334، 336،

346، 358، 362، 375، 376، 380، 381، 383،

401، 428، 429، 454، 468، 469، 470، 475،

478، 500، 501، 502، 515، 538، 580، 581؛

4 / 11، 15، 16، 22، 24، 92، 98، 102، 106،

107، 111، 118، 119، 120، 121، 125، 126،

130، 132، 134، 144، 153، 155، 156، 158،

159، 169، 172، 173، 174، 175، 187، 195،

218، 265، 266، 278، 292، 293، 297، 325،

327، 333، 334، 343، 354، 355، 358، 364،

425، 429

محمّد صلى الله عليه و آله، 1 / 102، 107، 155، 163، 169، 293،

439، 445، 538، 539، 543، 546، 600؛

2 / 29، 234، 243، 257، 275، 389، 391،

402، 426، 431، 480، 561؛ 3 / 58، 96، 102،

153، 242، 277؛ 4 / 11، 12، 91، 255، 348،

350، 351، 353، 354، 356، 358، 382، 427

محمّد بن عبداللّه صلى الله عليه و آله، 3 / 456، 4 / 187

محمّد بن عبد اللّه بن عبد المطّلب، 4 / 12

محمّد رسول اللّه ، 2 / 381، 4 / 356

علي عليه السلام، 1 / 100، 142، 223، 293، 314، 368،

393، 438، 449، 488، 520، 522، 524، 539،

540، 555، 560، 577، 597؛ 2 / 47، 49 83،

109، 125، 172، 174، 176، 243، 261، 264،

269، 313، 426، 478، 502، 595؛ 3 / 62، 96،

97، 106، 110، 113، 159، 172، 202، 264،

270، 279، 281، 283، 284، 286، 287، 288،

289، 295، 335، 388، 413، 418، 419، 454،

456، 507، 508، 525، 547، 552، 583، 584،

585؛ 4 / 7، 50، 51، 76، 99، 106، 107، 109،

128، 155، 165، 169، 170، 181، 187، 188،

198، 213، 217، 218، 316، 339، 344، 358،

367

أمير المؤمنين عليه السلام، 1 / 78، 121، 125، 219، 244،

282، 292، 293، 315، 318، 336، 351، 353،

378، 450، 451، 491، 503، 509، 540، 545،

568، 597، 612، 613، 615؛ 2 / 45، 74، 75،

83، 128، 172، 214، 215، 251، 264، 280،

311، 332، 402، 497، 500، 510، 511، 523،

566، 596، 597، 602؛ 3 / 34، 36، 38، 57،

58، 60، 63، 69، 76، 93، 95، 119، 125،

130، 132، 163، 203، 246، 252، 281، 290،

296، 306، 328، 335، 336، 340، 358، 382،

387، 400، 413، 415، 419، 420، 429، 457،

485، 526، 545، 552، 556، 581، 582، 583،

ص: 495

585؛ 4 / 5، 11، 13، 14، 22، 25، 52، 57،

107، 155، 229، 246، 248، 259، 261، 262،

263، 270، 289، 316، 345، 350

أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، 1 / 522

عليّ بن أبي طالب، 1 / 350، 540؛ 2 / 214، 280؛

3 / 66، 68، 110، 119، 469، 507، 510، 584؛

4 / 330، 425

ابن أبي طالب، 4 / 274، 4 / 327

فاطمة عليهاالسلام، 1 / 438، 488، 556، 559؛ 2 / 125،

269، 401، 402، 478؛ 3 / 281، 282، 283،

284، 287، 288، 289، 387، 403، 580، 583؛

4 / 153، 266، 344

الحسن عليه السلام، 2 / 125، 243، 302، 401، 402؛ 3 / 88،

119، 126، 259، 583؛ 4 / 99، 367

الحسن بن عليّ عليه السلام، 1 / 405 ؛ 2 / 512؛ 3 / 246؛

4 / 148، 345

الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام، 4 / 142

أبو محمّد بن عليّ عليه السلام، 3 / 275

الحسين عليه السلام، 2 / 125، 161، 243، 401، 402، 487،

512، 594؛ 3 / 120، 122، 123، 127، 161،

162، 259 ، 283، 384، 583؛ 4 / 149، 181،

367

الحسين بن عليّ عليه السلام، 1 / 489؛ 3 / 123

عليّ بن الحسين، 2 / 262، 313، 566؛ 3 / 80، 246،

382؛ 4 / 333

سيّد العابدين عليه السلام، 3 / 142

الباقر عليه السلام، 2 / 37، 293، 331 ؛ 3 / 62، 252، 364 ؛

4 / 322

أبو جعفر، 1 / 130، 360، 361، 501؛ 2 / 24، 35،

46، 109، 110، 164، 165، 227، 267، 414،

547، 605؛ 3 / 65، 66، 99، 202، 210، 219،

221، 246، 254، 280، 294، 331، 334، 335،

371، 442، 465، 474، 513، 559؛ 4 / 37، 66،

67، 74، 76، 79 89، 99، 158، 164، 170،

180، 181، 219، 310، 322، 424

أبو جعفر الباقر، 3 / 94؛ 4 / 333، 358

محمّد بن عليّ الباقر، 3 / 115

محمّد بن عليّ عليهماالسلام، 3 / 135، 491

الصادق عليه السلام، 1 / 376، 537، 609؛ 2 / 40، 41، 49،

160، 170، 194، 467؛ 3 / 49، 62، 82، 83،

197، 198، 211، 251، 252، 264، 286، 299،

364، 386، 408، 494؛ 4 / 25، 127، 129،

131، 141، 158، 189، 308، 322، 324، 333،

411

أبو عبداللّه عليه السلام، 1 / 109، 110، 121، 185، 225 258،

350، 353، 387، 405، 543، 612، 624؛

2 / 80، 85، 97، 108، 110، 118، 119، 128،

131، 134، 135، 157، 161، 162، 164، 174،

193، 226، 231، 244، 262، 302، 308، 324،

351، 378، 385، 401، 447، 456، 458، 460،

471، 482، 514، 522، 566، 571، 583، 605،

606؛ 3 / 37، 38، 39، 39، 41، 43، 59، 60،

61، 62، 63، 64، 65، 66، 68، 69، 70، 71، 71،

102، 129، 132، 132، 158، 161، 162، 196،

198، 229، 241، 245، 246، 246، 255، 274،

275، 278، 319، 322، 342، 354، 356، 364،

372، 373، 375، 377، 388، 400، 401، 408،

409، 412، 413، 414، 415، 416، 418، 419،

425، 444، 453، 496، 498، 501، 502، 513،

516، 520، 565، 585؛ 4 / 32 ، 43، 69، 76،

ص: 496

95، 117، 125، 135، 153، 162، 169، 174،

289، 310، 322، 329، 335، 345، 370

جعفر بن محمّد الصادق ، 3 / 96، 115، 494

جعفر بن محمّد بن علي، 3 / 365

الكاظم عليه السلام، 3 / 64، 69 ؛ 4 / 208، 209

موسى بن جعفر عليهماالسلام، 3 / 69؛ 4 / 11، 207، 208،

209

أبو إبراهيم عليه السلام، 3 / 36

أبو الحسن موسى عليه السلام، 2 / 119؛ 3 / 37

أبو الحسن عليه السلام، 1 / 112؛ 2 / 78، 83؛ 3 / 39، 49،

215، 216، 357، 567 ؛ 4 / 96، 208

أبو الحسن الأوّل، 3 / 380، 4 / 103

العبد الصالح عليه السلام، 3 / 342

الرضا عليه السلام، 1 / 158، 557؛ 2 / 40، 258، 389، 452،

459؛ 3 / 38، 63، 68، 584؛ 4 / 38، 46، 75،

92، 208، 209، 358، 367

أبو الحسن الرضا عليه السلام، 2 / 129؛ 3 / 37

أبو الحسن الثاني عليه السلام، 3 / 39

الجواد عليه السلام، 3 / 176

الهادي عليه السلام، 1 / 553؛ 3 / 176

أبو الحسن العسكري عليه السلام، 3 / 39

عليّ بن محمّد العسكري عليه السلام، 3 / 182

العسكري عليه السلام، 4 / 194

الحسن العسكري عليه السلام، 1 / 223

الحسن العسكري أبو محمّد عليه السلام، 4 / 141

المهديّ عليه السلام، 1 / 407، 588، 589، 590؛ 2 / 49، 49،

92، 93، 227، 293، 503؛ 3 / 134، 311، 332،

365؛ 4 / 429

الصاحب عليه السلام، 1 / 406، 493؛ 2 / 25، 51، 92، 292،

505، 584؛ 3 / 135، 208، 209، 441، 454،

495 ؛ 4 / 7

صاحب الزمان عليه السلام، 4 / 17

صاحب الأمر عليه السلام، 1 / 577، 1 / 585

القائم عليه السلام، 1 / 369، 488، 488، 492، 588، 589،

591، 603؛ 2 / 67، 85، 293، 502، 503، 505،

531، 591، 607؛ 3 / 93، 102، 121، 122،

129، 131، 132، 191، 205، 346، 439، 441،

545، 546، 547 ؛ 4 / 32، 52، 63، 149، 284،

286

قائم المنتظر عليه السلام، 2 / 590

آدم عليه السلام، 1 / 437، 450، 458، 449، 450، 462، 512؛

2 / 62، 90، 224، 227، 229، 231، 232، 233،

234، 235، 236، 239 ، 380، 475؛ 142؛

3 / 153، 182، 245، 260، 261، 262، 263،

264، 328، 337، 361، 417، 479 ، 523، 525،

538؛ 4 / 84، 91، 98، 303، 340، 344

حوّاء عليهاالسلام، 3 / 262، 263

إبراهيم، 1 / 79، 97، 556؛ 2 / 106، 237، 238،

239، 249، 249، 383، 383، 387، 572؛

3 / 66، 69، 256، 303، 338، 379، 494، 563،

582؛ 4 / 36، 37، 38، 39، 45، 46، 67، 68،

96، 102، 139، 141، 287، 303، 303، 304،

307، 308، 308، 309، 310، 311، 311، 312،

312، 313، 316، 316، 317، 318، 319، 320،

340، 357، 358، 358، 362، 363، 416، 419،

420، 425

إدريس عليه السلام، 2 / 62، 232، 235، 249؛ 3 / 68، 69

إسحاق عليه السلام، 1 / 615؛ 2 / 241؛ 4 / 140، 362

إسرافيل عليه السلام، 2 / 18؛ 4 / 312

إسماعيل عليه السلام، 1 / 615؛ 2 / 237، 241؛ 3 / 82، 198،

ص: 497

303، 364؛ 4 / 320، 421، 358، 362

حزقيل عليه السلام، 3 / 88، 89، 90

الخضر عليه السلام، 2 / 366، 4 / 246

داود عليه السلام، 1 / 97؛ 2 / 407؛ 3 / 67، 94، 95، 119؛

4 / 89، 95، 96، 97، 98

زكريّا بن يحيى، 2 / 109؛ 3 / 118

سليمان عليه السلام، 2 / 304، 341، 413، 3 / 559، 560

شمعون نبيّ، 3 / 89

شيث عليه السلام، 2 / 231

صالح عليه السلام، 1 / 343، 503، 612، 3 / 20

عزير عليه السلام، 3 / 130؛ 4 / 363

عيسى، 1 / 97، 433، 437، 488، 537، 538، 539،

540، 589، 603؛ 2 / 93، 241، 257، 325،

327، 340، 345، 355، 373، 381، 406، 410،

505، 561؛ 3 / 94، 95، 118، 130 ، 213، 462،

463، 468، 469، 476 ، 477، 478؛ 4 / 7، 11،

12، 14، 22، 102، 287، 362، 363، 382، 427

لوط عليه السلام، 2 / 238، 249 ؛ 3 / 582؛ 4 / 145، 312،

317

موسى، 1 / 97، 312، 343، 349، 434، 436، 437،

443، 446، 451، 453، 455، 462، 464، 465،

466، 472، 474، 478، 481، 482، 484، 587؛

2 / 239، 241، 243، 249، 304، 307، 341،

358، 366، 459؛ 3 / 69، 88، 210، 582؛

4 / 90، 91، 94، 97، 99، 99، 117، 208، 287،

362

نوح، 1 / 97، 350، 502؛ 2 / 62، 232، 234، 235،

236، 239، 241، 249؛ 3 / 181، 297، 457،

523، 525، 526، 527، 530، 532، 533، 535،

537، 538، 582؛ 4 / 102، 340، 362، 386،

420

هارون عليه السلام، 1 / 312، 349، 463، 587؛ 2 / 241،

249؛ 3 / 69، 582؛ 4 / 91، 99، 208، 208،

362

هود عليه السلام، 1 / 343 ، 615 ؛ 2 / 238

يحيى عليه السلام، 2 / 369، 436؛ 3 / 118

يعقوب، 1 / 97، 493؛ 2 / 418، 503؛ 4 / 140، 362

يوسف عليه السلام، 1 / 97؛ 2 / 132، 162، 239، 243، 458،

459، 502، 503، 554؛ 3 / 91، 340 ؛ 4 / 172،

255، 318

يوشع بن نون، 2 / 243؛ 3 / 63، 88؛ 4 / 94، 98

يونس عليه السلام، 1 / 512؛ 2 / 119، 120، 249؛ 3 / 37

روح القدس جبرئيل عليه السلام

جبرئيل عليه السلام، 1 / 169، 223، 309، 339، 347، 450،

542، 543، 622؛ 2 / 21، 73، 74، 130، 171،

209، 210، 233، 234، 297، 314، 367، 368،

402، 500، 502؛ 3 / 6، 132، 192، 263، 264،

373، 417، 454، 476، 484، 485، 513، 584؛

4 / 108، 110، 126، 139، 142، 145، 147،

293، 311، 312، 359

عزرائيل عليه السلام، 3 / 91

ميكائيل عليه السلام، 4 / 312، 359

ب _ الأشخاص

آزر، 4 / 303، 304

آصف بن برخيا، 3 / 559

آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب،

4 / 21

إبراهيم، 1 / 79، 97، 556؛ 2 / 106، 237، 238،

239، 249، 249، 383، 383، 387، 572؛

ص: 498

3 / 66، 69، 256، 303، 338، 379، 494، 563،

582؛ 4 / 36، 37، 38، 39، 45، 46، 67، 68،

96، 102، 139، 141، 287، 303، 303، 304،

307، 308، 308، 309، 310، 311، 311، 312،

312، 313، 316، 316، 317، 318، 319، 320،

340، 357، 358، 358، 362، 363، 416، 419،

420، 425

إبراهيم بن أخي أبي شبل، 3 / 274

إبراهيم بن عبداللّه بن محمّد بن علي بن عبداللّه بن

عبّاس بن عبد المطّلب، 3 / 494

إبراهيم بن عثمان، 1 / 549

إبراهيم بن عمر اليماني، 1 / 549

إبراهيم بن هاشم، 1 / 75؛ 2 / 385؛ 3 / 323، 324؛

4 / 81

إبراهيم الكرخي، 3 / 585

إبراهيم النخعي، 1 / 109؛ 4 / 187

ابن اُبيّ، 3 / 476

ابن ابي عقيل، 1 / 118

ابن إدريس، 2 / 571؛ 3 / 292

ابن اُسامة بن زيد بن شرحبيل الكلبي، 4 / 155

ابن إسحاق، 4 / 187، 188، 325

ابن الأثير الجزري

ابن الأعرابي، 2 / 149؛ 4 / 288

ابن الانباري، 4 / 182

ابن أبي اُحيحة، 1 / 617

ابن أبي الحديد، 1 / 251، 293، 581، 609؛ 2 / 209؛

3 / 105، 108، 287، 289، 580؛ 4 / 252، 255،

398

ابن أبي سرح، 3 / 101

ابن أبي طالب، 4 / 274، 4 / 327

ابن أبي عَقِب، 2 / 583

ابن أبي عمير، 2 / 119، 131؛ 3 / 64، 585؛ 4 / 373

ابن أبي العوجاء، 4 / 43

ابن أبي ليلى، 2 / 262

ابن أبي نصر، 3 / 28

ابن بابويه، 1 / 150؛ 2 / 41؛ 3 / 255، 412؛ 4 / 358

ابن البتول، 1 / 438، 439

ابن بريدة، 3 / 110

ابن جريج، 3 / 89

ابن جريح، 4 / 39

ابن جعشم، 3 / 431

ابن جُلاّح، 1 / 617

ابن الجنيد، 2 / 40؛ 3 / 83، 167

ابن داود، 1 / 489

ابن دريد، 3 / 409

ابن الزبعرى، 1 / 539

ابن الزبير الخلقاني، 3 / 167

ابن زياد، 2 / 512

ابن زيد، 4 / 357، 359

ابن السرّاج، 4 / 209

ابن سعد، 3 / 364

ابن السكّيت، 2 / 328؛ 3 / 34، 37، 269، 270، 401،

534؛ 4 / 305، 399

ابن سلام، 1 / 450

ابن سنان، 1 / 296

ابن سيرين، 3 / 110

ابن سينا، 3 / 233

ابن شبّر، 2 / 269

ابن شبير، 2 / 269

ابن شعبة، 3 / 286

ص: 499

ابن صعب، 1 / 213

ابن صهّاك، 3 / 286

ابن الطاووس، 2 / 40 ، 267؛ 3 / 68

ابن عامر، 3 / 130، 201؛ 4 / 361

ابن عبّاس، 1 / 545؛ 2 / 257، 261، 389، 421،

433؛ 3 / 6، 89، 94، 99، 102، 106، 116،

172، 289، 334، 355، 356، 359، 372، 414،

499، 512، 525؛ 4 / 20، 35، 37، 38، 51، 60،

75، 92، 99، 122، 165، 182، 187، 289،

339، 343، 344، 355، 356

ابن عبد البرّ، 4 / 107

ابن عبد الرحمن بن ورقاء، 3 / 11

ابن عجلان، 2 / 605

ابن العجوز، 3 / 88

ابن العربي، 2 / 93

ابن عمر، 2 / 204، 257

ابن عمران، 1 / 446

ابن عيسى، 3 / 576؛ 4 / 348

ابن فضّال، 1 / 75؛ 4 / 229

ابن قتيبة، 1 / 259؛ 3 / 289؛ 4 / 51

ابن قميئة، 1 / 108

ابن قياما، 4 / 208 ، 209

ابن قيس الأنصاري، 4 / 126

ابن كثير، 2 / 137؛ 3 / 112، 130، 374؛ 4 / 178

ابن كيسان، 3 / 23

ابن مالك، 1 / 526؛ 2 / 382، 564؛ 3 / 227، 431،

482

ابن محمّد الأشعري، 3 / 402

ابن المخارق بن عبد الرحمن بن ورقاء بن حبشي

بن جنادة أبو جنادة السلولي، 3 / 11

ابن مريم، 2 / 354

ابن مسعود، 2 / 261، 413؛ 3 / 372

ابن مسكان، 2 / 605؛ 3 / 360

ابن ملجم، 2 / 511

ابن ميثم، 1 / 227، 278، 596، 608، 612؛ 4 / 252،

397

ابن نافع، 4 / 219

ابن هشام، 4 / 217

ابن الهُون بن خزيمة أبو قبيلة، 1 / 625

ابن يزيد، 3 / 89

ابن يسار، 3 / 372

ابن يشجب بن يعرب بن قحطان، 4 / 66

اُبيّ، 4 / 336

الآبيّ، 2 / 93؛ 3 / 83، 282، 409

اُبيّ بن خلف، 3 / 465

اُبيّ بن كعب، 3 / 501؛ 4 / 132، 356، 359

الأخفش، 1 / 276، 288؛ 2 / 70، 232، 350، 410،

513؛ 4 / 173، 217، 266، 288، 340

الأخنس بن شريق الثقفي، 3 / 554؛ 4 / 131

الأردبيلي، 3 / 578

الأزهري، 3 / 463؛ 4 / 288

اُسامة، 3 / 580

الإسترآبادي، 1 / 114، 115، 132، 147، 150،

192، 380، 405، 543، 562، 578، 589، 600،

608، 615؛ 2 / 49، 62، 72، 89، 92، 165،

168، 242، 252، 314، 326، 462، 466، 467؛

3 / 29، 134، 139، 161، 198، 251، 311،

542؛ 4 / 17، 24، 45، 83، 133، 274، 303،

365

إسحاق بن موسى، 3 / 582

إسماعيل بن أبان، 2 / 266

ص: 500

إسماعيل بن أبي رافع، 2 / 257

إسماعيل بن جابر، 1 / 129

إسماعيل بن الحسن المتطبّب، 3 / 43

إسماعيل بن داود، 2 / 40

إسماعيل بن الصادق عليه السلام، 3 / 197

إسماعيل بن عبد الخالق، 4 / 345

إسماعيل بن الفضل بن يعقوب الهاشميّ، 3 / 226

إسماعيل بن مجالد، 3 / 288

إسماعيل بن مَخْلَد، 1 / 129

إسماعيل بن مسلم، 3 / 26

إسماعيل بن مهران، 2 / 586

الأشعث بن قيس الكندي أبو محمّد،1 / 622؛

2 / 510، 511؛ 3 / 582، 583

اشمويل، 4 / 96، 97، 98

الأصبغ، 2 / 465

اصطفاني، 1 / 331

الأصمعي، 1 / 444؛ 3 / 65، 271، 425؛ 4 / 67،

145، 390

الأعشى، 3 / 96

الأعمش، 1 / 539؛ 3 / 526؛ 4 / 336

إلياس، 2 / 293

اُمّ جميل، 3 / 509، 3 / 511

اُمّ خالد، 2 / 215

اُمّ سلمة، 2 / 460، 461؛ 3 / 583، 584

اُمّ فروة، 2 / 510؛ 3 / 161

اُمّ الفضل بنت الحارث، 3 / 108

اُمّ معبد، 1 / 261

اُمّ موسى، 4 / 98

اُمّه سَلمى، 1 / 377

اُمّ يحيى، 2 / 369

اُميّة، 1 / 498

اُميّة بن أبي حذيفة بن المغيرة، 2 / 175

اُميّة بن أبي الصلت، 4 / 127

اُوْرمة، 3 / 251

أبان بن أبي عيّاش، 1 / 549

أبان بن تغلب، 3 / 59، 61، 71

أبان بن سعيد بن العاص بن اُميّة بن عبد شمس

الأموي، 4 / 119، 125

أبان بن عثمان بن العاص، 2 / 109، 110؛ 4 / 126

أبرش الكلبي، 2 / 134، 135

أبو إبراهيم عليه السلام، 3 / 36

أبو اُحيحة، 1 / 617

أبو إسحاق، 4 / 51

أبو الأعزّ، 1 / 539

أبو الأعور، 2 / 501

أبو أيّوب الخزّاز، 1 / 549

أبو البختري، 3 / 104، 105

أبو بصير بن أسيد ابن جارية الثقفي ، 1 / 85 ، 386 ،

387، 491، 494، 537، 543، 624 ؛ 2 / 38، 40،

109، 110، 164، 165، 324، 325 ؛ 3 / 38، 71،

210، 229، 254، 372، 501، 549، 559؛

4 / 131، 132 ، 133

أبو بطن، 1 / 213

أبو بكر، 1 / 340، 377، 493، 560، 617؛ 2 / 510؛

3 / 96، 163، 228، 248، 279، 281، 283،

284، 285، 286، 287، 288، 289، 331، 427،

428، 429، 465، 580، 582؛ 4 / 5، 7، 165،

173، 186، 187، 189، 198، 200، 202، 361

أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري، 3 / 287

أبو بكر الباهلي، 3 / 288

ص: 501

أبو بكر بن أبي قحافة، 3 / 113

أبو بكر بن محمّد، 3 / 557

أبو بكر الحضرمي، 3 / 335؛ 4 / 69، 307

أبو بكر عبد العزّى، 3 / 113

أبو تراب، 2 / 47؛ 4 / 162

أبو جعفر الطوسي، 1 / 149، 191؛ 2 / 40؛ 3 / 481،

498؛ 4 / 42

أبو جعفر عبداللّه بن محمّد، 3 / 137

أبو جعفر المنصور الدوانيقي، 1 / 403؛ 2 / 79؛

3 / 137، 141، 157، 494؛ 4 / 57، 192، 193

أبو جندل بن سهيل بن عمرو، 4 / 130، 131، 132،

134

أبو جهل بن هشام، 1 / 543؛ 2 / 175؛ 3 / 96، 97،

106؛ 4 / 364

أبو حازم المدني، 4 / 187

أبو حذيفة، 2 / 501؛ 3 / 285؛ 4 / 167

أبو الحرث بن كعب، 1 / 360

أبو الحسين، 1 / 292

أبو الحصين، 3 / 61

أبو الحمراء بن سفيان، 2 / 209

أبو حمزة الثمالي، 1 / 343، 501؛ 3 / 245؛ 4 / 345

أبو حنيفة، 1 / 109، 563؛ 4 / 69، 174، 303

أبو حيّ، 1 / 213، 557؛ 2 / 295

أبو خالد، 3 / 202

أبو خديجة، 2 / 482

أبو الخطّاب، 3 / 214؛ 4 / 33

أبو داود، 2 / 93؛ 4 / 97

أبو داود المازني، 3 / 105

أبو دُجانة، 4 / 106، 107

أبو الدرداء، 2 / 76، 77، 580

أبو الدوانيق، 3 / 138

أبو الدواهى، 2 / 501

أبو ذرّ، 1 / 378؛ 2 / 282؛ 3 / 124، 125، 126، 127،

190، 196، 198، 281، 282، 283، 286، 376،

583؛ 4 / 10، 11، 55، 397

أبو ذرّ الغفاري، 2 / 295؛ 3 / 125، 335

أبو روق، 3 / 89

أبو زرجمهر، 3 / 493

أبو زيد، 1 / 325، 466؛ 2 / 301، 534، 536؛ 3 / 51،

425

أبو السرايا، 3 / 403

أبو سعيد، 3 / 38

أبو سعيد الخدري، 1 / 296؛ 2 / 407؛ 3 / 38؛

4 / 289

أبو سفيان بن حرب، 1 / 108؛ 3 / 213 ، 336، 468،

476، 496، 509؛ 4 / 19، 110، 120، 121،

131، 133، 397

أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، 3 / 471

أبو سلمة سالم بن مكرم الجمّال، 3 / 214

أبو شبل، 3 / 275، 388

أبو الشرور، 2 / 501

أبو الشعثاء بن سفيان، 2 / 209

أبو صادق، 1 / 539

أبو صالح، 3 / 96

أبو الصبّاح، 2 / 465

أبو الصلاح، 2 / 40، 571

أبو الصلت الهروي، 2 / 129

أبو طالب، 3 / 135، 140؛ 4 / 22، 187، 358

أبو طالب الطبرسي، 3 / 61، 581

أبو الطفيل، 2 / 212؛ 4 / 66

ص: 502

أبو عاد، 2 / 237

أبو العاص بن الربيع، 4 / 144

أبو العبّاس، 3 / 414؛ 4 / 20

أبو العبّاس بن نوح، 3 / 68

أبو العبّاس السفّاح، 3 / 522

أبو عبداللّه الآبي، 1 / 560؛ 3 / 281

أبو عبد اللّه الجدلي، 4 / 345

أبو عبد اللّه الجعفي، 4 / 366

أبو عبد اللّه نافع بن سَرْجس، 2 / 256

أبو عبد الرحمن السلمي، 3 / 65؛ 4 / 333

أبو عبيد، 2 / 206، 475؛ 3 / 65، 167؛ 4 / 203

أبو عبيدة بن الجرّاح، 1 / 446، 545، 546، 609؛

2 / 18، 212، 501؛ 3 / 285، 288، 467، 471؛

4 / 118، 143، 167، 288

أبو عثمان، 1 / 609

أبو العطّار، 3 / 363

أبو عليّ، 3 / 72، 97

أبو عليّ الأشعري، 1 / 617؛ 3 / 131

أبو عليّ الجبائي، 2 / 225؛ 3 / 72 ، 97 ؛ 4 / 349

أبو علي سينا، 1 / 292

أبو عمر، 4 / 361

أبو عمرو، 1 / 213، 466، 493؛ 2 / 240، 534؛

3 / 112

أبو عمرو الأوزاعي، 1 / 213

أبو عمرو بن العلاء، 2 / 475

أبو عمرو بن عماس، 3 / 287

أبو عمرو محمّد بن عبد الواحد الزاهد اللغوي

غلام ثعلب، 2 / 209

أبو الفصيل، 3 / 113

أبو الفضل، 3 / 331

أبو القاسم الحسكاني، 2 / 172؛ 3 / 72، 110، 202؛

4 / 17، 51

أبو قبيلة، 1 / 621

أبو قحافة، 1 / 338

أبو قيس بن الفاكهة بن المغيرة، 2 / 175

أبو قيس بن الوليد، 2 / 175

أبو لهب، 3 / ، 509، 510

أبو لهب أعور، 3 / 140

أبو محمّد، 1 / 387، 391؛ 3 / 71، 479

أبو المستهلّ، 3 / 363

أبو مسلم المروزي، 1 / 576، 577، 578، 580؛

2 / 162؛ 3 / 121، 122، 493، 494، 574؛

4 / 152، 309، 356

أبو المعازف، 2 / 501

أبو المقدام ثابت الحدّاد، 2 / 164

أبو منصور على ثابت بن دينار، 2 / 256

أبو موسى الأشعري، 2 / 501

أبو مهران، 3 / 470

أبو هذيل، 2 / 225

أبو هريرة، 2 / 93، 96، 98، 261

أبو الهَيثم بن التَّيِّهان، 1 / 358

أبو يحيى، 3 / 462

أبو يزيد، 3 / 96، 106

أبو يعقوب، 4 / 216

أبي الجارود، 4 / 103

أحمد، 2 / 108

أحمد بن إسحاق الأشعري، 2 / 205، 287

أحمد بن بشر السرّاج، 4 / 209

أحمد بن حنبل، 3 / 290

أحمد بن سيّار، 3 / 287

ص: 503

أحمد بن عبد العزيز، 3 / 288

أحمد بن محمّد، 1 / 543؛ 2 / 266؛ 3 / 331، 434،

462 ، 486، 506 ، 576؛ 4 / 80، 229

أحمد بن محمّد بن خالد، 2 / 606؛ 3 / 576

أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري القمّي،

2 / 459؛ 3 / 64، 175، 176؛ 4 / 96

أحمد بن محمّد بن عيسى القسري، 3 / 175

أحمد بن هلال، 3 / 402

أحمد بن يحيى، 3 / 96

أحمد محمّد الأمين، 1 / 441

أخنس بن شريق، 3 / 96؛ 4 / 131

أزهر بن عبد عوف، 4 / 132

أسباط، 2 / 243

أسد، 1 / 626

أسعد أبو كرب، 4 / 61

أسيد بن حصين، 3 / 285

أسيد بن حضير، 3 / 287

أشعث بن قيس، 3 / 582

أمين [العباسي]، 2 / 585

أنس بن مالك، 1 / 108؛ 2 / 212، 261؛ 3 / 336،

476؛ 4 / 66، 107، 188

أنس بن النضر، 1 / 108، 389؛ 3 / 336، 476؛ 4 / 51

أنوشيروان، 4 / 194

البارحة، 3 / 470

بازان، 3 / 470

بخت نصر، 2 / 25؛ 3 / 118، 119

البراء بن عازب، 3 / 164

البرقي، 2 / 482؛ 3 / 363

البزنطي، 4 / 311

بشر بن البراء بن معرور، 2 / 385؛ 4 / 60

بشر بن سعد الخزرجي، 1 / 546

بشير بن سعد، 2 / 426؛ 3 / 285، 288

البَغَوي، 1 / 544؛ 3 / 466

بكر بن زيد بن مناة، 4 / 136

بكر بن صالح، 4 / 80

بكر بن عبد مناف بن كنانة من الحرب، 512

بكر بن محمّد، 2 / 205

البلخي، 3 / 513

بلعم بن باعور، 1 / 343

بلقيس، 4 / 66، 427

بهمن بن اسفنديار، 3 / 119

بيّاع السابري، 3 / 70

البيضاوي، 1 / 84، 85، 96، 99، 108، 111، 114،

126، 128، 130، 139، 142، 143، 185، 188،

190، 224، 254، 296، 306، 308، 313، 314،

319، 323، 334، 343، 346، 347، 349، 354،

367، 368، 386، 389، 391، 392، 393، 394،

396، 426، 492، 493، 494، 496، 506، 513،

523، 525، 531، 538، 540، 542، 544، 562،

563، 570، 581؛ 2 / 12، 16، 17، 18، 20، 21،

24، 25، 26، 27، 38، 62، 70، 82، 97، 113،

114، 120، 122، 124، 135، 136، 137، 138،

145، 151، 153، 154، 155، 157، 158، 159،

161، 162، 167، 172، 173، 174، 191، 207،

223، 226، 228، 236، 237، 238، 240، 241،

248، 249، 250، 254، 261، 278، 279، 284،

305، 325، 327، 362، 365، 368، 372، 377،

381، 384، 400، 405، 406، 409، 413، 414،

417، 419، 420، 430، 451، 455، 456، 463،

468، 472، 473، 484، 489، 496، 504، 516،

ص: 504

531، 549، 561، 562، 569، 570، 586، 589،

593، 595، 597، 598، 607؛ 3 / 5، 20، 21،

27، 87، 91، 92، 94، 95، 110، 112، 115،

116، 118، 122، 127، 130، 155، 172، 179،

181، 192، 193، 201، 229، 241، 243، 252،

298، 312، 313، 336، 347، 351، 354، 355،

359، 362، 368، 372، 373، 378، 381، 383،

384، 395، 428، 449، 451، 463، 465، 466،

475، 476، 477، 484، 502، 503، 510، 522،

523، 524، 525، 526، 533، 536، 538، 541،

543، 544، 545، 546، 547، 548، 551، 552،

554، 558، 559، 563؛ 4 / 17، 23، 35، 43،

44، 45، 51، 59، 66، 67، 73، 74، 76، 89، 90،

91، 92، 93، 104، 140، 146، 148، 152،

157، 165، 168، 169، 170، 179، 180، 181،

206، 207، 218، 266، 281، 288، 311، 336،

337، 340، 346، 347، 348، 349، 350، 351،

352، 353، 355، 356، 361، 362، 363، 364،

384، 403، 427، 428

تارخ، 4 / 303

تغلب بن وائل، 1 / 557

التفتازاني، 3 / 212

ثعلب، 3 / 98، 487

الثمالي، 2 / 297

ثمامة بن اُثال ابن النعمان الحنفي، 4 / 15

ثمود بن عامر بن إرم بن سام، 1 / 343

ثَمود بن عَبوّد، 1 / 343

الثوري، 1 / 109

جابر بن عبداللّه الأنصاري، 3 / 164؛ 4 / 37، 424،

187

جابر بن يزيد، 1 / 213

جالوت الجزري، 1 / 376؛ 3 / 119؛ 4 / 95، 96، 97،

98

جالينوس، 3 / 237

الجبّائي، 3 / 99، 513؛ 4 / 182

الجدري، 3 / 496

جَذِيمة أسد، 1 / 626

جرّاح بن قبيصة الأسدي الخارجي، 3 / 119

الجزري، 1 / 89، 120، 123، 133، 174، 176،

389، 404، 413، 416، 439، 459، 480، 485،

555، 561، 577، 583، 597، 598، 605، 607،

614، 618، 619، 620، 623؛ 2 / 34، 44، 47،

58، 65، 70، 76، 77، 86، 91، 180، 181،

214، 227، 295، 311، 342، 387، 396، 408،

431، 438، 464، 509، 547، 568، 580، 597؛

3 / 17، 21، 30، 80، 81، 86، 165، 339، 410،

427؛ 4 / 57، 71، 96، 108، 116، 118، 124،

125، 134، 153، 156، 173، 187، 238، 263،

268، 275، 280، 298، 316، 317، 326، 328،

331، 377، 391، 397

جعدة، 2 / 512

جعفر بن أبي طالب بن عبد المطّلب بن هاشم بن

عبد مناف، 1 / 488، 556؛ 3 / 25، 428، 457؛

4 / 330، 181، 329

جعفر بن مبشر، 2 / 225

جعفر بن محمّد، 1 / 609؛ 2 / 385؛ 3 / 62، 176،

212، 213، 582

جعفر بن محمّد بن علي، 3 / 365

جماعة، 3 / 513

جمد بن معدي، 1 / 622

ص: 505

جميل، 2 / 119 ؛ 3 / 66

جنادة بن عوف الكناني، 1 / 623؛ 3 / 10

جنادة بن مليحة، 3 / 105

جندب بن جنادة الغفاري، 3 / 124

جندل الخزاعي، 3 / 415

الجوهري، 1 / 75، 81، 83، 88، 89، 93، 96، 107،

114، 118، 120، 121، 122، 123، 127، 129،

130، 140، 143، 146، 147، 148، 151، 159،

175، 176، 179، 180، 183، 189، 190، 194،

198، 199، 200، 201، 227، 229، 230، 232،

236، 241، 242، 250، 254، 255، 256، 259،

261، 262، 265، 266، 269، 271، 274، 276،

277، 283، 284، 285، 287، 288، 293، 294،

295، 296، 297، 298، 299، 300، 301، 302،

304، 305، 306، 307، 308، 311، 313، 315،

316، 319، 320، 321، 322، 323، 324، 325،

326، 328، 329، 331، 332، 333، 334، 335،

338، 341، 342، 343، 345، 347، 348، 349،

351، 352، 353، 354، 364، 365، 367، 368،

369، 370، 375، 378، 379، 380، 385، 387،

388، 390، 395، 403، 407، 410، 411، 413،

417، 421، 426، 432، 433، 434، 436، 437،

438، 440، 442، 444، 446، 448، 449، 450،

454، 458، 460، 465، 466، 479، 482، 484،

488، 492، 494، 502، 503، 504، 510، 511،

513، 517، 523، 524، 525، 526، 535، 542،

550، 551، 554، 555، 557، 560، 575، 578،

582، 583، 584، 586، 594، 597، 601، 603،

607، 611، 612، 613، 617، 619، 621، 622،

626، 632؛ 2 / 7، 15، 16، 17، 18، 23، 28،

33، 35، 36، 42، 44، 62، 70، 72، 74، 78، 79،

80، 84، 86، 98، 100، 113، 114، 121، 122،

127، 138، 146، 147، 148، 149، 151، 152،

153، 154، 155، 157، 166، 170، 172، 175،

176، 180، 181، 184، 185، 187، 194، 196،

197، 199، 201، 203، 204، 206، 207، 212،

213، 215، 227، 232، 233، 235، 242، 251،

260، 267، 278، 279، 282، 290، 291، 292،

293، 295، 296، 301، 302، 307، 310، 312،

313، 325، 329، 341، 342، 343، 348، 349،

350، 352، 353، 359، 363، 365، 370، 371،

373، 374، 375، 381، 384، 385، 387، 391،

392، 394، 396، 400، 404، 408، 409، 410،

412، 414، 415، 427، 429، 430، 434، 435،

443، 445، 446، 453، 454، 455، 458، 466،

469، 474، 475، 480، 481، 486، 494، 498،

505، 508، 513، 516، 518، 523، 531، 533،

534، 535، 536، 539، 540، 541، 542، 547،

548، 553، 556، 557، 558، 559، 567، 568،

570، 571، 573، 575، 577، 579، 580، 581،

584، 588، 589، 595، 600، 605؛ 3 / 10، 12،

16، 22، 23، 25، 26، 28، 30، 31، 32، 34، 35،

37، 41، 42، 44، 47، 49، 50، 51، 52، 56، 57،

65، 68، 78، 80، 81، 82، 83، 89، 91، 98،

102، 106، 107، 113، 120، 125، 127، 128،

129، 130، 132، 133، 138، 139، 140، 145،

146، 147، 148، 149، 151، 153، 154، 155،

157، 159، 161، 164، 166، 167، 168، 169،

170، 173، 174، 175، 176، 180، 181، 183،

188، 190، 191، 192، 201، 205، 207، 212،

ص: 506

215، 220، 221، 222، 224، 227، 231، 232،

237، 241، 242، 243، 247، 250، 253، 254،

256، 260، 267، 269، 270، 271، 272، 274،

275، 276، 280، 291، 313، 316، 320، 322،

325، 331، 332، 333، 334، 341، 344، 345،

346، 347، 352، 361، 366، 370، 379، 387،

391، 392، 394، 395، 397، 398، 401، 410،

411، 412، 421، 422، 423، 424، 425، 426،

428، 430، 431، 432، 433، 436، 444، 450،

455، 456، 464، 471، 472، 475، 485، 487،

507، 508، 509، 510، 511، 515، 516، 517،

518، 520، 524، 525، 526، 534، 535، 540،

544، 549، 551، 553، 563، 567، 572، 574،

576؛ 4 / 6، 15، 27، 28، 31، 32، 33، 35، 36،

48، 51، 57، 61، 62، 67، 68، 70، 71، 73، 77،

82، 83، 84، 86، 90، 100، 108، 111، 118،

120، 121، 124، 125، 127، 129، 141، 142،

143، 145، 154، 167، 169، 172، 173، 188،

196، 200، 201، 203، 212، 216، 217، 218،

230، 233، 237، 239، 243، 244، 246، 247،

248، 257، 258، 259، 262، 264، 265، 266،

268، 271، 274، 275، 279، 281، 285، 288،

290، 297، 299، 305، 309، 310، 313، 318،

319، 321، 330، 331، 340، 373، 375، 377،

378، 387، 388، 389، 390، 391، 392، 395،

396، 397، 399، 401، 402، 406، 407، 408،

409، 413، 416، 419، 425، 427

الحارث، 3 / 413، 512

حارث بن أبي شمر الغسّاني، 3 / 471

الحارث بن الحكم، 1 / 559

الحارث بن عمرو الفهري، 1 / 540

الحارث بن عوف، 3 / 520

الحارث بن معاوية، 1 / 622

الحارث بن هشام، 3 / 512

حاطب بن أبي بلتعة، 3 / 471

حُبشي، 3 / 11

الحبيش بن علقمة الكناني، 4 / 119

الحجّاج، 2 / 164؛ 3 / 122، 415؛ 4 / 308

حُجر بن زائدة، 4 / 321، 322

حجر بن عديّ، 2 / 511

حديد بن حكيم الأزدي، 3 / 424

حذيفة، 3 / 516

حذيفة بن منصور، 3 / 39

حذيفة بن اليماني، 1 / 378؛ 2 / 500، 501

حسّان بن ثابت بن المنذر بن عمرو بن النجّار

الأنصاري، 2 / 171

الحسن، 3 / 94، 102، 110، 372، 513، 537؛

4 / 39، 182، 356، 357، 359

الحسن البصري، 2 / 212؛ 4 / 66

الحسن بن أحمد، 2 / 110

الحسن بن الجهم، 2 / 389

حسن بن سهل، 3 / 63، 403

الحسن بن عليّ بن فضّال، 2 / 85، 459؛ 4 / 141

الحسن بن عمر، 3 / 71

الحسن بن محبوب، 1 / 546؛ 2 / 108، 416، 456؛

3 / 324، 479، 483

الحسن بن محمّد، 1 / 75

الحسني، 3 / 207، 209، 210؛ 4 / 63

الحسين بن محمّد الأشعري، 1 / 525

الحسين بن أحمد بن هلال، 3 / 402؛ 4 / 322

ص: 507

الحسين بن خالد، 2 / 452) 3 / 357؛ 4 / 92

الحسين بن سعيد، 2 / 262

الحسين بن قياما، 4 / 207

الحسين بن النضر الفِهري، 1 / 213

حسين الجمّال ابن أبي سعيد المكاري، 4 / 165

حفص، 3 / 130؛ 4 / 140، 361

حفص بن البختري، 3 / 70

حفص بن غياث، 3 / 229

حفص المؤذّن، 1 / 129

الحكم بن العاص، 1 / 559؛ 3 / 292

حمّاد بن عثمان، 2 / 118

حمّاد بن عيسى، 4 / 103

الحمّاسي، 3 / 437

حمدويه بن نصر، 2 / 605

حمران بن أعين، 2 / 244؛ 3 / 65؛ 4 / 284

حمزة، 1 / 142، 389، 488؛ 3 / 25، 112، 457،

547؛ 4 / 140، 181، 361

حمزة بن بزيع، 1 / 501

حمزة بن الطيّار، 3 / 49

حمزة بن عبد المطّلب، 4 / 51

حمزة بن محمّد، 2 / 504

الحميري، 2 / 205، 460؛ 3 / 64؛ 4 / 96

حنان بن سدير، 3 / 331، 334

حيان بن هذيل بن مدركة، 1 / 622

خالد، 2 / 175؛ 3 / 289، 364؛ 4 / 117

خالد بن سفيان، 2 / 209

خالد بن سنان، 4 / 194، 195

خالد بن عبداللّه القَسْري، 2 / 215؛ 3 / 364

خالد بن الوليد، 2 / 175، 213، 215، 501؛ 3 / 285،

286، 288

خالد بن هشام بن المغيرة، 2 / 175

خديجة، 2 / 389؛ 4 / 186، 187

خسرو بن پرويز بن انوشيروان، 3 / 163، 470

خلف بن حمّاد، 3 / 37

الخليل، 1 / 276، 476، 483؛ 2 / 410؛ 3 / 576؛

4 / 239، 416

داود، 2 / 110؛ 3 / 365، 483

داود بن زربيّ، 2 / 85

داود بن علي، 3 / 365، 412، 413، 414؛ 4 / 32

داود بن عليّ بن عبداللّه بن العبّاس، 3 / 364

داود بن عليّ بن عبداللّه بن عبد المطّلب، 3 / 137

داود بن فرقد، 2 / 262

الدجّال، 2 / 93، 479؛ 3 / 134؛ 4 / 7

دحية بن خليفة الكلبي، 3 / 467، 468

دُعثور بن الحرث، 2 / 297

الدواني، 4 / 41، 42

الرازي، 3 / 525؛ 4 / 104، 428

الربيع الشامي، 2 / 256؛ 4 / 92

ربيعة بن أبي عبد الرحمن، 1 / 142؛ 4 / 187

رحمة بنت افراثيم بن يوسف، 3 / 372

رزيق أبي العبّاس، 3 / 166

الرشيد، 2 / 272

الرضيّ، 1 / 609؛ 3 / 58؛ 4 / 252

رفيع العلماء، 1 / 363

روزبه، 4 / 11، 12، 13

رويس، 3 / 112

الريّان بن الصلت، 3 / 68

الزبير بن العوّام، 1 / 597، 626؛ 3 / 283، 286،

287، 288، 289، 409، 410، 411، 412، 416،

582

ص: 508

الزجّاج، 3 / 99

زرارة، 2 / 390، 605؛ 3 / 66، 102، 132، 294؛

4 / 170

زر بن حبيش، 4 / 333

زرقاء، 4 / 127

زكريّا بن يحيى، 2 / 109؛ 3 / 118

الزمخشري، 1 / 623؛ 2 / 14، 280، 413؛ 3 / 128،

378، 558؛ 4 / 146، 147، 179

الزهري، 3 / 413، 471

زهير، 1 / 555

زياد بن أبي سفيان، 3 / 522

زياد بن وليد، 3 / 287

زيد، 1 / 470، 518، 526؛ 2 / 486؛ 3 / 365؛

4 / 367، 390، 424

زيد بن أرقم، 4 / 187

زيد بن أسلم، 4 / 356

زيد بن حارثة، 4 / 187

زيد بن عليّ بن الحسين عليهماالسلام، 1 / 387؛ 2 / 164،

164؛ 3 / 363، 364؛ 4 / 367

زينب العطّارة، 2 / 87

سارة بنت هاران بن عامر بن يقطر، 4 / 312، 317،

318، 320

سالم، 2 / 501؛ 3 / 285؛ 4 / 167

سالم بن أبي حفصة، 2 / 164

سالم بن عوف، 4 / 188

سالم بن مكرم الجمّال، 3 / 214

سام بن نوح، 3 / 472؛ 4 / 303

السّدي، 1 / 350؛ 3 / 89، 96، 99، 512؛ 4 / 38، 92،

99، 182، 345، 357

سدير الصّيرفي، 2 / 164؛ 3 / 331؛ 4 / 151

سراقة بن مالك بن جشعم الكناني، 3 / 116، 430،

512، 513

سرى بن منصور، 3 / 403

سعد، 1 / 528، 529؛ 2 / 108، 109، 151

سعد بن أبي خلف، 2 / 109، 110

سعد بن أبي وقّاص، 2 / 501

سعد بن عُبادة، 1 / 340؛ 545؛ 4 / 6

سعد بن عبداللّه ، 2 / 109، 459

سعد بن عبد الملك، 1 / 501

سعد الصاحب، 1 / 501

سعد المولى، 3 / 59

سعيد بن أبي الخطيب، 2 / 262

سعيد بن أبي وقّاص، 3 / 287

سعيد بن جبير، 4 / 38، 344، 356

سعيد بن عبد الملك الاُموي، 1 / 496

سعيد بن كثير الأنصاري، 3 / 287

سعيد بن المسسيّب، 2 / 212؛ 4 / 66، 185

السفّاح، 3 / 141، 157، 494، 495؛ 4 / 192، 193

سفيان بن حرب، 4 / 132

سفيان بن مصعب العبدي، 3 / 160، 161

السفياني، 2 / 291؛ 3 / 134، 496؛ 4 / 63، 152

السفياني الدجّال، 3 / 207

سلام بن المستنير، 3 / 217

سلام بن مسكين، 3 / 96

سلام بن مشكم، 4 / 60

سلمان الفارسي، 1 / 378، 539؛ 2 / 282، 488؛

3 / 163، 287، 281، 283، 286، 335، 376،

583؛ 4 / 10، 11، 397

سلمة بن أسلم، 3 / 287

سلمة بن عبد الرحمن، 3 / 287

ص: 509

سلمة بن كهيل، 1 / 539؛ 2 / 164؛ 3 / 365

سلول، 3 / 10

سليط بن عمرو، 3 / 471

سليمان بن خالد، 3 / 137، 363

سليمان بن خالد البجلي الأقطع، 3 / 363

سليمان بن خالد بن دهقان بن نافلة، 3 / 363

سليمان الجعفري، 3 / 39

سليمان الديلمي، 1 / 491

سليم بن قيس الهلالي، 1 / 549؛ 3 / 283

سماعة، 2 / 571؛ 3 / 161

سِماك بن خرشة، 4 / 106

السمعاني، 1 / 75

سنديّ بن شاهك، 2 / 272

السنديّ بن محمّد، 2 / 460

سهل بن زياد، 3 / 324، 462، 484، 538

سهل بن عبيد اللّه ، 4 / 205

سهيل بن عمرو، 1 / 626؛ 4 / 127، 128، 130، 133

السهيلي، 4 / 20، 127

سيبويه، 1 / 259، 331، 61، 62؛ 2 / 328؛ 3 / 269،

487

السيّد ابن طاووس، 2 / 473؛ 3 / 62، 66، 72، 74

السيّد المرتضى، 1 / 109؛ 2 / 104 ، 571؛ 3 / 72،

292؛ 4 / 102

سيف بن عميرة، 3 / 335

الشامي، 3 / 207، 210

شاول بن قيس بن أنمار بن ضرار بن يحرف بن

يفتح بن أيش بن بنيامين بن يعقوب بن

إسحاق، 4 / 97

شبيب بن بحيرة، 2 / 511

شجاع بن وهب الأسدي، 3 / 471

شَدّاد بن عاد، 1 / 343

الشعبي، 3 / 110، 288

شهريراز، 3 / 466، 467

الشهيد الثاني، 2 / 40؛ 3 / 47، 75، 84، 169

شيبة بن ربيعة، 1 / / 142؛ 2 / 216؛ 3 / 110

الشيخ البهائي، 1 / 221، 233؛ 3 / 76، 263

الشيخ الرضيّ، 3 / 212

الشيخ عليّ، 3 / 75

شيرويه، 3 / 470

صالح بن سعيد، 2 / 162

صالح بن عقبة، 2 / 85

الصباح بن نضر الهندي، 3 / 68

صخر بن حرب، 1 / 350

صخر بن عامر، 1 / 377

الصدوق، 1 / 118، 223، 286، 296، 556؛ 2 / 54،

67، 108، 109، 127، 128، 129، 131 ، 132،

133، 162، 225، 257، 258، 272، 312، 324،

389، 458، 459، 482، 501، 522؛ 3 / 34، 36،

37، 38، 39، 57، 59، 61، 62، 64، 65، 132،

164، 182، 210، 254، 255، 299، 342، 386،

387، 400، 441، 485، 496، 537، 561، 584؛

4 / 11، 14، 20، 22، 38، 44، 46، 69، 72، 73،

80، 109، 189، 419

صعصعةُ بن معاوية، 1 / 622

الصفّار، 4 / 37، 80

صفوان بن يحيى، 2 / 110، 460؛ 3 / 388

الصفواني، 1 / 74

الضحّاك بن مزاحم، 1 / 545؛ 2 / 172؛ 3 / 88، 89؛

4 / 39، 356، 358

الطالوت، 1 / 358، 376؛ 4 / 89، 90، 92، 94، 97،

ص: 510

98

طاهر، 4 / 205

الطبرسي، 1 / 620؛ 2 / 154، 158، 162، 172، 191،

365، 461؛ 3 / 59، 88، 94، 96، 99، 101،

103، 104، 109، 115، 194، 202، 283، 302،

355، 357، 359، 372، 400، 417، 512، 524؛

4 / 51، 60، 75، 92، 98، 102، 130، 133،

182، 198، 207، 288، 291، 294، 308، 309،

333، 336، 347، 356

الطبري، 3 / 403

طريدي، 3 / 196

طلحة، 1 / 389، 597؛ 2 / 501؛ 3 / 582

طلحة بن أبي طلحة العبدري، 2 / 215

طلحة بن زيد، 3 / 37

طلحة بن شيبة، 3 / 109

الطيبي، 1 / 623؛ 3 / 79

عائشة، 1 / 340، 449؛ 2 / 314؛ 3 / 47

العاتكة، 2 / 94

العاص بن هاشم بن المغيرة، 2 / 175

العاص بن هشام بن الحرب بن أسد، 3 / 104

عاصم، 2 / 151

العاصم بن منيّة، 3 / 454

عامر، 1 / 622

عامر بن جذاعة، 4 / 321، 322

عامر بن صعصعة، 1 / 621، 622

عامر بن هاشم، 2 / 216

العامري، 4 / 132

عبّاد بن بشر، 3 / 100

عبادة بن صامت، 2 / 97

العبّاس، 1 / 560، 587؛ 2 / 585، 600؛ 3 / 104،

106، 108، 109، 110، 411، 416، 583؛

4 / 21، 187

عبّاس بن مرداس السلمي، 4 / 192

عبد الأعلى، 3 / 196، 197

عبداللّه ، 2 / 55، 75، 108، 110؛ 3 / 109

عبد اللّه بن جحش، 4 / 158

عبداللّه بن جعفر الحميري، 2 / 324؛ 3 / 70

عبد اللّه بن الحارث، 4 / 229

عبداللّه بن حذافة السهمي، 3 / 470

عبداللّه بن الحسن بن الحسن بن عليّ7، 3 / 364،

494

عبداللّه بن سعد بن أبي سرح، 3 / 99، 100

عبداللّه بن عبّاس بن عبد المطّلب جارية، 3 / 413،

493

عبداللّه بن عجلان، 2 / 605

عبداللّه بن عليّ بن عبداللّه بن عبّاس، 3 / 141

عبداللّه بن علي هشام بن عبد الملك، 3 / 365

عبد اللّه بن عمر بن الخطّاب، 2 / 257

عبداللّه بن عوف، 3 / 57

عبداللّه بن قمئة الحارثي، 1 / 108؛ 3 / 336، 475

عبداللّه بن محمّد بن عليّ بن عبداللّه بن عبّاس بن

عبد المطّلب، 1 / 587؛ 3 / 141

عبداللّه بن محمّد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب،

2 / 109

عبد اللّه بن مسعود، 4 / 336

عبداللّه بن ميمون القدّاح، 2 / 385

عبد اللّه بن نافع الأزرق، 4 / 216، 218

عبد اللّه بن الوليد، 4 / 322

عبد اللّه مغفّل، 4 / 6

عبد الرحمان بن عمرو بن أسلم، 3 / 37

ص: 511

عبد الرحمان بن عوف، 2 / 501؛ 4 / 167

عبد الرحمن، 2 / 169؛ 3 / 57؛ 4 / 322

عبد الرحمن بن محمّد، 3 / 482

عبد الرحمن بن الملعون، 4 / 272

عبد الرحيم القصير، 2 / 131

عبد السلام بن نعيم، 4 / 151

عبد الصمد بن علي، 3 / 365

عبد العزيز بن مروان، 1 / 501

عبد العظيم الحسني، 3 / 182، 538

عبد قيس، 4 / 195

عبد المطّلب، 2 / 215، 216؛ 3 / 410، 411، 416؛

4 / 20، 358

عبد الملك، 2 / 169؛ 3 / 375

عبد الملك بن أعين، 3 / 64

عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن

اُميّة بن عبد الشمس بن عبد مناف، 3 / 257

عبد الوهّاب بن سكينة، 2 / 210

العبيد، 1 / 614

عبيدة بن الحارث، 1 / 142

عتبة بن ربيعة، 1 / 142؛ 4 / 17

عثمان بن عامر، 1 / 338

عثمان بن عامر بن كعب بن سعد بن تميم بن مرّة

بن كعب، 1 / 617

عثمان بن عفّان، 1 / 293، 556، 559، 595، 60،

615؛ 3 / 24، 100، 124، 125، 128، 196،

256، 410، 493، 496، 583؛ 4 / 7، 55، 125،

126، 127، 165، 202، 334

عثمان بن عيسى، 2 / 174

عجلان بن صالح، 3 / 247

عجل بن لجيم بن صعب علي بن بكر بن وائل،

3 / 132

العجلي، 3 / 133

عدنان، 2 / 600؛ 4 / 194

العرزمي، 3 / 171

عروة بن مسعود الثقفي، 4 / 121، 4 / 122، 4 / 123،

4 / 124

العزّى، 3 / 577

عساكر، 3 / 494

العضدي، 3 / 580

عطاء، 3 / 66؛ 4 / 39، 182

عطاء بن أبي رياح، 3 / 89

عطاء بن يسار، 3 / 346

عطاء الخراساني، 3 / 89

عطيّة، 1 / 544

عفيف أبو الربيع الأقطع، 3 / 363

عفيف الكندي، 4 / 187

عقبة بن خالد، 2 / 97

عقبة بن عمرو، 3 / 108

عقيل بن أبي طالب، 2 / 603؛ 3 / 104، 106، 108،

407، 583

عكرمة، 1 / 544؛ 3 / 99، 372، 466؛ 4 / 122، 333 ،

344

علاء الحضرمي، 3 / 471

عليّ بن إبراهيم، 1 / 491، 539، 543، 61؛ 2 / 78،

85، 119، 128، 131، 134، 152، 174، 390،

401، 413، 452، 500، 597؛ 3 / 65، 164،

323، 331، 357، 372، 483، 484، 501، 552،

554، 559، 564؛ 4 / 92، 169، 170، 289

عليّ بن أبي حمزة، 2 / 324

عليّ بن أحمد، 3 / 538

ص: 512

عليّ بن أحمد بن أشيم، 3 / 454

علي بن أخي، 3 / 511

عليّ بن أسباط، 2 / 324، 325؛ 4 / 96

عليّ بن جعفر، 3 / 64

عليّ بن الحسن، 4 / 229

عليّ بن الحسين، 2 / 262، 313، 566؛ 3 / 80، 246،

382؛ 4 / 333

عليّ بن الحكم، 2 / 109؛ 3 / 335، 434، 537، 538

عليّ بن عبداللّه بن عبّاس بن عبد المطّلب، 3 / 137

عليّ بن محمّد بن أشيم، 3 / 454

عمّار بن ياسر، 1 / 378؛ 3 / 335، 583

عمّار الساباطي، 4 / 346

العمر بن حصين، 3 / 25

عمر بن الخطّاب، 1 / 292، 293، 340، 546، 557،

558، 560؛ 2 / 174، 175، 460؛ 3 / 6، 7، 163،

248، 281، 283، 284، 285، 286، 287، 288،

289، 331، 407، 409، 580، 582؛ 4 / 7، 165،

200، 202

عمر بن علي، 3 / 494

عمر بن عليّ بن عليّ بن الحسين عليه السلام، 3 / 494

عمرو، 1 / 374، 470، 526، 541؛ 3 / 206

عمرو بن اُميّة الصميري، 3 / 471

عمرو بن اُميّة الضميري، 1 / 622

عمرو بن ثابت، 4 / 51

عمرو بن الحضرمي، 4 / 159

عمرو بن ذرّ القاضي العامّي، 3 / 197

عمرو بن شمر، 1 / 213؛ 4 / 366

عمرو بن العاص، 1 / 340؛ 2 / 501؛ 4 / 262

عمرو بن عبد ودّ، 3 / 515

عمرو بن عبيد، 4 / 333

عمرو بن عوف، 4 / 188

عمرو بن هشام بن المغيرة، 2 / 175

عَناق بنت آدم، 1 / 594

عوج بن عناق، 3 / 261

عوراء، 2 / 510

العيّاشي، 2 / 606؛ 3 / 202، 357؛ 4 / 294، 310

عياض، 2 / 183

عيسى، 1 / 97، 433، 437، 488، 537، 538، 539،

540، 589، 603؛ 2 / 93، 241، 257، 325،

327، 340، 345، 355، 373، 381، 406، 410،

505، 561؛ 3 / 94، 95، 118، 213، 462، 463،

468، 469، 476 ، 477، 478؛ 4 / 7، 11، 12،

14، 22، 102، 287، 362، 363، 382، 427

عيسى بن راشد، 4 / 358

عيسى بن عبداللّه ، 2 / 109

عيسى بن علي، 4 / 57

عيسى بن عمر، 2 / 475

عيسى بن موسى بن علي، بن عبد اللّه بن العبّاس،

3 / 214

عُيينة بن حصن، 1 / 618

عيينة الفزاري، 1 / 618

غراب بن سفيان، 2 / 209

الغسّاني، 3 / 469

غلام خماسي، 3 / 261

غلماني، 3 / 431

غَوْرَثُ بن الحارث، 2 / 296

الفاضل الأمين الإسترآبادي

الفاضل محمّد بن علي بن محمّد، 3 / 62

فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، 4 / 22

فاطمة بنت عمرو بن مخزوم، 3 / 416

ص: 513

الفرّاء، 1 / 603؛ 2 / 260؛ 3 / 37، 99، 153، 504،

526؛ 4 / 68، 274، 390

فرخان، 3 / 466

فرعون، 1 / 595

فضالة، 2 / 262

فضيل، 3 / 551

الفيروزآبادي، 1 / 75، 80، 81، 83، 86، 87، 89،

90، 91، 94، 95، 96، 101، 102، 109، 113،

117، 119، 122، 128، 130، 132، 133، 143،

145، 147، 151، 152، 153، 155، 174، 175،

181، 182، 183، 184، 188، 192، 197، 198،

213، 215، 216، 227، 234، 236، 245، 247،

248، 255، 257، 259، 260، 263، 269، 273،

276، 277، 281، 285، 286، 289، 294، 298،

300، 303، 304، 310، 313، 314، 317، 318،

321، 322، 324، 325، 327، 328، 330، 331،

333، 335، 338، 339، 341، 343، 362، 369،

370، 373، 374، 387، 388، 389، 408، 409،

410، 413، 416، 420، 421، 422، 424، 432،

436، 437، 440، 441، 442، 443، 445، 447،

450، 451، 465، 476، 477، 502، 510، 511،

513، 515، 519، 524، 531، 541، 542، 553،

557، 561، 567، 570، 574، 576، 577، 583،

585، 590، 596، 599، 600، 602، 611، 617،

621، 632؛ 2 / 13، 22، 23، 28، 29، 32، 33،

46، 53، 57، 64، 71، 72، 75، 76، 78، 83، 86،

113، 117، 127، 136، 145، 146، 147، 148،

150، 151، 153، 156، 157، 164، 167، 168،

170، 171، 175، 180، 181، 183، 184، 186،

188، 196، 199، 201، 204، 205، 213، 215،

217، 227، 245، 268، 276، 277، 281، 288،

296، 303، 304، 307، 315، 327، 329، 335،

339، 341، 346، 350، 357، 360، 372، 379،

382، 386، 388، 393، 403، 413، 427، 439،

446، 455، 464، 491، 496، 537، 547، 563،

567، 575، 576، 580، 584، 597، 599؛

3 / 16، 24، 26، 31، 32، 33، 40، 42، 44، 51،

108، 111، 113، 139، 140، 150، 157، 168،

170، 174، 177، 185، 187، 189، 194، 202،

206، 208، 212، 223، 230، 239، 242، 250،

254، 255، 268، 273، 275، 277، 297، 301،

309، 314، 316، 320، 321، 322، 325، 329،

332، 335، 337، 338، 343، 344، 345، 349،

352، 357، 359، 362، 367، 368، 370، 374،

380، 385، 387، 390، 391، 392، 396، 398،

400، 402، 408، 409، 410، 414، 421، 422،

423، 426، 427، 430، 431، 432، 435، 436،

439، 440، 443، 444، 446، 449، 450، 454،

455، 458، 463، 472، 479، 482، 486، 492،

495، 506، 507، 508، 513، 516، 517، 520،

523، 528، 531، 534، 541، 545، 562، 563،

564، 566، 567، 569، 570، 574، 575، 577،

578؛ 4 / 6، 10، 15، 17، 26، 28، 29، 31، 33،

39، 58، 60، 61، 66، 68، 70، 71، 72، 73، 74،

76، 77، 84، 86، 87، 88، 89، 103، 107،

110، 116، 121، 122، 146، 155، 161، 172،

175، 177، 188، 189، 192، 193، 203، 209،

211، 212، 213، 216، 219، 229، 230، 233،

236، 237، 238، 240، 243، 248، 249، 250،

251، 253، 256، 257، 258، 260، 261، 262،

ص: 514

263، 265، 267، 269، 274، 277، 278، 280،

281، 287، 288، 291، 294، 299، 304، 310،

313، 317، 319، 324، 325، 326، 330، 331،

334، 335، 337، 339، 347، 349، 351، 360،

361، 367، 368، 369، 371، 372، 377، 383،

385، 386، 387، 389، 390، 391، 392، 393،

395، 402، 403، 404، 405، 408، 412، 414،

416، 419، 427

فيروز الديلمي، 3 / 470

القابسي، 4 / 25

قابيل، 1 / 462، 463، 544، 545، 594؛ 2 / 228،

229، 235؛ 4 / 165

قارون، 1 / 348

القاسم، 1 / 129

القاسم بن ربيع، 1 / 166

القاسم بن عبد الرحمن الصيرفي، 3 / 251

القاسم بن محمّد، 3 / 456

القاسم الفقيه بن محمّد بن أبي بكر، 3 / 161

قتادة، 2 / 301؛ 3 / 94، 96، 104، 372، 418، 525؛

4 / 39، 68، 92، 98، 99

قتادة بن دعامة، 4 / 66

قتادة بن النعمان، 2 / 212

القرطبي، 2 / 93، 94، 183، 479؛ 3 / 83، 335؛

4 / 329

قرطة بن عبد عمرو، 3 / 426

قرقيسا ابن طهمورث، 3 / 574

قشير بن كعب بن ربيعة، 2 / 215

قُصيّ، 2 / 600

قطب الدِّين الراوندي، 3 / 468؛ 4 / 19

القطب (صاحب درة التاج)، 1 / 359

قنبر، 3 / 146

قنفذ، 3 / 284 ، 285

قيس، 3 / 575

قيس بن الأشعث، 2 / 512

قيس بن عاصم، 1 / 449

قيس بن عبداللّه بن عَجلان، 2 / 605

قيصر، 3 / 163، 467، 468؛ 4 / 187

كالب بن يوقنا، 3 / 88

كثير النواء، 2 / 164، 165

الكسائي، 1 / 287؛ 2 / 581؛ 3 / 32، 95، 96، 98،

374، 547؛ 4 / 288، 361

كسرى، 3 / 467؛ 4 / 187

كشتاسف بن لهراسف، 3 / 119

الكشّي، 2 / 160، 164، 605، 606؛ 3 / 49، 158،

161، 214، 335، 413؛ 4 / 307، 322

كعب، 4 / 356، 358

كعب بن الأشرف، 3 / 6

كعب بن مالك، 4 / 332، 333

الكفعمي، 4 / 82

الكلبي، 3 / 89، 512، 513؛ 4 / 51، 182، 186، 187

الكميت بن زيد الأسدي، 3 / 158، 363

كنانة، 1 / 626

كودرز بن كشواد، 3 / 493

لاوي بن يعقوب، 4 / 362

لهراسف، 3 / 118

ماخير بنت ميشا ابن يوسف، 3 / 372

المارزي، 2 / 103؛ 3 / 81، 84

مالك بن طَوق، 1 / 498

مالك بن عطيّة، 1 / 610

المالك الجهني، 2 / 423

ص: 515

الماوردي، 3 / 470

مأجوج، 3 / 181، 182، 328

المأمون، 2 / 129، 585؛ 3 / 68؛ 4 / 38

المبرّد، 2 / 433

مجاهد، 1 / 545؛ 3 / 94، 99، 372؛ 4 / 99، 182،

186، 333، 344، 357، 360

المجذر بن ذياد البلوي، 3 / 105

محسن، 3 / 282

محمّد ابن اشعث، 2 / 511

محمّد ابن أبي سهل، 3 / 70

محمّد بن إبراهيم، 2 / 205

محمّد بن إبراهيم طباطبا ابن إسماعيل بن إبراهيم

بن حسن بن حسن بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام،

3 / 403

محمّد بن اُسامة، 4 / 155

محمّد بن إسحاق، 2 / 210؛ 3 / 105، 108؛ 4 / 51،

186

محمّد بن إسماعيل بن بزيع، 1 / 75؛ 3 / 331

محمّد بن أبي بكر، 3 / 161

محمّد بن أبي عبداللّه محمّد بن جعفر بن محمّد بن

عون الأسدي، 3 / 533

محمّد بن أحمد بن عبداللّه القمّي، 3 / 63

محمّد بن أحمد بن علي بن الصّلت القمّي، 4 / 22

محمّد بن أحمد بن محمّد بن عيسى، 3 / 489

محمّد بن أحمد الدقّاق البغدادي، 3 / 39

محمّد بن أحمد الصفواني، 3 / 68

محمّد بن أشعث بن قيس الكندي، 2 / 511

محمّد بن جعفر الأسدي، 3 / 538

محمّد بن حبيب، 2 / 209

محمّد بن الحسن بن الوليد، 2 / 225

محمّد بن الحسن الصفّار، 3 / 245

محمّد بن الحسين، 2 / 108، 109

محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، 2 / 109، 324

محمّد بن الحسين بن الحسن المرادي، 3 / 68

محمّد بن خالد، 1 / 543؛ 2 / 604، 606

محمّد بن رياح القلاّء، 3 / 36

محمّد بن زياد، 3 / 69

محمّد بن سالم، 3 / 223

محمّد بن سالم بن أبي سلمة عن محمّد بن سعيد

بن غزوان، 3 / 272

محمّد بن سعيد، عن غزوان، 3 / 272

محمّد بن سلام الجمحي، 2 / 475

محمّد بن سليمان الديلمي المصري، 1 / 489،

543؛ 2 / 606؛ 3 / 222

محمّد بن سليمان النصري، 1 / 489

محمّد بن شهرآشوب، 2 / 297؛ 3 / 71، 470

محمّد بن العبّاس، 4 / 345

محمّد بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن

أبي طالب، 4 / 424

محمّد بن عبد اللّه بن عبد المطّلب، 4 / 12

محمّد بن عبد الجبّار، 3 / 501

محمّد بن عُمَر بن عليّ بن أبي طالب، 3 / 364

محمّد بن عيسى، 2 / 108، 465، 605

محمّد بن غانم، 3 / 63

محمّد بن الفيض، 4 / 372

محمّد بن القاسم النوفلي، 2 / 108

محمّد بن كعب، 3 / 110؛ 4 / 358

محمّد بن مارد، 2 / 193

محمّد بن محمّد بن زيد، 3 / 403

محمّد بن مسلم، 3 / 222، 567؛ 4 / 174

ص: 516

محمّد بن مسلم بن أبي سلمة، 3 / 219، 348

محمّد بن مقلاص الأسدي، 3 / 214

محمّد بن المنذر، 4 / 187

محمّد بن منصور، 1 / 111

محمّد بن موسى بن المتوكّل، 2 / 324

محمّد بن مؤمن الشيرازي، 1 / 350

محمّد بن الوليد، 4 / 80

محمّد بن يحيى الخثعمي، 1 / 525، 61؛ 3 / 69،

331، 501، 575؛ 4 / 141

محمّد بن يعقوب بن إسحاق أبي جعفر الكليني،

1 / 74، 75؛ 3 / 63، 66؛ 4 / 429

محمّد بن يوسف، 3 / 538

محمّد حسين بن قارياغدي، 4 / 429

محمّد رسول اللّه ، 2 / 381، 4 / 356

محمّد الشهرستاني، 3 / 508

محمّد الطيّار، 3 / 499

محيي الدِّين البغوي، 2 / 93، 204

المختار، 1 / 576؛ 3 / 121

مختار ابن حمزة، 2 / 571

مخيريق اليهودي، 1 / 560

مرارة بن الربيع، 4 / 332، 333

مُرّ بن عمرو، 3 / 520

مرثد بن زيد، 1 / 213

مروان، 3 / 196، 197، 198، 292، 293، 294

مروان بن الحكم بن العاص، 1 / 559، 615؛

2 / 512

مروان الحمار، 3 / 494، 574

مُرّة بن كعب، 3 / 520

مرّة الهمداني، 3 / 110

مريم بنت عمران بن ماثان، 2 / 241، 249، 367؛

4 / 362

المستعصم، 3 / 495، 574

مسعر بن حرب، 4 / 131

مسعود بن أبي اُميّة بن المغيرة، 2 / 175

مسعود بن عمرة، 4 / 122

المسلم، 1 / 116؛ 2 / 204، 479؛ 3 / 83، 281؛

4 / 24، 25، 133، 186، 188

مسلم بن عقيل، 2 / 511

مسلم عن المقداد بن أسود، 2 / 183

المسيّب، 3 / 121

مسيلمة، 3 / 99؛ 4 / 107، 127

مصعب بن عمير، 1 / 108، 389؛ 3 / 336

مصقلة بن إسحاق، 3 / 64

المطرزي، 2 / 508

مطعون، 3 / 69

معاذ بن جبل، 3 / 285؛ 4 / 60

معاذ بن كثير، 3 / 278

المعاوية، 1 / 292، 378، 587؛ 2 / 510، 512، 584؛

3 / 119، 413، 554، 582، 584؛ 4 / 128، 148،

229، 262

معاوية بن حكيم، 3 / 69

معاوية بن عمّار، 2 / 109

معتب بن المبارك، 3 / 39

مَعَدّ بن عَدنان، 1 / 331

معدّ بني النضر بن كنانة، 1 / 331

المعلّى بن خنيس، 3 / 132؛ 4 / 32

المغازي، 4 / 108

المغيرة، 2 / 501؛ 4 / 121، 124

المغيرة بن شعبة، 3 / 285؛ 4 / 121، 167

المغيرة بن عبداللّه بن عمر بن مخزوم القرشي،

ص: 517

2 / 174

المفضّل بن عمر، 3 / 251؛ 4 / 321، 322

المفيد، 1 / 501؛ 2 / 511؛ 3 / 72، 412، 415؛

4 / 330

مقاتل بن مقاتل، 3 / 37، 88، 89

المقداد، 1 / 378، 558؛ 2 / 282؛ 3 / 283، 286،

376، 583؛ 4 / 397

المقداد ابن أسود، 3 / 287، 288، 335

مقوقس، 3 / 471؛ 4 / 121

مَليكة بن جريم، 1 / 626

منذر بن الساوي، 3 / 471

المنصور، 1 / 406؛ 3 / 214

منصور بن خزيمة، 3 / 365

موزة بن علا الحنفي، 3 / 471

موسى بن عيسى، 2 / 78

موسى الزوّار العطّار، 3 / 567

المهدي المامطيري، 3 / 470

ميسّر بن عبد العزيز، 2 / 605

نافع بن الأزرق، 2 / 151، 256؛ 3 / 95، 96، 130،

201؛ 4 / 216، 361

نثيلة بنت ملك بن حبّاب، 3 / 416

النجاشي، 3 / 11، 219، 272، 364، 471؛ 4 / 307،

322

نجم بن حطيم، 3 / 251

نزار بن معدّ بن عدنان، 1 / 621

نصر بن قابوس، 3 / 62

نصر بن مزاحم، 1 / 376

النضر، 1 / 540؛ 2 / 605

نضر بن الحارث، 1 / 542

النضر بن سويد، 2 / 605

النضر بن قِرواش، 3 / 78

النعمان، 4 / 268

نعمان بن المنذر، 3 / 522

النعماني، 1 / 74

نعيم القضاعي، 4 / 415

نمرود بن كنعان، 4 / 38، 303، 304، 307، 308،

310، 312، 317، 318

نوبخت المنجّم، 3 / 71

نوح، 1 / 97، 350، 502؛ 2 / 62، 232، 234، 235،

236، 239، 241، 249؛ 3 / 181، 297، 457،

523، 525، 526، 527، 530، 532، 533، 535،

537، 538، 582؛ 4 / 102، 340، 362، 386،

420

نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ، 2 / 232

نوح بن مشخد بن لمك، 2 / 232

نوفل بن جعفر بن الحارث بن عبد المطّلب،

3 / 104

نوفل بن الحارث بن عبد المطّلب، 3 / 108

الواقدي، 3 / 105، 364، 365؛ 4 / 121

وردان بن مجالد، 2 / 511

ورش، 3 / 130

ورقة بن نوفل، 3 / 427؛ 4 / 317

وكيع، 1 / 539

الوليد بن عتبة، 1 / 142؛ 3 / 128

الوليد بن المغيرة، 2 / 175

الوليد بن هشام بن الحرث بن أسد بن عبد العزّى،

3 / 105

وهب، 3 / 372

وهب بن منبّة، 3 / 364

وهيب بن حفص، 3 / 229

ص: 518

هابيل، 1 / 462، 463، 545؛ 2 / 228، 229

هاجر، 4 / 320

الهارب، 1 / 498

هارون ابن أبي سهل، 3 / 70

هارون بن خارجة، 3 / 387

هارون الرشيد، 1 / 405؛ 3 / 68، 404

هارون من موسى، 3 / 583

هاشم، 2 / 600

هاشم بن عبد مَناف، 1 / 339

هاشم بن عبد مناف عبد العلى، 2 / 216

هاشم عَمْرو، 2 / 216

هامان، 1 / 595

الهذلي، 3 / 133

هرثمة بن أعين، 3 / 403؛ 4 / 205

هرقل، 1 / 541، 543؛ 3 / 467، 468، 469

الهروي، 3 / 81

هشام، 2 / 131 ؛ 3 / 365

هشام بن الحكم، 2 / 157؛ 3 / 61

هشام بن سالم بن سالم، 3 / 324، 537

هشام بن عبد الملك بن مروان، 2 / 487؛ 3 / 364،

365؛ 4 / 424

هلاكو خان، 2 / 292، 585؛ 3 / 140، 141، 206،

574

هلال بن اُميّة، 4 / 332، 333

هلال بن عويم السلمي، 4 / 135

هود بن شالح بن أرفخشد بن سام، 2 / 237

هوذى بن سام بن نوح، 4 / 419، 420، 421

هُون بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مُضَر،

1 / 626

الهيثم بن عبد اللّه الرمّاني، 3 / 584

يافث، 3 / 181، 182

يأجوج، 3 / 181، 182، 328

يحيى بن زيد، 3 / 365

يحيى الحلبيّ، 2 / 605؛ 3 / 360، 363، 371، 372

يزيد، 3 / 271

اليسع بن أخطوب، 2 / 249

يعقوب، 1 / 97، 493؛ 2 / 418، 503؛ 4 / 140، 362

يعقوب، 4 / 299

يعقوب بن زيد، 2 / 109

يعقوب بن شعيب، 3 / 65

يعقوب بن عامر، 4 / 140

يعقوب بن يزيد، 3 / 39

اليماني، 3 / 59، 60، 61، 207، 400

يوسف بن عمر، 2 / 163؛ 3 / 364، 365

يوشع بن نون، 2 / 243؛ 3 / 63، 88؛ 4 / 94، 98

يونس، 2 / 475

يونس بن ظبيان، 4 / 322

يونس بن عبد الرحمن، 2 / 194؛ 3 / 68

يونس بن متّى، 2 / 249

يهوذا ابن يعقوب، 2 / 241، 4 / 362

ص: 519

فهرس الأماكن

الأبواء، 2 / 500

اُحُد، 4 / 60، 106

أذربايجان، 3 / 360

الاُردن، 4 / 92، 97

إرم، 1 / 582، 1 / 583

الإسكندريّة، 1 / 558، 582؛ 3 / 471 ؛ 4 / 12، 121

إصفهان، 3 / 493

الأندلس، 4 / 373

إنطاكية، 4 / 12

الأهواز، 4 / 316

بئر زمزم، 2 / 215

بئر معاوية، 1 / 622

باب كندة، 3 / 525

بابل، 3 / 118؛ 4 / 316

البادية، 1 / 498

بجيلة، 3 / 460

بحر الشام، 2 / 466

بحر الهند، 2 / 466

البحرين، 1 / 561؛ 3 / 104، 471 ؛ 4 / 121

برهوت، 3 / 421

البصرة، 2 / 229، 418، 596 ، 597؛ 3 / 328، 413،

584

بُصرى، 4 / 18

بطن مرٍّ، 4 / 10

بغداد، 1 / 498؛ 2 / 79، 418، 584؛ 4 / 18، 216

بيت الأصنام، 1 / 321

بيت اللّه الحرام، 1 / 334

بيت الرسول، 1 / 334، 337

بيت اللحم، 2 / 410

بيت المعمور، 1 / 380

بيت المقدّس، 1 / 349؛ 2 / 410؛ 3 / 468؛ 4 / 117،

292

البيداء، 3 / 210

تبوك، 1 / 619، 1 / 621

تنعيم، 1 / 405

تهامة، 2 / 383

ثقيف، 3 / 555

الجائي، 4 / 373

جابرصا، 3 / 249

جابلقا، 3 / 246، 249

ص: 520

الجحفة، 2 / 500

جدّة، 2 / 466

الجزيرة، 3 / 526

جزيرة العرب، 2 / 466

الجودي، 3 / 526

الحبشة، 3 / 428، 471

الحجاز، 1 / 343، 561

الحديبيّة، 4 / 116، 118

حذّاء القادسيّة، 1 / 498

حذر الموت، 3 / 87

حرّان، 4 / 316

الحروراء، 2 / 47؛ 3 / 277

الحرّة، 2 / 292

حضرموت، 1 / 621 ، 622، 623 ؛ 3 / 421؛ 4 / 61

الحضيرة ، 3 / 187؛ 4 / 317

حُنَيْن، 4 / 330

حوران، 1 / 561

الحير، 4 / 317، 318

الحيرة، 2 / 584

خراسان، 3 / 365، 494

خوزستان، 3 / 360

خيبر، 4 / 61

دارين، 3 / 523

دجلة، 2 / 466، 584

دمشق، 1 / 438، 498، 561، 582، 583؛ 3 / 365،

415

الديلم، 3 / 360

ذو قار، 4 / 382

ذي الحليفة ، 3 / 187؛ 4 / 132

ذي خيم، 2 / 584

الرباح، 4 / 373

الربذة، 3 / 124، 125

رحبة، 1 / 496

الروم، 1 / 541؛ 3 / 157، 163، 465، 466، 467،

471، 472؛ 4 / 67، 268

الريّ، 1 / 75؛ 2 / 584، 585

الزنج، 4 / 373

ساباط، 3 / 119

سَبَأ، 4 / 66

سُقُطرى، 4 / 373

سقيفة بني ساعدة، 1 / 340

سقيفة بني النجّار، 1 / 545

سيلحون، 2 / 79

الشام، 1 / 343، 438، 498، 545، 561، 582، 583؛

2 / 216، 459، 466؛ 3 / 119، 141، 164، 210،

277، 409، 415، 465، 468، 471، 472 ، 525،

526؛ 4 / 17، 18، 293، 294، 426

شطّ الفرات، 2 / 584

شيراز، 4 / 11

الصنعاء، 1 / 498؛ 3 / 164

الصين، 1 / 296 ؛ 3 / 182؛ 4 / 369

الطائف، 3 / 157؛ 4 / 159، 330

عَبس، 4 / 194

عدن، 2 / 466

العراق، 1 / 545، 558؛ 2 / 164، 216، 466 ؛ 3 /

187، 207، 210، 345، 364، 403، 582؛ 4 / 17،

36، 37، 222، 316

عراقي العرب، 3 / 360

عسكر، 1 / 562

عقبة، 2 / 500

ص: 521

عكبراء، 4 / 18

عمّان، 3 / 415

غار جبل أبي قبيس، 2 / 234

غدير خُمّ، 1 / 313

فارس، 3 / 360، 465، 470، 471، 472؛ 4 / 67

فخّ، 1 / 405

فدك، 4 / 61

الفرات ، 1 / 498؛ 2 / 410، 466؛ 3 / 366، 367،

523، 526، 574؛ 4 / 229

فرغانة، 4 / 188

فلسطين، 4 / 17، 18، 92، 96، 97

القادسيّة، 3 / 365

قباء، 4 / 188

قديد، 4 / 339

قرقيسا، 3 / 574

القليب، 4 / 118

كربلاء، 3 / 162؛ 4 / 317

الكعبة، 1 / 321، 379، 380، 412؛ 3 / 256، 285،

551

كلين، 1 / 75

كنانة، 3 / 124

كندة، 1 / 622

كوثى، 4 / 316

الكوفة، 1 / 498، 558، 561، 590؛ 2 / 47، 52، 79،

409، 418، 426، 508، 510، 511؛ 3 / 128، 157،

160، 210، 214، 277، 364، 365، 366، 403،

410، 482، 494، 522، 523، 524، 526، 582؛ 4 /

310، 382، 429

لبنان، 4 / 420

متواصلة، 4 / 426

المدائن، 3 / 164، 165

المداين، 3 / 119

مدين، 1 / 347

المدينة، 1 / 405، 498، 542، 560، 589، 620،

621، 625؛ 2 / 96، 401، 402 ، 414، 500، 584؛

3 / 60، 83، 108، 125، 128، 187، 188، 189،

207، 210، 211، 289، 364، 365، 382، 383،

410 ، 428، 467، 494، 580، 584؛ 4 / 26، 32، 57،

60، 61، 69، 99، 106، 129، 130، 131، 132،

133، 149، 188، 189، 333

المدينة الرسول المدينة

مرو، 3 / 493

مسجد الأحزاب، 3 / 515

المسجد الأقصى، 1 / 438

المسجد الحرام، 1 / 556؛ 3 / 110

مسجد الخيف، 2 / 500

مسجد دمشق، 1 / 438، 583

مسجد رسول اللّه ، 3 / 287

مسجد الفتح، 3 / 164

مسجد الكوفة، 3 / 382، 525، 528

مسجد النبي صلى الله عليه و آله، 1 / 313

المشعر الحرام، 1 / 379

المصر، 1 / 587، 558؛ 2 / 459؛ 3 / 100، 141؛ 4 /

19، 96، 117

مَعدٍ، 3 / 460

المغرب، 2 / 79

مكّه، 1 / 334، 405، 443، 498، 589، 619؛ 2 / 78،

96، 215، 216، 229، 315، 383، 383، 385، 502،

584، 596؛ 3 / 100، 105، 108، 187، 207، 359،

410، 423، 428، 441، 453، 465، 467، 512،

ص: 522

561، 584؛ 4 / 10، 17، 19، 69، 99، 116، 119،

120، 121، 126، 127، 129، 130، 131، 132،

135، 149، 159، 179، 180، 181، 187، 189،

327، 330، 339، 358، 383

مكه البلد الحرام بيت اللّه الحرام

ملك دانيال، 3 / 119

نجد، 1 / 621

نجران، 1 / 561

نجف، 3 / 526

النجير، 1 / 623

نهر سعيد، 1 / 496

النهروان، 3 / 57

النيل، 2 / 459

وادي القرى، 1 / 343

واسط، 3 / 87، 345؛ 4 / 382

همدان، 1 / 213؛ 3 / 30 ، 523

الهند، 1 / 296؛ 3 / 68، 70، 523، 524، 525؛ 4 /

369، 373

هوازن، 1 / 622؛ 3 / 10

يثرب، 2 / 602

يعقوبا، 4 / 216

اليمامة، 1 / 498 ؛ 3 / 471؛ 4 / 127

اليمن، 1 / 561، 619، 620، 621 ، 622؛ 2 / 25 ،

79، 216، 383؛ 3 / 60، 164 ، 421 ، 460، 470؛ 4 /

61، 66، 415

ص: 523

فهرس الكتب الواردة في المتن

(5)

فهرس الكتب الواردة في المتن

الاحتجاج،2 / 157، 502؛ 3 / 59، 61، 283، 400،

581؛ 4 / 198

الاختصاص،1 / 498، 501

الاختيارات،3 / 41

الأربعين،1 / 193، 221

الإرشاد مفيد،2 / 74، 511؛ 3 / 46، 47؛ 4 / 330

الاستيعاب،4 / 107

اعتقادات،3 / 561

إعلام الورى،3 / 161،4 / 131

الاقتصاد،1 / 191؛ 2 / 571

إكمال الإكمال،1 / 560،3 / 409

إكمال الدِّين،2 / 246، 252، 253، 257؛ 3 / 585؛

4 / 11، 23، 127، 419

الأمالي صدوق، 1 / 286؛ 2 / 54، 55، 57، 60،

108، 109، 312، 324، 328، 332، 338، 341،

342، 352، 370، 381، 385، 395، 396،

511،522؛ 3 / 254؛ 4 / 20، 72

الإنجيل،1 / 512؛ 2 / 391؛ 3 / 94

الأنساب،1 / 75

الإيضاح،1 / 178، 213؛ 2 / 85؛ 3 / 11، 152،

251؛ 4 / 321

أعلام النبوّة، 3 / 470

أمالي محمّد بن حبيب،2 / 209

أمان الأخطار،2 / 266، 267، 268

بصائر الدرجات، 2 / 385؛ 3 / 245، 248؛ 4 / 37

تاج اللّغة، 1 / 227؛ 3 / 205، 280، 568؛ 4 / 129،

251، 305، 319، 414

التجريد،1 / 191؛ 3 / 580

التجمّل،3 / 70

التحرير، 3 / 75

تحف العقول، 1 / 183، 190، 249، 254، 283،

481، 482

تفسير الإمام أبي محمّد العسكري عليه السلام،2 / 501

تفسير عليّ بن ابراهيم،1 / 594، 624؛ 2 / 266،

268، 519؛ 3 / 94، 556

تفسير العيّاشي،3 / 94، 121؛ 4 / 141

التوحيد، 1 / 360؛ 2 / 127، 129، 130، 132،

133؛ 4 / 358

التوراة، 1 / 309، 444، 447، 452، 454، 460،

473، 478، 512؛ 2 / 128؛ 3 / 117؛ 4 / 90،

96، 99

ص: 524

التوقيعات،3 / 64

التهذيب،2 / 40، 262

جامع الاُصول، 2 / 256

جامعه الصغير، 3 / 68

جواب المسائل السلاّريّة،3 / 72

الخرائج،2 / 268؛ 4 / 19

الخصال،2 / 501؛ 3 / 38، 39، 57، 59، 61، 62،

400؛ 4 / 80، 81

الخلاصة،2 / 510؛ 3 / 11، 158، 363؛ 4 / 158

الخلاف،2 / 571؛ 3 / 412

الدروس،2 / 40؛ 3 / 47، 55، 75، 169، 369، 455

الدروع الواقية،2 / 40

درّة التاج،1 / 359

الدلائل،3 / 70

الذكرى،2 / 112

رجال الشيخ،1 / 489

رسالة النجوم، 3 / 66

الزبور،3 / 94

سعد السعود،2 / 473

السيرة،4 / 325

شرائع الإسلام، 3 / 412

شرح تلخيص المفتاح،3 / 212

شرح شواهد المغني،4 / 194

شرح مسلم،3 / 335

شرح المشكاة،1 / 623؛ 3 / 502

شرح المواقف،3 / 252، 580

الشفاء،1 / 292

الصحاح،1 / 225، 240، 298، 346، 353، 410،

419، 449، 617، 626؛ 2 / 6، 66، 230، 292،

328، 366، 374، 376، 377، 386، 467، 489،

502، 513، 520، 521، 524، 537، 539، 547،

567، 605؛ 3 / 14، 16، 17، 20، 28؛ 4 / 375،

415

صحيح مسلم، 4 / 124

طبّ الأئمّة، 3 / 37، 38

الطرائف، 1 / 350، 351

الطنافس الحيريّة،2 / 146

العدّة،1 / 359، 439، 449؛ 2 / 131، 272، 325،

394، 526، 553، 554، 572؛ 3 / 487

العلل،2 / 258، 389؛ 3 / 182، 387، 584، 585؛

4 / 69، 109، 190

عمدة الطالب،2 / 216

العيون،2 / 128؛ 3 / 584؛ 4 / 38، 44

الغرر والدرر، 1 / 292؛ 2 / 104؛ 3 / 74

الفائق في غريب الحديث، 1 / 481؛ 2 / 547؛

4 / 109

فتح الأبواب،3 / 62

فرج المهموم،3 / 63،3 / 68

الفقيه،1 / 286، 610؛ 2 / 41، 54، 55، 56، 57، 59،

60، 64، 66، 156، 233، 234، 467؛ 3 / 38،

64، 255، 299، 342، 386؛ 4 / 31، 80، 81،

189، 190

القاموس، 1 / 82، 83، 87، 89، 93، 95، 96، 101،

121، 122، 127، 141، 143، 144، 146، 148،

149، 155، 156، 177، 178، 179، 180، 190،

194، 196، 197، 213، 214، 216، 220، 222،

225، 226، 227، 229، 235، 236، 237، 238،

240، 243، 244، 245، 247، 250، 251، 254،

255، 256، 258، 260، 261، 263، 264، 265،

267، 268، 269، 270، 271، 272، 273، 275،

ص: 525

277، 281، 282، 283، 284، 286، 288، 289،

291، 293، 294، 296، 297، 298، 300، 301،

302، 304، 305، 308، 309، 311، 312، 315،

317، 322، 323، 324، 328، 329، 330، 331،

332، 334، 335، 336، 338، 339، 341، 343،

344، 345، 346، 347، 348، 351، 352، 353،

354، 358، 364، 365، 366، 367، 368، 369،

371، 372، 375، 378، 385، 386، 387، 395،

402، 403، 407، 408، 409، 410، 411، 412،

414، 415، 416، 417، 418، 419، 422، 423،

424، 425، 433، 434، 438، 442، 444، 447،

449، 450، 451، 458، 460، 461، 472، 476،

479، 484، 485، 488، 495، 497، 498، 502،

507، 511، 514، 515، 519، 529، 533، 535،

537، 540، 542، 550، 555، 556، 561، 569،

570، 575، 577، 579، 580، 582، 583، 585،

586، 590، 593، 594، 595، 596، 599، 600،

601، 602، 608، 609، 611، 612، 613، 618،

619، 621، 622؛ 2 / 7، 13، 14، 15، 16، 19،

21، 22، 27، 30، 32، 34، 35، 37، 45، 50، 51،

55، 56، 59، 68، 69، 70، 71، 74، 76، 79، 85،

87، 89، 91، 112، 113، 118، 121، 125،

129، 130، 135، 136، 145، 146، 148، 149،

151، 152، 153، 157، 162، 176، 180، 183،

185، 187، 188، 189، 195، 197، 200، 202،

213، 214، 216، 227، 229، 230، 235، 242،

245، 253، 259، 260، 262، 267، 268، 272،

277، 279، 283، 291، 292، 293، 294، 301،

310، 311، 312، 313، 314، 325، 326، 328،

332، 335، 336، 337، 338، 342، 343، 344،

347، 348، 349، 351، 352، 356، 357، 358،

359، 362، 363، 364، 366، 367، 371، 375،

376، 377، 378، 380، 383، 386، 387، 388،

391، 392، 393، 396، 407، 408، 411، 412،

422، 423، 424، 427، 429، 430، 434، 435،

439، 441، 444، 445، 453، 455، 465، 466،

469، 471، 474، 476، 477، 482، 485، 487،

489، 491، 493، 496، 498، 500، 504، 508،

513، 515، 516، 518، 519، 521، 524، 527،

531، 533، 534، 536، 537، 538، 542، 543،

544، 545، 547، 548، 554، 557، 559، 560،

561، 565، 566، 567، 568، 569، 571، 572،

573، 575، 577، 578، 579، 583، 584، 590،

600، 601؛ 3 / 14، 15، 20، 22، 25، 26، 27،

28، 30، 31، 40، 41، 42، 44، 45، 48، 49، 50،

51، 52، 53، 56، 57، 61، 78، 82، 84، 90، 91،

93، 100، 106، 107، 109، 113، 119، 120،

121، 122، 123، 125، 126، 127، 128، 137،

138، 139، 140، 146، 147، 148، 149، 152،

154، 157، 158، 163، 165، 167، 168، 169،

170، 171، 172، 173، 175، 176، 178، 179،

185، 186، 187، 188، 189، 191، 194، 195،

196، 201، 204، 205، 206، 207، 208، 211،

213، 214، 215، 216، 217، 218، 219، 220،

225، 232، 237، 240، 241، 242، 243، 248،

250، 251، 253، 256، 258، 260، 265، 266،

267، 268، 292، 297، 298، 299، 304، 305،

306، 314، 315، 316، 317، 319، 325، 327،

328، 330، 333، 334، 339، 340، 341، 343،

345، 346، 348، 349، 350، 351، 352، 356،

ص: 526

360، 368، 371، 377، 384، 385، 392، 399،

401، 404، 407، 408، 409، 411، 412، 413،

415، 419، 420، 421، 422، 423، 424، 425،

428، 431، 434، 442، 443، 444، 445، 449،

450، 456، 457، 458، 460، 463، 472، 475،

480، 484، 494، 496، 497، 502، 506، 510،

513، 518، 519، 524، 529، 530، 535، 537،

541، 543، 568، 569، 570، 571، 574؛

4 / 10، 15، 17، 19، 27، 29، 44، 53، 55، 61،

67، 70، 71، 77، 81، 107، 108، 109، 110،

111، 118، 119، 125، 126، 143، 145، 151،

162، 172، 188، 189، 193، 194، 196، 199،

205، 209، 216، 217، 218، 219، 230، 236،

250، 251، 253، 256، 257، 258، 262، 267،

279، 285، 291، 293، 301، 303، 310، 319،

320، 321، 325، 329، 366، 368، 373، 375،

382، 385، 414، 427

قرب الإسناد، 2 / 205، 460؛ 4 / 96

القواعد،3 / 75

الكافي،3 / 556؛ 4 / 429

الكامل، 4 / 96، 134، 187، 316، 317، 327

كتاب التجمّل، 3 / 66

كتاب سعد،3 / 364

كتاب الصفّين، 1 / 376

كتاب عتيق،3 / 66

كتاب الكيمياء،1 / 265

كتاب مسائل،3 / 68

الكشّاف،2 / 585؛ 3 / 108، 352؛ 4 / 8، 144،

336

كشف الغمّة، 4 / 329

كمال الدِّين وتمام النعمة،3 / 132، 210، 442

المبسوط،2 / 571؛ 3 / 369

المجالس،3 / 470

مجمع البيان،1 / 343، 620؛ 2 / 301؛ 4 / 130

المحاسن،2 / 110؛ 4 / 81

المشكوة،3 / 334

المصباح، 1 / 184، 271، 299، 476؛ 2 / 29، 84،

87، 101، 146، 202، 206، 209، 227، 233،

260، 295، 312، 358، 431، 565، 577، 599؛

3 / 106، 159، 189، 208، 496، 516، 543؛

4 / 28، 108، 127، 287

معارج النبوّة،1 / 594؛ 2 / 116، 455؛ 4 / 131،

303، 304، 305، 307، 310، 311، 320، 419

معاني الأخبار،2 / 162؛ 3 / 65

المعتبر،2 / 571؛ 3 / 255

المغرب،1 / 242، 594؛ 2 / 79، 101، 206، 388؛

3 / 31، 53، 409؛ 4 / 15

المقالات،3 / 72

الملل والنحل،2 / 47؛ 3 / 508

المناقب،2 / 385؛ 3 / 71

منتهى المطلب،3 / 74

منهاج الأدوية،3 / 446

النافع،2 / 571

نزهة الكرام وبستان العوام،3 / 68

نوادر الحكمة،3 / 63

النهاية،1 / 145، 242، 259، 265، 298، 324،

336، 339، 379، 460، 558، 599، 608، 619،

625؛ 2 / 7، 18، 33، 44، 53، 55، 64، 77،

151، 189، 193، 201، 203، 291، 292، 294،

314، 327، 333، 383، 386، 466، 472، 497،

ص: 527

518، 534، 544، 567، 571؛ 3 / 16، 31، 45،

78، 79، 81، 82، 83، 86، 140، 146، 159،

165، 169، 172، 177، 180، 207، 208، 221،

222، 260، 278، 309، 321، 328، 351، 408،

412، 422، 462، 487، 504، 509، 516، 519،

534، 575؛ 4 / 26، 55، 68، 76، 78، 82، 109،

121، 173، 213، 230، 236، 242، 251، 264،

278، 305، 413

نهج البلاغة، 1 / 227، 248، 253، 264، 292، 569،

573، 577، 582، 586، 590، 608، 611؛

2 / 8، 519، 538؛ 3 / 58، 67، 397؛ 4 / 230،

232، 234، 235، 237، 238، 239، 241، 242،

243، 250، 255، 382

ص: 528

فهرس الفرق والمذاهب

الاءسلام، 1 / 88 ، 95 ، 100 ، 106 ، 108 ، 119 ،

122 ، 130 ، 131 ، 134 ، 148 ، 149 ، 159 ،

161 ، 164 ، 165 ، 166 ، 167 ، 168 ، 169 ،

221 ، 223 ، 225 ، 314 ، 321 ، 332 ، 336 ،

337 ، 339 ، 341 ، 368 ، 372 ، 412 ، 438 ،

480 ، 518 ، 531 ، 537 ، 558 ، 560 ، 563 ،

567 ، 568 ، 587 ، 590 ، 597 ، 608 ، 624 ؛

2 / 25 ، 47، 50، 51، 119، 127 ، 173، 281،

295، 297، 345، 383، 420، 431، 446، 520،

531، 581، 582، 599؛ 3 / 5 ، 8 ، 11 ، 74 ،

76 ، 79 ، 81 ، 82 ، 84 ، 88 ، 100 ، 102 ،

145 ، 146 ، 147 ، 183 ، 198 ، 257 ، 265 ،

266 ، 272 ، 282 ، 284 ، 286 ، 289 ، 290 ،

291 ، 331 ، 332 ، 333 ، 335 ، 336 ، 337 ،

339 ، 361 ، 371 ، 398 ، 419 ، 465 ، 467 ،

470 ، 471 ، 473 ، 475 ، 480 ، 512 ، 513 ،

519 ، 520 ، 545 ، 547 ، 554 ، 571 ، 578 ،

584؛ 4 / 56 ، 71 ، 86 ، 123 ، 126 ، 128 ،

129 ، 130 ، 130 ، 131 ، 132 ، 134 ، 136 ،

144 ، 149 ، 155 ، 187 ، 189 ، 202 ، 233 ،

263 ، 268 ، 276 ، 317 ، 326 ، 363 ، 366 ،

429

الاءسماعيليّة، 2 / 588

الأاعرة، 1 / 191؛ 2 / 1، 203، 514

الاءماميّة، 2 / 225، 588؛ 3 / 72، 362

أهل الاءسلام الاءسلام

أهل السنّة، 2 / 103

أهل القبلة، 3 / 374

أهل الكتاب، 1 / 102، 174؛ 3 / 87، 102، 217،

264، 465؛ 4 / 19، 118، 389، 391، 392

التشيّع الشيعة

الجبريّة، 1 / 148، 150، 161؛ 2 / 47

الحروريّة، 2 / 47

الخاصّة، 1 / 108، 150، 397، 489، 558؛ 2 / 75،

124، 125، 131، 209، 262، 372، 465، 466،

509؛ 3 / 63، 83، 164، 257، 282، 283،

312، 358، 382، 581؛ 4 / 22، 24، 160،

188، 292، 345

الزيديّة، 2 / 588؛ 3 / 273، 365، 492

الشافعيّة، 4 / 303

الشيعة، 1 / 100، 109، 124، 135، 139، 156،

213، 386، 387، 390، 394، 495، 502، 576،

ص: 529

577، 578، 580، 585، 606؛ 2 / 46، 47، 50،

51، 52، 53، 190، 193، 267، 285، 286،

421، 440، 441، 462، 506، 588، 589، 590؛

3 / 69، 122، 145، 146، 147، 154، 156،

161، 183، 185، 195، 197، 199، 203، 251،

273، 365، 389، 419، 432، 434، 492، 503،

543، 553، 572، 581؛ 4 / 22، 55، 56، 77،

84، 85، 151، 160، 164، 207، 366، 398

العامّة، 1 / 102، 108، 109، 135، 397، 405، 557،

558؛ 2 / 25، 35، 55، 73، 75، 79، 92، 95،

96، 98، 124، 125، 130، 131، 181، 204،

209، 212، 225، 230، 231، 232، 233، 234،

247، 257، 259، 280، 373، 403، 433، 441،

471، 509، 581، 597؛ 3 / 12، 31، 37، 38،

63، 69، 83، 84، 163، 164، 182، 228، 257،

264، 282، 283، 299، 311، 335، 355، 358،

382؛ 4 / 15، 19، 20، 20، 22، 24، 44، 45،

66، 102، 107، 118، 126، 128، 145، 158،

172، 186، 188، 189، 292، 293، 298، 322،

345، 412

العبّاسيّة، 3 / 137 ، 141 ، 495

الغُلاة، 3 / 204، 211، 252؛ 4 / 49 ، 258

القدريّة، 2 / 47

كلاميّة، 1 / 191

المجوسيّة، 4 / 11، 268

المرجئة، 2 / 47، 49

المعتزلة، 1 / 191؛ 2 / 47، 225؛ 3 / 72، 203

النصارى، 1 / 497، 511، 538؛ 2 / 357، 561؛

3 / 476، 477؛ 4 / 362

النواصب، 4 / 186

الواقفة، 4 / 209

اليهود، 1 / 511، 560؛ 2 / 499، 561؛ 3 / 88،

127، 204، 340، 463، 476، 477؛ 4 / 60،

362

ص: 530

فهرس الجماعات والقبائل

آل إبراهيم، 2 / 241، 2 / 247، 2 / 511

آل أبي سفيان، 3 / 141

آل البيت، 3 / 329

آل حمزة بن عمارة، 3 / 493

آل داود، 2 / 293 ؛ 4 / 206

آل الذريح، 3 / 422

آل عمران، 2 / 241

آل فرعون، 1 / 349، 570

آل محمّد صلى الله عليه و آله، 1 / 167، 443، 582؛ 2 / 195،

249، 277، 279، 289، 461، 511، 572؛ 3 /

120، 121، 268، 438، 439، 467، 556، 579؛

4 / 33، 167، 344، 345، 358

آل يعقوب، 2 / 502، 503

الأمّة، 1 / 103، 111، 112، 124، 125، 126،

134، 139، 146، 154، 157، 161، 162، 164،

166، 299، 301، 337، 353، 372، 394، 488،

489، 532، 553، 576، 585، 588، 615؛ 2 /

47، 49، 102، 107، 157، 165، 157، 171،

231، 243، 244، 245، 249، 251، 251، 284،

287، 288، 333، 384، 385، 424، 440، 469،

522، 531، 578، 586، 594 ؛ 3 / 95، 122،

123، 128، 176، 219، 221، 230، 248، 251،

252، 275، 303، 311، 321، 333، 361، 378،

400، 402، 438، 452، 460، 477، 546، 553،

556، 579، 581؛ 4 / 67، 153، 160، 198،

223، 242، 245، 289

أئمّة المعصومين الأئمّة

أئمّة الهدى الأئمّة

أرباب العصمة، 1 / 364؛ 2 / 281، 607

أسباط الأبياء، 1 / 489

أصحاب الأمّة، 1 / 412

أصحاب أبي بكر، 3 / 335

أصحاب أبي جعفر عليه السلام، 3 / 363

أصحاب أبي الخطّاب محمّد بن المقلاص،

3 / 211، 214

أصحاب الاثار، 1 / 412

أصحاب الاُخدود، 3 / 351

أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام أصحاب عليّ عليه السلام

أصحاب الايات، 1 / 412

أصحاب الباقر عليه السلام، 3 / 158، 272

ص: 531

أصحاب بدر، 1 / 376

أصحاب الجمل، 1 / 336؛ 2 / 596؛ 4 / 262

أصحاب الحديث، 2 / 225

أصحاب الحسن عليه السلام، 4 / 149

أصحاب خيل، 1 / 403

أصحاب الدار، 1 / 546

أصحاب داود، 3 / 67

أصحاب الرأي، 1 / 265؛ 2 / 520

أصحاب الرسول صلى الله عليه و آله أصحاب النبيّ صلى الله عليه و آله

أصحاب الرضا عليه السلام، 1 / 501؛ 3 / 176

أصحاب السبت، 3 / 95

أصحاب السّريّة، 4 / 159

أصحاب الشرائع، 1 / 96

أصحاب الشمال، 3 / 417

أصحاب طالوت، 1 / 376

أصحاب العصمة أرباب العصمة

أصحاب العلامات والمعجزات، 1 / 412

أصحاب عليّ عليه السلام، 2 / 427، 2 / 510، 2 / 596؛

4 / 260

أصحاب عيسى عليه السلام، 3 / 462، 3 / 463

أصحاب قنفذ، 3 / 284

أصحاب القياس، 1 / 265

أصحاب الكبائر، 4 / 296

أصحاب الكرم، 1 / 262

أصحاب مدين، 1 / 347

أصحاب المهدي عليه السلام، 4 / 75، 76

أصحاب النبيّ صلى الله عليه و آله، 1 / 503، 622؛ 2 / 75، 212،

250، 387؛ 3 / 285

أصحاب النعم، 4 / 245

أصحاب النهروان، 2 / 263؛ 3 / 584

أصحاب الوبر، 1 / 621

أصحاب الوحي، 1 / 101، 266؛ 4 / 223

أصحاب اليمين، 3 / 417، 3 / 418

الأبّاء، 2 / 204، 207؛ 3 / 32، 34، 43، 47،

235، 446

الاُمراء، 4 / 245

الأبياء، 1 / 77، 80، 119، 129، 134، 153، 157،

169، 179، 185، 190، 192، 299، 300، 303،

304، 344، 353، 359، 394، 395، 439، 441،

480، 512، 525، 534، 547، 552، 591؛ 2 /

22، 25، 62، 75، 85، 87، 94، 106، 167،

181، 202، 224، 231، 232، 234، 235، 238،

239، 240، 242، 243، 244، 245، 250، 251،

252، 283، 314، 347، 355، 373، 380، 384،

387، 391، 402، 415، 445، 458، 475، 499،

561، 564، 576؛ 3 / 8، 69، 73، 88، 90، 92،

100، 153، 177، 182، 246، 273، 303، 310،

329، 340، 350، 370، 400، 401، 456، 458،

463، 477، 478، 515، 556، 581، 582؛ 4 /

91، 96، 97، 98، 99، 223، 277، 285، 308،

345، 355 ، 357

الأصار، 1 / 338، 545، 546؛ 3 / 283، 287

الأزاع، 1 / 213

الأس، 4 / 60، 4 / 118

الأصياء، 1 / 119، 134، 179، 185، 190، 192،

300، 353، 359، 445، 490، 523، 534، 591،

606؛ 2 / 45، 85، 231، 232، 235، 243،

245، 253، 276، 380، 415، 475، 576؛ 3 /

ص: 532

60، 69، 153، 242، 242، 246، 329، 350،

400، 552؛ 4 / 183، 344، 345، 361

أولاد إسرائيل، 3 / 120

أولاد الأئمّة، 1 / 405

أولاد بنيامين، 4 / 89

أولاد الحسن عليه السلام، 4 / 102

أولاد الحسين عليه السلام، 4 / 102

أولاد حظلة بن مالك بن عمرو بن تميم، 2 / 212

أولاد الخُلفاء، 2 / 585

أولاد الرسول، 2 / 73، 384

أولاد سبأ، 4 / 66

أولاد سليط، 3 / 493

أولاد شيبة بن عثمان الجحني، 3 / 551

أولاد لاوي بن يعقوب، 4 / 89

أولاد هاني بن قبيصة، 3 / 403

اُولى الأر، 1 / 183

الألياء، 1 / 80، 289، 526؛ 2 / 380؛ 4 / 277

أهل الإجابة، 3 / 151

أهل الارتياب، 3 / 283

أهل أيلة، 3 / 94

أهل البدر، 1 / 376

أهل بدر، 1 / 376؛ 3 / 283، 583؛ 4 / 76، 97

أهل البصرة، 1 / 449؛ 2 / 596، 597

أهل البصيرة، 4 / 350

أهل بطن نخلة، 4 / 158، 159

أهل البواري، 1 / 621

أهل البيت عليهم السلام، 1 / 111، 283، 314، 315، 337،

388، 397، 419، 501، 581؛ 2 / 45، 124،

149، 176، 194، 246، 288، 289، 300، 410،

477، 506؛ 3 / 24، 25، 61، 68، 70، 158،

188، 226، 249، 273، 285، 288، 289، 329،

333، 365، 376، 388، 392، 451، 460، 495،

541، 546، 560، 585؛ 4 / 45، 68، 75، 84،

153، 160، 198، 266، 322، 333، 345، 349،

361، 401، 429

أهل بيت إبراهيم عليه السلام، 4 / 362

أهل البيت الأئمّة

أهل بيت العصمة، 1 / 101؛ 2 / 175، 241، 252؛

3 / 290، 317، 459؛ 4 / 88، 389، 409

أهل التفسير، 1 / 134، 136، 142، 412؛ 2 / 18،

19، 22، 24، 29، 61، 149، 153، 176، 198،

236، 237، 258، 278، 326، 341، 379، 390،

433، 564، 562، 590، 591، 595؛ 3 / 5، 22،

89، 94، 96، 100، 329، 453، 454، 457،

473، 537، 544، 549؛ 4 / 37، 38، 43، 44،

66، 92، 96، 99، 104، 139، 141، 144، 169،

173، 332، 339، 343، 344، 347، 348، 358،

364، 428

أهل التنجيم، 3 / 400، 402؛ 4 / 47

أهل الجبل، 3 / 360

أهل الجدب، 3 / 167

أهل الحجاز، 2 / 15، 173؛ 3 / 424، 576؛ 4 /

82، 239

أهل خراسان، 1 / 577، 584؛ 2 / 585؛ 3 / 494

أهل الخصب، 3 / 167

أهل داوردان، 3 / 87، 88

أهل الذمّة، 3 / 217، 258

أهل الرأي، 4 / 211

أهل ردّة، 3 / 334

أهل سبأ، 4 / 66، 426

ص: 533

أهل سقاية الحاجّ، 3 / 110

أهل السِّير، 3 / 454، 471، 493، 537، 538؛ 4 /

133، 330

أهل الشام، 1 / 498؛ 2 / 87؛ 3 / 365، 584؛ 4 /

310

أهل الطيرة، 3 / 39

أهل العراق، 3 / 507

أهل العصمة أرباب العصمة

أهل العصمة المعصومين

أهل فارس، 3 / 466

أهل الفرس، 3 / 32

أهل قبا، 4 / 188

أهل كوثى، 4 / 316

أهل الكوفة، 3 / 211، 364

أهل اللغة، 3 / 353، 524؛ 4 / 156، 334

أهل المدينة، 3 / 157، 162، 428

أهل المسجد الحرام، 4 / 159

أهل مصر، 4 / 19، 4 / 318، 4 / 319

أهل مكّة، 1 / 350؛ 2 / 504، 596؛ 3 / 104،

165، 210، 358؛ 4 / 110، 130، 132، 293،

364

أهل الميامة، 4 / 15

أهل نجد، 3 / 576؛ 4 / 239

أهل نجران، 1 / 561

أهل النحب النذر، 4 / 51

أهل النهروان، 1 / 336؛ 2 / 264؛ 4 / 216، 219

أهل نينوى، 3 / 119

أهل واسط، 3 / 345

أهل الوبر، 3 / 170

أهل الوصف، 3 / 221

أهل ياسر، 2 / 510

أهل اليمامة، 4 / 127

أهل اليمن 1 / 619؛ 3 / 59

بنات الصادق عليه السلام، 3 / 161

بنات نعش، 2 / 112

بنو إسرائيل، 1 / 349، 438، 444، 454، 538،

539، 587، 615؛ 2 / 345، 381؛ 3 / 8، 87،

88، 89، 92، 93، 94، 119؛ 4 / 19، 90، 91،

92، 94، 96، 97، 98، 99، 117

بنو إسماعيل، 1 / 331، 539

بنو اُميّة، 1 / 178، 269، 405، 555، 576، 577،

578، 579، 580، 581، 582، 583، 584، 585،

587، 591؛ 2 / 174، 213، 487؛ 3 / 120،

138، 192، 193، 256، 257، 277، 293، 365،

367، 382، 438، 452، 493؛ 4 / 192، 202،

365، 367، 387

بنو تغلب، 1 / 557

بنو تميم، 2 / 173، 212؛ 3 / 266

بنو ذُبيان، 2 / 297

بنو سفيان بن عويف، 2 / 209

بنو العبّاس، 1 / 78، 403، 269، 576، 581، 587،

588؛ 2 / 506؛ 3 / 122، 134، 138، 206،

365، 574، 577؛ 4 / 64، 152، 192، 286،

365، 367، 387

بنو عبد الدار، 2 / 215

بنو عبد المطّلب، 1 / 563؛ 2 / 124، 604؛ 3 /

289

بنو عبد مناة بن كنانة، 2 / 209

بنو عجل، 3 / 132

بنو عدي، 4 / 126، 202

ص: 534

بنو قريش، 1 / 331

بنو قريظة، 3 / 515

بنو قصي، 3 / 96

بنو كنانة، 1 / 331؛ 2 / 209

بنو كنعان، 3 / 472

بنو مروان، 1 / 587؛ 2 / 164

بنو مرّة بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن،

3 / 10

بنو معدي كرب، 1 / 622

بنو المغيرة، 2 / 174

بنو النضر، 1 / 331، 560؛ 3 / 515؛ 4 / 60

بنو نوبخت، 3 / 72

بنو هاشم، 1 / 331، 539، 542، 543، 560، 563،

615؛ 2 / 124، 506، 582، 593، 594؛ 3 /

104، 105، 282، 287

تميم، 2 / 15

الثقيف، 3 / 409

جَذيمة، 1 / 626

الجمّالون، 1 / 620

الحمّالون، 1 / 620

الحواريّون، 2 / 351؛ 3 / 462، 463

الخزرج، 4 / 60، 4 / 118

الخوارج، 2 / 47، 224، 257، 263، 264 ؛ 3 / 58،

277؛ 4 / 216

الذريح، 3 / 422

الراسخون في العلم، 1 / 111

الشهداء، 1 / 126، 395، 488، 489؛ 2 / 157،

259، 384، 462، 512؛ 4 / 411، 412

شهداء اُحد، 1 / 489

طئ 3 / 520

العجم ، 1 / ، 542 ، 557 ، 583 ، 615؛ 2 / 292،

431، 491، 506، 507، 600، 601 ؛ 3 / 68،

216، 338، 450 ؛ 4 / 88، 194

عدنان، 2 / 600

العرب،1 / 82، 274، 291، 325، 326، 331، 336،

343، 377، 449، 476، 481، 542، 546، 557،

583، 615، 619، 624؛ 2 / 35، 56، 64، 70،

73، 116، 202، 212، 230، 232، 237، 294،

295، 312، 383، 431، 435، 466، 471، 506،

507، 600، 601؛ 3 / 20، 44، 65، 70، 80،

81، 82، 96، 97، 120، 140، 206، 215، 216،

263، 338، 401، 410، 450، 460، 461، 465،

472، 487، 498، 504، 516، 522، 523، 534 ؛

4 / 60، 68، 82، 88، 118، 120، 151، 176،

179، 196، 288، 322

علماء الأبار، 1 / 102

علماء الشيعة، 4 / 186

علماء العامة، 1 / 292، 558، 560؛ 2 / 165

العلويّون، 2 / 442

غطفان، 1 / 618؛ 2 / 295؛ 3 / 515

الغفار، 3 / 124

الفاطميّين، 3 / 438

الفلاسفة، 1 / 215، 361، 461؛ 2 / 62، 93، 107،

127، 130، 133، 326، 419، 420

الفهر، 1 / 540

القاسطين، 3 / 282، 3 / 584

قريش، 1 / 498، 539، 540، 546، 563، 583،

615؛ 2 / 124، 171، 172، 174، 175، 251،

215، 600؛ 3 / 70، 96، 105، 107، 120،

216، 269، 328، 410، 411، 415، 425، 430،

ص: 535

448، 449، 468، 515، 520؛ 4 / 11، 17، 18،

118، 121، 126، 127، 131، 134، 135، 159،

198، 326، 327، 339، 344، 351، 364

قوم شعيب، 1 / 347

قوم صالح، 1 / 347، 502

قوم عاد، 2 / 139

قوم لوط عليه السلام، 2 / 597؛ 4 / 140، 141، 142، 143

قوم نوح، 1 / 350، 502؛ 2 / 139، 236

قوم يونس، 2 / 119

كنانة، 2 / 600

الكوفيّون، 3 / 201

اللغويّين، 3 / 454

المارقين، 3 / 282، 3 / 584

المتكّلمين، 1 / 116، 361؛ 2 / 102، 127، 513؛

3 / 72؛ 4 / 42، 293

المحدِّثون، 1 / 412؛ 4 / 293

مزينة، 2 / 294؛ 4 / 117

مضر، 2 / 600

المعصومين، 1 / 101، 102، 60؛ 2 / 64، 520،

325، 589؛ 3 / 66، 69، 131، 328؛ 4 / 150

المفسِّرون أهل التفسير

الملائكة، 1 / 89، 124، 388، 388؛ 2 / 86، 89،

97، 101، 101، 104، 105، 109، 114، 115،

139، 147، 154، 158، 159، 167، 171، 182،

184، 185، 209، 233، 242، 250، 251، 293،

355، 373، 388، 389، 402، 405، 419، 419،

421، 423، 433، 468، 499، 505، 512؛ 3 /

89، 130، 150، 154، 172، 246، 252، 298،

334، 340، 347، 386، 418، 430، 477، 482،

484، 485، 486، 497، 498، 498، 499، 500،

512؛ 4 / 355، 382

المنجّمون، 3 / 63، 68، 71، 73، 76، 400؛ 4 /

222

المنجّمون، أهل النجوم

المؤرِّخين، 3 / 95، 4 / 96

الناكثين، 3 / 282، 3 / 584

النجديّون، 4 / 82

نساء أهل مكّة، 3 / 105

النصارى، 1 / 557؛ 2 / 127؛ 3 / 465، 469؛

4 / 67، 358

هوازن، 3 / 157، 409

ص: 536

فهرس الأشعار

بنونا بنو أبناءنا وبناتُنا*** بنوهنَّ أبناء الرجال الأباعدا

4/ 103

ومن يك ذا مخ مُرٍّ مريض*** يجد مرّا به الماء الزلالا

3/ 282

ألا زعمت بالغيب إلاّ أحبّها*** إذا أنا لم يكرم عليَّ كريمها

4/ 322

ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم*** بهنَّ فلول من قراع الكتائب

3/ 351؛ 4/ 180

وبعد أن تعويض ما عنها ارتكب*** كمثل أما أنت برّا فاقترب

3/ 482

يا ربّ إمّا خرجوا بطالب*** في مقنب من هذه المقانب

4/ 327

يا ربّ إمّا يعزّزن طالب*** في مقنب من هذه المقانب

4/ 327

الفَذّ والتَّوأم والرقيب والنافس والمُسبُل*** الحِلس والمُعلى والسَفيح والمنيج والوَغد

1/ 324

أنت الأمين محمّد*** قرم أغرّ مسود

4/ 359

ولو طار ذو حافرٍ قبلها*** لطارت ولكنّه لم يطِر

3/ 437

اصبر على السّير والادّلاج في السّحر*** وفي الرّواح على الحاجات والبُكَر

ص: 537

4/ 213

كنار الحرّتين لها زفير*** تصمّ مسامع الرجل السميع

4/ 195

غمر الرداء إذا تبسّم ضاحكا*** علقت لضحكته رقاب المال

2/ 279

إنّ الذي سمك السماء بنا*** لها بيتا دعائمه أعزّ وأطول

2/ 554

أنّ النبيّ محمّدا ووصيّه*** في كلّ سابقة هما إخوان

1/ 202

فللموت تغذو الوالدات سُخّالها*** كما لخراب الدهر تُبنى المساكن

1/ 98

وبعد ماض رفعك الجزاء حسن*** ورفعه بعد مضارع وهن

1/ 526

لن يسلّم ابن حرّة زميله*** حتّى يموت أو يرى سبيله

3/ 105

إن عادت العقرب عدنا لها*** وكانت النعل لها حاضرة

3/ 415

واخصص بفاء عطف ما ليس صلة*** على الذي استقرّ أنّه الصلة

2/ 564

وإنّ مضارع تلاها صُرِفا***إلى المضيّ نحو لو يفي كفى

3/ 227

قد عرف الحرب العوان عنّي*** بازل عامين حديث سنّي

2/ 214

ص: 538

(9)

فهرس أسماء الآيات والسور الواردة في المتن

آية التطهير، 3 / 579

آية الغار، 3 / 428

آية الكرسي، 3 / 36، 489، 556، 557

آية المباهلة، 3 / 579

آية النبوّة، 3 / 469

آية النور، 4 / 362

سورة آل عمران، 1 / 97، 107، 130، 306؛ 2 / 241،

249، 305، 461؛ 3 / 336، 474؛ 4 / 362، 363

سورة إبراهيم، 2 / 260 ؛ 4 / 67، 148

سورة الأحزاب، 1 / 389 ؛ 2 / 194؛ 4 / 51

سورة الأحقاف، 1 / 96؛ 2 / 113

سورة الإسراء، 3 / 547

سورة الأعراف، 1 / 390؛ 2 / 21، 237، 420، 472؛

4 / 354

سورة الأنبياء، 1 / 153، 496 ؛ 2 / 23 ؛ 3 / 252،

312، 372؛ 4 / 350

سورة الأنعام، 1 / 111، 97، 114، 314 ؛ 2 / 237؛

3 / 99، 116، 355، 533، 546؛ 4 / 309، 351

سورة الأنفال، 1 / 540، 562 ؛ 3 / 354، 381، 541

سورة براءة سورة التوبة

سورة البقرة، 1 / 84، 118؛ 2 / 62، 113، 237؛

3 / 476، 554، 558، 560؛ 4 / 74، 89

سورة بني إسرائيل، 3 / 383

سورة التوبة، 2 / 190، 516، 531، 598؛ 3 / 313،

429، 543؛ 4 / 207، 332، 335، 338

سورة الحجّ، 2 / 406، 467 ؛ 4 / 180

سورة الحجر، 1 / 391، 394 ؛ 2 / 114 ؛ 3 / 155

سورة الحديد، 3 / 453 ؛ 4 / 23

سورة الحشر، 1 / 563

سورة الدخان، 1 / 392

سورة الدهر، 2 / 154

سورة الذاريات، 2 / 113، 176

سورة الرعد، 2 / 153؛ 3 / 394

سورة الروم، 1 / 544؛ 3 / 358، 530

سورة الزخرف، 1 / 537

سورة الزمر، 1 / 392، 393؛ 2 / 149؛ 3 / 201

سورة سبأ، 4 / 346

سورة السجدة، 2 / 406

سورة الشعراء، 2 / 236، 237

سورة الشورى، 3 / 545؛ 4 / 343، 347، 348

سورة ص، 1 / 142؛ 3 / 544؛ 4 / 347

سورة الصافّات، 3 / 359؛ 4 / 309

ص: 539

سورة الطلاق، 2 / 451، 2 / 587

سورة طه، 2 / 516

سورة العنكبوت، 2 / 239 ؛ 3 / 358

سورة فاطر، 1 / 185 ؛ 2 / 150؛ 3 / 172، 358

سورة الفتح، 2 / 531 ؛ 3 / 429؛ 4 / 131

سورة فرقان، 2 / 417

سورة فصّلت، 3 / 545؛ 4 / 165، 364

سورة ق، 1 / 354

سورة القتال سورة محمد

سورة القصص، 1 / 99 ؛ 4 / 345

سورة القمر، 2 / 112، 186؛ 3 / 527

سورة المائدة، 1 / 313 ؛ 3 / 92، 114، 115؛ 4 / 181

سورة المعارج، 2 / 405؛ 3 / 546

سورة محمد، 3 / 367

سورة المؤمن، 1 / 388 ؛ 3 / 358

سورة المؤمنون، 2 / 239، 301 ؛ 3 / 229

سورة النجم، 2 / 569، 2 / 597

سورة النحل، 1 / 494 ؛ 3 / 358، 548

سورة النساء، 1 / 125، 134، 137، 305، 394 ؛

2 / 235، 244؛ 3 / 5، 553 ؛ 4 / 135، 148

سورة النمل، 3 / 358

سورة النور، 2 / 454 ؛ 3 / 193، 298

سورة الواقعة، 3 / 417

سورة هود، 1 / 188، 308 ؛ 2 / 138، 238، 414 ؛

3 / 524، 531، 535 ؛ 4 / 75، 144، 338، 340،

361

سورة يوسف، 2 / 162 ؛ 3 / 358

سورة يونس، 2 / 97 ؛ 3 / 130، 373 ؛ 4 / 288،

291، 353

ص: 540

فهرس المنابع والمآخذ

1 . الاحتجاج ؛ أبو منصور أحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسي «ت 548 ه» . تحقيق و نشر : دار النعمان _النجف الأشرف 1386 ه .

2 . أحكام القرآن ؛ ابن العربي (ت 543 ه) . تحقيق : محمّد عبدالقادر عطا ، دارالفكر _ بيروت .

3 . أحكام القرآن ؛ محمّد بن إدريس الشافعي (ت 204 ه) . تحقيق : عبدالغني عبدالخالق ، دارالكتب العلميّة _ بيروت 1400 ه .

4 . الأخبار الطوال ؛ أبوحنيفة أحمد بن داود الدينوري (ت 282 ه) . تحقيق : عبد المنعم عامر ، دار إحياء الكتب العربي ، الطبعة الاُولى 1960 ه .

5 . الإختصاص ؛ أو عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان المعروف بالشيخ المفيد رحمه الله(ت 413 ه) . تحقيق : عليّ أكبر الغفاري ، دارالمفيد _ بيروت ، الطبعة الثانية 1414 ه .

6 . الإرشاد ؛ أبو عبداللّه محمّد بن محمّد النعمان المعروف بالشيخ المفيد (ت 413 ه) . تحقيق: مؤسّسة آل البيت عليهم السلام_ قم ، الطبعة الثانية 1414 ه .

7 . إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان ؛ ابو منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر المعروف بالعلاّمة الحلّي (ت 726 ه) . تحقيق و نشر : مؤسّسة النشر الإسلامي _ قم ، الطبعة الاُولى 1410 ه .

8 . اسباب نزول الآيات ؛ أبو الحسن عليّ بن أحمد الواحدي النيسابوري (ت 468 ه) . تحقيق ونشر : مؤسّسة الحلبي _ القاهره 1388 ه .

9 . الاستذكار ؛ أبو عمر يوسف بن عبداللّه بن عبدالبرّ النمري (ت 463 ه) . تحقيق : سالم محمّد عطا ،دارالكتب العلميّة _ بيروت ، الطبعة الاُولى 2000 م .

10 . الاستيعاب ؛ أبو عمر يوسف بن عبداللّه بن عبدالبرّ النمري (ت 463 ه) . تحقيق : عليّ محمّد البجاوي ، دار الجيل _ بيروت ، الطبعة الاُولى 1412 ه .

11 . اُسد الغابة في معرفة الصحابة ؛ أبو الحسن عليّ بن أبي الكرم الشيباني المعروف بابن الأثير (ت 630 ه) .تحقيق و نشر : دارالكتاب العربي _ بيروت .

ص: 541

12 . الإصابة في تمييز الصحابة ؛ أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني (ت 852 ه) . تحقيق و نشر : دارالكتب العلميّة _ بيروت ، الطبعة الاُولى 1415 ه .

13 . الإعتقادات في دين الإماميّة ؛ أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه المعروف بالشيخ الصدوق رحمه الله (ت 381 ه) . تحقيق : عصام عبدالسيّد ، دارالمفيد _ بيروت ، الطبعة الثانية 1414 ه .

14 . أعلام الدين في صفات المؤمنين ؛ الشيخ الحسن بن أبي الحسن الديلمي (ت 711ه) . تحقيق و نشر : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام _ قم .

15 . أعيان الشيعة ؛ السيّد محسن الأمين (ت 1371 ه) . تحقيق : حسن الأمين ، دارالتعارف _ بيروت .

16 . إقبال الأعمال ؛ السيّد عليّ بن موسى بن جعفر بن طاووس الحلّي (ت 664 ه) . تحقيق : جواد القيّومي الإصفهاني ، مكتب الإعلام الإسلامي ، الطبعة الاُولى 1414 ه .

17 . الإقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد ؛ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه) . منشورات مكتبة جامع چهلستون _ طهران 1400 ه .

18 . الإقناع في حلّ ألفاظ أبي شجاع ؛ محمّد بن أحمد الشربيني (ت 977 ه) . تحقيق و نشر : دارالمعرفة _ بيروت .

19 . إكمال الكمال ؛ الأمير الحافظ ابن ماكولا (ت 475 ه) . تحقيق و نشر : دار إحياء التراث العربي _ بيروت .

20 . الأمالي ؛ أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه المعروف بالشيخ الصدوق رحمه الله (ت 381 ه) . تحقيق و نشر : مؤسّسة البعثة _ قم ، الطبعة الاُولى 1417 ه .

21 . الأمالي ؛ ابوجعفر محمّد بن الحسن الطوسي رحمه الله (ت 460 ه) . تحقيق و نشر : مؤسّسة البعثة ، الطبعة الاُولى 1414 ه .

22 . الإمامة والسياسة ؛ أبو محمّد عبداللّه بن مسلم ابن قتيبة الدينوري (ت 276 ه) . تحقيق : طه محمّد الزيني ،مؤسّسة الحلبي .

23 . الأمان من أخطار الأسفار و الأزمان ؛ السيّد عليّ بن موسى بن طاووس الحلّي (ت 664 ه) . تحقيق و نشر :مؤسّسة النشر الإسلامي _ قم ، الطبعة الاُولي 1409 ه .

24 . إمتاع الأسماع ؛ أحمد بن عليّ بن عبد القادر المقريزي (ت 845 ه) . تحقيق : محمّد عبدالحميد النميسي ،منشورات محمّد على بيضون _ بيروت ، الطبعة الاُولى 1420 ه .

25 . الإنتصار ؛ الشريف المرتضى عليّ بن الحسين الموسوي البغدادي المعروف بعلم الهدى (ت 436 ه) .تحقيق : مؤسّسة النشر الإسلامي _ قم 1415 ه .

26 . الأنساب ؛ أبو سعد عبدالكريم السمعاني (ت 562 ه) . تحقيق : عبداللّه عمر البارودي ، دارالجنان _ بيروت ، الطبعة الاُولى 1408 ه .

27 . أوائل المقالات ؛ الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان المعروف بالشيخ المفيد (ت 413ه)، تحقيق: الشيخ إبراهيم الأنصاري ، دارالمفيد _ بيروت ، الطبعة الثانية 1414 ه .

ص: 542

28 . إيضاع الاشتباه ؛ أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي المعروف بالعلاّمة الحلّي (ت 726 ه) . تحقيق : الشيخ محمّد الحسون ، مؤسّسة النشر الإسلامي _ قم ، الطبعة الاُولى 1411 ه .

29 . بحار الأنوار ؛ العلاّمة الشيخ محمّد باقر المجلسي رحمه الله (ت 1111 ه) . تحقيق و نشر : مؤسّسة الوفاء _ بيروت ، الطبعة الثانية 1403 ه .

30 . البحر الرائق شرح كنز الدقائق ؛ الشيخ زين الدين بن إبراهيم المعروف بابن نجيم المصري (ت 970 ه) . تحقيق : الشيخ زكريّا عميرات ، دارالكتب العلميّة _ بيروت ، الطبعة الاُولى 1418ه .

31 . البحر المحيط ؛ أبو عبداللّه محمّد بن يوسف الأندلسي (ت 745 ه) . تحقيق و نشر : دارالكتب العلميّة _ بيروت ، الطبعة الأولى 1422 ه .

32 . البداية والنهاية ؛ أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي (ت 774 ه) . تحقيق : عليّ شيري ، دار إحياء التراث العربي _ بيروت ، الطبعة الاُولى 1408 ه .

33 . البرهان في علوم القرآن ؛ محمّد بن عبداللّه الزركشي (ت 794 ه) . تحقيق : محمّد ابوالفضل إبراهيم ، دارإحياء الكتب العربيّة ، الطبعة الاُولى 1376 ه .

34 . بشارة المصطفي لشيعة المرتضى ؛ أبو جعفر محمّد بن أبي القاسم الطبري (ت 525 ه) . تحقيق : جواد القيّومي الإصفهاني ، مؤسّسة النشر الإسلامي _ قم ، الطبعة الاُولى 1420 ه .

35 . بصائر الدرجات ؛ أبوجعفر محمّد بن الحسن بن فروخ الصفّار (ت 290 ه) . تصحيح : الحاج ميرزا حسن كوچه باغي ، منشورات الأعلمي _ طهران 1404 ه .

36 . البلد الأمين ؛ الشيخ إبراهيم بن عليّ العاملي الكفعمي (ت 840 ه) . الطبعة الحجريّة .

37 . تأريخ الاُمم و الملوك ؛ أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري (ت 310 ه) . تحقيق و نشر: مؤسّسة الأعلمي _ بيروت ، الطبعة الرابعة 1403 ه .

38 . تاريخ بغداد (مدينة السلام) ؛ أبو بكر أحمد بن عليّ الخطيب البغدادي (ت 463 ه) . تحقيق : مصطفى عبدالقادر عطا، دارالكتب العلميّة _ بيروت ، الطبعة الاُولى 1417 ه .

39 . تاريخ مدينة دمشق ؛ أبو القاسم عليّ بن الحسن بن هبة اللّه المعروف بابن عساكر (ت 571 ه) . تحقيق : عليّ شيري ، دارالفكر _ بيروت 1415 ه .

40 . تاريخ اليعقوبي ؛ أحمد بن أبي يعقوب العبّاسي المعروف باليعقوبي (ت 284 ه) . تحقيق و نشر : دار صادر _ بيروت .

41 . تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة ؛ السيّد شرف الدين عليّ الحسين النجفي (ت 965 ه) . تحقيق و نشر : مدرسة الإمام المهدي عليه السلام ، الطبعة الاُولى 1407 ه .

42 . تأويل مختلف الحديث ؛ أبو محمّد عبداللّه بن مسلم بن قتيبة (ت 276 ه) . تحقيق و نشر : دار الكتب العلميّة _ بيروت .

43 . التبيان في تفسير القرآن ؛ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي رحمه الله (ت 460 ه) . تحقيق : أحمد حبيب قصير

ص: 543

العاملي ، مكتب الإعلام الإسلامي ، الطبعة الاُولى 1409 ه .

44 . تبصير المنتبه ؛ ابن حجر العسقلاني ، تحقيق : البجاوي ، الدار المصريّة _ مصر 1386 ه .

45 . التجلّي الأعظم في الصلاة على آل النبيّ الأكرم ؛ السيّد فاخر الموسوي (المعاصر) ، نشر المؤلّف ، الطبعة الاُولى 1421 ه .

46 . تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة ؛ أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر المعروف بالعلاّمة الحلّي (ت 726 ه) . تحقيق : الشيخ إبراهيم البهادري ، مؤسّسة الإمام الصادق عليه السلام _ قم ، الطبعة الاُولى 1420 ه .

47 . تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه و آله ؛ أبو محمّد الحسن بن عليّ بن الحسين بن شعبة الحرّاني رحمه الله (ت 381ه) . تحقيق : علي أكبر الغفّاري ، مؤسّسة النشر الإسلامي _ قم ، الطبعة الثانية 1404 ه .

48 . تحفة الأحوذين بشرح جامع الترمذي ؛ أبو العلاء محمّد عبدالرحمن المباركفوري (ت 1282 ه) . تحقيق و نشر : دارالكتب العلميّة _ بيروت ، الطبعة الاُولى 1410 ه .

49 . تخريج الأحاديث والآثار ؛ الزيعلي (ت 762 ه) . تحقيق : عبداللّه بن عبدالرحمن السعد، دار ابن خزيمة _ الرياض ، الطبعة الاُولى 1414 ه .

50 . تذكرة الفقهاء ؛ أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر المعروف بالعلاّمة الحلّي (ت 726 ه) . تحقيق و نشر : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام _ قم ، الطبعة الاُولى 1414 ه .

51 . تفسير ابن كثير (تفسير القرآن العظيم) ؛ أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي (ت 774 ه) . تحقيق و نشر : دارالمعرفة _ بيروت 1412 ه .

52 . تفسير أبي السعود ؛ أبو السعود محمّد بن حمد العمادي (ت 951 ه) . تحقيق و نشر : دارإحياء التراث العربي _ بيروت .

53 . تفسير الآلوسي ؛ الآلوسي (ت 1270 ه)، طبعة بيروت .

54 . تفسير البغوي ؛ البغوي (ت 510 ه) . تحقيق : خالد عبدالرحمن العك ، دارالمعرفة _ بيروت .

55 . تفسير البيضاوي ؛ القاضي البيضاوي (ت 682 ه) . تحقيق و نشر : دارالفكر _ بيروت .

56 . تفسير الثعلبي ؛ الثعلبي (ت 427 ه) . تحقيق : أبو محمّد بن عاشور ، دارإحياء التراث العربي _ بيروت ،الطبعة الاُولى 1422 ه .

57 . تفسير جوامع الجامع ؛ أبو عليّ الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548 ه) . تحقيق و نشر : مؤسّسة النشرالإسلامي _ قم ، الطبعة الاُولى 1418 ه .

58 . تفسير الرازي ؛ الفخر الرازي (ت 606 ه) . الطبعة الثالثة .

59 . تفسير السمرقندي ؛ أبو الليث السمرقندي (ت 383 ه) . تحقيق : محمود مطرجي ، دارالفكر _ بيروت .

60 . تفسير السمعاني ؛ أبو المظفّر منصور بن محمّد السمعاني (ت 489 ه) . تحقيق : ياسر بن إبراهيم ، دارالوطن _ الرياض ، الطبعة الاُولى 418 ه .

61 . تفسير العيّاشي ؛ محمّد بن مسعود السمرقندي المعروف بالعيّاشي (ت 320 ه) . تحقيق : الحاج سيّد هاشم

ص: 544

الرسولي المحلاّتي ، المكتبة العلميّة الإسلامي _ طهران .

62 . تفسير الفرات الكوفي ؛ فرات بن إبراهيم الكوفي (ت 352 ه) . تحقيق : محمّد الكاظم ، مؤسّسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي _ طهران ، الطبعة الاُولى 1410ه .

63 . تفسير القرطبي ؛ أبو عبداللّه محمّد بن أحمد الأنصاري القرطبي (ت 671 ه) . تحقيق : أحمد عبدالعليم البردوني ، دار إحياء التراث العربي _ بيروت .

64 . تفسير القمّي ؛ أبو الحسن عليّ بن إبراهيم القمّي (ت 329 ه) . تصحيح ؛ السيّد طيّب الموسوي الجزائري ، مؤسّسة دارالكتاب - قم ، الطبعة الثالثة 1404 ه .

65 . التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام ؛ تحقيق و نشر ؛ مدرسة الإمام المهدي عليه السلام _ قم ، ا لطبعة الاُولى 1409 ه .

66 . تفسير الواحدي ؛ أبو الحسن الواحدي (ت 468 ه) . تحقيق : صفوان عدنان داوودي ، دارالقلم _ بيروت ، الطبعة الاُولى 1415 ه .

67 . التمهيد ؛ أبو عمر يوسف بن عبداللّه بن البرّ النمري (ت 463 ه) . تحقيق : مصطفي بن أحمد العلوي ، وزارة عموم الأوقاف والشئون الإسلاميّة - المغرب 1387 ه .

68 . تمهيد الأوائل و تلخيص الدلائل ؛ أبوبكر محمّد بن الطيّب الباقلاني (ت 403 ه) . تحقيق : عماد الدين أحمد حيدر ، مؤسّسة الكتب الثقافيّة _ بيروت ، الطبعة الثالثة 1414 ه .

69 . التوحيد ؛ أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه المعروف بالشيخ الصدوق رحمه الله (ت 381 ه) . تحقيق : السيّد هاشم الحسيني ، مؤسّسة النشر الإسلامي _ قم .

70 . تهذيب الأحكام ؛ أبو جعفر محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي رحمه الله(ت 460 ه) . تحقيق : السيّد حسن الموسوي الخرسان ، دارالكتب الإسلاميّة _ طهران ، الطبعة الثالثة 1364 ش .

71 . تهذيب الكمال ؛ أبو الحجّاج يوسف المزي (ت 742 ه) . تحقيق : بشّار عواد معروف ، مؤسّسة الرسالة _ بيروت ، الطبعة الرابعة 1406 ه .

72 . الثقات ؛ محمّد بن حبان التميمي (ت 354 ه) . تحقيق و نشر : مؤسّسة الكتب الثقافيّة ، الطبعة الاُولى 1393 ه .

73 . ثواب الأعمال و عقاب الأعمال ؛ أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه المعروف بالشيخ الصدوق رحمه الله(ت 381 ه) . تحقيق و نشر : منشورات الشريف الرضي _ قم ، الطبعة الثانية 1368 ش .

74 . جامع البيان عن تأويل أي القرآن ؛ أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري (ت 310 ه) . تحقيق و نشر : دارالفكر _ بيروت 1415 ه .

75 . جامع بيان العلم و فضله ؛ أبو عمر يوسف بن عبداللّه بن محمّد بن عبد البرّ (ت 463 ه) . تحقيق ونشر : دارالكتب العلميّة _ بيروت 1398 ه) .

ص: 545

76 . الجامع الصغير ؛ عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911 ه) . تحقيق و نشر : دارالفكر _ بيروت ، الطبعة الاُولى 1401 ه .

77 . جامع المقاصد في شرح القواعد ؛ الشيخ عليّ بن الحسين الكركي (ت 940 ه) . تحقيق و نشر : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام _ قم ، الطبعة الاُولى 1408 ه .

78 . الجرح والتعديل ؛ أبو محمّد عبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي (ت 327 ه) . تحقيق و نشر : دار إحياء التراث العربي _ بيروت ، الطبعة الاُولى 1371 ه .

79 . الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة ؛ الشيخ يوسف البحراني (ت 1186 ه) . تحقيق و نشر : مؤسّسة النشر الإسلامي _ قم .

80 . الحديقة الهلاهيّة شرح دعاء الهلال ؛ الشيخ محمّد بن الحسين العاملي المعروف بالشيخ البهائي (ت 1031ه) . تحقيق : السيّد عليّ الموسوي الخراساني ، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام _ قم ، الطبعة الاُولى 1410 ه .

81 . الخرائج والجرائح ؛ قطب الدين الراوندي (ت 537 ه) . تحقيق و نشر : مؤسّسة الإمام المهدي عليه السلام _ قم ، الطبعة الاُولى 1409 ه .

82 . خزانة الأدب ؛ عبدالقادر بن عمر البغدادي (ت 1093 ه) . تحقيق : محمّد نبيل الطريفي ، دارالكتب العلميّة _ بيروت ، الطبعة الاُولى 1998 م .

83 . خصائص الأئمّة ؛ أبو الحسن محمّد بن الحسين بن موسى الموسوي المعروف بالشريف الرضي (ت 406 ه) . تحقيق : محمّد هادي الأميني ، مجمع البحوث الإسلاميّة - مشهد 1406ه .

84 . الخصال ؛ أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه المعروف بالشيخ الصدوق رحمه الله(ت 381 ه) .تحقيق : علي أكبر الغفاري ، مؤسّسة النشر الإسلامي - قم 1403 ه .

85 . خلاصة الأقوال في معرفة الرجال ؛ أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي المعروف بالعلاّمة الحلّي (ت 726 ه) . تحقيق : الشيخ جواد القيّومي ، مؤسّسة النشر الإسلامي - قم ، الطبعة الاُولى 1417 ه .

86 . الخلاف ؛ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه) . تحقيق : مؤسّسة النشر الإسلامي - قم 1407 ه .

87 . الدرّ المنثور ؛ جلال الدين عبدالرحمن السيوطي (ت 911 ه) . تحقيق و نشر : دارالمعرفة _ بيروت .

88 . الدرّ النظيم ؛ يوسف بن حاتم الشامي المشغري (ت 664 ه) . تحقيق و نشر : مؤسّسة النشر الإسلامي - قم .

89 . الدروس الشرعيّة في فقه الإماميّة ؛ شمس الدين محمّد بن مكّى عاملي (ت 786 ه) . تحقيق و نشر : مؤسّسة النشر الإسلامي - قم .

90 . الدروع الوقية ؛ السيّد عليّ بن موسى بن طاووس (ت 664 ه) . تحقيق و نشر : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام _ قم ، الطبعة الاُولى 1414 ه .

91 . الدعوات (سلوة الحزين) ؛ ابوالحسين سعيد بن هبة اللّه الراوندي (ت 573 ه) . تحقيق : مدرسة الإمام المهدى عليه السلام ، الطبعة الاُولى 1407 ه .

ص: 546

92 . الذريعة إلى تصانيف الشيعة ؛ العلاّمة الشيخ آقا بزرگ الطهراني (ت 1389 ه) . تحقيق و نشر : دارالأضواء _ بيروت ، الطبعة الثالثة 1403 ه .

93 . رجال ابن داوود ؛ الحسن بن عليّ بن داوود الحلّي (ت 740 ه) . تحقيق : السيّد محمّد صادق آل بحر العلوم ، منشورات مطبعة الحيدريّة _ النجف الأشرف 1392 ه .

94 . رجال البرقي ؛ أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (ت 274) . تحقيق و نشر : انتشارات جامعة طهران 1383 ش .

95 . رجال الطوسي ؛ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه) . تحقيق : الشيخ جواد القيّومي ، مؤسّسة النشر الإسلامي _ قم ، الطبعة الاُولى 1415 ه .

96 . رجال الكشّي (اختيار معرفة الرجال) ؛ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه) . تصحيح : ميرداماد الإسترآبادي ، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام _ قم 1404 ه .

97 . رجال النجاشي ؛ أبو العبّاس أحمد بن عليّ النجاشي (ت 450 ه) . تحقيق و نشر : مؤسّسة النشر الإسلامي - قم ، الطبعة الخامسة 1416 ه .

98 . رسائل الشهيد الثاني ؛ زين الدين عليّ الجبعي العاملي (ت 966 ه) . الطبعة الحجريّة ، مكتبة بصيرتي _ قم .

99 . رسائل المرتضى ؛ الشريف المرتضى عليّ بن الحسين الموسوي البغدادي المعروف بعلم الهدى (ت 436 ه) . الإعداد و التحقيق : السيّد مهدي الرجائي ، مطبعة سيّد الشهداء عليه السلام _ قم 1405 ه .

100 . روضة الواعظين ؛ الشيخ الشهيد محمّد بن الفتّال النيسابوري (ت 508) . منشورات الشريف الرضي - قم .

101 . رياض الصالحين ؛ أبو زكريّا يحيى بن شرف النووي المشقي (ت 676 ه) . تحقيق و نشر : دارالفكر المعاصر _ بيروت ، الطبعة الثانية 1411 ه .

102 . رياض المسائل ؛ السيّد عليّ الطباطبائي (ت 1231 ه) . تحقيق و نشر : مؤسّسة النشر الإسلامي - قم ،الطبعة الاُولى 1412 ه .

103 . زاد المسير ؛ عبدالرحمن عليّ الجوزي (ت 597 ه) . تحقيق : محمّد عبداللّه ، دارالفكر - بيروت ، الطبعةالاُولى 1407 ه .

104 . سبل الهدى والرشاد ؛ محمّد بن يوسف الصالحي الشامي (ت 942 ه) . تحقيق : الشيخ عادل أحمد ،دارالكتب العلميّة - بيروت ، الطبعة الاُولى 1414 ه .

105 . السرائر ؛ محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي (ت 598 ه) . تحقيق و نشر : مؤسّسة النشرالإسلامي - قم ، الطبعة الثانية 1410 ه .

106 . سعد السعود ؛ السيد عليّ بن موسى بن طاووس الحلّي (ت 664 ه) . تحقيق و نشر : منشورات الشريف الرضي _ قم 1363 ه .

107 . سنن أبي داوود ؛ أبو داوود سليمان بن الأشعث السجستاني (ت 275 ه) . تحقيق : سعيد محمّد اللّحام ،دارالفكر - بيروت ، الطبعة الاُولى 1410 ه .

ص: 547

108 . سنن الترمذي (الجامع الصحيح) ؛ أبو عيسى محمّد بن عيسى الترمذي (ت 279 ه) . تحقيق : عبدالرحمن محمّد عثمان ، دارالفكر - بيروت ، الطبعة الثانية 1403 ه .

109 . سنن الدارمي ؛ أبو محمّد عبداللّه بن الرحمن الدارمي (ت 255 ه) . مطبعة الاعتدال - دمشق 1449 ه .

110 . السنن الكبرى ؛ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت 458 ه) . تحقيق و نشر : دارالفكر - بيروت .

111 . سير أعلام النبلاء ؛ محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748 ه) . تحقيق: حسين الأسد ، مؤسّسة الرسالة - بيروت ، الطبعة التاسعة 1413 ه .

112 . السيرة النبويّة ؛ ابن هشام الحميدي (ت 218 ه) . تحقيق : محمّد محيي الدين عبدالحميد ؛ مكتبة محمّدعلي صبيح - مصر 1383 ه .

113 . شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام ؛ أبو القاسم جعفر بن الحسن المعروف بالمحقّق الحلّي (ت 676ه) . تحقيق : السيّد صادق الشيرازي ، منشورات استقلال - طهران ، الطبعة الثانية 1409 ه .

114 . الشرح الكبير ؛ أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر المقدسي (ت 682 ه) . دارالكتاب العربي - بيروت .

115 . شرح الكافية ؛ رضي الدين الإسترآبادي (ت 686 ه) . تحقيق : يوسف حسن عمر ، مؤسّسة الصادق -تهران 1395 ه .

116 . شرح اصول الكافي ؛ المولى محمّد صالح المازندراني (ت 1081 ه) . تحقيق و نشر : دار إحياء التراث العربي - بيروت ، الطبعة الاُولى 1421 ه .

117 . شرح صحيح مسلم ؛ النووي (ت 676 ه) . تحقيق و نشر : دارالكتاب العربي - بيروت 1407 ه .

118 . شرح نهج البلاغة ؛ ابن أبي الحديد المعتزلي (ت 656 ه) . تحقيق : محمّد ابوالفضل إبراهيم، مؤسّسة اسماعيليان .

119 . شرح نهج البلاغة ؛ ميثم بن عليّ بن ميثم البحراني (القرن السابع) . تحقيق و نشر : دفتر نشر الكتاب ،الطبعة الثانية 1404 ه .

120 . الشفاء ؛ شيخ الرئيس ابن سينا (ت 428 ه) . تحقيق و نشر : مكتبة آية اللّه المرعشي رحمه الله - قم .

121 . شواهد ا لتنزيل لقواعد التفضيل ؛ عبيداللّه بن أحمد المعروف بالحاكم الحسكاني (القرن الخامس) .تحقيق : الشيخ محمّد باقر المحمودي ، مؤسّسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الإرشاد الإسلامي ، الطبعة الاُولى1411 ه .

122 . الصافي ؛ المولى محسن الفيض الكاشاني (ت 1091 ه) . تحقيق و نشر : مؤسّسة الهادي - قم ، الطبعة الثانية 1416 ه .

123 . الصحاح (تاج اللغة و صحاح العربيّة) ؛ إسماعيل بن حمّاد الجوهري (ت 393 ه) . تحقيق : أحمد عبدالغفور العطّار ، مؤسّسة دارالعلم للملايين - بيروت ، الطبعة الرابعة 1407 ه .

124 . صحيح ابن حبان ؛ محمّد بن حبان التميمي (ت 354 ه) . تحقيق : شعيب الاُرنؤوط ، مؤسّسة الرسالة الطبعة الثانية 1414 ه .

ص: 548

125 . صحيح البخاري ؛ أبو عبداللّه محمّد بن إسماعيل البخاري الجعفي (ت 256 ه) .تحقيق و نشر : دارالفكر - بيروت 1401 ه .

126 . صحيح مسلم (الجامع الصحيح) ؛ أبو الحسين مسلم بن الحجّاج النيسابوري (ت 261 ه) . تحقيق و نشر :دارالكفر _ بيروت .

127 . الصحيفة السجّاديّة ؛ تحقيق : السيّد محمّد باقر الموحّد الأبطحي ، مؤسّسة الإمام المهدي عليه السلام _ قم ، الطبعة الاُولى 1411 ه .

128 . الصراط المستقيم إلى مستحقِّي التقديم ؛ أبو محمّد عليّ بن يونس العاملي (ت 877 ه) . تحقيق : محمّد باقرالبهبودي ، المكتبة المرتضويّة ، الطبعة الاُولى 1384 ه .

129 . طبّ الأئمّة ؛ أبو عتاب عبداللّه بن سابور الزيّات (ت 401 ه) . تحقيق و نشر : انتشارات الشريف الرضي _ قم ، الطبعة الثانية 1411 ه .

130 . الطبقات الكبرى ؛ محمّد بن سعد (ت 230 ه) . تحقيق و نشر : دار صادر _ بيروت .

131 . الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف ؛ السيّد عليّ بن موسى بن طاووس الحلّي (ت 664 ه) . تحقيق و نشر :مطبعة الخيّام _ قم ، الطبعة الاُولى 1399 ه .

132 . عدّة الداعي و نجاح الساعي ؛ أحمد بن فهد الحلّي (ت 841 ه) . تحقيق : أحمد الموحّدي القمّي ، مكتبة وجداني _ قم .

133 . العقد النضيد و الدرّ الفريد ؛ محمّد بن حسن القمّي (القرن الثامن) . تحقيق : على أوسط الناطقي ، دار الحديث _ قم: الطبعة الاُولى 1423 ه .

134 . علل الشرائع ؛ أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه المعروف بالشيخ الصدوق رحمه الله(ت 381 ه) .منشورات المكتبة الحيدريّة _ النجف الأشرف 1385 ه .

135 . العمدة (عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار) ؛ يحيى بن الحسن الأسدي الحلّي (ت 600 ه) .تحقيق ونشر : مؤسّسة النشر الإسلامي - قم 1407 ه .

136 . عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب ؛ أحمد بن عليّ الحسيني المعروف بابن عنبة (ت 828 ه) . تحقيق :محمّد بن آل الطالقاني ، منشورات المطبعة الحيدريّة _ النجف الأشرف ، الطبعة الثانية 1380 ه .

137 . عمدة القاري ؛ أبو محمّد محمود بن أحمد العيني (ت 855 ه) . تحقيق و نشر : دارإحياء التراث العربي _ بيروت .

138 . عوإلى اللآلي ؛ الشيخ محمّد بن عليّ بن إبراهيم الأحسائي المعروف بابن أبي جمهور (ت 880 ه) .تحقيق : آقا مجتبي العراقي ، مطبعة سيّد الشهداء عليه السلام _ قم ، الطبعة الاُولى 1403 ه .

139 . عيون أخبار الرضا عليه السلام؛ أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه المعروف بالشيخ الصدوق رحمه الله (ت481 ه) . تصحيح : الشيخ حسين الأعلمي ، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات _ بيروت 1404 ه .

140 . عيون الحكم والمواعظ ؛ الشيخ أبو الحسن عليّ بن محمّد الليثي الواسطي (القرن السادس) . تحقيق :الشيخ حسين الحسني البيرجندي ، طبعة دار الحديث _ قم، الطبعة الاُولى، 1376ش .

ص: 549

141 . عيون المعجزات ؛ الشيخ حسين بن عبدالوهّاب (القرن الخامس) . تحقيق : محمّد كاظم الشيخ الصادقالكليني ، مطبعة الحيدرية 1369 ه .

142 . غاية المرام و حجة الخصام في تعيين الإمام ؛ السيّد هاشم البحراني الموسوي (ت 1107 ه) . تحقيق : السيّد على عاشور .

143 . غرر الحكم و درر الكلم ؛ عبدالواحد بن محمّد التميمي الآمدي (ت 550 ه) . تحقيق و نشر : دفتر تبليغات الإسلامي - قم 1366 ش .

144 . الفائق في غريب الحديث ؛ العلاّمة محمود بن عمر الزمخشري (ت 583 ه) . تحقيق و نشر : دارالكتب العلميّة _ بيروت ، الطبعة الاُولى 1417 ه .

145 . فتح الأبواب ؛ السيّد عليّ بن موسى بن طاووس الحلّي (ت 664 ه) . تحقيق : حامد الخفاف ، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام _ قم ، الطبعة الاُولى 1409 ه .

146 . فتح الباري شرح صحيح البخاري ؛ شهاب الدين ابن حجر العسقلاني (ت 852 ه) . تحقيق و نشر :دارالمعرفة _ بيروت ، الطبعة الثانية .

147 . الفتح السماوي ؛ محمّد عبدالرؤوف المناوي (ت 1031 ه) . تحقيق : أحمد مجتبي ، دارالعاصمة _ الرياض .

148 . فتح القدير ؛ محمّد بن عليّ الشوكاني (ت 1250 ه) . تحقيق و نشر : عالم الكتب .

149 . الفرج بعدالشدّة ؛ أبو علي الحسن بن أبي القاسم التنوخي (ت 384 ه) . تحقيق و نشر : منشورات الشريف الرضي _ قم ، الطبعة الثانية 1364 ش .

150 . فرج المهموم ؛ السيّد عليّ بن موسى بن طاووس الحلّي (ت 664 ه) . تحقيق و نشر : منشورات الشريف الرضي _ 1363 ش .

151 . فردوس الأخبار ؛ ابن شيرويه الديلمي (ت 509 ه) . تحقيق و نشر : دارالكتاب العربي _ بيروت .

152 . الفروق اللغويّة ؛ أبو هلال العسكري (ت 395 ه) . تحقيق و نشر : مؤسّسة النشر الإسلامي _ قم ، الطبعة الاُولى 1412 ه .

153 . الفصول المختارة ؛ أبو عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان المعروف بالشيخ المفيد رحمه الله (ت 413 ه) .دارالمفيد - بيروت ، الطبعة الثانية 1414 ه .

154 . الفصول المهمّة في اُصول الأئمّة ؛ الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (ت 1104 ه) . تحقيق : محمّد بن محمّد الحسين القائيني ، مؤسّسة معارف إسلامي إمام رضا عليه السلام ، الطبعة الاُولى 1418 ه .

155 . فقه الرضا عليه السلام ؛ المنسوب للإمام الرضا عليه السلام . تحقيق : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام _ قم ، الطبعة الاُولى 1406 ه .

156 . فلاح السائل ؛ أبو القاسم عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن طاووس (ت 664 ه) . تحقيق و نشر : دفترتبليغات الإسلامي _ قم .

157 . الفوائد الرجاليّة ؛ العلاّمة الوحيد البهبهاني (ت 1205 ه) . تحقيق : حفيد المصنّف .

ص: 550

158 . الفهرست ؛ ابن النديم البغدادي (ت 438 ه) . تحقيق : رضا تجدّد .

159 . الفهرست ؛ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه) . تحقيق : الشيخ جواد القيّومي ، مؤسّسة النشر الإسلامي - قم ، الطبعة الاُولى 1417 ه .

160 . فهرستگان نسخه هاى خطّي : علي صدارايي خويي (المعاصر) طبعة دار الحديث _ قم، 1381 ش .

161 . فيض القدير في شرح الجامع الصغير ؛ محمّد عبدالرؤوف المناوي (ت 1031 ه) . تحقيق : أحمد عبدالسلام ، دارالكتب العلميّة - بيروت 1415 ه .

162 . قاموس الرجال ؛ العلاّمة الشيخ محمّد تقي التستري (المعاصر) . تحقيق و نشر : مؤسّسة النشر الإسلامي _ قم ، الطبعة الاُولى 1419 ه .

163 . القاموس المحيط ؛ الشيخ مجد الدين محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي (ت 817 ه) . طبعة دارالعلم -بيروت .

164 . القانون ؛ الشيخ الرئيس أبو عليّ بن سينا (ت 428 ه) . تحقيق و نشر : دارصادر - بيروت .

165 . قرب الإسناد ؛ أبو العبّاس عبداللّه بن جعفر الحميري (القرن الثالث) . تحقيق و نشر : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام _ قم ، الطبعة الاُولى 1413 ه .

166 . قصص الأنبياء ؛ السيّد نعمة اللّه الجزائري (ت 1112 ه) . تحقيق و نشر : مؤسّسة الشريف الرضي _ قم .

167 . قواعد الأحكام ؛ أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر المعروف بالعلاّمة الحلّي (ت 726 ه) . تحقيق و نشر : مؤسّسة النشر الإسلامي _ قم ، الطبعة الاُولى 1413 ه .

168 . القواعد و الفوائد ؛ أبو عبداللّه محمّد بن مكّي العاملي المعروف بالشهيد الأوّل (ت 786 ه) . تحقيق : السيّد عبدالهادي الحكيم ، منشورا مكتبة المفيد _ قم .

169 . كاسح الألغام الكفريّة ؛ عبداللّه بن عبد الإله الحسيني (المعاصر) . مكتبة الشعب _ القاهرة .

170 . الكافي ؛ أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني (ت 429 ه) . تحقيق : على أكبر الغفاري ، دارالكتب الإسلاميّة _ طهران ، الطبعة الخامسة 1363 ه .

171 . الكافي في الفقه ؛ أبو الصلاح الحلبي (ت 447 ه) . تحقيق : رضا اُستادي ، مكتبة أميرالمؤمنين عليه السلام _إصفهان .

172 . الكامل في التاريخ ؛ أبو الحسن عليّ بن أبي الكرم الشيباني المعروف بابن الأثير (ت 630 ه) . تحقيق ونشر : دار صادر _ بيروت 1386 .

173 . كتاب سليم بن قيس؛ سليم بن قيس الهلالي (القرن الأوّل) . تحقيق : محمّد باقر الأنصاري الزنجاني .

174 . كتاب العين ؛ أبو عبدالرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 175 ه) . تحقيق : الدكتور مهدي المخزومي و الدكتور إبراهيم السامرائي ، مؤسّسة دارالهجرة ، الطبعة الثانية 1409 ه) .

175 . كتاب من لايحضره الفقيه ؛ أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه المعروف بالشيخ الصدوق رحمه الله

(ت 481 ه) . تحقيق : عليّ أكبر الغفاري ، مؤسّسة النشر الإسلامي _ قم ، الطبعة الثانية .

ص: 551

176 . الكشّاف عن حقائق التنزيل ؛ أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري (ت 538 ه) . تحقيق و نشر : مؤسّسة مصطفي البابي و أولاده - مصر 1385 ه .

177 . كشف الخفاء ؛ إسماعيل بن محمّد العجلوني (ت 1162 ه) . تحقيق و نشر : دارالكتب العلميّة _ بيروت ،الطبعة الثالثة 1408 ه .

178 . كشف الغمّة في معرفة الأئمّة ؛ أبو الحسن عليّ بن عيسى بن أبي الفتح الإربلي (ت 693 ه) . تحقيق و نشر :دارالأضواء _ بيروت ، الطبعة الثانية 1405 ه .

179 . كشف اللئام عن قواعد الأحكام ؛ الشيخ محمّد بن الحسن الإصفهاني المعروف بالفاضل الهندي (ت 1137 ه) . تحقيق و نشر : مؤسّسة النشر الإسلامي - قم ، الطبعة الاُولى 1416 ه .

180 . كشف المحجّة لثمرة المهجة ؛ أبو اللقاسم عليّ بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسيني (ت 664 ه) .تحقيق و نشر : المطبعة الحيدريّة _ النجف الأشرف 1370 ه .

181 . كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد ؛ العلاّمة الحسن بن يوسف بن عليّ بن المطهّر الحلّي (ت 726 ه) .تحقيق : السيّد إبراهيم الموسوي الزنجاني ، انتشارات اشكوري - قم ، الطبعة الرابعة 1373 ش .

182 . كفاية الأثر في النصّ على الأئمّة الاثني عشر ؛ أبو القاسم عليّ بن محمّد بن عليّ الخزّار القّمي (القرن الرابع) .تحقيق : السيّد عبداللطيف الحسيني ، نشر بيدار 1401 ه .

183 . كمال الدين و تمام النعمة؛ أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه المعروف بالشيخ الصدوق رحمه الله (ط381 ه) . تحقيق : عليّ أكبر الغفاري ، مؤسّسة النشر الإسلامي - قم 1405 .

184 . كنز العمال ؛ عليّ بن حسام الدين الهندي (ت 975 ه) . تحقيق : الشيخ صفوة السقا ، مؤسّسة الرسالة - بيروت 1409 ه .

185 . لسان العرب ؛ ابوالفضل محمّد بن مكرم بن منظور الإفريقي (ت 711 ه) . مؤسّسة نشر أدب الحوزة _ قم 1405 ه .

186 . المبدأ والمعاد ؛ المولى صدر المتألّهين محمّد بن إبراهيم الشيرازي (ت 1050 ه) . تحقيق : السيّد جلال الدين الآشتياني ، مركز انتشارات دفتر تبليغات الإسلامي - قم ، الطبعة الثالثة 1422 ه .

187 . المبسوط في فقه الإماميّة ؛ أبو جعفر محمّد الحسن الطوسي (ت 460 ه) . تصيحيح : السيّد محمّد تقي الكشفي ، المكتبة المرتضويّة - طهران 1387 ش .

188 . مجمع البيان في تفسير القرآن ؛ أبو عليّ الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548 ه) . تحقيق و نشر : مؤسّسة الأعلمي - بيروت ، الطبعة الاُولى 1415 ه .

189 . مجمع الزوائد و منبع الفوائد ؛ عليّ بن أبي بكر الهيثمي (ت 807 ه) . تحقيق و نشر : دارالكتب العلميّة _ بيروت 1408 ه .

190 . المجموع شرح المهذّب ؛ أبو زكريّا محيي الدين بن شرف النووي (ت 676 ه) . تحقيق و نشر : دارالفكر _ بيروت .

ص: 552

191 . مجموعة ورّام ؛ ورّام بن أبي فراس (القرن السادس) . تحقيق و نشر : انشتارات مكتبة الفقيه _ قم .

192 . محاسبة النفس ؛ الشيخ إبراهيم بن عليّ الكفعمي (ت 905 ه) . تحقيق : الشيخ فارس الحسون ، مؤسّسة قائم آل محمّد عليهم السلام _ قم ، الطبعة الاُولى 1413 ه .

193 . المحاسن ؛ أبو جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (ت 1370 ه) . تصحيح : السيّد جلال الدين الحسيني ؛ دارالكتب الإسلاميّة _ طهران 1370 ه .

194 . المحرّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ؛ ابن عطيّة الأندلسي (ت 546 ه) . تحقيق : عبدالسلام عبدالشافي محمّد ، دارالكتب العلميّة _ بيروت ، الطبعة الاُولى 1413 ه .

195 . مختار الصحاح ؛ محمّد بن أبي بكر بن عبدالقادر الرازي (ت 721 ه) . تحقيق : أحمد شمس الدين ، دارالكتب العلميّة _ بيروت ، الطبعة الاُولى 1415 ه .

196 . مختصر المعاني ؛ سعد الدين التفتازاني (ت 792 ه) . تحقيق و نشر : درالفكر _ قم ، الطبعة الاُولى 1411 ه .

197 . المختصر النافع ؛ ابوالقاسم جعفر بن الحسن المعروف بالمحقّق الحلّي (ت 676 ه) . نشر : مؤسّسة البعثة _ طهران ، ا لطبعة الثانية 1402 ه .

198 . مختلف الشيعة ؛ أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر المعروف بالعلاّمة الحلّي (ت 726 ه) . تحقيق و نشر : مؤسّسة النشر الإسلامي _ قم ، الطبعة الثانية 1413 ه .

199 . مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول ؛ العلاّمة محمّد باقر المجلسي (ت 1111 ه) . تصحيح : السيّد هاشم الرسولي ، مكتبة وليّ العصر عليه السلام ، الطبعة الثانية 1394 ه .

200 . مسالك الأفهام ؛ زين الدين بن عليّ الجبعي العاملي (ت 966 ه) . تحقيق و نشر : مؤسّسة المعارف الإسلاميّة _ قم ، الطبعة الاُولى 1413 ه .

201 . المستدرك على الصحيحين ؛ أبو عبداللّه حاكم النيسابوري (ت 405 ه) . تحقيق : يوسف عبدالرحمن المرعشلي .

202 . مسند أبي يعلي ؛ أبو يعلي الموصلي (ت 307 ه) . تحقيق : حسين سليم أسد ، دار المأمون للتراث .

203 . مسند أحمد ؛ أحمد بن حنبل (ت 241 ه) . تحقيق و نشر : دار صادر _ بيروت .

204 . مسند الشاميّين ؛ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (ت 360 ه) . تحقيق : حمدي عبدالمجيد السلفي ، مؤسّسة الرسالة - بيروت ، الطبعة الثانية 1417 ه .

205 . مسند الشهاب ؛ أبو عبداللّه محمّد بن سلامة القضاعي (ت 454 ه) . تحقيق : حمدي عبدالمجيد السلفي ، مؤسّسة الرسالة _ بيروت ، الطبعة الاُولى 1405 ه .

206 . مشكاة الأنوار في غرر الأخبار ؛ أبو الفضل عليّ الطبرسي (القرن السابع) . تحقيق : مهدي هوشمند ، دار الحديث _ قم ، الطبعة الاُولى 1418 ه .

207 . المصباح (الجنّة الأمان الواقية وجنّة الإيمان الباقية) ؛ الشيخ إبراهيم بن عليّ الكفعمي (ت 905 ه) . تحقيق و نشر : مؤسّسة الأعلمي _ بيروت ، الطبعة الثالثة 1403 ه .

ص: 553

208 . مصباح المتهجّد ؛ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه) . تحقيق : مؤسّسة فقه الشيعة _ بيروت ،الطبعة الاُولى 1411 ه .

209 . المصباح المنير ؛ أحمد بن محمّد بن عليّ المُقري الفيّومي (ت 770 ه) . من منشورات دارالهجرة _ قم،1405 ه .

210 . مصفي المقال في مصنّفي علم الرجال ؛ الشيخ آقا بزرگ الطهراني (ت 1389 ه) . تحقيق : أحمد المنزوي _ طهران 1378 ه .

211 . المصنّف ؛ ابن أبي شيبة الكوفي (ت 235 ه) . تحقيق : سعيد اللّحام ، دارالفكر _ بيروت ، ا لطبعة الاُولى 1409 ه .

212 . المصنّف ؛ أبو بكر عبدالرزّاق الصنعاني (ت 211 ه) . تحقيق : الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي .

213 . مطالب السؤول في مناقب آل الرسول ؛ محمّد بن طلحة الشافعي (ت 652 ه) . تحقيق : ماجد بن أحمد العطيّة .

214 . معالم العلماء ؛ أبو عبداللّه محمّد عليّ بن شهر آشوب (ت 588 ه) ، طبعة _ قم .

215 . معاني الأخبار ؛ ابوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه المعروف بالشيخ الصدوق رحمه الله(ت 481 ه) .تحقيق : عليّ أكبر الغفاري ، مؤسّسة النشر الإسلامي 1379 ه .

216 . معاني القرآن ؛ أبو جعفر النحّاس (ت 338 ه) . تحقيق : الشيخ محمّد عليّ الصابوني ، جامعة اُمّ القرى _ عربستان ، الطبعة الاُولى 1409 ه .

217 . المعتبر ؛ ابوالقاسم جعفر بن الحسن المعروف بالمحقّق الحلّي (ت 676 ه) . تحقيق و نشر : مؤسّسة الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام _ قم 1364 ش .

218 . المعجم الاُوسط ؛ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (ت 390 ه) . تحقيق و نشر : دار الحرمين 1415 ه .

219 . معجم رجال الحديث ؛ السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي (ت 1411 ه) . الطبعة الخامسة 1413 ه .

220 . المعجم الكبير ؛ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (ت 360 ه) . تحقيق : حمدي عبدالمجيد السلفي ،دار إحياء التراث العربي _ بيروت .

221 . معجم المؤلّفين ؛ عمر رضا كحالة (المعاصر) . تحقيق و نشر : مكتبة المثنى _ بيروت .

222 . المعيار و الموازنة ؛ أبو جعفر محمّد بن عبداللّه الإسكافي (ت 220 ه) . تحقيق : الشيخ محمّد باقرالمحمودي ، الطبعة الاُولى 1402 ه .

223 . المغازي ؛ محمّد بن عمران الواقدي (ت 207 ه) . اُفست دارالمعرفة الإسلاميّة _ ايران .

224 . المغرب في ترتيب المعرب ؛ أبو الفتح ناصر بن عبد السيّد بن عليّ المطرزي (ت 616 ه) . دارالكتاب العربي _ بيروت .

225 . مغني اللبيب عن كتب الأعاريب ؛ أبو محمّد عبداللّه الأنصاري (ت 761 ه) . تحقيق : محمّد محيي الدين عبدالحميد ، منشورات مكتبة آية اللّه المرعشي رحمه الله _ قم 1404 ه .

ص: 554

226 . مفاتيح الغيب ؛ المولى صدر المتألّهين محمّد بن إبراهيم الشيرازي (ت 1050 ه) ، مؤسّسة تحقيقات فرهنگي .

227 . مفتاح الفلاح ؛ بهاء الدين محمّد بن الحسين بن عبدالصمد الحارثي الهمداني العاملي (ت 1031 ه) .منشورات مؤسّسة الأعلمي _ بيروت .

228 . مكارم الأخلاق ؛ أبو نصر الحسن بن الفضل الطبرسي (ت 548 ه) . منشورات الشريف الرضي _ قم ،الطبعة السادسة 1329 ه .

229 . الملل والنحل ؛ أبو الفتح محمّد بن عبدالكريم الشهرستاني (ت 548 ه) . تحقيق : محمّد سيّد گيلاني ،دارالمعرفة _ بيروت .

230 . منار الهدى في النصّ على إمامة الأئمّة الاثنى عشر ؛ الشيخ عليّ البحراني (ت 1340 ه) . تحقيق : السيّد عبدالزهراء الخطيب ، دارالمنتظر _ بيروت ، الطبعة الاُولى 1405 ه .

231 . المناقب ؛ أبو عبداللّه محمّد بن عليّ بن شهر آشوب السروي المازندراني (ت 588 ه) . تحقيق و نشر :المكتبة الحيدريّة _ النجف الأشرف 1376 ه .

232 . منتهي المطلب ؛ أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي المعروف بالعلاّمة الحلّي (ت 726 ه) .تحقيق و نشر : مجمع البحوث الإسلاميّة ، الطبعة الاُولى 1412 ه .

233 . المواقف ؛ القاضي الإيجي (ت 756 ه) . تحقيق : عبدالرحمن عميرة ، دارالجيل _ بيروت ، الطبعة الاُولى1417 ه .

234 . المهجّ الدعوات ؛ السيّد عليّ بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني (ت 664 ه) . انتشارات دارالذخائر_ قم 1411 ه .

235 . ميزان الاعتدال في نقد الرجال ؛ أبو عبداللّه محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748 ه) . تحقيق : عليّمحمّد البجاوي ، دارالمعرفة _ بيروت ، الطبعة الاُولى 1382 ه .

236 . الناصريّات ؛ الشريف المرتضي عليّ بن الحسين الموسوي البغدادي المعروف بعلم الهدى (ت 436 ه) .تحقيق : مركز البحوث والدراسات العلميّة ، مؤسّسة الهدى 1417 ه .

237 . نقد الرجال ؛ السيّد مصطفي بن الحسين التفرشي (القرن الحادي عشر) . تحقيق و نشر : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام _ قم ، الطبعة الاُولى 1418 ه .

238 . نور البراهين ؛ السيّد نعمة اللّه الموسوي الجزائري (ت 1112 ه) . تحقيق و نشر : مؤسّسة النشر الإسلامي _ قم ، الطبعة الاُولى 1417 ه .

239 . النهاية في غريب الحديث ؛ المبارك بن محمّد الشيباني الجزري المعروف بابن الأثير (ت 606 ه) . تحقيق :طاهر أحمد الزاوي ، مؤسّسة إسماعيليان _ قم ، الطبعة الرابعة 1364 ش .

240 . نهج البلاغه ؛ تدوين : الشريف الرضي ، تحقيق : الشيخ محمّد عبده، دارالذخائر _ قم ، الطبعة الاُولى 1412 ه .

ص: 555

241 . هدية العارفين ؛ إسماعيل باشا البغدادي (ت 1339 ه) . نشر : دارإحياء التراث العربي _ بيروت .

242 . الوافي ؛ المولي محمّد محسن الفيض الكاشاني (ت 1091 ه) . تحقيق و نشر : مكتبة الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام _ إصفهان ، الطبعة الثانية 1412 ه .

243 . الوافي بالوفيات ؛ الصفدي (ت 764 ه) . تحقيق : أحمد الأرناؤوط ، دار إحياء التراث _ بيروت 1420 ه .

244 . وسائل الشيعة ؛ الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (ت 1104 ه). تحقيق و نشر : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام _ قم ، الطبعة الثانية 1414 ه .

ص: 556

فهرس الطالب

متن الحديث الرابع والخمسون والأربعمائة··· 5

شرح الحديث··· 5

متن الحديث الخامس والخمسون والأربعمائة··· 7

شرح الحديث··· 7

متن الحديث السادس والخمسون والأربعمائة (حديث أبي ذرّ رضي اللّه عنه)··· 8

شرح الحديث··· 10

متن الحديث السابع والخمسون والأربعمائة··· 14

شرح الحديث··· 15

متن الحديث الثامن والخمسون والأربعمائة··· 16

شرح الحديث··· 17

متن الحديث التاسع والخمسون والأربعمائة··· 21

شرح الحديث··· 21

متن الحديث الستّون والأربعمائة··· 22

شرح الحديث··· 22

متن الحديث الواحد والستّون والأربعمائة··· 23

شرح الحديث··· 23

متن الحديث الثاني والستّون والأربعمائة··· 25

شرح الحديث··· 26

ص: 557

متن الحديث الثالث والستّون والأربعمائة··· 27

شرح الحديث··· 27

متن الحديث الرابع والستّون والأربعمائة··· 28

شرح الحديث··· 28

متن الحديث الخامس والستّون والأربعمائة··· 29

شرح الحديث··· 29

متن الحديث السادس والستّون والأربعمائة··· 30

شرح الحديث··· 30

متن الحديث السابع والستّون والأربعمائة··· 30

شرح الحديث··· 31

متن الحديث الثامن والستّون والأربعمائة··· 31

شرح الحديث··· 31

متن الحديث التاسع والستّون والأربعمائة··· 32

شرح الحديث··· 33

متن الحديث السبعون والأربعمائة··· 33

شرح الحديث··· 33

متن الحديث الواحد والسبعون والأربعمائة··· 34

شرح الحديث··· 34

متن الحديث الثاني والسبعون والأربعمائة··· 35

شرح الحديث··· 36

متن الحديث الثالث والسبعون والأربعمائة··· 46

شرح الحديث··· 46

متن الحديث الرابع والسبعون والأربعمائة··· 50

شرح الحديث··· 50

ص: 558

متن الحديث الخامس والسبعون والأربعمائة··· 52

شرح الحديث··· 52

متن الحديث السادس والسبعون والأربعمائة (حديث الفقهاء والعلماء)··· 52

شرح الحديث··· 53

متن الحديث السابع والسبعون والأربعمائة··· 54

شرح الحديث··· 54

متن الحديث الثامن والسبعون والأربعمائة··· 55

شرح الحديث··· 55

متن الحديث التاسع والسبعون والأربعمائة··· 56

شرح الحديث··· 57

متن الحديث الثمانون والأربعمائة··· 58

شرح الحديث··· 59

متن الحديث الواحد والثمانون والأربعمائة··· 62

شرح الحديث··· 62

متن الحديث الثاني والثمانون والأربعمائة··· 62

شرح الحديث··· 63

متن الحديث الثالث والثمانون والأربعمائة··· 64

شرح الحديث··· 64

متن الحديث الرابع والثمانون والأربعمائة··· 64

شرح الحديث··· 66

متن الحديث الخامس والثمانون والأربعمائة··· 69

شرح الحديث··· 70

متن الحديث السادس والثمانون والأربعمائة··· 74

شرح الحديث··· 74

متن الحديث السابع والثمانون والأربعمائة··· 76

شرح الحديث··· 77

ص: 559

متن الحديث الثامن والثمانون والأربعمائة··· 78

شرح الحديث··· 78

متن الحديث التاسع والثمانون والأربعمائة··· 78

شرح الحديث··· 79

متن الحديث التسعون والأربعمائة··· 79

شرح الحديث··· 79

متن الحديث الواحد والتسعون والأربعمائة··· 79

شرح الحديث··· 80

متن الحديث الثاني والتسعون والأربعمائة··· 80

شرح الحديث··· 80

متن الحديث الثالث والتسعون والأربعمائة··· 84

شرح الحديث··· 84

متن الحديث الرابع والتسعون والأربعمائة··· 85

شرح الحديث··· 85

متن الحديث الخامس والتسعون والأربعمائة··· 86

شرح الحديث··· 86

متن الحديث السادس والتسعون والأربعمائة··· 87

شرح الحديث··· 87

متن الحديث السابع والتسعون والأربعمائة··· 88

شرح الحديث··· 89

متن الحديث الثامن والتسعون والأربعمائة··· 99

شرح الحديث··· 100

متن الحديث التاسع والتسعون والأربعمائة··· 100

شرح الحديث··· 100

متن الحديث الخمسمائة··· 101

شرح الحديث··· 102

ص: 560

متن الحديث الواحد والخمسمائة··· 104

شرح الحديث··· 106

متن الحديث الثاني والخمسمائة··· 112

شرح الحديث··· 116

متن الحديث الثالث والخمسمائة··· 135

شرح الحديث··· 135

متن الحديث الرابع والخمسمائة··· 136

شرح الحديث··· 139

متن الحديث الخامس والخمسمائة··· 147

شرح الحديث··· 148

متن الحديث السادس والخمسمائة··· 149

شرح الحديث··· 150

متن الحديث السابع والخمسمائة··· 150

شرح الحديث··· 151

متن الحديث الثامن والخمسمائة··· 151

شرح الحديث··· 151

متن الحديث التاسع والخمسمائة··· 152

شرح الحديث··· 152

متن الحديث العاشر والخمسمائة··· 153

شرح الحديث··· 153

متن الحديث الحادي عشر والخمسمائة··· 154

شرح الحديث··· 154

متن الحديث الثاني عشر والخمسمائة··· 154

شرح الحديث··· 154

متن الحديث الثالث عشر والخمسمائة··· 155

شرح الحديث··· 155

ص: 561

متن الحديث الرابع عشر والخمسمائة··· 156

شرح الحديث··· 156

متن الحديث الخامس عشر والخمسمائة··· 157

شرح الحديث··· 157

متن الحديث السادس عشر والخمسمائة··· 158

شرح الحديث··· 158

متن الحديث السابع عشر والخمسمائة··· 159

شرح الحديث··· 160

متن الحديث الثامن عشر والخمسمائة··· 161

شرح الحديث··· 161

متن الحديث التاسع عشر والخمسمائة··· 161

شرح الحديث··· 162

متن الحديث العشرون والخمسمائة··· 163

شرح الحديث··· 163

متن الحديث الواحد والعشرون والخمسمائة··· 163

شرح الحديث··· 163

متن الحديث الثاني والعشرون والخمسمائة··· 164

شرح الحديث··· 165

متن الحديث الثالث والعشرون والخمسمائة··· 166

شرح الحديث··· 166

متن الحديث الرابع والعشرون والخمسمائة··· 166

شرح الحديث··· 166

متن الحديث الخامس والعشرون والخمسمائة··· 167

شرح الحديث··· 168

ص: 562

متن الحديث السادس والعشرون والخمسمائة··· 170

شرح الحديث··· 171

متن الحديث السابع والعشرون والخمسمائة··· 171

شرح الحديث··· 171

متن الحديث الثامن والعشرون والخمسمائة··· 174

شرح الحديث··· 175

متن الحديث التاسع والعشرون والخمسمائة··· 176

شرح الحديث··· 176

متن الحديث الثلاثون والخمسمائة··· 176

شرح الحديث··· 177

متن الحديث الواحد والثلاثون والخمسمائة (حديث الذي أحياه عيسى (ع))··· 178

شرح الحديث··· 178

متن الحديث الثاني والثلاثون والخمسمائة··· 179

شرح الحديث··· 179

متن الحديث الثالث والثلاثون والخمسمائة··· 180

شرح الحديث··· 180

متن الحديث الرابع والثلاثون والخمسمائة··· 181

شرح الحديث··· 181

متن الحديث الخامس والثلاثون والخمسمائة (حديث إسلام عليّ (ع))··· 183

شرح الحديث··· 185

متن الحديث السادس والثلاثون والخمسمائة··· 191

شرح الحديث··· 191

متن الحديث السابع والثلاثون والخمسمائة··· 191

شرح الحديث··· 191

متن الحديث الثامن والثلاثون والخمسمائة··· 192

شرح الحديث··· 192

ص: 563

متن الحديث التاسع والثلاثون والخمسمائة··· 193

شرح الحديث··· 194

متن الحديث الأربعون والخمسمائة··· 196

شرح الحديث··· 198

متن الحديث الواحد والأربعون والخمسمائة··· 199

شرح الحديث··· 200

متن الحديث الثاني والأربعون والخمسمائة··· 201

شرح الحديث··· 201

متن الحديث الثالث والأربعون والخمسمائة··· 202

شرح الحديث··· 202

متن الحديث الرابع والأربعون والخمسمائة··· 202

شرح الحديث··· 203

متن الحديث الخامس والأربعون والخمسمائة··· 204

شرح الحديث··· 205

متن الحديث السادس والأربعون والخمسمائة··· 209

شرح الحديث··· 211

متن الحديث السابع والأربعون والخمسمائة··· 214

شرح الحديث··· 215

متن الحديث الثامن والأربعون والخمسمائة··· 220

شرح الحديث··· 221

متن الحديث التاسع والأربعون والخمسمائة··· 224

شرح الحديث··· 229

متن الحديث الخمسون والخمسمائة (خطبة لأمير المؤنين)··· 271

شرح الحديث··· 272

ص: 564

متن الحديث الواحد والخمسون والخمسمائة··· 281

شرح الحديث··· 284

متن الحديث الثاني والخمسون والخمسمائة··· 286

شرح الحديث··· 287

متن الحديث الثالث والخمسون والخمسمائة··· 287

شرح الحديث··· 288

متن الحديث الرابع والخمسون والخمسمائة··· 290

شرح الحديث··· 291

متن الحديث الخامس والخمسون والخمسمائة··· 294

شرح الحديث··· 295

متن الحديث السادس والخمسون والخمسمائة··· 300

شرح الحديث··· 300

متن الحديث السابع والخمسون والخمسمائة··· 301

شرح الحديث··· 303

متن الحديث الثامن والخمسون والخمسمائة··· 306

شرح الحديث··· 307

متن الحديث التاسع والخمسون والخمسمائة··· 313

شرح الحديث··· 316

متن الحديث الستّون والخمسمائة··· 321

شرح الحديث··· 321

متن الحديث الحادي والستّون والخمسمائة··· 323

شرح الحديث··· 323

متن الحديث الثاني والستّون والخمسمائة··· 324

شرح الحديث··· 325

متن الحديث الثالث والستّون والخمسمائة··· 328

شرح الحديث··· 328

ص: 565

متن الحديث الرابع والستّون والخمسمائة··· 329

شرح الحديث··· 329

متن الحديث الخامس والستّون والخمسمائة··· 330

شرح الحديث··· 330

متن الحديث السادس والستّون والخمسمائة··· 330

شرح الحديث··· 331

متن الحديث السابع والستّون والخمسمائة··· 331

شرح الحديث··· 332

متن الحديث الثامن والستّون والخمسمائة··· 335

شرح الحديث··· 335

متن الحديث التاسع والستّون والخمسمائة··· 336

شرح الحديث··· 336

متن الحديث السبعون والخمسمائة··· 337

شرح الحديث··· 338

متن الحديث الحادي و السبعون والخمسمائة··· 338

شرح الحديث··· 338

متن الحديث الثاني والسبعون والخمسمائة··· 339

شرح الحديث··· 340

متن الحديث الثالث والسبعون والخمسمائة··· 341

شرح الحديث··· 343

متن الحديث الرابع والسبعون والخمسمائة··· 363

شرح الحديث··· 364

متن الحديث الخامس والسبعون والخمسمائة··· 365

شرح الحديث··· 366

ص: 566

متن الحديث السادس والسبعون والخمسمائة··· 367

شرح الحديث··· 367

متن الحديث السابع والسبعون والخمسمائة··· 368

شرح الحديث··· 368

متن الحديث الثامن والسبعون والخمسمائة··· 368

شرح الحديث··· 369

متن الحديث التاسع والسبعون والخمسمائة··· 369

شرح الحديث··· 369

متن الحديث الثمانون والخمسمائة··· 370

شرح الحديث··· 370

متن الحديث الحادي والثمانون والخمسمائة··· 371

شرح الحديث··· 372

متن الحديث الثاني والثمانون والخمسمائة··· 372

شرح الحديث··· 373

متن الحديث الثالث والثمانون والخمسمائة (حديث العابد)··· 373

شرح الحديث··· 375

متن الحديث الرابع والثمانون والخمسمائة··· 376

شرح الحديث··· 377

متن الحديث الخامس والثمانون والخمسمائة (خطبة لأمير المؤنين)··· 378

شرح الحديث··· 382

متن الحديث السادس والثمانون والخمسمائة··· 413

شرح الحديث··· 413

متن الحديث السابع والثمانون والخمسمائة··· 414

شرح الحديث··· 415

ص: 567

متن الحديث الثامن والثمانون والخمسمائة··· 415

شرح الحديث··· 415

متن الحديث التاسع والثمانون والخمسمائة··· 417

شرح الحديث··· 417

متن الحديث التسعون والخمسمائة··· 417

شرح الحديث··· 418

متن الحديث الحادي والتسعون والخمسمائة··· 421

شرح الحديث··· 422

متن الحديث الثاني والتسعون والخمسمائة··· 423

شرح الحديث··· 424

متن الحديث الثالث والتسعون والخمسمائة··· 424

شرح الحديث··· 424

متن الحديث الرابع والتسعون والخمسمائة··· 425

شرح الحديث··· 425

متن الحديث الخامس والتسعون والخمسمائة··· 426

شرح الحديث··· 426

متن الحديث السادس والتسعون والخمسمائة··· 428

شرح الحديث··· 429

ص: 568

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.